الشرح الكبير على متن المقنع

المقدسي، عبد الرحمن

(بسم الله الرحمن الرحيم، وبه نستعين) (قال الشيخ الامام العالم العامل، شيخ الاسلام، قدوة الانام، بقية السلف الكرام، شمس الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن الشيخ الامام العالم العامل الزاهد أبي عمر محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي قدس الله روحه، ونور ضريحه آمين انه جواد كريم) الحمد لله العلي الاعظم، الجواد الاكرم، الذي علم بالقلم علم الانسان ما لم يعلم، فرض طلب العلم على عباده المؤمنين، وأمرهم به في الكتاب المبين، فقال وهو أصدق القائلين (فلولا نفر من كل فرقة

منهم طائفة ليتفقهوا في الدين) أحمده على نعم جللها، وقسم أجزلها، وأشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة لا يضل من شهد بها ولا يشقى، وكلمة أستمسك بها ومن يؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله شاهدا ومبشرا ونذيرا، وداعيا إلى الله باذنه وسراجا منيرا، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما كثيرا. هذا كتاب جمعته في شرح [كتاب المقنع] تأليف شيخنا الشيخ الامام العالم العلامة موفق الدين

أبي محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي رضي الله عنه اعتمدت في جمعه على كتابه المغني وذكرت فيه من غيره ما لم أجده فيه من الفروع والوجوه والروايات ولم أترك من كتاب المغني إلا شيئاً يسيراً من الادلة وعزوت من الاحاديث ما لم يعز مما أمكنني عزوه، والله المسئول أن يجعلنا ممن رسخت في العلم قدمه، وجبل على اتباع الكتاب والسنة لحمه ودمه، انه على كل شئ قدير، وهو بالاجابة جدير، وهو حسبنا ونعم الوكيل

كتاب الطهارة الطهارة في اللغة الوضاءة والنزاهة عن الأقذار وهي في الشرع رفع ما يمنع من الصلاة من حدث أو نجاسة بالماء أو رفع حكمه بالتراب أو غيره فعند إطلاق لفظ الشارع أو في كلام الفقهاء إنما ينصرف إلى الوضوء الشرعي دون اللغوي. وكذلك كل ماله موضوع شرعي ولغوي كالوضوء والصلاة والصوم والحج والزكاة ونحوه إنما ينصرف المطلق منه إلى الموضوع الشرعي لأن الظاهر من الشارع التكلم بموضوعاته وكلام الفقهاء مبني عليه باب المياه وهي ثلاثة أقسام ماء طهور وهو الطاهر في نفسه الذي يجوز رفع الأحداث والنجاسات به والطهور بضم الطاء المصدر قاله اليزيدي وبالفتح ما ذكرناه. هو من الأسماء المتعدية مثل الغسول وقال بعض الحنفية: هو لازم بمعنى الطاهر لأن العرب لا تفرق بين الفاعل والمفعول في اللزوم والتعدي

بدليل قاعد وقعود وهذا إن أريد به أن الماء مختص بالطهور كما سيأتي في موضعه إن شاء الله وإلا فالنزاع في هذه المسألة لفظي والا شبه قول أصحابنا لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أعطيت خمساً لم يعطهن نبي قبلي جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا " متفق عليه ولو أراد به الطاهر لم يكن له مزية على غيره لأنه طاهر في حق غيره ولما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الوضوء بماء البحر قال " هو الطهور ماؤه الحل ميتته " ولو لم يكن الطهور متعديا بمعنى المطهر لم يكن ذلك جوابا للقوم حيث سألوه عن

التعدي إذ ليس كل طاهر مطهرا والعرب قد فرقت بين فاعل وفعول قالت فاعل لمن وجد منه مرة وفعول لمن تكرر منه فينبغي أن يفرق بينهما هاهنا وليس إلا من حيث التعدي واللزوم (مسألة) قال (وهو الباقي على أصل خلقته) وجملة ذلك أن كل صفة خلق الله عليها الماء من حرارة أو برودة أو عذوبة أو ملوحة أو غيرها سواء نزل من السماء أو نبع من الأرض وبقي على أصل خلقته فهو طهور لقول الله تعالى (وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به) وقول النبي صلى الله عليه وسلم " اللهم طهرني بالثلج والبرد والماء البارد " رواه مسلم وروى جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في البحر " هو الطهور ماؤه الحل ميتته " رواه الإمام أحمد (1) وقول النبي صلى الله عليه وسلم " الماء طهور لا ينجسه شئ " (2) وهذا قول أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم إلا أنه روي عن ابن عمرو أنه قال في ماء البحر لا يجزي من الوضوء ولا من الجنابة والتيمم أعجب إلي منه، وروي ذلك عن عبد الله بن عمرو الاول أولى لقول الله تعالى (فلم تجدوا ماء فتيمموا) وهذا واجد للماء فلا يجوز له التيمم ولحديث جابر الذي ذكرناه في البحر، وروي عن عمرانه قال من لم يطهره ماء البحر فلا طهر له (3) ولانه ماء بقي على أصل خلقته أشبه العذب

_ 1) وكذا ابن ماجه وابن حبان والدارقطني ورواه أحمد واصحاب السان وغيرهم من حديث أبي هريرة وحكى الترمذي تصحيحه عن البخاري وان لم يخرجه. وهذا أتم مما سيأتي في المغني 2) رواه أحمد وأبو داود والترمذي عن أبي سعيد في شأن بئر بضاعة وروي عن غيره، واختلف فيه والتحقيق انه ضعيف وان المسلمين أجمعوا على أن الماء المتغير بالنجاسة نجس وتجد تفصيل الكلام عن علله في الاوطار 3) ترى في الصفحة 8 من المغنى: فلا طهره الله وهو أصح

(مسألة) قال (وما تغير بمكثه) الماء المتغير بطول المكث باق على إطلاقه قال إبن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الوضوء بالماء المتغير من غير نجاسة حلت فيه جائز سوى ابن سيرين فإنه كره ذلك. ولنا أنه تغير من غير مخالطة أشبه التغير عن مجاورة وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه توضأ من بئر كأن ماءه نقاعة الحناء (مسألة) قال (أو بطاهر لا يمكن صونه عنه كالطحلب وورق الشجر) وجملته أن الماء المتغير بالطحلب وورق الشجر والخز وسائر ما ينبت في الماء أو يجري عليه الماء أو تحمله الريح أو السيول من التبن والعيدان أو ما يمر عليه الماء من الكبريت والقار ونحوه أو كان في الأرض التي يقف فيها الماء وكذلك ما يتغير في آنية الأدم والنحاس ونحوه يعفى عن ذلك كله ولا يخرج به الماء عن إطلاقه لأنه يشق التحرز منه فإن أخذ شئ من ذلك وألقي في الماء كان حكمه حكم؟؟ أمكن التحرز منه على ما يأتي وكذلك ما تغير بالسمك ونحوه من دواب البحر لأنه لا يمكن التحرز عنه فأشبه ما ذكرناه (مسألة) قال (أو لا يخالطه كالعود والكافور والدهن) على اختلاف أنواعه وكالعنبر إذا لم يستهلك في الماء ولم يتحلل فيه لا يخرج به الماء عن إطلاقه لأنه تغير عن مجاورة أشبه مالو تروح بريح شئ إلى جانبه وفي معناه ما تغير بالقطران والزفت والشمع لأن فيه دهنية يتغير بها الماء (مسألة) قال (أو ما أصله الماء كالملح البحري) لأن أصله الماء فهو كالثلج والبرد فإن كان

معدنيا فهو كالزعفران وكذلك الماء المتغير بالتراب لانه يرافق الماء في صفتيه أشبه الملح (مسألة) قال (أو ما تروح بريح ميتة إلى جانبه) لا نعلم في ذلك خلافا (أو سخن بالشمس) لأنه سخن بطاهر فلم تكره الطهارة به كما لو سخن بالحطب، وقال الشافعي: تكره الطهارة بماء قصد تشمسه لما روي عن عائشة قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سخنت له ماء في الشمس فقال " لا تفعلي يا حميراء فإنه يورث البرص " ولنا ما ذكرناه من القياس والحديث رواه الدارقطني وقال يرويه خالد بن إسماعيل وهو متروك الحديث وعمرو بن محمد الأعسم وهو منكر الحديث ولأنه لو كره لأجل الضرر لما اختلف بقصد التشميس وعدمه (مسألة) قال (أو بطاهر) كالحطب ونحوه فلا تكره الطهارة به لا نعلم فيه خلافاً إلا ما روي

عن مجاهد أنه كره الوضوء بالماء المسخن وقول الجمهور أولى لما روي عن الأسلع بن شريك رحال النبي صلى الله عليه وسلم قال أجنبت وأنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فجمعت حطبا فأحميت الماء فاغتسلت فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكره علي رواه الطبراني بمعناه ولأنه صفة خلق عليها الماء أشبه مطهر يرفع الأحداث ويزيل الأنجاس غير مكروه الاستعمال) لما ذكرنا (مسألة) قال (وإن سخن بنجاسة فهل يكره استعماله؟ على روايتين) الماء المسخن بالنجاسة ينقسم ثلاثة أقسام (أحدها) أن يتحقق وصولها إليه فهذا نجس إن كان يسيراً لما يأتي (الثاني) إن غلب على الظن أنها لا تصل إليه فهو طاهر بالأصل ولا يكره استعماله في أحد الوجهين اختاره الشريف أبو جعفر وابن عقيل لأن احتمال وصول النجاسة إليه يبعد أشبه غير المسخن والثاني يكره لاحتمال النجاسة اختاره القاضي (الثالث) ما عدا ذلك ففيه روايتان (إحداهما) يكره وهو ظاهر المذهب لأجل النجاسة (والثانية) لا يكره كالتي قبلها وكالماء إذا شك في نجاسته وهذا مذهب الشافعي وذكر أبو الخطاب في الماء المسخن بالنجاسة روايتين على الإطلاق والله أعلم (فصل) ولا يكره الوضوء والغسل بماء زمزم لما روى علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف بعرفة وهو مردوف أسامة بن زيد فذكر الحديث وفيه ثم أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا

بسجل من ماء زمزم فشرب منه وتوضأ. رواه عبد الله بن أحمد في المسند عن غير أبيه وعنه يكره لقول العباس لا أحلها للمغتسل، ولأنه أزال به مانعا من الصلاة أشبه مالو أزال به النجاسة والأول أولى لما ذكرنا وكونه مباركا لا يمنع الوضوء به كالماء الذي وضع النبي صلى الله عليه وسلم يده فيه (فصل) إذا خالط الماء طاهر لم يغيره لم يمنع الطهارة. قال شيخنا لا نعلم فيه خلافاً، وحكي عن أم هانئ والزهري في كسر بلت في ماء غيرت لونه أو لم تغيره لا يجوز الوضوء به والأول أولى لأنه طاهر لم يغير صفة الماء فلم يمنع كبقية الطاهرات، وقد اغتسل النبي صلى الله عليه وسلم هو وزوجته من قصعة فيها أثر العجين. رواه النسائي (فصل) إذا وقع في الماء ماء مستعمل عفي عن يسيره. رواه إسحاق بن منصور عن أحمد، وهذا ظاهر حال النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لأنهم كانوا يتوضأون من الأقداح ويغتسلون من الجفان، وقد اغتسل هو وعائشة من إناء واحد تختلف أيديهما فيه كل واحد منهما يقول لصاحبه " أبق لي: ومثل هذا لا يسلم من رشاش يقع في الماء، فان كثر الواقع فيه وتفاحش منع في إحدى الروايتين. وقال أصحاب الشافعي: إن كان الأكثر المستعمل منع وإلا فلا، وقال ابن عقيل أن كان الواقع بحيث لو كان خلاً غير الماء منع وإلا فلا. وما ذكرنا من الخبر وظاهر حال النبي صلى الله عليه وسلم يمنع من اعتباره بالخل لسرعة نفوذه وسرايته فيؤثر قليله في الماء والحديث دل عن العفو عن اليسير مطلقا فينبغي أن يرجع في ذلك الى العرف فما عد كثيرا وإلا فلا، وإن شك في كثرته لم يمنع عملا بالأصل. (فصل) فإن كان معه ماء لا يكفيه لطهارته فكمله بمائع آخر لم يغيره جاز الوضوء به في أحدى الروايتين لأنه طاهر لم يغير الماء فلم يمنع كما لو كان الماء قدرا يكفيه لطهارته (والثانية) لا يجوز لأنا نتيقن حصول غسل بعض أعضائه بالمائع والأول أولى لأن المائع استهلك في الماء فسقط حكمه أشبه مالو كان الماء يكفيه لطهارته فزاده مائعا آخر وتوضأ منه وبقي قدر المائع (فصل) قال الشيخ رحمه الله (القسم الثاني ماء طاهر غير مطهر وهو ما خالطه طاهر فغير اسمه أو غلب على أجزائه أو طبخ فيه) وجملته أن كل ماء خالطه طاهر فغير اسمه حتى صار صبغا

أو خلا أو غلب على أجزائه فصيره حبرا أو طبخ فيه فصار مرقا وتغير بذلك - الأنواع الثلاثة لا يجوز الغسل ولا الوضوء بها، لا نعلم فيه خلافاً إلا أنه حكي عن أصحاب الشافعي وجه في ماء الباقلا المغلي أنه يجوز الوضوء به، وحكي عن ابن أبي ليلى والاصم أنه يجوز الوضوء والغسل بالمياه المعتصرة وسائر أهل العلم على خلافهم لأن الطهارة إنما تجوز بالماء لقوله تعالى (فلم تجدوا ماء فتيمموا) وهذا لا يقع عليه اسم الماء (مسألة) (فإن غير أحد أوصافه - لونه أو طعمه أو ريحه ففيه روايتان) (إحداهما) أنه غير مطهر وهو قول مالك والشافعي واسحاق واختيار القاضي، قال وهي المنصورة عند أصحابنا لأنه ماء تغير بمخالطة ما ليس بطهور يمكن الاحتراز عن أشبه ماء الباقلا المغلي. إذا ثبت هذا فإن أصحابنا لا يفرقون بين المذرور كالزعفران والاشنان وبين الحبوب من الباقلا والحمص والتمر كالتمر والزبيت

والورق ونحوه وقال الشافعية ما كان مذرورا منع إذا غير وما عداه لا يمنع إلا أن ينحل في الماء فإن غير ولم ينحل لم يسلب الطهورية كما لو تغير بالكافور ووافقهم أصحابنا في الخشب والعيدان وخالفوا فيما ذكرنا لأن تغير الماء به إنما كان لاتصال أجزاء منه وانحلالها فيه فوجب أن يمنع كالمذرور وكما لو أغلي فيه (فصل) ولم يفرق أصحابنا في التغيير بين اللون والطعم والرائحة بل سووا بينهم قياسا لبعضها على بعض وشرط الخرقي الكثرة في الرائحة دون اللون والطعم لسرعة سرايتها ونفوذها ولكونها تحصل تارة عن مجاورة وتارة عن مخالطة فاعتبرت الكثرة ليلعم أنها عن مخالطة والرواية الثانية أنه باق على طهوريته نقله عن أحمد جماعة من أصحابنا أبو الحرث والميموني وإسحاق بن منصور وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه لأن الله تعالى قال (فلم تجدوا ماء فتيمموا) وهذا عام في كل ماء لأنه نكرة في سياق النفي والنكرة في سياق النفي تفيد العموم فلا يجوز التيمم مع وجوده وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم " التراب كافيك ما لم تجد الماء " وهذا ماء ولأنه ماء لم يسلبه اسمه ولا رقته ولا جريانه أشبه المتغير بالدهن فإن تغير وصفان من أوصافه أو ثلاثة وبقيت رقته وجريانه فذكر القاضي أيضا فيه روايتين (إحداهما) يجوز الوضوء به لما ذكرنا فأشبه المتغير بالمجاورة

ولأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يسافرون وغالب أسقيتهم الأدم وهي تغير أوصاف الماء عادة ولم يكونوا يتيممون معها (والثانية) لا يجوز لأنه غلب على الماء أشبه مالو زال اسمه أو طبخ فيه وقال ابن أبي موسى في الذي تغيرت إحدى صفاته بطاهر يجوز التوضؤ به عند عدم الماء المطلق في إحدى الروايتين (و) لا يجوز مع وجوده (مسألة) قال (أو استعمل في رفع حدث أو طهارة مشروعة كالتجديد وغسل الجمعة) اختلف المذهب في المنفصل من المتوضئ عن الحدث والمغتسل من الجنابة فروي أنه طاهر غير مطهر وهو المشهور من مذهب أبي حنيفة والشافعي وإحدى الروايتين عن مالك لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسل فيه من الجنابة " رواه أبو داود ولولا أنه يفيد منعا لم ينه عنه ولأنه أزال به مانعا من الصلاة أشبه ما لو غسل به النجاسة، والرواية الثانية أنه مطهر وهو قول الحسن وعطاء والنخعي وأهل الظاهر والرواية الأخرى عن مالك، والقول الثاني للشافعي وهو قول ابن المنذر، ويروى عن علي وابن عمر فيمن نسي مسح رأسه إذا وجد بللا في لحيته أجزأه أن يمسح رأسه بذلك البلل لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " الماء لا يجنب " وأنه صلى الله عليه وسلم اغتسل من الجنابة فرأى لمعة لم يصبها الماء فعصر شعره عليها رواهما الإمام أحمد ولأنه ماء طاهر غسل به عضوا طاهرا أشبه مالو تبرد به أو غسل به الثوب - أو نقول أدى به فرضا فجاز أن يؤدي به غيره كالثوب يصلي فيه مرارا، وقال أبو يوسف هو نجس وهو رواية

عن أبي حنيفة وذكره ابن عقيل قولا لاحمد لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الغسل في الماء الراكد كنهيه عن البول فيه فاقتضى أن الغسل فيه كالبول وكما لو غسل به نجاسة ولأنه يسمى طهارة والطهارة لا تعقل إلا عن نجاسة لأن تطهير الطاهر محال - ووجه طهارته أن النبي صلى الله عليه وسلم صب على جابر من وضوءه إذ كان مريضا وكان إذا توضأ يكادون يقتتلون على وضوئه رواهما البخاري ولو كان نجسا لم يجز فعل ذلك ولأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ونساءه كانوا يغتسلون من الجفان ويتوضؤن من الأقداح ومثل هذا لا يسلم من رشاش يقع في الماء من المستعمل ولو كان نجسا لتنجس به الماء ولأنه ماء طاهر لاقى عضوا طاهرا أشبه مالو تبرد به والدليل على طهارة أعضاء المحدث قول النبي صلى الله عليه وسلم " إن المؤمن لا ينجس " متفق عليه ولأنه لو مس شيئا رطبا لم ينجسه ولو حمله مصل لم تبطل صلاته وقولهم أنه نهى عن الغسل فيه كنهيه عن البول فيه قلنا يكفي اشتراكهما في أصل المنع من التطهر به ولا يلزم اشتراكهما في التنجس وإنما سمي الوضوء والغسل طهارة لكونه يطهر عن الذنوب والآثام كما جاء في الأخبار لما ذكرنا من الأدلة وجميع الأحداث سواء فيما ذكرنا الغسل والوضوء والحيض والنفاس وكذلك المنفصل من غسل الميت إذا قلنا بطهارته فأما المنفصل من غسل الذمية من الحيض فروي أنه مطهر لأنه لم يزل مانعا من الصلاة أشبه المتبرد وروي أنه غير مطهر لأنه زال به المانع من وطئ الزوج فأما ما اغتسلت به من الجنابة فهو مطهر وجهاً واحداً

لأنه لم يؤثر شيئاً ويحتمل أن يمنع استعماله كالمسلمة (فصل) فأما المستعمل في طهارة مشروعة كالتجديد وغسل الجمعة والإحرام وسائر الاغتسالات المستحبة والغسلة الثانية والثالثة والوضوء ففيه روايتان (أظهرهما) طهوريته لأنه لم يرفع حدثا، ولم يزل نجسا أشبه التبرد، (والثانية) تسلب طهوريته لأنه استعمل في طهارة مشروعة أشبه المستعمل في رفع الحدث، فإن لم تكن الطهارة مشروعة لم يؤثر في الماء استعماله فيها شيئا كالتبرد ولا نعلم خلافاً في المستعمل في التبرد والتنظيف لأنه باق على إطلاقه (مسألة) قال (أو غمس فيه يده قائم من نوم الليل قبل غسلها ثلاثا فهل يسلب طهوريته؟ على روايتين) المراد باليد ههنا اليد إلى الكوع لما نذكره في التيمم فمتى غمس القائم من نوم الليل يده في الماء اليسير قبل غسلها ثلاثاً ففيه روايتان (إحداهما) لا يسلب الطهورية وهو الصحيح إن شاء الله تعالى لأن الماء قبل الغمس كان طهورا فيبقى على الأصل، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن غمس اليد كان لو هم النجاسة فالوهم لا يزيل الطهورية كما لم يزل الطهارة وإن كان تعبدا اقتصر على مورد النص وهو مشروعية الغسل (والرواية الثانية) أن يسلب الطهورية لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يده قبل أن يدخلها الإناء ثلاثا، فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده " رواه مسلم ورواه البخاري ولم يذكر ثلاثا، فلولا أنه يفيد منعا لم ينه عنه ظاهرا وعلي

قال: أحب إلي أن يريقه إذا غمس يده فيه وهو قول الحسن وذلك لما روى أبو حفص العكبري عن النبي صلى الله عليه وسلم " فإن أدخلهما قبل الغسل أراق الماء " فيحتمل وجوب إراقته فلا يجوز استعماله لأنه مأمور بإراقته أشبه الخمر، ويحتمل أن لا تجب إراقته ويكون طاهرا غير مطهر كالمستعمل في رفع الحدث والأول اختيار ابن عقيل، وهل يكون غمس بعض اليد كغمس الجميع؟ فيه وجهان (أحدهما) لا يكون وهو قول الحسن لأن الحديث ورد في غمس جميع اليد وهو تعبد لا يلزم من كون الشئ مانعا كون بعضه مانعا كما لا يلزم من كون الشئ سببا كون بعضه سببا والله أعلم (والثاني) حكم البعض حكم الكل لأن ما تعلق المنع بجميعه تعلق ببعضه كالحدث والنجاسة، وغمسها بعد غسلها دون الثلاث كغمسها قبل غسلها سببا لبقاء النهي (فصل) ولا فرق بين كون يد النائم مطلقة أو مشدودة في جراب أو مكتوفا لعموم الأخبار ولأن الحكم إذا علق على المظنة لم يعتبر حقيقة الحكمة كالعدة الواجبة لاستبراء الرحم في حق الصغيرة والآيسة وربما تكون يده نجسة قبل نومه فينسى نجاستها لطول نومه على أن الظاهر عند من أوجب الغسل أنه تعبد لا لعلة التنجيس ولهذا لم تحكم بنجاسة اليد فيعم الوجوب كل من تناوله الخبر. وقال ابن عقيل لا يجب الغسل إذا كان مكتوفا أو كانت يده في جراب لزوال احتمال النجاسة الذي لأجله شرع الغسل والأول أولى لما ذكرنا. ولا يجب غسل اليد عند القيام من نوم النهار رواية واحدة وسوى الحسن

بين نوم الليل والنهار. ولنا أن في الخبر ما يدل على تخصيصه بنوم الليل وهو قوله " فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده " والمبيت يكون في الليل خاصة ولا يصح قياس نوم النهار على نوم الليل لوجهين (أحدهما) أن الغسل وجب تعبدا فلا يقاس عليه (الثاني) أن نوم الليل يطول فيكون احتمال إصابة يده للنجاسة فيه أكثر (فصل) واختلفوا في النوم الذي يتعلق به هذا الحكم فذكر القاضي أنه النوم الذي ينقض الوضوء وقال ابن عقيل هو ما زاد على نصف الليل لأنه لا يكون بائتا إلا بذلك بدليل أن من دفع من مزدلفة قبل نصف الليل فعليه دم بخلاف من دفع بعده وما قاله يبطل بمن وافاها بعد نصف الليل فإنه لا يجب عليه دم مع كونه أقل من نصف الليل - وتجب النية للغسل في أحد الوجهين عند من أوجبه طهارة تعبد

أشبه الوضوء والغسل (والثاني) لا يفتقر لأنه علل بوهم النجاسة ولا تعتبر في حقيقتها النية فالوهم أولى ولأنه أتى بما أمر به وهو الغسل وفعل المأمور به يقتصي الإجزاء، ولا يفتقر الغسل إلى تسمية وقال أبو الخطاب يفتقر قياسا على الوضوء وهو بعيد لأن التسمية إن وجبت في الوضوء وجبت تعبدا فلا يقاس عليه لأن من شرط صحة القياس كون المعنى معقولا ليمكن تعدية الحكم والله أعلم، قال ابن عقيل ويستحب تقديم اليمنى على اليسرى في غسل اليدين لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب التيمن في طهوره وفي شأنه كله (فصل) فإن كان القائم من نوم الليل صبياً أو مجنوناً أو كافرا ففيه وجهان، أحدهما: هو كالمسلم البالغ العاقل لأنه لا يدرى أين باتت يده. والثاني لا يؤثر لأن الغسل وجب بالخطاب تعبدا ولا خطاب في حق هؤلاء ولا تعبد (1) (فصل) إذا وجد ماء قليلا ويداه نجستان وليس معه ما يغترف به فإن أمكنه أن يأخذ بفيه ويصب على يديه أو يغمس خرقة أو غيرها ويصب على يديه فعل وإن لم يمكنه يتيمم كيلا ينجس الماء ويتنجس به فإن كان لم يغسل يديه من نوم الليل فمن قال إن غمسهما لا يؤثر قال يتوضأ ومن جعله مؤثرا قال يتوضأ ويتيمم معه، ولو استيقظ المحبوس من نومه فلم يدر أهو من نوم النهار أو الليل لم يلزمه غسل يديه لأن الأصل عدم الوجوب (فصل) فإن توضأ القائم من نوم الليل من ماء كثير أو اغتسل منه بغمس أعضائه فيه ولم ينو غسل اليد من نوم الليل فعند من أوجب النية لا يرتفع حدثه ولا يجزئه من غسل اليد من النوم لانه

_ 1) الحديث في غسل اليدين خارج الاناء لمن قام من النوم قد علل في بعض رواياته بقوله صلى الله عليه وسلم (فإنه لا يدري أين باتت - أو - أين طاتف يده) ووضحه الشافعي وغيره بأنهم كانوا يستنجون بالحجارة فإذا ناموا عرقوا فربما تصيب يد أحدهم موضع النجاسة فالامر للاحتياط لا للتعبد وهو عند جمهور السلف والخلف للاستجاب ونظر له المجد بن تيمية بحديث (إذا استيقظ أحدكم من منامه فليستنثر ثلاث مرات فان الشيطان يبيت على خياشيمه) متفق عليه ولم يذهب إلى وجوب الاستنثار حد

لم ينوه لأن غسلها إما أنه وجب تعبدا أو لوهم النجاسة وبقاء النجاسة على العضو لا تمنعه من ارتفاع الحدث بدليل أنه لو غسل يده أو أنفه في الوضوء وهو نجس لارتفع حدثه وكذلك بقاء حدث لا يمنع من ارتفاع حدث آخر بدليل مالو توضأ الجنب ينوي رفع الحدث الأصغر أو اغتسل ينوي الكبرى وحدها فإنه يرتفع أحد الحدثين دون الآخر وهذا لا يخرج عن شبهه بأحد الأمرين والله أعلم (فصل) إذا انغمس الجنب أو المحدث في ماء دون القلتين ينوي رفع الحدث صار مستعملا ولم يرتفع حدثه وقال الشافعي يصير مستعملا ويرتفع حدثه لأنه إنما يصير مستعملا بارتفاع حدثه فيه ولنا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب " والنهي يقتضي فساد المنهي عنه ولأنه بأول جزء انفصل عنه صار مستعملا فلم يرتفع الحدث عن سائر البدن كما لو اغتسل به شخص آخر فإن كان الماء قلتين فصاعدا ارتفع الحدث والماء باق على إطلاقه لأنه لا يحمل الخبث (فصل) إذا اجتمع ماء مستعمل إلى قلتين مطهرتين صار الكل طهورا لأن المستعمل لو كان نجسا لم يؤثر في القلتين فالمستعمل أولى وإن انضم إلى ما دون القلتين ولم يبلغ الجميع قلتين فقد ذكرناه وإن بلغ قلتين باجتماعه فكذلك ويحتمل أن يزول المنع لحديث القلتين - وإن انضم مستعمل إلى مستعمل

ولم يبلغ القلتين فالجميع مستعمل، وإن بلغ قلتين ففيه احتمالان لما ذكرنا (مسألة) (وإن أزيلت به النجاسة فانفصل متنيرا أو قبل زوالها فهو نجس) أما إذا انفصل متنيرا بالنجاسة فلا خلاف في نجاسته، وأما إذا انفصل غير متغير مع بقاء النجاسة فهو مبني على تنجس الماء القليل لمجرد ملاقاة النجاسة من غير تغيير وسيأتي حكمه إن شاء الله تعالى (مسألة) قال (وإن انفصل غير متغير بعد زوالها فهو طاهر) رواية واحدة أن كان المحل أرضا، وقال أبو بكر إنما يحكم بطهارته إذا كانت قد نشفت أعيان البول، فإن كانت أعيانها قائمة فجرى الماء عليها فطهرها وفي المنفصل روايتان كغير الأرض. ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " صبوا على بول الأعرابي ذنوبا من ماء " متفق عليه أمر بذلك لتطهير مكان البول فلو كان المنفصل نجسا لكان تكثيرا للنجاسة ولم يفرق بين نشافه وعدمه والظاهر أنه إنما أمر عقيب البول (مسألة) (وإن كان غير الأرض فهو طاهر في أصح الوجهين) وهو مذهب الشافعي لأنه انفصل عن محل محكوم بطهارته أشبه المنفصل من الأرض، ولأن المنفصل بعض المتصل والمتصل طاهر بالإجماع كذلك المنفصل (والوجه الثاني) أنه نجس وهو قول أبي حنيفة واختيار ابن حامد لأنه لاقى نجاسة أشبه مالو انفصل قبل زوالها أو وردت عليه وهل تكون طهورا؟ على وجهين بناء على المستعمل في رفع الحدث (مسألة) (وإن خلت بالطهارة منه امرأة فهو طهور) بالأصل لأنه يجوز لها أن تتوضأ به ولغيرها من النساء - أشبه الذي لم تخل به ولا يجوز للرجل الظهارة به في ظاهر المذهب لما روى الحكم بن عمرو

الغفاري قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة رواه الترمذي (1) وقال حديث حسن. قال أحمد جماعة كرهوه منهم عبد الله بن عمرو وعبد الله بن سرجس وخصصناه بالخلوة لقول عبد الله بن سرجس توضأ أنت ههنا وهي ههنا، فأما إذا خلت به فلا تقربنه ومعنى الخلوة أن لا يشاهدها إنسان تخرج بحضوره عن الخلوة في النكاح، وذكر القاضي أنها لا تخرج عن الخلوة ما لم يشاهدها رجل مسلم، وذكر ابن عقيل في معنى الخلوة أن لا يشاركها أحد في الاستعمال وفيه رواية أخرى أنه يجوز للرجل أن يتطهر به لما روت ميمونة قالت أجنبت فاغتسلت من جفنة ففضلت فيها فضلة فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ليغتسل منه فقلت إني اغتسلت منه فقال " الماء ليس عليه جنابة " رواه أبو داود (2) والظاهر خلوها به لأن العادة أن الإنسان يقصد الخلوة في غسل الجنابة وهذا أقيس إن شاء الله تعالى فإن خلت به في إزالة النجاسة فقال ابن حامد فيه وجهان (أظهرهما) جواز الوضوء به لأن الأصل الجواز وإن خلت بالطهارة في بعض أعضائها أو في تجديد طهارة واستنجاء ففيه وجهان (أحدهما) المنع قياسا على الوضوء (والثاني) لا يمنع لأن الطهارة المطلقة تنصرف إلى طهارة الحدث الكاملة فإن خلت به الذمية في غسل الحيض ففيه وجهان (أحدهما) المنع كالمسلمة لأنها أدنى منها وأبعد من الطهارة وقد تعلق به إباحة وطئها (والثاني) الجواز لأن طهارتها لا تصح، وكذلك النفاس والجنابة، ويحتمل التفرقة بين الحيض والنفاس وبين الجنابة لأن الجنابة لم تفد إباحة ولم تصح فهي كالتبرد والله أعلم وإنما تؤثر خلوتها في الماء اليسير لأن النجاسة لا تؤثر في الماء الكثير فهذا أولى ويجوز غسل النجاسة به وذكر القاضي وجها أنه لا يجوز للرجل غسل النجاسة به لان مالا يجوز الوضوء به لا يجوز غسل النجاسة به كالخل ويمكن القول بموجبه فإن هذا يجوز للمرأة الطهارة به (فصل) ويجوز للرجل والمرأة أن يغتسلا ويتوضآ من إناء واحد من غير كراهة لأن النبي صلى الله عليه وسلم

_ 1) بل رواه أحمد وأصحاب السنن الارعة وفي تصحيحه خلاف 2) وكذا أحمد والنسائي والترمذي وقال حسن صحيح ولكن بابهام زوج النبي صلى الله عليه وسلم ميمونة وهي المرادة به فقد رواه ابن عباس وهي حالته وقد روي عنه احمد ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بفضل ميمونة

كان يغتسل هو وزوجته من إناء واحد يغترفان منه جميعا رواه البخاري (فصل) ولا يجوز رفع الحدث إلا بالماء ولا يحصل بمائع سواه وبهذا قال مالك والشافعي وروي عن علي رضي الله عنه وليس بثابت أنه كان لا يرى بأسا بالوضوء بالنبيذ وبه قال الحسن وقال عكرمة النبيذ وضوء من لم يجد الماء وقال إسحاق النبيذ حلوا أعجب إلي من التيمم وجمعهما أحب إلي وعن (أبي حنيفة) كقول عكرمة وقيل عنه يجوز الوضوء بنبيذ التمر إذا طبخ واشتد عند عدم الماء في السفر لما روى ابن مسعود أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن فأراد أن يصلي صلاة الفجر فقال " أمعك وضوء؟ قال لا معي إداوة فيها نبيذ - فقال ثمرة طيبة وماء طهور " ولنا قوله تعالى (فلم تجدوا ماء فتيمموا) أوجب الانتقال إلى التيمم عند عدم الماء ولأنه لا يجوز الوضوء به في الحضر ولا مع وجود الماء فأشبه الخل والمرق وحديثهم لا يثبت لأن راويه أبو زيد وهو مجهول عند أهل الحديث لا يعرف له غير هذا الحديث ولا يعرف بصحبة عبد الله قاله الترمذي وابن المنذر وروى مسلم باسناده عن عبد الله بن مسعود قال لم أكن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن ووددت أني كنت معه. فأما غير النبيذ فلا نعلم بين أهل العلم خلافاً أنه لا يجوز به وضوء ولا غسل غير ما ذكرناه في الماء المعتصر فيما مضى والله أعلم

(فصل) قال رضي الله عنه (القسم الثالث ماء نجس وهو ما تغير بمخالطة النجاسة) كل ماء تغير بمخالطة النجاسة فهو نجس بالإجماع حكاه ابن المنذر فإن لم يتغير وهو يسير فهل ينجس على روايتين (إحداهما) ينجس وهو ظاهر المذهب روى ذلك عن ابن عمر وهو قول الشافعي وإسحاق لما روى ابن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يسئل عن الماء يكون بالفلاة من الأرض وما ينوبه من الدواب والسباع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث " رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وتحديده القلتين يدل على تنجيس ما دونهما وإلا لم يكن التحديد مفيدا وصح نهى النبي صلى الله عليه وسلم القائم من نوم الليل عن غمس يده في الماء قبل غسلها فدل على أنه يفيد منعا وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بغسل الاناء من لوغ الكلب وإراقة سؤره ولم يفرق بين ما تغير وبين ما لم يتغير مع أن الظاهر عدم التغيير (والرواية الثانية) أن الماء لا ينجس إلا بالتغير روى ذلك عن حذيفة وأبي هريرة وابن عباس والحسن وهو مذهب مالك والثوري وابن المنذر وروي أيضاً عن الشافعي لما روى أبو أمامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الماء لا ينجسه شئ إلا ما غلب على ريحه وطعمه ولوغه " رواه ابن ماجه والدارقطني وروى أبو سعيد قال قيل يا رسول الله أنتوضأ من بئر بضاعة؟ وهي بئر يلقى فيها الحيض ولحوم والكلاب النتن قال " إن الماء طهور لا ينجسه شيئ " رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وقال حديث حسن وصححه الإمام أحمد (مسألة) قال (وإن كان كثيرا فهو طاهر ما لم تكن النجاسة بولا أو عذرة)

بغير خلاف في المذهب روى ذلك عن عبد الله بن عمر وهو قول الشافعي وروي عن ابن عباس قال إذا كان الماء ذنوبين لم يحمل الخبث وقال عكرمة ذنوبا أو ذنوبين وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أن الماء الكثير يتنجس بالنجاسة من غير تغيير إلا أن يبلغ حدا يغلب على الظن أن النجاسة لا تصل إليه واختلفوا في حده فقال بعضهم ما إذا حرك أحد طرفيه لم يتحرك الآخر وقال بعضهم ما بلغ عشرة أذرع في مثلها وما دون ذلك قليل وإن بلغ ألف قلة لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل منه " متفق عليه نهى عن الاغتسال من الماء الراكد بعد البول فيه ولم يفرق بين قليله وكثيره ولأنه ماء حلت فيه نجاسة لا يؤمن انتشارها إليه أشبه اليسير ولنا خبر القلتين وبئر بضاعة اللذان ذكرناهما مع أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر أن بئر بضاعة يلقى فيه الحيض والنتن ولحوم الكلاب مع أن بئر بضاعة لا يبلغ الحد الذي ذكروه قال أبو داود قدرت بئر بضاعة فوجدته ستة أذرع وسألت الذي فتح لي باب البستان هل غير بناؤها؟ قال لا وسألت قيمها عن عمقها فقلت أكثر ما يكون فيها الماء؟ فقال إلى العانة. قلت فإذا نقص قال دون العورة ولأنه ماء يبلغ القلتين فأشبه الزائد على عشرة أذرع وحديثهم عام وحديثنا خاص فيجب تخصيصه به وحديثهم لابد من تخصيصه بما زاد على الحد الذي ذكروه فيكون تخصيصه بقول النبي صلى الله عليه وسلم أولى من

تخصيصه بالرأي والتحكم من غير أصل وما ذكروه من الحد تقدير من غير توقيف ولا يصار اليه بغير نص ولا إجماع ثم إن حديثهم خاص في البول وهو قولنا في إحدى الروايتين جمعاً بين الحديثين فنقصر الحكم على ما تناوله النص وهو البول لأن له من التأكيد والانتشار ما ليس لغيره (مسألة) قال (إلا أن تكون النجاسة بولا أو عذرة مائعة ففيه روايتان إحداهما لا ينجس) وهو كسائر النجاسات وهو اختيار أبي الخطاب وابن عقيل ومذهب الشافعي وأكثر أهل العلم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا كان الماء قلتين لم ينجسه شئ " رواه الإمام أحمد ولأن نجاسة بول الآدمي لا تزيد على نجاسة بول الكلب وهو لا ينجس القلتين فهذا أولى وحديث النهي عن البول في الماء الدائم لابد من تخصيصه بما لا يمكن نزحه إجماعا فيكون تخصيصه بخبر القلتين أولى من تخصيصه بالرأي والتحكم ولو تعارضا ترجح حديث القلتين لموافقته القياس (والرواية الأخرى ينجس) يروى نحو ذلك عن علي بن أبي طالب فروى الخلال بإسناده أن علياً رضي الله عنه سئل عن صبي بال في بئر فأمرهم بنزحها، وهو قول الحسن لما روى أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل منه " متفق

عليه وهذا يتناول القليل والكثير وهو خاص في البول فيجمع بينه وبين حديث القلتين بحمل هذا على البول وحمل حديث القلتين على سائر النجاسات والعذرة المائعة في معنى البول لأن أجزاءها تتفرق في الماء وتنتشر فهي في معنى البول وهي أفحش منه وقال ابن أبي موسى حكم الرطبة حكم المائعة قياسا عليها والأولى التفريق بينهما لما ذكرنا من المعنى (مسألة) قال (إلا أن يكون مما لا يمكن نزحه لكثرته فلا ينجس) لا نعلم خلافاً أن الماء الذي لا يمكن نزحه إلا بمشقة عظيمة مثل المصانع التي جعلت موردا للحاج بطريق مكة يصدرون عنها ولا ينفد ما فيها أنها لا تنجس إلا بالتغيير قال إبن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الماء الكثير كالرجل من البحر ونحوه إذا وقعت فيه نجاسة فلم تغير له لونا ولا طعما ولا ريحا إنه بحاله يتطهر منه (فصل) ولا فرق بين قليل البول وكثيره قال مهنا سألت أحمد عن بئر غزيرة وقعت فيها خرقة أصابها بول قال: تنزح لأن النجاسات لا فرق بين قليلها وكثيرها كذلك البول (فصل) إذا كان بئر الماء ملاصقا لبئر فيها بول أو غيره من النجاسة وشك في وصوله إلى الماء فالماء طاهر بالأصل. وإن أحب علم حقيقة ذلك فليطرح في البئر النجسة نفطا فإن وجد رائحته في الماء علم وصوله إليه وإلا فلا وإن وجده متغيراً تغيراً يصلح أن يكون منها ولم يعلم له سبباً آخر فهو نجس

لأن الملاصقة سبب فيحال الحكم عليه والأصل عدم ما سواه ولو وجد ماء متغيرا في غير هذه الصورة ولم يعلم سبب تغيره فهو طاهر - وإن غلب على ظنه نجاسته لأن الأصل الطهارة. وإن وقعت في الماء نجاسة فوجده متغيراً تغيراً يصلح أن يكون منها فهو نجس لأن الظاهر كونه منها والأصل عدم ما سواه فيحال الحكم عليه وإن كان التغيير لا يصلح أن يكون منها لكثرة الماء وقلتها أو لمخالفته لونها أو طعمها فهو طاهر لأن النجاسة لا تصلح أن تكون سببا هاهنا أشبه مالو لم يقع فيه شئ (فصل) فإن توضأ من الماء القليل وصلى ثم وجد فيه نجاسة أو توضأ من ماء كثير ثم وجده متغيرا بنجاسة شك هل كان قبل وضوئه أو بعده فالأصل صحة طهارته وصلاته وإن علم أن ذلك قبل وضوئه بأمارة أعاد وإن علم أن النجاسة قبل وضوئه ولم يعلم أكان دون القلتين أو كان قلتين فنقص بالاستعمال أعاد لأن الأصل نقص الماء (فصل) إذا وقعت في الماء نجاسة فغيرت بعضه فالمتغير نجس وما لم يتغير إن بلغ قلتين فهو طاهر وإلا فهو نجس لأن الماء اليسير ينجس بمجرد الملاقاة لما ذكرنا وقال ابن عقيل وبعض الشافعية يكون نجسا وإن كثر كما لو كان يسيرا ولأن المتغير نجس فينجس ما يلاقيه وما يلاقي ما يلاقيه حتى ينجس جميعه، فإن اضطرب فزال تغيره طهر لزوال علة النجاسة وهي التغير ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا بلغ الماء قلتين لم ينجسه شئ " وغير المتغير كثير فيدخل في عموم الحديث ولكنه ماء كثير لم يتغير بالنجاسة الواقعة فيه فلم ينجس كما لو لم يتغير منه شئ

ولا يصح القياس على اليسير لأنه لا يدفع النجاسة عن نفسه، وقولهم أن الملاصق للمتغير ينجس ممنوع كالملاصق للنجاسة الجامدة وعلى قولهم ينبغي أن ينجس البحر. إذا تغير جانبه والماء الجاري ولا قائل به (فصل) قال ابن عقيل من ضرب حيوانا مأكولا (3) فوقع في ماء ثم وجده ميتاً ولم يعلم هل مات من الجراحة أو بالماء فالماء على أصله في الطهارة والحيوان على أصله في الحظر إلا أن تكون الجراحة موجبة فيكون الحيوان أيضا مباحا لأن الظاهر موته بالجرح والماء طاهر إلا أن يقع فيه دم (فصل) إذا كان الماء قلتين وفيه نجاسة فغرف منه بإناء فالذي في الإناء طاهر والباقي نجس إن قلنا القلتان تحديد لأنه ماء يسير فيه نجاسة، وإن قلنا بالتقريب لم ينجس إلا أن يكون الإناء كبيرا يخرجه عن التقريب، وإن ارتفعت النجاسة في الدلو فالماء الذي في الإناء نجس والباقي طاهر، ذكرها ابن عقيل. (فصل) وإذا اجتمع ماء نجس إلى ماء نجس ولم يبلغ القلتين فالجميع نجس وإن بلغ القلتين فكذلك لأنه كان نجسا قبل الاتصال والأصل بقاء النجاسة، ولأن اجتماع النجس إلى النجس لا يولد بينهما طاهرا كما في سائر المواضع ويتخرج أن يطهر إذا بلغ قلتين وزال تغيره وهو مذهب الشافعي لزوال علة التنجيس، والغدير ان إذا كانت بينهما ساقية فيها ماء متصل بهما فهما كالغدير الواحد قل الماء أو كثر فمتى تنجس أحدهما ولم يبلغا القلتين لم يتنجس واحد منهما إلا أن يتغير بالنجاسة كما قلنا في الواحد

_ 3) أي بمحدد بقصد الصيد أو التذكية ولو قال من جرح أو رمي لكان أولى. والضرب بالحجر غير المحدد قد يكشط الجلد وهو وقذوان جرح

(مسألة) قال (وإذا انضم إلى الماء النجس ماء طاهر كثير طهره إن لم يبق فيه تغير وإذا كان الماء النجس كثيرا فزال تغيره بنفسه أو بنزح بقي بعده كثير طهر) وجملة ذلك أن تطهير الماء النجس ينقسم ثلاثة أقسام (أحدها) أن يكون الماء النجس دون القلتين فتطهيره المكاثرة بقلتين طاهرتين أما أن ينبع فيه أو يصب فيه أو يجري إليها من ساقية أو نحو ذلك فيزول بهما تغيره إن كان متغيرا فيطهر وإن لم يكن متغيرا طهر بمجرد المكاثرة لأن القلتين تدفع النجاسة عن نفسها وعما اتصل بها ولا تنجس إلا بالتغير إذا وردت عليها النجاسة فكذلك إذا كانت واردة - ومن ضرورة الحكم بطهارتهما طهارة ما اختلط بهما (القسم الثاني) أن يكون قلتين فإن لم يكن متغيرا بالنجاسة فتطهيره بالمكاثرة المذكورة وإن كان متغيرا بها فتطهيره بالمكاثرة المذكورة إذا أزالت التغير وبزوال تغيره بنفسه لأن علة التنجيس زالت وهي التغير أشبه الخمرة إذا انقلبت بنفسها خلا وقال ابن عقيل يحتمل أن لا يطهر إذا زال تغيره بنفسه بناء على أن النجاسة لا تطهر بالاستحالة (القسم الثالث) الزائد على القلتين فإن كان غير متغير فتطهيره بالمكاثرة لا غير وإن كان متغيرا فتطهيره بما ذكرنا من الأمرين وبأمر ثالث وهو أن ينزح منه حتى يزول التغير ويبقى بعد النزح قلتان فإن نقص عن القلتين قبل زوال تغيره ثم زال تغيره لم يطهر لأن علة التنجيس في القليل مجرد ملاقاة النجاسة فلم تزل العلة بزوال

التغيير ولا يعتبر في المكاثرة صب الماء دفعة واحدة لأنه لا يمكن ذلك لكن يوصله على حسب الإمكان في المتابعة على ما ذكرنا (مسألة) (فإن كوثر بماء يسير أو بغير الماء كالتراب ونحوه فأزال التغير لم يطهر في أحد الوجهين) لأن هذا لا يدفع النجاسة عن نفسه فعن غيره أولى (والثاني) يطهر لأن علة النجاسة زالت وهو التغير أشبه مالو زال تغيره بنفسه ولأن الماء اليسير إذا لم يؤثر فلا أقل من أن يكون وجوده كعدمه ويحتمل التفرقة بين المكاثرة بالماء اليسير وغيره فإذا كوثر بالماء اليسير طهر لما ذكرنا وإذا كوثر بالتراب أو غيره لم يطهر لأن ذلك ربما ستر التغير الحادث من النجاسة فيظن أنه قد زال ولم يزل (فصل) فأما الذي يقع فيه بول الآدمي إذا قلنا بنجاسته فلا يطهر بالمكاثرة بقلتين لأن القلتين بالنسبة إلى البول كما دونهما بالنسبة إلى غيره لكن يطهر بأحد ثلاثة أشياء المكاثرة بما لا يمكن نزحه. الثاني: أن ينزح منه حتى يزول تغيره ويبقى مالا يمكن نزحه (الثالث) أن يزول تغيره بنفسه إن كان كذلك ذكره ابن عقيل (فصل) فأما غير الماء من المائعات إذا وقعت فيه نجاسة ففيه ثلاث روايات (إحداهن) أنه يتنجس وإن كثر وهو الصحيح إن شاء الله لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الفأرة تموت في السمن فقال " إن كان جامدا فألقوها وما حولها وإن كان مائعاً فلا تقربوه " رواه الإمام أحمد - نهى عنه ولم يفرق بين قليله وكثيره ولأنها لا تطهر غيرها فلا تدفع النجاسة عن نفسها كاليسير (والثانية) إنها كالماء

لا ينجس منها ما بلغ قلتين إلا بالتغير قياسا على الماء قال حرب سألت أحمد قلت كلب ولغ في سمن وزيت قال إذا كان في آنية كبيرة مثل حب أو نحوه رجوت أن لا يكون به بأس يؤكل وإن كان في آنية صغيرة فلا يعجبني (والثالثة) أن ما أصله الماء كالخل التمري يدفع النجاسة لأن الغالب فيه الماء وما لا فلا (فصل) وإذا قلنا: إن غير الماء من المائعات كالخل ونحوه يزيل النجاسة نبني على ذلك أن الكثير منه لا ينجس إلا بالتغيير لكون حكمه في دفع النجاسة حكم الماء والله أعلم (فصل) فأما الماء المستعمل في رفع الحدث وما كان طاهرا غير مطهر ففيه احتمالان (أحدهما) أنه يدفع النجاسة عن نفسه إذا كثر لحديث القلتين (والثاني) أنه ينجس لأنه لا يطهر أشبه الخل (فصل) ولا فرق بين يسير النجاسة وكثيرها ما أدركه الطرف وما لم يدركه الا أن ما يعفى عن يسيره كالدم - حكم الماء الذي يتنجس به حكمه في العفو عن يسيره وكذلك كل نجاسة نجست الماء حكمه حكمها لأن نجاسة الماء ناشئة عن نجاسة الواقع وفرع عليها والفرع يثبت له حكم أصله، وروي عن الشافعي أن مالا يدركه الطرف من النجاسة معفو عنه للمشقة اللاحقة به ونص في موضع أن الذباب إذا وقع على خلاء رقيق أو بول ثم وقع على الثوب غسل موضعه ونجاسة الذباب مما لا يدركها الطرف

ولنا أن دليل التنجيس لا يفرق بين قليل النجاسة وكثيرها ولا بين ما يدركه الطرف وما لا يدركه فالتفريق تحكم وما ذكروه من المشقة ممنوع - لأنا إنما نحكم بالنجاسة إذا علمنا وصولها ومع العلم لا يفترق القليل والكثير في المشقة ثم إن المشقة بمجردها حكمة لا يجوز تعلق الحكم بها بمجردها وجعل مالا يدركه الطرف ضابطا لها إنما يصح بالتوقيف أو باعتبار الشرع له في موضع ولم يوجد واحد منهما

كتاب الطهارة

(مسألة) قال (والكثير ما بلغ قلتين واليسير ما دونهما) القلة الجرة سميت قلة لأنها تقل بالايدي والمراد ههنا بالقلة قلال هجر لما يأتي وإنما جعلنا القلتين حدا للكثير لأن حديث القلتين دل على نجاسة ما لم يبلغهما بطريق المفهوم وعلى دفعهما للنجاسة عن أنفسهما فلذلك جعلناهما حدا للكثير فمتى جاء لفظ الكثير هاهنا فالمراد به القلتان والله أعلم

باب المياه وهي ثلاثة أقسام ماء طهور

(مسألة) قال وهما خمسمائة رطل بالعراقي) في ظاهر المذهب وهو قول الشافعي لأنه روي عن ابن جرير أنه قال رأيت قلال هجر فرأيت القلة تسع قربتين أو قربتين وشيئا والقربة مائة رطل بالعراقي باتفاق القائلين بتحديد الماء بالقرب والاحتياط أن يجعل الشئ نصفا فكانت القلتان بما ذكرنا خمسمائة رطل، وروى عن أحمد أن القلتين أربعمائة رطل بالعراقي. رواه عنه الأثرم واسماعيل ابن سعيد، وحكاه ابن المنذر لما روى الجوزجاني بإسناده عن يحيى بن عقيل قال رأيت قلال هجر

مسألة: قال: وهو الباقي على أصل خلقته

وأظن كل قلة تأخذ قربتين. وروي نحو ذلك عن ابن جريج وإنما خصصنا القلة بقلال هجر لوجهين (أحدهما) ما روى الخطابي بإسناده إلى ابن جريج عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا " إذا كان الماء قلتين بقلال هجر " (والثاني) ان قلال هجر أكبر ما يكون من القلال وأشهرها في عصر النبي صلى الله

مسألة: وما تغير بمكثه

عليه وسلم ذكره الخطابي فقال: هي مشهورة الصنعة، معلومة المقدار، لا تختلف كما لا تختلف الصيعان والمكاييل فلذلك حملنا الحديث عليها وعملنا بالاحتياط فإذا قلنا هما خمسمائة رطل بالعراقي فذلك بالرطل الدمشقي الذي هو ستمائة درهم - مائة وسبعة أرطال وسبع رطل (مسألة) (وهل ذلك تقريب أو تحديد؟ على وجهين) أحدهما: أنه تحديد وهو اختيار أبي

مسألة: أو ما أصله الماء كالملح البحري

الحسن الآمدي وظاهر قول القاضي وأحد الوجهين لأصحاب الشافعي لأن اعتبار ذلك احتياط وما اعتبر احتياطا كان واجبا كغسل جزء من الرأس مع الوجه ولأنه قدر يدفع النجاسة فاعتبر تحقيقه كالعدد في الغسلات والثاني هو تقريب وهو الصحيح لأن الذين نقلوا تقدير القلال لم يضبطوها بحد إنما قال ابن جريج القلة تسع قربتين أو قربتين وشيئا ويحيى بن عقيل قال أظنها تسع قربتين وهذا

مسألة: أو بطاهر

لا تحديد فيه وتقدير القربة بمائة رطل تقريب ولأن الزائد على القلتين وهو الشيئ مشكوك والظاهر استعماله فيما دون النصف والقرب تختلف غالبا وكذلك لو اشترى شيئا أو أسلم في شئ وقدره بها لم يصح وقد علم النبي صلى الله عليه وسلم إن الناس لا يكيلون الماء ولا يزنونه فالظاهر أنه ردهم إلى التقريب فعلى هذا من وجد نجاسة في ماء فغلب على ظنه أنه مقارب للقلتين توضأ منه وإلا فلا

وفائدة الخلاف أن من اعتبر التحديد قال: لو نقص الماء نقصا يسيرا لم يعف عنه والقائلون بالتقريب يعفون عن النقص اليسير وإن شك في بلوغ الماء قدرا يدفع النجاسة ففيه وجهان (أحدهما) يحكم بطهارته لأن طهارته متيقنة قبل وقوع النجاسة فيه فلا يزول عن اليقين بالشك (والثاني) هو نجس لأن الأصل قلة الماء فيبني عليه ويلزم من ذلك النجاسة

مسألة: فإن غير أحد أوصافه ـ لونه أو طعمه أو ريحه ـ ففيه روايتان

(فصل في الماء الجاري) نقل عن أحمد ما يدل على التفرقة بينه وبين الواقف فإنه قال في حوض الحمام قد قيل انه بمنزلة الماء الجاري وقال في البئر يكون لها مادة وهو واقف ليس هو بمنزلة الماء الجاري، فعلى هذا لا يتنجس الجاري إلا بالتغيير لأن الأصل طهارته ولم نعلم في تنجيسه نصاً ولا إجماعاً فبقي على الأصل وقال عليه السلام " الماء طهور لا ينجسه شئ " وقال " إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث " وهذا يدل على أنه لا ينجس لانه بمجموعه يزيد على القلتين فإن قيل فالجرية منه لا تبلغ

قلتين فتنجس لحديث القلتين قلنا تخصيص الجرية بهذا التقدير تحكم لأنه لا يصح قياسه على الراكد لقوته بجريانه واتصاله بمادته وهذا اختيار شيخنا وهو الصحيح إن شاء الله تعالى. وقال القاضي وأصحابه كل جرية من الماء الجاري معتبرة بنفسها فإذا كانت النجاسة جارية مع الماء فما أمامها طاهر لأنها لم تصل إليه وما وراءها طاهر لأنه لم يصل إليها والجرية إن بلغت قلتين ولم تتغير فهي طاهرة وإلا فهي نجسة وإن كانت النجاسة واقفة في النهر فكل جرية تمر عليها إن بلغت قلتين فهي طاهرة وإلا فلا

مسألة: أو استعمل في رفع حدث أو طهارة مشروعة كالتجديد وغسل الجمعة

قالوا والجرية هي الماء الذي فيه النجاسة وما قرب منها من خلفها وأمامها مما العادة انتشارها إليه إن كانت مما تنتشر مع ما يحاذي ذلك فيما بين طرفي النهر، فإن كانت النجاسة ممتدة فينبغي أن يكون لك جزء منها مثل تلك الجرية المعتبرة للنجاسة القليلة لأنا لو جعلنا جميع ما حاذى النجاسة الكثيرة جرية أفضى إلى تنجيس النهر الكبير بالنجاسة القليلة دون الكثيرة لأن ما يحاذي القليلة قليل فينجس وما يحاذي الكثيرة كثير فلا ينجس وهذا ظاهر الفساد (فصل) فإن كان في جانب النهر أو في وهدة منه ماء واقف مائل عن سنن الماء متصل

بالجاري وكان ذلك مع الجرية المقابلة له دون القلتين فالجميع نجس لأنه ماء يسير متصل فينجس بالنجاسة كالراكد، فإن كان أحدهما قلتين لم ينجس واحد منهما ماداما متلاقيين إلا بالتغيير، فإن كانت النجاسة في الجاري وهو قلتان فهو طاهر بكل حال وكذلك الواقف، وإن كان الواقف قلتين والجاري دون القلتين والنجاسة فيه فهو نجس قبل ملاقاته للواقف وبعد مفارقته له وطاهر في حال اتصاله به، وإن كانت في الواقف وهو قلتان لم ينجس بحال هو ولا الجاري وإن كان دون القلتين

مسألة: أو غمس فيه يده قائم من نوم الليل قبل غسلها ثلاثا فهل يسلب طهوريته؟ على روايتين

والجاري كذلك إلا أنهما بمجموعهما قلتان فصاعدا وكانت النجاسة في الواقف لم ينجس واحد منهما لأن الماء الذي فيه النجاسة مع ما يلاقيه لا يزال كثيرا وإن كانت في الجاري فقياس قول اصحابنا إن الجميع نجس لأن الجاري ينجس قبل ملاقاته للواقف ومر على الواقف وهو يسير فنسه لأن الواقف لا يدفع عن نفسه فعن غيره أولى، ويحتمل أن يحكم بطهارة الجاري حال ملاقاته للواقف ولا يتنجس به الواقف لحديث القلتين وهو مذهب الشافعي - هذا كله إذا لم يتغير فإن تغير فهو نجس فإن كان الجاري متغيرا والواقف كثيرا فهو طاهر إن لم يتغير فإن تغير تنجس وكذلك الحكم في الجاري إن كان الواقف متغيرا وإن كان بعض الواقف متغيرا وبعضه غير متغير وكان غير المتغير مع الجرية الملاقية له قلتين لم ينجس وإن كان المتغير من الواقف يلي الجاري وغير المتغير لا يليه ولا يتصل به أصلا وكان كل

واحد منهما يسيرا فينبغي أن يكون الكل نجسا لأن كل ما يلاقي الماء النجس يسير وإن اتصل به من ناحية فكل ما لم يتغير طاهر إذا كان كثيراً كالغديرين إذا كان بينهما ماء متصل بهما فإن شك في في ذلك فالماء طاهر بالأصل ويحتمل أن يكون نجسا، وإن كان في الماء قلتان طاهرتان متصلة سابقة أو لاحقة فالمجتمع كله طاهر ما لم يتغير بالنجاسة لأن القلتين تدفع النجاسة عن نفسها وعما اجتمع إليها وإلا فالجميع نجس في ظاهر المذهب والله أعلم. (مسألة) (وإذا شك في نجاسة الماء أو كان نجسا فشك في طهارته بني على اليقين) إذا شك في نجاسة الماء فهو طاهر لأن الأصل الطهارة فلا تزول بالشك وإن وجده متغيراً لأن التغير يحتمل أن

يكون بمكثه أو بما لا يمنع فلا يزول بالشك. وإن تيقن نجاسته وشك في طهارته فهو نجس لما ذكرنا وإن أخبره بنجاسته صبي أو كافر أو فاسق لم يلزمه قبول خبره لأنه ليس من أهل الشهادة ولا الرواية أشبه الطفل والمجنون وإن كان بالغاً عاقلا مسلما مستور الحال وعين سبب النجاسة لزم قبول خبره رجلا كان

أو امرأة حرا أو عبدا بصيراً أو ضريراً لأن للأعمى طريقا إلى العلم بالحس والخبر كما لو أخبر بدخول وقت الصلاة وإن لم يعين سببها فقال القاضي: لا يلزم قبول خبره لاحتمال اعتقاد نجاسة الماء بسبب لا يعتقده المخبر كموت ذبابة عند الشافعي. والحنفي يرى نجاسة الماء الكثير وإن لم يتغير والموسوس

يعتقد نجاسته بما لا ينجسه ويحتمل أن يلزم قبول خبره إذا انتفت هذه الاحتمالات في حقه (فصل) فإن أخبره أن كلبا ولغ في هذا الإناء ولم يلغ في هذا وقال آخر إنما ولغ في هذا حكم بنجاستهما لأنه يمكن صدقهما لكونهما في وقتين أو كانا كلبين فخفي على كل واحد منهما ما ظهر للآخر وإن عينا كلبا ووقتا يضيق الوقت فيه عن شربه منهما تعارض قولهما ولم ينجس واحد منهما وإن قال أحدهما ولغ في هذا الإناء وقال الآخر نزل ولم يشرب قدم قول المثبت إلا أن يكون المثبت لم يتحقق شربه مثل الضرير الذي يخبر عن حس فيقدم قول البصير عليه (مسألة) (وإن اشتبه الماء الطاهر بالنجس لم يتحر فيهما على الصحيح من المذهب ويتيمم) وجمنلته أنه إذا اشتبهت الآنية الطاهرة بالنجسة لم يخل من حالين (أحدهما) أن يستوي عدد الطاهر والنجس فلا يجوز التحري بغير خلاف في المذهب فيما علمنا (الثاني) أن يكثر عدد الطاهر فقال أبو علي النجاد من أصحابنا يجوز التحري فيها وهو قول أبي حنيفة لأن الظاهر إصابة الطاهر ولأن جهة

مسألة: وإن أزيلت به النجاسة فانفصل متغيرا أو قبل زوالها فهو نجس

الإباحة ترجحت أشبه مالو اشتبهت عليه أخته في نساء بلد وظاهر كلام أحمد أنه لا يجوز التحري فيها بحال وهو قول أكثر الأصحاب وقول المزني وأبي ثور وقال الشافعي يتحرى في الحالين لأنه شرط للصلاة فجاز التحري فيه كالو اشتبهت القبلة والثياب ولأن الطهارة تؤدي باليقين تارة وبالظن أخرى كما قلنا بجواز الوضوء بالماء المتغير الذي لا يعلم سبب تغيره، وقال ابن الماجشون: يتوضأ من كل واحد منهما وضوءا ويصلي به وبه قال محمد بن مسلمة إلا أنه قال يغسل ما أصابه من الأول لأنه أمكنه أداء فرضه بيقين أشبه من فاتته صلاة من يوم ولا يعلم عينها وكما لو اشتبهت الثياب ولنا أنه اشتبه المباح بالمحظور فيما لا تبيحه الضرورة فلم يجز التحري كما لو اشتبهت أخته بأجنبيات أو كما لو استوى العدد عند أبي حنيفة أو كان أحد الإناءين بولا عند الشافعي واعتذر أصحابه بأن البول لا أصل له في الطهارة قلنا وهذا الماء قد زال عنه أصل الطهارة وعلى أن البول قد كان

ماء فله أصل في الطهارة فهو كالماء النجس، وقولهم إذا كثر عدد الطاهر ترجحت الطهارة يبطل بما لو اشتبهت أخته بمائة أجنبية، وأما إذا اشتبهت أخته في نساء مصر فإنه يشق اجتنابهن جميعا ولذلك يجوز له النكاح من غير تحر بخلاف هذا، وأما القبلة فيباح تركها للضرورة وفي صلاة النافلة بخلاف مسألتنا، وأما الثياب فلا يجوز التحري فيها عندنا على ما يأتي وأما المتغير فيجوز الوضوء به استنادا إلى أصل الطهارة ولا يحتاج إلى تحر وفي مسألتنا عارض يقين الطهارة يقين النجاسة فلم يبق له حكم ولهذا احتاج إلى التحري، وما قاله ابن الماجشون باطل لأنه يتنجس يقينا وما قاله ابن مسلمة ففيه حرج ويبطل بالقبلة حيث لم يوجبا الصلاة إلى أربع جهات والله أعلم (مسألة) قال (وهل يشترط إراقتهما أو خلطهما فيه روايتان) إحداهما تشترط ذكره الخرقي لأن معه ماء طاهرا بيقين فلم يجز له التيمم مع وجوده فإذا خلطهما أو أراقهما جاز له التيمم لأنه لم يبق

معه ماء طاهر (والثانية) يجوز التيمم قبل ذلك اختاره أبو بكر وهو الصحيح لأنه غير قادر على استعمال الطاهر أشبه مالو كان في بئر لا يمكنه الوصول إليه، فإن احتاج إليهما للشرب لم تجب إراقتهما بغير خلاف لأنه يجوز له التيمم لو كانا طاهرين فههنا أولى، فإذا أراد الشرب تحرى وشرب من الذي يظن طهارته فإن لم يغلب على ظنه شئ شرب من أحدهما لأنه حال ضرورة فإذا شرب من أحدهما أو أكل من المشتبهة بالميتة فهل يلزمه غسل فيه؟ يحتمل وجهين (احدهما) لا يلزمه لأن الأصل الطهارة (والثاني) يلزمه لأنه محل منع من استعماله لأجل النجاسة فلزمه غسل أثره كالمتيقن فإن علم عين النجس استحب إراقته ليزيل الشك، فإن احتاج إلى الشرب شرب من الطاهر وتيمم، وإن خاف العطش في ثاني الحال فقال القاضي يتوضأ بالطاهر ويحبس النجس لأنه غير محتاج إلى شربه في الحال فلم يجز التيمم مع وجوده. قال شيخنا: والصحيح إن شاء الله أنه يحبس الطاهر ويتيمم لأن وجود النجس كعدمه عند الحاجة إلى الشرب في الحال فكذلك في المآل وخوف العطش في إباحة التيمم كحقيقته (مسألة) وإن اشتبه طهور بطاهر توضأ من كل واحد منهما وصلى صلاة واحدة. لا نعلم فيه خلافاً

مسألة: وإن كان كثيرا فهو طاهر ما لم تكن النجاسة بولا أو عذرة

لأنه أمكنه إداء فرضه بيقين من غير حرج فلزمه ذلك كما لو كانا طهورين فلم يكفه أحدهما، فإن احتاج إلى أحد الإناءين للشرب تحرى وتوضأ بالطهور عنده وتيمم ليحصل له اليقين والله أعلم (مسألة) قال (وإن اشتبهت ثياب طاهرة بنجسة صلى في كل ثوب صلاة بعدد النجس وزاد صلاة) ولم يجز التحري وهذا قول ابن الماجشون لأنه أمكنه إداء فرضه بيقين من غير حرج فلزمه كما لو اشتبه الطاهر بالطهور وكما لو فاتته صلاة من يوم لا يعلم عينها وقال أبو ثور والمزني: لا يصلي في شئ منها وقال أبو حنيفة والشافعي يتحرى كقولهما في الأواني والقبلة والأول أولى والفرق بين الثياب والأواني النجسة من وجهين (أحدهما) أن استعمال النجس في الأواني يتنجس به ويمنع صحة صلاته في الحال والمآل بخلاف الثياب (الثاني) أن الثوب النجس يباح له الصلاة فيه إذا لم يجد غيره بخلاف الماء النجس والفرق بينه وبين القبلة من ثلاثة أوجه (أحدها) أن القبلة يكثر فيها الاشتباه (الثاني) أن الاشتباه ههنا حصل بتفريطه لأنه كان يمكنه تعليم النجس بخلاف القبلة (الثالث) أن القبلة عليها أدلة من النجوم وغيرها فيغلب على الظن مع الاجتهاد فيها الإصابة بحيث يبقى احتمال الخطأ وهما ضعيفا بخلاف الثياب (فصل) فإن لم يعلم عدد النجس صلى حتى يتيقن أنه صلى في ثوب طاهر فإن كثر ذلك وشق

فقال ابن عقيل يتحرى في أصح الوجهين دفعا للمشقة (والثاني) لا يتحرى لأن هذا يندر جدا فالحق للغالب (فصل) فإن سقط على إنسان من طريق ماء لم يلزمه السؤال عنه قال صالح سألت أبي عن الرجل يمر بموضع فيقطر عليه قطرة أو قطرتان فقال إن كان مخرجا يعني خلاء فاغسله وإن لم يكن مخرجا فلا تسأل عنه فإن عمر رضي الله عنه مر هو وعمرو بن العاص على حوض فقال عمرو: يا صاحب الحوض أترد على حوضك السباع؟ فقال عمر يا صاحب الحوض لا تخبرنا فإنا نرد عليها وترد علينا، رواه مالك في الموطأ، فإن سأل فقال ابن عقيل: لا يلزم المسئول رد الجواب لخبر عمر قال شيخنا ويحتمل

مسألة: إلا أن تكون النجاسة بولا أو عذرة مائعة ففيه روايتان إحداهما لا ينجس

أن يلزمه لأنه سئل عن شرط الصلاة فلزمه الجواب كما لو سئل عن القبلة وخبر عمر يدل على أن سؤر السباع طاهر والله أعلم (باب الآنية) قال رحمه الله (كل إناء طاهر يباح اتخاذه واستعماله لو كان ثمينا كالجوهر ونحوه) وجملة ذلك أن جميع الآنية الطاهرة مباح اتخاذها واستعمالها سواء كان ثمينا كالبلور والياقوت والزمرد أو ليس بثمين كالعقيق والخشب والخزف والحجارة والصفر والحديد والأدم ونحوه في قول عامة أهل العلم إلا أنه روي عن ابن عمر أنه كره الوضوء في الصفر والنحاس والرصاص وما أشبهه واختار ذلك أبو الفرج المقدسي لأن الماء يتغير فيها وقال وروي أن الملائكة تكره ريح النحاس وقال الشافعي في أحد قوليه ما كان ثمينا لنفاسة جوهره فهو محرم لأن فيه سرفا وخيلاء وكسر قلوب الفقراء أشبه الأثمان ولان تحريم آنية الذهب والفضة تنبيه على تحريم ما هو أنفس منها

مسألة: إلا أن يكون مما لا يمكن نزحه لكثرته فلا ينجس

ولنا ما روى عبد الله بن زيد قال: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخرجنا له ماء في تور من صفر فتوضأ، رواه البخاري وعن عائشة قالت: كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم في تور من شبه رواه أبو داود وأما آنية الجواهر فلا يصح قياسها على الأثمان لوجهين (أحدهما) أن هذا لا يعرفه الاخواص الناس فلا تنكسر قلوب الفقراء لكونهم لا يعرفونه (الثاني) أن هذه الجواهر لقلتها لا يحصل اتخاذ الآنية منها إلا نادرا ولو اتخذت كانت مصونة لا تستعمل ولا تظهر غالبا فلا تفضي إباحتها إلى استعمالها بخلاف آنية الذهب والفضة فإنها في مظنة الكثرة فكان التحريم متعلقا بالمظنة فلم يتجاوزه كما تغلق حكم التحريم في اللباس بالحرير وجاز استعمال القصب من الثياب وإن زادت قيمته على قيمة الحرير ولو جعل فص خاتمه جوهرة ثمينة جاز ولو جعله ذهبا لم يجز (مسألة) قال (إلا آنية الذهب والفضة والمضبب بهما فإنه يحرم اتخاذها واستعمالها على الرجال والنساء) قال شيخنا رحمه الله لا يختلف المذهب فيما علمنا في تحريم اتخاذ آنية الذهب والفضة وحكي عن

الشافعي إباحته لتخصيص النهي بالاستعمال ولأنه لا يلزم من تحريم الاستعمال تحريم الاتخاذ كما لو اتخذ الرجل ثياب الحرير وذكره بعض أصحابنا وجها في المذهب ولنا أن ما حرم استعماله مطلقا حرم اتخاذه على هيئة الاستعمال كالملاهي، وأما ثياب الحرير فإنها تباح للنساء وتباح التجارة فيها فحصل الفرق وأما تحريم استعمالها فهو قول أكثر أهل العلم منهم أبو حنيفة ومالك. وعن معاوية بن قرة أنه قال لا بأس بالشرب من قدح فضة، وعن الشافعي قول أنه مكروه غير محرم لأن النهي لما فيه من التشبه بالأعاجم فلا يقتضي التحريم ولنا ما روى حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافهما فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة " وعن أم سلمة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الذي يشرب في آنية الذهب والفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم " متفق عليهما فتوعد عليه بالنار فدل على تحريمه ولأن في ذلك سرفا وخيلاء وكسر قلوب الفقراء - دل الحديثان على تحريم الأكل والشرب فكذلك الطهارة وسائر الاستعمال ولأنه إذا حرم في غير العبادة

ففيها أولى ولا فرق في ذلك بين الرجال والنساء لعموم النص والمعنى فيهما وإنما أبيح التحلي في حق المرأة لحاجتها إلى التزين للزوج وهذا يختص الحلي فاختصت الإباحة به، وكذلك المضبب بهما فإن كان كثيرا فهو محرم بكل حال ذهبا كان أو فضة لحاجة أو غيرها وبهذا قال الشافعي، وقال أبو حنيفة هو مباح لأنه تابع للمباح أشبه اليسير ولنا ما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من شرب في إناء من ذهب أو فضة أو إناء فيه شئ من ذلك فإنما يجرجر في بطنه نار جهنم " رواه الدارقطني ولأن فيه سرفا وخيلاء أشبه الصفر الخالص وفارق اليسير فإنه لا يوجد فيه المعنى المحرم (مسألة) قال (فإن توضأ منها أو اغتسل فهل تصح طهارته؟ على وجهين) أحدهما: تصح طهارته اختاره الخرقي وهو قول أصحاب الرأي والشافعي وإسحاق وابن المنذر لأن فعل الطهارة وماءها لا يتعلق بشئ من ذلك أشبه الطهارة في الدار المغصوبة. والثاني: لا تصح، اختاره أبو بكر لأنه

مسألة: وإذا انضم إلى الماء النجس ماء طاهر كثير طهره إن لم يبق فيه تغير وإذا كان الماء النجس كثيرا فزال تغيره بنفسه أو بنزح بقي بعده كثير طهر

استعمل المحرم في العبادة فلم تصح كما لو صلى في دار مغصوبة والأول أصح، ويفارق هذا الصلاة في الدار المغصوبة لأن القيام والقعود والركوع والسجود في الدار المغصوبة محرم وهي أفعال الصلاة وأفعال الوضوء من الغسل والمسح ليس بمحرم إذ ليس هو استعمال للإناء وإنما يقع ذلك بعد رفع الماء من الإناء وفصله عنه فهو كما لو اغترف بإناء فضة في إناء غيره وتوضأ منه ولان المكان شرط في الصلاة لا يمكن وجودها إلا به والإناء ليس بشرط فهو كما لو صلى وفي يده خاتم ذهب، فإن جعل آنية الذهب مصبا لماء الوضوء والغسل يقع فيه الماء المنفصل عن العضو صح الوضوء لأن المنفصل الذي يقع في الآنية قد رفع الحدث فلم يبطل بوقوعه في الإناء، ويحتمل أن تكون كالتي قبلها ذكره ابن عقيل لأن الفخر والخيلاء وكسر قلوب الفقراء حاصل ههنا كحصوله في التي قبلها بل هو ههنا أبلغ وفعل الطهارة يحصل هاهنا قبل وصول الماء إلى الإناء وفي التي قبلها بعد فصله عنه فهي مثلها في المعنى وإن افترقا في الصورة

مسألة: فإن كوثر بماء يسير أو بغير الماء كالتراب ونحوه فأزال التغير لم يطهر في أحد الوجهين

(فصل) فإن توضأ بماء مغصوب فهو كما لو صلى في ثوب مغصوب لا تصح في أصح الوجهين ووجهه ما يأتي في بابه (مسألة) قال (إلا أن تكون الضبة يسيرة من الفضة كتشعيب القدح فلا بأس بها إذا لم يباشرها بالاستعمال) وممن رخص في ضبة الفضة سعيد بن جبير وميسرة وطاوس والشافعي وأبو ثور وابن المنذر وأصحاب الرأي واسحاق، وقال قد وضع عمر بن عبد العزيز فاه بين ضبتين، وكان ابن عمر لا يشرب من قدح فيه فضة ولا ضبة، وكره الشرب في الاناء المفضض علي بن الحسين وعطاء وسالم والمطلب بن حنظب ونهت عائشة أن يضبب الآنية أو يحلفها بالفضة ونحوه قول الحسن وابن سيرين، ولعلوم كرهوا ما قصد به الزينة أو كان كثيرا فيكون قولهم وقول الأولين واحدا ولا يكون في للسألة خلافا، فأما اليسير كتشعيب القدح ونحوه فلا بأس به لما روى أنس بن مالك أن قدح النبي صلى الله عليه وسلم انكسر فاتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة رواه البخاري، قال القاضي: يباح

يسير الفضة مع الحاجة وعدمها لما ذكرنا ولأنه ليس فيه سرف ولا خيلاء أشبه الصفر إلا أنه كره الحلقة لأنها تستعمل، وقال أبو الخطاب لا نباح إلا لحاجة لأن الخبر إنما ورد في تشعيب القدح وهو للحاجة ومعنى ذلك أن تدعو الحاجة إلى فعله وليس معناه أن لا يندفع بغيره ويكره مباشرة موضع الفضة بالاستعمال لئلا يكون مستعملا للفضة التي جاء الوعيد في استعمالها (مسألة) قال (وثياب الكفار وأوانيهم طاهرة مباحة الاستعمال ما لم تعلم نجاستها) والكفار على ضربين أهل الكتاب وغيرهم، فأما أهل الكتاب فيباح أكل طعامهم وشرابهم، واستعمال آنيتهم ما لم تعلم نجاستها، قال ابن عقيل لا تختلف الرواية في أنه لا يحرم استعمال أوانيهم لقول الله تعالى (وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم) وعن عبد الله بن مغفل قال: دلي جراب من شحم يوم

خيبر فالتزمته وقلت والله لا أعطي أحداً منه شيئاً فالتفت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبسم رواه مسلم، وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم أضافه يهودي بخبز وإهالة سنخة من المسند وتوضأ عمر من جرة نصرانية. وهل يكره استعمال أوانيهم على روايتين (إحداهما) لا يكره لما ذكرنا (والثانية) يكره لما روى أبو ثعلبة الخشني قال: قلت يا رسول الله إنا بأرض قوم أهل كتاب أفنأكل في آنيتهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن وجدتم غيرها فلا تأكلوا فيها، وإن لم تجدوا غيرها فاغسلوها وكلوا فيها " متفق عليه، وأقل أحوال النهي الكراهة، ولأنهم لا يتورعون عن النجاسة ولا تسلم آنيتهم منها وأدنى ما يؤثر ذلك الكراهة، وأما ثيابهم فما لم يتسعملوه أو علا منها كالعمامة والثوب الفوقاني فهو طاهر لا بأس بلبسه وما لاقى عوراتهم كالسراويل ونحوه فروي عن أحمد أنه قال أحب إلي أن يعيد إذا صلى فيه وهذا قول القاضي. وكره أبو حنيفة والشافعي لبس الأزر والسراويلات وقال أبو الخطاب لا يعيد لأن الأصل الطهارة فلا تزول بالشك

مسألة: والكثير ما بلغ قلتين واليسير ما دونهما

(الضرب الثاني) غير أهل الكتاب وهم المجوس وعبدة الأوثان ونحوهم ومن يأكل لحم الخنزير من أهل الكتاب في موضع يمكنهم أكله أو يأكل الميتة أو يذبح بالسن والظفر فحكم ثيابهم حكم ثياب أهل الذمة عملا بالأصل، وأما أوانيهم فقال أبو الخطاب حكمها حكم أواني أهل الكتاب يباح استعمالها ما لم يتحقق نجاستها وهذا مذهب الشافعي لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه توضأوا من مزادة مشركة. متفق عليه. ولأن الأصل الطهارة فلا تزول بالشك، وقال القاضي هي نجسة لا يستعمل ما استعملوه منها إلا بعد غسله لحديث أبي ثعلبة ولأن أوانيهم لا تخلو من أطعمتهم وذبائحهم ميتة فتتنجس بها وهذا ظاهر كلام أحمد فإنه قال في المجوس لا يؤكل من طعامهم إلا الفاكهة لأن الظاهر نجاسة آنيتهم المستعملة في أطعمتهم، ومتى شك في الإناء هل استعملوه أم لا فهو طاهر لأن الأصل طهارته، ولا نعلم خلافاً بين أهل العلم في إباحة لبس الثوب الذي نسجه الكفار فإن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إنما كان لباسهم من نسج الكفار إلا أن ابن ابي موسى ذكر في الارشاد في وجوب غسلها قبل لبسها روايتين (إحداهما) لا يجب وهو الصحيح لما ذكرنا (والثانية) يجب ليتيقن الطهارة، فأما ثيابهم التي يلبسونها فأباح الصلاة فيها الثوري وأصحاب الرأي، وقال مالك في ثوب الكافر إن صلى فيه يعيد ما دام في الوقت. ولنا أن الأصل الطهارة ولم يترجح التنجيس فيه أشبه ما نسجه الكفار (فصل) وتباح الصلاة في ثياب الصبيان والمربيات وفي ثوب المرأة الذي تحيض فيه إذا لم

مسألة: وهما خمسمائة رطل بالعراقي

تتحقق نجاسته وهو قول الثوري وأصحاب الرأي لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى وهو حامل أمامة بنت أبي العاص بن الربيع متفق عليه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي فإذا سجد وثب الحسن على ظهره، قال أصحابنا والتوقي لذلك أولى لاحتمال النجاسة فيه وقد روى أبو داود عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلي في شعرنا ولحفنا. ولعاب الصبيان طاهر وقد روى أبو هريرة قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم حامل الحسين بن علي على عاتقه ولعابه يسيل عليه (فصل) ولا يجب غسل الثوب المصبوغ في حب الصباغ مسلما كان أو كتابيا نص عليه أحمد عملا بالأصل فإن علمت نجاسته طهر بالغسل وإن بقي اللون لقوله عليه السلام في الدم " الماء يكفيك ولا يضرك أثره " رواه أبو داود (فصل) ويستحب تخمير الأواني وإيكاء الأسقية لما روى أبو هريرة قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نغطي الإناء، ونوكي السقاء (مسألة) قال (ولا يطهر جلد الميتة بالدباغ) . هذا هو الصحيح من المذهب وهو إحدى الروايتين عن مالك روى ذلك عن عمر وابنه وعائشة وعمران بن حصين رضي الله عنهم لما روى عبد الله بن عكيم أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى جهينة " إني كنت رخصت لكم في جلود الميتة فإذا جاءكم كتابي هذا فلا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب " رواه أبو داود وليس في رواية أبي داود " كنت رخصت لكم " والإمام أحمد. وقال

إسناد جيد يرويه يحيى بن سعيد عن شعبة عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عنه وفي لفظ أتانا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل وفاته بشهر أو شهرين وهو ناسخ لما قبله لأنه في آخر عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولفظه دال على سبق الرخصة وأنه متأخر عنه لقوله " كنت رخصت لكم " وإنما يؤخذ بالآخر من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم (فإن قيل) هذا مرسل لأنه من كتاب لا يعرف حامله قلنا كتاب النبي صلى الله عليه وسلم كلفظه ولذلك لزمت الحجة من كتب إليه النبي صلى الله عليه وسلم وحصل له البلاغ لأنه لو لم يكن حجة لم تلزمهم الإجابة ولكان لهم عذر في ترك الإجابة لجهلهم بحامل الكتاب والأمر بخلاف ذلك، وروى أبو بكر الشافعي بإسناده عن أبي الزبير عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا تنتفعوا من الميتة بشئ " وإسناده حسن ولأنه جزء من الميتة فحرم الانتفاع به كسائرها ولقوله تعالى (حرمت عليكم الميتة (1) (مسألة) وهل يجوز استعماله في اليابسات (على روايتين) (إحداهما) لا يجوز لحديث عبد الله بن عكيم (والثانية) يجوز الانتفاع بجلد ما كان طاهرا حال الحياة إذا دبغ لأن النبي صلى الله

_ 1) الشبه بفتحين من المعادن ما يشبه الذهب في لونه وهو أرفع الصفر بضم الصاد (كقفل) وكسرها النحاس وتقدم ذكره

مسألة: وهل ذلك تقريب أو تحديد؟ على وجهين

عليه وسلم وجد شاة ميتة أعطيتها مولاة لميمونة من الصدقة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ألا أخذوا إهابها فدبغوه فانتفعوا به " رواه مسلم ولأن الصحابة رضي الله عنهم لما فتحوا فارس انتفعوا بسروجهم وأسلحتهم وذبائحهم ميتة ونجاسته لا تمنع الانتفاع به كالاصطياد بالكلب وركوب البغل والحمار (مسألة) (وعنه يطهر منها جلد ما كان طاهرا حال الحياة) نص أحمد على ذلك قال بعض أصحابنا إنما يطهر جلد ما كان مأكول اللحم وهو مذهب الأوزاعي وأبي ثور واسحاق لأنه روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ذكاة الأديم دباغه " رواه الإمام أحمد وأبو داود فشبه الدباغ بالذكاة والذكاة إنما تعمل في مأكول اللحم ولأنه أحد المطهرين للجلد فلم يؤثر في غير مأكول كالذبح والأول ظاهر كلام أحمد لعموم لفظه في ذلك ولأن قوله صلى الله عليه وسلم " أيما إهاب دبغ فقد طهر " يتناول

المأكول وغيره وخرج منه ما كان نجسا في الحياة لكون الدبغ إنما يؤثر في رفع نجاسة حادثة بالموت فتبقى فيما عداه على قضية العموم، وحديثهم يحتمل أنه أراد بالذكاة التطيبب من قولهم رائحة ذكية أي طيبة ويحتمل أنه أراد بالذكاة الطهارة فعلى هذين التأويلين يكون اللفظ عاما في كل جلد فيتناول ما اختلفنا فيه ويدل على التأويل الذي ذكرنا أنه لو أراد بالذكاة الذبح لأضافه إلى الحيوان كله لا إلى الجلد (فصل) فأما جلود السباع فقال القاضي: لا يجوز الانتفاع بها قبل الداغ ولا بعده، وبذلك قال الاوزاعي وابن المبارك واسحاق وأبو ثور، وروي عن عمر وعلي رضي الله عنهما كراهة الصلا في جلود الثعالب ورخص في جلود السباع جابر، وروي عن ابن سيرين وعروة أنهم رخصوا في الركوب على جلود النمور ومذهب الشافعي طهارة جلود الحيوانات كلها إلا الكلب والخنزير لأنه يرى طهارتها

في حال الحياة وله في جلد الآدمي وجهان، وقال أبو حنيفة يطهر كل جلد إلا جلد الخنزير، وحكي عن أبي يوسف طهارة كل جلد وهو رواية عن مالك ومذهب من حكم بطهارة الحيوانات كلها لعموم قوله صلى الله عليه وسلم " أيما إهاب دبغ فقد طهر " متفق عليه ولنا ما روى أبو ريحانة قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ركوب النمور رواه الإمام أحمد وأبو داود، وعن معاوية والمقدام بن معد يكرب أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن جلود السباع والركوب عليها. رواه أبو داود والنسائي مع ما ذكرناه، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الانتفاع بشئ من الميتة فجمعنا بين هذه الأحاديث وبين الأحاديث الدالة على طهارة جلود الميتة بحملها على ما كان طاهرا حال الحياة وحمل أحاديث النهي على ما لم يكن طاهرا لأنه متى أمكن الجمع بين الأحاديث ولو من وجه كان أولى من التعارض بينها - يحقق ذلك أن الدبغ إنما يزيل النجاسة

الحادثة بالموت ويرد الجلد إلى ما كان عليه حال الحياة فإذا كان في الحياة نجسا لم يؤثر فيه الدباغ شيئاً والله أعلم. (فصل) واذا قلنا بطهارة الجلد بالدباغ لم يحل أكله في قول عامة أهل العلم، وحكي عن ابن حامد أنه يحل وهو وجه لأصحاب الشافعي لقوله صلى الله عليه وسلم " ذكاة الأديم دباغه " ولأنه معنى يفيد الطهارة في الجلد أشبه الذبح، وظاهر قول الشافعي أنه إن كان من حيوان مأكول جاز أكله لأن الدباغ بمنزلة الذكاة وإلا لم يجز لأن الذكاة لا تبيحه فالدباغ أولى، والأول أصح لقوله عزوجل (حرمت عليكم الميتة) والجلد منها ولقوله صلى الله عليه وسلم " إنما حرم من الميتة أكلها " متفق عليه ولا يلزم من الطهارة إباحة الأكل بدليل تحريم الخبائث مما لا ينجس بالموت وقياسهم لا يقبل مع معارضة الكتاب والسنة (فصل) ويجوز بيعه وإجارته والانتفاع به في كل ما يمكن سوى الآكل وهو قول الشافعي في الجديد ولا يجوز بيعه قبل الدبغ لا نعلم فيه خلافا لأنه متفق على نجاسته أشبه الخنزير ويفتقر ما يدبغ

به الى أن يكون منشفا للرطوبة منقيا للخبث كالشب والقرظ قال ابن عقيل يشترط أن يكون طاهرا لأنها طهارة من نجاسة فلم تطهر بنجس كالاستجمار وهل يطهر الجلد بمجرد الدبغ قبل غسله بالماء؟ فيه وجهان (أحدهما) لا يحصل لقول النبي صلى الله عليه والسلم " يطهرها الماء والقرظ " رواه أبو داود ولأن ما يدبغ به نجس بملاقاة الجلد فإذا اندبغ الجلد بقيت الآلة نجسة فتبقى نجاسة الجلد لملاقاتها له فلا تزول إلا بالغسل (والثاني) يطهر لقوله صلى الله عليه وسلم " أيما إهاب دبغ فقد طهر " ولأنه طهر بانقلابه فلم يفتقر إلى استعمال الماء كالخمرة إذا انقلبت وروت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " طهور كل أديم دباغه قال شيخنا والأول أولى فإن المعنى والخبر إنما يدلان على طهارة عينه وذلك لا يمنع من وجوب غسله من نجاسة تلاقيه كما لو أصابته نجاسة سوى آلة الدبغ أو أصابته آلة الدبغ بعد فصله عنها ولأصحاب الشافعي وجهان كهذين

(فصل) ولا يفتقر الدبغ إلى فعل فلو وقع جلد في مدبغة فاندبغ طهر لأنها إزالة نجاسة فهو كالمطر يطهر الأرض النجسة (مسألة) قال ولا يطهر جلد غير المأكول بالذكاة وهذا قول الشافعي، وقال أبو حنيفة ومالك يطهر لقول النبي صلى الله عليه وسلم " ذكاة الأديم دباغه " شبه الدبغ بالذكاة والدبغ بطهر الجلد على ما مضى كذلك الذكاة ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن افتراش جلود السباع وركوب النمور وهو عام في المذكى وغيره ولأنه ذبح لا يبيح اللحم فلم يطهر الجلد كذبح المجوسي والخبر قد أجبنا عنه فيما مضى. وأما قياس الذكاة على الدبغ فلا يصح فإن الدبغ أقوى لأنه يزيل الخبث والرطوبات كلها ويطيب الجلد على وجه يتهيأ به للبقاء على وجه لا يتغير والذكاة لا يحصل بها ذلك ولا يستغنى بها عن الدبغ فدل على أنه أقوى

(مسألة) (ولبن الميتة نجس لأنه مائع في وعاء نجس فتنجس به وكذلك أنفحتها في ظاهر المذهب لما ذكرنا) وهو قول مالك والشافعي وروي أنها طاهرة وهو قول أبي حنيفة وداود لأن الصحابة رضي الله عنهم أكلوا الجبن لما دخلوا المدائن وهو يعمل بالأنفحة وذبائحهم ميتة لأنهم مجوس والأول أولى لأنه مائع في إناء نجس أشبه مالو حلب في إناء نجس، وأما المجوس فقد قيل إنهم ما كانوا يذبحون بأنفسهم وكان جزاروهم اليهود والنصارى ولو لم ينقل ذلك عنهم كان الاحتمال كافيا فإنه قد كان فيهم اليهود والنصارى والأصل الحل فلا يزول بالشك وقد روي أن الصحابة رضي الله عنهم لما قدموا العراق كسروا جيشا من أهل فارس بعد أن وضعوا طعامهم ليأكلوه فلما فرغ المسلمون منهم جلسوا فأكلوا الطعام وهو لا يخلو من اللحم ظاهرا فلو حكم بنجاسة ما ذبح في بلدهم لما أكلوا من لحمهم، وإذا حكمنا بطهارة اللحكم فالجبن أولى، وعلى هذا لو دخل الإنسان أرضا فيها مجوس وأهل كتاب كان له أكل جبنهم ولحمهم لما ذكرنا

(فصل) وإن ماتت الدجاجة وفيها بيضة قد صلب قشرها فهي طاهرة وهو قول أبي حنيفة وبعض الشافعية وابن المنذر، وكرهها علي بن أبي طالب وابن عمر ومالك والليث وبعض الشافعية لأنها جزء من الميتة، ولنا أنها بيضة صلبة القشرة منفصلة عن الميتة أشبهت الولد إذا خرج حيا من الميتة وكراهية الصحابة محمولة على التنزيه استقذارا لها، وإن لم تكمل البيضة فقال بعض أصحابنا ما كان قشرها أبيض فهو طاهر وما لم يبيض فهو نجس لأنه ليس عليه حائل حصين، واختار ابن عقيل أنها لا تتنجس لأن البيضة عليها غاشية رقيقة كالجلد وهو القشر قبل أن يقوى فلا يتنجس منها إلا مالاقى النجاسة كالسمن الجامد إذا ماتت فيه فأرة إلا أن هذه تطهر إذا غسلت لأن لها من القوة ما يمنع دخول أجزاء النجاسة فيها بخلاف السمن والله أعلم

(مسألة) قال (وعظمها وقرنها وظفرها نجس) عظام الميتة النجسة نجسة مأكولة اللحم أو غيرها كالفيلة لا تطهر بحال وهذا قول مالك والشافعي واسحاق، ورخص في الانتفاع بعظام الفيلة محمد بن سيرين وابن جريج لما روى أبو داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى لفاطمة قلادة من عصب وسوارين من عاج، وقال مالك إن الفيل إن ذكي فعظمه طاهر وإلا فهو نجس لأن الفيل مأكول عنده، وقال الثوري وأبو حنيفة عظام الميتات طاهرة لأن الموت لا يحلها (1) فلا تنجس به كالشعر ولنا قول الله تعالى (حرمت عليكم الميتة) والعظم من جملتها فيكون محرما والفيل لا يؤكل لحمه فيكون نجسا على كل حال، والدليل على تحريمه نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كل ذي ناب من السباع متفق عليه والفيل أعظمها نابا وحديث ثوبان قال الخطابي عن الأصمعي العاج الذبل ويقال

_ 1) الحكم صحيح والتعليل باطل كما ثبت في الاخبار والآثار. والمحرم من الميتة أكلها كما صح مرفوعا والفيل ذو ناب وليس من السباع والنهي عن السباع للكراهة عند مالك وهو ما نختار لضرورة الجمع بينه وبين حصر القرآن المحرمات في أربع

مسألة: وإذا شك في نجاسة الماء أو كان نجسا فشك في طهارته بنى على اليقين

هو عظم ظهر السلحفاة البحرية وقولهم إن العظام لا يحلها الموت ممنوع لأن الحياة تحلها وكل ما تحله الحياة يحله الموت بدليل قوله تعالى (قال من يحيي العظام وهي رميم؟ قل يحييها الذي أنشأها أول مرة) ولأن دليل الحياة الإحساس والألم وهو في العظم أشد منه في اللحم والضرس يألم ويلحقه الضرس ويحس ببرد الماء وحرارته وما يحله الموت ينجس، والقرن والظفر والحافر كالعظم إن أخذ من مذكى فهو طاهر وإن أخذ من حي فهو نجس لقول النبي صلى الله عليه وسلم " ما يقطع من البهيمة وهي حية فهو ميتة " رواه الترمذي وقال حديث حسن غريب. وكذلك ما يتساقط من قرون الوعول في حياتها ويحتمل أن هذا طاهر لأنه طاهر متصلا مع عدم الحياة فيه فلم ينجس بفصله من الحيوان كالشعر والخبر أريد به ما يقطع من البهيمة مما فيه حياة فيموت بفصله بدليل الشعر فأما ما لا ينجس بالموت كالسمك فلا بأس بعظامه فإنه لا ينجس بالموت فهو كالمذكى (مسألة) قال (وصوفها وشعرها وريشها طاهر) يعني شعر ما كان طاهرا في حياته وصوفه

روى ذلك عن الحسن وابن سيرين، وبه قال مالك والليث بن سعد والاوزاعي وإسحاق وابن المنذر وأصحاب الرأي، وروي عن أحمد ما يدل على أنه نجس وهو قول الشافعي لأنه ينمي من الحيوان فنجس بموته كأعضائه، ولنا ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا بأس بمسك الميتة إذا دبغ وصوفها وشعرها إذا غسل " رواه الدارقطني وقال لم يأت به إلا يوسف بن السفر وهو ضعيف ولأنه لا تفتقر طهارة منفصلة إلى ذكاة أصله فلم ينجس بموته كأجزاء السمك والجراد ولأنه لا حياة فيه وما لا تحله الحياة لا يموت، والدليل على أنه لا حياة فيه أنه لو كان فيه حياة لنجس بفصله من الحيوان في حال حياته لقول النبي صلى الله عليه وسلم " ما أبين من حي فهو ميت " رواه أبو داود بمعناه وما ذكروه ينتقض بالبيض ويفارق الأعضاء لأن فيها حياة، ولذلك تنجس بفصلها من الحيوان حال حياته، والنمو لا يدل على الحياة بدليل نمو الشجر والريش كالشعر لأنه في معناه فأما أصول الريش والشعر إذا نتف من

الميتة وهو رطب فهو نجس برطوبة الميتة وهل يطهر بالغسل على وجهين (أحدهما) يطهر كرءوس الشعر إذا تنجس (والثاني) لا يطهر لأنه جزء من اللحم لم يكمل شعرا ولا ريشا (فصل) وشعر الآدمي طاهر منفصلا ومتصلا في الحياة والموت، وقال الشافعي في أحد قوليه ينجس بفصله (1) ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم فرق شعره بين أصحابه قال أنس لما رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحر نسكه ناول الحالق شقه الأيمن فحلقه ثم دعا أبا طلحة الأنصاري فأعطاه إياه ثم ناوله الشق الأيسر فقال: أحلق فحلقه وأعطاه أبا طلحة فقال " اقسمه بين الناس " رواه مسلم، وروى أن معاوية أوصى أن يجعل نصيبه منه في فيه إذا مات. وكان في قلنسوة خالد شعرات من شعر النبي صلى الله عليه وسلم ولو كان نجسا لما ساغ ذلك ولما فرقه النبي صلى الله عليه وسلم وقد علم أنهم يأخذونه يتبركون به وما كان طاهرا من النبي صلى الله عليه وسلم

_ 1) إن كان الشافعي قال هذا فقد رجع هنا وقد زال الشارح هنا تبعا لاستاذه صاحب المغني فذكر شعر النبي صلى الله عليه وسلم في هذا المقام فخذفناه لبطلانه وتكريما لشعره عليه أفضل الصلاة والسلام

مسألة: وإن اشتبه الماء الطاهر بالنجس لم يتحر فيهما على الصحيح من المذهب ويتيمم

كان طاهرا ممن سواه كسائره ولأنه شعر متصله طاهر فكذلك منفصله كشعر الحيوانات الطاهرة وكذلك نقول في أعضاء الآدمي وإن سلمنا نجاستها فإنها تنجس من الحيوانات بفصلها في الحياة بخلاف الشعر فحصل الفرق (فصل) ولا يجوز استعمال شعر الآدمي وإن كان طاهراً لحرمته لا لنجاسته ذكره ابن عقيل فأما الصلاة فيه فصحيحة. (فصل) وكل حيوان فحكم شعره حكم بقية أجزائه في النجاسة والطهارة لا فرق بين حالة الحياة والموت إلا أن الحيوانات التي حكمنا بطهارتها لمشقة التحرز كالهر وما دونها فيها بعد الموت وجهان (أحدهما) نجاستها لأنها كانت طاهرة في الحياة مع وجود علة التنجيس لمعارض وهو عدم إمكان التحرز عنها وقد زال ذلك بالموت فتنتفي الطهارة (والثاني) هي طاهرة وهو أصح لأنها كانت طاهرة في الحياة والموت لا يقتضي تنجيسها فتبقى طاهرة وما ذكر للوجه الأول لا يصح ولا نسلم

وجود علة التنجيس وإن سلمناه غير أن الشرع ألغاه ولم يعتبره في موضع فليس لنا اعتباره بالتحكم (فصل) وهل يجوز الخرز بشعر الخنزير فيه روايتان (إحداهما) كراهته حكي ذلك عن الحسن وابن سيرين واسحاق والشافعي لأنه استعمال للعين النجسة ولا يسلم من التنجيس بها فحرم الانتفاع بها كجلده (والثانية) يجوز الخرز به قال وبالليف أحب إلينا، ورخص فيه الحسن ومالك والاوزاعي وأبو حنيفة لأن الحاجة تدعو إليه، فإذا خرز به شيئا رطبا أو كانت الشعرة رطبة نجس ويطهر بالغسل، قال ابن عقيل وقد روي عن أحمد أنه لا بأس به ولعله قال ذلك لأنه لا يسلم الناس منه وفي تكليف غسله اتلاف أموال الناس قال شيخنا والظاهر أن أحمد إنما عنى لا بأس بالخرز فأما الطهارة فلابد منها

مسألة: وهل يشترط إراقتها أو خلطهما فيه روايتان

(باب الاستنجاء) الاستنجاء استفعال من نجوت الشجرة أي قطعتها فكأنه قطع الأذى عنه، وقال ابن قتيبة هو مأخوذ من النجوة وهي ما ارتفع من الأرض لأن من أراد قضاء الحاجة استتر بها، فأما الاستجمار فهو استفعال من الجمار وهي الحجارة الصغار لأنه يستعملها في استجماره (مسألة) قال رحمه الله (يستحب لمن أراد دخول الخلاء أن يقول بسم الله) لما روى علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ستر ما بين الجن وعورات بني آدم إذا دخل الكنيف أن يقول بسم الله " رواه ابن ماجه ويقول " اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث، ومن الرجس النجس الشيطان الرجيم " لما روى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل الخلاء قال " اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث " متفق عليه، وعن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا يعجز أحدكم إذا دخل مرفقه أن يقول: اللهم إني أعوذ بك من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم " رواه ابن ماجه، قال أبو عبيدة الخبث بسكون الباء الشر، والخبث بضم الخاء والباء جمع خبيث، والخبائث جمع خبيثة استعاذ من ذكران الشياطين وانائهم

(مسألة) قال رحمه الله (ولا يدخله بشئ فيه ذكر الله تعالى) لما روى أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء وضع خاتمه. رواه ابن ماجه والترمذي وقال حديث حسن صحيح غريب، وقيل إنما كان النبي صلى الله عليه وسلم يضعه لأن فيه محمد رسول الله فإن احتفظ بما معه مما فيه ذكر الله واحترز عليه من السقوط وأدار فص الخاتم إلى كفه فلا بأس، قال أحمد الخاتم إذا كان فيه اسم الله يجعله في باطن كفه ويدخل الخلاء وبه قال إسحاق ورخص فيه ابن المسيب والحسن وابن سيرين، قال أحمد في الرجل يدخل الخلاء ومعه الدراهم أرجو أن لا يكون به بأس (مسألة) قال (ويقدم رجله اليسرى في الدخول واليمنى في الخروج) لأن اليسرى للأذى واليمنى لما سواه (ولا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض لما روى أبو داود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا أراد الحاجة لا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض ولان ذلك أسترله

مسألة: وإن اشتبه طهور بطاهر توضأ من كل واحد منهما وصلى صلاة واحدة

(مسألة) (ويعتمد على رجله اليسرى) لما روى سراقة بن مالك قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتوكأ على اليسرى وأن ننصب اليمنى. رواه الطبراني في المعجم (مسألة) قال رحمه الله (ولا يتكلم) لما روى عبد الله بن عمر قال: مر بالنبي صلى الله عليه وسلم رجل فسلم عليه وهو يبول فلم يرد عليه. رواه مسلم ولا يذكر الله تعالى على حاجته بلسانه. روي كراهة ذلك عن ابن عباس وعطاء، وقال ابن سيرين والنخعي لا بأس به. ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد السلام الذي يجب رده فذكر الله أولى فإن عطس حمد الله بقلبه ولم يتكلم، وقال ابن عقيل فيه رواية أخرى أن يحمد الله بلسانه والأول أولى لما ذكرناه، وروى أبو سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا يخرج الرجلان يضربان الغائط كاشفين عن عورتهما يتحدثان فإن الله يمقت على ذلك " رواه أبو داود وابن ماجه

(مسألة) قال (ولا يلبث فوق حاجته) لأنه يقال أن ذلك يدمي الكبد ويأخذ منه الباسور (مسألة) قال (فإذا خرج قال غفرانك، الحمدالله الذي أذهب عني الأذى وعافاني) لما روت عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال " غفرانك " رواه الترمذي وقال حديث حسن وعن أنس بن مالك كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال: " الحمدلله الذي أذهب عني الأذى وعافاني " رواه ابن ماجه (فصل) ويستحب أن يغطي رأسه لما روت عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء غطى رأسه وإذا أتى أهله غطى رأسه. رواه البيهقي من رواية محمد بن يونس الكديمي وكان يتهم بوضع الحديث، ولا بأس أن يبول في الإناء قالت أمية بنت رقية كان للنبي صلى الله عليه وسلم قدح من عيدان يبول فيه ويضعه تحت السرير رواه أبو داود والنسائي

باب الآنية

(مسألة) قال (وإن كان في الفضاء) أبعد لما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد البراز انطلق حتى لا يراه أحد رواه أبو داود (مسألة) قال (واستتر وارتاد مكانا رخوا) لما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من أتى الغائط فليستتر فان لم يجد إلا أن يجمع كثيبا من رمل فليستدبره فإن الشيطان يلعب بمقاعد بني آدم من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج " رواه أبو داود. ويرتاد مكانا رخوا لما روى أبو داود قال كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فأراد أن يبول فأتى دمثا في أصل جدار فبال ثم قال " إذا أراد أحدكم أن يبول فليرتد لبوله " رواه الإمام أحمد وأبو داود من رواية أبي التياح عن رجل كان يصحب ابن عباس لم يسمه عن أبي موسى ولئلا يترشش عليه البول ويستحب أن يبول قاعدا لئلا يترشش عليه ولأنه أستر وأحسن، قال ابن مسعود من الجفاء أن تبول وأنت قائم قالت عائشة من

مسألة: إلا آنية الذهب والفضة والمضبب بهما فإنه يحرم اتخاذها واستعمالها على الرجال والنساء

حدثكم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبول قائما فلا تصدقوه ما كان يبول إلا قاعدا. قال الترمذي هذا أصح شئ في الباب وقد رويت الرخصة فيه عن عمر وعلي وابن عمر وزيد بن ثابت لما روى حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم فبال قائما رواه البخاري ومسلم والأول أولى لما روى عمر بن الخطاب قال رآنى النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أبول قائما فقال " يا عمر لا تبل قائما " فما بلت قائما بعد. رواه ابن ماجه (1) وعن جابر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبول قائما رواه ابن ماجه، وأما حديث حذيفة فلعل النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك ليبين الجواز أو كان في موضع لا يتمكن من الجلوس فيه وقيل فعل ذلك لعلة كانت بمأبضه ليستشفي به والمأبض ما تحت الركبة من كل حيوان (مسألة) قال (ولا يبول في شق ولا سرب ولا طريق ولاظل نافع ولا تحت شجرة مثمرة) البول في هذه المواضع كلها مكروه منهي عنه ومثلها موارد الماء لما روى عبد الله بن سرجس أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يبال في الجحر رواه أبو داود قالوا لقتادة ما يكره من البول في الجحر؟ قال كان يقال أنها مساكن الجن رواه الإمام أحمد، وقد حكي عن سعد بن عبادة أنه بال في جحر ثم استلقى ميتا فسمعت الجن تقول نحن قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة * ورميناه بسهمين فلم نخط فؤاده ولأنه لا يأمن أن يكون فيه حيوان يلسعه، وروى معاذ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " اتقوا الملاعن

_ 1) لكنه ضعيف كما قاله الترمذي

الثلاثة البراز في الموارد وقارعة الطريق والظل " رواه أبو داود وابن ماجة، والبول تحت الشجرة المثمرة ينجس الثمرة فيؤذي من يأكلها (فصل) ويكره البول في الماء الراكد لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن البول في الماء الراكد متفق عليه، فأما الجاري فلا يجوز التغوط فيه لأنه يؤذي من مر به، فأما البول فيه وهو كثير فلا بأس به لأن تخصيص النهي بالماء الراكد دليل على أن الجاري بخلافه، ولا يبول في المغتسل لما روى الإمام أحمد وأبو داود عن رجل صحب النبي صلى الله عليه وسلم قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إن يمتشط أحدنا كل يوم أو يبول في مغتسله، وقد روي أن عامة الوسواس منه، رواه

مسألة: فإن توضأ منها أو اغتسل فهل تصح طهارته؟ على وجهين

أبو داود وابن ماجة وقال سمعت علي بن محمد يقول إنما هذا في الحفيرة فأما اليوم فمغتسلاتهم الجص والصاروج والقير فإذا بال وأرسل عليه الماء فلا بأس به، وقال الإمام أحمد إن صب عليه الماء وجرى في البالوعة فلا بأس وقد قيل إن البصاق على البول يورث الوسواس وإن البول على النار يورث السقم، ويكره أن يتوضأ على موضع بوله أو يستنجي عليه لئلا يتنجس به وتوقي ذلك كله أولى (مسألة) قال (ولا يستقبل الشمس ولا القمر) لما فيهما من نور الله وقد روي أن معهما ملائكة فإن استتر عنهما بشئ فلا بأس ولا يستقبل الريح لئلا يتنجس باالبول (مسألة) (ولا يجوز أن يستقبل القبلة في الفضاء) وهذا قول أكثر أهل العلم لما روى أبو أيوب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ببول ولا غائط ولكن شرقوا أو غربوا " قال أبو أيوب فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بنيت نحو

الكعبة فننحرف عنها ونستغفر الله. متفق عليه ولم يقل البخاري ببول ولا غائط (1) وعن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " اذا جلس أحدكم على حاجته فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها " رواه مسلم، وقال عروة وداود وربيعة يجوز استقبالها واستدبارها لما روى جابر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستقبل القبلة ببول فرأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها قال الترمذي هذا حديث حسن غريب، وهذا دليل على النسخ. ولنا أحاديث النهي وهي صحيحة وحديث جابر يحتمل أنه رآه في البنيان أو مستترا بشئ فلا يثبت النسخ بالاحتمال ويتعين حمله على ما ذكرنا ليكون موافقاً لما ذكر من الأحاديث (مسألة) (وفي استدبارها فيه واستقبالها في البنيان روايتان) وجملة ذلك أن استدبار الكعبة بالبول والغائط فيه ثلاث روايات (إحداها) يجوز في الفضاء والبنيان جميعا لما روى ابن عمر

_ 1) اي في الحديث المسند ولكن ذكره في ترجمة الباب معزوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم

قال رقيت يوما على بيت حفصة فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم على حاجته مستقبل الشام مستدبرا للكعبة. متفق عليه (والثانية) لا يجوز ذلك فيهما لحديث أبي أيوب ولما روى أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا جلس أحدكم على حاجته فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها " رواه مسلم (والثالثة) يجوز ذلك في البنيان ولا يجوز في الفضاء وهو الصحيح روي جواز استقبال القبلة واستدبارها في البنيان عن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم، وبه قال مالك والشافعي وابن المنذر لحديث جابر، ولما روت عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر له إن قوماً يكرهون استقبال القبلة بفروجهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أقد فعلوها؟ استقبلوا بمقعدتي القبلة " رواه أصحاب السنن، قال أبو عبد الله أحسن ما روي في الرخصة حديث عائشة فإن كان مرسلا فإن مخرجه حسن إنما سماه أبو عبد الله مرسلا لأن عراك بن مالك رواه عن عائشة، قال أحمد ولم يسمع عنها، وروى مروان الأصفر قال رأيت ابن عمر أناخ ناقته (راحلته) مستقبل القبلة ثم جلس يبول إليها فقلت أبا عبد الرحمن: أليس نهي عن هذا؟ قال بلى إنما نهى عن هذا في الفضاء أما إذا كان بينك وبين القبلة شئ يسترك فلا بأس. رواه أبو داود وهذا تفسير لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم العام وفيه جمع بين الأحاديث بحمل أحاديث النهي على الفضاء وأحاديث الرخصة على البنيان فيتعين المصير إليه، وأما

مسألة: إلا أن تكون الضبة يسيرة من الفضة كتشعيب القدح فلا بأس بها إذا لم يباشرها بالاستعمال

استقبالها في البنيان ففيه روايتان (إحداهما) يجوز لما ذكرنا وبه قال مالك والشافعي (والثانية) لا يجوز وهو قول الثوري وأبي حنيفة لعموم أحاديث النهي والأول أولى (مسألة) قال (فإذا فرغ مسح بيده اليسرى من أصل ذكره إلى رأسه ثم ينتره ثلاثا) فيجعل يده على أصل الذكر من تحت الأنثيين ثم يسلته إلى رأسه فينتر ذكره ثلاثا برفق لما روى يزداد اليماني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا بال أحدكم فلينتر ذكره ثلاث مرات " رواه أحمد (مسألة) (ولا يمس ذكره بيمينه ولا يستجمر بها) لما روى أبو قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا يمسكن أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول ولا يتمسح من الخلاء بيمينه " متفق عليه فإن كان يستجمر من غائط أخذ الحجر بيساره فمسح به. وإن كان من البول أمسك ذكره بشماله ومسحه على الحجر فإن كان الحجر، صغيرا وضعه بين عقبيه أو بين أصابعه ومسح عليه إن أمكنه وإلا أمسك الحجر بيمينه ومسح بيساره الذكر عليه، وقيل يمسك الذكر بيمينه ويمسحه بيساره والأول أولى لما ذكرنا من الحديث ولأنه إذا أمسك الحجر بيمينه ومسح بيساره لم يكن ماسحا

مسألة: وثياب الكفار وأوانيهم طاهرة مباحة الاستعمال ما لم تعلم نجاستها

بيمينه ولا ممسكا للذكر بها، فإن كان أقطع اليسرى أو بها مرض استجمر بيمينه للحاجة. فأما الاستعانة بها في الماء فلا يكره لأن الحاجة داعية إليه (فإن استجمر بيمينه لغير حاجة أجزأه) في قول أكثر أهل العلم وحكي عن بعض أهل الظاهر أنه لا يجزئه لأنه منهي عنه أشبه مالو استنجى بالروث والرمة والأول أولى لأن الروث آلة الاستجمار المباشرة للمحل وشرطه فلم يجز استعمال الآلة المنهي عنها فيه واليد ليست المباشرة للمحل ولا شرطاً فيه إنما يتناول بها الحجر الملاقي للمحل فصار النهي عنها نهي تأديب لا يمنع الاجزاء (مسألة) (ثم يتحول عن موضعه لئلا يتنجس بالخارج منه ثم يستجمر ثم يستنجي بالماء) الجمع بين الحجر والماء أفضل لأن الحجر يزيل ما غلظ من النجاسة فلا تباشرها يده. والماء يزيل ما بقي قال أحمد: إن جمعهما فهو أحب إلي لما روي عن عائشة أنها قالت للنساء: مرن أزواجكن أن يتبعوا الحجارة الماء من أثر الغائط والبول فإني أستحبهما وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله قال الترمذي هذا حديث صحيح (مسألة) قال (ويجزئه أحدهما) في قول أكثر أهل العلم، وحكي عن سعد بن أبي وقاص وابن الزبير أنهما أنكرا الاستنجاء بالماء قال سعيد بن المسيب: وهل يفعل ذلك إلا النساء؟ وقال عطاء غسل الدبر

محدث، والأول أولى لما روى أنس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يدخل الخلاء فأحمل أنا وغلام نحوي إداوة من ماء وعنزة فيستنجي بالماء متفق عليه ولما ذكرنا من حديث عائشة وروى ابو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " نزلت هذه الآية في أهل قباء (فيه رجال يحبون أن يتطهروا) قال كانوا يستنجون بالماء فنزلت فيه هذه الآية " رواه أبو داود وروي عن ابن عمر أنه كان لا يفعله ثم فعله وقال لنافع إنا جربناه فوجدناه صالحا ولأنه يطهر النجاسة في غير محل الاستنجاء فجاز في محل الاستنجاء قياساً عليه، فأما الاقتصار على الاستجمار فهو جائز بغير خلاف بين أهل العلم لما يذكر من الأخبار وهو إجماع الصحابة رضي الله عنهم، ومتى أراد الاقتصار على أحدهما فالماء أفضل لما روينا من الأحاديث ولأنه يزيل العين والأثر ويطهر المحل وأبلغ في التنظيف (مسألة) قال (ألا إن يعدوا الخارج موضع الحاجة فلا يجزئ إلا الماء) مثل أن ينتشر إلى الصفحتين أو يمتد إلى الحشفة كثيرا وبهذا قال الشافعي وإسحاق وابن المنذر لأن الاستجمار في المحل المعتاد رخصة لأجل المشقة في غسله لتكرر النجاسة فيه فما لا يتكرر لا يجزئ فيه إلا الماء كساقية ولذلك قال علي رضي الله عنه - إنكم كنتم تبعرون بعرا وأنتم اليوم تثلطون ثلطا فأتبعوا الماء الأحجار فأما قوله عليه السلام " يكفي أحدكم ثلاثة أحجار " يحمل على ما إذا لم يتجاوز موضع العادة لما ذكرنا (فصل) والمرأة البكر كالرجل لأن عذرتها تمنع انتشار البول، فأما الثيب فإن خرج البول بحدة ولم ينتشر فكذلك وإن تعدى إلى مخرج الحيض فقال أصحابنا يجب غسله لأن مخرج الحيض غير مخرج البول، قال شيخنا ويحتمل أن لا يجب لأن هذا إعادة في حقها فكفى فيه الاستجمار كالمعتاد في غيرها ولأن الغسل لو لزمها لبينه النبي صلى الله عليه وسلم لأزواجه لكونه مما يحتاج إلى معرفته، وإن شك في انتشار الخارج لم يجب الغسل لأن الأصل عدمه والأولى الغسل احتياطا

(فصل) والأقلف إن كانت بسرته لا تخرج من قلفته فهو كالمختتن وإن كان يمكنه كشفها كشفها فإذا بال واستجمر أعادها، وإن تنجست بالبول لزمه غسلها كما لو انتشر إلى معظم الحشفة (فصل) وإن انسد المخرج المعتاد وانفتح آخر لم يجز فيه الاستجمار، وحكي عن بعض أصحابنا أنه يجزئه لأنه صار معتادا - ولنا أن هذا نادر بالنسبة إلى سائر الناس فلم يثبت فيه أحكام الفرج ولأن لمسه لا ينقض الوضوء ولا يتعلق بالإيلاج فيه شئ من أحكام الوطئ أشبه سائر البدن (فصل) والأولى أن يبدأ الرجل بالاستنجاء في القبل لئلا تتلوث يده إذا شرع في الدبر لأن قبله بارز فأما المرأة فهي مخيرة في البداية بأيهما شاءت لعدم ذلك فيها وإذا استنجى بالماء ثم فرغ استحب له دلك يده بالأرض لما روت ميمونة أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك رواه البخاري

مسألة: ولا يطهر جلد الميتة بالدباغ

ويستحب أن يمكث قليلا قبل الاستنجاء حتى ينقطع أثر البول فإن استنجى عقيب انقطاعه جاز لأن الظاهر انقطاعه، وقد قيل إن الماء يقطع البول ولذلك سمي الاستنجاء انتقاص الماء ويستحب أن ينضح على فرجه وسراويله بعد الاستنجاء ليزيل عنه الوسواس قال حنبل سألت أحمد قلت أتوضأ وأستبرئ وأجد في نفسي أني قد أحدثت بعد؟ قال: إذا توضأت فاستبرئ ثم خذ كفا من ماء فرشه في فرجك لا تلتفت إليه فإنه يذهب إن شاء الله، وقد روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " جاءني جبريل فقال يا محمد إذا توضأت فانتضح " حديث غريب (فصل) وإذا استنجى بالماء لم يحتج إلى التراب لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه استعمل التراب مع الماء في الاستنجاء ولا أمر به (مسألة) قال (ويجوز الاستجمار بكل طاهر ينقي كالحجر ونحوه الخشب والخرق) أما الاستجمار بالاحجار فلا خلاف فيه فيما علمنا وذلك لما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجار فإنها تجزئ عنه " رواه أبو داود، فأما الاستجمار بما سواها كالخشب والخرق وما في معناها مما ينقي فهو جائز في الصحيح من المذهب وقول أكثر أهل العلم وعنه لا يجزئ إلا الأحجار اختارها أبو بكر وهو مذهب داود لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالأحجار وأمره يقتضي الوجوب ولأنه موضع رخصة ورد الشرع فيها بآلة مخصوصة فوجب الاقتصار عليها كالتراب في التيمم وقياسا على رمي الجمار، ولنا ما روى طاوس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " إذا أتى أحدكم البراز فلينزه قبلة الله فلا يستقبلها ولا يستدبرها وليستطب بثلاثة أحجار أو ثلاثة أعواد أو ثلاث حثيات من تراب " رواه الدارقطني قال وقد روي عن ابن عباس مرفوعا والصحيح أنه مرسل وفي حديث سلمان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لينهانا أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار وأن نستنجي برجيع أو عظم رواه مسلم. وتخصيص هذين بالنهي يدل على أنه أراد الحجارة وما قام مقامها وإلا لم يكن لتخصيص هذين بالنهي معنى، ولأنه متى ورد النص بشئ لمعنى معقول

مسألة: وهل يجوز استعماله في اليابسات على روايتين

وجب تعديته إلى ما وجد فيه المعنى، والمعنى ههنا إزالة عين النجاسة وهذا يحصل بغير الأحجار كحصوله بها فأما التيمم فإنه غير معقول (فصل) ويشترط فيما يستجمر به أن يكون طاهرا كما ذكر، فإن كان نجسا لم يجزئه الاستجمار به وبهذا قال الشافعي، وقال أبو حنيفة يجزئه لأنه يجففه كالطاهر، ولنا أن ابن مسعود جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بحجرين وروثة ليستجمر بها فأخذ الحجر وألقى الروثة وقال " هذا ركس " يعني نجسا، رواه الترمذي وهذا تعليل من النبي صلى الله عليه وسلم يجب المصير إليه، ولأنه إزالة نجاسة فلا تحصل بالنجس كالغسل، فإن استجمر بنجس احتمل أن لا يجزئه الاستجمار بعده لأنها نجاسة من خارج فلم يجز فيها غير الماء كما لو تنجس المحل بها ابتداء، ويحتمل أن يجزئه لأن هذه النجاسة تابعة لنجاسة المحل فزالت بزوالها، ويشترط أن يكون مما ينقي لأن الإنقاء شرط في الاستنجاء فإن كان زلجا كالزجاج والفحم الرخو وشبههما أو نديا لا ينقي لم يجز في الاستجمار لأنه لا يحصل به المقصود (مسألة) قال (إلا الروث والعظام والطعام وما له حرمة وما يتصل بحيوان) وجملة ذلك أنه لا يجوز الاستجمار بالروث ولا العظام ولا يجزئ في قول أكثر أهل العلم وبهذا قال الثوري والشافعي واسحاق، وقال أبو حنيفة يجوز الاستجمار بهما لأنهما يجففان النجاسة وينقيان المحل فهما كالحجر، وأباح مالك الاستنجاء بالطاهر منهما، ولنا ما روى مسلم عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تستنجوا بالروث ولا بالعظام فإنه زاد إخوانكم من الجن " وروى الدارقطني أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يستنجى بروث أو عظم وقال " إنهما لا يطهران " وقال إسناد صحيح، وروى أبو داود عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لرويفع بن ثابت " أخبر الناس أنه من استنجى برجيع أو عظم فهو برئ من محمد " وهذا عام في الطاهر منهما وغيره، والنهي يقتضي الفساد وعدم الإجزاء، وكذلك الطعام يحرم الاستنجاء

به بطريق التنبيه لأن النبي صلى الله عليه وسلم علل النهي عن الروث والرمة بكونه زاد الجن فزادنا أولى لكونه أعظم حرمة، فإن قيل فقد نهى عن الاستجمار باليمين كنهيه عن الاستجمار بهذين ولم يمنع ذلك الإجزاء فعنه جوابان (أحدهما) أنه قد بين في الحديث أنهما لا يطهران (الثاني) الفرق بينهما وهو أن النهي ههنا لمعنى في شرط الفعل فمنع صحته كالنهي عن الوضوء بالماء النجس وثم لمعنى في آلة الشرط فلم يمنع كالوضوء من إناء محرم وكذلك ماله حرمة مثل كتب الفقه والحديث لما فيه من هتك الشريعة والاستخفاف بحرمتها فهو في الحرمة أعظم من الروث والرمة وكذلك ما يتصل بحيوان كعقبه ويده وذنب البهيمة وصوفها المتصل بها لأن له حرمة فهو كالطعام (مسألة) (ولا يجزئ أقل من ثلاث مسحات إما بحجر ذي شعب أو بثلاثة) أما الاستجمار بثلاثة أحجار فيجزئ إذا حصل بها الإنقاء بغير خلاف علمناه لما ذكرناه من النص والإجماع فأما الحجر الذي له ثلاث شعب فيجوز الاستجمار به في ظاهر المذهب وهو اختيار الخرقي ومذهب الشافعي واسحاق وأبي ثور، وعن أحمد رواية أخرى لا يجزئ أقل من ثلاثة أحجار وهو قول أبي بكر وابن المنذر لقوله صلى الله عليه وسلم " لا يستنج أحدكم بدون ثلاثة أحجار " رواه مسلم ولا يكفي أحدكم دون ثلاثة أحجار ولأنه إذا استجمر بالحجر تنجس فلم يجز الاستجمار به ثانيا كالصغير. ولنا أنه استجمر ثلاثا منقية بما وجد فيه شروط الاستجمار فأجزأه كما لو فصله ثلاثة أحجار واستجمر بها فإنه لا فرق بينهما إلا فصلة ولا أثر لذلك في التطهير والحديث يقتضي ثلاث مسحات بحجر كما يقال ضربته ثلاثة اسواط أي ثلاث ضربات بسوط وذلك لأن معناه معقول ومراده معلوم والحاصل من ثلاثة أحجار حاصل من ثلاث شعب، ومن مسحه ذكره في صخرة عظيمة بثلاثة مواضع منها فلا معنى للجمود على اللفظ مع وجود ما يساويه، وقولهم إن الحجر يتنجس قلنا إنما يمسح بالموضع الطاهر أشبه مالو تنجس جانبه بغير الاستجمار ولأنه لو استجمر به ثلاثة حصل لكل واحد منهم مسحة وقام مقام ثلاثة أحجار فكذلك إذا استجمر به الواحد (فصل) ولو استجمر ثلاثة بثلاثة أحجار لكل حجر ثلاث شعب استجمر كل واحد بشعبة

من حجر أو استجمر بحجر ثم غسله وكسر ما تنجس منه ثم استجمر به ثانيا ثم فعل ذلك واستجمر به ثلاثا أجزأه لحصول المعنى والإنقاء، ويحتمل على قول أبي بكر ان لا يجزئه جمودا على اللفظ وهو بعيد والله أعلم (فصل) ويشترط للاستجمار الإنقاء وكمال العدد ومعى الإنقاء في الاستجمار إزالة عين النجاسة وبللها بحيث يخرج نقيا ليس عليه أثر إلا شيئا يسيرا، ومعنى الإنقاء في الاستنجاء ذهاب لزوجة النجاسة وآثارها، فإن وجد الإنقاء ولم يكمل العدد لم يجزي وهذا مذهب الشافعي، وقال مالك يجزي وبه قال داود لحصول المقصود وهو الإنقاء ولقوله صلى الله عليه وسلم " من استجمر فليوتر من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج " ولنا قول سلمان لقد نهانا يعني النبي صلى الله عليه وسلم إن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار. فأما قوله " فلا حرج " في حديثهم يعني في ترك الوتر لا في ترك العدد لأن المأمور به في الخبر الوتر فيعود نفي الحرج اليه (مسألة) (فإن لم ينق بها زاد حتى ينقي) لان المقصود إزالة آثار النجاسة فإذا لم ينق لم يحصل مقصود الاستجمار (مسألة) قال (ويقطع على وتر) لما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من استجمر فليوتر " متفق عليه، وهو مستحب غير واجب لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " من استجمر فليوتر من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج " رواه الإمام أحمد وأبو داود " فليستجمر ثلاثا أو خمسا أو سبعاً أو تسعا " فإن أنقى بشفع أجزأ لما ذكرنا (فصل) وكيفما حصل الإنقاء في الاستجمار أجزأ، وذكر القاضي أن المستحب أن يمر الحجر الأول من مقدم صفحته اليمنى إلى مؤخرها ثم يديره على اليسرى حتى يصل به إلى الموضع الذي بدأ منه ثم يمر الثاني من مقدم صفحته اليسرى كذلك ثم يمر الثالث على المسربة والصفحتين لقول النبي صلى الله عليه وسلم " أو لا يجد أحدكم حجرين للصفحتين وحجرا للمسربة، " رواه الدارقطني وقال إسناد حسن،

وذكر الشريف أبو جعفر وابن عقيل أنه ينبغي أن يعم المحل بكل واحد من الأحجار لأنه إذا لم يعم كان تلفيقا فيكون مسحة واحدة وقالا معنى الحديث البداية بهذه المواضع، قال شيخنا ويحتمل أن يجزئه لكل جهة مسحة لظاهر الخبر والله أعلم (فصل) ويجزي الاستجمار في النادر كأجزائه في المعتاد، ولأصحاب الشافعي وجه أنه لا يجزئ في النادر قال ابن عبد البر يحتمل أن يكون قول مالك لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بغسل الذكر من المذي وظاهر الأمر الوجوب ولأن النادر لا يتكرر فلا يشق اعتبار الماء فيه فوجب كغير هذا المحل - ولنا أن الخبر عام في الكل ولأن الاستجمار في النادر إنما وجب لما صحبه من بلة المعتاد، ثم إن لم يشق فهو في محل المشقة فيعتبر مظنة المشقة دون حقيقتها كما جاز الاستجمار على نهر جار. وأما المذي فمعتاد كثير وربما كان في بعض الناس أكثر من البول ولهذا أوجب مالك منه الوضوء وهو لا يوجبه من النادر فيجزئ فيه الاستجمار قياساً على سائر المعتاد والأمر محمول على الاستحباب جمعاً بينه وبين ما ذكرناه والله أعلم (مسألة) قال (ويجب الاستنجاء من كل خارج إلا الريح) سواء كان معتادا كالبول والغائط أو نادرا كالحصى والدود والشعر رطبا أو يابسا، فلو وطئ امرأته دون الفرج فدب ماؤه إلى فرجها ثم خرج منه وجب عليهما الاستنجاء هذا ظاهر كلام الخرقي وصرح به القاضي وغيره، ولو أدخل الميل في ذكره ثم أخرجه لزمه الاستنجاء لأنه خارج من السبيل فأشبه الغائط المستحجر، والقياس أن لا يجب الاستنجاء من ناشف لا ينجس المحل وهو قول الشافعي، وهذا الحكم في الطاهر وهو المني إذا حكمنا بطهارته لأن الاستنجاء إنما شرع لإزالة النجاسة ولا نجاسة ههنا، ولأنه لم يرد به نص ولا هو في معنى المنصوص والقول بوجوب الاستنجاء في الجملة قول أكثر أهل العلم، وحكي عن

ابن سيرين فيمن صلى بقوم ولم يستنج لا أعلم به بأسا وهذا يحتمل أن يكون فيمن لم يلزمه الاستنجاء كمن توضأ من نوم أو خروج ريح، ويحتمل أنه لم ير وجوب الاستنجاء وهذا مذهب أبي حنيفة لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من استجمر فليوتر من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج " رواه أبو داود ولأنها نجاسة يجزئ المسح فيها فلم يجب إزالتها كيسير الدم - ووجه الأول قول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجار فإنها تجزئ عنه " رواه أبو داود، وقال صلى الله عليه وسلم " لا يستنج أحدكم بدون ثلاثة أحجار " رواه مسلم أمر والأمر يقتضي الوجوب وقال فإنها تجزئ عنه والإجزاء إنما يستعمل في الواجب، ونهى عن الاقتصار على أقل من ثلاثة أحجار والنهي يقتضي التحريم وإذا حرم ترك بعض النجاسة فالجميع أولى فأما قوله " لا حرج " يعني في ترك الوتر وقد ذكرناه وأما الإجتزاء بالمسح فيه فلمشقة الغسل لتكرر النجاسة في محل الاستنجاء. فأما الريح فلا يجب لها استنجاء لا نعلم فيه خلافا، قال أبو عبد الله ليس في الريح استنجاء في كتاب الله ولا في سنة رسوله وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من استنجى من ريح فليس منا " رواه الطبراني في المعجم الصغير، وعن زيد بن أسلم في قوله تعالى (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم) إذا اقمتم من النوم ولم يأمر بغيره فدل على أنه لا يجب، ولأن الوجوب من الشرع ولم يرد فيه نص ولا هو في معنى المنصوص ولأنها ليست نجسة ولا يصحبها نجاسة فلا يجب غسل المحل منها كسائر المحال الطاهرة (مسألة) (فإن توضأ قبله فهل يصح وضوؤه على روايتين) يعني إن توضأ قبل الاستنجاء (إحداهما) لا يصح لأنها طهارة يبطلها الحدث فاشترط تقديم الاستنجاء عليها كالتيمم (والثانية) يصح وهي أصح وهي مذهب الشافعي لأنها إزالة نجاسة فلم تشترط لصحة الطهارة كالتي على غير الفرج فعلى هذه الرواية إن قدم التيمم خرج على الروايتين (إحداهما) يصح قياساً على الوضوء (الثانية) لا يصح لأنه لا يرفع الحدث وإنما تستباح به الصلاة ولا تباح مع قيام المانع كما لو تيمم قبل الوقت، وقيل في التيمم لا يصح وجها واحداً لما ذكرنا، وإن كانت النجاسة على غير الفرج فهو كما لو كانت على الفرج ذكرها ابن عقيل لما ذكرنا من العلة. قال شيخنا: والأشبه التفريق بينهما كما افترقا في طهارة الماء، ولأن نجاسة الفرج سبب وجوب التيمم فجاز أن يكون بقاؤها مانعا منه بخلاف سائر النجاسات

(باب السواك وسنة الوضوء) (مسألة) قال (والسواك مسنون في جميع الأوقات) لا نعلم خلافاً في استحبابه وتأكده وذلك لما روى عن أبي بكر الصديق رضي الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " السواك مطهرة للفم مرضاة للرب " رواه الإمام أحمد، وعن عائشة قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته بدأ بالسواك. رواه مسلم، وروى ابن ماجة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " إني لأستاك حتى لقد خشيت أن أحفي مقادم فمي " (مسألة) قال (إلا الصائم بعد الزوال فلا يستحب) قال ابن عقيل لا يختلف المذهب أنه لا يستحب للصائم السواك بعد الزوال لما نذكره، وهل يكره؟ على روايتين (إحداهما) يكره وهو قول الشافعي وإسحاق وأبي ثور لما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: يستاك ما بينه وبين الظهر ولا يستاك بعد ذلك. ولأن السواك إنما استحب لإزالة رائحة الفم وقد قال صلى الله عليه وسلم " لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك " رواه الترمذي وقال حديث حسن وإزالة المستطاب عند الله مكروه كدم الشهداء وشعث الإحرام (والثانية) لا يكره وهو قول النخعي وابن سيرين وعروة ومالك وأصحاب الرأي وروي ذلك عن عمر وابن عباس وعائشة رضي الله عنهم لعموم الأحاديث المروية في السواك ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " من خير خصال الصائم السواك " رواه ابن ماجه وقال عامر بن ربيعة رأيت النبي صلى الله عليه وسلم مالاً أحصي يتسوك وهو صائم رواه الترمذي وقال حديث حسن

مسألة: ولا يطهر جلد غير المأكول بالذكاة

(فصل) أكثر أهل العلم يرون السواك سنة غير واجب. ولا نعلم احدا قال بوجوبه إلا إسحاق وداود لأنه مأمور به والأمر يقتضي الوجوب. وروى أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالوضوء عند كل صلاة طاهرا وغير طاهر فلما شق ذلك عليه أمر بالسواك عند كل صلاة، ووجه الأول قول النبي صلى الله عليه وسلم " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة " متفق عليه وروى الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لولا أن أشق على أمتي لفرضت عليهم السواك كما فرضت عليهم الوضوء " وهذان الحديثان يدلان على أنه غير واجب لأن المشقة إنما تلحق بالواجب ويدل على أن الآمر في حديثهم أمر ندب واستحباب، ويحتمل أن يكون ذلك واجباً في حق النبي صلى الله عليه وسلم على الخصوص جمعا بين الخبرين (مسألة) قال (ويتأكد استحبابه في ثلاثة مواضع عند الصلاة للخبر) الأول ولما روى زيد بن خالد قال " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة " قال فكان خالد يضع السواك موضع القلم من أذن الكاتب كلما قام إلى الصلاة استاك رواه الترمذي وقال حديث صحيح (وعند القيام من النوم) لما روى حذيفة قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك، متفق عليه يعني يغسله يقال شاصه وماصه إذا غسله. وعن عائشة قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يرقد من ليل أو نهار فيستيقظ إلا تسوك قبل أن يتوضأ رواه الإمام أحمد ولأنه إذا نام ينطبق فوه فتغير رائحته (وعند تغير رائحة الفم) بمأكول أو غيره لأن

مسألة: ولبن الميتة نجس لأنه مائع في وعاء نجس فتنجس به، وكذلك أنفحتها في ظاهر المذهب لما ذكرنا

السواك مشروع لتطييب الفم وإزالة رائحته، وقال الشيخ أبو الفرج يتأكد استحبابه عند قراءة القرآن والانتباه من النوم وتغير رائحة الفم (فصل) (ويستاك على أسنانه ولسانه) قال أبو موسى أتينا النبي صلى الله عليه وسلم فرأيته يستاك على لسانه متفق عليه (مسألة) (ويستاك بعود لين ينقي الفم ولا يجرحه ولا يضره ولا يتفتت فيه) كالأراك والعرجون لما روي عن ابن مسعود قال كنت أجتني لرسول الله صلى الله عليه وسلم سواكا من أراك رواه أبو يعلى الموصلي وقد رواه الإمام أحمد عن ابن مسعود أنه كان يجتني سواكا من الأراك ولا يستاك بعود الرمان ولا الآس ولا الأعواد الذكية لأنه روي عن قبيصة بن ذؤيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تخللوا بعود الريحان ولا الرمان فإنهما يحركان عرق الجذام " رواه محمد ابن الحسين الأزدي الحافظ بإسناده وقيل السواك يعود الريحان يضر بلحم الفم (مسألة) (فإن استاك بأصبعه أو خرقة فهل يصيب السنة على وجهين) (أحدهما) لا يصيب السنة لأنه لا يحصل الإنقاء به حصوله بالعود (والثاني) يصيب من السنة بقدر ما يحصل من الإنقاء ولا يترك القليل من السنة للعجز عن كثيرها وهو الصحيح لما روى أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يجزئ من السواك الأصابع " رواه البيهقي قال الحافظ محمد بن عبد الواحد المقدسي هذا إسناد لا أرى به بأسا

مسألة: وعظمها وقرنها وظفرها نجس

(مسألة) (ويستاك عرضا ويدهن غبا ويكتحل وترا) لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " استاكوا عرضا وادهنوا غبا واكتحلوا وترا " ولأن السواك طولا ربما أدمى اللثة وأفسد الأسنان وروي الطبراني بإسناده عن بهز قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يستاك عرضا، فإن استاك على لسانه أو حلقه فلا بأس أن يستاك طولا لما روى أبو موسى قال دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يستاك وهو واضع طرف السواك على لسانه يستن إلى فوق فوصف حماد كأنه يرفع سواكه قال حماد ووصفه لنا غيلان قال كأنه يستاك طولا رواه الإمام أحمد. وروى الخلال بإسناده عن عبد الله بن مغفل قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الترجل إلا غبا. قال أحمد معناه يدهن يوما ويوما، وروى جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " عليكم بالائمد فإنه يجلو البصر وينبت الشعر " وروى أبو داود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من اكتحل فليوتر من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج " والوتر ثلاث في كل عين وقيل ثلاث في اليمنى واثنان في اليسرى ليكون الوتر حاصلا في العينين معا (فصول في الفطرة) روى أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الفطرة خمس الختان والاستحداد وقص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الأبط " متفق عليه. وروى عبد الله بن الزبير عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " عشر من الفطرة قص الشارب وإعفاء اللحية والسواك واستنشاق الماء وقص الاظفار وغسل البراجم ونتف الأبط وحلق العانة وانتقاص الماء " قال بعض الرواة ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة قال وكيع: انتقاص الماء يعني الاستنجاء رواه مسلم، الاستحداد حلق العانة وهو مستحب لأنه من الفطرة ويفحش بتركه وبأي شئ أزاله فلا بأس لأن المقصود إزالته قيل لأبي عبد الله ترى أن يأخذ الرجل سفلته بالمقراض وإن لم يستقص؟ قال أرجو أن يجزئ إن شاء الله، قيل ما تقول في الرجل إذا نتف عانته؟ قال وهل يقوى على هذا أحد؟

وإن اطلى بالنورة فلا بأس ولا يدع أحدا بلي عورته إلا من يحل له الاطلاع عليها لما روى الخلال بإسناده عن نافع قال كنت أطلي ابن عمر فإذا بلغ عانته نورها هو بيده وقد روى ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم والحلق أفضل لموافقته الحديث الصحيح (فصل) ونتف الإبط سنة لأنه من الفطرة ويفحش بتركه وإن أزال الشعر بالنورة أو الحلق جاز والنتف أفضل لموافقته الخبر (فصل) ويستحب تقليم الاظفار لما ذكرنا ولأنها تتفاحش بتركها وربما مكث الوسخ فيجتمع تحتها من المواضع المنتنة فيصير رائحة ذلك في رءوس أصابعه وربما منع وصول الماء في الطهارة إلى ما تحته، ويستحب أن يقلمها يوم الخميس لما روى علي رضي الله عنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقلم أظفاره يوم الخميس ثم قال " يا علي قص الظفر ونتف الأبط وحلق العانة يوم الخميس، والغسل والطيب واللباس يوم الجمعة " وروي في حديث " من قص أظفاره مخالفا لم ير في عينيه رمدا " (1) وفسره أبو عبد الله بن بطة بأن يبدأ بخنصره اليمنى ثم الوسطى ثم الإبهام ثم البنصر ثم السبابة ثم بإبهام اليسرى ثم الوسطى ثم الخنصر ثم السبابة ثم البنصر، ويستحب غسل رءوس الأصابع بعد قص الاظفار لأنه قيل إن الحك بالأظفار قبل غسلها يضر بالجسد، ويستحب دفن ما قلم من أظفاره أو أزال من شعره لما روى الخلال بإسناده عن ثميل بنت مشرح الأشعرية قالت رأيت أبي يقلم أظفاره ويدفنها ويقول رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك، وخرجه عنها البزار والطبراني والبيهقي في الشعر كذلك والحيكم الترمذي والبيهقي عن عبد الله بن بسر وأخرجه البيهقي وابن

_ 1) هذا الحديث غير بل قال الحافظ السخاوي في المقاصد الحسنة. لم يثبت في كيفية قص الاظافر ولا في تعيين يوم له شئ عن النبي صلى الله عليه وسلم وما يعزى من النظم فيها لعلى فباطل

مسألة: وصوفها وشعرها وريشها طاهر

عدي عن ابن عمر يعني مشروعية الدفن، وعن ابن جريج عن النبي صلى الله عليه وسلم قال كان يعجبه دفن الدم قال مهنا سألت أحمد عن الرجل يأخذ من شعره وأظفاره أيدفنه أو يلقيه؟ قال يدفنه، قلت بلغك فيه شئ؟ قال كان ابن عمر يدفنه (فصل) ويستحب قص الشارب لأنه من الفطرة ويفحش إذا طال ولما روى زيد بن أرقم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من لم يأخذ من شاربه فليس منا " رواه الترمذي وقال حديث صحيح، ويستحب إعفاء اللحية لما ذكرنا من الحديث، وهل يكره أخذ ما زاد على القبضة، فيه وجهان (أحدهما) يكره لما روى ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " خالفوا المشركين احفوا الشوارب واعفوا اللحى " متفق عليه (والثاني) لا يكره يروي ذلك عن عبد الله بن عمر، وروى البخاري قال كان عبد الله بن عمر إذا حج أو اعتمر قبض على لحيته فما فضل أخذه، ولا ينبغي أن يتركها أكثر من أربعين يوماً لما روى أنس بن مالك قال وقت لنا في قص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الأبط وحلق العانة أن لا تترك أكثر من أربعين رواه مسلم (فصل) واتخاذ الشعر أفضل من إزالته قال إسحاق سئل أبو عبد الله عن الرجل يتخذ الشعر قال سنة حسنة لو أمكننا اتخذناه، وقال كان للنبي صلى الله عليه وسلم جمة وقال في بعض الحديث أن شعر النبي صلى الله عليه وسلم كان إلى شحمة أذنه وفي بعض الحديث إلى منكبيه، وروى البراء بن عازب قال ما رأيت من ذي لمة في حلة حمراء أحسن من النبي صلى الله عليه وسلم له شعر يضرب منكبيه متفق عليه، ويستحب أن يكون شعر الإنسان على صفة شعر النبي صلى الله عليه وسلم إذا طال فإلى المنكب وإذا قصر فإلى شحمة الأذن وإن طوله فلا بأس نص عليه أحمد، وقال أبو عبيدة: كان له عقيصتان وعثمان كان له عقيصتان، ويستحب ترجيل الشعر وإكرامه لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من كان له شعر فليكرمه " رواه أبو داود، ويستحب فرقه لأن النبي صلى الله عليه وسلم فرق شعره وذكره في الفطرة

(فصل) وهل يكره حلق الرأس في غير الحج والعمرة؟ فيه روايتان (إحداهما) يكره لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الخوارج " سيماهم التحليق " وقال عمر لصبيغ: لو وجدتك محلوقاً لضربت الذي فيه عيناك بالسيف، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا توضع النواصي إلا في حج أو عمرة " أخرجه الدارقطني في الأفراد (والثانية) لا يكره لكن تركه أفضل، قال حنبل كنت أنا وأبي نحلق رؤوسنا في حياة أبي عبد الله فيرانا ونحن نحلق فلا ينهانا وذلك لما روى عن عبد الله بن جعفر أن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء نعي جعفر أمهل آل جعفر ثلاثا أن يأتيهم ثم أتاهم قال " لا تبكوا على أخي بعد اليوم - ثم قال - ادعوا بي أخي - فجئ بنا قال - ادعوا لي الحلاق " فأمر بنا فحلق رؤوسنا. رواه أبو داود الطيالسي، وروى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن القزع وقال " احلقه كله أو دعه كله " رواه أبو داود، ولأنه لا يكره استئصال الشعر بالمقراض وهذا في معناه، قال ابن عبد البر أجمع العلماء في جميع الامصار على إباحة الحلق وكفى بهذا حجة، فأما أخذه بالمقراض واستئصاله فغير مكروه رواية واحدة قال أحمد إنما كرهوا الحلق بالموسى وأما بالمقراض فليس به بأس لأن أدلة الكراهة تختص الحلق (فصل) وحلق المرأة رأسها مكروه رواية واحدة من غير ضرورة لما روى الخلال بإسناده عن قتادة عن عكرمة قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تحلق المرأة رأسها فإن كان لضرورة جاز، قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله يسئل عن المرأة تعجز عن شعرها وعن معالجته أتأخذه على

حديث ميمونة؟ فقال لاي شئ تأخذه؟ قيل له لا تقدر على الدهن وما يصلحه تقع فيه الدواب فقال إذا كان لضرورة فارجو أن لا يكون به بأس (فصل) ويكره نتف الشيب لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نتف الشيب وقال " إنه نور الإسلام " رواه الخلال في جامعه (فصل) ويكره حلق القفا لمن لم يحلق رأسه ولم يحتج إليه. قال المروذي سألت أبا عبد الله عن حلق القفا قال هو من فعل المجوس ومن تشبه بقوم فهو منهم وقال لا بأس ان يحلق قفاه في الحجامة فأما حف الوجه فقال أحمد: ليس به بأس للنساء وأكرهه للرجال (فصل) وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لعن الواصلة والمستوصلة والنامصة والمنتمصة والواشرة والمستوشرة فهذه الخصال محرمة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن فاعلها، وفاعل المباح لا تجوز لعنته. والواصلة هي التي تصل شعرها أو شعر غيرها بغيره والمستوصلة الموصول شعرها بأمرها فوصله بالشعر محرم لما ذكرنا، فأما وصله بغير الشعر فإن كان بقدر ما تشد به رأسها فلا بأس للحاجة وإن كان أكثر من ذلك ففيه روايتان (إحداهما) أنه مكروه غير محرم لما روي عن معاوية أنه أخرج كبة من شعر وقال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن مثل هذا وقال " إنما هلك بنو إسرائيل حين اتخذ هذا نساؤهم " فخص التي تصله بالشعر فيمكن جعل ذلك تفسيرا للفظ العام في الحديث الذي ذكرناه ولأن وصله بالشعر فيه تدليس بخلاف غيره (والثانية) أنه قال لا تصل المرأة برأسها الشعر ولا القرامل ولا الصوف وذلك لما روى الامام أحمد في مسنده عن جابر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تصل المرأة برأسها شيئا قال شيخنا والظاهر أن المحرم إنما هو وصل الشعر بالشعر لما فيه من التدليس واستعمال الشعر المختلف في نجاسته. وغير ذلك لا يحرم لعدم ذلك فيه وحصول المصلحة من تحسين المرأة لزوجها من غير مضرة وتحمل أحاديث النهي على الكراهة والله أعلم، فأما النامصة فهي التي تنتف الشعر من الوجه والمنتمصة المنتوف شعرها بأمرها فلا يجوز للخبر، وإن حلق الشعر فلا بأس لأن الخبر ورد في النتف نص عليه أحمد، وأما الواشرة فهي التي تبرد

الأسنان لتحددها وتفلجها وتحسنها والمستوشرة المفعول بها ذلك بإذنها، وفي خبر آخر لعن الواشمة والمستوشمة - والواشمة التي تغرز جلدها أو جلد غيرها بإبرة ثم تحشوه كحلا والمستوشمة التي يفعل بها ذلك بإذنها (فصل) ويستحب الطيب لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعجبه الطيب ويتطيب كثيرا ويستحب النظر في المرآة قال حنبل: رأيت أبا عبد الله وكانت له صينية فيها مرآة ومكحلة ومشط فإذا فرغ من قراءة حزبه نظر في المرآة واكتحل وامتشط، وروى أبو أيوب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أربع من سنن المرسلين الحياء والتعطر والسواك والنكاح " رواه الإمام أحمد (فصل) ويستحب خضاب الشيب بغير السواد قال أحمد إني لأرى الشيخ المخضوب فأفرح به وذلك لما روى أن أبا بكر الصديق جاء بأبيه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأسه ولحيته كالثغامة بياضا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " غيروهما وجنبوه السواد " ويستحب بالحناء والكتم لما روى الخلال وابن ماجة بإسنادهما عن تميم بن عبد الله بن موهب قال دخلت على أم سلمة فأخرجت إلينا شعرا من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم مخضوبا بالحناء والكتم. وخضب ابو بكر رضي الله عنه بالحناء والكتم ولا بأس بالورس والزعفران لان أبا مالك الأشجعي قال: كان خضابنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الورس والزعفران. ويكره الخضاب بالسواد، قيل لأبي عبد الله تكره الخضاب بالسواد، قال إي والله لقول النبي صلى الله عليه وسلم " وجنبوه السواد " في حديث أبي بكر ولما روى ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يكون قوم في آخر الزمان يخضبون بالسواد كحواصل الحمام لا يربحون رائحة الجنة " ورخص فيه اسحاق بن راهويه للمرأة تتزين به لزوجها والله أعلم (مسألة) (ويكره القزع وهو حلق بعض الرأس) لما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن القزع وقال " احلقه كله أو دعه كله " رواه أبو داود. وفي شروط عمر رضي الله عنه على أهل الذمة أن يحلقوا مقادم رؤوسهم ليتميزوا عن المسلمين فمن فعل ذلك فقد تشبه بهم وقد نهى عن التشبه بهم

(مسألة) قال (ويجب الختان ما لم يخفه على نفسه) وجملة ذلك أن الختان واجب على الرجال ومكرمة للنساء وليس بواجب عليهن وهذا قول كثير من أهل العلم قال أحمد والرجل أشد وذلك أنه إذا لم يختتن فتلك الجلدة مدلاة على الكمرة فلا ينقى ماثم والمرأة أهون، وفيه رواية أخرى أنه يجب على المرأة كالرجل. قال أبو عبد الله وكان ابن عباس يشدد في أمره، وروي عنه لا حج له ولا صلاة يعني إذا لم يختتن. ورخص الحسن في تركه قال قد أسلم الناس الأسود والأبيض لم يفتش أحد منهم ولم يختتنوا. والدليل على وجوبه ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل أسلم " ألق عنك شعر الكفر واختتن " رواه أبو داود وفي الحديث " اختتن إبراهيم خليل الرحمن بعد ما أتت عليه ثمانون سنة " متفق عليه واللفظ للبخاري وقال تعالى (وأوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم) ولأنه من شعائر المسلمين فكان واجبا كسائر شعائرهم، ولأنه يجوز كشف العورة والنظر إليهم لأجله ولو لم يكن واجبا لما جاز النظر إلى العورة من أجله، وهذا ينتقض بالمرأة إذا قلنا لا يجب عليها فإنه ليس واجبا عليها ويجوز كشف عورتها من أجله، فأما إن خاف على نفسه منه سقط لأن الغسل والوضوء وما هو آكد منه يسقط بذلك فهذا أولى (فصل) ويشرع الختان في حق النساء لأن قول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا التقى الختانان وجب الغسل " فيه بيان أن النساء كن يختتن. وروى الخلال بإسناده عن شداد بن أوس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم " الختان سنة للرجال ومكرمة للنساء (فصل) اختلف العلماء في وقت الختان فقال مالك: يختن يوم أسبوعه وهو قول الحسن، وقال أحمد

باب الاستنجاء

لم أسمع في ذلك شيئاً، وقال الليث الختان للغلام مابين سبع سنين إلى العشرة وروى مكحول وغيره أن إبراهيم عليه السلام ختن إسحاق لسبعة أيام وإسماعيل لثلاث عشرة سنة، وروي عن أبي جعفر أن فاطمة عليها السلام كانت تختن ولدها يوم السابع، قال إبن المنذر ليس في باب الختان خبر حتى يرجع إليه ولا سنة تتبع والأشياء على الإباحة. قلت ولا يثبت في ذلك توقيت فمتى ختن قبل البلوغ كان مصيبا والله أعلم (مسألة) (ويتيامن في سواكه وطهوره وانتعاله ودخوله المسجد) لما روت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب التيمن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله. متفق عليه، وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا انتعل أحدكم فليبدأ باليمنى، وإذا خلع فليبدأ باليسرى " رواه الطبراني في المعجم الصغير ولأن عثمان وعليا وصفا وضوء النبي صلى الله عليه وسلم فبدأ باليمنى قبل اليسرى. رواه أبو داود (مسألة) (وسنن الوضوء عشرة السواك) لما روى أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم مع كل وضوء بسواك " رواه الإمام أحمد (والتسمية وعنه أنها واجبة مع الذكر) وجملته أن التسمية فيها روايتان (إحداهما) أنها واجبة في طهارات الحدث كلها الغسل والوضوء والتيمم وهذا اختيار أبي بكر ومذهب الحسن وإسحاق لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا وضوء لمن لا يذكر اسم الله عليه " رواه أبو داود والترمذي ورواه عن النبي صلى الله عليه وسلم جماعة من أصحابه منهم أبو سعيد. قال أحمد حديث أبي سعيد أحسن حديث في الباب وهذا نفي في نكرة يقتضي أن لا يصح وضوؤه بدون التسمية (والثانية) أنها سنة وهذا ظاهر المذهب، قال

مسألة: ولا يدخله بشيء فيه ذكر الله تعالى

الخلال: الذي استقرت الروايات عليه أنه لا بأس به يعني إذا ترك التسمية وهذا قول الثوري ومالك والشافعي وابن المنذر وأصحاب الرأي واختيار الخرقي لأنها طهارة فلا تفتقر إلى التسمية كالطهارة من النجاسة أو عبادة فلا تجب فيها التسمية كسائر العبادات. والأحاديث قال أحمد ليس يثبت في هذا حديث ولا أعلم فيها حديثا له إسناد جيد وإن صح ذلك فيحمل على تأكيد الاستحباب ونفي الكمال بدونها كقوله " لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد " (فصل) فإذا قلنا بوجوبها فتركها عمدا لم تصح طهارته قياساً على سائر الواجبات، وإن نسيها فقال بعض أصحابنا لا تسقط قياسا لها على سائر الواجبات والصحيح أنها تسقط بالسهو نص عليه أحمد في رواية أبي داود فإنه قال سألت أحمد إذا نسي التسمية في الوضوء قال أرجو أن لا يكون عليه شئ وهذا قول إسحاق ووجه ذلك قوله صلى الله عليه وسلم " عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان " ولأن الوضوء عبادة تتغاير أفعالها فكان في واجباتها ما يسقط بالسهو كالصلاة ولا يصح قياسها على سائر واجبات الطهارة لتأكد وجوبها بخلاف التسمية فعلى هذا إذا ذكرها في أثناء طهارته سمى حيث ذكر لأنه إذا عفي عنها مع السهو في جملة الوضوء ففي البعض أولى، وإن تركها عمدا حتى غسل عضوا لم يعتد بغسله لأنه لم يذكر اسم الله عليه، وقال الشيخ أبو الفرج إذا سمى في أثناء الوضوء أجزأه يعني على كل حال لأنه قد ذكر اسم الله على وضوئه والتسمية قول بسم الله لا يقوم غيرها مقامها كالتسمية المشروعة

مسألة: ويعتمد على رجله اليسرى

على الذبيحة وعند الأكل والشرب وموضعها بعد النية لتكون شاملة لجميع أفعال الوضوء ولتكون النية شاملة لها كما يسمى على الذبيحة قبل ذبحها (مسألة) قال (وغسل الكفين إلا أن يكون قائما من نوم الليل ففي وجوبه روايتان) وجملة ذلك أن غسل اليدين إلى الكوعين سنة في الوضوء سواء قام من النوم أو لم يقم لأن عثمان وعليا وعبد الله بن زيد وصفوا وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكروا أنه غسل كفيه ثلاثا ولأنهما آلة نقل الماء إلى الأعضاء ففي غسلهما احتياط لجميع الوضوء وليس بواجب إذا لم يقم من النوم بغير خلاف علمناه فأما عند القيام من نوم الليل فاختلفت الرواية عن أحمد في وجوبه فروي عنه وجوبه وهو الظاهر عنه واختيار أبي بكر وهو مذهب بن عمر وأبي هريرة والحسن لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يديه قبل أن يدخلهما الإناء ثلاثا فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده " متفق عليه. والأمر يقتضي الوجوب، وروي عنه أن ذلك مستحب وهو اختيار الخرقي وقول مالك والشافعي واسحاق وأصحاب الرأي وابن المنذر لأن الله تعالى قال (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم) الآية وقال زيد بن أسلم في تفسيرها إذا قمتم من نوم. أمر بغسل الوجه عقيب القيام إلى الوضوء ولم يذكر غسل الكفين والامر بالشئ يقتضي حصول الإجزاء به ولأنه قائم من نوم أشبه القائم من نوم النهار والحديث محمول على الاستحباب لأنه علل وهم النجاسة وطريان

مسألة: ولا يلبث فوق حاجته

الشك على يقين الطهارة لا يؤثر فيها كما لو تيقن الطهارة وشك في الحدث وهذا هو الصحيح إن شاء الله تعالى والله أعلم (مسألة) قال (والبداية بالمضمضة والاستنشاق والمبالغة فيهما إلا أن يكون صائما) البداية بالمضمضة والاستنشاق قبل غسل الوجه مستحب لأن عثمان وعليا وعبد الله بن زيد ذكروا ذلك في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم والمبالغة فيهما سنة - والمبالغة في المضمضة إدارة الماء في أعماق الفم وأقاصيه ولا يجعله وجورا ثم يمجه وإن ابتلعه جاز لأن الغسل قد حصل - ومعنى المبالغة في الاستنشاق اجتذاب الماء بالنفس إلى أقصى الأنف ولا يجعله سعوطا وذلك لما روى لقيط بن صبرة قال: قلت يا رسول الله أخبرني عن الوضوء قال " أسبغ الوضوء وخلل بين الأصابع وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما " رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح. ثبت بذلك استحباب المبالغة في الاستنشاق وقسنا عليه المضمضة، ولأنه من جملة إسباغ الوضوء المأمور به وقال أبو حفص العكبري هي واجبة في الاستنشاق على غير الصائم للحديث المذكور. فأما الصائم فلا يستحب له المبالغة فيهما لا تعلم فيه خلافاً لما ذكرناه من الحديث (فصل) ويستحب المبالغة في غسل سائر الاعضاء بالتخليل ودلك المواضع التي ينبو عنها الماء ويستحب مجاوزة موضع الوجوب بالغسل لما روى نعيم المجمر أنه رأى أبا هريرة يتوضأ فغسل

مسألة: واستتر وارتاد مكانا رخوا

وجهه ويديه حتى كاد يبلغ المنكبين ثم غسل رجليه حتى رفع إلى الساقين ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إن أمتي يأتون يوم القيامة غرا محجلين من أثر الوضوء فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل " متفق عليه، ولمسلم عنه سمعت خليلي صلى الله عليه وسلم يقول " تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء " (مسألة) قال (وتخليل اللحية وهو سنة) وممن روي عنه أنه كان يخلل لحيته ابن عمر وابن عباس، ووجهه ما روى عثمان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يخلل لحيته رواه ابن ماجه والترمذي وقال حديث حسن صحيح وعن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا توضأ أخذ كفا من ماء فجعله تحت حنكه وخلل به لحيته وقال " هكذا أمرني ربي " رواه أبو داود، وصفة التخليل أن يشبك لحيته بأصابعه ويعركها وكما روى ابن عمر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توضأ عرك عارضه بعض العرك ثم شبك لحيته بأصابعه من تحتها، رواه الدارقطني وقال الصواب أنه موقوف على ابن عمر، قال يعقوب سألت أحمد عن التخليل فأراني من تحت لحيته فخلل بالأصابع، وقال حنبل من تحت ذقنه من أسفل الذقن يخلل جانبي لحيته جميعا بالماء. ويستحب أن يتعهد بقية شعور وجهه ويمسح مآقيه لما روى أبو داود قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح الماقين (1) (مسألة) (وتخليل الأصابع) تخليل أصابع اليدين والرجلين في الوضوء مسنون لقول النبي صلى الله عليه وسلم للقيط بن صبرة " وخلل بين الأصابع " وهو في الرجلين آكد قال المستورد بن شداد رأيت

_ 1) المؤق بالهمز وهو الاصل والموق والماق والماقي طرف العين المؤخرة الذي يلي الصدغ وجمعه أمآق وآماق بالقلب ومآقي

مسألة: ولا يبول في شق ولا سرب ولا طريق ولا ظل نافع ولا تحت شجرة مثمرة

النبي صلى الله عليه وسلم إذا توضأ دلك أصابع رجله بخنصره رواه أبو داود ويبدأ في تخليل اليمنى من خنصرها إلى إبهامها وفي اليسرى من إبهامها إلى خنصرها ليحصل له التيامن في التخليل. وذكر ابن عقيل في استحباب تخليل أصابع اليدين روايتين (إحداهما) يستحب لما ذكرناه ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا توضأت فخلل أصابع يديك ورجليك " رواه الترمذي وقال حديث حسن (والثانية) لا يستحب لأن تفريقها يغني عن التخليل والأولى أولى (مسألة) قال (والتيامن) لا خلاف بين أهل العلم فيما علمنا في استحباب البداية باليمنى وأجمعوا على أنه لا إعادة على من بدأ بيساره قبل يمينه ووجه استحبابه حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعجبه التيامن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله. متفق عليه. وعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا توضأتم فابدءوا بميامنكم " رواه ابن ماجه (مسألة) (وأخذ ماء جديد للأذنين) يعني أنه مستحب قال أحمد أنا أستحب أن يأخذ لأذنه ماء جديدا يروي ذلك عن ابن عمر وهو قول مالك والشافعي وقال ابن المنذر ليس بمسنون وحكاه أبو الخطاب رواية عن أحمد لأن الذي قالوه غير موجود في الأخبار وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " الأذنان من الرأس " رواه ابن ماجه وروت الربيع بنت معوذ والمقدام بن معد يكرب أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح برأسه وأذنيه مرة واحدة رواه أبو داود ووجه الأول ما روي عن ابن عمر، وقد ذهب الزهري إلى أنهما من الوجه وقال الشعبي ما أقبل منهما من الوجه وظاهرهما من الرأس، وقال الشافعي وأبو ثور ليستا من الرأس ولا من الوجه ففي إفرادهما بماء جديد خروج من الخلاف فكان أولى فإن مسحهما بماء الرأس أجزأه لما ذكرناه من الحديث (مسألة) قال (والغسلة الثانية والثالثة) وذلك لما روى علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ

ثلاثا ثلاثا رواه الإمام أحمد والترمذي وقال هذا أحسن شئ في الباب وأصح وليس ذلك بواجب لما روى ابن عباس قال توضأ النبي صلى الله عليه وسلم مره مرة رواه البخاري وعن أبي بن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا بماء فتوضأ مرة مرة فقال " هذا وظيفة الوضوء - أو قال - وضوء من لم يتوضأه لم يقبل الله له صلاة " ثم توضأ مرتين مرتين ثم قال " هذا وضوء من توضأه أعطاه الله كفلين من الأجر " ثم توضأ ثلاثا ثلاثا فقال " هذا وضوئي ووضوء المرسلين من قبلي " رواه ابن ماجه (باب فروض الوضوء وصفته) (وفروضه ستة - غسل الوجه) وهو فرض بالإجماع والأصل فيه قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم) الآية (مسألة) قال (والفم والأنف منه) لدخولهما في حده على ما يأتي: (مسألة) قال (وغسل اليدين) وهو الفرض الثاني لقوله تعالى (وأيديكم إلى المرافق) (مسألة) قال (ومسح الرأس) وهو الفرض الثالث (وغسل الرجلين) وهو الفرض الرابع لقوله تعالى (وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين) لا نعلم خلافاً بين العلماء في وجوب غسل الوجه واليدين لما ذكرنا من النص، وكذلك مسح الرأس واجب بالإجماع في الجملة مع اختلاف الناس في قدر الواجب منه، فأما غسل الرجلين فهو فرض في قول أكثر أهل العلم، قال عبد الرحمن بن أبي ليلى اجتمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على غسل القدمين، وروي عن علي أنه مسح على نعليه وقدميه ثم دخل المسجد ثم خلع نعليه ثم صلى، وحكي عن ابن عباس أنه قال ما أجد في كتاب الله إلا غسلتين ومسحتين وحكي عن الشعبي

مسألة: ولا يستقبل الشمس ولا القمر

أنه قال الوضوء ممسوحان ومغسولان فالممسوحان بسقطان في التيمم وعن أنس بن مالك أنه ذكر له قول الحجاج اغسلوا القدمين ظاهرهما وباطنهما وخللوا بين الأصابع فانه ليس شئ من ابن آدم أقرب إلى الخبث من قدميه فقال أنس صدق الله وكذب الحجاج وتلا هذه الآية (فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين) وحكي عن ابن جرير أنه قال هو مخير بين المسح والغسل ولم نعلم احدا من أهل العلم قال بجواز مسح الرجلين غير من ذكرنا واحتجوا بظاهر الآية، وبما روى ابن عباس قال توضأ النبي صلى الله عليه وسلم فأدخل يده في الإناء فتمضمض واستنشق مرة واحدة ثم أدخل يده فصب على وجهه مرة واحدة وصب على يديه مرة مرة ومسح برأسه وأذنيه مرة ثم أخذ كفا من ماء فرش على قدميه وهو منتعل: رواه سعيد، وروى سعيد عن هشيم أنبأنا يعلى بن عطاء عن أبيه قال أخبرني أوس بن أوس الثقفي أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم أتي كظامة قوم بالطائف فتوضأ ومسح على قدميه قال هشيم كان هذا في أول الإسلام ولنا أن عبد الله بن زيد وعثمان وصفا وضوء النبي صلى الله عليه وسلم وقالا فغسل قدميه وفي حديث عثمان ثم غسل كلتا رجليه ثلاثاً متفق عليه وحكي علي وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ثم غسل رجليه إلى الكعبين ثلاثا ثلاثا وعن عمر رضي الله عنه أن رجلاً توضأ فترك موضع ظفر من قدمه فأبصره النبي صلى الله عليه وسلم فقال " ارجع فأحسن وضوءك " فرجع ثم صلى رواه مسلم وعن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى قوما يتوضؤن وأعقابهم تلوح فقال " ويل للأعقاب من النار " رواه مسلم. وقد ذكرنا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتخليل وأنه كان يعرك أصابعه

مسألة: وفي استدبارها فيه واستقبالها في البنيان روايتان

بخنصره بعض العرك وهذا كله يدل على وجوب الغسل لأن الممسوح لا يحتاج إلى الاستيعاب والعرك، وأما الآية فقد روى عكرمة عن ابن عباس أنه كان يقرأ (وأرجلكم) قال عاد إلى الغسل وروي ذلك عن علي وابن مسعود والشعبي قراءتها كذلك وهي قراءة بن عامر فتكون معطوفة على اليدين ومن قرأ بالجر فللمجاورة كقوله تعالى (إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم) جر أليما وهو صفا للعذاب على المجاورة. وقول الشاعر: فظل طهاة اللحم من بين منضج * صفيف شواء أو قدير معجل فجر قديرا مع العطف للمجاورة. وإذا احتمل الأمرين وجب الرجوع إلى فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه مبين يبين بفعله تارة وبقوله أخرى ويدل على صحة هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عمرو بن عنبسة ثم غسل رجليه كما أمره الله فثبت بهذا أن الله تعالى إنما أمره بالغسل لا بالمسح ويحتمل أنه أراد بالمسح الغسل الخفيف، قال أبو علي الفارسي: العرب تسمي خفيف الغسل مسحا فيقولون تمسحت للصلاة أي توضأت، فإن قيل فعطفه على الرأس يدل على أنه أراد حقيقة المسح. قلنا قد افترقا من وجوه (أحدها) إن الممسوح في الرأس شعر يشق غسله والرجلان بخلاف ذلك فهما أشبه بالمغسولات (الثاني) أنهما محدودان بحد ينتهي إليه أشبها اليدين (الثالث) إنهما معرضتان للخبث لكونهما يوطأ بهما على الأرض، وأما حديث أوس بن أوس فيحمل على أنه أراد الغسل الخفيف وكذلك حديث ابن عباس وكذلك قال أخذ ملء كف من ماء فرش على قدميه والمسح يكون بالبلل لا برش الماء والله أعلم

(مسألة) قال (والترتيب على ما ذكر الله تعالى) وهو الفرض الخامس وجملة ذلك أن الترتيب في الوضوء كما ذكر الله تعالى واجب في قول أحمد، قال شيخنا لم أر عنه فيه اختلافا وهو مذهب الشافعي وأبي ثور وأبي عبيد واسحاق وحكى أبو الخطاب عن أحمد رواية أخرى أنه غير واجب وهو مذهب مالك والثوري وأصحاب الرأي واختاره ابن المنذر لأن الله تعالى أمر بغسل الأعضاء وعطف بعضها على بعض بواو الجمع وهي لا تقتضي الترتيب فكيفما غسل كان ممتثلا، وروي عن علي أنه قال: ما أبالي إذا أتممت وضوئي بأي أعضائي بدأت. وعن ابن مسعود لا بأس ان تبدأ برجليك قبل يديك في الوضوء، ووجه الأول أن في الآية قرينة تدل على الترتيب فإنه أدخل ممسوحا بين مغسولين وقطع النظير عن نظيره والعرب لا تفعل ذلك إلا لفائدة والفائدة هي الترتيب. فإن قيل فائدته استحباب الترتيب قلنا الآية ما سيقت إلا لبيان الواجب ولهذا لم تذكر السنن فيها ولأنه متى اقتضى اللفظ الترتيب كان مأمورا به ولأن كل من حكى وضوء رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم حكاه مرتبا وهو مفسر لما في كتاب الله تعالى وتوضأ مرتبا وقال " هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به " أي بمثله وقولهم إن الواو لا تقتضي الترتيب ممنوع فقد اقتضت الترتيب في قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا) وما روي عن علي قال أحمد إنما عنى به اليسرى قبل اليمنى لأن مخرجهما في الكتاب واحد ويروي الإمام أحمد بإسناده أن عليا سئل فقيل له أحدنا يستعجل فيغسل شيئا قبل شئ فقال لا حتى يكون كما أمر الله تعالى وروايتهم عن ابن مسعود لا نعرف لها أصلا، فأما ترتيب اليمنى على اليسرى فلا يجب بالإجماع حكاه ابن المنذر لأن الله تعالى ذكر مخرجه واحدا فقال (وأيديكم وأرجلكم) وكذلك الترتيب بين المضمضة والاستنشاق والفقهاء يعدون اليدين عضوا والرجلين عضوا ولا يجب الترتيب بين العضو الواحد والله أعلم

مسألة: فإذا فرغ مسح بيده اليسرى من أصل ذكره إلى رأسه ثم ينتره ثلاثا

(فصل) فإن نكس وضوءه فبدأ بشئ من أعضائه قبل وجهه لم يحتسب بما غسله، قبله وإن بدأ برجليه وختم بوجهه لم يصح إلا غسل وجهه، وإن توضأ منكسا أربع مرات صح وضوؤه إذا كان متقاربا يحصل له من كل مرة غسل عضو ومذهب الشافعي نحو هذا ولو غسل أعضاءه دفعة واحدة لم يصح إلا غسل وجهه وإن انغمس في ماء جار فلم يمر على أعضائه إلا جرية واحدة فكذلك وإن مر عليه أربع جريات وقلنا الغسل يجزئ عن المسح أجزأه كما لو توضأ أربع مرات، وإن كان الماء راكدا فقال بعض أصحابنا إذا أخرج وجهه ثم يديه ثم مسح رأسه ثم خرج من الماء أجزأه لان الحديث إنما يرتفع بانفصال الماء عن العضو. ونص أحمد في رجل أراد الوضوء فاغتمس في الماء ثم خرج من الماء فعليه مسح رأسه وغسل رجليه وهذا يدل على أن الماء إذا كان جاريا فمرت عليه جرية واحدة أنه يجزئه مسح رأسه ثم يغسل رجليه. وإن اجتمع الحدثان سقط الترتيب والموالاة على ما سنذكره إن شاة الله تعالى (مسألة) قال (والموالاة على إحدى الروايتين) الموالاة هي الشرط السادس وفيها روايتان (إحداهما) هي واجبة نص عليها أحمد في مواضع وهو قول الأوزاعي وقتادة وأحد قولي الشافعي، قال القاضي وفيها رواية أخرى أنها غير واجبة وهو قول النخعي والحسن والثوري وأصحاب الرأي والقول الثاني للشافعي واختاره ابن المنذر لأن المأمور به غسل الأعضاء فكيفما غسل فقد أتى بالمأمور به، وقد ثبت أن ابن عمر توضأ بالسوق فغسل وجهه ويديه ومسح رأسه ثم دعي لجنازة فمسح على خفيه ثم صلى عليها ولأنها إحدى الطهارتين فلم تجب فيها الموالاة كالكبرى. وقال مالك إن تعمد التفريق بطل وإلا فلا. ووجه الأولى ما روى عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي وفي ظهر قدمه لمعة لم يصبها الماء فأمره النبي صلى الله عليه وسلم إن يعيد الوضوء والصلاة رواه أبو داود (1) ولو لم تجب الموالاة لأجزأه غسل اللمعة حسب ولأنها عبادة يفسدها الحدث فاشترطت لها الموالاة كالصلاة والآية دلت على وجوب الغسل وبين النبي صلى الله عليه وسلم كيفيته بفعله فانه لم ينقل عنه أنه توضأ إلا متواليا وغسل الجنابة بمنزلة العضو الواحد، وحكى بعض اصحابنا فيه منعا ذكره الشيخ أبو الفرج وفعل ابن عمر ليس فيه دليل على أنه أخل بالموالاة المشترطة

_ 1) راجع حديث عمر عند مسلم في أول ص 123 من المغني

مسألة: ثم يتحول عن موضعه لئلا يتنجس بالخارج منه ثم يستجمر ثم يستنجي بالماء

(مسألة) قال (وهو أن لا يؤخر غسل عضو حتى ينشف الذي قبله) في الزمان المعتدل اعتبار الزمن الحار الذي يسرع فيه النشاف ولا بالزمن البارد الذي يبطئ فيه، ولا يعتبر ذلك بين طرفي الطهارة، وقال ابن عقيل التفريق المبطل في إحدى الروايتين ما يفحش في العادة لأنه يحد في الشرع فرجع فيه إلى العادة كلاحراز والتفرق في البيع (فصل) فإن نشفت أعضاؤه لاشتغاله بفرض في الطهارة أو سنة لم يبطل كما لو طول أركان الصلاة، وإن كان لوسوسة تلحقه فكذلك ويحتمل أن يبطل الوضوء لأنه غير مفروض ولا مسنون وإن كان ذلك لعبث أو شئ زائد على المسنون وأشباهه عد تفريقا (مسألة) قال (والنية شرط لطهارة الحدث كله) الغسل والوضوء والتيمم، والنية هي القصد يقال نواك الله بخير أي قصدك ومحلها القلب لأن محل القصد القلب فمتى اعتقد بقلبه أجزأ وإن لم يلفظ بلسانه، وإن لفظ بلسانه ولم يقصد بقلبه لم يجزه، ولو سبق لسانه إلى غير ما اعتقده لم يمنع صحة ما قصده بقلبه. ولا خلاف في المذهب في اشتراط النية لما ذكرنا، وروي ذلك عن علي رضي الله عنه وهو قول مالك وربيعة والليث والشافعي واسحاق وأبي عبيد وابن المنذر، وقال الثوري وأصحاب الرأي تشترط النية في التيمم دون طهارة الماء لأن الله تعالى قال (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم) الآية ولم يذكر النية ولو كانت شرطاً لذكرها، ولأن مقتضى الأمر حصول الإجزاء بفعل المأمور به فتقتضي الآية حصول الإجزاء بما تضمنته ولأنها طهارة بالماء فلم تفتقر إلى النية كغسل النجاسة ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى " متفق عليه فنفى أن يكون له عمل شرعي بدون النية، ولأنها طهارة عن حدث فلم تصح بغير نية كالتيمم فأما الآية فهي حجة لنا فإن قوله (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم) أي للصلاة كما يقال إذا لقيت الأمير فترجل أي له، وقولهم لو كانت النية شرطا لذكرها، قلنا إنما ذكر الأركان ولم يذكر الشرائط كآية التيمم، وقولهم مقتضى الأمر حصول الإجزاء به قلنا بل مقتضاه وجوب الفعل ولا يمنع أن

مسألة: إلا أن يعدو الخارج موضع الحاجة فلا يجزئ إلا الماء

يشترط له شرط آخر كآية التيمم وقولهم إنها طهارة قلنا إلا أنها عبادة والعبادة لا تكون إلا منوية كالصلاة لأنها قربة إلى الله تعالى وطاعة وامتثال أمر ولا يحصل ذلك بغير نية (مسألة) قال (وهي أن يقصد رفع الحدث أو الطهارة لما لا يباح إلا بها) متى قصد بطهارته رفع الحديث وهو إزالة المانع مما يفتقر الى الطهارة أو قصد بطهارته الصلاة والطواف ومس المصحف أو قصد الجنب بالغسل اللبث في المسجد صحت طهارته عند القائلين باشتراط النية لا نعلم بينهم فيه اختلافا، فإن نوى التبرد وما لا تشرع له الطهارة كالأكل والبيع ولم ينو الطهارة لم يرتفع حدثه لأنه لم ينو الطهارة ولا ما يتضمن نيتها فأشبه من لم يقصد شيئاً، وإن نوى الطهارة مع ذلك صحت الطهارة لأنه نوى الطهارة وضم إليها مالا ينافيه فلم يؤثر كما لو نوى بالصلاة الطاعة والخلاص من خصمه (مسألة) قال (فإن نوى ما تسن له الطهارة أو التجديد فهل يرتفع حدثه؟ على روايتين وجملته إذا نوى ما تشرع له الطهارة ولا تشترط كقراءة القرآن والأذان والنوم أو نوى التجديد ثم بان أنه كان محدثاً ففيه روايتان (إحداهما) لا تصح طهارته لأنه لم ينو رفع الحدث ولا ما يتضمنه أشبه ما لو نوى التبرد (والثانية) تصح طهارته وهي أصح لأنه نوى طهارة شرعية فينبغي أن تحصل له للخبر ولأنه يشرع له فعل هذا وهو غير محدث وقد نوى ذلك فينبغي أن يحصل ولأنه نوى شيئا من ضرورته صحة الطهارة وهو الفضيلة الحاصلة لمن فعل ذلك علي طهارة، فإن قيل يبطل بما إذا نوى بطهارته ما لا تشرع له الطهارة قلنا إن نوى طهارة شرعية مثل من قصد الأكل وهو على طهارة شرعية أو قصد أن لا يزال على وضوء فهي كمسئلتنا تصح طهارته. وإن قصد نظافة أعضائه من وسخ أو غيره لم تصح طهارته لأنه لم يقصدها، وإن نوى وضوءا مطلقا أو طهارة مطلقة ففيه وجهان (أحدهما) يصح لأن الوضوء والطهارة عند الإطلاق ينصرفان إلى المشروع فيكون ناويا لطهارة شرعية (والوجه الثاني) لا يصح لأنه قصد ما يباح بدون طهارة أشبه قصد الأكل ولأن الطهارة تنقسم إلى مشروع

وغيره فلم تصح مع التردد والطهارة المطلقة منها مالا يرفع الحدث كالطهارة من النجاسة (مسألة) وإن نوى غسلا مسنونا فهل يجزئ عن الواجب؟ على وجهين) مضى توجيههما (مسألة) (وإن اجتمعت أحداث توجب الوضوء أو الغسل فنوى بطهارته أحدها فهل يرتفع سائرها؟ على وجهين) أحدهما لا يرتفع الا ما نواه قاله أبو بكر لأنه لم ينوه أشبه إذا لم ينو شيئاً، وقال القاضي يرتفع لأن الأحداث تتداخل فإذا ارتفع بعضها ارتفع جميعها كما لو نوى رفع الحدث، وإن نوى صلاة واحدة نفلا أو فرضا لا يصلي غيرها ارتفع حدثه ويصلي ما شاء لأن الحدث إذا ارتفع لم يعد إلا بسبب جديد ونية الصلاة تضمنت رفع الحدث (مسألة) (ويجب تقديم النية على أول واجبات الطهارة) لأنها شرط لها فيعتبر وجودها في جميعها وأول واجباتها المضمضة أو التسمية على ما ذكرنا من الخلاف. فإن وجد شئ من واجبات الطهارة قبل النية لم يعتد به فإن غسل الكفين بغير نية فهو كمن لم يغسلهما (ويستحب تقديمها على مسنوناتها) فيقدمها على غسل الكفين لتشمل مفروض الوضوء ومسنونه فإن غسل الكفين بغير نية فهو كمن لم يغسلهما (مسألة) (واستصحاب ذكرها في جميعها وإن استصحب حكمها أجزأه) وجملته أنه يستحب استصحاب ذكر النية إلى آخر طهارته لتكون أفعاله مقترنة بالنية فإن استصحب حكمها أجزأه، ومعنى استصحاب حكمها أن لا ينوي قطعها فإن عزبت عن خاطره لم يؤثر في قطعها كالصلاة والصيام، ويجوز تقديم النية على الطهارة بالزمن اليسير قياساً على الصلاة، فإن قطع النية في أثناء طهارته وفسخها مثل أن ينوي أن لا يتم طهارته فقال ابن عقيل تبطل الطهارة من أصلها لأنها تبطل بالمبطلات أشبهت الصلاة وقال شيخنا لا يبطل ما مضى من طهارته لأنه وقع صحيحاً أشبه ما لو نوى قطعها بعد الفراغ من الوضوء وما غسله من أعضائه بعد قطع النية لا يعتد به فإن أعاد غسله بنية أخرى قبل طول الفصل صحت طهارته. وإن طال الفصل انبنى على وجوب الموالاة، فأما إن غسل بعض أعضائه بنية

مسألة: ويجوز الاستجمار بكل طاهر ينقي كالحجر ونحوه الخشب والخرق

الوضوء وبعضها بنية التبرد ثم أعاد غسل ما نوى به التبرد بنية الوضوء قبل طول الفصل أجزأه وإلا ابتنى على وجوب الموالاة وجهاً واحدا، فإن فسخ النية بعد الفراغ منها لم تبطل كالصلاة ويحتمل أن تبطل لأن الطهارة تبطل بالحدث بعد فراغها بخلاف الصلاة (فصل) إذا شك في النية أثناء الطهارة لزمه استئنافها كما لو شك في نية الصلاة وهو فيها لأن النية هي القصد فمتى علم أنه جاء ليتوضأ أو أراد فعل الوضوء مقارنا له أو سابقا عليه قريبا منه فقد وجدت النية. فمتى شك في وجود ذلك في أثناء طهارته لم يصح ما مضى منها وهكذا إن شك في غسل عضو أو مسح رأسه حكمه حكم من لم يأت به لأن الأصل عدمه إلا أن يكون وهما كالوسواس فلا يلتفت إليه. وإن شك في شئ من ذلك بعد فراغه من الطهارة لم يلتفت إليه لأنه شك في العبادة بعد فراغه منها أشبه الشك في شرط الصلاة، ويحتمل أن تبطل لأن حكمها باق بدليل أنها تبطل بمبطلاتها بخلاف الصلاة. والأول أصح لأنها كانت محكوما بصحتها فلا يزول ذلك بالشك كما لو شك في وجود الحدث والله أعلم (فصل) فإن وضأه غيره أو يممه اعتبرت النية من المتوضئ دون الموضئ لأنه المخاطب بالوضوء والموضئ آلة له فهو كحامل الماء إليه، وإن توضأ وصلى صلاة ثم أحدث وتوضأ وصلى أخرى ثم علم أنه ترك واجبا في أحد الوضوءين لزمه إعادة الوضوء والصلاتين (فصل) (وصفة الوضوء أن ينوي ثم يسمي ثم يغسل يديه ثلاثا) هذه صفة الوضوء الكامل ووجهه ما ذكرنا (ثم يتمضمض ويستنشق ثلاثا من غرفة وإن شاء من ثلاث وإن شاء من ست) المضمضة إدارة الماء في الفم والاستنشاق اجتذاب الماء بالنفس إلى باطن الأنف. والاستنثار مستحب وهو إخراج الماء من الأنف وقد يعبر بالاسستنثار عن الاستنشاق لكونه من لوازمه ولا تجب إدارة الماء في جميع الفم ولا إيصال الماء إلى جميع باطن الأنف وإنما ذلك مبالغة مستحبة وقد ذكرناها، فإن جعل الماء في فيه ينوي رفع الحدث الأصغر ثم ذكر أنه جنب فنوى رفع الحدثين ارتفعا لأن الماء إنما يثبت

مسألة: إلا الروث والعظام والطعام وما له حرمة وما يتصل بحيوان

له حكم الاستعمال بعد الانفصال، ولو لبث الماء في فيه حتى تغير بما يتحلل من ريقه لم يمنع لأن التغير في محل الإزالة لا يمنع كما لو تغير الماء على عضوه بعجين عليه (فصل) ويستحب أن يتمضمض ويستنشق بيمينه ثم يستنثر بيساره لما روي عن عثمان انه توضأ فدعا بماء فغسل يديه ثم غرف بيمينه ثم رفعها إلى فيه فتمضمض واستنشق بكف واحدة واستنثر بيسار فعل ذلك ثلاثا ثم ذكر سائر الوضوء ثم قال إن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ لنا كما توضأت لكم. رواه سعيد، وهو مخير بين أن يتمضمض ويستنشق بغرفة أو بثلاث أو بست لما ذكرنا من حديث عثمان، وقال الأثرم: سمعت أبا عبد الله يسئل أيما أحب إليك المضمضة والاستنشاق بغرفة واحدة أو كل واحدة منها على حدة؟ قال بغرفة واحدة، وفي حديث عبد الله بن أبي زيد تمضمض واستنثر ثلاثا من غرفة واحدة رواه البخاري وعن علي رضي الله عنه أنه توضأ فتمضمض ثلاثا واستنشق ثلاثا من كف واحدة وقال هذا وضوء نبيكم صلى الله عليه وسلم من المسند، وفي لفظ أنه مضمض واستنشق واستنثر ثلاثا بثلاث غرفات متفق عليه وفي حديث طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده أنه فصل بين المضمضة والاستنشاق رواه أبو داود ولأن الكيفية في الغسل غير واجبة ولا يجب الترتيب بين المضمضة والاستنشاق وبين الوجه لأنهما من جملته لكن يستحب أن يبدأ بهما لأن الذين وصفوا وضوء النبي صلى الله عليه وسلم ذكروا أنه بدأ بهما إلا شيئا نادرا، وهل يجب الترتيب بينهما وبين سائر الأعضاء؟ على روايتين (إحداهما) يجب لأنهما من الوجه فوجب غسلهما قبل اليدين كسائره (والثانية) لا يجب بل لو تركهما وصلى تمضمض واستنشق وأعاد الصلاة ولم

مسألة: ولا يجزئ أقل من ثلاث مسحات إما بحجر ذي شعب أو بثلاثة

يعد الوضوء لما روى المقدام بن معد يكرب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بوضوء فغسل كفيه ثلاثا ثم غسل وجهه ثلاثا ثم غسل ذراعيه ثلاثا ثم تمضمض واستنشق رواه أبو داود، قال أصحابنا وهل يسميان فرضا إذا قلنا بوجوبهما على روايتين وهو مبني على اختلاف الروايتين في الواجب هل يسمى فرضا أم لا والصحيح تسميته فرضا فيسميان فرضا والله أعلم (مسألة) قال (وهما واجبان في الطهارتين وعنه أن الاستنشاق وحده واجب وعنه أنهما واجبان في الكبرى دون الصغرى) وجملة ذلك أن المضمضة والاستنشاق واجبان في الطهارتين الغسل والوضوء جميعا لأن غسل الوجه فيهما واجب وهما من الوجه. هذا المشهور في المذهب وهو قول ابن المبارك وابن أبي ليلى وإسحاق، وروى عن أحمد أن الاستنشاق وحده واجب في الطهارتين ذكر القاضي ذلك في المجرد رواية واحدة وبه قال أبو عبيد وأبو ثور قال إبن المنذر لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه (1) ثم لينثر " متفق عليه ولمسلم " من توضأ فليستنشق " أمر والأمر يقتضي الوجوب ولأن الأنف لا يزال مفتوحا وليس له غطاء يستره بخلاف الفم، وقال غير القاضي من أصحابنا عن أحمد رواية أخرى أنهما واجبان في الكبرى دون الصغرى وهذا مذهب الثوري وأصحاب الرأي لأن الكبرى يجب فيها غسل ما تحت الشعور الكثيفة ولا يمسح فيها على الخفين فوجبا فيها بخلاف الصغرى، وقال مالك والشافعي هما مسنونان في الطهارتين وروي ذلك عن الحسن والحكم وربيعة والليث والاوزاعي لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " عشر من الفطرة " وذكر منها المضمضة والاستنشاق. والفطرة السنة وذكره لهما من الفطرة يدل على مخالفتهما لسائر الوضوء ولأنهما عضوان باطنان فلم يجب غسلهما كباطن اللحية وداخل العينين ولأن الوجه ما تحصل به المواجهة ولا تحصل المواجهة بهما ولنا ما روت عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " المضمضة والاستنشاق من الوضوء

_ 1) أي فليجعل في أنفه ماء - حذف المفعول في اكثر روايات البخاري وثبت في بعضها وفي رواية مسلم. وقوله فلينثر من الثلائي وفي رواية فلينثر

مسألة: فإن لم ينق بها زاد حتى ينقي

الذي لابد منه " رواه أبو بكر في الشافي. وعن أبي هريرة قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمضمضة والاستنشاق وفي حديث لقيط بن صبرة " إذا توضأت فتمضمض " رواه أبو داود وأخرجه الدارقطني. ولأن كل من وصف وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم مستقصى ذكر أنه تمضمض واستنشق ومداومته عليهما تدل على وجوبهما لأن فعله يصلح أن يكون بيانا لأمر الله تعالى ولأنهما عضوان من الوجه في حكم الظاهر لا يشق غسلهما فوجب لقوله تعالى (فاغسلوا وجوهكم) والدليل على أنهما في حكم الظاهر أن الصائم لا يفطر بوضع الطعام فيهما ويفطر بوصول القئ إليهما ولا يجب الحد بترك الخمر فيها ويجب غسل النجاسة فيهما، فأما كونهما من الفطرة فلا ينفي وجوبهما لأنه ذكر الختان في الفطرة وهو واجب. فأما غسل داخل العينين فلنا فيه منع وباطن اللحية يشق غسله فلذلك لم يجب في الوضوء ويجب في الطهارة الكبرى والله أعلم (مسألة) قال (ويغسل وجهه ثلاثا وحده من منابت شعر الرأس الى ما انحدر من اللحيين والذقن طولا مع ما استرسل من اللحية ومن الأذن إلى الأذن عرضا) غسل الوجه ثلاثا مستحب لما ذكرنا من حديث علي وغيره وغسله مرة واجب بالنص والإجماع وقد ذكرناه، وقوله في حده من منابت شعر الرأس يعني في غالب الناس ولا اعتبار بالأصلع الذي ينحسر شعره عن مقدم رأسه ولا بالأقرع الذي ينزل شعره إلى وجهه بل بغالب الناس فالأصلع يغسل إلى حد منابت الشعر في غالب الناس والأقرع يغسل الشعر الذي ينزل عن الوجه في الغالب. وقال الزهري الأذن من الوجه لقوله صلى الله عليه وسلم " سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره " رواه مسلم أضاف السمع إلى الوجه كما أضاف البصر، وقال مالك: ما بين اللحية والأذن ليس من الوجه ولا يجب غسله لأن الوجه

مسألة: ويجب الاستنجاء من كل خارج إلا الريح

ما تحصل به المواجهة وهذا لا يواجه به. قال ابن عبد البر: لا أعلم أحداً من فقهاء الأمصار قال بقول مالك هذا ولنا على الزهري قول النبي صلى الله عليه وسلم " الأذنان من الرأس " رواه ابن ماجه (1) ولم يحك أحد أنه غسلهما مع الوجه وإنما أضافهما إلى الوجه للمجاورة، وعلى مالك أن هذا من الوجه في حق من لا لحية له فكذلك من له لحية كسائر الوجه وهذا تحصل به المواجهة من الغلام، ويستحب تعاهد المفصل بالغسل وهو ما بين اللحية والاذن نص عيه الإمام أحمد، ويدخل في الوجه العذار وهو الشعر الذي على العظم الناتي. سمت صماخ الأذن والعارض الذي تحت العذار وهو الشعر النابت على الخد واللحيين قال الأصمعي: ما جاور وتد الأذن عارض، والذقن الشعر الذي على مجمع اللحيين فهذه الشعور النلاثة من الوجه يجب غسلها معه، وكذلك الحاجبان وأهداب العينين والشارب والعنفقة. فأما الصدغ وهو الذي فوق العذار وهو يحاذي رأس الأذن وينزل عن رأسها قليلا ففيه وجهان (أحدهما) هو من الوجه اختاره ابن عقيل لحصول المواجهة به واتصاله بالعذار (والثاني) أنه من الرأس وهو الصحيح لأن في حديث الربيع أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح برأسه وصدغيه وأذنيه مرة واحدة. رواه أبو داود ولم ينقل أحد أنه غسله مع الوجه. ولأنه شعر يتصل بشعر الرأس وينبت معه في حق الصغير بخلاف العذار فأما التحذيف وهو الشعر الداخل في الوجه ما بين انتهاء العذار والنزعة فقال ابن حامد هو من الوجه لأنه شعر بين بياض الوجه أشبه العذار، وقال القاضي يحتمل أنه من الرأس لأنه شعر متصل به لم يخرج عن حده أشبه الصدغ، قال شيخنا والأول أصح لأن محله لو لم يكن عليه شعر كان من الوجه

مسألة: فإن توضأ قبله فهل يصح وضوءه على روايتين

فكذلك إذا كان عليه شعر كسائر الوجه. وأما النزعتان وهما ما انحسر عنه الشعر من الرأس متصاعدا في جانبي الرأس فقال ابن عقيل هما من الوجه لقول الشاعر: فلا تنكحي إن فرق الله بيننا * أغم القفا والوجه ليس بأنزعا وقال القاضي وشيخنا هما من الرأس وهو الصحيح لأنه لا تحصل بهما المواجهة ولدخولهما في حد الرأس لأنه ما ترأس وعلا، وذكر ابن عقيل في الشعر المسامت للنزعتين هل هو من الوجه أم لا؟ على وجهين ويجب غسل ما استرسل من اللحية في ظاهر المذهب وكذلك ما خرج عن حد الوجه عرضا وهذا ظاهر مذهب الشافعي لأنها من الوجه بدليل ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً قد غطى لحيته في الصلاة فقال " اكشف لحيتك فإن اللحية من الوجه " ولانه نابت في محل الفرض أشبه اليد الزائدة ولأنها تحصل بها المواجهة أشبهت سائر الوجه، وقال أبو حنيفة والشافعي في أحد قوليه لا يجب غسل ما نزل منها عن حد الوجه طولا ولا ما خرج عرضا لأنه شعر خارج عن محل الفرض أشبه ما نزل من شعر الرأس، وروي عن أبي حنيفة أنه لا يجب غسل اللحية الكثيفة وما تحتها من بشرة الوجه لأن الوجه اسم للبشرة التي تحصل بها المواجهة ولم يوجد ذلك في واحدة منهما، وقال الخلال الذي ثبت عن أبي عبد الله في اللحية أنه لا يغسلها وليست من الوجه، وظاهر هذا كمذهب أبي حنيفة فيما ذكر عنه آخرا، والمشهور عن أبي حنيفة وجوب غسل ربع اللحية كقوله في مسح الرأس والقول

باب السواك وسنة الوضوء: مسألة: والسواك مسنون في جميع الأوقات

الأول هو المشهور في المذهب. وما روي عن أحمد يحتمل أنه أراد ما خرج عن الوجه منها كما ذكرنا عن الشافعي وأبي حنيفة فعلى هذا يصير فيه روايتان. ويحتمل أنه أراد غسل باطنها فيكون موافقا للقول الأول وهو الصحيح إن شاء الله. وقياسهم على النازل من شعر الرأس لا يصح لأنه لا يدخل في اسم الرأس وهذا يدخل في اسم الوجه لما ذكرنا من الحديث (مسألة) (فإن كان فيه شعر خفيف يصف البشرة وجب غسلها معه. وإن كان يسترها أجزأه غسل ظاهره ويستحب تخليله) أما إذا كانت الشعور في الوجه تصف البشرة وجب غسل البشرة والشعر لأن البشرة ظاهرة تحصل بها المواجهة فوجب غسلها كالتي لا شعر عليها ويجب غسل الشعر لأنه نابت في محل الفرض تبع له، وإن كان كثيفا يستر البشرة أجزأه غسل ظاهره لحصول المواجهة به ولم يجب غسل ما تحته لأنه مستور أشبه باطن الأنف. ويستحب تخليله وقد ذكرنا ذلك في سنة الوضوء، ولا يجب التخليل لا نعلم فيه خلافاً في المذهب وهو مذهب أكثر أهل العلم لأن الله تعالى أمر بالغسل ولم يذكر التخليل ولأن أكثر من حكى وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحكه ولو كان واجباً لما أخل به ولو فعله لنقله الذين نقلوا وضوءه أو أكثرهم. وتركه لذلك يدل على أن غسل ما تحت الشعر الكثيف ليس بواجب لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان كثيف اللحية فلا يبلغ الماء إلى تحت شعرها إلا بالتخليل وفعله للتخليل في بعض أحيانه يدل على استحبابه، وقال

مسألة: ويتأكد استحبابه في ثلاثة مواضع عند الصلاة للخبر

إسحاق إذا ترك تخليل لحيته عامدا أعاد الوضوء لما روى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا توضأ أخذ كفا من ماء فأدخله تحت حنكه وخلل به لحيته، وقال " هكذا أمرني ربي عزوجل " رواه أبو داود ولما ذكرنا من حديث ابن عمر، وقال عطاء وأبو ثور يجب غسل ما تحت الشعور الكثيفة في الوضوء قياسا على الجنابة ونحوه قول سعيد بن جبير. وقول الجمهور أولى، والفرق بين الوضوء والغسل أن غسل باطن الشعر الكثيف يشق في الوضوء لتكرره بخلاف الغسل، فإن كان بعض الشعر كثيفا وبعضه خفيفا وجب غسل بشرة الخفيف معه وظاهر الكثيف. وجميع شعور الوجه في ذلك سواء، وذكر بعض أصحابنا في الشارب والعنفقة والحاجبين وأهداب العينين ولحية المرأة إذا كانت كثيفة وجهين (أحدهما) يجب غسل باطنها لأنها لا تستر عادة وإن وجد ذلك فهو نادر ينبغي ان لا يتعلق به حكم وهو مذهب الشافعي (والثاني) لا يجب قياسا على لحية الرجل ودعوى الندرة في غير الأهداب ممنوع والله أعلم (فصل) ولا يجب غسل داخل العينين ولا يستحب في وضوء ولا غسل لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله ولا أمر به وفيه ضرر، وذكر القاضي في المجرد في وجوبه روايتين عن بعض الأصحاب قال ابن عقيل إنما الروايتان في وجوبه في الغسل فأما في الوضوء فلا يجب رواية واحدة وذكر أن أحمد نص على استحبابه في الغسل لأنه يعم جميع البدن ويجب فيه غسل ما تحت الشعور الكثيفة وذكره القاضي وابو الخطاب من سنن الوضوء لأنه روي عن ابن عمر أنه عمي من كثرة إدخال الماء

مسألة: ويستاك بعود لين ينقي الفم ولا يجرحه ولا يضره ولا يتفتت فيه

في عينيه ولأنهما من جملة الوجه، والأول أولى وهو اختيار شيخنا وما ذكر عن ابن عمر فهو دليل على كراهته لكونه ذهب ببصره، وفعل ما يخاف منه ذهاب البصر إذ لم يرد به الشرع ولم يكن محرما فلا أقل من الكراهة والله أعلم (فصل) ويستحب التكثير في ماء الوجه لأن فيه غضونا وشعورا ودواخل وخوارج ليصل الماء إلى جميعه وقد روى علي رضي الله عنه في صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ثم أدخل يديه في الإناء جميعا فأخذ بهما حفنة من ماء فضرب بهما على وجهه ثم الثانية ثم الثالثة مثل ذلك ثم أخذ بكفه اليمنى قبضة من ماء فتركها تستن على وجهه رواه أبو داود يعني تسيل وتنصب. قال محمد بن الحكم كره أبو عبد الله أن يأخذ الماء ثم يصبه ثم يغسل وجهه وقال هذا مسح ولكنه يغسل غسلا والله أعلم (مسألة) (ثم يغسل يديه إلى المرفقين ثلاثا ويدخل المرفقين في الغسل) غسل اليدين واجب بالإجماع لقول الله تعالى (وأيديكم إلى المرافق) ويجب إدخال المرفقين في الغسل في قول أكثر أهل العلم منهم عطاء والشافعي واسحاق وأصحاب الرأي، وقال ابن داود وبعض المالكية لا يجب، وحكي ذلك عن زفر لأن الله تعالى أمر بالغسل إلى المرافق وجعلها غاية بحرف إلى وهو لانتهاء الغاية فلا يدخل المذكور بعده فيه كقول الله تعالى (ثم أتموا الصيام إلى الليل) ، ولنا ما روى جابر قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا توضأ أدار الماء على مرفقيه أخرجه الدارقطني وهذا بيان للغسل المأمور به في الآية. وقولهم إن إلى لانتهاء الغاية قلنا قد تستعمل بمعنى مع كقوله تعالى (من أنصاري إلى الله * يزدكم قوة إلى قوتكم * ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم) أي مع أموالكم (1) وقال المبرد إذا كان الحد من جنس المحدود دخل فيه كقولهم بعت الثوب من هذا الطرف إلى هذا الطرف

_ 1) الصواب ان هنا تضمينا لفعل الضم اي مضمونة إلى قوتكم والى اموالكم

مسألة: ويستاك عرضا ويدهن غبا ويكتحل وترا

(فصل) ويجب غسل أظفاره وإن طالت والأصبع واليد الزائدة والسلعة لأن ذلك من يده كالثؤلول وإن كانت نابتة في غير محل الفرض كالعضد لم يجب غسلها طويلة كانت أو قصيرة لأنها في غير محل الفرض فهي كالقصيرة وهذا قول ابن حامد وابن عقيل، وقال القاضي يجب غسل ما حاذى محل الفرض منها والصحيح الأول، واختلف أصحاب الشافعي في ذلك نحو ما ذكرنا، وإن كانتا متساويتين ولم تعلم الأصلية منهما غسلهما جميعا ليخرج عن العهدة بيقين كما لو تنجست إحدى يديه غير معينة وإن تعلقت جلدة من الذراع فتدلت من العضد لم يجب غسلها لأنها صارت في غير محل الفرض، وإن كان بالعكس وجب غسلها لأنها صارت في محل الفرض أشبهت الأصبع الزائدة. وإن تعلقت من أحد المحلين فالتحم رأسها في الآخر وبقي وسطها متجافيا وجب غسل ما حاذى محل الفرض من ظاهرها وباطنها وما تحتها (فصل) إذا كان تحت أظفاره وسخ يمنع وصول الماء إلى ما تحته فقال ابن عقيل: لا تصح طهارته حتى يزيله كما لو كان على يده شمع، قال شيخنا ويحتمل أن لا يجب ذلك لأن هذا يستتر عادة فلو كان غسله واجبا لبينه صلى الله عليه وسلم لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة وقد عاب النبي صلى الله عليه وسلم عليهم كونهم يدخلون عليه قلحا ورفغ أحدهم بين أنملته وظفره يعني أن وسخ أرفاغهم تحت أظفارهم يصل إليه رائحة نتنها ولم يعب بطلان طهارتهم ولو كان مبطلا للطهارة لكان ذلك أهم من نتن الريح (فصل) ومن كان يتوضأ من ماء يسير يغترف منه فغرف منه بيديه عند غسل يديه لم يؤثر ذلك في الماء، وقال بعض أصحاب الشافعي يصير الماء مستعملا بغرفه منه لأنه موضع غسل اليد وهو ناو للوضوء ولغسلها أشبه مالو غمسها في الماء ينوي غسلها فيه، ولنا أن في حديث عثمان: ثم غرف بيده اليمنى على ذراعه اليمنى

فغسلها إلى المرفقين ثلاثا ثم غرف بيمينه فغسل يده اليسرى رواه سعد. وفي حديث عبد الله بن زيد: ثم أدخل يده في الإناء فغسل يديه إلى المرفقين مرتين متفق عليه. ولو كان هذا يفسد الوضوء لكان النبي صلى الله عليه وسلم أحق بمعرفته ولبينه لكون الحاجة ماسة إليه إذ كان لا يعرف بدون البيان ولا يتوقاه إلا متحذلق، وما ذكروه لا يصح فإن المغترف لم يقصد بغرفه إلا الاغتراف دون الغسل فأشبه من يغوص في البئر لترقية الدلو وهو جنب لا ينوي الغسل ونية الاغتراف صرفت نية الطهارة (1) والله أعلم (مسألة) (ثم يمسح رأسه) ومسح الرأس فرض بالإجماع لقول الله تعالى (وامسحوا برءوسكم) وهوما ينبت عليه الشعر في حق الصبي، وينبغي أن يعتبر غالب الناس فلا يعتبر الأقرع ولا الأجلح كما قلنا في حد الوجه، والنزعتان من الرأس وكذلك الصدغان وقد ذكرنا ذلك في الوجه (مسألة) (يبدأ بيديه من مقدمه ثم يمرهما إلى قفاه ثم يردهما إلى مقدمه) وجملته أن المستحب في مسح الرأس أن يبل يديه ثم يضع طرف إحدى سبابتيه على طرف الأخرى ويضعهما على مقدم رأسه ويضع الإبهامين على الصدغين ثم يمر يديه إلى قفاه ثم يردهما إلى الموضع الذي بدأ منه كما روى عبد الله بن زيد في وصف وضوء النبي صلى الله عليه وسلم قال: فمسح رأسه بيديه فأقبل

_ 1) هذا مذهب الشافعي الذي عليه العمل

بهما وأدبر، وفي لفظ بدأ بمقدم رأسه حتى ذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما الى المكان الذي بدأ منه، متفق عليه، فإن كان ذا شعر يخاف أن ينتفش برد يديه لم يردهما نص عليه الإمام أحمد لأنه قد روي عن الربيع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ عندها فمسح الرأس كله من فرق الشعر كل ناحية لمصب الشعر لا يحرك الشعر عن هيئته، رواه أبو داود. وسئل أحمد كيف تمسح المرأة؟ فقال هكذا ووضع يده على وسط رأسه ثم جرها إلى مقدمه ثم رفعها فوضعها حيث منه بدأ ثم جرها إلى مؤخره، وكيف مسح بعد استيعاب قدر الواجب أجزأه ولا يحتاج إلى ماء جديد في رد يديه على رأسه قال القاضي وقد روي عن أحمد أنه يأخذ للرد ماء جديد وليس بصحيح قاله القاضي (مسألة) (ويجب مسح جميعه مع الأذنين، وعنه يجزئ مسح أكثره) اختلفت الرواية عن أحمد في قدر الواجب. فروي عنه مسح جميعه في حق كل أحد وهو ظاهر قول الخرقي ومذهب مالك لقوله تعالى (فامسحو برءوسكم) الباء للإلصاق فكأنه قال وامسحوا رءوسكم وصار كقوله سبحانه في التيمم (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه) قال ابن برهان من زعم أن الباء للتبعيض فقد جاء أهل اللغة بما لا يعرفونه ولأن الذين وصفوا وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكروا أنه مسح رأسه كله، وقد ذكرنا حديث عبد الله بن زيد وحديث الربيع وهذا يصلح أن يكون بيانا للمسح المأمور به، وروى عن أحمد أنه يجزئ مسح بعضه نقلها عنه أبو الحارث. ونقل عن سلمة بن الاكوع أنه كان يمسح مقدم رأسه وابن عمر مسح اليافوخ.

وممن قال بمسح البعض الحسن والثوري والاوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي وابن المنذر. قال شيخنا إلا أن الظاهر عن أحمد رحمه الله في الرجل وجوب الاستيعاب وأن المرأة يجزئها مسح مقدم رأسها، قال الخلال العمل في مذهب أبي عبد الله أنها إن مسحت مقدم رأسها أجزأها لأن عائشة رضي الله عنه كانت تمسح مقدم رأسها، واحتج من أجاز مسح البعض بما روى المغيرة بن شعبة قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فمسح بناصيته وعلى العمامة والخفين رواه مسلم. وعن أنس بن مالك قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ وعليه عمامة قطرية فأدخل يده من تحت العمامة فمسح مقدم رأسه ولم ينقض العمامة رواه أبو داود، واحتجوا بأن من مسح بعض الرأس يقال مسح برأسه كما يقال مسح برأس اليتيم وإذا قلنا بجواز مسح البعض فأي موضع مسح أجزأه إلا أنه لا يجزئ مسح الأذنين عن الرأس لأنهما تبع ولا يجزئ مسحهما عن الأصل. وقال ابن عقيل يحتمل أن لا يجزئ إلا مسح الناصية لأنه صلى الله عليه وسلم مسح بناصيته فوجب الاقتداء به واختلف العلماء في قدر البعض المجزئ فقال القاضي قدر الناصية لحديث المغيرة، وحكى أبو الخطاب وبعض الشافعية أنه لا يجزئه إلا مسح الأكثر لأنه ينطلق عليه اسم الجميع. وقال أبو حنيفة يجزئه مسح ربعه، وروي عنه أنه لا يجزئه أقل من ثلثه وهو قول زفر، وقال الشافعي يجزئ ما يقع عليه الاسم حكى عنه ثلاث شعرات وحكى عنه لو مسح شعرة أجزأه لوقوع اسم البعض عليه (فصل) ويجب مسح الأذنين معه لأنهما منه بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم " الأذنان من الرأس " وروى عن أحمد انه لا يجب مسحهما وهو ظاهر المذهب، قال الخلال كلهم حكوا عن أبي عبد الله فيمن

ترك مسح أذنيه عامداً أو ساهياً أنه يجزئه وظاهر هذا أنه لا يجب سواء قلنا بوجوب الاستيعاب أو لا لأنهما من الرأس على وجه التبع ولا يفهم من إطلاق اسم الرأس دخولهما فيه ولا يشبهان أجزاء الرأس، ولذلك لا يجزي مسحهما عنه عند من اجتزأ بمسح البعض وهو اختيار شيخنا والأولى مسحهما لأن النبي صلى الله عليه وسلم مسح برأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما رواه الإمام أحمد، وروت الربيع أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ عندها فرأيته مسح على رأسه محاذي الشعر ما أقبل منه وما أدبر ومسح صدغيه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما رواهما الترمذي وأبو داود ويستحب أن يدخل سبابتيه في صماخي أذنيه ويمسح ظاهرهما بابهاميه لأن في بعض ألفاظ حديث الربيع فأدخل أصبعيه في حجري أذنيه رواه أبو داود، ولا يجب مسح ما استتر بالغضاريف لأن الرأس الذي هو الأصل لا يجب مسح ما استتر منه بالشعر فالأذن أولى والله أعلم (فصل) ولا يجب مسح ما نزل عن الرأس من الشعر ولا يجزئ مسحه عن الرأس سواء رده فعقده فوق رأسه أو لم يرده لأن الرأس ما ترأس وعلا، فإن نزل الشعر عن منبته ولم ينزل عن محل الفرض فمسح عليه أجزأه لأنه شعر على محل الفرض أشبه القائم على محله ولأن هذا لا يمكن الاحتراز منه، وإن خضب رأسه بما يستره لم يجزه المسح عليه نص عليه أحمد في الخضاب لأنه لم يمسح على محل الفرض أشبه مالو مسح على خرقة فوق رأسه، ولو أدخل يده تحت الشعر فمسح البشرة دون الظاهر لم يجزه لأن

الحكم تعلق بالشعر فلم يجزه مسح غيره كما لو أوصل الماء إلى باطن اللحية ولم يغسل ظاهرها، فأما إن مسح رأسه ثم حلقه أو غسل عضوا ثم قطع منه جزءا أو جلدة لم يؤثر في طهارته لأنه ليس بدلا عما تحته، وإن أحدث بعد ذلك غسل ما ظهر لأنه صار ظاهرا فتعلق الحكم به ولو حصل في بعض أعضائه شق أو ثقب لزمه غسله لأنه صار ظاهرا (فصل) ويمسح رأسه بماء جديد غير ما فضل عن ذراعيه، وهو قول أبي حنيفة والشافعي والعمل عليه عند أكثر أهل العلم قاله الترمذي، وجوز الحسن وعروة والاوزاعي وابن المنذر مسحه بفضل ذراعيه لما روي عن عثمان أنه مسح مقدم رأسه بيده مرة واحدة ولم يستأنف له ماء جديدا حين حكى وضوء النبي صلى الله عليه وسلم رواه سعيد. ويتخرج لنا مثل ذلك إذا قلنا إن المستعمل طهور لا سيما الغسلة الثانية والثالثة، ووجه الأول ما روى عبد الله بن زيد قال ومسح رأسه بماء غير فضل يديه رواه مسلم. وفي حديثه المتفق عليه ثم أدخل يده في الإناء فمسح برأسه وكذلك حكى علي في رواية أبي داود ولأن البلل الباقي في يده مستعمل فلا يجزئ به المسح كما لو فصله في إناء ثم استعمله (فصل) فإن غسل رأسه بدل مسحه فعلى وجهين (أحدهما) لا يجزئه لأن الله تعالى أمر بالمسح والنبي صلى الله عليه وسلم مسح ولأنه أحد نوعي الطهارة فلم يجزئ عن الآخر كالمسح عن الغسل (والثاني) يجزئ لأنه لو كان جنبا فانغمس في ماء ينوي الطهارتين أجزأه مع أنه لم يمسح فكذلك في الحدث الأصغر وحده

مسألة: ويكره القزع وهو حلق بعض الرأس

ولأن في صفة غسل النبي صلى الله عليه وسلم أنه غسل يديه ووجهه ثم أفرغ على رأسه ولم يذكر مسحا ولأن الغسل أبلغ من المسح فإذا أتى به ينبغي أن يجزئه وهذا فيما إذا لم يمر يده عليه فأما إن أمر يده على رأسه مع الغسل أو بعده اجزأه لأنه قد أتى بالمسح وذلك لما روى عن معاوية أنه توضأ للناس كما رأى النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فلما بلغ رأسه غرف غرفة من ماء فتلقاها بشماله حتى وضعها على وسط رأسه حتى قطر الماء أو كاد يقطر ثم مسح من مقدمه إلى مؤخر ومن مؤخره إلى مقدمه رواه أبو داود ولو حصل على رأسه ماء المطر أوصب عليه إنسان ثم مسح عليه يقصد بذلك الطهارة أو كان قد صمد للمطر أجزأه وإن حصل الماء على رأسه من غير قصد أجزأه أيضا لأن حصول الماء على رأسه بغير قصد لم يؤثر في الماء فمتى وضع يده على ذلك البلل ومسح به فقد مسح بماء غير مستعمل فصحت طهارته كما لو حصل بقصده. وقد نقل أبو داود عن أحمد إذا أصاب برأسه ماء السماء فمسحه بيده لم يجزه وذلك لأنه لم يوجد منه نية لذلك. ذكره القاضي في المجرد وهذا يدل على أنه يشترط أن يقصد حصول الماء على رأسه، قال ابن عقيل في هذه المسألة: تحقيق المذهب أنه متى صمد للمطر ومسح أجزأه ومتى أصابه المطر من غير قصد ولا نية لم يجزه وكذلك إن كان يتوضأ فصب إنسان على رأسه ماء وهو لا يصد فمسح رأسه فإنه لا يجزئه فأما أن حصل الماء على رأسه بغير قصد ولم يمسح بيده لم يجزه سواء قلنا إن الغسل يقوم مقام المسح أولا وإن قصد وجرى الماء على رأسه أجزأه إذا قلنا يجزئ الغسل وإلا فلا (فصل) فإن مسح رأسه بخرقة مبلولة أو خشبة أجزأه في أحد الوجهين لأنه مأمور بالمسح وقد مسح أشبه مالو مسح بيده ولأن مسحه بيده غير مشترط بدليل مالو مسح بيد غيره (والثاني) لا يجزئه لأن النبي صلى الله عليه وسلم مسح بيده وقال " هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به " وإن وضع على رأسه خرقة مبلولة فابتل رأسه بها أو وضع خرقة ثم بلها حتى ابتل شعره لم يجزه لأن ذلك ليس بمسح ولا غسل، ويحتمل أن يجزئه لأنه بل شعره قاصدا للوضوء فأجزأه كما لو غسله، وإن مسح بإصبع أو إصبعين أجزأه إذا بهما مسح ما يجب مسحه كله وهو قول الثوري والشافعي، ونقل بكر بن محمد عن أحمد لا يجزئه المسح بإصبع، قال القاضي هذا محمول على الرواية التي توجب الاستيعاب لأنه لا يحصل بإصبع واحدة. وإن حلق بعض رأسه وقلنا بوجوب الاستيعاب مسح المحلوق والشعر، وإن قلنا باجزاء مسح البعض أجزأه مسح أحدهما

مسألة: ويتيامن في سواكه وطهوره وانتعاله ودخوله المسجد

(فصل) وهل يستحب مسح العنق؟ فيه روايتان (إحداهما) يستحب لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مسح رأسه حتى بلغ القذال وما يليه من مقدم العنق. رواه أحمد في المسند من رواية ليث بن أبي سليم وهو متكلم فيه، ولما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " امسحوا أعناقكم مخافة الغل " ذكره ابن عقيل في الفصول (والثانية) لا يستحب لأن الله تعالى لم يأمر به، وإن الذين حكوا وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان وعلي وعبد الله بن زيد وابن عباس لم يذكروه ولم يثبت فيه حديث (مسألة) (ولا يستحب تكراره وعنه يستحب) الصحيح من المذهب أنه لا يستحب التكرار في مسح الرأس وهو قول أبي حنيفة ومالك، ويروى عن ابن عمر وابنه سالم والحسن ومجاهد قال الترمذي والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم، وعن أحمد أنه يستحب. يروي ذلك عن أنس وعطاء وسعيد بن جبير وهو قول الشافعي لما روى أبو داود عن شقيق بن سلمة قال: رأيت عثمان غسل ذراعيه ثلاثا ومسح برأسه ثلاثاً ثم قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل مثل هذا وروي مثل ذلك عن غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وروى علي وابن عمر وأبو هريرة وأبي بن كعب وغيرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثا ثلاثا وفي حديث أبي قال " هذا وضوئي ووضوء المرسلين قبلي " ورواه ابن ماجة وقياسا على سائر الأعضاء، ووجه الرواية الأولى أن عبد الله بن زيد وصف وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مسح برأسه مرة واحدة، متفق عليه وكذلك

روى علي وقال هذا وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحب أن ينظر إلى طهور رسول الله صلى الله عليه وسلم فلينظر إلى هذا، وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح وكذلك وصف عبد الله بن أبي أوفى وابن عباس وسلمة بن الاكوع والربيع كلهم قالوا ومسح برأسه مرة واحدة وحكايتهم لوضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم إخبار عن الدوام ولا يداوم إلا على الأفضل، وحكاية ابن عباس وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم في الليل حال خلوته ولا يفعل في تلك الحال إلا الأفضل، ولأنه مسح في طهارة فلم يسن تكراره كالمسح على الجبيرة والخفين، وأحاديثهم لا يصح منها شئ صريح، قال أبو داود أحاديث عثمان الصحاح كلها تدل على أن مسح الرأس مرة فإنهم ذكروا الوضوء ثلاثا ثلاثا وقالوا فيها ومسح رأسه ولم يذكروا عددا والحديث الذي ذكر فيه مسح رأسه ثلاثا رواه يحيى بن آدم وخالفه وكيع فقال توضأ ثلاثا فقط والصحيح المتفق عليه عن عثمان أنه لم يذكر في مسح الرأس عددا. ومن روي عنه ذلك سوى عثمان لم يصح لأنهم الذين رووا أحاديثنا وهي صحيحة فيلزم من ذلك ضعف ما خالفها والأحاديث التي ذكروا فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثا ثلاثا أرادوا بها سوى المسح لأنهم حين فصلوا قالوا ومسح برأسه مرة واحدة قالوا والتفصيل يحكم به على الإجمال ويكون تفسيرا ولا يعارضه كالخاص مع العام

مسألة: وغسل الكفين إلا أن يكون قائما من نوم الليل ففي وجوبه روايتان

وقياسهم منقوض بالتيمم وإن قيل يجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم مسح مرة ليبين الجواز ومسح ثلاثا ليبين الأفضل كما فعل في الغسل فنقل الأمران من غير تعارض قلنا قول الراوي هذا طهور رسول الله صلى الله عليه وسلم يدل على أنه كان يفعله على الدوام لأن الصحابة رضي الله عنهم إنما وصفوا وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعرفوا من سألهم وحضرهم صفة وضوئه في دوامه فلو شاهدوا وضوءه على صفة أخرى لم يطلقوا هذا الإطلاق الذي يفهم منه أنهم لم يشاهدوا سواه لأنه يكون تدليسا وإيهاما لغير الصواب فلا يظن ذلك بهم ويحمل حال الراوي لغير الصحيح على الغلط لاغير ولأن الحفاظ إذا رووا حديثا واحدا عن شخص واحد على صفة وخالفهم فيها واحد حكموا عليه بالغلط وإن كان ثقة حافظا فكيف إذا لم يكن معروفا بذلك والله أعلم (مسألة) ثم يغسل رجليه إلى الكعبين ثلاثا ويدخلهما في الغسل) وقد ذكرنا اختلاف العلماء في غسل الرجلين ويستحب غسلهما ثلاثا لأن في حديث عثمان: ثم غسل كلتا رجليه ثلاثاً، متفق عليه وعن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثا ثلاثا رواه الترمذي وقال هذا أحسن شئ في الباب وأصح. ويدخل الكعبين في الغسل قياسا على المرفقين والكعبان هما العظمان الناتئان اللذان في أسفل الساق من جانبي القدم وحكي عن محمد بن الحسن أنه قال: هما في مشط القدم وهو معقد الشرك من الرجل بدليل أنه قال إلى الكعبين فدل على أن في الرجل كعبين لاغير ولو أراد ما ذكرتم كانت كعاب الرجلين أربعة.

مسألة: والبداية بالمضمضة والاستنشاق والمبالغة فيهما إلا أن يكون صائما

ولنا أن الكعاب المشهورة هي التي ذكرنا قال أبو عبيد: الكعب هذا الذي في أصل القدم منتهى الساق إليه بمنزلة كعاب القنا وروي عن النعمان بن بشير قال كان أحدنا يلزق كعبه بكعب صاحبه في الصلاة رواه الخلال. وقوله إلى الكعبين حجة لنا فإنه أراد كل رجل تغسل إلى الكعبين ولو أراد كعاب جميع الا رجل لذكر بلفظ الجمع كما قال إلى المرافق ويخلل أصابعهما لما ذكرناه (مسألة) (فإن كان أقطع غسل ما بقي من محل الفرض) وسواء في ذلك اليدين والرجلين لقوله صلى الله عليه وسلم " إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم " (مسألة) (فإن لم يبق شئ سقط وجوب الغسل) لعدم محله ويستحب أن يمس محل القطع بالماء لئلا يخلو العضو من طهارة، فإن كان أقطع اليدين فوجد من يوضئه متبرعا لزمه ذلك لأنه قادر عليه وإن لم يجد من يوضئه إلا بأجر يقدر عليه لزمه كما يلزمه شراء الماء. وقال ابن عقيل يحتمل أن لا يلزمه كما لو عجز عن القيام في الصلاة لا يلزمه استئجار من يقيمه ويعتمد عليه، وإن عجز عن الأجر أو لم يجد من يستأجره صلى على حسب حاله كعادم الماء والتراب. وإن وجد من ييممه ولم يجد من يوضئه لزمه التيمم كعادم الماء إذا وجد التراب وهذا مذهب الشافعي ولا نعلم فيه خلافا

مسألة: وتخليل اللحية وهو سنة

(مسألة) ثم يرفع نظره إلى السماء ويقول أشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله لما روى عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ - أو - فيسبغ الوضوء ثم يقول أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء " رواه مسلم ورواه الترمذي وزاد فيه " اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين " ورواه الإمام أحمد وابو داود وفي بعض رواياته " فأحسن الوضوء ثم رفع نظره إلى السماء " وعن أبي سعيد الخدري قال: من توضأ ففرغ من وضوئه وقال " سبحانك اللهم أشهد ان لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك طبع عليها بطابع ثم رفعت تحت العرش فلم تكسر إلى يوم القيامة " رواه النسائي (فصل) (والوضوء مرة مرة يجزئ والثلاث أفضل) لما روى ابن عباس قال توضأ النبي صلى الله عليه وسلم مره مرة رواه البخاري وروي ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا بماء فتوضأ مرة مرة ثم قال " هذا وظيفة الوضوء وضوء من لا يقبل الله له الصلاة إلا به " ثم تحدث ساعة ثم دعا بوضوء فتوضأ مرتين مرتين فقال " هذا وضوء من توضأه ضاعف الله له الأجر مرتين " ثم تحدث ساعة ثم دعا بماء فتوضأ ثلاثا ثلاثا فقال " هذا وضوئي ووضوء النبيين من قبلي " رواه سعيد وقد ذكر حديث أبي بن كعب بنحو هذا، وهذا قول أكثر أهل العلم إلا أن مالكاً لم يوقت مرة ولا ثلاثا

مسألة: والتيامن

قال إنما قال الله تعالى (فاغسلوا وجوهكم) وقال الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز الوضوء ثلاثا ثلاثا إلا غسل الرجلين فإنه ينقيهما. والأول أولى لما ذكرنا من الاحاديث وقد ذكرنا اختلافهم في تكرار مسح الرأس والله أعلم وإن غسل بعض أعضائه أكثر من بعض فحسن لأن في حديث عبد الله بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فغسل وجهه ثلاثا ثم غسل يديه مرتين إلى المرفقين ومسح برأسه مرة متفق عليه (فصل) وتكره الزيادة على الثلاث، قال أحمد رحمه الله لا يزيد على الثلاث إلا رجل مبتلى وذلك لما روى أن أعرابيا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الوضوء فأراه ثلاثاً ثم قال " هذا الوضوء فمن زاد على هذا فقد أساء وظلم " رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة ويكره الإسراف في الماء لأن النبي صلى الله عليه وسلم مر بسعد وهو يتوضأ فقال " لا تسرف " فقال يا رسول الله في الماء إسراف؟ قال " نعم وإن كنت على نهر جار " رواه ابن ماجه (مسألة) (وتباح معونته) لما روى المغيرة بن شعبة أنه أفرغ على النبي صلى الله عليه وسلم في وضوئه رواه مسلم، وعن صفوان بن عسال قال صببت على النبي صلى الله عليه وسلم الماء في الحضر

مسألة: ومسح الرأس

والسفر رواه ابن ماجه، وروى أنس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم ينطلق لحاجته فأحمل أنا وغلام نحوي إداوة من ماء وعنزة فيستنجي بالماء متفق عليه، ولا يستحب لما روى ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكل طهوره إلى أحد ولا صدقته التي يتصدق بها، يكون هو الذي يتولاها بنفسه. رواه ابن ماجه وروى عن أحمد أنه قال: ما أحب أن يعينني على وضوئي أحد لأن عمر قال ذلك (مسألة) قال ويباح تنشيف أعضائه ولا يستحب، قال الخلال المنقول عن أحمد أنه لا بأس بالتنشيف بعد الوضوء وممن روي عنه أخذ المنديل بعد الوضوء عثمان والحسن بن علي وأنس وكثير من أهل العلم. وممن رخص فيه الحسن وابن سيرين ومالك والثوري واسحاق وأصحاب الرأي وهو ظاهر قول أحمد لما روي سلمان أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثم قلب جبة كانت عليه فمسح بها وجهه. رواه ابن ماجه والطبراني في المعجم الصغير، وذكر ابن حامد في كراهته روايتين (إحداهما) لا يكره لما ذكرنا (والثانية) يكره روى ذلك عن جابر بن عبد الله وابن أبي ليلى وسعيد بن المسيب والنخعي ومجاهد وذلك لما روت ميمونة أن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل قالت فأتيته بالمنديل فلم يردها وجعل ينفض الماء بيديه متفق عليه. وروى عن ابن عباس أنه كرهه في الوضوء ولم يكرهه في الجنابة، والأول أصح لأن الأصل الإباحة فترك النبي صلى الله عليه وسلم لا يدل على الكراهة فإنه قد يترك المباح، وهذه قضية في عين يحتمل أنه ترك تلك المنديل لأمر يختص بها ولأنه

إزالة للماء عن بدنه أشبه نفضه بيديه ولا يكره نفض الماء عن بدنه بيديه لحديث ميمونة، ويكره نفض يديه ذكره أبو الخطاب وابن عقيل (فصل) ويستحب تجديد الوضوء نص عليه أحمد في رواية موسى بن عيسى وذلك لما روى أنس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ عند كل صلاة قلت وكيف كنتم تصنعون؟ قال يجزئ أحدنا الوضوء ما لم يحدث رواه البخاري، وقد نقل علي بن سعيد عن أحمد أنه لا فضل فيه والأول أصح، ولا بأس أن يصلي بالوضوء الواحد ما لم يحدث لا نعلم فيه خلافا لحديث أنس ولما روى بريدة قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح خمس صلوات بوضوء واحد ومسح على خفيه فقال له عمر إني رأيتك صنعت شيئا لم تكن تصنعه فقال " عمدا صنعته " رواه مسلم (فصل) ولا بأس بالوضوء في المسجد إذا لم يؤذ أحداً بوضوئه ولم يؤذ المسجد، قال إبن المنذر أباح ذلك كل من نحفظ عنه من علماء الأمصار وذلك لما روى أبو العالية عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال حفظت لك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ في المسجد رواه الإمام أحمد، وروى عن أحمد أنه كرهه صيانة للمسجد عن البصاق وما يخرج من فضلات الوضوء والله أعلم (فصل) والمفروض من ذلك بغير خلاف في المذاهب خمسة: النية وغسل الوجه، وغسل اليدين، ومسح الرأس، وغسل الرجلين، وخمسة فيها روايتان: المضمضة والاستنشاق، والتسمية والترتيب، والموالاة. وقد ذكرنا عدد المسنون فيما مضى والله أعلم

(باب المسح على الخفين) المسح على الخفين جائز عند عامة أهل العلم، قال ابن المبارك ليس في المسح على الخفين اختلاف أنه جائز، وعن الحسن قال حدثني سبعون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين، والأصل فيه ما روى المغيرة بن شعبة قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فأهويت لا نزع خفيه فقال " دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين " فمسح عليهما متفق عليه، وعن جرير بن عبد الله قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بال ثم توضأ ومسح على خفيه متفق عليه، قال إبراهيم كان يعجبهم هذا الحديث لأن إسلام جرير كان بعد نزول المائدة، قال الامام أحمد ليس في قلبي من المسح شئ فيه أربعون حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (فصل) روي عن أحمد أنه قال المسح أفضل من الغسل لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إنما طلبوا الفضل وهذا مذهب الشعبي والحكم واسحاق لأنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " إن الله يحب أن يؤخذ برخصه " ولأن فيه مخالفة أهل البدع، وذكر ابن عقيل فيه روايتين (إحداهما) المسح أفضل لما ذكرنا (الثانية) الغسل أفضل لأنه المفروض في كتاب الله تعالى والمسح رخصة، وروى حنبل عن أحمد أنه قال كله جائز المسح والغسل ما في قلبي من المسح شئ ولا من الغسل

مسألة: والترتيب على ما ذكر الله تعالى

وهذا قول ابن المنذر، وروي عن عمر أنه أمرهم أن يمسحوا على أخفافهم وخلع هو خفيه وتوضأ وقال حبب إلي الوضوء وعن ابن عمر أنه قال إني لمولع بغسل قدمي فلا تقتدوا بي (مسألة) (يجوز المسح على الخفين لما ذكرنا ويجوز على الجرموقين) الجرموق مثال الخف إلا أنه يلبس فوق الخف في البلاد الباردة فيجوز المسح عليه قياسا على الخف، وممن قال بجواز المسح عليه إذا كان فوق الخف الحسن بن صالح وأصحاب الرأي، وقال الشافعي في الجديد لا يمسح عليه وسنذكر ذلك إن شاء الله فيما إذا لبس خفا فوق خف آخر (والجوربين) قال إبن المنذر يروى إباحة المسح على الجوربين عن تسعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على وعمار وابن مسعود وأنس وابن عمر والبراء وبلال وابن أبي أوفى وسهل بن سعد وهو قول عطاء والحسن وسعيد بن المسيب والثوري وابن المبارك واسحاق ويعقوب ومحمد، وقال أبو حنيفة ومالك والاوزاعي والشافعي وغيرهم لا يجوز المسح عليهما إلا أن ينعلا لأنه لا يمكن متابعة المشي فيهما فهما كالرقيقين ولنا ما روى المغيرة بن شعبة أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الجوربين والنعلين. رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وقال حسن صحيح وهذا يدل على أنهما لم يكونا منعولين لأنه لو كان كذلك لم يذكر النعلين فإنه لا يقال مسحت على الخف ونعله ولأن الصحابة رضي الله عنهم مسحوا على الجوارب ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم والجورب في معنى الخف لأنه ملبوس ساتر لمحل الفرض يمكن متابعة المشي فيه أشبه الخف، وقولهم لا يمكن متابعة المشي فيهما قلنا إنما يجوز المسح عليهما إذا ثبت بنفسه وأمكن متابعة المشي فيه وإلا فلا فأما الرقيق فليس بساتر

مسألة: والموالاة على إحدى الروايتين

(فصل) وسئل أحمد عن جورب انخرق فكره المسح عليه ولعله إنما كرهه لأن الغالب فيه الخفة وأنه لا يثبت بنفسه فإن كان مثل جورب الصوف في الصفاقة فلا فرق، فإن كان لا يثبت إلا بالنعل أبيح المسح عليه ما دام النعل عليه لحديث المغيرة، فإن خلع النعل انتقضت الطهارة لأن ثبوت الجورب أحد شرطي جواز المسح وإنما حصل بالنعل فإذا خلعها زال الشرط المبيح للمسح فبطلت الطهارة كما لو ظهر القدم. قال القاضي يمسح على الجورب والنعل كما جاء في الحديث والظاهر أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما مسح على سيور النعل التي على ظاهر القدم فأما أسفله وعقبه فلا يسن مسحه من الخف فكذلك من النعل (مسألة) قال (والعمامة والجبائر) وممن قال بجواز المسح على العمامة أبو بكر الصديق وبه قال عمر بن الخطاب وأنس وأبو أمامة وروي عن سعد بن مالك وأبي الدرداء رضي الله عنهم وهو قول عمر بن عبد العزيز والحسن وقتادة وابن المنذر وغيرهم، وقال عروة والنخعي والشعبي والقاسم ومالك والشافعي وأصحاب الرأي لا يمسح عليها لقول الله تعالى (وامسحوا برءوسكم) ولأنه لا تلحقه المشقة بنزعها (1) أشبهت الكمين ولنا ما روى المغيرة بن شعبة قال توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ومسح على الخفين والعمامة قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح. وروى مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين والخمار وعن عمرو بن أمية قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم مسح على عمامته وخفيه رواه البخاري ولأنه قول من سمينا من الصحابة ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم ولأنه عضو يسقط فرضه في التيمم فجاز المسح على

_ 1) هذا غير مسلم فالمشقة واقعة ولاسيما في العمائم المحنكة. وما قبله يرد عليه نص الآية في الرجلين

مسألة: وهو أن لا يؤخر غسل عضو حتى ينشف الذي قبله

حائله كالقدمين والآية لا تنفي ما ذكرناه فإن النبي صلى الله عليه وسلم مبين لكلام الله وقد مسح على العمامة وأمر بالمسح عليها وهذا يدل على أن المراد بالآية المسح على الرأس وحائلة، ومما يبين ذلك أن المسح في الغالب إنما يكون على الشعر ولا يصيب الرأس وهو حائل كذلك العمامة فإنه يقال لمن مسح عمامة إنسان أو قبلها قبل رأسه والله أعلم (فصل) والمسح على الجبائر لقول النبي صلى الله عليه وسلم في صاحب الشجة " إنما كان يكفيه أن يتيمم وبعصب أو يعصر على جرحه خرقة ويمسح عليها ويغسل سائر جسده " رواه أبو داود ولما روى علي رضي الله عنه قال انكسرت إحدى زندي فأمرني النبي صلى الله عليه وسلم إن أمسح على الجبائر رواه ابن ماجه وهذا قول الحسن والنخعي ومالك واسحاق وأصحاب الرأي، وقال الشافعي في أحد قوليه يعيد كل صلاة صلاها لأن الله تعالى أمر بالغسل ولم يأت به، ووجه الأول ما ذكرنا ولأنه مسح على حائل أبيح له المسح عليه فلم تجب معه الإعادة كالخف. (مسألة) (وفي المسح على القلانس وخمر النساء المدارة تحت حلوقهن روايتان) أراد القلانس المبطنات كدنيات القضاة والمنومنات فأما الكلتة فلا يجوز المسح عليها لا نعلم فيه خلافا لأنها لا تستر جميع الرأس عادة ولا تدوم عليه فأما القلانس التي ذكرناها ففيها روايتان (إحداهما) لا يجوز المسح عليها رواه عنه إسحاق بن إبراهيم وهو قول الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز ومالك والشافعي والنعمان واسحاق. قال إبن المنذر لا نعلم أحدا قال به إلا أنه يروى عن أنس أنه مسح على قلنسيته لأنها لا يشق

مسألة: وهي أن يقصد رفع الحدث أو الطهارة لما لا يباح إلا بها

نزعها أشبهت الكلتة ولأن العمامة التي ليست محنكة ولا ذؤابة لها لا يجوز المسح عليها وهو اختيار الخلال قال لأنه قد روي عن رجلين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأسانيد صحاح فروى الأثرم بإسناده عن عمر أنه قال إن شاء حسر عن رأسه وإن شاء مسح على قلنسيته وعمامته وروى بإسناده عن أبي موسى أنه خرج من الخلاء فمسح على القلنسوة ولأنه ملبوس معتاد يستر الرأس أشبه العمامة المحنكة وفارق العمامة التي قاسوا عليها لأنها منهي عنها والله أعلم، وفي مسح المرأة على خمارها روايتان (إحداهما) يجوز يروي ذلك عن أم سلمة حكاه ابن المنذر ولأنه ملبوس للرأس يشق نزعه أشبه العمامة (والثانية) لا يجوز وهو قول نافع والنخعي وحماد والاوزاعي ومالك والشافعي لأنه ملبوس يختص بالمرأة أشبه الوقاية ولا يجوز المسح على الوقاية رواية واحدة ولا نعلم فيه خلافا لأنها لا يشق نزعها فهي كطاقية الرجل (مسألة) قال (ومن شرطه أن يلبس الجميع بعد كمال الطهارة) لا نعلم في اشتراط تقدم الطهارة لكل ما يجوز المسح عليه خلافا إلا للجبيرة ووجهه ما روى المغيرة بن شعبة قال كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فأهويت لا نزع خفيه فقال " دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين " فمسح عليهما متفق عليه. وعنه قال قلت يا رسول الله أيمسح أحدنا على خفيه؟ فقال " نعم إذا أدخلهما وهما طاهرتان " رواه الدارقطني فأما إن غسل أحد رجليه ثم لبس الخف ثم غسل الأخرى وأدخلها الخف لم يجز المسح أيضاً وهو

مسألة: وإن نوى غسلا مسنونا فهل يجزئ عن الواجب؟ على وجهين

قول الشافعي واسحاق ونحوه عن مالك، وعنه أنه يجوز رواها أبو طالب عنه وهو قول أبي ثور وأصحاب الرأي لأنه أحدث بعد كمال الطهارة واللبس فجاز كما لو نزع الخف الأول ثم لبسه وكذلك الحكم فيمن مسح رأسه ولبس العمامة ثم غسل رجليه قياسا على الخف، وقد قيل فيمن غسل رجليه ولبس خفيه ثم غسل بقية أعضائه إذا قلنا إن الترتيب ليس بشرط جاز له المسح ووجه الأولى، ما ذكرناه من الحديثين وهو يدل على وجود الطهارة فيهما جميعا وقت إدخالهما ولم يوجد ذلك وقت لبس الأولى ولأن ما اعتبر له الطهارة اعتبر له جميعها كالصلاة. وفارق ما إذا نزع الخف الأول ثم لبسه لأنه لبسه بعد كمال الطهارة (فصل) كره أحمد لبس الخف وهو يدافع أحد الأخبثين لأن الصلاة مكروهة بهذه الطهارة وكذلك اللبس الذي يراد للصلاة والأولى ان لا يكره، وروي عن إبراهيم النخعي أنه كان إذا أراد أن يبول لبس خفيه ولأنها طهارة كاملة أشبه ما لو لبسهما عند غلبة النعاس. والصلاة إنما كرهت للحاقن لأن اشتغال قلبه بمدافعة الأخبثين يذهب بخشوع الصلاة ويمنع الاتيان بها على الكمال ويحمله على العجلة ولا يضر ذلك في اللبس. (فصل) فإن تطهر ثم لبس الخف فأحدث قبل بلوغ الرجل قدم الخف لم يجز له المسح لأن الرجل حصلت في مقرها وهو محدث فصار كما لو بدأ اللبس وهو محدث (فصل) فإن تيمم ثم لبس الخف لم يكن له المسح لأنه لبسه على طهارة غير كاملة ولأنها طهارة

مسألة: واستصحاب ذكرها في جميعها وإن استصحب حكمها أجزأه

ضرورة بطلت من أصلها فصار كاللابس له على غير طهارة ولأن التيمم لا يرفع الحدث فقد لبسه وهو محدث، فأما إن تطهرت المستحاضة ومن به سلس البول وشبههما ولبسوا خفافا فلهم المسح عليها، نص عليه أحمد لأن طهارتهم كاملة في حقهم، قال ابن عقيل لأنها مضطرة إلى الترخص وأحق من يترخص المضطر فإن انقطع الدم وزالت الضرورة بطلت الطهارة من أصلها ولم يكن لها المسح كالمتيمم إذا وجد الماء، وإن لبس الخف بعد طهارة مسح فيها على العمامة أو العمامة بعد طهارة مسح فيها على الخف فقال بعض أصحابنا ظاهر كلام أحمد أنه لا يجوز المسح لأنه لبس على طهارة ممسوح فيها على بدل فلم يستبح المسح باللبس فيها كما لو لبس خفا على طهارة مسح فيها على خف، وقال القاضي يحتمل جواز المسح لأنها طهارة كاملة وكل واحد منهما ليس ببدل عن الآخر بخلاف الخف الملبوس على خف ممسوح عليه (فصل) فإن لبس الجبيرة على طهارة مسح فيها على خف أو عمامة وقلنا ليس من شرطها الطهارة جاز المسح عليها وإن اشترطنا الطهارة احتمل أن يكون كالعمامة الملبوسة على طهارة مسح فيها على الخف واحتمل جواز المسح بكل حال لأن مسحها عزيمة، وإن لبس الخف على طهارة مسح فيها على الجبيرة جاز المسح عليه لأنها عزيمة ولأنها إن كانت نافعة فهو لنقص لم يزل فلم يمنع طهارة المستحاضة، وإن لبس الجبيرة عل طهارة مسح فيها على الجبيرة جاز المسح لما ذكرنا (مسألة) قال (إلا الجبيرة على إحدى الروايتين) اختلفت الرواية عن أبي عبد الله رحمه الله في الجبيرة فروي أنه لا يشترط تقدم الطهارة لها

اختاره الخلال وذلك لما ذكرنا من حديث جابر في الذي أصابته الشجة فإنه قال إنما كان يجزئه أن يعصب على جرحه خرقة ويمسح عليها ولم يذكر الطهارة، وكذلك حديث علي لم يأمره بالطهارة ولأن اشتراط الطهارة لها تغليظ على الناس ويشق عليهم ولأن المسح عليها إنما جاز لمشقة نزعها وهو موجود إذا لبسها على غير طهارة. ويحتمل أن يشترط له التيمم عند العجز عن الطهارة فإن في حديث جابر إنما كان بكفيه أن يتيمم ويعصب أو يعصر على جرحه ثم يمسح عليها لأنها عبادة اشترطت لها الطهارة فقام التيمم مقامها عند العجز كالصلاة، وروي عنه أنه يشترط تقدم الطهارة عليها وهو ظاهر قول الخرقي لأنه حائل يمسح عليه فاشترط تقدم الطهارة على لبسه كسائر الممسوحات فعلى هذا إذا لبسها على غير طهارة ثم خاف من نزعها تيمم لها لأنه موضع يخاف الضرر باستعمال الماء فيه أشبه الجرح (فصل) ولا يحتاج مع مسحها إلى تيمم، قال شيخنا ويحتمل أن يتيمم مع مسحها فيما إذا تجاوز بها موضع الحاجة لأن ما على موضع الحاجة يقتضي المسح والزائد يقتضي التيمم وكذلك فيما إذا شدها على غير طهارة لأنه مختلف في جواز المسح عليها فإذا جمع بينهما خرج من الخلاف، وللشافعي في الجمع بينهما قولان في الجملة لحديث صاحب الشجة: ولنا أنه محل واحد فلا يجمع فيه بين بدلين كالخف (فصل) ولا فرق بين كون الشد على كسر أو جرح لحديث صاحب الشجة فإنها جرح الرأس وقياسا على الكسر وكذلك إن وضع على جرحه دواء وخاف من نزعه مسح عليه نص عليه في رواية الأثرم وذلك لما روى الأثرم بإسناده عن ابن عمر أنه خرجت بإبهامه قرحة فألقمها مرارة وكان يتوضأ

مسألة: وهما واجبان في الطهارتين وعنه أن الاستنشاق وحده واجب وعنه أنهما واجبان في الكبرى دون الصغرى

ويمسح عليها، ولو انقلع ظفر إنسان أو كان بإصبعه جرح يخاف إن أصابه الماء أن يزرق الجرح جاز المسح عليه في المنصوص. وقال القاضي في اللصوق على الجروح إن لم يكن في نزعه ضرر نزعه وغسل الصحيح وتيمم للجريح ويمسح على موضع الجرح، وإن كان في نزعه ضرر مسح عليه كالجبيرة فان كان في رجله شق فجعل فيه قيرا فقال أحمد ينزعه ولا يمسح عليه هذا أهون هذا لا يخاف منه، فقيل له متى يسع صاحب الجرح أن يمسح عليه؟ قال إذا خشي أن يزداد وجعا أو شدة. وتعليل أحمد في القير بسهولته يقتضي أنه متى كان يخاف منه جاز المسح عليه كالإصبع المجروحة إذا ألقمها مرارة أو عصبها، قال مالك في الظفر يسقط يكسوه مصطكا ويمسح عليه وهو قول أصحاب الرأي (فصل) فإن لم يكن على الجرح عصاب غسل الصحيح وتيمم للجريح. وقد روى حنبل عن أحمد في المجروح والمجدور يخاف عليه يمسح موضع الجرح ويغسل ما حوله يعني يمسح إذا لم يكن عصاب والله أعلم (مسألة) قال (ويمسح المقيم يوما وليلة والمسافر ثلاثة أيام ولياليهن) لا نعلم فيه خلافاً في المذهب وهو قول عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم وبه قال شريح وعطاء والثوري واسحاق وأصحاب الرأي وهو ظاهر قول الشافعي. وقال الليث يمسح ما بدا له وهو قول أكثر أصحاب مالك وكذلك قول مالك في المسافر، وعنه في المقيم روايتان وذلك لما روى أبي بن عمارة قال قلت يا رسول الله نمسح على الخفين؟ قال " نعم " قلت يوما؟ قال " ويومين " قلت وثلاثة؟ قال " وما شئت " رواه أبو داود

ولأنه مسح في طهارة فلم تتوقت كمسح الرأس والجبيرة. ولنا ما روى علي قال: جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر ويوما وليلة للمقيم رواه مسلم. وعن عوف بن مالك الأشجعي أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالمسح على الخفين في غزوة تبوك ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر ويوما وليلة للمقيم رواه الإمام أحمد والدارقطني. قال الامام أحمد: هذا أجود حديث في المسح لأنه في غزوة تبوك آخر غزوة غزاها النبي صلى الله عليه وسلم وحديثهم ليس بالقوي. وقد اختلف في إسناده قاله أبو داود، ويحتمل أنه قال وما شئت من اليوم واليومين والثلاثة، ويحتمل أنه يمسح ما شاء إذا نزعها عند انتهاء مدته ثم لبسها. وقياسهم منقوض بالتيمم ومسح الجبيرة عندنا موقت بإمكان نزعها والله أعلم (فصل) وسفر المعصية كالحضر في مدة المسح لأن ما زاد على اليوم والليلة رخصة والرخص لا تستباح بالمعصية والله أعلم، وقال القاضي يحتمل أن لا يباح له المسح أصلا لكونه رخصة (1) والله أعلم (مسألة) قال (إلا الجبيرة فإنه يمسح عليها إلى حلها) لأن مسحها للضرورة فيقدر بقدرها والضرورة تدعو إلى مسحها إلى حلها بخلاف غيرها (فصل) ويفارق مسح الجبيرة الخف من خمسة أوجه (الأول والثاني) أنه لا يشترط تقدم الطهارة لها ولا يتقدر مسحها بمدة وقد ذكرناهما (الثالث) انه يجب استيعابها بالمسح لأنه لا ضرر في تعميمها

_ 1) هذا التعليل وما قبله الرأى الذي لا يدل عليه كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا اثر عن الصحابة ولا قياس صحيح ويمكن نقضه برأي اقوى منه بما يدل عليه من حكمة الشارع وهو ان العصاة اولى بالرخص من الاتقياء لئلا يتركوا الفرائض، والعمدة في رد الجمهور له ان خطاب الشرع عان وهذا الرأي لا يصح مخصصاله

مسألة: ويغسل وجهه ثلاثا وحده من منابت شعر الرأس إلى ما انحدر من اللحيين والذقن طولا مع ما استرسل من اللحية ومن الأذن إلى الأذن عرضا

بخلاف الخف (الرابع) أنه لا يجوز المسح عليها إلا عند خوف الضرر بنزعها (الخامس) أنه يمسح عليها في الطهارة الكبرى لأن الضرر يلحق بنزعها فيها بخلاف الخف (مسألة) (وابتداء المدة من الحدث بعد اللبس، وعنه من المسح بعده) يعني بعد الحدث، ظاهر المذهب أن ابتداء المدة من الحدث بعد اللبس وهذا قول الثوري والشافعي وأصحاب الرأي. وفيه رواية أخرى أن ابتداءها من المسح بعد الحدث يروي ذلك عن عمر رضي الله عنه وهو اختيار ابن المنذر لقول النبي صلى الله عليه وسلم يمسح المسافر ثلاثة أيام ولياليهن، وقال الشعبي وإسحاق وأبو ثور يمسح المقيم خمس صلوات لا يزيد عليها، ووجه الرواية الأولى ما نقله القاسم بن زكريا المطرز في حديث صفوان عن الحدث إلى الحدث ولأنها عبادة مؤقتة فاعتبر أول وقتها من حين جواز فعلها كالصلاة. ويجوز أن يكون أراد بالخبر استباحة المسح دون فعله. وأما تقديره بخمس صلوات فلا يصح لكون النبي صلى الله عليه وسلم قدره بالوقت دون الفعل، فعلى هذا يمكن المقيم أن يصلي بالمسح ست صلوات يؤخر الصلاة ثم يمسح في اليوم الثاني في أول وقتها قبل انقضاء المدة وإن كان له عذر يبيح الجمع من مرض أو غيره أمكنه أن يصلي سبع صلوات، ويمكن المسافر أن يصلي ستة عشر صلاة إن لم يجمع وسبع عشرة صلاة إن جمع على ما فصلناه والله أعلم (مسألة) قال (ومن مسح مسافرا ثم أقام أتم مسح مقيم) وهذا قول الشافعي وأصحاب الرأي

ولا نعلم فيه خلافا لأنه صار مقيماً فلم يجز له أن يمسح مسح المسافر، ولأنها عبادة تختلف بالحضر والسفر فإذا ابتدأها في السفر ثم حضر في أثنائها غلب حكم الحضر كالصلاة، فإن كان قد مسح يوماً وليلة ثم أقام أو قدم خلع، وإن كان مسح أقل من يوم وليلة ثم أقام أو قدم أتم يوما وليلة لما ذكرنا، ولو مسح في السفر أكثر من يوم وليلة ثم دخل في الصلاة فنوى الإقامة في أثنائها بطلت لأن المسح بطل فبطلت الطهارة التي هي شرط لصحة الصلاة، ولو تلبس بالصلاة في سفينة فدخلت البلدة في أثنائها بطلت صلاته لذلك والله أعلم (مسألة) (وإن مسح مقيما ثم سافر أو شك في ابتادئه أتم مسح مقيم، وعنه يتم مسح مسافر) اختلفت الرواية عن أحمد في هذه المسألة فروي عنه أنه يتم مسح مقيم اختاره الخرقي وهو قول الثوري والشافعي وإسحاق لأنها عبادة تختلف بالحضر والسفر فإذا وجد أحد طرفيها في الحضر غلب حكمه كالصلاة، وروي عنه أنه يتم مسح مسافر سواء مسح في الحضر لصلاة أو أكثر منها بعد أن لا تنقضي مدة المسح وهو حاضر وهذا مذهب أبي حنيفة لقوله صلى الله عليه وسلم " يمسح المسافر ثلاثة أيام ولياليهن " وهذا مسافر ولأنه سافر قبل انقضاء مدة المسح أشبه من سافر بعد الحدث وقبل المسح وهذا اختيار الخلال وصاحبه، قال الخلال رجع أحمد عن قوله الأول إلى هذا، وإن شك هل ابتدأ المسح في الحضر أو السفر بنى على مسح حاضر لأنه لا يجوز المسح مع الشك في إباحته ولأن الأصل الغسل والمسح رخصة فإذا شككنا في شرطها رجعنا إلى الأصل. فإن ذكر بعد أنه كان قد ابتدأ المسح في السفر جاز البناء على مسح مسافر، وإن كان قد صلى بعد اليوم والليلة مع الشك ثم تيقن فعليه إعادة ما صلى مع الشك لأنه صلى بطهارة لم يكن له أن يصلي بها فهو كما لو صلى يعتقد أنه محدث ثم ذكر أنه

متطهر فإن وضوءه صحيح ويلزمه إعادة الصلاة وهذا التفريع على الرواية الأولى. ومتى شك الماسح في الحدث بنى على الأحوط عنده لأن الأصل غسل الرجل (فصل) فإن لبث وأحدث وصلى الظهر ثم شك هل مسح قبل الظهر أو بعدها وقلنا ابتداء المدة من حين المسح بنى الأمر في المسح على أنه قبل الظهر وفي الصلاة على أنه مسح بعدها لأن الأصل بقاء الصلاة في ذمته ووجوب غسل الرجل فرددنا كل واحد منهما إلى أصله والله أعلم (مسألة) (وإن أحدث ثم سافر قبل المسح أتم مسح مسافر) لا نعلم بين أهل العلم خلافاً في ذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم " يمسح المسافر ثلاثة أيام ولياليهن؟ وهذا حال ابتداء المسح كان مسافرا (مسألة) قال (ولا يجوز المسح إلا على ما يستر محل الفرض ويثبت بنفسه) متى كان الخف ساترا لمحل الفرض لا يرى منه الكعبان لكونه ضيقا أو مشدودا جاز المسح عليه. فأما المقطوع من دون الكعبين فلا يجوز المسح عليه وهذا قول الشافعي وأبي ثور وهو الصحيح عن مالك، وحكي عن الأوزاعي ومالك جواز المسح عليه لأنه خف يمكن متابعة المشي فيه أشبه السائر ولنا أنه لا يستر محل الفرض أشبه اللالكة والنعلين ولأن حكم ما ظهر الغسل وحكم ما استتر المسح ولا سبيل إلى الجمع من غير ضرورة فغلب الغسل كما لو ظهرت إحدى الرجلين ولو كان للخف قدم وله شرج إذا شده يستر محل الفرض جاز المسح عليه وقال أبو الحسن الآمدي لا يجوز المسح

مسألة: فإن كان فيه شعر خفيف يصف البشرة وجب غسلها معه. وإن كان يسترها أجزأه غسل ظاهره ويستحب تخليله

عليه كاللفائف، ولنا أنه خف ساتر يمكن متابعة المشي فهى أشبه غير ذي الشرج (فصل) فإن كان الخف محرما كالقصب الحرير لم يجز المسح عليه في الصحيح من المذهب لأن المسح رخصة فلا تستباح بالمعصية كما لا يستبيح المسافر الرخص بسفر المعصية (فصل) ويجوز المسح على كل خف ساتر لمحل الفرض سواء كان من جلود أو لبود وما أشبهها فإن كان خشبا أو حديدا وما أشبههما جاز المسح عليه وهذا قول أبي الخطاب قال القاضي وهو قياس المذهب لأنه خف يمكن متابعة المشي فيه ساتر لمحل الفرض أشبه الجلود، وقال بعض أصحابنا لا يجوز المسح عليها لأن الرخصة وردت في الخفاف المتعارفة للحاجة (1) ولا تدعو الحاجة إلى المسح على هذه في الغالب. (مسألة) قال (ويثبت بنفسه) فإن كان لا يثبت بنفسه بحيث يسقط من القدم إذا مشى فيه لم يجز المسح عليه لأن الذي تدعو الحاجة إلى لبسه هو الذي يمكن متابعة المشي فيه فأما ما يسقط إذا مشى فيه فلا يشق نزعه ولا يحتاج إلى المسح عليه (مسألة) (فإن كان فيه خرق يبدو منه بعض القدم أو كان واسعا يرى منه الكعب أو الجورب خفيفا يصف القدم أو يسقط منه إذا مشى أو شد لفائف لم يجز المسح عليه) وجملة ذلك أنه إنما يجوز المسح على الخف ونحوه إذا كان ساتر المحل الفرض لما ذكرنا، فإن كان فيه خرق يبدو منه بعض القدم أو كان واسعا يرى منه الكعب لم يجز المسح سواء كان الخرق كبيرا أو صغيرا من موضع الخرز أو من غيره. فأما ان

_ 1) إذا كانت الرخصة للحاجة فلم تقيد بالمتعارف في صفة عارضة لادخل لها في مس الحاجة كمادة الخف وشكله وصنعته؟ الحق الاول وهذا تعليل ضعيف

كان الشق ينضم فلا يبدو منه القدم لم يمنع جواز المسح نص عليه وهو مذهب معمر وأحد قولي الشافعي، وقال الثوري وإسحاق وابن المنذر يجوز المسح عل كل خف، وقال الأوزاعي يمسح الخف المخروق وعلى ما ظهر من رجله وقال أبو حنيفة إن كان أقل من ثلاث أصابع جاز المسح عليه وإلا لم يجز، وقال مالك إن كثر وتفاحش لم يجز وإلا جاز وتعلقوا بعموم الحديث وبأنه خف يمكن متابعة المشي فيه أشبه الصحيح ولأن الغالب على خفاف العرب كونها مخرقة وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بلبسها من غير تفصيل فينصرف إلى الخفاف الملبوسة عندهم غالبا ولنا أنه غير ساتر للقدم فلم يجز المسح عليه كما لو كثر وتفاحش ولأن حكم ما ظهر الغسل وحكم ما استتر المسح فإذا اجتمعا غلب الغسل كما لو ظهرت إحدى الرجلين (فصل) وكذلك إن كان الجورب خفيفا يصف القدم لم يجز المسح عليه لأنه غير ساتر (1) لمحل الفرض أشبه النعل. وكذلك إن كان يسقط من القدم ولا يثبت فيه لما ذكرنا، ولا يجوز المسح على اللفائف والخرق نص عليه أحمد لأنها لا تثبت بنفسها إنما تثبت بشدها ولا نعلم في هذا خلافاً (مسألة) (وإن لبس خفا فلم يحدث حتى لبس عليه آخر جاز المسح عليه) يعني على الفوقاني سواء كان التحتاني صحيحا أو مخرقا وهذا قول الثوري والاوزاعي وأصحاب الرأي، ومنع منه مالك والشافعي في أحد قوليهما لأن الحاجة لا تدعو إلى لبسه في الغالب فلم تتعلق به رخصة عامة كالجبيرة

_ 1) ان بدو القليل المعتاد في الخفاف ولا سيما في السفر وهذا اختيار شيخ الاسلام تقي الدين من الحنابلة

مسألة: ثم يغسل يديه إلى المرفقين ثلاثا ويدخل المرفقين في الغسل

ولنا أنه خف ساتر يثبت بنفسه أشبه المنفرد وقوله الحاجة لا تدعو إليه ممنوع فإن البلاد الباردة لا يكفي فيها خف واحد غالبا ولو سلمنا ذلك لكن الحاجة معتبرة بدليلها وهو الإقدام على اللبس لا بنفسها فهو كالخف الواحد. إذا ثبت ذلك فمتى نزع الفوقاني قبل مسحه لم يؤثر فيه، وإن نزعه بعد مسحه بطلت الطهارة ووجب نزع الخفين وغسل الرجلين لزوال محل المسح ونزع أحد الخفين كنزعهما لأن الرخصة تعلقت بهما فصار كانكشاف القدم، ولو أدخل يده من تحت الفوقاني ومسح الذي تحته جاز لأن كل واحد منهما محل للمسح فجاز المسح عليه كما يجوز غسل قدميه في الخف مع جواز المسح عليه، ولو لبس أحد الجرموقين في أحد الرجلين دون الأخرى جاز المسح عليه وعلى الخف الذي في الرجل الأخرى فهو كما لو لم يكن تحته شئ (فصل) وإن لبس مخرقا فوق صحيح فالمنصوص عن أحمد جواز المسح عليه رواها عنه حرب لأن القدم مستور بخف صحيح فجاز المسح عليه كما لو كان مكشوفا، وقال القاضي وأصحابه لا يجوز المسح إلا على التحتاني لأن الفوقاني لا يجوز المسح عليه مفردا أشبه مالو كان تحته لفافة، فإما إن لبس مخرقا فوق لفافة لم يجز المسح عليه لأن القدم غير مستور بخف صحيح، وإن لبس مخرقا فوق مخرق فاستتر القدم بهما احتمل أن لا يجوز المسح لذلك واحتمل جواز المسح لأن القدم استتر بهما أشبه مالو كان أحدهما مخرقا والآخر صحيحا

(فصل) فأما إن لبس الفوقاني بعد أن أحدث لم يجز المسح لأنه لبسه على غير طهارة وكذلك إن مسح على الأول ثم لبس الثاني، وقال بعض أصحاب الشافعي يجوز لأن المسح قام مقام الغسل ولنا أن المسح على الخف لم يزل الحدث عن الرجل فلم تكمل الطهارة أشبه التيمم ولأن الخف الممسوح عليه بدل والبدل لا يكون له بدل آخر والله أعلم (مسألة) (ويمسح أعلى الخف دون أسفله وعقبه فيضع يده على الأصابع ثم يمسح إلى ساقه) هذه السنة في مسح الخف، فإن عكس فمسح في ساقه إلى أسفل جاز والمسنون الأول لما روى الخلال بإسناده عن المغيرة فذكر وضوء النبي صلى الله عليه وسلم قال ثم توضأ ومسح على الخفين فوضع يده اليمنى على خفه الأيمن ووضع يده اليسرى على خفه الأيسر ثم مسح أعلاهما مسحة واحدة حتى كأني أنطر إلى أثر أصابعه على الخفين قال ابن عقيل: سنة المسح هكذا أن يمسح خفيه بيديه باليمنى اليمنى وباليسرى اليسرى وقال أحمد كيفما فعلت فهو جائز باليد الواحدة أو باليدين، وإن مسح بإصبع أو إصبعين أجزأه إذا كرر المسح بها حتى يصير مثل المسح بأصابعه ولا يسن مسح أسفله ولا عقبه وهذا قول عروة وعطاء والحسن والثوري واسحاق وأصحاب الرأي وابن المنذر، وروي مسح ظاهر الخفين وباطنهما عن سعد بن أبي وقاص وابن عمر وعمر ابن عبد العزيز وابن المبارك ومالك والشافعي لما روى المغيرة بن شعبة قال وضأت رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح أعلى الخف وأسفله رواه أبو داود والترمذي ولأنه يحاذي محل الفرض أشبه ظاهره

مسألة: ثم يمسح رأسه

ولنا قول علي رضي الله عنه: لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من ظاهره وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح ظاهر خفيه رواه الإمام أحمد وأبو داود، وعن عمر قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بالمسح على ظاهر الخفين إذا لبسهما وهما طاهرتان رواه الخلال ولأن مسحه غير واجب ولا يكاد يسلم من مباشرة أذى فيه تتنجس به يده فكان تركه أولى، وحديثهم معلول قاله الترمذي وقال وسألت أبا زرعة ومحمدا عنه فقال ليس بصحيح وقال أحمد هذا من وجه ضعيف وأسفل الخف ليس بمحل لفرض المسح بخلاف أعلاه (فصل) فإن مسح أسفله أو عقبه دون أعلاه لم يجزه في قول أكثر العلماء، قال شيخنا لا نعلم أحدا قال يجزئه مسح أسفل الخف إلا أشهب من أصحاب مالك وبعض الشافعية لأنه مسح بعض ما يحاذي محل الفرض فأجزأه كما لو مسح ظاهره، ومنصوص الشافعي كمذهب الجمهور لما ذكرنا أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما مسح ظاهر الخف ولا خلاف في أنه يجزئ الاقتصار على مسح ظاهر الخف حكاه ابن المنذر (فصل) والقدر المجزئ في المسح أن يمسح أكثر مقدم ظاهره خطوطا بالاصابع قاله القاضي لما ذكرنا من حديث المغيرة، وقال الشافعي والثوري وأبو ثور يجزئ القليل منه لأنه أطلق لفظ المسح ولم ينقل فيه تقدير فرجع إلى ما تناوله الاسم، وقال أبو حنيفة ومحمد بن الحسن يجزئه قدر ثلاث أصابع وهو قول الأوزاعي، وقال إسحاق لا يجزئ حتى يمسح بكفيه

مسألة: ويجب مسح جميعه مع الأذنين وعنه يجزئ مسح أكثره

ولنا أن لفظ المسح ورد مطلقا وفسره النبي صلى الله عليه وسلم بفعله كما ذكرنا في حديث المغيرة، ولا يستحب تكرار مسحه لأن في حديث المغيرة مسحة واحدة. روى ذلك عن ابن عمر وابن عباس، وقال عطاء يمسح ثلاثا (فصل) فإن مسح بخرقة أو خشبة احتمل الإجزاء لحصول المسح، واحتمل المنع لأن النبي صلى الله عليه وسلم مسح بيده، فإن غسل الخف لم يجزه وهذا قول مالك واختيار القاضي، قال إبن المنذر وهو اقيس لأنه أمر بالمسح فلم يفعله فلم يجزه كما لو طرح التراب على وجهه ويديه في التيمم لكن إن أمر يديه على الخفين في حال الغسل أو بعده اجزأه لوجود المسح. وقال ابن حامد يجزئه وهو قول الثوري وأصحاب الرأي لأنه أبلغ من المسح والاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم أولى والمستحب أن يفرج أصابعه إذا مسح قال الحسن خطوطا بالأصابع ووضع الثوري أصابعه على مقدم خفيه وفرج بينهما ثم مسح على أصل الساق، وروي عن عمر أنه مسح حتى رئي آثار أصابعه على خفيه خطوطا (مسألة) (ويجوز المسح على العمامة المحنكة إذا كانت ساترة لجميع الرأس إلا ما جرت العادة بكشفه) قد ذكرنا دليل جواز المسح على العمامة، ومن شروط جواز المسح عليها أن تكون ساترة لجميع الرأس إلا ما جرت العادة بكشفه كمقدم الرأس والأذنين وجوانب الرأس فإنه يعفى عنه بخلاف خرق الخف فإنه يعفى عنه لأن هذا جرت العادة به ويشق التحرز عنه وإن ظهر بعض القلنسوة من تحت العمامة فالظاهر جواز المسح عليهما لأنهما صارا كالعمامة الواحدة، ومتى كانت محنكة جاز المسح عليها رواية

واحدة سواء كان له ذؤابة أو لم يكن لأن هذه عمائم العرب وهي أكثر سترا ويشق نزعها قاله القاضي وسواء كانت صغيرة او كبيرة ولأنها مأمور بها وتفارق عمائم أهل الكتاب (مسألة) قال (ولا يجوز على غير المحنكة إلا أن تكون ذات ذؤابة فيجوز في أحد الوجهين) أما إذا لم يكن لها حنك ولا ذؤابة فلا يجوز المسح عليها لأنها على صفة عمائم أهل الذمة وقد نهى عن التشبه بهم ولأنها لا يشق نزعها وإن كان لها ذؤابة ولا حنك لها ففيه وجهان (أحدهما) جوازه لأنها لا تشبه عمائم أهل الذمة إذ ليس من عادتهم الذؤابة (والثاني) لا يجوز وهو الأظهر لأن النبي صلى الله عليه وسلم امر بالتحلي ونهى عن الاقتعاط. رواه أبو عبيد قال: والاقتعاط أن لا يكون تحت الحنك منها شئ وروي أن عمر رضي الله عنه رأى رجلا ليس بمحنك بعمامته فحنكه بكور منها وقال ما هذه الفاسقية ولأنها لا يشق نزعها فلم يجز المسح كالتي لا ذؤابة لها ولا حنك (فصل) وما جرت العادة بكشفه من الرأس استحب أن يمسح عليه مع العمامة، نص عليه لأن النبي صلى الله عليه وسلم مسح بناصيته وعمامته في حديث المغيرة وهو صحيح، وهل يجب الجمع بينهما إذا قلنا بوجوب استيعاب مسح الرأس؟ فيه وجهان (أحدهما) يجب للخبر ولان العمامة ثابت عما استتر فوجب مسح الباقي كما لو ظهر سائر رأسه (والثاني) لا يجب لأن العمامة نابت عن الرأس فانتقل الفرض إليها وتعلق الحكم بها فلم يبق لما ظهر حكم ولأن الجمع بينهما يفضي إلى الجمع بين البدل والمبدل في عضو واحد فلم يجز من غير ضرورة كالخف

ولا يجب مسح الأذنين مع العمامة لا نعلم فيه خلافاً لأنه لم ينقل وليستا من الرأس إلا على وجه التبع (فصل) وحكمها في التوقيت واشتراط تقدم الطهارة لها حكم الخف قياساً عليه، فإن كانت العمامة محرمة اللبس كالحرير والمغصوبة لم يجز المسح عليها في الصحيح لما ذكرنا في الخف فإن لبست المرأة عمامة لم يجز المسح عليها لأنها منهية عن التشبه بالرجال فكانت محرمة في حقها وإن كان لها عذر فهذا نادر لا يفرد يحكم (مسألة) (ويجزئ مسح أكثرها وقيل لا يجزئ إلا مسح جميعها) اختلفت الرواية في وجوب استيعاب العمامة بالمسح فروي ما يدل على أنه يجزئ مسح أكثرها لأنها أحد الممسوحين على وجه البدل فأجزأ مسح بعضه كالحف، وروي عنه أنه يلزم استيعابها قياسا على مسح الرأس. والفرق بينهما أن البدل ههنا من جنس المبدل فيقدر بقدره كمن عجز عن قراءة الفاتحة وقدر على قراءة غيرها من القرآن يجب أن يكون بقدرها. ولو كان البدل تسبيحا لم يتقدر بقدرها لكونه ليس من جنسها. والخف بدل من غير الجنس لكونه بدلا عن الغسل فلم يتقدر بقدره كالتسبيح بدلا عن القرآن، والصحيح الأول قياسا عى الخف وما ذكر للرواية الثانية ينتقض بمسح الجبيرة فإنه بدل عن الغسل وهو من غير جنس المبدل ويجب فيه الاستيعاب، وقال القاضي يجزئ مسح بعضها كالخف ويختص ذلك بأكوارها دون وسطها فان مسح وسطها وحده ففيه وجهان (أحدهما) يجزئه كما يجزئ مسح بعض دوائرها (والثاني) لا يجزئه كما لو مسح أسفل الخف

(مسألة) (ويمسح على جميع الجبيرة إذا لم تتجاوز قدر الحاجة) لأنه لا يشق المسح عليها كلها بخلاف الخف فانه يشق تعيميم جميعه ويتلفه المسح ولأنه مسح للضرورة أشبه التيمم، وإن كان بعضها في محل الفرض وبعضها في غيره مسح ما حاذى محل الفرض نص عليه أحمد. وإنما يجوز المسح عليها إذا لم يتعد بها موضع الكسر إلا بما لابد من وضع الجبيرة عليه فانها لابد أن توضع على طرفي الصحيح ليرجع الكسر، فإن شدها على مكان يستغني عن شدها عليه كان تاركا لغسل ما يمكنه غسله من غير ضرر فلم يجز كما لو شدها على مالا كسر فيه، وقد روي عن أحمد أنه سهل في ذلك في مسألة الميموني والمروذي لأن هذا مما لا ينضبط وهو شديد جدا. فعلى هذا لا بأس بالمسح على العصائب كيف شدها والأول أولى لما ذكرنا. فعلى هذا إذا تجاوز بها موضع الحاجة لزمه نزعها إن لم يخف الضرر وإن خاف من نزعها تيمم لها لأنه موضع يخاف الضرر باستعمال الماء فيه فجاز التيمم له كالجرح. (مسألة) قال (ومتى ظهر قدم الماسح أو رأسه أو انقضت مدة المسح استأنف الطهارة) لأن المسح بدل عن الغسل فمتى ظهر القدم وجب غسله لزوال حكم البدل كالمتيمم يجد الماء (وعنه يجزئه مسح رأسه وغسل قدميه) وجملة ذلك أنه متى ظهر قدم الماسح بعد الحدث والمسح وقبل انقضاء المدة فقد اختلف العلماء فيه فالمشهور عن أحمد رحمه الله أنه يعيد الوضوء وبه قال النخعي والزهري ومكحول والاوزاعي واسحاق وهو أحد قولي الشافعي، وعن أحمد رواية أنه يجزئه غسل قدميه وهو قول الثوري وأبي ثور

والمزني وأصحاب الرأي والقول الثاني للشافعي لأن مسح الخفين ناب عن الرجلين خاصة فظهورهما يبطل ما ناب عنه كالتيمم إذا بطل برؤية الماء بطل ما ناب عنه. وهذا الاختلاف مبني على وجوب الموالاة فمن لم يوجبها في الوضوء جوز غسل القدمين لأن سائر أعضائه سواهما مغسولة ومن أوجب الموالاة أبطل الوضوء لفوات الموالاة، فعلى هذا لو خلع الخفين قبل جفاف الماء عن بدنه أجزأه غسل قدميه وصار كأنه خلعهما قبل مسحه عليهما، وقال الحسن وقتادة: لا يتوضأ ولا يغسل قدميه واختاره ابن المنذر لأنه أزال الممسوح عليه بعد كمال الطهارة أشبه مالو حلق رأسه بعد مسحه ووجه الرواية الأولى أن الوضوء بطل في بعض الأعضاء فبطل في جميعها كما لو أحدث وما ذكروه يبطل بنزع أحد الخفين فإنه يلزمه غسلهما وإنما ناب مسحه عن إحداهما. وأما التيمم عن بعض الأعضاء فسيأتي الكلام عليه في بابه إن شاء الله. وقال مالك والليث بن سعد: أن غسل رجليه مكانه صحت طهارته فإن تطاول أعاد الوضوء لأن الطهارة كانت صحيحة إلى حين نزع الخفين أو انقضاء المدة وإنما بطلت في القدمين خاصة فإذا غسلهما عقيب النزع حصلت الموالاة بخلاف ما إذا تطاول، ولا يصح ذلك لأن المسح بطل حكمه وصار الآن يضيف الغسل إلى الغسل فلم يبق للمسح حكم ولأن الاعتبار في الموالاة إنما هو بقرب الغسل من الغسل لا من حكمه فإنه متى زال حكم الغسل بطلت الطهارة ولم ينفع قرب الغسل من الخلع شيئا لكون الحكم لا يعود بعد زواله إلا بسبب جديد والله أعلم

مسألة: ولا يستحب تكراره وعنه يستحب

(فصل) وحكم خلع العمامة بعد المسح عليها عند القائلين بجواز المسح عليها حكم الخف لأنها في معناه إلا أنه ههنا يلزمه مسح رأسه وغسل قدميه إذا قلنا بوجوب الترتيب. وكذلك الحكم لو نزع الجبيرة بعد المسح عليها قياسا على الخف والعمامة إلا أنه إن كان مسح عليها في الجنابة لم يحتج إلى إعادة غسل ولا وضوء لأن الترتيب والموالاة ساقطان فيه (فصل) وإذا انقضت مدة المسح بطلت طهارته أيضا ولزمه خلع الخفين والعمامة وإعادة الوضوء على الرواية الأولى وعلى الثانية يجزئه مسح رأسه وغسل قدميه وقد ذكرنا وجه الروايتين، ومتى أمكنه نزع الجبيرة من غير ضرر فهو كما لو انقضت مدة المسح قياساً عليه. وقال الحسن لا يبطل الوضوء ويصلي حتى يحدث ونحوه قول داود فإنه قال ينزع خفيه ويصلي حتى يحدث لأن الطهارة لا تبطل إلا بالحدث والخلع ليس بحدث ولنا أن غسل الرجلين شرط للصلاة وإنما قام المسح مقامه في المدة فإذا انقضت لم يجز أن يقوم مقامه إلا بدليل ولأنها طهارة لا يجوز ابتداؤها فيمنع من استدامتها كالمتيمم عند رؤية الماء (فصل) ونزع أحد الخفين كنزعهما في قول أكثر أهل العلم منهم مالك والثوري والشافعي وأصحاب الرأي ويلزمه نزع الآخر، وقال الزهري وأبو ثور يغسل القدم الذي نزع منه الخف ويمسح الآخر لأنهما عضوان فأشبها الرأس والقدم ولنا أنهما في الحكم كعضو واحد ولهذا لا يجب ترتيب أحدهما على الآخر فيبطل مسح أحدهما بظهور الآخر كالرجل الواحدة وبهذا فارق الرأس والقدم (فصل) وانكشاف بعض القدم من خرق كنزع الخف. فإن انكشطت الظهارة دون البطانة وكانت

البطانة ساترة لمحل الفرض تثبت بنفسها جاز المسح كما لو لم تنكشط، وإن أخرج قدمه إلى ساق الخف فهو كخلعه وهذا قول إسحاق وأصحاب الرأي، وقال الشافعي لا يتبين لي أن عليه الوضوء إلا أن يظهر بعضها لأن القدم مستور بالخف، وحكى أبو الخطاب في رءوس المسائل عن أحمد نحو ذلك، ولنا أن استقرار الرجل في الخف شرط جواز المسح بدليل مالو أدخل رجله الخف فأحدث قبل استقرارها فيه لم يكن له المسح، فإذا تغير الاستقرار زال شرط جواز المسح فبطل كما لو ظهر، وإن كان إخراج القدم إلى ما دون ذلك لم يبطل المسح لأنها لم تزل عن مستقرها، وقال مالك: إذا أخرج قدمه من موضع المسح خروجا بينا غسل قدميه (فصل) وإن نزع العمامة بعد المسح عليها بطلت الطهارة نص عليه أحمد وكذلك إن انكشف رأسه إلا أن يكون يسيراً مثل أن حك رأسه ورفعها لأجل الوضوء، قال أحمد: إذا زالت العمامة من هامته لا بأس ما لم ينقضها أو يفحش ذلك لأن هذا مما جرت العادة به فيشق التحرز عنه، وإن انتقضت بعد مسحها فهو كنزعها لأنه في معناه، وإن انتقض بعضها ففيه روايتان (إحداهما) لا تبطل طهارته لأنه زال بعض الممسوح عليه مع بقاء العضو مستورا فهو ككشط الخف مع بقاء البطانة (والثانية) تبطل قال القاضي لو انتقض منها كور واحد بطلت لأنه زال الممسوح عليه أشبه نزع الخف

مسألة: ثم يغسل رجليه إلى الكعبين ثلاثا ويدخلهما في الغسل

(مسألة) قال (ولا مدخل لحائل في الطهارة الكبرى إلا الجبيرة) لا يجوز المسح على غير الجبيرة في الطهارة الكبرى لما روى صفوان بن عسال قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنا مسافرين أو سفرا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة. رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح. فأما الجبيرة فيجوز المسح عليها في الطهارة الكبرى لحديث صاحب الشجة ولأنه مسح أبيح للضرر أشبه التيمم والله أعلم (باب نواقض الوضوء) (وهي ثمانية الخارج من السبيلين قليلاً كان أو كثيرا نادرا أو معتادا) وجملة ذلك أن الخارج من السبيلين على ضربين معتاد كالبول والغائظ والمذي والودي والريح فهذا ينقض الوضوء إجماعا حكاه ابن المنذر، ودم الاستحاضة ينقض الطهارة في قول عامة أهل العلم إلا في قول ربيعة (الضرب الثاني) نادر كالدم والدود والحصى والشعر فينقض الوضوء أيضاً، وهو قول الثوري والشافعي وأصحاب الرأي، وقال قتادة ومالك ليس في الدود يخرج من الدبر الوضوء، وروي عن مالك أنه لم يوجب الوضوء من هذا الضرب لأنه نادر أشبه الخارج من غير السبيل

مسألة: فإن كان أقطع غسل ما بقي من محل الفرض

ولنا أنه خارج من السبيل أشبه المذي ولأنه لا يخلو من بلة تتعلق به وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم المستحاضة بالوضوء لكل صلاة ودمها غير معتاد (فصل) فإن خرجت الريح من قبل المرأة وذكر الرجل فقال القاضي ينقض الوضوء ونقل صالح عن أبيه في المرأة يخرج من فرجها الريح: ما خرج من السبيلين ففيه الوضوء. وقال ابن عقيل يحتمل أن يكون الأشبه بمذهبنا في الريح الخارج من الذكر أن لا ينقض لأن المثانة ليس لها منفذ إلى الجوف ولا جعلها أصحابنا جوفا ولم يبطلوا الصوم بالحقنة فيه، قال شيخنا ولا نعلم لها وجودا في حق أحد. وقد قيل إنه يعلم بأن يحس الإنسان في ذكره دبيبا وهذا لا يصح لكونه لا يحصل به اليقين والطهارة لا تبطل بالشك. فان وجد ذلك يقينا نقض الطهارة قياساً على سائر الخارج من السبيلين (فصل) فإن قطر في إحليله دهناً ثم عاد فخرج نقض الوضوء لأنه خارج من السبيلين لا يخلو من بلة نجسة تصحبه فينتقض بها الوضوء كما لو خرجت منفردة. وقال القاضي لا ينقض لأنه ليس بين الإحليل والمثانة منفذ وإنما يخرج البول رشحا فإذا كان كذلك لم يصل الدهن إلى موضع نجس فإذا خرج فهو طاهر فلم ينقض كسائر الطاهرات إذا خرجت من البدن والأول أولى. وقوله لا يصل الدهن إلى موضع نجس ممنوع فإن باطن الذكر نجس من آثار البول والماء لا يصل إليه فيطهره فيتنجس به الدهن، ولو احتشى قطنا في ذكره ثم أخرجه وعليه بلل نقض الوضوء أيضا كما لو خرج البلل منفردا

مسألة: ثم يرفع نظره إلى السماء ويقول أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله

وإن خرج ناشفا ففيه وجهان (أحدهما) ينقض لأنه خارج من السبيل أشبه سائر الخارج (والثاني) لا ينقض لأنه ليس بين المثانة والجوف منفذ ولم تصحبه نجاسة فلم ينقض كسائر الطاهرات، ونقل القاضي في المجرد عن أحمد في رواية عبد الله إذا احتشى القطن في ذكره وصلى ثم أخرجه ووجد بللا فلا بأس ما لم يظهر يعني جاريا وهذا يدل على أن نفس البلل لا ينقض، ولو احتقن في دبره فرجعت أجزاء خرجت من الفرج نقضت الوضوء، وهكذا لو وطئ امرأته دون الفرج فدب ماؤه فدخل الفرج ثم خرج نقض الوضوء وعليهما الاستنجاء لأنه خارج من السبيل لا يخلو من بلة تصحبه من الفرج، فإن لم يعلم خروج شئ منه احتمل وجهين (أحدهما) النقض فيهما لأن الغالب أنه لا ينفك عن الخروج فنقض كالنوم (والثاني) لا ينقض عملا بالأصل. لكن إن كان المحتقن قد أدخل رأس الزراقة ثم أخرجه نقض الوضوء وكذلك إن أدخل فيه ميلا أو غيره ثم خرج لأنه خارج من السبيل فنقض كسائر الخارج (فصل) قال أبو الحرث سألت أحمد عن رجل به علة ربما ظهرت مقعدته قال إن علم أنه يظهر معها ندى توضأ وإن لم يعلم فلا شئ عليه. قال شيخنا رحمه الله يحتمل أنه إنما أراد ندي ينفصل عنها فأما الرطوبة اللازمة لها فلا تنقض لأنها لا تنفك عن رطوبة فلو نقضت لنقض خروجها على كل حال وذلك لانه شئ لم ينفصل عنها فلم ينقض كسائر أجزائها وقد قالوا فيمن أخرج لسانه وهو صائم وعليه بلل ثم أدخله وابتلع ذلك البلل لم يفطر لأنه لم يثبت له حكم الانفصال والله أعلم

مسألة: وتباح معونته

(فصل) والمذي ما يخرج عقيب الشهوة زلجا متسبسبا فيكون على رأس الذكر ينقض الوضوء إجماعا وهل يجب غسل الذكر والأنثيين منه؟ فيه روايتان (إحداهما) يوجب ذلك لما روى أن علياً رضي الله عنه قال كنت رجلا مذاء فاستحييت أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكان ابنته فأمرت المقداد بن الأسود فسأله فقال " يغسل ذكره وأنثييه ويتوضأ " رواه أبو داود. وفي لفظ " توضأ وانضح فرجك " رواه مسلم. والأمر للوجوب ولأنه خارج بسبب الشهوة فأوجب غسلا زائدا على موجب البول كالمني فعلى هذا يجزئه غسلة واحدة لأن المأمور به غسل مطلق فيكفي ما يقع عليه الاسم وقد بينه قوله في اللفظ الآخر " وانضح فرجك " وسواء غسله قبل الوضوء أو بعده لأنه غسل غير مرتبط بالوضوء أشبه غسل النجاسة (والثانية) لا يوجب الا الاستنجاء والوضوء روى ذلك عن ابن عباس وهو قول أكثر أهل العلم لما روى سهل بن حنيف قال كنت ألقى من المذي شدة وعناء وكنت أكثر منه الاغتسال فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال " إنما يجزيك من ذلك الوضوء " رواه الترمذي وقال حسن صحيح ولأنه خارج لا يوجب الغسل أشبه الودي والأمر بالنضح والغسل في حديث علي محمول على الاستحباب وقوله " إنما يجزيك من ذلك الوضوء " صريح في حصول الإجزاء به، والودي ماء أبيض يخرج عقيب البول ليس فيه وفي بقية الخارج إلا الوضوء سوى المني يروي ذلك عن ابن عباس والله أعلم

مسألة: ويباح تنشيف أعضائه ولا يستحب

(مسألة) (الثاني خروج النجاسات من سائر البدن فإن كانت غائطا أو بولا نقض قليلها) لا يختلف المذهب في نقض الوضوء بخروج الغائط والبول سواء كان من مخرجهما أو من غيره ويستوي قليلهما وكثيرهما في ذلك سواء كان السبيلان منسدين أو مفتوحين من فوق المعدة أو من تحتها، وقال أصحاب الشافعي إن انسد المخرج وانفتح آخر دون المعدة لزم الوضوء بالخارج منه قولاً واحداً. وإن انفتح فوق المعدة ففيه قولان. وإن كان المخرج مفتوحا فالمشهور أنه لا ينقض الوضوء بالخارج من غيره وبناه على أصله في أن الخارج من غير السبيلين لا ينقض ولنا عموم قوله تعالى (أو جاء أحد منكم من الغائط) وقول صفوان بن عسال أمرننا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنا مسافرين - أو سفرا - أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة لكن من غائط وبول ونوم. هذا حديث صحيح قاله الترمذي ولأنه غائط وبول خارج من البدن فنقض كالخارج من السبيلين (مسألة) قال (وإن كان غيرهما لم ينقض إلا كثيرها وهو ما فحش في النفس وحكي عنه ان قليلها ينقض) وجملة ذلك أن الخارج النجس من غير السبيلين غير البول والغائط ينقض كثيره بغير خلاف في المذهب روى ذلك عن ابن عباس وابن عمر وسعيد بن المسيب وعطاء وقتادة والثوري وأصحاب الرأي، وقال مالك والشافعي ويحيى الانصاري وأبو ثور وابن المنذر لا وضوء فيه لأنه خارج من غير المخرج مع بقاء المخرج فلم ينقض كالبصاق ولانه لانص فيه ولا يصح قياسه على الخارج من السبيل لكون الحكم فيه غير معلل ولأن الخارج من السبيل لا فرق بين قليله وكثيره. وطاهره ونجسه. وههنا بخلافه فامتنع القياس

ولنا ماروى أبو الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قاء فتوضأ قال ثوبان صدق أنا سكبت له وضوءه رواه الترمذي وقال هذا أصح شئ في الباب، قيل لاحمد حديث ثوبان ثبت عندك؟ قال نعم، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة " إنه دم عرق فتوضئي لكل صلاة " رواه الترمذي علل بكونه دم عرق وهذا كذلك ولأنه قول من سمينا من الصحابة ولم نعرف لهم مخالفاً في عصرهم، ولأنه خارج نجس فنقض كالخارج من السبيلين. وقياسهم منقوض بما إذا انفتح مخرج دون المعدة. والبصاق طاهر بخلاف هذا (فصل) فأما القليل فظاهر المذهب أنه لا ينقض الوضوء حكاه القاضي رواية واحدة، وقال بعض أصحابنا فيه رواية أخرى أن القليل ينقض قياسا على الخارج المعتاد. روى ذلك عن مجاهد وهذا قول أبي حنيفة وسعيد بن جبير فيما إذا سال الدم، قال إن وقف على رأس الجرح لم يجب لقوله صلى الله عليه وسلم " من قاء أو رعف في صلاته فليتوضأ " ووجه الرواية الأولى أنه قد روي ذلك عن جماعة من الصحابة قال أبو عبد الله: عدة من الصحابة تكلموا فيه: أبو هريرة كان يدخل أصابعه في أنفه وابن عمر عصر بثرة فخرج دم فصلى ولم يتوضأ وابن أبي أوفى عصر دملا، وابن عباس قال إذا كان فاحشا فعليه الإعادة، وجابر أدخل أصابعه في أنفه ولم نعرف لهم مخالفاً في عصرهم فكان إجماعا وحديثهم لا نعرف صحته ولم يذكره أصحاب السنن وقد تركوا العمل به فقالوا: إذا كان دون ملء الفم لم يجب منه الوضوء (فصل) وظاهر المذهب أن الكثير الذي. ينقض الوضوء لاحد له إلا أن يكون فاحشا قيل يا أبا عبد الله ما قدر الفاحش؟ قال ما فحش في قلبك، وروي نحو ذلك عن ابن عباس، قال الخلال الذي استقرت الرواية عن أبي عبد الله أن الفاحش ما يستفحشه كل إنسان في نفسه لقول النبي صلى الله عليه وسلم " دع ما يريبك إلى مالا يريبك " وقال ابن عقيل إنما يعتبر ما يفحش في نفوس أوساط الناس لا المتبذلين ولا الموسوسين كما رجعنا في يسير اللقطة إلى مالا تبيعه نفوس أوساط الناس، وقد روي عن أحمد أنه

باب المسح على الخفين

سئل عن الكثير فقال شبر في شبر، وفي موضع قال قدر الكف فاحش، وقال في موضع إذا كان مقدار ما يرفعه الإنسان بأصابعه الخمس من القيح والصديد والقئ فلا بأس به، قيل له فعشر أصابع فرآه كثيرا وقال قتادة في موضع: الدرهم فاحش وهو قول الأوزاعي وأصحاب الرأي لأنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " تعاد الصلاة من قدر الدرهم من الدم " والصحيح ان ذلك إنما يرجع فيه إلى العرف فانه لاحد له في الشرع وما رووه فلا يصح قال الحافظ المقدسي هو موضوع، وقال القاضي إذا كان الدم قطرة أو قطرتين لم ينقض، وإن كان قدره إذا انفرش شبراً في شبر نقض وما كان بينهما ففيه روايتان، وقال في القئ إن كان ملء الفم نقض، وإن كان مثل الحمصة والنواة لم ينقض رواية واحدة فيهما وما بينهما على روايتين وما نقله الخلال عنه أولى لما ذكرنا، ولأن اعتبار حال الإنسان بما يستفحشه غيره حرج فيكون منفيا (فصل) والقيح والصديد كالدم فيما ذكرنا قال أحمد هما أخف حكماً من الدم لوقوع الخلاف فيهما فإنه روى عن ابن عمر والحسن أنهما لم يريا القيح والصديد كالدم، وقال إسحاق كل ما سوى الدم لا يوجب وضوءا. وقال مجاهد وعطاء وعروة والشعبي وقتادة والحكم هو بمنزلة الدم، واختيار أبي عبد الله مع ذلك إلحاقه بالدم وإثبات مثل حكمه فيه قياسا عليه لأنه خارج نجس أشبه الدم لكن الذي يفحش منه يكون أكثر من الذي يفحش من الدم، والقلس كالدم ينقض الوضوء منه ما فحش قال الخلال الذي أجمع عليه أصحاب أبي عبد الله أنه إذا كان فاحشا أعاد الوضوء، وقد حكي عنه إذا كان ملء الفم

مسألة: يجوز المسح على الخفين لما ذكرنا ويجوز على الجرموقين

نقض، وإن كان أقل من نصف الفم لا يتوضأ، وممن كان يأمر بالوضوء من القئ علي وابن عمر وأبو هريرة والاوزاعي وأصحاب الرأي والمذهب إلحاقه بالدم لأنه في معناه. وهذا قول حماد بن أبي سليمان وكذلك الحكم في الدود الخارج من الجروح لأنه خارج نجس أشبه الدم، فأما الجشاء والبصاق فلا وضوء فيه لا نعلم فيه خلافاً، وكذلك النخامة سواء خرجت من الرأس أو من الصدر لأنه لا نص فيها ولا هي في معنى المنصوص ولأنها طاهرة أشبهت البصاق والله أعلم (مسألة) قال (الثالث زوال العقل إلا النوم اليسير جالسا أو قائما وعنه أن نوم الراكع والساجد لا ينقض يسيره) زوال العقل على ضربين: نوم وغيره، فأما غير النوم وهو الجنون والإغماء والسكر ونحوه مما يزيل العقل فينقض الوضوء يسيره وكثيره إجماعا، ولأن في إيجاب الوضوء على النائم تنبيها على وجوبه بما هو آكد منه (الضرب الثاني) النوم وهو ناقض للوضوء في الجملة في قول عامة أهل العلم إلا ما حكي عن أبي موسى الأشعري وأبي مجاز أنه لا ينقض وعن سعيد بن المسيب أنه كان ينام مرارا مضطجعا ينتظر الصلاة ثم يصلي ولا يعيد الوضوء ولعلهم ذهبوا إلى أن النوم ليس بحدث في نفسه والحدث مشكوك فيه فلا يزول عن اليقين بالشك ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " العين؟؟ فمن نام فليتوضأ " رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن

مسألة: والعمامة والجبائر

ماجه وقول صفوان بن عسال لكن من غائط وبول ونوم حديث صحيح ولأن النوم مظنة الحدث فأقيم مقامه كالتقاء الختانين في وجوب الغسل أقيم مقام الإنزال إذا ثبت هذا فالنوم ينقسم ثلاثة أقسام (أحدها) نوم المضطجع فينقض يسيره وكثيره عند جميع القائلين بنقض الوضوء بالنوم (الثاني) نوم القاعد فإن كان كثيرا نقض رواية واحدة وان كان يسيراً لم ينقض وهذا قول مالك والثوري وأصحاب الرأي، وقال قوم متى خالط النوم القلب نقض بكل حال، وهذا قول الحسن واسحاق وابي عبيد، وروي معنى ذلك عن أبي هريرة وابن عباس وأنس وابن المنذر لعموم الأحاديث الدالة على أن النوم ينقض ولنا ما روى مسلم عن أنس قال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينامون ثم يصلون ولا يتوضؤن وعنه قال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون العشاء الآخرة حتى تخفق رؤوسهم ثم يصلون ولا يتوضؤن رواه أبو داود ولأن النوم يكثر من منتظري الصلاة فعفي عنه لمشقة التحرز عنه، وقال الشافعي، لا ينقض وإن كثر إذا كان القاعد متمكنا مفضيا بمحل الحدث إلى الأرض لحديثي أنس وبهما يتخصص عموم الحديثين الأولين ولأنه متحفظ عن خروج الحدث فلم ينقض كاليسير ولنا عموم الحديثين الأولين خصصناهما بحديث أنس وليس فيه بيان كثرة ولا قلة فحملناه على القليل لأنه اليقين وما زاد عليه محتمل لا يترك له العموم المتيقن ولأن نقض الوضوء بالنوم معلل بإفضائه إلى الحدث ومع الكثرة والغلبة لا يحس بما يخرج منه بخلاف اليسير، وبهذا فارق اليسير الكثير فلا يصح قياسا عليه. (الثالث) ما عدا ذلك وهو نوم القائم والراكع والسجاد ففيه روايتان (إحداهما ينقض وهو قول الشافعي لأنه لم يرد فيه نص ولا هو في معنى المنصوص لكون القاعد متحفظا متعمدا بمحل الحدث على الارض فهو أبعد من خروج الخارج بخلاف غيره (والثانية) حكمه حكم الجالس قياساً عليه ولأنه على

مسألة: وفي المسح على القلانس وخمر النساء المدارة تحت حلوقهن روايتان

حالة من أحوال الصلاة أشبه الجالس، والظاهر عن أحمد رحمه الله التسوية بين نوم القائم والجالس وهذا قول الحكم وسفيان وأصحاب الرأي، لما روى ابن عباس قال بت ليلة عند خالتي ميمونة فقلت لها إذا أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فأيقظيني فقام صلى الله عليه وسلم فقمت إلى جنبه الأيسر فأخذ بيدي فجعلني في شقه الأيمن فجعلت إذا أغفيت يأخذ بشحمة أذني. رواه مسلم ولأنهما يشتبهان في الانخفاض واجتماع المخرج وربما كان القائم أبعد من الحدث لكونه لو استثقل في النوم سقط فأما الراكع والساجد فالظاهر إلحاقهما بالمضطجع لأنه ينفرج محل الحدث فلا يتحفظ فهو كالمضطجع، ويحتمل التفرقة بين الراكع والساجد فيلحق الراكع بالقائم لكونه لا يستثقل في النوم إذ لو استثقل سقط، فالظاهر أنه يحس بما يخرج منه بخلاف الساجد فإنه يعتمد بأعضائه على الأرض ويستثقل في النوم فيشبه المضطجع فلا يحس بما يخرج وذكر ابن عقيل رواية عن أحمد أنه لا ينقض إلا نوم الساجد وحده (فصل) واختلفت الرواية عن أحمد في القاعد المستند والمحتبي فعنه لا ينقض يسيره كالقاعد الذي ليس بمستند، وعنه ينقض بكل حال وهو ظاهر المذهب قال القاضي متى نام مضطجعا أو متسندا أو متكئا إلى شئ متى أزيل عنه سقط نقض الوضوء قليله وكثيره لأنه معتمد على شئ فهو كالمضطجع، وعنه ما يدل على التفرقة بين المحتبي والمستند فإنه قال في رواية أبي داود المتساند كأنه أشد - يعني من المحتبي (قال شيخنا) والأولى أنه متى كان معتمدا بمحل الحدث على الأرض أن لا ينقض منه إلا الكثير لأن دليل انتفاء النقض في القاعد لا تفريق فيه فيسوى بين أحواله (فصل) واختلف أصحابنا في حد اليسير من النوم الذي لا ينقض فقال القاضي ليس للقليل حد يرجع إليه فعلى هذا يرجع إلى العرف وقيل حد الكثير ما يتغير به النائم عن هيئته مثل أن يسقط على الأرض أو يرى حلما، قال شيخنا والصحيح انه لاحد له لأن التحديد إنما يعلم بالتوقيف ولا توقيف فمتى

مسألة: ومن شرطه أن يلبس الجميع بعد كمال الطهارة

وجد ما يدل على الكثرة مثل سقوط المتمكن انتقض وضوؤه وإلا فلا، وإن شك في كثرته لم ينتقض لأن الأصل الطهارة فلا تزول عن اليقين بالشك (فصل) والنوم الغلبة على العقل فمن لم يغلب على عقله فلا وضوء عليه، وقال بعض أهل اللغة في قوله تعالى (لا تأخذه سنة ولا نوم) السنة ابتداء النعاس في الرأس فإذا وصل الى القلب صار نوما قال الشاعر: وسنان أقصده النعاس فرنقت * في عينه سنة وليس بنائم ولأن الناقض زوال العقل فمتى كان العقل ثابتا وحسه غير زائل مثل من يسمع ما يقال عنده ويفهمه لم يوجد سبب النقض وإن شك في النوم أو خطر بباله شئ لا يدري أرؤيا أو حديث نفس فلا وضوء عليه (مسألة) (الرابع مس الذكر بيده ببطن كفه أو بظهره) اختلفت الرواية عن أحمد في مس الذكر على ثلاث روايات (إحداها) لا ينقض بحال روى ذلك عن علي وعمار وابن مسعود وحذيفة وعمران بن حصين وأبي الدرداء وهو قول ربيعة والثوري وابن المنذر وأصحاب الرأي لما روى قيس بن طلق عن أبيه قال كنت جالساً عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال مسست ذكري - أو - الرجل يمس ذكره في الصلاة عليه وضوء؟ قال " لا إنما هو بضعة منك " رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي ولأنه عضو فلم ينقض كسائر الأعضاء والرواية الثانية ينقض الوضوء بكل حال وهي ظاهر المذهب وهو مذهب ابن عمر وسعيد بن المسيب وعطاء وعروة وسليمان بن يسار والزهري والاوزاعي والشافعي وهو المشهور عن مالك لما روت بسرة بنت صفوان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من مس ذكره فليتوضأ " وعن جابر مثل ذلك رواهما ابن ماجة قال الترمذي حديث بسرة حسن صحيح وقال البخاري أصح شئ في هذا الباب حديث بسرة وصححه الإمام أحمد، فأما حديث قيس فقال أبو زرعة وأبو حاتم قيس ممن لا تقوم بروايته حجة ووهناه ولم يثبتاه ثم إن حديثنا متأخر لأن أبا هريرة قد رواه وهو متأخر الإسلام إنما صحب النبي صلى الله عليه وسلم أربع سنين وكان قدوم طلق علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يؤسسون المسجد فيكون حديثنا ناسخا له وقياس الذكر

على سائر البدن لا يصح لأنه يتعلق به أحكام ينفرد بها من وجوب الغسل بإيلاجه والحد والمهر وغير ذلك والرواية الثالثة لا ينقض إلا أن يقصد مسه قال أحمد بن الحسين: قيل لأحمد الوضوء من مس الذكر؟ فقال هكذا - وقبض على يده - يعني إذا قبض عليه وهو قول مكحول وقال طاوس وسعيد بن جبير وحميد الطويل: إن مسه يريد وضوءا وإلا فلا شئ عليه لأنه لمس فلا ينقض الوضوء لغير قصد كلمس النسا وسواء مسه ببطن كفه أو بظهره وهذا قول عطاء والاوزاعي، وقال مالك والشافعي واسحاق لا ينقض مسه بظاهر الكف وحكاه أبو الخطاب رواية عن أحمد لأنه ليس بآلة للمس فأشبه مالو مسحه بفخذه ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " من أفضى بيده إلى ذكره ليس دونه ستر فقد وجب عليه الوضوء " رواه الإمام أحمد والدارقطني وظاهر كفه من يده والإفضاء اللمس من غير حائل ولأنه جزء من يده أشبه باطن الكف. وإنما ينتقض وضوؤه إذا لمسه من غير حائل لما ذكرنا، وذكر القاضي عن أحمد رواية أنه لا ينقض إلا مس الثقب الذي في رأس الذكر ولا ينقض لمس غيره. قال والأول أصح لعموم الأحاديث الدالة على النقض، وذكر أبو الخطاب رواية أنه لا ينقض إلا لمس الحشفة خاصة والأول أصح لعموم النص (مسألة) قال (ولا ينقض مسه بذراعه) وعنه ينقض لأنه من يده وهو قول الأوزاعي والأول ظاهر المذهب لأن الحكم المعلق على مطلق اليد في الشرع إنما ينصرف إلى الكوع بدليل قطع السارق وغسل اليد من نوم الليل ولأنه ليس بآلة للمس أشبه العضد وقياسهم يبطل بالعضد فإنه لا خلاف بين العلماء فيه (فصل) ولا فرق بين ذكره وذكر غيره خلافا لداود قال لأن النص إنما ورد في ذكره ولنا أنه إذا نقض الوضوء مس ذكره مع كون الحاجة تدعو إلى مسه وهو جائز فلأن ينقض بمس ذكر غيره مع كونه معصية أولى، ولأن نصه على نقض الوضوء بمس ذكره مع أنه لم يهتك حرمة تنبيه على نقضه بمس ذكر غيره، ولأن في بعض ألفاظ خبر بسرة " من مس الذكر فليتوضأ " وحكم ذكر الكبير والصغير واحد وهو قول الشافعي، وقال الزهري والاوزاعي لا ينقض مس ذكر الصغير لأنه يجوز مسه والنظر إليه بخلاف الكبير ولما روي أنه صلى الله عليه وسلم مس زبيبة الحسن ولم يتوضأ وذكره الآمدي رواية عن أحمد

ولنا عموم الأحاديث وخبرهم ليس بثابت ثم ليس فيه أنه صلى ولم يتوضأ فيحتمل أنه لم يتوضأ في مجلسه ذلك وجواز مسه والنظر إليه يبطل بذكر نفسه وذكر الميت كذكر الحي لبقاء الاسم والحرمة وهو قول الشافعي وقال إسحاق لا وضوء عليه وهو قول بعض أصحابنا كالمرأة الميتة (مسألة) (وفي مس الذكر المقطوع وجهان) (أحدهما) ينقض لبقاء اسم الذكر (والثاني) لا ينقض لذهاب الحرمة فهو كيد المرأة المقطوعة، ولو مس القلفة التي تقطع في الختان قبل قطعها انتقض وضوؤه لأنها من جملة الذكر وإن مسها بعد القطع فلا وضوء عليه لزوال الاسم والحرمة، وإن انسد المخرج وانفتح غيره لم ينقض مسه لأنه ليس بفرج (مسألة) (وإذا لمس قبل الخنثى المشكل وذكره انتقض وضوءه وإن مس أحدهما لم ينقض إلا أن يمس الرجل ذكره لشهوة) لمس الخنثى المشكل ينقسم أربعة اقسام (أحدها) أن يمس فرج نفسه فمتى لمس أحد فرجيه لم ينتقض وضوؤه لجواز أن يكون خلقة زائدة وإن لمسهما جميعا انتقض وضوءه إن قلنا إن مس المرأة فرجها ينقض الوضوء لأن أحدهما فرج بيقين وإلا فلا (الثاني) أن يكون اللامس رجلا فإن مسهما جميعا لغير شهوة فهي كالتي قبلها، وإن مسهما لشهوة انتقض وضوؤه في ظاهر المذهب لأنه إن كان رجلا فقد مس ذكره، وإن كان أنثى فقد مسها لشهوة، وكذلك الحكم اذا لمس ذكره لشهوة لما ذكرنا. فأما إن مس القبل وحده أو مس الذكر لغير شهوة لم ينتقض لجواز أن يكون خلقة زائدة إلا إذا قلنا أن الملامسة تنقض الوضوء بكل حال فإنه ينتقض بلمس الذكر وحده لأنه إن كان رجلا فقد مس ذكره وإن كانت أنثى فقد مسها (الثالث) أن يكون امرأة فإن مستهما جميعا انتقض وضوؤها إن قلنا إن مس فرج المرأة ينقض الوضوء وإلا فلا وإن مست أحدهما لغير شهوة لم ينتقض وضوؤها وكذلك إن مست الذكر لشهوة لجواز أن يكون خلقة زائدة من امرأة. وإن مست الفرج لشهوة انتقض وضوؤها في ظاهر المذهب لأنه إن كان رجلا فقد مسته لشهوة وإن كانت أنثى فقد مست فرجها (الرابع) أن يكون اللامس خنثى مشكلا فإن مس أحدهما لم ينتقض سواء كان لشهوة أو لا. وإن مسهما جميعا انتقض وضوؤه إذا قلنا إن مس الفرج ينقض الوضوء. وإن مس أحد الخنثيين ذكر الآخر ومس الآخر فرجه وكان اللمس لشهوة انتقض وضوء أحدهما قطعا لأنهما إن كانا ذكرين فقد وجد بينهما

مسألة: إلا الجبيرة على إحدى الروايتين

لمس ذكر، وإن كانا أنثيين فقد وجد بينهما مس فرج امرأة وإن كانا ذكرا وأنثى فقد وجدت بينهما ملامسة لشهوة ولا يحكم بنقض وضوء واحد منهما لأنه متيقن الطهارة شاك في الحدث. وإن كان لغير شهوة لم ينقض لجواز أن يكون الممسوس ذكره امرأة والممسوس فرجه رجلا، وإن مس كل واحد منهما ذكر الآخر أو قبله لم ينتقض لاحتمال أن يكونا امرأتين في الأولى ورجلين في الثانية والله أعلم (مسألة) (وفي مس الدبر ومس المرأة فرجها روايتان) إحداهما ينقض الوضوء لعموم قوله صلى الله عليه وسلم " من مس فرجه فليتوضأ " رواه ابن ماجه عن أم حبيبة. قال أحمد وأبو زرعة حديث أم حبيبة صحيح وبه قال الشافعي في مس الدبر ولأنه أحد الفرجين أشبه الذكر (والثانية) لا ينقض قال الخلال العمل والأشيع في قوله أنه لا يتوضأ من مس الدبر وكذلك روى المروذي أنه قيل لاحمد في الجارية إذا مست فرجها عليها وضوء؟ قال لم أسمع في هذا بشئ لأن الحديث المشهور إنما هو في مس الذكر وهذا ليس في معناه لأنه لا يقصد مسه ولا يفضي إلى خروج خارج فلم ينقض كلمس الانثيين (مسألة) قال (وعنه لا ينقض مس الفرج بحال) لحديث قيس بن طلق وقياسا على سائر الأعضاء (فصل) ولا ينقض الوضوء بمس غير الفرجين من البدن في قول الأكثرين إلا أنه روي عن عروة الوضوء من مس الأنثيين وقال عكرمة من مس ما بين الفرجين فليتوضأ، وقول الجمهور أولى لأنه لا نص فيه ولا هو في معنى المنصوص ولا ينتقض وضوء الملموس فرجه أيضا لأن السنة إنما وردت في اللامس، ولا ينتقض بمس فرج البهيمة. وقال الليث بن سعد عليه الوضوء، وما عليه الجمهور أولى لأنه ليس بمنصوص ولا هو في معناه (مسألة) (الخامس أن تمس بشرته بشرة أنثى لشهوة، وعنه لا ينقض، وعنه ينقض لمسها بكل حال) اختلفت الرواية عن أحمد رضي الله عنه في الملامسة فروي عنه أنها تنقض الوضوء بكل حال وهو مذهب الشافعي. ويروى إيجاب الوضوء من القبلة مطلقا عن عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر والزهري وعطاء والشعبي والنخعي وسعيد بن عبد العزيز رواه الأثرم، وروى عن أحمد رواية ثانية أنه لا ينقض بحال يروي ذلك عن ابن عباس وهو قول طاوس والحسن ومسروق، وبه قال أبو حنيفة

مسألة: ويمسح المقيم يوما وليلة والمسافر ثلاثة أيام ولياليهن

وصاحباه. وقال قوم من قبل حلالا فلا وضوء عليه ومن قبل حراما فعليه الوضوء وهو قول عطاء. فإن باشر لشهوة وليس بنيهما ثوب وانتشر فعليه الوضوء في قول أبي حنيفة ويعقوب، وقال محمد لا وضوء عليه إلا أن يخرج منه شئ لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل عائشة وصلى ولم يتوضأ رواه أبو داود والنسائي من رواية التميمي وقالا لم يسمع من عائشة. وقال النسائي ليس في هذا الباب شئ أحسن من هذا الحديث وإن كان مرسلا. وعن عائشة رضي الله عنها قالت فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من الفراش فالتمسته فوقعت يدي على بطن قدمه وهو في المسجد وهما منصوبتان. رواه مسلم وعنها قالت كنت أنام بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجلاي في قبلته فإذا سجد غمزني فقبضت رجلي متفق عليه. وللنسائي مسني برجله. والآية أريد بها الجماع قاله ابن عباس ولأن المراد بالمس الجماع فكذلك اللمس ولأنه ذكره بلفظ المفاعلة والمفاعلة لا تكون من أقل من اثنين، والرواية الثالثة وهي طاهر المذهب أنه ينقض إذا كان لشهوة ولا ينقض لغيرها جمعا بين الآية والأخبار ولأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى وهو حامل أمامة بنت أبي العاص بن الربيع إذا سجد وضعها وإذا قام حملها. متفق عليه والظاهر أنه لا يسلم من مسها. ولأن اللمس ليس بحدث في نفسه وإنما هو داع إلى الحدث فاعتبرت الحالة التي يدعو فيها إلى الحدث وهي حالة الشهوة ولأنه لمس لغير شهوة فلم ينقض كلمس ذوات المحارم وهذا مذهب الشعبي والنخعي والحكم وحماد ومالك والثوري واسحاق. إذا ثبت هذا فلا فرق بين الكبيرة والصغيرة وذوات المحارم وغيرهن، وقال الشافعي في أحد قوليه لا ينقض لمس ذات المحرم ولا الصغيرة لأن لمسهما لا يفضي إلى خروج خارج أشبه لمس الرجل ولنا عموم النص واللمس الناقض معتبر بالشهوة فمتى وجدت فلا فرق بين الجميع، فأما لمس المرأة الميتة ففيه وجهان (أحدهما) ينقض اختاره القاضي لعموم الآية وكما يجب الغسل بوطئها (والثاني) لا ينقض اختاره الشريف أبو جعفر وابن عقيل لأنها ليست محلاً للشهوة فهي كالرجل (فصل) ولا يختص اللمس الناقض باليد بل أي شيء منه لاقى شيئا من بشرتها مع الشهوة انتقض الوضوء به سواء كان عضوا أصليا أو زائدا. وحكي عن الأوزاعي لا ينقض اللمس إلا بأحد أعضاء الوضوء. والأول أولى لعموم النصوص والتخصيص بغير دليل تحكم فلا يصار إليه (فصل) فإن لمسها من وراء حائل لم ينتقض وضوؤه هذا قول أكثر أهل العلم وقال مالك والليث ينقض

إذا كان ثوباً رقيقا وكذلك قال ربيعة إذا غمزها من وراء ثوب رقيق لشهوة وذلك لأن الشهوة موجودة ولنا أنه لمس فلم ينقض من وراة حائل كلمس الذكر ولأنه لم يلمس جسم المرأة أشبه مالو لمس ثيابها لشهوة والشهوة لا توجب الوضوء بمجردها كما لو وجدت الشهوة بغير لمس (فصل) فإن لمست المرأة رجلا لشهوة انتقض وضوؤها في إحدى الروايتين وهو ظاهر قول الخرقي. وقد سئل أحمد عن المرأة إذا مست زوجها قال ما سمعت فيه شيئا ولكن هي شقيقة الرجل يعجبني أن تتوضأ لأنها ملامسة تنقض الوضوء فاستوى فيها الرجل والمرأة كالجماع. والرواية الثانية لا ينتقض وضوؤها. وللشافعي قولان كالروايتين لأن النص إنما ورد في الرجال ولا يصح قياسها عليه لأن اللمس من الرجل مع الشهوة مظنة لخروج المذي الناقض فأقيم مقامه ولا يوجد ذلك في حق المرأة وإذا لم يكن نص ولا قياس فلا يثبت الحكم (مسألة) (ولا ينقض لمس الشعر والسن والظفر) وهذا ظاهر مذهب الشافعي وكذلك لمسها بشعره وسنه وظفره لأن ذلك مما لا يقع عليه الطلاق بإيقاعه عليه ولا الظهار فأشبه الثوب، ويتخرج أن ينقض لمس السن والشعر والظفر والأمرد إذا كان لشهوة ذكره أبو الخطاب لأن لمس المرأة إنما نقض لوجود الشهوة الداعية إلى خروج المذي، ولا ينقض لمس الأمرد ولا لمس الرجل ولا لمس المرأة المرأة لأنه ليس بداخل في الآية ولا في معناه لكونه ليس محلا لشهوة الآخر شرعا. وقال القاضي في المجرد إذا لمس الرجل الرجل أو المرأة المرأة بشهوة انتقض وضوؤه في قياس المذهب. والأول أولى لما ذكرنا ولا ينتقض الوضوء بلمس البهيمة لما ذكرنا. ولا بمس خنثى مشكل لأنه لا يعلم كونه رجلا ولا امرأة ولا ينتقض وضوء الخنثى بمس امرأة ولا رجل لأنه متيقن بالطهارة شاك في الحدث، قال شيخنا ولا أعلم في هذا كله خلافا. وإن مس عضو امرأة مقطوع لم ينتقض وضوؤه لأنه لا يقع عليه اسم المرأة ولا هو محل للشهوة (مسألة) وفي نقض وضوء الملموس روايتان (إحداهما) ينتقض لأن ما ينتقض بالتقاء البشرتين يستوي فيه اللامس والملموس كالجماع (والثانية) لا ينتقض لأن النص إنما ورد بالنقض في اللامس فاختص

مسألة: إلا الجبيرة فإنه يمسح عليها إلى حلها

به كلمس الذكر ولأن الشهوة من اللامس أشد منها في الملموس فامتنع القياس وللشافعي قولان كهذين (مسألة) (السادس غسل الميت) وهو ناقض للوضوء في قول أكثر الأصحاب سواء كان المغسول صغيراً أو كبيراً ذكرا أو انثى مسلماً أو كافراً وهو قول النخعي واسحاق لان ابن عمرو ابن عباس كانا يأمران غاسل الميت بالوضوء وعن أبي هريرة قال أقل ما فيه الوضوء ولا نعلم لهم مخالفاً في الصحابة فكان أجماعاً ولأن الغاسل لا يسلم من مس عورة الميت غالبا فأقيم مقامه كالنوم مع الحدث وقال أبو الحسن التميمي لا ينقض وهو قول أكثر العلماء قال شيخنا وهو الصحيح إن شاء الله لأنه لم يرد فيه نص صحيح ولا هو في معنى المنصوص عليه ولأنه غسل آدمي أشبه غسل الحي. وكلام أحمد يدل على أنه مستحب غير واجب فانه قال: أحب إلي أن يتوضأ وعلل نفي وجوب الغسل من غسل الميت بكون الخبر الوارد فيه موقوفا على أبي هريرة فإذا لم يوجب الغسل بقول أبي هريرة مع احتمال أن يكون مرفوعا فلأن لا يوجب الوضوء بقوله مع عدم هذا الاحتمال أولى ولأن الأصل عدم وجوبه فيبقى على الأصل (مسألة) (السابع أكل لحم الجزور) وجملة ذلك أن أكل لحم الإبل ينقض الوضوء سواء أكله عالما أو جاهلا نيئا أو مطبوخا في ظاهر المذهب، وهو قول جابر بن سمرة ومحمد بن إسحاق وأبي خيثمة ويحيى بن يحيى وابن المنذر وأحد قولي الشافعي، قال الخطابي ذهب إلى هذا عامة أصحاب الحديث. وروي عن أبي عبد الله أنه قال إن كان لا يعلم فليس عليه وضوء وإن كان قد علم وسمع فعليه الوضوء واجب ليس هو كمن لا يعلم. قال الخلال وعلى هذا استقر قول أبي عبد الله. وقال الثوري ومالك والشافعي وأصحاب الرأي لا وضوء عليه بحال وحكاه ابن عقيل رواية عن أحمد لما روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " الوضوء مما يخرج لا مما يدخل " وقال جابر كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار، رواه أبوداد ولأنه مأكول فلم ينقض كسائر المأكولات

مسألة: ومن مسح مسافرا ثم أقام أتم مسح مقيم

ولنا ما روى البراء بن عازب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل انتوضأ من لحوم الابل؟ قال " نعم " قال أفنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال " لا " رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجة والترمذي. وروى جابر بن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله أخرجه مسلم. قال أحمد فيه حديثان صحيحان حديث البراء وجابر بن سمرة. فأما حديث ابن عباس فإنما هو من قوله موقوف عليه ولو صح لوجب تقديم حديثنا عليه لكونه أصح وأخص والخاص يقدم على العام، وحديث جابر لا يعارض حديثنا أيضا لصحته وخصوصه فإن قيل فحديث جابر متأخر فيكون ناسخا قلنا لا يصح أن يكون ناسخا لوجوه أربعة (أحدها) أن الأمر بالوضوء من لحوم الابل متأخر عن نسخ الوضوء مما ممست النار أو مقارن له بدليل أنه قرن الأمر بالوضوء من لحوم الابل بالنهي عن الوضوء من لحوم الغنم وهي مما مست النار فأما أن يكون النسخ حصل بهذا النهي أو بشئ قبله فإن كان حصل به كان الأمر بالوضوء من لحوم الابل مقارنا لنسخ الوضوء مما مست النار فلا يكون ناسخا إذ من شروط النسخ تأخر الناسخ وكذلك إن كان بما قبله لان الشئ لا ينسخ بما قبله (الثاني) أن النقض بلحوم الإبل يتناول ما مست النار وغيره ونسخ إحدى الجهات لا يثبت به نسخ الأخرى كما لو حرمت المرأة بالرضاع وبكونها ربيبة فنسح تحريم الرضاع لم يكن نسخا لتحريم الربيبة (الثالث) أن خبرهم عام وخبرنا خاص فالجمع بينهما ممكن يحمل خبرهم على ما سوى صورة التخصيص ومن شروط النسخ تعذر الجمع بين النصين (الرابع) إن خبرنا أصح من خبرهم وأخص والناسخ لابد وأن يكون مساويا للمنسوخ أو راجحا عليه، فإن قيل الأمر بالوضوء في خبركم يحتمل الاستحباب ويحتمل أنه أراد بالوضوء غسل اليد لأن إضافته إلى الطعام قرينة

مسألة: وإن أحدث ثم سافر قبل المسح أتم مسح مسافر

تدل على ذلك كما كان صلى الله عليه وسلم يأمر بالوضوء قبل الطعام وبعده وخص ذلك بلحم الإبل لأن فيه من الحرارة والزهومة ما ليس في غيره، قلنا أما الأول فمخالف للظاهر من وجوه (أحدها) إن مقتضى الأمر الوجوب (الثاني) أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن حكم هذا اللحم فأجاب بالأمر بالوضوء منه فلو حمل على غير الوجوب كان تلبيسا لا جوبا (الثالث) أنه صلى الله عليه وسلم قرنه بالنهي عن الوضوء من لحوم الغنم والمراد بالنهي ههنا نفي الإيجاب لا التحريم فتعين حمل الأمر على الإيجاب ليحصل الفرق وأما الثاني فلا يصح لوجوه أربعة (أحدها) أنه يلزم منه حمل الأمر على الاستحباب لكون غسل اليد بمفردها غير واجب وقد بينا فساده (الثاني) أن الوضوء في لسان الشارع إنما ينصرف إلى الموضوع الشرعي إذ الظاهر منه التكلم بموضوعاته (الثالث) أنه خرج جوابا للسؤال عن حكم الوضوء من لحومها، والصلاة في مباركها فلا يفهم من ذلك سوى الوضوء المراد للصلاة ظاهرا (الرابع) أنه لو أراد غسل اليد لما فرق بينه وبين لحم الغنم فإن غسل اليد منهما مستحب وما ذكروه من زيادة الزهومة ممنوع وإن ثبت فهو أمر يسير لا يقتضي التفريق وصرف اللفظ عن ظاهره إنما يكون بدليل قوي بقدر قوة الظواهر المتروكة وأقوى منها. فأما قياسهم فهو طردي لا معنى فيه وانتفاء الحكم في سائر المأكولات لانثفاء المقتضى لا لكونه مأكولا ومن العجب أن مخالفينا في هذه المسألة أوجبوا الوضوء بأحاديث ضعيفة تخالف الاصول، فأبو حنيفة أوجبه بالقهقهة في الصلاة دون خارجها بحديث مرسل من مراسيل أبي العالية، ومالك والشافعي أوجباه بمس الذكر بحديث مختلف فيه معارض بمثله دون مس سائر الأعضاء وتركوا هذا الحديث الصحيح الذي لا معارض له مع بعده عن التأويل وقوة دلالته لقياس طردي لا معنى فيه (مسألة) (فإن شرب من لبنها فعلى روايتين) (إحداهما) ينقض الوضوء لما روى أسيد بن حضير أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن ألبان الابل فقل " توضؤا من ألبانها " وسئل عن ألبان الغنم فقال " لا تتوضؤا من ألبانها " رواه الإمام أحمد وابن ماجة، وروي عن عبد الله بن عمر نحوه (والثانية) لا وضوء فيه لأن الحديث الصحيح إنما ورد في

اللحم، وحديث أسيد بن حضير في طريقه الحجاج بن أرطاة قال الامام أحمد والدارقطني لا يحتج به وحديث عبد الله بن عمر رواه ابن ماجه من رواية عطاء بن السائب وقد قيل عطاء اختلط في آخر عمره، قال أحمد: من سمع منه قديما فهو صحيح ومن سمع منه حديثا لم يكن بشئ، والحكم في اللحم غير معقول فيجب الاقتصار عليه (مسألة) (وإن أكل من كبدها أو طحالها فعلى وجهين) (أحدهما) لا ينقض لأن النص لم يتناوله (والثاني) ينقض لأنه من جملة الجزور، واللحم يعبر به عن جملة الحيوان فإن تحريم لحم الخنزير يتناول جملته كذلك ههنا، وحكم سائر أجزائه غير اللحم كالسنام والكرش والدهن والمرق والمصران والجلد حكم الكبد والطحال لما ذكرنا (فصل) ولا ينتقض الوضوء بما سوى لحم الجزور من الأطعمة وهذا قول الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم ولا نعلم اليوم فيه خلافا. وحكى ابن عقيل عن أحمد رواية في نقض الوضوء بأكل لحم الخنزير والصحيح عنه الأول، لأن الوجوب من الشرع ولم يرد وقد ذهب جماعة من الصحابة ومن بعدهم إلى إيجاب الوضوء مما غيرت النار، منهم ابن عمر وزيد بن ثابت وأبو موسى وأبو هريرة وعمر بن عبد العزيز والحسن والزهري وغيرهم لما روى أبو هريرة وعائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " توضؤا مما مست النار " رواهما مسلم، ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " لا تتوضأ من لحوم الغنم " وحديث جابر: كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار، رواه أبو داود والنسائي وثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل من كتف شاة وصلى ولم يتوضأ متفق عليه (مسألة) (الثامن الردة عن الإسلام) الردة عن الإسلام يبطل بها الوضوء والتيمم وهي الإتيان بما يخرج به عن الإسلام نطقا أو اعتقادا أو شكا فمتى عاود الإسلام لم يصل حتى يتوضأ وهذا قول الأوزاعي وأبي ثور، وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي لا يبطل الوضوء بذلك وللشافعي في بطلان التيمم به قولان لقول الله تعالى (ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم) ولأنها طهارة فلم تبطل بالردة كالطهارة الكبرى

مسألة: ويثبت بنفسه

ولنا قول الله تعالى (لئن أشركت ليحبطن عملك) والطهارة عمل وحكمها باق فيجب أن يحبط بالآية، ولأنها عبادة يفسدها الحدث فبطلت بالشرك كالصلاة، ولأن الردة حدث لما روي عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الحدث حدثان حدث الفرج، وحدث اللسان أشد من حدث الفرج وفيهما الوضوء " رواه الشيخ أبو الفرج بن الجوزي في كتاب التحقيق وتكلم فيه وقال بقية يدلس، وما ذكروه تمسك بالمفهوم والمنطوق راجح عليه، وأما غسل الجنابة فقد زال حكمه وعندنا يجب الغسل على من أسلم أيضا. (فصل) ولا ينقض الوضوء ما عدا الردة من الكذب والغيبة والرفث والقذف ونحوها نص عليه أحمد، قال إبن المنذر أجمع من نحفظ قوله من علماء الأمصار على أن القذف وقول الزور والكذب والغيبة لا يوجب طهارة ولا ينقض وضوءا وقد روينا عن غير واحد من الأوائل أنهم أمروا بالوضوء من الكلام الخبيث وذلك استحباب عندنا ممن أمر به، ولا نعلم حجة توجب وضوءا في شئ من الكلام وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من حلف باللات فليقل لا إله إلا الله " ولم يأمر في ذلك بوضوء رواه البخاري (فصل) والقهقهة لا تنقض الوضوء بحال روى ذلك عن عروة وعطاء والزهري ومالك والشافعي وإسحاق وابن المنذر، وذهب الثوري والنخعي والحسن وأصحاب الرأي إلى أنها تبطل الوضوء داخل الصلاة دون خارجها لما روى أسامة عن أبيه قال: بينا نحن نصلي خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أقبل

مسألة: وإن لبس خفا فلم يحدث حتى لبس عليه آخر جاز المسح عليه

رجل ضرير البصر فتردى في حفرة فضحكنا منه فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بإعادة الوضوء كاملا وإعادة الصلاة من أولها. رواه الدارقطني من طرق كثيرة وضعفها وقال إنما روى هذا الحديث عن أبي العالية مرسلا، وقال نحو ذلك الإمام أحمد وعبد الرحمن بن مهدي ولنا أنه معنى لا يبطل الوضوء خارج الصلاة فلم يبطله داخلها كالكلام، ولأنه لا نص فيه ولا في شئ يقاس عليه وحديثهم قد ذكرنا الكلام عليه، قال ابن سيرين لا تأخذوا بمراسيل الحسن وأبي العالية فإنهما لا يباليان عمن أخذا، والقهقهة أن يضحك حتى يتحصل من ضحكه حرفان ذكره ابن عقيل (مسألة) ومن تيقن الطهارة وشك في الحدث أو تيقن الحدث وشك في الطهارة بني على اليقين أما إذا تيقن الحدث وشك في الطهارة فهو محدث يلغي الشك ويبني على اليقين لا نعلم في ذلك خلافا فإن تيقن أنه توضأ وشك هل أحدث أو لا بنى على أنه متطهر، وبهذا قال عامة أهل العلم، وقال الحسن إن شك وهو في الصلاة مضى فيها وإن كان قبل الدخول فيها توضأ. وقال مالك إذا شك في الحدث إن كان يلحقه كثيرا فهو على وضوء وإن كان لا يلحقه كثيرا توضأ لا يدخل في الصلاة مع الشك ولنا ما روى عبد الله بن زيد قال: شكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يخيل إليه في الصلاة أنه يجد الشي فقال " لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحا " متفق عليه، وعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا أوجر أحدكم في بطنه شيئا فأشكل عليه أخرج منه شئ أم لم يخرج فلا يخرج من المسجد حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً " رواه مسلم ولأنه إذا شك تعارض عنده الأمران فيجب سقوطهما كالبينتين إذا تعارضتا ويرجع إلى اليقين. ولا فرق بين أن يغلب على ظنه أحدهما أو يتساوى الأمران لأن غلبة الظن إذا لم تكن مضبوطة بضابط شرعي لم يلتفت إليها كما لا يلتفت الحاكم إلى قول أحد المتداعيين اذا غلب على ظنه صدقه بغير دليل (مسألة) (فإن تيقنهما وشك في السابق منهما نظر في حالة قبلهما فإن كان متطهرا فهو محدث وإن كان محدثا فهو متطهر) مثاله أن يتيقن أنه كان في وقت الظهر متطهرا مرة ومحدثا أخرى ولا يعلم أيهما كان قبل الآخر فإنه ينظر في حاله قبل الزوال، فإن كان متطهرا فهو الآن محدث لأنه تيقن زوال تلك الطهارة بحدث ولم يتيقن زوال ذلك الحدث بطهارة أخرى لاحتمال أن تكون الطهارة التي

يتيقنها بعد الزوال هي التي كانت قبله فلم يزل يقين الحدث بالشك. وإن كان محدثا قبل الزوال فهو الآن متطهر لما ذكرنا في التي قبلها (فصل) فإن تيقن أنه نقض طهارته وتوضأ عن حدث في وقت واحد وشك في السابق منهما نظر في حالة قبلهما فإن كان متطهرا فهو الآن متطهر لأنه تيقن أنه نقض تلك الطهارة ثم توضأ إذ لا يمكن أن يتوضأ عن حدث مع بقاء تلك الطهارة. ونقض هذه الطهارة الثانية مشكوك فيه فلا يزول عن اليقين بالشك، وإن كان محدثا فهو الآن محدث لأنه تيقن أنه انتقل عنه إلى طهارة ثم أحدث منها ولم يتيقن بعد الحدث الثاني طهارة والله أعلم فهذه جميع نواقض الطهارة ولا ينتقض بغيرها في قول أكثر العلماء الا أنه قد حكي عن مجاهد والحكم وحماد في قص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الأبط الوضوء وقول جمهور العلماء بخلافهم وهو أولى ولا نعلم لهم فيما يقولون حجة والله أعلم (مسألة) قال (ومن أحدث حرم عليه الصلاة والطواف ومس المصحف) أما الصلاة فلقوله صلى الله عليه وسلم " لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ " متفق عليه والطواف لقول النبي صلى الله عليه وسلم " الطواف بالبيت صلاة ألا أن الله أباح فيه الكلام " رواه الشافعي في مسنده، ومس المصحف روي هذا عن ابن عمر والحسن وعطاء وطاوس وهو قول مالك وأصحاب الرأي، وقال داود يباح مسه لأن النبي صلى الله عليه وسلم كتب في كتابه إلى قيصر آية من القرآن. وأباح الحكم وحماد مسه بظاهر الكف لأن آلة اللمس باطن اليد فينصرف إليه النهي دون غيره ولنا قوله تعالى (لا يمسه الا المطهرون) وفي كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزام " أن لا تمس القرآن إلا وأنت طاهر " رواه الأثرم، فأما الآية التي كتاب بها النبي صلى الله عليه وسلم فإنما قصد بها المراسلة والآية في الرسالة أو في كتاب فقه أو نحوه لا تمنع مسه ولا يصير بها الكتاب مصحفا. إذا ثبت هذا فإنه لا يجوز مسه بشئ من جسده قياسا على اليد، قولهم إن المس يخص باطن اليد ممنوع بل كل شئ لاقى شيئا فقد مسه (فصل) ويجوز حمله بعلاقته وهو قول أبي حنيفة وروي ذلك عن الحسن وعطاء والشعبي وحماد ومنع منه الأوزاعي ومالك والشافعي تعظيما للقرآن ولأنه مكلف محدث قاصد لحمل المصحف فهو كما لو حمله مع مسه

مسألة: ويمسح أعلى الخف دون أسفله وعقبه فيضع يده على الأصابع ثم يمسح إلى ساقه

ولنا أنه غير ماس فلم يمنع كما لو حمله في رحله ولأن النهي إنما تناول المس والحمل ليس بمس وقياسهم لا يصح لأن العلة في الأصل مسه وهو غير موجود في الفرع والحمل لا أثر له فلا يصح التعليل به وعلى هذا لو حمله بحائل بينه وبينه مما لا يتبع في البيع جاز وعندهم لا يجوز. ويجوز تقليبه بعود ومسه به وكتب المصحف بيده من غير أن يمسه، وذكر ابن عقيل في ذلك كله وفي حمله بعلاقته روايتين وفي مسه بكمه روايتان ووجههما ما تقدم والصحيح في ذلك كله الجواز قاله شيخنا لأن النهي إنما تناول مسه وهذا ليس بمس (فصل) ويجوز مس كتب الفقه والتفسير والرسائل وإن كان فيها آيات من القرآن لأن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى قيصر كتابا فيه آية، ولأنها لا يقع عليها اسم المصحف ولا يثبت لها حرمته، وكذلك إن مس ثوبا مطرزا بآية من القرآن، وفي مس الصبيان ألواحهم التي فيها القرآن وجهان (أحدهما) الجواز لأنه موضع حاجة فلو اشترطنا الطهارة أدى الى تنفيرهم عن حفظه (والثاني) المنع لعموم النص، وفي الدراهم المكتوب عليها القرآن وجهان (أحدهما) المنع وهو مذهب أبي حنيفة لأن القرآن مكتوب عليها أشبهت الورق (والثاني) الجواز لأنه لا يقع عليها اسم المصحف أشبهت كتب الفقه ولأن في الاحتراز منها مشقة أشبهت ألواح الصبيان، ومن كان متطهرا وبعض أعضائه نجس فمس المصحف بالعضو الطاهر جاز لأن حكم النجاسة لا يتعدى محلها بخلاف الحدث، وإن احتاج المحدث إلى مس المصحف عند عدم الماء تيمم ومسه لأنه يقوم مقام الماء، ولو غسل المحدث بعض أعضاء الوضوء لم يجز له مسه به قبل إتمام وضوئه لأنه لا يكون متطهرا إلا بغسل الجميع (فصل) ولا يجوز المسافرة بالمصحف إلى دار الحرب لما روى ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تسافروا بالقرآن إلى أرض العدو مخافة أن تناله أيديهم "

باب الغسل (وموجباته سبعة) - غسل الجنابة بفتح الغين ذكره ابن بري والغسل بالضم الماء الذي يغتسل به قاله ابن السكيت والغسل ما غسل به الرأس (أحدها) خروج المني الدافق بلذة وهو موجب للغسل من الرجل والمرأة في اليقظة والنوم، وهذا قول عامة الفقهاء حكاه الترمذي ولا نعلم فيه خلافا وذلك لما روى أن أم سليم قالت يا رسول الله أن الله لا يستحيي من الحق هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " نعم إذا رأت الماء " متفق عليه، وماء الرجل غليظ أبيض وماء المرأة رقيق أصفر لأن في حديث أم سليم في بعض رواياته فقالت وهل يكون هذا؟ فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم " نعم فمن أين يكون الشبه؟ إن ماء الرجل غليظ أبيض وماء المرأة رقيق أصفر فمن أيهما علا أو سبق يكون منه الشبه " رواه مسلم (مسألة) (فإن خرج لغير ذلك لم يوجب) يعني إذا خرج شبيه المني لمرض أو برد من غير شهوة وهذا قول أبي حنيفة ومالك، وقال الشافعي يجب ويحتمله كلام الخرقي، وذلك لقوله عليه السلام " نعم إذا رأت الماء " وقوله " الماء من الماء " ولأنه مني خارج فأوجب الغسل كما لو خرج حال الإغماء. ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم وصف المني الموجب بأنه غليظ أبيض وقال لعلي " إذا فضخت المني

مسألة: ويجوز المسح على العمامة المحنكة إذا كانت ساترة لجميع الرأس إلا ما جرت العادة بكشفه

فاغتسل " رواه أبو داود - والفضخ خروجه على وجه الشدة، وقال إبراهيم الحربي بالعجلة وقوله عليه السلام " إذا رأت الماء " يعني في الاحتلام وإنما يخرج في الاحتلام لشهوة والحديث الآخر منسوخ ويمكن منع كون هذا منيا لأن النبي صلى الله عليه وسلم وصف المني بصفة غير موجودة في هذا (فصل) (فإن رأى أنه قد احتلم ولم ير بللا فلا غسل عليه) قال ابن المنذر: أجمع على هذا كل من نحفظ عنه من أهل العلم لأن قول النبي صلى الله عليه وسلم " نعم إذا رأت الماء " يدل على أنه لم يجب إذا لم تره، وروت عائشة قالت سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلاما قال " يغتسل " وعن الرجل يرى أن قد احتلم ولم يجد البلل قال " لا غسل عليه " قالت أم سليم المرأة ترى ذلك أعليها غسل؟ " نعم إنما النساء شقائق الرجال " رواه الإمام أحمد وأبو داود وذكر ابن أبي موسى فيمن احتلم ووجد لذة الإنزال ولم ير بللا رواية في وجوب الغسل عليه والأول أصح لما ذكرنا من النص والإجماع، لكن إن مشى فخرج منه المني أو خرج بعد استيقاظه فعليه الغسل نص عليه أحمد لأن الظاهر أنه كان انتقل وتخلف خروجه إلى ما بعد الاستيقاظ وإن انتبه فرأى منيا ولم يذكر احتلاما فعليه الغسل. قال شيخنا: لا نعلم فيه خلافاً، وروي ذلك عن عمر وعثمان وبه قال ابن عباس وسعيد بن جبير والشعبي والحسن ومالك والشافعي واسحاق لأن الظاهر أن خروجه كان لاحتلام نسيه وذلك لما ذكرنا من حديث عائشة.

مسألة: قال: ولا يجوز على غير المحنكة إلا أن تكون ذات ذؤابة فيجوز في أحد الوجهين

(فصل) فإن انتبه من النوم فوجد بللا لا يعلم هل هو مني أو غيره فقال أحمد إذا وجد بلة غتسل إلا أن يكون به أبردة أو لاعب أهله فإنه ربما خرج منه المذي فارجو أو لا يكون به بأس وكذلك إن كان انتشر من أول الليل بتذكر أو رؤية وهو قول الحسن لأن الظاهر أنه مذي لوجود سببه فلا يجب الغسل بالاحتمال. وإن لم يكن وجد ذلك فعليه الغسل لحديث عائشة. وقد توقف أحمد في هذه المسألة، وقال مجاهد وقتادة لا غسل عليه حتى يوقن بالماء الدافق وهذا هو القياس والأولى الاغتسال لموافقة الخبر وعملا بالاحتياط. (فصل) فإن رأى في ثوبه منيا وكان لا ينام فيه غيره وهو ممن يمكن أن يحتلم كابن اثنتي عشرة سنة فعليه الغسل وإلا فلا لأن عمر وعثمان اغتسلا حين رأياه في ثوبهما ولأن الظاهر أنه منه ويلزمه إعادة الصلاة من أحدث نومة نامها فيه الا إن يرى أمارة تدل على أنه قبلها فيعيد من أدنى نومة يحتمل أنه منها فأما إن كان ينام فيه هو وغيره ممن يحتلم فلا غسل على واحد منهما لأن كل واحد منهما مفرد شاك فيما يوجب الغسل والأصل عدم وجوبه، وليس لأحدهما الائتمام بالآخر لأن أحدهما جنب يقينا (فصل) فإن وطئ امرأته دون الفرج فدب ماؤه إلى فرجها ثم خرج أو وطئها في الفرج فاغتسلت ثم خرج ماؤه من فرجها فلا غسل عليها وبه قال قتادة والاوزاعي واسحاق، وقال الحسن تغتسل لأنه مني خارج فأشبه ماءها والأول أولى لأنه ليس منيها أشبه غير المني ولأنه لا نص فيه ولا هو في معنى المنصوص (مسألة) فإن أحس بانتقاله فأمسك ذكره فلم يخرج فعلى روايتين (إحداهما) يجب عليه الغسل

مسألة: ويجزئ مسح أكثرها وقيل: لا يجزئ إلا مسح جميعها

وهو المشهور عن أحمد، وأنكر أن يكون الماء يرجع اختاره ابن عقيل والقاضي ولم يذكر فيه خلافا قال لأن الجنابة تباعد الماء عن محله وقد وجد فتكون الجنابة موجودة فيجب بها الغسل. ولأن الغسل تراعى فيه الشهوة وقد حصلت بانتقاله أشبه مالو ظهر. والرواية (الثانية) لا غسل عليه وهو ظاهر قول الخرقي وقول أكثر الفقهاء وهو الصحيح إن شاء الله تعالى لأن النبي صلى الله عليه وسلم علق الاغتسال على رؤية الماء بقوله " إذا رأت الماء " وقوله " إذا فضخت الماء فاغتسل " فلا يثبت الحكم بدونه وما ذكروه من الاشتقاق ممنوع لأنه يجوز أن يسمى جنبا لمجانبته الماء ولا يحصل إلا بخروجه أو لمجانبته الصلاة أو المسجد وإذا سمي بذلك مع الخروج لم يلزم وجود التسمية من غير خروج فإن الاشتقاق لا يلزم منه الإطراد ومراعاة الشهوة في الحكم لا يلزم منه استقلالها به فإن أحد وصفي العلة وشرط الحكم مراعى له ولا يستقل بالحكم ثم يبطل ذلك بما لو وجدت الشهوة من غير انتقال فإنها لا تستقل بالحكم وكلام أحمد إنما يدل على أن الماء إذا انتقل لزم منه الخروج وإنما يتأخر. وكذلك يتأخر الغسل إلى حين خروجه (مسألة) فإن خرج بعد الغسل وقلنا لا يجب الغسل بالانتقال لزمه الغسل لأنه مني خرج بسبب الشهوة أوجب الغسل لقوله صلى الله عليه وسلم " إذا فضخت الماء فاغتسل " ولحديث أم سليم وكما لو خرج حال انتقاله وقد قال أحمد في الرجل يجامع ولم ينزل فيغتسل ثم يخرج منه المني عليه الغسل

مسألة: ويمسح على جميع الجبيرة إذا لم تتجاوز قدر الحاجة

ولأنه لو لم يجب الغسل على هذه الرواية أفضى إلى نفي الوجوب عنه بالكلية مع انتقال المني بشهوة وخروجه. وإن قلنا يجب الغسل بالانتقال لم يجب بالخروج لأنه تعلق بانتقاله وقد اغتسل له فلم يجب له غسل ثان كبقية المني إذا خرجت بعد الغسل. وهكذا الحكم في بقية المني إذا خرج بعد الغسل هذا هو المشهور عن أحمد. قال الخلال تواترت الروايات عن أبي عبد الله أنه ليس عليه إلا الوضوء بال أو لم يبل روى ذلك عن علي وابن عباس وعطاء والزهري ومالك والليث والثوري ولأنه مني خرج على غير وجه الدفق واللذة أشبه الخارج في المرض ولأنه جنابة واحدة فلم يجب به غسلان كما لو خرج دفعة واحدة، وفيه رواية (ثانية) أنه يجب بكل حال وهو مذهب الشافعي لأن الاعتبار بخروجه كسائر الأحداث. قال شيخنا وهذا هو الصحيح لأن الخروج يصلح موجبا للغسل - قولهم إنه جنابة واحدة فلم يجب به غسلان يبطل بما إذا جامع فلم ينزل فاغتسل ثم أنزل فإن أحمد قد نص على وجوب الغسل عليه بالإنزال مع وجوبه بالتقاء الختانين. واختار القاضي الرواية الأولى وحمل كلام أحمد في هذه المسألة على أن تكون قارنته شهوة حال خروجه قال فإن لم تقارنه شهوة فهو كبقية المني إذا خرجت، وفيه رواية ثالثة أنه إن خرج قبل البول اغتسل وإن خرج بعده لم يغتسل وهذا قول الأوزاعي وأبي حنيفة ونقل عن الحسن لأنه قبل البول بقية ما خرج بالدفق والشهوة فأوجب الغسل كالأول وبعد

البول لا يعلم أنه بقية الأول لأنه لو كان بقية الأول لما تخلف بعد البول وقد خرج بغير دفق وشهوة وذكر القاضي في هاتين المسئلتين أنه إن خرج بعد البول لم يجب الغسل رواية واحدة وان خرج قبله فعلى روايتين (مسألة) (الثاني: التقاء الختانين وهو تغييب الحشفة في الفرج قبلاً كان أو دبراً من آدمي أو بهيمة حي أو ميت) معنى التقاء الختانين تغييب الحشفة في الفرج كما ذكر سواء كانا مختتنين أو لا. وسواء مس ختانه ختانها أو لا فهو موجب للغسل، ولو مس الختان الختان من غير إيلاج لم يجب الغسل إجماعا، واتفق العلماء على وجوب الغسل في هذه المسألة وقال داود لا يجب لقوله صلى الله عليه وسلم " الماء من الماء " روي نحو ذلك عن جماعة من الصحابة وروي في ذلك أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وكانت رخصة أرخص فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أمر بالغسل فروي عن أبي بن كعب قال إن الفتيا التي كانوا يقولون ان الماء من الماء رخصة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص فيها في أول الإسلام. ثم أمر بالاغتسال بعدها رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وقال حسن صحيح، وروى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل متفق عليه زاد مسلم " وإن لم ينزل " وحديثهم منسوخ بحديث أبي بن كعب (فصل) ويجب الغسل على كل واطئ وموطوء إذا كان من أهل الغسل سواء كان في الفرج قبلا أو دبراً من آدمي أو بهيمة حي أو ميت طائعا أو مكرها نائما أو يقظان، وقال أبو حنيفة لا يجب الغسل بوطئ الميتة ولا البهيمة لأنه ليس بمقصود ولأنه ليس بمنصوص ولا في معناه

ولنا أنه ايلاج في فرج فوجب به الغسل كوطئ الآدمية في حياتها ووطئ الآدمية داخل في عموم الأحاديث وما ذكروه يبطل بالعجوز والشوهاء (فصل) فإن أولج بعض الحشفة أو وطئ دون الفرج ولم ينزل فلا غسل عليه لأنه لم يوجد التقاء الختانين ولا ما في معناه. وإن انقطعت الحشفة فأولج الباقي من ذكره وكان بقدر الحشفة وجب الغسل وتعلقت به أحكام الوطئ من المهر وغيره وإن كان أقل من ذلك لم يجب شئ (فصل) فإن أولج في قبل خنثى مشكل أو أولج الخنثى ذكره في فرج امرأة أو وطئ أحدهما أو كل واحد منهما الآخر لم يجب الغسل على واحد منهما لاحتمال أن يكون خلقة زائدة. فإن أنزل الواطئ أو أنزل الموطوء من قبله فعلى من أنزل الغسل. ويثبت لمن أنزل من ذكره حكم الرجال ولمن أنزل من فرجه حكم النساء لأن الله تعالى أجرى العادة بذلك في حق الرجال والنساء، وذكر القاضي في موضع أنه لا يحكم له بالذكورية بالإنزال من ذكره ولا بالأنوثية بالحيض من فرجه ولا بالبلوغ بهذا ولنا أنه أمر خص الله تعالى به أحد الصنفين فكان دليلا عليه كالبول من ذكره أو من قبله ولأنه أنزل الماء الدافق لشهوة فوجب الغسل لقوله عليه السلام " الماء من الماء " (فصل) فإن كان الواطئ أو الموطوءة صغيرا فقال أحمد يجب عليهما الغسل. وقال إذا أتى على الصبية تسع سنين ومثلها يوطأ وجب عليها الغسل. وسئل عن الغلام يجامع مثله ولم يبلغ فجامع المرأة يكون عليهما الغسل؟ قال نعم. قيل له أنزل أو لم ينزل؟ قال نعم. وقال ترى عائشة حيث كان يطؤها النبي

صلى الله عليه وسلم لم تكن تغتسل ويروى عنها " إذا التقى الختانان وجب الغسل " وحمل القاضي كلام أحمد على الاستحباب وهو قول أصحاب الرأي وأبي ثور لأن الصغيرة لا يتعلق بها المأثم ولا هو من أهل التكليف ولا تجب عليها الصلاة التي تجب لها الطهارة فأشبهت الحائض (قال شيخنا) ولا يصح حمل كلام أحمد على الاستحباب لتصريحه بالوجوب وذمه قول أصحاب الرأي بقوله هو قول سوء واحتج بفعل عائشة وروايتها للحديث العام في حق الصغير والكبير ولأنها أجابت بفعلها وفعل النبي صلى الله عليه وسلم بقولها فعلته أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم فاغتسلنا. فكيف تكون خارجة منه وليس معنى وجوب الغسل في حق الصغير التأثيم بتركه بل معناه أنه شرط لصحة الصلاة والطواف وإباحة قراءة القرآن وإنما يأثم البالغ بتأخيره في موضع يتأخر الواجب بتركه ولذلك لو أخره في غير وقت الصلاة لم يأثم والصبي لا صلاة عليه فلم يأثم بالتأخير وبقي في حقه شرطا كما في حق الكبير فإذا بلغ كان حكم الحدث في حقه باقيا كالحدث الأصغر ينقض الطهارة في حق الصغير والكبير (مسألة) (الثالث: إسلام الكافر أصلياً كان أو مرتدا وقال أبو بكر لا غسل عليه) وجملته أن الكافر إذا أسلم وجب عليه الغسل أصلياً كان أو مرتدا سواء اغتسل قبل إسلامه أو لا وجد منه في زمن الكفر ما يوجب الغسل أو لم يوجد وهو قول مالك وأبي ثور وابن المنذر، وقال أبو بكر يستحب ولا يجب إلا أن يكون قد وجدت منه جنابة زمن كفره فعليه الغسل إذا أسلم وإن اغتسل قبل الإسلام وهو مذهب الشافعي، وقال أبو حنيفة لا يجب عليه الغسل بحال لأن العدد الكثير والجم الغفير أسلموا

مسألة: ولا مدخل لحائل في الطهارة الكبرى إلا الجبيرة

فلو أمر كل من أسلم بالغسل لنقل نقلا متواترا أو ظاهرا. ولأن النبي صلى الله عليه وسلم حين بعث معاذاً إلى اليمن لم يذكر له الغسل ولو كان واجباً لأمرهم به لأنه أول واجبات الإسلام ولنا ما روى قيس بن عاصم أنه أسلم فأمره النبي صلى الله عليه وسلم إن يغتسل بماء وسدر. رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وقال حديث حسن، والأمر للوجوب وما ذكروه من قلة النقل فلا يصح ممن أوجب الغسل على من أسلم بعد الجنابة في كفره لأن الظاهر أن البالغ لا يسلم منها على أن الخبر إذا صح كان حجة من غير إعتبار شرط آخر، وقد روي أن أسيد بن حضير وسعد بن معاذ حين أرادا الإسلام سألا مصعب بن عمير كيف تصنعون إذا دخلتم في هذا الأمر؟ قال نغتسل ونشهد شهادة الحق. وهذا يدل على أنه كان مستفيضا ولأن الكافر لا يسلم غالبا من جنابة تلحقه ونجاسة تصيبه وهو لا يصح غسله فأقيمت المظنة مقام حقيقة الحدث كما أقيم النوم مقام الحدث (فصل) فإن أجنب الكافر ثم أسلم لم يلزمه غسل الجنابة سواء اغتسل في كفره أو لم يغتسل وهذا قول من أوجب غسل الإسلام وقول أبي حنيفة، وقال الشافعي عليه الغسل وهو قول أبي بكر لأن عدم التكليف لا يمنع وجوب الغسل كالصبي والمجنون واغتساله في كفره لا يرفع حدثه قياسا على الحدث الأصغر، وحكي عن أبي حنيفة وأحد الوجهين لأصحاب الشافعي أنه يرتفع حدثه لأنه أصح

نية من الصبي ولا يصح لأن الطهارة عبادة محضة فلم تصح من الكافر كالصلاة، ووجه الأول أنه لم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أحدا ممن أسلم بغسل الجنابة مع كثرة من أسلم من الرجال والنساء البالغين المتزوجين ولأن المظنة أقيمت مقام حقيقة الحدث فسقط حكم الحدث كالسفر مع المشقة. ويستحب أن يغتسل بماء وسدر كما في حديث قيس. ويستحب إزالة شعره لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل أسلم " ألق عنك شعر الكفر واختتن " رواه أبو داود (مسألة) (الرابع) الموت (الخامس) الحيض (السادس) النفاس. وسيذكر ذلك في مواضعه إن شاء الله تعالى. (مسألة) قال (وفي الولادة وجهان) يعني إذا عريت عن الدم (أحدهما) يجب الغسل لأنها مظنة النفاس الموجب فأقيمت مقامه كالتقاء الختانين ولأنه يحصل بها براءة الرحم أشبهت الحيض ولأصحاب الشافعي فيها وجهان، و (الثاني) لا يجب وهو ظاهر قول الخرقي لأن الوجوب من الشرع ولم يرد بالغسل ولا هو في منصوص. قولهم إن ذلك مظنة (قلنا) إنما يعلم جعلها مظنة بنص أو إجماع ولم يوجد واحد منهما والقياس الآخر مجرد طرد لا معنى تحته ثم قد اختلفا في كثير من الأحكام فليس تشبيهه في هذا الحكم أولى من مخالفته في غيره وهذا الوجه أولى (فصل) فإن كان على الحائض جنابة فليس عليها أن تغتسل حتى ينقطع حيضها في المنصوص وهو قول إسحاق لأن الغسل لا يفيد شيئاً من الأحكام وعنه عليها الغسل قبل الطهر ذكرها ابن أبي

موسى والصحيح الأول لما ذكرناه فإن اغتسلت للجنابة في زمن حيضها صح غسلها وزال حكم الجنابة وبقي حكم الحيض لا يزول حتى ينقطع الدم نص عليه أحمد قال ولا أعلم أحداً قال لا تغتسل الاعطاء ثم رجع عنه وهذا لأن بقاء أحد الحدثين لا يمنع ارتفاع الآخر كما لو اغتسل المحدث الحدث الأصغر (مسألة) قال (ومن لزمه الغسل حرم عليه قراءة آية فصاعدا وفي بعض آية روايتان) رويت الكراهة لذلك عن عمر وعلي والحسن والنخعي والزهري والشافعي وأصحاب الرأي وقال الأوزاعي لا يقرأ إلا آية الركوب والنزول (سبحان الذي سخر لنا هذا * وقل رب أنزلني منزلا مباركا) وقال ابن عباس يقرأ ورده وقال سعيد بن المسيب يقرأ القرآن أليس هو في جوفه؟ وحكي عن مالك جواز القراءة للحائض دون الجنب لأن أيامها تطول فلو منعناها من القرآن نسيت ولنا ما روى علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يحجبه أوقال يحجزه عن قراءة القرآن شئ ليس الجنابة. رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي بمعناه وقال حسن صحيح. وعن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يقرأ الحيض ولا النفاس شيئا من القرآن " رواه الدارقطني (فصل) ويحرم عليه قراءة آية فصاعدا لما ذكرنا، فأما بعض الآية فإن كان مما لا يتميز به القرآن عن غيره كالتسمية والحمد لله وسائر الذكر فإن لم يقصد به القرآن فهو جائز فإنه لا خلاف في أن لهم ذكر الله تعالى ولأنهم يحتاجون إلى التسمية عند اغتسالهم وقد روت عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه رواه مسلم. وإن قصدوا به القراءة أو كان ما قرأه يتميز به القرآن عن غيره روايتان أظهرهما أنه لا يجوز لعموم النهي ولما روي أن علياً رضي الله عنه سئل

عن الجنب يقرأ القرآن؟ فقال لا ولا حرفا وهذا مذهب الشافعي ولأنه قرآن فمنع منه كالآية و (والثانية) لا يمنع وهو قول أبي حنيفة لأنه لا يحصل به الإعجاز ولا يجزئ في الخطبة أشبه الذكر ولأنه يجوز إذا لم يقصد به القرآن فكذلك إذا قصد (مسألة) (ويجوز له العبور في المسجد ويحرم عليه اللبث فيه الا إن يتوضأ) يحرم عليه اللبث في المسجد لقول الله تعالى (ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا) ولقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا أحل المسجد لحائض ولا جنب " روه أبو داود فإن خاف على نفسه أو ماله أو لم يمكنه الخروج أو الغسل والوضوء تيمم وأقام في المسجد لأنه روي عن علي وابن عباس في قوله تعالى (ولا جنبا إلا عابري سبيل) يعني مسافرين لا يجدون ماء فيتيممون، وقال بعض أصحابنا يلبث بغير تيمم لأنه لا يرفع الحدث وهو غير صحيح لمخالفته قول الصحابة ولأنه أمر تشترط له الطهارة فوجب له التيمم عند العجز عنه كسائر ما تشترط له الطهارة ويباح له العبور في المسجد للآية وإنما يباح العبور للحاجة من أخذ شئ أو تركه في المسجد أو كون الطريق فيه فأما لغير ذلك فلا، وممن رويت عنه الرخصة في العبور ابن مسعود وابن عباس وسعيد بن المسيب والحسن ومالك والشافعي، وقال الثوري واسحاق لا يمر في المسجد إلا أن لا يجد بدا فيتيمم وهو قول أصحاب الرأي لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا أحل المسجد لحائض ولا جنب " رواه أبو داود ولنا قول الله تعالى (إلا عابري سبيل) والاستثناء من النهي إباحة. وروت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ناوليني الخمرة من المسجد - قالت إني حائض قال - إن حيضتك ليست في يدك " رواه مسلم

مسألة: الثاني خروج النجاسات من سائر البدن فإن كانت غائطا أو بولا نقض قليلها

وعن زيد بن أسلم قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشون في المسجد وهم جنب. رواه ابن المنذر وهذا إشارة إلى جميعهم فيكون إجماعا، فإن توضأ الجنب فله اللبث في المسجد عند أصحابنا وهو قول إسحاق، وقال الأكثرون لا يجوز للآية والخبر، ووجه الأول ما روى زيد بن أسلم قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحدثون في المسجد على غير وضوء وكان الرجل يكون جنبا فيتوضأ ثم يدخل فيتحدث وهذا إشارة إلى جميعهم فنخص عموم الحديث، وعن عطاء بن يسار قال: رأيت رجالا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلسون في المسجد وهم مجنبون إذا توضوء وضوء الصلاة. رواه سعيد بن منصور والأثرم، وحكم الحائض إذا انقطع حيضها حكم الجنب، فأما في حال حيضها فلا يباح لها اللبث لأن وضوءها لا يصح (فصل) فأما المستحاضة ومن به سلس البول فلهم العبور في المسجد واللبث فيه إذا أمنوا تلويثه لما روت عائشة أن امرأة من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اعتكفت معه وهي متسحاضة فكانت ترى الحمرة والصفرة وربما وضعنا الطست تحتها وهي تصلي. رواه البخاري، فأما إن خاف تلويث المسجد أو خشيت الحائض ذلك بالعبور فيه حرم عليهما لأن المسجد يصان عن هذا كما يصان عن البول فيه (فصل) والأغسال المستحبة ثلاثة عشر غسلا (أحدها) غسل الجمعة وهو مستحب بغير خلاف وفيه آثار كثيرة صحيحة منها ماروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من أتى منكم الجمعة فليغتسل "

مسألة: وإن كان غيرهما لم ينقض إلا كثيرها وهو ما فحش في النفس وحكي عنه أن قليلها ينقض

متفق عليه وروى سلمان الفارسي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طهر ويدهن من دهنه أو يمس من طيب بيته ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين ويصلي ما كتب له ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى " رواه البخاري وليس ذلك بواجب في قول أكثر أهل العلم وقد قيل إنه إجماع حكاه ابن عبد البر وسيذكر ذلك في موضعه بأبسط من هذا إن شاء الله تعالى (الثاني) غسل العيدين مستحب لما روى ابن عباس والفاكه بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل يوم الفطر والأضحى رواه ابن ماجه (الثالث) الاستسقاء لأنها عبادة يجتمع لها الناس فاستحب لها الغسل كالجمعة (الرابع) الكسوف لأنه كالاستسقاء (الخامس) الغسل من غسل الميت وهو مستحب لما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من غسل ميتا فليغتسل ومن حمله فليتوضأ " قال الترمذي هذا حديث حسن وليس بواجب، يروي ذلك عن ابن عباس وابن عمر وعائشة والحسن والنخعي والشافعي وإسحاق وابن المنذر وأصحاب الرأي، وروي عن علي وأبي هريرة أنهما قالا من غسل ميتا فليغتسل، وبه قال سعيد ابن المسيب وابن سيرين والزهري لما ذكرنا من الحديث وذكر أصحابنا في وجوب الغسل من غسل الميت الكافر روايتين (إحداهما) لا يجب كالمسلم (والثانية) يجب لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم

أمر عليا أن يغتسل حين غسل أباه ولنا قول صفوان بن عسال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنا مسافرين أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة حديث حسن ولأنه غسل آدمي فلم يوجب الغسل كغسل الحي وحديثهم موقوف على أبي هريرة قاله أحمد، وقال ابن المنذر: ليس في هذا حديث يثبت ولذلك لم يعمل به في وجوب الوضوء على حامله لا نعلم به قائلاً، وأما حديث علي فقال أبو إسحاق الجوزجاني ليس فيه أنه غسل أبا طالب إنما قال له النبي صلى الله عليه وسلم " اذهب فواره ولا تحدثن شيئا حتى تأتيني " قال فأتيته فأخبرته فأمرني فاغتسلت، وذكر بعض أصحابنا رواية في وجوب الغسل من غسل الحي الكافر قياسا على الميت، والصحيح أنه لا يجب لأن الوجوب من الشرع ولم يرد به وقياسه على الميت لا يصح لأن المسلم الميت يجب من غسله الوضوء بخلاف الحي وهذا يدل على افتراق حال الميت والحي ولا نعلم احدا قال به من العلماء (السادس) الغسل من الإغماء والجنون إذا أفاقا من غير احتلام مستحب لأنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه اغتسل للإغماء متفق عليه ولأنه لا يؤمن أن يكون قد احتلم ولم يشعر والجنون في معناه بل أولى لأن مدته تطول فيكون وجود الاحتلام فيه أكثر ولا يجب الغسل لذلك حكاه ابن المنذر إجماعا وذكر أبو الخطاب فيه روايتين (إحداهما) يجب لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله (والثانية) لا يجب وهي أصح لأن زوال العقل بنفسه ليس موجبا للغسل والإنزال مشكوك فيه فلا يزول عن

اليقين بالشك فإن تيقن منهما الإنزال فعليهما الغسل لأنه من جملة الواجبات (السابع) غسل المستحاضة لكل صلاة مستحب. لما روى أبو داود أن امرأة كانت تهراق الدم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرها أن تغتسل عند كل صلاة وقد ذهب بعض أهل العلم إلى وجوبه لما ذكرنا من الحديث وسنذكره في موضعه إن شاء الله، وذكر ابن أبي موسى أن انقطاع دم الاستحاضة يوجب الغسل. (الثامن) الغسل للإحرام وهو مستحب لما روى زيد بن ثابت أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم تجرد لإهلاله واغتسل، رواه الترمذي، وقال حديث حسن (التاسع) دخول مكة (العاشر) الوقوف بعرفة (الحادي عشر) المبيت بمزدلفة (الثاني عشر) رمي الجمار (الثالث عشر) الطواف وسنذكر ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى، وقد روى البخاري عن ابن عمر أنه كان يغتسل ثم يدخل مكة نهارا ويذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعله وروي الغسل للوقوف بعرفة عن علي وعبد الله بن مسعود واستحبه الشافعي، وروي عن ابن عمر أنه كان يغتسل لإحرامه قبل أن يحرم ولدخوله مكة ولوقوفه عشية عرفة رواه مالك في الموطأ ولانها انساك تجتمع لها الناس فاستحب لها الغسل كالإحرام ودخول مكة والله أعلم. (فصل) ولا يستحب الغسل من الحجامة وذكر ابن عقيل في استحبابه روايتين (إحداهما) يستحب

مسألة: الثالث زوال العقل إلا النوم اليسير جالسا أو قائما وعنه أن نوم الراكع والساجد لا ينقض يسيره

لأنه يروي عن علي وابن عباس ومجاهد انهم كانوا يفعلون ذلك (والثانية) لا يستحب لأنه دم خارج أشبه الرعاف والله أعلم (فصل في صفة الغسل) وهو ضربان: كامل ومجزئ فالكامل يأتي فيه بعشرة أشياء: النية والتسمية وغسل يديه ثلاثا وغسل ما به من أذى وقد ذكرنا الدليل على ذلك والوضوء ويحثي على رأسه ثلاثا يروي بها أصول الشعر ويفيض الماء على سائر جسده ثلاثا ويبدأ بشقه الأيمن ويدلك بدنه بيديه وينتقل من موضع غسله فيغسل قدميه. ويستحب أن يخلل أصول شعر رأسه ولحيته بماء قبل إفاضته عليه، ووجه ذلك ما روت عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غتسل من الجنابة غسل يديه ثلاثا وتوضأ وضوءه للصلاة ثم يخلل شعره بيده حتى إذا ظن أنه قد أروى بشرته أفاض عليه الماء ثلاث مرات ثم غسل سائر جسده، متفق عليه. وقالت ميمونة: وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم وضوء الجنابة فأفرغ على يديه فغسلهما مرتين أو ثلاثا ثم أفرغ بيمينه على شماله فغسل مذاكيره ثم ضرب بيده الأرض أو الحائط مرتين أو ثلاثا ثم تمضمض واستنشق وغسل وجهه وذراعيه ثم أفاض على رأسه ثم غسل جسده فأتيته بالمنديل فلم يردها وجعل ينفض الماء بيديه متفق عليه، وفي رواية للبخاري: ثم تنحى فغسل قدميه، ففي هذين الحديثين كثير من الخصال المسماة. والبداية بشقه الأيمن لأنه قد روي في حديث عن عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة دعا بشئ نحو الحلاب فأخذ بكفيه بدأ بشق رأسه الأيمن ثم الأيسر ثم أخذ بكفيه فقال بهما على رأسه، متفق عليه، وقد اختلف عن أحمد في غسل الرجلين فقال في رواية بعد الوضوء على حديث ميمونة وقال في رواية العمل على حديث

عائشة وفيه أنه توضأ للصلاة قبل اغتساله وقال في موضع غسل رجليه في موضعه، وبعده وقبله سواء ولعله ذهب إلى أن اختلاف الأحاديث فيه يدل على أن موضع الغسل ليس بمقصود وإنما المقصود أصل الغسل (مسألة) قال (مجزئ) وهو أن يغسل ما به من أذى وينوي ويعم بدنه بالغسل مثل أن ينغمس في ماء راكد أو جار غامر أو يقف تحت صوب المطر أو ميزاب حتى يعم الماء جميع جسده فيجزئه لقوله تعالى (وإن كنتم جنبا فاطهروا) وقوله (حتى تغتسلوا) وقد حصل الغسل فتباح له الصلاة لأن الله تعالى جعل الغسل غاية للمنع من الصلاة فتقتضي أن لا يمنع منها بعد الاغتسال (فصل) ويستحب إمرار يده على جسده في الغسل والوضوء ولا يجب إذا تيقن أو غلب على ظنه وصول الماء إلى جميع جسده وهذا قول الحسن والنخعي والشعبي والثوري والشافعي واسحاق

وأصحاب الرأي. وقال مالك إمرار يده على بدنه إلى حيث تنال واجب. ونحوه قال أبو العالية قالوا لأن الله تعالى قال (حتى تغتسلوا) ولا يقال اغتسل إلا لمن دلك نفسه ولأنها طهارة عن حدث فوجب فيها إمرار اليد كالتيمم ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم لأم سلمة في غسل الجنابة " إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين " رواه مسلم ولأنه غسل واجب فلم يجب فيه إمرار اليد

مسألة: الرابع مس الذكر بيده ببطن الكف أو بظهره

كغسل النجاسة وما ذكروه ممنوع فإنه يقال غسل الإناء وإن لم يدلكه والتيمم أمرنا فيه بالمسح لأنها طهارة بالتراب ويتعذر في الغالب إمرارا التراب إلا باليد (فصل) ولا يجب الترتيب في غسل الجنابة لأن الله تعالى قال (وإن كنتم جنبا فاطهروا) وقال (حتى تغتسلوا) فكيفما اغتسل فقد حصل التطهير ولا نعلم في هذا خلافاً ولا تجب فيه موالاة نص عليه أحمد. قال حنبل سألت أحمد عمن اغتسل وعليه خاتم ضيق؟ قال يغسل موضع الخاتم قلت فإن جف غسله؟ قال يغسله ليس هو بمنزلة الوضوء. قلت فإن صلى ثم ذكر؟ قال يغسل موضعه ثم يعيد الصلاة وهذا قول أكثر أهل العلم. وقال ربيعة من تعمد ذلك أعاد الغسل وهو قول الليث واختلف فيه عن مالك، وفيه وجه لأصحاب الشافعي قياساً على الوضوء، وذكر الشيخ أبو الفرج في الإيضاح أنه شرط، والأولى قول الجمهور لأنها طهارة لا ترتيب فيها فلم تجب فيها موالاة كغسل النجاسة فعلى هذا نكون

مسألة: ولا ينقض مسه بذراعه

واجبات الغسل شيئين. النية وتعميم البدن بالغسل وقد ذكرنا الاختلاف في التسمية فيما مضى (فصل) وإن اجتمع شيئان يوجبان الغسل كالحيض والجنابة والتقاء الختانين والإنزال فنواهما بغسلة أجزأه عنهما وهو قول أكثر أهل العلم منهم مالك والشافعي وأصحاب الرأي، وروي عن الحسن والنخعي في الحائض والجنب تغتسل غسلين ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يغتسل من الجماع إلا واحدا وهو يتضمن التقاء الختانين والإنزال غالبا ولأنهما سببان يوجبان الغسل فأجزأ الغسل الواحد عنهما كالحدث والنجاسة، وهكذا الحكم إن اجتمعت أحداث توجب الطهارة الصغرى كالنوم واللمس وخروج النجاسة فنواها بطهارته وإن نوى أحدها ففيه وجهان مضى ذكرهما (فصل) إذا بقيت لمعة من جسده لم يصبها الماء فمسحها بيده أو بشعره أو عصر شعره عليها فقد اختلفت الرواية فيه عن احمد. فروى أنه سئل عن حديث العلاء بن زياد أن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل فرأى لمعة لم يصبها الماء فدلكها بشعره قال نعم أخذ به، وروي علي قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني اغتسلت من الجنابة وصليت الفجر ثم أصبحت فرأيت قدر موضع الظفر لم يصبه ماء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لو كنت مسحت عليه بيدك أجزأك " رواه ابن ماجه وروى عن أحمد أنه قال يأخذ لها ماءا جديدا فيه حديث لا يثبت يعصر شعره. وذكر له حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم عصر لمته على لمعة كانت في جسده فضعفه ولم يصححه. قال

مسألة: وفي مس الذكر المقطوع وجهان

شيخنا والصحيح أن ذلك يجزئه إذا كان من بلل الغسلة الثانية أو الثالثة وجرى ماؤها على اللمعة لأنه كغسلها بماء جديد على ما فيه من الأحاديث، فإن لم يجر الماء فالأولى غسلها بماء جديد. ويمكن حمل المسح على الغسل الخفيف في الحديث فإن الغسل الخفيف يسمى مسحا وإن عصر شعره في الغسلة الأولى انبنى على المستعمل في رفع الحدث على ما مضى (فصل) ولا يجب على المرأة نقض شعرها لغسلها من الجنابة رواية واحدة إذا روت أصوله ولا نعلم في هذا خلافاً إلا أنه روي عن ابن عمرو أنه كان يأمر النساء بذلك وهو قول النخعي ولا نعلم احدا وافقهما على ذلك. ووجه الأول ما روت ام سلمة أنها قالت: يا رسول الله إني امرأة أشد ضفر رأسي أفأنقضه للجنابة؟ قال " لا إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين " رواه مسلم، وعن عبيد بن عمير قال: بلغ عائشة أن عبد الله بن عمرو يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رؤسهن فقالت يا عجبي لابن عمرو هذا يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رؤسهن أفلا يأمرهن أن يحلقن رؤسهن لقد كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد وما أزيد على أن أفرغ على رأسي ثلاث إفراغات. رواه مسلم إلا أن يكون في رأس المرأة حشو أو سدر يمنع وصول الماء إلى ما تحته فتجب إزالته، وإن كان خفيفاً لا يمنع لم تجب (فصل) فأما غسل الحيض فنص أحمد على أنها تنقض شعرها فيه، قال مهنا سألت أحمد عن

مسألة: وفي مس الدبر ومس المرأة فرجها روايتان

المرأة تنقض شعرها من الحيض قال نعم فقلت له كيف تنقضه من الحيض ولا تنقضه من الجنابة؟ فقال حديث أسماء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " تنقضه " واختلف فيه أصحابنا فمنهم من أوجبه وهو قول الحسن وطاوس لما روي عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها إذ كانت حائضا " خذي ماءك وسدرك وامتشطي " ولا يكون المشط إلا في شعر غير مضفور. وللبخاري " انقضي رأسك وامتشطي " ولأن الأصل وجوب نقض الشعر ليتيقن وصول الماء إلى ما تحته فعفي عنه في غسل الجنابة لأنه يكثر فيشق ذلك بخلاف الحيض. وقال بعض أصحابنا هو مستحب غير واجب. روى ذلك عن عائشة وأم سلمة وهو قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي وأكثر العلماء وهو الصحيح لأن في بعض ألفاظ حديث أم سلمة أفأنقضه للحيضة والجنابة قال لا؟ رواه مسلم. وهذه زيادة يجب قبولها وهذا صريح في نفي الوجوب فأما حديث عائشة الذي رواه البخاري فليس فيه أمر بالغسل. ولو كان فيه أمر لم يكن فيه حجة لأن ذلك ليس هو غسل الحيض إنما أمرت بالغسل في حال الحيض للإحرام بالحج ولو ثبت الأمر بالغسل حمل على الاستحباب جمعاً بين الحديثين ولأن ما فيه يدل على الاستحباب وهو المشط والسدر وليس بواجب فما هو من ضرورته أولى (فصل) ويجب غسل بشرة الرأس كثيفا كان الشعر أو خفيفا وكذلك كل ما تحت الشعر كجلد اللحية لما روت أسماء قالت سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن غسل الجنابة فقال " تأخذ ماء فتطهر فتحسن الطهور أو تبلغ الطهور. ثم تصب على رأسها فتدلكه حتى يبلغ شؤون رأسها ثم تفيض

عليه الماء رواه مسلم. وعن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من ترك موضع شعرة من جنابة لم يصبها الماء فعل به من النار كذا وكذا " قال علي فمن ثم عاديت شعري قال وكان يجز شعره رواه أبو داود (فصل) فأما غسل ما استرسل من الشعر وبل ما على الجسد منه ففيه وجهان (أحدهما) يجب وهو ظاهر قول أصحابنا ومذهب الشافعي لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " تحت كل شعرة جنابة فبلوا الشعر وأنقوا البشرة " رواه أبو داود ولأنه شعر نابت في محل الفرض فوجب غسله كشعر الحاجبين (والثاني) لا يجب وهو قول أبي حنيفة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات " مع إخبارها إياه بشد ضفر رأسها ومثل هذا لا يبل الشعر المشدود ضفره في العادة ولو وجب غسله لوجب نقضه ليعلم أن الماء قد وصل إليه ولأن الشعر ليس من الحيوان بدليل أنه لا ينقض مسه من المرأة. ولا تطلق بإيقاع الطلاق عليه فلم يجب غسله كثوبها. وأما حديث " بلوا الشعر " فيرويه الحارث بن وجيه وحده وهو ضعيف الحديث عن مالك بن دينار: والحاجبان إنما وجب غسلهما من ضرورة غسل بشرتهما وكذلك كل شعر لا يمكن غسل بشرته إلا بغسله لأنه من قبيل ما لا يتم الواجب إلا به. فإن قلنا بوجوب غسله فترك غسل شئ منه لم يتم غسله فإن قطع المتروك ثم غسله أجزأه لأنه لم يبق في بدنه شئ غير مغسول ولو غسله ثم تقطع لم يجب غسل موضع القطع كما لو قص أظفاره بعد الوضوء

مسألة: وفي نقض وضوء الملموس روايتان

(فصل) وغسل الحيض كغسل الجنابة إلا أنه يستحب أن يغتسل بماء وسدر وتأخذ فرصة ممسكة فتتبع بها مجرى الدم والموضع الذي يصل إليه الماء من فرجها ليزول عنها زفورة الدم فإن لم تجد مسكا فغيره من الطيب فإن لم تجد فالماء كاف لأن في حديث أسماء " تأخذ إحداكن سدرتها وماءها فتطهر فتحسن الطهور ثم تصب على رأسها فتدلكه دلكا شديدا حتى تبلغ شؤون رأسها ثم تصب عليه الماء ثم تأخذ فرصة ممسكة فتطهر بها " قالت أسماء وكيف تطهر بها؟ فقال " سبحان الله تطهرين بها " فقالت عائشة تتبعين بها أثر الدم، رواه مسلم - الفرصة هي القطعة من كل شئ والمسك الأذفر الخالص (مسألة) قال (ويتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع فإن سبغ بدونهما أجزأه) المد رطل وثلث بالعراقي والصاع أربعة أمداد وهو خمسة أرطال وثلث وهو برطل الدمشقي الذي هو ستمائة درهم رطل وسبع والمد ربعه وهو ثلاث أواق وثلاثة أسباع أوقية، ورطل العراقي مائة درهم وثمانية وعشرون درهماً وأربعة أسباع درهم وذلك تسعون مثقالاً والمثقال درهم وثلاثة أسباع ولا خلاف في حصول الإجزاء بالمد في الوضوء والصاع في الغسل فيما علمنا وذلك لما روى أنس قال: كان

مسألة: السادس غسل الميت

رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد، متفق عليه، وعن سفينة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغسله الصاع من الماء من الجنابة ويوضئه المد، رواه مسلم، وفي حديث جابر أنه سئل عن غسل الجنابة فقال يكفيك صاع فقال رجل ما يكفيني فقال جابر كان يكفي من هو أوفى منك شعراً وخيراً منك - يعني النبي صلى الله عليه وسلم متفق عليه، والصاع والمد ما ذكرنا وهذا قول مالك والشافعي وإسحاق وأبي عبيد وأبي يوسف، وقال أبو حنيفة الصاع ثمانية أرطال والمد رطلان لان أنس بن مالك قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بالمد وهو رطلان ويغتسل بالصاع ولنا ما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لكعب بن عجرة " اطعم ستة مساكين فرقا من طعام " متفق عليه، قال أبو عبيد: لا إختلاف بين الناس أعلمه في أن الفرق ثلاثة آصع والفرق ستة عشر رطلاً، فثبت أن الصاع خمسة أرطال وثلث، وروي أن أبا يوسف دخل المدينة فسألهم عن الصاع فقالوا خمسة أرطال وثلث فطالبهم بالحجة فقالوا غدافجاء من الغد سبعون شيخاً كل منهم أخذ صاعاً تحت ردائه فقال صاعي ورثته من أبي عن جدي حتى انتهوا به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فرجع أبو يوسف عن قوله، وهذا تواتر يحصل به القطع، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " المكيال مكيال أهل المدينة " وحديثهم تفرد به موسى بن نصر وهو ضعيف الحديث قاله الدارقطني (فصل) فإن أسبغ بدونهما أجزأه - معنى الإسباغ أن يعم جميع الأعضاء بالماء بحيث يجري عليها

لأن هذا هو الغسل وقد أمرنا بالغسل نص عليه أحمد. وهذا مذهب الشافعي وأكثر أهل العلم وقد قيل لا يجزئ في الغسل دون الصاع ولا في الوضوء دون المد، وحكي ذلك عن أبي حنيفة لأن جابراً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يجزئ من الوضوء مد ومن الجنابة صاع " والتقدير بهذا يدل على أنه لا يحصل الأجزاء بدونه ولنا أن الله تعالى أمر بالغسل وقد أتى به، وقد روي عن عائشة أنها كانت تغتسل هي والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد يسع ثلاثة أمداد أو قريباً من ذلك رواه مسلم. وعن عبد الله بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ بثلثي مد وحديثهم إنما يدل بمفهومه وهم لا يقولون به وإن ذكروه على وجه الإلزام فما ذكرناه منطوق وهو راجح عليه، وقد روي عن سعيد بن المسيب قال إن لي ركوة أو قدحاً ما يسع إلا نصف المد أو نحوه ثم أبول ثم أتوضأ وأفضل منه فضلاً. قال عبد الرحمن فذكرت هذا الحديث لسليمان بن يسار فقال سليمان وأنا يكفيني مثل ذلك فذكرت ذلك لابي عبيدة بن عمار بن ياسر فقال أبو عبيدة وهكذا سمعنا

مسألة: فإن شرب من لبنها فعلى روايتين

من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال إبراهيم النخعي أني لأتوضأ من كوز الحب مرتين (فصل) فإذا زاد على المد في الوضوء على الصاع في الغسل جاز فإن عائشة قالت كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد من قدح يقال له الفرق - والفرق ثلاثة آصع وقال أنس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد متفق عليه. وعن أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بالماء يسع رطلين رواه أبو داود. ويكره الإسراف في الماء والزيادة الكثيرة فيه لما روينا من الآثار، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بسعد وهو يتوضأ فقال " ما هذا السرف؟ " فقال أفي الوضوء إسراف؟ قال " نعم وإن كنت على نهر جار " رواه ابن ماجه. وعن أبي كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن للوضوء شيطاناً يقال له ولهان فاتقوا وسواس الماء " رواه أحمد وابن ماجة (مسألة) (وإذا اغتسل ينوي الطهارتين أجزأ عنهما وعنه لا يجزئه حتى يتوضأ) ظاهر المذهب أنه يجزئه الغسل عن الطهارتين إذا نواهما نص عليه أحمد وعنه لا يجزئه حتى يتوضأ قبل الغسل أو بعده وهو أحد قولي الشافعي لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك ولأن الجنابة والحدث وجد منه فوجب لهما الطهارتان كما لو كانا منفردين

مسألة: وإن أكل من كبدها أو طحالها فعلى وجهين

ووجه الاولى قوله تعالى (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى - إلى قوله - ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا) جعل الغسل غاية للمنع من الصلاة فإذا اغتسل يجب أن لا يمنع منها ولأنهما عبادتان من جنس فدخلت الصغرى في الكبرى في الأفعال دون النية كالحج والعمرة قال ابن عبد البر المغتسل من الجنابة إذا لم يتوضأ وعم جميع بدنه فقد أدى ما عليه لأن الله تعالى إنما افترض على الجنب الغسل من الجنابة دون الوضوء بقوله (وإن كنتم جنبا فاطهروا) وهو إجماع لا خلاف فيه بين العلماء إلا أنهم أجمعوا على استحباب الوضوء قبل الغسل تأسياً برسول الله صلى الله عليه وسلم وقد روت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يتوضأ بعد الغسل من الجنابة رواه الإمام أحمد والترمذي (فصل) وإن لم ينو الوضوء لم يجزه إلا عن الغسل لقوله عليه السلام " وإنما لأمرئ ما نوى " فإن نواهما أحدث في أثناء غسله أتم غسله ثم يتوضأ، وقال الحسن يستأنف الغسل ولا يصح لأن الحدث الأصغر لا ينافي الغسل فل يؤثر وجوده فيه كغير الحدث

(فصل) ويسقط الترتيب والموالاة في أعضاء الوضوء إذا قلنا الغسل يجزئ عنهما لأنهما عبادتان دخلت إحداهما في الأخرى فسقط حكم الصغرى كالعمرة مع الحج نص عليه أحمد: فلو اغتسل إلا أعضاء الوضوء لم يجب الترتيب فيها لأن حكم الجنابة باق وقال ابن عقيل والآمدي فيمن غسل جميع بدنه إلا رجليه ثم أحدث يجب الترتيب في الأعضاء الثلاثة لانفرادها في الحدث الأصغر دون الرجلين لاجتماع الحدثين فيهما، ويعايابها فيقال طهارة يجب الترتيب في بعضها ولا يجب في البعض (مسألة) (ويستحب للجنب إذا أراد النوم أو الأكل أو الوطئ ثانياً أن يغسل فرجه ويتوضأ) وروي ذلك عن علي وعبد الله بن عمر وكان ابن عمر يتوضأ إلا غسل قدميه وقال ابن المسيب إذا أراد أن يأكل يغسل كفيه ويتمضمض. وحكي نحوه عن امامنا واسحاق وأصحاب الرأي. وقال مجاهد يغسل كفيه لما روي عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يأكل وهو جنب غسل يديه رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة. وقال مالك يغسل يديه إن كان أصابهما أذى. وقال ابن المسيب وأصحاب الرأي ينام ولا يمس ماء لما روت عائشة قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم ينام

مسألة: ومن تيقن الطهارة وشك في الحدث أو تيقن الحدث وشك في الطهارة بنى على اليقين

وهو جنب ولا يمس ماء رواه أبو داود وابن ماجة ولنا أن عمر سأل النبي صلى الله عليه وسلم أيرقد أحدنا وهو جنب؟ قال " نعم إذا توضأ فليرقد " متفق عليه، وعن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ " رواه مسلم. وعن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يأكل أو ينام توضأ يعني وهو جنب رواه أبو داود. فأما أحاديثهم فأحاديثنا أصح ويمكن الجمع بينها يحملها على الجواز وحمل أحاديثنا على الاستحباب (فصل) وإذا غمست الحائض أو الجنب أو الكافر أيديهم في الماء فهو طاهر ما لم يكن على أيديهم نجاسة لأن أبدانهم طاهرة وهذه الأحداث لا تقتضي تنجيس الماء قال إبن المنذر اجمع عوام أهل العلم على أن عرق الجنب طاهر يروي ذلك عن عائشة وابن عباس وابن عمر وهو قول مالك والشافعي ولا نعلم عن غيرهم خلافاً، وقد روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقيه في بعض طرق المدينة قال فانخنست منه فذهبت فاغتسلت ثم جئت فقال " أين كنت يا أبا هريرة " قال يا رسول الله كنت جنباً فكرهت أن أجالسك وأنا على غير طهارة فقال " سبحان الله إن المؤمن لا ينجس " متفق عليه وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قدمت إليه امرأة من نسائه قصعة ليتوضأ منها فقالت امرأة إني غمست يدي فيها وأنا جنب فقال " الماء لا يجنب " وكان النبي صلى الله عليه وسلم يشرب من سؤر عائشة

مسألة: ومن أحدث حرم عليه الصلاة والطواف ومس المصحف

وهي حائض وتوضأ النبي صلى الله عليه وسلم من مزادة مشركة متفق عليه، وأجاب النبي صلى الله عليه وسلم يهودياً أضافه يخبز وإهالة سنخة. قال شيخنا ويتخرج التفريق بين الكتابي الذي لا يأكل الميتة والخنزير وبين غيره ممن يأكل ذلك ومن لا تحل ذبيحتهم كقولنا في آنيتهم وقد ذكرناه (فصل) فأما طهورية الماء فإن الحائض والكافر لا يؤثر غمسهما أيديهما في الماء لأن حدثهما لا يرتفع وأما الجنب فإن لم ينو بغمس يده في الماء رفع الحدث عنها فكذلك بدليل حديث المرأة التي قالت غمست يدي في الماء وأنا جنب فقال النبي صلى الله عليه وسلم " الماء لا يجنب " ولأن الحدث لا يرتفع من غير نية أشبه غمس الحائض، وإن نوت رفع حدثها فحكم الماء حكم مالو اغتسل الجنب فيه للجنابة كذا ذكره شيخنا وفي هذا نظر. فإنهم قد قالوا إن الماء المستعمل إذا اختلط بالماء الطهور إنما يؤثر فيه إذا كان بحيث لو كان مائعاً آخر غيره. والمنفصل عن اليد ههنا يسير فينبغي إذا كان الماء كثيراً بحيث لا يؤثر فيه المنفصل عن غسل اليد لو غسلت منفردة بماء ثم صب فيه أن لا يؤثر ههنا لأنه في معناه، وإن كان الماء يسيراً بحيث يغلب على الظن أن قدر المنفصل عن اليد يؤثر فيه لو غسلت منفردة ثم صب فيه أثر ههنا وقد روي عن أحمد ما يدل على هذا فإنه سئل عن جنب وضع له ماء فأدخل يده ينظر حره من برده؟ قال إن كان إصبعا فارجو أن لا يكون به بأس وإن كانت اليد أجمع فكأنه كرهه

(فصل) قال بعض أصحابنا إذا نوى رفع الحدث ثم غمس يده في الماء ليغرف بها صار الماء مستعملاً. قال شيخنا والصحيح إن شاء الله ان ذلك لا يؤثر لأن قصد الاغتراف منع قصد غسلها على ما بيناه في المتوضئ إذا اغترف من الإناء لغسل يديه بعد وجهه، وإن انقطع حيض المرأة فهي قبل الغسل كالجنب فيما ذكرنا من التفصيل. وقد اختلف عن أحمد في هذا فقال في موضع في الجنب والحائض يغمس يديه في الإناء إذا كانا نظيفين فلا بأس به، وقال في موضع كنت لا أرى به بأساً ثم حدثت عن شعبة عن محارب بن دثار عن ابن عمر وكأني تهيبته، وسئل عن جنب وضع له ماء فوضع يده فيه ينظر حرمه من برده فقال إن كان إصبعا فارجو أن لا يكون به بأس وإن كانت اليد أجمع فكأنه كرهه وسئل عن الرجل يدخل الحمام وليس معه ما يصب به الماء على يده ترى له أن يأخذ بفيه؟ فقال لا يده وفمه واحد وقياس المذهب ما ذكرنا وكلام أحمد محمول على الكراهة لما فيه من الخلاف، وقال أبو يوسف إن أدخل الجنب يده في الماء لم يفسد وإن أدخل رجله فسد لأن الجنب نجس فعفي عن يده لموضع الحاجة وكره النخعي الوضوء بسؤر الحائض، وأكثر أهل العلم لا يرون به بأسا منهم الحسن ومجاهد والزهري ومالك والاوزاعي والثوري والشافعي. وقد دللنا على طهارة الجنب والحائض، والتفريق بين اليد والرجل لا يصح لاستوائهما فيما إذا أصابتهما نجاسة كذلك في الجنابة قال شيخنا ويحتمل أن نقول به لأن اليد يراد بها الاغتراف وقصده هو المانع من جعل الماء مستعملاً وهذا لا يوجد في الرجل فيؤثر غمسها في الماء والله أعلم

باب الغسل

(فصول في الحمام) بناء الحمام وكراؤه وبيعه وشراؤه مكروه عند أبي عبد الله فإنه قال في الذي يبني حماماً للنساء ليس بعدل وإنما كرهه لما فيه من كشف العورة والنظر إليها ودخول النساء إليه (فصل) فأما دخول الحمام فإن دخل رجل وكان يسلم من النظر إلى عورات الناس ونظرهم إلى عورته فلا بأس به فإنه يروى أن ابن عباس دخل حماماً بالجحفة، ويروى ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكان الحسن وابن سيرين يدخلان الحمام رواه الخلال. وإن خشي أن لا يسلم من ذلك كره له لأنه لا يأمن وقوعه في المحظور وهو النظر إلى عورات الناس ونظرهم إلى عورته وهو محرم بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم " لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا تنظر المرأة إلى عورة المرأة " وقوله عليه السلام " لا تمشوا عراة " رواهما مسلم. قال أحمد: إن علمت أن كل من في الحمام عليه إزار فأدخله وإلا فلا تدخل

(فصل) فأما النساء فليس لهن دخوله مع ما ذكرنا من الستر إلا لعذر من حيض أو نفاس أو مرض أو حاجة إلى الغسل ولا يمكنها أن تغتسل في بيتها لتعذر ذلك عليها أو خوفها من مرض أو ضرر فيباح لها إذا سترت عورتها وغضت بصرها ولا يجوز من غير عذر لما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ستفتح أرض العجم وستجدون فيها حمامات فامنعوا نسائكم إلا حائضا أو نفساء " وروي أن عائشة دخل عليها نساء من أهل حمص فقالت لعلكن من النساء اللاتي يدخلن الحمامات سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إن المرأة إذا خلعت ثيابها في غير بيت زوجها هتكت سترها بينها وبين الله تعالى " رواهما ابن ماجة (فصل) ومن اغتسل عرياناً بين الناس لم يجز لما ذكرنا وإن كان وحده جاز لأن موسى عليه السلام اغتسل عرياناً وأيوب اغتسل عرياناً رواهما البخاري، وإن ستره الإنسان بثوب فلا بأس فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستر بثوب ويغتسل متفق عليه، ويستحب التستر وإن كان خالياً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " فالله أحق أن يستحيي منه من الناس " وقد قال أحمد لا يعجبني أن يدخل الماء إلا مستتراً أن للماء سكانا لأنه يروي عن الحسن والحسين أنهما دخلا الماء وعليهما بردان

فقيل لهما في ذلك فقالا: إن للماء سكاناً ولأن الماء لا يستر فتبدو عورة من دخله عرياناً والله أعلم (فصل) ويجزئه الوضوء والغسل من ماء الحمام قال أحمد لا بأس بالوضوء من ماء الحمام وذلك لأن الأصل الطهارة وروى عن أحمد أنه قال لا بأس أن يأخذ من الأنبوبة وهذا على سبيل الاحتياط ولو لم يفعله جاز لأن الأصل الطهارة، وقد قال أحمد ماء لاحمام عندي طاهر وهو بمنزلة الماء الجاري، وهل يكره استعماله؟ فيه وجهان (أحدهما) يكره لأنه يباشره من يتحرى ومن لا يتحرى وحكاه ابن عقيل رواية عن أحمد وقد روى الأثرم عن أحمد. قال منهم من يشدد فيه ومنهم من يقول هو بمنزلة الماء الجاري (والثاني) لا يكره لكون الأصل طهارته فهو كالماء الذي شككنا في نجاسته والله أعلم (قال شيخنا) وقوله هو بمنزلة الماء الجاري فيه دليل على أن الماء الجاري لا ينجس إلا بالتغيير لأنه لو تنجس بمجرد لملاقاة لم يكن لكونه جارياً أثر وإنما جعله بمنزلة الماء الجاري إذا كان الماء يفيض من الحوض ويخرج فإن الذي يأتي أخيراً يدفع ما في الحوض ويثبت مكانه بدليل أنه لو كان ما في الحوض كدراً وتتابعت عليه دفع من الماء صافياً لزالت كدورته (فصل) ولا بأس بذكر الله في الحمام فإن ذكره سبحانه حسن في كل مكان ما لم يرد المنع منه وقد روي أن أبا هريرة دخل الحمام فقال: لا إله إلا الله وروت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذكر الله على كل أحيانه رواه مسلم. فأما قراءة القرآن فيه فكرهها أبو وائل والشعبي والحسن ومكحول وحكاه ابن عقيل عن علي وابن عمر لانه كحل للتكشف ويفعل فيه ما لا يحسن في غيره فاستحب صيانة القرآن عنه ولم يكرهه النخعي ومالك لأنا لا نعلم حجة توجب الكراهة، فإما رد السلام فقال أحمد ما سمعت فيه شيئا. وقال ابن عقيل يكره. والأولى جوازه من غير كراهة لعموم قوله عليه السلام " أفشوا السلام بينكم " ولأنه لم يرد فيه نص والأشياء على الإباحة والله أعلم

مسألة: فإن أحس بانتقاله فأمسك ذكره فلم يخرج فعلى روايتين

باب التيمم التيمم في اللغة القصد قال الله تعالى (ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون) وقال امرؤ القيس تيممت العين التي عند ضارج * يفئ عليها الظل عرمضها طامي وقول الله تعالى (فتيمموا صعيدا طيبا) أي اقصدوه ثم نقل في عرف الفقهاء إلى مسح الوجه واليدين بشئ من الصعيد، والأصل فيه الكتاب والسنة والإجماع. أما الكتاب فقوله تعالى (فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه) وأما السنة فحديث عمار وغيره، وأجمعت الأمة على جواز التيمم في الجملة وله شروط وفرائض وسنن ومبطلات تأتي في أثناء الباب إن شاء الله تعالى (مسألة) قال (وهو بدل لا يجوز إلا بشرطين (أحدهما) دخول الوقت فلا يجوز لفرض قبل وقته ولا لنفل في وقت النهي عنه) وجملة ذلك أن التيمم بدل عن الماء إنما يجوز عند تعذر الطهارة بالماء لعدمه أو مرض أو خوف أو نحوه لقوله تعالى (فلم تجدوا ماء فتيمموا) ولقول النبي صلى الله عليه وسلم " التراب كافيك ما لم تجد الماء "

ولحديث ضاحب الشجة وحديث عمرو بن العاص وغير ذلك، ويشترط له ثلاثة شروط (أحدها) دخول الوقت فلا يجوز لصلاة مفروضة قبل دخول وقتها ولا لنافلة في وقت النهي عنها لأنه ليس بوقت لها ولأنه مستغن عن التيمم فيه فأشبه مالو تيمم عند وجود الماء، وإن كانت فائتة جاز التيمم لها في كل وقت لجواز فعلها فيه. وهذا قول مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة يصح التيمم قبل وقت الصلاة لأنها طهارة مشترطة للصلاة فأبيح تقديمها على الوقت كسائر الطهارات. وروى عن أحمد أنه قال القياس أن التيمم بمنزلة الطهارة حتى يجد الماء أو يحدث، فعلى هذا يجوز قبل دخول الوقت. والصحيح الأول لأنها طهارة ضرورة فلم تجز قبل الوقت كطهارة المستحاضة. وقياسهم ينتقض بطهارة المستحاضة ويفارق التيمم سائر الطهارات لكونها ليست لضرورة (الشرط الثاني) العجز عن استعمال الماء لعدمه لما ذكرنا وعدم الماء إنما يشترط لمن تيمم لعذر عدم الماء دون من تيمم لغيره من الأعذار (الشرط الثالث) طلب الماء وفيه خلاف نذكره إن شاء الله (فصل) وعدم الماء يبيح التيمم في السفر الطويل والقصير، والطويل ما يبيح القصر، والقصير ما دونه مثل أن يكون بين قريتين متباعدتين أو متقاربتين. قال القاضي: لو خرج إلى ضيعة له تفارق البنيان والمنازل ولو بخمسين خطوة جاز له التيمم والصلاة على الراحلة وأكل الميتة للضرورة. وهذا قول مالك والشافعي. وقال قوم لا يباح إلا في الطويل قياساً على سائر رخص السفر ولنا قوله تعالى (وإن كنتم مرضى أو على سفر - إلى قوله - فتيمموا) فإنه يدل بمطلقه على إباحة التيمم

مسألة: الثاني: التقاء الختانين وهو تغييب الحشفة في الفرج قبلا كان أو دبرا من آدمي أو بهيمة حي أو ميت

في كل سفر ولأن السفر القصير يكثر فيكثر عدم الماء فيه فيحتاج إلى التيمم فيه فينبغي أن يسقط به الفرض كالطويل. والقياس على رخص السفر لا يصح لأن التيمم يباح في الحضر على ما يأتي ولأن التيمم عزيمة لا يجوز تركه بخلاف سائر الرخص. ولا فرق بين سفر الطاعة والمعصية لأن التيمم عزيمة لا يجوز تركه بخلاف بقية الرخص فإن تيمم وصلى فهل يعيد؟ ذكر القاضي فيه احتمالين أولاهما لا يعيد لأنه عزيمة (فصل) فإن عدم الماء في الحضر بأن انقطع عنهم الما أو حبس وعدم الماء تيمم وصلى وهذا قول مالك والثوري والاوزاعي والشافعي وقال أبو حنيفة في رواية عنه لا يصلي لأن الله تعالى شرط السفر لجواز التيمم فلا يجوز في غيره وقد روي عن أحمد أنه سئل عن رجل حبس في دار أو أغلق عليه الباب بمنزل المضيف أيتيمم؟ قال لا ولنا ما روى أبو ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إن الصعيد الطيب طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين فإذا وجد الماء فليمسه بشرته فإن ذلك خير " قال الترمذي حديث حسن صحيح وهذا عام في السفر وغيره ولأنه عادم للماء أشبه المسافر فأما الآية فلعل ذكر السفر فيها خرج مخرج الغالب لكون الغالب أن الماء إنما يعدم فيه - كما ذكر السفر وعدم وجود الكاتب في الرهن وليسا شرطين فيه. ثم أن الآية إنما تدل على ذلك بدليل الخطاب وأبو حنيفة لا يقول به ولو كان حجة

فالمنطوق راجح عليه فعلى هذا إذا تيمم في الحضر لعدم الماء وصلى فهل يعيد إذا قدر على الماء؟ على روايتين (إحداهما) يعيد وهو مذهب الشافعي لأنه عذر نادر فلا يسقط به القضاء كالحيض في الصوم (والثانية) لا يعيد وهو مذهب مالك لأنه أتى بما أمر به فخرج عن العهدة ولأنه صلى بالتيمم المشروع على الوجه المشروع فأشبه المريض والمسافر مع أن عموم الخبر يدل عليه، وقال أبو الخطاب أن حبس في المصر صلى ولم يذكر إعادة وذكر الروايتين في غيره. قال شيخنا: ويحتمل أنه إن كان عدم الماء لعذر نادر أو يزول قريباً كرجل أغلق عليه الباب مثل الضيف وما أشبه هذا فعليه الإعادة لأن هذا بمنزلة المتشاغل بطلب الماء وتحصيله، وإن كان عذراً ممتداً ويوجد كثيراً كالمحبوس ومن انقطع الماء من قريته واحتاج إلى استقاء الماء من مسافة بعيدة فله التيمم ولا إعادة عليه لأن هذا عادم للماء بعذر متطاول معتاد فهو كالمسافر ولأن عدم هذا الماء أكثر من عدم المسافر له فالنص على التيمم للمسافر تنبيه على التيمم ههنا. وما قاله صحيح والله تعالى أعلم (فصل) ومن خرج من المصر إلى أرض من أعماله كالحراث والحصاد والحطاب وأشباههم ممن لا يمكنه حمل الماء معه لوضوئه فحضرت الصلاة ولا ماء معه ولا يمكنه الرجوع ليتوضأ إلا بتفويت حاجته فله أن يصلي بالتيمم ولا إعادة عليه لأنه مسافر أشبه الخارج إلى قرية اخرى ويحتمل أن تلزمه الإعادة لكونه في أرض من عمل المصر أشبه المقيم فيه فإن كانت الأرض التي خرج إليها من غير

مسألة: الثالث: إسلام الكافر أصليا كان أو مرتدا وقال أبو بكر: لا غسل عليه

أرض قريبة فلا إعادة عليه وجهاً واحداً لأنه مسافر (فصل) فإن لم يجد إلا ماء ولغ فيه بغل أو حمار فروي عن أحمد أنه قال إذا لم يجد غير سؤرهما تيمم معه فيقدم الوضوء ثم يتيمم نص عليه أحمد ليكون عادماً للماء بيقين. قال ابن عقيل: ويحتمل في المذهب أن يصلي بكل واحد منهما ليحصل له تأدية فرضه بيقين، فعلى هذا يقدم التيمم ويصلي ثم يتوضأ لجواز أن يكون الماء نجساً ولا يضر ههنا تقديم التيمم مع كونه مسقطاً للفرض كما إذا اشتبهت الثياب فإن أراد أن يصلي صلاة أخرى في وقت واحد لم يحتج إلى إعادة الوضوء إذا لم يحدث لأن الماء إن كان طاهراً فالوضوء بحاله وإن كان نجساً فلا حاجة إلى تكرار الوضوء بماء نجس ولا يحتاج في الصلاة الثانية إلى أن يفعلها مرتين لأنه لا يحصل له تأدية فرضه بيقين لأن أعضاءه قد تنجست بالماء على تقدير نجاسته هذا إذا كان مستديماً للطهارة الأولى ذكره ابن عقيل قال ويمكن تأديته بيقين بأن يتيمم للحدث والنجاسة ويصلي لأنه إن كان الماء طاهراً فقد صحت صلاته وإن كان نجساً فقد تيمم للنجاسة والحدث فتصح صلاته (مسألة) قال (أو لضرر في استعماله من جرح أو برد شديد أو مرض يخشى زيادته أو تطاوله) هذه تشتمل على مسائل أحدها التيمم لخوف البرد متى أمكنه تسخين الماء أو استعماله على وجه يأمن الضرر مثل أن يغسل عضواً عضواً كلما غسل شيئاً ستره لزمه ذلك وإن لم يقدر تيمم وصلى في قول أكثر أهل العلم، وقال عطاء والحسن يغتسل وإن مات. ومقتضى قول ابن مسعود نحو ذلك. ووجه الأول قوله تعالى (ولا تقتلوا أنفسكم) ولما روى عمرو بن العاص قال احتلمت في ليلة باردة في عزوة ذات

السلاسل فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك فتيممت ثم صليت بأصحابي الصبح فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال " يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب؟ فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال وقلت إني سمعت الله عزوجل يقول (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما) فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئاً. رواه الخلال وأبو داود وسكوت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدل على الجواز لأنه لا يقر على الخطأ ولأنه خائف على نفسه أشبه المريض، وهل تلزمه الإعادة إذا قدر على استعمال الماء؟ فيه روايتان (إحداهما) لا تلزمه وهو قول الثوري ومالك وأبي حنيفة وابن المنذر لحديث عمرو فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمره بإعادة ولو وجبت لأمره بها فإنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة ولأنه خائف على نفسه أشبه المريض (والثانية) تلزمه الإعادة في الحضر دون السفر وهو قول أبي يوسف ومحمد لأنه عذر نادر غير متصل فلم يمنع الإعادة كنسيان الطهارة، قال الشيخ والأول أصح ويفارق نسيان الطهارة فإنه لم يأت بما أمر به وإنما ظن أنه أتى به بخلاف مسئلتنا، وقال الشافعي يعيد الحاضر لما ذكرنا وفي المسافر قولان (فصل) الثاني الجريح والمريض إذا خاف على نفسه من استعمال الماء فله التيمم هذا قول أكثر أهل العلم منهم ابن عباس ومجاهد وعكرمة وطاوس والنخعي وقتادة ومالك والشافعي، وقال عطاء والحسن لا يجوز التيمم إلا عند عدم الماء

مسألة: الرابع الموت. الخامس الحيض. السادس النفاس

ولنا قول الله تعالى (ولا تقتلوا أنفسكم) وحديث عمرو بن العاص حين تيمم من خوف البرد وحديث صاحب الشجة ولأنه يباح له التيمم إذا خاف العطش أو خاف من سبع فكذلك ههنا لأن الخوف لا يختلف وإنما اختلفت جهاته، واختلفوا في الخوف المبيح للتيمم فروي عن أحمد لا يبيحه إلا خوف التلف وهذا أحد قولي الشافعي، والصحيح من المذهب أنه يباح له التيمم إذا خاف زيادة المرض أو تباطؤ البرء أو خاف شيئاً فاحشاً أو ألماً غير محتمل وهذا مذهب أبي حنيفة والقول الثاني للشافعي لعموم قوله تعالى (وإن كنتم مرضى) ولأنه يجوز له التيمم إذا خاف ذهاب شئ من ماله أو ضرراً في نفسه من لص أو سبع أو لم يجد الماء إلا بزيادة كثيرة على ثمن مثله فلأن يجوز ههنا أولى. ولأن ترك القيام في الصلاة وتأخير الصوم في المرض لا ينحصر في خوف التلف فكذا ههنا. فأما المريض والجريح الذي لا يخاف الضرر باستعمال الماء مثل من به الصداع والحمى الحارة وأمكنه استعمال الماء الجاري ولا ضرر عليه فيه لزمه ذلك لأن إباحة التيمم لنفي الضرر ولا ضرر عليه، وحكي عن مالك وداود إباحة التيمم للمريض مطلقاً لظاهر الآية. ولنا أنه قادر على استعمال الماء من غير ضرر فأشبه الصحيح والآية اشترط فيها عدم الماء فلم يتناول محل النزاع على أنه لابد من إضمار الضرورة والضرورة إنما تكون عند الضرر (مسألة) (أو عطش يخافه على نفسه أو رفيقه أو بهيمته) متى خاف العطش على نفسه جاز له التيمم ولا إعادة عليه إجماعاً قال إبن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن المسافر إذا كان

مسألة: ومن لزمه الغسل حرم عليه قراءة آية فصاعدا وفي بعض آية روايتان

معه ماء وخشي العطش أنه يبقى الماء للشرب ويتيمم منهم علي وابن عباس والحسن وعطاء ومجاهد والثوري ومالك والشافعي واسحاق وأصحاب الرأي ولا نعلم عن غيرهم خلافهم، وإن خاف على رفيقه أو رقيقه أو بهائمه فهو كما لو خاف على نفسه لأن حرمه رفيقه كحرمة نفسه والخائف على بهائمه خائف من ضياع ماله وعليه ضرر فيه فجاز له التيمم كالمريض، وإن وجد عطشان يخاف تلفه لزمه سقيه ويتيمم. قيل لاحمد رجل معه إداوة من ماء للوضوء فيرى قوماً عطاشاً أحب إليك أن يسقيهم أو يتوضأ؟ قال لا بل يسقيهم ثم ذكر عدة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتيممون ويحبسون الماء لشفاههم وقال أبو بكر والقاضي لا يلزمه بذله لأنه محتاج إليه ولنا أن حرمة الآدمي تقدم على الصلاة بدليل مالو رأى حريقاً أو غريقاً عند ضيق وقت الصلاة لزمه ترك الصلاة والخروج لإنقاذه فلأن يقدمها على الطهارة بالماء أولى وقد روي في حديث البغي أن الله غفر لها بسقي الكلب عند العطش فإذا كان في سقي الكلب فالآدمي أولى (فصل) واذا وجد الخائف من العطش ماء طاهراوماء نجساً يكفيه أحدهما لشربه فإنه يحبس الطاهر لشربه ويريق النجس إن استغنى عنه، وقال القاضي: يتوضأ بالطاهر ويحبس النجس لشربه لأنه وجد ماء طاهراً يستغني عن شربه أشبه ما لو كان الكل طاهراً

مسألة: ويجوز له العبور في المسجد ويحرم عليه اللبث فيه إلا أن يتوضأ

ولنا أنه لا يقدر على ما يجوز شربه والوضوء به إلا الطاهر فجاز له حبسه لشربه كما لو انفرد، وإن وجدهما وهو عطشان شرب الطاهر وأراق النجس إذا استغنى عنه سواء كان في الوقت أو قبله، وقال بعض الشافعية إن كان في الوقت شرب النجس لأن الطاهر مستحق للطهارة فهو كالعدم، ولا يصح لأن شرب النجس حرام وإنما يصير الطاهر مستحقاً للطهارة إذا استغنى عن شربه، وهذا غير مستغن عن شربه فوجود النجس كعدمه (مسألة) قال (أو خشية على ماله في طلبه) متى خاف على نفسه أو ماله في طلب الماء كمن بينه وبين الماء سبع أو عدو أو حريق أو لص فهو كالعادم لأنه خائف للضرر باستعماله أو التلف فهو كالمريض ولو كان الماء بمجمع الفساق تخاف المرأة على نفسها منهم فهي كالعادمة وقد توقف أحمد عن هذه المسألة وقال ابن أبي موسى تتيمم ولا إعادة عليها في أصح الوجهين، قال شيخنا والصحيح جواز التيمم لها وجهاً واحداً ولا إعادة عليها بل لا يحل لها الخروج إلى الماء لما فيه من التعرض للزنا وهتك نفسها وعرضها وتنكيس رؤس أهلها وربما أفضى إلى قتلها. وقد أبيح لها التيمم حفظاً للقليل من مالها المباح لها بذله وحفظ نفسها من زيادة مرض أو تباطؤ برء فههنا أولى وكذلك إن كان يخاف إذا ذهب إلى الماء شرود دابته أو سرقتها أو يخاف على أهله لصاً أو سبعاً فهو كالعادم لما دكرنا، فإن كان خوفه جبناً لا عن سبب يخاف من مثله كالذي يخاف بالليل وليس شئ يخاف منه لم يجز له التيمم نص عليه أحمد قال شيخنا ويحتمل أن يباح له التيمم ويعيد إذا اشتد خوفه لأنه بمنزلة الخائف لسبب، ومن كان خوفه لسبب ظنه مثل من رأى سواداً ظنه عدواً فتبين أنه ليس بعدو أو رأى كلباً فظنه نمراً فتيمم

وصلى فبان خلافه فهل تلزمه الإعادة؟ على وجهين (أحدهما) لا تلزمه الإعادة لأنه أتى بما أمر به فخرج عن عهدته (والثاني) تلزمه لأنه تيمم من غير سبب يبيح التيمم أشبه من نسي الماء بموضع يمكنه استعماله (فصل) ومن كان مريضاً لا يقدر على الحركة ولا يجد من يناوله الماء فهو كالعادم قاله ابن أبي موسى وهو قول الحسن لأنه لا سبيل له إلى الماء أشبه من وجده في بئر ليس له ما يستقي به منها، وإن وجد من يناوله قبل خروج الوقت فهو كالواجد في الحال لأنه بمنزلة من يجد ما يستقي به في الوقت، وإن خاف خروج الوقت قبل مجيئه فقال ابن أبي موسى والحسن له التيمم ولا إعادة عليه لأنه عادم في الوقت أشبه العادم مطلقاً ويحتمل أن ينتظر مجئ من يناوله لأنه حاضر ينتظر حصول الماء أشبه المشتغل باستقاء الماء وتحصيله (فصل) واذا وجد بئراً وقدر على النزول إلى مائها من غير ضرر أو الاغتراف بشئ أو ثوب يبله ثم يعصره لزمه ذلك وإن خاف فوت الوقت لأن الإشتغال به كالاشتغال بالوضوء وحكم من في السفينة في الماء كحكم واجد البئر إن لم يمكنه الوصول إلى الماء إلا بمشقة أو تغرير بالنفس فهو كالعادم وهذا قول الثوري والشافعي، وإذا كان الماء موجوداً إلا أنه إن اشتغل بتحصيله واستعماله فات الوقت لم يبح له التيمم سواء كان حاضراً أو مسافراً في قول أكثر أهل العلم منهم الشافعي وأبو ثور وابن المنذر وأصحاب الرأي وعن الاوزاعي والثوري أنه يتيمم رواه عنهما الوليد بن مسلم وروي عن مالك

وابن أبي ذئب كقول الجمهور لقوله تعالى (فلم تجدوا ماء فتيمموا) وهذا واجد ولقوله عليه السلام " التراب كافيك ما لم تجد الماء " ولأنه قادر على الماء فلم يجز له التيمم كما لو لم يخف فوت الوقت (مسألة) قال (أو تعذره إلا بزيادة كثيرة على ثمن مثله أو ثمن يعجز عن آدائه) وجملته أنه متى وجد ماء بثمن مثله في موضعه لزمه شراؤه إذا قدر على الثمن مع استغنائه عنه لقوته ومؤنة سفره لأنه قادر على استعماله من غير ضرر وكذلك إن كانت الزيادة يسيرة لا تجحف بماله ذكره أبو الخطاب لما ذكرنا، وقال الشافعي لا يلزمه شراؤه مع الزيادة قليلة كانت أو كثيرة لأن عليه ضرراً في الزيادة أشبه مالو خاف لصاً يأخذ من ماله ذلك المقدار ولنا قوله تعالى (فلم تجدوا ماء فتيمموا) وهذا واجد فإن القدرة على ثمن العين كالقدرة على العين في المنع من الانتقال إلى البدل كما لو بيعت بثمن مثلها لأن ضرر المال دون ضرر النفس وقد قالوا في المريض يلزمه الغسل ما لم يخف التلف فتحمل الضرر اليسير في المال أحرى وما ذكروه من الدليل يبطل بما إذا كان بثمن المثل فإن كان عاجزاً عن الثمن فهو كالعادم لأنه عاجز عن إستعمال الماء. وإن بذل له ثمنه لم يلزمه قبوله لأن فيه منه. فأما إن وهب له ماء لزمه قبوله لأنه قادر على استعمال الماء ولا منة في ذلك في العادة. فأما إن كانت الزيادة كثيرة تجحف بماله لم يلزمه شراؤه لأن عليه ضرراً كثيراً وإن كانت كثيرة لا تجحف بماله ففيه وجهان (أحدهما) يلزمه شراؤه لأنه واجد للماء قادر عليه من غير إجحاف بماله فلزمه استعماله للآية وكما لو كانت الزيادة بسيرة (والثاني) لا يلزمه لأن فيه ضرراً ولما ذكرنا في الزيادة اليسيرة

(فصل) فإن بذل له بثمن في الذمة يقدر على ادائه في بلده فقال القاضي يلزمه شراؤه لأنه قادر على أخذه بما لا مضرة فيه. وقال الآمدي لا يلزمه لأن عليه ضرراً في بقاء الدين في ذمته وربما تلف ماله قبل أدائه وهو الصحيح إن شاء الله تعالى، وإن لم يكن له في بلده ما يؤدي ثمنه لم يلزمه شراؤه لأن عليه ضرراً، وإن لم يبذله له وكان فاضلاً عن حاجته لم يجز له أخذه منه قهراً (1) لأن الضرورة لا تدعو إليه ولأن هذا له بدل وهو التيمم بخلاف الطعام في المجاعة (مسألة) (فإن كان بعض بدنه جريحاً تيمم له وغسل الباقي) وجملة ذلك أن الجريح والمريض إذا أمكنه غسل بعض بدنه دون بعض لزمه غسل ما أمكنه غسله وتيمم للباقي وهو قول الشافعي، وقال أبو حنيفة ومالك إن كان أكثر بدنه صحيحاً غسله ولا يتيمم وإن كان أكثره جريحاً تيمم ولا غسل عليه لأن الجمع بين البدل والمبدل لا يجب كالصيام والإطعام ولنا ما روى جابر قال خرجنا في سفر فأصاب رجلاً منا شجة في وجهه ثم احتلم فسأل أصحابه هل تجدون لي رخصة في التيمم؟ قالوا ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء فاغتسل فمات فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بذلك فاقل " قتلوه قتلهم الله ألا سألوا إذ لم يعلموا؟ فإنما شفاء العي السؤال إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصب على جرحه ثم يمسح عليه ثم يغسل سائر جسده " رواه أبو داود ولأنها شرط من شرائط الصلاة فالعجز عن بعضها لا يسقط جميعها كالستارة وما ذكروه ينتقض بالمسح على الخفين مع غسل بقية الأعضاء، فأما الذي قاسوا عليه فانه جمع بين البدل والمبدل في محل واحد بخلاف مسئلتنا فإن التيمم بدل عما لم يصبه، وكل مالا يمكن غسله من الصحيح إلا بانتشار الماء إلى الجريح حكمه حكم الجريح فان لم يمكنه ضبطه وقدر أن يستنيب من يضبطه لزمه ذلك فإن عجز تيمم وصلى واجزأه لأنه عجز عن غسله فأجزأه التيمم عنه كالجريح

_ 1) عبارة المغني لم يجز له مكارته الخ فهل سقط من كل مكان ما ثبت نظيره في الاخر؟ يتأمل

(فصل) ولا يلزمه أن يمسح على الجرح بالماء إذا أمكنه ذلك سواء كان معصوباً أو لا هذا اختيار الخرقي، وقال ابن عقيل نص أحمد في رواية صالح في المجروح إذا خاف مسح موضع الجرح وغسل ما حوله لقوله عليه السلام " إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم " لأنه عجز عن غسله وقدر على مسحه وهو بعض الغسل فوجب الإتيان بما قدر عليه كمن عجز عن الركوع والسجود وقدر على الإيماء ووجه القول الأول أنه محل واحد فلا يجمع فيه بين المسح والتيمم كالجبيرة فإذا قلنا يجب المسح على موضع الجرح فهل يتيمم معه؟ على روايتين (إحداهما) لا يتيمم كالجرح المعصوب عليه والجبيرة على الكسر (والثانية) عليه التيمم لأن المسح بعض الغسل فيجب أن يتيمم للباقي، ويفارق هذا الجبيرة لأن الفرض فيها انتقل إلى الحائل فهي كالخفين (فصل) فإن كانت جميع أعضاء الوضوء قريحة تيمم لها فان لم يمكنه التيمم صلى على حسب حاله وفي الإعادة روايتان كمن عدم الماء والتراب وسنذكر ذلك إن شاء الله

فصل في صفة الغسل

(فصل) إذا كان الجريح جنباً فهو مخير إن شاء قدم التيمم على الغسل وإن شاء أخره بخلاف ما إذا كان التيمم لعدم ما يكفيه لطهارته فإنه يلزمه استعمال الماء أولاً لأن التيمم للعدم ولا يتحقق مع وجود الماء وههنا التيمم للعجز وهو متحقق على كل حال ولأن الجريح يعلم أن التيمم بدل عن غسل الجرح والعادم لا يعلم القدر الذي يتيمم له إلا بعد استعمال الماء فلزمه تقديم استعماله وإن كان الجريح يتطهر للحدث الأصغر فذكر القاضي أنه يلزمه الترتيب فيجعل التيمم في مكان الغسل الذي يتيمم بدلاً عنه، فإن كان الجرح في الوجه بحيث لا يمكنه غسل شئ منه تيمم أولاً ثم أتم الوضوء، وإن كان في بعض وجهه خير بين غسل الصحيح منه ثم يتيمم وبين التيمم ثم يغسل صحيح وجهه ويتم الوضوء، وإن كان الجرح في عضو آخر لزمه غسل ما قبله ثم كان فيه على ما ذكرنا في الوجه. وإن كان في وجهه ويديه ورجليه احتاج في كل عضو إلى تيمم في محل غسله ليحصل الترتيب ولو غسل صحيح وجهه ثم تيمم له وليديه تيمماً واحداً لم يجزه لأنه يؤدي إلى سقوط الفرض عن جزء من الوجه واليدين في حال واحدة، فإن قيل هذا يبطل بالتيمم عن جملة الطهارة حيث يسقط الفرض عن جميع الأعضاء جملة واحدة قلنا. إذا كان عن جملة الطهارة فالحكم له دونها وإن كان عن بعضها ناب عن ذلك البعض فاعتبر فيه ما يعتبر فيما ينوب عنه من الترتيب (قال شيخنا) ويحتمل أن لا يجب هذا الترتيب لأن التيمم طهارة مفردة فلا يجب الترتيب بينها وبين الطهارة الأخرى كما لو كان الجريح جنباً

مسألة: مجزئ

ولأنه تيمم عن الحدث الأصغر فلا يجب أن يتيمم عن كل عضو في موضع غسله كما لو تيمم عن جملة الوضوء ولأن فيه حرجاً فيندفع بقوله تعالى (ما جعل عليكم في الدين من حرج) وحكى الماوردي عن مذهب الشافعي مثل هذه وحكي ابن الصباغ عنه مثل القول الأول والله تعالى أعلم (فصل) وإن تيمم الجريح لجرح في بعض أعضائه ثم خرج الوقت بطل تيممه ولم تبطل طهارته بالماء إن كان غسلاً للجنابة أو نحوها لأن الترتيب والموالاة غير واجبين فيها، وإن كانت وضوءاً وكان الجرح في وجهه. فإن قلنا يجب الترتيب بين التيمم والوضوء بطل الوضوء ههنا لأن طهارة العضو الذي ناب التيمم عنه بطلت فلو لم يبطل ما بعده لتقدمت طهارة ما بعده عليه فيفوت الترتيب. فإن قلنا لا يجب الترتيب لم يبطل الوضوء وجوز له التيمم لاغير، وإن كان الجرح في رجليه فعلى قولنا لا يجب الترتيب لا تجب الموالاة بينهما أيضاً وعليه التيمم وحده. وإن قلنا يجب الترتيب فينبغي أن يخرج وجوب الموالاة ههنا على وجوبها في الوضوء وفيها روايتان. فان قلنا تجب في الوضوء بطل الوضوء ههنا لفواتها. وإن قلنا لا تجب كفاه التيمم وحده (قال شيخنا) ويحتمل ان لا تجب الموالاة بين الوضوء والتيمم وجهاً واحداً لأنهما طهارتان فلم تجب الموالاة بينهما كسائر الطهارات ولأن في إيجابها حرجاً فينتفي بقوله تعالى (ما جل عليكم في الدين من حرج) (مسألة) قال (وإن وجد ماء يكفي بعض بدنه لزمه إستعماله وتيمم للباقي إن كان جنباً. وإن كان

محدثاً فهل يلزمه استعماله على وجهين) وجملة ذلك أنه إذا وجد الجنب ماء يكفي بعض بدنه لزمه إستعماله وتيمم للباقي نص عليه أحمد فيمن وجد ماء يكفيه لوضوئه وهو جنب قال يتوضأ ويتيمم وهذا قول عطاء وهو أحد قولي الشافعي، وقال الحسن والزهري ومالك وأصحاب الرأي وابن المنذر والقول الثاني للشافعي يتيمم ويتركه لأن هذا الماء لا يطهره فلم يلزمه استعماله كالمستعمل ولنا قوله تعالى (فلم تجدوا ماء فتيمموا) وخبر أبي ذر شرط في التيمم عدم الماء. وقول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم " رواه البخاري. ولأنه وجد ما يمكنه استعماله في بعض جسده أشبه مالو كان أكثر جسده صحيحاً وباقيه جريحاً. ولأنه قدر على بعض الشرط فلزمه كالسترة وإزالة النجاسة والحكم الذي ذكروه في المستعمل ممنوع وإن سلم فلأنه لا يطهر شيئاً منه بخلاف هذا ويجب عليه استعمال الماء قبل التيمم ليتحقق العدم وقد ذكرناه (فصل) فإن وجده المحدث الحدث الأصغر فهل يلزمه استعماله؟ على وجهين (أحدهما) يلزمه استعماله اختاره القاضي لما ذكرنا في الجنب وكما لو كان بعض بدنه صحيحاً وبعضه جريحاً (والثاني) لا يلزمه لأن الموالاة شرط فيه فإذا غسل بعض الأعضاء دون بعض لم يفد بخلاف الجنابة وكذلك لو وجد الماء في الجنابة أجزأه غسل ما لم يغسله فقط. وفي الحدث الأصغر يلزمه استئناف الطهارة وفارق ما إذا كان بعض أعضائه صحيحاً وبعضه جريحاً لأن العجز ببعض البدن يخالف العجز ببعض الواجب لأن من بعضه حر إذا ملك يجزئه الحر رقبة لزمه اعتاقها في كفارته. ولو ملك الحر بعض رقبة لم يلزمه

اعتاقه وللشافعي قولان كهذين. والصحيح أنه يلزمه استعماله لما ذكرنا بمن الأدلة فيما إذا كان جنباً قياساً عليه وكما لو كان بعض أعضائه صحيحاً وما ذكروه من أن العجز ببعض الواجب يخالف العجز ببعض البدن يبطل بالجنب وقولهم أنه إذا وجد الماء في الحدث الأصغر يلزمه استئناف الطهارة - قلنا هذا لا يمنع وجوب استعمال الماء كالجريح. وإن منعوا ذلك ثم فهذا في معناه والله أعلم، وإن قلنا لا تجب الموالاة في الوضوء فهو كالجنب سواء (مسألة) قال (ومن عدم الماء لزمه طلبه في رحله وما قرب منه. وإن دل عليه قريباً لزمه قصده وعنه لا يجب الطلب) المشهور عن أحمد رحمه الله اشتراط طلب الماء لصحة التيمم وهذا مذهب الشافعي وروي عنه لا يشترط الطلب وهو مذهب أبي حنيفة لقوله عليه السلام " التراب كافيك ما لم تجد الماء " ولأنه غير واجد للماء قبل الطلب أشبه من طلب فلم يجد - ووجه الاولى قوله تعالى (فلم تجدوا ماء فتيمموا) ولا يقال لم يجد إلا لمن طلب لجواز أن يكون بقربه ماء لا يعلمه ولأنه بدل فلم يجز العدول إليه قبل طلب المبدل كالصيام في الظهار ولانه سبب في الصلاة مختص بها فلزمه الاجتهاد في طلبه عند الاعواز كالقبلة. إذا ثبت هذا فصفة الطلب أن يطلب في رحله وما قرب منه وإن رأى خضرة أو شيئاً يدل على الماء قصده فاستبرأه وإن كان بقربه ربوة أو شئ قائم أتاه فطلب عنده وينظر وراءه وأمامه وعن يمينه وشماله. وإن كانت له رفقة يدل عليهم طلب منهم وإن وجد من له خبرة بالمكان سأله فان لم يجد تيمم. فإن دل على ماء قريب لزمه قصده ما لم يخف على نفسه أو ماله أو يخشى فوات

رفقته ولم يفت الوقت وهذا مذهب الشافعي (فصل) وإنما يكون الطلب بعد الوقت فإن طلب قبله لزمه إعادة الطلب بعده ذكره ابن عقيل لأنه طلب قبل المخاطبة بالتيمم فلم يسقط فرضه كالشفيع إذا طلب الشفعة قبل البيع. وإن طلب بعد الوقت ولم يتيمم عقيبه جاز التيمم بعد ذلك من غير تجديد طلب (فصل) إذا كان معه ماء فأراقه قبل الوقت أو مر بماء قبل الوقت فتاجوزه وعدم الماء في الوقت صلى بالتيمم من غير إعادة وهو قول الشافعي. وقال الأوزاعي إن ظن أنه يدرك الماء في الوقت وإلا صلى بالتيمم من غير إعادة كقولنا وإلا صلى بالتيمم وعليه الإعادة لأنه مفرط ولنا أنه لم يجب عليه استعماله أشبه ما لو ظن أنه يدرك الماء في الوقت. فأما إن أراق الماء في الوقت أو مر به في الوقت فلم يستعمله ثم عدم الماء تيمم وصلى، وفي الإعادة وجهان (أحدهما) لا يعيد لأنه صلى بتيمم صحيح فهو كما لو أراقه قبل الوقت (والثاني) يعيد لأنه وجبت عليه الصلاة بوضوء وهو فوت القدرة على نفسه فبقي في عهدة الواجب وإن وهبه بعد دخول الوقت لم تصح الهبة ذكره القاضي لأنه تعلق به حق الله تعالى فلم تصح هبته كالأضحية. وقال ابن عقيل يحتمل أن تصح والأول أولى، فإن تيمم مع بقاء الماء لم يصح تيممه لأنه واجد للماء وإن تصرف فيه الموهوب له فهو كما لو أراقه إلا أن يهبه لمحتاج إلى شربه من العطش وقد ذكرناه (مسألة) (وإن نسي الماء بموضع يمكنه استعماله وتيمم لم يجزه) نص عليه أحمد وقطع أنه لا يجزئه وقال هذا واجد للماء وروي عنه التوقف في هذه المسألة والمذهب الأول وهو آخر قولي الشافعي

وقال أبو حنيفة وابن المنذر يجزئه وعن مالك كالمذهبين وعنه أنه يعيد ما دام في الوقت لأنه مع النسيان غير قادر على استعمال الماء أشبه العادم ولنا أنها طهارة تجب مع الذكر فلم تسقط بالنسيان كما لو صلى ناسياً لحدثه ثم ذكر أو صلى الماسح ثم بان له انقضاء مدة المسح قبل الصلاة ويفارق ما قاسوا عليه فإنه غير مفرط وههنا مفرط بترك الطلب (فصل) وإن ضل عن رحله الذي فيه الماء أو كان يعرف بئراً فضاعت عنه ثم وجدها فقال ابن عقيل يحتمل أن يكون كالناسي، والصيح أنه لا إعادة عليه وهو قول الشافعي لأنه ليس بواجد للماء فيدخل في عموم قوله تعالى (فلم تجدوا ماء فتيمموا) ولانه غير مفرط بخلاف الناسي، وإن كان الماء مع عبده فنسيه العبد حتى صلى سيده احتمل أن يكون كالناسي واحتمل أن لا يعيد لأن التفريط من غيره فإن صلى ثم بان أنه كان بقربه بئر أوماء فإن كانت أعلامه ظاهرة فعليه الإعادة لأنه مفرط وإن كانت خفية وطلب فلم يجدها فلا إعادة عليه لعدم التفريط والله أعلم (مسألة) (ويجوز التيمم لجميع الأحداث وللنجاسة على جرح يضره إزالتها) يجوز التيمم للحدث الأصغر بغير خلاف علمناه إذا وجدت الشرائط لما ذكرنا من الأدلة ويجوز للجنابة في قول أكثر أهل العلم منهم علي وابن عباس وعمرو بن العاص وأبو موسى الأشعري وعماراً وهو قول الثوري ومالك والشافعي

واسحاق وأصحاب الرأي وكان ابن مسعود لا يرى التيمم للجنب وروي نحوه عن عمر رضي الله عنهما والدليل على إباحته ما روى عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً معتزلاً لم يصل مع القوم فقال " يا فلان ما منعك أن تصلي مع القوم؟ " فقال أصابتني جنابة ولا ماء فقال " عليك بالصعيد فإنه يكفيك " متفق عليه وحديث أبي ذر وعمرو بن العاص وحديث صاحب الشجة ولأنه حدث أشبه الحدث الأصغر وحكم الحائض إذا انقطع دمها حكم الجنب (فصل) ويجوز التيمم للنجاسة على بدنه إذا عجز عن غسلها لخوف الضرر أو عدم الماء قال أحمد هو بمنزلة الجنب يتيمم روي نحو ذلك عن الحسن، وقال الاوزاعي والثوري وأبو ثور يمسحها بالتراب ويصلي لأن طهارة النجاسة إنما تكون في محل النجاسة دون غيره. وقال أكثر الفقهاء لا يتيمم للنجاسة لأن الشرع إنما ورد بالتيمم للحدث وغسل النجاسة ليس في معناه لأن الغسل إنما يكون في محل النجاسة دون غيره ولأن مقصود الغسل إزالة النجاسة ولا يحصل ذلك بالتيمم. (ووجه الأول) قوله عليه السلام " الصعيد الطيب طهور المسلم " وقوله " جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا " ولأنها طهارة في البدن تراد للصلاة فجاز لها التيمم قياسا على الحدث ويفارق الغسل التيمم فإنه في طهارة الحدث يؤتى به في غير محله فيما إذا تيمم لجرح في رجله بخلاف الغسل - قولهم لم يرد به الشرع قلنا هو داخل في عموم الأخبار، إذا ثبت هذا فتيمم وصلى فهل تلزمه الإعادة؟ فيه

مسألة: والحامل لا تحيض فإن رأت دما فهو دم فساد

روايتان (إحداهما) لا تجب عليه الإعادة لأنه أتى بما أمر (والثانية) تجب عليه لأنه صلى مع النجاسة أشبه إذا لم يتمم. واختار أبو الخطاب وجوب الإعادة فيما إذا تيمم لعدم الماء بخلاف ما إذا كانت النجاسة على جرح لأنه خائف للضرر باستعمال الماء أشبه المريض. وقال أصحابنا لا تلزمه الإعادة فيهما لقوله عليه السلام " التراب كافيك ما لم تجد الماء " وقياساً على طهارة الحدث وكما لو تيمم للنجاسة على الجرح عند أبي الخطاب فأما إن كانت النجاسة على ثوب لم يتيمم لها لأن التيمم طهارة في البدن فلا تنوب عن غير البدن كالغسل (فصل) إذا ثبت أنه تيمم للنجاسة فقال القاضي يحتمل أن لا يحتاج إلى نية لأن غسلها لا يفتقر إلى نية كذلك التيمم لها وقياساً على الاستجمار، قال ابن عقيل ويحتمل أن يشترط لقوله عليه السلام " وإنما لكل امرئ ما نوى " ولأن التيمم طهارة حكمية، وغسل النجاسة بالماء طهارة عينية فجاز أن تشترط النية في الحكمية دون العينية لما بينهما من الاختلاف (فصل) وإن اجتمع عليه نجاسة وحدث ومعه ماء يكفي أحدهما حسب قدم غسل النجاسة نص عليه أحمد وروي عن سفيان ولا نعلم فيه خلافاً لأن التيمم للحدث ثابت بالإجماع والتيمم للنجاسة مختلف فيه، وإن كانت النجاسة على ثوبة قدم غسلها وتيمم للحدث، وحكي عن أحمد أنه يدع الثوب ويتوضأ لأنه واجد للماء والوضوء أشد من الثوب وحكاه أبو حنيفة عن حماد في الدم والأول أولى لما ذكرنا، ولأنه إذا قدمت نجاسة البدن مع أن للتيمم فيها مدخلاً فتقديم طهارة الثوب وليس له فيها مدخل أولى. وإ ن اجتمع نجاسة على الثوب ونجاسة على البدن غسل الثوب وتيمم لنجاسة البدن لأن للتيمم فيها مدخلاً (مسألة) وإن تيمم في الحضر خوفاً من البرد وصلى ففي وجوب الإعادة روايتان (إحداهما) تجب عليه الإعادة لأن الحضر مظنة إسخان الماء ودخول الحمامات فهو عذر نادر بخلاف السفر (والثانية) لا إعادة عليه لأنه خائف أشبه المريض والمسافر (مسألة) فإن عدم الماء والتراب صلى على حسب حاله في الصحيح من المذهب وهو قول الشافعي وروي عن أحمد أنه لا يصلي حتى يقدر على أحدهما وهو قول الثوري والاوزاعي وأبي حنيفة لأنها

مسألة: ويتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع فإن سبغ بدونهما أجزأه

عبادة لا تسقط القضاء فلم تجب كصيام الحائض. وقال مالك لا يصلي ولا يقضي لأنه عجز عن الطهارة فلم تجب عليه الصلاة كالحائض قال ابن عبد البر هذه رواية منكرة عن مالك وذكر عن أصحابه قولين (أحدهما) كقول أبي حنيفة (والثاني) يصلي ويعيد ولنا ما روى مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أناساً لطلب قلادة أضلتها عائشة فحضرت الصلاة فصلوا بغير وضوء فأتوا للنبي صلى الله عليه وسلم فذكروا ذلك له فنزلت آية التيمم ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ولا أمرهم بإعادة فدل على أنها غير واجبة ولأن الطهار شرط فلم تؤخر الصلاة عند عدمه كالسترة، إذا ثبت هذا فصلى ثم وجد الماء والتراب لم تجب عليه الإعادة في أصح الروايتن لما ذكرنا من الخبر ولأنه أتى بما أمر فوجب أن يخرج عن العهدة ولأنه أحد شروط الصلاة فسقط عند العجز كسائر شروطها (والثانية) تجب عليه الإعادة وهو مذهب الشافعي لأنه فقد شرط الصلاة أشبه مالو صلى بالنجاسة والاولى أولى لما ذكرنا وما قاسوا عليه ممنوع. فأما قياس أبي حنيفة على الحائض في تأخير الصيام فلا يصح لأن الصوم يدخله التأخير بخلاف الصلاة لأن المسافر يؤخر الصوم دون الصلاة ولأن عدم الماء لو قام مقام الحيض لأسقط الصلاة بالكلية لأن قياس الصلاة على جنسها أولى من قياسها على الصوم وقياس مالك لا يصح لمخالفته لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم " ولأن قياس الطهارة على شرائط الصلاة أولى من قياسه على الحائض والحيض عذر معتاد يتكرر والعجز ههنا عذر نادر فلا يصح إلحاقه بالحيض لأن النادر لا يشق إيجاب القضاء فيه بخلاف المعتاد ولأنه عذر نادر فلم يسقط الفرض كنسيان الصلاة وفقد سائر الشروط والله أعلم (مسألة) (ولا يجوز التيمم إلا بتراب طاهر له غبار يعلق باليد) لأن الله تعالى قال (فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه) قال ابن عباس الصعيد تراب الحرث والطيب الطاهر وقال سبحانه (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه) وما لا غبار له لا يمسح بشئ منه. وبه قال الشافعي وإسحاق وأبو يوسف وداود وقال مالك وأبو حنيفة يجوز بكل ما كان من جنس الأرض كالنورة والزرنيخ والحجارة وقال الأوزاعي الرمل من الصعيد. وقال حماد بن أبي سليمان لا بأس ان يتيمم بالرخام لقول النبي صلى الله عليه وسلم " جعلت لي الأرض مسجدا وطهوراً " رواه البخاري ولأنه من جنس

الأرض فجاز التيمم به كالتراب. ولنا أن الله تعالى أمر بالصعيد وهو التراب وقال (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه) ولا يحصل المسح بشئ منه إلا أن يكون ذا غبار يعلق باليد، وعن علي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أعطيت ما لم يعط نبي من أنبياء الله جعل لي التراب طهوراً " وذكر الحديث رواه الشافعي في مسنده ولو كان غير التراب طهوراً ذكره فيما من الله به عليه، ولأن الطهارة اختصت بأعم المائعات وجوداً وهو الماء فتختص بأعم الجامدات وجوداً وهو التراب وحديثهم تخصه بحديثنا (فصل) فأما السبخة فعن أحمد أنه يجوز التيمم بها رواها عنه أبو الحارث أنه قال أرض الحرث أحب إلي، وإن تيمم من أرض السبخة أجزأه وهذا مذهب الشافعي والاوزاعي وابن المنذر لقوله عليه السلام " وجعل تربتها طهوراً " وعن أحمد في الرمل والنورة والجص نحو ذلك، وحمل القاضي قول أحمد في جواز التيمم بذلك إذا كان له غبار والموضع الذي منع إذا لم يكن لها غبار، وعنه قول ثالث أنه يجوز ذلك مع الإضطرار خاصة رواه عنه سندي. وقال الخلال إنما سهل أحمد فيها مع الأضطرار إذا كانت غبرة كالتراب، فمأ إذا كانت قحلة كالملح فلا يتيمم بها أصلاً، وقال ابن أبي موسى يتيمم عند عدم التراب بكل طاهر تصاعد على وجه الأرض مثل الرمل والسبخة والنورة والكحل وما في معنى ذلك ويصلي وهل يعيد؟ على روايتين (فصل) وإن دق الخزف أو الطين المحرق لم يجز التيمم به لأن الطبخ أخرجه عن أن يقع عليه اسم التراب وكذا إن نحت المرمر والكذان حتى صار غباراً لم يجز التيمم به لأنه غير تراب وإن دق الطين الصلب كالأرمني جاز تيممه به لأنه تراب. وقال ابن عقيل يخرج عندي فيه وجهان لشبهة بالمعادن فهو كالنورة، وإن ضرب بيده على لبد أو ثوب أو في شعير أو نحوه فعلق بيديه غبار فتيمم به جاز نص عليه أحمد وكذلك لو ضرب بيده على صخرة أو حائط أو حيوان أو أي شئ كان فصار على يده

غبار بدليل ما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب يديه على الحائط ومسح بهما وجهه، ثم ضرب ضربة أخرى فمسح ذراعيه. رواه أبو داود، ولأن المقصود التراب الذي يمسح به وجهه ويديه، وقد روي عن مالك وأبي حنيفة التيمم بصخرة لا غبار عليها وتراب ندي لا يعلق باليد منه غبار، وأجاز مالك التيمم بالثلج والحشيش وكل ما تصاعد على وجه الأرض ومنع من التيمم بغبار اللبد والثوب قال لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما ضرب بيديه نفخهما ولنا قوله تعالى (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه) ومن للتبعيض فيحتاج أن يمسح بجزء منه والنفخ لا يزيل الغبار الملاصق وذلك يكفي. وروى الأثرم عن عمر أنه قال: لا يتيمم بالثلج فان لم يجد فصفحة فرسه (1) أو معرفة دابته (فصل) فأما التراب النجس فلا يجوز التيمم به لا نعلم فيه خلافاً إلا أن الأوزاعي قال إن تيمم بتراب المقبرة وصلى مضت صلاته. ولنا قوله تعالى (فتيمموا صعيدا طيبا) والنجس ليس بطيب ولأن التيمم طهارة لم تجز بغير طاهر كالوضوء، فأما المقبرة فإن كانت لم تنبش فترابها طاهر وإن تكرر نبشها والدفن فيها لم يجز التيمم بترابها لاختلاطه بصديد الموتى ولحومهم ذكر ذلك شيخنا. وقال ابن عقيل في التربة المنبوشة لا يجوز التيمم منها سوا تكرر النبش أم لا، وإن شك في ذلك أو في نجاسة التراب الذي يتيمم به جاز التيمم به لأن الأصل الطهارة فهو كما لو شك في نجاسة الماء، وذكر ابن عقيل فيما إذا لم يعلم حال المقبرة وجهين (أحدهما) يجوز لما ذكرنا (والثاني) لا يجوز لأن الظاهر من الدفن فيها حصول النجاسة في بعضها فيشتبه بغيره والمشتبه لا تجوز الطهارة به كالأواني. قال ابن عقيل ويكره الوضوء من البئر الذي في المقبرة وأكل البقل وثمر الشجر الذي فيها كالزروع التي تسمد بالنجاسة وكالجلالة

_ 1) عبارة المغني فضفة سرجه

مسألة: وإذا اغتسل ينوي الطهارتين أجزأ عنهما وعنه لا يجزئه حتى يتوضأ

(فصل) ويجوز أن يتيمم جماعة من موضع واحد بغير خلاف كما يجوز أن يتوضؤا من حوض واحد، فأما التراب الذي يتناثر من الوجه واليدين بعد مسحهما به ففيه وجهان (أحدهما) يجوز التيمم به لأنه لم يرفع الحدث وهو قول أبي حنيفة (والثاني) لا يجوز لأنه مستعمل في طهارة أباحت الصلاة أشبه الماء المستعمل في الطهارة وللشافعي وجهان كهذين وكذلك التراب الذي بقي على وجه المتيمم ويديه إذا مسح غيره به أعضاء تيممه كالماء المستعمل (مسألة) (فإن خالطه ذو غبار لا يجوز التيمم به كالجص ونحوه فهو كالماء إذا خالطته الطاهرات) إن كانت الغلبة للتراب جاز وإن كانت للمخالط لم يجز، ذكره القاضي وأبو الخطاب قياساً على الماء وقال ابن عقيل يمنع التيمم به وإن كان قليلاً، وهو مذهب الشافعي لأنه ربما حصل في العضو فمنع وصول التراب إليه بخلاف الماء فإن المائع يستهلك فيه فلا يجري على العضو إلا ومعه جزء من الماء، فأما إن كان المخالط لا يعلق باليد لم يمنع لأن أحمد قد نص على جواز التيمم من الشعير وذلك لأنه لا يحصل على اليد منه بما يحول بين الغبار وبينها (فصل) فإن خالطه نجاسة فقال ابن عقيل: لا يجوز التيمم به وإن كثر التراب لأن التراب لا يدفع النجاسة عن نفسه فهو كالمائعات تتنجس بالنجاسة وإن كثرت (فصل) وإن كان في طين لا يجد تراباً فحكي عن ابن عباس أنه يأخذ الطين فيطلي به جسده فإذا جف تيمم به وإن خاف فوات الوقت قبل جفافه فهو كالعادة، ويحتمل أنه إن كان يجف قريباً انتظر جفافه وإن فات الوقت كالمشتغل بتحصيل الماء من بئر ونحوه، وإن لطخ وجهه بطين لم يجزه لأنه لا يقع عليه اسم الصعيد ولأنه لا غبار فيه أشبه التراب الندي (فصل) (فرائض التيمم أربعة: مسح جميع وجهه ويديه إلى كوعيه والترتيب والموالاة على إحدى

الروايتين) لا خلاف في وجوب مسح الوجه والكفين في التيمم لقوله تعالى (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه) ويجب استيعاب الوجه والكفين بالمسح فيمسح ما يأتي عليه الماء إلا المضمضة والاستنشاق وما تحت الشعور الخفيفة وهذا قول الشافعي، وقال سليمان بن داود يجزئه إذا لم يصب إلا بعض وجهه وبعض كفيه ولنا قوله تعالى (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم) والباء للإلصاق فصار كأنه قال فامسحوا وجوهكم وأيديكم، فيجب تعميمهما كما وجب تعميمهما بالغسل بقوله تعالى (فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق) فإن بقي من محل الفرض شئ لم يصله التراب أمر يده عليه ما لم يفصل راحته فإن فصل راحته وكان قد بقي عليها غبار جاز أن يمسح بها وإن لم يبق عليها غبار احتاج إلى ضربة أخرى، وإن كان المتروك من الوجه مسحه وأعاد مسح يديه ليحصل الترتيب، وإن تطاول الفصل بينهما وقلنا بوجوب الموالاة استأنف التيمم ويرجع في طول الفصل وقصره إلى القدر الذي ذكرناه في الطهارة لأن التيمم فرع عليها وقد ذكرنا الخلاف في وجوب الترتيب والموالاة في الوضوء وذكرنا الدليل بما يغني عن إعادته والتيمم مبني عليه لأنه بدل عنه ومقيس عليه، وظاهر المذهب وجوبهما في الوضوء كذلك ههنا، والحكم في التسمية ههنا كالحكم في التسمية في الوضوء على ما ذكرنا من الخلاف فيه (فصل) ويجب مسح اليدين إلى الموضع الذي يقطع منه السارق أومأ إليه أحمد وقال: قال الله

مسألة: ويستحب للجنب إذا أراد النوم أو الأكل أو الوطء ثانيا أن يغسل فرجه ويتوضأ

تعالى (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) من أين تقع يد السارق أليس من ههنا. وأشار إلى الرسغ وقد روينا عن ابن عباس نحو هذا، وقال الشافعي يجب المسح إلى المرفقين كالوضوء وسنذكر ذلك إن شاء الله تعالى فإن كان أقطع من فوق الرسغ سقط مسح اليدين وإن كان من دونه مسح ما بقي وإن كان من المفصل فقال ابن عقيل يمسح موضع القطع ونص عليه أحمد لأن الرسغين في التيمم كالمرفقين في الوضوء فكما إنه إذا قطع من المرفقين في الوضوء غسل ما بقي كذلك ههنا يمسح العظم الباقي وقال القاضي يسقط الفرض لأن محله الكف الذي يؤخذ في السرقة وقد ذهب لكن يستحب إمرار التراب عليه، ومسح العظم الباقي مع بقاء اليد إنما كان ضرورة استيعاب الواجب لأن الواجب لا يتم إلا به فإذا زال الأصل أسقط ما هو من ضرورته كمن سقط عنه غسل الوجه لا يجب عليه غسل جزء من الرأس (فصل) وإن أوصل التراب إلى محل الفرض بخرقة أو خشبة فقال القاضي يجزئه لأن الله تعالى أمر بالمسح ولم يعين آلته وقال ابن عقيل فيه وجهان بناء على مسح الرأس بخرقة رطبة وإن مسح محل الفرض بيد واحدة أو ببعض يده أجزأه وإن يممه غيره جاز كما لو وضأه وتعتبر النية في المتيمم دون الميمم لأنه الذي يتعلق به الإجزاء والمنع (مسألة) (ويجب تعيين النية لما يتيمم له من حدث أو غيره) وجملته أن النية شرط للتيمم وهو قول أكثر أهل العلم منهم الليث وربيعة ومالك والشافعي وأصحاب الرأي وابن المنذر ولا نعلم عن غيرهم خلافهم إلا ما حكي عن الاوزاعي والحسن بن صالح أنه يصح بغير نية وقد ذكرنا قول القاضي في التيمم للنجاسة، وسائر أهل العلم على خلافهم لقوله عليه السلام " وإنما لأمرئ ما نوى " وينوي به

استباحة الصلاة فإن نوى رفع الحدث لم يصح تيممه لأنه لا يرفع الحدث قال ابن عبد البر أجمع العلماء على أن طهارة التيمم لا ترفع الحدث إذا وجد الماء بل إذا وجده أعاد الطهارة جنباً كان أو محدثاً وهذا مذهب مالك والشافعي وغيرهما، وحكي عن أبي حنيفة أنه يرفع الحدث وعن أحمد ما يدل على ذلك لأنها طهارة عن حدث تبيح الصلاة فرفعت الحدث كطهارة الماء ولنا أنه لو وجد الماء لزمه استعماله لرفع الحدث الذي كان قبل التيمم وإن كان جنباً أو محدثاً أو امرأة حائضاً ولو رفع الحدث لاستوى الجميع لاستوائهم في الوجدان ولأنها طهارة ضرورة فلم ترفع الحدث كطهارة المستحاضة وبهذا فارق الماء (فصل) ويجب تعيين النية لما يتيمم له من الحدث الأصغر والجنابة والحيض والنجاسة وإن كان التيمم عن جرح في عضو من أعضائه نوى التيمم عن غسل ذلك العضو لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إنما الأعمال بالنيات وانما لا مرئ ما نوى " (مسألة) (فإن نوى جميعها جاز) لقوله عليه السلام " وإنما لأمرئ ما نوى " ولأن فعله واحد أشبه ما لو كانت عليه أحداث توجب الوضوء أو الغسل فنواها وقال ابن عقيل إذا كان عليه حدث ونجاسة هل يكتفي بتيمم واحد؟ يبني على تداخل الطهارتين في الغسل فإن قلنا لا يتداخلان ثم فأولى أن لا يتداخلا ههنا لكونهما من جنسين وإن قلنا يتداخلان فقال القاضي ههنا كذلك قياساً عليه فعلى هذا يتيمم لها تيمماً واحداً قال والأشبه عندي لا يتداخلان كالكفارات والحدود وإذا كانت من جنسين والأول أصح. (مسألة) قال (وإن نوى أحدهما لم يجزه عن الآخر) وبهذا قال مالك وأبو ثور وقال أبو

حنيفة والشافعي يجزئه لأن طهارتهما واحدة فسقطت إحداهما بفعل الأخرى كالبول والغائط، ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " وإنما لا مرئ ما نوى " فيدل على أنه لا يحصل له ما لم ينوه، ولأنها أسباب مختلفة فلم تجزي نية بعضها عن الآخر كالحج والعمرة وهذا يفارق ما قاسوا عليه فإن حكمهما واحد وهو الحدث الأصغر ولهذا تجزئ نية أحدهما عن نية الآخر في طهارة الماء (فصل) إذا تيمم للجنابة دون الحدث الأصغر أبيح له ما يباح للمحدث من قراءة القرآن واللبث في المسجد ولم تبح له الصلاة والطواف ومس المصحف فإن أحدث لم يؤثر ذلك في تيممه كمالا يؤثر في الغسل. وإن تيمم للجنابة والحدث ثم أحدث بطل تيممه للحدث وبقي تيمم الجنابة بحاله، ولو تيممت المرأة بعد طهرها من حيضها للحيض ثم أجنبت لم يحرم وطؤها لأن حكم تيمم الحيض باق ولا يبطل بالوطئ لأنه إنما يوجب حدث الجنابة، وقال ابن عقيل أن قلنا كل صلاة تحتاج إلى تيمم احتاج كل وطئ إلى تيمم يخصه والأول أصح (مسألة) (وإن نوى نفلا أو أطلق النية للصلاة لم يصل إلا نفلاً) وهو قول الشافعي، وقال أبو حنيفة له أن يصلي بها ما شاء ويتخرج لنا مثل ذلك إذا قلنا إن التيمم لا يبطل بخروج الوقت فيكون حكمه حكم طهارة الماء لأنها طهارة يصح بها النفل فأشبهت طهارة الماء

ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " إنما الأعمال بالنيات وإنما لأمرئ ما نوى " وهذا ما نوى الفرض فلا يحصل له وفارق طهارة الماء لأنها ترفع الحدث المانع من فعل الصلاة فيباح له جميع ما يمنعه الحدث ولا يلزمه استباحة النفل بنية الفرض لأن الفرض أعلى ما في الباب فنيته تضمنت نية ما دونه فإذا إستباحة استباح ما دونه تبعاً (مسألة) قال (وإن نوى فرضاً فله فعله والجمع بنى الصلاتين وقضاء الفوائت والتنفل إلى آخر الوقت) وجملة ذلك أنه متى نوى بتيممه فريضة سواء كانت معينة أو مطلقة فله أن يصلي ما شاء من الصلوات فيصلي الحاضرة ويجمع بين الصلاتين ويقضي فوائت إن كان عليه ويتطوع قبل الصلاة وبعدها إلى آخر الوقت هذا قول أبي ثور. وقال مالك والشافعي لا يصلي به فرضين وقد روي عن أحمد أنه قال لا يصلي بالتيمم إلا صلاة واحدة ثم يتيمم للأخرى. وهذا يحتمل أن يكون مثل قولهما لما

فصول في الحمام

روى ابن عباس أنه قال من السنة أن لا يصلي بالتيمم إلا صلاة واحدة ثم يتيمم للأخرى وهذا مقتضى سنة محمد صلى الله عليه وسلم ولأنها طهارة ضرورة فلا يجمع فيها بين فريضتين كما لو كانا في وقتين ولنا أنها طهارة صحيحة أباحت فرضاً فأباحت فرضين كطهارة الماء ولأنه بعد الفرض الأول تيمم صحيح مبيح للتطوع نوى به المكتوبة فكان له أن يصلي به فرضاً كحالة ابتدائه. ولأن الطهارة في الأصول إنما تتقيد بالوقت دون الفعل كطهارة الماسح على الخف وهذه في النوافل وطهارة المستحاضة ولأن كل تيمم أباح صلاة أباح ما هو من نوعها بدليل النوافل، وأما حديث ابن عباس فيرويه الحسن ابن عمارة وهو ضعيف ثم يحتمل أنه أراد أن لا يصلي به صلاتين في وقتين بدليل أنه يجوز أن يصلي به صلاة من التطوع وإنما امتنع أن يصلي به فرضين في وقتين لبطلان التيمم بخروج الوقت ولذلك لا تصح به نافلة بخلاف هذا (فصل) وإذا تيممت الحائض عند انقطاع دمها وقلنا أن التيمم لا يبطل إلا بالحدث جاز له وطؤها ما لم تحض وإن قلنا يبطل بخروج الوقت فمتى خرج إحتاجت إلى تيمم للوطئ وإن قلنا يتيمم لكل فريضة احتاج كل وطئ إلى تيمم ذكره ابن عقيل

(فصل) إذا نوى الفرض استباح كل ما يباح بالتيمم من النفل قبل الفرض وبعده وقراءة القرآن ومس المصحف واللبث في المسجد وهذا قول الشافعي وأصحاب الرأي، وقال مالك لا يتطوع قبل الفريضة بصلاة غير راتبة وروي ذلك عن أحمد لأن النفل تبع للفرض فلا يتقدم المتبوع ولنا أنه تطوع فأبيح له فعله إذا نوى الفرض كالسنن الراتبة وكما بعد الفرض، وقوله أنه تبع قلنا إنما هو تبع في الإستباحة لا في الفعل كالسنن الراتبة وقراءة القرآن وغيرهما، وإن نوى نافلة أبيح له قراءة القرآن ومس المصحف والطواف لأن النافلة آكد من ذلك كله لكون الطهارة مشترطة لها بالإجماع وفيما سواها خلاف فدخل في نيتها كدخول النافلة في الفريضة ولأن النافلة تشتمل على قراءة القرآن، وإن نوى شيئاً من ذلك لم تبح له النافلة لأنها أعلى منه لما بينا، وإن نوى الطواف أبيح له قراءة القرآن واللبث في المسجد لأنه أعلى منهما فإنه صلاة وله نفل وفرض ويدخل في ضمنه اللبث في المسجد لأنه إنما يكون في المسجد وإن نوى أحدهما لم يستبح الطواف لأنه أعلى منهما وإن نوى فرض الطواف إستباح نفله ولا يستبيح الفرض منه بنية النفل كالصلاة، وإن نوى قراءة القرآن لكونه جنباً أو مس المصحف أو اللبث في المسجد لم يستبح غير ما نواه لقوله عليه السلام " وإنما لأمرئ ما نوى " (فصل) وإن تيمم الصبي لإحدى الصلوات الخمس ثم بلغ لم يستبح بتيممه فرضاً لأن ما نواه كان

نفلاً، ويباح له أن يتنفل به كما نوى به البالغ النفل، فأما إن توضأ قبل البلوغ ثم بلغ فله أن يصلي به فرضاً ونفلاً لأن الوضوء للنفل يبيح فعل الفرض (فصل) وإذا قلنا يجوز أن يصلي بالتيمم فرائض إلى آخر الوقت جاز أن يطوف طوافي فرض وطوافي فرض ونذر، وأن يصلي على جنائز إذا تعينت عليه وإن فاتته صلاة لا يعلم عينها كفاه تيمم واحد يصلي به خمس صلوات، وإن قلنا لا يصلي به إلا فرضاً واحداً فينبغي أن يحتاج كل واحد مما ذكرنا إلى تيمم قياساً عليه

باب التيمم

(مسألة) (ويبطل التيمم بخروج الوقت ووجود الماء ومبطلات الوضوء) مبطلات التيمم ثلاثة كما ذكر وزاد بعض أصحابنا ظن وجود الماء على ما يأتي ذكره وخروج الوقت مبطل للتيمم في ظاهر المذهب فلا يجوز أن يصلي بالتيمم صلاتين في وقتين روى ذلك عن علي وابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم وهو قول الشعبي والنخعي وقتادة ومالك والشافعي واسحاق، وروى الميموني عن أحمد أنه قال في المتيمم أنه ليعجبني أن يتيمم لكل صلاة ولكن القياس أنه بمنزلة الطهارة حتى

يجد الماء أو يحدث لحديث النبي صلى الله عليه وسلم في الجنب يعني قول النبي صلى الله عليه وسلم " يا أبا ذر الصعيد الطيب طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين وإذا وجدت الماء فأمسه بشرتك " وهذا مذهب سعيد بن المسيب والحسن والزهري والثوري وأصحاب الرأي، وروي عن ابن عباس كما ذكرنا ولأنها طهارة تبيح الصلاة فلم تتقدر بالوقت كطهارة الماء

ولنا أنه روي عن علي وابن عمر أنه قال يتيمم لكل صلاة ولأنها طهارة ضرورة فتقيدت بالوقت كطهارة المستحاضة وطهارة الماء ليست للضرورة بخلاف مسئلتنا والحديث أراد به أنه يشبه الوضوء في إباحة الصلاة ولا يلزم التساوي في سائر الأحكام (الثاني) وجود الماء المقدور على استعماله من غير ضرر على ما مر في موضعه وهو مبطل للتيمم خارج الصلاة إجماعاً لا نعلم فيه خلافاً لما ذكرنا

من الأحاديث، وإن وجده في الصلاة ففيه اختلاف نذكره في موضعه إن شاء الله تعالى (الثالث) مبطلات الوضوء وهو مبطل للتيمم عن الحدث الأصغر لأنه بدل عنه فإذا أبطل الأصل أبطل البدل بطريق الأولى فأما التيمم عن الجنابة فلا يبطل إلا بخروج الوقت ووجود الماء وموجبات الغسل وكذلك التيمم لحدث الحيض والنفاس لا يزول حكمه إلا بحدثهما أو بأحد الأمرين (مسألة) (فإن تيمم وعليه ما يجوز المسح عليه ثم خلعه لم يبطل تيممه وقال أصحابنا يبطل)

مسألة: أو لضرر في استعماله من جرح أو برد شديد أو مرض يخشى زيادته أو تطاوله

إذا تيمم وعليه خف أو عمامة يجوز المسح عليها ثم خلعها أو خلع الخف لم يبطل تيممه في اختيار شيخنا، وقال أصحابنا يبطل قال بعضهم نص عليه أحمد لأنه مبطل للوضوء فأبطل التيمم كسائر مبطلاته وهذا يختص التيمم عن الحدث الأصغر على ما ذكرنا، والصحيح ما اختاره شيخنا رحمه الله وهو قول سائر الفقهاء لأن التيمم طهارة لم يمسح فيها عليه فلا يبطل بنزعه كطهارة الماء وكما لو كان الملبوس مما لا يجوز المسح عليه. ولا يصح قولهم أنه مبطل للوضوء لأن مبطل الوضوء نزع ما هو ممسوح عليه فيه ولم يوجد ههنا. ولأن إباحة المسح لا يصير بها ماسحاً ولا بمنزلة الماسح كما لو لبس عمامة يجوز المسح عليها

ومسح على رأسه من تحتها فإن الطهارة لا تبطل بنزعها كذلك هذا (فصل) ويجوز التيمم لكل ما يتطهر له من نافلة أو مس مصحف أو قراءة قرآن أو سجود تلاوة أو شكر أو لبث في مسجد، قال أحمد يتيمم ويقرأ جزأه يعني الجنب وبذلك قال عطاء ومكحول والزهري ومالك والشافعي والثوري وأصحاب الرأي، وقال أبو مجلز لا يتيمم إلا لمكتوبة، وكره الأوزاعي أن يمس المتيمم المصحف ولنا حديث أبي ذر وقوله عليه السلام " جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً " ولأنه يستباح بطهارة الماء فيستباح بالتيمم كالمكتوبة

مسألة: أو عطش يخافه على نفسه أو رفيقه أو بهيمته

(فصل) فإن تيمم ثم رأى ركباً يظن أن معه ماء أو خضرة أوما يدل على الماء وقلنا بوجوب الطلب بطل تيممه وكذلك إن رأى سراباً ظنه ماء وهو قول الشافعي لأنه لما وجب الطلب بطل التيمم وسواء تبين له خلاف ظنه أو لا (قال شيخنا) ويحتمل أن لا يبطل تيممه لأن الطهارة المتيقنة لا تبطل بالشك كطهارة الماء ووجوب الطلب لا يبطل التيمم لأن كونه مبطلاً إنما ثبت بدليل شرعي وليس ههنا نص ولا معنى نص فينتفي الدليل (مسألة) (وإن وجد الماء بعد الصلاة لم تجب إعادتها) وجملته أن العادم للماء في السفر إذا وجد الماء بعد خروج الوقت وكان قد صلى بالتيمم لم تجب عليه إعادة الصلاة إجماعاً حكاه ابن المنذر وإن وجد في الوقت لم يلزمه أيضاً إعادة سواء يئس من وجود الماء في الوقت أو ظن وجوده فيه وهذا قول أبي سلمة والشعبي والنخعي والثوري ومالك والشافعي وإسحاق وابن المنذر وأصحاب الرأي وقال عطاء وطاوس والقاسم بن محمد وابن سيرين والزهري يعيد الصلاة ولنا ما روى أبو داود عن أبي سعيد أن رجلين خرجا في سفر فحضرت الصلاة وليس معهما ماء فتيما صعيدا فصليا، ثم وجدا الماء في الوقت فأعاد أحدهما الوضوء والصلاة ولم يعد الآخر ثم أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرا له ذلك فقال للذي لم يعد " أصبت وأجزأتك صلاتك " وقال للذي أعاد " لك الأجر مرتين " واحتج أحمد بأن ابن عمر تيمم وهو يرى بيوت المدينة فصلى العصر ثم دخل المدينة والشمس مرتفعة فلم يعد، ولأنه أدى فرضه كما أمر فلم تلزمه الإعادة كما لو وجده بعد الوقت ولأن عدم الماء عذر معتاد فإذا تيمم معه يجب أن يسقط فرض الصلاة كالمرض وكما لو وجده بعد الوقت

(مسألة) (وإن وجده فيها بطلت وعنه لا تبطل) ظاهر المذهب أن المتيمم إذا قدر على استعمال الماء وهو في الصلاة بطل تيممه وبطلت صلاته لبطلان طهارته فيتوضأ إن كان محدثاً ويغتسل إن كان جنباً واستقبل الصلاة ويتخرج أن يبني على ما مضى من صلاته كمن سبقه الحدث. وفيه روايتان أصحهما أن يستقبل الصلاة وههنا أولى لأن ما مضى من صلاته إنبنى على طهارة ضعيفة فلم يكن له البناء عليه كطهارة المستحاضة بخلاف من سبقه الحدث. والقول ببطلان الصلاة قول الثوري وأبي حنيفة وقال مالك والشافعي وأبو ثور وابن المنذر لا تبطل الصلاة وروى عن أحمد نحو ذلك وروي عنه أنه قال كنت أقول يمضي ثم تدبرت فإذا أكثر الأحاديث على أنه يخرج وهذا يدل على رجوعه عن هذه الرواية، واحتجوا بأنه وجد المبدل بعد تلبسه بمقصود البدل فلم يلزمه الخروج كما لو وجد الرقبة بعد التلبس بالصيام ولأنه غير قادر على استعمال الماء لأن قدرته تتوقف على إبطال الصلاة وهو منهي عن إبطالها بقوله تعالى (ولا تبطلوا أعمالكم) ولنا قوله عليه السلام " الصعيد الطيب وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين فإذا وجدت الماء فأمسه جلدك " أخرجه أبو داود والنسائي. دل بمفهومه على أنه لا يكون طهوراً عند وجود الماء وبمنطوقه

مسألة: أو خشية على ماله في طلبه

على وجوب استعماله عند وجوده ولأنه قدر على استعمال الماء فبطل تيممه كالخارج من الصلاة ولأن التيمم طهارة ضرورة فبطلت بزوال الضرورة كطهارة المستحاضة إذا انقطع دمها. وقياسهم لا يصح فإن الصوم هو البدل نفسه فنظيره إذا قدر على الماء بعد تيممه ولا خلاف في بطلانه، ثم الفرق بينهما أن مدة الصيام تطول فيشق الخروج منه لما فيه من الجمع بين فرضين شاقين بخلاف مسئلتنا. وقوله هو غير قادر غير صحيح فإن الماء قريب وآلته صحيحة والموانع منتفية. قولهم إنه منهي عن إبطال الصلاة قلنا لم يبطلها وإنما هي بطلت بزوال الطهارة كما في نظائرها (فصل) فإن وجد الماء قد ولغ فيه بغل أو حمار أو شئ من سباع البهائم وقلنا إنه مشكوك فيه لم يلزمه الخروج لأنه دخل في الصلاة بطهارة متيقنة فلم يخرج بأمر مشكوك فيه ذكره ابن عقيل، قال ويحتمل ان يخرج كما لو وجد ماء طاهراً والأول أولى. وكذلك إن رأى ركباً أو خضرة أو ما يدل على الماء في الصلاة لم تبطل صلاته ولا تيممه لأنه دخل فيها بطهارة متيقنة فلا تزول بالشك (فصل) والمصلي على حسب حاله بغير وضوء ولا تيمم إذا وجد ماء في الصلاة أو تراباً خرج منها بكل حال لأنها صلاة بغير طهارة، ويحتمل أن لا يخرج منها إذا قلنا لا تلزمه الإعادة كما في المتيمم إذا وجد الماء في الصلاة ولأن الطهارة شرط سقط إعتباره فأشبهت السترة إذا عجز عنها فصلى عرياناً ثم وجد السترة في أثناء الصلاة قريباً منه، وكل صلاة تلزمه إعادتها فإنه يلزمه الخروج منها إذا زال العذر فيها ويلزمه إستقبالها (فصل) ولو يمم الميت ثم قدر على الماء في أثناء الصلاة عليه لزمه الخروج لأن غسل الميت ممكن غير متوقف على إبطال المصلي صلاته بخلاف مسئلتنا، ويحتمل أن يكون كمسئلتنا لأن الماء وجد بعد الدخول في الصلاة (فصل) وإذا قلنا لا يلزم المصلي الخروج لرؤية الماء فهل يجوز له الخروج؟ فيه وجهان (أحدهما)

له ذلك لأنه شرع في مقصود البدل فجاز له الرجوع الى المبدل كمن شرع في صوم الكفارة يجوز له الانتقال إلى العتق (والثاني) لا يجوز له الخروج وهو أولى لأن ما لا يوجب الخروج من الصلاة لا يبيحه كسائر الأشياء ولأن فيه إبطالاً للغسل فلم يجز لقوله تعالى (ولا تبطلوا أعمالكم) ولأصحاب الشافعي وجهان كهذين (فصل) إذا رأى ماء في الصلاة ثم انقلب قبل استعماله بطل تيممه وصلاته إن قلنا يلزمه الخروج منها ويلزمه استئناف التيمم والصلاة. وإن قلنا لا يبطل واندفق وهو في الصلاة فقال ابن عقيل ليس له أن يصلي بذلك التيمم صلاة أخرى وهو مذهب الشافعي لأن رؤية الماء حرمت عليه إفتتاح صلاة أخرى. ولو تلبس بنافلة ثم رأى ماء فإن كان نوى عدداً أتى به وإن لم يكن نوى عدداً لم يكن له أن يزيد على ركعتين لأنه أقل الصلاة على ظاهر المذهب قال شيخنا، ويقوى عندي أننا إذا قلنا لا تبطل الصلاة برؤية الماء فله إفتتاح صلاة أخرى لأن رؤية الماء لم تبطل التيمم في الصلاة ولا وجد بعدها ما يبطله فأشبه ما لو رآه وبينه وبينه سبع ثم اندفق قبل زوال المانع فعلى هذا له أن يصلي ما يشاء كما لو رأى الماء والله أعلم (فصل) وإن خرج الوقت وهو في الصلاة بطل تيممه وصلاته لأن طهارته انتهت بانتهاء وقتها فبطلت كما لو انقضت مدة المسح وهو في الصلاة (مسألة) (ويستحب تأخير التيمم إلى آخر الوقت لمن يرجو وجود الماء) ذكره أبو الخطاب وإن يئس من وجوده استحب تقديمه وهذا مذهب مالك، وقال الشافعي في أحد قوليه التقديم أفضل إلا أن يكون واثقاً بوجود الماء في الوقت لان أول الوقت فضيلة متيقنة فلا تترك لأمر مظنون، وظاهر كلام الخرقي إستحباب تأخير التيمم بكل حال وهو قول القاضي نص عليه أحمد روى ذلك

مسألة: أو تعذره إلا بزيادة كثيرة على ثمن مثله أو ثمن يعجز عن آدائه

عن علي وعطاء والحسن وابن سيرين والزهري والثوري وأصحاب الرأي لقول علي رضي الله عنه في الجنب يتلوم ما بينه وبين آخر الوقت فإن وجد الماء وإلا تيمم، ولأنه يستحب تأخير الصلاة إلى بعد العشاء وقضاء الحاجة كيلا يذهب خشوعها وحضور القلب فيها، ويستحب تأخيرها لإدراك الجماعة فتأخيرها لإدراك الطهارة المشترطة أولى (مسألة) (فإن تيمم في أول الوقت وصلى أجزأه) ولا تجب عليه الإعادة سواء وجد الماء في الوقت أو لم يجد وقد ذكرنا ذلك ولأنه أتى بما أمر في حال العذر فلم تجب عليه الإعادة بزوال العذر كمن صلى عرياناً ثم قدر على السترة وكمن صلى جالساً لمرض ثم برأ في الوقت (مسألة) (والسنة في التيمم أن ينوي ويسمي ويضرب بيديه مفرجتي الأصابع على التراب ضربة واحدة فيمسح وجهه بباطن أصابعه وكفيه براحتيه) المسنون عن أحمد رحمه الله التيمم بضربة واحدة، قال الأثرم قلت لأبي عبد الله التيمم ضربة واحدة؟ فقال نعم للوجه والكفين. ومن قال ضربتين فإنما هو شئ زاده، قال الترمذي وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيرهم منهم علي وعمار وابن عباس وعطاء والشعبي والاوزاعي ومالك واسحاق، قال الشافعي: لا يجزئ التيمم إلا بضربتين للوجه واليدين إلى المرفقين، وروي ذلك عن ابن عمر وابنه سالم والحسن والثوري وأصحاب الرأي لما روى ابن الصمة أن النبي صلى الله عليه وسلم تيمم فمسح وجهه وذراعيه، وروى ابن عمر وجابر وأبو أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " التيمم ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين " ولأنه بدل يؤتى به في محل مبدله فكان حده فيهما واحداً كالوجه، ولنا ما روى عمار قال: بعثني النبي صلى الله عليه وسلم في حاجة فأجنبت فلم أجد الماء فتمرغت في الصعيد كما تمرغ الدابة، ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال " إنما يكفيك أن تقول بيديك هكذا " ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة ثم مسح الشمال على اليمين وظاهر كفيه ووجهه متفق عليه، ولأنه حكم علق على مطلق اليدين فلم يدخل فيه الذراع كقطع السارق ومس الفرج، وقد احتج ابن عباس بهذا وأما أحاديثهم فضعيفة قال الخلال الأحاديث في ذلك ضعاف جداً ولم يرو أصحاب السنن منها إلا حديث ابن عمر، وقال أحمد ليس بصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو عندهم

مسألة: فإن كان بعض بدنه جريحا تيمم له وغسل الباقي

حديث منكر قال الخطابي يرويه محمد بن ثابت وهو ضعيف وحديث ابن الصمة صحيح لكن إنما جاء في المتفق عليه فمسح وجهه ويديه فيكون حجة لنا لأن ما علق على مطلق اليدين لا يتناول الذراعين. ثم أحاديثهم لا تعارض حديثنا لأنها تدل على جواز التيمم بضربتين ولا ينفي ذلك جواز التيمم بضربة كما أن وضوء النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثاً لا ينفي الأجزاء بمرة فإن قيل: فقد روي في حديث عمار إلى المرفقين فيحتمل أنه أراد بالكفين اليدين إلى المرفقين. قلنا حيث إلى المرفقين لا يعول عليه إنما رواه سلمة وشك فيه ذكر ذلك النسائي فلا يثبت مع الشك مع أنه قد أنكر عليه وخالف به سائر الرواة الثقاة فكيف يلتفت إلى مثل هذا؟ وأما التأويل فباطل لأمور: أحدها أن عماراً الراوي له الحاكي فعل النبي صلى الله عليه وسلم أفتى بعد النبي صلى الله عليه وسلم في التيمم للوجه والكفين عملاً بالحديث وقد شاهد فعل النبي صلى الله عليه وسلم والفعل لا احتمال فيه (الثاني) أنه قال ضربة واحدة وهم يقولون ضربتان (الثالث) أنا لا نعرف في اللغة التعبير بالكفين عن الذراعين (الرابع) أن الجمع بين الخبرين بما ذكرناه من أن كل واحد من الفعلين جائز أقرب من تأويلهم وأسهل وقياسهم ينتقض بالتيمم عن الغسل الواجب فإنه ينقص عن المبدل وكذلك في الوضوء فإنه في عضوين وكذا في الوجه فإنه لا يجب مسح ما تحت الشعور الخفيفة والله أعلم. (فصل) لا يختلف المذهب أنه يجزئ التيمم بضربة واحدة وبضربتين وإن تيمم بأكثر من ضربتين جاز لأن المقصود إيصال التراب إلى محل الفرض فكيفما حصل جاز كالوضوء، فإن تيمم بضربة فإنه يمسح وجهه بباطن أصابعه وظاهر كفيه إلى الكوعين بباطن راحتيه. ويستحب أن يمسح إحدى الراحتين بالأخرى ولا يجب ذلك لأن فرض الراحتين قد سقط بإمرار كل واحدة على ظهر الكف. ويفرق أصابعه عند الضرب ليدخل الغبار فيما بينها، وإن كان التراب ناعماً فوضع اليدين عليه وضعاً أجزأه، وإن مسح بضربتين مسح بإحداهما وجهه وبالأخرى يديه. قال ابن عقيل: رأيت التيمم بضربة واحدة قد أسقط ترتيباً مستحقاً في الوضوء وهو أنه يعتد بمسح باطن أصابعه مع مسح وجهه وكيفما مسح بعد أن يستوعب محل الفرض أجزأه

(فصل) والمسنون عن أحمد رحمه الله التيمم بضربة كما وصفنا نص عليه، وقال القاضي التيمم بضربة إلى الكوعين صفة الأجزاء، والمسنون ضربتان يمسح بأولاهما وجهه وبالأخرى يديه إلى المرفقين فيضع بطون أصابع اليسرى على ظهر أصابع اليمنى يمرها إلى مرفقه ثم يدير بطن كفه إلى بطن الذراع ويمرها عليه ويمر إبهام اليسرى على ظهر إبهام اليمنى ثم يمسح يده اليسرى بيده اليمنى كذلك ويمسح إحدى الراحتين بالأخرى، ويستحب تخليل الأصابع قياسا على الوضوء وإنما استحب ذلك لوجهين (أحدهما) أنه قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تيمم بضربتين إلى المرفقين وأقل أحوال فعله إذا لم يدل على الإيجاب الاستحباب (الثاني) أنه فيه خروجاً من الخلاف وإنما إختار الإمام أحمد الأول لأن الأحاديث الصحيحة إنما جاء فيها المسح إلى الكوعين (فصل) وإذا وصل التراب إلى وجهه ويديه بغير ضرب نحو أن نسفت الريح عليه غباراً فإن لم يكن قصد الريح ولاصمد لها فمسح وجهه بما عليه لم يجزه لأن الله تعالى أمر بقصد الصعيد ولم يوجد وإن مسح وجهه بغير ما عليه أجزأه لأنه قد أخذ التراب لوجهه فلا فرق بين أن يأخذ من ثيابه أو من الأرض، وإن كان صمد للريح وأحضر النية فقال القاضي والشريف أبو جعفر يجزئه كما لو صمد للمطر حتى جرى على أعضائه، قال شيخنا والصحيح أنه لا يجزئه وهو اختيار ابن عقيل لأنه لم يمسح وقد أمر الله تعالى بالمسح فعلى هذا إن مسح وجهه بما عليه أجزأه لحصول المسح، ويحتمل أن لا يجزئه

لأن الله تعالى أمر بقصد الصعيد والمسخ به والله أعلم (فصل) وإذا علا على يديه تراب كثير لم يكره نفخه لأن في حديث عمار أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب بيديه الأرض ونفخ فيهما قال أحمد لا يضره فعل أو لم يفعل، وهذا قول ابن المنذر وممن لم يكره نفخ اليدين ونفضهما الشعبي. وقال مالك نفضاً خفيفاً. وقال الشافعي لا بأس به إذا بقي علي يديه غبار وهو قول إسحاق، وقال أصحاب الرأي ينفضهما وكان ابن عمر لا ينفض يديه، وذكر القاضي وابن عقيل رواية أنه يكره كما يكره نفض الماء عن اليدين في الوضوء. فإن كان التراب خفيفاً فقال أصحابنا يكره نفخه رواية واحدة. فإن ذهب ما عليهما بالنفخ أعاد الضرب لأنه مأمور بالمسح بشئ من الصعيد (مسألة) (ومن حبس في المصر صلى بالتيمم ولا إعادة عليه) قد ذكرنا أن من صلى بالتيمم في الحضر لعدم الماء هل تجب عليه الإعادة؟ فيه روايتان على الإطلاق (إحداهما) لا تجب عليه الإعادة وهو مذهب مالك قياساً على السفر (والثانية) تجب عليه وهو مذهب الشافعي لأنه عذر نادر فلا يلحق بالغالب وعنه لا يصلي حتى يجد الماء أو يسافر ذكره في المجرد، وقال أبو الخطاب لا تجب عليه الإعادة في هذه المسألة وهو الصحيح إن شاء الله تعالى. وذكر في غيرها روايتين ووجه قول أبي الخطاب أن هذا عادم للماء بعذر متطاول معتاد أشبه المسافر (مسألة) (ولا يجوز لواجد الماء التيمم خوفاً من فوات المكتوبة ولا الجنازة وعنه يجوز للجنازة) وجملة ذلك أنه إذا كان الماء موجوداً إلا أنه إن اشتغل بتحصيله واستعماله فات الوقت لم يبح له التيمم سواء كان حاضراً أو مسافراً في قول أكثر أهل العلم منهم الشافعي وأبو ثور وابن المنذر وأصحاب الرأي، وعن الاوزاعي والثوري له التيمم. وروي عن مالك وسعيد بن عبد العزيز نحو القول الأول لقول الله تعالى (فلم تجدوا ماء فتيمموا) وحديث أبي ذر وهذا واجد للماء ولأنه قادر على الماء فلم يجز له التيمم كما لو لم يخف فوت الوقت ولأن الطهارة شرط فلم يبح تركها خيفة فوت وقتها كسائر شرائطها وإن خاف فوت العيد فكذلك، وقال الأوزاعي وأصحاب الرأي له التيمم لأنه يخاف فوتها بالكلية فأشبه العادم، ووجه الأول ما ذكرنا من الآية والمعنى. فأما إن خاف فوت الجنازة ففيه روايتان أظهرهما

مسألة: وإن وجد ماء يكفي بعض بدنه لزمه إستعماله وتيمم للباقي إن كان جنبا، وإن كان محدثا فهل يلزمه استعماله على وجهين

لا يجوز له التيمم لما ذكرنا وهو قول الشافعي وابن المنذر (والثانية) يجوز يروي ذلك عن ابن عمر وابن عباس وبه قال النخعي والزهري والحسن والثوري والاوزاعي واسحاق وأصحاب الرأي لأنه لا يمكن استدراكها بالوضوء أشبه العادم، وقال الشعبي يصلي عليها من غير وضوء ولا تيمم لأنه لا ركوع فيها ولا سجود أشبهت الدعاء في غير الصلاة ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " لا يقبل الله صلاة بغير طهور " ولأن الله تعالى قال (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم) الآية ثم أباح ترك الغسل مشروطاً بعدم الماء بقوله (فلم تجدوا ماء فتيمموا) فيبقى فيما عداه على قضية العموم. (مسألة) (وان اجتمع جنب وميت ومن عليها غسل حيض فبذل ماء يكفي أحدهم - لاولاهم به فهو للميت وعنه أنه للحي وأيهما يقدم؟ فيه وجهان) وجملته أنه إذا إجتمع جنب وميت ومن عليها غسل حيض ومعهم ماء لا يكفي إلا أحدهم فإن كان ملكاً لأحدهم فهو أحق به لأنه محتاج إليه لنفسه ولا يجوز بذله لغيره وإن كان الماء لغيرهم فأراد أن يجود به على أولاهم به ففيه روايتان (أولاهما) إن الميت أحق به لأن غسله خاتمة طهارته وصاحباه يرجعان إلى الماء فيغتسلان ولان لاقصد بغسل الميت تنظيفه ولا يحصل بالتيمم والحي يقصد بغسله إباحة الصلاة وذلك يحصل بالتراب (والثانية) الحي أولى لأنه متعبد بالغسل مع وجود الماء والميت قد سقط الفرض عنه بالموت ولأن الحي يستفيد مالا يستفيد الميت من قراءة القرآن ومس المصحف والوطئ إختارها الخلال. وهل يقدم الجنب أو الحائض فيه وجهان (أحدهما) الحائض لأنها تقصي حق الله تعالى وحق زوجها في إباحة وطئها (والثاني) الجنب أحق إذا كان رجلاً لأنه يصلح إماماً لها ولا تصلح لإمامته. وان كان على أحدهم نجاسة فهو أولى لأن طهارة الحدث لها بدل مجمع عليه بخلاف النجاسة. وإن وجدوا الماء في مكان فهو للأحياء لأنه لا وجدان

للميت وإن كان للميت ففضلت منه فضلة فهو لورثته فإن لم يكن له وارث حاضر فللحي أخذه بقيمته لأن في تركه إتلافه، وقال بعض أصحابنا ليس له أخذه لأن مالكه لم يأذن فيه الا إن يحتاج إليه للعطش فيأخذه بشرط الضمان (فصل) وإن اجتمع جنب ومحدث وكان الماء لا يكفي الجنب فهو أولى لأنه يستفيد به مالا يستفيده المحدث، وإن كان فوق حاجة المحدث فهو أولى به لأنه يستفيد به طهارة كاملة، وإن كان لا يكفي واحداً منهما فالجنب أولى به لأنه يستفيد به تطهير بعض أعضائه، وإن كان يفضل عن كل واحد منهما فضلة لا تكفي صاحبه ففيه ثلاثة أوجه (أحدها) يقدم الجنب لأنه يستفيد بغسله ما لا يستفيده المحدث (والثاني) يقدم المحدث لان فضلته يلزم الجنب إستعمالها رواية واحدة (والثالث)

مسألة: ومن عدم الماء لزمه طلبه في رحله وما قرب منه، وإن دل عليه قريباص لزمه قصده وعنه لا يجب الطلب

التسوية لأنه تقابل الترجيحان فتساويا فيدفع إلى أحدهما أو يقرع بينهما، وإذا تغلب من غيره أولى منه على الماء فاستعمله كان مسيئاً وأجزأه لأن الآخر لم يملكه وإنما رجح لشدة حاجته (فصل) وهل يكره للعادم جماع زوجته إذا لم يخف العنت؟ فيه روايتان (إحداهما) يكره يروى نحوه عن مالك لأنه يفوت على نفسه طهارة ممكناً بقاؤها (والثانية) لا يكره روى ذلك عن علي وابن عمر وابن مسعود رضي الله عنهم وهو قول الزهري وجابر بن زيد والحسن وقتادة والثوري والاوزاعي والشافعي واسحاق وأصحاب الرأي وابن المنذر، وحكي عن عطاء أن كان بينه وبين الماء أربع ليال فأكثر فليصب أهله، وإن كان ثلاث ليال فما دونها فلا يصبها وقال الزهري إن كان في سفر فلا

مسألة: وإن نسي الماء بموضع يمكنه استعماله وتيمم لم يجزه

يقربها حتى يأتي وإن كان لاماء معزباً فلا بأس أن يصيبها، والأولى جواز وطئها مطلقاً من غير كراهة لان أبا ذر قال للنبي صلى الله عليه وسلم إني أعزب عن الماء ومعي أهل فتصيبني الجنابة فأصلي بغير طهور؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " الصعيد الطيب طهور " رواه أبو داود والنسائي. وأصاب ابن عباس جارية له رومية وهو عادم للماء وصلى بأصحابه وفيهم عمار فلم ينكروه، قال اسحاق بن راهويه هو سنة مسنونة عن النبي صلى الله عليه وسلم في أبي ذر وعمار وغيرهما فإذا فعلا ووجدا من الماء ما يغسلان به فرجيهما غسلاهما ثم تيمما وإن لم يجدا تيمماً للجنابة والحدث الاصغر والنجاسة وصليا، ويجوز للمتيمم أن يصلي بالمتوضئين لما ذكرنا من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه والله أعلم باب إزالة النجاسة (لا تجوز إزالتها بغير الماء) في المصهور من المذهب وبه قال مالك والشافعي ومحمد بن الحسن وزفر (وروى عن أحمد ما يدل على أنها تزال بكل مائع طاهر مزيل للعين والأثر كالخل وماء الورد وماء الشجر ونحوه) وهو قول أبي حنيفة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً متفق عليه أطلق الغسل فتقييده بالماء يحتاج إلى دليل ولانه مائع طاهر مزيل فجازت إزالة النجاسة به كالماء ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم لاسماء " إذا أصاب إحداكن الدم من الحيضة فلتقرصه ثم لتنضحه

مسألة: ويجوز التيمم لجميع الأحداث وللنجاسة على جرح يضره إزالتها

بماء ثم لتصل به " متفق عليه. وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذنوب من ماء فأهريق على بول الأعرابي وهذا أمر يقتضي الوجوب ولأنها إحدى الطهارتين المشترطة للصلاة فأشبهت طهارة الحدث ومطلق حديثهم مقيد بحديثنا والماء مختص بإحدى الطهارتين فكذلك الاخرى فأما ما لا يزيل كالمرق واللبن والدهن ونحوه فلا خلاف في أن النجاسة لا تزال به والله أعلم (مسألة) (ويجب غسل نجاسة الكلب والخنزير سبعاً إحداهن بالتراب) لا يختلف المذهب في نجاسة الكلب والخنزير وما تولد منهما أنه نجس عينه وسؤره وعرقه وكل ما خرج منه روى ذلك عن عروة وهو قول الشافعي وأبي عبيدة وبه قال أبو حنيفة في السؤر. وقال مالك والاوزاعي وداود سؤرهما طاهر يتوضأ منه وان ولغ في طعام لم يحرم أكله، وقال الزهري يتوضأ منه إذا لم يجد غيره. وقال عبدة بن أبي لبابة والثوري وابن الماجشون يتوضأ ويتيمم قال مالك ويغسل الإناء الذي ولغ فيه الكلب تعبداً، واحتج مبعضهم على طهارته بأن الله تعالى قال (فكلوا مما أمسكن عليكم) ولم يأمر بغسل أثر فمه وروى أبو سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الحياض التي بين مكة والمدينة تردها السباع والكلاب والحمر وعن الطهارة بها فقال " لها ما حملت في بطونها ولنا ما غبر طهور " رواه ابن ماجه ولأنه حيوان يجوز اقتناؤه ويشق الاحتراز منه فكان طاهراً كالهر ولنا ما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً " متفق عليه ولمسلم " فليرقه ثم لغسله سبع مرارا " ولو كان سؤره طاهراً لم تجز إراقته ولا وجب غسله فانه قالوا إنما وجب غسله تعبداً كما تغسل أعصاء الوضوء وتغسل اليد من نوم الليل. قلنا الأصل وجوب الغسل عن النجاسة كما في سائر الغسل: ثم لو كان تعبداً لما أمر بإراقة الماء ولما اختص الغسل

بموضع الولوغ لعموم اللفظ في الإناء كله وأما غسل اليد من نوم الليل فإنما أمر به للإحتياط لاحتمال النجاسة والوضوء شرع للوضاءة والنظافة ليكون العبد في حال قيامه بين يدي الله تعالى على أحسن حال وأكملها ثم إن سلمنا ذلك فإنما عهدنا التعبد في غسل البدن أما الآنية والثياب فإنما يجب غسلها من النجاسات وقد روي في لفظ " طهور إناء أحدكم إذا ولغ الكلب فيه أن يغسله سبعاً " أخرجه أبو داود ولا يكون الطهور إلا في محل الطهارة، وقولهم أن الله تعالى أمر بأكل ما أمسكه الكلب قبل غسله قلنا الله تعالى أمر بأكله ورسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بغسله فيعمل بأمرهما، وإن سلمنا أنه لا يجب غسله فلأنه يشق فعفي عنه، وحديثهم قضية في عين يحتمل أن الماء المسئول عنه كان كثيراً ولذلك قال في موضع آخر حين سئل عن الماء وما ينويه من السباع فقال " إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث " ولان لنا رواية أن الماء لا ينجس إلا بالتغيير فلذلك لا ينجس الماء شربها منه وقياسهم على الهر في معارضة النص لا يصح. والفرق بينهما أن الكلب يأكل النجاسات عادة بخلاف الهر والله أعلم. وإذا ثبتت نجاسة الكلب ثبتت نجاسة الخنزير بطريق التنبيه لأنه شر منه وقد نص الشارع على تحريمه فكان تنجيسه أولى، إذا ثبت هذا فإنه يجب غسلها إذا كانت على غير الأرض سبعاً

مسألة: وإن تيمم في الحضر خوفا من البرد وصلى ففي وجوب الإعادة روايتان

إحداهن بالتراب، وممن قال يغسل سبع مرات أبو هريرة وابن عباس وعروة وطاوس وعمرو بن دينار والاوزاعي والشافعي واسحاق وأبو عبيد وابن المنذر وقال الزهري يغسل ثلاث مرات وقال عطاء كل قد سمعت ثلاثاً وخمسا وسبعاً، وعن أحمد أنه يجب غسلها ثمانية إحداهن بالتراب وهو رواية عن الحسن لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إذا ولغ الكلب في الإناء فاغسلوه سبعاً وعفروه الثامنة بالتراب " رواه مسلم، ووجه الرواية الأولى ما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " اذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً أولاهن بالتراب " رواه مسلم وهذه الرواية أصح ويحمل هذا الحديث على أنه عد التراب ثامنة لكونه جنساً آخر جمعا بين الخبرين. وقال أبو حنيفة لا يجب العدد في شئ من النجاسات إنما يغسل حتى يغلب على الظن نقاؤه من النجاسة لأنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الكلب يلغ في الإناء " يغسل ثلاثا أو خمسا أو سبعاً " فلم يعين عدداً، ولأنها نجاسة فلم يجب فيها العدد كما لو كانت على الأرض ولنا ما ذكرنا من الحديثين وحديثهم يرويه عبد الوهاب بن الضحاك وهو ضعيف فلا يعارض حديثنا وقد روى غيره من الثقاة " فليغسله سبعاً " وعلى أنه يحتمل الشك من الراوي فينبغي أن يتوقف فيه والأرض سومح في غسلها للمشقة بخلاف غيرها (مسألة) (فإن جعل مكانه أشناناً أو نحوه فعلى وجهين) يعني أن جعل مكان التراب في غسل نجاسة الكلب غيره من الأشنان والصابون والنخالة ففيه وجهان (أحدهما) لا يجزئه طهارة أمر فيها

مسألة: ولا يجوز التيمم إلا بتراب طاهر له غبار يعلق باليد

بالتراب فلم يقم غيره مقامه كالتيمم ولأن الأمر به تعبد فلا يقاس عليه (والثاني) يجزئه لأن هذه الأشياء أبلغ من التراب في الإزالة فنصه على الترب تنبيه عليها ولأنه جامد أمر به في إزالة النجاسة فألحق به ما يماثله كالحجر في الأستجمار، وقال ابن حامد إنما يجوز العدول إلى غير التراب عند عدمه أو فساد المخل المغسول به فأما مع وجوده وعدم الضرر فلا. فإن جعل مكانه غسلة ثامنة فقال بعض أصحابنا فيه وجهان والصحيح أنها لا تقوم مقام التراب لأنه إن كان القصد به تقوية الماء في الإزالة فذلك لا يحصل من الثامنة وإن وجب تعبداً أمتنع إبداله والقياس عليه والله أعلم وهذا اختيار شيخنا (فصل) ولا فرق بين غسل النجاسة من ولوغ الكلب أو يده أو رجله أو شعره أو غير ذلك من أجزائه قياساً على السؤر ولأن ذلك حكم غيره من الحيوانات فكذلك الكلب وحكم الخنزير في سؤره وسائر أجزائه حكم الكلب على ما فصلنا لأنه شر منه وقد نص الشارع على تحريمه وأجمع المسلمون عليه ولا يباح اقتناؤه بحال فثبت الحكم فيه بطريق الأولى (1) (فصل) وإذا ولغ في الإناء كلاب أو أصاب المحل نجاسات متساوية في الحكم فهي كنجاسة واحدة وإن كان بعضها أغلظ كالولوغ مع غيره فالحكم لأغلظها ويدخل فيه ما دونه، ولو غسل الإناء دون السبع ثم ولغ فيه مرة أخرى فغسله سبعاً أجزأه لأنه إذا أجزأ عما يماثل فعما دونه أولى (فصل) والمستحب أن يجعل التراب في الغسلة الأولى لموافقة لفظ الخبر وليأتي الماء بعده

_ 1) الجمهور يمتنعون القياس في هذه المسائل لعدم ثبوت العلة واهل الحديث أولى بالوقوف فيها عند النص

فينظفه ومتى غسل به أجزأه لأنه روي في حديث إحداهن وفي حديث أولاهن وفي حديث في الثامنة فيدل على أن محل التراب من الغسلات غير مقصود (فصل) وإذا غسل محل الولوغ فأصاب ماء بعض الغسلات محلاً آخر قبل إتمام السبع ففيه وجهان (أحدهما) يجب غسله سبعاً وهو ظاهر كلام الخرقي واختيار ابن حامد لأنها نجاسة فلا يراعي فيها حكم المحل الذي إنفصلت عنه كنجاسة الأرض ومحل الاستنجاء (والثاني) يجب غسله من الأولى ستاً ومن الثانية خمساً كذلك إلى آخره لأنها نجاسة تطهر في محلها بدون السبع فطهرت به في مثله قياساً عليه وكالنجاسة على الأرض. وتفارق المنفصل عن الأرض ومحل الاستنجاء لأن العلة في خفتها المحل وقد زالت عنه فزال التخفيف والعلة في تخفيفها ههنا قصور حكمها بما مر عليها من الغسل وهذا لازم لها حيثما كانت. ثم إن كانت قد انفصلت عن محل الغسل بالتراب غسل محلها بغير تراب وإن كانت الأولى بغير تراب غسلت هذه بالتراب وهذا اختيار القاضي وهو أصح إن شاء الله تعالى (مسألة) (وفي سائر النجاسات ثلاث روايات (إحداهن) يجب غسلها سبعاً وهل يشترط التراب على وجهين (والثانية) ثلاثا (والثالثة) تكاثر بالماء من غير عدد كالنجاسات كلها إذا كانت على الأرض) وجملة ذلك أن في سائر النجاسات غير نجاسة الكلب والخنزير إذا كانت على غير الأرض ثلاث روايات (إحداهن) يجب غسلها سبعاً قياساً على نجاسة الكلب والخنزير لما روي عن ابن عمر أنه قال: أمرنا بغسل الأنجاس سبعاً فينصرف إلى أمر النبي صلى الله عليه وسلم فعلى هذا هل يشترط التراب؟ فيه وجهان (أحدهما) يجب قياسا على الولوغ وهذا اختيار الخرقي (والثاني) لا يشترط لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالغسل للدم وغيره ولم يأمر بالتراب إلا في نجاسة الكلب فوجب أن يقتصر عليه

ولأن الأمر بالتراب إن كان تعبداً وجب قصره على محله وإن كان لمعنى في نجاسة الولوغ من اللزوجة التي لا تنقلع إلا بالتراب فلذلك لا يوجد في غيره. وفي هذا الدليل نظر لأنه غير موجود في نجاسة الكلب غير الولوغ وقد قالوا بوجوب التراب فيه (والرواية الثانية) يجب غسلها ثلاثا لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا قام أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً فإنه لا يدري أين باتت يده " رواه مسلم أمر بغسلها ثلاثاً ليرتفع وهم النجاسة ولا يرفع وهم النجاسة إلا ما يرفع الحقيقة (والثالثة) تكاثر بالماء من غير عدد حتى تزول عين النجاسة وهذا مذهب الشافعي لما روى ابن عمر قال كان غسل الثوب من البول سبع مرات فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يسأل حتى جعل غسل الثوب من البول مرة رواه الإمام أحمد وأبو داود ألا إن في رواته أيوب بن جابر وهو ضعيف ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأسماء في الدم " إغسليه بالماء " ولم يذكر عدداً ولأنها نجاسة فلم يجب فيها العدد كنجاسة الأرض وقد روي أن النجاسة في محل الاستنجاء تطهر بثلاث وفي غيره بسبع لأن محل الاستنجاء تتكرر النجاسة فيه فاقتضى ذلك التخفيف ولأنه قد اجتزئ فيها بثلاثة أحجار فأولى أن يجتزأ فيها بثلاث غسلات لأن الماء أبلغ من الأحجار وفيه (رواية خامسة) (1) إن العدد لا يجب في نجاسة البدن ويجب في غيرها لأن الأبدان تعم البلوى فيها بملاقاة النجاسة تارة منها وتارة من غيرها فخفف أمرها لأجل المشقة ذكرها ابن عقيل وذكر القاضي رواية إن العدد لا يعتبر في غير محل الاستنجاء من البدن ويجب في محل الاستنجاء لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بعدد الأحجار فيه ويجب في سائر المحال وقال الخلال هذه الرواية وهم ولم يثبتها (فصل) وإذا أصابت النجاسة الأجسام الصقيلة كالمرآة ونحوها وجب غسله ولم يطهر بالمسن

_ 1) ينظر أين الرابعة

مسألة: فإن خالطه ذو غبار لا يجوز التيمم به كالجص ونحوه فهو كالماء إذا خالطته الطاهرات

لأنه محل لا تنكر فيه النجاسة فلم يجز فيه المسح كالأواني (فصل) وغسل النجاسة يختلف بإختلاف محلها فإن كان جسماً لا يتشرب النجاسة كالآنية فغسله بإمرار الماء عليه كل مرة غسلة سواء كان بفعل الآدمي أولاً مثل أن ينزل عليه ماء المطر أو يجري عليه الماء فكل جرية تمر عليه غسلة لأن القصد غير معتبر أشبه مالو صبه آدمي بغير قصد وإن وقع في ماء راكد قليل نجسه ولم يطهر وإن كان كثيراً أعتبر وضعه فيه ومرور الماء على أجزائه غسلة وإن حركه في الماء بحيث تمر عليه أجزاء غير التي كانت ملاقية له إحتسب بذلك غسلة ثانية كما لو مرت عليه جريات من الماء الجاري. وإن كان المغسول إناء فطرح فيه الماء لم يحتسب به غسلة حتى يفرغه منه لانه العادة في غسله. فان كان الإناء يسع قلتين فصاعداً فملاه احتمل أن إدارة الماء فيه تجري مجرى الغسلات لأن أجزاءه تمر عليها جريات من الماء غير التي كانت ملاقية لها أشبه ما لو مرت عليه جريات من الجاري. وقال ابن عقيل لا يكون غسلة إلا بتفريغه أيضاً، وإن كان المغسول جسما تدخل فيه أجزاء النجاسة كالثوب لم يحتسب برفعه من الماء غسلة حتى يعصره وعصر كل شئ بحسبه فإن كان بساطاً ثقيلاً أو نحوه فعصره بتقليبه ودقه حتى يذهب أكثر ما فيه من الماء والله أعلم (فصل) إذا أصاب ثوب المرأة دم حيضها استحب أن تحته بظفرها لتذهب خشونته ثم تقرصه بريقها ليلين للغسل ثم تغسله بالماء لقول النبي صلى الله عليه وسلم لأسماء في دم الحيض " حثيه ثم أقرصيه

ثم أغسليه بالماء، وإن اقتصرت على الماء جاز وإن لم يزل لونه وكانت إزالته تشق أو تتلف الثوب أو تضره لقول النبي صلى الله عليه وسلم " ولا يضرك أثره " رواه أبو داود، وإن إستعملت في إزالته شيئاً يزيله كالملح وغيره فحسن لما روى أبو داود عن امرأة من غفار أن النبي صلى الله عليه وسلم أردفها على حقيبة فحاضت قالت فنزلت فإذا بها دم مني فقال " مالك لعلك نفست؟ " قالت نعم قال " فأصلحي من نفسك ثم خذي إناء من ماء فاطرحي فيه ملحا ثم اغسلي ما أصاب الحقيبة من الدم " قال الخطابي فيه من الفقه جواز إستعمال الملح وهو مطعوم في غسل الثوب وتنقيته من الدم فعلى هذا يجوز غسل الثياب بالعسل إذا كان الصابون يفسده وبالخل إذا أصابه الحبر والتدلك بالنخالة وغسل الأيدي بها وبالبطيخ ودقيق الباقلاء وغيرها من الأشياء التي لها قوة الجلاء. (فصل) فإن كان في الإناء خمر أو شبهة من النجاسات التي يتشربها الإناء ثم متى جعل فيها مائع سواه ظهر فيه طعما النجاسة أو لونها لم يطهر بالغسل لأن الغسل لا يستأصل أجزاء النجاسة من جسم الإناء فلم يطهره كالسمسم الذي ابتل بالنجاسة، قال الشيخ أبو الفرج المقدسي في المبهج آنية الخمر منها المزفت فيطهر بالغسل لأن الزفت يمنع وصول النجاسة إلى جسم الإناء ومنها ما ليس بمزفت فيتشرب أجزاء النجاسة فلا يطهر بالتطهير فإنه متى ترك فيه مائع ظهر فيه طعمه أو لونه (فصل في تطهير النجاسة على الأرض) متى تنجست الأرض بنجاسة مائعة أي نجاسة كانت كالبول والخمر ونحوهما فطهورها أن تغمر بالماء بحيث يذهب لون النجاسة وريحها فإن لم يذهبا لم تطهر لان بقاءهما دليل بقاء النجاسة، فإن كانت مما لا يزول لونها أو رائحتها إلا بمشقة سقط ذلك كما قلنا

مسألة: ويجب تعيين النية لما يتيمم له من حدث أو غيره

في الثوب، والدليل على أن الأرض تطهر بذلك ما روى أنس قال: جاء أعرابي فبال في طائفة من المسجد فزجره الناس فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم فلما قضى بوله أمر بذنوب من ماء فأهرق عليه. متفق عليه ولا نعلم في ذلك خلافا (فصل) إذا أصاب الأرض ماء المطر أو السيول فغمرها وجرى عليها فهو كما لو صب عليها لأن تطهير النجاسة لا تعتبر النية فيه فاستوى ما صبه الآدمي وغيره. قال أحمد في البول يكون في الأرض فتمطر عليه السماء إذا أصابه من المطر بقدر ما يكون ذنوباً كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يصب على البول فقد طهر، وقال المروذي: سئل أبو عبد الله عن ماء المطر يختلط بالبول فقال: ماء المطر عندي لا يخالط شيئاً إلا طهره إلا العذرة فإنها تنقطع، وسئل عن ماء المطر يصيب الثوب فلم ير به بأساً إلا أن يكون بيل فيه بعد المطر، وقال: كل ما ينزل من السماء إلى الأرض فهو نظيف داسته الدواب أو لم تدسه، وقال في الميزاب إذا كان في الموضع النظيف لا بأس بما قطر عليك من المطر إذا لم تعلم قيل له فأسأل عنه؟ قال لا وما دعاك إلى السؤال؟ واحتج في طهارة طين المطر بحديث الأعرابي وبأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين كانوا يخوضون المطر في الطرقات فلا يغسلون أرجلهم روى ذلك عن عمر وعلي رضي الله عنهما، قال ابن مسعود كنا لا نتوضأ من موطئ ونحوه عن ابن عباس وهذا قول عوام أهل العلم لأن الأصل الطهارة فلا تزول بالشك (فصل) فإن كانت النجاسة ذات أجزاء متفرقة كالرميم والدم إذا جف والروث فاختلطت بأجزاء الأرض لم تطهر بالغسل لان عينها لا تنقلب ولا تطهر إلا بزالة أجزاء المكان بحيث يتيقن زوال

مسألة: وإن نوى أحدهما لم يجزه عن الآخر

أجزاء النجاسة ولو بادر البول وهو رطب فقلع التراب الذي عليه أثره فالباقي طاهر لأن النجس كان رطباً وقد زال وإن جف فأزال ما وجد عليه الأثر لم يطهر لأن الأثر إنما يبين على ظاهر الأرض لكن إن قلع ما تيقن به زوال ما أصابه البول فالباقي طاهر (مسألة) (ولا تطهر الأرض النجسة بشمس ولا ريح) وممن روي عنه ذلك أبو ثور وابن المنذر والشافعي في أحد قوليه، وقال أبو حنيفة ومحمد بن الحسن تطهر إذا ذهب أثر النجاسة، وقال أبو قلابة جفاف الأرض طهورها لأن ابن عمر روى أن الكلاب كانت تبول وتقبل وتدبر في المسجد فلم يكونوا يرشون شيئاً من ذلك رواه أبو داود ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " صبوا على بول الأعرابي ذنوبا من ماء " والأمر يقتضي الوجوب (2) ولأنه محل نجس فلم يطهر بغير الغسل كالثياب، فأما حديث ابن عمر فرواه البخاري وليس فيه ذكر البول ويحتمل أنه أراد أنها كانت تبول ثم تقبل وتدبر في المسجد فيكون إقبالها وإدبارها فيه بعد بولها (مسألة) (ولا يطهر شئ من النجاسات بالإستحالة إلا الخمرة إذا انقلبت بنفسها) فلو أحرق السرجين فصار رماداً أو وقع كلب في ملاحة فصار ملحاً لم يطهر كالدم إذا استحال قيحاً أو صديداً ولأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل الجلالة وألبانها لأكلها النجاسة فلو كانت النجاسة تطهر

_ 2) يقول الحنيفة كان هذا عقب بوله والنجاسة ظاهرة. ونظيره غسلهم المنى رطبا وفركه جافا. والمطلوب أن لا يكون هنا لك قدر بين ولم يرد نص بغسل كل ما تنجس على سبيل التعبد

مسألة: وإن نوى نفلا أو أطلق النية للصلاة لم يصل إلا نفلا

بالإستحالة لم يؤثر أكلها النجاسة لأنها تستحيل، ويتخرج أن تطهر النجاسات كلها بالإستحالة قياساً على الخمرة إذا انقلبت، وجلود الميتة إذا دبغت والجلالة إذا حبست (فصل) ودخان النجاسة وغبارها نجس فإن إجتمع منه شئ أو لاقى جسماً صقيلاً فصار ماء فهو نجس إلا إذا قلنا أن النجاسة تطهر بالإستحالة وما أصاب الإنسان من دخان النجاسة وغبارها فلم يجتمع منه شئ ولا ظهرت له صفة فهو طاهر لعدم إمكان التحرز منه، فأما الخمرة إذا انقلبت بنفسها خلا فإنها تطهر لا نعلم في ذلك خلافاً لأن نجاستها لشدتها المسكرة الحادثة لها وقد زال ذلك من غير نجاسة خلفتها فوجب أن تطهر كالماء الذي يتنجس بالتغيير إذا زال تغييره بنفسه ولا يلزم عليه سائر النجاسات لكونها لا تطهر بالاستحالة لأن نجاستها لعينها والخمر نجاستها لأمر زال بالإنقلاب (مسألة) (فإن خللت لم تطهر في ظاهر المذهب) روى ذلك عن عمر وهو قول مالك، وقال الشافعي إن القي فيها شئ كالملح فتخللت لم تطهر وإن نقلت من شمس إلى ظل أو بالعكس فتخللت ففي إباحتها قولان، ويخرج لنا أيضاً فيها إحتمالان (أحدهما) تطهر كما لو نقلها لغير قصد التخليل فتخللت فإنه لا فرق بينهما سوى النية (والثاني) لا تطهر كما لو وضع فيها شئ فتخللت لما روي أن أبا طلحة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أيتام ورثوا خمراً فقال " أهرقها " قال أفلا أخللها؟ قال " لا " من المسند رواه الترمذي ولو جاز التخليل لم ينه عنه ولم تبح اراقته. وقيل تطهر لأن علة التحريم زالت أشبه مالو تخللت بنفسها ولأن التطهير لا فرق فيه بين ما حصل بفعل الله تعالى وفعل العبد كتطهير

مسألة: وإن نوى فرضا فله فعله والجمع بين الصلاتين وقضاء الفوائت والتنفل إلى آخر الوقت

الثوب والأرض وهذا قول أبي حنيفة وروي نحوه عن عطاء وعمرو بن دينار والحارث العكلي (مسألة) (ولا تطهر الادهان النجسة بالغسل) في ظاهر المذهب إختاره القاضي وابن عقيل قال ابن عقيل إلا الزئبق فإنه لقوته وتماسكه يجري مجرى الجامد. وقال أبو الخطاب يطهر بالغسل منها ما يتأتى غسله كالزيت ونحوه لأنه يمكن غسله بالماء فطهر به كالجامد. وطريق تطهيره أن يجعل في ماء كثير ويحرك حتى يصيب الماء جميع أجزائه ثم يترك حتى يعلو على الماء فيؤخذ وإن تركه في جرة وصب عليه ماء وحركه فيه وجعل له بزا لا يخرج منه الماء جاز. ووجه القول الأول أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن السمن إذا وقعت فيه الفأرة فقال إن كان مائعاً فلا تقربوه رواه أبو داود ولو كان يمكن تطهيره لم يأمر بإراقته ومن نصر قول أبي الخطاب قال الخبر ورد في السمن ولعله لا يمكن تطهيره لأنه يجمد ويحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك الأمر بغسله لمشقة ذلك وقلة وقوعه (فصل) وإذا وقعت النجاسة في غير الماء وكان مائعاً نجس، وقد ذكرنا الخلاف فيه وإن كان جامداً كالسمن الجامد أخذت النجاسة فما حولها فألقيت والباقي طاهر لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الفأرة تموت في السمن فقال " إن كان جامدا فألقوها وما حولها وإن كان مائعاً فلا تقربوه " من المسند وإسناده على شرط لصحيحين - وحد الجامد الذي لا نسري النجاسة إلى جميعه الذي يكون فيه قوة تمنع إنتقال أجزاء النجاسة من الموضع الذي وقعت فيه النجاسة إلى ما سواه وقال ابن عقيل: الجامد الذي إذا فتح وعاؤه لم تسل أجزاؤه والظاهر خلاف هذا لأن سمن الحجاز لا يكاد يبلغه ولأن المقصود بالجمود أن لا تسري أجزاء النجاسة وهذا حاصل بما ذكرناه فنقتصر عليه

(فصل) فإن تنجس العجين ونحوه لم يطهر لأنه لا يمكن غسله وكذلك نقع شئ من الحبوب في الماء النجس حتى انتفخ وابتل نص عليه أحمد أنه لا يطهر وإن غسل مراراً إذا ثبت ذلك فقال أحمد في العجين يطعم النواضح وقال الشافعي بطعم البهائم وقال الثوري وأبو عبيد يطعم الدجاج وقال ابن المنذر لا يطعم شيئاً لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن شحوم الميتة تطلى بها السفن ويستصبح بها الناس قال " لا هو حرام " وهذا في معناه ولنا ما روى أحمد عن ابن عمر أن قوما اختبزوا من آبار الذين مسخوا فقال عليه السلام " أعلفوه النواضح " وقال في كسب الحجام " أعلفه ناضحك أو رقيقك " احتج به أحمد وقال ليس هذا بميتة والنهي إنما تناول الميتة ولأن إستعمال شحوم الميتة فيما سئل عنه النبي صلى الله عليه وسلم يفضي إلى تعدي نجاستها وهذا لا يتعدى أكله قال أحمد ولا يطعم لشئ يؤكل في الحال ولا يحلب لبنه لئلا يتنجس به ويصير كالجلالة. (مسألة) (وإذا خفيت النجاسة لزمه غسل ما يتيقن به إزالتها) متى خفيت النجاسة في بدن أو ثوب وأراد الصلاة فيه لم يجز له حتى يتيقن زوالها وإنما يتيقن ذلك بغسل كل محل يحتمل أن النجاسة أصابته فإن لم يعلم جهتها من ثوب غسله وإن علمها في أحد الكمين غسلهما وإن رآها في بدنه أو ثوبه الذي عليه غسل كل ما يدركه بصره منه وبذلك قال النخعي ومالك والشافعي وابن المنذر، وقال

ابن شبرمة يتحرى مكان النجاسة فيغسله، وقال عطاء والحكم وحماد إذا خفيت النجاسة في الثوب نضحه كله وذلك لحديث سهل بن حنيف عن النبي صلى الله عليه وسلم في المذي قال: قلت يا رسول الله فكيف بما أصاب ثوبي منه؟ قال " يجزئك أن تأخذ كفا من ماء فتنضح به حيث ترى أنه أصاب منه " فأمر بالتحري والنضح ولنا أنه تيقن المانع من الصلاة فلم تبح له الصلاة إلا بيقين زواله كمن تيقن الحدث وشك في الطهارة والنضح لا يزيل النجاسة وحديث سهل مخصوص بالمذي دون غيره لأنه يشق التحرز منه فلا يتعدى حكمه إلى غيره لأن أحكام النجاسات تختلف. وقوله حيث ترى أنه أصاب منه محمول على من ظن أنه أصاب ناحية من ثوبه من غير يقين فيجزئه نضح المكان أو غسله (فصل) فإن خفيت النجاسة في موضع فضاء واسع صلى حيث شاء ولا يجب غسل جميعه لأن ذلك يشق فلو منع من الصلاة أفضى إلى أن لا يجد موضعاً يصلي فيه. فإن كان الموضع صغيراً كالبيت ونحوه غسله كله كالثوب (مسألة) (ويجزئ في بول الغلام الذي لم يأكل الطعام النضح) معنى النضح أن يغمره بالماء وإن لم ينزل عنه ولا يحتاج إلى مرس وعصر. فأما بول الجارية فيغسل وإن لم تأكل وهذا قول علي رضي الله عنه وبه قال عطاء والحسن والشافعي واسحاق. وحكي عن الحسن أن بول الجارية ينضح

ما لم تطعم كالصبي، قال القاضي رأيت لأبي إسحاق بن شاقلا كلاماً يدل على طهارة بول الغلام لأنه لو كان نجسا لوجب غسله كسائر النجاسات، وقال الثوري وأبو حنيفة يغسل بول الغلام كبول الجارية بالقياس عليه ولأنه حكم يتعلق بالنجاسة فاستوى فيه الذكر والأنثى كسائر أحكامها ولنا ما روت أم قيس بنت محصن أنها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجلسه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجره فبال على ثوبه فدعا بماء فنضحه ولم يغسله. متفق عليه، وعن لبابة بنت الحارث قالت: كان الحسين بن علي في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم فبال عليه فقلت ألبس ثوباً آخر وأعطني إزارك حتى أغسله. قال " إنما يغسل من بول الأنثى وينضح من بول الذكر " رواه أبو داود، وعن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " بول الغلام ينضج وبول الجارية يغسل " قال قتادة هذا ما لم يطعما الطعام فإذا طعما غسل بولهما. رواه الإمام أحمد وهذه نصوص صحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم فاتباعها أولى من القياس، وقول النبي صلى الله عليه وسلم مقدم على من خالفه (فصل) قال أحمد الصبي إذا طعم الطعام وأراده واشتهاه غسل بوله. وليس إذا طعم لأنه قد يلعق العسل ساعة يولد والنبي صلى الله عليه وسلم حنك بالتمر فعلى هذا ما يسقاه الصبي أو يلعقه للتداوي لا يعد طعاماً يوجب الغسل وما يطعمه لغذائه وهو يريده ويشتهيه يوجب الغسل والله أعلم (مسألة) (وإذا تنجس أسفل الخف أو الحذاء وجب غسله، وعنه يجزئ دلكه بالأرض

مسألة: ويبطل التيمم بخروج الوقت ووجود الماء ومبطلات الوضوء

وعنه يغسل من البول والغائط ويدلك من غيرهما) وجملته أنه إذا تنجس أسفل الخف والحذاء ففيه ثلاث روايات إحداهن يجب غسله قياساً على الثوب والرجل وغيرها وهو قول الشافعي ومحمد بن الحسن (والثانية) يجزئ دلكه بالأرض حتى تزول عين النجاسة وتباح الصلاة فيه وهذا قول الأوزاعي لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا وطئ أحدكم الأذى بخفيه فطهورهما التراب " وفي لفظ " إذا وطئ بنعله أحدكم الأذى فإن التراب له طهور " وعن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر فإن رأى في نعليه قذراً أو أذى فليمسحه وليصل فيهما " روى هذه الأحاديث أبو داود ولأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يصلون في نعالهم والظاهر أن النعل لا تخلو من نجاسة تصيبها فلو لم يجز دلكها لم تصح الصلاة فيها (والثالثة) يغسل من البول والغائط لفحشهما وتغليظ نجاستهما ويدلك من غيرهما لما ذكرنا وهو قول إسحاق، والأولى أنه يجزئ فيه الدلك مطلقاً لما ذكرنا من الأحاديث، فإن قيل فقول النبي صلى الله عليه وسلم في نعليه إن فيهما قذراً يدل على أنه لا يجزئ دلكهما ولم يزل القذر منهما. قلنا لا دلالة في هذا لأنه لم ينقل أنه دلكهما والظاهر أنه لم يدلكهما لأنه لم يعلم بالقذر فيهما حتى أخبره جبريل عليه السلام (فصل) إذا ثبت أنه يجزئ الدلك فهل يحكم بطهارتها أو يحكم بطهارة محل الاستجمار بعد الإنقاء واستيفاء العدد؟ فيه وجهان (أحدهما) يحكم بطهارته اختاره ابن حامد لظاهر الأخبار التي ذكرناها وهذا ظاهر كلام أحمد فإنه قال في المستجمر يعرق في سراويله لا بأس به لأن قول النبي صلى الله عليه وسلم في

الروث والرمة أنهما لا يطهران مفهومة أن غيرهما يطهر ولأنه معنى يزيل حكم النجاسة فطهرها كالماء وقال أصحابنا المتأخرون لا يطهر المحل فلو قعد المستجمر في ماء يسير نجسه ولو عرق كان عرقه نجساً لأن المسح لا يزيل أجزاء النجاسة كلها فالباقي منها نجس لأنه عين النجاسة فأشبه مالو وجد في المحل وحده، وقال القاضي في الخفين إنما يجزئ دلكهما بعد جفاف نجاستهما لأنه لا يبقى لها أثر ولا يجزئ قبل الجفاف وبه قال أبو حنيفة في الروث والعذرة والدم والمني. وقال في البول لا يجزئه حتى يغسل وإن يبس لأن رطوبة النجاسة باقية فلا يعفى عنها. وظاهر الأخبار لا يفرق بين رطب ولا جاف ولأنه محل اجتزئ فيه بالمسح فجاز له مع رطوبة الممسوح كمحل الاستنجاء ولان رطوبة المحل معفو عنها إذا جفت قبل الدلك فعفي عنها إذا جفت به كالاستجمار (مسألة) قال (ولا يعفى عن يسير شئ من النجاسات إلا الدم وما تولد منه من القيح والصديد وأثر الاستنجاء) أراد أثر الاستجمار ولا نعلم خلافاً في العفو عنه بعد الإنقاء واستيفاء العدد وقد ذكرنا الخلاف في طهارته (فصل) فأما الدم والقيح فأكثر أهل العلم يرون العفو عن يسيره وممن روي عنه ذلك ابن عباس وأبو هريرة وجابر وابن أبي أوفى وسعيد بن المسيب وابن جبير وطاوس ومجاهد وعروة والنخعي والشافعي وأصحاب الرأي، وروي عن ابن عمر أنه كان ينصرف من قليله وكثيره ونحوه عن الحسن

وسليمان التيمي لأنه نجس أشبه البول ولنا ماروي عن عائشة قالت قد يكون لإحدانا الدرع فيه تحيض وفيه تصيبها الجنابة ثم ترى فيه قطرة من دم فتقصعه بريقها وفي رواية بلته بريقها ثم قصعته بظفرها. رواه أبو داود، وهذا يدل على العفو عنه لأن الريق لا يطهره ويتنجس به ظفرها وهو أخبار عن داوام افعل ومثل هذا لا يخفى عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يصدر إلا عن أمره، ولأنه قول من سمينا من الصحابة ولم يعرف لهم مخالف وما روي عن ابن عمر فقد روي عنه خلافه فروى عنه الأثرم بإسناده أنه كان يسجد فيخرج يديه فيضعهما بالأرض وهما يقطران دماً من شقاق كان في يديه. وعصر بثرة فخرج منها دم فمسحه بيده وصلى ولم يتوضأ. وانصرافه عنه في بعض الحالات لا ينافي ما رويناه عنه فقد يتورع الإنسان عن بعض ما يرى جوازه ولأنه يشق التحرز منه فعفي عنه كأثر الاستجمار. وحد اليسير المعفو عنه هو الذي لا ينقض الطهارة، وقد ذكرنا الخلاف فيه في نواقض الوضوء والله أعلم (فصل) والقيح والصديد مثله إلا أن أحمد قال هو أسهل من الدم لأنه روي عن ابن عمر والحسن أنهما لم يرياه كالدم. قال أبو مجلز في الصديد إنما ذكر الله الدم المسفوح. وقال أمي بن ربيعة رأيت طاوساً كأن إزاره نطع من قروح كانت برجليه ونحوه عن مجاهد، وقال إبراهيم في الذي يكون به الحبور يصلي ولا يغسله فإذا برأ غسله ونحوه قول عروة فعلى هذا يعفى منه عن أكثر مما يعفى عن مثله من الدم لأن هذا لا نص فيه وإنما ثبتت نجاسته لإستحالته من الدم (فصل) ولا فرق بين كون الدم مجتمعاً أو متفرقاً فإذا جمع بلغ هذا القدر ولو كانت النجاسة في شئ صفيق قد نفذت من الجانبين فإتصلت فهي نجاسة واحدة وإن لم تتصل بل كان بينهما شئ لم يصبه الدم فهما نجاستان إذا بلغا لو جمعا قدراً لا يعفى عنه لم يعف عنهما كجاني الثوب (فصل) ودم الحيض في العفو عنه كغيره لحديث عائشة الذي ذكرناه وكذلك سائر دماء

مسألة: فإن تيمم وعليه ما يجوز المسح عليه ثم خلعه لم يبطل تيممه وقال أصحابنا يبطل

الحيوانات الطاهرات. فأما دم الكلب والخنزير وما تولدمنهما أو من أحدهما فلا يعفى عن يسيره لأن رطوباته الطاهرة من غيره لا يعفى عن يسيرها فدمه أولى. فأما دم البغل والحمار وسباع البهائم والطير ان قلنا بطهارتها عفي عن يسير دمائها كسائر الحيوانات الطاهرات وإن قلنا بنجاستها وقلنا لا يعفى عن يسير شئ من رطوباتها كالريق والعرق فأولى أن لا يعفى عن دمها كدم الكلب والخنزير. ولأن دمها لابد أن يصيب جسمها فلم يعف عنه كالماء، وهكذا حكم كل دم أصاب نجاسة غير معفو عنها لم يعف عن شئ منه لذلك، وإن قلنا يعفى عن يسير ريقها وعرقها إحتمل أن يعفى عن يسير دمها قياساً عليه والله أعلم (فصل) ودم ما لا نفس له سائلة كالبق والبراغيث والذباب ونحوه طاهر في ظاهر المذهب. وممن رخص في دم البراغيث عطاء وطاوس والحسن والشعبي والحكم وحماد والشافعي واسحاق لأنه لو كان نجساً لنجس الماء ليسير إذا مات فيه فإنه إذا مكث في الماء لا يسلم من خروج فضلة منه، ولأنه ليس بدم مسفوح. وإنما حرم الله سبحانه الدم المسفوح، وروى عن أحمد أنه قال في دم البراغيث إني لا فزع منه إذا كثر. وقال النخعي أغسل ما إستطعت، وقال مالك في دم البراغيث إذا كثر وانتشر فإني أرى أن يغسل والأول أظهر، وقول أحمد ليس فيه تصريح بنجاسته بل هو دليل التوقف ولأن المنسوب إلى دم البراغيث إنما هو بولها في الظاهر وبول هذه الحشرات ليس بنجس (فصل) فأما دم السمك فقال أبو الخطاب هو طاهر وهذا قول أبي الحسن لأن إباحته لا تقف على سفحه ولو كان نجسا لوقفت الإباحة على إراقته بالذبح كحيوان البر ولأنه إذا ترك استحال ماء وقال أبو ثور هو نجس لأنه مسفوح فيدخل في عموم الآية والعلقة نجسة لأنها دم خارج من الفرج أشبه دم الحيض، وعنه أنها طاهرة لأنه بدء خلق آدمي أشبهت المني، قال شيخنا والصحيح نجاستها

لأنها دم أشبهت سائر الدماء ولأن الشرع لم يرد فيها بطهارة فتدخل في عموم النص - وما يبقى في اللحم من الدم معفو عنه. ولو علت حمرة الدم في القدر لم يكن نجساً لأنه لا يمكن التحرز منه وإذا أصاب الأجسام الصقيلة كالسيف والمرآة نجاسة يعفى عن يسيرها كالدم عفي عن كثيرها بالمسح (2) لأن الباقي بعد المسح يسير وإن كثر محله فعفي عنه كيسير غيره (فصل) (وإنما يعفى عن يسير الدم في غير المائعات) فلو وقعت قطرة من دم في مائع يسير تنجس وصار حكمه حكم الدم في العفو عن يسيره لأنه فرع عليه (مسألة) (وعنه في المذي والقئ وريق البغل والحمار وسباع البهائم والطير وعرقها وبول الخفاش والنبيذ والمني أنه كالدم. وعنه في المذي أنه يجزي فيه النضح) اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في ذلك فروي عنه في المذي أنه قال: يغسل ما أصاب الثوب منه إلا أن يكون يسيراً، وروى الخلال بإسناده قال: سئل سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وأبو سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار عن المذي فكلهم قال أنه بمنزلة القرحة فما علمت منه فاغسله وما غلبك منه فدعه لأنه يخرج من الشاب كثيراً فيشق التحرز منه فعفي عن يسيره كالدم. وعن أحمد أنه كالمني لأنه خارج بسبب الشهوة أشبه المني، وعنه أنه يجزئ فيه النضح لأن في حديث سهل بن حنيف قال: قلت يا رسول الله فكيف بما أصاب ثوبي منه قال " إنما يكفيك أن تأخذ كفا من ماء فتنضح به حيث ترى أنه أصاب منه " قال الترمذي حديث صحيح (والرواية الأخرى) يجب غسله لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بغسل الذكر منه ولأنه نجاسة خارجة من الذكر أشبه البول يروي ذلك عن عمر وابن عباس وهو مذهب الشافعي وإسحاق وكثير من أهل العلم. وكذلك المني إذا قلنا بنجاسته لما ذكرنا في المذي. فأما الودي فهو نجس لا يعفى عنه في الصحيح لأنه خارج من مخرج البول فهو كالبول وعن أحمد أنه كالمذي. وأما القئ فروي عن أحمد أنه قال هو عندي بمنزلة الدم لأنه خارج نجس من غير السبيل أشبه الدم. وروى عن أحمد في ريق البغل والحمار وعرقهما أنه يعفى عنه إذا كان يسيراً وهو الظاهر عن أحمد قال الخلال وعليه مذهب أبي عبد الله لأنه يشق التحرز منه، قال أحمد من يسلم من هذا ممن يركب الحمير إلا

_ 2) جملة: يعفى عن يسيرها صفه لقوله نجاسة - وقوله عفي عن كثير ها هو جواب الشرط

أني أرجو أن يكون ما جف منه أسهل، قال القاضي وكذلك ما كان في معناهما من سباع البهائم سوى الكلب والخنزير وكذلك الحكم في أرواثها وكذلك الحكم في سباع الطير لأنها في معنى سباع البهائم وبول الخفاش، قال الشعبي والحكم وحماد وحبيب بن أبي ثابت لا بأس ببول الخفافيش. وكذلك الخفاش والخطاف لأنه يشق التحرز منه فإنه في المساجد كثير فلو لم يعف عن يسيره لم يقر في المساجد وكذلك النبيذ لوقوع الخلاف في نجاسته وكذلك بول ما يؤكل لحمه إذا قلنا بنجاسته لأنه يشق التحرز منه لكثرته، وعن أحمد لا يعفى عن يسير شئ من ذلك لأن الأصل أن لا يعفي عن شئ من النجاسة خولف في الدم وما تولد منه فيبقى ما عداه على الأصل (فصل) ولا يعفى عن يسير شئ من النجاسات غير ما ذكرنا وممن قال لا يعفى عن يسير البول مالك والشافعي وأبو ثور، وقال أبو حنيفة يعفى عن يسير جميع النجاسات لأنها يكتفي فيها بالمسح في محل الاستنجاء فلو لم يعف عن يسيرها لم يكف فيها المسح ولأنه يشق منه التحرز أشبه الدم ولنا عموم قوله تعالى (وثيابك فطهر) وقول النبي صلى الله عليه وسلم " تنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه " ولأنها نجاسة لا تشق إزالتها فوجبت كالكثير، وأما الدم فإنه يشق التحرز منه فإن الإنسان لا يكاد يخلو من بثرة أو حكة أو دمل ويخرج من أنفه وغيره فيشق التحرز من يسيره أكثر من كثيره ولهذا فرق في الوضوء بين قليله وكثيره (مسألة) (ولا ينجس الآدمي بالموت ولا مالا نفس له سائلة كالذباب وغيره) ظاهر المذهب أن الآدمي طاهر حياً وميتاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم " المؤمن لا ينجس " متفق عليه. وعن أحمد أنه سئل عن بئر وقع فيها إنسان فمات فقال تنزح حتى تغلبهم وهو مذهب أبي حنيفة قال: ينجس ويطهر بالغسل لأنه حيوان له نفس سائلة فنجس بالموت كسائر الحيوانات، وللشافعي قولان كالروايتين، والصحيح الأول للخبر ولأنه آدمي فلم ينجس بالموت كالشهيد ولأنه لو نجس بالموت لم يطهر بالغسل كالحيوانات التي تنجس بالموت

مسألة: وإن وجد الماء بعد الصلاة لم تجب إعادتها

(فصل) ولم يفرق أصحابنا بين المسلم والكافر لاستوائهما في حال الحياة، قال شيخنا ويحتمل أن ينجس الكافر بموته لأن الخبر إنما ورد في المسلم ولا يقاس الكافر عليه لأنه لا يصلى عليه ولا حرمة له كالمسلم (1) (فصل) وحكم أجزاء الآدمي وابعاضه حكم جملته سواء إنفصلت في حياته أو بعد موته لأنها أجزاء من جملة فكان حكمها كحكمها كسائر الحيوانات الطاهرة والنجسة، وذكر القاضي أنها نجسة رواية واحدة لأنها لا حرمة لها بدليل أنها لا يصلي عليها وما ذكروه ممنوع فإن لها حرمة فإن كسر عظم الميت ككسره وهو حي ولأنه يصلي عليها إذا وجدت من الميت ثم يبطل بشهيد المعركة فإنه لا يصلى عليه وهو طاهر. (فصل) وما لا نفس له سائلة لا ينجس بالموت والمراد بالنفس الدم فإن العرب تسمي الدم نفساً قال الشاعر: نبئت أن بني سحيم أدخلوا * أبياتهم تامور نفس المنذر أي دمه ومنه قيل للمرأة نفساء لسيلان دمها عند الولادة ويقال نفست المرأة إذا حاضت فكل ما ليس له دم سائل من حيوان البر والبحر من العلق والديدان والسرطان ونحوها لا ينجس بالموت ولا ينجس الماء إذا مات فيه في قول عامة العلماء قال إبن المنذر لا أعلم في ذلك خلافاً إلا ما كان من أحد قولي الشافعي فإن عنده في تنجيس الماء إذا مات فيه قولان. فأما الحيوان في نفسه فهو عنده نجس قولاً واحداً لأنه حيوان لا يؤكل لا لحرمته فنجس باملوت كالبغل والحمار ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليمقله فإن في أحد جناحيه داء

_ 1) الاحتمال ضعيف لأن الكلام في النجاسة الحسية التي تدرك ببعض الحواس ولا فرق فيها بين مؤمن وكافر قطعا

مسألة: وإن وجده فيها بطلت وعنه لا تبطل

وفي الآخر شفاء " رواه البخاري وفي لفظ " فليغمسه كله ثم ليطرحه " وقال الشافعي مقله ليس يقتله قلنا اللفظ عام في كل شراب بارد أو حار أو دهن مما يموت بغمسه فيه فلو كان ينجس الشراب كان أمرا بافساده قود روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لسلمان " يا سلمان أيما طعام أو شراب ماتت فيه دابة ليس لها نفس سائلة فهو الحلال أكله وشربه ووضوؤه " وهذا صريح أخرجه الدارقطني قال الترمذي يرويه بقية وهو يدلس فإذا روى عن الثقاة جود ولأنه لا نفس له سائلة أشبه دود الخل إذا مات فيه فإنهم سلموا ان ذلك لا ينجس إلا أن يؤخذ ويطرح فيه أو يشق الإحتراز منه اشبه ما ذكرنا. وإذا ثبت أنه لا ينجس الماء لزم أن لا يكون نجساً وإلا لنجس الماء كسائر النجاسات (فصل) فأما إن كان متولداً من النجاسات كدود الحش وصراصره فهو نجس حياً وميتاً لأنه متولد من النجاسة فكان نجساً كالمتولد من الكلب والخنزير قال المروذي قال أحمد صراصر الكنيف والبالوعة إذا وقع في الإناء صب وصراصر البئر ليس هي بقذرة لأنها لا تأكل العذرة (فصل) وماله نفس سائلة من الحيوان غير الآدمي ينقسم قسمين (أحدهما) ميتة طاهرة وهو السمك وسائر حيوان البحر الذي لا يعيش إلا في الماء فهو طاهر حياً وميتاً لأنه لو كان نجساً لم يبح أكله (القسم الثاني) مالا تباح ميتته غير الآدمي كحيوان البر المأكول وغيره وحيوان البحر الذي يعيش في البر كالضفدع والحية والتمساح ونحوه فكل ذلك ينجس بالموت وينجس الماء القليل إذا مات فيه والكثير إذا غيره وهذا قول ابن المبارك والشافعي وأبي يوسف، وقال مالك وأبو حنيفة ومحمد بن الحسن في الضفدع لا تفسد الماء إذا ماتت فيه لأنها تعيش في الماء أشبهت السمك ولنا أنها تنجس غير الماء فنجست الماء كحيوان البر ولأنه حيوان له نفس سائلة لا تباح ميتته أشبه طير الماء وبهذا فارق السمك (فصل) وفي الوزغ وجهان (أحدهما) لا ينجس بالموت لأنه لا نفس له سائلة أشبه العقرب (والثاني) أنه نجس لأن علياً رضي الله عنه كان يقول: إن ماتت الوزغة أو الفأرة في الحب يصب ما فيه وإن ماتت في بئر فانتزحها تغلبك

(فصل) إذا مات في الماء ما لا يعلم هل ينجس بالموت أم لا فالماء طاهر لأن الأصل طهارته والنجاسة مشكوك فيها وكذلك إن شرب منه حيوان يشك في نجاسة سؤره وطهارته لما ذكرناه (مسألة) (وبول ما يؤكل لحمه وروثه ومنيه طاهر وعنه أنه نجس) اختلفت الرواية في بول ما يؤكل لحمه وروثه فروي عن أحمد أنه طاهر وهو ظاهر كلام الخرقي وهو قول عطاء والنخعي والثوري ومالك ورخص في أبوال الغنم الزهري ويحيى الأنصاري، قال إبن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على إباحة الصلاة في مرابض الغنم إلا الشافعي فإنه اشترط أن تكون سليمة من أبعارها وأبوالها، ورخص في ذرق الطائر الحكم وحماد وأبو حنيفة، وعن أحمد أن ذلك نجس وهو قول الشافعي وأبي ثور ونحوه عن الحسن لعموم قوله صلى الله عليه وسلم " تنزهوا من البول " ولأنه رجيع فأشبه رجيع الآدمي ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر العرنيين أن يشربوا من أبوال الإبل والنجس لا يباح شربه ولو أبيح للضرورة لأمرهم بغسل أثره إذا أرادوا الصلاة وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في مرابض الغنم وأمر بالصلاة فيها متفق عليه، وصلى أبو موسى في موضع فيه أبعار الغنم فقيل له: لو تقدم إلى ههنا؟ فقال هذا وذاك واحد ولم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ما يصلون عليه من الأوطئة والمصليات وإنما كانوا يصلون على الأرض ومرابض الغنم لا تخلو من أبعارها وأبوالها فدل على أنهم كانوا يباشرونها في صلاتهم، ولأنه لو كان نجساً لتنجست الحبوب التي تدوسها البقر فإنها لا تسلم من أبوالها فيتنجس بعضها فيختلط النجس بالطاهر فيصير حكم الجميع حكم النجس وحكم قيئه ومنيه حكم بوله لأنه في معناه (فصل) في الخارج من الحيوان الذي لا يؤكل لحمه وهو أربعة اقسام (أحدها) الآدمي فالخارج منه ثلاثة أنواع (أحدها) ريقه وعرقه ودمعه ومخاطه ونخامته فهو طاهر لأنه جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في يوم الحديبية أنه ما تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه، رواه البخاري وفي حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى نخامة في قبلة المسجد فأقبل علي الناس فقال " ما بال أحدكم يقوم مستقبل ربه فيتنخع أمامه أيحب أن يستقبل فيتنخع في وجهه؟ فإذا تنخع

مسألة: ويستحب تأخير التيمم إلى آخر الوقت لمن يرجو وجود الماء

أحدكم فليتنخع عن يساره أو تحت قدمه فان لم يجد فليقل هذا " ووصف القاسم فتفل في ثوبه ثم مسح بعضه ببعض رواه مسلم. ولو كانت نجسة لما أمر بمسحها في ثوبه وهو في الصلاة ولا تحت قدمه وسواء في ذلك البلغم الخارج من الرأس والصدر ذكره القاضي وهو مذهب أبي حنيفة. وقال أبو الخطاب البلغم نجس لأنه إستحال في المعدة أشبه القئ ولنا عموم الخبرين ولأنه أحد نوعي النخامة أشبه الآخر ولأنه لو كان نجساً لنجس الفم ونقض الوضوء ولم ينقل عن الصحابة رضي الله عنهم فيما علمنا شئ من ذلك مع عموم البلوى به، وقولهم إنه طعام إستحال في المعدة ممنوع إنما هو منعقد من الأبخرة فهو كالمخاط ولأنه يشق التحرز منه أشبه المخاط (النوع الثاني) قيؤه ودمه وما تولد منه من القيح والصديد فهو نجس وقد ذكرنا حكمه فيما مضى (النوع الثالث) الخارج من السبيلين من البول والغائط والمذي والودي والدم وغيره فلا نعلم في نجاسته خلافاً إلا ما ذكرنا في المذي وسيأتي حكم المني إن شاء الله تعالى (فصل) القسم الثاني البغل والحمار وسباع البهائم والطير فإن قلنا بطهارتها فحكمها حكم الآدمي على ما بينا إلا في منيها فإن حكمه حكم بولها وإن قلنا بنجاستها فجميع أجزائها وفضلاتها نجسه إلا السنور وما دونها في الخلقة وسيأتي بيان حكمها إن شاء الله تعالى (القسم الثالث) الكلب والخنزير وما تولد منهما أو من أحدهما فهو نجس بجميع أجزائه وفضلاته وما ينفصل عنه (القسم الرابع) ما لان نفس له سائلة فهو طاهر بجميع أجزائه وفضلاته المتصلة والمنفصلة إلا أن يكون متولداً من النجاسة وقد ذكرناه (مسألة) (والمني طاهر وعنه أنه نجس ويجزئ فرك يابسه) اختلفت الرواية في المني عن أحمد رحمه الله فروي عنه أنه طاهر وهو ظاهر المذهب وروي عنه أنه كالدم نجس يعفى عن يسيره وروي عنه أنه كالبول ويجزئ فرك يابسه بكل حال لحديث عائشة والرواية الأولى المشهورة في المذهب وهو قول سعد بن أبي وقاص وابن عمر وابن عباس ونحوه قول سعيد بن المسيب وهو مذهب الشافعي وأبي ثور وابن المنذر. وقال أصحاب الرأي هو نجس ويجزئ فرك يابسه وقال مالك غسل الإحتلام أمر واجب وهو مذهب الثوري والاوزاعي لما روت عائشة أنها كانت تغسل المني من ثوب

مسألة: فإن تيمم في أول الوقت وصلى أجزأه

رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حديث صحيح ولأنه خارج معتاد من السبيل أشبه البول ولنا ماروت عائشة قالت كنت أفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فركاً فيصلي فيه متفق عليه وقال ابن عباس أمسحه عنك بأذخرة أو خرقه ولا تغسله إنما هو كالبزاق ورواه الدارقطني مرفوعاً ولأنه لا يجب غسله إذا جف فأشبه المخاط ولانه بدء خلق آدمي أشبه الطين وبهذا فارق البول (فصل) وإن خفي موضع المني فرك الثوب كله إن قلنا بنجاسته وإن قلنا بطهارته إستحب فركه وإن صلى من غير فرك أجزأه وهو قول الشافعي ومن قال بالطهارة، وقال ابن عباس وعائشة وعطاء ينضح الثوب كله وقال ابن عمر وأبو هريرة والحسن يغسله كله ولنا أن فركه يجزئ إذا علم مكانه فكذلك إذا خفي وأما النضح فلا يفيد لأنه لا يطهره إذا علم مكانه فكذلك إذا خفي قال أحمد إنما يفرك مني الرجل خاصة لأن الذي للرجل ثخين والذي للمرأة رقيق والمعنى في هذا أن الفرك يراد للتخفيف والرقيق لا يبقى له جسم بعد جفافه فلا يفيد فيه الفرك فعلى هذا إن قلنا بنجاسته فلا بد من غسله رطباً كان أو يابساً كالبول وإن قلنا بطهارته إستحب غسله كما يستحب فرك مني الرجل فأما الطهارة والنجاسة فلا يفترقان فيه لأنه مني خارج من السبيل بدء خلق آدمي (فصل) ومن أمنى وعلى فرجه نجاسة نجس منيه لإصابته النجاسة. وذكر القاضي في المني من الجماع أنه نجس لأنه لا يسلم من المذي وهذا فاسد فإن مني النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان من جماع لأن الأنبياء لا يحتلمون وهو الذي وردت الأخبار بفركه والطهارة لغيره فرع عليه والله أعلم

(مسألة) (وفي رطوبة فرج المرأة روايتان) (إحداهما) نجاسته لأنه بلل في الفرج لا يخلق منه الولد أشبه المذي (والثانية) طهارته لأن المني طاهر لما بينا وإذا كان من جماع فلا بد أن يصيب رطوبة الفرج ولأننا لو حكمنا بنجاسته لحكمنا بنجاسة منيها لأنه يتنجس برطوبة فرجها لخروجه منه. وقال القاضي ما أصاب منه في حال الجماع فهو نجس لأنه لا يسلم من المذي هذا ممنوع فإن الشهوة إذا إشتدت خرج المني دون المذي كحالة الإحتلام (مسألة) (وسباع البهائم والطير والبغل والحمار الأهلي نجسة وعنه أنها طاهرة) روي عن أحمد رحمه الله في سباع البهائم وجوارح الطير ما خلا الكلب والخنزير والسنور وما دونها في الخلقة روايتان (إحداهما) ان سؤرها وعرقها نجس وهو اختيار الخرقي لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الماء وما ينوبه من السباع فقال " إذا بلغ الماء قلتين لم ينجس " ولو كانت طاهرة لم يحد بالقلتين ولأنه حيوان حرم أكله لا لحرمته يمكن التحرز عنه غالباً أشبه الكلب ولأن الغالب عليها أكل الميتات والنجاسات فينبغي أن يقضي بنجاستها كالكلاب (والرواية الثانية) أنها طاهرة رواها عنه إسماعيل ابن سعيد يروي ذلك عن الحسن وعطاء والزهري ومالك والشافعي وابن المنذر لما روى أبو سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الحياض التي بين مكة والمدينة تردها السباع والكلاب والحمر وعن الطهارة بها فقال " لها ما أخذت في أفواهها ولنا ما غبر طهور " رواه ابن ماجه. ومر عمر وعمرو بن العاص بحوض فقال عمرو يا صاحب الحوض ترد على حوضك السباع؟ فقال عمر يا صاحب الحوض

لا تخبرنا فإنا نرد عليها وترد علينا. رواه مالك في الموطأ ولأنه حيوان يجوز بيعه فكان طاهراً كبهيمة الأنعام (فصل) وفي البغل والحمار ثلاث روايات (إحداها) أنها نجسة نروى كراهتها عن ابن عمر وهو قول الحسن وابن سيرين والشعبي والاوزاعي وإسحاق لما ذكرنا في السباع ولقول النبي صلى الله عليه وسلم " أنها رجس " (والثانية) أنه مشكوك فيها لأن أحمد قال في البغل والحمار إذا لم يجد غير سؤرهما تيمم منه وهو قول أبي حنيفة والثوري لأنه تردد بين أمارة تنجسه وأمارة تطهره، فأمارة تنجيسه أنه محرم أشبه الكلب وأمارة تطهيره أنه ذو حافر يجوز بيعه أشبه الفرس (والثالثة) أنه طاهر وهو قول مالك والشافعي وابن المنذر وهذا اختيار شيخنا لما ذكرنا ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يركبهما وتركب في زمنه. ولو كان نجساً لبين النبي صلى الله عليه وسلم لهم ذلك ولأنهما لا يمكن التحرز منهما لمقتنيهما فأشبها السنور، فأما قوله صلى الله عليه وسلم " أنها رجس " أراد به التحريم كقول الله تعالى في الأنصاب والأزلام (أنها رجس) ويحتمل أنه أراد لحمها الذي كان في قدورهم فإنه نجس لأن ذبح مالا يباح أكله لا يطهره (فصل) وفي الجلالة روايتان (إحداهما) نجاستها لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ركوب الجلالة وألبانها، رواه أبو داود ولأنها تنجست بالنجاسة والريق لا يطهر (والثانية أنها طاهرة لان الهر والضبع يأكلان النجاسة وهما طاهران وحكم أجزاء الحيوان من شعره وريشه وجلده ودمعه وعرقه

مسألة: ومن حبس في المصر صلى بالتيمم ولا إعادة عليه

حكم سؤره لأنه من أجزأئه فأشبه السنور في الطهارة والنجاسة لأنه في معناه والله أعلم (مسألة) (وسؤر الهرة وما دونها في الخلقة طاهر) سؤر الهرة وما دونها في الخلقة طاهر كابن عرس والفأرة ونحو ذلك من حشرات الأرض طاهر لا نعلم فيه خلافاً في المذهب أنه يجوز شربه والوضوء به ولا يكره. هذا قول أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلا أبا حنيفة فإنه كره الوضوء بسؤر الهر فإن فعل أجزأه، ورويت كراهته عن ابن عمر ويحيى الانصاري وابن أبي ليلى، وقال أبو هريرة يغسل مرة أو مرتين وهو قول ابن المسيب ونحوه قول الحسن وابن سيرين لما روى أبو داود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا ولغت فيه الهر يغسل مرة " وقال طاوس يغسل سبعاً كالكلب ولنا ما روى عن كبشة بنت كعب بن مالك أن أبا قتادة دخل عليها فسكبت له وضوءاً قالت فجاءت هرة فأصغى لها الإناء حتى شربت. قالت كبشة فرآني أنظر إليه قال: أتعجبين يا إبنة أخي؟ فقلت نعم. فقال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إنها ليست بنجس إنها من الطوافين عليكم والطوافات " أخرجه أبو داود والنسائي والترمذي وقال حديث حسن صحيح دل بلفظه على نفي الكراهة عن سؤر الهر وبتعليله على نفي الكراهة عما دونها مما يطوف علينا. وعن عائشة أنها قالت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إنها ليست بنجس إنما هي من الطوافين عليكم " وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بفضلها رواه أبو داود، وحديثهم ليس فيه تصريح بنجاستها مع صحة حديثنا واشتهاره (فصل) وإذا أكلت الهر نجاسة ثم شربت من مائع بعد الغيبة فهو طاهر لأن النبي صلى الله عليه وسلم

مسألة: وإن إجتمع جنب وميت ومن عليها غسل حيض فبذل ماء يكفي أحدهم لاولاهم به فهو للميت وعنه أنه للحي وأيهما يقدم؟ فيه وجهان

وسلم نفى عنها النجاسة وتوضأ بفضلها مع علمه بأكلها النجاسات وإن شربت قبل الغيبة فقال القاضي وابن عقيل ينجس لأنه مائع وردت عليه نجاسة متيقنة، وقال أبو الحسن الآمدي ظاهر قول أصحابنا طهارته لأن الخبر دل على العفو عنها مطلقاً وعلل بعدم إمكان التحرز عنها ولأننا حكمنا بطهارتها بعد الغيبة في مكان لا يحتمل ورودها على ماء كثير يطهر فاها ولو إحتمل ذلك فهو شك لا يزيل يقين النجاسة فوجب إحالة الطهارة على العفو عنها وهو شامل لما قبل الغيبة (فصل) والخمر نجس لقوله تعالى (إنما الخمر والميسر - إلى قوله - رجس) ولأنه يحرم تناوله من غير ضرر اشبه الدم وكذلك النبيذ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " كل مسكر خمر وكل خمر حرام " رواه مسلم ولأنه شراب فيه شدة مطربة أشبه الخمر والله تعالى أعلم (باب الحيض) (مسألة) قال (وهو دم طبيعة وجبلة) الحيض دم يرخيه الرحم إذا بلغت المرأة في أوقات معتادة وهو دم طبع الله النساء وجبلهن عليه وليس بدم فساد بل خلقه الله تعالى لحكمة تربية الولد فإذا حملت المرأة انصرف ذلك بإذن الله تعالى إلى غذائه ولذلك لا تحيض الحامل فإذا وضعت الولد قلبه الله

بحكمته لبناً ولذلك قلما تحيض المرضع. فإذا خلت المرأة من الحمل والرضاع بقي الدم لا مصرف له فيستقر في مكان ثم يخرج في الغالب في كل شهر ستة أيام أو سبعة وقد يزيد على ذلك وتقل وتطول أشهر المرأة وتقصر على حسب ما ركبه الله تعالى في الطباع - وسمي حيضاً من قولهم حاض الوادي إذا سال وتقول العرب حاضت الشجرة إذا سال منها الصمغ الأحمر وهو من السيلان والأصل فيه قوله تعالى (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض) وقال أحمد رحمه الله الحيض يدور على ثلاثة أحاديث حديث فاطمة وأم حبيبة وحمنة، وفي رواية وحديث أم سلمة مكان حديث أم حبيبة وسنذكر هذه الأحاديث في مواضعها إن شاء الله (فصل) وإختلف الناس في الحيض فقال قوم المحيض والحيض واحد مصدران بدليل قوله تعالى (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى) والأذى إنما هو الدم وهو الحيض وكذلك قوله تعالى (واللائي يئسن من المحيض) وإنما يئسن من الحيض وقال ابن عقيل المحيض مكان الحيض كالمقيل والمبيت مكان القيلولة والبيتوتة وما جاء في القرآن يحمل على المجاز وفائدة الخلاف أنا إذا قلنا المحيض إسم لمكان الحيض إختص التحريم به وإذا قلنا إسم للدم جاز أن ينصرف إلى ما عداه لأجله (مسألة) (ويمنع عشرة أشياء (أحدها) فعل الصلاة (والثاني) وجوبها) قال إبن المنذر أجمع أهل العلم على إسقاط فرض الصلاة عن الحائض في أيام حيضها وعلى أن قضاء ما تركت من الصلاة في أيام حيضها غير واجب وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث فاطمة بنت أبي حبيش " إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة " متفق عليه، ولما روت معاذة قالت سألت عائشة ما بال الحائض

تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ فقالت أحرورية أنت؟ فقلت لست بحرورية ولكني أسأل فقالت كنا نحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة متفق عليه إنما قالت لها عائشة ذلك لأن الخوارج يرون على الحائض قضاء الصلاة (الثالث) فعل الصيام ولا يسقط وجوبه لما ذكرنا من الحديث وقال النبي صلى الله عليه وسلم " أليست إحداكن إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟ " قلن بلى رواه البخاري وحكى ابن المنذر إن الحائض عليها قضاء الصوم إجماعا (الرابع) قراة القرآن لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئا من القرآن " رواه أبو داود والترمذي (والخامس) مس المصحف لقوله تعالى (لا يمسه إلا المطهرون) ولقول النبي صلى الله عليه وسلم في كتاب عمرو بن حزام " لا تمس القرآن إلا وأنت طاهر " رواه الاثرم (والسادس) اللبث في المسجد لما ذكرنا في باب الغسل (والسابع) الطواف لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة إذ حاضت " فافعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري " متفق عليه (والثامن) الوطئ في الفرج لقوله تعالى (فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن) (التاسع) سنة الطلاق يعني أن طلاق الحائض محرم وهو طلاق بدعة لما نذكره في موضعه (العاشر) الاعتداد بالأشهر لقوله تعالى (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) فأوجب العدة بالقروء وقوله (واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن) شرط في العدة بالأشهر عدم الحيض ويمنع أيضاً صحة الطهارة لأن خروج الدم يوجب الحدث فمنع استمراره صحة الطهارة كالبول. (مسألة) (ويوجب الغسل عند انقطاعه) لقول النبي صلى الله عليه وسلم " دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها ثم اغتسلي وصلي " متفق عليه ويوجب البلوغ لقول النبي صلى الله عليه وسلم " ولا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار " ويوجب الاعتداد به لما ذكرنا وأكثر هذه الاحكام مجمع عليها (مسألة) (والنفاس مثله لا في الاعتداد) يعني أن حكم النفاس حكم الحيض فيما يجب به ويحرم وما يسقط عنها لا نعلم في هذا خلافا والخلاف في وجوب الكفارة بوطئها كالحائض وكذلك إباحة الاستمتاع فيما دون الفرج لأنه دم الحيض احتبس لأجل الحمل ثم خرج فثبت حكمه إلا في الاعتداد لأن الاعتداد بالقروء والنفاس ليس بقروء ولأن العدة تنقضي بالحمل - ويفارقه أيضاً في كونه لا يدل على البلوغ لأنه لا يتصور لحصوله بالحمل قبله (مسألة) (فإذا إنقطع الدم أبيح فعل الصيام والطلاق ولم يبح غيرهما حتى تغتسل) وجملة ذلك

باب إزالة النجاسة

أنه متى إنقطع دم الحائض ولما تغتسل زال من الأحكام المتعلقة بالحيض أربعة أحكام (أحدها) سقوط فرض الصلاة لأن سقوطه بالحيض وقد زال (الثاني) منع صحة الطهارة لذلك (الثالث) تحريم الصيام لأن وجوب الغسل لا يمنع فعله كالجنابة (الرابع) إباحة الطلاق لأن تحريمه لتطويل العدة أو لأجل الحيض وقد زال ذلك وسائر المحرمات باقية لأنها تحرم على الجنب فههنا أولى (فصل) فأما الوطئ قبل الغسل فهو حرام في قول أكثر أهل العلم قال إبن المنذر هذا كالإجماع وقال أبو حنيفة إن انقطع الدم لأكثر الحيض حل وطؤها وإلا لم يبح حتى تغتسل أو تتيمم أو يمضي عليها وقت صلاة لأن وجوب الغسل لا يمنع الوطئ كالجنابة ولنا قوله تعالى (ولا تقربوهن حتى يتطهرن فإذا تطهرن فائتوهن) قال مجاهد حتى يغتسلن وقال ابن عباس فإذا إغتسلن ولأنه قال (فإذا تطهرن) والتطهر تفعل والتفعل إذا أضيف الى من يصح منه الفعل إقتضى إيجاد الفعل منه كما في النظائر وإنقطاع الدم غير منسوب إليها ولأن الله سبحانه وتعالى شرط لحل الوطئ شرطين - إنقطاع الدم والغسل فلا يباح بدونهما ولأنها ممنوعة من الصلاة لحديث الحيض فمنع وطئها كما لو إنقطع لأقل الحيض وبهذا ينتقض قياسهم وحدث الحيض آكد من حدث الجنابة فلا يصح الإلحاق. (فصل) وانقطاع الدم الذي تتعلق به هذه الأحكام الإنقطاع الكثير الذي يوجب عليها الغسل والصلاة فأما الإنقطاع اليسير في أثناء الحيض فلا حكم له لأن العادة أن الدم ينقطع تارة ويجري أخرى وسنذكر ذلك إن شاء الله (مسألة) (ويجوز الاستمتاع من الحائض بما دون الفرج) الاستمتاع من الحائض بما فوق السرة وتحت الركبة جائز بالاجماع والنص والوطئ في الفرج محرم بهما والإختلاف في الاستمتاع بما بينهما مذهب إمامنا رحمه الله جوازه وهو قول عكرمة وعطاء والشعبي والثوري واسحاق، وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي لا يباح لأن عائشة رضي اله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرني فأتزر فيباشرني وأنا حائض رواه البخاري ومسلم بمعناه. وعن عبد الله بن سعد الأنصاري أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يحل لي من امرأتي وهي حائض؟ قال " ما فوق الإزار " رواه البيهقي ولنا قول الله تعالى (فاعتزلوا النساء في المحيض) وهو إسم لمكان الحيض كالمقيل والمبيت فتخصيصه موضع الدم بالمنع يدل على إباحته فيما عداه، فإن قيل بل المحيض الحيض بدليل قوله تعالى (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى) والأذى هو الحيض وقوله تعالى (واللائي يئسن من المحيض) وإنما يئسن من الحيض قلنا يمكن حمله على ما ذكرنا وهو أولى لوجهين (أحدهما) أنه لو أراد الحيض لكان أمراً باعتزال النساء في مدة الحيض بالكلية ولا قائل به (الثاني) أن سببب نزول الآية أن اليهود

مسألة: ويجب غسل نجاسة الكلب والخنزير سبعا إحداهن بالتراب

كانت إذا حاضت المرأة اعتزلوها فلم يواكلوها ولم يشاربوها ولم يجتمعوا معها في البيت فسأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فنزلت هذه الآية فقال النبي صلى الله عليه وسلم " اصنعوا كل شئ غير النكاح " رواه مسلم. وهذا تفسير لمراد الله تعالى لأنه لا تتحقق مخالفة اليهود بإرادة الحيض لأنه يكون موافقاً لهم ومن السنة هذا الحديث. وعن عكرمة عن أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا أراد من الحائض شيئاً ألقى على فرجها خرقة، رواه أبو داود ولانه وطئ منع للأذى فاختص بمحله كالدبر وحديث عائشة ليس فيه دليل على تحريم ما تحت الإزار فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد يترك بعض المباح تقذرا كتركه أكمل الضب والحديث الآخر يدل بالمفهوم والمطوق راجح عليه (مسألة) (فإن وطئها في الفرج فعليه نصف دينار كفارة وعنه ليس عليه إلا التوبة) اختلفت الرواية في وجوب الكفارة بوطئ الحائض في الفرج فروي عنه أن عليه الكفارة وهو المشهور في المذهب لما روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يأتي امرأته وهي حائض قال " يتصدق بدينار أو نصف دينار " رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي (والثانية) لا كفارة عليه وهو قول مالك وأبو حنيفة وأكثر أهل العلم. وللشافعي قولان كالمذهبين لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من أتى حائضاً أو امرأة في دبرها أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم " رواه ابن ماجه ولم يذكر كفارة إلا أن البخاري ضعف هذا الحديث حكاه الترمذي ولأنه وطئ نهي عنه لأجل الاذى أشبه الوطئ في الدبر وحديث الكفارة مداره على عبد الحميد بن زيد بن الخطاب وقد قيل لاحمد في نفسك منه شئ؟ قال: نعم، قال لو صح ذلك الحديث كنا نرى عليه الكفارة (1) وقد روي عن أحمد أنه قال: إن كانت له مقدرة تصدق بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وكلامه هذا يدل على أن المعسر لا شئ عليه. قال أبو عبد الله بن حامد: كفارة وطئ الحائض تسقط بالعجز عنها أو عن بعضها ككفارة الوطئ في رمضان. (فصل) وظاهر المذهب في الكفارة أنها دينار أو نصف دينار على وجه التخيير يروي ذلك عن ابن عباس لظاهر الحديث قال أبو داود هكذا الرواية الصحيحة قال دينار أو نصف دينار ولأنه معنى تجب الكفارة بالوطئ فيه فاستوى الحال فيه بين إقباله وإدباره كالإحرام. وعنه إن كان الدم أحمر فدينار وإن كان أصفر فنصف دينار وهو قول إسحاق لما روي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " إن كان دماً أحمر فدينار وإن كان دما أصفر فنصف دينار " رواه أبو داود والترمذي إلا أن أبا داود قال: هو وقوف من قول ابن عباس والأول أولى لما ذكرنا، فإن قيل فكيف يخير بين شئ ونصفه؟ قلنا كما خير المسافر بين القصر والإتمام. (فصل) فإن وطئها بعد الطهر قبل الغسل فلا كفارة عليه وقال قتادة والاوزاعي: عليه نصف

_ 1) قال الحافظ في التلخيص ان رواية عبد الحميد كل رواتها في الصحيح الامقسم (هو التابعي الذي رواه عن ابن عباس) فانقرد به البخاري - ثم قال وقال الخلال عن أبي داود عن أحمد: ما احسن حديث عبد الحميد. فقيل له تذهيب إليه. قال نعم قال أبو داود وهى الرواية الصحيحة الخ. ثم اعتمد الحافظ قول من صححوا الحديث الحديث خلافا للنوى وذكر دون حديث القلتين وحديث بئر بضاعة الذين صححوهما

دينار لأنه حكم تعلق بالوطئ في الحيض فلم يزل إلا بالغسل كالتحريم ولنا أن وجوب الكفارة من الشرع ولم يرد بذلك إلا في الحائض وقياسهم يبطل بما لو حلف لا يطأ حائضاً فانه يحنث بالوطئ في الحيض ولا يحنث بالوطئ قبل الغسل (فصل) وهل تجب الكفارة على الجاهل والناسي؟ على وجهين (أحدهما) تجب لعموم الخبر وقياسا على الوطئ في الإحرام (والثاني) لا تجب لقوله عليه السلام " عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان " ولأنها وجبت لمحو الإثم فأشبهت كفارة اليمين، فان وطئ طاهراً فحاضت في أثناء وطئه لم تجب عليه الكفارة على الوجه الثاني وتجب على الأول وهو قول ابن حامد، وإن وطئ الصبي لزمته الكفارة عند ابن حامد لعموم الخبر وكالوطئ في الإحرام. قال شيخنا: ويحتمل أن لا تلزمه لأنها من فروع التكليف وهو غير مكلف. (فصل) وتجب الكفارة على المرأة في المنصوص لانه وطئ يوجب الكفارة فأوجبها على المرأة كالوطئ في الإحرام، وقال القاضي: فيه وجهان (أحدهما) لا تجب لأن الوجوب من الشرع ولم يرد فإن كانت مكرهة أو غير عالمة فلا كفارة عليها لقوله صلى الله عليه وسلم " عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " وحكم النفساء حكم الحائض في ذلك لأنها في معناها. ويجزئ نصف دينار من أي ذهب كان إذا كان صافياً ويستوي التبر والمضروب لوقوع الإسم عليه، ويجزئ إخراج القيمة في أحد الوجهين لأن المقصود يحصل بها فجاز من أي مال كان كالخراج (والثاني) لا يجوز لأنه كفارة فاختص ببعض الأنواع كسائر الكفارات. فعلى هذا الوجه هل يجوز إخراج الدراهم؟ ينبني على جوازه في الزكاة والصحيح جوازه لما ذكرنا واختاره شيخنا. ومصرفها إلى المسكين كسائر الكفارات والله أعلم (مسألة) (وأقل سن تحيض له المرأة تسع سنين) هذه المسألة تشتمل على أمرين (أحدهما) أن الصغيرة إذا رأت دماً لدون تسع سنين فليس بحيض لا نعلم في ذلك خلافاً في المذهب لأن الصغيرة لا تحيض لقوله سبحانه (واللائي لم يحضن) ولأن المرجع فيه الى الوجود ولم يوجد من النساء من تحيض عادة فيما دون هذه السن ولأن الله سبحانه خلق دم الحيض لحكمة تربية الولد وهذه لا تصلح للحمل فلا توجد فيها حكمته فينتفي لانتفاء حكمته (الأمر الثاني) أنها إذا رأت دماً يصلح أن يكون حيضاً ولها تسع سنين حكم بكونه حيضاً وحكم ببلوغها وثبت في حقها أحكام الحيض كلها لأنه روي عن عائشة أنها قالت: إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة. وروي ذلك مرفوعا من رواية ابن عمر والمراد به حكمها حكم المرأة. وذكر ابن عقيل أن نساء تهامة يحضن لتسع سنين وهذا قول الشافعي وقد حكي عنه أنه قال: رأيت جدة بنت إحدى وعشرين سنة وهذا يدل على أنها حملت لدون عشر سنين وكذلك بنتها. وحكي الميموني عن أحمد في بنت عشر رأت الدم قال: ليس بحيض قال القاضي: فيجب على هذا أن يقال: أول زمن يصح فيه وجود الحيض ثنتا عشرة سنة لأنه الزمان

مسألة: فإن جعل مكانه أشنانا أو نحوه فعلى وجهين

الذي يصح فيه بلوغ الغلام والأول أصح (مسألة) قال (وأكثره خمسون سنة وعنه ستون في نساء العرب) اختلفت الرواية في حد السن الذي تيأس فيه المرأة من الحيض فروي عنه أنه خمسون سنة وهذا قول إسحاق ويكون حكمها فيما تراه من الدم بعد الخمسين حكم المستحاضة لأن عائشة رضي الله عنها قالت: إذا بلغت خمسين سنة خرجت من حد الحيض وروي عنها أنها قالت: لن ترى المرأة في بطنها ولداً بعد الخمسين. وروي عنه أنها لا تيأس من الحيض يقيناً إلى ستين سنة وما تراه فيما بين الخمسين والستين حيض مشكوك فيه لا تترك الصلاة ولا الصوم لأن وجوبهما متيقن فلا يسقط بالشك وتقضي الصوم المفروض إحتياطاً لأنه واجب في ذمتها بيقين فلا يسقط بأمر مشكوك فيه هكذا رواه الخرقي. وروي عنه أن نساء العجم تيأس في خمسين ونساء قريش وغيرهم من العرب إلى ستين - وهذا قول أهل المدينة - لأنهن أقوى جبلة. وروى الزبير بن بكار في كتاب النسب عن بعضهم أنه قال لا تلد لخمسين سنة إلا عربية ولا تلد لستين إلا قرشية وقال: إن هنداً بنت أبي عبيدة بن عبد الله بن زمعة ولدت موسى بن عبد الله بن حسن بن حسن بن علي بن ابي طالب ولها ستون قال أحمد في امرأة من العرب رأت الدم بعد الخمسين: إن عاودها مرتين أو ثلاثا فهو حيض وذلك لأن المرجع في ذلك إلى الوجود وقد وجد حيض من نساء ثقات أخبرن عن أنفسهن بعد الخمسين فأشبه ما قبل الخمسين لأن الكلام فيما إذا وجد من المرأة دم في زمن عادتها بعد الخمسين كما كانت تراه قبلها. قال شيخنا والصحيح أنه لا فرق بين نساء العرب وغيرهن لأنهن سواء في سائر أحكام الحيض كذلك هذا. وما ذكر عن عائشة لا حجة فيه لأن الحيض أمر حقيقي المرجع فيه الى الوجود وقد وجد بخلاف ما قالت على ما حكاه الزبير بن بكار. وإن قيل هذا الدم ليس بحيض مع كونه على صفته وفي وقته وعادته بغير نص فهو تحكم فأما بعد الستين فلا خلاف في المذهب أنه ليس بحيض لأنه لم يوجد وقد علم أن للمرأة حالاً تيأس فيه من الحيض لقول الله تعالى (واللائي يئسن من المحيض) قال أحمد في المراة الكبيرة ترى الدم هو بمنزلة الجرح وقال عطاء " هي بمنزلة المستحاضة وذلك لأن هذا الدم إذا لم يكن حيضاً فهو دم فساد حكمه حكم دم الاستحاضة ومن به سلس البول وسنذكره فيما بعد إن شاء الله تعالى (مسألة) (والحامل لا تحيض فإن رأت دما فهو دم فساد) وهذا قول سعيد بن المسيب وعطاء والحسن وعكرمة والشعبي وحماد والثوري والاوزاعي وأبي حنيفة وابن المنذر وأبي عبيد وروي عن عائشة، والصحيح عنها أنها إذا رأت الدم لا تصلي. وقال مالك والشافعي والليث: ما تراه من الدم حيض إذا أمكن. وروي ذلك عن الزهري وقتادة واسحاق لأنه دم صادف العادة فكان حيضاً كغير الحامل ولنا قوله صلى الله عليه وسلم " لا توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تستبرأ بحيضة " جعل وجود الحيض علماً

على براءة الرحم فدل على أنه لا يجتمع معه، ولأن ابن عمر لما طلق امرأته وهي حائض قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر " مره فليراجعها ثم يطلقها طاهراً أو حاملاً " فجعل الحمل علماً على عدم الحيض كالطهر إحتج بذلك أحمد ولأنه زمن لا ترى الدم فيه غالباً فلم يكن ما تراه حيضاً كالآيسة، قال أحمد إنما يعرف النساء الحمل بإنقطاع الدم وقول عائشة يحمل على التي قاربت الوضع جمعاً بين قوليها (فصل) فإن رأته قبل ولادتها قريباً منها فهو نفاس تدع الصلاة والصوم، قال يعقوب بن بختان سألت أحمد عن المرأة إذا ضربها المخاض قبل الولادة بيوم أو يومين تعيد الصلاة؟ قال لا وهذا قول إسحاق، وقال الحسن إذا رأت الدم على الولد أمسكت عن الصلاة، وقال النخعي إذا ضربها المخاض فرأت الدم قال هو حيض، وهذا قول أهل المدينة والشافعي، وقال عطاء تصلي ولا تعده حيضاً ولا نفاساً ولنا أنه دم خرج بسبب الولادة فكان نفاساً كالخارج بعده (فصل) وإنما يعلم أنه بسبب الولادة إذا كان قريبا منها ويعلم ذلك برؤية أمارتها في وقته، فأما أن رأت الدم من غير علامة على قرب الوضع لم تترك له العبادة لأن الظاهر أنه دم فساد فإن تبين كونه قريباً مع الوضع لوضعها بعده بيوم أو يومين أعادت الصوم المفروض الذي صامته فيه، وإن رأته عند العلامة تركت العبادة، فإن تبين بعده عنها أعادت ما تركته من العبادات الواجبة لأنه تبين أنه ليس بحيض ولا نفاس والله أعلم (مسألة) (وأقل الحيض يوم وليلة وعنه يوم وأكثره خمسة عشر يوماً وعنه سبعة عشر) المشهور في المذهب أن أقل الحيض يوم وليلة وأكثره خمسة عشر يوماً هذا قول عطاء بن أبي رباح وأبي ثور، وروى عن أحمد أن أقله يوم وأن أكثره سبعة عشر، قال ابن المنذر بلغني أن نساء آل الماجشون كن يحضن سبع عشرة، قال الخلال: مذهب أبي عبد الله لا اختلاف فيه أن أقل الحيض

مسألة: وفي سائر النجاسات ثلاث روايات إحداهن يجب غسلها سبعا وهل يشترط التراب على وجهين، والثانية ثلاثا والثالثة تكاثر بالماء من غير عدد كالنجاسات كلها إذا كانت على الأرض

يوم وأكثره خمسة عشر ومذهب الشافعي نحو هذا في أقله وأكثره. وقال الثوري والنعمان وصاحباه أقله ثلاثة أيام وأكثره عشرة لما روى واثلة بن الاسقع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أقل الحيض ثلاثة أيام وأكثره عشرة " وقال أنس قرء المرأة ثلاث أربع خمس ست سبع ثمان تسع عشرة ولا يقول ذلك الا توقيفا وقال مالك ليس لأقله حد ولو كان لأقله حد لكانت المراة لا تدع الصلاة حتى يمضي ذلك الحد ولنا إن ذكر الحيض ورد في الشرع مطلقاً من غير تحديد ولا حد له في اللغة فرجع فيه إلى العرف والعادة كالقبض والإحراز والتفرق وقد وجد حيض معتاد أقل من ثلاثة وأكثر من عشرة. وقال عطاء رأيت من النساء من تحيض يوماً وتحيض خمسة عشر، وقال شريك: عندنا امرأة تحيض كل شهر خمسة عشر يوماً حيضاً مستقيماً، وقال أبو عبد الله الزبيري: كان في نسائنا من تحيض يوماً وتحيض خمسة عشر يوماً، وقال الشافعي رأيت امرأة أثبت لي عنها أنها لم تزل تحيض يوماً لا تزيد عليه، وأثبت لي عن نساء إنهن لم يزلن يحضن أقل من ثلاثة أيام، وقولهن يجب الرجوع إليه لقوله تعالى (ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن) فلولا أنه مقبول ما حرم عليهن الكتمان وجرى ذلك مجرى الشهادة ولم يوجد حيض معتاد أقل من ذلك في عصر من الأعصار فلا يكون حيضاً بحال وحديث واثلة بن الاسقع يرويه محمد بن أحمد الشامي وهو ضعيف عن حماد بن المنهال وهو مجهول وحديث أنس رواه الجلد بن أيوب وهو ضعيف قال ابن عيينة: هو محدث لا أصل له وقال يزيد بن زريع ذاك أبو حنيفة لم يحتج إلا بالجلد بن أيوب وحديث الجلد ولو صح فقد روي عن علي رضي الله عنه ما يعارضه فانه قال: ما زاد على خمسة عشر إستحاضة وأقل الحيض يوم وليلة (مسألة) (وغالبه ست أو سبع) لقول النبي صلى الله عليه وسلم لحمنة " تحيضي (1) في علم الله ستة أيام أو سبعة ثم اغتسلي وصلي أربعة وعشرين يوماً أو ثلاثة وعشرين يوماً كما تحيض النساء وكما يطهرن لميقات حيضهن وطهرهن " حديث حسن

_ 1) هو بفتح التاء والحاء وتشديد الياء - اي عدي نفسك حائضا

(مسألة) (وأقل الطهر بين الحيضتين ثلاثة عشر يوماً) لأن كلام أحمد لا يختلف أن العدة يصح أن تنقضي في شهر إذا قامت به البينة، قال إسحاق توقيت هؤلاء بالخمسة عشر باطل وقال أبو بكر: أقل الطهر مبني على أكثر الحيض، فإن قلنا أكثره خمسة عشر فأقل الطهر خمسة عشر، وإن قلنا أكثره سبعة عشر فأقل الطهر ثلاثة عشر، وهذا بناه على أن شهر المرأة لا يزيد على ثلاثين يوماً يجتمع فيه حيض وطهر، وأما إذا زاد شهرها على ذلك فلا يلزم ما قال، وقال مالك والثوري وأبو حنيفة والشافعي أقله خمسة عشر،، وعن أحمد عشرة وعن أحمد نحو ذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم تمكث " إحداكن شطر عمرها لا تصلي " ولنا ما روى الإمام أحمد عن علي رضي الله عنه أن امرأة جاءته وقد طلقها زوجها فزعمت أنها حاضت في شهر ثلاث حيض طهرت عند كل قرء وصلت. فقال علي لشريح قل فيها، فقال شريح إن جاءت ببينة من بطانة أهلها مما يرضى دينه وأمانته فشهدت بذلك وإلا فهي كاذبة. فقال علي: (قالون) يعني جيد بالرومية ولا يقول مثل هذا إلا توقيفاً ولأنه قول صحابي انتشر ولم يعلم خلافه ولا يتصور إلا على قولنا أقله ثلاثة عشر وأقل الحيض يوم وهذا في الطهر بين الحيضتين، فأما الطهر بين الحيضة فسيأتي حكمه وغالب الطهر أربعة وعشرون أو ثلاثة وعشرون لقول النبي صلى الله عليه وسلم لحمنه " ثم اغتسلي وصلي أربعة وعشرين يوماً أو ثلاثة وعشرين يوماً كما يحيض النساء وكما يطهرن " ولا حد لأكثره لأن التحديد من الشرع ولم يرد به ولا نعلم له دليلاً والله أعلم (مسألة) (والمبتدأة تجلس يوماً وليلة ثم تغتسل وتصلي فإن إنقطع دمها لأكثره فما دون اغتسلت عند إنقطاعه وتفعل ذلك ثلاثا فان كان في الثلاث على قدر واحد صار عادة وإنتقلت إليه وأعادت ما صامته من الفرض فيه، وعنه يصير عادة بمرتين) وجملة ذلك أن المبتدأة أول ما ترى الحيض ولم

تكن حاضت قبله إذا كان في وقت يمكن حيضها - وهي التي لها تسع سنين فصاعداً - إذا إنقطع لأقل من يوم وليلة فهو دم فساد، وإن كان يوماً وليلة فما زاد فإنها تدع الصوم والصلاة لأن دم الحيض جبلة وعادة ودم الاستحاضة لعارض الأصل عدمه. وظاهر المذهب إنها تجلس يوماً وليلة ثم تغتسل وتتوضأ لوقت كل صلاة وتصلي وتصوم. فإذا إنقطع دمها لأكثر الحيض فما دون اغتسلت غسلاً ثانياً عند إنقطاعه ثم تفعل ذلك في الشهر الثاني والثالث، فان كان في الأشهر الثلاثة متساوياً صار ذلك عادة وعلمنا أنها كانت حيضاً فيجب عليها قضاء ما صامته من الفرض فيه لأننا تبينا أنها صامته في زمن الحيض وهذا اختيار الخرقي، قال القاضي المذهب عندي في هذا رواية واحدة وذلك لأن العبادة واجبة في ذمتها بيقين فلا تسقط بأمر مشكوك فيه أول مرة كالمعتدة لا نحكم ببراءة ذمتها من العدة بأول حيضة ولا يلزم عليه اليوم والليلة لأنها اليقين فلو لم نجلسها ذلك أدى الى أن لا نجلسها أصلاً وقد نقل عن أحمد فيها ثلاث روايات أخر (إحداها) أنها تجلس ستاً أو سبعاً نقلها عنه صالح على حديث حمنة لأنه أكثر ما يجلسه النساء (والثانية) تجلس عادة نسائها كأمها وأختها وعمتها وخالتها، وهذا قول عطاء والثوري والاوزاعي لأن الغالب أنها تشبههن في ذلك وهو قول إسحاق غير أنه قال فإن لم تعرف الأم والخالة أو العمة فإنها تجلس ستة أيام أو سبعة كما في حديث حمنة (والثالثة) أنها تجلس ما تراه من الدم ما لم يجاوز أكثر الحيض وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي اختاره شيخنا فإن إنقطع لأكثره فالجميع حيض لأننا حكمنا بأن ابتداء الدم حيض مع جواز أن يكون إستحاضة فكذلك باقية. ولأن دم الحيض دم جبلة والأستحاضة دم عارض والاصل فيها الصحة والسلامة

(فصل) لا يختلف المذهب أن العادة لا تثبت بمرة، وظاهر مذهب الشافعي أنها تثبت بمرة لأن المرأة التي استفتت لها أم سلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ردها إلى الشهر الذي يلي شهر الإستحاضة لأن ذلك أقرب إليها فوجب ردها إليه ولنا أن العادة مأخوذة من المعاودة ولا تحصل بمرة والحديث حجة لنا لأنه قال " لتنظر عدة الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها " و (كان) يخبر بها عن دوام الفعل وتكراره ولا يقال لمن فعل شيئاً مرة كان يفعل. وإختلفت الرواية هل تثبت العادة بمرتين أو ثلاث؟ فعنه أنها تثبت بمرتين لأنها مأخوذة من المعاودة وقد عاودتها في المرة الثانية، وعنه لا تثبت إلا بثلاث وهو المشهور في المذهب لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " تدع الصلاة أيام اقرائها " والإقراء جمع وأقله ثلاثة ولأن العادة إنما تطلق على ما كثر ولأن ما اعتبر له التكرار اعتبر ثلاثا كخيار المصراة، فإن قلنا بهذه الرواية لم تنتقل عن اليقين في الشهر الثالث وإن قلنا بالرواية الأولى إنتقلت إليه في الشهر الثالث وعلى قولنا أنها تجلس أقل الحيض أو غالبه أو عادة نسائها إذا انقطع الدم لأكثر الحيض فما دون وكان في الأشهر الثلاثة على قدر واحد أو في شهرين على اختلاف الروايتين إنتقلت إليه وعملت عليه وأعادت ما صامته من الفرض فيه لأننا تبينا أنها صامته في حيضها (فصل) ومتى أجلسناها يوماً وليلة أو ستاً أو سبعاً أو عادة نسائها فرأت الدم أكثر من ذلك لم يحل لزوجها وطؤها حتى ينقطع أو يجاوز أكثر الحيض لأن الظاهر أنه حيض وإنما أمرناها بالعبادة فيه إحتياطاً لبراءة ذمتها فيجب ترك وطئها إحتياطاً أيضاً، وإن انقطع الدم وإغتسلت حل وطؤها ولم يكره لأنها رأت النقاء الخالص وعنه يكره لأنا لا نأمن معاودة الدم فكره وطؤها كالنفساء إذا أنقطع دمها لأقل من أربعين يوما (مسألة) (فإن جاوز أكثر الحيض فهي مستحاضة) لأن الدم لا يصلح أن يكون حيضاً (مسألة) (فإن كان دمها متميزاً بعضه أسود ثخين منتن وبعضه رقيق أحمر فحيضها زمن الدم الأسود وما عداه استحاضة) وجملة ذلك أن المبتدأة إذا جاوز دمها أكثر الحيض لم تخل من حالين

(أحدهما) أن تكون مميزة وهي أن يكون بعض دمها أسود ثخينا منتنا وبعضه أحمر رقيقاً أو أصفر لا رائحة له ويكون الدم الأسود أو الثخين لا يزيد على أكثر الحيض ولا ينقص عن أقله فحكم هذه أن حيضها زمن الدم الأسود والثخين فإذا إنقطع فهي مستحاضة تغتسل للحيض وتتوضأ لكل صلاة وتصلي، وبهذا قال مالك والشافعي لما روت عائشة قالت جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إني أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم " إنما ذلك عرق وليس بالحيضة فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة فإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي " متفق عليه وللنسائي وأبي داود " إذا كان دم الحيض فإنه أسود يعرف فأمسكي عن الصلاة فإذا كان الآخر فتوضئي فإنما هو عرق " وقال ابن عباس: أما ما رأت الدم البحراني فإنها تدع الصلاة إنها والله لن ترى الدم بعد أيام محيضها إلا كغسالة ماء اللحم. ولأنه خارج من الفرج يوجب الغسل فرجع إلى صفته عند الاشتباه كالمني والمذي (فصل) وظاهر كلام شيخنا رحمه الله ههنا أن المميزة إذا عرفت التمييز جلسته من غير تكرار وهو ظاهر كلام احمد والخرقي واختيار ابن عقيل لأن معنى التمييز أن يتميز أحد الدمين عن الآخر في الصفة وهذا يوجد بأول مرة، وهذا قول الشافعي وقال القاضي وأبو الحسن الآمدي إنما تجلس

مسألة: ولا تطهر الأرض النجسة بشمس ولا ريح

المميزة من التمييز ما تكرر مرتين أو ثلاثة بناء على الروايتين فيما تثبت به العادة ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة فإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي " أمرها بتر لا الصلاة إذا أقبلت الحيضة من غير إعتبار أمر آخر ثم مده إلى حين إدباره لأن التمييز إمارة بمجرده فلم يحتج إلى ضم غيره إليه كالعادة. وعند القاضي لا تجلس من التمييز إلا ما تكرر فعلى هذا إذا رأت في كل شهر خمسة أحمر ثم خمسة أسود ثم أحمر وإتصل وجلست زمان الأسود فكان حيضها والباقي إستحاضة، وهل تجلس الأسود في الشهر الثاني أو الثالث أو الرابع؟ يخرج ذلك على الروايات الثلاث وكذلك لو رأت عشرة أحمر ثم خمسة أسود ثم أحمر فإن إتصل الأسود وعبر أكثر الحيض فليس لها تمييز وتحيضها من الأسود لأنه أشبه بدم الحيض. ولو رأت أقل من يوم وليلة أسود فلا تمييز لها لأنه لا يصلح حيضاً. وإن رأت في الشهر الأول أحمر كله وفي الثاني والثالث والرابع خمسة أسود وفي الخامس كله أحمر فإنها تجلس في الأشهر الثلاثة اليقين على قولنا يعتبر التكرار في المميزة وفي الرابع أيام الدم الأسود في قول شيخنا وفي الخامس تجلس خمسة أيضاً، وقال القاضي لا تجلس من الرابع إلا اليقين إلا أن نقول تثبت العادة بمرتين، قال شيخنا وفيه نظر فإنه أكثر ما يقدر فيها أنها لا عادة لها ولا تمييز ولو كانت كذلك لجلست ستاً أو سبعاً في أصح الروايات فكذا ههنا (قلت) فينبغي على هذا ان لا تجلس بالتمييز وإنما تجلس غالب الحيض لما ذكره ومن لم يعتبر التكرار في التمييز

مسألة: ولا يطهر شيء من النجاسات بالإستحالة إلا الخمر إذا إنقلبت بنفسها

فهذه مميزة، ومن قال إنها تجلس بالتمييز في الشهر الثاني قال إنها تجلس الدم الأسود في الشهر الثالث لأنها لا تعلم أنها مميزة قبله (الحال الثاني) أن لا يكون دمها متميزاً على ما مضى ففيها أربع روايات (إحداها) أنها تجلس غالب الحيض من كل شهر وذلك ستة أيام أو سبعة وهذا اختيار الخرقي لأنه غالب عادات النساء فيجب ردها إليه كردها في الوقت إلى حيضها في كل شهر (والرواية الثانية) أنها تجلس أقل الحيض لأنه اليقين وللشافعي قولان كهاتين الروايتين (والثالثة) أنها تجلس أكثر الحيض وهو قول أبي حنيفة لأنه زمان الحيض فإذا رأت الدم فيه جلسته كالمعتاد (والرابعة) أنها تجلس عادة نسائها كأمها وأختها وعمتها وخالتها وهو قول عطاء والثوري والاوزاعي لأن الظاهر أنها تشبههن في ذلك والأول أصح لقول النبي صلى الله عليه وسلم لحمنة " تحيضي في علم الله ستة أيام أو سبعة ثم اغتسلي وصلي أربعة وعشرين يوماً أو ثلاثة وعشرين كما يحيض النساء وكما يطهرن لميقات حيضهن وطهرهن " حديث حسن صحيح - ردها النبي

مسألة: ولا تطهر الادهان النجسة بالغسل

صلى الله عليه وسلم الى ذلك ولم يردها إلى غيره مما ذكر ولأن هذه ترد إلى غالب عادات النساء في وقتها بمعنى أنها تجلس في كل شهر مرة فكذلك في عدد أيامها وبهذا يبطل ما ذكر لليقين ولعادة نسائها (فصل) وهل ترد إلى ذلك إذا استمر بها الدم في الشهر الرابع أو الثاني؟ المنصوص أنها لا ترد الى ست أو سبع إلا في الشهر الرابع لأنا لا نحيضها أكثر من ذلك إذا لم تكن مستحاضة فأولى أن نفعل ذلك إذا كانت مستحاضة. وقال القاضي يحتمل أن تنتقل إليها في أيام الشهر الثاني بغير تكرار لأنا قد علمنا استحاضتها فلا معنى للتكرار في حقها وهو أصح إن شاء الله لظاهر حديث حمنة (مسألة) (وذكر أبو الخطاب في المبتدأة أول ما ترى الدم الروايات الاربع) احداها تجلس

مسألة: وإذا خفيت النجاسة لزمه غسل ما يتيقن به إزالتها

أقل الحيض لأنه اليقين (والثانية) تجلس غالب الحيض لأنه الغالب (والثالثة) تجلس عادة نسائها لأن الظاهر شبهها بهن (والرابعة) تجلس ما تراه من الدم ما لم يجاوز أكثر الحيض قياساً على اليوم والليلة وقد ذكرنا ذلك (مسألة) (وإن استحيضت المعتادة رجعت إلى عادتها وإن كانت مميزة، وعنه يقدم التمييز وهو اختيار الخرقي وإن نسيت العادة عملت بالتمييز فإن لم يكن لها تمييز جلست غالب الحيض من كل شهر. وعنه أقله وقيل فيها الروايات الأربع) وجملة ذلك أن المعتادة إذا إستحيضت لم تخل من أربعة اقسام (أحدها) أن تكون معتادة ولا تمييز لها لكون دمها على صفة لا يختلف ولا يتميز بعضه من بعض أو بأن يكون الدم الذي يصلح للحيض ينقص عن أقل الحيض أو يزيد على أكثره فهذه تجلس أيام عادتها ثم تغتسل عند إنقضائها وتتوضأ بعد ذلك لوقت كل صلاة وتصلي وهذا قول أبي حنيفة والشافعي، وقال مالك لا إعتبار بالعادة إنما الإعتبار بالتمييز فإن لم تكن مميزة إستطهرت بعد زمان عادتها بثلاثة أيام إن لم تجاوز خمسة عشر يوماً ثم هي بعد ذلك مستحاضة وإحتج بحديث فاطمة الذي ذكرناه ولنا ما روت ام سلمة أن امرأة كانت تهراق الدماء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " لتنظر عدد الليالي والأيام التي كانت تحيضهن قبل أن يصيبها الذي أصابها فلتترك الصلاة قدر ذلك من الشهر فإذا خلفت ذلك فلتغتسل ثم لتستثفر بثوب ثم لتصل " رواه أبو داود والنسائي وقد روي في حديث فاطمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها " دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها

مسألة: ويجزيء في بول الغلام الذي لم يأكل الطعام النضح

ثم اغتسلي وصلي " متفق عليه وروت أم حبيبة أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدم فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم " أمكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك ثم اغتسلي وصلي " رواه مسلم ولا حجة له في الحديث على ترك العادة في حق من لا تمييز لها (فصل) لا يختلف المذهب أن العادة لا تثبت بمرة لأنها مأخوذة من المعاودة. وهل تثبت بمرتين أو بثلاث على روايتين. وقد ذكرناه وتثبت العادة بالتمييز فإذا رأت دماً أسود خمسة أيام في ثلاثة أشهر أو شهرين على إحدى الروايتين ثم صار أحمر واتصل ثم صار في سائر الأشهر دماً مبهماً كانت على عادتها زمن الدم الأسود (فصل) والعادة على ضربين متفقة ومختلفة فالمتفقة أن تكون أياماً متساوية كخمسة في كل شهر فإذا استحيضت جلستها فقط، وأما المختلفة فإن كانت على ترتيب مثل أن ترى في شهر ثلاثة وفي الثاني أربعة وفي الثالث خمسة ثم تعود إلى ثلاثة ثم إلى أربعة ثم إلى خمسة على ما كانت فهذه إذا إستحيضت في شهر فعرفت نوبته عملت عليه ثم على الذي بعده والذي بعده على العادة. وإن نسيت نوبته حيضناها على اليقين وهو ثلاثة أيام ثم تغتسل وتصلي بقية الشهر وإن علمت أنه غير الأول وشكت هل هو الثاني أو الثالث جلست أربعة لأنها اليقين ثم تجلس من الشهرين الآخرين ثلاثة ثلاثة وتجلس في الرابع أربعة ثم تعود إلى الثلاثة كذلك أبدأ. ويجزئها غسل واحد عند انقضاء المدة التي جلستها كالناسية إذا جلست أقل الحيض لأن ما زاد على اليقين مشكوك فيه فلا يجب عليها الغسل بالشك. قال شيخنا ويحتمل وجوب الغسل عليها أيضاً عند مضي أكثر عادتها لأن يقين الحيض ثابت وحصول الطهارة بالغسل مشكوك فيه فلا يزول عن اليقين بالشك ولأن هذه متيقنة وجوب الغسل عليها في أحد الأيام الثلاثة في اليوم الخامس. وقد اشتبه عليها وصحة صلاتها تقف على الغسل فيجب عليها لتخرج عن العهدة بيقين وهذا الوجه أصح لذلك. وتفارق هذه الناسية لأنها لا تعلم لها حيضا زائداً على ما جلسته وهذه تعلم لها حيضا زائدا تقف صحة صلاتها على غسلها منه فوجب

ذلك، فعلى هذا يلزمها غسل ثان عقيب اليوم الخامس في كل شهر، وإن جلست في رمضان ثلاثة أيام قضت خمسة أيام لأن الصوم كان في ذمتها ولا تعلم أن اليومين الذين صامتهما أسقطا الفرض من ذمتها ويحتمل أنه يلزمها في كل شهر ثلاثة أغسال غسل عقيب اليوم الثالث والرابع والخامس لأن عليها عقيب الرابع غسلا في بعض الأشهر وكل شهر يحتمل أن يكون هو الشهر الذي يجب الغسل فيه بعد الرابع فيلزمها ذلك كما قلنا في الخامس (فصل) وإن كان الإختلاف على غير ترتيب مثل أن تحيض من شهر ثلاثة، ومن الثاني خمسة ومن الثالث أربعة وأشباه ذلك فإن أمكن ضبطه بحيث لا يختلف فهي كالتي قبلها، وإن لم يمكن ضبطه جلست الأقل من كل شهر وإغتسلت عقيبه، وذكر ابن عقيل في هذا الفصل إن قياس المذهب أن تجلس أكثر عادتها في كل شهر كالناسية للعدد تجلس أكثر الحيض في إحدى الروايات. قال شيخنا:

مسألة: وإذا تنجس أسفل الخف أو الحذاء وجب غسله، وعنه يجزيء دلكه بالأرض وعنه يغسل من البول والغائط ويدلك من غيرهما

هذا لا يصح إذ فيه أمرها بترك الصلاة وإسقاطها عنها مع يقين وجوبها عليها فإننا متى أجلسناها خمساً من كل شهر ونحن نعلم وجوب الصلاة عليها يومين منها في شهر ويوماً في شهر آخر فقد أمرناها بترك الصلاة الواجبة يقيناً والاصل بقاء الحيض فتبقى عليه (فصل) ولا تكون المرأة معتادة حتى تعرف شهرها وتعرف وقت حيضها منه وطهرها - وشهر المرأة عبارة عن المدة التي لها فيها حيض وطهر وأقل ذلك أربعة عشر يوماً أو ستة عشر يوماً إن قلنا أقل الطهر خمسة عشر ولا حد لأكثره لأن أكثر الطهر لاحد له وغالبه الشهر المعروف بين الناس فإذا عرفت أن شهرها ثلاثون يوما وإن حيضها منه خمسة أيام وأن طهرها خمسة وعشرون وعرفت أوله فهي معتادة وإن عرفت أيام حيضها وأيام طهرها فقد عرفت شهرها. وإن عرفت أيام حيضها ولم تعرف

مسألة: ولا يعفى عن يسير شيء من النجاسات إلا الدم وما تولد منه من القيح والصديد وأثر الاستنجاء

أيام طهرها أو بالعكس فليست معتادة لكنها متى جهلت شهرها رددناها إلى الغالب فحيضناها من كل شهر حيضة كما رددنا في عدد أيام الحيض إلى الغالب (فصل) القسم الثاني أن يكون لها عادة وتمييز فإن كان الدم الذي يصلح للحيض في زمن العادة فقد اتفقت العادة والتمييز في الدلالة فتعمل بهما وإن كان أكثر من العادة أو أقل ولم ينقص عن أقل الحيض ولا زاد على أكثره ففيه روايتان (إحداهما) يقدم التمييز وهو اختيار الخرقي وظاهر مذهب الشافعي لما ذكرناه من الأدلة ولأن صفة الدم أمارة قائمة به والعادة زمان منقض ولأنه خارج يوجب الغسل فرجع إلى صفته عند الاشتباه كالمني (والثانية) تقدم العادة وهو ظاهر كلام أحمد وقول أكثر الأصحاب لأن النبي صلى الله عليه وسلم رد أم حبيبة والمرأة التي استفتت لها أم سلمة إلى العادة ولم يستفصل عن كونها مميزة أو غيرها. وحديث فاطمة قد روي فيه ردها إلى العادة أيضاً فتعارضت روايتان وبقيت أحاديثنا خالية عن معارض، على أن حديث فاطمة قضية في عين يحتمل أنها أخبرته أن لا عادة لها أو علم ذلك من غيرها، وحديث عدي بن ثابت عام في كل مستاحضة فيكون أولى ولأن العادة أقوى لكونها لا تبطل دلالتها، واللون إذا زاد على أكثر الحيض بطلت دلالته فما لا تبطل دلالته أولى. (فصل) ومن كان حيضها خمسة أيام من أول كل شهر فاستحيضت وصارت ترى ثلاثة دماً أسود في أول كل شهر فمن قدم العادة قال تجلس في كل شهر خمسة كما كانت قبل الاستحاضة، ومن قدم التمييز جعل حيضها الثلاثة التي فيها الأسود إلا أنها إنما تجلس الثلاثة في الشهر الثاني لأنا لا نعلم أنها

مستحاضة إلا بتجاوز الدم أكثر الحيض ولا نعلم ذلك في الشهر الأول. فإن رأت في كل شهر عشرة دماً أسود ثم صار أحمر واتصل فمن قال إنها لا تلتفت إلى ما زاد على العادة حتى يتكرر لم يحيضها في الشهرين الأولين أو الثلاثة على اختلاف الروايتين إلا خمسة قدر عادتها، ومن قال إنها إذا زادت على العادة جلسته بأول مرة أجلسها في الشهر الأول خمسة عشر يوماً ثم تغتسل وتصلي، وفي الثاني تجلس أيام العادة وهي الخمسة الأولى من الشهر عند من يقدم العادة على التمييز، ومن قدم التمييز ولم يعتبر فيه التكرار أجلسها العشرة كلها فإذا تكرر ثلاثة أشهر على هذا الوصف قال القاضي: تجلس العشرة في الشهر الرابع على الروايتين جميعاً لأن الزيادة على العادة ثبتت بتكرار الأسود، قال شيخنا: ويحتمل أن لا تجلس زيادة على عادتها عند من يقدم العادة لأننا لو جعلنا الزائد على العادة من التمييز حيضاً بتكرره لجعلنا الناقص عنها إستحاضة بتكرره فكانت لا تجلس فيما إذا رأت ثلاثة أسود ثم صار أحمر أكثر من الثلاثة والأمر بخلاف ذلك (فصل) فإن كان حيضها خمساً من أول كل شهر فاستحيضت فصارت ترى خمسة أسود ثم يصير أحمر ويتصل فالأسود حيض بالإتفاق لموافقته زمن العادة والتمييز، وإن رأت مكان الأسود أحمر ثم صار أسود وعبر سقط حكم الأسود لعبوره أكثر الحيض وكان حيضها الأحمر لموافقته زمن العادة، وإن رأت مكان العادة أحمر ثم رأت خمسة أسود ثم صار أحمر وإتصل فمن قدم العادة أجلسها أيامها وإذا تكرر الأسود فقال القاضي: يصير حيضاً ومن قدم التمييز جعل الأسود وحده حيضاً (مسألة) قال (وإن نسيت العادة عملت بالتمييز) وهذا القسم (الثالث) من أقسام المستحاضة وهي التي لها تمييز وقد نسيت العادة، ومعنى التمييز أن يتميز بعض دمها عن بعض فيكون بعضه أسود ثخينا منتنا، وبعضه أحمر رقيقاً أو أصفر ولا رائحة له ويكون الأسود أو الثخين لا يزيد على أكثر الحيض ولا ينقص عن أقله فحكم هذه أن حيضها زمن الأسود الثخين أو المنتن فإذا إنقطع فهي مستحاضة تغتسل للحيض وتتوضأ لوقت كل صلاة بعد ذلك وتصلي، وذكر أحمد المستحاضة فقال: لها سنن فذكر المعتادة ثم قال وسنة أخرى إذا جاءت فزعمت أنها تستحاض فلا تطهر قيل لها أنت الآن ليس لك أيام معلومة فتجلسيها ولكن أنظري إلى إقبال الدم وإدباره فإذا أقبلت الحيضة وإقبالها أن ترى دماً أسود يعرف فإذا تغير دمها وكان إلى الصفرة والرقة فذلك دم إستحاضة فاغتسلي وصلي

وهذا مذهب مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة لا إعتبار بالتمييز إنما الأعتبار بالعادة خاصة لما روت ام سلمة أن امرأة كانت تهراق الدم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " لتنظر عدة الأيام والليالي التي كانت تحيضهن قبل أن يصيبها الذي أصابها فلتترك الصلاة قدر ذلك من الشهر فإذا خلفت ذلك فلتغتسل ثم لتستثفر بثوب ثم لتصل " رواه أبو داود وابن ماجة وهذا أحد الأحاديث الثلاثة التي قال الامام أحمد إن الحيض يدور عليها ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش " فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة فإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي " متفق عليه ولأبي داود والنسائي " إذا كان دم الحيض فإنه دم أسود يعرف فأمسكي عن الصلاة فإذا كان الآخر فتوضئي فإنما هو عرق " وحديث أم سلمة يدل على اعتبار العادة ولا نزاع فيه وهذه لاعادة لها (فصل) وقد اختلفوا: هل يعتبر للتمييز التكرار أم لا. فظاهر كلام شيخنا ههنا أنه لا يعتبر له التكرار بل متى عرفت التمييز جلسته وهذا ظاهر كلام أحمد والخرقي واختيار ابن عقيل وهو مذهب الشافعي، وقال القاضي والآمدي يعتبر له التكرار مرتين أو ثلاثا على اختلاف الروايتين فيما تثبت به العادة وقد ذكرنا ذلك في المبتدأة (فصل) فإن لم يكن الأسود مختلفاً مثل أن ترى في كل شهر ثلاثة أسود ثم يصير أحمر ويعبر أكثر الحيض فالأسود حيض وحده. وإن كان مختلفا مثل أن ترى في الشهر الأول خمسة أسود وفي الثاني أربعة وفي الثالث ثلاثة أو في الأول خمسة وفي الثاني ستة وفي الثالث سبعة أو غير ذلك من الإختلاف فعلى قول شيخنا الأسود حيض في كل حال. وعلى قول القاضي الأسود حيض فيما تكرر وهو ثلاث في الأولى وخمس في الثانية وما زاد عليه يكون حيضاً إذا تكرر وإلا فلا. ولا تجلس عند القاضي في الشهر الأول والثاني إلا اليقين الذي تجلسه من لا تمييز لها. وإن كانت مبتدأة لم تجلس إلا يوما وليلة. وهل تجلس الذي يتكرر في الشهر الثالث أو الرابع؟ ينبني على الروايتين فيما تثبت به العادة ويكون حكمها حكم المبتدأة التي ترى دماً لا يعبر أكثر الحيض الأسود كالدم والأحمر كالطهر هناك فإن كانت ناسية وكان الأسود في أثناء الشهر وقلنا إن الناسية تجلس من أول الشهر جلست ههنا من أول الشهر ما تجلسه الناسية ولا تنتقل إلى الأسود حتى يتكرر فتنتقل إليه وتعلم أنه حيض فتقضي ما صامته من الفرض فيه كما ذكر في المبتدأة (فصل) فإن رأت أسود بين أحمرين أو أحمر بين أسودين وإنقطع لدون أكثر الحيض فالجميع حيض إذا تكرر لأن الأحمر أشبه بالحيض من الطهر، وإن عبر أكثر الحيض وكان الأسود بمفرده يصلح أن بكون حيضاً فهو حيض والأحمر كله استحاضة لأن الأحمر الأول أشبه بالأحمر الثاني الذي حكمنا

مسألة: وعنه في المذي والقيء وريق البغل والحمار وسباع البهائم والطير وعرقها وبول الخفاش والنبيذ والمني أنه كالدم، وعنه المذي أنه يجزي فيه النضح

بأنه إستحاضة وتلفق الأسود إلى الأسود فيكون حيضاً ولا فرق بين كون الأسود قليلاً أو كثيراً إذا كان بإنضمامه إلى بقية الأسود يبلغ أقل الحيض ولا يزيد على أكثره ولا يكون بين طرفيهما زمن يكون على أكثر الحيض وكذلك لا فرق بين أن يكون الاحمر قليلاً أو كثيراً إذا كان زمنه يصلح أن يكون طهراً فأما إن كان زمنه لا يصلح أن يكون طهرا مثل الشئ اليسير أو ما دون اليوم على إحدى الروايتين فإنه يلحق بالدمين الذين هو بينهما لأنه لو كان الدم منقطعاً لم نحكم بكونه طهراً فإذا كان الدم جارياً كان أولى فلو رأت يوماً دماً أسود ثم رأت الثاني أحمر ثم رأت الثالث أسود ثم صار أحمر وعبر لفقت الأسود إلى الأسود فصار حيضاً وباقي الدم إستحاضة وإن رأت نصف يوم أسود ثم صار أحمر ثم رأت الثاني كذلك ثم رأت الثالث كله أسود ثم صار أحمر وعبر فإن قلنا أن الطهر يكون أقل من يوم لفقت الأسود إلى الأسود فكان حيضها يومين وإن قلنا: لا يكون أقل من يوم فحيضها الأيام الثلاثة الاول والباقي إستحاضة، ولو رأت نصف يوم أسود ثم صار أحمر إلى العاشر ثم رأته كله أسود ثم صار أحمر وعبر فالأسود كله حيض الثاني والأول، ولو رأت بين الأسود والأحمر نقاء يوماً أو أكثر لم يتغير الحكم الذي ذكرناه لأن الأحمر محكوم بأنه إستحاضة مع إتصاله بالأسود فمع إنفصاله عنه أولى (فصل) إذا رأت في شهر خمسة أسود ثم صار أحمر وإتصل وفي الثاني كذلك ثم صار الثالث كله أحمر ورأت في الرابع كالأول ثم رأت في الخامس خمسة أحمر ثم صار أسود وإتصل فحيضها الأسود من الأول والثاني والرابع واما الثالث والخامس فلا تمييز لها فيهما لأن حكم الأسود في الخامس سقط لعبوره فإن قلنا العادة تثبت بمرتين جلست ذلك من الثالث والرابع والخامس وإن قلنا لا تثبت إلا بثلاث جلسته من الخامس لأنها قد رأت ذلك في ثلاثة أشهر وتجلس في الثالث ما تجسله من لا عادة لها ولا تمييز وقبل لا تثبت لها عادة وتجلس ما تجلسه من الخامس من الدم الأسود لأنه أشبه بدم الحيض (مسألة) (فإن لم يكن لها تمييز جلست غالب الحيض من كل شهر وعنه أقله وقيل فيها الروايات الأربع) وهذا القسم الرابع من أقسام المستحاضة وهي من لاعادة لها ولا تمييز ولها ثلاثة أحوال

مسألة: ولا ينجس الآدمي بالموت ولا ما لا نفس له سائلة كالذباب وغيره

(أحدها) أن تكون ناسية لوقتها وعددها وهذه تسمى المتحيرة وحكمها أنها تجلس في كل شهر ستة أيام أو سبعة في ظاهر المذهب وهو اختيار الخرقي فإن كانت تعرف شهرها جلست ذلك منه لأنه عادتها فترد إليه كما ترد المعتادة إلى عادتها إلا أنه متى كان شهرها أقل من عشرين يوماً لم تجلس منه أكثرها من الفاضل عن ثلاثة عشر يوماً أو خمسة عشر لئلا ينقص الطهر عن أقله ولا سبيل إليه، وإن لم تعرف شهرها جلست من الشهر المعتاد لما روت حمنة بنت جحش قالت كنت أستحاض حيضة كبيرة شديدة فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم أستفته فوجدته في بيت أختي فقلت يا رسول الله إني أستحاض حيضة كبيرة شديدة فما تأمرني فيها؟ قد منعتني الصيام والصلاة فقال " أنعت لك الكرسف فإنه يذهب الدم " قلت هو أكثر من ذلك إنما أثج ثجاً فقال النبي صلى الله عليه وسلم " إنما هي ركضة من الشيطان فتحيضي ستة أيام أو سبعة أيام ثم إغتسلي فإذا رأيت أنك قد طهرت واستنقأت فصلي أربعاً وعشرين ليلة أو ثلاثاً وعشرين ليلة وأيامها وصومي فإن ذلك يجزئك وكذلك فافعلي كما يحيض النساء وكما يطهرن

لميقات حيضهن وطهرهن " رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح. وقال الشافعي في هذه لا حيض لها بيقين وجميع زمنها مشكوك فيه تغتسل لكل صلاة وتصلي وتصوم ولا يأتيها زوجها وله قول أنها تجلس اليقين. وقال بعض أصحابه الأول أصح لأن هذه لها أيام معروفة ولا يمكن ردها إلى غيرها فجميع زمانها مشكوك فيه وقد روت عائشة أن أم حبيبة إستحيضت سبع سنين فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال " إنما ذلك عرق فاغتسلي ثم صلي " فكانت تغتسل عند كل صلاة. متفق عليه، ولنا ما ذكرنا من حديث حمنة وهو بظاهره يثبت الحكم في حق الناسية لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستفصلها هل هي مبتدأة أو ناسية ولو افترق الحال لاستفصل وإحتمال أن تكون ناسية أكثر فإن حمنة امرأة كبيرة، كذلك قال أحمد، ولم يسألها النبي صلى الله عليه وسلم عن تمييزها لأنه قد جرى من كلامها من تكثير الدم وصفته ما أغنى عن السؤال عنه ولم يسألها هل لها عادة فيردها إليها لاستغنائه عن ذلك بعلمه اياه إذا كان مشتهراً وقد أمر به أختها أم حبيبة فلم يبق إلا أن تكون ناسية ولأنها لا عادة لها ولا تمييز أشبهت المبتدأة، قولهم: لها أيام معروفة، قلنا قد زالت المعرفة فصار وجودها كعدمها وأما أم حبيبة فكانت معتادة ردها إلى عادتها لأنه قد روي مسلم أن أم حبيبة شكت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الدم فقال لها " أمكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك ثم إغتسلي " فكانت تغتسل عند كل صلاة فيدل على أنها إنما كانت تغتسل لكل صلاة في غير وقت الحيض وأما وجوب غسل المستحاضة لكل صلاة فسيذكر في المستحاضة إن شاء الله تعالى (فصل) قوله ستاً أو سبعاً الظاهر أنه ردها إلى إجتهادها فيما يغلب على ظنها انه عادتها أو ما

يشبه أن يكون حيضاً ذكره القاضي وذكر في موضع آخر أنه على وجه التخيير بين الست والسبع كما خير واطئ الحيض في التكفير بدينار أو نصف لأن حرف " أو " للتخيير، قال شيخنا: والأول أصح لأننا لو خيرناها أفضى إلى أن نخيرها في اليوم السابع بين كون الصلاة عليها محرمة أو واجبة وليس لها في ذلك خيرة بحال، وأما التكفير ففعل إختياري، فأما أو فقد تكون للإجتهاد كقوله (فإما منا بعد وإما فداء) وإما كأوفي وضعها وليس للإمام إلا فعل ما يؤديه إليه اجتهاده أنه الأصلح والله أعلم. (فصل) وهل تجلس أيام حيضها من أول كل شهرر أو بالتحري؟ فيه وجهان أوجههما ما يأتي وعنه إنها تجلس أقل الحيض وهو أحد قولي الشافعي لأنه اليقين وما زاد عليه مشكوك فيه فلا تدع العبادة لأجله وعنه رواية ثالثة أنها تجلس عادة نسائها لأن الظاهر أنها تشبههن وعنه تجلس أكثر الحيض لأنه يمكن أن يكون حيضاً أشبه ما قبله والأول أصح لحديث حمنة والله أعلم. (مسألة) (وإن علمت عدد أيامها ونسيت موضعها جلستها من أول كل شهر في أحد الوجهين وفي الآخر تجلسها بالتحري) وهذا الحال الثاني من أحوال الناسية وهي تتنوع نوعين (النوع الأول) أن لا تعلم لها وقتاً أصلاً مثل أن تعلم أن حيضها خمسة أيام ففيه وجهان (أحدهما) تجلسه من أول كل شهر إذا كان يحتمل لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لحمنة " تحيضي ستة أيام أو سبعة أيام في علم الله ثم إغتسلي وصلي أربعاً وعشرين ليلة أو ثلاثاً وعشرين ليلة وايامها وصومي " فقدم حيضها على

مسألة: وبول ما يؤكل لحمه وروثه ومنيه طاهر وعنه أنه نجس

الطهر ثم أمرها بالصلاة والصوم في بقية الشهر ولأن المبتدأة تجلس من أول الشهر مع أنها لا عادة لها فكذلك الناسية ولأن دم الحيض دم جبلة والإستحاضة عارضة فإذا رأت الدم وجب تغليب دم الحيض (الثاني) أنها تجلس بالتحري والإجتهاد اختاره أبو بكر وابن أبي موسى لأن النبي صلى الله عليه وسلم ردها إلى اجتهادها في القدر فكذلك في الوقت ولأن للتحري مدخلاً في الحيض لأن المميزة ترجع إلى صفة الدم فكذلك في زمنه فإن لم يغلب على ظنها شئ تعين إجلاسها من أول الشهر لعدم الدليل فيما سواه (مسألة) (وكذلك الحكم في موضع حيض من لا عادة لها ولا تمييز) يعني أن فيه الوجهين اللذين ذكرهما وجههما ما تقدم. (مسألة) (وإن علمت أيامها في وقت من الشهر كنصفه الأول جلستها فيه إما من أوله أو بالتحري على اختلاف الوجهين) هذا النوع الثاني وهو ان تعلم أنها كانت تحيض أياماً معلومة من العشر الاول فانها تجلس عدد أيامها من ذلك الوقت دون غيره أما من أوله أو بالتحري فيه ثم لا يخلو عدد أيامها إما أن يكون زائداً على نصف ذلك الوقت أو لا فإن كان زائداً على نصفه مثل أن تعلم أن حيضها ستة أيام من العشر الأول أضعفنا الزائد فجعلناه حيضاً بيقين وتجلس بقية أيامها من

مسألة: والمني طاهر وعنه أنه نجس ويجزيء فرك يابسه

أول العشر في أحد الوجهين وفي الآخر بالتحري، ففي هذا المسألة الزائد يوم وهو السادس فنضعفه ويكون الخامس والسادس حيضاً بيقين يبقى لها أربعة أيام، فإن جلستها من الأول كان حيضها من أول العشر إلى آخر السادس - منها يومان حيض بيقين والأربعة حيض مشكوك فيه والأربعة الباقية طهر مشكوك. وإن جلستها بالتحري فأداها إجتهادها إلى أنها من أول العشر فهي كالتي قبلها وإن جلست الأربعة من آخر العشر فهي عكس التي قبلها وعلى هذا فقس. وسائر الشهر طهر غير مشكوك، وحكم الحيض المشكوك فيه حكم المتيقن في ترك العبادات وحكم الطهر المشكوك فيه حكم الطهر المتيقن في وجوب العبادات. وإن كان حيضها نصف الوقت فما دون فليس لها حيض بيقين لأنها متى كانت تحيض خمسة أيام من العشر احتمل ان تكون الخمسة الأولى واحتمل أن تكون الثانية واحتمل أن يكون بعضها من الأولى وبعضها من الثانية فتجلس بالتحري أو من أوله على اختلاف الوجهين ولا يعتبر التكرار في الناسية لأنها عرفت إستحاضتها في الشهر الأول فلا معنى للتكرار (مسألة) (وإن علمت موضع حيضها ونسيت عدده جلست فيه غالب الحيض أو أقله على اختلاف الروايتين) هذا الحال الثالث من أحوال الناسية وهي أن تعلم أن حيضها في العشر الأول ولا تعلم عددها (فحكمها في قدر ما تجلسه حكم المتحيرة) الصحيح أنها تجلس ستاً أو سبعاً ويخرج فيها الروايات الأربع إلا أنها تجلسها من العشر دون غيرها وهل تجلسها من أوله أو بالتحري؟ على الوجهين، وإن قالت أعلم أنني كنت أول الشهر حائضاً ولا أعلم آخره أو أنني كنت أخر الشهر حائضاً ولا أعلم أوله

أولا أعلم هل كان ذلك أول حيضي أو آخره حيضناها الذي علمته وأتمت بقية حيضها مما بعده في الصورة الأولى، ومما قبله في الثانية وبالتحري في الثالثة أو مما يلي أول الشهر على اختلاف الوجهين (فصل) وإذا ذكرت الناسية عادتها بعد جلوسها في غيرها رجعت إلى عادتها لأن تركها لعارض نسيان وإذا زال العارض عادت إلى الاصل، وإن تبين أنها كانت تركت الصلاة في غير عادتها لزمها إعادتها وقضاء ما صامته من الفرض في عادتها، فلو كانت عادتها خمسة من آخر العشر الأول فجلست سبعاً من أوله مدة ثم ذكرت لزمها قضاء ما تركت من الصلاة والصيام المفروض في الخمسة الاولى وقضاء ما صامت من الفرض في الثلاثة الأيام الأخيرة لأنها صامته في زمن حيضها (مسألة) (وإن تغيرت العادة بزيادة أو تقدم أو تأخر أو إنتقال فالمذهب أنها لا تلتفت إلى ما خرج عن العادة حتى يتكرر ثلاثاً أو مرتين على الإختلاف) وجملة ذلك أن المرأة إذا كانت لها عادة مستقرة في الحيض فرأت الدم في غير عادتها لم تلتفت إليه حتى يتكرر فتنتقل إليه وتصير عادة لها وتترك العادة الأولى إلا أنها إذا رأته زائدا عن عادتها تغتسل غسلاً ثانياً عند انقطاعه لجواز أن يكون حيضاً كما قلنا في المبتدأة وكذلك ما تقدم عن العادة ويجب عليها قضاء ما صامته من الفرض في المرات التي أمرناها بالصيام فيها لأننا تبينا أنها صامته في حيض ولا تقضي الصلاة لأن الحائض لا تقضي الصلاة قال أبو عبد الله لا يعجبني أن يأتيها زوجها في الأيام التي تصلي فيها مع رؤية الدم قبل أن تنتقل إليها لاحتمال أن يكون حيضاً فيجب ترك وطئها إحتياطاً كما وجبت الصلاة إحتياطاً للعبادة، وفي قدر

مسألة: وفي رطوبة فرج المرأة روايتان إحداهما

التكرار روايتان (أشهرهما) أنه ثلاث فعلى هذه الرواية لا تنتقل إليه إلا في الشهر الرابع (والثانية) أنه إثنتان فتنتقل في الشهر الثالث نقل الفضل بن زياد عنه هاتين الروايتين وقد ذكرنا وجههما في المبتدأة ونقل حنبل عنه في امرأة لها أيام معلومة فتقدمت الحيضة قبل أيامها لم تلتفت إليها تصوم وتصلي فإن عاودها مثل ذلك في الثانية فإنه دم حيض منتقل فيحتمل أنها تنتقل إليه في المرة الثانية وتحسبه من حيضها، والرواية الاولى أشهر، مثال ذلك امرأة لها عادة ثلاثة أيام من أول كل شهر فرأت خمسة في أول الشهر ورأت يومين من آخر الشهر الذي قبله ويوما من شهرها أو طهرت اليوم الاول ورأت الثلاثة بعده أو طهرت الثلاثة الأول ورأت ثلاثة بعدها أو أكثر وما أشبه ذلك فإنها لا تجلس في جميع ذلك إلا وقت الدم الذي تراه في الثلاثة الأول حتى يتكرر لقول النبي صلى الله عليه وسلم " أمكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك " رواه مسلم ولان لها عادة فردت إليها كالمستحاضة وقال أبو حنيفة إن رأته قبل العادة فليس بحيض حتى يتكرر مرتين. وإن رأته بعدها فهو حيض، قال شيخنا رحمه الله وعندي أنها تصير إليه من غير تكرار وبه قال الشافعي لأن النساء كن يبعثن إلى عائشة بالدرجة فيها الصفرة والكدرة فتقول لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء. معناه لا تعجلن بالغسل ولو لم تعد الزيادة حيضاً لزمها الغسل عند إنقضاء العادة وإن لم تر القصة ومعنى القصة أن تدخل القطنة في فرجها فتخرج بيضاء نقية ولأن الشارع علق على الحيض أحكاما ولم يحده فعلم أنه رد الناس فيه إلى عرفهم. والعرف بين

النساء أن المرأة متى رأت دماً يصلح أن يكون حيضاً أعتقدته حيضاً. ولو كان عرفهن إعتبار العادة على الوجه المذكور لنقل ظاهراً ولذلك لما كان بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم معه في الخميلة فجاءها الدم فانسلت من الخميلة فقال لها النببي صلى الله عليه وسلم " مالك أنفست؟ " قالت نعم فأمرها أن تأتزر ولم يسألها هل وافق العادة أو خالفها ولا هي سألت عن ذلك وإنما إستدلت على ذلك بخروج الدم فأقرها عليه النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك حين حاضت عائشة في عمرتها في حجة الوداع إنما عرفت الحيضة برؤية الدم لا غير والظاهر أنه لم يأت في العادة لأنها أستنكرته وبكت حين رأته وقالت وددت إني لم أكن حججت العام ولو كانت لها عادة تعلم مجيئه فيها لما أنكرته ولا شق عليها ولأن العادة لو كانت معتبرة على المذكور في المذهب لبينه النبي صلى الله عليه وسلم لامته ولما وسعه تأخير بيانه لأن حاجة النساء داعية إليه في كل وقت ولا يجوز تأخير البيان عن وقته. والظاهر أنهن جرين على العرف في اعتقاد ما يرينه من الدم حيضاً ولم يأت من الشرع تغييره ولذلك أجلسنا المبتدأة من غير تقدم عادة ورجعنا في أكثر أحكام الحيض إلى العرف والعرف إن الحيضة تتقدم وتتأخر وتزيد وتنقص ولم ينقل عنهن ولا عن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر العادة ولا بيانها إلا في حق المستحاضة، وأما امرأة طاهر ترى الدم في وقت يمكن أن يكون حيضاً ثم ينقطع عنها فلم يذكر في حقها عادة أصلاً. وفي إعتبار العادة على هذا الوجه إخلاء بعض المنتقلات عن الحيض بالكلية مع رؤيتهن الدم في زمن الحيض وصلاحيته له وهذا لا سبيل إليه كامرأة رأت الدم في غير أيام عادتها وطهرت أيام عادتها

مسالة: وسؤر الهرة وما دونها في الخلقة طاهر

ثلاثة أشهر فإنها لا تدع الصلاة فإذا إنتقلت في الشهر الرابع إلى أيام أخر لم تحيضها أيضاً ثلاثة أشهر وكذلك أبداً فعلى هذا تجعل ما تراه من الدم قبل العادة وبعدها ما لم يجاوز أكثر الحيض فإن جاوز أكثر الحيض علمنا استحاضتها فترج إلى عادتها وتقضي ما تركته من الصلاة والصيام فيما سوى العادة لأننا تبينا أنه إستحاضة (فصل) فإن كانت عادتها ثلاثة من كل شهر فرأت في شهر خمسة أيام ثم إستحيضت في الشهر الآخر فإنها لا تجلس مما بعده من الشهور إلا ثلاثة ثلاثة، وبهذا قال أبو حنيفة، وقال الشافعي تجلس خمساً من كل شهر وهذا مبني على أن العادة تثبت بمرة، وأن رأت خمسة في شهرين خرج على الروايتين فيما نثبت به العادة، وإن رأتها في ثلاثة أشهر ثم استحيضت إنتقلت إليها وجلست من كل شهر خمسة بغير خلاف بينهم والله أعلم (مسألة) (وإن طهرت في اثناء عادتها إغتسلت وصلت فإن عاودها الدم في العادة. فهل تلتفت إليه؟ على روايتين) هذه المسألة تشتمل على فصلين (أحدهما) في حكم الطهر في زمن العادة (والثاني) في حكم الدم العائد بعده فمتى رأت الطهر فهي طاهر تغتسل وتصلي وتصوم ولم يفرق أصحابنا بين قليل الطهر وكثيرة لقول ابن عباس. أما ما رأت الطهر ساعة فلتغتسل فأما إن كان النقاء أقل من ساعة فالظاهر أنه ليس بطهر لأن الدم يجري تارة وينقطع أخرى وقد قالت عائشة لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء، وقد روي عن أحمد أن النفساء إذا رأت النقاء دون يوم لا تثبت

لها أحكام الطاهرات فيخرج ههنا مثله قال شيخنا وهو الصحيح إن شاء الله تعالى لأن العادة أن الدم يجري مرة وينقطع أخرى وفي إيجاب الغسل على من تطهر ساعة بعد ساعة حرج منفي بقوله تعالى (ما جعل عليكم في الدين من حرج) ولأننا لو جعلنا إنقطاع الدم ساعة طهراً ولا تلتفت إلى الدم بعد أفضى إلى أن لا يستقر لها حيض فعلى هذا لا يكون إنقطاع الدم دون يوم طهراً إلا أن ترى ما يدل عليه مثل أن يكون إنقطاعه في آخر عادتها أو ترى القصة البيضاء وهو شئ يتبع الحيض أبيض يسمى الترية، روى ذلك عن إمامنا، وهو قول مالك روي عنه أن القصة البيضاء هي القطنة التي تحشوها المرأة إذا خرجت بيضاء كما دخلت لا تغير عليها حكي ذلك عن الزهري وقال أبو حنيفة ليس النقاء بين الدمين طهراً بل لو صامت فيه فرضاً لم يصح، ولا تجب عليها فيه صلاة ولا يأتيها زوجها وهو أحد قولي الشافعي لأن الدم يسيل تارة وينقطع أخرى ولأنه لو لم يكن من الحيض لم يحتسب من مدته. ولنا قوله تعالى (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى) وصف الحيض بكونه أذى فإذا ذهب الأذى وجب زوال الحيض وقال ابن عباس إذا رأت الطهر ساعة فلتغتسل وقالت عائشة لا تعجلين حتى ترين القصة البيضاء ولأنها صامت وهي طاهر فلم يلزمها القضاء كما لو لم يعد الدم، فأما قولهم إن الدم يجري تارة وينقطع أخرى قلنا لا عبرة بالإنقطاع اليسير وإنما إذا وجد إنقطاع كثير تمكن فيه الصلاة والصيام

باب الحيض: مسألة: وهو دم طبيعة وجبلة

وتتأدى العبادة فيه وجبت عليها لعدم المانع من وجوبها (الفصل الثاني) إذا عاودها الدم فإن عاودها في العادة ولم يتجاوزها ففيه روايتان (إحداهما) أنه من حيضها لأنه صادف زمن العادة فأشبه مالو لم ينقطع. وهذا مذهب الثوري وأصحاب الرأي (والثانية) ليس بحيض وهو ظاهر كلام الخرقي واختيار ابن أبي موسى لأنه عاد بعد طهر صحيح أشبه مالو عاد بعد العادة فعلى هذه الرواية يكون حكمه حكم مالو عاد بعد العادة على ما يأتي. وقد روي عن أحمد رحمه الله أنها تصوم وتصلي وتقضي الصوم المفروض على سبيل الاحتياط كدم النفساء العائد في مدة النفاس (فصل) فإن رأته في العادة وتجاوز العادة فان عبر أكثر الحيض فليس بحيض لان بعضه ليس بحيض فيكون كله إستحاضة لإتصاله به وإنفصاله عن الحيض فكان إلحاقه بالإستحاضة أولى، وإن انقطع لأكثره فما دون فمن قال إن ما لم يعبر العادة ليس بحيض فههنا أولى ومن قال هو حيض ففي هذا على قوله ثلاثة أوجه (أحدها) إن جميعه حيض لما ذكرنا في أن الزائد على العادة حيض ما لم يعبر أكثر الحيض (والثاني) ان ما وافق الحيض لموافقته العادة وما زاد عليها ليس بحيض لخروجه عنها (والثالث) أن الجميع ليس بحيض لإختلاطه بما ليس بحيض فإن تكرر فهو حيض على الروايتين جميعاً (فصل) فإن رأته بعد العادة ولم يمكن أن يكون حيضاً لعبوره أكثر الحيض وأنه ليس بينه

مسألة: ويمنع عشرة أحدها فعل الصلاة والثاني وجوبها

وبين الدم الأول أقل الطهر فهو إستحاضة سواء تكرر أولاً لأنه لا يمكن جعل جميعه حيضاً فكان كله إستحاضة لأن إلحاق بعضه ببعت أولى من الحاقه بغيره (فصل) وإن أمكن كونه حيضاً وذلك يتصور في حالين (أحدهما) أن يكون بضمه إلى الدم الاول لا يكون بين طرفيهما أكثر من خمسة عشر يوماً. فإذا تكرر جعلناهما حيضة واحدة وتلفق أحدهما إلى الآخر ويكون الطهر الذي بينهما طهراً في خلال الحيضة (الحال الثانية) أن يكون بينهما أقل من الطهر ويكون كل واحد من الدمين يصلح أن يكون حيضاً بمفرده بأن يكون يوماً وليلة فصاعداً فهذا إذا تكرر كان الدمان حيضتين. وإن نقص أحدهما عن أقل الحيض فهو دم فساد إذا لم يمكن ضمه إلى ما بعده. ومثال ذلك مالو كانت عادتها عشرة من أول الشهر فرأت خمسة منها دماً وطهرت خمسة ثم رأت خمسة دماً وتكرر ذلك فالخمسة الأولى والثانية حيضة واحدة تلفق الدم الثاني الى الأول، وإن رأت الثاني ستاً أو أكثر لم يمكن أن يكون الدمان حيضة لأن بين طرفيهما أكثر من خمسة عشر يوماً ولا حيضتين لأنه ليس بينهما أقل الطهر، وإن رأت يوماً دماً وثلاثة عشر طهراً ثم رأت يوماً دماً وتكرر ذلك كانا حيضتين وصار شهرها أربعة عشر يوماً. وكذلك إن رأت يومين دماً وثلاثة عشر طهراً ثم رأت يومين دماً وتكرر ويكون شهرها خمسة عشر وإن كان الطهر بينهما أحد عشر يوماً فما دون وتكرر فهما حيضة واحدة لأنه بين طرفيهما أكثر من خمسة ولا بينهما أقل الطهر وإن كان بينهما إثنا عشر يوماً لم يمكن كونهما جميعاً حيضة لزيادتهما بما بينهما من الطهر على خمسة عشر ولا يمكن جعلهما حيضتين لأنه ليس بينهما أقل الطهر. فعلى هذا يكون حيضها منهما ما وافق العادة والآخر إستحاضة. وعلى هذا كل ما يتفرع من المسائل إلا أنها لا تلتفت إلى ما رأته بعد الطهر فيما خرج عن العادة حتى يتكرر مرتين أو ثلاثا، فإن تكرر وأمكن جعله حيضاً فهو حيض وإلا فلا

مسألة: ويوجب الغسل عند إنقطاعه

(مسألة) قال (والصفرة والكدرة في أيام الحيض من الحيض) متى رأت في أيام عادتها صفرة أو كدرة فهو حيض وإن رأته بعد أيام حيضها لم تعتد به نص عليه أحمد وهو مذهب الثوري ومالك والشافعي: وقال أبو يوسف وأبو ثور لا يكون حيضاً إلا أن يتقدمه دم أسود لأن أم عطية قالت كنا لا نعد الصفرة بعد الغسل شيئاً رواه أبو داود ولنا قوله تعالى (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى) وهذا يتناول الصفرة والكدرة ولأن النساء كن يبعثن إلى عائشة بالدرجة فيها الصفرة والكدرة فتقول لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء تريد بذلك الطهر من الحيضة. وحديث أم عطية إنما يتناول ما بعد الطهر والإغتسال ونحن نقول به ويدل عليه قول عائشة ما كنا نعد الكدرة والصفرة حيضاً مع قولها المتقدم (فصل) وحكمها حكم الدم العبيط في أنها في أيام الحيض حيض وتجلس منها المبتدأة كما تجلس من غيرها وإن رأتها بعد العادة متصلة بها فهو كما لو رأت غيرها، على مابينا وإن طهرت ثم رأت كدرة أو صفرة لم تلتفت إليها لحديث أم عطية وعائشة وقد روى النجاد بإسناده عن محمد بن إسحاق عن فاطمة عن

مسألة: ويجوز الاستمتاع من الحائض بما دون الفرج

أسماء قالت كنا في حجرها مع بنات بنتها فكانت تطهر ثم تصلي ثم تنكس بالصفرة اليسيرة فنسألها فتقول إعتزلن الصلاة حتى لا ترين إلا البياض خالصاً. والأول أولى لما ذكرنا من حديث أو عطية وعائشة وهو أولى من قول أسماء. وقال القاضي معنى هذا أنها لا تلتفت إليه قبل التكرار، وقول أسماء

فيما إذا تكرر فجمع بين الأخبار والله أعلم (مسألة) (ومن كانت ترى يوماً دماً ويوماً طهراً فإنها تضم الدم إلى الدم فيكون حيضاً والباقي طهراً إلا أن يجاوز أكثر الحيض فتكون مستحاضة) قد ذكرنا أن الطهر في أثناء الحيضة طهر صحيح فإذا رأت يوماً دماً ويوماً طهراً فإنها تضم الدم إلى الدم فيكون حيضاً وما بينهما من النقاء طهر على ما ذكرنا. ولا فرق بين كون زمن الدم أكثر من زمن الطهر أو مثله أو أقل منه فإن جميع الدم حيض إذا تكرر ولم يجاوز أكثر الحيض، فإن كان الدم أقل من يوم مثل أن ترى نصف يوم دماً ونصفاً طهراً أو ساعة وساعة فقال أصحابنا: هو كالأيام تضم الدم إلى الدم فيكون حيضاً وما بينهما

مسأل، قال: وأكثره خمسون سنة وعنه ستون في نساء العرب

طهر إذا بلغ المجتمع منه أقل الحيض فإن لم يبلغ ذلك فهوم دم فساد، وفيه وج آخر لا يكون الدم حيضاً إلا أن يتقدمه حيض صحيح متصل وهذا كله مذهب الشافعي وله قول أن النقاء بين الدمين حيض وقد ذكرناه وذكرنا أيضاً لنا وجهاً في أن النقاء إذا نقص عن يوم لم يكن طهراً، فعلى هذا متى نقص عنه كان كالدم وما بعده حيضاً كله (فصل) فإن جاوز أكثر الحيض مثل أن ترى يوماً دماً ويوماً طهراً إلى ثمانية عشر فهي مستحاضة ترد إلى عادتها إن كانت معتادة. فإن كانت عادتها سبعة أيام من أول الشهر فإنها تجلس أول يوم ترى الدم فيه في العادة وتغتسل، وما بعده مبني على الروايتين في الدم الذي تراه بعد الطهر في أثناء الحيضة

فإن قلنا ليس بحيض فحيضها اليوم الأول خاصة وما بعده إستحاضة. وإن قلنا إنه حيض فحيضها اليوم الأول والثالث والخامس والسابع فيحصل لها من عادتها أربعة أيام والباقي إستحاضة وإن لم تر الدم إلا في اليوم الثاني جلسته والرابع والسادس فيحصل لها ثلاثة أيام، وفيه وجه آخر أنه تلفق لها السبعة من أيام الدم جميعها فتجلس التاسع والحادي عشر والرابع عشر، والصحيح الأول لأن هذه الأيام ليس من عادتها فلم تجلسها كغير الملفقة، وإن كانت ناسية فأجلسها سبعة أيام فكذلك. وإن كانت مميزة جلست زمان الدم الأسود والباقي إستحاضة، وإن كانت مبتدأة جلست اليقين في ثلاثة أشهر وفي شهرين من أول دم تراه ثم تنتقل بعد ذلك إلى غالب الحيض وهل تلفق لها السبعة من

مسألة: وأقل الحيض يوم وليلة وعنه يوم وأكثره خمسة عشر يوما وعنه سبعة عشر

خمسة عشر يوماً أو تجلس أربعة من سبعة؟ على الوجهين كالمعتادة، وقال القاضي في المعتادة كما ذكرنا وفي غيرها ما عبر الخمسة عشر إستحاضة وأيام الدم من الخمسة عشر كلها حيض إذا تكرر فإن كان يوماً ويوماً فلها ثمانية أيام حيضاً وإن كانت أنصافاً فلها سبعة ونصف حيضاً ومثابا طهراً لأن الطهر في اليوم السادس عشر يفصل بين الحيض وما بعده لأنها فيما بعده في حكم الطاهرات تصوم وتصلي (فصل) قال (والمستحاضة تغسل فرجها وتعصبه وتتوضأ لوقت كل صلاة وتصلي ما شاءت من الصلوات وكذلك من به سلس البول والمذي والريح والجريح الذي لا يرقأ دمه والرعاف الدائم) المستحاضة التي ترى دماً لا يصلح أن يكون حيضاً ولا نفاساً حكمها حكم الطاهرات في وجوب العبادات

مسألة: وغالبه ست أو سبع

وفعلها لأنها نجاسة غير معتادة أشبه سلس البول، إذا ثبت ذلك فإن المستحاضة ومن في معناها ممن ذكرنا وهو من لا يمكنه حفظ طهارته لاستمرار الحدث يجب عليه غسل محل الحدث والتحرز من خروج الحدث بما أمكنه. فالمستحاضة تحشوه بالقطن وما أشبهه فإن لم يرد الدم استثفرت بخرقة مشقوقة الطرفين تشدهما على جنبيها ووسطها على الفرج لأن في حديث أم سلمة " لتستثفر بثوب " قال لحمنة حين شكت إليه كثرة الدم " أنعت لك الكرسف " يعني القطن تحشين به المكان قالت إنه أكثر من ذلك قال " تلجمي " فإذا فعلت ذلك وتوضأت ثم خرج الدم لرخاوة الشدة فعليها إعادة الشد والوضوء وإن كان لغلبة الخارج وقوته لم تبطل الطهارة لعدم إمكان التحرز منه قالت عائشة اعتكفت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من ازواجه فكلت فترى الدم والصفرة والطست تحتها وهي تصلي رواه البخاري وفي لفظ " صلي وأن قطر الدم على الحصير " والمبتلى بسلس البول وكثرة المذي يعصب رأس ذكره بخرقة ويحترس حسبما أمكنه وكذلك من به جرح أو ريح أو نحوه من الأحداث فإن كان مما لا يمكن عصبه كالجرح الذي لا يمكن شده أو من به باسور أو ناصور لا يمكن عصبه صلى على حسب حاله لأن عمر رضي الله عنه صلى وجرحه يثعب دماً (فصل) ويجب على كل واحد من هؤلاء الوضوء لوقت كل صلاة إلا أن لا يخرج منه شئ وهو قول الشافعي وأصحاب الرأي، وقال مالك لا يجب الوضوء على المستحاضة وروي ذلك عن عكرمة وربيعة. وأستحب مالك لمن به سلس البول أن يتوضأ لكل صلاة إلا أن يؤذيه البرد فإن آذاه فارجو

مسألة: وأقل الطهر بين الحيضتين ثلاثة عشر يوما

أن لا يكون عليه ضيق. واحتجوا بأن في حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة بنت أبي حبيش " فاغتسلي وصلي " فلم يأمرها بالوضوء ولأنه ليس بمنصوص عليه ولا في معنى النصوص لأنه غير معتاد ولنا ما روى عدي بن ثابت عن أبيه عن جده في المستحاضة " تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتصوم وتصلي وتتوضأ عند كل صلاة رواه أبو داود والترمذي وعن عائشة قالت جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر خبرها ثم قال " وتوضئي لكل صلاة حتى يجئ ذلك الوقت " رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح وهذه زيادة يجب قبولها

ولأنه حدث خارج من السبيل فنقض الوضوء كالمذي - إذا ثبت هذا فإن طهارة هؤلاء مقيدة بالوقت لقوله " تتوضأ عند كل صلاة " وقوله " ثم توضئي لكل صلاة " ولأنها طهارة عذر وضرورة فقيدت بالوقت كالتيمم. فعلى هذا إذا توضأ أحد هؤلاء قبل الوقت بطلت طهارته لأن دخوله يخرج به الوقت الذي توضأ فيه. وكذلك إن خرج منه شئ لأن الحدث مبطل للطهارة وإنما عفي عنه مع الحاجة إلى الطهارة ولا حاجة قبل الوقت وإن توضأ بعد الوقت صح وضوؤه ولم يؤثر فيه ما يتجدد من الحدث الذي لا يمكن التحرز منه لما ذكرنا. فإن صلى عقيب الطهارة أو أخرها لما يتعلق بمصلحة الصلاة كلبس الثياب وإنتظار الجماعة أو لم يعلم أنه خرج منه شئ جاز وإن أخرها لغير ذلك. ففيه وجهان

مسألة: فإن جاوز أكثر الحيض فهي مستحاضة

(أحدهما) الجواز قياساً على طهارة التيمم (والثاني) لا يجوز لأنه إنما أبيح له الصلاة بهذا الطهارة مع وجود الحدث للضرورة ولا ضرورة ههنا. وإن خرج الوقت بعد أن خرج منها شئ أو أحدث حدثاً غير هذا الخارج بطلت الطهارة (فصل) ويجوز للمستحاضة ومن في معناها الجمع بين الصلاتين وقضاء الفوائت والتنفل إلى خروج الوقت قال أحمد في رواية ابن القاسم إنما آمرها أن تتوضأ لكل صلاة فتصلي بذلك الوضوء النافلة والصلاة الفائتة حتى يدخل وقت الصلاة الأخرى فتتوضأ أيضاً وهذا يقتضي إلحاقها بالتيمم، وقال الشافعي في المستحاضة لا تجمع بين فرضين بطهارة واحدة ولا تقضي به فوائت كقوله في

التيمم لقول النبي صلى الله عليه وسلم " توضئي لكل صلاة " ولنا أنه قد روي في بعض ألفاظ حديث فاطمة " توضئي لوقت كل صلاة " وحديثهم محمول على الوقت كقوله صلى الله عليه وسلم " أينما أدركتك الصلاة فصل " أي وقتها ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر حمنة بالجمع بين الصلاتين بغسل واحد وأمر به سهلة بنت سهيل ولم يأمرها بوضوء لأن الظاهر أنه لو مرها بالوضوء بينهما لنقل ولأن هذا مما يخفى ويحتاج إلى بيان فلا يجوز تأخيره عن وقت الحاجة أو غير المستحاضة من أهل الأعذار مقيس عليها (فصل) إذا توضأت المستحاضة ثم إنقطع دمها فإن إتصل الإنقطاع بطل وضوؤها بإنقطاعه

لأن الحدث الخارج منها مبطل للطهارة عفي عنه للعذر فإذا زال العذر ظهر حكم الحدث، وإن عاد الدم فظاهر كلام أحمد أنه لا عبرة بهذا الإنقطاع قال أحمد بن القاسم سألت أبا عبد الله فقلت إن هؤلاء يتكلمون بكلام كثير ويؤقتون بوقت يقولون إذا توضأت للصلاة وقد إنقطع الدم ثم سال بعد ذلك قبل أن تدخل في الصلاة تعيد الوضوء ويقولون ادا تطهرت والدم سائل ثم إنقطع الدم قولاً آخر؟ قال لست أنظر في انقطاعه حين وضات سال أم لم يسل إنما آمرها أن تتوضأ لكل صلاة فتصلي بذلك الوضوء النافلة والفائتة حتى يدخل وقت الصلاة الأخرى، وقال القاضي وابن عقيل أن تطهرت حال جريان الدم ثم إنقطع قبل دخولها في الصلاة ولم يكن لها عادة بإنقطاعه لم يكن لها الدخول في

الصلاة حتى تتوضأ لأنها طهارة عفي عن الحدث فيها للضرورة فإذا زالت ظهر حكم الحدث كالمتيمم إذا وجد الماء. فإن دخلت في الصلاة فإتصل الإنقطاع بحيث يتسع للوضوء والصلاة فالصلاة باطلة لأننا تبينا بطلان الطهارة بإنقطاعه وإلا فطهارتها صحيحة لأننا تبينا عدم الإنقطاع المبطل أشبه مالو ظن أنه أحدث ثم بان بخلافه. وفي صحة الصلاة وجهان (أحدهما) تصح بناء على صحة الطهارة لبقاء الإستحاضة (والثاني) لا تصح لأنها صلت بطهارة لم يكن لها أن تصلي بها فلم تصح كما لو تيقن الحدث وشك في الطهارة وصلى. ثم تبين أنه كان متطهراً وإن عاودها الدم قبل دخولها في الصلاة لمدة تتسع للطهارة والصلاة بطلت الطهارة، وإن كانت لا تتسع لم تبطل لما ذكرنا وإن كان انقطاعه في الصلاة

مسألة: وذكر أبو الخطاب في المبتدأة أول ما ترى الدم الروايات الأربع

واتصل إنبنى على المتيمم يجد الماء في الصلاة ذكره ابن حامد، وإن عاودها الدم فهو كما لو إنقطع خارج الصلاة على ما مضى وإن توضأت وهو منقطع ثم عاد قبل الصلاة أو فيها وكانت مدة إنقطاعه تتسع للطهارة والصلاة بطلت طهارتها بعوده لأنها صارت بهذا الإنقطاع في حكم الطاهرات فصار عود الدم كسبق الحدث. وإن لم يتسع لم يؤثر هذا الإنقطاع وهذا قول للشافعي، وقد ذكرنا أن ظاهر كلام أحمد رحمه الله أنه لا عبرة بهذا الإنقطاع بل متى كانت مستحاضة أو من في معناها فتحرزت وتطهرت فطهارتها صحيحة ما لم تبرأ أو يخرج الوقت أو تحدث حدثاً آخر وهو أولى لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المستحاضة بالوضوء لكل صلاة من غير تفصيل فالتفصيل يخالف مقتضى الخبر ولأن هذا

مسألة: وإن استحيضت المعتادة رجعت إلى عادتها وإن كانت مميزة، وعنه يقدم التمييز وهو إختيار الخرقي وإن نسيت العادة عملت بالتمييز فإن لم يكن لها تمييز جلست غالب الحيض من كل شهر، وعنه أقله وقيل: فيها الروايات الأربع

لم يرد الشرع به ولا سأل عنه النبي صلى الله عليه وسلم المستحاضة التي إستفتته ولم ينقل عنه ولا عن أحد من أصحابه هذا التفصيل وذلك يدل ظاهراً على عدم إعتباره ولأن إعتبار هذا يشق. والعادة في المستحاضة ونحوها أن الخارج يجري وينقطع. وإعتبار مدة الإنقطاع بما يمكن فيه فعل العبادة بشق وإيجاب الوضوء به حرج منفي بقوله تعالى (وما جعل عليكم في الدين من حرج) وكذلك فيما إذا كان لها عادة بإنقطاعه زمناً لا يتسع للطهارة والصلاة على ما مضى من الخلاف فيه (فصل) فإن كان للمستحاضة عادة بإنقطاع الدم زمناً لا يتسع للطهارة والصلاة فتوضأت ثم إنقطع

لم نحكم ببطلان طهارتها ولا صلاتها ان كانت فيها لأن هذا الإنقطاع لا يحصل به المقصود وإن إتصل الانقطاع وبرأت وكان قد جرى منها دم بعد الوضوء بطلت الطهارة والصلاة لأنا تبينا أنها صارت في حكم الطاهرات بالإنقطاع وإن إتصل زمناً يتسع للطهارة والصلاة فالحكم فيه كالتي لم يجر لها عادة بإنقطاعه على ما ذكرنا، وإن كانت لها عادة بإنقطاعه زمناً يتسع للصلاة والطهارة لم تصل حال جريان الدم وتنتظر إنقطاعه إلا أن تخشى خروج الوقت فتتوضأ وتصلي فإن شرعت في الصلاة في آخر الوقت بهذه الطهارة فأمسك الدم عنها بطلت طهارتها لأنها أمكنتها الصلاة بطهارة صحيحة أشبهت غير المستحاضة، وإن كان زمن إمساكه يختلف فتارة يتسع وتارة لا يتسع فهي كالتي قبلها إلا أن تعلم أن هذا الإنقطاع لا يتسع. قال شيخنا: ويحتمل أنها إذا شرعت في الصلاة ثم إنقطع

الدم لم تبطل صلاتها لأنها شرعت فيها بطهارة متيقنة وإنقطاع الدم يحتمل أن يكون متسعاً فتبطل ويحتمل أن يكون ضيقاً فلا تبطل فلا تزول عن اليقين بالشك وإن إتصل الإنقطاع تبينا أنه كان مبطلاً فبطلت الصلاة. (فصل) (ويستحب للمستحاضة أن تغتسل لكل صلاة) وذهب بعض العلماء إلى وجوبه روى ذلك عن علي وابن عمر وابن عباس وابن الزبير وهو أحد قولي الشافعي في المتحيرة لأن أم حبيبة إستحيضت سبع سنين فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم فكانت تغتسل عند كل صلاة وروى أبو داود أن امرأة كانت تهراق الدماء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها أن تغتسل عند كل صلاة، وقال بعضهم تغتسل كل يوم غسلاً روى ذلك عن عائشة وابن عمر وأنس وقال بعضهم تجمع بين كل صلاتي جمع بغسل وتغتسل للصبح لأن النبي صلى الله عليه وسلم

قال لحمنة " فإن قويت أن تؤخري الظهر وتعجلي العصر ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين - الظهر والعصر حين تطهرين وتصلين الظهر والعصر جميعاً ثم تؤخرين المغرب وتعجلين العشاء ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين وتغتسلين للصبح فافعلي وصومي إن قويت على ذلك " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " وهو أعجب الأمرين إلي " وأمر به سهلة بنت سهيل وبه قال عطاء والنخعي وأكثر أهل العلم على أنها تغتسل عند إنقضاء الحيض ثم عليها الوضوء لكل صلاة لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إنما ذلك عرق وليست بالحيضة فإذا أقبلت فدعي الصلاة فإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي وتوضئي لكل صلاة " وقد ذكرنا حديث عدي بن ثابت وهذا يدل على أن الغسل المأمور به أمر استحباب جمعاً بين الأحاديث والغسل لكل صلاة أفضل لأنه أحوط، وفيه خروج من الخلاف، ويليه في الفضل الجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بغسل والغسل للصبح ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم " وهو أعجب الأمرين إلي " ويليه الغسل

كل يوم مرة ثم بعده الغسل عند إنقطاع الدم والوضوء لكل صلاة وذلك مجزئ إن شاء الله تعالى (مسألة) (وهل يباح وطئ المستحاضة في الفرج من غير خوف العنت على روايتين) (إحداهما) لا يباح إلا أن يخاف على نفسه الوقوع في المحظور وهو مذهب ابن سيرين والشعبي لأن عائشة يروي عنها أنها قالت: المستحاضة لا يغشاها زوجها ولأن بها أذى فيحرم وطؤها كالحيض لأن الأذى علة لتحريم الوطئ لأن الشارع ذكره عقيبة بفاء التعقيب فكان علة له كقوله تعالى (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) والأذى موجود في الإستحاضة فمنع وطؤها كالحائض (والثانية) يباح وطؤها مطلقاً وهو قول أكثر أهل العلم لما روى أبو داود عن عكرمة عن حمنة بنت جحش أنها كانت مستحاضة وكان زوجها يجامها، وقال أن أم حبيبة كانت تستحاض وكان زوجها يغشاها، وقد كانت حمنة تحت طلحة وأم حبيبة تحت عبد الرحمن بن عوف وقد سألتا النبي صلى الله عليه وسلم عن أحكام المستحاضة فلو كان حراماً لبينه لهما، فأما إن خاف على نفسه العنت أبيج على الروايتين لأن حكمه أخف من حكم الحيض ومدته

مسألة: وإن نسيت العادة عملت بالتمييز

تطول فإن وطئها لغير ذلك وقلنا بالتحريم لم يكن عليه فكفارة لأن الشرع لم يرد بها وقد فرقنا بينه وبين الحيض فإن إنقطع دمها أبيح وطؤها قبل الغسل لأنه غير واجب عليها أشبه سلس البول (فصل) قال أحمد لا بأس ان تشرب المرأة دواء يقطع عنها الحيض إذا كان دواء معروفاً والله أعلم (فصل) قال (وأكثر النفاس أربعون يوماً) هذا قول أكثر أهل العلم روي ذلك عن عمر وعلي وابن عباس وعثمان بن أبي العاص وعائذ بن عمر وأنس وأم سلمة رضي الله عنهم وبه قال الثوري واسحاق وأصحاب الرأي، وقال الحسن البصري النفساء لا تكاد تجاوز الأربعين فإن جاوزت الخمسين فهي مستحاضة، وقال مالك والشافعي أكثره ستون وحكاه ابن عقيل رواية عن أحمد لأنه روي عن الأوزاعي أنه قال عندنا امرأة ترى النفاس شهرين، وروي نحو ذلك عن عطاء، والمرجع في ذلك إلى الوجود قال الشافعي وغالبه أربعون يوماً ولنا ما روى أبو داود والترمذي عن مسة الأزدية عن أم سلمة رضي الله عنها قالت كانت النفساء

تجلس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين يوماً قال الترمذي لا نعرف هذا الحديث إلا من حديث أبي سهل وهو ثقة. قال الخطابي أثنى محمد بن إسماعيل على هذا الحديث ولأنه قل من سميناه من الصحابة ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم فكان إجماعاً. قال الترمذي أجمع أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم على أن النفساء تدع الصلاة أربعين يوماً إلا أن ترى الطهر قبل ذلك فتغتسل وتصلي. قال أبو عبيد وعلى هذا جماعة الناس. وما حكوه عن الاوزاعي يحنمل أن الزيادة كانت حيضاً أو إستحاضة كما لو زاد دمها على الستين، فعلى هذا إن زاد دم النفساء على أربعين وصادف عادة الحيض فهو حيض وإلا فهو إستحاضة نص عليه أحمد لأنه لا يخلو من أحدهما والله أعلم. (مسألة) قال (ولا حد لأقله) وبه قال الثوري والشافعي، وقال أبو الخطاب أقله قطرة وقال

مسألة: فإن لم يكن لها تمييز جلست غالب الحيض من كل شهر وعنه أقله وقيل: فيها الورايات الأربع

محمد بن الحسن وأبو ثور أقله ساعة، وقال أبو عبيد أقله خمسة وعشرون يوماً، وقال يعقوب أدناه أحد عشر يوما ولنا أنه لم يرد في الشرع تحديده فيرجع فيه إلى الوجود وقد وجد قليلاً وكثيراً وقد روي أن امرأة ولدت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم تر دماً فسميت ذات الجفوف ولأن اليسير دم وجد عقيب سببه فكان نفاساً كالكثير (مسألة) (أي وقت رأت الطهر فهي طاهر تغتسل وتصلي إذا كان الطهر أقل من ساعة فينبغي أن لا تلتفت إليه لما ذكرنا من قول ابن عباس في الحيض وإن كان أكثر من ذلك فظاهر قوله ههنا أنها تغتسل وتصلي لحديث ابن عباس وهذا قول أكثر أصحابنا لقول علي رضي الله عنه: لا يحل للنفساء

إذا رأت الطهر ألا أن تصلي. وقد روي عن أحمد أنها إذا رأت النقاء أقل من يومين لا يثبت لها أحكام الطاهرات رواه يعقوب عنه فعلى هذا لا يثبت لها حكم الطاهرات إلا أن ترى الطهر يوماً كاملاً لأن الدم يجري تارة وينقطع أخرى فلم يمكن اعتبار مجرد الانقطاع فلابد من ضابط للإنقطاع المعدود طهراً واليوم يصلح أن يكون ضابطاً فتعلق الحكم به والله أعلم (مسألة) (ويستحب أن لا يقربها في الفرج حتى تتم الأربعين) . متى طهرت النفساء في مدة الأربعين أكثر من يوم لزمها الصوم والصلاة بعد أن تغتسل، وإن كان أقل من يوم فقد ذكرنا الخلاف فيه، ويستحب لزوجها أن لا يطأها في الفرج وهي طاهرة حتى تتم الأربعين. قال احمد ما يعجبني أن يأتيها زوجها على حديث عثمان بن أبي العاص أنها أتته قبل الأربعين فقال لا تقربيني ولأنه لا يأمن عود الدم في زمن الوطئ فيكون واطئا في نفاس ولا يحرم وطؤها لأنها في حكم الطاهرات

ولذلك تجب عليها العبادات، وذكر القاضي في تحريمه روايتين في المجرد والصحيح أنه لا يحرم لما ذكرنا (مسألة) (فإن إنقطع دمها في مدة الأربعين ثم عاد فيها فهو نفاس وعنه إنه مشكوك فيه تصوم وتقضي الصوم المفروض) متى إنقطع دمها في مدة الأربعين إنقطاعاً تجب عليها فيه العبادات ثم عاد في مدة الأربعين ففيه روايتان (إحداهما) هو نفاس تدع له الصوم والصلاة نقلها عنه أحمد بن القاسم وهذا قول عطاء والشعبي لأنه دم في مدة النفاس أشبه مالو إتصل (والثانية) هو مشكوك فيه وهي أشهر نقلها عنه الأثرم وغيره فعلى هذا تصوم وتصلي لأن سبب العبادة متيقن وسقوطها بهذا الدم

مسألة: وإن علمت عدد أيامها ونسيت موضعها جلستها من أول كل شهر في أحد الوجهين وفي الآخر تجلسها بالتحري

مشكوك فيه. ويجب عليها قضاء الصوم احتياطا لان الصوم واجب عليها بيقين وسقوطه بهذا الفعل مشكوك فيه. ولا يقربها زوجها إحتياطاً بخلاف الناسية إذا جلست ستاً أو سبعاً فإنه لا يجب عليها قضاء الصوم الذي صامته مع الشك فيه، والفرق بينهما أن الغالب من عادات النساء ست أو سبع وما زاد عليه نادر بخلاف النفاس ولأن الحيض يتكرر فيشق ذلك فيه وكذلك الدم الزائد عن العادة في الحيض، وقال مالك إن رأت الدم بعد يومين أو ثلاثة فهو نفاس وإن تباعد فهو حيض، ولاصحاب الشافعي فيما إذا رأت الدم يوما وليلة بعد طهر خمسة عشر هل هو حيض أو نفاس؟ قولان. وقال القاضي: إن رأت الدم أقل من يوم وليلة بعد طهر خمسة عشر فهو دم فساد تصوم وتصلي ولا تقضي وهو قول أبي ثور، وإن كان الدم الثاني

مسألة: وكذلك الحكم في موضع حيض من لا عادة لها ولا تمييز

يوماً وليلة فهو مشكوك فيه ذكرنا حكمه، ولنا أنه دم صادف زمن النفاس فكان نفاساً كما لو استمر أو رأته قبل مضي يومين وينبغي أن لا يفرق بين قليله وكثيره لما ذكرنا، ومن قال هو حيض فهو نزاع في عبارة لإستواء حكم الحيض والنفاس، فأما ما صامته في زمن الطهر فلا يجب قضاؤه لأنه صوم صحيح (فصل) إذا رأت المرأة الدم بعد وضع شئ يتبين فيه شئ من خلق الإنسان فهو نفاس نص عليه وإن رأته بعد إلقاء نطفة أو علقة فليس بنفاس، وإن كان جسماً لا يتبين فيه شئ من خلق الإنسان ففيه وجهان (أحدهما) هو نفاس لأنه بدء خلق آدمي أشبه مالو تبين (والثاني) ليس بنفاس لأنه لم يتبين أشبه النطفة والعلقة والله أعلم

مسألة: وإن علمت موضع حيضها ونسيت عدده جلست فيه غالب الحيض أو أقله على إختلاف الروايتين

(مسألة) (وإن ولدت توأمين فأول النفاس من، الأول وآخره منه وعنه أنه من الأخير والأول أصح) ذكر أصحابنا عن أحمد رحمه الله في هذه المسألة روايتين (إحداهما) إن أول النفاس وآخره من الأول وهذا قول مالك وأبي حنيفة، فعلى هذا متى انقضت مدة النفاس من حين وضع الأول لم يكن ما بعده نفاساً لأن ما بعد الأول دم بعد الولادة أشبه المنفرد، وإذا كان أوله منه كان آخره منه كالمنفرد (والرواية الثانية) اختلف فيها أصحابنا. فقال الشريف أبو جعفر وأبو الخطاب في رءوس المسائل هي أن أوله من الأول وآخره من الثاني. وذكره القاضي في كتاب الروايتين لأن الثاني ولد فلا تنقضي مدة النفاس قبل إنتهائها منه كالمنفرد. فعلى هذا تزيد مدة النفاس على أربعين في حق من ولدت توأمين، وقال القاضي أبو الحسين وأبو الخطاب في الهداية: هي أن أول النفاس وآخره من الثاني حسب. وهو قول زفر لأن مدة النفاس تتعلق بالولادة فكان ابتداؤها وإنتهاؤها من الثاني كمدة المدة

مسألة: وإن تغيرت العادة بزيادة أو تقدم أو تأخر أو إنتقال فالمذهب أنها لا تلتفت إلى ما خرج عن العادة حتى يتكرر ثلاثا أو مرتين على الإختلاف

فعلى هذا ما تراه من الدم قبل ولادة الثاني لا يكون نفاساً، ولأصحاب الشافعي ثلاثة أوجه كالأقوال الثلاثة وقال القاضي في المجرد النفاس عنهما رواية وإنما الروايتان في وقت الإبتداء هل هو عقيب إنفصال الأول أو الثاني قال شيخنا وهذا ظاهره إنكار لرواية من روى أن آخره من الأول والله أعلم (كتاب الصلاة) الصلاة في اللغة عبارة عن الدعاء قال الله تعالى (وصل عليهم) أي أدع لهم، وقال صلى الله عليه وسلم " إذا دعي أحدكم فليجب، فإن كان مفطراً فليطعم وإن كان صائماً فليصل " وفي الشرع عبارة عن الأفعال المعلومة فإذا ورد في الشرع أمر بصلاة أو حكم معلق عليها إنصرف إلى الصلاة الشرعية في الظاهر (والأصل) في وجوبها الكتاب والسنة والإجماع. أما الكتاب فقوله تعالى (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء. ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة " ومن السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم " بني الإسلام على خمس: شهادة ان لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاء، وصيام رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلا " متفق عليه والأخبار في ذلك كثيرة وأجمع المسلمون على وجوب خمس صلوات في اليوم والليلة، وهي واجبة على كل مسلم بالغ عاقل إلا الحائض

والنفساء لما ذكرنا ولقول الله تعالى (أن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا) فأما الحائض والنفساء فلا تجب عليهما الصلاة لما ذكرنا في باب الحيض (مسألة) قال (وتجب على النائم ومن زال عقله بسكر أو إغماء أو شرب دواء) لا نعلم خلافاً في وجوب الصلاة على النائم بمعنى أنه يجب عليه قضاؤها إذا استيقظ لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها " رواه مسلم بمعناه ولو لم تجب عليه في حال نومه لما وجب عليه قضاؤها كالمجنون وكذلك السكران ومن شرب محرماً يزيل عقله لأنه إذا وجب بالنوم المباح فبالمحرم بطريق الأولى وحكم المغمى عليه حكم النائم في وجوب قضاء العبادات عليه من الصلاة والصوم يروي ذلك عن عمار وعمران بن حصين وسمرة بن جندب. وروي عن ابن عمر وطاوس والحسن والزهري قالوا: لا يقضي الصلاة، وقال مالك والشافعي لا يلزمه قضاء الصلاة إلا أن يفيق في جزء من وقتها لأنه يروى أن عائشة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يغمى عليه فيترك الصلاة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ليس من ذلك قضاء إلا أن يغمى عليه فيفيق في وقتها فيصليها " وقال أصحاب الرأي إن اغمي عليه أكثر من خمس صلوات لم يقض شيئاً وإلا قضى الجميع لأن ذلك يدخل في التكرار فاسقط القضاء كالمجنون. ولنا أن الإغماء لا يسقط فرض الصيام ولا يؤثر في ثوبت الولاية ولا تطول مدته غالباً أشبه

النوم وحديثهم يرويه الحكم بن عبد الله بن سعد وقد نهى أحمد عن حديثه، وقال البخاري تركوه وقياسه على المجنون لا يصح لأنه تطول مدته غالباً وتثبت عليه الولاية ويسقط عنه الصوم ولا يجوز على الأنبياء عليهم السلام بخلاف الاغماء ولان مالا يؤثر في إسقاط الخمس لا يؤثر في إسقاط الزائد عليها كالنوم (فصل) فأما شرب الدواء المباح الذي يزيل العقل فإن كان لا يدوم كثيراً فهو كالإغماء وإن تطاول فهو كالمجنون، وأما ما فيه السموم من الأدوية فإن كان الغالب من إستعماله الهلاك أو الجنون لم يجز وإن كان الغالب منه السلامة ويرجى نفعه أبيح شربه في الظاهر لدفع ما هو أخطر منه كغيره من الأدوية ويحتمل أن يحرم لأن فيه تعرضاً للهلاك أشبه ما لو لم يرد به التداوي، والأول أصح فإن قلنا يحرم شربه فهو كالمحرمات من الخمر ونحوه وإن قلنا يباح فهو كالمباحات فيما ذكرنا والله أعلم (مسألة) (ولا تجب على كافر ولا مجنون ولا تصح منهما) اختلف أهل العلم في خطاب الكفار بفروع الإسلام وعن أحمد رحمه الله فيه روايتان مع إجماعهم على أنها لا تصح منه في حال كفره ولا يجب عليه قضاؤها بعد إسلامه إذا كان أصلياً وقد قال تعالى (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) ولأنه قد أسلم خلق كثير في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وبعده فلم يأمر أحداً بقضاء ولأن في إيجاب القضاء عليه تنفيراً عن الإسلام فعفي عنه، وأما المرتد فذكر أبو إسحاق بن شاقلا في وجوب القضاء عليه روايتين (إحداهما) لا يلزمه وهو ظاهر كلام الخرقي فعلى هذا لا يلزمه قضاء ما ترك

مسألة: وإن طهرت في اثناء عادتها إغتسلت وصلت فإن عاودها الدم في العادة، فهل تلتفت إليه؟ على روايتين

في حال كفره ولا في حال إسلامه قبل ردته وإن كان قد حج لزمه استئنافه لأن عمله قد حبط بكفره بدليل قوله تعالى (لئن أشركت ليحبطن عملك) فصار كالكافر الأصلي في جميع أحكامه (والثانية) يلزمه قضاء ما ترك من العبادات في حال كفره وإسلامه قبل ردته ولا يجب عليه إعادة الحج لأن العمل إنما يحبط بالإشراك مع الموت لقوله تعالى (ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم) وهذا مذهب الشافعي ولأن المرتد أقر بوجوب العبادات عليه واعتقد ذلك وقدر على التسبب إلى آدائها فلزمه كالمحدث، وذكر القاضي رواية ثالثة أنه لا قضاء عليه لما ترك في حال ردته وعليه قضاء ما ترك في إسلامه قبل الردة لأنه كان واجباً عليه قبل الردة فبقي الوجوب. قال وهذا المذهب هو اختيار ابن حامد وعلى هذا لا يلزمه استئناف الحج لأن ذمته برئت منه بفعله قبل الردة فلم تشتغل به بعد ذلك كالصلاة ولأن الردة لو أبطلت حجه أبطلت سائر عباداته المفعولة قبل ردته وهذا أولى إن شاء الله تعالى. فأما المجنون فلا تصح منه الصلاة لأنه ليس من أهل التكليف أشبه الطفل ولا تجب عليه في حال جنونه ولا يلزمه قضاؤها إلا أن يفيق في وقت الصلاة لا نعلم في ذلك خلافا. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن لصبي حتى يشب، وعن المعتوه حتى يعقل " رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن

(مسألة) (وإذا صلى الكافر حكم بإسلامه) لقوله صلى الله عليه وسلم " من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، فله مالنا وعليه ما علينا " وقال صلى الله عليه وسلم " بيننا وبينهم الصلاة " فجعل الصلاة حدا فمن أتى بها ينبغي أن يدخل في حد الإسلام ولأنها أحد مباني الإسلام المختصة به فإذا فعلها حكم بإسلامه كالشهادتين (مسألة) (ولا تجب على صبي وعنه أنها تجب على من بلغ عشراً) ظاهر المذهب أن الصلاة لا تجب على الصبي حتى يبلغ لما ذكرنا من الحديث، وفيه رواية أخرى أنها تجب على من بلغ عشراً لقول النبي صلى الله عليه وسلم " مروا الصبي بالصلاة لسبع واضربوه عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع " رواه أبو داود - أمر بعقوبته ولا تشرع العقوبة إلا لترك الواجب ولأن حد الواجب ما عوقب على تركه، والأول أصح لقول النبي صلى الله عليه وسلم " رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يبلغ " ولأنه صبي فلم تجب عليه كالصغير ولأن الصبي ضعيف العقل والبنية ولا بد من ضابط يضبط الحد الذي تتكامل فيه بنيته وعقله فإنه يتزايد تزايداً خفي التدريج فلا يعلم بنفسه. والبلوغ ضابط لذلك ولهذا تجب به الحدود ويتعلق به أكثر أحكام التكليف فكذلك الصلاة، فأما التأديب ههنا فهو كالتأديب على تعلم الخط والقرآن والصناعة ليعتادها ويتمرن عليها. ولا فرق بين الذكر والأنثى فيما ذكرنا، ولا خلاف في أنها تصح من الصبي العاقل ويشترط لصحة صلاته من يشترط لصحة صلاة الكبير إلا في السترة فإن قوله صلى الله عليه وسلم " لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار " يدل على صحتها بدون الخمار

(مسألة) (ويؤمر بها لسبع ويضرب على تركها لعشر) وهذا قول مكحول والاوزاعي وإسحاق وابن المنذر للخبر، وقال ابن عمر وابن سيرين إذا عرف يمينه من يساره لأنه يروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن ذلك فقال " إذا عرف يمينه من شماله فمروه بالصلاة " رواه أبو داود وقال مالك والنخعي: يؤمر إذا ثغر، وقال عروة إذا عقل، قال القاضي يجب على ولي الصبي تعليمه الطهارة والصلاة وأمره بها إذا بلغ سبع سنين وتأديبه عليها إذا بلغ عشر سنين لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك وظاهر الأمر الوجوب وهذا الأمر والتأديب في حق الصبي لتمرينه عليها كي يألفها ويعتادها فلا يتركها عند البلوغ (مسألة) (فإن بلغ في أثنائها أو بعدها في وقتها لزمه إعادتها) وهذا قول أبي حنيفة، وقال الشافعي لا تلزمه في الموضعين لأنه أدى وظيفة الوقت فلم تلزمه إعادتها كالبالغ ولنا أنه صلاها قبل وجوبها وسببه فلم تجزه عما وجد سبب وجوبها كما لو صلى قبل الوقت ولأنها نافلة في حقه لم تجزه كما لو نواها نفلاً، ولأنه بلغ في وقت العبادة بعد فعلها فلزمه إعادتها كالحج (مسألة) (ولا يحل لمن وجبت عليه الصلاة تأخيرها عن وقتها إلا لمن ينوي الجمع أو لمشتغل بشرطها) وذلك لما روى أبو قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " أما أنه ليس في النوم تفريط إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجئ وقت الصلاة الأخرى " أخرجه مسلم فسماه تفريطا. وعن سعد

أنه قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن (الذين هم عن صلاتهم ساهون) قال " إضاعة الوقت " توعدهم على ذلك فدل على وجوبه هذا إذا كان ذاكراً لها قادراً على فعلها، فأما من نوى الجمع لعذر جاز له تأخير الأولى إلى وقت الثانية لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله وكذلك المشتغل بشرطها لا يأثم لأن الصلاة لا تصح بدونه إذا قدر عليه فمتى كان شرطاً مقدوراً عليه وجب عليه الإشتغال بتحصيله ولم يأثم بالتأخير في مدة تحصيله كالمشتغل بالوضوء والغسل (مسألة) (فمن جحد وجوبها كفر) متى جحد وجوب الصلاة نظرنا فإن كان جاهلاً به وهو ممن يجهل مثله ذلك كحديث الإسلام والناشئ ببادية عرف وجوبها لم يحكم بكفره لأنه معذور، وإن كان ممن لا يجهل ذلك كالناشئ بين المسلمين في الأمصار لم يقبل منه إدعاء الجهل وحكم بكفره لأن أدلة الوجوب ظاهرة في الكتاب والسنة والمسلمون يفعلونها على الدوام فلا يخفى وجوبها عليه فلا يجحدها إلا تكذيباً لله ورسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع الأمة فهذا يصير مرتداً حكمه حكم سائر المرتدين عن الإسلام، قال شيخنا ولا أعلم في هذا خلافا، وإن تركها لمرض أو عجز عن أركانها أعلم أن ذلك لا يسقط الصلاة وإنه يجب عليه أن يصلي على حسب طاقته (مسألة) (وإن تركها تهاوناً لا جحوداً دعي إلى فعلها، فإن أبى حتى تضايق وقت التي بعدها وجب قتله وعنه لا يجب حتى يترك ثلاثاً ويضيق وقت الرابعة) وجملته أن من ترك الصلاة تهاوناً وكسلا مع اعتقاد وجوبها دعي إلى فعلها وهدد فقيل له: صل وإلا قتلناك فإن لم يصل حتى تضايق وقت

مسألة: والصفرة والكدرة في أيام الحيض من الحيض

التي بعدها وجب قتله في إحدى الروايتين واختيار ابن عقيل وهو ظاهر كلام الخرقي لأنه إذا ترك الأولى لم نعلم أنه عزم على تركها إلا بخروج الوقت فإذا خرج علمنا أنه تركها ولا يجب قتله بها لأنها فائتة فإذا ضاق وقت الثانية وجب قتله، وقال ابو إسحاق بن شاقلا إن كان الترك للصلاة إلى صلاة لا تجمع معها كالفجر إلى الظهر والعصر إلى المغرب وجب قتله، وإن كانت تجمع معها كالظهر إلى العصر والمغرب إلى العشاء فلا يقتل لأن وقتهما وقت واحد في حال العذر ولأن الوقتين كالوقت الواحد عند بعض العلماء، قال شيخنا وهذا قول حسن (والرواية الثانية) لا يقتل حتى يترك ثلاث صلوات ويضيق وقت الرابعة. قال أحمد رحمه الله لئلا تكون شبهة لأنه قد يترك الصلاة والصلاتين والثلاث لشبهة فإذا رأيناه ترك الرابعة علمنا أنه عزم على تركها وانتفت الشبهة فيجب قتله، والصحيح الأول وقد نص أحمد فيمن ترك صلاة الفجر عامداً حتى وجبت عليه أخرى يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه لأنه قد وجد الترك وليس تقديرها بثلاث أولى من تقديرها بأربع وخمس وهو مذهب مالك والشافعي، وقال الزهري يسجن ويضرب، وقال أبو حنيفة لا يقتل لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا يحل دم امرئ مسلم إلا باحدى ثلاث كفر بعد إيمان، أو زنا بعد إحصان أو قتل نفس بغير حق " ولم يوجد من هذا أحد الثلاثة وقال صلى الله عليه وسلم " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فاذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم الا بحقها " متفق عليهما ولأنه أحد الفروع فلا يقتل بتركه كالحج ولأن الأصل تحريم الدم فلا تثبت الإباحة إلا بنص أو معناه والأصل عدمه

ولنا قوله تعالى (اقتلوا المشركين - إلى قوله - فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم) فأباح قتلهم حتى يتوبوا من الكفر ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فمتى ترك الصلاة لم يأت بشرط التخلية فتبقى إباحة القتل وقال صلى الله عليه وسلم " من ترك الصلاة متعمداً برئت منه ذمة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم " رواه الإمام أحمد وهذا يدل على إباحة قتله وقال صلى الله عليه وسلم " بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة " رواه مسلم وقال " نهيت عن قتل المصلين " ولأنها ركن من أركان الإسلام لا تدخله النيابة فوجب أن يقتل تاركه كالشهادة وحديثهم حجة لنا لأن الخبر الذي رويناه يدل على أن تركها كفر والحديث الآخر إستثنى منه " إلا بحقها " والصلاة من حقها ثم أن أحاديثنا خاصة تخص عموم ما ذكروه وقياسهم على الحج لا يصح لإختلاف الناس في جواز تأخيره (مسألة) (ولا يقتل حتى يستتاب ثلاثاً فإن تاب وإلا قتل بالسيف) لا يقتل تارك الصلاة حتى يستتا ثلاثة أيام ويضيق عليه ويدعى في وقت كل صلاة إلى فعلها لأنه قتل لترك واجب فتقدمته الاستتابة كقتل المرتد ويقتل بالسيف لقوله صلى الله عليه وسلم " إذا قتلتم فأحسنوا القتلة " الحديث (مسألة) (وهل يقتل حداً أو لكفره؟ على روايتين) إحداهما يقتل لكفره كالمرتد فلا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن بين المسلمين اختارها أبو إسحاق بن شاقلا وابن عقيل وابن حامد وبه قال الحسن والنخعي والشعبي والاوزاعي وابن المبارك واسحاق ومحمد بن الحسن لقول رسول الله

مسألة: ومن كانت ترى يوما دما ويوما طهرا فإنها تضم الدم إلى الدم فيكون حيضا والباقي طهرا إلا أن يجاوز أكثر الحيض فتكون مستحاضة

صلى الله عليه وسلم " بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة " رواه مسلم. وعن بريدة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر " رواه الإمام أحمد والنسائي والترمذي وقال حديث حسن صحيح، وقال صلى الله عليه وسلم " أول ما مفقدون من دينكم الأمانة وآخر ما تفقدون الصلاة " قال أحمد كل شئ ذهب آخره لم يبق منه شئ. وقال عمر رضي الله عنه لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة، وقال علي رضي الله عنه: من لم يصل فهو كافر، قال عبد الله بن شقيق لم يكن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة. ولأنها عبادة يدخل بفعلها في الإسلام فيخرج بتركها منه كالشهادة (والرواية الثانية) يقتل حداً مع الحكم بإسلامه كالزاني المحصن وهذا اختيار أبي عبد الله بن بطة وأنكر قول من قال إنه يكفر وذكر أن المذهب على هذا لم يجد خلافاً فيه وهو قول أكثر الفقهاء منهم أبو حنيفة ومالك والشافعي لقول البني صلى الله عليه وسلم " ان الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله " وعن عبادة بن الصامت قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وأن الجنة حق وأن النار حق أدخله الله الجنة على ما كان من عمل " وعن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن برة " متفق عليهن. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لكل

نبي دعوة مستجابة فتعجل كل نبي دعوته وأني أختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة فهي نائلة إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئاً " رواه مسلم. وعن عبادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " خمس صلوات كتبهن الله على العبد في اليوم والليلة فمن حافظ عليهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة. ومن لم يأت بهن لم يكن له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة " ولو كان كافراً لم يدخله في المشيئة، وروي عن حذيفة أنه قال: يأتي على الناس زمان لا يبقى معهم من الإسلام إلا قول لا إله إلا الله. فقيل له وما ينفعهم؟ قال ينجيهم من النار لا أبا لك. وقال صلى الله عليه وسلم " صلوا على من قال لا إله إلا الله " رواه الخلال ولأن ذلك إجماع المسلمين فاننا لا نعلم في عصر من الأعصار احدا من تاركي الصلاة ترك تغسيله والصلاة عليه ولا منع ميراث موروثه ولا فرق بين الزوجين لترك الصلاة من أحدهما مع كثرة تاركي الصلاة ولو كفر لثبتت هذه الأحكام ولا نعلم خلافاً بين المسلمين أن تارك الصلاة يجب عليه قضاؤها مع اختلافهم في المرتد، وأما الأحاديث المتقدمة فهي على وجه التغليظ والتشبيه بالكفار لا على الحقيقة كقوله صلى الله عليه وسلم " سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر " وقوله " من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما " وقوله " من حلف بغير الله فقد أشرك " وقوله صلى الله عليه وسلم " كفر بالله تبرؤ من نسب وإن دق " وأشباه هذا مما أريد به التشديد في الوعيد، (قال شيخنا) رحمه الله وهذا أصوب القولين والله أعلم (فصل) ومن ترك شرطاً مجمعاً عليه أو ركنا كالطهارة والركوع والسجود فهو كتاركها حكمه

حكمه لأن الصلاة مع ذلك وجودها كعدمها فإما الأركان المختلف فيها كإزالة النجاسة وقراءة الفاتحة والإعتدال عن الركوع فإن تركه معتقداً جوازه فلا شئ عليه وإلا لزمته الإعادة ولا يقتل بحال لأنه مختلف فيه فلم يتعلق به حد كالمتزوج بغير ولي وسارق مال فيه شبهة وقال ابن عقيل لا بأس بوجوب قتله كما نحده بفعل ما يوجب الحد على مذهبه والله أعلم (باب الأذان والإقامة) أصل الأذان في اللغة الإعلام. قال الله تعالى (وأذان من الله ورسوله) أي إعلام وقال الشاعر * آذنتنا ببينها أسماء * أي أعلمتنا والأذان للصلاة إعلام بوقتها والأذان الشرعي هو اللفظ المعلوم المشروع في أوقات الصلاة (فصل) وفيه فضل عظيم لما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه " متفق عليه، وعن معاوية ابن أبي سفيان قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " المؤذنون أطول الناس أعناقاً يوم القيامة " رواه مسلم وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من أذن سبع سنين محتسباً كتب

الله له براءة من النار رواه ابن ماجه وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ثلاثة على كثبان المسك يوم القيامة رجل أم قوماً وهم به راضون، ورجل يؤذن في كل يوم خمس صلوات وعبد أدى حق الله وحق مواليه " رواه أحمد والترمذي، وعن البراء بن عازب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول المقدم والمؤذن يغفر له بمد صوته ويصدقه من سمعه من رطب ويابس وله مثل أجر من صلى معه " رواه الإمام أحمد والنسائي (فصل) قال القاضي الآذان أفضل من الامامة وهذاحدى الروايتين عن أحمد وهو اختيار ابن أبي موسى وجماعة من أصحابنا وهذا مذهب الشافعي لما ذكرنا من الأخبار في فضيلته ولما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن اللهم أرشد الأئمة وأغفر للمؤذنين " رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والأمانة أعلى من الضمان والمغفرة أعلى من الإرشاد (والرواية الثانية) الإمامة أفضل لأن النبي صلى الله عليه وسلم تولاها بنفسه وخلفاؤه من بعده ولا يختارون إلا الأفضل ولان الامامة يختار لها من هو أكمل حالاً وأفضل وإعتبار فضلته دليل على فضيلة منزلته ومن نصر الرواية الأولى قال إنما لم يتوله النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه لضيق وقتهم عنه ولهذا قال عمرو: لولا الخليفاء لأذنت والله أعلم (مسألة) (وهما مشروعان للصلوات الخمس دون غيرها للرجال دون النساء) أجمعت الأمة على أن الأذان والإقامة مشروع للصلوات الخمس ولا يشرعان لغير الصلوات الخمس لأن المقصود منه الإعلام بوقت المفروضة على الأعيان وهذا لا يوجد في غيرها، والأصل في الآذان ما روي عن أنس

ابن مالك رضي الله عنه قال: لما كثر الناس ذكروا أن يعلموا لوقت الصلاة بشئ يعرفونه فذكروا أن يوروا ناراً أو يضربوا ناقوساً فأمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة، متفق عليه وعن عبد الله ابن زيد بن عبد ربه رضي الله عنه قال ما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناقوس يعمل ليضرب به لجمع الناس للصلاة طاف بي وأنا نائم رجل يحمل ناقوساً في يده فقلت يا عبد الله أتبيع الناقوس؟ قال: وما تصنع به؟ قلت ندعوا به إلى الصلاة قال أفلا أدلك على ما هو خير من ذلك؟ فقلت بلى قال فقال تقول: الله اكبر، الله اكبر، الله اكبر، الله أكبر، أشهد ان لا إله إلا الله، أشهد ان لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، الله اكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، ثم أستأخر عني غير بعيد ثم قال ثم تقول إذا أقمت الصلاة، الله اكبر الله أكبر، أشهد ان لا إله إلا الله أشهد أن محمداً رسول الله، حي عى الصلاة حي على الفلاح، قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة الله اكبر الله أكبر لا إله إلا الله، فلما أصبحت أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما رأيت فقال " أنها لرؤيا حق إن شاء الله فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت فليؤذن به فإنه أندى صوتاً منك " فقمت مع بلال فجعلت ألقيه عليه ويؤذن به، قال فسمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو في بيته فخرج يجر رداءه يقول والذي بعثك بالحق يا رسول الله لقد رأيت مثل الذي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فلله الحمد " أخرجه الإمام أحمد وأبو داود وهذا لفظه وابن ماجة وأخرج الترمذي بعضه وقال حديث حسن صحيح

(فصل) وليس على النساء اذان ولا إقامة كذلك قال ابن عمر وأنس وسعيد بن المسيب والحسن وابن سيرين والثوري ومالك وأصحاب الرأي ولا نعلم عن غيرهم خلافهم. واختلفوا هل يسن لهن ذلك؟ فروي عن أحمد أن فعلن فلا بأس وإن لم يفعلن فجائز. وقال القاضي هل تستحب لها الإقامة؟ على روايتين، وعن جابر أنها تقيم وبه قال عطاء ومجاهد والاوزاعي، وقال الشافعي إن أذن وأقمن فلا بأس، وعن عائشة أنها كانت تؤذن وتقيم وبه قال إسحاق وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لأم ورقة أن يؤذن لها ويقام وتؤم نساء أهل دارها إلا أن هذا الحديث يرويه الوليد بن جميع وقد قال ابن حبان لا يحتج بحديثه ووثقه يحيى بن معين، وروي عنه لا يشرع لها ذلك لما روى النجاد بإسناده عن أسماء بنت يزيد قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " ليس على النساء اذان ولا إقامة " ولأن الأذان يشرع له رفع الصوت ولا يشرع لها ولا تشرع لها الإقامة لأن من لا يشرع له الأذان لا تشرع له الإقامة كغير المصلي وكالمسبوق (مسألة) قال (وهما فرض على الكفاية إن اتفق أهل بلد على تركهما قاتلهم الإمام) كذلك ذكره أبو بكر بن عبد العزيز وهو قول أكثر الأصحاب وبعض أصحاب مالك وبه قال عطاء ومجاهد، قال إبن المنذر الأذان والإقامة واجبان على كل جماعة في الحضر والسفر لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به مالك بن الحويرث وصاحبه والأمر يقتضي الوجوب. وداوم عليه هو وخلفاؤه وأصحابه

ولأنه من شعائر الإسلام الظاهرة فكان فرضاً كالجهاد فعلى هذا إذا قام به من تحصل به الكفاية سقط عن الباقين كسائر فروض الكفايات وإن اتفقوا على تركه أثموا كلهم، ولأن بلالاً كان يؤذن للنبي صلى الله عليه وسلم فيكتفي به، وإن اتفق أهل البلد على تركه قاتلهم الإمام عليه لأنه من شعائر الإسلام الظاهرة فقوتلوا عليه كصلاة العيدين، وظاهر كلام الخرقي أن الأذان سنة غير واجب لأنه قال فإن صلى بلا اذان ولا إقامة كرهنا له ذلك فجعله مكروهاً وهو قول أبي حنيفة والشافعي لأنه دعاء إلى الصلاة فأشبه قوله: الصلاة جامعة، وقال ابن أبي موسى الأذان سنة في إحدى الروايتين إلا أذان الجمعة حين يصعد الإمام فإنه واجب، وعلى كلا القولين إذا صلى بغير اذان ولا إقامة كره له ذلك لما ذكرنا وصحت صلاته لما روي عن علقمة والاسود أنهما قالا دخلنا علي عبد الله فصلى بنا بلا اذان ولا إقامة. رواه الأثرم قال شيخنا ولا أعلم أحداً خالف في ذلك إلا عطاء قال من نسي الإقامة يعيد ونحوه عن الأوزاعي، والصحيح إن شاء الله قول الجمهور لما ذكرنا ولأن الإقامة أحد الأذانين فلم يفسد تركها كالأخر (فصل) ومن أوجب الأذان من أصحابنا إنما أوجبه على أهل المصر فأما غير أهل المصر من المسافرين فلا يجب عليهم كذلك ذكره القاضي، وقال مالك انما يجب النداء في مساجد الجماعة التي يجتمع فيها للصلاة، وذلك لأن الأذان إنما شرع في الأصل للإعلام بالوقت ليجتمع الناس إلى الصلاة

ويدركوا الجماعة، ويحتمل أن يجب في السفر للجماعة وهو قول ابن المنذر لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به بلالاً في السفر وقال لمالك بن الحويرث ولابن عم له " إذا سافرتما فأذنا وأقيما وليؤمكما أكبركما " متفق عليه وهذا ظاهر في وجوبه، ويكفي مؤذن في المصر إذا كان يسمعهم ويجتزئ بقيتهم بالإقامة، قال أحمد في الذي يصلي في بيته يجزئه أذان المصر وهو قول أصحاب الرأي، وقال مالك والاوزاعي تكفيه الإقامة، وقال الحسن وابن سيرين إن شاء أقام لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للذي علمه الصلاة " إذا أردت الصلاة فأحسن الوضوء ثم استقبل القبلة وكبر " وفي لفظ رواه النسائي " فأقم ثم كبر " وقد ذكرنا حديث ابن مسعود (فصل) والأفضل لكل مصل أن يؤذن ويقيم إلا أنه إن كان يصلي قضاء أو في غير وقت الأذان لم يجهر به، وإن كان في الوقت في بادية أو نحوها إستحب له الجهر بالأذان لقول أبي سعيد: إذا كنت في غنمك أو بادينك فأذنت بالصلاة فارفع صوتك بالنداء فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا أنس ولا شئ إلا شهد له يوم القيامة، قال أبو سعيد سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه البخاري. وعن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغير إذا طلع الفجر. وكان إذا سمع أذاناً أمسك والا أغار فسمع رجلاً يقول: الله اكبر الله أكبر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " على الفطرة " فقال أشهد أن لا إله إلا الله أشهد ان لا إله إلا الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " خرجت من النار " فنظر فإذا صاحب معز: رواه مسلم

(فصل) ويستحب الآذان في السفر وللراعي وأشباهه في قول أكثر أهل العلم وكان ابن عمر يقيم لكل صلاة إقامة إلا الصبح فإنه يؤذن لها ويقيم وكان يقول إنما الأذان على الإمام والأمير الذي يجمع الناس (وعنه) أنه كان لا يقيم الصلاة في أرض تقام فيها الصلاة. وعن علي رضي الله عنه أن شاء أذن وأقام وإن شاء أقام وبه قال الثوري، وقال الحسن تجزئه الإقامة وقال إبراهيم في المسافرين وإذا كانوا رفاقاً أذنوا وأقاموا وإن كان وحده أقام الصلاة ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يؤذن له في الحضر والسفر وأمر به مالك بن الحويرث وصاحبه وما نقل عن السلف في هذا فالظاهر أنهم أرادوا وحده كما قال إبراهيم النخعي في كلامه والأذان مع ذلك أفضل لما ذكرنا من حديث أبي سعيد وحديث أنس وروى عقبة بن عامر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " يعجب ربك من راعي غنم في رأس الشظية للجبل يؤذن بالصلاة ويصلي فيقول الله عز وجل إنظروا إلى عبدي هذا يؤذن ويقيم الصلاة يخاف مني قد غفرت لعبدي وأدخلته الجنة " رواه النسائي. والصلاة في الأذان على أربعة أضرب ما يشرع لها الأذان والإقامة وهي الفرض المؤداة من الصلوات الخمس، وصلاة يقيم لها ولا يؤذن وهي الثانية من صلاتي الجمع وما بعد الأولى من الفوائت، وصلاة لا يؤذن لها ولا يقيم لكن ينادي لها: اللاة جامعة: وهي العيدان والكسوف والاستسقاء، وصلاة لا يؤذن لها أصلاً وهي صلاة الجنازة

(مسألة) (ولا يجوز أخذ الأجرة عليهما في أظهر الروايتين) وهو قول ابن المنذر وكرهه القاسم ابن عبد الرحمن والاوزاعي وأصحاب الرأي لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعثمان بن أبي العاص " وإتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجراً " رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي وقال حديث حسن ولأنه قربة لفاعله لا يصح إلا من مسلم فلم يجز أخذ الأجرة عليه كالإمامة وروى عن أحمد أنه يجوز أخذ الأجرة عليه ورخص فيه مالك وقال لا بأس به لأنه عمل معلوم يجوز أخذ الرزق عليه أشبه سائر الأعمال (مسألة) (فإن لم يوجد متطوع بهما رزق الامام من بيت المال من يقوم بهما) لا نعلم خلافاً في جواز أخذ الرزق عليه وهو قول الأوزاعي والشافعي لأن بالمسلمين إليه حاجة وقد لا يوجد متطوع به فإذا لم يدفع الرزق فيه تعطل ويرزقه الإمام من الفئ لأنه المعد للمصالح فهو كأرزاق القضاة والغزاة وقال الشافعي لا يرزق المؤذن إلا من خمس الخمس سهم النبي صلى الله عليه وسلم حكاه ابن المنذر فأما إن وجد متطوع به لم يرزق غيره لعدم الحاجة إليه والله أعلم (مسألة) (وينبغي أن يكون المؤذن صيتاً أميناً عالماً بالأوقات) وجملة ذلك أنه يستحب أن يكون المؤذن صيتاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن زيد " ألقه على بلال فإنه أندى صوتاً منك " واختار أبا محظورة للأذان لكونه صيتاً ولأنه أبلغ في الإعلام المقصود بالأذان (قال شيخنا) ويستحب أن يكون حسن الصوت لأنه أرق لسامعه وأن يكون عدلاً أميناً لأنه مؤتمن يرجع إليه

في الصلاة والصيام فلا يؤمن أن يغرهم بأذانه إذا لم يكن كذلك. وقد روي عن أبي محذورة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أمناء الناس على صلاتهم وسحورهم المؤذنون " رواه البيهقي من رواية يحيى بن عبد الحميد وفيه كلام ولأنه يؤذن على موضع عال فلا يؤمن منه النظر إلى العورات، وأن يكون عالماً بالأوقات ليتحراها فيؤذن في أولها ولأنه إذا لم يكن عالماً لا يؤمن منه الغلط والخطأ. ويستحب أن يكون بصيراً لأن الأعمى لا يعرف الوقت فربما غلط. وكره أذان الأعمى ابن مسعود وابن الزبير وعن ابن عباس أنه كره إقامته وإن أذن صح أذانه لأن ابن أم مكتوم كان يؤذن للنبي صلى الله عليه وسلم قال ابن عمر وكان رجلاً أعمى لا ينادي حتى قال له أصبحت أصبحت رواه البخاري، ويستحب أن يكون معه بصير كما كان ابن أم مكتوم يؤذن بعد بلال، وإن أذن الجاهل أيضا صح لانه ذا صح أذان الأعمى فالجاهل أولى. (مسألة) (فإن تشاح فيه نفسان قدم أفضلهما في ذلك، ثم أفضلهما في دينه وعقله) متى تشاح نفسان في الأذان قدم أفضلهما في الخصال المذكورة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قدم بلالاً علي عبد الله ابن زيد لكونه أندى صوتاً منه وقدم أبا محذورة لصوته، وقسنا عليه سائر الخصال فإن إستويا في هذه الخصال قدم أفضلهما في دينه وعقله لما روى ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ليؤذن لكم خياركم وليؤمكم أقرؤكم " رواه أبو داود وابن ماجة. فإن استويا قدم من يختاره الجيران

لأن الأذان لاعلامهم فكان لرضاهم أثر في التقديم ولأنهم أعلم بمن يبلغهم صوته ومن هو أعف عن النظر فإن تساويا من جميع الجهات أقرع بينهما لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لأستهموا " ولما تشاح الناس في الأذان يوم القادسية أقرع بينهم سعد (مسألة) (والأذان خمسة عشر كلمة لا ترجيع فيه) هذا اختيار أبي عبد الله رحمه الله كما جاء في حديث عبد الله بن زيد الذي رويناه، وبهذا قال الثوري وأصحاب الرأي وإسحاق وابن المنذر وقال مالك والشافعي ومن تبعهما من أهل الحجاز: الأذان المسنون أذان أبي محذورة وهو كما وصفنا في حديث عبد الله بن زيد ويزيد فيه الترجيع وهو أن يذكر الشهادتين مرتين مرتين يخفض بذلك ثم يعيدهما رافعاً بهما صوته إلا أن مالكا قال التكبير في أوله مرتان حسب، فيكون الأذان عنده سبعة عشر كلمة وعند الشافعي تسعة عشر كلمة واحتجوا بما روي أبو محذورة أن النبي صلى الله عليه وسلم لقنه الأذان وألقاه عليه فقال له " تقول أشهد ان لا إله الله، أشهد ان لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله، تخفض بها صوتك ثم ترفع صوتك بالشهادة أشهد ان لا إله إلا الله، أشهد ان لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله " ثم ذكر سائر الأذان أخرجه مسلم، واحتج مالك قال: كان الأذان الذي يؤذن به أبو محذورة: الله اكبر الله أكبر، أشهد ان لا إله إلا الله. رواه مسلم

ولنا ما ذكرنا من حديث عبد الله بن زيد وهو أولى لأن بلالاً كان يؤذن به مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حضراً وسفراً وأقره النبي صلى الله عليه وسلم عليه بعد أذان أبي محذورة، قال الأثرم سمعت أبا عبد الله يسئل إلى أي الأذان تذهب؟ قال إلى أذان بلال، قيل له أليس حديث أبي محذورة بعد حديث عبد الله بن زبد لأن حديث أبي محذورة بعد فتح مكة؟ فقال أليس قد رجع النبي صلى الله عليه وسلم الى المدينة فأقر بلالاً على أذان عبد الله بن زيد؟ ويحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمر أبا محذورة بذكر الشهادتين سراً ليحصل له الإخلاص بهما فإنه في الإسرار أبلغ، وخص أبا محذورة بذلك لأنه لم يكن مقراً بهما حينئذ فإن الخبر أنه كان مستهزئاً يحكي أذان مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمع النبي صلى الله عليه وسلم صوته فدعاه فأمره بالأذان قال ولا شئ عندي أبغض من النبي صلى الله عليه وسلم ولا مما يأمرني به، فقصد النبي صلى الله عليه وسلم نطقه بالشهادتين سراً ليسلم بذلك وهذا لا يوجد في غيره، ودليل هذا الإحتمال كون النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر به بلالاً ولا غيره ممن هو ثابت الإسلام (مسألة) (والإقامة إحدى عشرة كلمة فإن رجع في الاذان أوثنى في الإقامة فلا بأس) وجملة ذلك أن الإقامة المختارة عند إمامنا رحمه الله إقامة بلال التي ذكرنا في حديث عبد الله بن

زيد وهي الله اكبر، الله أكبر، أشهد ان لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، الله اكبر الله أكبر لا إله إلا الله وبهذا قال الأوزاعي وأهل الشام ويحيى بن يحيى وأبو ثور وإسحاق والشافعي وأصحابه وأهل مكة، وقال الثوري وأصحاب الرأي: الإقامة مثل الأذان وتزيد " قد قامت الصلاة مرتين " لما روي عن عبد الله بن زيد قال كان أذان رسول الله صلى الله عليه وسلم شفعاً شفعاً في الأذان والإقامة رواه الترمذي، وعن أبي محذورة أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه الأذان تسع عشرة كلمة والإقامة سبع عشرة كلمة رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح. وقال مالك الإقامة عشر كلمات يقول قد قامت الصلاة مرة واحدة لقول أنس أمر بلالاً أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة متفق عليه ولنا ما روى عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال انما كان الأذان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين مرتين والإقامة مرة مرة إلا أنه يقول قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وفي حديث عبد الله بن زيد أنه وصف الإقامة كما ذكرنا والحديث الذي احتجوا به من حديث عبد الله بن زيد رواه عنه عبد الرحمن بن أبي ليلى وقد قال الترمذي عبد الرحمن لم يسمع من عبد الله بن زيد وقال الصحيح ما روينا. والذي احتج به مالك حجة لنا لأنه ذكره مجملاً وقد فسره عبد الله بن عمر في حديثه وبينه فكان الأخذ به أولى، وخبر أبي محذورة متروك بالإجماع لأن الشافعي لا يعمل به في الإقامة وأبو حنيفة لا يعمل به في الأذان فكان الأخذ بحديث عبد الله بن زيد أولى ولأنا قد بينا ترجيحه في الأذان كذا في الإقامة والإختلاف ههنا

في الأفضلية مع جواز كل واحد من الأمرين نص عليه الإمام أحمد، وبه قال إسحاق لكون كل واحد من الأمرين قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم (مسألة) (ويقول في آذان الصبح الصلاة خير من النوم مرتين) وهذا مستحب في صلاة الصبح خاصة بعد قوله حي على الفلاح ويسمى هذا التثويب وبه قال ابن عمر والحسن ومالك والثوري واسحاق والشافعي في الصحيح عنه، وقال أبو حنيفة التثويب بين الأذان والإقامة في الفجر أن يقول " حي على الصلاة " مرتين " حي على الفلاح " مرتين ولنا ما روى النسائي وأبو داود عن أبي محذورة: فإن كان صلاة الصبح قلت الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم الله اكبر الله أكبر لا إله إلا الله. وما ذكروه قال إسحاق هذا شئ أحدثه الناس. وقال الترمذي وهو التثويب الذي كرهه أهل العلم، ويكره التثويب في غير الفجر سواء ثوب في الأذان أو بعده لما روي عن بلال قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أثوب في الفجر ونهاني أن أثوب في العشاء رواه الإمام أحمد وابن ماجة، ودخل ابن عمر مسجدا يصلي فيه فسمع رجلاً يثوب في أذان الظهر فخرج فقيل له إلى أين؟ فقال أخرجتني البدعة ولان صلاة الفجر وقت ينام فيه عامة الناس فاختص بالتثويب لإختصاصه بالحاجة إليه (فصل) ولا يجوز الخروج من المسجد بعد الأذان إلا لعذر، قال الترمذي وعلى هذا العمل

من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم أن لا يخرج أحد من المسجد بعد الأذان إلا من عذر، قال أبو الشعثاء كنا قعوداً مع أبي هريرة في المسجد فأذن المؤذن فقام رجل من المسجد بمشي فأتبعه أبو هريرة بصره حتى خرج من المسجد. فقال أبو هريرة أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم رواه مسلم وأبو داود والترمذي، وقال حديث حسن صحيح، وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أدركه الأذان في المسجد، ثم خرج لم يخرج لحاجة وهو لا يريد الرجعة فهو منافق. رواه ابن ماجه. فأما إن خرج لعذر كفعل ابن عمر حين سمع التثويب فجائز وكذلك من نوى الرجعة لحديث عثمان والله أعلم (مسألة) (ويستحب أن يترسل في الأذان ويحدر الإقامة) الترسل التمهل والتأني من قولهم جاء فلان على رسله - والحدر ضد ذلك وهو الإسراع وهو من آداب الأذان ومستحباته وهذا مذهب ابن عمر وبه قال الثوري والشافعي واسحاق وأبو ثور وأبو حنيفة وصاحباه وابن المنذر ولا نعلم عن غيرهم خلافهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم لبلال " إذا أذنت فترسل وإذا أقمت فاحدر " رواه الترمذي وقال في إسناده مجهول، وروى أبو عبيد بإسناده عن عمر رضي الله عنه انه قال للمؤذن " إذا أذنت فترسل، وإذا أقمت فأحذم وأصل الحذم في المشي الإسراع ولأنه يحصل به الفرق بين الأذان والإقامة فاستحب كالإفراد ولأن الأذان إعلام الغائبين فالتثبت فيه أبلغ في الإعلام والإقامة إعلام الحاضرين فلا حاجة إليه فيها، وذكر أبو عبد الله بن بطة أنه في الأذان والإقامة لا يصل الكلام بعضه ببعض معزباً بل

مسألة: وهل يباح وطء المستحاضة في الفرج من غير خوف العنت على روايتين إحداهما

حزماً وحكاه ابن الأعرابي عن أهل اللغة، وروي عن إبراهيم النخعي أنه قال: شيئان مجزومان كانوا لا يعربونهما الأذان والإقامة وهذا إشارة إلى جميعهم (مسألة) (ويؤذن قائماً متطهراً على موضع عال مستقبل القبلة) قال إبن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن من السنة أن يؤذن المؤذن قائماً. وروي في حديث أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال " قم فأذن " وكان مؤذنو رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤذنون قياماً، فإن أذن قاعداً لعذر فلا بأس، قال الحسن العبدي رأيت أبا زيد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤذن قاعداً وكانت رجله أصيبت في سبيل الله. رواه الأثرم، وإن فعله لغير عذر فقد كرهه أهل العلم ويصح لأنه ليس آكد من الخطبة وتصح من القاعد (فصل) ويجوز الأذان على الراحلة. قال الأثرم سمعت أبا عبد الله يسأل عن الأذان على الراحلة فسهل فيه، قال إبن المنذر ثبت أن ابن عمر كان يؤذن على البعير وينزل فيقيم، ولأنه إذا جاز التنفل على الراحلة فالأذان أولى به. قاله سالم بن عبد الله وربعي بن خراش ومالك والاوزاعي والثوري وأصحاب الرأي إلا أن مالكاً قال لا يقيم وهو راكب (فصل) ويستحب أن يؤذن متطهراً من الحدثين الأصغر والأكبر لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يؤذن إلا متوضئ " رواه الترمذي، وروى موقوفاً على أبي هريرة والوقوف أصح فإن أذن محدثاً جاز لأنه لا يزيد على قراءة القرآن والطهارة لا تشترط لها وهو قول الشافعي والثوري وأبي

حنيفة ويكره له ذلك رويت كراهته عن عطاء ومجاهد والاوزاعي والشافعي وإسحاق وابن المنذر ورخص فيه النخعي والحسن البصري وقتادة وحماد وقال مالك يؤذن على غير وضوء ولا يقيم إلا على وضوء (فصل) فإن أذن جنباً ففيه روايتان (إحداهما) لا يعتد به اختاره الخرقي وهو قول إسحاق لما ذكرنا من الحديث ولأنه ذكر مشروع للصلاة أشبه القراءة والخطبة (والثانية) يعتد به. قال الآمدي وهو المنصوص عن أحمد وهو قول أكثر أهل العلم لأنه أحد الحدثين فلم يمنع صحته كالآخر ويستحب أن يؤذن على موضع عال لأنه أبلغ في الإعلام، وروي عن امرأة من بني النجار قالت: كان بيتي من أطول البيوت حول المسجد وكان بلال يؤذن عليه الفجر فيأتي بسحر فيجلس على البيت ينظر إلى الفجر فإذا رآه تمطى ثم قال: اللهم إني أستعينك وأستعديك على قريش أن يقيموا دينك قالت ثم يؤذن. رواه أبو داود ويؤذن مستقبل القبلة ولا نعلم خلافاً في إستحبابه. قال إبن المنذر أجمع أهل العلم على أن من السنة أن يستقبل القبلة بالأذان وذلك لأن مؤذني النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يؤذنون مستقبلي القبلة، فإن أخل باستقبال القبلة كره له ذلك وصح. وإن مشى في أذانه لم يبطل لأن الخطبة لا تبطل به وهي آكد منه ولأنه لا يخل بالإعلام المقصود من الأذان وسئل أحمد عن الرجل يؤذن وهو يمشي قال نعم أمر الأذان عندي سهل وسئل عن المؤذن يمشي وهو يقيم فقال يعجبني أن يفرغ

مسألة: ولا حد لأقله

ثم يمشي، وقال في رواية حرب في المسافر أحب إلي أن يؤذن ووجهه إلى القبلة وأرجو أن يجزئ (مسألة) (فإذا أبلغ الحيعلة ألتفت يميناً وشمالاً ولم يستدر) الحيعلة قوله: حي على الصلاة، حي على الفلاح. ويستحب للمؤذن أن يلتفت يميناً إذا قال حي الصلاة، ويساراً إذا قال حي على الفلاح، ولا يزيل قدميه. وهذا ظاهر كلام الخرقي وهو قول النخعي والثوري والاوزاعي وأبي حنيفة وصاحبيه والشافعي. لما روى أبو جحيفة قال رأيت بلالاً يؤذن فجعلت أتتبع فاه ههنا وههنا يقول يميناً وشمالاً يقول حي على الصلاة، حي على الفلاح، متفق عليه. وفي لفظ قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في قبة حمراء من أدم فخرج بلال فأذن فلما بلغ حي على الصلاة حي على الفلاح لوى عنقه يميناً وشمالاً ولم يستدر، رواه أبو داود. وذكر أصحابنا عن أحمد فيمن أذن في المنارة روايتين (إحداهما) لا يدور للخبر وكما لو كان على وجه الأرض (والثانية) يدور لأنه لا يحصل بدونه وتحصيل المقصود مع الإخلال بالآداب أولى من العكس وهذا قول إسحاق (فصل) ويستحب رفع الصوت بالأذان لأنه أبلغ في الإعلام وأعظم للأجر لما ذكرنا في خبر أبي سعيد ولا يجهد نفسه زيادة على طاقته كيلا يضر بنفسه وينقطع صوته، قال القاضي ويرفع نظره إلى السماء لأن فيه حقيقة التوحيد، ومتى أذن لعامة الناس جهر بجميع الأذان، ولا يجهر بالبعض ويخافت بالبعض لأنه يخل بمقصود الأذان، وإن أذن لنفسه أو لجماعة خاصة حاضرين فله أن يخافت ويجهر

مسألة: أي وقت رأت الطهر فهي تغتسل وتصلي إذا كان الطهر أقل من ساعة فينبغي أن لا تلتفت إليه

وأن يجهر بالبعض ويخافت بالبعض إلا أن يكون في غير وقت الأذان فلا يجهر بشئ منه لئلا يغر الناس (مسألة) (ويجعل أصبعيه في أذنيه) وذلك مستحب وهو المشهور عن أحمد وعليه العمل عند أهل العلم كذلك قال الترمذي لما روى أبو جحيفة أن بلالاً وضع أصبعيه في أذنيه رواه الإمام أحمد والترمذي وقال حديث حسن صحيح، وعن سعد القرظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بلالاً أن يجعل أصبعيه في أذنيه وقال أنه أرفع لصوتك، رواه ابن ماجه. وقال الخرقي يجعل أصبعيه مضمومة على أذنيه رواه أبو طالب عن أحمد أنه قال أحب إلي أن يجعل بديه على أذنيه على حديث أبي محذورة واحتج لذلك القاضي بما روى أبو حفص بإسناده عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان إذا بعث مؤذناً يقول له: أضمم أصابعك مع كفيك واجعلها مضمومة على أذنيك، وبما روى الإمام أحمد عن أبي محذورة أنه كان يضم أصابعه والأول أصح لصحة الحديث وشهرته وعمل أهل العلم به وأيهما فعل فحسن وإن ترك الكل فلا بأس (مسألة) (ويتولاهما معاً) يستحب أن يتولى الإقامة من يتولى الأذان وهو قول الشافعي، وقال أبو حنيفة ومالك لا فرق بينه وبين غيره لما روى أبو داود في حديث عبد الله بن زيد حين رأى الأذان فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " القه على بلال فإنه أندى صوتاً منك " فألقاه عله فأذن بلال فقال عبد الله أنا رأيته وأنا كنت أريده قال له أقم أنت، ولأنه يحصل المقصود منه أشبه مالو تولاهما معاً ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث زياد بن الحرث الصدائي " أن أخا صداء أذن ومن

مسألة: ويستحب أن لا يقربها في الفرج حتى تتم الأربعين

أذن فهو يقيم " ولأنهما ذكران يتقدمان الصلاة فسن أن يتولاهما واحد كالخطبتين وما ذكروه يدل على الجواز وهذا على الاستحباب (فصل) فإن سبق المؤذن بالأذان فأراد المؤذن أن يقيم. فقال أحمد لو أعاد الأذان كما صنع أبو محذورة فروى عبد العزيز بن رفيع قال رأيت رجلاً أذن قبل أبي محذورة. قال فجاء أبو محذورة فأذن ثم أقام أخرجه الأثرم. فإن أقام بغير إعادة فلا بأس وبه قال مالك والشافعي وأصحاب الرأي لما ذكرنا من حديث عبد الله بن زيد (مسألة) (ويستحب للمؤذن أن يقيم في موضع أذانه إلا أن يشق عليه) يعني يقيم الصلاة في الموضع الذي يؤذن فيه كذلك روي عن أحمد قال أحب إلي أن يقيم في مكانه ولم يبلغني فيه شئ إلا حديث بلال: لا تسبقني بآمين. يعني لو كان يقيم في المسجد لما خاف أن يسبقه بالتأمين لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان يكبر بعد فراغ بلال من الإقامة. ولأن الإقامة شرعت للإعلام بدليل قول ابن عمر كنا إذا سمعنا الإقامة توضأنا ثم خرجنا إلى الصلاة فينبغي أن تكون في موضع الأذان لكونه أبلغ في الإعلام، فأما إن شق عليه ذلك بحيث يؤذن في المنارة أو في مكان بعيد من المسجد فيقيم في غير موضعه لئلا يفوته بعض الصلاة

مسألة: فإن إنقطع دمها في مدة الأربعين ثم عاد فيها فهو نفاس وعنه أنه مشكوك فيه تصوم وتقضي الصوم المفروض

(فصل) ولا يقيم إلا بإذن الإمام فإن بلالا كان يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم وفي حديث زياد بن الحارث الصدائي أنه قال فجعلت أقول للنبي صلى الله عليه وسلم أقيم أقيم؟ وروي أبو حفص باسناده عن علي قال: المؤذن أملك بالأذان والامام أملك بالإقامة ورواه البيهقي. قال وقد روي عن أبي هريرة مرفوعاً وليس بمحفوظ (1) (مسألة) (ولا يصح الأذان إلا مرتباً متوالياً فإن نكسه أو فرق بينه بسكوت طويل أو كلام كثير أو محرم لم يعتد به) وجملة ذلك أن من شرط صحة الأذان أن يكون مرتباً متوالياً لأنه لا يعلم أنه أذان بدونهما ولأنه شرع في الأصل كذلك وعلمه النبي صلى الله عليه وسلم أبا محذورة مرتباً فإن نكسه لم يصح لما ذكرنا (فصل) ولا يستحب أن يتكلم في أثناء الأذان وكرهه طائفة من أهل العلم منهم النخعي وابن سيرين. قال الأوزاعي لم نعلم أحداً يقتدى به فعل ذلك. ورخص فيه الحسن وعطاء وعروة وسليمان ابن صرد. فإن لم يطل الكلام جاز وإن طال الكلام بطل الأذان لإخلاله بالموالاة المشترطة فيه، وكذلك لو سكت سكوتاً طويلاً أو نام نوماً طويلاً أو أغمي عليه طويلاً أو أصابه جنون يقطع الموالاة بطل أذانه لما ذكرنا وإن كان يسيراً محرماً ففيه وجهان (أحدهما) لا يبطل لأنه لا يخل بالمقصود أشبه المباح (والثاني) يبطل الأذان لأنه فعل محرماً أشبه الردة. فان ارتد في أثناء الأذان بطل لقوله تعالى (لئن أشركت ليحبطن عملك) وان ارتد بعده. فقال القاضي يبطل قياساً على الطهارة (قال شيخنا)

_ 1) حديث أبي هريرة رواه ابن عدي في ترجمة شريك القاضي وضعفه به ولكن وثقه ابن معين واحمد والصواب ما حققه الحافظ ابن حجر من انه صدوق يخطئ كثيرا وقد تغير حفظه منذ ولي القضاء

والصحيح أنه لا يبطل لأنها وجدت بعد فراغه وانقضاء حكمه فأشبه سائر العبادات. فاما الطهارة فحكمها باق بدليل أنها تبطل بمبطلاتها فأما الإقامة فلا ينبغي أن يتكلم فيها لأنه يستحب حدرها، قال أبو داود قلت لاحمد الرجل يتكلم في أذانه؟ قال نعم فقيل له يتكلم في الإقامة قال لا، وقد روي عن الزهري أنه إذا تكلم في الإقامة أعادها، وأكثر أهل العلم على أنه يجزئه قياساً على الأذان وليس للرجل أن يبني على أذان غيره لأنها عبادة بدنية فلا تصح من شخصين كالصلاة. فإما الكلام بين الأذان والإقامة فجائز وكذلك بعد الإقامة قبل الدخول في الصلاة لأنه روي عن عمر أنه كان يكلم الرجل بعد ما تقام الصلاة والله أعلم (مسألة) (ولا يصح إلا بعد دخول الوقت إلا الفجر فإنه يؤذن لها بعد نصف الليل) أما الأذان لغير الفجر قبل الوقت فلا يجزئ بغير خلاف نعلمه. قال ابن المندر: أجمع أهل العلم على أن من السنة أن يؤذن للصلاة بعد دخول وقتها إلا الفجر ولأن الأذان شرع للإعلام بالوقت فلا يشرع قبل الوقت لعدم حصول المقصود (فصل) وأما الفجر فيشرع لها الأذان قبل الوقت، وهو قول مالك والاوزاعي والشافعي واسحاق وقال الثوري وأبو حنيفة ومحمد لا يجوز لما روى ابن عمر أن بلالاً أذن قبل طلوع الفجر فأمره النبي صلى الله عليه وسلم إن يرجع فينادي إلا أن العبد نام فرجع فنادى: إلا أن العبد نام، وعن بلال أن

مسألة: وإن ولدت توأمين فأول النفاس من الأول وآخره منه، وعنه أنه من الأخير والأول أصح

رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له " لا تؤذن حتى يستبين لك الفجر هكذا " ومد يديه عرضاً رواهما أبو داود وقال طائفة من أهل الحديث إذا كان له مؤذنان يؤذن أحدهما قبل طلوع الفجر والآخر بعده فلا بأس وإلا فلا لأن الأذان قبل الفجر يفوت المقصود من الإعلام بالوقت فلم يجز كبقية الصلوات فأما إذا كان له مؤذنان يحصل إعلام الوقت بأحدهما كما كان للنبي صلى الله عليه وسلم جاز ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم " متفق عليه وهذا يدل على دوام ذلك منه وقد أقره النبي صلى الله عليه وسلم عليه ولم ينهه فدل على جوازه وروى زياد بن الحارث الصدائي قال. لما كان أذان الصبح أمرني النبي صلى الله عليه وسلم فأذنت فجعلت أقول: أقيم أقيم يا رسول الله؟ فجعل ينظر إلى ناحية المشرق فيقول " لا " حتى إذا طلع الفجر نزل فبرز ثم انصرف إلى وقد تلاحق أصحابه فتوضأ فاراد بلال أن يقيم فقال النبي صلى الله عليه وسلم " إن أخا صداء قد أذن ومن أذن فهو يقيم " قال فأقمت رواه أبو داود والترمذي (1) وهذا قد أمره النبي صلى الله عليه وسلم لأذان قبل طلوع الفجر وهو حجة على من قال إنما يجوز ذلك إذا كان معه مؤذنان فإن زياداً أذن وحده في حديث ابن عمر الذي احتجوا به ولم يروه كذلك إلا حماد ابن زيد رواه أحمد بن زيد ولدراوردي فقالا كان مؤذن لعمر يقال له مسعود وقال هذا أصح. وقال الترمذي في هذا الحديث أنه غير محفوظ وكذلك قال عمر بن المديني والحديث الآخر قال ابن عبد البر لا تقوم بمثله حجة لضعفه وإنقطاعه وإنما اختصت الفجر بذلك دون سائر الصلوات لأنه وقت النوم ليتأهب الناس للخروج إلى الصلاة وينتبهوا ولا يوجد ذلك في غيرها، وقد روي في بعض

_ 1) ضعفه الترمذي بعبد الرحمن بن زياد ابن انعم الافريقي ولكنه قال والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم أن من أذن فهو يقيم

الأحاديث " إن بلالا يؤذن بليل لينتبه نائمكم ويرجع قائمكم " رواه أبو داود ولا ينبغي أن يتقدم على الوقت كثيراً إذا كان المعنى فيه ما ذكرنا وقد روي أن بلالاً كان بين أذانه وأذان ابن أم مكتوم أن ينزل هذا ويصعد هذا. وقال بعض أصحابنا ويجوز أن يؤذن لها بعد نصف الليل وهو مذهب الشافعي لأن بذلك يخرج وقت العشاء المختار ويدخل وقت الدفع من مزدلفة ورمي جمرة العقبة وطواف الزيارة وروى الأثرم قال كان مؤذن دمشق يؤذن لصلاة الصبح في السحر بقدر ما يسير الراكب ستة أميال فلا ينكر ذلك مكحول ولا يقول شيئاً (فصل) ويستحب أن لا يؤذن قبل الفجر إلا أن يكون معه مؤذن آخر يؤذن إذا أصبح كبلال وابن أم مكتوم ولأنه إذا لم يكن كذلك لم يحصل الإعلام بالوقت المقصود بالأذان، وينبغي لمن يؤذن قبل الوقت أن يجعل أذانه في وقت واحد في الليالي كلها ليعرف الناس ذلك من عادته فلا يغتروا بأذانه ولا يؤذن في الوقت تارة وقبله أخرى فيلتبس على الناس ويغترون به فربما صلى بعض من سمعه الصبح قبل وقتها ويمتنع من سحوره والمتنفل من تنفله إذا لم يعلم حاله ومن علم حاله لا يستفيد بأذانه لتردده بين الاحتمالين (فصل) ونص أحمد على أنه يكره الأذان للفجر في رمضان قبل وقتها لئلا يغتر الناس به فيتركوا سحورهم. والصحيح أنه لا يكره في حق من عرفت عادته في الأذان بالليل لما ذكرنا من حديث بلال

كتاب الصلاة

ولقوله صلى الله عليه وسلم " لا يمنعنكم من سحوركم أذان بلال فإنه يؤذن بليل لينتبه نائمكم ويرجع قائمكم " رواه أبو داود، ويستحب أن يؤذن في أول الوقت ليتأهب الناس للصلاة وقد روى جابر بن سمرة قال: كان بلال لا يخرم الأذان عن الوقت وربما أخر الإقامة شيئاً رواه ابن ماجه وفي رواية كان بلال يؤذن إذا مالت الشمس لا يخرم (مسألة) (ويستحب أن يجلس بعد أذان المغرب جلسة خفيفة ثم يقيم) لما روى تمام في فوائده بإسناده عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " جلوس المؤذن بين الأذان والإقامة في المغرب سنة " وحكي عن أبي حنيفة والشافعي أنه لا يسن ولنا ما ذكرنا من الحديث وقد روى عبد الله بن أحمد بإسناده عن أبي بن كعب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا بلال إجعل بين أذانك وإقامتك نفساً يفرغ الآكل من طعامه في مهل ويقضي المتوضئ (1) حاجته في مهل " لأن الأذان شرع للإعلام فليسن تأخير الإقامة ليدرك الناس الصلاة في المغرب كسائر الصلوات (فصل) ويستحب أن يفصل بنى الأذان والإقامة بقدر الوضوء وصلاة ركعتين لما ذكرنا من الحديث ولما روى جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبلال " إجعل بين أذانك وإقامتك قدر ما يفرغ الا كل من أكله، والشارب من شربه والمعتصر إذا دخل لقضاء حاجته " رواه أبو داود والترمذي (2) (فصل) قال اسحاق بن منصور رأيت أحمد خرج عند المغرب فحين إنتهى إلى موضع الصف

_ 1) رواه من حديث أبي الجوزاء وهو لم يسمع من ابي ابن كعب 2) في اسناده ضعيفان عبد المنعم بن نعيم ويحيى بن مسلم البكاء وله شاهدا ضعف منه

مسألة: وتجب على النائم ومن زال عقله بسكر أو إغماء أو شرب دواء

أخذ المؤذن في الإقامة فجلس قال أحمد يقعد الرجل مقدار الركعتين إذا أذن المغرب. قيل من أين؟ قال من حديث أنس وغيره كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أذن المؤذن ابتدروا السواري وصلوا ركعتين، وروى الخلال عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء وبلال في الإقامة فقعد (مسألة) (ومن جمع بين صلاتين أو قضى فوائت أذن وأقام للأولى ثم أقام لكل صلاة بعدها) متى جمع بين صلاتين أذن وأقام للاول ثم أقام للثانية سواء كان الجمع في وقت الأولى أو الثانية لما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر بعرفة وبين المغرب والعشاء بمزدلفة بأذان وإقامتين رواه مسلم. وعن ابن عمر قال جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المغرب والعشاء يجمع كل واحدة منهما بإقامة رواه البخاري. إلا أنه إذا جمع في وقت الأولى كان الأذان لها آكد لأنها مفعولة في وقتها أشبه مالو لم يجمع، وإن كان في وقت الثانية فلم يؤذن أو جمع بينهما بإقامة واحدة فلا بأس لما روى ابن عمر قال جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المغرب والعشاء بجمع صلى المغرب ثلاثاً والعشاء ركعتين بإقامة واحدة، رواه مسلم ولأن الأولى مفعولة في غير وقتها فهي كالفائتة. والثانية مسبوقة بصلاة فلم يشرع لها الأذان كالثانية من الفوائت، وقال مالك يؤذن للأولى

مسألة. ولا تجب على كافر ولا مجنون ولا تصح منهما

والثانية ويقيم لأن الثانية منهما صلاة يشرع لها الأذان لو لم تجمع فكذلك إذا جمعت وهو مخالف لما ذكرنا من الأحاديث الصحيحة (فصل) فأما قضاء الفوائت فإن كانت الفائتة واحدة أذن لها وأقام لما روى عمرو بن أمية الضمري قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره فنام عن الصبح حتى طلعت الشمس فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال تنحوا عن هذا المكان، قال ثم أمر بلالاً فأذن ثم توضؤا وصلوا ركعتي الفجر ثم أمر بلالاً فأقام الصلاة فصلى بهم صلاة الصبح رواه أبو داود، وإن كثرت الفوائت أذن وأقام للأولى ثم أقام لكل صلاة بعدها لما روى أبو عبيدة عن أبيه عبد الله بن مسعود أن المشركين شغلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أربع صلوات يوم الخندق حتى ذهب من الليل ما شاء الله فأمر بلالاً فأذن ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ثم أقام فصلى المغرب ثم أقام فصلى العشاء رواه الإمام أحمد والنسائي والترمذي وقال حديث عبد الله ليس بإسناده بأس إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من عبد الله، وإن لم يؤذن فلا بأس وهذا في الجماعة، فإن كان وحده كان إستحباب ذلك أدنى في حقه لأن الأذان والإقامة للإعلام ولا حاجة الى الإعلام ههنا. وقد روي عن أحمد فيمن فاتته صلوات فقضاها فأذن وأقام مرة واحدة فسهل في ذلك ورآه حسناً وروي ذلك عن الشافعي وله قولان آخران (أحدهما) أنه يقيم ولا يؤذن وهو قول مالك لما روى أبو سعيد قال: حبسنا يوم الخندق عن الصلاة حتى كان بعد المغرب بهوي من الليل قال فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالاً فأمره فأقام الظهر فصلاها ثم أمره فأقام العصر فصلاها، ولأن الأذان للإعلام بالوقت وقد فات

مسألة: وإذا صلى الكافر حكم بإسلامه

والقول الثاني للشافعي: إن رجي اجتماع الناس أذن وإلا فلا لأنه لا حاجة إليه، وقال أبو حنيفة يؤذن لكل صلاة ويقيم لأن ما سن للصلاة في أدائها سن في قضائها كسائر المسنونات، والأول أولى لحديث ابن مسعود وهو متضمن للزيادة، والزيادة من الثقة مقبولة، وما قال أبو حنيفة مخالف لحديث ابن ابن مسعود وأبي سعيد، ولأن الثانية من الفوائت صلاة قد أذن لما قبلها أشبهت الثانية من المجموعتين وقياسهم ينتقض بهذا والله أعلم (فصل) ومن دخل مسجداً قد صلى فيه فإن شاء أذن وأقام نص عليه لأنه روي عن أنس أنه دخل مسجداً قد صلوا فيه فأمر رجلاً فأذن وأقام فصلى بهم في جماعة رواه الأثرم، وإن شاء صلى من غير اذان ولا إقامة قال عروة إذا أنتهيت إلى مسجد وقد صلى فيه ناس أذنوا وأقاموا فإن أذانهم وإقامتهم تجزئ عمن جاء بعدهم. وهذا قول الحسن والشعبي والنخعي إلا أن الحسن قال: كان أحب إليهم أن يقيم، وإن أذن أخفى ذلك لئلا يغر الناس

مسألة: ويؤمر بها لسبع ويضرب على تركها لعشر

(فصل) وإن أذن المؤذن وأقام لم يستحب لسائر الناس أن يؤذن كل إنسان في نفسه ويقيم بعد فراغ المؤذن لكن يقول كما يقول المؤذن لأن السنة إنما وردت بهذا (مسألة) (وهل يجزئ أذان المميز للبالغين؟ على روايتين) وجملة ذلك أن الأذان لا يصح إلا من مسلم عاقل ذكر. فأما الكافر والمجنون والطفل فلا يصح أذانهم لأنهم ليسوا من أهل العبادات، ولا يعتد بأذان المرأة لأنه لا يشرع لها الأذان أشبهت المجنون ولأن رفع صوتها منهي عنه، وإذا كان كذلك خرج عن كونه قربه فلا يصح كالحكاية، ولا أذان الخنثى المشكل لأنه لا يعلم كونه رجلا وهذا كله مذهب الشافعي ولا نعلم فيه خلافاً، ويصح أذان العبد لأن إمامته تصح فأذانه أولى، وهل يصح أذان الصبي؟ فيه روايتان (أولاهما) صحة أذانه وهذا قول عطاء والشعبي والشافعي وابن المنذر، وذكر القاضي أن المراهق يصح أذانه رواية واحدة، وقد روى ابن المنذر باسناده عن عبد الله بن أبي بكر بن أنس قال كان عمومتي يأمرونني أن أؤذن لهم وأنا غلام لم أحتلم وأنس بن مالك شاهد لم ينكر ذلك وهذا

مسألة: فإن بلغ في أثنائها أو بعدها في وقتها لزمه إعادتها

مما يظهر ولا يخفى ولم ينكر فكان اجماعا ولأنه ذكر تصح صلاته فصح أذانه كالبالغ (والثانية) لا يصح لأن الأذان شرع للإعلام ولا يحصل الإعلام بقوله لأنه لا يقبل خبره ولا روايته (مسألة) (وهل يصح أذان الفاسق، والأذان الملحن؟ على وجهين) ذكر أصحابنا في صحة أذان الفاسق وجهين (أحدهما) لا يصح لما ذكرنا في الصبي ولأن النبي صلى الله عليه وسلم وصفهم بالأمانة والفاسق غير أمين (والثاني) يصح لأنه ذكر تصح صلاته فصح أذانه كالعدل. وهذا قول الشافعي وهذا الخلاف فيمن هو ظاهر الفسق. فأما مستور الحال فيصح أذانه بغير خلاف علمناه، وفي الأذان الملحن وجهان (أحدهما) لا يصح لما روى ابن عباس قال كان للنبي صلى الله عليه وسلم مؤذن يطرب فقال النبي صلى الله عليه وسلم " إن الأذان سمح سهل فإن كان أذانك سمحاً سهلاً وإلا فلا تؤذن " رواه الدارقطني (والثاني) يصح وهو أصح لأن المقصود يحصل به فهو كغير الملحن والحديث ذكره ابن الجوزي في الموضوعات (فصل) ويكره اللحن في الأذان فإنه ربما غير المعنى فإن من نصب لام رسول أخرجه عن كونه خبراً، ولا يمد لفظه (أكبر) لأنه يجعل فيها ألفاً فيصير جمع (كبر) وهو الطبل ولا يسقط الهاء من إسم الله وإسم الصلاة، والحاء من الفلاح لما روى أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يؤذن لكم من يدغم الهاء - قلنا وكيف يقول؟ قال - يقول أشهد أن لا إله إلا اللا أشهد أن محمداً رسول اللا " أخرجه

مسألة: فمن جحد وجوبها كفر

الدارقطني في الأفراد. فأما إن كان ألثغ لثغة فاحشة كره أذانه وإن كانت لا تتفاحش فلا بأس فقد روي أن بلالاً كان يجعل الشين سينا. والفصيح أحسن وأكمل والله أعلم (مسألة) (ويستحب لمن سمع المؤذن أن يقول كما يقول إلا في الحيعلة فإنه يقول لا حول ولا قوة إلا بالله) وهذا مستحب لا نعلم في استحبابه خلافا لما روى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إذا قال المؤذن: الله اكبر الله أكبر، فقال أحدكم الله اكبر الله أكبر، ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله قال أشهد أن لا إله إلا الله. ثم قال أشهد أن محمداً رسول الله قال أشهد أن محمداً رسول الله ثم قال حي على الصلاة قال لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال حي على الفلاح قال لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال: الله اكبر الله أكبر. قال الله اكبر الله أكبر ثم قال لا إله إلا الله قال لا إله الا الله - من قلبه دخل الجنة " رواه مسلم قال الاثرم هذا من الأحاديث الجياد. وعن أبي رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سمع النداء قال مثل ما يقول المؤذن فإذا بلغ حي على الصلاة قال لا حول ولا قوة إلا بالله رواه الأثرم، ويستحب لمن سمع الإقامة أن يقول مثل ما يقول ويقول عند كلمة الإقامة

أقامها الله وأدامها لما روى أبو داود بإسناده عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن بلالا أخذ في الإقامة فلما أن قال قد قامت الصلاة قال النبي صلى الله عليه وسلم " أقامها الله وأدامها " قال في سائر الإقامة كنحو حديث عمر في الأذان (فصل) روى سعد بن أبي وقاص قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " من قال حين يسمغ النداء وأنا أشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، رضيت بالله ربا، وبالإسلام دينا (1) وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً - غفر له ذنبه " رواه مسلم، وعن أم سلمة قالت علمني النبي صلى الله عليه وسلم إن أقول عند أذان المغرب " اللهم إن هذا إقبال ليلك، وإدبار نهارك، وأصوات دعائك فاغفر لي " رواه أبو داود (مسألة) (ثم يقول عند فراغه اللهم رب هذا الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه المقام المحمود الذي وعدته إنك لا تخلف الميعاد) لما روى جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة وأبعثه مقاماً محموداً الذي وعدته - حلت له شفاعتي " رواه البخاري (فصل) ويستحب أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو لما روى جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من قال حين ينادي المنادي: اللهم رب هذه الدعوة القائمة والصلاة النافعة صل على محمد وأرض عنه رضا لاسخط بعده، استجاب الله له دعوته " رواه الإمام أحمد، وروى أنس قال: قال

_ 1) لفظ مسلم بمحمد رسولا وبالاسلام دينا

مسألة: ولا يقتل حتى يستتاب ثلاثا فإن تاب وإلا قتل بالسيف

رسول الله صلى الله عليه وسلم " الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة " رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وقال حديث حسن، وعن عبد الله بن عمرو أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول " إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة " رواه مسلم (فصل) فإن سمع الأذان وهو يقرأ قطع القراءة ليقول مثله لأنه يفوت والقراءة لا تفوت، فإن سمعه وهو يصلي لم يقل كقوله لئلا يشتغل عن الصلاة بما ليس منها، وإن قالها ما عدا الحيعلة لم تبطل الصلاة لأنه ذكر، وإن قال الدعاء فيها بطلت لأنه خطاب لآدمي (فصل) وروى عن أحمد أنه كان إذا أذن فقال كلمة من الأذان قال مثلها سراً فظاهره أنه رأى ذلك مستحبا ليكون ما يظهره أذاناً وما يسره ذكرا لله تعالى فيكون بمنزلة من سمع الأذان وقد رواه القاضي عن أحمد أنه قال استحب للمؤذن أيضاً أن يقول مثل ما يقول في خفية (فصل) قال الأثرم سمعت أبا عبد الله يسأل عن الرجل يقوم حين يسمع المؤذن مبادراً يركع (1) فقال يستحب أن يكون ركوعه بعد ما يفرغ المؤذن أو يقرب من الفراغ لأنه يقال أن الشيطان ينفر

_ 1) أي يصلي متنفلا

حين يسمع الأذان فلا ينبغي أن يبادر للقيام، وإن دخل المسجد فسمع المؤذن إستحب له إنتظاره ليفرغ ويقول مثل ما يقول ليجمع بين الفضيلتين، وإن لم يقل كقوله وإفتتح الصلاة فلا بأس نص عليه أحمد. (فصل) ولا تستحب الزيادة على مؤذنين كما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له بلال وابن أم مكتوم إلا أن تدعو الحاجة فيجوز فإنه قد روي عن عثمان رضي الله عنه أنه اتخذ أربعة مؤذنين وإذا كانوا أكثر من واحد وكان الواحد يسمع الناس فالمستحب أن يؤذن واحد بعد واحد كما روي عن مؤذني النبي صلى الله عليه وسلم فإن كان الإعلام لا يحصل بواحد أذنوا على حسب الحاجة إما أن يؤذن كل واحد في ناحية أو دفعة واحدة في موضع واحد (فصل) ولا يؤذن قبل المؤذن الراتب إلا أن يتأخر أو يخاف فوات وقت التأذين فيؤذن غيره كما روي ان زياد بن الحارث أذن للنبي صلى الله عليه وسلم حين غاب بلالا فأما مع حضوره فلا. فإن مؤذني النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن غيرهم يسبقهم بالأذان (فصل) وإذا أذن في الوقت كره له أن يخرج من المسجد إلا لحاجة ثم يعود لأنه ربما أحتيج إلى الإقامة فلا يوجد وإن أذن قبل الوقت للفجر فلا بأس بذهابه لأنه لا يحتاج إلى حضوره قبل الوقت قال أحمد في الرجل يؤذن في الليل على غير وضوء فيدخل المنزل ويدع المسجد أرجو أن يكون موسعاً عليه ولكن إذا أذن وهو متوضئ في وقت الصلاة فلا أرى له أن يخرج من المسجد حتى يصلي إلا أن يكون لحاجة.

(فصل) إذا أذن في بيته وكان قريباً من المسجد فلا بأس وإن كان بعيداً كره له ذلك لأن القريب من المسجد يسمع أذانه عند المسجد فيأتون إلى المسجد والبعيد قد يسمعه من لا يعرف المسجد فيغتر به ويقصده فيضيع عن المسجد فإنه قد روي عن أحمد في الذي يؤذن في بيته وبينه وبين المسجد طريق يسمع الناس أرجو أن لا يكون به بأس وقال في رواية إبراهيم الحربي فيمن يؤذن في بيته على سطح معاذ الله ما سمعنا أن أحداً يفعل هذا فحمل الأول على القريب والثاني على البعيد وقد روي أن بلالاً كان يؤذن على سطح امرأة من الإنصار والله أعلم فصول في المساجد (فصل في فضل المساجد وبنائها وغير ذلك) عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " من بنى مسجداً - قال بكير حسبت أنه قال - يبتغى به وجه الله بنى الله له بيتا في الجنة " متفق عليه وعن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من بنى مسجداً كمفحص قطاة أو أصغر بنى الله له بيتا في الجنة " رواه ابن ماجه وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " أحب البلاد إلي الله مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها " رواه مسلم ويستحب إتخاذ المساجد في الدور وتنظيفها وتطبيبها لما روت عائشة قالت أمر رسول الله صلى الله

باب الأذان والإقامة

عليه وسلم ببناء المساجد في الدور وأن تنظف وتطيب رواه الإمام أحمد. وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " عرضت علي أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد " رواه أبو داود، وعن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من أخرج أذى من المسجد بنى الله له بيتا في الجنة " (فصل) يستحب تخليق المسجد وأن يسرج فيه لما روي عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى نخامة في قبلة المسجد فغضب حتى أحمر وجهه فجاءته امرأة من الإنصار فحكمتها وجعلت مكانها خلوقاً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما أحسن هذا " رواه النسائي وابن ماجه. وعن ميمونة مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها قالت: يا رسول الله أفتنا في بيت المقدس؟ فقال " ائتوه فصلوا فيه " وكانت البلاد إذ ذاك حرباً قال " فإن لم تأتوه وتصلوا فيه فابعثوا بزيت يسرج في قناديله " رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجة. وفي رواية الإمام أحمد " ائتوه فصلوا فيه فإن صلاة فيه كالف صلاة - قالت أرأيت من لم يطق أن يتحمل إليه أو يأتيه قال - فليهد إليه زيتاً يسرج فيه فإن من أهدى له كان كمن صلى فيه "

مسألة: وهما مشروعان للصلوات الخمس دون غيرها للرجال دون النساء

(فصل فيما يباح في المسجد) يباح النوم فيه لما روي عبد الله بن عمر أنه كان ينام وهو شاب عزب لا أهل له في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، متفق عليه. وكان أهل الصفة ينامون في المسجد ويباح للمريض أن يكون في المسجد وإن تكون فيه خيمة، قالت عائشة أصيب سعد يوم الخندق في الأكحل فضرب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خيمة في المسجد يعوده من قريب، متفق عليه ويباح دخول البعير المسجد لأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف في حجة الوداع على بعير يستلم الركن بمحجن متفق عليه. ولا بأس بالإجتماع في المسجد والأكل فيه والاستلقاء فيه لما روى أبو واقد الليثي قال بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد إذ اقبل ثلاثة نفر فأقبل إثنان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذهب واحد فأما أحدهما فرأى فرجة فجلس وأما الآخر فجلس خلفهم فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ألا أخبركم عن الثلاثة أما أحدهم فآوى إلى الله فأواه الله، وأما الآخر فاستحيا فاستحيا الله منه وأما الآخر فأعرض فاعرض الله عنه " متفق عليه. عن عبد الله بن الحارث قال كنا نأكل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد الخبز واللحم رواه ابن ماجه وعن عباد بن

تميم عن عمه عبد الله بن زيد أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مستلقياً في المسجد واضعاً إحدى رجليه على الأخرى متفق عليه. ويجوز السؤال في المسجد لما روى عبد الرحمن بن أبي بكر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " هل منكم أحد أطعم اليوم مسكيناً " وذكر الحديث رواه أبو داود ويجوز إنشاد الشعر واللعان في المسجد لما روي عن ابي هريرة أن عمر مر بحسان وهو ينشد الشعر في المسجد فلحظ إليه فقال؟ قد كنت أنشد فيه وفيه خير منك. ثم التفت إلى أبي هريرة فقال أنشدك الله أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أجب عني، اللهم أيده بروح القدس؟ قال نعم متفق عليه، وعن جابر بن سمرة قال شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من مائة مرة في المسجد وأصحابه يتذاكرون الشعر وأشياء من أمر الجاهلية فربما تبسم معهم رواه الإمام أحمد، وفي حديث سهل بن سعد ذكر حديث اللعان قال فتلاعنا في المسجد وأنا شاهد متفق عليه

مسألة: وهما فرض على الكفاية إن اتفق أهل اتفق أهل بلد على تركهما قاتلهم الإمام

فصل فيما يكره في المسجد يكره إنشاد الضالة المسجد لما روى أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من سمع رجلاً ينشد ضالة في المسجد فليقل لا ردها الله عليه إن المساجد لم تبن لهذا " راوه مسلم. عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البيع والإبتياع وعن تناشد الأشعار في المساجد. رواه الإمام أحمد وابو داود والنسائي والترمذي. وقال حديث حسن، ويكره تجصيص المساجد وزخرفتها لما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما ساء عمل قوم قط إلا زخرفوا مساجدهم " رواه ابن ماجه، وعن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما أمرت بتشييد المساجد " قال ابن عباس ليزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى رواه أبو داود، وعن واثلة بن الاسقع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أجنبوا مساجدنا صبيانكم ومجانينكم وشراكم وبيعكم وخصوماتكم ورفع أصواتكم وإقامة حدودكم وسل سيوفكم واتخذوا على أبوابها المطاهر وجمروها في الجمع " رواه ابن ماجه من رواية الحارث بن نبهان

قال فيه يحيى بن معين لا يكتب حديثه ليس بشئ. ويكره أن يكتب على حيطان المسجد قرآناً أو غيره لأنه يلهي المصلي ويشغله وهو يشبه الزخرفة وقد نهي عنها، والبصاق في المسجد خطيئة ويستحب تخليقها لما ذكرنا من الحديث، وهل يكره الوضوء في المسجد؟ على روايتين ذكرهما ابن عقيل إلا أن ابن عقيل قال إن قلنا بنجاسة الماء المستعمل في رفع الحدث حرم ذلك في المسجد والله أعلم (باب شروط الصلاة) (مسألة) قال (وهي ما يجب لها قبلها وهي ست أولها دخول الوقت والثاني الطهارة من الحدث) أما الطهارة من الحدث فقد مضى ذكرها وهي شرط لصحة الصلاة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " ولا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ " متفق عليه، وعن عبد الله بن عمر قال سمعت رسول

الله صلى الله عليه وسلم يقول " لا يقبل الله صلاة أحدكم بغير طهور ولا صدقة من غلول " رواه مسلم (مسألة) قال (والصلوات المفروضات خمس) أجمع المسلمون على أن الصلوات الخمس في اليوم والليلة مفروضات لا خلاف بين المسلمين في ذلك وإن غيرها لا يجب إلا لعارض من نذر أو نحوه إلا أنهم اختلفوا في وجوب الوتر وسنذكره في موضعه إن شاء الله تعالى والأصل في ذلك ما روى عبادة بن الصامت قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " خمس صلوات كتبهن الله على العبد في اليوم والليلة فمن حافظ عليهن كان له عهد عند الله أن يدخله الجنة ومن لم يحافظ عليهن لم

مسألة: ولا يجوز أخذ الأجرة عليهما في أظهر الروايتين

يكن له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء غفر له " وروي أن أعرابياً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ماذا فرض علي من الصلاة؟ قال " خمس صلوات " قال فهل علي غيرها؟ قال " لا إلا أن تطوع شيئاً " فقال الرجل والذي بعثك بالحق لا أزيد عليها ولا أنقص منها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أفلح الرجل إن صدق " متفق عليه، وأجمعوا على ان الصلوات الخمس مؤقتات بمواقيت معلومة محدودة وقد ورد ذلك في أحاديث صحاح يأتي أكثرها إن شاء الله تعالى (مسألة) قال (الظهر وهي ألأولى ووقتها من زوال الشمس إلى أن يصير ظل كل شئ مثله بعد الذي زالت عليه الشمس) أجمع أهل العلم على أن أول وقت الظهر إذا زالت الشمس

مسالة: فإن لم يوجد متطوع بهما رزق الإمام من بيت المال من يقوم بهما

حكاه ابن المنذر وابن عبد البر. وتسمى الهجير والأولى والظهر لأن في حديث أبي برزة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الهجير التي تدعونها الأولى حين تدحض الشمس. متفق عليه، وإنما بدأ بذكرها لأن جبرائيل بدأ بها حين أم النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس وجابر وبدأ بها النبي صلى الله عليه وسلم حين علم أصحابه مواقيت الصلاة في حديث بريدة وغيره، فروى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أمني جبرائيل عليه السلام عند البيت مرتين فصلى بي الظهر في الأولى منهما حين كان الفئ مثل الشراك، ثم صلى العصر حين كان ظل كل شئ مثله

مسألة: فإن تشاح فيه نفسان قدم أفضلهما في ذلك، ثم أفضلهما في دينه وعقله

ثم صلى المغرب حين وجبت الشمس، وأفطر الصائم. ثم صلى العشاء حين غاب الشفق ثم صلى الفجر حين برق الفجر وحرم الطعام على الصائم. وصلى المرة الثانية الظهر حين كان ظل كل شئ مثله لوقت العصر بالأمس ثم صلى العصر حين كان ظل كل شئ مثله ثم صلى المغرب لوقته الأول ثم صلى العشاء الاخيرة حين ذهب ثلث الليل، ثم صلى الصبح حين أسفرت الأرض، ثم التفت جبريل فقال يا محمد هذا وقت الأنبياء قبلك والوقت فيما بين هذين الوقتين " رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وقال حديث حسن وروى جابر نحوه ولم يذكر فيه " لوقت العصر بالأمس " قال البخاري: أصح حديث في المواقيت حديث جابر، وروى بريدة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلاً سأله عن وقت الصلاة فقال: " صل معنا هذين اليومين " فلما زالت الشمس أمر بلالاً فأذن، ثم أمره فأقام الظهر، ثم أمره فأقام العصر والشمس مرتفعة بيضاء نقية لم يخالطها صفرة، ثم أمره فأقام المغرب حين غابت الشمس، ثم أمره فأقام العشاء حين غاب الشفق ثم أمره فأقام الفجر حين طلع الفجر، فلما كان اليوم الثاني أمره فأبرد بالظهر فأنعم أن يبرد بها وصلى العصر والشمس بيضاء مرتفعة أخرها فوق الذي كان، وصلى المغرب حين غاب الشفق وصلى العشاء حين ذهب ثلث الليل وصلى الفجر فأسفر بها ثم قال " أين السائل عن وقت الصلاة؟ " فقال الرجل أنا يا رسول الله فقال " وقت صلاتكم بين ما رأيتم " رواه مسلم، ومعنى زوال الشمس ميلها عن وسط السماء وإنما يعرف ذلك بطول الظل بعد تناهي قصره لأن الشمس حين تطلع يكون الظل طويلاً وكلما ارتفعت قصر فإذا مالت عن كبد السماء شرع في الطول فذلك زوال الشمس فمن أراد معرفة ذلك فليقدر ظل شئ ثم يصبر قليلاً ثم يقدره ثانياً فإن نقص لم يتحقق الزوال وإن زاد فقد زالت، وكذلك إن لم ينقص لأن الظل لا يقف فيكون قد نقص ثم زاد، وأما معرفة قدر ما تزول عليه الشمس بالأقدام فيختلف بإختلاف الشهور والبلدان كلما طال النهار قصر الظل وإذا قصر طال

مسألة: والأذان خمسة عشر كلمة لا ترجيع فيه

الظل. وقد ذكر أبو العباس الشيحي رحمه الله ذلك تقريباً قال: إن الشمس تزول في نصف حزيران على قدم وثلث وهو أقل ما تزول عليه الشمس، وفي نصف تموز وأيار على قدم ونصف وثلث، وفي نصف آب ونيسان على ثلاثة أقدام، وفي نصف آذار وايلول على أربعة أقدام ونصف، وفي نصف شباط وتشرين الأول على ستة أقدام، وفي نصف كانون الثاني وتشرين الثاني على تسعة أقدام، وفي نصف كانون الأول على عشرة أقدام وسدس وهو أكثر ما تزول عليه، وفي إقليم الشام والعراق وما سامتهما فإذا أردت معرفة ذلك فقف على مستو من الأرض وعلم الموضع الذي إنتهى إليه ظلك ثم ضع قدمك اليمنى بين يدي قدمك اليسرى والصق عقبك بإبهامك فإذا بلغت مساحته هذا القدر بعد إنتهاء النقض فهو وقت زوال الشمس وتجب به الظهر والله أعلم (فصل) وتجب الصلاة بدخول أول وقتها في حق من هو من أهل الوجوب وهو قول الشافعي وقال أبو حنيفة تجب بآخر وقتها إذا بقي منه ما لا يتسع لأكثر منها لأنه في أول الوقت يتخير بين فعلها وتركها فلم تكن واجبة كالنافلة ولنا أنه مأمور بها في أول وقتها بقوله تعالى (أقم الصلاة لدلوك الشمس) والأمر للوجوب على الفور ولأن دخول الوقت سبب للوجود فترتب عليه حكمه عند وجوده ولأنها تشترط لها نية الفرض ولو كانت نفلاً لأجزأت بنية النفل كالنافلة. وتفارق النافلة من حيث إن النافلة يجوز تركها لا إلى بدل وهذه إنما يجوز تركها مع العزم على فعلها كما تؤخر صلاة المغرب ليلة المزدلفة عن وقتها وكما تؤخر سائر الصلوات عن وقتها لمن هو مشتغل بشرطها (فصل) وآخر وقتها إذا زاد على القدر الذي زالت عليه الشمس قدر طول الشخص، قال الأثرم قيل لأبي عبد الله وأي شئ آخر وقت الظهر؟ قال: أن يصير الظل مثله. قيل له فمتى يكون الظل مثله؟ قال إذا زالت الشمس فكان الظل بعد الزوال مثله ومعرفة ذلك أن يضبط مازالت عليه الشمس ثم

مسألة ك والإقامة إحدى عشرة كلمة فإن رجع في الأذان أو ثنى في الإقامة فلا بأس

ينظر الزيادة عليه فإن بلغت قدر الشخص فقد إنتهى وقت الظهر وقدر شخص الإنسان ستة أقدام ونصف وسسدس بقدمه تقريباً. فإذا أردت إعتبار الزيادة بقدمك مسحتها على ما ذكرناه في الزوال ثم أسقطت منه القدر الذي زالت عليه الشمس فإذا بلغ الباقي ستة أقدام وثلثين فهو آخر وقت الظهر وأول وقت العصر. فيكون ظل الإنسان في نصف حزيران على ما ذكرنا في آخر وقت الظهر، وأول وقت العصر ثمانية أقدام بقدمه وفي بقية الشهور كما بينا وهذا مذهب مالك والثوري والشافعي والاوزاعي ونحوه قول أبي يوسف ومحمد وغيرهم، وقال عطاء لا تفريط للظهر حتى تدخل الشمس صفرة، وقال طاوس وقت الظهر والعصر إلى الليل، وحكي عن مالك وقت الاختيار إلى أن يضير ظل كل شئ مثليه ووقت الأداء الى أن يبقى من غروب الشمس قدر ما يؤدي فيه العصر لأن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر في الحضر، وقال أبو حنيفة أخر وقت الظهر إذا صار ظل كل شئ مثليه لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إنما مثلكم ومثل أهل الكتابين كمثل رجل استأجر أجراء فقال من يعمل لي من غدوة إلى نصف النهار على قيراط؟ فعملت اليهود، ثم قال من يعمل لي من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط فعملت النصارى ثم قال من يعمل لي من العصر إلى غروب الشمس على قيراطين؟ فأنتم هم فغضبت اليهود والنصارى وقالوا ما لنا أكثر عملاً وأقل عطاء؟ قال هل نقصتم من حقكم؟ قالوا لا فقال: فذلك فضلي أوتيه من أشاء " أخرجه البخاري وهذا يدل على أن ما بين الظهر والعصر أكثر من العصر إلى المغرب ولنا حديث بريدة وابن عباس وفيه قول جبريل فيه " الوقت ما بين هذين، وحديث مالك محمول على العذر بمطر أو مرض وما احتج به أبو حنيفة فليس فيه حجة لأنه قال إلى صلاة العصر وفعلها يكون بعد دخول الوقت وتكامل الشروط، على أن الآخذ بأحاديثنا أولى لأنه قصد بها بيان الوقت وخبرهم قصد به ضرب المثل فكانت أحاديثنا أولى قال ابن عبد البر خالف أبو حنيفة في هذه الآثار والناس وخالفه أصحابه

(مسألة) (وتعجيلها أفضل إلا في شدة الحر والغيم لمن يصلي الجماعة) وجملة ذلك أن تعجيل الظهر في غير الحر والغيم مستحب بغير خلاف علمناه قال الترمذي وهو الذي اختاره أهل العلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم لما روى أبوبرزة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الهجير التي تدعونها الأولى حين تدحض الشمس وقال جابر: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر بالهاجرة متفق عليهما. وروى الأموي في المغازي بإسناده عن معاذ بن جبل قال لما بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قال " أظهر كبير الإسلام وصغيره وليكن من الكبرها الصلاة فإنها رأس الإسلام بعد الإقرار بالدين فإذا كان الشتاء فصل الفجر في أول الفجر ثم أطل القراءة على قدر ما تطيق ولا تملهم وتكره إليهم أمر الله ثم عجل الصلاة الأولى بعد أن تميل الشمس. وصل العصر والمغرب في الشتاء والصيف على ميقات واحد، العصر والشمس بيضاء مرتفعة والمغرب حين تغيب الشمس وتوارى بالحجاب وصل العشاء فأعتم بها فإن الليل طويل فإذا كان في الصيف فأسفر بالصبح فإن الليل قصير وإن الناس ينامون فأمهلهم حتى يدركوها وصل الظهر بعد أن ينقص الظل وتحرك الريح فإن الناس يقيلون فأمهلهم حتى يدركوها وصل العتمة فلا تعتم بها ولا تصلها حتى يغيب الشفق " وقالت عائشة ما رأيت أحداً أشد تعجيلاً للظهر من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا من أبي بكر ولا من عمر حديث حسن. فأما في شدة الحر فيستحب تأخيرها مطلقاً في ظاهر كلام أحمد والخرقي حكاه عنه الأثرم، وهو قول إسحاق وأصحاب الرأي وابن المنذر وهو الصحيح إن شاء الله تعالى لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا اشتد الحر فابردوا بالظهر فإن شدة؟؟ لحر من فيح جهنم " متفق عليه، وظاهر كلام شيخنا ههنا أنه إنما يستحب تأخيرها لمن يصلي جماعة

مسألة: ويقول في آذان الصبح الصلاة خير من النوم مرتين

قال القاضي في المجرد إنما يستحب الإبراد بها بثلاثة شرائط - شدة الحر، وأن يكون في البلدان الحارة ومساجد الجماعات، فأما من صلاها في بيته أو في مسجد بفناء بيته فالأفضل تعجيلها وهذا مذهب الشافعي لأن التأخير إنما استحب لينكسر الحر ويتسع فئ الحيطان فيكثر السعي إلى الجماعات ومن لا يصلي في جماعة لا حاجة به إلى التأخير. وقال في الجامع لا فرق بين البلدان الحارة وغيرها ولا بين كون المسجد ينتابه أو لا لأن أحمد كان يؤخرها بمسجده ولم يكن بهذه الصفة ويؤخرها حتى يتسع فئ الحيطان فإن في حديث أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمؤذن " أبرد " حتى رأينا فئ التلول. ولا يؤخرها إلى آخر وقتها بل يصليها في وقت يكون إذا فرغ بينه وبين آخر الوقت فصل. فأما الجمعة فيسن تعجيلها في كل وقت بعد الزوال لأن سلمة بن الأكوع قال: كنا نجمع مع النبي صلى الله عليه وسلم إذا زالت الشمس متفق عليه. ولم ينقل أنه أخرها بل كان يعجلها حتى قال سهل بن سعد ما كنا نقيل ولا نتغدى إلى بعد الجمعة أخرجه البخاري ولأن التبكير إليها سنة فيتأذى الناس بتأخيرها، ويستحب تأخيرها في الغيم أيضاً لمن يصلي جماعة ذكره القاضي فقال يستحب تأخير الظهر والمغرب في الغيم وتعجيل العصر والعشاء قال ونص عليه أحمد في رواية المروذي وجماعة. وعلل القاضي ذلك بأنه وقت يخاف منه العوارض من المطر والريح والبرد فيشق الخروج لكل صلاة فيؤخر الأولى من صلاتي الجمع ويعجل الثانية ويخرج إليهما خروجاً واحداً فيحصل له الرفق بذلك كما يحصل بالجمع وبه قال أبو حنيفة والاوزاعي وروي عن عمر رضي الله عنه مثل ذلك في الظهر والعصر، وعن ابن مسعود يعجل الظهر والعصر ويؤخر المغرب. وقال الحسن يؤخر الظهر وظاهر كلام الخرقي أنه يسن تعجيل الظهر في غير الحر اذا غلب على ظنه دخول الوقت وهو مذهب الشافعي لما ذكرناه من الاحاديث وما

مسألة: ويستحب أن يترسل في الأذان ويحدر الإقامة

روي عن أحمد فيحمل على أنه أراد بالتأخير ليتيقن دخول الوقت ولا يصلي مع الشك فقد نقل أبو طالب عنه ما يدل على هذا أنه قال يوم الغيم يؤخر الظهر حتى لا يشك أنها قد حانت ويعجل العصر، والمغرب يؤخرها حتى يعلم أنه سواد الليل ويعجل العشاء (مسألة) قال (ثم العصر وهي الوسطى ووقتها من خروج وقت الظهر إلى إصفرار الشمس وعنه إلى أن يصير ظل كل شئ مثليه ثم يذهب وقت الاختيار ويبقى وقت الضرورة إلى غروب الشمس) الصلاة الوسطى صلاة العصر في قول أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم منهم علي وأبو هريرة وأبو سعيد وأبو أيوب وزيد بن ثابت وابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم وهو قول عبيدة السلماني والحسن والضحاك وأبو حنيفة وأصحابه وابن المنذر. وروي عن ابن عمر وزيد وعائشة وعبد الله بن شداد أنها صلاة الظهر لما روي عن زيد بن ثابت قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر بالهاجرة ولم يكن يصلي صلاة أشد على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منها فنزلت (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى) رواه أبو داود، وروت عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر) رواه أبو داود والترمذي وقال صحيح، وقال طاوس وعطاء وعكرمة ومجاهد والشافعي هي الصبح وروي أيضاً عن ابن عمر وابن عباس لقوله تعالى (والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين) والقنوت طول القيام وهو مختص بالصبح ولأنها من أثقل الصلاة على المنافقين فلذلك إختصت بالوصية بالمحافظة عليها، وقال النبي صلى الله عليه وسلم " لو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا " متفق عليه، وقال قوم هي المغرب لأن الأولى الظهر فتكون المغرب الوسطى لأنها الثالثة من الخمس ولأنها الوسطى في عدد الركعات وخصت من بين الصلوات بأنها وتر والله وتر يحب الوتر ولأنها تصلي في أول وقتها في جميع الامصار والأعصار

مسألة: ويؤذن قائما متطهرا على موضع عال مستقبل القبلة

ويكره تأخيرها عنه ولذلك صلاها جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم في اليومين لوقت واحد، وقد قال صلى الله عليه وسلم " لا تزال أمتي بخير ما لم يؤخروا المغرب إلى أن تشتبك النجوم " وهذا كله يدل على تأكدها وفضيلتها، وقيل هي العشاء لما ذكرنا في الصبح ولما روى ابن عمر قال مكثنا ليلة ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاة العشاء الآخرة فخرج إلينا حين ذهب ثلث الليل أو بعده فقال إنكم لتنتظرون صلاة ما ينتظرها أهل دين غيركم ولولا أن أشق على أمتي لصليت بهم هذه الساعة " متفق عليه ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب " شغلونا عن صلاة الوسطى صلاة العصر " متفق عليه، وعن ابن مسعود وسمرة قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " صلاة الوسطى صلاة العصر " قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح وهذا نص لا يجوز خلافه وما روته عائشة فيجوز أن تكون الواو فيه زائدة كقوله (وليكون من المؤمنين) وقوله (وخاتم النبيين) وقوله (وقوموا لله قانتين) فقد قيل قانتين أي مطيعين وقيل القنوت السكوت، ولذلك قال زيد بن أرقم كنا نتكلم حتى نزل قوله تعالى (وقوموا لله قانتين) فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام (فصل) وأول وقت العصر من خروج وقت الظهر وهو إذا صار ظل كل شئ مثله بعد القدر الذي زالت عليه الشمس فبخروج وقت الظهر يدخل وقت العصر ليس بينهما فصل وهو قول الشافعي. وقال أبو حنيفة أول وقتها إذا زاد على المثلين لما تقدم من الحديث الذي ذكرناه لابي حنيفة في بيان آخر وقت الظهر ولقول الله تعالى (أقم الصلاة طرفي النهار) وعلى قولكم تكون وسط النهار، وحكي عن ربيعة أن وقت الظهر والعصر إذا زالت الشمس، وقال إسحاق آخر وقت الظهر أول وقت

العصر يشتركان في قدر الصلاة فلو أن رجلين صليا معاً أحدهما يصلي الظهر والآخر يصلي العصر حين صار ظل كل شئ مثله لكانا مصليين الصلاتين في وقتهما، وحكي عن ابن المبارك لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس وصلى في المرة الثانية الظهر لوقت العصر بالأمس ولنا ما تقدم من حديث جبريل فأما قوله تعالى (أقم الصلاة طرفي النهار) فإن الطرف ما تراخى عن الوسط فلا ينفي ما قلنا، وقول النبي صلى الله عليه وسلم " لوقت العصر بالأمس " أراد مقاربه الوقت يعني أن ابتداء صلاة العصر متصل بآخر صلاة الظهر في اليوم الثاني وقد بينه النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن عمر " ووقت الظهر ما لم تحضر العصر " رواه مسلم، وفي حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إن للصلاة أولاً وآخراً وإن أول وقت الظهر حين تزول الشمس وآخر وقتها حين يدخل وقت العصر " رواه الترمذي، وآخر وقتها اخلفت الرواية فيه فروي عن أحمد أن آخر وقت الإختيار إذا صار ظل كل شئ مثليه وهو قول مالك والثوري والشافعي لقوله في حديث ابن عباس " الوقت ما بين هذين " وروي عنه أن آخره ما لم تصفر الشمس وهي أصح حكاها عنه جماعة منهم الأثرم وهذا قول أبي يوسف ومحمد، ونحوه عن الأوزاعي لما روى عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " وقت العصر ما لم تصفر الشمس " رواه مسلم، وفي حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم " وإن آخر وقتها حين تصفر الشمس " قال ابن عبد البر أجمع العلماء على أن من صلى العصر والشمس بيضاء نقية فقد صلاها في وقتها وفي هذا دليل على أن مراعاة المثلين عندهم إستحباب ولعلهما متقاربان بوجد أحدهما قريباً من الآخر (فصل) والأوقات ثلاثة أضرب: وقت فضيلة ووقت إختيار ووقت ضرورة، وقد ذكرنا وقت الفضيلة، ومعنى وقت الإختيار هو الذي يجوز تأخير الصلاة إلى أخره من غير عذر ووقت الضرورة إنما يباح تأخير الصلاة إليه مع العذر، فإن أخرها لغير عذر أثم، ومتى فعلها فيه فهو مدرك لها أداء

مسألة: فإذا أبلغ الحيعلة ألتفت يمنيا وشمالا ولم يستدر

في وقتها سواء كان لعذر أو غيره لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر " متفق عليه ولا نعلم فيه خلافا وكذلك حكم سائر الصلوات إذا أدرك من وقتها ركعة، وإن أدرك أقل من ذلك فسيأتي بيانه إن شاء الله، ومتى أخر العصر عن وقت الإختيار على ما فيه من الخلاف أثم إذا كان لغير عذر لما تقدم من الأخبار ولما روى أنس بن مالك قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " تلك صلاة المنافق تلك صلاة المنافق: يجلس أحدهم حتى إذا أصفرت الشمس فكانت بين قرني شيطان أو على قرني شيطان قام فنقر أربعاً لا يذكر الله فيها إلا قليلاً " رواه مسلم ولو أبيح تأخيرها لما ذمه عليها وجعله علامة النفاق (مسألة) (وتعجيلها أفضل بكل حال) وروي ذلك عن عمر وابن مسعود وعائشة وأنس وابن المبارك وأهل المدينة والاوزاعي والشافعي وإسحاق. وروي عن أبي هريرة وابن مسعود أنهما كانا يؤخران العصر. وروي عن أبي قلابة وابن شبرمة إنهما قالا إنما سميت العصر لتعصر. وقال أصحاب الرأي الأفضل فعلها في آخر وقتها المختار لما روى رافع بن خديج أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر بتأخير العصر. وعن علي بن شيبان قال قدمنا علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يؤخر العصر ما دامت بيضاء نقية ولأنها آخر صلاتي جمع فاستحب تأخيرها كالعشاء ولناما روى أبو برزة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي العصر ثم يرجع أحدنا إلى رحله في أقصى المدينة والشمس حية. متفق عليه. وقال رافع بن خديج كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العصر، ثم ننحر الجزور فيقسم عشرة أجزاء ثم نطبخ فنأكل لحماً نضيجاً قبل غروب الشمس متفق عليه. وعن أبي أمامة بن سهل قال صلينا مع عمر بن عبد العزيز الظهر ثم خرجنا حتى دخلنا على أنس بن مالك فوجدناه يصلي العصر فقلنا يا أبا حمزة ما هذه الصلاة التي صليت؟

مسألة: ويجعل أصبعيه

قال العصر وهذه صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي كنا نصليها معه. متفق عليه وروى الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " الوقت الأول من الصلاة رضوان الله والوقت الآخر عفو الله " وحديث رافع لا يصح قاله الترمذي وقال الدارقطني يرويه عن عبد الواحد بن نافع وليس بالقوي ولا يصح عن رافع ولا عن غيره من الصحابة، والصحيح عنهم تعجيل صلاة العصر والتبكير بها قال إبن المنذر الأخبار الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم تدل على أن أفضل الأمرين تعجيل العصر في أول وقتها (مسألة) (ثم المغرب وهي الوتر ووقتها من مغيب الشمس إلى مغيب الشفق الأحمر) لا خلاف بين أهل العلم في دخول وقت المغرب بغروب الشمس والأحاديث تدل عليه. وآخره إذا غاب الشفق وهو قول الثوري وإسحاق وأبي ثور وأصحاب الرأي، وقال مالك والاوزاعي والشافعي في أحد قوليه ليس لها إلا وقت واحد لأن جبريل صلاها بالنبي صلى الله عليه وسلم في اليومين لوقت واحد في بيان مواقيت الصلاة وقال النبي صلى الله عليه وسلم " لا تزال أمتي بخير ما لم يؤخروا المغرب إلى أن تشتبك النجوم " وعن طاوس لا تفوت المغرب والعشاء حتى الفجر وعن عطاء لا تفوت المغرب والعشاء حتى النهار ولنا حديث بريدة وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى المغرب في اليوم الثاني حين غاب الشفق وروى أبو موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم أخر المغرب في اليوم الثاني حتى كان عند سقوط الشفق رواهما مسلم وعن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " وقت المغرب ما لم يغب الشفق " رواه مسلم وهذه نصوص صحيحة لا يجوز مخالفتها بشئ محتمل ولأن ما قبل مغيب الشفق وقت لاستدامتها فكان وقتا لا بتدائها كأول وقتها وأحاديثهم محمولة على الاستحباب والإختيار وتأكيد فعلها في أول وقتها جمعاً بينها وبين أحاديثنا ولو تعارضت وجب حمل أحاديثهم على أنها منسوخة لأنها في أول فرض الصلاة بمكة وأحاديثنا بعدها بالمدينة فتكون ناسخة لما قبلها مما يخالفها والله أعلم

مسألة: ويستحب للمؤذن أن يقيم في موضع أذانه إلا أن يشق عليه

(فصل) والشفق الحمرة هذا قول ابن عمر وابن عباس وعطاء ومجاهد وسعيد بن جبير والزهري ومالك والثوري والشافعي واسحاق ويعقوب ومحمد، وعن أنس وأبي هريرة ما يدل على أن الشفق البياض. وروي ذلك عن عمر بن عبد العزيز والاوزاعي وأبي حنيفة وهو اختيار ابن المنذر، وروي عن ابن عباس أيضاً لأن بخروج وقتها يدخل وقت عشاء الآخرة وأول وقت العشاء إذا غاب البياض لأن النعمان بن بشير قال أنا أعلم الناس بوقت هذه الصلاة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليها لسقوط القمر لثالثة. رواه الإمام أحمد وأبو داود، وروي عن أبي مسعود قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليها حين يسود الأفق ولنا ما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " وقت المغرب ما لم يسقط فور الشفق " رواه أبو داود. وروي ثور الشفق - وفور الشفق فورانه وسطوعه وثوره ثوران حمرته، وروى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " الشفق الحمرة فإذا غاب الشفق وجبت العشاء " رواه الدارقطني، وما رووه ليس فيه بيان أنه أول الوقت فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يؤخر الصلاة عن أول الوقت قليلاً ولهذا روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لبلال " إجعل بين أذانك وإقامتك قدر ما يفرغ الآكل من أكله والمتوضئ من وضوئه والمعتصر إذا دخل لقضاء حاجته " (مسألة) (وتعجيلها أفضل إلا ليلة جمع لمن قصدها) لا نعلم خلافاً في إستحباب تعجيل المغرب في غير حال العذر إلا ما ذكرنا من إختلافهم في الغيم وهو قول أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم قاله الترمذي. وذلك لما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي المغرب إذا وجبت. وعن رافع بن خديج قال: كنا نصلي المغرب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فينصرف أحدنا وأنه ليبصر مواقع نبله متفق عليهما، وعن سلمة بن الاكوع قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي المغرب ساعة تغرب الشمس إذا غاب حاجبها رواه أبو داود واللفظ له ورواه الترمذي وقال حسن صحيح، وفعل جبريل عليه السلام لها في اليومين في وقت واحد دليل على تأكد إستحبابها ولأن فيه خروجاً من الخلاف فكان أولى. فأما ليلة جمع وهي ليلة المزدلفة فيستحب

مسألة: ولا يصح الأذان إلا مرتبا متواليا فإن نكسه أو فرق بينه بسكوت طويل أو كلام كثير أو محرم لم يعتد به

تأخيرها ليصليها مع العشاء الآخرة لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك والإجماع منعقد على ذلك والله أعلم. (مسألة) (ثم العشاء ووقتها مغيب الشفق الأحمر إلى ثلث الليل الأول وعنه إلى نصفه) لا خلاف بين الناس في دخول وقت العشاء الآخرة بغيبوبة الشفق وإنما اختلفوا في الشفق وقد ذكرناه فمتى غاب الشفق الأحمر دخل وقت العشاء إن كان في مكان يظهر له الأفق. وإن كان في مكان يستتر عنه الأفق بالجبال أو نحوها إستظهر حتى يغيب البياض فيستدل به على غيبوبة الحمرة لا لنفسه (فصل) واختلفت الرواية في آخر وقت الإختيار فروي عنه أنه ثلث الليل نص عليه في رواية الجماعة اختارها الخرقي وهو قول عمر وأبي هريرة وعمر بن عبد العزيز والشافعي في أحد قوليه لأن في حديث جبريل إنه صلى بالنبي صلى الله عليه وسلم في المرة الثانية ثلث الليل وقال " الوقت ما بين هذين " وفي حديث بريدة أنه صلاها في اليوم الثاني حين ذهب ثلث الليل رواه مسلم، وقال النخعي آخر وقتها إلى ربع الليل، وروي عن ابن عباس أنه قال آخر وقتها إلى طلوع الفجر، وروى عن أحمد أن آخر وقتها إلى نصف الليل وهو قول ابن المبارك وإسحاق وأبي ثور وأصحاب الرأي وأحد قولي الشافعي لما روى أنس قال أخر رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء إلى نصف الليل ثم صلى ثم قال: " صلى الناس وناموا أما إنكم في صلاة ما إنتظرتموها " متفق عليه، وعن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " ووقت العشاء إلى نصف الليل " رواه مسلم وأبو داود. والأولى ان لا تؤخر عن ثلث لليل لأن ثلث الليل يجمع الروايات. والزيادات تعارضت فيها الأخبار وإن أخرها جاز لما ذكرنا (مسألة) (ثم يذهب وقت الاختيار ويبقى وقت الضرورة إلى طلوع الفجر الثاني وهو البياض

مسألة: ولا يصح إلا بعد دخول الوقت إلا الفجر فإنه يؤذن لها بعد نصف الليل

المعترض في المشرق ولا ظلمة بعده وتأخيرها أفضل ما لم يشق. متى ذهب نصف الليل أو ثلثه على الخلاف فيه خرج وقت الإختيار وما بعده وقت ضرورة إلى طلوع الفجر الثاني والحكم فيه حكم الضرورة في وقت العصر على ما بينا، وتأخيرها أفضل إلى آخر وقتها إذا لم يشق وهو إختيار أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين كذلك قال الترمذي، وحكي عن الشافعي أن الأفضل تقديمها لقول النبي صلى الله عليه وسلم " الوقت الأول رضوان الله، والوقت الآخر عفو الله " رواه الترمذي عن القاسم بن غنام عن أمهاته عن أم فروة أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسأله رجل عن أفضل الأعمال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الصلاة لأول وقتها " رواه أبو داود ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يؤخرها وإنما أخرها ليلة واحدة ولنا قول أبي برزة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستحب أن يؤخر من العشاء التي تدعونها العتمة وقول النبي صلى الله عليه وسلم " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه " رواه الترمذي وقال حديث صحيح، وعن جابر بن سمرة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤخر عشاء الآخرة رواه مسلم وأحاديثهم ضعيفة، أما خبر " أول الوقت رضوان الله " فيرويه عبيد الله العمري وهو ضعيف وحديث أم فروة رواته مجاهيل، وقال فيه الترمذي أيضاً لا يروى إلا من حديث العمري وليس بالقوي في الحديث. قال أحمد لا أعرف ثبت في أوقات الصلاة أولها كذا وأوسطها كذا وآخرها كذا ولو ثبت كان الأخذ بأحاديثنا أولى لأنها خاصة وأخبارهم عامة وإنما يستحب تأخيرها للمنفرد ولجماعة راضين بالتأخير. فأما مع المشقة بالمأمومين أو بعضهم فلا يستحب نص عليه أحمد في رواية الأثرم قال قلت لأبي عبد الله كم قدر تأخير العشاء؟ قال يؤخرها بعد أن لا يشق على المأمومين وقد ترك النبي صلى الله عليه وسلم الأمر بتأخيرها كراهية المشقة، وروي عنه " من شق على أمتي شق الله عليه " وروى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي العشاء

أحياناً وأحياناً إذا رآهم اجتمعوا عجل وإذا رآهم أبطؤا أخر. وهذا يدل على مراعاة حال المأمومين وقد روى النعمان بن بشير أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصليها لسقوط القمر لثالثة. وعن أبي مسعود قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي هذه الصلاة حين يسود الأفق فيستحب الأقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في إحدى هاتين الحالتين ولا يشق على المأمومين فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالتخفيف رفقاً بالمأمومين والله أعلم. (فصل) ولا يستحب تسمية هذه الصلاة العتمة وكان ابن عمر إذا سمع رجلاً يقول العتمة صاح وغضب وقال إنما هي العشاء، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يغلبنكم الاعراب على إسم صلاتكم إلا إنها العشاء وهم يعتمون بالإبل " رواه مسلم وإن سماها جاز لقول معاذ لقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة العتمة رواه أبو داود، وفي المتفق عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا " (مسألة) (ثم الفجر ووقتها من طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس) وجملة ذلك أن وقت الفجر يدخل بطلوع الفجر الثاني إجماعاً وقد دلت عليه الأخبار التي ذكرناها وهو البياض المعترض في المشرق المستطير في الأفق. ويسمى الفجر الصادق لأنه صدقك عن الصبح. والصبح ما جمع بياضاً وحمرة ولا ظلمة بعده، فأما الفجر الأول فهو البياض المستدق المستطيل صعداً من غير إعتراض فلا يتعلق به حكم، وآخر وقتها طلوع الشمس لما روى عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " وقت الفجر ما لم تطلع الشمس " رواه مسلم (مسألة) (وتعجيلها أفضل وعنه أن أسفر المأمومون فالأفضل الأسفار) التغليس بالفجر أفضل يروى عن أبي بكر وعمر وابن مسعود وأبي موسى وأبي الزبير وعمر بن عبد العزيز ما يدل على ذلك

وبه قال مالك والشافعي وإسحاق وابن المنذر، قال ابن عبد البر صح عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان أنهم كانوا يغلسون ومحال أن يتركوا الأفضل وهم النهاية في إتيان الفضائل. وروى عن أحمد ان الاعتبار بحال المأمومين فإن أسفروا فالأفضل الأسفار لأن جابراً روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك في العشاء فينبغي أن يكون كذلك في الفجر، وقال الثوري وأصحاب الرأي الأفضل الأسفار لما روى رافع بن خديج قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول " أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر " رواه الترمذي وقال حسن صحيح ولنا ما روى جابر قال: والصبح كان النبي صلى الله عليه وسلم يصليها بغلس متفق عليه، وفي حديث أبي برزة وكان ينفتل من صلاة الغداة حين يعرف الرجل جليسه. وعن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه يصلي الصبح فينصرف النساء متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس متفق عليهما، وعن أبي مسعود الأنصاري أن النبي صلى الله عليه وسلم غلس بالصبح ثم أسفر مرة ثم لم يعد إلى الأسفار حتى قبضه الله. رواه أبو داود، فأما الأسفار في حديثهم فالمراد به أن يتبين ضوء الصبح ويكثر من قولهم أسفرت المرأة عن وجهها إذا كشفته (فصل) ولا يأثم بتعجيل الصلاة المستحب تأخيرها ولا بتأخير ما يستحب تعجيله إذا أخره عازماً على فعله ما لم يضق الوقت عن فعل جميع العبادة لأن جبرائيل صلاها بالنبي صلى الله عليه وسلم في آخر الوقت وأوله، وصلاها النبي صلى الله عليه وسلم كذلك أيضاً وقال " الوقت ما بين هذين " ولأن الوجوب موسع فهو كالتكفير موسع في الاعيان، فان أخرها غير عازم على الفعل أو أخرها بحيث يضيق الوقت عن فعل جيمعها فيه أثم لأن الركعة الأخيرة من الصلاة فلم يجز تأخيرها عن الوقت

مسألة: ويستحب أن يجلس بعد أذان المغرب جلسة خفيفة ثم يقيم

كالأولى ومتى أخر الصلاة عن أول وقتها عازماً على الفعل فمات قبل فعلها لم يمت عاصياً لأنه فعل ما يجوز له وليس الموت من فعله فلم يأثم به والله أعلم (مسألة) (ومن أدرك تكبيرة الإحرام من صلاة في وقتها فقد أدركها) وجملة ذلك أن من أدرك ركعة من الصلاة قبل خروج وقتها فقد أدرك الصلاة سواء أخرها لعذر كحائض تطهر أو مجنون يفيق أو لغير عذر لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة " متفق عليه، وفي رواية " من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر " وجميع الصلوات في ذلك سواء. وقال أصحاب الرأي فيمن طلعت الشمس وقد صلى ركعة تفسد صلاته لأنه قد صار في وقت نهي عن الصلاة فيه ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح " وفي رواية " من أدرك سجدة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فليتم صلاته " متفق عليه. ولأنه أدرك ركعة من الصلاة في وقتها فكان مدركاً لها كبقية الصلوات وإنما نهى عن النافلة، فأما الفرائض فتصلى في كل وقت بدليل ما قبل طلوع الشمس فإنه وقت نهي ولا يمنع من فعل الفرض فيه والله أعلم (فصل) وهل يدرك الصلاة بإدراك ما دون الركعة فيه روايتان (إحداهما) لا يدركها وهو ظاهر كلام الخرقي ومذهب مالك لظاهر الخبر الذي رويناه فإن تخصيصه بركعة يدل على أن الإدراك لا يحصل

مسألة: ومن جمع بين صلاتين أو قضى فوائت أذن وأقام للأولى ثم أقام لكل صلاة بعدها

بدونها ولانه إدراك للصلاة فلا يحصل بأقل من ركعة كإدراك الجمعة (والثانية) يدركها بادراك جزء منها أي جزء كان قال القاضي وهو ظاهر كلام أحمد واختيار أبي الخطاب فيمن أدرك تكبيرة الإحرام وهذا قول أبي حنيفة، وللشافعي قولان كالمذهبين لأن أبا هريرة روي أن النبي صلى الله عليه وسلم " من أدرك سجدة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فليتم صلاته " متفق عليه " وإذا أدرك سجدة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فليتم صلاته " متفق عليه وللنسائي " فقد أدركها " ولأن الإدراك إذا تعلق به حكم في الصلاة إستوى فيه الركعة وما دونها كإدراك الجماعة وإدراك المسافر صلاة المقيم، والقياس يبطل بإدراك الركعة دون تشهدها والله أعلم (مسألة) (ومن شك في الوقت لم يصل حتى يغلب على ظنه دخوله) متى شك في دخول وقت الصلاة لم يصل حتى يتيقن دخوله أو يغلب على ظنه ذلك مثل من له صنعة جرت عادته بعمل شئ مقدر إلى وقت الصلاة، أو قارئ جرت عادته بقراءة شئ فقرأه وأشباه هذا فمتى فعل ذلك وغلب على ظنه دخول الوقت أبيح له الصلاة، والأولى تأخيرها قليلا إحتياطاً إلا أن يخشى خروج الوقت أو تكون صلاة العصر في وقت الغيم فإنها يستحب التبكير بها. لما روى بريدة قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة فقال " بكروا بصلاة العصر في اليوم الغيم فإنه من فاتته صلاة العصر حبط عمله " رواه البخاري. قال شيخنا ومعناه والله أعلم التبكير بها إذا حل فعلها بيقين أو غلبة ظن وذلك لأن فعلها في وقتها المختار في زمن الشتاء ضيق فيخشى خروجه (مسألة) (فإن أخبره بذلك مخبر عن يقين قبل قوله وإن كان عن ظن لم يقبله) متى أخبره بدخول الوقت ثقة عن علم لزمه قبول خبره لأنه خبر ديني فقبل فيه قول الواحد كالرواية، فأما إن

أخبره عن ظن لم يقلده واجتهد لنفسه لأنه يقدر على الصلاة بإجتهاد نفسه فلم يجز له تقليد غيره كحالة إشتباه القبلة. والبصير والأعمى والمطمور القادر على التوصل إلى الاستدلال سواء لإستوائهم في إمكان التقدير بمرور الزمان كما بينا (فصل) وإذا سمع الأذان من ثقة عالم بالوقت فله تقليده لأن الظاهر أنه لا يؤذن إلا بعد دخول الوقت فجرى مجرى خبره. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " المؤذن مؤتمن " ولولا أنه يقلد ويرجع إليه ما كان مؤتمناً وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال " خصلتان معلقتان في أعناق المؤذنين للمسلمين صلاتهم وصيامهم " رواه ابن ماجه. ولأن الأذان شرع للإعلام بالوقت فلو لم يجز تقليد المؤذن لم تحصل الحكمة التي شرع الأذان لها ولم يزل الناس يجتمعون للصلاة في مساجدهم فإذا سمعوا الأذان قاموا إلى الصلاة وبنوا على قول المؤذن من غير مشاهدة للوقت، ولا إجتهاد فيه من غير نكير فكان إجماعاً (فصل) ومن صلى قبل الوقت لم تجزه صلاته في قول أكثر أهل العلم سواء فعل ذلك خطأ أو عمداً كل الصلاة أو بعضها وبه قال الزهري والاوزاعي وأصحاب الرأي والشافعي. وروي عن ابن عمر وأبي موسى أنهما أعادا الفجر لأنهما صليا قبل الوقت. وروي عن ابن عباس في مسافر صلى الظهر قبل الزوال يجزئه ونحوه قول الحسن والشعبي وعن مالك كقولنا. وعنه فيمن صلى العشاء قبل مغيب الشفق جاهلاً أو ناسياً يعيد ما كان في الوقت فإذا ذهب الوقت قبل علمه أو ذكره فلا شئ عليه ولنا أن الخطاب بالصلاة يتوجه إلى المكلف عند دخول وقتها وما وجد بعد ذلك ما يزيله ويبرئ الذمة منه فيبقى بحاله (مسألة) (ومتى اجتهد وصلى فبان أنه وافق الوقت أو ما بعده أجزأه) لأنه أدى ما خوطب بأدائه وفرض عليه (وإن وافق قبله لم يجزه) لأن المخاطبة بالصلاة وسبب الوجوب وجدا بعد فعله فلم يسقط حكمه بما وجد قبله (فصل) وإن صلى من غير دليل مع الشك لم تجزه صلاته سواء أصاب أو أخطأ لأنه صلى مع الشك في شرط الصلاة من غير دليل فلا تصح كمن إشتبهت عليه القبلة فصلى من غير إجتهاد

مسألة: وهل يجزيء أذان المميز للبالغين؟ على روايتين

(مسألة) (ومن أدرك من الوقت قدر تكبيرة ثم جن أو حاضت المراة لزمهم القضاء) لأن الصلاة تحب بأول الوقت وقد ذكرناه ويستقر وجوبها بذلك فمتى أدرك جزءاً من أول الوقت ثم جن أو حاضت المراة لزمهم القضاء كما ذكر إذا أمكنهما. وقال الشافعي وإسحاق لا يستقر إلا بمضي زمن يمكن فعلها فيه فلا يجب القضاء بما دونه، وإختاره أبو عبد الله بن بطة لأنه لم يدرك من الوقت ما يمكنه الصلاة فيه أشبه مالو لم يدرك شيئاً ولنا أنها صلاة وجبت عليه فوجب قضاؤها إذا فاتته كالتي أمكن أداؤها، فأما التي لم يدرك شيئاً من وقتها فإنها لم تجب وقياس الواجب على ما لم يجب لا يصح والله أعلم (مسألة) وإن بلغ صبي أو أسلم كافر أو أفاق مجنون أو طهرت حائض قبل طلوع الشمس بقدر تكبيرة لزمهم الصبح، وإن كان قبل غروب الشمس لزمهم الظهر والعصر، وإن كان قبل طلوع الفجر لزمهم المغرب والعشاء) وجملة ذلك أنه متى أدرك أحد هؤلاء جزءاً من آخر وقت الصلاة لزمه قضاؤها لأنها وجبت عليه فلزمه القضاء كما لو أدرك وقتاً يتسع لها، وهذا مذهب الشافعي ولا نعلم فيه خلافاً. قال شيخنا: وأقل ذلك تكبيرة الأحرام لأنها أقل ما يتلبس بالصلاة بها وقد أطلق أصحابنا القول فيه وقال القاضي إن أدرك ركعة كان مدركاً لها وإن أدرك أقل من ركعة كان مدركاً لها في ظاهر كلامه فإن أدرك جزءاً من آخر وقت العصر قبل غروب الشمس أو جزءاً من آخر الليل قبل طلوع الفجر لزمته الظهر والعصر في الأولى والمغرب والعشاء في الآخرة. روي هذا في الحائض عن عبد الرحمن بن عوف وابن عباس وطاوس ومجاهد والزهري ومالك والشافعي وإسحاق، قال الامام أحمد عامة التابعين إلا الحسن وحده قال: لا تجب إلا الصلاة التي طهرت في وقتها وحدها وهو قول الثوري وأصحاب الرأي لأن وقت الأولى خرج في حال العذر أشبه مالو لم يدرك شيئاً من وقت الثانية

وحكي عن مالك أنه إن أدرك قدر خمس ركعات من وقت الثانية وجبت الأولى لأن قدر الركعة الأولى من الخمس وقت للصلاة الأولى في حال العذر فوجبت بإدراكه كما لو أدرك ذلك من وقتها المختار بخلاف مالو أدرك دون ذلك ولنا ما روى الاثرم وابن المنذر وغيرهما بالإسناد عن عبد الرحمن بن عوف وابن عباس أنهما قالا في الحائض تطهر قبل طلوع الفجر بركعة: تصلي المغرب والعشاء فإذا طهرت قبل غروب الشمس صلت الظهر والعصر جميعاً. ولأن وقت الثانية وقت للأولى حال العذر فإذا أدركه المعذور لزمه فرضها كما يلزمه فرض الثانية والقدر الذي يتعلق به الوجوب قدر تكبيرة الإحرام في ظاهر كلام أحمد، وقال الشافعي قدر ركعة لأنه الذي روي عن عبد الرحمن وابن عباس في الحائض ولأنه إدراك تعلق به إدراك الصلاة فلم يحصل بأقل من ركعة كإدراك الجمعة وقد ذكرنا قول مالك ولنا أن ما دون الركعة تجب به الثانية فوجبت به الأولى كالركعة والخمس عند مالك ولأنه إدراك فاستوى فيه القليل والكثير كإدراك المسافر صلاة المقيم. فأما الجمعة فإنما اعتبرت الركعة فيها بكمالها لأن الجماعة شرط لصحتها فاعتبر إدراك ركعة لئلا يفوته الشرط في معظمها بخلاف مسئلتنا (فصل) فإن أدرك من وقت الأولى من صلاتي الجمع قدراً تجب به ثم طرأ عليه العذر ثم زال العذر بعد خروج وقتهما وجبت الأولى، وهل يجب قضاء الثانية على روايتين (إحداهما) يجب ويلزم قضاؤها لأنها إحدى صلاتي الجمع فوجبت بإدراك جزء من وقت الأخرى كالأولى (والثانية) لا يجب اختارها ابن حامد لأنه لم يدرك جزءاً من وقتها ولا من وقت تبعها فلم يجب كما لو لم يدرك من وقت الأولى شيئاً وفارق مدرك وقت الثانية، فإنه أدرك وقت تبع الأولى لأن الأولى تفعل في وقت الثانية

مسألة: وهل يصح أذان الفاسق، والأذان الملحن؟ على وجهين

متبوعة مقصودة ولأن من لا يجوز الجمع في وقت الأولى ليس وقت الأولى عنده وقتاً للثانية بحال ومن جوز الجمع في وقت الأولى فإنه يجوز تقديم الثانية رخصة ويحتاج إلى نية التقديم، وترك التفريق بخلاف الأولى إذا أخرها إلى الثانية فلا يصح قياس الثانية على الأولى. والأصل ان لا تجب صلاة إلا بإدراك وقتها، فإما أن أدرك وقت الفجر لم تجب عليه العشاء ولا تجب العصر بإدراك وقت المغرب لأنه لم يدرك وقتها ولا تجمع معها في حال ولا نعلم في ذلك خلافاً (مسألة) (ومن فاتته صلاة لزمه قضاؤها على الفور مرتباً قلت أو كثرت) وجملة ذلك أن من فاتته صلاة لزمه قضاؤها على الفور لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها " متفق عليه، وإن فاتته صلوات لزمه قضاؤهن مرتبات نص عليه أحمد في مواضع. وروي عن ابن عمر ما يدل على وجوب الترتيب ونحوه عن الزهري والنخعي ومالك وأبي حنيفة واسحاق، وقال الشافعي لا يجب لأنه قضاء لفريضة فاتته فلا يجب فيه الترتيب كالقيام ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم فاتته أربع صلوات فقضاهن مرتبات، رواه الإمام أحمد والترمذي والنسائي وقال " صلوا كما رأيتموني أصلي " وعن أبي جمعة حبيب بن سباع وله صحبة قال أن النبي صلى الله عليه وسلم عام الأحزاب صلى المغرب فلما فرغ قال " هل علم أحد منكم أني صليت العصر؟ " قالوا لا يا رسول الله ما صليتها فأمر المؤذن فأقام الصلاة فصلى العصر ثم أعاد المغرب، رواه الإمام أحمد، ولأنهما صلاتان مؤقتتان فوجب الترتيب بينهما كالمجموعتين، إذا ثبت هذا فإنه يجب الترتيب فيها وإن كثرت، وقال مالك وابو حنيفة لا يجب الترتيب في أكثر من صلاة يوم وليلة لأن إعتباره فيما زاد يشق ويفضي إلى الدخول في التكرار فسقط كالترتيب في قضاء رمضان

مسألة: ويستحب لمن سمع المؤذن أن يقول كما يقول إلا في الحيعلة فإنه يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله

ولنا أنها صلوات واجبات تفعل في وقت يتسع لها فوجب فيها التريب كالخمس وافضاؤه إلى التكرار لا يمنع وجوبه كترتيب الركوع على السجود (فصل) وهذا الترتيب شرط لصحة الصلاة فلو أخل به لم تصح صلاته لما ذكرنا من الحديثين والمعنى ولأنه ترتيب في الصلاة فكان شرطاً كالركوع والسجود (فصل) فإن ذكر أن عليه صلاة وهو في أخرى والوقت متسع أتمها وقضى الفائتة ثم أعاد الصلاة التي كان فيها إماماً كان أو مأموماً أو منفرداً وهذا ظاهر كلام الخرقي وأبي بكر، وهو قول ابن عمر ومالك والليث واسحاق في المأموم وهو الذي نقله الجماعة عن أحمد في المأموم. ونقل عنه في الإمام أنه يقطع الصلاة ونقل عنه في المنفرد روايتان (إحداهما) يقطع الصلاة ويقضي الفائتة وهو قول النخعي والزهري ويحى الأنصاري (والثانية) أنه يتم الصلاة. وإن كان إماماً فقال القاضي يقطع الصلاة إذا كان الوقت واسعاً ويستأنف المأمومون، نقلها عنه حرب ولم يذكر القاضي غير هذه الرواية فصار في الجميع روايتان (إحداهما) يقطعها ويقضي الفائتة ويعيد التي كان فيها. والدليل على وجوب الإعادة ما روى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من نسي الصلاة فلم يذكرها إلا وهو مع الإمام فإذا فرغ من صلاته فليعد الصلاة التي نسي ثم ليعد الصلاة التي صلاها مع الإمام " رواه أبو يعلى الموصلي بإسناد حسن. ولحديث أبي جمعة الذي ذكرناه. قال شيخنا والأولى أنه لا يقطع الصلاة لقول الله تعالى (ولا تبطلوا أعمالكم) ولحديث ابن عمر قال أبو بكر لا يختلف كلام

مسألة: ثم يقول عند فراغه اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه المقام المحمود الذي وعدته إنك لا تخلف الميعاد

أحمد في المأموم أنه يمضي واختلف قوله في المنفرد والذي أقول أنه يمضي (فصل) فإن مضى الإمام في صلاته بعد ذكره فهل تصح صلاة المأمومين؟ ينبني على ائتمام المفترض بالمتنفل، وإن انصرف المنصوص أنهم يستأنفون الصلاة. قال شيخنا ويتخرج أن يبنوا كما لو سبقه الحدث وكل موضع قلنا يمضي في صلاته فإنه مستحب غير واجب لأنها صلاة لا يعتد بها فلم يلزمه إمامها كالتطوع. (مسألة) (فإن خشي فوات الحاضرة أو نسي الترتيب سقط وجوبه) متى خشي فوات الحاضرة سقط وجوب الترتيب مثل أن يشرع في صلاة حاضرة فيذكر فائتة والوقت ضيق أو لم يكن في صلاة لكن لم يبق من وقت الحاضرة ما يتسع لهما جميعاً فإنه يقدم الحاضرة ويسقط الترتيب في الصحيح من المذهب وهذا قول سعيد بن المسيب والحسن والثوري واسحاق وأصحاب الرأي، وعن أحمد أن الترتيب واجب بكل حال، إختارها الخلال، وهي مذهب عطاء والزهري والليث ومالك، ولا فرق بين كون الحاضرة جمعة أو غيرها لقوله صلى الله عليه وسلم " من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها " ولأنه ترتيب فلم يسقط بضيق الوقت كترتيب الركوع والسجود ولأنه قد روى " لا صلاة لمن عليه صلاة " والرواية الأولى هي المشهورة. قال القاضي: عندي أن المسألة رواية واحدة إن الترتيب يسقط. قال ابو حفص عن الرواية الثانية: هذه الرواية تخالف ما نقله الجماعة فإما أن تكون غلطاً أو قولاً قديماً لأبي عبد الله ووجهها أن الحاضرة صلاة ضاق وقتها عن أكد منها فلم يجز تأخيرها كما لو لم يكن عليه فائتة ولأن الصلاة ركن من أركان الإسلام فلم يجز تقديم فائتة على حاضرة عند خوف فوتها كالصيام، يحققه أنه لو أخر الحاضر صار فائتاً وربما كثرت الفوائت فيفضي إلى أن

لا يصلى صلاة في وقتها ولا تلزمه عقوبة بتركها ولا يصلي جماعة أصلاً وهذا لا يرد الشرع به. وتعلقهم بالأمر بالقضاء معارض بالأمر بفعل الحاضرة والحاضرة آكد بدليل أنه يقتل بتركها ويحرم عليه تأخيرها بخلاف الفائتة فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما نام عن صلاة الفجر أخرها شيئاً وأمرهم فاقتادوا رواحلهم حتى خرجوا من الوادي. والحديث الذي ذكروه قال أحمد: ليس هذا حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم. فعلى هذه الرواية يبدأ فيقضي الفوائت على الترتيب حتى إذا خاف فوات الحاضرة صلاها ثم عاد إلى الفوائت نص عليه أحمد: فإن حضرت جماعة في صلاة الحاضرة فقال أحمد: في رواية أبي داود فيمن عليه صلاة فائتة فأدركته الظهر ولم يفرغ من الصلاة يصلي مع الإمام الظهر ويحسبهما من الفوائت ويصلي الظهر في آخر الوقت. وفيه رواية ثالثة إذا كثرت الفوائت بحيث لا يتسع لها وقت الحاضرة أن يصلي الحاضرة في أول وقتها نقلها عنه ابن منصور وهذا اختيار أبي حفص لأن الوقت لا يتسع لقضاء ما في الذمة وفعل الحاضرة فسقط الترتيب كما لو فاتته صلاة وقد بقي من وقت الأخرى قدر خمس ركعات ولأنه إذا لم يكن بد من الإخلال بالترتيب ففعلها في أول الوقت ليحصل فضيلة الوقت والجماعة أولى ولأن فيه مشقة فإنه يتعذر معرفة آخر الوقت في حق أكثر الناس وذكر ابن عقيل فيمن عليه فائتة وخشي فوات الجماعة روايتين (إحداهما) يسقط الترتيب لأنه إجتمع واجبان لابد من

تفويت أحدهما فكان مخيراً فيهما (والثانية) لا يسقط لما ذكرنا. قال شيخنا وهذه الرواية أحسن وأصح إن شاء الله تعالى والله أعلم (فصل) إذا ترك ظهراً وعصراً من يومين لا يدري أيتهما الأولى ففيه روايتان (إحداهما) انه يتحرى أيتهما نسي أو لا فيقضيها ثم يقضي الأخرى نقلها عنه الأثرم وهذا قول أبي يوسف ومحمد لأن الترتيب مما تبيح الضرورة تركه فيما إذا ضاق وقت الحاضرة أو نسي الترتيب فيدخله التحري كالقبلة (والثانية) أنه يصلي الظهر ثم العصر من غير تحر نقلها مهنا لأن التحري فيما فيه أمارة وهذا لا أمارة فيه يرجع إليها فرجع إلى ترتيب الشرع. قال شيخنا والقياس أنه يلزمه ثلاث صلوات - ظهر ثم عصر ثم ظهر أو بالعكس لأنه أمكنه إداء فرضه بيقين أشبه ما إذا نسي صلاة لا يعلم عينها، وقد نقل أبو داود عن أحمد ما يدل على هذا، وهذا مذهب أبي حنيفة (فصل) ولا يعذر في ترك الترتيب بالجهل بوجوبه، وقال زفر يعذر كالناسي. ولنا أنه ترتيب واجب في الصلاة فلم يسقط بالجهل كالمجموعتين، ولأن الجهل بأحكام الشرع مع التمكن من العلم لا يسقطها كالجهل بتحريم الأكل في الصوم (فصل) ويجب عليه قضاء الفوائت على الفور وإن كثرت ما لم يلحقه مشقة في بدنه بضعف أو خوف مرض أو نصب أو إعياء - أو ماله بفوات شئ منه أو ضرر فيه أو قطع عن معيشته، نص أحمد على نحو هذا، فإن جهل الفوائت فلم يعلم قدرها قضى حتى يتيقن براءة ذمته، ويقتصر على الفرائض ولا يتنفل بينها ولا يصلي سنتها لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قضى الصلوات الفائتة يوم الخندق لم ينقل أنه صلى بينها سنة. ولأن الفرض أهم فالاشتغال به أولى، فإن كانت صلاة أو نحوها فلا بأس بقضاء سنتها لأن

فصول في المساجد: فصل: في فضل المساجد وبنائها وغير ذلك

النبي صلى الله عليه وسلم لما فاتته الفجر صلى سنتها قبلها وهذا قول الشافعي، وقال مالك يبدأ بالمكتوبة والأول أولى لما ذكرنا من الحديث وهو اختيار ابن المنذر (فصل) ومن فاتته صلاة من يوم لا يعلم عينها أعاد صلاة اليوم جميعه ينوي بكل واحدة أنها الفائتة نص عليه وهو قول أكثر أهل العلم لأن التعيين شرط في صحة الصلاة المكتوبة ولا يتوصل إليه إلا بذلك فلزمه. وقال الثوري يصلي الفجر ثم المغرب ثم يصلي أربعاً ينوي إن كان الظهر أو العصر أو العشاء، وقال الأوزاعي يصلي أربعاً بإقامة (فصل) إذا نام في منزل في السفر فاستيقظ بعد خروج وقت الصلاة استحب له أن ينتقل عن ذلك المنزل فيصلي في غيره، نص عليه لما روى أبو هريرة قال: عرسنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يستيقظ حتى طلعت الشمس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ليأخذ كل رجل منكم براس راحلته فإن هذا منزل حضر فيه الشيطان " قال ففعلنا ثم دعا بالماء فتوضأ ثم سجد سجدتين ثم أقيمت الصلاة فصلى الغداة. متفق عليه، ويستحب أن يصلي الفائتة جماعة إذا أمكن لهذا الخبر، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قضى الصلوات الفائتة يوم الخندق في جماعة ولا يلزم القضاء أكثر من مرة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقض أكثر من مرة، وقد روى عمران بن حصين حين ناموا عن صلاة الفجر قال فقلنا يا رسول الله ألا نصلي هذه الصلاة لوقتها؟ قال " لا ينهاكم الله عن الربا ويقبله منكم " رواه الأثرم واحتج به أحمد (فصل) إذا أخر الصلاة لنوم أو غيره حتى خشي خروج الوقت إن تشاغل بالسنة بدأ بالفرض نص عليه لأن الحاضرة إذا قدمت على الفائتة الواجبة مراعاة للوقت فعلى السنة أولى وهكذا

إذا استيقظ وشك في طلوع الشمس بدأ بالفريضة نص عليه لأن الأصل بقاء الوقت (فصل) ومن أسلم في دار الحرب فترك صلوات أو صياماً لا يعلم وجوبه لزمه قضاؤه وبهذا قال الشافعي، وقال أبو حنيفة لا يلزمه ولنا أنها عبادة تلزمه مع العلم فلزمته مع الجهل كما لو كان في دار الإسلام (مسالة) (وإن نسي الترتيب سقط وجوبه) حتى لو صلى الحاضرة ناسياً للفائتة ولم يذكرها حتى فرغ فليس عليه إعادة نص عليه أحمد في رواية الجماعة، وقال مالك يجب الترتيب مع النسيان كالمجموعتين والركوع والسجود ولحديث أبي جمعة ولنا قوله صلى الله عليه وسلم " عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان " ولأن المنسية ليس عليها أمارة فجاز أن يؤثر فيها النسيان كالصيام، فأما حديث أبي جمعة فمن رواية ابن لهيعة وهو ضعيف ويحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكرها وهو في الصلاة جمعاً بينه وبين ما ذكرنا من الدليل وإنما لم يعذر في المجموعتين بالنسيان لأنه لا يتحقق إذ لابد فيهما من نية الجمع بينهما ولا يمكن ذلك مع نسيان إحداهما ولأن إجتماع الجماعة يمنع النسيان إذ لا يكادون كلهم ينسون الأولى ولا فرق بين أن يكون سبق منه ذكر الفائتة ثم نسيها أو لم يسبق نص عليه لما ذكرنا والله أعلم. * (باب ستر العورة) * (وهو الشرط الثالث) ستر العورة شرط لصحة الصلاة في قول أكثر أهل العلم، قال ابن عبد البر: أجمعوا على فساد صلاة من ترك ثوبه وهو قادر على الاستتار به وصلى عرياناً وهو قول الشافعي

وأصحاب الرأي، وقال إسحاق وبعض أصحاب مالك: هو شرط مع الذكر وقال بعضهم هو واجب وليس بشرط لأن وجوبه غير مختص بالصلاة فلم يكن شرطاً فيها كقضاء الدين ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار " وعن سلمة بن الاكوع قال: قلت يا رسول الله إني أكون في الصيد فأصلي في القميص الواحد؟ قال " نعم وازرره ولو بشركة " رواهما ابن ماجة والترمذي وقال فيهما حسن (مسألة) (وسترها عن النظر بما لا يصف البشرة واجب) لأن الستر إنما يحصل بذلك فإن كان خفيفاً يصف لون البشرة فيبين من ورائه بياض الجلد وحمرته لم تجز الصلاة فيه، وإن كان يستر اللون ويصف الخلقة جازت الصلاة فيه لأن البشرة مستورة وهذا لا يمكن التحرز منه وإن كان الساتر صفيقاً (مسألة) (وعورة الرجل والأمة ما بين السرة والركبة وعنه أنها الفرجان) عورة الرجل ما بين السرة والركبة في ظاهر المذهب نص عليه في رواية الجماعة وهو قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي وأكثر العلماء وروي عنه أنها الفرجان نقله عنه مهنا وهو قول ابن ابي ذئب لما روى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر حسر الأزار عن فخذه رواه البخاري ومسلم. وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا زوج أحدكم عبده أمته أو أجيره فلا ينظر إلى شئ من عورته فإن ما تحت السرة إلى ركبته عورة " يريد الأمة رواه الإمام أحمد وأبو داود. وعن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته كاشفاً عن فخذيه فاستأذن أبو بكر فأذن له وهو على ذلك ثم استأذن عمر فأذن له وهو على ذلك رواه الإمام أحمد. ولأنه ليس بمخرج فلم يكن عورة كالساق، ووجه الأولى ما روى جرهد الأسلمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له " غط فخذك فإن الفخذ من العورة " رواه

الامام احمد وابو داود والترمذي وقال حديث حسن وعن علي بن أبي طالب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تبرز فخذك ولا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت " رواه أبو داود، وعن ابن عباس قال مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل وفخذه خارجة فقال: " غط فخذك فإن فخذ الرجل من عورته " رواه الإمام أحمد: قال البخاري حديث أنس أسند وحديث جرهد أحوط (فصل) والسرة والركبتان ليست من العورة، وهو قول مالك والشافعي وقال أبو حنيفة الركبة من العورة لأنه روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " الركبة من العورة " ولنا ما روى أبو أيوب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أسفل السرة وفوق الركبتين من العورة " رواه أبو بكر، وحديث عمرو بن شعيب، ولأن الركبة حد العورة فلم تكن منها كالسرة والعبد والحر في ذلك سواء لعموم الأخبار فيهما وحديثهم يرويه أبو الجنوب ولا يثبته أهل النقل (فصل) وأما الأمة، قال ابن حامد عورتها كعورة الرجل ما بين السرة والركبة، حكاه القاضي في المجرد وابن عقيل قال القاضي وقد لوح إليه أحمد وهو ظاهر مذهب الشافعي لحديث عمرو بن شعيب والمراد به الأمة فإن الأجير والعبد لا تختلف حاله بالتزويج وعدمه، وقال القاضي في الجامع عورة الأمة ما عدا الرأس واليدين إلى المرفقين والرجلين إلى الركبتين، وهو قول بعض الشافعية لأن هذا يظهر عادة عند التقليب والخدمة فهو كالرأس وما سواه لا يظهر غالباً ولا تدعو الحاجة إلى كشفه أشبه ما بين السرة والركبة والأول أولى لما ذكرنا ولأن من لم يكن رأسه عورة لم يكن صدره عورة كالرجل وقال الحسن في الأمة إذا تزوجت أو إتخذها الرجل لنفسه يجب عليها الخمار ولنا أن عمر كان ينهى الإماء عن التقنع وقال إنما القناع للحرائر واشتهر ذلك ولم ينكر فكان

فصل فيما يكره في المسجد

إجماعاً ولأنها أمة أشبهت التي لم تتزوج، وفيه رواية ثالثة أن عورتها الفرجان كالرجل ذكرها أبو الخطاب وشيخنا في الكتاب المشروح والصحيح خلافها إن شاء الله تعالى. والمكاتبة والمدبرة والمعلق عتقها بصفة كالأمة القن فيما ذكرنا لأنهن إماء يجوز بيعهن وعتقهن أشبهن القن. وقال ابن البنا هن كأم الولد (مسألة) (والحرة كلها عورة إلا الوجه وفي الكفين روايتان) أما وجه الحرة فإنه يجوز للمرأة كشفه في الصلاة بغير خلاف نعلمه واختلفت الرواية في الكفين فروي عنه جواز كشفهما وهو قول مالك والشافعي لأنه روي عن ابن عباس وعائشة في قوله تعالى (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) قال الوجه والكفين، ولأنه يحرم على المحرمة سترهما بالقفازين كما يحرم ستر الوجه بالنقاب ويظهران غالباً وتدعو الحاجة الى كشفهما للبيع والشراء فأشبها الوجه. وروي عنه إنهما من العورة وهذا اختيار الخرقي. قال القاضي وهو ظاهر كلام أحمد، لأنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " المرأة عورة " رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح: وهذا عام في جميعها ترك في الوجه للحاجة فيبقى فيما عداه. وقول ابن عباس وعائشة قد خالفهما ابن مسعود فقال الثياب ولأن الحاجة لا تدعو إلى كشفهما وظهورهما كالحاجة إلى كشف الوجه فلا يصح القياس ثم يبطل قياسهم بالقدمين فإنهما يظهران عادة وسترهما واجب وهما بالرجلين أشبه من الوجه فقياسهما عليهما أولى (فصل) وما سوى الوجه والكفين فيجب ستره في الصلاة رواية واحدة وهو قول مالك والشافعي والاوزاعي. وقال أبو حنيفة القدمان ليسا من العورة لأنهما يظهران عادة ويغسلان في الوضوء أشبها الوجه والكفين ولنا قوله تعالى (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) وما روت ام سلمة أنها سألت النبي صلى

باب شروط الصلاة: مسألة: وهي ما يجب لها قبلها وهي ست أولها دخول الوقت والثاني الطهارة من الحدث

الله عليه وسلم أتصلي المرأة في درع وخمار؟ قال " نعم إذا كان الدرع سابغاً يغطي ظهور قدميها " رواه أبو داود، والخبر الذي رويناه في أن المرأة عورة خرج منه الوجه فيبقى فيما عداه على قضية الدليل وأما ما عدا الوجه والكفين والقدمين فهو عورة بالإجماع لا نعلم فيه خلافاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار " حديث صحيح (مسألة) (وأم الولد والمعتق بعضها كالأمة وعنه كالحرة) نقل عن أحمد رحمه الله في المعتق بعضها روايتان (إحداهما) أنها كالحرة لأن فيها حرية تقتضي الستر فوجب كما يجب على الخنثى المشكل ستر فرجيه معاً لوجوب ستر أحدهما (والثانية) هي كالأمة القن لأن المقتضى للستر بالإجماع الحرية الكاملة ولم توجد فتبقى على الأصل وهذا قول ابن المنذر (فصل) وحكم أم الولد حكم الأمة في صلاتها وسترتها وهو قول النخعي والشافعي وأبي ثور وابن المنذر وعن أحمد أنها كالحرة تغطي شعرها وقدميها نقلها عنه الأثرم لأنها لا تباع ولا ينقل الملك فيها أشبهت الحرة وهو قول الحسن وابن سيرين في تغطية الرأس حكاه ابن المنذر. ووجه الأولى أنها أمة حكمها حكم الإماء وكونها لا ينتقل الملك فيها لا يخرجها عن حكم الأمة كالموقوفة، وانعقاد سبب الحرية فيها لا يؤثر أيضاً بدليل المكاتبة والمدبرة، لكن يستحب لها ستر رأسها لتخرج من الخلاف وتأخذ بالإحتياط (فصل) وعورة الخنثى المشكل كعورة الرجل لأنه اليقين والأنوثة مشكوك فيها فلا نوجب عليه ستر محل مشكوك في وجوبه كما لو نوجب نقض الوضوء بمس أحد فرجيه ولا الغسل بإيلاجه لكن يجب عليه ستر فرجيه إذا قلنا العورة الفرجان لأن أحدهما فرج حقيقي ولا يتحقق ستره إلا بسترهما فوجب عليه كستر ما قرب من العورة لأجل سترها، وعنه حكمه حكم المرأة ذكره في المستوعب لأنه يحتمل أن يكون امرأة فوجب ذلك إحتياطاً (فصل) فإن عتقت الأمة في أثناء صلاتها وهي مكشوفة الرأس ووجدت سترة فهي كالعريان يجد السترة في أثناء صلاته وسيأتي إن شاء الله، وإن لم تعلم بالعتق حتى أتمت صلاتها أو علمت به ولم تعلم

مسألة: والصلوات المفروضات خمس

بوجوب الستر فصلاتها باطلة لأن شروط الصلاة لا يعذر فيها بالجهل فأما إن عتقت ولم تقدر على سترة أتمت صلاتها ولا إعادة عليها لأنها عاجزة عن السترة فهي كالحرة الأصلية إذا عجزت (مسألة) (ويستحب للرجل أن يصلي في ثوبين) لما روى ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قال قال عمر " إذا كان لأحدكم ثوبان فليصل فيهما فإن لم يكن له إلا ثوب واحد فليتزر به " رواه أبو داود، وعن عمر أنه قال إذا أوسع الله فأوسعوا - جمع رجل عليه ثيابه - صلى رجل في إزار ورداء - في إزار وقميص - في إزار وقباء - في سراويل ورداء - في سراويل وقميص - في سراويل وقباء، في تبان وقميص، قال القاضي وذلك في الإمام آكد لأنه بين يدي المأمومين وتتعلق صلاتهم بصلاته فإن لم يكن إلا ثوب واحد فالقميص أولى لأنه أبلغ في الستر ثم الرداء ثم المئزر أو السراويل (مسألة) (فان اقتصر على ستر العورة أجزأه إذا كان على عاتقه شئ من اللباس) وجملة ذلك أن الرجل متى ستر عورته في الصلاة صحت صلاته إذا كان على عاتقه شئ من اللباس سواء كان من الثوب الذي ستر عورته أو من غيره إذا كان قادراً على ذلك لما روى عمر بن أبي سلمة أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في ثوب واحد في بيت أم سلمة قد ألقى طرفيه على عاتقه. وعن أبي هريرة أن سائلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في الثوب الواحد قال " أو لكلكم ثوبان؟ " متفق عليهما. وعن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا كان الثوب واسعاً فالتحف به وإذا كان ضيقاً فاشدده على حقوك - وفي لفظ - فاتزر به " رواه البخاري (فصل) ولا يجزئ من ذلك إلا ما ستر العورة عن غيره ونفسه فلو كان القميص واسع الجيب يرى عورته إذا ركع أو سجد أو كانت بحيث يراها لم تصح صلاته لقول النبي صلى الله عليه وسلم لسلمة بن الأكوع " وازرره ولو بشوكة " فإن كان ذا لحية كبيرة تغطي الجيب فتستر عورته صحت صلاته نص عليه لأن عورته مستورة وهذا مذهب الشافعي (فصل) ويجب عليه أن يضع على عاتقه شيئاً من اللباس مع القدرة، اختاره ابن المنذر وأكثر العلماء على خلافه لأنهما ليسا من العورة أشبها بقية البدن

مسألة: الظهر وهي ألأولى ووقتها من زوال الشمس إلى أن يصير ظل كل شيء مثله بعد الذي زالت عليه الشمس

ولنا ما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا يصلي الرجل في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شئ " رواه مسلم، وعن بريدة قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلي في لحاف ولا يتوشح به وأن يصلي في سراويل ليس عليه رداء. رواه أبو داود وهو شرط لصحة الصلاة في ظاهر المذهب واختاره ابن المنذر لأن النهي يقتضي فساد المنهي عنه ولأن ستره واجب في الصلاة فإلاخلال به يفسدها كالعورة، وذكر القاضي وابن عقيل أنه نقل عن أحمد ما يدل على أنه ليس بشرط فإنه قال في رواية مثنى بن جامع فيمن صلى وثوبه على إحدى عاتقية والأخرى مكشوفة يكره قيل له يؤمر أن يعيد؟ فلم ير عليه إعادة. قال شيخنا وليس هذا رواية أخرى إنما يدل على أنه لا يجب ستر المنكبين جميعاً لأن الخبر لا يقتضي سترهما فعلى هذا لا يجب سترهما جميعاً بل يجزئه وضع ثوب على أحد عاتقيه وإن كان يصف البشرة لأن وجوب ذلك بالخبر ولفظه " لا يصلي الرجل في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شئ " وهذا يقع على ما يعم المنكبين ومالا يعم، وقال القاضي وابو الخطاب وابن عقيل يجب ستر المنكبين لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا صلى أحدكم في ثوب واحد فليخالف بين طرفيه على عاتقيه " صحيح (فصل) فإن طرح على كتفيه ما يستر البشرة ومالا يستر - حبلاً أو نحوه - لم يجزه في اختيار الخرقي والقاضي، وقال بعض أصحابنا يجزئه قالوا لان هذا شئ فيتناوله الخبر. قال بعضهم وقد روي عن جابر أنه صلى في ثوب واحد متوشحاً به كأني أنظر إليه كان على عاتقه ذنب فأرة، وعن إبراهيم قال كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا لم يجد أحدهم ثوباً ألقى على عاتقه عقالاً وصلى وقال شيخنا والصحيح أنه لا يجزئ لأن ذلك لا يسمى سترة ولا لباساً ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا صلى أحدكم في ثوب واحد فليخالف بين طرفيه على عاتقيه " صحيح رواه أبو داود والأمر بوضعه على العاتقين للستر ولا يحصل ذلك بوضع خيط ولاحبل، وما روي عن جابر لا يصح، وما روى

الصحابة إن صح فلعدم ما سواه لقوله " إذا لم يجد " وفي هذا دليل على أنه لا يجزي مع وجود الثوب والله أعلم (فصل) (وقال القاضي يجزئه ستر العورة في النفل دون الفرض) يعني إذا اقتصر على ستر العورة دون المنكبين أجزأه في النفل دون الفرض، نص عليه أحمد في رواية حنبل قال: يجزئه أن يأتزر بالثوب الواحد ليس على عاتقه منه شئ في التطوع لأن مبناه على التخفيف ولذلك يسامح فيه بترك القيام والاستقبال في حال سيره مع القدرة فسومح فيه بهذا القدر واستدل أبو بكر بقول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا كان الثوب ضيقاً فاشدده على حقوك " قال هذا في التطوع. وحديث أبي هريرة في الفرض وظاهر كلام الخرقي التسوية بينهما لأن ما إشترط للفرض اشترط للنفل كالطهارة ولأن الخبر عام فيهما وهذا ظاهر كلام شيخنا رحمه الله والله أعلم. (مسألة) (ويستحب للمرأة أن تصلي في درع وخمار وملحفة فإن إقتصرت على ستر العورة أجزأها) روي نحو ذلك عن عمر وابنه وعائشة وهو قول الشافعي وذلك أنه أستر وأحسن فإنه إذا كان عليها جلباب تجافى عنها راكعة وساجدة فلا يصفها ولا تبين عجيزتها ومواضع العورة المغلظة. وروي عن ابن عمر وابن سيرين ونافع قالوا تصلي المرأة في أربعة أثواب لذلك وهذا على وجه الاستحباب فإن إقتصرت على ستر عورتها أجزأها، قال أحمد: قد إتفق عامتهم على الدرع والخمار وما زاد فهو خير وأستر. وقد دل عليه حديث أم سلمة حين قالت: يا رسول الله أتصلي المرأة في درع وخمار؟ قال: " نعم إذا كان سابقا يغطي ظهور قدميها " وروي عن عاشة وميمونة وأم سلمة أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إنهن كن يرين الصلاة في درع وخمار، حكاه ابن المنذر ولأنها سترت ما يجب عليها ستره أشبهت الرجل (فصل) ويكره للمرأة النقاب وهي تصلي، قال ابن عبد البر: اجمعوا على ان على المرأة أن تكشف وجهها في الصلاة والإحرام ولأن ذلك يخل بمباشرة المصلي بالجبهة والأنف ويغطي الفم. وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل عنه

(مسألة) (وإذا إنكشف من العورة يسير لم يفحش في النظر لم تبطل صلاته) نص عليه أحمد وهو قول أبي حنيفة. وقال الشافعي تبطل لأنه حكم يتعلق بالعورة فاستوى قليله وكثيره كالنظر ولنا ما روى عن عمرو بن سلمة الجرمي قال: إنطلق أبي وافداً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من قومه فعلمهم الصلاة وقال " يؤمكم أقرؤكم " فكنت أقرأهم فقدموني فكنت أؤمهم وعلي بردة صفراء صغيرة فكنت إذا سجدت إنكشفت عني فقالت امرأة من النساء: واروا عنا عورة قارئكم. فاشتروا لي قميصاً عمانيا فما فرحت بعد الإسلام فرحي به. وفي لفظ فكنت أؤمهم في بردة موصلة فيها فتق فكنت إذا سجدت فيها خرجت أستى. رواه أبو داود والنسائي وهذا ينتشر ولم ينكر ولم يبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أنكره ولا أحد من أصحابه ولأن ما صحت الصلاة مع كثيره حال العذر فرق بين قليله وكثيره في غير حال العذر كالمشي، ولأن اليسير يشق الإحتراز منه فعفي عنه كيسير الدم وحد اليسير مالا يفحش في النظر عادة ولا فرق في ذلك بين الفرجين وغيرهما إلا أن العورة المغلظة يفحش منها ما لا يفحش من غيرها فيعتبر ذلك وسواء في ذلك الرجل والمرأة. وقال أبو حنيفة إن إنكشف من المغلظة قدر الدرهم أو من غيرها أقل من ربعها لم تبطل الصلاة وإن كان أكثر بطلت ولنا أن هذا تقدير لم يرد الشرع به فلا يجوز المصير إليه وما لم يرد الشرع فيه بالتقدير يرد إلى العرف كالكثير من العمل في الصلاة والتفرق والاحتراز فإن إنكشفت عورته من غير عمد فسترها في الحال لم تبطل لأنه يسير في الزمن أشبه اليسير في القدر. وقال التميمي إن بدت عورته وقتاً واستترت وقتاً لم يعد لحديث عمرو بن سلمة فلم يشترط اليسير. قال شيخنا ولابد من اشتراطه لأنه يفحش ويمكن التحرز منه أشبه الكثير في القدر (مسألة) (وإن فحش بطلت) يعني ما فحش في النظر عادة وعرفاً لما ذكرنا لأن التحرز منه ممكن من غير مشقة أشبه سائر العورة. قال إبن المنذر اجمعوا على ان المرأة الحرة إذا صلت وجميع رأسها مكشوف أن عليها الإعادة ولأن الأصل وجوب ستر جميع العورة عفي عنه في اليسير لمشقة التحرز

منه يبقى فيما عداه على قضية الدليل (مسألة) (ومن صلى في ثوب حرير أو مغصوب لم تصح صلاته وعنه تصح مع التحريم) لبس المغصوب والصلاة فيه حرام على الرجال والنساء وجهاً واحدا فإن صلى فيه فهل تصح صلاته على روايتين أظهرهما لا تصح إذا كان هو الساتر للعورة لأنه استعمل المحرم في شرط الصلاة فلم تصح كما لو كان نجسا ولأن الصلاة قربة وطاعة وقيام هذا وقعوده في هذا الثوب منهي عنه فكيف يكون متقرباً بما هو عاص به مأموراً بما هو منهي عنه. وقال ابن عمر من اشترى ثوباً بعشرة دراهم وفيه درهم حرام لم تقبل له صلاة مادام عليه. ثم أدخل أصبعيه في أذنيه وقال: صمتاً إن لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم سمعته يقوله. رواه الإمام أحمد وفي إسناده رجل غير معروف (والثانية) تصح وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي. لأن النهي لا يعود إلى الصلاة ولا يختص التحريم بها فهو كما لو صلى في عمامة مغصوبة أو غسل ثوبه من النجاسة بماء مغصوب. فإن ترك الثوب المغصوب في كمه أو صلى في عمامة مغصوبة أو في يده خاتم مغصوب صحت صلاته لأن النهي لا يعود إلى شرط الصلاة فلم يؤثر فيها كما لو كان في جيبه درهم مغصوب. والفرض والنفل في ذلك سواء لأن ما كان شرطاً للفرض فهو شرط للنفل (فصل) فإن صلى وعليه سترتان إحداهما مغصوبة ففيه الروايتان سواء كان الفوقاني أو التحتاني لأن الستر لا يتعين بإحداهما والمغصوب من جنس ما يستتر به بمثابة ما زاد على المشروط من اللفائف في حق الميت فإنه يجري مجراه في وجوب القطع فإن صلى في قميص بعضه حلال وبعضه حرام لم تصح صلاته على الرواية الأولى سواء كان المغصوب هو الذي ستر العورة أو بالعكس لأن القميص يتبع بعضه بعضاً فلا يتميز بدليل دخوله في مطلق البيع، ذكر هذا الفصل ابن عقيل (فصل) وإن صلى الرجل في ثوب حرير لم يجز له والحكم في صحة الصلاة فيه كالحكم في الثوب

مسألة: وتعجيلها أفضل إلا في شدة الحر والغيم لمن يصلي الجماعة

المغصوب على ما بينا لأنه في معناه وتصح صلاة المرأة فيه لأنه مباح لها وكذلك صلاة الرجل فيه في حال العذر إذا قلنا بإباحته له (مسألة) (ومن لم يجد إلا ثوبا نجسا صلى فيه) وذلك لأن ستر العورة آكد من إزالة النجاسة لتعلق حق الآدمي به في ستر عورته ووجوبه في الصلاة وغيرها فكان تقديمه أولى وهذا قول مالك، وقال الشافعي يصلي عرياناً ولا يعيد، وقال أبو حنيفة في النجاسة كلها يخير في الفعلين لأنه لابد من ترك واجب في كلا الفعلين، وقد ذكرنا أو الستر آكد فوجب تقديمه ولأنه قدر على ستر عورته فلزمه كما لو وجد ثوباً طاهراً (مسألة) (وتلزمه الإعادة على المنصوص) لأنه أخل بشرط الصلاة مع القدرة عليه أشبه ما لوصلى محدثاً. ويتخرج أن لا يعيد بناء على من صلى في موضع نجس لا يمكنه الخروج منه فإنه قال: لا إعادة عليه. وهذا اختيار شيخنا لأن الشرع منعه نزعه أشبه ما إذا لم يمكنه وهو مذهب مالك والاوزاعي ولأن التحرز من النجاسة شرط عجز عنه فسقط كالعجز عن السترة، فان لم يجد إلا ثوب حرير صلى فيه ولا إعادة عليه لأن تحريم لبسه يزول بالحاجة إليه، وذكر ابن عقيل أنه يخرج على الروايتين في السترة النجسة فان لم يجد إلا ثوباً مغصوباً صلى عرياناً لأن تحريمه لحق آدمي أشبه من لم يجد إلا ماء مغصوباً وذكر ابن عقيل في وجوب الإعادة على من صلى في الثوب النجس روايتين (إحداهما) يعيد لما ذكرنا (والثانية) لا يعد لأنه أتى بما أمر به أشبه مالو لم تكن عليه نجاسة (مسألة) (فإن لم يجد إلا ما يستر عورته سترها) إذا لم يجد إلا ما يستر عورته حسب - بدأ بها وترك منكبيه لأن ستر العورة متفق على وجوبه وستر المنكبين مختلف فيه ولأن ستر العورة واجب في غير الصلاة ففيها أولى وقد روي حنبل عن أحمد فيمن معه ثوب واحد لطيف أن ستر عورته إنكشف منكباه فقال يصلي جالساً ويرسله من ورائه على منكبيه وعجيزته واحتج لذلك بأن ستر

المنكبين الحديث فيه أصح من ستر الفخذين والقيام يسقط في حق العريان وله بدل فإذا صلى جالساً حصل ستر العجيزة والمنكبين بالثوب وستر العورة بالجلوس. والصحيح الأول إختاره شيخنا لما ذكرنا ولما روى جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " إذا كان الثوب واسعاً فخالف بين طرفيه وإذا كان ضيقاً فاشدده على حقوك " رواه أبو داود وروى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من كان له ثوبان فليأتزر وليرتد ومن لم يكن له ثوبان فليأتزر ثم ليصل " رواه الإمام أحمد ولأن القيام متفق على وجوبه فلا يترك لأمر مختلف فيه والله أعلم (مسألة) (فإن لم يكف جميعها ستر الفرجين) لأنهما أفحش وهما عورة بغير خلاف (مسألة) (فإن لم يكفهما جميعاً ستر أيهما شاء) لاستوائهما والأولى ستر الدبر على ظاهر كلامه لأنه أفحش وينفرج في الركوع والسجود وقيل القبل أولى لأن به يستقبل القبلة والدبر مستور بالأليتين (مسألة) (وإن بذلت له سترة لزمه قبولها إذا كانت عارية) لأن المنة لا تكثر في العارية فيكون قادراً على ستر عورته بما لا ضرر فيه. وإن كانت هبة لا يلزمه قبولها لأن المنة تكثر فيها. قال شيخنا ويحتمل أن يلزمه لأن العار في كشف عورته أكثر من الضرر فيما يلحقه من المنة. وإن وجد من يبيعه سترة أو يؤجره بثمن المثل أو زيادة يسيرة وقدر على العوض لزمه وإن كانت كثيرة لا تجحف بماله فهو كما لو قدر على شراء الماء بذلك وفيه وجهان مضى توجيههما (مسألة) (فإن عدم بكل حال صلى جالساً يومئ إيماء وإن صلى قائماً جاز، وعنه أنه يصلي قائماً ويسجد بالأرض) لا تسقط الصلاة عن العريان بغير خلاف علمناه لأنه شرط عجز عنه فلم تسقط الصلاة بعجزه عنه كالإستقبال ويصلي جالسا يومئ بالركوع والسجود وهو قول أبي حنيفة، وقال مالك والشافعي وابن المنذر يصلي قائماً كغير العريان لقوله صلى الله عليه وسلم " صلى قائماً فإن لم تستطع فقاعداً " رواه البخاري ولأنه قادر على القيام من غير ضرر فلم يجز له تركه كالقادر على الستر ولنا ما روى عن ابن عمر أن قوماً إنكسرت بهم مركبهم فخرجوا عراة قال يصلون جلوساً

يومئون إيماء برؤوسهم ولم ينقل خلافه ولأن الستر آكد من القيام لأمرين (أحدهما) أنه لا يسقط مع القدرة بحال والقيام يسقط في النافلة (والثاني) أن الستر لا يختص الصلاة بخلاف القيام فإذا لم يكن بد من أحدهما فترك الأخف أولى، فإن قيل فلا يحصل الستر كله مع فوات أركان ثلاثة القيام والركوع والسجود. فالجواب أنا إذا قلنا العورة الفرجان فقد حصل سترهما وإن قلنا هما بعض العورة فهما آكدها وجوباً وأفحشها في النظر فكان سترهما أولى ولا تجب عليه إعادة لأنه صلى كما أمر أشبه ما لو صلى إلى غير القبلة عند العجز فإن صلى قائماً جاز لما ذكرنا. وقد روي عنه أنه يصلي جالساً ويسجد بالأرض لأن السجود آكد من القيام لكونه مقصوداً في نفسه ولا يسقط فيما يسقط فيه القيام وهو النفل. والأولى الإيماء بالسجود لأن القيام سقط عنهم لحفظ العورة وهي في حال السجود أفحش فكان سقوطه أولى وإن صلى قائماً وركع وسجد بالأرض جاز في ظاهر كلام أحمد وقول أصحاب الرأي لأنه لابد من ترك أحد الواجبين فأيهما ترك فقد أتى بالآخر وعلى أي حال صلى فإنه يتضام ولا يتجافى، قيل لأبي عبد الله يتضامون أم يتربعون؟ قال بل يتضامون، وقد قيل أنهم يتربعون في حال القيام كصلاة النافلة قاعداً والأول أولى. (فصل) فإذا وجد العريان جلداً طاهراً أو ورقاً يمكن خصفه عليه أو حشيشاً يمكن ربطه عليه فيستتر لزمه لأنه قادر على ستر عورته بطاهر لا يضره فقد ستر النبي صلى الله عليه وسلم رجلي مصعب بن عمير بالأذخر لما لم يجد سترة. وإن وجد طيناً يطلي به جسده لم يلزمه لأنه يتناثر إذا جف وفيه مشقة ولا يغيب الخلقة، وقال ابن عقيل يلزمه لأنه يستر وما تناثر سقط حكمه واستتر بما بقي وهو قول بعض الشافعية وإن وجد ماء لم يلزمه النزول فيه وإن كان كدراً لأن عليه فيه مشقة وضرراً لا يحتمل. وإن وجد حفرة لم يلزمه النزول فيها لأنها لا تلصق بجسده فهي كالجدار وإن وجد سترة تضر به كبارية ونحوها لم يلزمه الإستتار بها لما فيها من الضرر والمنع من إكمال الركوع والسجود

مسألة: ثم العصر وهي الوسطى ووقتها من خروج وقت الظهر إلى إصفرار الشمس وعنه إلى أن يصير ظل كل شيء مثليه ثم يذهب وقت الاختيار ويبقى وقت الضرورة إلى غروب الشمس

(مسألة) (وإن وجد السترة قريبة منه في أثناء الصلاة ستر وبنى وإن كانت بعيدة ستر وابتدأ) وجملة ذلك أن العريان متى قدر على السترة في أثناء الصلاة وأمكنه من غير زمن طويل ولا عمل كثير ستر وبنى على ما مضى من الصلاة كأهل قباء لما علموا بتحويل القبلة استداروا إليها وأتموا صلاتهم. وإن لم يمكن الستر إلا بعمل كثير أو زمن طويل بطلت الصلاة لأنه لا يمكنه المضي فيها إلا بما ينافيها من العمل الكثير أو فعلها بدون شرطها والمرجع في ذلك إلى العرف لأنه لا تقدير فيه توقيفاً وذكر القاضي فيمن وجدت السترة إحتمالاً أن صلاتها لا تبطل بانتظارها وإن طال لأنه إنتظار واجب ولا يصح ذلك لأنها صلت في زمن طويل عارية مع إمكان الستر فلا تصح كالصلاة كلها وما ذكروه يبطل بما لو أتمت صلاتها في حال إنتظارها وانتظرت من يأتي فيناولها وقياس الكثير على اليسير فاسد لما ثبت في الشرع من العفو عن اليسير دون الكثير في مواضع كثيرة (فصل) فإن صلى عرياناً ثم بأن معه ستارة أنسبها أعاد لأنه مفرط كما قلنا في الماء (مسألة) (ويصلي العراة جماعة وأمامهم في وسطهم) الجماعة تشرع للعراة كغيرهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم " صلاة الرجل في الجميع تفضل على صلاته وحده بسبع وعشرين درجة " وهذا قول قتادة، وقال مالك والاوزاعي وأصحاب الرأي يصلون فرادى، قال مالك ويتباعد بعضهم من بعض وإن كانوا في ظلمة صلوا جماعة ويتقدمهم إمامهم وبه قال الشافعي في القديم، وقال في موضع الجماعة والأفراد سواء لأن في الجماعة الإخلال بسنة الموقف وفي الإنفراد الإخلال بفضيلة الجماعة ووافقنا أن أمامهم يقوم وسطهم وعلى مشروعية الجماعة للنساء العراة لأن أمامتهن تقوم في وسطهن فلا يحصل الإخلال في حقهن بفضيلة الموقف: ولنا الحديث الذي ذكرنا ولأنهم قدروا على الجماعة من غير عذر أشبهوا المستترين ولا تسقط الجماعة لفوات السنة في الموقف كما لو كانوا في ضيق لا يمكن تقديم أحدهم، وإذا شرعت الجماعة حال الخوف مع تعذر الإقتداء بالإمام في بعض الصلاة والحاجة إلى مفارقته وفعل ما يبطل الصلاة في غير

تلك الحال فأولى أن تشرع ههنا. إذا ثبت هذا فإن إمامهم يكون في وسطهم ويصلون صفاً واحداً لأنه أستر لهم فإن لم يسعهم صف واحد وقفوا صفوفاً وغضوا أبصارهم وإن صلى كل صف جماعة فهو أحسن (مسألة) (وإن كانوا رجالاً ونساء صلى كل نوع لأنفسهم) لئلا يرى بعضهم عوراة بعض وإن كانوا في ضيق صلى الرجال واستدبرهم النساء ثم صلى النساء واستدبرهم الرجال لئلا ينظر بعضهم إلى بعض (فصل) (فإن كان مع العراة واحد له سترة لزمه الصلاة فيها) فإن أعارها وصلى عرياناً لم تصح لأنه قادر على السترة، وإذا صلى فيه إستحب أن يعيره لقول الله تعالى (وتعاونوا على البر والتقوى) ولا يجب ذلك بخلاف ما لو كان معه طعام فاضل عن حاجته ووجد مضطراً فإنه يلزمه إعطاؤه. وإذا بذله لهم صلى فيه واحد بعد واحد ولم يجز لهم الصلاة عراة لقدرتهم على الستر، إلا أن يخافوا ضيق الوقت فيصلون عراة جماعة لأنهم لو كانوا في سفينة لا يمكن جميعهم الصلاة قياماً صلى واحد بعد واحد إلا أن يخافوا فوت الوقت فيصلي واحد قائماً والباقون قعوداً كذلك هذا ولأن هذا يحصل به إدراك الوقت والجماعة وذاك إنما يحصل به الستر خاصة. ويحتمل أن ينتظروا الثوب وإن فات الوقت لأنه قدر على شرط الصلاة فلم تصح صلاته بدونه كواجد الماء لا يتيمم وإن خاف فوت الوقت. قال شيخنا: وهذا أقيس عندي، فإن إمتنع صاحب الثوب من إعارته فالمستحب أن يؤمهم ويقف بين أيديهم، فإن كان أمياً وهم قراء صلى العراة جماعة وصاحب الثوب وحده لأنه لا يجوزه أن يؤمهم لكونه أمياً ولا يأتم بهم لكونهم عراة وهو مستتر، وإن صلى وبقي وقت صلاة واحدة إستحب أن يعيره لمن يصلح لامامتهم وإن عاره لغيره جاز وصار حكمه حكم صاحب الثوب، فإن استووا ولم يكن الثوب لواحد منهم أقرع بينهم فيكون من تقع له القرعة أحق به وإلا قدم من تستحب البداية بعاريته وإن كانوا رجالاً ونساء فالنساء أحق لأن عورتهن أفحشن وسترها آكد وإذا صلين فيه أخذه الرجال (مسألة) (ويكره في الصلاة السدل) وهو أن يطرح على كتفيه ثوباً ولا يرد أحد طرفيه على الكتف الآخر، وهذا قول ابن مسعود والثوري والشافعي لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن السدل في الصلاة، رواه أبو داود. فإن فعل فلا إعادة عليه، وقال ابن أبي موسى: يعيد الصلاة في إحدى الروايتين للنهي عنه. فأما إن رد أحد طرفيه على الكتف الأخرى أو ضم طرفيه بيديه لم يكره لزوال السدل. وقد روي عن جابر وابن عمر الرخصة في السدل، قال إبن المنذر: لا أعلم فيه حديثاً يثبت، وحكاه الترمذي عن أحمد (مسألة) (ويكره إشتمال الصماء وهو أن يضطبع بثوب ليس عليه غيره) لما روى أبو هريرة

وأبو سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لبستين إشتمال الصماء وأن يحتبي الرجل بثوب ليس بين فرجيه وبين السماء شئ أخرجه الخباري، ومعنى الاضطباع أن يجعل وسط الرداء تحت عاتقه الأيمن وطرفيه على عاتقه الأيسر كلبسة المحرم وهذا هو إشتمال الصماء ذكره بعض أصحابنا وجاء مفسراً في حديث أبي سعيد بذلك من رواية إسحاق عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري أظن عن عطاء ابن يزيد عن أبي سعيد. وإنما كره لأنه إذا فعل ذلك وليس عليه ثوب غيره بدت عورته كذلك رواه حنبل عن أحمد، أما إذا كان عليه غيره فتلك لبسة المحرم وقد فعلها النبي صلى الله عليه وسلم وعلى هذا ينبغي أن يكون إشتمال الصماء محرماً لإفضائه إلى كشف العورة، وروى أبو بكر باسناده عن ابن مسعود قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلبس الرجل ثوباً واحداً يأخذ بجوانبه على منكبيه فتدعى تلك الصماء وقال بعض أصحاب الشافعي إشتمال الصماء أن يلتحف بالثوب ثم يخرج يديه من قبل صدره فتبدو عورته وهو في معنى تفسير أصحابنا. وقال أبو عبيد إشتمال الصماء عند العرب أن يشتمل الرجل بثوب يخلل به جسده كله ولا يرفع منه جانباً يخرج منه يده كأنه يذهب به إلى أنه لعله يصيبه شئ يريد الإحتراس منه فلا يقدر عليه. قال شيخنا والفقهاء أعلم بالتأويل (وعنه يكره وأن كان عليه غيره) روي عن أحمد رحمه الله كراهة ذلك مطلقاً لعموم النهي ولأن كل ما نهي عنه من اللباس في الصلاة لم يفرق بين أن يكون عليه ثوب غيره أو لم يكن كالسدل والإسبال (مسألة) (ويكره تغطية الوجه والتلثم على الفم والأنف) لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يغطي الرجل فاه رواه أبو داود، ففي هذا تنبيه على كراهية تغطية الوجه لإشتماله على تغطية الفم ويكره تغطية الأنف قياساً على الفم، روى ذلك عن ابن عمر وفيه رواية أخرى لا يكره لأن تخصيص الفم بالنهي يدل على إباحة غيره. (مسألة) (ويكره لف الكم) لقول النبي صلى الله عليه وسلم " أمرت أن أسجد على سبعة أعظم ولا أكف شعراً ولا ثوبا " متفق عليه (مسألة) (ويكره شد الوسط بما يشبه شد الزنار) لما فيه من التشبه بأهل الكتاب وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التشبه بهم فقال " لا تشتملوا إشتمال اليهود " رواه أبو داود، فإما شد الوسط بمئزر أو حبل أو نحوهما مما لا يشبه شد الزنار فلا يكره. قال أحمد لا بأس به أليس قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا يصلي أحدكم إلا وهو محتزم " وقال أبو طالب سألت أحمد عن الرجل يصلي وعليه القميص يأتزر بالمنديل فوقه؟ قال نعم فعل ذلك ابن عمر. وعن الشعبي قال كان يقال: شد

مسألة: وتعجيلها أفضل بكل حال

حقوك في الصلاة ولو بعقال رواه الخلال، وعن يزيد بن الأصم مثله (مسألة) (ويكره إسبال شئ من ثيابه خيلاء) يكره إسبال القميص والإزار مطلقاً وكذلك السراويل لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر برفع الإزار فإن فعله خيلاء فهو حرام لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه " متفق عليه، وعن ابن مسعود قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " من أسبل إزاره في صلاته خيلاء فليس من الله جل ذكره في حل ولا حرام " رواه أبو داود (فصل) ولا يجوز لبس ما فيه صورة حيوان في أحد الوجهين. اختاره أبو الخطاب لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة " متفق عليه (والثاني) لا يحرم قاله ابن عقيل لقول النبي صلى الله عليه وسلم في آخر الخبر " إلا رقما في ثوب " متفق عليه، ولأنه يباح إذا كان مفروشاً أو يتكأ عليه فكذلك إذا كان يلبس، ويكره التصليب في الثوب لقول عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يترك في بيته شيئاً فيه تصليب إلا قضبه. رواه أبو داود (مسألة) (ولا يجوز للرجل لبس ثياب الحرير ولا ما غالبه الحرير ولا إفتراشه إلا من ضرورة) يحرم على الرجل لبس ثياب الحرير في الصلاة وغيرها في غير حال العذر إجماعا حكاه ابن عبد البر لما روى أبو موسى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " حرم لباس الحرير والذهب على ذكور أمتي وأحل لإناثهم " أخرجه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح. وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تلبسوا الحرير فإنه من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة " متفق عليه والإفتراش كاللبس لما روى حذيفة قال: نهانا النبي صلى الله عليه وسلم إن نشرب في آنية الذهب والفضة وأن نأكل فيها وأن نلبس الحرير والديباج وأن نجلس عليه. رواه البخاري، فأما المنسوج من الحرير وغيره فإن كان الأغلب الحرير حرم لعموم الخبر، وإن كان الأغلب غيره حل لأن الحكم للأغلب والقليل مستهلك فيه أشبه الضبة من الفضة والعلم في الثوب. وقال ابن عبد البر مذهب ابن عباس وجماعة من أهل العلم أن المحرم الحرير الصافي الذي لا يخالطه غيره. قال ابن عباس إنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الثوب المصمت من الحرير أما العلم وسدى الثوب فليس به بأس. رواه أبو داود والاثرم (مسألة) فإن أستوى هو وما نسج معه فعلى وجهين (أحدهما) يباح لحديث ابن عباس ولأن الحرير ليس بأغلب أشبه الأقل (والثاني) يحرم. قال ابن عقيل: هو الأشبه لعموم الخبر

مسألة: ثم المغرب وهي الوتر ووقتها من مغيب الشمس إلى مغيب الشفق الأحمر

(مسألة) ويحرم لبس المنسوج بالذهب والمموه به لما ذكرنا من حديث أبي موسى، فإن استحال لونه فعلى وجهين (أحدهما) يحرم للحديث (والثاني) يباح لزوال علة التحريم من السرف والخيلاء وكسر قلوب الفقراء (مسألة) (وإن لبس الحرير لمرض أو حكة أو في الحرب أو ألبسه الصبي فعلى روايتين) متى احتاج إلى لبس الحرير لمرض أو حكة أو من أجل القمل جاز في ظاهر المذهب، لأن أنساً روي أن عبد الرحمن بن عوف والزبير شكوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم القمل فرخص لهما في قميص الحرير في غزاة لهما. وفي رواية شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم القمل فرخص لهما في قميص الحرير ورأيته عليهما. متفق عليه، وما يثبت في حق صحابي يثبت في حق غيره ما لم يقم على اختصاصه دليل فثبت بالحديث في القمل وقسنا عليه غيره مما ينفع فيه لبس الحرير. وعن أحمد رواية أخرى لا يباح وهو قول مالك لعموم الخبر المحرم والرخصة يحتمل أن تكون خاصة لهما (فصل) وفي لبسه في الحرب لغير حاجة روايتان (إحداهما) الإباحة وهو ظاهر كلامه أحمد قال الأثرم سمعت أبا عبد الله يسئل عن لبس الحرير في الحرب؟ فقال: أرجو أن لا يكون به بأس وهو قول عروة وعطاء، وكان لعروة يملق من ديباج بطانته من سندس محشو قزاً يلبسه في الحرب ولأن المنع من لبسه لما فيه من الخيلاء وذلك غير مذموم في الحرب، فقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم حين رأى بعض أصحابه يمشي بين الصفين قال " إنها لمشية يبغضها الله إلا في هذا الموطن " (والثانية) يحرم لعموم الخبر، فأما إن إحتاج إليه مثل أن يكون بطانة لبيضة أو درع أو نحوه أبيح. قال بعض أصحابنا يجوز مثل ذلك من الذهب كدرع مموه من الذهب لا يستغني عن لبسه وهو محتاج إليه (فصل) وهل يجوز لولي الصبي أن يلبسه الحرير؟ على روايتين (إحداهما) تحريمه لعموم قوله صلى الله عليه وسلم " حرام على ذكور أمتي " وعن جابر قال: كنا ننزعه عن الغلمان ونتركه على الجواري رواه أبو داود وقدم حذيفة من سفر فوجد على صبيانه قمصاً من حرير فمزقها عن الصباين وتركها على الجواري رواه الأثرم، وروي نحو ذلك عن عبد الله بن مسعود (والثانية) يباح لأنهم غير مكلفين أشبهوا البهائم ولأنهم محل للزينة أشبهوا النساء. والأول أولى لظاهر الخبر وفعل الصحابة، ويتعلق التحريم بالمكلفين بتمكينهم من الحرام كتمكينهم من شرب الخمر وغيره من المحرمات وكونهم محل الزينة مع تحريم الاستمتاع أبلغ في التحريم ولذلك حرم على النساء التبرج بالزينة للأجانب

مسألة ك وتعجيلها أفضل إلا ليلة جمع لمن قصدها

(مسألة) (ويباح حشو الجباب والفرش به ويحتمل أن يحرم) ذكره القاضي وهو مذهب الشافعي لأنه لا خيلاء فيه، ويحتمل أن يحرم لعموم الخبر ولأن فيه سرفا أشبه مالو جعل البطانة حريراً (فصل) (ولا بأس بلبس الخز) ص عليه وقد روي عن عمران بن حصين والحسن بن علي وأنس بن مالك وأبي هريرة وابن عباس وعبد الرحمن بن عوف وغيرهم أنهم لبسوا الخز وعن عبد الله ابن سعد عن أبيه سعد قال: رأيت رجلاً ببخارى على بغلة بيضاء عليه عمامة خز سوداء فقال: كسانيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، رواه أبو داود، وقال ابن عقيل في الخز: إن كان فيه وبر وكان الوبر أكثر من القز صحت الصلاة فيه. وإن كان أكثره القز لم تصح الصلاة فيه في الصحيح. وإن إستويا إحتمل وجهين فجعله كغيره من الثياب المنسوجة من الحرير وغيره (مسألة) (ويباح العلم الحرير في الثوب إذا كان أربع أصابع فما دون) لما روى عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحرير إلا موضع إصبعين أو ثلاث أو أربع، رواه مسلم وقال أبو بكر في التنبيه: يباح وإن كان مذهباً لأنه يسير أشبه الحرير ويسير الفضة وكذلك الرقاع ولبنة الجيب وسجف الفراء لدخوله فيما استثناه في الحديث (مسألة) (ويكره للرجل لبس المزعفر والمعصفر) لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى الرجال عن التزعفر متفق عليه، وعن علي قال: نهاني النبي صلى الله عليه وسلم عن لباس المعصفر، رواه مسلم ولا بأس بلبسه للنساء لأن تخصيص النهي بالرجل دليل على إباحته للنساء (فصل) فأما لبس الأحمر غير المزعفر فقال أصحابنا: يكره وهو مذهب ابن عمر فروي عنه أنه اشترى ثوباً فرأى فيه خيطاً أحمر فرده، وروي عن عبد الله بن عمرو قال: مر على النبي صلى الله عليه وسلم رجل عليه بردان أحمران فسلم فلم يرد النبي صلى الله عليه وسلم عليه، وعن رافع بن خديج قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم على رواحلنا أكسية فيها خيوط عهن أحمر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ألا أرى هذه الحمرة قد علتكم " فقمنا سراعاً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نفر بعض إبلنا وأخذنا الأكسية فنزعناها عنها رواهما أبو داود، والصحيح أنه لا بأس بها لما روى أبو جحيفة قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم في حلة حمراء الحديث، وقال البراء: ما رأيت من ذي لمة في حلة حمراء أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، متفق عليهما (1) وعن هلال بن عامر قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم على بغلة وعليه برد أحمر رواه أبو داود، وقال أنس: كان أحب اللباس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحبرة،

_ 1) لا نعلمه بهذا اللفظ في الصحيحين فيراجع

مسألة: ثم العشاء ووقتها من مغيب الشفق الأحمر إلى ثلث الليل الأول وعنه إلى نصفه

متفق عليه وهي التي فيها حمرة وبياض. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم بينا هو يخطب إذ رأى الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران فنزل النبي صلى الله عليه وسلم فأخذهما ولم ينكر ذلك ولأنها لون أشبهت سائر الألوان فأما أحاديثهم فحديث رافع في إسناده رجل مجهول ويحتمل أنها كانت معصفرة فلذلك كرهها ولو قدر التعارض كانت أحاديث الإباحة أصح وأثبت فهي أولى. (فصل) فأما غير الحمرة من الألوان فلا يكره فقد قال صلى الله عليه وسلم " البسوا من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم وكفنوا فيها موتاكم " وعن ابن عمر أنه قيل له: لم تصبغ بالصفرة؟ فقال: أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ بها، رواهما أبو داود وعن أبي رمثة قال: انطلقت مع أبي نحو النبي صلى الله عليه وسلم فرأيت عليه بردين أخضرين ودخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح وعليه عمامة سوداء، متفق عليهما والله أعلم. (باب إجتناب النجاسات) (وهو الشرط الرابع) - فمتى لاقى بثوبه أو بدنه نجاسة غير معفو عنها أو حملها لم تصح صلاته) وجملة ذلك أن الطهارة من النجاسة في بدن المصلي وثوبه شرط لصحة الصلاة في قول أكثر أهل العلم منهم ابن عباس وسعيد بن المسيب وقتادة ومالك والشافعي وأصحاب الرأي، وروي عن ابن عباس أنه قال: ليس على ثوب جنابة ونحوه عن أبي مجلز وسعيد بن جبير والنخعي وقال الحارث العكلي وابن أبي ليلى: ليس في ثوب إعادة. وسئل سعيد بن جبير عن الرجل يرى في ثوبه الأذى وقد صلى قال: إقرأ علي الآية التي فيها غسل الثياب ولنا قول الله تعالى (وثيابك فطهر) قال ابن سيرين هو الغسل بالماء. وعن أسماء بنت أبي بكر الصديق قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن دم الحيض يكون في الثوب قال " أقرصيه وصلي فيه " وفي لفظ قالت سمعت امرأة تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف تصنع احدانا

بثوبها إذا رأت الطهر أتصلي فيه؟ قال " تنظر فيه فإن رأت فيه دما فلتقزحه بشئ من الماء ولتنضح ما لم تر ولتصل فيه " رواه أبو داود وحديث النبي صلى الله عليه وسلم حين مر بالقبرين فقال " إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان لا يستتر من البول " متفق عليه وفي رواية - لا يستنزه من بوله - ولأنها إحدى الطهارتين فكانت شرطاً للصلاة كطهارة الحدث (فصل) ويشترط طهارة موضع الصلاة أيضاً وهو الموضع الذي تقع عليه ثيابه وأعضاؤه التي عليه قياسا على طهارة البدن والثياب، فإن كان على رأسه طرف عمامته وطرفها الآخر وقع على نجاسة لم تصع صلاته كما لو وقع عليها شئ من بدنه، وذكر ابن عقيل إحتمالاً فيما يقع عليه ثيابه خاصة أنه لا تشترط طهارته لأنه يباشرها بما هو منفصل عن ذاته أشبه مالو كان بجانبه إنسان نجس الثوب فالتصق به ثوبه. والمذهب الأول لأن سترته تابعة له فهي كأعضاء سجوده، فأما إذا كان ثوبه يمس شيئاً نجساً كثوب من يصلي وبجانبه حائط لا يستند إليه قال ابن عقيل لا تفسد صلاته بذلك لأنه ليس بمحل لبدنه ولا سترته. ويحتمل أن تفسد لأن سترته ملاقية لنجاسة أشبه ما لو وقعت عليها، وإن كانت النجاسة محاذية لجسمه في حال سجوده بحيث لا يلتصق بها شئ من بدنه ولا ثيابه لم تبطل الصلاة لأنه لم يباشر النجاسة أشبه مالو خرجت عن محاذاته وذكر ابن عقيل وجهاً إنها تبطل كما لو باشر بها أعضاءه وهو قول الشافعي وأبي ثور (فصل) وإن حمل النجاسة في الصلاة لم تصح صلاته كما لو كانت على بدنه أو ثوبه فإن حمل حيواناً طاهراً أو صبياً لم تبطل صلاته لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى وهو حامل أمامة بنت أبي العاص متفق عليه ولأن ما في الحيوان من النجاسة في معدنها فهي كالنجاسة في جوف المصلي، ولو حمل قارورة مسدودة فيها نجاسة لم تصح صلاته. وقال بعض أصحاب الشافعي تصح لأن النجاسة لا تخرج عنها فهي كالحيوان وليس بصحيح لأنه حامل نجاسة غير معفو عنها في غير معدنها أشبه حملها في كمه (مسألة) (وإن طين الأرض النجسة أو بسط عليها شيئاً طاهراً صحت صلاته عليها مع الكراهة) هذا ظاهر كلام أحمد وهو قول مالك والاوزاعي والشافعي واسحاق، وذكر أصحابنا رواية أخرى أنه لا يصح لأنه مدفن للنجاسة أشبه المقبرة ولأنه معتمد على النجاسة أشبه ملاقاتها. والأول أولى لأن الطهارة إنما تشترط في بدن المصلي وثوبه وموضع صلاته وقد وجد ذلك كله والعلة في الأصل غير مسلمة بدليل عدم صحة الصلاة بين القبور وليس مدفناً للنجاسة، وقال ابن أبي موسى إن كانت النجاسة المبسوط عليها رطبة لم تصح الصلاة وإلا صحت

مسألة: ثم الفجر ووقتها من طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس

(فصل) ويكره تطيين المسجد بطين نجس وبناؤه بلبن نجس أو تطبيقه بطوابيق نجسة فإن فعل وباشر النجاسة لم تصح صلاته، فأما الآجر المعجون بالنجاسة فهو نجس لأن النار لا تطهر لكن إذا غسل طهر ظاهر. لأن النار أكلت أجزاء النجاسة الظاهرة وبقي الأثر فطهر بالغسل كالارض النجسة ويبقى الباطن نجساً لأن الماء لا يصل إليه فإن صلى عليه بعد الغسل فهي كالمسألة قبلها. وكذلك الحكم في البساط الذي باطنه نجس وظاهره طاهر ومتى إنكسر من الأجر النجس قطعة فظهر بعض باطنه فهو نجس لا تصح الصلاة عليه (فصل) ولا بأس بالصلاة على الحصير والبسط من الصوف والشعر والوبر والثياب من القطن والكتان وسائر الطاهرات في قول عوام أهل العلم. فروي عن ابن عمر أنه صلى على عبقري وابن عباس على طنفسة وزيد بن ثابت على حصير وابن عباس وعلي وابن مسعود وأنس على المسوح، وروي عن جابر أنه كره الصلاة على كل شئ من الحيوان واستحب الصلاة على كل شئ من نبات الأرض ونحوه عن مالك إلا أنه قال في بساط الصوف والشعر إذا كان سجوده على الأرض لم أر بالقيام عليه بأساً - والصحيح قول الجمهور فقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم على حصير في بيت أنس وعتبان بن مالك متفق عليه وروى عنه المغيرة بن شعبة أنه كان يصلي على الحصر والفرو المدبوغة، وروى ابن ماجة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ملتفاً بكساء يضع يديه عليه إذا سجد، ولأن ما لم تكره الصلاة فيه لم تكره الصلاة عليه كالكتان والخوص، وتصح الصلاة على ظهر الحيوان إذا أمكنه أستيفاء الأركان عليه والنافلة في السفر، وإن كان الحيوان نجساً وعليه بساط طاهر كالحمار صحت الصلاة عليه في أصح الروايتين لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على حمار (والثانية) لا تصح كالأرض النجسة إذا بسط عليها شيئاً طاهراً، وتصح على العجلة إذا أمكنه ذلك لأنه محل تستقر عليه أعضاؤه فهي كغيرها، وقال ابن عقيل: لا تصح لأن ذلك ليس بمستقر عليه فهي كالصلاة في الأرجوحة (فصل) ولا تصح صلاة المعلق في الهواء إلا أن يكون مضطراً كالمصلوب وكذلك الارجوحة لانه ليس بمستقر القدمين على الأرض فلم تصح صلاته كما لو سجد على بعض أعضاء السجود وترك الباقي معلقاً، ذكره ابن عقبل (مسألة) (وإن صلى على مكان طاهر من بساط طرفه نجس صحت صلاته إلا أن يكون متعلقاً به بحيث ينجر معه إذا مشى فلا يصح) متى صلى على منديل طرفه نجس أو كان تحت قدمه حبل مشدود في نجاسة وما يصلي عليه طاهر فصلاته صحيحة سواء تحرك النجس بحركته أو لم يتحرك

لأنه ليس بحامل للنجاسة ولا مصل عليها وإنما إتصل مصلاه بها أشبه إذا صلى على أرض طاهرة متصلة بأرض نجسة، وقال بعض أصحابنا إذا كان النجس يتحرك بحركته لم تصح صلاته، قال شيخنا: والصحيح ما ذكرنا فأما إن كان الحبل أو المنديل متعلقاً به ينجر معه إذا مشى لم تصح لأنه مستتبع لها فهو كحاملها ولو كان في يده أو وسطه حبل مشدود في نجاسة أو حيوان نجس أو سفينة صغيرة فيها نجاسة تنجر معه إذا مشى لم تصح صلاته لأنه مستتبع لها وإن كانت السفينة أو الحيوان كبيراً لا يقدر على جره إذا استعصى عليه صحت لأنه ليس بمستتبع لها. قال القاضي: هذا إذا كان الشد في موضع طاهر فان كان في موضع نجس فسدت صلاته لأنه حامل لما هو ملاق للنجاسة والأول أولى لأنه لا يقدر على استتباع الملاقي للنجاسة أشبه مالو أمسك غصناً من شجرة عليها نجاسة أو سفينة عظيمة فيها نجاسة. (مسألة) (ومتى وجد عليه نجاسة لا يعلم هل كانت في الصلاة أو لا فصلاته صحيحة لأن لأصل عدمها في الصلاة وإن علم أنها كانت في الصلاة لكنه جهلها أو نسيها فعلى روايتين) متى صلى وعليه نجاسة لا يعلم بها حتى فرغ من صلاته ففيه روايتان (إحداهما) لا تفسد صلاته إختارها شيخنا، وهذا قول ابن عمر وعطاء وسعيد ابن المسيب ومجاهد وإسحاق وابن المنذر (والثانية) يعيد وهو قول أبي قلابة والشافعي لأنها طهارة مشترطة للصلاة فلم تسقط بالجهل كطهارة الحدث، وقال ربيعة ومالك: يعيد ما دام في الوقت، ووجه الأولى ما روى أبو سعيد قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه إذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره فخلع الناس نعالهم، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته قال " ما حملكم على إلقائكم نعالكم؟ " قالوا: انا رأيناك ألقيت نعالك فألقينا نعالنا قال " إن جبريل أتاني فأخبرني إن فيهما قذرا " رواه أبو داود، ولو كانت الطهارة شرطاً مع عدم العلم بها لزمه استئناف الصلاة ويفارق طهارة الحدث لأنها آكد لكونها لا يعفى عن يسيرها. فأما إن كان قد علم بالنجاسة ثم أنسيها فقال القاضي: حكي أصحابنا في المسئلتين روايتين، وذكر هو في مسألة النسيان أن الصلاة باطلة لأنه منسوب إلى التفريط بخلاف الجاهل، وقال الآمدي يعيد إذا كان قد توانى رواية واحدة، قال شيخنا: والصحيح التسوية بينهما لأن ما عذر فيه بالجهل عذر فيه النسيان بل النسيان أولى لورود النص بالعفو عنه (فصل) فإن علم بالنجاسة في أثناء الصلاة فإن قلنا لا يعذر بالجهل والنسيان فصلاته باطلة، وإن قلنا يعذر فهي صحيحة، ثم إن أمكنه إزالة النجاسة من غير زمن طويل ولا عمل كثير أزالها وبنى

مسألة: ومن أدرك تكبيرة الإحرام من صلاة في وقتها فقد أدركها

كما خلع النبي صلى الله عليه وسلم نعليه، وإن احتاج الى أحد هذين بطلت صلاته لإفضائه إلى أحد أمرين إما استصحاب النجاسة في الصلاة زمناً طويلاً أو أن يعمل فيها عملاً كثيراً فصار كالعريان يجد السترة بعيدة منه. (فصل) وإذا سقطت عليه نجاسة ثم زالت عنه أو أزالها في الحال لم تبطل صلاته لما ذكرنا من حديث أبي سعيد، ولأن النجاسة يعفى عن يسيرها فعفي عن يسير زمنها ككشف العورة وهذا مذهب الشافعي (مسألة) (وإذا جبر ساقه بعظم نجس فجبر لم يلزمه قلعه إذا خاف الضرر) وتصح صلاته لأنه يباح له ترك الطهارة من الحدث بذلك وهي آكد وإن لم يخف لزمه قلعة فإن صلى معه لم تصح صلاته لأنه صلى مع النجاسة وهو قادر على إزالتها من غير ضرر، ويحتمل أن يلزمه قلعه إذا لم يخف التلف لأنه غير خائف للتلف أشبه إذا لم يخف الضرر، والأول أولى وإن سقطت سنة فأعادها بحرارتها فثبتت فهي طاهرة ولأن حكم أبعاض الآدمي حكم جملته سواء إنفصلت في حياته أو بعد موته لأنها أجزاء من جملة فكان حكمها كسائر الحيوانات الطاهرة والنجسة، وعنه أنها نجسة إختاره القاضي لأنها لا حرمة لها بدليل أنه لا يصلي عليها، فعلى هذا يكون حكمها حكم العظم النجس على ما بنيا (مسألة) (ولا تصح الصلاة في المقبرة والحمام والحش وأعطان الابل وهي التي تقيم فيها وتأوي إليها والموضع المغصوب، وعنه تصح مع التحريم) اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في الصلاة في هذه المواضع. فروي عنه أن الصلاة لا تصح فيها بحال - رويت كراهة الصلاة في المقبرة عن علي وابن عباس وابن عمر وعطاء والنخعي وابن المنذر، وممن قال لا يصلي في مبارك الإبل ابن عمر وجابر بن سمرة والحسن ومالك واسحاق وأبو ثور. وعن أحمد أن الصلاة في هذه صحيحة ما لم تكن نجسة وهو مذهب الشافعي وابي حنيفة لقوله صلى الله عليه وسلم " جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً " وفي لفظ " فحيثما أدركتك الصلاة فصل فإنه مسجد " متفق عليه، ولأنه موضع طاهر فصحت الصلاة فيه كالصحراء، والأولى ظاهر المذهب لقول النبي صلى الله عليه وسلم " الأرض كلها مسجد إلا الحمام والمقبرة " رواه أبو داود، وعن جابر بن سمرة أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أتصلي في مرابض الغنم؟ قال " نعم " قال أتصلي في مبارك الإبل؟ قال " لا " رواه مسلم وهذه الأحاديث خاصة مقدمة على عموم أحاديثهم (فصل) فأما الحش فثبت الحكم فيه بالتنبيه لأنه إذا منع من الصلاة في هذه المواضع لكونها

مسألة: ومن شك في الوقت لم يصل حتى يغلب على ظنه دخوله

مظان النجاسة فالحش أولى لكونه معداً للنجاسة ومقصوداً لها ولأنه قد منع من ذكر الله تعالى والكلام فيه فمنع الصلاة فيه أولى. قال شيخنا ولا أعلم فيه نصاً. وقال بعض أصحابنا أن كان المصلي عالماً بالنهي لم تصح صلاته فيها لأنه عاص بالصلاة فيها والمعصية لا تكون قربة ولا طاعة وإن كان جاهلاً ففيه روايتان (إحداهما) لا تصح لأنها لا تصح مع العلم فلم تصح مع الجهل كالصلاة في محل نجس (والثانية) تصح لأنه معذور (فصل) ذكر القاضي أن المنع من الصلاة في هذه المواضع تعبد فعلى هذا يتناول النهي كل ما يقع عليه الاسم فلا فرق في المقبرة بين الحديثة والقديمة وما تقلبت أتربتها أو لم تتقلب، فأما إن كان فيها قبر أو قبران لم يمنع من الصلاة فيها لأنه لا يتناولها الإسم، وإن نقلت القبور منها جازت الصلاة فيها لزوال الإسم ولإن مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت فيه قبور المشركين فنبشت متفق عليه. ولا فرق في الحمام بين مكان الغسل والمسلخ والأتون وكل ما يغلق عليه باب الحمام لتناول الإسم له. وأعطان الإبل هي التي تقيم فيها وتأوي إليها، وقيل هي المواضع التي تناخ فيها إذا وردت، والأول أجود لأنه جعله في مقابلة مراح الغنم، والحش الذي يتخذ للغائط والبول فيمنع من الصلاة فيما هو داخل بابه، قال شخينا: ويحتمل أن المنع من الصلاة في هذه المواضع معلل بكونها مظان للنجاسات فإن المقبرة تنبش ويظهر التراب الذي فيه دماء الموتى وصديدهم، ومعاطن الإبل يبال فيها فإن البعير البارك كالجدار يستتر به ويبول، كما روي عن ابن عمر ولا يتحقق هذا في غيرها والحمام موضع الأوساخ والبول. فنهي عن الصلاة فيها لذلك وإن كانت طاهرة لأن المظنة يتعلق الحكم بها وإن خفيت الحكمة ومتى أمكن تعليل الحكم كان أولى من قهر التعبد، ويدل على هذا تعدية الحكم إلى الحش المسكوت عنه بالتنبيه ولابد في التنبيه من وجود معنى المنطوق وإلا لم يكن تنبيهاً، فعلى هذا يمكن قصر الحكم على ما هو مظنة منها فلا يثبت الحكم في موضع المسلخ من الحمام ولا في سطحه لعدم المظنة فيه وكذلك ما أشبهه والله أعلم (فصل) ولا تصح الصلاة في الموضع المغصوب في أظهر الروايتين، وأحد قولي الشافعي. والرواية الثانية يصح، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك والقول الثاني للشافعي لأن النهي لا يعود إلى الصلاة فلم يمنع صحتها كما لو صلى وهو يرى غريقا يمكنه إنقاذه فلم ينقذه أو مطل غريمه الذي يمكن إيفاؤه وصلى ووجه الأولى أن الصلاة عبادة أتي بها على الوجه المنهي عنه فلم تصح كصلاة الحائض فإن حركاته من القيام والركوع والسجود أفعال إختيارية هو منهي عنها عاص بها فكيف يكون مطيعاً بما

مسألة: ومتى اجتهد وصلى فبان أنه وافق الوقت أو ما بعده أجزأه

هو عاص به. فأما من رأى الغريق فليس بمنهي عن الصلاة إنما هو مأمور بالصلاة وإنقاذ الغريق وأحدهما آكد من الآخر، أما في مسئلتنا فإن أفعال الصلاة في نفسها منهي عنها. إذا ثبت هذا فلا فرق بين غصبه لرقبة الأرض ودعواه ملكيتها وبين غصبه منافعها بأن يدعي اجارتها ظالماً أو يضع يده عليها مدة أو يخرج ساباطاً في موضع لا يحل له أو يغصب راحلة ويصلي عليها أو سفينة ويصلي فيها أو لوحاً فيجعله سفينة ويصلي عليه كل ذلك حكمه في الصلاة حكم الدار المغصوبة على ما بيناه (فصل) قال أحمد يصلي الجمعة في موضع الغصب يعني إذا كان الجامع أو بعضه مغصوباً صحت الصلاة فيه لأن الجمعة تختص ببقعة فإذا صلاها الإمام في الموضع المغصوب فامتنع الناس من الصلاة فيه فاتتهم الجمعة وكذلك من امتنع فاتته ولذلك أبيحت خلف الخوارج والمبتدعة وصحت في الطرق لدعاء الحاجة إليها وكذلك الأعياد والجنازة (فصل) ويكره في موضع الخسف قاله أحمد لأنه موضع مسخوط عليه وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه يوم مر بالحجر " لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين أن يصيبكم مثل ما أصابهم " ولا بأس بالصلاة في الكنيسة النظيفة روى ذلك عن عمر وأبي موسى وهو قول الحسن وعمر بن عبد العزيز والشعبي والاوزاعي. وكره ابن عباس ومالك الكنائس لأجل الصور، وقال ابن عقيل: تكره الصلاة فيها لأنه كالتعظيم والتبجيل لها وقيل لأنه يضر بهم ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في الكعبة وفيها صور ثم قد دخلت في عموم قوله صلى الله عليه وسلم " فأينما أدركتك الصلاة فصل فإنه مسجد " متفق عليه (مسألة) (وقال بعض أصحابنا حكم المجزرة والمزبلة وقارعة الطريق واسطحتها كذلك) لما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " سبع مواطن لا يجوز فيها الصلاة: ظهر بيت الله، والمقبرة، والمزبلة، والمجزرة، والحمام، وعطن الإبل، ومحجة الطريق " رواه ابن ماجه، وقال الحكم في هذه المواضع الثلاثة كالحكم في الأربعة ولأن هذه المواضع مظان للنجاسات فعلق الحكم عليها وإن لم توجد الحقيقة كما إنتقضت الطهارة بالنوم ووجب الغسل بالتقاء الختانين. قال شيخنا والصحيح جواز الصلاة فيها وهو قول أكثر أهل العلم ويحتمله اختيار الخرقي لأنه لم يذكرها لعموم قوله صلى الله عليه وسلم " جعلت لي الأرض مسجداً " متفق عليه. واستثنى منه المقبرة والحمام ومعاطن الإبل بأحاديث صحيحة ففيما عدا ذلك يبقى على العموم، وحديث ابن عمر يرويه العمري وزيد بن جبيرة وقد تكلم فيهما من قبل حفظهما فلا يترك به الحديث الصحيح. وأكثر أصحابنا على القول الأول ومعنى

مسألة: ومن أدرك من الوقت قدر تكبيرة ثم جن أو حاضت المراة لزمها القضاء

محجة الطريق الجادة المسلوكة في السفر وقارعة الطريق التي تقرعها الأقدام مثل الأسواق والمشارع ولا بأس بالصلاة فيما علا منها يمنة ويسرة وكذلك الصلاة في الطريق التي يقل سالكها كطريق الأبيات اليسيرة فإن بني مسجد في طريق وكان الطريق ضيقاً بحيث يستضر المارة ببنائه لم يجز بناؤه ولا الصلاة فيه، وإن كان واسعاً لا يضر بالمارة جاز وهل يشترط إذن الإمام؟ على روايتين ذكره القاضي. والمجزرة التي يذبح فيها الناس المعدة لذلك ولا فرق في هذه المواضع بين الطاهر والنجس ولا في المعاطن بين أن يكون فيها إبل في ذاك الوقت أو لا، فأما المواضع التي تبيت فيها الإبل في سيرها أو تناخ فيها لعلفها أو ورودها فلا تمنع الصلاة فيها. قال الأثرم سئل أبو عبد الله عن الصلاة في موضع فيه أبعار الابل فرخص فيه ثم قال إذا لم يكن من معاطن الإبل الذي نهى عن الصلاة فيها التي تأوي إليها (فصل) فأما أسطحه هذه المواضع فقال القاضي وابن عقيل حكمها حكم السفل لأن الهواء تابع للقرار ولذلك لو حلف لا يدخل دارا فدخل سطحها حنث والصحيح إن شاء الله قصر النهي على ما تناوله النص وإن الحكم لا يعدى إلى غيره ذكره شيخنا لأن الحكم إن كان تعبداً لم يقس عليه وإن علل فإنما يعلل بمظنة النجاسة ولا يتخيل هذا في أسطحتها، أما إن بنى على طريق ساباطا أو جناحاً وكان ذلك مباحاً له مثل أن يكون في درب غير نافذ باذن أهله أو مستحقا له فلا بأس بالصلاة عليه وإن كان على طريق نافذ فالمصلي فيه كالمصلي في الموضع المغصوب. وإن كان الساباط على نهر تجري فيه السفن فهو كالساباط على الطريق وهذا فيما إذا كان السطح حادثاً على موضع النهي فإن كان المسجد سابقاً فحدث تحته طريق أو عطن أو غيرهما من مواضع النهي أو حدثت المقبرة حوله لم تمنع الصلاة فيه بغير خلاف لأنه يتبع ما حدث بعده. وذكر القاضي فميا إذا حدث تحت المسجد طريق وجهاً في الصلاة فيه والأول أولى، فأما إن بني مسجد في مقبرة بين القبور فحكمه حكمها لأنه لا يخرج بذلك عن أن يكون في المقبرة، وقد روى قتادة أن أنساً مر على مقبرة وهم يبنون فيها مسجداً فقال كان يكره أن يبني مسجداً في وسط القبور (مسألة) (وتصح الصلاة إليها إلا المقبرة والحش في قول ابن حامد) كره الصلاة إلى هذه المواضع فإن فعل صحت صلاته نص عليه أحمد في رواية أبي طالب، وقال أبو بكر يتوجه في الإعادة قولان (أحدهما) يعيد لموضع النهي وبه أقول (والثاني) يصح لعدم تناول النهي له، وقال ابن حامد إن صلى إلى المقبرة والحش فهو كالمصلي فيها إذا لم يكن بينه وبينها حائل كما روى أبو مرثد الغنوي أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها " متفق عليه، قال القاضي وفي هذا تنبه على

المواضع التي نهي عن الصلاة فيها وذكر القاضي في المجرد قال: إن صلى إلى العطن فصلاته صحيحة بخلاف ما قلناه في الصلاة إلى المقبرة والحش. قال شيخنا والصحيح أنه لا بأس بالصلاة إلى شئ من هذه المواضع إلا المقبرة لورود النهي فيها وذلك لعموم قوله عليه السلام " جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً " فإنه يتناول الذي يصلي فيه إلى هذه المواضع وقياس ذلك على المقبرة لا يصح أن كان النهي عن الصلاة إليها تعبداً وكذلك إن كان لمعنى اختص بها وهو إتخاذ القبور مسجداً تشبهاً بمن يعظمها وكذلك قال عليه السلام " لعن الله اليهود والنصارى إتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " يحذر مثل ما صنعوا متفق عليه والله أعلم (مسألة) ولا تصح الفريضة في الكعبة ولا على ظهرها، وقال الشافعي وابو حنيفة تصح لأنه مسجد ولأنه محل لصلاة النفل فكان محلاً للفرض كخارجها ولنا قوله تعالى (وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره) والمصلي فيها أو على سطحها غير مستقبل لجهتها فأما النافلة فمبناها على التخفيف والمسامحة بدليل صحتها قاعداً وإلى غير القبلة في السفر على الراحلة (مسألة) (وتصح النافلة إذا كان بين يديه شئ منها) لا نعلم في ذلك خلافاً لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في البيت ركعتين إلا أنه إن توجه إلى الباب أو على ظهرها أو كان بين يديه شئ من الكعبة متصل بها صحت صلاته وإن لم يكن بين يديه شئ شاخص منها أو كان بين يديه أجر معبى وغير مبني أو خشب غير مسمر فقال أصحابنا لا تصح صلاته لأنه غير مستقبل لشئ منها. قال شيخنا والأولى أنه لا يشترط كون شئ منها بين يديه لأن الواجب إستقبال موضعها وهوائها دون حيطانها بدليل مالو إنهدمت، وكذلك لو صلى على جبل عال يخرج عن مسامه البنيان صحت صلاته إلى هوائها كذلك ههنا (باب استقبال القبلة) (وهو الشرط الخامس) لصحة الصلاة لقول الله تعالى (وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره) أي نحوه، وقال علي رضي الله عنه شطره قبله، وروي عن البراء قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهراً ثم أنه وجه إلى الكعبة فمر رجل صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم على قوم من الأنصار فقال أن رسول اله صلى الله عليه وسلم قد وجه إلى الكعبة فانحرفوا إلى الكعبة. أخرجه النسائي (مسألة) قال (إلا في حال العجز عنه. والنافلة على الراحلة في السفر الطويل والقصير) وجملة ذلك أن الإستقبال يسقط في ثلاثة مواضع (أحدها) في حال العجز عنه لكونه مربوطاً إلى غير القبلة ونحوه فيصلي على حسب حاله لأنه شرط لصحة الصلاة عجز عنه أشبه القيام (الثاني) إذا إشتد الخوف

مسألة: ومن فاتته صلاة لزمه قضاؤها على الفور مرتبا قلت أو كثرت

كحال التحام الحرب وسنذكره في موضعه إن شاء الله (الثالث) في النافلة على الراحلة ولا نعلم في إباحة التطوع على الراحلة إلى غير القبلة في السفر الطويل خلافا بين أهل العلم. قال ابن عبد البر: أجمعوا على أنه جائز لكل من سافر سفراً تقصر فيه الصلاة أن يتطوع على دابته حيثما توجهت به يومئ بالركوع والسجود ويجعل السجود أخفض من الركوع، وهل السفر القصير حكم الطويل في ذلك؟ وهو قول الاوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي، وقال مالك: لا يباح لأنه رخصة سفر فاختص بالطويل لا القصير ولنا قول الله تعالى (ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله) قال ابن عمر: نزلت هذه الآية في التطوع خاصة حيث توجه بك بعيرك، وعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسبح على ظهر راحلته حيث كان وجه يومئ برأسه متفق عليه، وللبخاري إلا الفرائض، ولم يفرق بين قصير السفر وطويله ولأن إباحة التطوع على الراحلة تخفيف كيلا يؤدي الى تقليله وقطعه وهذا يستوي فيه الطويل والقصير. والفطر والقصر تراعى فيه المشقة وإنما توجد غالباً في الطويل. قال القاضي: الأحكام التي يستوي فيها السفر الطويل والقصير ثلاث: التيمم وأكل الميتة في المخمصة والتطوع على الراحلة وبقية الرخص تختص الطويل وهي القصر والجمع والمسح ثلاثاً (فصل) ويجعل سجوده أخفض من ركوعه. قال جابر بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة فجئت وهو يصلي على راحلته نحو المشرق والسجود أخفض من الركوع. رواه أبو داود، ويصلي على البعير والحمار وغيرهما، قال ابن عمر: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على حمار وهو متوجه إلى خيبر، رواه أبو داود والنسائي، لكن إذا قلنا بنجاسة الحمار فلابد أن يكون تحته سترة طاهرة، فإن كان على الراحلة في مكان واسع كالمنفرد في العمارية يدور فيها كيف شاء ويتمكن من الصلاة إلى القبلة والركوع والسجود بالأرض لزمه ذلك كراكب السفينة وان قدر على الإستقبال دون الركوع والسجود لزمه الإستقبال وأومأ بهما نص عليه. وقال أبو الحسن الآمدي: يحتمل أن لا يلزمه شئ من ذلك كغيره لأن الرخصة العامة يسوى فيها من وجدت فيه المشقة وغيره كالقصر والجمع، وإن عجز عن ذلك سقط بغير خلاف (فصل) وقبلة هذا المصلي حيث كانت وجهته فإن عدل عنها إلى جهة الكعبة جاز لأنها الأصل وإنما سقط للعذر، وإن عدل إلى غيرها عمداً فسدت صلاته لأنه ترك قبلته عمداً، وإن كان مغلوباً أو نائماً أو ظناً منه أنها جهة سيره فهو على صلاته ويرجع إلى جهة سيره إذا أمكنه فإن تمادى به ذلك

بعد زوال عذره فسدت صلاته لتركه الإستقبال عمداً. ولا فرق بين جميع التطوعات في هذه النوافل المطلقة والسنن الرواتب والوتر وسجود التلاوة، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يوتر على بعيره متفق عليه (مسألة) (وهل يجوز ذلك للماشي؟) على روايتين (إحداهما) لا يجوز وهو ظاهر كلام الخرقي ومذهب أبي حنيفة لعموم قوله تعالى (وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره) والنص إنما ورد في الراكب فلا يصح قياس الماشي عليه لأنه يحتاج إلى عمل كثير ومشي متتابع ينافي الصلاة فلم يصح الإلحاق (والثانية) يجوز ذلك للماشي نقلها عنه المثنى بن جامع واختاره القاضي، فعلى هذا يستقبل القبلة لإفتتاح الصلاة ثم ينحرف إلى جهة سيره ويقرأ وهو ماش ويركع ثم يسجد بالأرض، وهذا قول عطاء والشافعي لأن الركوع والسجود ممكن من غير إنقطاعه عن جهة سيره فلزمه كالواقف. وقال الآمدي: يومئ بالركوع والسجود كالراكب قياساً عليه. ووجه هذه الرواية إن الصلاة أبيحت للراكب كيلا ينقطع عن القافلة في السفر وهو موجود في الماشي ولأنها إحدى حالتي السفر أشبه الراكب (فصل) وإذا دخل المصلي بلداً ناوياً للإقامة فيه لم يصل بعد دخوله إليه إلا صلاة المقيم. وإن كان مجتازاً غير ناو للإقامة أو نوى الإقامة مدة لا يلزمه فيها إتمام الصلاة إستدام الصلاة مادام سائراً فإذا نزل فيه صلى إلى القبلة وبنى على ما مضى من صلاته كالخائف إذا أمن في أثناء صلاته. ولو ابتدأها وهو نازل إلى القبلة ثم أراد الركوب أتم صلاته ثم يركب وقيل يركب في الصلاة ويتمها إلى جهة سيره، كالآمن إذا خاف في صلاته والأولى أولى، والفرق بينهما أن حالة الخوف حالة ضرورة أبيح فيها ما يحتاج إليه من العمل وهذه رخصة من غير ضرورة فلا يباح فيها غير ما نقل ولم يرد بإباحة الركوب الذي يحتاج الى عمل وتوجه إلى غير جهة القبلة ولا جهة سيره سنة فيبقى على الأصل والله سبحانه وتعالى أعلم (مسألة) (فإن أمكنه إفتتاح الصلاة إلى القبلة فهل يلزمه ذلك؟ على روايتين) متى عجز عن إستقبال القبلة في إبتداء صلاته كراكب راحلة لا تطيعه أو جمل مقطور لم يلزمه لأنه عاجز عنه أشبه الخائف إذا عجز عن ذلك، وقال القاضي يحتمل أن يلزمه، وإن أمكنه ذلك كراكب راحلة منفردة تطيعه فهل يلزمه إفتتاح الصلاة إلى القبلة؟ على روايتين (إحداهما) يلزمه لما روي أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سافر فأراد أن يتطوع استقبل بناقته القبلة فكبر ثم صلى حيث كان وجهة ركابه، رواه الإمام أحمد وأبو داود، ولأنه أمكنه إبتداء الصلاة إلى القبلة فلزمه كالصلاة كلها وهذا اختيار الخرقي (والثانية) لا يلزمه لحديث ابن عمر اختاره أبو بكر ولأنه جزء من أجزاء الصلاة أشبه بقية أجزائها ولأن ذلك لا يخلو من مشقة فسقط، وخبر النبي صلى الله عليه وسلم يحمل على

مسألة: فإن خشي فوات الحاضرة أو نسي الترتيب سقط وجوبه

الفضيلة والندب والله أعلم. (مسألة) (والفرض في القبلة أصابة العين لمن قرب منها وأصابة الجهة لمن بعد عنها) الناس في القبلة على ضربين (أحدهما) يلزمه إصابة عين الكعبة وهو من كان معايناً لها ومن كان يمكنه من أهلها أو نشأ فيها أو أكثر مقامه فيها أو كان قريباً منها من وراء حائل يحدث كالحيطان والبيوت ففرضه التوجه إلى عين الكعبة وهكذا إن كان بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم لأنه متيقن صحة قبلته فإن النبي صلى الله عليه وسلم لا يقر على الخطأ، وقد روى أسامة أن النبي صلى الله عليه وسلم ركع ركعتين قبل القبلة وقال " هذه القبلة " كذلك ذكره أصحابنا، وفي ذلك نظر لأن صلاة الصف المستطيل في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم صحيحة مع خروج بعضهم عن إستقبال عين الكعبة لكن الصف أطول منها. وقولهم أنه عليه السلام لا يقر على الخطأ صحيح لكن إنما الواجب عليه استقبال الجهة وقد فعله وهذا الجواب عن الخبر المذكور، وإن كان أعمى من أهل مكة أو كان غريباً وهو غائب عن الكعبة ففرضه الخبر عن يقين أو مشاهدة مثل أن يكون من وراء حائل وعلى الحائل من يخبره أو أخبره أهل الدار أنه متوجه إلى عين الكعبة فلزمه الرجوع إلى قولهم وليس له الإجتهاد كالحاكم إذا وجد النص، قال ابن عقيل: لو خرج ببعض بدنه عن مسامته الكعبة لم تصح صلاته (الثاني) من فرضه إصابة الجهة وهو البعيد عن الكعبة فليس عليه إصابة العين، قال احمد: ما بين المشرق والمغرب قبلة فإن إنحرف عن القبلة قليلاً لم يعد ولكن يتحرى الوسط وهذا قول أبي حنيفة وأحد قولي الشافعي وقال في الآخر: تلزمه إصابة العين لقول الله (وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره) وقياساً على القريب وقد روى ذلك عن أحمد وهو اختيار أبي الخطاب ولنا قوله عليه السلام " ما بين المشرق والمغرب قبلة " رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح ولأنا أجمعنا على صحة صلاة الإثنين المتباعدين يستقبلان قبلة واحدة وعلى صحة صلاة الصف الطويل على خط مستو لا يمكن أن يصيب عين الكعبة إلا من كان بقدرها فإن قيل مع البعد يتسع المحاذي قلنا إنما يتسع مع التقوس وأما مع عدمه فلا (1) والله أعلم (مسألة) (فإن أمكنه ذلك بخبر ثقة عن يقين أو استدلال بمحاريب المسلمين لزمه العمل به وإن وجد محاريب لا يعلم هل هي للمسلمين أو لا لم يلتفت إليها) متى أخبره ثقة عن يقين لزمه قبول خبره لما ذكرنا، وإن كان في مصر أو قرية من قرى المسلمين ففرضه التوجه إلى محاريبهم لأن هذه القبلة ينصبها أهل الخبرة والمعرفة فجرى ذلك مجرى الخبر فأغنى عن الإجتهاد، وإن أخبره مخبر من

_ 1) قال هذا تبعا للمغني وفي اطلاقه والحق القول بالاتساع والتقوس في حال البعد هو الذي يقتضي الخروج عن المحاذاة

أهل المعرفة بالقبلة من أهل البلد أو من غيره صار إلى خبره وليس له الإجتهاد كالحاكم يقبل النص من الثقة ولا يجتهد. ويحتمل أنه إنما يلزمه الرجوع إلى الخبر وإلى المحاريب في حق القريب الذي يخبر عن التوجه إلى عين الكعبة، أما في حق من يلزمه قصد الجهة فإن كان أعمى أو من فرضه التقليد لزمه الرجوع إلى ذلك وإن كان مجتهداً جاز له الرجوع لما ذكرنا كما يجوز له الرجوع في الوقت إلى قول المؤذن ولا يلزمه ذلك بل يجوز له الإجتهاد إن شاء إذا كانت الأدلة على القبلة ظاهرة لأن المخبر والذي نصب المحاريب إنما يبني على الأدلة وقد ذكر ابن الزاغوني في كتاب الإقناع قال: إذا دخل رجل إلى مسجد قديم مشهور في بلد معروف كبغداد فهل يلزمه الإجتهاد أم يجزئه التوجه إلى القبلة؟ فيه روايتان عن أحمد (إحداهما) يلزمه الإجتهاد لأن المجتهد لا يجوز له أن يقلد في مسائل الفقه (والثانية) لا يلزمه لأن إتفاقهم عليها مع تكرر الإعصار إجماع عليها ولا يجوز مخالفتها بإجتهاده. فإذا قلنا يجب الإجتهاد في سائر البلاد ففي مدينة النبي صلى الله عليه وسلم روايتان (إحداهما) يتوجه إليها بلا إجتهاد لأنه عليه الصلاة والسلام لا يداوم عليها إلا وهي مقطوع بصحتها فهو كما لو كان مشاهداً للبيت (والثانية) هي كسائر البلاد يلزمه الإجتهاد فيها لأنها نازحة عن مكة فهي كغيرها (فصل) ولا يجوز الإستدلال بمحاريب الكفار لأن قولهم لا يجوز الرجوع إليه فمحاريهم أولى إلا أن تعلم قبلتهم كالنصارى فإذا رأى محاريبهم في كنائسهم على أنها مستقبلة المشرق فإن وجد محاريب لا يعلم هل هي للمسلمين أو الكفار لم يجز الاستدلالل بها لكونها لا دلالة فيها، وكذلك لو رأى على المحراب آثار الإسلام لجواز أن يكون الباني مشركاً عمله ليغر به المسلمين إلا أن يكون مما لا يتطرق إليه هذا الإحتمال ويحصل له العلم أنه محاريب المسلمين فيستقبله. (فصل) وإذا صلى على موضع عال يخرج عن مسامته الكعبة أو في مكان ينزل عن مسامتتها صحت صلاته لأن الواجب إستقبالها وما حاذاها من فوقها وتحتها لانها زالت صحت الصلاة إلى موضع جدارها والله أعلم (مسألة) (وإن إشتبهت عليه في السفر إجتهد في طلبها بالدلائل وأثبتها بالقطب إذا جعله وراء ظهره كان مستقبلاً الكعبة) (1) متى اشتبهت القبلة في السفر وكان مجتهداً وجب عليه الإجتهاد في طلبها بالأدلة لأن ما وجب عليه إتباعه عند وجوده وجب الإستدلال عليه عند خفائه كالحكم في الحادثة. والمجتهد هو العالم بأدلة القبلة وإن جهل أحكام الشرع لأن كل من علم أدلة شئ كان مجتهداً فيه لأنه

_ 1) أي في المدينة المنورة وسورية وامثالهما من البلاد الشمالية كما سيأتي

يتمكن من إستقبالها بدليله والجاهل الذي لا يعرف أدلة القبلة وإن كان فقيهاً وكذلك الأعمى فهذان فرضهما التقليد، وأوثق أدلتها النجوم قال الله تعالى (وبالنجم هم يهتدون) وقال (لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر) وآكدها القطب وهو نجم خفي شمالي حوله أنجم دائرة في أحد طرفيها الجدي وفي الآخر الفرقدان وبين ذلك ثلاثة أنجم من فوق وثلاثة من أسفل تدور هذه الفراشة حول القطب كدوران الرحا حول سفودها في كل يوم وليلة دورة وقريب منها بنات نعش مما يلي الفرقدين تدور حولها والقطب لا يتغير من مكانه في جميع الأزمان وقيل أنه يتغير تغيراً يسيراً لا يؤثر وهو خفي يظهر لحديد النظر في غير ليالي القمر متى استدبرته في الأرض الشامية كنت مستقبلاً للكعبة، وقيل أنه ينحرف في دمشق وما قاربها إلى المشرق قليلاً وكلما قرب إلى المغرب كان إنحرافه أكثر. وإن كان بحران أو قريباً منها جعل القطب خلف ظهره معتدلاً، وإن كان بالعراق جعل القطب حذاء أذنه اليمنى (1) على علوها ومتى استدبر الفرقدين والجدي في حال علو أحدهما ونزول الآخر على الإعتدال فهو كاستدبار القطب وإن استدبره في غير هذه الحال كان مستقبلاً للجهة فإن استدبر الغربي كان منحرفاً إلى الشرق وبالعكس وإن استدبر بنات نعش فكذلك إلا أن انحرافه أكثر (فصل) والشمس والقمر ومنازلهما وهي ثمانية وعشرون منزلاً، الشرطان، والبطين، والثريا والدبران، والهقعة، والهنعة، والذراع، والنثرة، والطرف، والجبهة، والزبرة، والصدفة، والعواء والسماك، والغفر، والزبانا، والإكليل، والقلب، والشولة، والنعائم، والبلدة، وسعد الذابح، وسعد بلع، وسعد السعود، وسعد الأخبية، والفرع المقدم، والفرع المؤخر، وبطن الحوت، منها أربعة عشر شامية تطلع من وسط المشرق مائلة إلى الشمال قليلاً أولها الشرطان وآخرها السماك، والباقي يمانية تطلع من المشرق مائلة إلى التيامن، أولها الغفر وآخرها بطن الحوت، وينزل القمر كل ليلة بمنزل أو قريبا منه، ثم ينتقل الليلة الثانية الى الذي يليه. والشمس تنزل بكل منزل منها ثلاثة عشر يوماً فيكون عودها إلى المنزل الذي نزلت به عند تمام سنة شمسية. وهذه المنازل يكون منها فيما بين طلوع الشمس وغروبها أربعة عشر منزلاً ومثلها من غروبها إلى طلوع وقت الفجر، منها منزلان وقت المغرب منزل وهو نصف سدس سواد الليل، وكلها تطلع من المشرق عن يسرة المصلي وتغرب

_ 1) وفي مصر بالعكس

عن يمينه في المغرب إلا أن أوائل الشامية وأواخر اليمانية وأول اليمانية وآخر الشامية تطلع من وسط المشرق أو قريبا منه بحيث إذا جعل الطالع منها محاذياً لكتفه الأيسر كان مستقبلاً للكعبة. والمتوسط من الشامية وهو الذراع وما يليه من الجانبين مطلعه إلى ناحية الشمال، والمتوسط من اليمانية كالبلدة وما هو من جانبها يميل مطلعه إلى التيامن، فاليماني منها يجعله أمام كتفه اليسرى، والشامي يجعله خلف كتفه، وكذلك الغارب عند الكتف الأيمن، وإن عرف المتوسط منها بأن يرى بينه وبين أفق السماء سبعة من الجانبين. ولكل نجم من هذه المنازل نجوم تقاربه وتقارنه حكمها حكمه ويستدل بها عليه كالنسرين والشعريين والسماك الرامح وغير ذلك، وسهيل نجم كبير يطلع نحواً من مهب الجنوب ثم يسير حتى يصير في قبلة المصلي ويتجاوزها ثم يغرب قريباً من مهب الدبور، والناقة تطلع في المحرم من مهب الصبا وتغيب في مهب الشمال (فصل) والشمس تختلف مطالعها ومغاربها على حسب إختلاف منازلها، تطلع من المشرق وتغرب في المغرب، والقمر يبدأ أول ليلة في المغرب ثم يتأخر كل ليلة منزلاً حتى يكون في السابع وقت المغرب في قبلة المصلي مائلاً عنها قليلاً إلى الغرب. ثم يطلع ليلة الرابعة عشرة من المشرق وليلة إحدى وعشرين يكون في قبلة المصلي أو قريباً منها وقت الفجر وتختلف مطالعه بإختلاف منازله (مسألة) والرياح الجنوب تهب مستقبلة لبطن كتف المصلي اليسرى مارة إلى يمينه من الزاوية التي بين القبلة والمشرق والشمال مقابلتها تهب إلى مهب الجنوب، والدبور تهب من الزاوية التي بين القبلة والمغرب مستقبلة شطر وجه المصلي الأيمن. والصبا مقابلتها تهب إلى مهبها، فهذه الرياح التي يستدل بها وتعرف بصفاتها وخصائصها وربما هبت هذه الرياح بين الحيطان والجبال فتدور فلا إعتبار بها، وبين كل ريحين منها ريح تسمى النكباء لتنكبها طريق الرياح المعروفة، فهذا أصح ما يستدل به على القبلة، وقد يهتدي أهل كل بلد على القبلة بأدلة تختص بها من جبالها وأنهارها وغير ذلك، وذكر أصحابنا الاستدلال بالانهار الكبار وقالوا: كلها تجري عن يمنة المصلي إلى يسرته على إنحراف قليل كدجلة والفرات والنهروان، ولا إعتبار بالأنهار الصغار ولا المحدثة لأنها بحسب الحاجات ما خلا نهرين (أحدهما) العاصي بالشام (والآخر) سيحون بالمشرق، قال شيخنا: وهذا لا ينضبط

مسالة: وإن نسي الترتيب سقط وجوبه

فإن الأردن بالشام نحو القبلة وكثير منها يجري نحو البحر يصب فيه والله أعلم (فصل) فإن خفيت الأدلة على المجتهد لغيم أو ظلمة تحرى وصلى وصحت صلاته لأنه بذل وسعه في معرفة الحق مع علمه بأدلته، أشبه الحاكم إذا خفيت عليه النصوص. وقد روى عبد الله بن عامر ابن ربيعة عن أبيه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر في ليلة مظلمة فلم ندر أين القبلة فصلى كل رجل منا حياله فلما أصبحنا ذكرنا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فنزل (فأينما تولوا فثم وجه الله) رواه ابن ماجه والترمذي وقال حديث حسن إلا أنه من حديث أشعث السمان وفيه ضعف (مسألة) (وإذا إختلف إجتهاد رجلين لم يتبع أحدهما صاحبه ويتبع الجاهل والأعمى أوثقهما في نفسه) متى إختلف مجتهدان ففرض كل واحد منهما الصلاة إلى الجهة التي يؤديه إليها إجتهاده فلا يسعه تركها ولا تقليد صاحبه وإن كان أعلم منه كالعالمين يختلفان في الحادثة فإن اجتهد أحدهما دون الآخر لم يجز له تقليد من إجتهد حتى يجتهد بنفسه وإن ضاق الوقت كالحاكم لا يسعه تقليد غيره وقال القاضي: ظاهر كلام أحمد في المجتهد انه يسعه تقليد غيره إذا ضاق الوقت عن إجتهاده قال لأن أحمد قال فيمن هو في مدينة فتحرى فصلى لغير القبلة في بيت يعيد لأن عليه أن يسأل. قال شيخنا: وما استدل به لا دليل فيه وكلام أحمد إنما دل على أنه ليس لمن في المصر الإجتهاد لأنه يمكنه التوصل إلى معرفة القبلة بالخبر وكذلك لم يفرق بين ضيق الوقت وسعته مع الاتفاق على أنه لا يجوز التقليد مع سعة الوقت (فصل) ومتى إختلف إجتهادهما لم يجز لأحدهما أن يؤم صاحبه لأن كل واحد منهما يعتقد خطأ الآخر فلم يجز له الإئتمام به كما لو خرجت من أحدهما ربح واعتقد كل واحد منهما أنها من الآخر. قال شيخنا: وقياس المذهب جواز ذلك، وهو مذهب أبي ثور، لأن كل واحد منهما يعتقد صحة صلاة الآخر وإن فرضه التوجه إلى ما توجه اليه فلم يمنع الإقتداء به إختلاف الجهة كالمصلين حول الكعبة وقد نص أحمد على صحة الصلاة خلف المصلي في جلود الثعالب إذا كان يعتقد صحة الصلاة فيها وفارق ما إذا إعتقد كل واحد منهما حدث صاحبه لأنه يعتقد بطلان صلاته بحيث لو بان له يقيناً حدث نفسه أعاد الصلاة بخلاف هذا، وهذا هو الصحيح إن شاء الله تعالى. فأما إن مال أحدهما يميناً والآخر شمالاً مع إتفاقهما في الجهة فلا يختلف المذهب في صحة ائتمام أحدهما بالآخر لاتفاقهما في

باب ستر العورة

الجهة الواجب استقبالها (فصل) (ويتبع الجاهل والاعمى أو ثقهما في نفسه) متى إختلف مجتهدان وكان معهما أعمى أو جاهل لا يقدر على تعلم الأدلة قبل خروج الوقت ففرضه تقليد أوثقهما في نفسه وأعلمهما وأكثرهما تحرياً لأن الصواب إليه أقرب. فإن قلد المفضول فظاهر كلامه ههنا أنه لا تصح صلاته لأنه ترك ما يغلب على ظنه أنه الصواب فلم يجز له ذلك كالمجتهد يترك إجتهاده. والأولى صحتها وهو مذهب الشافعي لأنه أخذ بدليل له الأخذ به لو انفرد فكذلك إذا كان معه غيره كما لو استويا ولا عبرة بظنه فإنه لو غلب على ظنه إصابة المفضول لم يمنع ذلك تقليد الأفضل، فإن استويا قلد من شاء منهما كالعامي مع العلماء في بقية الأحكام (فصل) والمقلد من لا تمكنه الضلاة باجتهاد نفسه، إما لعدم بصره أو بصيرته بحيث لا يمكنه التعلم قبل خروج وقت الصلاة فإن أمكنه التعلم قبل خروج الوقت لزمه، فإن صلى قبل ذلك لم تصح لأنه قدر على الصلاة باجتهاده فلم يجز له التقليد كالمجتهد، ولا يلزم هذا على العامي حيث لم يلزمه تعلم الفقه لوجهين (أحدهما) أن الفقه ليس شرطاً لصحة الصلاة (الثاني) أنه يشق ومدته تطول فإن أخر هذا التعلم والصلاة حتى ضاق الوقت عن التعلم والإجتهاد أو عن أحدهما أحدهما صحت صلاته بالتقليد كالذي يقدر على تعلم الفاتحة فيضيق الوقت عن تعلمها. وإن كان بالمجتهد ما يمنعه رؤية الأدلة كالرمد والمحبوس في مكان لا يرى فيه الأدلة ولا يجد مخبراً إلا مجتهداً فهو كالأعمى في جواز تقليده (فصل) فإذا شرع في الصلاة بتقليد مجتهد فقال له قائل قد أخطأت القبلة وكان يخبر عن يقين كمن يقول قد رأيت الشمس ونحوها وتيقنت خطأك لزمه الرجوع إلى قوله لأنه لو أخبر بذلك المجتهد الذي قلده الأعمى لزمه قبول خبره فالأعمى أولى. وإن أخبره عن إجتهاده أو لم يبين له ولم يكن في نفسه أوثق من الأول مضى على ما هو عليه لأنه شرع في الصلاة بدليل يقيني فلا يزول عنه بالشك وإن كان أوثق من الأول في نفسه وقلنا لا يلزمه تقليد الأفضل فكذلك والارجع إلى قوله كالمجتهد إذا

تغير اجتهاده في أثناء صلاته. (فصل) ولو شرع مجتهد في الصلاة بإجتهاده فعمي فيها بنى على ما مضى من صلاته لأنه يمكنه البناء على إجتهاد غيره فاجتهاد نفسه أولى فإن استدار عن تلك الجهة بطلت صلاته وإن أخبره مخبر يخطئه عن يقين رجع إليه وإن كان عن إجتهاده لم يرجع إليه لما ذكرنا، وإن شرع فيها وهو أعمى فأبصر في أثنائها فشاهد ما يستدل به على صواب نفسه من العلامات مضى عليه لأن الاجتهادين قد إتفقا وإن بان له خطؤه استدار إلى الجهة التي أداه اجتهاده إليها وبنى كالمجتهد إذا تغير اجتهاده في أثناء الصلاة وإن لم يتبين له صواب ولا خطأ بطلت صلاته واجتهد لأن فرضه الإجتهاد فلم يجز له أداء فرضه بالتقليد كما لو كان بصيراً في ابتدائها وإن كان مقلداً مضى في صلاته لأنه ليس في وسعه إلا الدليل الذي بدأ به فيها (مسألة) (وإذا صلى البصير في حضر فأخطأ أو صلى الأعمى بلا دليل أعاد) متى صلى البصير في الحضر ثم بان له الخطأ أعاد سواء صلى باجتهاده أو غيره لأن الحضر ليس بمحل للإجتهاد لقدرة من فيه على الاستدلال بالمحاريب ونحوها ولأنه يجد من يخبره عن يقين غالباً فلم يكن له الإجتهاد كواجد النص في سائر الأحكام، وإن صلى من غير دليل أخطأ لتفريطه وإن أخبره مخبر فأخطأ فقد تبين أن خبره ليس بدليل، فإن كان محبوساً لا يجد من يخبره فقال أبو الحسن التميمي يصلي بالتحري ولا يعيد لأنه عاجز عن الاستدلال بالخبر والمحاريب أشبه المسافر، وأما الأعمى فهو في الحضر كالبصير لقدرته على الاستدلال بالخبر والمحاريب فإنه يعرف باللمس وكذلك يعلم أن باب المسجد إلى الشمال أو غيرها فيمكنه الاستدلال به فمتى أخطأ أعاد وكذلك حكم المقلد في هذا (مسألة) (فإن لم يجد الأعمى من يقلده صلى وفي الإعادة روايتان) وقال ابن حامد أن أخطأ أعاد وإن أصاب فعلى وجهين وإذا كان الأعمى والمقلد في السفر ولم يجد مخبراً ولا مجتهداً يقلده فقال

مسألة: والحرة كلها عورة إلا الوجه وفي الكفين روايتان

أبو بكر يصلي على حسب حاله وفي الإعادة روايتان (إحداهما) يعيد بكل حال وهو ظاهر كلام الخرقي لأنه صلى بغير دليل فلزمته الإعادة وإن أصاب كالمجتهد إذا صلى بغير إجتهاد (والثانية) الإعادة عليه لأنه أتى بما أمر به أشبه المجتهد ولأنه عاجز عن غير ما أتى به فسقط عنه كسائر العاجزين عن الإستقبال ولأنه عادم للدليل أشبه المجتهد في الغيم، وقال ابن حامد أن أخطأ أعاد لفوات الشرط وإن أصاب فعلى وجهين وجههما كما ذكرنا. وقد ذكرنا أن هذا حكم المقلد فأما إن وجد من يخبره أو يقلده فلم يفعل أو خالف المخبر أو المجتهد وصلى بطلت صلاته بكل حال وكذلك المجتهد إذا صلى من غير إجتهاد وأداه إجتهاده إلى جهة فخالفها لأنه ترك ما أمر به أشبه التارك التوجه إلى الكعبة مع علمه بها (مسألة) (ومن صلى بالاجتهاد إلى جهة ثم علم أنه أخطأ القبلة فلا إعادة عليه) وكذلك حكم المقلد الذي صلى بتقليده، وبه قال مالك وأبو حنيفة والشافعي في أحد قوليه، وقال في الآخر تلزمه الإعادة لأنه أخطأ في شرط من شروط الصلاة فلزمته الإعادة كما لو صلى ثم بان أنه أخطأ في الوقت أو بغير طهارة ولنا حديث عامر بن ربيعة الذي ذكرناه ولأنه أتى بما أمر فخرج عن العهدة كالمصيب ولأنه صلى إلى غير الكعبة للعذر أشبه الخائف ولأنه شرط عجز عنه أشبه سائر الشروط، وأما المصلي قبل الوقت فإنه لم يأت بما أمره به إنما أمر بالصلاة في الوقت بخلاف مسئلتنا فإنه مأمور بالصلاة بغير شك ولم يؤمر إلا بهذه الصلاة لأن غيرها محرمة عليه إجماعاً وسائر الشروط إذا عجز عنها سقطت كذاههنا، ولا فرق بين كون الأدلة ظاهرة فاشتبهت عليه أو مستورة بغيم أو ما يسترها عنه لما ذكرنا من الحديث فإن الأدلة استترت عنهم بالغيم ولأنه أتى بما أمر في الحالين وعجز عن إستقبال القبلة في الموضعين فاستويا في عدم الإعادة (فصل) وإن بان له يقين الخطأ وهو في الصلاة استدار إلى جهة الكعبة وبنى على ما مضى من

مسالة: وأم الولد والمعتق بعضها كالأمة وعنه كالحرة

صلاته لأن ما مضى منها كان صحيحاً فجاز البناء عليه كما لو لم يبن له الخطأ. وإن كانوا جماعة قد قدموا أحدهم ثم بان لهم الخطأ في حال واحدة استداروا إلى الجهة التي بان لهم فيها الصواب لأن أهل قباء بان لهم تحويل القبلة وهم في الصلاة واستداروا إلى جهة الكعبة وأتموا صلاتهم، وإن بان للإمام وحده أو للمأمومين أو لبعضهم استدار من بان له الصواب ونوى بعضهم مفارقة بعض إلا على الوجه الذي قلنا أن لبعضهم الائتمام ببعض مع إختلاف الجهة، وإن كان فيهم مقلد تبع من قلده وانحرف بإنحرافه وإن قلد الجميع لم ينحرف إلا بإنحراف الجميع لأنه شرع بدليل يقيني فلا ينحرف بالشك إلا من يلزمه تقليد الأوثق فإنه ينحرف بإنحرافه (مسالة) (فإن أراد صلاة أخرى اجتهد لها فإن تغير إجتهاده عمل بالثاني ولم يعد ما صلى بالأول) وجملته أن المجتهد متى صلى بالاجتهاد إلى جهة صلاة ثم أراد صلاة أخرى اجتهد لها كالحاكم إذا إجتهد في حادثة ثم حدث مثلها وهذا مذهب الشافعي، فإن تغير إجتهاده عمل بالثاني ولم يعد ما صلى بالأول كالحاكم لو تغير اجتهاده في الحادثة الثانية عمل به ولم ينقض حكمه الأول وهذا لا نعلم فيه خلافاً، فإن تغير اجتهاده في الصلاة استدار وبنى على ما مضى. نص عليه أحمد، وقال ابن أبي موسى والآمدي لا ينتقل لئلا ينقض الإجتهاد بالإجتهاد ولنا أنه مجتهد أداه اجتهاده إلى جهة فلم تجز له الصلاة إلى غيرها كما لو أراد صلاة أخرى وليس هذا نقضاً للإجتهاد إنما عمل به في المستقبل كما في الصلاة الأخرى. وإنما يكون نقضاً للإجتهاد إذا ألزمناه اعادة ما مضى من صلاته، فإن لم يبق إجتهاده وظنه إلى الجهة الأولى ولم يؤده إجتهاده إلى جهة أخرى بنى على ما مضى لأنه لم يظهر له جهة أخرى يتوجه إليها. وإن شك في إجتهاده لم يزل على جهته لأن الإجتهاد ظاهر فلا يزول عنه بالشك، وإن بان له الخطأ ولم يعرف جهة القبلة كمن كان يصلي إلى جهة فرأى بعض منازل القمر في قبلته ولم يدر أهو في الشرق أم في الغرب واحتاج إلى الإجتهاد بطلت صلاته لأنه لا يمكنه استدامتها إلى غير القبلة وليست له جهة يتوجه إليها فبطلت لتعذر إتمامها والله أعلم (باب النية) (وهي الشرط السادس للصلاة على كل حال) النية هي القصد يقال نواك الله بخير أي قصدك ومحلها القلب فإن لفظ بما نواه كان تأكيداً وإن سبق لسانه إلى غير ما نواه لم تفسد صلاته وإن لم ينطق بلسانه أجزأ وهي واجبة لا نعلم فيه خلافاً ولا تنعقد الصلاة إلا بها ولا تسقط بحال لقول الله

مسألة: ويستحب للرجل أن يصلي في ثوبين

تعالى (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخصلين له الدين) والإخلاص عمل القلب وهو أن يقصد بعمله الله تعالى وحده غيره، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم " إنما الأعمال بالنيات وإنما لأمرئ ما نوى " متفق عليه (مسألة) (ويجب أن ينوي الصلاة بعينها إن كانت معينة وإلا أجزأته نية الصلاة) متى كانت الصلاة معينة لزمه شيئان: نية الفعل، والتعيين، فإن كان فرضاً ظهراً أو عصراً أو غيرهما لزمه تعيينها، وكذلك إن كانت نفلاً معينة كالوتر وصلاة الكسوف والاستسقاء والسنن الرواتب لزمه التعيين أيضا لعوم الحديث، وإن كانت نافلة مطلقة كصلاة الليل أجزأته نية مطلق الصلاة لا غير لعدم التعيين فيها (مسألة) (وهل تشترط نية القضاء في الفائتة ونية الفرضية في الفرض؟ على وجهين) اختلف أصحابنا في نية الفرضية في الفرض فقال بعضهم: لا يجب لأن التعيين يغني عنها لكون الظهر لا تكون من المكلف إلا ظهراً فرضاً، وقال ابن حامد لابد منها لأن المعينة قد تكون نفلاً كظهر الصبي والمعادة فعلى هذا يحتاج إلى نية الفعل والتعيين والفرضية (فصل) وينوي الأداء في الحاضرة والقضاء في الفائتة، وهل يجب ذلك؟ على وجهين (أحدهما) يجب لقوله " وإنما لأمرئ، ما نوى " (والثاني) لا يجب وهو أولى لأنه لا يختلف المذهب أنه لو صلى ينويها أداء فبان أن وقتها قد خرج أن صلاته صحيحة ويقع قضاء وكذلك لو نواها قضاء ظناً أن الوقت قد خرج فبان فعلها في وقتها وقعت أداء من غير نيته كالأسير إذا تحرى وصام فبان أنه وافق الشهر أو ما بعده أجزأه، فأما إن ظن أن عليه ظهراً فائتة فقضاها في وقت ظهر اليوم ثم بان أنه لا قضاء عليه أجزأته في أحد الوجهين لأن الصلاة معينة وإنما أخطأ في نية الوقت فلم يؤثر كما إذا اعتقد أن الوقت قد خرج فبان إنه لم يخرج أو كما لو نوى ظهر أمس وعليه ظهر يوم قبله (والثاني) لا يجزئه لأنه لم ينو عين الصلاة أشبه ما لو نوى قضاء عصر فإنها لا تجزئه عن الظهر، ولو نوى ظهر اليوم في وقتها وعليه فائتة لم يجزئه عنها ويتخرج فيها كالتي قبلها، فأما إن كانت عليه فوائت فنوى صلاة غير معينة لم تجزئه عن واحدة منها لعدم التعيين (مسألة) (ويأتي بالنية عند تكبيرة الإحرام) لأنه أول الصلاة لتكون الينة مقارنة للعبادة (مسألة) (فإن تقدمت قبل ذلك بزمن يسير جاز) ذكره أصحابنا ما لم يفسخها، واشترط الخرقي أن يكون بعد دخول الوقت، فإن قطع النية أو طال الفصل لم يجزئه وهذا مذهب أبي حنيفة، وقال

الشافعي وابن المنذر: تشترط مقارنة النية للتكبير لقوله تعالى (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) فقوله مخلصين حال لهم في وقت العبادة، أي مخلصين حال العبادة، والإخلاص هو النية ولأن النية شرط فلم يجز أن تخلو العبادة عنها كسائر شروطها ولنا أنها عبادة فجاز تقديم نيتها عليها كالصوم وتقدم النية على الفعل لا يخرجه عن كونه منوياً ولا يخرج الفاعل عن كونه مخلصاً كالصوم ولأنه جزء من الصلاة أشبه سائر أجزائها (مسألة) (ويجب أن يستصحب حكمها إلى آخر الصلاة) معنى استصحاب حكمها أن لا يقطعها فلو ذهل عنها أو عزبت عنه في أثناء الصلاة لم يبطلها لأن التحرز من هذا غير ممكن وقياساً على الصوم وغيره، وقد روى مالك في الموضأ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا أقيمت الصلاة أدبر الشيطان وله حصاص فإذا قضى التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه يقول أذكر كذا أذكر كذا حتى يضل أحدكم أن يدري كم صلى " وروي ان عمر صلى صلاة لم يقرأ فيها، فقيل له إنك لم تقرأ؟ فقال، أني جهزت جيشاً للمسلمين حتى بلغت بهم وادي القرى، وإن أمكنه إستصحاب ذكرها فهو أفضل لأنه أبلغ في الإخلاص (2) (مسألة) (فإن قطعها في أثنائها بطلت الصلاة وإن تردد في قطعها فعلى وجهين) وجملة ذلك أنه يشترط أن يدخل في الصلاة بنية جازمة فإن دخل بنية مترددة بين إتمامها وقطعها لم تصح لأن النية عزم جازم ولا يحصل ذلك مع التردد فإن تلبس بها بنية صحيحة ثم نوى قطعها والخروج منها بطلت، وهذا قول الشافعي. وقال أبو حنيفة لا تبطل بذلك لأنها عبادة دخلها بنية صحيحة فلم تفسد بنية الخروج منها كالحج ولنا أنه قطع حكم النية قبل إتمام صلاته ففسدت كما لو سلم ينوي الخروج منها ولأن النية شرط في جميع الصلاة وقد قطعها ففسدت لذهاب شرطها، وفارق الحج فإنه لا يخرج منه بمحظوراته بخلاف الصلاة. فأما إن تردد في قطعها فقال ابن حامد: لا تبطل لأنه دخل فيها بنية متيقة فلا يزول بالشك والتردد كسائر العبادات، وقال القاضي يحتمل أن تبطل وهو مذهب الشافعي لأن استدامة النية شرط ومع التردد لا يبقى مستديماً لها أشبه إذا نوى قطعها (فصل) فإن شك في أثناء الصلاة في النية أو في تكبيرة الإحرام أستأنفها لأن الأصل عدمها فإن ذكر أنه كان قد نوى أو كبر قبل قطعها أو شرع في عمل فله البناء لأنه لم يوجد مبطل لها وإن

_ 2) فيه أن تذكر المنوي وهو شكل الصلاة يشغل عن تدبر الذكر والقراءة وان الاخلاص إذا كان هو الباعث علي العبادة لا ينقطع إلا بطرو الرياء وحب السمعة على القلب وحينئذ يجب دفعه بتذكر احباطه للعمل وكون الناس لا يغنون عنه إذا حمدوا عبادته وهي مردودة عند الله تعالى وفيما عدا هذا يكون الاخلاص الذي بعث على العمل مصاحبا له فلا يحتاج إلى استصحاب بذكره كتبه محمد رشيد رضا

مسألة: ويستحب للمرأة أن تصلي في درع وخمار وملحفة فإن إقتصرت على ستر العورة أجزأها

عمل فيها عملاً مع الشك بطلت، ذكره القاضي وهو مذهب الشافعي لأن هذا العمل عري عن النية وحكمها لأن استصحاب حكمها مع الشك لا يوجد، وقال ابن حامد لا تبطل ويبني لأن الشك لا يزيل حكم النية فجاز له البناء كما لو لم يحدث عملاً لأنه لو أزال حكم النية لبطلت كما لو نوى قطعها، وإن شك هل نوى فرضاً أو نفلاً أتمها نفلاً إلا أن يذكر أنه نوى الفرض قبل أن يحدث عملاً فيتمها فرضاً، وإن كان ذكره بعد أن أحدث عملاً خرج فيه الوجهان، فإن شك هل أحرم بظهر أو عصر فحكمه حكم مالو شك في النية لأن التعيين شرط. ويحتمل أن يتمها نفلاً كما لو احرم بفرض فبان قبل وقته (مسألة) (وإن أحرم بفرض فبان قبل وقته إنقلب نفلاً) لأن نية الفرض تشتمل على نية النفل فإذا بطلت نية الفرضية بقيت نية مطلق الصلاة (مسألة) (وإن أحرم به في وقته ثم قلبه نفلاً جاز، ويحتمل أن لا يجوز إلا لعذر مثل أن يحرم منفرداً يريد الصلاة في جماعة) متى أحرم بفرض في وقته ثم قلبه نفلاً فإن كان لغير غرض كره وصح لأن النفل يدخل في نية الفرض، أشبه مالو أحرم بفرض فبان قبل وقته وكما لو قلبها لغرض، ذكره أبو الخطاب ويكره ذلك لأنه أبطل عمله. وقال القاضي في موضع لا يصح رواية واحدة، كما لو إنتقل من فرض إلى فرض، وقال في الجامع يخرج على روايتين (إحداهما) يصح لما ذكرنا (والثانية) لا يصح لأنه أبطل عمله لغير سبب ولا فائدة، وللشافعي قولان كالوجهين. وإن كان لغرض صحيح مثل من أحرم منفرداً فحضرت جماعة فقلبها نفلاً ليحصل فضيلة الجماعة صح من غير كراهة لما ذكرنا، وقال القاضي: فيه روايتان (إحداهما) لا تصح لما ذكرنا (والثانية) تصح لتحصل له مضاعفة الثواب (مسألة) (وإن انتقل من فرض إلى فرض بطلت الصلاتان) تبطل الأولى لأنه قطع نيتها ولا تصح الثانية لأنه لم ينوها من أولها (مسألة) (ومن شرط الجماعة أن ينوي الإمام والمأموم حالهما) يشترط أن ينوي الإمام أنه إمام والمأموم أنه مأموم لأن الجماعة يتعلق بها أحكام وجوب الإتباع وسقوط السهو عن المأموم وفساد صلاته بفساد صلاة إمامه وإنما يتميز الإمام عن المأموم بالنية فكانت شرطاً، فإن نوى أحدهما دون صاحبه لم يصح ولأن الجماعة إنما تنعقد بالنية فاعتبرت منهما قياساً لأحدهما على الآخر فإن صلى رجلان ينوي كل واحد منهما أنه إمام صاحبه أو مأموم له فصلاتهما فاسدة نص عليهما لأنه إئتم بمن ليس بإمام في الصورة الثانية وأم من لم يأتم به في الأولى، ولو رأى رجلين يصليان فنوى الإئتمام

مسألة: وإذا إنكشف من العورة يسير لم يفحش في النظر لم تبطل صلاته

بالمأموم لم يصح لأنه إئتم بمن ليس بإمام وإن نوى الإئتمام بأحدهما لا بعينه لم يصح حتى يعين الإمام لأن تعيينه شرط. وإن نوى الإئتمام بهما معاً لم يصح لأنه إئتم بمن ليس بإمام ولأنه لا يجوز الإئتمام بأكثر من واحد. ولو نوى الإئتمام بإمامين لم يجز لأنه لا يمكن إتباعهما معاً (مسألة) (فإن أحرم منفرداً ثم نوى الإئتمام لم يصح في أصح الروايتين) متى أحرم منفرداً ثم نوى جعل نفسه مأموماً بأن تحضر جماعة فينوي الدخول معهم في صلاتهم ففيه روايتان (إحداهما) يجوز سواء كان أول صلاته أو في أثنائها لأنه نقل نفسه إلى الجماعة فجاز كما لو نوى الإمامة (والثانية) لا يجوز وهي أصح لأنه نقل نفسه مؤتماً فلم يجز كالإمام، وفارق نقله إلى الإمامة لأن الحاجة تدعو إليه قال أحمد في رجل دخل المسجد فصلى ركعتين أو ثلاثاً ينوي الظهر ثم جاء المؤذن فأقام الصلاة: سلم من هذه وتصير له تطوعاً ويدخل معهم. قيل له فإن دخل مع القوم في الصلاة واحتسب به؟ قال لا يجزئه بها حتى ينوي بها الصلاة مع الإمام في إبتداء الفرض (مسألة) (وإن نوى الإمامة صح في النفل ولم يصح في الفرض ويحتمل أن يصح وهو أصح عندي) إذا أحرم منفرداً ثم إنتقل إلى نية الإمامة في النفل صح نص عليها أحمد لما روى ابن عباس قال بت عند خالتي ميمونة فقام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي متطوعاً من الليل فقام إلى القربة فتوضأ فصلى فقام - فقمت لما رأيته صنع ذلك فتوضأت من القربة ثم قمت إلى شقه الأيسر فأخذ بيدي (1) من وراء ظهره يعدلني كذلك إلى الشق الأيمن متفق عليه واللفظ لمسلم، وروت عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل وجدار الحجرة قصير فرأى الناس شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام الناس يصلون بصلاته (فصل) فأما في الفريضة فان كان ينتظر أحداً كإمام المسجد يحرم وحده وينتظر من يأتي ويصلي معه جاز ذلك نص عليه لأن النبي صلى الله عليه وسلم أحرم وحده فجاء جابر وجبار فصلى بهما رواه أبو داود. والظاهر أنها كانت مفروضة لأنهم كانوا مسافرين وإن لم يكن كذلك لم يصح وهو قول الثوري واسحاق وأصحاب الرأي في الفرض والنفل جميعاً لأنه لم ينو الإمامة في إبتداء الصلاة أشبه مالو أئتم بمأموم. ويحتمل أن يصلي وقد روي عن أحمد ما يدل عليه وهو مذهب الشافعي، قال شيخنا: وهو الصحيح إن شاء الله لأنه قد ثبت في النفل بحديث ابن عباس وعائشة والأصل

مسألة: وإن فحش بطلت

مساواة الفرض للنفل في النية ومما يقوي ذلك حديث جابر وجبار في الفرض ولأن الحاجة تدعو إليه فصح كحالة الاستخلاف. وبيانها أن المنفرد إذا جاء قوم فأحرموا معه فإن قطع الصلاة وأخبرهم بحاله قبح لما فيه من إبطال العمل وإن أتم الصلاة ثم أخبرهم بفساد صلاتهم فهو أقبح وأشق وقياسهم ينتقض بحالة الاستخلاف والله أعلم (مسألة) (وإن أحرم مأموماً ثم نوى الإنفراد لعذر جاز) لما روى جابر قال صلى معاذ بقومه فقرأ سورة البقرة فتأخر رجل فصلى وحده فقيل له نافقت قال ما نافقت ولكن لآتين رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك فقال " أفتان أنت يا معاذ؟ " مرتين متفق عليه ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل بالإعادة، والأعذار التي يخرج لأجلها مثل هذا والمرض وخشية غلبة النعاس أو شئ يفسد صلاته أو خوف فوات مال أو تلفه أو فوت رفقته أو من يخرج من الصف ولا يجد من يقف معه ونحو ذلك (مسألة) (وإن كان لغير عذر لم يجز في إحدى الروايتين) لأنه ترك متابعة إمامه لغير عذر أشبه مالو تركها من غير نية المفارقة (والثانية) يصح كما إذا نوى المنفرد الإمامة بل ههنا أولى فان المأموم قد يصير منفرداً بغير نية وهو المسبوق إذا سلم إمامه والمنفرد لا يصير مأموماً بغير نية بحال (مسألة) (وإن نوى الإمامة لإستخلاف الإمام له إذا سبقه الحدث صح في ظاهر المذهب) وجملة ذلك أنه إذا سبق الإمام الحدث فله أن يستخلف من يتم بهم الصلاة روى ذلك عن عمر وعلي وهو قول الثوري والاوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي، وحكي عن أحمد رواية أخرى أن صلاة المأمومين تبطل، وقال أبو بكر تبطل صلاتهم رواية واحدة لأنه فقد شرط صحة الصلاة في حق الإمام فبطلت صلاة المأموم كما لو تعمد الحدث ولنا أن عمر رضي الله عنه لما طعن أخذ بيد عبد الرحمن بن عوف فقدمه فأتم بهم الصلاة ولم ينكره منكر فكان إجماعاً. فإن لم يستخلف الإمام فقدم المأمومون رجلاً فأتم بهم جاز وإن صلوا وحداناً جاز قال الزهري في امام ينو به الدم أو يرعف: ينصرف وليقل أتموا صلاتكم وإن قدمت كل طائفة من المأمومين إماماً فصلى بهم فقياس المذهب جوازه، وقال أصحاب الرأي تفسد صلاتهم، ولنا أن لهم أن يصلوا وحداناً فجاز لهم أن يقدموا رجلاً كحالة ابتداء الصلاة وإن قدم بعضهم رجلاً وصلى الباقون وحداناً جاز. (فصل) فأما إن فعل ما يبطل صلاته عامداً فسدت صلاة الجميع فإن كان عن غير عمد لم تفسد صلاة المأمومين نص عليه أحد في الضحك وروى عن أحمد فيمن سبقه الحدث الروايتان وقد ذكرناه

مسألة: ومن لم يجد إلا ثوبا نجسا صلى فيه

(فصل) فأما الإمام الذي سبقه الحدث فتبطل صلاته ويلزمه استئنافها قال أحمد يعجبني أن يتوضأ ويستأنف وهذا قول الحسن وعطاء والنخعي لما روى علي بن طلق قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا فسا أحدكم في صلاته فلينصرف فليتوضأ وليعد صلاته " رواه أبو داود ولأنه فقد شرط الصلاة في أثنائها على وجه لا يعود إلا بعد زمن طويل وعمل كثير ففسدت صلاته كما لو تنجس نجاسة يحتاج في إزالتها إلى مثل ذلك، وفيه رواية ثانية أنه يتوضأ ويبني روى ذلك عن ابن عمر وابن عباس لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من قاء أو رعف في صلاته فلينصرف فليتوضأ وليبن على ما مضى من صلاته " وعنه رواية ثالثة إن كان الحدث من السبيلين ابتدأ وإن كان من غيرهما بنى لأن حكم نجاسة السبيل أغلظ والأثر إنما ورد في غيرها والأولى أولى وحديثهم ضعيف (فصل) قال أصحابنا يجوز إستخلاف من سبق ببعض الصلاة ولمن جاء بعد حدث الإمام فيبني على ما مضى من صلاة الإمام من قراءة أو ركعة أو سجدة، وإذا استخلف من جاء بعد حدث الإمام فينبغي أن تجب عليه قراءة الفاتحة ولا يبنى على قراءة الإمام لأن الإمام لم يتحمل عنه القراءة ههنا ويقضي بعد فراغ صلاة المأمومين. وحكي هذا القول عن عمر وعلي وأكثر من قال بالإستخلاف، وقيه رواية أخرى أنه مخير بين أن يبني أو يبتدئ. قال مالك يصلي لنفسه صلاة تامة فإذا فرغوا من صلاتهم قعدوا وانتظروه حتى يتم ويسلم بهم لأن إتباع المأمومين للإمام أولى من إتباعه لهم وكذلك على الرواية الأولى ينتظرونه حتى يقضي ما فاته ويسلم بهم لأن الإمام ينتظر المأمومين في صلاة الخوف فانتظارهم له أولى وإن سلموا ولم ينتظروه جاز. وقال ابن عقيل يستخلف من يسلم بهم والأولى إنتظاره وإنهم أن سلموا لم يحتاجوا إلى خليفة لأنه لم يبق من الصلاة إلا السلام فلا حاجة الى الإستخلاف فيه. قال شيخنا ويقوى عندي أنه لا يصح الإستخلاف في هذه الصورة لأنه أن بنى جلس في غير موضع جلوسه وصار تابعاً للمأمومين وإن ابتدأ جلس المأمومون في غير موضع جلوسهم ولم يرد الشرع بهذا وإنما ثبت الإستخلاف في موضع الإجماع حيث لم يحتج إلى شئ من هذا فلا يلحق به ما ليس في معناه (فصل) فإن سبق المأموم الحدث في فساد صلاته الروايات الثلاث فإن كان مع الإمام من تنعقد به صلاة غيره وإلا فحكمه كحكم الإمام معه فيما فصلناه في قياس المذهب وإن فعله عمداً بطلت صلاته وصلاة الإمام لان ارتباط الإمام بالمأموم كإرتباط صلاة المأموم بالإمام فما فسد ثم فسد ههنا وما صح ثم صح ههنا (مسألة) (وإن سبق إثنان ببعض الصلاة فأتم أحدهما بصاحبه في قضاء ما فاتهما فعلى وجهين)

مسألة: فإن لم يكف جميعها ستر الفرجين

(أحدهما) يصح لأنه انتقال من جماعة إلى جماعة لعذر فجاز كالإستخلاف ولأن النبي صلى الله عليه وسلم جاء وأبو بكر في الصلاة فتأخر أبو بكر وتقدم النبي صلى الله عليه وسلم فأتم بهم الصلاة (والثاني) لا يصح بناء على عدم جواز الإستخلاف (مسألة) (وإن كان لغير عذر لم يصح) يعني إذا إنتقل عن إمامه إلى إمام آخر فأتم به أو صار المأموم إماماً لغيره من غير عذر لم يصح لأنه إنما ثبت جواز ذلك في محل العذر بقضية عمر رضي الله عنه وغير حال العذر لا يقاس عليه (مسألة) (وإن أحرم إماماً لغيبة إمام الحي ثم حضر إمام الحي في أثناء الصلاة فأحرم بهم وبني على صلاة خليفته وصار الإمام مأموماً فهل يصح على وجهين) روي عن أحمد في هذه المسألة ثلاث روايات (أحدها) يصح لما روى سهل بن سعد قال ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم فحانت الصلاة فصلى أبو بكر فجاء رسول الله والناس في الصلاة فخلص حتى وقف في الصف فإستأخر أبو بكر حتى إستوى في الصف وتقدم النبي فصلى ثم انصرف متفق عليه. وما فعله النبي صلى الله عليه وسلم كان جائزاً لأمته ما لم يقم دليل الإختصاص (والرواية الثانية) أن ذلك يجوز للخليفة دون بقية الإئمة نص عليه في رواية المروذي لأن رتبة الخلافة تفضل رتبة سائر الأئمة فلا يلحق بها غيرها (والثالثة) لا يصح لأنه لا حاجة إليه وفعل النبي صلى الله عليه وسلم يحتمل أن يكون خاصاً به لأن أحداً لا يساويه في الفضل ولا ينبغي أن يتقدم عليه بخلاف غيره ولهذا قال أبو بكر ما كان لا بن أبي قحافة أن يتقدم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم (فصول في أدب المشي إلى الصلاة) يستحب للرجل إذا أقبل إلى الصلاة أن يقبل بخوف ووجل وخشوع وعليه السكينة ويقارب بين خطاه لتكثر حسناته فإن كل خطوة يكتب له بها حسنة، لما روى زيد بن ثابت قال: أقيمت الصلاة فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي وأنا معه فقارب في الخطا ثم قال " أتدري لم فعلت هذا؟ لتكثر خطانا في طلب الصلاة " ويكره أن يشبك بين أصابعه لما روى كعب بن عجرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه ثم خرج عامداً إلى المسجد فلا يشبكن بين يديه فإنه في صلاة " رواه أبو داود (فصل) ويستحب أن يقول ما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى الصلاة

وهو يقول " اللهم اجعل في قلبي نوراً، وفي لساني نورا، واجعل في سمعي نوراً، وإجعل في بصري نوراً، وإجعل من خلفي نوراً، ومن أمامي نوراً، وإجعل من فوقي نوراً، ومن تحتي نوراً وأعطني نوراً " أخرجه مسلم. وروى أبو سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من خرج من بيته إلى الصلاة فقال اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك وأسألك بحق ممشاي هذا فإني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا رياء ولا سمعة، خرجت اتقاء سخطك، وإبتغاء مرضاتك، فأسألك أن تنقذني من النار، وأن تغفر لي ذنوبي أنه لا يغفر الذنوب إلا أنت أقبل الله إليه بوجهه واستغفر له سبعون ألف ملك " رواه الإمام أحمد وابن ماجة (فصل) فإن سمع الإقامة لم يسع إليها لما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " إذا سمعتم الإقامة فامشوا وعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا " وعن أبي قتادة قال بينا نحن نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ سمع جلبة رجال فلما صلى قال " ما شأنكم " قالوا استعجلنا إلى الصلاة فقال " لا تفعلوا إذا أتيتم الصلاة فعليكم السكنية فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا " متفق عليهما. قال الامام أحمد فإن طمع أن يدرك التكبيرة فلا بأس أن يسرع شيئاً ما لم تكن عجلة تقبح. جاء الحديث عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يعجلون شيئاً إذا تخوفوا فوات التكبيرة الأولى (فصل) فإذا دخل المسجد قدم رجله اليمنى وإذا خرج قدم اليسرى. ويقول ما روى مسلم بإسناده عن أبي حميد أو أبي أسيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا دخل أحدكم المسجد فليقل اللهم إفتح لي أبواب رحمتك، فإذا خرج فليقل اللهم إني أسلك من فضلك " وعن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد صلى على محمد وقال " رب أغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك " وإذا خرج صلي على محمد وقال " رب اغفر لي وافتح لي أبواب فضلك " فإذا دخل لم يجلس حتى يركع ركعتين، لما روى أبو قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين " متفق عليه. ثم يجلس مستقبل القبلة فإنه قد روي خير المنازل ما استقبل به القبلة، ويشتغل بذكر الله تعالى أو قراءة القرآن أو يسكت ولا يشبك أصابعه لما روى أبو سعيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " إذا كان أحدكم في المسجد فلا يشبكن فإن التشبيك من الشيطان وإن أحدكم لا يزال في صلاة ما كان في المسجد حتى يخرج منه " رواه الإمام أحمد في المسند

مسألة: وإن وجد السترة قريبة منه في أثناء الصلاة ستر وبنى وإن كانت بعيدة ستر وابتدأ

(باب صفة الصلاة) روى محمد بن عمر وابن عطاء قال: سمعت أبا حميد الساعدي في عشرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم أبو قتادة فقال أبو حميد: أنا أعلمكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: فاعرض قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة يرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه ثم يكبر حتى يقر كل عظم في موضعه معتدلا، ثم يقرأ ثم يكبر فيرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، ثم يرفع ويضع راحتيه على ركبتيه، ثم يعتدل فلا يصوب رأسه ولا يقنعه، ثم يرفع رأسه ويقول: سمع الله لمن حمده، ثم يرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه معتدلا، ثم يقول الله أكبر ثم يهوي إلى الأرض فيجافي يديه عن جنبيه، ثم يرفع رأسه ويثني رجله اليسرى فيقعد عليها ويفتح أصابع رجليه إذا سجد ويسجد، ثم يقول الله أكبر ويرفع ويثني رجله اليسرى فيقعد عليها حتى يرجع كل عظم إلى موضعه ثم يصنع في الأخرى مثل ذلك، ثم إذا أقام من الركعة فيرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه كما كبر عند افتتاح الصلاة، ثم يفعل ذلك في بقية صلاته حتى إذا كانت السجدة التي فيها التسليم أخر رجله اليسرى وقعد متوركا على شقه الأيسر. قالوا صدقت هكذا كان يصلي صلى الله عليه وسلم رواه مالك في الموطأ وأبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح. وفي لفظ رواه البخاري قال فإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه ثم هصر ظهره فإذا رفع رأسه استوى قائما حتى يعود كل فقار إلى مكانه فإذا سجد سجد غير مفترش ولا قابضهما واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة فإذا جلس في الركعتين

مسألة: وإن كانوا رجالا ونساء صلى كل نوع لأنفسهم

جلس على اليسرى ونصب الأخرى فإذا كانت السجدة التي فيها التسليم أخر رجله اليسرى وجلس متوركا على شقه الأيسر وقعد على مقعدته (مسألة) (يستحب أن يقوم إلى الصلاة إذا قال المؤذن قد قامت الصلاة) قال ابن عبد البر: على هذا أهل الحرمين. وقال الشافعي يقوم إذا فرغ المؤذن من الإقامة وكان عمر بن عبد العزيز ومحمد بن كعب وسالم والزهري يقومون في أول بدوة من الإقامة. وقال أبو حنيفة يقوم إذا قال حي على الصلاة فإذا قال قد قامت الصلاة كبر وكان أصحاب عبد الله يكبرون كذلك وبه قال النخعي واحتجوا بقول بلال: لا تسبقني بآمين. فدل على أنه كان يكبر قبل فراغه. وعندنا لا يستحب أن يكبر إلا بعد فراغه من الإقامة وهو قول الحسن وأبي يوسف والشافعي واسحاق وعليه جل الأئمة في الأمصار، وإنما قلنا يقوم عند قول المؤذن: قد قامت الصلاة لأن هذا خبر بمعنى الأمر ومقصوده الإعلام ليقوموا فيستحب المبادرة إلى القيام امتثالا للأمر وإنما قلنا إنه لا يكبر حتى يفرغ المؤذن لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان يكبر بعد فراغه يدل عليه ما روى عنه أنه كان يعدل الصفوف بعد اقامة الصلاة فروى أنس قال أقيمت الصلاة فأقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه فقال " سووا صفوفكم وتراصوا فإني

مسألة: ويكره في الصلاة السدل

أراكم من وراء ظهري " رواه البخاري. ويقول في الإقامة مثل قول المؤذن فروى أبو داود عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن بلالا أخذ في الإقامة فلما أن قال قد قامت الصلاة قال النبي صلى الله عليه وسلم " أقامها الله وأدامها " وقال في سائر الإقامة كنحو حديث عمر في الأذان، فأما حديثهم فإن بلالا كان يقيم في موضع أذانه وإلا فليس بين لفظ الإقامة والفراغ منها ما يفوت بلالا " آمين " مع النبي صلى الله عليه وسلم. إذا ثبت هذا فإنما يقوم المأمومون إذا كان الإمام في المسجد أو قريبا منه. قال أحمد ينبغي أن تقام الصفوف قبل أن يدخل الإمام لما روى أبو هريرة قال كانت الصلاة تقام لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيأخذ الناس مصافهم قبل أن يقوم النبي صلى الله عليه وسلم مقامه. رواه مسلم، فأما إن أقيمت الصلاة والإمام في غير المسجد ولم يعلموا قربه لم يقوموا لما روى أبو قتادة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني قد خرجت " رواه مسلم (مسألة) (ثم يسوي الإمام الصفوف) وذلك مستحب، يلتفت عن يمينه فيقول: استووا رحمكم الله وعن يساره كذلك لما ذكرنا من الحديث ولما روى محمد بن مسلم قال: صليت إلى جنب أنس بن مالك يوماً فقال: هل تدري لم صنغ هذا العود؟ قلت: لا والله، فقال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قام إلى الصلاة أخذه بيمنه فقال " اعتدلوا وسووا صفوفكم " ثم أخذه بيساره وقال

مسألة: ويكره إسبال شيء من ثيابه خيلاء

" اعتدلوا وسووا صفوفكم " رواه أبو داود، وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " سووا صفوفكم فإن تسوية الصف من تمام الصلاة " متفق عليه (فصل) قيل لاحمد قبل التكبير تقول شيئاً؟ قال لا، يعني ليس قبله دعاء مسنون إذ لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه ولأن الدعاء يكون بعد العبادة لقوله تعالى " فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب) (مسألة) (ويقول الله أكبر لا يجزئه غيرها) لا تنعقد الصلاة إلا بقول الله أكبر: وهو قول مالك وكان ابن مسعود والثوري والشافعي يقولون افتتاح الصلاة التكبير، وعليه عوام أهل الحديث قديما وحديثا إلا أن الشافعي قال: تنعقد بقوله الله الأكبر لأن الألف واللام لم تغيره عن بنيته ومعناه وإنما أفادت التعريف، وقال أبو حنيفة تنعقد بكل اسم لله تعالى على وجه التعظيم كقوله الله عظيم أو كبير أو جليل وسبحان الله والحمد الله ولا إله إلا الله ونحوه قول الحاكم لأنه ذكر لله على وجه التعظيم أشبه قوله الله أكبر ولأن الخطبة لا يتعين في أولها لفظ كذلك هذا ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " تحريمها التكبير " رواه أبو داود، وقوله للمسئ في صلاته " إذا قمت إلى الصلاة فكبر " متفق عليه، وفي حديث رفاعة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يقبل الله صلاة امرئ. حتى يضع الطهور مواضعه ثم يستقبل القبلة ويقول الله أكبر " رواه أبو داود، وكان

مسألة: فإن أستوى هو وما نسج معه فعلى وجهين

النبي صلى الله عليه وسلم يفتتح الصلاة بقوله " الله أكبر " لم ينقل عنه عدول عن ذلك حتى فارق الدنيا وقياسهم يبطل بقوله اللهم اغفر لي، ولا يصح القياس على الخطبة لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها لفظ بعينه في جميع الخطبة ولا أمر به ولأنه يجوز فيها الكلام بخلاف الصلاة، وما قاله الشافعي عدول عن المنصوص، فأشبه ما لو قال الله العظيم، وقولهم لم يغير بنيته ولا معناه ممنوع لأن التنكير متضمن لإضمار أو تقدير بخلاف التعريف فإن معنى قوله " الله أكبر " أي من كل شئ ولأن ذلك لم يرد في كلام الله تعالى ولا في كلام رسوله ولا في المتعارف في كلام الفصحاء إلا كما ذكرنا فإطلاق لفظ التكبير ينصرف إليها دون غيرها كما أن إطلاق لفظ التسمية إنما ينصرف إلى قوله بسم الله دون غيره، وهذا يدل على أن غيرها لا يساويها (فصل) والتكبير ركن لا تنعقد الصلاة إلا به لا يسقط في عمد ولا سهو وهو قول مالك والشافعي وقال سعيد بن المسيب والحسن والزهري والاوزاعي: من نسي تكبيرة الافتتاح أجزأته تكبيرة الركوع ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " تحريمها التكبير " فدل على أنه لا يدخل الصلاة بدونه (فصل) ولا يصح إلا مرتبا فإن نكسه لم يصح لأنه لا يكون تكبيرا، ويجب على المصلي أن يسمعه نفسه إماماً كان أو غيره إلا أن يكون به عارض من طرش أو ما يمنع السماع فيأتي به بحيث لو كان سميعا أو لا عارض به سمعه لأنه ذكر محله اللسان فلا يكون كاملا بدون الصوت. والصوت

مسألة: ويباج حشو الجباب والفرش به ويحتمل أن يحرم

ما يتأتى سماعه وأقرب السامعين إليه نفسه فمتى لم يسمعه لم يعلم أنه أتى بالقول والرجل والمرأة سواء فيما ذكرنا (فصل) ويبين التكبير ولا يمد في غير موضع المد فإن فعل بحيث لم يغير المعنى مثل أن يمد الهمزة الأولى في اسم الله تعالى فيقول آلله فيصير استفهاما أو يمد أكبر فيصير ألفا فيبقى جمع كبر وهو الطبل لم يجز لتغير المعنى، وإن قال الله أكبر وأعظم ونحوه لم يستحب، نص عليه وانعقدت به الصلاة (مسألة) (فإن لم يحسنها لزمه تعلمها فإن خشي فوات الوقت كبر بلغته) وجملة ذلك أنه لا يجزئه التكبير بغير العربية مع قدرته عليها، وبه قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد. وقال أبو حنيفة يجزئه لقول الله تعالى (وذكر اسم ربه فصلى) وهذا قد ذكر اسم ربه ولنا ما تقدم من النصوص وهي تخص ما ذكروه فإن لم يحسن العربية لزمه تعلم التكبير بها لأنه ذكر واجب في الصلاة لا تصح بدونه فلزمه تعلمه كالقراءة فإن خشي فوات الوقت كبر بلغته في أظهر الوجهين وهو مذهب الشافعي لأنه ذكر عجز عنه بالعربية فلزمه الإتيان به بغيرها كالفظ النكاح، ولأن ذكر الله تعالى يحصل بكل لسان (والثاني) لا يصح ذكره القاضي في الجامع ويكون حكمه حكم الأخرس لأنه ذكر تنعقد به الصلاة فلم يجز التعبير عنه بغير العربية كالقراءة فإن عجز عن بعض اللفظ أو بعض الحروف أتى بما يمكنه كمن عجز عن بعض الفاتحة (فصل) فإن كان أخرس لو عاجزا عن التكبير بكل لسان سقط عنه وعليه تحريك لسانه ذكره

مسألة: ويكره للرجل لبس المزعفر والمعصفر

القاضي في المجرد لأن الصحيح يلزمه النطق بتحريك لسانه فإذا عجز عن أحدهما لزمه الآخر. قال شيخنا: وهذا غير صحيح لأنه قول عجز عنه فلم يلزمه تحريك لسانه في موضعه كالقراءة وإنما لزمه تحريك لسانه مع التكبير ضرورة توقف التكبير عليه فإذا سقط التكبير سقط ما هو من ضرورته كمن سقط عنه القيام سقط عنه النهوض إليه وإن قدر عليه، ولأن تحريك لسانه بغير النطق مجرد عبث فلم يرد الشرع به كالعبث بسائر جوارحه (مسألة) ويجهر الإمام بالتكبير كله ليسمع المأمومون فيكبروا بتكبيره فان لم يمكنه إسماعهم جهر بعض المأمومين ليسمعهم أو يسمع من لا يسمعه الإمام لما روى جابر قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر خلفه فإذا كبر رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر أبو بكر ليسمعنا متفق عليه (مسألة) (ويسر غيره به وبالقراءة بقدر ما يسمع نفسه) لا يستحب لغير الإمام الجهر بالتكبير لأنه لا حاجة إليه وربما ليس على المأمومين إلا أن يحتاج إلى الجهر بالتكبير ليسمع المأمومين كما ذكرنا ويجب عليه أن يكبر بحيث يسمع نفسه وكذلك القراءة لأنه لا يسمى كلاما بدون ذلك وقد ذكرناه قبل هذا (فصل) وعليه أن يأتي بالتكبير قائما فإن انحنى إلى الركوع بحيث يصير راكعا قبل إنهاء التكبير لم تنعقد صلاته إن كانت فرضاً لأن القيام فيها واجب ولم يأت به، وإن كانت نافلة فظاهر قول القاضي أنها تنعقد فإنه قال إن كبر في الفريضة في حال انحنائه إلى الركوع انعقدت نفلا لسقوط القيام فيه فإذا تعذر الفرض وقعت نفلا كمن أحرم بفريضة فبان قبل وقتها. قال شيخنا: ويحتمل أن لا تنعقد النافلة إلا أن يكبر في حال قيامه أيضا لأن صفة الركوع غير صفة القعود ولم يأت بالتكبير قائما ولا قاعدا

باب إجتناب النجاسات: وهو الشرط الرابع فمتى لاقى بثوبه أو بدنه نجاسة غير معفو عنها أو حملها لم تصح صلاته

ولأن عليه الإتيان بالتكبير قبل وجود الركوع منه (فصل) ولا يكبر المأموم حتى يفرغ إمامه من التكبير. وقال أبو حنيفة يكبر معه كما يركع معه ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا " متفق عليه والركوع مثل ذلك، إلا أنه لا تفسد صلاته بالركوع معه لأنه قد دخل في الصلاة، وههنا بخلافه فإن كبر قبل إمامه لم تنعقد صلاته وعليه إعادة التكبير بعد تكبير الإمام (فصل) والتكبير من الصلاة خلافا لأصحاب أبي حنيفة في قولهم ليس منها لأنه أضافه إليها في قوله " تحريمها التكبير " ولا يضاف الشئ الى نفسه ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة " إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن " رواه مسلم. وما ذكروه فلا يصح، فإن أجزاء الشئ تضاف إليه كيد الإنسان وسائر أطرافه

مسألة: وإن صلى على مكان طاهر من بساط طرفه نجس صحت إلا أني يكون متعلقا به بحيث ينجر معه إذا مشى فلا يصح

(مسألة) (ثم يرفع يديه مع ابتداء التكبير ممدودة الأصابع مضموما بعضها إلى بعض إلى حذو منكبيه أو إلى فروع أذنيه) رفع اليدين عند افتتاح الصلاة مستحب بغير خلاف نعلمه، قال إبن المنذر: لا يختلف أهل العلم في أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة، فروى

مسألة: وإذا جبر ساقه بعظم نجس فجبر لم يلزمه قلعه إذا خاف الضرر

ابن عمر رضي الله عنهما قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة رفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، وإذا أراد أن يركع، وبعد ما يرفع رأسه من الركوع، ولا يرفع بين السجدتين متفق عليه. وهو مخير في رفعهما إلى حذو منكبيه أو فروع أذنيه؟ يعني أنه يبلغ بأطراف أصابعه ذلك الموضع لأن كلا الأمرين قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فالرفع إلى المنكبين قد روي في حديث ابن عمر، ورواه علي وابو هريرة وهو قول الشافعي وإسحاق، والرفع إلى حذو الأذنين رواه واثل بن حجر ومالك بن الحويرث من رواية مسلم وقال به ناس من أهل العلم إلا أن ميل أبي عبد الله إلى الأول لكثرة رواته وقربهم من النبي صلى الله عليه وسلم. وجوز الآخر لصحة روايته فدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل هذا وهذا، ويستحب أن يمد أصابعه وقت الرفع ويضم بعضها إلى بعض لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل في الصلاة رفع يديه مدا، وقال الشافعي: السنة أن يفرق أصابعه، وقد روى ذلك عن أحمد لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينشر أصابعه للتكبير ولنا ما رويناه وحديثهم خطأ قاله الترمذي، ثم لو صح كان معناه المد، قال أحمد: أهل العربية قالوا هذا الضم - وضم أصابعه - وهذا النشر - ومد أصابعه - وهذا التفريق - وفرق أصابعه - ولأن النشر لا يقتضي التفريق كنشر الثوب

(فصل) ويكون ابتداء الرفع مع ابتداء التكبير وانتهاؤه مع انتهائه فإذا انقضى التكبير حط يديه لأن الرفع للتكبير فكان معه. فإن نسي رفع اليدين حتى فرغ من التكبير لم يرفعهما لأنه سنة فات محلها وإن ذكره في أثناء التكبير رفعهما لبقاء محله، فان لم يمكنه رفع اليدين إلى المنكبين رفعهما قدر الإمكان، وإن أمكنه رفع إحداهما حسب رفعها لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم " فان لم يمكنه رفعهما إلا بالزيادة على المسنون رفعهما لأنه يأتي بالسنة وزيادة مغلوب عليها وهذا كله قول الشافعي. وإن كانت يداه في ثوبه رفعهما بحيث يمكن لما روى وائل بن حجر قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في الشتاء فرأيت أصحابه يرفعون أيديهم في ثيابهم في الصلاة، وفي رواية قال ثم جئت في زمان فيه برد شديد فرأيت الناس عليهم جل الثياب تتحرك أيديهم تحت الثياب رواهما أبو داود وفيه فرأيتهم يرفعون أيديهم إلى صدورهم ولا فرق في ذلك بين النافلة والفريضة والإمام والمأموم والمنفرد لعموم الأخبار والله أعلم (مسألة) (ثم يضع كف يده اليمنى على كوع اليسرى ويجعلهما تحت سرته) وضع اليمنى على اليسرى

مسألة: وقال بعض أصحابنا حكم المجزرة والمزبلة وقارعة الطريق وأسطحتها كذلك

في الصلاة مسنون روي عن علي وأبي هريرة والنخعي وسعيد بن جبير والثوري والشافعي وأصحاب الرأي وحكاه ابن المنذر عن مالك والذي عليه أصحابه إرسال اليدين روى ذلك عن ابن الزبير والحسن ولنا ما روى قبيصة بن هلب عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤمنا فيأخذ شماله بيمينه، رواه الترمذي وقال حديث حسن وعليه العمل عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم، وعن غطيف قال: ما نسيت من الأشياء فلم أنس أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واضعا يمنه على شماله في الصلاة من المسند. ويضعهما على كوعه أو قريبا منه لما روى وائل بن حجر أنه وصف صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال في وصفه ثم وضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى - والرسغ والساعد (فصل) ويجعلهما تحت سرته، روى ذلك عن علي وأبي هريرة والثوري واسحاق قال علي رضي الله عنه من السنة وضع اليمين على الشمال تحت السرة، رواه الإمام أحمد وأبو داود، وعن أحمد أنه يضعهما على صدره فوق السرة، وهو قول سعيد بن جبير والشافعي لما روى وائل بن حجر قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فوضع يديه على صدره إحداهما إلى الأخرى، وعنه رواية ثالثة أنه مخبر في ذلك لأن الجميع مروي والأمر في ذلك واسع (مسألة) وينظر إلى موضع سجوده وذلك مستحب لأنه أخشع للمصلي، وأكف لنظره. قال محمد بن سيرين وغيره في قوله تعالى (والذين هم في صلاتهم خاشعون) هو أن لا يرفع بصره عن موضع سجوده. قال أبو هريرة كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة فلما نزل

مسألة: وتصح الصلاة إليها إلا المقبرة والحش في قول ابن حامد

(الذين هم في صلاتهم خاشعون) رموا بأبصارهم إلى موضع السجود (مسألة) (ثم يقول سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك) الاستفتاح من سنن الصلاة في قول أكثر أهل العلم، وكان مالك لا يراه بل يكبر ويقرأ لما روى أنس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين متفق عليه. ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسفتح بما سنذكره وعمل به الصحابة رضي الله عنهم فكان عمر يستفتح به صلاته يجهر به ليسمعه الناس، وعبد الله بن مسعود. وحديث أنس أراد به القراءة كما روى أبو هريرة يقول الله تعالى " قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين " وفسره بالفاتحة مثل قول عائشة كان النبي صلى الله عليه وسلم يفتتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين ويتعين حمله على هذا لما ذكرنا من فعل عمر وهو ممكن روى عنه أنس (1) (فصل) ومذهب أحمد رحمه الله الاستفتاح الذي ذكرنا وقال: لو أن رجلا استفتح ببعض ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من الاستفتاح كان حسنا، والذي ذهب إليه أحمد قول أكثر أهل العلم منهم عمر بن الخطاب وابن مسعود والثوري واسحاق وأصحاب الرأي، قال الترمذي. وعليه العمل عند أهل العلم من التابعين وغيرهم. وذهب الشافعي وابن المنذر إلى الاستفتاح بما روي عن علي قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة كبر ثم قال " وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين، اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت أنا عبدك ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعا أنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لاحسن الاخلاق لا يهدي لاحسنها

_ 1) كذا في نسختنا وهو غير ظاهر وتراجع العبارة في السطر الخامس من الصفحة التالية

مسألة: ولا تصح الفر يضة في الكعبة ولا على ظهرها

إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك، والخير كله في يديك، والشر ليس إليك، أنا بك وإليك، تباركت ربنا وتعاليت، أستغفرك وأتوب اليك " راه مسلم وأبو داود. وعن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كبر سكت إسكاتة حسنة، قال هنيهة بين التكبير والقراءة. فقلت يا رسول الله؟ أرأيت إسكاتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ قال أقول " اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس. اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد " متفق عليه. وإنما اختار أحمد رحمه الله الاستفتاح الأول لما روت عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استفتح الصلاة قال " سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك " رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي. وروى أبو سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله من رواية النسائي والترمذي ورواه أنس أيضا وعمل به عمر بين يدي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلذلك اختاره أحمد وجوز الاستفتاح بغيره لكونه قد صح، الا أنه قد قال في حديثهم بعضهم يقول في صلاة الليل ولأن العمل به متروك، فإنا لا نعلم أحداً يستفتح به كله، وإنما يستفتحون بأوله قال أحمد: ولا يجهر الإمام بالاستفتاح وعليه عامة أهل العلم لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجهر به وإنما جهر به عمر ليعلم الناس، فإن نسيه أو تركه عمدا حتى شرع في الاستعاذة لم يعد إليه لأنه سنة فات محلها، وكذلك إن نسي التعوذ حتى شرع في القراءة لم يعد إليه لذلك (مسألة) (ثم يقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) الاستعاذة قبل القراءة في الصلاة سنة في قول الحسن وابن سيرين والثوري والاوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي لقول الله تعالى (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) وعن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا قام إلى الصلاة استفتح ثم يقول " أعوذ بالله السميع العليم، من الشيطان الرجيم، من همزه ونفخه ونفثه "

باب استقبال القبلة

قال الترمذي هذا أشهر حديث في هذا الباب. وقال مالك لا يتسعيذ لحديث أنس وقد مضى جوابه وصفتها كما ذكرنا وهذا قول أبي حنيفة والشافعي للآية. وقال ابن المنذر جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول قبل القراءة " أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " وعن أحمد أنه يقول " أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم " لحديث أبي سعيد فإنه متضمن للزيادة، ونقل حنبل عنه أنه يزيد بعد ذلك " أن الله هو السميع العليم " وهذا كله واسع وكيفما استعاذ فحسن (مسألة) (ثم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم) قراءة بسم الله الرحمن الرحيم مشروعة في الصلاة في أول الفاتحة وأول كل سورة في قول أكثر أهل العلم، وقال مالك والاوزاعي لا يقرؤها في أول الفاتحة لحديث أنس، وعن ابن عبد الله بن المغفل قال سمعني أبي وأنا أقول بسم الله الرحمن الرحيم فقال أي بني محدث، إياك والحدث، قال ولم أر أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أبغض إليه الحدث في الإسلام - يعني منه - فإني صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ومع أبي بكر ومع عمر ومع عثمان فلم أسمع أحدا منهم يقولها فلا تقلها فإذا صليت فقل (الحمد لله رب العالمن) رواه الترمذي وقال حديث حسن ولنا ما روى عن نعيم المجمر أنه قال صليت وراء أبي هريرة فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ثم قرأ بأم القرآن وقال والذي نفسي بيده إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم رواه النسائي، وروى ابن المنذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في الصلاة بسم الله الرحمن الرحيم. وعن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في الصلاة بسم الله الرحمن الرحيم وعدها آية والحمد لله رب العالمين آيتين. فأما حديث أنس فقد سبق جوابه ثم يحمل على ان الذي كان يسمع منهم الحمد لله رب العالمين وقد جاء مصرحاً به فروى شعبة وشيبان عن قتادة قال سمعت أنس بن مالك قال صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر فلم أسمع أحدا منهم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، وفي لفظ كلهم يخفي بسم الله الرحمن الرحيم، وفي لفظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسر بسم الله الرحمن

مسألة: وهل يجوز ذلك للماشي؟

الرحيم وأبا بكر وعمر، رواه ابن شاهين، وحديث عبد الله بن المغفل محمول على هذا أيضاً جمعاً بين الأخبار، ولأن مالكا قد سلم أنه يستفتح بها في غير الفاتحة والفاتحة أولى لأنها أول القرآن وفاتحته (مسألة) (وليست من الفاتحة وعنه أنها منها ولا يجهر بشىء من ذلك) قد مضى ذكر الاستفتاح ولا نعلم خلافاً في أنه لا يجهر بالاستعاذة، فأما بسم الله الرحمن الرحيم فالجهر بها غير مسنون عند أحمد رحمه الله لا اختلاف عنه فيه، قال الترمذي وعليه العمل عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم من التابعين منهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم وذكره ابن المنذر عن ابن مسعود وعمار وابن الزبير وهو قول الحكم وحماد والاوزاعي والثوري وابن المبارك وأصحاب الرأي، ويروى الجهر بها عن عطاء وطاووس ومجاهد وسعيد بن جبير وهو مذهب الشافعي لحديث أبي هريرة أنه قرأ بها في الصلاة وقد قال ما أسمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أسمعناكم وما أخفي علينا أخفينا عنكم متفق عليه، وعن أنس أنه صلى وجهر ببسم الله الرحمن الرحيم وقال أقتدي بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولما تقدم من حديث أم سلمة ولأنها آية من الفاتحة فيجهر بها الإمام في صلاة الجهر كسائر آياتها ولنا ما ذكرنا من حديث أنس وعبد الله بن المغفل، وعن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفتتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين، متفق عليه وحديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى " قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين " لم يذكر فيه بسم الله الرحمن الرحيم يدل على أنه لم يذكر فيه بسم الله الرحمن الرحيم، وأما حديث أبي هريرة الذي احتجوا به فليس فيه أنه جهر بها ولا يمتنع أن يسمع منه حال الإسرار كما سمع الاستفتاح والاستعاذة من النبي صلى الله عليه وسلم مع إسراره بهما فقد روي انه كان يسمعهم الآية أحيانا في صلاة الظهر من رواية أبي قتادة

مسألة: والفرض في القبلة أصابة العين لمن قرب منها وأصابة الجهة لمن بعد عنها

متفق عليه، وكذلك حديث أم سلمة ليس فيه ذكر الجهر وباقي أخبار الجهر ضعيفة لأن رواتها هم رواة الإخفاء بإسناد صحيح ثابت لا يختلف فيه فدل على ضعف ما يخالفه، وقد بلغنا أن الدارقطني قال: لم يصح في الجهر حديث (فصل) وليست من الفاتحة في إحدى الروايتين عن أحمد وهي المنصورة عند أصحابنا، وهو قول أبي حنيفة ومالك والاوزاعي، ثم اختلف عن أحمد فيها فقيل هي آية منفردة كانت تنزل بين كل سورتين فصلا بين السور (1) وقيل عنه إنها هي بعض آية من سورة النمل (إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم) (والرواية الثانية) أنها آية من الفاتحة خاصة تجب قراءتها في الصلاة أولا اختارها أبو عبد الله بن بطة وأبو حفص وهو قول ابن المبارك والشافعي واسحاق وأبي عبيد، قال عبد الله بن المبارك: من ترك بسم الله الرحمن الرحيم فقد ترك مائة وثلاث عشرة آية، وكذلك قال الشافعي لحديث أم سلمة. وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا قرأتم (الحمد لله رب العالمين) فاقرءوا (بسم الله الرحمن الرحيم) فإنها أم الكتاب وإنها السبع المثاني " وبسم الله الرحمن الرحيم آية منها ولأن الصحابة رضي الله عنهم أثبتوها في المصاحف ولم يثبتوا بين الدفتين سوى القرآن، ووجه الرواية الأولى ما روى أبو هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " قال الله تعالى قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل، فإذا قال الحمد لله رب العالمين، قال الله حمدني عبدي فإذا قال (الرحمن الرحيم) قال الله أثنى علي عبدي فإذا قال (مالك يوم الدين) قال الله مجدني عبدي فإذا قال (إياك نعبد وإياك نستعين) قال الله هذا بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل فإذا قال (اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين) قال " هذا لعبدي ولعبدي ما سأل " رواه مسلم فلو كانت بسم الله الرحمن الرحيم آية لعدها وبدأ بها ولم

_ 1) هذا القول لا يصدق علي بسملة الفاتحة فانها الاولي باجماع الصحابة كما سيأتي 1) فيه ان البسملة لله تعالى وحده فان القارئ يعنى به أنه يقرأ أو يصلى باسم الله على أن هذا منه بدأ واليه يعود وله يتلي ويصلي (قل إن صلاتي ونسكي ومحيائي ومماتي لله رب العالمين)

مسألة: فإن أمكنه ذلك بخبر ثقة عن يقين أو استدلال بمحاريب المسلمين لزمه العمل به وإن وجد محاريب لا يعلم هل هي للمسلمين أولا لم يلتفت إليها

يتحقق التنصيف، فإن قيل فقد روى عبد الله بن زياد بن سمعان " يقول عبدي إذا افتتح الصلاة بسم الله الرحمن الرحيم فيذكرني عبدي " قلنا ابن سمعان متروك الحديث لا يحتج به قاله الدارقطني وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " سورة هي ثلاثون آية شفعت لقارئها ألا وهي تبارك الذي بيده الملك " وهي ثلاثون آية سوى بسم الله الرحمن الرحيم ولأن مواضع الآي كالآي في أنها لا تثبت إلا بالتواتر ولا تواتر في هذا. فأما حديث أم سلمة فلعله من رأيها أو نقول هي آية مفردة للفصل بين السور وحديث أبي هريرة موقوف عليه فان راويه أبو بكر الحنفي عن عبد الحميد بن جعفر عن نوح بن أبي بلال قال أبو بكر: راجعت فيه نوحا فوقفه، وإما إثباتها بين السور فللفصل بينها ولذلك كتبت سطرا على حدتها والله أعلم.

مسألة: وإن إشتبهت عليه في السفر إجتهد في طلبها بالدلائل وأثبتها بالقطب إذا جعله وراء ظهره كان مستقبلا الكعبة

(مسألة) (ثم يقرأ الفاتحة وفيها إحدى عشرة تشديدة) قراءة الفاتحة ركن من أركان الصلاة لا تصح إلا به في المشهور عن أحمد وهو قول مالك والثوري والشافعي واسحاق. وروي عن عمر وعثمان ابن أبي العاص وخوات بن جبير رضي الله عنهم أنهم قالوا لا صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب. وروى عن أحمد أنها لا تتعين ويجزئ قراءة آية من القرآن أي آية كانت وهو قول أبي حنيفة لقول النبي صلى الله عليه وسلم للمسئ في صلاته " ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن " وقول الله تعالى (فاقرءوا ما تيسر من القرآن) ولأن الفاتحة وسائر القرآن سواء في سائر الأحكام كذلك في الصلاة

مسألة: والرياح الجنوب تهب مستقبلة لبطن كتف المصلي اليسرى مارة إلى يمينه من الزاوية التي بين القبلة والمشرق والشمال مقابلتها تهب إلى مهب الجنوب

ولنا ما روى عبادة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب " متفق عليه. ولأن القراءة ركن في الصلاة فكانت معينة كالركوع والسجود. فأما خبرهم فقد روى الشافعي بإسناده عن رفاعة بن رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للأعرابي " ثم اقرأ بأم القرآن وما شاء

مسألة: وإذا إختلف إجتهاد رجلين لم يتبع أحدهما صاحبه ويتبع الجاهل والأعمى أوثقهما في نفسه

الله أن تقرأ " ثم يحمل على الفاتحة وما تيسر معها ويحتمل أنه إن لم يكن يحسن الفاتحة وكذلك نقول في الآية يجوز أن يكون أراد الفاتحة وما تيسر ويحتمل أنها نزلت قبل نزول الفاتحة، والمعنى الذي ذكروه أجمعنا على خلافه فإن من ترك الفاتحة كان مسيئا بخلاف بقية السور وتشديدات الفاتحة إحدى عشرة

بغير خلاف أولها اللام في لله والباء في رب والراء في الرحمن وفي الرحيم والدال في الدين وفي إياك وإياك تشديدتان وفي الصراط على الصاد وعلى اللام في الذين وفي الضالين تشديدتان في الضاد واللام وإذا قلنا البسملة منها صار فيها أربع عشرة تشديدة (فصل) وتجب قراءة الفاتحة في كل ركعة في حق الإمام والمنفرد في الصحيح من المذهب

مسألة: وإذا صلى البصير في حضر فأخطأ أو صلى الأعمى بلا دليل أعاد

وهو قول مالك والاوزاعي والشافعي، وعن أحمد أنها لا تجب في ركعتين من الصلاة. ونحوه يروى عن النخعي والثوري وأبي حنيفة، وروي نحوه عن الأوزاعي أيضا لما روي عن علي رضي الله عنه أنه قال اقرأ في الأوليين وسبح في الآخريين ولأن القراءة لو وجبت في بقية الركعان لسن الجهر بها في بعض الصلوات كالأوليين، وعن الحسن أنه أن قرأ في ركعة واحدة أجزأه. وقالت طائفة إن ترك قراءة القرآن في ركعة واحدة سجد للسهو لا في الصبح فإنه يعيد روي هذا عن مالك، وروي عن إسحاق أنه قال: إذا قرأ في ثلاث ركعات إماما أو منفردا فصلاته جائزة وذلك لقول الله تعالى (فاقرؤا ما تيسر منه) ولنا ما روى أبو قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الظهر في الأوليين بأم الكتاب وسورتين ويطول الأولى ويقصر الثانية، ويسمع الآية أحيانا، وفي الركعتين الأخريين بأم الكتاب وقال " صلوا كما رأيتموني أصلي " متفق عليهما، ورى أبو سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا صلاة لمن لم يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب " وعنه وعن عبادة بن الصامت قالا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إن نقرأ بفاتحة الكتاب في كل ركعة، رواهما اسماعيل بن سعيد الشالنجي، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم علم المسئ في صلاته كيف يصلي الركعة الأولى ثم قال " وافعل ذلك في صلاتك كلها " فيتناول الأمر بالقراءة، وحديث علي يرويه الحارث الأعور، قال الشعبي: كان كذابا ولو صح فقد خالفه عمر وجابر والإسرار بها لا ينفي وجوبها كالأوليين في الظهر (فصل) وأقل ما يجزئ قراءة مسموعة يسمعها نفسه أو يكون بحيث يسمعها لو كان سمعيا إلا

مسألة: ومن صلى بالإجتهاد إلى جهة ثم علم أنه أخطأ القبلة فلا إعادة عليه

أن يكون ثم ما يمنع السماع كقولنا في التكبير فإن ما دون ذلك ليس بقراءة، والمستحب أن يأتي بها مرتبة معربة يقف فيها عند كل آية ويمكن حروف المد واللين ما لم يخرجه ذلك إلى التمطيط لقول الله تعالى (ورتل القرآن ترتيلا) وروي عن أم سلمة أنها سئلت عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: كان يقطع قراءته آية آية (بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين) من المسند. وعن أنس قال: كان قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم مدا مدا ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم يمد باسم ويمد الرحمن ويمد الرحيم، أخرجه البخاري. فإن أخرجه ذلك إلى التمطيط والتلحين كان مكروها لأنه ربما جعل الحركات حروفا، قال أحمد: يعجبني من قراءة القرآن السهلة وقال قوله " زينوا القرآن بأصواتكم " قال: يحسنه بصوته من غير تكلف، وقد روي في خبر " أحسن الناس قراءة من إذا سمعت قراءته رأيت أنه يخشى الله " وروي " أن هذا القرآن نزل بحزن فاقرءوه بحزن " (مسألة) (فإن ترك ترتيبها أو تشديدة منها أو قطعها بذكر كثير أو سكوت طويل لزمه استئنافها) وجملة ذلك أنه يلزمه أن يأتي بقراءة الفاتحة مرتبة مشددة غير ملحون فيها لحنا يحيل المعنى مثل أن يكسر كاف إياك أو يضم تاء أنعمت أو يفتح ألف الوصل في اهدنا فإن أخل بالترتيب أو لحن فيها لحنا

مسألة: فإن أراد صلاة أخرى اجتهد لها فإن تغير إجتهاده عمل بالثاني ولم يعد ما صلى بالأول

يحيل المعنى لم يعتد بها لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرؤها مرتبة وقد قال " صلوا كما رأيتموني أصلي " إلا أن يعجز عن غير هذا، وكذلك إن أخل بتشديدة منها، ذكر القاضي نحو هذا في المجرد وهو قول الشافعي، وذكر في الجامع لا تبطل بترك شدة لأنها غير ثابتة في خط المصحف وإنما هي صفة للحرف ويسمى تاركها قارئا، والصحيح الأول لأن الحرف المشدد أقيم مقام حرفين بدليل أن شدة راء الرحمن أقيمت مقام اللام وكذلك شدة دال الدين. فإذا أخل بها أخل بالحرف وغير المعنى إلا أن يريد أنه أظهر المدغم مثل أن يظهر لام الرحمن فهذا يصح لأنه إنما ترك الإدغام وهو لحن لا يحيل المعنى، قال القاضي: ولا يختلف المذهب أنه إذا لينها ولم يخففها على الكمال أنه لا يعيد الصلاة لأن ذلك لا يحيل المعنى ويختلف باختلاف الناس ولعله أراد في الجامع هذا فيكون قوله متفقا، ولا تستحب المبالغة في التشديد بحيث يزيد على حرف ساكن لأنها أقيمت مقامه فإذا زادها عن ذلك زادها عما أقيمت مقامه فيكره (فصل) فإن قطع قراءة الفاتحة بذكر أو دعاء أو قراءة أو سكوت وكان يسيرا أو فرغ الإمام من الفاتحة في أثناء قراءة المأموم فقال آمين لم تنقطع قراءته لقول أحمد إذا مرت به آية رحمة سأل، وإذا مرت به آية عذاب استعاذ لأنه يسير فعفي عنه، وإن كثر ذلك استأنف قراءتها لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرؤها متوالية، فإن كان السكوت مأمورا به كالمأموم شرع في قراءة الفاتحة ثم سمع قراءة الإمام فينصت له فإذا سكت الإمام أتم قراءته وأجزأه. أومى إليه أحمد وكذلك إن سكت نسيانا أو

مسألة: وهل تشترط نية القضاء في الفائتة ونية الفرضية في الفرض؟ على وجهين

نوما أو لانتقاله إلى غيرها غلطا ومتى ما ذكر أتى بما بقي منها فإن تمادى فيما هو فيه بعد ذكره لزمه استئنافها كما لو ابتدأ بذلك، فإن نوى قطع قراءتها من غير أن يقطعها لم تنقطع لأن الاعتبار بالفعل لا بالنية. وكذا إن سكت مع النية سكوتا يسيرا لما ذكرنا أن النية لا عبرة بها ذكره القاضي في المجرد وذكر في الجامع أنه متى سكت مع النية أبطلها وأنه متى عدل إلى قراءة غيرها عمدا أو دعاء غير مأمور به بطلت قراءته ولم يفرق بين قليل وكثير. وإن قدم آية منها في غير موضعها عمدا أبطلها وإن كان غلطا رجع فأتمها قال شيخنا: والأولى إن شاء الله ما ذكرناه لأن المعتبر في القراءة وجودها لا نيتها فمتى قرأها متواصلة تواصلا قريبا صحت كما لو كان ذلك عن غلط والله أعلم (مسألة) (فإذا قال ولا الضالين قال آمين) التأمين عند الفراغ من قراءة الفاتحة سنة للإمام والمأموم، روى ذلك عن ابن عمر وابن الزبير وهو قول الثوري وعطاء والشافعي واسحاق وأصحاب الرأي. وقال أصحاب مالك: لا يسن التأمين للإمام لما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إذا قال الإمام غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا آمين فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له " رواه مالك، وهذا دليل على أنه لا يقولها ولنا ما روى أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا أمن الإمام فأمنوا فإنه من

مسألة: ويأتي بالنية عند تكبيرة الإحرام

وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له " متفق عليه. وعن وائل ابن حجر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قال " ولا الضالين " قال " آمين " ورفع بها صوته، رواه أبو داود، وحديثهم لا حجة لهم فيه وإنما قصد به تعريفهم موضع تأمينهم وهو موضع تأمين الإمام ليكون تأمين الإمام والمأمومين موافقا تأمين الملائكة وقد جاء هذا مصرحا به، فروى الإمام أحمد عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا قال الإمام ولا الضالين فقولوا آمين فإن الملائكة تقول آمين والإمام يقول آمين فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه " وقوله في اللفظ الآخر " إذا أمن الإمام " يعني إذا شرع في التأمين (مسألة) (يجهر بها الإمام والمأموم في صلاة الجهر) الجهر بآمين للإمام والمأموم سنة، وقال أبو حنيفة ومالك في إحدى الروايتين: يسن إخفاؤها لأنه دعاء أشبه دعاء التشهد. ولنا حديث وائل بن حجر الذي ذكرناه، وقال عطاء أن ابن الزبير كان يؤمن ويؤمنون حتى إن للمجسد للجة، رواه الشافعي في مسنده. وما ذكروه يبطل بآخر الفاتحة فان دعاء ويسن الجهر به وفي آمين لغتان قصر الألف ومدهامع التخفيف فيها، قال الشاعر تباعد مني فطحل إذ دعوته + + + أمين فزاد الله ما بيننا بعدا وأنشد في المد يا رب لا تسلبني حبها أبدا + + + ويرحم الله عبدا قال آمينا ومعناها اللهم استجب. قاله الحسن، وقيل هو اسم من أسماء الله عزوجل، ولا يشدد الميم لأنه يخل بالمعنى فيصير بمعنى قاصدين (فصل) فإن نسي الإمام التأمين أمن المأموم ورفع بها صوته ليذكر الإمام لأنه من سنن الأقوال

مسألة: وإن أحرم بفرض فبان قبل وقته إنقلب نفلا

فإذا تركها الإمام أتى بها المأموم كالاستعاذة، وإن أخفاها الإمام جهر بها المأموم لما ذكرنا فإن ترك التأمين حتى شرع في قراءة السورة لم يعد إليه لأنه سنة فات محلها (مسألة) (فإن لم يحسن الفاتحة وضاق الوقت عن تعلمها قرأ قدرها في عدد الحروف وقيل في عدد الآيات من غيرها فان لم يحسن إلا آية كررها بقدرها) وجملة ذلك أن من لم يحسن الفاتحة يلزمه تعلمها لأنه واجب في الصلاة فلزمه تحصيله إذا أمكنه كشروطها فان لم يفعل مع القدرة عليه لم تصح صلاته، فإن لم يقدر أو خشي فوات الوقت سقط، فان كان يحسن منها آية أو أكثر كررها بقدرها لا يجزئه غير ذلك، ذكره القاضي لأن ذلك أقرب إليها من غيرها وقال ابن أبي موسى: لا يكررها وكذلك إن لم يحسن من القرآن إلا آية. ويحتمل أن يأتي ببقية الآي من غيرها كمن وجد بعض الماء فإنه يغسل به ويعدل إلى التيمم، ذكر القاضي هذا الاحتمال في الجامع ولأصحاب الشافعي وجهان كهذين. فأما إن عرف بعض آية لم يكررها وعدل إلى غيرها لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الذي لا يحسن الفاتحة أن يقول الحمد لله وغيرها وهي بعض آية ولم يأمره بتكرارها، فإن لم يحسن شيئا منها وأحسن غيرها من القرآن قرأ منه بقدرها إن قدر عليه لا يجزئه غير ذلك لما روى أبو داود عن رفاعة ابن رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا أقيمت الصلاة فإن كان معك قرآن فاقرأ به وإلا فاحمد الله وهلله وكبره " ويجب أن يقرأ بعدد آياتها، وهل يعتبر أن يكون بعدد حروفها؟ فيه وجهان أظهرهما اعتبار ذلك اختاره القاضي وابن عقيل لأن الحرف مقصود بدليل تقدير الحسنات به فاعتبر كالآي (والثاني) تعتبر الآيات ولا يعتبر عدد الحروف بدليل أنه لا يكفي عدد الحروف دونها فأشبه من فاته صوم يوم طويل لا يعتبر في القضاء صوم يوم طويل مثله (وفيه وجه ثالث) أنه يكفيه أن يقرأ بعدد الحروف ولا يعتبر عدد الآيات وهو ظاهر كلام شيخنا ههنا لأن الثواب مقدر بالحروف فكفى اعتبارها، فإن لم يحسن إلا آية كررها بقدرها فكان بمثابة من قرأها لأنها من جنس الواجب (مسألة) (فإن لم يحسن شيئا من القرآن لم يجز أن يترجم عنه بلغة أخرى ولزمه أن يقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله) لا يجوز له القراءة بغير العربية سواء أحسن قراءتها بالعربية أو لم يحسن وهو قول الشافعي وقول

مسألة: وإن إنتقل من فرض إلى بطلت الصلاتان

أبي يوسف ومحمد إذا كان لا يحسن وبه قال بعض أصحاب الشافعي، وقال أبو حنيفة يجوز ذلك لقوله تعالى (وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ) وإنما ينذر كل قوم بلسانهم ولنا قول الله تعالى (قرآنا عربيا) وقوله (بلسان عربي مبين) ولأن القرآن لفظه ومعناه معجزة فإذا غير خرج عن نظمه ولم يكن قرآنا ولامثله وإنما يكون تفسيرا له ولو كان تفسيره مثله لما عجزوا عنه إذا تحداهم بالإتيان بسورة من مثله، أما الإنذار فإذا فسره لهم حصل بالمفسر لا بالتفسير، إذا ثبت هذا فإنه يقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، لما روى أبو داود قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني لا أستطيع أن أخذ شيئاً من القرآن فعلمني ما يجزئني منه فقال تقول " سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله " قال هذا لله فما لي؟ قال تقول " اللهم اغفر لي وارحمني وارزقني واهدني وعافني " ولا تلزمه الزيادة على الخمس الأول لأن النبي صلى الله عليه وسلم اقتصر عليها وإنما زاده عليها حين طلب الزيادة. وذكر بعض أصحاب الشافعي أنه يزيد على الخمس كلمتين حتى يكون مقام سبع آيات فقال ابن عقيل يكون ما أتى به على قدر حروف الفاتحة كما قلنا فيما إذا قرأ من غيرها، والحديث يدل على أن الخمس المذكورة مجزئة ولا يلزم عليه القراءة من غير الفاتحة حيث لزم أن يكون بعدد آياتها لأن هذا بدل من غير الجنس أشبه التيمم (مسألة) (فإن لم يحسن إلا بعض ذلك كرره بقدرها) كما قلنا فمين يحسن بعض الفاتحة. قال شيخنا ويحتمل أن يجزئه الحمد والتهليل والتكبير لقول النبي صلى الله عليه وسلم " فإن كان معك قرآن فاقرأ به وإلا فاحمد الله وهلله وكبره " رواه أبو داود (مسألة) (فإن لم يحسن شيئا من الذكر وقف بقدر القراءة) لأن الوقوف كان واجبا مع القراءة فإذا عجز عن أحد الواجبين بقي الآخر على وجوبه ولأن القيام ركن فلم يسقط بالعجز عن غيره كسائر الأركان

مسألة: وإن أحرم مأموما ثم نوى الإنفراد لعذر جاز

(فصل) ويستحب أن يسكت الإمام عقيب قراءة الفاتحة سكتة يستريح فيها ويقرأ فيها من خلفه الفاتحة كيلا ينازع فيها وهذا قول الشافعي واسحاق، وكرهه مالك وأصحاب الرأي ولنا ما روى أبو داود وابن ماجة أن سمرة حدث أنه حفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سكتتين؟ سكتة إذا كبر وسكتة إذا فرغ من (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) فأنكر عليه عمران فكتبا في ذلك إلى أبي بن كعب فكان في كتابه إليهما أن سمرة قد حفظ (مسألة) (ثم يقرأ بعد الفاتحة سورة تكون في الصبح من طوال المفصل، وفي المغرب من قصاره وفي الباقي من أوساطه) قراءة السورة بعد الفاتحة في الركعتين الأوليين من كل صلاة مستحب لا نعلم فيه خلافاً، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي قتادة وفي حديث أبي برزة واشتهر ذلك في صلاة الجهر ونقل نقلا متواترا وأمر به معاذا فقال: اقرأ " بالشمس وضحاها " الحديث متفق عليه. ويسن أن يفتتح السورة ببسم الله الرحمن الرحيم، وقد وافق مالك على ذلك ويسر بها في السورة كما يسر بها في أول الفاتحة والخلاف ههنا كالخلاف ثم (فصل) ويستحب أن تكون القراءة على الصفة التي ذكر لما روى جابر بن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الفجر بقاف والقرآن المجيد ونحوها، وكانت صلاته بعد إلى التخفيف، رواه مسلم وعن عمرو بن حريث قال: كأني أسمع صوت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاة الغداة (فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس) رواه ابن ماجه. وعن جابر بن سمرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر والعصر بالسماء ذات البروج، والسماء والطارق) وشبههما أخرجه أبو داود، وعنه كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر بالليل إذا يغشى وفي العصر نحو ذلك، وفي الصبح أطول من ذلك، أخرجه مسلم. وروى البراء أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في العشاء بالتين والزيتون في السفر متفق عليه. وعن ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب قل يا أيها الكافرون، وقل هو الله أحد أخرجه ابن ماجة وروي مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ " أفتان أنت يا معاذ يكفيك أن تقرأ بالشمس وضحاها، والضحى والليل إذا يغشى، وسبح اسم ربك الأعلى " وكتب عمر إلى أبي موسى أن اقرأ في الصبح بطوال المفصل، واقرأ في الظهر بأوساط المفصل، واقرأ في المغرب بقصار المفصل، رواه أبو حفص بإسناده

(فصل) وإن قرأ على خلاف ذلك فلا بأس فإن الأمر في ذلك واسع، فقد روي انه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الصبح بالستين إلى المائة متفق عليه. وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في الفجر بالروم، أخرجه النسائي. وعن عبد الله بن السائب قال: قرأ النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الصبح بالمؤمنين، فلما أتى على ذكر عيسى أصابته شرقة فركع، رواه ابن ماجه. وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في المغرب بالمرسلات. وعن جبير بن مطعم أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور متفق عليه، وروى زيد بن ثابت أنه قرأ فيها الاعراف، وعن رجل من جهينة أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الصبح (إذا زلزلت) في الركعتين كلتيهما فلا أدري أنسي رسول الله صلى الله عليه وسلم أم فعل ذلك عمدا، رواهما أبو داود، وعنه أنه قرأ في الصبح بالمعوذتين وكان صلى الله عليه وسلم يطيل تارة ويقصر بالأخرى على حسب الأحوال، وقال الخرقي يقرأ في الظهر في الأولى بنحو ثلاثين آية وفي الثانية بأيسر من ذلك، وفي العصر على النصف من ذلك لما روى أبو سعيد قال: اجتمع ثلاثون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: تعالوا حتى نقيس قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما لم يجهر فيه من الصلاة فما اختلف رجلان فقاسوا قراءته في الركعة الأولى من الظهر قدر ثلاثين آية، وفي الركعة الأخرى قدر النصف من ذلك وقاسوا ذلك في صلاة العصر على قدر النصف من الركعتين الآخريين من الظهر، رواه ابن ماجه (فصل) ولا بأس بقراءة السورة في الركعتين قال أحمد في رواية أبي طالب واسحاق بن إبراهيم لما روى زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في المغرب بالأعراف في الركعتين كلتيهما رواه سعيد، وعن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقسم البقرة في الركعتين، رواه ابن ماجه، وسئل أحمد عن الرجل يقرأ بسورة ثم يقوم فيقرأ بها الركعة الأخرى فقال: وما بأس بذلك لما ذكرنا من حديث الجهني رواه أبو داود قال حرب: قلت لاحمد الرجل يقرأ على التأليف في الصلاة اليوم السورة وغدا التي تليها؟ قال ليس في هذا شئ إلا أنه روي عن عثمان أنه فعل ذلك في المفصل وحده. وقال منها: سألت أحمد عن الرجل يقرأ في الصلاة حيث ينتهي جزؤه قال لا بأس به في الفرائض. (مسألة) (ويجهر الإمام بالقراءة في الصبح والأوليين من المغرب والعشاء) الجهر في هذه المواضع مجمع على استحبابه ولم يختلف المسلمون في مواضعه، والأصل فيه فعل النبي صلى الله عليه وسلم وقد ثبت ذلك بنقل الخلف عن السلف، فإن جهر في موضع الأسرار وأسر في موضع الجهر ترك السنة

مسألة: وإن سبق إثنان ببعض الصلاة فأتم أحدهما بصاحبه في قضاء ما فاتهما فعلى وجهين أحدهما

وأجزأه. وقال القاضي: إن فعل ذلك عامداً صحت صلاته في ظاهر كلامه، ومن أصحابنا من قال تبطل وإن فعله ناسيا لم تبطل إلا أنه إذا جهر في موضع الإسرار ناسيا ثم ذكر في أثناء قراءته بنى على قراءته وإن نسي فأسر في موضع الجهر ففيه روايتان (إحداهما) يمضي في قراءته كالتي قبلها (والثانية) يستأنف القراءة جهرا على سبيل الاختيار لا الوجوب والفرق بينهما أن الجهر زياة قد حصل بها المقصود وزيادة فلا حاجة الى إعادته. والإسرار نقص فاتت به سنة تتضمن مقصودا وهو سماع المأمومين القراءة وقد أمكنه الإتيان بها فينبغي أن يأتي بها (فصل) ولا يشرع الجهر للمأموم بغير خلاف لأنه مأمور بالاستماع للإمام والإنصات له ولا يقصد منه إسماع أحد، فأما المنفرد مخير في ظاهر كلامه، وكذلك من فاته بعض الصلاة مع الإمام فقام ليقضيه فروي ذلك عن الأثرم قال إن شاء جهر وإن شاء خافت إنما الجهر للجماعة، وكذلك قال طاوس والاوزاعي فيمن فاته بعض الصلاة ولا فرق بين القضاء والأداء وقال الشافعي يسن للمنفرد لأنه غير مأمور بالإنصات أشبه الإمام ولنا أنه لا يراد منه اسماع غيره أشبه المأموم في سكتات الإمام بخلاف الإمام فإنه يقصد إسماع المأمومين فقد توسط المنفرد بين الإمام والمأموم ولذلك كان مخيرا في الحالين (فصل) فإن قضى الصلاة في جماعة وكانت صلاة نهار أسر سواء قضاها ليلاً أو نهاراً لا نعلم فيه خلافا لأنها صلاة نهار وإن كانت صلاة ليل فقضاها ليلا جهر في ظاهر كلامه لأنها صلاة ليل فعلها ليلا فجهر فيها كالمؤداة وإن قضاها نهارا احتمل أن لا يجهر وهو مذهب الشافعي والاوزاعي لأنها مفعولة في النهار وصلاة النهار عجماء، وقد روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " اذا رأيتم من يجهر بالقراءة في صلاة النهار فارجموه بالبعر " رواه أبو حفص بإسناده واحتمل أن يجهر فيها وهو قول أبي حنيفة وابن المنذر وأبي ثور ليكون القضاء كالأداء ولا فرق عند هؤلاء بين الامام والمنفرد ظاهر كلام أحمد أنه غير بين الأمرين (مسألة) (وإن قرأ بقراءة تخرج عن مصحف عثمان لم تصح صلاته وعنه تصح) لا يستحب له أن يقرأ بغير ما في مصحف عثمان ونقل عن أحمد أنه كان يختار قراءة نافع من طريق إسماعيل بن جعفر فإن لم يكن فقراءة عاصم من طريق أبي بكر بن عياش وأثنى على قراءة أبي عمر ولم يكره قراءة

فصول في أدب المشي إلى الصلاة

أحد من العشرة إلا قراءة حمزة والكسائي لما فيها من الكسر والإدغام والتكلف وزيادة المد، وقد روي عن زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " نزل القرآن بالتفخيم " وعن ابن عباس قال: نزل القرآن بالتفخيم والتثقيل نحو الجمعة وأشباه ذلك ولأنها تتضمن الإدغام الفاحش وفيه إذهاب حروف كثيرة من كتاب الله تعالى ينقص بإدغام كل حرف عشر حسنات، ورويت كراهتها والتشديد فيها عن جماعة من السلف منهم الثوري وابن مهدي ويزيد بن هارون وسفيان بن عيينة فروي عنه أنه قال لو صليت خلف إنسان يقرأ قراءة حمزة لأعدت صلاتي، وقال أبو بكر بن عياش قراءة حمزة بدعة، وقال ابن إدريس ما أستخير أن أقول يقرأ بقراءة حمزة أنه صاحب سنة، قال بشر بن الحارث: يعيد إذا صلى خلف إمام يقرأ بها. وروى عن أحمد التسهيل في ذلك، قال الأثرم: قلت لأبي عبد الله إمام يصلي بقراءة حمزة أصلي خلفه؟ قال لا تبلغ بهذا كله ولكنها لا تعجبني (فصل) فإن قرأ بقراءة تخرج عن مصحف عثمان كقراءة ابن مسعود (فصيام ثلاثة أيام متتابعات) وغيرها كره له ذلك لأن القرآن يثبت بطريق التواتر ولا تواتر فيها ولا يثبت كونها قرآنا وهل تصح صلاته إذا كان مما صحت به الرواية واتصل إسنادها؟ على روايتين (إحداهما) لا تصح صلاته لذلك

(والثانية) تصح لأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يصلون بقراءتهم في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وبعده وكانت صلاتهم صحيحة. وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من أحب أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأ على قراءة ابن أم عبد " وكان الصحابة رضي الله عنهم يصلون بقراآت لم يثبتها عثمان في المصحف لا يرى أحد منهم تحريم ذلك ولا بطلان صلاتهم به (فصل) فإذا فرغ من القراءة ثبت قائما وسكت حتى يرجع إليه نفسه قبل أن يركع ولا يصل قراءته

باب صفة الصلاة

بتكبير الركوع قاله أحمد لأن في حديث سمرة في بعض رواياته فإذا فرغ من القراءة سكت، رواه أبو داود

مسألة: يستحب أن يقوم إلى الصلاة إذا قال المؤذن قد قامت الصلاة

(مسألة) (ثم يرفع يديه ويركع مكبرا فيضع يديه على ركبتيه ويمد ظهره مستويا ويجعل رأسه حيال ظهره لا يرفعه ولا يخفضه) الكلام في هذه المسألة في ثلاثة أمور (أحدها) في رفع اليدين، ورفعهما في تكبيرة الركوع مستحب: ويرفعهما إلى فروع أذنيه ويكون ابتداء الفرع مع ابتداء التكبير، وانتهاؤه مع انتهائه كما قلنا في ابتداء الصلاة، وهذا قول ابن عمر وابن عباس وجابر وأبي هريرة وابن الزبير وأنس رضي الله عنهم، وبه قال الحسن وعطاء وطاووس وابن المبارك، والشافعي مالك في أحد قوليه وقال الثوري وأبو حنيفة والنخعي لا يرفعهما لما روي عن عبد الله بن مسعود أنه قال: أصلي بكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى فلم يرفع يديه إلا في أول مرة، حديث حسن. وروي يزيد بن زياد عن ابن أبي ليلى عن البراء بن عازب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه إذا افتتح الصلا ثم لا يعود، رواه أحد بمعناه قالوا: والعمل في هذين الحديثين الاولين أولى لأن ابن مسعود كان فقيها مالازما لرسول الله صلى الله عليه وسلم عالما بأحواله فتقدم روايته على غيره ولنا ما روى عبد الله بن عمر قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة رفع يديه حتى يحاذي منكبيه، وإذا أراد أن يركع، وبعد ما يرفع رأسه من الركوع، متفق عليه، وقد ذكرنا حديث أبي حميد وفيه الرفع، رواه في عشرة من الصحابة منهم أبو قتادة فصدقوه، ورواه عمر وعلي ووائل ابن حجر ومالك بن الحويرث وأنس وأبو هريرة وأبو أسيد وسهل بن سعد ومحمد بن مسلمة وأبو موسى فصار كالمتواتر الذي لا يتطرق إليه شك بصحة سنده وكثرة رواته وعمل به الصحابة والتابعون

مسألة: ثم يسوي الإمام الصفوف

وأنكروا على من تركه، فروي أن ابن عمر كان إذا رأى من لا يرفع حصبه وأمره أن يرفع وحديثاهم ضعيفان، فحديث ابن مسعود قال ابن المبارك لم يثبت، وحديث البراء قال أبو داود: هذا حديث ليس بصحيح - ولو صحا كان الترجيح لأحاديثنا لأنها أصح إسنادا وأكثر رواة ولأنهم مثبتون والمثبت يقدم على النافي ولأنه قد عمل به السلف من الصحابة والتابعين، وقولهم أن ابن مسعود إمام، قلنا لا ننكر فضله وإمامته، أما بحيث يقدم على عمر وعلي فلا ولا يساوي واحدا منهما فكيف تقدم روايته؟ (الأمر الثاني) الركوع وهو واجب في الصلاة بالنص والإجماع قال الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا) وأجمعوا على وجوب الركوع على القادر عليه (الأمر الثالث) التكبير فيه وهو مشروع في كل خفض ورفع في قول أكثر أهل العلم منهم ابن مسعود وابن عمر وجابر وأبو هريرة وهو قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي وعوام علماء الأمصار، وروي عن عمر بن عبد العزيز وسالم والقاسم وسعيد بن جبير أنهم كانوا لا يتمون التكبير لما روى عبد الرحمن بن أبي أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم فكان لا يتم التكبير، يعني إذا خفض وإذا رفع، رواه الإمام أحمد ولنا ما روى أبو هريرة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة يكبر حين يقوم ثم يكبر حين يركع ثم يقول سمع الله لمن حمده حين يرفع صلبه من الركوع ثم يقول وهو قائم ربنا ولك الحمد ثم يكبر حين يهوي ساجدا ثم يكبر حين يرفع رأسه، ثم يكبر حين يسجد، ثم يكبر حين يرفع رأسه، ثم يفعل ذلك في الصلاة كلها حتى يقضيها ويكبر حين يقوم من الثنتين بعد الجلوس، متفق عليه. وعن ابن مسعود قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبر في كل خفض ورفع وقيام وقعود، وأبو بكر وعمر، رواه الإمام أحمد والترمذي وقال حسن صحيح. وقال النبي

مسألة: ويقول الله أكبر لا يجزئه غيرها

صلى الله عليه وسلم " صلوا كما رأيتموني أصلي " وقال إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا " متفق عليه ولأنه شروع في ركن فشرع فيه التكبير كحالة الابتداء (فصل) ويستحب أن يضع يديه على ركبتيه ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قول عامة أهل العلم، وذهب قوم من السلف إلى التطبيق وهو أن يجعل المصلي أحد كفيه على الأخرى ثم يجعلهما بين ركبتيه إذا ركع وهذا كان في أول الإسلام ثم نسخ، قال مصعب بن سعد: ركعت فجعلت يدي بين ركبتي فنهاني أبي وقال إنا كنا نفعل هذا فنهينا عنه وأمرنا أن نضع أيدينا على الركب متفق عليه. وفي حديث أبي حميد رأيته إذا ركع أمكن يديه من ركبتيه، ويستحب أن يفرج أصابعه لما روى وائل بن حجر قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ركع فرج أصابعه، رواه البيهقي (فصل) ويجعل رأسه حيال ظهره لا يرفعه ولا يخفضه لأن في حديث أبي حميد في صفة الركوع ثم هصر ظهره، وفي لفظ ثم اعتدل فلم يصوب رأسه ولم يقنع، وقالت عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ركع لم يرفع رأسه ولم يصوبه ولكن بين ذلك، متفق عليه. وجاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا ركع لو كان قدح ماء على ظهره ما تحرك وذلك لاستواء ظهره، ويستحب أن يجافي عضديه عن جنبيه فإن في حديث أبي حميد النبي صلى الله عليه وسلم وضع يديه على ركبتيه كأنه قابض عليهما ووتر أيديه فنحاهما عن جنبه، صحيح

(مسألة) (وقدر الإجزاء الانحناء بحيث يمكنه مس ركبتيه بيديه لأنه لا يخرج عن حد القيام إلى الركوع إلا به ولا يلزمه وضع يديه على ركبتيه بل ذلك مستحب، فإن كانتا عليلتين لا يمكنه وضعهما انحنى ولم يضعهما، وإن كانت إحداهما عليلة وضع الآخرى (1) (فصل) وإذا رفع رأسه وشك هل رفع أو لا؟ أو هل أنى بقدر الإجزاء أو لا؟ لزمه أن يعود فيركع

_ 1) سقط هذا السطر من نسخة الشرح الكبير فنقلناه من المغني وربما كان ما سقط أكثر

مسألة: فإن لم يحسنها لزمه تعلمها فإن خشي فوات الوقت كبر بلغته

لأن الأصل عدم ما شك فيه إلا أن يكون وسواسا فلا يلتفت إليه وكذلك حكم سائر الأركان (مسألة) (ثم يقول سبحان ربي العظيم ثلاثا وهو أدنى الكمال) قول سبحان ربي العظيم مشروع في الركوع، وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي، وقال مالك ليس عندنا في الركوع والسجود شئ محدود وقد سمعت أن التسبيح في الركوع والسجود ولنا ما روى عقبة بن عامر قال: لما نزلت (فسبح باسم ربك العظيم) قال النبي صلى الله عليه وسلم " اجعلوها في ركوعكم " وروى ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا ركع أحدكم فليقل سبحان ربي العظيم ثلاث مرات وذلك أدناه " أخرجهما أبو داود وابن ماجة، وأدنى الكمال ثلاث لما ذكرناء ويجزئه تسبيحة واحدة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر عددا في حديث عقبة ولأنه ذكر مكررا فأجزأت واحدة كسائر الأذكار، قال أحمد جاء الحديث عن الحسن البصري أنه قال " التسبيح التام سبع، والوسط خمس، وأدناه ثلاث " وقال القضي الكامل في التسبيح إن كان منفردا

مسألة: ويجهر الإمام بالتكبير كله ليسمع المأمومون

مالا يخرجه إلى السهو وفي حق الإمام مالا يشق على المأمومين، ويحتمل أن يكون الكامل عشر تسبيحات لأن أنساً روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي كصلاة عمر بن عبد العزيز فحزروا ذلك بعشر تسبيحات. وقال الميموني صليت خلف أبي عبد الله فكنت أسبح في الركوع والسجود عشر تسبيحات وأكثر. وقال بعض أصحابنا الكمال أن يسبح مثل قيامه لما روى البراء قال: رمقت محمداً صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فوجدت قيامه، فركعته، فاعتداله بعد ركوعه، فسجدته، فجلسته

ما بين السجدتين فسجدته فجلسته ما بين التسليم والانصراف قريبا من السواء متفق عليه (فصل) إلا أن الأولى للإمام عدم التطويل لئلا يشق على المأمومين إلا أن يكون الجماعة يرضون بذلك فيستحب له التسبيح الكامل على ما ذكرنا، وإن قال سبحان ربي العظيم وبحمده فلا بأس فإنه قد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا ركع قال " سبحان ربي العظيم وبحمده " ثلاثا إذا سجد قال " سبحان ربي الأعلى وبحمده " ثلاثا رواه أبو داود. قال أحمد بن نصر روي عن

أحمد أنه سئل: تسبيح الركوع والسجود " سبحان ربي العظيم وبحمده " أعجب إليك أو " سبحان ربي العظيم؟ " فقال قد جاء هذا وجاء هذا. وروي عنه أنه قال: أما أنا فلا أقول وبحمده. وحكاه ابن المنذر عن الشافعي وأصحاب الرأي لأن هذه الزيادة قال أبو داود: نخاف أن لا تكون محفوظة والرواية بدونها أكثر (فصل) يكره أن يقرأ في الركوع والسجود لما روى علي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن قراءة القرآن في الركوع والسجود، قال الترمذي هذا حديث صحيح (مسألة) (ثم يرفع رأسه قائلا سمع الله لمن حمده، ويرفع يديه) إذا فرغ من الركوع رفع رأسه

مسألة: ثم يرفع يديه مع ابتداء التكبير ممدودة الأصابع مضموما بعضها إلى بعض إلى حذو منكبيه أو إلى فروع أذنيه

قائلا سمع الله لمن حمده، ويكون انتهاؤه عند انتهاء رفعه، ويرفع يديه لما روينا من الأخبار، وفي موضع الرفع روايتان (إحداهما) بعد اعتداله قائما، حكاه أحمد بن الحسين أنه رأى أحمد يفعله لأن في بعض ألفاظ حديث ابن عمر رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة رفع يديه، وإذا ركع، وبعد ما يرفع رأسه من الركوع (والثانية) يبتدئه حين يبتدئ رفع رأسه، لان أبا حميد قال في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثم قال " سمع الله لمن حمده " ورفع يديه. وفي حديث ابن عمر في الرفع: وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك ويقول " سمع الله لمن حمده " وظاهره أنه رفع يديه حين أخذ في رفع رأسه كقوله إذا كبر أي إذا أخذ في التكبير ولأنه محل رفع المأموم فكان محل رفع الإمام كالركوع، فإن الرواية لا تختلف في أن المأموم يبتدئ الرفع عند رفع رأسه لأنه ليس في حقه ذكر بعد الاعتدال والرفع إنما جعل هيئة للذكر. وقول سمع الله لمن حمده مشروع في حق الإمام والمنفرد لا نعلم فيه خلافاً في المذهب لما ذكرنا من حديث أبي حميد وحديث ابن عمر وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبريدة " يا بريدة إذا رفعت رأسك من الركوع فقل سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد " رواه الدارقطني، ويعتدل قائما حتى يرجع كل عضو إلى موضعه ويطمئن لقول أبي حميد في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا رفع رأسه استوى قائما حتى يعود كل فقار إلى مكانه متفق عليه، وقالت عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم فكان إذا رفع رأسه من الركوع لم يسجد حتى يستوي قائما، رواه مسلم

(فصل) وهذا الرفع والاعتدال عنه واجب وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة وبعض أصحاب مالك لا يجب لأن الله تعالى لم يأمر به وإنما أمر بالركوع والسجود والقيام فلا يجب غيره. ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم للمسئ في صلاته " ثم ارفع حتى تعتدل قائما " متفق عليه وداوم على فعله وقد قال " صلوا كما رأيتموني أصلي " وقولهم لم يأمر به، قلنا قد أمر بالقيام وهذا قيام وقد أمر به النبي صلى الله عليه وسلم وأمره يجب امتثاله. ويسن الجهر بالتسميع للإمام كم يسن له الجهر بالتكبير قياساً عليه، والله أعلم (فصل) وإذا قال مكان سمع الله لمن حمده: من حمد الله سمع له، لم يجزئه. وقال الشافعي: يجزئه لإتيانه باللفظ والمعنى. ولنا أنه عكس اللفظ المشروع أشبه ما لو قال في التكبير: الأكبر الله، ولا نسلم أن المعنى لم يتغير فإن قوله: سمع الله لمن حمده، صيغة تصلح للدعاء، واللفظ الآخر صيغة شرط وجزاء لا يصلح للذكر فاختلفا (مسألة) (فإذا اعتدل قائما قال ربنا ولك الحمد ملء السموات وملء الارض وملء ما شئت من شئ بعد) قول ربنا ولك الحمد مشروع في حق كل مصل في المشهور عنه، وهو قول أكثر أهل العلم منهم ابن مسعود وابن عمر وأبو هريرة والشعبي والشافعي وإسحاق وابن المنذر، وعن أحمد لا يقوله المنفرد فإنه قال في رواية إسحاق في الرجل يصلي وحده فإذا قال سمع الله لمن حمده، قال ربنا ولك الحمد

فقال إنما هذا للإمام جمعهما وليس هذا لأحد سوى الإمام لأن الخبر لم يرد به في حقه فلم يشرع له كقول سمع الله لمن حمده في حق المأموم. وقال مالك وأبو حنيفة لا يشرع هذا في حق الإمام لا المنفرد لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا اللهم ربنا ولك الحمد، فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له " متفق عليه ولنا أن أبا هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول سمع الله لمن حمده حين يرفع صلبه من الركوع ثم يقول وهو قائم ربنا ولك الحمد. متفق عليه. وعن أبي سعيد وابن أبي أوفى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من الركوع " قال سمع الله لمن حمده، اللهم ربنا لك الحمد، ملء السموات وملء الارض، وملء ما شئت من شئ بعد " رواه مسلم، وما ذكروه لا حجة لهم فيه فإنه إن ترك ذكره في حديثهم فقد ذكره في أحاديثنا - ثم يقول الامام ملء السموات وملء الارض وملء ما شئت من شئ بعد - لما ذكرنا من الأحاديث، والصحيح أن المنفرد يقول كما يقول الإمام لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لبريدة " يا بريدة إذا رفعت رأسك من الركوع فقل سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد ملء السموات وملء الارض وملء ما شئت من شئ بعد " رواه الدارقطني، وهذا عام وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول ذلك، رواه عنه علي وابو

مسألة: ثم يضع كف يده اليمنى على كوع اليسرى ويجعلهما تحت سرته

هريرة وأبو سعيد وغيرهم ولم يفرقوا بين كونه إماما أو منفردا، ولأنه ذكر للإمام فشرع للمنفرد كسائر الأذكار. وذكر القاضي في المنفرد رواية أنه يقول سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد لا يزيد عليه قال والصحيح أنه يقول مثل الإمام (فصل) ويقول ربنا ولك الحمد بواو، نص عليه أحمد في رواية الأثرم قال: سمعت أبا عبد الله يثبت أمر الواو وقال روى فيه الزهري ثلاثة أحاديث، عن أنس، وعن سعيد بن المسبب عن أبي هريرة، وعن سالم عن ابيه وهو قول مالك، ونقل ابن منصور عن احمد إذا رفع رأسه من الركوع قال اللهم ربنا لك الحمد، رواه أبو سعيد وابن أبي أوفى. فاستحب الاقتداء به في القولين، وقال الشافعي السنة قول ربنا لك الحمد، لأن الواو للعطف وليس ههنا شئ يعطف عليه ولنا أن السنة الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وقد صح عنه ذلك، ولأن إثبات الواو أكثر حروفا ويتضمن الحمد مقدرا ومظهرا إذ التقدير ربنا حمدناك، ولك الحمد فإنها لما كانت للعطف ولا شئ ههنا يعطف عليه دلت على التقدير الذي ذكرناه كقولك سبحانك اللهم وبحمدك أي؟ وبحمدك سبحانك وكيفما قال كان حسنا لأن السنة قد وردت به

مسألة: ثم يقول سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك

(مسألة) فإن كان مأموما لم يزيد على ربنا ولك الحمد، إلا عند أبي الخطاب. قال شيخنا لا أعلم خلافاً في المذهب أنه لا يشرع للمأموم قول سمع الله لمن حمده، وهذا قول ابن مسعود وابن عمر وأبي هريرة ومالك وأصحاب الرأي، وقال يعقوب ومحمد والشافعي واسحاق يقول ذلك كالإمام لحديث بريدة وقياسا على الإمام في سائر الأذكار ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد " وهذا يقتضي أن يكون قولهم ربنا ولك الحمد عقيب تسميع الإمام بلا فصل لأن الفاء للتعقيب وهذا ظاهر يجب تقديمه على القياس وعلى حديث بريدة، ولأنه خاص بالمأموم وذلك عام، ولو تعارضا كان حديثنا أولى لأنه صحيح، وحديث بريدة فيه جابر الجعفي، فأما قول ملء السماء وما بعده فظاهر المذهب أنه لا يسن للمأموم، اختاره الخرقي ونص عليه أحمد في رواية أبي داود وغيره، واختاره أكثر أصحابه لأن النبي صلى الله عليه وسلم اقتصر على أمرهم بقول " ربنا ولك الحمد " فدل على أنه لا يشرع لهم سواه، ونقل الأثرم عنه ما يدل على أنه مسنون وهو أنه قال: ليس يسقط خلف الإمام عنه غير سمع الله لمن حمده اختاره أبو الخطاب وهو قول الشافعي لأنه ذكر مشروع في الصلاة أشبه سائر الأذكار (فصل) وموضع قول ربنا ولك الحمد في حق الإمام والمنفرد بعد القيام من الركوع لانه في حال

مسألة: ثم يقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

قيامه يقول سمع الله لمن حمده فقوله قولوا ربنا ولك الحمد يقتضي تعقيب قول الإمام قول المأموم، والمأموم يأخذ في الرفع عقيب قول الإمام سمع الله لمن حمده فيكون قوله ربنا ولك الحمد حينئذ والله أعلم (فصل) وإن زاد على قول ربنا ولك الحمد: ملء السموات وملء الارض وملء ما شئت من شئ بعد - فقد اختلف عن أحمد فيه، فروي عنه أنه قيل له أتزيد على هذا فتقول أهل الثناء والمجد؟ فقال: قد روي ذلك وأما أنا فأقول هذا إلى: ما شئت من شئ بعد، فظاهر هذا أنه لا يستحب ذلك في الفريضة اتباعا لأكثر الأحاديث الصحيحة، ونقل عنه أبو الحارث أنه قال: وأنا أقول ذلك؟ يعني أهل الثناء والمجد، فظاهره أنه يستحب، اختاره أبو حفص وهو الصحيح لما روى أبو سعيد قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع قال " اللهم ربنا ولك الحمد ملء السموات وملء الارض، وملء ما شئت من شئ بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد " وروى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من الركوع قال " اللهم ربنا لك الحمد، ملء السموات وملء الارض، وملء ما شئت من شئ بعد، أهل الثناء والمجد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد " وروى عبد الله بن أبي أوفى بعد قوله " وملء ما شئت من شئ بعد، اللهم طهرني بالثلج والبرد والماء البارد، اللهم طهرني من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس " رواهن مسلم، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يطيل القيام بين الركوع والسجود. قال أنس: كان

مسألة: ثم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم

النبي صلى الله عليه وسلم إذا قال سمع الله لمن حمده قام حتى نقول قد أوهم، ثم يسجد ويقعد بين السجدتين حتى نقول قد أوهم وليست حالة سكوت فنعلم أنه عليه السلام كان يزيد على هذه الكلمات لكونها لا تستغرق هذا القيام كله (فصل) وإذا رفع رأسه من الركوع فعطس فقال ربنا ولك الحمد ينوي بذلك للعطسة والرفع فروي عنه لا يجزئه لأنه لم يخلصه للرفع، قال شيخنا: والصحيح أنه يجزئه لأنه ذكر لا تعتبر له النية وقد اتى به فأجزئه كما لو قاله ذاهلا ويحمل قول أحمد على الاستحباب لا على نفي الإجزاء حقيقة (فصل) وإذا أتى بقدر الإجزاء من الركوع فاعترضته علة منعته القيام سقط عنه الرفع لتعذره ويسجد عن الركوع، فإن زالت العلة قبل سجوده فعليه القيام، وإن زالت بعد سجوده إلى الأرض سقط القيام لأن السجود قد صح وأجزأ فسقط ما قبله، فإن قام من سجوده عالما بتحريم ذلك بطلت صلاته لأنه زاد في الصلاة فعلا وإن كان جاهلاً أو ناسياً لم تبطل ويعود إلى جلسة الفصل ويسجد للسهو (فصل) وإن أراد الركوع فوقع إلى الأرض فإنه يقوم فيركع، وكذلك إن ركع فسقط قبل طمأنينة الركوع لأنه لم يأت بما يسقط الفرض، فإن ركع فاطمأن ثم سقط فإنه يقوم منتصبا ولا يعيد

مسألة: وليست الفاتحة وعنه أنها منها ولا يجهر بشيء من ذلك

الركوع فإن فرضه قد سقط والاعتدال عنه قد سقط بقيامه (فصل) إذا رفع رأسه من الركوع فذكر أنه لم يسبح في ركوعه لم يعد إلى الركوع سواء ذكره بعد اعتداله قائما أو قبله لأن التسبيح قد سقط برفعه والركوع قد وقع صحيحا مجزئا فلو عاد إليه زاد ركوعا في الصلاة غير مشروع فإن فعله عمدا أبطل الصلاة وإن فعله ناسياً أو جاهلاً لم تبطل الصلاة كما لو ظن أنه لم يركع ويسجد للسهو، فإن أدرك المأموم الإمام في هذا الركوع لم يدرك الركعة لأنه ليس بمشروع في حقه ولأنه لم يدرك ركوع الركعة فأشبه ما لو لم يدركه راكعا ذكره شيخنا، وقال القاضي في المجرد إن رجع الإمام لم تبطل صلاته فإن أدركه المأموم فقياس المذهب أنه يعتد بها ركعة لأنه رجع إلى واجب غير أنه سقط عنه بالنسيان (مسألة) (ثم يكبر ويخر ساجدا ولا يرفع يديه) السجود واجب في الصلاة بالنص والإجماع والطمأنينة واجبة فيه لقول النبي صلى الله عليه وسلم للمسئ في صلاته " ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا " والخلاف فيها كالخلاف في طمأنينة الركوع، وينحط إلى السجود مكبرا لما ذكرنا من الأخبار ويكون ابتداء تكبيره مع ابتداء انحطاطه وانتهاؤه مع انتهائه، ولايستحب رفع يديه فيه في المشهور من المذهب ونقل عن الميموني أنه يرفع يديه وسئل عن رفع اليدين في الصلاة فقال: يرفع في كل خفض ورفع

وقال، فيه عن ابن عمر وأبي حميد أحاديث صحاح ووجه الأول حديث ابن عمر قال: وكان لا يفعل ذلك في السجود متفق عليه ولما وصف أبو حميد صلاة النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر رفع اليدين في السجود والأحاديث العامة مفسرة بالأحاديث المفصلة التي رويناها فلا يبقى فيها اختلاف (مسألة) (فيضع ركبتيه ثم يديه ثم جبهته وأنفه ويكون على أطراف أصابعه) هذا المشهور من المذهب روى ذلك عن عمر رضي الله عنه وهو قول أبي حنيفة والثوري والشافعي، وعن أحمد رواية أخرى أنه يضع يديه قبل ركبتيه، وهو مذهب مالك لما روي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه " رواه أبو داود والنسائي، وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد يضع يديه قبل ركبتيه، رواه أبو داود والنسائي والدارقطني، ووجه الأولى ما روى وائل بن حجر قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه، رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي وقال حسن غريب، قال الخطابي هذا أصح من حديث أبي هريرة، وقد روى الأثرم من حديث أبي هريرة " إذا سجد أحدكم فليبدأ بركبتيه قبل يديه ولا يبرك بروك البعير " وعن سعد قال: كنا نضع اليدين قبل الركبتين فأمرنا بوضع الركبتين قبل اليدين، فهذا يدل على أنه منسوخ رواه ابن خزيمة إلا أنه من رواية يحيى بن سلمة بن كهيل وقد تكلم فيه البخاري وقال ابن معين ليس بشئ لا نكتب حديثه، وقال الدارقطني في حديث وائل بن حجر: تفرد به شريك عن عاصم ابن كليب وشريك ليس بالقوي فيما تفرد به، ويستحب أن يكون على أطراف أصابعه ويثنيها إلى القبلة لقول النبي صلى الله عليه وسلم " أمرت أن أسجد على سبعة أعظم " ذكر منها أطراف القدمين

وروى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد غير مفترش ولا قابضهما واستقبل بأطراف رجليه القبلة، وفي رواية وفتح أصابع رجليه، وهذا معناه (مسألة) (والسجود على هذه الأعضاء واجب إلا الأنف على إحدى الروايتين) السجود على الأعضاء السبعة واجب في قول طاوس وإسحاق والشافعي في أحد قوليه، وقال مالك وأبو حنيفة والشافعي في الآخر لا يجب السجود على غير الجبهة، ورواه الآمدي عن أحمد، وقال القاضي في الجامع هو ظاهر كلام أحمد فإنه قد نص في المريض يرفع شيئا يسجد عليه أنه يجزئه ومعلوم أنه قد أخل بالسجود على يديه لقول النبي صلى الله عليه وسلم " سجد وجهي " وهذا يدل على أن السجود على الوجه ولأن الساجد على الوجه يسمى ساجدا ووضع غيره على الأرض لا يسمى به ساجدا، فالامر بالسجود ينصرف الى ما يسمى به ساجدا دون غيره، ولأنه لو وجب السجود على هذه الأعضاء لوجب كشفها كالجبهة ولنا ما روى ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أمرت أن أسجد على سبعة أعظم اليدين، والركبتين، والقدمين، والجبهة " متفق عليه وعن البراء بن عازب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا سجدت فضع كفيك وارفع مرفقيك " رواه مسلم، وسجود الوجه لا ينفي سجود ما عداه، وسقوط الكشف لا يمنع وجوب السجود فانا نمنع في الجبهة على رواية ولو سلم فالجبهة

مسألة: ثم يقرأ الفاتحة وفيها إحدى عشرة تشديدة

هي الأصل في السجود وهي مكشوفة عادة بخلاف غيرها فإن أخل بالسجود على عضو من هذه الأعضاء لم تصح صلاته عند من أوجبه، وان قدر على السجود على الجبهة وعجز عن السجود على بعض هذه الأعضاء سجد على بقيتها وقرب العضو المريض من الأرض غاية ما يمكنه ولا يجب عليه أن يرفع إليه شيئا، لأن السجود هو الهبوط ولا يحصل بالرفع وإن سقط السجود عن الجبهة لعارض من مرض أو غيره سقط عنه السجود على غيره لأنه الأصل وغيره تبع له فإذا سقط الأصل سقط التبع ولهذا قال أحمد في المريض يرفع إلى جبهته شيئا يسجد عليه أنه يجزئه. (فصل) وفي الأنف روايتان (إحداهما) يجب السجود عليه وهو قول سعيد بن جبير واسحاق لما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أمرت أن أسجد على سبعة أعظم، الجبهة - وأشار بيده إلى أنفه - واليدين، والركبتين، وأطراف القدمين " متفق عليه. وإشارته إلى أنفه تدل على إرادته. وللنسائي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أمرت أن أسجد على سبعة أعظم. الجبهة، والأنف، واليدين والركبتين، والقدمين " (والرواية الثانية) لا يجب وهو قول عطاء والحسن والشافعي وأبي يوسف ومحمد لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أمرت أن أسجد على سبعة أعظم " ولم يذكر

الانف فيها، وروي أن جابراً قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم سجد بأعلى جبهته على قصاص الشعر، رواه تمام في فوائده وغيره، وإذا سجد بأعلى الجبهة لم يسجد على الأنف، وروي عن أبي حنيفة إن سجد على جبهته دون أنفه أجزأه، ولعله ذهب إلى أن الجبهة والأنف عضو واحد لإشارة النبي صلى الله عليه وسلم حين ذكر الجبهة والسجود على بعض العضو يجزئ، وهذا قول يخالف الحديث الصحيح والعلماء قبله. قال إبن المنذر لا أعلم أحداً سبقه إلى هذا القول والله أعلم (مسألة) (ولا تجب عليه مباشرة المصلي بشئ منها إلا الجبهة على إحدى الروايتين) لا تجب مباشرة المصلى بشئ من أعضاء السجود في الصحيح من المذهب. قال القاضي في المجرد: إذا سجد على كور العمامة أو كمه أو ذيله فالصلاة صحيحة رواية واحدة، وهل يكره على روايتين، وممن رخص في السجود على الثوب في الحر والبرد عطاء وطاوس والشعبي ومالك واسحاق وأصحاب الرأي وسجد شريح على برنسه (وفيه رواية أخرى) أنه يجب عليه مباشرة المصلي بالجبهة ذكرها أبو الخطاب وروى الأثرم قال: سألت أبا عبد الله عن السجود على كور العمامة فقال: لا يسجد على كورها ولكن يحصر العمامة وهو مذهب الشافعي لما روى خباب قال شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حر

الرمضاء في جباهنا واكفنا فلم يشكنا رواه البيهقي ورواه مسلم وليس فيه جباهنا واكفنا، وعن علي رضي الله عنه قال: إذا كان أحدكم يصلي فليحسر العمامة عن جبهته رواه البيهقي، ولأنه سجد على ما هو حامل له أشبه مااذا سجد على يديه ولنا ما روى أنس قال كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم فيضع أحدنا طرف الثوب من شدة الحر في مكان السجود متفق عليه، وعن ثابت بن صامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بني الأشهل وعليه كساء ملتف به يضع يديه عليه يقيه برد الحصى رواه ابن ماجه، وقال الحسن كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجدون وأيديهم في ثيابهم ويسجد الرجل على عمامته رواه البيهقي، ولأنه عضو من أعضاء السجود فجاز السجود على حائله كالقدمين، وأما حديث خباب فالظاهر أنهم طلبوا منه تأخير الصلاة أو تسقيف المسجد أو نحو ذلك مما يزيل عنهم الضرر الحاصل من الحر، أما الرخصة في السجود على العمامة والأكمام فالظاهر أنهم لم يطلبوه لأن ذلك إنما طلبه الفقراء ولم يكن لهم عمائم ولا أكمام طوال يتقون بها وإن احتمل ذلك لكنه لا يتعين لجواز ما ذكرنا ولذلك لم يعملوا به في الأكف قال أبو إسحاق المنصوص عن الشافعي انه لا يجب كشفهما وقد قيل فيه قول إنه يجب وأما إذا سجد على يديه قائما لم يصح لأن السجود عليهما يفضي إلى تداخل أعضاء السجود

بخلاف مسئلتنا، وقال القاضي في الجامع لم أجد نصا في هذه المسألة. ويجب أن تكون مبنية على السجود على غير الجبهة. إن قلنا لا يجب جاز كما لو سجد على العمامة، وإن قلنا يجب لم يجز لئلا يتداخل محل السجود بعضه في بعض، والأولى مباشرة المصلي بالجبهة واليدين ليخرج من الخلاف ويأخذ بالعزيمة وذكر القاضي في كراهية ستر اليدين روايتين قال أحمد واسحاق لا يعجبني إلا في الحر والبرد، وكان ابن عمر يكره السجود على كور العمامة (مسألة) (ويجافي عضديه عن جنبيه، وبطنه عن فخذيه، ويضع يديه حذو منكبيه، ويفرق بين ركبتيه) التجافي في السجود للرجل مستحب لأن في حديث أبي حميد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد جافى عضديه عن جنبيه، وفيه إذا سجد فرج بين فخديه غير حامل بطنه على شئ من فخذيه، ولابي داود ثم سجد وأمكن أنفه وجبهته ونحى يديه عن جنبيه، ووضع يديه حذو منكبيه، وعن ميمونة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد لو شاءت بهيمة أن تمر بين يديه لمرت رواه مسلم، وعن جابر بن عبد الله قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد جافى حتى يرى بياض إبطيه، رواه الإمام أحمد

(فصل) ويستحب أن يضع راحتيه على الارض مبسوطتين مضمومتي الأصابع مستقبلا بهما القبلة ويضعهما حذو منكبيه لما ذكرنا وهو مذهب الشافعي، ولما روى وائل بن حجر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد ضم أصابعه، رواه البيهقي. وروى الأثرم قال: رأيته سجد ويداه حذو أذنيه لما روى البراء بن عازب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا سجدت فضع كفيك وارفع مرفقيك " رواه الاثرم وابو داود بمعناه والجميع حسن (فصل) والكمال في السجود أن يضع جميع بطن كفه وأصابعه على الأرض ويرفع مرفقيه، روى ذلك عن ابن عمر لما روى وائل بن حجر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد فجعل كفيه بحذاء أذنيه فان اقتصر على أطراف أصابع يديه فظاهر الخبر أنه يجزئه لأنه قد سجد على يديه، وهكذا لو سجد على ظهور قدميه ولأنه لا يخلو من إصابة بعض أطراف قدميه الأرض فيكون ساجدا على أطراف القدمين إلا أنه يكون تاركا للأفضل (فصل) واذا أراد السجود فسقط على وجهه فماست جبهته الأرض أجزأه ذلك إلا أن يقطع نية السجود وإن سقط على جنبه ثم انقلب فماست جبهته الأرض لم يجزئه ذلك إلا أن ينوي السجود والفرق

بين المسئلتين أنه ههنا خرج عن سنن الصلاة وهيآتها ثم كان انقلابه الثاني عائدا إلى الصلاة فافتقر إلى تجديد نية. وفي التي قبلها هو على هيئة الصلاة وسننها فاكتفى باستدامة النية (مسألة) (ويقول سبحان ربي الأعلى ثلاثا) الحكم في هذا التسبيح كالحكم في تسبيح الركوع على ما شرحناه، والأصل فيه حديث عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزل (سبح اسم ربك الأعلى) قال " اجعلوها في سجودكم " وروى ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا سجد أحدكم فليقل سبحان ربي الأعلى ثلاثا وذلك أدناه " وعن حذيفة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد قال " سبحان ربي الأعلى ثلاث مرات " رواهن ابن ماجة وأبو داود ولم يقل ثلاث مرات. والحكم في عدده وتطويل السجود كما ذكرنا في الركوع (فصل) وإن زاد دعاءا مأثورا أو ذكرا مثل ما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه وسجوده " سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي " متفق عليه. وعن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " يا معاذ إذا وضعت وجهك ساجدا فقل اللهم أعني على شكرك وذكرك وحسن عبادتك " وقال عليه السلام " أحب الكلام إلى الله إن يقول العبد وهو ساجد رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي " رواهما سعيد في سننه، وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في سجوده

مسألة: فإن ترك ترتيبها أو تشديدة منها أو قطعها بذكر كثير أو سكوت طويل لزمه استئنافها

" اللهم اغفر لي ذنبي كله، دقه وجله، وأوله وآخره، وسره وعلانيته " رواه مسلم - فهو حسن لما ذكرنا وقد قال عليه الصلاة والسلام " وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء فقمن أن يستجاب لكم " حديث صحيح، وقال الاقضي لا تستحب الزيادة على سبحان ربي الأعلى في الفرض، وفي التطوع روايتان، قال شيخنا وقد ذكرنا هذه الأخبار الصحيحة وسنة النبي صلى الله عليه وسلم أحق أن تتبع، والأمر بالتسبيح لا ينفي الأمر بغيره كما أن الأمر بالدعاء لم ينف الأمر بغيره (فصل) ولا بأس بتطويل السجود للعذر لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج وهو حامل حسنا أو حسينا في إحدى صلاتي العشاء فوضعه ثم كبر للصلاة فصلى فسجد بين ظهري صلاته سجدة أطالها فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة قال الناس يا رسول الله إنك سجدت بين ظهري صلاتك سجدة أطلتها حتى ظننا أنه قد حدث أمر وأنه يوحى إليك قال " كل ذلك لم يكن ولكن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته " رواه الإمام أحمد والنسائي وهذا لفظه (فصل) ولا بأس أن يضع مرفقيه على ركبتيه إذا أطال السجود لما روى أبو هريرة قال شكا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مشقة السجود عليهم فقال " استعينوا بالركب " قال ابن عجلان هو أن يضع مرفقيه على ركبتيه إذا أطال السجود وأعيى، رواه الإمام أحمد وأبو داود، وقال عمر رضي الله عنه أن الركب قد سنت لكم فخذوا بالركب، رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح (مسألة) (ثم يرفع رأسه مكبرا) يعني إذا قضى سجود ورفع رأسه مكبرا وجلس ويكون ابتداء تكبيره مع ابتداء رفعه وانتهاؤه مع انتهائه. وهذا الرفع والاعتدال عنه واجب وهو قول الشافعي، وقال

مالك وأبو حنيفة ليس بواجب بل يكفي عند أبي حنيفة أن يرفع رأسه مثل حد السيف لأن هذه جلسة فصل بين متشاكلين فلم تكن واجبة كجلسة التشهد ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم للمسئ في صلاته " ثم اجلس حتى تطمئن جالسا " متفق عليه وروت عائشة قالت: كان - تعني النبي صلى الله عليه وسلم - إذا رفع رأسه من السجدة ثم لم يسجد حتى يستوي قاعدا متفق عليه، ولأنه رفع واجب فكان الاعتدال عنه واجبا كالرفع من السجدة الأخيرة والتشهد الأول واجب عندنا في الصحيح (مسألة) قال (ويجلس مفترشا يفرش رجله اليسرى ويجلس عليها وينصب اليمنى ويقول رب أغفر لي ثلاثا) السنة أن يجلس بين السجدتين مفترشا يفرش رجله اليسرى فيبسطها ويجلس عليها وينصب رجله اليمنى ويخرجها من تحته ويجعل بطون أصابعها على الأرض معتمدا عليها تكون أطراف أصابعها إلى القبلة لقول أبي حميد في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ثنى رجله اليسرى

مسألة: فإذا قال ولا الضالين قال آمين

وقعد عليها ثم اعتدل حتى رجع كل عظم في موضعه ثم يهوي ساجدا. وفي حديث عائشة وكان يفرش رجله اليسرى وينصب اليمنى، متفق عليه. قال الأثرم: تفقدت أبا عبد الله فرأيته يفتح أصابع رجله اليمنى فيستقبل بها القبلة، وروى بإسناده عن عبد الرحمن بن يزيد قال: كنا نعلم إذا جلسنا في الصلاة أن يفترش الرجل منا قدمه اليسرى وينصب قدمه اليمنى على صدر قدمه فإن كانت إبهام أحدنا لتنثني فيدخل يده حتى يعدلها. وعن ابن عمر قال: من سنة الصلاة أن ينصب القدم اليمنى واستقباله بأصابعها القبلة (فصل) والمستحب عند أبي عبد الله أن يقول: رب اغفر لي، يكرر ذلك والواجب منه مرة وأدنى الكمال ثلاث كقولنا في التسبيح، وفي وجوبه (روايتان) نذكرهما فيما يأتي إن شاء الله والأصل في هذا ما روي حذيفة أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم فكان يقول بين السجدتين " رب أغفر لي " رواه النسائي وابن ماجة، وإن قال رب اغفر لنا أو اللهم اغفر لنا فلا بأس

مسألة: يجهر بها الإمام والمأموم في صلاة الجهر

(مسألة) (ثم يسجد الثانية كالأولى) وهذه السجدة واجبة بالإجماع لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسجد سجدتين لم يختلف عنه في ذلك (فصل) والمستحب أن يكون شروع المأموم في أفعال الصلاة من الرفع والوضع بعد فراغ الإمام منه ويكره فعله معه في قول أكثر أهل العلم واستحب مالك أن تكون أفعاله مع أفعال الإمام ولنا ما روى البراء قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال " سمع الله لمن حمده " لم

مسألة: فإن لم يحسن الفاتحة وضاق الوقت عن تعلمها قرأ قدرها في عدد الحروف وقيل في عدد الآيات من غيرها فإن لم يحسن إلا آية كررها بقدرها

نزل قياما حتى نراه قد وضع جبهته بالأرض ثم نتبعه، متفق عليه، وروى أبو موسى قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبين لنا سنتنا، وعلمنا صلاتنا فقال " إذا صليتم فأقيموا صفوفكم، وليؤمكم أحدكم فإذا كبر فكبروا - إلى قوله - وإذا ركع فاركعوا فإن الإمام يركع قبلكم ويرفع قبلكم " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فتلك بتلك " رواه مسلم، وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " انما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه فإذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا - إلى قوله - وإذا سجد

مسألة: فإن لم يحسن إلا بعض ذلك كرره بقدرها

فاسجدوا " متفق عليه. رتبه عليه بفاء التعقيب فيقتضي أن يكون بعده كقوله جاء زيد فعمرو؟ أي بعده، فإن وافق إمامه في الأفعال فركع وسجد معه أساء وصحت صلاته (مسألة) (ثم يرفع رأسه مكبرا ويقوم على صدور قدميه معتمدا على ركبتيه) وجملته أنه إذا قضى السجدة الثانية نهض للقيام مكبرا، والقيام ركن. وفي وجوب التكبير (روايتان) ذكرنا وجههما وينهض على صدور قدميه معتمدا على ركبتيه ولا يعتمد على الأرض بيديه، قال القاضي: لا يختلف قوله أنه لا يعتمد على الأرض سواء قلنا يجلس للاستراحة أم لا. وقال مالك والشافعي: السنة أن يعتمد على يديه في النهوض لان مالك بن الحويرث قال في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لما رفع

مسألة: فإن لم يحسن شيئا من الذكر وقف بقدر القراءة

رأسه من السجدة الثانية استوى قاعدا ثم اعتمد على الأرض، رواه النسائي، ولأن أعون للمصلي ولنا ما روى وائل بن حجر قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه، رواه النسائي والاثرم. وفي لفظ وإذا نهض نهض على ركبتيه واعتمد على فخذيه. وعن ابن عمر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعتمد الرجل على يديه إذا نهض في الصلاة، رواهما أبو داود. وقال علي رضي الله عنه أن من السنة في الصلاة المكتوبة إذا نهض الرجل في الركعتين الأوليين أن لا يعتمد بيديه على الأرض إلا أن يكون شيخاً كبيراً لا يستطيع، رواه الأثرم، ولأنه أشق فكان أفضل كالتجافي وحديث مالك محمول على أنه كان

مسألة: ويجهر الإمام بالقراءة في الصبح والأوليين من المغرب والعشاء

من النبي صلى الله عليه وسلم لمشقة القيام لكبره فإنه قال عليه السلام " إني قد بدنت فلا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود " (مسألة) (إلا أن يشق عليه فيعتمد بالأرض) يعني إذا شق عليه النهوض على الصفة المذكورة فلا بأس باعتماده على الأرض بيديه لا نعلم أحدا خالف في هذا، وقد دل عليه حديث مالك بن الحويرث وقول علي إلا أن يكون شيخا كبير والمشقة تكون لكبر أو ضعف أو سمن أو نحوه (مسألة) (وعنه أنه يجلس جلسة الاستراحة على قدميه واليتيه) اختلفت الرواية عن أحمد في جلسة الاستراحة فروي عنه لا يجلس اختاره الخرقي وروي ذلك عن عمر وعلي وابن عمر وابن مسعود وابن عباس، وبه يقول مالك والثوري وأصحاب الرأي، قال أحمد أكثر الأحاديث على هذا قال الترمذي وعليه العمل عند أهل العلم قال أبو الزناد تلك السنة (والثانية) أنه يجلس اختارها الخلال وهو أحد قول الشافعي. قال الخلال رجع أبو عبد الله عن قوله بترك الجلوس لما روى مالك بن الحويرث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجلس إذا رفع رأسه من السجود قبل أن ينهض متفق عليه وذكره أبو حميد في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حديث صحيح فيتعين العمل به، وقيل إن كان المصلي ضعيفا جلس للاستراحة لحاجته، وإن كان قوياً لم يجلس كما قلنا في الاعتماد بيديه على الأرض. وحمل جلوس النبي صلى الله عليه وسلم على أنه كان في آخر عمره عند كبره، قال شيخنا وفي هذا جمع بين الأخبار، وتوسط بين القولين فإذا قلنا يجلس فإنه يجلس مفترشا كالجلوس بين السجدتين وهو مذهب الشافعي لقول أبي حميد في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ثنى رجله وقعد واعتدل حتى رجع كل عضو في موضعه ثم نهض وهذا صريح لا ينبغي العدول عنه، وقال الخلال روي عن أحمد من لا أحصيه كثرة أنه يجلس على اليتيه قال القاضي يجلس على قدميه واليتيه مفضيا بهما إلى الأرض لأنه لو جلس مفترشا لم يأمن السهو فيشك هل جلس عن السجدة الأولى أو الثانية، وقال أبو الحسن الآمدي لا يختلف أصحابنا أنه لا يلصق اليتيه بالأرض في جلسة الاستراحة بل يجلس معلقا عن الأرض (فصل) ويستحب أن يكون ابتداء تكبيره مع ابتداء رفع رأسه من السجود وانتهاؤه عند اعتداله

مسألة: وإن قرأ بقراءة تخرج عن مصحف عثمان لا تصح صلاته وعنه تصح

قائما ليكون مستوعبا بالتكبير جميع الركن وعلى هذا بقية التكبيرات إلا من جلس جلسة الاستراحة فإنه ينتهي بتكبيره عند انتهاء جلوسه ثم ينهض بغير تكبير وقال أبو الخطاب ينهض مكبراو لا يصح فإنه يفضي إلى المولاة بين تكبيرتين في ركن واحد لم يرد الشرع بجمعهما فيه (مسألة) (ثم ينهض ثم يصلي الثانية كذلك إلا في تكبيرة الإحرام والاستفتاح وفي الاستعاذة روايتان) وجملة ذلك أنه يصنع في الركعة الثانية كما يصنع في الأولى على ما وصفنا لأن النبي صلى الله عليه وسلم وصف الركعة الأولى للمسئ في صلاته ثم قال " افعل ذلك في صلاتك كلها " وهذا لا نعلم فيه خلافاً إلا أن الثانية تنقص النية وتكبيرة الإحرام والاستفتاح لأن ذلك يراد لافتتاح الصلاة ولا نعلم في ترك هذه الأمور الثلاثة خلافا فيما عدا الركعة الأولى، فأما الاستعاذة ففيها روايتان (إحداهما) تختص الركعة الأولى وهو قول عطاء والحسن والثوري لما روى أبو هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نهض من الركعة الثانية استفتح القراءة بالحمد لله رب العالمين ولم يسكت وهذا يدل على أنه لم يكن يستعيذ رواه مسلم، ولان الصلاة جملة واحدة فالقراءة فيها كلها كالقراءة الواحدة ولذلك اعتبرنا الترتيب في القراءة في الركعتين أشبه مالو سجد للتلاوة في أثناء صلاته فمتى أتى بالاستعاذة في أولها كفى ذلك كالاستفتاح فعلى هذه الرواية إذا ترك الاستعاذة في الأولى لنسيان أو غيره أتي بها في الثانية، والاستفتاح بخلاف ذلك نص عليه لأنه يراد لافتتاح الصلاة فإذا نسيه في أولها فات محله

والاستعاذة للقراءة وهو يستفتحها في الثانية (والرواية الثانية) يستعيذ في كل ركعة، وهو قول ابن سيرين والشافعي لقوله سبحانه (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله) الآية فيقتضي ذلك تكرير الاستعاذة عند تكرير القراءة ولأنها مشروعة للقراءة فتكرر بتكريرها كما لو كانت في صلاتين (فصل) والمسبوق إذا أدرك الإمام فيما بعد الركعة الأولى لم يستفتح، وأما الاستعاذة فإن قلنا تختص بالركعة الأولى لم يستعذ لأن ما يدركه المأموم مع الإمام آخر صلاته فإذا قام للقضاء استفتح

واستعاذ نص عليه أحمد، وإن قلنا بالرواية الثانية استعاذ وإذا أراد المأموم القراءة استعاذ لقول الله تعالى (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) (مسألة) (ثم يجلس مفترشا ويضع يده اليمنى على فخذه اليمنى يقبض منها الخنصر والبنصر ويحلق الابهام مع الوسطى ويشير بالسبابة في تشهده مرارا ويبسط اليسرى على فخذه اليسرى) متى فرغ من الركعتين جلس للتشهد، وهذا الجلوس والتشهد فيه مشروعان بغير خلاف نقله الخلف عن السلف عن النبي صلى الله عليه وسلم نقلا متواترا فإن كانت الصلاة أكثر من ركعتين فهما واجبان فيها على إحدى الروايتين وسيأتي ذكره إن شاء الله تعالى. وصفة الجلوس لهذا التشهد كصفة الجلوس بين السجدتين مفترشا كما وصفنا وسواء كان آخر صلاته أو لم يكن وبهذا قال الثوري واسحاق وأصحاب الرأي، وقال مالك يكون متوركا على كل حال لما روى ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجلس في وسط الصلاة وفي آخرها متوركا. وقال الشافعي: إن كان متوسطا كقولنا، وإن كان آخر صلاته كقول مالك ولنا حديث أبي حميد أن النبي صلى الله عليه وسلم جلس يعني للتشهد فافترش رجله اليسرى وأقبل بصدر اليمنى على قبلته وفي لفظ فإذا جلس في الركعتين جلس على اليسرى ونصب الأخرى حديث صحيح وهذا يقدم على حديث ابن مسعود، فإن أبا حميد ذكر حديثه في عشرة من الصحابة فصدقوه وهو متأخر عن ابن مسعود وإنما يؤخذ بالآخر فالآخر ولأن أبا حميد قد بين في حديثه الفرق بين التشهدين والأخذ بالزيادة واجب، ويستحب أن يضع يده اليمنى على الفخذ اليمنى ويبسط اليسرى على الفخذ اليسرى مضمومة الأصابع مستقبلا بأطراف أصابعهما القبلة كما ذكرنا لما روى وائل بن حجر أن النبي صلى الله عليه وسلم وضع مرفقه الأيمن على فخذه اليمنى ثم عقد من أصابعه

الخنصر والتي تليها وحلق حلقة بأصبعه الوسطى على الإبهام ورفع السبابة يشير بها. قال أبو الحسن الآمدي: وروي عن أبي عبد الله أنه يجمع أصابعه الثلاث ويعقد الإبهام كعقد الخمسين لما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم وضع يده اليمنى على ركبته اليمنى وعقد ثلاثا وخمسين وأشار بالسبابة رواه مسلم وفي حديث وائل بن حجر أن النبي صلى الله عليه وسلم وضع يده اليسرى على فخذه اليسرى ويشير بالسبابة عند ذكر الله تعالى ولا يحركها لما روى ابن الزبير أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشير بأصبعه ولا يحركها. رواه أبو داود، وفي لفظ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قعد يدعو وضع يده اليمنى على فخذه اليمنى، ويده اليسرى على فخذه اليسرى وأشار بأصبعه، وعنه أنه يبسط الخنصر والبنصر لذلك فالأول أولى لما ذكرنا من الأحاديث وتكون إشارته بالسبابة عند ذكر الله تعالى (مسألة) (ثم يتشهد فيقول: التحيات لله، والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد ان لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله) هذا التشهد هو المختار عند إمامنا رحمه الله وعليه أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم من التابعين، منهم الثوري واسحاق وأصحاب الرأي وكثير من أهل المشرق. وقال مالك: أفضل التشهد تشهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه: التحيات لله، الزاكيات لله، الصلوات لله، الطيبات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته. وسائره

مسألة: ثم يرفع يديه ويركع مكبرا فيضع يديه على ركبتيه ويمد ظهره مستويا ويجعل رأسه حيال ظهره لا يرفعه ولا يخفضه

كتشهد ابن مسعود لأن عمر قاله على المنبر بمحضر من الصحابة وغيرهم فلم ينكر فكان اجماعا، وقال الشافعي أفضله ما روي عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن فكان يقول " التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد ان لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله " رواه مسلم وفي لفظ سلام عليك سلام علينا ورواه الترمذي وفيه وأشهد أن محمداً رسول الله ولنا ما روى عبد الله بن مسعود قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد كفي بين كفيه كما يعلمني السورة من القرآن: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد ان لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. وفي لفظ " فإذا صلى أحدكم فليقل التحيات لله فإذا فعلتم ذلك فقد سلمتم على كل عبد لله صالح في السماء والأرض - وفيه - فليختر من المسألة ما شاء " متفق عليه. قال الترمذي حديث ابن مسعود قد روي من غير وجه وهو أصح حديث روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد وعليه

أكثر أهل العلم فكان الأخذ به أولى وقد رواه عن ابن مسعود وابن عمر وجابر وأبو هريرة وعائشة فأما حديث عمر فإنما هو من قوله وأكثر أهل العلم من الصحابة وغيرهم على خلافه فكيف يكون إجماعا؟ على أن الخلاف ليس ههنا في الإجزاء إنما الخلاف في الأحسن والأفضل، وتشهد النبي صلى الله عليه وسلم الذي علمه أصحابه أولى وأحسن. وحديث ابن عباس تفرد به واختلف عنه في بعض ألفاظه، وحديث ابن مسعود أصح وأكثر رواة فكان أولى (فصل) وأي تشهد تشهد به مما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم جاز نص عليه أحمد لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما علمه الصحابة مختلفا دل على جواز الجميع كالقراآت المختلفة التي اشتمل عليها المصحف، قال القاضي: وهذا يدل على أنه إذا أسقط لفظة هي ساقطة في بعض التشهدات المروية صح تشهده، فعلى هذا أقل ما يجزئ من التشهد: التحيات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد ان لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله - أو - أن محمد رسول الله (فصل) وفي هذا القول نظر فإنه يجوز أن يجزئ بعضها عن بعض على سبيل البدل كقولنا في القراآت ولا يجوز أن يسقط ما في بعض الأحاديث إلا أن يأتي بما في غيره من الأحاديث. وروى

مسألة: وقد الإجزاء الانحناء بحيث يمكنه مس ركبتيه بيديه لأنه لا يخرج عن حد القيام إلى الركوع إلا به..

عن أحمد في رواية أبي داود إذا قال وأن محمداً عبده ورسوله ولم يذكر أشهد أرجو أن يجزئه. وقال ابن حامد: رأيت بعض أصحابنا يقول لو ترك واوا أو حرفا أعاد الصلاة، قال شيخنا والأول أصح لما ذكرنا وهو مذهب الشافعي (مسألة) قال (هذا التشهد الأول فلا يستحب الزيادة على ما ذكرنا ولا تطويله) وهو قول النخعي والثوري واسحاق، وقال الشافعي لا بأس أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم فيه، وعن ابن عمر قال: بسم الله خير الأسماء، وقال ابن عمر زدت فيه وحده لا شريك له، وقد روى جابر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن " بسم الله وبالله، التحيات لله وباقيه كتشهد ابن مسعود وبعده " أسأل الله الجنة وأعوذ بالله من النار " رواه النسائي وابن ماجة وسمع ابن عباس رجلا يقول بسم الله فانتهره، وهو قول مالك وأهل المدينة وابن المنذر والشافعي وهو الصحيح لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجلس في الركعتين الأوليين كأنه على الرضف حتى يقوم رواه أبو داود، والرضف الحجارة المحماة يعني لما يخففه ولأن الصحيح في التشهدات ليس فيه التسمية ولا شئ من هذه الزيادات فيقتصر عليها ولم تصح التسمية عند أصحاب الحديث ولا غيرها مما وقع الخلاف فيه وإن فعله جاز لأنه ذكر

(فصل) وإذا أدرك بعض الصلاة مع الإمام فجلس الإمام في آخر صلاته لم يزد المأموم على التشهد الأول بل يكرره، نص عليه أحمد فيمن أدرك مع الإمام ركعتين قال يكرر التشهد ولا يصلي على

مسألة: ثم يقول سبحان ربي العظيم ثلاثا وهو أدنى الكمال

النبي صلى الله عليه وسلم ولا يدعو بشئ مما دعا به في التشهد الأخير لأن ذلك إنما يكون في التشهد الذي يسلم عقيبه وليس هذا كذلك

(مسألة) (ثم يقول اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وإن شاء قال: كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم وكما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم) يعني إذا جلس في آخر صلاته تشهد بالتشهد الذي ذكرناه ثم صلى على النبي صلى الله عليه وسلم كما ذكرنا، وفي وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم روايتان (أصحهما) وجوبها وهو قول الشافعي واسحاق (والثانية) أنها سنة قال المروذي: قلت لأبي عبد الله: ابن راهويه يقول لو أن رجلا ترك الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد بطلت صلاته فقال: ما أجترئ أن أقول هذا وقال في موضع هذا شذوذ وهو قول مالك والثوري وأصحاب الرأي، قال ابن المنذر وهو قول جل أهل العلم إلا الشافعي وبه قال ابن المنذر قال: لأني لا أجد دليلا يوجوب الإعادة على من تركها، واحتجوا بحديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه التشهد ثم قال " إذا قلت هذا أو قضيت هذا فقد تمت صلاتك " وفي لفظ " فقد قضيت صلاتك فإن شئت أن تقوم فقم " رواه أبو داود. وقال النبي صلى الله عليه وسلم " إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع " رواه مسلم، أمر بالاستعاذة عقيب التشهد من غير فصل ولان

الوجود من الشرع ولم يرد به. ولنا ما روى كعب بن عجزة قال أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج علينا فقلنا يا رسول الله قد علمنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك؟ قال " قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد " متفق عليه، وعن فضالة بن عبيد قال سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يدعو في صلاته لم يمجد الله ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " عجل هذا " ثم دعاه فقال له " إذا صلى أحدكم فليبدأ بتمجيد ربه والثناء عليه ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يدعو بما شاء " رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وقال حديث حسن صحيح، وعن ابن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إذا تشهد أحدكم في الصلاة فليقل اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وبارك على محمد وعلى آل محمد وارحم محمدا وآل محمد كما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد " رواه البيهقي فأما حديث

مسألة: ثم يرفع رأسه قائلا سمع الله لمن حمده ويرفع يديه

ابن مسعود فقال الدارقطني: الزيادة فيه من كلام ابن مسعود (فصل) وصفة الصلاة كم ذكرنا لحديث كعب بن عجرة وقد رواه النسائي كذلك وفيه " كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد " قال الترمذي: هو حديث حسن صحيح. وفي حديث أبي حميد " اللهم صلي على محمد وعلى أزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى أزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد " متفق عليه واللفظ لمسلم. والأولى الإتيان بالصلاة كما في حديث كعب بن عجرة المتفق عليه فإنه أصح شئ روي فيها وعلى أي صفة أتى بالصلاة عليه مما روي في الأخبار جاز كقولنا في التشهد، وظاهره أنه إذا أخل بلفظ ساقط في بعض الأخبار جاز لأنه لو كان واجبا لما أغفله النبي صلى الله عليه وسلم، قال القاضي: ظاهر كلام أحمد أن الصلاة واجبة على النبي صلى الله عليه وسلم حسب لأن أبا زرعة الدمشقي حكي عن أحمد أنه قال كنت أتهيب ذلك يعني القول بوجوب الصلاة ثم تبينت فإذا الصلاة واجبة فذكر الصلاة حسب وهذا مذهب الشافعي، ولهم في وجوب الصلاة على آله وجهان، وقال بعض أصحابنا تجب الصلاة على ما في خبر كعب لأنه أمر به والأمر يقتضي الوجوب، وقد ذكرنا ما يدل على خلاف قولهم والنبي صلى الله عليه وسلم إنما أمرهم بهذا حين سألوه ولم يبتدئهم به

(فصل) آل النبي صلى الله عليه وسلم أتباعه على دينه كما قال تعالى (آل فرعون) يعني أتباعه من أهل دينه، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل من آل محمد؟ قال " كل تقي " أخرجه تمام في فوائده، وقيل آله أهله الهاء منقلبة عن الهمزة كما يقال أرقت الماء وهرقته، فلو قال على أهل محمد مكان آل أجزأه عند القاضي وقال: معناهما واحد، ولذلك لو صغر قيل أهيل قال: ومعناهما جميعا أهل دينه، وقال ابن حامد أبو حفص: لا يجزئ لما فيه من مخالفة الأثر وتغيير المعنى فإن الأهل يعبر به عن القرابة، والآل عن الأتباع في الدين والله أعلم (فصل) في تفسير التحيات، التحية العظمة، قاله ابن عباس، والصلوات الصلوات الخمس، والطيبات الأعمال الصالحة، وقال أبو عمرو: التحيات الملك وأنشد ولكل ما نال الفتى + + + قد نلته إلا التحية وقيل التحيات البقاء، وقال ابن الأنباري: التحيات السلام، والصلوات الرحمة، والطيبات من الكلام (فصل) والسنة إخفاء التشهد لا نعلم في هذا خلافاً، قال عبد الله بن مسعود من السنة إخفاء التشهد، رواه أبو داود، ولأنه ذكر غير القراءة لا ينتقل به من ركن إلى ركن فاستحب إخفاؤه كالتسبيح. ومن قدر على التشهد بالعربية والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لم يجز بغيرها كالتكبير

مسألة: فإذا اعتدل قائما قال ربنا ولك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء شئت من شيء بعد

فإن عجز عن العربية تشهد بلسانه كقولنا في التكبير ويجئ على قول القاضي أنه لا يتشهد وحكمه حكم الاخرس، فإن قدر على تعلم التشهد والصلاة لزمه ذلك كالقراءة فإن صلى قبل تعلمه مع إمكانه لم يصح فإن خاف فوات الوقت أو عجز عن تعلمه أتى بما يمكنه وأجزأه للضرورة، وإن لم يحسن شيئا منه سقط (فصل) السنة ترتيب التشهد وتقديمه على الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فإن نكسه من غير تغيير شئ من معانيه ولا إخلال بشئ من الواجب فيه فعلى وجهين (أحدهما) يجزئه ذكره القاضي وهو قول الشافعي لأن المقصود المعنى وقد حصل أشبه ما لو رتبه (والثاني) لا يصح لأنه أخل بالترتيب في ذكر ورد الشرع به فلم يصح كالأذان (مسألة) (ويستحب أن يتعوذ فيقول أعوذ بالله من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال) لما روى أبو هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو " اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، ومن عذاب النار، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال " متفق عليه، ولمسلم " إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع " وذكره (مسألة) (وإن دعا بما ورد في الأخبار فلا بأس) قال الأثرم: قلت لأبي عبد الله أن هؤلاء يقولون لا يدعو في المكتوبة إلا بما في القرآن، فنفض

يده كالمغضب وقال من يقف على هذا وقد تواترت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بخلاف ما قالوا؟ قلت لأبي عبد الله: إذا جلس في الرابعة يدعو بعد التشهد بما شاء؟ قال بما شاء لا أدري ولكن يدعو بما يعرف وبما جاء قلت على حديث عمرو بن سعد؟ قال سمعت عبد الله يقول إذا جلس أحدكم في صلاته ذكر التشهد ثم ليقل اللهم إني أسألك من الخير كله ما علمت منه وما لم أعلم وأعوذ بك من الشر كله ما علمت منه وما لم أعلم، اللهم إني أسألك من خير ما سألك عبادك الصالحون، وأعوذ بك من شر ما عاذ منه عبادك الصالحون، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنه وقنا عذاب النار، ربنا اغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار، ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد. رواه الأثرم واختاره أحمد ذكره القاضي وقال لا يستحب للإمام الزيادة على هذا لئلا يطيل على المأمومين، فإن كان منفردا فلا بأس بكثرة الدعاء ما لم يخرجه إلى السهو فقد روى أبو داود عن عبد الله قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن قال وعلمنا أن نقول اللهم أصلح ذات بيننا، واهدنا سبل السلام، وأخرجنا من الظلمات إلى النور، واصرف عنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وقلوبنا وأزواجنا وذرياتنا، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، واجعلنا شاكرين لنعمتك مثنين بها عليك قابليها وأتمها علينا. وعن أبي بكر الصديق أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم علمني دعاء أدعو به في صلاتي قال " قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثير ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك

مسألة: فإن كان مأموما لم يزد على ربنا ولك الحمد

وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم " متفق عليه، وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل " ما تقول في الصلاة؟ " قال أتشهد ثم أسأل الله الجنة وأعوذ به من النار، أما والله ما أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ فقال " حولها ندندن " رواه أبو داود، وقوله بما ورد في الأخبار يعني أخبار النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والسلف رحمهم الله فقد ذهب أحمد إلى حديث ابن مسعود في الدعاء وهو موقوف عليه قال عبد الله بن أحمد سمعت أبي يقول في سجوده. اللهم كما صنت وجهي عن السجود لغيرك فصن وجهي عن المسألة لغيرك، وقال كان عبد الرحمن يقوله في سجوده وقال سمعت الثوري يقوله في سجوده (فصل) فأما ما يقصد به ملاذ الدنيا وشهواتها كقوله اللهم ارزقني جارية حسناء، وطعاما طيبا ودارا قوراء، وبستانا أنيقا، ونحوه فلا يجوز الدعاء به في الصلاة. وقال الشافعي: يدعو بما أحب لقوله عليه السلام في حديث ابن مسعود " ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه " متفق عليه. ولمسلم " ثم ليتخير بعد من المسألة ما شاء " ولنا قوله عليه السلام (إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شئ من كلام الناس إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن " رواه مسلم، وهذا من كلام الآدميين ولأنه كلام آدمي يتخاطب بمثله أشبه رد السلام وتشميت العاطس والخبر محمول على أنه يتخير من الدعاء المأثور (فصل) فأما الدعاء بما يتقرب به إلى الله مما ليس بمأثور ولا يقصد به ملاذ الدنيا فقال جماعة

من أصحابنا لا يجوز ويحتمله كلام أحمد لقوله يدعو بما جاء وبما يعرف، وحكى عنه ابن المنذر أنه قال لا بأس أن يدعو الرجل بجميع حوائجه من حوائج دنياه وآخرته وهذا هو الصحيح إن شاء الله تعالى اختاره شيخنا لظواهر الاخبار فإن في حديث أبي هريرة " ثم يدعو لنفسه بما بدا له " وعن أنس قال: جاءت أم سليم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله علمني شيئا أدعو به في صلاتي فقال " احمدي الله عشرا، وسبحي الله عشرا، ثم سلي الله ما شئت " يقول نعم نعم نعم رواه الأثرم وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " أما السجود فأكثروا فيه من الدعاء " ولم يعين لهم ما يدعون به فيدل على أنه أباح لهم جميع الدعاء إلا ما خرج منه بالدليل في الفصل الذي قبله ولأنه دعاء يتقرب به إلى الله عزوجل أشبه الدعاء المأثور (فصل) فأما الدعاء لإنسان بعينه في صلاته ففي جوازه روايتان (إحداهما) يجوز قال الميموني سمعت أبا عبد الله يقول لابن الشافعي أنا أدعو لقوم منذ سنين في صلاتي أبوك أحدهم. وروي ذلك

عن علي وأبي الدرداء لقول النبي صلى الله عليه وسلم في قنوته اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش ابن أبي ربيعة " ولأنه دعاء لبعض المؤمنين أشبه مالو قال: رب اغفر لي ولوالدي (والأخرى) لا يجوز كرهه عطاء والنخعي لشبهه بكلام الآدميين ولأنه دعاء لمعين أشبه تشميت العاطس. وقد دل على المنع منه حديث معاوية بن الحكم السلمي، ويحتمل التفريق بين الدعاء وتشميت العاطس لانه مخاطبة لإنسان لدخول كاف المخاطب فيه والله أعلم (فصل) ويستحب للامام ترتيل القراءة والتسبيح والتشهد بقدر ما يرى أن من خلفه ممن يثقل على لسانه قد أتى عليه والتمكن في الركوع والسجود حتى يرى أن الكبير والصغير والثقبل قد أتى عليه فإن خالف فأتى بقدر ما عليه كره وأجزأه، ويكره له التطويل كثيرا لئلا يشق على من خلفه، وأما المنفرد فله التطويل في ذلك كله ما لم يخرجه إلى حال يخاف السهو، وقد روي عن عمار أنه صلى صلاة أوجز فيها

فقيل له في ذلك فقال: إني أبادر الوسواس، ويستحب للإمام إذا عرض في الصلاة عارض لبعض المأمومين يقتضي خروجه أن يخفف لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " إني لأقوم في الصلاة وأنا أريد أن أطول فيه فأسمع بكاء الصبي فأتجوز فيها مخافة أن أشق على أمه " رواه أبو داود (مسألة) (ثم يسلم عن يمينه السلام عليكم ورحمة الله وعن يساره كذلك) التسليم واجب في الصلاة لا يقوم غيره مقامه وبه قال مالك والشافعي وقال أبو حنيفة لا يتعين السلام للخروج من الصلاة بل إذا خرج بما ينافي الصلاة من عمل أو حدث أو غير ذلك جاز فالسلام عندهم مسنون غير واجب لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلمه المسئ في صلاته ولو وجب لأمر به لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة ولأن إحدى التسليمتين غير واجبة كذلك الأخرى ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم " رواه أبو داود ولأنه أحد طرفي الصلاة فكان فيه نطق واجب كالأول ولأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله وداوم عليه فقال " صلوا كما رأيتموني أصلي " وحديث الأعرابي أجبنا عنه، والتسليمة الثانية عندنا واجبة على إحدى الروايتين (فصل) والمشروع أن يسلم تسليمتين عن يمينه وعن يساره روى ذلك عن أبي بكر الصديق وعلي وعمار وابن مسعود رضي الله عنهم وهو مذهب الثوري والشافعي وإسحاق وابن المنذر وأصحاب الرأي، وقال عمر وأنس وسلمة بن الاكوع وعائشة والحسن وابن سيرين وعمر بن عبد العزيز ومالك

مسألة: ثم يكبر ويخر ساجدا ولا يرفع يديه

والاوزاعي يسلم تسليمة واحدة وقال عمار بن أبي عمار: كان مسجد الأنصار يسلمون فيه تسليمتين وكان مسجد المهاجرين يسلمون فيه تسليمة واحدة ولما روت عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم تسليمة واحدة تلقاء وجهه، وعن سلمة بن الاكوع قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى فسلم تسلمية واحدة. رواهما ابن ماجة، ولأن التسليمة الأولى قد خرج بها من الصلاة فلم يشرع ما بعدها كالثالثة ولنا ما روى ابن مسعود قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم حتى يرى بياض خده عن يمينه ويساره، وعن جابر بن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إنما يكفي أحدكم أن يضع يده على فخذه ثم يسلم على أخيه من على يمينه وشماله " رواهما مسلم، وفي لفظ لحديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم عن يمينه " السلام عليكم ورحمة الله " وعن يساره " السلام عليكم ورحمة الله " قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح، وحديث عائشة يرويه زهير بن محمد يروي مناكير (1) وقال أبو حاتم الرازي هذا حديث منكر، ويمكن حمل حديث عائشة على أنه كان يسمعهم تسليمة واحدة جمعاً بين الأحاديث على أن أحاديثنا تتضمن الزيادة والزيادة من الثقة مقبولة، ويجوز أن يكون عليه السلام فعل الأمرين ليبين الجائز والمسنون ولأن الصلاة عبادة ذات إحرام فيشرع لها تحللان كالحج (فصل) والتسليمة الأولى هي واجبة وهي ركن من أركان الصلاة، والثانية سنة في الصحيح

_ 1) عزا المغني هذا القول إلى البخاري فهل تركه الشارح اختصارا أو تركه الناسخ سهوا؟

مسألة: فيضع ركبتيه ثم يديه ثم جبهته وأنفه ويكون على أطراف أصابعه

قال إبن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن صلاة من اقتصر على تسلمية واحدة جائزة (وفيه رواية أخرى) أنها واجبة ذكرها القاضي وابو الخطاب قال القاضي وهي أصح لحديث جابر بن سمرة ولأنها عبادة لها تحللان فكانا واجبين كتحللي الحج ولأنها إحدى التسليمتين أشبهت الأولى وعدها أبو الخطاب من أركان الصلاة لما ذكرنا، والصحيح الأول اختاره شيخنا فإنه لا يصح عن أحمد تصريح بوجوب التسليمتين إنما قال التسليمتان أصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيجوز أن يكون ذهب إليه في المشروعية لا الإيجاب كغيره. وقد دل عليه قوله في رواية مهنا أعجب إلي التسليمتان لأن عائشة وسلمة بن الاكوع وسهل بن سعد قد رووا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم تسلمية واحدة، وكان المهاجرون يسلمون تسليمة واحدة ففيما ذكرناه جمع بين الأخبار وأقوال الصحابة في كون المشروع تسليمتين والواجب واحدة. وقد دل على صحة ذلك الإجماع الذي حكاه ابن المنذر. وحديث جابر بن سمرة يعني في إصابة السنة بدليل أن فيه " يضع يده على فخذه " وليس هو واجبا بالاتفاق ولأنها صلاة فتجزئ فيها تسليمة واحدة كصلاة الجنازة والنافلة فإن الخلاف إنما هو في المفروضة، أما صلاة النافلة والجنازة وسجود التلاوة فلا خلاف أنه يخرج منها بتسليمة واحدة قاله القاضي ونص أحمد عليه في صلاة الجنازة وسجود التلاوة

مسألة: والسجود على هذه الأعضاء واجب إلا الأنف على إحدى الروايتين

(فصل) (فإن لم يقل ورحمة الله لم يجزه، وقال القاضي يجزئه ونص عليه أحمد في صلاة الجنازة) وجملة ذلك أن الأفضل أن يقول السلام عليكم ورحمة الله لما ذكرنا من حديث ابن مسعود، وقد روى وائل بن حجر قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم فكان يسلم عن يمينه " السلام عليكم ورحمة الله وبركاته - وعن شماله - السلام عليكم ورحمة الله وبركاته " رواه أبو داود، فإن قال كذلك فحسن، والأول أحسن لكثرة رواته وصحة طرقه، فإن قال السلام عليكم حسب فقال القاضي: يجزئه في ظاهر كلام أحمد ونص عليه في صلاة الجنازة وهو مذهب الشافعي لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " وتحليلها التسليم " وهذا التسليم. وعن علي رضي الله عنه أنه كان يسلم عن يمينه وعن يساره، السلام عليكم السلام عليكم، رواه سعيد ولأن ذكر الرحمة تكرير للثناء فلم يجب كقوله وبركاته، وقال ابن عقيل الأصح أنه لا يجزئه لأن الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول " السلام عليكم ورحمة الله " ولأنه سلام في الصلاة ورد مقرونا بالرحمة فلم يجز بدونها كالتسليم على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد (فصل) فإن نكس السلام ففال عليكم السلام لم يجزه، وقال القاضي: يجزئه في وجه وهو مذهب الشافعي لحصول المعنى منه وليس هو قرآنا فيعتبر له النظم ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله مرتبا وأمر به كذلك ولأنه ذكر يؤتى به في أحد طرفي الصلاة فلم يجز منكسا كالتكبير

(فصل فإن قال سلام عليكم منكرا منونا ففيه وجهان (أحدهما) يجزئه وهو قول الشافعي لأن السلام الذي ورد في القرآن أكثره بغير ألف ولام كقوله (سلام عليكم بما صبرتم) ولأنا أجزنا التشهد بتشهد ابن عباس وأبي موسى وفيهما سلام عليك والتسليمان واحد (والآخر) لا يجزئه لأنه بغير صيغة السلام الوارد ويخل بحرف يقتضي الاستغراق فلم يجز كما لو أثبت اللام في التكبير، وقال الآمدي: لا فرق بين أن ينون التسليم أو لا ينونه لا حذف التنوين لا يخل بالمعنى بدليل مالو وقف عليه (فصل) ويسن أن يلتفت عن يمينه في التسلمية الأولى وعن يساره في الثانية كما وردت السنة في حديث ابن مسعود وجابر وغيرهما، قال الامام أحمد: ثبت عندنا من غير وجه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم عن يمينه وعن يساره حتى يرى بياض خديه، ويكون التفاته في الثانية أكثر لما روي عن عمار عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يسلم عن يمينه حتى يرى بياض خده الأيمن وإذا سلم عن يساره يرى بياض خده الأيمن والأيسر، رواه يحيى بن محمد بن صاعد بإسناده، وقال ابن عقيل: يبتدئ بقوله السلام عليكم إلى القبلة ثم يلتفت عن يمينه ويساره في قوله ورحمة الله لقول

مسألة: ولا تجب عليه مباشرة المصلي بشيء منها إلا الجبهة على إحدى الروايتين

عائشة كان النبي صلى الله عليه وسلم يسلم تلقاء وجهه معناه ابتداؤه بالتسليم جمعاً بين الأحاديث (فصل) روي عن أبي عبد الله أن التسلمية الأولى أرفع من الثانية اختار هذا أبو بكر الخلال وأبو حفص العكبري وحمل أحمد حديث عائشة أنه كان يسلم تسليمة واحدة على أنه كان يجهر بواحدة فيسمع منه ذلك لأن الجهر في غير القراءة إنما كان للإعلام بالانتقال من ركن إلى غيره وقد حصل الجهر بالأولى، واختار ابن حامد الجهر بالثانية وإخفاء الأولى لئلا يسابقه المأموم في السلام ويستحب حذف السلام لقول أبي هريرة حذف السلام سنة، وروي مرفوعا رواه الترمذي وقال حديث صحيح. قال أبو عبد الله هو أن لا يطول به صوته: وقال ابن المبارك معناه لا يمد مدا، قال إبراهيم النخعي: التكبير جزم والسلام جزم (مسألة) (وينوي بسلامه الخروج من الصلاة فإن لم ينو جاز، وقال ابن حامد تبطل صلاته) الأولى أن ينوي بسلامه الخروج من الصلاة وإن نوى مع ذلك الرد على الملكين وعلى من خلفه إن كان إماما أو الرد على من معه إن كان مأموما فلا بأس نص عليه أحمد فقال ينوي بسلامه الرد على الإمام. وقال أيضا ينوي بسلامه الخروج من الصلاة، فإن نوى الملكين ومن خلفه فلا بأس والخروج من الصلاة تختار. وقال ابن حامد إن نوى في السلام الرد على الملائكة أو غيرهم من الناس مع نية الخروج فهل تبطل صلاته؟ على وجهين (أحدهما) تبطل لأنه نوى السلام على آدمي أشبه مالو سلم على من لم

مسألة: ويجافي عضديه عن جنبيه، وبطنه عن فخذيه، ويضع يديه حذو منكبيه ويفرق بين ركبتيه

يصل معه. وقال أبو حفص بن مسلمة ينوي بالتسليمة الأولى الخروج وبالثانية السلام على الحفظة والمأمومين إن كان إماما، والرد على الإمام والحفظة إن كان مأموما ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جابر بن سمرة " إنما يكفي أحدكم أن يضع يده على فخذه ثم يسلم على أخيه من على يمينه وشماله " رواه مسلم، وفي لفظ أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إن نرد على الامام وإن يسلم بعضنا على بعض. رواه أبو داود. وهذا يدل على أنه يسن التسليم على من معه وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي. فإن لم ينو الخروج ولا شيئا غيره صح، وقال ابن حامد لا يصح وهو ظاهر مذهب الشافعي لأنه ذكر في أحد طرفي الصلاة فافتقر إلى النية كالتكبير ولنا أنه جزء من أجزاء الصلاة فلم يحتج إلى نية تخصه كسائر أجزائها ولأن الصلاة عبادة فلم تحتج الى نية الخروج منها كالصوم وذلك لأن النية إذا وجدت في أول العبادة انسحبت على أجزائها واستغنى عن ذكرها وقياس الجزء الآخر على الأول لا يصح لذلك (فصل) ويستحب ذكر الله تعالى والدعاء عقيب الصلاة والاستغفار كما ورد في الاخبار فروي المغيرة قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في دبر كل صلاة مكتوبة " لا إله إلا الله وحده

لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد " متفق عليه، وقال ثوبان كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثا وقال " اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام " قال الأوزاعي يقول " أستغفر الله أستغفر الله " رواه مسلم، وقال أبو هريرة جاء فقراء المهاجرين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا ذهب أهل الدثور من الأموال بالدرجات العلى والنعيم المقيم يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ولهم فضل من أموال يحجون بها ويعتمرون ويجاهدون ويتصدقون فقال " ألا أحدثكم بحديث إن أخذتم به أدركتم من سبقكم ولم يدرككم أحد بعدكم وكنتم خير من أنتم بين ظهرانيهم إلا من عمل مثله؟ تسبحون وتحمدون وتكبرون خلف كل صلاة ثلاثا وثلاثين " قال سمي (1) فاختلفنا بيننا فقال بعضنا نسبح ثلاثا وثلاثين ونحمد ثلاثا وثلاثين ونكبر أربعا وثلاثين " فرجعت إليه يعني إلى أبي صالح فقال يقول: سبحان الله والحمد لله والله أكبر حتى يكون منهن كلهن ثلاث وثلاثون. متفق عليه واللفظ للبخاري. قال أحمد في رواية أبي داود يقول هكذا ولا يقطعه سبحان الله والحمد لله والله أكبر. وكان ابن الزبير يقول في دبر كل صلاة لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير، ولا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل والثناء الحسن الجميل، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون. وقال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهلل بهن دبر كل صلاة رواه مسلم، وعن معاذ ابن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيده فقال " يا معاذ والله إني لأحبك، أوصيك يا معاذ لا تدعن دبر كل صلاة تقول اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك " رواه الإمام أحمد

_ 1) قوله تعالى سمي ليس من لفظ البخاري بل جاءت في مسلم مع زيادة فلم يكن لذكره حاجة وسمى هذا من رواة هذا الحديث

مسألة: ويقول سبحان ربي الأعلى ثلاثا

وأبو داود والنسائي عن أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من قال في دبر صلاة الفجر وهو ثان رجله قبل أن يتكلم لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شئ قدير - عشر مرات - كتبت له عشر حسنات ومحي عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات وكان يومه ذلك كله في حرز من كل مكروه وحرس من الشيطان، ولم ينبغ للذنب أن يدركه ذلك اليوم إلا الشرك بالله " رواه النسائي والترمذي وقال حسن غريب صحيح. وقال أبو معبد مولى ابن عباس أن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن عباس كنت أعلم إذا انصرف الناس بذلك إذا سمعته متفق عليه (فصل) روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقعد بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس حسناء، رواه مسلم فيستحب للإنسان أن يفعل ذلك اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم (مسألة) وإن كانت الصلاة مغربا أو رباعية نهض مكبرا إذا فرغ من التشهد الأول فصلى الثالثة والرابعة مثل الثانية إلا أنه لا يجهر ولا يقرأ شيئا بعد الفاتحة) متى فرغ من التشهد الأول نهض مكبرا كنهوضه من السجود قائما على صدور قدميه معتمدا على ركبتيه ولا يعتمد بالأرض إلا أن يشق عليه كما ذكرنا في النهوض من السجود ولا يقدم إحدى رجليه عند النهوض قاله ابن عباس وكرهه إسحاق وروي عن ابن عباس أنه يقطع الصلاة ورخص فيه مجاهد والأولى تركه لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد كرهه ابن عباس ولا تبطل به الصلاة لأنه عمل يسير ولم يوجد فيه ما يقتضي البطلان (فصل) ويصلي الثالثة والرابعة كالثانية لقول النبي صلى الله عليه وسلم للمسئ في صلاته وقد وصف له الركعة الأولى " ثم افعل ذلك في صلاتك كلها " ولا يجهر فيهما لا نعلم في ذلك خلافا وأكثر

أهل العلم يرون أنه لا تسن الزيادة على فاتحة الكتاب في غير الأوليين من كل صلاة. قال ابن سيرين لا أعلمهم يختلفون في أنه يقرأ في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة وفي الأخريين بفاتحة الكتاب روى ذلك عن ابن مسعود وأبي الدرداء وجابر وأبي هريرة وعائشة وهو قول مالك وأصحاب الرأي وأحد قولي الشافعي، وقال في الآخر يسن أن يقرأ سورة مع الفاتحة في الأخريين لما روى الصنابحي قال: صليت خلف أبي بكر الصديق رضي الله عنه فدنوت منه حتى إن ثيابي تكاد أن تمس ثيابه فقرأ في الركعة الأخيرة بأم الكتاب وهذه الآية (ربنا لا تزغ قلوبنا) رواه مالك في الموطأ ولنا حديث أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم - فذكر الحديث إلى قوله - في الركعتين الأخريين " بأم الكتاب " وكتب عمر إلى شريح أن اقرأ في الركعتين الأوليين بأم الكتاب وسورة، وفي الأخريين بأم الكتاب، وما فعل أبو بكر قصد به الدعاء لا القراءة ولو قصد القراءة لكان الأقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم أولى مع أن عمر وغيره من الصحابة قد خالفوه. فأما إن دعا الإنسان في الركعة الأخيرة بآية كما روي عن الصديق فلا بأس لأنه دعاء في الصلاة أشبه دعاء التشهد (مسألة) (ثم يجلس في التشهد الثاني متوركا يفرش رجله اليسرى وينصب اليمنى ويخرجهما عن يمينه ويجعل اليتيه على الأرض) التورك في التشهد الثاني سنة وبه قال مالك والشافعي. وقال الثوري وأصحاب الرأي: يجلس فيه مفترشا كالتشهد الأول لما ذكرنا من حديث وائل وأبي حميد في صفة جلوس النبي صلى الله عليه وسلم ولنا أن في حديث أبي حميد: حتى إذا كانت الركعة التي يقضي فيها صلاته أخر رجله اليسرى وجلس متوركا على شقه الأيسر، وهذا بيان الفرق بين التشهدين وزيادة يجب الأخذ بها والمصير إليها والذي احتجوا به في التشهد الأول ونحن نقول به. فأما صفة التورك فهو كما ذكر. قال الأثرم رأيت أبا عبد الله يتورك في الرابعة في التشهد فيدخل رجله اليسرى ويخرجها من تحت ساقه الأيمن ولا يقعد على شئ منها وينصب اليمنى يفتح أصابعه وينحي عجزه كله ويستقبل بأصابعه اليمنى القبلة

مسألة: ثم يرفع رأسه مكبرا

وركبته اليمنى على الأرض ملزقة وهذا قول أبي الخطاب وأصحاب الشافعي فإن أبا حميد قال: فإذا كان في الرابعة أفضى بوركه اليسرى إلى الأرض وأخرج قدميه من ناحية واحدة، رواه أبو داود. وقال الخرقي والقاضي: ينصب رجله اليمنى ويجعل باطن رجله اليسرى تحت فخذه اليمنى، ويجعل اليتيه على الأرض لقول عبد الله بن الزبير كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قعد في الصلاة جعل قدمه اليسرى تحت فخذه وساقه وفرش قدمه اليمنى، رواه مسلم. وفي بعض ألفاظ حديث أبي حميد نحو هذا قال: جعل بطن قدمه عند مأبض اليمنى ونصب قدمه اليمنى، وأيهما فعل فحسن (فصل) وهذا التشهد والجلوس له من أركان الصلاة وممن قال بوجوبه عمر وابنه وأبو مسعود البدري والحسن والشافعي، ولم يوجبه مالك وأبو حنيفة، وأوجب أبو حنيفة الجلوس قدر التشهد لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلمه الأعرابي فدل على أنه غير واجب ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به فقال " قولوا التحيات لله " وفعله وداوم عليه. وروي عن ابن مسعود أنه قال: كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد: السلام على الله قبل عباده، السلام على جبرائيل، السلام على ميكائيل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " لا تقولوا السلام على الله ولكن قولوا التحيات لله " إلى آخره. وهذا يدل على أنه فرض بعد إن لم يكن مفروضا، وحديث الأعرابي يحتمل أنه كان قبل فرض التشهد، ويحتمل أنه ترك تعليمه لأنه لم يتركه (فصل) ولا يتورك إلا في صلاة فيها تشهدان في الأخير منهما. وقال الشافعي: يسن التورك في كل تشهد يسلم فيه وإن لم يكن ثانيا كتشهد الصبح والجمعة لأنه تشهد يسن تطويله فسن التورك فيه كالثاني ولنا حديث وائل بن حجر أن النبي صلى الله عليه وسلم لما جلس للتشهد افترش رجله اليسرى ونصب رجله اليمنى ولم يفرق بين ما يسلم فيه ولا ما لا يسلم، وقالت عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في كل ركعتين التحية وكان يفرش رجله اليسرى وينصب اليمنى، رواه مسلم وهذان

مسألة: ويجلس مفترشا يفرش رجله اليسرى ويجلس عليها وينصب اليمنى ويقول رب اغفر لي ثلاثا

يقضيان على كل تشهد بالافتراش إلا ما خرج منه بحديث أبي حميد في التشهد الثاني فيبقى فيما عداه على قضية الأصل ولأن هذا ليس بتشهد ثان فلا يتورك فيه كالأول وهذا لأن التشهد الثاني إنما يتورك فيه للفرق بين التشهدين وما ليس فيه تشهد ثان لا يحتاج إلى الفرق، وما ذكروه من المعنى إن صح فيضم إليه هذا المعنى الذي ذكرناه ويعلل بهما والحكم إذا علل بمعنيين لم يتعد بدونهما (فصل) قيل لأبي عبد الله ما تقول في تشهد سجود السهو؟ قال يتورك فيه أيضا هو من بقية الصلاة يعني إذا كان من السهو في صلاة رباعية لأن تشهدها يتورك فيه وهذا تابع له، وقال القاضي: يتورك في كل تشهد لسجود السهو بعد السلام في الرباعية وغيرها لأنه تشهد ثان في الصلاة يحتاج إلى الفرق، وقال الأثرم قلت لأبي عبد الله الرجل يدرك مع الإمام ركعة فيجلس الإمام في الرابعة أيتورك معه الرجل المسبوق في هذه الجلسة؟ فقال إن شاء تورك، قلت فإذا قام يقضي يجلس في الرابعة فينبغي له أن يتورك؟ فقال نعم ينبغي أن يتورك لأنها الرابعة يتورك ويطيل الجلوس في التشهد الأخير قال القاضي: قوله إن شاء تورك على سبيل الجواز لا أنه مسنون، وقد صرح بذلك في رواية مهنا فيمن أدرك من صلاة الظهر ركعتين لا يتورك إلا في الأخيرتين ويحتمل أن تكون هاتين روايتين. (مسألة) (والمرأة كالرجل في ذلك كله إلا أنها تجمع نفسها في الركوع والسجود وتجلس متربعة أو تسدل رجليها فتجعلهما في جانب يمينها، وهل يسن لها رفع اليدين؟ على روايتين) الأصل أن

نثبت في حق المرأة من الأحكام ما نثبت في حق الرجل لشمول الخطاب لهما غير أنها لا يسن لها التجافي لأنها عورة فاستحب لها جمع نفسها ليكون أستر لها فإنه لا يؤمن أن يبدو منها شئ حال التجافي وكذلك في الافتراش، قال علي رضي الله عنه: إذا صلت المرأة فلتحتفز ولتضم فخذيها، وعن ابن عمر أنه كان يأمر النساء أن يتربعن في الصلاة، قال أحمد السدل أعجب إلي واختاره الخلال ولا يسن لها رفع اليدين في إحدى الروايتين لأنه في معنى التجافي، والرواية الأخرى يشرع لها قياساً على الرجل ولأن أم سلمة كانت ترفع يديها (فصل) ويستحب للمصلي أن يفرج بين قدميه ويراوح بينهما إذا طال قيامه، قال الأثرم رأيت أبا عبد الله يفرج بين قدميه ورأيته يراوح بينهما. روي هذا عن عمرو بن ميمون والحسن، وروى الأثرم باسناده عن أبي عبيدة قال: رأى عبد الله رجلا يصلي صافا بين قدميه فقال لو راوح هذا بين قدميه كان أفضل، ورواه النسائي وفيه قال أخطأ السنة لو راوح بينهما كان أعجب إلي، ولا يستحب الإكثار منه لما روي عن عطاء قال: إني لاحب أن يقل التحريك وأن يعتدل قائما على قدميه إلا أن يكون إنسانا كبيراً لا يستطيع ذلك. فأما التطوع فإنه يطول على الإنسان فلا بد من التوكي على هذه مرة وعلى هذه مرة، وقد روى النجاد بإسناده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا قام أحدكم في صلاته فليسكن أطرافه ولا يميل ميل اليهود "

مسألة: ثم يسجد الثانية كالأولى

(فصل) ويكره الالتفات في الصلاة لغير حاجة لما روي عن عائشة قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة فقال " هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد " رواه البخاري وعن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يزال الله عزوجل مقبلا على العبد في صلاته ما لم يلتفت فإذا صرف وجهه انصرف عنه " رواه الإمام أحمد وأبو داود. وعن أنس قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم " إياك والالتفات في الصلاة فإن الالتفات فيها هلكة فإن كان لابد في التطوع لا في الفريضة " رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح. فإن كان لحاجة لم يكره لما روى سهل بن الحنظلية قال: ثوب بالصلاة فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وهو يلتفت إلى الشعب، رواه أبو داود قال: وكان أرسل فارسا إلى الشعب يحرس، وعن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتفت يمينا وشمالا ولا يلوي عنقه، رواه النسائي. ولا تبطل الصلاة بالالتفات إلا أن يستدير عن القبلة بجملته أو يستدبرها قال ابن عبد البر جمهور الفقهاء على أن الالتفات لا يفسد الصلاة إذا كان يسيراً (مسألة) ويكره رفع بصره إلى السماء لما روى أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم " فاشتد قوله في ذلك حتى قال " لينتهين عن ذلك أو لتخطف أبصارهم " رواه البخاري. ويكره الاستناد إلى الجدار ونحوه في الصلاة لأنه يزيل مشقة القيام والتعبد به

(مسألة) قال (وافتراش الذراعين في السجود) قال الترمذي أهل العلم يختارون الاعتدال في السجود، وروي عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا سجد أحدكم فليعتدل ولا يفترش ذراعيه افتراش الكلب " رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح، وفي لفظ عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " اعتدلوا في السجود ولا يسجد أحدكم وهو باسط ذارعيه كالكلب " وهذا هو المنهي عنه كرهه أهل العلم وفي حديث أبي حميد فإذا سجد سجد غير مفترش ولا قابضهما (مسألة) (ويكره الإقعاء في الجلوس وهو أن يفرش قدميه ويجلس على عقبيه وعنه أنه سنة) كذلك وصف أحمد الإقعاء، وقال أبو عبيد هذا قول أهل الحديث، فأما عند العرب فهو جلوس الرجل على اليتيه ناصبا فخذيه مثل إقعاء الكلب. قال شيخنا ولا أعلم أحداً قال باستحباب الإقعاء على هذه الصفة. فأما الأول فكرهه علي وابو هريرة وقتادة ومالك والشافعي وأصحاب الرأي وعليه العمل عند أكثر أهل العلم لما روى الحارث عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تقع بين السجدتين " وعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا رفعت رأسك من السجود فلا تقع كما يقعي الكلب " رواهما ابن ماجة، وفيه رواية أخرى أنه سنة، وروى مهنا عن أحمد أنه قال لا أفعله ولا أعيب على من يفعله العبادلة كانوا يفعلونه. قال طاوس رأيت العبادلة يفعلونه ابن عمر وابن الزبير

مسألة: ثم يرفع رأسه مكبرا ويقوم على صدور قدميه معتمدا على ركبتيه

وابن عباس وقال طاوس قلنا لابن عباس في الإقعاء على القدمين في الجلوس فقال هي السنة. قال قلنا إنا لنراه جفاء بالرجل فقال هي سنة نبيك رواه مسلم وأبو داود، والأول أولى لما ذكرنا وقد قال ابن عمر حين فعله لا تقتدوا بي فإني قد كبرت وفي حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفترش رجله اليسرى وينصب اليمنى وينهى عن قعية الشيطان (مسألة) (ويكره أن يصلي وهو حاقن) سواء خاف فوات الجماعة أو لا لا نعلم فيه خلافاً وهو قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي لما روت عائشة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " لا صلاة بحضرة طعام ولا هو يدافعه الأخبثان " رواه مسلم، ولأن ذلك يشغله عن خشوع الصلاة وحضور قلبه فيها فإن خالف وفعل صحت صلاته وهو قول أبي حنيفة والشافعي، وقال ابن أبي موسى إن كان به من مدافعة الأخبثين ما يزعجه ويشغله عن الصلاة أعاد في الظاهر من قوله، وقال مالك أحب إلي أن يعيد إذا شغله ذلك لظاهر الخبر ولنا أنه إن صلى يحضرة الطعام أو قلبه مشغول بشئ من الدنيا صحت صلاته كذا ههنا وخبر عائشة أريد به الكراهة بدليل ما لو صلى بحضرة الطعام قال ابن عبد البر أجمعوا على أنه لو صلى بحضرة الطعام فأكمل صلاته إن صلاته تجزئه وكذلك إذا صلى حاقنا (مسألة) (أو بحضرة طعام تتوق إليه نفسه) وبهذا قال عمر وابنه وتعشى ابن عمر وهو يسمع

مسألة: إلا أن يشق عليه فيعتمد بالأرض

قراءة الإمام قال ابن عباس: لا نقوم إلى الصلاة وفي أنفسنا شئ، وبهذا قال الشافعي وإسحاق وابن المنذر وقال مالك: يبدأ بالصلاة إلا أن يكون طعاما خفيفا. ولنا حديث عائشة الذي ذكرناه. وروى ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا قرب عشاء أحدكم وأقيمت الصلاة فابدءوا بالعشاء ولا تعجلوا حتى يفرغ منه " رواه مسلم وغيره. ولأنه إذا قدم الصلاة على الطعام اشتغل قلبه عن خشوعها. إذا ثبت هذا فلا فرق بين أن يخشى فوات الجماعة أو لم يخش لعموم الحديثين. هذا إذا كانت نفسه تتوق إليه أو يخشى فواته أو فوات بعضه إن تشاغل بالصلاة أو تكون حاجته إلى البداية به لوجه من الوجوه، فان لم يفعل وبدأ بالصلاة صحت في قولهم جميعاً حكاه ابن عبد البر لأن البداية بالطعام رخصة فإن لم يفعلها صحت صلاته كسائر الرخص (مسألة) (ويكره العبث في الصلاة) لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يعبث في الصلاة فقال " لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه " ويكره التخصر وهو أن يضع يده على خاصرته لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلي الرجل متخصرا متفق عليه (مسألة) قال (والتروح وفرقعة الأصابع وتشبيكها) يكره التروح إلا من غم شديد لأنه من العبث وبذلك قال إسحاق وعطاء وأبو عبد الرحمن ومالك، ورخص فيه ابن سيرين ومجاهد والحسن ويكره فرقعة الأصابع وتشبيكها في الصلاة لما روي عن على أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا تفقع

مسألة: ثم ينهض ثم يصلي الثانية كذلك إلا في تكبيرة الإحرام والاستفتاح وفي الاستعاذة روايتان

أصابعك وأنت في الصلاة " رواه ابن ماجه، وعن كعب بن عجرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً قد شبك أصابعه في الصلاة ففرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصابعه، رواه الترمذي وابن ماجة (فصل) وإذا تثاءب في الصلاة استحب أن يكظم ما استطاع فان لم يقدر وضع يده على فيه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا تثاءب أحدكم في الصلاة فليكظم ما استطاع فان الشيطان يدخل " رواه مسلم، وللترمذي " فليضع يده على فيه " (فصل) ومما يكره في الصلاة أن ينظر إلى ما يلهيه أو ينظر في كتاب لما روي عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في خميصة لها أعلام فقال " شغلتي أعلام هذه اذهبوا بها إلى أبي جهم بن حذيفة وائتوني بإنبجانيته " متفق عليه. وقال صلى الله عليه وسلم لعائشة " أميطي عنا قرامك هذا فإنه لا يزال تصاويره تعرض لي في صلاتي " رواه البخاري. ويكره أن يصلي وهو معقوص أو مكتوف لما روي عن ابن عباس أنه رأى عبد الله ابن الحارث يصلي ورأسه معقوص من ورائه فقام إليه فحله فلما انصرف أقبل على ابن عباس فقال: مالك ورأسي فقال: أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إنما مثل هذا مثل الذي يصلي وهو مكتوف " رواه مسلم، ويكره أن يكف شعره أو ثيابه لقول النبي صلى الله عليه وسلم " أمرت أن أسجد على سبعة أعظم وأن لا أكف شعرا ولا ثوبا " متفق عليه. ولا نعلم بين أهل العلم في كراهية هذا خلافا، ونقلت كراهة بعضه

عن ابن عباس وعائشة ويكره أن يكثر الرجل مسح جبهته في الصلاة لما روي عن ابن مسعود أنه قال من الجفاء أن يكثر الرجل مسح جبهته قبل الفراغ من صلاته رواه ابن ماجه. ويكره النفخ وتحريك الحصى لما روت ام سلمة قالت: رأى النبي صلى الله عليه وسلم غلاما لنا يقال له أفلح إذا سجد نفخ فقال " يا أفلح ترب وجهك " رواه الترمذي، إلا أن فيه مقالا. قال ابن عباس: لا تمسح جبهتك ولا تنفخ ولا تحرك الحصى. ورخص فيه مالك وأصحاب الرأي، ويكره مسح الحصى لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا قام أحدكم في الصلاة فلا يمسح الحصى فان الرحمة تواجهه " رواه أبو داود والترمذي، ويكره أن يعتمد على يده في الجلوس في الصلاة لما روى ابن عمر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجلس الرجل في الصلاة وهو معتمد على يده، رواه الإمام أحمد وأبو داود، ويكره أن يغمض عينيه في الصلاة، نص عليه وقال: هو من فعل اليهود، وهو قول سفيان، وروي عن مجاهد والاوزاعي ورويت الرخصة فيه من غير كراهة عن الحسن، وروي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا قام أحدكم في الصلاة فلا يغمض عينيه " رواه الطبراني إلا أن فيه عبد الرحمن بن أبي حاتم وقال هذا منكر الحديث، ويكره الرمز بالعين والإشارة لغير حاجة لأنه يذهب بخشوع الصلاة ويكره إخراج لسانه وفتح فمه لأنه خروج عن هيئة الخشوع (مسألة) (وله رد المار بين يديه) ليس لأحد أن يمر بين يدي المصلي إذا لم يكن بين يديه

مسألة: ثم يجلس مفترشا ويضع يده اليمنى على فخذه اليمنى يقبض منها الخنصر والبنصر ويحلق بالإبهام مع الوسطى ويشير بالسبابة في تشهده مرارا ويبسط اليسرى على فخذه اليسرى

سترة وإن كان له سترة فليس له المرور بينه وبينها لما روى أبو جهم الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه من الإثم لكان أن يقف أربعين خيرا له من أن يمر بين يديه " ولمسلم " لأن يقف أحدكم مائة عام خير له من أن يمر بين يدي أخيه وهو يصلي " وروي عن يزيد قال رأيت رجلا بتبوك مقعدا فقال مررت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا على حمار وهو يصلي فقال " اللهم أقطع أثره " فما مشيت عليها بعد، رواه أبو داود، وفي لفظ قال " قطع صلاتنا قطع الله أثره " وإن أراد أحد المرور بين يديه فله منعه يروي ذلك ابن مسعود وابن عمر وابنه سالم وهو قول الشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم عن غيرهم خلافهم لما روى أبو سعيد قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إذا كان أحدكم يصلي إلى سترة من الناس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان " ومعناه والله أعلم فليدفعه

فإن ألح فليقاتله أي يعنف في دفعه، وقوله فإنما هو شيطان أي فعله فعل شيطان أو الشيطان يحمله على ذلك، وقيل معناه أن معه شيطانا، وأكثر الروايات عن أبي عبد الله " أن المار بين يدي المصلي إذا ألح في المرور وأبى الرجوع فللمصلي أن يجتهد في رده ما لم يخرجه ذلك إلى إفساد صلاته بكثرة العمل فيها " وروي عنه أنه قال: يرد ما استطاع وأكره القتال فيها وذلك لما يفضي إليه من الفتنة وفساد الصلاة، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما أمر برده حفظا للصلاة عما ينقضها فيعلم أنه لم يرد ما يفسدها بالكلية فيحمل لفظ المقاتلة على دفع أبلغ من الدفع الأول والله أعلم. ويؤيد ذلك ما روت ام سلمة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في حجرة أم سلمة فمر بين يديه عبد الله أو عمرو بن أبي سلمة فقال بيده فرجع فمرت زينب بنت أم سلمة فقال بيده هكذا فمضت فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " هن أغلب " رواه ابن ماجه وهذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم لم يجتهد في الدفع (فصل) ويستحب له أن يرد ما مر بين يديه من كبير وصغير وبهيمة لما روينا من حديث أم سلمة وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى إلى جدار فاتخذه قبلة ونحن خلفه فجاءت بهيمة تمر بين يديه فما زال يدارئها حتى لصق بطنه بالجدار فمرت من ورائه (فصل) فإن مر بين يديه إنسان فعبر لم يستحب رده من حيث جاء، وهذا قول الشعبي والثوري وإسحاق وابن المنذر، وروي عن ابن مسعود أنه يرده من حيث جاء وفعله سالم بن عبد الله لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر برده فيتناول العابر ولنا أن هذا مرور ثان فينبغي أن لا يتسبب إليه كالأول ولأن المار لو أراد أن يعود من حيث جاء لكان مأمورا بدفعه ولم يحل للعابر العود والحديث إنما يتناول من أراد المرور لقوله " فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه " وبعد العبور فليس هو مريدا للاجتياز (فصل) ولا يقطع المرور الصلاة بل ينقصها نص عليه وروي عن ابن مسعود: أن ممر الرجل ليضع

مسألة: ثم يتشهد فيقول: التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله

نصف الصلاة. قال القاضي: ينبغي أن يحمل نقص الصلاة على من أمكنه الرد فلم يفعله، أما إذا لم تمكنه الرد فصلاته تامة لأنه لم يوجد منه ما ينقص الصلاة فلا يؤثر فيها ذنب غيره والله أعلم (مسألة) (وله عد الآي والتسبيح) لا بأس بعد الآي في الصلاة، فأما التسبيح فتوقف فيه أحمد، وقال أبو بكر: هو في معنى عد الآي، وقال ابن أبي موسى: لا يكره في أصح الوجهين وهذا قول الحسن والنخعي وسعيد بن جبير وطاوس وابن سيرين والشعبي وإسحاق، وكرهه أبو حنيفة والشافعي لأنه يشغل عن خشوع الصلاة ولنا إجماع التابعين فإنه حكي عمن سمينا من غير خلاف في عصرهم فكان إجماعا وإنما كره أحمد عد التسبيح دون الآي، لأن المنقول عن السلف إنما هو عد الآي، وكره الحسن أن يحسب شيئا سواه ولأن التسبيح يتوالى لقصره فيتوالى حسابه فيصير فعلا كثيرا (فصل) ولا بأس بالإشارة في الصلاة باليد والعين لما روى ابن عمر وأنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشير في الصلاة، روى الدارقطني حديث أنس بإسناد صحيح، ورواه أبو داود. وروى الترمذي حديث ابن عمر وقال حسن صحيح (مسألة) (وله قتل الحية والعقرب والقملة ولبس الثوب والعمامة ما لم يطل) وهو قول الحسن والشافعي واسحاق وأصحاب الرأي. وكرهه النخعي لأنه يشغل عن الصلاة، والأول أولى لأن النبي

صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الأسودين في الصلاة، الحية والعقرب. رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح، ولا بأس بقتل القمل لأن أنسا وعمر كانوا يفعلونه. وقال القاضي: التغافل عنها أولى، وقال الأوزاعي: تركه أحب إلي لأن ذلك يشغل عن الصلاة لأمر غير مهم يمكن استدراكه بعد الصلاة وربما كثر فأبطلها (فصل) ولا بأس بالعمل اليسير للحاجة لما روت عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي والباب عليه مغلق فاستفتحت فمشى ففتح لي ثم رجع إلى مصلاه، رواه أبو داود، ورواه أحمد عن عائشة وفيه ووصفت له الباب في القبلة، وروى أبو قتادة قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يؤم الناس وأمامة بنت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم على عاتقه فإذا ركع وضعها، وإذا رفع من السجود ردها، رواه مسلم. وصلى أبوبرزة ولجام دابته في يده فجعلت الدابة تنازعه وجعل يتبعها وجعل رجل من الخوارج يقول: اللهم افعل بهذا الشيخ فلما انصرف قال: إني سمعت قولكم وإني غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ست غزوات أو سبع غزوات أو ثمان وشهدت من تيسيره اني ان كنت أرجع مع دابتي أحب إلي من أن ترجع إلى مألفها فيشق علي، رواه البخاري. قال لا بأس أن يحمل الرجل ولده في الصلاة الفريضة لحديث أبي قتادة. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه التحف بإزاره وهو في الصلاة، فلا بأس أن سقط رداء الرجل أن يرفعه لذلك، وإن انحل

مسألة: هذا التشهد الأول فلا يستحب الزيادة على ما ذكرنا ولا تطويله

إزاره أن يشده، وإن عتقت الأمة في الصلاة اختمرت وبنت على صلاتها، وقال من فعل كفعل أبي برزة حين مشى إلى الدابة حين أفلتت منه فصلاته جائزة وهذا لأن النبي صلى الله عليه وسلم هو المشرع فما فعله وأمر به فلا بأس به، وقد روى سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على منبره فإذا أراد أن يسجد نزل عن المنبر فسجد بالأرض ثم رجع إلى المنبر كذلك حتى قضى صلاته، وفي حديث جابر في صلاة الكسوف قال: ثم تأخر وتأخرت الصفوف حتى انتهينا إلى النساء ثم تقدم وتقدم الناس معه حتى قام في مقامه متفق عليه. فكل هذا وأشباهه لا بأس به في الصلاة ولا يبطلها، وإن فعله لغير حاجة كره ولم يبطلها أيضا لما روى عمرو بن حريث قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ربما يضع اليمنى على اليسرى في الصلاة وربما مسح لحيته وهو يصلي، رواه البيهقي (فصل) ولا يتقدر الجائز من هذا بثلاث ولا بغيرها من العدد لأن فعل النبي صلى الله عليه وسلم الظاهر منه زيادته على ثلاث كتأخره حتى تأخر الرجال فانتهوا إلى النساء، وكذلك مشي أبي برزة مع دابته ولأن التقدير بابه التوقيف وهذا لا توقيف فيه لكن يرجع في الكثير واليسير إلى العرف فيما يعد كثيرا ويسيرا وما شابه فعل النبي صلى الله عليه وسلم فهو يسير (مسألة) (وإن طال الفعل في الصلاة أبطلها عمده وسهوه إلا أن يفعله متفرقا) متى طال الفعل في الصلاة وكثر أبطل الصلاة إجماعا عمدا كان أو سهوا إذا كان من غير جنس الصلاة إلا أن

يكون لضرورة فيكون حكمه حكم الخائف فلا تتبطل الصلاة به، وإن فعله متفرقا لم تبطل الصلاة أيضاً إذا كان كل عمل منها يسيرا بدليل حمل النبي صلى الله عليه وسلم إمامة ووضعها في كل ركعة فإن ذلك لو جمع كان كثيراً ولم تبطل به لتفرقه، فإن احتاج إلى الفعل الكثير لغير ضرورة قطع الصلاة فعله. قال أحمد إذا رأى صبيين يتخوف أن يلقي أحدهما صاحبه في البئر فإنه يذهب إليهما فيخلصهما ويعود في صلاته وقال: إذا لزم رجل رجلا فدخلا المسجد وقد أقيمت الصلاة فإذا سجد الإمام خرج الملزوم فإن الذي كان يلزمه يخرج في طلبه يعني ويبتدئ الصلاة وهكذا لو رأى حريقا يريد إطفاءه أو غريقا يريد إنقاذه خرج إليه وابتدأ الصلاة. فإن خاف على نفسه من الحريق ونحوه في الصلاة ففر منه بنى على صلاته فأتمها صلاة خائف على ما ذكرنا من قبل والله أعلم (مسألة) (ويكره تكرار الفاتحة) لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه لأنها ركن، وفي إبطال الصلاة بتكررها خلاف فكره لذلك (مسألة) (ويكره الجمع بين سور في الفرض ولا يكره في النفل) أما الجمع بين السور في النفل فلا يكره رواية واحدة لا نعلم فيه خلافا فإن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في ركعة سورة البقرة وآل عمران والنساء. وقال ابن مسعود: لقد عرفت النظائر التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرن بينهن فذكر عشرين سورة من المفصل سورتين في كل ركعة، متفق عليه وكان عثمان يختم القرآن في كل

مسألة: ثم يقول اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد وإن شاء قال: كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم وكما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم

ركعة، وأما الفريضة فيستحب أن يقتصر فيها على سورة بعد الفاتحة من غير زيادة لأن النبي صلى الله عليه وسلم هكذا كان يصلي أكثر صلاته، وهل يكره الجمع بين السورتين فيها؟ على روايتين (إحداهما) يكره لما ذكرنا (والثانية) لا يكره لأن حديث ابن مسعود مطلق، وروي أن رجلا من الأنصار كان يؤمهم وكان يقرأ قبل كل سورة (قل هو الله أحد) ثم يقرأ سورة أخرى معها فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " ما يحملك على لزوم هذه السورة في كل ركعة؟ " فقال إني أحبها فقال " حبك إياها أدخلك الجنة " رواه البخاري تعليقا، ورواه الترمذي وقال حديث صحيح غريب، وروى الخلال بإسناده عن ابن عمر أنه كان يقرأ في المكتوبة بالسورتين في كل ركعة، رواه مالك في الموطأ، فأما قراءة السورة الواحدة في الركعتين يعيدها فلا بأس وقد ذكرناه (فصل) والمستحب أن يقرأ في الثانية سورة بعد السورة التي قرأها في الركعة الأولى في النظم، قال أحمد في رواية مهنا أعجب إلي أن يقرأ من البقرة إلى أسفل لأن ذلك المنقول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) وروي عن ابن مسعود أنه سئل عمن يقرأ القرآن منكوسا فقال ذلك منكوس القلب

_ 1) فيه ان السور لم تكن مرتبة كلها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم على التحقيق الذي عليه الجمهور وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ليتزم هذا الترتيب الذي في المصحف والمراد بالتنكيس المذموم آيلت السورة

وفسره أبو عبيد بذلك، فإن قرأ كذلك فلا بأس به لأن أحمد قال حين سئل عن ذلك: لا بأس به أليس يعلم الصبي على هذا؟ وقد روي أن الأحنف قرأ الكهف في الأولى، وفي الثانية بيوسف، وذكر أنه صلى مع عمر الصبح فقرأ بهما، استشهد به البخاري (مسألة) (ولا يكره قراءة أواخر السور وأوساطها. وعنه يكره) المشهور عن أحمد أنه لا يكره قراءة أواخر السور وأوساطها في الصلاة نقلها عنه جماعة لقول الله تعالى (فاقرءوا ما تيسر منه) ولان أبا سعيد قال: أمرنا أن نقرأ فاتحة الكتاب وما تيسر، رواه أبو داود، وروى الخلال بإسناده أن ابن مسعود كان يقرأ في الآخرة من صلاة الصبح آخر آل عمران وآخر الفرقان. وقال أبو برزة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بالستين إلى المائة فيه دليل على أنه لم يكن يقتصر على قراءة سورة، ولأن آخرها أحد طرفي السورة فلم يكره كأولها، وعن أحمد أنه يكره في الفرض نقلها عنه المروذي وقال: سورة أعجب إلي، وقال المروذي: وكان لأبي عبد الله قرابة يصلي به فكان يقرأ في الثانية من الفجر بآخر السورة فلما أكثر قال أبو عبد الله: تقدم أنت فصل، فقلت له هذا يصلي بكم منذ كم؟ قال دعنا منه يجئ بآخر السور وكرهه، قال شيخنا رحمه الله ولعل أحمد إنما أحب اتباع النبي صلى الله عليه وسلم فيما نقل عنه وكره المداومة على خلاف ذلك فإن المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم قراءة السورة أو بعض السور من أولها، ونقل عنه رواية ثالثة أنه يكره قراءة أوسط السورة دون آخرها لما روينا في آخر السور عن عبد الله بن مسعود ولم ينقل مثل ذلك في وسطها، قال الأثرم قلت لأبي عبد الله الرجل يقرأ آخر السورة في الركعة فقال أليس قد روي في هذا رخصة عن عبد الرحمن بن يزيد وغيره؟

(فصل) فأما قراءة أوائل السور فلا خلاف في أنه غير مكروه فإن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ من سورة المؤمنين إلى ذكر موسى وهارون ثم أخذته سعلة فركع، وقرأ سورة الأعراف في المغرب فرقها مرتين، رواه النسائي (مسألة) (وله أن يفتح على الإمام إذا أرتج عليه في الصلاة وإن يرد عليه إذا غلط) لا بأس به في الفرض والنفل روى ذلك عن عثمان وعلي وابن عمر وهو قول جماعة من التابعين، وكرهه ابن مسعود وشريح والثوري، وقال أبو حنيفة تبطل به الصلاة لما روى الحارث عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يفتح على الإمام " وقال ابن عقيل إن كان في النفل جاز ذلك وإن كان في الفرض وارتج عليه في الفاتحة فتح عليه وإلا فلا ولنا ما روى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة فقرأ فيها فلبس عليه فلما انصرف قال لأبي " أصليت معنا؟ " قال نعم، قال " فما منعك؟ " رواه أبو داود قال الخطابي اسناده جيد، وعن ابن عباس قال تردد رسول الله صلى الله عليه وسلم في القراءة في صلاة الصبح فلم يفتحوا عليه فلما قضى الصلاة نظر في وجوه القوم فقال " أما شهد الصلاة معكم أبي بن كعب؟ " قالوا لا فرأى القوم إنما فقده ليفتح عليه. وروى مسور بن يزيد المالكي قال: شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الصلاة فترك آية من القرآن فقيل يا رسول الله آية كذا وكذا تركتها فقال " فهلا أذكرتنيها؟ " رواه أبو داود،

ولأنه تنبيه في الصلاة بما هو مشروع فيها أشبه التسبيح، وحديث علي يرويه الحارث قال الشعبي كان كذابا، وقال أبو داود لم يسمع إسحاق من الحارث إلا أربعة أحاديث ليس هذا منها (فصل) فإن ارتج على الإمام في الفاتحة فعلى المأموم أن يفتح عليه كما لو نسي سجدة لزمهم تنبيهه بالتسبيح، فإن عجز عن إتمام الفاتحة فله أن يستخلف من يصلي بهم، وكذلك لو عجز في أثناء الصلاة عن ركن يمنع الائتمام به كالركوع فإنه يستخلف من يتم بهم كما لو سبقه الحدث، بل الاستخلاف ههنا أولى لأن من سبقه الحدث قد بطلت صلاته وهذا صلاته صحيحة، وإذا لم يقدر على إتمام الفاتحة فقال ابن عقيل يأتي بما يحسن ويسقط عنه ما عجز عنه وتصح صلاته لأن القراءة ركن من أركان الصلاة فإذا عجز عنه في أثناء الصلاة سقط كالقيام، فأما المأموم فإن كان أميا صحت صلاته أيضاً، وإن كان قارئا نوى مفارقته وصلى وحده ولا يصح له إتمام الصلاة خلفه لأن هذا قد صار في حكم الأمي، قال شيخنا والصحيح أنه إذا لم يقدر على قراءة الفاتحة تفسد صلاته لأنه قادر على الصلاة بقراءتها فلم تصح صلاته لعموم قوله عليه السلام " لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب " ولا يصح قياس هذا على الأمي لأن الأمي لو قدر على تعلمها قبل خروج الوقت لم تصح صلاته بدونها وهذا يمكنه أن يخرج فيسأل عما وقف فيه ويصلي، ولا يصح قياسه على أركان الأفعال لأن خروجه من الصلاة لا يزيل عجزه عنها بخلاف هذا

(فصل) ويكره أن يفتح من هو في الصلاة على من هو في صلاة أخرى أو على من ليس في صلاة لأن ذلك يشغله عن صلاته وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " إن في الصلاة لشغلا " فإن فعل لم تبطل صلاته لأنه قرآن إنما قصد قراءته دون خطاب الآدمي أشبه مالو رد على إمامه. وقال ابن عقيل في المصلي إذا رد على من ليس في الصلاة إن كان في النفل فلا بأس، وإن كان في الفرض فهل تبطل صلاته؟ يخرج على روايتين فأما غير المصلي فلا بأس أن يفتح على المصلي وقد روى النجاد بإسناده قال كنت قاعدا بمكة فإذا رجل عند المقام يصلي وإذا رجل قاعد خلفه يلقنه فإذا هو عمر رضي الله عنه (مسألة) (وإذا نابه شئ مثل سهو إمامه أو استئذان إنسان عليه سبح إن كان رجلا وإن كانت امرأة صفحت ببطن كفها على الأخرى) وجملته أنه إذا سها الإمام فأتى بفعل في غير موضعه لزم المأمومين تنبيهه، فإن كانوا رجالا سبحوا به، وإن كانوا نساء صفقن ببطون أكفهن على ظهر الأخرى وبه قال الشافعي، وقال مالك: يسبح الرجل والنساء لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من نابه شئ في صلاته فليسبح الرجال ولتصفح النساء " متفق عليه ولنا ما روى سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا نابكم شئ في صلاتكم فليسبح الرجال، ولتصفح النساء " متفق عليه (فصل) وإذا سبح لتنبيه إمامه أو لاستئذان إنسان عليه وهو في الصلاة أو كلمه بشئ أو نابه

مسألة: ويستحب أن يتعوذ فيقول أعوذ بالله من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال

أمر في صلاته فسبح ليعلمه أنه في صلاة أو خشي على إنسان الوقوع في شئ فسبح به، أو خشي أن يتلف بشئ فسبح ليتركه أو ترك إمامه ذكرا فرفع صوته به ليذكره لم يؤثر في الصلاة في قول أكثر أهل العلم منهم الأوزاعي والشافعي وإسحاق. وحكي عن أبي حنيفة: أن تنبيه الآدمي بالتسبيح أو القرآن أو الإشارة يبطل الصلاة لأن ذلك خطاب آدمي فيدخل في عموم أحاديث النهي عن الكلام لأنه قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من أشار في الصلاة إشارة تفقه أو تفهم فقد قطع الصلاة " ولنا ما روى أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " التسبيح للرجال، والتصفيق للنساء " متفق عليه، ولما ذكرنا من حديث سهل بن سعد: وعن ابن عمر قال: قلت لبلال كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يرد عليهم حين كانوا يسلمون عليه في الصلاة؟ قال: كان يشير بيده. وعن صهيب قال: مررت برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فسلمت فرد علي إشارة قال الترمذي كلا الحديثين صحيح. وقد ذكرنا حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشير في الصلاة رواه أبو داود. وعن علي قال: كنت إذا استأذنت على النبي صلى الله عليه وسلم فان كان في صلاة سبح، وإن كان في غير صلاة أذن، وحديث أبي حنيفة يرويه أبو غطفان وهو مجهول فلا تعارض به الأحاديث الصحيحة (فصل) فإن عطس في الصلاة فقال: الحمد لله، أو لسعه شئ فقال بسم الله، أو سمع أو

مسألة: وإن دعا بما ورد في الأخبار فلا بأس

رأى ما يغمه فيقول إنا لله وإنا إليه راجعون. أو رأى ما يعجبه فقال سبحان الله - كره له ذلك ولم تبطل الصلاة، نص عليه أحمد في رواية الجماعة فيمن عطس فحمد الله لم تبطل صلاته. ونقل عنه مهنا فيمن قيل له في الصلاة ولد لك غلام فقال: الحمد لله. أو قيل احترق دكانك فقال: لا إله إلا الله، أو ذهب كيسك فقال لا حول ولا قوة إلا بالله فقد مضت صلاته وهذا قول الشافعي وأبي يوسف لما روي عن علي رضي الله عنه أنه قال له رجل من الخوارج وهو في صلاة الغداة (لئن أشركت ليحبطن عملك) الآية قال فأنصت له حتى فهم ثم أجابه وهو في الصلاة (فاصبر إن وعد الله حق) الآية رواه النجاد بإسناده، واحتج به أحمد، وقال أبو حنيفة: تفسد صلاته لأنه كلام آدمي، وقد روي نحو ذلك عن أحمد فإنه قال: فيمن قيل له ولد لك غلام فقال: الحمد لله رب العالمين، أو ذكر مصيبة فقال (إنا لله وإنا إليه راجعون) قال يعيد الصلاة قال القاضي هذا محمول على من قصد خطاب الآدمي، ووجه الأول ما ذكرنا من حديث علي، وروى عامر بن ربيعة قال عطس شاب من الأنصار خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة فقال: الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه حتى يرضى ربنا وبعد ما يرضى من أمر الدنيا والآخرة. فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من القائل الكلمة؟ فإنه لم يقل بأسا ما تناهت دون العرش " رواه أبو داود، ولأن ما لا يبطل الصلاة ابتداء لا يبطلها إذا أتى به عقيب سبب كالتسبيح لتنبيه إمامه قال الخلال: اتفقوا عن أبي عبد الله

أن العاطس لا يرفع صوته بالحمد، وإن رفع فلا بأس لحديث الأنصاري. قال أحمد: في الامام يقول لا إله إلا الله فيقول من خلفه لا إله إلا الله يرفعون بها أصواتهم قال: يقولون ولكن يخفضون. وانما لم يكره أحمد ذلك كما كره القراءة خلف الإمام لأنه يسير لا يمنع الانصات كالتأمين. قيل لأحمد فان رفعوا أصواتهم بهذا؟ قال: أكرهه قيل فينهاهم الإمام؟ قال لا. قال القاضي: إنما لم ينههم لأنه قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يسمعهم الآية أحيانا في صلاة الإخفات (فصل) قيل لأحمد اذا قرأ (أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى) هل يقول سبحان ربي الأعلى؟ قال إن شاء وإلا فيما بينه وبين نفسه ولا يجهر به، وقد روي عن علي أنه قرأ في الصلاة (سبح اسم ربك الأعلى) فقال سبحان ربي الاعلى. ومن ابن عباس أنه قرأ (أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى) فقال: سبحانك وبلى، وعن موسى بن أبي عائشة قال: كان رجل يصلي فوق بيته فكان إذا قرأ (أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى قال: سبحانك فبلى، فسألوه عن ذلك فقال سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، رواه أبو داود (فصل) فإن قرأ القرآن يقصد به تنبيه آدمي مثل أن يستأذن عليه فيقول (ادخلوها بسلام آمنين) أو يقولون لرجل اسمه يحيى (يا يحيى خذ الكتاب بقوة) فقد روي عن أحمد أنه يبطل الصلاة، وهو قول أبي حنيفة لأنه خطاب آدمي أشبه ما لو كلمه. وروي عنه ما يدل على أنها لا تبطل فإنه احتج

بحديث علي مع الخارجي قال له (اصبر إن وعد الله حق) وروي نحو هذا عن ابن مسعود وابن أبي ليلى، فروى الخلال بإسناده عن عطاء بن السائب قال: استأذنا على عبد الرحمن بن أبي ليلى وهو يصلي فقال (ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين) ولأنه قرآن فلم يفسد الصلاة كما لو لم يقصد به التنبيه، وقال القاضي: إن قصد التلاوة حسب لم تفسد صلاته، وإن حصل التنبيه، وإن قصد التنبيه حسب فسدت صلاته لأنه خاطب آدميا، وإن قصدهما ففيه وجهان (أحدهما) لا تفسد وهو مذهب الشافعي لما ذكرنا من الآثار والمعنى (والثاني) تفسد صلاته لأنه خاطب آدميا أشبه ما لو لم يقصد التلاوة. فأما إن أتى بما لا يتميز به القرآن عن غيره كقوله لرجل اسمه إبراهيم يا إبراهيم ونحوه فسدت صلاته لان هذا كلام الناس ولم يتميز عن كلامهم بما يتميز به القرآن أشبه مالو جمع بين كلمات مفرقة من القرآن فقال يا إبراهيم خذ الكتاب الكبير (مسألة) (وان بدره البصاق بصق في ثوبه، وإن كان في غير المسجد جاز أن يبصق عن يساره أو تحت قدمه) لما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى نخامة في قبلة المسجد فأقبل علي الناس فقال " ما بال أحدكم يقوم مستقبل ربه فيتنخع أمامه، أيحب أحدكم أن يستقبل فينتخع في وجهه؟ فإذا تنخع أحدكم فليتنخع عن يساره أو تحت قدمه فان لم يجد فليقل هكذا " ووصف القاسم فتفل في ثوبه ثم مسح بعضه على بعض. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " البصاق في المسجد

خطيئة وكفارتها دفنها " رواه مسلم (1) (مسألة) (ويستحب أن يصلي إلى سترة مثل آخرة الرحل) يستحب للمصلي الصلاة إلى سترة فان كان في مسجد أو بيت صلى إلى الحائط أو إلى سارية، وإن كان في فضاء صلى إلى شئ شاخص بين يديه إما إلى حربة أو عصا أو يعرض البعير فيصلي إليه، لا نعلم في استحباب ذلك خلافا وسواه ذلك في الحضر والسفر لأن النبي صلى الله عليه وسلم كانت تركز له الحربة فيصلي إليها، ويعرض البعير فيصلي إليه. وفي حديث أبي جحيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم ركزت له عنزة فتقدم فصلى الظهر ركعتين يمر بين يديه الحمار والكلب لا يمنع، متفق عليه. وعن طلحة بن عبيد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا وضع أحدكم بين يديه مثل مؤخرة الرجل فليصل ولا يبال من مر من وراء ذلك " رواه مسلم (فصل) وقدر طولها ذراع أو نحوه يروي ذلك عن عطاء والثوري وأصحاب الرأي، وعنه أنها قدر عظم الذراع وهو قول مالك والشافعي وهذا ظاهر التقريب لأن النبي صلى الله عليه وسلم قدرها بمؤخرة الرحل وهي تختلف فتارة تكون ذراعا وتارة تكون أقل فما قارب الذراع أجزاء الاستتار به فأما قدرها في الغلط فلا نعلم فيه حدا فقد تكون غليظة كالحائط ورقيقة كالسهم فإن النبي صلى الله عليه

_ 1) لعل الاصل رواهما مسلم والا فاثاني متفق عليه وهو في الصحيحين بلفظ البزاق بالزاي

مسألة: ثم يسلم عن يمينه السلام عليكم ورحمة الله وعن يساره كذلك

وسلم كان يستتر بالعنزة، وقال أبو سعيد كان يستتر بالسهم والحجر في الصلاة إلا أن أحمد قال ما كان أعرض فهو أعجب إلي لما روي عن سبرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " استتروا في الصلاة ولو بسهم " رواه الأثرم، فقوله " ولو بسهم " يدل على أن غيره أولى منه (فصل) ويستحب أن يدنو من سترته لما روى سهل بن أبي حثمة يرفعه أنه قال " إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها لا يقطع الشيطان عليه صلاته " رواه أبو داود، وعن سهل بن سعد قال: كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين السترة ممر الشاة، رواه البخاري. ولأن قربه من السترة أصون لصلاته وأبعد من أن يمر بينه وبينها شئ، وينبغي أن يكون مقدار ذلك ثلاثة أذرع فما دون قال أحمد أن ابن عمر قال: صلى النبي صلى الله عليه وسلم في الكعبة فكان بينه وبين الحائط ثلاثة أذرع، وكان عبد الله بن مغفل يجعل بينه وبين سترته ستة أذرع، وقال عطاء أقل ما يكفيك ثلاثة أذرع وهو قول الشافعي لخبر ابن عمر، وكلما دنا فهو أفضل لما ذكرنا من الأخبار والمعنى، قال مهنا سألت أحمد عن الرجل يصلي كم ينبغي أن يكون بينه وبين القبلة؟ قال يدنو من القبلة ما استطاع (فصل) ولا بأس أن يستتر ببعير أو حيوان فعله ابن عمر وأنس، وقال الشافعي لا يستتر بدابة

ولنا ما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى إلى بعير، رواه البخاري، وفي لفظ قال: قلت فإذا ذهب الركاب قال: كان يعرض الرحل ويصلي إلى آخرته، فإن استتر بإنسان فلا بأس لأنه يقوم مقامه، وقد روي عن حميد بن هلال قال: رأي عمر بن الخطاب رجلا يصلي والناس يمرون بين يديه فولاه ظهره وقال بثوبه هكذا - وبسط يديه هكذا - وقال صل ولا تعجل، وعن نافع كان ابن عمر إذا لم يجد سبيلا إلى سارية من سواري المسجد قال لنافع ولني ظهرك، رواهما النجاد. فأما الصلاة إلى وجه الإنسان فتكره لأن عمر أدب على ذلك، وعن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي حذاء وسط السرير وأنا مضطجعة بينه وبين القبلة، تكون لي الحاجة فأكره أن أقوم فأستقبله فأنسل انسلالا، متفق عليه (مسألة) (فإن لم يجد خط خطا وصلى إليه وقام ذلك مقام السترة) نص عليه أحمد وبه قال سعيد ابن جبير والاوزاعي، وأنكره مالك والليث وأبو حنيفة، وقال الشافعي بالخط بالعراق وقال بمصر لا يخط المصلي خط إلا أن يكون فيه سنة تتبع

ولنا ما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئاً فإن لم يجد فلينصب عصا فإن لم يكن معه عصا فليخط خطا ثم لا يضره من مر أمامه (1) " رواه أبو داود وصفة الخط مثل الهلال. قال أبو داود: سمعت أحمد غير مرة وسئل عن الخط فقال هكذا عرضا مثل الهلال قال وسمعت مسددا قال: قال ابن أبي داود الخط بالطول وقال في رواية الأثرم قالوا طولا وقالوا عرضا وأما أنا فأختار هذا ودور بأصبعه مثل القنطرة وكيفما خطه أجزأ لأن الحديث مطلق فكيفما أتى به فقد أتى بالخط والله أعلم (فصل) فان كا معه عصا لا يمكنه نصبها ألقاها بين يديه عرضا نقله الأثرم، وكذلك قال سعيد ابن جبير والاوزاعي، وكرهه النخعي ولنا أن هذا في معنى الخط الذي ثبت استحبابه بالحديث الذي رويناه (فصل) وإذا صلى إلى عود أو عمود أو نحوه استحب أن ينحرف عنه ولا يصمد له لما روى أبو داود عن المقداد بن الأسود قال: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى إلى عود أو إلى

_ 1) هذا لفظ ابن حبان ولم يذكره المصف ولفظ أبي داود (ما مر) وهو أعم

عمود ولا شجرة إلا جعله على حاجبه الأيمن أو الأيسر ولا يصمد له صمدا؟ أي لا يستقبله فيجعله وسطا، ومعنى الصمد القصد (فصل) وتكره الصلاة إلى المتحدثين لئلا يشتغل بحديثهم، واختلف في الصلاة إلى النائم فروي أنه يكره روى ذلك عن ابن مسعود وسعيد بن جبير. وعنه ما يدل على أنه إنما يكره في الفريضة خاصة لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل وعائشة معترضة بين يديه كاعتراض الجنازة متفق عليه، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة إلى النائم والمتحدث، رواه أبو داود خرج التطوع منه لحديث عائشة وبقي الفرض على مقتضى العموم. وقيل لا يكره فيهما لأن حديث عائشة صحيح، وحديث النهي ضعيف، قاله الخطابي، وتقديم قياس الخبر الصحيح أولى من الضعيف. ويكره أن يصلي إلى نار قال أحمد: إذا كان التنور في قبلته لا يصلي إليه، وكره ابن سيرين ذلك. قال أحمد في السراج والقنديل يكون في القبلة: أكرهه، وأما كره ذلك لأن النار تعبد من دون الله فالصلاة إليها تشبه الصلاة لها، وقال أحمد: لا تصل إلى صور منصوبة في وجهك

وذلك لأن الصورة تعبد من دون الله، وقد روي عن عائشة قالت: كان التابوت فيه تصاوير فجعلته بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فنهاني أو قالت كره ذلك، رواه عبد الرحمن بن أبي حاتم بإسناده، ولأن المصلي يشتغل بها عن صلاته. قال أحمد: يكره أن يكون في القبلة شئ معلق مصحف أو غيره، ولا بأس أن يكون موضوعا إلى الأرض، وروى مجاهد قال: لم يكن ابن عمر يدع بينه وبين القبلة شيئا إلا نزعه لا سيفا ولا مصحفا، رواه الخلال. قال أحمد: ولا يكتب في القبلة شئ لأنه يشغل قلب المصلي وربما اشتغل بقراءته عن الصلاة، وكذلك يكره التزويق وكل ما يشغل المصلي عن صلاته فإنه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعائشة " أميطي عنا قرامك فإنه لا تزال تصاويره تعرض لي في صلاتي " رواه البخاري، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم مع ما أيده الله به من العصمة والخشوع يشغله ذلك فغيره من الناس أولى، ويكره أن يصلي وأمامه امرأة تصلي لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " أخروهن من حيث أخرهن الله " وإن كانت عن يمينه أو يساره لم يكره وإن كانت تصلي، وكره أحمد أن يصلي وبين يديه كافر، وروي عن إسحاق لأن المشركين نجس

(فصل) ولا بأس أن يصلي بمكة إلى غير سترة روى ذلك عن ابن الزبير وعطاء ومجاهد وقال الأثرم: قيل لاحمد الرجل يصلي بمكة ولا يستتر بشئ فقال: قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى ثم ليس بينه وبين الطواف سترة قال أحمد: لأن مكة ليست كغيرها لما روى الأثرم باسناده عن المطلب قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من سبعة جاء حتى يحاذي الركن بينه وبين السقيفة فصلى ركعته في حاشية المطاف وليس بينه وبين الطواف أحد. وقال عمار بن أبي عمار رأيت ابن الزبير جاء يصلي والطواف بينه وبين القبلة، تمر المرأة بين يديه فينتظرها حتى تمر ثم يضع جبهته في موضع قدمها، رواه حنبل في كتاب المناسك. قال المعتمر: قلت لطاوس الرجل يصلي ركعتين بمكة فيمر بين يديه الرجل والمرأة فقال: أولا ترى الناس يبك بعضه بعضا وإذا هو يرى أن لهذا البلد حالا ليس لغيره، وذلك لا الناس يكثرون بها لأجل قضاء النسك ويزدحمون فيها ولذلك سميت بكة لان الناس يتباكون فيها أي يزدحمون ويدفع بعضهم بعضا فلو منع المصلي من يجتاز بين يديه لضاق على الناس. وحكم الحرم كله حكم مكة في هذا بدليل قول ابن عباس: أقبلت راكبا على حمار

مسألة: وينوي بسلامه الخروج من الصلاة فإن لم ينو جاز وقال ابن حامد تبطل صلاته

أتان والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس إلى غير جدار، متفق عليه، ولأن الحرم كله محل المشاعر والمناسك فجرى مجرى مكة في ذلك (فصل) فإن صلى في غير مكة إلى غير سترة فلا بأس لما روى ابن عباس قال صلى النبي صلى الله عليه وسلم في قضاء ليس بين يديه شئ، رواه البخاري، قال أحمد في رجل يصلي في فضاء ليس بين يديه سترة ولا خط: صلاته جائزة فأحب إلي أن يفعل (مسألة) (فإن مر من ورائها شئ لم يكره حتى لو صلى إلى سترة فمر من ورائها ما يقطع الصلاة لم تنقطع وإن مر غير ذلك لم يكره) لما ذكرنا من الأحاديث وإن مر بينه وبينها قطعها إن كان مما يقطعها وكره إن كان مما لا يقطعها (مسألة) (وإن لم يكن سترة فمر بين يديه الكلب الأسود البهيم بطلت صلاته وفي المرأة والحمار روايتان) إذا مر الكلب الأسود بين يدي المصلي قريبا منه قطع صلاته بغير خلاف في المذهب، وهذا قول عائشة وروي عن معاذ ومجاهد والبهيم الذي ليس في لونه شئ سوى السواد لما روى أبو ذر

قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا قام أحدكم يصلي فإنه يستره مثل آخرة الرحل فإن لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل فإنه يقطع صلاته المرأة والحمار والكلب الأسود " قال عبد الله بن الصامت يا أبا ذر ما بال الكلب الأسود من الكلب الأحمر من الكلب الأصفر؟ فقال يا ابن أخي سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سألتني فقال " الكلب الأسود شيطان " رواه مسلم وأبو داود وغيرهما، وفي المرأة والحمار روايتان (إحداهما) لا يقطع الصلاة إلا الكلب الأسود نقلها عنه الجماعة وهو قول عائشة لما روى الفضل بن عباس قال: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في بادية فصلى في صحراء ليس بين يديه سترة وحمار لنا وكلبة يعبثان بين يديه فما بالي ذلك. رواه أبو داود. وعن ابن عباس قال أقبلت راكبا على حمار أتان والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي بمنى إلى غير جدار فمررت بين يدي بعض الصف فنزلت وأرسلت الأتان ترتع فدخلت في الصف فلم ينكر علي أحد. وقالت عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاته من الليل كلها وأنا معترضة بينه وبين القبلة، متفق عليهما وقد ذكرنا

حديث زينب بنت أبي سلمة حين مرت بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فلم تقطع صلاته، رواه ابن ماجه، (والثانية) أن المرأة والحمار يقطعان الصلاة لما ذكرنا من حديث أبي ذر: وروى أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب " رواه مسلم. فأما حديث عائشة فقد قيل ليس بحجة لأن حكم الوقوع يخالف حكم المرور بدليل كراهة المرور بين يدي المصلي بخلاف الاعتراض. وحديث ابن عباس ليس فيه إلا أنه مر بين يدي بعض الصف، وسترة الإمام سترة لمن خلفه. روي هذا القول عن أنس لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي إلى سترة ولم ينقل أنه أمر أصحابه بنصب سترة أخرى. وحديث الفضل بن عباس في إسناده مقال ويجوز أن يكونا بعيدين. وقال مالك والثوري وأصحاب الرأي والشافعي لا يقطع الصلاة شئ لما ذكرنا من الأحاديث ولما روى أبو سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يقطع الصلاة شئ " رواه أبو داود

مسألة: وإن كانت الصلاة مغربا أو رباعية نهض مكبرا إذا فرغ من التشهد الأول

ولنا حديث أبي هريرة وأبي ذر، وقد أجبنا عن الأحاديث المتقدمة. وحديث أبي سعيد يرويه مجالد وهو ضعيف فلا يعارض به الصحيح وهو عام وأحاديثنا خاصة فيجب تقديمها (فصل) ولا يقطع الصلاة غير ما ذكرنا لأن تخصيص النبي صلى الله عليه وسلم لها بالذكر يدل على عدمه فيما سواها، وقال ابن حامد: هل يقطع الصلاة مرور الشيطان؟ على وجهين (أحدهما) يقطع وهو قول بعض أصحابنا لتعليل النبي صلى الله عليه وسلم قطع الكلب الصلاة بكونه شيطانا (والثاني) لا يقطع اختاره القاضي، ومتى كان في الكلب الأسود لون غير السواد لم يقطع الصلاة وليس ببهيم إلا أن يكون بين عينيه نكتتان تخالفان لونه فلا يخرج بهما عن اسم البهيم. وأحكامه في قطعه الصلاة وتحريم صيده وإباحة قتله لأنه قد روي في حديث " عليكم بالأسود البهيم ذي القرنين فإنه شيطان " وإنما خصصنا قطع الصلاة بالأسود البهيم لأن النبي صلى الله عليه وسلم سماه شيطانا في

مسألة: ثم يجلس في التشهد الثاني متوركا يفرش رجله اليسرى وينصب اليمنى ويخرجهما عن يمينه ويجعل اليتيه على الأرض

حديث أبي ذر، وقال عليه السلام " لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها فاقتلوا منها كل أسود بهيم فإنه شيطان " فبين أن الشيطان هو الأسود البهيم (فصل) ولا فرق بين الفرض والتطوع فيما ذكرنا لعموم الأدلة، وقد روي عن أحمد ما يدل على التسهيل في التطوع. والصحيح التسوية لأن مبطلات الصلاة في غير هذا يتساوى فيها الفرض والتطوع، وقال أحمد يحتجون بحديث عائشة بأنه في التطوع وما أعلم بين الفريضة والتطوع فرقا إلا أن التطوع يصلي على الدابة (فصل) فإن كان الكلب الأسود البهيم واقفا بين يديه أو نائما ولم يمر ففيه روايتان (إحداهما) يبطل قياسا على المرور ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب " ولم يذكر مرورا، وقد قالت عائشة: عدلتمونا بالكلاب والحمر، وذكرت في معارضة ذلك ودفعه أنها

كانت تكون معترضة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم كاعتراض الجنازة (والثانية) لا تبطل به الصلاة لأن الوقوف والنوم مخالف لحكم المرور بدليل أن عائشة كانت تنام بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يكرهه ولا ينكره، وقد قال في المار " كان أن يقف أربعين خير له من أن يمر بين يديه " وكان ابن عمر يقول لنافع: ولني ظهرك ليستتر ممن يمر بين يديه، وقعد عمر بين يدي المصلي يستره من المرور، وإذا اختلف حكم الوقوف والمرور فلا يقاس عليه وقول النبي صلى الله عليه وسلم " يقطع الصلاة " لابد فيه من اضمار المرور أو غيره فإنه لا يقطعها إلا بفعله، وقد جاء في بعض الأخبار فيتعين حمله عليه (فصل) والذي يقطع الصلاة مروره إنما يقطعها إذا مر قريبا والذي لا يقطع الصلاة إنما يكره له المرور إذا كان قريبا أيضا فأما البعيد فلا يتعلق به حكم، قال شيخنا ولا أعلم أحداً من أهل العلم

مسألة: والمرأة كالرجل في ذلك كله إلا أنها تجمع نفسها في الركوع والسجود وتجلس متربعة أو تسدل رجليها فتجعلهما في جانب يمينها وهل يسن لها رفع اليدين على روايتين؟

حد البعيد في ذلك ولا القريب إلا أن عكرمة قال: إذا كان بينك وبين الذي يقطع الصلاة قذفة بحجر لم يقطع الصلاة وروى أبو داود وعبد بن حميد عن ابن عباس قال: أحسبه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " إذا صلى أحدكم إلى غير سترة فإنه يقطع صلاته الكلب والحمار والخنزير والمجوسي واليهودي والمرأة ويجزئ عنه إذا مروا وبين يديه قذفة بحجر " هذا لفظ رواية أبي داود وفي رواية عبد " والنصراني والمرأة الحائض " فلو ثبت هذا الحديث تعين المصير إليه غير أنه لم يجزم برفعه، وفيه ما هو متروك بالإجماع وهو ما عدا الثلاثة المذكورة ولا يمكن تقييد ذلك بموضع السجود كما قال بعضهم، فإن قوله عليه السلام " إذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل قطع صلاته الكلب الأسود " يدل على أن ما هو أبعد من السترة تنقطع فيه بمرور الكلب، والسترة تكون أبعد من موضع السجود. قال شيخنا: والصحيح تحديد ذلك بما إذا مشى إليه المصلي ودفع المار بين يديه لا بطل

صلاته لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بدفع المار بين يديه فتقيد بدلالة الإجماع بما يقرب منه بحيث إذا مشى إليه لا تبطل صلاته، واللفظ في الحديثين واحد، وقد تعذر حملهما على الإطلاق، وقد تقيد أحدهما بالإجماع فينبغي أن يقيد الآخر به والله أعلم (فصل) وإذا صلى إلى سترة مغصوبة فاجتاز وراءها ما يقطع الصلاة قطعها في أحد الوجهين ذكرهما ابن حامد لأنه ممنوع من نصبها والصلاة إليها فوجودها كعدمها (والثاني) لا تبطل لقول النبي صلى الله عليه وسلم " كفى ذلك مثل آخرة الرحل " وقد وجد واصل الوجهين إذا صلى في ثوب مغصوب وفيه روايتان (فصل) وسترة الإمام سترة لمن خلفه، نص عليه أحمد، وروي عن ابن عمر قال الترمذي: قال أهل العلم سترة الإمام سترة لمن خلفه وهو قول الفقهاء السبعة والنخعي ومالك والشافعي وغيرهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى إلى سترة ولم يأمر أصحابه بنصب سترة أخرى وفي حديث ابن عباس

مسألة: ويكره رفع بصره إلى السماء

قال: أقبلت على حمار أتان والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس بمنى إلى غير جدار، فمررت بين يدي بعض الصف فنزلت وأرسلت الأتان يرتع ودخلت في الصف فلم ينكر علي أحد، متفق عليه، ومعنى قولهم سترة الإمام سترة لمن خلفه أنه متى لم يحل بين الإمام وسترته شئ يقطع الصلاة لم يضر المأمومين مرور شئ بين أيديهم في بعض الصف ولا فيما بينهم وبين الإمام، وإن مر بين يدي الإمام ما يقطع صلاته قطع صلاتهم، وقد دل على ذلك ما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: هبطنا مع النبي صلى الله عليه وسلم من ثنية أذاخر فحضرت الصلاة يعني إلى جدار فاتخذه قبلة ونحن خلفه فجاءت بهمة تمر بين يديه فما زال يدارئها حتى لصق بطنه بالجدار فمرت من وراثه، رواه أبو داود فلولا أن سترته سترة لهم لم يكن بين مرورها بين يديه وخلفه فرق (مسألة) (ويجوز له النظر في المصحف) يجوز له النظر في المصحف في صلاة التطوع قال أحمد

مسألة: وافتراش الذراعين في السجود

لا بأس ان يصلي بالناس القيام وهو يقرأ في المصحف قيل له الفريضة؟ قال لم أسمع فيها بشئ وسئل الزهري عن رجل يقرأ في رمضان في المصحف فقال: كان خيارنا يقرءون في المصاحف، روي عن عطاء ويحيى الأنصاري، ورويت كراهته عن سعيد بن المسيب والحسن ومجاهد وابراهيم لأنه يشغل عن الخشوع في الصلاة، وقال القاضي: لا بأس به في التطوع إذا لم يحفظ، فإن كان حافظا كره لأن أحمد سئل عن الإمامة في المصحف في رمضان قال إن اضطر الى ذلك، وقال أبو حنيفة تبطل الصلاة إذا لم يكن حافظا لأنه عمل طويل، وروي عن ابن عباس قال: نهانا أمير المؤمنين إن نؤم الناس في المصاحف وأن يؤمنا إلا محتلم. رواه أبو بكر بن أبي داود في كتاب المصاحف ولنا أن عائشة كان يؤمها عبد لها في المصحف، رواه الأثرم، وقول الزهري: ولأنه نظر إلى موضع معين فلم نبطل الصلاة كالحافظ، وأما فعله في الفرض ففيه روايتان (إحداهما) يكره اختاره

مسألة: ويكره أن يصلي وهو حاقن

القاضي لأنه يشغل عن خشوع الصلاة ولا يحتاج إليه (والثانية) لا يكره، ذكره ابن حامد. وقال القاضي في المجرد: أن قرأ في التطوع في المصحف لم تبطل صلاته وان فعل ذلك في الفريضة فهل يجوز؟ على روايتين (فصل) وإذا قرأ في كتاب في نفسه ولم ينطق بلسانه فقد نقل المروذي عن أحمد أنه كان يصلي وهو ينظر إلى جزء إلى جانبه، فظاهره أن الصلاة لا تبطل. وقال جماعة من أصحابنا تبطل الصلاة إذا تطاول: وكان ابن حامد يقول: إذا طال عمل القلب أبطل كعمل اليدين. والمذهب أن الصلاة لا تبطل ذكره القاضي (مسألة) (وإذا مرت به آية رحمة أن يسألها أو آية عذاب أن يستعيذ منها، وعنه يكره ذلك في الفرض) لا بأس بذلك في صلاة التطوع لأن حذيفة روي أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله. فأما الفريضة فعنه إباحته فيها كالنافلة لأنه دعاء وخير. وعنه الكراهة لأنه إنما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم

مسألة: ويكره العبث في الصلاة

في النافلة فينبغي الاقتصار عليه والله أعلم (فصل) قال رحمه الله (أركان الصلاة اثنا عشر، القيام وتكبيرة الإحرام، وقراءة الفاتحة، والركوع، والاعتدال منه، والسجود، والجلوس بين السجدتين، والطمأنينة في هذه الأفعال، والتشهد الأخير، والجلوس له، والتسليمة الأولى، والترتيب، من ترك منها شيئا عمدا بطلت صلاته) المشروع في الصلاة قسمان. واجب ومسنون، والواجب ينقسم إلى قسمين (أحدهما) لا يسقط في عمد ولا سهو، وهي الأركان التي ذكرها المصنف، إلا أن قراءة الفاتحة إنما تجب على الإمام والمنرد والقيام يسقط في النافلة، وفي وجوب بعضها اختلاف ذكرناه، وقد ذكرنا أدلتها في أثناء الباب سوى الترتيب ويدل عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلاها مرتبة وقال " صلوا كما رأيتموني أصلي " وقد دل على وجوب أكثرها ماروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فدخل رجل

فصلى ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال " ارجع فصل فانك لم تصل " ثلاثا فقال: والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره فعلمني قال " إذا قمت إلى الصلاة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعا، ثم ارفع حتى تعتدل قائما، ثم اسجد حتى تطمئن؟؟؟، ثم ارفع حتى تطمئن جالسا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا. ثم افعل ذلك في صلاتك كلها " متفق عليه وزاد مسلم " إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم إستقبل القبلة فكبر " فدل ذلك على أن هذه المسماة في الحديث لا تسقط بحال فإنها لو سقطت لسقطت عن الأعرابي لجهله، والجاهل كالناسي. فأما أحكام تركها فان كان عمداً بطلت صلاته في الحال، وإن كان سهوا ثم ذكره في الصلاة أتى به على ما سنذكره إن شاء الله. وإن لم يذكره حتى سلم وطال الفصل بطلت الصلاة وإن لم يطل الفصل بنى على ما مضى من صلاته نص عليه أحمد في رواية جماعة وهو قول الشافعي. وقال بعض أصحابنا

متى لم يذكره حتى سلم بطلت صلاته. وقال الأوزاعي فيمن نسي سجدة من صلاة الظهر فذكرها في صلاة العصر: يمضي في صلاته فإذا فرغ سجدها ولنا على أن الصلاة لا تبطل مع قرب الفصل أنه لو ترك ركعة أو كبر وذكر قبل طول الفصل أتى بما ترك ولم تبطل صلاته إجماعا وقد دل على ذلك حديث ذي اليدين، فإذا ترك ركنا واحدا فأولى أن لا تبطل. والدليل على ان الصلاة تبطل بطول الفصل أنه أخل بالموالاة فبطلت صلاته كما لو ذكر في يوم ثان والمرجع في طول الفصل إلى العرف وبه قال بعض الشافعية. وقال بعضهم الفصل الطويل قدر ركعة وهو نص الشافعي. وقال الخرقي في سجود السهو إذا تركه يسجد ما كان في المسجد لأنه محل للصلاة فيحد قرب الفصل وبعده به. والأولى حده بالعرف لأنه لا حد له في الشرع فرجع فيه إلى العرف كسائر ما لاحد له ولا يجوز التقدير بالتحكم

مسألة: وله رد المار بين يديه

(فصل) ومتى كان المتروك سالما أتى به فحسب، وإن كان تشهدا أتى به وبالسلام، وإن كان غيرهما أتى بركعة كاملة. وقال الشافعي يأتي بالركن وما بعده لا غير. ويأتي الكلام عليه إن شاء الله وتختص تكبيرة الإحرام من بين سائر الأركان لأن الصلاة لا تنعقد بتركها لأنها تحريمها فلا يدخل في الصلاة بدونها، ويختص السلام بأنه إذا نسيه أتى به وحده وقد ذكرناه (مسألة) (وواجباتها تسعة: التكبير غير تكبيرة الإحرام، والتسبيح في الركوع والسجود مرة مرة، والتسميع والتحميد في الرفع من الركوع، وسؤال المغفرة بين السجدتين مرة، والتشهد الأول، والجلوس له، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير في رواية) هذا هو القسم الثاني من الواجبات، وفي وجوبها روايتان (إحداهما) هي واجبة وهو قول إسحاق (والرواية الثانية)

أنها غير واجبة وهو قول أكثر الفقهاء إلا أن الشافعي قال بوجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وجعلها من الأركان وهو رواية عن احمد لحديث كعب بن عجرة، ودليل عدم وجوبها أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلمها المسئ في صلاته ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله وقال " صلوا كما رأيتموني أصلي " وقد روى أبو داود باسناده عن علي بن يحيى بن خلاد عن عمه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا تتم الصلاة لأحد من الناس حتى يتوضأ فيضع الوضوء مواضعه، ثم يكبر ويحمد الله ويثني عليه، ويقرأ بما شاء من القرآن، ثم يقول الله أكبر، ثم يركع حتى تطمئن مفاصله، ثم يقول سمع الله لمن حمده حتى يستوي قائما

مسألة: وله عد الآي والتسبيح

ثم يقول الله أكبر ثم يسجد حتى تطمئن مفاصله، ثم يقول الله أكبر ويرفع رأسه حتى يستوي قاعدا ثم يقول الله أكبر ثم يسجد حتى تطمئن مفاصله، ثم يرفع رأسه فيكبر، فإذا فعل ذلك فقد تمت صلاته " وفي رواية " لا تتم صلاة أحدكم حتى يفعل ذلك " وهذا نص في وجوب التكبير وقد ذكرنا

أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتسبيح في الركوع والسجود، ولأن مواضع هذه الأركان أركان فكان فيها ذكر واجب كالقيام وقد أشرنا إلى أدلة الباقي منها. فأما حديث المسئ في صلاته فلم يذكر فيه جميع الواجبات بدليل أنه لم يعلمه التشهد ولا السلام، فلعله اقتصر على تعليم ما أساء فيه ولا يلزم

مسألة: وإن طال الفعل في الصلاة أبطلها عمده وسهوه إلا أن يفعله متفرقا

من التساوي في الوجوب التساوي في الأحكام بدليل واجبات الحج. وقد ذكر في الحديث الذي رويناه تعليم التكبير وهو زيادة يجب قبولها (مسألة) قال (ومن ترك منها شيئا عمدا بطلت صلاته، ومن تركه سهوا ترك للسهو. وعنه

مسألة: ويكره تكرار الفاتحة

أن هذه سنن لا تبطل الصلاة بتركها) وحكم هذه إذا قلنا بوجوبها أنه إن تركها عمدا بطلت صلاته لأنها واجبة أشبهت الأركان، وإن تركها سهوا جبرها بسجود السهو لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قام إلى الثالثة وترك التشهد الأول سجد سجدتين قبل أن يسلم في حديث ابن نجيه ولولا أنه سقط

بالسهو لرجع إليه، ولولا أنه واجب لما سجد لجبره لأنه لا يزيد في الصلاة زيادة محرمة لجبر ما ليس بواجب، وغير التشهد من الواجبات مقيس عليه، ولا يمتنع أن يكون لعبادة واجب يجبر إذا تركه وأركان لا تصح إلا بها كالحج، ويختص التسميع لسقوطه عن المأموم. وذكر ابن عقيل رواية فيمن

مسألة: ولا يكره قراءة أواخر السور وأوساطها وعنه يكره

ترك شيئاً من الواجبات ساهيا أن صلاته تبطل كالأركان. قال والأول أصح وهو أنها تنجبر بسجود السهو (مسألة) وسنن الأقوال اثنا عشر، الاستفتاح، والتعوذ، وقراءة بسم الله الرحمن الرحيم، وقول آمين، وقراءة السورة، والجهر، والإخفات، وقول ملء السموات (1) بعد التحميد، وما زاد على

_ 1) أي الخ الثناء المعروف

مسألة: وله أن يفتح على الإمام إذا ارتج عليه في الصلاة وأن يرد عليه إذا غلط

التسبيحة الواحدة في الركوع والسجود، وعلى المرة في سؤال المغفرة، والتعوذ في التشهد الأخير، والقنوت في الوتر، فهذه سنن لا تبطل الصلاة بتركها ولا يجب السجود لسهوها لأن فعلها غير واجب فجبرها أولى وهل يشرع؟ على روايتين (إحداهما) يشرع وهو مذهب مالك وأبي حنيفة في الإمام إذا ترك الجهر. وقال الحسن والثوري والاوزاعي وأصحاب الرأي واسحاق: عليه سجود السهو إذا ترك قنوت

الوتر ناسيا لقوله عليه السلام " لكل سهو سجدتان " (والثانية) لا يشرع لأن تركها عمدا يبطل الصلاة فلم يشرع لسهوها سجود كسنن الأفعال وهذا قول الشافعي

مسألة: وإذا نابه شيء مثل سهو إمامه أو استئذان إنسان عليه سبح إن كان رجلا وإن كانت امرأة صفحت ببطن كفها على الأخرى

(مسألة) (وما سوى هذا من سنن الأفعال لا تبطل الصلاة بتركها ولا يشرع السجود لها)

فأما سنن الأفعال فهي رفع اليدين عند الافتتاح والركوع والرفع منه ووضع اليمنى على اليسرى

وجعلها تحت السرة على ما ذكرنا من الاختلاف فيه، والنظر إلى موضع سجوده، ووضع اليدين على

الركبتين في الركوع، والتجافي في السجود، ومد ظهره معتدلا وجعله حيال رأسه، والبداءة بوضع

الركبتين قبل اليدين في السجود ووضع يديه حذو منكبيه وأذنيه فيه ونصب قدميه وفتح أصابعهما

مسألة: ويستحب أن يصلي إلى سترة مثل آخرة الرحل

فيه، والجلوس والافتراش في الجلوس بين السجدتين، وفي التشهد الأول، والتورك في الثاني،

ووضع اليد اليمنى على الفخذ اليمنى مقبوضة محلفة، والإشارة بالسبابة، ووضع اليد اليسرى على الفخذ

اليسرى مبسوطة، والالتفات عن اليمين والشمال في التسليمتين، والسجود على الأنف، وجلسة

مسألة: فإن لم يجد خط خطا وصلى إليه وقام ذلك مقام السترة

الاستراحة ونية الخروج من الصلاة في سلامه على ما ذكرنا من الخلاف فيها، فهذه لا تبطل الصلاة بتركها عمدا ولا سهوا ولا يشرع السجود لها بحال لأنه لا يمكن التحرز من تركها فلو شرع السجود لها

لم تخل صلاة من سجود في الغالب، وقال أبو الخطاب فيها روايتان وقال ابن عقيل يخرج في مشروعية السجود لسهوها روايتان بناء على سنن الأقوال والأول أولى

(القسم الثالث) من السنن ما يتعلق بالقلب وهو الخشوع في الصلاة، ونية الخروج وقد ذكرناه والله أعلم

(باب سجود السهو) قال الامام أحمد يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم خمسة أشياء، سلم من اثنتين فسجد، وسلم من ثلاث فسجد، وفي الزيادة والنقصان، وقام من اثنتين ولم يتشهد. وقال الخطابي: المعتمد عند أهل العلم هذه الأحاديث الخمسة، حديثا ابن مسعود وأبي سعيد وأبي هريرة وابن بحينة (مسألة) قال (ولا يشرع في العمد وهو قول أبي حنيفة) وقال الشافعي: يسجد لترك التشهد والقنوت عمدا لأن ما تعلق الجبر بسهوه تعلق بعمده كجبرانات الحج ولنا أن السجود يضاف إلى السهو فدل على اختصاصه به. والشرع إنما ورد به فيه ولا يلزم من انجبار السهو به انجبار العمد لوجود العذر في السهو، وما ذكروه يبطل بزيادة ركن أو ركعة أو قيام في موضع جلوس (مسألة) (ويشرع السهو في زيادة ونقص وشك لأن الشرع إنما ورد به في ذلك) فأما حديث النفس فلا يشرع له سجود لأن الشرع لم يرد به، ولأنه لا يمكن التحرز منه وهو معفو عنه (مسألة) (للنافلة والفرض) لا فرق بين النافلة والفرض في سجود السهو أنه يشرع فيهما في قول عوام أهل العلم، وقال ابن سيرين: لا يشرع في النافلة ولنا عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين " وقوله " إذا نسي أحدكم فزاد أو نقص فليسجد سجدتين " ولأنها صلاة ذات ركوع وسجود فشرع لها السجود كالفريضة

(فصل) ولا يشرع سجود السهو في صلاة الجنازة لأنها لا سجود في صلبها ففي جبرها أولى ولا في سجود تلاوة لأنه لو شرع كان الجبر زائدا على الأصل ولا في سجود السهو، نص عليه أحمد ولأنه إجماع حكاه إسحاق لأنه يفضي إلى التسلسل، ولو سها بعد سجود السهو لم يسجد لذلك والله أعلم (مسألة) (فمتى زاد فعلا من جنس الصلاة قياما أو قعودا أو ركوعا أو سجودا عمدا بطلت الصلاة، وإن كان سهوا سجد له) الزيادة في الصلاة تنقسم إلى قسمين، زيادة أقوال وزيادة أفعال وزيادة الأفعال تتنوع نوعين (أحدهما) زيادة من جنس الصلاة مثل أن يقوم في موضع جلوس أو يجلس في موضع قيام أو يزيد ركعة أو ركنا، فإن فعله عمدا بطلت صلاته إجماعا، وإن كان سهوا سجد له قليلاً كان أو كثيرا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا زاد الرجل أو نقص فليسجد سجدتين " رواه مسلم (مسألة) (فإن زاد ركعة فلم يعلم حتى فرغ منها سجد لها) لما روى عبد الله بن مسعود قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا فلما انفتل توشوش القوم بينهم فقال " ما شأنكم " قالوا يا رسول الله هل زيد في الصلاة؟ قال " لا " قالوا فإنك صليت خمسا فانفتل ثم سجد سجدتين ثم سلم ثم قال " إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون فإذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين " وفي رواية قال " إنما أنا بشر أذكر كما تذكرون، وأنسى كما تنسون " ثم سجد سجدتي السهو، وفي رواية قال " إذا زاد الرجل أو نقص فليسجد سجدتين " رواه بطرقه مسلم

مسألة: فإن مر من ورائها شيء لم يكره حتى لو صلى إلى سترة فمر من ورائها ما يقطع الصلاة لم تنقطع وإن مر غير ذلك لم يكره

(مسألة) (وإن علم فيها جلس في الحال فتشهد إن لم يكن تشهد وسجد وسلم) متى قام إلى خامسة في الرباعية أو إلى رابعة في المغرب أو إلى الثالثة في الصبح لزمه الرجوع متى ذكر ويجلس فإن كان قد تشهد عقيب الركعة التي تمت بها صلاته سجد للسهو ثم، وإن كان تشهد ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم صلى عليه ثم سجد للسهو وسلم، وإن لم يكن تشهد تشهد وسجد للسهو ثم سلم وإن لم يذكر حتى فرغ من الصلاة سجد عقيب ذكره وتشهد وسلم وصحت صلاته، وبهذا قال علقمة والحسن وعطاء والزهري والنخعي ومالك والشافعي واسحاق. وقال أبو حنيفة: إن ذكر قبل أن يسجد جلس للتشهد، وإن ذكر بعد السجود وكان جلس عقيب الرابعة قدر التشهد صحت صلاته ويضيف إلى الزيادة أخرى لتكون نافلة. وإن لم يكن جلس بطل فرضه وصارت صلاته نافلة ولزمه إعادة الصلاة، ونحو قال حماد بن أبي سليمان، وقال قتادة والاوزاعي فيمن صلى المغرب أربعا: يضيف إليها أخرى فتكون الركعتان تطوعا لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد " فإن كان صلى خمسا شفعن له صلاته " رواه مسلم ولنا حديث عبد الله بن مسعود الذي تقدم والظاهر منه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجلس عقيب الرابعة لأن الظاهر أنه لو فعله لنقل، ولأنه قام إلى الخامسة يعتقد أنه قام عن ثالثة لم تبطل صلاته بذلك ولم يضف إلى الخامسة أخرى. وحديث أبي سعيد حجة عليهم أيضا لأنه جعل الزيادة

نافلة من غير أن يفصل بينها وبين التي قبلها بجلوس وجعل السجدتين يشفعها بها ولم يضم إليها ركعة أخرى وهذا كله يخالف ما قالوه فقد خالفوا الخبرين جميعاً (فصل) ولو قام إلى الثالثة في صلاة الليل فهو كما لو قام إلى ثالثة في الفجر نص عليه أحمد، وقال مالك: يتمها أربعا ويسجد للسهو في الليل والنهار وهو قول الشافعي بالعراق. وقال الأوزاعي في صلاة النهار كقوله وفي صلاة الليل إن ذكر قبل ركوعه في الثالثة كقولنا وإن ذكر قبل ركوعه كقول مالك ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " صلاة الليل مثنى مثنى " ولأنها صلاة شرعت ركعتين أشبهت صلاة الفجر، فأما صلاة النهار فيتمها أربعا (فصل) إذا جلس للتشهد في غير موضعه قدر جلسة الاستراحة فقال القاضي: يلزمه السجود سواء قلنا باستحباب جلسة الاستراحة أو لم نقل لأنه لم يردها بجلوسه إنما أراد التشهد سهوا. قال الشيخ ويحتمل أن لا يلزمه لأنه فعل لا يبطل عمده صلاة فلم يسجد لسهوه كالعمل اليسير من غير جنس الصلاة (مسألة) (وإن سبح به اثنان لزمه الرجوع) متى سبح به اثنان يثق بقولهما لزمه الرجوع إليه سواء غلب على ظنه صواب قولهما أو خلافه. وقال الشافعي: إن غلب على ظنه خطؤهما لم يعمل بقولهما ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم رجع إلى قول ابي بكر وعمر في حديث ذي اليدين حين سألهما " أحق ما يقول ذو اليدين؟ " قالا نعم. ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المأمومين بالتسبيح ليذكروا

الإمام ويعمل بقولهم. وقال في حديث ابن مسعود " فإذا نسيت فذكروني ". فأما إن كان الإمام على يقين من صواب نفسه لم يجز له متابعتهم، وقال أبو الخطاب: يلزمه الرجوع كالحاكم يحكم بالشاهدين ويترك يقين نفسه، قال شيخنا: وليس بصحيح لأنه علم خطأهم فلا يتبعهم في الخطأ، وكذا نقول في الشاهدين متى علم الحاكم كذبهما لم يجز له الحكم بقولهما لعلمه أنهما شاهدا زور، ولا يحل الحكم بقول الزور لأن العدالة اعتبرت في الشهادة ليغلب على الظن صدق الشهود وردت شهادة غيرهم لعدم ذلك فمع يقين الكذب أولى أن لا يقبل (مسألة) (فإن لم يرجع بطلت صلاته وصلاة من اتبعه عالما، وإن فارقه أو كان جاهلا لم تبطل) متى سبح المأموم بالإمام فلم يرجع في موضع يلزمه الرجوع بطلت صلاته، نص عليه أحمد لأنه ترك الواجب عمدا، وليس للمأمومين اتباعه لان صلاته باطلة، فإن اتبعوه عالمين بتحريم ذلك بطلت صلاتهم لأنهم تركوا الواجب عمدا، وإن فارقوه وسلموا صحت، وهذا اختيار الخلال لأنهم فارقوه لعذر أشبه من فارق إمامه إذا سبقه الحدث، وذكر القاضي رواية ثانية: أنهم يتبعونه في القيام استحبابا، وذكر رواية ثالثة: أنهم ينتظرونه ليسلم بهم اختارها ابن حامد، والأول أولى لأن الإمام مخطئ في ترك متابعتهم فلا يجوز اتباعه على الخطأ، وإن كانوا جاهلين فصلاتهم صحيحة لأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم تابعوه في الخامسة في حديث ابن مسعود ولم تبطل صلاتهم، وتابعوه أيضا في السلام

في حديث ذي اليدين (فصل) فإن سبح به واحد لم يرجع إلى قوله إلا أن يغلب على ظنه فيعمل بغلبة ظنه لا بتسبيحه لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرجع إلى قول ذي اليدين وحده، وإن سبح به فساق فكذلك لأن قولهم غير مقبول وإن افترق المأمومون طائفتين وافقه قوم وخالفه آخرون؟ سقط قولهم كالبينتين إذا تعارضتا ويحتمل أن يرجع إلى قول ما عنده (1) لأنه قد عضده قول اثنين فترجح، ذكره القاضي ومتى لم يرجع وكان المأمومون على يقين من خطأ الإمام لم يتابعوه لأنهم إنما يتابعونه في أفعال الصلاة وليس هذا منها إلا أنه ينبغي أن ينتظروه ههنا لأن صلاته صحيحة لم تفسد بزيادته فينتظرونه كما ينتظرهم الإمام في صلاة الخوف (مسألة) (والعمل المستكثر في العادة من غير جنس الصلاة يبطلها عمده وسهوه ولا تبطل باليسير ولا يشرع له سجود) وجملته أن العمل ينقسم إلى عمل من جنس الصلاة وقد ذكرنا، وعمل من غير جنس الصلاة كالحك والمشي والتروح فهذا تبطل الصلاة بكثيره عمدا كان أو سهوا بالإجماع وإن كان متفرقا لم تبطل لأن النبي صلى الله عليه وسلم حمل أمامة في الصلاة إذا قام حملها وإذا سجد وضعها وهذا لو اجتمع كان كثيراً، وإن كان يسيراً لم يبطلها لما ذكرنا والمرجع في الكثير واليسير إلى العرف وقد ذكرناه فيما مضى ولا يشرع له سجود لأنه لا يكاد تخلو منه صلاة ويشق التحرز عنه

_ 1) الظاهر ان كلمة (قول) زائدة من الناسخ

(مسألة) (وإن أكل أو شرب عمدا بطلت صلاته، قل أو كثر، وإن كان سهوا لم تبطل إذا كان يسيراً) إذا أكل أو شرب عامدا في الفرض بطلت صلاته لا نعلم فيه خلافاً. قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن المصلي ممنوع من الأكل والشرب. وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن من أكل أو شرب في صلاة الفرض عامدا أن عليه الإعادة، وإن فعله في التطوع أبطله في الصحيح من المذهب، وهو قول أكثر الفقهاء، لأن ما أبطل الفرض أبطل التطوع كسائر المبطلات وعن أحمد: أنه لا يبطلها ويروى عن ابن الزبير وسعيد بن جبير أنهما شربا في التطوع وهذا قول إسحاق لأنه عمل يسير أشبه غير الأكل، فأما إن كثر فإنه يفسدها بغير خلاف لأن غير الأكل من الأعمال يبطل الصلاة إذا كثر، فالأكل والشرب أولى، فإن كان سهوا وكثر أبطل الصلاة أيضاً بغير خلاف لما ذكرنا، وإن كان يسيرا لم يبطل به الفرض ولا التطوع وهو قول عطاء والشافعي. وقال الأوزاعي: يبطل الصلاة لأنه فعل من غير جنس الصلاة يبطل عمده فأبطل سهوه كالعمل الكثير. ولنا عموم قوله عليه السلام " عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان " ولأنه يسوي بين قليله وكثيره حال العمد فعفي عنه في الصلاة إذا كان سهوا كالعمل من جنسها (فصل) إذا ترك في فيه ما يذوب كالسكر فذاب منه شئ فابتعله أفسد الصلاة لأنه أكل

وإن بقي بين أسنانه أو في فيه من بقايا الطعام يسير يجري به الريق فابتعله لم تبطل لأنه يشق الاحتراز منه، وإن ترك في فيه لقمة ولم يبتلعها كره لأنه يشغله عن خشوع الصلاة، وعن الذكر والقراءة فيها ولا يبطلها لأنه عمل يسير فهو كما لو أمسك شيئا في يده والله أعلم (مسألة) (وإن أتى بقول مشروع في غير موضعه كالقراءة في السجود والقعود، والتشهد في القيام وقراءة السورة في الأخريين لم تبطل الصلاة بعمده) لأنه مشروع في الصلاة ولا يجب السجود لسهوه لأن عمده لا يبطل الصلاة فلم يجب السجود لسهوه كسائر مالا يبطل عمده الصلاة وهل يشرع؟ فيه روايتان (إحداهما) يشرع لعموم قوله عليه السلام " إذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين وهو جالس " رواه مسلم (والثانية) لا يشرع لأن عمده لا يبطل الصلاة فلم يشرع السجود لسهوه كترك سنن الأفعال (فصل) فإن أتى فيها بذكر أو دعاء لم يرد به الشرع فيها كقوله آمين رب العالمين وقوله في التكبير الله أكبر كبيرا ونحوه لم يشرع له سجود لأنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سمع رجلاً يقول في الصلاة الحمد لله حمداً كثيراً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى فلم يأمره بالسجود (مسألة) (وإن سلم قبل إتمام صلاته عمدا أبطلها لأنه تكلم فيها عامدا، وإن كان سهوا ثم ذكر قريبا أتهما وسجد، وإن طال الفصل أو تكلم لغير مصلحة الصلاة بطلت) وجملته أن من سلم قبل إتمام صلاته ساهيا ثم علم قبل طول الفصل ولم ينتقض وضوؤه فصلاته صحيحة لا تبطل بالسلام وعليه

أن يأتي بما بقي منها ثم يتشهد ويسلم ويسجد سجدتين ويتشهد ويسلم، فإن لم يذكر حتى قام فعليه أن يجلس لينهض إلى الإتيان بما بقي عن جلوس لأن هذا القيام واجب في الصلاة ولم يأت به لها فلزمه الإتيان به مع النية ولا نعلم في جواز الإتمام في حق من نسي ركعة فما زاد خلافا - والأصل في هذا ما روى ابن سيرين عن أبي هريرة قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشاء قال ابن سرين: سماها لنا أبو هريرة ولكن أنا نسيت - فصلى ركعتين ثم سلم فقام إلى خشبة معروضة في المسجد فوضع يده عليها كأنه غضبان وشبك بين أصابعه ووضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى وخرجت السرعان من المسجد فقالوا: قصرت الصلاة، وفي القوم أبو بكر وعمر فهاباه أن يكلماه وفي القوم رجل في يديه طول يقال له ذو اليدين فقال: يا رسول الله أنسيت أم قصرت الصلاة؟ فقال " لم أنس ولم تقصر " فقال " أكما يقول ذو اليدين " قالوا نعم، قال فتقدم فصلى ما ترك من صلاته ثم سلم، ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه فكبر، وسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه فكبر قال فربما سألوه ثم سلم قال: ثبت أن عمران بن حصين قال ثم سلم متفق عليه ورواه أبو داود وزاد قال: قلت فالتشهد؟ قال لم أسمع في التشهد وأحب إلي أن يتشهد. وروى عمران بن حصين قال: سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاث ركعات من العصر ثم قام فدخل الحجرة فقام رجل بسيط اليدين فقال أقصرت الصلاة يا رسول الله؟ فخرج مغضبا فصلى الركعة التي كان ترك ثم سلم ثم سجد

سجدتي السهو ثم سلم. رواه مسلم (فصل) فأما إن طال الفصل أو انتقض وضوءه استأنف الصلاة كذلك قال الشافعي، وإن ذكر قريبا مثل فعل النبي صلى الله عليه وسلم يوم ذي اليدين ونحوه بنى. وقال مالك نحوه. وقال الليث ويحيى الانصاري والاوزاعي بنى ما لم ينتقض وضوءه. ولنا أنها صلاة واحدة فلم يجز بناء بعضها على بعض مع طول الفصل كما لو انتقض وضوءه والمرجع في طول الفصل وقصره إلى العادة ولأصحاب الشافعي في ذلك خلاف قد ذكرناه فيما إذا ترك ركنا في الباب قبله. والصحيح أنه لا حد له إذ لم يرد بتحديده نص فيرجع فيه إلى العادة والمقاربة لمثل حال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ذي اليدين (فصل) فإن لم يذكره حتى شرع في صلاة أخرى فإن طال الفصل بطلت الأولى لما ذكرنا وإن لم يطل الفصل عاد إلى الأولى فأتمها وهذا قول الشافعي. وقال الشيخ أبو الفرج في المبهج: يجعل ما شرع فيه من الصلاة الثانية تماما للأولى فيبني إحداهما على الأخرى ويصير وجود السلام كعدمه لأنه سهو معذور فيه وسواء كان ما شرع فيه نفلا أو فرضا. وقال الحسن وحماد بن أبي سليمان إن شرع في تطوع بطلت المكتوبة. وقال مالك أحب إلي أن يبتدئها. وروى عن أحمد مثل قول الحسن فإنه قال في رواية أبي الحارث: إذا صلى ركعتين من المغرب وسلم ثم دخل في التكلم أنه بمنزلة الكلام استأنف الصلاة. ولنا أنه أهمل عملا من جنس الصلاة سهوا فلم تبطل صلاته كما لو زاد خامسة

وأما إتمام الأولى بالثانية فلا يصح لأنه قد خرج من الأولى بالسلام ونية الخروج منها ولم ينوها بعد ذلك ونية غيرها لا تجزئ. عن نيتها كحالة الابتداء (فصل) فإن تكلم في هذه الحال - يعني إذا سلم يطن أن صلاته قد تمت - لغير مصلحة الصلاة كقوله يا غلام اسقني ماء ونحوه بطلت صلاته نص عليه أحمد في رواية يوسف بن موسى وجماعة سواه لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شئ من كلام الناس إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن " رواه مسلم، وعن زيد بن أرقم قال: كنا نتكلم في الصلاة يكلم أحدنا صاحبه وهو إلى جنبه حتى نزلت (وقوموا لله قانتين) فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام، رواه مسلم. وفيه رواية ثانية أن الصلاة لا تفسد بالكلام في تلك الحال بحال وهو مذهب مالك والشافعي لأنه نوع من النسيان ولذلك تكلم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وبنوا على صلاتهم (مسألة) (وإن تكلم لمصلحتها ففيه ثلاث روايات (إحداها) لا تبطل (والثانية) تبطل (والثالثة) تبطل صلاة المأموم دون الإمام اختارها الخرقي) وجملة ذلك أن من سلم عن نقص في صلاته كما ذكرنا ثم تكلم لمصلحتها ففيه ثلاث روايات (إحداها) أن الصلاة لا تفسد لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه تكلموا في صلاتهم في حديث ذي اليدين وبنوا على صلاتهم. وفي رسول الله صلى الله عليه وسلم

مسألة: ويجوز له النظر في المصحف

لنا أسوة حسنة، وهذا مذهب مالك والشافعي ونص عليه أحمد في رواية جماعة من أصحابه وممن روي أنه تكلم بعد أن سلم وأتم صلاته الزبير وابناه، وصوبه ابن عباس وهو الصحيح إن شاء الله تعالى (والثانية) تفسد صلاتهم وهو قول الخلال ومذهب أصحاب الرأي لعموم أحاديث النهي (والثالثة) أن صلاة الإمام لا تفسد لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إماما فتكلم وبنى على صلاته، وصلاة المأمومين تفسد لأنه لا يصح اقتداؤهم بأبي بكر وعمر لأنهما تكلما مجيبين للنبي صلى الله عليه وسلم وإجابته واجبة عليهما ولا بذي اليدين لأنه تكلم سائلا عن نقص الصلاة في وقت يمكن ذلك فيها، وهذا غير موجود في زماننا، وهذا اختيار الخرقي وربما خصصناه بالكلام في شأن الصلاة لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إنما تكلموا في شأن الصلاة (مسألة) قال (وإن تكلم في صلب الصلاة بطلت، وعنه لا تبطل إذا كان ساهياً أو جاهلاً ويسجد له) متى تكلم عامدا عالما أنه في الصلاة مع علمه بتحريم ذلك لغير مصلحة الصلاة ولا لأمر يوجب الكلام بطلت صلاته إجماعا حكاه ابن المنذر لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شئ من كلام الناس " وعن زيد بن أرقم قال: كنا نتكلم في الصلاة يكلم أحدنا صاحبه إلى جنبه حتى نزلت (وقوموا لله قانتين) فأمرنا بالسكوت، ونهينا عن الكلام، رواهما مسلم. وعن ابن مسعود قال: كنا نسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة فيرد علينا، فلما رجعنا من

مسألة: وإذا مرت به آية رحمة أن يسألها أو آية عذاب أن يستعيذ منها، وعنه يكره ذلك في الفرض

عند النجاشي سلمنا عليه فلم يرد فقلنا يا رسول الله كنا نسلم عليك في الصباح فترد علينا؟ قال " إن في الصلاة لشغلا " متفق عليه. ولأبي داود " إن الله يحدث من أمره ما يشاء وقد أحدث أن لا تتكلموا في الصلاة " (فصل) فأما إن تكلم جاهلاً بتحريم ذلك في الصلاة فقال القاضي في الجامع: لا أعرف عن أحمد نصا في ذلك. وقد ذكر شيخنا فيه ههنا روايتين (إحداهما) تبطل صلاته لأنه ليس من جنسه ما هو مشروع في الصلاة أشبه العمل الكثير ولعموم أحاديث النهي (والثانية) لا تبطل لما روى معاوية ابن الحكم السلمي قال: بينا أنا أصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم فقلت: يرحمك الله، فرماني القوم بأبصارهم فقلت: واثكل أمياه (1) ما شأنكم تنظرون إلي؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم فلما رأيتهم يصمتونني لكني سكت (2) فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبأبي هو وأمي ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه فوالله ما كهرني (3) ولا ضربني ولا شتمني ثم قال " إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شئ من كلام الناس إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن " أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، رواه مسلم. فلم يأمره بالإعادة فدل على صحتها، وهذا مذهب الشافعي وفي كلام الناسي روايتان (إحداهما) لا تبطل وهو قول مالك والشافعي لأن النبي صلى الله عليه وسلم تكلم في حديث ذي اليدين، وقد ذكرنا حديث معاوية، وما عذر فيه بالنسيان عذر فيه بالجهل

_ 1) عند أحمد ومسلم وغيرهما وثكل أماء وزيادة الياء رواية أبي داود كما في نيل الاوطار 2) أي لم أتكلم أولم أكملهم لكني سكت 3) قوله ما كهرني معناه ما انتهرني أو ما عبس في وجهي

(والثانية) تفسد صلاته وهو قول النخعي وأصحاب الرأي لعموم أحاديث المنع من الكلام وإذا قلنا إنه لا يبطل الصلاة سجد لعموم الأحاديث، ولأن عمده يبطل الصلاة فوجب السجود لسهوه كترك الواجبات والله أعلم (فصل) فإن تكلم في صلب الصلاة لمصلحة الصلاة مع علمه أنه في الصلاة بطلت صلاته لعموم الأحاديث. وذكر القاضي في ذلك الروايات الثلاث التي ذكرناها في المسألة التي قبلها ويحتمله كلام الخرقي لعموم لفظه، وهو مذهب الأوزاعي فانه قال: لو أن رجلاً قال للإمام وقد جهر بالقراءة في العصر: إنها العصر، لم تفسد صلاته، ولأن الإمام يطرقه حال يحتاج إلى الكلام فيها وهو ما لو نسي القراءة في ركعة فذكرها في الثانية فقد فسدت عليه ركعة فيحتاج أن يبدلها بركعة هي في ظن المأمومين خامسة ليس لهم موافقته فيهاو لا سبيل إلى إعلامهم بغير الكلام، وقد يشك في صلاته فيحتاج إلى السؤال (1) قال شيخنا: ولم أعلم عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن صحابته ولا عن الإمام نصا في الكلام في غير الحال التي سلم معتقدا تمام صلاته ثم تكلم بعد السلام، وقياس الكلام في صلب الصلاة عالما بها على هذه الحال ممتنع لان هذه حال نسيان لا يمكن التحرز من الكلام فيها وهي أيضا حال يتطرق الجهل

_ 1) زاد في المغني هنا: فلذلك أبيع له الكلام.

إلى صاحبها بتحريم الكلام فيها فلا يصح قياس ما يفارقها في هذين الأمرين عليها، وإذا عدم النص والقياس والاجما امتنع ثبوت الحكم لأنه بغير دليل ولا سبيل إليه والله أعلم (فصل) فإن تكلم مغلوبا على الكلام فهو ثلاثة أنواع (أحدها) أن يخرج الحروف من فيه بغير اختياره مثل أن يتثاءب فيقول هاه أو يتنفس فيقول آه أو يسعل فينطق بحرفين أو يغلط في القرآن فيأتي بكلمة من غير القرآن أو يغلبه البكاء فلا تفسد صلاته في المنصوص عنه فيمن غلبه البكاء وقد كان عمر يبكي حتى يسمع له نشيج. وقال مهنا: صليت إلى جنب أبي عبد الله فتثاءب خمس مرات وسمعت لتثاؤبه هاه هاه وهذا لأن الكلام ههنا لا ينسب إليه ولا يتعلق به حكم من أحكام الكلام، وقال القاضي فيمن تثاءب فقال هاه تفسد صلاته، وهذا محمول على أن من فعل ذلك غير مغلوب عليه لما ذكرنا. وذكر ابن عقيل فيه احتمالين (أحدهما) تبطل صلاته لان لا يشرع جنسه في الصلاة أشبه الحدث (والثاني) لا تبطل لما ذكرنا (النوع الثاني) أن ينام فيتكلم فقد توقف أحمد عن الكلام فيه والأولى إلحاقه بالفصل الذي قبله لان القلم مرفوع عنه، وكذلك ليس لعتقه ولإطلاقه حكم، وقال ابن عقيل في النائم إذا تكلم بكلام الآدميين انبنى على كلام الناسي في أصح الروايتين (النوع الثالث) أن يكره على الكلام فيحتمل أن يكون ككلام الناسي لأن النبي صلى الله عليه وسلم جمع

بينهما في العفو بقوله " عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " قال القاضي وهذا أولى بالعفو وصحة الصلاة لأن الفعل غير منسوب إليه، ولهذا لو أكره على إتلاف مال لم يضمنه، والناسي يضمن ما اتلفه قال شيخنا والصحيح إن شاء الله أن صلاته تفسد لأنه أتى بما يفسد الصلاة عمدا أشبه مالو أكره على صلاة الفجر أربعا وقياسه على الناسي لا يصح لوجهين (أحدهما) أن النسيان يكثر بخلاف الإكراه (الثاني) أنه لو نسي فزاد في الصلاة أو نقص لم تفسد صلاته ولم يثبت مثله في الاكراه. والصحيح عند أصحاب الشافعي إن الصلاة لا تبطل بشئ من هذه الأنواع (فصل) فإن تكلم بكلام واجب كمن خشي على ضرير أو صبي أو رأى حية ونحوها تقصد غافلا أو يرى نارا يخاف أن تشتعل في شئ ونحو هذا ولم يمكن التنبيه بالتسبيح فقال أصحابنا تبطل الصلاة وهو قول بعض أصحاب الشافعي لما ذكرنا من كلام المكره قال شيخنا: ويحتمل أن لا تبطل الصلاة، وهو ظاهر كلام أحمد لأنه قال في حديث ذي اليدين: إنما كلم النبي صلى الله عليه وسلم القوم حين كلمهم لأنه كان عليهم أن يجيبوه فعلل صحة صلاتهم بوجوب الكلام عليهم، وهذا كذلك وهو ظاهر مذهب الشافعي والحصيح عند أصحابه (فصل) وكل كلام حكمنا بأنه لا يفسد الصلاة فإنما هو اليسير منه، فإن كثر وطال أفسد الصلاة وهذا منصوص الشافعي. قال القاضي في المجرد: كلام الناسي إذا طال يفسد رواية واحدة، وقال في

الجامع لا فرق بين القليل والكثير في ظاهر كلام أحمد، لأن ما عفي عنه بالنسيان استوى قليله وكثيره كالأكل في الصيام وهو قول بعض الشافعية. ووجه الأول أن دلالة الأحاديث المانعة من الكلام عامة تركت في اليسير بما ورد فيه من الأخبار فتبقى فيما عداه على مقتضى العموم، ولا يصح قياس الكثير عليه لعدم إمكان التحرز من اليسير، ولأن اليسير قد عفي عنه في العمل من غير جنس الصلاة بخلاف الكثير والكلام المبطل ما انتظم حرفين فصاعدا، هذا قول أصحابنا وأصحاب الشافعي لأن الحرفين يكونان كلمة كقوله أب وأخ ويد ودم وكذلك الأفعال والحروف لا تنتظم كلمة من أقل من حرفين ولو قال " لا " فسدت صلاته لأنها حرفان لام وألف (مسألة) (وإن قهقه أو نفخ أو انتحب فبان حرفان فهو كالكلام إلا ما كان من خشية الله تعالى، وقال أصحابنا في النحنحة مثل ذلك، وقد روي عن أبي عبد الله أنه كان يتنحنح في الصلاة ولا يراها مبطلة للصلاة) إذا ضحك فبان حرفان فسدت صلاته، وكذلك إن قهقه ولم يتبين حرفان وهو قول الشافعي واصحاب الرأي، وكذلك ذكره شيخنا في المغني. وقال القاضي في المجرد: إن قهقه فبان حرف واحد لم تبطل صلاته، فإن كان حرفان القاف والهاء فهو كالكلام تبطل إن كان عامدا وإن كان ساهياً أو جاهلاً خرج على الروايتين وهو ظاهر قول الشيخ في هذا الكتاب. قال إبن المنذر اجمعوا على أن الضحك يفسد الصلاة، وأكثر أهل العلم على أن التبسم لا يفسدها، وقد روى الدارقطني

مسألة: وواجباتها تسعة: التكبير غير تكبيرة الإحرام والتسبيح في الركوع والسجود مرة مرة والتسميع والتحميد في الرفع من الركوع وسؤال المغفرة بين السجدتين مرة، والتشهد الأول والجلوس له والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير في رواية

في سننه عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال " القهقهة تنقض الصلاة ولا تنقض الوضوء " (فصل) فأما النفخ فمتى انتظم حرفين أفسد الصلاة لأنه كلام وإلا لم يفسدها، وقد قال أحمد: النفخ عندي بمنزلة الكلام. وروي عن ابن عباس أنه قال: من نفخ في الصلاة فقد تكلم. وروي عن أبي هريرة - إلا أن ابن المنذر قال: لا يثبت عن ابن عباس ولا أبي هريرة. وروى عن أحمد أنه قال: أكرهه ولا أقول يقطع الصلاة ليس كلاما. روي عن ابن مسعود وابن عباس وابن سيرين والنخعي وإسحاق، وجمع القاضي بين قولي أحمد فقال: الموضع الذي قال أحمد يقطع الصلاة إذ انتظم حرفين، والموضع الذي قال لا يقطع الصلاة إذا لم ينتظم منه حرفان. وقال أبو حنيفة: إن سمع فهو بمنزلة الكلام وإلا فلا يضر. قال شيخنا: والصحيح أنا لا يقطع الصلاة ما لم ينتظم منه حرفان لما روى عبد الله بن عمرو قال: انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث إلى أن قال ثم نفخ فقال: أف أف. وأما قول أبي حنيفة: فان أراد مالا يسمعه الإنسان من نفسه فليس ذلك بنفخ، وإن أراد مالا يسمعه غيره فلا يصح لأن ما أبطل الصلاة إظهاره أبطلها إسراره كالكلام (فصل) فأما البكاء والتأوه والأنين فما كان مغلوبا عليه لم يؤثر لما ذكرنا من قبل وما كان غير ذلك، فإن كان لغير خشية الله أفسد الصلاة، وإن كان من خشية الله فقال القاضي وأبو الخطاب: التأوه والبكاء لا يفسد الصلاة وكذلك الانين. وقال القاضي: التأوه ذكر مدح الله تعالى إبراهيم به

فقال (إن إبراهيم لأواه حليم) والذكر لا يفسد الصلاة، ولأن الله سبحانه وتعالى مدح الباكين فقال (خروا سجدا وبكيا) وروى مطرف عن أبيه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ولصدره أزيز كأزيز المرجل، رواه الخلال. قلت: رواه أحمد وأبو داود. وقال عبد الله بن شداد سمعت نشيج عمر وأنا في آخر الصفوف، وقال شيخنا: لم أر عن أحمد في البكاء ولا في الأنين شيئا والأشبه بأصوله أنه متى فعله مختارا فسدت صلاته فإنه قال في رواية مهنا في البكاء: لا يفسد الصلاة ما كان من غلبة، ولأن الحكم لا يثبت إلا بنص أو قياس أو إجماع وعموم النصوص تمنع من الكلام كله، ولم يرد في الأنين والتأوه نص خاص، والمدح على التأوه لا يخصصه كتشميت العاطس، ورد السلام، والكلمة الطيبة (فصل) فأما النحنحة فقال أصحابنا: هي كالنفخ إن بان منها حرفان بطلت صلاته. وقد روى المروذي قال: كنت آتي أبا عبد الله فيتنحنح في صلاته لأعلم أنه يصلي. وقال مهنا: رأيت أبا عبد الله يتنحنح في الصلاة فقال أصحابنا: وهذا محمول على أنه لم يأت بحرفين. قال شيخنا: وظاهر حال أحمد أنه لم يعتبر ذلك لأنها لا تسمى كلاما وتدعو الحاجة إليها. وقد روي عن علي رضي الله عنه قال: كان لي ساعة في السحر أدخل فيها علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فان كان في صلاة يتنحنح فكان ذلك إذني، رواه الخلال. واختلفت الرواية عن أحمد في كراهية تنبيه المصلي بالنحنحة فقال في موضع لا يتنحنح في الصلاة، قال النبي صلى الله عليه وسلم " إذا نابكم شئ في صلاتكم فالتسبيح للرجال، والتصفيق

للنساء " وقد روى الأثرم أنه كان يتنحنح ليعلمه أنه يصلي، وحديث علي يدل عليه وهو خاص فيقدم على العام (فصل) إذا سلم على المصلي لم يكن له رد السلام بالكلام فان فعل ذلك بطلت صلاته، روي نحو ذلك عن أبي ذر وهو قول مالك والشافعي. وكان سعيد بن المسيب والحسن وقتادة لا يرون به بأسا. وروي عن أبي هريرة أنه أمر بذلك، وقال إسحاق: أن فعله متأولا جازت صلاته ولنا ما روى عبد الله بن مسعود قال كنا نسلم علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة فيرد علينا فلما رجعنا من عند النجاشي سلمنا عليه فلم يرد علينا فقلنا يا رسول الله كنا نسلم عليك في الصلاة فترد علينا؟ قال " إن في الصلاة لشغلا " متفق عليه. ولأبي داود " إن الله يحدث من أمره ما يشاء وقد أحدث أن لا تتكلموا في الصلاة " وروى جابر قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعئي في حاجة فرجعت وهو يصلي على راحلته ووجهه إلى غير القبلة فسلمت عليه فلم يرد علي فلما انصرف قال " أما إنه لم يمنعني إن أرد عليك إلا أني كنت أصلي " ولأنه كلام آدمي أشبه تشميت العاطس، إذ ثبت ذلك فإنه يرد السلام بالإشارة، وهذا قول مالك والشافعي وإسحاق، وروي عن ابن عباس أن موسى بن جميل سلم عليه وهو يصلي فقبض ابن عباس على ذراعه فكان ذلك رد ابن عباس وذلك لما روى صهيب قال مررت بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فسلمت عليه وكلمته فرد علي إشارة، وعن ابن عمر قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قباء يصلي فجاءته الأنصار فسلموا عليه وهو يصلي قال قلت لبلال كيف رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرد عليهم حين كانوا يسلمون

عليه وهو يصلي؟ قال يقول هكذا (1) وبسط يعني كفه وجعل بطنه أسفل وظهره إلى فوق، رواهما أبو داود والترمذي وقال كلا الحديثين صحيح، وإن رد عليه بعد فراغه من الصلاة فحسن لأن في حديث ابن مسعود قال فقدمت علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فسلمت عليه فلم يرد علي فأخذني ما قدم وما حدث فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة قال " إن الله يحدث من أمره ما يشاء وقد أحدث أن لا تتكلموا في الصلاة " (فصل) وإذا دخل على قوم وهم يصلون فلا بأس أن يسلم عليهم قاله أحمد. وروى ابن المنذر عنه أنه سلم على مصل وفعل ذلك ابن عمر وقال ابن عقيل يكره وكرهه عطاء وأبو مجلز والشعبي واسحاق لأنه ربما غلط المصلي فرد بالكلام، ووجه تجويزه قوله تعالى (فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم) أي على أهل دينكم ولأن النبي صلى الله عليه وسلم حين سلم عليه أصحابه لم ينكر ذلك (فصل) وأما النقص فمتى ترك ركنا فذكره بعد شروعه في قراءة ركعة أخرى بطلت التي تركه منها، وإن ذكره قبل ذلك عاد فأتى به وبما بعده، فإن لم يعد بطلت صلاته. وجملته أنه متى ترك ركنا سجودا أو ركوعا ساهيا فلم يذكر حتى شرع في قراءة الركعة التي تليها بطلت الركعة التي ترك منها الركن وصارت التي تليها مكانها نص عليه أحمد في رواية جماعة. قال الأثرم سألت أبا عبد الله عن رجل صلى ركعة ثم قام ليصلي أخرى فذكر أنه إنما سجد للركعة الأولى سجدة واحدة فقال

_ 1) أي يفعل هكذا

مسألة: ومن ترك منها شيئا عمدا بطلت صلاته ومن تركه سهوا ترك للسهو وعنه أن هذه سنن لا تبطل الصلاة بتركها

إن كان أول ما قام قبل أن يحدث عملا للأخرى فإنه ينحط ويسجد ويعتد بها، وإن كان قد أحدث عملا للأخرى ألغى الأخرى وجعل هذه الأولى قلت: فيستفتح أو يجتزئ. بالاستفتاح الأول قال: يجزئه الأول قلت: فنسي سجدتين من ركعتين قال: لا يعتد بتينك الركعتين. وهذا قول إسحاق وقال الشافعي: إن ذكر الركن المتروك قبل السجود في الثانية فإنه يعود إلى سجدة الأولى، وإن ذكره بعد سجوده في الثانية وقعت عن الأولى لأن الركعة الأولى قد صحت وما فعله في الثانية سهوا لا يبطل الاولى كما لو ذكر قبل القراءة، وقد ذكر أحمد هذا القول عن الشافعي وقربه إلا أنه اختار الأول. وقال مالك: إن ترك سجدة فذكرها قبل رفع رأسه من ركوع الثانية ألغى الأولى. وقال الحسن والاوزاعي من نسي سجدة ثم ذكرها في الصلاة سجدها متى ذكرها. وقال الأوزاعي: يرجع إلى حيث كان من الصلاة وقت ذكرها فيمضي فيها. وقال أصحاب الرأي نحو قول الحسن ولنا أن المزحوم في الجمعة إذا زال الزحام والإمام راكع في الثانية فإنه يتبعه ويسجد معه ويكون السجود من الثانية دون الأولى كذا هنا. وأما إذا ذكرها قبل ذلك عاد فأتى به وبما بعده لأنه ذكره في موضعه فلزمه الإتيان به كما لو ترك سجدة من الركعة الأخيرة فذكرها قبل السلام فإنه يأتي بها في الحال، وإن علم بعد السلام فهو كترك ركعة كاملة إن طال الفصل أو أحدث ابتدأ الصلاة لتعذر البناء وإن ذكر قريبا أتى بركعة كاملة لما ذكرنا من أن الركعة التي ترك الركن منها بطلت بالشروع في غيرها

(فصل) فإن مضى في موضع يلزمه الرجوع أو رجع في موضع يلزمه المضي عالما بتحريمه بطلت صلاته لتركه الواجب عمدا، وإن فعله يعتقد جوازه لم تبطل لأنه تركه غير متعمد أشبه مالو مضى قبل ذكر المتروك لكن إذا مضى في موضع يلزمه الرجوع فسدت الركعة التي ترك ركنها كما لو لم يذكر إلا بعد الشروع في القراءة، وإن رجع في موضع المضي لم يعتد بما فعله في الركعة التي تركه منها لأنها فسدت بشروعه في قراءة غيرها فلم يعد الى الصحة بحال (مسألة) (وإن نسي أربع سجدات من أربع ركعات وذكر وهو في التشهد سجد سجدة فصحت له ركعة ويأتي بثلاث، وعنه تبطل صلاته) هذه المسألة مبنية على المسألة التي قبلها وهو أنه متى ترك ركناً من ركعة فلم يذكرها حتى شرع في قراءة التي بعدها بطلت، فههنا لما شرع في قراءة الثانية بطلت الأولى فلما شرع في قراءة الثالثة قبل إتمام الثانية بطلت الثانية، وكذلك الثالثة تبطل بشروعه في الرابعة فبقيت الرابعة ولم يسجد فيها إلا سجدة واحدة، فيسجد الثانية حين يذكر وتتم له ركعة ويأتي بثلاث ركعات، وبهذا قال مالك والليث. وفيه رواية أن صلاته تبطلا لأن هذا يؤدي الى التلاعب بالصلاة ويلغي عملا كثيرا في الصلاة وهو مابين التحريمة والركعة الرابعة، وهذا قول إسحاق. وقال الشافعي: يصح له ركعتان على ما ذكرنا في المسألة التي قبلها، وهو أنه إذا قام إلى الثانية سهوا قبل تمام الأولى كان عمله فيها لغوا فلما سجد فيها انضمت سجدتها إلى سجدة الأولى فكملت له ركعة وهكذا الحكم في الثالثة والرابعة. وحكى الإمام أحمد هذا القول عن الشافعي ثم قال: هو أشبه من

مسألة: وسنن الأقوال اثنا عشر الاستفتاح والتعوذ وقراءة بسم الله الرحمن الرحيم وقول آمين وقراءة السورة والجهر والإخفات وقول ملء السماوات بعد التحميد وما زاد على التسبيحة الواحدة في الركوع والسجود وعلى المرة في سؤال المغفرة والتعوذ في التشهد الأخير والقن

من قول أصحاب الرأي. وقال الأثرم: فقلت له فإنه إذا فعل لا يستقيم لأنه إنما نوى بهذه السجدة عن الثانية قال: فلذلك أقول أنه يحتاج أن يسجد لكل ركعة سجدتين قال شيخنا: ويحتمل أن يكون القول المحكي عن الشافعي هو الصحيح وأن يكون قولا لاحمد لأنه قد حسنه واعتذر عن المصير إليه بكونه إنما نوى بالسجدة الثانية عن الثانية، وهذا لا يمنع جعلها عن الأولى، وقال الثوري وأصحاب الرأي يسجد في الحال أربع سجدات، وهذا فاسد لأن ترتيب الصلاة شرط لا يسقط بالسهو كما لو نسي فقدم السجود على الركوع فإن لم يذكر حتى سلم ابتدأ الصلاة لأن الركعة الأخيرة بطلت بسلامه في منصوص أحمد فحينئذ يستأنف الصلاة (فصل) إذا ترك ركنا ولم يعلم موضعه بنى الأمر فيه على أسوأ الأحوال مثل أن يترك سجدة لا يعلم أمن الرابعة هي أم من غيرها؟ يجعلها مما قبلها لأنه يلزمه ركعة كاملة، ولو جعلها من الرابعة أجزأه سجدة وإن ترك سجدتين لا يعلم أمن ركعتين أم من ركعة جعلهما من ركعتين ليلزمه ركعتان وإن ترك ركناً من ركعة وعلم وهو فيها ولم يعلم أركوع هو أم سجود، جعله ركوعا، وعلى قياس هذا يأتي بما يتيقن به إتمام صلاته لئلا يخرج منها وهو شاك فيها فيكون مغرورا بها وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " لا غرار في صلاة ولا تسليم " رواه أبو داود. قال الأثرم: سألت أبا عبد الله عن تفسير هذا الحديث فقال: أما أنا فأرى أن لا يخرج منها إلا على يقين أنها قد تمت

(مسألة) (وإن نسي التشهد الأول ونهض لزمه الرجوع ما لم ينتصب قائما فإن استتم قائما لم يرجع وإن رجع جاز وإن شرع في القراءة لم يجز له الرجوع وعليه السجود لذلك كله) إذا ترك التشهد الأول ناسيا وقام لم يخل من ثلاثة أحوال (أحدها) أن يذكره قبل أن يعتدل قائما فيلزمه الرجوع للتشهد، وممن قال يجلس علقمة والضحاك وقتادة والاوزاعي والشافعي وابن المنذر، وقال مالك إن فارقت اليتاه الأرض لم يرجع وقال حسان بن عطية: إذا تجافت ركبتاه عن الأرض مضى ولنا ما روى المغيرة بن شعبة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا قام أحدكم في الركعتين فلم يستتم قائما فليجلس فإذا استتم قائما فلا يجلس ويسجد سجدتي السهو " رواه أبو داود وابن ماجة (الثاني) ذكره بعد اعتداله قائما وقبل شروعه في القراءة فالأولى أن لا يرجع لحديث المغيرة وإن رجع جاز، نص عليه كما ذكره قبل الاعتدال. وقال النخعي: يلزمه الرجوع ما لم يستفتح القراءة قال شيخنا: ويحتمل أن لا يجوز له الرجوع ههنا لحديث المغيرة ولأنه شرع في ركن فلم يجز له الرجوع كما لو شرع في القراءة (الأمر الثالث) ذكره بعد الشروع في القراءة فلا يجوز له الرجوع في قول أكثر أهل العلم، وممن روي عنه أنه لا يرجع عمر وسعد وابن مسعود والمغيرة بن شعبة والنعمان بن بشير وابن الزبير وغيرهم وقال الحسن: يرجع ما لم يركع، والصحيح الأول لحديث المغيرة ولأنه شرع في ركن مقصود فلم يجز له الرجوع كما لو شرع في الركن، إذا ثبت ذلك فإنه يسجد للسهو في جميع هذه

المسائل لحديث المغيرة، ولما روى عبد الله بن مالك بن بحينه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم الظهر فقام في الركعتين الأوليين ولم يجلس فقام الناس معه فلما قضى الصلاة وانتظر الناس تسليمه كبر وهو جالس فسجد سجدتين قبل أن يسلم ثم سلم، متفق عليه (فصل) فإن علم المأمومون بتركه التشهد الأول قبل قيامهم وبعد قيام الإمام تابعوه في القيام ولم يجلسوا، حكاه الآجري عن أحمد، وهو قول مالك والشافعي وأهل العراق ولا نعلم فيه مخالفاً لأن النبي لما قام حين سها عن التشهد قام الناس معه، وفعله جماعة من الصحابة فروى الإمام أحمد بإسناده عن زياد بن علاثة قال: صلى بنا المغيرة بن شعبة فلما صلى ركعتين قام ولم يجلس فسبح به من خلفه رواه الآجري عن عقبة بن عامر وقال: إني سمعتكم تقولون سبحان الله لكيما أجلس وليست تلك السنة، إنما السنة التي صنعت. فأما إن سبحوا به قبل قيامه ولم يرجع تشهدوا لأنفسهم ولم يتابعوه لأنه ترك واجباً عليه فلم يكن لهم متابعته في تركه، ولو رجع إلى التشهد بعد شروعه في القراءة لم يتابعوه أيضا لأنه أخطأ. فأما الإمام فان فعل ذلك عالما بتحريمه بطلت صلاته لأنه زاد في الصلاة من جنسها عمدا، أو ترك واجبا عمدا، وإن فعله ناسياً أو جاهلاً بالتحريم لم تبطل لأنه زاده سهوا، ومتى علم بتحريم ذلك وهو في التشهد نهض ولم يتم الجلوس

(فصل) فإن ذكر الإمام التشهد قبل انتصابه وقبل قيام المأمومين وشروعهم في القراءة فرجع لزمهم الرجوع لأنه رجع إلى واجب فلزمهم متابعته ولا اعتبار بقيامهم قبله (فصل) وإن نسي التشهد دون الجلوس فالحكم فيه كما لو نسيهما لأن التشهد هو المقصود. فأما إن نسي شيئا من الأذكار الواجبة غير التشهد كتسبيح الركوع والسجود، وقول رب أغفر لي بين السجدتين، وقول رنبا ولك الحمد، فإنه لا يرجع إليه بعد الخروج من محله لأن محل الذكر ركن وقع مجزئا صحيحا فلو رجع إليه لكان زيادة في الصلاة وتكرارا لركن ثم يأتي بالذكر في ركن غير مشروع بخلاف التشهد لكن يمضي ويسجد للسهو كترك التشهد (فصل) فإن قام من السجدة الأولى ولم يجلس جلسة الفصل فهذا قد ترك جلسة الفصل والسجدة الثانية، ومتى ذكر قبل الشروع في القراءة لزمه الرجوع بغير خلاف علمناه، فإذا رجع جلس جلسة الفصل ثم سجد الثانية. وقال بعض الشافعية: لا يحتاج إلى الجلوس لأن الفصل قد حصل بالقيام ولا يصح لأن الجلسة واجبة فلم ينب عنها القيام كما لو قصد ذلك، فأما ان قام بعد أن جلس للفصل فإنه يسجد ولا يلزمه جلوس، وقيل يلزمه ليكون سجود عن جلوس، ولا يصح لأنه قد أتى بالجلسة فلم تبطل بالسهو بعدها كالسجدة الأولى، فإن كان يظن أنه سجد سجدتين وجلس للاستراحة لم يجزئه عن جلسة الفصل لأنها سنة فلا تنوب عن الواجب كما لو ترك سجدة من ركعة ثم سجد للتلاوة

مسألة: وما سوى هذا من سنن الأفعال لا تبطل الصلاة بتركها ولا يشرع السجود لها

فإنها لا تجزئ. عن سجدة الصلاة والله أعلم (فصل) قال الشيخ رحمه الله (وأما الشك فمتى شك في عدد الركعات بني على اليقين، وعنه يبني على غالب ظنه، وظاهر المذهب أن المنفرد يبني على اليقين، والإمام على غالب ظنه) متى شك في عدد الركعات ففيه ثلاث روايات (إحداها) أن يبني على اليقين إماماً كان أو منفردا اختارها أبو بكر. ويروى ذلك عن ابن عمر وابن عباس وابن عمرو، وهو قول ربيعة ومالك والثوري والاوزاعي والشافعي وإسحاق لما روى أبو سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى ثلاثا أم أربعا، فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم فإن كان صلى خمسا شفعن له صلاته، وإن كان صلى تمام الأربع كانتا ترغيما للشيطان " رواه مسلم. وعن عبد الرحمن بن عوف (1) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر زاد أو نقص، فإن كان شك في الواحدة والثنتين فليجعلها واحدة، فإن لم يدر اثنتين صلى أو ثلاثا فيجعلهما اثنتين، فإن لم يدر ثلاثا صلى أو أربعا فيجعلها ثلاثا حتى يكون الشك في الزيادة ثم ليسجد سجدتين وهو جالس قبل أن يسلم ثم يسلم " رواه ابن ماجه والترمذي وقال حديث صحيح ولأن الأصل عدم ما شك فيه فينبني على عدمه كما لو شك في ركوع أو سجود (والثانية) أن يبني على غالب ظنه إماماً كان أو منفردا، نقلها عنه الأثرم، روى ذلك عن علي بن أبي طالب وابن مسعود

_ 1) ذكر الحافظ في التلخيص أن حديث عبد الرحمن معلول وساق رواياته وحقق انه ضعيف

رضي الله عنهما، وهو قول النخعي، وبه قال أصحاب الرأي إذا تكرر ذلك منه، وإن كان أول ما أصابه أعاد لقوله عليه السلام " لا غرار في صلاة ولا تسليم " ووجه هذه الرواية ما روى عبد الله ابن مسعدو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب وليتم عليه ثم يسجد سجدتين " متفق عليه، وللبخاري " بعد التسليم " وفي لفظ " فليتحر أقرب ذلك إلى الصواب " ولأبي داود " إذا كنت في صلاة فشككت في ثلاث وأربع وأكثر ظنك على أربع تشهدت ثم سجدت سجدتين وأنت جالس ". والإمام يبني على غالب ظنه لحديث ابن مسعود جمعاً بين الأحاديث، وهذه المشهورة عن أحمد، اختارها الخرقي. وإنما خصصنا الإمام بالبناء على غالب ظنه لأن له من ينبهه ويذكره إذا أخطأ فيتأكد عنده صواب نفسه، ولأنه إن أصاب أقره المأمومون، وإن أخطأ سبحوا به فرجع إليهم فيحصل له الصواب في الحالين بخلاف المنفرد إذ ليس له من يذكره فيبني على اليقين ليحصل له إتمام صلاته. وما قاله أصحاب الرأي فيخالف السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إن أحدكم إذا قام يصلي جاءه الشيطان فلبس عليه حتى لا يدري كم صلى، فإذا وجد ذلك أحدكم فليسجد سجدتين وهو جالس " متفق عليه، وقوله عليه السلام " لاغرار في صلاة " يعني لا ينقص من صلاته ويحتمل أنه أراد ولا يخرج منها وهو شاك في إتمامها، ومن بني على اليقين لم يخرج وهو شاك، وكذلك

الإمام إذا بنى على غالب ظنه فوافقه المأمومون أو رد عليه فرجع إليهم (مسألة) (فان استوى الأمران عنده بني على اليقين) إماماً كان أو منفردا وأتى بما بقي عليه من صلاته وسجد للسهو لما ذكرنا من الأحاديث ولأن الأصل البناء على اليقين، وإنما جاز تركه في حق الإمام لمعارضة الظن الغالب فيبقى فيما عداه على الأصل (مسألة) (ومن شك في ترك ركن فهو كتركه) إذا شك في ترك ركن من أركان الصلاة وهو فيها فحكمه حكم تركه إماماً كان أو منفردا لأن الأصل عدمه، وإن شك في ترك واجب يوجب تركه السجود ففيه وجهان (أحدهما) لا سجود عليه، قاله ابن حامد لأنه شك في سببه فلم يجب السجود له كما لو شك في الزيادة (والثاني) يسجد له ذكره القاضي لأن الأصل عدمه، والصحيح وجوب السجود إلا على الرواية التي تقول إن هذه سنن فلا يجب والله أعلم. وإن شك في زيادة توجب السجود فلا سجود عليه لأن الأصل عدمها فلا يجب السجود بالشك فيها. ولو شك في عدد الركعات أو في ركن ثم ذكره في الصلاة لم يسجد لأن السجود لزيادة أو نقص أو احتمال ذلك ولم يوجد وإنما يؤثر الشك في الصلاة إذا وجد فيها، فإن شك بعد سلامها لم يلتفت إليه لأن الظاهر أنه أتي بها على الوجه المشروع ولأن ذلك يكثر فيشق الرجوع إليه، وهكذا الشك في سائر العبادات

(مسألة) (وليس على المأموم سجود سهو إلا أن يسهو إمامه فيسجد) وجملته أن المأموم إذا سها دون إمامه لم يلزمه سجود في قول عامة أهل العلم. وحكي عن مكحول أنه قام عند قعود إمامه فسجد ولنا أن معاوية بن الحكم تكلم خلف النبي صلى الله عليه وسلم فلم يأمره بسجود، وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ليس على من خلف الإمام سهو، فإن سها إمامه فعليه وعلى من خلفه " رواه الدارقطني. فأما إذا سها الإمام فعلى المأموم متابعته في السجود سواء سها معه أو تفرد الإمام بالسهو إجماعا، كذلك حكاه إسحاق وابن المنذر، وسواء كان السجود قبل السلام أو بعده لحديث ابن عمر ولقول النبي صلى الله عليه وسلم " إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا سجد فاسجدوا " (فصل) وإذا كان المأموم مسبوقا فسها الإمام فيما لم يدركه فيه فعليه متابعته في السجود سواء كان قبل السلام أو بعده، روي هذا عن عطاء والحسن والنخعي وأصحاب الرأي، وقال ابن سيرين يقضي ثم يسجد، وقال مالك والليث والاوزاعي والشافعي في السجود قبل السلام كقولنا، وقول ابن سيرين فيما بعده، وروي ذلك عن أحمد لأنه فعل خارج الصلاة فلم يتبع الإمام فيه كصلاة أخرى. وعن أحمد رواية أخرى أنه مخير بين متابعة إمامه وتأخير السجود إلى آخر صلاته حكاه ابن أبي موسى ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " فإذا سجد فاسجدوا " وقوله في حديث ابن عمر " فإن سها إمامه فعليه وعلى من خلفه؟ ولأن السجود من تمام الصلاة فيتابعه فيه كالذي قبل السلام وكغير المسبوق، وفارق صلاة أخرى فإنها غير مؤتم به فيها إذا ثبت أنه يتابع إمامه، فإذا قضى ففي إعادة السجود روايتان (إحداهما) يعيده لأنه قد لزمه حكم السهو، وما فعله من السجود مع الإمام كان متابعة له

فلا يسقط به ما لزمه كالتشهد الأخير (والثانية) لا يلزمه السجود لأن سجود إمامه قد كملت به الصلاة في حقهما وحصل به الجبران فلم يحتج إلى سجود ثان كالمأموم إذا سها وحده. وللشافعي قولان كالروايتين، فإن نسي الإمام السجود سجد المسبوق في آخر صلاته رواية واحدة لأنه لم يوجد من الإمام ما يكمل به صلاة المأموم. وكذلك إن لم يسجد مع الإمام وإذا سها المأموم بعد مفارقة إمامه في القضاء سجد رواية واحدة لأنه قد صار منفردا فلم يتحمل عنه الإمام السجود، وكذلك لو سها فسلم مع إمامه قام فأتم وسجد بعد السلام كالمنفرد (مسألة) (فإن لم يسجد الإمام فهل يسجد المأموم؟ على روايتين) يريد غير المسبوق إذا سها إمامه فلم يسجد المأموم فيه روايتان (إحداهما) يسجد اختارها ابن عقيل وقال هي أصح لأن صلاة المأموم نقصت بسهو إمامه ولم تنجبر بسجوده فيلزم المأموم جبرها وهذا مذهب ابن سيرين وقتادة ومالك والليث والشافعي (والثانية) لا يسجد روى ذلك عن عطاء والحسن والقاسم وحماد بن أبي سليمان والثوري وأصحاب الرأي لأن المأموم إنما يسجد تبعا فإذا لم يسجد الإمام لم يوجد المقتضي لسجود المأموم. هذا إذا تركه الإمام لعذر فإن تركه قبل السلام عمدا وكان ممن لا يرى وجوبه فهو كتركه سهوا وإن كان يعتقد وجوبه بطلت صلاته لأنه ترك الواجب عمدا، وهل تبطل صلاة المأموم؟ فيه وجهان (أحدهما) تبطل لبطلان صلاة الإمام كما لو ترك التشهد الأول (والثاني) لا تبطل لأنه لم يبق من الصلاة إلا السلام

(فصل) وإذا قام المأموم لقضاء ما فاته فسجد إمامه بعد السلام وقلنا تجب عليه متابعة إمامه فحكمه حكم القائم عن التشهد الأول وإن لم يستتم قائما لزمه الرجوع وإن استتم قائما لم يرجع وإن رجع جاز وإن شرع في القراءة لم يجز له الرجوع نص عليه أحمد في رواية الأثرم لأنه قام عن الواجب إلى ركن أشبه القيام عن التشهد الأول، وذكر ابن عقيل فيه روايات ثلاث (إحداها) يرجع لأن إمامه نفذ في الأداء ولأنه سجود في الصلاة أشبه سجود صلبها (والثانية) لا يعود لأنه نهض إلى ركن (والثالثة) هو مخير لأن سجود السهو أخذ شبها من سجود صلب الصلاة من حيث إنه سجود وشبها من التشهد الأول لكونه يسقط بالسهو فلذلك جبر، وما ذكرناه أولى (فصل) وليس على المسبوق ببعض الصلاة سجود لذلك في قول أكثر أهل العلم ويروى عن ابن عمر وابن الزبير وأبي سعيد ومجاهد وإسحاق فيمن أدرك وترا من صلاة إمامه سجد للسهو لأنه يجلس للتشهد في غير موضع التشهد ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " وما فاتكم فأتموا " ولم يأمر بسجود وقد فات النبي صلى الله عليه وسلم بعض الصلاة مع عبد الرحمن بن عوف فقضى ولم يكن لذلك سجود، والحديث متفق عليه وقد جلس في غير موضع تشهده، ولأن السجود إنما شرع للسهو ولا سهو ههنا، ولأن متابعة الإمام واجبة فلم يسجد لفعلها كسائر الواجبات

(فصل) قال رحمه الله (وسجود السهو لما يبطل عمده الصلاة واجب في ظاهر المذهب، وعن أحمد أنه غير واجب) قال شيخنا: ولعل مبنى هذه الرواية على أن الواجبات التي شرع السجود لجبرها غير واجبة فيكون جبرها غير واجب. وهذا قول الشافعي وأصحاب الرأي لقول النبي صلى الله عليه وسلم " كانت الركعة والسجدتان نافلة له " ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به في حديث ابن مسعود وأبي سعيد وفعله، وقوله نافلة يعني أن له ثوابا فيه كما سميت الركعة أيضا نافلة وهي واجبة على الشاك بغير خلاف. فأما المشروع لما لم يبطل عمده الصلاة فغير واجب. قال أحمد إنما يجب السجود فيما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم يعني وما كان في معناه ونقيس على زيادة خامسة سائر زيادات الأفعال من جنس الصلاة وعلى ترك التشهد الأول ترك غيره من الواجبات وعلى التسليم من نقصان زيادات الأقوال المبطلة عمدا (مسألة) (ومحله قبل السلام، لا في السلام قبل إتمام صلاته، وفيما إذا بنى الإمام على غالب ظنه، وعنه أن الجميع قبل السلام، وعنه ما كان من زيادة فهو بعد السلام، وما كان من نقص كان قبله) وجملة ذلك أن سجود السهو كله قبل السلام في ظاهر قول أحمد إلا في الموضعين المذكورين وهي إذا سلم عن نقص في صلاته لحديث ذي اليدين وعمران بن حصين (والثاني) إذا بنى الإمام على غالب ظنه لحديث ابن مسعود، نص على ذلك في رواية الأثرم فقال: أنا أقول كل سهو جاء عن

النبي صلى الله عليه وسلم أنه سجد فيه بعد السلام، فإنه يسجد فيه بعد السلام، وسائر السهو يسجد فيه قبل السلام، وهو أصح في المعنى لأنه من شأن الصلاة فيقضيه قبل التسليم كسجود صلبها، وهذا قول سليمان بن داود وابن أبي خيثمة وابن المنذر. قال القاضي: لا يختلف قول أحمد في هذين الموضعين أنه يسجد لهما بعد التسليم، وهذا اختيار الخرقي. والروايتان الأخريان ذكرهما أبو الخطاب (إحداهما) جميع السجود قبل السلام، روى ذلك عن أبي هريرة والزهري والليث والاوزاعي، وهو مذهب الشافعي لحديث ابن بحينة وأبي سعيد. قال الزهري: كان آخر الأمرين السجود قبل السلام، ولأنه تمام للصلاة فكان قبل سلامها كسائر أفعالها (والثانية) ما كان من زيادة كان بعد السلام لحديث ذي اليدين وحديث ابن مسعود حين صلى النبي صلى الله عليه وسلم خمسا، وما كان من نقص كان قبله لحديث ابن بحينة، وهذا مذهب مالك وأبي ثور والمزني، وقال أصحاب الرأي: جميع سجود السهو بعد السلام، وله فعله قبل السلام، روي نحو ذلك عن علي وسعد وابن مسعود وعمار وابن عباس وابن الزبير وأنس والحسن لحديث ذي اليدين وابن مسعود، وروي ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لكل سهو سجدتان بعد التسليم " رواه سعيد عن عبد الله بن جعفر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من شك في صلاته فليسجد سجدتين بعد ما يسلم " رواهما أبو داود ولنا أنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم السجود قبل السلام وبعده في أحاديث صحيحة وفيما ذكرناه عملا بالأحاديث كلها وجمعا بينها وذلك واجب مهما أمكن فإن خبر النبي صلى الله عليه وسلم

حجة يجب المصير إليه، والعمل به، ولا يترك إلا لمعارض مثله أو أقوى منه وليس في سجوده في موضع ما ينفي سجوده في موضع آخر ودعوى نسخ حديث ذي اليدين لا وجه له لان راوييه أبو هريرة وعمران بن حصين وهجرتهما متأخرة وقول الزهري مرسل ثم لا يقتضي نسخا فانه يجوزأن يكون آخر الأمرين سجوده قبل السلام لوقوع السهو آخرا فيما يسجد له قبل السلام، وحديث ثوبان يرويه اسماعيل بن عياش وزهير بن سالم وفي روايته عن أهل الحجاز ضعف وحديث ابن جعفر من رواية مصعب بن شيبة، قال أحمد يروى المناكير، وقال النسائي منكر الحديث وفيه ابن أبي ليلى وهو ضعيف قال الأثرم لا يثبت واحد منهما والله أعلم (مسألة) (وإن نسيه قبل السلام قضاه ما لم يطل الفصل أو يخرج من المسجد وعنه أنه يسجد وإن بعد) متى نسي سجود السهو قبل السلام قضاه بعد السلام ما لم يطل الفصل ما دام في المسجد وإن تكلم، وبه قال مالك والاوزاعي والشافعي وأبو ثور، وقال الحسن وابن سيرين إذا صرف وجهه عن القبلة لم يبن ولم يسجد، وقال أبو حنيفة إن تكلم بعد الصلاة سقط عنه سجود السهو لأنه أتى بما ينافيها أشبه مالو أحدث ولنا ما روى ابن مسعدو أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد بعد السلام والكلام. رواه مسلم، وفي حديث ابن مسعود أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى خمسا فلما انفتل توشوش القوم فيما بينهم ثم سجد بعد انصرافه عن القبلة، ولأنه إذا جاز إتمام الركعتين من الصلاة بعد الكلام والانصراف كما جاء في حديث ذي اليدين

مسألة: ولا يشرع في العمد وهو قول أبي حنيفة

وعمران بن حصين فالسجود أولى (فصل) فأما أن طال الفصل وخرج من المسجد لم يسجد، والمرجع في طول الفصل وقصره إلى العادة، وذكر القاضي: أنه يسجد ما لم يطل الفصل لأن النبي صلى الله عليه وسلم رجع إلى المسجد بعد خروجه منه في حديث عمران بن حصين لإتمام الصلاة والسجود أولى، وهذا قول الشافعي وقال الخرقي: يسجد ما كان في المسجد، فإن خرج لم يسجد، وهو قول الحكم وابن شبرمة، وعنه أنه يسجد وإن خرج، وقد حكاها ابن أبي موسى عن أحمد، وهو أحد قولي الشافعي لأنه جبران فأتى به بعد طول الفصل والخروج كجبرانات الحج، وهذا قول مالك إن كان لزيادة، وإن كان لنقص أتى به ما لم يطل الفصل لانه لتكميل الصلاة. ووجه الأولى أنه لتكميل الصلاة فلا يأتي به بعد طول الفصل كركن من أركانها، وإنما ضبطناه بالمسجد لأنه محل الصلاة فاعتبرت فيه المدة كخيار المجلس (فصل) فإن نسيه حتى شرع في صلاة أخرى سجد بعد فراغه منها في ظاهر كلام الخرقي ما كان في المسجد وعلى قول غيره: إن طال الفصل لم يسجد وإلا سجد (مسألة) (وكيفي لجميع السهو سجدتان إلا أن يختلف محلهما ففيه وجهان) إذا سها سهوين أو أكثر من جنس كفاه سجدتان بغير خلاف علمناه، وإن كان السهو من جنسين فكذلك حكاه ابن المنذر عن أحمد وهو قول أكثر أهل العلم منهم الثوري ومالك والشافعي وأصحاب الرأي وذكر أبو بكر

مسألة: فمتى زاد فعلا من جنس الصلاة قياما أو قعودا أو ركوعا أو سجودا عمدا بطلت الصلاة وإن كان سهوا سجد له

فيه وجهين (احدهما) ما ذكرنا (والثاني) يسجد سجودين، وهو قول الأوزاعي وابن أبي حاتم وعبد العزيز بن أبي سلمة إذا كان أحدهما قبل السلام، والآخر بعده لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لكل سهو سجدتان " رواه أبو داود وابن ماجة، وهذان سهوان، ولأن كل سهو يقتضي سجودا وإنما يتداخلان في الجنس الواحد. ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا سها أحدكم فليسجد سجدتين " وهذا يتناول السهو في موضعين، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم سها وتكلم بعد سلامه فسجد لهما سجودا واحدا، ولأنه شرع للجبر فكفى فيه سجود واحد كما لو كان من جنس واحد، وحديثهم في إسناده مقال. ثم إن المراد به لكل سهو في صلاة، والسهو وإن كثر داخل في لفظ السهو لأنه اسم جنس فيكون التقدير لكل صلاة فيها سهو سجدتان يدل على ذلك أنه قال " لكل سهو سجدتان بعد السلام " كذا رواية أبي داود، ولا يلزمه بعد السلام سجودان (فصل) ومعنى اختلاف محلهما أن يكون أحدهما قبل السلام والآخر بعده لاختلاف سببهما وأحكامهما. وقال بعض أصحابنا: هو أن يكون أحدهما من نقص والآخر من زيادة، قال شيخنا: والأول أولى إن شاء الله تعالى، فإذا قلنا يسجد لهما سجودا واحدا سجد قبل السلام لأنه أسبق وآكد، ولأن الذي قبل السلام قد وجد سببه ولم يوجد قبله ما يوجب منع وجوبه ولا يقوم مقامه

مسألة: وإن علم فيها جلس في الحال فتشهد إن لم يكن تشهد وسجد وسلم

فلزمه الإتيان به، وإذا سجد له سقط الثاني لإغناء الأول عنه (فصل) ولو أحرم منفردا فصلى ركعة ثم نوى متابعة الإمام وقلنا بجواز ذلك فسها فيما انفرد فيه وسها إمامه فيما تابعه فيه فإن صلاته تنتهي قبل صلاة إمامه، فعلى قولنا هما من جنس واحد إن كان محلهما واحدا، وعلى قول من فسر الجنسين بالزيادة والنقص يحتمل كونهما من جنسين، وهكذا لو صلى من الرباعية ركعة ودخل مع مسافر فنوى متابعته فلما سلم إمامه قام ليتم ما عليه فقد حصل مأموما في وسط صلاته منفردا في طرفيها، فإذا سها في الوسط والطرفين جميعا فعلى قولنا إن كان محل سجودهما واحدا فهي جنس واحد، وإن اختلف محل السجود فهي جنسان. وقال بعض أصحابنا: هي جنسان. ولأصحاب الشافعي فيها وجهان كهذين. ووجه ثالث: أنه يسجد ست سجدات لكل سهو سجدتان

مسألة: وإن سبح به اثنان لزمه الرجوع

(مسألة) (ومتى سجد بعد السلام جلس فتشهد ثم سلم) وجملة ذلك أنه متى سجد للسهو كبر للسجود والرفع منه سواء كان قبل السلام أو بعده، فإن كان قبل السلام سلم عقيبه، وإن كان بعده تشهد وسلم سواء كان محله بعد السلام أو كان قبله فنسيه إلى ما بعده وبهذا قال ابن مسعود والنخعي وقتادة والحكم والثوري والاوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي في التشهد والتسليم، وقال أنس والحسن وعطاء ليس فيهما تشهد ولا تسليم. وقال ابن سيرين وابن المنذر: فيهما تسليم بغير تشهد، وعن عطاء: إن شاء تشهد وإن شاء ترك ولنا على التكبير قول ابن بحينة: فلما قضى الصلاة سجد سجدتين كبر في كل سجدة وهو جالس قبل أن يسلم. وقول أبي هريرة: ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه فكبر. وأما التسليم فقد ذكره عمران بن حصين في حديثه الذي رواه مسلم قال فيه: سجد سجدتي السهو ثم سلم

مسألة: فإن لم يرجع بطلت صلاته وصلاة من اتبعه عالما، وإن فارقه أو كان جاهلا لم تبطل

وفي حديث ابن مسعود: ثم سجد سجدتين ثم سلم وأما التشهد فروي عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم فسها، فسجد سجدتين، ثم تشهد، ثم سلم رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن ولأنه سجود له تسليم فكان له تشهد كسجود صلب الصلاة. ويحتمل أن لا يجب التشهد لأن ظاهر الحديثين الأولين أنه سلم من غير تشهد وهما أصح من هذه الرواية ولأنه سجود مفرد أشبه سجود التلاوة (فصل) وإذا نسي سجود السهو حتى طال الفصل لم تبطل صلاته، وهو قول الشافعي وأصحاب الرأي. وعن أحمد أن خرج من المسجد أعاد الصلاة، وهو قول الحكم وابن شبرمة وقول مالك وابي ثور في السجود قبل السلام ووجه الأول أنه جابر للعبادة بعدها فلم تبطل بتركه كجبرانات الحج (مسألة) (وإن ترك السجود الواجب قبل السلام عمدا بطلت صلاته) لأنه ترك واجبا في الصلاة

مسألة: والعمل المستكثر في العادة من غير جنس الصلاة يبطلها وسهوه ولا تبطل باليسير ولا يشرع له سجود

عمدا، وإن ترك المشروع بعد السلام لم تبطل لأنه جبر للعبادة خارجا عنها فلم تبطل بتركه كجبرانات الحج وسواء كان محله بعد السلام أو كان قبله فنسيه فصار بعده. وقد نقل عن أحمد ما يدل على بطلان الصلاة. ونقل عنه التوقف فإنه قال فيمن نسي سجود السهو: إن كان في سهو خفيف فارجو أن لا يكون عليه. قال الأثرم: قلت لأبي عبد الله فإن كان فيما سها فيه النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال هاه ولم يجب فبلغني عنه أنه يستحب أن يعيد، فإذا كان هذا في السهو ففي العمد أولى وهذا ظاهر المذهب (فصل) ويقول في سجود السهو ما يقول في سجود صلب الصلاة قياساً عليه والله أعلم (باب صلاة التطوع) (مسألة) قال (وهي أفضل تطوع البدن) لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة " رواه ابن ماجه. ولأن فرضها آكد الفروض فتطوعها آكد التطوع

مسألة: وإن أكل أو شرب عمدا بطلت صلاته قل أو كثر وإن كان سهوا لم تبطل إذا كان يسيرا

(مسألة) (وآكدها صلاة الكسوف والاستسقاء) لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعلها وأمر بصلاة الكسوف في حديث ابن مسعود، فذكر الحديث إلى أن قال " فصلوا وادعوا حتى يكشف ما بكم " متفق عليه وفي حديث عائشة من رواية أبي داود، أمر بمنبر فوضع له ووعد الناس يوما يخرجون فيه أي في الاستسقاء، وهذا يدل على الاعتناء بها والمحافظة عليها (مسألة) قال (ثم الوتر وليس بواجب، ووقته ما بين صلاة العشاء وطلوع الفجر، وأقله ركعة وأكثره إحدى عشرة ركعة، يسلم من كل ركعتين ويوتر بركعة) الوتر سنة مؤكدة في المنصوص عنه قال أحمد: من ترك الوتر فهو رجل سوء، ولا ينبغي أن تقبل له شهادة، أراد بذلك المبالغة في تأكده ولم يرد الوجوب فإنه قد صرح في رواية حنبل فقال: الوتر ليس بمنزلة الفرض، فإن شاء قضى الوتر وان شاء لم يقضه. وذلك لان البني صلى الله عليه وسلم كان يداوم عليه حضرا وسفرا، وروى أبو

مسألة: وإن أتى بقول مشروع في غير موضعه كالقراءة في السجود والقعود والتشهد في القيام وقراءة السورة في الأخريين لم تبطل صلاته بعمده

أيوب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " الوتر حق فمن أحب أن يوتر بخمس فليفعل ومن أحب أن يوتر بثلاث فليفعل، ومن أحب أن يوتر بواحدة فيلفعل " رواه أبو داود (فصل) واختلف أصحابنا في الوتر وركعتي الفجر فقال القاضي: ركعتا الفجر آكد لاختصاصها بعدد لا يزيد ولا ينقص، وقال غيره: الوتر آكد وهو أصح لأنه مختلف في وجوبه وفيه من الأخبار ما لم يأت مثله في ركعتي الفجر، لكن ركعتي الفجر تليه في التأكد (فصل) وليس الوتر واجبا، وبهذا قال مالك والشافعي، وذهب أبو بكر الى وجوبه وهو قول أبي حنيفة لما ذكرنا من حديث أبي أيوب ولقول النبي صلى الله عليه وسلم " فإذا خفت الصبح فأوتر بواحدة " وعن بريدة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " الوتر حق فمن لم يوتر فليس منا " رواه الإمام أحمد، وعن خارجة بن حذافة قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات غداة فقال " إن الله أمدكم بصلاة فهي خير لكم من حمر النعم وهي الوتر فجعلها

لكم فيما بين العشاء إلى طلوع الفجر " رواه الإمام أحمد وأبو داود، وعن أبي بصرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إن الله زادكم صلاة فصلوها مابين العشاء إلى صلاة الصبح " رواه الأثرم ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي حين سأله ما فرض الله عليه من الصلاة في اليوم والليلة قال " خمس صلوات " قال هل علي غيرها؟ قال " لا أن تطوع " فقال الأعرابي: والذي بعثك بالحق لا أزيد عليها ولا أنقص منها فقال " أفلح الرجل إن صدق " حديث صحيح، وروي أن رجلا من كنانة يدعى المخدجي سمع رجلا من أهل الشام يدعى أبا محمد يقول: إن الوتر واجب قال: فرحت إلى عبادة بن الصامت فأخبرته فقال عبادة: كذب أبو محمد، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " خمس صلوات كتبهن الله تعالى على العباد فمن جاء بهن لم يضيع من حقهن

شيئا استخفافا بحقهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة، ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه، وإن شاء أدخله الجنة " رواه مسلم. وعن علي رضي الله عنه قال: الوتر ليس بحتم، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوتر ثم قال " يا أهل القرآن أوتروا فإن الله يحب الوتر " رواه أحمد، ولأنه يجوز فعله على الراحلة من غير ضرورة فلم يكن واجباً كالسنن، فروى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر على بعيره متفق عليه. وفي لفظ: كان يسبح على الراحلة قبل أي وجة توجه ويوتر عليها غير أنه لا يصلى عليها المكتوبة، رواه مسلم، وأحاديثهم قد تكلم فيها، ثم إن المراد بها تأكده وفضيلته وذلك حق وزيادة الصلاة يجوز أن تكون سنة. والتوعد للمبالغة كقوله " من أكل من هاتين الشجرتين فلا يقربن مسجدنا " والله أعلم (فصل) ووقته ما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر كذلك ذكره شيخنا في كتاب المغني وذكر

مسألة: وإن تكلم لمصلحتها ففيه ثلاث روايات إحداها لا تبطل والثانية تبطل والثالثة تبطل صلاة المأموم دون الإمام اختارها الخرقي

في الكافي أنه إلى صلاة الصبح لقول النبي صلى اله عليه وسلم " أن الله زادكم صلاة فصلوها ما بين العشاء إلى صلاة الصبح " رواه الإمام أحمد في المسند. ووجه الأول ما روي عن معاذ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " زادني ربي صلاة وهي الوتر ووقتهاما بين العشاء إلى طلوع الفجر " (1) رواه الإمام أحمد: فإن أوتر قبل العشاء لم يصح وتره، وهو قول مالك والشافعي ويعقوب ومحمد. وقال الثوري وأبو حنيفة: إن صلاه قبل العشاء ناسيا لم يعد والأول أولى لما ذكرنا من الحديثين، ولأنه صلاة قبل الوقت أشبه مالو صلاه نهارا، وإن أخره حتى طلع الصبح احتمل أن يكون أداء لحديث أبي نصرة، وهو قول علي وابن مسعود رضي الله عنهما. قال شيخنا: والصحيح إن يكون قضاء لحديث معاذ ولقول النبي صلى الله عليه وسلم " فإذا خشي أحدكم الصبح يصلي ركعة فأوترت له ما قد صلى " وقال " واجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا " متفق عليه وقال " أوتروا قبل أن تصبحوا " رواه مسلم

_ 1) قد يقال المراد بصلاة الصبح فيما قبله فهو بمعنى طلوع الفجر فالروايتان بمعنى واحد وهو الذي يتفق مع سائر الاحاديث فيه

مسألة: وإن تكلم في صلب الصلاة بطلت وعنه لا تبطل إذا كان ساهيا أو جاهلا ويسجد له

(فصل) والأفضل فعله في آخر الليل لقول عائشة، من كل الليل قد أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم فانتهى وتره إلى السحر، متفق عليه. وقال النبي صلى الله عليه وسلم " من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر من أوله، ومن طمع أن يقوم آخر فليوتر آخر الليل، فإن صلاة آخر الليل مشهودة وذلك أفضل " رواه مسلم. وهذا صريح فإذا كان له تهجد جعل الوتر بعده لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك وقال " اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا " رواه مسلم. فأما إن خاف أن لا يقوم آخر الليل استحب أن يوتر من أوله لما ذكرنا من الحديث، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى به أبا هريرة وأبا ذر وأبا الدرداء وكلها أحاديث صحاح. وروى أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر " متى توتر؟ " قال: أوتر من أول الليل، وقال لعمر " متى توتر؟ " قال: آخر الليل، فقال لأبي بكر " أخذ هذا بالحزم، وهذا بالقوة " وأي وقت أوتر من الليل بعد العشاء أجزأه بغير

خلاف. وقد دلت عليه الأخبار (فصل) ومن أوتر أول الليل ثم قام للتهجد صلى مثنى مثنى ولم ينقض وتره، روى ذلك عن أبي بكر الصديق وعمر وسعد بن أبي وقاص وابن عباس وأبي هريرة وعائشة، وبه قال طاوس والنخعي ومالك والاوزاعي وأبو ثور، قيل لاحمد: ولا ترى نقض الوتر؟ فقال " لا ثم قال وإن ذهب إليه ذاهب فأرجو، قد فعله جماعة. روي عن عمر وعلي وأسامة وأبي هريرة وابن مسعود وعثمان وسعيد وابن عمر رضي الله عنهم، وبه قال إسحاق، ومعناه إذا قام للتهجد يصلي ركعة شفع الوتر الأول ثم يصلي مثنى مثنى ثم يوتر في آخر التهجد: ولعلهم ذهبوا إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم " اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا " ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " لا وتران في ليلة " رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح

(فصل) وأقله ركعة لما ذكرنا من حديث أبي أيوب ولما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشيت الصبح فأوتر بواحدة " وروى ابن عمر وابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " الوتر ركعة من آخر الليل " رواهما مسلم، وأكثره إحدى عشرة ركعة يسلم من كل ركعتين ويوتر بركعة لما روت عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالليل إحدى عشر ركعة يوتر منها بواحدة، رواه مسلم وفي لفظ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء إلى الفجر إحدى عشرة ركعة يسلم من كل ركعتين ويوتر بواحدة وذكر القاضي في المجردانه إن صلى إحدى عشرة ركعة وما شاء منهن بسلام واحد أجزأه والأولى الأقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم (مسألة) (وإن أوتر بتسع سرد ثمانيا وجلس ولم يسلم ثم صلى التاسعة وتشهد وسلم، وكذلك

السبع وإن أوتر بخمس لم يجلس إلا في آخرهن) وجملته أنه يجوز أن يوتر بواحدة وثلاث وخمس وسبع وتسع وإحدى عشرة وقد ذكرنا دليل الواحد والإحدى عشرة وسنذكر الثلاث إن شاء الله تعالى. قال الثوري واسحاق: الوتر ثلاث وخمس وسبع وتسع وإحدى عشرة، وقال ابن عباس إنما هي واحدة أو خمس أو سبع أو أكثر من ذلك يوتر بما شاء. فظاهر قوله أنه لا بأس أن يوتر بأكثر من إحدى عشرة ويدل عليه ما روى عبد الله بن قيس قال: قلت لعائشة بكم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر؟ قالت كان يوتر بأربع وثلاث، وست وثلاث، وثمان وثلاث، وعشر وثلاث، ولم يكن يوتر بأقل من سبع ولا بأكثر من ثلاث عشرة. رواه أبو داود، وهذا صريح في أنه يزيد على إحدى عشرة (فصل) فإن أوتر بتسع سرد ثمانيا ثم جلس فتشهد ولم يسلم ثم صلى التاسعة وتشهد وسلم ونحو هذا قال إسحاق، وذلك لما روى سعد بن هشام قال: قلت يعني لعائشة يا أم المؤمنين أنبئيني عن وتر

رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: كنا نعد له سواكه وطهوره فيبعثه الله ما شاء أن يبعثه فيتسوك ويتوضأ ويصلي تسع ركعات لا يجلس فيها إلا في الثامنة، فيذكر الله ويحمده ويدعوه ثم ينهض ولا يسلم، ثم يقوم فيصلي التاسعة ثم يقعد فيذكر الله ويحمده ويدعوه ثم يسلم تسليما يسمعنا، ثم يصلي ركعتين بعد ما يسلم وهو قاعد فتلك إحدى عشرة ركعة يا بني فلما أسن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذه اللحم أوتر بسبع وصنع في الركعتين مثل صنيعه في الأول، قال فانطلقت إلى ابن عباس فحدثته بحديثها فقال: صدقت رواه مسلم. وحكم السبع حكم التسع لأن في حديث عائشة من رواية أبي داود أوتر بسبع لم يجلس إلا في السادسة والسابعة ولم يسلم إلا في السابعة. وقال القاضي: لا يجلس في السبع إلا في آخرها كالخمس لما روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فتوضأ ثم صلى سبعا أو خمسا أوتر بهن لم يسلم إلا في آخرهن، رواه مسلم وأبو داود، وليس في هذا الحديث تصريح بأنه لم يجلس عقيب السادسة،

مسألة: وإن قهقه أو نفخ أو انتحب فبان حرفان فهو كالكلام إلا ما كان من خشية الله تعالى وقال أصحابنا في النحنحة مثل ذلك، وقد روي عن أبي عبد الله أنه كان يتنحنح في الصلاة ولا يراها مبطلة للصلاة

وحديث عائشة حجة عليه. وإن أوتر بخمس لم يجلس إلا في آخرهن، روى ذلك عن زيد بن ثابت لما روى عروة عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة يوتر من ذلك بخمس لا يجلس في شئ منها إلا في آخرها، متفق عليه (مسألة) (وأدنى الكمال ثلاث ركعات بتسليمتين) كذلك ذكره أبو الخطاب، وممن روي عنه أنه أوتر بثلاث عمر وعلي وأبي وأنس وابن مسعود وابن عباس وأبو أمامة وعمر بن عبد العزيز وبه قال أصحاب الرأي، وقد دل على ذلك حديث أبي أيوب. وقال أبو موسى: ثلاث أحب إلي من واحدة، وخمس أحب إلي من ثلاث، وسبع أحب إلي من خمس، وتسع أحب إلي من سبع إذا ثبت ذلك فاختيار أبي عبد الله أن يفصل بن الواحدة والثنتين بالتسليم قال: وإن أوتر بثلاث لم يسلم فيهن لم يضيق عليه عندي. وممن كان يسلم من كل ركعتين ابن عمر حتى يأمر ببعض حاجته

وهو مذهب معاذ القارئ ومالك والشافعي واسحاق، وقال الأوزاعي: إن فصل فحسن، وإن لم يفصل فحسن. وقال أبو حنيفة: لا يفصل بسلام، واستدل بقول عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بأربع وثلاث، وست وثلاث، وثمان وثلاث، وقولها كان يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثا. وظاهر هذا أنه كان يصلي الثلاث بتسليم واحد ولنا ما روت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء إلى الفجر إحدى عشرة ركعة يسلم بين كل ركعتين ويوتر بواحدة، رواه مسلم. وعن نافع عن ابن عمر أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوتر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " افصل بين الواحدة والثنتين بالتسليم " رواه الأثرم، وعن ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفصل بين الشفع والوتر بتسليمة يسمعناها، رواه

الإمام أحمد وهذا نص، فأما حديث عائشة فليس فيه تصريح بأنها بتسليم واحد. فإن صلى خلف إمام يصلي الثلاث بتسليم تابعه لئلا يخالف إمامه وهو قول مالك والله أعلم (مسألة) قال (يقرأ في الأولى بسبح، وفي الثانية بقل يا أيها الكافرون، وفي الثالثة بقل هو الله أحد) يستحب أن يقرأ في ركعات الوتر الثلاث بذلك، وبه قال الثوري واسحاق وأصحاب الرأي، وقال الشافعي: يقرأ في الثالثة قل هو الله أحد والمعوذتين، وروي نحوه عن أحمد وهو قول مالك في الوتر وقال في الشفع: لم يبلغني فيه شئ معلوم لما روت عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الركعة الاولى بسبح اسم ربك الأعلى، وفي الثانية قل يا أيها الكافرون، وفي الثالثة قل هو الله أحد والمعوذتين، رواه ابن ماجه.

ولنا ما روى أبي بن كعب قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يوتر بسبح اسم ربك الأعلى، وقل يا أيها الكافرون، وقل هو الله أحد، رواه أبو داود وابن ماجة. وحديث عائشة في هذا لا يثبت يرويه يحيى بن أيوب وهو ضعيف، وقد أنكر أحمد ويحيى زيادة المعوذتين (مسألة) قال (ثم يقنت فيها بعد الركوع) القنوت مسنون في الركعة الأخيرة من الوتر في جميع السنة في المنصور عند أصحابنا وهو قول ابن مسعود وابراهيم واسحاق وأصحاب الرأي، وعنه لا يقنت في إلا في النصف الأخير من رمضان، روى ذلك عن علي وأبي وهو قول مالك والشافعي اختاره الأثرم لما روي أن عمر جمع الناس على أبي بن كعب فكان يصلي بهم عشرين ولا يقنت إلا في النصف الثاني، رواه أبو داود. وهذا كالإجماع. وقال قتادة: يقنت في السنة كلها إلا في النصف الأول من رمضان لهذا الخبر. والرواية الأولى هي المشهورة قال أحمد في رواية المروذي: كنت

أذهب إلى أنه في النصف من شهر رمضان ثم إني قنت هو دعاء وخير وذلك لما روى أبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوتر فيقنت قبل الركوع. وحديث على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في آخر وتره " اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك " الحديث، وكان للدوام، وفعل أبي يدل على أنه رآه، ونحن لا ننكر الاختلاف في هذا، ولأنه وتر فيشرع فيه القنوت كالنصف الأخير (فصل) ويقنت بعد الركوع نص عليه أحمد، وروي نحو ذلك من أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم، وبه قال الشافعي. وقد قال أحمد: أنا أذهب إلى أنه بعد الركوع، وإن قنت قبله فلا بأس ونحوه قال أيوب السختياني لما روى حميد قال: سئل أنس عن القنوت في صلاة الصبح فقال: كنا نقنت قبل الركوع وبعده، رواه ابن ماجه. وقال مالك وأبو حنيفة: قبل الركوع، روى ذلك عن أبي وابن مسعود وأبي موسى والبراء وابن عباس وأنس وعمر بن عبد العزيز، لأن في حديث

أبي ويقنت قبل الركوع. وعن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت قبل الركوع ولنا ما روى أبو هريرة وأنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت قبل الركوع، رواه مسلم. وحديث ابن مسعود يرويه أبان بن أبي عياش وهو متروك الحديث. وحديث أبي قد تكلم فيه أيضا وقبل: ذكر القنوت فيه غير صحيح والله أعلم (فصل) ويستحب أن يقول في قنوت الوتر ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فروى الحسن بن علي قل: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في الوتر " اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت " رواه أبو داود والترمذي وقال هذا حديث حسن، ولا نعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت

مسألة: وإن نسي أربع سجدات من أربع ركعات وذكر وهو في التشهد سجد سجدة فصحت له ركعة ويأتي بثلاث وعنه تبطل صلاته

شيئا أحسن من هذا. وعن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في آخر وتره " اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك " رواه الطيالسي. وعن عمر رضي الله عنه أنه قنت في صلاة الفجر فقال: بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم إنا نستعينك ونستهديك ونستغفرك، ونؤمن بك، ونتوكل عليك، ونثني عليك الخير كله، ونشكرك ولا نكفرك، بسم الله الرحمن الرحيم " اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونجفد، نرجوا رحمتك ونخشى عذابك، إن عذابك الجد بالكفار ملحق. اللهم عذب كفرة أهل الكتاب الذين يصدون عن سبيلك، اللهم عذب كفرة أهل الكتاب. وهاتان سورتان في مصحف أبي، وقال ابن سيرين: كتبهما أبي في مصحفه يعني إلى قوله بالكفار ملحق - نحفد نبادر وأصل الحفد مداركة الخطو والإسراع، والجد بكسر الجيم الحق لا اللعب، وملحق

بكسر الحاء لاحق. هكذا روي هذا الحرف يقال لحقت القوم وألحقتهم بمعنى واحد، ومن فتح الحاء أراد أن الله يحلقه إياه وهو معنى صحيح غير أن الرواية هي الأولى قال الخلال: سألت ثعلبا عن محلق وملحق فقال: العرب تقولهما معا (فصل) إذا أخذ الإمام في القنوت أمن من خلفه لا نعلم فيه خلافاً قال القاضي: وإن دعا معه فلا بأس فإن لم يسمع قنوت الإمام دعا نص عليه. ويرفع يديه في حال القنوت قال الأثرم: كان أبو عبد الله يرفع يديه في القنوت إلى صدره يروي ذلك عن ابن مسعود وعمر وابن عباس وهو قول إسحاق وأصحاب الرأي، وأنكره الاوزاعي ومالك ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا دعوت الله فادع ببطون كفيك ولا تدع بظهورها، فإذا فرغت فامسح بهما وجهك " رواه أبو داود وابن ماجه. وروى السائب بن يزيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم

مسألة: وإن نسي التشهد الأول ونهض لزمه الرجوع ما لم ينتصب قائما فإن استتم قائما لم يرجع وإن رجع جاز وإن شرع في القراءة لم يجز له الرجوع وعليه السجود لذلك كله

كان إذا دعا رفع يديه ومسح وجهه بيديه. رواه أبو داود (مسألة) وهل يمسح وجهه بيديه؟ على روايتين (إحداهما) يمسح، وهو قول الحسن وهو الصحيح لما ذكرنا من الحديثين (والثانية) لا يستحب لأنه دعاء في الصلاة فلم يمسح وجهه فيه كسائر دعائها (مسألة) (ولا يقنت في غير الوتر) وبه قال الثوري وأبو حنيفة، وروي ذلك عن ابن عباس وابن عمر وابن مسعود وأبي يالدرداء. وقال مالك والشافعي: يسن القنوت في صلاة الصبح في جميع الزمان لان أنساً قال: ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا. من المسند ولإن عمر كان يقنت في الصبح بمحضر من الصحابة وغيرهم ولنا ما روى مسلم في صحيحه عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت شهرا يذعو على حي من أحياة العرب ثم تركه، وروى ابو هريرة وابن مسعود نحوه مرفوعا. وعن أبي مالك الأشجعي

قال: قلت لأبي يا أبة إنك قد صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي ههنا بالكوفة نحو خمس سنين أكانوا يقنتون في الفجر؟ قال أي نبي محدث، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح ورواه أحمد وابن ماجه والنسائي والعمل عليه عند أكثر أهل العلم، وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يقنت في صلاة الفجر إلا إذا دعا لقوم أو دعا على قوم رواه سعيد، وروى سعيد أيضاً عن هشيم عن عروة الهمداني عن الشعبي قال: لما قنت علي في صلاة الصبح أنكر ذلك لناس فقال علي: أنا إنما استنصرنا على عدونا. هذا وحديث أنس يحتمل أنه أراد طول القيام فانه سمى قنوتا. ويحتمل أنه كان يقنت إذا دعا لقوم أو دعا على قوم ليكون موافقاً لما ذكرنا من الحديثين قنوت عمر يحمل على أنه كان في أوقات النوازل فإن أكثر الروايات عنه أنه لم يكن يقنت، وعن سعيد بن جبير قال أشهد أني سمعت ابن عباس يقول أن القنوت في صلاة الفجر بدعة رواه الدارقطني

(مسألة) قال (ألا إن ينزل بالمسلمين نازلة فللإمام خاصة القنوت في صلاة الفجر) متى نزل بالمسلمين نازلة فللإمام أن يقنت في صلاة الصبح في المنصوص عن أحمد في رواية الأثرم، وقال أبو داود: سمعت أحمد سئل عن القنوت في الفجر فقال لو قنت أياما معلومة ثم ترك كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وبه قال الثوري وأبو حنيفة لما ذكرنا من الحديث، وفعل علي حين قال إنما استنصرنا على عدونا. هذا ولا يقنت آحاد الناس وعنه يقنت رواها القاضي عن أحمد. والمشهور في رءوس المسائل الأول. ويقول في قنوته نحوا مما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه. وقد روي عن عمر أنه كان يقول في القنوت اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، وألف بين قلوبهم، وأصلح دات بينهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم، اللهم العن كفرة أهل الكتاب الذين يكذبون رسلك، ويقاتلون أولياءك، اللهم خالف بين كلمتهم، وزلزل أقدامهم وأنزل بهم بأسك الذي لا يرد

عن القوم المجرمين، بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم إنا نستعينك " رواه أبو داود (فصل) ولا يقنت في غير الفجر والوتر، وقيل يقنت في صلوات الجهر كلها قياسا على الفجر وقال أبو الخطاب: يقنت في الفجر والمغرب لأنهما صلاتهما جهر في طرفي النهار، وعنه يقنت في جميع الصلوات، وهو مذهب الشافعي. والأول أولى لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه إلا في الفجر والوتر (فصل) قال أحمد: الأحاديث التي جاءت أن النبي صلى الله عليه وسلم وسلم أوتر بركعة كان قبلها صلاة متقدمة. قيل له: أوتر في السفر بواحدة قال: يصلي قبلها ركعتين. فقيل له رجل تنفل بعد عشاء الآخرة ثم تعشى ثم أراد أن يوتر يعجبك أن يركع ركعتين ثم يوتر؟ قال: نعم. وسئل عمن

صلى من الليل ثم نام ولم يوتر فلا يعجبني أن يركع ركعتين ثم يسلم ثم يوتر. وسئل عن رجل أصبح ولم يوتر قال: لا يوتر بركعة إلا أن يخاف طلوع الشمس. قيل له: فإذا لحق مع الإمام ركعة الوتر؟ قال: إن كان الإمام يفصل بينهن بسلام أجزأته الركعة وإلا تبعه ويقضي ما مضى مثل ما صلى فإذا فرغ قام يقضي ولا يقنت. قيل لأبي عبد الله: رجل قام يتطوع ثم بدا له فجعل تلك الركعة وترا قال لا كيف يكون هذا قد قلب نيته؟ قيل له: أيبتدئ الوتر؟ قال نعم. قال أبو عبد الله: إذا قنت قبل الركوع كبر ثم أخذ في القنوت، وقد روي عن عمر أنه كان إذا فرغ من القراءة كبر ثم قنت ثم كبر حين يركع. وروي ذلك عن علي وابن مسعود والبراء وهو قول الثوري ولا نعلم فيه مخالفا (فصل) وإذا فرغ من وتره استحب أن يقول: سبحان الله الملك القدوس - ثلاثا - ويمد بها صوته في الثالثة لما روى عبد الرحمن بن أبزى قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يوتر (بسبح اسم ربك

مسألة: فإن استوى الأمران عنده بنى على اليقين

الاعلى، وقل يا أيها الكافرون، وقل هو الله أحد) وإذا أراد أن ينصرف من الوتر قال " سبحان الملك القدوس " ثلاث مرات ثم يرفع صوته بها في الثالثة رواه الإمام أحمد (مسألة) قال (ثم السنن الراتبة، وهي عشر ركعات، ركعتان قبل الظهر وركعتان بعدها وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل الفجر، وهما آكد، قال أبو الخطاب: وأربع قبل العصر) السنن الرواتب مع الفرائض عشر ركعات كما ذكر، وقال الشافعي: قبل الظهر أربعا لما روى عبد الله بن شقيق قال: سألت عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: كان يصلي في بيته قبل الظهر أربعا، ثم يخرج فيصلي بالناس، ثم يدخل فيصلي ركعتين، رواه مسلم قال أبو الخطاب: وأربع قبل العصر لما روى ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " رحم الله أمرأ صلى قبل العصر أربعا " رواه أبو داود. وعن علي رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم

مسألة: وليس على المأموم سجود سهو إلا أن يسهو إمامه فيسجد

يصلي قبل العصر أربع ركعات يفصل بينهن بالتسليم على الملائكة المقربين ومن سمعه من المسلمين والمؤمنين رواه الإمام أحمد والترمذي وقال حديث حسن ولنا ما روى ابن عمر قال: حفظت عن النبي صلى الله عليه وسلم عشر ركعات، ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب في بيته، وركعتين بعد العشاء في بيته، وركعتين قبل الصبح. وكانت ساعة لا يدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فيها حدثتني حفصة أنه كان إذا أذن المؤذن وطلع الفجر صلى ركعتين متفق عليه، وروى الترمذي مثل ذلك عن عائشة مرفوعا وقال هو حديث صحيح وقول النبي صلى الله عليه وسلم " رحم الله امرأ صلى قبل العصر أربعا " ترغيب فيها ولم يجعلها من السنن الرواتب بدليل أن ابن عمر لم يحفظها من النبي صلى الله عليه وسلم. وحديث عائشة قد اختلف فيه فروي عنها مثل رواية ابن عمر

مسألة: فإن لم يسجد الإمام فهل يسجد المأموم؟ على روايتين

(فصل) وآكدها ركعتا الفجر لقول عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن على شئ من النوافل أشد معاهدة منه على ركعتين قبل الصبح، متفق عليه وقال " ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها " رواه مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم " صلوهما ولو طردتكم الخيل " رواه أبو داود، ويستحب تخفيفهما فإن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتي الفجر فيخفف حتى إني لأقول هل قرأ فيهما بأم الكتاب متفق عليه. ويستحب أن يقرأ فيهما وفي ركعتي المغرب (قل يا أيها الكافرون، وقل هو الله أحد) لما روى ابن مسعود قال: ما أحصي ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الركعتين بعد المغرب وفي الركعتين قبل الفجر (بقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد) رواه الترمذي وابن ماجة. وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في الركعتين قبل الفجر (بقل يا أيها الكافرون، وقل هو الله أحد) قال الترمذي هو حديث حسن. وعن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في

ركعتي الفجر (قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا) الآية التي في البقرة، وفي الآخرة منهما (آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون) رواه مسلم (فصل) ويستحب أن يضطجع بعد ركعتي الفجر على جنبه الأيمن، وكان أبو موسى ورافع بن خديج وأنس يفعلونه، وأنكره ابن مسعود، واختلف فيه عن ابن عمر ولنا ما روت عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى ركعتي الفجر اضطجع على شقه الأيمن متفق عليه، واللفظ للبخاري. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا صلى أحدكم الركعتين قبل الصلاة الصبح فليضطجع على جنبه الأيمن " رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح غريب. وروى عن أحمد أنه ليس بسنة لأن ابن مسعود أنكره، واتباع النبي صلى الله عليه وسلم أولى. ويستحب فعل الركعتين قبل الفجر والركعتين

مسألة: ومحله قبل السلام لا في السلام قبل إتمام صلاته وفيما إذا بنى الإمام على غالب ظنه، وعنه أن الجميع قبل السلام وعنه ما كان من زيادة فهو بعد السلام وما كان من نقص كان قبله

بعد المغرب وبعد العشاء في بيته لما ذكرنا من حديث ابن عمر قال أبو داود: ما رأيت أحمد ركعهما يعني ركعتي الفجر في المسجد قط إنما كان يخرج فيقعد في المسجد حتى تقام الصلاة، قال الأثرم سمعت أبا عبد الله يسئل عن الركعتين بعد الظهر أين يصليان؟ قال: في المسجد ثم قال: أما الركعتان قبل الفجر ففي بيته، وبعد المغرب ففي بيته، ثم قال ليس ههنا شئ آكد من الركعتين بعد المغرب يعني فعلهما في بيت. قيل له: فإن كان منزل الرجل بعيدا؟ قال: لا أدري وذلك لما روى سعد ابن إسحاق عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاهم في مسجد بني عبد الأشهل فصلى المغرب فرآهم يتطوعون بعدها فقال " هذه صلاة البيوت " رواه أبو داود، وعن رافع بن خديج قال: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بني عبد الأشهل فصلى بنا المغرب في مسجدنا ثم قال " اركعوا هاتين الركعتين في بيوتكم " رواه ابن ماجه

(فصل) وكل سنة قبل الصلاة فوقتها من دخول وقتها إلى فعل الصلاة، وكل سنة بعدها فوقتها من فعل الصلاة إلى خروج وقتها والله أعلم (مسألة) (ومن فاته شئ من هذه السنن سن له قضاؤه) وهذا اختيار ابن حامد لأن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بعضها فروي عنه عليه السلام أنه قضى ركعتي الفجر مع الفجر حين نام عنها وقضى الركعتين اللتين قبل الظهر بعد العصر وقسنا الباقي عليه. وروى أبو سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من نام عن الوتر أو نسيه فليصله إذا أصبح أو ذكر " رواه أبو داود والترمذي من رواية عبد الرحمن بن زيد بن أسلم. قال أحمد: أحب أن يكون للرجل شئ من النوافل يحافظ عليه إذا فات قضاه. وقال بعض أصحابنا: لا يقضي إلا ركعتا الفجر إلى وقت الضحى وركعتا الظهر فإن أحمد قال: ما أعرف وترا بعد الفجر، وركعتا الفجر تقضي إلى وقت الضحى.

مسألة: وإن نسيه قبل السلام قضاه ما لم يطل الفصل أو يخرج من المسجد وعنه أنه يسجد وإن بعد

وقال مالك: يقضي إلى وقت الزوال ولا يقضي بعده. وقال النخعي وسعيد بن جبير والحسن: إذا طلعت الشمس فلا وتر. والصحيح الأول لما ذكرنا من النص والمعنى (فصل) ويستحب المحافظة على أربع قبل الظهر وأربع بعدها لما روت ام حبيبة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " من حافظ على أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعدها حرمه الله على النار " قال الترمذي حديث صحيح، وروى أبو أيوب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " أربع قبل الظهر ليس فيهن تسليم تفتح لهن أبواب السماء " رواه أبو داود. وعلى أربع قبل العصر لما ذكرنا وعن علي رضي الله عنه في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأربعا قبل الظهر إذا زالت الشمس وركعتين بعدها، وأربعا قبل العصر يفصل بين كل ركعتين بالسلام على الملائكة المقربين والنبيين ومن تبعهم من المسلمين، رواه ابن ماجه، وعلى ست بعد المغرب لما روى أبو هريرة قال قال

مسألة: ويكفي لجميع السهو سجدتان إلا أن يختلف محلهما ففيه وجهان

رسول الله صلى الله عليه وسلم " من صلى بعد المغرب ست ركعات لم يتكلم بينهن بسوء عدلن له بعبادة ثنتي عشرة سنة " رواه الترمذي وقال لا نعرفه إلا من حديث عمرو بن أبي خثعم وضعفه البخاري. وعلى أربع بعد العشاء، قالت عائشة: ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء قط إلا صلى أربع ركعات أو ست ركعات، رواه أبو داود (فصل) واختلف في أربع ركعات منهما ركعتان قبل المغرب بعد الأذان، والظاهر عن أحمد جوازهما وعدم استحبابهما، قال الأثرم: قلت لأبي عبد الله الركعتان قبل المغرب؟ قال: ما فعلته قط إلا مرة واحدة حين سمعت الحديث، وقال فيهما أحاديث جياد أو قال صحاح عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين إلا أنه قال لمن شاء، فمن شاء صلى، وقال هذا شئ ينكره الناس وضحك كالمتعجب وقال هذا عندهم عظيم. ووجه جوازهما ما روى أنس قال: كنا نصلي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم

ركعتين بعد غروب الشمس قبل صلاة المغرب، قال المختار بن فلفل: فقلت له أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاهما؟ قال: كان يرانا نصليهما فلم يأمرنا ولم ينهنا، متفق عليه. وقال أنس: كنا بالمدينة إذا أذن لصلاة المغرب ابتدروا السواري فصلوا ركعتين حتى إن الرجل الغريب ليدخل المسجد فيحسب أن الصلاة قد صليت من كثرة من يصليها. رواه مسلم، وعن عبد الله المزني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " صلوا قبل المغرب ركعتين " ثم قال " صلوا قبل المغرب ركعتين لمن شاء " خشية أن يتخذها الناس سنة، متفق عليه (الثاني) الركعتان بعد الوتر وظاهر كلام أحمد أنه لا يستحب فعلهما مع الجواز. قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله يسئل عن الركعتين بعد الوتر فقال: أرجو أن فعله إنسان أن لا يضيق عليه ولكن تكون وهو جالس كما جاء الحديث قلت تفعله أنت؟ قال لا ما أفعله. وعدهما أبو الحسن الآمدي من السنن الراتية. قال شيخنا: والصحيح أنهما ليستا بسنة لأن أكثر من وصف تهجد النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكرهما منهم ابن عباس

وزيد بن خالد وعائشة فيما رواه عنها عروة وعبد الله بن شقيق والقاسم واختلف فيه عن أبي سلمة وأكثر الصحابة ومن بعدهم من أهل العلم على تركهما. ووجه قول من قال بالاستحباب ما روى سعد بن هشام عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل تسع ركعات ثم يسلم تسليما يسمعنا ثم يصلي ركعتين بعد ما يسلم وهو قاعد فتلك إحدى عشرة ركعة، وقال أبو سلمة سألت عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: كان يصلي ثلاث عشرة ركعة يصلي ثماني ركعات ثم يوتر ثم يصلي ركعتين وهو جالس فإذا أراد أن يركع قام فركع ثم يصلي ركعتين بين النداء والإقامة من صلاة الصبح. رواهما مسلم وروى ذلك أبو أمامة أيضا (فصل) في صلوات معينة سوى ما ذكرنا (منها) صلاة التراويح، والضحى، وسجود التلاوة

مسألة: ومتى سجد بعد السلام جلس فتشهد ثم سلم

والشكر، وسيأتي ذكرها إن شاء الله (ومنها تحية المسجد) فيستحب لمن دخل المسجد أن يصلي ركعتين قبل جلوسه لما روى أبو قتادة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين " متفق عليه. فإن جلس قبل الصلاة سن له أن يقوم فيصلي لما روى جابر قال: جاء سليك الغطفاني ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فجلس فقال " يا سليك قم فاركع ركعتين وتجوز فيهما " رواهما مسلم (فصل) ويستحب أن يتطوع مثل تطوع النبي صلى الله عليه وسلم فإن علياً رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى الفجر تمهل حتى إذا كانت الشمس من ههنا يعني من قبل المشرق مقدارها من صلاة العصر من ههنا يعني من قبل المغرب قام فصلى ركعتين ثم تمهل حتى إذا كانت الشمس من ههنا يعني من قبل المشرق مقدارها من صلاة الظهر قام فصلى أربعا، وأربعا قبل

مسألة: وإن ترك السجود الواجب قبل السلام عمدا بطلت صلاته

الظهر إذا زالت الشمس، وركعتين بعدها، وأربعا قبل العصر يفصل بين كل ركعتين بالسلام على الملائكة المقربين والنبيين ومن تبعهم من المسلمين، فتلك ست عشرة ركعة تطوع النبي صلى الله عليه وسلم بالنهار، وقل من يداوم عليها، من المسند (فصل) ومنها صلاة الاستخارة فروى جابر بن عبد الله قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن يقول " إذا هم أحدكم بالأمر فيلركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري - أو قال - في عاجل أمري وآجله، فيسره لي ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الامر شر لي في ديني ومعيشتي وعاقبة أمري - أو قال - في

مسألة: وآكدها صلاة الكسوف والاستسقاء

عاجل أمري وآجله فاصرفه عني واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان ورضني به، ويسمي حاجته " أخرجه البخاري، ورواه الترمذي وفيه " ثم رضني به " (فصل) ومنها صلاة الحاجة. عن عبد الله بن أبي أوفى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من كانت له إلى الله حاجة أو إلى أحد من بني آدم فليتوضأ وليحسن الوضوء ثم ليصل ركعتين ثم ليثن على الله تعالى، وليصل على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ليقل لا إله إلا الله الحليم الكريم، لا إله إلا الله العلي العظيم، سبحان رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين، أسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والغنيمة من كل بر، والسلامة من كل إثم، لا تدع لي ذنبا إلا غفرته، ولا هما إلا فرجته، ولا حاجة هي لك رضى إلا قضيتها يا أرحم الراحمين " رواه ابن ماجه والترمذي وقال حديث غريب (فصل) في صلاة التوبة عن علي رضي الله عنه قال: حدثني أبو بكر وصدق أبو بكر قال:

مسألة: ثم الوتر وليس بواجب ووقته ما بين صلاة العشاء وطلوع الفجر وأقله ركعة وأكثره إحدى عشرة ركعة يسلم من كل ركعتين ويوتر بركعة

سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " ما من رجل يذنب ذنبا ثم يقوم فيتطهر ثم يصلي ركعتين ثم يستغفر الله إلا غفر له " ثم قرأ (والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم) إلى آخرها إلا انه رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن غريب وفي إسناده قال لأنه من رواية أبي الورقاء وهو يضعف في الحديث (فصل) فأما صلاة التسبيح فإن أحمد قال ما يعجبني قيل له لم؟ قال ليس فيها شئ يصح ونفض يده كالمنكر ولم يرها مستحبة. قال شيخنا: وإن فعلها إنسان فلا بأس فإن النوافل والفضائل لا يشترط صحة الحديث فيها، وقد رأى غير واحد من أهل العلم صلاة التسبيح منهم ابن المبارك، وذكروا الفضل فيها. ووجهها ما روى أبو داود والترمذي عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للعباس ابن عبد المطلب " يا عباس يا عماه ألا أعطيك ألا أمنحك ألا أحبوك ألا أفعل بك عشر خصال إذا أنت فعلت ذلك غفر الله لك ذنبك أوله وآخره، قديمه وحديثه، خطأه وعمده، صغيره وكبيره سره

وعلانيته، أن تصلي أربع ركعات تقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وسورة فإذا فرغت من القراءة في أول ركعة وأنت قائم قلت سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، خمس عشرة مرة ثم تركع فتقولها وأنت راكع عشرا، ثم ترفع رأسك من الركوع فتقولها عشرا، ثم تهوي ساجدا فتقولها عشرا، ثم ترفع رأسك من السجود فتقولها عشرا، ثم تسجد فتقولها عشرا، ثم ترفع رأسك من السجود فتقولها عشرا، فذلك خمس وسبعون في كل ركعة، تفعل ذلك في الأربع ركعات، إن استطعت أن تصليها في كل يوم مرة فافعل، فإن لم تفعل ففي كل جمعة مرة، فإن لم تفعل ففي كل شهر مرة، فإن لم تفعل ففي كل سنة مرة، فإن لم تفعل ففي عمرك مرة " رواه ابن خزيمة في صحيحه والطبراني في معجمه وفي آخره " فلو كانت ذنوبك مثل زبد البحر ورمل عالج غفر الله لك " (فصل) ويستحب لمن توضأ أن يصلي ركعتين عقيب الوضوء إذا كان في غير أوقات النهي

لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال عند صلاة الفجر " يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام فإني سمعت دق نعليك بين يدي في الجنة " فقال: ما عملت عملا أرجى عندي فإني لم أتطهر طهورا في ساعة من ليل أو نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلي، متفق عليه، واللفظ للبخاري، وعن بريدة قال: أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا بلالا فقال " يا بلال بم سبقتني إلى الجنة؟ ما دخلت الجنة قط إلا سمعت خشخشتك أمامي إني دخلت البارحة الجنة فسمعت خشخشتك " وذكر الحديث وفيه قال: وقال لبلال " بم سبقتني إلى الجنة؟ " قال: ما أحدثت إلا توضأت وصليت ركعتين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " بهذا " ورواه الإمام أحمد وهذا لفظه والترمذي وقال حديث حسن صحيح غريب (فصل) وقد وصف عبد الله بن المبارك صلاة التسبيح فذكر أنه يقول قبل القراءة وبعد الاستفتاح

خمس عشرة مرة سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ثم يقولها بعد القراءة عشرا، ويقولها في الركوع عشرا، وفي الرفع منه عشرا، وفي السجود عشرا، وفي الرفع منه عشرا، وفي السجدة الثانية عشرا، فتلك خمس وسبعون تسبيحة في كل ركعة، قال أبو وهب: وأخبرني عبد العزيز هو ابن أبي رزمة عن عبد الله قال: يبدأ في الركوع بسبحان ربي العظيم، وفي السجود بسبحان ربي الأعلى ثلاثا، ثم يسبح التسبيحات وعن أبي رزمة قال: قلت لعبد الله بن المبارك إن سها فيها أيسبح في سجدتي السهو عشرا عشرا؟ قالا لا إنما هي ثلاثمائة تسبيحة رواه الترمذي (مسألة) (ثم التراويح وهي عشرون ركعة يقوم بها في رمضان في جماعة ويوتر بعدها في الجماعة) التراويح سنة مؤكدة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو هريرة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمرهم فيه بعزيمة فيقول " من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر

له ما تقدم من ذنبه " وعن عائشة: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ذات ليلة فصلى بصلاته ناس ثم صلى في القابلة وكثر الناس ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أصبح قال " قد رأيت الذي صنعتم فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم " وذلك في رمضان. رواه مسلم، وعن أبي ذر قال: صمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رمضان فلم يقم بنا شيئا من الشهر حتى بقي سبع فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل، فلما كانت السادسة فلم يقم بنا فلما كانت الخامسة قام بنا حتى ذهب شطر الليل فقلت يا رسول الله لو نفلتنا قيام هذه الليلة، قال فقال " ان الرجل اذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حسب له قيام ليلة " قال فلما كانت الرابعة لم يقم، فلما كانت الثالثة جمع أهله ونساءه والناس فقام بنا حتى خشينا أن يفوتنا

الفلاح قال قلت وما الفلاح؟ قال السحور ثم لم يقم بقية الشهر. رواه الإمام أحمد وأبو داود واللفظ له وابن ماجه والنسائي والترمذي وقال حديث حسن صحيح. وعن أبي هريرة قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا الناس يصلون في ناحية المسجد فقال " ما هؤلاء؟ " فقيل هؤلاء أناس ليس معهم قرآن وأبي بن كعب يصلي بهم، وهم يصلون بصلاته فقال " أصابوا ونعم ما صنعوا " رواه أبو داود وقال: يرويه مسلم بن خالد وهو ضعيف، حتى كان زمن عمر رضي الله عنه فجمع الناس على أبي بن كعب. فروى عبد الرحمن بن عبد القادر قال: خرجت مع عمر ليلة في رمضان فإذا الناس متفرقون يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط فقال عمر: إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل، ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب قال: ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم فقال: نعمت البدعة هذه والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون يريد آخر الليل. وكان الناس يقومون أوله، أخرجه البخاري

(فصل) وعددها عشرون ركعة وبه قال الثوري وابو حنيفة والشافعي، وقال مالك: ست وثلاثون، وزعم أنه الأمر القديم وتعلق بفعل أهل المدينة، فإن صالحا مولى التوأمة قال: أدركت الناس يقومون بإحدى وأربعين ركعة يوترون منها بخمس ولنا أن عمر رضي الله عنه لما جمع الناس على أبي بن كعب كان يصلي بهم عشرون ركعة. وروى السائب بن يزيد نحوه، وروى مالك عن يزيد بن رومان قال: كان الناس يقومون في زمن عمر بن الخطاب في رمضان بثلاث وعشرين ركعة، وعن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي رضي الله عنه أنه أمر رجلا يصلي بهم في رمضان عشرين ركعة، وهذا كالإجماع، وأما ما روى صالح فإن صالحا ضعيف، ثم لا يدري من الناس الذين أخبر عنهم وليس ذلك بحجة، ثم لو ثبت أن أهل المدينة كلهم فعلوه لكان ما فعله عمر وعلي وأجمع عليه الصحابة في عصرهم أولى بالاتباع. قال بعض أهل العلم

إنما فعل هذا أهل المدينة لأنهم أرادوا مساواة أهل مكة، فإن أهل مكة يطوفون سبعا بين كل ترويحتين فجعل أهل المدينة مكان كل سبع أربع ركعات واتباع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق وأولى (فصل) والأفضل فعلها في الجماعة نص عليه في رواية يوسف بن موسى ويوتر بعدها في الجماعة لما ذكرنا من حديث يزيد بن رومان. قال أحمد: كان جابر وعلي وعبد الله يصلونها في الجماعة، وبهذا قال المزني وابن عبد الحكم وجماعة من الحنفية. وقال مالك والشافعي: قيام رمضان لمن قوي في البيت أحب إلينا لما روى زيد بن ثابت قال: احتجر رسول الله صلى الله عليه وسلم حجيرة بخصفة أو حصير فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فيها قال: فتتبع إليه رجال وجاءوا يصلون بصلاته، ثم جاءوا ليلة فحضروا وأبطأ رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم فلم يخرج إليهم فرفعوا أصواتهم وحصبوا الباب فخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مغضبا فقال لهم " ما زال بكم صنيعكم حتى ظننت أنه سيكتب

مسألة: وإن أوتر بتسع ثمانيا وجلس ولم يسلم ثم صلى التاسعة وتشهد وسلم وكذلك السبع وإن أوتر بخمس لم يجلس إلا في آخرهن

عليكم فعليكم الصلاة في بيوتكم، فإن خير صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة " رواه مسلم ولنا إجماع الصحابة على ذلك، وجمع النبي صلى الله عليه وسلم أهله وأصحابه في حديث أبي ذر وقوله " ان الرجل اذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حسب له قيام ليلة " وهذا خاص في قيام رمضان فيقدم على عموم ما احتجوا به وقول النبي صلى الله عليه وسلم لهم ذلك معلل بخشية فرضه عليهم ولهذا ترك القيام بهم معللا بذلك أو خشية أن يتخدها الناس فرضا، وقد أمن هذا بعده (فصل) قال أحمد: يقرأ بالقوم في شهر رمضان ما يخف عليهم ولا يشق لا سيما في الليالي القصار وقال القاضي: لا يستحب النقصان من ختمة في الشهر ليسمع الناس جميع القرآن، ولا يزيد على ختمة كراهية المشقة على من خلفه، قال الشيخ رحمه الله والتقدير بحال الناس أولى، فإنه لو اتفق جماعة يرضون بالتطويل ويختارونه كان أفضل كما جاء في حديث أبي ذر قال فقمنا مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح - يعني السجور. وعن السائب بن يزيد قال: كانوا يقومون على

عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه في شهر رمضان بعشرين ركعة وكانوا يقومون بالمائتين، وكانوا يتوكؤن على عصيهم في عهد عثمان رضي الله عنه من شدة القيام، رواه البيهقي. وعن أبي عثمان النهدي قال: دعا عمر بن الخطاب بثلاثة قراء فاستقرأهم فأمر أسرعهم قراءة أن يقرأ للناس بثلاثين آية وأوسطهم أن يقرأ خمسا وعشرين آية، وأمر أبطأهم أن يقرأ عشرين آية، رواه البيهقي، وكان السلف يستعجلون خدمهم بالطعام مخافة طلوع الفجر (فصل) فإن كان له تهجد جعل الوتر بعده لقول النبي صلى الله عليه وسلم " واجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا " (مسألة) (فإن أحب متابعة الإمام فأوتر معه قام إذا سلم الامام فشفعها بأخرى) قال أبو داود: سمعت أحمد يقول: يعجبني أن يصلي مع الإمام ويوتر معه لقول النبي صلى الله عليه وسلم " ان الرجل اذا قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له بقية ليلته " قال وكان أحمد يقوم مع الناس ويوتر معهم

مسألة: وأدنى الكمال ثلاث ركعات بتسليمتين

وأخبرني الذي كان يؤمه في شهر رمضان أنه كان يصلي معهم التراويح كلها والوتر قال: وينتظرني بعد ذلك حتى أقوم ثم يقوم كأنه يذهب إلى حديث أبي ذر. وإذا أوتر مع الإمام شفعها بأخرى إذا سلم إمامه لقوله عليه السلام " لا وتران في ليلة " ويؤخر وتره إلى آخر الليل للحديث المذكور. قال أبو داود: وسئل أحمد عن قوم صلوا في رمضان خمس تراويح لم يتروحوا بينها قال، لا بأس. وسئل عمن أدرك من ترويحة ركعتين يصلي إليها ركعتين فلم ير ذلك، وقيل لاحمد: يؤخر القيام يعني في التراويح إلى آخر الليل؟ لا سنة المسلمين أحب إلي (فصل) ويجعل ختم القرآن في التراويح، نص عليه في رواية الفضل بن زياد قال: حتى يكون لنا دعاء بين اثنين قلت: كيف أصنع قال: إذا فرغت من آخر القرآن فارفع يديك قبل أن تركع

وادع بنا ونحن في الصلاة وأطل القيام. قلت بم أدعو؟ قال: بما شئت، قال حنبل: وسمعت أحمد يقول في ختم القرآن: إذا فرغت من قراءة قل أعوذ برب الناس فارفع يديك في الدعاء قبل الركوع قلت إلى أي شئ تذهب في هذا؟ قال: رأيت أهل مكة وسفيان بن عيينة يفعلونه، قال العباس بن عبد العظيم: أدركت الناس بالبصرة يفعلونه وبمكة، ويروي أهل المدينة في هذا شيئاً وذكر عن عثمان بن عفان (فصل) واختلف أصحابنا في قيام ليلة الثلاثين من شعبان في الغيم، فحكي عن القاضي قال: جرت هذه المسألة في وقت شيخنا أبي عبد الله بن حامد فصلى وصلاها القاضي أبو يعلى لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إن الله فرض عليكم صيامه، وسننت لكم قيامه " فجعل القيام مع الصيام، وذهب أبو حفص العكبري إلى ترك القيام وقال: المعول في الصيام على حديث ابن عمر وفعل الصحابة والتابعين ولم ينقل عنهم قيام تلك الليلة، واختاره الميموني لأن الأصل بقاء شعبان وإنما صرنا إلى الصوم

مسألة: يقرأ في الأولى بسبح وفي الثانية بقل يا أيها الكافرون وفي الثالثة بقل هو الله أحد

احتياطا للواجب والصلاة غير واجبة فتبقى على الأصل (فصل) وسئل أبو عبد الله إذا قرأ (قل أعوذ برب الناس) يقرأ من البقرة شيئاً؟ قال: لا ولم يستحب أن يصل ختمته بقراءة شئ، ولعله لم يثبت فيه عنده أثر صحيح. وسئل عن الإمام في شهر رمضان يدع الآيات من السورة ترى لمن خلفه أن يقرأها؟ قال نعم قد كان بمكة يوكلون رجلا يكتب ما ترك الإمام من الحروف وغيرها، فإذا كان ليلة الختمة أعاده، وإنما استحب ذلك لتكمل الختمة ويعظم الثواب. (مسألة) (ويكره التطوع بين التراويح، وفي التعقيب روايتان وهو أن يتطوع بعد التراويح والوتر في جماعة) يكره التطوع بين التراويح نص عليه أحمد وقال: فيه عن ثلاثة من أصحاب، رسول الله صلى الله عليه وسلم عبادة وأبو الدرداء وعقبة بن عامر، وذكر لأبي عبد الله رخصة فيه عن بعض

مسألة: ثم يقنت فيها بعد الركوع

الصحابة فقال: هذا باطل إنما فيه عن الحسن وسعيد بن جبير، وقال أحمد يتطوع بعد المكتوبة ولا يتطوع بين التراويح، وروى الأثرم عن أبي الدرداء أنه أبصر قوما يصلون بين التراويح فقال: ما هذه الصلاة؟ أتصلي وإمامك بين يديك ليس منا من رغب عنا، وقال من قلة فقه الرجل أنه يرى أنه في المسجد وليس في صلاة (فصل) فأما التعقيب أو صلاة التراويح في جماعة أخرى فعنه الكراهة نقلها عنه محمد بن الحكم إلا أنه قول قديم، قال أبو بكر وإذا أخر الصلاة إلى نصف الليل أو آخره لم يكره رواية واحدة وإنما الخلاف فيما إذا رجعوا قبل الإمام، وعنه لا بأس به، نقلها عنه الجماعة وهو الصحيح لقول أنس رضي الله عنه ما يرجعون إلا بخير يرجونه، أو لشر يحذرونه، وكان لا يرى به بأسا، ولأنه خير وطاعة فلم يكره كما لو أخره إلى آخر الليل

(فصل) ويستحب أن يجمع أهله عند ختم القرآن وغيرهم لحضور الدعاء، وكان أنس إذا ختم القرآن جمع أهله وولده، وروي ذلك عن ابن مسعود وغيره، ورواه ابن شاهين مرفوعا، واستحسن أبو عبد الله التكبير عند آخر كل سورة من سورة الضحى إلى آخر القرآن، لأنه يروي عن أبي بن كعب أنه قرأ على النبي صلى الله عليه وسلم فأمره بذلك، رواه القاضي باسناده في الجامع. ولا بأس بقراءة القرآن في الطريق ولا وهو مضطجع، قال اسحاق بن إبراهيم خرجت مع أبي عبد الله إلى الجامع فسمعته يقرأ سورة الكهف، وعن إبراهيم التيمي قال كنت أقرأ على أبي موسى وهو يمشي في الطريق فإذا قرأت السجدة قلت له أسجد في الطريق؟ قال نعم، وعن عائشة أنها قالت: إني لأقرأ القرآن وأنا مضطجعة على سريري، رواه الفيرباني في فضائل القرآن (فصل) ويستحب ختم القرآن في كل سبعة أيام، قال عبد الله بن أحمد كان أبي يختم القرآن

في النهار في كل سبع يقرأ كل يوم سبعا لا يكاد يتركه نظرا وذلك لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعبد الله بن عمرو " اقرأ القرآن في كل سبع ولا تزيدن على ذلك " رواه أبو داود وعن أوس بن حذيفة قال: قلنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقد أبطأت عنا الليلة قال " إنه طرأ على حزبي من القرآن فكرهت أن أجئ حتى أختمه " قال أوس: سألت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف تحزبون القرآن؟ قالوا: ثلاثة وخمسة وسبعة وتسعة وأحد عشر وثلاثة عشر وحزب المفصل وحده، رواه أبو داود، ورواه الإمام أحمد وفيه حزب المفصل من ق حتى يختم، رواه الطبراني فسألنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحزب القرآن؟ فقالوا: كان يحزبه ثلاثا وخسما وذكره وإن قرأه في ثلاث فحسن لأنه روي عن عبد الله بن عمرو قال: قلت لرسول صلى الله عليه وسلم إن لي قوة قال " اقرأه في ثلاث " رواه أبو داود فإن قرأه في أقل من ثلاث فعنه يكره ذلك لما روى عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله

صلى الله عليه وسلم " لا يفقه من قرأه في أقل من ثلاث " رواه أبو داود وعنه أن ذلك غير مقدر بل هو على حسب ما يجد من النشاط والقوة لأن عثمان كان يختمه في ليلة، وروي ذلك عن جماعة من السلف. والأفضل الترتيل لقول الله تعالى (ورتل القرآن ترتيلا) وعن عائشة أنها قالت: لا أعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ القرآن كله في ليلة رواه مسلم وعنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يختم القرآن في أقل من ثلاث، رواه أبو عبيد في فضائل القران، وقال ابن مسعود فيمن قرأ القرآن في أقل من ثلاث فهذ كهذ الشعر ونثر كنثر الدقل. ويكره أن يؤخر ختمه أكثر من أربعين يوما لأن عبد الله بن عمرو سأل النبي صلى الله عليه وسلم في كم يختم القرآن؟ قال " في أربعين يوما - ثم قال - في شهر - ثم قال - في عشرين - ثم قال - في خمس عشرة - ثم قال - في عشر - ثم قال - في سبع " لم ينزل من سبع أخرجه أبو داود وقال أحمد أكثر ما سمعت أن يختم القرآن في أربعين ولأن تأخيره أكثر من هذا يفضي إلى نسيانه والتهاون به وهذا إذا لم يكن عذر فأما مع العذر فذلك واسع

(فصل) قال أبو داود: قلت لأحمد قال ابن المبارك: إذا كان الشتاء فاختم القرآن في أول الليل، وإذا كان الصيف فاختمه في أول النهار فكأنه أعجبه لما روى طلحة بن مصرف قال: أدركت أهل الخير من صدر هذه الأمة يستحبون الختم في أول الليل وأول النهار يقولون: إذا ختم في أول النهار صلت عليه الملائكة حتى يمسي، وإذا ختم في أول الليل صلت عليه الملائكة حتى يصبح. وقال بعض العلماء: يستحب أن يجعل ختمة النهار في ركعتي الفجر أو بعدهما، وختمة الليل في ركعتي المغرب أو بعدهما (فصل) وكره أحمد قراءة القرآن بالالحان وقال: هي بدعة لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر في أشراط الساعة " أن يتخذ القرآن مزامير يقدمون أحدهم ليس بأقرئهم ولا أفضلهم إلا ليغنيهم غناء " ولأن معجزة القرآن في لفظه ونظمه والألحان تغيره. قال شيخنا: وكلام أحمد في هذا محمول

مسألة: وهل يمسح وجهه بيديه؟ على روايتين

على الإفراط في ذلك بحيث يجعل الحركات حروفا، ويمد في غير موضعه. أما تحسين القرآن والترجيع فلا يكره فإن عبد الله بن المغفل قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة يقرأ سورة الفتح قال: فقرأ ابن مغفل ورجع في قراءته. وفي لفظ قال: قرأ النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح في مسير له سورة الفتح على راحلته فرجع في قراءته قال معاوية بن قرة: لولا إني أخاف أن يجتمع علي الناس لحكيت لكم قراءته. رواهما مسلم، وفي لفظ أأأ، وروى أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما أذن الله لشيء كإذنه لنبي يتغنى بالقرآن يجهر به " رواه مسلم، وقال " زينوا القرآن بأصواتكم " وقال " ليس منا من لم يتغن بالقرآن " رواه البخاري، قال أبو عبيد وجماعة: يتغنى بالقرآن يستغني به، وقالت طائفة معناه يحسن قراءته ويترنم به ويرفع صوته به كما قال أبو موسى للنبي صلى الله عليه وسلم لو علمت أنك تستمع قراءتي لحبرته لك تحبيراً، وقال

الشافعي يرفع صوته به. وقال أبو عبيد: يقرأ بحزن مثل صوت أبي موسى: وعلى كل حال فتحسين الصوت بالقرآن وتطريبه مستحب ما لم يخرج بذلك إلى تغيير لفظه أو زيادة حروف فيه لما ذكرنا من الأحاديث. وروي عن عائشة أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: كنت أسمع قراءة رجل في المسجد لم نسمع قراءة أحسن من قراءته، فقام النبي صلى الله عليه وسلم فاستمع ثم قال " هذا سالم مولى أبي حذيفة الحمد لله الذي جعل في أمتي مثل هذا " (مسألة) (وصلاة الليل أفضل من صلاة النهار) قد ذكرنا النوافل المعينة - فأما النوافل المطلقة فتستحب في جميع الأوقات إلا في أوقات النهي لما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى: وتطوع الليل أفضل من تطوع النهار. قال أحمد: ليس بعد المكتوبة عندي أفضل من قيام الليل وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك بقوله تعالى (ومن الليل فتهجد به نافلة لك) وكان

مسألة: إلا أن ينزل بالمسلمين نازلة فللإمام خاصة القنوت في صلاة الفجر

قيام الليل مفروضا بقوله تعالى (يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا) ثم نسخ بآخر السورة. وعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أفضل الصلاة بعد الفريضة قيام الليل " رواه مسلم والترمذي وقال هذا حديث حسن. وأفضلها وسط الليل (فصل) والنصف الأخير أفضل من الأول لما روى عمرو بن عنبسة قال قلت يا رسول الله أي الليل أسمع؟ قال " جوف الليل الآخر فصل ما شئت " رواه أبو داود. وقال النبي صلى الله عليه وسلم " أفضل الصلاة صلاة داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه " وفي حديث ابن عباس في صفة تهجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نام حتى انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل ثم استيقظ - فوصف تهجده قال - ثم أوتر ثم اضطجع حتى جاءه المؤذن. وعن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام أول الليل ويحيي آخره: ثم إن كان له حاجة إلى أهله قضى

حاجته ثم ينام، فإذا كان عند النداء الأول وثب فأفاض عليه الماء، وإن لم يكن له حاجة توضأ. وقالت ما ألفى رسول الله صلى الله عليه وسلم من السحر الأعلى في بيتي إلا نائما، متفق عليهن. ولأن آخر الليل ينزل فيه الرب عزوجل إلى السماء الدينا، فروى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ينزل ربنا تبارك وتعالى إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول من يدعوني فأستجيب له؟ ومن يسألني فأعطيه؟ ومن يستغفرني فأغفر له؟ " قال أبو عبد الله: إذا أغفى يعني بعد التهجد فإنه لا يبين عليه السهر، فإذا لم يغف بين عليه (فصل) ويستحب أن يقول عند انتباهه ما روى عبادة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من تعار من الليل فقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير، الحمد لله وسبحان الله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال اللهم

غفر لي، أو دعا استجيب له، فإن توضأ وصلى قبلت صلاته " رواه البخاري. وعن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام يتهجد من الليل قال " اللهم لك الحمد أنت نور السموات والأرض ومن فيهن ولك الحمد، أنت قيام السموات والأرض ومن فيهن ولك الحمد، أنت ملك السموات والأرض ومن فيهن ولك الحمد، أنت الحق، ووعدك الحق، وقولك الحق، ولقاؤك حق والجنة حق، والنار حق، والساعة حق، والنبيون حق، ومحمد صلى الله عليه وسلم حق، اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت، أنت المقدم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بالله " متفق عليه. وفي مسلم " أنت رب السموات والأرض ومن فيهن - وفيه - أنت إلهي لا إله إلا أنت " وعن عائشة قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل افتتح صلاته قال " اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة،

مسألة: ثم السنن الراتبة وهي عشرة ركعات ركعتان قبل الظهر وركعتان بعدها وركعتان بعد المغرب وركعتان بعد العشاء وركعتان قبل الفجر وهما آكد قال أبو الخطاب وأربع قبل العصر

أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم " رواه مسلم (فصل) ويستحب أن يتسوك لما روى حذيفة قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك، متفق عليه. وعن عائشة قالت: كنا نعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم سواكه وطهوره فيبعثه الله ما شاء أن يبعثه فيتسوك ويتوضأ ويصلي، أخرجه مسلم. ويستحب أن يفتتح تهجده بركعتين خفيفتين لما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا قام أحدكم من الليل فليفتتح صلاته بركعتين خفيفتين " وعن زيد بن خالد أنه قال: لأرمقن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم الليلة فصلى ركعتين خفيفتين، ثم صلى ركعتين طويلتين طويلتين طويلتين، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما،

ثم أوتر فذلك ثلاث عشرة ركعة، قال ابن عباس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة. أخرجهما مسلم، وقد اختلف في عدد الركعات في تهجد النبي صلى الله عليه وسلم ففي هذين الحديثين أنه ثلاث عشرة ركعة، وقالت عائشة ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثا. وفي لفظ قالت: كانت صلاته في رمضان وغيره بالليل ثلاث عشرة ركعة منها الوتر وركعتا الفجر، وفي لفظ كان يصلي ما بين صلاة العشاء إلى الفجر إحدى عشرة ركعة، يسلم بين كل ركعتين ويوتر بواحدة متفق عليه. فلعلها لم تعد الركعتين الخفيفتين اللتين ذكرهما غيرها، ويحتمل أنه صلى في ليلة ثلاث عشرة وفي ليلة إحدى عشرة (فصل) ويستحب أن يقرأ حزبه من القرآن في تهجده فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله

وهو مخير بين الجهر في القراءة والإسرار، فإن كان الجهر أنشط له في القراءة أو بحضرته من يستمع قراءته أو ينتفع بها فالجهر أفضل، وإن كان قريباً منه من يتهجد أو من يستضر برفع صوته فالإسرار أولى لما روى أبو سعيد قال: اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة فكشف الستر فقال " ألا أن كلكم مناج ربه فلا يؤذين بعضكم بعضا ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة - أو قال - في الصلاة " رواه أبو داود، وإلا فليفعل ما شاء. قال عبد الله بن أبي قيس: سألت عائشة كيف كانت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت ربما أسر وربما جهر. قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح. وقال ابن عباس كانت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم على قدر ما يسمعه من في الحجرة وهو في البيت، رواه أبو داود، وعن أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج فإذا هو بأبي بكر يصلي يخفض من صوته، ومر بعمر وهو يصلي رافعا صوته قال: فلما اجتمعا عند النبي صلى الله عليه وسلم قال " يا أبا بكر مررت بك وأنت تصلي تخفض صوتك " قال: إني أسمعت من

ناجيت يا رسول الله قال " ارفع قليلا " وقال لعمر " مررت وأنت تصلي رافعا صوتك " قال فقال يا رسول الله أوقظ الوسنان وأطرد الشيطان قال " اخفض من صوتك شيئا " رواه أبو داود (فصل) ومن كان له تهجد ففاته استحب له قضاؤه بين صلاة الفجر والظهر لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " من نام عن حزبه أو عن شئ منه فقرأه ما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كتب له كأنما قرأه من الليل " وعن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عمل عملاً أثبته وكان إذا نام من الليل أو مرض صلى من النهار ثلثي عشرة ركعة قالت: وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قام ليلة حتى الصباح، وما صام شهرا متتابعا إلا رمضان، أخرجهما مسلم (مسألة) (وصلاة الليل مثنى مثنى فإن تطوع في النهار بأربع فلا بأس والأفضل مثنى) قوله مثنى يعني يسلم من كل ركعتين - والتطوع قسمان: تطوع الليل، وتطوع النهار، فلا يجوز تطوع الليل إلا مثنى مثنى، وهذا قول كثير من أهل العلم منهم أبو يوسف ومحمد. وقال القاضي: لو صلى ستا في ليل أو نهار كره وصح، وقال أبو حنيفة: إن شئت ركعتين، وإن شئت أربعا، وإن شئت ستا وإن شئت ثمانيا

ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " صلاة الليل مثنى مثنى " متفق عليه (فصل) فأما صلاة النهار فتجوز أربعا فعل ذلك ابن عمر. وقال إسحاق صلاة النهار اختار أربعا وإن صلى ركعتين جاز لما روي عن أبي أيوب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " أربع قبل الظهر لا يسلم فيهن تفتح لهن أبواب السماء " رواه أبو داود. والأفضل مثنى، وقال إسحاق الأفضل أربعا ويشبهه قول الأوزاعي وأصحاب الرأي وحديث أبي أيوب، ولنا ما روى علي بن عبد الله البارقي عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " صلاة الليل والنهار مثنى مثنى " رواه أبو داود، ولأنه أبعد للسهو وأشبه بصلاة الليل تطوعات النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح ركعتان. وذهب الحسن وسعيد بن جبير ومالك إلى أن تطوع النهار مثنى مثنى لحديث علي بن عبد الله البارقي وقد ذكرنا حديث أبي أيوب، وحديث البارقي تفرد بذكر النهار من بين سائر الرواة ونحمله على الفضيلة جمعاً بين الحديثين

مسألة: ومن فاته شيء من هذه السنن سن له قضاؤه

(فصل) قال بعض أصحابنا لا تجوز الزيادة في النهار على أربع وهذا ظاهر كلام الخرقي، وقال القاضي يجوز ويكره، ولنا أن الأحكام إنما تتلقى من الشارع ولم يرد شئ من ذلك والله أعلم (فصل) ويستحب التنفل بين المغرب والعشاء لما روي عن أنس بن مالك في هذه الآية (تتجافى جنوبهم عن المضاجع) الآية قال: كانوا يتنفلون بين المغرب والعشاء يصلون، رواه أبو داود، وعن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من صلى بعد المغرب عشرين ركعة بنى الله له بيتا في الجنة " قال الترمذي هذا حديث غريب (فصل) وما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم تخفيفه أو تطويله فالأفضل اتباعه فيه فإنه عليه السلام لا يفعل إلا الأفضل، وقد ذكرنا بعض ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يخففه ويطوله. وما عدا ذلك ففيه ثلاث روايات (إحداها) الأفضل كثرة الركوع والسجود لقول ابن مسعود: إني لأعلم النظائر التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرن بينهن سورتين في كل ركعة عشرون سورة من

المفصل. رواه مسلم، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم " ما من عبد سجد سجدة إلا كتب الله له بها حسنة، ومحا عنه بها سيئة، ورفع له بها درجة " (والثانية) التطويل أفضل لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " أفضل الصلاة القنوت " رواه مسلم ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان أكثر صلاته التهجد وكان يطيله على ما قد ذكرنا (والثالثة) هما سواء لتعارض الأخبار في ذلك والله أعلم (فصل) والتطوع في البيت أفضل لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " عليكم بالصلاة في بيوتكم فإن خير صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة. وقال عليه السلام " إذا قضي أحدكم الصلاة في مسجده فليجعل لبيته نصيبا من صلاته، فإن الله جاعل في بيته من صلاته خيرا " رواهما مسلم. وعن زيد ابن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجدي هذا إلا المكتوبة " رواه أبو داود، ولأن الصلاة في البيت أقرب إلى الإخلاص وأبعد من الرياء، وهو من عمل السر، والسر أفضل من العلانية

(فصل) ويستحب أن يكون للإنسان تطوعات يداوم عليها وإذا فاتت يقضيها لقول عائشة سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل؟ قال " أدومه وإن قل " متفق عليه، وقالت كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى صلاة أحب أن يداوم عليها، وكان إذا عمل عملاً أثبته. رواه مسلم، وقال ابن عمر قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل فترك القيام فنام الليل " متفق عليه، ولأنه إذا قضى ما ترك من تطوعه كان أبعد له من الترك (فصل) ويجوز التطوع في جماعة وفرادى لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل الأمرين كليهما وكان أكثر تطوعه منفردا، وصلى بحذيفة مرة، وبابن عباس مرة، وبأنس وأمه واليتيم مرة، وأم الصحابة في ليالي رمضان ثلاثا. وقد ذكرنا بعض ذلك فيما مضى وسنذكر الباقي إن شاء الله تعالى وهي كلها أحاديث صحاح (مسألة) (وصلاة القاعد على النصف من صلاة القائم ويكون في حال القيام متربعا) يجوز

التطوع جالسا مع القدرة على القيام بغير خلاف علمناه، والصلاة قائما أفضل لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " من صلى قائما فهو أفضل، ومن صلى قاعدا فله نصف أجر القائم " متفق عليه. وفي لفظ مسلم " صلاة الرجل قاعدا نصف الصلاة " وقالت عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمت حتى كان يصلي كثيرا من صلاته وهو جالس، رواه مسلم. ولأن كثيراً من الناس يشق عليه طول القيام فلو وجب التطوع لترك أكثره فسامح الشارع في ترك القيام فيه ترغيبا في تكثيره كما سامح في فعله على الراحلة في السفر وسامح في نية صوم التطوع من النهار (فصل) ويستحب للمتطوع جالسا أن يكون في حال القيام متربعا، روى ذلك عن ابن عمر وأنس وابن سيرين ومالك والثوري والشافعي واسحاق، وعن أبي حنيفة كقولنا، وعنه يجلس كيف شاء لأن القيام سقط فسقطت هيئته، وروي عن ابن المسيب وعروة وابن سيرين وعمر بن عبد العزيز أنهم كانوا يحتبون في التطوع، واختلف فيه عن عطاء والنخعي

ولنا ما روى عن أنس أنه صلى متربعا، ولأن ذلك أبعد من السهو والاشتباه، ولأن القيام يخالف القعود فينبغي أن يخالف هيئته في بدله هيئة غيره كمخالفة القيام غيره ولا يلزم من سقوط القيام لمشقته سقوط مالا مشقة فيه كمن سقط عنه الركوع والسجود ولا يلزم سقوط، الإيماء بهما وهذا الذي ذكرنا من صفة الجلوس مستحب غير واجب إذ لم يرد بإيجابه دليل (فصل) ويثني رجليه في الركوع والسجود، كذلك ذكره الخرقي لأن ذلك يروي عن أنس وهو قول الثوري، وحكي عن أحمد واسحاق أنه لا يثني رجليه إلا في السجود خاصة ويكون في الركوع على هيئة القيام، وحكاه أبو الخطاب، وهو قول أبي يوسف ومحمد وهو أقيس لأن هيئة الراكع في رجليه هيئة القائم فينبغي أن يكون على هيئته، قال شيخنا: وهذا أصح في النظر إلا أن أحمد ذهب إلى فعل أنس وأخذ به - وهو مخير في الركوع والسجود إن شاء من قيام، وإن شاء من قعود، لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل الأمرين، قالت عائشة: لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة الليل قاعدا قط حتى أسن فكان يقرأ قاعدا حتى إذا أراد أن يركع قام فقرأ نحوا من ثلاثين آية أو

أربعين آية ثم ركع متفق عليه. وعنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي ليلا طويلا قائما وليلا طويلا قاعدا، وكان إذا قرأ وهو قائم ركع وسجد وهو قائم، وإذا قرأ وهو قاعد ركع وسجد وهو قاعد، رواه مسلم (مسألة) (وأدنى صلاة الضحى ركعتان وأكثرها ثمان، ووقتها إذا علت الشمس) صلاة الضحى مستحبة. قال أبو هريرة: أوصاني خليلي بثلاث، صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى وأن أوتر قبل أن أنام، وعن أبي الدرداء نحوه، متفق عليه. وروى أبو ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى " رواه مسلم، وأقل صلاة الضحى ركعتان لهذا الحديث، قال أصحابنا: وأكثرها ثماني ركعات لما روت ام هانئ. أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل بيتها يوم فتح مكة وصلى ثماني ركعات فلم أر صلاة قط أخف منها غير أنه يتم الركوع والسجود، متفق عليه، ويحتمل أن يكون أكثرها اثنتي عشرة

ركعة لما روى أنس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " من صلى الضحى ثنتي عشرة ركعة بنى الله له قصرا في الجنة من ذهب " رواه ابن ماجه والترمذي وقال غريب، وأفضل وقتها إذا علت الشمس واشتد حرها لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " صلاة الأوابين حين ترمض الفصال " رواه مسلم، ويمتد وقتها إلى زوال الشمس، وأوله حين تبيض الشمس (فصل) قال بعض أصحابنا: لا تستحب المداومة عليها لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يداوم عليها قالت عائشة: ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى قط، متفق عليه، وعن عبد الله بن شقيق قال: قلت لعائشة أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى؟ قالت: لا إلا أن يجئ من مغيبه، رواه مسلم، وقال عبد الرحمن ابن أبي ليلى: ما حدثني أحد قط أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى إلا أم هانئ. فإنها حدثت أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل بيتها يوم فتح مكة فصلى ثماني ركعات ما رأيته قط صلى صلاة أخف منها غير أنه كان يتم الركوع والسجود متفق عليه، ولأن في المداومة عليها تشبيها بالفرائض، وقال أبو الخطاب: تستحب المداومة عليها لأن

النبي صلى الله عليه وسلم وصى بها أصحابه وقال " من حافظ على شفعة الضحى غفرت له ذنوبه وإن كان مثل زبد البحر " رواه الترمذي وابن ماجه. وروت عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى أربعا ويزيد ما شاء الله. رواه مسلم، ولان أحب العمل إلى الله ما داوم عليه صاحبه على ما ذكرنا (مسألة) (وسجود التلاوة صلاة) يعني يشترط له ما يشترط لصلاة النافلة من ستر العورة واستقبال القبلة والنية والطهارة من الحدث والنجس في قول عامة أهل العلم. وروى عن عثمان رضي الله عنه في الحائض تستمع السجدة تومئ برأسها، وهو قول سعيد بن المسيب قال: وتقول اللهم لك سجدت وقال الشعبي فيمن سمع السجدة على غير وضوء يسجد حيث كان وجهه ولنا قوله صلى الله عليه وسلم " لا يقبل الله صلاة بغير طهور " فيدخل في عمومه السجود، ولأنه سجود فأشبه سجود السهو، فعلى هذا إن سمع السجود وهو محدث لم يلزمه الوضوء ولا التيمم. وقال النخعي: يتيمم ويسجد، وعنه يتوضأ ويسجد، وبه قال الثوري واسحاق وأصحاب الرأي

ولنا أنها تتعلق بسبب فإذا فات لم يسجد كما لو قرأ سجدة في الصلاة فلم يسجد لم يسجد بعدها فعلى هذا إن توضأ لم يسجد لفوات سببها، ولا يتيمم لها مع وجود الماء لأن الله تعالى شرط لجواز التيمم المرض أو عدم الماء ولم يوجد واحد منهما، فإن كان عادما للماء فتيمم فله السجود إن لم يطل لأنه لم يبعد سببها ولم يفت بخلاف الوضوء (مسألة) (وهو سنة للقارئ والمستمع دون السامع) سجود التلاوة سنة مؤكدة ليس بواجب روى ذلك عن عمر وابنه وبه قال مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة وأصحابه بوجوبه لقوله تعالى (فما لهم لا يؤمنون، وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون) وهذا ذم ولا يذم إلا على ترك الواجب ولأنه سجود يفعل في الصلاة أشبه سجود صلبها ولنا ما روى عن عمر رضي الله عنه أنه قرأ يوم الجمعة على المنبر سورة النمل حتى إذا جاء السجدة

نزل فسجد وسجد الناس، حتى إذا كانت الجمعة القابلة قرأ بها حتى إذا جاءت السجدة قال: يا أيها الناس إنما نمر بالسجود فمن سجد فقد أصاب، ومن لم يسجد فلا إثم عليه، ولم يسجد عمر. وفي لفظ أن الله لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء، وراه البخاري. وهذا كان يوم الجمعة بمحضر من الصحابة وغيرهم فلم ينكر فيكون إجماعاً، وروى زيد بن ثابت قال قرأت على النبي صلى الله عليه وسلم سورة النجم فلم يسجد منا أحد متفق عليه. فأما الآية فإنما ذم فيها تارك السجود غير معتقد فضله ولا مشروعيته وقياسهم ينتقض بسجود السهو فإنه في الصلاة وهو غير واجب عندهم (فصل) ويسن للتالي والمستمع وهو الذي يقصد الاستماع بغير خلاف علمناه سواء كان التالي في صلاة أو لم يكن، فإن كان المستمع في صلاة فهل يسجد بسجود التالي؟ على روايتين وذلك لما روى ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا القرآن فإذا مر بالسجدة كبر وسجد وسجدنا معه رواه أبو داود وروي أيضاً قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا السورة

في غير الصلاة فيسجد ونسجد معه حتى لا يجد أحدنا مكانا لموضع جبهته، متفق عليه، فأما السامع الذي لا يقصد الاستماع فلا يسن له روى ذلك عن عثمان وابن عباس وعمران بن حصين رضي الله عنهم وبه قال مالك. وقال أصحاب الرأي: عليه السجود وروي نحوه عن ابن عمر والنخعي واسحاق لأنه سامع للسجدة أشبه المستمع، وقال الشافعي: لا أؤكد عليه السجود وإن سجد فحسن ولنا ما روى عن عثمان أنه مر بقاص فقرأ القاص سجدة ليسجد عثمان معه فلم يسجد وقال: إنما السجدة على من استمع. وقال ابن عباس وعمران: ما جلسنا لها، ولم يعلم لهم مخالف في عصرهم. فأما ابن عمر فإنما روي عنه أنه قال: إنما السجدة على من سمعها، فيحتمل أنه أراد من سمعها قاصدا وينبغي أن يحمل على ذلك جمعاً بين أقوالهم، ولأن السامع لا يشارك التالي في الأجر فلم يشاركه في السجود كغيره أما المستمع فقد قال عليه السلام " التالي والمستمع شريكان في الأجر " فلا يقاس غيره عليه (مسألة) (ويعتبر أن يكون القارئ يصلح إماما له) يشترط لسجود التلاوة كون التالي يصلح

مسألة: ثم التروايح وهي عشرون ركعة يقوم بها في رمضان في جماعة ويوتر بعدها في الجماعة

إماما له، فان كان امرأة أو خنثى مشكلا لم يسجد الرجل باستماعه رواية واحدة، وبهذا قال مالك والشافعي واسحاق وروي ذلك عن قتادة، والأصل في ذلك ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى إلى نفر من أصحابه فقرأ رجل منهم سجدة ثم نظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنك كنت إمامنا ولو سجدت سجدنا " رواه الشافعي في مسنده والجوزجاني في المترجم عن عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم فإن كان التالي أميا سجد القارئ المستمع بسجوده لأن القراءة ليست بركن في السجود، وإن كان صبياً ففي سجود الرجل بسجوده وجهان بناء على صحة إمامته في النفل (مسألة) (فإن لم يسجد القارئ لم يسجد) يعني إذا لم يسجد التالي لم يسجد المستمع، وقال الشافعي يسجد لوجود الاستماع وهو سبب السجود، وقال القاضي إذا كان التالي في غير صلاة وهناك مستمع للقراءة فلم يسجد التالي لم يسجد المستمع في ظاهر كلامه فدل على أنه قد روي عنه السجود

ولنا ما روينا من الحديث ولأنه تابع له فلم يسجد بدون سجوده كما لو كانا في الصلاة، وإن كان التالي في صلاة دون المستمع سجد معه، وإن كان المستمع في صلاة أخرى لم يسجد ولا ينبغي له الاستماع لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إن في الصلاة لشغلا " متفق عليه، فعلى هذا لا يسجد إذا فرغ من الصلاة وقال أبو حنيفة يسجد لأن سبب السجود وجد وامتنع المعارض فإذا زال المعارض سجد ولنا أنه لو ترك السجود لتلاوته في الصلاة لم يسجد بعدها فلأن لا يسجد ثم بحكم تلاوة غيره أولى وعن أحمد في المستمع أنه يسجد إذا كان في تطوع سواء كان التالي في صلاة أخرى أو لم يكن، قال شيخنا والأول أصح لأنه ليس بإمام له فلا يسجد بتلاوته كما لو كان في فرض (فصل) والركوع لا يقوم مقام السجود، وحكى صاحب المستوعب رواية عن أحمد أن ركوع الصلاة يقوم مقام السجود، وقال أبو حنيفة يقوم مقامه لقوله تعالى (وخر راكعا وأناب) ولنا أنه سجود مشروع فلم يقم الركوع مقامه كسجود الصلاة، والآية أريد بها السجود وعبر

عنه بالركوع بدليل أنه قال وخر ولا يقال للراكع خر وإنما روي عن داود عليه السلام السجود ولو قدر أن داود ركع حقيقة لم يكن فيه حجة لأنه أنما فعل ذلك توبة لا لسجود التلاوة. وإذا قرأ السجدة في الصلاة في آخر السورة فإن شاء ركع وإن شاء سجد ثم قام فقرأ شيئا من القرآن ثم ركع، وإن شاء سجد ثم قام فركع من غير قراءة نص عليه أحمد، وهذا قول ابن مسعود والربيع ابن خيثم واسحاق وأصحاب الرأي. وروي عن عمر أنه قرأ بالنجم فسجد فيها ثم قام فقرأ سورة أخرى (فصل) وإذا قرأ السجدة على الراحلة في السفر أومأ بالسجود حيث كان وجهه. وقال القاضي: إن أمكنه أن يستفتح بها القبلة فعله، وإن كان لا تطيق دابته احتمل أن لا يستفتح بها واحتمل أنه لا بد من الاستفتاح؟ وقد روي الإيماء به على الراحلة عن علي وسعيد بن زيد وابن عمر وابن الزبير وهو قول مالك والشافعي وأبي ثور وأصحاب الرأي لما روى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم

قرأ عام الفتح سجدة فسجد الناس كلهم منهم الراكب والساجد بالأرض حتى إن الراكب ليسجد على يده رواه أبو داود، ولأنه صلاة تطوع أشبه سائر التطوع، وإن كان ماشيا سجد بالأرض وبه قال أبو العالية وأبو ثور وأصحاب الرأي لما ذكرنا، وقال الأسود بن يزيد وعلقمة وعطاء ومجاهد يومئ وقد قال أبو الحسن الآمدي في صلاة الماشي يومئ وهذا مثله (مسألة) قال (وهو أربع عشرة سجدة) اختلفوا في سجود القرآن فالمشهور من المذهب أن عزائم السجود أربع عشرة سجدة (منها) ثلاث في المفصل وليس منها سجدة ص، ومنها اثنتان في الحج وهذا أحد قولي أبي حنيفة والشافعي إلا أن أبا حنيفة جعل سجدة ص بدل من السجدة الثانية من الحج، وروى عن أحمد أنها خمس عشرة منها سجدة ص، وروي ذلك عن عقبة بن عامر وهو قول إسحاق لما روي عن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأه خمس عشرة سجدة منها ثلاث في المفصل وفي الحج اثنتان، رواه أبو داود وابن ماجة. وقال مالك في رواية والشافعي في قول: عزائم السجود إحدى عشرة سجدة ويروى هذا القول عن ابن عمر وابن عباس منها سجدة

ص وأول الحج دون آخرها وليس فيها سجدات المفصل. وروي عن ابن عباس أنه عدها عشرا وأسقط منا سجدة ص لما روى أبو الدرداء قال: سجدت مع النبي صلى الله عليه وسلم إحدى عشرة سجدة ليس فيها من المفصل شئ، رواه ابن ماجه. وقال ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسجد في شئ من المفصل منذ تحول إلى المدينة. رواه أبو داود ولنا ما روى أبو رافع قال: صليت خلف أبي هريرة العتمة فقرأ (إذا السماء انشقت) فسجد فقلت ما هذه السجدة؟ قال: سجدت بها خلف أبي القاسم صلى الله عليه وسلم فلا أزال أسجد فيها حتى ألقاه، متفق عليه. وعن أبي هريرة قال سجدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في (إذا السماء انشقت، واقرأ باسم ربك) أخرجه مسلم، وعن عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ سورة النجم فسجد فيها وما بقي من القوم أحد إلا سجد، متفق عليه، وهذا مقدم على قول ابن عباس لأنه إثبات والإثبات مقدم على النفي وأبو هريرة إنما أسلم بعد الهجرة في السنة السابعة ويمكن الجمع بين الأحاديث بحمل السجود على الاستحباب، وتركه السجود يدل على عدم الوجوب فلا تعارض إذا - وأما رواية كون السجود

خمس عشرة فمبناه على أن منها سجدة ص وقد روي عن عمر وابنه وعثمان أنهم سجدوا فيها وهو قول الحسن ومالك والثوري وأصحاب الرأي لما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد فيها وظاهر المذهب أنها ليست من عزائم السجود روى ذلك عن ابن مسعود وابن عباس وعلقمة وهو قول الشافعي لما روى أبو سعيد قال قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر ص فنزل فسجد وسجد الناس معه فلما كان يوم آخر قرأها فلما بلغ السجدة تشزن الناس للسجود فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنما هي توبة نبي ولكني رأيتكم تشزنتم للسجود " فنزل فسجد وسجدوا. رواه أبو داود، وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في ص وقال " سجدها داود توبة، ونحن نسجدها شكرا " أخرجه النسائي، وقال ابن عباس ليست ص من عزائم السجود والحديث الذي ذكرناه للرواية الأولى من أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد فيها يدل على أنه إنما سجد فيها شكرا كما بين في حديث ابن عباس، فإذا قلنا ليست من عزائم السجود فسجدها في الصلاة احتمل أن لا تبطل صلاته لأن سببها القراءة في الصلاة أشبهت عزائم السجود

مسألة: فإن أحب متابعة الإمام فأوتر معه قام إذا سلم الإمام فيشفعها بأخرى

واحتمل أن تبطل صلاته إذا فعل ذلك عمدا كسائر سجود الشكر والله أعلم (مسألة) قال (في الحج منها اثنتان) وهذا قول الشافعي وإسحاق وأبي ثور وابن المنذر وممن كان يسجد فيها سجدتين عمر وعلي وعبد الله بن عمر وأبو الدرداء وأبو موسى، وقال ابن عباس فضلت الحج بسجدتين. وقال الحسن وسعيد بن جبير والنخعي ومالك وأصحاب الرأي: ليست الثانية بسجدة لأنه جمع فيها بين الركوع والسجود فلم تكن سجدة كقوله (يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين) ولنا حديث عمرو بن العاص الذي ذكرناه، وعن عقبة بن عامر قال قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم في سورة الحج سجدتان؟ قال " نعم ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما " رواه أبو داود. وقال أبو إسحاق أدركت الناس منذ سبعين سنة يسجدون في الحج سجدتين، وقال ابن عمر لو كنت تاركا لإحداهما لتركت الأولى، وذلك لأن الأولى إخبار والثانية امر واتباع الأمر أولى

(فصل) وموضع السجدات آخر الأعراف والرعد (بالغدو والآصال) وفي النحل (ويفعلون ما يؤمرون) وفي بني إسرائيل (ويزيدهم خشوعا) وفي مريم (خروا سجدا وبكيا) وفي الحج (يفعل ما يشاء) وفي الثانية (لعلكم تفلحون) وفي الفرقان (وزادهم نفورا) وفي النمل (رب العرش العظيم) وفي (الم تنزيل - وهم لا يستكبرون) وفي حم السجدة (وهم لا يسأمون) وآخر النجم وفي سورة الانشقاق (وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون) وآخر اقرأ باسم ربك (واقترب) وروي عن ابن عمر أن السجود في حم عند قوله (إياه تعبدون) وحكاه ابن أبي موسى وبه قال الحسن وابن سيرين وأصحاب عبد الله والليث ومالك لأن الأمر بالسجود فيها. ولنا تمام الكلام في الثانية فكان السجود بعدها كما في سجدة النحل عند قوله (ويفعلون ما يؤمرون) وذكر السجدة في التي قبلها (مسألة) قال (ويكبر إذا سجد وإذا رفع) متى سجد للتلاوة فعليه التكبير للسجود والرفع منه في الصلاة وغيرها وبه قال الحسن وابن سيرين والنخعي والشافعي وأصحاب الرأي وبه قال مالك إذا سجد في الصلاة واختلف عنه في غير الصلاة، وقال ابن أبي موسى: في التكبير إذا رفع رأسه من سجود التلاوة اختلاف في الصلاة وغيرها

ولنا ما روى ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا القرآن فإذا مر بالسجود كبر وسجد وسجدنا معه. قال عبد الرزاق: كان الثوري يعجبه هذا الحديث. قال أبو داود يعجبه لأنه كبر رواه أبو داود ولأنه سجود منفرد فيشرع التكبير في ابتدائه والرفع منه كسجود السهو بعد السلام. (فصل) ولا يشرع في ابتداء السجود أكثر من تكبيرة، وقال الشافعي: إذا سجد خارج الصلاة كبر تكبيرتين الافتتاح والسجود كما لو صلى ركعتين ولنا حديث ابن عمر وظاهره أنه كبر واحدة ولأن معرفة ذلك من الشرع ولم يرد به ولأنه سجود منفرد فلم يشرع فيه تكبيران كسجود السهو وقياسهم يبطل بسجود السهو وقياس هذا على سجود السهو أولى من قياسه على الركعتين لشبهه به، ولأن الإحرام بالركعتين يتخلل بينه وبين السجود أفعال كثيرة فلذلك لم يكتف بتكبيرة الإحرام عن تكبير السجود بخلاف هذا (مسألة) (ويجلس ويسلم ولا يتشهد) المشهور عن أحمد أن التسليم واجب في سجود التلاوة وبه قال أبو قلابة وأبو عبد الرحمن لقول النبي صلى الله عليه وسلم " تحريمها التكبير وتحليلها التسليم " ولأنها صلاة ذات

مسألة: ويكره التطوع بين التراويح وفي التعقيب روايتان وهو أن يتطوع بعد التراويح والوتر في جماعة

إحرام فوجب السلام فيها كسائر الصلوات، وفيه رواية أخرى لا تسليم، وبه قال النخعي والحسن وسعيد بن جبير، وروي ذلك عن أبي حنيفة، واختلف قول الشافعي فيه. قال أحمد: أما التسليم فلا أدري ما هو لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم فعلى قولنا بوجوب السلام يجزئه تسليمة نص عليه أحمد، وبه قال إسحاق قال: يقول السلام عليكم. وذكر القاضي في المجرد عن أبي بكر رواية لا يجزئه إلا اثنتان، والصحيح الأول لأنها صلاة ذات إحرام لا ركوع فيها أشبهت صلاة الجنازة ولا تفتقر إلى تشهد، نص عليه أحمد لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولاعن أحد من أصحابه واختار أبو الخطاب أنه يفتقر إلى التشهد قياساً على الصلاة ولنا أنها صلاة لا ركوع فيها فلم تفتقر إلى تشهد كصلاة الجنازة ولا يسجد فيه للسهو كصلاة الجنازة (فصل) ويقول في سجوده ما يقول في سجود صلب الصلاة، نص عليه أحمد. وإن قال ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم فحسن. قالت عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في سجود القرآن بالليل " سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره بحوله وقوته " قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح، وعن ابن عباس قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول

الله إني رأيتني الليلة أصلي خلف شجرة فقرأت السجدة فسجدت، فسجدت الشجرة لسجودي فسمعتها وهي تقول: اللهم اكتب لي بها عندك أجرا، وضع عني بها وزرا، واجعلها لي عندك ذخرا فتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود. فقرأ النبي صلى الله عليه وسلم سجدة ثم سجد، فقال ابن عباس فسمعته يقول مثلما أخبره الرجل عن قول الشجرة، رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي وقال غريب: ومهما قال من نحو ذلك فحسن (مسألة) قال (وإذا سجد في الصلاة رفع يديه نص عليه، وقال القاضي لا يرفعهما) متى سجد للتلاوة خارج الصلاة رفع يديه في تكبيرة الابتداء لأنها تكبيرة الإحرام، وإن كان في الصلاة فكذلك نص عليه أحمد لما روي وائل بن حجر قال: قلت لأنظرن إلى صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يكبر إذا خفض ورفع ويرفع يديه في التكبير، قال أحمد هذا يدخل في هذا كله، وفي رواية أخرى لا يرفع يديه في الصلاة اختاره القاضي وهو قياس المذهب لقول ابن عمر وكان لا يفعل ذلك في السجود متفق عليه، ويتعين تقديمه على حديث وائل بن حجر لأنه أخص منه، ولذلك قدم عليه في سجود الصلاة كذلك ههنا (فصل) ويكره اختصار السجود وهو أن ينزع الآيات التي فيها السجود فيقرؤها ويسجد فيها

وبه قال الشعبي والنخعي والحسن واسحاق ورخص فيه أبو حنيفة ومحمد وأبو ثور، وقيل اختصار السجود أن يحذف في القراءة آيات السجود وكلاهما مكروه لأنه لم يرو عن السلف رحمهم الله، بل المنقول عنهم كراهته (مسألة) (ولا يستحب للإمام السجود في صلاة لا يجهر فيها) قال بعض أصحابنا يكره للإمام قراءة السجدة في صلاة السر فإن قرأ لم يسجد، وبه قال أبو حنيفة لأن فيها إبهاما على المأموم. وقال الشافعي لا يكره لما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في الظهر ثم قام فركع فرأى أصحابه أنه قرأ سورة السجدة، رواه أبو داود. قال شيخنا واتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم أولى (مسألة) (فإن سجد فالمأموم مخير بين اتباعه وتركه) كذلك قال بعض أصحابنا لأنه ليس بمسنون للإمام ولم يوجد الاستماع المقتضي للسجود. قال شيخنا: والأولى السجود لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا سجد فاسجدوا " وما ذكروه يبطل بما إذا كان المأموم بعيدا أو أطروشا في صلاة الجهر فإنه يسجد بسجود إمامه وإن لم يسمع (مسألة) (ويستحب سجود الشكر عند تجدد النعم، واندفاع النقم) وبهذا قال الشافعي واسحاق

وأبو ثور وابن المنذر. وقال النخعي ومالك وأبو حنيفة يكره لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان في أيامه الفتوح واستسقى فسقي ولم ينقل أنه سجد ولو كان مستحبا لم يخل به ولنا ما روى أبو بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أتاه أمر يسر به خر ساجدا رواه ابن المنذر، وسجد الصديق حين بشر بفتح اليمامة، وعلي حين وجد ذا الثدية، وروي عن غيرهما من الصحابة فثبت ظهوره وانتشاره، وتركه تارة لا يدل على عدم استحبابه فإن المستحب يفعل تارة ويترك أخرى وصفة سجود الشكر كصفة سجود التلاوة في أفعاله وأحكامه وشروطه على ما بينا (مسألة) (ولا يسجد له في الصلاة) لا يجوز أن يسجد للشكر في الصلاة لأن سببه ليس منها فإن فعل بطلت صلاته إن كان عمداً كما لو زاد فيها سجودا غيره. وإن كان ناسياً أو جاهلاً بتحريم ذلك لم تبطل صلاته كما لو زاد في الصلاة سجودا ساهيا والله أعلم وقال ابن الزاغوني يجوز في الصلاة والأول أولى (فصل في أوقات النهي) وهي خمسة، بعد طلوع الفجر حتى تطلع الشمس، وبعد العصر،

وعند طلوعها حتى ترتفع قيد رمح، وعند قيامها حتى تزول، وإذا تضيفت للغروب حتى تغرب) كذلك عدها أصحابنا خمسة أوقات كما ذكرنا. وقال بعضهم: الوقت الخامس من حين شروع الشمس في الغروب إلى تكامله لما روى ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " إذا بدا حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تبرز وإذا غاب حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تغيب " ووجه القول الأول حديث عقبة بن عامر الذي نذكره إن شاء الله تعالى، قال شيخنا: والمنهي عنه من الأوقات عند أحمد: بعد الفجر حتى ترتفع الشمس، وبعد العصر حتى تغرب وعند قيامها حتى تزول وهو في معنى قول الأصحاب، وهذه الأوقات منهي عن الصلاة فيها وهو قول الشافعي وأصحاب الرأي والأصل فيها ما روى ابن عباس قال: شهد عندي رجال مرضيون وأرضاهم عندي عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تشرق الشمس، وبعد العصر حتى تغرب الشمس وعن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا صلاة بعد الصبح حتى ترتفع الشمس ولا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس " متفق عليهما. وعن عقبة بن عامر قال: ثلاث ساعات نهانا النبي صلى الله عليه وسلم إن نصلي فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا، حين تطلع الشمس بازغة

حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل، وحين تتضيف الشمس للغروب حتى تغرب، وعن عمرو بن عنبسة قال: قلت يا رسول الله أخبرني عن الصلاة؟ قال " صل صلاة الصبح ثم أقصر عن الصلاة حين تطلع الشمس حتى ترتفع، فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان وحينئذ يسجد لها الكفار ثم صل فإن الصلاة محصورة مشهودة حتى يستقل الظل بالرمح، ثم أقصر عن الصلاة فإنه حينئذ تسجر جنهم، فإذا أقبل الفئ فصل فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى تصلى العصر، ثم أقصر عن الصلاة حتى تغرب الشمس فإنها تغرب بين قرني شيطان، وحينئذ يسجد لها الكفار " رواهما مسلم، وقال ابن المنذر إنما المنهي عنه الأوقات الثلاثة التي في حديث عقبة بدليل تخصيصها بالنهي في حديثه وقوله " لا تصلوا بعد العصر إلا أن تصلوا والشمس مرتفعة " رواه أبو داود، وقالت عائشة وهم عمر إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتحرى طلوع الشمس أو غروبها ولنا ما ذكرنا من الأحاديث فإنها صريحة صحيحة والتخصيص في بعض الأحاديث لا يعارض العموم الموافق له، بل يدل على تأكد الحكم فيما خصه، وقول عائشة في رد خبر عمر غير مقبول فإنه مثبت لروايته عن النبي صلى الله عليه وسلم وهي تقول برأيها، ثم هي قد روت ذلك أيضا، فروت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد العصر وينهى عنها، رواه أبو داود. فكيف يقبل ردها لما قد

أقرت بصحته؟ وقد رواه أبو سعيد وأبو هريرة وعمرو بن عنبسة وغيرهم كنحو رواية عمر فكيف يترك هذا بمجرد رأي مختلف؟ (فصل) والنهي بعد العصر عن الصلاة متعلق بفعلها فمن لم يصل العصر أبيح له التنفل وإن صلى غيره، ومن صلى فليس له التنفل وإن صلى وحده، لا نعلم في ذلك خلافا عند من منع الصلاة بعد العصر. فأما النهي بعد الفجر ففيه روايتان (إحداهما) يتعلق بفعل الصلاة أيضا يروي ذلك عن الحسن والشافعي لما روى أبو سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، ولا صلاة بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس " وروى أبو داود حديث عمر بهذا اللفظ. وفي حديث عمرو بن عنبسة " صل صلاة الصبح ثم أقصر عن الصلاة " رواه مسلم. وفي رواية أبي داود قال: قلت يا رسول الله أي الليل أسمع؟ قال " جوف الليل الآخر فصل فيما شئت فإن الصلاة مقبولة مشهودة حتى تصلي الصبح ثم أقصر حتى تطلع الشمس فترتفع قيد رمح أو رمحين " ولأن النهي بعد العصر متعلق بفعل الصلاة فكذلك بعد الفجر. (والرواية الثانية) أن النهي متعلق بطلوع الفجر. وبه قال ابن المسيب وحميد بن عبد الرحمن وأصحاب الرأي. وقد رويت كراهته عن

مسألة: وصلاة الليل أفضل من صلاة النهار

ابن عمر وابن عمرو وهو المشهور في المذهب لما روى يسار مولى ابن عمر قال: رآني ابن عمر وأنا أصلي بعد طلوع الفجر فقال: يا يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج علينا ونحن نصلي هذه الصلاة فقال " ليبلغ شاهدكم غائبكم لا تصلوا بعد الفجر إلا سجدتين " (1) رواه أبو داود. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا طلع الفجر فلا صلاة إلا ركعتا الفجر " وهذا يبين مراد النبي صلى الله عليه وسلم من اللفظ المجمل ولا يعارضه تخصيص ما بعد الصلاة من النهي فإن دليل ذلك خطاب فالمنطوق أولى منه، وحديث عمرو بن عنبسة قد اختلفت ألفاظ الرواة فيه وهو في سنن ابن ماجة " حتى يطلع الفجر " (مسألة) قال (ويجوز قضاء الفرائض فيها) يجوز قضاء الفرائض الفائتة في جميع أوقات النهي وغيرها روي نحو ذلك عن علي رضي الله عنه وغير واحد من الصحابة، وبه قال أبو العالية والنخعي والشعبي والحكم وحماد ومالك والاوزاعي والشافعي وإسحاق وابن المنذر، وقال أصحاب الرأي لا تقضى الفوائت في الأوقات الثلاثة التي في حديث عقبة بن عامر إلا عصر يومه يصليها قبل غروب الشمس لعموم النهي، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لما نام عن صلاة الفجر حتى طلعت الشمس أخرها حتى

_ 1) يعني ركعتين وهما سنة الفجر

ابيضت الشمس، متفق عليه ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها متى ذكرها " متفق عليه وفي حديث أبي قتادة " إنما التفريط في اليقطة على من لم يصل الصلاة حتى يجئ وقت الأخرى فان فعل ذلك فليصلها حين ينتبه لها " متفق عليه (1) وخبر النهي مخصوص بالقضاء في الوقتين الآخرين فنقيس محل النزاع على المخصوص، وقياسهم منقوض بذلك أيضا، وحديثهم يدل على جواز التأخير لا على تحريم الفعل (فصل) ولو طلعت الشمس وهو في صلاة الصبح أتمها. وقال أصحاب الرأي: تفسد لأنها صارت في وقت النهي ولنا ما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذ أدرك أحدكم سجدة من صلاة العصر قبل أن تغيب الشمس فليتم صلاته، وإذا أدرك سجدة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فليتم صلاته " متفق عليه، وهذا نص خاص على عموم ما ذكروه (فصل) ويجوز فعل الصلاة المنذورة في وقت النهي سواء كان النذر مطلقاً أو مؤقتا ويتخرج

_ 1) الحديث غير متفق عليه بل رواه مسلم حديث طويل وأولل لبمرفوع في المسألة (أنه ليس في النوم تفريط ... ) ورواه أبو داود والنسائي والترمذي وصححه

أنه لا يجوز بناء على صوم الواجب في أيام التشريق وهو قول أبي حنيفة لعموم النهي. ولنا أنها صلاة واجبة فأشبهت الفوائت من الفرائض وصلاة الجنازة فإنه قد وافقنا فيما بعد صلاة العصر والصبح (مسألة) (وتجوز صلاة الجنازة وركعتا الطواف وإعادة الجماعة إذا أقيمت وهو في المسجد بعد الفجر والعصر، وهل يجوز في الثلاثة الباقية؟ على روايتين) تجوز صلاة الجنازة بعد الصبح حتى تطلع الشمس وبعد العصر حتى تميل الشمس للغروب بغير خلاف قال إبن المنذر: إجماع المسلمين في الصلاة على الجنازة بعد العصر والصبح، فأما الصلاة عليها في الأوقات الثلاثة التي في حديث عقبة فلا تجوز، ذكره القاضي وغيره، وحكاه الأثرم عن أحمد، وقد روي عن جابر وابن عمر نحو هذا القول، قال الخطابي: هذا قول أكثر أهل العلم، وفيه رواية أخرى أنه يجوز حكاها أبو الخطاب وهو مذهب الشافعي لأنها صلاة تباح بعد الصبح والعصر فأبيحت في سائر الأوقات كالفرائض، ولنا قول عقبة بن عامر: ثلاث ساعات كان النبي صلى الله عليه وسلم ينهانا عن الصلاة فيهن وأن نقبر فيهن موتانا، وذكره للصلاة مقروناً بالدفن يدل على إرادة صلاة الجنازة ولأنها صلاة من غير الصلوات الخمس أشبهت النوافل، وإنما أبيحت بعد العصر والصبح لطول مدتهما فالانتظار يخاف منه عليها بخلاف هذه الأوقات، وقياسهم على

الفرائض لا يصح لتأكدها ولا يصح قياس الأوقات الثلاثة على الوقتين الطويلين لما ذكرنا (فصل) وتجوز ركعتا الطواف بعده في هذين الوقتين، وممن طاف بعد الصبح والعصر وصلى ركعتين ابن عمر وابن الزبير وابن عباس والحسن والحسين ومجاهد والقاسم بن محمد، وفعله عروة بعد الصبح وهو قول الشافعي وأبي ثور، وقال أبو حنيفة ومالك لا يجوز لعموم أحاديث النهي، ولنا ما روى جبير بن مطعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى فيه أية ساعة شاء من ليل أو نهار " ورواه الاثرم والترمذي وقال حديث حسن صحيح، ولأن ركعتي الطواف تابعة له فإذا أبيح المتبوع أبيح التبع وحديثهم مخصوص بالفوائت وحديثنا لا تخصيص فيه فيكون أولى، وهل يجوز في الثلاثة الباقية؟ فيه روايتان (إحداهما) يجوز لما ذكرنا وهو مذهب الشافعي وأبي ثور (والثانية) لا يجوز لحديث عقبة بن عامر ولتأكد النهي في هذه الأوقات الثلاثة وقصرها وكونها لا يشق تأخير الركوع للطواف فيها بخلاف غيرها (فصل) ويجوز إعادة الجماعة إذا أقيمت وهو في المسجد أو دخل وهم يصلون بعد الفجر والعصر

وهذا قول الحسن والشافعي، واشترط القاضي لجواز الاعادة ههنا أن يكون مع إمام الحي، ولم يفرق هنا بين إمام الحي وغيره ولا بين المصلي جماعة أو فرادى، وهو ظاهر قول الخرقي، وكلام أحمد يدل على هذا أيضاً. قال الأثرم: سألت أبا عبد الله عمن صلى في جماعة ثم دخل المسجد وهم يصلون أيصلي معهم؟ قال: نعم، وقال أبو حنيفة: لا تعاد الفجر ولا العصر في وقت النهي لعموم النهي ولنا ما روى جابر بن يزيد بن الأسود عن أبيه قال: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة فصليت معه صلاة الفجر في مسجد الخيف وأنا غلام شاب، فلما قضى صلاته إذا هو برجلين في آخر القوم لم يصليا معه فقال " علي بهما " فأتي بهما ترتعد فرائصهما فقال " ما منعكما أن تصليا معنا؟ " فقالا: يا رسول الله قد صلينا في رحالنا قال " لا تفعلا، إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فإنها لكما نافلة " رواه أبو داود والاثرم والترمذي، وهذا صريح في إعادة الفجر والعصر مثلها. والحديث بإطلاقه يدل على الإعادة سواء كان مع إمام الحي أو غيره، وسواء صلى وحده أو في جماعة، وهل يجوز في الأوقات الباقية؟ على روايتين (إحداهما) يجوز لما روى أبو ذر قال: إن خليلي يعني النبي صلى الله عليه وسلم أوصاني أن أصلي الصلاة لوقتها وقال " فإذا أدركتها معهم فصل

معهم فإنها لك نافلة " رواه مسلم، وقياساً على الوقتين الآخرين (والثانية) لا يجوز لحديث عقبة بن عامر ولما بينها وبين هذين الوقتين من الفرق (مسألة) (ولا يجوز التطوع بغيرها في شئ من الأوقات الخمسة الا ماله سبب كتحية المسجد وسجود التلاوة، وصلاة الكسوف، وقضاء السنن الراتبة فإنها على روايتين) أراد بغير ما ذكر من الصلوات وهي صلاة الجنازة، وركعتا الطواف، وإعادة الجماعة، وليس في المذهب خلاف نعلمه في أنه لا يجوز أن يبتدئ في هذه الأوقات تطوعاً لا سبب له وهذا قول الشافعي وأصحاب الرأي، وقال ابن المنذر: رخصت طائفة في الصلاة بعد العصر يروي ذلك عن علي والزبير وابنه وتميم الداري والنعمان ابن بشير وأبي أيوب الأنصاري وعائشة رضي الله عنهم وجماعة من أهل العلم سواهم. وروى عن أحمد أنه قال: لا نفعله ولا نعيب فاعله لقول عائشة ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين بعد العصر عندي قط، وقولها وهم عمر إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتحرى طلوع الشمس أو غروبها. رواه مسلم، وقول علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم " لا صلاة بعد العصر إلا والشمس مرتفعة "

ولنا الأحاديث المذكورة وهي صحيحة صريحة، وروى أبو بصرة قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العصر بالمخمص فقال " إن هذه الصلاة عرضت على من كان قبلكم فضيعوها فمن حافظ عليها كان له أجره مرتين، ولا صلاة بعدها حتى يطلع الشاهد " رواه مسلم، وهذا خاص في محل النزاع. وأما حديث عائشة فقد روى عنها ذكوان مولاها أنها حدثته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد العصر وينهى عنها. رواه أبو داود، وعن أم سلمة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عنهما ثم رأيته يصليهما وقال " يا بنت ابن ابي أمية أنه أتاني ناس من عبد القيس بالإسلام من قومهم فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر فهما هاتان " رواهما مسلم، وهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما فعله لسبب وهو قضاء ما فات من السنة، وأنه نهى عن الصلاة بعد العصر كما رواه غيرهما، وحديث عائشة يدل على اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ونهيه غيره وهو حجة على من خالف ذلك، فإن النزاع في غير النبي صلى الله عليه وسلم وقد ثبت ذلك من غير معارض له وقولها وهم عمر قد أجبنا عنه (فصل) فأما ماله سبب فالمنصوص عن أحمد رضي الله عنه في الوتر أنه يفعل بعد طلوع الفجر

مسألة: وصلاة الليل مثنى مثنى فإن تطوع في النهار بأربع فلا بأس والأفضل مثنى

قبل الصلاة، روى ذلك عن ابن مسعود وابن عمر وابن عباس وحذيفة وأبي الدرداء وعبادة بن الصامت وعائشة وغيرهم رضي الله عنهم، وبه قال مالك والثوري والاوزاعي والشافعي. وروي عن علي رضي الله عنه أنه خرج بعد طلوع الفجر فقال: نعم هذه ساعة الوتر. وقد روي عن أبي موسى أنه سئل عن رجل لم يوتر حتى أذن المؤذن فقال: لا وتر له وأنكر ذلك عطاء والنخعي وسعيد بن جبير وهو قول أبي موسى لعموم النهي ولنا ما روى أبو بصرة الغفاري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إن الله زادكم صلاة فصلوها ما بين العشاء إلى صلاة الصبح الوتر " رواه الأثرم، واحتج به أحمد وأحاديث النهي ليست صريحة في النهي قبل صلاة الفجر كما حكينا متقدما وقد روى أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من نام عن الوتر فليصله إذا أصبح " رواه ابن ماجه. إذا ثبت هذا فإنه لا ينبغي أن يتعمد ترك الوتر حتى يصبح لهذا الخبر ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " فإذا خشي أحدكم الصبح فليصل ركعة توتر له ما قد صلى " متفق عليه، وقال مالك ما فاتته صلاة الليل فله أن يصلي بعد الصبح قبل أن يصلي الصبح وحكاه ابن أبي موسى في الارشاد مذهبا لاحمد قياسا على الوتر ولأن هذا الوقت لم يثبت النهي فيه صريحا فكان حكمه خفيفا (فصل) فأما سجود التلاوة وصلاة الكسوف وتحية المسجد فالمشهور في المذهب أنه لا يجوز فعلها في شئ من أوقات النهي وكذلك قضاء السنن الراتبة في الأوقات الثلاثة المذكورة في حديث

عقبة بن عامر ذكره الخرقي في سجود التلاوة وصلاة الكسوف، وقال القاضي في ذلك روايتان أصحهما أنه لا يجوز وهو قول أصحاب الرأي (والثانية) يجوز وهو قول الشافعي لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين " متفق عليه، وقال في الكسوف " فإذا رأيتموها فصلوا " وهذا خاص في هذه الصلاة فيقدم على النهي العام ولأنها صلوات ذوات سبب أشبهت ما ثبت جوازه ولنا أن كل واحد خاص من وجه إلا أن النهي للتحريم والأمر للندب وترك المحرم أولى من فعل المندوب (فصل) فأما قضاء السنن الراتبة في الوقتين الآخرين فالصحيح أن ركعتي الفجر تقضى بعدها لأن أحمد قال: أنا أختار أن يقضيهما مع الضحى وإن صلاهما بعد الفجر أجزأه لما روى قيس بن فهد قال: رآنى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أصلي ركعتي الفجر بعد صلاة الفجر فقال: " ما هاتان الركعتان يا قيس؟ " قلت يا رسول الله لم أكن صليت ركعتي الفجر فهما هاتان، رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وسكوت النبي صلى الله عليه وسلم يدل على الجواز، وفيه رواية أخرى لا يجوز ذلك وهو قول أصحاب الرأي لعموم أحاديث النهي. ولما روى أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من لم يصل ركعتي الفجر فليصلهما بعد ما تطلع الشمس " رواه الترمذي وحديث قيس مرسل قاله أحمد والترمذي وإذا

كان الأمر هكذا كان تأخيرهما إلى وقت الضحى أحسن ليخرج من الخلاف ولا يخالف عموم الحديث وإن فعلهما جاز لأن هذا الخبر لا يقصر عن الدلالة على الجواز، والصحيح أن السنن الراتبة تقضي بعد العصر لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله فإنه قضى الركعتين اللتين بعد الظهر بعد العصر في حديث أم سلمة الذي ذكرناه والاقتداء بما فعله النبي صلى الله عليه وسلم متعين، ولأن النهي بعد العصر خفيف لما روي في خلافه من الرخصة. وقول عائشة أنه كان ينهى عنها معناه والله أعلم أنه ينهى عنها لغير هذا السبب أو كان يفعلها على الدوام وهذا مذهب الشافعي، وفيه رواية أخرى لا يجوز وهو قول أصحاب الرأي لعموم النهي والأخذ بالحديث الخاص أولى (فصل) ولا فرق بين مكة وغيرها في المنع من التطوع في أوقات النهي، وقال الشافعي لا يمنع لما ذكرنا من حديث جبير بن مطعم ولما روى أبو ذر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " لا يصلين أحد بعد الصبح إلى طلوع الشمس ولا بعد العصر إلى أن تغيب الشمس إلا بمكة قال ذلك ثلاثاً " رواه الدارقطني، ولنا عموم النهي ولأنه معنى يمنع الصلاة فاستوت فيه مكة وغيرها لما ذكرنا من حديث جبير بن مطعم ولما روى أبو ذر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " لا يصلين أحد بعد الصبح إلى طلوع الشمس ولا بعد العصر إلى أن تغيب الشمس إلا بمكة قال ذلك ثلاثاً " رواه الدارقطني، ولنا عموم النهي ولأنه معنى يمنع الصلاة فاستوت فيه مكة وغيرها كالحيض وحديث جبير أراد به ركعتي الطواف وحديث أبي ذر يرويه عبد الله بن المؤمل وهو ضعيف قال (3) يحيى بن معين (فصل) ولا فرق في وقت الزوال بين يوم الجمعة وغيره ولا بين الشتاء والصيف كان عمر بن الخطاب ينهى عنه، وقال ابن مسعود كنا ننهى عن ذلك يعني يوم الجمعة ورخص فيه الحسن وطاوس

_ 3) لعل الاصل:

والاوزاعي والشافعي واسحاق في يوم الجمعة لما روى أبو سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة. رواه أبو داود، ولأن الناس ينتظرون الجمعة في هذا الوقت وليس عليهم قطع النوافل وأباحه عطاء في الشتاء دون الصيف لأن ذلك الوقت حين تسجر جهنم ولنا عموم أحاديث النهي وهي عامة في يوم الجمعة وغيره وفي الصيف والشتاء، ولأنه وقت نهي فاستوى فيه يوم الجمعة وغيره كسائر الأوقات وحديثهم في إسناده ليث وهو ضعيف وهو مرسل أيضا وقولهم أنهم ينتظرون الجمعة قلنا إذا علم وقت النهي فليس له أن يصلي وإن شك فله أن يصلي حتى يعلم لأن الأصل الإباحة فلا تزول بالشك ونحو هذا قال مالك والله أعلم (تم طبع الجزء الاول..) ع 9

بسم الله الرحمن الرحيم، وبه نستعين * (باب صلاة الجماعة) * * (مسألة) * (وهي واجبة للصلوات الخمس على الرجال لا شرطاً) الجماعة واجبة على الرجال المكلفين لكل صلاة مكتوبة، روي نحو ذلك عن ابن مسعود وأبي موسى وبه قال عطاء والاوزاعي وأبو ثور، وقال مالك والثوري وأبو حنيفة والشافعي لا تجب لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " تفضل صلاة الجماعة على صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة " متفق عليه ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على اللذين قالا قد صلينا في رحالنا ولو كانت واجبة لأنكر عليهما، ولأنها لو كانت واجبة لكانت شرطاً لها كالجمعة ولنا قوله تعالى (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة) الآية ولو لم تكن واجبة لرخص فيها حالة الخوف ولم يجز الإخلال بواجبات الصلاة من أجلها وروى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب ليحطب (1) ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها ثم آمر رجلاً فيؤم الناس ثم أخالف إلى رجال لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم " متفق عليه، وفيه ما يدل على أنه أراد الجماعة لأنه لو أراد الجمعة لما هم بالتخلف عنها، وعن أبي هريرة قال أتى النبي صلى الله

_ (1) بدون تاء وفي المغني بالتاء وهما روايتان من عدة روايات للبخاري

باب صلاة الجماعة، مسألة: وهي واجبة للصلوات الخمس على الرجال لا شرطا

عليه وسلم رجل أعمى فقال يا رسول الله ليس لي قائد يقودني إلى المسجد فسأله أن يرخص له أن يصلي في بيته فرخص له فلما ولى دعاه فقال " أتسمع النداء بالصلاة؟ " قال نعم قال " فأجب " رواه مسلم. وإذا لم يرخص للاعمى الذي لا قائد له فغيره أولى قال إبن المنذر وروينا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لابن أم مكتوم " لا أجد لك رخصة " يعني في التخلف عن الجماعة. وعن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ما من ثلاثة في قرية أو بلد لا تقام فيه الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان فعليك بالجماعة فإن الذئب يأكل القاصية " وفي حديث مالك ابن الحويرث " إذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكما وليؤمكما أكبركما " ولمسلم " إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم " أمر وظاهر الأمر الوجوب * (فصل) * وليست شرطاً لصحة الصلاة نص عليه أحمد وقال ابن عقيل تشترط في أحد الوجهين قال وهو الصحيح عندي لما ذكرنا من الأدلة. قال شيخنا وهذا ليس بصحيح للحديثين اللذين ذكرناهما في حجة الخصم ولا نعلم احدا قال بوجوب الإعادة على من صلى وحده الا أنه قد روي عن جماعة من الصحابة منهم ابن مسعود أنهم قالوا: من سمع الندا من غير عذر فلا صلاة له * (فصل) * وتنعقد باثنين فصاعداً بغير خلاف علمناه لما روى أبو موسى أن النبي صلى الله عليه

وسلم قال " الاثنان فما فوقهما جماعة " رواه ابن ماجه ولحديث مالك بن الحويرث، وقد أم النبي صلى الله عليه وسلم ابن عباس مرة وحذيفة مرة ولو أم الرجل عبده أو زوجته أدرك فضيلة الجماعة وإن أم صبياً جاز في التطوع لأن النبي صلى الله عليه وسلم أم ابن عباس وهو صبي وإن أمه في الفرض فقال أحمد لا تنعقد به الجماعة لأنه لا يصلح أن يكون إماماً فيها وعنه يصح ذكرها الآمدي كما لو أم بالغاً متنفلاً * (مسألة) * (وله فعلها في بيته في أصح الروايتين) . ويجوز فعل الجماعة في البيت والصحراء في الصحيح من المذهب وعنه إن حضور المسجد واجب على القريب منه لأنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد " ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا فأيما رجل أدركته الصلاة فليصل " متفق عليه والحديث الذي ذكروه لا نعرفه إلا من قول علي نفسه كذلك رواه سعيد والظاهر أنه إنما أراد الجماعة فعبر بالمسجد عنها لانه محلها ويجوز أن يكون أراد الكمال والفضيلة فان الاخبار الصحيحة دالة على صحة الصلاة في غير المسجد والله أعلم * (فصل) * ويستجب لأهل الثغر الاجتماع في مسجد واحد لأنه أعلى للكلمة وأوقع للهيبة فاذا جاءهم خبر عن عدوهم سمع جميعهم، وكذلك اذا أرادوا التشاور في أمر، وإن جإ عين للكفار أخبر بكثرتهم. قال الأوزاعي لو كان الأمر الي لسمرت أبواب المساجد التي للثغور ليجتمع الناس في مسجد واحد. * (مسألة) * (والافضل لغيرهم الصلاة في المسجد الذي لا تقام فيه الجماعة إلا بحضوره) لأنه يعمره

مسألة: وله فعلها في بيته في أصح الروايتين

باقامة الجماعة فيه ويحصلها لمن يصلي فيه فيحصل له ثواب عمارة المسجد ويحضلها لمن لا يصلى فيه وذلك معدوم في غيره، وكذلك إن كانت تقام فيه مع غيبته ألا إن في قصد غيره كسر قلب إمامه وجماعته فجبر قلوبهم أولى * (مسألة) * (ثم ما كان أكثر جماعة ثم في المسجد العتيق) فإن عدم ما ذكرنا في المسألة التي قبلها ففعلها فيما كان أكثر جماعة أفضل لقول النبي صلى الله عليه وسلم " صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل وما كان أكثر فهو أحب إلى الله تعالى " رواه الإمام أحمد في المسند فإن تساويا في الجماعة فالمسجد العتيق أفضل لأن الطاعة فيه أسبق والعبادة فيه أكثر. وذكر أبو الخطاب إن فعلها في المسجد العتيق أفضل وان قل الجمع فيه لذلك والأول أولى لما ذكرنا من الحديث * (مسألة) * (وهل الأولى قصد الأبعد أو الأقرب) على روايتين. إحداهما قصد الأبعد أفضل لتكثر خطاه في طلب الثواب فتكثر حسناته ولما روى أبو موسى قال قال النبي صلى الله عليه وسلم " أعظم الناس أجراً في الصلاة أبعدهم فأبعدهم ممشى " رواه البخاري والثانية قصد الأقرب لأن له جواراً فكان أحق بصلاته كما أن الجار أحق بهدية جاره ومعروفه لقوله عليه السلام " لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد " * (مسألة) * (ولا يؤم في مسجد قبل إمامه الراتب إلا بإذنه) لأن الامام الراتب بمنزلة صاحب البيت وهو أحق لقوله عليه السلام " لا يؤمن الرجل الرجل في بيته إلا بإذنه " وقد روي عن ابن عمر أنه أتى أرضاً وعندها مسجد يصلي فيه مولى لابن عمر فصلى معهم فسألوه أن يصلي بهم فأبى وقال صاحب المسجد أحق، إلا أن يتأخر لعذر فيصلي غيره لأن أبا بكر صلى حين غاب النبي صلى الله عليه وسلم وفعل ذلك عبد الرحمن بن عوف فقال النبي صلى الله عليه وسلم " أحسنتم " * (مسألة) * (فإن لم يعلم عذره انتظر وروسل) إلا أن يخشى خروج الوقت فيقدم غيره لئلا يفوت الوقت

مسألة: فان لم يعلم عذره انتظر وروسل

* (مسألة) * (فان صلى ثم أقيمت الصلاة وهو في المسجد استحب له إعادتها إلا المغرب فإنه يعيدها ويشفعها برابعة) من صلى فريضة ثم أدرك تلك الصلاة في جماعة استحب له إعادتها أي صلاة كانت إذا كان في المسجد أو دخل المسجد وهم يصلون وهذا قول الحسن والشافعي سواء كان صلاها منفرداً أو في جماعة، وسواء كان مع إمام الحي أو لا. هذا ظاهر كلام أحمد فيما حكاه عنه الاثرم والخرقي قال القاضي وإن كان مع إمام الحي استحب له وإن كان مع غير إمام الحي استحب له اعادة ما سوى الفجر والعصر. وقال أبو الخطاب يستحب له الاعادة مع إمام الحي. وقال مالك إن كان صلى وحده أعاد المغرب وإلا فلا لأن الحديث الدال على الاعادة قال فيه صلينا في رحالنا. وقال أبو حنيفة لا تعاد الفجر ولا العصر ولا المغرب لعموم أحاديث النهي ولأن التطوع لا يكون بوتر. وعن ابن عمر والنخعي تعاد الصلوات كلها إلا الصبح والمغرب. وقال أبو موسى والثوري والاوزاعي تعاد كلها إلا المغرب لما ذكرنا وقال الحكم إلا الصبح وحدها. ولنا حديث يزيد بن الأسود الذي ذكرناه وحديث أبي ذر وهي تدل على محل النزاع وحديث يزيد بن الأسود صريح في صلاة الفجر والعصر في معناها ويدل أيضاً على الإعادة سواء كان مع إمام الحي أو غيره وعلى جميع الصلوات وقد روى أنس قال صلى بنا أبو موسى الغداة في المربد فانتهينا الى المسجد الجامع فأقيمت الصلاة فصلينا مع المغيرة بن شعبة. وعن حذيفة أنه أعاد الظهر والعصر والمغرب وكان قد صلاهن في جماعة رواهما الأثرم * (فصل) * فأما المغرب ففي استحباب اعادتها روايتان. إحداهما يستحب قياساً على سائر الصلوات لما ذكرنا من عموم الاحاديث. والثانية لا يستحب حكاها أبو الخطاب لأن التطوع لا يكون بوتر فان قلنا تستحب اعادتها شفعها برابعة نص عليه أحمد وبه قال الأسود بن يزيد والزهري والشافعي واسحق لما ذكرنا، وروي صلة (1) عن حذيفة أنه قال لما أعاد المغرب قال ذهبت أقوم في الثانية فأجلسني وهذا يحتمل أن يكون أمره بالاقتصار على ركعتين ويحتمل ان أمره بالصلاة مثل صلاة الامام ووجه الأول أن النافلة لا تشرع بوتر والزيادة أولى من النقصان

_ (1) هو بكسر ففتح ابن زفر تابعي ثقة

* (فصل) * فان أقيمت الصلاة وهو خارج المسجد فان كان في وقت نهي لم يستحب له الدخول لما روى مجاهد قال خرجت مع ابن عمر من دار عبد الله بن خالد بن أسيد حتى إذا نظر إلى باب المسجد اذا الناس في الصلاة فلم يزل واقفاً حتى صلى الناس وقال اني قد صليت في البيت فان دخل وصلى فلا بأس لما ذكرنا من خبر أبي موسى وإن كان في غير وقت النهي استحب له الدخول والصلاة معهم لعموم الاحاديث الدالة على إعادة الجماعة * (فصل) * فاذا أعاد الصلاة فالاولى فرضه روى ذلك عن علي رضي الله عنه وهو قول الثوري وأبي حنيفة واسحق والشافعي في الجديد وعن سعيد بن المسيب وعطاء والشعبي التي صلى معهم المكتوبة لأنه روي في حديث يزيد بن الاسود " إذا جئت إلى الصلاة فوجدت الناس فصل معهم وإن كنت قد صليت تكن لك نافلة وهذه مكتوبة " ولنا أن في الحديث الصحيح " تكن لكما نافلة " وقوله في حديث أبي ذر " فإنها لك نافلة " ولأنها قد وقعت فريضة وأسقطت الفرض بدليل أنها لا تجب ثانياً واذا برئت الذمة بالاولى استحال كون الثانية فريضة. قال ابراهيم اذا نوى الرجل صلاة وكتبتها الملائكة فمن يستطيع أن يحولها فما صلى بعده فهو تطوع، وحديثهم لا تصريح فيه فينبغي أن يحمل معناه على ما في الاحاديث الباقية، فعلى هذا لا ينوي الثانية فرضاً بل ينويها ظهراً معادة وان نواها نفلاً صح * (فصل) * ولا تجب الاعادة رواية واحدة قاله القاضي قال وقد ذكر بعض أصحابنا فيه رواية انها تجب مع إمام الحي لظاهر الأمر، ولنا أنها نافلة. والثانية لا تجب وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " لا تصلى صلاة في يوم مرتين " رواه أبو داود ومعناه والله أعلم واجبتان. ويحمل الأمر على الاستحباب فعلى هذا إذا قصد الاعادة فلم يدرك الا ركعتين فقال الآمدي يجوز أن يسلم معهم وأن يتمها أربعاً لانها نافلة والمنصوص أنه يتمها أربعاً لقوله عليه السلام " وما فاتكم فأتموا " * (مسألة) * (ولا تكره إعادة الجماعة في غير المساجد الثلاثة) معنى إعادة الجماعة انه اذا صلى إمام الحي وحضر جماعة أخرى استحب لهم أن يصلوا جماعة وهذا قول ابن مسعود وعطاء والحسن والنخعي واسحق. وقال مالك والثوري والليث وابو حنيفة والشافعي لا تعاد الجماعة في مسجد له

مسألة: ولا تكره إعادة الجماعة في غير المساجد الثلاثة

إمام راتب في غير ممر الناس ومن فاتته الجماعة صلى منفرداً لئلا يفضي إلى اختلاف القلوب والعداوة والتهاون في الصلاة مع الإمام، ولأنه مسجد له إمام راتب فكره فيه إعادة الجماعة كالمسجد الحرام ولنا عموم عليه السلام " صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة " وروى أبو سعيد قال جاء رجل - وقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - فقال " أيكم يتجر على هذا؟ " فقام رجل فصلى معه قال الترمذي هذا حديث حسن ورواه الأثرم وفيه فقال " ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه؟ " وروى بإسناده عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله وزاد فلما صليا قال " وهذان جماعة " ولأنه قادر على الجماعة فاستحب له كالمسجد الذي في ممر الناس وما قاسوا عليه ممنوع * (فصل) * فأما اعادتها في المسجد الحرام ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم والمسجد الأقصى فقد روي عن أحمد كراهته وذكره أصحابنا لئلا يتوانى الناس في حضور الجماعة مع الامام الراتب فيها اذا أمكنتهم الصلاة مع الجماعة مع غيره، وظاهر خبر أبي سعيد وأبي أمامة أنه لا يكره لأن الظاهر أن ذلك كان في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ولأن المعنى يقتضيه لأن حصول فضيلة الجماعة فيها كحصولها في غيرها والله أعلم * (مسألة) * (واذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة) متى أقيمت الصلاة المكتوبة لم يشتغل عنها بغيرها لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة " منفق عليه. وروي ذلك عن أبي هريرة وكان عمر يضرب على صلاة بعد الاقامة وكرهه سعيد بن جبير وابن سيرين وعروة والشافعي واسحق وأباح قوم ركعتي الفجر والامام يصلي، روى ذلك عن ابن مسعود وروي عن ابن عمر أنه دخل المسجد والناس في الصلاة فدخل بيت حفصة فصلى ركعتين ثم خرج إلى

مسألة: واذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة

المسجد فصلى وهذا قول مسروق والحسن، وقال مالك إن لم يخف أن تفوته الركعة فليركع. وقال الأوزاعي اركعهما ما تيقنت انك تدرك الركعة الاخيرة ونحوه قول أبي حنيفة والأول أولى لما ذكرنا * (مسألة) * (وإن أقيمت وهو في نافلة أتمها خفيفة) لقول الله تعالى (ولا تبطلوا أعمالكم) إلا أن يخاف فوات الجماعة فيقطعها لأن الفريضة أهم من النافلة وعنه يتمها للآية التي ذكرها * (فصل) * ومن كبر قبل سلام الامام فقد أدرك الجماعة. يعني أنه يبني عليها ولا يجدد إحراماً لأنه أدرك جزءاً من صلاة الإمام أشبه ما لو أدرك ركعة ولأنه اذا أدرك جزءاً من صلاة الإمام فأحرم معه لزمه أن ينوي الصفة التي هو عليها وهو كونه مأموماً فينبغي أن يدرك فضل الجماعة * (مسألة) * قال (ومن أدرك الركوع فقد أدرك الركعة) لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " من أدرك الركوع فقد أدرك الركعة " رواه أبو داود (1) ولأنه لم يفته من الاركان إلا القيام وهو يأتي به مع تكبيرة الاحرام ثم يدرك مع الامام بقية الركعة وانما تحصل له الركعة اذا اجتمع مع الإمام في الركوع بحيث ينتهي إلى قدر الإجزاء من الركوع قبل أن يزول الامام عن قدر الاجزاء منه فان أدرك الركوع ولم يدرك الظمأنينة فعلى وجهين ذكرهما ابن عقيل وعليه أن يأتي بالتكبير في حال قيامه فأما إن أتى به أو ببعضه بعد أن انتهى في الانحناء الى قدر الركوع لم يجزئه لأنه أتي بها في غير محلها ولأنه يفوته القيام وهو من أركان الصلاة إلا في النافلة لأنه لا يشترط لها القيام * (مسألة) * (وأجزأته تكبيرة واحدة والأفضل اثنتان) وجملة ذلك أن من أدرك الإمام في الركوع أجزائه تكبيرة واحدة وهي تكبيرة الاحرام التي ذكرناها وهي ركن لا تسقط بحال وتسقط تكبيرة الركوع ها هنا نص عليه أحمد في رواية أبي داود وصالح، روى ذلك (عن) زيد بن ثابت وسعيد بن المسيب وعطاء والحسن والثوري والشافعي ومالك وأصحاب الرأي، وعن عمر بن عبد العزيز عليه تكبيرتان وهو قول حماد بن أبي سليمان قال شيخنا، والظاهر أنهما أرادا الاولى له تكبيرتان فيكون موافقاً لقول الجماعة فان عمر ابن عبد العزيز قد نقل عنه أنه كان ممن لا يتم التكبير ووجه القول الأول أن هذا قد روي عن زيد ابن ثابت وابن عمر ولا يعرف لهما مخالف من الصحابة فيكون إجماعاً ولأنه اجتمع واجبان من جنس واحد في محل واحد أحدهما ركن فسقط به الآخر كما لو طاف (في) الحج طواف الزيارة عند خروجه من مكة فانه يجزيه عن طواف الوداع وقال القاضي إن نوى بها تكبيرة الاحرام وحدها أجزاه وإن نواهما لم يجزه في الظاهر من قول أحمد لأنه شرك بين الواجب وغيره في النية أشبه ما لو عطس عند رفع رأسه من الركوع فقال ربنا ولك الحمد ينويهما فإن أحمد قد نص في هذا أنه لا يجزيه وهذا القول يخالف منصوص أحمد فإنه قد قال في رواية ابنه صالح فيمن جاء والامام راكع كبر تكبيرة

_ (1) في هامش الاصل ينظر في هذا الحديث فما أظن أبا داود رواه أقول بل روي من حديث لابي هريرة " ومن أدرك الركعة فقد أدرك الصلاة " وقد فسروا الركعة بالركوع وهو ضعيف في اسناده يحيي المديني قال البخاري منكر الحديث ... وفي الصحيحين عن أبي هريرة " من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة " وفي رواية لمسلم زيادة " مع الامام "

مسألة: وأجزأته تكبيرة واحدة والأفضل اثنتان

واحدة قيل له ينوي بها الافتتاح قال نوى أو لم ينو أليس قد جاء وهو يريد الصلاة ولأن نية الركوع لا تنافي نية الافتتاح ولهذا حكمنا بدخوله في الصلاة بهذه النية ولم تؤثر نية الركوع في فسادها، ولا يجوز ترك نص الامام لقياس نصه في موضع آخر كما لا يترك نص الله تعالى وسنة رسوله بالقياس وهذا لا يشبه ما قاس عليه القاضي فان التكبيرتين من جملة العبادة بخلاف حمد الله في العطاس فإنه ليس من جملة الصلاة فقياسه على الطوافين أولى لكونهما من أجزاء العبادة والأفضل تكبيرتان نص عليه. قال أبو داود قلت لأحمد يكبر مرتين أحب اليك قال إن كبر تكبيرتين ليس فيه اختلاف وإن نوى تكبيرة الركوع خاصة لم يجزه لأن تكبيرة الاحرام ركن ولم يأت بها * (فصل) * فإن أدرك الإمام في ركن غير الركوع لم يكبر إلا تكبيرة الافتتاح وينحط بغير تكبير لأنه لا يعتد له به وقد فاته محل التكبير وإن أدركه في السجود أو في التشهد الأول كبر في حال قيامه مع الامام الى الثالثة لأنه مأموم له فيتابعه في التكبير من أدرك الركعة معه من أولها. وان سلم الامام قام المأموم الى القضاء بتكبير وبه قال مالك والثوري واسحق وقال الشافعي يقوم بغير تكبير لأنه قد كبر في ابتداء الركعة ولا إمام له يتابعه. ولنا أنه قام في الصلاة إلى ركن معتد به فيكبر كالقائم من التشهد الاول وكما لو قام مع الإمام ولا نسلم أنه كبر في ابتداء الركعة فان ما كبر فيه لم يكن من الركعة إذ ليس في أول الركعة سجود ولا تشهد وانما ابتداء الركعة قيامه فينبغي أن يكبر فيه * (فصل) * ويستحب لمن أدرك الإمام في حال متابعته فيه وإن لم يعتد له به لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود فاسجدوا ولا تعدوها شيئاً ومن أدرك الركوع فقد أدرك الركعة " رواه أبو داود وروى الترمذي عن معاذ قال قال النبي صلى الله عليه وسلم " إذا جاء أحدكم والإمام على حال فليصنع كما يصنع الإمام " (1) قال الترمذي والعمل على هذا عند أهل العلم قالوا اذا جاء الرجل والامام ساجد فليسجد ولا تجزيه تلك الركعة قال بعضهم لعله أن لا يرفع رأسه من السجدة حتى يغفر له * (مسألة) * (وما أدرك مع الإمام فهو آخر صلاته وما يقضيه فهو أولها يستفتح له ويتعوذ ويقرأ السورة) هذا هو المشهور من المذهب، ويروى ذلك عن ابن عمر ومجاهد وابن سيرين ومالك والثوري وحكي عن الشافعي وأبي حنيفة وأبي يوسف لقول النبي صلى الله عليه وسلم " وما فاتكم فاقضوا " متفق عليه والمقضي هو الفائت فينبغي أن يكون على صفته. فعلى هذا يستفتح له ويستعيذ ويقرأ السورة وعنه أن الذي يدرك أول صلاته والمقضي آخرها وبه قال سعيد بن المسيب والحسن وعمر بن عبد العزيز واسحق وهو قول الشافعي ورواية عن مالك واختاره ابن المنذر لقوله عليه السلام " وما فاتكم فأتموا "

_ (1) قال الحافظ في التلخيص فيه ضعف وانقطاع

مسألة: وما أدرك مع الامام فهو آخر صلاته وما يقضيه فهو أولها يستفتح له ويتعوذ ويقرأ السورة

فعلى هذه الرواية لا يستفتح. وأما الاستعاذة فإن قلنا تسن في كل ركعة استعاذ وإلا فلا. وأما السورة بعد الفاتحة فيقرأها على كل حال قال شيحنا لا أعلم خلافاً بين الأئمة الأربعة في قراءة الفاتحة وسورة وهذا مما يقوي الرواية الأولى فإن لم يدرك إلا ركعة من المغرب أو الرباعية ففي موضع تشهده روايتان إحداهما يستفتح ويأتي بركعتين متواليتين ثم يتشهد فعل ذلك جندب لأن المقضي أول صلاته وهذه صفة أولها ولانهما ركعتان يقرأ فيهما السورة فكانا متواليتين كغير المسبوق. والثانية يأتي بركعة يقرأ فيها بالحمد وسورة ثم يجلس ثم يقوم فيأتي بأخرى يقرأ فيها بالحمد وحدها نقلها صالح وأبو داود والاثرم فعل ذلك مسروق وبه قال عبد الله بن مسعود وهو قول سعيد بن المسيب وأيما فعل من ذلك جاز آن شاء الله لأنه يروى أن مسروقاً وجندباً ذكرا عند عبد الله بن مسعود فصوب فعل مسروق ولم ينكر فعل جندب ولا أمره باعادة الصلاة والله أعلم * (مسألة) * (ولا تجب القراءة على المأموم) هذا قول أكثر أهل العلم وممن كان لا يرى القراءة خلف الإمام علي وابن عباس وابن مسعود وأبو سعيد وزيد بن ثابت وعقبة بن عامر وجابر وابن عمر وحذيفة بن اليمان وبه يقول الثوري وابن عيينة وأصحاب الرأي ومالك والزهري والاسود وابراهيم وسعيد بن جبير. قال ابن سيرين لا أعلم من السنة القراءة خلف الإمام وقال الشافعي وداود تجب القراءة لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب " متفق عليه وعن عبادة قال كنا خلف النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ فثقلت عليه القراءة فلما فرغ قال " لعلكم تقرأون خلف إمامكم؟ " قلنا نعم يا رسول الله قال " لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها " رواه أبو داود، وعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج فهي خداج غير تمام " قال الراوي فقلت يا أبا هريرة إني أكون أحياناً وراء الإمام قال فغمزني في ذراعي وقال اقرأ بها في نفسك يا فارسي رواه مسلم، ولأنها ركن من أركان الصلاة فلم تسقط عن المأموم كسائر الأركان، ولأن من لزمه القيام لزمته القراءة إذا قدر عليها كالمنفرد. ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة " رواه الحسن ابن صالح عن ليث بن سليم فإن قيل: ليث بن سليم ضعيف قلنا قد رواه الإمام أحمد: ثنا أسود بن عامر ثنا الحسن بن صالح عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا اسناد صحيح متصل رجاله كلهم ثقات، الاسود بن عامر روى له البخاري والحسن بن صالح أدرك أبا الزبير ولد قبل وفاته بنيف وعشرين سنة وروى من طرق خمسة سوى هذا. وروي أيضاً عن ابن عباس وعمران ابن حصين وأبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم أخرجهن الدارقطني ورواه عبد الله بن شداد

مسألة: ولا تجب القراءة على المأموم

عن النبي صلى الله عليه وسلم أخرجه الإمام أحمد وسعيد بن منصور وغيرهما، وروي عن علي عليه السلام أنه قال ليس على الفطرة من قرأ خلف الإمام، وقال ابن مسعود وددت ان من قرأ خلف الامام ملئ فوه تراباً ولأن القراءة لو وجبت على المأموم لما سقطت عن المسبوق كسائر الأركان. وأما أحاديثهم فالحديث الاول الصحيح محمول على غير المأموم وكذلك حديث أبي هريرة وقد جاء مصرحاً به فروى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " كل صلاة لا يقرأ فيها بأم الكتاب فهي خداج إلا وراء الامام " رواه الخلال، وقول أبي هريرة اقرأ بها في نفسك من كلامه ورأيه قد خالفه غيره من الصحابة وحديث عبادة لم يروه غير ابن إسحق ونافع بن محمود بن الربيع وهو أدنى حالا من ابن إسحق وقياسهم على المنفرد لا يصح لأن المنفرد ليس له من يتحمل عنه القراءة بخلاف المأموم * (مسألة) * (ويستحب أن يقرأ في سكتات الامام وما لا يجهر فيه أو لا يسمعه لبعده فإن لم يسمعه لطرش فعلى وجهين) وهو قول جماعة من أهل العلم روي نحوه عن عبد الله بن عمر وهو قول مجاهد والحسن والشعبي وسعيد بن المسيب وعروة وغيرهم قال أبو سلمة بن عبد الرحمن للامام سكتتان فاغتنم فيهما القراءة بفاتحة الكتاب إذا دخل في الصلاة واذا قال ولا الضالين، وقال عروة أما أنا فأغتنم من الامام اثنتين اذا قال غير المغضوب عليهم ولا الضالين فأقرأ عندها وحين يختم السورة فأقرءوا قبل أن يركع، وهذا قول الشافعي، وقالت طائفة لا يقرأ خلف الامام في سر ولا جهر يروي ذلك عن تسعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرناهم في المسألة قبلها رواه سعيد في سننه. وقال إبراهيم النخعي انما أحدث الناس القراءة وراء الامام زمان المختار لأنه كان يصلي بهم صلاة النهار دون الليل فاتهموه فقرأوا خلفه، وكره ابراهيم القراءة خلف الإمام وقال يكفيك قراءة الامام وهذا قول ابن عيينة والثوري وأصحاب الرأي لما روى جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة " ولأنه مأموم فلم يقرأ كحالة الجهر ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا أسررت بقراءتي فاقرأوا " رواه الدارقطني ولقول الراوي في الحديث الصحيح فانتهى الناس أن يقرأوا فيما جهر فيه النبي صلى الله عليه وسلم كذلك رواه الإمام أحمد وسعيد بن منصور والقياس في حالة الجهر لا يصح لأنه أمر فيها بالانصات لاستماع قراءة الامام بخلاف هذا. إذا ثبت هذا فإنه يقرأ في حالة الجهر في سكتات الامام بالفاتحة وفي حال الاسرار يقرأ بالفاتحة وسورة كالامام والمنفرد * (فصل) * فإن لم يسمع الامام في حال الجهر لبعده قرأ نص عليه قيل له أليس قد قال الله تعالى (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) قال هذا الى أي شئ يستمع قيل له فالاطروش قال لا أدري قال شيخنا وهذا ينظر فيه فإن كان بعيداً قرأ أيضاً وإن كان قريباً قرأ في نفسه بحيث لا يشتغل من

مسألة: ويستحب أن يقرأ في سكتات الامام ومالا يجهر فيه أو لا يسمعه لبعده فان لم يسمعه لطرش فعلى وجهين

الى جانبه عن الاستماع لأنه في معنى البعيد ولا يقرأ (اذا) كان يخلط على من يقرب اليه ويشغله عن الاستماع وفيه وجه آخر لا يقرأ اذا كان قريباً لئلا يخلط على الإمام ولأنه لو كان في موضعه من يسمع لم يقرأ أشبه السميع، وإن سمع همهمة الامام ولم يفهم فقال في رواية الجماعة لا يقرأ وقال في رواية عبد الله يقرأ اذا سمع الحرف بعد الحرف * (فصل) * ولا يستحب للمأموم القراءة وهو يسمع قراءة الإمام بالحمد ولا بغيرها وبه قال سعيد ابن المسيب وعروة وأبو سلمة بن عبد الرحمن والزهري وكثير من السلف والثوري وابن عيينة وابن المبارك وأصحاب الراي وهو أحد قولي الشافعي والقول الآخر قال يقرأ ونحوه عن الليث وابن عون ومكحول لما ذكرنا من الاحاديث. والمعنى على وجوب القراءة على المأموم. ولنا قوله تعالى (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون) قال سعيد بن المسيب ومحمد بن كعب والزهري وابراهيم والحسن أنها نزلت في شأن الصلاة، قال أحمد في رواية أبي داود أجمع الناس على أن هذه الآية في الصلاة، وروى ابو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم " إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا وإذا قرأ فأنصتوا " رواه سعيد بن منصور، وروى أبو موسى قال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبنا فبين لنا سنتنا وعلمنا صلاتنا فقال " إذا صليتم فأقيموا صفوفكم وليؤمكم أحدكم فإذا كبر فكبروا وإذا قرأ فأنصتوا " رواه مسلم، وروى أبو هريرة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " مالي أنازع القرآن " فانتهى الناس أن يقرأوا فيما جهر فيه النبي صلى الله عليه وسلم. رواه مالك بمعناه وقال الترمذي حديث حسن ولأنه إجماع، قال أحمد ما سمعت احدا من أهل الاسلام يقول أن الإمام إذا جهر بالقراءة لا تجزي صلاة من خلفه اذا لم يقرأ، وقال: هذا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعون وهذا مالك في أهل الحجاز وهذا الثوري في أهل العراق وهذا الأوزاعي في أهل الشام، وأما الأحاديث فقد أجبنا عنها فيما مضى ولأنها قراءة لا تجب على المسبوق فلا تجب على غيره كقراءة السورة * (فصل) * قال أبو داود قيل لأحمد اذا قرأ المأموم بفاتحة الكتاب ثم سمع قراءة الامام قال يقطع اذا سمع قراءة الامام وينصت للقراءة وذلك لما ذكرنا من الآية والأخبار * (مسألة) * (وهل يستفتح ويستعيذ فيما يجهر فيه الامام؟ على روايتين) أما في حال قراءة إمامه فلا يستفتح ولا يستعيذ لأنه اذا سقطت القراءة عنه كيلا يشتغل عن استماع قراءة الامام فالاستفتاح أولى ولأن قوله تعالى (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) يتناول كل ما يشتغل عن الانصات من الاستفتاح وغيره ولأن الاستعاذة انما شرعت من أجل القراءة فاذا سقطت القراءة سقط التبع، وإن سكت الامام قدراً يتسع لذلك ففيه روايتان إحداهما يستفتح ولا يستعيذ اختاره القاضي لأنه أمكن للاستفتاح من غير اشتغال عن الانصات وفيه رواية أنه يستفتح ويستعيذ

مسألة: ومن ركع أو سجد قبل إمامه فعليه أ، يرفع ليأتي به بعده فإن لم يفعل عمدا بطلت صلاته عند أصحابنا إلا القاضي

لما ذكرنا. والثانية لا يستفتح لأنه يشغله عن القراءة وهي أهم منه، وأما المأموم في صلاة الاسرار فانه يستفتح ويستعيذ نص عليه أحمد فقال إذا كان ممن يقرأ خلف الامام تعوذ قال الله تعالى (فإذا قرأت فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) * (مسألة) * (ومن ركع أو سجد قبل إمامه فعليه أن يرفع ليأتي به بعده فان لم يفعل عمدا بطلت صلاته عند أصحابنا إلا القاضي) وجملة ذلك أنه لا يجوز أن يسبق إمامه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود ولا بالقيام " رواه مسلم، وعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار أو يجعل صورته صورة حمار " متفق عليه. فإن فعل ذلك عامداً أثم وتبطل صلاته في ظاهر كلام أحمد فإنه قال ليس لمن سبق الامام صلاة لو كان له صلاة لرجي له الثواب ولم يخش عليه العقاب. وذلك لما ذكرنا من الحديثين، وروي عن ابن مسعود أنه نظر إلى من سبق الامام فقال: لا وحدك صليت ولا بإمامك اقتديت. ولأنه لم يأتم بإمامه في الركن أشبه ما إذا سبقه بتكبيرة الاحرام، وإن كان جاهلاً أو ناسياً لم تبطل صلاته لأنه سبق يسير، ولقوله عليه السلام " عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان " وقال ابن حامد في ذلك وجهان وقال عندي أنه يصح لأنه اجتمع معه في الركن أشبه ما لو ركع معه ابتداء صح وهذا اختيار ابن عقيل وعليه أن يرفع ليأتي به بعده ليكون مؤتماً بإمامه فان لم يفعل عمدا بطلت صلاته عند أصحابنا لأنه ترك الواجب عمدا. وقال القاضي لا تبطل لأنه سبق يسير * (مسألة) * (فإن ركع ورفع قبل ركوع إمامه عالماً عمداً فهل تبطل صلاته؟ على وجهين) وكذلك ذكره أبو الخطاب أحدهما تبطل للنهي. والثاني لا تبطل لأنه سبقه بركن واحد فهي كالتي قبلها. قال ابن عقيل اختلف أصحابنا فقال بعضهم تبطل الصلاة بالسبق بأي ركن من الاركان ركوعاً كان أو سجوداً أو قياما أو قعودا، وقال بعضهم السبق المبطل مختص بالركوع لأنه الذي يحصل به ادراك الركعة وتفوت بفواته فجاز أن يختص بطلان الصلاة بالسبق به، وإن كان جاهلاً أو ناسياً لم تبطل صلاته لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان " وهل تبطل الركعة، فيه روايتان: إحداهما تبطل لأنه لا يقتدي بإمامه في الركوع أشبه ما لو لم يدركه والأخرى لا تبطل للخبر. فأما إن ركع قبل ركوع إمامه فلما ركع الامام سجد قبل رفعه بطلت صلاته إن كان عمداً لأنه لم يقتد بإمامه في أكثر الركعة وإن فعله جاهلاً أو ناسياً لم تبطل للحديث ولم يعتد بتلك الركعة لعدم اقتدائه بإمامه فيها * (فصل) * فإن سبق الامام المأموم بركن كامل مثل أن يركع ويرفع قبل ركوع المأموم لعذر من نعاس أو غفلة أو زحام أو عجلة الامام فانه يفعل ما سبق به ويدرك إمامه ولا شئ عليه نص عليه

مسألة: فإن ركع ورفع قبل ركوع إمامه عالما عمدا فهل تبطل صلاته؟ على وجهين

أحمد في رواية المروذي. قال شيخنا وهذا لا أعلم فيه خلافاً. وحكي في المستوعب رواية أنه لا يعتد بتلك الركعة وان سبقه بركعة كاملة أو أكثر فانه يتبع إمامه ويقضي ما سبقه به كالمسبوق. قال أحمد في رجل نعس خلف الامام حتى صلى ركعتين قال كأنه أدرك ركعتين، فاذا سلم الامام صلى ركعتين وعنه يعيد الصلاة، وإن سبقه بأكثر من ركن وأقل من ركعة ثم زال عذره فالمنصوص عن أحمد أنه يتبع إمامه ولا يعتد بتلك الركعة. وظاهر هذا أنه إن سبقه بركنين بطلت تلك الركعة وإن سبق بأقل من ذلك فعله وأدرك إمامه، وقد قال بعض أصحابنا فيمن زحم عن السجود يوم الجمعة ينتظر زوال الزحام ثم يسجد ويتبع الامام ما لم يخف فوات الركوع في الثانية مع الامام. فعلى هذا يفعل ما فاته وإن كان أكثر من ركن وهو قول الشافعي لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله بأصحابه حين صلى بهم بعسفان صلاة الخوف فأقامهم خلفه صفين فسجد معه الصف الاول والصف الثاني قيام حتى قام النبي صلى الله عليه وسلم إلى الثانية فسجد معه الصف الثاني ثم تبعه وجاز ذلك للعذر فهذا مثله. وقال مالك إن أدركهم المسبوق في أول سجودهم سجد معهم واعتد بها، وإن علم أنه لا يقدر على الركوع وأدركهم في السجود حتى يستووا قياماً أتبعهم فيما بقي من صلاتهم ثم يقضي ركعة ثم يسجد للسهو. وهذا قول الأوزاعي إلا أنه لم يجعل عليه سجود سهو. قال شيخنا والأولى في هذا والله أعلم أنه ما كان على قياس فعل النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الخوف فان غير المنصوص عليه يرد الى الأقرب من المنصوص عليه وان فعل ذلك لغير عذر بطلت صلاته لأنه ترك الائتمام بإمامه عمداً والله أعلم (فصل) فإن سبق المأموم الامام بالقراءة لم تبطل صلاته رواية واحدة * (مسألة) * (ويستحب للامام تخفيف الصلاة مع إتمامها) لقول عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أخف الناس صلاة في تمام، وروي عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أيها الناس إن منكم منفرين فأيكم صلى بالناس فليجوز فإن فيهم الضعيف والكبير وذا الحاجة " متفق عليه وقال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ " أفتان أنت؟ ثلاث مرار فلولا صليت بسبح اسم ربك الأعلى، والشمس وضحاها، والليل إذا يغشى. فإنه يصلي وراءك الضعيف والكبير وذو الحاجة " رواه البخاري وهذا لفظه، ورواه مسلم * (مسألة) * (ويستحب تطويل الركعة الاولى أطول من الثانية) . يستحب تطويل الركعة الاولى من كل صلاة ليلحقه القاصد للصلاة. وقال الشافعي تكون الاوليان سواء. وقال أبو حنيفة يطول الاولى من صلاة الصبح خاصة ووافق قول الشافعي في غيرها وذلك لحديث أبي سعيد حزرنا قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الركعتين الاوليين من الظهر قدر ثلثين آية، ولأن الآخرتين متساويتان فكذلك الأوليان ولنا ما روى أبو قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الركعتين الأوليين من صلاة

مسألة: ويستحب للامام تخفيف الصلاة مع إتمامها

الظهر بفاتحة الكتاب وسورتين يطول في الأولى ويقصر في الثانية ويسمع الآية أحياناً وكان يقرأ في العصر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورتين ويطول في الأولى ويقصر في الثانية وكان يطول في الأولى من صلاة الصبح متفق عليه وروى عبد الله بن أبي أوفى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم في الركعة الاولى من صلاة الظهر حتى لا يسمع وقع قدم. فأما حديث أبي سعيد فرواه ابن ماجة وفيه وفي الركعة الأخرى قدر النصف من ذلك وهو أولى لموافقته للأحاديث الصحيحة ثم لو قدر التعارض وجب تقديم حديث أبي قتادة لصحته ولتضمنه الزيادة وهو التفريق بين الركعتين. وروى أبو سعيد أن الصلاة كانت تقام ثم يخرج أحدنا يقضي حاجته ويتوضأ ثم يدرك الركعة الاولى مع النبي صلى الله عليه وسلم قال أحمد في الامام يطول في الثانية يعني أكثر من الأولى يقال له في هذا يعلم * (مسألة) * (ولا يستحب انتظار داخل وهو في الركوع في إحدى الروايتين) . متى أحس بداخل في حال القيام أو الركوع يريد الصلاة معه وكانت الجماعة كثيرة في انتظاره لأنه يبعد أن لا يكون فيهم من يشق عليهم وكذلك إن كانت الجماعة يسيرة والانتظار يشق عليهم لأن الذين معه أعظم حرمة من الداخل فلا يشق عليهم لنفعه وإن لم يكن كذلك استحب انتظاره وهذا مذهب ابي مخلد والشعبي والنخعي واسحاق. وقال الاوزاعي وأبو حنيفة والشافعي لا ينتظره وهو رواية أخرى لأن انتظاره تشريك في العبادة فلا يشرع كالرياء ولنا أنه انتظار ينفع ولا يشق فشرع كتطويل الركعة الاولى وتخفيف الصلاة. وقد قال عليه السلام " من أم الناس فليخفف فإن فيهم الكبير والضعيف وذا الحاجة " وقد شرع الانتظار في صلاة الخوف لتدرك الطائفة الثانية وكان صلى الله عليه وسلم ينتظر الجماعة فقال جابر كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي العشاء أحياناً وأحياناً، إذا رآهم اجتمعوا عجل وإذا رآهم بطؤا أخر، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يطيل الركعة الأولى حتى لا يسمع وقع قدم وأطال السجود حين ركب الحسن على ظهره وقال " إن ابني هذا ارتحلني فكرهت أن أعجله " وبهذا كله يبطل ما ذكروه وقال القاضي الانتظار جائز غير مستحب فإنما ينتظر من كان ذا حرمة كأهل العلم ونظرائهم من أهل الفضل * (مسألة) * (وإذا استأذنت المرأة إلى المسجد كره منعها وبيتها خير لها) لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا تمنعوا ماء الله مساجد الله وليخرجن تفلات " يعني غير متطيبات. رواه أبو داود ويخرجن غير متطيبات لهذا الحديث ويباح لهن حضور الجماعة مع الرجال لقول عائشة كان النساء يصلين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ينصرفن متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس متفق عليه وصلاتهن في بيوتهن أفضل لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها " رواه أبو داود

مسألة: ولا يستحب انتظار داخل وهو في الركوع في إحدى الروايتين

(فصل في الامامة) (السنة أن يؤم القيامة اقرؤهم) يعني ان القارئ مقدم على الفقيه وغيره ولا خلاف في التقديم بالقراءة والفقه واختلف في أيهما يقدم فذهب أحمد رحمه الله إلى تقديم القارئ وهو قول ابن سيرين والثوري وابن المنذر واسحق وأصحاب الرأي. وقال عطاء ومالك والاوزاعي والشافعي يقدم الافقه اذا كان يقرأ ما يكفي في الصلاة لأنه قد ينوبه في الصلاه مالا يدري ما يفعل فيه إلا بالفقه فيكون اولى كالامامة الكبرى والحكم ولنا ما روى أبو مسعود البدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله تعالى فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سناً - أو قال - سلماً " وعن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا اجتمع ثلاثة فليؤمهم أحدهم وأحقهم بالإمامة أقرؤهم " رواهما مسلم ولما قدم المهاجرون الأولون كان يؤمهم سالم مولى أبي حذيفة وفيهم عمر بن الخطاب وفي حديث عمرو بن سلمة قال " ليؤمكم أكثركم قرآناً " فإن قيل إنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتقديم القارئ لأن الصحابة كان أقرأهم أفقههم وأنهم كانوا اذا قرأوا القرآن تعلموا معه أحكامه قال ابن مسعود كنا لا نجاوز عشر آيات حتى نعرف أمرها ونهيها وأحكامها قلنا اللفظ عام فيجب الأخذ بعمومه على أن في الحديث ما يبطل هذا التأويل وهو قوله

وان استووا فأعلمهم بالسنة ففاضل بينهم في العلم بالسنة مع تساويهم في القراءة ولو كان كما قالوا للزم من التساوي في القراءة التساوي في الفقه وقد نقلهم مع التساوي في القراءة الى الأعلم بالسنة وقال صلى الله عليه وسلم " أقرؤكم أبي وأقضاكم علي وأعلمكم بالحلال والحرام معاذ بن جبل " ففضل بالفقه من هو مفضول بالقراءة قيل لأبي عبد الله حديث النبي صلى الله عليه وسلم مروا أبا بكر يصلي بالناس أهو خلاف أبي مسعود؟ قال لا إنما قوله لأبي بكر عندي يصلي بالناس للخلافة يعني أن الخليفة أحق بالامامة (فصل) ويرجح أحد القارئين على الآخر بكثرة القرآن لحديث عمر بن سلمة، وان تساويا في قدر ما يحفظ كل واحد منهما وكان أحدهما أجود قراءة واعراباً فهو أولى لأنه اقرأ وإن كان أحدهما أكثر حفظاً والآخر أقل لحناً وأجود قراءة قدم لأنه أعظم أجراً في قراءته لقوله عليه السلام " من قرأ القرآن فأعربه فله بكل حرف عشر حسنات ومن قرأ ولحن فيه فله بكل حرف حسنة " رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح. وقال أبو بكر وعمر رضي الله عنهما اعراب القرآن أحب إلي من حفظ بعض حروفه. وان اجتمع قارئ لا يعرف أحكام الصلاة فكذلك للخبر وقال ابن عقيل يقدم الأفقه لأنه يمتاز بما لا يستغني عنه في الصلاة

مسألة: ثم أفقههم ثم أسنهم ثم أقدمهم هجرة ثم أشرفهم ثم أتقاهم ثم من تقع له القرعة متى استووا في القراءة

* (مسألة) * ثم أفقههم ثم أسنهم ثم أقدمهم هجرة ثم أشرفهم ثم أتقاهم ثم من تقع له القرعة متى استووا في القراءة وكان أحدهما أفقه قدم لما ذكرنا من الحديث ولأن الفقه يحتاج إليه في الصلاة للإتيان بواجباتها وأركانها وشرطوها وسننها وجبرها إن احتاج إليه فإن اجتمع فقيهان قارئان أحدهما أقرأ والآخر أفقه قدم الأقرأ للحديث نص عليه وقال ابن عقيل يقدم الافقه لتميزه بما لا يستغني عنه في الصلاة وهذا يخالف الحديث المذكور فلا يعول عليه فإن اجتمع فقيهان أحدهما أعلم بأحكام الصلاة والآخر أعلم بما سواها قدم الأعلم بأحكام الصلاة لأن علمه يؤثر في تكميل الصلاة بخلاف الآخر (فصل) فإن استووا في القراءة والفقه فقال شيخنا ها هنا يقدم أسنهم يعني أكبرهم سناً وهو اختيار الخرقي لقول النبي صلى الله عليه وسلم لمالك بن الحويرث " إذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكما وليؤمكما أكبركما " متفق عليه ولأن الأسن أحق بالتوقير والتقديم وظاهر كلام أحمد أنه يقدم أقدمهما هجرة ثم أسنهما لحديث أبي مسعود فإنه مرتب هكذا قال الخطابي وعلى هذا الترتيب أكثر أقاويل العلماء ومعنى تقديم الهجرة أن يكون أحدهما أسبق هجرة من دار الحرب إلى دار الإسلام وإنما يقدم بها لأنها قربة وطاعة فإن عدم ذلك إما لاستوائهما فيها أو عدمها قدم أسنهما لما ذكرنا وقال ابن حامد أحقهم بعد القراءة والفقه أشرفهم ثم أقدمهم هجرة ثم أسنهم والصحيح ما دل عليه حديث النبي صلى الله عليه وسلم من تقديم السابق بالهجرة ثم الاسن ويرجح بتقديم الاسلام كتقديم الهجرة

لأن في بعض ألفاظ حديث أبي مسعود " فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلما " ولأن الإسلام أقدم من الهجرة فإذا قدم بالهجرة فأولى أن يتقدم بالإسلام فإذا استووا في جميع ذلك قدم أشرفهم والشرف يكون بعلو النسب وبكونه أفضل في نفسه وأعلاهم قدراً لقول النبي صلى الله عليه وسلم " قدموا قريشاً ولا تقدموها " فإن استووا في هذه الخصال قدم أتقاهم لأنه أشرف في الدين وأفضل وأقرب إلى الاجابة وقد جاء " إذا أم الرجل القوم وفيهم من هو خير منه لم يزالوا في سفال " ذكره الإمام أحمد في رسالته ويحتمل تقديم الأتقى على الأشرف لأن شرف الدين خير من شرف الدنيا وقد قال الله تعالى (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) فإن استووا في هذا كله أقرع بينهم نص عليه لأن سعداً أقرع بين الناس في الأذان يوم القادسية فالإمامة أولى ولأنهم تساووا في الاستحقاق وتعذر الجمع فأقرع بينهم كسائر الحقوق وإن كان أحدهما يقوم بعمارة المسجد وتعاهده فهو أحق به وكذلك إن رضي الجيران أحدهما دون الآخر قدم به ولا يقدم بحسن الوجه لأنه لا مدخل له في الإمامة ولا أثر له فيها وهذا كله تقديم استحباب لا تقديم اشتراط ولا إيجاب بغير خلاف علمناه

مسألة: وصاحب البيت وإمام المسجد أحق بالإمامة الا أن يكون بعضهم ذا سلطان

* (مسألة) * وصاحب البيت وإمام المسجد أحق بالإمامة إلا أن يكون بعضهم ذا سلطان) متى أقيمت الجماعة في بيت فصاحبه أولى بالإمامة من غيره إذا كان ممن تصح إمامته لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا يؤمن الرجل الرجل في بيته ولا في سلطانه ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه " رواه مسلم وعن مالك بن الحويرث عن النبي صلى الله عليه وسلم " من زار قوماً فلا يؤمهم وليؤمهم رجل منهم " رواه أبو داود وهذا قول عطاء والشافعي ولا نعلم فيه خلافاً فان كان في البيت ذو سلطان قدم على صاحب البيت لأن ولايته على البيت وصاحبه وقدم النبي صلى الله عليه وسلم عتبان بن مالك وأنساً في بيوتهما اختاره الخرقي وقال ابن حامد صاحب البيت أحق بالإمامة لعموم الحديث والاول أصح وكذلك إمام المسجد الراتب أولى من غيره لأنه في معنى صاحب البيت إلا أن يكون بعضهم ذا سلطان ففيه وجهان وقد روي عن ابن عمر أنه أتى أرضاً له وعندها مسجد يصلي فيه مولى له فصلى ابن عمر معهم فسألوه أن يؤمهم فأبى وقال صاحب المسجد أحق (فصل) واذا قدم المستحق من هؤلاء لرجل في الإمامة جاز وصار بمنزلة من أذن له في استحقاق التقدم لقول النبي صلى الله عليه وسلم إلا بإذنه ولأنه حق له فجاز نقله إلى من شاء قال أحمد قول النبي صلى الله عليه وسلم " لا يؤم الرجل في سلطانه ولا يجلس على تكرمته في بيته إلا بإذنه " أرجو أن يكون الإذن في الكل (فصل) وإذا دخل السلطان بلداً له فيه خليفة فهو أحق من خليفته لأن ولايته على خليفته وغيره وكذلك لو اجتمع العبد وسيده في بيت العبد فالسيد أولى لأنه يملك البيت والعبد على الحقيقة وولايته

على العبد فإن لم يكن سيده معهم فالعبد أولى لما ذكرنا من الحديث وقد روي أنه اجتمع ابن مسعود وحذيفة وبو ذر في بيت أبي سعيد مولى أبي أسيد وهو عبد فتقدم أبو ذر ليصلي بهم فقالوا له وراءك فالتفت إلى أصحابه فقال أكذلك فقالوا نعم فتأخر وقدموا أبا سعيد فصلى رواه صالح بن أحمد باسناده وان اجتمع المؤجر والمستأجر فالمستأجر أولى ولأنه أحق بالسكنى والمنفعة * (مسألة) * والحر أولى من العبد والحاضر أولى من المسافر والبصير أولى من الأعمى في أحد الوجهين) إمامة العبد صحيحة لما روي عن عائشة أن غلاماً لها كان يؤمها وصلى ابن مسعود وحذيفة وأبو ذر وراء أبي سعيد مولى أبي أسيد وهو عبد وهذا قول أكثر أهل العلم منهم الحسن والنخعي والشعبي والحكم والثوري والشافعي واسحق وأصحاب الرأي وكره ذلك أبو مجلز وقال مالك لا يؤمهم إلا أن يكون قارئا وهم أميون ولنا عموم قوله عليه السلام " يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله تعالى " ولأنه قول من سمينا من الصحابة ولم يعرف لهم مخالف فكان إجماعا ولأنه من أهل الآذان للرجال يأتي بالصلاة على الكمال فجاز له امامتهم كالحر إذا ثبت ذلك فالحر أولى منه لأنه أكمل منه وأشرف ويصلي الجمعة والعيد إماماً بخلاف العبد ولأن في تقديم الحر خروجاً من الخلاف والمقيم أولى من المسافر لأنه إذا كان إماماً حصلت له الصلاة كلها جماعة فان أمه المسافر أتم الصلاة منفرداً وقال القاضي إن كان فيهم إماماً فهو أحق بالإمامة وان كان مسافراً لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بهم عام الفتح ويقول لأهل البلد " صلوا أربعاً فإنا سفر " رواه أبو داود وإن تقدم المسافر جاز ويتم المقيم الصلاة بعد سلام إمامه

مسألة: والحر أولى من العبد والحاضر أ, لى من المسافر والبصير أولى من الأعمى في أحد الوجهين

كالمسبوق وان أنم المسافر الصلاة جازت صلاتهم وحكي عنه رواية في صلاة المقيم أنها لا تجوز لأن الزيادة نفل أم بها مفترضين والصحيح الأول لأن المسافر اذا نوى الاتمام لزمه فيصير الجميع فرضاً (فصل) وإمامة الأعمى جائزة لا نعلم فيها خلافاً إلا ما حكى عن أنس أنه قال ما حاجتهم اليه وعن ابن عباس أنه قال كيف أؤمهم وهم يعدلونني الى القبلة والصحيح عن ابن عباس أنه كان يؤمهم وهو أعمى وعتبان بن مالك وقتادة وجابر وقال أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم استخلف ابن أم مكتوم أم الناس وهو أعمى (1) رواه أبو داود ولأن الأعمى فقد حاسة لا تخل بشئ من أفعال الصلاة ولا شروطها أشبه فقد الشم والبصير أولى منه اختاره أبو الخطاب ولأنه يستقبل القبلة بعلمه ويتوقى النجاسات ببصره ولأن في إمامته اختلافاً وقال القاضي هما سواء لأن الأعمى أخشع لا يشتغل في الصلاة بالنظر إلى ما يلهيه فيكون ذلك مقابلاً لما ذكرتم فتساويا قال الشيخ والأول أولى لأن البصير لو أغمض عينيه كره ذلك ولو كان فضيلة لكان مستحباً لأنه يحصل بتغميضه ما يحصله الأعمى ولأن البصير اذا أغمض بصره مع إمكان النظر كان له الأجر فيه لأنه يترك المكروه مع إمكانه إختياراً والأعمى يتركه اضطرار افكان أدنى حالاً وأقل فضلاً * (مسألة) * (وهل تصح إمامة الفاسق والاقلف؟ على روايتين) والفاسق ينقسم على قسمين فاسق من جهة الاعتقاد وفاسق من جهة الأفعال فأما الفاسق من جهة الاعتقاد

_ " 1 " لفظه في المنتفى ان النبي " ص " استخلف ابن أم مكتوم على المدينة مرتين يصلي بهم وهو أعمى. رواه أحمد وأبو داود

مسألة: وهل تصح إماة الفاسق والاقلف؟ على روايتين

فمتى كان يعلن بدعته ويتكلم بها ويدعو اليها ويناظر لم تصح إمامته وعلى من صلى وراءه الاعادة قال أحمد لا يصلى خلف أحد من أهل الأهواء اذا كان داعية الى هواه وقال لا تصلى خلف المرجئ اذا كان داعية وقال القاضي وكذلك إن كان مجتهداً يعتقدها بالدليل كالمعتزلة والقدرية وغيرة الرافضة لأنهم يكفرون ببدعتهم، وإن لم يكن يظهر بدعته ففي وجوب الاعادة خلفه روايتان إحداهما تجب الاعادة كالمعلن بدعته ولأن الكافر لا تصح الصلاة خلفه سواء أظهر كفره أو أخفاه كذلك المبتدع قال أحمد في رواية أبي الحارث لا تصلي خلف مرجي ولا رافضي ولا فاسق الا أن يخافهم فيصلي ثم يعيد وقال أبو داود متى صليت خلف من يقول لقرآن مخلوق فأعد وعن مالك لا نصلي خلف أهل البدع والثانية تصح الصلاة خلفه قال الأثرم قلت لأبي عبد الله الرافضة الذين يتكلمون بما تعرف؟ قال نعم آمره أن يعيد قيل له وهكذا أهل البدع قال لا لأن منهم من يسكت ومنهم من يتكلم وقال لا نصلي خلف المرجئ اذا كان داعية فدل على أنه لا يعيد إذا لم يكن كذلك وقال الحسن والشافعي الصلاة خلف أهل البدع جائزة بكل حال لقول النبي صلى الله عليه وسلم " صلوا خلف من قال لا إله إلا الله " ولأنه رجل صلاته صحيحة فصح الائتمام به كغيره وقال نافع كان ابن عمر يصلي خلف الحسنية (1) والخوارج زمن ابن الزبير وهم يقتتلون فقيل له أتصلي مع هؤلاء وبعضهم يقتل بعضاً؟ فقال من قال حي على الصلاة أجبته ومن قال حي على الفلاح أجبته ومن قال حي على قتل أخيك المسلم وأخذ ماله قلت لا رواه سعيد. ووجه القول الأول ما روى جابر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على منبره يقول " لا تؤمن امرأة رجلاً ولا فاجر مؤمناً إلا أن يقهره بسلطانه أو يخاف سوطه أو سيفه " رواه ابن ماجه وهذا أخص من حديثهم فيتعين تقديمه وحديثهم نقول به في الجمع والأعياد ونعيد وقياسهم منقوض بالأمي ويروى عن حبيب بن عمر الانصاري عن أبيه قال سألت واثلة بن الاسقع قلت أصلي خلف القدري؟ قال لا تصل خلفه ثم قال أما أنا لو صليت خلفه لأعدت صلاتي رواه الاثرم

_ (1) كذا وفي المغني: الخشبية

(فصل) وأما الفاسق من جهة الاعمال كالزاني والذي يشرب ما يسكره فروي عنه أنه لا يصلى خلفه فإنه قال لا تصل خلف فاجر ولا فاسق وقال أبو داود سمعت أحمد يسئل عن إمام قال أصلي بكم رمضان بكذا وكذا درهماً، قال اسأل الله العافية، من يصلي خلف هذا؟ وروي لا يصلى خلف من لا يؤدي الزكاة ولا يصلى خلف من يشارط ولا بأس أن يدفع إليه من غير شرط وهذا اختيار ابن عقيل وعنه أن الصلاة خلفه جائزة وهو مذهب الشافعي لقول النبي صلى الله عليه وسلم صلوا خلف من قال لا إله إلا الله وكان ابن عمر يصلي مع الحجاج، والحسن والحسين وغيرهما من الصحابة كانوا يصلون مع مروان والذين كانوا في ولاية زياد وابنه كانوا يصلون معهما وصلوا وراء الوليد بن عقبة وقد شرب الخمر فصار هذا اجماعا وعن أبي ذر قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم " كيف أنت إذا كان عليك أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها؟ قال قلت فما تأمرني قال " صل الصلاة لوقتها فإن أدركتها معهم فصل فإنها لك نافلة " رواه مسلم وهذا فعل يقتضي فسقهم ولأنه رجل تصح صلاته لنفسه فصح الائتمام به كالعدل ووجه الأولى ما ذكرنا من الحديث ولأن الإمامة تتضمن حمل القراءة ولا يؤمن تركه لها ولا يؤمن ترك بعض شرائطها كالطهارة وليس ثم إمارة ولا عليه ظن يؤمننا ذلك والحديث أجبنا عنه وفعل الصحابة محمول على أنهم خافوا الضرر بترك الصلاة معهم وروينا عن قسامة بن زهير أنه قال لما كان من شأن فلان ما كان قال له أبو بكر تنح عن مصلانا فإنا لا نصلي خلفك وحديث أبي ذر يدل على صحتها نافلة والنزاع إنما هو في الفرض (فصل) وأما الجمع والاعياد فتصلى خلف كل بر وفاجر وقد كان أحمد يشهدها مع المعتزلة وكذلك

من كان من العلماء في عصره وقد روي أن رجلاً جاء محمد بن النضر فقال له أن لي جيراناً من أهل الأهواء لا يشهدون الجمعة قال حسبك، ما تقول فيمن رد على ابي بكر وعمر؟ قال ذلك رجل سوء قال فإن رد على النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال يكفر. قال فإن رد على العلي الأعلى؟ ثم غشي عليه ثم أفاق فقال ردوا عليه والذي لا إله إلا هو فإنه قال (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله) وهو يعلم أن بني العباس سيلونها ولأن هذه الصلاة من شعائر الإسلام الظاهرة ويليها الأئمة دون غيرهم فتركها خلفهم يفضي الى تركها بالكلية. إذا ثبت ذلك فإنها تعاد خلف من يعاد خلفه غيرها قياساً عليها هذا ظاهر المذهب وعنه أنه قال من أعادها فهو مبتدع وهذا بدل على أنها لا تعاد خلف فاسق ولا مبتدع لأنها صلاة مأمور بها فلم تجب إعادتها كسائر الصلوات (فصل) فإن كان المباشر عدلا والذي ولاه غير مرضي الحال لبدعته أو لفسقه لم يعدها في المنصوص عنه لأن صلاته إنما ترتبط بصلاة إمامه ولا يضر وجود معنى في غيره كالحدث وذكر القاضي في وجوب الاعادة روايتين والصحيح الأول * (فصل) * فإن لم يعلم فسق امامه بدعته فقال ابن عقيل لا إعادة عليه لأن ذلك مما يخفى فأشبه الحدث والنجس. قال شيخنا والصحيح إن هذا ينظر فيه، فإن كان ممن يخفي بدعته وفسوقه

صحت صلاته لأن من يصلي خلفه معذور، وإن كان ممن يظهر ذلك وجبت الإعادة على الرواية التي تقول بوجوب إعادتها خلف المبتدع لأنه معنى يمنع الائتمام فاستوى فيه العلم وعدمه كما لو كان أمياً، والحدث والنجاسة يشترط خفاؤهما على الامام والمأموم معاً والفاسق لا يخفي عليه فسق نفسه فأما إن لم يعلم حاله ولم يظهر منه ما يمنع الائتمام به فصلاته صحيحة نص عليه لأن الأصل في المسلمين السلامة * (فصل) * فأما المخالفون في الفروع كالمذاهب الأربع فالصلاة خلفهم جائزة صحيحة غير مكروهة نص عليه لأن الصحابة والتابعين ومن بعدهم لم يزل بعضهم يصلي خلف بعض مع اختلافهم في الفروع فكان ذلك إجماعاً، وإن علم أنه يترك ركناً يعتقده المأموم دون الإمام فظاهر كلام أحمد صحة الائتمام به. قال الأثرم سمعت أحمد يسأل عن رجل صلى بقوم وعليه جلود الثعالب. فقال إن كان يلبسه وهو يتأول قوله عليه السلام " أيما إهاب دبغ فقد طهر " فصل خلفه فقيل له أتراه أنت جائزاً؟ قال لا. ولكنه اذا كان يتأول فلا بأس أن يصلي خلفه، ثم قال أبو عبد الله لو أن رجلا لم ير الوضوء من الدم لم يصل خلفه فلا نصلي خلف سعيد بن المسيب ومالك إي بلى ولأن كل مجتهد مصيب أو كالمصيب في حط المآثم عنه وحصول الثواب له ولأن صلاته تصح

لنفسه فجازت الصلاة خلفه، كما لو لم يترك شيئاً. وقال ابن عقيل في الفصول لا تصح الصلاة خلفه وذكر القاضي فيه روايتين إحداهما لا تصح لأنه يفعل ما يعتقده المأموم مفسداً للصلاة فلم يصح ائتمامه به كما لو خالفه في القبلة حالة الاجتهاد ولأن أكثر ما فيه أنه ترك ركناً لا يأثم بتركه فبطلت الصلاة خلفه كما لو تركه ناسياً، والثانية تصح لما ذكرنا * (فصل) * فإن فعل شيئاً من المختلف فيه يعتقد تحريمه، فان كان يترك ما يعتقد شرطاً للصلاة أو واجباً فيها فصلاته وصلاة من يأتم به فاسده. وإن كان المأموم يخالف في اعتقاد ذلك لأنه ترك واجبا في الصلاة فبطلت صلاته وصلاة من خلفه كالمجمع عليه وإن كان لا يتعلق ذلك بالصلاة كشرب يسير النبيذ والنكاح بغير ولي ممن يعتقد تحريمه، فهذا إن دام على ذلك فهو فاسق، حكمه حكم سائر الفساق. وإن لم يدم عليه لم يؤثر لأنه من الصغائر، فان كان الفاعل لذلك عامياً قلد من يعتقد جوازه فلا شئ عليه فيه لأن فرض العامي سؤال العالم وتقليده قال الله تعالى (فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) وإن اعتقد حله وفعله صحت الصلاة خلفه في الصحيح من المذهب. وذكر ابن أبي موسى في صحة الصلاة خلفه روايتين

* (فصل) * واذا أقيمت الصلاة والانسان في المسجد والامام لا يصلح للامامة فان شاء صلى خلفه وأعاد وإن نوى الانفراد ووافقه في أفعال الصلاة صحت صلاته لأنه أتى بالصلاة على الكمال أشبه ما لو لم يقصد موافقة الامام. وروى عن أحمد أنه يعيد، رواها عنه الأثرم. والصحيح الأول لما ذكرنا، وكذلك لو كان الذين لا يرضون الصلاة خلفه جماعة فأمهم أحدهم ووافقوا الامام في الأفعال كان ذلك جائزاً

* (فصل) * وأما الاقلف ففيه روايتان. إحدهما لا تصح إمامته لأن النجاسة في ذلك المحل لا يعفى عنها عندنا، والثانية تصح لأنه إن أمكنه كشف القلفة وغسل النجاسة غسلها، وان كان مرتقاً لا يقدر على كشفها عفي عن إزالتها لعدم الإمكان وكل نجاسة معفو عنها لا تؤثر في بطلان الصلاة والله أعلم * (مسألة) * (وفي إمامة أقطع اليدين وجهان) . روي عن أحمد أنه قال لم أسمع فيها شيئاً، وذكر الآمدي فيه روايتين. إحداهما تكره وتصح

مسألة: وفي إمامة أقطع اليدين وجهان

اختارها القاضي لأنه عجز لا يخل بركن في الصلاة فلم يمنع صحة الامامة كقطع إحدى الرجلين والأنف، والثانية لا تصح اختارها أبو بكر لأنه يخل بالسجود على بعض أعضاء السجود أشبه العاجز عن السجود على جبهته، وحكم قطع اليد الواحدة كقطعهما. فأما أقطع الرجلين فلا تصح إمامته لأنه عاجز عن القيام أشبه الزمن، فان قطعت

إحداهما وأمكنه القيام صحت إمامته، ويتخرج أن لا تصح على قول أبي بكر لإخلاله بالسجود على عضو والأول أصح لأنه يسجد على الباقي من رجله أو حاملها

مسألة: لا تصح الصلاة خلف كافر بحال

* (مسألة) * (لا تصح الصلاة خلف كافر بحال) ولا تصح الصلاة خلف كافر ولا أخرس سواء علم بكفره قبل فراغه من الصلاة أو بعد ذلك، وبهذا قال الشافعي وأصحاب الرأي كمحدث وهو لا يعلم

ولنا أنه إئتم بمن ليس من أهل الصلاة أشبه ما لو ائتم بمجنون. والمحدث يشترط أن لا يعلم حدث نفسه والكافر يعلم حال نفسه * (فصل) * إذا صلى خلف من يشك في إسلامه فصلاته صحيحة ما لم يبن كفره، ولأن الظاهر من المصلين الإسلام ولا سيما إذا كان إماماً، فإن كان ممن يسلم تارة ويرتد أخرى لم يصل خلفه حتى يعلم عن أي دين هو، فان صلى خلفه ولم يعلم ما هو عليه نظرنا، فإن كان قد علم إسلامه قبل الصلاة ثم. شك في ردته فهو مسلم، وإن علم ردته وشك في إسلامه لم تصح الصلاة خلفه، وان كان

علم إسلامه فصلى خلفه فقال بعد الصلاة أسلمت أو ارتددت قبل الصلاة لم تبطل الصلاة لأنها كانت محكوما بصحتها فلم يقبل قوله في إبطالها لأنه ممن لا يقبل قوله * (فصل) * قال أصحابنا يحكم بإسلامه سواء كان في دار الحرب أو دار الإسلام وسواء صلى في جماعة أو منفرداً، فان رجع عن الإسلام بعد ذلك فهو مرتد، وإن مات قبل ظهور ما ينافي الإسلام فهو مسلم يرثه ورثته المسلمون دون الكفار. وقال أبو حنيفة: إن صلى في المسجد حكم بإسلامه وإن

صلى في غير المسجد فرادى لم يحكم باسلامه، وقال بعض الشافعية لا يحكم باسلامه بحال لأن الصلاة من فروع الاسلام فلا يصير بفعلها مسلماً كالحج والصوم ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فاذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم الا بحقها " وقال بعضهم إن صلى في دار الإسلام فليس بمسلم لأنه يقصد الاستتار بالصلاة واخفاء دينه، وإن صلى في دار الحرب فهو مسلم لعدم التهمة في حقه ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " نهيت عن قتل المصلين " وقال " بيننا وبينهم الصلاة " فجعل الصلاة حداً بين الإسلام والكفر، فمن صلى فقد دخل في حد الإسلام. وقال " المملوك إذا صلى

فهو أخوك " رواه الإمام أحمد ولأنها عبادة تختص المسلمين، فاذا صلى حكم باسلامه كالشهادتين، فأما الحج فان الكفار كانوا يفعلونه والصيام ترك المفطرات فقد يفعله من ليس بصائم، فأما صلاته في نفسه فأمر بينه وبين الله سبحانه وتعالى فان علم أنه كان قد أسلم ثم توضأ وصلى بنية صحيحة فهي صحيحة وإلا فعليه الإعادة، لأن الوضوء لا يصح من الكفار. واذا لم يسلم قبل الصلاة كان حال شروعه فيها غير مسلم ولا متطهر فتصح منه والله أعلم

* (فصل) * ولا تصح إمامة الأخرس بغير أخرس لأنه يترك ركناً وهو القراءة تركاً مأيوساً من زواله فلم تصح إمامته بقادر عليه كالعاجز عن الركوع والسجود. فأما إمامته بمثله فقياس المذهب صحتها قياساً على الأمي والعاجز عن القيام يؤم مثله وهذا في معناهما والله أعلم. وقال القاضي وابن عقيل لا تصح لأن الأمي غير مأيوس من نطقه والأول أولى * (فصل) * فأما الأصم فتصح إمامته لأنه لا يخل بشئ من أفعال الصلاة ولا شروطها أشبه

الأعمى، فان كان الأصم أعمى صحت إمامته كذلك. وقال بعض أصحابنا لا تصح إمامته لأنه اذا سها لا يمكن تنبيهه بتسبيح ولا إشارة. قال شيخنا والأولى صحتها لأنه لا يمنع من صحة الصلاة احتمال عارض لا يتيقن وجوده كالمجنون حال إفاقته * (مسألة) * (ولا تصح إمامة من به سلس البول ولا عاجز عن الركوع والسجود والقعود) وجملة ذلك أنه لا تصح إمامة من به سلس البول ومن في معناه ولا المستحاضة بصحيح لانهم يصلون مع خروج النجاسة التي يحصل بها الحدث من غير طهارة. فأما من عليه النجاسة فإن كانت على بدنه

مسألة: ولا تصح إمامة من به سلس البول ولا عاجز عن الركوع والسجود والقعود

فتيمم لها لعدم الماء جاز للطاهر الإئتمام به كما يجوز للمتوضئ الائتمام بالمتيمم للحدث، هذا اختيار القاضي وعلى قياس قول أبي الخطاب لا يجوز الائتمام به لأنه أوجب عليه الإعادة، وإن كانت على ثوبه لم يجز الائتمام به لتركه الشرط ولا يجوز إئتمام المتوضئ ولا المتيمم بعادم الماء والتراب ولا اللابس بالعاري ولا القادر على الاستقبال بالعاجز عنه لأنه ما ترك لشرط يقدر عليه المأموم أشبه ائتمام المعافى بمن به سلس البول ويصح ائتمام كل واحد من هؤلاء بمثله لأن العراة يصلون جماعة وكذلك الأمي يجوز أن يؤم مثله كذلك هذا

* (فصل) * ويصح ائتمام المتوضئ بالمتيمم بغير خلاف نعلمه لأن عمرو بن العاص صلى بأصحابه متيمما وبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكره، وأم ابن عباس أصحابه متيمماً وفيهم عمار بن ياسر في نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكروه ولأن طهارته صحيحة أشبه المتوضئ * (فصل) * ولا تصح إمامة العاجز عن شئ من أركان الأفعال كالعاجز عن الركوع والسجود بالقادر عليه سواء كان إمام الحي أو لم يكن، وبه قال أبو حنيفة ومالك وقال الشافعي يجوز لأنه

فعل أجازه المرض أشبه القاعد يؤم بالقيام، ولنا أنه أخل بركن لا يسقط في النافلة فلم يجز الائتمام به للقادر عليه كالقارئ بالأمي. وأما القيام فهو أخف بدليل سقوطه في النافلة ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المصلين خلف الجالس بالجلوس، ولا خلاف أن المصلي خلف الضطجع لا يضطجع فأما إن أم مثله فقياس المذهب صحته لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه في المطر بالايماء والعراة يصلون جماعة بالايماء، وكذلك حال المسايفة ولأن الأمي تصح إمامته بمثله كذلك هذا

* (مسألة) * (ولا تصح خلف عاجز عن القيام إلا إمام الحي المرجو زوال علته) ولا تصح إمامة العاجز عن القيام بالقادر عليه إذا لم يكن إمام الحي رواية واحدة لأنه يخل بركن من أركان الصلاة أشبه العاجز عن الركوع، وتجوز إمامته بمثله كما يؤم الأمي مثله * (فصل) * فأما إمام الحي إذا عجز عن القيام فيجوز أن يؤم القادر عليه بشرط أن يكون ذلك لمرض يرجى زواله، لأن اتخاذ الزمن ومن لا ترجى قدرته على القيام إماماً راتباً يفضي الى تركهم القيام على الدوام وإلى مخالفة قوله عليه السلام " فإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعون " ولا حاجة إليه ولأن

مسألة: ولا تصح خلف عاجز عن القيام إلا إمام الحي المرجو زوال علته

الأصل في هذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم وكان يرجى برؤه، فاذا وجد فيه هذان الشرطان فالمستحب له أن يستخلف لأن الناس مختلفون في صحة امامته ففي استخلافه خروج من الخلاف ولأن صلاة القائم أكمل وكمال صلاة الامام مطلوب، فإن قيل فقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه ولم يستخلف قلنا فعل ذلك لتبيين الجواز واستخلف مرة أخرى ولأن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم قاعداً أفضل من صلاة غيره قائماً فان صلى بهم قاعداً جاز وصلوا وراءه جلوساً يروي ذلك عن أربعة من أصحاب

النبي صلى الله عليه وسلم أسيد بن حضير، وجابر، وقيس بن فهد، وأبو هريرة، وهو قول الأوزاعي وحماد ابن زيد واسحق وابن المنذر، وقال مالك في إحدى الروايتين: لا تصح صلاة القادر على القيام خلف القاعد وهو قول محمد بن الحسن، قال الشعبي روي عن النبي صلى الله عليه أنه قال " لا يؤمن أحد بعد جالساً " أخرجه الدارقطني. ولأن القيام ركن لا يصح ائتمام القادر عليه بالعاجز عنه كسائر الأركان، وقال الثوري والشافعي وأصحاب الرأي يصلون خلفه قياماً، لما روي عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استخلف أبا بكر ثم وجد في نفسه خفة فخرج بين رجلين فأجلساه إلى جنب أبي بكر

فجعل أبو بكر يصلي وهو قائم بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم والناس يصلون بصلاة أبي بكر والنبي صلى الله عليه وسلم قاعد. متفق عليه وهذا أخير الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأنه ركن قدر عليه فلم يجز له تركه كسائر الاركان ولنا ما روى أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه فإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعون " متفق عليه، وعن عائشة قالت صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

في بيته وهو شاك فصلى جالساً وصلى وراءه قوم قياماً فأشار إليهم أن اجلسوا فلما انصرف قال " إنما جعل الإمام ليؤتم به فادا ركع فاركعوا وإذا رفع فارفعوا وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد وإذا صلى جالساً فصلو جلوساً أجمعون " أخرجه البخاري قال ابن عبد البر روي هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم من طرق متواترة من حديث أنس وجابر وأبي هريرة وابن عمر وعائشة كلها بأسانيد صحيحة فأما حديث الشعبي فمرسل ويرويه جابر الجعفي وهو متروك وقد فعله أربعة من

أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بعده، وأما حديث الآخرين فليس فيه حجة قاله أحمد لأن أبا بكر كان ابتدأ الصلاة فلما أتمها قائماً فأشار أحمد إلى امكان الجمع بين الحديثين بحمل حديثهم على من ابتدأ الصلاة قائماً والثاني على من ابتدأ الصلاة جالساً ومتى أمكن الجمع بين الحديثين كان أولى من النسخ ثم

يحتمل أن أبا بكر كان الامام قاله ابن المنذر في بعض الروايات وقالت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى خلف أبي بكر في مرضه الذي مات فيه وقال أنس صلى النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه خلف أبي بكر قاعداً في ثوب متوشحاً به، قال الترمذي كلا الحديثين حسن صحيح ولا يعرف للنبي صلى الله عليه وسلم خلف أبي بكر صلاة إلا في هذا الحديث. وروى مالك الحديث عن ربيعة وقال كان أبو بكر الامام قال مالك العمل عندنا على حديث ربيعة هذا، فإن قيل لو كان أبو بكر الامام لكان عن يسار النبي صلى الله عليه وسلم. قلنا يحتمل أنه فعل ذلك لأن وراءه صفاً والله أعلم * (مسألة) * قال (فإن صلوا قياماً صحت صلاتهم في أحد الوجهين) (أحدهما) لا تصح أومأ إليه أحمد لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بالجلوس ونهاهم عن القيام فقال في حديث جابر " إذا صلى الإمام قاعداً فصلوا قعوداً وإذا صلى قائماً فصلوا قياماً، ولا تقوموا والإمام جالس كما يفعل أهل فارس بعظمائها " فقعدنا، ولأنه ترك الاقتداء بإمامه مع القدرة عليه أشبه تارك القيام في حال

مسألة: فإن صلوا قياما صحت صلاتهم في أحد الوجهين

قيام إمامه (والثاني) يصح لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى وراءه قوم قياماً فلم يأمرهم بالإعادة، فعلى هذا يحمل الأمر على الاستحباب ولأنه تكلف القيام في موضع يجوز له الجلوس أشبه المريض اذا تكلف القيام، ويحتمل أن تصح صلاة الجاهل بوجوب القعود دون العالم كما قالوا في الذي ركع دون الصف * (مسألة) * (فان ابتدأ بهم الصلاة قائماً ثم اعتل فجلس أتموا خلفه قياماً لأن أبا بكر حين ابتدأ بهم الصلاة قائماً ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم فأتم الصلاة بهم جالساً أتموا قياماً ولم يجلسوا ولأن القيام هو الأصل فمن بدأ به في الصلاة لزمه في جميعها إذا قدر عليه كالذي أحرم في الحضر ثم سافر (فصل) فان استخلف بعض الأئمة في وقتنا هذا فزال عذره فحضر فهل يجوز أن يفعل كفعل النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر؟ فيه ثلاث روايات (إحداها) ليس له ذلك قال أحمد في رواية أبي

مسألة: فان ابتدأ بهم الصلاة قائما ثم اعتل فجلس أتموا خلفه قياما

داود وذلك خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم لأن هذا أمر يخالف القياس فان انتقال الامام مأموماً وانتقال المأمومين من إمام الى آخر لا يجوز إلا لعذر يحوج اليه وليس في تقدم الامام الراتب ما يحوج الى هذا أما النبي صلى الله عليه وسلم فانه من الفضيلة وعظم المنزلة ما ليس لأحد ولذلك قال أبو بكر ما كان لابن أبي قحافة أن يتقدم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم (والثانية) يجوز نص عليه في رواية أبي الحارث فعلى هذا يكبر ويقعد الى جنب الامام ويبتدئ القراءة من حيث بلغ الامام لأن الأصل أن ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم يكون جائزاً لأمته ما لم يقم على اختصاصه به دليل (والرواية الثالثة) إن ذلك يجوز للخليفة دون بقية الأئمة فإنه قال في رواية المروزي ليس هذا لأحد إلا الخليفة وذلك لأن رتبة الخلافة تفضل رتبة سائر الأئمة فلا يلحق بها غيرها وكان ذلك للخليفة وخليفة النبي صلى الله عليه وسلم يقوم مقامه

مسألة: ولا تصح إمامة المرأة والخنثى للرجال وللخناثى

* (مسألة) * ولا تصح إمامة المرأة والخنثى للرجال ولا للخناثى. لا يصح أن يأتم رجل بامرأة في فرض ولا نافلة في قول عامة الفقهاء وقال أبو ثور لا إعادة على المصلي خلفها وقال بعض أصحابنا يجوز أن تؤم الرجال في التراويح وتكون وراءهم لما روي عن أم ورقة بنت الحارث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل لها مؤذناً يؤذن لها وأمرها أن تؤم أهل دارها رواه أبو داود وهذا عام ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم لا تؤمن امرأة رجلاً رواه ابن ماجه ولأنها لا تؤذن رجال فلم يجز أن تؤمهم كالمجنون وحديث أم ورقة انما أذن لها أن تؤم بنساء أهل الدار كذلك رواه الدارقطني وهذه زيادة يجب قبولها ولو لم يذكر ذلك لتعين حمل الحديث عليه وذلك لأنه أذن لها أن تؤم في الفرائض بدليل أنه جعل لها مؤذناً والأذان إنما يشرع في الفرائض ولا خلاف في المذهب أنها

لا تؤمهم في الفرائض فالتخصيص بالتروايح تحكم بغير دليل، ولو ثبت ذلك لأم ورقة لكان خاصاً بها بدليل أنه لا يشرع لغيرها من النساء اذان ولا إقامة فتختص بالامامة كما اختص بالأذان والإقامة (فصل) وأما الخنثى فلا يجوز أن يؤم رجلاً لاحتمال أن يكون امرأة ولا يؤم خنثى لجواز أن يكون الامام امرأة والمأموم رجلاً ولا أن تؤمه امرأة لجواز أن يكون رجلاً ويجوز له أنه يؤم المرأة لأن أدنى أحواله أن يكون امرأة وقال القاضي رأيت لأبي حفص البرمكي أن الخنثى لا تصح صلاته في جماعة لأنه إن قام مع الرجال احتمل أن يكون امرأة وان قام مع النساء أو وحده أو ائتم بامرأة احتمل أن يكون رجل وان أم الرجال احتمل أن يكون امرأة وان أم النساء فقام وسطهن احتمل أن يكون رجل وان قام أمامهن احتمل أنه امرأة، قال الشيخ ويحتمل أن تصح صلاته في هذه الصورة

مسألة: ولا إمامة الصبي لبالغ إلا في نفل على إحدى الروايتين

وفي صورة أخرى وهو أن يقوم في صف الرجال مأموماً فإن المرأة إذا قامت في صف الرجال لم تبطل صلاتها ولا صلاة من يليها * (مسألة) * (ولا إمامة الصبي لبالغ إلا في نفل على إحدى الروايتين) ولا يصح ائتمام البالغ بالصبي في الفرض نص عليه أحمد وهو قول ابن مسعود وابن عباس وبه قال عطاء والشعبي ومالك والثوري والاوزاعي وأبو حنيفة وأجازه الحسن والشافعي واسحق وابن المنذر وذكر أبو الخطاب رواية في صحة امامته في الفرض بناء على إمامة المفترض بالمتنفل وقال ابن عقيل يخرج في صحة إمامة ابن عشر سنين وجهاً بناء على القول بوجوب الصلاة عليه ووجه ذلك قوله صلى الله عليه وسلم " يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله تعالى " فيدخل في عموم ذلك وروي عن عمر بن سلمة الجرمي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لقومه " يؤمكم أقرؤكم " قال فكنت أؤمهم وأنا ابن سبع سنين او ثمان سنين رواه البخاري وأبو داود وغيرهم ولنا قول ابن مسعود وابن عباس ولأن الامامة حال كمال والصبي ليس من أهل الكمال فلا يؤم الرجال كالمرأة ولأنه لا يؤمن من الصبي الاخلال بشرط من شرائط الصلاة أو القراءة حال الاسرار فأما حديث عمرو بن سلمة فقال الخطابي كان أحمد يضعف أمر عمرو بن سلمة وقال مرة دعه ليس بشئ قال أبو داود قيل لأحمد حديث عمرو بن سلمة قال لا أدري أي شئ هذا ولعله إنما توقف

مسألة: ولا تصح إمامة محدث ولا نجس يعلم ذلك

عنه لأنه لم يتحقق بلوغ الأمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فانه كان بالبادية في حي من العرب بعيد من المدينة وقوى هذا الاحتمال قوله في الحديث وكنت اذا سجدت خرجت استي وهذا غير سائغ (فصل) فاما إمامته في النفل ففيها روايتان (إحداهما) لا تصح لذلك (والثانية) تصح لأنه متنفل يؤم متنفلين ولأن النافلة يدخلها التخفيف ولذلك تنعقد الجماعة به فيها إذا كان مأموماً * (مسألة) * ولا تصح إمامة محدث ولا نجس يعلم ذلك فإن جهل هو والمأموم حتى قضوا الصلاة صحت صلاة المأموم وحده ومتى أخل بشرط الصلاة مع القدرة عليه لم تصح صلاته لاخلاله بالشرط فان صلى محدثاً وجهل الحدث هو والمأموم حتى قضوا الصلاة فصلاة المأمومين صحيحة وصلاة الامام باطلة وروي ذلك عن عمر وعثمان وعلي وابن عمر رضي الله عنهم وبه قال الحسن وسعيد بن جبير ومالك والاوزاعي والشافعي وعن علي أنهم يعيدون جميعاً وبه قال ابن نصر والشعبي وأبو حنيفة وأصحابه لأنه صلى بهم محدثاً أشبه ما لو علم ولنا إجماع الصحابة رضي الله عنهم فروي أن عمر صلى بالناس الصبح ثم خرج إلى الجرف فأهراق الماء فوجد في ثوبه احتلاماً فأعاد ولم يعد الناس، وعن عثمان أنه صلى بالناس صلاة الفجر فلما أصبح وارتفع النهار اذا هو بأثر الجنابة فقال كبرت والله كبرت والله. وأعاد الصلاة ولم يأمرهم أن يعيدوا، وعن ابن عمر نحو ذلك. رواه كله الاثرم وعن البراء بن عازب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إذا صلى الجنب بقوم أعاد صلاته وتمت للقوم صلاتهم " رواه أبو سليمان محمد بن الحسين الحراني ولأن الحدث مما يخفى ولا سبيل إلى معرفته من الامام للمأموم فكان معذوراً في الاقتداء به ويفارق ما إذا علم الامام حدث نفسه لأنه يكون مستهزئاً بالصلاة فاعلاً ما لا يحل واذا علمه المأموم لم يعذر في الاقتداء به وما نقل عن علي لا يثبت بل قد نقل عنه كما ذكرنا عن غيره من الصحابة والحكم في النجاسة كالحكم في الحدث لأنها في معناها في خفائها على الامام والمأموم، على أن في النجاسة رواية أخرى أن الامام أيضاً لا تلزمه الاعادة وقد ذكرناه * (فصل) * فإن علم حدث نفسه في الصلاة أو علم المأمومون لزمهم استئناف الصلاة. قال الأثرم سألت أبا عبد الله: رجل صلى بقوم على غير طهارة بعض الصلاة فذكر؟ قال يعجبني أن يبتدئوا الصلاة قلت يقول لهم استأنفوا الصلاة؟ قال لا، ولكن ينصرف ويتكلم ويبتدئون الصلاة. وذكر ابن عقيل

رواية اذا علم المأمومون أنهم يبنون على صلاتهم، وقال الشافعي يبنون على صلاتهم سواء علم بذلك أو علم المأمومون لأن ما مضى عى صلاتهم صحيح فكان لهم البناء عليه كما لو أقام الى خامسة فسبحوا به فلم يرجع. ولنا أنه ائتم بمن صلاته فاسدة مع العلم منهما أو من أحدهما أشبه ما لو ائتم بامرأة، وإنما خولف هذا اذا استمر الجهل منهما للإجماع ولأن وجوب الاعادة على المأمومين في حالة استمرار الجهل يشق لتفرقهم بخلاف ما إذا علموا في الصلاة، وإن علم بعض المأمومين دون بعض فالمنصوص أن صلاة الجميع تفسد والأولى يختص البطلان بمن علم دون من جهل لأنه معنى مبطل اختص به فاختص بالبطلان كحدث نفسه * (فصل) * قال أحمد في رجلين أم أحدهما الآخر فشم كل واحد منهما ريحاً أو سمع صوتاً يعتقده من صاحبه يتوضآن ويعيدان الصلاة لأن كل واحد منهما يعتقد فساد صلاة صاحبه، وهذا إذا قلنا تفسد صلاة كل واحد من الامام والمأموم بفساد صلاة الآخر بكونه صار فذاً، وعلى الرواية المنصورة ينوي كل واحد منهما الانفراد ويتم صلاته، ويحتمل أنه إنما قضى بفساد صلاتهما إذا أئتما الصلاة على ما كانا عليه من غير فسخ النية، فان المأموم يعتقد أنه مؤتم بمحدث والامام يعتقد أنه يؤم محدثاً. وأما قوله يتوضآن فلعله أراد لتصح صلاتهما جماعة إذ ليس لأحدهما أن يأتم بالآخر مع اعتقاده حدثه واحتياطاً: أما اذا صليا منفردين فلا يجب الوضوء على واحد منهما لأنه متيقن للطهارة شاك في الحدث * (فصل) * فان اختل غير ذلك من الشروط في حق الامام كالستارة واستقبال القبلة لم يعف عنه في حق المأموم لأن ذلك لا يخفي غالباً بخلاف الحدث والنجاسة، وكذا إن فسدت صلاته لترك ركن فسدت صلاتهم نص عليه أحمد فيمن ترك القراءة يعيد ويعيدون وكذلك لو ترك تكبيرة الاحرام * (مسألة) * (ولا تصح إمامة الأمي وهو من لا يحسن الفاتحة أو يدغم حرفاً أو يلحن لحنا يحيل المعنى إلا بمثله) والكلام في هذه المسألة في فصلين (أحدهما) ان الامي لا تصح إمامته بمن يحسن قراءة الفاتحة، وهذا قول مالك والشافعي في الجديد وقيل عنه يصح أن يأتم القارئ بالامي في صلاة الاسرار دون الجهر وعنه يصح أن يأتم به في الحالين ولنا أنه ائتم بعاجز عن ركن وهو قادر عليه فلا تصح كالعاجز عن الركوع والسجود وقياسهم يبطل بالأخرس والعاجز عن الركوع والسجود وأما القيام فهو ركن أخف من غيره بدليل أنه يسقط في النافلة مع القدرة عليه بخلاف القراءة فان صلى بأمي وقارئ صحت صلاة الامي والامام. وقال أبو حنيفة تفسد صلاة الامام أيضاً لأنه يتحمل القراءة عن المأموم وهو عاجز عنها ففسدت صلاته ولنا أنه أم من لا يصح ائتمامه به فصحت صلاة الإمام كما لو أمت امرأة رجلاً ونساء، وقولهم ان المأموم يتحمل عنه الامام القراءة قلنا إنما يتحملها مع القدرة، فأما من يعجز عن القراءة عن نفسه فعن غيره أولى

مسألة: ولا تصح إمامة الأمي وهو من لا يحسن الفاتحة أو يدغم حرفا أو يلحن لحنا يحيل المعنى إلا بمثله

* (الفصل الثاني) * أنه تصح إمامته بمثله لانه يساويه فصحت إمامته به كالعاجز عن القيام * (فصل) * قوله أو يبدل حرفاً هو كالألثغ الذي يبدل الراء غيناً والذي يلحن لحنا يحيل المعنى كالذي يكسر كاف إياك أو تاء أنعمت أو يضمها إذا كان لا يقدر على إصلاح ذلك يصح ائتمامه بمثله كاللذين لا يحسنان شيئاً وإن كان يقدر على إصلاح ذلك لم تصح صلاته ولا صلاة من يأتم به لأنه ترك ركناً من أركان الصلاة مع القدرة عليه أشبه تارك الركوع * (فصل) * فإن صلى القارئ خلف من لا يعلم حاله في صلاة الأسرار صحت صلاته لأن الظاهر أنه إنما يتقدم من يحسن القراءة، وان كان يسر في صلاة الجهر ففيه وجهان أحدهما لا تصح صلاة القارئ، ذكره القاضي وابن عقيل لأن الظاهر أنه لو أحسن القراءة لجهر، والثاني تصح لأن الظاهر أنه لا يؤم الناس إلا من يحسن القراءة، والاسرار يحتمل أن يكون لجهل أو نسيان، فان قال قد قرأت صحت الصلاة على الوجهين لأن الظاهر صدقه، وتستحب الاعادة احتياطاً، ولو أسر في صلاة الاسرار ثم قال ما كنت قرأت الفاتحة لزمه ومن وراءه الاعادة، لأنه روي عن عمر أنه صلى بهم المغرب فلما سلم قال ما سمعتموني قرأت. قالوا لا قال فما قرأت في نفسي فأعاد بهم الصلاة * (فصل) * وإذا كان رجلان لا يحسنان الفاتحة أو أحدهما يحسن سبع آيات من غيرها والآخر لا يحسن شيئاً فلكل واحد منهما الائتمام بالآخر لأنهما أميان والمستحب تقديم من يحسن السبع آيات لانه اقرأ، وعلى هذا كل من لا يحسن الفاتحة يجوز أن يؤم من لا يحسنها سواء استويا في الجهل أو تفاوتا فيه * (مسألة) * (وتكره إمامة اللحان والفأفاء الذي يكرر الفاء والتمتام الذي يكرر القاف ومن لا يفصح ببعض الحروف) أما الذي يلحن لحنا يحيل المعنى فقد ذكرناه، وتكره إمامة اللحان الذي لا يحيل المعنى نص عليه وتصح صلاته بمن لا يلحن لأنه أتى بفرض القراءة فان أحال المعنى في غير الفاتحة لم يمنع صحة إمامته إلا أن يتعمده فيبطل صلاتهما، ومن لا يفصح ببعض الحروف كالقاف والضاد فقال القاضي تكره إمامته وتصح أعجمياً كان أو عربياً. وقيل فمن قرأ ولا الضالين بالظاء لا تصح صلاته لأنه يحيل المعنى يقال ظل يفعل كذل اذا فعله نهاراً فهو كالألثغ وتكره إمامة الفأفاء والتمتام، وتصلح لأنهما يأتيان بالحروف على وجهها ويزيدان زيادة هما مغلوبان عليها فعفي عنها ويكره تقديمهما لهذه الزيادة * (مسألة) * (ويكره أن يؤم نساء أجانب لا رجل معهن) لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يخلو الرجل بالمرأة الاجنبية ولا بأس أن يؤم ذوات محارمه، وأن يؤم النساء مع الرجل فقد كن النساء يشهدن مع النبي صلى الله عليه وسلم وقد أم أنساً واليتيم وأمه * (مسألة) * (ويكره أن يؤم قوماً أكثرهم له كارهون)

مسألة: ويكره أن يؤم نساء أجانب لا رجل معهن

لما روى أبو أمامة قال. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم العبد الآبق حتى يرجع، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط، وإمام قوم وهم له كارهون " حديث حسن غريب. وعن عبد الله ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ثلاثة لا يقبل منهم صلاة من تقدم قوماً وهم له كارهون، ورجل يأتي الصلاة دباراً - والدبار أن يأتي بعد أن يفوت الوقت - ورجل اعتبد محرراً " رواه أبو داود. وقال علي لرجل أم قوماً وهم له كارهون أنك لخروط قال أحمد إذا كرهه اثنان أو ثلاثة فلا بأس حتى يكرهه أكثرهم، فإن كان ذا دين وسنة فكرهه القوم لذلك لم تكره إمامته. قال منصور أما إنا سألنا عن ذلك فقيل لنال إنما عنى بهذا الظلمة، فأما من أقام السنة فانما الاثم على من كرهه، قال القاضي والمستحب أن لا يؤمهم صيانة لنفسه وان استوى الفريقان فالأولى أن لا يؤمهم أراد بذلك الاختلاف والله أعلم * (مسألة) * (ولا بأس بإمامة ولد الزنا والجندي اذا سلم دينهما) لا بأس بإمامة ولد الزنا وهو قول عطاء وسليمان بن موسى والحسن والنخعي والزهري وعمرو ابن دينار واسحاق وقال أصحاب الرأي ولا تجزي الصلاة خلفه، وكره مالك أن يتخذ إماماً راتباً وقال الشافعي يكره مطلقاً لأن الإمامة منصب فضيلة فكره تقديمه فيها كالعبد ولنا عموم قوله عليه السلام " يؤم القوم أقرؤهم " وقالت عائشة ليس عليه من وزر أبوية شئ قال الله تعالى (ولا تزر وازرة وزر أخرى) وقال سبحانه (وإن أكرمكم عند الله أتقاكم " والعبد لا نكرة إمامته لكن الحر أولى منه ولو سلم ذلك فالعبد ناقص في أحكامه لا يلي النكاح ولا المال بخلاف هذا ولا بأس بإمامة الجندي والخصي اذا كانا مرضيين لأنه عدل يصلح للامامة أشبه غيره * (فصل) * ولا بأس بإمامة الاعرابي إذا كان يصلح نص عليه وهو قول عطاء والثوري والشافعي واسحق وأصحاب الرأي، وقد روي عن أحمد أنه قال لا نعجبني إمامة الاعرابي إلا أن يكون قد سمع وفقه لأن الغالب عليهم الجهل، وكره ذلك أبو مجاز وقال مالك لا يؤمهم لقول الله تعالى

مسألة: ولا بأس بإمامة ولد الزنا والجندي اذا سلم دينهما

(الأعراب أشد كفرا) الآية. ولنا عموم قوله عليه السلام " يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله " ولأنه مكلف عدل تصح صلاته لنفسه أشبه المهاجر * (فصل) * والمهاجر أولى منه لا يقدم على المسبوق بالهجرة فمن لا هجرة له أولى. قال أبو الخطاب والحضري أولى من البدوي لأنه مختلف في إمامته ولأن الغالب عليهم الجفاء وقلة المعرفة بحدود الله تعالى * (مسألة) * (ويصح ائتمام مؤدي الصلاة بمن يقضيها) مثل أن يكون عليه ظهر أمس فأراد قضاءها فائتم به رجل عليه ظهر اليوم ففيه روايتان. أصحهما أنه يصح نص عليه، وفي رواية ابن منصور وهذا اختيار الخلال وقال المذهب عندي في هذا رواية واحدة وغلط من نقل غيرها لأن القضاء يصح بنية الاداء فيما اذا صلى فبان بعد خروج الوقت، وكذلك من يقضي الصلاة يصلى خلف من يؤديها لأنه في معناه، والرواية الثانية لا يصح، نقلها صالح لأن نيتهما مختلفة هذا ينوي قضاء وهذا أداء * (فصل) * ويصح ائتمام المفترض بالمتنفل ومن يصلي الظهر بمن يصلي العصر في إحدى الروايتين وفي الأخرى لا تصح فيهما. اختلف عنه في صحة ائتمام المفترض بالمتنفل فنقل عنه حنبل وأبو الحارث لا يصح، اختاره أكثر الأصحاب وهو قول الزهري ومالك وأصحاب الرأي لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه " متفق عليه، ولأن صلاة المأموم لا تتأدى

بنية الامام أشبه صلاة الجمعة خلف من يصلي الظهر. والثانية تصح نقلها عنه اسماعيل بن سعيد وأبو داود وهذا قول عطاء والاوزاعي والشافعي وأبي ثور وابن المنذر. قال شيخنا وهي أصح لأن معاذاً كان يصلي مع النبي صلى الله وسلم ثم يرجع فيصلي بقومه تلك الصلاة متفق عليه وصلى النبي صلى الله عليه وسلم بطائفة من أصحابه في صلاة الخوف ركعتين ثم سلم ثم صلى بالطائفة الأخرى ركعتين ثم سلم رواه أبو داود والاثرم وهو في الثانية متنفل مفترضين ولأنهما صلاتان اتفقتا في الأفعال فجاز ائتمام المصلي في إحداهما بالمصلي في الأخرى كالمتنفل خلف المفترض. فأما حديثهم فالمراد به لا تختلفوا عليه في الأفعال لأنه انما ذكر في الحديث الأفعال فقال فاذا سجد فاسجدوا ولهذا صح ائتمام المتنفل بالمفترض وقياسهم ينتقض بالمسبوق في الجمعة إذا أدرك أقل من ركعة فنوى الظهر خلف من يصلي الجمعة * (فصل) * فأما صلاة المتنفل خلف المفترض فلا نعلم في صحتها خلافاً وقد دل عليه قوله عليه السلام " ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه " * (فصل) * فأما صلاة الظهر خلف من يصلي العصر ففيه روايتان وكذلك صلاة العشاء خلف من يصلي التراويح أحدهما يجوز نقلها عنه اسماعيل بن سعيد فإنه قال له ما ترى إن صلى في رمضان خلف إمام يصلي بهم التراويح قال يجزيه ذلك من المكتوبة. والثانية لا يجوز نقلها عنه المروذي لأن أحدهما لا يتأدى بنية الأخرى كصلاة الجمعة والكسوف خلف من يصلي غيرهما أو صلاة غيرهما

خلف من يصليهما لم تصح رواية واحدة لأنه يفضي إلى المخالفة في الأفعال فيدخل في عموم قوله عليه السلام " فلا تختلفوا عليه " * (فصل) * ومن صلى الفجر ثم شك هل طلع الفجر أو لا لزمته الاعادة وله أن يؤم فيها من لم يصل، وقال بعض أصحابنا تخرج على الروايتين في إمامة المتنفل بالمفترض والصحيح الأول لأن الأصل بقاء الصلاة في ذمته ووجوب أفعالها فأشبه ما لو شك هل صلى أو لا، ولو فاتت المأموم ركعة فصلى الامام خمساً ساهياً فقال ابن عقيل لا يعتد للمأموم بالخامسة لأنها سهو وغلط، وقال القاضي هذه الركعة نافله للإمام وفرض للمأموم فيخرج فيها الروايتان. وقد سئل أحمد عن هذه المسائل فتوقف فيها. قال شيخنا والأولى أنه يحتسب له بها لأنه لو لم يحتسب له بها لزمه أن يصلي خمساً مع علمه بذلك ولأن الخامسة واجبة على الامام عند من يوجب عليه البناء على اليقين، ثم إن كانت نفلاً فقد ذكرنا أن الصحيح صحة الائتمام فيه، وإن صلى بقوم الظهر يظنها العصر فقال أحمد يعيد ويعيدون وهذا على الرواية التي منع فيها ائتمام المفترض بالمتنفل، فان ذكر الامام وهو في الصلاة فأتمها عصراً كانت له نفلا وإن قلب بنية إلى الظهر بطلت صلاته لما ذكرنا متقدماً، وقال ابن حامد يتمها والفرض باق في ذمته * (فصل في الموقف) * السنة أن يقف المأمومون خلف الامام اذا كان المأمومون جماعة، فالسنة أن يقفوا خلف الامام رجالاً كانوا أو نساء لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بأصحابه فيقومون

خلفه ولأن جابراً وجباراً لما وقفا عن يمينه وشماله ردهما الى خلفه وان كانا اثنين، فكذلك لما روى جابر قال سرت مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة فقام يصلي فتوضأت ثم جئته حتى قمت عن يساره فأخذ بيدي فأدارني حتى أقامني عن يمينه فجاء جبار بن صخر حتى قام عن يساره فأخذنا جميعاً بيديه فأقامنا خلفه رواه أبو داود وهذا قول عمر وعلي وجابر بن زيد والحسن ومالك والشافعي وأصحاب الرأي، وكان ابن مسعود يرى أن يقفا من جانبي الامام لأنه يروى عنه أنه صلى بين علقمة والأسود وقال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل، رواه أبو داود ولنا الحديث الذي ذكرناه فإنه أخرهما الى خلفه ولا ينقلهما إلا الى الأكمل وصلى النبي صلى الله عليه وسلم بأنس واليتيم فجعلهما خلفه. وحديث ابن مسعود يدل على الجواز فإن كان أحدهما صبياً فذلك في أصح الروايتين أن كانت الصلاة تطوعاً لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل أنساً واليتيم وراءه، وإن كان فرضا جعل الرجل عن يمينه والغلام عن يساره كما في حديث ابن مسعود أو جعلهما عن يمينه، وان جعلهما خلفه فقال بعض أصحابنا لا يصح لأنه لا يصح أن يؤمه فيه كالمرأة ويحتمل أن يصح لأنه بمنزلة المتنفل والمتنفل يصاف المفترض * (مسألة) * (فإن وقفوا قدامه لم يصح)

مسألة: فإن وقفوا قدامه لم يصح

وهذا قول أبي حنيفة والشافعي وقال مالك واسحاق يصح لأن ذلك لا يمنع الاقتداء به فأشبه من خلفه، ولنا قوله عليه السلام " إنما جعل الإمام ليؤتم به " ولأنه يحتاج في الاقتداء الى الالتفات الى ورائه ولأن ذلك لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا هو في معنى المنقول فلم يصح كما لو صلى في بيته بصلاة الامام، ويفارق من خلف الامام فإنه لا يحتاج في الاقتداء الى الالتفات بخلاف هذا، وقد قال بعض أصحابنا يجوز للمرأة أن تؤم الرجال في صلاة التراويح ويكونون بين يديها. وقد ذكرنا فساد ذلك فيما مضى، وإن وقفوا عن يمينه أو عن جانبيه صح لما ذكرنا من حديث ابن مسعود ولأن وسط الصف موقف لإمام العراة وللمرأة اذا أمت النساء، ويصح أن يقفوا عن يمينه لأنه موقف للواحد على ما نذكره إن شاء الله * (مسألة) * (وإن كان واحد وقف عن يمينه رجلا كان أو غلاماً) لما روينا من حديث جابر وروى ابن عباس قال قام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل فقمت ووقفت عن يساره فأخذ بذؤابتي فأدارني عن يمينه متفق عليه * (مسألة) * (وإن وقف خلفه أو عن يساره لم تصح) وجملة ذلك أنه من صلى وحده خلف الامام ركعة كاملة لم تصح صلاته وهذا قول النخعي

مسألة: وإن كان واحد وقف عن يمينه رجلا كان أو غلاما

واسحق وابن المنذر وغيرهم، وأجازه الحسن ومالك والاوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي لأن أبا بكرة ركع دون الصف فلم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة ولأنه موقف للمرأة فكان موقفاً للرجال كما لو كان مع جماعة ولنا ما روى وابصة بن معبد أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلي خلف الصف وحده فأمره أن يعيد، رواه أبو داود وغيره وقال ابن المنذر ثبت الحديث وفي لفظ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل صلى وراء الصف وحده فقال يعيد رواه تمام في الفوائد، وعن علي بن شيبان أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم فسلم فانصرف ورجل فرد خلف الصف فوقف نبي الله صلى الله عليه وسلم حتى انصرف الرجل فقال النبي صلى الله عليه وسلم " استقبل صلاتك فلا صلاة لفرد خلف الصف " رواه الأثرم وقال قلت لأبي عبد الله حديث ملازم ابن عمرو يعني هذا الحديث أيضاً حسن؟ قال نعم. ولأنه خالف الموقف فلم تصح صلاته كما لو وقف قدام الامام. فأما حديث أبي بكرة فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهاه فقال " لا تعد " والنهي يقتضي الفساد وعذره فيما فعله لجهله وللجهل تأثير في العفو ولا يلزم من كونه موقفاً للمرأة أن يكون موقفاً للرجل بدليل اختلافهما في كراهة الوقوف واستحبابه * (فصل) * وإن وقف عن يسار الامام وكان عن يمين الامام أحد صحت صلاته لما ذكرنا من حديث ابن مسعود ولأن وسط الصف موقف لإمام العراة وإن لم يكن عن يمينه أحد فصلاته فاسدة، وكذلك

إن كانوا جماعة وأكثر أهل العلم يرون ان الأولى للواحد أن يقف عن يمين الامام. روي عن سعيد ابن المسيب أنه كان إذا لم يكن معه إلا واحد جعله عن يساره، وقال مالك والشافعي وأصحاب الرأي تصح صلاة من وقف عن يسار الامام لأن ابن عباس لما أحرم عن يسار النبي صلى الله عليه وسلم أداره عن يمينه ولم تبطل تحريمته ولو لم يكن موقفاً لزمه استئنافها كقدام الامام ولأنه أحد الجانبين أشبه اليمين وكما لو كان عن يمينه أحد ولنا حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم أداره عن يمينه، وكذلك حديث جابر وقولهم لم يأمره بابتداء التحريمة لأن ما فعله قبل الركوع لا يؤثر فان الامام يحرم قبل المأمومين وكذلك المأمومون يحرم بعضهم قبل بعض الباقين، ولا يضر انفراده ولا يلزم من العفو عن ذلك العفو عن ركعة كاملة. قولهم هو موقف إذا كان أحد عن يمينه قلنا لا يلزم من كونه موقفاً في صورة أن يكون موقفاً في غيرها بدليل ما وراء الامام فانه موقف للاثنين وليس موقفاً للواحد، وان منعوه فقد دل عليه الحديث المذكور والقياس أنه يصح كما لو كان عن يمينه وكون النبي صلى الله عليه وسلم أدار ابن عباس وجابراً يدل على الفضيلة لا على عدم الصحة بدليل رد جابر وجبار الى وراءه مع صحة صلاتهما عن جانبه * (فصل) * فإن كان خلف الامام صف فهل تصح صلاة من وقف عن يساره؟ فيه احتمالان. أحدهما يصح لأنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى وأبو بكر عن يمينه، وكان أبو بكر

مسألة: وإن أم امرأة وقفت خلفه

الامام وكان مع الامام ولأن مع الإمام من تنعقد صلاته به فصح كما لو كان عن يمينه أحد، والثاني لا تصح لأنه ليس بموقف إذا لم يكن صف فلم يكن موقفاً مع الصف كإمام الامام وفارق إذا كان معه آخر لأنه معه في الصف فكان صفاً واحداً فهو كما لو وقف معه خلف الصف * (مسألة) * (وإن أم امرأة وقفت خلفه) لقول النبي صلى الله عليه وسلم " أخروهن من حيث أخرهن الله " وروى أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بأمه أو خالته فأقامني عن يمينه وأقام المرأة خلفنا رواه مسلم، وإن أم رجلاً وامرأة وقف الرجل عن يمينه ووقفت المرأة خلفهما لما ذكرنا، وإن كانا رجلين وقفا خلفه والمرأة خلفهما كما روى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم فصففت أنا واليتيم وراءه والمرة خلفنا فصلى لنا رسول الله ركعتين متفق عليه، وكان الحسن يقول في ثلاثة أحدهم امرأة يقوم بعضهم وراء بعضهم وهذا قول لا نعلم أحدا وافقه فيه، واتباع السنة أولى * (فصل) * فإن وقفت المرأة في صف الرجال كره لها ذلك ولم تبطل صلاتها ولا صلاة من يليها وهذا مذهب الشافعي، وقال أبو بكر تبطل صلاة من يليها ومن خلفها دونها وهو قول أبي حنيفة لأنه منهي عن الوقوف الى جانبها أشبه الوقوف أمام الامام. ولنا أنها لو وقفت في غير صلاة لم تبطل صلاته كذلك في الصلاة، وقد ثبت ان عائشة كانت تعترض بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي

مسألة: وإن اجتمع رجال وصبيان وخناثى ونساء تقدم الرجال ثم الصبيان ثم الخناثى ثم النساء

قولهم: وهو منهي عنه، قلنا هي منهية عن الوقوف مع الرجال فاذا لم تبطل صلاتها فصلاتهم أولى وقال ابن عقيل الأشبه بالمذهب عندي بطلان صلاتها لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أخروهن " وهو موقف منهي عنه أشبه موقف الفذ خلف الامام والصف * (مسألة) * (وان اجتمع رجال وصبيان وخناثى ونساء تقدم الرجال ثم الصبيان ثم الخناثى ثم النساء) لما روى أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى فصف الرجال ثم صف خلفهم الغلمان. وتقدم الخناثى على النساء لجواز أن يكون رجلاً (وكذلك يفعل في تقديمهم إلى الإمام إذا اجتمعت جنائزهم) وسنذكر ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى * (مسألة) * (ومن لم يقف معه إلا كافر أو امرأة أو محدث يعلم حدثه فهو فذ، وكذلك الصبي إلا في النافلة) أما إذا وقف معه كافر ومحدث يعلم حدثه لم تصح صلاته لأن وجوده وعدمه واحد وكذلك اذا وقف معه سائر من لا تصح صلاته لما ذكرنا. وقد روي عن أحمد أنه قال إذا أم رجلين أحدهما غير طاهر أتم الطاهر معه، وهذا يحتمل أنه أراد اذا علم المحدث حدث نفسه أتم الآخر إن كان عن يمين الامام وإن لم يكن عن يمينه تقدم فصار عن يمينه. فأما إن كانا خلفه وأتم الصلاة مع علم المحدث بحدثه لم تصح وإن لم يعلمه صح لأنه لو كان إماماً صح الائتمام به فصحة مصافته أولى * (فصل) * فإن لم يقم معه إلا امرأة فقال ابن حامد لا تصح صلاته لأنها لا تؤمه فلا تكون معه

صفاً ولأنها من غير أهل الوقوف معه فوجودها كعدمها، وقال ابن عقيل تصح على أصح الوجهين لأنه وقف معه مفترض صلاته صحيحة أشبه ما لو وقف معه رجل، وليس من شرط المصافة أن يكون ممن تصح إمامته بدليل القارئ مع الامي والفاسق والمفترض مع المتنفل، وإن وقف معه خنثى مشكل لم يكن معه صفاً على قول ابن حامد لأنه يحتمل أن يكون امرأة * (فصل) * وإن وقف معه فاسق أو متنفل صار صفاً لأن صلاتهم صحيحة، وكذلك لو وقف قارئ مع أمي أو من به سلس البول مع صحيح أو قائم مع قاعد كانا صفاً لما ذكرنا * (فصل) * اذا وقف مع البالغ وخلفه صبي فان كان في النافلة صح لما ذكرنا من حديث أنس وذكر أبو الخطاب رواية أنه لا يصح بناء على إمامته في النفل، وإن كان في الفرض فقد روى الأثرم عن أحمد أنه توقف في هذه المسألة وقال ما أدري فذكر له حديث أنس فقال ذلك في التطوع واختلف فيه أصحابنا فقال بعضهم لا يصح لأنه لا يصلح إماماً للرجال في الفرض كالمتنفل، ولا يشترط لصحة مصالته صلاحيته للامامة بدليل الفاسق والعبد والمسافر في الجمعة والأصل المقيس عليه ممنوع * (فصل) * إذا أم الرجل خنثى مشكلاً وحده فالصحيح أنه يقف عن يمينه لأنه إن كان رجلاً فهذا موقفه وان كان امرأة لم تبطل صلاتها بوقوفها مع الإمام كما لو وقفت مع الرجال، ولا يقف وحده لجواز أن يكون رجلاً فإن كان معهما رجل وقف الرجل عن يمين الامام والخنثى عن يساره

أو عن يمين الرجل ولا يقفان خلفه لجواز أن يكون امرأة إلا عند من أجاز للرجل مصافة المرأة، فان كان معهم رجل آخر وقف الثلاثة خلفه صفاً لما ذكرنا، وإن كانا خنثيين مع الرجلين فقال أصحابنا يقف الخنثيان صفاً خلف الرجلين لاحتمال أن يكونا امرأتين، ويحتمل أن يقفا مع الرجلين لأنه يحتمل أن يكون أحدهما رجلاً فلا تصح صلاته، وإن كان معهم نساء وقفن خلف الخناثى على ما ذكرنا * (فصل) * وإذا كان المأموم واحداً فكبر عن يسار الامام أداره الامام عن يمينه ولم تبطل تحريمته كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم بابن عباس، وإن كبر وحده خلف الامام ثم تقدم عن يمينه أو جاء آخر فوقف معه أو تقدم الى الصف بين يديه أو كانا اثنين فكبر أحدهما وتوسوس الآخر ثم كبر قبل رفع الامام رأسه من الركوع أو كبر واحد عن يمين الامام فأحس بآخر فتأخر معه قبل أن يحرم الثاني ثم أحرم أو أحرم عن يسار الامام فجاء آخر فوقف عن يمينه قبل رفع الامام رأسه من الركوع صحت صلاتهم وقد نص عليه أحمد في رواية الأثرم في الرجلين يقومان خلف الامام ليس خلفه غيرهما خاف أن يدخل في الصلاة خلف الصف فقال ليس هذا من ذاك، ذاك في الصلاة بكمالها أو صلى ركعة كاملة وما أشبه هذا، فأما هذا فارجو أن لا يكون به بأس، ولو أحرم رجل خلف الصف ثم خرج من الصف رجل فوقف معه صح لما ذكرنا * (فصل) * وإن كبر رجل عن يمين الامام وجاء آخر فكبر عن يساره أخرجهما الامام الى

ورائه كفعل النبي صلى الله عليه وسلم بجابر وجبار، ولا يتقدم الإمام إلا أن يكون وراءه ضيق وإن تقدم جاز وإن كبر الثاني مع الأول عن اليمين وخرجا جاز، وان دخل الثاني وهما في التشهد كبر وجلس عن يسار الامام أو عن يمين الآخر ولا يتأخران في التشهد لأن فيه مشقة * (فصل) * وإن أحرم اثنان وراء الامام فخرج أحدهما لعذر أو لغيره دخل الآخر في الصف أو نبه رجلاً فخرج معه أو دخل فوقف عن يمين الإمام فإن لم يمكنه شئ من ذلك نوى الانفراد وأتم منفرداً لأنه عذر حدث له أشبه ما لو سبق إمامه الحدث. * (مسألة) * ومن جاء فوجد فرجة وقف فيها فإن لم يجد وقف عن يمين الامام ولم يجذب رجلاً ليقوم معه فان لم يمكنه ذلك نبه رجلاً ليقوم معه (1) فخرج فوقف معه وهذا قول عطاء والنخعي وكره ذلك مالك والاوزاعي واستقبحه أحمد وإسحق، قال ابن عقيل جوز أصحابنا جذب رجل يقوم معه صفاً قال وعندي أنه لا يفعل لما فيه من التصرف بغير إذنه. قال شيخنا والصحيح جواز ذلك لأن الحاجة داعية إليه فجاز كالسجود على ظهر إنسان أو قدمه حال الزحام وليس هذا تصرفاً فيه بل هو تنبيه له فجرى مجرى مسألته أن يصلي معه، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لينوا في أيدي إخوانكم " يريد ذلك فإن امتنع من الخروج وحده معه صلى وحده

_ (1) في المتن المطبوع فان لم يمكنه فله أن ينبه من يقوم معه اه ويتأمل قوله بعده: فخرج فوقف معه. على أن هذه المسألة كانت في الاصل مدغمة في الشرح

مسألة: ومن جاء فوجد فرجة وقف فيها فان لم يجد وقف عن يمين الامام ولم يجذب رجلا ليقوم معه فإن لم يمكنه ذلك نبه رجلا ليقوم معه فخرج فوقف معه

* (مسألة) * (فان صلى فذاً ركعة لم تصح) لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا صلاة لفرد " رواه الأثرم * (مسألة) * (وإن ركع فذاً ثم دخل في الصف أو وقف معه آخر قبل رفع الامام صحت صلاته وإن رفع ولم يسجد صحت، وقيل إن علم النهي لم تصح وإن فعله لغير عذر لم تصح) من ركع دون الصف ثم دخل في الصف لم يخل من ثلاثة أحوال (أحدها) أن يصلي ركعة ثم يدخل فلا تصح صلاته لما ذكرنا (الثاني) أن يمشي وهو راكع ثم يدخل في الصف قبل رفع الامام رأسه من الركوع أو يأتي آخر فيقف معه قبل رفع الامام رأسه فتصح صلاته لأنه أدرك مع الإمام في الصف ما يدرك به الركعة، وممن رخض في ذلك زيد بن ثابت وفعله ابن مسعود وزيد بن وهب وعروة وسعيد بن جبير وجوزه الزهري والاوزاعي ومالك والشافعي إذا كان قريبا من الصف (والحال الثالث) أن لا يدخل في الصف الا بعد رفع الامام رأسه من الركوع أو يقف معه آخر في هذه الحال ففيه ثلاث روايات إحداهن تصح صلاته وهذا مذهب مالك والشافعي لأن أبا بكرة فعل ذلك وفعله من ذكرنا من الصحابة ولأنه لم يصل ركعة كاملة أشبه ما لو أدرك الركوع، والثانية تبطل صلاته بكل حال لأنه لم يدرك في الصف ما يدرك به الركعة

أشبه ما لو صلى ركعة كاملة، والثالثة أنه إن كان جاهلاً بتحريم ذلك صحت صلاته وإلا لزمته الاعادة اختارها الخرقي لما روى أن أبا بكرة انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو راكع فركع قبل أن يصل الى الصف فذكر ذلك للنبي الله صلى عليه وسلم فقال " زادك الله حرصاً ولا تعد " رواه البخاري فلم يأمره بإعادة الصلاة ونهاه عن العود، والنهي يقتضي الفساد، ولم يفرق القاضي والخرقي في هذه المسألة بين من دخل قبل رفع رأسه من الركوع أو بعد الرفع، وذلك منصوص أحمد والدليل يقتضي التفريق فيحصل كلامهم عليه وقد ذكره أبو الخطاب على نحو ما ذكرنا * (فصل) * فإن فعل ذلك لغير عذر ولا خشي الفوات لم تصح صلاته في أحد الوجهين لأنه فاته ما تفوته الركعة بفواته وإنما أبيح للمعذور لحديث أبي بكرة فيبقى فيما عداه على قضية الدليل، والثاني تصح لأن الموقف لا يختلف بخيفة الفوات وعدمه كما لو فاتته الركعة كلها * (فصل) * السنة أن يتقدم في الصف الأول أولو الفضل والأسن وأن يلي الامام أكملهم وأفضلهم قال أحمد يلي الامام الشيوخ وأهل القرآن ويؤخر الصبيان لما روى أبو سعيد الأنصاري قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " ليلني منكم أولو الأحلام والنهي ثم الذين يلونهم ثم الذين

يلونهم " (2) وقال أبو سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في أصحابه تأخراً فقال " تقدموا فائتموا بي وليأتم بكم من بعدكم ولا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله عزوجل " رواهما أبو داود. وعن قيس بن عبادة قال أتيت المدينة للقاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقمت في الصف الأول فجاء رجل فنظر في وجوه القوم فعرفهم غيري فنحاني وقام في مكاني فما عقلت صلاتي، فلما صلى قال يا بني لا يسؤك الله فإني لم آت الذي أتيت بجهالة ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا " كونوا في الصف الذي يليني " وإني نظرت في وجوه القوم فعرفتهم غيرك. وكان الرجل أبي بن كعب رواه أحمد والنسائي * (فصل) * والصف الأول أفضل للرجال، وللنساء بالعكس لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها " رواه أبو داود وعن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " أتموا الصف الأول فما كان من نقص فليكن في الصف الآخر " رواه أبو داود، وعن أبي بن كعب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الصف الأول على مثل صف الملائكة، ولو تعلمون فضيلته لابتدرتموه " رواه الإمام أحمد، وميامن الصفوف أفضل لقول عائشة رضي الله عنها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ان الله وملائكته يصلون على ميامن

_ (2) رواه بهذا اللفظ أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي عن ابن مسعود بزيادة " واياكم وهيشات الاسواق أي جلبتها وخصوماتها " ورواه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه من حديث أبي مسعود الانصاري بزيادة في أوله قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح مناكبنا في الصلاة ويقول " استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم وليلني منكم " الخ فعز والمصنف له إلى ابي سعيد غلط. وحديث أبي سعيد " هو الخدري " الذي بعده رواه أيضا مسلم والنسائي وابن ماجه فالمؤلف فقيه لا محدث

الصفوف " رواه أبو داود، ويستحب أن يقف الامام في مقابلة وسط الصف لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " وسطوا الإمام وسدوا الخلل " (1) * (مسألة) * وإذا كان المأموم يرى من وراء الامام صحت صلاته اذا اتصلت الصفوف، وإن لم ير من وراءه لم تصح وعنه تصح إذا كان في المسجد) وجملة ذلك أنه إذا كان الإمام والمأموم في المسجد يعتبر اتصال الصفوف. قال الآمدي لا خلاف في المذهب أنه إذا كان في أقصى المسجد وليس بينه وبين الامام ما يمنع الاستطراق والمشاهدة أنه يصح اقتداؤه به وإن لم تتصل الصفوف وهذا مذهب الشافعي، وذلك لأن المسجد بني للجماعة فكل من حصل فيه فقد حصل في محل الجماعة، فإن كان المأموم خارج المسجد أو كانا جميعاً في غير المسجد صح أن يأتم به بشرط أمكان المشاهدة واتصال الصفوف وسواء كان المأموم في درجة المسجد أو في دار أو على سطح والامام على سطح آخر، أو كان في صحراء أو في سفينتين وهذا مذهب الشافعي إلا أنه يشترط أن لا يكون بينهما ما يمنع الاستطراق في أحد القولين. ولنا أن هذا لا تأثير له في المنع مع الاقتداء بالامام ولم يرد فيه نهي ولا هو في معنى ذلك فلم يمنع صحة الائتمام به كالفعل اليسير إذا ثبت هذا فان معنى اتصال الصفوف أن لا يكون بينهما بعد لم تجر العادة به بحيث يمنع امكان

_ " 1 " رواه أبو داود عن أبي هريرة وفيه علتان، وان سكت عنه هو والمنذري

مسألة: واذا كان المأموم يرى من وراء الامام صحت صلاته اذا اتصلت الصفوف، وان لم ير من وراءه لم تصح وعنه تصح اذا كان في المسجد

الاقتداء، وحكي عن الشافعي أنه حد الاتصال بما دون ثلاثمائة ذراع والتحديدات بابها التوقيف ولا نعلم في هذا نصاً ولا إجماعاً يعتمد عليه فوجب الرجوع فيه إلى العرف كالتفريق والاحراز * (فصل) * فإن كان بين المأموم والامام حائل يمنع رؤية الامام ومن وراءه فقال ابن حامد فيه روايتان إحداهما لا يصح الائتمام به اختاره القاضي لأن عائشة قالت لنساء كن يصلين في حجرتها لا تصلين بصلاة الامام فانكن دونه في حجاب ولأنه لا يمكنه الاقتداء به في الغالب، والثانية تصح قال أحمد في رجل يصلي خارج المسجد يوم الجمعة وأبواب المسجد مغلقة أرجو أن لا يكون به بأس، وذلك لأنه يمكنه الاقتداء بالامام فصح من غير مشاهدة كالأعمى ولأن المشاهدة تراد للعلم بحال الامام والعلم استماع التكبير فجرى مجرى الرؤية، وعنه أنه يصح إذا كان في المسجد دون غيره لأن المسجد محل الجماعة وفي مظنة القرب ولأنه لا يشترط فيه اتصال الصفوف، لذلك فجاز أن لا يشترط الرؤية واختار شيخنا التساوي فيهما لاستوائهما في المعنى المجوز أو المانع فوجب استواؤهما في الحكم وإنما صح مع عدم المشاهدة لأنه يشترط أن يسمع التكبير فإن لم يسمعه لم يصح ائتمامه بحال لأنه لا يمكنه الاقتداء * (فصل) * وكل موضع اعتبرنا المشاهدة فانه يكفي مشاهدة من وراء الامام من باب إمامه أو عن يمينه أو عن يساره ومشاهدة طرف الصف الذي وراءه لأنه يمكنه الاقتداء بذلك، وإن حصلت

المشاهدة في بعض أحوال الصلاة كفاه في الظاهر لما روت عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل وجدار الحجرة قصير فرأى الناس شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام أناس يصلون بصلاته والحديث رواه البخاري، والظاهر أنهم كانوا يرونه في حال قيامه * (فصل) * فإن كان بينهما طريق أو نهر تجري فيه السفن أو كانا في سفينتين مفترقتين ففيه وجهان أحدهما لا تصح اختاره أصحابنا وهو قول أبي حنيفة لأن الطريق ليست محلا للصلاة أشبه ما يمنع لاتصال والثاني تصح اختاره شيخنا وهو مذهب مالك والشافعي لأنه لا نص في منع ذلك ولا إجماع ولا هو في المعنى المنصوص لأنه لا يمنع الاقتداء والمؤثر في المنع ما يمنع الرؤية أو سماع الصوت وليس هذا بواحد منهما قولهم إن بينهما ما ليس محلا للصلاة ممنوع وإن سلم في الطريق فلا يصح في النهر بدليل صحة الصلاة عليه في السفينة وحال جموده ثم كونه ليس محلاً للصلاة إنما يؤثر في منع الصلاة فيه، أما في صحة الاقتداء بالامام فتحكم محض لا يلزم المصير إليه، فأما إن كانت صلاته جمعة أو عيداً أو جنازة لم يؤثر ذلك فيها لأنها تصح في الطريق، وقد صلى أنس في موت حميد بن عبد الرحمن بصلاة الامام وبينهما طريق والله أعلم * (مسألة) * (ولا يكون الامام أعلى من المأموم، فإن فعل وكان كثيراً فهل تصح صلاته؟ وجهين) :

ويكره أن يكون الامام أعلى من المأموم في ظاهر المذهب سواء أراد تعليمهم أو لم يرد وهذا قول مالك والاوزاعي وأصحاب الرأي، وروي عن أحمد ما يدل على أنه لا يكره واختاره الشافعي للإمام الذي يعلم من خلفه أن يصلي على الشئ المرتفع ليراه من خلفه ليقتدوا به، لما روى سهل بن سعد قال لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قام عليه يعني المنبر فكبر وكبر الناس وراءه ثم ركع وهو على المنبر ثم رفع ونزل القهقرى حتى سجد في أصل المنبر ثم عاد حتى فرغ من آخر صلاته ثم أقبل علي الناس فقال " أيها الناس إنما فعلت هذا لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي " متفق عليه ولنا ما روى عمار بن ياسر أنه صلى بالمدائن فتقدم فقام على دكان والناس أسفل منه فتقدم حذيفة فأخذ بيده فأتبعه عمار حتى أنزله حذيفة فلما فرغ من صلاته قال له حذيفة ألم تسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إذا أم الرجل القوم فلا يقومن في مكان أرفع من مقامهم " قال عمار فلذلك اتبعتك حين أخذت على يدي، رواه أبو داود ولأنه يحتاج أن يقتدي بامامه فينظر ركوعه وسجوده، فاذا كان أعلى منه احتاج الى رفع بصره اليه وذلك منهي عنه في الصلاة. فأما حديث سهل فالظاهر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان على الدرجة السفلى لئلا يحتاج إلى عمل كثير في الصعود والنزول فيكون ارتفاعاً يسيراً لا بأس به جمعاً بين الأخبار، ويحتمل أن يختص ذلك بالنبي صلى الله عليه وسلم لأنه فعل شيئاً ونهى عنه فيكون فعله لنفسه ونهيه لغيره، وكذلك لا يستحب لغيره عليه السلام ولأن النبي

مسألة: ولا يكون الامام أعلى من المأموم، فإن فعل وكان كثيرا فهل تصح صلاته؟ وجهين

صلى الله عليه وسلم لم يتم الصلاة على المنبر فان سجوده وجلوسه انما كان على الأرض بخلاف ما اختلفنا فيه * (فصل) * ولا بأس بالعلو اليسير كدرجة المنبر ونحوها لما ذكرنا من حديث سهل ولأن النهي معلل بما يفضي إليه من رفع البصر في الصلاة وهذا يختص الكثير * (فصل) * فإن كان العلو كثيراً أبطل الصلاة في قول ابن حامد وهو قول الأوزاعي لأن النهي يقتضي فساد المنهي عنه، وقال القاضي لا تبطل وهو قول أصحاب الرأي لأن عماراً أتم صلاته ولو كانت فاسدة لاستأنفها ولأن النهي معلل بما يفضي إليه من رفع البصر وهو لا يبطل الصلاة فسببه أولى * (فصل) * فإن كان مع الامام من هو مساو له ومن هو أسفل منه اختصت الكراهة بمن هو أسفل منه لوجود المعنى فيهم خاصة، ويحتمل أن يتناول النهي الامام لكونه منهياً عن القيام في مكان أعلى من مقامهم، فعلى هذا الاحتمال تبطل صلاة الجميع عند من أبطل الصلاة بارتكاب النهي * (فصل) * فإن كان المأموم أعلى من الامام كالذي على سطح المسجد أو رف أو دكة عالية فلا بأس لأنه روي عن ابي هريرة أنه صلى بصلاة الامام على سطح المسجد وفعله سالم وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي، وقال مالك يعيد اذا صلى الجمعة فوق سطح المسجد بصلاة الإمام. ولنا ما ذكرنا من فعل أبي هريرة ولأنه يمكنه الاقتداء بامامه أشبه المتساويين، ولأن علو الامام إنما كره لحاجة المأمومين الى رفع البصر المنهي عنه وهذا بخلافه

* (مسألة) * (ويكره للإمام أن يصلي في طاق القبلة) يكره للامام أن يدخل في طاق القبلة، كره ذلك ابن مسعود وعلقمة والاسود لأنه يستتر عن بعض المأمومين فكره كما لو كان بينه وبينهم حجاب، وفعله سعيد بن جبير وأبو عبد الرحمن السلمي فأما إن كان لحاجة ككون المسجد ضيقاً لم يكره للحاجة اليه * (مسألة) * (ويكره للإمام أن يتطوع في موضع المكتوبة) نص عليه أحمد وقال: كذا قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: فأما المأموم فلا بأس أن يتطوع مكانه فعل ذلك ابن عمر وقال اسحق وروي عن المغيرة بن شعبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا يتطوع الإمام في مكانه الذي يصلي فيه بالناس " رواه أبو داود إلا أن أحمد قال لا أعرف ذلك عن غير علي * (مسألة) * (ويكره للمأمومين الوقوف بين السواري إذا قطعت صفوفهم) وكره ذلك ابن مسعود والنخعي ورخص فيه ابن سيرين ومالك وأصحاب الرأي وابن المنذر ولنا ما روى معاوية بن قرة عن أبيه قال كنا ننهى أن نصف بين السواري على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونطرد عنها طرداً رواه ابن ماجه، فان كان الصف صغيراً لا ينقطع بها لم يكره لعدم ما يوجب الكراهة ولا يكره ذلك للإمام

مسألة: ويكره للإمام إطالة القعود بعد الصلاة مستقبل القبلة

* (مسألة) * (ويكره للإمام إطالة القعود بعد الصلاة مستقبل القبلة) لما روت عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم لا يقعد إلا مقدار ما يقول: " اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام " رواه ابن ماجه (1) ولأنه لا يستحب للمأمومين الانصراف قبل الامام، فاذا أطال الجلوس شق عليهم، فإن لم يقم استحب أن ينحرف عن قبلته لما روي عن سمرة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى صلاة أقبل علينا بوجهه أخرجه البخاري، وعن علي رضي الله عنه أنه صلى بقوم العصر ثم أسند ظهره الى القبلة فاستقبل القوم رواه الأثرم، قال الأثرم رأيت أبا عبد الله اذا سلم يلتفت ويتربع، قال أبو داود رأيته اذا كان إماماً فسلم انحرف عن يمينه، وروى جابر بن سمرة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الفجر تربع في مجلسه حتى تطلع الشمس حسناً، وفي لفظ كان إذا صلى الفجر جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس رواه مسلم * (مسألة) * (فإن كان معه نساء لبث قليلا لنصرف النساء) لما روت ام سلمة قالت أن النساء كن إذا سلمن من المكتوبة قمن وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن صلى من الرجال ما شاء الله فإذا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم قام الرجال قال الزهري فنرى ذلك والله أعلم أن ذلك لكي ينفذ من ينصرف من النساء رواه البخاري، ويستحب للنساء أن لا يجلسن بعد الصلاة لذلك ولأن

_ (1) بل رواه احمد ومسلم والترمذي أيضا

مسألة: فإن كان معه نساء لبث قليلا لينصرف النساء

الاخلال به من أحد الفريقين يفضي الى اختلاط الرجال بالنساء، ويستحب للمأمومين أن لا يقوموا قبل الامام لئلا يذكر سهواً فيسجد وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " عليكم إني إمامكم فلا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود ولا بالقيام ولا بالانصراف " رواه مسلم إلا أن يخالف الامام السنة في إطالة الجلوس أو ينحرف فلا بأس بذلك * (فصل) * وينصرف الامام حيث شاء عن يمين وشمال لقول ابن مسعود: لا يجعل أحدكم للشيطان حظاً من صلاته، يرى أن حقاً عليه أن لا ينصرف إلا عن يمينه، لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر ما ينصرف عن شماله رواه مسلم (1) وعن لهب (2) أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم فكان ينصرف عن شقيه رواه أبو داود * (مسألة) * (فإن أمت امرأة بنساء قامت وسطهن في الصف) اختلفت الرواية هل يستحب للمرأة أن تصلي بالنساء جماعة فعنه أنه مستحب يروي ذلك عن عائشة وأم سلمة وعطاء والثوري والاوزاعي والشافعي وأبي ثور، وعن أحمد أنه غير مستحب وكرهه أصحاب الرأي. وقال الشعبي والنخعي وقتادة: لهن ذلك في التطوع خاصة. وقال الحسن واسحاق وسليمان بن يسار: لا تؤم مطلقاً ونحوه قول مالك: لأنه يكره لها الأذان وهو دعاء إلى الجماعة فكره ما يراد له الأذان ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لأم ورقة أن تؤم أهل دارها. رواه أبو داود، ولانهن

_ (1) بل رواه الجماعة كلهم إلا الترمذي (2) الصواب: قبيصة بن هلب ورواه الترمذي وابن ماجه أيضا باختلاف في اللفظ

مسألة: فان أمت امرأة بنساء قامت وسطهن في الصف

من أهل الفرائض أشبهن الرجال، وانما كره لهن الأذان لما فيه من رفع الصوت ولسن من أهله. إذا ثبت ذلك فانها تقوم وسطهن في الصف لا نعلم في ذلك خلافاً بين من رأى أن تؤمهن لأن ذلك يروي عن عائشة وأم سلمة رواه سعيد بن منصور عن أم سلمة، ولأن المرأة يستحب لها التستر ولذلك لا يستحب لها التجافي وكونها في وسط الصف أستر لها فاستحب لها كالعريان، فان صلت بين أيديهن احتمل أن يصح لكونه موقفاً في الجملة للرجل، واحتمل أن لا يصح لأنها خالفت موقفها أشبه ما لو خالف الرجل موقفه، فان أمت امرأة واحدة قامت عن يمينها كالمأموم من الرجال وإن وقفت خلفها جاز لأن المرأة يجوز وقوفها وحدها بدليل حديث أنس (فصل) وتجهر في صلاة الجهر قياساً على الرجل، فإن كان ثم رجل لم تجهر إلا أن يكونوا من محارمها فلا بأس به والله أعلم (فصل) ويعذر في الجمعة والجماعة المريض. قال إبن المنذر: لا أعلم خلافاً بين أهل العلم أن للمريض أن يتخلف عن الجماعات من أجل المرض، وقد روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من سمع النداء فلم يمنعه من إتباعه عذر - قالوا: وما العذر يا رسول الله؟ قال: خوف المرض - لم تقبل منه الصلاة التي صلى " رواه أبو داود وقد كان بلال يؤذن بالصلاة ثم يأتي النبي صلى الله عليه وسلم وهو مريض فيقول " مروا أبا بكر فليصل بالناس " * (مسألة) * (ومن يدافع أحد الاخبثين أو بحضرة طعام وهو محتاج إليه)

مسألة: ومن يدافع أحد الاخبثين أو بحضرة طعام وهو محتاج اليه

لما روت عائشة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " لا صلاة بحضرة طعام ولا وهو يدافع الأخبثين " رواه مسلم. وسواء خاف فوات الجماعة أو لم يخف لقوله صلى الله عليه وسلم " إذا حضر العشاء وأقيمت الصلاة فابدأوا بالعشاء " رواه مسلم * (مسألة) * (والخائف من ضياع ماله، أو فواته، أو ضرر فيه على نفسه من ضرر أو سلطان أو ملازمة غريم ولا شئ معه) الخوف يتنوع ثلاثة أنواع (أحدهما) الخوف على نفسه بأن يخاف سلطاناً يأخذه أو لصاً أو سبعاً أو سيلاً أو نحو ذلك مما يؤذيه في نفسه، أو يخاف غريماً يحبسه ولا شئ معه يعطيه، فان حبس المعسر ظلم، وكذلك إن كان عليه دين مؤجل خشي أن يطالب به قبل محله، وإن كان الدين حالاً وهو قادر على أدائه فلا عذر له في التخلف لأن مطل الغني ظلم، وإن توجه عليه حد لله تعالى أو حد قذف فخاف أن يؤخذ به لم يكن ذلك عذراً لأنه يجب عليه وفاؤه، وكذلك أن توجه عليه فصاص. وقال القاضي: إن رجا الصلح عنه بمال فهو عذر حتى يصالح بخلاف الحدود لأنها لا تدخلها المصالحة، وحد القذف إن رجا العفو عنه فليس بعذر لأنه يرجو اسقاطه بغير بدل (الثاني) الخوف على ماله من لص، أو سلطان، أو نحوه، أو يخاف على بهيمة من سبع: أو شر ودإن ذهب وتركها، أو على منزله، أو متاعه، أو زرعه، أو يخاف إباق عبده، أو يكون له خبز في التنور، أو

مسألة: والخائف من ضياع ماله، أو فواته، أو ضرر فيه على نفسه من ضرر أو سلطان أو ملازمة غريم ولا شيء معه

طبيخ على نار يخاف تلفها بذهابه، أو يكون له مال ضائع، أو عبد آبق يرجو وجدانه في تلك الحال أو يخاف ضياعه ان اشتغل عنه، أو يكون له غريم أن ترك ملازمته ذهب، أو يكون ناطور بستان أو نحوه يخاف إن ذهب سرق، أو مستأجراً لا يمكنه ترك ما استؤجر على حفظه، فهذا وأشباهه عذر في التخلف عن الجمعة والجماعة لعموم قوله عليه السلام أو خوف، ولأن في أمره عليه السلام بالصلاة في الرحال لأجل الطين والمطر مع أن ضررهما أيسر من ذلك تنبيهاً على جوازه (الثالث) الخوف على ولده وأهله أن يضيعوا، أو يخاف موت قريبه ولا يشهده، فهذا كله عذر في ترك الجمعة والجماعة وبهذا قال عطاء والحسن والشافعي: ولا نعلم فيه خلافاً، وقد استصرخ ابن عمر على سعيد بن زيد بعد ارتفاع الضحى وهو يتجمر للجمعة فأتاه بالعقبق وترك الجمعة والله أعلم * (مسألة) * (أو فوات رفقة، أو غلبة النعاس، أو خشية التأذي بالمطر، والوحل، والريح الشديدة في الليلة المظلمة الباردة) ويعذر في تركها من يريد سفراً يخاف فوات رفقته لأن عليه في ذلك ضرراً، ومن يخاف غلبة النعاس حتى يفوتاه الجواز له أن يصلي وحده وينصرف لأن الرجل الذي صلى مع معاذ انفرد عند تطويل معاذ، وخوف النعاس والمشقة فلم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم حين أخبره بذلك. ويعذر في ترك الجماعة من يخاف تطويل الامام كثيراً لذلك، فإنه إذا جاز ترك الجماعة بعد دخوله فيها لأجل التطويل فترك الخروج اليها أولى، ويعذر في المطر الذي يبل الثياب، والوحل الذي يتأذى

مسألة: أو فوات رفقة، أو غلبة النعاس، أو خشية التأذي بالمطر، والوحل، والريح الشديدة في الليلة المظلمة الباردة

به في بدنه أو ثيابه لما روى عبد الله بن الحارث قال: قال عبد الله بن العباس لمؤذنه في يوم مطير: اذا قلت أشهد أن محمداً رسول الله فلا تقل حي على الصلاة وقل: صلوا في بيوتكم، قال: فكأن الناس استنكروا ذلك. فقال ابن عباس: اتعجبون من ذلك وقد فعل ذلك من هو خير مني، إن الجمعة عزيمة واني كرهت أن أخرجكم فتمشوا في الطين والدحض. متفق عليه، وقد روى أبو المليح أنه شهد النبي صلى الله عليه وسلم زمن الفتح وأصابهم مطر لم تبتل أسفل نعالهم فأمرهم أن يصلوا في رحالم. رواه أبو داود، ويعذر في ترك الجماعة بالريح الشديدة في الليلة المظلمة الباردة لما روى ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي مناديه في الليلة الباردة أو المطيرة في السفر " صلوا في رحالكم " متفق عليه، ورواه ابن ماجة بإسناد صحيح ولم يقل في السفر * (باب صلاة أهل الاعذار) * * (مسألة) * (ويصلي المريض كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين " صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب " رواه البخاري أجمع أهل العلم على أن من لا يطبق القيام له أن يصلي جالساً لهذا الحديث، ولما روى أنس قال:

سقط رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فرس فجحش أو خدش شقه الأيمن فدخلنا عليه نعوده فحضرت الصلاة فصلى قاعداً وصلينا قعوداً. متفق عليه (فصل) فإن أمكنه القيام إلا أنه يخشى تباطؤ برئه أو زيادة مرضه، أو يشق عليه مشقة شديدة فله أن يصلي قاعداً ونحوه قال مالك واسحاق، وقال ميمون بن مهران: إذا لم يستطع أن يقوم لدنياه فليصل جالساً وحكي بجواز ذلك عن أحمد ولنا قول الله تعالى (ما جعل عليكم في الدين من حرج) وهذا حرج، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى جالساً لما جحش شقه، والظاهر أن من جحش شقه لا يعجز عن القيام بالكلية ومتى صلى قاعداً فانه يكون على صفة صلاة المتطوع جالساً على ما ذكرنا (فصل) فإن قدر على القيام بأن يتكئ على عصى، أو يستند على حائط،، أو يعتمد على أحد جانبيه لزمه لأنه قادر على القيام من غير ضرر فلزمه كما لو قدر بغير هذه الاشياء، وان قدر على القيام إلا أنه يكون على هيئة الراكع كالأحدب والكبير لزمه ذلك لأنه قيام مثله، وإن كان لقصر سقف لا يمكنه الخروج، أو سفينة، أو خائف لا يعلم به الا اذا رفع رأسه ففيه احتمالان: أحدهما يلزمه القيام كالأحدب، والثاني لا يلزمه. فإن أحمد قال: الذي في السفينة لا يقدر أن يستتم قائماً لقصر سماء السفينة يصلي قاعداً إلا أن يكون شيئاً يسيراً فيقاس عليه ما في معناه لحديث عمران المذكور (فصل) فإن قدر المريض على الصلاة وحده قائماً ولا يقدر مع الامام لتطويله احتمل أن يلزمه القياس ويصلي وحده لأن القيام ركن لا تتم صلاته الا به، والجماعة تصح الصلاة بدونها واحتمل أنه مخير بين الأمرين لأنا أبحنا له ترك القيام المقدور عليه مع إمام الحي العاجز عنه مراعاة للجماعة فهاهنا أولى، ولأن الأجر يتضاعف بالجماعة أكثر من تضاعفه بالقيام لأن صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم، فصلاة الجماعة تفضل على صلاته وحده سبعاً وعشرين درجة وهذا أحسن، وهو مذهب الشافعي * (فصل) * فإن عجز عن القعود صلى على جنب لما ذكرنا من الحديث، ويستقبل القبلة بوجهه وهذا قول مالك والشافعي وابن المنذر، وقال سعيد بن المسيب وأبو ثور وأصحاب الرأي يصلي مستلقياً ورجلاه الى القبلة ليكون إيماؤه اليها فانه إذا صلى على جنبه كان وجهه في الايماء إلى غير القبلة ولنا قوله عليه السلام فإن لم يستطع فعلى جنب ولأنه يستقبل القبلة إذا كان على جنبه. واذا كان على ظهره إنما يستقبل السماء ولذلك يوضع الميت على جنبه ليكون مستقبلاً للقبلة، قولهم إن وجهه في الايماء الى القبلة قلنا استقبال القبلة إنما يكون في غير حال الركوع والسجود فان

باب صلاة أهل الاعذار

وجهه فيهما إنما يكون الى الأرض، فكذلك المريض ينبغي ان لا يعتبر استقباله فيهما، والمستحب أن يصلي على جنبه الأيمن لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب التيمن في شأنه كله، وإن صلى على الأيسر جاز لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعين في الحديث جنباً ولأن المقصود استقبال القبلة، وهو حاصل على كلا الجنبين * (مسألة) * (فان صلى على ظهره ورجلاه إلى القبلة صحت صلاته) في أحد الوجهين متى صلى على ظهره مستلقياً مع القدرة على الصلاة على جنبه ففيه وجهان: أحدهما يصح وهو ظاهر كلام أحمد لأنه نوع إستقبال، ولهذا يوجه الميت كذلك عند الموت، والثاني لا يصح وهو أظهر لأنه مخالف للحديث المذكور فإنه قال عليه السلام " فإن لم يستطع فعلى جنب " ولأن في حديث عمران؟ ن رواية إلا وسعها، وهذا صريح فإن نقله إلى الاستلقاء عند العجز عن الصلاة على جنب فدل على أنه لا يجوز مع القدرة عليه، فإن عجز عن الصلاة على جنبه صلى مستلقياً وجهاً واحداً للحديث المذكور * (مسألة) * (ويومئ بالركوع والسجود ويجعل سجوده أخفض من ركوعه) متى عجز عن الركوع والسجود أومأ بهما، ويجعل سجوده أخفض من ركوعه اعتباراً بالأصل كما قلنا في حالة الخوف، فإن عجز عن السجود وحده ركع وأومأ بالسجود، وإن لم يمكنه أن يحني ظهره فصار كالراكع زاد في الانحناء قليلاً اذا ركع ويقرب وجهه الى الأرض في السجود حسب الامكان، فإن قدر على السجود على صدغه لم يفعل لأنه ليس من أعضاء السجود، وان وضع بين يديه وسادة أو شيئاً عالياً أو سجد على ربوة أو حجر جاز إذا لم يكن يمكنه تنكيس وجهه أكثر من ذلك. وحكي عن أحمد أنه قال اختار السجود على المرفقة وقال هو أحب إلي من الايماء واختاره إسحق وجوزه الشافعي وأصحاب الرأي ورخص فيه ابن عباس وسجدت أم سلمة على مرفقة، وكره ابن مسعود السجود على عود وقال الايماء أحب إلي، ووجه الجواز أنه أتى بما يمكنه من الانحطاط أشبه الايماء. فأما إن رفع الى وجهه شيئاً فسجد عليه فقال بعض أصحابنا لا يجزيه، وروي نحو ذلك عن ابن مسعود وابن عمر وجابر وأنس وهو قول مالك والثوري لأنه سجد على ما هو حامل له أشبه ما لو سجد على يديه، وروى الأثرم عن أحمد أنه قال أي ذلك فعل فلا بأس يومئ أو يرفع المرفقة فيسجد عليها، قيل له فالمروحة؟ قال أما المروحة فلا. وروي عنه أنه قال الايماء أحب إلي وإن رفع الى وجهه شيئاً أجزأه، ولا بد أن يكون بحيث لا يمكنه الانحطاط أكثر منه ووجه ذلك أنه أتى بما يمكنه من الانحطاط أشبه ما لو أومأ

مسألة: فإن صلى على ظهره ورجلاه إلى القبلة صحت صلاته

* (مسألة) * (فإن عجز عنه أومأ بطرفه ولا تسقط الصلاة) متى عجز عن الايماء برأسه أومأ بطرفه ونوى بقلبه ولا تسقط عنه الصلاة متى دام عقله ثابتاً. وحكي عن أبي حنيفة ان الصلاة تسقط عنه، وذكر القاضي أنه ظاهر كلام أحمد رواه محمد بن يزيد لما روي عن أبي سعيد أنه قيل له في مرضه الصلاة قال قد كفاني إنما العمل في الصحة ولأنه عجز عن أفعال الصلاة بالكلية فسقطت عنه. ولنا أنه مسلم بالغ عاقل فلزمته الصلاة كالقادر على الايماء برأسه * (مسألة) * (فإن قدر على القيام أو القعود في أثنائها انتقل اليه وأتمها) ومتى قدر المريض في أثناء الصلاة على ما كان عاجزاً عنه من قيام أو قعود أو ركوع أو سجود أو ايماء انتقل إليه وبنى على ما مضى من صلاته، وهكذا لو ابتدأها قادراً ثم عجز في أثناء الصلاة لحديث عمران ولأن ما مضى من صلاته كان صحيحاً فبنى عليه كما لو لم تتغير حاله * (مسألة) * (وإن قدر على القيام وعجز عن الركوع والسجود أومأ بالركوع قائماً وبالسجود قاعداً) وهذا قول الشافعي، وقال أبو حنيفة يسقط القيام لأنها صلاة لا ركوع فيها ولا سجود فسقط فيها القيام كالنافلة على الراحلة ولنا قوله تعالى (وقوموا لله قانتين) وحديث عمران الذي ذكرناه ولأن القيام ركن قدر عليه فلم يسقط بالعجز عن غيره كالقراءة وقياسهم فاسد لوجوه: أحدها أن الصلاة على الراحلة لا يسقط فيها الركوع (الثاني) ان النافلة لا يجب القيام فيها فما سقط فيها تبعاً لسقوط الركوع والسجود (الثالث) منقوض بصلاة الجنازة * (مسألة) * (وإذا قال ثقات من العلماء بالطب للمريض إن صليت مستلقياً أمكن مداواتك فله ذلك) وهذا قول جابر بن زيد والثوري وأبي حنيفة، قال القاضي وهو قياس المذهب، وكرهه عبيد الله بن عبد الله بن عتبة وأبو وائل. وقال مالك والاوزاعي لا يجوز لما روي عن ابن عباس أنه لما كف بصره اتاه رجل فقال لو صبرت على سبعة أيام لم تصل إلا مستلقياً داويت عينك ورجوت أن تبرأ فأرسل في ذلك إلى عائشة وأبي هريرة وغيرهما من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلهم قال له أن مت في هذه الأيام ما الذي تصنع بالصلاة فنرك معالجة عينه ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى جالساً لما جحش شقه، والظاهر أنه لم يكن يعجز عن القيام لكن كان عليه فيه مشقة أو خوف ضرر وأيهما قدر فهو حجة على الجواز ها هنا ولأنا أبحنا له ترك الوضوء إذا لم يجد الماء إلا بزيادة على ثمن المثل صونا لجز من ماله، وترك الصوم لأجل المرض والرمد ودلت الأخبار على جواز ترك القيام في صلاة الفرض على الراحلة خوفاً من ضرر الطين في ثيابه وبدنه

مسألة: وان قدر على القيام وعجز عن الركوع والسجود أومأ بالركوع قائما وبالسجود قاعدا

وجاز ترك القيام اتباعاً لامام الحي والصلاة على جنبه ومستلقياً في حالة الخوف من العدو، ولا ينقص الضرر بفوات البصر عن الضرر في هذه الأحوال. وحديث ابن عباس أن صح فيحتمل أن المخبر لم يخبر عن يقين وإنما قال أرجو أو لأنه لم يقبل خبره لكونه واحداً أو مجهول الحال بخلاف مسئلتنا * (مسألة) * (ولا تصح الصلاة في السفينة قاعداً لقادر على القيام) اختلف قوله في الصلاة في السفينة مع القدرة عل الخروج، على روايتين. إحداهما لا يجوز لأنها ليست حال استقرار أشبه الصلاة على الراحلة، والثانية يصح لأنه يتمكن من القيام والقعود والركوع والسجود أشبه الصلاة على الارض وسواء في ذلك الجارية والواقفة والمسافر والحاضر وهي أصح، ومتى قدر فيها على القيام لم يجز له تركه لحديث عمران بن حصين فإن عجز عنه صحت للحديث * (فصل) * وتجوز صلاة الفرض على الراحلة خشية التأذي بالوحل إذا كان يسيراً متى تضرر بالسجود على الأرض لأجل الوحل وخاف من تلويث بدنه وثيابه بالطين والبلل جاز له الايماء بالسجود ان كان راجلاً والصلاة على دابته، وقد روي عن أنس أنه صلى على دابته في ماء وطين وفعله جابر بن زيد. قال الترمذي والعمل على هذا عند أهل العلم وبه يقول إسحق وقال أصحاب الشافعي لا يجوز أن يصلي الفرض عل الراحلة لأجل المطر. وحكى ابن أبي موسى رواية مثل ذلك لما روى أبو سعيد قال فأبصرت عيناي رسول الله صلى الله عليه وسلم قد انصرف وعلى جبهته وأنفه أثر الماء والطين متفق عليه ولأن السجود والقيام من أركان الصلاة فلم تسقط بالمطر كبقية أركانها. ولنا ما روى يعلى بن أمية عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه انتهى إلى مضيق ومعه أصحابه والسماء من فوقهم والبلة من أسفل منهم، فصل النبي صلى الله عليه وسلم على راحلته وأصحابه على ظهور دوابهم يومؤن إيما يجعلون السجود أخفض من الركوع رواه الاثرم والترمذي وفعله أنس ذكره الإمام أحمد ولم ينقل عن غيره خلافه ولأن المطر عذر يبيح الجمع فأثر في أفعال الصلاة كالسفر والمرض. وحديث أبي سعيد بالمدينة والنبي صلى الله عليه وسلم في مسجده، والظاهر أن الطين كان يسيراً لم يؤثر في غير الجبهة والأنف وإنما يبيح ما كان كثيراً يلوث الثياب والبدن ويلحق المضرة بالسجود فيه * (فصل) * ومتى أمكن النزول والصلاة قائماً من غير مضرة لزمه ولم يصل على دابته لأنه قدر على القيام من غير ضرر فلزمه كغير حالة المطر ولا يسقط عنه الركوع لقدرته عليه، ويومئ بالسجود لما فيه من الضرر، وان تضرر بالنزول عن دابته وتلوث صلى عليها للخبر المذكور. ولا يجوز له ترك الاستقبال في المطر لأنه قادر عليه * (مسألة) * (وهل يجوز ذلك لأجل المرض على روايتين)

مسألة: ولا تصح الصلاة في السفينة قاعدا لقادر على القيام

وجملة ذلك أن الصلاة على الراحلة لأجل المرض لا تخلو من ثلاثة أحوال: أحدها أن يخاف الانقطاع عن الرفقة أو العجز عن الركوب أو زيادة المرض ونحوه فيجوز له ذلك كما ذكرنا في صلاة الخوف، الثاني أن لا يتضرر بالنزول ولا يشق عليه فيلزمه النزول كالصحيح، الثالث أن يشق عليه النزول مشقة يمكن تحملها من غير خوف ولا زيادة مرض ففيه الروايتان احداهما لا تجوز له الصلاة على الراحلة لأن ابن عمر كان ينزل مرضاه احتج به أحمد ولأنه قادر على أفعال الصلاة من غير ضرر كثير فلزمه كغير الراكب، والثانية يجوز اختارها أبو بكر لأن المشقة في النزول أكثر من المشقة عليه في المطر فكان إباحتها ها هنا أولى، ومن نظر الرواية الأولى قال إن نزول المريض يؤثر في حصوله على الأرض وهو أسكن له وأمكن للصلاة، والممطور يتلوث بنزوله ويتضرر بحصوله على الأرض فالمريض يتضرر بنفس النزول لا في الحصول على الأرض والممطور يتضرر بحصوله على الأرض دون نفس النزول فقد اختلفت جهة الضرر فلا يصح الإلحاق * (فصل) * في قصر الصلاة، قصر الصلاة في السفر جائز والأصل فيه الكتاب والسنة والإجماع أما الكتاب فقوله سبحانه وتعالى (وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناج أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا) وقال يعلى بن أمية الضمري قلت لعمر بن الخطاب (ليس عليكم جناج أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا) وقد أمن الناس. فقال عجبت مما عجبت منه. فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته " أخرجه مسلم. وتواترت الأخبار أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقصر في أسفاره حاجاً ومعتمراً وغازياً، قال أنس خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الى مكة فصلى ركعتين حتى رجع وأقمنا بمكة عشراً نقصر الصلاة، وقال ابن عمر صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قبض - يعني في السفر - فكان لا يزيد على ركعتين، وأبا بكر حتى قبض فكان لا يزيد على ركعتين،، وعمر وعثمان كذلك متفق عليه. وأجمعت الأمة على أن من سافر سفراً تقصر في مثله الصلاة في حج أو عمرة أو جهاد ان له قصر الصلاة الرباعية الى ركعتين * (مسألة) * (ومن سافر سفراً مباحاً يبلغ ستة عشر فرسخاً فله قصر الصلاة الرباعية خاصة إلى ركعتين)

مسألة: وهل يجوز ذلك لأجل المرض على روايتين

يشترط لجواز القصر للمسافر شروط أحدها أن يكون سفره مباحاً لا حرج عليه فيه كسفر التجارة وهذا حكم سائر الرخص المختصة بالسفر كالجمع والمسح ثلثاً والفطر والنافلة على الراحلة وهذا قول أكثر أهل العلم. روي نحوه عن علي وابن عباس وابن عمر وبه قال الأوزاعي والشافعي واسحق وأهل المدينة وأصحاب الرأي، وعن ابن مسعود لا تقصر إلا في حج أو جهاد لأن الواجب لا يترك إلا لواجب، وعن عطاء لا تقصر الا في سبيل من سبل الخير لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قصر في سفر واجب أو مندوب ولنا قوله تعالى (فليس عليكم جناج أن تقصروا من الصلاة) وقالت عائشة أن الصلاة أول ما فرضت ركعتين فأقرت صلاة السفر وأتمت صلاة الحضر متفق عليه. وعن ابن عباس قال فرض الله الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربعاً وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة رواه مسلم. وفي حديث صفوان بن عسال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنا مسافرين سفراً أن لا ننزع خفا قبل ثلاثة أيام ولياليهن رواه الترمذي، وهذه نصوص تدل على إباحة الترخص في كل سفر، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يترخص في العود من السفر وهو مباح * (فصل) * فأما سفر المعصية فلا تباح فيه هذه الرخص كالاباق وقطع الطريق والتجارة في الخمر ونحوه نص عليه أحمد وهذا قول الشافعي، وقال الثوري والاوزاعي له ذلك لما ذكرنا من النصوص ولأنه مسافر أشبه المطيع ولنا قوله تعالى (فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه) خص إباحة الأكل بغير الباغي والعادي فدل على أنه لا يباح للباغي والعادي وهذا في معناه ولأن الترخص شرع للإعانة على المقصود المباح توصلاً الى المصلحة فلو شرع ها هنا لشرع إعانته على المحرم تحصيلاً للمفسدة والشرع منزه عن هذا والنصوص وردت في حق الصحابة وكانت أسفارهم مباحة فلا يثبت الحكم فيما خالفهما ويتعين حمله على ذلك جمعاً بين النصوص وقياس سفر المعصية على الطاعة لا يصح

مسألة: ومن سافر سفرا مباحا يبلغ ستة عشر فرسخا فله قصر الصلاة الرباعية خاصة إلى ركعتين

* (فصل) * إذا غرب في الحد إلى مسافة القصر جاز له القصر وسائر الرخص، وكذلك اذا نفي قاطع الطريق لأنه سفر لزمه بالشرع أشبه سفر الغزو، وقال ابن عقيل ويحتمل أن لا يقصر لأنه سفر سببه المعصية أشبه سفر المعصية ولأنه ليس بأحسن حالا من سفر النزهة وفيه روايتان فيخرج ها هنا مثله والأولى أولى ويمكن التفريق بين هذا وبين سفر المعصية لأن ذلك تصح التوبة منه بخلاف هذا، وإن هرب المدين من غرمائه وهو معسر قصر وإن لم يكن معسراً والدين حال أو مؤجل يحل قبل مدة السفر احتمل وجهان ذكر هذا ابن عقيل أحدهما لا يقصر لأنه سفر يمنع حقاً واجباً عليه والثاني يقصر لأنه نوع حبس فلا يتوجه عليه قبل المطالبة * (فصل) * فإن عدم الماء في سفر المعصية لزمه التيمم لأنه عزيمة وهل تلزمه الإعادة على وجهين (أحدهما) لا تلزمه لأن التيمم عزيمة بدليل وجوبه والرخصة لا تجب (والثاني) عليه الإعادة لأنه حكم يتعلق بالسفر أشبه بقية الرخص والأولى أولى لأنه أتى بما أمر به فلم تلزمه الإعادة وفارق بقية الرخص لأنه ممنوع منهما وهذا مأمور به فلا يمكنه تعدية حكمها الى التيمم وقولهم إن ذلك مختص بالسفر ممنوع ويباح له المسح يوماً وليلة لأن ذلك يختص بالسفر أشبه الاستجمار وقيل لا يجوز لأنه رخصة فلم يبح كرخص السفر والأول أولى لما بينا * (فصل) * وإذا كان السفر مباحاً فغير نيته الى المعصية انقطع الترخص لزوال سببه ولو كان لمعصية فغير نيته الى المباح في السفر، وتعتبر مسافة القصر من حين غير النية لان وجود ما مضى من سفره لا يؤثر في الإباحة فهو كعدمه فأما إن كان السفر مباحاً لكنه يعصي فيه أبيح له الترخص لأن السبب السفر وهو مباح وقد وجد فيثبت حكمه ولم تمنعه المعصية كما ان لمعصية في الحضر لا تمنع الترخص فيه * (فصل) * وفي سفر التنزه والتفرج روايتان (إحداهما) يبيح الترخص وهو ظاهر كلام الخرقي لأنه مباح فيدخل في عموم النصوص وقياس على سفر التجارة (والثانية) لا يترخص فيه لأنه إنما شرع إعانته على تحصيل المصلحة ولا مصلحة في هذا والأولى أولى

* (فصل) * فان سافر لزيارة القبور والمشاهد فقال ابن عقيل لا يباح له الترخص لأنه منهي عن السفر إليها لقوله عليه السلام " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد " متفق عليه قال شيحنا والصحيح إباحته وجوز الترخص فيه لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتي قباء راكباً وماشياً، وكان يزور القبور وقال " زورها تذكركم الآخرة " والحديث المذكور محمول على نفي الفضيلة لا على التحريم، وليست الفضيلة شرطاً في إباحة القصر فلا يضر انتفاؤها * (فصل) * الشرط الثاني: أن تكون مسافة سفره ستة عشر فرسخاً فما زاد، قال الأثرم قيل لأبي عبد الله في حكم القصر للصلاة؟ قال في أربعة برد. قيل له مسيرة يوم تام؟ قال لا أربعة برد ستة عشر فرسخاً مسيرة يومين والفرسخ ثلاثة أميال، قال القاضي والميل أثنا عشر ألف قدم وذلك مسيرة يومين قاصدين، وقد قدره ابن عباس من عسفان إلى مكة ومن الطائف إلى مكة ومن جدة الى مكة وذكر صاحب المسالك أن من دمشق إلى القطيفة أربعة وعشرين ميلاً ومن دمشق الى الكسوة اثنا عشر ميلاً ومن الكسوة الى جاسم أربعة وعشرون ميلاً فعلى هذا تكون مسافة القصر يومين قاصدين، وهذا قول ابن عباس وابن عمر وهو مذهب مالك والليث والشافعي وإسحق. وروي عن ابن عمر أنه يقصر في مسيرة عشرة فراسخ حكاه ابن المنذر، وروي نحوه عن ابن عباس أنه قال يقصر في يوم ولا يقصر فيما دونه واليه ذهب الأوزاعي، قال إبن المنذر عامة العلماء يقولون مسيرة يوم تام وبه نأخذ. وروي عن ابن مسعود أنه يقصر في مسيرة ثلاثة أيام وبه قال الثوري وأبو حنيفة لقول النبي صلى الله عليه وسلم " يمسح المسافر ثلاثة أيام ولياليهن " وهذا يقتضي أن كل مسافر له ذلك ولأن الثلاثة متفق عليها وليس في ما دونها توقيف ولا اتفاق. وروي عن جماعة من السلف ما يدل على جواز القصر في أقل من يوم. فقال الأوزاعي كان أنس يقصر فيما بينه وبين خمسة فراسخ وكان قبيصة بن ذؤيب وهانئ بن كلثوم وابن محيريز يقصرون فيما بين الرملة وبيت المقدس، وروي عن علي رضي الله عنه أنه خرج من قصره بالكوفة حتى أتى النخيلة فصلى بها الظهر والعصر ركعتين ثم رجع من يومه فقال أردت أن أعلمكم سننكم. وروي أن دحية الكلبي خرج

من قرية من دمشق مرة الى قدر ثلاثة أميال في رمضان ثم أنه أفطر وأفطر معه أناس كثير، وكره آخرون أن يفطروا فلما رجع الى قريته قال والله لقد رأيت اليوم أمراً ما كنت أظن أني أراه، إن قوماً رغبوا عن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك للذين صاموا، رواه أبو داود. وعن أبي سعيد الخدري قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر فرسخاً قصر الصلاة رواه سعيد واحتج اصحابنا بقول ابن عباس وابن عمر يا أهل مكة لا تقصروا في أدنى من أربعة برد ما بين عسفان إلى مكة قال الخطابي وهو أصح الروايتين عن ابن عمر ولأنها مسافة تجمع مشقة السفر من الحل والعقد فجاز القصر فيها كالثلاث ولم يجز فيما دونها لأنه لم يثبت دليل بوجوب القصر فيه، وحديث أبي سعيد يحمل على أنه عليه السلام كان إذا سافر سفراً طويلاً قصر واذا بلغ فرسخاً قال شيخنا ولا أدري لما صار إليه الائمة حجة لأن أقوال الصحابة مختلفة متعارضة ولا حجة فيها مع الاختلاف، ثم لو لم يوجد ذلك لم يكن قولهم حجة مع قول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله، واذا لم تثبت أقوالهم امتنع المصير الى التقدير الذي ذكروه لوجهين: أحدهما أنه مخالف للسنة التي رويناها ولظاهر القرآن، فان ظاهر القرآن إباحة القصر لمن ضرب في الأرض. فأما قول النبي صلى الله عليه وسلم " يمسح المسافر ثلاثة أيام ولياليهن " فإنما جاء لبيان أكثر مدة المسح فلا يصح الاحتجاج به

ها هنا، على أنه يمكنه قطع المسافة القصيرة في ثلاثة أيام وقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم سفراً فقال " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم إلا مع ذي محرم " والثاني أن التقدير بابه التوقيف فلا يجوز المصير إليه برأي مجرد لاسيما وليس له أصل يرد اليه ولا نظير يقاس عليه والحجة مع من أباح القصر لكل مسافر إلا أن ينعقد الاجماع على خلافه * (فصل) * وحكم سفر البر حكم سفر البحر إن بلغت مسافة القصر، وان شك في كون السفر مبيحاً أو لا لم يبح لأن الأصل عدمه ووجوب الاتمام، فان قصر لم تصح صلاته وإن تبين له بعدها أنه طويل لأنه صلى مع الشك فلم تصح صلاته كما لو صلى شاكاً في دخول الوقت * (فصل) * والاعتبار بالنية لا بالفعل فيعتبر أن ينوي مسافة القصر فلو خرج يقصد سفراً بعيداً فقصر الصلاة ثم بدا له فرجع كان ما صلاه صحيحاً ولا يقصر في رجوعه إلا أن تكون مسافة الرجوع مبيحة بنفسها نص عليه أحمد، على هذا ولو خرج طالباً عبدا آبقاً لا يعلم أين هو أو منتجعاً غيثاً أو كلأ متى وجده أقام أو سائحاً في الأرض لا يقصد مكاناً لم يبح له القصر وان سار أياماً، وقال ابن عقيل يباح له القصر اذا بلغ مسافة القصر لأنه سافر سفراً طويلاً

ولنا أنه لم يقصد مسافة القصر فلم يبح له كابتداء سفره ولأنه سفر لم يبح القصر في ابتدائه فلم يبح في أثنائه اذا لم يغير نيته كالسفر القصير وسفر المعصية ومتى رجع هذا يقصد بلاد أو نوى مسافة القصر فله القصر لوجود النية المبيحة، ولو قصد بلداً بعيداً وفي عزمه أنه متى وجد طلبته دونه رجع أو أقام لم يبح له القصر لأنه لم يجزم بسفر طويل، وإن كان لا يرجع ولا يقيم بوجوده فله القصر * (فصل) * ومن خرج الى سفر مكرهاً كالأسير فله القصر إذا كان سفره بعيداً نص عليه أحمد وقال الشافعي لا يقصر لانه غيرنا وللسفر ولا جازم به، فان نيته متى أقلت رجع ولنا أنه مسافر سفراً بعيداً غير محرم فأبيح له القصر كالمرأة مع زوجها والعبد مع سيده اذا كان عزمهما أنه لو مات أو زال ملكهما رجعا، قياسهم منتقض بهذا إذا ثبت هذا فانه يتم إذا صار في حصونهم نص عليه أيضاً لأنه قد انتقضى سفره، ويحتمل أن لا يلزمه الاتمام لأن في عزمه أنه متى أفلت رجع فهو كالمحبوس ظلماً (الشرط الثالث) ان القصر يختص ابرباعية، فأما المغرب والصبح فلا قصر فيهما. قال إبن المنذر أجمع أهل العلم على أن لا يقصر في صلاة المغرب والصبح وان القصر إنما هو في الرباعية ولأن الصبح ركعتان فلو قصرت صارت ركعة وليس في الصلاة ركعة إلا الوتر والمغرب وتر النهار فان قصر منها ركعة لم يبق وتراً، وإن قصر ركعتان كان اجحافاً بها واسقاطاً لأكثرها * (مسألة) * (إذا جاوز بيوت قريته أو خيام قومه) وجملة ذلك أنه ليس لمن نوى السفر القصر حتى يشرع في السفر بخروجه من بيوت قريته وهذا

مسألة: إذا جاوز بيوت قريته أو خيام قومه

قول الشافعي والاوزاعي واسحق. وحكي ذلك عن جماعة من التابعين، وحكي عن عطاء وسليمان بن موسى أنهما أباحا القصر في البلد لمن نوى السفر، وعن الحرث بن أبي ربيعة أنه أراد سفراً فصلى بهم في منزله ركعتين وفيهم الأسود بن يزيد وغيره من أصحاب عبد الله، وروي عبيد بن جبير قال ركبت مع أبي بصرة الغفاري في سفينة من الفسطاط في شهر رمضان فدفع ثم قرب غداه فلم تجاوز البيوت حتى دعاه بالسفرة ثم قال اقترب، قلت ألست ترى البيوت؟ قال أبو بصرة أترغب عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكل، رواه أبو داود ولنا قوله تعالى (وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة) ولا يكون ضارباً حتى يخرج. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه إنما كان يبتدئ القصر إذا خرج من المدينة، فروى أنس قال صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة أربعاً وبذي الحليفة ركعتين متفق عليه. فأما أبو بصرة فانه لم يأكل حتى دفع بدليل قول عبيد له ألست ترى البيوت وقوله لم يجاوز البيوت معناه لم يتعد منها إذا ثبت هذا فانه يجوز القصر، وان كان قريباً قال إبن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن للذي يريد السفر أن يقصر الصلاة إذا خرج من بيوت القرية التي يخرج منها. وروي عن مجاهد أنه قال إذا خرجت مسافراً فلا تقصر الصلاة يومك

ذلك الى الليل واذا رجعت فلا تقصر ليلتك حتى تصبح، والآية تدل على خلاف قوله. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج من المدينة لا يزيد على ركعتين حتى يرجع اليها وقد ذكرنا حديث أبي بصرة، وقال البخاري خرج علي فقصر الصلاة وهو يرى البيوت فلما رجع قيل له هذه الكوفة. قال لا حتى ندخلها * (فصل) * فاذا خرج من البلد وصار بين حيطان بساتينه فله القصر لأنه قد ترك البيوت وراء ظهره، وان كان حول البلد خراب قد تهدم وصار فضاء أبيح القصر فيه كذلك وإن كان حيطانه قائمة فكذلك قاله الآمدي، وقال القاضي لا يباح وهو مذهب الشافعي لأن السكنى فيه ممكنة أشبه العامر ولنا أنها غير معدة للسكنى أشبهت حيطان البساتين، وإن كان في وسط البلد نهر فاجتازه فليس له القصر لأنه لم يخرج من البلد ولم يفارق البنيان فأشبه الرحبة والميدان في وسط البلد، وإن كان للبلد محال كل محلة منفردة عن الأخرى كبغداد فمتى خرج من محلة أبيح له القصر اذا فارق محلته، وإن كان بعضها متصلاً ببعض لم يقصر حتى يفارق جميعاً، ولو كانت قريتان متدانيتين واتصل بناء إحداهما بالأخرى فهما كالواحدة، وان لم يتصل فلكل قرية حكم نفسها * (فصل) * وحكم السفر من الخيام والحلل حكم السفر من القرى فيما ذكرنا متى فارق حلته قصر وان كانت حللاً فلكل حلة حكم نفسها كالقرى، وإن كان بيته منفرداً فحتى يفارق منزله ورحله

ويجعله وراء ظهره كالحضري. وقال القاضي إن كان نازلاً في واد وسافر في طوله فكذلك، وان سافر في عرضه فكذلك إن كن واسعاً، وان كان ضيقاً لم يقصر حتى يقطع عرض الوادي ويفارقه وقال ابن عقيل متى كانت حلته في واد لم يقصر حتى يفارقه، والأولى جواز القصر اذا فارق البنيان مطلقاً لما ذكرنا من الأدلة كما لو كان نازلاً في الصحراء ولأن المعنى المجوز للترخص وجود المشقة وذلك موجود في الوادي كوجوده في غيره * (مسألة) * (وهو أفضل من الاتمام وإن أتم جاز) القصر أفضل من الاتمام في قول جمهور العلماء ولا نعلم احدا خالف فيه الا الشافعي في أحد قوليه قال الاتمام أفضل لأنه أكثر عملاً وعدداً وهو الأصل فكان أفضل كغسل الرجلين. ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يداوم على القصر، قال ابن عمر صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله، وصحبت أبا بكر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله، وصحبت عمر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله متفق عليه. ولما بلغ ابن مسعود أن عثمان صلى أربعاً استرجع وقال صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين ومع أبي بكر ركعتين ومع عمر ركعتين ثم تفرقت بكم الطرق ولوددت أن حظي من أربع ركعتان متقبلتان. وقد كره طائفة من الصحابة الاتمام فقال ابن عباس للذي قال له كنت أنم الصلاة وصاحبي يقصر: أنت الذي كنت تقصر وصاحبك يتم. وروي ان رجلاً سأل ابن عمر عن صلاة السفر فقال ركعتان فمن خالف السنة كفر ولأنه اذا قصر أدى الفرض بالإجماع بخلاف الاتمام، وأما الغسل فلا نسلم أنه أفضل من المسح * (فصل) * والاتمام جائز في المشهور عن أحمد وقد روي عنه أنه توقف وقال أنا أحب العافية من هذا المسألة وقال مرة أخرى ما يعجبني، وممن روي عنه الاتمام في السفر عمر وابن مسعود وابن عمر وعائشة وبه قال الأوزاعي والشافعي وهو المشهور عن مالك، وقال حماد بن أبي سليمان ليس له

مسألة: وهو أفضل من الاتمام وإن أتم جاز

الاتمام في السفر وهو قول الثوري وأبي حنيفة، وأوجب حماد على من أتم الاعادة، وقال أصحاب الرأي إن كان جلس بعد الركعتين قدر التشهد فصلاته صحيحة وإلا فلا، وقال عمر بن عبد العزيز الصلاة في السفر ركعتان حتى لا يصلح غيرهما، واحتجوا بأن صلاة السفر ركعتان بدليل قول عائشة إن الصلاة أول ما فرضت ركعتين فأقرت صلاة السفر وأتمت صلاة الحضر متفق عليه. وقال عمر رضي الله عنه صلاة السفر ركعتان وصلاة الجمعة ركعتان وصلاة العيد ركعتان تمام غير قصر على لسان محمد صلى الله عليه وسلم وقد خاب من افترى رواه ابن ماجه، وسئل ابن عمر عن الصلاة في السفر فقال ركعتان فمن خالف السنة كفر ولأن الركعتين الآخرتين يجوز تركهما إلى غير بدل فلم يجز زيادتهما على الركعتين المفروضتين كالزيادة على صلاة الفجر ولنا قوله تعالى (فليس عليكم جناج أن تقصروا من الصلاة) وهذا يدل على أن القصر رخصة يتخير بين فعله وتركه كسائر الرخص وقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث يعلى بن أمية " صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته " يدل على أنه رخصة وليس بعزيمة، وقالت عائشة خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمره في رمضان فأفطر وصمت وقصر وأتممت فقلت يا رسول الله بأبي أنت وأمي أفطرت وصمت وقصرت وأتمت قال " أحبسنت " رواه أبو داود الطيالسي ولأنه لو ائتم بمقيم صلى أربعاً والصلاة لا تزيد بالائتمام، وعن أنس قال - كنا أصحاب رسول الله - نسافر فيتم بعضنا ويقصر بعضنا ويصوم بعضنا ويفطر بعضنا فلا يعيب أحد على أحد وهذا إجماع منهم على جواز الامرين، فأما قول عائشة فرضت الصلاة ركعتين فإنما أرادت أن ابتداء فرضها كان ركعتين ثم أتمت بعد الهجرة فصارت أربعاً وكذلك كانت تتم الصلاة ولو اعتقدت ما أراده هؤلاء لم تتم. وقول عمر تمام غير قصر أراد تمام فضلها ولم يرد أنها غير مقصورة الركعتان لأنه خلاف ما دلت عليه الآية والاجماع إذ الخلاف إنما هو في القصر والاتمام، وقد ثبت برواية عن النبي صلى الله عليه

وسلم في حديث يعلى بن أمية أنها مقصورة، ثم لو ثبت أن أصل الفرض ركعتان لم تمتنع الزيادة عليها كما لو ائتم بمقيم ويخالف زيادة ركعتين على صلاة الفجر فإنه لا تجوز زيادتهما بحال * (مسألة) * (وإن أحرم في الحضر ثم سافر أو في السفر ثم أقام أو ذكر صلاة حضر في سفر أو صلاة سفر في حضر أو ائتم بمقيم أو بمن يشك فيه أو أحرم بصلاة يلزمه اتمامها ففسدت وأعادها أو لم القصر لزمه أن يتم، وقال أبو بكر لا يحتاج الجمع والقصر الى نية) اذا أحرم بالصلاة في سفينة في الحضر فخرجت به في أثناء الصلاة أو أحرم في السفر فدخلت في أثناء الصلاة البلد لم يقصر لأنها عبادة تختلف بالسفر والحضر فاذا أوجد أحد طرفها في الحضر غلب حكمه كالمسح * (فصل) * فأما إن سافر بعد دخول الوقت فقال أصحابنا يتم، وذكر ابن عقيل فيه روايتين إحداهما يتم لأنها وجبت في الحضر فلزمه إتمامها كما لو سافر بعد خروج وقتها، والثانية له قصرها وهو قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي وحكاه ابن المنذر إجماعا لأنه سافر قبل خروج وقتها أشبها ما لو سافر قبل وجوبها وكلابس الخف اذا أحدث ثم سافر قبل المسح * (فصل) * وإن نسي صلاة حضر فذكرها في السفر وجبت عليه أربعاً بالإجماع حكاه الإمام أحمد وابن المنذر قال لأنه قد اختلف فيه عن الحسن فروي عنه أنه قال يصليها ركعتين وروي عنه كقول الجماعة لأن الصلاة يتعين فعلها فلم يجز له النقصان من عددها كما لو لم يسافر، وأما إذا نسي صلاة سفر فذكرها في الحضر فقال أحمد في رواية الأثرم عليه الاتمام احتياطا وبه قال الأوزاعي وداود والشافعي في أحد قوليه وقال مالك والثوري وأصحاب الرأي يصليها صلاة سفر لأنه إنما يقضي ما فاته وهو ركعتان. ولنا أن القصر رخصة من رخص السفر فبطلت بزواله كالمسح ثلاثا ولأنها وجبت عليه في الحضر بدليل قوله عليه السلام " فليصلها إذا ذكرها " ولانها عبادة تختلف بالحضر والسفر

مسألة: وإن أحرم في الحضر ثم سافر أوفى السفر ثم أقام أو ذكر صلاة حضر في سفر أو صلاة سفر في حضر أو ائتم بمقيم أو بمن يشك فيه أو أحرم بصلاة يلزمه اتمامها ففسدت وأعادها أو لم ينو القصر لزمه أن يتم، وقال أبو بكر: لا يحتاج الجمع والقصر الى نية

فإذا وجد أحد طرفيها في الحضر غلب حكمه كالسفينة اذا دخلت به البلد في أثناء الصلاة، وقياسهم ينتقض بالجمعة اذا فاتت وبالمتيمم اذا فاتته الصلاة فقضاها عند وجود الماء * (فصل) * وإذا ائتم المسافر بمقيم لزمه الائتمام سواء أدرك جميع الصلاة أو بعضها، وقال ابن أبي موسى فيه رواية أنه اذا أحرم في آخر صلاته لا يلزمه أن يتم، قال الأثرم سألت أبا عبد الله عن المسافر يدخل في تشهد المقيمين قال يصلي أربعاً، روى ذلك عن ابن عمر وابن عباس وجماعة من التابعين وبه قال الثوري والاوزاعي والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي، وقال إسحق للمسافر القصر لأنها صلاة يجوز فعلها ركعتين فلم تزد بالائتمام كالفجر، وقال طاوس والشعبي في المسافر يدرك من صلاة المقيمين ركعتين تجزيان، وقال الحسن والنخعي والزهري وقتادة ومالك إن أدرك أتم وإن أدرك دونها قصر لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدرك الصلاة " ولأن من أدرك من الجمعة ركعة أتمها جمعة ومن أدرك أقل من ذلك لا يلزمه فرضها ولنا ما روى أنه قيل لابن عباس ما بال المسافر يصلي ركعتين في حال الانفراد وأربعاً اذا ائتم بمقيم؟ فقال تلك السنة رواه الإمام أحمد وهذا ينصرف إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم ولأنه فعل من سمينا من الصحابة ولا يعرف لهم مخالف في عصرهم فكان إجماعاً ولأنها صلاة مردودة من أربع الى ركعتين فلا يصليها خلف من يصلي الأربع كالجمعة وما ذكروه لا يصح عندنا فانه لا تصح له صلاة الفجر خلف من يصلي رباعية، وإدراك الجمعة يخالف ما نحن فيه فانه لو أدرك ركعة من الجمعة رجع الى الركعتين وهذا بخلافه ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه " ومفارقة إمامه مع إمكان متابعته اختلاف عليه * (فصل) * وإذا أحرم المسافرون خلف مسافر وأحدث واستخلف مسافراً فلهم القصر وإن استخلف مقيماً لزمهم الاتمام لأنهم ائتموا بمقيم، وللامام المحدث القصر لأنه لم يأتم بمقيم ولو صلى

المسافرون خلف مقيم فأحدث واستخلف مسافراً أو مقيماً لزمهم الاتمام لأنهم ائتموا بمقيم فان استخلف مسافراً لم يكن معهم في الصلاة فله أن يصلي صلاة السفر لأنه لم يأتم بمقيم * (فصل) * وإذا أحرم المسافر خلف من يشك فيه أو من يغلب على ظنه أنه مقيم لزمه الإتمام وإن قصر إمامه لأن الأصل وجوب الائتمام فليس له نية قصرها مع الشك في وجوب إتمامها فلزمه الإتمام اعتباراً بالنية وهذا مذهب الشافعي، وإن غلب على ظنه ان الامام مسافر بإمارة آثار السفر فله أن ينوي القصر فان قصر إمامه قصر معه وإن أتم تابعه فيه وان نوى الاتمام لزمه الاتمام سواء قصر إمامه أو أتم اعتباراً بالنية، وان نوى القصر فأحدث امامه قبل علمه بحاله فله القصر لأن الظاهر أن امامه مسافر لوجود دليله وقد أتيحت له نية القصر بناء على هذا الظاهر ويحتمل أن يلزمه الإتمام إحتياطاً (فصل) واذا صلى المسافر صلاة الخوف بمسافرين ففرقهم فرقتين فأحدث قبل مفارقة الطائفة الاولى واستخلف مقيماً لزم الطائفتين الإتمام لأنهم ائتموا بمقيم وإن كان ذلك بعد مفارقة الاولى أتمت الثانية وحدها لأنها اختصت بموجبه، وإن كان الإمام مقيماً فاستخلف مسافراً ممن كان معه في الصلاة فعلى الجميع الاتمام لأن المستخلف قد لزمه الاتمام باقتدائه بالمقيم فصار كالمقيم، وإن لم يكن دخل معه في الصلاة وكان استخلافه قبل مفارقة الاولى فعليها الاتمام لائتمامها بمقيم وكقصر الامام والطائفة الثانية وإن استخلف بعد دخول الثانية فعلى الجميع الاتمام وللمستخلف القصر وحده لأنه لم يأتم بمقيم (فصل) وإذا صلى مقيم ومسافر خلف مسافر أتم المقيم إذا سلم إمامه وذلك إجماع، وقد روى عمران بن حصين قال: شهدت الفتح مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقام ثماني عشرة ليلة لا يصلي

إلا ركعتين ثم يقول لأهل البلد " صلوا أربعاً فإنا سفر " رواه أبو داود، ولأن الصلاة واجبة عليه أربعاً فلم يسقط شئ منها كما لو لم يأتم بالمسافر ويستحب أن يقول الإمام للمقيمين أتموا فإنا سفر كما في الحديث، ولئلا يلتبس على الجاهل عدد ركعات الصلاة، وقد روى الأثرم عن الزهري ان عثمان إنما أتم لأن الاعراب حجوا فأراد أن يعرفهم أن الصلاة أربع (فصل) واذا أم المسافر المقيمين فأتم بهم الصلاة فصلاتهم تامة، وبهذا قال الشافعي واسحاق وقال الثوري وأبو حنيفة: تفسد صلاة المقيمين وتصح صلاة الامام والمسافرين معه، وعن أحمد نحوه قال القاضي: لأن الركعتين الآخرتين نفل من الامام ولا يؤم بها مفترضين ولنا أن المسافر يلزمه الإتمام بنيته فيكون الجميع واجباً، ثم لو كانت نفلاً فائتمام المفترض بالمتنفل صحيح على ما مضى (فصل) وإن أم مسافر مسافرين فنسي فصلاها تامة صحت صلاة الجميع ولا يلزمه سجود سهو لأنها زيادة لا يبطل عمدها الصلاة فلا يجب السجود لسهوها كزيادات الاقوال، وهل يشرع السجود يخرج على روايتين فيما إذا قرأ في الركوع والسجود، وقال ابن عقيل لا يحتاج إلى سجود لأنه أتى بالأصل ولنا أن هذا زيادة نقضت الفضيلة وأخلت بالكمال أشبهت القراءة في غير محلها كقراءة السورة في الأخيرتين، فاذا ذكر الامام بعد قيامه إلى الثالثة لم يلزمه الاتمام وله أن يجلس، فان الموجب للإتمام نيته أو الائتمام بمقيم ولم يوجد واحد منهما، وإن علم المأموم أن قيامه لسهو لم يلزمه متابعته

ويسبحون له لأنه سهو فلا يجب إتباعه فيه ولهم مفارقته إن لم يرجع كما لو قام إلى ثالثة في الفجر وإن تابعوه لم تبطل صلاتهم لأنها زيادة لا تبطل صلاة الامام فلا تبطل صلاة المأموم بمتابعته فيها كزيادات الأقوال. وقال القاضي: تفسد صلاتهم لأنهم زادوا ركعتين عمداً، وإن لم يعلموا هل قاموا سهواً أو عمداً لزمهم متابعته لأن وجوب المتابعة ثابتة فلا تزول بالشك (فصل) وإذا أحرم بصلاة يلزمه إتمامها مثل إن نوى الاتمام أو ائتم بمقيم فسدت الصلاة وأراد اعادتها لزمه الاتمام لأنها وجبت عليه تامة بتلبسه بها خلف المقيم ونية الاتمام وهذا قول الشافعي، وقال الثوري وأبو حنيفة اذا فسدت صلاة الامام عاد المسافر إلى القصر ولنا أنها وجبت بالشروع فيها تامة فلم يجز له قصرها كما لو لم تفسد (فصل) ومن لم ينو القصر لزمه الاتمام لأن نية القصر شرط في جوازه ويعتبر وجودها عند أول الصلاة كنيتها كذلك ذكره الخرقي والقاضي، وقال أبو بكر لا يحتاج الجمع والقصر الى نية لأن من خير في العبادة قبل الدخول فيها خير بعد الدخول فيها كالصوم، ولأن القصر هو الأصل بدليل خبر عائشة وعمر وابن عباس فلا يحتاج إلى نية كالاتمام في الحضر، ووجه الأول أن الاتمام هو الأصل على ما ذكرنا، وقد أجبنا عن الأخبار المذكورة وإطلاق النية ينصرف إلى الأصل ولا ينصرف

عنه إلا بتعيين ما يصرف إليه كما لو نوى الصلاة مطلقاً ولم ينو أماماً ولا مأموماً فانه ينصرف إلى الانفراد إذ هو الأصل والتفريع على هذا القول، فلو شك في أثناء صلاته هل نوى القصر في ابتدائها أو لا ألزمه الاتمام؟ احتياطاً لأن الأصل عدم النية، فان ذكر بعد ذلك انه قد نوى القصر لم يجز له القصر لأنه قد لزمه الاتمام فلم يزل (فصل) ومن نوى القصر ثم نوى الاتمام أو نوى ما يلزمه به الاتمام من الاقامة وسفر المعصية أو نوى الرجوع ومسافة رجوعه لا يباح فيها القصر ونحو هذا لزمه الاتمام ولزم من خلفه متابعته وبهذا قال الشافعي وقال مالك: لا يجوز له الاتمام لأنه نوى عدداً واذا زاد عليه حصلت الزيادة بغير نية ولنا أن نية صلاة الوقت قد وجدت وهي أربع، وإنما أبيح ترك ركعتين رخصة، فاذا أسقط نية الترخص صحت الصلاة بنيتها ولزمه الاتمام ولأن الاتمام الأصل، وإنما أبيح تركه يشرط فاذا زال الشرط عاد الأصل إلى حاله (فصل) واذا قصر المسافر معتقداً تحريم القصر لم تصح صلاته لأنه فعل ما يعتقد تحريمه فلم يقع مجزئاً كمن صلى ويعتقد أنه محدث ولأن نية التقرب بالصلاة شرط وهذا يعتقد أنه عاص فلم تصح نية التقرب * (مسألة) * (ومن له طريقان بعيد وقريب فسلك البعيد أو ذكر صلاة سفر في آخر فله القصر) اذا كان لسفره طريقان يباح القصر في أحدهما لبعده دون الآخر فسلك البعيد ليقصر الصلاة

مسألة: ومن له طريقان بعيد وقريب فسلك البعيد أو ذكر صلاة سفر في آخر فله القصر

فيه أو لغير ذلك أبيح له القصر لأنه مسافر سفراً بعيداً مباحاً فأبيح له القصر كما لو لم يجد سواه وكما لو كان الآخر مخوفاً أو شاقاً. وقال ابن عقيل أن سلك الأبعد لرفع أذية واختلاف نفع قصر قولاً واحداً وإن كان لا لغرض صحيح خرج على الروايتين في سفر التنزه وقد ذكرنا توجيههما (فصل) وإن نسي الصلاة في سفر وذكرها فيه قضاها مقصورة لأنها وجبت في السفر وفعلت فيه أشبه ما لو صلاها في وقتها، وإن ذكرها في سفر آخر فكذلك لما ذكرنا وسواء ذكرها في الحضر أو لم يذكرها ويحتمل أنه إذا ذكرها في الحضر لزمته تامة لأنه وجب عليه فعلها تامة بذكره إياها فبقيت في ذمته ويحتمل أن يلزمه إتمامها اذا ذكرها في سفر آخر سواء ذكرها في الحضر أو لا لأن الوجوب كان ثابتاً في ذمته في الحضر، والأولى أولى لأن وجوبها وفعلها في السفر فكانت صلاة سفر كما لو لم يذكرها في الحضر. وذكر بعض أصحابنا أن من شرط القصر كون الصلاة مؤداة لأنها صلاة مقصورة فاشترط لها الوقت كالجمعة وهذا فاسد لأنه اشترط بالرأي والتحكم ولم يرد الشرع به والقياس على الجمعة لا يصح فإن الجمعة لا تقضي ويشترط لها الخطبتان والعدد والاستيطان فجاز أن يشرط لها الوقت بخلاف هذه * (مسألة) * (واذا نوى الاقامة ببلد أكثر من احدى وعشرين صلاة أتم وإلا قصر) المشهور عن أحمد رحمه الله أن المدة التي يلزم المسافر الإتمام اذا نوى الإقامة فيها ما كان أكثر

مسألة: واذا نوى الاقامة ببلد أكثر من إحدى وعشرين صلاة أتم وإلا قصر

من احدى وعشرين صلاة رواه الأثرم وغيره وهو الذي ذكره الخرقي، وعنه إن نوى الإقامة أكثر من أربعة أيام أتم حكى هذه الرواية أبو الخطاب وابن عقيل. وعنه اذا نوى إقامة أربعة أيام أتم وإلا قصر، وهذا قولل مالك والشافعي وأبي ثور وروي عن عثمان رضي الله عنه وعن سعيد ابن المسيب أنه قال: إذا أقمت أربعاً فصل أربعاً لأن الثلاث حد القلة لقوله عليه السلام " يقيم المسافر بعد قضاء نسكه ثلاثا " فدل أن الثلاث في حكم السفر وما زاد في حكم الإقامة. وقال الثوري وأصحاب الرأي ان أقام خمسة عشر يوماً مع اليوم الذي يخرج فيه أتم، فان نوى دونه قصر، ويروى ذلك عن ابن عمر وسعيد بن جبير والليث بن سعد لما روي عن ابن عمر وابن عباس أنهما قالا: اذا قدمت وفي نفسك أن تقيم بها خمس عشرة ليلة فأكمل الصلاة ولا يعرف لهما مخالف، وروي عن علي رضي الله عنه قال يتم الصلاة الذي يقيم عشرا ويقصر الذي يقول أخرج اليوم أخرج غداً شهراً، وعن ابن عباس أنه قال يقصر اذا أقام تسعة عشر يوماً ويتم اذا زاد لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقام في بعض أسفاره تسعة عشر يصلي ركعتين، قال ابن عباس فنحن اذا أقمنا تسعة عشر نصلي ركعتين وإن زدنا على ذلك أتممنا رواه البخاري، وقال الحسن صل ركعتين ركعتين إلا أن تقدم مصراً فأتم الصلاة وصم، وقالت عائشة اذا وضعت الزاد والمزاد فأتم الصلاة وكان طاوس إذا قدم مكة صلى أربعاً ولنا ما روى أنس قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة فصلى ركعتين حتى

رجع وأقام بمكة عشراً يقصر الصلاة متفق عليه. وذكر أحمد حديث جابر وابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم مكة لصبح رابعة فأقام النبي صلى الله عليه وسلم اليوم الرابع والخامس والسادس والسابع وصلى الفجر بالأبطح يوم الثامن فكان يقصر الصلاة في هذه الأيام وقد أجمع على إقامتها قال فاذا أجمع أن يقيم كما أقام النبي صلى الله عليه وسلم قصر واذا أجمع على أكثر من ذلك أتم، قال الاثرم وسمعت أبا عبد الله يذكر حديث أنس في الإجماع على الإقامة للمسافر فقال هو كلام ليس يفقهه كل أحد، فقوله أقام النبي صلى الله عليه وسلم عشراً يقصر الصلاة وقال قدم النبي صلى الله عليه وسلم لصبح رابعة وخامسة وسابعة ثم قال ثامنة يوم التروية وتاسعة وعاشرة فإنما وجه حديث أنس أنه حسب مقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة ومنى وإلا فلا وجه له عندي غير هذا، فهذه أربعة أيام وصلاة الصبح بها يوم التروية تمام احدى وعشرين صلاة يقصر وهي تزيد على أربعة أيام وهو صريح في خلاف قول من حده بأربعة أيام، وقول أصحاب الرأي: لا يعرف لهما مخالف في الصحابه لا يصح، لأنا قد ذكرنا الخلاف فيه عنهم، وحديث ابن عباس في إقامة النبي صلى الله عليه وسلم تسعة عشر، وجهه أن النبي صلى الله عليه لم يجمع الإقامة. قال أحمد قام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة زمن الفتح ثماني عشرة لأنه أراد حنيناً ولم يكن تم إجماع المقام، وهذه إقامته التي رواها ابن عباس وهو دليل على خلاف قول عائشة والحسن والله أعلم

* (فصل) * ومن قصد بلداً بعينه فوصله غير عازم على إقامة به مدة تقطع حكم سفره فله القصر فيه لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان في أسفاره يقصر حتى يرجع وحين قدم مكة كان يقصر فيها، ولا فرق بين أن يقصد الرجوع إلى بلده كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع على ما في حديث أنس وبين أن يريد بلداً آخر كما فعل عليه السلام في غزوة الفتح كما في حديث ابن عباس * (فصل) * وإذا مر في طريقه على بلداً له فيه أهل أو مال فقال أحمد في موضع يتم وقال في موضع لا يتم إلا أن يكون ماراً وهذا قول ابن عباس، وقال مالك يتم إذا أراد أن يقيم بها يوماً وليلة، وقال الشافعي وابن المنذر يقصر ما لم يجمع على إقامة أربع لأنه مسافر ولنا ما روى عن عثمان أنه صلى بمنى أربع ركعات فأنكر الناس عليه، فقال يا أيها الناس إني تأهلت بمكة منذ قدمت وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم " يقول من تأهل ببلد فليصل صلاة المقيم " رواه أحمد في المسند، وقال ابن عباس إذا قدمت على أهل لك أو مال فصل صلاة المقيم، ولأنه مقيم ببلد له فيه أهل ومال أشبه البلد الذي سافر منه * (فصل) * قال أحمد من كان مقيماً بمكة ثم خرج إلى الحج وهو يريد أن يرجع إلى مكة فلا يقيم بها فهذا يصلي ركعتين بعرفة لأنه حين خرج من مكة أنشأ السفر الى بلده ليس على أن عرفة سفره فهو في سفر من حين خرج من مكة، ولو أن رجلاً كان مقيماً ببغداد فأراد الخروج الى الكوفة

فعرضت له حاجة بالنهروان ثم رجع فمر ببغداد ذاهباً الى الكوفة صلى ركعتين اذا كان يمر ببغداد مجتازاً لا يريد الاقامة بها، وإن كان الذي خرج الى عرفة في نيته الإقامة بمكة إذا رجع لم يقصر بعرفة وكذلك أهل مكة لا يقصرون، وإن صلى خلف رجل مكي يقصر الصلاة بعرفة ثم قام بعد صلاة الامام فأضاف اليها ركعتين آخرتين صحت صلاته لانه المكي يقصر بتأويل فصحت صلاة من يأتم به * (فصل) * وإذا خرج المسافر فذكر حاجة فرجع اليها فله القصر في رجوعه إلا أن يكون نوى أن يقيم اذا رجع مدة يقطع القصر ويكون في البلد أهله وماله لما ذكرنا وقول أحمد في الرواية الأخرى أتم إلا أن يكون ماراً يقتضي أنه إذا قصد أخذ حاجته والرجوع من غير إقامة أنه يقصر، وقال الشافعي يقصر ما لم ينو الاقامة أربعاً، وقال الثوري ومالك يتم حتى يخرج فاصلاً الثانية. ولنا أنه ثبت له حكم السفر بخروجه ولم يوجد إقامة نقطع حكمه فأشبه ما لو أنى قرية غير التي خرج منها * (مسألة) * (وإن أقام لقضاء حاجة أو حبس ولم ينو لاقامة قصر أبداً) وجملة ذلك أن من لم يجمع على إقامة تقطع حكم السفر على ما ذكرنا من الخلاف فله القصر ولو أقام سنين كمن يقيم لقضاء الحاجة يرجو إنجاحها أو جهاد عدو أو حبسه سلطان أو مرض وسواء غلب على ظنه انقضاء حاجته في مدة يسيرة أو كثيرة وبعد أن يحتمل انقضاؤها في مدة لا ينقطع حكم

مسألة: وإن أقام لقضاء حاجة أو حبس ولم ينو الاقامة قصر أبدا

السفر بها. قال إبن المنذر أجمع أهل العلم أن للمسافر أن يقصر ما لم يجمع على إقامة ولو أتى عليه سنون والأصل فيه ما روى ابن عباس قال أقام النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره تسعة عشر يصلي ركعتين رواه البخاري، وقال جابر أقام النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك عشرين يوماً يقصر الصلاة رواه الإمام أحمد في المسند، وروى سعيد بإسناده عن المسور بن مخرمة قال أقمنا سعد ببعض قرى الشام أربعين ليلة يقصرها سعد ونتمها، وقال نافع أقام ابن عمر بأذربيجان ستة أشهر يصلي ركعتين حبسه الثلج. وقال أنس أقام أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم برامهز سبعة أشهر يقصرون الصلاة، وعن الحسن عن عبد الرحمن بن سمرة قال أقمت معه بكابل سنتين نقصر الصلاة ولا نجمغ * (فصل) * وإن عزم على إقامة طويلة في رستاق ينتقل فيه من قرية إلى قرية لا يجمع على إقامة بواحدة منها مدة تبطل حكم السفر قصر لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقام بمكة ومنى وعرفة عشراً فكان يقصر الأيام كلها. وروى الأثرم باسناده عن مورق قال سألت ابن عمر قلت إني رجل آتي الاهواز فأنتقل في قراها قرية قرية فأقيم الشهر أو أكثر. قال تنوي الاقامة؟ قلت لا. قال ما أراك إلا مسافرا صلى صلاة المسافرين، ولأنه لم ينوي الإقامة في مكان بعينه أشبه المتنقل في سفره من منزل الى منزل، واذا دخل بلداً فنال إن لقيت فلاناً أقمت وإلا لم أقم لم يبطل حكم سفره لأنه لم يجزم بالإقامة، ولأن المبطل للسفر هو العزم على الإقامة ولم يوجد، وانما علقه على شرط لم يوجد وذلك ليس بجزم * (فصل) * ولا بأس بالتطوع في السفر نازلاً وسائراً على الراحلة لما روى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسبح على ظهر راحلته حيث كان وجهه يومئ برأسه، وروي نحو ذلك جابر

وأنس متفق عليه. وعن علي عليه السلام أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتطوع في السفر رواه سعيد. وفي حديث أم هانئ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر على بعيره ولما فأتت النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح صلى ركعتي الفجر قبلها متفق عليه. فأما سائر التطوعات والسنن قبل الفرائض وبعدها فقال أحمد أرجو أن لا يكون بالتطوع بالسفر بأس روى ذلك عن عمر وعلي وابن مسعود وجابر وابن عباس وأبي ذر وجماعة من التابعين وهو قول مالك والشافعي وإسحق وابن المنذر، وكان ابن عمر لا يتطوع مع الفريضة قبلها ولا بعدها إلا من جوف الليل. وروي ذلك عن سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وعلي بن الحسين لما روي أن ابن عمر رأى قوما يسبحون بعد الصلاة فقال لو كنت مسبحاً لأتممت فرضي يا ابن أخي، صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله، وصحبت عمر وعثمان وقال لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة متفق عليه ولنا ما روى عن ابن عباس قال فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الحضر فكنا نصلي قبلها وبعدها وكنا نصلي في السفر قبلها وبعدها رواه ابن ماجه، وقال الحسن كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسافرون فيتطوعون قبل المكتوبة وبعدها، وعن البراء بن عازب قال صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانية عشر سفراً فما رأيته ترك ركعتين إذا زاغت الشمس قبل الظهر رواه أبو داود فهذا يدل على أنه لا بأس بفعلها، وحديث ابن عمر يدل على أنه لا بأس بتركه فيجمع بين الأحاديث والله أعلم * (مسألة) * (والملاح الذي معه أهله وليس له نية الاقامة ببلد ليس له الترخص)

قال الأثرم سمعت أبا عبد الله يسأل عن الملاح أيقصر أو يفطر في السفينة، قال أما إذا كانت السفينة ببته فانه يتم ويصوم، قيل له وكيف تكون بيته. قال لا يكون له بيت غيرها معه فيها أهله وهو فيها مقيم وهذا قول عطاء. وقال الشافعي يقصر ويفطر لعموم النصوص ولان كون أهله معه لا يمنع الترخص كالجمال. ولنا أنه غير ظاعن عن منزله فلم يبح له الترخص كالمقيم في المدن، فأما في عام النصوص فالمراد بها الظاعن عن منزله وليس هذا كذلك. وأما الجمال والمكاري فلهم الترخص وإن سافروا بأهلهم قال أبو داود سمعت أحمد يقول في المكاري الذي هو دهره في السفر لابد أن يقيم اذا قدم اليومين والثلاثة قال هذا يقصر، وذكر القاضي وابو الخطاب أنه بمنزلة الملاح وليس بصحيح لأنه مسافر مشقوش عليه فكان له القصر كغيره، ولا يصح قياسهم على الملاح فان الملاح في منزله سفراً وحضراً معه مصالحه وتنوره وأهله لا يتكلف لحمله وهذا لا يوجد في غيره، وإن سافر هذا بأهله كان أشق عليه وأبلغ في استحقاق الترخص فأبيح له لعموم النصوص وليس هو في معنى المخصوص فوجب القول بثبوت حكم النص فيه * (فصل في الجمع) * * (مسألة) * يجوز الجمع بين الظهر والعصر والعشائين في وقت إحداهما لثلاثة أمور: السفر الطويل الجمع بين الصلاتين في السفر في وقت إحداهما جائز في قول أكثر أهل العلم روي ذلك عن سعد وسعيد بن زيد وأسامة ومعاذ بن جبل وأبي موسى وابن عباس وابن عمر وبه قال عكرمة والثوري

مسألة: والملاح الذي معه أهله وليس له نية الاقامة ببلد ليس له الترخص

ومالك والشافعي وإسحق وابن المنذر وجماعة غيرهم، وقال الحسن وابن سيرين وأصحاب الرأي لا يجوز الجمع إلا في يوم عرفة وليلة مزدلفة بها وهو رواية عن ابن القاسم عن مالك واختياره واحتجوا بأن المواقيت ثبتت بالتواتر فلا يجوز تركها بخبر الواحد ولنا ما روى عن ابن عمر أنه كان إذا جد به السير جمع بين المغرب والعشاء ويقول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا جد به السير جمع بينهما، وعن أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر ثم نزل فجمع بينهما، وإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر ثم ركب متفق عليهما. ولمسلم كان اذا عجل عليه السير يؤخر الظهر إلى وقت العصر فيجمع بينهما ويؤخر المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء حين يغيب الشفق، وروى الجمع معاذ وابن عباس وقولهم لا تترك الأخبار المتواترة لأخبار الآحاد. قلنا لا يتركها وإنما يخصها وتخصيص المتواتر بالخبر الصحيح جائز بالإجماع وهذا ظاهر جداً، فان قيل معنى الجمع في الأخبار أن يصلي الاولى في آخر وقتها والأخرى في أول وقتها. قلنا هذا فاسد لوجهين أحدهما النه قد جاء الخبر صريحاً في أنه كان يجمعها في وقت الثانية على ما ذكرنا في خبر أنس، الثاني إن الجمع رخصة فلو كان على ما ذكروه لكان أشد ضيقاً وأعظم حرجاً من الاتيان بكل صلاة في وقتها لأن ذلك أوسع من مراعاة طرفي الوقتين بحيث لا يبقى من وقت الأولى إلا قدر فعلها، ومن تدبر هذا وجده كما وصفنا ولو جاز الجمع هذا لجاز الجمع من العصر والمغرب والعشاء والصبح وهو محرم بالإجماع، فاذا

فصل في الجمع

حمل خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأمر السابق إلى الفهم منه كان أولى من هذا التكلف الذي يصان عنه كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم (فصل) وإنما يجوز الجمع في السفر الذي يبيح القصر. وقال مالك والشافعي في أحد قوليه يجوز في السفر القصير لأن أهل مكة يجمعون بعرفة ومزدلفة وهو سفر قصير ولنا أنه رخصة ثبتت لدفع المشقة في السفر فاختصت بالطويل كالقصر والمسح ثلاثا ولأن دليل الجمع فعل النبي صلى الله عليه وسلم والفعل لا صيغة له وإنما هو قضية في عين فلا يثبت حكمها إلا في مثلها ولم ينقل أنه جمع إلا في سفر طويل * (مسألة) * (والمرض الذي يلحقه بترك الجمع فيه مشقة وضعف) نص أحمد على جواز الجمع للمريض وروي عنه التوقف فيه وقال: أهاب ذلك والصحيح الأول وهذا قول عطاء ومالك. وقال أصحاب الرأي والشافعي: لا يجوز لأن أخبار التوقيف ثابتة فلا يترك بأمر محتمل ولنا ما روى ابن عباس قال: جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء من غير خوف ولا مطر، وفي رواية من غير خوف ولا سفر رواهما مسلم. وقد أجمعنا على أن الجمع لا يجوز لغير عذر ثبت أنه كان لمرض، وقد روي عن أبي عبد الله أنه قال في هذا الحديث هذا عندي رخصة للمريض والمرضع، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر سهلة بنت سهيل وحمنة بنت جحش لما كانتا مستحاضتين بتأخير الظهر وتعجيل العصر والجمع بينهما فأباح الجمع لأجل الاستحاضة وأخبار المواقيت مخصوصة بالصور المجمع على جواز الجمع فيها فتخص محل النزاع بما ذكرنا (فصل) والمرض المبيح للجمع هو ما يلحقه بتركه مشقة وضعف. قال الأثرم: قيل لأبي عبد الله المريض يجمع بين الصلاتين، قال إني لا ارجو ذلك اذا ضعف وكذلك الجمع للمستحاضة ولمن به سلس البول ومن في معناها لما ذكرنا من الحديث

مسألة: والمرض الذي يلحقه بترك الجمع فيه مشقة وضعف

* (مسألة) * (والمطر الذي يبل الثياب) إلا أن جمع المطر يختص بالعشائين في أصح الوجهين لجواز الجمع في المطر بين العشائين يروي عن ابن عمر وفعله أبان بن عثمان في أهل المدينة وهو قول الفقهاء السبعة ومالك والاوزاعي والشافعي واسحاق، ويروى عن مروان وعمر بن العزيز ولم يجوزه أصحاب الرأي والدليل على جوازه أن أبا سلمة بن عبد الرحمن قال: إن من السنة إذا كان يوم مطير أن يجمع بين المغرب والعشاء رواه الأثرم وهذا ينصرف إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال نافع: أن عبد الله بن عمر كان يجمع اذا جمع الامراء بين المغرب والعشاء وفعله أبان بن عثمان في أهل المدينة وفيهم عروة بن الزبير وأبو سلمة وأبو بكر بن عبد الرحمن ولا يعرف لهم مخالف فكان إجماعا رواه الأثرم (فصل) فأما الجمع لأجل المطر بين الظهر والعصر فالصحيح أنه لا يجوز. قال الأثرم: قيل لأبي عبد الله الجمع بين الظهر والعصر في المطر قال: لا ما سمعته وهذا اختيار أبي بكر وابن حامد وقول مالك. وقال أبو الحسن التميمي فيه قولان: أحدهما يجوز اختاره القاضي وابو الخطاب وهو مذهب الشافعي لما روى يحيى بن واضح عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع في المدينة بين الظهر والعصر في المطر ولأنه معنى أباح الجمع فأباحه بين الظهر والعصر كالسفر ولنا أن مستند الجمع ما ذكرنا من قول أبي سلمة والإجماع ولم يرد إلا في المغرب والعشاء وحديثهم لا يصح فإنه غير مذكور في الصحاح والسنن وقول أحمد ما سمعت يدل على أنه ليس بشئ ولا يصح القياس على المغرب والعشاء لما بينهما من المشقة لأجل الظلمة، ولا القياس على السفر لأن مشقته لأجل

مسألة: والمطر الذي يبل الثياب

السير وفوات الرفقة وهو غير موجود ها هنا كذا (فصل) والمطر المبيح للجمع هو ما يبل الثياب وتلحق المشقة بالخروج فيه فأما الطل والمطر الخفيف فلا يبيح لعدم المشقة والثلج والبرد في ذلك كالمطر لأنه في معناه * (مسألة) * (وهل يجوز ذلك لأجل الوحل والريح الشديدة الباردة أو لمن يصلي في بيته أو في مسجد طريقه تحت ساباط على وجهين) اختلف أصحابنا في الوحل بمجرده، فقال القاضي: قال أصحابنا هو عذر يبيح الجمع لأن المشقة تلحق بذلك في الثياب والنعال كما تلحق بالمطر وهو قول مالك، وذكر أبو الخطاب فيه وجهاً ثانياً أنه لا يبيح وهو قول الشافعي لأن المشقة دون مشقة المطر فلا يصح قياسه عليه. قال شيخنا: الاولى أصح لأن الوحل يلوث الثياب والنعال ويعرض الانسان للزلق فيتأذى نفسه وثيابه وذلك أعظم ضرراً من البلل، وقد ساوى المطر في العذر في ترك الجمعة والجماعة فدل على تساويهما في المشقة المرعية في الحكم (فصل) فأما الريح الشديدة في الليلة الباردة ففيها وجهان: أحدهما يبيح الجمع قال الآمدي: وهو أصح يروى عن عمر بن عبد العزيز لأن ذلك عذر في ترك الجمعة والجماعة بدليل ما روى محمد بن الصباح حدثنا سفيان عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي مناديه

مسألة: وهل يجوز ذلك لأجل الوحل والريح الشديدة الباردة أو لمن يصلي في بيته أو في مسجد طريقه تحت ساباط على وجهين

في الليلة المطيرة والليلة الباردة ذات الريح صلوا في رحالكم رواه ابن ماجه. والثاني لا يبيحه لأن مشقته دون مشقة المطر فلا يصح القياس ولأن مشقتها من غير جنس مشقة المطر ولا ضابط لذلك يجتمعان فيه فلم يصح الإلحاق (فصل) وهل بجوز الجمع لمنفرد أو لمن طريقه تحت ساباط يمنع وصول المطر إليه، أو من كان مقامه في المسجد، أو لمن يصلي في بيته على وجهين: أحدهما الجواز. قال القاضي: وهو ظاهر كلام أحمد لأن الرخصة العامة يستوي فيها حال وجود المشقة وعدمها كالسفر وكإباحة السلم في حق من ليس له اليه حاجة كاقتناء الكلب للصيد والماشية لمن لا يحتاج إليها، وقد روي أنه عليه السلام جمع في مطر وليس بين حجرته ومسجده شئ، والثاني المنع. اختاره ابن عقيل لأن الجمع لأجل المشقة فاختص بمن تلحقه المشقة كالرخصة في التخلف عن الجمعة، والجماعة تختص بمن تلحقه المشقة دون من لا تلحقه كمن في الجامع والقريب منه * (مسألة) * (ويفعل الأرفق به من تأخير الاولى إلى وقت الثانية أو تقديم الثانية إليها) هذا هو الصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب وهو أن المسافر مخير في الجمع بين التقديم والتأخير وظاهر كلام الخرقي أنه لا يجوز الجمع إلا إذا كان سائراً في وقت الاولى فيؤخرها إلى وقت الثانية وهي رواية عن أحمد، ويروى ذلك عن سعد وابن عمر وعكرمة آخذاً بحديث ابن عمر وأنس الصحيحين. وقال القاضي. هذه الرواية هي الفضيلة والاستحباب وإن جمع بينهما في وقت الأولى جاز نازلاً كان أو سائراً أو مقيماً في بلد إقامة لا يمنع القصر وهذا قول عطاء وأكثر علماء المدينة والشافعي وإسحاق وابن المنذر لما روى معاذ قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في

مسألة: ويفعل الأرفق به من تأخير الاولى إلى وقت الثانية أو تقديم الثانية إليها

غزوة تبوك فكان إذا ارتحل قبل زيغ الشمس أخر الظهر حتى يجمعها إلى العصر فيصليهما جميعاً، وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس صلى الظهر والعصر جميعاً ثم سار، وإذا ارتحل قبل المغرب أخر المغرب حتى يصليها مع العشاء، وإذا ارتحل بعد المغرب عجل العشاء فصلاها مع المغرب، واه أبو داود والترمذي وقال هذا حديث حسن. وروى مالك في الموطأ عن أبي الزبير عن أبي الطفيل أن معاذاً أخبره أنهم خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء قال: فأخر الصلاة يوماً ثم خرج فصلى الظهر والعصر جمعاً ثم دخل، ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جمعاً. قال ابن عبد البر: هذا حديث صحيح ثابت الاسناد، وفي هذا الدليل أوضح الدليل في الرد على من قال: لا يجمع بين الصلاتين إلا إذا جدبه السير لأنه كان يجمع وهو نازل غير سائر ماكث في خبائه يخرج فيصلي الصلاتين جمعاً فتعين الأخذ بهذا الحديث لثبوته وكونه صريحاً في الحكم من غير معارض له، ولأن الجمع رخصة من رخص السفر فلم يختص بحالة السير كالقصر والمسح ثلاثاً لكن الأفضل التأخير لأنه أحوط وفيه خروج من الخلاف عند القائلين بالجمع وعملاً بالأحاديث كلها * (فصل) * والمريض مخير في التقديم والتأخير كالمسافر فان استوى عنده الامران فالتأخير أفضل لما ذكرنا في المسافر، فأما الجمع للمطر فإنما يفعل في وقت الأولى لأن السلف إنما كانوا يجمعون في وقت الأولى ولأن تأخير الأولى إلى وقت الثانية يفضي الى المشقة بالانتظار والخروج في الظلمة

ولأن العادة اجتماع الناس للمغرب، فإذا حبسهم في المسجد ليجمع بين الصلاتين في وقت الثانية كان أشق من أن يصلي كل صلاة في وقتها، وإن اختار تأخير الجمع جاز والمستحب أن يؤخر الأولى عن أول وقتها شيئاً، قال أحمد يجمع بينهما اذا اختلط الظلام قبل أن يغيب الشفق الذي فعل ابن عمر قيل لأبي عبد الله فكان سنة الجمع بين الصلاتين في المطر عندك أن تجمع قبل أن يغيب الشفق، وفي الشفق تؤخر حتى يغيب الشفق قال نعم * (فصل) * ولا يجوز الجمع لغير من ذكرنا، وقال ابن شبرمة يجوز اذا كانت حاجة أو شئ ما لم يتخذه عادة لحديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء من غير خوف ولا مطر، فقيل لابن عباس لم فعل ذلك؟ قال اراد أن لا يحرج أمته ولنا عموم أخبار المواقيت، وحديث ابن عباس محمول على حالة المرض ويجوز أن يكون صلى

الاولى في آخر وقتها والثانية في أول وقتها فإن عمرو بن دينار روى هذا الحديث عن جابر بن زيد عن ابن عباس، قال عمرو قلت يا أبا الشعثاء أظنه أخر الظهر وعجل العصر وأخر المغرب وعجل العشاء، قال وأنا أظن ذلك * (مسألة) * (وللجمع في وقت الأولى ثلاثة شروط: نية الجمع عند إحرامها ويحتمل أن تجزئه النية قبل سلامها، وأن لا يفرق بينهما إلا بقدر الإقامة والوضوء فإن صلى السنة بينهما بطل الجمع في إحدى الروايتين، وأن يكون العذر موجوداً عند افتتاح الصلاتين وسلام الأولى) نية الجمع شرط لجوازه في المشهور من المذهب، وقال أبو بكر لا يشترط نية الجمع كقوله في القصر وقد ذكرناه. والتفريع على الأول وموضع النية اذا جمع في وقت الأولى عند الاحرام بها لأنها نية تفتقر إليها الصلاة فاعتبرت عند الاحرام كنية القصر، وفيه وجه ثان أن موضعها أول الصلاة من الأولى الى سلامها فمتى نوى قبل سلام الاولى أجزاه لأن موضع الجمع عند الفراغ من الأولى الى الشروع في الثانية، فاذا لم تتأخر النية عنه أجزأه ذلك ويعتبر أن لا يفرق بينهما إلا تفريقاً يسيراً، والمرجع في اليسير إلى العرف والعادة وقدره بعض أصحابنا بقدر الوضوء والاقامة، والصحيح أنه لا حد له لأن التقدير بابه التوقيف فما لم يرد فيه توقيف فيرجع فيه إلى العادة كالقبض والإحراز،

مسألة: وللجمع في وقت الأولى ثلاثة شروط

فإن فرق بينهما تفريقاً كثيراً بطل الجمع سواء فعله عمداً أو لنوم أو شغل أو سهو أو غير ذلك لأن الشرط لا يثبت المشروط بدونه والمرجع في الكثير إلى العرف والعادة كما قلنا في اليسير، ومتى احتاج الى الوضوء والتيمم فعله إذا لم يطل وان تكلم بكلام يسير لم يبطل الجمع وإن صلى بينهما السنة بطل الجمع في الظاهر لأنه فرق بينهما بصلاة فبطل الجمع كما لو صلى بينهما غيرها وعنه لا تبطل لأنه تفريق يسير أشبه الوضوء * (فصل) * ويعتبر للجمع في وقت الأولى وجود العذر حال افتتاح الصلاتين والفراغ من الاولى لأن افتتاح الاولى موضع النية وبافتتاح الثانية يحصل الجمع فاعتبر العذر في هذين الوقتين فمتى زال العذر في أحد هذه الثلاثة لم يبح الجمع، وإن زال المطر في أثنا الأولى ثم عاد قبل تمامها أو انقطع بعد الاحرام بالثانية جاز الجمع ولم يؤثر انقطاعه لأن العذر وجد في وقت اشتراطه فلم يضر عدمه في غيره. فأما المسافر اذا نوى الاقامة في أثناء الصلاة الأولى انقطع الجمع والقصر ولزمه الاتمام، فلو عاد فنوى السفر لم يبح له الترخص حتى يفارق البلد الذي هو فيه، وإن نوى الإقامة بعد الاحرام بالثانية أو دخلت به السفينة البلد في أثنائها احتمل أن يتمها ويصح قياساً على انقطاع المطر، قال بعض أصحاب الشافعي هذا الذي يقتضيه مذهب الشافعي واحتمل أن تنقلب نفلاً، ويبطل الجمع

لأنه أحد رخص السفر فبطل بذلك كالقصر والمسح ولأنه زال شرطها في أثنائها أشبه سائر شروطها ويفارق انقطاع المطر من وجهين أحدهما أنه لا يتحقق انقطاعه لاحتمال عوده في أثناء الصلاة، والثاني أنه يخلفه عذر مبيح وهو الوحل بخلاف مسألتنا وهكذا الحكم في المريض يزول عذره في أثناء الصلاة الثانية. فأما إن لم يزل العذر إلا بعد الفراغ من الثانية قبل دخول وقتها صح الجمع ولم يلزمه اعادة الثانية في وقتها لأن الصلاة وقعت صحيحة مجزئة مبرئة للذمة فلم تشتغل الذمة بها بعد ذلك كالمتيمم إذا وجد الماء في الوقت بعد فراغه من الصلاة * (فصل) * وإذا جمع في وقت الأولى فله أن يصلي سنة الثانية منهما ويوتر قبل دخول الثانية لأن سنتها تابعة لها فتتبعها في فعلها ووقتها ولأن الوتر وقته ما بين صلاة العشاء والصبح وقد صلى العشاء فدخل وقته * (مسألة) * (وإن جمع في وقت الثانية كفاه نية الجمع في وقت الأولى ما لم يضق عن فعلها واستمرار العذر الى دخول وقت الثانية منهما) ولا يشترط غير ذلك متى جمع في وقت الثانية فلا بد من نية الجمع في وقت الاولى، فموضع النية في وقت الأولى من أوله الى أن يبقى منه قدر ما يصليها هكذا ذكره أصحابنا لأنه متى أخرها عن ذلك بغير نية صارت قضاء لا جمعاً ولأن تأخيرها عن القدر الذي يضيق عن فعلها حرام. قال شيخنا ويحتمل أن يكون وقت النية أن يبقى منه قدر ما يدركها به وهو ركعة أو تكبيرة على ما ذكرنا متقدماً، ويعتبر بقاء العذر الى حين دخول وقت الثانية فان زال في وقت الاولى كالمريض يبرأ والمسافر يقدم والمطر ينقطع لم يبح الجمع لزوال سببه، وان استمر الى وقت الثانية جمع وإن زال العذر لأنهما صارتا واجبتين في ذمته فلا بد له من فعلها * (فصل) * ولا يشترط المواصلة بينهما إذا جمع في وقت الثانية لأنه متى صلى الاولى فالثانية في وقتها لا يخرج بتأخيرها عن كونها مؤداة. وفيه وجه إن المواصلة مشترطة لأن حقيقة الجمع ضم الشئ إلى الشئ ولا يحصل مع التفريق، والصحيح الأول لأن الاولى بعد وقوعها صحيحة لا تبطل بشئ يوجد بعدها، والثانية لا تقع إلا في وقتها

مسألة: وإن جمع في وقت الثانية كفاه نية الجمع في وقت الأولى ما لم يضق عن فعليها واستمرار العذر الى دخول وقت الثانية منهما

* (فصل) * إذا صلى إحدى صلاتي الجمع مع الإمام والثانية مع امام آخر أو صلى معه مأموم في إحدى الصلاتين وصلى معه في الثانية مأموم آخر صح، وقال ابن عقيل لا يصح لأن كل واحد من الامام والمأموم أحد من يتم به الجمع فاشترط وجود دوامه كالعذر ولنا أن لكل صلاة حكم نفسها وهي منفردة بنيتها فلم يشترط اتحاد الامام والمأموم كغير المجموعتين وقوله أن الامام والمأموم أحد من يتم به الجمع لا يصح في المسافر والمريض لجواز الجمع لكل واحد منهما منفرداً. وفي المطر في أحد الوجهين، وإن قلنا أن الجمع في المطر لا يجوز للمنفرد فالذي يتم به الجمع الجماعة لا عين الامام والمأموم ولم تختل الجماعة، وعلى ما قلنا لو ائتم المأموم بالامام لا ينوي الجمع ونواه الامام فلما سلم الامام صلى المأموم الثانية جاز لأنا أبحنا له مفارقة الامام في الصلاة الواحدة للعذر ففي الصلاتين أولى وإنما نوى أن يفعل في غيرها فلم يؤثر كما لو نوى المسافر في الاولى اتمام الثانية فلم تختلف نيتهما في الصلاة الأولى، وهكذا لو صلى المسافر بمقيمين ونوى الجمع فلما صلى بهم الأولى قام فصلى الثانية جاز، وهكذا لو صلى إحدى صلاتي الجمع منفرداً ثم حضرت جماعة يصلون الثانية فأمهم فيها أو فصلى معهم مأموماً جاز، وقول ابن عقيل يقتضي أن لا يجوز شئ من ذلك والله أعلم * (قال المصنف رحمه الله) * * (فصل في صلاة الخوف) * وهي جائزة بالكتاب والسنة، أما الكتاب فقوله تعالى (وإذا كنت

فيهم فأقمت لهم الصلاة) الآية. وأما السنة فثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي صلاة الخوف وحكمها باق في قول جمهور أهل العلم، وقال أبو يوسف إنما كانت مختصة بالنبي صلى الله عليه وسلم بدليل قوله سبحانه (وإذا كنت فيهم) وما قاله غير صحيح لأن ما ثبت في حق النبي صلى الله عليه وسلم ثبت في حقنا ما لم يقم على اختصاصه به دليل لأن الله تعالى أمرنا باتباعه، ولما سئل صلى الله عليه وسلم عن القبلة للصائم؟ أجاب بأني أفعل ذلك. فقال السائل لست مثلنا، فغضب وقال إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله وأعلمكم بما أتقي، ولو اختص بفعله لما حصل جواب السائل بالأخبار بفعله ولا غضب من قول السائل مثلنا لأن قوله إذا كان صواباً، وقد كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يحتجون بأفعاله ويرونها معارضة لقوله وناسخة له، وذلك لما أخبرت عائشة وأم سلمة بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبح جنباً من غير احتلام ثم يغتسل ويصوم ذلك اليوم تركوا به خبر أبي هريرة من أصبح جنباً فلا صوم له لما ذكروا ذلك لأبي هريرة قال هن أعلم، إنما حدثني به الفضل ابن عباس ورجع عن قوله. وأيضاً فإن الصحابة رضي الله عنهم أجمعوا على صلاة الخوف فصلاها علي ليلة الهرير بصفين وصلاها أبو موسى الاشعري بأصحابه، وروي أن سعد بن العاص كان أميرا على الحيش بطبرستان فقال أيكم صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف؟ فقال حذيفة أنا. فقدمه فصل بهم، فأما نخصيص النبي صلى الله عليه وسلم بالخطاب فلا يوجب تخصيصه بالحكم لما ذكرنا ولأن الصحابة أنكروا على مانع الزكاة وقولهم أن الله تعالى خص نبيه بأخذ الزكاة بقوله

(خذ من أموالهم صدقة (فإن قيل فالنبي صلى الله عليه وسلم أخر الصلاة يوم الخندق ولم يصل. قلنا الاعتراض باطل في نفسه إذ لا خلاف في أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له أن يصلي صلاة الخوف وقد أمره الله بها في كتابه فلا يجوز الاحتجاج بما يخالف الكتاب والإجماع وإنما كان ذلك قبل نزول صلاة الخوف، وإنما يؤخذ بالآخر فالآخر من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم أخر الصلاة نسياناً فإنه روي أن النبي صلى الله عليه وسلم سألهم عن صلاتهم. قالوا ما صلينا. وروي ان عمر قال ما صليت العصر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " والله ما صليتها " أو كما جاء، ومما يدل على ذلك أنه لم يكن ثم قتال يمنعه من الصلاة إذا ثبت ذلك فإنما تجوز صلاة الخوف إذا كان العدو مباح القتال، ويشترط أن لا يؤمن هجومه على المسلمين وتجوز على كل صفة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم * (مسألة) * (قال الإمام أبو عبد الله: صح عن النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف من خمسة أوجه أو ستة، وقال ستة أو سبعة كل ذلك جائز لمن فعله) قال الأثرم: قلت لأبي عبد الله تقول بالأحاديث كلها أو تختار واحداً منها، قال: أنا أقول من ذهب اليها كلها فحسن، وأما حديث سهل فأنا اختاره فنذكر الوجوه التي بلغتنا فاولها إذا كان العدو في جهة القبلة بحيث لا يخفى بعضهم على المسلمين ولم يخافوا كميناً فيصلي بهم كما روى جابر قال:

مسألة: قال الإمام أبو عبد الله: صح عن النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف من خمسة أوجه أو ستة، وقال ستة أو سبعة كل ذلك جائز لمن فعله

شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف فصففنا خلفه صفين والعدو بيننا وبين القبلة فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبرنا جميعاً، ثم ركع وركعنا، ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعاً، ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه، وقام الصف المؤخر في نحر العدو، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم السجود وقام الصف الذي يليه وانحدر الصف المؤخر بالسجود وقاموا، ثم تقدم الصف المؤخر وتأخر الصف المقدم، ثم ركع رسول الله صلى الله عليه وسلم وركعنا جميعاً، ورفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعا، ثم انحذر بالسجود والصف الذي يليه الذي كان مؤخراً في الركعة الأولى وقام الصف المؤخر في نحر العدو، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم السجود وقام الصف الذي يليه انحدر الصف المؤخر بالسجود، ثم سلم النبي صلى الله عليه وسلم وسلمنا جميعاً أخرجه مسلم. وروى أبو عياش الزرقي أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بعسفان نحو هذه الصلاة وصلاها يوم بني سليم رواه أبو داود قلت وأخرجه مسلم عن جابر. قال البيهقي وهو صحيح وإن حرس الصف الاول في الاولى والثاني في الثانية أو لم يتقدم الثاني الى مقام الاول، أو حرس بعض الصف وسجد الباقون جاز لأن المقصود يحصل لكن الاولى أن تفعل مثل ما فعل النبي صلى الله عليه وسلم * (والوجه الثاني) * إذا كان العدو في غير جهة القبلة فيصلي بهم كما روى صالح بن خوات عن من صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم ذات الرقاع صلاة الخوف أن طائفة صفت معه وطائفة وجاه

العدو فصلى بالتي معه ركعة ثم ثبت قائماً وائتموا لأنفسهم ثم انصرفوا فصفوا وجاه العدو وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته ثم ثبت جالساً وأتموا لأنفسهم ثم سلم بهم رواه مسلم. وروى سهل بن أبي حثمة نحو ذلك، واشترط القاضي لهذه الصلاة كون العدو في غير جهة القبلة، ونص أحمد على خلاف ذلك في رواية الأثرم فإنه قال: قلت له حديث سهل تستعمله مستقبلين القبلة كانوا ومستدبرين؟ قال نعم هو أنكى ولأن العدو قد يكون في جهة القبلة على وجه لا يمكن أن يصلي بهم صلاة عسفان لانتشارهم أو لخوف من كمين، فالمنع من هذه الصلاة يفضي إلى تفويتها قال أبو الخطاب: ومن شرطها أن يكون المصلون يمكن تفريقهم طائفتين كل طائفة ثلاثة فأكثر. وقال القاضي: إن كانت كل فرقة أقل من ثلاثة كرهناه، ووجه قولهما إن الله سبحانه ذكر الطائفة بلفظ الجمع بقوله (فإذا سجدوا) وأقل الجمع ثلاثة، ولأن أحمد ذهب إلى ظاهر فعل النبي صلى الله عليه وسلم. قال شيخنا: والأولى أن لا يشترط هذا لأن ما دون الثلاثة تصح به الجماعة فجاز أن يكونوا طائفة كالثلاثة، فأما فعل النبي صلى الله عليه وسلم فانه لا يشترط في صلاة الخوف أن يكون المصلون مثل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في العدد وجهاً واحداً ويستحب أن يخفف بهم الصلاة لأن موضوع صلاة الخوف على التخفيف وكذلك الطائفة التي تفارقه تخفف الصلاة ولا تفارقه حتى يستقل قائماً لأن النهوض يشتركون فيه جميعاً فلا حاجة الى

مفارقتهم إياه قبله لأن المفارقة إنما جازت للعذر ويقرأ في حال الانتظار ويطيل التشهد حتى يدركوه وقال الشافعي في أحد قوليه: لا يقرأ في الانتظار، بل يؤخر القراءة ليقرأ بالطائفة الثانية فتحصل التسوية بين الطائفتين ولنا أن الصلاة ليس فيها حال سكوت والقيام محل للقراءة فينبغي أن يأتي بها فيه كما في التشهد اذا انتظرهم فانه لا يسكت والتسوية بينهم تحصل بانتظاره إياهم في موضعين والاولى في موضع واحد إذا ثبت هذا فقال القاضي: إن قرأ في انتظارهم فقرأ بعد مجيئهم بقدر فاتحة الكتاب وسورة خفيفة وان لم يقرأ في انتظارهم قرأ اذا جاءوا بفاتحة الكتاب وسورة وهذا على سبيل الاستحباب، فلو قرأ قبل مجيئهم ثم ركع عند مجيئهم أو قبله فأدركوه راكعاً ركعوا معه وصحت لهم الركعة مع تركه للسنة، واذا جلس للتشهد قاموا فصلوا ركعة أخرى وأطال التشهد والدعاء حتى يدركوه ويتشهدوا ثم يسلم بهم. وقال مالك: يتشهدون معه فاذا سلم الامام قاموا فقضوا ما فاتهم كالمسبوق والأولى ما ذكرناه لموافقته الحديث ولأن قوله تعالى (ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك) يدل على أن صلاتهم كلها معه ولأن الاولى أدركت معه فضيلة الاحرام فينبغي أن يسلم بالثانية ليسوي بينهم، بهذا قال مالك والشافعي على ما ذكرنا من الاختلاف، واختار أبو حنيفة إن يصلي على ما في حديث ابن عمر وسوف نذكره إن شاء الله تعالى في الوجه الثالث، والاولى والمختار عند أحمد رحمه الله هذا الوجه

الثاني لأنه أشبه بكتاب الله تعالى وأحوط للصلاة والحرب، أما موافقة الكتاب فان قوله تعالى (ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك) يقتضي أن جميع صلاتها معه، وعلى ما اختاره أبو حنيفة لا تصلي معه الا ركعة على ما يأتي وعلى ما اخترنا تصلي جميع صلاتها معه في إحدى الركعتين موافقة في أفعاله، والثانية تأتي بها قبل سلامه ثم تسلم معه. وأما الاحتياط للصلاة فان كل طائفة تأتي بصلاتها متوالية بغضها موافق للامام فيها فعلاً وبعضها يفارقه وتأتي به وحدها كالمسبوق، وعلى ما اختاره ينصرف إلى جهة العدو وهي في الصلاة ماشية أو راكبة ويستدبر القبلة وهذا ينافي الصلاة وأما الاحتياط للحرب فإنه يتمكن من الضرب والطعن والتحريض وإعلام غيره بما يراه مما خفي عليه وتحذيره وإعلام الذين مع الامام بما يحدث ولا يمكن هذا على اختياره (فصل) ولا تجب التسوية بين الطائفتين لأنه لم يرد بذلك نص ولا قياس، ويجب أن تكون الطائفة التي بازاء العدو ممن يحصل الثقة بكفايتها وحراستها ومتى خشي اختلال حالهم واحتيج إلى معونتهم بالطائفة الأخرى فللإمام أن ينهد إليهم من معه ويبينوا على ما مضى من صلاتهم (فصل) وإن صلوا الجمعة صلاة الخوف جاز إذا كانت كل طائفة أربعين، فان قيل فالعدد شرط في الجمعة كلها ومتى ذهبت الطائفة الاولى بقي الامام منفرداً فبطلت الجمعة كما لو نقص العدد فالجواب أن هذا جاز لأجل العذر ولأنه يترقب مجئ الطائفة الأخرى بخلاف الانفضاض

ولنا أيضاً في الأصل منع ولا يجوز أن يخطب بإحدى الطائفتين ويصلي بالأخرى حتى يصلي معه من حضر الخطبة وبهذا قال الشافعي (فصل) والطائفة الاولى في حكم الائتمام قبل مفارقة الامام فان سها لحقهم حكم سهوه فيما قبل مفارقته، وان سهوا لم يلزمهم حكم سهوهم لأنهم مأمومون، وأما بعد مفارقته فلا يلحقهم حكم سهوه ويلحقهم حكم سهوهم لأنهم منفردون، وأما الطائفة الثانية فيلحقها حكم سهو امامها في جميع صلاته ما أدركت منها وما فاتها كالمسبوق يلحقه حكم سهو امامه فيما لم يدركه ولا يلحقها حكم سهوها في شئ من صلاتها لأنها أن فارقتها فعلاً لقضاء ما فاتها فهي في حكم المؤتم لأنهم يسلمون بسلامه، فاذا فرغت من قضاء ما فاتها سجد وسجدت معه، فان سجد قبل إتمامها تابعته لأنها مؤتمة به ولا يقيد السجود بعد فراغها من التشهد لأنها لم تنفرد عن الامام بخلاف المسبوق. وقال القاضي ينبني هذا على الروايتين في المسبوق اذا سجد مع امامه هل يسجد بعد القضاء أم لا وقد ذكر الفرق بينهما * (مسألة) * (وإن كانت الصلاة مغرباً صلى بالطائفة الاولى ركعتين وبالثانية ركعة) وبهذا قال مالك والاوزاعي وسفيان والشافعي في أحد قوليه، وقال في الآخر يصلي بالاولى ركعة وبالثانية ركعتين لأنه روي عن علي رضي الله عنه أنه صلى ذلك ليلة الهرير، ولأن الاولى أدركت معه فضيلة الاحرام والتقدم فينبغي أن يزيد الثانية في الركعات ليجبر نقصهم به

مسألة: وإن كانت الصلاة مغربا صلى بالطائفة الاولى ركعتين وبالثانية ركعة

ولنا أنه إذا لم يكن بد من التفضيل فالاولى أحق به وما فات الثانية يتخير بادراكها السلام مع الامام ولأنها تصلي جميع صلاتها في حكم الائتمام، والاولى تفضل بعض صلاتها في حكم الانفراد وأيا ما فعل فهو جائز، واذا صلى بالثانية الركعة الثانية وجلس للتشهد فان الطائفة تقوم ولا تتشهد معه ذكره القاضي لأنه ليس بموضع لتشهدها بخلاف الرباعية ويحتمل أن تتشهد معه إذا قلنا إنها تقضي ركعتين متواليين لئلا يفضي إلى أن يصلي ثلاث ركعات بتشهد واحد ولا نظير لهذا في الصلوات هذا حكم صلاة المغرب على حديث سهل * (مسألة) * (وإن كانت رباعية غير مقصورة صلى بكل طائفة ركعتين وأتمت الاولى بالحمد لله في كل ركعة والأخرى تتم بالحمد لله وسورة) تجوز صلاة الخوف في الحضر عند الحاجة إليها وبه قال الأوزاعي والشافعي، وحكي عن مالك لا يجوز في الحضر لأن الآية إنما دلت على صلاة ركعتين وصلاة الحضر أربع، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعلها في الحضر ولنا قوله تعالى (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة) وهذا عام وترك النبي صلى الله عليه وسلم لها في الحضر إنما كان لغناه عنها فيه، وقولهم إنما دلت الآية على ركعتين ممنوع، وإن سلم فقد تكون صلاة الحضر ركعتين الصبح والجمعة والمغرب ثلاث ويجوز فعلها في الخوف في السفر فعلى هذا إذا

مسألة: وإن كانت رباعية غير مقصورة صلى بكل طائفة ركعتين وأتمت الاولى بالحمد لله في كل ركعة والأخرى تتم بالحمد لله وسورة

صلى بهم الرباعية فرقهم فرقتين وصلى بكل طائفة ركعتين وتقرأ الاولى بعد مفارقة امامها بالحمد لله وحدها في كل ركعة لأنها آخر صلاتها، وأما الطائفة الثانية فاذا جلس الامام للتشهد الأخير تشهدت معه التشهد الاول كالمسبوق ثم قامت وهو جالس فأتمت صلاتها وتقرأ في كل ركعة الحمد لله وسورة في ظاهر المذهب لأنه أول صلاتها على ما ذكرنا في المسبوق وتستفتح اذا قامت للقضاء كالمسبوق ولأنها لم تحصل لها مع الامام قراءة السورة ويطول الامام التشهد والدعاء حتى تصلي الركعتين، ثم يتشهد ويسلم بهم، وإذا قلنا إن الذي يقضيه المسبوق آخر صلانه فيقتضي أن لا يستفتح ولا يقرأ السورة ها هنا قياساً عليه * (مسألة) * (وهل تفارقه الاولى في التشهد الأول وفي الثالثة؟ على وجهين) أحدهما حين قيامه إلى الثالثة وهو قول مالك والاوزاعي لأنه يحتاج إلى التطويل من أجل الانتظار والتشهد يستحب تخفيفه، ولهذا روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا جلس للتشهد كأنه على الرضف حتى يقوم لأن ثواب القائم اكثر ولأنه اذا انتطرهم جالساً وجاءت الطائفة فانه يقوم قبل احرامهم فلا يحصل اتباعهم إياه في القيام، والثاني في التشهد ليدرك الطائفة الثانية جميع الركعة الثالثة ولأن الجلوس أخف على الامام ولأنه متى انتظرهم فإنما احتاج إلى قراءة السورة في الركعة الثالة وهو خلاف السنة وكلا الامرين جائز

مسألة: وهل تفارقه الاولى في التشهد الاول وفي الثالثة؟ على وجهين

* (مسألة) * (وإن فرقهم أربعاً فصلى بكل طائفة ركعة صحت صلاة الاوليين وبطلت صلاة الامام والاخريين ان علمنا بطلان صلاته) وجملة ذلك أنه متى فرقهم الإمام في صلاة الخوف أكثر من فرقتين مثل أن فرقهم أربع فرق فصلى بكل طائفة ركعة أو ثلاث فرق فصلى بالاولى ركعتين وبالباقيتين ركعة صحت صلاة الاوليين لأنهما إنما ائتما بمن صلاته صحيحة ولم يوجد منهما ما يبطل صلاتهما وتبطل صلاة الامام بانتظار الثالث لأنه لم يرد الشرع به فأبطل الصلاة كما لو فعله من غير خوف، وسواء فعل ذلك لحاجة أو غيرها لأن الترخص انما يصار اليه فيما ورد به الشرع وتبطل صلاة الثالثة والرابعة لائتمامها بمن صلاته باطلة فأشبه ما لو كانت باطلة في أولها، فإن لم يعلما بطلان صلاة الامام فقال ابن حامد: لا تبطل صلاتهما لأن ذلك مما يخفى فلم تبطل صلاة المأموم كما لو ائتم بمحدث لا يعلم حدثه وينبغي على هذا أن يخفى على الامام والمأموم كما اعتبرنا ذلك في المحدث. قال شيخنا: ويحتمل أن لا تصح صلاتهما لأن الامام والمأموم يعلمان وجود المبطل، وإنما خفي عليهم حكمه فلم يمنع ذلك البطلان كما لو علم حدث الامام ولم يعلم كونه مبطلاً، وقال بعض الشافعية كقول ابن حامد. وقال بعضهم: تصح صلاة الجميع لأن الحاجة تدعو اليه أشبه الفرقتين ولنا أن الرخص إنما تتلقى من الشرع وهذا لم يرد به الشرع فلم يجزئه كغير الخوف والله أعلم (الوجه الثالث) يصلي كما روى ابن عمر قال: صلى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف بإحدى الطائفتين ركعة وسجدتين والطائفة الأخرى مواجهة العدو، ثم انصرفوا وقاموا في مقام أصحابهم مقبلين على العدو وجاء أولئك ثم صلى لهم النبي صلى الله عليه وسلم ركعة ثم سلم، ثم قضى هؤلاء ركعة وهؤلاء ركعة متفق عليه

(الوجه الرابع) أن يصلي بكل طائفة صلاة ويسلم بها كما روى أبو بكرة قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في خوف الظهر فصف بعضهم خلفه وبعضهم بإزاء العدو فصلى ركعتين ثم سلم فانطلق الذين صلوا فوقفوا موقف أصحابهم ثم جاء أولئك فصلوا خلفه فصلى بهم ركعتين ثم سلم فكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم أربع ولأصحابه ركعتان رواه أبو داود والاثرم. وهذه صفة حسنة قليلة الكلفة لا يحتاج فيها إلى مفارقة امامه ولا الى تفريق كيفية الصلاة وهو مذهب الحسن وليس فيها أكثر من أن الامام في الثانية متنفل يؤم مفترضين (الوجه الخامس) أن يصلي كما روى جابر قال: أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كنا بذات الرقاع قال فنودي بالصلاة فصلى بطائفة ركعتين، ثم تأخروا وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين قال: كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أربع ركعات وللقوم ركعتين ركعتين متفق عليه وتأول القاضي هذا على أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم كصلاة الحضر، وأن كل طائفة قضت ركعتين، وأن التأويل فاسد لمخالفة صفة الرواية وقول أحمد: أما مخالفة الرواية فانه ذكر أنه صلى بكل طائفة ركعتين ولم يذكر قضاء، ثم قال في آخره للقوم ركعتين ركعتين. وأما مخالفة قول أحمد فإنه قال ستة أوجه أو سبعة يروى فيها كأنها جائز، وعلى هذا لا تكون ستة ولا خمسة، ثم أنه حمل الحديث على محمل بعيد لأن الخوف يقتضي قصر الصلاة وتخفيفها، وعلى هذا التأويل تجعل مكان الركعتين أربعاً ويتم الصلاة المقصورة ولم ينقل عنه عليه السلام إتمام صلاة السفر في غير الخوف فكيف يتمها في موضع يقتضي التخفيف (فصل) وقد ذكر شيخنا رحمه الله (الوجه السادس) أن يصلي بكل طائفة ركعة ركعة ولا تقضي شيئاً لما روى ابن عباس قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي قرد صلاة الخوف والمشركون بينه وبين القبلة فصف صفاً

خلفه وصفاً موازي العدو فصلى بهم ركعة ثم ذهب هؤلاء إلى مصاف هؤلاء، ورجع هؤلاء إلى مصاف هؤلاء فصلى بهم ركعة ثم سلم عليهم فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتان وكانت لهم ركعة ركعة رواه الأثرم، وعن حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الخوف بهؤلاء ركعة وهؤلاء ركعة ولم يقضوا شيئاً رواه أبو داود وهذا قول ابن عباس وجابر. قال جابر: إنما القصر ركعة عند القتال. وقال طاوس ومجاهد والحسن وقتادة والحكم يقولون ركعة في شدة الخوف يومئ ايماء، وبه قال إسحاق يجزئك عند الشدة ركعة تومئ ايماء، فإن لم تقدر فسجدة واحدة، فإن لم تقدر فتكبيرة، فهذه الصلاة يقتضي عموم كلام أحمد جوازها لأنه ذكر ستة أوجه ولا نعلم وجها سادساً سواها. وقال القاضي: لا تأثير للخوف في عدد الركعات وهذا قول أصحابنا وأكثر أهل العلم منهم ابن عمر والنخعي والثوري وأبو حنيفة ومالك والشافعي وغيرهم من علماء الأمصار لا يجيزون ركعة والذي قال منهم وكعة إنما جعلها عند شدة القتال، والذين روينا عنهم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثرهم لم ينقصوا من ركعتين وابن عباس لم يكن ممن يحضر النبي صلى الله عليه وسلم في غزواته ولم يعلم ذلك ألا بالرواية فالأخذ برواية من حضر الصلاة وصلاها مع النبي صلى الله عليه وسلم أولى (فصل) ومتى صلى بهم صلاة الخوف من غير خوف فصلاة الجميع فاسدة لأنها لا تخلو من مفارقة إمامه لغير عذر أو تارك متابعة امامه في ثلاثة أركان، أو قاصر الصلاة مع إتمام امام وكل ذلك يفسد الصلاة إلا مفارقة الامام في قول: واذا فسدت صلاة الامام لأنه صلى اماماً بمن صلاته فاسدة إلا أن يصلي بهم صلاتين كاملتين فتصح صلاته وصلاة الطائفة الاولى وصلاة الثانية تنبني على امامة المتنفل بالمفترض وقد ذكرناه

مسألة: ويستحب أن يحمل معه في الصلاة من الصلاةح ما يدفع به عن نفسه ولا يثقله كالسيف والسكين ويحتمل أن يجب ذلك

* (مسألة) * (ويستحب أن يحمل معه في الصلاة من السلاح ما يدفع به عن نفسه ولا يثقله كالسيف والسكين ويحتمل أن يجب ذلك) حمل السلاح في صلاة الخوف مستحب لقوله تعالى (وليأخذوا أسلحتهم) ولأنهم لا يأمنون أن يفجأهم العدو كما قال الله تعالى (ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة) والمستحب من ذلك ما يدفع به عن نفسه ولا يثقله كالسيف والسكين، ولا يستحب حمل ما يثقله كالجوشرة، ولا ما يمنع إكمال السجود كالمغفر ولا ما يؤذي غيره كالرمح اذا كان متوسطاً، ولا يجوز حمل نجس ولا ما يخل ببعض أركان الصلاة إلا عند الضرورة كمن يخاف وقوع الحجارة والسهام، وليس ذلك بواجب ذكره أصحابنا وهو قول أبي حنيفة وأحد قولي الشافعي وأكثر أهل العلم لأنه لو وجب لكان شرطاً كالسترة ولأن الأمر به للرفق بهم والصيانة لهم فلم يكن للايجاب كما أن نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الوصال لما كان للرفق لم يكن للتحريم، ويحتمل أن يجب ذلك وهو قول داود وأحد قولي الشافعي وهذا أظهر لأن ظاهر الأمر الوجوب، وقد اقترن به ما يدل على الوجوب وهو قوله سبحانه (ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم) ونفي الحرج مشروطاً بالأذى دليل على لزومه عند عدمه، فأما إن كان بهم أذى من مطر أو مرض فلا يجب بغير خلاف لصريح النص بنفي الحرج * (فصل) * فاذا اشتد الخوف صلوا رجالاً وركباناً الى القبلة وغيرها يومئون ايماء على قدر الطاقة. وجملة ذلك أنه متى اشتد الخوف والتحم القتال فلهم الصلاة كيف ما أمكنهم رجالاً أو ركباناً إن أمكنهم الى القبلة أو الى غيرها أن لم يمكنهم يومئون بالركوع والسجود ويجعلون سجودهم أخفض من ركوعهم على قدر الطاقة، ولهم التقدم والتأخر والطعن والضرب والكر والفر ولا يؤخرون الصلاة عن وقتها

في قول أكثر أهل العلم. وحكي ابن أبي موسى أنه يجوز تأخير الصلاة حال التحام القتال في رواية، وقال أبو حنيفة وابن أبي ليل لا يصلي مع المسايفة ولا مع المشي لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل يوم الخندق وأخر الصلاة، ولأن ما يمنع الصلاة في غير شدة الخوف يمنعها معه كالحدث والصياح، وقال الشافعي يصلي لكن إن تابع الطعن والضرب أو المشي أو فعل ما يطول بطلت صلاته لأن ذلك من مبطلات الصلاة أشبه الحدث ولنا قوله عزوجل (فإن خفتم فرجالا أو ركبانا) وقال ابن عمر فإن كان خوف أشد من ذلك صلوا رجالاً قياماً على أقدامهم وركباناً مستقبلي القبلة وغير مستقبليها متفق عليه. وروى ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ولأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه في غير شدة الخوف فأمرهم بالمشي الى وجاه العدو وهم في الصلاة ثم يعودن لقضاء ما بقي من صلاتهم، وهذا مشي كثير وعمل طويل واستدبار للقبلة فاذا جاز ذلك مع أن الخوف ليس بشديد فمع شدته أولى، ومن العجب اختيار أبي حنيفة هذا الوجه دون سائر الوجوه التي لا تشتمل على العمل في أثناء الصلاة وتسويغه إياه مع الغناء عنه ثم منعه في حال الحاجة اليه بحيث لا يقدر على غيره فكان العكس أولى ولأنه مكلف تصح طهارته فلم يجز له اخلاء وقت الصلاة عن فعلها كالمريض، ويخص الشافعي بأنه عمل أبيح للخوف فلم يبطل الصلاة كاستدبار القبلة والركوب والايماء وبهذا ينتقض ما ذكره. فأما تأخير الصلاة يوم الخندق فروى أبو سعيد أنه كان قبل نزول صلاة الخوف ويحتمل أنه شغله المشركون فنسي الصلاة، فقد نقل ما يدل على ذلك ويؤكد ما ذكرنا أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يكونوا في مسايفة توجب قطع الصلاة، وأما الصياح الحدث فلا حاجة بهم اليه ولا يلزم من كون الشئ مبطلاً مع عدم العذر أن تبطل معه كخروج النجاسة من المستحاضة ومن في معناها

مسألة: ومن هرب من عدو هربا مباحا أو سيل أو سبع أو نحوه فله الصلاة كذلك سواء خاف على نفسه أو ماله أو أهله

* (فصل) * فان أمكنهم إفتتاح الصلاة إلى القبلة فهل يلزمهم ذلك، على روايتين: إحداهما لا تجب اختاره أبو بكر لأنه جزء من الصلاة فلم يجب الاستقبال فيه كبقية أجزائها، والثانية يجب لأنه أمكنه ابتداء الصلاة مستقبلاً فلم يجز بدونه كما لو أمكنه ذلك في ركعة كاملة * (مسألة) * (ومن هرب من عدو هرباً مباحاً أو سيل أو سبع أو نحوه فله الصلاة كذلك سواء خاف على نفسه أو ماله أو أهله) وكذلك الأسير إذا خافهم على نفسه أن صلى والمختفي في موضع يصليان كيف ما أمكنهما نص عليه أحمد في الاسير، فلو كان المختفي قاعداً لا يمكنه القيام أو مضطجعا لا يمكنه القعود صلى على حسب حاله وهذا قول ابن الحسن وقال الشافعي يصلي ويعيد. ولنا أنه خائف صلى على حسب ما أمكنه فلم يلزمه الاعادة كالهارب، ولا فرق في هذا بين الحضر والسفر لأن المبيح خوف الهلاك وقد تساويا فيه فان أمكن التخلص بدون ذلك كالهارب من السيل يصعد الى ربوة والخائف من العدو يمكنه دخول حصن يأمن فيه صولة العدو فيصلي فيه ثم يخرج لم يكن له أن يصلي صلاة الخوف لأنه لا حاجة إليها ولا ضرورة * (فصل) * فأما العاصي بهربه كالذي يهرب مما يجب عليه وقاطع الطريق واللص والسارق فليس لهم أن يصلوا الخوف لانها رخصة ثبتت للدفع عن نفسه في محل مباح فلا يثبت بالمعصية كرخص السفر * (فصل) * قال أصحابنا يجوز أن يصلوا في حال شدة الخوف جماعة. قال شيخنا ويحتمل أن لا يجوز وهو قول أبي حنيفة لأنهم يحتاجون الى التقدم والتأخر وربما تقدموا على الامام وتعذر عليهم الائتمام، وحجة الأصحاب أنها حالة تجوز فيها الصلاة على الانفراد فجاز فيها صلاة الجماعة كالركوب في السفينة ويعفى عن تقدم الامام للحاجة اليه كالعفو عن العمل الكئير ولمن نصر القول الأول أن

مسألة: وهل لطالب العدو الخائف فواته الصلاة كذلك

يفرق بينهما بأن العفو عن العمل الكثير لا يختص الامامة بل هو في حال الانفراد أيضاً فلم يؤثر الانفراد في نفسه بخلاف تقدم الامام * (مسألة) * (وهل لطالب العدو الخائف فواته الصلاة كذلك) على روايتين: إحداهما له ذلك كالمطلوب سواء، روى ذلك عن شر حبيل بن حسنة وهو قول الأوزاعي لما روى عبد الله بن أنيس قال بعثني رسول الله صلى الله عليه إلى خالد بن سفين الهذلي فقال اذهب فاقتله. فرأيته وحضرت صلاة العصر، فقلت إني لأخاف أن يكون بيني وبينه ما يؤخر الصلاة فانطلقت أمشي وأنا أصلي أومأ إيماء نحوه. وذكر الحديث رواه أبو داود وظاهر حاله أنه أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم أو كان قد علم جواز ذلك فإنه لا يظن به أن يفعل ذلك مخطئاً وهو رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يخبره بذلك ولا يسأل عن حكمه. وقال شر حبيل بن حسنة لا تصلوا الصبح إلا على ظهر، فنزل الأشتر فصلى على الأرض فمر به شر حبيل فقال مخالف خالف الله به. قال فخرج الاشتر في الفتنة ولأنها إحدى حالتي الحرب أشبهت حالة الهرب ولأن فوات الكفار ضرر عظيم فأبيحت صلاة الخوف عند فواته كالحالة الأخرى والثانية ليس له أن يصلي الا صلاة آمن وهذا قول أكثر أهل العلم لأن الله تعالى قال: (فإن خفتم فرجالا أو ركبانا) فشرط الخوف وهذا غير خائف ولأنه آمن فلزمته صلاة الآمن كما لو لم يخش فواتهم، وهذا الخلاف فيمن يأمن رجوعهم عليه إن تشاغل بالصلاة ويأمن على أصحابه. فأما الخائف من ذلك فحكمه حكم المطلوب على ما بينا * (مسألة) * (ومن أمن في الصلاة أتم صلاة آمن، وان ابتدأها آمنا ثم خاف أتم صلاة خائف) متى صلى بعض الصلاة في حال شدة الخوف مع الاخلال بشئ من واجباتها كالاستقبال وغيره فأمن في أثنائها أتمها آتياً بواجباتها، فاذا كان راكباً إلى غير القبلة نزل مستقبل القبلة، وإن كان ماشياً وقف واستقبل القبلة وبنى على ما مضى لأن ما مضى من صلاته كان صحيحاً قبل الأمن فجاز

مسألة: ومن أمن في الصلاة أتم صلاة آمن، وان ابتدأها آمنا ثم خاف أتم صلاة خائف

البناء عليه كما لو لم يخل بشئ من الواجبات، وكان المريض يبتدئ الصلاة قاعداً إذا قدر على القيام في أثنائها فان ترك الاستقبال حال نزوله أو أخل بشئ من واجباتها بعد أمنه فسدت صلاته، وإن ابتدأ الصلاة آمناً بشروطها وواجباتها ثم حدث له شدة خوف أتمها على حسب ما يحتاج إليه مثل من يكون قائماً على الأرض مستقبلاً فيحتاج أن يركب ويستدبر القبلة ويطعن ويضرب نحو ذلك، فإنه يصير اليه ويبني على الماضي من صلاته. وحكي عن الشافعي أنه اذا أمن نزل فبنى واذا خاف فركب ابتدأ، ولا يصح لأن الركوب قد يكون يسيراً لا يبطل مثله في حق الآمن ففي حق الخائف أولى كالنزول ولأنه عمل أبيح للحاجة فلم يمنع صحة الصلاة كالهرب، ومن صلى صلاة الخوف لسواد ظنه عدواً فبان أنه ليس بعدو وبينه وبينه ما يمنعه منه فعليه الاعادة سواء صلى صلاة شدة الخوف أو غيرها، وسواء كان ظنهم مستنداً الى خبر ثقة أو غيره، أو رؤية سواد أو نحوه لأنه ترك بعض واجبات الصلاة ظنا منه أنه قد سقط فلزمته الإعادة كما لو ترك غسل رجليه ومسح على خفيه ظنا منه أن ذلك بجزي فبانا مخرقين، وكما لو ظن المحدث انه متطهرا فصلى، ويحتمل أن لا يلزم الاعادة اذا كان بينه وبين العدو ما يمنع العبور لأن سبب الخوف متحقق وإنما خفي المانع والله أعلم * (باب صلاة الجمعة) * والأصل في فرض الجمعة الكتاب والسنة والإجماع. أما الكتاب فقوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع) فأمر بالسعي ومقتضى الأمر الوجوب، ولا يجب السعي إلا الى واجب. والمراد بالسعي هنا الذهاب إليها لا الإسراع، فان

باب صلاة الجمعة

السعي في كتاب الله لا يراد به العدو قال الله تعالى (وأما من جاءك يسعى) وقال (وسعى لها سعيها) وقال (ويسعون في الأرض فسادا) وقال (سعى في الأرض ليفسد فيها) وأشباه هذا لم يرد بشئ منه العدو، وقد روي عن عمر أنه كان يقرأ (فامضوا إلى ذكر الله) وأما السنة فقول النبي صلى الله عليه وسلم " لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين " متفق عليه، وعن أبي الجعد الضميري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من ترك ثلاث جمع تهاوناً بها طبع الله على قلبه " وقال عليه السلام " الجمعة حق واجب على كل مسلم إلا أربعة عبد مملوك أو امرأة أو صبي أو مريض " رواهما أبو داود. وعن جابر قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " واعلموا أن الله تعالى قد افترض عليكم الجمعة في مقامي هذا في يومي هذا في شهري هذا من عامي هذا فمن تركها في حياتي أو بعد موتي وله إمام عادل أو جائر استخفافاً

مسألة: وهي واجبة على كل مسلم مكلف ذكر حر مستوطن ببناء ليس بينه وبين موضع الجمعة أكثر من فرسخ اذا لم يكن له عذر

بها أو جحوداً بها فلا جمع الله له شمله ولا بارك الله أمره، ألا ولا صلاة له، ألا ولا زكاة له، ألا ولا حج له، ألا ولا صوم له، ولا بر له حتى يتوب، فإن تاب تاب الله عليه " رواه ابن ماجه، وأجمع المسلمون على وجوب الجمعة * (مسألة) * (وهي واجبة على كل مسلم مكلف ذكر حر مستوطن ببناء ليس بينه وبين موضع الجمعة. أكثر من فرسخ إذا لم يكن له عذر) يشترط لوجوب الجمعة ثمانية شروط: الإسلام والعقل والذكورية فهذه الثلاثة لا خلاف في اشتراطها لوجوب الجمعة وانعقادها لأن الاسلام والعقل شرطان للتكليف وصحة العبادة المحضة، والذكورية شرط لوجوب الجمعة وانعقادها لما ذكرنا من الحديث ولأن الجمعة يجتمع لها الرجال والمرأة ليست من أهل الحضور في مجامع الرجال ولكن الجمعة تصح منها فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان النساء يصلين معه في الجماعة

الرابع البلوغ وهو شرط لوجوب الجمعة وانعقادها في الصحيح من المذهب للحديث المذكور وهذا قول أكثر أهل العلم ولأن البلوغ من شرائط التكليف لقوله صلى الله عليه وسلم " رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يبلغ " وذكر بعض أصحابنا في الصبي المميز رواية في وجوبها عليه بناء على تكليفه ولا معول عليه (والخامس) الحرية (السادس) الاستيطان بقرية وسنذكر ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى (السابع) أن لا يكون بينه وبين موضع الجمعة أكثر من فرسخ، وهذا الشرط في حق غير أهل المصر، أما أهل المصر فيلزمهم كلهم الجمعة بعدوا أو قربوا، نص عليه أحمد، فقال أما أهل المصر فلابد لهم من شهودها سمعوا النداء أو لم يسمعوا، وذلك لأن البلد الواحد يبنى للجمعة فلا فرق فيه

بين القريب والبعيد، ولأن المصر لا يكاد يكون أكثر من فرسخ فهو في مظنة القرب فاعتبر ذلك وهو قول أصحاب الرأي ونحوه قول الشافعي. فأما غير أهل المصر فمن كان بينه وبين الجامع فرسخ فما دون فعليه الجمعة وإلا فلا جمعة عليه. وروي نحو هذا عن سعيد بن المسيب وهو قول مالك والليث، وروى عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " الجمعة على من سمع النداء " رواه أبو داود والأشبه أنه من كلام بن عمرو ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للأعمى الذي قال ليس لي قائد يقودني " أتسمع النداء؟ " قال نعم. " قال فأجب " ولأنه داخل في قوله تعالى (فاسعوا إلى ذكر الله) وروي عن ابن عمر وأبي هريرة وأنس والحسن ونافع وعكرمة وعطاء والاوزاعي أنهم قالوا الجمعة على من أواه الليل إلى أهله لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الجمعة على من أواه الليل إلى أهله " وقال أصحاب الرأي لا جمعة على من كان خارج المصر لأن عثمان رضي الله عنه صلى العيد في يوم جمعة ثم قال لأهل العوالي من أراد منكم أن ينصرف فلينصرف ومن أراد أن يقيم حتى يصلي الجمعة ولأنهم خارج المصر فأشبهوا أهل الحلل

ولنا قول الله تعالى (إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله) وهذا يتناول أهل المصر اذا سمعوا النداء، وحديث عبد الله بن عمرو، ولأنهم من أهل الجمعة يسمعون النداء فأشبهوا أهل المصر، وترخيص عثمان لأهل العوالي إنما كان لأنه اذا اجتمع عيدان اجتزئ بالعيد وسقطت الجمعة عمن حضر العيد غير الامام، وقياس أهل القرى على أهل الحلل لا يصح لأن الحلل لا تعد للاستيطان ولا هم ساكنين بقرية ولا في موضع جعل لاستيطان. وقد ذكر القاضي أن الجمعة تجب عليهم إذا كانوا بموضع يسمعون النداء كأهل القرية، وأما ما احتج به الآخرون من حديث أبي هريرة فهو غير صحيح يرويه عبد الله بن سعيد المقبري وهو ضعيف، قال أحمد بن الحسن ذكرت هذا الحديث لأحمد بن حنبل فغضب وقال استغفر ربك استغفر ربك، وإنما فعل هذا لأنه لم ير الحديث شيئاً بحال اسناده قاله الترمذي. وأما اعتبار حقيقة النداء فغير ممكن لأنه قد يكون في الناس الأصم

وثقيل السمع، وقد يكون النداء بين يدي المنبر فلا يسمعه إلا أهل المسجد، وقد يكون المؤذن خفي الصوت، أو في يوم ريح، أو يكون المستمع نائماً أو مشغولاً بما يمنع السماع ويسمع من هو أبعد منه فيفضي الى وجوبها على البعيد دون القريب، وما هذا سبيله ينبغي أن يقدر بمقدار لا يختلف والموضع الذي يسمع منه النداء في الغالب اذا كانت الأصوات هادئة والموانع منتفية والريح ساكنة والمؤذن صيت على موضع عال والمستمع غير ساه فرسخ أو ما قاربه فحد به والله أعلم * (فصل) * وأهل القرية لا يخلون من حالين: إما أن يكون بينهم وبين المصر أكثر من فرسخ لم يجب عليهم السعي الى الجمعة وحالهم معتبر بأنفسهم، فان كانوا أربعين واجتمعت فيهم الشرائط فعليهم إقامة الجمعة ولهم السعي الى المصر، والأفضل إقامتها في قريتهم لأنه متى سعى بعضهم إختل على الباقين إقامة الجمعة، واذا أقاموا حضروها جميعهم ولأن في إقامتها في موضعهم تكثير جماعات

المسلمين، وإن كانوا ممن لا تجب عليهم الجمعة بأنفسهم فهم مخيرون بين السعي الى المصر وبين الاقامة ويصلون ظهراً، والسعي أفضل ليحصل لهم فضل الساعي الى الجمعة ويخرجوا من الخلاف (الحال الثاني) أن يكون بينهم وبين المصر فرسخ فما دون، فان كانوا أقل من أربعين فعليهم السعي الى الجمعة لما بينا، وإن كانوا ممن تجب عليهم الجمعة بأنفسهم وكان موضع الجمعة القريب قرية أخرى لم يلزمهم السعي إليها وصلوا في مكانهم إذ ليس إحدى القريتين أولى من الأخرى، ولهم السعي إليها وإقامتها في مكانهم أفضل كما ذكرنا، فإن سى بعضهم فنقص عدد الباقين لزمهم السعي لئلا يؤدي الى ترك الجمعة الواجبة وإن كان موضع الجمعة القريب مصراً فهم مخيرون أيضاً بين السعي اليه وإقامتها في مكانهم كالتي قبلها ذكره ابن عقيل، وعن أحمد أن السعي يلزمهم إلا أن يكون لهم عذر فيصلون جمعة والأول أصح، لأن أهل القرية لا ينعقد بهم جمعة أهل المصر فكان لهم إقامة الجمعة في مكانهم

كالتي قبلها ولأن أهل القرى يقيمون الجمع في بلاد الإسلام في مثل ذلك من غير نكير فكان إجماعاً (الشرط الثامن) من انتفاء الاعذار وقد ذكرناها في آخر صلاة الجماعة بما يغني عن اعادتها، والمطر الذي يبل الثياب والوحل الذي يشق المشي فيه من جملة الاعذار. وحكي عن مالك أنه كان لا يجعل المطر عذراً في التخلف عنها. ولنا أن ابن عباس أمر مؤذنه في يوم جمعة في يوم مطر فقال اذا قلت أشهد أن محمداً رسول الله فلا تقل حي على الصلاة قل صلوا في بيوتكم. قال فكأن الناس استنكروا ذلك، فقال أتعجبون من ذا فعل هذا من هو خير مني. إن الجمعة عزمة وإني كرهت أن أخرجكم اليها فتمشون في الطين والدحض أخرجه مسلم ولأنه عذر في ترك الجماعة، وقال أبو حنيفة لا تجب فكان عذراً في ترك الجمعة كالمرض * (فصل) * والعمى ليس بعذر في ترك الجمعة، وقال أبو حنيفة لا تجب على الاعمى. ولنا عموم الآية والاخبار وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم للأعمى الذي استأذنه في ترك الخروج الى الصلاة " أتسمع النداء؟ قال نعم. قال أجب " والله أعلم

مسألة: ولا تجب على مسافر ولا عبد ولا امرأة ولا خنثى

* (مسألة) * (ولا تجب على مسافر ولا عبد ولا امرأة ولا خنثى) أما المرأة فلا خلاف في أنها لا تجب عليها الجمعة حكاه ابن المنذر إجماعاً، وحكم الخنثى حكم المرأة لأنه لا يعلم كونه رجلاً، وأما المسافر فلا جمعة عليه في قول أكثر أهل العلم منهم مالك في أهل المدينة والثوري في أهل العراق والشافعي وإسحق وأبو ثور. وحكي عن الزهري والنخعي أنها تجب عليه لأن الجماعة تجب عليه فالجمعة أولى ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسافر فلا يصلي الجمعة في سفره، وكان في حجة الوداع يوم عرفة يوم جمعة فصل الظهر والعصر جمعاً بينهما ولم يصل جمعة، والخلفاء الراشدون رضي الله عنهم كانوا يسافرون في الحج وغيره فلم يصل أحد منهم الجمعة في سفره، وكذلك غيرهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم. قال ابراهيم كانوا يقيمون بالقرى السنة وأكثر من ذلك

وبسجستان السنتين لا يجمعون ولا يشرقون رواه سعيد، وهذا اجماع مع السنة الثابتة لا يسوغ مخالفته * (فصل) * واذا أجمع المسافر إقامة تمنع القصر ولم ينو الاستيطان كطالب العلم أو الرباط أو التاجر ونحوه ففيه وجهان: أحدهما تلزمه الجمعة لعموم الآية والأخبار، والثاني لا تجب عليه لأنه غير مستوطن والاستيطان من شرائط الوجوب ولأنه لم ينو الاقامة في هذا البلد على الدوام أشبه أهل القرية الذين يسكنونها صيفاً ويظعنون عنها شتاء، ولانهم كانوا يقيمون السنة والسنتين لا يجمعون ولا يشرقون أي يصلون جمعة ولا عيداً، فان قلنا تجب عليهم الجمعة فالظاهر أنها لا تنعقد به لعدم الاستيطان الذي هو من شروط الانعقاد * (فصل) * فأما العبد فالمشهور في المذهب أنها لا تجب عليه وهو من سمينا في حق المسافر وفيه رواية أخرى أنها تجب عليه نقلها عنه المروذي وهي اختيار أبي بكر إلا أنه لا يذهب من غير إذن

سيده وهو قول طائفة من أهل العلم واحتجوا بعموم الآية ولأن الجماعة تجب عليه والجمعة آكد منها. وحكي عن الحسن وقتادة أنها تجب على العبد الذي يؤدي الضريبة لأن حق السيد عليه فلا تحول الى المال أشبه المدين ولنا ما روى طارق بن شهاب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " الجمعة حق واجب على كل مسلم إلا أربعة عبد مملوك أو امرأة أو صبي أو مريض " رواه أبو داود، وقال طارق رأى النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمع منه وهو من أصحابه، وعن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فعليه الجمعة يوم الجمعة إلا مريضاً أو مسافراً أو امرأة أو صبياً أو مملوكاً " رواه الدارقطني، ولأن الجمعة يجب السعي إليها من مكان بعيد فلم تجب عليه الجمع كالحج والجهاد ولأنه محبوس على السيد أشبه المحبوس بالدين، ولأنها لو وجبت عليه لجاز له السعي إليها من غير إذن السيد كسائر الفرائض، والآية مخصوصة بذوي الاعذار وهذا منهم

مسألة: ومن حضرها منهم أجزأته ولم تنعقد به ولم يجز له أن يؤم فيها وعنه في العبد أنها تجب عليه

* (فصل) * وحكم المكاتب والمدبر في ذلك حكم القن لبقاء الرق فيهما، وكذلك من بعضه حر فان حق السيد متعلق به، وكذلك لا يجب عليه شئ مما ذكرنا عن العبيد * (مسألة) * (ومن حضرها منهم أجزأته ولم تنعقد به ولم يجز له أن يؤم فيها وعنه في العبد أنها تجب عليه) من حضر الجمعة من هؤلاء أجزأته عن الظهر لا نعلم فيه خلافا لأن إسقاط الجمعة عنهم تخفيفاً عنهم فاذا حضروها أجزأتهم كالمريض، والأفضل للمسافر حضور الجمعة لأنها أكمل وفيه خروج من الخلاف. فأما العبد فإن أذن سيده في حضورها فهو أفضل لينال فضل الجمعة ويخرج من الخلاف، وإن منعه سيده فليس له حضورها إلا أن نقول بوجوبها عليه. واما المرأة فان كانت مسنة فلا بأس بحضورها، وإن كانت شابة جاز لها ذلك وصلاتها في بيتها أفضل. قال أبو عمرو الشيباني رأيت ابن مسعود يخرج النساء من الجامع يوم الجمعة ويقول أخرجن الى بيوتكن خير لكن

* (فصل) * ولا تنعقد الجمعة بأحد من هؤلاء ولا يصح إن يكون إماماً فيها، وقال أبو حنيفة والشافعي يجوز أن يكون العبد والمسافر إماماً فيها ووافقهم مالك في المسافر. وحكي عن أبي حنيفة ان الجمعة تصح بالعبيد والمسافرين لأنهم رجال تصح منهم الجمعة ولنا أنهم من غير أهل فرض الجمعة فلم تنعقد بهم ولم يؤموا فيها كالنساء والصبيان ولأن الجمعة إنما تصح منهم تبعاً لمن انعقدت به، فلو انعقدت بهم أو كانوا أئمة صار التبع متبوعاً، وعليه يخرج الحر المقيم ولأن الجمعة لو انعقدت بهم لانعقدت بهم منفردين كالأحرار المقيمين وقياسهم ينقض بالنساء والصبيان، وفي العبد رواية أنها تجب عليه لعموم الآية وقد ذكرناه * (فصل) * وكلما كان شرطاً لوجوب الجمعة فهو شرط لانعقادها فمتى صلوا جمعة مع اختلال بعض شروطها لم تصح ولزمهم أن يصلوا ظهراً ولا يعد في الأربعين الذين تنعقد بهم من لا تجب

مسألة: ومن سقطت عنه لعذر إذا حضرها وجبت عليه وانعقدت به

عليه ولا يعتبر إجتماع الشروط للصحة بل تصح ممن لا تجب عليه تبعاً لمن وجبت عليه، ولا يعتبر للوجوب كونه ممن تنعقد به فإنها تجب على من يسمع النداء من غير أهل المصر ولا تنعقد به * (مسألة) * (ومن سقطت عنه لعذر إذا حضرها وجبت عليه وانعقدت به) ويصح أن يكون اماما فيها كالمريض ومن حبسه العذر والخوف لأن سقوطها عنه إنما كان لمشقة السعي، فاذا تكلفوا وحصلوا في الجامع زالت المشقة فصار حكمهم حكم أهل الأعذار * (مسألة) * (ومن صلى الظهر ممن عليه حضور الجمعة قبل صلاة الامام لم تصح صلاته والأفضل لمن لا تجب عليه أن لا يصلي الظهر حتى يصلي الإمام) يعني إذا صلى الظهر يوم الجمعة ممن تجب عليه الجمعة قبل صلاة الامام لم يصح صلاته ويلزمه السعي إلى الجمعة ان ظن أنه يدركها لأنها المفروضة عليه، فان أدركها صلاها مع الامام وان فاتته فعليه صلاة الظهر، وإن ظن أنه لا يدركها انتظر حتى يتيقن أن الامام قد صلى ثم يصلي الظهر وهذا قول مالك

والثوري والشافعي في الجديد. وقال أبو حنيفة والشافعي في القديم: يصح ظهره قبل صلاة الامام لأن الظهر فرض الوقت بدليل سائر الأيام، وإنما الجمعة بدل عنها وقائمة مقامها، وكذلك اذا تعذرت صلى ظهراً، فمن صلى الظهر فقد أتى بالأصل فأجزأه كسائر الايام. قال أبو حنيفة: ويلزمه السعي إلى الجمعة، فان سعى بطلت ظهره وإن لم يسع أجزأته ولنا أنه صلى ما لم يخاطب به وترك ما خوطب به فلم يصح كما لو صلى العصر مكان الظهر ولا نزاع أنه مخاطب بالجمعة وقد دل عليه النص والإجماع، ولا خلاف في أنه يأثم بتركها وترك السعي إليها ويلزم من ذلك أن لا يخاطب بالسعي بالظهر لأنه لا يخاطب بصلاتين في الوقت، ولأنه يأثم بترك الجمعة وإن صلى الظهر، ولا يأثم بترك الظهر وفعل الجمعة بالإجماع، والواجب ما يأثم بتركه دون ما لم يأثم به، وقولهم أن الظهر فرض الوقت لا يصح لأنها لو كانت الأصل لوجب عليه فعلها وأثم

بتركها ولم يجزئه صلاة الجمعة مكانها لأن البدل انما يصار اليه عند تعذر المبدل بدليل سائر الإبدال ولأن الظهر لو صحت لم تبطل بالسعي إلى غيرها كسائر الصلوات الصحيحة ولأن الصلاة اذا فرغ منها لم تبطل بمبطلاتها فكيف تبطل بما ليس من مبطلاتها ولا ورد به الشرع. وأما اذا فاتته الجمعة فانه يصير إلى الظهر لتعذر قضاء الجمعة لكونها لا تصح إلا بشروطها، ولا يوجد ذلك في قضائها فتعين المصير إلى الظهر عند عدمها وهذا حال البدل (فصل) فإن صلى الظهر ثم شك هل صلى قبل صلاة الامام أو بعدها لزمته الاعادة لأن الأصل بقاء الصلاة في ذمته ولأنه صلاها مع الشك في شرطها فلم تصح كما لو صلاها مع الشك في طهارتها، وإن صلاها مع صلاة الامام لم تصح لأنه صلاها قبل فراغ الامام أشبه ما لو صلاها قبله في وقت لا يعلم أنه لا يدركها

(فصل) فإن اتفق أهل بلد أو قرية ممن تجب عليهم الجمعة على تركها وصلوا ظهراً لم تصح صلاتهم لما ذكرنا، فاذا خرج وقت الجمعة لزمه إعادة الظهر لتعذر فعل الجمعة بعد الوقت (فصل) فأما من لا تجب عليه الجمعة كالعبد والمرأة والمسافر والمريض وسائر المعذورين فله أن يصلي الظهر قبل صلاة الامام في قول عامة أهل العلم. وقال أبو بكر عبد العزيز: لا تصح صلاته قبل الامام لأنه لا يتيقن بقاء العذر فلم تصح صلاته كغير المعذور ولنا أنه لم يخاطب بالجمعة فصحت منه الظهر كالبعيد من موضع الجمعة، وقوله لا يتيقن بقاء العذر، قلنا أما المرأة فيتيقن بقاء عذرها، وأما غيرها فالظاهر بقاء عذره والأصل استمراره فأشبه المتيمم إذا صلى في أول الوقت، والمريض اذا صلى جالساً إذا ثبت هذا فانه اذا سعى الى الجمعة بعد أن صلاها لم تبطل ظهره وكانت الجمعة نفلاً في حقه وسواء زال عذره أو لم يزل. وقال أبو حنيفة: يبطل ظهره بالسعي إليها كالتي قبلها

ولنا ما روى أبو العالية قال: سألت عبد الله بن الصامت فقلت نصلي يوم الجمعة خلف أمراء فيؤخرون الصلاة فقال: سألت أبا ذر عن ذلك فقال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " صلوا الصلاة لوقتها واجعلوا صلاتكم معهم نافلة " وفي لفظ " فإن أدركتها معهم فصل فإنها لك نافلة " ولأنها صلاة صحيحة أسقطت فرضه وأبرأت ذمته أشبه ما لو صلى الظهر منفرداً، ثم سعى الى الجماعة والأفضل لهم أن لا يصلوا حتى يصلي الامام لأن فيه خروجاً من الخلاف ولأن غير المرأة يحتمل زوال أعذارهم فيدركون الجمعة (فصل) ولا يكره لمن فاتته الجمعة أو لم يكن من أهل فرضها أن يصلي الظهر في جماعة إذا أمن أن ينسب الى مخالفة الامام والرغبة عن الصلاة معه أو أن يرى الاعادة اذا صلى معه فعل ذلك ابن مسعود وأبو ذر والحسن بن عبيد الله وأياس بن معاوية وهو قول الأعمش والشافعي وأسحق وكره

مسألة: ولا يجوز لمن تلزمه الجمعة السفر في يومها بعد الزوال

الحسن وأبو قلابة ومالك وأبو حنيفة لأن زمن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخل من معذورين فلم ينقل أنهم صلوا جماعة ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة " وروي عن ابن مسعود أنه فاتته الجمعة فصلى بعلقمة والأسود احتج به أحمد وفعله من ذكرنا من قبل ومطرف وابراهيم. قال أبو عبد الله: ما أعجب الناس ينكرون هذا، فأما زمن النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينقل إلينا أنه اجتمع جماعة معذورون يحتاجون الى اقامة الجماعة، إذا ثبت هذا فإنه لا يستحب اعادتها جماعة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا في مسجد تكره إعادة الجماعة فيه ولا في المسجد الذي أقيمت فيه الجمعة لأنه يفضي إلى أن ينسب الى الرغبة عن الجمعة، وأنه لا يرى الصلاة خلف الامام أو يرى الاعادة معه وفيه إفتيات على الامام وربما أفضى إلى فتنة أو لحوق ضرر به، وإنما يصليها في منزلة أو في موضع لا يحصل هذه المفسدة بالصلاة فيه

مسألة: ويجوز قبله وعنه لا يجوز، وعنه يجوز للجهاد خاصة السفر بعد الزوال فيجوز للجهاد خاصة

* (مسألة) * (ولا يجوز لمن تلزمه الجمعة السفر في يومها بعد الزوال) وبه قال الشافعي واسحق وابن المنذر، وقال أبو حنيفة يجوز. وسئل الأوزاعي عن مسافر سمع أذان الجمعة وقد أسرج دابته فقال ليمض في سفره ولأن عمر رضي الله عنه قال: الجمعة لا تحبس عن سفر ولنا ما روى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من سافر من دار إقامة الجمعة دعت عليه الملائكة أن لا يصحب في سفره ولا يعان على حاجته " روه الدارقطني في الأفراد ولأن الجمعة قد وجبت عليه فلم يجز له الاشتغال بما يمنع منها كما لو تركها لتجارة وما روي عن عمر فقد روي عن ابنه وعائشة ما يدل على كراهية السفر يوم الجمعة فتعارض قوله ويمكن حمله على السفر قبل الوقت * (مسألة) * (ويجوز قبله وعنه لا يجوز، وعنه يجوز للجهاد خاصة السفر بعد الزوال فيجوز للجهاد خاصة وكذلك ذكره القاضي لما روى ابن عباس قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة في سرية فوافق ذلك يوم الجمعة فقدم أصحابه وقال: لعلي أصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم ألحقهم فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رآه فقال " ما منعك أن تغدوا مع أصحابك " فقال: أردت

أن أصلي معك ثم ألحقهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لو أنفقت ما في الأرض ما أدركت فضل غدوتهم " رواه الإمام أحمد وفيه رواية ثانية أن ذلك لا يجوز لما ذكرنا من حديث ابن عمر وفيه رواية ثالثة أنه يجوز مطلقاً اختاره شيخنا لحديث عمر وكما لو سافر من الليل، فأما ان خاف المسافر فوات رفقته جاز له ترك الجمعة لأنه من الاعذار المسقطة للجمعة والجماعة، وسواء كان في بلده وأراد انشاء السفر أو في غيره (فصل) ويشترط لصحة الجمعة أربعة شروط أحدها الوقت وأول وقتها أول وقت صلاة العيد. وقال الخرقي: يجوز فعلها في الساعة السادسة، وفي بعض النسخ في الخامسة، والصحيح في السادسة وآخره آخر وقت صلاة الظهر لا تصح الجمعة قبل وقتها ولا بعده إجماعاً، ولا خلاف فيما علمنا أن آخر وقتها آخر وقت صلاة

الظهر. فأما أوله فقد ذكرنا قول الخرقي أنه لا يجوز قبل الساعة السادسة أو الخامسة على ما نقل عنه وقال القاضي وأصحابه أوله أول وقت صلاة العيد، ورواه عبد الله بن أحمد عن أبيه قال نذهب الى أنها كصلاة العيد. قال مجاهد ما كان للناس عيد إلا في أول النهار، وقال عطاء كل عيد حين يمتد الضحى الجمعة والأضحى والفطر لما روي أن ابن مسعود قال ما كان عيد إلا في أول النهار، وروي عنه وعن معاوية أنهما صليا الجمعة ضحى وقالا إنما عجلنا خشية الحر عليكم. وعن ابن مسعود قال لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا الجمعة في ظل الخيم رواه ابن البحتري في أماليه بإسناده، والدليل على أنها عيد قول النبي صلى الله عليه وسلم حين اجتمع العيد والجمعة " قد اجتمع

لكم في يومكم هذا عيدان " وقال أكثر أهل العلم وقتها وقت الظهر إلا أنه يستحب تعجيلها في أول وقتها لقول سلمة بن الاكوع كنا نجمع مع النبي صلى الله عليه وسلم إذا زالت الشمس ثم نرجع نتبع الفئ متفق عليه. قال أنس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الجمعة حين تميل الشمس رواه البخاري ولأنهما صلاتا وقت فكان وقتهما واحدا كالمقصورة والتامة ولأن آخر وقتها واحد فكان أوله واحداً كصلاة الحضر والسفر ولنا على جوازها في السادسة السنة والإجماع، أما السنة فما روى جابر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي يعني الجمعة ثم نذهب إلى جمالنا فنريحها حين تزول الشمس أخرجه مسلم. وعن سهل بن سعد قال ما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم متفق عليه، قال ابن قتيبة لا يسمى غداء ولا قائلة بعد الزوال. وعن سلمة قال كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة ثم ننصرف وليس للحيطان فئ، رواه أبو داود: وأما الاجماع فروى

الإمام أحمد عن وكيع عن جعفر بن برقان عن ثابت بن عبد الله بن سيدان قال شهدت الخطبة مع أبي بكر فكانت صلاته وخطبته قبل نصف النهار، وشهدتها مع عمر بن الخطاب فكانت صلاته وخطبته الى أن أقول قد انتصف النهار، ثم صليتها مع عثمان بن عفان فكانت صلاته وخطبته الى أن أقول زال النهار فما رأيت أحداً عاب ذلك ولا أنكره. وروي عن ابن مسعود وجابر وسعيد ومعاوية أنهم صلوا قبل الزوال وأحاديثهم تدل أن النبي صلى الله عليه وسلم فعلها بعد الزوال في كثير من أوقاته، ولا خلاف في جوازه وأنه الأولى، وأحاديثنا تدل على جواز فعلها قبل الزوال فلا تعارض بينهما. قال شيخنا وأما فعلها في أول النهار فالصحيح أنه لا يجوز لما ذكره أكثر العلماء ولأن التوقيت لا يثبت إلا بدليل من نص أو ما يقوم مقامه، وما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا خلفائه أنهم صلوها في أول النهار ولأن مقتضى الدليل كون وقتها وقت الظهر وإنما جاز تقديمها

مسألة: فإن خرج وقتها قبل فعلها صلوا ظهرا لفوات الشرط لا نعلم في ذلك خلافا

عليه بما ذكرنا من الدليل وهو مختص بالساعة السادسة فلم يجز تقديمها عليها ولأنها لو صليت في وقت الضحى لفاتت أكثر المصلين إذا ثبت ذلك، فالأولى فعلها بعد الزوال لأن فيه خروجاً من الخلاف ولأنه الوقت الذي كان يفعلها فيه رسول الله صلى الله عليه في أكثر أوقاته. وتعجيلها في أول وقتها في الشتاء والصيف لأنه صلى الله عليه وسلم كان يعجلها لما روينا من الأخبار، ولأن الناس يجتمعون اليها في أول وقتها ويبكرون أليها قبل وقتها فلو أبرد لشق على الحاضرين، وإنما جعل الابراد بالظهر في شدة الحر دفعاً للمشقة والمشقة في الابراد بها في الجمعة أكثر * (مسألة) * (فإن خرج وقتها قبل فعلها صلوا ظهراً لفوات الشرط لا نعلم في ذلك خلافاً) * (مسألة) * (وإن خرج وقد صلوا ركعة أتموها جمعة، وإن خرج قبل ركعة فهل يتمونها ظهراً أو يستأنفونها على وجهين)

متى خرج وقت الجمعة قبل تمامها فإن كان بعد أن صلوا ركعة أتموها جمعة وهذا اختيار شيخنا وظاهر قول الخرقي، وقال القاضي متى أحرموا بها في الوقت قبل خروجه أتموها جمعة ونحوه، قال أبو الخطاب لأنه أحرم بها في وقتها ما لو أتمها فيه. والمنصوص عن أحمد أنه إن دخل وقت العصر بعد تشهده وقبل سلامة سلم وأجزأته وهذا قول أبي يوسف ومحمد، وقال أبو حنيفة متى خرج الوقت قبل الفراغ منها بطلت ولا ينى عليها ظهراً لأنهما صلاتان مختلفتان فلا تنبني إحداهما على الأخرى كالظهر والعصر. والظاهر أن مذهب أبي حنيفة في هذا كمذهب صاحبيه لأن السلام عنده ليس بواجب في الصلاة، وقال الشافعي لا يتمها جمعة ويبني عليها ظهراً لأنهما صلاتا وقت فجاز بناء إحداهما على الأخرى كصلاة السفر والحضر، واحتجوا على أنه لا يتمها جمعة بأن ما كان شرطا في بعضها كان شرطا في جميعها كالطهارة ولنا قوله عليه السلام " من أدرك من الجمعة ركعة فقد أدرك الصلاة " ولأنه أدرك ركعة من

الجمعة فكان مدركاً لها كالمسبوق ولأن الوقت شرط يختص الجمعة فاكتفي به في ركعة كالجماعة، وما ذكروه ينتقض بالجماعة * (فصل) * فإن دخل وقت العصر قبل ركعة لم تحصل لهم جمعة لأن قوله عليه السلام " من أدرك من الجمعة ركعة فقد أدرك الصلاة " يدل بمفهومه على أنه إذا أدرك أقل من ذلك لا يكون مدركاً ويلزمه الظهر، وهل يبني أو يستأنف، فعلى قياس قول الخرقي تفسد صلاته ويستأنفها ظهراً كمذهب أبي حنيفة، وعلى قياس قول أبي إسحق بن شاقلا يتمها ظهراً لقول الشافعي وقد ذكرنا وجه القولين * (فصل) * إذا أدرك من الوقت ما يمكنه أن يخطب ثم يصلي ركعة فله التلبس بها على قياس قول الخرقي لأنه أدرك من الوقت ما يدركها فيه، فان شك هل أدرك من الوقت ما يدركها أو لا صحت لأن الأصل بقاء الوقت وصحتها

مسألة: الثاني أن تكون بقرية يستوطنها أربعون من أهل وجوبها فلا تجوز اقامتها في غير ذلك

* (مسألة) * (الثاني أن تكون بقرية يستوطنها أربعون من أهل وجوبها فلا تجوز اقامتها في غير ذلك) الاستيطان شرط لصحة الجمعة في قول أكثر أهل العلم وهو الاقامة في قرية مبنية بما جرت به العادة بالبناء به من حجر أو طين أو لبن أو قصب أو شجر أو نحوه فلا يظعنون عنها صيفاً ولا شتاء لأن ذلك هو الاستيطان غالباً. فأما أهل الخيام والحركات وبيوت الشعر فلا تجب عليهم الجمعة ولا تصح منهم لأن ذلك لا ينصب للإستيطان غالباً، وكذلك كانت قبائل العرب حول المدينة فلا يقيموا جمعة ولا أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه لو كان ذلك لم يخف ولم يترك نقله مع كثرته وعموم البلوى به، لكن إن كانوا مقيمين بموضع يسمعون النداء لزمهم السعي اليها كاهل القرية الصغيرة الى جانب المصر ذكره القاضي، فان كان أهل القرية يظعنون عنها في بعض السنة لم تجب

مسألة: ويجوز إقامتها في الأبنية المتفرقة إذا شملها اسم واحد

عليهم الجمعة، فان خرجت القرية أو بعضها وأهلها مقيمون بها عازمون على إصلاحها فحكمها باق في اقامة الجمعة بها، وإن عزموا على النقلة عنها لم تجب عليهم لعدم الاستيطان، ومتى كانت القرية لا يجب على أهلها بأنفسهم وكانوا بحيث يسمعون النداء من المصر أو من قرية تقام فيها الجمعة لزمهم السعي اليها لعموم الآية، وكذلك إن كان بناؤها متفرقاً تفرقاً لم تجر العادة به

* (مسألة) * (ويجوز إقامتها في الأبنية المتفرقة إذا شملها اسم واحد) وفيما قارب البنيان من الصحراء تجوز إقامة الجمعة المتفرقة البنيان اذا كان تفرقاً جرت العادة به في القرية الواحدة، فان كانت متفرقة في قرية تفرقاً لم تجر به العادة لم تجب عليهم الجمعة إلا أن يجتمع منها ما يسكنه أربعون فتجب بهم الجمعة ويتبعهم الباقون، ولا يشترط اتصال البنيان بعضه ببعض. وحكي عن الشافعي اشتراطه ولنا أن القرية المتقاربة البنيان قرية مبنية بما جرت به عادة القرى أشبهت المتصلة

* (فصل) * ولا يشترط لصحة الجمعة البنيان بل يجوز اقامتها فيما قاربه من الصحراء وبهذا قال الإمام أبو حنيفة، وقال الإمام الشافعي لا يجوز لأنه موضع يجوز لأهل المصر قصر الصلاة فيه أشبه البعيد ولنا ما روى كعب بن مالك أنه قال أسعد بن ذرارة أول من جمع بنا في هزم النبيت من حرة بني بياضة في نقيع يقال له نقيع الخضمات رواه أبو داود. وقال ابن جريج قلت لعطاء يعني أكان

مسألة: الثالث: حضور أربعين من أهل القرية في ظهر المذهب وعنه تنعقد بثلاثة

بأمر النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال نعم. والبقيع بطن من الأرض يستنقع فيه المأمدة، فاذا نضب الماء نبت الكلأ. قال الخطابي حرة بني بياضة قرية على ميل من المدينة ولأنه موضع لصلاة العيد فجازت فيه الجمعة كالجامع ولأن الاصل إشتراط ذلك ولا نص في اشتراطه ولا معنى نص * (فصل) * ولا يشترط لصحة الجمعة المصر. روي نحو ذلك عن ابن عمر وعمر بن عبد العزيز والاوزاعي والليث ومكحول وعكرمة والشافعي، وروي عن علي رضي الله عنه أنه لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع. وروي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وبه قال الحسن وابن سيرين وابراهيم وأبو حنيفة. ولنا ما ذكرنا من حديث أسعد بن ذرارة رواه البخاري بإسناده عن ابن عباس أن أول جمعة بعد جمعة بالمدينة لجمعة جمعت بجوارنا من البحرين من قرى عبد القيس، وروى ابو هريرة أنه كتب إلى عمر يسأله عن الجمعة بالبحرين وكان عاملاً عليها، فكتب اليه عمر جمعوا حيث كنتم رواه الأثرم

قال الامام أحمد رحمه الله تعالى اسناده جيد فأما خبرهم فلم يصح، قال الامام أحمد ليس هذا بحديث إنما هو عن علي وقد خالفه عمر * (فصل) * وإذا كان أهل المصر دون الاربعين فجاءهم أهل قرية فأقاموا الجمعة في المصر لم تصح لأن أهل القرية غير مستوطنين في المصر وأهل المصر لا تنعقد بهم الجمعة لقلتهم، وإن كان أهل القرية ممن تجب عليهم الجمعة بأنفسهم لزم أهل المصر السعي إليهم إذا كان بينهما أقل من فرسخ فلزمهم السعي إليها كما يلزم أهل القرية السعي الى المصر اذا أقيمت به وكان أهل القرية دون الأربعين وإن كان في كل واحد دون الاربعين لم تجز إقامة الجمعة في واحد منهما * (مسألة) * الثالث (حضور أربعين من أهل القرية في ظاهر المذهب وعنه تنعقد بثلاثة) حضور أربعين شرط لوجوب الجمعة وصحتها في ظاهر المذهب، روى ذلك عن عمر بن عبد العزيز وعبيد الله بن عبد الله وهو قول مالك والشافعي، وروي عن الإمام أحمد أنها لا تنعقد إلا بخمسين لما روى أبو بكر النجاد عن عبد الملك الرقاشي ثنا رجا بن سلمة ثنا عباد بن عباد المهبي عن جعفر ابن الزبير عن القاسم عن أبي أمامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " تجب الجمعة على خمسين رجلاً ولا تجب على من دون ذلك " وبإسناده عن الزهري عن أبي سلمة قال قلت لأبي هريرة على كم

مسألة: فإن نقصوا قبل إتمامها استأنفوا ظهرا ويحتمل أنهم إن نقصوا بعد ركعة أتموها جمعة وإن نقصوا قبل ركعة أتموها ظهرا

تجب الجمعة من رجل؟ قال لما بلغ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسين جمع بهم رسول الله صلى الله عليه، وعنه رواية ثالثة أنها تنعقد بثلاثة وهو قول الأوزاعي لأن اسم الجمع يتناوله فانعقدت به الجمعة كالاربعين ولأن الله تعالى قال (فاسعوا إلى ذكر الله) بصيغة الجمع فيدخل فيه الثلاثة. وحكى أبو الحرث عن الإمام أحمد إذا كانوا ثلاثة من أهل القرى جمعوا فيحتمل أن يختص ذلك أهل القرى لقلتهم، وقال أبو حنيفة تنعقد بأربعة لأنه عدد زيد على أقل الجمع المطلق أشبه الأربعين وقال ربيعة تنعقد باثني عشر لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى مصعب بن عمير بالمدينة فأمره أن يصلي عند الزوال ركعتين وأن يخطب فيهما، فجمع مصعب بن عمير في بيت سعد بن خيثمة باثني عشر رجلا، وعن جابر قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة فقدمت سويقة فخرج الناس إليها فلم يبق إلا اثني عشر رجلاً أنا فيهم فأنزل الله (وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها) الآية. رواه مسلم، وما يشترط للابتداء يشترط للاستدامة ولنا حديث كعب الذي رويناه وفي الحديث قلت له كم كنتم يومئذ؟ قال أربعون. رواه الدارقطني، وقول الصحابي مضت السنة تنصرف الى سنة النبي صلى الله عليه وسلم. فأما حديث مصعب بن عمير أنهم كانوا اثنا عشر فلا يصح فإن حديث كعب أصح منه، رواه أصحاب السنن والخبر الآخر يحتمل أنهم عادوا فحضروا القدر الواجب، ويحتمل أنهم عادوا قبل طول الفصل. وأما الثلاثة والأربعة فتحكم بالرأي فيما لا مدخل للرأي فيه لأن التقدير بابه التوقيف ولا معنى لاشتراط كونه جمعاً ولا للزيادة على الجمع إذ لا نص فيه ولا معنى نص، ولو كان الجمع كافيا لاكتفى باثنين لأن الجماعة تنعقد بهما.

مسألة: ومن أدرك مع الإمام منها ركعة أتمها جمعة

* (مسألة) * (فإن نقصوا قبل إتمامها استأنفوا ظهراً ويحتمل أنهم إن نقصوا بعد ركعة أتموها جمعة وإن نقصوا قبل ركعة أتموها ظهراً) المشهور في المذهب أنه يشترط كمال العدد في جميع الصلاة وقال أبو بكر: لا أعلم خلافاً عن الإمام أحمد إن لم يتم العدد في الصلاة والخطبة أنهم يعيدون الصلاة وهذا أحد قولي الامام الشافعي لأنه شرط للصلاة فاعتبر في جميعها كالطهارة ويحتمل أنهم إن نقصوا بعد ركعة أتموها جمعة وهذا قياس قول الخرقي، وبه قال الامام مالك وقال المزني: هو أشبه عندي لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من أدرك من الجمعة ركعة أضاف إليها أخرى " ولأنهم أدركوا ركعة فصحت لهم الجمعة كالمسبوق بركعة وهذا اختيار شيخنا. وقال أبو حنيفة: ان نقصوا بعدما صلوا ركعة بسجدة واحدة أتموها جمعة لأنهم أدركوا معظم الركعة فأشبه ما لو أدركوها بسجدتيها. وقال إسحاق: أن بقي معه اثنا عشر أتمها جمعة لأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم انفضوا عنه فلم يبق معه إلا اثنا عشر رجلاً فأتمها جمعة. وقال الإمام الشافعي في أحد أقواله: ان بقي معه اثنان أتمها جمعة وهو قول الثوري لأنه أقل الجمع وحكى عنه أبو ثور إن بقي معه واحد أتمها جمعة لأن الاثنين جماعة ولنا أنهم لم يدركوا ركعة كاملة بشروط الجمعة فأشبه ما لو نقص الجمع قبل ركوع الاولى. وقولهم أدرك معظم الركعة يبطل بمن لم يفته من الركعة الاولى إلا السجدتان فإنه قد أدرك معظمها وقول الامام الشافعي: بقي معه من تنعقد به الجماعة لا يصح لأن هذا لا يكتفي في الابتدا فلا يكتفي في الدوام إذا ثبت هذا فكل موضع قلنا لا يتمها جمعة فقياس قول الخرقي أنها تبطل ويستأنفها ظهراً إلا أن يمكنهم فعل الجمعة مرة أخرى فيعيدونها وحكاه أبو بكر عن الامام أحمد، وقياس قول ابي إسحاق بن شاقلا أنهم يتمونها ظهراً وهذا قول القاضي وقال: قد نص الامام أحمد في الذي زحم عن أفعال الجمعة حتى سلم الامام يتمها ظهراً ووجه القولين قد تقدم * (مسألة) * (ومن أدرك مع الإمام منها ركعة أتمها جمعة) وهذا قول أكثر أهل العلم منهم ابن مسعود وابن عمر وأنس وسعيد بن المسيب والحسن وعلقمة والاسود والزهري ومالك، والثوري والشافعي وأصحاب الرأي، وقال عطاء وطاوس ومجاهد من لم يدرك الخطبة صلى أربعاً لأن الخطبة شرط للجمعة فلا تكون جمعة في حق من لم يوجد في حقه شرطها ولنا ما روى أبو سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من أدرك من

الجمعة ركعة فقد أدرك الصلاة " رواه الأثرم ورواه ابن ماجة " فليصل إليها أخرى " وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم " من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة " متفق عليه، ولأنه قول من سمينا من الصحابة ولا مخالف لهم في عصرهم * (مسألة) * (ومن أدرك أقل من ركعة أتمها ظهراً إذا كان قد نوى الظهر في قول الخرقي. وقال أبو اسحق بن شاقلا: ينوي جمعة ويتمها ظهراً) أما من أدرك أقل من ركعة فلا يكون مدركاً للجمعة ويصلي الظهر أربعاً وهذا قول جميع من ذكرنا في المسألة المتقدمة إلا أن الامام أبا حنيفة فإنه قال: يكون مدركاً للجمعة بأي قدر أدرك من الصلاة مع الإمام وهو قول الحكم وحماد لأن من لزمه أن يبني على صلاة الامام بادراك ركعة لزمه بادراك أقل منها كالمسافر يدرك المقيم ولأنه أدرك جزأ من الصلاة فكان مدركاً لها كالظهر ولنا قوله عليه السلام " من أدرك من الجمعة ركعة فقد أدرك الصلاة " فمفهومه أنه إذا أدرك أقل من ركعة لم يدركها، ولأنه قول من سمينا من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم ولا مخالف لهم في عصرهم فيكون إجماعاً، وقد روى بشر بن معاذ الزيات عن الزهري عن أبي سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من أدرك يوم الجمعة ركعة فليضف إليها أخرى " ومن أدرك دونها صلى أربعاً ومن لم يدرك ركعة فلا تصح له جمعة كالامام اذا نقصوا قبل السجود وأما المسافر فادراكه ادراك الزام، وهذا ادراكه ادراك اسقاط للعدد فافترقا وكذلك يتم المسافر خلف المقيم، ولا يقصر المقيم خلف المسافر، وأما الظهر فليس من شرطها الجماعة بخلاف مسئلتنا (فصل) وكل من أدرك مع الامام ما لا يتم له به جمعة، فانه في قول الخرقي ينوي ظهراً، فان نوى جمعة لم تصح في ظاهر كلامه وكلام أحمد في رواية صالح وابن منصور يحتمل هذا القول فيمن أحرم ثم زحم عن الركوع والسجود حتى سلم إمامه، قال يستقبل ظهراً أربعاً وذلك لأن الظهر لا يتأدى بنية الجمعة ابتداء فكذلك استدامته كالظهر مع العصر. وقال أبو إسحق بن شاقلا ينوي جمعة لئلا يخالف نية إمامه ثم يبني عليها ظهراً وهذا ظاهر قول قتادة وأيوب ويونس والشافعي لأنه لا يجوز أن يأتم بمن يصلي جمعة فجاز أن يبني صلاته على نيتها كصلاة المقيم مع المسافر، وكما ينوي أنه مأموم ويتم صلاته بعد مفارقة إمامه منفرداً ولأنه يصح أن ينوي الظهر خلف من يصلي الجمعة في ابتدائها فكذلك في انتهائها (فصل) إذا صلى الإمام الجمعة قبل الزوال فأدرك المأموم معه دون الركعة لم يكن له الدخول معه لأنها في حقه ظهر فلا تجوز قبل الزوال كغير يوم الجمعة فإن دخل معه كانت نفلاً في حقه ولم

مسألة: فإن لم يمكنه سجد اذا زال الزحام إلا أن يخاف فوات الثانية فيتابع الامام فيها وتصير أولاه ويتمها جمع

تجزه عن الظهر، ولو أدرك معه ركعة ثم زحم عن سجودها وقلنا تصير ظهراً، فانها تنقلب نفلاً لئلا تكون ظهراً قبل وقتها (فصل) ومن أحرم مع الامام ثم زحم عن السجود سجد على ظهر إنسان ورجله اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله فيمن أحرم مع الامام ثم زحم فلم يقدر على الركوع حتى سلم الامام فروي أنه يكون مدركاً للجمعة اختارها الخلال وهو قول الحسن وأصحاب الرأي لأنه أحرم بالصلاة مع إمامه في أولها فأشبه ما لو ركع وسجد معه ونقل عنه أنه يستقبل الصلاة أربعاً اختاره أبو بكر وابن أبي موسى وهو قول الشافعي وابن المنذر لأنه لم يدرك ركعة كاملة فلم يكن مدركاً للجمعة كالمسبوق وهذا ظاهر كلام الخرقي، وجملة ذلك أن من زحم عن السجود في الجمعة سجد على ظهر إنسان أو رجله إذا أمكنه ذلك وأجزأه. قال أحمد في رواية أحمد بن هشام: يسجد على ظهر الرجل والقدم ويمكن الجبهة والأنف في العيدين والجمعة وبهذا قال الثوري وأبو حنيفة والشافعي وأبو ثور وابن المنذر. وقال عطاء والزهري ومالك: لا يفعل، فان فعل، فقال مالك: تبطل الصلاة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " ومكن جبهتك الأرض " ولنا ما روى عن عمر رضي الله عنه أنه قال: اذا اشتد الزحام فليسجد على ظهر أخيه. رواه سعيد في سننه، وهذا قاله بمحضر من الصحابة وغيرهم في يوم جمعة ولم يظهر له مخالف فكان إجماعاً ولأنه أتى بما يمكنه حال العجز فصح كالمريض يسجد على المرفقة والخبر لم يتناول العاجز لأن الله تعالى قال (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) * (مسألة) * (فإن لم يمكنه سجد إذا زال الزحام إلا أن يخاف فوات الثانية فيتابع الامام فيها وتصير أولاه ويتمها جمعة) وجملة ذلك أن من زحم في إحدى الركعتين فأما أن يزحم في الأولى أو الثانية، فان كان في الاولى ولم يتمكن من السجود على ظهر ولا قدم انتظر حتى يزول الزحام ثم يسجد ويتبع إمامه لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه بذلك في صلاة الخوف بعسفان للعذر والعذر موجود، فاذا قضى ما عليه وأدرك إمامه قبل رفع رأسه من الركوع اتبعه وصحت له الركعة، وهكذا لو تعذر عليه السجود مع إمامه لمرض أو نوم أو نسيان لأن ذلك عذر أشبه المزحوم، فإن خاف أنه ان تشاغل بالسجود فاته الركوع مع الإمام في الثانية لزمه متابعته وتصير الثانية أولاه وهذا قول مالك. وقال أبو حنيفة يشتغل بالسجود لأنه قد ركع مع الامام فيجب عليه السجود بعده كما لو زال الزحام والامام قائم وللشافعي كالمذهبين

مسألة: فان لم يتابع الامام عالما بتحريم ذلك بطلت صلاته، وإن جهل تحريمه فسجد ثم أدرك الامام في التشهد أتى بركعة أخرى بعد سلام الامام وصحت جمعته وعنه يتمها ظهرا

ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا ركع فاركعوا " فإن قيل فقد قال " فإذا سجد فاسجدوا " قلنا قد سقط الأمر بالمتابعة في السجود عن هذا للعذر وبقي الأمر بالمتابعة في الركوع لإمكانه ولأنه خائف فوات الركوع فلزمته متابعة امامه كالمسبوق، أما إذا كان الامام قائماً فليس هذا اختلافاً كثيراً إذا ثبت أنه يتابع الإمام في الركوع، فان أدركه راكعاً صحت له الثانية وتصير الثانية اولاه وتبطل الاولى في قياس المذهب لكونه ترك منها ركناً وشرع في الثانية فبطلت الأولى على ما ذكرنا في سجود السهو ويتمها جمعة لأنه أدرك منها ركعة مع الإمام فإن لم يقم ولكن يسجد السجدتين من غير قيام تمت ركعته، وإن فاته الركوع وسجد معه فان سجد السجدتين معه فقال القاضي يتم بها الركعة الاولى وهذا مذهب الامام الشافعي رحمه الله تعالى. وقال أبو الخطاب إذا سجد معتقداً جواز ذلك اعتد له به وتصح له الركعة كما لو سجد وإمامه قائم، ثم إن أدرك الإمام في ركوع الثانية صحت له الركعتان وإن أدركه بعد رفع رأسه من ركوعها فينبغي أن يركع ويتبعه لأن هذا سبق يسير ويحتمل أن تفوته الثانية بفوات الركوع كالمسبوق * (مسألة) * (فإن لم يتابع الامام عالما بتحريم ذلك بطلت صلاته، وإن جهل تحريمه فسجد ثم أدرك الإمام في التشهد أتى بركعة أخرى بعد سلام الامام وصحت جمعته وعنه يتمها ظهراً) وجملته أن من زحم عن السجود في الركعة الأولى وخاف فوات الركعة الثانية مع الامام أن اشتغل بالسجود لزمه متابعته في ركوع الثانية لما ذكرنا، فإن ترك متابعة إمامه عالماً بتحريم ذلك بطلت صلاته لأنه ترك الواجب فيها عمداً وفعل ما لا يجوز فعله، وإن اعتقد جواز ذلك فسجد لم يعتد بسجوده لأنه سجد في موضع الركوع جهلاً أشبه الساهي. وقال أبو الخطاب يعتد له به فإن أدرك الإمام في التشهد تابعه وقضى ركعة بعد سلامه كالمسبوق ويسجد للسهو. قال شيخنا ولا وجه للسجود هنا لأن الامام ليس عليه سجود سهو، وإن زحم عن سجدة واحدة أو عن الاعتدال بين السجدتين أو بين الركوع والسجود فالحكم فيه كالحكم في ازدحام عن السجود * (فصل) * فأما إن زحم عن السجود في الثانية فزال الزحام قبل سلام الامام سجد وتبعه وصحت له الركعة، وإن لم يزل حتى سلم فإن كان أدرك الركعة الأولى فقد أدرك الجمعة ويسجد للثانية بعد سلام الامام ويتشهد ويسلم فقد تمت جمعته، وإن لم يكن أدرك الاولى فانه يسجد بعد سلام إمامه وتصح له ركعة وهل يكون مدركاً للجمعة بذلك على روايتين * (فصل) * واذا أدرك مع الامام ركعة فلما قام ليقضي الأخرى ذكر أنه لم يسجد مع إمامه إلا سجدة واحدة وشك في ذلك فإن لم يكن شرع في قراءة الثانية رجع فسجد للأولى فأتمها وقضى

مسألأة: الرابع أن يتقدمها خطبتان من شرط صحتهما حمد الله والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم وقراءة أية والوصية بتقوى الله تعالى

الثانية وأتم الجمعة نص عليه الامام أحمد في رواية الأثرم، وإن كان شرع في قراءة الثانية بطلت الأولى وصارت الثانية أولاه ويتمها جمعة على ما نقله الأثرم. وقياس الرواية الأخرى في المزحوم أنه يتمها ها هنا ظهراً لأنه لم يدرك ركعة كاملة، ولو قضى الركعة الثانية ثم علم أنه ترك سجدة من إحداهما لا يدري من أيهما تركها فالحكم واحد ويجعلها من الاولى ويأتي بركعة مكانها وفي كونه مدركاً للجمعة وجهان: فأما إن شك في ادراك الركوع مع الامام مثل أن كبر والامام راكع فرفع إمامه رأسه فشك هل أدرك المجزئ من الركوع مع الإمام أو لا لم يعتد بتلك الركعة ويصلي ظهراً قولا واحدا لأن الأصل أنه ما أتى بها معه وفي كل موضع لا يكون مدركاً للجمعة فعلى قول الخرقي ينوي ظهراً، فان نوى جمعة لزمه استئناف الظهر، ويحتمله كلام الامام أحمد في رواية صالح وابن منصور وعلى قول إسحق بن شاقلا ينوي جمعة لئلا يخالف إمامه ويتمها ظهراً وقد ذكرنا وجه القولين * (فصل) * ولو صلى مع الإمام ركعة ثم زحم في الثانية فأخرج من الصف فصار فذاً فنوى الانفراد عن الامام قياس المذهب أنه يتمها جمعة لأنه أدرك منها ركعة مع الامام أشبه ما لو أدرك الثانية، وإن لم ينو الانفراد وأتمها مع الإمام ففيه روايتان: إحداهما لا يصح لأنه قد فذ في ركعة كاملة أشبه ما لو فعل ذلك عمداً، والثانية يصح لأنه قد يعفى في البناء عن تكميل الشروط كما لو خرج الوقت وقد صلوا ركعة وكالمسبوق * (مسألة) * الرابع (أن يتقدمها خطبتان من شرط صحتهما حمد الله والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم وقراءة أية والوصية بتقوى الله تعالى) وحضور العدد المشترط للخطبة، وبه قال عطاء والنخعي وقتادة والثوري والشافعي وأصحاب الرأي وقال الحسن تجزيهم الجمعة من غير خطبة لأنها صلاة عيد فلم يشترط لها الخطبة كصلاة الأضحى ولنا قول الله سبحانه وتعالى (فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع) والذكر هو الخطبة ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يترك الخطبة وقد قال " صلوا كما رأيتموني أصلي " وعن عمر رضي الله عنه أنه قصر في الصلاة لأجل الخطبة، وعن عائشة رضي الله عنها نحو هذا * (فصل) * ويشترط لها خطبتان وهذا مذهب الامام الشافعي. وقال مالك والاوزاعي وإسحق وابن المنذر وأصحاب الرأي تجزيه خطبة واحدة، وعن الإمام أحمد ما يدل عليه فإنه قال لا تكون الخطبة الا كما خطب النبي صلى الله عليه وسلم أو خطبة تامة ووجه الأول ما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب خطبتين وهو قائم يفصل بينهما بجلوس متفق عليه وقد قال " صلوا كما

رأيتموني أصلي " ولأن الخطبتين أقيمتا مقام الركعتين فكل خطبة مكان ركعة، فالاخلال بإحداهما اخلال باحدى الركعتين * (فصل) * ويشترط لكل واحدة منهما حمد الله تعالى والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " كل كلام ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أبتر " وقال جابر رضي الله عنه كان رسول الله عليه وسلم يخطب الناس يحمد الله ويثني عليه بما هو أهله ثم يقول " من بهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له " وإذا وجب ذكر الله وجب ذكر النبي صلى الله عليه وسلم كالأذان ولأنه قد روي في تفسير قوله تعالى (ورفعنا لك ذكرك) قال لا أنكر إلا ذكرت معي، ويحتمل أن لا تجب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر ذلك في خطبته * (فصل) * والقراءة في كل واحدة من الخطبتين شرط وهو ظاهر كلام الخرقي لأن الخطبتين أقيمتا مقام الركعتين فكانت القراءة فيهما شرطاً كالركعتين، ولأن ما وجب في إحداهما وجب في الأخرى كسائر الفروض، ويحتمل أن يشترط القراءة في إحداهما لما روى الشعبي قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صعد المنبر يوم الجمعة استقبل الناس وقال " السلام عليكم " ويحمد الله ويثني عليه ويقرأ سورة ثم يجلس ثم يقوم فيخطب ثم ينزل، وكان أبو بكر وعمر يفعلانه رواه الأثرم. والظاهر أنه إنما قرأ في الخطبة الأولى * (فصل) * وتجب الموعظة لأنها المقصودة من الخطبة فلم يجز الإخلال بها ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعظ، وفي حديث جابر بن سمرة أنه كان يذكر الناس وتجب في الخطبتين جميعاً لأن ما وجب في إحداهما وجب في الأخرى كسائر الشروط وهذا قول القاضي. وظاهر كلام الخرقي أن الموعظة إنما تكون في الخطبة الثانية لما ذكرنا من حديث الشعبي، وقال أبو حنيفة لو أتى بتسبيحة أجزأ لأن الله تعالى قال (فاسعوا إلى ذكر الله) فأجزأ ما يقع عليه الذكر، ولأن اسم الخطبة يقع على دون ما ذكرتم بدليل أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال علمني عملا أدخل به الجنة؟ فقال " أقصرت من الخطبة لقد أعرضت في المسألة " وعن مالك كالمذهبين ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم فسر الذكر بفعله. قال جابر بن سمرة كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قصداً وخطبته قصداً يقرأ آيات من القرآن ويذكر الناس رواه أبو داود والترمذي وقد ذكرنا حديث جابر بن سمرة. وأما التسبيح فلا يسمى خطبة، والمراد بالذكر الخطبة، وما

روره مجاز فان السؤال لا يسمى خطبة بدليل أنه لو ألقى مسألة على الحاضرين لم يكف ذلك اتفاقاً * (فصل) * ولا يكفي في القراءة أقل من آية هكذا ذكره الأصحاب لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقتصر على أقل من ذلك ولأن الحكم لا يتعين بدونها بدليل منع الجنب من قراءتها. فظاهر كلام أحمد أنه لا يشترط ذلك فإنه قال في القراءة في الخطبة ليس فيه شئ موقت ما شاء قرأ وهذا ظاهر كلام الخرقي. قال شيخنا ويحتمل أن لا يجب سوى حمد الله والموعظة لأن ذلك يسمى خطبة ويحصل به المقصود وما عداهما ليس على اشتراطه دليل لأنه لا يجب أن يخطب على صفة خطبة النبي صلى الله عليه وسلم بالاتفاق لأنه روي أنه كان يقرأ آيات ولا يجب قراءة آيات بالاتفاق، لكن يستحب ذلك لما ذكرنا من حديث الشعبي. وقالت أم هشام بنت حارثة بن النعمان ما أخذت (ق والقرآن المجيد) إلا من في رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطب بها كل جمعة رواه مسلم * (فصل) * ويشترط للخطبة حضور العدد المشترط في القدر الواجب من الخطبتين، وقال أبو حنيفة في رواية عنه لا يشترط لأنه ذكر يتقدم الصلاة فلم يشترط له العدد كالأذان ولنا أنه ذكر من شرائط الجمعة فكان من شرطه العدد وكتكبيرة الاحرام، وتفارق الأذان فانه ليس بشرط وإنما مقصوده الاعلام والاعلا للغائبين والخطبة مقصودها الموعظة فهي للحاضرين. فعلى هذا إن انفضوا في أثناء الخطبة ثم عادوا فحضروا القدر الواجب أجزأهم وإلا لم يجزهم إلا أن يحضرووا القدر الواجب ثم ينفضوا ويعودوا قبل شروعه في الصلاة من غير طول الفصل فإن طال الفصل لزمه اعادة الخطبة إن كان الوقت متسعاً، وان ضاق الوقت صلوا ظهراً، والمرجع في طول الفصل وقصره إلى العادة * (فصل) * ويشترط لها الوقت فلو خطب قبل الوقت لم تصح خطبته قياساً على الصلاة. ويشترط لها الموالاة فان فرق بين الخطبتين أو بين آخر الخطبة الواحدة بكلام طويل أو سكوت طويل مما يقطع الموالاة استأنفها، وكذلك يشترط الموالاة بين الخطبة والصلاة أيضاً فإن فرق بينهما تفريقاً كثيراً بطلت ولا تبطل باليسير لأن الخطبتين مع الصلاة كالمجموعتين، ويحتمل أن الموالاة لا تشترط لأنه ذكر يتقدم الصلاة فلم تشترط الموالاة بينهما كالآذان والاقامة، والمرجع في طول الفصل وقصره إلى العرف وإن احتاج الى الطهارة تطهر ويبني على خطبته، وكذلك تعتبر سائر شروط الجمعة للقدر الواجب من الخطبتين * (مسألة) * (وهل يشترط لهما الطهارة وأن يتولاهما من يتولى الصلاة على روايتين)

مسألة: وهل يشترط لهما الطهارة وأن يتولاهما من يتولى الصلاة على روايتين

اختلفت الرواية في اشتراط الطهارة للخطبة وللشافعي قولان كالروايتين، وقد قال أحمد فيمن خطب وهو جنب ثم اغتسل وصلى بهم تجزيه. قال شيخنا والأشبه بأصول المذهب اشتراط الطهارة الكبرى لكون قراءة آية شرطاً للخطبة، ولا يجوز ذلك للجنب. فأما الطهارة الصغرى فالصحيح أنها لا تشترط لأنه ذكر يتقدم الصلاة فلم تكن الطهارة فيه شرط كالأذان ولأنه لو اشترطت لهما الطهارة لاشترط الاستقبال كالصلاة، وعنه أنها تشترط لهما كتكبيرة الاحرام ولكن يستحب أن يكون متطهراً من الحدث والنجس لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي عقيب الخطبة لا يفصل بينهما بطهارة فيدل على أنه كان متطهراً والاقتداء به إن لم يكن واجبا فهو سنة * (فصل) * ويشترط أن يتولاهما من يتولى الصلاة في إحدى الروايتين لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله وقد قال " صلوا كما رأيتموني أصلي " ولأن الخطبة أقيمت مقام ركعتين لكن يجوز الاستخلاف للعذر ففي الخطبة والصلاة أولى، وعنه يجوز الاستخلاف لغير عذر فإنه قال في الامام يخطب يوم الجمعة ويصلي الأمير بالناس، لا بأس إذا حضر الامير الخطبة لأن الخطبة منفصلة عن الصلاة فأشبها الصلاتين، وهل يشترط أن يكون المصلي ممن حضر الخطبة فيه روايتان: إحداهما يشترط وهو قول الثوري وأصحاب الرأي لأنه إمام في الجمعة فاشترط حضور الخطبة كما لو لم يستخلف والثانية لا يشترط وهو قول الأوزاعي والشافعي لأنه ممن تنعقد به الجمعة فجاز أن يؤم فيها كما لو حضر الخطبة. وقد روى الإمام أحمد رحمه الله أنه لا يجوز الاستخلاف مع العذر أيضاً فإنه قال في الامام إذا أحدث بعدما خطب يقدم رجلاً يصلي بهم لم يصل إلا أربعاً إلا أن يعيد الخطبة ثم يصلي بهم ركعتين، وذلك لأن هذا لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من خلفائه والمذهب الاول وهل يجوز أن يتولى الخطبتين اثنان يخطب كل واحد خطبة. فيه احتمالان إحداهما يجوز كالأذان والاقامة، والثاني لا يجوز لما ذكرنا فيما تقدم * (مسألة) * (ومن سننهما أن يخطب على منبر أو موضع عال لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب الناس على منبر) قال سهل بن سعد: أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فلانة أن مري غلامك النجار يعمل لي أعواداً أجلس عليهن إذا كلمت الناس. متفق عليه، ولأنه أبلغ في الاعلام وليس ذلك واجباً، فلو خطب على الأرض أو ربوة أو راحلة أو غير ذلك جاز، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم على الأرض قبل أن يصنع له المنبر ويستحب أن يكون المنبر عن يمين القبلة لأن النبي صلى الله عليه وسلم هكذا صنع

مسألة: ويسلم على المأمومين إذا أقبل عليهم

* (مسألة) * (ويسلم على المأمومين إذا أقبل عليهم) ويستحب للامام إذا خرج أن يسلم على الناس، ثم اذا صعد المنبر فاستقبل الحاضرين سلم عليهم يروي ذلك عن ابن الزبير وعمر بن عبد العزيز، وبه قال الأوزاعي والشافعي، وقال مالك وأبو حنيفة لا يسن السلام عقيب الاستقبال لأنه سلم حال خروجه ولنا ما روى جابر قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صعد المنبر سلم عليهم. رواه ابن ماجه وعن ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد يوم الجمعة سلم على من عند المنبر جالساً، فإذا صعد المنبر سلم عليهم. رواه أبو بكر باسناده، ومتى سلم رد عليه الناس لأن رد السلام آكد من ابتدائه * (مسألة) * (ثم يجلس إلى فراغ الاذان ويجلس بين الخطبتين) لما روى ابن عمر قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يجلس إذا صعد حتى يفرغ الاذان ثم يقوم فيخطب. رواه أبو داود، وتكون الجلسة بين الخطبتين خفيفة وليست واجبة في قول أكثر أهل العلم. وقال الشافعي: واجبة ولنا أنها جلسة ليس فيها ذكر مشروع فلم تكن واجبة كالاولى، وقد سرد الخطبة جماعة منهم المغيرة بن شعبة وأبي بن كعب قاله الإمام أحمد، وروي عن أبي إسحق قال: رأيت علياً يخطب على المنبر فلم يجلس حتى فرغ، فان خطب جالساً لعذر استحب أن يفصل بين الخطبتين بسكتة وكذلك إن خطب قائماً فلم يجلس * (مسألة) * (ويخطب قائماً) روي عن الإمام أحمد ما يدل على أن القيام في الخطبة واجب وهو مذهب الامام الشافعي. فروى الأثرم قال: سمعت أبا عبد الله يسأل عن الخطبة قاعداً أو يقعد في إحدى الخطبتين فلم يعجبه وقال. قال الله تعالى (وتركوك قائماً) وكان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب قائماً، فقال له الهيثم ابن خارجة كان عمر بن عبد العزيز يجلس في خطبته فظهر منه إنكار، ووجه ذلك ما روى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطب خطبته وهو قائم يفصل بينهما بجلوس. متفق عليه، وروى جابر ابن سمرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطب قائماً ثم يجلس، ثم يقوم فيخطب قائماً، فمن نبأك أنه كان يخطب جالساً فقد كذب، فو الله صليت معه أكثر من ألفي صلاة، رواه مسلم. وقال القاضي: تجزئه الخطبة قاعداً وقد نص عليه الإمام أحمد وهو مذهب أبي حنيفة لأنه ذكر ليس من

مسألة: ويعتمد على سيف، أو قوس، أو عصا

شرطه الاستقبال فلم يجب له القيام كالأذان ولأن المقصود يحصل بدونه وهذا اختيار أكثر أصحابنا * (مسألة) * (ويعتمد على سيف، أو قوس، أو عصا) لما روى الحكم بن حزن قال. وفدت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فشهدنا معه الجمعة فقام متوكئاً على عصا أو قوس فحمد الله واثنى عليه كلمات خفيفات طيبات مباركات. رواه أبو داود، فان لم يفعل استحب أن يسكن أطرافه، إما أن يضع يمينه على شماله أو يرسلهما ساكنتين إلى جنبيه * (مسألة) * (ويقصد تلقاء وجهه) لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك ولأن المقصود في التفاته إلى أحد جانبيه الاعراض عن الجانب الآخر، فان خالف فاستدبر الناس واستقبل القبلة صحت الخطبة لحصول المقصود به كما لو أذن غير مستقبل القبلة. قال ابن عقيل: ويحتمل أن لا يصح لأنه ترك الجهة المشروعة أشبه ما لو استدبر القبلة في الصلاة، ولأن مقصود الخطبة الموعظة وذلك لا يتم باستدبار الناس (فصل) ويستحب للناس أن يستقبلوا الخطيب اذا خطب. قال الأثرم: قلت لأبي عبد الله يكون الامام عن يميني متباعداً، فإذا أردت أن أنحرف اليه حولت وجهي عن القبلة، فقال نعم تنحرف اليه، وممن كان يستقبل الامام ابن عمر وأنس وهو قول أكثر العلماء منهم مالك والثوري والشافعي واسحق وأصحاب الرأي. قال ابن المنذر: هذا كالاجماع. وروي عن الحسن أنه استقبل القبلة ولم ينحرف إلى الامام، وعن سعيد بن المسيب أنه كان لا يستقبل هشام بن اسماعيل اذا خطب فوكل به هشام شرطياً يعطفه اليه، والأول أولى لما روى عدي بن ثابت عن أبيه عن جده قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام على المنبر استقبله أصحابه بوجوههم. رواه ابن ماجه، ولأن ذلك أبلغ في اسماعهم فاستحب كاستقباله إياهم (فصل) ويستحب أن يرفع صوته ليسمع الناس. قال جابر: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب أحمرت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش يقول " صبحكم مساكم " ويقول " أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة " رواه مسلم ويستحب ترتيب الخطبة وهو أن يبدأ بالحمد قبل الموعظة لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك، ثم يثني على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يعظ، فان عكس ذلك صح لحصول المقصود قال ابن عقيل: ويحتمل أن لا يجزئه لأنهما فصلان من الذكر يتقدمان الصلاة فلم يصحا منكسين كالأذان والاقامة

مسألة: ويستحب تقصير الخطبة

ويستحب أن يكون في خطبته مترسلاً مبيناً معرباً لا يعجل فيها ولا يقطعها، وأن يكون متخشعاً متعظاً بما يعظ الناس به لأنه قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " عرض علي قوم تقرض شفاههم بمقاريض من نار فقيل لي هؤلاء خطباء من أمتك يقولون ما لا يفعلون * (مسألة) * (ويستحب تقصير الخطبة) لما روى عمار قال: أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه فأطيلوا الصلاة وأقصروا الخطبة " رواه مسلم، وعن جابر بن سمرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يطيل الموعظة يوم الجمعة إنما هي كلمات يسيرات. رواه أبو داود * (مسألة) * ويستحب أن يدعو لنفسه والمسلمين والمسلمات والحاضرين، وإن دعا لسلطان المسلمين بالصلاح فحسن وقد روى ضبة بن محصن أن أبا موسى كان اذا خطب فحمد الله واثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم يدعو لمعر. وقال القاضي لا يستحب ذلك لأن عطاء قال: هو محدث وفعل الصحابة أولى من قول عطاء لأن سلطان المسلمين اذا صلح كان فيه صلاح لهم، ففي الدعاء له دعاء لهم وذلك مستحب غير مكروه * (فصل) * وسئل الإمام أحمد رحمه الله عمن قرأ سورة الحج على المنبر أيجزيه؟ قال لا لم يزل الناس يخطبون بالثناء على الله والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم. فقال لا تكون الخطبة الا كما خطب النبي صلى الله عليه وسلم أو خطبة تامة، ولأن هذا لا يسمى خطبة ولا يجمع الشروط، فان قرأ آيات فيها حمد الله تعالى والموعظة وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم صح لاجتماع الشروط * (فصل) * وإن قرأ سجدة في أثناء الخطبة فان شاء نزل فسجد وإن أمكنه السجود على المنبر سجد عليه وان ترك السجود فلا حرج فعله عمر وترك، بهذا قال الامام الشافعي ونزل عثمان وأبو موسى وعمار والنعمان وعقبة بن عامر وبه قال أصحاب الرأي، وقال الامام مالك لا ينزل لأنه تطوع بصلاة فلم يشتغل به في أثناء الخطبة كصلاة ركعتين ولنا فعل عمر وفعل من سمينا من الصحابة رضي الله عنهم ولانه؟؟؟ وجد سببها في أثناء الخطبة لا يطول الفعل بها فاستحب فعلها كحمد الله اذا عطس، ولا يجب ذلك لما قدمنا من أن سجود التلاوة غير واجب ويفارق صلاة ركعتين لأن سببها لم يوخد في الخطبة ويطول بها الفصل * (فصل) * ويستحب الأذان إذا صعد الإمام على المنبر بغير خلاف لأنه قد كان يؤذن للنبي

مسألة: ولا يشترط إذن الإمام وعنه يشترط

صلى الله عليه وسلم. قال السائب بن يزيد كان النداء يوم الجمعة إذا جلس الإمام على المنبر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فلما كان زمن عثمان رضي الله عنه وكثر الناس زاد النداء الثالث على الزوراء رواه البخاري، فهذا النداء الأوسط هو الذي يتعلق به وجوب السعي وتحريم البيع لقوله سبحانه (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع) وهذا النداء الذي كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نزول الآية فتعلقت الاحكام به، والنداء الاول مستحب في أول الوقت، سنة عثمان رضي الله عنه وعملت به الأمة بعده وهو للإعلام بالوقت، والثاني للاعلام بالخطبة، والثالث للاعلام بقيام الصلاة. وذكر ابن عقيل أن الآذان الذي يوجب السعي ويحرم البيع هو الآذان الاول على المنارة والصحيح الأول * (فصل) * فأما من يكون منزله بعيداً لا يدرك الجمعة بالسعي وقت النداء فعليه السعي في الوقت الذي يكون مدركاً للجمعة لكونه من ضرورة ادراكها وما لا يتم الواجب إلا به واجب كاستسقاء الماء من البئر للوضوء إذا احتاج إليه * (مسألة) * (ولا يشترط إذن الإمام وعنه يشترط) الصحيح أن اذن الامام الأعظم ليس بشرط في صحة الجمعة وبه قال الامام مالك رحمه الله تعالى والامام الشافعي، والثانية هو شرط روى ذلك عن الحسن والاوزاعي وحبيب بن أبي ثابت والامام أبي حنيفة لأنه لا يقيمها إلا الأئمة في كل عصر فكان في ذلك إجماعاً ولنا أن علياً رضي الله عنه صلى الجمعة بالناس وعثمان محصور فلم ينكره أحد، وصوب ذلك عثمان رضي الله عنه، فروى حميد بن عبد الرحمن عن عبيد الله بن عدي بن الخيار أنه دخل على عثمان وهو محصور فقال انه قد نزل بك ما ترى وأنت إمام العامة. فقال الصلاة من أحسن ما يعمل الناس فاذا أحسنوا فأحسن معهم وإذا أساؤا فاجتنب اساءتهم أخرجه البخاري والاثرم وهذا لفظه. وقال الإمام أحمد رحمه الله تعالى وقعت الفتنة بالشام تسع سنين فكانوا يجمعون ولأنها من فرائض الأعيان فلم يشترط لها اذن الامام، وما ذكروه إجماعاً لا يصح فإن الناس يقيمون الجماعات في القرى من غير استئذان أحد، ثم لو صح أنه لم يقع إلا ذلك لكان إجماعاً على جواز ما وقع لا على تحريم غيره كالحج يتولاه الأئمة وليس شرطاً فيه، فإن قلنا هو شرط فلم يأذن الإمام لم تجز إقامتها وصلوا ظهراً، وإن أذن في إقامتها ثم عادت بطل اذنه، فان صلوا ثم بان أنه مات قبل صلاتهم فهل تجزيهم صلاتهم على روايتين: أصحهما أنها تجزيهم لأن المسلمين في الامصار النائية عن بلد الامام لا يعيدون ما صلوا من الجمعات بعد؟ وته، ولا نعلم احدا أنكر ذلك عليهم فكان أجماعاً، ولأن وجوب الاعادة يشق لعمومه في

مسألة: ويستحب أن يقرأ في الاولى بسورة الجمعة وفي الثانية بالمنافقين

أكثر البلدان، وإن تعذر اذن الامام لفتنة فقال القاضي ظاهر كلامه صحتها بغير اذن على كلتا الروايتين. فعلى هذا إنما يكون الاذن معتبراً عند إمكانه ويسقط بتعذره * (فصل) * قال (وصلاة الجمعة ركعتان يجهر فيهما بالقراءة بغير خلاف) . قال إبن المنذر أجمع المسلمون على أن صلاة الجمعة ركعتان، وجاء الحديث عن عمر أنه قال صلاة الجمعة ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم وقد خاب من افترى رواه الإمام أحمد وابن ماجة * (مسألة) * (ويستحب أن يقرأ في الاولى بسورة الجمعة وفي الثانية بالمنافقين) يستحب أن يقرأ في الجمعة الفاتحة بهاتين السورتين وهذا مذهب الشافعي وأبي ثور لما روي عن عبد الله بن رافع قال صلى بنا أبو هريرة الجمعة فقرأ سورة الجمعة في الركعة الأولى وفي الركعة الأخرى إذا جاءك المنافقون. فلما قضى أبو هريرة الصلاة أدركته فقلت يا أبا هريرة قرأت سورتين كان علي يقرأ بهما في الكوفة. فقال أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بهما في الجمعة رواه مسلم. وإن قرأ في الثانية بالغاشية فحسن، فإن الضحاك بن قيس سأل النعمان بن بشير ماذا يقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة على أثر سورة الجمعة؟ قال كان يقرأ (هل أتاك حديث الغاشية) أخرجه مسلم. وإن قرأ في الأولى بسبح وفي الثانية بالغاشية فحسن، فان النعمان بن بشير قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في العيدين وفي الجمعة (بسبح اسم ربك الأعلى. وهل أتاك حديث الغاشية) فإذا اجتمع العيد والجمعة في يوم واحد قرأ بهما في الصلاتين أخرجه مسلم. وقال مالك أما الذي جاء به الحديث هل أتاك حديث الغاشية مع سورة الجمعة والذي أدركت عليه الناس سبح اسم ربك الأعلى وحكي عن أبي بكر عبد العزيز أنه يستحب أن يقرأ في الثانية سبح ولعله صار الى ما حكاه مالك أنه أدرك عليه الناس! واتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى، ومهما قرأ به فجائز حسن إلا أن الاقتداء به عليه الصلاة والسلام أحسن، ولأن سورة الجمعة تليق بالجمعة لما فيها من ذكرها والأمر بها والحث عليها * (فصل) * ويستحب أن يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة (الم السجدة. وهل أتى على الإنسان) نص عليه لما روى ابن عباس وأبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الفجر يوم الجمعة (الم تنزيل وهل أتى على الإنسان حين من الدهر) رواه مسلم. قال أحمد لا أحب المداومة عليها لئلا يظن الناس أنها مفضلة بسجدة، ويحتمل أن يستحب لأن لفظ الخبر يدل عليه ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا عمل عملاً أثبته

مسألة: وتجوز إقامة الجمعة في موضعين من البلد للحاجة ولا يجوز مع عدمها

* (مسألة) * (وتجوز إقامة الجمعة في موضعين من البلد للحاجة ولا يجوز مع عدمها) وجملة ذلك أن البلد اذا كان كبيراً يشق على أهله الاجتماع في مسجد واحد ويتعذر ذلك لتباعد أقطاره أو ضيق مسجده على أهله كبغداد ونحوها جازت إقامة الجمعة في أكثر من موضع على قدر ما يحتاجون إليه وهذا قول عطاء وأجازه أبو يوسف في بغداد دون غيرها، قال لأن الحدود تقام فيها في موضعين والجمعة حيث تقام الحدود، ومقتضى قوله أنه لو وجد بلد آخر تقام فيه الحدود في موضعين كان مثل بغداد لأن الجمعة حيث تقام الحدود وهذا قول ابن المبارك. وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي لا تجوز الجمعة في بلد واحد في أكثر من موضع واحد، وروي أيضاً عن أحمد مثل ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يجمع إلا في مسجد واحد وكذلك الخلفاء بعده، ولو جاز لم يعطلوا الساجد حتى قال ابن عمر لا تقام الجمعة إلا في المسجد الأكبر الذي يصلي فيه الامام ولنا أنها صلاة شرع لها الاجتماع والخطبة فجازت فيما يحتاج إليه من المواضع كصلاة العيد. وقد ثبت أن علياً رضي الله عنه كان يخرج يوم العيد الى المصلى ويستخلف على ضعفة الناس أبا مسعود البدري فيصلي بهم. فأما ترك النبي صلى الله عليه وسلم إقامة جمعتين فلغناهم عن إحداهما ولأن الصحابة كانوا يؤثرون سماع خطبته وشهود جمعته وإن بعدت منازلهم لأنه المبلغ عن الله تعالى وشارع الأحكام ولما دعت الحاجة الى ذلك في الأمصار صليت في أماكن ولم ينكر فصار إجماعاً وقول ابن عمر معناه أنها لا تترك في المساجد الكبار وتقام في الصغار، وأما اعتبار ذلك باقامة الحدود فلا وجه له، قال أبو داود سمعت أحمد يقول أي حد كان يقام بالمدينة قدمها مصعب بن عمير وهم يختبئون في دار فجمع بهم وهم أربعون * (فصل) * فأما مع عدم الحاجة فلا يجوز أكثر من واحدة، وان حصل الغنى باثنتين لم تجز الثالثة، وكذلك ما زاد لا نعلم في هذا مخالفاً إلا أن عطاء قيل له إن أهل البصرة يسعهم المسجد الأكبر قال لكل قوم مسجد يجمعون فيه ويجزي ذلك من التجميع في المسجد الأكبر وما عليه الجمهور أولى إذا لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه أنهم جمعوا أكثر من جمعة إذ لم تدع الحاجة إلى ذلك، ولا يجوز إثبات الأحكام بالتحكم بغير دليل

مسألة: فإن استويا فالثانية باطلة وإن لم يكن لاحداهما مزية على الأخرى لكونهما جميعا مأذونا فيهما أو غير مأذون

* (مسألة) * (فإن فعلوا فجمعة الامام هي الصحيحة) متى صلوا جمعتين في بلد لغير حاجة وإحداهما جمعة الامام فهي الصحيحة تقدمت أو تأخرت لأن في الحكم ببطلان جمعة الامام افتئاتاً عليه وتفويتاً له الجمعة ولمن يصلي معه ويفضي إلى أنه متى شاء أربعون أن يفسدوا صلاة أهل البلد أمكنهم ذلك بأن يسبقوا أهل البلد بصلاة الجمعة، وقيل السابقة هي الصحيحة لأنها لم يتقدمها ما يفسدها ولا تفسد بعد صحتها بما بعدها والاول أصح، وكذلك إن كانت إحداهما في المسجد الجامع والأخرى في مكان صغير لا يسع المصلين أو لا يمكنهم الصلاة فيه لاختصاص السلطان وجنده به أو غير ذلك أو كانت إحداهما في قصبة والأخرى أقصى المدينة فما وجدت فيه هذه المعاني الصلاة فيه صحيحة دون الأخرى وهذا قول مالك فإنه قال لا أرى الجمعة إلا لأهل القصبة وذلك لأن لهذه المعاني مزية تقتضي التقديم فيقدم بها كجمعة الامام، ويحتمل أن تصح السابقة لأن إذن الامام شرط في إحدى الروايتين فكانت آكد من غيرها * (مسألة) * (فإن استويا فالثانية باطلة وإن لم يكن لاحداهما مزية على الأخرى لكونهما جميعاً مأذونا فيهما أو غير مأذون) ولو تساوى المكانان فالسابقة هي الصحيحة لأنها وقعت بشروطها ولم يزاحمها ما يبطلها ولا سبقها ما يغني عنها، والثانية باطلة لكونها واقعة في مصر أقيمت فيه جمعة صحيحة تغني عمن سواها، ويعتبر السبق بالأحرام لأنه متى أحرم بإحداهما حرم الاحرام بالأخرى للغنى عنها

مسألة: فإن وقعتا معا أو جهلت الأولى بطلتا معا

* (مسألة) * (فإن وقعتا معاً أو جهلت الأولى بطلتا معاً) متى وقع الاحرام بهما معاً مع تساويهما فهما باطلتان لأنه لم يمكن صحتهما معاً وليست إحداهما أولى بالفساد من الأخرى كالمتزوج أختين، وإن لم تعلم الاولى منهما أو لم يعلم كيفية وقوعهما بطلت أيضاً لأن إحداهما باطلة ولم يعلم عينها، وليست إحداهما بالابطال أولى من الأخرى فهي كالتي قبلها ثم ننظر فإن علمنا فساد الجمعتين لوقوعهما معاً وجبت إعادة الجمعة إن أمكن ذلك لأنه مصر ما أقيمت فيه جمعة صحيحة والوقت متسع لإقامتها أشبه ما لو لم يصلوا شيئاً، وان علمنا صحة إحداهما لا بعينها فليس لهم أن يصلوا إلا ظهراً لأن هذا مصر تيقناً سقوط الجمعة فيه بالأولى فلم تجز اقامة الجمعة فيه كما لو علمت، وقال القاضي يحتمل أن لهم إقامة الجمعة لأنا حكمنا بفسادهما معاً فكأن المصر ما صليت فيه جمعة صحيحة، والصحيح الأول لأن الاولى لم تفسد وإنما لم يمكن إثبات حكم الصحة لها بعينها للجهل فيصير هذا كما لو زوج الوليان وجهل السابق منهما فإنه لا يثبت حكم الصحة بالنسبة الى واحد بعينه، ويثبت حكم النكاح في حق المرأة بحيث لا يحل لها أن تنكح زوجاً آخر، فان جهلنا كيفية وقوعهما فالأولى أن لا يجوز إقامة الجمعة أيضاً لأن وقوعهما معاً بحيث لا تسبق إحداهما الأخرى بعيد جداً وما كان في غاية الندور فحكمه حكم المعدوم، ويحتمل أن لهم إقامتها لأننا لم نتيقن المانع من صحتها والأول أولى

مسألة: وإذا وقع العيد يوم الجمعة فاجتزىء بالعيد عن الجمعة وصلوا ظهرا جاز إلا للإمام

* (فصل) * فان أحرم بالجمعة فتبين في أثناء الصلاة أن الجمعة قد أقيمت في المصر بطلت الجمعة ولزمهم استئناف الظهر لأننا تبينا أنه أحرم بها في وقت لا يجوز الإحرام بها ولا يصح أشبه ما لو أحرم بها وفي وقت العصر. وقال القاضي يستحب أن يستأنف ظهراً وهذا من قوله يدل على أن له إتمامها ظهراً كالمسبوق بأكثر من ركعة وكما لو أحرم بالجمعة فنقص العدد قبل الركعة والفرق ظاهر فان هذا أحرم بها في وقت لا تصح فيه الجمعة ولا يجوز الإحرام بها بخلاف الأصل المقيس عليه * (فصل) * وإذا كانت قرية الى جانب مصر يسمعون النداء منه أو كان مصران متقاربان يسمع كل منهم نداء المصر الآخر لم تبطل جمعة أحدهما بجمعة الآخر، وكذلك القريتان المتقاربتان لأن لكل قوم منهم حكم أنفسهم بدليل أن جمعة أحد القريتين لا يتم عددها بالفريق الآخر ولا تلزمهم الجمعة بكمال العدد بهم وإنما يلزمهم السعي إذا لم يكن لهم جمعة فهم كأهل المحلة القريبة من المصر * (مسألة) * (وإذا وقع العيد يوم الجمعة فاجتزئ بالعيد عن الجمعة وصلوا ظهراً جاز إلا للإمام)

وقد قيل في وجوبها على الامام روايتان وممن قال بسقوطها الشعبي والنخعي والاوزاعي وقد قيل إنه مذهب عمر وعثمان وعلي وسعيد وابن عمر وابن عباس وابن الزبير، وقال أكثر الفقهاء لا تسقط الجمعة لعموم الآية والأخبار الدالة على وجوبها ولأنهما صلاتان واجبتان فلم تسقط إحداهما بالأخرى كالظهر مع العيد ولنا ما روى أن معاوية سأل زيد بن أرقم هل شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عيدين اجتمعا في يوم؟ قال نعم. قال فكيف صنع؟ قال صلى العيد ثم رخص في الجمعة فقال " من شاء أن يصلي فليصل " رواه أبو داود، وفي لفظ للإمام أحمد من شاء أن يجمع فليجمع. وعن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " اجتمع لكم في يومكم هذا عيدان فمن شاء أجزأه من الجمعة وإنا مجمعون " رواه ابن ماجه ولأن الجمعة إنما زادت على الظهر بالخطبة وقد حصل سماعها في العيد

مسألة: وأقل السنة بعد الجمعة ركعتان وأكثرها ست ركعات

فأجزأ عن سماعها ثانياً ونصوصهم مخصوصة بما رويناه وقياسهم منقوض بالظهر مع الجمعة. فأما الامام فلا تسقط عنه لقول النبي صلى الله عليه وسلم " وإنا مجمعون " ولأنه لو تركها لامتنع فعل الجمعة في حق من تجب عليه ومن يريدها ممن سقطت عنه ولا كذلك غير الامام * (فصل) * فان قدم الجمعة فصلاها في وقت العيد فقد روي عن أحمد قال تجزي الاولى منهما فعلى هذا تجزيه عن العيد والظهر ولا يلزمه شئ الا العصر عند من يجوز فعل الجمعة في وقت العيد لما روى أبو داود بإسناده عن عطاء قال اجتمع يوم جمعة ويوم فطر على عهد ابن الزبير فقال: عيدان قد اجتمعا في يوم واحد فجمعهما وصلاهما ركعتين بكرة. ولم يزد عليهما حتى صلى العصر. فيروى أن فعله بلغ ابن عباس فقال أصاب السنة. قال الخطابي وهذا لا يجوز أن يحمل إلا على قول من يذهب إلى تقديم الجمعة قبل الزوال، فعلى هذا يكون ابن الزبير قد صلى الجمعة فسقط

العيد والظهر ولأن الجمعة اذا سقطت بالعيد مع تأكدها فالعيد أولى أن يسقط بها، أما إذا قدم العيد فلابد من صلاة الظهر في وقتها اذا لم يصل الجمعة والله أعلم * (مسألة) * (وأقل السنة بعد الجمعة ركعتان وأكثرها ست ركعات) روي عن أحمد أنه قال إن شاء صلى ركعتين وان شاء صلى أربعا، وفي رواية فان شاء صلى ستاً فأيما فعل من ذلك فهو حسن وكان ابن مسعود والنخعي وأصحاب الرأي يرون أن يصلي بعدها أربعا لما روى أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من كان منكم مصلياً بعد الجمعة فليصل بعدها أربعا " رواه مسلم، وعن علي رضي الله عنه وأبي موسى وعطاء والثوري أنه يصلي ستاً لما روي عن ابن عمر أنه كان إذا كان بمكة فصلى الجمعة تقدم فصلى ركعتين ثم تقدم فصلى أربعاً

ووجه قولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك كله بما روينا من الأخبار، وروي عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد الجمعة ركعتين متفق عليه، وفي لفظ وكان لا يصلي في المسجد حتى ينصرف فيصلي ركعتين في بيته، وهذا يدل على أنه مهما فعل من ذلك كان حسناً. وقد قال أحمد في رواية عبد الله ولو صلى مع الإمام ثم لم يصل شيئاً حتى صلى العصر كان جائزاً فقد فعله عمران بن حصين * (فصل) * فأما الصلاة قبل الجمعة فقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يركع قبل الجمعة أربعاً أخرجه ابن ماجة (1) وروي عن عمرو بن سعيد بن العاص عن أبيه قال كنت أبقي. (2) أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا زالت الشمس قاموا فصلوا أربعاً، وعن عبد الله بن مسعود أنه كان يصلي قبل الجمعة أربع ركعات رواه سعيد

_ " 1 " لكن قال في الزوائد ان حديثه هذا مسلسل بالضعفاء، وذكر منهم بشر ابن عبيد وقال انه كذاب والآثار الواردة في ذلك صريحة في أنها قبل الزوال فلا تعد سنة قبلية للجمعة " 2 " أي أنتظر يقال فيه أبقي مثل أرمي، وأبقى مثل أعطى، لان ماضيه يستعمل ثلاثيا ورباعيا، ذكره الجوهري اه. من هامش المغنى المخطوط

* (فصل) * ويستحب لمن أراد الركوع بعد الجمعة أن يفعل بينها وبينه بكلام أو انتقال من مكانه أو خروج لما روى السائب عن يزيد قال صليت مع معاوية الجمعة في المقصورة فلما سلم الامام قمت في مقامي فصليت فلما دخل أرسل إلي فقال لا تعد لما فعلت إذا صليت الجمعة فلا تصلها بصلاة حتى تتكلم أو تخرج فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بذلك أن لا نوصل صلاة حتى نتكلم أو نخرج. أخرجه مسلم * (فصل) * قال الشيخ رحمه الله (ويستحب أن يغتسل للجمعة في يومها والأفضل فعله عند مضيه إليها) لا خلاف في استحباب غسل الجمعة وفيه أحاديث صحيحة منها ما روى سلمان الفارسي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طهر ويدهن من دهنه، أو يمس من طيب بيته ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين ثم يصلي ما كتب له ثم ينصت إذا تكلم

الإمام إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى " رواه البخاري. ومنها قوله عليه السلام " غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم " وقوله " من أتى منكم الجمعة فليغتسل " متفق عليهما، وليس الغسل واجباً في قول أكثر أهل العلم. قال الترمذي العمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم منهم مالك والثوري والشافعي وأصحاب الرأي وابن المنذر وحكاه ابن عبد البر إجماعاً، وعن أحمد أنه واجب روى ذلك عن أبي هريرة وعمرو بن سليم. وقاول عمار بن ياسر رحلا فقال: أنا اذاً أشر ممن لا يغتسل يوم الجمعة، ووجهه ما ذكرنا من النصوص ولنا ما روى سمرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل " رواه النسائي والترمذي وقال حديث حسن، وعن أبي هريرة قال

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة واستمع وأنصت غفر له ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاثة أيام ومن مس الحصى فقد لغا " متفق عليه وحديثهم محمول على تأكيد الندب، وكذلك ذكر في سياقه " وسواك وأن يمس طيباً " كذلك رواه مسلم، والسواك ومس الطيب لا يجب، وقالت عائشة رضي الله عنها وعن أبيها: كان الناس مهنة أنفسهم وكانوا يروحون الى الجمعة بهيئتهم فتظهر لهم رائحة فقيل لهم " لو اغتسلتم " رواه مسلم بنحو هذا المعنى، والأفضل أن يفعله عند مضيه إليها لأنه أبلغ في المقصود وفيه خروج من الخلاف * (فصل) * ومتى اغتسل بعد طلوع الفجر أجزأ وإن اغتسل قبله لم يجزئه وهذا قول مجاهد

والحسن والنخعي والثوري والشافعي وإسحق. وحكي عن الأوزاعي أنه يجزيه الغسل قبل الفجر، وعن مالك لا يجزيه الغسل إلا أن يتعقبه الرواح ولنا قوله صلى الله عليه وسلم " من اغتسل يوم الجمعة " واليوم من طلوع الفجر وإن اغتسل ثم أحدث أجزأه الغسل وكفاه الوضوء وهذا قول الحسن ومالك والشافعي، واستحب طاوس والزهري وقتادة ويحيى بن أبي كثير اعادة الغسل. ولنا أنه اغتسل في يوم الجمعة أشبه من لم يحدث والحدث انما يؤثر في الطهارة الصغرى ولأن المقصود من الغسل التنظف وإزالة الرائحة وذلك لا يؤثر فيه الحدث ولانه غسل فلم يؤثر فيه الحدث الأصغر كغسل الجنابة * (فصل) * ويفتقر الغسل الى النية لأنه عبادة فافتقر إلى النية كتجديد الوضوء، وإن اغتسل للجمعة والجنابة غسلاً واحداً ونواهما أجزأه بغير خلاف علمناه لأنهما غسلان اجتمعا فأشبها غسل الحيض والجنابة، وإن اغتسل للجنابة ولم ينو غسل الجمعة ففيه وجهان أحدهما لا يحزيه لقول النبي صلى الله عليه وسلم " وإنما لأمرئ ما نوى " وروي عن ابن لابي قتادة أنه دخل عليه يوم الجمعة مغتسلاً فقال للجمعة اغتسلت؟ قال لا ولكن للجنابة. قال فأعد غسل الجمعة. والثاني يجزيه لانه مغتسل

مسألة: ويتنظف ويتطيب ويلبس أحسن ثيابه

فيدخل في عموم الحديث ولأن المقصود التنظيف وقد حصل ولأنه قد روي في الحديث " من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة " * (فصل) * ومن لا يأتي الجمعة لا غسل عليه، قال أحمد ليس على النساء غسل يوم الجمعة وعلى قياسهن الصبيان والمسافرون، وكان ابن عمر لا يغتسل في السفر وكان طلحة يغتسل. وروي عن مجاهد وطاوس استدلالا بعموم الأحاديث المذكورة ولنا قوله عليه السلام " من أتى الجمعة فليغتسل " ولأن المقصود التنظيف وقطع الرائحة لئلا يتأذى غيره به وذلك مختص بحضور الجمعة والأخبار العامة تحمل على هذا، ولذلك يسمى غسل الجمعة، ومن لا يأتيها فليس غسله غسل الجمعة، فإن أتاها من لا تجب عليه استحب له الغسل لعموم الخبر ووجود المعنى فيه * (مسألة) * (ويتنظف ويتطيب ويلبس أحسن ثيابه)

مسألة: ويبكر إليها ماشيا ويدنو من الامام

التنظف والتطيب والسواك مندوب اليه لقول النبي صلى الله عليه وسلم " غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم وسواك وأن يمس طيباً " ويستحب أن يدهن ويتنظف ما استطاع بأخذ الشعر وقطع الرائحة لحديث سلمان الذي ذكرناه، ويستحب أن يلبس ثوبين نظيفين لما روى عبد الله بن سلام أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم في يوم الجمعة يقول " ما على أحدكم لو اشترى ثوبين ليوم جمعته سوى ثوبي مهنته " رواه مسلم. وعن أبي أيوب قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من اغتسل يوم الجمعة ومس من طيب إن كان له، ولبس من أحسن ثيابه ثم خرج وعليه السكينة حتى أتى المسجد فيركع إن بدا له ولم يؤذ أحداً، ثم أنصت إذا خرج إمامه حتى يصلي كانت كفارة ما بينها وبين الجمعة الأخرى " رواه الإمام أحمد. وأفضلها البياض لقوله عليه الصلاة والسلام " خير ثيابكم البياض ألبسوها أحياءكم، وكفنوا فيها موتاكم " والامام في هذا ونحوه آكد لأنه المنظور إليه من بين الناس * (مسألة) * (ويبكر إليها ماشيا ويدنوا من الإمام) للسعي الى الجمعة وقتان: وقت وجوب ووقت فضيلة وقد ذكرنا وقت الوجوب. وأما وقت الفضيلة فمن أول النهار فكلما كان أبكر كان أولى وأفضل. وهذا مذهب الأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي وابن المنذر، وقال مالك لا يستحب التبكير قبل الزوال لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من راح إلى الجمعة " والرواح بعد الزوال والغد قبله، قال النبي صلى الله عليه وسلم " غدوة في سبيل الله، أو روحة خير من الدنيا وما فيها " قال امرؤ القيس (تروح من الحي أم تبتكر) ولنا ما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن

راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يسمعون الذكر " متفق عليه. وقال علقمة خرجت مع عبد الله إلى الجمعة فوجد ثلاثة قد سبقوه فقال رابع أربعة وما رابع أربعة ببعيد، أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إن الناس يجلسون من الله عزوجل يوم القيامة على قدر رواحهم إلى الجمعة " رواه ابن ماجه. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من غسل يوم الجمعة واغتسل وبكر وابتكر كان له بكل خطوة يخطوها أجر سنة صيامها وقيامها " أخرجه الترمذي وقال حديث حسن ورواه ابن ماجة والنسائي وفيه " ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام واستمع ولم يلغ " وقوله " بكر " أي خرج في بكرة النهار وهو أوله. وقوله " وابتكر " أي بالغ في التبكير أي جاء في أول البكرة على ما قال امرؤ القيس (تروح من الحي أم تبتكر) وقيل معناه ابتكر العبادة مع بكورة وقيل " ابتكر الخطبة " أي حضر الخطبة مأخوذ من باكورة الثمرة وهي أولها وغير هذا أجود لأن من جاء في بكرة النهار لزم أن يحضر أول الخطبة وقوله " غسل " أي جامع ثم اغتسل يدل على هذا قوله في الحديث الآخر " من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة " قال الامام أحمد قوله " غسل واغتسل " مشددة يريد يغسل أهله. وغير واحد من التابعين عبد الرحمن بن الأسود وهلال بن يساف يستحبون أن يغسل الرجل أهله يوم الجمعة يريدون أن يطأ لأن ذلك أمكن لنفسه وأغض لطرفه في طريقه. وقال الخطابي المراد به غسل رأسه واغتسل في بدنه. وحكي ذلك عن ابن المبارك فعلى هذا يكون معنى قوله " غسل الجنابة " أي كغسل الجنابة. فأما قول مالك فمخالف

للآثار لأن الجمعة مستحب فعلها عند الزوال وكان النبي صلى الله عليه وسلم يبكر بها، ومتى خرج الامام طويت الصحف فلم يكتب من أتى الجمعة بعد ذلك، فأي فضيلة لهذا؟ فان آخر بعد ذلك شيئاً دخل في النهي والذم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم للذي جاء يتخطى رقاب الناس " أرأيتك؟ أنيت وآذيت " أي أخرت المجئ، وقال عمر لعثمان حين جاء والامام يخطب أية ساعة هذه؟ على وجه الانكار فكيف يكون لهذا بدنة أو بقرة أو فضل؟ فعلى هذا معنى قوله راح الى الجمعة أي ذهب اليها لا يحتمل غير هذا * (فصل) * ويستحب أن يمشي ولا يركب في طريقها لقوله عليه الصلاة والسلام " ومشى ولم يركب " لأن الثواب على الخطوات بدليل ما ذكرناه من الحديث ويكون عليه السكينة والوقار في مشيه، ولا يسرع لأن الماشي الى الصلاة في صلاة ولا يشبك بين أصابعه، ويقارب بين خطاه لتكثر حسناته. وقد روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خرج مع زيد بن ثابت إلى الصلاة فقارب بين خطاه ثم قال " إنما فعلت ذلك لكثرة خطانا في طلب الصلاة " وروي عن عبد الرحمن بن رواحة أنه كان يمشي الى الجمعة حافياً ويبكر ويقصر في مشيه رواهما الأثرم، ويكثر ذكر الله ويغض طرفه ويقول ما ذكرنا في أدب المشي إلى الصلاة ويقول اللهم اجعلني من أوجه من توجه إليك، وأقرب من توسل اليك وأفضل من سألك ورغب اليك، وروينا عن بعض الصحابة أنه مشى الى الجمعة حافياً

مسألة: ويشتغل بالصلاة والذكر ويقرأ سورة الكهف في يومها ويكثر الدعاء والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

فسئل عن ذلك. فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمهما الله على النار " * (فصل) * ويجب السعي الى الجمعة سواء كان من يقيمها عدلاً أو فاسقاً سنياً أو مبتدعا نص عليه الامام أحمد في رواية عباس بن عبد العظيم، وقد سئل عن الصلاة خلف المعتزلة فقال أما الجمعة فينبغي شهودها قال شيخنا ولا أعلم في هذا خلافا وذلك لعموم قوله تعالى (إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع) ولقول النبي صلى الله عليه وسلم " فمن تركها في حياتي أو بعد مماتي وله إمام جائر أو عادل استخفافاً بها فلا جمع الله له شمله " ولأنه إجماع الصحابة رضي الله عنهم. فإن عبد الله بن عمر وغيره من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يشهدونها مع الحجاج ونظرائه ولم يسمع عن أحد منهم التخلف عنها ولأن الجمعة من اعلام الدين الظاهرة ويتولاها الأئمة أو من ولوه، فتركها خلف من هذه صفته يفضي الى سقوطها. إذا ثبت هذا فإنها تعاد خلف من تعاد خلفه بقية الصلوات نص عليه الامام أحمد في رواية عباس بن عبد العظيم، وعنه رواية أخرى أنها لا تعاد لأن الظاهر من حال الصحابة رضي الله عنهم أنهم لم يكونوا يعيدونها لأنهم لم ينقل ذلك عنهم، وقد ذكرنا ذلك في باب الامامة

* (فصل) * ويستحب الدنو من الإمام لقول النبي صلى الله عليه وسلم " ودنا من الإمام فاستمع ولم يلغ " وعن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " احضروا الذكر وادنوا من الإمام فإن الرجل لا يزال يتباعد حتى يؤخر في الجنة " رواه أبو داود ولأنه أمكن له من السماع * (مسألة) * (ويشتغل بالصلاة والذكر ويقرأ سورة الكهف في يومها ويكثر الدعاء والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم) إذا حضر قبل الخطبة اشتغل بالصلاة وذكر الله تعالى لقول النبي صلى الله عليه وسلم " واعلموا أن من خير أعمالكم الصلاة " ويقرأ سورة الكهف في يوم الجمعة لما روي عن علي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة فهو معصوم إلى ثمانية أيام من كل فتنة وإن خرج الدجال عصم منه " رواه زيد بن علي في كتابه بإسناده، وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة سطع له نور من تحت قدمه

إلى عنان السماء يضئ به إلى يوم القيامة وغفر له ما بين الجمعتين " ويستحب أن يكثر من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لما روي عن أبي الدرداء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أكثروا الصلاة علي يوم الجمعة فإنه مشهود تشهده الملائكة " رواه ابن ماجه، وعن أوس بن أوس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه قبض وفيه النفخة وفيه الصعقة فأكثروا علي من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة علي " قالوا يا رسول الله كيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟ (أي بليت) قال " إن الله عزوجل حرم على الأرض أجساد الأنبياء عليهم السلام " رواه أبو داود * (فصل) * ويستحب الإكثار من الدعاء يوم الجمعة لعله يوافق ساعة الإجابة لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر يوم الجمعة فقال " فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو يصلي يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه " وأشار بيده يقللها وفي لفظ " وهو قائم يصلي " متفق عليه. واختلف في تلك الساعة فقال عبد الله ابن سلام وطاوس هي آخر ساعة في يوم الجمعة وفسر عبد الله بن سلام الصلاة بانتظارها بقول النبي صلى الله عليه وسلم " إن العبد المؤمن إذا صلى ثم جلس لا يجلسه إلا الصلاة فهو في صلاة " رواه ابن ماجه، وروي هذا القول مرفوعاً، فعلى هذا يكون القيام بمعنى الملازمة والاقامة كقوله تعالى

إلا مادمت عليه قائما) وعن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " التمسوا الساعة التي ترجى في يوم الجمعة بعد العصر إلى غيبوبة الشمس " أخرجه الترمذي، وقيل هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تنقضي الصلاة لما روى أبو موسى قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن يقضي الإمام الصلاة " رواه مسلم، وعن عمرو بن عوف المزني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " إن في الجمعة ساعة لا يسأل الله العبد فيها شيئاً إلا آتاه الله إياه " قالوا يا رسول الله أية ساعة هي؟ قال " حين تقام الصلاة إلى الانصراف منها " رواه ابن ماجه والترمذي وقال حديث حسن غريب. فعلى هذا تكون الصلاة مختلفة فتكون في حق كل قوم في وقت صلاتهم وقيل هي ما بين الفجر إلى طلوع الشمس، ومن العصر الى غروبها وقيل هي الساعة الثالثة لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال قيل للنبي صلى الله عليه وسلم لأي شئ سمي يوم الجمعة؟ قال " لأن فيها طبعت طينة أبيك آدم، وفيها الصعقة والبعثة وفيها البطشة، وفي آخر ثلاث ساعات منها من دعا الله

مسألة: ولا يتخطى رقاب الناس إلا أن يكون إماما أو يرى فرجة فيتخطى إليها وعنه يكره

فيها استجيب له " رواه الإمام أحمد. وقال كعب لو قسم الانسان جمعه في جمع أتى على تلك الساعة وقيل هي متنقلة في اليوم، وقال ابن عمر أن طلب حاجة في يوم ليسير، وقيل أخفى الله تعالى هذه الساعة ليجتهد العباد في طلبها وفي الدعاء في جميع اليوم، كما أخفي ليلة القدر في رمضان وأولياءه في الناس ليحسن الظن بجميع الصالحين * (مسألة) * (ولا يتخطى رقاب الناس إلا أن يكون إماماً أو يرى فرجة فيتخطى إليها وعنه يكره) يكره تخطي رقاب الناس لغير الإمام لقول النبي صلى الله عليه وسلم " فلا يفرق بين اثنين " وقوله صلى الله عليه وسلم " ولم يتخط رقبة مسلم ولم يؤذ أحداً " وقوله صلى الله عليه وسلم للذي جاء يتخطى رقاب الناس " اجلس فقد أنيت وآذيت " رواه ابن ماجه، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من تخطى رقاب الناس يوم الجمعة اتخذ جسراً الى جهنم " رواه أبو داود والترمذي وقال لا نعرفه إلا من حديث رشدين بن سعد وقد ضعفه بعض أهل العلم من قبل حفظه. فأما الإمام فإذا لم يجد طريقاً فلا يكره له التخطي لأنه موضع حاجة * (فصل) * إذا رأى فرجة لا يصل إليها إلا بالتخطي ففيه روايتان: إحداهما له التخطي قال أحمد يدخل الرجل ما استطاع ولا يدع بين يديه موضعاً فارغا، وذلك لأن الذي جلس دون الفرجة ضيع حقه بتأخره عنها وأسقط حرمته فلا بأس بتخطيه وبه قال الأوزاعي، وقال قتادة يتخطاهم الى مصلاه

مسألة: ولا يقيم غيره فيجلس في مكانه إلا من قدم صاحبا له فجلس في موضع يحفظه له

وقال الحسن يخطو رقاب الذين يجلسون عى أبواب المسجد فانه لا حرمة لهم وعنه يكره لما ذكرنا من الأحاديث، وعنه إن كان يتخطى الواحد والاثنين فلا بأس فإن كثر كرهناه وكذلك قال الشافعي إلا أن لا يجد سبيلاً الى مصلاه الا بالتخطي فيسعه التخطي إن شاء الله. قال شيخنا ولعل قول أحمد ومن وافقه في الرواية الأولى فيما إذا تركوا مكاناً واسعاً مثل الذين يصفون في آخر المسجد ويتركون بين أيديهم صفوفاً خالية فهؤلاء لا حرمة لهم كما قال الحسن لأنهم خالفوا أمر النبي صلى الله عليه وسلم ورغبوا عن الفضيلة وخير الصفوف وجلسوا في شرها فتخطيهم مما لابد منه. وقوله الثاني في حق من لم يفرط وإنما جلسوا في مكانهم لامتلاء ما بين أيديهم، فأما إن لم تمكن الصلاة الا بالتخطي جاز لأنه موضع حاجة * (مسألة) * (ولا يقيم غيره فيجلس في مكانه إلا من قدم صاحباً له فجلس في موضع يحفظه له) ليس له أن يقيم إنساناً ويجلس في موضعه سواء كان المكان لشخص يجلس فيه أو موضع حلقة لمن يحدث فيها أو حلقة يتذاكر فيها الفقهاء أو لم يكن لما روى ابن عمر قال نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يقيم الرجل (يعني أخاه) من مقعده ويجلس فيه متفق عليه ولأن المسجد بيت الله تعالى والناس فيه سواء العاكف فيه والبادي فمن سبق الى مكان منه فهو أحق به لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به " فإن قدم صاحباً له فجلس حتى إذا جاء قام صاحبه

مسألة: ومن قام من موضعه لعارض لحقه ثم عاد إليه فهو أحق به

وأجلسه فلا بأس لأن النائب يقوم باختياره. وقد روي عن محمد بن سيرين أنه كان يرسل غلاماً له يوم الجمعة فيجلس في مكان فاذا جاء قام الغلام وجلس فيه محمد فإن لم يكن نائباً فقام باختياره ليجلس آخر مكانه فلا بأس لأنه قوم باختيار نفسه أشبه النائب. وأما القائم فان انتقل الى مثل مكانه الذي آثر به في القرب وسماع الخطبة فلا بأس وإلا كره له ذلك لأنه يؤثر على نفسه في الدين، ويحتمل أن لا يكره إذا كان الذي آثره من أهل الفضل لأن تقديمهم مشروع لقول النبي صلى الله عليه وسلم " ليلني منكم أولو الأحلام والنهى " ولو آثر شخصاً بمكانه فليس لغيره أن يسبقه اليه لأنه قام مقام الجالس في استحقاق مكانه أشبه ما لو تحجر مواتاً ثم أثر به غيره، وقال ابن عقيل يجوز لأن القائم أسقط حقه بالقيام فبقي على الأصل فكان السابق اليه أحق به كمن وسع لرجل في طريق فمر غيره والصحيح الاول، ويفارق التوسعة في الطريق لأنها جعلت للمرور فيها فمن انتقل من مكان فيها لم يبق له حق يؤثر به، والمسجد جعل للإقامة فيه وكذلك لا يسقط حق المنتقل منه اذا انتقل منه لحاجة، وهذا إنما انتقل مؤثراً لغيره فأشبه النائب الذي يعينه إنسان ليجلس في موضع يحفظه له، ولو كان الجالس مملوكاً لم يكن لسيده أن يقيمه لعموم الخبر ولأن هذا ليس بمال وإنما هو حق ديني فاستوى فيه العبد وسيده كالحقوق الدينية

* (مسألة) * (وإن وجد مصلى مفروشة فهل له رفعها؟ على روايتين) إحداهما ليس له ذلك لأن فيه افتئاتاً على صاحبها وربما أفضى إلى الخصومة ولأنه سبق إليه أشبه السابق إلى رحبة المسجد ومقاعد الأسواق. والثاني يجوز رفعه والجلوس موضعه لأنه لا حرمة له ولأن السبق بالابدان هو الذي يحصل به الفضل لا بالأوطئة، ولأن تركها يفضي إلى أن يتأخر صاحبها ثم يتخطى رقاب الناس ورفعها ينفي ذلك * (مسألة) * (ومن قام من موضعه لعارض لحقه ثم عاد إليه فهو أحق به) اذا جلس في مكان ثم بدت له حاجة أو احتاج الى الوضوء فله الخروج لما روى عقبة قال صليت وراء النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة العصر فسلم ثم قام مسرعاً فتخطى رقاب الناس إلى حجر بعض نسائه فقال " ذكرت شيئاً من تبر عندنا فكرهت أن يحبسني فأمرت بقسمته " رواه البخاري. واذا قام من مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق به رواه مسلم، وحكمه في التخطي الى موضعه حكم من رأى بين يديه فرجة * (فصل) * ويستحب لمن نعس يوم الجمعة أن يتحول من موضعه لما روى ابن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إذا نعس أحدكم يوم الجمعة في مجلسه فليتحول إلى غيره " رواه الإمام أحمد ولأن ذلك يصرف عنه النوم * (فصل) * وتكره الصلاة في المقصورة التي تحمى نص عليه أحمد، وروي عن ابن عمر أنه كان إذا حضرت الصلاة في المقصورة خرج وكرهه الاحنف وابن محير؟ والشعبي وإسحق ورخص فيه

مسألة: ومن دخل والإمام يخطب لم يجلس حتى يركع ركعتين يوجز فيهما

أنس والحسن والحسين رضي الله عنهم والقاسم وسالم لأنه من الجامع كسائر المسجد، ووجه الأول أنه يمنع الناس من الصلاة فيه فصار كالمغصوب فكره لذلك، فإن كانت لا تحمى احتمل أن لا تكره الصلاة فيها لعدم شبه الغصب واحتمل أن تكره لأنها تقطع الصفوف فأشبه الصلاة بين السواري، فعلى هذا إنما تكره الصلاة فيها اذا قطعت الصفوف * (فصل) * واختلفت الرواية عن أحمد في الصف الأول فقال في موضع هو الذي يلي المقصورة لأنها تحمى. وقال ما أدري هل الصف الاول الذي يقطعه المنبر أو الذي يليه؟ قال شيخنا والصحيح أنه الذي يقطعه المنبر لأنه الصف الاول حقيقة، ولو كان الأول ما دونه أفضى الى خلو ما يلي الامام ولأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان يليه فضلاؤهم، ولو كان الصف الاول وراء المنبر لوقفوا فيه * (مسألة) * (ومن دخل والإمام يخطب لم يجلس حتى يركع ركعتين يوجز فيهما) وبه قال الحسن وابن عيبنة والشافعي وإسحق وأبو ثور وابن المنذر، وقال شريح وابن سيرين والنخعي وقتادة والثوري ومالك والليث وأبو حنيفة يكره له أن يركع لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للذي جاء يتخطى رقاب الناس " اجلس فقد أنيت وآذيت " رواه ابن ماجه، ولأن الركوع يشغله عن استماع الخطبة فكره كغير الداخل ولنا ما روى جابر قال جاء رجل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب قال صليت يا فلان؟ قال لا.

مسألة: ولا يجوز الكلام والإمام يخطب إلا له أو لمن كلمه

قال قم فصل ركعتين " متفق عليه. وفي لفظ لمسلم " إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما " فان جلس قبل أن يركع استحب له أن يقوم فيركع لما روى جابر أن سليكا الغطفاني جاء يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم قاعد على المنبر فقعد سليك قبل أن يصلي فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " اركعت ركعتين؟ قال لا. قال قم فاركعهما " رواه مسلم، وفي لفظ جاء سليك الغطفاني يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فجلس فقال " يا سليك قم فاركع ركعتين وتجوز فيهما " وحديثهم قضية في عين يحتمل أنه أمره بالجلوس لضيق المكان أو لكونه في آخر الخطبة بحيث لو تشاغل بالصلاة فاتته تكبيرة الاحرام. والظاهر أنه صلى الله عليه وسلم إنما أمره بالجلوس ليكف أذاه عن الناس فان خشي أن يفوته أول الصلاة اذا تشاغل بهما لم يستحب له التشاغل بهما لذلك * (فصل) * وينقطع التطوع بجلوس الإمام على المنبر فلا يصلي أحد غير الداخل يصلي تحية المسجد روي عن ابن عباس وابن عمر لما روى ثعلبة بن مالك أنهم كانوا في زمن عمر بن الخطاب رضي الله يوم الجمعة يصلون حتى يخرج عمر ولأنه يشتغل عن سماع الخطبة المندوب اليه * (فصل) * ويكره التحلق يوم الجمعة قبل الصلاة لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الحلق يوم الجمعة قبل الصلاة رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي * (مسألة) * (ولا يجوز الكلام والإمام يخطب إلا له أو لمن كلمه) يجب الانصات من حين يأخذ الامام في الخطبة فلا يجوز الكلام لمن حضرها، نهى عن ذلك

عثمان وابن عمر وقال أبو مسعود: اذا رأيته يتكلم والامام يخطب فأقرع رأسه بالعصا، وكره ذلك عامة أهل العلم منهم مالك وأبو حنيفة والاوزاعي. وعن أحمد لا يحرم الكلام، وكان سعيد بن جبير والنخعي والشعبي وأبو بردة يتكلمون والحجاج يخطب، وقال بعضهم إنا لم نؤمر أن ننصت لهذا، وللشافعي قولان كالروايتين. واحتج من أجازه بما روى أنس قال بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة إذ قام رجل فقال يا رسول الله هلك الكراع هلك الشاء فأدع الله أن يسقينا. وذكر الحديث متفق عليه. وروى أن رجلاً قام والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة فقال يا رسول الله متى الساعة؟ فأعرض النبي صلى الله عليه وسلم وأومأ الناس إليه بالسكوت فلم يقبل وأعاد الكلام. فلما كان الثالثة قال له النبي صلى الله عليه وسلم " ويحك ماذا أعددت لها؟ قال حب الله ورسوله. قال إنك مع من أحببت " فلم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم كلامه ولو حرم لا نكره ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا قلت لصاحبك أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت " متفق عليه، وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كمثل الحمار يحمل أسفاراً، والذي يقول له أنصت ليس له جمعة " رواه الإمام أحمد. وعن أبي بن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ يوم الجمعة تبارك وهو قائم فذكرنا بأيام الله - وأبو الدرداء وأبو ذر يغمزني - فقال متى أنزلت هذه السورة إني لم أسمعها إلا الآن

فأشار إليه (1) أن أسكت فلما انصرفوا قال سألتك متى أنزلت هذه السورة فلم تخبرني فقال أبي ليس لك من صلاتك اليوم إلا ما لغوت. فذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك وأخبره بالذي قال أبي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " صدق أبي " رواه عبد الله بن أحمد وابن ماجة (2) وما احتجوا به فالظاهر أنه مختص بمن كلم الامام أو كلمه الامام لأنه لا يشتغل بذلك عن سماع خطبته وكذلك سأل النبي صلى الله عليه وسلم الذي دخل " هل صليت " فأجابه. وسأل عمر عثمان فأجابه فتعين حمله على ذلك جمعاً بين الأخبار، ولا يصح قياس غيره عليه لأن كلام الامام لا يكون في حال خطبته بخلاف غيره، ولو قدر التعارض ترجحت أحاديثنا لأنها قول النبي صلى الله عليه وسلم ونصه وذلك سكوته والنص أقوى * (فصل) * ولا فرق بين القريب والبعيد لعموم ما ذكرناه، وقد روي عن عثمان رضي الله عنه أنه قال من كان قريباً يسمع وينصت ومن كان بعيداً ينصت فان للمنصت الذي لا يسمع من الحظ ما للسامع، وقد روى عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " يحضر الجمعة ثلاثة نفر

_ " 1 " أي أبي " 2 " وهو صحيح السند

رجل حضرها بلغو فهو حظه منها، وجل حضرها بدعاء فهو رجل دعا الله عزوجل إن شاء أعطاه وإن شاء منعه، ورجل حضرها بإنصات وسكوت ولم يتخط رقبة مسلم ولم يؤذ أحداً فهو كفارة إلى الجمعة التي تليها وزيادة ثلاثة أيام وذلك بأن الله عزوجل يقول (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) رواه الإمام أحمد وأبو داود. وقال القاضي يجب الانصات على السامع ويستحب لمن لا يسمع لأن الانصات إنما وجب لأجل الاستماع والأول أولى لعموم النصوص، وللبعيد أن يذكر الله تعالى ويقرأ القرآن ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ولا يرفع صوته. قال أحمد لا بأس أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم فيما بينه وبين نفسه ورخص له في القراءة والذكر عطاء وسعيد بن جبير والشافعي وليس له رفع صوته ولا المذاكرة في الفقه ولا الصلاة ولا أن يجلس في حلقة، قال ابن عقيل له صلاة النافلة والمذاكرة في الفقه ولنا عموم الأحاديث المذكورة وأنه صلى الله عليه وسلم نهى عن الحلق يوم الجمعة قبل الصلاة ولأنه اذا رفع صوته منع من هو أقرب منه من السماع وآذاه بذلك فيكون عليه إثم من يؤذي المسلمين وصد عن ذكر الله تعالى، وهل ذكر الله سراً أفضل أو الانصاف؟ فيه وجهان: أحدهما الانصات أفضل لحديث عبد الله بن عمرو وقول عثمان. والثاني الذكر أفضل لأنه لا يحصل ثواب الذكر من غير ضرر فكان أفضل كقبل الخطبة

* (فصل) * فأما الكلام على الخطيب أو من كلمه فلا يحرم لأن النبي صلى الله عليه وسلم سأل سليكاً الداخل وهو يخطب أصليت؟ قال لا، وسأل عمر عثمان حين دخل وهو يخطب فأجابه عثمان ولأن تحريم الكلام عليه لاشتغاله بالأنصات الواجب وسماع الخطبة ولا يحصل ها هنا، وسواء سأله الخطيب فأجابه أو كلم بعض الناس الخطيب لحاجة ابتداء لما ذكرنا من الحديثين قبل * (فصل) * واذا سمع متكلماً لم ينهه بالكلام لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا قلت لصاحبك أنصت والإمام يخطب فقد لغوت " ولكن يشير إليه ويضع اصبعه على فيه كما روينا عن أبي. وهذا قول زيد بن صوخان وعبد الرحمن بن أبي ليلي والثوري والاوزاعي وكره الاشارة طاوس. ولنا أن الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم متى الساعة أومأ اليه الناس بالسكوت بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكر عليهم ولأن الاشارة تجوز في الصلاة للحاجة التي يبطلها الكلام فجوازها في الخطبة أولى * (فصل) * فأما الكلام الواجب كتحذير الضرير من البئر ومن يخاف عليه ناراً أو حية ونحو ذلك فلا يحرم لأن هذا يجوز في نفس الصلاة مع فسادها به فهنا أولى. فأما تشميت العاطس ورد السلام ففيه روايتان: إحداهما يجوز. قال الأثرم سمعت أبا عبد الله يسأل يرد الرجل السلام يوم الجمعة ويشمت العاطس؟ فقال نعم والامام يخطب. وقال أبو عبد الله قد فعله غير واحد، قال ذلك غير مرة. وممن يرخص فيه الحسن والشعبي والنخعي وقتادة والثوري وإسحق لأن هذا واجب فوجب الإتيان به في الخطبة لحق الآدمي فهو كتحذير الضرير. والرواية الثانية أن كان لا يسمع در

مسألة: ويجوز الكلام قبل الخطبة وبعدها وعنه يجوز فيها

السلام وشمت العاطس، وإن كان يسمع فليس له ذلك نص عليه أحمد في رواية أبي داود. قلت لأحمد يرد السلام والامام يخطب ويشمت العاطس؟ قال إذا كان لا يسمع الخطبة فيرد وإذا كان يسمع فلا. قال الله تعالى (فاستمعوا له وأنصتوا) قيل له الرجل يسمع نغمة الامام بالخطبة ولا يدري ما يقول أيرد السلام؟ قال لا. وروي نحو ذلك عن عطاء وذلك لأن الانصات واجب فلم يجز الكلام المانع منه من غير ضرورة كالأمر بالانصات بخلاف من لا يسمع، وقال القاضي لا يرد ولا يشمت، وروي نحو ذلك عن ابن عمر وهو قول مالك والاوزاعي وأصحاب الرأي واختلف فيه عن الشافعي فيحتمل قول القاضي أن يكون مختصاً بمن يسمع فيكون مثل الرواية الثانية، ويحتمل أن يكون عاماً في الجميع لأن وجوب الانصات شامل لهم فأشبهوا السامعين، ويجوز أن يرد على المسلم بالإشارة ذكره القاضي في المجرد لأنه يجوز في الصلاة فها هنا أولى * (مسألة) * (ويجوز الكلام قبل الخطبة وبعدها وعنه يجوز فيها) يجوز الكلام قبل الخطبة وبعد فراغه منها من غير كراهة وبهذا قال عطاء وطاوس والزهرى النخعي ومالك والشافعي وإسحق ويعقوب ومحمد وروي عن ابن عمر وكرهه الحكم، وقال أبو حنيفة إذا خرج الإمام حرم الكلام، قال ابن عبد البر: ابن عمر وابن عباس كانا يكرهان الكلام والصلاة بعد خروج الامام ولا مخالف لهم في الصحابة ولنا ما روى ثعلبة بن مالك أنهم كانوا يتحدثون يوم الجمعة وعمر جالس على المنبر فاذا سكت المؤذن وقام عمر لم يتكلم أحد حتى يقضي الخطبة فاذا قامت الصلاة ونزل عمر تكلموا. وهذا يدل

على شهرة الأمر بينهم ولأن قول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا قلت لصاحبك أنصت والإمام يخطب فقد لغوت " يدل على تخصيصه بوقت الخطبة ولأن الكلام؟ إنما حرم لأجل الانصات للخطبة ولا وجه لتحريمه مع عدمها، وقولهم لا مخالف لهما في الصحابة قد ذكرنا عن عمومهم خلاف ذلك * (فصل) * فأما الكلام في الجلسة بين الخطبتين فيحتمل جوازه لما ذكرنا وهذا قول الحسن ويحتمل المنع وهو قول مالك والشافعي والاوزاعي وإسحق لأنه سكوت يسير في أثناء الخطبتين أشبه السكوت للتنفس. واذا بلغ الخطيب الى الدعاء فهل يجوز الكلام؟ فيه وجهان: أحدهما الجواز لأنه فرغ من الخطبة أشبه ما لو نزل. والثاني لا يجوز لأنه تابع للخطبة فيثبت له ما ثبت لها كالتطويل في الموعظة ويحتمل أنه إن كان دعاء مشروعاً كالدعاء للمؤمنين والمؤمنات، والامام العادل أنصت وإن كان لغيره لم يلزم الانصات لأنه لا حرمة له * (فصل) * ويكره العبث والامام يخطب لقول النبي صلى الله عليه وسلم " ومن مس الحصى فقد لغا " قال الترمذي هذا حديث صحيح. واللغو الاثم قال الله تعالى (والذين هم عن اللغو معرضون) ولأن العبث يمنع الخشوع ويكست الاثم ويكره أن يشرب والامام يخطب اذا كان يسمع وبه قال مالك والاوزاعي ورخص فيه مجاهد وطاوس والشافعي لأنه لا يشتغل عن السماع، ووجه الأول أنه فعل يشتغل به أشبه مس الحصى فإن كان لا يسمع لم يكره نص عليه لأنه لم يسمع فلا يشتغل به * (فصل) * قال الامام أحمد لا يتصدق على السؤال والامام يحطب لانهم فعلوا مالا يجوز فلا يعينهم عليه، قال الامام أحمد وإن حصبه كان أعجب إلي لأن ابن عمر رأى سائلاً يسأل والامام يحطب يوم الجمعة فحصبه قيل للامام أحمد فإن تصدق عليه إنسان فناولته والامام يحطب؟ قال لا. قيل فان سأل

قبل خطبة الامام ثم جلس فأعطاني رجل صدقة أناوله إياها قال نعم. هذا لم يسأل والامام يخطب * (فصل) * ولا بأس بالاحتباء يوم الجمعة والإمام يخطب روى ذلك عن ابن عمر وجماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وإليه ذهب عامة أهل العلم منهم مالك والثوري والشافعي وأصحاب الرأي، وقال أبو داود لم يبلغني ان أحداً كرهه إلا عبادة بن سنى لان سهل بن معاذ روي أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الحبوة يوم الجمعة والإمام يخطب رواه أبو داود ولنا ما روى يعلى بن شداد بن أوس قال شهدت مع معاوية ببيت المقدس فجمع بنا فنطرت فاذا جل من في المسجد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيتهم محتبين والامام يحطب، وفعله ابن عمر وأنس ولا نعرف لهما مخالفا فكان إجماعا والحديث في إسناده مقال قاله ابن المنذر والأولى تركه لأجل الحديث وإن كان ضعيفاً لأنه يصير به متهيئاً للنوم والسقوط واسقاط الوضوء، ويحمل النهي في الخبر على الكراهة وأحوال الصحابة الذين فعلوه على أنه لم يبلغهم الخبر * (فصل) * قال الامام أحمد إذا كان يقرؤن الكتاب يوم الجمعة على الناس بعد الصلاة أعجب الي أن يسمع اذا كان فتحاً من فتوح المسلمين أو كان فيه شئ من أمور المسلمين، وان كان شئ إنما فيه ذكرهم فلا يستمع، وقال في الذين يصلون في الطرقات إذا لم يكن بينهم باب مغلق فلا بأس وسئل عمن صلى خارج المسجد يوم الجمعة والأبواب مغلقة قال أرجو أن لا يكون به بأس، وسئل عن الرجل يصلي يوم الجمعة وبينه وبين الامام سترة قال إذا لم يقدر على غير ذلك يعني يجزيه

باب صلاة العيدين

* (باب صلاة العيدين) * وهي مشروعة والأصل في ذلك الكتاب والسنة والإجماع. أما الكتاب فقوله عزوجل (فصل لربك وانحر) المشهور في التفسير إن المراد بها صلاة العيد. وأما السنة فثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم بالتواتر أنه كان يصلي العيدين. قال ابن عباس شهدت صلاة الفطر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر فكلهم يصليها قبل الخطبة متفق عليه. وعنه إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بغير اذان ولا إقامة، وأجمع المسلمون على صلاة العيدين * (مسألة) * (وهي فرض على الكفاية إن اتفق أهل بلد على تركها قاتلهم الإمام) صلاة العيد فرض على الكفاية في ظاهر المذهب إذا قام بها من يكفي سقطت عن الباقين وبه قال بعض أصحاب الشافعي. وقال أبو حنيفة هي واجبة على الأعيان وليست فرضاً، وقال ابن أبي موسى وقد قيل أنها سنة مؤكدة وهو قول مالك وأكثر أصحاب الشافعي لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم للأعرابي حين ذكر خمس صلوات قال هل علي غيرهن قال " لا إلا أن تطوع " ولأنها صلاة ذات ركوع وسجود لا يشرع لها أذان فلم تكن واجبة كصلاة الاستسقاء، ثم اختلفوا فقال بعضهم إذا امتنع جميع الناس من فعلها قاتلهم الامام عليها. وقال بعضهم لا يقاتلهم ولنا على أنها لا تجب على الاعيان أنها صلاة لا يشرع لها الأذان فلم تجب على الاعيان كصلاة الجنازة ولأن الخبر الذي ذكره مالك ومن وافقه يقتضي نفي وجوب صلاة سوى الخمس، وإنما خولف بفعل النبي صلى الله عليه وسلم ومن صلى معه فيختص بمن كان مثلهم ولأنها لو وجبت على الأعيان لوجبت خطبتها والاستماع لها كالجمعة

مسألة: وأول وقتها إذا ارتفعت الشمس وآخره إذا زالت

ولنا على وجوبها في الجملة قوله تعالى (فصل لربك وانحر) والأمر يقتضي الوجوب ولأنها من اعلام الدين الظاهرة فكانت واجبة كالجمعة والجهاد ولأنها لو لم تجب لم يجب قتال تاركيها لأن القتال عقوبة فلا يتوجه الى تارك مندوب كالقتل والضرب وقياساً على سائر السنن. فأما حديث الاعرابي الاعرابي فليس لهم فيه حجة لأن الاعراب لا تلزمهم الجمعة فالعيد أولى على أنه مخصوص بالصلاة على الجنازة المنذورة فكذلك صلاة العيد، وقياسهم لا يصح لأن كونها ذات ركوع وسجود أثر له فيجب حذفه فينتقض بصلاة الجنازة وينتقض على كل حال بالصلاة المنذورة (فصل) وإذا اتفق أهل بلد على تركها قاتلهم الامام لأنها من شعائر الإسلام الظاهرة فقوتلوا على تركها كالأذان ولأنها من فروض الكفايات فقوتلوا على تركها كغسل الميت والصلاة عليه إذا اتفقوا على تركه * (مسألة) * (وأول وقتها إذا ارتفعت الشمس وآخره إذا زالت) أول وقت صلاة العيد اذا خرج وقت النهي وارتفعت الشمس قيد رمح من طلوع الشمس وذلك ما بين وقتي النهي عن صلاة النافلة. وقال أصحاب الشافعي أول وقتها إذا طلعت الشمس لما روى يزيد بن حمير قال خرج عبد الله بن بشر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم عيد فطر أو أضحى فأنكر ابطاء الامام وقال إنا كنا قد فرغنا ساعتنا هذه وذلك حين صلاة التسبيح. رواه أبو داود وابن ماجة ولنا ما روى عقبة بن عامر قال ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن وأن نقبر فيهن موتانا حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع ولأنه وقت نهي عن الصلاة فيه فلم

مسألة: فإن لم يعلم بالعيد إلا بعد الزوال خرج من الغد فصلى بهم

يكن وقتاً للعيد كقبل طلوع الشمس ولأن النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعده لم يصلوا حتى ارتفعت الشمس بدليل الإجماع أن فعلها في ذلك الوقت أفضل ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ليفعل إلا الأفضل، ولو كان لها وقت قبل ذلك لكان تقييده بطلوع الشمس تحكماً بغير نص ولا معنى نص، ولا يجوز التوقيت بالتحكم. وأما حديث عبد الله بن بشر فيحتمل على أنه أنكر ابطاء الامام عن وقتها المجمع عليه لأنه لو حمل على غير هذا لم يكن ابطاء، ولا يجوز أن يحمل ذلك على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل الصلاة في وقت النهي لأنه مكروه بالاتفاق والأفضل خلافه، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يداوم على المفضول ولا المكروه فتعين حمله على ما ذكرنا * (مسألة) * (فإن لم يعلم بالعيد إلا بعد الزوال خرج من الغد فصلى بهم) وهذا قول الأوزاعي والثوري وإسحق وابن المنذر. وحكي عن أبي حنيفة أنها لا تقضى. وقال الشافعي إن علم بعد غروب الشمس كقولنا وإن علم بعد الزوال لم يصل لأنها صلاة شرع لها الاجتماع والخطبة فلا تقضى بعد فوات وقتها كالجمعة وإنما يصليها اذا علم بعد غروب الشمس لأن العيد هو الغد لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " فطركم يوم تفطرون وأضحاكم يوم تضحون وعرفتكم يوم تعرفون " (1) ولنا ما روى أبو عمير بن أنس عن عمومة له من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ركباً جاؤا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فشهدوا أنهم رأوا الهلال بالأمس فأمرهم أن يفطروا فإذا أصبحوا أن يغدوا إلى مصلاهم رواه أبو داود. وقال الخطابي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى أن تتبع، وحديث ابن عمير صحيح والمصير اليه واجب ولأنها صلاة مؤقتة فلا تسقط بفوات الوقت كسائر الفروض: فأما الجمعة فانها معدول بها عن الظهر بشرائط منها الوقت فإذا فات واحد منهما رجع إلى الأصل

_ " 1 " رواه الشافعي والبيهقي عن عطاء مرسلا بسند ضعيف وروى أبو داود والبيهقي الجملتين في العيدين بسند صحيح عن أبي هريرة وله تتمة أخرى

مسألة: ويسن تقديم الأضحى وتأخير الفطر والأكل في الفطر قبل الصلاة والامساك في الأضحى حتى يصلي

(فصل) فأما الواحد اذا فاتته حتى تزول الشمس وأحب قضاءها قضاها متى أحب. وقال ابن عقيل لا يقضيها إلا من الغد كالمسألة قبلها وهذا لا يصح لأن ما يفعله تطوع فمتى أحب أتى به وفارق إذا لم يعلم الناس لأنهم تفرقوا على أن العيد في الغد فلا يجتمعون إلا الى الغد، ولا كذلك ها هنا لأنه يحتاج إلى اجتماع الجماعة ولأن صلاة الامام هي الواجبة التي يعتبر لها شروط العيد ومكانه، فاعتبر لها العيد بخلاف هذا * (مسألة) * (ويسن تقديم الأضحى وتأخير الفطر والأكل في الفطر قبل الصلاة والامساك في الأضحى حتى يصلي) يستحب تقديم الأضحى ليتسع وقت التضحية لأن التضحية لا تجوز إلا بعد الصلاة وتأخير الفطر ليتسع وقت اخراج صدقة الفطر لأن السنة اخراجها يوم العيد قبل الصلاة وهذا مذهب الشافعي ولا أعلم فيه خلافا. وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى عمرو بن حزم " أن أخر صلاة الفطر وعجل الأضحى وذكر الناس " الحديث مرسل رواه الشافعي (فصل) ويستحب الأكل في الفطر قبل الصلاة وأن لا يأكل في الأضحى حتى يصلي، روى ذلك عن علي وابن عباس وهو قول مالك والشافعي ولا نعلم فيه خلافا لما روى أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات وقال مرجأ بن رجاء حدثني عبيد الله قال حدثني أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم ويأكلهن وترار رواه البخاري، وعن بريدة قال كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم ولا يطعم يوم الأضحى حتى يصلي رواه الإمام أحمد والترمذي وهذا لفظه ورواه الأثرم ولفظ روايته حتى يضحي. ويستحب أن يفطر على تمرات ويأكلهن وتراً لما ذكرنا من الحديث، وأما في الأضحى فإن كان له أضحية استحب أن يفطر على شئ منها. قال أحمد والأضحى لا يأكل فيه حتى يرجع إذا كان له ذبح لأن النبي صلى الله عليه وسلم

مسألة: ويستحب الغسل والتبكير إليها بعد الصبح ماشيا على أحسن هيئة إلا المعتكف يخرج في ثياب اعتكافه أو إماما يتأخر إلى وقت الصلاة

أكل من ذبيحته، وروى الدارقطني حديث بريدة وفيه وكان لا يأكل يوم النحر حتى يرجع فيأكل من أضحتيه وإذا لم يكن له ذبح لم يبال أن يأكل * (مسألة) * (ويستحب الغسل والتبكير إليها بعد الصبح ماشياً على أحسن هيئة إلا المعكتف يخرج في ثياب اعتكافه أو إماماً يتأخر إلى وقت الصلاة) يستحب الغسل للعيد وكان ابن عمر يغتسل يوم الفطر رواه مالك في الموطأ، وروي ذلك عن علي رضي الله عنه وبه قال علقمة وعروة وعطاء والنخعي والشعبي ومالك والشافعي وابن المنذر لما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل يوم الفطر ويوم الأضحى رواه ابن ماجه إلا أنه من رواية جنادة بن مغلس وهو ضعيف، وروى أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في جمعة من الجمع " ان هذا يوم جعله الله عيداً للمسلمين فاغتسلوا، ومن كان عنده طيب فلا يضره أن يمس منه، وعليكم بالسواك " علل بكونه عيداً ولأنه يوم يشرع فيه الاجتماع للصلاة فاستحب الغسل فيه كيوم الجمعة، وان توضأ أجزأه لأنه إذا أجزأ في الجمعة مع الامر بالغسل لها فها هنا أولى، ووقت الغسل بعد طلوع الفجر في ظاهر كلام الخرقي. قال الآمدي ان اغتسل قبل الفجر لم يصب سنة لاغتسال، وقال ابن عقيل المنصوص عن أحمد أنه قبل الفجر وبعده ولأن زمن العيد أضيق من وقت الجمعة فلو وقف على طلوع الفجر ربما فات ولأن المقصود منه التنظيف وذلك يحصل بالغسل في الليل القربة من الصلاة، والأولى أن يكون بعد الفجر ليخرج من الخلاف ولأنه أبلغ في النظافة لقربه من الصلاة والغسل لها غير واجب. قال ابن عقيل ويتخرج وجوبه بناء على غسل الجمعة لأنها في معناها (فصل) ويستحب التبكير الى العيد بعد صلاة الصبح والدنو من الامام ليحصل له أجر التبكير وانتظار الصلاة ويحصل له فضل الدنو من الامام من غير تخطي رقاب الناس ولا أذى أحد. قال عطاء بن السائب كان عبد الرحمن بن أبي ليلى وعبد الله بن مغفل يصليان الفجر يوم العيد وعليهما

ثيابهما ثم يتدافعان الى الجبانة أحدهما يكبر والآخر يهلل، فأما الامام فانه يتأخر إلى وقت الصلاة لما روى أبو سعيد قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى فأول شئ يبدأ به الصلاة رواه مسلم، قال مالك مضت السنة أن يخرج الامام من منزله قدر ما يبلغ المصلى وقد حلت الصلاة، وروي عن ابن عمر أنه كان لا يخرج حتى تطلع الشمس، ويستحب أن يخرج ماشياً وعليه السكينة والوقار كما ذكرنا في الجمعة وهذا قول عمر بن عبد العزيز والنخعي والثوري والشافعي وغيرهم لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يركب في عيد ولا جنازة، وروى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحرج إلى العيد ماشياً ويرجع ماشياً رواه ابن ماجه، وإن كان بعيداً فلا بأس أن يركب نص عليه أحمد لما روي أن عمر بن عبد العزيز قال على المنبر يوم الجمعة ان الفطر غداً فامشوا الى مصلاكم فإن ذلك كان يفعل، ومن كان من أهل القرى فليركب فاذا جاء الى المدينة فليمش الى الصلاة. رواه سعيد (فصل) ويستحب أن يتطيب ويتسوك ويلبس أحسن ثيابه كما ذكرنا في الجمعة لما ذكرنا من الحديث، وروى ابن عبد البر باسناده عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتم ويلبس

برده الأحمر في العيدين والجمعة. وعن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس في العيدين برد حبرة وباسناده عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما على أحدكم أن يكون له ثوبان سوى ثوبي مهنته لجمعته وعيده " والامام بذلك أحق لأنه المنظور إليه من بينهم إلا

أن المعتكف يستحب له الخروج في ثياب اعتكافه ليبقى عليه أثر العبادة والنسك. قال أحمد في رواية المروذي: طاوس كان يأمر بزينة الثياب. وعطاء قال هو يوم تخشع واستحسنهما جميعاً

(فصل) ويستحب أن يكون في خروجه مظهراً للتكبير يرفع به صوته. قال أحمد يكبر جهراً إذا خرج من بيته حتى يأتي المصلى، وروي ذلك عن علي وابن عمر وأبي أمامة وناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قول عمر بن عبد العزيز وفعله ابن أبي ليلى والنخعي وسعيد بن جبير وهو قول الحكم وحماد ومالك وإسحق وابن المنذر. وقال أبو حنيفة يكبر يوم الأضحى ولا يكبر يوم الفطر لأن ابن عباس سمع التكبير يوم الفطر فقال ما شأن الناس؟ فقيل يكبرون. فقال أمجانين الناس؟ ولنا أنه فعل من سمينا من الصحابة وقولهم، فأما ابن عباس فكان يقول يكبرون مع الامام ولا يكبرون وحدهم وهذا خلاف مذهبهم، إذا ثبت هذا فانه يكبر حتى يأتي المصلى لقول أبي جميلة رأيت علياً رضي الله عنه خرج يوم العيد فلم يزل يكبر حتى انتهى إلى الجبانة. قال الأثرم قيل

لأبي عبد الله في الجهر بالتكبير حتى يأتي المصلى أو حتى يخرج الامام؟ قال حتى يأتي المصلى. وقال القاضي فيه رواية أخرى حتى يخرج الامام (فصل) ولا بأس بخروج النساء يوم العيد الى المصلى. وقال ابن حامد يستحب ذلك، وروي عن أبي بكر وعلي رضي الله عنهما أنهما قالا حق على كل ذات نطاق أن تخرج إلى العيدين، وكان ابن عمر يخرج من استطاع من أهله إلى العيدين، وروت أم عطية قالت أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرجهن في الفطر والأضحى والعواتق ذوات الخدور فأما الحيض فيعتزلن الصلاة ويشهدن الخير ودعوة المسلمين. قلت يا رسول الله إحدانا لا يكون لها جلباب؟ قال " لتلبسها أختها من جلبابها " متفق عليه وهذا لفظ رواية مسلم. وقال القاضي ظاهر كلام أحمد أن ذلك جائز غير مستحب، وكرهه النخعي ويحيى الأنصاري وقالا لا يعرف خروج المرأة في العيدين عندنا، وكرهه سفيان وابن المبارك، ورخص أهل الرأي للمرأة الكبيرة وكرهوه للشابة لما في خروجهن من الفتنة.

وقول عائشة رضي الله عنها لو رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء لمنعهن المساجد كما منعت نساء بني اسرائيل ولنا ما ذكرنا من سنة النبي صلى الله عليه وسلم وهي أحق أن تتبع، وقول عائشة مختص بمن أحدثت دون غيرها، ولا شك في أن تلك يكره لها الخروج وانما يستحب لهن الخروج غير متطيبات ولا يلبسن ثوب شهرة ولا زينة ويخرجن في ثياب البذلة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " وليخرجن تفلات " ولا يخالطن الرجال بل يكن ناحية منهم * (مسألة) * (وإذا غدا من طريق رجع في أخرى) الرجوع في غير الطريق التي غدا منها سنة وبه قال مالك والشافعي لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله. قال أبو هريرة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج يوم العيد في طريق رجع في غيره. قال الترمذي هذا حديث حسن، قال بعض أهل العلم إنما فعل هذا قصداً لسلوك الأبعد في الذهاب ليكثر ثوابه وخطواته الى الصلاة ويعود في الأقصر لأنه اسهل، وقيل كان يحب أن يشهد له الطريقان، وقيل كان يحب المساواة بين أهل الطريقين في التبرك بمروره بهم وسرورهم برؤيته وينتفعون بمسئلته، وقيل لتحصل الصدقة ممن صحبه على أهل الطريقين من الفقراء، وقيل ليشترك الطريقان بوطئه عليهما. وفي الجملة الاقتداء به سنة لاحتمال بقاء المعنى الذي فعله لأجله ولأنه قد يفعل الشئ لمعنى ويبقى في حق غيره سنة مع زوال المعنى كالرمل والاضطباع في طواف القدوم فعله هو وأصحابه لإظهار الجلد للكفار وهي سنة. قال عمر رضي الله عنه فيم الرملان الآن ولمن نبدي مناكبنا وقد نفى الله المشركين؟ ثم قال مع ذلك لا ندع شيئاً فعلناه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم

* (مسألة) * (وهل من شرطها الاستيطان وإذن الامام والعدد المشروط للجمعة؟ على روايتين) يشترط لوجوب صلاة العيد ما يشترط لوجوب صلاة الجمعة من الاستيطان لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصلها في سفره ولا خلفاؤه، وكذلك العدد المشترط لصلاة الجمعة لأنها صلاة عيد فأشبهت الجمعة، وفي اشتراط أذن الامام روايتان أصحهما أنه لا يشترط كما قلنا في الجمعة، ولا يشترط شئ من ذلك لصحتها لأن انسا كان إذا لم يشهد العيد مع الامام جمع أهله ومواليه ثم قام عبد الله بن أبي عتبة مولاه فصلى بهم ركعتين يكبر فيهما ولأنها في حق من انتفت فيه شروط الوجوب تطوع فلم يشترط لها ذلك كسائر التطوع. وقد ذكر شيخنا ها هنا روايتين وكذلك ذكره أبو الخطاب. وقال القاضي كلام أحمد يقتضي أن في اشتراط ذلك روايتين: إحداهما لا يقام العيد إلا حيث تقام الجمعة وهذا مذهب أبي حنيفة إلا أنه لا يرى ذلك إلا في المصر لقوله لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع. والثانية يصليها المنفرد والمسافر والعبد والنساء وهذا قول الحسن والشافعي لما ذكرنا إلا أن الإمام إذا خطب مرة ثم أرادوا أن يصلوا لم يخطبوا ثانياً وصلوا بلا خطبة كيلا يؤدي الى تفريق الكلمة. وهذا التفصيل الذي ذكرناه أولى ما قيل به إن شاء الله تعالى (فصل) قال ابن عقيل إذا قلنا من شرطها العدد وكانت قرية الى جانب قرية أو مصر يصلى فيه العيد لزمهم السعي الى العيد سواء كانوا بحيث يسمعون النداء أم لا لأن الجمعة إنما لم يلزم إتيانها مع عدم السماع لتكررها بخلاف العيد فانه لا يتكرر فلا يشق إتيانه * (مسألة) * (وتسن في الصحراء وتكره في الجامع إلا من عذر) السنة أن يصلي العيد في المصلى أمر بذلك علي رضي الله عنه واستحسنه الأوزاعي وأصحاب

مسألة: وغدا غدا من طريق رجع في أخرى

الرأي وهو قول ابن المنذر، وحكي عن الشافعي إن كان مسجد البلد واسعاً فالصلاة فيه أولى لأنه خير البقاع وأطهرها ولذلك يصلي أهل مكة في المسجد الحرام ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج الى المصلى ويدع مسجده وكذلك الخلفاء الراشدون بعده ولا يترك النبي صلى الله عليه وسلم الأفضل مع قربه، ويتكلف فعل المفضول مع بعده، ولا يشرع لأمته ترك الفضائل ولأنا قد أمرنا باتباع النبي صلى الله عليه وسلم والاقتداء به، ولا يجوز أن يكون المأمور به هو الناقص ولأن هذا إجماع فان الناس في كل عصر يخرجون الى المصلى فيصلون فيه العيدين مع سعة المسجد وضيقه ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى العيد بمسجده إلا من عذر مع شرف مسجده، وروينا عن علي رضي الله عنه أنه قيل له قد اجتمع في المسجد ضعفاء الناس وعميانهم فلو صليت بهم في المسجد؟ فقال أخالف السنة إذاً، ولكن أخرج الى المصلى واستخلف من يصلي بهم في المسجد أربعاً، وصلاة النفل في البيت أفضل منها مع شرفه، ويستحب للإمام إذا خرج أن يستخلف في المسجد من يصلي بضعفة الناس في الجامع لأن علياً رضي الله عنه استخلف أبا مسعود البدري يصلي بضعفة الناس في المسجد رواه سعيد، وهل يصلي المستخلف ركعتين أم أربعا على روايتين: إحداهما يصلي أربعا لما ذكرنا من قول علي، والثانية يصلى ركعتين وروي انه صلى أربعاً فان كان عذر من مطر أو نحوه صلى في المسجد لما روى أبو هريرة قال أصابنا مطر في يوم عيد فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد. رواه أبو داود (فصل) ولا يشرع لها اذان ولا إقامة ولا نعلم في هذا خلافاً إلا أنه روي عن ابن الزبير أنه

مسألة: وهل من شرطها الاستيطان وإذن الامام والعدد المشروط للجمعة؟ على روايتين

أذن وأقام، وقيل أول من أذن في العيدين ابن زياد، وهذا يدل على انعقاد الإجماع قبله أنه لا يسن ذلك وبه يقول مالك والشافعي وأصحاب الرأي، وقد روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى العيدين بغير اذان ولا إقامة وعن جابر مثله متفق عليهما، وعن عطاء قال أخبرني جابر أن لا أذان للصلاة يوم الفطر حين يخرج الامام ولا بعد ما يخرج الامام ولا إقامة ولا نداء ولا شئ، لا نداء يومئذ ولا إقامة رواه مسلم، وقال بعض أصحابنا ينادى لها الصلاة جامعة وهو قول الشافعي والسنة أحق أن تتبع * (مسألة) * (ويبدأ بالصلاة فيصلي ركعتين) وجملة ذلك أنه يبدأ في العيد بالصلاة قبل الخطبة لا نعلم في ذلك خلافاً إلا ما روي عن بني أمية وقيل أنه يروى عن عثمان وابن الزبير أنهما فعلا ذلك ولا يصح عنهما، وخلاف بني أمية مسبوق بالإجماع فلا يعتد به ولأنه مخالف لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيحة ولخلفائه الراشدين فان ابن عمر قال أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم كانوا يصلون العيدين

قبل الخطبة. متفق عليه، وقد أنكر على بني أمية فعلهم وعد منكراً وبدعة فروى طارق بن شهاب قال قدم مروان الخطبة قبل الصلاة فقام رجل فقال خالفت السنة كانت الخطبة بعد الصلاة، فقال ترك ذلك يا أبا فلان: فقام أبو سعيد فقال أما هذا المتكلم فقد قضى ما عليه قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم " من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فلينكره بلسانه فمن لم يستطع فلينكره بقلبه وذلك أضعف الإيمان " رواه أبو داود الطيالسي عن شعبة عن قيس بن مسلم عن طارق، ورواه مسلم بمعناه. فعلى هذا من خطب قبل الصلاة فهو كمن لم يخطب لأنه خطب في غير محل الخطبة أشبه ما لو خطب في الجمعة بعد الصلاة (فصل) ولا خلاف بين أهل العلم أن صلاة العيد ركعتان وذلك المتواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعل ذلك وفعله الأئمة بعده وقد قال عمر رضي الله عنه: صلاة العيد ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم وقد خاب من افترى

* (مسألة) * (يكبر في الأولى بعد الاستفتاح وقبل التعوذ ستا وفي الثانية بعد القيام من السجود خمساً) السنة أن يستفتح بعد تكبيرة الاحرام ثم يكبر تكبيرات العيد ثم يتعوذ ثم يقرأ. هذا المشهور في المذهب ومذهب الشافعي، وعن الإمام أحمد أن الاستفتاح بعد التكبيرات اختارها الخلال وصاحبه وهو قول الأوزاعي لأن الاستفتاح يلي الاستعاذة. قال أبو يوسف يتعوذ قبل التكبير لئلا يفصل بين الاستفتاح والاستعاذة ولنا أن الاستفتاح يشرع لإفتتاح الصلاة فكان في أولها كسائر الصلوات والاستعاذة شرعت للقراءة فهي تابعة لها فتكون عند الابتداء بها لقول الله تعالى (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) وإنما جمع بينهما في سائر الصلوات لأن القراءة تلي الاستفتاح من غير فاصل فلزم أن يليه ما يكون في أولها بخلاف مسئلتنا وأيما فعل كان جائزاً (فصل) وعدد التكبيرات في الركعة الأولى ست تكبيرات غير تكبيرة الإحرام، وفي الثانية خمس سوى تكبيرة القيام نص عليه أحمد فقال يكبر في الاولى سبعاً مع تكبيرة الاحرام ولا يعتد بتكبيرة الركوع لأن بينهما قراءة ويكبر في الركعة الثانية خمس تكبيرات ولا يعتد بتكبيرة النهوض ثم يقرأ في الثانية ثم يكبر ويركع وروي ذلك عن فقهاء المدينة السبعة وعمر بن عبد العزيز والزهري ومالك والمزني، وروي عن أبي هريرة وأبي سعيد وابن عباس وابن عمر ويحيى الانصاري قالوا يكبر في الاولى سبعاً وفي الثانية خمساً وبه قال الشافعي وأسحق إلا أنهم قالوا يكبر سبعاً في الأولى سوى تكبيرة الاحرام لقول عائشة رضي الله عنها وعن أبيها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبر في العيدين اثنتي عشرة تكبيرة سوى تكبيرة الافتتاح رواه الدارقطني، وروي عن ابن عباس وأنس والمغيرة بن شعبة وسعيد بن المسيب والنخعي يكبر سبعاً. وقال أبو حنيفة والثوري في الأولى

مسألة: وتسن في الصحراء وتكره في الجامع إلا من عذر

والثانية ثلاث ثلاث لما روى أبو موسى قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبر تكبيره على الجنازة ويوالي بين القراءتين رواه أبو داود، وروى أن سعيد بن العاص سأل أبا موسى وحذيفة كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبر في الأضحى والفطر؟ فقال أبو موسى كان يكبر أربعاً تكبيره على الجنازة. فقال حذيفة صدق ولنا ما روى كثير بن عبد الله عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم كبر في العيدين في الأولى سبعاً قبل القراءة وفي الثانية خمساً قبل القراءة رواه الاثرم وابن ماجه والترمذي وقال هو حديث حسن وهو أحسن حديث في الباب، وعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكبر في الفطر والأضحى في الأولى سبع تكبيرات، وفي الثانية خمساً سوى تكبيرتي الركوع رواه أبو داود. قال ابن عبد البر قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من طرق كثيرة حسان أنه كبر في العيد سبعاً في الاولى وخمسا في الثانية من حديث عبد الله بن عمرو وابن عمر وجابر وعائشة وأبي واقد وعمرو بن عوف ولم يرو عنه من وجه قوي ولا ضعيف خلاف هذا وهو أولى ما عمل به وحديث عائشة المعروف عنها كما رويناه وحديثهم إنما رواه الدارقطني من رواية ابن لهيعة، وحديث أبي موسى ضعيف يرويه أبو عائشة جليس لأبي هريرة وهو غير معروف والله أعلم * (مسألة) * (ويرفع يديه مع كل تكبيرة) يستحب أن يرفع يديه في حال تكبيره كرفعهما مع تكبيرة الاحرام وبه قال عطاء والاوزاعي وأبو حنيفة والشافعي. وقال مالك والثوري لا يرفعهما فيما عدا تكبيرة الاحرام لأنها تكبيرات في أثناء الصلاة أشبهت تكبيرات الركوع

ولنا ما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه مع التكبير. قال أحمد أما أنا فأرى أن هذا الحديث يدخل فيه هذا كله. وروي عن ابن عمر أنه كان يرفع يديه في كل تكبيرة في الجنازة وفي العيد رواه الأثرم ولم يعرف له مخالف في الصحابه. فأما تكبيرات الركوع قلنا فيها منع، وإن سلم فلان هذه يقع طرفاها في حال القيام فهي بمنزلة تكبيرة الافتتاح والله أعلم * (مسألة) * (ويقول الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً، وصلى الله على محمد النبي وآله وصحبه وسلم تسليما كثيراً، وإن أحب قال غير ذلك) وجملة ذلك أنه متى فرغ من الاستفتاح في صلاة العيد حمد الله واثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ثم فعل ذلك بين كل تكبيرتين وإن قال ما ذكرها هنا فحسن لكونه يجمع ذلك كله، وإن قال غيره نحو سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أو ما شاء من الذكر فجائز وبهذا قال الشافعي. وقال أبو حنيفة ومالك والاوزاعي يكبر متوالياً لا ذكر بينه لأنه لو كان بينه ذكر مشروع

لنقل كما نقل التكبير ولأنه ذكر من جنس مسنون فكان متوالياً كالتسبيح في الركوع والسجود ولنا ما روى علقمة أن عبد الله بن مسعود وحذيفة وأبا موسى خرج عليهم الوليد بن عقبة قبل العيد يوماً فقال لهم إن هذا العيد قد دنا فكيف التكبير فيه؟ فقال عبد الله تبدأ فتكبر تكبيرة تفتتح بها الصلاة وتحمد ربك وتصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم تدعو وتكبر وتفعل مثل ذلك ثم تدعو وتكبر وتفعل مثل ذلك ثم تدعو وتكبر وتفعل مثل ذلك ثم تدعو وتكبر وتفعل مثل ذلك ثم تدعو وتكبر وتفعل مثل ذلك ثم تقرأ ثم تكبر وتركع ثم تقوم فتقرأ وتحمد ربك وتصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم تدعو وتكبر وتفعل مثل ذلك ثم تكبر وتفعل مثل ذلك ثم تركع. فقال حذيفة وأبو موسى صدق أبو عبد الرحمن رواه الأثرم، ولأنها تكبيرات حال القيام فاستحب أن يتخللها ذكر كتكبيرات الجنازة وتفارق التسبيح فانه ذكر يخفى ولا يظهر بخلاف التكبير، وقياسهم ينتقض بتكبيرات الجنازة. قال القاضي يقف بين كل تكبيرتين بقدر آية متوسطة وهذا قول الشافعي * (مسألة) * (ثم يقرأ بعد الفاتحة في الأولى بسبح وفي الثانية بالغاشية ويجهر بالقراءة) لا خلاف بين أهل العلم في أنه يشرع أن يقرأ في كل ركعة من صلاة العيد بفاتحة الكتاب وسورة وأنه يسن الجهر في القراءة فيما نعلم إلا أنه روي عن على أنه كان إذا قرأ في العيدين أسمع من يليه ولم يجهر ذلك الجهر. وقال ابن المنذر أكثر أهل العلم يرون الجهر بالقراءة، وفي أخبار من أخبر بقراءة النبي صلى الله عليه وسلم فيها دليل على أنه كان يجهر ولأنها صلاة عيد أشبهت الجمعة. ويستحب أن يقرأ في الأولى بسبح اسم ربك الأعلى وفي الثانية بالغاشية نص عليه أحمد لأن النعمان بن بشير قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في العيدين وفي الجمعة بسبح اسم ربك الأعلى

مسألة: ويبدأ بالصلاة فيصلي ركعتين

وهل أتاك حديث الغاشية وربما اجتمعا في يوم واحد فقرأ بهما رواه مسلم. وقال الشافعي يقرأ بقاف واقتربت وحكاه ابن أبي موسى عن أحمد لما روي أن عمر سأل أبا واقد الليثي ماذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ به في الفطر والأضحى؟ فقال كان يقرأ بقاف والقرآن المجيد واقتربت الساعة وانشق القمر رواه مسلم. قال أبو حنيفة ليس فيه شئ مؤقت وحكاه ابن عقيل رواية عن أحمد، وكان ابن مسعود يقرأ بالفاتحة وسورة من المفصل ومهما قرأ به كان حسناً الا أن ما ذكرناه أحسن لأنه كان مذهباً لعمر رضي الله عنه وعمل به ولأنه قد رواه مع النعمان ابن عباس وسمرة ولأن في (سبح) الحث عل الصلاة وزكاة الفطر على ما قاله سعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز في تفسير قوله تعالى (قد أفلح من تزكى) فاختصت الفضيلة به كاختصاص الجمعة بسورتها * (مسألة) * (وتكون بعد التكبير في الركعتين وعنه يوالي بين القراءتين) المشهور عن أحمد رحمه الله أن القراءة تكون بعد التكبير في الركعتين روى ذلك عن أبي هريرة والفقهاء السبعة وعمر بن عبد العزيز والزهري ومالك والشافعي والليث، وروى عن أحمد أنه يوالي بين القراءتين ومعناه أنه يكبر في الأولى قبل القراءة وفي الثانية بعدها اختارها أبو بكر وروي ذلك عن ابن مسعود وحذيفة وأبي موسى وأبي مسعود البدري والحسن وابن سيرين والثوري وهو قول أصحاب الرأي لما ذكرنا من حديث ابن مسعود، وعن أبي موسى قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبر تكبيره على الجنازة ويوالي بين القراءتين رواه أبو داود ولنا ما روت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر في العيدين سبعاً وخمساً قبل القراءة رواه أحمد في المسند. وعن عبد الله بن عمر قال قال نبي الله صلى الله عليه وسلم " التكبير في الفطر

سبع في الأولى وخمس في الآخرة والقراءة بعدهما كلتيهما رواه أبو داود والاثرم ورواه ابن ماجة عن سعد مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك، وحديث أبي موسى ضعيف قاله الخطابي وليس في رواية أبي داود أنه والى بين القراءتين * (مسألة) * (فإذا سلم خطب خطبتين يجلس بينهما يفتتح الأولى بتسع تكبيرات، والثانية بسبع يحثهم في خطبة الفطر على الصدقة ويبين لهم ما يخرجون، ويرغبهم في الاضحية في الأضحى ويبين لهم حكم الأضحية) الخطبتان مشروعتان بعد صلاة العيد ويستحب الجلوس بينهما لما روى جابر قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فطر أو أضحى فخطب قائماً ثم قعد قعدة ثم قام رواه ابن ماجه ويكونان بعد الصلاة وقد ذكرنا ذلك وصفتها كصفة خطبتي الجمعة قياساً عليهما إلا أنه يستفتح الأولى بتسع تكبيرات متواليات، والثانية بسبع متواليات. قال القاضي وإن جعل بينهما تهليلاً أو ذكراً فحسن

مسألة: يكبر فيالأولى بعد الاستفتاح وقبل التعوذ وفي الثانية بعد القيام من السجود خمسا

لما روى سعيد حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن عن أبيه عن عبيد الله بن عبد الله قال يكبر الامام يوم العيد على المنبر قبل أن يخطب بتسع تكبيرات ثم يخطب وفي الثانية بسبع تكبيرات، وروي عنه أنه قال هو من السنة ذكره البغوي. ويستحب أن يكثر التكبير في أضعاف خطبته لما روى سعد مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى الله عليه وسلم كان يكثر التكبير في خطبة العيدين بين أضعاف الخطبة رواه ابن ماجه (1) واذا كبر في أثناء الخطبة كبر الناس بتكبيره. وقد روي عن أبي موسى أنه كان يكبر يوم العيد على المنبر ثلاثين أو أربعين تكبيرة، ويستحب أن يجلس إذا صعد المنبر قبل الخطبة ليستريح كالجمعة وقيل لا يجلس لأن الجلوس في الجمعة للأذان ولا أذان ها هنا (فصل) فإن كان فطراً يحثهم على الصدقة ويبين لهم وجوب صدقة الفطر وثوابها وقدر المخرج وجنسه وعلى من تجب ووقتها، وإن كان أضحى ذكر لهم الأضحية وفضلها وتأكد استحبابها وما يجزي منها وما لا يجزي ووقت الذبح وصفة تفريقها وما يقول عند ذبحها ليعملوا بذلك. وقد روى أبو سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج يوم الأضحى ويوم الفطر فيبدأ بالصلاة فإذا صلى صلاته وسلم قام فأقبل على الناس وهم جلوس في مصلاهم فإن كان له حاجة ببعث ذكره للناس أو كانت له حاجة بغير ذلك أمرهم بها كان يقول " تصدقوا تصدقوا " وكان أكثر من يتصدق النساء متفق عليه واللفظ لمسلم. وعن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من ذبح قبل الصلاة فليذبح مكانها أخرى، ومن ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه وقد أصاب سنة المسلمين "

_ " 1 " هو ضعيف ولفظه محرف وصوابه كما في المغني أعلاه

* (مسألة) * (والتكبيرات الزوائد والذكر بينهما والخطبتان سنة) لا تبطل بتركه الصلاة عمداً ولا سهواً بغير خلاف علمناه، فان نسي التكبير حتى شرع في القراءة لم يعد إليه، ذكره ابن عقيل وهو أحد قولي الشافعي لأنه سنة فلم يعد اليه بعد الشروع في القراءة كالاستفتاح. وقال القاضي فيه وجه آخر أنه يعود إليه وهو قول مالك وأبي ثور والقول الثاني للشافعي لأنه ذكره في محله فيأتي به كما قبل الشروع في القراءة لأن محله القيام وقد ذكره فيه. فعلى هذا يقطع القراءة ويكبر ثم يستأنفها لأنه قطعها متعمداً بذكر طويل، وإن كان المنسي يسيراً احتمل أن يبني لأنه يسير أشبه ما لو قطعها بقول أمين، واحتمل أن يبتدئ لأن محل التكبير قبل القراءة ومحل القراءة بعد التكبير، فان ذكر التكبير بعد القراءة فأتى به لم يعد القراءة لأنها وقعت موقعها، وإن لم يذكره حتى ركع سقط وجهاً واحداً لفوات محله، وكذلك المسبوق اذا أدرك الركوع لم يكبر فيه. وقال أبو حنيفة يكبر فيه لأنه بمنزلة القيام بدليل إدراك الركعة به ولنا أنه ذكر مسنون حال القيام فلم يأت به في الركوع كالاستفتاح وقراءة السورة والقنوت عنده وإنما أدرك الركعة بإدراكه لأنه أدرك معظمها ولم يفته إلا القيام وقد حصل منه ما يجزي في تكبيرة الاحرام. وأما المسبوق اذا أدرك الامام بعد تكبيره فقال ابن عقيل يكبر لأنه أدرك محله، ويحتمل ألا يكبر لأنه مأمور بالانصات لقراءة الامام. فعلى هذا إن كان يسمع أنصت وإن كان بعيداً كبر (فصل) وإذا شك في عدد الركعات بني على اليقين فان كبر ثم شك هل نوى تكبيرة الإحرام

أو لا ابتدأ الصلاة هو والمأمومون لأن الأصل عدم النية إلا أن يكون وسواسا فلا يلتفت إليه (فصل) والخطبتان سنة لا يجب حضورها ولا استماعها لما روى عبد الله بن السائب قال شهدت مع رسول الله عليه وسلم العيد فلما قضى الصلاة قال " إنا نخطب فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس ومن أحب أن يذهب فليذهب " رواه أبو داود وقال هو مرسل ورواه ابن ماجة والنسائي. قال شيخنا وإنما أخرت الخطبة عن الصلاة والله أعلم لأنها لما لم تكن واجبة جعلت في وقت يتمكن من أراد تركها من تركها بخلاف خطبة الجمعة. وذكر ابن عقيل في وجوب الانصات لها روايتين: إحداهما يجب كالجمعة والثاني لا يجب لأن الخطبة غير واجبة فلم يجب الانصات لها كسائر السنن والاذكار والاستماع لها أفضل وقد روي عن الحسن وابن سيرين أنهما كرها الكلام يوم العيد والامام يخطب. وقال ابراهيم يخطب الامام يوم العيد قدر ما يرجع النساء الى بيوتهن، وهذا يدل على أنه لا يستحب لهن الجلوس لاستماع الخطبة لئلا يختلطن بالرجال، وحديث النبي صلى الله عليه وسلم في موعظته النساء بعد فراغه من خطبته دليل على أنهن لم ينصرفن، وسنته صلى الله عليه وسلم أولى بالاتباع (فصل) ويستحب أن يخطب قائماً لما روى جابر قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فطر أو أضحى فخطب قائماً ثم قعد ثم قام رواه ابن ماجه، وإن خطب قاعداً فلا بأس لأنها غير واجبة أشبهت صلاة النافلة، وإن خطب على راحلته فحسن لما روى سلمة بن نبيط عن أبيه أنه حج فقال

رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب على بعيره رواه ابن ماجه. وعن أبي جميلة قال رأيت علياً عليه السلام صلى يوم العيد فبدأ بالصلاة قبل الخطبة ثم خطب على دابته، ورأيت عثمان بن عفان رضي الله عنه يخطب على راحلته رواه سعيد * (مسألة) * (ولا يتنفل قبل صلاة العيد ولا بعدها في موضع الصلاة) يكره التنفل قبل صلاة العيد وبعدها في موضع الصلاة للإمام والمأموم سواء كان في المصلى أو المسجد وهو مذهب ابن عباس وابن عمر، وروي عن علي وابن مسعود وحذيفة وبريدة وسلمة بن الاكوع وجابر وابن أبي أوفى وبه قال شريح وعبد الله بن مغفل ومسروق والضحاك والقاسم والشعبي قال الزهري لم أسمع أحداً من علمائنا يذكر أن أحداً من سلف هذه الأمة كان يصلي قبل تلك ولا بعدها يعني صلاة العيد. وقال ما صلى قبل العيد بدري ونهى عنه أبو مسعود البدري. وروي أن علياً رضي الله عنه رأى قوماً يصلون قبل العيد فقال ما كان هذا يفعل على عهد رسول الله عليه وسلم. قال أحمد: أهل المدينة لا يتطوعون قبلها ويتطوعون بعدها وهذا قول علقمة والاسود ومجاهد والنخعي والثوري وأصحاب الرأي، وقال مالك كقولنا في المصلى وله في المسجد روايتان: إحداهما يتطوع لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين " وقال

الشافعي يكره ذلك للامام لانه يستحب له التشاغل عن الصلاة ولا يكره للمأموم لأنه وقت لم ينه عن الصلاة فيه أشبه ما بعد الزوال ولنا ما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوم الفطر فصلى ركعتين لم يصل قبلهما ولا بعدهما متفق عليه ولأنه إجماع كما حكاه الزهري وغيره ولأنه وقت نهي الامام عن التنفل فيه فكره للمأموم كسائر أوقات النهي وكما قبل الصلاة عند أبي حنيفة وكما لو كان في المصلى عند مالك والحديث الذي ذكره مالك مخصوص بما ذكرنا من المعنى. وقال الأثرم قلت لأحمد قال سليمان بن حرب انما ترك النبي صلى الله عليه وسلم التطوع لأنه كان إماماً، قال أحمد فالذين رووا هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتطوعوا، ثم قال: ابن عمر وابن عباس هما روياه وأخذا به يشير والله أعلم الى أن عمل راوي الحديث به تفسير له وتفسيره يقدم على تفسير غيره ولو كانت الكراهة للإمام كيلا يشتغل عن الصلاة لاختصت بما قبل الصلاة اذ لم يبق بعدها ما يشتغل به، وقد روي عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر في صلاة العيد سبعاً وخمساً ويقول: " لا صلاة قبلها ولا بعدها " رواه ابن بطة باسناده (فصل) قيل لأحمد فإن كان لرجل صلاة في ذلك الوقت قال أخاف أن يقتدى به. قال ابن

مسألة: ويرفع يديه مع كل تكبيرة

عقيل كره أحمد أن يتعمد لقضاء صلاة وقال أخاف أن يقتدوا به (فصل) وإنما يكره التنفل في موضع الصلاة فأما في غيره فلا بأس به، وكذلك لو خرج منه ثم عاد إليه بعد الصلاة. قال عبد الله بن أحمد سمعت أبي يقول روي عن ابن عمر وابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل قبلها ولا بعدها ورأيته يصلي بعدها ركعات في البيت وربما صلاها في الطريق يدخل بعض المساجد. وروي عن أبي سعيد قال كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يصلي قبل العيد شيئاً فإذا دخل إلى منزله صلى ركعتين رواه ابن ماجه * (مسألة) * (ومن كبر قبل سلام الامام صلى ما فاته على صفته) لأنه أدرك بعض الصلاة التي ليست مبدلة من أربع فقضاها على صفتها كسائر الصلوات، وإن أدرك معه ركعة وقلنا ما يقضيه المسبوق أول صلاته كبر في الذي يقضيه سبعاً، وان قلنا أخر صلاته كبر خمساً على ما ذكرنا من الاختلاف من قبل (فصل) فان أدركه في الخطبة فان كان في المسجد فقال شيخنا يصلي تحية المسجد لأنها اذا صليت في خطبة الجمعة مع وجوب الإنصات لها ففي خطبة العيد أولى، ولا يكون حكمه في ترك التحية

مسألة: ويقول الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا، وصلى الله على محمد النبي وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، وإن أحب قال غير ذلك

حكم من أدرك العيد. وقال القاضي يجلس ويستمع الخطبة ولا يصلي لما ذكرنا من الأدلة قبل ولأن صلاة العيد تفارق صلاة الجمعة لأن التطوع قبلها وبعدها مكروه بخلاف صلاة الجمعة، وإن لم يكن في المسجد جلس فاستمع ولم يصل لئلا يشتغل عن استماع الخطبة ثم ان أحب قضاء صلاة العيد قضاها على ما نذكره * (مسألة) * (وإن فاتته الصلاة استحب أن يقضيها على صفتها وعنه يقضيها أربعاً وعنه أنه مخير بين ركعتين وأربع) وجملة ذلك أنه لا يجب قضاء صلاة العيد على من فاتته لأنها فرض كفاية وقد قام بها من حصلت به الكفاية وان أحب قضاءها استحب له أن يقضيها على صفتها نقل ذلك عن أحمد اسماعيل بن سعيد واختاره الجوزجاني وهو قول النخعي ومالك والشافعي وأبي ثور لما روي عن أنس أنه كان إذا لم يشهد العيد مع الامام بالبصرة جمع أهله ومواليه ثم قام عبد الله بن أبي عتبة مولاه فيصلي بهم ركعتين يكبر فيهما ولأنها قضاء صلاة فكانت على صفتها كسائر الصلوات وهو مخير إن شاء صلاها في جماعة كما ذكرنا عن أنس وان شاء صلاها وحده وعنه أنه يقضيها أربعا اما بسلام واحد أو بسلامين وهو قول الثوري لما روي عن عبد الله بن مسعود أنه قال من فاته العيد فليصل أربعا. وروي عن علي أنه قال إن أمرت رجلاً أن يصلي بضعفة الناس أمرته أن يصلي أربعاً رواهما سعيد ولأنه قضاء صلاة عيد فكانت أربعا كقضاء الجمعة، وعنه أنه مخير بين ركعتين وأربع وهذا قول الأوزاعي لأنها صلاة تطوع أشبهت صلاة الضحى * (مسألة) * (ويستحب التكبير في ليلتي العيدين)

يستحب إظهار التكبير في ليلتي العيدين في المساجد والطرق والأسواق والمسافر والمقيم فيه سوءا لقوله تعالى (ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم) قال بعض أهل العلم لتكملوا عدة رمضان ولتكبروا الله عند كماله على ما هداكم، ويستحب رفع الصوت به وإنما استحب ذلك لما فيه من إظهار شعائر الاسلام وتذكير الغير، وكان ابن عمر يكبر في قبته بمنى فيسمعه أهل المسجد فيكبرون ويكبر أهل الأسواق حتى ترتج منى تكبيراً. قال أحمد كان ابن عمر يكبر في العيدين جميعاً. والتكبير في الفطر آكد لورود النص فيه وليس التكبير واجباً. وقال داود هو واجب في الفطر لظاهر الآية ولنا أنه يكبر في عيد فلم يكن واجباً كتكبير الأضحى، والآية ليس فيها امر إنما أخبر الله تعالى عن ارادته فقال (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) الى قوله (ولتكبروا الله على ما هداكم) ويستحب أن يكبر في طريق العيد ويجهر بالتكبير. قال ابن أبي موسى يكبر الناس في خروجهم من منازلهم لصلاتي العيدين جهراً حتى يأتي الامام المصلى فيكبر الناس بتكبير الامام في خطبته وينصتون فيما سوى ذلك. وقد روي سعيد بإسناده عن ابن عمر أنه كان إذا خرج من بيته إلى العيد كبر حتى يأتي المصلى، وروي عن سعيد بن جبير وابن أبي ليلى. قال القاضي التكبير في الفطر مطلق غير مقيد على ظاهر كلامه يعني لا يختص بادبار الصلوات وهو ظاهر كلام الخرقي لأن قوله تعالى (ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم) غير مختص بوقت. وقال أبو الخطاب يكبر من غروب الشمس من ليلة الفطر الى خروج الامام الى الصلاة في إحدى الروايتين وهو قول الشافعي، وفي الأخرى الى فراغ الامام من الصلاة * (مسألة) * (وفي الأضحى يكبر عقيب كل فريضة في جماعة وعنه يكبر، وإن كان وحده من

مسألة: ثم يقرأ بعد الفاتحة في الأولى بسبح وفي الثانية بالغاشية ويجهر بالقراءة

صلاة الفجر يوم عرفة إلى العصر من آخر أيام التشريق) وجملة ذلك أن التكبير في الأضحى مطلق ومقيد فالمطلق التكبير في جميع الأوقات من أول العشر إلى آخر أيام التشريق لقوله تعالى (ويذكروا اسم الله في أيام معلومات) وقال (واذكروا الله في أيام معددودات) فالأيام المعلومات أيام العشر والمعدودات أيام التشريق قاله ابن عباس. قال البخاري كان ابن عمر وأبو هريرة يخرجان الى السوق في أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما وروي أن ابن عمر كان يكبر بمنى في تلك الأيام خلف الصلوات وعلى فراشه وفي فسطاطه ومجلسه وممشاه تلك الأيام جميعاً ويكبر في قبته حتى ترتج منى تكبيراً (فصل) وأما المقيد فهو التكبير في أدبار الصلوات ولا خلاف بين العلماء في مشروعية التكبير في عيد النحر وإنما اختلفوا في مدته فذهب أحمد رحمه الله الى أنه من صلاة الفجر يوم عرفة الى العصر من آخر أيام التشريق وهو قول عمر وعلي وابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهم وإليه ذهب الثوري وابن عيينة وأبو يوسف ومحمد وهو قول للشافعي. وعن ابن مسعود أنه كان يكبر من غداة عرفة الى العصر من يوم النحر وإليه ذهب النخعي وعلقمة وأبو حنيفة لقوله تعالى (ويذكروا اسم الله في أيام معلومات) وهي أيام العشر، وأجمعنا على أنه لا يكبر قبل عرفة فلم يبق إلا يوم عرفة ويوم النحر. وعن ابن عمر وعمر بن عبد العزيز أن التكبير من صلاة الظهر يوم النحر الى الفجر من

مسألة: وتكون بعد التكبير في الركعتين وعنه يوالي بين القراءتين

آخر أيام التشريق وبه قال مالك والشافعي في المشهور عنه لأن الناس تبع للحاج يقطعون التلبية مع أول حصاة ويكبرون مع الرمي وإنما يرمون يوم النحر، وأول صلاة بعد ذلك الظهر وآخر صلاة بمنى الفجر من اليوم الثالث من أيام التشريق ولنا ما روى جابر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الصبح من غداة عرفة أقبل على أصحابه فيقول " على مكانكم " ويقول الله اكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد " فيكبر من غداة عرفة الى العصر من آخر أيام التشريق. وعن علي وعمار أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر يوم عرفة صلاة الغداة ويقطعها صلاة العصر آخر أيام التشريق رواهما الدارقطني إلا أنهما من رواية عمر بن شمر عن جابر الجعفي وقد ضعفا ولأنه قول عمر وعلي وابن عباس رواه سعيد عنهم. قيل لأحمد بأي حديث تذهب الى التكبير من صلاة الفجر يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق؟ قال لإجماع عمر وعلي وابن عباس ولأن الله تعالى قال (واذكروا الله في أيام معدودات) وهي أيام التشريق فيتعين الذكر في جميعها، وأما قوله تعالى (ويذكروا اسم الله في أيام معلومات) فمحول على ذكر الله على الهدايا والأضاحي عند رؤيتها فانه مستحب في جميع العشر وهو أولى من تفسيرهم لأنهم لم يعملوا به في كل العشر ولا في أكثره، ولو صح تفسيرهم فقد أمر الله بالذكر في أيام معدودات وهي أيام التشريق فيعمل به أيضاً، وأما المحرم فإنما لم يكبر من صلاة الفجر يوم عرفة

مسألة: فإذا سلم خطب خطبتين يجلس بينهما يفتتح الأولى بتسع تكبيرات، والثانية بسبع يحثهم في خطبة الفطر على الصدقة ويبين لهم ما يخرجون، ويرغبهم في الاضحية في الأضحى ويبين لهم حكم الأضحية

لاشتغاله عنها بالتلبيه كما ذكروا، وغيره يبتدئ من غداة يوم عرفة لعدم المنافع، وقولهم ان الناس في هذا تبع للحاج مجرد دعوى بغير دليل وقولهم أن أخر صلاة يصلونها بمنى الفجر من آخر أيام التشريق ممنوع لأن الرمي إنما يكون بعد الزوال (فصل) والتكبير المقيد إنما يكون عقيب الصلوات المكتوبات في الجماعات في المشهور عن أحمد. قال الأثرم قلت لأبي عبد الله أذهب الى فعل ابن عمر أنه كان يكبر اذا صلى وحده؟ قال نعم. وقال ابن مسعود إنما التكبير على من صلى في جماعة وهذا مذهب الثوري وأبي حنيفة وعنه رواية أخرى أنه يكبر عقيب الفرائض وإن كان وحده وهذا مذهب مالك لأنه ذكر مستحب للمسبوق فاستحب للمنفرد كالسلام. قال الشافعي يكبر عقيب كل صلاة فريضة كانت أو نافلة منفرداً أو في جماعة قياساً على الفرض في الجماعة. ولنا أنه قول ابن مسعود وفعل ابن عمر ولا مخالف لهما في الصحابة فكان إجماعاً (فصل) فأما المحرم فانه يبتدئ التكبير من صلاة الظهر يوم النحر لأنه يكون مشغولاً بالتلبية قبل ذلك وأول صلاة بعد قطع التلبية الظهر (فصل) والمسافرون كالمقيمين فيما ذكرنا لعموم النص. وحكم النساء حكم الرجال في أنهن يكبرن في الجماعة وفي الانفراد روايتان. وقال البخاري كان النساء يكبرن خلف أبان بن عثمان

وعمر بن عبد العزيز ليالي التشريق مع الرجال في المسجد، وينبغي أن يخفضن أصواتهن حتى لا يسمعهن الرجال، وعن أحمد أنهن لا يكبرن لأنه ذكر يشرع فيه رفع الصوت فلم يشرع في حقهن كالأذان (فصل) والمسبوق ببعض الصلاة يكبر إذا فرغ من قضاء ما فاته نص عليه أحمد وبه قال أكثر أهل العلم. وقال الحسن يكبر ثم يقضي لأنه ذكر شرع في آخر الصلاة فيأتي به المسبوق قبل القضاء كالتشهد. وعن مجاهد ومكحول يكبر ثم يقضي ثم يكبر لذلك ولنا أنه ذكر مشروع بعد الصلاة فلم يأت به في أثناء الصلاة كالتسليمة الثانية والدعاء بعدها وان كان على المصلي سجود سهو بعد السلام سجد ثم كبر وبه قال الثوري والشافعي وإسحق وأصحاب الرأي لأنه سجود مشروع للصلاة فكان التكبير بعده وبعد تشهده كسجود صلبها (فصل) واذا فاتته صلاة من أيام التشريق أو من غيرها فقضاها فيها فحكمها حكم المؤداة في التكبير لأنها مفروضة في أيام التشريق، وان فاتته في أيام التشريق فقضاها في غيرها لم يكبر لأن التكبير مقيد بالوقت فلم يفعل في غيره كالتلبية، ويكبر مستقبل القبلة. قال أبو بكر وعليه العمل وحكاه أحمد عن ابراهيم لأنه ذكر مختص بالصلاة أشبه الأذان والاقامة، ويحتمل أن يكبر كيفما شاء لما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أقبل عليهم فقال " الله أكبر الله أكبر " * (مسألة) * (وإن نسي التكبير قضاه ما لم يحدث أو يخرج من المسجد لأنه مختص بالصلاة) أشبه سجود السهو، فعلى هذا إن ذكره في المسجد بعد أن قام عاد الى مكانه فجلس واستقبل القبلة فكبر وقال الشافعي يكبر ماشياً. قال شيخنا وهو أقيس لأنه ذكر مشروع بعد الصلاة أشبه سائر الذكر، فان ذكره بعد خروجه من المسجد لم يكبر لما ذكرنا وهو قول أصحاب الرأي، ويحتمل أن يكبر لأنه ذكر بعد الصلاة فاستحب وإن خرج كالدعاء والذكر المشروع بعد الصلاة وإن نسيه حتى أحدث فقال أصحابنا لا يكبر سواء أحدث عامداً أو ساهياً لأن الحدث يقطع الصلاة عمده وسهوه، وبالغ ابن عقيل فقال إن تركه حتى تكلم لم يكبر

مسألة: والتكبيرات الزوائد والذكر بينهما والخطبتان سنة

قال الشيخ والأولى إن شاء الله أنه يكبر لأن ذلك ذكر منفرد بعد سلام الامام فلا يشترط له الطهارة كسائر الذكر ولأن اشتراط الطهارة إما بنص أو معناه ولم يوجد، وإن نسيه الامام كبر المأموم وهذا قول الثوري لأنه ذكر يتبع الصلاة أشبه سائر الذكر * (مسألة) * (وفي التكبير عقيب العيد وجهان) أحدهما يكبر اختاره أبو بكر. وقال القاضي: هو ظاهر كلام أحمد لأنها صلاة مفروضة في جماعة

فأشبهت الفجر. والثاني لا يسن قاله أبو الخطاب لأنها ليست من الصلوات الخمس أشبهت النوافل والأول أولى لأن هذه الصلاة أخص بالعيد فكانت أحق بتكبيره * (مسألة) * (وصفة التكبير شفعا الله اكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد) وهذا قول عمر وعلي وابن مسعود وبه قال الثوري وأبو حنيفة وإسحق وابن المبارك إلا أنه زاد، على ما هدانا لقوله تعالى (ولتكبروا الله على ما هداكم) وقال مالك والشافعي يقول الله اكبر الله اكبر الله اكبر ثلاثا لأن جابراً صلى في أيام التشريق فلما فرغ من صلاته قال الله اكبر الله اكبر الله اكبر رواه ابن ماجه وهذا لا يقوله إلا توقيفاً ولأن التكبير شعار العيد فكان وتراً كتكبير الصلاة والخطبة

مسألة: ولا يتنفل قبل صلاة العيد ولا بعدها في موضع الصلاة

ولنا خبر جابر المذكور وهو نص في كيفية التكبير وأنه قول الخليفتين الراشدين وقول ابن مسعود وقول جابر لا يسمع مع قول النبي صلى الله عليه وسلم ولا يقدم على قول أحد ممن ذكرنا فكيف قدموه على قول الجميع مع تقدمهم عليه في الفضل والعلم وكثرتهم ولأنه تكبير خارج الصلاة فكان شفعا كتكبير الأذان وقولهم ان جابراً لا يفعله إلا توقيفاً لا يصح لوجوه أحدها أنه قد روي خلاف قوله فكيف يترك ما صرح به لاحتمال وجود ضده، والثاني أنه إن كان قول توقيفاً فقول من ذكرنا توقيف وهو مقدم

على قوله بما بينا، والثالث أن هذا ليس مذهباً لهم، الرابع أن قول الصحابي إنما يحمل على التوقيف اذا خالف الأصول وذكر الله تعالى لا يخالف الأصل لاسيما اذا كان وتراً (فصل) ولا بأس أن يقول للرجل في يوم العيد تقبل الله منا ومنك. قال حرب سألت أحمد عن قول الناس في العيدين تقبل الله منا ومنكم؟ قال لا بأس به يرويه أهل الشام عن أبي أمامة قيل وواثلة بن الاسقع؟ قال نعم. وذكر ابن عقيل في ذلك أحاديث منها أن محمد بن زياد قال كنت مع أبي أمامة الباهلي وغيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فكانوا اذا رجعوا من العيد يقول بعضهم لبعض تقبل الله منا ومنك، وقال اسناد حديث ابي امامة إسناد جيد. قال مالك لم نزل نعرف هذا بالمدينة، وروى عن أحمد أنه قال لا ابتدئ به أحداً وان قاله أحد رددت عليه (فصل) ولا بأس بالتعريف عشية عرفة بالأمصار ذكره القاضي. وقال الأثرم سألت أبا عبد الله

مسألة: ومن كبر قبل سلام الامام صلى ما فاته على صفته

عن التعريف بالأمصار يجتمعون في المساجد يوم عرفة؟ قال أرجو ألا يكون به بأس قد فعله غير

واحد، وروى الأثرم عن الحسن قال: أول من عرف بالبصرة ابن عباس رحمه الله. وقال أحمد أول

مسألة: ويستحب التكبير في ليلتي العيدين

من فعله ابن عباس وعمرو بن حريث، وقال أحمد لا بأس به إنما هو دعاء وذكر الله. وقال

الحسن وبكر وثابت ومحمد بن واسع كانوا يشهدون المسجد يوم عرفة، قيل له فتفعله أنت؟ قال أما أنا فلا، وروي عن يحيى بن معين أنه حضر مع الناس عشية عرفة

مسألة: وفي الأضحى يكبر عقيب كل فريضة في جماعة وعنه يكبر، وإن كان وحده من صلاة الفجر يوم عرفة الى العصر من آخر أيام التشريق

(فصل) ويستحب الاجتهاد في عمل الخير أيام العشر من الذكر والصيام والصدقة وسائر أعمال

البر لما روى ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما العمل في أيام أفضل منها في

هذه " يعني أيام العشر. قالوا ولا الجهاد؟ قال " ولا الجهاد إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله فلم

يرجع بشئ " رواه البخاري. وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما من أيام

مسألة: وإن نسي التكبير قضاه ما لم يحدث أو يخرج من المسجد لأنه مختص بالصلاة

أعظم عند الله تعالى ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر فأكثروا فيهن من التهليل

مسألة: وفي التكبير عقيب العيد وجهان

والتكبير والتحميد " رواه الإمام أحمد.

باب صلاة الكسوف

* (باب صلاة الكسوف) * الكسوف والخسوف شئ واحد وكلاهما قد وردت به الأخبار القرآن بلفظ الخسوف * (مسألة) * (وإذا كسفت الشمس أو القمر فزع الناس إلى الصلاة جماعة وفرادى بإذن الإمام (1) وغير إذنه) صلاة الكسوف سنة مؤكدة لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعلها وأمر بها ولا نعلم خلافاً بين أهل العلم في مشروعيتها لكسوف الشمس. فأما خسوف القمر فأكثر أهل العلم على أنها مشروعة له فعلها ابن عباس وبه قال عطاء والحسن والنخعي والشافعي وإسحق، وقال مالك ليس لكسوف القمر سنة وحكى عنه ابن عبد البر. وعن أبي حنيفة أنهما قالا يصلي الناس لخسوف القمر وحداناً ركعتين ركعتين ولا يصلون جماعة لأن في خروجهم اليها مشقة ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " أن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فصلوا " متفق عليه. فأمر بالصلاة لهما أمراً واحداً. وعن ابن عباس أنه صلى بأهل البصرة في خسوف القمر ركعتين وقال إنما صليت لأني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي، ولأنه أحد الكسوفين فأشبه كسوف الشمس، ويسن فعلها جماعة وفرادى وبه قال مالك والشافعي. وحكي عن الثوري أنه قال إن صلاها الامام فصلوها معه وإلا فلا.

_ (1) يعني الامام الاعظم وهو السلطان

ولنا قوله صلى الله عليه وسلم " فإذا رأيتموها فصلوا " ولأنها نافلة فجازت في الانفراد كسائر النوافل، وفعلها في الجماعة أفضل لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلاها في جماعة. والسنة أن يصليها في المسجد لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعلها فيه لقول عائشة: خسفت الشمس في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج إلى المسجد فصف الناس وراءه رواه. البخاري، ولأن وقت الكسوف يضيق فلو خرج الى المصلى احتمل التجلي قبل فعلها، ويشرع في الحضر والسفر بإذن الإمام وغير إذنه. وقال أبو بكر هي كصلاة العيد، فيها روايتان ولنا عموم قوله عليه السلام " فإذا رأيتموها فصلوا " ولأنها نافلة أشبهت سائر النوافل. وتشرع في حق النساء لأن عائشة وأسماء صلتا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه البخاري، ويسن أن ينادى لها الصلاة جامعة لما روى عبد الله بن عمرو قال لما كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نودي بالصلاة جامعة متفق عليه. ولا يسن لها اذان ولا إقامة لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلاها بغير اذان ولا إقامة ولأنها من غير الصلوات الخمس أشبهت سائر النوافل * (مسألة) * (ثم يصلي ركعتين يقرأ في الأولى بعد الفاتحة سورة طويلة ويجهر بالقراءة ثم يركع ركوعاً طويلاً ثم يرفع فيسمع ويحمد ويقرأ الفاتحة وسورة ويطيل وهو دون القيام الأول ثم يركع

مسألة: ثم يصلي ركعتين يقرأ في الأولى بعد الفاتحة سورة طويلة

ويطيل وهو دون الركوع الأول ثم يرفع ثم يسجد سجدتين طويلتين ثم يقوم إلى الثانية فيفعل مثل ذلك ثم يتشهد ويسلم) المستحب في صلاة الكسوف أن يصلي ركعتين يكبر تكبيرة الاحرام ثم يستفتح ويستعيذ ويقرأ الفاتحة وسورة البقرة أو قدرها، ثم يركع فيسبح قدر مائة آية ثم يرفع فيقول سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد، ثم يقرأ الفاتحة وآل عمران أو قدرها ثم يركع فيسبح نحواً من سبعين آية ثم يرفع فيسمع ويحمد ثم يسجد سجدتين فيطيل السجود نحواً من الركوع ثم يقوم الى الثانية فيقرأ الفاتحة وسورة النساء أو نحوها ثم يركع فيسبح نحواً من خمسين آية ثم يرفع ويسمع ويحمد ويقرأ الفاتحة وسورة المائدة ثم يركع فيطيل دون الذي قبله ثم يرفع ثم يسجد سجدتين طويلتين ثم يتشهد ويسلم ويجهر بالقراءة ليلاً كان أو نهاراً، وليس هذا التقدير في القراءة منقولاً عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى ولكن قد نقل عنه أن الأولى أطول من الثانية وجاء في حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قام قياماً طويلاً نحواً من سورة البقرة متفق عليه. وفي حديث لعائشة حزرت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيت أنه قرأ في الركعة الأولى سورة البقرة وفي الثانية سورة آل عمران وبهذا قال مالك والشافعي إلا أنهما قالا لا يطيل السجود حكاه ابن المنذر عنهما لأن ذلك لم ينقل وقالا: لا يجهر في كسوف الشمس

ويجهر في كسوف القمر ووافقهم أبو حنيفة لقول عائشة حزرت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو جهر بالقراءة لم يحتج إلى الحزر، وكذلك قال ابن عباس قام قياماً طويلاً نحواً من سورة البقرة ولأنها صلاة نهار فلم يجهر فيها كالظهر. وفي حديث سمرة قال فلم أسمع له صوتاً. قال الترمذي هذا حديث صحيح. وقال أبو حنيفة يصلي ركعتين كصلاة التطوع لما روى النعمان بن بشير قال انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج فكان يصلي ركعتين حتى انجلت الشمس رواه أحمد، وروى قبيصة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " فإذا رأيتموها فصلوا كأحدث صلاة صليتموها من المكتوبة " ولنا على أنه يطيل السجود أن في حديث عائشة ثم رفع ثم سجد سجوداً طويلاً ثم قام قياماً طويلاً وهو دون القيام الأول ثم ركع ركوعاً طويلاً وهو دون الركوع الأول ثم سجد سجوداً طويلاً وهو دون السجود الأول. رواه البخاري. وفي حديث عبد الله بن عمرو في صفة صلاة الكسوف ثم سجد فلم يكد يرفع رواه أبو داود. وترك ذكره في حديث لا يمنع مشروعيته اذا ثبت عن النبي صلى الله عليه: وأما الجهر فروي عن علي رضي الله عنه أنه فعله وهو مذهب أبي يوسف وإسحق وابن المنذر لما روت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم جهر في صلاة الكسوف متفق عليه. وعنها أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الكسوف وجهر فيها. قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح ولأنها

نافلة شرعت لها الجماعة فكان من سنتها الجهر كصلاة الاستسقاء. فأما قول عائشة حزرت قراءته ففي اسناده مقال لأنه من رواية ابن إسحق، ويحتمل أن تكون سمعت صوته ولم تفهم للبعد أو قرأ من غير أول القرآن بقدر البقرة، ثم حديثنا صحيح صريح فكيف يعارض بمثل هذا، وحديث سمرة محمول على أنه لم يسمع لبعده فان في حديثه ما يدل على هذا، وهو أنه قال دفعته الى المسجد وهو بازر يعني وهو مغتص بالزحام. ثم إن هذا نفي يحتمل أموراً كثيرة فكيف يترك لأجله الحديث الصحيح وقياسهم منتقض بما ذكرنا من القياس والدليل على صفة الصلاة التي ذكرناها ما روت عائشة قالت: خسفت الشمس في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد فقام وكبر وصف الناس وراءه فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم قراءة طويلة ثم كبر فركع ركوعاً طويلاً ثم رفع رأسه فقال سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد، ثم قام فاقترأ قراءة طويلة وهي أدنى من القراءة الأولى ثم كبر فركع ركوعاً طويلاً وهو أدنى من الركوع الأول ثم قال سمع الله لمن حمده وربنا ولك الحمد، ثم سجد ثم فعل في الركعة الأخرى مثل ذلك حتى استكمل أربع ركعات وأربع سجدات وانجلت الشمس قبل

أن ينصرف. وعن ابن عباس مثل ذلك وفيه أنه قام في الأولى قياماً طويلاً نحواً من سورة البقرة متفق عليهما. فأما أحاديهم فغير معمول بها باتفاقنا فانهم قالوا يصلي ركعتين، وحديث النعمان فيه أنه يصلي ركعتين، وحديث قبيصة مرسل وحديث النعمان يحتمل أنه صلى ركعتين في كل ركعة ركوعين لأن فيه جمعاً بين الأحاديث ولو قدر التعارض كانت أحاديثنا أولى لصحتها وشهرتها واشتمالها على الزيادة والزيادة من الثقة مقبولة (فصل) ومهما قرأ به جاز سواء كانت القراءة طويلة أو قصيرة لما روت عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي في كسوف الشمس والقمر أربع ركعات في أربع سجدات وقرأ في الأولى بالعنكبوت والروم وفي الثانية بيس أخرجه الدارقطني (فصل) وقال أصحابنا لا خطبة لصلاة الكسوف ولم يبلغنا عن أحمد رحمه الله في ذلك شئ. وهذا مذهب مالك وأصحاب الرأي، وقال إسحق وابن المنذر يخطب الامام بعد الصلاة، قال الشافعي يخطب كخطبتي الجمعة لأن في حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم انصرف وقد

مسألة: فإن تجلى الكسوف فها أتمها خفيفة، وان تجلى قبلها أو غابت الشمس كاسفة أو طلعت والقمر خاسف لم تصل

انجلت الشمس فخطب الناس فحمد الله واثنى عليه وقال " إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله عزوجل لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبروا وصلوا وتصدقوا " ثم قال " يا أمة محمد لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً " متفق عليه ولنا أن في هذا الخبر ما يدل على أن الخطبة لا تشرع لها لأنه صلى الله عليه وسلم أمرهم بالصلاة والدعاء والتكبير والصدقة ولم يأمرهم بخطبة، ولو كانت سنة لأمرهم بها وإنما خطب النبي صلى الله عليه وسلم بعد الصلاة ليعلمهم حكمها، وهذا مختص به ليس في الخبر ما يدل على أنه خطب خطبتي الجمعة، واستحب ذكر الله تعالى والدعاء والتكبير والاستغفار والصدقة والعتق والتقرب إلى الله تعالى بما استطاع للخبر المذكور، وفي خبر أبي موسى فافزعوا إلى ذكر الله تعالى ودعائه واستغفاره وروي عن أسماء أنها قالت إنا كنا لنؤمر بالعتق في الكسوف * (مسألة) * (فإن تجلى الكسوف فيها أتمها خفيفة، وان تجلى قبلها أو غابت الشمس كاسفة أو طلعت والقمر خاسف لم تصل) وقت صلاة الكسوف من حين الكسوف الى حين التجلي، فان فاتت لم تقض لأنه قد روي

عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " إذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الصلاة حتى تتجلى " فجعل الانجلاء غاية للصلاة ولأن الصلاة إنما سنت رغبة الى الله في ردها فاذا حصل ذلك حصل مقصود الصلاة وان تجلت وهو في الصلاة أتمها خفيفة لأن المقصود التجلي وقد حصل، وان استترت الشمس والقمر بالسحاب وهما منكسفان صلى لأن الأصل بقاء الكسوف، وان تجلى السحاب عن بعضها فرأوه صافياً صلوا ولأن الباقي لا يعلم حالة، وان غابت الشمس كاسفة أو طلعت على القمر وهو خاسف لم يصل لأنه قد ذهب وقت الانتفاع بنورهما، وان غاب القمر ليلاً فقال القاضي يصلي لأنه لم يذهب وقت الانتفاع بنوره، ويحتمل أن لا يصلي لأن ما يصلى له قد غاب أشبه ما لو غابت الشمس، فإن لم يصل حتى طلع الفجر الثاني ولم يغب أو ابتدأ الخسف بعد طلوع الفجر وغاب قبل طلوع الشمس ففيه احتمالان ذكرهما القاضي: أحدهما لا يصلي لأن القمر آية الليل وقد ذهب الليل أشبه إذا طلعت الشمس، والثاني يصلي لأن الانتفاع بنوره باق أشبه ما قبل الفجر، وان فرغ من الصلاة والكسوف قائم لم يصل صلاة أخرى واشتغل بالذكر والدعاء لأن الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يزد على ركعتين (فصل) واذا اجتمع مع الكسوف صلاة أخرى كالجمعة والعيد أو الوتر أو صلاة مكتوبة بدأ بأخوفهما فوتا، فان خيف فوتهما بدأ بالواجبة، فإن لم يكن فيهما واجبة بدأ بالكسوف لتأكده، ولهذا تسن

مسألة: وإن أتى في كل ركعة بثلاث ركوعات أو أربع فلا بأس

له الجماعة ولأن الوتر يقضى وصلاة الكسوف لا تقضى: فان اجتمعت التراويح والكسوف ففيه وجهان عند أصحابنا. وقال شيخنا الصحيح أن الصلوات الواجبة التي تصلى في الجماعة تقدم على الكسوف بكل حال لأن تقديم الكسوف عليها يفضي الى المشقة لالزام الحاضرين بفعلها مع كونها ليست واجبة عليهم وانتظارهم الصلاة الواجبة مع أن فيهم الضعيف والكبير وذا الحاجة، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتخفيف الصلاة الواجبة لئلا يشق على المأمومين، فتأخير هذه الصلاة الطويلة الشاقة مع أن غيرها واجبة أولى، وإن اجتمعت مع التراويح قدمت التراويح لذلك، وإن اجتمعت مع الوتر في أول وقت الوتر قدمت لأن الوتر لا يفوت، وان خيف فوات الوتر قدم لأنه يسير يمكن فعله وادراك وقت الكسوف، وإن لم يبق إلا قدر الوتر فلا حاجة الى التلبس بصلاة الكسوف لأنها تقع في وقت النهي، فان اجتمعت مع صلاة الجنازة قدمت الجنازة وجهاً واحداً لأن الميت يخاف عليه والله أعلم (فصل) إذا أدرك المأموم الإمام في الركوع الثاني احتمل أن تفوته الركعة قاله القاضي لأنه فاته من الركعة ركوع أشبه ما لو فاته الركوع من غير هذه الصلاة، واحتمل أن تصح له الركعة لأنه يجوز أن يصلي هذه الصلاة بركوع واحد فاجتزئ به في حق المسبوق، وهذا الخلاف على الرواية التي تقول يركع ركوعين. فأما على الرواية التي يركع أكثر من ركوعين فانه يكون مدركاً للركعة اذا فاته ركوع واحد لإدراكه معظم الركعة حكاه ابن عقيل * (مسألة) * (وإن أتى في كل ركعة بثلاث ركوعات أو أربع فلا بأس)

مسألة: ولا يصلي لشيء من سائر الآيات إلا الزلزلة الدائمة

تجوز صلاة الكسوف على كل صفة رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم كما قلنا في صلاة الخوف والأولى عند أبي عبد الله الصلاة على الصفة التي ذكرنا فانه قال روي عن ابن عباس وعائشة في صلاة الكسوف أربع ركعات وأربع سجدات، وأما علي فيقول ست ركعات وأربع سجدات نذهب إلى قول ابن عباس وعائشة. وروي عن ابن عباس أنه صلى ست ركعات وأربع سجدات، وعن حذيفة وهو قول إسحق وابن المنذر لأنه قد روي عن عائشة وابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ست ركعات وأربع سجدات أخرجه مسلم. وروي عنه أنه صلى الله عليه وسلم صلى أربع ركعات وسجدتين في كل ركعة رواه مسلم. قال إبن المنذر روينا عن علي وابن عباس أنهما صليا هذه الصلاة، وحكي عن إسحق أنه قال وجه الجمع بين هذه الاحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان يزيد في الركوع إذا لم ير الشمس قد انجلت فاذا انجلت سجد. فمن ها هنا صارت زيادة الركعات. قال شيخنا ولا يجاوز أربع ركعات في كل ركعة لأنه لم يأتنا عن النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من ذلك قلت وقد روى أبي بن كعب قال انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بهم فقرأ سورة من الطوال وركع خمس ركعات وسجد سجدتين ثم جلس كما هو مستقبل القبلة يدعو حتى انجلى كسوفها رواه أبو داود. فعلى هذا لا بأس أن يأتي في كل ركعة بخمس ركوعات لهذا الحديث ولا يزيد عليها لما ذكرنا * (مسألة) * (ولا يصلي لشئ من سائر الآيات إلا الزلزلة الدائمة)

باب صلاة الاستسقاء

قال أصحابنا يصلي للزلزلة كصلاة الكسوف نص عليه وهو مذهب إسحق وأبي ثور. قال القاضي ولا يصلى للرجفة والريح الشديدة والظلمة ونحوها، وقال الآمدي يصلى لذلك ولرمي الكواكب والصواعق وكثرة المطر وحكاه عن ابن أبي موسى. وقال أصحاب الرأي الصلاة لسائر الآيات حسنة لأن النبي صلى الله عليه وسلم علل الكسوف بأنه من آيات الله يخوف بها عباده، وصلى ابن عباس للزلزمة بالبصرة رواه سعيد. وقال مالك والشافعي لا يصلى لشئ من الآيات سوى الكسوف لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل لغيره ولا خلفاؤه، وقد كان في عصره بعض هذه الآيات، ووجه الصلاة للزلزلة فعل ابن عباس وغيرها لا يصلى له لما ذكرنا والله أعلم * (باب صلاة الاستسقاء) * * (مسألة) * (وإذا أجدبت الأرض وقحط المطر فزع الناس إلى الصلاة) صلاة الاستسقاء عند الحاجة إليها سنة مؤكدة لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعلها وكذلك خلفاؤه، فروى عبد الله بن زيد قال خرج النبي صلى الله عليه وسلم يستسقي فتوجه إلى القبلة يدعو

مسألة: وصفتها في موضعها وأحكامها صفة صلاة العيد

وحول رداءه وصلى ركعتين جهر فيهما بالقراءة متفق عليه. وهذا قول سعيد بن المسيب وداود ومالك والاوزاعي والشافعي، وقال أبو حنيفة لا تسن صلاة الاستسقاء ولا الخروج اليها لأن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى على المنبر يوم الجمعة ولم يخرج ولم يصل لها، وليس هذا بشئ فانه قد ثبت بما رويناه من حديث عبد الله بن زيد، وروى ابو هريرة أنه خرج وصلى وفعله صلى الله عليه وسلم ما ذكروه لا يمنع فعل ما ذكرنا. قال إبن المنذر ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الاستسقاء وهو قول عوام أهل العلم إلا ابا حنيفة وخالفه صاحباه وأتبعا سائر العلماء، والسنة يستغنى بها عن كل قول، ولا ينبغي أن يعرج على ما خالفها * (مسألة) * (وصفتها في موضعها وأحكامها صفة صلاة العيد) وجملة ذلك أنه يستحب فعلها في المصلى كصلاة العيد. قالت عائشة شكى الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحط المطر فأمر بمنبر فوضع له في المصلى رواه أبو داود. ولأن الناس يكثرون فكان المصلى أرفق بهم، وهي ركعتان عند العاملين بها لا نعلم بينهم خلافاً في ذلك. واختلفت الرواية في صفتها فروي أنه يكبر فيها سبعاً في الاولى وخمسا في الثانية كتكبير العيد وهو قول سعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز وداود والشافعي، وحكي عن ابن عباس في حديثه ثم صلى ركعتين كما

يصلي العيد رواه أبو داود. وروى الدارقطني عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين كبر في الأولى سبع تكبيرات وقرأ سبح اسم ربك الأعلى وقرأ في الثانية هل أتاك حديث الغاشية وكبر فيها خمس تكبيرات. وروى جعفر بن محمد عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يصلون صلاة الاستسقاء يكبرون فيها سبعاً وخمساً رواه الشافعي، والثانية أنه يصلي ركعتين كصلاة التطوع وهو مذهب مالك وأبي ثور والاوزاعي وإسحق لأن عبد الله بن زيد قال صلى ركعتين ولم يذكر أنه كبر سبعاً وخمساً وروى ابو هريرة نحوه، وظاهره أنه لم يكبر وهذا ظاهر كلام الخرقي ويسن أن يجهر فيهما بالقراءة لما ذكرنا من حديث عبد الله بن زيد، وأن يقرأ فيهما بسبح اسم ربك الأعلى، وهل أتاك حديث الغاشية لحديثي ابن عباس (فصل) ولا يسن لها اذان ولا إقامة لا نعلم بين أهل العلم خلافاً فيه وقد روى أبو هريرة قال:

مسألة: وإذا أراد الإمام الخروج إليها وعظ الناس

خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً يستسقي فصلى بنا ركعتين بلا اذان ولا إقامة رواه الأثرم ولأنها نافلة فلم يؤذن لها كسائر النوافل. قال أصحابنا وينادى لها الصلاة جامعة كالعيد وصلاة الكسوف، وليس لها وقت معين إلا أنها لا تفعل في وقت النهي بغير خلاف لأن وقتها متسع فلا يخاف فوتها والأولى فعلها في وقت صلاة العيد لما روت عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج حين بدأ حاجب الشمس رواه أبو داود ولأنها تشبهها في الموضع والصفة فكذلك في الوقت، وقال ابن عبد البر الخروج إليها عند زوال الشمس عند جماعة العلماء إلا أبا بكر بن حزم وهذا على سبيل الاختيار لا أنه يتعين فعلها فيه * (مسألة) * (وإذا أراد الإمام الخروج إليها وعظ الناس وأمرهم بالتوبة من المعاصي والخروج من المظلم والصيام والصدقة وترك التشاحن، لكون المعاصي سبب الجدب، والتقوى سبب البركات) قال الله تعالى (ولو أن أهل القرى آمنوا وتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون) وقال مجاهد في قوله تعالى (ويلعنهم اللاعنون) البهائم تلعن عصاة بني آدم اذا أمسك المطر، وقال هذا من شؤم بني آدم * (مسألة) * (وبعدهم يوماً يخرجون فيه) لما روت عائشة قالت شكى الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوط المطر فأمر بمنبر فوضع له في المصلى ووعد الناس يوما يخرجون فيه رواه أبو داود * (مسألة) * (ويتنظف لها بالغسل والسواك وازالة الرائحة قياسا على صلاة العيد) ولا يتطيب لأنه يوم استكانة وخشوع * (مسألة) * (ويخرج متواضعاً متخشعاً متذللاً متضرعاً) السنة الخروج لصلاة الاستسقاء على الصفة المذكورة من التواضع والخشوع في ثياب بذلته، ولا يلبس ثياب زينة لأنه يوم تواضع، ويكون متخشعاً في مشيه وجلوسه متضرعاً إلى الله تعالى متذللاً راغباً إليه. قال ابن عباس خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم للاستسقاء متذللاً متواضعاً متخشعاً متضرعاً

مسألة: ويجوز خروج الصبيان كغيرهم من الناس

حتى أتى المصلى فلم يخطب كخطبتكم هذه ولكن لم يزل في الدعاء والتكبير، وصلى ركعتين كما كان يصلي في العيد، قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح * (مسألة) * (ويخرج معه أهل الدين والصلاح والشيوخ لأنه أسرع للإجابة) ويستحب الخروج لكافة الناس، فأما النساء فلا بأس بخروج العجائز منهن ومن لا هيئة لها. وقال ابن حامد يستحب، فأما الشواب وذوات الهيئة فلا يستحب لهن لأن الضرر في خروجهن أكثر من النفع، ولا يستحب اخراج البهائم لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله وبه قال أصحاب الشافعي لأنه روي أن سليمان عليه السلام خرج يستسقي فرأى نملة مستلقية وهي تقول: اللهم إنا خلق من خلقك ليس بنا غنى عن رزقك. فقال سليمان ارجعوا فقد سقيتم بدعوة غيركم. وقال ابن عقيل والقاضي لا بأس به لذلك، والاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم أولى * (مسألة) * (ويجوز خروج الصبيان كغيرهم من الناس) وقال ابن حامد يستحب اختاره القاضي فقال خروج الشيوخ والصبيان أشد استحباباً من الشباب لأن الصبيان لا ذنوب عليهم * (مسألة) * (وان خرج معهم أهل الذمة لم يمنعوا ولم يختلطوا بالمسلمين) وجملة ذلك أنه لا يستحب اخراج أهل الذمة لأنهم أعداء الله الذين بدلوا نعمة الله كفراً فهم بعيدون من الاجابة، وإن أغيث المسلمون فربما قالوا هذا حصل بدعائنا واجابتنا، وإن خرجوا لم يمنعوا لأنهم يطلبون أرزاقهم من ربهم فلا يمنعون من ذلك. ولا يبعد أن يجيبهم الله تعالى لأنه قد ضمن أرزاقهم في الدنيا كما ضمن أرزاق المؤمنين، ويؤمر بالانفراد عن المسلمين لأنه لا يؤمن أن يصيبهم عذاب فيعم من حضرهم، فان عادا استسقوا فأرسل الله عليهم ريحاً صرصراً فأهلكتهم، فإن قيل فينبغي أن يمنعوا الخروج يوم يخرج المسلمون لئلا يظنوا أن ما حصل من السقيا بدعائهم. قلنا ولا يؤمن أن يتفق نزول الغيث يوم يخرجون وحدهم فيكون أعظم لفتنتهم وربما فتن بهم غيرهم * (مسألة) * (فيصلي بهم ثم يخطب خطبة واحدة يفتتحها بالتكبير كخطبة العيد) قد ذكرنا الاختلاف في مشروعية صلاة الاستسقاء وصفتها، واختلفت الرواية في خطبة

الاستسقاء، وفي موضعها فروي أنه لا يخطب وانما يدعو ويتضرع لقول ابن عباس لم يخطب كخطبتكم هذه لكن لم يزل في الدعاء والتضرع. والمشهور أن فيها خطبة بعد الصلاة، قال أبو بكر اتفقوا عن أبي عبد الله أن في صلاة الاستسقاء خطبة وصعوداً على المنبر. والصحيح أنها بعد الصلاة وبه قال مالك والشافعي ومحمد بن الحسن، قال ابن عبد البر وعليه جماعة الفقهاء لقول أبي هريرة صلى ركعتين ثم خطبنا لأنها صلاة ذات تكبير فأشبهت صلاة العيدين، وفيها رواية ثانية أنه يخطب قبل الصلاة. روى ذلك عن عمر وابن الزبير وأبان بن عثمان وهشام بن اسماعيل وأبي بكر بن محمد بن عمرو ابن حزم وبه قال الليث بن سعد وابن المنذر لما روى أنس وعائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب وصلى. وعن عبد الله بن زيد قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يوم خرج يستسقي فحول ظهره إلى الناس واستقبل القبلة يدعو ثم حول رداءه ثم صلى ركعتين جهر فيهما بالقراءة متفق عليه. وفيها رواية ثالثة أنه مخير في الخطبة قبل الصلاة وبعدها لورود الأخبار بكلا الأمرين ودلالتها على

مسألة: ويكثر فيها الاستغفاء وقراءة الآيات التي فيها الأمر به

كلتا الصنفين، فحمل على أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل الأمرين، وأياما فعل ذلك فهو جائز لأن الخطبة غير واجبة على جميع الروايات والأولى أن يخطب بعد الصلاة كالعيد وليكونوا قد فرغوا من الصلاة فان أجيب دعاؤهم وأغيثوا لم يحتاجوا الى الصلاة في المطر، وقول ابن عباس لم يخطب كخطبتكم نفي لصفة الخطبة لا لأصلها بدليل قوله إنما كان جل خطبته الدعاء والتضرع والتكبير، ويستحب أن يفتتحها بالتكبير كخطبة العيد (فصل) والمشروع خطبة واحدة وبهذا قال عبد الرحمن بن مهدي، وقال مالك والشافعي يخطب كخطبتي العيدين لقول ابن عباس صنع النبي صلى الله عليه وسلم كما صنع في العيد، ولأنها أشبهتها في صفة الصلاة فكذلك في صفة الخطبة ولنا قول ابن عباس لم يخطب كخطبتكم هذه ولكن لم يزل في الدعاء والتكبير وهذا يدل على

مسألة: ويرفع يديه فيدعو بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم

أنه ما فصل بين ذلك بسكوت ولا جلوس ولأن كل من نقل الخطبة لم ينقل خطبتين. والصحيح من حديث ابن عباس أنه قال صلى ركعتين كما كان يصلي في العيد، ولو كان النقل كما ذكروه فهو محمول على الصلاة بدليل أول الحديث، واذا صعد المنبر للخطبة جلس وان شاء لم يجلس لأنه لم ينقل ولا ها هنا أذان يجلس لفراغه * (مسألة) * (ويكثر فيها الاستغفار وقراءة الآيات التي فيها الأمر به) يستحب أن يكثر في خطبته الاستغفار والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وقراءة الآيات التي فيها الأمر بالاستغفار كقوله تعالى (ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه، يرسل السماء عليكم مدرارا) وكقوله (استغفروا ربكم إنه كان غفارا، يرسل السماء عليكم مدرارا) ولأن الاستغفار سبب لنزول الغيث بدليل ما ذكرنا، والمعاصي سبب لانقطاع الغيث، والاستغفار والتوبة يمحوان المعاصي. وقد روي عن عمر رضي الله عنه أنه خرج يستسقي فلم يزد على الاستغفار وقال لقد استسقيت بمجاديح السماء * (مسألة) * (ويرفع يديه فيدعو بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم) يستحب رفع الأيدي في دعاء الاستسقاء لما روى البخاري عن أنس قال كان النبي صلى الله

عليه وسلم لا يرفع يديه في شئ من دعائه إلا الاستسقاء فإنه يرفع حتى يرى بياض إبطيه. وفي حديث أنس أيضاً فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه ورفع الناس أيديهم. ويستحب أن يدعو بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم فروى عبد الله بن عمر أن رسول الله عليه وسلم كان إذا استسقى قال " اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً، هنيئاً مريعاً، غدقا محبللا، طبقاً سحاً دائماً. اللهم اسقنا الغيث، ولا تجعلنا من القانطين، اللهم إن بالعباد والبلاد من اللآواء والجهد والصنك ما لا نشكوه إلا إليك، اللهم أنبت لنا الزرع، وأدر لنا الضرع، واسقنا من بركات السماء، وأنزل علينا من بركاتك. اللهم ارفع عنا الجهد والجوع والعري، وارفع عنا من البلاء مالا يكشفه غيرك. اللهم إنا نستغفرك، إنك كنت غفاراً، فارسل السماء علينا مدراراً " وروى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً، مريئاً مريعا، نافعاً غير ضار، عاجلاً غير آجل " رواه أبو داود. قال الخطابي مربعاً يروى على وجهين بالياء والباء، فمن رواه بالياه جعله من المراعة يقال أمرع المكان اذا أخصب ومن رواه بالباء مربعاً كان معناه منبتاً للربيع. وعن عائشة رضي الله عنها قالت شكى الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوط المطر فأمر بمنبر فوضع له في المصلى ووعد الناس يوم يخرجون فيه وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بدأ حاجب الشمس فقعد على المنبر فكبر وحمد الله ثم قال

" إنكم شكوتم جدب دياركم، واستئخار المطر إبان زمانه عنكم، فقد أمركم الله أن تدعوه، ووعدكم أن يستجيب لكم " ثم قال " الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، لا إله إلا الله، يفعل ما يريد. اللهم أنت الله لا إله إلا أنت الغني، ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث، واجعل ما أنزلت لنا قوة وبلاغاً إلى حين. ثم رفع يديه فلم يزل في الرفع حتى يرى بياض إبطيه، ثم حول الى الناس ظهره وقلب أو حول رداءه وهو رافع يديه، ثم أقبل على الناس فنزل فصلى ركعتين " رواه أبو داود. وروى ابن قتيبة باسناده في غريب الحديث عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج للاستسقاء فصلى بهم ركعتين يجهر فيهما بالقراءة، وكان يقرأ في العيدين والاستسقاء في الركعة الأولى بفاتحة الكتاب وسبح اسم ربك الأعلى، وفي الركعة الثانية فاتحة الكتاب وهل أتاك حديث الغاشية. فلما قضى صلاته استقبل القبلة بوجهه وقلب رداءه ورفع يديه وكبر تكبيره قبل أن يستسقي ثم قال " اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً، وحياً ربيعاً، وجداً طبقاً غدقا مغدقاً مونقاً هنياً مرياً مريعاً مربعاً مرتعاً، سابلاً مسبلاً، مجللاً دائماً، دروراً نافعاً غير ضار، عاجلاً غير آجل. اللهم تحى به البلاد، وتغيث به العباد، وتجعله بلاغاً للحاضر منا والباد. اللهم أنزل في أرضنا زينتها، وأنزل علينا في أرضنا سكنها. اللهم أنزل علينا من السماء ماء طهوراً، فأحي به بلدة ميتاً، واسقه مما خلقت أنعاماً وأناسي كثيراً " قال ابن قتيبة المغيث المحيي بإذن الله تعالى، والحيا الذي تحيا به الأرض

مسألة: ويستقبل القبلة في أثناء الخطبة ويحول رداءه ويجعل الأيسر على الأيمن والأيمن على الأيسر، ويفعل الناس كذلك ويتركونه حتى ينزعوه مع ثيابهم

والمال، والجدا المطر العام ومنه أخذ جدا العطية، والجدا مقصوراً، والطبق الذي يطبق الأرض، والغدق والمغدق الكثير القطر، والمونق المعجب، والمريع ذو المراعة والخصب، والمربع من قولك ربعت بمكان كذا اذا أقمت فيه، واربع على نفسك ارفق، والمرتع من رتعت الإبل اذا رعت، والسابل من السبل وهو المطر يقال سبل السابل كما يقال مطر ماطر، والرائث البطئ، والسكن القوة لأن الأرض تسكن به * (مسألة) * (ويستقبل القبلة في أثناء الخطبة ويحول رداءه ويجعل الأيسر على الأيمن والأيمن على الأيسر ويفعل الناس كذلك ويتركونه حتى ينزعوه مع ثيابهم) وجملة ذلك أنه يستحب للخطيب استقبال القبلة في أثناء الخطبة لما روى عبد الله بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يستسقي فتوجه إلى القبلة يدعو رواه البخاري. وفي لفظ فحول إلى الناس ظهره واستقبل القبلة يدعو. ويستحب أن يحول رداءه حال استقبال القبلة لأن في حديث عبد الله بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يستسقي فاستقبل القبلة يدعو وحول رداءه متفق عليه، ولمسلم فحول رداءه حين استقبل القبلة. وقال أبو حنيفة لا يسن لأنه دعاء فلا يستحب تحويل الرداء فيه كسائر الأدعية وسنة النبي صلى الله عليه وسلم أولى بالاتباع. ويستحب التحويل للمأموم في قول أكثر أهل العلم، وحكي عن سعيد بن المسيب وعروة والثوري ان التحويل مختص بالإمام وهو قول الليث وأبي يوسف ومحمد لأنه إنما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم دون أصحابه

ولنا أن ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم يثبت في حق غيره ما لم يقم على اختصاصه دليل، كيف وقد عقد المعنى في ذلك وهو التفاؤل بقلب الرداء ليقلب الله ما بهم من الجدب إلى الخطب، وقد جاء ذلك في بعض الحديث. وروى الإمام أحمد حديث عبد الله بن زيد وفيه أنه عليه الصلاة والسلام تحول الى القبلة وحول رداءه فقلبه ظهراً لبطن وتحول الناس معه، إذا ثبت ذلك فصفة التقليب أن يجعل ما على اليمين على اليسار وما على اليسار على اليمين، روى ذلك عن أبان بن عثمان وعمر بن عبد العزيز وهشام بن اسماعيل وأبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ومالك وكان الشافعي يقول به ثم رجع فقال يجعل أعلاه أسفله لأن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى وعليه خميصة سوداء فأراد أن يجعل أسفلها أعلاها فلما ثقلت جعل العطاف الذي على الأيسر على الأيمن رواه أبو داود ولنا ما روى عبد الله بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم حول عطافه وجعل عطافه الأيمن على عاتقه الأيسر وجعل عطافه الأيسر على عاتقه الأيمن رواه أبو داود. وفي حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قلب رداءه فجعل الأيمن على الأيسر والأيسر على الأيمن رواه الإمام أحمد وابن ماجة، والزيادة التي نقلوها إن ثبتت فهي ظن الراوي لا يترك لها فعل النبي صلى الله عليه وسلم وقد نقل التحويل جماعة لم ينقل أحد منهم أنه جعل أعلاه أسفله، ويبعد أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم ترك ذلك في جميع الأوقات لثقل الرداء * (مسألة) * (ويدعو سراً حال استقبال القبلة) فيقول اللهم إنك أمرتنا بدعائك، ووعدتنا إجابتك، وقد دعوناك كم أمرتنا، فاستحب لنا

مسألة: ويدعو سرا حال استقبال القبلة

كما وعدتنا، اللهم فامنن علينا بمغفرة ذنوبنا واجابثنا في سقيانا وسعة أرزاقنا. ثم يدعو بما شاء من أمر دين أو دنيا، وانما استحب الاسرار ليكون أقرب الى الاخلاص وأبلغ في الخشوع والخضوع والتضرع وأسرع في الإجابة قال الله تعالى (ادعوا ربكم تضرعا وخفية) واستحب الجهر ببعضه ليسمع الناس فيؤمنون على دعائه (فصل) ويستحب أن يستسقي بمن ظهر صلاحه لأنه أقرب إلى إجابة الدعاء، وقد استسقى عمر رضي الله عنه بالعباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فروى ابن عمر قال استسقى عمر عام الرمادة بالعباس فقال اللهم إن هذا عم نبيك صلى الله عليه وسلم نتوجه اليك به فأسقنا، فما برحوا حتى سقاهم الله عزوجل، وروي أن معاوية خرج يستسقي فلما جلس على المنبر قال أين يزيد بن الأسود؟ فقام يزيد فدعاه معاوية فأجلسه عند رجليه ثم قال: اللهم إنا نتشفع اليك بخيرنا وأفضلنا يزيد بن الأسود. ارفع يديك. فرفع يديه ودعا الله، فثارت في الغرب سحابة مثل الترس، وهبت لها ريح فسقوا حتى كادوا لا يبلغون منازلهم. واستسقى به الضحاك بن قيس مرة أخرى * (مسألة) * (فإن سقوا وإلا عادوا ثانياً وثالثاً، وإن سقوا قبل خروجهم شكروا الله تعالى وسألوه المزيد من فضله) وبهذا قال مالك والشافعي. وقال إسحق لا يخرجون إلا مرة واحدة لأنه صلى الله عليه وسلم إنما خرج مرة واحدة، ولكن يجتمعون في مساجدهم فاذا فرغوا من الصلاة ذكروا الله تعالى ودعوا ويدعو الامام يوم الجمعة على المنبر ويؤمن الناس

مسألة: فإن سقوا وإلا عادوا ثانيا وثالثا، وإن سقوا قبل خرجهم شكروا الله تعالى وسألوه المزيد من فضله

ولنا أن هذا أبلغ في الدعاء والتضرع. وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " إن الله يحب الملحين في الدعاء " وأما النبي صلى الله عليه وسلم فإنما لم يخرج ثانياً لاستغنائه باجابته أول مرة، والخروج في المرة الأولى آكد مما بعدها لورود السنة بها (فصل) فإن تأهبوا فسقوا قبل خروجهم لم يخرجوا وشكروا الله وحمدوه على نعمته، وسألوه المزيد من فضله. وقال القاضي وابن عقيل يخرجون ويصلون شكراً لله تعالى، وإن كانوا قد خرجوا فسقوا قبل أن يصلوا شكروا الله تعالى وحمدوه قال الله تعالى (لئن شكرتم لأزيدنكم) ويستحب الدعاء عند نزول الغيث لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " اطلبوا استجابة الدعاء عند ثلاث: عند التقاء الجيوش، وإقامة الصلاة، ونزول الغيث " وعن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى المطر قال " صيباً نافعاً " رواه البخاري * (مسألة) * (وينادى لها الصلاة جامعة) كذلك ذكره أصحابنا قياساً على صلاة الكسوف * (مسألة) * (وهل من شرطها إذن الإمام على روايتين) إحداهما لا يستحب إلا إذا خرج الإمام أو رجل من قبله، فان خرجوا بغير إذن الإمام فقال أبو بكر يدعون وينصرفون بلا صلاة ولا خطبة نص عليه أحمد والثانية لا يشترط ويصلون لأنفسهم ويخطب بهم أحدهم. فعلى هذه الرواية يشرع الاستسقاء في حق كل أحد مقيم ومسافر وأهل القرى والاعراب قياساً على صلاة الكسوف. ووجه الأولى أن النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بها وإنما فعلها على صفة وهو أنه صلاها بأصحابه فلم يتعدى تلك الصفة وكذلك فعل خلفاؤه ومن بعدهم بخلاف صلاة الكسوف فانه أمر بها

مسألة: وينادى لها الصلاة جامعة

* (مسألة) * (ويستحب أن يقف في أول المطر ويخرج رحله وثيابه ليصيبها لما روى أنس ابن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل على منبره حتى رأينا المطر يتحادر عن لحيته رواه البخاري وعن ابن عباس أنه كان إذا أمطرت السماء قال لغلامه " أخرج رحلي وفراشي يصيبه المطر " ويستحب أن يتوضأ من ماء المطر اذا سال السيل، لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا سال السيل قال " أخرجوا بنا إلى هذا الذي جلعه الله طهوراً فنتطهر " (فصل) قال القاضي وابن عقيل اذا نقصت مياه العيون في البلد الذي يشرب منها أو غارت وتضرر الناس بذلك استحب الاستسقاء كما يستحب لانقطاع المطر، وقال أصحابنا لا يستحب لأنه لم ينقل والله أعلم (فصل) والاستسقاء ثلاثة أضرب ذكرها القاضي: أحدها الخروج والصلاة كما وصفنا وهو أكملها، والثاني استسقاء الامام يوم الجمعة على المنبر لما روى أنس أن رجلاً دخل المسجد يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً ثم قال يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فأدع الله يغثنا فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه فقال " اللهم أغثنا، اللهم أغثنا " قال أنس: ولا والله ما نرى في السماء من سحاب، ولا قزعة، ولا شئ بيننا وبين سلع من بيت ولا دار، فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس، فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت. فلا والله ما رأينا الشمس سبتاً، ثم دخل من ذلك الباب رجل في الجمعة المقبلة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فاستقبله قائماً وقال يا رسول الله هلكت المواشي وانقطعت السبل فأدع الله

مسألة: ويستحب أن يقف في أول المطر ويخرج رحله وثيابه ليصيبها

أن يمسكها. قال فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وقال " اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر " قال فانقطعت وخرجنا نمشي في الشمس متفق عليه. والثالث أن يدعوا الله تعالى عقيب صلواتهم في خلواتهم * (مسألة) * وإذا زادت المياه فخيف منها استحب له أن يقول اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على

الظراب والآكام وبطون الأودية ومنابت الشجر، ربنا لا تحملنا ما لا طاقة لنا به الآية لما ذكرنا

من الحديث. وكذلك ان زادت مياه العيون بحيث يضر استحب لهم أن يدعوا الله ليخففه عنهم

مسألة: وإذا زادت المياه فخيف منها

ويصرفه الى أماكن ينفع ولا يضرر لأن الضرر بزيادة المطر أحد الضررين فاستحب الدعاء لازالته وانقطاعه كالآخر. (فصل) واذا جاء المطر استحب أن يقول مطرنا بفضل الله ورحمته ولا يقول مطرنا بنوء كذا لأنه كما جاء في الحديث

كتاب الجنائز

كتاب الجنائز يستحب ذكر الموت لأنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " أكثروا ذكر هاذم اللذات، فما ذكر في كثير إلا قلله، ولا في قليل إلا كثره " روى البخاري أوله. قال ابن عقيل معناه متى ذكر في قليل من الرزق استكثره الانسان لاستقلال ما بقي من عمره، ومتى ذكره في كثير قلله لأن كثير الدنيا اذا علم انقطاعه بالموت قل عنده. ويستحب الاستعداد للموت قال الله تعالى (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا) واذا مرض الانسان استحب أن يصبر لما وعد الله الصابرين من الأجر قال الله تعالى (وانما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) ويكره الأنين لأنه روي عن طاوس كراهته، ولا يتمنى الموت لضر نزل به لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به، ويقول اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي " متفق عليه وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح، ويحسن ظنه بربه تعالى لما روى جابر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته بثلاثة أيام يقول " لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن

مسألة: وإذا نزل به تعاهد بل حلقه بماء أو شراب ويندي شفتيه بقطنة

بالله عزوجل " رواه مسلم بمعناه وأبو داود. وقال معتمر عن أبيه أنه قال عند موته: حدثني بالرخص * (مسألة) * (ويستحب عيادة المريض وتذكيره التوبة والوصية) عيادة المريض مستحبة لما روى البراء قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع ونهانا عن سبع. أمرنا بعيادة المريض واتباع الجنازة وذكر الحديث رواه البخاري ورواه مسلم بمعناه. وعن علي رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " ما من مسلم يعود مسلماً إلا ابتعث الله له سبعون ألف ملك يصلون عليه أي ساعة من النهار كانت حتى يمسي، وأي ساعة من الليل كانت حتى يصبح " رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي، وزاد وكان له خريف في الجنة، وقال حديث حسن غريب. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من عاد مريضاً نادى مناد من السماء طبت وطاب ممشاك، وتبوأت من الجنة منزلاً " رواه الترمذي وابن ماجة وهذا لفظه، وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله عزوجل يقول يوم القيامة يا ابن مرضت فلم تعدني. قال يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال أما علمت ان عبدي فلاناً مرض فلم تعده، أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده " وذكر الحديث رواه مسلم. وإذا دخل على المريض سأل عن حاله ودعا له ورقاه. قال ثابت لأنس يا أبا حمزة اشتكيت. قال أنس أفلا أرقيك برقية رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال بلى، قال " اللهم رب الناس، مذهب الباس، اشف أنت الشافي، شفاء لا يغادر سقماً " وروى أبو سعيد. قال " أتى جبريل النبي صلى الله عليه

مسألة: ويستحب أن يلقنه قول لا إله إلا الله مرة

وسلم فقال يا محمد اشتكيت؟ قال نعم. قال بسم الله أرقيك، من كل شئ يؤذيك، من شر كل نفس وعين حاسدة الله يشفيك " قال أبو زرعة كلا الحديثين صحيح. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا دخلتم على المريض فنفسوا له في الأجل، فإنه لا يرد من قضاء الله شيئاً، وإنه يطيب نفس المريض " رواه ابن ماجه (فصل) ويستحب أن يرغبه في التوبة من المعاصي والخروج من المظالم وفي الوصية، لما روى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " ما حق امرئ مسلم يبيت ليلتين وله شئ يوصي فيه إلا ووصيته مكتوبة عنده " متفق عليه * (مسألة) * (وإذا نزل به تعاهد بل حلقه بماء أو شراب ويندي شفتيه بقطنة) يستحب أن بلي المريض أرفق أهله به وأعلمهم بسياسته وأنقاهم لله تعالى، فاذا رآه منزولاً به تعاهد بل حلقه بتقطير ماء أو شراب فيه ويندي شفتيه بقطنة لأنه ربما ينشف حلقه من شدة ما نزل به فيعجز عن الكلام * (مسألة) * (ويستحب أن يلقنه قول لا إله إلا الله مرة) لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " لقنوا موتاكم لا إله إلا الله " رواه مسلم. وقال الحسن سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل؟ فقال " أن تموت يوم تموت ولسانك رطب من ذكر الله " رواه سعيد بن منصور

مسألة: فإذا مات أغمض عينيه وشد لحييه ولين مفاصله وخلع ثيابه وسجاه بثوب يستره وجعل على بطنه مرآة أو نحوها ووضعه على سرير غسله متوجها منحدرا نحو رجليه

* (مسألة) * (ولا يزيد على ثلاث لئلا يضجره إلا أن يتكلم بعده بشئ فيعيد تلقينه بلطف ومداراة ليكون آخر كلامه لا إله إلا الله نص عليه أحمد وروي عن عبد الله بن المبارك أنه لما حضره الموت جعل رجل يلقنه لا إله إلا الله فأكثر عليه. فقال له عبد الله إذا قلت مرة فأنا على ذلك ما لم أتكلم: قال الترمذي إنما أراد ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة " رواه أبو داود. وروى بإسناده عن معاذ بن جبل أنه لما حضرته الوفاة قال: اجلسوني. فلما أجلسوه قال: كلمة سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم كنت أخبؤها ولولا ما حضرني من الموت ما أخبرتكم بها، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " من كان آخر قوله عند الموت أشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلا هدمت ما كان قبلها من الخطايا والذنوب فلقنوها موتاكم " فقيل يا رسول الله فكيف هي للاحياء؟ قال " هي أهدم وأهدم " * (مسألة) * (ويقرأ عنده سورة يس) لما روى معقل بن يسار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اقرأوا (يس) على موتاكم " رواه أبو داود. وقال أحمد ويقرءون عند الميت اذا حضر ليخفف عنه بالقرآن يقرأ (يس) وأمر بقراءة فاتحة الكتاب. وروى الإمام أحمد " (يس) قلب القرآن لا يقرؤها رجل يريد الله والدار الآخرة إلا غفر له واقرأوها على مرضاكم " * (مسألة) * (ويوجهه إلى القبلة) التوجيه الى القبلة عند الموت مستحب. وهو قول عطاء والنخعي ومالك وأهل المدينة والاوزاعي وأهل الشام والشافعي وإسحق وأنكره سعيد بن المسيب فإنهم لما أرادوا أن يحولوه إلى القبلة قال: ألم أكن على القبلة الى يومي هذا؟ والأول أولى لأن حذيفة قال وجهوني. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم " خير المجالس ما استقبل به القبلة " ولأن فعلهم ذلك بسعيد دليل على أنه كان مشهوراً بينهم يفعله المسلمون بموتاهم. وصفة توجيهه الى القبلة أن يوضع على جنبه الأيمن كما يوضع

مسألة: ويسارع في قضاء دينه

في اللحد إن كان المكان واسعاً وهذا مذهب الشافعي لأن هكذا استقبل المصلى على جنبه، وإن كان المكان ضيقاً جعل على ظهره ويجعل رأسه على موضع مرتفع ليتوجه نحو القبلة، هكذا ذكره القاضي ويحتمل أن يجعل على ظهره، بكل حال ويحتمله كلام الخرقي لقوله وجعل على بطنه مرآة أو غيرها، وإنما يمكن ذلك إذا كان على ظهره. ويستحب تطهير ثياب الميت قبل موته، لأن أبا سعيد لما حضره الموت دعا بثياب جدد فلبسها ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " الميت يبعث في ثيابه التي يموت فيها " (1) رواه أبو داود * (مسألة) * (فإذا مات أغمض عينيه وشد لحييه ولين مفاصله وخلع ثيابه وسجاه بثوب يستره وجعل على بطنه مرآة أو نحوها ووضعه على سرير غسله متوجهاً منحدراً نحو رجليه) يستحب تغميض الميت عقيب الموت، ويستحب لمن حضر الميت أن لا يتكلم إلا بخير، لما روت ام سلمة قالت: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سلمة وقد شق بصره فأغمضه ثم قال: " إن الروح إذا قبض تبعه البصر " فضج ناس من أهله فقال " لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون " ثم قال " اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المقربين واخلفه

_ (1) الحديث معارض بما ثبت في الصحاح من ان الناس يبعثون حفاة عراة، وتأول بعضهم الثياب بالعمل فيكون بمعنى " يبعث كل عبد على ما مات عليه " كما ثبت في صحيح مسلم

مسألة: ويسارع في تفريق وصيته

في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين، وافسح له في قبره ونور له فيه " رواه مسلم. وروى شداد بن أوس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا حضرتم موتاكم فاغمضوا البصر فإن البصر يتبع الروح، وقولوا خيراً فإنه يؤمن على ما قال أهل الميت " رواه الإمام أحمد في المسند. ويستحب شد ذقنه بعصابة عريضة يربطها من فوق رأسه، لأن الميت إذا كان مفتوح العينين والفم قبح منظره، ولا يؤمن دخول الهوام فيه والماء في وقت غسله. قال بكر بن عبد الله المزني ويقول الذي يغمضه: بسم الله وعلى وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويجعل على بطنه شئ من الحديد كالمرآة ونحوها لئلا ينتفخ بطنه ويلين مفاصله وهو أن يردد ذراعيه الى عضديه وعضديه الى جنبيه ثم يرددهما ويرد ساقيه الى فخذيه وفخذيه الى بطنه ثم يرددهما ليكون ذلك أبقى للينه فيكون أمكن للغاسل في تمكينه وتمديده. قال أصحابنا ويستحب ذلك عقيب موته قبل قسوتها ببرودته، فإن شق عليه ذلك تركه، ويخلع ثيابه لئلا يحمى فيسرع اليه الفساد والتغير ويسجيه بثوب يستره لما روت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم حين توفي سجي ببرد حبرة، متفق عليه، ويستحب أن يلي ذلك منه أرفق الناس به بأرفق ما يقدر عليه. قال أحمد تغمض المرأة عينيه إذا كانت ذات محرم، قال ويكره للحائض

فصل في غسل الميت، مسألة: غسل الميت ودفنه وتكفينه والصلاة عليه فرض كفاية

والجنب تغميضه وأن يقرباه وكره ذلك علقمة، وروي نحوه عن الشافعي، وكره الحسن وابن سيرين وعطاء أن تغسل الحائض والجنب الميت ونحوه قال مالك، وقال ابن المنذر يغسله الجنب لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إن المؤمن لا ينجس " ولا نعلم بينهم خلافاً في صحة تغسيلهما وتغميضهما له، ولكن الأولى أن يكون المتولي لذلك طاهراً لأنه أكمل وأحسن، ويوضع على سرير غسله أو لوح لأنه أحفظ له ولا يدعه على الأرض لئلا يسرع اليه التغير بسبب نداوة الأرض، ويكون متوجهاً منحدراً نحو رجليه لينصب عنه ماء الغسل وما يخرج منه ولا يستنقع تحته فيفسده * (مسألة) * (ويسارع في قضاء دينه) لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه " رواه الإمام أحمد وابن ماجه والترمذي وقال حديث حسن. وعن سمرة قال: صلى نبي الله صلى الله عليه وسلم الصبح فقال " ها هنا أحد من بني فلان؟ " قالوا نعم. قال " فإن صاحبكم محتبس على باب الجنة في دين عليه " رواه الإمام أحمد، وإن تعذر ايفاء دينه في الحال استحب لوارثه أو غيره أن يتكفل به عنه كما فعل أبو قتادة لما أتى النبي صلى الله عليه وسلم بجنازة ولم يصل عليها، قال أبو قتادة: صل عليها يا رسول الله وعلي دينه رواه البخاري * (مسألة) * (ويسارع في تفريق وصيته ليتعجل له ثوابها يجريانها على الموصى له) * (مسألة) * (ويستحب المسارعة في تجهيزه إذا تيقن موته لأنه أصون له وأحفظ له من التغيير) قال أحمد كرامة الميت تعجيله لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إني لأرى طلحة قد حدث فيه الموت فآذنوني به وعجلوا فإنه لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني أهله " رواه أبو داود. ولا بأس أن ينتظر بها مقدار ما يجتمع لها جماعة لما يؤمل من الدعاء له اذا صلى عليه ما لم يخف عليه أو يشق على الناس نص عليه أحمد، وإن شك في أمر الميت اعتبر بظهور أمارات الموت من انفصال كفيه واسترخاء رجليه وميل أنفه وانخساف صدغيه وامتداد جلدة وجهه، فان مات فجأة كالمصعوق أو خائف

مسألة: والأمير أحق بالصلاة عليه بعد الوصي

من حرب أو سبع أو تردى من جبل انتظر به هذه العلامات حتى يتيقن موته. قال الحسن في المصعوق ينتظر به ثلاثا. قال أحمد وربما تغير في الصيف في اليوم والليلة. قال فكيف تقول؟ قال يترك بقدر ما يعلم أنه ميت. قيل له من غدوة الى الليل؟ قال نعم * (فصل في غسل الميت) * * (مسألة) * (غسل الميت ودفنه وتكفينه والصلاة عليه فرض كفاية) لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الذي وقصته راحلته " اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوب " متفق عليه، وقال صلى الله عليه وسلم " صلوا على من قال لا إله إلا الله " ودفنه فرض كفاية لأن في تركه أذى للناس به وهتك حرمته، وهذا مذهب الشافعي ولا نعلم فيه خلافاً * (مسألة) * (وأحق الناس به وصيه ثم أبوه ثم جده ثم الأقرب فالأقرب من عصباته ثم ذوا أرحامه إلا الصلاة عليه فان الأمير أحق بها بعد وصيه) أحق الناس بغسل الميت وصيه في ذلك. وقال أصحاب الشافعي: أولى الناس بغسل الميت عصباته الأقرب فالأقرب، فإن كان له زوجة فهل تقدم على العصبات؟ فيه وجهان ولنا على تقديم الوصي أن أبا بكر رضي الله عنه أوصى أن تغسله امرأته أسماء بنت عميس، وأوصى أنس أن يغسله محمد بن سيرين فقدما بذلك، ولا يعرف لهما مخالف في الصحابه ولأنه حق للميت فقدم فيه وصيه على غيره كتفريق ثلثه (فصل) فإن لم يكن له وصي فالعصبات أولى الناس به وأولاهم أبوه ثم جده وان علا، ثم ابنه ثم ابن ابنه وأن نزل، ثم الأقرب فالأقرب من عصباته على ترتيب الميراث لأنهم أحق بالصلاة عليه (فصل) وأحق الناس بالصلاة عليه وصية، وهذا قول سعيد بن زيد وأنس وأبي برزة وزيد ابن أرقم وأم سلمة. وقال الثوري ومالك والشافعي وأبو حنيفة تقدم العصبات لأنها ولاية تترتب بترتيب العصبات فالولي فيها أولى كولاية النكاح ولنا إجماع الصحابة رضي الله عنهم فان أبا بكر أوصى أن يصلي عليه عمر قاله أحمد. قال وعمر أوصى أن يصلي عليه صهيب، وأم سلمة أوصت أن يصلي عليها سعيد بن زيد، وأبو بكرة أوصى أن يصلي عليه أبوبرزة، وقال غيره عائشة أوصت أن يصلي عليها أبو هريرة، وابن مسعود أوصى أن يصلي عليه الزبير، وأبو سريحة أوصى أن يصلي عليه زيد بن أرقم، فجاء عمرو بن حريث وهو أمير الكوفة ليتقدم فيصلي عليها. فقال ابنه أيها الأمير ان أبي أوصى أن يصلي عليه زيد بن أرقم. فقدم زيداً. وهذه قضايا اشتهرت ولم يظهر لها مخالف فكانت إجماعاً. ولأنه حق للميت فانها شفاعة له فقدم وصيه فيها كتفريق ثلثه، وولاية النكاح يقدم عندنا فيها الوصي أيضاً على الصحيح، وان سلمت

فليست حقاً له، إنما هي حق للمولى عليه، ولأن الغرض في الصلاة الدعاء والشفاعة الى الله عزوجل، فالميت يختار لذلك من هو أظهر صلاحاً وأقرب إجابة بخلاف ولاية النكاح، فإن كان الوصي فاسقاً أو مبتدعاً لم يقبل الوصية كما لو كان الوصي ذمياً، وان كان الأقرب اليه كذلك لم يقدم وصلى غيره كما يمنع من التقديم في الصلوات الخمس * (مسألة) * (والأمير أحق بالصلاة عليه بعد الوصي) وقال به أكثر أهل العلم. وقال الشافعي في أحد قوليه يقدم الولي قياساً على تقديمه في النكاح ولنا قوله صلى الله عليه وسلم " لا يومن الرجل في سلطانه " وقال أبو حازم شهدت حسيناً حين مات الحسن يدفع في قفا سعيد بن العاص ويقول تقدم لولا السنة ما قدمتك. وسعيد أمير المدينة وهذا يقتضي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وروى أحمد بإسناده عن عماد مولى بني هاشم قال شهدت جنازة أم كلثوم بنت علي وزيد بن عمرو فصلى عليهما سعيد بن العاص وكان أمير المدينة وخلفه يومئذ ثمانون من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وفيهم ابن عمر والحسن والحسين. وقال علي رضي الله عنه: الامام أحق من صلى علي الجنازة، وعن ابن مسعود نحو ذلك، وهذا أشهر ولم ينكر فكان اجماعا ولأنها صلاة شرعت فيها الجماعة فقدم فيها الأمير كسائر الصلوات، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه يصلون على الجنائز، ولم ينقل الينا أنهم استأذنوا أولياء الميت في التقديم والمراد بالامير ها هنا الإمام، فإن لم يكن فالأمير من جهته، فإن لم يكن فالنائب من قبله في الامامة فإن لم يكن فالحاكم (فصل) وأحق الناس بالصلاة بعد ذلك العصبات وأحقهم الأب ثم الجد أبو الأب وان علا ثم الابن ثم ابنه وان نزل، ثم الأخ العصبة ثم ابنه ثم الأقرب فالأقرب ثم المولى المعتق ثم عصباته، هذا الصحيح من المذهب. وقال أبو بكر، في تقديم الأخ على الجد قولان، وحكي عن مالك تقديم الابن على الأب لأنه أقوى تعصيبا منه، والاخ على الجد لأنه يدلي بالابن والجد يدلي بالاب ولنا انهما استويا في الادلاء، والاب أرق وأشفق، ودعاؤه لابنه أقرب الى الاجابة، فكان أولى كالقريب مع البعيد، ولأن المقصود بالصلاة الدعاء للميت والشفاعة له بخلاف الميراث (فصل) وإن اجتمع زوج المرأة وعصباتها فأكثر الروايات عن أحمد تقديم العصبات، وهو ظاهر كلام الخرقي وقول سعيد بن المسيب والزهري ومذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي إلا أن أبا حنيفة يقدم زوج المرأة على ابنها منه، وروى عن أحمد تقديم العصبات، قال ابن عقيل وهي أصح لأن أبا بكر صلى على زوجته ولم يستأذن أخوتها، وروي ذلك عن ابن عباس وهو قول الشعبي وعطاء وعمر بن عبد العزيز وإسحق

مسألة: وأحق الناس بغسل المرأة وصيها ثم الأقرب فالأقرب من نسائها أمها ثم بنتها ثم بناتها ثم أخواتها كما ذكرنا في حق الرجل

ولنا أنه يروى عن عمر انه قال لأهل امرأته: أنتم أحق بها، ولأن الزوج قد زالت زوجيته بالموت فصار أجنبياً والقرابة لم تزل، فعلى هذه الرواية إن لم يكن لها عصبات فالزوج أولى لأن له سبباً وشفقة فكان أولى من الاجنبي (فصل) فإن اجتمع أخ من أبوين، وأخ من أب، ففي تقديم الأخ من الأبوين أو التسوية وجهان بناء على الروايتين في ولاية النكاح والحكم في الاعمام وأولادهم وأولاد الأخوة كذلك فان انقرض العصبة فالمولى المنعم، ثم عصباته ثم الرجال من ذوي أرحامه ثم الأقرب فالأقرب ثم الاجانب، فان استوى وليان في الدرجة فأحقهما أولاهما بالامامة في المكتوبات، وقال القاضي يحتمل تقديم الأسن وهو ظاهر مذهب الشافعي لأنه أقرب إلى إجابة الدعاء وأعظم عند الله قدراً، والاول أولى لقوله صلى الله عليه وسلم " يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله " وفضيلة السن معارضة بفضيلة العلم وقد رجحها الشارع في سائر الصلوات مع أنه يقصد فيها إجابة الدعاء والحظ للمأمومين، وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال " أئمتكم شفعاؤكم " ولا يسلم أن المسن الجاهل أعظم قدراً عند الله من العالم والأقرب اجابة، فان استووا وتشاحوا أقرع بينهم كما في سائر الصلوات (فصل) ومن قدمه الولي فهو بمنزلته، لأنها ولاية ثبتت له فكانت له الاستنابة فيها كولاية النكاح (فصل) وإن كان القريب عبداً فالحر البعيد أولى منه لأن العبد لا ولاية له في النكاح ولا المال، كذلك هذا. فان اجتمع صبي ومملوك ونساء، فالمملوك أولى لأنه تصح امامته بهما، فإن لم يكن إلا نساء وصبيان فقياس المذهب أنه لا يصح أن يؤم أحد الجنسين الآخر، ويصلي كل نوع لأنفسهم وامامهم منهم، ويصلي النساء جماعة وامامتهن في وسطهن نص عليه أحمد وبه قال أبو حنيفة، وقال الشافعي: يصلين منفردات لا يسبق بعضهن بعضاً، وان صلين جماعة جاز ولنا أنهن من أهل الجماعة فسن أن يصلين جماعة كالرجال، وما ذكروه من كونهن منفردات لا يسبق بعضهن بعضاً تحكم لا يصار إليه إلا بدليل، وقد صلي أزواج النبي صلى الله عليه وسلم على سعد ابن أبي وقاص رواه مسلم (فصل) فإن اجتمع جنائز فتشاح أولياؤهم فيمن يتقدم للصلاة عليهم قدم أولاهم بالامامة في الفرائض وقال القاضي يقدم من سبق ميته ولنا أنهم تساووا فأشبهوا الاولياء إذا تساووا في الدرجة مع قوله صلى الله عليه وسلم " يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله " وان أراد ولي كل ميت أفراد ميته بصلاة جاز * (مسألة) * (وأحق الناس بغسل المرأة وصيها ثم الأقرب فالأقرب من نسائها أمها ثم بنتها ثم بناتها ثم أخواتها كما ذكرنا في حق الرجل)

وكل من لها رحم ومحرم بحيث لو كانت رجلاً لم يحل له نكاحها أولى بها ممن لا رحم لها وبعدها التي لها رحم وليست بمحرم، كبنات العم والعمات وبنات الخال والخالة، فهن أولى من الاجانب، وبهذا قال الشافعي إن لم يكن لها زوج، فان كان لها زوج فهل يقدم على النساء؟ فيه وجهان: أحدهما يقدم لأنه ينظر منها الى ما لا ينظر النساء، والثاني يقدم النساء على الزوج لأن الزوجية تزول بالموت والرحم لا يزول كما ذكرنا في حق الرجل * (مسألة) * ولكل واحد من الزوجين غسل صاحبه في إحدى الروايتين، كذلك السيد مع سريته) اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله تعالى في غسل كل واحد من الزوجين الآخر، فروي عنه الجواز فيهما نقلها عنه حنبل، وروى عنه المنع مطلقاً حكاها ابن المنذر، وروي عنه التفرقة وهو جواز غسل الزوج دون الزوجة، والقول بجواز غسل المرأة زوجها قول أهل العلم حكاه ابن المنذر إجماعاً، قالت عائشة: لو استقبلنا من أمرنا ما استدبرنا ما غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا نساؤه رواه أبو داود، وأوصى ابو بكر رضي الله عنه ان تغسله امرأته أسماء بنت عميس ففعلت، وغسل أبا موسى امرأته أم عبد الله، قال أحمد ليس فيه اختلاف بين الناس، وعنه لا يجوز، حكى عنه صالح ما يدل على ذلك لأنها فرقة بين الزوجين أشبهت الطلاق، ولأنها أحد الزوجين أشبهت الآخر (فصل) والمشهور عن أحمد جواز غسل الرجل زوجته، وهو قول علقمة وعبد الرحمن بن يزيد وجابر بن زيد وسليمان بن يسار وأبي سلمة وأبي قتادة وحماد ومالك والاوزاعي والشافعي واسحق، وعن أحمد رواية ثانية، ليس للزوج غسلها وهو قول أبي حنيفة والثوري لأن الموت فرقة تبيح أختها وأربعا سواها فحرمت اللمس والنظر كالطلاق ولنا ما روى ابن المنذر أن علياً رضي الله عنه غسل فاطمة عليها السلام واشتهر ذلك فلم ينكر فكان أجماعاً، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة " لو مت قبلي لغسلتك وكفنتك " رواه ابن ماجه، والأصل في إضافة الفعل الى الشخص أن يكون للمباشرة فان حمله على الأمر يبطل فائدة التخصيص، ولأنه أحد الزوجين فأبيح له غسل صاحبه كالآخر. والمعنى في ذلك أن كل واحد من الزوجين يسهل عليه إطلاع الآخر على عورته لما كان بينهما في الحياة، ويأتي بالغسل على ما يمكنه لما كان بينهما من المودة والرحمة، وما قاسوا عليه لا يصح لأنه يمنع الزوجة من النظر بخلاف هذا ولأنه لا فرق بين الزوجين إلا بقاء العدة. ولو وضعت حملها عقيب موته كان لها غسله وقد انقضت عدتها * (فصل) * فإن طلق امرأته طلاقاً بائناً ثم مات أحدهما في العدة لم يجز لواحد منهما غسل الآخر لأن اللمس والنظر محرم حال الحياة فبعد الموت أولى، وإن كان الطلاق رجعيا وقلنا الرجعية محرمة فكذلك، وإن قلنا هي مباحة فحكمها حكم الزوجين لأنها ترثه ويرثها ويباح له وطؤها والخلوة والنظر

مسألة: وللرجل والمرأة غسل من له دون سبع سنين وفي ابن السبع وجهان

اليها أشبه سائر الزوجات (فصل) وحكم أم الولد حكم الزوجة فيما ذكرنا، واختار ابن عقيل أنه لا يجوز لها غسل سيدها لأنها عتقت بموته، ولم يبق علقة من ميراث ولا غيره، وهو قول أبي حنيفة وأحد الوجهين لأصحاب الشافعي ولنا أنها في معنى الزوجة في اللمس والنظر والاستمتاع فكذلك في الغسل، والميراث ليس من جملة المقتضي بدليل ما لو كان أحد الزوجين رقيقاً والاستبراء ها هنا كالعدة. فأما غيرها من الاءماء فيجوز لسيدها غسلها في أصح الروايتين. ذكره أبو الخطاب لأنه يلزمه كفنها ودفنها ومؤنتها فهي أولى من الزوجة، وهل يجوز لها غسل سيدها؟ قال شيخنا: يحتمل أن لا يجوز لأن الملك انتقل فيها إلى غيره، ويحتمل أن يجوز ذلك لسريته لأنها محل استمتاعه ويلزمها الاستبراء بعد موته أشبهت أم الولد، فإن مات الزوج قبل الدخول بامرأته احتمل أن لا يباح لها غسله لأنه لم يكن بينهم استمتاع حال الحياة (فصل) فإن كانت الزوجة ذمية فليس لها غسل زوجها، لأن الكافر لا يغسل المسلم، لأن النية واجبة في الغسل ولا تصح من الكافر. وقال الشافعي يكره لها غسله، فان غسلته جاز لأن القصد التنظيف، وليس لزوجه غسلها لأن المسلم لا يغسل الكافر، ولا يتولى دفنه ما يأتي، ولأنه لا ميراث بينهما ولا موالاة، وقد انقطعت الزوجية بالموت، ويتخرج جواز ذلك بناء على غسل المسلم الكافر وهو مذهب الشافعي (فصل) وليس لغير من ذكرنا من الرجال غسل أحد من النساء، ولا لأحد من النساء غسل غير من ذكرنا من الرجال، وإن كن ذات رحم محرم، وهذا قول أكثر أهل العلم. وقد روي عن أحمد أنه حكي له عن أبي قلابة غسل ابنته فاستعظم ذلك ولم يعجبه، وذلك أنها محرمة حال الحياة فلم يجب غسلها كالأجنبية وأخته من الرضاع، فإن لم يوجد من يغسلها من النساء فقال مهنا: سألت أحمد عن الرجل يغسل أخته إذا لم يجد نساء؟ قال لا. قلت فكيف يصنع؟ قال يغسلها وعليها ثيابها يصب الماء صبا. قلت لأحمد وكذلك كل ذات محرم تغسل وعليها ثيابها؟ قال نعم. وذلك لأنه لا يحل مسها، والأولى أنها تيمم كالأجنبية. لأن الغسل من غير مس لا يحصل به التنظيف، ولا إزالة النجاسة. بل ربما كثرت أشبه ما لو عدم الماء. وقال الحسن ومحمد ومالك والشافعي لا بأس بغسل ذات محرمة عند الضرورة * (مسألة) * (وللرجل والمرأة غسل من له دون سبع سنين وفي ابن السبع وجهان) أما غسل النساء للطفل الصغير فهو إجماع حكاه ابن المنذر، واختلف أهل العلم في حده فقال أحمد لهن غسل من له دون سبع سنين. وقال الحسن إذا كان فطيماً أو فوقه، وقال الأوزاعي ابن أربع أو خمس، وقال أصحاب الرأي الذي لم يتكلم

مسألة: وإذا مات رجل بين نسوة أو امرأو بين رجال أو خنثى مشكل يمم في أصح الروايتين وفي الأخرى يصب عليه الماء من فوق قميص ولا يمس

ولنا أن من له دون سبع سنين لم يؤمر بالصلاة، ولم يخير بين أبويه، ولا عورة له أشبه ما لو سلموه فأما من بلغ السبع ففيه وجهان (أحدهما) يجوز اختاره أبو بكر لأنه غير مكلف أشبه ما قبل السبع، (والثاني) لا يجوز اختاره ابن حامد وهو ظاهر كلام أحمد في رواية الأثرم، وقيل سئل عن غلام ابن سبع سنين تغسله المرأة؟ فقال هو ابن سبع وهو يؤمر بالصلاة، ولو كان أقل من سبع كان أهون عندي، وحكى أبو الخطاب فيمن بلغ السبع روايتين، والصحيح أن من بلغ عشراً ليس للنساء غسله لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " وفرقوا بينهم في المضاجع " وأمر بضربهم على الصلاة لعشر، فأما من بلغ السبع والعشر ففيه احتمالان ووجههما ما ذكرنا، وأما الجارية اذا لم تبلغ سبعاً فقال القاضي وابو الخطاب يجوز للرجال غسلها، وقال الخلال: القياس التسوية بينهما لكل واحد منهما على الآخر فعلى قولنا حكمها حكم الغلام، ولا يغسل الرجل من بلغت عشراً لما ذكرنا في الصبي ويحتمل أن يحد ذلك بتسع في حق الجارية لقول عائشة إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة وفيما قبل ذلك الوجهان، ونقل عن أحمد رحمه الله كراهة ذلك وقال النساء أعجب الي، وذكر له أن الثوري قال: تغسل المرأة الصبي والرجل الصبية، فقال لا باس أن تغسل المرأة الصبي، وأما الرجل يغسل الصبية فلا أجترئ عليه إلا أن يغسل الرجل ابنته الصغيرة، ويروى عن أبي قلابة أنه غسل ابنة له صغيرة وهو قول الحسن، وكره غسل الرجل الصغيرة سعيد والزهرى، قال شيخنا: وهذا أولى من قول الاصحاب، لأن عورة الجارية أفحش من عورة الغلام، ولأن العادة مباشرة المرأة للغلام الصغير، والنظر الى عورته في حال تربيته ومسها، ولم تجر العادة للرجل بمباشرة عورة الجارية حال الحياة فكذلك حالة الموت، وهذا اختيار شيخنا والله أعلم (فصل) ويصح أن يغسل المحرم الحلال والحلام المحرم لأن كل واحد منهما تصح طهارته وغسله * (مسألة) * (واذا مات رجل بين نسوة أو امرأة بين رجال أو خنثى مشكل يمم في أصح الروايتين وفي الأخرى يصب عليه الماء من فوق قميص ولا يمس) إذا مات رجل بين نسوة أجانب، أو امرأة بين رجال أجانب، أو مات خنثى مشكل، فانه ييمم في الصحيح من المذهب. وهذا قول سعيد بن المسيب والنخعي وحماد ومالك وأصحاب الرأي وابن المنذر وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي، والوجه الثاني يغسل في قميص ويجعل الغاسل على يده خرقة وفيه رواية أخرى أنه يغسل من فوق القميص يصب عليه الماء صباً ولا يمس، وهو قول الحسن وإسحق ولنا ما روى واثلة بن الاسقع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا ماتت المرأة مع الرجال ليس بينها وبينهم محرم تيمم كما ييمم الرجال " ولأن الغسل من غير مس لا يحصل به التنظيف

مسألة: وإذا أخذ في غسله ستر عورته وجرده، وقال القاضي: يغسل في قميص واسع الكمين

ولا إزالة النجاسة بل ربما كثرت، ولا يسلم من النظر، فكان العدول إلى التيمم أولى، كما لو عدم الماء فأما إن ماتت الجارية بين محارمها الرجال فقد ذكرناه * (مسألة) * (ولا يغسل مسلم كافراً ولا يدفنه إلا أن لا يجد من يواريه غيره) اذا مات كافر مع مسلمين لم يغسلوه سواء كان قريباً لهم أو لا، ولا يتولوا دفنه إلا أن لا يجدوا من يواريه وهذا قول مالك، وقال أبو حفص العكبري: يجوز له غسسل قريبه الكافر ودفنه، وحكاه قولا لأحمد وهو مذهب الشافعي لما روي عن علي رضي الله عنه قال: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم إن عمك الشيخ الضال قد مات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " اذهب فواره " رواه أبو داود والنسائي ولنا أنه لا يصلى عليه ولا يدعو له فلم يكن له غسله كالأجنبي، والحديث يدل على مواراته وله ذلك اذا خاف من التغير به والضرر ببقائه، قال أحمد في يهودي أو نصراني مات وله ولد مسلم: فليركب دابته ويسر أمام الجنازة، وإذا أراد أن يدفن رجع مثل قول عمر رضي الله عنه * (مسألة) * (وإذا أخذ قي غسله ستر عورته وجرده، وقال القاضي يغسل في قميص واسع الكمين) يجب ستر عورة الميت بغير خلاف علمناه وهو ما بين سرته الى ركبته وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي " لا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت " رواه أبو داود، قال ابن عبد البر: وروي " الناظر من الرجال إلى فروج الرجال كالناظر منهم إلى فروج النساء والمتكشف ملعون " قال أبو داود: قلت لأحمد الصبي يستر كما يستر الكبير (أعني) الصبي الميت في الغسل؟ قال: أي شئ يستر منه ليست عورته بعورة ويغسله النساء

(فصل) ويستحب تجريد الميت عند غسله ما سوى عورته رواه الاثم عن أحمد وهذا ظاهر كلام الخرقي، واختيار أبي الخطاب وإليه ذهب ابن سيرين ومالك وأبو حنيفة وروى المروذي عن أحمد أنه قال: يعجبني أن يغسل الميت وعليه ثوب يدخل يده من تحت الثوب قال: وكان أبو قلابة اذا غسل ميتاً جلله بثوب، وقال القاضي: السنة أن يغسل في قميص رقيق ينزل الماء فيه ولا يمنع أن يصل الى يديه، وويدخل يده في كم القميص فيمرها على بدنه والماء يصب، فان كان القميص ضيقاً فتق رأس الدخاريص وأدخل يده فيه، وهذا مذهب الشافعي لأن النبي صلى الله عليه وسلم غسل في قميصه، وقال سعد اصنعوا پي كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال أحمد غسل النبي صلى الله عليه وسلم في قميصه وقد أرادوا خلعه فنودوا ألا تخلعوه واستروا نبيكم ولنا أن تجريد الميت أمكن لتغسيله وتطهيره، والحي يتجرد اذا اغتسل فكذلك الميت ولأنه اذا اغتسل في ثوبه ينجس الثوب بما يخرج وقد لا يطهر بصب الماء عليه فينجس الميت به، فأما النبي صلى الله عليه وسلم فذلك خاص له، ألا ترى أنهم قالوا: نجرده كما نجرد موتانا كذلك روته عائشة، قال ابن عبد البر روي ذلك عنها من وجه صحيح، فالظاهر أن تجريد الميت فيما عدا العورة كان مشهوراً عندهم ولم يكن هذا ليخفى عن النبي صلى الله عليه وسلم بل الظاهر أنه كان بأمره لأنهم كانوا ينتهون الى رأيه ويصدرون عن أمره في الشرعيات، واتباع أمره وفعله أولى من اتباع غيره، ولأن ما يخشى من تنجيس قميصه بما يخرج منه كان مأموناً في حق النبي صلى الله عليه وسلم لأنه طاهر حياً وميتاً بخلاف غيره، وإنما قال سعد: إلحدوا لي لحداً، وانصبوا علي اللبن نصباً كما صنع برسول الله صلى الله عليه وسلم

مسألة: ويستر الميت عن العيون، ولا يحضره إلا من يعين في غسله

* (مسألة) * (ويستر الميت عن العيون، ولا يحضره إلا من يعين في غسله) يستحب ستر الميت وأن يغسل في بيت إن أمكن لأنه أستر له، فإن لم يكن بيت جعل بينه وبين السماء ستراً، وكان ابن سيرين يستحب أن يكون البيت الذي يغسل فيه مظلماً ذكره أحمد، وروى أبو داود باسناد له قال: أوصى الضحاك أخاه سالماً قال: اذا غسلتني فاجعل حولي ستراً، واجعل بيني وبين السماء ستراً، وذكر القاضي أن عائشة قالت: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نغسل ابنته فجعلنا بينها وبين السقف ستراً، وإنما استحب ذلك لئلا يستقبل السماء بعورته، وإنما استحب ستر الميت، وأن لا يحضره إلا من يعين في غسله لأنه يكره النظر إلى الميت إلا لحاجة لأنه ربما كان بالميت عيب يكتمه ويكره أن يطلع عليه بعد موته وربما حدث منه أمر يكره الحي أن يطلع منه على مثله، وربما ظهر فيه شئ هو في الظاهر منكر فيتحدث به فيكون فضيحة وربما بدت عورته فشاهدها، ويستحب للحاضرين غض أبصارهم عنه إلا لحاجة كذلك، ولهذا أجبنا أن يكون الغاسل ثقة أميناً ليستر ما يطلع عليه. وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم " ليغسل موتاكم المأمونون " رواه ابن ماجه، وعن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " ليله أقربكم منه إن كان يعلم، فإن كان لا يعلم فمن ترون عنده حظاً من ورع " رواه الإمام أحمد. وقال القاضي: لوليه

مسألة: ثم يرفع رأسه برفق إلى قريب من الجلوس وسعصر بطنه عصرا رفيقا ويكثر صب الماس حينئذ

أن يدخل كيف شاء والأولى ما ذكرنا إن شاء الله لأن العلة تقتضي التعميم * (مسألة) * (ثم يرفع رأسه برفق إلى قريب من الجلوس ويعصر بطنه عصراً رفيقاً ويكثر صب الماء حينئذ) يستحب للغاسل أن يبدأ فيحني الميت حنياً رفيقاً لا يبلغ به الجلوس لأن في الجلوس أذية، ثم يمر يده على بطنه يعصره عصراً ليخرج ما معه من نجاسة كيلا يخرج بعد ذلك، ويكثر صب الماء حينئذ ليخفي ما يخرج منه ويذهب به الماء. ويستحب أن يكون بقربه مجمر فيه بخور حتى لا يظهر منه ريح. وروى عن أحمد أنه قال لا يعصر بطن الميت في المرة الأولى، ولكن في الثانية، وقال في موضع آخر يعصر بطنه في الثالثة يمسح مسحاً رفيقاً مرة واحدة، وقال أيضاً: عصر بطن الميت في الثانية أمكن، لأن الميت لا يلين حتى يصيبه الماء (فصل) فإن كانت امرأة حاملاً لم يعصر بطنها لئلا يؤذي أم الولد، لما روت ام سليم قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا توفيت المرأة فأرادوا غسلها فليبدأن ببطنها فليمسح مسحاً رفيقاً إن لم تكن حبلى، فإن كانت حبلى فلا يحركنها " رواه الخلال

مسألة: ثم يلف على يده خرقة فينجيه ولا يحل مس عورته، ويستحب أن لا يمس سائر بدنه الا بخرقة

* (مسألة) * (ثم يلف على يده خرقة فينجيه ولا يحل مس عورته، ويستحب أن لا يمس سائر بدنه الا بخرقة) يستحب للغاسل اذا عصر بطن الميت أن ينجيه فيلف على يده خرقة خشنة بمسحه بها لئلا يمس عورته لأن النظر الى عورة الميت حرام فمسها أولى، ويزيل ما على بدنه من نجاسة لأن الحي يبدأ بذلك في اغتساله من الجنابة، ويستحب أن لا يمس سائر بدنه الا بخرقة لما روي أن علياً رضي الله عنه غسل النبي صلى الله عليه وسلم وبيده خرقة يمسح بها ما تحت القميص. قال القاضي: يعد الغاسل خرقتين يغسل باحداهما السبيلين وبالأخرى سائر بدنه * (مسألة) * (ثم ينوي غسلهما ويسمي) النية في غسل الميت واجبة على الغاسل، وفي وجوب التسمية روايتان كغسل الجنابة، وإنما أوجبناها على الغاسل لتعذرها من الميت ولأن الحي هو المخاطب بالغسل. وقال القاضي وابن عقيل ويحتمل أن لا تعتبر النية لأن القصد التنظيف فأشبه غسل النجاسة، والصحيح الأول لأنه لو كان كذلك لما وجب غسل متنظف ولجاز غسله بماء الورد، وكل ما يحصل به التنظيف وانما هو غسل تعبد فأشبه غسل الجنابة * (مسألة) * قال (ويدخل أصبعيه مبلولتين بالماء بين شفتيه فيمسح أسنانه وفي منخريه فينظفها ويوضيه ولا يدخل الماء في فيه ولا أنفه)

مسألة: قال: ويدخل أصبعيه مبلولتين بالماء بين شفتيه فيمسح أسنانه وفي منخريه فينظفها ويوضيه ولا يدخل الماء في فيه ولا أنفه

وجملة ذلك أنه إذا نجى الميت وأزال النجاسة بدأ بعد ذلك فوضاه وضوء الصلاة فيغسل كفيه ثم يأخذ خرقة خشنة فيبلها ويجعلها على أصبيعيه فيسمح أسنانه وأنفه حتى ينظفهما ويكون ذلك في رفق ثم يغسل وجهه ويتمم وضوءه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم للنساء اللاتي غسلن ابنته " ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها " متفق عليه ولأن الحي يبدأ بالوضوء في غسله ولا يدخل الماء في فيه ولا أنفه في قول أكثر أهل العلم منهم سعيد بن جبير والنخعي والثوري وأبو حنيفة، وقال الشافعي يمضمضه وينشقه كما يفعل الحي ولنا أن ذلك لا يؤمن معه وصوله الى جوفه فيفضي الى المثلة به ولا يؤمن من خروجه في أكفانه فيفسدها

* (مسألة) * (ثم يضرب السدر فيغسل برغوته رأسه ولحيته وسائر بدنه، ثم يغسل شقه الأيمن ثم الأيسر يفعل ذلك ثلاثا) يستحب أن يبدأ الغاسل بعد وضوء الميت بغسل رأس الميت فيغسله برغوة السدر ويغسل بدنه بالتفل يفعل ذلك ثلاثا، والمنصوص عن أحمد رحمه الله أنه يستحب أن يغسل ثلاثا بماء وسدر قال صالح: قال أبي: الميت يغسل بماء وسدر ثلاث غسلات. قلت فيبقى عليه؟ قال أي شئ يكون هو أنقى له. وذكر عن عطاء أن ابن جريج قال له أنه يبقى عليه السدر اذا غسل به كل مرة، قال عطاء هو طهور، واحتج أحمد بحديث أم عطية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفيت ابنته قال " اغسلنها ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً أو أكثر من ذلك أن رأيتن بماء وسدر واجعلن في الأخيرة كافوراً " متفق عليه وذهب كثير من أصحابنا المتأخرين إلى أنه لا يترك في الماء سدر يغيره ثم اختلفوا فقال ابن حامد يطرح في كل المياه شئ يسير من السدر لا يغيره ليجمع بين العمل بالحديث ويكون الماء باقياً على إطلاقه، وقال القاضي وابو الخطاب يغسل أول مرة بالسدر ثم يغسل بعد ذلك بالماء القراح فيكون الجميع غسلة واحدة ويكون الاعتداد بالآخر دون الأول، لأن أحمد رحمه الله شبه غسله بغسل الجنابة، ولان السدر أن غير الماء سلبه الطهورية، وان لم يغيره فلا فائدة في ترك يسير لا يؤثر، والأول ظاهر كلام أحمد ويكون هذا من قوله دالا على أن تغيير الماء بالسدر لا يخرجه عن طهوريته، فان لم يجد السدر غسله بما يقوم مقامه ويقرب منه كالخطمى ونحوه لحصول المقصود به، وان غسله بذلك مع وجود السدر جاز لأن الشرع ورد بهذا لمعنى معقول وهو التنظيف فيتعدى الى كل ما وجد فيه المعنى، قال أبو الخطاب: ويستحب أن يخضب رأس المرأة ولحية الرجل بالحناء ويستحب أن يبدأ بشقه الأيمن فيغسل وجهه ويده اليمنى من المنكب الى الكفين وصفحة عنقه اليمنى وشق صدره وجنبه وفخذه وساقه وهو مستلق ثم يصنع ذلك بالجانب الأيسر ثم يرفعه من جانبه ولا

مسألة: فإن لم ينق بالثلاث وخرج منه شيء غسله إلى خمس فإن زاد فإلى سبع

يكبه لوجهه فيغسل الظهر وما هناك من وركه وفخذه وساقه ثم يعود فيحرفه على جنبه الأيمن ويغسل شقه الأيسر كذلك، هكذا ذكره ابراهيم النخعي والقاضي وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم " ابدأن بميامنها " وهو أشبه بغسل الحي (فصل) والواجب غسلة واحدة لأنه غسل واجب من غير نجاسة أصابته فكان مرة واحدة كغسل الجنابة. قال عطاء: يجزيه غسلة واحدة ان نقوه، وقد روي عن أحمد أنه قال: لا يعجبني أن غسل واحدة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " اغسلنها ثلاثا أو خمسا " وهذا على سبيل الكراهة دون الاجزاء لما ذكرنا، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المحرم " اغسلوه بماء وسدر " ولم يذكر عدداً (فصل) والحائض والجنب اذا ماتا كغيرهما في الغسل، قال إبن المنذر هذا قول من نحفظ عنه من علماء الأمصار، وقد قال الحسن وسعيد بن المسيب: ما مات ميت الا جنب، وقيل عن الحسن أنه يغسل الجنب للجنابة والحائض للحيض ثم يغسلان للموت، والأول أولى لأنهما خرجا من أحكام التكليف ولم يبق عليهما عبادة واجبة، وانما الغسل للميت تعبد وليكون في حال خروجه من الدنيا على أكمل حال من النظافة وهذا يحصل بغسلة واحدة ولأن الغسل الواحد يجزي من وجد في حقه شيئان كالحيض والجنابة كذا هذا (فصل) وقال بعض أصحابنا: يتخذ الغاسل ثلاث أواني آنية كبيرة يجمع فيه الماء الذي يغسل به الميت تكون بالبعد منه، واناءين صغيرين يطرح من أحدهما على الميت والثالث يغرف به من الكبير في الصغير الذي يغسل به الميت ليكون الكبير مصوناً، فاذا فسد الماء الذي في الصغير وطار فيه من رشاش الماء كان ما بقي في الكبير كافياً، ويستعمل في كل أموره الرفق به في تقليبه وعرك أعضائه وعصر بطنه وتليبن مفاصله وفي سائر أموره احتراماً له فانه مشبه بالحي في حرمته ولا يأمن أن عنف به أن ينفصل منه عضو فيكون مثلة به وقد قال صلى الله عليه وسلم " كسر عظم الميت ككسر عظم الحي " وقال " إن الله يحب الرفق في الأمر كله "

* (مسألة) * (فإن لم ينفق بالثلاث وخرج منه شئ غسله إلى خمس فإن زاد فإلى سبع) اذا فرغ الغاسل من الغسلة الثالثة لم يمر يده على بطن الميت لئلا يخرج منه شئ، فان رأى الغاسل أنه لم ينق بالثلاث غسله خمساً أو سبعاً إن رأى ذلك ولا يقطع إلا على وتر. قال الامام أحمد ولا يزاد على سبع لقول النبي صلى الله عليه وسلم " اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو سبعاً " لم يزد على ذلك وجعل ما أمر به وتراً، وقال أيضاً " اغسلنها وتراً " فإن لم ينق بالسبع فقال شيخنا: الأولى غسله حتى ينقى لقوله صلى الله عليه وسلم " اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو سبعاً أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك " ولأن الزيادة على الثلاث إنما كانت للانقاء أو للحاجة اليها، فكذلك ما بعد السبع، ولا يقطع إلا على وتر لما ذكرنا، ولم يذكر أصحابنا أنه يزيد على سبع (فصل) فإن خرج من الميت نجاسة بعد الثلاث وهو على مغتسله من قبله أو دبره غسله إلى خمس فإن خرج بعد الخمس غسله الى سبع، ويوضيه في الغسلة التي تلي خروج النجاسة. قال صالح قال أبي يوضأ الميت مرة واحدة إلا أن يخرج منه شئ فيعاد عليه الوضوء وهذا قول ابن سيرين وإسحق، واختار أبو الخطاب أنه يغسل موضع النجاسة ويوضأ ولا يجب اعادة غسله وهو قول الثوري ومالك وأبي حنيفة لأن خروج النجاسة من الحي بعد غسله لا يبطله فكذلك الميت، وللشافعي قولان كالمذهبين ولنا أن القصد من غسل الميت أن يكون خاتمة أمره الطهارة الكاملة ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو سبعا إن رأيتن ذلك بماء وسدر " فان خرجت منه نجاسة من غير السبيلين فقال أحمد في رواية أبي داود: الدم أسهل من الحدث يعني الدم الذي يخرج من أنفه أسهل من الحدث في أنه لا يعاد له الغسل لأن الحدث ينقض الطهارة بالاتفاق ويسوى بين قليله وكثيره، ويحتمل أنه إن أراد الغسل لا يعاد من يسيره كما لا ينقض الوضوء بخلاف الخارج من السبيلين * (مسألة) * (ويجعل في الغسلة الأخيرة كافوراً) يستحب أن يجعل في الغسلة الأخيرة كافوراً لشده ويبرده ويطيبه لقول النبي صلى الله عليه

مسألة: ويقص شاربه ويقلم أظافره ولا يسرح شعره ولا لحيته

وسلم للنساء اللاتي غسلن ابنته " اغسلنها بالسدر وتراً ثلاثاً أو خمسا أو أكثر من ذلك واجعلن في الغسة الأخيرة كافوراً " وفي حديث أم سليم " فإذا كان في آخر غسلة من الثالثة أو غيرها فاجعلن ماء فيه شئ من كافور وشئ من سدر ثم اجعلي ذلك في جرة جديدة ثم أفرغيه عليها وابدئي برأسها حتى يبلغ رجليها " * (مسألة) * (والماء الحار والخلال والاشنان يستعمل إن احتيج إليه) هذه الثلاثة تستعمل عند الحاجة اليها مثل أن يحتاج إلى الماء الحار لشدة البرد، أو الوسخ لا يزول إلا به، وكذلك الاشنان يستعمل إذا كان على الميت وسخ. قال أحمد إذا طال ضنا المريض غسل بالاشنان يعني أنه يكثر وسخه فيحتاج الى الاشنان ليزيله، والخلال يحتاج إليه لاخراج شئ والأولى أن يكون من شجرة كالصفصاف ونحوه ومما ينقي ولا يجرح، وإن جعل على رأسه قطناً فحسن ويتتبع ما تحت أظفاره فينقيه فان لم يحتج إلى شئ من ذلك لم يستحب استعماله وبهذا قال الشافعي. وقال أبو حنيفة والمسخن أولى لكن حال انه ينقي مالا ينقي البارد ولنا أن البارد يمسكه والمسخن يرخيه ولهذا يطرح الكافور في الماء ليشده ويبرده والانقاء يحصل بالسدر إذا لم يكثر وسخه، فان كثر ولم يزل إلا بالحار صار مستحباً * (مسألة) * (ويقص شاربه ويقلم أظافره ولا يسرح شعره ولا لحيته) متى كان شارب الميت طويلا استحب قصه وهذا قول الحسن وبكر بن عبد الله وسعيد بن جبير وإسحق، وقال أبو حنيفة ومالك لا يؤخذ من الميت شئ لانه قطع شئ منه فلم يستحب كالختان، ولأصحاب الشافعي اختلاف كالقولين

ولنا قول أنس: اصنعوا بموتاكم ما تصنعون بعرائسكم. والعروس يحسن ويزال عنه ما يستقبح من الشارب وغيره ولأن تركه يقبح منظره فشرع إزالته كفتح عينيه وفمه، ولانه فعل مسنون في الحياة لا مضره فيه فشرع بعد الموت كالاغتسال، وعلى هذا يخرج الختان لما فيه من المضرة، واذا أخذ منه جعل مع الميت في أكفانه، وكذلك كل ما أخذ منه من شعر أو ظفر أو غيرها فانه يغسل ويجعل معه في أكفانه لأنه جزء من الميت فأشبه أعضاءه (فصل) فأما قص الاظفار اذا طالت ففيها روايتان. إحداهما لا تقلم وينقى وسخها وهو ظاهر كلام الخرقي لأن الظفر لا يظهر كظهور الشارب فلا حاجة الى قصه، والثانية يقص اذا كان فاحشاً نص عليه لأنه من السنة ولا مضرة فيه فيشرع أخذه كالشارب، ويمكن حمل الرواية الأولى على ما إذا لم يفحش. ويخرج في نتف الأبط وجهان بناء على الروايتين في قص الاظفار لأنه في معناه (فصل) فأما العانة ففيها وجهان: أحدهما لا تؤخذ وهو ظاهر كلام الخرقي وهو قول ابن سيرين ومالك وأبي حنيفة. وروى عن أحمد أن أخذها مسنون وهو قول الحسن وبكر بن عبد الله وسعيد ابن جبير وإسحق لأن سعد بن أبي وقاص جز عانة ميت ولأنه شعر يسن إزالته في الحياة أشبه قص الشارب، والصحيح الأول لأنه يحتاج في أخذها إلى كشف العورة ولمسها وهتك الميت وذلك محرم لا يفعل لغير واجب، ولأن العانة مستورة يستغنى بسترها عن إزالتها لانها لا تظهر بخلاف الشارب. فاذا قلنا بأخذها فقال أحمد تؤخذ بالموسى أو بالمقراض. وقال القاضي تزال بالنورة لأنه أسهل ولا يمسها، ووجه قول أحمد أنه فعل سعد، والنورة لا يؤمن أن تتلف جلد الميت، ولأصحاب الشافعي وجهان كهذين

مسألة: فإن خرج منه شيء بعد السبع حشاه بالقطن فان لم يستمسك فبالطين الحر

(فصل) فأما الختان فلا يشرع لأنه إبانة جزء من أعضائه وهذا قول أكثر أهل العلم. وحكي عن بعض أهل العلم أنه يختن حكاه الإمام أحمد، والأول أولى لما ذكرناه، ولا يحلق رأس الميت وقال بعض أصحاب الشافعي يحلق إذا لم يكن له جمة للتنظيف، والأول أولى لأنه ليس من السنة في الحياة وانما يراد لزينة أو نسك، ولا يطلب شئ من ذلك ها هنا (فصل) وإن جبر عظمه بعظم فجبر ثم مات فإن كان طاهراً لم ينزع وإن كان نجساً وأمكن إزالتة من غير مثلة أزيل لأنه نجاسة مقدور عى إزالتها من غير ضرر، وإن أفضى إلى المثلة لم يقلع وإن كان في حكم الباطن كالحي، وان كان عليه جبيرة يفضي نزعها الى مثلة مسح عليها كحال الحياة وإلا نزعها وغسل ما تحتها. قال أحمد في الميت تكون أسنانه مربوطة بذهب إن قدر على نزعه من غير أن تسقط بعض أسنانه نزعه، وإن خاف سقوط بعضها تركه (فصل) ومن كان مشنجاً أو به حدب أو نحو ذلك فأمكن تمديده بالتليين والماء الحار فعل ذلك وإن لم يمكن الا بعسف تركه بحاله، فإن كان على صفة لا يمكن تركه على النعش إلا على وجه يشهر بالمثلة ترك في تابوت أو تحت صكبه كما يصنع بالمرأة لأنه أصون له وأستر ويستحب أن يترك فوق سرير المرأة شئ من الخشب أو الجريد مثل القبلة ويترك فوقه ثوب ليكون أستر لها. وقد روي أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها أول من صنع لها ذلك بأمرها. (فصل) فأما تسريح رأسه ولحيته فكرهه أحمد، وقالت عائشة: علام تنصون ميتكم؟ أي لا تسرحوا رأسه بالمشط ولان ذلك بقطع شعره وينتفه وهذا مذهب أبي حنيفة. وقد روي عن

مسألة: ثم يغسل المحل ويوضأ

أم عطية قالت: مشطناها ثلاثة قرون متفق عليه. قال أحمد انما ضفرن وأنكر المشط فكأنه تأول قولها مشطناها على أنها أرادت ضفرناها لما ذكرنا والله أعلم * (مسألة) * (ويضفر شعر المرأة ثلاثة قرون ويسدل من ورائها) يستحب ضفر شعر المرأة ثلاثة قرون قرنيها وناصيتها ويلقى من خلفها، وبهذا قال الشافعي وإسحق وبن المنذر. وقال الأوزاعي وأصحاب الرأي لا يضفر ولكن يرسل مع خديها من الجانبين ثم يرسل عليه الخمار لأن ضفره يحتاج الى تسريحه فيتقطع وينشف ولنا ما روت أم عطية قالت: ضفرنا شعرها ثلاثة قرون وألقيناه خلفها تعني بنت النبي صلى الله عليه وسلم متفق عليه. ولمسلم فضفرنا شعرها ثلاثة قرون قرنيها وناصيتها، وفي حديث أم سليم عن النبي صلى الله عليه وسلم واضفرن شعرها ثلاثة قرون قصة وقرنين ولا تشبهنها بالرجال * (مسألة) * (ثم ينشفه بثوب) وذلك مستحب لئلا تبتل أكفانه، وفي حديث ابن عباس في غسل النبي صلى الله عليه وسلم قال: فجففوه بثوب ذكره القاضي وهذا مذهب الشافعي * (مسألة) * (فإن خرج منه شئ بعد السبع حشاه بالقطن فان لم يستمسك فبالطين الحر)

مسألة: والشهيد لا يغسل إلا أن يكون جنبا

متى خرجت من الميت نجاسة بعد السبع لم يعد إلى الغسل نص عليه أحمد لأن اعادة غسله

مسألة: وينزع عنه السلاح والجلود ويزمل في ثيابه وإن أحب فيكفنه في غيرها

يفضي الى الحرج، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ثلاثا أو خمسا أو سبعا في حديث أم عطية، لكن يحشوه

مسألة: وإن سقط من دابته ووجد ميتا لا أثر به أو حمل فأكل أو طال بقاؤه غسل وصلي عليه

بالقطن أو يلجم بالقطن كما تفعل المستحاضة ومن به سلس البول، فان لم يمسكه ذلك حشى بالطين الخالص الصلب الذي له قوة يمسك المحل

* (مسألة) * (ثم يغسل المحل ويوضأ) وقد ذكر عن أحمد أنه لا يوضأ وهو قول لأصحاب الشافعي والأولى إن شاء الله أنه يوضأ كالجنب اذا أحدث بعد الغسل لتكون طهارته كاملة * (مسألة) * (فإن خرج منه شئ بعد وضعه في أكفانه لم يعد إلى الغسل) قال شيخنا رحمه الله لا نعلم في ذلك خلافا إذا كان الخارج يسيراً لما في إعادة الغسل من المشقة الكثيرة لأنه يحتاج إلى اخراجه واعادة غسله وغسل أكفانه وتجفيفها أو ابدالها ثم لا يؤمن مثل هذا في المرة الثانية والثالثة فسقط ذلك، ولا يحتاج أيضاً الى اعادة وضوئه ولا غسل موضع النجاسة

مسألة: ومن قتل مظلوما فهل يلحق بالشهيد على روايتين

دفعاً لهذه المشقة ويحمل بحاله، وقد روي عن الشعبي ان ابنة له لما لفت في أكفانها بدا منها شئ. فقال الشعبي: ارفعوا. وإن كان كثيراً. فالظاهر عنه أنه يحمل أيضاً لما ذكرنا، وعنه أنه يعاد غسله ويطهر كفنه لأنه يؤمن مثله في الثاني للتحفظ بالتلجم والشد * (مسألة) * (ويغسل المحرم بماء وسدر ولا يلبس المخيط ولا يخمر رأسه ولا يقرب طيباً) إذا مات المحرم لم يبطل حكم احرامه بموته ويجنب ما يجنبه المحرم من الطيب وتغطية الرأس ولبس المخيط وقطع الشعر، روى ذلك عن عثمان وعلي وابن عباس وبه قال عطاء والثوري والشافعي وإسحق، وقال مالك والاوزاعي وأبو حنيفة يبطل احرامه بموته ويصنع به ما يصنع بالحلال. وروي ذلك عن عائشة وابن عمر وطاوس لأنها عبادة شرعية فبطلت بالموت كالصلاة والصيام ولنا ما روى ابن عباس أن رجلاً وقصه بعيره ونحن مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم " اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبين ولا تمسوه طيباً ولا تخمروا رأسه، فإن الله يبعثه يوم القيامة ملبداً " وفي رواية " ملبياً " متفق عليه. فإن قيل هذا خاص له لأنه يبعث يوم القيامة ملبياً قلنا حكم النبي صلى الله عليه وسلم في واحد حكمه في مثله إلا أن يرد تخصيصه، ولهذا ثبت حكمه في شهداء أحد وفي سائر الشهداء قال أبو داود سمعت أحمد يقول: في هذا الحديث خمس سنن - كفنره في ثوبيه أي يكفن في ثوبين، وأن يكون في الغسلات كلها سدر، ولا تخمروا رأسه، ولا تقربوه طيباً، وكون الكفن من جميع المال. قال أحمد في موضع يصب عليه الماء صباً، ولا يغسل كما يغسل الحلال، وانما كره عرك رأسه ومواضع الشعر كيلا ينقطع شعره (فصل) واختلف عن أحمد في تغطية وجهه فعنه لا يغطى نقلها عنه اسماعيل بن سعيد لأن في بعض الحديث " ولا تخمروا رأسه ولا وجهه " وعنه لا بأس بتغطية وجهه. نقلها عنه سائر أصحابه لحديث ابن عباس المذكور فانه أصح ما روي فيه وليس فيه سوى المنع من تغطية الرأس، ولا يلبس المخيط لأنه يحرم عليه في حياته فكذلك بعد الموت، واختلف عن أحمد أيضاً في تغطية رجليه، فروى حنبل عنه لا يغطى رجلاه كذلك ذكره الخرقي. وقال الخلال لا أعرف هذا في الأحاديث ولا رواه أحد عن أبي عبد الله غير حنبل وهو عندي وهم من حنبل، والعمل على أنه يغطى جميع المحرم إلا رأسه ولأن المحرم لا يمنع من تغطية رجليه في حياته فكذلك بعد موته، فإن كان الميت امرأة محرمة ألبست القميص وخمرت كما تفعل في حياتها ولم تقرب طيباً ولم يغط وجهها لأنه يحرم عليها في حياتها فكذلك بعد موتها، فان ماتت المتوفى عنها زوجها في عدتها احتمل أن لا تطيب لأنها ممنوعة حال حياتها، واحتمل أن تطيب لأن التطيب إنما حرم لكونه يدعو الى نكاحها وقد زال بالموت وهو أصح، ولأصحاب الشافعي وجهان

مسألة: وإذا ولد السقط لأكثر من أربعة أشهر غسل وصلي عليه

* (مسألة) * (والشهيد لا يغسل إلا أن يكون جنباً) اذا مات الشهيد في المعركة لم يغسل رواية واحدة إذا لم يكن جنباً، وهذا قول أكثر أهل العلم ولا نعلم خلافا إلا عن الحسن وسعيد بن المسيب فانهما قالا يغسل ما مات ميت إلا جنباً ولنا ما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بدفن شهداء أحد في دمائهم ولم يغسلهم ولم يصل عليهم متفق عليه. إذا ثبت هذا فيحتمل أن ترك الغسل لما يتضمنه من إزالة أثر العبادة المستطاب شرعاً فانه جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " والذي نفسي بيده لا يكلم أحد في سبيل الله والله أعلم بمن يكلم في سبيله إلا جاء يوم القيامة اللون لون دم والريح ريح مسك " رواه البخاري. وروي عبد الله بن ثعلبة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " زملوهم بدمائهم فإنه ليس كلم يكلم في الله إلا يأتي يوم القيامة يدمى لونه لون الدم وريحه ريح المسك " رواه النسائي، ويحتمل أن الغسل لا يجب إلا من أجل الصلاة إلا أن الميت لا فعل له فأمرنا بغسله ليصلى عليه، فمن لم تجب الصلاة عليه لم يجب غسله كالحي، ويحتمل أن الشهداء في المعركة يكثرون فيشق غسلهم فعفي عنه لذلك (فصل) فإن كان الشهيد جنباً غسل وبه قال أبو حنيفة، وقال مالك لا يغسل لعموم الخبر في الشهداء وعن الشافعي كالمذهبين ولنا ما روى أن حنظلة بن الراهب قتل يوم أحد فقال النبي صلى الله عليه وسلم " ما شأن حنظلة فإني رأيت الملائكة تغسله " قالوا أنه جامع ثم سمع الهيعة فخرج إلى القتال رواه ابن إسحق في المغازي ولأنه غسل واجب لغير الموت فلم يسقط بالموت كغسل النجاسة. وحديثهم ورد في شهداء أحد وحديثنا خاص في حنظلة وهو من شهداء أحد فيجب تقديمه، وعلى هذا كل من وجب عليه الغسل بسبب سابق على الموت كالمرأة تطهر من حيض أو نفاس ثم تقتل فهي كالجنب لما ذكرنا من العلة، ولو قتلت في حيضها أو نفاسها لم يجب الغسل لأن الطهر شرط في الغسل أو في السبب الموجب فلا يثبت الحكم بدونه، فان أسلم ثم استشهد قبل الغسل فلا غسل عليه لأنه روي أن أصيرم بني عبد الأشهل أسلم يوم أحد ثم قبل فلم يؤمر بغسل * (مسألة) * (وينزع عنه السلاح والجلود ويزمل في ثيابه وإن أحب فيكفنه في غيرها) أما دفنه في ثيابه فلا نعلم فيه خلافاً وقد ثبت بقول النبي صلى الله عليه وسلم " ادفنوهم في ثيابهم " وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتلى أحد أن ينزع عنهم الحديد والجلود وأن يدفنوا في ثيابهم بدمائهم رواه أبو داود وابن ماجة، وليس ذلك بواجب لكنه الأولى، ويجوز للولي أن ينزع ثيابه ويكفنه بغيرها، وقال أبو حنيفة لا ينزع ثيابه لظاهر الخبر

مسألة: ومن تعذر غسله يمم

ولنا ما روى أن صفية أرسلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثوبين ليكفن فيهما حمزة فكفنه في أحدهما وكفن في الآخر رجلاً آخر رواه يعقوب بن شيبة وقال هو صالح الاسناد، وحديثهم يحمل على الاباحة والاستحباب، إذا ثبت هذا فانه ينزع عنه ما لم يكن من عامة لباس الناس من الجلود والفراء والحديد. قال أحمد لا يترك عليه فرو ولا خف ولا جلد وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي، وقال مالك لا ينزع عنه فرو ولا خف ولا محشو لعموم الخبر وهو قوله " ادفنوهم في ثيابهم " وما رويناه أخص فكان أولى * (مسألة) * (ولا يصلى عليه في أصح الروايتين) وهذا قول مالك والشافعي وإسحق، وعن أحمد رواية أخرى أنه يصلى عليه اختارها الخلال وهو قول الثوري وأبي حنيفة إلا أن كلام أحمد رحمه الله في هذه الرواية يشير إلى أن الصلاة عليه مستحبة غير واجبة، وقد صرح بذلك في رواية المروذي فقال: الصلاة عليه أجود وإن لم يصلوا عليه أجزأه، وقال في موضع آخر يصلى عليه وأهل الحجاز لا يصلون عليه وما تضره الصلاة لا بأس به، فكأن الروايتين في استحباب الصلاة لا في وجوبها، إحداهما يستحب لما روى عقبة أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوماً فصلى على أهل أحد صلاته على الميت ثم انصرف إلى المنبر متفق عليه، وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قتلى أحد. ووجه الرواية الأولى ما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بدفن شهداء أحد في دمائهم ولم يغسلهم ولم يصل عليهم متفق عليه، وحديث عقبة مخصوص بشهداء أحد فانه صلى عليهم في القبور بعد سنين وهم لا يصلون على القبر أصلاً ونحن لا نصلي عليه بعد شهر، وحديث ابن عباس يرويه الحسن بن عمارة وهو ضعيف، وقد أنكر عليه شعبة رواية هذا الحديث، إذا ثبت هذا فيحتمل أن يكون سقوط الصلاة عليهم لكونهم أحياء عند ربهم، والصلاة إنما شرعت في حق الموتى، ويحتمل أن ذلك لغناهم عن الشفاعة لهم، فان الشهيد يشفع في سبعين من أهله فلا يحتاج إلى شفيع، والصلاة إنما شرعت للشفاعة (فصل) والبالغ وغيره سواء في ترك غسله والصلاة عليه إذا كان شهيداً وبهذا قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد وأبو ثور وابن المنذر، وقال أبو حنيفة لا يثبت حكم الشهادة لغير البالغ لأنه ليس من أهل القتال ولنا أنه مسلم قتل في معترك المشركين بقتالهم أشبه البالغ ولأنه يشبه البالغ في غسله والصلاة عليه إذا لم يكن شهيداً فيشبه في سقوط ذلك عنه بالشهادة، وقد كان في شهداء أحد حارثة بن النعمان وهو صغير، والحديث عام في الكل وما ذكروه يبطل بالنساء * (مسألة) * (وان سقط من دابته ووجد ميتاً لا أثر به أو حمل فأكل أو طال بقاؤه غسل وصلي عليه) إذا سقط من دابته فمات أو وجد ميتاً ولا أثر به فانه يغسل ويصلى عليه، نص عليه أحمد.

فصل في الكفن، مسألة: ويجب كفن الميت في ماله مقدما على الدين وغيره

وتأول الحديث: ادفنوهم بكلومهم فاذا كان به كلم (1) لم يغسل، وهذا قول أبي حنيفة في الذي يوجد ميتاً لا أثر به. وقال الشافعي لا يغسل بحال لأنه مات بسبب من أسباب القتال ولنا أن الأصل وجوب الغسل فلا يسقط بالاحتمال ولأن سقوط الغسل في محل الوفاق مقرون بمن كلم فلا يجوز ترك اعتبار ذلك (فصل) وكذلك إن حمل فأكل أو طال بقاؤه لأن النبي صلى الله عليه وسلم غسل سعد بن معاذ وصلى عليه وكان شهيداً رماه ابن العرقة يوم الخندق بسهم فقطع أكحله فحمل الى المسجد فلبث فيه أياماً ثم مات وظاهر كلام الخرقي أنه متى طالت حياته بعد حمله غسل وصلي عليه، وإن مات في المعركة أو عقب حمله لم يغسل ولم يصل عليه. وقال مالك إن أكل أو شرب أو بقي يومين أو ثلاثة غسل، وقال أحمد في موضع: ان تكلم أو آكل أو شرب صلي عليه. وعن أحمد أنه سئل عن المجروح اذا بقي في المعركة يوماً الى الليل ثم مات فرأى أن يصلي عليه. وقال أصحاب الشافعي ان مات حال الحرب لم يغسل ولم يصل عليه وإلا غسل وصلي عليه. قال شيخنا: والصحيح التحديد بما ذكرنا من طول الفصل والأكل لأن الأكل لا يكون إلا من ذي حياة مستقرة وطول الفصل يدل على ذلك وقد ثبت اعتبارهما في كثير من المواضع. وأما الكلام والشرب وحالة الحرب فلا يصح التحديد بشئ منها لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم أحد " من ينظر ما فعل سعد بن الربيع؟ " فقال رجل أنا أنظر يا رسول الله، فنظر فوجده جريحاً به رمق. فقال له: أن رسول الله أمرني أن أنظر في الأحياء أنت أم في الأموات؟ قال: فأنا في الأموات فأبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم عني السلام. وذكر الحديث قال: ثم لم أبرح أن مات، وروي أن اصيرم بني عبد الأشهل وجد صريعاً يوم أحد فقيل له: ما جاء بك؟ قال أسلمت ثم جئت، وهما من شهداء أحد دخلا في عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم " ادفنوهم بدمائهم وثيابهم " ولم يغسلا ولم يصل عليهما وقد تكلما وماتا بعد انقضاء الحرب، وفي حديث أهل اليمامة عن ابن عمر أنه طاف في القتلى فوجد أبا عقيل الأنفي قال فسقيته ماء وبه أربعة عشر جرحاً كلها قد خلص الى مقتل، فخرج الماء من جراحاته كلها فلم يغسل (فصل) فإن كان الشهيد قد عاد عليه سلاحه فقتله فهو كالمقتول بأيدي العدو. وقال القاضي يغسل ويصلى عليه لأنه مات بغير أيدي المشركين أشبه من أصابه ذلك في غير المعترك ولنا ما روى أبو داود عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أغرنا على حي من جهينة فطلب رجل من المسلمين رجلاً منهم فضربه فأخطأه فأصاب نفسه بالسيف. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أخوكم يا معشر المسلمين " فابتدره الناس فوجدوه قد مات فلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم بثيابه ودمائه وصلى عليه. فقالوا يا رسول الله أشهيد هو؟ قال " نعم وأنا له شهيد " وعامر بن الأكوع بارز مرحبا

_ (1) الكلم الجرح وجمعه كلوم كفرح وقروح، وجرح وجروح

مسألة: ويستحب تكفين الرجل في ثلاث لفائف بيض يبسط بعضها فوق بعض بعد تجميرها

يوم خيبر فذهب سيف له فرجع سيفه على نفسه فكانت فيها نفسه فلم يفرد عن الشهداء بحكم ولأنه شهيد المعركة أشبه ما لو قتله الكفار، وبهذا فارق ما لو كان في المعترك (فصل) ومن قتل من أهل العدل في المعركة فحكمه في الغسل حكم من قتل في معركة المشركين وقال القاضي يخرج على روايتين كالمقتول ظلماً ولنا أن علياً رضي الله عنه لم يغسل من قتل معه وعمار أوصى أن لا يغسل وقال ادفنوني في ثيابي فأني مخاصم ولأنه شهيد المعركة أشبه قتيل الكفار وهذا قول أبي حنيفة، وقال الشافعي في أحد قوليه يغسلون لأن أسماء غسلت ابنها عبد الله بن الزبير والأول أولى لما ذكرنا، فأما عبد الله بن الزبير فانه أخذ وصلب فصار كالمقتول ظلماً ولأنه ليس بشهيد المعركة، وأما الباغي فيحتمل أن يغسل ويصلى عليه اختاره الخرقي والقاضي، ويحتمل إلحاقه بأهل العدل لأنه لم ينقل غسل أهل الجمل وصفين من الجانبين ولأنهم يكثرون في المعترك فيشق عليهم غسلهم أشبهوا أهل العدل، وهل يصلى على أهل العدل فيه احتمالان: أحدهما لا يصلى عليهم لأنهم أشبهوا شهداء المشركين، ويحتمل أن يصلى عليهم لأن علياً رضي الله عنه صلى عليهم، والمرجوم يغسل ويصلى عليه، وكذلك المقتول قصاصاً كسائر الموتى * (مسألة) * (ومن قتل مظلوما فهل يلحق بالشهيد على روايتين) إحداهما يغسل ويصلى عليه اختارها اخلال وهو قول الحسن ومذهب مالك والشافعي لأن رتبته دون رتبة الشهيد في المعترك أشبه المبطون ولأن هذا لا يكثر القتل فيه فلم يجز إلحاقه بشهيد المعترك، والثانية حكمه حكم الشهيد وهو قول الشعبي والاوزاعي وإسحق في الغسل لأنه شهيد أشبه شهيد المعترك. قال النبي صلى الله عليه وسلم " من قتل دون ماله فهو شهيد " (فصل) فأما الشهيد بغير قتل كالمعطون والمبطون والغرق وصاحب الهدم والنفساء فانهم يغسلون ويصلى عليهم لا نعلم فيه خلافاً، إلا أنه روي عن الحسن لا يصلى على النفساء ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على امرأة مانت في نفاسها فقام وسطها متفق عليه. وصلى المسلمون على عمر وعلي رضي الله عنهما وهما شهيدان، وقال النبي صلى الله عليه وسلم " الشهداء خمس: المطعون والمبطون والغرق وصاحب الهدم والشهيد في سبيل الله " قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح وكلهم غير الشهيد في سبيل الله يغسلون ويصلى عليهم ولأن النبي صلى الله عليه وسلم ترك غسل شهيد المعركة لما يتضمنه من إزالة الدم المستطاب شرعاً أو لمشقة غسلهم لكثرتهم أو لما فيهم من الجراح ولا يوجد ذلك ها هنا * (مسألة) * (وإذا ولد السقط لأكثر من أربعة أشهر غسل وصلي عليه) السقط الولد الذي تضعه المرأة لغير تمام أو ميتاً، فان خرج حياً واستهل غسل وصلي عليه

مسألة: ثم يوضع عليها مستلقيا ويجعل الحنوط فيما بينها

بغير خلاف حكاه ابن المنذر إجماعاً، وإن خرج ميتاً فقال أحمد إذا أتى له أربعة أشهر غسل وصلي عليه. وهذا قول سعيد بن المسيب وابن سيرين واسحق، وصلى ابن عمر على ابن لأبيه ولد ميتاً، وقال الحسن وابراهيم والحكم وحماد ومالك والاوزاعي وأصحاب الرأي لا يصلى عليه حتى يستهل وللشافعي قولان كالمذهبين لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " الطفل لا يصلى عليه ولا يرث ولا يورث حتى يستهل " رواه الترمذي، ولأنه لم يثبت له حكم الحياة ولا يرث ولا يورث فلا يصلي عليه كمن دون أربعة أشهر ولنا ما روى المغيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " والسقط يصلى عليه " رواه أبو داود والترمذي. وفي رواية الترمذي " والطفل يصلى عليه "، وقال هذا حديث حسن صحيح وذكره أحمد واحتج به، ولحديث أبي بكر الصديق أنه قال: ما أحد أحق أن يصلي عليه من الطفل ولأنه نسمة نفخ فيها الروح فيصلى عليه كالمستهل فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر في حديث الصادق والمصدوق أنه ينفخ فيه الروح لأربعة أشهر، وحديثهم قال الترمذي: قد اضطرب الناس فيه فرواه بعضهم مرفوعاً، قال الترمذي: كان هذا أصح من المرفوع وإنما لم يرث لأنه لا يعلم حياته حال موت موثه وذلك من شرط الأرث والصلاة من شرطها أن تصادق من كانت فيه حياة، وقد علم ذلك بما ذكرنا من الحديث ولأن الصلاة دعاء له ولوالديه فلم يحتج فيها الى الاحتياط واليقين بخلاف الميراث. فأما من لم يبلغ أربعة أشهر فلا يغسل ولا يصلى عليه ويلف في خرقة ويدفن لعدم وجود الحياة لا نعلم فيه خلافا إلا عن ابن سيرين فإنه قال: يصلي عليه إذا علم أنه نفخ فيه الروح. وحديث الصادق المصدوق يدل عى أنه لا ينفخ فيه الروح إلا بعد الأربعة أشهر وقبل ذلك لا يكون نسمة فلا يصلى عيه كسائر الجمادات ذكره شيخنا، وحكى ابن أبي موسى أنه يصلى على السقط اذا استبان فيه بعض خلق الانسان والأول أولى (فصل) ويستحب أن يسمى السقط لأنه يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " سموا أسقاطكم فإنهم أسلافكم " رواه ابن السماك باسناده، قيل أنهم يسمون ليدعون يوم القيامة باسمائهم، فاذا لم يعلم أذكر هو أم أنثى سمى اسماً يصلح لهما جميعاً كسلمة وقتادة وهبة الله وما أشبه * (مسألة) * (ومن تعذر غسله يمم) من تعذر غسله لعدم الماء وللخوف عليه من التقطع بالغسل كالمجدور والغريق والمحترق يمم اذا أمكن كالحي العادم للماء أو الذي يؤذيه الماء، وإن أمكن غسل بعضه غسل ويمم للباقي كالحي، ويحتمل ألا يمم ويصلى عليه على حسب حاله، ذكره ابن عقيل لأن المقصود بغسل الميت التنظيف ولا يحصل ذلك

مسألة: وإن كفن في قميص ومئزر ولفافة جاز

بالتيمم، والأول أصح إن أمكن غسله بأن يصب عليه الماء صباً ولا يمس غسل كذلك والله أعلم * (مسألة) * (وعلى الغاسل ستر ما رآه إن لم يكن حسناً) ينبغي للغاسل ومن حضر إذا رأى من الميت شيئاً مما يحب الميت ستره أن يستره ولا يحدث به لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من غسل ميتاً ثم لم يفش ما عليه خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه " رواه ابن ماجه، وقال " من ستر عورة مسلم ستره الله في الدنيا والآخرة " فان رأى حسناً مثل أمارات الخير من وضاءة الوجه والتبسم ونحو ذلك استحب إظهاره ليكثر الترحم عليه والتشبه بجميل سيرته، قال ابن عقيل إلا أن يكون مغموصاً عليه في الدين والسنة، مشهوراً ببدعة فلا بأس باظهار السر عليه لتحذر طريقته، وعلى هذا ينبغي أن يكتم ما يرى عليه من أمارات الخير لئلا يغتر به فيقتدى به في بدعته * (فصل في الكفن) * * (مسألة) * (ويجب كفن الميت في ماله مقدماً على الدين وغيره) من الوصية والميراث لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به ولأن سترته واجبة في الحياة فكذلك بعد الموت ويكون ذلك من رأس ماله لأن حمزة ومصعب رضي الله عنهما لم يوجد لكل واحد منهما إلا ثوب فكفن فيه ولأن لباس المفلس مقدم على قضاء دينه فكذلك كفن الميت، ولا ينتقل الى الورثة من مال الميت إلا ما فضل عن حاجته الأصلية وهذا قول أكثر أهل العلم وفيه قولان شاذان: أحدهما قول خلاس بن عمرو: أن الكفن من الثلث، والآخر قال طاوس: إن كان المال قليلاً فمن الثلث. والصحيح الأول لما ذكرنا، وكذلك مؤونة دفنه وتجهيزه ومالا بد للميت منه قياساً على الكفن: فأما الحنوط والطيب فليس بواجب ذكره ابن حامد لأنه لا يجب في الحياة فكذلك بعد الموت: وقال القاضي يحتمل أنه واجب لأنه مما جرت العادة به، وليس بصحيح لأن العادة جرت بتحسين الكفن وليس بواجب، ولأصحاب الشافعي وجهان كهذين * (مسألة) * (فإن لم يكن له مال فعلى من تلزمه نفقته إلا الزوج لا يلزمه كفن امرأته) إذا لم يكن للميت مال فكفنه على من تلزمه مؤونته في الحياة وكذلك دفنه وما لا بد للميت منه لأن ذلك يلزمه حال الحياة فكذلك بعد الموت إلا الزوج لا يلزمه كفن امرأته وهذا قول الشعبي وأبي حنيفة وبعض أصحاب الشافعي: وقال بعضهم يجب على الزوج واختلف فيه عن مالك واحتجوا بأن كسوتها واجبة عليه في الحياة فوجب كفنها كسيد العبد ولنا أن النفقة والكسوة وجبت في النكاح للتمكين من الاستمتاع ولهذا تسقط بالنشوز والبينونة وقد انقطع ذلك بالموت فأشبه ما لو انقطع بالفرقة في الحياة ولأنها بانت منه في الموت فأشبهت الاجنبية

مسألة: وتكفن المرأة في خمسة أثواب إزار وخمار وقميص ولفافتين

وفارقت المملوك فان نققته بحق الملك لا بالانتفاع، ولهذا تجب نفقة الآبق وفطرته والوالد تجب نفقته بالقرابة، ولا تبطل بالموت بدليل أن السيد والوالد أحق بدفنه وتوليه. إذا تقرر هذا فإن لم يكن لها مال فعلى من تلزمه نفقتها من الاقارب، فإن لم يكن ففي بيت المال كمن لا زوج لها (فصل) ويستحب تحسين الكفن لما روى مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر رجلاً من أصحابه قبض فكفن في كفن غير طائل فقال " إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه " فان تساح الورثة جعل بحسب حال الحياة إن كان موسراً كان حسناً رفيعاً على نحو ما كان يلبس في حال الحياة، وإن كان دون ذلك فعلى حسب حاله وليس لثمنه حد لأن ذلك يختلف باختلاف البلدان والاوقات ولان التحديد إنما يكون بنص أو إجماع ولم يوجد واحد منهما. وقال الخرقي إذا تشاح الورثة في الكفن جعل بثلاثين، وإن كان موسراً فبخمسين وهذا محمول على وجه التقريب، ولعل الجيد في زمنه والمتوسط كان يحصل بهذا القدر، وقد روي عن ابن مسعود أنه أوصى أن يكفن بنحو من ثلاثين درهماً (فصل) والمستحب أن يكفن في جديد إلا أن يوصي الميت بغيره فتمتثل وصيته كما روي عن الصديق رضي الله عنه انه قال: كفنوني في ثوبي هذين فان الحي أحوج الى الجديد من الميت وإنما هما للهلة والتراب رواه البخاري بمعناه، وذهب ابن عقيل الى أن التكفين في الخليع أولى لهذا الخبر والأول أولى لدلالة قول النبي صلى الله عليه وسلم وفعل أصحابه به * (مسألة) * (ويستحب تكفين الرجل في ثلاث لفائف بيض يبسط بعضها فوق بعض بعد تجميرها) الأفضل عند إمامنا رحمه الله أن يكفن الرجل في ثلاث لفائف بيض ليس فيها قميص ولا عمامة لا يزيد عليها ولا ينقص منها قال الترمذي، والعمل عليها عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم وهو مذهب الشافعي، ويستحب كون الكفن أبيض لأن النبي صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب بيض ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " البسوا من ثيابكم البياض فإنه أطهر وأطيب وكفنوا فيه موتاكم " رواه النسائي، وحكي عن أبي حنيفة أن المستحب أن يكون في إزار ورداء وقميص لما روى عبد الله ابن المغفل أن النبي صلى الله عليه وسلم كفن في قميصه ولأن النبي صلى الله عليه وسلم ألبس عبد الله بن أبي قميصه رواه النسائي ولنا قول عائشة كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة متفق عليه، وهو أصح حديث يروى في كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعائشة أقرب إلى النبي صلى الله عليه وسلم واعرف بأحواله، ولهذا لما ذكر لها قول الناس أن النبي صلى الله عليه وسلم كفن في برد، قالت: قد أتي بالبرد ولكنهم لم يكفنوه فيه فحفظت ما أغفله غيرها، وقالت أيضاً: أدرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في حلة يمنية كانت لعبد الله بن أبي بكر ثم نزعت عنه فرفع عبد الله بن أبي بكر الحلة وقال: أكفن فيها؟ ثم قال: لم يكفن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكفن فيها فتصدق بها رواه مسلم، ولان حال الاحرام

مسألة: والواجب من ذلك ثوب يستر

أكمل أحوال الحي، وهو لا يلبس المخيط فكذلك حالة الموت. وأما إلباس النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أبي قميصه فإنما فعل ذلك تكرمة لابنه عبد الله بن عبد الله بن أبي لأنه كان سأله ذلك ليتبرك به أبوه ويندفع عنه العذاب ببركة قميص رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل أنما فعل ذلك جزاء لعبد الله بن أبي عن كسوته العباس قميصه يوم بدر (فصل) ويستحب تجمير الاكفان وهو تجميرها بالعود فيجعل العود على النار في مجمر ثم يبخر به الكفن حتى تعبق رائحته ويكون ذلك بعد أن يرش عليه ماء الورد لتعلق به الرائحة، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " إذا أجمرتم الميت فأجمروه ثلاثا " رواه الإمام أحمد وأوصى أبو سعيد وابن عمر وابن عباس أن تجمر أكفانهم بالعود، ولأن هذا عادة الحي عند غسله وتجديد ثيابه أن تجمر بالطيب والعود فكذلك الميت * (مسألة) * (ثم يوضع عليها مستلقياً ويجعل الحنوط فيما بينها ويجعل منه في قطن يجعل بين إليتيه ويشد فوقه خرقة مشقوقة لطرف كالتبان يجمع إليتيه ومثانته ثم يجعل الباقي على منافذ وجهه ومواضع سجوده وإن طيبه كله كان حسناً) وجملة ذلك أن المستحب أن يؤخذ أوسع اللفائف وأحسنها فتبسط أولاً لتظهر للناس لأن هذا عادة الحي يجعل الظاهر أفخر ثيابه ويجعل عليها حنوطاً ثم تبسط الثانية التي تليها في الحسن والسعة عليها ويجعل فوقها حنوطاً وكافوراً ثم تبسط فوقها الثالثة ويجعل فوقها حنوطاً وكافوراً ولا يجعل على وجه العليا ولا على النعش شيئاً من الحنوط لأن الصديق رضي الله عنه قال: لا تجعلوا على أكفاني حنوطاً ثم يحمل الميت مستوراً بثوب فيوضع عليها مستلقياً لأنه أمكن لإدراجه فيها، ويجعل من الحنوط والكافور في قطن ويجعل منه بين إليتيه برفق ويكثر ذلك ليرد شيئاً إن خرج منه حين تحريكه، ويشد فوقه خرقة مشقوقة الطرف كالتبان وهو السراوبل بلا أكمام ليجمع إليتيه ومثانته ويجعل باقي الطيب على منافذ وجهه في فيه ومنخره وعينيه لئلا يحدث منهن حادث وكذلك في الجراح النافذة ويترك منه على مواضع السجود تشريفاً لهذه الاعضاء المختصة بالسجود، ويطيب رأسه ولحيته لأن الحي يتطيب هكذا، وإن طيبه كله كان حسناً * (مسألة) * (ثم يرد طرف اللفافة العليا على شقه الأيمن ثم يرد طرفها الآخر على شقه الأيسر) وإنما استحب ذلك لئلا يسقط عنه الطرف الأيمن إذا وضع على يمينه في القبر ثم يفعل بالثانية والثالثة كذلك ويجعل ما عند رأسه أكثر مما عند رجليه لأنه أحق بالستر من رجليه، فالاحتياط لستره بتكثير ما عنده أولى ثم يجمع ما فضل جمع وطرف العمامة (1) فيرده عند رأسه ورجليه، وإن خاف انتشارها عقدها فاذا وضعه في قبره حلها لأن عقد هذا إنما كان للخوف من انتشارها وقد أمن بدفنه

_ (1) كذا بالاصل وفي المغنى (ثم يجمع ما فضل عند رأسه ورجليه فيرده على رأسه ورجليه)

فصل في الصلاة على الميت

وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما أدخل نعيم بن مسعود الأشجعي القبر نزع الاخلة بفيه وعن ابن مسعود وسمرة نحوه ولا يخرق الكفن لأنه افساد له (فصل) وتكره الزيادة في الكفن على ثلاثة أثواب لما فيه من إضاعة المال وقد نهى عنه عليه السلام، ويحرم ترك شئ مع الميت من ماله لغير حاجة لما ذكرنا إلا مثل ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ترك تحته قطيفة في قبره فان ترك نحوه فلا بأس * (مسألة) * (وإن كفن في قميص ومئزر ولفافة جاز) التكفين في القميص واللفافة والمئزر جائز إلا أن الأول أفضل، وهذا جائز لا كراهة فيه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم ألبس عبد الله بن أبي قميصه لما مات رواه البخاري، فيؤزر بالمئزر ويلبس القميص ثم يلف باللفافة بعد ذلك، وقال أحمد إن جعلوه قميصاً فأحب إلي أن يكون مثل قميص له كمان وتخاريصان وأزرار ولا يزر عليه القيص (فصل) قال أبو داود قلت لأحمد يتخذ الرجل كفنه يصلي فيه أياماً أو قلت يحرم فيه ثم يغسله ويضعه لكفنه فرآه حسنا؟ قال: يعجبني أن يكون جديداً أو غسيلاً وكره أن يلبسه حتى يدنسه (فصل) ويجوز التكفين في ثوبين لقول النبي صلى الله عليه وسلم في المحرم الذي وقصته دابته " وكفنوه في ثوبين " رواه البخاري (فصل) قال أحمد: يكفن الصبي في خرقة وان كفن في ثلاثة فلا بأس، وكذلك قال إسحق ونحوه قال سعيد بن المسيب والثوري وأصحاب الرأي وغيرهم لا اختلاف بينهم في أن ثوباً يجزيه، وان كفن في ثلاثة فلا بأس * (مسألة) * (وتكفن المرأة في خمسة أثواب إزار وخمار وقميص ولفافتين) قال إبن المنذر: أكثر من نحفظ عنه من أهل العلم يرى أن تكفن المرأة في خمسة أثواب منهم الشعبي ومحمد بن سيرين والنخعي والاوزاعي والشافعي وإسحق وأبو ثور وأصحاب الرأي وكان عطاء يقول تكفن في ثلاثة أثواب درع وثوب تحت الدرع تلف به وثوب فوقه تلف فيه. وقال موسى

ابن سليمان: درع وخمار ولفافة والصحيح الأول، وإنما استحب ذلك لأن المرأة تزيد في حال حياتها على الرجل في الستر لزيادة عورتها على عورته فكذلك بعد الموت، ولما كانت تلبس المخيط في احرامها وهو أكمل أحوال الحي استحب إلباسها إياه بعد موتها بخلاف الرجل، وقد روى أبو داود باسناده عن ليلى بنت قانف الثقفية قالت: كنت فيمن غسل أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم عند وفاتها فكان أول ما أعطانا الخفاء ثم الدرع ثم الخمار ثم الملحفة ثم أدرجت بعد ذلك في الثوب الآخر قالت: ورسول الله صلى الله عليه وسلم عند الباب معه كفنها يناولناها ثوباً ثوبا، وروت أم عطية أن النبي صلى الله عليه وسلم ناولها إزاراً ودرعاً وخماراً وثوبين (فصل) قال المروذي: سألت أبا عبد الله في كم تكفن الجارية اذا لم تبلغ؟ قال في لفافتين وقميص لا خمار فيه، وكفن ابن سيرين بنتاً له قد أعصرت أي قاربت المحيض في قميص ولفافتين، وروي في بقير ولفافتين. قال أحمد النقير القميص الذي ليس له كمان. والحد الذي تصير به الجارية في حكم المرأة في الكفن هو البلوغ، هذا ظاهر كلام أحمد في رواية المروذي لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار " مفهومه أن غيرها لا تحتاج إلى خمار في صلاتها كذلك في كفنها وروى عن أحمد أكثر أصحابه: اذا كانت بنت تسع يصنع بها ما يصنع بالمرأة واحتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم دخل بعائشة وهي بنت تسع، وقالت عائشة إذا بلغت الجارية تسعاً فهي امرأة

مسألة: ثم يكبر أربع تكبيرات يقرأ في الأولى الفاتحة ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في الثانية

(فصل) قال أحمد لا يعجبني أن يكفن في شئ من الحرير، وكره ذلك الحسن وابن المبارك وإسحق قال إبن المنذر: ولا أحفظ عن غيرهم خلافهم، وفي جواز تكفين المرأة بالحرير احتمالان: أحدهما الجواز وهو اقيس لأنه من لبسها في حياتها، والثاني المنع لأنها إنما تلبسه في حياتها لأنها محل للزينة والشهوة وقد زال ذلك، وعلى كل حال فهو مكروه، وكذلك يكره تكفينها بالمعصفر ونحوه لما ذكرنا قال الأوزاعي: لا تكفين في الثياب المصبغة إلا ما كان من العصب يعني ما صنع بالعصب وهو بنت باليمن (فصل) وإن أحب أهل الميت أن يروه لم يمنعوا لما روى جابر قال: لما قتل أبي جعلت أكشف الثوب عن وجهه وأبكي والنبي صلى الله عليه وسلم لا ينهاني، وقالت عائشة رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل عثمان بن مظعون وهو ميت حتى رأيت الدموع تسيل: والحديثان صحيحان * (مسألة) * (والواجب من ذلك ثوب يستر جميعه لما روت ام عطية قالت: لما فرغنا يعني من غسل ابنة النبي صلى الله عليه وسلم ألقى إلينا حقوه فقال " اشعرنها إياه " ولم يزد على ذلك رواه البخاري، وقال معنى اشعرنها الففنها فيه ولأن العورة المغلظة يجزي في سترها ثوب واحد فكفن الميت أولى، وهذا وجه لأصحاب الشافعي، وظاهر مذهبهم أن الواجب ما يستر العورة كالحي: وقال القاضي لا يجزي للقادر أقل من ثلاثة أثواب، وروي نحوه عن عائشة. قال: لأنه لو أجزأ أقل منها لم يجز التكفين بها في حق من له أيتام إحتياطاً لهم والصحيح الأول، وما احتج به القاضي لا يصح لأنه يجوز التكفين بالحسن مع حصول الإجزاء بما دونه (فصل) فإن لم يجد ثوباً يستر جميعه ستر رأسه وجعل على رجليه حشيش أو ورق كما روي عن مصعب أنه قتل يوم أحد فلم يوجد له شئ يكفن فيه إلا نمرة، فكات إذا وضعت على رأسه بدت رجلاه وإذا وضعت على رجليه خرج رأسه فأمر النبي صلى الله عليه وسلم إن يغطي رأسه ويجعل على رجليه الأذخر رواه البخاري، فإن لم يجد إلا ما يستر العورة سترها كحال الحياة، فان كثر القتلى وقلت الاكفان كفن الرجل والرجلان والثلاثة في الثوب الواحد، قال أنس: كثر القتلى وقلت الثياب يعني يوم أحد قال: فكفن الرجل والرجلان والثلاثة في الثوب الواحد ثم يدفنون في قبر واحد رواه أبو داود والترمذي وهذا لفظه وقال حديث حسن غريب

مسألة: ويدعو في التكبيرة الثالثة

* (فصل في الصلاة على الميت) * والصلاة على الميت فرض كفاية لقول النبي صلى الله عليه وسلم " صلوا على من قال لا إله إلا الله " * (مسألة) * (السنة أن يقوم الامام عند رأس الرجل ووسط المرأة) المستحب أن يقوم الامام في صلاة الجنازة حذاء رأس الرجل ووسط المرأة، وان وقف في غير هذا الموضع خالف السنة وصحت صلاته وبه قال اسحق والشافعي وأبو يوسف ومحمد، وقال الخرقي: يقوم عند صدر الرجل وهو قريب من القول الاول لقرب أحدهما من الآخر، فالواقف عند أحدهما واقف عند الآخر، وقال أبو حنيفة يقوم عند صدر الرجل والمرأة لأنهما سواء، فاذا وقف عند صدر الرجل فكذلك المرأة، وقال مالك يقف عند وسط الرجل لأن ذلك يروي عن ابن مسعود ويقف عند منكب المرأة لأن الوقوف عند أعاليها أمثل وأسلم، وروى سعيد قال حدثني خالد بن يزيد بن أبي مالك الدمشقي قال حدثي أبي قال: رأيت واثلة بن الاسقع يصلي على الجنائز فاذا كانوا رجالاً صفهم ثم قام أوسطهم، واذا كانوا رجالاً ونساء جعل رأس أول امرأة عند ركبة الرحل ثم يقوم وسط الرجال ولنا ما روى أن أنساً صلى على رجل فقام عند رأسه ثم صلى على امرأة فقام حبال وسط السرير فقال له العلاء بن زياد هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على الجنازة مقامك منها، ومن الرجل مقامك منه، قال نعم. فلما فرغ قال احفظوا، قال الترمذي: هذا حديث حسن. وعن سمرة قال: صليت وراء النبي صلى الله عليه وسلم على امرأة ماتت في نفاسها فقام وسطها متفق عليه. والمرأة تخالف الرجل في موقف الصلاة فجاز أن تخالفه ها هنا، وقيام الامام عند وسطها أستر لها فكان اؤلى * (مسألة) * (ويقدم إلى الإمام أفضلهم ويجعل وسط المرأة حذاء رأس الرجل، وقال القاضي يسوى بين رؤوسهم) اذا كانت الجنائز نوعاً واحداً قدم أفضلهم الى الامام لأن الأفضل يلي الامام في صف المكتوبة فكذلك ها هنا، وقد دل على الأصل قوله عليه السلام " ليلني منكم اولوا الأحلام والنهى فإن تساووا في الفضل قدم الأكبر فالأكبر " نص عليه أحمد في رواية الميموني، فان تساووا قدم السابق وقال القاضي يقدم السابق وإن كان صبياً ولا تقدم المرأة وان كانت سابقة لموضع الذكورية، فان تساووا قدم الامام من شاء، فإن تشاحوا أقرع بينهم (فصل) فان كانوا أنواعاً كرجال وصبيان وخناثى ونساء قدم الرجال بغير خلاف في المذهب الا ما حكينا من قول القاضي إذا سبق الصبي وهذا قول أكثر أهل العلم ثم يقدم بعدهم الصبيان. هذا المنصوص عن أحمد في رواية الجماعة وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي، وقال الخرقي يقدم النساء

على الصبيان لأن المرأة شخص مكلف فهي أحوج الى الشفاعة. وروى عمار مولى الحارث بن نوفل أنه شهد جنازة أم كلثوم وابنها فجعل الغلام مما يلي القبلة فأنكرت ذلك وفي القوم ابن عباس وأبو سعيد وأبو قتادة وأبو هريرة فقالوا هذا السنة ولنا أنهم يقدمون عليهن في الصف في الصلاة المكتوبة اذا اجتمعوا فكذلك عند اجتماع الجنائز كالرجال. فأما حديث عمار فالصحيح فيه أنه جعلها مما يلي القبلة وجعل ابنها مما يليه كذلك رواه سعيد وعمار مولى بني سلمة عن عمار مولى بني هاشم، وأخرجه كذلك أبو داود والنسائي وغيرهما ولفظه قال: شهدت جنازة صبي وامرأة فقدم الصبي مما يلي القوم ووضعت المرأة وراءه وفي القوم أبو سعيد الخدري وابن عباس وأبو قتادة وأبو هريرة فقلنا لهم. فقالوا السنة أما الحديث الأول فغير صحيح فإن زيد بن عمر هو ابن أم كلثوم الذي صلي عليه معها وكان رجلاً له أولاد، كذلك قال الزبير بن بكار ولأن زيداً ضرب في حرب كانت بين بني عدي في خلافة بعض بني أمية فصرع وحمل فمات ومثل هذا لا يكون إلا رجلاً (فصل) ولا نعلم خلافاً في تقديم الخنثى على المرأة لأنه يحتمل أن يكون رجلاً، وأدنى أحواله مساواته لها، ويقدم الحر على العبد لشرفه وتقديمه عليه في الامامة وذلك في تقديم الكبير على الصغير لذلك. وقد روى الخلال باسناده عن علي رضي الله عنه في جنازة حر وعبد ورجل وامرأة وصغير وكبير، يجعل الرجل مما يلي الامام والمرأة أمام ذلك، والكبير مما يلي الامام والصغير أمام ذلك، والحر مما يلي الامام والمملوك أمام ذلك، فان اجتمع حر صغير وعبد كبير فقال أحمد في رواية الحسن ابن محمد يقدم الحر وإن كان غلاماً، ونقل أبو الحارث يقدم الأكبر. قال شيخنا وهو أصح إن شاء الله تعالى لأنه يقدم في الصف في الصلاة، وقول علي متعارض فإنه قد قال: يقدم الكبير على الصغير كقوله يقدم الحر على العبد (فصل) واذا اجتمع رجل وامرأة فصلى عليهما جميعاً جعل رأس الرجل حذاء وسط المرأة في إحدى الروايتين عن أحمد اختاره أبو الخطاب ليكون موقف الامام عند رأس الرجل ووسط المرأة، والرواية الثانية يسوى بين رؤسهم اختارها القاضي وهو قول ابراهيم وأهل مكة وأبي حنيفة ويروى ذلك عن ابن عمر، وروى سعيد بإسناده عن الشعبي أن أم كلثوم بنت علي وابنها زيد بن عمر توفيا جميعاً فأخرجت جنازتاهما فصلى عليهما أمير المدينة فسوى بين رؤوسهما وأرجلهما حين صلى عليهما * (مسألة) * (ثم يكبر أربع تكبيرات يقرأ في الأولى الفاتحة ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في الثانية) وجملة ذلك أن التكبير على الجنازة أربع لا يجوز النقص منها ولا تسن الزيادة عليها لأن النبي صلى الله عليه وسلم كبر على النجاشي أربعاً متفق عليه. فيكبر الأولى ثم يستعيذ في الصحيح من

مسألة: وإن كان صبيا جعل مكان الاستغفار له اللهم اجعله ذخرا لوالديه

المذهب. وقال القاضي يخرج على روايتين كالاستفتاح ويقرأ الحمد يبتدئها ببسم الله الرحمن الرحيم كسائر الصلوات، ولا يسن الاستفتاح في المشهور عنه، قال أبو داود: سمعت أحمد يسأل عن الرجل يستفتح الصلاة على الجنازة بسبحانك اللهم وبحمدك؟ قال ما سمعت. قال إبن المنذر: كان الثوري يستحب أن يستفتح في صلاة الجنازة ولم نجده في كتب سائر أهل العلم، وقد روي عن أحمد مثل قول الثوري لأن الاستعاذة فيها مشروعة فسن فيها الاستفتاح كسائر الصلوات ولنا أن صلاة الجنازة شرع فيها التخفيف ولهذا لا يقرأ فيها بعد الفاتحة بشئ وليس فيها ركوع ولا سجود. فأما التعوذ فهو سنة للقراءة مطلقاً في الصلاة وغيرها لقول الله تعالى (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) ولأصحاب الشافعي في الاستعاذة والاستفتاح وجهان (فصل) وقراءة الفاتحة واجبة في صلاة الجنازة روى ذلك عن ابن عباس وهو قول الشافعي وإسحق، وقال الثوري والأوزاعي ومالك وأبو حنيفة لا يقرأ فيها بشئ لأن ابن مسعود قال: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوقت فيها قولا ولا قراءة ولان مالا ركوع فيه لا قراءة فيه كسجود التلاوة ولنا ما روت أم شريك قالت: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقرأ على الجنازة بفاتحة الكتاب رواه ابن ماجه. وعن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم كبر على الجنازة أربعاً وقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى رواه الشافعي في مسنده، ثم هو داخل في عموم قوله عليه السلام " لا صلاة لمن لا يقرأ بأم القرآن " ولأنها صلاة يجب فيها القيام فوجبت فيها القراءة كسائر الصلوات. وحديث ابن مسعود أن سح فانما قال: لم يوقت أي لم يقدر، ولا يدل هذا على نفي أصل القراءة، وقد روي عنه ابن المنذر أنه قرأ على جنازة بفاتحة الكتاب، ثم لا يعارض ما رويناه لأنه نفي مقدم عليه الإثبات وفارق سجود التلاوة فانه لا قيام فيه والقراءة محلها القيام، ويستحب اسرار القراءة والدعاء والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيها لا نعلم فيه خلافاً ولا يقرأ بعد الفاتحة شيئاً. وقد روي عن ابن عباس أنه جهر بفاتحة الكتاب في صلاة الجنازة، قال أحمد: إنما جهر ليعلمهم (فصل) ويكبر الثانية ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، لما روي عن ابن عباس أنه صلى على جنازة بمكة فكبر ثم قرأ وجهر وصلى علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم دعا لصاحبه فأحسن ثم انصرف وقال: هكذا ينبغي أن تكون الصلاة على الجنازة، وعن أبي أمامة بن سهل أنه أخبره رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إن من السنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر الامام ثم يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الاولى يقرأ في نفسه ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويخلص الدعاء للجنازة في التكبيرات لا يقرأ في شئ منهن ثم يسلم سراً في نفسه. رواه الشافعي في مسنده.

مسألة: ويرفع يديه مع كل تكبيرة

وصفة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كصفة الصلاة عليه في التشهد نص عليه أحمد وهو مذهب الشافعي لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سألوه كيف نصلي عليك؟ علمهم ذلك، وإن أتي بها على غير صفة التشهد فلا بأس لأن القصد مطلق الصلاة. وقال القاضي يقول: اللهم صلى على ملائكتك المقربين، وأنبيائك والمرسلين، وأهل طاعتك أجمعين، من أهل السموات وأهل الأرضين، إنك على كل شئ قدير. لأن أحمد قال في رواية عبد الله يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويصلي على الملائكة المقربين * (مسألة) * (ويدعو في التكبيرة الثالثة) لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء " رواه أبو داود. والدعاء ها هنا واجب لهذا الحديث ولأنه المقصود فلا يجوز الإخلال به، ويكفي أدنى دعاء لهذا الحديث. قال أحمد: ليس على الميت دعاء مؤقت والاولى أن يدعو لنفسه ولوالديه وللميت وللمسلمين بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم فروي أبو ابراهيم الأشهلي عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى على الجنازة قال " اللهم اغفر لحينا وميتنا، وشاهرنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا " قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وروى أبو داود عن أبي هريرة مثل حديث أبي ابراهيم وزاد " اللهم من أحييته منا فأحيه على الايمان، ومن توفيته منا فتوفه على الاسلام، اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده " وفي حديث آخر عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم " اللهم أنت ربها، فأنت خلقتها، وأنت هديتها للإسلام، وأنت قبضتها، وأنت أعلم بسرها وعلانيتها، جئنا شفعاء، فاغفر له " رواه أبو داود. وعن عوف بن مالك الأشجعي قال صلى النبي صلى الله عليه وسلم على جنازة فحفظت من دعائه وهو يقول " اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نزله وأوسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله داراً خيراً من داره، وأهلا خيراً من أهله، وزوجاً خيراً من زوجه، وأعذه من عذاب القبر ومن عذاب النار " حتى تمنيت أن أكون ذلك الميت، رواه مسلم. وذكر ابن أبي موسى أنه يقول مع ذلك: الحمد لله الذي أمات وأحيا، الحمد لله الذي يحي الموتى، له العظمة والكبرياء والملك والقدرة والسناء، وهو على كل شئ قدير. اللهم أنه عبدك ابن عبدك ابن أمتك، وأنت خلقته ورزقته، وأنت أمته وأنت تحييه، وأنت تعلم سره، جئناك شفعاء له، فشفعنا فيه. اللهم إنا نستجير بحبل جوارك له، انك ذو وفاء وذمة. اللهم وقه من فتنة القبر، ومن عذاب جهنم. اللهم إن كان محسناً فجازه باحسانه، وإن كان مسيئاً فتجاوز عنه. اللهم قد نزل بك، وأنت خير منزول به، فقيراً الى رحمتك، وأنت غني عن عذابه. اللهم ثبت عند المسألة منطقه، ولا تبتله في قبره " وقال الخرقي

يقول في الدعاء: اللهم أنه عبدك وابن أمتك، نزل بك وأنت خير منزول به، ولا نعلم إلا خيراً، وقوله لا نعلم إلا خيراً إنما يقوله لمن لم يعلم منه شراً لئلا يكون كاذباً. وقد روى القاضي حديثاً عن عبد الله بن الحارث عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم علمهم الصلاة على الميت " اللهم اغفر لأحيائنا وأمواتنا وصغيرنا وكبيرنا وشاهدنا وغائبنا. اللهم إن عبدك وابن عبدك نزل بفنائك، فاغفر له وارحمه، ولا نعلم إلا خيراً " فقلت وأنا أصغر الجماعة يا رسول الله وإن لم أعلم خيراً؟ قال " لا تقل إلا ما تعلم " وانما شرع هذا للخبر ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أثنى عنده على جنازة بخير قال " وجبت " وأثني على جنازة أخرى بشر قال " وجبت " ثم قال " إن بعضكم على بعض شهداء " رواه أبو داود. وفي حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " ما من عبد مسلم يموت فشهد له إثنان من جيرانه الأدنين بخير إلا قال الله تعالى قد قبلت شهادة عبادي على ما علموا وغفرت له ما أعلم " رواه الإمام أحمد في المسند، في لفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " ما من مسلم يموت فيقوم رجلان من جيرانه الأدنين فيقولان اللهم لا نعلم إلا خيراً. إلا قال الله تعالى قد قبلت شهادتهما لعبدي وغفرت له ما لا يعلمان " أخرجه للالكائي * (مسألة) * (وإن كان صبياً جعل مكان الاستغفار له اللهم اجعله ذخراً لوالديه وفرطاً وأجراً وشفيعاً مجاباً، اللهم ثقل به موازينهما وأعظم به أجورهما، واجعله في كفالة أبيه ابراهيم، وألحقه بصالح سلف المؤمنين، وقه برحمتك عذاب الجحيم، اللهم أغفر لأسلافنا وافراطنا ومن سبقنا بالايمان) وبأي شئ دعا مما ذكرنا أو نحوه أجزأ * (مسألة) * (ثم يقف بعد الرابعة قليلاً ويسلم تسليمة واحدة عن يمينه) ظاهر كلام شيخنا رحمه الله أنه لا يدعو بعد الرابعة نقل ذلك عن أحمد جماعة من أصحابه أنه قال: لا أعلم فيه شيئاً لأنه لو كان فيه دعاء مشروع لنقل، وعن أحمد أنه يدعو ثم يسلم لأنه قيام في صلاة الجنازة فكان فيه ذكر مشروع كالذي قبل الرابعة. قال ابن أبي موسى وأبو الخطاب يقول: (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنه وقنا عذاب النار) وقيل يقول: اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده، واغفر لنا وله. والخلاف ها هنا في الاستحباب ولا خلاف في المذهب أنه غير واجب. وقد روى الجوزجاني بإسناده أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر أربعاً ثم يقول ما شاء الله ثم ينصرف. قال الجوزجاني: أحسب هذه الوقفة ليكبر آخر الصفوف، فان الامام اذا كبر ثم سلم خفت أن يكون تسليمه قبل أن يكبر آخر الصفوف، فان كان هكذا فالله عزوجل الموفق له، وإن كان غير ذلك فاني أبرأ الى الله عزوجل من أن أتأول علي رسول الله صلى الله عليه وسلم أمراً لم يرده، أو أراد خلافه

مسألة: وإن كبر الإمام خمسا كبر بتكبيره، وعنه لا يتابع في زيادة على أربع، وعنه يتابع الى سبع

(فصل) والتسليم واجب فيها لقوله عليه السلام " وتحليلها التسليم " والسنة أن يسلم على الجنازة تسليمة واحدة. قال أحمد: التسليم على الجنازة تسليمة واحدة عن ستة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس فيها اختلاف الا عن ابراهيم، روى ذلك عن علي وابن عمر وابن عباس وجابر وأبي هريرة وأنس وابن أبي أوفى وواثلة بن الأسقع وبه قال سعيد بن جبير والحسن وابن سيرين وأبو أمامة بن سهل والقاسم بن محمد وابراهيم النخعي والثوري وابن عيينة وابن المبارك وعبد الرحمن ابن مهدي وإسحق. قال ابن المبارك: من سلم على الجنازة تسليمتين فهو جاهل جاهل، واختار القاضي أن المستحب تسليمتان وواحدة تجزي وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي قياساً على سائر الصلوات ولنا ما روى عطاء بن السائب أن النبي صلى الله عليه وسلم سلم على الجنازة تسليمة واحدة رواه الجوزجاني ولأنه قول من سمينا من الصحابة ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم فكان إجماعا، واختيار القاضي في هذه المسألة مخالف لقول إمامه وأصحابه ولإجماع الصحابة والتابعين رحمة الله عليهم. ويستحب أن يسلمها عن يمينه وان سلم تلقاء وجهه فلا بأس. وسئل أحمد يسلم تلقاء وجهه؟ قال كل هذا جائز. وأكثر ما روي فيه عن يمينه، قيل خفية؟ قال نعم. يعني إن الكل جائز. والتسليم عن يمينه أولى لأنه أكثر ما روي وهو أشبه يسائر الصلوات. قال أحمد: يقول السلام عليكم ورحمة الله وروى عنه علي بن سعيد أنه قال: إذا قال السلام عليكم أجزأه، وروى الخلال بإسناده عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه صلى على يزيد بن المكفف فسلم واحدة عن يمينه السلام عليكم (فصل) وروي عن مجاهد أنه قال: إذا صليت فلا تبرح مصلاك حتى ترفع. قال ورأيت عبد الله بن عمر لا يبرح مصلاه اذا صلى على جنازة حتى يراها على أيدي الرجال. قال الأوزاعي لا تنقص الصفوف حتى ترفع الجنازة * (مسألة) * (ويرفع يديه مع كل تكبيرة) أجمع أهل العلم على أن المصلي على الجنازة يرفع يديه في التكبيرة الأولى، ويستحب أن يرفع يديه في كل تكبيرة، يروي ذلك عن سالم وعمر بن عبد العزيز وعطاء وقيس بن أبي حازم والزهري وإسحق وابن المنذر والاوزاعي والشافعي، وقال مالك والثوري وأبو حنيفة لا يرفع يديه إلا في الأولى لأن كل تكبيرة مقام ركعة ولا ترفع الأيدي في جميع الركعات ولنا ما روى عن ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه في كل تكبيرة رواه ابن أبي موسى. وعن ابن عمر وأنس أنهما كانا يفعلان ذلك ولأنها تكبيرة حال الاستقرار أشبهت الأولى وما قاسوا عليه ممنوع. إذا ثبت ذلك فإنه يحط يديه اذا رفعهما عند انقضاء التكبيرة

ويضع يده اليمنى على اليسرى كما في بقية الصلوات، وفيما روى ابن أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة فوضع بمينه على شماله (فصل) والواجب من ذلك التكبيرات والقيام وقراءة الفاتحة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وأدنى دعاء للميت والسلام لما ذكرنا من قبل. ويشترط لها النية وسائر شروط المكتوبة قياساً عليها إلا الوقت ويسقط بعض واجباتها عن المسبوق على ما سيأتي، ولا يجزي أن يصلي على الجنازة راكباً لأنه يفوت القيام الواجب وهو قول أبي حنيفة والشافعي ولا نعلم فيه خلافاً (فصل) ويستحب أن يصف في الصلاة على الجنازة ثلاثة صفوف لما روى الخلال بإسناده عن مالك بن هبيرة وكانت له صحبة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من صلى عليه ثلاثة صفوف فقد أوجب " قال فكان مالك بن هبيرة إذا استقل أهل الجنازة جزأهم ثلاثة أجزاء. قال الترمذي هذا حديث حسن. قال أحمد أحب إذا كان فيهم قلة أن يجعلهم ثلاثة صفوف. قيل له فإن كان وراءه أربعة؟ قال يجعلهم صفين في كل صف رجلين، وكره أن يكون في صف رجل واحد وذكر ابن عقيل أن عطاء بن أبي رباح روي أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة فكانوا سبعة فجعل الصف الأول ثلاثة والثاني إثنين والثالث واحداً. قال ابن عقيل ويعايابها فيقال أين تجدون فذاً انفراده أفضل؟ قال شيخنا: ولا أحسب هذا الحديث صحيحاً فانني لم أره في غير كتاب ابن عقيل وقد صار أحمد الى خلافه ولو علم فيه حديثاً لم يعده إلى غيره، والصحيح في هذا أن يجعل كل اثنين صفا (فصل) ويستحب تسوية الصف في صلاة الجنازة نص عليه أحمد. وقيل لعطاء حد على الناس إن يصفوا على الجنازة كما يصفون في الصلاة؟ قال لا قوم يدعون ويستغفرون. وكره أحمد قول عطاء هذا وقال يسوون صفوفهم فانها صلاة ولأن النبي صلى الله عليه وسلم نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه وخرج الى المصلى فصف بهم وكبر أربعاً متفق عليه. وعن أبي المليح أنه صلى على جنازة فالتفت فقال استووا ولتحسن شفاعتكم * (مسألة) * (وإن كبر الإمام خمساً كبر بتكبيره، وعنه لا يتابع في زيادة على أربع، وعنه يتابع الى سبع) لا يختلف المذهب أنه لا تجوز الزيادة على سبع تكبيرات ولا النقص من أربع، والأولى ان لا يزاد على أربع فان كبر الإمام خمسا تابعه المأموم في ظاهر المذهب، ولا يتابعه فيما زاد عليها كذلك رواه الأثرم وهو ظاهر كلام الخرقي، وعنه لا يتابعه في زيادة على أربع ولكن لا يسلم إلا مع الإمام،

مسألة: ومن فاته شيء من التكبير قضاه على صفته وقال الخرقي: يقضيه متتابعا

نقلها عنه حرب اختارها ابن عقيل، وهذا قول الثوري ومالك وأبي حنيفة والشافعي لأنها زيادة غير مسنونة للإمام فلا يتابعه المأموم فيها كالقنوت في الركعة الأولى والرواية الأولى هي الصحيحة. قال الخلال كل من روي عن أبي عبد الله يخالف حرباً ولنا ما روى عن زيد بن أرقم أنه كبر على جنازة خمساً وقال كان النبي صلى الله عليه وسلم يكبرها أخرجه مسلم ورواه سعيد وفيه فسئل عن ذلك فقال سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وروى سعيد بإسناده عن مولى لحذيفة أنه كبر على جنازة خمساً فقيل له؟ فقال مولاي وولي نعمتي صلى على جنازة وكبر عليها خمساً، وذكر حذيفة أن النبي صلى عليه وسلم فعل ذلك، وباسناده أن علياً صلى على سهل بن حنيف فكبر عليه خمساً، وروى الخلال بإسناده قال: كل ذلك قد كان أربعاً وخمساً وأمر الناس بأربع. قال أحمد في اسناد حديث زيد بن أرقم اسناده جيد، ومعلوم أن المصلين معه كانوا يتابعونه وهذا أولى مما ذكروه. فأما إن زاد على خمس ففيه أيضاً روايتان: إحداهما لا يتابعه المأموم لأن المشهور عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه خلافها، والثانية يتابعه الى سبع. قال الخلال ثبت القول عن أبي عبد الله أنه يكبر مع الامام الى سبع ثم لا يزاد عليه، وهذا قول بكر بن عبد الله المزني لأنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كبر على حمزة سبعاً رواه ابن شاهين وكبر علي على ابن أبي قتادة سبعاً وعلى سهل بن حنيف ستاً وقال أنه بدري. وروي أن عمر رضي الله عنه جمع الناس فاستشارهم فقال بعضهم كبر النبي صلى الله عليه وسلم سبعاً، وقال بعضهم أربعاً فجمع عمر الناس على أربع تكبيرات وقال: هو أطول الصلاة. وإذا قلنا لا يتابعه لم يسلم حتى يسلم إمامه. قال ابن عقيل لا يختلف قول أحمد اذا كبر الإمام زيادة على أربع أنه لا يسلم قبل إمامه على الروايات الثلاث بل يقف ويسلم معه وهو مذهب الشافعي. وقال الثوري وأبو حنيفة ينصرف كما لو قام الامام الى خامسة. قال أبو عبد الله ما أعجب حال الكوفيين سفيان ينصرف اذا كبر الخامسة والنبي صلى الله عليه وسلم كبر خمساً وفعله زيد بن أرقم وحذيفة. وقال ابن مسعود كبر ما كبر امامك ولأن هذه زيادة مختلف فيها فلم يسلم قبل امامه اذا اشتغل به كما لو صلى خلف من يقنت في صلاة يخالفه المأموم في القنوت فيها، وهذا يخالف ما قاسوا عليه من وجهين: أحدهما إن زيادة الركعة الخامسة لا خلاف فيه، الثاني أن الركعة زيادة فعل وهذه زيادة قول، وكل تكبيرة قلنا يتابع الامام فيها فله فعلها وما لا فلا (فصل) فإن زاد على سبع لم يتابعه نص عليه أحمد. وقال في رواية أبي داود: إن زاد على سبع فينبغي أن يسبح به ولا أعلم أحداً قال بالزيادة على سبع الا عبد الله بن مسعود. قال علقمة روي أن أصحاب عبد الله قالوا له أن اصحاب معاذ يكبرون على الجنائز خمساً فلو وقت لنا وقتاً؟ فقال إذا تقدمكم إمام فكبروا ما يكبر فانه لا وقت ولا عدد. رواه سعيد والاثرم، والصحيح أنه لا يزاد عليها

مسألة: فإن سلم ولم يقضه فعلى روايتين

لأنه لم ينقل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه، ولكن لا يسلم حتى يسلم إمامه لما ذكرنا (فصل) والأفضل أن لا يزيد على أربع لأن فيه خروجاً من الخلاف وأكثر أهل العلم يرون التكبير أربعاً منهم عمر وابنه وزيد بن ثابت وجابر وابن أبي أوفى والحسن بن علي والبراء بن عازب وأبو هريرة وعقبة بن عامر وابن الحنفية وعطاء والاوزاعي وهو قول أبي حنيفة ومالك والثوري والشافعي لأن النبي صلى الله عليه وسلم كبر على النجاشي أربعاً متفق عليه، وكبر على قبر بعدما دفن أربعاً، وجمع عمر الناس على أربع ولأن أكثر الفرائض لا يزيد على أربع (فصل) ولا يجوز النقص من أربع وروي عن ابن عباس أنه كبر على الجنازة ثلاثة ولم يعجب ذلك أبا عبد الله وقال قد كبر أنس ثلاثا ناسياً فأعادو لأنه خلاف ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولأن الصلاة الرباعية اذا أنقص منها ركعة بطلت كذا هنا فعلى هذا إن نقص منها تكبيرة عامداً بطلت لأنه ترك واجباً فيها عمداً وإن تركها سهوا احتمل أن يعيدها كما فعل أنس واحتمل أن يكبرها ما لم يطل الفصل كما لو نسي ركعة ولا يشرع لها سجود سهو في الموضعين (فصل) قال أحمد يكبر الى سبع ثم يقطع لا يزيد على ذلك حتى ترفع الأربع، قال أصحابنا إذا كبر على جنازة ثم جئ بأخرى كبر الثانية عليهما أو ينويهما فان حئ بثالثة كبر الثالثة عليهن ونواهن فان جئ برابعة كبر الرابعة عليهن ونواهن ثم يكمل التكبير عليهن الى سبع ليحصل للرابعة أربع إذ لا يجوز النقصان منهن ويحصل للأولى سبع وهو أكثر ما ينتهي اليه التكبير فان جئ بخامسة لم ينوها بالتكبير لأنه دائر بين ان يزيد على سبع أو ينقص في تكبيرها عن أربع، وكلاهما لا يجوز وهكذا ان جئ بثانية بعد أن كبر الرابعة لم يجز أن يكبر عليها الخامسة لما بينا، فان أراد أهل الجنازة الأولى دفعها قبل سلام الامام لم يجز لأن السلام ركن لا تتم الصلاة إلا به إذا تقرر هذا فانه يقرأ في التكبيرة الخامسة الفاتحة ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في السادسة ويدعو للميت في السابعة ليكمل لجميع الجنائز القراءة والاذكار كما كمل لهن التكبيرات وذكر ابن عقيل وجها قال يحتمل أن يكبر ما زاد على الأربع متابعا كما قلنا في القضاء للمسبوق، والصحيح الأول لأن ما بعد الأول جنائز فاعتبر في الصلاة عليهن شروط الصلاة كالأولى * (مسألة) * (ومن فاته شئ من التكبير قضاه على صفته وقال الخرقي يقضيه متتابعاً) يستحب للمسبوق في صلاة الجنازة قضاء ما فاته منها وهذا قول سعيد بن المسيب وعطاء والنخعي والزهري وابن سيرين وقتادة ومالك والثوري والشافعي واسحق وأصحاب الرأي لقوله عليه السلام " فما أدركتم فصلوا " وفي لفظ " فأتموا " وقياساً على سائر الصلوات ويكون القضاء على صفة الأداء لما

ذكرنا، فعلى هذا إذا أدرك الإمام في الدعاء تابعه فيه فاذا سلم الامام كبر وقرأ الفاتحة ثم كبر وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ثم كبر وسلم وقال الشافعي متى دخل المسبوق في الصلاة ابتدأ الفاتحة ثم أتى بالصلاة في الثانية، ووجه الأولى أن المسبوق في سائر الصلوات يقرأ فيما يقضيه الفاتحة وسورة على صفة ما فاته فينبغي أن يأتي ها هنا بالقراءة على صفة ما فاته قياساً عليه. وقال الخرقي يقضيه متتابعاً وكذلك روي عن أحمد وحكاه عن ابراهيم قال يبادر بالتكبير متتابعاً، لما روى نافع عن ابن عمر أنه قال لا يقضى فان كبر متتابعاً فلا بأس ولم يعرف له مخالف في الصحابه فكان إجماعا وكذا قال إبن المنذر يقضيه متوالياً وقال القاضي وابو الخطاب: إن رفعت الجنازة قبل إتمام التكبير قضاه متوالياً وإن لم ترفع قضاه على صفته كما سبق. * (مسألة) * (فإن سلم ولم يقضه فعلى روايتين) إحداهما لا تصح وهو مذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي لما ذكرنا من الحديث والمعنى، والثانية تصح اختارها الخرقي لما ذكرنا من حديث ابن عمر. وقد روي عن عائشة أنها قالت: يا رسول الله إني أصلي على الجنازة ويخفى علي بعض التكبير؟ قال " ما سمعت فكبري، وما فاتك فلا قضاء عليك " وهذا صريح، ولأنها تكبيرات متواليات حال القيام فلم يجب قضاء ما فات منها كتكبيرات العيد. وحديثهم ورد في الصلوات الخمس بدليل قوله في صدر الحديث " فلا تأتوها وأنتم تسعون " وفي رواية سعى في جنازة سعد حتى سقط رداؤه عن منكبيه فعلم أنه لم يرد بالحديث هذه الصلاة، والقياس على سائر الصلوات لا يصح لأنه لا يقضى في شئ من الصلوات التكبير المنفرد ويبطل بتكبيرات العيد (فصل) إذا أدرك لامام بين تكبيرتين فعن أحمد أنه ينتظر الإمام حتى يكبر معه وهو قول أبي حنيفة والثوري وإسحق لأن التكبيرات كالركعات ثم لو فاتته ركعة لم يتشاغل بقضائها كذلك التكبيرة، والثانية يكبر ولا ينتظر وهو قول الشافعي لأنه في سائر الصلوات إذا أدرك الإمام كبر معه ولم ينتظر، وليس هذا اشتغالاً بقضاء ما فاته وإنما يصلي معه ما أدركه فيجزيه ذلك كالذي يتأخر عن تكبير الامام قليلا وعن مالك كالروايتين. قال إبن المنذر: سهل أحمد في القولين جميعاً ومتى أدرك الإمام في التكبيرة الأولى فكبر وشرع في القراءة ثم كبر الامام قبل أن يتمها فانه يكبر ويتابعه ويقطع القراءة كالمسبوق في بقية الصلوات اذا ركع الامام قبل إتمامه القراءة * (مسألة) * (ومن فاتته الصلاة على الجنازة صلى على القبر إلى شهر) من فاتته الصلاة على الجنازة فله أن يصلي عليها ما لم تدفن، فان دفنت فله أن يصلي على القبر إلى شهر، هذا قول أكثر أهل العلم، روي ذلك عن أبي موسى وابن عمر وعائشة رضي الله عنهم وهو مذهب الأوزاعي والشافعي. وقال النخعي والثوري ومالك وأبو حنيفة لا تعاد الصلاة على الميت

مسألة: ويصلى على الغائب بالنية فإن كان في أحد جانبي البلد لم تصح عليه بالنية في أصح الوجهين

إلا للولي إذا كان غائباً ولا يصلي على القبر إلا كذلك، ولو جاز ذلك لصلي على قبر النبي صلى الله عليه وسلم في جميع الأعصار ولنا ما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر رجلاً مات فقال " فدلوني على قبره " فأتى قبره فصلى عليه متفق عليه. وعن ابن عباس أنه مر مع النبي صلى الله عليه وسلم بقبر منبوذ فأمهم وصلوا خلفه قال أحمد ومن يشك في الصلاة على القبر يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم من ستة وجوه كلها حسان، ولأن غير الولي من أهل الصلاة فسنت له الصلاة كالولي وإنما لم يصل على قبر النبي صلى الله عليه وسلم لأنه لا يصلى على القبر بعد شهر (فصل) ولا يصلي على القبر بعد شهر ويصلى قبله وبهذا قال بعض أصحاب الشافعي. وقال بعضهم يصلى عليه أبداً واختاره ابن عقيل لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على شهداء أحد بعد ثماني سنين حديث صحيح. وقال بعضهم يصلى عليه ما لم يبل جسده، وقال أبو حنيفة يصلي عليه الولي خاصة الى ثلاث. وقال إسحق يصلي عليه الغائب الى شهر والحاضر الى ثلاث ولنا ما روى سعيد بن المسيب أن أم سعد ماتت والنبي صلى الله عليه وسلم غائب فلما قدم صلى عليها وقد مضى لذلك شهر. قال أحمد: أكثر ما سمعت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على أم سعد ابن عبادة بعد شهر، ولأنها مدة يغلب على الظن بقاء الميت أشبهت الثلاثة أو كالغائب، وتجويز الصلاة عليه مطلقاً باطل بأن قبر النبي صلى الله عليه وسلم لا يصلي عليه الآن إجماعاً، وكذلك التحديد ببلى الميت لكونه عليه السلام لا يبلى، فان قيل فالخبر دل على الصلاة بعد شهر فكيف منعتموه. قلنا تحديده بالشهر يدل على أن صلاته عليه الصلاة والسلام كانت عند رأس الشهر ليكون مقارباً للحد وتجوز الصلاة بعد الشهر قريباً منه لدلالة الخبر عليه، ولا يجوز بعد ذلك لعدم وروده فيه (فصل) ومن صلى عليها مرة فلا تسن له إعادة الصلاة عليها، وإذا صلى على الجنازة لم توضع لأحد يصلي عليها ويبادر بدفنها. قال القاضي إلا أن يرجى مجئ الولي فتؤخر إلا أن يخاف تغيره، وقال ابن عقيل لا ينتظر به أحداً لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في طلحة بن البراء " عجلوا به فإنه لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني أهله " وأما من أدرك الجنازة ممن لم يصل فله أن يصلي عليها فعله علي وأنس وسلمان بن ربيعة وأبو حمزة رضي الله عنهم (فصل) ويصلى على القبر وتعاد عليه الصلاة جماعة وفرادى نص عليهما أحمد. وقال وما بأس بذلك قد فعله عدة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي حديث ابن عباس قال: انتهى النبي صلى الله عليه وسلم الى قبر رطب فصفوا خلفه فكبر أربعاً. متفق عليه * (مسألة) * (ويصلى على الغائب بالنية فإن كان في أحد جانبي البلد لم تصح عليه بالنية في أصح الوجهين)

مسألة: ولا يصلى الإمام على الغال ولا من قتل نفسه

تجوز الصلاة على الغائب في بلد آخر بالنية بعيداً كان البلد أو قريباً، فيستقبل القبلة ويصلي عليه كصلاته على الحاضر، وسواء كان الميت في جهة القبلة أو لم يكن وبهذا قال الشافعي. وقال مالك وأبو حنيفة لا يجوز، وحكى ابن أبي موسى عن أحمد رواية كقولهما ليس من شرط الصلاة على الجنازة حضورها بدليل ما لو كان في البلد ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم نعى النجاشي صاحب الحبشة في اليوم الذي مات فيه وصلى بهم بالمصلى فكبر عليه أربعاً متفق عليه. فإن قيل فيحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم زويت له الأرض فأري الجنازة قلنا لم ينقل ذلك ولو كان لأخبر به ولنا الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ما لم يثبت ما يقتضي اختصاصه ولأن الميت مع البعد لا تجوز الصلاة عليه، وان رئي ثم لو اختصت الرؤية بالنبي صلى الله عليه وسلم لا اختصت الصلاة به وقد صف النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه فصلى بهم، فإن قيل لم يكن بالحبشة من يصلي عليه. قلنا ليس هذا مذهبكم فانكم لا تجيزون الصلاة على الغريق والأسير، وإن كان لم يصلى عليه ولأن هذا بعيد لأن النجاشي كان ملك الحبشة وقد أظهر اسلامه فيبعد أنه لم يوافقه أحد يصلي عليه (فصل) فإن كان الميت في أحد جانبي البلد لم يصل عليه من في الجانب الآخر في أصح الوجهين اختاره ابو حفص البرمكي لأنه يمكنه الحضور للصلاة عليه أو على قبره أشبه ما لو كانا في جانب واحد والثاني يجوز كما لو كان في بلد آخر. وقد روي عن ابن حامد أنه صلى على ميت مات في أحد جانبي بغداد وهو في الآخر * (فصل) * وتتوقت الصلاة على الغائب بشهر كالصلاة عى القبر لأنه لا يعلم بقؤه من غير تلاش أكثر من ذلك، فعلى هذا قال ابن عقيل في أكيل السبع والمحترق بالنار يحتمل أن لا يصلى عليه لذهابه، ويصلى على الغريق اذا غرق قبل الغسل كالغائب البعيد لأن الغسل تعذر لمانع أشبه الحي إذا غجز عن الغسل والتيمم صلى على حسب حاله * (مسألة) * (ولا يصلى الإمام على الغال ولا من قتل نفسه) الغال هو الذي يكتم غنيمته أو بعضها ليأخذها لنفسه ويختص بها فهذا لا يصلى عليه الامام ولا على قاتل نفسه عمداً ويصلي عليهما سائر الناس نص على هذا أحمد: وقال عمر بن عبد العزيز والاوزاعي لا يصلى على قاتل نفسه بحال لأن من لا يصلي عليه الامام لا يصلى عليه غيره كشهيد المعركة، وقال عطاء والنخعي والشافعي يصلي الامام وغيره على جميع المسلمين لقول النبي صلى الله عليه وسلم " صلوا على من قال لا إله إلا الله " رواه الحلال باسناده ولنا ما روى جابر بن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم جاؤه برجل قد قتل نفسه بمشاقص فلم يصل عليه

رواه مسلم. وروى أبو داود نحوه، وعن زيد بن خالد الجهني قال: توفي رجل من جهينة يوم خيبر فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " صلوا على صاحبكم " فتغيرت وجوه القوم، فلما رأى ما بهم قال " إن صاحبكم غل من الغنيمة " احتج به أحمد واختص الامتناع بالإمام لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما امتنع من الصلاة على الغال قال " صلوا على صاحبكم " وروي أنه أمر بالصلاة على قاتل نفسه، وكان صلى الله عليه وسلم هو الامام فألحق به من ساواه في ذلك، ولا يلزم من ترك صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ترك صلاة غيره فانه كان في بدء الاسلام لا يصلى على من عليه دين لا وفاء له ويأمرهم بالصلاة عليه، فإن قيل هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم لأن صلاته سكن. قلنا ما ثبت في حق النبي صلى الله عليه ثبت في حق غيره ما لم يقم على اختصاصه به دليل. فإن قيل فقد ترك النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة على من عليه دين. قلنا ثم صلى عليه بعد، فروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بالرجل المتوفى عليه الدين فيقول " هل ترك لدينه من وفاء " فإن حدث أنه ترك وفاء صلى عليه وإلا قال للمسلمين " صلوا على صاحبكم " فلما فتح الله الفتوح قام فقال " أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن توفي من المؤمنين وترك ديناً علي قضاؤه، ومن ترك مالاً فلورثته " قال الترمذي: هذا حديث صحيح. ولولا النسخ كان كمسئلتنا، وهذه الأحاديث خاصة فيجب تقديمها على قوله " صلوا على من قال لا إله إلا الله " * (فصل) * قال أحمد: لا أشهد الجهمية ولا الرافضة ويشهده من شاء، قد ترك النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة على أقل من ذا: الدين والغلول وقاتل نفسه، وقال: لا يصلى على الواقفي " وقال أبو بكر بن عياش: لا أصلي على رافضي ولا حروري. وقال الفريابي: من شتم أبا بكر فهو كافر لا يصلى عليه. قيل له فكيف تصنع به وهو يقول لا إله إلا الله؟ قال لا تمسوه بأيديكم ادفعوا بالخشب حتى تواروه. وقال أحمد: أهل البدع لا يعادون ان مرضوا، ولا تشهد جنائزهم ان ماتوا، وهو قول مالك. قال ابن عبد البر: وسائر العلماء يصلون على أهل البدع والخوارج وغيرهم لعموم قوله عليه السلام " صلوا على من قال لا إله إلا الله " ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك الصلاة بأدون من هذا فأولى أن تترك الصلاة به، وروى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إن لكل أمة مجوساً وإن مجوس أمتي الذين يقولون لا قدر، فإن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم " رواه الإمام أحمد * (فصل) * ولا يصلى على أطفال المشركين لأن لهم حكم آبانهم الامن حكمنا بإسلامه بأن يسلم أحد أبويه أو يموت أو يسبى منفرداً من أبويه أو من أحدهما فانه يصلى عليه، وقال أبو ثور فيمن سبي مع أحد أبويه لا يصلى عليه حتى يختار الاسلام ولنا أنه محكوم باسلامه أشبه من سبي منفرداً منهما

مسألة: وإن وجد بعض الميت غسل وصلي عليه وعنه لا يصلى على الجوارح

* (فصل) * ويصلى على سائر المسلمين أهل الكبائر والمرجوم في الزنا وغيرهم قال أحمد من استقبل قبلتنا وصلى صلاتنا نصلي عليه وندفنه ونصلي على ولد الزنا والزانية والذي يقاد منه في القصاص أو يقتل في حد. وسئل عمن لا يعطي زكاة ماله قال نصلي عليه ما نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك الصلاة على أحد إلا على قاتل نفسه والغال وهذا قول عطاء والنخعي والشافعي وأصحاب الرأي إلا أن أبا حنيفة قال لا يصلى على البغاة ولا على المحاربين لأنهم باينوا أهل الاسلام أشبهوا أهل دار الحرب وقال مالك لا يصلى على من قتل في حد لان أبا برزة الاسلمي قال لم يصل النبي صلى الله عليه وسلم على ماعز بن مالك ولم ينه عن الصلاة عليه، رواه أبو داود ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " صلوا على من قال لا إله إلا الله " رواه الخلال وروي عن أبي شميلة، أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى قباء فاستقبله رهط من الأنصار يحملون جنازة على باب فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما هذا؟ قالوا مملوك لآل فلان قال " أكان يشهد أن لا إله إلا الله " قالوا نعم ولكنه كان وكان فقال " أكان يصلي؟ " قالوا قد كان يصلي ويدع فقال لهم " ارجعوا به فغسلوه وكفنوه وصلوا عليه وادفنوه والذي نفسي بيده لقد كادت الملائكة تحول بيني وبينه " وأما أهل الحرب فلا يصلى عليهم لكفرهم لا تقبل فيهم شفاعة ولا يستجاب فيهم دعاء وقد نهينا عن الاستغفار لهم، وأما ترك الصلاة على ماعز فيحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك الصلاة عليه لعذر بدليل أنه صلى على الغامدية فقال له عمر ترجمها وتصلي عليها فقال " لقد تابت توبة لو قسمت على أهل المدينة لوسعتهم " كذلك رواه الأوزاعي وروى معمر وهشام أنه أمرهم بالصلاة عليها والله أعلم * (مسألة) * (وإن وجد بعض الميت غسل وصلي عليه وعنه لا يصلى على الجوارح) وهذا المشهور في المذهب وهو مذهب الشافعي وعنه لا يصلى على الجوارح نقلها عنه ابن منصور قال الخلال ولعله قول قديم لأبي عبد الله والأول الذي استقر عليه قوله. وقال أبو حنيفة ومالك ان وجد الأكثر صلى عليه وإلا فلا لأنه بعض لا يزيد على النصف فلم يصل عليه كالذي بان في حياة صاحبه والشعر والظفر. ولنا إجماع الصحابة رضي الله عنهم قال أحمد صلى أبو أيوب على رجل وصلى عمر على عظام بالشام وصلى أبو عبيدة على رءوس بالشام رواهما عبد الله بن أحمد بإسناده وقال الشافعي القى طائر يداً بمكة من وقعة الجمل عرفت بالخاتم وكانت يد عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد فصلى عليها أهل مكة وكان ذلك بمحضر من الصحابة ولم نعرف من الصحابة مخالفاً في ذلك ولأنه بعض من جملة تجب الصلاة عليها فيصلى عليه كالاكثر وفارق مابان في الحياة لأنه من جملة لا يصلى عليها والشعر والظفر لا حياة فيه

مسألة: وإن اختلط من يصلى عليه بمن لا يصلى عليه صلي على الجميع ينوي من يصلى عليه

* (فصل) * وإن وجد الجزء بعد دفن الميت غسل وصلي عليه ودفن إلى جانب القبر أو نبش بعض القبر ودفن فيه ولا حاجة الى كشف الميت لأن ضرر نبش الميت وكشفه أعظم من الضرر بتفرقة أجزائه. * (مسألة) * (وإن اختلط من يصلي عليه بمن لا يصلى عليه صلي على الجميع ينوي من يصلي عليه) قال أحمد ويجعلهم بينه وبين القبلة ثم يصلي عليهم، وهذا قول مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة إن كان المسلمون أكثر صلي عليهم وإلا فلا لأن الاعتبار بالأكثر بدليل أن دار المسلمين الظاهر فيها الاسلام لكثرة المسلمين بها وعكسها دار الحرب لكثرة الكفار بها ولنا أنه أمكن الصلاة على المسلمين من غير ضرر فوجب كما لو كانوا أكثر ولأنه إذا جاز أن يقصد بصلاته ودعائه الأكثر جاز أن يقصد الأقل ويبطل ما قالوه بما اذا اختلطت أخته باجنبيات أو ميتة بمذكيات فانه يثبت الحكم للأقل دون الأكثر * (فصل) * وإن وجد ميت فلم يعلم أمسلم هو أم كافر؟ نظر إلى العلامات من الختان والثياب والخضاب فإن لم يكن عليه علامة وكان في دار الإسلام غسل وصلي عليه، وإن كان في دار الكفر لم يغسل ولم يصل عليه، نص عليه أحمد لأن الأصل أن من كان في دار فهو من أهلها يثبت له حكمهم ما لم يقم على خلافه دليل. * (مسألة) * (ولا بأس بالصلاة على الميت في المسجد إذا لم يخف تلويثه) وبهذا قال الشافعي وإسحق وأبو ثور وداود وكره ذلك مالك وأبو حنيفة لأنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من صلى على جنازة في المسجد فلا شئ له " رواه أحمد في المسند ولنا ما روى مسلم وغيره عن عائشة رضي الله عنها قالت ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل بن ييضاء إلا في المسجد، وروي سعيد قال حدثنا عبد العزيز بن محمد عن هشام بن عروة عن أبيه قال صلى علي أبي بكر في المسجد وقال حدثنا مالك عن نافع عن ابن عمر قال صلى علي عمر بالمسجد وهذا كان بمحضر من الصحابة رضي الله عنهم فلم ينكر فكان إجماعاً ولأنها صلاة فلم يمنع منها في المسجد كسائر الصلوات وحديثهم يرويه صالح مولى التؤمة وقد قال فيه ابن عبد البر: من أهل العلم من لا يحتج بحديثه أصلاً لضعفه، ومنهم من يقبل منه ما رواه عن ابن أبي ذئب خاصة ثم يحمل على من خيف منه الانفجار وتلويث المسجد. * (فصل) * فأما الصلاة على الجنازة في المقبرة ففيها روايتان إحداهما لا باس بها لأن النبي صلى

مسألة: وإن لم يحضره إلا النساء صلين عليه

صلى الله عليه وسلم صلى على قبر وهو في المقبرة، وقال ابن المنذر ذكر نافع أنه صلى على عائشة وأم سلمة وسط قبور البقيع، صلي على عائشة أبو هريرة وحضر ذلك ابن عمر وفعله عمر بن عبد العزيز والرواية الثانية يكره، روى ذلك عن علي وعبد الله بن عمرو بن العاص وابن عباس وبه قال عطاء والنخعي والشافعي واسحق وابن المنذر لقول النبي صلى الله عليه وسلم " الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام " ولأنه ليس بموضع للصلاة غير صلاة الجنازة فكرهت فيه صلاة الجنازة كالحمام * (مسألة) * (وإن لم يحضره إلا النساء صلين عليه) لأن عائشة رضي الله عنها أمرت أن يؤتى بسعد بن أبي وقاص لتصلي عليه، ولأن الصلاة على الميت صلاة مشروعة فتشرع في حقهن كسائر الصلوات * (فصل في حمل الميت ودفنه) * * (مسألة) * (يستحب التربيع في حمله) ومعناه الخذ بقوائم السرير الأربع وهو سنة لقول ابن مسعود رضي الله عنه: إذا اتبع أحدكم جنازة فيأخذ بجوانب السرير الأربع ثم ليتطوع بعد أو ليذر فانه من السنة رواه سعيد في سننه وهذا يقتضي سنة النبي صلى الله عليه وسلم. * (مسألة) * قال (وهو أن يضع قائمة السرير اليسرى المقدمة على كتفه اليمنى ثم ينتقل إلى المؤخرة ثم يضع قائمته اليمنى المقدمة على كتفه اليسرى ثم ينتقل إلى المؤخرة) هذا صفة لتربيع في المشهور في المذهب اختاره الخرقي واليه ذهب أبو حنيفة والشافعي وعن أحمد أنه يدور عليها فيأخذ بعد ياسرة المؤخرة يامنة المؤخرة ثم المقدمة وهو مذهب إسحق، روى ذلك عن ابن مسعود وابن عمر وسعيد بن جبير وأيوب ولأنه أخف، ووجه الأول أنه أحد الجانبين فينبغي أن يبدأ فيه بمقدمه كالأول. * (مسألة) * (وإن حمل بين العمودين فحسن) حكاه ابن المنذر عن عثمان وسعد بن مالك وابن عمر وأبي هريرة وابن الزبير وقال به الشافعي وأحمد وأبو ثور وابن المنذر وكرهه النخعي والحسن وأبو حنيفة واسحق والصحيح الأول لأن الصحابة رضي الله عنهم فعلوه وفيهم أسوة حسنة وقال مالك ليس في حمل الميت توقيت يحمل من حيث شاء ونحوه قال الأوزاعي واتباع الصحابة رضي الله عنهم فيما فعلوه وقالوه أحسن * (مسألة) * (ويستحب الإسراع بها)

فصل في حمل الميت ودفنه، مسألة: يستحب التربيع في حمله

لا نعلم فيه خلافاً بين الأئمة رحمهم الله وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم " أسرعوا بالجنازة فإن تكن صالحة فخير تقدمونها إليه، وإن كانت غير ذلك فشر تضعونه عن رقابكم " متفق عليه واختلفوا في الاسراع المستحب فقال القاضي هو اسراع لا يخرج عن المشي المعتاد وهو قول الشافعي، وقال أصحاب الرأي يخب ويرمل، لما روى أبو داود عن عيبنة بن عبد الرحمن عن أبيه قال كنا في جنازة عثمان بن أبي العاص وكنا نمشي مشياً خفيفاً فلحقنا أبو بكر فرفع سوطه فقال لقد رأيثنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نرمل رملاً: ولنا ما روى أبو سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مر عليه بجنازة تمخض مخضاً فقال " عليكم بالقصد في جنائزكم " رواه الإمام أحمد في المسند ولأن الاسراف في الاسراع يمخضها ويؤذي حامليها ومتبعيها ولا يؤمن على الميت، وقال ابن عباس في جنازة ميمونة لا تزلزلوا وارفقوا فانها أمكم * (فصل) * واتباع الجنائز سنة لقول البراء أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم باتباع الجنائز متفق عليه واتباع الجنائز على ثلاثة أضرب أحدها، أن يصلي عليها ثم ينصرف قال زيد بن ثابت اذا صليت فقد قضيت الذي عليك، وقال أبو داود رأيت أحمد ما لا أحصي صلى على جنائز ولم يتبعها الى القبر

مسألة: قال: وهو أن يضع قائمة السرير اليسرى المقدمة على كتفه اليمنى

ولم يستأذن، الثاني أن يتبعها إلى القبر ثم يقف حتى تدفن لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " من شهد الجنازة حتى يصلي فله قيراط، ومن شهد حتى تدفن فله قيراطان - قيل وما القيراطان؟ قال مثل الجبلين العظيمين " متفق عليه. الثالث: أن يقف بعد الدفن فيستغفر له ويسأل الله له التثبيت ويدعو له بالرحمة فإنه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا دفن ميتاً وقف فقال " استغفروا الله (1) واسألوا الله له التثبيت فإنه الآن يسئل " رواه أبو داود، وروي عن ابن عمر أنه كان يقرأ عنده عند الدفن أول البقرة وخاتمتها ويستحب لمتبع الجنازة أن يكون متخشعاً متفكراً في حاله متعظاً بالموت وبما يصير اليه الميت، لا يتحدث بأحاديث الدنيا ولا يضحك، قال سعد بن معاذ ما تبعت جنازة فحدثت نفسي بغير ما هو مفعول بها ورأى بعض السلف رجلاً يضحك في جنازة فقال تضحك وأنت تتبع الجنازة لا كلمتك أبداً * (مسألة) * (ويستحب أن يكون المشاة أمامها والركبان خلفها) أكثر أهل العلم يرون الفضيلة للماشي أن يكون أمام الجنازة، روى ذلك عن ابي بكر وعمر وعثمان وابن عمر وأبي هريرة والحسن بن علي وابن الزبير وأبي قتادة وأبي أسيد وشريح والقاسم بن محمد وسالم والزهري ومالك والشافعي. وقال الأوزاعي وأصحاب الرأي المشي خلفها أفضل لما روى ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " الجنازة متبوعة ولا تتبع ليس منها من تقدمها " وقال علي رضي الله عنه: فضل الماشي خلف الجنازة على الماشي قدامها كفضل المكتوبة على التطوع سمعته من رسول

_ (1) كذا والرواية المشهورة " استغفروا لاخيكم " الخ

مسألة: وإن حمل بين العمودين فحسن

الله صلى الله عليه وسلم، ولأنها متبوعة فيجب أن تقدم كالأمام في الصلاة. ولهذا قال في الحديث الصحيح " من تبع جنازة " ولنا ما روى ابن عمر قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر يمشون أمام الجنازة، رواه أبو داود والترمذي وعن أنس نحوه رواه ابن ماجه قال إبن المنذر ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يمشون أمام الجنازة، وقال أبو صالح كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشون أمام الجنازة ولأنهم شفعاء له بدليل قوله عليه السلام " ما من ميت يصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة لهم يشفعون له إلا شفعوا فيه " رواه مسلم، والشفيع يتقدم المشفوع له، وحديث ابن مسعود يرويه أبو ماجد وهو مجهول، قيل ليحيى من أبو ماجد هذا؟ قال طائر طار قال الترمذي سمعت محمد بن اسماعيل يضعف هذا الحديث والحديث الآخر لم يذكره أصحاب السنن وقالوا هو ضعيف ثم نحمله على من تقدمها إلى موضع الصلاة أو الدفن ولم يكن معها وقياسهم يبطل بسنة الصبح والظهر فانها تابعة لهما وتتقدمهما في الوجود * (فصل) * ويكره الركوب في اتباع الجنائز لما روى ثوبان قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة فرأى ناساً ركباناً فقال " ألا تستحون أن ملائكة الله على أقدامهم وأنتم على ظهور الدواب " رواه الترمذي. فان ركب فالسنة أن يكون خلف الجنازة، قال الخطابي: في الراكب لا أعلمهم اختلفوا

في أنه يكون خلفها لقول النبي صلى الله عليه وسلم " الراكب يمشي خلف الجنازة والماشي يمشي خلفها وأمامها وعن يمينها وعن يسارها قريباً منها " رواره أبوداد والترمذي، ولفظه " الراكب خلف الجنازة والماشي حيث شاء منها. والطفل يصلى عليه " وقال هذا حديث صحيح ولأن سير الراكب أمامها يؤذي المشاة، فأما الركوب في الرجوع من الجنازة فلا بأس به. قال جابر بن سمرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أتبع جنازة ابن الدحداح ماشياً ورجع على فرس، قال الترمذي هذا حديث صحيح * (فصل) * ويكره رفع الصوت عند الجنائز لنهي النبي صلى الله عليه وسلم إن تتبع الجنائز بصوت، قال إبن المنذر: روينا عن قيس بن عباد أنه قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرهون رفع الصوت عند ثلاث: عند الجنائز، وعند الذكر، وعند القتال. وكره سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير والحسن والنخعي وإمامنا وإسحق قول القائل خلف الجنازة استغفروا له. قال الأوزاعي بدعة. وقال سعيد بن المسيب في مرضه إياي وحاديهم هذا الذي يحدو لهم يقول استغفروا له غفر الله لكم. وقال فضيل بن عمرو بينا ابن عمر في جنازة إذ سمع قائلاً يقول: استغفروا له غفر الله لكم. فقال ابن عمر لا غفر الله لك. رواهما سعيد. قال أحمد ولا يقول خلف الجنازة سلم رحمك الله فانه بدعة،

ولكن يقول بسم الله وعلى ملة رسول الله ويذكر الله اذا تناول السرير. ومس الجنازة بالأيدي أو الأكمام والمناديل محدث مكروه ولا يؤمن معه فساد الميت، وقد منع العلماء مس القبر فمس الجسد مع احتمال الأذى أولى بالمنع * (فصل) * ويكره اتباع الميت بنار، قال إبن المنذر: يكره ذلك كل من يحفظ عنه من أهل العلم روي عن ابن عمر وأبي هريرة وعبد الله بن مغفل ومعقل بن يسار وأبي سعيد وعائشة وسعيد بن المسيب أنهم وصوا أن لا يتبعوا بنار، وروى ابن ماجة أن أبا موسى حين حضره الموت قال: لا تتبعوني بمجمر. قالوا له أو سمعت فيه شيئاً؟ قال نعم. من رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى أبو داود بإسناده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا تتبع الجنازة بصوت ولا نار " فان دفن ليلاً فاحتاجوا الى ضوء فلا بأس به إنما كره المجامر فيها البخور، وفي حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دخل قبراً ليلاً فأسرج له سراج، قال الترمذي هذا حديث حسن * (فصل) * ويكره اتباع النساء الجنائز لما روي عن أم عطية قالت: نهينا عن إتباع الجنائز ولم يعزم علينا متفق عليه. كره ذلك ابن مسعود وابن عمر وأبو أمامة وعائشة ومسروق والحسن والنخعي والاوزاعي وإسحق. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج فإذا نسوة جلوس، قال " ما يجلسكن؟ " قلن ننتظر الجنازة. قال " هل تغسلن " قلن لا. قال " هل تحملن " قلن لا. قال " هل تدلين فيمن

يدلي " قلن: لا. قال " فارجعن مأزورات غير مأجورات " رواه ابن ماجه. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي فاطمة قال " ما أخرجك يا فاطمة من بيتك؟ " قالت يا رسول الله أتيت أهل هذا البيت فرحمت إليهم ميتهم أو عزيتهم به. قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم " فلعلك بلغت معهم الكدى " قالت معاذ الله وقد سمعتك تذكر فيها ما تذكر. قال " لو بلغت معهم الكدى " فذكر تشديدا رواه أبو داود * (فصل) * فإن كان مع الجنازة منكر يراه أو يسمعه، فإن قدر على انكاره وإزالته زاله، وإن لم

مسألة: ويستحب أن يكون المشاة أمامها والركبان خلفها

يقدر على إزالته ففيه وجهان: أحدهما ينكره ويتبعها فيسقط فرضه بالإنكار ولا يترك حقاً لباطل، (والثاني) يرجع لأنه يؤدي إلى استماع محظور ورؤيته مع قدرته على ترك ذلك

* (مسألة) * (ولا يجلس من تبعها حتى توضع) وممن رأى أن لا يجلس حتى توضع عن أعناق الرجال الحسن بن علي وابن عمر وأبو هريرة

وابن الزبير والنخعي والشعبي والاوزاعي واسحق، ووجه ذلك ما روى مسلم بإسناده عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا اتبعتم الجنازة فلا تجلسوا حتى توضع " وقال الشافعي

هذا منسوخ بقول علي قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قعد رواه مسلم. قال إسحق معنى قول علي: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى الجنازة قام ثم ترك ذلك بعد. وعلى هذا التفسير لا يصح

دعوى النسخ، وليس في اللفظ عموم فيعم الأمرين جميعاً فلم يجز النسخ بأمر محتمل ولأن قول علي قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قعد يدل على ابتداء فعل القيام، وها هنا إنما وجدت منه الاستدامة إذ ثبت هذا فأظهر الروايتين أنه أريد وضعها عن أعناق الرجال وهو قول من ذكرنا من قبل.

وقد روي الحديث " إذا اتبعتم الجنازة فلا تجلسوا حتى توضع بالأرض " ورواه أبو معاوية " حتى يوضع في اللحد " وحديث سفيان أصح.

وأما من تقدم الجنازة فلا بأس أن يجلس قبل أن تنتهي اليه. قال الترمذي: روى عن بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يتقدمون الجنازة فيجلسون قبل أن تنتهي اليهم، واذا جاءت وهو جالس لم يقم لها لما يأتي بعد

* (مسألة) * (وإن جاءت وهو جالس لم يقم لها لما ذكرنا من حديث علي وقد فسره اسحق بما حكينا) وقد روي عن أحمد أنه قال: ان قام لم أعبه وان قعد فلا بأس. وذكر ابن أبي موسى والقاضي

مسألة: ولا يجلس من تبعها حتى توضع

ان القيام مستحب لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا رأى أحدكم الجنازة فليقم حين يراها حتى تخلفه " رواه مسلم. وقد ذكرنا أن آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك القيام لها

والأخذ من آخر أمره أولى. وقد روي في حديث أن يهودياً رأى النبي صلى الله عليه وسلم قام للجنازة

مسألة: وإن جاءت وهو جالس لم يقم لها لما ذكرنا من حديث علي وقد فسره اسحق بما حكينا

فقال يا محمد: هكذا نصنع؟ فترك النبي صلى الله عليه وسلم القيام لها

مسألة: ويدخل قبره من عند رجل القبر ان كان أسهل عليهم

* (مسألة) * (ويدخل قبره من عند رجل القبر ان كان أسهل عليهم) المستحب أن يوضع رأس الميت عند رجل القبر ثم يسل سلا الى القبر روى ذلك عن ابن عمر وأنس وعبد الله بن يزيد الانصاري والنخعي والشعبي والشافعي. وقال أبو حنيفة توضع الجنازة على جانب القبر مما يلي القبلة ثم يدخل القبر معترضاً لأنه يروي عن علي رضي الله عنه، وقال النخعي حدثني من رأى أهل المدينة في الزمن الأول يدخلون موتاهم من قبل القبلة وان السل شئ أحدثه أهل المدينة ولنا أن الحارث أوصى أن يليه عند موته عبد الله بن يزيد الأنصاري فصلى عليه ثم دخل القبر فأدخله من رجلي القبر وقال هذه السنة وهذا يقتضي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه الإمام أحمد. وروى ابن عمر وابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم سل من قبل رأسه سلا، وما ذكر عن النخعي لا يصح لأن مذهبه بخلافه ولأنه لا يجوز على العدد الكثير أن يغيروا سنة إلا بسبب ظاهر أو سلطان قاهر ولم ينقل شئ من ذلك، ولو نقل فسنة النبي صلى الله عليه وسلم مقدمة على فعل أهل المدينة فأما إن كان أخذه من قبل القبلة أو من رأس القبر أسهل عليهم فلا حرج فيه لأن استحباب أخذه من عند رجل القبر إنما كان طلباً للأسهل. قال أحمد كل لا بأس به * (فصل) * قال أحمد يعمق القبر الى الصدر الرجل والمرأة في ذلك سواء. كان الحسن

وابن سيرين يستحبان ذلك، وروى سعيد بإسناده أن عمر بن عبد العزيز لما مات ابنه أمرهم أن يحفروا قبره الى السرة ولا يعمقوا، فان ما على ظهر الأرض أفضل مما سفل منها. وذكر أبو الخطاب أنه يستحب أن يعمق قدر قامة وبسطة وهو قول الشافعي لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " احفروا وأوسعوا وأعمقوا " رواه أبو داود ولأن ابن عمر أوصى بذلك. والمنصوص عن أحمد ما ذكرنا أولاً لأن التعميق قدر قامة وبسطة يشق ويخرج عن العادة وقوله صلى الله عليه وسلم " أعمقوا " ليس فيه بيان قدر التعميق ولم يصح ما رووه عن ابن عمر، ولو صح عند أحمد لم يعده إلى غيره. إذا ثبت هذا فانه يستحب تحسينه وتعميقه وتوسيعه للخبر. وقد روى زيد بن أسلم قال: وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبر فقال اصنعوا كذا اصنعوا كذا ثم قال: " ما بي أن يكون يغني عنه شيئاً، ولكن الله يحب إذا عمل العمل أن يحكم " قال معمر وبلغني أنه قال " ولكنه أطيب لأنفس أهله " رواه عبد الرزاق في كتاب الجنائز * (مسألة) * قال (ولا، يسجى القبر إلا أن يكون لامرأة) قال الشيخ رحمه الله لا نعلم في استحباب تغطية قبر المرأة خلافا بين أهل العلم، وقد روى ابن سيرين أن عمر قال يغطى قبر المرأة، ومن علي رضي الله عنه بقوم قد دفنوا ميتاً وبسطوا على قبره الثوب فجذبه وقال: انما يصنع هذا بالنساء ولأن المرأة عورة ولا يؤمن أن يبدو منها شئ فيراه الحاضرون فأما قبر للرجل فيكره ستره لما ذكرنا وكرهه عبد الله بن يزيد ولم يكرهه أصحاب الرأي وأبو ثور والأول أولى لأن فعل علي يدل على كراهته ولأن كشفه أمكن وأبعد من التشبه بالنساء مع ما فيه من اتباع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم

* (مسألة) * (ويلحد له لحداً وينصب عليه اللبن نصباً) لقول سعد بن أبي وقاص: ألحدوا لي لحداً وانصبوا علي اللبن نصباً كما صنع برسول الله صلى الله عليه وسلم رواه مسلم. ومعنى اللحد أنه إذا بلغ أرض القبر حفر فيه مما يلي القبلة مكاناً يوضع فيه الميت، فإن كانت الأرض رخوة جعل له شبه اللحد من الحجارة. قال أحمد ولا أحب الشق لما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " اللحد لنا والشق لغيرنا " رواه أبو داود والنسائي والترمذي وقال غريب، فإن عجز عن اللحد شق له في الارض، ومعنى الشق أن يحفر في أرض القبر شقاً يضع الميت فيه ويسقفه عليه بشئ

مسألة: قال: ولا يسجى القبر الا أن يكون لامرأة

* (مسألة) * (ولا يدخل القبر خشباً ولا شيئاً مسته النار) قال ابراهيم كانوا يستحبون اللبن ويكرهون الخشب، ولا يستحب الدفن في تابوت لأنه خشب ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه، وفيه تشبه بأهل الدنيا والأرض أنشف لفضلاته، ويكره الآجر وسائر ما مسته النار تفاؤلاً أن لا تمسه النار * (مسألة) * (ويقول الذي يدخله بسم الله وعلى ملة رسول الله) لما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أدخل الميت القبر قال " بسم الله وعلى ملة رسول الله " وروي " في سبيل الله وعلى سنة رسول الله " قال الترمذي هذا حديث حسن غريب. وروى ابن ماجة عن سعيد بن المسيب قال: حضرت ابن عمر في جنازة فلما وضعها في اللحد قال " بسم الله وعلى ملة رسول الله " فلما أخذ في تسوية اللبن على اللحد قال " اللهم أجرها من الشيطان ومن عذاب القبر، اللهم جافي الأرض عن جنبيها، وصعد روحها، ولقها منك رضوانا " قلت يا ابن عمر أشئ سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم أم قلته برأيك؟ قال إني إذا لقادر على القول بل سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم روي عن عمر أنه كان إذا سوى على الميت قال: الله اسلمه إليك الأهل والمال والعشيرة وذنبه عظيم وفاغفر له. رواه ابن المنذر

مسألة: ويلحد له لحدا وينصب عليه اللبن نصبا

* (فصل) * وإذا مات في سفينة في البحر فقال أحمد ينتظر به إن كانوا يرجون أن يجدوا له موضعاً يدفنونه حبسوه يوماً أو يومين ما لم يخافوا عليه، فإن لم يجدوا غسل وكفن وحنط ويصلى عليه ويثقل بشئ ويلقى في الماء. وهذا قول عطاء. قال الحسن: يترك في زنبيل ويلقى في البحر. وقال الشافعي يربط بين لوحين ليحمله البحر الى الساحل فربما وقع الى قوم يدفنونه، وإن ألقوه في البحر لم يأثموا، والأول أولى لأنه يحصل به الستر المقصود من دفنه، وإلقاؤه بين لوحين يعرض له التغير والهتك وربما بقي على الساحل مهتوكاً عرياناً وربما وقع الى قوم من المشريكين فكان ما ذكرنا أولى * (مسألة) * (ويضعه في لحده وعلى جنبه الأيمن مستقبل القبلة بوجهه) لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا نام أحدكم فليتوسد يمينه " ويستحب أن يضع تحت رأسه لبنة أو حجراً أو شيئاً مرتفعاً كما يصنع الحي وإن تركه فلا بأس لأن عمر رضي الله عنه قال: اذا جعلتموني في اللحد فافضوا بخدي الى الأرض. ويدنى من الحائط لئلا ينكب على وجهه، ويسند من ورائه بتراب لئلا ينقلب. قال احمد ما أحب أن يجعل في القبر مضربة ولا مخدة وقد جعل في قبر النبي صلى الله عليه وسلم قطيفة حمراء فان جعلوا قطيفة فلعلة، فإذا فرغوا نصبوا عليه للبن نصبا لما ذكرنا من حديث سعد ويسد عليه بالطين لئلا يصل اليه التراب وإن جعل مكان اللبن قصباً فحسن لأن الشعبي قال جعل على لحد النبي صلى الله عليه وسلم طن قصب. قال الخلال

مسألة: ويقول الذي يدخله بسم الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم

كان أبو عبد الله يميل الى اللبن ويختاره على القصب ثم ترك ذلك ومال الى استحباب القصب على اللبن وأما الخشب فكرهه على كل حال ورخص فيه الضرورة قال شيخنا: وأكثر الروايات عن أحمد استحباب اللبن وتقديمه على القصب لحديث سعد وقوله أولى من قول الشعبي لأن الشعبي لم ير ولم يحضر وكلاهما حسن. قال حنبل: قلت لأحمد فإن لم يكن لبن قال ينصب عليه القصب والحشيش وما أمكن من ذلك * (مسألة) * (ويحثو (1) التراب في القبر ثلاث حثيات ويهال عليه التراب) روي عن أبي عبد الله أنه حضر جنازة فلما ألقي عليها التراب قام إلى القبر فحثى عليه ثلاث حثيات ثم رجع إلى مكانه وقال: قد جاء عن علي وصح أنه حثى على قبر ابن المكفف وروي عنه أنه قال: إن فعل فحسن وإن لم يفعل فلا بأس، ووجه استحبابه ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة ثم أتى قبر الميت من قبل رأسه فحثى عليه ثلاثا أخرجه ابن ماجة. وعن جعفر بن محمد عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم حثى على الميت ثلاث حثيات بيديه جميعاً رواه الشافعي. وعن ابن عباس أنه لما

_ (1) ورد حثا يحثوا حثوا وحثى يحثي حثيا وهو أن ياخذه بيده ويرميه في القبر

دفن زيد بن ثابت حثي في قبره ثلاثا وقال هكذا يذهب العلم، فإذا فرغ من لحده أهال عليه التراب لأن دفنه واجب وذلك يحصل باهالة التراب عليه * (فصل) ويرفع القبر عن الأرض قدر شبر مسنماً. ويستحب رفع القبر عن الأرض ليعرف أنه قبر فيتوفى ويترحم على صاحبه. وقد روى الساجي عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع قبره عن الأرض قدر شبر، وروى القاسم بن محمد قال: قلت لعائشة يا أمه اكشفي لي عن قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه فكشفت لي عن ثلاثة قبور لا مشرفة ولا لاطئة مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء رواه أبو داود. ولا يستحب رفعه أكثر من ذلك لما ذكرنا ولقول النبي صلى الله عليه وسلم لعلي " لا تدع تمالا إلا طمسته، ولا قبراً مشرفاً إلا سويته " رواه مسلم وغيره، والمشرف ما رفع كثيراً بدليل قول القاسم في صفة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه لا مشرفة ولا لاطئة. ولا يستحب

رفع القبر بأكثر من ترابه نص عليه أحمد ورواه عن عقبة بن عامر. وروى الحلال باسناده عن جابر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يزاد على القبر على حفرته (فصل) وتسنيم القبر أفضل من تسطيحه وبه قال مالك وأبو حنيفة والثوري، وقال الشافعي تسطيحه أفضل، قال: وبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم سطح قبر ابنه ابراهيم. وعن القاسم قال: رأيت قبر النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر مسطح ولنا ما روى سفيان التمار قال: رأيت قبر النبي صلى الله عليه وسلم مسنماً رواه البخاري، وعن الحسن مثله ولأن التسطيح أشبه بأبنية أهل الدنيا وهو أشبه بشعار أ؟ ل البدع فكان مكروهاً وحديثنا أثبت من حديثهم وأصح فكان أولى * (مسألة) * (ويرش عليه الماء ليتلبد ترابه) قال أبو رافع: سل رسول الله صلى الله عليه وسلم سعداً ورش على قبر: ماء رواه ابن ماجه، وعن جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم رش على قبره ماء رواه الخلال

مسألة: ويضعه في لحده وعلى جنبه الأيمن مستقبل القبلة بوجهه

(فصل) ولا بأس بتعليم القبر بحجر أو خشبة يعرفه بها نص عليه أحمد لما روى أبو داود بإسناده عن عبد المطلب قال: لما مات عثمان بن مظعون أخرج بجنازة فدفن أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتيه بحجر فلم يستطع حمله، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فحسر عن ذراعيه ثم حملها فوضعها عند رأسه وقال " أعلم بها قبر أخي وأدفن إليه من مات من أهله " ورواه ابن ماجة عنه عليه السلام من رواية أنس (فصل) فأما التلقين بعد الدفن فقال شيخنا: فلم نسمع فيه عن احمد شيئاً، ولا أعلم فيه للأئمة قولاً سوى ما رواه الأثرم قال: قلت لأبي عبد الله فهذا الذي يصنعون اذا دفن الميت يقف الرجل فيقول يا فلان ابن فلان اذكر ما فارقت عليه: شهادة ان لا إله إلا الله؟ فقال ما رأيت أحداً فعل هذا إلا أهل الشام حين مات أبو المغيرة جاء انسان فقال ذلك. قال وكان أبو المغيرة يروي فيه عن أبي بكر بن أبي مريم عن أشياخهم أنهم كانوا يفعلونه. وقال القاضي وابو الخطاب يستحب ذلك ورويا فيه عن أبي أمامة الباهلي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إذا مات أحدكم فسويتم عليه التراب فليقم أحدكم

مسألة: ويحثو التراب في القبر ثلاث حثيات ويهال عليه التراب

عند رأس قبره ثم ليقل يا فلان بن فلانة؟ فإنه يسمع ولا يجيب، ثم ليقل يا فلان بن فلانة الثانية، فيستوي قاعداً، ثم ليقل يا فلان بن فلانة؟ فإنه يقول: أرشدنا يرحمك الله، ولكن لا تسمعون. فيقول اذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة ان لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وإنك رضيت بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد نبياً، وبالقرآن إماما. فإن منكراً ونكيراً يتأخر كل واحد منهما فيقول: انطلق فما يقعدنا عند هذا وقد لقن حجته. ويكون الله تعالى حجته دونهما " فقال رجل يا رسول الله فإن لم يعرف اسم أمه؟ قال " فلينسبه إلى حواء " رواه ابن شاهين باسناده في كتاب ذكر الموت * (مسألة) * (ولا بأس بتطيينه) وممن رخص في ذلك الحسن والشافعي، وروى أحمد بإسناده عن نافع قال: توفي ابن لعبد الله ابن عمر وهو غائب فقدم فسألنا عنه فدللناه عليه فكان يتعاهد القبر ويأمر بإصلاحه. وقال ابن عقيل روي عن جعفر بن محمد عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع قبره من الأرض شبراً، وطين بطين أحمر من العرصة، وجعل عليه من الحصباء. وان تركه كان حسناً لما روى الحسن عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يزال الميت يسمع الأذان ما لم يطين قبره " أو قال " ما لم يطو قبره "

* (مسألة) * (ويكره تجصيصه والبناء عليه والجلوس والوطئ عليه والاتكاء اليه والكتابة عليه) لما روى جابر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نجصص القبر وأن نبني عليه وأن نقعد عليه رواه مسلم والترمذي، وزاد وأن يكتب عليها وقال حديث حسن صحيح، ولأن ذلك من زينة الدنيا فلا حاجة بالميت اليه، وكره أحمد أن يضرب على القبر فسطاط لأن أبا هريرة أوصى حين حضره الموت أن لا تضربوا علي فسطاطاً، وروى أبو مرثد الغنوي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها " رواه مسلم. وقال الخطابي ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن توطأ القبور. قال: وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً قد اتكأ على قبر فقال " لا تؤذ صاحب القبر " وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس عى قبر مسلم " رواه مسلم. ويكره التغوط بين القبور لما روى عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لأن أطأ على جمرة أو سيف أحب إلي من أن أطأ على قبر مسلم، ولا أبالي أوسط القبور قضيت حاجتي أو وسط السوق " رواه الخلال وابن ماجة (فصل) ولا يجوز اتخاذ السرج على القبور لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لعن الله زوارات القبور والمتخذات عليها المساجد والسرج " رواه أبو داود والنسائي بمعناه، ولو أبيح لم يلعن النبي صلى الله عليه وسلم

من فعله، ولأن فيه تضييعاً للمال في غير فائدة، ولا يجوز اتخاذ المساجد على القبور لهذا الخبر ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لعن الله اليهود إتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " يحذر مثل ما صنعوا متفق عليه ولأن تخصيص القبور بالصلاة عندها يشبه تعظيم الأصنام بالسجود لها. وقد روي أن ابتداء عبادة الأصنام تعظيم الأموات باتخاذ صورهم ومسحها والصلاة عندها (فصل) ويستحب خلع النعال لمن دخل المقابر لما روى بشير بن الخصاصية قال: بينا أنا أماشي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رجل يمشي في القبور عليه نعلان فقال له " يا صاحب السبتيتين ألق سبتيتك " فنظر الرجل فلما عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم خلعها فرمى بهما رواه أبو داود. قال أحمد إسناده جيد اذهب الأمر عليه!! وأكثر أهل العلم لا يرون بذلك بأساً. قال جرير بن حازم: رأيت الحسن وابن سيرين يمشيان بين القبور بنعالهما. ومنهم من احتج بقول النبي صلى الله عليه وسلم في الميت اذا دفن وتولى عنه أصحابه أنه يسمع قرع نعالهم رواه البخاري. وقال الخطابي: يشبه أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم إنما كره للرجل المشي في نعليه لما فيه من الخيلاء فان نعال السبت من لباس أهل التنعم، قال عنترة * يحذى نعال السبت ليس بتوأم * ولنا أمره عليه السلام في الحديث المتقدم، وأدنى أحوال الأمر الندب، ولأن خلع النعلين أقرب الى الخشوع وزي أهل التواضع واحترام أموات المسلمين. وإخبار النبي صلى الله عليه وسلم إن الميت يسمع قرع نعالهم لا ينفي الكراهة إنما يدل على وقوع هذا منهم ولا نزاع فيه. فأما إن كان للماشي عذر يمنعه من الخلع من شوك يخاف منه على قدميه، أو نجاسة تمسهما لم يكره المشي فيهما لأن العذر يمنع الوجوب في بعض الأحوال فالاستحباب أولى، ولا يدخل في الاستحباب نزع الخفاف لأنه يشق

وقد روي عن أحمد أنه كان إذا أراد أن يخرج إلى الجنازة لبس خفيه مع أمره بخلع النعال، فأما غير النعال مما يلبس كالتمشكات وغيرها ففيه وجهان: أحدهما يخلع قياساً على النعال، والثاني ان الكراهة لا تتعدى النعال ذكره القاضي لأن النهي غير معلل فلا يتعدى محله (فصل) والدفن في مقابر المسلمين أعجب إلى أبي عبد الله من الدفن في البيوت لأنه أقل ضررا على الأحياء من الورثة، وأشبه بمساكن الآخرة، وأكثر للدعاء له والترحم عليه، ولم يزل الصحابة والتابعون ومن بعدهم يقبرون في الصحاري. فأما النبي صلى الله عليه وسلم فإنما قبر في بيته قالت عائشة: لئلا يتخذ قبره مسجداً رواه البخاري ولأنه صلى الله عليه وسلم كان يدفن أصحابه بالبقيع وفعله أولى من فعل غيره وانما أصحابه رأوا تخصيصه بذلك، ولأنه روي يدفن الانبياء حيث يموتون، وصيانة له عن كثرة الطراق، وتمييزاً له عن غيره صلى الله عليه وسلم (فصل) ويستحب الدفن في المقبرة التي يكثر فيها الصالحون لتناله بركتهم، وكذلك في البقاع الشريفة فقد روي في البخاري ومسلم إن موسى عليه السلام لما حضره الموت سأل الله تعالى أن يدنيه الى الأرض المقدسة رمية بحجر (فصل) وجمع الأقارب في الدفن حسن لقول النبي صلى الله عليه وسلم حين حضر عثمان بن مظعون " ادفن إليه من مات من أهله " ولأنه أسهل لزيارتهم وأكثر للترحم عليهم، ويسن تقديم الأب ثم من يليه في السن والفضيلة اذا أمكن (فصل) ويستحب دفن الشهيد حيث قتل. قال أحمد: أما القتلى فعلى حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ادفنوا القتلى في مصارعهم " وروى ابن ماجة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتلى أحد أن يردوا إلى مصارعهم ولا ينقل الميت من بلد إلى آخر إلا لغرض صحيح وهذا قول الأوزاعي وابن المنذر.

مسألة: ويرش عليه الماء ليتلبد وترابه

قال عبد الله بن أبي مليكة: توفي عبد الرحمن بن أبي بكر بالحبشة فحمل الى مكة فدفن، فلما قدمت عائشة أتت قبره ثم قالت: والله لو حضرتك ما دفنت الا حيث مت، ولو شهدتك ما زرتك، ولان ذلك أخف لمؤنته وأسلم له من التغيير، فأما إن كان فيه غرض صحيح جاز. قال احمد: ما أعلم بنقل الرجل يموت في بلدة الى بلدة أخرى بأساً. وسئل الزهري عن ذلك فقال: قد حمل سعد ابن أبي وقاص وسعيد بن زيد من العقيق الى المدينة. وقال ابن عيينة: مات ابن عمر هاهنا فأوصى أن لا يدفن هاهنا وأن يدفن بسرف (فصل) واذا تنازع اثنان من الورثة فقال أحدهما يدفن في المقبرة المسبلة وقال الآخر يدفن في ملكه دفن في المسبلة لأنه لامنة فيها وهو أقل ضرراً على الورثة، فإن تشاحا في الكفن قدم قول من قال نكفنه من ملكه لأن ضرره على الوارث بلحوق المنة وتكفينه من ماله قليل الضرر: وسئل أحمد عن الرجل يوصي أن يدفن في داره؟ قال: يدفن في المقابر مع المسلمين وان دفن بداره أضر بالورثة، وقال لا بأس ان يشتري الرجل موضع قبره ويوصي أن يدفن فيه، فعل ذلك عثمان وعائشة وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنهم، واذا تشاح اثنان في الدفن في المقبرة المسبلة قدم أسبقهما كما لو تنازعا في مقاعد الأسواق ورحاب المساجد، فان تساويا أقرع بينهما

(فصل) واذا تيقن أن الميت قد بلي وصار رميماً جاز نبش قبره ودفن غيره فيه، وإن شك في

مسألة: ولا بأس بتطيينه

ذلك رجع إلى قول أهل الخبرة، فإن حفر فوجد فيها عظاماً دفنها وحفر في مكان آخر نص عليه،

مسألة: ويكره تجصيصه والبناء عليه والجلوس والوطء عليه والاتكاء اليه والكتابة عليه

واستدل بأن كسر عظم الميت ككسره وهو حي. وسئل أحمد عن الميت يخرج من قبره الى غيره؟ فقال:

إذا كان شئ يؤذيه، قد حول طلحة وحولت عائشة. وسئل عن قوم دفنوا في بساتين ومواضع رديئة؟

فقال: قد نبش معاذ امرأته وقد كانت كفنت في خلقان فكفنها، ولم ير أبو عبد الله بأساً أن يحولوا

* (مسألة) * (ولا يدفن فيه إثنان إلا لضرورة ويقدم الأفضل إلى القبلة ويجعل بين كل إثنين حاجز من التراب)

لا يدفن في القبر أكثر من واحد إلا لضرورة. وسئل أحمد عن الاثنين والثلاثة يدفنون في

قبر واحد؟ قال أما في مصر فلا. ولكن في بلاد الروم تكثر القتلى وهذا قول الشافعي ولأن النبي

صلى الله عليه وسلم كان يدفن كل ميت في قبر ولأنه لا يتعذر في الغالب افراد كل واحد بقبر في المصر ويتعذر

ذلك غالباً في دار الحرب وفي موضع المعترك، فان وجدت الضرورة جاز دفن الاثنين والثلاثة سواء

كان في مصر أو غيره للحاجة، ومتى دفنوا في قبر واحد قدم الأفضل إلى القبلة ثم الذي يليه على

حسب تقديمهم الى الامام في الصلاة عليهم على ما ذكرنا لما روى هشام بن عامر قال: شكي إلى

مسألة: ولا يدفن فيه إثنان إلا لضرورة ويقدم الأفضل إلى القبلة ويجعل بين كل إثنين حاجز من التراب

رسول الله صلى الله عليه وسلم الجراحات يوم أحد فقال " احفروا وأوسعوا وأحسنوا وادفنوا الاثنين والثلاثة

في قبر واحد وقدموا أكثرهم قرآناً " رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح. وينبغي أن يجعل

مسألة: وإن وقع في القبر ما له قيمة نبش وأخذ

بين كل إثنين حاجز من تراب لأن الكفن حائل غير حصين، قال أحمد: ولو حفر لهم شبه النهر

مسألة: وإن كفن بثوب غصب أو بلغ مال غيره غرم ذلك من تركته، وقيل ينبش ويؤخذ الكفن ويشق جوفه فيخرج

وجعل رأس أحدهم عند رجل الآخر وجعل بينهما حاجزاً من تراب لم يكن به بأس

(فصل) فإن مات له أقارب بدأ بمن يخاف تغيره، فإن استووا في ذلك بدأ بأقربهم اليه على

ترتيب النفقات، فإن استووا في القرب قدم أسنهم وأفضلهم.

مسألة: وإن ماتت حامل لم يشق بطنها وتسطو عليه القوابل فيخرجنه

* (مسألة) * (وإن وقع في القبر ماله قيمة نبش وأخذ) قال أحمد إذا الحفار مسحاته في القبر جاز أن ينبش عنها. قيل فان أعطاه أولياء الميت؟ قال: إن أعطوه حقه أي شئ يريد؟ وقد روي أن المغيرة بن شعبة طرح خاتمه في قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال خاتمي. ففتح موضع منه فأخذ المغيرة خاتمه، وكان يقول أنا أقربكم عهداً برسول الله صلى الله عليه وسلم ولأنه أمكن رده إلى صاحبه من غير ضرر فوجب * (مسألة) * (وإن كفن بثوب غصب أو بلع مال غيره غرم ذلك من تركته، وقيل ينبش ويؤخذ الكفن ويشق جوفه فيخرج) إذا بلع الميت ما لا يخل من أن يكون له أو لغيره، فإن كان له لم يشق بطنه لأنه استهلكه في حياته، ويحتمل أنه إن كان كثير القبمة شق بطنه وأخرج لأن فيه حفظ المال عن الضياع ونفع الورثة الذين تعلق حقهم بماله في مرضه، وإن كان المال لغيره وابتلعه باذنه فهو كماله لأن صاحبه

أذن في إتلافه، وإن ابتلعه غصباً ففيه وجهان: أحدهما لا يشق بطنه ويغرم من تركته لما في ذلك من المثلة ولأنه إذا لم يشق بطن الحامل من أجل الولد المرجو حياته فمن أجل المال أولى. والثاني يشق ان كثرت قيمته لأن فيه دفع الضرر عن المالك برد ماله إليه، وعن الميت بابراء ذمته، وعن الورثة بحفظ التركة لهم. ويفارق الجنين من وجهين: أحدهما أنه لا يتحقق حياته، والثاني أنه ما حصل بجنايته، فإن لم يكن له تركة ولم يتبرع انسان بتخليص ذمته شق بطنه على كلا الوجهين. وعلى الوجه الأول اذا بلي جسده وغلب على الظن ظهور المال وتخليصه من أعضاء الميت جاز نبشه وإخراجه، لما روى أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " هذا قبر أبي رغال، وآية ذلك أن معه غصناً من ذهب إن أنتم نبشتم عنه أصبتموه معه " فابتدره الناس فاستخرجوا الغصن: ولو كان في أذن الميت حلق أو في اصبعه خاتم أخذ، فان صعب أخذه برد وأخذ لأن تركه تضييع للمال، وإن كفن بثوب مغصوب غرم قيمته من تركته ولا ينبش ذكره القاضي لما فيه من هتك حرمته مع إمكان دفع الضرر بدونها، ويحتمل أن ينبش إن كان الكفن باقيا بحاله ليرد الى مالكه عين ماله، وإن كان بالياً فقيمته في تركته، وان دفن في أرض غصب أو أرض مشتركة بينه وبين غيره بغير إذن الشريك نبش وأخرج لأن القبر في الأرض يدوم ضرره ويكثر بخلاف الكفن، وإن أذن المالك في الدفن في أرضه ثم أراد إخراجه لم يملك ذلك لأن في ذلك ضرراً، وإن بلي الميت وعاد تراباً فلصاحب الأرض أخذها، وكل موضع أخزنا نبشه لحرمة ملك الآدمي فالأفضل تركه (فصل) وإن دفن من غير غسل أو الى غير القبلة نبش وغسل ووجه إلا أن يخاف عليه أن يتفسخ فيترك، وهذا قول مالك والشافعي وأبي ثور. وقال أبو حنيفة لا ينبش لأن النبش مثلة وقد نهى عنها ولنا أن هذا واجب فلا يسقط بذلك كاخراج ماله قيمة وقولهم ان النبش مثلة قلنا إنما هو مثله في حق من تغير وهو لا ينبش (فصل) وإن دفن قبل الصلاة عليه، فروي عن أحمد أنه ينبش ويصلى عليه، وعنه إن صلي على القبر

جاز. واختار القاضي أنه يصلى على القبر ولا ينبش وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قبر المسكينة ولم ينبشها ولنا انه دفن قبل واجب أشبه ما لو دفن من غير غسل، وانما يصلى على القبر عند الضرورة. وأما المسكينة فقد كان صلي عليها فلم تبق الصلاة عليها واجبة فلذلك لم تنبش، فان تغير الميت لم ينبش بحال (فصل) وإن دفن بغير كفن ففيه وجهان: أحدهما يترك لأن القصد بالكفن ستره وقد حصل بالتراب، والثاني ينبش ويكفن لأن التكفين واجب فأشبه الغسل والله أعلم (فصل) ولا يجوز الدفن في الساعات التي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الدفن فيها في حديث عقبة بن

مسألة: ولا تكره القراءة على القبر في أصح الروايتين

عامر وهو قوله: ثلاث ساعات كان النبي صلى الله عليه وسلم ينهانا عن الصلاة فيهن وأن نقبر فيهن موتانا " حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة، وحين تتضيف الشمس للغروب حتى تغرب " رواه مسلم، ومعنى تتضيف أي تجنح وتميل للغروب، من قولك تصيفت فلانا اذا ملت اليه. فأما في غير هذه الأوقات فيجوز الدفن ليلاً ونهاراً. قال أحمد في الدفن بالليل وما بأس بذلك، أبو بكر

دفن ليلاً، وعلي دفن فاطمة ليلا. وحديث عائشة: كنا سمعنا صوت المساحي من آخر الليل في دفن النبي صلى الله عليه وسلم، ودفن عثمان وعائشة ليلا وهذا قول عقبة بن عامر وسعيد بن المسبب وعطاء والثوري والشافعي وإسحق، وعنه انه يكره وهو قول الحسن لما روى ملسم أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر رجلاً من أصحابه قبض فكفن في كفن غير طائل ودفن ليلا فزجر النبي صلى الله عليه وسلم إن يقبر الرجل بالليل إلا أن يضطر انسان الى ذلك. ووجه الأول ما ذكرنا من فعل الصحابة، وروى ابن مسعود قال: والله لكأني أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك وهو في قبر ذي البجادين وأبو بكر وعمر وهو يقول

مسألة: وأي قربة فعلها وجعل ثوابها للميت المسلم نفعه ذلك

" ادنيا مني أخاكما حتى اسنده في لحده " ثم قال لما فرغ من دفنه وقام على قبره مستقبل القبلة " اللهم إني أمسيت عنه راضياً فارض عنه " وكان ذلك ليلا قال: فوالله لقد رأيتني ولوددت أني مكانه، ولقد أسلمت قبله بخمس عشرة سنة، وأخذه من قبل القبلة، رواه الخلال في جامعه. وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل قبراً ليلاً فأسرج له سراج فأخذ من قبل القبلة وقال " رحمك الله إن كنت لأواها تلاء للقرآن " قال الترمذي حديث حسن ولأنه أحد الزمانين فجاز الدفن فيه كالنهار.

وحديثهم محمول على التأديب، والدفن بالنهار أولى لأنه أسهل على متبعها وأكثر للمصلين عليها وأمكن لاتباع السنة في دفنه وإلجاده * (مسألة) * (وإن ماتت حامل لم يشق بطنها وتسطو عليه القوابل فيخرجنه) اذا ماتت حامل وفي بطنها ولد يتحرك وترجى حياته لم يشق بطنها مسلمة كانت أو ذمية، ويدخل القوابل أيدبهن في فرجها فيخرجن الولد من مخرجه، فإن لم يوجد نساء لم يسطوا الرجال

عليه لما فيه من هتك الميتة وتترك حتى يتيقن موته، ومذهب مالك وأسحق نحو هذا، ويحتمل أن يشق بطنها اذا غلب على الظن انه يحيا وهو مذهب الشافعي لأنه اتلاف جزء من الميت لإبقاء حي فجاز كما لو خرج بعضه حياً ولم يمكن خروج باقيه الا بالشق ولأنه يشق لاخراج المال فابقاء الحي أولى ولنا أن هذا الولد لا يعيش عادة ولا يتحقق انه يحيا فلا يجوز هتك حرمة متيقنة لأمر موهوم وقد قال عليه السلام " كسر عظم الميت ككسر عظم الحي " رواه أبو داود، وفيه مثلة وقد نهى

النبي صلى الله عليه وسلم عن المثلة، وفارق الأصل فان حياته متيقنة وبقاؤه مظنون. فعلى هذا إن خرج بعض الولد حياً ولم يمكن اخراجه الا بالشق شق المحل وأخرج لما ذكرنا، وإن مات على حاله فأمكن اخراجه أخرج وغسل، وان تعذر خروجه غسل ما ظهر من الولد وما بقي ففي حكم الباطن لا يحتاج

مسألة: ويستحب أن يصلح لأهل الميت طعاما يبعث إليهم ولا يصلحون هم طعاما للناس

الى تيمم لأن الجميع كان في حكم الباطن وظهر البعض فتعلق الحكم به وما بقي فهو على ما كان عليه، ذكره ابن عقيل وقال: هي حادثة سئلت عنها (فصل) وإن ماتت ذمية حامل من مسلم دفنت وحدها وتجعل ظهرها الى القبلة. وانما اختار أحمد ذلك لأنها كافرة فلا تدفن في مقبرة المسلمين وولدها محكوم بإسلامه فلا يدفن بين الكفار مع

ان؟ لك روي عن واثلة بن الاسقع وعن عمر انها تدفن في مقابر المسلمين. قال إبن المنذر: لا يثبت ذلك، قال أصحابنا ويجعل ظهرها الى القبلة على جانبها الأيسر ليكون وجه الجنين إلى القبلة على جانبه الايمن لان وجه الجنين الى ظهرها * (مسألة) * (ولا تكره القراءة على القبر في أصح الروايتين) هذا هو المشهور عن أحمد فإنه روي عنه أنه قال: إذا دخلتم المقابر اقرأ آية الكرسي وثلاث مرار قل هو الله أحد ثم قل اللهم إن فضله لاهل المقابر، وروي عنه أنه قال: القراءة عند القبر بدعة، وروي ذلك عن هشيم. قال أبو بكر نقل ذلك عن أحمد جماعة ثم رجع رجوعاً أبان به عن نفسه. فروي جماعة أن أحمد نهى ضريراً يقرأ عند القبر وقال له: القراءة عند القبر بدعة. فقال له محمد

مسألة: ويقول إذا زارها أو مر بها

ابن قدامة الجوهري: يا أبا عبد الله ما تقول في مبشر الحلبي؟ قال ثقة. قال فأخبرني مبشر عن أبيه أنه أوصى اذا دفن أن يقرأ عنده بفاتحة البقرة وخاتمتها. وقال سمعت ابن عمر يوصي بذلك؟ فقال أحمد بن حنبل: فارجع فقل للرجل يقرأ. وقال الخلال: حدثني أبو علي الحسن بن الهيثم البزار شيخنا الثقة المأمون قال: رأيت أحمد بن جنبل يصلي خلف ضريراً يقرأ على القبور، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من زار قبر والديه أو أحدهما فقرأ عنده أو عندهما (يس) غفر له " وروي عنه عليه السلام أنه قال " من دخل المقابر فقرأ سورة (يس) خفف عنهم يومئذ وكان له بعدد من فيها حسنات * (مسألة) * (وأي قربة فعلها وجعل ثوابها للميت المسلم نفعه ذلك) أما الدعاء والاستغفار والصدقة وقضاء الدين وأداء الواجبات فلا نعلم فيه خلافاً اذا كانت الواجبات مما يدخله النيابة قال الله تعالى (والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان) وقال سبحانه (واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات) ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم لأبي سلمة حين مات وللميت الذي صلي عليه ولذي النجادين حين دفنه، وشرع الله تعالى ذلك لكل من صلى علي ميت. وسأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله، إن أمي ماتت أينفعها إن تصدقت عنها؟ قال " نعم " رواه أبو داود. وجاءت امرأة النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن فريضة الله في الحج ادركت أبي شيخاً كبيراً لا يستطيع أن يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال " أرأيت لو كان على أبيك دين أكنت قاضيته " قالت نعم. قال " فدين الله أحق أن تقضي " وقال في الذي سأله إن أمي ماتت وعليها صوم شهر أفأصوم عنها؟ قال " نعم " وكلها أحاديث صحاح وفيها دلالة على انتفاع الميت بسائر القرب لأن الصوم والحج والدعاء والاستغفار كلها عبادات بدنية وقد أوصل الله نفعها الى الميت فكذلك ما سواها مع ما ذكرنا من الحديث في ثواب من قرأ (يس) وتخفيف الله عزوجل عن أهل المقابر بقراءته، ولانه عمل بر وطاعة فوصل نفعه وثوابه كالصدقة والصيام والحج الواجب. وقال الشافعي ما عدا الواجبات والصدقة والدعاء والاستغفار لا يفعل عن

الميت ولا يصل ثوابه اليه لقول الله تعالى (وإن ليس للإنسان إلا ما سعى) وقول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به من بعده، أو ولد صالح يدعو له " ولأن نفعه لا يتعدى فاعله يتعداه فلا ثوابه. وقال بعضهم إذا قرئ القرآن عند الميت أو أهدى اليه ثوابه كان الثواب لقارئه ويكون الميت كأنه حاضرها فترجى له الرحمة ولنا ما ذكرناه وانه اجماع المسلمين فانهم في كل عصر ومصر يجتمعون ويقرأون القرآن ويهدون ثوابه الى موتاهم من غير نكير، ولان الحديث صح عن النبي صلى الله عليه وسلم " إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه " والله أكرم من أن يوصل عقوبة المعصية اليه ويحجب عنه المثوبة، والآية مخصوصة بما سلموه فيقاس عليه ما اختلفنا فيه لكونه في معناه ولا حجة لهم في الخبر الذي احتجوا به لانه انما دل على انقطاع عمله، وليس هذا من عمله فلا دلالة عليه فيه، ولو دل عليه كان مخصوصا بما سلموه فيتعدى الى ما منعوه، وما ذكروه من المعنى غير صحيح، فإن تعدي الثواب ليس بفرع لتعدي النفع ثم هو باطل بالصوم والدعاء والحج وليس له أصل يعتبر به والله أعلم (1) * (مسألة) * (ويستحب أن يصلح لأهل الميت طعاماً يبعث إليهم ولا يصلحون هم طعاماً للناس) لما روى عبد الله بن جعفر قال: لما جاء نعي جعفر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اصنعوا لآل جعفر طعاما فقد جاءهم أمر شغلهم " رواه أبو داود. ويروى عن عبد الله بن أبي بكر أنه قال: فما زالت السنة فينا حتى تركها، من تركها ولأن أهل الميت ربما اشتغلوا بمصيبتهم وبمن يأتي اليهم عن اصلاح طعام لهم ولأن فيه جبراً لقلوبهم. فأما لصلاح أهل الميت طعاما للناس فمكروه لأنه زيادة على مصيبتهم وشغلا لهم الى شغلهم، وتشبيهاً بصنيع أهل الجاهلية، وقد روي أن جريراً وفد على عمر فقال: هل يناح على ميتكم قال لا. قال فهل يجتمعون عند أهل الميت ويجعلون الطعام؟ قال نعم. قال ذلك النوح. وإن دعت الحالة إلى ذلك جاز فانه ربما جاءهم من يحضر ميتهم من أهل القرى البعيدة ويبيت عندهم فلا يمكنهم إلا أن يطعموه (فصل) (ويستحب للرجال زيارة القبور، وهل يكره للنساء على روايتين) لا نعلم خلافاً بين أهل العلم في استحباب زيارة الرجال القبور. قال علي بن سعيد قلت لأحمد

مسألة: ويقول في تعزية الكافر بالمسلم أحسن الله عزاك وغفر لميتك

زيارة القبور أفضل أم تركها؟ قال: زيارتها. وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكر الموت " وللترمذي " فإنها تذكر الآخرة " فأما زيارة القبور للنساء ففيها روايتان (إحداهما) الكراهة لما روت ام عطية قالت: نهينا عن زيارة القبور ولم يعزم علينا. متفق عليه، ولقول النبي صلى الله عيله وسلم " لعن الله زائرات القبور " قال الترمذي حديث صحيح. وهذا خاص في النساء، والنهي المنسوخ كان عاما للرجال والنساء، ويحتمل أنه كان خاصا للرجال. ويحتمل كون الخبر في لعن زوارات القبور بعد أمر الرجال بزيارتها فقد دار بين الحظر والاباحة فأقل أحواله الكراهة، ولأن المرأة قليلة الصبر كثيرة الجزع وفي زيارتها للقبر تهييج للحزن وتجديد لذكر مصابها فلا يؤمن أن يفضي بها ذلك إلى فعل ما لا يحل - بخلاف الرجل - ولهذا اختصصن بالنوح والتعديد وخصصن بالنهي عن الحلق والصلق ونحوهما. (والرواية الثانية) لا يكره لعموم قوله عليه السلام " كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها " وهو يدل على سبق النهي ونسخه فيدخل فيها الرجال والنساء، وروى ابن أبي مليكة عن عائشة أنها زارت قبر أخيها فقال لها قد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن زيارة القبور، قالت نعم قد نهى ثم أمر بزيارتها، وروى الترمذي ان عائشة زارت قبر أخيها، وروي عنها أنها قالت لو شهدته ما زرته (مسألة) ويقول إذا زارها أو مر بها ما روى مسلم عن بريدة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر فكان قائلهم يقول: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية. وفي حديث عائشة: ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين. وفي حديث آخر: اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم - وان زاد - اللهم اغفر لنا ولهم - كان حسناً. (مسألة) (ويستحب تعزية أهل الميت) لا نعلم فيه خلافاً، وسواء في ذلك قبل الدفن وبعده إلا أن الثوري قال: لا يستحب بعد الدفن لانه خاتمة أمره ولنا قوله عليه السلام " من عزى مصابا فله مثل أجره " قال الترمذي حديث غريب وروى ابن ماجة بإسناده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " ما من مؤمن يعزي أخاه بمصيبة إلا كساه الله من حلل الكرامة يوم القيامة، والمقصود بالتعزية تسلية أهل المصيبة وقضاء حقوقهم وسواء في ذلك

مسألة: ويجوز البكاء على الميت وان يجعل المصاب على رأسه ثوبا ليعرف به ليعزى

قبل الدفن وبعده، ويستحب تعزية كل أهل المصيبة كبارهم وصغارهم ويبدأ بخيارهم والمنظور إليه منهم ليستن به غيره، وذا الضعف منهم عن تحمل المصيبة لحاجته اليها، ولا يعزي الرجل الاجنبي شواب النساء مخافة الفتنة (فصل) ويكره الجلوس لها، وذكره أبو الخطاب لأنه محدث، وقال ابن عقيل: يكره الاجتماع بعد خروج الروح لان فيه تهييجا للحزن، وقال أحمد اكره التعزية عند القبر إلا لمن لم يعز فيعزي اذا دفن الميت أو قبله، وقال: ان شئت أخذت بيد الرجل في التعزية وان شئت فلا. واذا رأى الرجل قد شق ثوبه على المصيبة عزا ولم يترك حقاً لباطل وان نهاه فحسن ويقول في تعزية المسلم بالمسلم: عظم الله أجرك، وأحسن عزاءك ورحم ميتك. هكذا ذكره بعض أصحابنا، قال شيخنا ولا أعلم في التعزية شيئاً محدوداً إلا أنه يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم عزى رجلاً فقال " رحمك الله وآجرك " رواه الإمام أحمد، وعزى أحمد أبا طالب فوقف على باب المسجد فقال: أعظم الله أجركم وأحسن عزاءكم. واستحب بعض أهل العلم أن يقول ما روى جعفر بن محمد عن أبيه عن جده قال لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاءت التعزية سمعوا قائلا يقول: ان في الله عزاء من كل مصيبة، وخلفا من كل هالك، ودركا من كل ما فات فبالله فثقوا، وإياه فارجو فان المصاب من حرم الثواب. رواه الشافعي في مسنده. وان عزى مسلما بكافر قال أعظم الله أجرك وأحسن عزاءك (مسألة) ويقول في تعزية الكافر بالمسلم أحسن الله عزاك، وغفر لميتك، وفي تعزيته عن كافر: أخلف الله عليك ولا نقص عددك. توقف أحمد عن تعزية أهل الذمة وهي تخرج على عيادتهم وفيها روايتان (إحداهما) لا نعودهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا تبدؤوهم بالسلام " وهذا في معناه (والثانية) نعودهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم أتى غلاماً من اليهود كان مرض يعوده فقعد عند رأسه فقال له " أسلم " فنظر إلى أبيه وهو عند رأسه فقال أطع أبا القاسم فأسلم فقام النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول " الحمد لله الذي أنقذه بي من النار " رواه البخاري، فعلى هذا يعزيهم ويقول ما ذكرنا، ويقصد بقوله لا نقص عددك زيادة عددهم لتكثر جزيتهم، وقال أبو عبد الله بن بطة: يقول أعطاك الله على مصيبتك أفضل ما أعطى احدا من أهل دينك

مسألة: ولا يجوز الندب ولا النياحة ولا شق الثياب ولطم الخدود وما أشبه ذلك

(فصل) فأما الرد من المعزي فروي عن أحمد بن الحسن قال سمعت أبا عبد الله وهو يعزي في عبثر بن عمه وهو يقول استجاب الله دعاك ورحمنا وإياك (مسألة) ويجوز البكاء على الميت وان يجعل المصاب على رأسه ثوبا ليعرف به ليعزى، البكاء بمجرده لا يكره في حال، وقال الشافعي يباح قبل الموت ويكره بعده لما روى عبد الله بن عتيك قال: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عبد الله بن ثابت يعوده فوجده قد غلب فصاح به فلم بجبه فاسترجع وقال " غلبنا عليك يا أبا الربيع " فصاح النسوة وبكين فجعل ابن عتيك يسكتهن فقال النبي صلى الله عليه وسلم " دعهن فإذا وجب فلا تبكين باكية " يعني إذا مات ولنا ما روى أنس قال شهدنا بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على القبر فرأيت عينيه تدمعان، وقبل النبي صلى الله عليه وسلم عثمان بن مظعون وهو ميت وعيناه تهراقان، وقالت عائشة دخل أبو بكر فكشف عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبله ثم بكى، وكلها أحاديث صحاح وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على سعد بن عبادة وهو في غاشيته فبكى وبكى أصحابه وقال " ألا تسمعون أن الله لا يعذب بدمع العين ولا يحزن القلب ولكن يعذب بهذا - وأشار إلى لسانه - أو يرحم " متفق عليه، وحديثهم محمول على رفع الصوت والندب وشبهها بدليل ما روى جابر أن النبي أخذ ابنه فوضعه في حجره فبكى فقال له عبد الرحمن بن عوف أتبكي؟ أو لم تكن نهيت عن البكاء؟ قال " لا ولكن نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين، صوت عند مصيبة وخمش وجوه وشق جيوب ورنة شيطان " حديث حسن وهذا يدل على أنه لم ينه عن مطلق البكاء انما نهى عنه موصوفا بهذه الصفات. وقال: عمر ما على نساء بني المغيرة أن يبكين على أبي سليمان ما لم يكن نقع أو لقلقة اللقلقة رفع الصوت والنقع التراب

(مسألة) ولا يجوز الندب ولا النياحة ولا شق الثياب ولطم الخدود وما أشبه ذلك الندب هو تعداد محاسن الميت وما يلقون بعده بلفظ الندبة كقولهم وارجلاه واجبلاه وانقطاع ظهراه، فهذا وأشباهه من النوح وشق الجيوب ولطم الخدود والدعاء بالويل والثبور ونحوه لا يجوز، وقال بعض أصحابنا هو مكروه، ونقل حرب عن أحمد كلاماً يحتمل إباحة النوح والندب، واختاره الخلال وصاحبه لأن واثلة بن الاسقع وأبا وائل كانا يستمعان النوح ويبكيان، وقال أحمد: إذا ذكرت المرأة مثل ما حكي عن فاطمة في مثل الدعاء لا يكون مثل النوح، يعني لا بأس به، وروي عن فاطمة أنها قالت: يا أبتاه، من ربه ما ادناه، إلى جبريل انعاه، يا أبتاه، أجاب ربا دعاه، وروي عن علي عن فاطمة رضي الله عنهما انها أخذت قبضة من تراب قبر النبي صلى الله عليه وسلم فوضعتها على عينها ثم قالت ماذا على مشتم تربة أحمد * أن لا يشم مدى الزمان غواليا صبت علي مصائب لو أنها * صبت على الأيام عدن لياليا ووجه الأولى أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنها في حديث جابر الذي ذكرناه، وقال الله تعالى (ولا يعصينك في معروف) قال أحمد هو النوح، ولعن رسول الله صلى اله عليه وسلم النائحة والمستمعة وقالت أم عطية: أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم عند البيعة أن لا ننوح. متفق عليه وعن أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم برئ من الحالقة والصالقة والشاقة. الصالقة التي ترفع صوتها، وعن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ليس منا من لطم الخدود، وشق الجيوب ودعى بدعوى الجاهلية " متفق عليهما. ولأن ذلك يشبه التظلم والاستغاثة والتسخط بقضاء الله، ولان شق الجيوب افساد المال بغير الحاجة (فصل) وينبغي للمصاب أن يستعين بالله، ويتعزى بعزائه، ويمتثل أمره في الاستعانة بالصبر والصلاة، ويستنجز ما وعد الله الصابرين، قال الله تعالى (وبشر الصابرين) الآيتين ويسترجع

ويقول اللهم أجرني في مصيبتي، واخلف لي خيراً منها. لقول أم سلمة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي، واخلف لي خيرا منها، إلا آجره الله في مصيبته، وأخلف له خيراً منها " قلت: فلما مات أبو سلمة قلت كما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخلف الله لي خيراً منه رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه مسلم. وليحذر أن يتكلم بشئ يحبط أجره، ويسخط ربه مما يشبه التظلم والاستغاثة فان الله عدل لا يجور، له ما أخذ وله ما أعطى، ولا يدعو على نفسه فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لما مات أبو سلمة " لا تدعو على أنفسكم فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون " ويحتسب ثواب الله تعالى وبحمده، لما روى أبو موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا مات ولد العبد قال الله تعالى لملائكته قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون نعم. فيقولون: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون نعم. فيقول. ماذا قال عبدي؟ فيقولون حمدك واسترجع. فيقول: ابنوا لعبدي بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد " حديث حسن غريب (فصل) وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " إن الميت يعذب في قبره بما يناح عليه " وفي لفظ إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه " متفق عليهما. واختلف أهل العلم في معنى الحديث فحمله قوم على ظاهره وقالوا. ينصرف الله سبحانه في خلقه بما يشاء، وأيدوا ذلك بما روى أبو موسى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ما من ميت يموت فيقوم باكيهم فيقول: واجبلاه، واسيداه، ونحو ذلك إلا وكل الله به ملكين يلهزانه أهكذا كنت؟ " حديث حسن. وروي النعمان بن بشير قال: أغمي علي عبد الله بن رواحة فجعلت أخته عمرة تبكي واجبلاه، واكذا واكذا تعدد عليه. فقال حين أفاق ما قلت شيئاً إلا قيل أنت كذاك. فلما مات لم تبك عليه أخرجه البخاري. وأنكرت عائشة رضي الله عنها حمله على ظاهره ووافقها ابن عباس فقالت: يرحم الله عمر، والله ما حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله ليعذب المؤمن ببكاء أهله عليه " ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إن الله ليزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه " وقالت: حسبكم القرآن ولا تزر وازرة وزر أخرى. وذكر ذلك ابن عباس لابن عمر حين روى حديثه فما قال شيئاً رواه مسلم، وحمله قوم

على من كان النوح سنته ولم ينه عنه أهله لقول الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا) وقول النبي صلى الله عليه وسلم " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته " وحمله آخرون على من أوصى بذلك في حياته كقول طرفة: إذا مت فانعيني بما أنا أهله * وشقي علي الجيب يا بنت معبد وقال آخر: من كان من أمهاتي باكيا أيدا * فاليوم إني أراني اليوم مقبوضا ولا بد من حمل البكاء في هذا الحديث على البكاء الذي معه ندب ونياحه ونحو هذا بدليل ما قدمنا من الأحاديث (فصل) ويكره النعي، وهو أن يبعث منادياً ينادي في الناس أن فلاناً مات لتشهد جنازته، لما روى حذيفة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن النعي. قال الترمذي هذا حديث حسن، واستحب جماعة من أهل العلم أن لا يعلم الناس بجنائزهم منهم ابن مسعود وعلقمة والربيع بن خيثم وعمرو بن شرجبيل قال: اذا أنا مت فلا أنعى. وقال كثير من أهل العلم لا بأس من أن يعلم بالرجل اخوانه ومعارفه وذوو الفضل من غير نداء. قال إبراهيم النخعي لا بأس ان يعلم الرجل اخوانه وأصحابه انما كانوا يكرهون أن يطاف في المجالس: انعي فلانا كفعل أهل الجاهلية، وممن رخص في هذا أبو هريرة وابن عمر وابن سيرين، فروي عن ابن عمر أنه لما نعي له رافع بن خديج

كتاب الزكاة

قال: كيف تريدون أن تصنعوا به؟ قالوا: نحبسه حتى نرسل الى قباء والى من قد بات حول المدينة ليشهدوا جنازته. قال: نعم ما رأيتم. وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الذي دفن ليلا " ألا أذنتموني " وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه متفق عليه، ولأن في كثرة المصلين عليه أجراً لهم ونفعاً للميت، فانه يحصل لكل مصل منهم قيراط من الأجر. وروى الإمام أحمد بإسناده عن أبي المليح أنه صلى على جنازة فالتفت فقال: استووا ولتحسن شفاعتكم، ألا وانه حدثني عبد الله بن سليط عن إحدى أمهات المؤمنين وهي ميمونة وكان أخاها من الرضاعة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ما من مسلم يصلي عليه أمة من الناس إلا شفعوا فيه " فسألت أبا المليح عن الأمة؟ فقال أربعون. آخر الصلاة والحمد لله رب العالمين كتاب الزكاة قال ابن قتيبة: الزكاة من الزكاء والنماء والزيادة سميت بذلك لأنها تثمر المال وتنميه، يقال زكا الزرع اذا كثر ريعه، وزكت النفقة اذا بورك فيها، وهي في الشريعة: حق يجب في المال، فعند اطلاق لفظها في الشرع تنصرف الى ذلك. والزكاة أحد أركان الإسلام وهي واجبة بالكتاب والسنة والإجماع. أما الكتاب فقوله تعالى (وآتوا الزكاة) وأما السنة فإن النبي صلى الله عليه وسلم

مسألة: وتجب الزكاة في أربعة أصناف من المال

بعث معاذاً إلى اليمن فقال " أعلمهم إن الله قد افترض عليهم صدقة تؤخذ من أعنيائهم، فترد في فقرائهم " متفق عليه. وأجمع المسلمون في جميع الأعصار على وجوبها، واتفق الصحابة رضي الله عنهم على قتال مانعي الزكاة، فروى البخاري بإسناده عن أبي هريرة قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وارتدت العرب وكفر من كفر من العرب فقال عمر لأبي بكر: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إلا إلا الله، فمن قالها فقد عصم مني ماله ونفسه الا بحقه، وحسابه على الله " فقال أبو بكر: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها. قال عمر: فو الله ما هو إلا اني رأيت أن قد شرح الله صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق رواه أبو داود وقال: لو منعوني عقالا قال أبو عبيد: العقال صدقة العام قال الشاعر: سعى عقالا فلم يترك لنا سبداً * فكيف لو قد سعى عمر وعقالين وقيل: كانوا اذا أخذوا الفريضة أخذوا معها عقالها، ومن روى عناقا ففي روايته دليل على جواز أخذ الصغيرة من الصغار * (مسألة) * (وتجب الزكاة في أربعة أصناف من المال: السائمة من بهيمة الأنعام، والخارج من الأرض، والاثمان، وعروض التجارة. وسيأتي شرح ذلك في مواضعه إن شاء الله) ولا تجب في غير ذلك لأن الأصل عدم الوجوب وهذا قول أكثر أهل العلم. وقال أبو حنيفة في الخيل الزكاة اذا كانت ذكوراً وإناثاً، فان كانت ذكوراً أو إناثاً مفردة ففيها روايتان. وزكاتها دينار عن كل فرس، أو ربع عشر قيمتها، والخيرة في ذلك إلى صاحبها، لما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الخيل السائمة " في كل فرس دينار " وعن عمر أنه كان يأخذ من الرأس عشرة، ومن الفرس

مسألة: وقال أصحابنا تجب في المتولد بين الوحشي والأهلي

عشرة، ومن البر دون خمسة، ولأنه حيوان يطلب نماؤه لجهة السوم أشبه النعم ولنا قوله عليه السلام " ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة " متفق عليه. وقوله عليه السلام " عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق " حديث صحيح، ولأن ما لا تخرج زكاته من جنسه لا تجب فيه الزكاة كسائر الدواب، وحديثهم برويه غورل السعدي وهو ضعيف. وأما عمر فانما اخذ منهم شيئاً تبرعوا به وعوضهم عنه رزق عبيدهم. كذلك رواه أحمد، والزكاة لا يؤخذ عنها عوض ولأن عمر حين عرضوا عليه ذلك شاور الصحابة فيه. فقال علي: هو حسن إن لم يكن جزية يؤخذون بها من بعدك، فدل على أن أخذهم بذلك غير جائز، وقياسها على النعم لا يصح لكمال نفعها بدرها ولحمها ويضحى بجنسها وتكون هديا، وتجب الزكاة من عينها ويعتبر كمال نصابها، والخيل بخلاف ذلك والله أعلم * (مسألة) * (وقال أصحابنا تجب في المتولد بين الوحشي والأهلي) وسواء كانت الوحشية الفحول أو الأمهات. وقال أبو حنيفة ومالك: إن كانت الامهات أهلية وجبت الزكاة فيها وإلا فلا، لأن ولد البهيمة يتبع أمه. وقال الشافعي: لا زكاة فيها لأنها متولدة من وحشي أشبه المتولد من وحشيين، وحجة أصحابنا انها متولدة بين ما تجب فيه الزكاة وما لا تجب فوجب فيها الزكاة كالمتولد بين سائمة ومعلوقة، وزعم بعضهم ان غنم مكة متولدة بين الظباء والغنم وفيها الزكاة بالاتفاق. فعلى هذا القول تضم الى جنسها من الاهلي في وجوب الزكاة وتكون كأحد أنواعه قال شيخنا والقول بانتفاء الزكاة فيها أصح لأن الاصل انتفاء الوجوب وانما يثبت بنص أو إجماع أو قياس ولا نص فيها ولا إجماع ولا قياس، لأن النص إنما هو في بهيمة الأنعام من الازواج الثمانية وليس هذا منها ولا داخلة في اسمها ولا حكمها ولا حقيقتها، فان المتولد بين شيئين منفرد باسمه وجنسه كالبغل، والسمع المتولد بين الضبع والذئب، فكذلك المتولد بين الظبي والمعز في كونه لا يجزي في

مسألة: وفي بقر الوحش روايتان

هدي ولا أضحية ولا دية، ولو وكل وكيلاً في شراء شاة لم يدخل في الوكالة ولا يحصل منه ما يحصل من الشاة من الدر وكثرة النسل. بل الظاهر أنه لا نسل له كالبغل فامتنع القياس، فاذن ايجاب الزكاة فيه تحكم بغير دليل، فان قيل تجب الزكاة فيه احتياطا وتغليبا للايجاب كما أثبتنا التحريم فيها في الحرم والإحرام احتياطا لم يصح لأن الواجبات لا تثبت احتياطاً بالشك، ولهذا لا تجب الطهارة على من تيقنها وشك في الحدث. وأما السوم والعلف فالاعتبار فيه بما تجب فيه الزكاة لا بأصله الذي تولد منه، بدليل أنها تجب في أولاد المعلوفة اذا أسامها، ولا تجب في أولاد السائمة اذا علفها، وقول من زعم أن غنم مكة متولدة من الظباء والغنم لا يصح وإلا لحرمت في الحرم والإحرام كسائر المتولد بين الوحشي والأهلي ولما كان لها نسل كالبغل والسمع * (مسألة) * (وفي بقر الوحش روايتان) احداهما فيها الزكاة اختارها أبو بكر لأن اسم البقر يشملها فتدخل في مطلق الخبر. والثانية لا زكاة فيها وهي أصح وهو قول أكثر أهل العلم لأن اسم البقر عند الاطلاق لا ينصرف اليها، ولا تسمى بقراً إلا بالاضافة الى الوحش ولأنها حيوان لا يجزي نوعه في الأضحية والهدي فلم تجب فيه الزكاة كالظباء، وليست من بهيمة الأنعام فلم تجب فيها الزكاة كسائر الوحش. يحقق ذلك أن الزكاة إنما وجبت في بهيمة الأنعام دون غيرها لكثرة النماء فيها من درها ونسلها وكثرة الانتفاع بها وخفة مؤنتها، وهذا المعنى مختص بها فاختصت الزكاة بها، ولا تجب الزكاة في الظباء لا نعلم فيه خلافا لعدم تناول اسم الغنم لها والله أعلم * (مسألة) * (ولا تجب إلا بشروط خمسة: الاسلام والحرية فلا تجب على كافر ولا عبد ولا مكاتب) لا تجب الزكاة على كافر لقول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ حين بعثه إلى اليمن " إنك تأتي قوماً أهل كتاب

مسألة: ولا تجب إلا بشروط خمسة: الاسلام والحرية فلا تجب على كافر ولا عبد ولا مكاتب

فادعهم إلى أن يشهدوا ان لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله - إلى قوله - فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله تعالى قد افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم، فترد في فقرائهم " متفق عليه. فجعل الاسلام شرطاً لوجوب الزكاة، ولأنها أحد أركان الإسلام فلم تجب على كافر كالصيام، وذهب بعض العلماء إلى أنها تجب عليه في حال كفره بمعنى أنه يعاقب عليها اذا مات على كفره وهذا لا يتعلق به حكم فلا حاجة الى ذكره. هذا حكم الكافر الاصلي، فأما المرتد فلنا فيه وجه أنه يجب عليه قضاء الزكاة في حال ردته اذا أسلم. ولأصحاب الشافعي فيه قولان مبنيان على زوال ملكه بالردة، فإن قلنا يزول فلا زكاة عليه، وإن قلنا لا يزول ملكه أو هو موقوف وجبت عليه لأنه حق التزمه بالاسلام فلم يسقط بالردة كحقوق الآدميين والأول ظاهر المذهب. ولا تجب على عبد وهذا قول أكثر أهل العلم وروى عن عطاء وأبي ثور أنه يجب على العبد زكاة ماله ولنا أن العبد ليس بتام الملك فلم يلزمه زكاة كالمكاتب، ولأن الزكاة انما وجبت على سبيل المواساة وملك العبد ناقص لا يحتمل المواساة بدليل أنه لا تجب عليه نفقة أقاربه لكونها وجبت مواساة ولا يعتقون عليه، ولا تجب على مكاتب لأنه عبد لقوله عليه السلام " المكاتب عبد ما بقي عليه درهم " رواه أبو داود. ولأن ملكه غير تام فهو كالعبد ولا نعلم احدا قال بوجوب الزكاة على المكاتب الا ابا ثور ذكره عنه ابن المنذر، واحتج أبو ثور بأن الحجر من السيد لا يمنع وجوب الزكاة كالحجر على الصبي والمجنون والمرهون، وحكي عن أبي حنيفة أنه أوجب العشر في الخارج من أرضه بناء على أصله في أن العشر مؤونة الارض وليس بزكاة ولنا ما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا زكاة في مال المكاتب " رواه الفقهاء في كتبهم، ولان الزكاة تجب على طريق المواساة فلم تجب في مال المكابت كنفقة الاقارب وفارق المحجور عليه فانه منع التصرف لنقص تصرفه لا لنقص ملكه، والمرهون منع من التصرف فيه بعقده فلم يسقط حق

الله تعالى، ومتى كان منع التصرف فيه لدين لا يمكنه وفاؤه من غيره فلا زكاة عليه وسيأتي ذلك إن شاء الله تعالى، فإن عجز المكاتب ورد في الرق صار ما في يده لسيده فاستقبل به حولا إن كان نصابا وإلا ضمه إلى ما في يده كالمستفاد، وإن أدى المكاتب ما عليه وبقي في يده نصاب فقد صار حراً تام الملك فيستأنف الحول من حين عتقه ويزكي كسائر الأحرار * (مسألة) * (فإن ملك السيد عبده مالاً وقلنا أنه يملكه فلا زكاة فيه، وإن قلنا لا يملكه فزكاته على سيده) اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في زكاة مال العبد الذي ملكه اياه سيده فروي عنه زكاته على سيده هذا مذهب سفيان وأصحاب الرأي واسحق وعنه لا زكاة فيه على واحد منهما. قال إبن المنذر وهذا قول ابن عمر وجابر والزهري وقتادة ومالك، وللشافعي قولان كالمذهبين. وقال أبو بكر المسألة مبنية على الروايتين في ملك العبد بالتمليك (احداهما) لا يملك. قال أبو بكر: وهو اختياري وهو ظاهر كلام الخرقي لأن العبد مال فلا يملك المال كالبهائم، فعلى هذا تكون زكاته على السيد لأنه ملك له في يد عبده فكانت زكاته عليه كالمال الذي في يد المضارب والوكيل (والثانية) يملك لانه آدمي يملك النكاح فملك المال كالحر ولأن قوله عليه السلام " من باع عبداً وله مال " يدل على أنه يملك، ولأنه بالآدمية يتمهد للملك من قبل أن الله تعالى خلق المال لبني آدم ليستعينوا به على القيام بوظائف العبادات، واعباء التكاليف قال الله تعالى (خلق لكم ما في الأرض جميعا) فبالآدمية يتمهد للملك كما تمهد للتكليف فعلى هذا لا زكاة على السيد في مال العبد لأنه لا يملكه، ولا على العبد لنقص ملكه والزكاة إنما تجب على تام الملك (فصل) ومن بعضه حر عليه زكاة ماله لأنه يملك بجزئه الحر ويورث عنه فملكه كامل فهو كالحر في وجوب الزكاة وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشافعي وفيه لهم وجه آخر لا تجب لانه ناقص

مسألة: فإن ملك السيد عبده مالا وقلنا إنه يملكه فلا زكاة فيه، وإن قلنا لا يملكه فزكاته على سيده

أشبه القن والاول أولى، فأما أم الولد والمدبر فحكمها حكم القن لأنه لا حرية فيهما * (مسألة) * (الثالث ملك نصاب، فإن نقص عنه فلا زكاة فيه إلا أن يكون نقصاً يسيراً كالحبة والحبتين) ملك النصاب شرط لوجوب الزكاة لما يأتي في أبوابه مفصلا إن شاء الله، فإن نقص عن النصاب فلا زكاة فيه إن كان النقص كثيراً بالاتفاق، وإن كان يسيراً فقد اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في ذلك فروي أنه قال في نصاب الذهب اذا نقص ثمناً لا زكاة فيه. اختاره أبو بكر وهو ظاهر قول الخرقي ومذهب الشافعي واسحق وابن المنذر لقول النبي صلى الله عليه وسلم " ليس فيما دون خمس أواق صدقة " وقال " ليس في أقل من عشرين مثقالا من الذهب صدقة " وروى عن أحمد أن نصاب الذهب اذا نقص ثلث مثقال زكاة وهو قول عمر بن عبد العزيز وسفيان، وإن نقص نصفاً لا زكاة فيه. وقال أصحابنا إن كان النقص يسيراً كالحبة والحبتين وجبت الزكاة لأنه لا ينضبط غالباً فهو كنقص الحول ساعة أو ساعتين، وان كان نقصاً بيناً كالدانق والدانقين فلا زكاة فيه. وقال مالك: إذا نقص نقصاً يسيراً يجوز جواز الوازنة وجبت الزكاة لأنها تقوم مقام الوازنة أشبهت الوازنة والاول ظاهر الاخبار فينبغي أن لا يعدل عنه * (مسألة) * (وتجب فيما زاد على النصاب بالحساب إلا في السائمة) فلا شئ في أوقاصها على ما يأتي بيانه. واتفقوا على زيادة الحب أن الزكاة تجب فيها بالحساب، واختلفوا في زيادة الذهب والفضة فروي وجوب الزكاة فيها عن علي وابن عمر رضي الله عنهما، وبه قال عمر ابن عبد العزيز والنخعي ومالك والثوري والاوزاعي والشافعي وأبو يوسف ومحمد وأبو ثور وأبو عبيد وابن المنذر، وقال سعيد بن المسيب وعطاء وطاوس والحسن والشعبى ومكحول والزهري وعمر وبن دينار وأبو حنيفة: لا شئ في زيادة الدراهم حتى تبلغ أربعين، ولا في زيادة الذهب حتى تبلغ أربعة دنانير لقوله عليه السلام " من كل أربعين درهما درهما " وعن معاذ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " إذا

مسألة: الثالث ملك نصاب، فإن نقص عنه فلا زكاة فيه إلا أن يكون نقصا يسيرا كالحبة والحبتين

بلغ الورق مائتين ففيه خمسة دراهم، ثم لا شئ فيه حتى يبلغ إلى أربعين درهماً " ولان له عفواً في الابتداء فكان له عفو بعد النصاب كالسائمة ولنا ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " هاتوا ربع العشور من كل أربعين درهما درهما، وليس عليكم شئ حتى يتم مائتين، فإذا كانت مائتي درهم ففيها خمسة دراهم فما زاد فبحساب ذلك " رواه الأثرم والدارقطني، وروي ذلك عن علي وابن عمر موقوفاً عليهما ولم نعرف لهما مخالفاً في الصحابة فيكون إجماعاً، ولأنه مال يتجزاء فلم يكن له عفو بعد النصاب كالحبوب، وما احتجوا به من الخبر الاول فهو احتجاج بدليل الخطاب والمنطوق راجح عليه، والخبر الثاني يرويه أبو العطوف الجراح بن منهال وقد قال الدارقطني هو متروك الحديث. وقال مالك هو دجال، ويرويه عن عبادة بن نسي عن معاذ ولم يلق عبادة معاذاً فيكون منقطعاً والماشية يشق تشقيصها بخلاف الاثمان * (مسألة) * (والشرط الرابع تمام الملك) فلا زكاة في دين المكاتب بغير خلاف علمناه لنقصان الملك فيه فإن له أن يعجز نفسه ويمتنع من أدائه * (مسألة) * (ولا تجب في السائمة الموقوفة ولا في حصة المضارب من الربح قبل القسمة على أحد الوجهين فيهما) لا تجب زكاة في السائمة الموقوفة لأن الملك لا يثبت فيها في وجه وفي وجه يثبت ناقصاً لا يتمكن من التصرف فيها بأنواع التصرفات، وذكر شيخنا في هذا الكتاب المشروح وجهاً آخر أن الزكاة تجب فيها، وذكره القاضي ونقل مهنا عن أحمد ما يدل على ذلك لعموم قوله عليه السلام " في أربعين شاة شاة " ولعموم غيره من النصوص، ولأن الملك ينتقل إلى الموقوف عليه في الصحيح من المذهب أشبهت سائر املاكه وللشافعية وجهان كهذين فإذا قلنا بوجوب الزكاة فيه فينبغي أن يخرج من غيره لأن الوقف لا يجوز نقل الملك فيه

مسألة: والشرط الرابع تمام الملك

(فصل) فأما حصة المضارب من الربح قبل القسمة فلا تجب فيها الزكاة نص عليه أحمد في رواية صالح وابن منصور فقال: اذا احتسبا يزكي المضارب اذا حال الحول من حين احتسبا لانه علم ماله في المال، ولأنه اذا أبضع بعد ذلك كانت الوضيعة على صاحب المال يعني اذا اقتسما لان القسمة في الغالب تكون عند المحاسبة فقول أحمد يدل على أنه أراد بالمحاسبة القسمة لقوله: إن الوضيعة تكون على رب المال وهذا انما يكون بعد القسمة وهذا اختيار شيخنا، واختار أبو الخطاب وجوب الزكاة فيها من حين ظهور الربح اذا كملت نصابا إلا إذا قلنا أن الشركة تؤثر في غير الماشية لان العامل يملك الربح بظهوره فاذا ملكه جرى في الحول الزكاة، ولان من أصلنا أن الزكاة تجب في الضال والمغصوب وإن كان رجوعه مظنوناً كذلك هذا ولنا أن المضارب لا يملك الربح بالظهور على رواية وعلى رواية يملكه ملكا غير تام لأنه وقاية لرأس المال فلو نقصت قيمة الاصل أو خسر فيه أو تلف بعضه لم يحصل للمضارب، ولانه ممنوع من التصرف فيه فلم يكن فيه زكاة كمال المكاتب. ولان ملكه لو كان تاما لاختص بربحه كما لو اقتسما ثم خلطا المال والأمر بخلاف ذلك، فإن من دفع الى رجل عشرة مضاربة فربح فيها عشرين ثم اتجر فربح ثلاثين، فان الخمسين التي ربحها بينهما نصفان، ولو تم ملكه بمجرد ظهور الربح لملك من العشرين الاولى عشرة واختص بربحها وهي عشرة من الثلاثين وكانت العشرون الباقية بينهما نصفين فيصير للمضارب ثلاثون وفارق المغصوب والضال، فان الملك فيه تام وانما حيل بينه وبينه بخلاف مسئلتنا ومن أوجب الزكاة على المضارب فانما يوجبها عليه إذا حال الحول من حين تبلغ حصته نصاباً أو يضمها إلى ما عنده من جنس المال أو من الاثمان إلا إذا قلنا أن الشركة تؤثر في غير السائمة، وليس عليه اخراجها قبل القسمة كالدين، وإن أراد اخراجها من المال قبل القسمة لم يجز لأن الربح وقاية

مسألة: ولا تجب في السائمة الموقوفة ولا في حصة المضارب من الربح قبل القسمة على أحد الوجهين فيهما

لرأس المال، ويحتمل أن يجوز لأنهما دخلا على حكم الاسلام، ومن حكمه وجوب الزكاة واخراجها من المال: (فصل) وإن دفع إلى رجل ألفا مضاربة على أن الربح بينهما نصفان فحال الحول وقد ربح ألفين فعلى رب المال زكاة ألفين، وقال الشافعي في أحد قوليه: عليه زكاة الجميع لأن الأصل له والربح إنما نمى ولنا أن حصة المضارب له دون رب المال لأن للمضارب المطالبة بها، ولو أراد رب المال دفع حصته إليه من غير هذا المال لم يلزمه قبوله، ولا يجب على الانسان زكاة ملك غيره وقوله: إنما نمى ماله قلنا إلا أنه لغيره فلم تجب عليه زكاته كما لو وهب نتاج سائمته لغيره. إذا ثبت هذا فإنه يخرج الزكاة من المال لأنها من مؤنته فكانت منه كمؤنة حمله ويحسب من الربح لأنه وقاية لرأس المال. * (مسألة) * (ومن كان له دين على ملي من صداق أو غيره زكاه اذا قبضه لما مضى) الدين على ضربين أحدهما دين على معترف به باذل له فعلى صاحبه زكاته إلا أنه لا يلزمه اخراجها حتى يقبضه فيزكيه لما مضى. يروي ذلك عن علي رضي الله عنه، وبهذا قال الثوري وأبو ثور وأصحاب الرأي، وقال عثمان بن عفان وابن عمر وجابر وطاوس والنخعي وجابر بن زيد والحسن والزهري وقتادة والشافعي وإسحق وأبو عبيد: عليه اخراج الزكاة في الحال وإن لم يقبضه لأنه قادر على أخذه والتصرف فيه أشبه الوديعة، وروي عن عائشة وابن عمر: ليس في الدين زكاة وهو قول عكرمة لانه غير تام فلم تجب زكاته كعرض القنية، وروي عن سعيد بن المسيب وعطاء وأبي الزناد يزكيه إذا قبضه لسنة واحدة. ولنا ان ملكه يقدر على قبضه والانتفاع به فلزمته زكاته لما مضى كسائر أمواله، ولا يجب عليه زكاته قبل قبضه لأنه دين ثابت في الذمة فلم يلزمه الاخراج قبل قبضه كالدين على المعسر ولان الزكاة تجب على سبيل المواساة وليس من المواساة أن يخرج زكاة مال لا ينتفع به وأما المستودع فهو كالذي في يده لأن المستودع نائب عنه فيده كيده.

* (مسألة) * (وفي الدين على غير الملي والمؤجل والمجحود والمغصوب والضائع روايتان) هذا الضرب الثاني وهو الدين على المماطل والمعسر والمجحود الذي لا بينة به والمغصوب والضال حكمه حكم الدين على المعسر وفي ذلك كله روايتان، إحداهما لا تجب فيه الزكاة وهو قول قتادة واسحق وأبي ثور وأهل العراق لأنه مال ممنوع منع غير قادر على الإنتفاع به أشبه الدين على المكاتب والرواية الثانية: يزكيه اذا قبضه لما مضى، وهو قول الثوري وأبي عبيد لما روي عن علي رضي الله عنه أنه قال في الدين المظنون ان كان صادقا فليزكه اذا قبضه لما مضى، وعن ابن عباس نحوه رواهما أبو عبيد ولأنه مال يجوز التصرف فيه أشبه الدين على الملئ ولأن ملكه فيه تام أشبه ما لو نسي عند من أودعه؟ وللشافعي قولان كالروايتين وعن عمر بن عبد العزيز والحسن والليث والاوزاعي ومالك يزكيه إذا قبضه لعام واحد لأنه كان في ابتداء الحول في يده، ثم حصل بعد ذلك في يده فوجب أن لا تسقط الزكاة عن حول واحد. ولنا أن هذا المال في جميع الأحوال على حال واحد فوجب أن يتساوى في وجوب الزكاة أو سقوطها كسائر الاموال. قولهم إنه حصل في يده في كل الحول (قلنا) هذا لا يوثر لأن المانع إذا وجد في بعض الحول منع كنقص النصاب ولا فرق بين كون الغريم يجحده في ظاهر دون الباطن أو فيهما (فصل) وظاهر كلام أحمد أنه لا فرق بين الحال والمؤجل لأن البراءة تصح من المؤجل ولولا أنه مملوك لم تصح منه البراءة لكنه في حكم الدين على المعسر لتعذر قبضه في الحال. (فصل) ولو أجر داره سنين باربعين ديناراً ملك الاجرة من حين العقد وعليه زكاة الجميع اذا حال الحول لأن ملكه عليها تام بدليل جواز التصرف فيها بأنواع التصرفات ولو كانت جارية كان له وطؤها وكونها بعرض الرجوع لانفساخ العقد لا يمنع وجوب الزكاة كالصداق قبل الدخول ثم إن

مسألة: ومن كان له دين على ملي من صداق أو غيره زكاه اذا قبضه لما مضى

كان قد قبض الأجرة أخرج الزكاة منها، وإن كانت ديناً فهي كالدين معجلاً أو مؤجلاً، وقال ابن أبي موسى فيه رواية أنه يزكيه في الحال كالمعدن، والصحيح الاول لقوله عليه السلام " لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول " وكما لو ملكه بهبة أو ميراث أو نحوه، وقال مالك وأبو حنيفة لا يزكيها حتى يقبضها ويحول عليها حول بناء على أن الاجرة انما تستحق بانفضاء مدة الاجارة وهذا يذكر في موضعه إن شاء الله تعالى. (فصل) ولو اشترى شيئاً بعشرين ديناراً أو أسلم نصابا في شئ فحال الحول قبل أن يقبض المشتري المبيع أو المسلم فيه والعقد باق فعلى البائع والمسلم اليه زكاة الثمن لأن ملكه ثابت فيه فان انفسخ العقد لتلف المبيع أو تعذر السلم فيه وجب رد الثمن وزكاته على البائع والمسلم اليه. (فصل) والغنيمة يملك الغانمون أربعة أخماسها بانقضاء الحرب فان كانت جنساً واحداً تجب فيه الزكاة كالاثمان والسائمة، ونصيب كل واحد منهم نصاب فعليه زكاته اذا انقضى الحول ولا يلزمه اخراج زكاته قبل قبضه كالدين على الملئ، وإن كان دون النصاب فلا زكاة فيه إلا أن يكون أربعة أخماسها يبلغ النصاب فتكون خلطة ولا تضم الى الخمس لانه لا زكاة فيه فان كانت أجناساً كأبل وبقر وغنم فلا زكاة على واحد منهم لأن للإمام أن يقسم بينهم قسمة تحكم فيعطي لكل واحد منهم من أي أصناف المال شاء فما تم ملكه على شئ معين بخلاف الميراث. (فصل) وقد ذكرنا أن حكم المال المغصوب حكم الدين على المعسر على ما فيه من الخلاف فإن كان سائمة وكانت معلوفة عند صاحبها وغاصبها فلا زكاة فيها لفقدان الشرط، وإن كانت سائمة عندهما ففيها الزكاة على الرواية في وجوب الزكاة في المغصوب، وإن كانت معلوفة عند المالك سائمة عند الغاصب ففيه ووجهان أحدهما لا زكاة فيها لأن صاحبها لم يرض باسامتها فلم تجب عليه الزكاة

مسألة: وفي الدين على غير الملي والمؤجل والمجحود والمغصوب والضائع روايتان

بفعل الغاصب كما لو رعت من غير أن يسيمها. والثاني عليه الزكاة لان السوم يوجب الزكاة من المالك فاوجبها من الغاصب كما لو كانت سائمة عندهما وكما لو غصب بذرا فزرعه وجب العشر فيما خرج منه، وإن كانت سائمة عند المالك، معلوفة عند الغاصب، فلا زكاة فيها لفقدان الشرط، وقال القاضي فيه وجه آخر أن الزكاة تجب فيها لان العلف محرم فلم يؤثر في الزكاة كما لو غصب اثمانا فصاغها حلياً، قال أبو الحسن الآمدي هذا هو الصحيح لأن العلف انما أسقط الزكاة لما فيه من المؤنة ولا مؤنة عليه هاهنا. ولنا أن السوم شرط لوجوب الزكاة وقد فقد فلم يجب كنقص النصاب. (قوله) إن العلف محرم ممنوع انما المحرم الغصب والعلف تصرف في ماله باطعامها اياه ولا تحريم فيه ولهذا لو علفها عند مالكها لم يحرم عليه، وما ذكره الآمدي من خفة المؤنة غير صحيح فإن الخفة لا تعتبر بنفسها وانما تعتبر بمظنتها وهو السوم ثم يبطل ما ذكراه بالمعلوفة عندهما جميعاً، ويبطل ما ذكره القاضي بما اذا علفها مالكها علفاً محرماً أو أتلف شاة من النصاب فانه محرم وتسقط به الزكاة وأما إذا غصب ذهباً فصاغه حليا فلا يشبه ما اختلفنا فيه، لان العلف فات به شرط الوجوب والصياغة لم يفت بها شئ وإنما اختلف في كونها مسقطة بشرط كونها مباحة فاذا كانت محرمة لم يوجد شرط الاسقاط، ولان المالك لو علفها علفاً محرما سقطت الزكاة ولو صاغها صياغة محرمة لم تسقط فافترقا. ولو غصب حليا مباحا فكسره أو ضربه نقداً وجبت فيه الزكاة لأن المسقط لها زال ويحتمل أن لا يجب كما لو غصب معلوفة فأسامها. ولو غصب عروضا فاتجر فيها لم تجب فيها الزكاة

لأن نية التجارة شرط ولم توجد من المالك، وسواء كانت للتجارة عند مالكها أولا لأن بقاء النية شرط ولم ينو التجارة بها عند الغاصب، ويحتمل أن تجب فيها الزكاة اذا كانت للتجارة عند مالكها واستدام النية لأنها لم تخرج عن ملكه بغصبها وإن نوى بها الغاصب القنية. وكل موضع أوجبنا الزكاة فعلى الغاصب ضمانها لأنه نقص حصل في يده فضمنه كتلفه * (فصل) * إذا ضلت واحدة من النصاب أو أكثر أو غصبت فنقص النصاب فالحكم فيه كما لو ضل جميعه أو غصب لأن كمال النصاب شرط لوجوب الزكاة لكن إن قلنا بوجوب الزكاة فعليه الاخراج عن الموجود عنده، واذا رجع الضال والمغصوب أخرج عنه كما لو رجع جميعه (فصل) وإن أسر المالك لم تسقط الزكاة عنه سواء حيل بينه وبين ماله أو لم يحل لأن تصرفه في ماله نافذ يصح بيعه وهبته وتوكيله فيه. وقال بعض أصحاب الشافعي يخرج فيه وجه أنه لا تجب فيه الزكاة اذا حيل بينه وبينه كالمغصوب (فصل) وإن ارتد قبل مضي الحول، وحال الحول وهو مرتد فلا زكاة عليه لان الاسلام شرط لوجوب الزكاة فعدمه في بعض الحول يسقط الزكاة كالملك، وإن رجع إلى الإسلام قبل مضي الحول استأنف حولا لما ذكرنا نص عليه أحمد فأما إن ارتد بعد الحول لم تسقط عنه الزكاة وهو قول الشافعي. وقال أبو حنيفة تسقط لأن من شرطها النية فسقطت بالردة كالصلاة ولنا أنه حق مالي فلا يسقط بالردة كالدين. وأما الصلاة فلا تسقط أيضاً لكن لا يطالب بفعلها لأنها لا تصح منه ولا تدخلها النيابة فإذا عاد لزمه قضاؤها، والزكاة تدخلها النيابة ويأخذها الامام

من الممتنع فكذا هاهنا يأخذ الامام منه ماله فإن أسلم بعد أخذها لم يلزمه أداؤها لانها سقطت بأخذ الامام كسقوطها بالاخذ من المسلم الممتنع. ويحتمل أن لا تسقط لأنها عبادة فلا تصح بغير نية. وأصل هذا إذا أخذ من المسلم الممتنع قهراً. وسيأتي ذكره إن شاء الله تعالى. وإن أخذها غير الإمام أو نائبه لم تسقط عنه لأنه لا ولاية له عليه فلا يقوم مقامه بخلاف نائب الامام وان أداها في حال ردته لم يجزه لأنه كافر فلا تصح منه لكونها عبادة كالصلاة (فصل) وحكم الصداق حكم الدين لأنه دين للمرأة في ذمة الرجل. فإن كان على ملئ وجبت فيه الزكاة فاذا قبضته أدت لما مضى، وان كان على جاحد أو معسر فعلى الروايتين، ولا فرق بين ما قبل الدخول وبعده لأنه دين في الذمة فهو كثمن مبيعها، فان سقط نصفه بطلاقها قبل الدخول وقبضت النصف فعليها زكاة ما قبضته خاصة لأنه دين لم تتعوض عنه، ولم تقبضه فأشبه ما تعذر قبضه لفلس أو جحد. وكذلك لو سقط الصداق كله قبل قبضه لانفساخ النكاح بسبب من جهتها ليس عليها زكاة لما ذكرنا، ويحتمل أن تجب عليها زكاة لأن سقوطه بسبب من جهتها أشبه الموهوب. وكذلك كل دين سقط قبل قبضه من غير إسقاط صاحبه. أو أيس صاحبه من استيفائه. والمال الضال اذا أيس منه فانه لا زكاة على صاحبه لأن الزكاة مواساة فلا تلزمه المواساة الا مما حصل له، وإن كان الصداق نصابا فحال عليه الحول ثم سقط نصفه وقبضت النصف فعليها زكاة النصف المقبوض لأن الزكاة وجبت فيه ثم سقطت من نصفه لمعنى اختص به فاختص السقوط به، وإن مضى عليه حول قبل قبضه ثم قبضته كله زكته لذلك الحول وان مضت عليه أحوال قبل قبضه ثم قبضته زكته لما مضى كله وقال أبو حنيفة لا تجب الزكاة عليها ما لم تقبضه لأنه بدل عما ليس بمال فلم تجب الزكاة فيه قبل قبضه كدين الكتابة

ولنا أنه دين يستحق قبضه ويجبر المدين على أدائه فوجبت فيه الزكاة كثمن المبيع بخلاف دين الكتابة يستحق قبضه وللمكاتب الامتناع من أدائه ولا يصح قياسهم عليه لأنه عوض عن مال (فصل) وإن قبضت صداقها قبل الدخول ومضى عليه حول فزكته ثم طلقها الزوج قبل الدخول رجع عليها بنصفه وكانت الزكاة من النصف الباقي لها. وقال الشافعي في قول يرجع الزوج بنصف الموجود ونصف قيمة المخرج لأنه لو تلف الكل رجع عليها بنصف قيمته فكذلك اذا تلف البعض ولنا قوله تعالى (فنصف ما فرضتم) ولأنه يمكنه الرجوع في العين فلم يكن له الرجوع إلى القيمة كما لو لم يتلف منه شئ ويخرج على هذا إذا تلف كله لعدم إمكان الرجوع في العين، وإن طلقها بعد الدخول وقبل الاخراج لم يكن لها الاخراج من النصاب لأن حق الزوج تعلق به على وجه الشركة والزكاة لا نتعلق به على وجه الشركة لكن يخرج الزكاة من غيره أو يقتسمانه ثم تخرج الزكاة من حصتها فإن طلقها قبل الدخول ملك النصف مشاعا، وكان حكم ذلك كما لو باعت نصفه قبل الحول مشاعا وسيأتي ذلك إن شاء الله تعالى (فصل) فإن كان الصداق دينا فأبرأت الزوج منه بعد مضي الحول ففيه روايتان إحداهما عليها الزكاة لانها تصرفت فيه أشبه ما لو قبضته، والثانية زكاته على الزوج لأنه ملك ما ملك عليه فكأنه لم يزل ملكه عنه. والاول أصح وما ذكرناه لهذه الرواية لا يصح فإن الزوج لم يملك شيئاً وإنما

سقط عنه ثم لو ملك في الحال لم يقنض هذا وجوب زكاة ما مضى. ويحتمل أن لا تجب الزكاة على واحد فيهما لم ذكرنا في الزوج. وأما المرأة فلم تقبض الدين أشبه ما لو سقط بغير إسقاطها. وهذا إذا كان الدين مما تجب فيه الزكاة اذا قبضته، وكل دين على إنسان ابرأه صاحبه منه بعد مضي الحول عليه فحكمه حكم الصداق فيما ذكرنا. قال أحمد: إذا وهبت المرأة مهرها لزوجها وقد مضى له عشر سنين فان الزكاة على المرأة لأن المال كان لها، واذا وهب رجل لرجل مالا فحال الحول ثم ارتجعه الواهب فالزكاة على الذي كان عنده. وقال في رجل باع شريكه نصيبه من داره لم يعطه شيئاً فلما كان بعد سنة قال ليس عندي دراهم فأقلني فأقاله قال عليه أن يزكي لأنه قد ملكه حولا * (مسألة) * (قال الخرقي: واللقطة إذا جاء ربها زكاها للحول الذي كان الملتقط ممنوعاً منها) قد ذكرنا في المال الضائع روايتين وهذا منه وعلى مقتضى قول الخرقي أن الملتقط لو لم يملكها كمن لم يعرفها فانه زكاة على ملتقطها. واذا جاء ربها زكاها للزمان كله واذا كانت ماشية فانما تجب عليه زكاتها اذا كانت سائمة عند الملتقط. فان علفها فلا زكاة على صاحبها على ما ذكرنا في المغصوب

(فصل) وزكاتها بعد الحول الاول على الملتقط في ظاهر المذهب لأن اللقطة تدخل في ملكه كالميراث فتصير كسائر ماله يستقبل بها حولا، وعند أبي الخطاب أنه لا يملكها حتى يختار ذلك وهو مذهب الشافعي وسنذكر ذلك إن شاء الله في بابه. وحكى القاضي في موضع ان الملتقط اذا ملكها وجب عليه مثلها إن كانت مثلية أو قيمتها إن لم تكن مثلية وهو مذهب الشافعي. ومقتضى هذا ان لا تجب عليه زكاتها لانه دين فمنع الزكاة كسائر الديون. وقال ابن عقيل يحتمل أن لا تجب الزكاة فيها لمعنى آخر وهو أن ملكه غير مستقر عليها، ولصاحبها أخذها منه متى وجدها. والمذهب الأول، وما ذكره القاضي يفضي الى ثبوت معاوضة في حق من لا ولاية عليه بغير فعله ولا اختياره ويقتضي ذلك أن يمنع الدين الذي عليه الميراث والوصية كسائر الديون، والأمر بخلافه. وما ذكره بن عقيل يبطل بما وهبه الأب لولده، وبنصف الصداق فان لهما استرجاعه ولا يمنع وجوب الزكاة * (مسألة) * (ولا زكاة في مال من عليه دين ينقص النصاب إلا في المواشي والحبوب في إحدى الروايتين) وجملة ذلك أن الدين يمنع وجوب الزكاة في الأموال الباطنة رواية واحدة، وهي الاثمان وعروض التجارة وبه قال عطاء وسليمان بن يسار والحسن والنخعي والليث ومالك والثوري والاوزاعي واسحق وأبو ثور وأصحاب الرأي. وقال ربيعة وحماد بن أبي سليمان والشافعي في الجديد لا يمنع لأنه حر مسلم ملك نصابا حولا فوجبت عليه الزكاة كمن لا دين عليه

ولنا ما روى السائب بن يزيد قال: سمعت عثمان بن عفان يقول: هذا شهر زكاتكم فمن كان عليه دين فليؤده حتى تخرجوا زكاة أموالكم. رواه أبو عبيد في الاموال، وفي لفظ: من كان عليه دين فليقض دينه، وليترك بقية ماله. قال ذلك بمحضر من الصحابة ولم ينكروه فدل على اتفاقهم عليه وروى أصحاب مالك عن عمير بن عمران عن شجاع عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا كان لرجل ألف درهم، وعليه ألف درهم فلا زكاة عليه " وهذا نص، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم، فأردها في فقرائكم " فدل على أنها إنما تجب على الاغنياء ولا تدفع الا الى الفقراء، وهذا ممن يحل له أخذ الزكاة فيكون فقيراً فلا تجب عليه الزكاة لانها إنما تجب على الاغنياء للخبر، وكذلك قوله عليه السلام " لا صدقة إلا عن ظهر غنى " فأما من لا دين عليه فهو غني بملك النصاب فهو بخلاف هذا يحقق هذا أن الزكاة انما وجبت مواساة للفقراء وشكراً لنعمة الغنى، والمدين محتاج إلى قضاء دينه كحاجة الفقير أو أشد، وليس من الحكمة تعطيل حاجة الملك لدفع حاجة غيره وقد قال عليه الصلاة والسلام " ابدأ بنفسك ثم بمن تعول " إذا ثبت ذلك فظاهر كلام شيخنا أنه لا فرق بين الحال والمؤجل لما ذكرنا من الأدلة. وقال ابن أبي موسى ان المؤجل لا يمنع وجوب الزكاة لانه غير مطالب به في الحال (فصل) فأما الاموال الظاهرة وهي المواشي والحبوب والثمار ففيها روايتان: إحداهما أن الدين يمنع وجوب الزكاة فيها لما ذكرنا. قال أحمد في رواية إسحق بن ابراهيم: يبتدئ بالدين

فيقضيه ثم ينظر ما بقي عنده بعد اخراج النفقة فيزكيه، ولا يكون على أحد - دينه أكثر من ماله - صدقة في إبل أو بقر أو غنم أو زرع وهذا قول عطاء والحسن والنخعي وسليمان بن يسار والثوري والليث وإسحق. والرواية الثانية لا يمنع الزكاة فيها وهو قول مالك والاوزاعي والشافعي، وروى عن أحمد انه قال: قد اختلف ابن عمر وابن عباس فقال ابن عمر: يخرج ما استدان أو أنفق على ثمرته وأهله ويزكي ما بقي، وقال الآخر: يخرج ما استدان أو أنفق على ثمرته ويزكي ما بقي، واليه أذهب أن لا يزكي ما أنفق على ثمرته ويزكي ما بقي لأن المصدق اذا جاء فوجد إبلا أو بقراً أو غنما لم يسأل أي شئ على صاحبها من الدين؟ وليس المال هكذا، فظاهر ذلك أن هذه رواية ثالثة وهو أنه لا يمنع الدين الزكاة في الأموال الظاهرة إلا في الزروع والثمار فيما استدانه للانفاق عليها خاصة. وهذا ظاهر كلام الخرقي. وقال أبو حنيفة: الدين الذي تتوجه به المطالبة يمنع في سائر الأموال إلا الزروع والثمار بناء منه على ان الواجب فيها ليس بصدقة. والفرق بين الأموال الباطنة والظاهرة أن تعلق الزكاة بالظاهرة آكد لظهورها وتعلق قلوب الفقراء بها، ولهذا يشرع ارسال السعاة لأخذها من أربابها، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث السعاة فيأخذون الصدقات من أربابها وكذلك الخلفاء بعده ولم يأت عنهم انهم طالبوا أحداً بصدقة الصامت ولا استكرهوه عليها إلا أن يأتي بها طوعا، ولأن السعاة يأخذون زكاة ما يجدون ولا يسألون عما على صاحبها من الدين، فدل أنه لا يمنع زكاتها، ولأن تعلق الاطماع من الفقراء بها أكثر، والحاجة الى حفظها أوفر، فتكون الزكاة فيها أوكد

مسألة: ولا زكاة في مال من عليه دين ينقص النصاب إلا في المواشي والحبوب في إحدى الروايتين

(فصل) وإنما يمنع الدين الزكاة اذا كان يستغرق النصاب أو ينقصه ولا يجد ما يقضيه به سوى النصاب أو مالا يستغني عنه مثل أن يكون له عشرون مثقالاً وعليه مثقال أو أقل مما ينقص به النصاب اذا قضاه ولا يجد له قضاء من غير النصاب، فان كان ينقص به النصاب أسقط مقدار الدين وأخرج زكاة الباقي، فإن كان له ثلاثون مثقالا وعليه عشرة فعليه زكاة العشرين، وان كان عليه أكثر من عشرة فلا زكاة عليه. وكذلك لو ان له مائة من الغنم وعليه ما يقابل ستين فعليه زكاة الاربعين، وإن قابل إحدى وستين فلا زكاة عليه لأنه ينقص النصاب، وإن كان له مالان من جنسين وعليه دين جعلته في مقابلة ما يقضي منه، فلو كان عليه خمس من الإبل وله خمس من الإبل ومائتا درهم فان كانت عليه سلماً أو دية أو نحو ذلك مما يقضى بالابل جعلت الدين في مقابلتها ووجبت عليه زكاة الدراهم، فان كان أتلفها جعلت قيمتها في مقابلة الدراهم لانها تقضى منها، وإن كانت قرضاً خرج على الوجهين فيما يقضي منه، فإن كانت إذا جعلناها في مقابلة أحد المالين فضلت منها فضلة تنقص النصاب الآخر، واذا جعلناها في مقابلة الآخر لم يفضل منها شئ كرجل له مائتا درهم وخمس من الابل وعليه ست من الابل قيمتها مائتا درهم اذا جعلناها في مقابلة المائتين لم يبق من الدين شئ ينقص نصاب السائمة، وان جعلناها في مقابلة الابل فضل منها بعير ينقص نصاب الدراهم أو كانت بالعكس مثل أن يكون عليه مائتان وخمسون درهماً وله من الابل خمس أو أكثر تساوي الدين أو تفضل عليه - جعلنا الدين في مقابلة الابل هاهنا وفي مقابلة الدراهم في الصورة الأولى لأن له من المال ما يقضي به الدين سوى النصاب، وكذلك إن كان عليه مائة درهم وله مائتا درهم

وتسع من الابل فاذا جعلناها في مقابلة الابل لم ينقص نصابها لكون الأربع الزائدة عنه تساوي المائة أو أكثر منها، وإن جعلناها في مقابلة الدراهم سقطت الزكاة منها جعلناها في مقابلة الابل لما ذكرنا ولأن ذلك أحظ للفقراء، ذكر القاضي نحو هذا فقال: إذا كان النصابان زكويين جعلت الدين في مقابلة ما الحظ للمساكين في جعله في مقابلته وإن كان من غير جنس الدين، وإن كان أحد المالين لا زكاة فيه والآخر فيه الزكاة كرجل عليه مائتا درهم وله مثلها وعروض للقنية تساوي مائتين فقال القاضي يجعل الدين في مقابلة العروض وهذا مذهب مالك وأبي عبيد، قال أصحاب الشافعي وهو مقتضى قوله لانه مالك لمائتين زائدة عن مبلغ دينه فوجبت عليه زكاتها كما لو كان جميع ماله جنساً واحداً وهذا ظاهر كلام أحمد رضي الله عنه انه يجعل الدين في مقابلة ما يقضى عنه، فإنه قال في رجل عنده ألف وعليه ألف وله عروض بألف، إن كانت العروض للتجارة زكاها، وإن كانت لغير التجارة فليس عليه شئ وهذا مذهب أبي حنيفة. ويحكى عن الليث بن سعد لأن الدين يقضى من جنسه عند التشاح فجعل الدين في مقابلة أولى كما لو كان النصابان زكويين قان شيخنا: ويحتمل أن يحمل كلام أحمد هاهنا على ما إذا كان العرض يتعلق به حاجته الأصلية ولا فضل فيه عن حاجته فلا يلزمه صرفه في وفاء الدين لان حاجته أهم، ولذلك لم تجب الزكاة في الحلي المعد للاستعمال ويكون قول القاضي محمولا على من كان العرض فاضلا عن حاجته، وهذا أحسن لأنه في هذه الحال مالك لنصاب فاضل عن حاجته وقضاء دينه فلزمته زكاته كما لو لم يكن عليه دين. فأما إن كان عنده نصابان زكويان وعليه دين من غير جنسهما ولا يقضى من أحدهما فانك تجعله في مقابلة ما الحظ للمساكين في جعله في مقابلته * (مسألة) * (والكفارة كالدين في أحد الوجهين)

دين الله تعالى كالنذر والكفارة فيه وجهان: أحدهما يمنع الزكاة لانه دين يجب قضاؤه فهو كدين الآدمي وقد قال عليه السلام " دين الله أحق أن يقضى " والآخر لا يمنع لأن الزكاة آكد منه لتعلقها بالعين فهي كأرش الجناية، ويفارق دين الآدمي لتأكده وتوجه المطالبة به فان نذر الصدقة بمعين فقال الله على إن أتصدق بهذه المائتي درهم اذا حال الحول. فقال ابن عقيل: يخرجها ولا زكاة عليه لأن النذر آكد لتعلقه بالعين والزكاة مختلف فيها، ويحتمل أن تلزمه زكاتها وتجزيه الصدقة بها إلا أنه ينوي الزكاة بقدرها ويكون ذلك صدقة مجزية عن الزكاة والنذر لكون الزكاة صدقة وباقيها يكون صدقة لنذره وليس بزكاة، وإن نذر الصدقة ببعضها وكان ذلك البعض قدر الزكاة أو أكثر. فعلى هذا الاحتمال يخرج المنذور وبنوي الزكاة بقدرها منه، وعلى قول ابن عقيل يحتمل أن تجب الزكاة عليه لان النذر انما تعلق بالبعض بعد وجود سبب الزكاة وتمام شرطه فلا يمنع الوجوب لكون المحل متسعاً لهما جميعاً، وإن كان المنذور أقل من قدر الزكاة وجب قدر الزكاة ودخل النذر فيه في أحد الوجهين، وفي الآخر يجب إخراجهما جميعاً (فصل) وإذا قلنا لا يمنع الدين وجوب الزكاة في الأموال الظاهرة فحجر الحاكم عليه بعد وجوب الزكاة لم يملك اخراجها لأنه قد انقطع تصرفه في ماله وإن أقربها بعد الحجر لم يقبل إقراره ويتعلق بذمته كدين الآدمي، ويحتمل أن تسقط إذا حجر عليه قبل امكان ادائها كما لو تلف ماله، فإن أقر الغرماء بوجوب الزكاة عليه أو ثبت ببينة أو كان قد أقر بها قبل الحجر عليه وجب اخراجها من المال

فان تركوها فعليهم اثمها، فان حجر الحاكم على المفلس في أمواله الزكوية فهل ينقطع حولها - يخرج على الروايتين في المال المغصوب وقد ذكرناه (فصل) وإذا جنى العبد المعد للتجارة جناية تعلق أرشها برقبته ومنع وجوب الزكاة فيه إن كان ينقص النصاب لانه دين وان لم ينقص النصاب منع الزكاة في قدر ما يقابل الارش * (مسألة) * (الشرط الخامس مضي الحول شرط إلا في الخارج من الأرض) مضي الحول شرط لوجوب الزكاة في السائمة والاثمان وعروض التجارة لا يعلم في ذلك خلافا إلا ما نذكره في المستفاد. والأصل فيه ما روى ابن ماجة بإسناده عن عائشة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول " رواه ابن عمر أيضاً وأخرجه الترمذي وهو لفظ عام. فأما ما يكال ويدخر من الزروع والثمار والمعدن فلا يعتبر لهما حول، والفرق بين ما اعتبر له الحول وما لا يعتبر أن ما اعتبر له الحول مرصد للنماء، فالماشية مرصدة للدر والنسل، وعروض التجارة مرصدة للربح، وكذا الاثمان فاعتبر له الحول لكونه مظنة النماء ليكون إخراج الزكاة من الربح فانه أسهل وأيسر، ولأن الزكاة انما وجبت مواساة ولم يعتبر حقيقة النماء لكثرة اختلافه وعدم ضبطه ولأن ما اعتبرت مظنته لم يلتفت إلى حقيقته كالحكم مع الاسباب، ولان الزكاة تتكرر في هذه الاموال فلا بد لها من ضابط كيلا يفضي إلى تعاقب الوجوب في الزمن الواحد فينفذ مال المالك. أما الزروع والثمار فهي نماء في نفسها تتكامل عند اخراج الزكاة منها فتؤخذ الزكاة منها حينئذ ثم تعود في النقص بملا تجب فيها زكاة ثانية لعدم ارصادها للنماء، وكذلك الخارج من المعدن مستفاد خارج من الارض فنزلة الزروع والثمار إلا أنه إن كان من جنس الأثمان وجبت وجبت فيه الزكاة عند كل حول لانه مظنة

للنماء من حيث إن الأثمان قيم الأموال ورؤوس مال التجارات وبها تحصل المضاربة والشركة وهي مخلوقة لذلك فكانت بأصلها وخلقتها كمال التجارة المعد لها * (مسألة) * (فإذا استفاد مالا فلا زكاة حتى يتم عليه الحول الانتاج السائمة وربح التجارة فإن حوله حول مثله إن كان نصابا، وإن لم يكن نصابا فحوله من حين كمل النصاب) وجملة ذلك أن من استفاد مالا زكويا مما يعتبر له الحول ولم يكن له مال سواه وكان المستفاد نصاباً أو كان له مال من جنسه لا يبلغ نصابا فبلغ بالمستفاد نصابا انعقد عليه حول الزكاة من حينئذ، فاذا تم وجبت فيه الزكاة لعموم قوله عليه السلام " لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول " وهذا مذهب الشافعي واسحق وأبي ثور وأصحاب لرأي لانه لم يحل الحول على النصاب فلم تجب الزكاة فيها كما لو كملت بغير سخالها، والحكم في فصلان الابل وعجول البقر كالحكم في السخال، وعن أحمد فيمن ملك النصاب من الغنم فكمل بالسخال احتسب الحول من حين ملك الامهات وهو قول مالك والمذهب الأول لأن النصاب هو السبب فاعتبر مضي الحول على جميعه. وإن كان عنده نصاب لم يخل المستفاد من ثلاثة أقسام: أحدها أن يكون من نمائه كربح مال التجارة ونتاج السائمة فهذا يجب ضمه إلى ما عنده من أصله في الحول لا نعلم في ذلك خلافاً إلا ما حكي عن الحسن والنخعي: لا زكاة في السخال حتى يحول عليها الحول للحديث المذكور، والأول أولى لقول عمر رضي الله عنه لساعيه: اعتد عليهم بالسخلة

مسألة: والكفارة كالدين في أحد الوجهين

يروح بها الراعي على يديه. والحديث مخصوص بربح التجارة لأنه تبع له من جنسه أشبه زيادة القيمة في العروض وثمن العبد والجارية القسم الثاني: أن يكون المستفاد من غير جنس النصاب فهذا له حكم نفسه لا يضم الى ما عنده في حول ولا نصاب، بل إن كان نصابا استقبل به حولا وزكاه والا فلا شئ فيه وهذا قول جمهور العلماء. وروي عن ابن مسعود وابن عباس ومعاوية أن الزكاة تجب فيه حين استفاده. قال أحمد عن غير واحد: يزكيه حين يستفيده. وعن الأوزاعي فيمن باع عبده انه يزكي الثمن حين يقع في يده إلا أن يكون له شهر يعلم فيؤخره حتى يزكيه مع ماله، وجمهور العلماء على القول الأول منهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم. قال ابن عبد البر: والخلاف في ذلك شذوذ لم يعرج عليه أحد من العلماء ولا قال به أحد من أهل الفتوى لما ذكرنا من الحديث. وقد روي عن أحمد فيمن باع دار. بعشرة آلاف الى سنة اذا قبض المال يزكيه، وهذا محمول من قوله على انه يزكيه لكونه ديناً في ذمة المشتري فيجب على البائع زكاته كسائر الديون. وقد صرح بذلك في رواية بكر بن محمد عن أبيه فقال: اذا أكرى عبداً أو داراً في سنة بألف فحصلت له الدراهم وقبضها زكاها إذا حال عليها الحول من حين قبضها، وإن كانت على المكتري فمن يوم وجبت له فيها الزكاة يمنزلة الدين اذا وجب له على صاحبه زكاه من يوم وجب له القسم الثالث: أن يستفيد مالا من جنس نصاب عنده قد انعقد عليه حول الزكاة بسبب مستقل كمن عنده أربعون من الغنم مضى عليها بعض الحول فيشتري أو يرث أو يهب مائة فهذا لا يجب فيه

مسألة: الشرط الخامس مضي الحول شرط إلا في الخارج من الارض

الزكاة حتى يمضي عليه حول أيضاً وبهذا قال الشافعي، ولا يبني الوارث حوله على حول الموروث وهو أحد القولين للشافعي لأنه تجديد ملك، والقول الثاني أنه ينبى على حول موروثه لأن ملكه مبني على ملك الموروث بدليل أنه لو اشترى شيئاً معيباً ثم مات قام الوارث مقامه في الرد بالعيب والأول أولى. وقال أبو حنيفة يضمها الى ما عنده في الحول فيزكيهما جميعاً عند تمام حول المال الأول الذي كان عنده إلا أن يكون عوضاً من مال مزكى. والدليل على ذلك أنه مال يضم الى جنسه في النصاب فضم اليه في الحول كالنتاج ولأنه اذا ضم في النصاب وهو سبب فضمه اليه في الحول الذي هو شرط أولى، وبيان ذلك أنه لو ان عنده مائتا درهم مضى عليها بعض الحول فوهب له مائة أخرى فان الزكاة تجب فيها اذا تم حولها بغير خلاف، ولولا المائتان ما وجب فيها شئ، فاذا ضمت الى المائتين في أصل الوجوب فكذلك في وقته، ولأن افراده بالحول يفضي الى تشقيص الواجب في السائمة واختلاف أوقات الواجب والحاجة الى ضبط أوقات التملك ومعرفة قدر الواجب في كل جزء ملكه ووجوب القدر اليسير الذي لا يتمكن من إخراجه ويتكرر ذلك وهذا حرج منفي بقوله تعالى (وما جعل عليكم في الدين من حرج) وقد اعتبر الشارع ذلك بايجاب غير الجنس فيما دون خمس وعشرين من الابل وضم الأرباح والنتاج الى حول أصلها مقرونا بدفع هذه المفسدة، فدل على أنه علة لذلك فيتعدى الحكم إلى محل النزاع وقال مالك كقول أبي حنيفة في السائمة دفعاً للتشقيص في الواجب وكقولنا في الاثمان لعدم ذلك فيها ولنا قوله عليه الصلاة والسلام " لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول " رواه ابن ماجه. وروى الترمذي بإسناده عن ابن عمر أنه قال: من استفاد مالا فلا زكاة فيه حتى يحول عليه الحول، ورواه مرفوعا إلا أنه قال الموقوف أصح. وانما رفعه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وهو ضعيف، ولأنه مملوك أصلا فيعتبر له الحول شرطا كالمستفاد من غير الجنس. وأما الارباح والنتاج فانما ضمت الى أصلها لانها تبع لها ومتولدة منها لا لما ذكرتم، وإن سلمنا أن علة ضمها ما ذكرتم من الحرج إلا ان الحرج في الارباح يكثر ويتكرر في الأيام والساعات ويعسر ضبطها، وكذلك النتاج وقد يوجد ولا يشعر به فالمشقة فيه أتم لكثرة تكرره بخلاف هذه الاسباب المستقلة فان الميراث والاغتنام والاتهاب ونحو ذلك يندر ولا يتكرر غالباً فلا يشق ذلك فيه وإن شق فهو دون المشقة في الاولاد والارباح فيمتنع الالحاق، وقولهم: ذلك حرج. قلنا التيسير فيما ذكرنا أكثر لان المالك يتخير بين التعجيل والتأخير وهم يلزمونه بالتعجيل، ولا يشك بأن التخيير بين شيئين أيسر من تعيين أحدهما، لانه

مسألة: فإذا استفاد مالا فلا زكاة حتى يتم عليه الحول

حينئذ يختار أيسرهما عليه، وأما ضمه اليه في النصاب فلأن النصاب معتبر لحصول الغنى وقد حصل الغنى بالنصاب الاول، والحول معتبر لاستنماء المال ليحصل أداء الزكاة من الربح، ولا يحصل ذلك بمرور الحول على أصله فوجب أن يعتبر له الحول * (مسألة) * (وإن ملك نصابا صغاراً انعقد عليه الحول من حين ملكه وعنه لا ينعقد حتى يبلغ سنا يجزي مثله في الزكاة) . الرواية الأولى هي المشهورة في المذهب لعموم قوله عليه السلام " في خمس من الإبل شاة " ولأن السخال تعد مع غيرها فتعد منفردة كالامهات. والرواية الثانية: لا ينعقد عليه الحول حتى يبلغ سنا يجزي مثله في الزكاة وهو قول أبي حنيفة، وحكي عن الشعبي لأنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " ليس في السخال زكاة " ولأن السن معنى يتغير به الفرض فكان لنقصانه تأثير في الزكاة كالعدد، والأولى أولى، والحديث يرويه جابر الجعفي وهو ضعيف عن الشعبي مرسلا ثم يمكن حمله على أنه لا يجب فيها قبل حولان الحول والعدد تزيد الزكاة بزيادته بخلاف السن، فاذا قلنا بالرواية الثانية وماتت الامهات كلها إلا واحدة لم ينقطع الحول، وان ماتت كلها انقطع، وقال ابن عقيل إذا كانت السخال لا تأكل المرعى بل تشرب اللبن احتمل أن لا تجب فيها الزكاة لعدم تحقق السوم فيها واحتمل أن تجب لأنها تبع للامهات كما تتبعها في الحول * (مسألة) * (ومتى نقص النصاب في بعض الحول أو باعه أو أبدله بغير جنسه انقطع الحول) وجود النصاب في جميع الحول شرط لوجوب شرط لوجوب الزكاة فان نقص الحول نقصا يسيراً، فقال أبو بكر ثبت أن نقص الحول ساعة أو ساعتين معفو عنه، وقال شيخنا في كتاب الكافي: أن نتجت واحدة ثم هلكت واحدة لم ينقطع الحول، وإن خرج بعضها وهلكت الأخرى قبل خروج بقيتها انقطع الحول لأنه لا يثبت لها حكم الوجود في الزكاة حتى يخرج جميعها وقال القاضي إن كان النتاج والموت حصلا في وقت واحد لم تسقط الزكاة لان النصاب لم ينقص وإن تقدم الموت النتاج سقطت الزكاة وظاهر قولهما أنه لا يعفى عن النقص في الحول وإن كان يسيراً لعموم قوله عليه السلام " لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول " ويحتمل أن يحمل كلام ابي بكر على أنه أراد النقص في طرف الحول فيكون كنقص النصاب حبة أو حبتين والله أعلم. وقال بعض أصحابنا: أن نقص الحول أقل من يوم لا يؤثر لانه يسير أشبه الحبة والحبتين، وظاهر الحديث يقتضي التأتير وهو أولى إن شاء الله تعالى (فصل) ومتى باع النصاب في أثناء الحول أو أبدله بغير جنسه انقطع حول الزكاة واستأنف له

حولا لما ذكرنا من الحديث ولا نعلم في ذلك خلافاً إلا أن يبدل ذهباً بفضة أو فضة بذهب فإنه مبني على الروايتين في ضم أحدهما إلى الآخر احداهما يضم لانهما كالجنس الواحد إذ هما أروش الجنايات وقيم المتلفات فهما كالمال الواحد فعلى هذا لا ينقطع الحول: والرواية الثانية لا يضم أحدهما إلى الآخر لانهما جنسان في باب الربا فلم يضم أحدهما إلى الآخر كالتمر والزبيب فعلى هذا ينقطع الحول، ولا يبنى أحدهما على حول الآخر كالجنسين من الماشية * (مسألة) * (إلا أن يقصد بذلك الفرار من الزكاة عند قرب وجوبها فلا تسقط) وكذا لو أتلف جزءاً من النصاب لينقص النصاب فتسقط عنه الزكاة لم تسقط وتؤخذ منه في آخر الحول، وهذا قول مالك والاوزاعي وابن الماجشون وإسحق وأبي عبيد، وقال أبو حنيفة والشافعي تسقط عنه الزكاة لانه نقص قبل تمام حوله فلم تجب فيه الزكاة كما لو أتلفه لحاجته. ولنا قوله عزوجل (إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة - إلى قوله - فأصبحت كالصريم) فعاقبهم الله تعالى بذلك لفرارهم من الصدقة ولأنه قصد اسقاط نصيب من انعقد سبب استحقاقه فلم يسقط كما لو طلق امرأته في مرض موته ولانه لما قصد قصداً فاسداً اقتضت الحكمة عقوبته بنقيض قصده كمن قتل موروثه لاستعجال ميراثه عاقبه الشرع بالحرمان. أما اذا أتلفه لحاجة فلم يقصد قصداً فاسداً وانما يؤثر ذلك إذا كان عند قرب الوجوب لانه حينئذ مظنة الفرار فان فعل ذلك في أول الحول لم تجب الزكاة لكونه ليس بمظنة للفرار وقيل تجب لما ذكرنا. (فصل) وإذا قلنا لا تسقط الزكاة وحال الحول أخرج الزكاة من جنس المال المبيع دون الموجود لانه الذي وجبت الزكاة بسببه ولولاه لم يجب في هذه زكاة. (فصل) وإذا باع النصاب فانقطع الحول ثم وجد بالثاني عيبا فرده استأنف حولا لزوال ملكه بالبيع قل الزمان أو كثر وإن حال الحول على النصاب المشترى وجبت فيه الزكاة فان وجد به عيباً قبل اخراج زكاته فله الرد سواء قلنا الزكاة تتعلق بالعين أو بالذمة لأن الزكاة لا تتعلق بالعين بمعنى استحقاق الفقراء جزءاً منه بل بمعنى تعلق حقهم به كتعلق الارش بالجاني فعلى هذا يرد النصاب وعليه إخراج زكاته من مال آخر فان أخرج الزكاة منه ثم أراد رده انبنى على المعيب اذا حدث به عيب آخر عن المشتري هل له رد؟ على روايتين ومتى رده فعليه عوض الشاة المخرجة تحسب عليه بحصتها من الثمن والقول قول المشتري في قيمتها مع يمينه لأنه غارم إذا لم يكن بينة، وفيه وجه أن القول قول البائع لانه يغرم ثمن المبيع فبرده والأول أصح لأن الغارم لثمن الشاة المدعاة هو المشتري فان أخرج الزكاة من غير النصاب فله الرد وجهاً واحداً.

(فصل) وإن كان البيع بالخيار انقطع الحول في ظاهر المذهب سواء كان الخيار للبائع أو للمشتري أو لهما لأن ظاهر المذهب أن البيع بشرط الخيار ينقل الملك عقيب العقد ولا يقف على انقضاء الخيار فعلى هذا إذا رد المبيع على البائع استقبل به حولا، وعن أحمد لا ينتقل الملك حتى ينقضي الخيار وهو قول مالك وقال أبو حنيفة لا ينتقل الملك إن كان الخيار للبائع وإن كان للمشتري خرج عن البائع ولم يدخل في ملك المشتري، وعن الشافعي ثلاثة أقوال قولان كالروايتين وقول ثالث أنه م؟ اعى فان فسخاه تبينا أنه لم ينتقل وإلا تبينا أنه انتقل. ولنا أنه بيع صحيح فانتقل الملك عقيبه كما لو يشترط الخيار وهكذا الحكم لو فسخا البيع في المجلس بخيارهما لأنه لا يمنع نقل الملك فهو كخيار الشرط. ولو مضى الحول في مدة الخيار ثم فسخا البيع كانت زكاته على المشتري لأنه ملكه، وإن قلنا بالرواية الأخرى لم ينقطع الحول ببيعه لأن ملك البائع لم يزل عنه ولو حال عليه الحول في مدة الخيار كانت زكاته على البائع، فإن أخرجها من غيره فالبيع بحاله وان اخرجها منه بطل البيع في المخرج وهل يبطل في الباقي؟ على وجهين بناء على تفريق الصفقة وان لم يخرجها حتى سلمت الى المشتري وانقضت مدة الخيار لزم البيع فيه وكان عليه الاخراج من غيره كما لو باع ما وجبت فيه الزكاة، ولو اشترى عبداً فهل هلال شوال ففطرته على المشتري وإن كان في مدة الخيار على الصحيح، وعلى الرواية الأخرى يكون في مدة الخيار على البائع. (فصل) فإن كان البيع فاسداً لم ينقطع به الحول وبني على حوله الأول لأنه لا ينقل الملك الا أن يقبضه المشتري ويتعذر رده فيصير كالمغصوب على ما مضى. (فصل) ويجوز التصرف في النصاب الذي وجبت فيه الزكاة بالبيع وأنواع التصرفات وليس للساعي فسخ البيع، وقال أبو حنيفة يصح إلا أنه إذا امتنع من أداء الزكاة نقض البيع في قدرها وقال الشافعي في أحد قوليه لا يصح لاننا إذا قلنا إن الزكاة تتعلق بالعين فقد باع ما لا يملكه، وان قلنا تتعلق بالذمة فقدر الزكاة مرتهن بها وبيع الرهن لا يجوز. ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها متفق عليه، ومفهومه صحة بيعها إذا بدا صلاحها وهو عام فيما تجب فيه الزكاة وغيره، ونهى عن بيع الحب حتى يشتد والعنب حتى يسود وهما مما تجب الزكاة فيه، ولان الزكاة ان وجبت في الذمة لم تمنع صحة بيع النصاب كما لو باع ماله وعليه دين لآدمي وان تعلقت بالعين فهو تعلق لا يمنع التصرف في جزء من النصاب فلم يمنع بيع جميعه

مسألة: وإن ملك نصابا صغارا انعقد عليه الحول من حين ملكه وعنه ولا ينعقد حتى يبلغ سنا يجزي مثله في الزكاة

كأرش الجناية وقولهم: باع ما لا يملكه لا يصح فإن الملك لم يثبت للفقراء في النصاب بدليل أن له أداء الزكاة من غيره بغير رضاهم وليس برهن فان أحكام الرهن غير ثابتة فيه فعلى هذا إذا تصرف في النصاب ثم أخرج الزكاة من غيره والا كلف اخراجها وتحصيلها إن لم تكن عنده فان عجز بقيت في ذمته كسائر الديون، ويحتمل أن يفسخ البيع في قدر الزكاة ههنا وتؤخذ من النصاب ويرجع البائع عليه بقدرها لأن على الفقراء ضرراً في إتمام البيع وتفويتاً لحقوقهم فوجب فسخه لقوله عليه السلام " لا ضرر ولا ضرار " وهذا أصح. * (مسألة) * (وإن أبدله بنصاب من جنسه بني على حوله) ويتخرج أن ينقطع اذا باع نصابا للزكاة مما يعتبر له الحول بجنسه كالابل بالابل والذهب بالذهب لم ينقع الحول، ويبني حول الثاني على حول الاول وبهذا قال مالك، ويتخرج أن ينقطع الحول ويستأنف الحول من حين الشراء وهذا مذهب الشافعي لقوله عليه السلام " لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول " ولأنه أصل بنفسه فلم يبن على حول غيره كما لو اختلف الجنسان، ووافقنا أبو حنيفة في الاثمان ووافق الشافعي فيما سواها لأن الزكاة إنما وجبت في الاثمان لكونها ثمنا وهذا المعنى يشمله بخلاف غيرها ولنا أنه نصاب يضم اليه نماؤه في الحول فبنى حول بدله من جنسه على حوله كالعروض والحديث مخصوص بالنماء والعروض والنتاج فنقيس عليه محل النزاع والجنسان لا يضم أحدهما إلى الآخر مع وجودهما فأولى أن لا يبنى حول أحدهما على الآخر. (فصل) قال أحمد بن سعيد سألت أحمد عن الرجل يكون عنده غنم سائمة فيبيعها بضعفها من الغنم أعليه أن يزكيها كلها أم يعطي زكاة الاصل؟ قال بل يزكيها كلها على حديث عمر في السخلة يروح بها الراعي لان نماها معها (قلت) فان كانت للتجارة؟ قال يزكيها كلها على حديث حماس. فأما إن باع النصاب بدون النصاب انقطع الحول، وإن كان عنده مائتان فباعها بمائة فعليه زكاة مائة وحدها * (مسألة) * (وإذا تم الحول وجبت الزكاة في عين المال وعنه تجب في الذمة) الزكاة تجب في عين المال اذا تم الحول في إحدى الروايتين عن أحمد وأحد قولي الشافعي وهذه الرواية هي الظاهرة عند أكثر الأصحاب لقول النبي صلى الله عليه وسلم " في أربعين شاة شاة - وقوله - فيما سقت السماء العشر " وغير ذلك من الالفاظ الواردة بحرف في وهي للنظر فيه، وإنما جاز الاخراج من غير النصاب رخصة.

مسألة: ومتى نقص النصاب في بعض الحول أو باعه أو أبدله بغير جنسه انقطع الحول

والرواية الثانية: أنها تجب في الذمة وهو القول الثاني للشافعي واختيار الخرقي لان اخراجها من غير النصاب جائر فلم تكن واجبة فيد كزكاة الفطر ولانها لو وجب فيه لامتنع المالك من التصرف فيه ولتمكن المستحقون من الزامه أداء الزكاة من عينه أو ظهر شئ من أحكام ثبوته فيه ولسقطت الزكاة بتلف النصاب من غير تفريط كسقوط أرش الجناية بتلف الجاني، وفائدة الخلاف فيما إذا كان له نصاب فحال عليه حولان لم يؤد زكاتها وسنذكره إن شاء الله تعالى. * (مسألة) * (ولا يعتبر في وجوبها مكان الاداء) الزكاة تجب بحولان الحول وان لم يتمكن من الاداء، وبهذا قال أبو حنيفة وهو أحد قولي الشافعي، وقال في الآخر هو شرط وهو قول مالك، حتى لو أتلف الماشية بعد الحول قبل امكان الاداء فلا زكاة عليه إذا لم يقصد الفرار من الزكاة لانها عبادة، فاشترط لوجوبها مكان الأداء كسائر العبادات. ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول " فمفهومه وجوبها عليه اذا حال الحول ولأنه لو لم يتمكن من الاداء حتى حال عليه حولان وجبت زكاة الحولين، ولا يجوز وجوب فرضين في نصاب واحد في حال واحدة وقياسهم ينقلب عليهم فيقال عبادة فلا يشترط لوجوبها امكان الأداء كسائر العبادات فإن الصوم يجب على الحائض والمريض والعاجز عن آدائه، والصلاة تجب على المغمى عليه والنائم ومن أدرك من أول الوقت جزءاً ثم جن أو حاضت المرأة، ثم الفرق بينهما أن تلك العبادات بدنية يكلف فعلها ببدنه فاسقطها تعذر فعلها، وهذه عبادة مالية يمكن ثبوت الشركة للمساكين في ماله والواجب في ذمته مع عجزه عن الآداء كثبوت الديون في ذمة المفلس وتعلقها بماله بجنايته * (مسألة) * (ولا تسقط بتلف المال وعنه أنها تسقط إذا لم يفرط) المشهور عن أحمد أن الزكاة لا تسقط بتلف المال سواء فرط أو لم يفرط وحكى عنه الميموني أنه إن أتلف النصاب قبل التمكن من الأداء سقطت الزكاة وان تلف بعده لم تسقط، وحاكه ابن المنذر مذهباً لأحمد وهو قول الشافعي والحسن بن صالح واسحق وأبي ثور وابن المنذر وبه قال مالك إلا في الماشية فإنه قال لا شئ فيها حتى يجئ المصدق فان هلكت قبل مجيئه فلا شئ عليه وقال أبو حنيفة تسقط الزكاة بتلف النصاب على كل حال إلا أن يكون الامام قد طالبه بها فمنعه لانه تلف قبل محل الاستحقاق فسقطت الزكاة كما لو تلف الثمرة قبل الجذاذ ولانه تعلق بالعين فسقط بتلفها كارش الجناية في العبد الجاني، ومن اشترط التمكن قال هذه عبادة يتعلق وجوبها بالمال فيسقط فرضها بتلفه قبل إمكان آدائها كالحج، ومن نصر الأول قال مال وجب في الذمة فلم يسقط بتلف النصاب كالدين

مسألة: إلا أن يقصد بذلك الفرار من الزكاة عند قرب وجوبها فلا تسقط

أو فلم يشترط في ضمانه امكان الاداء كثمن المبيع، فأما الثمرة فلا تجب زكاتها في الذمة حتى تحرز لأنها في حكم غير المقبوض ولهذا لو تلفت كانت من ضمان البائع على ما دل عليه الخبر، واذا قلنا بوجوب الزكاة في العين فليس هو بمعنى استحقاق جزء منه ولهذا لا يمنع التصرف فيه والحج لا يجب حتى يتمكن من الأداء فإذا وجب لم يسقط بتلف المال بخلاف الزكاة فان التمكن ليس بشرط لوجوبها على ما قدمنا قال شيخنا والصحيح إن شاء الله أن الزكاة تسقط بتلف المال إذا لم يفرط في الاداء لأنها تجب على سبيل المواساة فلا تجب على وجه يجب أداؤها مع عدم المال وفقر من تجب عليه ولأنه حق يتعلق بالعين فيسقط بتلفها من غير تفريط كالوديعة والتفريط ان يمكنه اخراجها فلا يخرجها فان لم يتمكن من اخراجها فليس بمفرط سواء كان لعدم المستحقق أو لبعد المال أو لكون الفرض لا يوجد في المال ولا يجد ما يشتري أو كان في طلب الشراء ونحو ذلك، وإن قلنا بوجوبها بعد التلف فأمكنه أداؤها أداها وإلا أمهل إلى ميسرته وتمكنه من أدائها من غير مضرة عليه، لأنه إذا لزم انظاره بدين الادمي المعين فهذا أولى فإن تلف الزائد عن النصاب في السائمة لم يسقط شئ من الزكاة لانها تتعلق بالنصاب دون العفو: * (مسألة) * (وإذا مضى حولان على نصاب لم يؤد زكاتهما فعليه زكاة واحدة إن قلنا تجب في العين وزكاتان إن قلنا تجب في الذمة إلا ما كان زكاته الغنم من الا بل فإن فيه لكل حول زكاة) إذا كان عنده أربعون شاة مضى عليها ثلاثة أحول لم يؤد زكاتها فعليه شاة واحدة، إن قلنا تجب في العين لان الزكاة تعلقت في الحول الأول من النصاب بقدرها فلم تجب فيه فيما بعده زكاة لنقصه عن النصاب وهذا هو المنصوص عن أحمد في رواية جماعة فإنه قال في رواية محمد بن الحكم إذا كانت الغنم أربعين فلم يأته المصدق عامين فاذا أخذ المصدق شاة فليس عليه شئ في الباقي وفيه خلاف وقال في رواية صالح إذا كان عند الرجل مائتا درهم فلم يزكها حتى حال عليها حول آخر يزكيها للعام الأول لأن هذه تصير مائتين غير خمسة دراهم وقال في رجل له ألف درهم فلم يزكها سنين زكى في أول سنة خمسة وعشرين ثم في كل سنة بحساب ما بقي وهذا قول مالك والشافعي وأبي عبيد فان كان عنده أربعون من الغنم نتجت سخلة في كل حول وجب عليه في كل سنة شاة لان النصاب كمل بالسخلة الحادثة فان كان نتاج السخلة بعد وجوب الزكاة عليه استؤنف الحول الثاني من حين نتجت لأنه حينئذ كمل وإن قلنا أن الزكاة تجب في الذمة وجب عليه لكل حول زكاة، مثل من له أربعون شاة مضى عليها ثلاثة أحوال لم يؤد زكاتها فعليه ثلاث شياه وكذلك من له مائة دينار مضى عليها ثلاثة أحوال لم يؤد زكاتها فعليه فيها سبعة دنانير ونصف لأن الزكاة وجبت في ذمته فلم تؤثر في تنقيص

النصاب لكن إن لم يكن له مال آخر يؤدي الزكاة منه احتمل أن تسقط الزكاة في قدرها لان الدين يمنع وجوب الزكاة، وقال ابن عقيل لا تسقط الزكاة بهذا الحال لان الشئ لا يسقط نفسه وقد يسقط غيره بدليل ان تغير الماء بالنجاسة في محلها لا يمنع صحة طهارتها وازالتها به ويمنع إزالة نجاسة غيرها والأول أولى لأن الزكاة الثانية غير الأولى. (فصل) فأما ما كانت زكاته الغنم من الابل كما دون خمس وعشرين فان عليه لكل حول زكاة نص عليه أحمد فقال في رواية الأثرم المال غير الابل اذا أدي عن الابل لم تنقص ذلك لأن الفرض يجب من غيرها فلا يمكن تعلقه بالعين وقال الشافعي في أحد قوليه إن الزكاة تنقصه كسائر الاموال فاذا كان عنده خمس من الإبل فمضى عليها أحوال فعلى قولنا يجب فيها لكل حول شاة وعلى قوله لا يجب فيها إلا شاة واحدة لانها نقصت بوجوب الزكاة فيها في الحول الأول عن خمسة كاملة فلم يجب فيها شئ كما لو ملك أربعا وجزءاً من بعير ولنا أن الواجب من غير جنس النصاب فلم ينقص به النصاب كما لو أداه وفارق غيره من المال، فان الزكاة يتعلق وجوبها بعينه فتنقصه كما لو أداه من النصاب. فعلى هذا لو ملك خمساً وعشرين فحالت عليها أحوال فعليه للحول الاول بنت مخاض وعليه لكل حول بعده أربع شياه؟ وإن بلغت قيم الشياه الواجبة أكثر من خمس من الإبل * (مسألة) * (وإن كان أكثر من نصاب فعليه زكاة جميعه لكل حول) إن قلنا تجب في الذمة، وإن قلنا تجب في العين نقص من زكاته لكل حول بقدر نقصه لها، وقد ذكرنا شرح ذلك في المسألة قبلها * (مسألة) * (واذا مات من عليه الزكاة أخذت من تركته، فإن كان عليه دين اقتسموا بالحصص) إذا مات من عليه الزكاة أخذت من تركته ولم تسقط بموته، هذا قول عطاء والحسن والزهري وقتادة ومالك والشافعي وإسحق وأبي ثور وابن المنذر. وقال الأوزاعي والليث: تؤخذ من الثلث مقدماً على الوصايا ولا يجاوز الثلث. وقال ابن سيرين والشعبي والنخعي وحماد بن أبي سليمان والنبي والثوري وأصحاب الرأي لا يخرج إلا أن يوصي بها فتكون كسائر الوصايا تعتبر من الثلث ويزاحم بها أصحاب الوصايا لأنها عبادة من شرطها النية فسقطت بموت من هي عليه كالصوم والصلاة ولنا أنه حق واجب تصح الوصية به فلم تسقط بالموت كدين الآدمي، ويفارق الصوم والصلاة فإنهما عبادتان بدنيتان لا تصح الوصية بهما. فعلى هذا إذا كان عليه دين وضاق ماله عن الدين

والزكاة اقتسموا ماله بالحصص كديون الآدميين إذا ضاق عنها المال، ويحتمل أن تقدم الزكاة إذا قلنا إنها تتعلق بالعين كما تقدم حق المرتهن على سائر الغرماء بثمن الرهن لتعلقه به * (باب زكاة بهيمة الأنعام) * * (مسألة) * (ولا تجب إلا في السائمة منها) والسائمة الراعية وقد سامت تسوم سوما اذا رعت، وأسمتها اذا رعيتها ومنه قوله تعالى (فيه تسيمون) وذكر السائمة هاهنا احترازاً من المعلوفة والعوامل فانه لا زكاة فيها عند أكثر أهل العلم. وحكي عن مالك ان فيها الزكاة لعموم قوله عليه السلام " في كل خمس شاة " قال أحمد ليس في العوامل زكاة وأهل المدينة يرون فيها الصدقة وليس عندهم في هذا أصل

مسألة: وان أبدله بنصاب من جنسه بني على حوله

ولنا قوله صلى الله عليه وسلم في حديث بهز بن حكيم " في كل سائمة في أربعين بنت لبون " قيده بالسائمة فدل على أنه لا زكاة في غيرها، وحديثهم مطلق فيحمل على المقيد. وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم " ليس في العوامل صدقة " رواه الدارقطني، ولان وصف النماء معتبر في الزكاة، والمعلوفة يستغرق علفها نماءها ولانها تعد للانتفاع دون النماء أشبهت ثياب البذلة إلا أن تكون للتجارة فيجب فيها زكاة التجارة على ما يأتي إن شاء الله * (مسألة) * (وهي التي ترعى في أكثر الحول) متى كانت سائمة في أكثر الحول وجبت فيها الزكاة وهذا مذهب أبي حنيفة. وقال الشافعي يعتب السوم في جميع الحول لأنه شرط في الزكاة أشبه الملك وكمال النصاب ولان العلف مسقط والسوم موجب، فاذا اجتمعا غلب الاسقاط كما لو كان فيها سائمة ومعلوفة

مسألة: وإذا تم الحول وجبت الزكاة في عين المال وعنه تجب في الذمة

ولنا عموم النصوص الدالة على وجوب لزكاة في الماشية، واسم السوم لا يزول بالعلف اليسير فلم يمنع دخولها في الاخبار، ولأنه لا يمنع خفة المؤونة أشبه السائمة في جميع الحول، ولان العلف اليسير لا يمكن التحرز عنه، فاعتباره في جميع الحول يفضي الى اسقاط الزكاة بالكلية لا سيما عند من يسوغ له الفرار من الزكاة فانه متى أراد إسقاط الزكاة علفها يوما فأسقطها ولأن هذا وصف معتبر في رفع الكلفة فاعتبر فيه الاكثر كالسقي بغير كلفة في الزروع والثمار. قولهم السوم شرط ممنوع بل العلف في نصف الحول فما زاد مانع، كما ان السقي بكلفة كذلك مانع من وجوب العشر، ولئن سلمنا انه شرط فيجوز أن يكون الشرط وجوده في أكثر الحول كالقى بغير كلفة شرط في وجوب العشر. ويكتفي فيه بالوجود في الاكثر، ويفارق ما إذا كان بعض النصاب معلوفا لأن النصاب سبب الوجوب

مسألة: ولا يعتبر في وجوبها مكان الاداء

فلا بد من وجود الشرط في جميعه، والحول والسوم شرط الوجوب فجاز أن يعتبر الشرط في أكثره * (مسألة) * وهي ثلاثة أنواع (أحدها الابل فلا زكاة فيها حتى تبلغ خمساً فتجب فيها شاة) بدأ بذكر الابل لانها أهم لكونها أعظم النعم قيمة وأجساما وأكثر أموال العرب، ووجوب الزكاة فيها مما أجمع عليه علماء الاسلام وصحت فيه السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومن أحسن ما روي فيها ما روى البخاري بإسناده عن أنس بن مالك أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كتب له كتابا لما وجهه إلى البحرين: بسم الله الرحمن الرحيم، هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم والتي أمر الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم فمن سئلها من المسلمين على وجهها فليعطها، ومن سئل فوقها فلا يعط في أربع وعشرين فما دونها من الإبل في كل خمس شاة، فإذا بلغت خمساً وعشرين إلى خمس وثلاثين

ففيها بنت مخاض أنثى، فإذا بلغت ستاً وثلاثين إلى خمس وأربعين ففيها بنت لبون أنثى، فإذا بلغت ستاً وأربعين إلى ستين ففيها حقة طروقة الجمل، فإذا بلغت واحدة وستين إلى خمس وسبعين ففيها جذعة، فإذا بلغت ستاً وسبعين إلى تسعين ففيها بنتا لبون، فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومائة ففيها حقتان طروقتها الجمل، فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة، ومن لم يكن معه إلا أربع من الإبل فليس عليه فيها صدقه إلا أن يشاري بها، فإذا بلغت خمساً من الإبل ففيها شاة، وتمام الحديث نذكره إن شاء الله في أبوابه. وقول الصديق التي فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني قدر، ومنه فرض الحاكم للمرأة بمعنى التقدير وقول المصنف: ولا شئ فيها حتى تبلع خمساً مجمع عليه، وقد دل عليه قوله في هذا الحديث " ومن لم يكن معه إلا أربع من الإبل فليس فيها صدقة " وقوله عليه السلام " ليس فيما دون خمس ذود صدقة، فإذا بلغت خمسا ففيها شاة " وهذا مجمع عليه أيضاً، وقد دل عليه الحديث المذكور أيضاً،

مسألة: وإذا مضى حولان على نصاب لم يؤد زكاتهما

وانما أوجب الشارع فيما دون خمس وعشرين من الابل الشاة لأنها لا تحتمل المواساة من جنسها لان واحدة منها كثير وايجاب شقص منها يضر بالمالك والفقير، والاسقاط غير ممكن فعدل الى ايجاب الشاة جمعاً بين الحقوق فصارت أصلا في الوجوب لا يجوز إخراج الإبل مكانها (فصل) ولا يجزي في الغنم المخرجة في الزكاة إلا الجذع من الضأن وهو ماله ستة أشهر فما زاد، والثني من المعز وهو ماله سنة، وكذلك شاة الجبران وأيهما أخرج أجزأه، ولا يعتبر كونها من جنس غنمه ولا جنس غنم البلد لأن الشاة مطلقة في الخبر الذي ثبت به وجوبها، وليس غنمه ولا غنم البلد سبباً لوجوبها فلم يتقيد بذلك كالشاة الواجبة في الفدية وتكون أنثى ولا يجزئ الذكر كالشاة الواجبة في نصاب الغنم، ويحتمل أن تجزئه لأن النبي صلى الله عليه وسلم أطلق الشاة ومطلق الشاة يتناول الذكر

مسألة: وإن كان أكثر من نصاب فعليه زكاة جميعه لكل حول

والانثى وقياساً على الأضحية، فإن لم يكن له غنم لزمه شراء شاة. وقال أبو بكر يخرج عشرة دراهم قياساً على شاة الجبران ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على الشاة فيجب العمل بنصه ولان هذا اخراج قيمه فلم يجز كالشاة الواجبة في نصبها، وشاة الجبران مختصة بالبدل بالدراهم بدليل أنها لا تجوز بدلا عن الشاة الواجبة في سائمة الغنم، ولان شاة الجبران يجوز ابدالها بالدراهم مع وجودها بخلاف هذه (فصل) وتكون الشاة المخرجة كحال الابل في الجودة والرداءة التوسط فيخرج عن السمان سمينة وعن الهزال هزيلة، وعن الكرام كريمة، وعن اللئام ليئمة، فان كانت مراضاً أخرج شاة صحيحة على قدر قيمة المال، فيقال لو كانت الابل صحاحا كانت قيمتها مائة وقيمة مائة وقيمة الشاة خمسة

مسألة: وإذا مات من عليه الزكاة أخذت من تركته، فإن كان عليه دين اقتسموا بالحصص

فينقص من قيمتها قدر ما نقصت الابل، فان نقصت الابل خمس قيمتها وجب شاة قيمتها أربعة، وقيل تجزئة شاة تجزئ في الأضحية من غير نظر الى القيمة، وعلى القولين لا يجزئه مريضة لأن المخرج من غير جنسها وليس كله مراضاً فتنزل منزلة الصحاح، والمراض لا تجزئ فيها إلا صحيحة * (مسألة) * (فإن أخرج بعيراً لم يجزئه) يعني اذا أخرج بعيراً عن الشاة الواجبة في الابل لم يجزه سواء كانت قيمته أكثر من قيمة الشاة أو لم يكن، حكي ذلك عن مالك وداود. وقال الشافعي وأصحاب الرأي: يجزئ البعير عن العشرين فما دونها ويتخرج لنا مثل ذلك إذا كان المخرج مما يجزي عن خمس وعشرين لانه يحزئ عن خمس وعشرين والعشرون داخله فيها ولأن ما أجزأ عن الكثير أجزأ عما دونه كابنتي لبون عما دون ست وسبعين

باب زكاة بهيمة الأنعام، مسألة: ولا تجب إلا في السائمة منها

ولنا انه أخرج غير المنصوص عليه من غير جنسه فلم يجزه كما لو أخرج البعير عن أربعين شاة، ولانها فريضة وجبت فيها شاة فلم يجز عنها البعير كنصاب الغنم، ويفارق ابنتي لبون عن الجذعة لانهما من الجنس * (مسألة) * (وفي العشر شاتان، وفي خمسة عشرة ثلاث شياه، وفي العشرين أربع شياه) وهذا كله مجمع عليه وثابت بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي رويناها وغيرها * (مسألة) * (فإذا بلغت خمسا وعشرين ففيها بنت مخاض وهي التي لها سنة) متى بلغت الابل خمساً وعشرين ففيها بنت مخاض لا نعلم فيه خلافاً إلا أنه يحكى عن علي رضي الله عنه في خمس وعشرين خمس شياه. قال إبن المنذر: ولا يصح ذلك عنه وحكاه إجماعا، وابنة المخاض التي لها سنة وقد دخلت في الثانية سميت بذلك لأن أمها قد حملت، والماخض الحامل وليس كون أمها ماخضا شرطاً وانما ذكر تعريفاً لها بغالب حالها كتعريفه الربيبة بالحجر، وكذلك بنت اللبون

مسألة: وهي التي ترعى في أكثر الحول

وبنت المخاض أدنى سن تؤخذ في الزكاة، ولا تجب إلا في خمس وعشرين إلى خمس وثلاثين خاصة لما ذكرنا من الحديث * (مسألة) * (فإن عدمها أجزاه ابن لبون وهو الذي له سنتان، فإن عدمه لزمه بنت مخاض) إذا لم يكن في إبله بنت مخاض أجزأه ابن لبون ولا يجزئه مع وجودها لأن في حديث أنس " فإذا بلغت خمسا وعشرين ففيها بنت مخاض إلى أن تبلغ خمساً وثلاثين، فإن لم يكن فيها ابنة مخاض ففيها ابن لبون ذكر " رواه أبو داود، وهذا مجمع عليه أيضاً، فإن اشترى ابنه مخاض وأخرجها جاز لانها الأصل، وان أراد اخراج ابن لبون بعد شرائها لم يجز لأنه صار في إبله بنت مخاض، وإن لم يكن في إبله ابن لبون وأراد الشراء لزمه شراء بنت مخاض وهذا قول مالك. وقال الشافعي يجزئه شراء ابن لبون لظاهر الخبر

مسألة: وهي ثلاثة أنواع: أحدها الابل فلا زكاة فيها حتى تبلغ خمسا فتجب فيها شاة

ولنا انهما استويا في العدم فلزمته ابنة مخاض كما لو استويا في الوجود، والحديث محمول على حال وجوده لأن ذلك للرفق به اغناء له عن الشراء، ومع عدمه لا يستغني عن الشراء. على أن في بعض ألفاظ الحديث " فمن لم يكن عنده ابنة مخاض على وجها وعند ابن لبون فإنه يقبل منه وليس معه شئ " فشرط في قبوله وجوده وعدمها وهذا في حديث أبي بكر، وفي بعض الالفاظ أيضاً " ومن بلغت عنده صدقة بنت مخاض وليس عنده إلا ابن لبون " وهذا تقييد يتعين حمل المطلق عليه. وإن لم يجد الا ابنة مخاض معيبة فله الانتقال إلى ابن لبون لقوله في الخبر " فمن لم يكن عنده ابنة مخاض على وجهها " ولأن وجودها كعدمها لكونها لا يجوز اخراجها فأشبه الذي لا يجد إلا ماء لا يجوز الوضوء به في انتقاله الى البدل، وان وجد ابنة مخاض أعلا من صفة الواجب لم يجزه ابن لبون

لوجود بنت مخاض على وجهها ويخير بين اخراجها وبين شراء بنت مخاض على صفة الواجب. وقال أبو بكر: يجب عليه اخراجها بناء على قوله أنه يخرج عن المراض صحيحة حكاه عنه ابن عقيل والأول أولى لأن الزكاة وجبت على وجه المساواة وكانت من جنس المخرج عنه كزكاة الحبوب (فصل) ولا يجبر نقص الذكورية بزيادة سن في غير هذا الموضع فلا يجزئه أن يخرج عن بنت لبون حقا، ولا عن الحقة جذعا مع وجودها ولا عدمها. وقال القاضي وابن عقيل: يجوز ذلك عند العدم كابن لبون عن بنت مخاض ولنا أنه لا نص فيها ولا يصح قياسهما وعلى ابن لبون مكان بنت مخاض لان زيادة سن ابن لبون على بنت مخاض يمتنع بها من صغار السباع ويرعى الشجر بنفسه وير الماء ولا يوجد هذا في الحق

مع بنت لبون لانهما يشتركان في هذا فلم يبق إلا مجرد زيادة السن فلم يقابل الانوثية، ولان تخصيصه في الحديث بالذكر دون غيره يدل على اختصاصه بالحكم بدليل الخطاب * (مسألة) * (وفي ست وثلاثين بنت لبون وفي ست وأربعين حقة وهي التي لها ثلاث سنين وفي إحدى وستين جذعة وهي التي لها أربع سنين، وفي ست وسبعين ابنتا لبون، وفي إحدى وتسعين حقتان إلى مائة وعشرين) وهذا كله مجمع عليه، والخبر الذي رويناه يدل عليه، وبنت اللبون التي تمت لها سنتان ودخلت في الثانية سميت بذلك لأن أمها قد وضعت فهي ذات لبن، والحقة التي لها ثلاث سنين ودخلت في الرابعة سميت بذلك لأنها قد استحقت أن يطرقها الفحل واستحقت أن يحمل عليها وتركب، والجذعة التي لها أربع سنين ودخلت في الخامسة وقيل لها ذلك لانها تجذع اذا سقطت سنها، وهي أعلا سن

تجب في الزكاة، وإن رضي رب المال أن يخرج مكانها ثنية جاز وهي التي لها خمس سنين ودخلت في السادسة سميت بذلك لأنها قد ألقت ثنيتها، وهذا المذكور في الاسنان ذكره أبو عبيد حكاية عن الاصمعي وأبي زيد الانصاري وأبي زياد الكلابي وغيرهم * (مسألة) * (فإذا زادت على عشرين ومائة واحدة ففيها ثلاث بنات لبون ثم في كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة) اذا زادت الابل على عشرين ومائة واحدة ففيها ثلاث بنات لبون كما ذكر في أظهر الروايتين وهذا مذهب الأوزاعي والشافعي واسحق، وفيه رواية ثانية لا يتغير الفرض الى ثلاثين ومائة فيكون فيها حقة وبنتا لبون وهذا مذهب محمد بن إسحق وأبي عبيد وإحدى الروايتين عن مالك لان الفرض لا يتغير بزيادة الواحدة بدليل سائر الفروض

مسألة: فإن أخرج بعيرا لم يجزئه

ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون " والواحدة زيادة وقد جاء مصرحاً به في حديث الصدقات الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان عند آل عمر بن الخطاب رواه أبو داود والترمذي وقال هو حديث حسن. وقال ابن عبد البر: هو أحسن شئ روي في أحاديث الصدقات فان فيه " فإذا كانت إحدى وعشرين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون " وهذا صريح لا يجوز العدول عنه ولان سائر ما جعله النبي صلى الله عليه وسلم غاية للفرض اذا زا عليه واحدة تغير الفرض، كذا هذا قولهم ان الفرض لا يتغير بزيادة الواحدة، قلنا هذا ما تغير بالواحدة وحدها بل تغير بها مع ما قبلها فهي كالواحدة الزائدة على التسعين والستين وغيرها. وقال ابن مسعود والنخعي

مسألة: وفي العشر شاتان، وفي خمسة عشرة ثلاث شياه، وفي العشرين أربع شياه

والثوري وأبو حنيفة: اذا زادت الابل على عشرين ومائة استؤنفت الفريضة في كل خمس شاة الى خمس وأربعين ومائة فيكون فيها حقتان وبنت مخاض الى خمسين ومائة ففيها ثلاث حقاق، ويستأنف الفريضة في كل خمس شاة لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب لعمرو بن حزم كتابا ذكر فيه الصدقات والديات وذكر فيه مثل هذا. ولنا أن في حديثي الصدقات الذي كتبه أبو بكر لأنس والذي كان عند آل عمر بن الخطاب مثل مذهبنا وهما صحيحان وأما كتاب عمرو بن حزم فقد اختلف في صفته فرواه الأثرم في سننه مثل مذهبنا والأخذ بذلك أولى لموافقته الاحاديث الصحيحة مع موافقته القياس فان المال اذا وجب فيه من جنسه لم يجب من غير جنسه كسائر بهيمة الانعام، وانما وجبت في الإبتداء من غير جنسه لانه ما احتمل المواساة

مسألة: فإن عدمها أجزاه ابن لبون وهو الذي له سنتان، فإن عدمه لزمه بنت مخاض

من جنسه فعدلنا الى غير الجنس ضرورة وقد زال بكثرة المال وزيادته ولانه عندهم ينتقل من بنت مخاض الى حقة بزيادة خمس من الإبل وهي زيادة يسيرة لا تقتضي الانتقال الى حقة، فانا لم ننتقل في محل الوفاق من بنت مخاض إلى حقه إلا بزيادة إحدى وعشرين، فإن زادت على عشرين ومائة جزءاً من بعير لم يتغير الفرض اجماعا لأن في بعض الروايات فاذا زادت واحدة وهذا يقيد مطلق الزيادة في الرواية الأخرى ولان سائر الفروض لا يتغير بزيادة جزء كذا هذا. وعلى كلتا الروايتين متى بلغت مائة وثلاثين ففيها حقة وبنتا لبون، وفي مائة وأربعين حقتان وبنت لبون، وفي مائة وخمسين ثلاث حقاق، وفي مائة وستين أربع بنات لبون، ثم كلما زادت على ذلك عشراً أبدلت بنت لبون بحقة، ففي مائة وسبعين حقة وثلاث بنات لبون، وفي مائة وثمانين حقتان وابنتا لبون، وفي مائة وتسعين ثلاث حقاق وبنت لبون

* (مسألة) * (فإذا بلغت مائتين انفق الفرضان، فإن شاء أخرج أربع حقاق، وإن شاء خمس بنات لبون، والمنصوص انه يخرج الحقاق) اذا بلغت إبله مائتين اجتمع الفرضان لأن فيها أربع خمسينات وخمس أربعينات فيجب عليه أربع حقاق أو خمس بنات لبون أي الفرضين شاء أخرج لوجود المقتضي لكل واحد منهما، وإن كان أحدهما أفضل من الاخر، ومنصوص أحمد رحمه الله أنه يخرج الحقاق وذلك محمول على أن عليه أربع حقاق بصفة التخيير اللهم إلا أن يكون المخرج ولي يتيم أو مجنون فليس له أن يخرج من ماله إلا أدنى الفرضين، وقال الشافعي الخيرة الى الساعي، ومقتضى قوله أن رب المال إذا أخرج لزمه اخراج أعلا الفرضين، واحتج بقول الله تعالى (ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون) ولأنه وجد سبب الفرضين

مسألة: وفي ست وثلاثين بنت لبون وفي ست وأربعين حقة

فكانت الخيرة الى المستحق أو نائبه كفتل العمد الموجب للقصاص أو الدية. ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم في كتاب الصدقات الذي كان عند آل عمر بن الخطاب " فإذا كانت مائتان ففيها أربع حقان أو خمس بنات لبون أي الشيئين وجدت أخذت " وهذا نص لا يعرج معه على ما يخالفه ولانها زكاة ثبت فيها الخيار فكان ذلك لرب المال، كالخيرة في الجبران بين الشياه ولدراهم وبين النزول والصعود والآية لا تتناول ما نحن فيه لأنه إنما يأخذ الفرض بصفة المال بدليل أنه يأخذ من الكرام كريمة ومن غيرها من الوسط فلا يكون خبيثاً ولأن الادنى ليس بخبيث وكذلك لو لم يكن يوجد إلا سبب وجوبه وجب إخراجه، وقياسنا أولى من قياسهم، لأن قياس الزكاة على مثلها أولى من قياسها على الديات، فإن كان أحد الفرضين في ماله دون الآخر فهو مخير بين اخراجه

مسألة: فإذا زادت على عشرين ومائة واحدة ففيها ثلاث بنات لبون ثم في كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة

وشراء الآخر، ولا يتعين عليه اخراج الموجود لأن الزكاة لا تجب من عين المال، وقال القاضي يتعين عليه اخراح الموجود وهو بعيد لما ذكرنا إلا أن يكون أراد إذا عجز عن شراء الاخر. (فصل) فإن أراد إخراج الفرض من نوعين نظرنا فإن لم نحتج الى تشقيص كزكاة الثلاثمائة يخرج عنها حقتين وخمس بنات لبون جاز، وهذا مذهب الشافعي وإن احتاج الى تشقيص كزكاة المائتين لم يجز لأنه لا يمكن من غير تشقيص، وقيل يحتمل أن يجوز على قياس قول أصحابنا في جواز عتق نص عبدين في الكفارة وهذا غير صحيح فإن الشرع لم يرد بالتشقيص في زكاة السائمة إلا من حاجة ولذلك جعل لها أوقاصاً دفعاً للتشقيص عن الواجب فيها وعدل فيما دون خمس وعشرين من الابل عن الجنس الى الغنم فلا يجوز القول بجوازه مع امكان العدول عنه إلى فريضة كاملة وإن وجد

أحد الفرضين كاملا والآخر ناقصا لا يمكنه اخراجه الا بجبران معه مثل أن يجد في المائتين خمس بنات لبون وثلاث حقاق تعين أخذ الفريضة الكاملة لان الجبران بدل لا يجوز مع المبدل وإن كان كل واحد يحتاج الى جبران، مثل أن يجد أربع بنات لبون وثلاث حقاق فهو مخير أيهما شاء أخرج بنات اللبون وحقة وأخذ الجبران، وان شاء أخرج الحقاق وبنت اللبون مع جبرانها، فان قال خذوا مني حقة وثلاث بنات لبون مع الجبران لم يجز لأنه لا يعدل عن الفرض مع وجوده إلى الجبران ويحتمل الجواز لكونه لا بد من الجبران، وإن لم يجد الا حقة وأربع بنات لبون أداها وأخذ الجبران ولم يكن له دفع ثلاث بنات لبون وحقة مع الجبران في أصح الوجهين، ولأصحاب الشافعي وجهان كهذين وان كان الفرضان معدومين أو معيبين فله العدول عنهما مع الجبران فإن شاء أخرج أربع جذعات وأخذ

ثماني شياه أو ثمانين درهما وان شاء دفع خمس بنات مخاض ومعها عشر شياه أو مائة درهم، وإن أحب أن ينتقل عن الحقاق الى بنات المخاض أو عن بنات اللبون الى الجذع لم يجز لأن الحقاق وبنات اللبون منصوص عليهن في هذا المال فلا يصعد الى الحقاق بجبران ولا ينزل الى بنات اللبون بجبران * (مسألة) * (وليس فيما بين الفريضتين شئ) ما بين الفريضتين يسمى الاوقاص ولا شئ فيها لعفو الشارع عنها، قال الأثرم قلت لأبي عبد الله الاوقاص كما بين الثلاثين الى الاربعين في البقر وما أشبه هذا؟ قال نعم. والشنق ما دون الفريضة قلت له كأنه ما دون الثلاثين من البقر؟ قال نعم؟ وقال الشعبي الشنق ما بين الفريضتين أيضاً، قال أصحابنا والزكاة تتعلق بالنصاب دون الوقص، ومعناه أنه إذا كان عنده ثلاثون من الإبل فالزكاة تتعلق

مسألة: فإذا بلغت مائتين انفق الفرضان، فإن شاء أخرج أربع حقاق، وإن شاء خمس بنات لبون، والمنصوص انه يخرج الحقاق

بخمس وعشرين دون الخمسة الزائدة فعلى هذا لو وجبت الزكاة فيها وتلفت الخمسة قبل التمكن من أدائها، وقلنا إن تلف المال قبل التمكن يسقط الزكاة لم يسقط ههنا منها شئ لان التالف لم تتعلق الزكاة به، وان تلف منها عشر سقط من الزكاة خمسها لان الاعتبار بتلف جزء من النصاب وانما تلف من النصاب، خمسة، وأما من قال: لا تأثير لتلف النصاب في إسقاط الزكاة فلا فائدة في الخلاف عنده في هذه المسألة فيما أعلم. * (مسألة) * (ومن وجبت عليه سن فعدمها أخرج سناً أسفل منها ومعها شاتان أو عشرون درهما وان شاء أخرج أعلى منها وأخذ مثل ذلك من الساعي) هذا هو المذهب إلا أنه لا يجوز أن يخرج أدنى من ابنة مخاض لانها أدنى سن تجب في الزكاة

ولا يخرج أعلى من الجذعة إلا أن يرضي رب المال باخراجها بغير جبران فيقبل منه، والاختيار في الصعود والنزول والشياه والدراهم الى رب المال، وبهذا قال النخعي والشافعي وابن المنذر واختلف فيه عن إسحق، وقال الثوري يخرج شاتين أو عشرة دراهم لان الشاة مقومة في الشرع بخمسة دراهم بدليل أن نصابها أربعون، ونصاب الدراهم مائتان، وقال أصحاب الرأي يدفع قيمة ما وجب عليه أو دون السن الواجبة وفضل ما بينهما دراهم. ولنا أن في حديث الصدقات الذي كتبه أبو بكر لأنس أنه قال: ومن بلغت عنده من الابل صدقة الجذعة وليست عنده حقة فانها تقبل منه الحقة ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له أو عشرين درهما، ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده وعنده الجذعة فانها تقبل منه الجذعة

وبعطيه المصدق عشرين درهما أو شاتين، ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده الا ابنة لبون فانها تقبل منه بنت لبون ويعطي شاتين أو عشرين درهما، ومن بلغت صدقته بنت لبون وليست عنده وعنده بنت مخاض فانها نقبل منه بنت مخاض ويعطي معها عشرين درهما أو شاتين، وهذا نص ثابت صحيح فلا يلتفت الى ما سواه، إذا ثبت هذا فإنه لا يجوز العدول إلى هذا الجبران مع وجود الاصل لانه مشروط في الخبر بعدم الاصل، فإن أراد أن يخرج في الجبران شاة وعشرة دراهم. فقال القاضي يجوز كما قلنا في الكفارة له إخراجها من جنسين، ولأن الشاة مقام عشرة دراهم فإذ اختار اخراجها وعشرة جاز، ويحتمل المنع لأن النبي صلى الله عليه وسلم " خير بين شاتين أو عشرين درهما " وهذا قسم ثالث فتجويزه يخالف الخبر والله أعلم.

* (مسألة) * (فإن عد السن التي تليها انتقل إلى الأخرى وجبرها بأربع شياه أو أربعين درهما وقال أبو الخطاب لا ينتقل إلا الى سن تلي الواجب) وذلك كمن وجبت عليه جذعة فعدمها وعدم الحقة أو وجبت عليه حقة فعدمها وعدم الجذعة وبنت اللبون فيجوز أن ينتقل إلى السن الثالث مع الجبران، فيخرج في الصورة الأولى ابنة لبون ومعها أربع شياه أو أربعين درهما ويخرج ابنة مخاض في الثانية ويخرج معها مثل ذلك ذكره القاضي وذكر أن أحمد أومأ اليه وهو مذهب الشافعي، وقال أبو الخطاب لا ينتقل إلا الى سن تلي الواجب فأما ان انتقل من حقة الى بنت مخاض أو من حذعة الى بنت لبون، لم يجز لأن النص إنما ورد بالعدول الى سن واحدة فيجب الاقتصار عليه كما اقتصرنا في أخذ الشاة عن الابل على الموضع الذي

مسألة: وليس فيما بين الفريضتين شيء

ورد به النص وهذا قول ابن المنذر، ووجه الأول أنه قد جوز الانتقال الى السن التي تليه مع الجبران وجوز العدول عنها أيضاً اذا عدم مع الجبران إذا كان هو الفرض وههنا لو كان موجودا أجزأ فاذا عدم جاز العدول الى ما يليه مع الجبران، والنص اذا عقل عدي وعمل بمعناه، وعلى مقتضى هذا القول يجوز العدول عن الجذعة الى بنت مخاض مع ست شياه أو ستين درهما، ومن بنت مخاض إلى الجذعة ويأخذ ست شياه، أو ستين درهما، وان أراد أن يخرج عن الاربع شياه شاتين وعشرين درهما جاز لانهما جبرانان فهما كالكفارتين وكذلك في الجبران الذي يخرجه عن فرض المائتين من الإبل إذا أخرج عن خمس بنات لبون خمس بنات مخاض أو مكان أربع حقاق أربع بنات لبون جاز أن يخرج بعض الجبران دراهم وبعضه شياها. ومتى وجد سنا تلي الواجب لم يجز العدول الى

مسألة: ومن وجبت عليه سن فعدمها أخرج سنا أسفل منها ومعها شاتان أو عشرون درهما وإن شاء أخرج أعلى منها وأخذ مثل ذلك من الساعي

سن لا تليه لان الانتقال عن السن التي تليه الى السن الاخرى بدل لا يجوز مع إمكان الاصل فلو عدم الحقة وابنة اللبون ووجد الجذعة وابنة المخاض وكان الواجب الحقة لم يجز العدول الى بنت المخاض وإن كان الواجب ابنة لبون لم يجز إخراج الجذعة. (فصل) فإن كان النصاب كله مراضا وفريضته معدومة فله أن يعدل إلى السن السفلى مع دفع الجبران، وليس له أن يصعد مع أخذ الجبران لان الجبران أكثر من الفضل الذي بين الفرضين وقد يكون الجبران خيراً من الاصل فان قيمة الصحيحين أكثر من قيمة المريضين وكذلك قيمة ما بينهما وإذا كان كذلك لم يجز في الصعود وجاز في النزول لانه متطوع بالزائد، ورب المال يقبل منه الفضل ولا يجوز للساعي أن يعطي الفضل من المساكين لذلك فإن كان المخرج ولياً ليتيم لم يجز له النزول أيضاً

لأنه لا يجوز أن يعطي الفضل من مال اليتيم فيتعين شراء الفرض من غير المال * (مسألة) * ولا مدخل للجبران في غير الإبل. وذلك لأن النص إنما ورد فيها ولبس غيرها في معناها لانها أكثر قيمة ولان الغنم لا تختلف فريضتها باختلاف سنها وما بين الفريضتين في البقر يخالف ما بين الفريضتين في الابل فامتنع القياس فمن عدم فريضة البقر أو الغنم ووجد دونها لم يجز له اخراجها وان وجد أعلى منها فأحب أن يدفعها متطوعا بغير جبران قبلت منه وإن لم يفعل كلف شراءها من غير ماله. (فصل) قال رضي الله عنه: (النوع الثاني البقر: ولا شئ فيها حتى تبلغ ثلاثين فيجب فيها تبيع أو تبيعة وهي التي لها سنة، وفي الأربعين مسنة وهي التي لها سنتان، وفي الستين تبيعان ثم في كل ثلاثين تبيع وفي كل أربعين مسنة)

مسألة: فإن عد السن التي تليها انتقل إلى الأخرى وجبرها بأربع شياه أو أربعين درهما وقال أبو الخطاب لا ينتقل إلا الى سن تلي الواجب

صدقة البقر ثابتة بالسنة والإجماع، أما السنة فروى أبو ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال " ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدي زكاتها إلا جاءت يوم القيامة أعظم ما كانت وأسمنه تنطحه بقرونها وتطؤه بأخفافها كلما نفدت أخراها عادت عليه أولاها حتى يقضي بين الناس " متفق عليه. وعن معاذ قال: بعثني النبي صلى الله عليه وسلم الى اليمن وأمرني إن أخذ من كل حالم دينارا أو عدله معافر. وأمرني إن أخذ من كل أربعين مسنة ومن كل ثلاثين بقرة تبيعاً حولياً. رواه الإمام أحمد وهذا لفظه وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة ولم يذكر الترمذي حولياً وقال حديث حسن وعند النسائي قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بعثني إلى اليمن أن لا آخذ من البقر شيئاً حتى تبلغ ثلاثين فإذا بلغت ثلاثين ففيها عجل تابع جذع أو جذعة حتى تبلغ أربعين فإذا بلغت أربعين

بقرة مسنة. وروى الإمام أحمد بإسناده عن يحيى بن الحكم إن معاذاً قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أصدق أهل اليمن وأمرني إن أخذ من البقر من كل ثلاثين تبيعا ومن كل أربعين مسنة. قال: فعرضوا علي أن آخذ مما بين الأربعين والخمسين وبين الستين والسبعين وما بين الثمانين والتسعين فأبيت ذلك وقلت لهم حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقدمت فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم فأمرني إن أخذ من كل ثلاثين تبيعا ومن أربعين مسنة ومن الستين تبيعين ومن السبعين مسنة وتبيعا، ومن الثمانين مسنتين ومن التسعين ثلاثة أتباع ومن المائة مسنة وتبيعين ومن العشرة ومائة مسنتين وتبيعا ومن العشرين ومائة ثلاث مسنات أو أربعة أتباع. وأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا آخذ فيما بين ذلك شيئاً حتى تبلغ مسنة أو جذعا يعني تبيعا. وزعم ان الأوقاص لا فريضة فيها ولا نعلم خلافاً

مسألة: ولا مدخل للجبران في غير الإبل

في وجوب الزكاة في البقر قال أبو عبيد: لا أعلم الناس يختلفون فيه اليوم، ولا تجب في البقر زكاة حتى تبلغ ثلاثين في قول جمهور العلماء وحكي عن سعيد بن المسيب والزهري أنهما قالا في كل خمس شاة لانها عدلت بالابل في الهدي والأضحية كذلك في الزكاة ولنا ما تقدم من الخبر، ولأن نصب الزكاة انما تثبت بالنص والتوقيف وليس فيما ذكراه نص ولا توقيف فلا يثبت وقياسهم منتقض بخمس وثلاثين من الغنم فانها تعدل بخمس من الإبل في الهدي ولا زكاة فيها وانما تجب الزكاة فيها إذا كانت سائمة وحكي عن مالك في العوامل والمعلوفة زكاة كقوله في الإبل لعموم الخبر.

ولنا ما روى عمر وبن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ليس في العوامل صدقة " رواه الدارقطني. وعن علي رضي الله عنه قال الراوي أحسبه عن النبي صلى الله عليه وسلم في صدقة البقر قال: " وليس في العوامل شئ " رواه أبو داود. وهذا مقيد يحمل عليه المطلق ولأنه قول علي ومعاذ وجابر ولأن صفة النماء معتبرة في الزكاة وإنما توجد في السائمة * (فصل) * والواجب فيها في كل ثلاثين تبيع أو تبيعة وهو الذي له سنة ودخل في الثانية وقيل له ذلك لأنه يتبع أمه، وفي كل أربعين مسنة وهي التي لها سنتان وهي الثنية، ولا فرض في البقر غيرهما

وفي الستين تبيعان كما ذكر في أول المسألة وهذا قول جمهور العلماء منهم الشعبي والنخعي والحسن ومالك والليث والثوري والشافعي واسحق وأبو عبيد وأبو يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة في رواية عنه فيما زاد على الاربعين بحسابه في كل بقرة ربع عشر مسنة فراراً من جعل الوقص تسعة عشر فانه مخالف لجميع أوقاصها فانها عشرة عشرة ولنا حديث معاذ المذكور وهو صريح في محل النزاع ولأن البقر أحد بهيمة الانعام فلم يجب في زكاتها كسر كسائر الأنواع ولا ينتقل من فرضها فيها بغير وقص كسائر الفروض وكما بين الثلاثين

والأربعين، ومخالفة قولهم للاصول أشد من الوجوه التي ذكرناها وعلى ان أوقاص الابل والغنم مختلفة فجاز الاختلاف ههنا فان رضي رب المال باعطاء المسنة عن التبيع والتبيعين عن المسنة أو أكبر منها سنا عنها جاز والله أعلم. * (مسألة) * ولا يجزئ الذكر في الزكاة في غير هذا إلا ابن لبون مكان بنت مخاض إذا عدمها إلا أن يكون النصاب كله ذكورا فيجزئ الذكر في الغنم وجها واحداً وفي البقر والابل في أحد

الوجهين. الذكر لا يخرج في الزكاة أصلا إلا في البقر فأما ابن لبون مكان بنت مخاض فليس بأصل ولهذا لا يجزئ مع وجودها وإنما يجزئ الذكر في البقر عن الثلاثين وما تكرر منها كالستين والتسعين وما تركب من الثلاثين وغيرها كالسبعين فيها تبيع ومسنة، وان شاء أخرج مكان الذكور أناثاً لورود النص بهما فأما الاربعون وما تكرر منها كالثمانين فلا يجزئ في فرضها إلا الأناث لنص الشارع عليها إلا أن يخرج عن المسنة تبيعين فيجوز، فاذا بلغت مائة وعشرين خير المالك بين إخراج

مسألة: ولا يجزىء الذكر في الزكاة في غير هذا الا ابن لبون مكان بنت مخاض

ثلاث مسنات أو أربعة أتباع أيهما شاء أخرج على ما نطق به الخبر، هذا التفصيل فيما إذا كان في بقر أناث * (فصل) * وإذا كان في ماشيته إناث لم يجز اخراج الذكر وجها واحداً الا في الموضعين المذكورين وقال أبو حنيفة: يجوز اخراج الذكر من الغنم الاناث لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " في أربعين شاة شاة "

ولفظ الشاة يقع على الذكر والأنثى ولأن الشاة اذا أمر بها مطلقاً أجزأ فيها الذكر والأنثى كالاضيحة ولنا أنه حيوان تجب الزكاة في عينه فكانت الانوثية معتبرة في فرضه كالابل والمطلق يتقيد بالقياس على سائر النصب، والأضحية غير معتبرة بالمال بخلاف مسئلتنا (فصل) فإن كانت ماشيته كلها ذكوراً أجزأ الذكر في الغنم وجها واحداً ولأن الزكاة مواساة فلا يكلف المواساة من غير ماله، ويجوز إخراجه في البقر في أصح الوجهين لذلك، وفيه وجه آخر أنه

لا يجوز لأن النبي صلى الله عليه وسلم نص على المسنات في الاربعينات، فيجب اتباع مورده فيكلف شراءها اذا عدمها كما لو لم يكن في ماشيته إلا معيباً. والصحيح الاول لانا قد جوزنا الذكر في الغنم مع انه لا مدخل له في زكاتها مع وجود الاناث، فالبقر التي للذكر فيها مدخل أولى وفي الابل وجهان أوجههما ما ذكرنا والفرق بين النصب الثلاثة أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على الأنثى في فرائض الابل والبقر، وأطلق الشاة الواجبة، وقال في الابل من لم يجد بنت مخاض أخرج ابن لبون ذكراً ومن حيث المعنى أن الابل يتغير فرضها بزيادة السن فاذا جوزنا اخراج الذكر أفضى الى التسوية بين الفرضين لانه يخرج ابن لبون عن خمس وعشرين للخبر وعن ست وثلاثين، وهذا المعنى يختص الابل فعلى هذا يخرج أنثى ناقصة بقدر قيمة الذكر فان قيل فالبقر أيضاً يأخذ منها تبيعاً عن ثلاثين وتبيعاً عن أربعين إذا كانت

مسألة: ويؤخذ من الصغار صغيرة ومن المراض مريض، وقال أبو بكر لا يؤخذ إلا كبيرة صحيحة على قدر المال

كلها أتبعة وقلنا بأخذ الصغيرة من الصغار قلنا هذا يلزم مثله في اخراج الانثى فلا فرق، ومن جوز اخراج الذكر في الكل قال يأخذ ابن لبون من خمس وعشرين قيمته دون قيمة ابن لبون يأخذه من ستة وثلاثين ويكون بينهما في القيمة كما بينهما في العدد ويكون الفرض بصفة المال واذا اعتبرنا القيمة لم يرد إلى التسوية كما قلنا في الغنم، ويحتمل أن يخرج ابن مخاض عن خمسة وعشرين من الابل فيقوم الذكر مقام الانثى التي في سنة كسائر النصب. * (مسألة) * (ويؤخذ من الصغار صغيرة ومن المراض مريض، وقال أبو بكر لا يؤخذ إلا كبيرة صحيحة على قدر المال) . متى كان حال نصاب كله صغاراً جاز أخذ الصغيرة في الصحيح من المذهب وانما يتصور ذلك

بان تبديل كبار بصغار في أثناء الحول أو يكون عنده نصاب من الكبار فتوالد نصابا من الصغار ثم تموت الامهات، ويحول الحول على الصغار، وقال أبو بكر لا يؤخذ إلا كبيرة تجزي في الاضحية وهو قول مالك لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إنما حقنا في الجذعة أو الثنية " ولأن زيادة السن في المال لا يزيد بها الواجب كذلك نقصانه لا ينقص به. ولنا قول الصديق رضي الله عنه والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليها، فدل على أنهم كانوا يؤدون العناق ولانه مال تجب فيه الزكاة من غير إعتبار قيمته فيجزي الاخذ من عينه كسائر الأموال. وأما زيادة السن فليس يمتنع الرفق بالمالك في الموضعين كما أن ما دون النصاب عفو وما فوقه عفو والحديث

محمول على مال فيه كبار وظاهر ما ذكره شيخنا هاهنا وقول الاصحاب أن الحكم في الفصلان والعجول كالحكم في السخال لما ذكرنا في الغنم ويكون التعديل بالقيمة مكان زيادة السن كما قلنا في اخراج الذكر من الذكور، قال شيخنا ويحتمل أن لا يجوز اخراج الفصلان والعجول وهو قول الشافعي لئلا يفضي إلى التسوية بين الفروض فيخرج ابنة مخاض عن خمس وعشرين وست وثلاثين وست وأربعين وإحدى وستين، ويخرج ابنتي اللبون عن ست وسبعين واحدى وتسعين ومائة وعشرين ويفضي الانتقال من بنت اللبون الواحدة من إحدى وستين الى ابنتي لبون في ست وسبعين مع تقارب الوقص بينهما وبينهما في الاصل أربعون، والخبر ورد في السخال فيمتنع قياس الفصلان والعجول عليها لما ذكرنا من الفرق.

(فصل) وكذلك إذا كان النصاب كله مراضا فالصحيح من المذهب جواز اخراج الفرض منه ويكون وسطاً في القيمة ولا اعتبار بقلة العيب وكثرته لأن القيمة تأتي على ذلك وهو قول الشافعي وأبي يوسف ومحمد وقال مالك إن كانت كلها جربا اخرج جرباء وان كانت هتما كلف شراء صحيحة وقال أبو بكر لا يجزئ إلا صحيحة لأن أحمد قال لا يؤخذ إلا ما يجوز في الاضاحي وللنهي عن أخذ ذات العوار فعلى هذا يكلف شراء صحيحة بقدر قيمة المريضة ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " إياك وكرائم أموالهم " وقال " إن الله لم يسألكم خيره ولم يأمركم بشره " رواه أبو داود، ولأن مبنى الزكاة على المواساة وتكليف الصحيحة عن المراض اخلال بالمواساة ولهذا يأخذ من الردئ من الحيوان والثمار من جنسه، ومن اللئام والهزال من المواشي من جنسه كذا هذا

وأما الحديث فيحممل على ما إذا كان فيه صحيح فان الغالب الصحة وإن كان في النصاب بعض الفريضة صحيحاً أخرج الصحيحة وتمم الفريضة من المراض على قدر المال ولا فرق في هذا بين الإبل والبقر والغنم، والحكم في الهرمة والمعيبة كالحكم في المريضة سواء لأنها في معناها والله أعلم (فصل) فإن اجتمع كبار وصغار وصحاح ومراض وذكور وإناث لم يؤخذ إلا أنثى كبيرة صحيحة على قدر قيمة المالين متى كانت عنده نصاب فنتجت منه سخال في أثناء الحول وجبت الزكاة في الجميع في قول أكثر أهل العلم وكأن حول السخال حول أصلها، وحكي عن الحسن والنخعي لا زكاة في السخال حتى يحول عليها الحول لقوله عليه السلام " لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول "

ولنا قول عمر رضي الله عنه لساعيه: اعتد عليهم بالسخلة يروح بها الراعي على يديه ولا تأخذها منهم. وهو مذهب علي رضي الله عنه ولا يعرف لهما مخالف في الصحابه فكان إجماعاً. والخبر مخصوص بمال التجارة فانه يضم اليه نماؤه بالاتفاق فيقاس عليه والحكم في فصلان الابل وعجاجيل البقر كالحكم في السخال. إذا ثبت هذا فان السخلة لا تؤخذ في الزكاة لما ذكرنا من قول عمر ولما ذكرنا في المسألة التي قبلها (فصل) وإن كان في النصاب ذكور وإناث لم يؤخذ الا انثى وقد ذكرنا ذلك، وإن كان فيه صحاح وأمراض أخرج صحيحة قيمتها على قدر قيمة المالين ولا يجوز إخراج المريضة لقوله تعالى (ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون) ولقوله عليه السلام " ولا يخرج في الصدقة هرمة ولا ذات عوار ولا تيس إلا أن يشاء المصدق "

مسألة: وإن كان نوعين كالبخاتي والعراب والبقر والجواميس والضأن والمعز

وان كان النصاب كله مراضا الا مقدار الفرض فهو مخير بين اخراجه وبين شراء فريضة قليلة القيمة فيخرجها، ولو كانت الصحيحة غير الفريضة بعدد الفريضة مثل من وجب عليه ابنتا لبون وعنده حواران صحيحان فان عليه شراء صحيحتين فيخرجهما وان وجبت عليه حقتان وعنده ابنتا لبون صحيحتان خير بين اخراجهما مع الجبران وبين شراء حقتين صحيحتين على قدر قيمة المال، وان كان عنده جزعتان صحيحتان فله اخراجهما مع أخذ الجبران، وان كان عليه حقتان ونصف ماله صحيح ونصفه مريض فقال ابن عقيل له اخراج حقة صحيحة وحقة مريضة لأن النصف الذي يجب فيه احدى الحقتين مريض كله، والصحيح في المذهب خلاف ذلك لأن في ماله صحيحاً ومريضاً فلم يملك اخراج مريضة كما لو كان نصابا واحداً ولم يتعين النصف الذي وجبت فيه الحقة في المراض

وكذلك لو كان لشريكين لم يتعين حق أحدهما في المراض دون الآخر، وإن كان النصاب كله صحيحا لم يجز اخراج المعيبة وإن كثرت قيمتها للنهي عن أخذها، ولما فيه من الاضرار بالفقراء ولهذا يستحق ردها في البيع وإن كثرت قيمتها * (مسألة) * (وإن كان نوعين كالبخاتي والعراب والبقر والجواميس والضأن والمعز، أو كان فيه كرام ولئام وسمان ومهاريل أخذت الفريضة من أحدهما على قدر قيمة المالين. لا نعلم خلافاً بين أهل العلم في ضم أنواع الاجناس بعضها إلى بعض في إيجاب الزكاة، قال إبن المنذر أجمع من نحفظ عنه من أهل العلم على ضم الضأن الى المعز إذا ثبت هذا فانه يخرج الزكاة من أي الأنواع أحب سواء دعت الحاجة الى ذلك، بان يكون الواجب واحداً أو لا يكون أحد النوعين

النوع الثالث في الغنم، مسألة: ولا شيء فيها حتى تبلغ أربعين فتجب فيها شاة

موجباً لواحد أو لم تدع بأن يكون كل واحد من النوعين فيه فريضة كاملة، وقال عكرمة ومالك واسحق يخرج من أكثر العددين فان استويا أخرج من أيهما شاء، وقال الشافعي القياس أن يؤخذ من كل نوع ما يخصه اختاره ابن المنذر لأنها أنواع تجب فيها الزكاة فتجب زكاة كل نوع منه كانواع الثمرة والحبوب ولنا أنهما نوعا جنس من الماشية فجاز الاخراج من أيهما شاء، كما لو استوى العددان وكالسمان والمهازيل، وما ذكره الشافعي يفضي لى تشقيص الفرض، وقد عدل الى غير الجنس فيما دون خمس وعشرين من الابل من أجل ذلك فالعدول الى النوع أولى إذا ثبت ذلك فإنه يخرج من أحد النوعين ما قيمته كقيمة المخرج من النوعين فاذا كان النوعان سواء وقيمة المخرج من أحدهما اثنى عشر وقيمة المخرج من الآخر خمسة عشر أخرج من أحدهما ما قيمته ثلاثة عشر وان كان الثلث معزاً والثلثان ضأنا

أخرج ما قيمته أربعة عشر، وإن كان بالعكس أخرج ما قيمته ثلاثة عشر، وإن كان في إبله عشر بخاتي وعشر مهرية وعشر عرابية وقيمة ابنة المخاض البختية ثلاثون والمهرية أربعة وعشرون والعرابية اثنى عشر أخرج ابنة مخاض قيمتها ثلث قيمة بنت مخاض بختية وهو عشرة وثلث قيمة مهرية ثمانية وثلث قيمة عرابية أربعة فصار الجميع اثنين وعشرين وكذلك الحكم في أنواع البقر وفي السمان مع المهازيل والكرائم مع اللئام. (فصل) والأولى أن يخرج عن ماشيته من نوعها فيخرج عن البخاتي بختية وعن العراب عربية وعن الكرا؟ كريمة فإن أخرج عن الكرام هزيلة بقيمة السمينة جاز ذكره أبو بكر وحكي عن القاضي أنه لا يجوز، والصحيح الأول لأن القيمة مع اتحاد الجنس هي المقصودة فإن أخرج عن النصاب من غير نوعه مما ليس في ما له منه شئ ففيه وجهان أحدهما يجزي لانه أخرج عنه من جنسه فجاز كما لو أخرج

مسألة: ويؤخذ من المعز الثني ومن الضأن الجذع

من أحد النوعين عنهما اختاره أبو بكر، والثاني لا يجزي لانه أخرج من غير نوع ما له أشبه ما لو أخرج من غير الجنس وفارق ما إذا أخرج من أحد نوعي ما له لأنه جاز فراراً من تشقيص الفرض بخلاف مسئلتنا والله أعلم. (فصل) قال رضي الله عنه * (النوع الثالث في الغنم) * * (مسألة) * (ولا شئ فيها حتى تبلغ أربعين فتجب فيها شاة إلى مائة وعشرين فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث شياه ثم في كل مائة شاة شاة) الأصل في وجوب صدقة الغنم السنة والإجماع، أما السنة فما روى أنس في كتاب الصدقات الذي كتبه له ابو بكر رضي الله عنه أنه قال في صدقة الغنم في سائمتها اذا كانت أربعين الى عشرين

مسألة: ولا يؤخذ في الصدقة تيس ولا هرمة ولا ذات عوار وهي المعيبة

ومائة شاة فاذا زادت على عشرين ومائة الى مائتين ففيها شاتين فاذا زادت على مائتين الى ثلثمائة ففيها ثلاث شياه فاذا زادت على ثلثمائة ففي كل مائة شاة واذا كانت سائمة الرجل ناقصة من أربعين شاة واحدة فليس فيها صدقه إلا أن يشاء ربها، ولا يخرج في الصدقة هرمة ولا ذات عوار ولا تيسا إلا ما شاء المصدق واختار سوى هذا وأجمع المسمون على وجوب الزكاة فيها وهذا المذكور هاهنا مجمع عليه حكاه اين المنذر إلا أنه حكي عن معاذ رضي الله عنه أن الفرض لا يتغير بعد المائة واحدى وعشرين حتى تبلغ مائتين واثنين وأربعين ليكون مثل مائة واحدى وعشرين، ورواه سعيد بن خالد عن مغيرة عن الشعبي عن معاذ أنه كان إذا بلغت الشياه مائتين لم يغيرها حتى تبلغ أربعين ومائتين فيأخذ منها ثلاث شياه، فاذا بلغت ثلاثمائة لم يغيرها حتى تبلغ أربعين وثلاثمائة فيأخذ منها أربعا ولا يثبت عنه.

والحديث الذي رويناه دليل على خلاف ما روي عنه، والاجماع على خلاف هذا القول دليل على فساده، وما رواه سعيد منقطع فان الشعبي لم يلق معاذاً، وظاهر المذهب أن فرض الغنم لا يتغير بعد مائتين وواحدة حتى يبلغ أربعمائة فيجب في كل مائة شاة ويكون ما بين مائتين وواحدة الى أربعمائة وقصا وذلك مائة وتسعة وتسعون، وهذا قول أكثر العلماء وعن أحمد رواية أخرى أنها إذا زادت على ثلاثمائة واحدة ففيها أربع شياه ثم لا يتغير الفرض حتى تبلغ خمسمائة فيكون في كل مائة شاة ويكون الوقص الكبير ما بين ثلاثمائة وواحدة الى خمسمائة اختاره أبو بكر وهو قول النخعي والحسن بن صالح لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الثلاثمائة حداً للوقص وغاية فيجب أن يتعقبه تغير النصاب كالمائتين. ولنا أن قول النبي صلى الله عليه وسلم " فإذا زادت ففي كل مائة شاة " يقتضي ألا يجب فيما دون المائة شئ

مسألة: ولا الربي وهي التي تربي ولدها ولا الماخض ولا كرائم المال إلا أن يشاء ربه

وفي كتاب الصدقات الذي كان عند آل عمر بن الخطاب: فاذا زادت على ثلاثمائة واحدة فليس فيها شئ حتى تبلغ أربعمائة شاة ففيها أربع شياه وهذا صريح لا يجوز خلافه وتحديد النصاب لاستقرار الفريضة لا للغاية. * (مسألة) * (ويؤخذ من المعز الثني ومن الضأن الجذع) لا يجزي في صدقة الغنم إلا الجذع من الضأن وهو ما له ستة أشهر والثني من المعز وهو ما له ستة فان تطوع المالك باعلى منهما في السن جاز لما نذكره فان كان الفرض في النصاب أخذه للساعي وإن كان فوق القرض خير المالك بين دفع واحدة س؟ هـ وبين شراء الفرض فيخرجه وبه قال الشافعي، وقال؟؟ وحنيفة في إحدى الروايتين عنه لا يجزي الا ال؟ يه منهما جميعاً لانهما نوعا جنس ف؟؟ ن؟ فرض منهما واحداً

كالابل والبقر وقال مالك تجزي الجذعة منهما لذلك، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم " إنما حقنا في الجذعة أو الثنية " ولنا على أبي حنيفة هذا الخبر وقول سعد بن دليم أتاني رجلان على بعير فقالا إنا رسولا رسول الله اليك لتودي صدقة غنمك؟ قلت فأي شئ تأحذان قالا عناق جذعة أو ثنية أخرجه أبو داود ولنا على مالك ما روى سويد بن غفلة قال أتانا مصدق النبي صلى الله عليه وسلم وقال أمرنا أن نأخذ الجذعة من الضأن والثنية من المعز، وهذا صريح وفيه بيان للمطق في الحديثين قبله، ولان جذعة الضأن تجزي في الاضحية بخلاف جذعة المعز بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بردة اين دينار في جذعة المعز تجزي عنك ولا تجزي عن أحد بعدك. * (مسألة) * (ولا يؤخذ في الصدقة تيس ولا هرمة ولا ذات عوار وهي المعيبة)

مسألة: ولا يجوز إخراج القيمة وعنه يجوز

هذه الثلاث لا تؤخذ لدنائتها ولقول الله تعالى (ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون) ولأن في حديث أنس " ولا يخرج في الصدقة هرمة ولا ذات عوار ولا تيسا إلا أن يشاء المصدق وقد قيل لا يؤخذ تيس الغنم لفضيلته وكان أبو عبيد يروي هذا الحديث " إلا ما شاء المصدق " بفتح الدال يعني صاحب المال فعلى هذا يكون الاستثناء في الحديث راجعاً الى التيس وحده، وذكر الخطابي أن جميع الرواة يخالفونه في هذا فيروونه المصدق بكسر الدال أي العامل وقال: التيس لا يؤخذ لنقصه وفساد لحمه، وعلى هذا لا يأخذ المصدق وهو الساعي أحد هذه الثلاثة الا أن يرى ذلك بان يكون جميع المال من جنسه فيكون له أن يأخذ من جنس المال فيأخذ هرمة من الهرمات ومعيبة من المعيبات وتيساً من التيوس، وقال مالك والشافعي إن رأى الساعي أن أخذ هذه الثلاث خير له وأنفع للفقراء فله أخذها لظاهر الاستثناء

ووجه الأول ما ذكرنا. ولأن في أخذ المعيبة عن الصحاح اضراراً بالفقراء ولذلك يستحق ردها في البيع ولأنها من شرار المال وقد قال عليه السلام " إن الله لم يسألكم خيره ولم يأمركم بشره " * (مسألة) * (ولا الربي وهي التي تربي ولدها ولا الماخض ولا كرائم المال إلا أن يشاء ربه) الربى قريبة العهد بالولادة تقول العرب في ربائها كما تقول في نفاسها قال الشاعر: جنين أم البوفي ربائها. قال أحمد: والماخض التي قد حان ولادها فان لم يقرب ولادها فهي خلفه، وهذه الثلاثة لا تؤخذ لحق رب المال ولا تؤخذ أيضاً الأكولة لذلك قال عمر رضي الله عنه لساعيه لا تأخذ الربا ولا الماخض

ولا الاكولة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ حين بعثه إلى اليمن " إياك وكرائم أموالهم " متفق عليه ولا فحل الغنم، فان تطوع رب المال باخراجها جاز أخذها وله ثواب الفضل لأن الحق له فجاز برضاه كما لو دفع فرضين مكان فرض، واذا تقرر أنه لا يجوز أخذ الردئ لأجل الفقراء، ولا كرائم المال من أجل أربابه، ثبت إن الحق في الوسط من المال. قال الزهري: اذا جاء المصدق قسم الشياه ثلاثا ثلث خيار وثلث أوساط وثلث شرار، وأخذ من الوسط، وروي نحو ذلك عن عمر رضي الله عنه، والاحاديث تدل على نحو هذا، فروى أبو داود والنسائي باسنادهما عن سعد بن دليم قال كنت في غنم لي فجاءني رجلان على بعير فقالا إنا رسولا رسول الله صلى الله عليه وسلم اليك لتؤدي الينا صدقة غنمك قلت وما علي فيها؟ قالا شاة فاعمد الى شاة قد عرفت

مسألة: وإن أخرج سنا أعلى من الفرض من جنسه جاز

مكانها ممتلئة محضاً وشحما فاخرجتها اليهما قالا هذه شافع وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إن نأخذ شاة شافعا، والشافع الحامل سميت بذلك لأن ولدها قد شفعها والمحض اللبن، وروى أبو داود بإسناده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " ثلاث من فعلهن فقد طعم طعم الإيمان من عبد الله وحده وأنه لا إله إلا هو وأعطى زكاة ماله طيبة بها نفسه رافدة عليه كل عام ولم يعط الهرمة ولا الدرنة ولا المريضة ولا الشرط اللئيمة ولكن من أوسط أموالكم فإن الله لم يسألكم خيره ولم يأمركم بشره ". رافدة معينة (1) والدرنة الجرباء والشرط رذالة المال: * (مسألة) * (ولا يجوز إخراج القيمة وعنه يجوز) ظاهر المذهب أنه لا يجوز إخراج القيمة في شئ من الزكوات وبه قال مالك والشافعي. وقال الثوري

وأبو حنيفة يجوز، وروي ذلك عن عمر بن عبد العزيز والحسن وعن أحمد مثل قولهم فيما عدا زكاة الفطر فاما زكاة الفطر فقد نص على أنه لا يجوز. قال أبو داود قيل لاحمد وأنا أعطي دراهم، يعني في صدقة الفطر قال أخاف أن لا يجزئه، خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أبو طالب قال أحمد لا يعطى قيمته قيل له قوم يقولون عمر بن عبد العزيز كان يأخذ بالقيمة قال يدعون قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقولون قال فلان؟ قال ابن عمر فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) وقال الله تعالى (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول) ونقل عن أحمد في غير زكاة الفطر جواز اخراج القيمة، قال أبو داود وسئل أحمد عن رجل باع ثمرة نخله قال عشره على الذي باعه قيل له فيخرج تمراً أو ثمنه قال إن شاء أخرج تمرا وان شاء أخرج من الثمن، ووجه ذلك قول معاذ لاهل اليمن أئتوني بخميس أو لبيس آخذه منكم فانه أيسر عليكم وأنفع

فصل في الخلطة، مسألة: وإذا اختلط نفسان أو أكثر من أهل الزكاة في نصاب من الماشية حولا

للمهاجرين بالمدينة، وروى سعيد بإسناده قال لما قدم معاذ إلى اليمن قال ائتوني بعرض ثياب آخذه منكم مكان الذرة والشعير فانه أهون عليكم وخير للمهاجرين بالمدينة، ولأن المقصود دفع حاجة الفقراء ولا يختلف ذلك باختلاف صور الاموال إذا حصلت القيمة. ولنا قول ابن عمر فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير، فإذا عدل عن ذلك فقد ترك المفروض وقال النبي صلى الله عليه وسلم " في أربعين شاة شاة وفي مائتي درهم خمسة دراهم " وهو وارد بيانا لقوله تعالى (وآتوا الزكاة) فتكون الشاة المذكورة هي المأمور بها والأمر للوجوب، وفي كتاب أبي بكر رضي الله عنه: هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم وفسرها بالشاة والبعير، والفريضة واجبة والواجب لا يجوز تركه، وقوله عليه السلام " فإن لم يكن بنت مخاض

فابن لبون ذكر " يمنع اخراج ابنة اللبون مع وجود ابنة المخاض ويدل على أنه أراد البعير دون المالية فان خمساً وعشرين من الابل لا تخلو من مالية بنت مخاض واخراج القيمة يخالف ذلك ويفضي إلى اخراج الفريضة مكان الاخرى من غير جبران وهو خلاف النص، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ حين بعثه إلى اليمن " خذ الحب من الحب والشاة من الغنم والبعير من الإبل والبقر من البقر " رواه أبو داود وابن ماجة، ولان الزكاة وجبت لدفع حاجة الفقير من كل نوع ما تندفع به حاجته ويحصل شكر النعمة بالمواساة من جنس ما أنعم الله عليه ولأنه عدل عن الجنس المنصوص عليه فهو كما لو عدل عنه الى منافع دار أو عبد أو ثوب، وحديث معاذ الذي رووه - في الجزية بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم

أمره بتفريق الصدقة في فقرائهم ولم يأمره بحملها وفي حديثه هذا: فإنه أنفع للمهاجرين بالمدينة * (مسألة) * (وإن أخرج سنا أعلى من الفرض من جنسه جاز) وذلك مثل أن يخرج بنت لبون عن بنت مخاض أو عن الجذعة ابنتي لبون أو حقتين فإن ذلك جائز لا نعلم فيه خلافا لأنه زاد على الواجب من جنسه ما يجزي عنه مع غيره فكان مجزيا عنه على انفراده كما لو كانت الزيادة في العدد، وقد روى الإمام أحمد وأبو داود بإسنادهما عن أبي بن كعب قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم مصدقاً فمررت برجل فلما جمع لي ماله لم أجد عليه فيه إلا بنت مخاض فقلت أد بنت مخاض فانها صدقتك فقال ذاك ما لا لبن فيه ولا ظهر ولكن هذه ناقة فتية عظيمة سمينة فخذوها فقلت ما أنا بآخذ ما لم أومر به وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم منك قريب فان أجبت أن تأتيه فتعرض عليه ما عرضت علي فافعل فإن قبله منك قبلته وإن رده عليك رددته قال فإني فاعل فخرج معي وخرج بالناقة

التي عرض علي حتى قدمنا علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: يا نبي الله أتاني رسولك ليأخذ مني صدقة ما لي وأيم الله ما قام في مالي رسول الله ولا رسوله قبله فجمعت له مالي فزعم أن ما علي فيه بنت مخاض وذاك ما لا لبن فيه ولا ظهر وقد عرضت عليه ناقة فتية سمينة عظيمة ليأخذها فأبى وقال ها هي ذه قد جئتك بها يا رسول الله خذها، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " ذاك الذي وجب عليك فإن تطوعت بخير آجرك الله فيه وقبلناه منك " قال فها هي ذه يا رسول الله قد جئتك بها، قال فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبضها ودعا له في ماله بالبركة.

* (فصل في الخلطة) * * (مسألة) * (وإذا اختلط نفسان أو أكثر من أهل الزكاة في نصاب من الماشية حولا لم يثبت لهما حكم الانفراد في بعضه فحكمها في الزكاة حكم الواحد سواء كانت خلطة أعيان بأن يكون مشاعا بينهما أو خلطة أوصاف بأن يكون مال كل واحد منهما متميزاً فخلطاه واشتركا في المراح والمسرح والمشرب والراعي والفحل) الخلفة في السائمة تجعل المالين كالمال الواحد اذا وجدت فيها الشروط المذكورة فتجب فيها الزكاة اذا بلغ المجموع نصابا، فاذا كان لكل واحد منهما عشرون فعليهما شاة وإن زاد المالان على النصاب

لم يتغير الفرض حتى يبلغا فريضة ثانية مثل أن يكون لكل واحد منهما ستون شاة فلا يجب عليهما إلا شاة وسواء كانت خلطة أعيان بان تكون الماشية مشتركة بينهما لكل واحد منهما نصيب مشاع مثل أن يرثا نصاباً أو يشترياه فيبقياه بحاله أو خلطة أوصاف وهي أن يكون مال كل واحد منهما متميزاً فخلطاه واشتركا في الأوصاف التي ذكرناها، وسواء تساويا في الشركة أو اختلفا مثل أن يكون لرجل شاة ولآخر تسعة وثلاثون أو يكون لأربعين رجلا أربعون شاة لكل واحد منهم شاة نص عليهما أحمد

مسألة: فإن اختل شرط منها أو ثبت لهما حكم الانفراد في بعض الحول زكيا زكاة المنفردين فيه

وهذا قول عطاء والاوزاعي والليث والشافعي وإسحق وقال مالك انما تؤثر الخلطة إذا كان لكل واحد من الشركاء نصاب، وحكي ذلك عن الثوري وأبي ثور واختاره ابن المنذر وقال أبو حنيفة لا أثر لها بحال لأن ملك كل واحد دون النصاب فلم يجب عليه زكاة كما لو انفرد، وعلى قول مالك أن كل واحد منهما يملك أربعين م الغنم فوجبت عليه شاة لقوله عليه الصلاة والسلام " في أربعين شاة شاة ". ولنا ما روى البخاري في حديث أنس " ولا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية " ولا يجئ التراجع إلا على قولنا في خلطة الاوصاف

مسألة: وإن ثبت لاحدهما حكم الانفراد وحده فعليه زكاة المنفرد وعلى الثاني زكاة الخلطة

وقوله " لا يجمع بين متفرق " إنما يكون هذا إذا كان لجماعة فان الواحد يضم بعض ماله الى بعض وإن كان في أماكن وهكذا قوله " لا يفرق بين مجتمع " ولأن للخلطة تأثيراً في تخفيف المؤنة فجاز أن تؤثر في الزكاة كالسوم، وقياسهم مع مخالفة النص غير مسموع. (فصل) ويعتبر للخلطة شروط أربعة (أولها) أن يكون الخليطان من أهل الزكاة فإن كان أحدهما ذمياً أو مكاتباً لم يعتد يخلطته لانه لا زكاة في ماله فلم يكمل النصاب (الثاني) أن يختلطا في نصاب لما في خمس من الإبل أو ثلاثين من البقر أو أربعين من الغنم فإن اختلطا فيما دون النصاب لم تؤثر الخلطة سواء كان لهما مال سواه أو لم يكن لأن المجتمع دون النصاب فلم تجب الزكاة فيه

(الثالث) أن يختلطا في جميع الحول فان اختلطوا في بعضه لم يؤثر اختلاطهم، وبه قال الشافعي في القول الجديد، وقال مالك لا يعتبر اختلاطهم في أول الحول لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع " يعني في وقت الزكاة. ولنا أن هذا مال ثبت له حكم الانفراد في بعض الحول أشبه ما لو انفرد في آخر الحول ولأن الخلطة معنى يتعلق به إيجاب الزكاة فاعتبرت في جميع الحول كالنصاب (الرابع) أن يكون اختلاطهم في السائمة وسنذكر ذلك إن شاء الله تعالى. (فصل) ويعتبر لخلطة الاوصاف اشتراكهم في الاوصاف المذكورة وهي ستة (المراح) وهو الذي تروح اليه الماشية، قال الله تعالى (حين تريحون وحين تسرحون) و (المسرح) وهو المرعى الذي

ترعى فيه الماشية، و (المحلب) المكان الذي تحلب فيه الماشية، وليس المراد منه خلط اللبن في إناء واحد لأن هذا ليس بموافق بل مشقة لما فيه من الحاجة إلى قسم اللبن (والفحل) وهو أن لا يكون فحولة احد المالين لا نطرق غيره (والراعي) وهو أن لا يكون لكل مال راع ينفرد برعايته دون الآخر والأصل في هذه الشروط ما روى سعد بن أبي وقاص قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة " والخليطان ما اجتمعا في الحوض والفحل والراعي رواه الدارقطني وروي المرعى، وبنحو هذا قال الشافعي وقال بعض أصحاب مالك لا يعتبر إلا شرطان الراعي والمرعى لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين متفرق " والاجتماع يحصل بذلك ويسمى خلطة فاكتفي به. ولنا قوله " والخليطان ما اجتمعا في الحوض والراعي والفحل " وحكى ابن أبي موسى عن أحمد أنه لا يعتبر إلا الحوض والراعي والمراح وهو بعيد لأنه ترك ذكر الفحل وهو مذكور في الحديث فإن قيل

مسألة: ولو ملك رجل نصابا شهرا ثم باع نصفه مشاعا أو أعلم على بعضه وباعه مختلطا

فلم اعتبرتم زيادة على هذا، قلنا هذا تنبيه على بقية الشرائط وإلغاء لما ذكروه ولأن لكل واحد من هذه الأوصاف تأثيراً فاعتبر كالمرعى، ولا تعتبر نية الخلطة وحكي عن القاضي أنه اشترطها. ولنا قوله عليه السلام " والخليطان ما اجتمعا في الحوض والراعي والفحل " ولأن النية لا تؤثر في الخلطة فلا تؤثر في حكمها، ولأن المقصود من الخلطة من الارتفاق يحصل بدونها فلم يعتبر وجودها معه كما لا تعتبر نية السوم في السائمة ولا نية السقي في الزروع والثمار. * (مسألة) * (فان اختل شرط منها أو ثبت لهما حكم الانفراد في بعض الحول زكيا زكاة المنفردين فيه) متى اختل شرط من شروط الخلطة المذكورة بطل حكمها لفوات شرطها وصار وجودها كعدمها فيزكي كل واحد ماله ان بلغ نصابا وإلا فلا، وكذلك ان ثبت لهما حكم الانفراد في بعض الحول كرجلين لهما ثمانون شاة بينهما نصفين وكانا منفردين فاختلطا في أثناء الحول فعلى كل واحد منهما عند

مسألة: فإن أخرجها من المال حول المشتري لنقصان النصاب

تمام حوله شاة، وفيما بعد ذلك من السنين يزكيان زكاة الخلطة فان اتفق حولاهما أخرجا شاة عند تمام الحول على كل واحد نصفها، وان اختلف فعلى الاول منهما عند تمام حوله نصف شاة، فإذا تم حول الثاني فإن كان الأول أخرجها من غير المال فعلى الثاني نصف شاة أيضاً وإن أخرجها من النصاب فعلى الثاني أربعون جزأ من تسعة وسبعين جزأ ونصف من شاة * (مسألة) * (وإن ثبت لأحدهما حكم الانفراد وحده فعليه زكاة المنفرد وعلى الثاني زكاة الخلطة ثم يزكيان فيما بعد ذلك الحول زكاة الخلطة كلما تم حول أحدهما فعليه بقدر ما له منها) يتصور ثبوت حكم الانفراد لاحدهما بان يملك رجلان نصابين فيخلطانهما ثم يبيع أحدهما نصيبه أجنبيا أو يكون لأحدهما نصاب وللآخر، دون النصاب فيختلطان في أثناء الحول فإذا تم حول الاول

مسألة: وإن اخرجها من غيره وقلنا الزكاة في العين فكذلك، وإن قلنا في الذمة فعليه عند تمام حوله زكاة حصته

فعليه شاة، فإذا تم حول الثاني فعليه زكاة الخلطة على التفصيل المذكور ويزكيان فيما بعد ذلك الحول زكاة الخلطة كلما تم حول أحدهما فعليه بقدر ماله منه، فإذا كان المال جميعاً ثمانين شاة وأخرج الاول منها شاة عن الاربعين فإذا تم حول الثاني فعليه أربعون جزأ من تسعة وسبعين جزأ فان أخرج الشاة كلها من ملكه وحال الحول الثاني فعلى الأول نصف شاة زكاة الخلطة فان أخرجه وحده فعلى الثاني تسعة وثلاثون جزأ من سبعة وسبعين جزأ ونصف جزء من شاة وإن توالدت شيئاً حسب معها (فصل) وإن كان بينهما ثمانون شاة مختلطة مضى عليها بعض الحول فتبايعاها بأن باع كل واحد منهما غنمه صاحبه مختلطة وبقيا على الخلطة لم ينقطع حولهما ولم تزل خلطتهما، وكذلك لو باع بعض غنمه ببعض غنمه من غير إفراد قل المبيع أو كثر فاما إن أفرداها ثم تبايعاها ثم خلطاها وتطاول زمن الانفراد بطل حكم الخلطة، وان خلطاها عقيب البيع ففيه وجهان أحدهما لا ينقطع لان هذا زمن يسير فعفي عنه، والثاني ينقطع لوجود الانفراد في بعض الحول، وإن أفرد كل واحد منهما نصف نصاب

مسألة: وإن أفرد بعضه وباعه ثم اختلطا انقطع الحول

وتبايعاه لم ينقطع حكم الخلطة لان ملك الانسان يضم بعضه إلى بعض فكأن الثمانين مختلطة بحالها وكذلك إن تبايعا أقل من النصف، وان تبايعا أكثر من النصف منفرداً بطل حكم الخلطة لأن من شرطها كونها في نصاب فمتى بقيت فيما دون النصاب صارا منفردين، وقال القاضي تبطل الخلطة في جميع هذه المسائل في المبيع ويصير منفرداً وهذا مذهب الشافعي لأن عنده أن المبيع بجنسه ينقطع حكم الحول فيه فتنقطع الخلطة بانقطاع الحول وقد بينا فيما مضى أن حكم الحول لا ينقطع اذا باع الماشية بجنسها فلا تنقطع الخلطة لأن الزكاة إنما تجب في المشترى ببنائه على حول المبيع فيجب أن يبنى عليه في الصفة التي كان عليها، فأما إن كان مال كل واحد منهما منفرداً فخلطاه ثم تبايعاه فعليهما في الحول الأول زكاة الانفراد لأن الزكاة تجب فيه ببنائه على أول الحول وهو منفرد فيه، ولو كان لرجل نصاب منفرداً فباعه بنصاب مختلط زكا كل واحد منهما زكاة الانفراد لان الزكاة في الثاني تجب ببنائه

مسألة: وإن كان الثاني يتغير به الفرض، مثل أن يملك مائة شاة فعليه شاة فعليه زكاته إذا تم حوله وجها واحدا

على الاول فيهما كالمال الواحد الذي حصل الانفراد في أحد طرفيه، فإن كان لكل واحد منهما أربعون مختلطة مع مال آخر فتبايعاها وبقيت مختلطة لم يبطل حكم الخلطة، وإن اشترى أحدهما بالاربعين المختلطة أربعين منفردة وخلطها في الحال، احتمل أن يزكي زكاة الخلطة لانه يبني حولها على حول مختلطة وزمن الانفراد يسير فعفي عنه واحتمل أن يزكي زكاة المنفرد لوجود الانفراد في بعض الحول * (مسألة) * (ولو ملك رجل نصابا شهراً ثم باع نصفه مشاعاً أو أعلم على بعضه وباعه مختلطا فقال أبو بكر ينقطع الحول ويستأنفانه من حين البيع) لان النصف المشترى قد انقطع الحول فيه فكأنه لم يجر في حول الزكاة أصلا فلزم انقطاع الحول في الآخر (وقال ابن حامد لا ينقطع حول البائع وعليه عند تمام حوله زكاة حصته) لان حدوث الخلطة لا يمنع ابتداء الحول فلا يمنع استدامته ولانه لو خالط غيره في جميع الحول وجبت الزكاة فاذا خالط في بعضه نفسه وفي نعضه غيره كان أولى بالايجاب وانما بطل حول المبيعة لانتقال الملك فيها والا فهذه العشرون لم تزل مخالطة لمال جار في حول الزكاة

مسألة: وإذا كان الثاني يتغير به الفرض ولا يبلغ نصابا

وهكذا الحكم فيما إذا كانت الاربعون لرجلين، فباع أحدهما نصيبه أجنبيا فعلى هذا إذا تم حول الأول فعليه نصف شاة. * (مسألة) * (فان أخرجها من المال انقطع حول المشتري لنقصان النصاب) في بعض الحول إلا أن يكون الفقير مخالطا لهما بالنصف الذي صار له فلا ينقص النصاب اذاً ويخرج الثاني نصف شاة أيضاً على قول ابن حامد. * (مسألة) * (وإن أخرجها من غيره وقلنا الزكاة في العين فكذلك، وإن قلنا في الذمة فعليه عند تمام حوله زكاة حصة) إذا أخرج البائع الزكاة من غير المال في هذه المسألة وقلنا الزكاة تتعلق بالعين، فقال القاضي يجب نصف شاة أيضاً لان تعلق الزكاة بالعين لا بمعنى أن الفقراء يملكون جزأ من النصاب بل بمعنى

مسألة: وإذا كانت ماشية الرجل متفرقة في بلدين لا تقصر بينهما الصلاة فهي كالمجتمعة يضم بعضها إلى بعض ويزكيها كالمختلطة

أن تعلق حقهم به، كتعلق أرش الجناية بالجاني فلم يمنع وجوب الزكاة، والصحيح أنه لا شئ على المشتري، ذكره شيخنا وهو قول أبي الخطاب لان تعلق الزكاة بالعين نقص النصاب فمنع وجوب الزكاة على المشتري، ولان فائدة قولنا الزكاة تتعلق بالعين انما تظهر في منع الزكاة وقد ذكره القاضي في غير هذا الموضع، وإن قلنا الزكاة تتعلق بالذمة لم يمنع وجوب الزكاة على المشتري، لأن النصاب لم ينقص وعلى قياس هذا لو كان لرجلين نصاب خلطة فباع أحدهما خليطه في بعض الحول فهي عكس المسألة الاولى في الصورة ومثلها في المعنى لأنه كان في الاول خليط نفسه ثم صار خليط أجنبي وهاهنا كان خليط أجنبي ثم صار خليط نفسه، ومثله لو كان رجلان متوارثان لهما نصاب خلطة فمات أحدهما في بعض الحول فورثه صاحبه فعلى قياس قول أبي بكر لا يجب عليه شئ حتى يتم الحول على المالين من حين ملكه لهما إلا أن يكون أحدهما بمفرده يبلغ نصاباً، وعلى قياس قول ابن حامد تجب الزكاة في النصف الذي كان له خاصة إذا تم حوله. * (مسألة) * (وإن أفرد بعضه وباعه ثم اختلطا انقطع الحول) ذكره ابن حامد لثبوت حكم الانفراد في البعض، وقال القاضي: يحتمل أن يكون كما لو باعها مختلطة اذا كان زمنا يسيرا لأن اليسير معفو عنه * (مسألة) * (وإن ملك نصابين شهراً ثم باع أحدهما مشاعا فعلى قياس قول أبي بكر يثب للبائع حكم الانفراد وعليه عند تمام حوله زكاة المنفرد (لثبوت حكم الانفراد له) وعلى قياس

قول ابن حامد عليه زكاة خليط) لأنه لم يزل مخالطا في جميع الحول (فإذا تم حول المشتري فعليه زكاة خليط وجهاً واحدا) لكونه لم يثبت به حكم الانفراد أصلاً * (مسألة) * (ولو مالك رجل نصابا شهراً ثم ملك آخر لا يتغير به الفرض) مثل أن يملك أربعين شاة في المحرم وأربعين في صفر فعليه زكاة الأول عند تمام حوله شاة لانه ملك نصابا حولا، فإذا تم حول الثاني فعلى وجهين أحدهما لا زكاة فيه لأن الجميع ملك واحد فلم يزد فرضه على شاة كما لو اتفقت أحواله، والثاني فيه زكاة خليط لأن الاول استقل بشاة فتجب الزكاة في الثاني وهو نصف شاة لاختلاطها بالاربعين الأولى كالاجنبي في المسألة التي قبلها (فصل) فإن كان ملك أربعين أخرى في ربيع ففيها وجهان: أحدهما لا زكاة فيها والثاني فيها ثلث شاة لانه ملكها مختلطة بالثمانين المتقدمة. وذكر أبو الخطاب وجهاً ثالثاً أنه يجب في الثاني شاة وكذلك في الثالث لانه نصاب كامل وجبت الزكاة فيه بنفسه أشبه ما لو انفرد وهذا ضعيف لأنه لو كان مالك الثاني والثالث أجنبيين ملكاهما مختلطين لم يجب عليهما إلا زكاة خلطة، فإذا كانا لمالك الأول كان أولى لان ضم بعض ملكه إلى بعض أولى من ضم ملك الخليط الى خليطه * (مسألة) * (وإن كان الثاني يتغير به الفرض، مثل أن يملك مائة شاة فعليه زكاته إذا تم حوله وجهاً واحداً) كما لو اتفقت أحواله والواجب فيه شاة على الوجه الأول والثالث، لانه لو ملكها دفعة واحدة لم يجب عليه أكثر من شاتين، وعلى الوجه الثاني يجب عليه شاة وثلاثة أسباع شاة لأنه لو ملك المالين دفعة واحدة كان عليه فيهما شاتان حصة المائة منها خمسة أسباعهما وهو شاة وثلاثة أسباع، فان كان ملك مائة أخرى في ربيع فعلى الوجه الأول والثالث عليه فيها شاة، وعلى الوجه الثاني عليه شاة وربع لأنه لو ملك المائتين وأربعين دفعة واحدة كان عليه فيها ثلاث شياه حصة المائة الثانية منهن

مسألة: ولا تؤثر الخلطة في غير السائمة وعنه أنها تؤثر

ربعهن وسدسهن وذلك شاة وربع، ولو كان المالك للاموال الثلاثة ثلاثة أشخاص وملك الثاني والثالث سائمتهما مختلطة لكان الواجب على الثاني والثالث كالواجب على المالك في الوجه الثاني لا غير (فصل) وإن مك عشرين من الابل في المحرم وخمساً في صفر فعليه في العشرين اذا تم حولها أربع شياه وفي الخمس عند تمام حولها خمس بنات مخاض على الوجهين الاولين، وعلى الوجه الثالث عليه شاة وإن ملك في المحرم خمسا وعشرين وخمسا في صفر، فعليه في الاول عند تمام حوله بنت مخاض ولا شئ عليه في الخمس على الأول وعلى الثاني عليه سدس بنت مخاض، وعلى الثالث عليه شاة فان ملك مع ذلك ستا في ربيع فعليه في الأول عند تمام حوله بنت مخاض ولا شئ عليه في الخمس على الوجه الأول حتى يتم حول الست فيجب فيها ربع بنت لبون ونصف تسعها، وفي الوجه الثاني عليه في الخمس سدس بنت مخاض إذا تم حولها وفي الست سدس بنت لبون، وفي الوجه الثالث عليه في الخمس والست عند تمام حول كل واحد منهما شاة * (مسألة) * (وإذا كان الثاني يتغير به الفرض ولا يبلغ نصابا) مثل أن يملك ثلاثين من البقر في المحرم وعشراً في صفر فعليه في الثلاثين اذا تم حولها تبيع وفي العشر اذا تم حولها ربع مسنة على الوجهين الاولين لان الفريضة الموجبة للمسنة قد كملت وقد أخرج زكاة الثلاثين فوجب في العشر بقسطها من المسنة وهو ربعها، وعلى الوجه الثالث يقتضي أن لا يجب عليه في العشر شئ كما لو ملكها منفردة * (مسألة) * (وإن ملك مالا يغير الفرض كخمس فلا شئ فيها على الوجه الأول كما لو ملك الجميع

مسألة: ويجوز للساعي أخذ الفرض من مال أي الخليطين شاء

دفعة واحدة وعلى الوجه الثاني عليه سبع تبيع إذا تم حولها، كما لو كان المالك لها أجنبيا ولا شئ عليه فيها في الوجه الثالث) . * (مسألة) * (وإذا كان لرجل ستون شاة كل عشرين فيها مختلطة بعشرين لآخر فعلى الجميع شاة نصفها على صاحب الستين ونصفها على الخلطاء على كل واحد سدس شاة) كما لو كانت لشخص واحد ولو كان رجلان لكل واحد منهما ستون فحالط كل واحد منهما صاحبه بعشرين فقط وجب عليهما شاة بينهما نصفين لذلك فإن كان له ستون كل عشر منها مختلطة بعشر لآخر فعليه شاة ولا شئ على خلطائه لم يختلطوا (؟) في نصاب كذلك قال أصحابنا * (مسألة) * (وإذا كانت ماشية الرجل متفرقة في بلدين لا تقصر بينهما الصلاة فهي كالمجتمعة يضم بعضها إلى بعض ويزكيها كالمختلطة) لا نعلم في ذلك خلافاً وإن كان بينهما مسافة القصر، وكذلك في إحدى الروايتين عن أحمد. اختارها أبو الخطاب وهو قول سائر العلماء وهو الصحيح إن شاء الله تعالى لقوله عليه السلام " في أربعين شاة شاة " ولأنه ملك واحد أشبه ما لو كان في بلدان متقاربة وكغير السائمة فعى هذا يخرج الفرض في أحد البلدين لأنه موضع حاجة (والرواية الثانية) أن لكل مال حكم نفسه يعتبر على حدته إن كان نصابا ففيه الزكاة وإلا فلا، نص عليه أحمد. قال إبن المنذر: لا أعلم هذا القول عن غير أحمد واحتج يظاهر قوله عليه السلام " لا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة " وهذا متفرق فلا يجمع، ولأنه لا أثر لاجتماع مالين لرجلين في كونهما كالمال الواحد يجب أن يؤثر افتراق مال الرجل الواحد حتى يجعله كالمالين والحديث محمول على المجتمعة، ولا يصح القياس على غير السائمة لأن الخلطة لا تؤثر فيها كذلك الافتراق والبلدان المتقاربة بمنزلة البلد الواحد، والصحيح الاول على

مسألة: ويرجع المأخوذ منه على خليطه بحصته من القيمة لما ذكرنا من النص والمعنى

ما ببنا وكلام أحمد محمول على أن الساعي لا يأخذها، فأما رب المال فيخرج اذا بلغ ماله نصاباً فإنه قد روي عنه فيمن له مائة شاة في بلدان متفرقة لا يأخذ المتصدق منها شيئاً لأنه لا يجمع بين متفرق وصاحبها اذا ضبط ذلك وعرفه أخرج هو بنفسه يضعها في الفقراء كذلك رواه الميموني وحنبل عنه * (مسألة) * (ولا تؤثر الخلطة في غير السائمة وعنه أنها تؤثر) لا تؤثر الخلطة في غير السائمة كالذهب والفضة والزروع والثمار وعروض التجارة ويكون حكمهم حكم المنفردين وهذا قول أكثر أهل العلم، وعن أحمد أن شركة الاعيان تؤثر في غير الماشية، فاذا كان بينهم نصاب يشتركون فيه فعليهم الزكاة وهذا قول اسحق والاوزاعي في الحب والتمر قياساً على خلطة الماشية، والمذهب الأول قال احمد: الأوزاعي يقول في الزرع اذا كانوا شركاء يخرج لهم خمسة أوسق فيه الزكاة قاسه على الغنم ولا يعجبني قول الأوزاعي، فأما خلطة الاوصاف فلا مدخل لها في غير الماشية بحال لان الاختلاط لا يحصل، وخرج القاضي وجها أنها تؤثر لان المؤنة تخف اذا كان الملقح واحداً والناطور والجرين وكذلك أموال التجارة الدكان والمخزن والميزان والبائع فأشبه الماشية ومذهب الشافعي على نحو مذهبنا والصحيح الأول لقول النبي صلى الله عليه وسلم " والخليطان ما اشتركا في الحوض والفحل والراعي " فدل على أن ما لم يوجد فيه ذلك لا يكون خلطة مؤثرة، وقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا يجمع بين متفرق خشية الصدقة " إنما يكون في الماشية لان الزكاة يقل جمعها تارة ويكثر أخرى، وسائر الاموال يجب فيما زاد على النصاب بحسابه فلا أثر لجمعها، ولأن خلطة الماشية تؤثر في النفع تارة وفي الضرر أخرى، وفي غير الماشية تؤثر ضرراً محضاً برب المال فلا يصح القياس، فعلى هذا إذا كان لجماعة وقف أو حائط مشترك بينهم فيه ثمرة أو زرع فلا زكاة عليهم الا ان يحصل في يد بعضهم نصابا

باب زكاة الخارج من الأرض

فتجب عليه الزكاة، وعلى الرواية الأخرى اذا كان الخارج نصابا ففيه الزكاة، فإن كان الوقف نصابا من السائمة وقلنا إن الزكاة تجب في لسائمة الموقوفة فينبغي أن تجب عليهم الزكاة لا شتراكهم في ملك نصاب تؤثر الخلطة فيه * (مسألة) * (ويجوز للساعي أخذ الفرض من مال أي الخليطين شاء هذا ظاهر كلام أحمد وسواء دعت الحاجة الى ذلك بأن تكون الفريضة عيناً واحدة لا يمكن أخذها من المالين ونحو ذلك، أو لم تدع الحاجة إلى ذلك بأن يجد فرض كل واحد من المالين فيه. قال أحمد: إنما يجئ المصدق فيجد الماشية فيصدقها ليس يجئ فيقول: أي شئ لك وأي شئ لك قال الهيثم بن خارجة لأبي عبد الله: أنا رأيت مسكيناً كانت له في غنم شاتان فجاء المصدق فأخذ احداهما. ووجه ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم " ما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية " يعني إذا أخذ من مال أحدهما، ولأن المالين قد صارا كالمال الواحد في وجوب الزكاة فكذلك في إخراجها * (مسألة) * (ويرجع المأخوذ منه على خليطه بحصته من القيمة لما ذكرنا من النص والمعنى) فإذا كان لاحدهما ثلث المال وللآخر ثلثاه فأخذ الفرض من مال صاحب الثلث رجع بثلثي قيمة المخرج على شريكه، وان أخذه من الآخر رجع بالثلث على شريكه * (مسألة) * (فإن اختلفا في القيمة فالقول قول المرجوع عليه) إذا عدمت البينة لأنه غارم فأشبه الغاصب إذا اختلفا في قيمة المغصوب بعد تلفه وعليه اليمين لأنه منكر * (مسألة) * (وإذا أخذ الساعي أكثر من الفرض ظلماً لم يرجع بالزيادة على خلبطه) إذا أخذ الساعي أكثر من الفرض بغير تأويل مثل أن يأخذ مكان الشاة شاتين، او جذعة

مسألة: تجب الزكاة في الحبوب كلها وفي كل ثمر يكال ويدخر كالتمر والزبيب واللوز والفستق والبندق ولا يجب في سائر الثمر ولا في الخضر والزهر والبقول

مكان حقة لم يكن للمأخوذ منه الرجوع الا بقدر الواجب لأن شريكه لم يظلمه فلم يكن له الزجوع فيه كغيره، ولأنه ظلم اختص به الساعي فلم يرجع به على غيره كما لو غصبه على غير وجه الزكاة * (مسألة) * (وإن أخذه بقول بعض العلماء رجع عليه) وذلك مثل أن يأخذ الصحيحة عن المراض والكبيرة عن الصغار لان ذلك إلى اجتهاد الامام فاذا أداه اجتهاده إلى أخذه وجب دفعه وصار بمنزلة الفرض الواجب والساعي نائب الامام فعله كفعل الامام، وكذلك إذا أخذ القيمة يرجع على شريكه بما يخصه منها لما ذكرنا والله أعلم * (باب زكاة الخارج من الأرض) * والأصل فيها الكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب فقوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض) والزكاة تسمى نفقة بدليل قوله تعالى (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله) وقال تعالى (وآتوا حقه يوم حصاده) قال ابن

عباس حقه: الزكاة المفروضة. وقال مرة: العشر ونصف العشر، ومن السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم " ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة " متفق عليه وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " فيما سقت السماء أو كان عثريا العشر، وفيما سقي بالنضح نصف العشر " أخرجه البخاري وأبو داود وعن جابر أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول " فيما سقت الأنهار والغيم العشر، وفيما سقي بالسانبة نصف العشر " رواه مسلم وأبو داود، وأجمع أهل العلم على وجوب الزكاة في الحنطة والشعير والتمر والزبيت حكاه ابن المنذر وابن عبد البر * (مسألة) * (تجب الزكاة في الحبوب كلها وفي كل ثمر يكال ويدخر كالتمر والزبيب واللوز والفستق والنبدق ولا يجب في سائر الثمر ولا في الخضر والزهر والبقول) وجملة ذلك أن الزكاة تجب فيما اجتمع فيه الكيل والادخار من الثمر والحبوب مما ينبته الآدميون سواء كان قوتاً كالحنطة والشعير والسلت والارز والذرة والدخن، أو من القطنيات كالباقلا والعدس والماش والحمص، أو من الابازير كالكسفرة والكمون والكراويا أو البزور كبزر الكتان والقثاء

والخيار، وحب البقول كالرشاد، حب الفجل والقرطم والترمس والسمسم وسائر الحبوب. ويجب أيضاً فيما جمع هذه الاوصاف من الثمار كالتمر والزبيب والقشمش واللوز والفستق والبندق. ولا زكاة في سائر الفواكه من الخوخ والرمان والاجاص والكمثرى والتفاح والمشمش والتين والجوز ونحوه، ولا في الخضر كالقثاء والخيار والباذنجان واللفت والجزر، وبهذا قال عطاء في الحبوب كلها ونحوه قول أبي يوسف ومحمد. وقال أبو عبد الله ابن حامد: لا شي في الابازير، ولا البزور، ولا حب البقول ولعله لا يوجب الزكاة الا فيما كان قوتا، أو أدما لان ما عداه لا نص فيه ولا هو في معنى المنصوص عليه فيبقى على النفي الاصلي، وقال مالك والشافعي لا زكاة في ثمر إلا التمر والزبيب ولا في حب إلا ما كان قوتا في حالة الاختيار - لذلك إلا في الزيتون على اختلاف، وحكي عن أحمد، لا زكاة الا في الحنطة والشعير والتمر والزبيب، وهذا قول ابن عمر وموسى بن طلحة والحسن وابن سيرين والشعبي وابن أبي ليلى وابن المبارك. والسلت وهو نوع من الشعير ووافقهم ابراهيم وزاد الذرة ووافقهم ابن عباس وزاد الزيتون لأن ما عدا هذا لا نص فيه ولا إجماع ولا هو في معنى المنصوص ولا المجمع عليه فيبقى على الأصل وقد

روى عمر وبن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمر وأنه قال انما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحنطة والشعير والتمر والزبيب، وعن أبي بردة عن أبي موسى ومعاذ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثهما إلى اليمن يعلمان الناس أمر دينهم فأمرهمم أن لا يأخذوا الصدقة الا من هذه الاربعة الحنطة والشعير والتمر والزبيب، رواهن الدارقطني ولأن غير هذه الاربعة لا يساويها في غلبة الاقتيات بها، وكثرة نفعها ووجودها فلا يصح قياسه عليها، وقال أبو حنيفة في كل ما يقصد بزراعته نماء الأرض إلا الحطب والقصب والحشيش، لقوله عليه السلام " فيما سقت السماء العشر " وهو عام ولأن هذا يقصد بزراعته نماء الارض أشبه الحبوب. ولنا (1) عموم قوله عليه السلام " فيما سقت السماء العشر " وقوله لمعاذ " خذ الحب من الحب " خرج منه ما لا يكال وما ليس بحب بمفهوم قوله عليه السلام " ليس في حب ولا ثمر صدقة حتى يبلغ خمسة أوسق " رواه مسلم والنسائي وعن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ليس في الخضراوات صدقة " وعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ليس فيما أنبتت الأرض من الخضر صدقة " رواهما الدارقطني وقال موسى بن طلحة جاء الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في خمسة أشياء " الشعير والحنطة والسلت

والزبيب والتمر وما سوى ذلك مما أخرجت الأرض فلا عشر فيه " وروى الأثرم باسناده أن عامل عمر كتب اليه في كروم فيها من الفرسك والرمان ما هو أكثر غلة من الكروم أضعافاً فكتب اليه عمر ليس عليها عشر هي من العضاة (فصل) ولا يجب فيما ليس بحب ولا ثمر سواء وجد فيه الكيل والادخار أو لا فلا يجب في ورق مثل السدر والخطمي والاشنان والصعتر والآس ونحوه لأنه ليس بمنصوص عليه ولا في معناه ولأن قوله عليه السلام " ليس في حب ولا ثمر صدقة حتى يبلغ خمسة أوسق " يدل على أن الزكاة لا تجب في غيرهما، قال ابن عقيل ولانه لا زكاة في ثمر السدر فورقه أولى، ولأن الزكاة لا تجب في الحب المباح ففي الورق أولى، وقال أبو الخطاب تجب الزكاة في الصعتر والاشنان لانه مكيل مدخر والأول أولى لما ذكرنا ولأنه ليس بمنصوص ولا هو في معنى المنصوص، ولا تجب في الزهر كالزعفران والعصفر والقطن لانه ليس بحب ولا تمر ولا مكيل فلم تجب فيه الزكاة وكالخضراوات قال أحمد ليس في القطن شئ وقال ليس في الزعفران زكاة وهذا ظاهر كلام الخرقي واختيار أبي بكر، وروي عن علي رضي الله عنه ليس في الفاكهة والبقل والتوابل والزعفران زكاة، وعنه أنها تجب في الزيتون والقطن والزعفران اذا بلغا بالوزن نصابا، وروى عن أحمد رواية أخرى أن في القطن والزعفران زكاة، وخرج أبو الخطاب في العصفر والورس وجها قياساً على الزعفران، وقال القاضي الورس عندي بمنزلة الزعفران يخرج

مسألة: وقال ابن حامد لا زكاة في حب البقول

على روايتين لاجتماع الكيل والادخار فيه أشبه الجنوب والأول أولى، وهذا مخالف لاصول أحمد فان المروي عنه روايتان إحداهما أنه لا زكاة إلا في الأربعة، والثانية أنها تجب في الحنطة والشعير والتمر والزبيب والذرة والسلت والارز والعدس وكل شئ يقوم مقام هذه حتى يدخر ويجري فيه القفيز مثل اللوبيا والحمص والسماسم والقطنيات ففيه الزكاة وهذا لا يجري فيه القفيز ولا هو في معنى ما سماه واذا قلنا بوجوب الزكاة في القطن احتمل أن يجب في الكتان والقنب لأنه في معنى القطن ولا تجب الزكاة في التين وقشور الحب كما لا تجب في كرب النخل وخوصه (فصل) واختلفت الرواية في الزيتون عن أحمد فقال في رواية ابنه صالح: فيه العشر اذا بلغ. يعني خمسة أوسق وان عصر قوم ثمنه لان الزيت له بقاء، وهذا قول الزهري والاوزاعي ومالك والليث والثوري وأبي ثور وأصحاب الرأي وأحد قولي الشافعي، وروي عن ابن عباس لقول الله تعالى.

مسألة: ويعتبر لوجوبها شرطان أحدهما أن يبلغ نصاب قدره بعد التصفية في الحبوب والجفاف في الثمار خمسة أوسق

(وآتوا حقه يوم حصاده) في سياق قوله تعالى (والزيتون والرمان) ولانه يمكن ادخار غلته أشبه التمر، وروي عنه لا زكاة فيه نقلها عنه يعقوب بن بختان وهو اختيار أبي بكر وظاهر كلام الخرقي وهذا قول ابن ابي ليلي والحسن بن صالح وأبي عبيد وأحد قولي الشافعي لأنه لا يدخر يابسا فهو كالخضراوات ولأنه لم يرد بها الزكاة لانها مكية، والزكاة إنما فرضت بالمدينة ولهذا ذكر الرمان ولا عشر فيه، وقال النخعي وأبو جعفر هذه الآية منسوخة على أنها محمولة على ما يتأتى حصاده بدليل أن الرمان مذكور بعده ولا زكاة فيه (فصل) (ونصابه خمسة أوسق) نص عليه أحمد في رواية صالح. فاما نصاب الزعفران والقطن وما الحق بهما من الموزونات فهو ألف وستمائة رطل بالعراقي لانه ليس بمكيل فيقوم وزنه مقام كيله ذكره القاضي في المجرد. وحكي عنه اذا بلغت قيمته نصابا من أدنى ما تخرجه الأرض مما فيه الزكاة ففيه الزكاة وهذا قول أبي يوسف في الزعفران لأنه لا يمكن اعتباره بنفسه فاعتبر بغيره كالعروض تقوم بادنى النصابين من الاثمان، وقال أصحاب الشافعي في الزعفران تجب الزكاة في قليلة وكثيره وحكاه القاضي في المجرد قولا في المذهب، قال شيخنا رحمه الله ولا أعلم لهذين القولين دليلاً ولا أصلاً يعتمد عليه ويردهما قول النبي صلى الله عليه وسلم " ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة " ولان إيجاب الزكاة في قليلة وكثيره مخالف لجميع أموال الزكاة واعتباره بغيره مخالف لجميع ما يجب فيه العشر واعتباره باقل ما تجب الزكاة فيه قيمة لا نظير له أصلا، ولا يصح قياسه على العروض لانها لا تجب الزكاة في عينها وانما تجب في قيمتها فيؤدي من القيمة التي اعتبرت بها والقيمة

مسألة: والوسق ستون صاعا، والصاع خمسة أرطال وثلث بالعراقي، فيكون ذلك الفا وستمائة رطل

ترد اليها كل الاموال المتقومات فلا يلزم من الرد اليها الرد إلى ما لم يرد إليه شئ أصلا ولا تخرج الزكاة منه ولأن هذا مال تخرج الزكاة من جنسه فاعتبر بنفسه كالحبوب * (مسألة) * (وقال ابن حامد لا زكاة في حب البقول كحب الرشاد والأبازير كالكسفرة والكمون وبزر القثاء والخيار ونحوه لما ذكرنا) * (مسألة) * (ويعتبر لوجوبها شرطان أحدهما أن يبلغ نصابا قدره بعد التصفية في الحبوب والجفاف في الثمار خمسة أوسق) لا تجب الزكاة في شئ من الزروع والثمار حتى تبلغ خمسة أوسق، هذا قول أكثر أهل العلم منهم ابن عمر وجابر وأبو أمامة بن سهل وعمر بن عبد العزيز والحسن وعطاء ومكحول والنخعي ومالك وأهل المدينة والثوري والاوزاعي والشافعي وأبو يوسف ومحمد ولا نعلم احدا خالف فيه إلا مجاهدا وأبا حنيفة ومن تابعه قالوا تجب الزكاة في قليل ذلك وكثيره لعموم قوله عليه السلام " فيما سقت السماء العشر " ولأنه لا يعتبر له حول فلا يعتبر له نصاب كالركاز ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة " وهذا خاص يجب تقديمه على ما رووه كما خصصنا قوله " في سائمة الإبل الزكاة " بقوله " ليس فيما دون خمس ذود صدقة " وقوله " في الرقة ربع العشر " بقوله " ليس فيما دون خمس أواق صدقة " ولانه مال تجب فيه الزكاة فلم تجب في يسيره كسائر الاموال الزكوية وانما لم يعتبر الحول لانه يكمل نماؤه باستحصاده لا ببقائه، واعتبر الحول في غيره لأنه مظنة لكمال النماء في سائر الاموال، والنصاب اعتبر ليبلغ حداً يحتمل المواساة منه فلهذا اعتبر فيه، يحققه إن الصدقة إنما تجب على الاغنياء لما ذكرنا فيما تقدم ولا يحصل الغنى بدون النصاب فهو كسائر الأموال الزكوية: (فصل) وتعتبر الخمسة الأوسق بعد التصفية في الحبوب، والجفاف في الثمار، فلو كان له عشرة أوسق عنبا لا يجئ منها خمسة أوسق زبيباً لم يجب عليه شئ لانه حال وجوب الاخراج منه فاعتبر النصاب بحاله حينئذ. * (مسألة) * (والوسق ستون صاعا، والصاع خمسة أرطال وثلث بالعراقي، فيكون ذلك الفاً وستمائة رطل) . الوسق ستون صاعا بغير خلاف حكاه ابن المنذر، وروى الأثرم باسناده عن سلمة بن صخر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " الوسق ستون صاعا " وروى أبو سعيد وجابر نحوه رواه ابن ماجه، والصاع خمسة أرطال وثلث بالعراقي وفيه خلاف بين العلماء، وقد ذكرنا في كتاب الطهارة ذلك وبيناه فيكون

مسألة: قال إلا الأرز والعلس - نوع من الحنطة يدخر في قشره -، فإن نصاب كل واحد منهما مع قشره عشرة أوسق

النصاب الفاً وستمائة رطل بالعراقي كما ذكر، والرطل العراقي مائة وثمانية وعشرون درهماً وأربعة أسباع درهم، ووزنه بالمثاقيل تسعون ثم زيد في الرطل مثقال واحد وهو درهم وثلاثة أسباع، فصار إحد وتسعين مثقالا كمل وزنه بالدراهم مائة وثلاثون درهما، والاعتبار به قبل الزيادة فيكون الصاع بالرطل الدمشقي الذي وزنه ستمائة درهم رطلا وسبعا، وتكون خمسة الاوسق ثلثمائة واثنين وأربعين رطلاً وستة أسباع رطل، والنصاب معتبر بالكيل لأن الأوساق مكيلة، وإنما نقلت الى الوزن لتضبط وتحفظ وتنقل لعدم امكان ضبط الكيل، ولذلك تعلق وجوب الزكاة بالمكيلات دون الموزونات، والمكيلات تختلف في الوزن فمنها الثقيل كالحنطة والعدس ومنها الخفيف كالشعير والذرة ومنها المتوسط، وقد نص أحمد على أن الصاع خمسة أرطال وثلث من الحنطة، رواه عنه جماعة وقال حنبل: قال أحمد أخذت الصاع من أبي النضر وقال أبو النضر أخذته من ابن أبي ذئب وقال هذا صاع النبي صلى الله عليه وسلم الذي يعرف بالمدينة، قال أبو عبد الله فاخذنا العدس فعبرنا به وهو أصلح ما يكال به لأنه لا يتجافى عن مواضعه فكلنا به ثم وزناه فاذا هو خمسة أرطال وثلث، قال هذا أصلح ما وقفنا عليه وما بين لنا من صاع النبي صلى الله عليه وسلم فمتى بلغ القمح الفاً وستمائة رطل أو نحوه من العدس ففيه الزكاة لانهم قدروا الصاع بالثقيل، فاما الخفيف فتجب الزكاة فيه اذا قارب هذا وإن لم يبلغه، ومتى شك في وجوب الزكاة فيه ولم يجد مكيا لا يقدر به فالاحتياط الاخراج، فان لم يخرج فلا حرج، لأن الأصل عدم وجوب الزكاة فلا تجب بالشك: (فصل) قال القاضي، النصاب معتبر تحديداً فمتى نقص شيئاً لم تجب الزكاة لقول النبي صلى الله عليه وسلم " ليس فيما دون خمسة أوسق صدقه " إلا أن يكون نقصاً يسيراً يدخل في المكاييل، كالأوقية ونحوها فلا عبرة به لأن مثل ذلك يجوز أن يدخل في المكاييل، فلا ينضبط فهو كنقص الحول ساعة أو ساعتين. * (مسألة) * (قال إلا الأرز والعلس - نوع من الحنطة يدخر في قشره -، فإن نصاب كل واحد منهما مع قشره عشرة أوسق) العلس نوع من الحنطة يدخر في قشره زعم أهله أنه يخرج على النصف، وأنه إذا أخرج من قشره لا يبقى بقاء غيره فاعتبر نصابه في قشره للضرر في اخراجه، فاذا بلغ بقشره عشرة أوسق ففيه العشر لان فيه خمسة أوسق حباً، وإن شككنا في بلوغه نصابا خير صاحبه بين إخراج عشرة، وبين اخراجه من قشره كقولنا في مغشوش الذهب والفضة ولا يجوز تقدير غيره من الحنطة في قشرة ولا إخراجه قبل تصفيته لأن العادة لم تجربة، ولا تدع الحاجة إليه ولا نعلم قدر ما يخرج منه

مسألة: وعنه أنه يعتبر نصاب ثمرة النخل والكرم رطبا ويؤخذ عشره يابسا

(فصل) ونصاب الارز كنصاب العلس كذلك ذكره أبو الخطاب لأنه يدخر مع قشره، واذا خرج من قشره لا يبقى بقاء ما في القشر فهو كالعلس فيما ذكرنا سواء، وقال بعض أصحابنا لا يعتبر نصابه بذلك إلا أن يقول ثقات من أهل الخبرة أنه يخرج على النصف فيكون كالعلس فعلى هذا متى لم يوجد ثقات يخبرون بهذا، أو شككنا في بلوغه نصابا خير ربه بين تصفيته وبين الاخراج، ليعلم قدره كمغشوش الاثمان. * (مسألة) * (وعنه أنه يعتبر نصاب ثمرة النخل والكرم رطبا ويؤخذ عشره يابسا) روى الأثرم عن أحمد أنه يعتبر نصاب النخل والكرم عنبا ورطبا ويؤخذ منه مثل عشر الرطب تمراً اختاره أبو بكر، قال شيخنا وهذا محمول على أنه أراد يؤخذ عشر ما يجئ منه من التمر اذا بلغ رطبها خمسة أوسق لان إيجاب قدر عشر الرطب من التمر ايجاب لاكثر من العشر وذلك يخالف النص والاجماع فلا يجوز حمل كلام الامام عليه، وظاهر ما حكي عنه الأثرم أنه يؤخذ مقدار عشر الرطب يابسا فانه روي أنه قيل لاحمد خرص عليه مائة وسق رطبا يعطيه عشرة أوسق تمرا؟ قال نعم على ظاهر الحديث والصحيح الأول لما ذكرنا.

مسألة: وتضم ثمرة العام الواحد بعضها إلى بعض في تكميل النصاب

* (مسألة) * (وتضم ثمرة العام الواحد بعضها إلى بعض في تكميل النصاب) تضم ثمرة العام الواحد بعضها إلى بعض سواء اتفق وقت اطلاعها وإدراكها أو اختلف فلو أن الثمرة جدت ثم أطلعت أخرى وجدت ضم إحداهما إلى الأخرى، وكذلك زرع العام الواحد يضم بعضه إلى بعض في تكميل النصاب كما قلنا في الثمرة سواء اتفق زرعه وادراكه أو اختلف، ويضم الصيفي الى الربيعي ولو حصدت الدخن والذرة ثم نبتت أصولها ضم أحدهما إلى الآخر لأن الجميع زرع عام واحد فضم بعضه إلى بعض كما لو تقارب زرعه وادراكه. * (مسألة) * (فإن كان له نخل يحمل في السنة حملين ضم أحدهما إلى الآخر. وقال القاضي لا يضم) وهو قول الشافعي لأنه حمل ينفصل عن الاول فكان حكمه حكم عام آخر كحمل العامين، وإن كان له نخل يحمل مرة ونخل يحمل حملين ضممنا الحمل الأول إلى الحمل المنفرد ولم يجب في الثاني شئ إلا أن يبلغ بمفرده نصابا، والصحيح الاول اختاره أبو الخطاب وابن عقيل لانها ثمرة عام واحد فضم بعضها إلى بعض كزرع العام الواحد وكالذرة التي تنبت مرتين، ولان الحمل الثاني يضم الى الحمل المنفرد لو لم يكن حمل أول فكذلك إذا كان لأن وجود الحمل الاول لا يصلح أن يكون مانعا بدليل حمل الذرة الاول وبها يبطل ما ذكروه من الانفصال.

* (مسألة) * (ولا يضم جنس إلى آخر في تكميل النصاب وعنه أن الحبوب يضم بعضها إلى بعض وعنه تضم الحنطة إلى الشعير والقطنيات بعضها إلى بعض) القطنيات بكسر القاف جمع قطنية ويجمع أيضاً قطاني، قال أبو عبيد هي صنوف الحبوب من العدس والحمص والارز والجلبان والجلجلان وهو السمسم، وزاد غيره الدخن واللوبيا والفول والماش وسميت قطنية فعلية من قطن يقطن في البيت أي يمكث فيه. وجملة ذلك أنه لا خلاف بين أهل العلم في غير الحبوب والاثمان أنه لا يضم جنس إلى جنس آخر في تكميل النصاب، فالماشية ثلاثة أجناس الإبل والبقر والغنم لا يضم جنس إلى غيره وكذلك الثمار لا يضم جنس الى آخر فلا يضم التمر الى الزبيب ولا إلى غيره من الثمار ولا تضم الاثمان الى السائمة ولا الى الحبوب والثمار، ولا خلاف بينهم فيما ذكرنا من أن أنواع الأجناس يضم بعضها إلى بعض في الكمال النصاب ولا نعلم بينهم خلافاً في أن العروض والاثمان يضم كل واحد منهما الى الآخر إلا أن الشافعي لا يضمها الا إلى جنس ما اشتريت به لان نصابها عنده معتبر بذلك. فأما الحبوب فاختلفوا في ضم بعضها إلى بعض، وفي ضم أحد النقدين الى الآخر، فروي عن أحمد في الحبوب ثلاث روايات إحداهن لا يضم جنس منها إلى غيره، ويعتبر النصاب في كل جنس

مفرداً وهذا قول عطاء ومكحول وابن أبي ليلى والاوزاعي والثوري والحين بن صالح وشريك والشافعي وأبي ثور وأبي عبيد وأصحاب الرأي لانها أجناس فاعتبر النصاب في كل واحد منفرداً كالنصاب والمواشي والثانية: أن الحبوب كلها يضم بعضها إلى بعض في تكميل النصاب اختارها أبو بكر وهذا قول عكرمة وحكاه ابن المنذر عن طاوس لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا زكاة في حب ولا ثمر حتى يبلغ خمسة أوسق " فمفهومه وجوب الزكاة فيه اذا بلغ خمسة أوسق، ولأنها تتفق في النصاب وقدر المخرج فوجب ضم بعضها إلى بعض كانواع الجنس وهذا الدليل منتقض بالثمار. والثالثة: أن الحنطة تضم إلى الشعير وتضم القطنيات بعضها إلى بعض، حكاها الخرقي ونقلها أبو الحرث عنه قال القاضي وهذا هو الصحيح وهو مذهب مالك والليث إلا أنه زاد فقال الذرة والدخن والارز والقمح والشعير صنف واحد لأن هذا كله مقتات فضم بعضه الى بعص كانواع الحنطة، وقال الحسن والزهرى تضم الحنطة إلى الشعير لأنها تتفق في الاقتيات والمنبت والحصاد والمنافع فوجب ضمها كما يضم العلس إلى الحنطة والأولى أصح إن شاء الله لانها أجناس يجوز التفاضل فيها فلم يضم بعضها إلى بعض كالثمار ولا يصح القياس على العلس مع الحنطة لانه نوع منها، واذا انقطع القياس لم يجز إيجاب الزكاة بالتحكم ولا يوصف غير معتبر ثم هو باطل باثمر فانها تتفق فيما ذكروه ولا يضم

بعضها إلى بعض ولا خلاف فيما نعلمه في ضم الحنطة الى العلس لانه نوع منها وعلى قياسه السلت الى الشعير (فصل) ولا تفريع على الروايتين الاوليين لوضوحهما. فاما الثالثة وهي ضم الحنطة إلى الشعير والقطنيات بعضها إلى بعض فان الذرة تضم الى الدخن لتقاربهما في المقصد فانهما بتخذان خبزاً وادما وقد ذكر من جملة القطنيات فيضمان اليها والبزور لا تضم الى القطنيات ولا إلى الابازير وينبغي أن يضم بعضها إلى بعض وكل ما تقارب من الحبوب ضم بعضه إلى بعض والا فلا، وما شككنا فيه لا يضم لأن الأصل عدم الوجوب فلا يجب بالشك (فصل) ومتى قلنا بالضم فان الزكاة تؤخذ من كل جنس على قدر ما يخصه ولا يؤخذ من جنس عن غيره، فإننا إذا قلنا في أنواع الجنس يؤخذ من كل نوع ما يخصه ففي الاجناس مع تقارب مقاصدها أولى. الثاني أن يكون النصاب مملوكا له وقت وجوب الزكاة فلا زكاة فيما يكتسبه اللقاط ولا فيما يأخذه أجرة بحصاده نص عليه أحمد وقال هو بمنزلة المباحات ليس فيه صدقة فهو كما لو اتهبه وكذلك

ما ينبت من المباح الذي لا يملك إلا بأخذه كالبطم والعفص والزعبل وهو شعير الجبل وبزر قطونا وحب الثمام وبزر البقلة وحب الاشنان اذا أدرك حصلت فيه مزوزة وملوحة وأشباه هذا ذكروه ابن حامد لأنه إنما يملك بحيازته وأخذه، والزكاة إنما تجب فيه إذا بدا صلاحه وفي تلك الحال لم يكن مملوكا له فلا يتعلق به الوجوب كالذي يلتقطه اللقاط وكالموهب له وقال أبو الخطاب فيه الزكاة لاجتماع الكيل والادخار فيه، والصحيح الأول لما ذكرنا، وقال القاضي فيه الزكاة اذا نبت في أرضه يعني في المباح ولعله بنى هذا على أن ما ينبت في أرضه من الكلأ يملكه، والصحيح خلافه فاما ما ينبت في أرضه مما يزرعه الآدميون كمن سقط في أرضه حب من الحنطة أو الشعير فنبتت ففيه الزكاة لانه يملكه ولو اشترى زرعا بعد بدو الصلاح فيه أو ثمرة قد بدا صلاحها أو ملكها بجهة من جهات الملك لم تجب فيه الزكاة وسنذكر ذلك إن شاء الله تعالى. (فصل) (ويجب العشر فيما سقي بغير مؤنة كالغيث والسيوح وما يشرب بعروقه. ونصف العشر فيما سقي بكلفة كالدوالي والنواضح) وهذا قول مالك والثوري والشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه خلافاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم " فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريا العشر وفيما سقي بالنضح نصف العشر " رواه البخاري، قال أبو عبيد العثري ما تسقيه السماء وتسميه العامة العدي، وقال القاضي هو الماء المستنقع في بركة أو نحوها يصب اليه ماء المطر في سواقي تشق له فاذا اجتمع سقي منه واشتقاقه من العاثور وهي الساقية التي يجري فيها الماء لانه يعثر بها من يمر بها، والنواضح الابل يستقى عليها لشرب الأرض وهي السواني أيضا وعن معاذ قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرني أن آخذ مما سقت السماء أو سقي بعلا العشر وما سقي بدالية نصف العشر قال أبو عبيد البعل ما يشرب بعروقه من غير سقي، وفي الجملة كل ما سقي بكلفة أو

مسألة: فإن سقى نصف السنة بهذا ونصفها بهذا ففيه ثلاثة أرباع العشر

مؤنة من دالية أو سانية أو دولاب أو ناعورة أو نحو ذلك ففيه نصف العشر وما سقي بغير مؤنة ففيه العشر لما ذكرنا من النص ولأن للكلفة تأثيراً في إسقاط الزكاة بالكلية في المعلوفة ففي تخفيفها أولى ولا يؤثر حفر الانهار والسواقي في نقصان الزكاة لأن المؤنة تقل فيه لكونها من جملة إحياء الأرض ولا يتكرر كل عام وكذلك احتياجها الى من يسقيها ويحول الماء في نواحيها ولأن ذلك لا بد منه في السقي بكلفة أيضاً فهو زيادة على المؤنة فجرى مجرى حرث الأرض وتسحيتها ون كان الماء يجري من النهر في ساقية الى الارض ويستقر في مكان قريب من وجهتها إلا أنه لا يصل اليها إلا بغرف أو دولاب فهو من الكلفة المسقطة لنصف العشر ولأن مقدار الكلفة وقرب الماء وبعده لا يعتبر والضابط لذلك الاحتياج في ترقية الماء الى الارض الى آلة أو نضح أو دالية أو نحو ذلك وقد وجد. * (مسألة) * (فإن سقى نصف السنة بهذا ونصفها بهذا ففيه ثلاثة أرباع العشر) وهذا قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه مخالفاً لأن كل واحد منهما لو وجد في جميع السنة لا رجب مقتضاه، فإذا وجد في نصفها أوجب نصفه، وان سقى باحدهما أكثر من الآخر اعتبر أكثرهما نص عليه أحمد وهو قول عطاء والثوري وأبي حنيفة وأحد قولي الشافعي لأن اعتبار مقدار السقي وعدد مراته وقدر ما يشرب في كل سقية يشق فاعتبر الاكثر كالسوم في الماشية وقال ابن حامد تؤخذ بالقسط وهو القول الثاني للشافعي لأن ما وجب فيه بالقسط عند التماثل وجب عند التفاضل كفطرة العبد المشترك، وان جهل المقدار وجب العشر احتياطاً نص عليه أحمد في رواية عبد الله لأن الأصل وجوب العشر وانما يسقط بوجود الكلفة فما لم يتحقق المسقط يبقى على الأصل ولأن الأصل عدم الكلفة في الاكثر فلا يثبت وجودها مع الشك فيه، وان اختلف رب المال والساعي في أيها سقى به أكثر فالقول قول رب المال بغير يمين فان الناس لا يستحلفون على صدقاتهم (فصل) وإذا كان لرجل حائطان يسقى أحدهما بمؤنة والآخر بغيرها ضم غلة أحدهما إلى الآخر في تكميل النصاب وأخرج من الذي سقي بغير مؤنة عشره ومن الآخر نصف عشره، كما يضم أحد النوعين الى الآخر ويخرج من كل منهما ما وجب فيه. * (مسألة) * (وإذا اشتد الحب وبدا الصلاح في الثمر وجبت الزكاة) لانه حينئذ يقصد للأكل والاقتيات به فاشبه الياس وقبله لا يقصد لذلك فهو كالرطبة وقال ابن أبي موسى تجب زكاة الحب يوم حصاده لقوله عزوجل (وآتوا حقه يوم حصاده) وفائدة الخلاف أنه

مسألة: وإذا اشتد الحب وبدا الصلاح في الثمر وجبت الزكاة

لو تصرف في الثمرة أو الحب قبل الوجوب لا شئ عليه كما لو أكل السائمة أو باعها قبل الحول، وان تصرف فيها بعد الوجوب لم تسقط الزكاة كما لو فعل ذلك في السائمة، فان قطعها قبل ذلك سقطت الا أن يقطعها فراراً من الزكاة فتلزمه لانه فوت الواجب بعد انعقاد سببه، أشبه ما لو طلق امرأته في مرض موته. * (مسألة) * (ولا يستقر الوجوب إلا بجعلها في الجرين وبجعل الزرع في البيدر فإن تلفت قبله بغير تعد منه سقطت الزكاة سواء كانت خرصت أو لم تخرص) اذا خرص وترك في رؤس النخل فعليهم حفظه فان أصابته جائحة فلا شئ عليه إذا كان قبل الجداد نص عليه أحمد وحكاه ابن المنذر إجماعا ولانه قبل الجداد في حكم ما لم تثبت عليه اليد بدليل أنه لو اشترى ثمرة فتلفت بجائحة رجع بها على البائع، وإن تلف بعض الثمرة فقال القاضي إن كان الباقي نصابا ففيه الزكاة وإلا فلا وهذا القول يوافق قول من قال أنه لا تجب الزكاة فيه الا يوم حصاده لأن وجود النصاب شرط في الوجوب فمتى لم يوجد وقت الوجوب لم يجب، وأما من قال إن الوجوب يثبت اذا بدا الصلاح واشتد الحب فقياس قوله إن تلف البعض إن كان قبل الوجوب فهو كما قال القاضي وإن كان بعده وجب في الباقي بقدره سواء كان نصابا أو لم يكن لان المسقط اختص بالبعض فاختص السقوط به كما لو تلف بعض نصابر السائمة بعد وجوب الزكاة فيها وهذا فيما إذا تلفت بغير تفريطه ولا عدوانه، فأما إن أتلفها أو تلفت بتفريطه بعد الوجوب لم تسقط عنه الزكاة، وإن كان

مسألة: ومتى ادعى رب المال تلفها من غير تفريطه قبل قوله من غير يمين سواء كان ذلك قبل الخرص أو بعده

قبل الوجوب سقطت إلا أن يقصد بذلك الفرار من الزكاة فيضمنها ولا تسقط عنه لما ذكرنا * (مسألة) * (ومتى ادعى رب المال تلفها من غير تفريطه قبل قوله من غير يمين سواء كان ذلك قبل الخرص أو بعده ويقبل قوله أيضاً في قدرها وكذلك في سائر الدعاوي قال أحمد لا يستحلف الناس على صدقاتهم وذلك لأنه حق لله تعالى فلا يستحلف فيه كالصلاة والحد) (فصل) وإن أحرز الثمرة في الجرين أو الحب في البيدر استقر وجوب الزكاة عليه عند من لم ير التمكين من الأداء شرطا في استقرار الوجوب فإن تلف بعد ذلك لم تسقط الزكاة عنه وعليه ضمانها كما لو تلف نصاب الاثمان بعد الحول وعلى قولنا في الرواية الأخرى التمكن من الأداء معتبر لا يستقر الوجوب فيها حتى تجف الثمرة ويصفى الحب ويتمكن من الاداء فلا يؤدي وإن تلف قبل ذلك فلا شئ عليه على ما ذكرنا من قبل. (فصل) ويصح تصرف المالك في النصاب قبل الخرص وبعده بالبيع والهبة وغيرهما فان باعه أو وهبه بعد بدو صلاحه فصدقته على البائع والواهب، وبهذا قال الحسن ومالك والثوري والاوزاعي وهو قول الليث إلا أن يشترطها على المبتاع لأنها كانت واجبة عليه قبل البيع فبقي الوجوب على ما كان عليه وعليه إخراج الزكاة من جنس المبيع، وعنه أنه مخير بين ذلك وبين أن يخرج من الثمن بناء على جواز إخراج القيمة في الزكاة، والصحيح الاول ولان عليه القيام بالثمرة حتى يؤدي الواجب فيها ثمراً فلا يسقط ذلك عنه ببيعها ويتخرج أن تجب الزكاة على المشتري عند من قال إن الزكاة انما تجب

مسألة: ويجب إخراج زكاة الحب مصفى والثمر يابسا

يوم الحصاد لأن الوجوب إنما تعلق بها في ملكه فكانت عليه، ولو اشترى ثمرة قبل بدو صلاحها ثم بدا صلاحها في يده على وجه صحيح كمن اشترى شجرة مثمرة واشترط ثمرتها أو وهبت له ثمرة قبل بدو صلاحها فبدا صلاحها في يده أو وصي له بالثمرة فقبلها بعد موت الموصي ثم بدا صلاحها فالصدقة عليه في هذه الصور لأن سبب الوجوب وجد في ملكه فهو كما لو ملك عبداً أو ولد له ولد آخر يوم من رمضان وجبت عليه فطرته * (فصل) * وإذا اشترى الثمرة قبل بدو صلاحها فتركها حتى بدا صلاحها من غير شرط القطع فالبيع باطل وزكاتها على البائع وإن شرط القطع بطل البيع أيضاً ويكون كما لو لم يشترط القطع القطع وعنه أنه صحيح ويشتركان في الزيادة فعلى هذا يكون على المشتري زكاة حصته منها إن بلغت نصاباً فإن لم يكن المشترى من الزكاة فلا صدقة فيها فإن عاد البائع فاشتراها بعد بدو الصلاح فلا زكاة فيها إلا أن يكون قصد ببيعها الفرار من الزكاة فلا تسقط * (مسألة) * (ويجب إخراج زكاة الحب مصفى والثمر يابساً) لانه أوان الكمال وحال الادخار. والمؤنة التي تلزم الثمرة الى حين الاخراج على رب المال لان الثمرة كالماشية ومؤنة الماشية وحفظها ورعيها على ربها إلى حين الاخراج كذلك هذا فان أخذ الساعي الزكاة قبل التجفيف فقد أساء ويرده إن كان رطباً بحاله وإن تلف رد مثله، وإن جففه وكان قدر الزكاة فقد استوفى الواجب وان كان دونه أخذ الباقي وان كان زائداً رد الفضل وإن كان المخرج رب المال لم يجزه ولزمه إخراج الفرض بعد التجفيف لانه أخرج غير الفرض فلم يجزه كما لو أخرج الصغيرة من الماشية عن الكبار. * (مسألة) * (فإن احتيج إلى قطع الثمرة قبل كمالها وبعد بدو الصلاح للخوف من العطش أو

مسألة: فإن احتيج إلى قطع الثمرة قبل كمالها وبعد بدو الصلاح للخوف من العطش أو لضعف الاصل جاز قطعها لأن حق الفقراء انما يجب على طريق المواساة فلا يكلف الإنسان ما يهلك أصل ماله

لضعف الاصل جاز قطعها لأن حق الفقراء إنما يجب على طريق المواساة فلا يكلف الإنسان ما يهلك أصل ماله) . ولان حفظ الاصل أحظ للفقراء من حفظ الثمرة لان حقهم يتكرر بحفظها في كل سنة فهم شركاء رب النخل ثم إن كان يكفي تخفيف الثمرة دون قطع جميعها خففها وان لم يكف الا قطع الجميع جاز وكذلك إن قطع بعض الثمرة لتحسين الباقي وكذلك إن كان عنباً لا يجئ منه زبيب كالخمري أو رطا لا يجئ منه تمر كالبرني والهلبات فانه يخرج منه عنبا ورطباً للحاجة ولأن الزكاة مواساة فلم تجب عليه من غير ما عنده كردئ الجنس، وقال القاضي يخير الساعي اذا أردا ذلك رب المال بين أن يقاسم رب المال قبل الجداد بالخرص ويأخذ نصيبهم نخلات منفردة يأخذ ثمرتها وبين أن يجدها ويقاسمه اياها بالكيل ويقسم الثمرة في الفقراء وبين بيعها من رب المال ومن غيره قبل الجداد وبعده ويقسم ثمنها، والمنصوص أنه لا يخرج إلا يابساً وأنه لا يجوز له شراء زكاته، اختاره أبو بكر لان اليابس حال الكمال في تلك الحال والدليل على أنه لا يجوز له شراء زكاته حديث عمر حين استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في شراء الفرس الذي حمل عليه فقال " لا تشتره ولا تعد في صدقتك وإن باعكه بدرهم " فإن قيل فهلا قلتم لا زكاة في العنب والرطب الذي لا يجئ منه زبيب لكونه لا يدخر فهو كالخضراوات قلنا بل يدخر في الجملة وإنما لم يدخر هاهنا لان أخذه رطبا أنفع فلم تسقط منه الزكاة بذلك ولا تجب فيه الزكاة حتى يبلغ حداً يكون منه خمسة أوسق تمراً أو زبيباً إلا على الرواية الأخرى فان أتلف رب المال هذه الثمرة، فقال القاضي عليه قيمتها كما لو أتلفها غيره وعلى قول أبي بكر يجب عليه العشر تمراً أو زبيباً كما في غير هذه الثمرة، قال فإن لم يجد التمر ففيه وجهان: أحدهما تؤخذ منه قيمته والثاني يبقى في ذمته إلى أن يجده فيأتي به. * (مسألة) * (وينبغي أن يبعث الامام ساعيا إذا بدا الصلاح في الثمر فيخرصه عليهم ليتصرفوا فيه فيعرف بذلك قدر الزكاة ويعرف المالك ذلك)

مسألة: وينبغي أن يبعث الامام ساعيا إذا بدا الصلاح في الثمر فيخرصه عليهم ليتصرفوا فيه فيعرف بذلك قدر الزكاة ويعرف المالك ذلك

وممن كان يرى الخرص عمر بن الخطاب وسهل بن أبي حثمة ومروان والقاسم بن محمد والحسن وعطاء والزهري ومالك والشافعي وأكثر أهل العلم، وحكي عن الشعبي أن الخرص بدعة وقال أهل الرأي الخرص ظن وتخمين لا يلزم به حكم وإنما كان تخويفا للاكرة من الخيانة ولنا ما روى عتاب بن أسيد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعث على الناس من يخرص عليهم كرومهم وثمارهم رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي، وفي لفظ قال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرص العنب كما نخرص النخل وتؤخذ زكاته زبيبا كما تؤخذ زكاة النخل تمرا، وقالت عائشة وهي تذكر شأن خيبر كان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث عبد الله بن رواحة إلى يهود فيخرص عليهم النخل حين يطيب قبل أن يؤكل منه رواه أبو داود وقولهم هو ظن قلنا بل هو اجتهاد في معرفة قدر الثمر بالخرص الذي هو نوع من المقادير فهو كتقويم المتلفات ووقت الخرص حين يبدو الصلاح لحديث عائشة، ولأن فائدة الخرص معرفة قدر الزكاة واطلاق أرباب الثمار في التصرف فيها وإنما تدعو الحاجة إلى ذلك حين يبدو الصلاح (فصل) ويجزئ خارص واحد لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعث ابن رواحة يخرص ولم يذكر معه غيره ولأن الخارص يفعل ما يؤديه إليه اجتهاده فهو كالحكم والقائف ويعتبر فيه أن يكون أميناً كالحكم * (مسألة) * (فإن كان أنواعا خرص كل نوع وحده) لأن الانواع تختلف فمنها ما يكثر رطبه ويقل

مسألة: فإن كان أنواعا خرص كل نوع وحده

ثمره ومنها بالعكس وهكذا العنب ولانه يحتاج إلى معرفة قدر كل نوع حتى يخرج عشرة * (مسألة) * (وإن كان نوعاً واحداً فله خرص كل شجرة وحدها) فيطيف بها وله خرص الجميع دفعة واحدة دفعاً للمشقة وينظر كم يجئ منه تمراً أو زبيباً ثم يعرف المالك قدر الزكاة ويخيره بين أن يضمن قدر الزكاة ويتصرف فيها بما شاء من أكل أو غيره وبين حفظها إلى وقت الجداد والجفاف فان حفظها وجففها فعليه زكاة الموجود لا غير سواء اختار الضمان أو الحفظ وسواء كانت أكثر مما خرصه الخارص أو أقل، وبهذا قال الشافعي وقال مالك يلزمه ما قال الخارص زاد أو نقص اذا كانت الزكاة متقاربة وعن أحمد نحو ذلك فإنه قال إذا خرص الخارص فاذا فيه فضل كثير مثل الضعف تصدق بالفضل لانه يخرص بالسوية لأن الحكم انتقل إلى ما قال الساعي بدليل وجوب ما قال عند تلف المال ولنا أن الزكاة أمانة فلا تصير مضمونة بالشرط كالوديعة، ولا نسلم أن الحكم انتقل إلى ما قال الساعي وإنما يعمل بقوله إذا تصرف في الثمرة ولم يعلم قدرها لان الظاهر أصابته قال أحمد إذا تجافى السلطان

عن شئ من العشر يخرجه فيؤديه، وقال إذا حط من الخرص عن الأرض يتصدق بقدر ما نقصوه من الخرص، وإن أخذ منهم أكثر من الواجب عليهم فقال أحمد يحتسب لهم من الزكاة لسنة أخرى ونقل عنه أبو داود لا يحتسب بالزيادة لان هذا غصب اختاره أبو بكر، قال شيخنا: ويحتمل الجمع بين الروايتين فيحتسب اذا نوى صاحبه به التعجيل ولا يحتسب إذا لم ينو (فصل) وإذا ادعى رب المال غلط الخارص وكان ما ادعاه محتملا قبل قوله بغير يمين، وإن لم يكن محتملا مثل أن ادعى غلط النصف ونحوه لم يقبل لأنه لا يحتمله فيعلم كذبه وإن قال لم يحصل في يدي الا كذ قبل قوله لأنه قد يتلف بعضه بآفة لا نعلمها (فصل) فان أتلف رب المال الثمرة أو تلفت بتفريطه بعد خرصها فعليه ضمان نصيب الفقراء بالخرص وإن أتلفها أجنبي فعليه قيمة ما أتلف والفرق بينهما أن رب المال وجب عليه تجفيف هذا الرطب بخلاف الاجنبي ولهذا قلنا فيمن أتلف ضحيته المعينة فعليه أضحية مكانها وإن أتلفها أجنبي فعليه قيمتها، وان تلفت بحائحة من السماء سقط عنهم الخرص نص عليه، لأنها تلفت قبل استقرار زكاتها وان ادعى تلفها قبل قوله بغير يمين وقد ذكرناه * (مسألة) * (ويجب أن يترك في الخرص لرب المال الثلث أو الربع)

مسألة: ويجب أن يترك في الخرص لرب المال الثلث أو الربع

توسعة على رب المال لأنه يحتاج إلى الاكل هو وأضيافه ويطعم جيرانه وأهله ويأكل منها المارة ويكون في الثمرة الساقطة وينتابها الطير فلو استوفى الكل منهم أضربهم وبهذا قال اسحق وأبو عبيد والمرجع في تقدير المتروك الى اجتهاد الساعي فان رأى الاكلة كثيراً ترك الثلث والا ترك الربع لما روى سهل ابن أبي حثمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول " إذا خرصتم فخذوا ودعوا الثلث فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع " رواه أبو داود والنسائي والترمذي، وروى أبو عبيد بإسناده عن مكحول قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث الخراص قال " خففوا على الناس فإن في المال العرية والواطئة والأكلة " قال أبو عبيد الواطئة السابلة سموا بذلك لوطئهم بلاد الثمار مجتازين والأكلة أرباب الثمار وأهلوهم ومن لصق بهم ومنه حديث سهل في مال سعد بن أبي سعد حين قال لولا أني وجدت فيه أربعين عريشاً لخرصته بسبعمائة وسق فكانت تلك العرش لهؤلاء الاكلة، والعرية النخلة أو النخلات يهب انسانا ثمرتها فجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " ليس في العرايا صدقة " والحكم في العنب كالحكم في الرطب سواء لأنه في معناه * (مسألة) * (فإن لم يفعل فلرب المال الأكل بقدر ذلك) ولا يحتسب عليه نص عليه أحمد لأنه حق لهم فإن لم يخرج الامام خارصا فاحتاج رب المال إلى التصرف في الثمرة فاخرج خارصا جاز أن يأخذ بقدر ذلك ذكره القاضي فان خرص هو وأخذ بقدر

مسألة: فإن لم يفعل فلرب المال الأكل بقدر ذلك

ذلك جاز ويحتاط أن لا يأخذ أكثر مما له أخذه ثم إن بلغ الباقي نصابا زكاه وإلا فلا (فصل) ويخرص النخل والكرم لما ذكرنا من الاثر فيهما ولا يخرص الزرع في سنبله وبهذا قال عطاء والزهري ومالك لأن الشرع لم يرد بالخرص فيه ولا هو في معنى المنصوص عليه لان ثمرة النخل والكرم تؤكل رطبا فيخرص على أهله للتوسعة عليهم ليخلي بينهم وبين الأكلة والتصرف فيه ولأن ثمرة الكرم والنخل ظاهرة مجتمعة فخرصها أسهل من خرص غيرها وما عداهما لا يخرص وانما على أهله فيه الامانة إذا صار مصفى يابسا ولا بأس أن يأكلوا منه ما جرت العادة بأكله ولا يحتسب عليهم وقد سئل أحمد عما يأكله أرباب الزروع من الفريك قال لا بأس به أن يأكل منه صاحبه ما يحتاج إليه وذلك لأن العادة جارية به فأشبه ما يأكله أرباب الثمار من ثمارهم وإذا صفى الحب أخرج زكاة الموجود كله ولم يترك منه شئ لأنه إنما ترك لهم في الثمر شئ لكون النفوس تتوق الى أكلها رطبة والعادة جارية به وفي الزرع إنما يؤكل منه شئ يسير لا وقع له ولا يخرص الزيتون ولا غير النخل والكرم لان حبه متفرق في شجره مستور بورقه، ولا حاجة باهله إلى أكله بخلاف النخل والكرم، وبهذا قال مالك وقال الزهري والاوزاعي والليث يخرص قياساً على الرطب والعنب.

مسألة: ويخرج العشر من كل نوع على حدته فإن شق ذلك أخذ من الوسط

ولنا ما ذكرنا من المعنى ولأنه لا نص فيه ولا هو في معنى النصوص * (مسألة) * (ويخرج العشر من كل نوع على حدته فإن شق ذلك أخذ من الوسط) وجملة ذلك أنه إذا كان المال الزكوي نوعاً واحداً أخذ منه جيداً كان أورديا لأن حق الفقراء يجب على طريق المواساة فهم بمنزلة الشركاء ولا نعلم في هذا خلافاً وإن كان أنواعاً أخذ من كل نوع ما يخصه وهذا قول أكثر العلماء، وقال مالك والشافعي يؤخذ من الوسط وكذلك ذكره شيخنا ههنا وأبو الخطاب إذا شق عليه إخراج زكاة كل نوع منه دفعا للحرج والمشقة وقياساً على السائمة والأول أولى لأن الفقراء بمنزلة الشركاء فينبغي أن يتساووا في كل نوع ولا مشقة في ذلك بخلاف الماشية فان إخراج زكاة كل نوع منها يفضي إلى التشقيص وفيه مشقة بخلاف الثمار، ولا يجوز اخراج الردئ لقوله تعالى (ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون) قال أبو أمامة سهل بن حنيف في هذه الآية هو الجعرور ولون الحبيق فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤخذ في الصدقة. رواه النسائي وأبو عبيد قال وهما ضربان من

التمر أحدهما إنما يصير قشراً على نوى والآخر اذا أثمر صار حشفاً. ولا يجوز أخذ الجيد عن الردئ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " إياك وكرائم أموالهم ". فاما إن تطوع رب المال باخراج الجيد عن الردئ جاز وله أجر ذلك على ما ذكرنا في الماشية (فصل) وأما الزيتون فإن كان مما لا زيت فيه فانه يحرج منه عشره حبا إذا بلغ نصابا لانه حال كماله وادخاره، وإن كان له زيت أخرج منه زيتا اذا بلغ الحب نصابا، وهذا قول الزهري والاوزاعي ومالك والليث قالوا يخرص الزيتون ويؤخذ منه زيتا صافيا وقال مالك إذا بلغ خمسة أوسق أخذ العشر من زيته بعد أن يعصر، وقال الثوري وأبو حنيفة يخرج من حبه كسائر الثمار ولانه الحالة التي يعتبر فيها الاوساق فكان اخراجه فيها كسائر الثمار وهذا جائز، واخراج الزيت أولى وأفضل لانه يكفي الفقراء مؤنته ولانه حال كما له وادخاره أشبه الرطب إذا يبس والله أعلم * (مسألة) * (ويجب العشر على المستأجر دون المالك) وبهذا قال مالك والثوري وشريك وابن المبارك والشافعي وابن المنذر، وقال أبو حنيفة هو على ملك الارض لانه من مؤنتها أشبه الخراج ولنا أنه واجب في الزرع فكان على مالكه كزكاة القيمة فيما اذا أعده للتجارة وكعشر زرعه في ملكه ولا يصح قولهم إنه من مؤنة الأرض لأنه لو كان من مؤنتها لوجب فيها وان لم تزرع ولوجب على الذمي كالخراج ولتقدر بقر الأرض لا بقدر الزرع ولوجب صرفه إلى مصارف الفئ فان استعار أرضاً فزرعها فالزكاة على صاحب الزرع لأنه مالكه وإن غصبها فزرعها وأخذ الزرع فالعشر عليه لانه نبت على مالكه وان أخذه مالكها قبل اشتداد حبة فالعشر عليه، وإن أخذه بعده احتمل أن يجب عليه أيضاً لأن أخذه اياه استند الى أول زرعه فكأنه أخذه من تلك الحال، ويحتمل أن تكون زكاته على الغاصب لأنه كان ملكاً له حين وجوب عشره وهو حين اشتداد الحب، وان زارع رجلا مزارعة فاسدة

مسألة: ويجب العشر على المستأجر دون المالك

فالعشر على من يجب الزرع له وإن كانت صحيحة فعلى كل واحد منهما عشر حصته إن بلغت نصاباً أو كان له من الزرع ما يبلغ بضمه اليه نصابا وإلا فلا، وإن بلغت حصة أحدهما نصاباً دون الآخر فعلى من بلغت حصته العشر دون صاحبه إلا إذا قلنا الخلطة تؤثر في غير السائمة فيلزمهما العشر اذا بلغ زرعهما نصابا ويخرج كل واحد منهما عشر نصيبه إلا أن يكون أحدهما ممن لا عشر عليه كالمكاتب فلا يلزم شريكه شئ الا ان تبلغ حصته نصاباً وكذلك الحكم في المساقاة * (مسألة) * (ويجتمع العشر والخراج في كل أرض فتحت عنوة) الأرض أرضان صلح وعنوة، فاما الصلح فهو كل أرض صولح أهلها عليها لتكون ملكا لهم ويؤدون عليها خراجا فهذه الارض ملك لأربابها وهذا الخراج كالجزية متى أسلموا سقط عنهم ولهم بيعها وهبتها ورهنها وكذلك كل أرض أسلم عليها أهلها، كأرض المدينة وشبهها ليس عليها خراج ولا شئ الا الزكاة فهي واجبة على كل مسلم، ولا خلاف في وجوب العشر في الخارج من هذه الأرض قال إبن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن على كل أرض أسلم عليها أهلها قبل قهرهم عليها الزكاة فيما زرعوا فيها وأما العنوة فالمراد بها ما فتح عنوة ووقف على المسلمين وضرب عليه خراج معلوم فانه يؤدى الخراج عن رقبة الارض وعليه العشر عن غلتها اذا كانت لمسلم وكذلك الحكم في كل أرض خراجية وهذا قول عمر بن عبد العزيز والزهري ويحي الانصاري وربيعة والاوزاعي ومالك والثوري والشافعي وابن المبارك واسحق وأبو عبيد وقال أصحاب الرأي لا عشر في الارض الخراجية لقوله عليه السلام " لا يجتمع العشر والخراج في أرض مسلم " ولأنهما حقان سبباهما متنافيان فلم يجتمعا، كزكاة السوم والتجارة وكالعشر وزكاة القيمة، وبيان تنافيهما أن الخراج وجب عقوبة لانه جزية للأرض والزكاة وجبت طهوراً وشكراً. ولنا قوله تعالى (ومما أخرجنا لكم من الأرض) وقول النبي صلى الله عليه وسلم " فيما سقت السماء العشر " وغيره من عمومات الأخبار، قال ابن المبارك يقول الله تعالى (ومما أخرجنا لكم من الأرض) ثم قال نترك القرآن لقول أبي حنيفة ولانهما حقان يجبان لمستحقين يجوز وجوب كل واحد منهما على المسلم فجاز اجتماعهما كالكفارة والقيمة في الصيد الحرمي المملوك وحديثهم يرويه يحيى بن عنبسة وهو ضعيف عن أبي حنيفة ثم نحمله على الخراج الذي هو جزية وقولهم إن سببيها متنافيان غير صحيح فإن الخراج أجرة الأرض والعشر زكاة الزرع ولا يتنافيان كما لو استأجر أرضا فزرعها وقولهم الخراج عقوبة قلنا لو كان عقوبة لما وجب على مسلم كالجزية، وإن كانت الأرض لكافر فليس عليه فيها سوى الحرج

مسألة: ويجتمع العشر والخراج في كل أرض فتحت عنوة

قال أحمد ليس في أرض أهل الذمة صدقة إنما قال الله تعالى (تطهرهم وتزكيهم بها) فأي طهرة للمشركين؟ (فصل) فإن كان في غلة الأرض ما لا عشر فيه كالثمار التي لا زكاة فيها والخضراوات وفيها زرع فيه الزكاة جعل ما لا زكاة فيه في مقابلة الخراج وزكي ما فيه الزكاة إذا كان ما لا زكاة فيه وافيا بالخراج وإن لم يكن لها غلة الا ما تجب فيه الزكاة أدى الخراج من غلتها وزكى ما بقي في أصح الروايات اختارها الخرقي، وهذا قول عمر بن عبد العزيز قال أبو عبيد عن إبراهيم بن أبي عبلة كتب عمر بن عبد العزيز إلى عامله على فلسطين فيمن كانت في يده أرض بجزيتها من المسلمين أن يقبض منها حزيتها ثم تؤخذ منها زكاة ما بقي بعد الجزية وذلك لأن الخراج من مؤنة الارض فيمنع وجوب الزكاة في قدره لقول ابن عباس يحسب ما أنفق على زرعه دون ما أنفق على أهله وفيه رواية ثانية أن الدين كله يمنع وجوب الزكاة في الأموال الظاهرة فعلى هذه الرواية يحسب كل دين عليه ثم يخرج العشر مما بقي ان بلغ نصابا يروى نحو ذلك عن ابن عمر لانه دين فمنع وجوب العشر كالخراج وما انفقه على زرعه وفيه رواية ثالثة أن الدين لا يمنع وجوب الزكاة في الأموال الظاهرة مطلقا سواء استدانه لنفقة زرعه أو لنفقة أهله فيحتمل على هذه ان يزكي الجميع وقد ذكرنا ذلك في باب الزكاة * (مسألة) * (ويجوز لأهل الذمة شراء الارض العشرية ولا عشر عليهم، وعنه عليهم عشران يسقط أحدهما بالاسلام) وجملة ذلك أنه لم يكره للمسلم بيع أرضه من الذمي واجارتها منه لافضائه إلى اسقاط عشر الخارج منها. قال محمد بن موسى: سألت أبا عبد الله عن المسلم يؤاجر أرض الخراج من الذمي؟ قال: لا يؤاجر من الذمي انما عليه الجزية وهذا ضرر، وقال في موضع آخر لانهم لا يؤدون الزكاة فان أجرها من الذمي أو باع أرضه التي لا خراج عليها لذمي صح البيع والاجارة وهو مذهب الثوري والشافعي وأبي عبيد وليس عليهم فيها عشر ولا خراج. قال حرب سألت أحمد عن الذمي يشتري أرض العشر قال لا أعلم شيئاً وأهل المدينة يقولون في هذا قولا حسنا، يقولون لا يترك الذمي يشتري أرض العشر، وأهل البصرة يقولون قولا عجباً يقولون يضاعف عليهم وقد روي عن أحمد أنهم يمنعون من شرائها اختارها الخلال وهو قول مالك وصاحبه، فان اشتروها ضوعف عليهم العشر فأخذ منهم الخمس كما لو اتجروا بأموالهم إلى غير بلدهم يؤخذ منهم نصف العشر وهذا قول أهل البصرة وأبي يوسف ويروى ذلك عن الحسن وعبيد الله بن الحسن العنبري. وقال محمد بن الحسن: العشر بحاله، وقال أبو حنيفة: تصير أرض خراج ولنا أن هذه أرض لا خراج عليها فلا يلزم فيه الخراج ببيعها كما لو باعها مسلماً ولانها مال مسلم

يجب الحق فيه للفقراء فلم يمنع من بيعه للذمي كالسائمة واذا ملكها الذمي فلا عشر عليه فيما يخرج منها لانه زكاة فلا تجب على الذمي كزكاة السائمة وما ذكروه ينتقض بزكاة السائمة وما ذكروه من تضعيف العشر تحكم لا نص فيه ولا قياس (1) (فصل) وفي العسل العشر سواء أخذه من موات أو من ملكه ونصابه عشرة أفراق كل فرق ستون رطلا. قال الأثرم: سئل أبو عبد الله أنت تذهب الى أن في العسل زكاة؟ قال نعم اذهب إلى ان في العسل زكاة العشر قد أخذ عمر منهم الزكاة، قلت ذلك على أنهم تطوعوا به، قال لا بل أخذ منهم. ويروى ذلك عن عمر بن عبد العزيز ومكحول والزهري والاوزاعي واسحق. وقال مالك والشافعي وابن أبي ليلى والحسن بن صالح وابن المنذر لا زكاة فيه لأنه مائع خارج من حيوان أشبه اللبن. قال إبن المنذر: ليس في وجوب الصدقة في العسل حديث يثبت ولا اجماع فلا زكاة فيه. وقال أبو حنيفة إن كان في أرض العشر ففيه الزكاة وإلا فلا زكاة فيه، ووجه الأول ما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأخذ في زمانه من قرب العسل من كل عشر قرب قربة من أوسطها رواه أبو عبيد والاثرم وابن ماجه، وعن سليمان بن موسى أن أبا سيارة المتعي قال: قلت يا رسول الله إن لي نحلاً، قال " أد العشر " قال فاحم إذا جبلها فحماه له رواه أبو عبيد وابن ماجة وروى الأثرم عن ابن أبي ذبابة عن أبيه عن جده أن عمر رضي الله عنه أمره في العسل بالعشر

مسألة: ويجوز لأهل الذمة شراء الارض العشرية ولا عشر عليهم، وعنه عليهم عشران يسقط أحدهما بالاسلام

أما اللبن فإن الزكاة وجبت في أصله وهو السائمة بخلاف العسل وقول أبي حنيفة ينبني على أن العشر والخراج لا يجتمعان وقد ذكرناه ونصابه عشرة أفراق وهذا قول الزهري، وقال أبو يوسف ومحمد خمسة أوساق لقول النبي صلى الله عليه وسلم " ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة " وقال أبو حنيفة تجب في قليلة وكثيره بناء على أصله في الحبوب والثمار (ووجه الأول) ما روي عن عمر رضي الله عنه أن ناساً سألوه فقالوا: إن رسول صلى الله عليه وسلم قطع لنا واديا باليمن فيه خلايا من نحل وإنا نجد ناساً يسرقونها، فقال عمر: إن أديتم صدقتها من كل عشرة أفراق فرقا حميناها لكم. رواه الجوزجاني. وهذا تقدير من عمر رضي الله عنه فيجب المصير إليه، إذا ثبت هذا فقد اختلف المذهب في قدر الفرق، فروي عن أحمد ما يدل على أنه ستة عشر رطلاً، فإنه قال في رواية أبي داود قال الزهري في عشرة أفراق فرق والفرق ستة عشر رطلاً فيكون نصابه مائة وستون رطلاً بالعراقي. وقال ابن حامد: الفرق ستون رطلاً فيكون النصاب ستمائة رطل وكذلك ذكره القاضي في المجرد فإنه يروى عن الخليل بن أحمد قال: الفرق باسكان الراء مكيال ضخم من مكاييل أهل العراق، وحكي عن القاضي أن الفرق ستة ثلاثون رطلا، وقيل هو مائة وعشرون رطلاً. قال

شيخنا: ويحتمل أن يكون نصابه ألف رطل لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه كان يأخذ من كل عشر قرب قربة من أوسطها، والقربة مائة رطل بالعراقي بدليل قرب القلتين. ووجه الأول قول عمر: من كل عشرة أفراق فرقاً - والفرق بتحريك الراء ستة عشر رطلاً. قال أبو عبيد: لا خلاف بين الناس أعلمه في أن الفرق ثلاثة آصع. وقال النبي صلى الله عليه وسلم لكعب بن عجرة " اطعم ستة مساكين فرقا من طعام " فقد بين أنه ثلاثة آصع. وقالت عائشة: كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء هو الفرق هذا المشهور فينصرف الإطلاق إليه والفرق الذي هو مكيال ضخم لا يصح حمله عليه لوجوه (أحدها) انه غير مشهور في كلامهم فلا يحمل عليه المطلق من كلامهم. قال ثعلب. قل فرق ولا تقل فرق (الثاني) أن عمر قال: من كل عشرة أفراق فرقا - والافراق جمع فرق بفتح الراء وجمع الفرق باسكان الراء فروق لأن ما كان على وزن فعل ساكن العين غير معتل فجمعه في القلة أفعل وفي الكثرة فعال أو فعول (والثالث) أن الفرق الذي هو ضخم من مكاييل أهل العراق لا يحمل عليه كلام عمر، وانما يحمل كلام عمر رضي الله عنه على مكاييل أهل الحجاز لانه بها ومن أهلها ويؤكد ذلك تفسير الزهري له في نصاب العسل بما قلنا والامام أحمد ذكره في معرض الاحتجاج به فيدل على أنه ذهب إليه والله أعلم

* (فصل في المعدن) * * (مسألة) * (ومن استخرج من معدن نصابا من الأثمان أو ما قيمته نصاب من الجواهر والقار والصفر والزئبق والكحل والزرنيخ وسائر ما يسمى معدنا ففيه الزكاة في الحال ربع العشر من قيمته أو من عينها إن كانت أثمانا سواء استخرجه في دفعة أو دفعات لم يترك العمل بينها ترك أهمال) الكلام في هذه المسألة في فصول أربعة (احدها) في صفة المعدن الذي تتعلق به الزكاة وهو كل ما خرج من الارض مما خلق فيها من غيرها مما له قيمة كالذي ذكر ههنا ونحوه من البلور والعقيق والحديد والسبج والزاج والمغرة والكبريت ونحو ذلك، وقال الشافعي ومالك: لا تتعلق الزكاة الا بالذهب والفضة لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا زكاة في حجر " ولانه مال مقوم مستفاد من الارض أشبه الطين الاحمر وقال أبو حنيفة في إحدى الروايتين: تتعلق الزكاة بكل ما ينطبع كالرصاص والحديد والنحاس دون غيره ولنا عموم قوله تعالى (ومما أخرجنا لكم من الأرض) ولانه معدن فتعلقت الزكاة به كالأثمان ولانه مال لو غنمه خمسه فاذا أخرجه من معدن وجبت زكاته كالذهب فأما الطين فليس بمعدن لانه تراب والمعدن ما كان في الارض من غير جنسها (الفصل الثاني) في قدر الواجب فيه وصفته، وقدر الواجب فيه ربع العشر وهو زكاة وهذا

قول عمر بن عبد العزيز ومالك. وقال أبو حنيفة: الواجب فيه الخمس وهو فئ واختاره أبو عبيد. وقال الشافعي هو زكاة واختلف عنه في قدره كالمذهبين واحتج من أوجب الخمس بقوله عليه الصلاة والسلام " ما لم يكن في طريق مأتي ولا في قرية عامرة ففيه وفي الركاز الخمس " رواه النسائي والجوزجاني، وفي حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال " وفي الركاز الخمس " قيل يا رسول الله ما الركاز؟ قال " الذهب والفضة المخلوقان في الأرض يوم خلق الله السموات والأرض " وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الركاز هو الذهب الذي ينبت مع الأرض " وفي حديث علي عليه السلام انه قال " وفي السيوب الخمس " قال والسيوب عروق الذهب والفضة التي تحت الأرض ولنا ما روى أبو عبيد بإسناده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطع بلال بن الحارث المزني معادن القبلية من ناحية الفرع قال فتلك المعادن لا يؤخذ منها إلا الركاز إلى اليوم، وقد أسنده كثير بن عبد الله ابن عمر وبن عون المزني عن أبيه عن جده، ورواه الدراوردي عن ربيعة عن الحارث بن بلال عن بلال بن الحارث أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ منه زكاة المعادن القبلية، قال أبو عبيد القبلية بلاد معروفة بالحجاز ولانها زكاة أثمان فكانت ربع العشر كسائر الاثمان، أو تتعلق بالقيمة أشبهت زكاة التجارة، وحديثهم الاول لا يتناول محل النزاع لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما ذكر ذلك في جواب سؤاله عن اللقطة وهذا ليس بلقطة فلا يتناوله النص، وحديث أبي هريرة يرويه عبد الله بن سعيد وهو ضعيف وسائر أحاديثهم لا نعرف صحتها ولا هي مذكورة في المسانيد

فصل في المعدن، مسألة: ومن استخرج من معدن نصابا من الاثمان أو ما قيمته

(الفصل الثالث) في نصاب المعدن وهو عشرون مثقالا من الذهب أو مائتا درهم من الفضة أو قيمة ذلك من غيرهما وهذا مذهب الشافعي. وقال أبو حنيفة: يجب الخمس في قليلة وكثيره بناء على أنه ركاز لعموم الاحاديث التي احتجوا بها، ولانه لا يشترط له حول فلم يشترط له نصاب كلركاز ولنا قوله عليه السلام " ليس فيما دون خمس أواق صدقة " وقوله عليه السلام " ليس في الذهب شئ حتى يبلغ عشرين مثقالا " ولانها زكاة تتعلق بالاثمان أو بالقيمة فاعتبر لها النصاب كالاثمان والعروض وقد بينا أن هذا ليس بركاز وأنه مفارق للركاز من حيث إن الركاز مال كافر مظهور عليه في الإسلام فهو كالغنيمة وهذا وجب مواساة وشكراً لنعمة الغنى فاعتبر له النصاب كسائر الزكوات، وانما لم يعتبر له الحول لحصوله دفعة واحدة فأشبه الزروع والثمار، ولان النماء يتكامل فيه بالوجود والاخذ فهو كالزرع، إذا ثبت هذا فانه يشترط إخراج النصاب دفعة واحدة أو دفعات لا يترك العمل بينهن ترك اهمال، فان أخرج دون النصاب ثم ترك العمل مهملا له ثم أخرج دون النصاب فلا زكاة فيهما، وإن بلغا بمجموعهما نصابا لفوات الشرط، وإن بلغ أحدهما نصاباً دون الآخر زكى النصاب وحده، ويجب فيما زاد على النصاب بحسابه كالاثمان والخارج من الارض، فأما ترك العمل ليلا وللاستراحة أو لعذر من مرض أو لاصلاح الاداة أو اباق عبد ونحوه فلا يقطع حكم العمل، وحكمه حكم المتصل لان العادة كذلك، وكذلك إن كان مشتغلا بالعمل فخرج بين المعدنين تراب لا شئ فيه

(فصل) وإن اشتمل المعدن على أجناس كمعدن فيه الذهب والفضة فذكر القاضي أنه لا يضم أحدهما إلى الآخر في تكميل النصاب لأنها أجناس فلا يضم أحدهما الى غيره كغير المعدن قال شيخنا والصواب إن شاء الله أنه إن كان المعدن يشتمل على ذهب وفضة ففي ضم أحدهما إلى الآخر وجهان مبنيان على الروايتين في ضم أحدهما إلى الآخر في غير المعدن وإن كان فيه أجناس من الذهب والفضة ضم بعضها إلى بعض لأن الواجب في قيمتها فأشبهت عروض التجارة وإن كان فيها إحدى النقدين وجنس آخر ضم أحدهما إلى الآخر كما تضم العروض الى الأثمان وان استخرج نصابا من معدنين وجبت الزكاة فيه كالزرع في مكانين (الفصل الرابع) في وقت الوجوب وتجب الزكاة فيه حين يتناوله ويمكل نصابه ولا يعتبر له حول وهذا قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي وقال إسحق وابن المنذر يعتبر له الحول لعموم قوله عليه السلام " لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول " ولنا أنه مستفاد من الأرض فلا يعتبر في وجوب حقه حوله كالزرع والثمار والركاز، ولأن الحول إنما يعتبر في غير هذا ليكمل النماء وهذا يتكامل نماؤه دفعة واحدة فلم يعتبر له حول كالزرع والخبر مخصوص بالزرع والثمر فنقيس عليه محل النزاع * (مسألة) * (ولا يجوز اخراجها إذا كانت اثمانا إلا بعد السبك والتصفية كالحب والثمرة فإن

أخرج ربع عشر ترابه قبل تصفيته وجب رده إن كان باقيا أو قيمته إن كان تالفاً) والقول في قدر المقبوض قول الآخذ لأنه غارم فان صفاه الآخذ فكان قدر الزكاة أجزأ وإن زاد رد الزيادة إلا أن يسمح له المخرج وان نقص فعلى المخرج، وما أنفقه الآخذ على تصفيته فهو من ماله لا يرجع به على المالك، ولا يحتسب المالك ما أنفقه على المعدن في استخراجه ولا تصفيته من المعدن لأن الواجب فيه زكاة فلا يحتسب بمؤنة استخراجه وتصفيته كالحبوب فإن كان ذلك دينا عليه احتسب به على الصحيح من المذهب كما يحتسب بما أنفق على الزرع وقال أبو حنيفة لا تلزمه المؤنة من حقه وشبهه بالغنيمة وبناه على أصله في أنه ركاز وقد مضى الكلام في ذلك * (مسألة) * (ولا زكاة فيما يخرج من البحر واللؤلؤ والمرجان ونحوه في أحد الوجهين) وهو اختيار أبي بكر وظاهر قول الخرقي روي نحو ذلك عن ابن عباس وبه قال عمر بن عبد العزيز وعطاء ومالك والثوري وابن أبي ليلى - والحسن بن صالح والشافعي وأبو حنيفة ومحمد وأبو ثور والرواية الاخرى فيه الزكاة لأنه خارج من معدن أشبه الخارج من معدن البر ويروى عن عمر بن عبد العزيز انه اخذ من العنبر الخمس وهو قول الحسن والزهري وزاد الزهري في اللؤلؤ يخرج من البحر ولنا أن ابن عباس قال ليس في العنبر شئ انما هو شئ ألقاه البحر وعن جابر نحوه رواهما أبو عبيد ولأنه قد كان يخرج على محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه فلم يأت فيه سنة عنه ولا عنهم من وجه يصح

ولأن الأصل عدم الوجوب فيه ولا يصح قياسه على معدن البر لأن العنبر انما يلقيه البحر فيوجد على الارض فيؤخذ من غير تعب فهو كالمباحات المأخوذة من البر كالمن وغيره فأما السمك فلا شئ عليه بحال في قول أهل العلم كافة الا شئ روي عن عمر بن عبد العزيز رواه عنه أبو عبيد وقال ليس الناس على هذا ولا نعلم احدا قال به وعن أحمد أن فيه الزكاة كالعنبر والصحيح أن هذا لا شئ فيه لأنه صيد فلم تجب فيه زكاة كصيد البر ولأنه لا نص فيه ولا إجماع ولا يصح قياسه على ما فيه الزكاة فلا وجه لإيجابها (فصل) (وفي الركاز الخمس أي نوع كان من المال قل أو أكثر لاهل الفئ وعنه أنه زكاة وباقيه لواجده) . الواجب في الركاز الخمس لما روى أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " وفي الركاز الخمس " متفق عليه وقال ابن المنذر لا نعلم احدا خالف هذا الحديث إلا الحسن فإنه فرق بين ما يوجد في أرض الحرب وأرض العرب فقال فيما يوجد في أرض الحرب الخمس وفيما يوجد في أرض العرب الزكاة (فصل) والركاز الذي فيه الخمس كل ما كان مالا على اختلاف أنواعه من الذهب والفضة والحديد والرصاص والصفر والآنية وغير ذلك وهو قول اسحق وأبي عبيد وابن المنذر وأصحاب الرأي والشافعي في قول واحد الروايتين عن مالك وقال الشافعي في الآخر لا يجب إلا في الأثمان

مسألة: ولا يجوز اخراجها إذا كانت اثمانا إلا بعد السبك والتصفية

ولنا عموم قوله عليه السلام " وفي الركاز الخمس " ولأنه مال مظهور عليه من مال الكفار فوجب فيه الخمس على اختلاف أنواعه كالغنيمة. إذا ثبت هذا فان الخمس يجب في كثيره وقليله وهذا قول مالك وإسحق وأصحاب الرأي والشافعي في القديم وقال في الجديد يعتبر فيه النصاب لأنه مستخرج من الارض يجب فيه حق أشبه المعدن والزرع ولنا الحديث المذكور ولأنه مال مخموس فلا يعتبر له النصاب كالغنيمة والمعدن والزرع يحتاج الى كلفة فاعتبر فيه النصاب تخفيفاً بخلاف الركاز (فصل) وقد اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في مصرف خمس الركاز فروي عنه أنه لاهل الفئ نقلها عنه محمد بن الحكم وبه قال أبو حنيفة والمزني لما روى أبو عبيد بإسناده عن الشعبي أن رجلاً وجد ألف دينار خارجاً من المدينة فأتى بها عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأخذ منها الخمس مائتي دينار ودفع الى الرجل بقيتها وجعل عمر يقسم المائتين بين من حضره من المسلمين الى أن فضل منها فضلة فقال أين صاحب الدنانير فقام اليه فقال عمر خذها فهي لك ولو كان زكاة لخص به أهل الزكاة ولم يرده على واجده ولأنه يجب على الذمي والزكاة لا تجب عليه ولأنه مال مخموس زالت عنه يد الكفار أشبه خمس الغنيمة وهذه الرواية أقيس في المذهب وروى عنه أن مصرفه مصرف الصدقات نص عليه أحمد في رواية حنبل فقال يعطي الخمس من الركاز على مكانه وإن تصدق به على المساكين أجزأه واختاره الخرقي وهذا قول الشافعي لما روى الإمام أحمد بإسناده عن عبد الله بن بشر الخثعمي عن رجل من

قومه يقال له ابن حممة قال سقطت على جرة من دير قديم بالكوفة عند جبانة بشر فيها أربعة آلاف درهم فذهبت بها الى علي عليه السلام فقال اقسمها خمسة أخماس فقسمتها فأخذ منها علي خمسا وأعطاني أربعة أخماس فلما أدبرت دعاني فقال في جيرانك فقراء ومساكين؟ قلت نعم قال فخذها فاقسمها بينهم والمساكين مصرف الصدقات ولأنه حق يجب في الخارج من الأرض فأشبه صدقة المعدن (فصل) ويجوز لواجد الركاز أن يتولى تفرقة الخمس بنفسه وبه قال أصحاب الرأي وابن المنذر لما ذكرنا من حديث علي ولأنه أدى الحق إلى مستحقه فبرئ منه كما لو فرق الزكاة ويتخرج أن لا يجوز لانه فئ فلم يملك تفرقته بنفسه كخمس الغنيمة وبهذا قال أبو ثور وان فعل ضمنه الامام. قال القاضي ليس للامام رد خمس الركاز على واجده لأنه حق مال فلم يجز رده على من وجب عليه كالزكاة وخمس الغنيمة وقال ابن عقيل يجوز لأن عمر رضي الله عنه رد بعضه على واجده ولانه فئ فجاز رده أورد بعضه على واجده كخراج الارض وهذا قول أبي حنيفة (فصل) ويجب الخمس على من وجد الركاز من مسلم وذمي وحر وعبد ومكاتب وكبير وصغير وعاقل ومجنون الا أن الواجد له إذا كان عبداً فهو لسيده لأنه كسب مال أشبه الاحتشاش والمكاتب يملكه وعليه خمسة لأنه بمنزلة كسبه، والصبي والمجنون يملكانه ويخرج عنهما وليهما وهذا قول أكثر أهل العلم قال ابن المنذر أجمع من أحفظ عنه من أهل العلم على أن على

الذمي في الركاز يجده الخمس قاله مالك وأهل المدينة والثوري والاوزاعي وأهل العراق من أصحاب الرأي وغيرهم وقال الشافعي لا يجب الخمس إلا على من تجب عليه الزكاة لانه زكاة وحكي عنه في الصبي والمرأة انهما لا يملكان الركاز وقال الثوري والاوزاعي وأبو عبيد إذا وجده عبد يرضخ له منه ولا يعطاه كله ولنا عموم قوله عليه السلام " وفي الركاز الخمس " فانه يدل بعمومه على وجوب الخمس في كل ركاز وبمفهومه على أن باقيه لواجده كائناً من كان ولأنه مال كافر مظهور عليه فكان فيه الخمس على من وجده وباقيه لواجده كالغنيمة ولأنه اكتساب مال فكان لواجده ان كان حرا ولسيده إن كان عبداً كالاحتشاش والاصطياد ويتخرج لنا أن لا يجب الخمس إلا على من تجب عليه الزكاة بناء على أنه زكاة والأول أصح (فصل) وباقي الركاز لواجده لما ذكرنا ولأن عمر وعلياً رضي الله عنهما دفعا باقي الركاز بعد الخمس الى واجده ولانه مال كافر مظهور عليه فكان لواجده بعد الخمس كالغنيمة وقد ذكرنا الخلاف فيه * (مسألة) * قال (أن وجده في موات أو أرض لا يعلم مالكها وإن علم مالكها أو كانت مستقلة إليه فهو له أيضاً وعنه أنه لمالكها أو لمن انتقلت عنه إن اعترف به وإلا فهو لأول مالك وإن وجده في أرض حربى ملكه إلا أن لا يقدر عليه إلا بجماعة من المسلمين فيكون غنيمة) وجملة ذلك أن موضع الركاز لا يخلو من أربعة أقسام أحدهما أن يجده في موات أو أرض لا يعلم لها

مالكا كالارض التي يوجد فيها آثار الملك من الابنية القديمة والتلول وجدران الجاهلية وقبورهم فهذا فيه الخمس بغير خلاف فيه الا ما ذكرنا ولو وجده في هذه الأرض على وجهها أو في طريق غير مسلوك أو قرية خراب فهو كذلك في الحكم لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اللقطة فقال " ما كان في طريق مأني أو في قرية عامرة ففيه وفي الركاز الخمس " رواه النسائي (القسم الثاني) أن يجده في ملكه المنتقل اليه فهو له في إحدى الروايتين لأنه مال كافر مظهور عليه في الإسلام فكان لمن ظهر عليه كالغنائم ولان الركاز لا يملك بملك الارض لانه مودع فيها وإنما يملك بالظهور عليه وهذا قد ظهر عليه فوجب أن يملكه والرواية الثانية هو للمالك قبله إن اعترف به وإن لم يعترف به فهو للذي قبله كذلك الى أول مالك وهذا مذهب الشافعي لأنه كانت يده على الدار فكانت على ما فيها وان انتقلت الدار بالميراث حكم بأنه ميراث فان اتفق الورثة على أنه لم يكن لمورثهم فهو لاول مالك فإن لم يعرف أول مالك فهو كالمال الضائع الذي لا يعرف له مالك والأول أصح إن شاء الله لأن الركاز لا يملك بملك الدار لأنه ليس من اجزائها وإنما هو مودع فيها فهو كالمباحات من الحطب والحشيش والصيد يجده في أرض غيره فيأخذه لكن ان ادعى المالك الذي

انتقل عنه المالك انه له فالقول قوله لأن يده كانت عليه بكونه على محله وإن لم يدعه فهو لواجده وان اختلف الورثة فادعى بعضهم أنه لمورثهم وأنكر البعض فحكم من أنكر في نصيبه حكم المالك الذي لم يعترف به وحكم المدعين حكم المالك المعترف (القسم الثالث) أن يجده في ملك آدمي معصوم مسلم أو ذمي فعن أحمد ما يدل على أنه لصاحب الدار فإنه قال فيمن استأجر حفاراً ليحفر له في داره فأصاب كنزاً عاديا فهو لصاحب الدار وهذا قول أبي حنيفة ومحمد بن الحسن، ونقل عن أحمد ما يدل على أنه لواجده لأنه قال في مسألة من اسأجر أجيراً ليحفر له في داره فأصاب في الدار كنزاً فهو للاجير، نقل عنه ذلك محمد بن يحيى الكحال. قال القاضي هو الصحيح، وهذا يدل أن الركاز لواجده وهو قول الحسن بن صالح وأبي ثور واستحسنه ابو يوسف، وذلك لان الكنز لا يملك بملك الدار على ما ذكرنا في القسم الذي قبله، لكن إن ادعاه المالك فالقول قوله لأن يده عليه بكونها على محله وإن لم يدعه فهو لواجده. وقال الشافعي: هو لمالك الدار إن اعترف به وإلا فهو لأول مالك، ويخرج لنا مثل ذلك على ذكرنا في القسم الثاني، وإن استأجر حفاراً ليحفر له طلباً لكنز يجده فوجده فهو للمستأجر لأنه استأجره لذلك أشبه ما لو استأجره ليحتش له أو ليصطاد، فان الحاصل من ذك للمستأجر دون الاجير، وإن استأجره لأمر غير طلب الركار فالواجد له هو الاجير وهكذا قال الأوزاعي

مسألة: قال: إن وجده في موات أو أرض لا يعلم مالكها وإن علم مالكها أو كانت منتقلة إليه

(فصل) وإن اكترى داراً فوجد فيها ركازاً فهو لواجده في أحد الوجهين، وفي الآخر هو للمالك بناء على الروايتين فيمن وجد ركازاً في ملك انتقل إليه، وإن اختلفا فقال كل واحد منهما هذا كان لي فعلى وجهين أيضاً (أحدهما) القول قول المالك لأن الدفن تابع للارض (والثاني) القول قول المكتري لان هذا مودع في الأرض وليس منها فكان القول قول من يده عليه كالقماش (القسم الرابع) أن يجده في أرض الحرب، فإن لم يقدر عليه إلا بجماعة المسلمين فهو غنيمة لهم وإن قدر عليه بنفسه فهو لواجده حكمه حكم ما لو وجده في موات من أرض المسلمين. وقال أبو حنيفة والشافعي: إن عرف مالك الأرض وكان حربياً فهو غنيمة أيضاً لأنه في حرز مالك معين أشبه ما لو أخذه من بيت أو خزانة

ولنا أنه ليس لموضعه مالك محترم أشبه ما لو لم يعرف مالكه ويخرج لنا مثل قولهم بناء على قولنا إن الركاز في دار الإسلام يكون لمالك الارض * (مسألة) * (والركاز ما وجد من دفن الجاهلية عليه علامتهم، فإن كان عليه علامة المسلمين أو لم تكن عليه علامة فهو لقطة) الدفن بكسر الدال المدفون والركاز هو المدفون في الارض واشتقاقه من ركز يركز اذا أخفى

يقال ركز الرمح اذا غرز أسفله في الارض ومنه الركز وهو الصوت الخفي، قال الله تعالى (أو تسمع لهم ركزا) والركاز الذي يتعلق به وجوب الخمس ما كان من دفن الجاهلية، هذا قول الحسن والشعبي ومالك والشافعي وأبي ثور، ويعتبر ذلك بأن يرى عليه علامتهم كأسماء ملوكهم وصورهم وصلبهم وصور أصنامهم ونحو ذلك لأن الظاهر أنه لهم، فإن كان عليه علامة الإسلام أو اسم النبي صلى الله عليه وسلم أو

مسألة: والركاز ما وجد من دفن الجاهلية عليه علامتهم، فإن كان عليه علامة المسلمين أو لم تكن عليه علامة فهو لقطة

أحد من خلفاء المسلمين أو ولاتهم أو آية من القرآن ونحو ذلك فهو لقطة لانه ملك مسلم لم يعلم زواله عنه، وإن كان على بعضه علامة الاسلام وعلى بعضه علامة الكفر فكذلك نص عليه أحمد في رواية ابن منصور لأن الظاهر أنه صار إلى مسلم ولم يعلم زواله عن ملكه فأشبه ما على جميعه علامة المسلمين وكذلك إن لم يكن عليه علامة فهو لقطة تغليباً لحكم الاسلام إلا أن يجده في ملك انتقل اليه فيدعيه

المالك قبله بلا بينة ولا صفة فهل يدفع اليه؟ فيه روايتان ذكرهما ابن تيمية في كتاب المحرر (احداهما) لا يدفع إليه كاللقطة (والثانية) يدفع اليه لانه تبع للملك، فإن كان على بعضه علامة الكفار وليس على بعضه علامة فينبغي أن يكون ركازاً لأن الظاهر أنه ملك الكفار

باب زكاة الاثمان

* (باب زكاة الاثمان) * وهي الذهب والفضة، والأصل في وجوبها الكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب فقوله تعالى (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم) وأما السنة فما روى أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد " أخرجه مسلم إلى غير ذلك من الاحاديث، وأجمع المسلمون على أن في مائتي درهم خمسة دراهم، وعلى أن الذهب اذا كان عشرين مثقالا قيمتها مائتا درهم أن الزكاة تجب فيه إلا ما اختلف فيه عن الحسن * (مسألة) * (ولا شئ في الذهب حتى يبلغ عشرين مثقالا فيجب فيه نصف مثقال)

مسألة: ولا شيء في الذهب حتى يبلغ عشرين مثقالا فيه نصف مثقال

لا يجب في الذهب زكاة إلا أن يبلغ عشرين مثقالا، إلا أن يتم بعرض تجارة أو ورق على ما فيه من الخلاف. قال إبن المنذر: أجمع أهل العلم على أن الذهب اذا كان عشرين مثقالا قيمتها مائتا درهم أن الزكاة تجب فيها إلا ما حكي عن الحسن أنه قال. لا شئ فيها حتى تبلغ أربعين، وأجمعوا على أنه إذا كان أقل من عشرين مثقالا ولا يبلغ قيمة مائتي درهم فلا زكاة فيه. وقال عامة الفقهاء: نصاب الذهب عشرون مثقالا من غير إعتبار قيمتها، وحكي عن عطاء وطاوس والزهري وسليمان بن حرب وأيوب السختياني أنهم قالوا. هو معتبر بالفضة فما كان قيمته مائتي درهم ففيه الزكاة وإلا فلا لأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم تقدير في نصابه فثبت أنه حمله على الفضة ولنا ما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم انه " قال ليس في أقل من عشرين مثقالا من الذهب، ولا في أقل من مائتي درهم صدقة " رواه أبو عبيد

مسألة: قال: ولا في الفضة حتى تبلغ مائتي درهم فيجب فيها خمسة دراهم

وروى ابن ماجة عن عمر وعائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأخذ من كل عشرين دينارا فصاعداً نصف دينار، ومن الاربعين ديناراً وروى سعيد والاثرم عن علي: على كل أربعين ديناراً دينار وفي كل عشرين دينارا نصف دينار ورواه غيرهما مرفوعا، ولانه مال تجب الزكاة في عينه فلم يعتبر بغيره كسائر الأموال الزكوية * (مسألة) * قال (ولا في الفضة حتى تبلغ مائتي درهم فيجب فيها خمسة دراهم) لا يجب فيما دون المائتي درهم من الفضة صدقة، لا نعلم فيه خلافاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم " ليس فيما دون خمس أواق صدقة " متفق عليه. والأوقية أربعون درهما، فاذا بلغت مائتي درهم ففيها خمسة دراهم لا خلاف بين العلماء في ذلك، والواجب فيه ربع العشر بغير خلاف، وقد روى البخاري بإسناده في كتاب أنس " وفي الرقة ربع العشر، فإن لم تكن إلا تسعين ومائة فليس فيها شئ إلا أن

يشاء ربها " الرقة الدراهم المضروبة والدراهم التي يعتبر بها النصاب هي الدراهم التي كل عشرة منها سبعة مثاقيل بمثقال الذهب، وكل درهم نصف مثقال وخمسه وهي الدراهم الاسلامية التي يقدر بها نصب الزكاة ومقدار الجزية والديات ونصاب القطع في السرقة وغير ذلك، وكانت الدراهم في صدر الاسلام صنفين سوداً وطبرية، وكانت السود ثمانية دوانيق، والطبرية أربعة دوانيق فجمعا في الاسلام وجعلا درهمين متساويبن كل درهم ستة دوانيق فعل دلك بنو أمية ولا فرق في ذلك بين التبر والمضروب، ومتى نقص النصاب فلا زكاة فيه. هذا ظاهر كلام الخرقي لظاهر الحديث. قال أصحابنا إلا أن يكون نقصاً يسيراً وقد ذكرنا الخلاف فيما مضى * (مسألة) * (ولا زكاة في مغشوشهما حتى يبلغ قدر ما فيه نصابا) من ملك ذهباً أو فضة معشوشا أو مختلطاً بغيره فلا زكاة فيه حتى يبلغ قدر الذهب والفضة نصابا لما ذكرنا من الأحاديث

مسألة: ولا زكاة في مغشوشهما حتى يبلغ قدر ما فيه نصابا

* (مسألة) * (فإن شك فيه خير بين سبكه وبين الاخراج) إذا شك في بلوغ قدر ما في المغشوش من الذهب والفضة نصابا خير بين سبكهما ليعلم قدر ما فيهما وبين أن يستظهر ويخرج ليسقط الفرض بيقين، فإن أحب أن يخرج استظهاراً فأراد اخراج الزكاة من المغشوشة وكان الغش لا يختلف مثل أن يكون الغش في كل دينار سدسه، وعلم ذك جاز أن يخرج منها لانه يكون مخرجا لربع العشر، وإن اختلف قدر ما فيها أو لم يعلم لم يجزه الاخراج منها إلا أن يستظهر باخراج ما يتيقن أن فيما اخرجه من العين قدر لزكاة، فان أخرج عنها ذهباً أو فضة لا غش فيه فهو أفضل، وإن أراد اسقاط الغش واخراج الزكاة عن قدر ما فيه من الذهب والفضة كمن معه أربعة وعشرون ديناراً سدسها غش فأسقط السدس أربعة وأخرج نصف دينار عن عشرين جاز لأنه لو سبكبا لم يلزمه إلا ذلك، ولأن غشها لا زكاة فيه إلا أن يكون غش الذهب فضة وعنده من الفضة ما يتم به النصاب وله نصاب سواه فيكون عليه زكاة الغش حينئذ، وكذلك إن قلنا بضم الذهب إلى الفضة، وإن ادعى رب المال أنه علم الغش أو أنه استظهر وأخرج الفرض فيلزمه بغير يمين، وإن زادت قيمة المغشوش بالغش فصارت قيمة العشرين تساوي اثنين وعشرين فعليه اخراج ربع عشرها مما قيمته كقيمتها لان عليه اخراج زكاة المال الجيد من جنسه بحيث لا ينقص عن قيمته والله أعلم * (مسألة) * (ويخرج عن الجيد الصحيح من جنسه) ويخرج عن كل نوع من جنسه لأن الفقراء شركاؤه وهذه وظيفة الشركة فان كان أنواعا متساوية القيم جاز إخراج الزكاة من أحدهما كما يخرج من أحد نوعي الغنم، وإن كانت مختلفة القيم أخذ من

من كل نوع ما يخصه وإن أخرج من أوسطها ما يفي بقدر الواجب جاز وله ثواب الزيادة لانه زاد خيراً وإن أخرجه بالقيمة مثل أن يخرج عن نصف دينار ردئ ثلث دينار جيد لم يجز لأن النبي صلى الله عليه وسلم نص على نصف دينار فلم يجز النقص منه، وان أخرج من الأدنى من غير زياة لم يجزئ لقوله تعالى (ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون) وإن زاد في المخرج ما يفي بقيمة الواجب كمن أخرج عن دينار ديناراً ونصفاً يفي بقيمته جاز، لان الربا لا يجري بين العبد وسيده، وقال أبو حنيفة يجوز اخراج الرديئة عن الجيدة من غير جبران لان الجودة إذا لاقت جنسها فيما فيه الربا لا قيمة لها ولنا أن الجودة متقومة في الاتلاف ولأنه إذا لم يجبره بما يتم به قيمة الواجب دخل في قوله تعالى (ولا تيمموا الخبيث) الآية ولانه أخرج رديئا عن جيد بقدره فلم يجزئ كالماشية. وأما الربا فلا يجرى ها هنا لانه لا ربا بين العبد وسيده فإن قيل فلو أخرج في الماشية عن الجيدة رديئين لم يجزئ أو اخرج عن القفيز الجيد قفيزين رديئين لم يجزئ فلم أجزتم ها هنا؟ قلنا الفرق بينهما أن القصد في الاثمان القيمة لا غير فاذا تساوى الواجب والمخرج في القيمة والوزن جاز وسائر الاموال يقصد الانتفاع بعينها فلا يلزم من التساوي في الامرين الجواز لفوات بعض المقصود * (مسألة) * (فإن أخرج مكسراً أو بهرجا وزاد قدر ما بينهما من الفضل جاز نص عليه) اذا أخرج عن الصحاح مكسرة وزاد بقدر ما بينهما من الفضل جاز لانه أدى الواجب عليه قيمة

مسألة: ويخرج عن الجيد الصحيح من جنسه

وقدراً وإن أخرج بهرجا عن الجيد وزاد بقدر ما يساوي قيمة الجيد جاز لذلك وهكذا ذكر أبو الخطاب وقال القاضي يلزمه اخراج جيد ولا يرجع فيما أخرجه من المعيب لأنه أخرج معيبا في حق الله فأشبه ما لو أخرج مريضة عن صحاح وبهذا قال الشافعي إلا أن أصحابه قالوا له الرجوع فيما أخرج من المعيب في أحد الوجهين. * (مسألة) * (وهل يضم الذهب إلى الفضة في تكميل النصاب أو يخرج أحدهما عن الآخر؟ على روايتين) إذا كان له من كل واحد من الذهب والفضة مالا يبلغ نصابا بمفرده فقد نقل عن أحمد أنه توقف في ضم أحدهما إلى الآخر في رواية الأثرم وجماعة وقطع في رواية حنبل أنه لا زكاة عليه حتى يبلغ كل واحد منهما نصابا وقد نقل الخرقي فيها روايتين ونقلهما غيره من الاصحاب احداهما لا يضم وهو قول ابن ابي ليلي والحسن بن صالح وشريك والشافعي وأبي عبيد وأبي ثور واختيار أبي بكر عبد العزيز لقوله عليه السلام " ليس فيما دون خمس أواق صدقة " متفق عليه ولانهما مالان يختلف نصابهما فلم يضم أحدهما إلى الآخر كاجناس الماشية، والثانية يضم وهو قول الحسن وقتادة ومالك والثوري والاوزاعي وأصحاب الرأي لأن أحدهما يضم إلى ما يضم إليه الآخر فيضم إلى الآخر كأنواع الجنس ولأنهما نفعهما واحد والمقصود منهما متحد فانهما قيم المتلفات وأروش الجنايات وثمن البياعات وحلي لمن يريدهما فاشبها النوعين والحديث مخصوص بعرض التجارة فنقيس عليه (فصل) وهل يخرج أحدهما عن الآخر في الزكاة فيه روايتان نص عليهما أحمد أحدهما لا يجوز اختاره أبو بكر لانهما جنسان فلم يجز إخراج أحدهما عن الآخر كسائر الاجناس، ولان أنواع الجنس

إذا لم يخرج أحدهما عن الآخر اذا كان أقل في المقدار فمع اختلاف الجنس أولى، والثانية يجوز لأن المقصود من أحدهما يحصل باخراج الآخر فيجزي كأنواع الجنس وذلك لأن المقصود منهما جمعيا التنمية والتوسل بهما إلى المقاصد وهما يشتركان فيه على السواء فاشبه اخراج المكسرة عن الصحاح بخلاف سائر الاجناس والانواع مما تجب فيه الزكاة فان لكل جنس مقصوداً مختصاً به لا يحصل من الجنس الآخر، وكذلك أنواعها فلا يحصل من اخراج غير الواجب من الحكمة ما يحصل من إخراج الواجب وها هنا المقصود حاصل فوجب إجزاؤه إذ لا فائدة في اختصاص الاجزاء بعين مساواة غيرها لها في الحكمة ولأن ذلك أوفق بالمعطي والآخذ وأرفق بهما فانه لو تعين اخراج زكاة الدنانير منها شق على من يملك أربعين ديناراً إخراج جزء من دينار ويحتاج إلى التشقيص ومشاركة الفقير له في دينار من ماله أو بيع أحدهما نصيبه، ولانه إذا دفع إلى الفقير قطعة من الذهب في موضع لا يتعامل بها فيه أو قطعة في مكان لا يتعاملون به فيه لا يقدر على قضاء حاجته بها، وإن اراد بيعها احتاج الى كلفة البيع والظاهر أنها تنقص عوضها عن قيمتها فقد دار بين ضررين، وفي جواز إخراج أحدهما عن الآخر دفع لهذا الضرر وتحصيل لحكمة الزكاة على الكمال فلا وجه لمنعه وان توهمت ههنا منفعة تفوت بذلك فهي يسيرة مغمورة فيما يحصل من النفع الظاهر ويندفع من الضرر والمشقة من الجانبين فلا يعتبر وهذا اختيار شيخنا وعلى هذا لا يجوز إلا بدال في موضع يلحق الفقير ضرر مثل أن يدفع إليه مالا ينفق عوضا

مسألة: فإن أخرج مكسرا أو بهرجا وزاد قدر ما بينهما من الفضل جاز نص عليه

عما ينفق لأنه إذا لم يجز إخراج أحد النوعين عن الآخر مع الضرر فمع غيره أولى، وان اختار المالك الدفع من الجنس واختار الفقير الاخذ من غيره لضرر يلحقه في أخذ الجنس لم يلزم المالك اجابته لأنه أدى ما فرض الله عليه فلم يكلف سواه والله أعلم. * (مسألة) * (ويكون الضم بالاجزاء وقيل بالقيمة فيما فيه الحظ للمساكين) إذا قلنا يضم أحد النقدين الى الآخر في تكميل النصاب فانما يضم بالاجزاء فيحسب كل واحد منهما من نصابه فاذا كملت أجزاؤهما نصابا وجبت الزكاة مثل أن يكون عنده نصف نصاب من أحدهما ونصف نصاب أو أكثر من الآخر أو ثلث من أحدهما وثلثان من الاخر وهو أن يملك مائة درهم وعشرة دنانير أو خمسة عشر ديناراً وخمسين درهماً أو بالعكس فيجب عليه فيه الزكاة فان نقصت أجزاؤهما عن نصاب فلا زكاة فيها، سئل أحمد عن رجل يملك مائة درهم وثمانية دنانير فقال: إنما قال من قال فيها الزكاة اذا كان عنده عشرة دنانير ومائة درهم وهذا قول مالك وأبي يوسف ومحمد والاوزاعي لأن كل واحد منهما لا تعتبر قيمته في إيجاب الزكاة اذا كان منفرداً فلا يعتبر اذا كان مضموماً كالحبوب وأنواع الاجناس كلها وقد قيل يضم بالقيمة إذا كان أحظ للمساكين، قال أبو الخطاب ظاهر كلام أحمد في رواية المروذي انها تضم بالاحوط من الأجزاء والقيمة، ومعناه أنه يقوم الغالي منها بقيمة الرخيص فاذا بلغت قيمتها بالرخيص نصابا وجبت الزكاة فيهما، كمن ملك مائة درهم وتسعة

دنانير قيمتها مائة درهم أو عشرة دنانير وتسعين درهما قيمتها عشرة دنانير فتجب عليه الزكاة وهذا قول أبي حنيفة في تقويم الدنانير بالفضة لأن كل نصاب وجب فيه ضم الذهب الى الفضة ضم بالقيمة كنصاب القطع في السرقة، ولأن أصل الضم يحظ الفقراء فكذلك صفته والأول أصح لأن الزكاة تجب في عين الاثمان فلم تعتبر قيمتها كما لو انفردت وتخالف نصاب القطع فان النصاب فيه الورق خاصة في إحدى الروايتين وفي الأخرى انه لا يجب في الذهب حتى يبلغ ربع دينار * (مسألة) * (وتضم قيمة العروض إلى كل واحد منهما) يعني إذا كان في ملكه ذهب أو فضة وعروض للتجارة فان قيمة العروض تضم إلى كل واحد منهما ويكمل به نصابه، قال شيخنا: لا أعلم فيه خلافاً، وقال الخطابي لا أعلم عامتهم اختلفوا فيه وذلك لأن الزكاة إنما تجب في قيمة العروض وهو يقوم بكل واحد منهما فيضم إلى كل واحد منهما فلو كان ذهب وفضة وعروض وجب ضم الجميع بعضه إلى بعض في تحميل النصاب لان العرض مضموم إلى كل واحد منهما فيجب ضمهما اليه. (فصل) قال (ولا زكاة في الحلي المباح المعد للاستعمال في ظاهر المذهب) روى ذلك عن ابن عمر وجابر وأنس وعائشة وأسماء أختها رضي الله عنهم، وبه قال القاسم والشعبي وقتادة ومحمد بن علي ومالك والشافعي في أحد قوليه وأبو عبيد واسحق وأبو ثور وذكر ابن أبي موسى عن أحمد رواية أخرى

أن فيه الزكاة، روى ذلك عن عمر وابن مسعود وابن عباس وعبد الله بن عمر وسعيد بن المسيب وابن جبير وعطاء ومجاهد والزهري والثوري وأصحاب الرأي وغيرهم لعموم قوله عليه السلام " في الرقة ربع العشر وليس فيما دون خمس أواق صدقة " مفهومه أن فيها صدقة اذا بلغت خمس اواق وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: أتت امرأة من أهل اليمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعها ابنة لها في يدها مسكتان من ذهب فقال " هل تعطين زكاة هذا؟ " قالت: لا. قال " أيسرك أن يسورك الله بسوارين من نار " رواه أبو داود ولأنه من جنس الأثمان أشبه التبر، وقال الحسن وعبيد الله بن عتبة زكاته عاريته قال أحمد خمسة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون ليس في الحلي زكاة، زكاته عاريته ووجه الأولى ما روى جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " ليس في الحلي زكاة " ولأنه مرصد لاستعمال مباح فلم تجب فيه الزكاة كالعوامل من البقر وثياب القنية، والأحاديث الصحيحة التي احتجوا بها لا تتناول محل النزاع لأن الرقة هي الدراهم المضروبة، قال أبو عبيد لا نعلم هذا الاسم في الكلام المعقول عند العرب الا على الدراهم المضروبة ذات السكة السائرة في الناس وكذلك الاواقي ليس معناها الا الدراهم كل أوقية أربعون درهما، وأما حديث المسكتين فقال أبو عبيد لا نعلمه الا من وجه قد تكلم الناس فيه قديماً وحديثاً وقال الترمذي ليس يصح في هذا الباب شئ ويحتمل أنه أراد بالزكاة العارية كما قد ذهب إليه جماعة من الصحابة وغيرهم، والتبر غير معد للاستعمال بخلاف الحلي ولا فرق بين الحلي

المباح أن يكون مملوكاً لإمرأة تلبسه أو تعيره أو لرجل يحلي به أهله أو يعيره أو يعده لذلك لانه مصروف عن جهة النماء الى استعمال مباح أشبه حلي المرأة فان اتخذ حلياً فراراً من الزكاة لم تسقط عنه الزكاة لانها انما سقطت عن عما أعد للاستعمال لصرفه عن جهة النماء ففيما عداه يبقى على الأصل (فصل) فان انكسر الحلي كسراً لا يمنع اللبس قهو كالصحيح إلا أن ينوي ترك لبسه، وإن كان كسراً يمنع الاستعمال ففيه الزكاة لانه صار كالبقرة وان نوى يحل اللبس التجارة والكري انعقد عليه حول الزكاة من حين نوى لان الوجوب الاصل فانصرف اليه بمجرد النية كما لو نوى بمال التجارة القنية (فصل) وكذلك ما يباح للرجال من الحلي كخاتم الفضة وقبيعة السيف وحلية المنطقة على الصحيح من المذهب والجوشن والخوذة وما في معناه وأنف الذهب وكل ما أبيح للرجل حكمه حكم حلي المرأة في عدم وجوب الزكاة لانه مصروف عن جهة النماء أشبه حلي المرأة

مسألة: ويكون الضم بالاجزاء وقيل بالقيمة فيما فيه الحظ للمساكين

* (مسألة) * (فأما الحلي المحرم والآنية وما أعد للكرى والنفقة ففيه الزكاة اذا بلغ نصابا) كل ما أعد للكرى والنفقة إذا احتاج إليه ففيه الزكاة لانها انما سقطت عما أعد للاستعمال لصرفه عن جهة النماء ففيما عداه يبقى على الأصل، ولأصحاب الشافعي وجه فيما أعد للكرى لا زكاة فيه وكل ما كان اتخاذه محرما من الاثمان ففيه الزكاة لأن الأصل وجوب الزكاة فيها لكونها مخلوقة للتجارة والتوسل بها إلى غيرها ولم يوجد ما يسقط الزكاة فيا فبقيت على الأصل، قال احمد ما كان على سرج أو لجام ففيه الزكاة ونص على حلية الثفر والركاب واللجام أنه محرم، وقال في رواية الأثرم أكره رأس المكحلة فضة ثم قال هذا شئ تأولته وعلى قياس ما ذكره حلية الدواة والمقلمة والسرج ونحوه مما على الدابة ولو موه سقفه بذهب أو فضة فهو محرم وفيه الزكاة، وقال أصحاب الرأي يباح لأنه تابع للمباح فتبعه في الإباحة

ولنا أنه سرف ويفضي إلى الخيلاء وكسر قلوب الفقراء فحرم كاتخاذ الآنية وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التختم بخاتم الذهب للرجل فتمويه السقف أولى فان صار التمويه الذي في السقف مستهلكا لا يجتمع منه شئ لم تحرم استدامته لأنه لا فائدة في إتلافه وإزالته ولا زكاة فيه لأن ما ليته ذهبت وان لم تذهب ماليته ولم يكن مستهلكا حرمت استدامته، وقد بلغنا أن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه لما ولي أراد جمع ما في مسجد دمشق مما موه به من الذهب فقيل له أنه لا يجتمع منه شئ فتركه، ولا يجوز تحلية المصاحف ولا المحاريب ولا اتخاذ قناديل من الذهب والفضة لانها بمنزلة الآنية، وان وقفها على مسجد أو نحوه لم يصح لأنه ليس ببر ولا معروف ويكون ذلك بمنزلة الصدقة فتكسر وتصرف في مصلحة المسجد

مسألة: وتضم قيمة العروض إلى كل واحد منهما

وعمارته، وكذلك ان حبس الرجل فرسا له لجام مفضض، وقد قال أحمد في الرجل يقف فرسا في سبيل الله ومعه لجام مفضض فهو على ما وقفه وإن بيعت الفضة من السرج واللجام وجعلت في وقف مثله فهو أحب إلي لأن الفضة لا ينتفع بها ولعله يشتري بذلك سرجا ولجاما فيكون أنفع للمسلمين قيل فتباع الفضة وتنفق على الفرس؟ قال نعم وهذا يدل على اباحة حلية السرج واللجام بالفضة لولا ذلك لما قال هو على ما وقفه وهذا لأن العادة جارية به فأشبه حلية المنطقة، واذا قلنا بتحريمه فصار بحيث لا يجتمع منه شئ لم تحرم استدامته كقولنا في تمويه السقف، وقال القاضي، تباح علاقة المصحف ذهباً

وفضة للنساء خاصة وليس بجيد لأن حلية المرأة ما لبسته وتحلت به في بدنها أو ثيابها وما عداه فحكمه حكم الاواني يستوي فيه الرجال والنساء ولو أبيح لها ذلك لأبيح علاقة الأواني ونحوه ذكره ابن عقيل، ويحرم على الرجل خاتم الذهب لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عنه وكذلك طوق الفضة لأنه غير معتاد في حقه فهذا وكل ما يحرم اتخاذه اذا بلغ نصابا ففيه الزكاة أو بلغ نصابا بضمه الى ما عنده لما ذكرنا (فصل) واتخاذ الأواني محرم على الرجال والنساء وكذلك استعمالها، وقال الشافعي في أحد قوليه لا يحرم اتخاذها وقد ذكرنا ذلك في باب الآنية ففيها الزكاة بغير خلاف نعلمه بين أهل العلم، ولا زكاة فيه حتى يبلغ نصابا أو يكون عنده ما يبلغ بضمه اليه نصابا فإن لم يبلغ نصاباً فلا زكاة فيه لمعوم الاخبار لقوله عليه السلام " ليس فيما دون خمس أواق صدقة " وغير ذلك

* (مسألة) * (والاعتبار بوزنه إلا ما كان مباح الصناعة فإن الاعتبار في النصاب بوزنه وفي الاخراج بقيمته) اعتبار النصاب في الذهب المحلى والآنية وغيره مما تجب فيه الزكاة بالوزن للخبر، فإن كانت قيمته أكثر من وزنه لصناعة محرمة فلا عبرة بها لأنها لا قيمة لها في الشرع وله أن يخرج عنها قدر ربع عشرها بقيمته غير مصوغ وله كسرها واخراج ربع عشرها مكسوراً وان أخرج ربع عشرها مصوغا جاز لان الصناعة لم تنقصها عن قيمه المكسور وذكر أبو الخطاب وجها في اعتبار قيمتها إذا كانت صناعتها مباحة كمن عنده حلي للكراء وزنه مائة وخمسون درهماً وقيمته مائتان تجب فيه الزكاة والأول أصح لقول النبي صلى الله عليه وسلم " ليس فيما دون خمس أواق صدقة " (فصل) وما كان مباح الصناعة كحلي التجارة فالاعتبار في النصاب بوزنه لما ذكرنا وفي الاخراج

بقيمته فاذا كان وزنه مائتين وقيمته ثلاثمائة فعليه قدر ربع عشره في زنته وقيمته لأن زيادة القيمة ههنا بغير محرم أشبه زيادة قيمته لنفاسة جوهره فان أخرج ربع عشره مشاعاً جاز وان دفع قدر ربع عشره وزاد في الوزن بحيث يستويان في القيمة بان أخرج سبعة دراهم ونصف جاز وكذلك إن أخرج حلياً وزنه خمسة دراهم وقيمته سبعة ونصف لأن الربا لا يجري ههنا وإن أراد كسره ودفع ربع عشره مكسوراً لم يجز لأن كسره ينقص قيمته، وحكى القاضي في المجرد اذا نوى بالحلي القنية أن الاعتبار في الاخراج بوزنه ايضاً فإن كان للتجارة اعتبر بقيمته قال وعندي في الحلي المعد للقنية أنه تعتبر قيمته ايضاً، فان كان في الحلي جواهر ولآلئ وكان للتجارة قوم جميعه، وان كان لغيرها فلا زكاة فيها لأنها لا زكاة فيها منفردة فكذلك مع غيرها.

مسألة: فأما الحلي المحرم والآنية وما أعد للكرى والنفقة ففيه الزكاة اذا بلغ نصابا

* (مسألة) * (ويباح للرجال من الفضة الخاتم وقبيعة السيف، وفي حلية المنطقة روايتان وعلى قياسها الجوشن والخوذة والخف والران والحمائل) يباح للرجال خاتم الفضة لأن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما من ورق متفق عليه، ويباح حلية السيف من القبيعة وتحليتها لان أنساً قال: كانت قبيعة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم فضة، وقال هشام بن عروة كان سيف الزبير محلى بالفضة رواهما الاثرم، والمنطقة يباح تحليتها بالفضة في أظهر الروايتين لأنها حلية معتادة للرجل فهي كالخاتم وعنه كراهة ذلك لما فيه من الفخر والخيلاء أشبه الطوق والأول أولى

لان الطوق ليس بمعتاد في حق الرجل وعلى قياس المنطقة الجوشن والخوذة والخف والران والحمائل وكذلك الضبة في الاناء وما أشبهها للحاجة، وقد ذكرنا ذلك في باب الآنية، وقال القاضي يباح اليسير وإن لم يكن لحاجة وإنما كره أحمد الحلقة لأنها تستعمل * (مسألة) * (ومن الذهب قبيعة السيف وما دعت إليه الضرورة كالأنف وما ربط به أسنانه وقال أبو بكر يباح يسير الذهب) يباح من الذهب للرجل ما دعت الضرورة اليه كالانف لمن قطع أنفه لما روي أن عرفجة بن أسعد

قطع أنفه يوم الكلاب فاتخذ أنفا من ورق فأنتن على فأمره النبي صلى الله عليه وسلم فاتخذ أنفا من ذهب رواه أبو داود، وقال الإمام أحمد يجوز ربط الاسنان بالذهب أن خشي عليها أن تسقط قد فعله الناس ولا بأس به عند الضرورة وروى الأثرم عن أبي جمرة الضبعي وموسى بن طلحة وأبي رافع وثابت البناني واسماعيل بن زيد بن ثابت والمغيرة بن عبد الله أنهم شدوا أسنانهم بالذهب وما عدا ذلك من الذهب فقد روي عن أحمد الرخصة فيه في السيف، قال أحمد قد روي أنه كان في سيف عثمان بن حنيف مسمار من ذهب وقال إنه كان لعمر سيف فيه سبائك من ذهب من حديث اسماعيل بن أمية عن نافع

مسألة: والاعتبار بوزنه إلا ما كان مباح الصناعة فإن الاعتبار في النصاب بوزنه وفي الاخراج بقيمته

وروى الترمذي بإسناده عن مزيدة العصري أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة وعلى سيفه ذهب وفضة وروى عن أحمد رواية أخرى تدل على تحريم ذلك قال الأثرم قلت لأبي عبد الله يخاف على أن يسقط يجعل فيه مسماراً من ذهب؟ قال انما رخص في الاسنان وذلك إنما هو على وجه الضرورة. فأما المسمار فقد روي من تحلى بخريصيصة قلت أي شئ خريصيصة قال شئ صغير مثل الشعيرة، وروى الأثرم باسناده عن عبد الرحمن بن غنم " من تحلى بخريصيصة كوي بها يوم القيامة مغفوراً له أو معذباً " وحكي عن أبي بكر من أصحابنا أنه أباح يسير الذهب ولعله يحتج بما روينا من الأخبار ولأنه أحد الثلاثة المحرمة

علي الذكور دون الإناث فلم يحرم يسيره كسائرها وكل ما أبيح من الحلي فلا زكاة فيه اذا أعد للاستعمال * (مسألة) * (ويباح للنساء من الذهب والفضة كل ما جرت عادتهن بلبسه قل أو كثر وقال ابن حامد إن بلغ الف مثقال حرم وفيه الزكاة) ويباح للنساء من حلي الذهب والفضة والجواهر كل ما جرت عادتهن بلبسه كالسوار والخلخال والقرط والخاتم وما يلبسنه على وجوههن وفي أعناقهن وأيديهن وأرجلهن وآذانهن وغيره فأما ما لم تجر عادتهن بلبسه كالمنطقة وشبهها من حلي الرجال فهو محرم وعليها زكاته، كما لو اتخذ الرجل لنفسه حلي المرأة، وقليل الحلي وكثيره سواء في الاباحة والزكاة وقال ابن حامد يباح ما لم يبلغ الف مثقال فان

مسألة: ويباح للرجال من الفضة الخاتم وقبيعة السيف، وفي حلية المنطقة روايتان وعلى قياسها الجوشن والخوذة والخف والران والحمائل

بلغها حرم وفيه الزكاة لما روى أبو عبيد والاثرم عن عمرو بن دينار قال: سئل جابر عن الحلي هل فيه زكاة؟ قال لا؟ فقيل الف دينار قال إن ذلك لكثير ولانه يخرج الى السرف والخيلاء ولا يحتاج إليه في الاستعمال، والأول أصح لأن الشرع أباح التحلي مطلقاً من غير تقييد، فلا يجوز تقييده بالرأي والتحكم، وحديث جابر ليس بصريح في نفي الوجوب بل يدل على التوقف وقد روي عنه خلافه فروى الجوزجاني بإسناده عن أبي الزبير قال: سألت جابر بن عبد الله عن الحلي فيه زكاة قال لا؟

مسألة: ومن الذهب قبيعة السيف وما دعت إليه الضرورة كالأنف وما ربط به أسنانه وقال أبو بكر يباح يسير الذهب

قلت إن الحلي يكون فيه الف دينار. قال وإن كان فيه يعار ويلبس، ثم إن قول جابر قول صحابي وقد

مسألة: ويباح للنساء من الذهب والفضة كل ما جرت عادتهن بلبسه قل أو كثر وقال ابن حامد إن بلغ الف مثقال حرم وفيه الزكاة

خالفه غيره من الصحابة ممن يرى التحلي مطلقا فلا يبقى قوله حجة والتقييد بمجرد الرأي والتحكم غير جائز والله أعلم.

* (باب زكاة العروض) * (تجب الزكاة في عروض التجارة إذا بلغت قيمتها نصاباً) العروض جمع عرض وهو غير الاثمان من المال على اختلاف أنواعه من الحيوان والعقار والثياب وسائر المال والزكاة واجبة فيها في قول أكثر أهل العلم، قال ابن المنذر أجمع أهل العلم على أن في العروض التي يراد بها التجارة الزكاة إذا حال عليها الحول روى ذلك عن عمر وابنه وابن عباس وبه قال الفقهاء السبعة والحسن وجابر بن زيد وميمون بن مهران والنخعي والثوري والاوزاعي والشافعي وأبو عبيد وأصحاب الرأي واسحق وحكي عن مالك وداود أنه لا زكاة فيها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق " ولنا ما روى أبو داود بإسناده عن سمرة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نخرج الزكاة مما نعده للبيع، وروى الدارقطني عن أبي ذر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " في الابل صدقتها وفي الغنم صدقتها وفي البز صدقته " قاله بالزاي ولا خلاف بين أهل العلم أن الزكاة لا تجب في عينها وثبت أنها تجب في قيمتها وعن ابي عمرو بن حماس عن أبيه قال: أمرني عمر فقال أد زكاة مالك فقلت مالي مال الا جعاب وأدم، فقال قومها ثم أد زكاتها رواه الإمام أحمد وأبو عبيد وهذه قضية يشتهر مثلها

باب زكاة العروض

ولم تنكر فتكون إجماعاً ولأنه مال تام فوجبت فيه الزكاة كالسائمة وخبرهم المراد به زكاة العين لا زكاة القيمة بدليل ما ذكرنا على أن خبرهم عام وحديثنا خاص فيجب تقديمه (فصل) ويعتبر أن تبلغ قيمته نصابا لانه مال تام يعتبر له الحول فاعتبر له النصاب كالماشية يعتبر له الحول لقوله عليه السلام " لا زكاة في مال حتى يحول على الحول " ولا نعلم فيه خلافا فعلى هذا من ملك عرضا للتجارة فحال عليه الحول وهو نصاب قومه في آخر الحول فما بلغ أخرج زكاته ولا تجب فيه الزكاة إلا اذا بلغت قيمته نصابا وحال عليه الحول وهو نصاب، فلو ملك سلعة قيمتها دون النصاب فمضى نصف حول وهي كذلك ثم زادت قيمتها فبلغت نصاباً أو باعها بنصاب أو ملك في أثناء الحول عرضاً آخراً وأثمانا ثم بها النصاب ابتداء الحول من حينئذ ولا يحتسب عليه بما مضى وهذا قول الثوري وأهل العراق والشافعي وإسحق وأبي عبيد وأبي ثور وابن المنذر، ولو ملك للتجارة نصابا فنقص عن النصاب في أثناء الحول ثم زاد حتى بلغ نصابا استأنف الحول عليه لكونه انقطع بنقصه في أثناء الحول

وقال مالك ينعقد الحول على ما دون النصاب فإذا كان في آخره نصابا زكاه وقال أبو حنيفة يعتبر كونه نصابا في طرفي الحول دون وسطه لان التقويم يشق في جميع الحول فعفى عنه إلا في آخره فصار الاعتبار به ولانه يحتاج إلى تعرف قيمته في كل وقت ليعلم أن قيمته تبلغ نصابا وذلك يشق ولنا أنه مال يعتبر له الحول والنصاب فيجب اعتبار كمال النصاب في جميع الحول كسائر الاموال التي يعتبر لها ذلك وقولهم يشق التقويم لا يصح لأن غير المقارب للنصاب لا يحتاج إلى تقويم لظهور معرفته، والمقارب للنصاب إن سهل عليه التقويم والا فله الاداء والأخذ بالاحتياط كالمستفاد في أثناء الحول إن سهل على ضبط حوله وإلا فله تعجيل زكاته مع الاصل (فصل) (والواجب فيه ربع عشر قيمته لأنها زكاة تتعلق بالقيمة فاشبهت زكاة الاثمان ويجب فيما زاد بحسابه كالأثمان) إذا ثبت هذا فإنه تجب فيه الزكاة في كل حول وبهذا قال الثوري والشافعي وإسحق وأبو عبيد وأصحاب الرأي، وقال مالك لا يزكيه إلا لحول واحد إلا أن يكون مدبراً لان الحول الثاني لم يكن المال عيناً في أحد طرفيه فلم تجب فيه الزكاة كالحول الاول إذا لم يكن في أوله عيناً

ولنا أنه مال تجب فيه الزكاة في الحول الأول لم ينقص عن النصاب ولم تتبدل صفته فوجبت زكاته في الحول الثاني كما لو نض (1) في أوله ولا نسلم أنه إذا لم يكن في أوله عيناً لا تجب الزكاة فيه، وإذا اشترى عرضاً للتجارة بعرض للقنية جرى في حول الزكاة من حين الشراء * (مسألة) * (ويؤخذ منها لا من العروض) تخرج الزكاة من قيمة العروض دون عينها لأن نصابها يعتبر بالقيمة لا بالعين فكانت الزكاة منها كالعين في سائر الاموال وهذا أحد قولي الشافعي، وقال في الآخر هو مخير بين الاخراج من قيمتها ومن عينها وهو قول أبي حنيفة لأنه مال تجب فيه الزكاة فجاز اخراجها منه كسائر الأموال ولنا ما ذكرنا من المعنى ولا نسلم أن الزكاة وجبت في المال إنما وجبت في قيمته (فصل) وإذا ملك نصباً للتجارة في أوقات متفرقة لم يضم بعضها إلى بعض لما ذكرنا في المستفاد وإن كان العرض الأول ليس بنصاب فكمل بالثاني نصاباً فحولهما من حين ملك الثاني ونماؤهما تابع لهما ولا يضم الثالث اليهما بل ابتداء الحول فيه من حين ملكه، وتجب زكاته إذا حال عليه الحول وإن كان دون النصاب لان في ملكه نصابا قبله ونماؤه تابع له * (مسألة) * (ولا تصير للتجارة إلا أن يملكها بفعله بنية التجارة بها) لا يصير العرض للتجارة إلا بشرطين أحدهما أن يملكه بفعله كالبيع والكاح والخلع وقبول الهبة والوصية والغنيمة واكتساب المباحات لأن ما لا يثبت له حكم الزكاة بدخوله في ملكه لا يثبت بمجرد النية كالسوم، ولا فرق بين أن يملكه بعوض أو بغير عوض وهكذا ذكره أو الخطاب وابن عقيل لأنه ملكه بفعله أشبه ما لو ملكه بعوض، وذكر القاضي أنه لا يصير للتجارة إلا أن يملكه بعوض وهو قول الشافعي فان ملكه بغير عوض كالهبة والغنيمة ونحوهما لم يصر للتجارة لأنه لم يملكه بعوض أشبه الموروث، الثاني أن ينوي عند تملكه أنه للتجارة، فإن لم ينو عند تملكه أنه للتجارة لم يصر للتجارة لقوله في الحديث " مما نعده للبيع " ولانها مخلوقة في الاصل للاستعمال فلا تصير للتجارة الا بنيتها كما أن ما خلق للتجارة لا يصير للقنية إلا بنيتها

_ " 1 " في القاموس: نض الدرهم أو الدينار إذا تحول عينا بعد أن كان متاعا

* (مسألة) * (فإن ملكها بإرث أو ملكها بفعله بغير نية التجارة ثم نوى التجارة بها لم تصر للتجارة) إذا ملك العرض بالارث لم يصر للتجارة وان نواها لأنه ملكه بغير فعله فجرى مجرى الاستدامة فلم يبق إلا مجرد النية ومجرد النية لا يصير بها العرض للتجارة لما ذكرنا وكذلك إن ملكها بفعله بغير نية التجارة ثم نواها بعد ذلك لم يصر للتجارة لأن الأصل في العروض القنية فاذا صارت للقنية لم تنتقل عنه بمجرد النية كما لو نوى الحاضر السفر وعكسه ما لو نوى المسافر الاقامة يكنفي فيه مجرد النية * (مسألة) * (وإن كان عنده عرض للتجارة فنواه للقنية ثم نواه للتجارة لم يصر للتجارة، وعنه أن العروض تصير للتجارة بمجرد النية) ولا يختلف المذهب أنه إذا نوى بعرض التجارة القنية أنه يصير للقنية وتسقط الزكاة منه وبهذا قال الشافعي وأصحاب الرأي، وقال مالك في إحدى الروايتين لا يسقط حكم التجارة بمجرد النية كما لو نوى بالسائمة العلف. ولنا أن القنية الاصل والرد الى الاصل يكفي فيه مجرد النية كما لو نوى بالحلي التجارة أو نوى المسافر الاقامة، ولأن نية التجارة شرط لوجوب الزكاة في العروض فاذا نوى القنية زالت نية التجارة ففات شرط الوجوب، وفارق السائمة اذا نوى علفها لأن الشرط فيها الاسامة دون نيتها فلا ينتفي الوجوب الا بانتفاء السوم واذا صار العرض للقنية ثم نواه للتجارة لم يصر للتجارة لما ذكرنا. وهذا قول أبي حنيفة ومالك والشافعي والثوري وذهب أبو بكر وابن عقيل الى أنها تصير للتجارة بمجرد النية وحكوه رواية عن أحمد قال بعض أصحابنا هذا على أصح الروايتين لقول سمرة أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرج الصدقة مما نعده للبيع وهذا داخل في عمومه، ولان نية القنية كافية بمجردها فكذلك نية التجارة بل هذا أولى لان الايجاب يغلب على الاسقاط احتياطا، ولانه نوى به التجارة أشبه ما لو نوى حال الشراء، ووجه الأولى أن كل ما لا يثبت له الحكم بدخوله في ملكه لا يثبت بمجرد النية كما لو نوى بالمعلوفة السوم، ولان القنية الاصل والتجارة فرع عليها فلا ينصرف الى الفرع بمجرد النية كالمقيم ينوي السفر، ويعتبر وجود النية في جميع الحول لأنها شرط أمكن اعتباره في جميع الحول، فاعتبر فيه كالنصاب. (فصل) وإذا كانت عنده ماشية للتجارة نصف حول فنوى بها الاسامة وقطع نية التجارة انقطع حول التجارة واستأنف حولا كذلك قال الثوري وأبو ثور وأصحاب الرأي لان حول التجارة انقطع بنية الاقتناء وحول السوم لا يبني على حول التجارة. قال شيخنا والأشبه بالدليل أنها متى كانت سائمة

من أول الحول وجبت الزكاة فيها عند تمامه، يروى نحو هذا عن إسحق لان السوم سبب لوجوب الزكاة وجد في جميع الحول خالياً عن معارض فوجبت به الزكاة، كما لو لم ينو التجارة أو كما لو كانت السائمة لا تبلغ نصاب القيمة. * (مسألة) * (وتقوم العروض عند الحول بما هو أحظ للمساكين من عين أو ورق ولا يعتبر ما اشتريت به) اذا حال الحول على عروض التجارة وقيمتها بالفضة نصاب ولا تبلغ نصابا بالذهب قومناها بالفضة وإن كانت قيمتها بالذهب تبلغ نصابا ولا تبلغ نصابا بالفضة قومناها بالذهب لتجب الزكاة فيها ويحصل الحظ للفقراء سواء اشتراها بذهب أو عروض وبهذا قال أبو حنيفة وقال الشافعي تقوم بما اشتراه من ذهب أو فضة، لان نصاب العرض مبني على ما اشتراه به فوجبت الزكاة فيه واعتبرت به، كما لو لم يشتر به شيئاً. ولنا أن قيمته بلغت نصابا فوجبت الزكاة فيه كما لو اشتراه بعرض وفي البلد نقدان مستعملان تبلغ قيمة العرض بأحدهما نصابا ولان تقويمه يحظ المساكين فيعتبر مالهم فيه الحظ كالاصل، وأما اذا لم يشتر بالنقد شيئاً فان الزكاة في عينه لا في قيمته بخلاف العرض فان كان النقد معداً للتجارة فينبغي أن تجب الزكاة فيه إذا بلغت قيمته بالنقد الآخر نصابا وان لم يبلغ بعينه نصابا كالسائمة التي للتجارة فان بلغت قيمة العروض نصاباً بكل واحد من النقدين قومه بما شاء منهما وأخرج ربع عشر قيمته

مسألة: ويؤخذ منها لا من العروض

من أي النقدين شاء، لكن الاولى أن يخرج من النقد المستعمل في البلد لأنه أحظ للمساكين فان كانا مستعملين أخرج من الغالب في الاستعمال لذلك فان تساويا أخرج من أيهما شاء، وان باع العروض بنقد وحال الحول عليه قوم النقد دون العروض لانه انما يقوم ما حال عليه الحول دون غيره * (مسألة) * (وإن اشترى عرضاً بنصاب من الأثمان أو من العروض بنى على حوله) لأن مال التجارة انما تتعلق الزكاة بقيمته، وقيمته هي الاثمان، انما كانت ظاهرة فخفيت فأشبه ما لو كان له نصاب فأقرضه لم ينقطع حوله بذلك، وهكذا الحكم إذا باع العرض بنصاب أو بعرض قيمته نصاب لان القيمة كانت خفية فظهرت أو بقيت على خفائها فأشبه ما لو كان له قرض فاستوفاه أو أقرضه انساناً آخر، ولان النماء في الغالب في التجارة إنما يحصل بالتقليب ولو كان ذلك يقطع الحول لكان السبب الذي وجبت فيه الزكاة لاجله يمنعها لأن الزكاة لا تجب إلا في زمان تام، وان قصد بالاثمان غير التجارة لم ينقطع الحول، وقال الشافعي: ينقطع لانه مال تجب الزكاة في عينه دون قيمته فانقطع الحول بالبيع كالسائمة ولنا أنه من جنس القيمة التي تتعلق الزكاة بها فلم ينقطع الحول ببيعها به كما لو قصد به التجارة وفارق السائمة فانها من غير جنس القيمة

مسألة: ولا تصير للتجارة إلا أن يملكها بفعله بنية التجارة بها

* (مسألة) * (وإن اشتراه بنصاب من السائمة لم يبن على حوله) إذا أبدل عرض التجارة بنصاب من السائمة ولم ينو به التجارة أو اشترى بنصاب من السائمة عرضاً للتجارة لم يبن حول أحدهما على الآخر لانهما مختلفان، وان أبدل عرض التجارة بعرض القنية بطل الحول، وان اشترى عرض التجارة بعرض القنية انعقد عليه الحول من حين ملكه ان كان نصابا لانه اشتراه بما لا زكاة فيه فلم يمكن بناء الحول عليه وان اشتراه بما دون النصاب من الأثمان أو من عروض التجارة انعقد عليه الحول من حين تصير قيمته نصاباً لان مضي الحول على نصاب كامل شرط لوجوب الزكاة وقد ذكرناه. (مسألة) (وإن ملك نصابا من السائمة للتجارة فعليه زكاة التجارة دون السوم فإن لم تبلغ قيمته نصاب التجارة فعليه زكاة السوم) اذا اشترى للتجارة نصاباً من السائمة فحال الحول والسوم ونية التجارة موجودان زكاة زكاة التجارة. وبهذا قال أبو حنيفة والثوري، وقال مالك والشافعي في الجديد: يزكيها زكاة السوم لانها أقوى لانعقاد الاجماع عليها واختصاصها بالعين فكانت أولى ولنا أن زكاة التجارة أحظ للمساكين لانها تجب فيما زاد على النصاب بالحساب، ولأن الزائد عن النصاب قد وجد سبب وجوب زكاته فوجب كما لو لم يبلغ بالسوم نصابا، وان سبق وقت وجوب زكاة السوم وقت وجوب زكاة التجارة مثل أن يملك أربعين من الغنم قيمتها دون مائتي درهم، ثم صارت فيمتها في أثناء الحول مائتي درهم فقال القاضي: يتأخر وجوب الزكاة حتى يتم حول التجارة

مسألة: فإن ملكها بإرث أو ملكها بفعله بغير نية التجارة ثم نوى التجارة بها لم تصر للتجارة

لانه أنفع للفقراء ولا يفضي إلى سقوطها لأن الزكاة تجب فيها اذا تم حول التجارة، ويحتمل أن تجب زكاة العين عند تمام حولها لوجود مقتضيها من غير معارض، فإذا تم حول التجارة وجبت زكاة الزائد عن النصاب لوجود مقتضيها لانه مال للتجارة حال عليه الحول وهو نصاب، ولا يمكن ايجاب الزكاتين بكمالهما لأنه يفضي إلى إيجاب زكاتين في حول واحد بسبب واحد، فلم يجز ذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا تثني في الصدقة " وفارق هذا زكاة التجارة وزكاة القطر في العبد الذي للتجارة لأنهما يجتمعان لكونهما بسببين فان زكاة الفطر تجب عن بدن المسلم طهرة له، وزكاة التجارة تجب عن قيمته شكراً لنعمة الغني مواساة للفقراء، فأما إن وجد نصاب السوم دون التجارة كمن ملك نصابا من السائمة للتجارة لا تبلغ قيمتها مائتي درهم وحال الحول عليها كذلك فان زكاة العين لا تجب فيها بغير خلاف لأنه لم يوجد لها معارض أشبه إذا لم تكن للتجارة، وكذلك ان ملك أربعا من الابل قيمتها مائتا درهم تجب فيها زكاة التجارة بغير خلاف لما ذكرنا * (مسألة) * (وإن اشترى أرضاً أو نخلا للتجارة فأثمرت النخل أو زرعت الأرض فعليه فيهما العشر ويزكي الاصل للتجارة)

زكاة التجارة فيها أنفع للفقراء. فأما ان سبق وجوب العشر حول التجارة وجب عليه العشر لوجود سببه من غير معارض وهو أحظ للفقراء كما بينا إذا اشترى أرضاً أو نخلا للتجارة فأثمرت النخل، أو زرعت الأرض واتفق حولاهما بأن يكون بدو الصلاح في الثمرة واشتداد الحب عند تمام الحول وكانت قيمة الاصل تبلغ نصابا للتجارة فانه يزكي الحب والثمرة زكاة العشر اذا بلغ نصاباً، ويزكي الاصل زكاة القيمة. وهذا قول أبي حنيفة وأبي ثور وقال القاضي وأصحابه: يزكي الجميع زكاة القيمة، وذكر أن أحمد أومأ اليه لأنه مال تجارة فوجبت فيه زكاة التجارة كالسائمة ولنا ان زكاة العشر أحظ للفقراء فان العشر أحظ من ربع العشر فيجب تقديم ما فيه الحظ، ولأن الزيادة على ربع العشر قد وجد سبب وجوبها فتجب، وفارق زكاة السوم المعدة للتجارة لان

(فصل) وإذا حال الحول ادى زكاة الاصل والنماء لانه تابع له في الملك فتبعه في الحول كالسخال والنتاج، وبهذا قال مالك واسحق وأبو يوسف، وأما أبو حنيفة فانه يبني حول كل مستفاد على حول جنسه النماء وغيره. وقال الشافعي: إن نضت الفائدة قبل الحول لم يبن حولها على حول النصاب، ويستأنف لها حولها لقوله عليه السلام " لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول " ولأنها فائدة تامة لم تتولد مما عنده أشبه المستفاد من غير الربح. وان اشترى سلعة بنصاب فزادت قيمتها عند رأس الحول فانه يضم الفائدة ويزكي عن الجميع بخلاف ما إذا باع السلعة قبل الحول ولنا أنه نماء جار في حول تابع لاصله في الملك فضم اليه في الحول كالنتاج وكما لو لم ينض ولانه ثمن عرض تجب زكاة بعضه يضم اليه الباقي قبل البيع فضم اليه بعده كبعض النصاب ولانه لو بقي عرضاً زكي جميع القيمة، فاذا نض كان أولى لأنه يصير متحققا والحديث فيه مقال وهو مخصوص

مسألة: وتقوم العروض عند الحول بما هو أحظ للمساكين من عين أو ورق ولا يعتبر ما اشتريت به

بالنتاج وبما لم ينض فنقيس عليه. (فصل) وإذا اشترى للتجارة شقصاً مشفوعا بالف فحال الحول وهو يساوي الفين فعليه زكاة الفين فان جا الشفيع أخذه بالف لأن الشفيع إنما يأخذ بالثمن لا بالقيمة، والزكاة على المشتري لانها وحبت في ملكه ولو لم يأخذه الشفيع لكن وجد المشتري به عيباً فرده فانما يأخذ من البائع الفا، ولو اشتراه بالفين وحال الحول وقيمته الف فعليه زكاة الف ويأخذه الشفيع ان أخذه ويرده بالعيب بالفين لانهما الثمن الذي وقع به البيع. (فصل) وإذا دفع الى رجل ألفا مضاربة على أن الربح بينهما فحال الحول وهو ثلاثة آلاف فعلى رب المال زكاة الفين لان ربح التجارة حوله حول أصله على ما بينا، وقال الشافعي في أحد قوليه عليه زكاة الجميع لأن الأصل له والربح نماء ماله ولا يصح ذلك لان حصة المضارب له وليست ملكا لرب المال بدليل أن للمضارب المطالبة بها ولو أراد رب المال دفع حصته إليه من غير هذا المال لم يلزمه

قبوله، ولا يجب على الانسان زكاة ملك غيره ولأن رب المال يقول حصتك أيها العامل مترددة بين أن تسلم فتكون لك أو تتلف فلا تكون لي ولا لك فكيف يجب علي زكاة ما ليس لي بوجه ما؟ وقوله إنها نماء ماله فلنا إلا أنه لغيره فلم تجب عليه زكاته كما لو وهب نتاج سائمته لغيره إذا ثبت هذا فإنه يخرج الزكاة من المال لانه من مؤنته فكان منه كمؤنة حمله، ويحتسب من الربح لأنه وقاية لرأس المال كذلك ذكره شيخنا في كتاب المغني، وقال في كتاب تحتسب الزكاة من حصة رب المال لأنها واجبة عليه فحسبت من نصيبه كدينه، فاما حصة المضارب فمن أوجبها لم يجوز اخراجها من المال لأن الربح وقاية لرأس المال، ويحتمل أن يجوز لأنهما دخلا على حكم الاسلام

مسألة: وإن اشترى عرضا بنصاب من الاثمان أو من العروض بنى على حوله

ومن حكمه وجوب الزكاة واخراجها من المال ولأصحاب الشافعي في هذه المسألة نحو مما ذكرنا * (مسألة) * (وإذا أذن كل واحد من الشريكين لصاحبه في إخراج زكاته أو أذن رجلان غير

مسألة: وإن اشتراه بنصاب من السائمة لم يبن على حوله

الشريكين كل واحد منهما للآخر في إخراج زكاته فاخرج كل واحد منهما زكاته وزكاة صاحبه

مسألة: وإن ملك نصابا من السائمة للتجارة فعليه زكاة التجارة دون السوم فإن لم تبلغ قيمته نصاب التجارة فعليه زكاة السوم

معاً في حال واحدة ضمن كل واحد منهما نصيب صاحبه لأن كل واحد منهما انعزل من طريق الحكم

عن الوكالة لإخراج الموكل زكاته بنفسه)

ويحتمل أن لا يضمن إذا لم يعلم باخراج صاحبه إذا قلنا إن الوكيل لا ينعزل قبل العلم بعزل الموكل

مسألة: وإن اشترى أرضا أو نخلا للتجارة فأثمرت النخل أو زرعت الأرض فعليه فيهما العشر ويزكي الاصل للتجارة

أو بموته ويحتمل أن لا يصمن وإن قلنا إنه ينعزل لأنه غره بتسليطه على الاخراج وأمره به ولم يعلمه

باخراجه فكان خطر التغرير عليه كما لو غره بحرية أمة، قال شيخنا وهذا أحسن إن شاء الله تعالى. وعلى

هذا إن علم أحدهما دون الآخر فعلى العالم الضمان دون الآخر

* (مسألة) * (فإن أخرجها أحدهما قبل الآخر ضمن الثاني نصيب الاول علم أو لم يعلم) لما ذكر

مسألة: وإذا أذن كل واحد من الشريكين لصاحبه في إخراج زكاته أو أذن رجلان غير الشريكين كل واحد منهما للآخر في إخراج زكاته

وهذا على الوجه الأول وعلى الوجه الثاني لا ضمان عليه إذا لم يعلم لما ذكرنا والله أعلم

مسألة: فإن أخرجها أحدهما قبل الآخر ضمن الثاني نصيب الاول علم أو لم يعلم

باب زكاة الفطر قال إبن المنذر أجمع أهل العلم على أن صدقة الفطر فرض. قال إسحق هو كالإجماع من أهل العلم وحكى ابن عبد البر أن بعض المتأخرين من أصحاب مالك وداود يقولون هي سنة مؤكدة وسائر العلماء على أنها واجبة لما روى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس صاعا من تمر أو صاعا من شعير على كل حر وعبد ذكر أو أنثى من المسلمين. متفق عليه، وللبخاري والصغير والكبير من المسلمين وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بزكاة الفطر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة، وعن أبي سعيد قال كنا نخرج زكاة الفطر صاعاً من طعام أو صاعا من شعير أو صاعا من تمر أو صاعا من أقط أو صاعا من زبيب. متفق عليهما. وقال سعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز في قوله تعالى (قد أفلح من تزكى) هو زكاة الفطر واضيفت هذه الزكاة إلى الفطر لانها تجب بالفطر من رمضان قال ابن قتيبة وقبل لها فطرة لان الفطرة الخلقة قال الله تعالى (فطرة الله التي فطر الناس عليها) وهذه يراد بها الصدقة عن البدن والنفس، قال بعض أصحابنا وهل تسمى فرضا مع القول بوجوبها على

باب زكاة الفطر

روايتين والصحيح أنها فرض لقول ابن عمر: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر ولان الفرض إن كان الواجب فهي واجبة وإن كان الواجب المتأكد فهي متأكدة مجمع عليها على ما حكاه ابن المنذر * (مسألة) * (وهي واجبة على كل مسلم تلزمه مؤنة نفسه إذا فضل عنده عن قوته وقوت عياله يوم العيد وليلته صاع وإن كان مكاتباً) وجملة ذلك أن زكاة الفطر تجب على كل مسلم تلزمه مؤنة نفسه صغيرا كان أو كبيراً حرا أو عبدا ذكرا أو انثى لما ذكرنا من حديث ابن عمر وهذا قول عامة أهل العلم وتجب على اليتيم ويخرج عنه وليه من ماله لا نعلم أحدا خالف فيه إلا محمد بن الحسن قال ليس في مال الصغير صدقة، وقال الحسن صدقة الفطر على من صام من الاحرار وعلى الرقبق، وعموم حديث ابن عمر يقتضي وجوبها على اليتيم والصغير مطلقا ولانه مسلم فوجبت فطرته كما لو كان له أب (فصل) ولا تجب صدقة الفطر على أهل البادية في قول أكثر أهل العلم روي ذلك عن ابن الزبير، وهو قول الحسن ومالك والشافعي وابن المنذر وأصحاب الرأي، وقال عطاء والزهري وربيعة لا صدقة عليهم: ولنا عموم الحديث، ولانها زكاة فوجبت عليهم كزكاة المال ولانهم مسلمون أشبهوا أهل الامصار (فصل) ولا تجب على كافر أصلي حراً كان أو عبداً، أما المرتد ففي وجوبها عليه اختلاف ذكرناه فيما مضى، قال شيخنا ولا نعلم خلافا بينهم في الحر البالغ الكافر أنها لا تجب عليه وقال امامنا ومالك والشافعي وأبو ثور لا تجب على العبد أيضاً ولا على الصغير ويروى عن عمر بن عبد العزيز وعطاء

ومجاهد وسعيد بن جبير والنخعي والثوري وإسحق وأصحاب الرأي أن على السيد المسلم اخراج الفطرة عن عبده الذمي، وقال أبو حنيفة يخرج عن ابنه الصغير إذا ارتد، ورووا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أدوا عن كل حر وعبد صغير أو كبير يهودي أو نصراني أو مجوسي نصف صاع من بر " ولأن كل زكاة وجبت بسبب عبده المسلم وجبت عبده الكافر كزكاة التجارة ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر من المسلمين، وروى أبو داود عن ابن عباس قال فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من الرفث واللغو وطعمة للمساكين من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات، وحديثهم لم نعرفه ولم يذكره صحاب السنن، وزكاة التجارة تجب عن القيمة ولذلك تجب في سائر الحيوانات وسائر الاموال وهذه طهرة للبدن ولهذا اختص بها الآدميون بخلاف زكاة التجارة (فصل) فإن كان لكافر عبد مسلم وهل هلال شوال وهو ملكه، فحكي عن أحمد أن على الكافر إخراج صدقة الفطر عنه، واختاره القاضي وقال ابن عقيل يحتمل أن لا يجب، قال إبن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن لا صدقة على الذمي في عبده المسلم لقوله عليه السلام " من المسلمين " ولانه كافر فلم تجب عليه الفطرة كسائر الكفار، ولانها زكاة فلم تجب على الكفرة كزكاة المال ووجه

الاولى أن العبد من أهل الطهرة فوجب أن تؤدي عنه الفطرة كما لو كان سيده مسلما وقوله من المسلمين يحتمل أنه أراد به المؤدى عنه بدليل أنه لو كان للمسلم عبد كافر لم تجب فطرته ولانه ذكر في الحديث كل عبد وصغير وهذا يدل على أنه أراد المؤدى عنه لا المؤدي ولأصحاب الشافعي في هذا وجهان كالمذهبين (فصل) وهي واجبة على من قدر عليها ولا يعتبر في وجوبها النصاب، وبهذا قال أبو هريرة وأبو العالية والشعبي وعطاء وابن سيرين والزهري ومالك وابن المبارك والشافعي وأبو ثور، وقال أصحاب الرأي، لا تجب إلا على من يملك مائتي درهم أو ما قيمته نصاب فاضلا عن مسكنه لقوله عليه السلام " لا صدقة إلا عن ظهر غنى، والفقر لا غنى له فلا تجب عليه ولأنه تحل له الصدق فلا تجب عليه كالعاجز عنها ولنا ما روى ثعلبة بس أبي صغير عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " أدوا صدقة الفطر صاعا من قمح " أو قال " بر عن كل إنسان صغير أو كبير حر أو مملوك غني أو فقير ذكر أو أنثى أما غنيكم فيزكيه الله وأما فقيركم فيرد الله عليه أكثر مما أعطى " وفي رواية أبي داود صاع من بر أو قمح عن كل اثنين ولأنه حق مال لا يزيد يزيادة المال فلم يعتبر وجود النصاب له لكفارة ولا يمتنع أن يؤخذ منه ويعطى كمن وجب عليه العشر والقياس على العاجر لا يصح وحديثهم محمول على زكاة المال

مسألة: وإن فضل بعض صاع فهل يلزمه إخراجه؟ على روايتين

(فصل) ومن له دار يحتاج اليها لسكناه أو الى أجرها لنفقته أو ثياب بذلة له أو لمن تلزمه مؤنته أو رقيق يحتاج الى خدمتهم هو أو من يمونه أو بهائم يحتاجون إلى ركوبها والانتفاع بها في حوائجهم الاصلية أو سائمة يحتاج إلى نمائها لذلك أو بضاعة يختل ربحها الذي يحتاج إليه باخراج الفطرة منها فلا فطرة عليه لذلك لأن هذا مما تتعلق به حاجته الاصلية فلم يلزمه بيعه كمؤنة نفسه يوم العيد ومن له كتب يحتاج إليها للنظر فيها والحفظ منها لا يلزمه بيعها، والمرأة إذا كان لها حلي للبس أو الكرى المحتاج اليه لم يلزمها بيعه في الفطرة وما فضل من ذلك كله عن حوائجه الاصلية وأمكن بيعه أو صرفه في الفطرة وجبت الفطرة به لانه أمكنه أداؤها من غير ضرر أصلي أشبه ما لو ملك من الطعام ما يؤديه فاضلاً عن حاجته. (فصل) وليس على السيد في مكاتبه زكاة الفطر، وهذا قول أبي سلمة بن عبد لرحمن والثوري والشافعي في أشهر قوليه وأصحاب الرأي وقال عطاء ومالك وابن المنذر على السيد لأنه عبد أشبه سائر العبيد ولنا قوله عليه السلام " ممن تمونون " وهذا لا يمونه ولانه لا تلزمه مؤنته أشبه الاجنبي وبهذا فارق سائر عبيده. إذا ثبت هذا فان على المكاتب فطرة نفسه وفطرة من تلزمه نفقته كزوجته ورقيقه وقال أبو حنيفة والشافعي لا يجب عليه قياسا على الثمن ولانها زكاة فلم تجب على المكاتب كزكاة المال ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم فرض صدقة الفطر على الحر والعبد والذكر والأنثى وهذا عبد لا يخلو من كونه ذكرا أو انثى ولانه تلزمه مؤنة نفسه فلزمته الفطرة كالحر ويفارق زكاة المال لأنه يعتبر لها الغنى والنصاب والحول ولا يحملها أحد عن غيره بخلاف الفطرة ولا يصح قياسه على القن لأن مؤنة القن على سيده بخلاف المكاتب ويجب على المكاتب فطرة من يمونه لعموم قوله عليه السلام " عمن تمونون " * (مسألة) * (وإن فضل بعض صاع فهل يلزمه إخراجه؟ على روايتين)

إحداهما لا يلزمه اختارها ابن عقيل لأنها طهرة فلا تجب على من يعجز عن بعضها كالكفارة والثانية يلزمه اخراجه لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا أمرتكم بأمر فاءتوا منه ما استطعتم " ولانها طهرة فوجب منها ما قدر عليه كالطهارة بالماء ولأن بعض الصاع يخرج بمن العبد المشترك فجاز أن يخرج عن غيره كالصاع * (مسألة) * (ويلزمه فطرة من يمونه من المسلمين) . إذا وجد ما يؤدي عنهم لحديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض صدقة الفطر عن كل صغير وكبير حر وعبد ممن تمونون (فصل) والذين يلزم الانسان فطرتهم ثلاثة أصناف الزوجات والعبيد والاقارب فاما الزوجات فتلزمه فطرتهن في قول مالك والليث والشافعي وإسحق، وقال أبو حنيفة والثوري وابن المنذر لا تجب عليه وعلى المرأة فطرة نفسها لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " صدقة الفطر على كل ذكر وأنثى " ولانها زكاة فوجبت عليها كزكاة مالها ولنا الخبر الذي رويناه ولأن النكاح سبب تجب به النفقة فوجبت به الفطرة كالملك والقرابة بخلاف زكاة المال فانها لا تتحمل بالملك والقرابة، فان كان لامرأته من يخدمها بأجرة فليس على الزوج فطرته لان الواجب الاجر دون النفقة وإن كان لها نظرت، فإن كانت ممن لا يجب لها خادم فليس عليه نفقة خادمها ولا فطرته وإن كانت ممن يخدم مثلها فعلى الزوج أن يخدمها ثم هو مخير بين أن يشتري لها خادما أو يكتري أو ينفق على خادمها فان اختار الإنفاق على خادمها فعليه فطرته وإن استأجر لها خادما فليس عليه نفقته ولا فطرته سواء شرط عليه مؤنته أو لم يشترط لان المؤنة اذا كانت أجرة فهي من مال المستأجر وإن كانت تبرعا فهو كما لو تبرع بالانفاق أجنبي وسنذكره إن شاء الله تعالى (فصل) الثاني العبيد وتجب فطرتهم على السيد اذا كانوا لغير التجارة اجماعا وإن كانوا للتجارة فكذلك وهو قول مالك والليث والاوزاعي والشافعي وإسحق وابن المنذر. وقال عطاء

مسألة: فإن لم يجد ما يؤدي عن جميعهم بدأ بنفسه ثم بامرأته ثم برقيقه ثم بولده ثم بأمه ثم بأبيه ثم بالاقرب فالاقرب في الميراث

والنخعي والثوري وأصحاب الرأي لا تلزمه فطرتهم لأنها زكاة ولا تجب في مال واحد زكاتان وقد وجب فيهم زكاة التجارة فيمتنع وجوب الزكاة الاخرى كالسائمة اذا كانت للتجارة ولنا عموم الأحاديث وقول ابن عمر فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر على الحر والعبد وفي حديث عمرو بن شعيب " ألا إن صدقة الفطر واجبة على كل مسلم ذكر أو أنثى حر أو عبد صغير أو كبير " ولأن نفقتهم واجبة اشبهوا عبيد القنية وزكاة الفطر تجب على البدن ولهذا تجب على الاحرار وزكاة التجارة تجب عن القيمة وهي المال بخلاف السوم والتجارة فأنهما يجبان بسبب مال واحد ومتى كان عبيد التجارة في يد المضارب وجبت فطرتهم من مال المضاربة لأن مؤنتهم منها وحكى ابن المنذر عن الشافعي انها على رب المال ولنا أن الفطرة تابعة للنفقة وهي من المال فكذلك الفطرة (فصل) وأما عبيد عبيده فإن قلنا أن العبد لا يملكهم بالتمليك ففطرتهم على السيد لانهم ملكه وهذا ظاهر كلام الخرقي وقول مالك والشافعي وأصحاب الرأي وإن قلنا يملك بالتمليك فقد قيل لا تجب فطرتهم على أحد لأن السيد لا يملكهم وملك العبد ناقص والصحيح وجوب فطرتهم على العبد لأن نفقتهم واجبة عليه فكذلك فطرتهم وعدم تمام الملك لا يمنع وجوب الفطرة بدليل وجوبها على المكاتب عن نفسه وعبيده مع نقص ملكه (فصل) وأما زوجة العبد فذكر أصحابنا المتأخرون أن فطرتها على نفسها إن كانت حرة وعلى سيدها إن كانت أمة قال شيخنا رحمه الله وقياس المذهب عندي وجوب فطرتها على سيد العبد لوجوب نفقتها عليه كما أنه يجب على الزوج نفقة خادم امرأته مع أنه لا يملكها لوجوب نفقتها ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أدوا صدقة الفطر عمن تمونون " وهذه ممن يمون وهكذا لو زوج الابن أباه وكان ممن تجب عليه نفقته ونفقة امرأته فعليه فطرتهما

مسألة: ويستحب الإخراج عن الجنين ولا يجب

* (مسألة) * (فإن لم يجد ما يؤدي عن جميعهم بدأ بنفسه ثم بامرأته ثم برقيقه ثم بولده ثم بأمه ثم بأبيه ثم بالاقرب فالاقرب في الميراث) إذا لم يفضل عنده إلا صاع أخرجه عن نفسه لقوله عليه السلام " ابدأ بنفسك ثم بمن تعول " ولأن الفطرة تبنى عليه النفقة فكما أنه يدأ بنفسه في النفقة فكذلك في الفطرة فان فضل صاع أخرجه عن امرأته لأن نفقتها آكد لأنها تجب على سبيل المعاوضة مع اليسار والاعسار ونفقة الأقارب صلة إنما تجب مع اليسار فان فضل آخر أخرجه عن رقيقه لوجوب نفقتهم في الاعسار أيضاً قال ابن عقيل ويحتمل تقديمهم على الزوجة لأن فطرتهم متفق عليها وفطرتها مختلف فيها فان فضل آخر أخرجه عن ولده الصغير لأن نفقته منصوص عليها ومجمع عليها وفي الوالد والولد الكبير وجهان أحدهما يقدم الولد لانه كبعضه أشبه الصغير والثاني الوالد لأنه كبعض ولده ويقدم فطرة الام على فطرة الأب لأن الأم مقدمة في البر بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي حين قال من أبر؟ قال " أمك " قال ثم من؟ قال " أمك " قال ثم من؟ قال " أمك " قال ثم من؟ قال " أباك " ولأنها ضعيفة عن الكسب ويحتمل تقديم فطرة الأب وحكاه ابن أبي موسى رواية عن أحمد لقوله عليه السلام " أنت ومالك لأبيك " ثم بالجد ثم بالاقرب على ترتيب الميراث ويحتمل تقديم فطرة الولد على فطرة المرأة لما روى أبو هريرة قال أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصدقة فقام رجل فقال يا رسول الله عندي دينار قال " تصدق به على نفسك " قال عندي آخر قال " تصدق به على ولدك " قال عندي آخر قال " تصدق به على زوجك " قال عندي آخر قال " تصدق به على خادمك " قال عندي آخر قال " أنت أبصر " فقدم الولد في الصدقة عليها فكذلك الصدقة عنه ولان الولد كبعضه فيقدم كتقديم نفسه ولأنه اذا ضيع ولده لم يجد من ينفق عليه والزوجة اذا لم ينفق عليها فرق بينهما وكان لها من يمونها من زوج أو ذي رحم ولأن نفقة

مسألة: وإذا كان العبد بين شركاء فعليهم صاع وعنه على كل واحد صاع وكذلك الحكم فيمن بعضه حر

الزوجة على سبيل المعاوضة فكانت أضعف في استتباع الفطرة من النفقة الواجبة على سبيل الصلة لأن وجوب زيادة عليه يتصدق بها عنه ولذلك لم تجب فطرة الاجير المشروط نفقته بخلاف القرابة فانها كما اقتضت صلته بالانفاق عليه اقتضت صلته بتطهيره باخراج الفطرة عنه والله أعلم * (مسألة) * (ويستحب الإخراج عن الجنين ولا يجب) يستحب إخراج الفطرة عن الجنين لأن عثمان رضي الله عنه كان يخرجها عنه ولأنها صدقة عمن لا تجب عليه فكانت مستحبة كسائر صدقات التطوع وظاهر المذهب أن فطرة الجنين غير واجبة وهو قول أكثر أهل العلم قال ابن المنذر كل من نحفظ عنه من علماء الأمصار لا يوجب على الرجل زكاة الفطر عن الجنين في بطن أمه وعن أحمد رحمه الله رواية أخرى أنها تجب عليه لأنه آدمي تصح الوصية له وبه ويرث فيدخل في عموم الأخبار ويقاس على المولود ولنا أنه جنين فلم تتعلق به الزكاة كأجنة البهائم ولأنه لم تثبت له أحكام الدنيا إلا في الارث والوصية بشرط خروجه حيا فحكم هذا كسائر الأحكام * (مسألة) * (ومن تكفل بمؤنة شخص في شهر رمضان لم تلزمه فطرته عند أبي الخطاب والمنصوص انها تلزمه) وهذا قول أكثر الاصحاب وقد نص عليه أحمد في رواية أبي داود فيمن ضم الى نفسه يتيمة يؤدي عنها لعموم قوله عليه السلام " أدوا صدقة الفطر عمن تمونون " وهذا ممن يمون ولأنه شخص يتفق عليه فلزمته فطرته كعبده واختار أبو الخطاب أنه لا تلزمه فطرته لأنه لا تلزمه مؤنته فلم تلزمه فطرته كما لو لم يمنه وهذا قول أكثر أهل العلم وهو الصحيح إن شاء الله وكلام أحمد في هذا محمول على الاستحباب والحديث محمول على من تلزمه مؤنته لا على حقيقة المؤنة بدليل انه تلزمه فطرة الآبق ولم يمنه ولو ملك عبداً عند غروب الشمس أو تزوج أو ولد له ولد لزمته فطرتهم لوجوب مؤنتهم

مسألة: وإن عجز زوج المرأة عن فطرتها فعليها أو على سيدها إن كانت أمة فطرتها ويحتمل أن لا تجب

عليه وإن لم يمنهم ولو باع عبده أو طلق امرأته أو ماتا أو مات ولده لم تلزمه فطرتهم وان مانهم ولأن قوله " عمن تونون " فعل مضارع يقتضي الحال لو الاستقبال دون الماضي ومن مانه في رمضان إنما وجدت منه المؤنة في رمضان وإنما وجدت منه المؤنة في الماضي فلا يدخل في الخبر ولو دخل فيه لاقتضى بعمومه وجوب الفطرة على من مانه ليلة واحدة لأنه ليس في الخبر ما يقتضي تقييده بالشهر ولا بغيره فالتقييد بمؤنة الشهر تحكم، فعلى هذا تكون فطرته على نفسه كما لو لم يمنه وعلى قول اصحابنا المعتبر الانفاق في جميع الشهر وقال ابن عقيل قياس مذهبنا انه اذا مانه آخر ليلة وجبت فطرته قياساً على من ملك عبداً عند غروب الشمس، فإن مانه جماعة في الشهر كله أو مانه انسان في بعض الشهر فعلى تخريج ابن عقيل تكون فطرته على من مانه آخر ليلة وعلى قول غيره يحتمل أن لا تجب فطرته على أحد ممن مانه لانه سبب الوجب المؤنة في جميع الشهر ولم توجد ويحتمل أن تجب على الجميع فطرة واحدة بالحصص لأنهم اشتركوا في سبب الوجوب أشبه ما لو اشتركوا في ملك عبد * (مسألة) * (وإذا كان العبد بين شركاء فعليهم صاع وعنه على كل واحد صاع وكذلك الحكم فيمن بعضه حر) فطرة العبد المشترك واجبة على مواليه وبه قال مالك ومحمد بن سلمة وعبد الملك والشافعي ومحمد بن الحسن وأبو ثور وقال الحسن وعكرمة والثوري وابو حنيفة وأبو يوسف لا فطرة على واحد منهم لأنه ليس عليه لأحد منهم ولاية تامة أشبه المكاتب ولنا عموم الأحاديث ولأنه عبد مسلم مملوك لمن يقدر على الفطرة وهو من أهلها فلزمته كمملوك الواحد وفارق المكاتب فإنه لا يلزم سيده مؤنته ولأن المكاتب يخرج عن نفسه زكاة الفطر بخلاف القن والولاية غير معتبرة في وجوب الفطرة بدليل عبد الصبي، ثم إن ولايته للجميع فتكون فطرته

مسألة: وإن علم حياته بعد ذلك أخرج لما مضى

عليهم واختلفت الرواية في قدر الواجب على كل واحد منهم ففي احداهما على كل واحد صاع لأنها طهرة فوجب تكميلها على كل واحد من الشركاء ككفارة القتل والثانية على الجميع صاع واحد على كل واحد بقدر ملكه فيه هذا الظاهر عن أحمد قال قوران رجع أحمد عن هذه المسألة وقال يعطى كل واحد منهم نصف صاع يعني رجع عن إيجاب صاع كامل على كل واحد وهذا قول سائر من أوجب فطرته على سادته لأن النبي صلى الله عليه وسلم أوجب صاعا عن كل واحد وهذا عام في المشترك وغيره ولأن نفقته تقسم عليهم فكذلك فطرته التابعة لها ولأنه شخص واحد فلم يجب عنه أكثر من صاع كسائر الناس ولأنها طهرة فوجبت على سادته بالحصص كماء الغسل من الجنابة اذا احتيج اليه وبهذا ينتقض ما ذكرناه للرواية الأولى (فصل) (ومن بعضه حر ففطرته عليه وعلى سيده وبه قال الشافعي وأبو ثور وقال مالك على الحر بحصته وليس على العبد شئ) ولنا أنه مسلم تلزم مؤنته شخصين من أهل الفطرة فكانت فطرته عليهما كالمشترك وهل يلزم كل واحد منهما صاع أو بالحصص ينبني على ما ذكرنا في العبد المشترك فإن كان أحدهما معسراً فلا شئ عليه وعلى الاحرار القدر الواجب عليه فإن كان بين السيد والعبد مهايأة أو كان المشتركون في العبد قدتها يؤوا عليه لم تدخل الفطرة في المهايأة لان المهايأة معاوضة كسب بكسب والفطرة حق لله تعالى فلم تدخل في ذلك كالصلاة) ولو ألحقت القافة ولداً برجلين أو أكثر فالحكم في فطرته كالحكم في العبد المشترك وكذلك المعسر القريب لأثنين أو لجماعة نفقته عليهم وفطرته عليهم حكمها حكم فطرة العبد المشترك على ما ذكر فيه * (مسألة) * (وإن عجز زوج المرأة عن فطرتها فعليها أو على سيدها إن كانت أمة فطرتها ويحتمل أن لا تجب) إذا أعسر بفطرة زوجته فعليها فطرة نفسها أو على سيدها إن كانتت مملوكة لانها تتحمل إذا

مسألة: ولا يمنع الدين وجوب الفطرة إلا أن يكون مطالبا به

كان ثم متحمل فإذا لم يكن عاد اليها كالنفقة ويحتمل أن لا يجب عليها شئ لانها لم نجب على من وجد سبب الوجوب في حقه لعسرته فلم تجب على غيره كفطرة نفسه ويفارق النفقة فان وجوبها آكد لانها مما لابد منه وتجب على المعسر والعاجز وبرجع عليه بها عند يساره والفطرة بخلافها * (مسألة) * (ومن كان له غائب أو آبق فعليه فطرته إلا أن يشك في حياته فتسقط) تجب فطرة العبد الحاضر والغائب الذي تعلم حياته والآبق والمرهون والمغصوب قال إبن المنذر اجمع عوام أهل العلم على أن على المرء زكاة الفطر عن مملوكه الحاضر غير المكاتب والمغصوب والآبق والغائب تجب فطرته إذا علم أنه حي سواء رجا رجعته أو أيس منها، وسواء كان مطلقاً أو محبوساً كالاسير وغيره قال إبن المنذر: أكثر أهل العلم يرون أن تؤدى زكاة الفطر عن الرقيق غائبهم وحاضرهم لأنه مالك لهم فوجبت فطرتهم عليه كالحاضرين، وممن أوجب فطرة الآبق الشافعي وأبو ثور وابن المنذر والزهري إذا علم مكانه، والاوزاعي إن كان في دار الاسلام، ومالك إن كانت غيبته قريبة، ولم يوجبها عطاء والثوري وأصحاب الرأي لأنه لا يلزمه الانفاق عليه فلا تجب فطرته كالمرأة الناشز ولنا أنه ماله فوجبت زكاته في حال غيبته كمال التجارة، ويحتمل أن لا يلزمه اخراج زكاته حتى يرجع كزكاة الدين والمغصوب ذكره ابن عقيل، ووجه القول الأول أن زكاة الفطر تجب تابعة للنفقة والنفقة تجب مع الغيبة بدليل أن من رد الآبق رجع بنفقته، فأما من شك في حياته وانقطعت أخباره لم تجب فطرته. نص عليه في رواية صالح لأنه لا يعلم بقاء ملكه عليه، ولأنه لو أعتقه عن كفارته لم يجزئه فلم تجب فطرته كالميت * (مسألة) * (وإن علم حياته بعد ذلك أخرج لما مضى) لأنه بان له وجود سبب الوجوب في الزمن الماضي فوجب عليه الاخراج لما مضى كما لو سمع بهلاك

مسألة: وتجب بغروب الشمس من ليلة الفطر، فمن أسلم بعد ذلك أو ملك عبدا أو زوجة أو ولد له ولد لم تلزمه فطرته، وإن وجد ذلك قبل الغروب وجبت

ماله الغائب، ثم بان له أنه كان سليما والحكم في القريب الغائب كالحكم في العبيد لأنهم ممن تجب فطرتهم مع الحضور فكذلك مع الغيبة كالعبيد، ويحتمل أن لا تجب فطرتهم مع الغيبة لأنه لا يلزمه بعث نفقتهم اليهم ولا يرجعون بالنفقة الماضية * (مسألة) * (ولا يلزم الزوج فطرة الناشز وقال أبو الخطاب تلزمه) اذا نشزت المرأة في وقت وجوب الفطرة ففطرتها على نفسها دون زوجها لأن نفقتها لا تلزمه، واختار أبو الخطاب أن عليه فطرتها لان الزوجية ثابتة عليها فلزمته فطرتها كالمريضة التي لا تحتاج إلى نفقة والأول أصح لأن هذه ممن لا تلزمه مؤنته فلا تلزمه فطرته كالاجنبية، وفارق المريضة لان عدم الانفاق عليها لعدم الحاجة لا لخلل في المقتضي لها فلا يمنع ذلك من ثبوت تبعها بخلاف الناشز وكذلك كل امرأة لا تلزمه نفقتها كغير المدخول بها إذا لم تسلم اليه، والصغيرة التي لا يمكن الاستمتاع بها فإنه لا تلزمه نفقتها ولا فطرتها لانها ليست ممن يمون * (مسألة) * (ومن لزم غيره فطرته فأخرج عن نفسه بغير إذنه فهل يجزئه على وجهين) من وجبت نفقته على غيره كالمرأة والنسيب الفقير اذا أخرج عن نفسه باذن من تجب عليه صح بغير خلاف نعلمه لأنه نائب عنه، وإن أخرج بغير إذنه ففيه وجهان (أحدهما) يجزئه لانه أخرج فطرة نفسه فأجزأه كالتي وجبت عليه (والثاني) لا يجزئه لانه أدى ما وجب على غيره بغير إذنه فلم يصح كالمؤدي عن غيره * (مسألة) * (ولا يمنع الدين وجوب الفطرة إلا أن يكون مطالباً به) انما لم يمنع الدين الفطرة لانها آكد بدليل وجوبها على الفقير وشمولها لكل مسلم قدر على اخراجها ووجوب تحملها عمن وجبت نفقته على غيره ولا تتعلق بقدر من المال فجرى مجرى النفقة، ولان زكاة

مسألة: والأفضل إخراجها يوم العيد قبل الصلاة

المال تجب بالملك والدين يؤثر في الملك فأثر فيها، وهذه تجب على البدن والدين لا يؤثر فيه. فأما عند المطالبة بالدين فتسقط الفطرة لوجوب ادائه عندها وتأكده بكونه حق آدمي معين لا يسقط بالاعسار وكونه أسبق سبباً وأقدم وجوباً يأثم بتأخيره (فصل) وإن مات من وجبت عليه الفطرة قبل ادائها أخرجت من ماله، فإن كان عليه دين وله مال يفي بهما قضيا جميعاً، وإن لم يف بهما قسم بين الدين والصدقة بالحصص نص عليه أحمد في زكاة المال أن التركة تقسم بينهما فكذا ههنا، فإن كان عليه زكاة مال وصدقة الفطر ودين فزكاة الفطر والمال كالشئ الواحد لاتحاد مصرفهما فيحاصان الدين، وأصل هذا أن حق الله تعالى وحق الآدمي اذا تعلقا بمحل واحد فكانا في الذمة أو كانا في العين تساويا في الاستيفاء (فصل) وإذا مات المفلس وله عبيد فهل شوال قبل قسمتهم بين الغرماء ففطرتهم على الورثة لأن الدين لا يمنع نقل التركة، بل غايته أن يكون رهنا بالدين وفطرة الرهن على مالكه (فصل) ولو مات عبيده أو من يمونه بعد وجوب الفطرة لم تسقط لأنها دين ثبت في ذمته بسبب عبده فلم يسقط بموته كما لو استدان العبد باذنه ديناً وجب في ذمته، ولان زكاة المال لا تسقط بفطرته فالفطرة أولى، فان زكاة المال تتعلق بالعين في إحدى الروايتين وزكاة الفطر بخلافه * (مسألة) * (وتجب بغروب الشمس من ليلة الفطر، فمن أسلم بعد ذلك أو ملك عبداً أو زوجة أو ولد لم تلزمه فطرته، وإن وجد ذلك قبل الغروب وجبت) ولو كان حين الوجوب معسراً ثم أيسر في ليله تلك أو في يومه لم يجب عليه شئ، ولو كان وقت الوجوب موسراً ثم أعسر لم تسقط عنه اعتباراً بحالة الوجوب ومن مات ليلة الفطر بعد غروب الشمس فعليه صدقة الفطر نص عليه أحمد، وبهذا قال الثوري وإسحق ومالك في إحدى الروايتين

مسألة: ويجوز في سائر اليوم لحصول الاغناء في اليوم إلأا أنه يكون قد ترك الافضل على ما ذكرنا

عنه، والشافعي في أحد قوليه. وقال الليث وأبو ثور وأصحاب الرأي: تجب بطلوع الفجر يوم العيد وهي رواية عن مالك لأنها قربة تتعلق بالعيد فلم يتقدم وقتها يوم العيد كالاضحية ولنا قول ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر طهرة للصائم من الرفث واللغو، ولانها تضاف إلى الفطر فكانت واجبة به كزكاة المال، وذلك لان الاضافة دليل الاختصاص والسبب اخص بحكمه من غيره، والاضحية لا تتعلق بطلوع الفجر ولا هي واجبة، ولا تشبه ما نحن فيه، فعلى هذا إذا غربت والعبد المبيع في مدة الخيار، أو وهب له عبد فقبله ولم يقبضه أو اشتراه ولم يقبضه فالفطرة على المشتري والمتهب لأن الملك له والفطرة على المالك، ولو أوصي له بعبد أو مات الموصي قبل غروب الشمس فلم يقبل الموصى له حتى غربت فالفطرة عليه في أحد الوجهين، والآخر على ورثة الموصي بناء على الوجهين في الموصى به هل ينتقل بالموت أو من حين القبول، ولو مات الموصى له قبل الرد والقبول فقبل ورثته وقلنا بصحة قبولهم فهل تكون فطرته على ورثة الموصي أو في تركة الموصى له؟ على وجهين. وقال القاضي فطرته في تركة الموصى له لانا حكمنا بانتقال الملك من حين موت الموصى له، فإن كان موته بعد هلال شوال ففطرة العبد في تركته لأن الورثة انما قبلوه له، وإن كا موته قبل هلال شوال ففطرته على الورثة، ولو أوصى لرجل برقبة عبد ولآخر بنفعه فقبلا كانت الفطرة على مالك الرقبة لان الفطرة تجب بالرقبة لا بالمنفعة، ولهذا تجب على من لا نفع فيه، ويحتمل أن تكون تبعا لنفقته وفيها ثلاثة أوجه (أحدها) أنها على مالك نفعه (والثاني) أنها على مالك رقبته (والثالث) في كسبه * (مسألة) * (ويجوز إخراجها قبل العيد بيومين) ولا يجوز قبل ذلك. قال ابن عمر: كانوا يعطونها قبل الفطر بيوم أو يومين. وقال بعض أصحابنا

يجوز تعجيلها بعد نصف الشهر كما يجوز تعجيل أذان الفجر والدفع من مزدلفة بعد نصف الليل. وقال أبو حنيفة: يجوز تعجيلها من أول الحول لانها زكاة أشبهت زكاة المال. وقال الشافعي: يجوز من أول شهر رمضان لان سبب الصدقة الصوم والفطر عنه، فإذا وجد أحد السببين جاز تعجيلها كزكاة المال بعد مالك النصاب ولنا ما روى الجوزجاني ثنا يزيد بن هارون أنا أبو معشر عن نافع عن ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر به فيقسم. قال يزيد: أظن قال يوم الفطر ويقول " أغنوهم عن الطواف في هذا اليوم " والامر للوجوب، ومتى قدمها بالزمن الكثير لم يحصل اغناؤهم بها يوم العيد، وسبب وجوبها الفطر بدليل اضافتها اليه وزكاة المال سببها ملك النصاب، والمقصود اغناء الفقير بها في الحول كله فجاز اخراجها في جميعه، وهذا المقصود منها الاغناء في وقت مخصوص فلم يجز تقديمها قبل الوقت، أما تقديمها بيوم أو يومين فجائز لما روى البخاري بإسناده عن ابن عمر قال: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر من رمضان - وقال في آخره - وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين، وهذا إشارة إلى جميعهم فيكون إجماعاً، ولأن تعجيلها بهذا القدر لا يخل بالمقصود منها، فإن الظاهر أنها تبقى أو بعضها إلى يوم العيد فيستغنى بها عن الطواف والطلب فيه، ولانها زكاة فجاز تعجيلها قبل وجوبها كزكاة المال * (مسألة) * (والأفضل إخراجها يوم العيد قبل الصلاة) لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة في حديث ابن عمر، وقال في حديث ابن عباس " من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات " فان أخرها عن الصلاة ترك الافضل لما ذكرنا من السنة، ولان المقصود منها الاغناء عن الطواف والطلب في هذا اليوم فمتى أخرها لم يحصل اغناؤهم في جميعه، ومال إلى هذا القول عطاء

ومالك وموسى بن وردان وأصحاب الرأي. وقال القاضي: إذا أخرجها في بقية اليوم لم يكره، وقد ذكرنا من الخبر والمعنى ما يقتضي الكراهة * (مسألة) * (ويجوز في سائر اليوم لحصول الاغناء في اليوم إلا أنه يكون قد ترك الافضل على ما ذكرنا) فان أخرها عنه أثم لتأخيره الحق الواجب عن وقته ولزمه القضاء لأنه حق مال وجب فلا يسقط بفوات وقته كالدين، وحكي عن ابن سيرين والنخعي الرخصة في تأخيرها عن يوم العيد، وحكاه ابن المنذر عن أحمد، وروي محمد بن يحيى الكحال قال: قلت لأبي عبد الله: فإن أخرج الزكاة ولم يعطها؟ قال نعم إذا أعدها لقوم واتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى (فصل) قال الشيخ رحمه الله: والواجب في الفطرة صاع من البر والشعير ودقيقهما وسويقهما والتمر والزبيب ومن الاقط في إحدى الروايتين الكلام في هذه المسألة في أمور ثلاثة (أحدها) أن الواجب في صدقة الفطر صاع عن كل انسان من جميع أجناس المخرج، وبه قال مالك والشافعي وإسحق، وروي عن أبي سعيد الخدري والحسن وأبي العالية. وروي عن ابن الزبير ومعاوية أنه يجزئ نصف صاع من البر خاصة وهو مذهب سعيد ابن المسيب وعطاء وطاوس ومجاهد وعمر بن عبد العزيز وعروة بن الزبير وأبي سلمة وسعيد بن جبير وأصحاب الرأي، واختلفت الرواية عن علي وابن عباس والشعبي فروي صاع وروي نصف صاع، وعن أبي حنيفة في الزبيب روايتان: احداهما صاع والاخرى نصف صاع، واحتجوا بما روي ثعلبة أبن أبي صعير عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " صاع من بر أو قمح على كل اثنين " رواه أبو داود وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث مناديا في فجاج مكة ألا إن صدقة الفطر واجبة على كل مسلم ذكر أو أنثى، حر أو عبد، صغير أو كبير، مدان من قمح أو سواه صاعاً من طعام. قال الترمذي هذا حديث حسن غريب

مسألة: ولا يجزىء غير ذلك إلا أن يعدمه فيخرج مما يقتات

ولنا ما روى أبو سعيد الخدري قال: كنا نخرج زكاة الفطر إذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعاً من طعام أو صاعا من شعير أو صاعا من تمر أو صاعا من زبيب أو صاعا من أقط، فلم نزل نخرجه حتى قدم معاوية المدينة فتكلم فكان فيما كلم الناس: إني لأرى مدين من سمراء الشام تعدل صاعا من تمر. فأخذ الناس بذلك. قال أبو سعيد: فلا أزال أخرجه كما كنت أخرجه وروى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم فرض صدقة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير، فعدل الناس إلى نصف صاع من بر. متفق عليهما. ولأنه جنس يخرج في صدقة الفطر فكان صاعا كسائر الاجناس فأما أحاديثهم فال تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم. قاله ابن المنذر، وحديث ثعلبة ينفرد به النعمان بن راشد قال البخاري وهو يهم كثيراً. وقال مهنا. ذكرت لاحمد حديث ثعلبة بن أبي صعير في صدقة الفطر نصف صاع من بر، فقال ليس بصحيح انما هو مرسل يرويه معمر وابن جريج عن الزهري مرسلا قلت من قبل من هذا؟ قال من قبل النعمان بن أبي راشد ليس هو بقوي في الحديث، وسألته عن ابن أبي صعير أمعروف هو؟ قال من يعرف أبن أبي صعير؟ ليس هو معروف وضعفه أحمد وابن المديني جميعاً. وقال ابن عبد البر: ليس دون الزهري من تقوم به حجة، وقد روي أبو إسحاق الجوزجاني حديث ثعلبة باسناده عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أدوا صدقة الفطر صاعا من قمح - أو قال بر - عن كل إنسان صغير أو كبير " وهذا حجة لنا واسناده حسن، قال الجوزجاني والنصف صاع ذكره عن النبي صلى الله عليه وسلم وروايته ليس تثبت، ولأن ما ذكرناه أحوط مع موافقته القياس (فصل) والصاع خمسة أرطال وثلث بالعراقي وقد دللنا عليه فيما مضى وذكرنا الاختلاف فيه والأصل فيه الكيل وانما قدره العلماء بالوزن ليحفظ وينقل وقد روى جماعة عن أحمد أنه قال الصاع وزنته وقدرته فوجدته خمسة أرطال وثلثا حنطة، وروي عنه تقديره بالعدس أيضاً واذا كان الصاع خمسة أرطال وثلثا من الحنطة والعدس وهما من أثقل الحبوب فمتى أخرج من غيرهما خمسة أرطال وثلثا

مسألة: ولا يخرج حبا معيبا ولا خبزا

فهي أكثر من صاع وقال محمد بن الحسن أن أخرج خمسة أرطال وثلثا برا لم يجزئه لأن البر يختلف فيكون ثقيلا وخفيفاً وقال الطحاوي يخرج ثمانية أرطال مما يستوي كيله ووزنه وهو الزبيب والماش ومقتضى كلامه أنه إذا أخرج ثمانية أرطال مما هو أثقل منهما لم يجزئه حتى يزيد شيئاً يعلم أنه قد بلغ صاعا قال شيخنا والأولى لمن أخرج من الثقيل بالوزن أن يحتاط فيزيد شيئاً يعلم به أنه قد بلغ صاعا وقدر الصاع بالرطل الدمشقي رطل وسبع وقدره بالدراهم ستمائة درهم وخمسة وثمانون درهما وخمسة أسباع درهم ويجزي إخراج مد بالدمشقي من سائر الاجناس لأنه أكثر من صاع يقينا والله أعلم. (الامر الثاني) أنه لا يجوز العدول عن هذه الاجناس المذكورة مع القدرة عليها سواء كان المعدول اليه قوت بلده أو لم يكن وقال أبو بكر يتوجه قول آخر إنه يعطي ما قام مقام الخمسة على ظاهر الحديث صاعاً من طعام والطعام قد يكون البر والشعير وما دخل في الكيل قال وكلا القولين محتمل وأقيسهما لا يجوز غير الخمسة إلا أن يعدمها فيعطي ما قام مقامها وقال مالك يخرج من غالب قوت البلد وقال الشافعي أي قوت كان الأغلب على الرجل أدى زكاة الفطر منه واختلف أصحابه فمنهم من قال كقول مالك ومنهم من قال الاعتبار بغالب قوت المخرج ثم إن عدل عن الواجب إلى أعلى منه جاز وإن عدل إلى دونه جاز في أحد القولين لقوله عليه السلام " اغنوهم عن الطلب " والغنى يحصل بالقوت والثاني لا يجوز لأنه عدل عن الواجب الى أدنى منه فلم يجزئه كما لو عدل عن الواجب في زكاة المال الى أدنى منه ولنا قول ابن عمر فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من تمر أو صاعا من شعير. متفق عليه. وروى أبو سعيد قال كنا نخرج زكاة الفطر صاعاً من طعام أو صاعا من تمر أو صاعا من شعير أو صاعا من زبيب، متفق عليه، وفي لفظ لمسلم كنا نخرج إذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر عن كل صغير أو كبير حر أو مملوك صاعاً من طعام أو صاعا من أقط أو صاعا من شعير أو صاعا من تمر أو صاعا من زبيب. فقصروها على أجناس معدودة فلم يجز العدول عنها كما لو أخرج القيمة وكما لو أخرج عن زكاة المال من غير جنسه والاغناء يحصل بالاخراج من المنصوص عليه فلا منافاة بين الخبرين

مسألة: ويجوز أن يعطي الجماعة ما يلزم الواحد والواحد ما يلزم الجماعة

لكونهما جميعاً يدلان على وجوب الاغناء بأحد الاجناس المفروضة. والسلت نوع من الشعير فيجوز اخراجه لدخوله في المنصوص عليه وقد صرح بذكره في بعض ألفاظ حديث ابن عمر قال كان الناس يخرجون صدقة الفطر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعا من شعير أو تمر أو سلت أو زبيب رواه أبو داود (الامر الثالث) انه يجوز اخراج أحد الاصناف المذكورة أيها شاء وإن لم يكن قوتا له وقال مالك يخرج من غالب قوت البلد وقال الشافعي أي قوت كان أغلب على الرجل أخرج منه ولنا أن خبر الصدقة ورد بحرف " أو " هي للتخيير بين هذه الاصناف فوجب التخيير فيه ولأنه عدل الى منصوص عليه فجاز كما لو عدل إلى الاعلا ولأنه خير بين الزبيب والتمر والاقط ولم يكن الزبيب والاقط قوتا لأهل المدينة فدل على أنه لا يعتبر أن يكون قوتاً للمخرج (فصل) ويجوز إخراج الدقيق نص عليه أحمد وكذلك السويق قال أحمد قد روي عن ابن سيرين دقيق أو سويق وقال مالك والشافعي لا يجوز اخراجهما لحديث ابن عمر ولأن منافعه نقصت فهو كالخبز ولنا حديث أبي سعيد وفي بعض ألفاظه أو صاعا من دقيق رواه النسائي ثم شك سفيان بعد فقال دقيق أو سلت ولأن الدقيق والسويق أجزاء الحب بحتا يمكن كيله وادخاره فجاز اخراجه كالحب وذلك لأن الطحن انما فرق أجزاءه وكفى الفقير مؤنته فأشبه ما لو نزع نوى التمر ثم أخرجه ويفارق الخبز فانه قد خرج عن حال الادخار والكيل والمأمور به صاع وهو مكيل وحديث ابن عمر لم يقتض ما ذكروه ولم يعملوا به (فصل) وفي جواز اخراج الاقط إذا قدر على غيره من الاجناس المذكورة روايتان أحدهما يجزئه لحديث أبي سعيد المذكور والثانية لا يجزئه لأنه جنس لا تجب الزكاة فيه فلم يجز اخراجه مع القدرة على غيره من الاصناف المنصوص عليها كاللحم ويحمل الحديث على من هو قوت له أو لم

يقدر على غيره وقال الخرقي ان أخرج أهل البادية الأقط أجزأ اذا كان قوتهم فظاهر انه يجوز اخراجه وان قدر على غيره إذا كان من اهل البادية وكان قوتا له وعلى قوله ينبغي أن يجزئ غير أهل البادية اذا كان قوتهم أيضاً لأن الحديث لم يفرق وحديث أبي سعيد يدل عليه وهم من غير أهل البادية ولعله انما ذكر أهل البادية لأن الغالب أنه لا يقتاته غيرهم وقال أبو الخطاب في اخراج الاقط لمن قدر عليه غيره مطلقاً روايتان وظاهر حديث أبي سعيد يدل على خلافه وذكر القاضي أنا إذا قلنا يجواز اخراج الاقط وعدمه اخرج لبنا لأنه أكمل من الاقط لكونه يجئ منه الاقط وغيره وحكاه أبو ثور عن الشافعي وقال الحسن إن لم يكن بر ولا شعير اخرج صاعا من لبن وما ذكره القاضي لا يصح فإنه لو كان اكمل من الاقط لجاز اخراجه مع وجوده ولان الاقط اكمل من اللبن من وجه لانه بلغ حالة الادخار وهو جامد بخلاف اللبن لكن يكون حكم اللبن حكم اللحم يجزئ اخراجه عند عدم الاصناف المنصوص عليها على قول ابن حامد ومن وافقه وكذلك الجبن وما أشبهه * (مسألة) * ولا يجزئ غير ذلك إلا أن يعدمه فيخرج مما يقتات عند ابن حامد وعند ابن بكر يخرج ما يقوم مقام المنصوص لا يجوز إخراج غير الاجناس المذكورة مع القدرة عليها لأن في بعض ألفاظ حديث أبي سعيد فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر صاعاً من طعام أو صاعا من شعير أو صاعا من تمز أو صاعا من أقط رواه النسائي ولما ذكرنا إلا أن يعدمها فيخرج مما يقتات عند ابن حامد كالذرة والدخن واللحم واللبن وسائر ما يقتات لأن مبناها على المواساة وقال أبو بكر يخرج ما يقوم مقام المنصوص عند عدمه من كل مقتات من الحب والتمر كالذرة والدخن والأرز والتين اليابس وأشباهه لانه أشبه بالمنصوص عليه فكان أولى من غيره وهذا ظاهر كلام الخرقي. * (مسألة) * (ولا يخرج حبا معيباً ولا خبزاً) لا يجوز أن يخرج حبا معيباً كالمسوس والمبلول والقديم الذي تغير طعمه لقول الله تعالى (ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون) فان كان القديم لم يتغير طعمه إلا أن الحديث أكثر قيمة جاز اخراجه لعدم العيب فيه والافضل الأجود قال أحمد كان ابن

باب إخراج الزكاة

سيرين يجب أن ينقى الطعام وهو أحب إلي ليكون على الكمال ويسلم مما يخالطه من غيره فان كان المخالط له يأخذ حظا من المكيال وكان كثيراً بحيث يعد عيباً فيه لم يجزئه وإن لم يكثر جاز إخراجه إذا زاد على المخرج قدراً يزيد على ما فيه من غيره ليكون المخرج صاعا كاملا. ولا يجوز إخراج الخبز ولا الهريسة ولا الكبولا وأشباهها لأنه خرج عن الكيل والادخار ولا الخل والدبس لأنهما ليسا قوتا * (مسألة) * (ويجزئ إخراج صاع من أجناس) إذا كان من الاجناس المنصوص عليها لأن كل واحد منهما يجزئ منفرداً فاجزأ بعض من هذا وبعض من الآخر كفطرة العبد المشترك اذا أخرج كل واحد من جنس * (مسألة) * (وأفضل المخرج التمر ثم ما هو أنفع للفقراء بعده) وهذا قول مالك قال إبن المنذر واستحب مالك اخراج العجوة منه واختار الشافعي وأبو عبيد اخراج البر وقال بعض أصحاب الشافعي يحتمل أن الشافعي قال ذلك لأن البر كان أغلا في زمنه لأن المستحب أن يخرج أغلاها ثمناً وأنفسها لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن أفضل الرقاب فقال " أغلاها ثمناً وأنفسها عند أهلها " وإنما اختار أحمد اخراج التمر اقتداء بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى بإسناده عن أبي مجلز قال قلت لأبن عمر إن الله قد أوسع والبر أفضل من التمر قال إن أصحابي سلكوا طريقاً وأحب أن أسلكه (1) وظاهر هذا أن جماعة الصحابة كانوا يخرجون التمر فأحب ابن عمر موافقتهم وسلوك طريقهم وأحب أحمد أيضاً الاقتداء بهم واتباعهم وروي البخاري عن ابن عمر قال فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير فعدل الناس به نصف صاع من بر فكان ابن عمر يخرج التمر فاعوز أهل المدينة من التمر فأعطى شعيراً ولان التمر فيه قوت وحلاوة وهو أقرب تناولا وأقل كلفة فكان أولى. والافضل بعد التمر البر وقال بعض أصحابنا الزبيب لانه أقرب تناولا وأقل كلفة أشبه التمر ولنا أن البر أنفع في الاقتيات وأبلغ في دفع حاجة الفقير ولذلك قال أبو مجلز لابن عمر البر

_ (1) سبب ذلك الظاهر أنه كان غالب قوت أهل المدينة وفقراء مصر والشام إذا وجد عندهم التمر يوم العيد لا يغنيهم عن سؤال القوت لانه في عرفهم حلوى وعقبة طعام لا قوت وكذلك الزبيب

مسألة: فإن جحد وجوبها جهلا به عرف ذلك فإن أصر كفر وأخذت منه واستتيب ثلاثا فإن لم يتب قتل

أفضل من التمر فلم ينكره بن عمر وانما عدل عنه اتباعا لاصحابه وسلوك طريقتهم ولهذا عدل نصف صاع منه بصاع من غيره وتفضيل التمر انما كان لاتباع الصحابة فيبقى فيما عداه على قضية الدليل ويحتمل أن يكون الافضل بعد التمر ما كان أعلا قيمة وأكثر نفعاً لما ذكرنا من الحديث * (مسألة) * (ويجوز أن يعطي الجماعة ما يلزم الواحد والواحد ما يلزم الجماعة) أما إعطاء الجماعة ما يلزم الواحد فلا نعلم فيه خلافاً اذا أعطى من كل صنف ثلاثة لانه دفع الصدقة الى مستحقها وأما إعطاء الواحد ما يلزم الجماعة فان الشافعي ومن وافقه أوجبوا تفريق الصدقة على ستة أصناف من كل صنف ثلاثة وقد روي مثل هذا عن أحمد وسنذكر ذلك فيما بعد هذا الباب إن شاء الله تعالى وظاهر المذهب الجواز وبه قال مالك وأبو ثور وأصحاب الرأي وابن المنذر لانها صدقة لغير معين فجاز صرفها إلى واحد كالتطوع (فصل) ومصرف صدقة الفطر مصرف سائر الزكوات لعموم قوله تعالى (إنما الصدقات للفقراء) الآية ولانها زكاة أشبهت زكاة المال فلا يجوز دفعها إلى من لا يجوز دفع زكاة المال إليه وبهذا قال مالك والليث والشافعي وأبو ثور وقال أبو حنيفة يجوز وعن عمرو بن ميمون وعمرو بن شرحبيل ومرة الهمداني أنهم كانوا يعطون منها الرهبان ولنا انها زكاة فلم يجز دفعها الى غير المسلمين كزكاة المال، وزكاة المال لا يجوز دفعها إلى غير المسلمين إجماعاً قال إبن المنذر: أجمع أهل العلم على أنه لا يجوز أن يعطي من زكاة المال احدا من أهل الذمة (فصل) فإن دفعها إلى مستحقها فأخرجها آخذها الى دافعها أو جمعت الصدقة عند الامام ففرقها على أهل السهمان فعادت الى انسان صدقته فاختار القاضي جواز ذلك قال لأن أحمد نص فيمن له نصاب من الماشية والزروع أن الصدقة تؤخذ منه وترد اليه إذا لم يكن له قدر كفايته وهو مذهب الشافعي لان قبض الامام أو المستحق ازال ملك المخرج وعادت اليه بسبب أخر أشبه ما لو عادت

مسألة: وإن منعها بخلا بها أخذت منه وعزر، فإن غيب ماله أو كتمه أو قاتل دونها وأمكن أخذها أخذت من غير زيادة، وقال أبو بكر: يأخذها وشطر ماله

اليه بميراث وقال أبو بكر مذهب أحمد أنه لا يحل له أخذها لانها طهرة فلم يجز له أخذها كشراتها لأن عمر رضي الله عنه أراد أن يشتري الفرس الذي حمل عليه في سبيل الله فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " لا تسترها ولا تعد في صدقتك فإن العائد في صدقته كالعائد في قيئه " فإن عادت إليه بالشراء ففيه من الخلاف مثل ما ذكرنا والمنصوص أنه لا يجوز فإن عادت إليه بالميراث فله أخذها لانها رجعت اليه بغير فعل منه والله أعلم. باب إخراج الزكاة (لا يجوز تأخيره عن وقت وجوبها مع إمكانه إلا لضرر مثل أن يخشى رجوع الساعي عليه أو نحو ذلك) الزكاة واجبة على الفور ولا يجوز تأخير إخراجها مع القدرة عليه إذا لم يخش ضرراً، وبهذا قال الشافعي. وقال أبو حنيفة له التأخير ما لم يطالب لأن الأمر بأدائها مطلق فلا يتعين الزمن للاداء دون غيره كما لا يتعين المكان ولنا أن الأمر المطلق يقتضي الفور على ما يذكر في موضعه، ولذلك يستحق مؤخر الامتثال العقاب بدليل أن الله تعالى أخرج ابليس وسخط عليه بامتناعه من السجود. ولو أن رجلاً امر عبده ان يسقيه فأخر ذلك استحق العقوبة، ولأن جواز التأخير ينافي الوجوب لكون الواجب ما يعاقب على تركه ولو جاز التأخير لجاز الى غير غاية فتنتفي العقوبة بالترك. ولو سلمنا ان مطلق الأمر لا يقتضي الفور لاقتضاه في مسئلتنا اذ لو جاز التأخير ههنا لأخره بمقتضى طبعه ثقة منه بأنه لا يأتم بالتأخير فيسقط عنه بالموت أو بتلف ماله أو بعجزه عن الأداء فيتضرر الفقراء، ولأن هنا قرينة تقتضي الفور وهو ان الزكاة وجبت لحاجة الفقراء وهي ناجزة فيجب ان يكون الوجوب ناجزاً، ولأنها

عبادة تتكرر فلم يجز تأخيرها إلى وقت وجوب مثلها كالصلاة والصوم، قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله يسأل عن الرجل يحول الحول على ماله فيؤخر عن وقت الزكاة فقال لا، ولم يؤخر إخراجه؟ وشدد في ذلك، قيل فابتدأ في إخراجها فجعل يخرج أولا فأولا فقال لا بل يخرجها كلها اذا حال الحول، فأما إن كان يتضرر بتعجيل الاخراج مثل أن يخشى ان أخرجها بنفسه أخذها الساعي منه مرة أخرى فله تأخيرها، نص عليه أحمد وكذلك إن خشي في اخراجها ضرراً في نفسه أو مال له سواها فله تأخيرها لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا ضرر ولا ضرار " ولأنه إذا جاز تأخير دين الآدمي فتأخير الزكاة أولى (فصل) فان أخرها ليدفعها إلى من هو أحق بها من ذي قرابة أو حاجة شديدة فان كان شيئاً يسيراً فلا بأس وإن كان كثيراً لم يجز. قال أحمد: لا يجزئ على أقرابه من الزكاة في كل شهر يعني لا يؤخر اخراجها حتى يدفعها اليهم مفرقة في كل شهر شيئاً، فأما إن عجلها فدفعها اليهم والى غيرهم مفرقة أو مجموعة جاز لأنه لم يؤخرها عن وقتها، وكذلك إن كانت عنده أموال أحوالها مختلفة مثل أن يكون عنده نصاب وقد استفاد في أثناء الحول من جنسه لم يجز تأخير الزكاة ليجمعها كلها لانه يمكنه جمعها بتعجيلها في أول واجب منها (فصل) فإن أخرج الزكاة فضاعت قبل دفعها الى الفقير لم تسقط عنه، وهذا قول الزهري وحماد والثوري وأبي عبيد والشافعي إلا أنه قال: إن لم يكن فرط في اخراج الزكاة وفي حفظ ذلك المخرج رجع إلى ماله فإن كان فيما بقي زكاة أخرج وإلا فلا. وقال أصحاب الرأي: يزكي ما بقي إلا أن ينقص عن النصاب وإن فرط. وقال مالك: أراها تجزئه إذا أخرجها في محلها، وإن أخرجها بعد ذلك ضمنها. وقال مالك: يزكي ما بقي بقسطه وإن بقي عشرة دراهم ولنا أنه حق متعين على رب المال تلف قبل وصوله إلى مستحقه فلم يبرأ منه بذلك كدين الآدمي. قال أحمد: ولو دفع إلى رجل زكاته خمسة دراهم فقبل أن يقبضها منه قال اشتر لي ثوبا بها

مسألة: وإن ادعى ما يمنع وجوب الزكا من نقصان الحول، أو النصاب، أو انتقاله عنه في بعض الحول قبل قوله بغير يمين

أو طعاما فذهبت الدراهم أو اشترى بها ما قال فضاع منه فعليه أن يعطي مكانها لانه لم يقبضها منه ولو قبضها ثم ردها اليه وقال: اشتر لي بها أو اشتر بها فضاعت أو ضاع ما إشتراه فلا ضمان عليه إذا لم يكن فرط، وإنما قال ذلك لأن الفقير لا يملكها إلا بقبضه فإذا وكله في الشراء بها لم يصح التوكيل وبقيت على ملك رب المال فإذا تلفت كانت من ضمانه، ولو عزل قدر الزكاة ينوي انه زكاة فتلف فهو من ضمان رب المال ولا تسقط الزكاة عنه بذلك سواء قدر على دفعها أو لم يقدر وهي كالمسألة قبلها * (مسألة) (فان جحد وجوبها جهلا به عرف ذلك فان أصر كفر وأخذت منه واستتيب ثلاثاً فان لم يتب قتل) من جحد وجوب الزكاة جهلا به وكان ممن يجهل ذلك اما لحداثة عهده بالاسلام أو لأنه نشأ ببادية بعيدة عرف وجوبها ولم يحكم بكفره لأنه معذور، وان كان مسلما ناشئا ببلاد الاسلام بين أهل العلم فهو مرتد تجري عليه أحكام المرتدين ويسثتاب ثلاثاً فإن تاب وإلا قتل لان أدلة وجوب الزكاة ظاهرة في الكتاب والسنة واجماع الامة فلا تكاد تخفى على من هذا حاله فاذا جحدها لا يكون إلا لتكذيبه الكتاب والسنة وكفره بهما * (مسألة) * (وإن منعها بخلا بها أخذت منه وعزر، فإن غيب ماله أو كتمه أو قاتل دونها وأمكن أخذها أخذت من غير زيادة، وقال أبو بكر: يأخذها وشطر ماله) اذا منع الزكاة مع اعتقاد وجوبها وقدر الامام على أخذها منه أخذها وعزره قال ابن عقيل إلا أن يكون كتمها لفسق الامام لكونه يصرفها في غير مصرفها فلا يعزر لأن له عذراً في ذلك ولم يأخذ زيادة عليها في قول أكثر أهل العلم منهم أبو حنيفة ومالك والشافعي وأصحابهم، وكذلك ان غل ماله فكتمه أو قاتل دونها فقدر عليه الامام، وقال اسحاق بن راهويه وأبو بكر عبد العزيز يأخذها وشطر ماله لما روى أبو داود والنسائي والاثرم عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول " في كل سائمة الإبل في كل أربعين بنت لبون لا تفرق الإبل عن حسابها من أعطاها مؤتجراً

مسألة: ويستحب للإنسان تفرقة زكاته بنفسه ويجوز دفعها إلى الساعي، وعنه يستحب أن يدفع اليه العشر ويتولى تفريق الباقي

فله أجرها، ومن أبى فإنا آخذوها وشطر ماله عزمة من عزمات ربنا لا يحل لآل محمد منها شئ " وسئل أحمد عن اسناده فقال هو عندي صالح الاسناد وقال ما أدري ما وجهه ووجه الأول قول النبي صلى الله عليه وسلم " ليس في المال حق سوى الزكاة " ولان منع الزكاة كان عقيب موت النبي صلى الله عليه وسلم مع توفر الصحابة فلم ينقل عنهم أخذ زيادة ولا قول بذلك، واختلف أهل العلم في العذر عن هذا الخبر فقيل كان في بدء الاسلام حيث كانت العقوبات في المال ثم نسخ بالحديث الذي رويناه ولذلك انعقد الاجماع على ترك العمل به في المانع غير الغال. وحكى الخطاب عن إبراهيم الحربي أنه يؤخذ منه السن الواجب عليه من خيار ماله من غير زيادة في سن ولا عدد لكن ينتقي من خيار ماله ما يزيد به صدقته في القيمة بقدر شطر قيمة الواجب عليه فيكون المراد بماله ههنا الواجب عليه من ماله فيزاد في القيمة بقدر شطره والله أعلم * (مسألة) * (فإن لم يكن أخذها استتيب ثلاثاً فإن تاب وإلا قتل وأخذت من تركته، وقال بعض أصحابنا أن قاتل عليها كفر) متى كان مانع الزكاة خارجا عن قبضة الامام قاتله لأن الصحابة رضي الله عنهم اتفقوا على قتال مانعي الزكاة وقال أبو بكر: والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه. فان ظفر به وبماله أخذها من غير زيادة لما ذكرنا ولم يسب ذريته لأن الجناية من غيرهم ولأن المانع لا يسبى فذريته أولى، وإن ظفر به دعاه الى أدائها فان تاب وأدى وإلا قتل قياسا على تارك الصلاة ولم يحكم بكفره في ظاهر المذهب. وعن أحمد أنه قال: إذا منعوا الزكاة وقاتلوا عليها كما قاتلوا أبا بكر لم يورثوا ولم يصل عليهم. وهذا حكم منه بكفرهم واختاره بعض أصحابنا. قال عبد الله بن مسعود وما تارك الصلاة بمسلم، ووجه ذلك ما روي أن أبا بكر رضي الله عنه لما قاتلهم وعضتهم الحرب قالوا نؤديها قال لا أقبلها حتى تشهدوا أن قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار. ولم ينقل إنكار ذلك عن أحد من الصحابة فدل على كفرهم. ووجه الأول أن عمر وغيره امتنعوا من القتال في بدء الامر ولو اعتقدوا

كفرهم لما توقفوا عنه ثم اتفقوا على القتال وبقي الكفر على أصل النفي ولان الزكاة فرع من فروع الدين فلم يكفر بتركه كالحج، وإذا لم يكفر بتركه لم يكفر بالقتال عليه كأهل البغي، وأما الذين قال لهم أبو بكر هذا القول فيحتمل انهم جحدوا وجوبها فانه نقل عنهم أنهم قالوا إنما كنا نؤدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن صلاته سكن لنا وليس صلاة أبي بكر سكناً لنا فلا نؤدي اليه. وهذا يدل على انهم جحدوا وجوب الاداء إلى أبي بكر رضي الله عنه، ولأن هذه قضية في عين ولم يتحقق من الذين قال لهم أبو بكر هذا القول فيحتمل انهم كانوا مرتدين ويحتمل انهم جحدوا وجوب الزكاة ويحتمل غير ذلك فلا يجوز الحكم به في محل النزاع ويحتمل أن أبا بكر قال ذلك لانهم ارتكبوا كبائر وماتوا عليها من غير توبة فحكم لهم بالنار ظاهراً كما حكم لقتلى المجاهدين بالجنة ظاهراً والامر إلى الله تعالى في الجميع، ولانه لم يحكم عليهم بالتخليد ولا يلزم من الحكم بالنار الحكم بالكفر فقد أخبر عليه السلام إن قوماً من أمته يدخلون النار ثم يخرجهم الله تعالى منها ويدخلهم الجنة * (مسألة) * (وإن ادعى ما يمنع وجوب الزكاة من نقصان الحول، أو النصاب، أو انتقاله عنه في بعض الحول قبل قوله بغير يمين) نص عليه أحمد لأن الزكاة عبادة وحق لله فلم يستحلف عليه كالصلاة والحد * (مسألة) * (والصبي والمجنون يخرج عنهما وليهما) تجب الزكاة في مال الصبي والمجنون إذا كان حراً مسلماً تام الملك، روى ذلك عن عمر وعلي وابن عمر وعائشة والحسن بن علي وجابر رضي الله عنهم، وبه قال جابر بن زيد وعطاء ومجاهد وربيعة ومالك والحسن بن صالح وابن أبي ليلى والشافعي والعنبري واسحاق وأبو عبيد وأبو ثور، وحكي عن

مسألة: ولا يجزىء اخراجها إلا بنية إلا أن يأخذها الامام منه قهرا. وقال أبو الخطاب لا تجزئه أيضا بغير نية

ابن مسعود والثوري والاوزاعي أنهم قالوا: تجب الزكاة ولا يخرج حتى يبلغ الصبي ويفيق المعتوه وقال الحسن وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وأبو وائل والنخعي وأبو حنيفة: لا تجب الزكاة في أموالهما. قال أبو حنيفة: إلا العشر وصدقة الفطر وذلك لقوله عليه السلام " رفع القلم عن ثلاث: عن الصبي حتى يبلغ، وعن المجنون حتى يفيق " (1) ولأنها عبادة محضة فلا تجب عليهما كالصلاة والحج ولنا ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من ولي يتيماً له مال فليتجر له ولا يتركه حتى تأكله الصدقة " أخرجه الدارقطني، وفي رواته المثنى بن الصباح وفيه مقال (2) وروي موقوفاً عن عمر رضي الله عنه وانما تأكله الصدقة باخراجها، وانما يجوز اخراجها إذا كانت واجبة لأنه ليس له أن يتبرع بمال اليتيم ولأن من وجب العشر في زرعه وجب نصف العشر في ورقه كالبالغ العاقل وتخالف الصلاة والصوم فانها مختصة بالبدن ونية الصبي ضعيفة عنها، والمجنون لا يتحقق منه نيتها والزكاة حق يتعلق بالمال أشبه نفقة الاقارب والزوجات وأروش الجنايات، والحديث أريد به رفع الاثم والعبادات البدنية بدليل وجوب العشر وصدقة الفطر والحقوق المالية، ثم هو مخصوص بما ذكرنا والزكاة في المال في معناه ومقيسة عليه. إذا تقرر هذا فان الولي يخرج عنهما من مالهما لانها زكاة واجبة فوجب اخراجها كزكاة البالغ العاقل والولي يقوم مقامه في أداء ما عليه، ولأنه حق واجب على الصبي والمجنون فكان على الولي اداؤه عنهما كنفقة أقاربه، وتعتبر نية الولي في الاخراج كما تعتبر النية من رب المال * (مسألة) * (ويستحب للإنسان تفرقة زكاته بنفسه ويجوز دفعها إلى الساعي، وعنه يستحب أن يدفع إليه العشر ويتولى تفريق الباقي) وإنما استحب ذلك ليكون على يقين من وصولها إلى مستحقها، وسواء كانت من الاموال الظاهرة والباطنة. قال أحمد: أعجب إلي أن يخرجها، وإن دفعها إلى السلطان فهو جائز. وقال الحسن ومكحول وسعيد بن جبير: يضعها رب المال في مواضعها. وقال الثوري احلف لهم واكذبهم ولا

_ " 1 " الظاهر انه ذكر منه ما يتعلق بغرضه بالمعنى. والمروي عن أحمد وأصحاب السنن الا الترمذي والحاكم عن عائشة مرفوعا " رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ، وعن المبتلي حتى يبرأ، وعن الصبي حتى يكبر " والاولان والاخير في واقعة مع على وعمر " رفع القلم عن ثلاثة عن المجنون المغلوب على عقله حتى يبرأ وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم " " 2 " والحديث رواه الترمذي من طريقه أيضا وهو ضعيف لا يحتج به

تعطهم شيئاً اذا لم يضعوها مواضعها. وقال طاوس: لا تعطهم. وقال عطاء: أعطهم اذا وضعوها مواضعها. وقال الشعبي وأبو جعفر: اذا رأيت الولاة لا يعدلون فضعها في أهل الحاجة. وقال ابراهيم ضعوها في مواضعها، فان أخذها السلطان أجزأك. وقال ثنا سعيد ثنا أبو عوانة عن مهاجر أبي الحسن قال: أتيت أبا وائل وأبا بردة بالزكاة وهما على بيت المال فأخذاها، ثم جئت مرة أخرى فرأيت أبا وائل وحده فقال لي: ردها فضعها مواضعها، وقد روي عن أحمد أنه قال: أما صدقة الارض فيعجبني دفعها إلى السلطان، وأما زكاة الاموال كالمواشي فلا بأس أن يضعها في الفقراء والمساكين، فظاهر هذا أنه استحب دفع العشر خاصة إلى الائمة، وذلك لان العشر قد ذهب قوم إلى أنه مؤنة الارض يتولاه الائمة كالخراج بخلاف سائر الزكاة. قال شيخنا: والذي رأيت في الجامع قال: أما صدقة الفطر فيعجبني دفعها إلى السلطان، ثم قال أبو عبد الله قيل لابن عمر: إنهم يقلدون بها الكلاب ويشربون بها الخمور، قال ادفعها اليهم * (مسألة) * (وعند أبي الخطاب دفعها إلى الإمام العادل أفضل) اختاره ابن أبي موسى وهو قول أصحاب الشافعي، وممن قال بدفعها إلى الامام الشعبي ومحمد بن علي والاوزاعي لان الامام أعلم بمصارفها ودفعها اليه يبرئه ظاهراً وباطناً ودفعها إلى الفقير لا يبرئه باطناً لاحتمال أن يكون غير مستحق لها، ولانه يخرج من الخلاف وتزول عنه التهمة، وكان ابن عمر يدفع زكاته إلى من جاءه من سعاة ابن الزبير أو نجدة الحروري، وقد روي عن سهيل ابن أبي صالح قال أتيت سعد بن أبي وقاص فقلت: عندي مال وأريد أن أخرج زكاته وهؤلاء القوم على ما ترى فما تأمرني، قال ادفعها اليهم، فأتيت ابن عمر فقال مثل ذلك، فأتيت أبا هريرة فقال مثل ذلك، فأتيت أبا سعيد فقال مثل ذلك، وروي نحوه عن عائشة رضي الله عنهم. وقال مالك وأبو حنيفة: لا يفرق الأموال الظاهرة إلا الامام لقول الله تعالى (خذمن أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) ولأن أبا بكر

مسألة: وإن دفعها إلى وكيله اعتبرت النية في الموكل دون الوكيل

رضي الله عنه طالبهم بالزكاة وقاتلهم عليها وقال: والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليها. ووافقه الصحابة على هذا، ولان ما للامام قبضه بحكم الولاية لا يجوز دفعة الى المولى عليه كولي اليتيم وللشافعي قولان كالمذهبين ولنا على جواز دفعها بنفسه أنه دفع الحق إلى مستحقه الجائز تصرفه فأجزأه كما لو دفع الدين إلى غريمه وكزكاة الاموال الباطنة والآية تدل على أن للامام أخذها ولا خلاف فيه ومطالبة أبي بكر لهم بها لكونهم لم يؤدوها الى أهلها ولو أدوها الى أهلها لم يقاتلهم عليها لأن ذلك مختلف في إجزائه ولا يجوز المقاتلة من أجله وإنما يطالب الامام بحكم الولاية والنيابة عن مستحقها، فاذا دفعها اليهم جاز لانهم أهل رشد بخلاف اليتيم وأما وجه فضيلة دفعها بنفسه فلأنه إيصال للحق إلى مستحقه مع توفير أجر العمالة وصيانة حقهم عن خطر الجناية، ومباشرة تفريج كربة مستحقها واغنائه بها مع اعطائها للاولى بها من محاويج أقاربه وذوي رحمه وصلة رحمه بها فكان أفضل كما لو لم يكن أخذها من أهل العدل، فإن قيل فالكلام في الامام العادل والخيانة مأمونة في حقه، قلنا الامام لا يتولى ذلك بنفسه وانما يفوضه إلى نوابه فلا تؤمن منهم الخيانة، ثم ربما لا يصل إلى المستحق الذي قد علمه المالك من أهله وجيرانه شئ منها وهم أحق الناس بصلته وصدقته ومؤاساته، وقولهم إن أخذ الامام يبرئه ظاهراً وباطناً، قلنا يبطل هذا بدفعها الى غير العادل فانه يبرأ أيضاً وقد سلموا أنه ليس بأفضل، ثم إن البراءة الظاهرة تكفي وقولهم إنه تزول به التهمة، قلنا متى أظهرها زالت التهمة سواء أخرجها بنفسه أو دفعها إلى الإمام، ولا يختلف المذهب أن دفعها إلى الامام جائز سواء كان عادلا أو غير عادل، وسواء كانت من الاموال الظاهرة أو الباطنة، ويبرأ بدفعها سواء تلفت في يد الامام أو لا، أو صرفها في مصارفها أو لم يصرفها، لما ذكرنا عن الصحابة رضي الله عنهم، ولان الامام نائب عنهم شرعا فبرئ بدفعها اليه كولي اليتيم اذا قبضها

مسألة: ولا يجوز نقلها إلى بلد تقصر إليه الصلاة فإن فعل فهل تجزئه؟ على روايتين

له، ولا يختلف المذهب أيضاً في أن صاحب المال يجوز أن يفرقها بنفسه (فصل) وإذا أخذ الخوارج والبغاة الزكاة أجزأت عن صاحبها، حكاه ابن المنذر عن أحمد والشافعي وأبي ثور في الخوارج أنها تجزئ، وكذلك كل من أخذها من السلاطين أجزأت عن صاحبها سواء عدل فيها أو جار، وسواء أخذها قهراً أو دفعها اليه اختياراً لما ذكرنا من حديث أبي صالح. وقال ابراهيم: تجزئ عنك ما أخذ العشارون، وعن سلمة بن الاكوع أنه دفع صدقته إلى نجدة، وعن ابن عمر أنه سئل عن مصدق ابن الزبير ومصدق نجدة فقال: إلى أيهما دفعت اجزأ عنك، وبهذا قال أصحاب الرأي فيما غلبوا عليه وقالوا: إذا مر على الخوارج فعشره لا يجزئ عن زكاته. وقال أبو عبيد: على من أخذ الخوارج منه الزكاة الاعادة لانهم ليسوا بأئمة أشبهوا قطاع الطريق ولنا قول الصحابة رضي الله عنهم من غير خلاف في عصرهم علمناه فيكون إجماعاً، ولأنه دفعها إلى أهل الولاية فأشبه دفعها إلى أهل البغي. " مسألة " (ولا يجزئ اخراجها إلا بنية إلا أن يأخذها الامام منه قهرا. وقال أبو الخطاب لا تجزئه أيضاً بغير نية) مذهب عامة أهل العلم أن النية شرط في اخراج الزكاة، وحكي عن الأوزاعي أنها لا تجب لها النية لانها دين فلا تجب لها النية كسائر الديون، ولهذا يخرجها ولي اليتيم ويأخذها السلطان من الممتنع ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " إنما الأعمال بالنيات " وأداؤها عمل ولانها عبادة منها فرض ونفل فافتقرت إلى النية كالصلاة وتفارق قضاء الدين فانه ليس بعبادة فانه يسقط باسقاط مستحقة وولي اليتيم والسلطان ينويان عند الحاجة إذا ثبت ذلك فالنية أن يعتقد انها زكاته أو زكاة من يخرج عنه كالصبي والمجنون ومحلها القلب لانها محل الاعتقادات كلها (فصل) ويجوز تقديم النية على الآداء بالزمن اليسير كسائر العبادات ولأنها يجوز التوكيل فيها فاعتبار مقارنة النية للاخراج يؤدي الى التقرين بماله ولو تصدق الانسان بجميع ماله ولم ينو به

مسألة: فإن كان في بلد وماله في آخر أخرج زكاة المال في بلده وفطرته في البلد الذي هو فيه

الزكاة لم يجزئه وهذا قول الشافعي وقال أصحاب أبي حنيفة يجزئه استحساناً ولنا أنه لم ينو الفرض فلم يجزئه كما لو تصدق ببعض ماله وكما لو صلى مائة ركعة لم ينو الفرض بها (فصل) ومن له مال غائب يشك في سلامته يجوز اخراج الزكاة عنه وتصح منه نية الاخراج لأن الأصل بقاؤه فإن نوى ان هذا زكاة مالي ان كان سالما وإلا فهو تطوع فبان سالماً أجزأت لانه أخلص النية للفرض ثم رتب عليها النقل وهذا حكمها لو لم يقله فاذا قاله لم يضر ولو قال هذا زكاة مالي الغائب والحاضر صح لأن التعيين لا يشترط بدليل أن من له أربعون ديناراً اذا أخرج نصف دينار عنها صح وإن كان يقع عن عشرين غير معينة وإن قال هذا زكاة مالي الغائب أو تطوع لم تجزئه ذكره أبو بكر لانه لم يخلص النية للفرض أشبه ما لو قال أصلي فرضاً أو تطوعاً وإن قال هذا زكاة مالي الغائب ان كان سالما وإلا فهو زكاة لمالي الحاضر أجزأه عن السالم منهما، فإن كانا سالمين فعن أحدهما لان التعيين ليس بشرط وان قال زكاة مالي الغائب وأطلق فبان تالفاً لم يكن له أن يصرفه الى كفارة غيره انه عينه فأشبه ما لو أعتق عبدا عن كفارة عينها فلم يقع عنها لم يكن له صرفه الى كفارة أخرى. هذا التفريع فيما إذا كانت الغيبة مما لا تمنع اخراج زكاته في بلد رب المال أما لقربه أو لكون البلد لا يوجد فيه أهل السهمان أو على الرواية التي نقول باجزاء اخراجها في بلد بعيد من بلد المال وإن كان له موروث غائب فقال إن كان موروثي قد مات فهذه زكاة ماله الذي ورثته عنه فبان ميتا لم يجزئه لأنه ينبني على غير أصل فهو كقوله ليلة الشك إن كان غداً من رمضان فهو فرضي وإلا فهو نفل (فصل) فإن أخذها الامام منه قهرا أجزأت بغير نية وهذا قول الخرقي ومفهوم هذا الكلام انه متى دفعها طوعا لم يجزئه إلا بنية سواء دفعها إلى الإمام وغيره أما في حال القهر فتسقط النية لان تعذرها في حقه أسطقها كالصغير والمجنون وقال القاضي لا تشترط النية اذا أخذها الامام في حال الطوع والكره وهو قول الشافعي لأن أخذ الامام بمنزلة القسم بين الشركاء فلم يحتج إلى نية ولان للامام ولاية في أخذها ولذلك يأخذها من الممتنع اتفاقا ولو لم تجزئه لما أخذها ولاخذها ثانياً

مسألة: وإذا حصل عند الامام ماشية استحب له وسم الابل في أفخاذها والغنم في آذانها فان كانت زكاة كتب لله أو زكاة، وإن كانت جزية كتب صغارا أو جزية

وثالثاً حتى ينفد ماله لأن أخذها ان كان لاجزائها فهو لا يحصل بدون النية وإن كان لوجوبها فهو باق بحاله واختار أبو الخطاب وابن عقيل أنها لا تجزئه أيضاً من غير نية فيما بينه وبين الله تعالى لأن الامام إما وكيله وإما وكيل الفقراء أو وكيلهما وأي ذلك كان فلا بد من نية رب المال ولأنها عبادة تجب لها النية فلا تجزئ عمن وجبت عليه إذا كان من أهل النية بغير نية كالصلاة وانما أخذت منه حراسة للعلم الظاهر كالممتنع من الصلاة يحبر عليها ليأتي بصورتها ولو صلى بغير نية لم تجزئه والمرتد يطالب بالشهادة فإذا أتى بها حكم باسلامه ظاهراً وإن لم يعتقد صحتها لم يصح إسلامه باطنا ومن نصر القول الأول قال ان للامام ولاية على الممتنع فقامت نيته مقام نيته كولي المجنون واليتيم وفارق الصلاة فإن النيابة فيها لا تصح فلابد من نية فاعلها وقوله لا يخلو من كونه وكيلا له أو للفقراء أو لهما قلنا بل هو وكيل على المالك والحاق الزكاة بالقسمة غير صحيح لأنها ليست عبادة ولا يعتبر لها نية بخلاف الزكاة * (مسألة) * (وإن دفعها إلى وكيله اعتبرت النية في الموكل دون الوكيل) إذا وكل في دفع الزكاة فدفعها الوكيل الى مستحقها قبل تطاول الزمن أجزأت نية الموكل ولم يفتقر الى نية الوكيل لان الموكل هو الذي عليه الفرض فاكتفى بنيته ولان تأخر الأداء عن النية بالزمن اليسير جائز على ما ذكرنا فان تطاول الزمن فقال أبو الخطاب يجزئ كما لو تقارب الدفع وهو ظاهر كلام شيخنا ها هنا والصحيح انه لابد من نية الموكل حال الدفع الى الوكيل ونية الوكيل عند الدفع الى المستحق لئلا يخلو الدفع الى المستحق عن نية مقارنة أو مقاربة ولو نوى الوكيل دون الموكل لم يجز تتعلق الفرض بالموكل ووقوع الاجزاء عنه وإن دفعها إلى الامام ناويا ولم ينو الامام حال دفعها الى الفقراء جاز وإن طال الزمن لأنه وكيل الفقراء * (مسألة) * (ويستحب أن يقول عند الدفع اللهم اجعلها مغنما ولا تجعلها مغرما) ويحمد الله على التوفيق لادائها لما روى أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا أعطيتم الزكاة

مسألة: وفي تعجيلها لأكثر من حول روايتان

فلا تنسوا ثوابها أن تقولوا اللهم اجعلها مغنما ولا تجعلها مغرماً " أخرجه ابن ماجة * (مسألة) * (ويقول الآخذ آجرك الله فيما أعطيت وبارك لك فيما أبقيت وجعله لك طهوراً) (فصل) وإن دفعها إلى الساعي أو الامام شكره ودعا له لقول الله تعالى (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم) وقال عبد الله بن أبي أوفى كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقتهم قال " اللهم صل على آل فلان " فأتاه أبي بصدقته فقال " اللهم صلى على آل أبي أوفى " متفق عليه والصلاة ها هنا الدعاء والتبرك وليس هذا بواجب لأن النبي صلى الله عليه وسلم حين بعث معاذا أو أمره يأخذ الزكاة منهم لم يأمره بالدعاء ولأن ذلك لا يجب على الفقير المدفوع اليه فالنائب أولى * (مسألة) * ولا يجوز نقلها إلى بلد تقصر اليه الصلاة فإن فعل فهل تجزئه؟ على روايتين قال أبو داود سمعت أحمد سئل عن الزكاة يبعث بها من بلد إلى بلد؟ قال لا، قيل وان كان قرابته بها؟ قال لا. واستحب أكثر أهل العلم أن لا تنقل من بلدها وروي عن الحسن والنخعي انهما كرها نقل الزكاة من بلد إلى بلد الا لذي قرابة وكان أبو العالية يبعث بزكاته الى المدينة ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ أخبرهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم وهذا يختص فقراء بلدهم وقال سعيد حدثنا سفيان عن معمر عن بن طاوس عن أبيه قال في كتاب معاذ ابن جبل من أخرج من مخلاف الى مخلاف فان صدقته وعشره ترد الى مخلافه وروي عن عمر بن عبد العزيز انه رد زكاة أتي بها من خراسان الى الشام الى خراسان ولما بعث معاذ الصدقة من اليمن الى عمر أنكر ذلك عمر وقال لم أبعثك جابياً ولا آخذ جزية ولكن بعثتك لتأخذ من أغنياء الناس فترد في فقرائهم فقال معاذ ما بعثت اليك بشئ وأنا اجد من يأخذه مني، رواه أبو عبيد في الاموال وروي أيضاً عن ابراهيم بن عطاء مولى عمران بن حصين أن زياداً أو بعض الامراء بعث عمران على الصدقة فلما رجع قال أين المال؟ قال اللمال بعثتني؟ أخذناها من حيث كنا نأخذها على عهد رسول الله

مسألة: وإن عجلها عن النصاب وما يستفيده أجزأ عن النصاب دون الزيادة

صلى الله عليه وسلم ووضعناها حيث كنا نضعها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأن المقصود اغناء الفقراء بها فاذا أبحنا نقلها أفضى الى بقاء فقراء أهل ذلك البلد محتاجين فان خالف ونقل ففيه روايتان إحداهما تجزئه وهو قول أكثر أهل العلم واختارها ابو الخطاب لأنه دفع الحق إلى مستحقه فبرئ كالدين وكما لو فرقها في بلدها والأخرى لا تجزئه اختارها ابن حامد لأنه دفع الزكاة الى غير من أمر بدفعها إليه أشبه ما لو دفعها إلى غير الاصناف (فصل) فإن استغنى عنها فقرا أهل بلدها جاز نقلا نص عليه أحمد فقال قد تحمل الصدقة إلى الإمام إذا لم يكن فقراء أو كان فيها فضل عن حاجتهم وقال أيضاً لا تخرج صدقة قوم عنهم من بلد إلى بلد إلا أن يكون فيها فضل لكن الذي كان يجئ إلى المدينة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر من الصدقة إنما كان عن فضل منهم يعطون ما يكفيهم ويخرج الفضل عنهم وروى أبو عبيد في كتاب الأموال بإسناده عن عمرو بن شعيب أن معاذاً لم يزل بالجند إذ بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مات النبي صلى الله عليه وسلم ثم قدم على عمر فرده على ما كان عليه فبعث اليه معاذ بثلث صدقة الناس فأنكر ذلك عمر وقال: لم أبعثك جابياً ولا آخذ جزية، لكن بعثتك لتأخذ من أغنياء الناس فتردها على فقرائهم. فقال معاذ: ما بعثت اليك بشئ وأنا اجد من يأخذه مني، فلما كان العام الثاني بعث إليه بشرط الصدقة فتراجعا بمثل ذلك، فلما كان العام الثالث بعث اليه بها كلها فراجعه عمر بمثل ما راجعه فقال معاذ: ما وجدت أحداً يأخذ مني شيئاً، وكذلك إذا كان ببادية ولم يجد من يدفعها اليه فرقها على فقراء أقرب البلاد اليه (فصل) ويستحب أن يفرق الصدقة في بلدها ثم الأقرب فالأقرب من القرى والبلدان. قال أحمد في رواية صالح: لا بأس ان يعطي زكاته في القرى التي حوله ما لم تقصر الصلاة في اتيانها ويبدأ بالأقرب فالأقرب، فإن نقلها إلى البعيد لتحري قرابة أو من كان أشد حاجة فلا بأس ما لم يجاوز مسافة القصر

مسألة: وإن عجل عشر الثمرة قبل طلوع الطلع والحصرم لم يجزه

" مسألة " (فإن كان في بلد وماله في آخر أخرج زكاة المال في بلده وفطرته في البلد الذي هو فيه) قال أحمد في رواية محمد بن الحكم: إذا كان الرجل في بلد وماله في بلد فأحب إلى أن يؤدي حيث كان المال، فإن كان بعضه حيث هو وبعضه في مصر يؤدي زكاة كل مال حيث هو، فإن كان غائباً عن مصره وأهله والمال معه فأسهل أن يعطي بعضه في هذا البلد بعضه في البلد الآخر، فأما إن كان المال في البلد الذي هو فيه حتى يمكث فيه حولا تاما فلا يبعث بزكاته الى بلد آخر، فإن كان المال تجارة يسافر به فقال القاضي: يفرق زكاته حيث حال حوله في أي موضع كان، ومفهوم كلام أحمد في اعتباره الحول التام أنه يسهل في أن يفرقها في ذلك البلد وغيره من البلدان التي أقام بها في ذلك الحول. وقال في الرجل يغيب عن أهله فتجب عليه الزكاة يزكيه في الموضع الذي أكثر مقامه فيه، فأما زكاة الفطر فانه يفرقها في البلد الذي وجبت عليه فيه سواء كان ماله فيه أو لم يكن لأنه سبب وجوب الزكاة ففرقت في البلد الذي سببها فيه (فصل) إذا أخذ الساعي الصدقة فاحتاج إلى بيعها لمصلحة من كلفة نقلها أو مرضها ونحوهما فله ذلك لما روى قيس بن أبي حازم أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في إبل الصدقة ناقة كوماء فسأل عنها فقال المصدق: إني ارتجعتها بابل فسكت عنه. رواه أبو عبيد في الأموال وقال: الرجعة أن يبيعها ويشتري بثمنها مثلها أو غيرها، فإن لم يكن حاجة إلى بيعها فقال القاضي: لا يجوز والبيع باطل وعليه الضمان قال شيخنا: ويحتمل الجواز لحديث قيس فإن النبي صلى الله عليه وسلم سكت حين أخبره المصدق بارتجاعها ولم يستفصل " مسألة " (وإذا حصل عند الامام ماشية استحب له وسم الابل في أفخاذها والغنم في آذانها فان كانت زكاة كتب لله أو زكاة، وإن كانت جزية كتب صغاراً أو جزية)

مسألة: وإن عجل زكاة النصاب فتم الحول وهو ناقص قدر ما عجله جاز

إنما استحب ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسميها، ولأن الحاجة تدعو إلى ذلك لتمييزها من غنم الجزية والضوال ولترد إلى مواضعها اذا شردت ويسم الابل والبقر في أفخاذها لانه موضع صلب يقل ألم الوسم فيه وهو قليل الشعر فتطهر السمة ويسم الغنم في آذانها لانه مكان تظهر فيه السمة لا تضرر به الغنم (فصل) قال ويجوز تعجيل الزكاة عن الحول اذا كمل النصاب ولا يجوز قبل ذلك وجملة ذلك أنه متى وجد سبب وجوب الزكاة وهو النصاب الكامل جاز تقديم الزكاة، وبهذا قال الحسن وسعيد بن جبير والزهري والاوزاعي وأبو حنيفة والشافعي واسحاق وأبو عبيد، وحكي عن الحسن أنه لا يجوز، وبه قال ربيعة ومالك وداود لأنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا تؤدى زكاة قبل حلول الحول " ولأن الحول أحد شرطي الزكاة فلم يجز تقديم الزكاة عليه كالنصاب، ولأن للزكاة وقتاً فلم يجز تقديمها عليه كالصلاة ولنا ما روى علي أن العباس سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم في تعجيل صدقته قبل أن تحل فرخص له في ذلك، وفي لفظ في تعجيل الزكاة فرخص له في ذلك. رواه أبو داود، وقال يعقوب بن شيبة هو أثبتها اسناداً، وروى الترمذي عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعمر " إنا قد أخذنا زكاة العباس عام أول للعام " وفي لفظ قال " إنا كنا تعجلنا صدقة العباس لعامنا هذا عام أول " رواه سعيد عن عطاء وابن أبي مليكة والحسن بن مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا، ولان تعجيل المال وجد سبب وجوبه فجاز كتعجيل قضاء الدين قبل حلول أجله، واداء كفارة اليمين بعد الحلف وقبل الحنث، وكفارة القتل بعد الجرح قبل الزهوق، وقد سلم مالك تعجيل الكفارة وفارق تقديمها قبل النصاب لأنه تقديم لها على سببها فأشبه تقديم الكفارة على اليمين وكفارة القتل على الجرح، ولأنه قدمها على الشرطين وههنا قدمها على أحدهما، وقولهم إن للزكاة وقتاً قلنا الوقت إذا دخل في الشئ رفقاً بالانسان كان له

مسألة: وإن عجلها ثم تلف المال لم يرجع على الآخذ. وقال ابن حامد: إن كان الدافع الساعي أو أعمله أنها زكاة معجلة رجع عليه

أن يعجله ويترك الارفاق بنفسه كالدين المؤجل وكمن أدى زكاة مال غائب: وإن لم يكن على يقين من وجوبها، ومن الجائز أن يكون المال تالفاً في ذلك الوقت، وأما الصلاة والصيام فتعبد محض والتوقيت فيها غير معقول فيجب أن يقتصر عليه (فصل) فأما تعجيلها قبل ملك النصاب فلا يجوز بغير خلاف نعلمه، فلو ملك بعض نصاب فعجل زكاته أو زكاة نصاب لم يجز لأنه تعجل الحكم قبل سببه " مسألة " (وفي تعجيلها لأكثر من حول روايتان) (إحداهما) لا يجوز لأن النص لم يرد بتعجيلها لاكثر من حول فاقتصر عليه (والثانية) يجوز لأنه قد روي في حديث عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " وأما العباس فهي علي ومثلها " متفق عليه ورواه الإمام أحمد، وروي أنه قال عليه السلام في حديث العباس " أنا استسلفنا زكاة عامين " ولأنه تعجيل لها بعد وجود النصاب أشبه تقديمها على الحول الواحد وما لم يرد به النص يقاس على المنصوص إذا كان في معناه، ولا يعلم معنى سوى أنه تقديم للمال الذي وجد سبب وجوبه على شرط وجوبه وهذا متحقق في التقديم في الحولين كتحققه في الحول الواحد، فعلى هذا إذا كان عنده أكثر من النصاب فعجل زكاته لحولين جاز، وإن كان قدر النصاب مثل من عنده أربعون شاة فعجل شاتين لحولين وكان المعجل من غيره جاز، وإن أخرج شاة منه وشاة من غيره أجزأ عن الحول الأول ولم يجز عن الثاني لان النصاب نقص، فان تكمل بعد ذلك صار أخراج زكاته وتعجيله لها قبل كمال نصابها وإن أخرج الشاتين جميعاً من النصاب لم تجب الزكاة في الحول الأول إذا قلنا ليس له ارتجاع ما عجله لأنه كالتالف فيكون النصاب ناقصاً، فان كمل بعد ذلك استؤنف الحول من حين كمل النصاب وكان ما عجله سابقاً على كمال النصاب فلم يجز عنه (فصل) فأما تعجيلها لما زاد على الحولين فقال ابن عقيل: لا يجوز رواية واحدة لأن التعجيل على خلاف الأصل وإنما جاز في عامين للنص فيبقى فيما عداه على قضية الأصل

" مسألة " (وإن عجلها عن النصاب وما يستفيده أجزأ عن النصاب دون الزيادة) إذا ملك نصابا فعجل زكاته وزكاة ما يستفيده وما ينتج منه أو يربحه فيه أجزأه عن النصاب دون الزيادة، وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة: يجزئه لأنه تابع لما هو مالكه، وحكى ابن عقيل عن أحمد رواية فيما إذا ملك مائتي درهم وعجل زكاة أربعمائة أنه يجزئه عنهما لأنه قد وجد سبب وجوب الزكاة في الجملة بخلاف تعجيل الزكاة قبل ملك النصاب، وكذلك لو كان عنده نصاب من الماشية فعجل زكاة نصابين ولنا أنه عجل زكاة ما ليس في ملكه فلم يجز كالنصاب الاول، ولأن الزائد من الزكاة على زكاة النصاب انما سببها الزائد في الملك فقد عجل الزكاة قبل وجود سببها فأشبه ما لو عجل الزكاة قبل ملك النصاب، وقوله انه تابع قلنا انما يتبع في الحول، فأما في الايجاب فان الوجوب ثبت بالزيادة لا بالاصل ولأنه انما يصير له حكم بعد الوجود، فأما قبل ظهوره فلا حكم له في الزكاة (فصل) وإن عجل زكاة نصاب من الماشية فتوالدت نصابا، ثم ماتت الامهات وحال الحول على النتاج اجزأ المعجل عنها لأنها دخلت في حول الامهات وقامت مقامها فأجزأت زكاتها عنها، فاذا كان عنده أربعون من الغنم فعجل عنها شاة ثم توالدت أربعين سخلة وماتت الامهات وحال الحول على السخال اجزأت المعجلة عنها لأنها كانت مجزئة عنها وعن أمهاتها لو بقيت فلان تجزئ عن أحدهما أولى. وإن كان عنده ثلاثون من البقر فعجل عنها تبيعاً ثم توالدت ثلاثين عجلة وماتت الامهات وحال الحول على العجول احتمل أن يجزئ عنها لأنها تابعة لها في الحول واحتمل أن لا يجزئ عنها لأنه لو عجل عنها تبيعاً مع بقاء الامهات لم يجزئ عنها فلان لا يجزئ عنها اذا كان التعجيل عن غيرها أولى وهكذا الحكم في مائة شاة اذا عجل عنها شاة فتوالدت مائة ثم ماتت الامهات وحال الحول على السخال وإن توالد نصفها ومات نصف الامهات وحال الحول على الصغار ونصف الكبار، فان قلنا بالوجه الأول اجزأ المعجل عنهما جميعاً، وإن قلنا بالثاني فعليه في الخمسين سخلة شاة لأنها نصاب لمم تؤد

باب ذكر أهل الزكاة

زكاته، وليس عليه في العجول اذا كانت خمس عشر شئ لانها لم تبلغ تصابا، وانما وجبت الزكاة فيها بناء على أمهاتها التي عجلت زكاتها، وإن ملك ثلاثين من البقر فعجل مسنة زكاة لها ولنتاجها فنتجت عشراً اجزأته عن الثلاثين دون العشر ووجب عليه في العشر ربع مسنة، ويحتمل أن تجزئه المسنة المعجلة عن الجميع لان العشر تابعة للثلاثين في الوجوب والحول فانه لولا ملكه للثلاثين لما وجب عليه في العشر شئ فصارت الزيادة على النصاب منقسمة أربعة أقسام (الأول) ما لا يتبع في وجوب ولا حول وهو المستفاد من غير الجنس فهذا لا يجزئ تعجيل زكاته قبل وجوده وملك نصابه بغير خلاف (الثاني) ما يتبع في الوجوب دون الحول وهو المستفاد من الجنس بسبب مستقل فلا يجزئ تعجيل زكاته أيضاً قبل وجوده مع الخلاف في ذلك وحكي ابن عقيل رواية أنه يجزئ (الثالث) ما يتبع في الحول دون الوجوب كالنتاج والريح إذا بلغ نصابا فانه يتبع أصله في الحول فلا يجزئ التعجيل عنه قبل وجوده كالذي قبله (الرابع) ما يتبع في الحول والوجوب وهو الربح والنتاج اذا لم يبلغ نصابا فهذا يحتمل وجهين: (احدهما) لا يجزئ تعجيل زكاته قبل وجوده كالذي قبله (والثاني) يجزئ لأنه تابع في الوجوب والحول أشبه الموجود * (مسألة) * (وإن عجل عشر الثمرة قبل طلوع الطلع والحصرم لم يجزه) لأنه تقديم لها قبل وجود سببها فاما تعجيلها بعد وجود الطلع والحصرم وتعجيل عشر الزرع بعد نباته فظاهر كلام القاضي أنه لا يجوز لأنه قال: كل ما تتعلق الزكاة فيه بشيئين حول ونصاب جاز تعجيل زكاته فمفهومه أنه لا يجوز تعجيل زكاة غيره لان الزكاة معلقة بسبب واحد وهو ادراك الزرع والثمرة، فاذا قدمها كان قبل وجود سببها، لكن إن أداها بعد الادراك وقبل اليبس والتصفية جاز. وقال أبو الخطاب: يجوز بعد ظهور الطلع والحصرم ونبات الزرع، ولا يجوز قبل ذلك لان وجود الزرع

واطلاع النخل بمنزلة ملك النصاب والادراك بمنزلة حولان الحول فجاز تقديمها عليه، وتعلق الزكاة بالادراك لا يمنع جواز التعجيل بدليل أن زكاة الفطر يتعلق وجوبها بهلال شوال وهو زمن الوجوب ويجوز تعجيلها قبله * (مسألة) * (وإن عجل زكاة النصاب فتم الحول وهو ناقص قدر ما عجله جاز) لأن حكم ما عجله حكم الموجود في ملكه يتم النصاب به، فاذا زاد ماله حتى بلغ النصاب أو زاد عليه وحال الحول اجزأ المعجل عن زكاته لما ذكرنا، فإن نقص أكثر مما عجله فقد نقص بذلك عن كونه سبباً للزكاة مثل من له أربعون شاة فعجل شاة، ثم تلفت أخرى فقد خرج عن كونه سبباً للزكاة فان زاد بعد ذلك إما بنتاج أو شراء ما يتم به النصاب استؤنف الحول كمل النصاب ولم يجز ما عجله كما ذكرنا من قبل * (مسألة) * (وإن عجل زكاة المائتين فنتجت عند الحول سخلة لزمته شاة ثالثة) وبما ذكرنا قال الشافعي في المسألتين. وقال أبو حنيفة: ما عجله في حكم التالف فقال في المسألة الأولى لا تجب الزكاة ولا يكون المخرج زكاة. وقال في هذه المسألة: لا يجب عليه زيادة لان ما عجله زال ملكه عنه فلم يحسب من ماله كما لو تصدق به تطوعا ولنا أن هذا نصاب تجب الزكاة فيه بحلول الحول فجاز تعجيلها منه كما لو كان أكثر من أربعين ولأن ما عجله بمنزلة الموجود في إجزائه عن ماله فكان بمنزلة الموجود في تعلق الزكاة به، ولأنها لو لم تعجل كان عليه شاتان، فكذلك اذا عجلت لأن التعجيل انما كان رفقاً بالمساكين فلا يصير سبباً لنقص حقوقهم والتبرع يخرج ما تبرع به عن حكم الموجود في ماله، وهذا في حكم الموجود في الاجزاء عن الزكاة (فصل) وكل موضع قلنا لا يجزئه ما عجله عن الزكاة فان كان دفعها إلى الفقراء مطلقاً فليس له

مسألة: ومن ملك من غير الاثمان ما لا يقوم بكفايته فليس يغني وإن كثرت قيمته

الرجوع فيها، وإن كان دفعها بشرط أنها زكاة معجلة فهل له الرجوع؟ على وجهين يأتي توجيههما إن شاء الله تعالى (فصل) وإن عجل زكاة ماله ثم مات فأراد الوارث الاحتساب بها عن زكاة حوله لم يجز، وذكر القاضي وجها في جوازه بناء على ما لو عجل زكاة عامين ولا يصح لأنه تعجيل للزكاة قبل وجود سببها أشبه ما لو عجل زكاة نصاب لغيره ثم اشتراه وذلك لأن سبب الزكاة ملك النصاب وملك الوارث حادث ولا يبني الوارث على حول الموروث، ولأنه لم يخرج الزكاة وانما أخرجها غيره عن نفسه، واخراج الغير عنه من غير ولاية ولا نيابة لا يجزئ ولو نوى فكيف إذا لم ينو؟ وقد قال أصحابنا: لو أخرج زكاته وقال: إن كان موروثي قد مات فهذه زكاة ماله فبان انه قد مات لم يقع الموقع وهذا أبلغ ولا يشبه هذا تعجيل الزكاة لعامين لأنه ثم عجل بعد وجود السبب وأخرجها بنفسه بخلاف هذا فإن قيل فإنه لو مات الموروث قبل الحول كان للوارث ارتجاعها فاذا لم يرتجعها احتسب بها كالدين قلنا فلو أراد أن يحسب الدين عن زكاته لم يصح، ولو كان له عند رجل شاة من غصب أو قرض فأراد أن يحسبها عن زكاته لم يجزئه " مسألة " (وإن عجلها فدفعها إلى مستحقها فمات أو ارتد أو استغنى أجزأت عنه) اذا دفع الزكاة المعجلة إلى مستحقها لم يخل من أربعة اقسام (أحدها) أن لا يتغير الحال ففي هذا القسم يقع المدفوع موقعه ويجزئ عن المزكي ولا يلزمه بدله ولا له استرجاعه كما لو دفعها بعد وجوبها (الثاني) أن يتغير حال الاخذ بأن يموت قبل الحول أو يستغني أو يرتد فهذا في حكم القسم الذي قبله وبهذا قال أبو حنيفة، وقال الشافعي: لا يجزئ لأن ما كان شرطاً للزكاة اذا عدم قبل الحول لم يجزء كما لو تلف المال أو مات ربه ولنا أنه أدى الزكاة إلى مستحقها فلم يمنع الأجزاء تغير حاله كما لو استغنى بها، ولأنه حق أداه إلى مستحقه فبرئ منه كالدين يعجله قبل أجله وما ذكروه منتقض بما إذا استغنى بها والحكم

مسألة: وإن كان من الاثمان فكذلك في إحدى الروايتين والاخرى إن ملك خمسين درهما أو قيمتها من الذهب فهو غني

في الأصل ممنوع ثم الفرق بينهما ظاهر، فإن المال اذا تلف تبين عدم الوجوب فأشبه ما لو أدى إلى غريمه دراهم يظنها عليه فتبين أنها ليست عليه، وكما لو أدى الضامن الدين فبان أن المضمون عنه قضاه وفي مسألتنا الحق واجب وقد أخذه مستحقه (القسم الثالث) أن يتغير حال رب المال وسيأتي ذكر ذلك إن شاء الله تعالى (القسم الرابع) أن يتغير حالهما فهو كالقسم الثالث " مسألة " (وإن دفعها إلى غني فافتقر عند الوجوب لم يجزه) لأنه لم يدفعها إلى مستحقها أشبه ما لو لم يفتقر " مسألة " (وإن عجلها ثم تلف المال لم يرجع على الآخذ. وقال ابن حامد: إن كان الدافع الساعي أو أعلمه أنها زكاة معجلة رجع عليه) وجملة ذلك أن من عجل زكاة ماله فدفعها إلى مستحقها ثم تلف المال أو بعضه فنقص عن النصاب قبل الحول أو تغير حال رب المال بموت أو رده أو باع النصاب فقال أبو بكر: لا يرجع بها على الفقير سواء أعلمه أنها زكاة معجلة أو لم يعلمه. قال القاضي: وهو المذهب عندي لأنها وصلت إلى الفقير فلم يكن له ارتجاعها كما لو لم يعلمه، ولأنها زكاة دفعت إلى مستحقها فلم يجز ارتجاعها كما لو تغير حال الآخذ وحده، وقال أبو عبد الله بن حامد: إن كان الدافع لها الساعي استرجعها بكل حال، وإن كان رب المال وأعلمه أنها زكاة معجلة رجع بها، وإن أطلق لم يرجع وهذا مذهب الشافعي لأنه مال دفعه عما يستحقه القابض في الثاني، فاذا طرأ ما يمنع الاستحقاق وجب رده كالاجرة اذا انهدمت الدار قبل السكنى، أما إذا لم يعلمه فيحتمل أن يكون تطوعا ويحتمل أن يكون هبة فلم يقبل قوله في الرجوع، فعلى قول ابن حامد أن كانت العين لم تتغير أخذها وان زادت زيادة متصلة بزيادتها لأنها تتبع في الفسوخ، وإن كانت منفصلة أخذها دون زيادتها لأنها حدثت في ملك الفقير، وإن كانت ناقصة رجع على الفقير بالنقص لان الفقير قد ملكها بالقبض فكان نقصها عليه كالمبيع اذا نقص في يد المشتري ثم علم عيبه، وإن كانت تالفة أخذ قيمتها يوم القبض لأن ما زاد بعد ذلك أو نقص فإنما هو في ملك الفقير فلم يضمنه كالصداق يتلف في يد المرأة فان تغير حالهما فهو كما لو تغير حال رب المال سواء

(فصل) إذا قال رب المال قد أعلمته أنها زكاة معجلة فلي الرجوع وأنكر الاخذ فالقول قوله لأنه منكر والأصل عدم الاعلام وعليه اليمين، وإن مات الآخذ واختلف وارثه والمخرج فالقول قول الوارث ويحلف أنه لا يعلم أن موروثه أعلم بذلك (فصل) إذا تسلف الامام الزكاة فهلكت في يده فلا ضمان عليه وكانت من ضمان الفقراء ولا فرق بين أن يسأله ذلك رب المال أو الفقراء أو لم يسأله أحد لأن يده كيد الفقراء. وقال الشافعي إن تسلفها من غير سؤال ضمنها لان الفقراء رشد لا يولى عليهم، فاذا قبض بغير اذنهم ضمن كالأب اذا قبض لابنه الكبير، وإن كان بسؤالهم كان من ضمانهم لأنه وكيلهم، وإن كان بسؤال أرباب الاموال لم يجزهم الدفع وكان من ضمانهم لأنه وكيلهم، وإن كان بسؤالهما ففيه وجهان أصحهما أنه في ضمان الفقراء ولنا أن للامام ولاية على الفقراء بدليل جواز قبض الصدقة لهم بغير اذنهم سلفاً وغيره، فاذا تلفت في يده من غير تفريط لم يضمن كولي اليتيم اذا قبض له، وما ذكروه يبطل بالقبض بعد الوجوب وفارق الأب فإنه لا يجوز له القبض لولده الكبير لعدم ولايته عليه ولهذا يضمن ما قبضه له بعد وجوبه * (باب ذكر أهل الزكاة) * وهم ثمانية أصناف سماهم الله تعالى فقال (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله، والله عليم حكيم) وروي أن رجلاً قال: يا رسول الله أعطني من هذه الصدقات، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " أن الله لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقات حتى حكم فيها هو فجزأها ثمانية أجزاء، فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك حقك " ولا نعلم خلافاً بين أهل العلم في أنه لا يجوز دفع هذه الزكاة إلى غير هذه الاصناف إلا ما روي عن أنس والحسن أنهما قالا: ما أعطيت في الجسور والطرق فهي صدقة قاضية. والصحيح الأول لأن الله تعالى قال (إنما الصدقات) وانما للحصر تثبت المذكور وتنفي ما عداه لأنها مركبة من حرفي نفي واثبات وذلك كقوله تعالى (إنما الله إله واحد) أي لا إله إلا الله وكقول النبي صلى الله عليه وسلم " إنما الولاء لمن اعتق "

مسألة: الثالث: العاملون عليها وهم الجباة لها والحافظون لها

* (مسألة) * (الفقراء وهم الذين لا يجدون ما يقع موقعاً من كفايتهم (الثاني) المساكين وهم الذين يجدون معظم كفايتهم) الفقراء والمساكين صنفان في الزكاة وصنف واحد في سائر الأحكام لأن كل واحد من الاسمين ينطلق عليهما، فأما إذا جمع بين الاسمين وميز المسميين تميزا وكلاهما يشعر بالحاجة والفاقة وعدم الغنى إلا أن الفقير أشد حاجة من المسكين لأن الله تعالى بدأ به وانما يبدأ بالاهم فالاهم، وبهذا قال الشافعي والاصمعي، وذهب أبو حنيفة إلى أن المسكين أشد حاجة، وبه قال الفراء وثعلب وابن قتيبة لقول الله تعالى (أو مسكينا ذا متربة) وهو المطروح على التراب لشدة حاجته وأنشد أما الفقير الذي كانت حلوبته * وفق العيان فلم يترك له سبد فأخبر أن الفقير حلوبته وفق عياله ولنا أن الله تعالى بدأ بالفقراء فيدل على أنهم أهم، وقال تعالى (أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر) فأخبر أن المساكين لهم سفينة يعملون فيها. ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " اللهم أحيني مسكيناً، وأمتني مسكيناً، واحشرني في زمرة المساكين " (1) وكان يستعيذ من الفقر، ولا يجوز أن يسأل شدة الحاجة ويستعيذ من حالة أصلح منها، ولان الفقير مشتق من فقر الظهر فعيل بمعنى مفعول أي مفقور وهو الذي نزعت فقره ظهره فانقطع صلبه قال الشاعر: لما رأى لبد النسور تطايرت * رفع القوادم كالفقير الأعزل أي لم يطق الطيران كالذي انقطع صلبه والمسكين مفعيل من السكون وهو الذي أسكنته الحاجة ومن كسر صلبه أشد حالا من الساكن، فأما الآية فهي حجة لنا لان نعت الله سبحانه المسكين بكونه ذا متربة يدل على أن هذا النعت لا يستحقه باطلاق اسم المسكنة كما يقال ثوب ذو علم ويجوز التعبير عن الفقير بالمسكين بقرينة وبغير قرينة والشعر أيضاً حجة لنا، فإنه أخبر أن الذي كانت حلوبته وفق العيال لم يترك له سبد فصار فقيرا لا شئ له إذا تقرر ذلك فالفقير الذي لا يقدر على كسب ما يقع موقعاً من كفايته ولا له من الأجرة أو من المال الدائم ما يقع موقعاً من كفايته ولا له خمسون درهماً ولا قيمتها من الذهب مثل الزمني والمكافيف

_ " 1 " رواه الحاكم من حديث أبي سعيد وصححه

وهم العميان لان هؤلاء في الغالب لا يقدرون على اكتساب ما يقع موقعاً من كفايتهم، وربما لا يقدرون على شئ أصلا، قال الله تعالى (للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا) فمعنى قوله يقع موقعاً من كفايته أنه يحصل به معظم الكفاية أو نصفها مثل من يكفيه عشرة فيحصل له من مسكنه أو غيره خمسة فما زاد، والذي لا يجد إلا ما لا يقع موقعاً من كفايته كالذي لا يحصل إلا ثلاثة أو دونها فهذا هو الفقير والاول هو المسكين، فأما الذي يسأل فيحصل الكفاية أو معظمها من مسئلته فهو من المساكين لكنه يعطى جميع كفايته ليغتني عن السؤال، فإن قيل فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " ليس المسكين بالطواف الذي ترده اللقمة واللقمتان، ولكن المسكين الذي لا يسأل الناس ولا يفطن له فيتصدق عليه " (1) قلنا هذا تجوز وانما نفي المسكنة عنه مع وجودها حقيقة فيه مبالغة في اثباتها في الذي لا يسأل الناس كما قال عليه السلام " ليس الشديد بالصرعة، وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب " وأشباه ذلك كقوله " ما تعدون الرقوب فيكم؟ قالوا: الذي لا يعيش له ولد، قال: لا ولكن الرقوب الذي لم يقدم من ولده شيئاً " * (مسألة) * (ومن ملك من في الاثمان مالا يقوم بكفايته فليس يغني وان كثرت قيمته) وجملة ذلك أنه إذا ملك مالاً تتم به كفايته من غير الاثمان، فإن كان مما لا تجب فيه الزكاة كالعقار ونحوه لم يكن ذلك مانعاً من أخذها نص عليه أحمد فقال في رواية محمد ابن الحكم: إذا كان له عقار يستغله أو ضيعة تساوي عشرة آلاف أو أقل أو أكثر لا تقيمه يأخذ من الزكاة، وهذا قول الثوري والنخعي والشافعي وأصحاب الرأي، ولا نعلم فيه خلافاً لانه فقير محتاج فيدخل في عموم الآية، فأما إن ملك نصابا زكويا لا تتم به الكفاية كالمواشي والحبوب فله الأخذ من الزكاة. قال الميموني ذاكرت أحمد فقلت: قد يكون للرجل الابل والغنم تجب فيها الزكاة وهو فقير ويكون له أربعون شاة ويكون له الضيعة لا تكفيه يعطى من الصدقة؟ قال نعم، وذكر قول عمر: أعطوهم وإن راحت عليهم من الابل كذا وكذا، قلت فلهذا قدر من العدد أو الوقت؟ قال لم أسمعه. وهذا قول الشافعي. وقال أصحاب الرأي: ليس له أن يأخذ منها لأنه تجب عليه الزكاة فلم تجب له لقول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ

_ " 1 " هذا الحديث وما بعده متفق عليهما من حديث أبي هريرة

مسألة: فإن تلفت الصدقة في يده من غير تفريط أعطي أجرته من بيت المال

" أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم " فجعل الاغنياء من تجب عليهم الزكاة واذا كان غنياً لم يكن له الأخذ من الزكاة للخبر ولنا أنه لا يملك ما يغنيه ولا يقدر على كسب ما يكفيه فجاز له الأخذ من الزكاة كما لو كان ما يملكه لا تجب فيه الزكاة، ولأنه فقير فجاز له الأخذ لأن الفقر عبارة عن الحاجة، قال الله تعالى (يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله) وقال الشاعر: * وإني إلى معروفها لفقير * أي محتاج وهذا محتاج فقيراً غير غني، ولأنه لو كان ما يملكه لا زكاة فيه لكان فقيراً ولا فرق في دفع الحاجة بين المالين، فأما الخبر فيجوز أن يكون الغنى الموجب للزكاة غير الغنى المانع منها لما ذكرنا من المعنى فيكون المانع منها وجود الكفاية والموجب لها ملك النصاب جمعاً بين الأدلة (فصل) فإن ملك غير الاثمان ما يقوم بكفايته كمن له مكسب يكفيه أو أجرة عقار أو غيره فليس له الأخذ من الزكاة وهذا قول الشافعي واسحاق وأبي عبيد وابن المنذر. وقال أبو حنيفة واصحابه أن كان المال مما لا تجب فيه الزكاة جاز الدفع إليه إلا أن أبا يوسف قال: إن دفع اليه الزكاة فهو قبيح وأرجو أن يجزئه لأنه ليس بغني لما ذكرنا لهم في المسألة قبلها ولنا ما روى الامام أحمد ثنا يحيى بن سعيد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن عدي بن الخيار عن رجلين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهما أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألاه الصدقة فصعد فيهما النظر فرآهما جلدين فقال " أن شئتما أعطيتكما ولا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب " قال احمد: ما أجوده من حيث. وقال هو أحسنها اسناداً، ولأن له ما يغنيه عن الزكاة فلم يجز الدفع اليه كما لك النصاب * (مسألة) * (وإن كان من الاثمان فكذلك في إحدى الروايتين والأخرى إن ملك خمسين درهماً أو قيمتها من الذهب فهو غني) لا يجوز دفع الصدقة إلى غني لأجل الفقر والمسكنة بغير خلاف لأن الله تعالى جعلها للفقراء والمساكين والغني غير داخل فيهم ولقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا تحل الصدقة لغني ولا لقوي مكتسب "

واختلف العلماء في الغنى المانع من أخذ الزكاة فنقل عن أحمد فيها روايتان (إحداهما) أنه ملك خمسين درهماً أو قيمتها من الذهب، أو وجود ما تحصل به الكفاية على الدوام من مكسب أو تجارة أو آجر أو عقار أو نحو ذلك، ولو ملك من الحبوب أو العروض أو العقار أو السائمة مالا تحصل به الكفاية لم يكن غنياً اختاره الخرقي وهذا قول الثوري والنخعي وابن المبارك واسحاق وروي عن علي وابن مسعود أنهما قالا لا تحل الصدقة لمن له خمسون درهماً أو قيمتها أو عدلها من الذهب لما روى عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من سأل وله ما يغنيه جاءت مسئلته يوم القيمة خموشا أو خدوشا أو كدوحا في وجهه) فقيل يا رسول الله ما الغنى؟ قال " خمسون درهماً أو قيمتها من الذهب " رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن فإن قيل هذا يرويه حكيم ابن جبير وكان شعبة لا يروي عنه وليس بقوي في الحديث قلنا قد قال عبد الله بن عثمان لسفيان حفظي أن شعبة لا يروي عن حكيم بن جبير فقال سفيان حدثناه زبيد عن محمد بن عبد الرحمن وقد قال علي وعبد الله مثل ذلك (الثانية) أن الغنى ما تحصل به الكفاية فإذا لم يكن محتاجا حرمت عليه الصدقة وإن لم يملك شيئاً وإن كان محتاجا حلت له المسألة وإن ملك نصابا والاثمان وغيرهما في هذا سواء وهذا اختيار أبي الخطاب وابن شهاب العكبري وقول مالك والشافعي لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لقبيصة بن المخارق " لا تحل المسألة إلا لأحد ثلاثة: رجل أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجى من قومه قد أصابت فلاناً فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش أو سداداً من عيش " رواه مسلم فمد إباحة المسألة الى وجود اصابة القوام أو السداد ولان الحاجة هي الفقر والغنى ضدها فمن كان محتاجا فهو فقير فيدخل في عموم النص ومن استغنى دخل في عموم النصوص المحرمة، والحديث الاول فيه ضعف ثم يجوز أن تحرم المسألة ولا يحرم أخذ الصدقة اذا جاءته من غير مسألة فان المذكور فيه تحريم المسألة فيقتصر عليه وقال الحسن وأبو عبيد الغنى ملك اوقية وهي أربعون درهما لما روى أبو سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من سأل وله قيمة أوقية فقد ألحف " وكانت الاوقية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين درهما رواه أبو داود. وقال أصحاب الرأي: الغنى المانع من أخذ الزكاة هو الموجب لها وهو ملك نصاب تجب فيه الزكاة من الأثمان أو العروض المعدة للتجارة أو السائمة أو غيرها لقول النبي

مسألة: ويجوز أن يشتري بها أسيرا مسلما نص عليه

صلى الله عليه وسلم لمعاذ " أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم " فجعل الاغنياء من تجب عليهم الزكاة فدل ذلك على أن من تجب عليه غني ومن لا تجب عليه ليس بغني فيكون فقيراً فتدفع الزكاة اليه لقوله " فترد في فقرائهم " ولان الموجب للزكاة غنى والاصل عدم الاشتراك، ولأن من لا نصاب له لا تجب عليه الزكاة فلا يمنع منها كمن له دون الخمسين ووجه الرواية الأولى أنه يجوز أن يكون الغنى المانع من أحذ الزكاة غير الموجب لها بدليل حديث ابن مسعود وهو أخص من حديثهم فيجب تقديمه، ولان فيما ذكرنا جمعاً بين الحديثين وهو أولى من التعارض، ولأن حديث معاذ إنما يدل على أن من تجب عليه الزكاة غني، أما أنه يدل على أن من لا تجب عليه الزكاة فقير فلا، وعلى هذا فلا يلزم من عدم الغنى وجود الفقر فلا يدل على جواز الدفع الى غير الغني إذا لم يثبت فقره، وقولهم الأصل عدم الاشتراك قلنا قد قام دليله بما ذكرنا فيجب الاخذ به والله أعلم (فصل) فمن قال الغنى هو الكفاية سوى بين الأثمان وغيرها وجوز الاخذ لكل من لا كفاية له وإن ملك نصبا من جميع الاموال، ومن قال بالرواية الأخرى فرق بين الأثمان وغيرها لحديث ابن مسعود، ولان الاثمان آلة الانفاق المعدة له دون غيرها فجوز الاخذ لكل من لا يملك خمسين درهماً ولا قيمتها من الذهب ولا ما تحصل بها الكفاية من مكسب أو أجرة عقار أو غيره، فان كان له مال معد للانفاق من غير الاثمان فينبغي أن تعتبر الكفاية في حول كامل لأن الحول يتكرر وجوب الزكاة بتكرره فيأخذ منها كل حول ما يكفيه الى مثله والله أعلم * (مسألة) * (الثالث: العاملون عليها وهم الجباة لها والحافظون لها) العاملون على الزكاة هم الصنف الثالث من أصناف الزكاة وهم السعادة الذين يبعثهم الامام لأخذها من أربابها وجمعها وحفظها ونقلها ومن يعينهم ممن يسوقها ويرعاها ويحملها، وكذلك الحاسب والكاتب والكيال والوزان والعداد وكل من يحتاج إليه فيها يعطى أجرته منها لأن ذلك من مؤنتها فهو كعلفها، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث على الصدقة سعاة ويعطيهم عمالتهم فبعث عمر وأبا موسى وابن اللتبية وغيرهم وليس فيه اختلاف مع ما ورد من نص الكتاب ما يغني عن التطويل * (مسألة) * (ويشترط أن يكون العامل مسلماً أميناً من غير ذوي القربى ولا يشترط حريته ولا فقره. وقال القاضي: لا يشترط إسلامه ولا كونه من غير ذوي القربى)

مسألة: وهل يجوز أن يشتري بها رقبة يعتقها؟ على روايتين

وجملة ذلك أن من شرط العامل أن يكون بالغاً عاقلاً أميناً لان ذلك ضرب من الولاية والولاية يشترط ذلك فيها، ولأن الصبي والمجنون لا قبض لهما والخائن يذهب بمال الزكاة ويضيعه ويشترط اسلامه، اختاره شيخنا وأبو الخطاب، وذكر الخرقي والقاضي أنه لا يشترط اسلامه لانه اجارة على عمل فجاز أن يتولاه الكافر كجباية الخراج وقيل عن أحمد في ذلك روايتان ولنا أنه يشترط له الامانة فاشترط له الاسلام كالشهادة، ولأنه ولاية على المسلمين فاشترط لها الاسلام كسائر الولايات، ولأن الكافر ليس بأمين، ولهذا قال عمر: لا تأمنوهم وقد خونهم الله. وأنكر على أبي موسى تولية الكتابة نصرانياً. فالزكاة التي هي ركن الاسلام أولى، ويشترط كونه من غير ذوي القربى إلا أن تدفع اليه أجرته من غير الزكاة. وقال أصحابنا: لا يشترط لانها أجرة على عمل تجوز للغني فجازت لذوي القربى كأجرة النقال وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشافعي ولنا أن الفضل بن عباس والمطلب بن ربيعة بن الحارث سألا النبي صلى الله عليه وسلم إن يبعثهما على الصدقة فأبى أن يبعثهما وقال " إنما هذه الصدقة أوساخ الناس وأنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد " وهذا ظاهر في تحريم أخذهم لها عمالة فلا تجوز مخالفته ويفارق النقال والحمال فانه يأخذ أجرة لحمله لا لعمالته، ولا يشترط حريته لأن العبد يحصل منه المقصود فأشبه الحر، ولا كونه فقيها اذا كتب له ما يأخذه وحد له كما كتب النبي صلى الله عليه وسلم لعماله فرائض الصدقة وكذلك كتب أبو بكر لعماله أو بعث معه من يعرفه ذلك ولا يشترط كونه فقيراً لأن الله تعالى جعل العامل صنفا غير الفقراء والمساكين فلا يشترط وجود معناهما فيه كما لا يشترط معناه فيهما وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة لغاز في سبيل الله أو لعامل عليها أو لغارم أو لرجل ابتاعها بماله أو لرجل كان له رجل مسكين فتصدق على المسكين فأهدى المسكين إلى الغني " رواه أبو داود وذكر أصحاب الشافعي انه يشترط الحرية لانه ولاية فنافاها الرق كالقضاء ويشترط الفقه ليعلم قدر الواجب وصفته ولنا ما ذكرنا ولا نسلم منافاة الرق للولايات الدينية فإنه يجوز أن يكون اماما في الصلاة ومفتيا وراويا للحديث وشاهدا وهذه منه الولايات الدينية وأما الفقه فانما يحتاج إليه في معرفة ما يأخذه ويتركه ويحصل ذلك بالكتابة له كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه رضي الله عنه (فصل) ذكر أبو بكر في التنبيه في قدر ما يعطى العامل روايتين احداهما يعطى الثمن مما يجبيه والثانية يعطى بقدر عمله، فعلى هذه الرواية يخير الامام بين أن يستأجر العامل اجارة صحيحة بأجر

مسألة: السادس الغارمون وهم المدينون وهم ضربان: ضرب غرم لإصلاح ذات البين، وضرب غرم لاصلاح نفسه في مباح

معلوم اما على عمل معلوم أو مدة معلومة بين أن يجعل له جعلا معلوما على عمله فاذا فعله استحق الجعل وإن شاء بعثه من غير تسمية ثم أعطاه فإن عمر رضي الله عنه قال بعثني النبي صلى الله عليه وسلم على الصدقة فلما رجعت عملني فقلت أعطه من هو أحوج اليه مني وذكر الحديث (فصل) ويعطى منها أجرة الحاسب والكاتب والحاشر والخازن والحافظ والراعي ونحوهم لانهم من العاملين ويدفع اليهم من حصة العاملين فأما الكيال والوزن ليقبض العامل الزكاة فعلى رب المال لأنه من مؤنة دفع الزكاة * (مسألة) * (فإن تلفت الصدقة في يده من غير تفريط أعطي أجرته من بيت المال) اذا تلفت الزكاة في يد الساعي من غير تفريط فلا ضمان عليه لانه أمين ويعطى أجرته من بيت المال لانه لمصالح المسلمين وهذا من مصالحهم وان لم تتلف أعطي أجر عمله منها وكان أكثر من ثمنها لأن ذلك من مؤنتها فجرى مجرى علفها ومداواتها وان رأى الامام أعطاه أجره من بيت المال أو يجعل له رزقاً في بيت المال ولا يعطيه منها شيئاً فعل وان تولى الامام أو الوالي من قبله أخذ الصدقة وقسمها لم يستحق منها شيئاً لأنه يأخذ رزقه من بيت المال (فصل) ويجوز للامام أن يولي الساعي جبايتها وتفريقها وأن يوليه أحدهما فإن النبي صلى الله عليه وسلم ولى ابن اللتبية فقدم بصدقته على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هذا لكم وهذا أهدي لي " وقال لقبيصة " أقم يا قبيصة حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها " وأمر معاذاً أن يأخذ الصدقة من أغنيائهم فيردها في فقرائهم ويروى أن زياداً ولى عمران بن حصين الصدقة فلما جاء قيل له أين المال؟ قال أو للمال بعثتني. أخذناها كما كنا نأخذها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضعناها حيث كنا نضعها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه أبو داود. وعن أبي جحيفة قال: أتانا مصدق النبي صلى الله عليه وسلم فأخذ الصدقة من أغنيائنا فوضعها في فقرائنا وكنت غلاما يتيما فأعطاني منها قلوصا. أخرجه الترمذي * (مسألة) * (الرابع: المؤلفة قلوبهم وهم السادة المطاعون في عشائرهم ممن يرجى إسلامه أو يخشى شره أو يرجى بعطيته قوة ايمانه أو اسلام نظيره أو جباية الزكاة ممن لا يعطيها أو الدفع عن المسلمين وعنه ان حكمهم انقطع)

مسألة: السابع في سبيل الله وهم الغزاة الذين لا ديوان لهم

المؤلفة قلوبهم قسمان: كفار ومسلمون، وهم جميعا السادة المطاعون في عشائرهم كما ذكرنا. فالكفار ضربان (أحدهما) من يرجى إسلامه فيعطى لتقوى نيته في الاسلام وتميل نفسه إليه فيسلم فإن النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة أعطى صفوان بن أمية الأمان واستصبره صفوان أربعة أشهر لينظر في أمره وخرج معه إلى حنين، فلما أعطى النبي صلى الله عليه وسلم العطايا قال صفوان: مالي؟ فأومأ النبي صلى الله عليه وسلم الى واد فيه إبل محملة فقال " هذا لك " فقال صفوان هذا عطاء من لا يخشى الفقر (والضرب الثاني) من يخشى شره فيرجى بعطيته كف شره وكف شر غيره معه. فروى ابن عباس أن قوما كانوا يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فإن أعطاهم مدحوا الاسلام وقالوا هذا دين حسن، وإن منعهم ذموا وعابوا. وقال أبو حنيفة: انقطع سهم هؤلاء، وهو أحد أقوال الشافعي لما روى أن مشركا جاء يلتمس من عمر مالا فلم يعطه وقال: من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، ولأنه لم ينقل عن عثمان ولا علي أنهم أعطوهم شيئاً من ذلك، ولأن الله تعالى أظهر الاسلام وقمع المشركين فلا حاجة بنا الى التأليف عليه ولنا قول الله تعالى (والمؤلفة قلوبهم) وهذه الآية في سورة براءة وهي من آخر ما نزل من القرآن وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى المؤلفة من المشركين والمسلمين وأعطى ابو بكر رضي الله عنه عدي بن حاتم حين قدم عليه من الصدقة بثلثمائة حمل ثلاثين بعيراً، ومخالفة كتاب الله تعالى وسنة رسوله واطزاحها بلا حجة لا يجوز، ولا يثبت النسخ بترك عمر وعثمان وعلي إعطاءهم، ولعلهم لم يحتاجوا لهم فتركوا ذلك لعدم الحاجة إلى اعطائهم لا لسقوط سهمهم ومثل هذا لا يثبت به النسخ والله أعلم وأما المسلمون فأربعة أضرب: (قوم) من سادات المسلمين لهم نظراء من الكفار، أو من المسلمين الذين لهم نية حسنة في الاسلام، فاذا أعطوا رجي اسلام نظرائهم وحسن نياتهم فيجوز اعطاؤهم لأن أبا بكر رضي الله عنه أعطي عدي بن حاتم والزبرقان بن بدر مع حسن نياتهما وإسلامهما (الضرب الثاني) سادات مطاعون في قومهم يرجى بعطيتهم قوة ايمانهم ومناصحتهم في الجهاد فيعطون لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى عيينه بن حصن والاقرع بن حابس وعلقمة بن علاثة والطلقاء من أهل مكة وقال للانصار: " يا معشر الأنصار على ما تأسون؟ على لعاعة من الدنيا تألفت بها قوما لا إيمان لهم وكلتكم إلى إيمانكم " وروي البخاري عن عمرو بن تغلب أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى ناساً وترك ناساً، فبلغه عن الذين ترك أنهم عتبوا فصعد المنبر فحمد الله واثنى عليه ثم قال " إني أعطي ناساً لما في قلوبهم من الجزع

مسألة: ولا يعطى منها في الحج وعنه يعطي الفقير قدر ما يحج به الفرض أن يستعين به فيه

والهلع، وأكل ناساً إلى ما في قلوبهم من الغنى والخير منهم عمرو بن تغلب " وعن أنس قال: حين أفاء الله على رسوله أموال هوازن طفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي رجالا من قريش مائة من الإبل، فقال ناس من الأنصار: يغفر الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي قريشاً ويمنعنا وسيوفنا تقطر من دمائهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إني أعطي رجالا حديث عهد بكفر أتالفهم " متفق عليه (الضرب الثالث) قوم في طرف بلاد الاسلام اذا أعطوا دفعوا عمن يليهم من المسلمين (الضرب الرابع) قوم اذا أعطوا جبوا الزكاة ممن لا يعطيها إلا أن يخاف فكل هؤلاء يجوز الدفع اليهم من الزكاة لأنهم من المؤلفة قلوبهم فيدخلون في عموم الآية، وحكى حنبل عن أحمد أنه قال: المؤلفة قد انقطع حكمهم اليوم والمذهب الأول لما ذكرنا، ولعل معنى قول أحمد انقطع حكمهم أنه لا يحتاج اليهم في الغالب، أو أن الائمة لا يعطونهم اليوم شيئاً لعدم الحاجة اليهم، فانهم انما يجوز اعطاؤهم عند الحاجة اليهم والله سبحانه أعلم (فصل) الخامس الرقاب وهم المكاتبون لا نعلم خلافاً بين أهل العلم في ثبوت سهم الرقاب، ولا يختلف المذهب في أن المكاتبين من الرقاب يجوز صرف الزكاة اليهم وهو قول الجمهور. وقال مالك: انما يصرف سهم الرقاب في اعتاق العبيد ولا يعجبني أن يعان منها مكاتب، وقوله مخالف لظاهر الآية لان المكاتب من الرقاب لانه عبد واللفظ عام فيدخل في عمومه. إذا ثبت ذلك فإنه انما يدفع اليه إذا لم يكن معه ما يقضي به كتابته ولا يدفع إلى من معه وفاء كتابته شئ لأنه مستغن عنه في وفاء الكتابة، فإن كان معه بعض الكتابة تمم له وفاء كتابته لان حاجته لا تندفع إلا بذلك، وإن لم يكن معه شئ أعطي جميع ما يحتاج إليه لوفاء الكتابة لما ذكرنا، ولا يعطى بحكم الفقر شيئاً لأنه عبد ويجوز اعطاؤه قبل حلول كتابته لئلا يحل النجم ولا شئ معه فتفسخ الكتابة ولا يدفع إلى مكاتب كافر شئ لأنه ليس من مصارف الزكاة * (مسألة) * (ويجوز أن يشتري بها أسيراً مسلماً نص عليه) لأنه فك رقبة من الاسر فهو كفك رقبة العبد من الرق، ولان فيه اعزازاً للدين فهو كصرفه الى المؤلفة قلوبهم، ولأنه يدفعه إلى الاسير في فك رقبته أشبه ما يدفعه إلى الغارم لفك رقبته من الدين * (مسألة) * (وهل يجوز أن يشتري بها رقبة يعتقها؟ على روايتين)

مسألة: الثامن ابن السبيل وهو المسافر المنقطع به دون المنشىء للسفر من بلده

اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في جواز الاعتاق من الزكاة فروي عنه جواز ذلك وهو قول ابن عباس والحسن والزهري ومالك واسحق وأبي عبيد والعنبري وأبي ثور لعموم قوله تعالى (وفي الرقاب) وهو متناول للقن، بل هو ظاهر فيه فان الرقبة تنصرف اليه اذا أطلقت كقوله تعالى (فتحرير رقبة) وتقدير الآية وفي اعتاق الرقاب، ولأنه اعتاق للرقبة فجاز صرف الزكاة فيه كدفعه في الكتابة (والثانية) لا يجوز وهو قول ابراهيم والشافعي لأن الآية تقتضي صرف الزكاة إلى الرقاب كقوله (في سبيل الله) يرد الدفع إلى المجاهدين كذلك ههنا، والعبد القن لا يدفع إليه شئ. قال أحمد في رواية أبي طالب قد كنت أقول: يعتق من زكاته ولكن أهابه اليوم لانه يجر الولاء، وفي موضع آخر قبل له فما يعجبك من ذلك؟ قال يعين في ثمنها فهو أسلم، وقد روي نحو هذا عن النخعي وسعيد بن جبير فإنهما قالا: لا يعتق من الزكاة رقبة كاملة لكن يعطي منها في رقبة ويعين مكاتباً، وبه قال أبو حنيفة وصاحباه: لأنه اذا أعتق من زكاته انتفع بالولاء من أعتقه فكأنه صرف الزكاة إلى نفسه وأخذ ابن عقيل من هذه الرواية إن أحمد رجع عن القول بالاعتاق من الزكاة، وهذا والله أعلم إنما كان على سبيل الورع من أحمد فلا يقتضي رجوعا لان العلة التي علل بها جر الولاء ومذهبه في إحدى الروايتين عنه انما رجع من الولاء رد في مثله فلا ينتفع اذاً باعتاقه من الزكاة (فصل) ولا يجوز أن يشتري من زكاته من يعتق عليه بالرحم، فان فعل عتق عليه ولم تسقط عنه الزكاة. وقال الحسن. لا بأس أن يعتق أباه من الزكاة لان دفع الزكاة لم يكن إلى أبيه، وانما دفع الثمن إلى البائع ولنا ان نفع زكاته عاد إلى أبيه فلم يجز كما لو دفعها إليه، ولان عتقه حصل بنفس الشراء مجازاة وصلة للرحم فلم يجز أن يحسب له من الزكاة كنفقة أقاربه، ولو أعتق عبده المملوك له عن زكاته لم يجزئه لأن اداء الزكاة عن كل مال من جنسه والعبد ليس من جنس ما تجب الزكاة فيه، وكذلك لو أعتق عبداً من عبيد التجارة لم يجز لأن الزكاة تجب في قيمتهم لا في عينهم * (مسألة) * (السادس الغارمون وهم المدينون وهم ضربان: (ضرب) غرم لإصلاح ذات البين، (وضرب) غرم لاصلاح نفسه في مباح) الغارمون ضربان (أحدهما) الغارمون لاصلاح نفوسهم ولا خلاف في استحقاقهم وثبوت سهمهم في الزكاة، وإن المدينين العاجزين عن وفاء ديونهم منهم، لكن من غرم في معصية مثل أن يشتري خمراً، أو يصرفه في زنا، أو قمار، أو غناء، أو نحوه لم يدفع اليه قبل التوبة شئ لأنه اعانة له على

مسألة: ويعطى الفقير والمسكين ما يغنيهما

المعصية وسنذكر ذلك، ولا يدفع إلى غارم كافر لأنه ليس من أهل الزكاة، ولذلك لم يدفع إلى فقيرهم ومكاتبهم. وإن كان من ذوي القربى فقال أصحابنا: يجوز الدفع اليه لان علة منعه من الاخذ منها لفقره صيانته عن أكلها لكونها أوساخ الناس، واذا أخذها للغرم صرفه إلى الغرماء فلا يناله دناءة وسخها. قال شيخنا: ويحتمل أن لا يجوز لعموم النصوص في منعهم من أخذها وكونها لا تحل لهم، ولأن دناءة أخذها تحصل سواء أكلها أو لم يأكلها، ولا يدفع إلى غارم له ما يقضي به دينه لان الدفع اليه لحاجته وهو مستغن عنها (الضرب الثاني) من غرم لإصلاح ذات البين وهو أن يقع بين الحيين أو أهل القريتين عداوة وضغائن يتلف بها نفس أو مال ويتوقف صلحهم عمن يتحمل ذلك فيسعى انسان في الاصلاح بينهم ويتحمل الدماء التي بينهم والاموال فيسمى ذلك حمالة بفتح الحاء وكانت العرب تعرف ذلك فكان الرجل منهم يتحمل الحمالة ثم يخرج في القبائل فيسأل حتى يؤديها فورد الشرع باباحة المسألة فيها وجعل لهم نصيباً من الصدقة، فروى مسلم بإسناده عن قبيصة ابن المخارق قال: تحملت حمالة فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم وسألته فيها فقال " أقم يا قبيصة حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها " ثم قال " يا قبيصة إن الصدقة لا تحل إلا لثلاثة: رجل تحمل حمالة فيسأل فيها حتى يؤديها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة فاجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب سداداً من عيش، أو قواماً من عيش، ورجل أصابته فاقة حتى يشهد ثلاثة من ذوي الجحى من قومه لقد أصابت فلاناً فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب سداداً من عيش أو قواماً من عيش وما سوى ذلك فهو سحت يأكلها صاحبها سحتاً يوم القيامة " وروى أبو سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة " ذكر منهم الغارم * (مسألة) * (السابع في سبيل الله وهم الغزاة الذين لا ديوان لهم) هذا الصنف السابع من أصناف الزكاة ولا خلاف في استحقاقهم وبقاء حكمهم، ولا خلاف في أنهم الغزاة لأن سبيل الله عند الاطلاق هو الغزو (1) وقال الله تعال (وقاتلوا في سبيل الله) وقال (ويجاهدون

_ " 1 " هذا غير صحيح بل سبيل الله هو الطريق الموصل إلى مرضاته وجنته وهو الاسلام في جملته وآيات الانفاق في سبيل الله تشمل جميع أنواع النفقة المشروعة. وماذا يقول في آيات الصد والاضلال عن سبيل الله والهجرة في سبيل الله بل لا يصح أن يفسر سبيل الله في آيات القتال نفسها بالغزو لان القتال هو الغزو وانما يكون في سبيل الله إذا أريد به أن يكون كلمة الله هي العليا ودينه هو المتبع، فسبيل الله في الآية يعم الغزو الشرعي وغيره من مصالح الاسلام بحسب لفظه العربي ويحتاج التخصيص إلى دليل صحيح. وكتبه محمد رشيد رضا

مسألة: ومن كان ذا عيال أخذ ما يكفيهم لما ذكرنا

في سبيله) (1) وقال (إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا) ذكر ذلك في غير موضع من كتابه العزيز (فصل) وإنما يستحق هذا السهم الغزاة الذين لا ديوان لهم وانما يتطوعون بالغزو اذا نشطوا. قال أحمد: يعطي ثمن الفرس ولا يتولى مخرج الزكاة شراء الفرس بنفسه لأن الواجب إيتاء الزكاة، فان اشتراها بنفسه فما أعطى إلا فرساً، وكذلك الحكم في شراء السلاح والمؤنة. وقال في موضع آخر إن دفع ثمن الفرس وثمن السيف فهو أعجب إلي، وإن اشتراه هو رجوت أن يجزئه. وقال أيضاً: يشتري الرجل من زكاته الفرس ويحمل عليه والقناة ويجهز الرجل، وذلك لأنه قد صرف الزكاة في سبيل الله فجاز كما لو دفعها إلى الغازي فاشترى بها وقال: ولا يشتري من الزكاة فرساً يصير حبيساً في سبيل الله ولا داراً ولا ضيعة يصيرها للرباط ولا يقفها على المجاهدين لأنه لم يؤت الزكاة لاحد وهو مأمور بايتائها. قال: ولا يغزو الرجل على الفرس الذي أخرجه من زكاة ماله لأنه لا يجوز أن يجعل نفسه مصرفا لزكاته كما لا يجوز أن يقضى بها دينه، ومتى أخذ الفرس الذي اشتريت بماله صار هو مصرفا لزكاته * (مسألة) * (ولا يعطى منها في الحج وعنه يعطي الفقير قدر ما يحج به الفرض أو يستعين به فيه) اختلف الرواية عن أحمد رحمه الله في ذلك، فروي عنه أنه لا يصرف منها في الحج، وبه قال مالك وأبو حنيفة والثوري والشافعي وأبو ثور وابن المنذر وهي أصح لأن سبيل الله عند الاطلاق إنما ينصرف إلى الجهاد، فان كل ما في القرآن من ذكر سبيل الله إنما أريد به الجهاد إلا اليسير فيجب أن يحمل ما في آية الزكاة على ذلك لأن الظاهر ارادته به، ولأن الزكاة انما تصرف إلى أحد رجلين محتاج اليها كالفقراء والمساكين وفي الرقاب والغارمين لقضاء ديونهم، أو من يحتاج إليه المسلمون كالعامل والغازي والمؤلف والغارم لإصلاح ذات البين، والحج للفقير لا نفع للمسلمين فيه ولا حاجة بهم اليه ولا حاجة به أيضاً لأن الفقير لا فرض عليه فيسقطه، ولا مصلحة له في إيجابه عليه وتكليفه مشقة قد رفهه الله منها وخفف عنه إيحابها، وتوفير هذا القدر على ذوي الحاجة من سائر الاصناف، أو دفعه في مصالح المسلمين أولى

_ " 1 " هذا اللفظ لا يوجد في القرآن وانما يوجد فيه (يجاهدون في سبيل الله) وهو في سورة المائدة الآية 57 وفيها أيضا " وجاهدوا في سبيله " وهي الآية 38

مسألة: وإن فضل مع المكاتب والغارم والغازي وابن السبيل شيء بعد حاجتهم لزمهم رده

وروي عنه أن الفقير يعطى قدر ما يحج به الفرض أو يستعين به فيه، يروى اعطاء الزكاة في الحج عن ابن عباس وعن ابن عمر الحج من سبيل الله وهو قول إسحاق لما روي أن رجلا جعل ناقة له في سبيل الله فأرادت امرأته الحج فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم " اركبيها فإن الحج من سبيل الله " (1) رواه أبو داود بمعناه والاول أولى، وأما الخبر فلا يمتنع أن يكون الحج من سبيل الله والمراد بالآية غيره لما ذكرنا (فصل) فإذا قلنا يدفع في الحج منها فلا يعطى إلا بشرطين أحدهما أن يكون ممن ليس له ما يحج به سواها لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي " وقال " لا تحل الصدقة إلا لخمسة " ولم يذكر الحاج فيهم ولأنه يأخذ لحاجته لا لحاجة المسلمين اليه فاعتبرت فيه الحاجة كمن يأخذ لفقره. الثاني أن يأخذ لحجة الفرض وكذلك ذكره أبو الخطاب لأنه يحتاج إلى اسقاط فرضه وابراء ذمته، أما التطوع فله عنه مندوحة. وقال القاضي ظاهر كلام أحمد جوازه في الفرض والنفل معاً وهو ظاهر قول الخرقي لأن الكل من سبيل الله ولأن الفقير لا فرض عليه فالفرض منه كالتطوع فعلى هذا يجوز أن يدفع ما يحج به حجة كاملة وما يعينه في حجه، ولا يجوز أن يحج من زكاة نفسه كما لا يجوز أن يغزو بها * (مسألة) * (الثامن ابن السبيل وهو المسافر المنقطع به دون المنشئ للسفر من بلده) ابن السبيل هو الصنف الثامن من أصناف الزكاة ولا خلاف في استحقاقه وبقاء سهمه وهو المسافر الذي ليس له ما يرجع به إلى بلده وإن كان يسار في بلده فيعطى ما يرجع به إلى بلده، وهذا قول قتادة ونحوه قول مالك وأصحاب الرأي. وقال الشافعي هو المجتاز، ومن يريد انشاء السفر إلى بلد أيضاً فيدفع اليهما ما يحتاجان اليه لذهابهما وعودهما لانه يريد السفر لغير معصية فأشبه المجتاز ولنا ان السبيل هو الطريق وابن السبيل الملازم للطريق الكائن فيها كما يقال ولد الليل للذي يكثر الخروج فيه والقاطن في بلده ليس في طريق ولا يثبت له حكم الكائن فيها ولهذا لا يثبت له حكم السفر بعزمه عليه دون فعله ولانه لا يفهم من ابن السبيل إلا الغريب دون من هو في وطنه ومنزله وإن انتهت به الحاجة منتهاها فوجب أن يحمل المذكور في الآية على الغريب دون غيره وانما يعطى وله اليسار في بلده لأنه عاجز عن الوصول إليه والانتفاع به فهو كالمعدوم في حقه، فإن كان ابن السبيل فقيراً في بلده أعطي لفقره، وكونه ابن سبيل لوجود الأمرين فيه، ويعطي لكونه ابن سبيل قدر ما يوصله الى بلده لأن الدفع اليه للحاجة الى ذلك فيقدر بقدرها (فصل) وإن كان ابن السبيل مجتازاً يريد بلداً غير بلده فقال أصحابنا يدفع اليه ما يكفيه في مضيه الى مقصده ورجوعه الى بلده لأن فيه اعانة على السفر المباح وبلوغ الغرض الصحيح، لكن

_ " 1 " الحج من سبيل الله قطعا ولكن المتبادر من جعل قسم من الزكاة في سبيل الله انه ما يكون في مصالح الاسلام العامة كتأمين طريق الحج وتسهيله مثلا وليس منه اعطاء الفقير ما يحج به فان الفقير انما يعطى لفقره ما يدفع به حاجته وحاجة من يمونه وهو لا يدخل في عموم كلمة سبيل الله. وكتبه محمد رشيد رضا

مسألة: وإن ادعى الفقر من عرف بالغنى لم يقبل قوله إلا ببينة

يشترط كون السفر مباحا إما قربة كالحج والجهاد وزيارة الوالدين أو مباحا كطلب المعاش وطلب التجارات، وأما المعصية فلا يجوز الدفع إليه فيها لانه اعانة عليها فهو كفعلها فان وسيلة الشئ جارية مجراه، وان كان السفر للنزهة ففيه وجهان: أحدهما يدفع اليه لانه غير معصية. والثاني لا يدفع إليه لأنه لا حاجة به الى هذا السفر. قال شيخنا ويقوى عندي أنه لا يجوز الدفع للسفر الى غير بلده لأنه لو جاز ذلك لجاز للمنشئ للسفر من بلده ولأن هذا السفر إن كان لجهاد فهو يأخذ له من سهم سبيل الله وان كان حجاً فغيره أهم منه، وإذا لم يجز الدفع في هذين ففي غيرهما أولى، وانما ورد الشرع بالدفع اليه لرجوعه الى بلده لأنه أمر تدعو حاجته إليه ولا غناء به عنه فلا يجوز إلحاق غيره به لأنه ليس في معناه فلا يصح قياسه عليه ولأنه لا نص فيه فلا يثبت جوازه لعدم النص والقياس * (مسألة) * (ويعطى الفقير والمسكين ما يغنيهما) لأن الدفع اليهما للحاجة فيقدر بقدرها فإن قلنا أن الغنى هو ما تحصل به الكفاية أعطي ما يكفيه في حول كامل لأن الحول يتكرر وجوب الزكاة بتكرره فينبغي أن يأخذ ما يكفيه الى مثله ويعتبر وجود الكفاية له ولعائلته ومن يمونه لأن كل واحد منهم مقصود دفع حاجته فيعتبر له ما يعتبر للمنفرد. وإن قلنا أن الغنى يحصل بخمسين درهما جاز أن يأخذ له ولعائلته حتى يصير لكل واحد منهم خمسون قال أحمد في رواية أبي داود فيمن يعطى الزكاة وله عيال يعطى كل واحد من عياله خمسين خمسين * (مسألة) * (ويعطى العامل قدر أجرته) لأن الذي يأخذه بسبب العمل فوجب أن يكون بمقداره (والمؤلف ما يحصل به التأليف لأنه المقصود) " مسألة " (والغارم والمكاتب ما يقضيان به دينهما) لأن حاجتهما إنما تندفع بذلك " مسألة " (والغازي ما يحتاج إليه لغزوه وإن كثر) فيدفع اليه قدر كفايته وشراء السلاح والفرس إن كان فارسا وحمولته ودرعه وسائر ما يحتاج إليه لغزوه وإن كثر لأن الغزو إنما يحصل بذلك، ومتى أدعى انه يريد الغزو قبل قوله لأنه لا يمكن إقامة البينة على نيته ويدفع اليه دفعاً مراعى، فان لم يغز رده لانه أخذه لذلك، وان مضى الى الغزو فرجع من الطريق أو لم يتم الغزو الذي دفع اليه من أجله رد ما فضل معه لان الذي أخذ لأجله لم يفعله كله " مسألة " (ولا يزاد أحد منهم على ذلك لما ذكرنا) ولأن الدفع لحاجة فوجب أن يتقيد بها، وان اجتمع في واحد سببان كالغارم الفقير دفع اليه لهما لأن كل واحد منهما سبب للاخذ فوجب أن يثبت حكمه حيث وجد

مسألة: وإن ادعى ان له عيالا قلد وأعطى

" مسألة " (ومن كان ذا عيال أخذ ما يكفيهم لما ذكرنا) " مسألة " (ولا يعطى أحد منهم مع الغني إلا أربعة: العامل والمؤلف والغارم لإصلاح ذات البين والغازي) يجوز للعامل الاخذ مع الغنى بغير خلاف علمناه لانه يأخذ أجر عمله ولأن الله تعالى جعل العامل صنفا غير الفقراء والمساكين فلا يشترط وجود معناهما فيه كما لا يشترط وجود معناه فيهما، وكذلك المؤلف يعطى مع الغنى لظاهر الآية ولانه يأخذ لحاجتنا إليه أشبه العامل ولانهم انما أعطوا لأجل التأليف وذلك يوجد مع الغنى. والغارم لإصلاح ذات البين والغازي يجوز الدفع اليهم مع الغنى وبهذا قال مالك والشافعي واسحاق وأبو ثور وأبو عبيد وابن المنذر. وقال أبو حنيفة وصاحباه لا يدفع إلا الى الفقير لعموم قوله عليه السلام " أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم " فظاهر هذا أنها كلها ترد في الفقراء. ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " لا تحل الصدقة إلا لخمسة. لغاز في سبيل الله أو لغارم " وذكر بقيتهم، ولأن الله تعالى جعل الفقراء والمساكين صنفين وعد بعدهما ستة أصناف لم يشترط فيهم الفقر فيجوز لهم الأخذ مع الغنى بظاهر الآية ولأن هذا يأخذ لحاجتنا إليه أشبه العامل والمؤلف ولان الغارم لإصلاح ذات البين انما يوثق بضمانه ويقبل اذا كان مليئاً ولا ملاءة مع الفقر، فان أدى الغرم من ماله لم يكن له الأخذ من الزكاة لأنه لم يبق غارما، وإن استدان وأداها جاز له الأخذ لبقاء الغرم (فصل) وخمسة لا يأخذون إلا مع الحاجة وهم الفقراء والمساكين والمكاتب والغارم لمصلحة نفسه في مباح وابن السبيل لانهم يأخذون لحاجتهم لا لحاجتنا اليهم إلا أن ابن السبيل انما تعتبر حاجته في مكانه وإن كان له مال في بلده لانه الآن كالمعدوم، واذا كان الرجل غنياً وعليه دين لمصلحة لا يطيق قضاءه جاز أن يدفع إليه ما يتم به قضاءه مع ما زاد عن حد الغنى، فاذا قلنا الغنى يحصل بخمسين درهما وله مائة وعليه مائة جاز أن يعطى خمسين ليتم قضاء المائة من غير أن ينقص غناؤه. قال أحمد لا يعطى من عنده خمسون درهماً أو حسابها من الذهب إلا مديناً فيعطى دينه، ومتى أمكنه قضاء الدين من غير نقص من الغنى لم يعط شيئاً، وإن قلنا أن الغنى لا يحصل إلا بالكفاية وكان عليه دين إذا قضاه لم يبق له ما يكفيه أعطي ما يتم به قضاء دينه بحيث يبقى له قدر كفايته بعد قضاء الدين على ما ذكرنا، وان قدر على قضائه مع بقاء الكفاية لم يدفع إليه شئ. وقد روي عن أحمد أنه قال إذا كان له مائتان وعليه مثلها لا يعطى من الزكاة لأن الغنى خمسون درهما وهذا يدل على انه اعتبر في الدفع إلى الغارم كونه فقيراً، واذا أعطي للغرم وجب صرفه إلى قضاء الدين، وان أعطي للفقر جاز أن يقضي به دينه

مسألة: ويستحب صرفها في الاصناف كلها فان اقتصر على انسان واحد أجزأه، وعنه لا يجزئه إلا ثلاثة من كل صنف إلا العامل فانه يجوز أن يكون واحدا

(فصل) واذا أراد الرجل دفع زكاته الى الغارم فله أن يسلمها اليه ليدفعها الى غريمه فإن دفعها إلى الغريم قضاء الدين ففيه عن أحمد روايتان: إحداهما يجوز ذلك نص عليه أحمد في ما نقل عنه أبو الحرث قال قلت لأحمد رجل عليه ألف وكان على رجل زكاة ماله ألف فأداها عن هذا الذي عليه الدين يجوز هذا من زكاته؟ قال نعم ما أرى بذلك بأساً لانه دفع الزكاة في قضاء دين المدين أشبه ما لو دفعها اليه فقضى بها دينه. والثانية لا يجوز، قال أحمد أحب إلي أن يدفعه اليه حتى يقضي هو عن نفسه، قيل هو محتاج يخاف أن يدفعه اليه فيأكله ولا يقضي دينه قال فقل له يوكله حتى يقضيه. وظاهر هذا أنه لا يدفعها الى الغريم الا بوكالة الغارم لأن الدين إنما هو على الغارم فلا يصح قضاؤه الا بتوكيله، ويحتمل أن يحمل هذا على الاستحباب ويكون قضاؤه عنه جائزاً، وان كان دافع الزكاة الامام جاز أن يقضيها عنه من غير توكيله لان للامام ولاية عليه في ايفاء الدين ولهذا يجبره عليه إذا امتنع منه " مسألة " (وإن فضل مع المكاتب والغارم والغازي وابن السبيل شئ بعد حاجتهم لزمهم رده والباقون يأخذون أخذا مسنقرا فلا يردون شيئاً، وظاهر كلام الخرقي إن المكاتب يأخذ أخذاً مستقراً) أصناف الزكاة قسمان: قسم يأخذون أخذاً مستقراً فلا يراعى حالهم بعد الدفع وهم الفقراء والمساكين والعاملون والمؤلفة فمتى أخذوها ملكوها ملكاً مستقراً لا يجب عليهم ردها بحال. وقسم يأخذون أخذاً مراعى وهم أربعة المكاتبون والغارمون والغراة وابن السبيل فان صرفوه في الجهة التي استحقوا لاخذ لاجلها والا استرجع منهم، والفرق بين هذا القسم والذي قبله ان هؤلاء أخذوا لمعنى لم يحصل بأخذهم للزكاة، والقسم الاول صحل المقصود بأخذهم وهو غنى الفقراء والمساكين وتأليف المؤلفين وأداء أجر العاملين، وان قضى المذكورون في القسم الثاني حاجتهم وفضل معهم فضل ردوا الفضل لانهم أخذوه للحاجة وقد زالت، وذكر الخرقي في غير هذا الباب ان الغازي اذا فضل معه شئ بعد غزوه فهو له لاننا دفعنا اليه قدر الكفاية وانما ضيق على نفسه. وظاهر قول الخرقي في المكاتب انه يأخذ أخذاً مستقراً فلا يرد ما فضل لانه قال وإذا عجز المكاتب ورد في الرق وكان قد تصدق عليه بشئ فهو لسيده ونص عليه أحمد في رواية المروذي والكوسج ونقل عنه حنبل اذا عجز يرد ما في يديه في المكاتبين. وقال أبو بكر عبد العزيز إن كان باقيا بعينه استرجع منه لأنه إنما دفع إليه ليعتق به ولم يقع. وقال القاضي كلام الخرقي محمول على أن الذي بقي في يده لم يكن عين الزكاة وانما نصرف فيها وحصل عوضها وفائدتها، ولو تلف المال الذي في يد هؤلاء بغير تفريط لم يرجع عليهم بشئ

* (مسألة) * (وإن ادعى الفقر من عرف بالغنى لم يقبل قوله إلا ببينة) لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إن المسألة لا تحل لأحد إلا لثلاثة: رجل أصحابته فاقة حتى يشهد ثلاثة من ذوي الحجى من قومه لقد أصابت فلاناً فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش، أو سداداً من عيش " رواه مسلم، ولان الاصل بقاء الغنى فلم يقبل قوله بمجرده فيما يخالف الاصل، وهل يعتبر في البينة على الفقر ثلاثة أو يكتفي باثنين فيه وجهان (أحدهما) لا يكتفي إلا بثلاثة لظاهر الخبر (والثاني) يقبل اثنين لان قولهما يقبل في الفقر بالنسبة في حقوق الآدميين المبنية على الشح والضيق ففي حق الله تعالى أولى والخبر إنما ورد في حل المسألة فيقتصر عليه * (مسألة) * (وإن ادعى أنه مكاتب، أو غارم، أو ابن سبيل لم يقبل قوله إلا ببينة) لأن الأصل عدم ما يدعيه وبراءة الذمة، فان كان يدعي الغرم من جهة اصلاح ذات البين فالأمر فيه ظاهر لا يكاد يخفى ويكفي اشتهار ذلك فان خفي لم يقبل إلا بينة * (مسألة) * (فإن صدق المكاتب سيده أو الغارم غريمه فعلى وجهين) (أحدهما) يقبل لان الحق في العبد لسيده، فاذا أقر بانتقال حقه عنه قبل، ولأن الغريم إذا صدق الغارم قبت عليه ما أقر به (والثاني) لا يقبل لأنه متهم في أن يواطئه ليأخذ المال به * (مسألة) * (وإن ادعى الفقر من لم يعرف بالغنى قبل قوله لأن الأصل عدم الغنى) فان رآه جلداً وذكر أنه لا كسب له أعطاه من غير يمين بعد أن يخبره أنه لا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب. اذا كان الرجل صحيحاً جلداً وذكر أنه لا كسب له أعطي من الزكاة وقبل قوله بغير يمين إذا لم يعلم كذبه لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الرجلين الذين سألاه ولم يحلفهما، وفي بعض رواياته أنه قال: أتينا النبي صلى الله عليه وسلم فسألناه من الصدقة فصعد فينا النظر فرآنا جلدين فقال " أن شئتما أعطيتكما ولا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب " رواه أبو داود (فصل) وإن رآه متجملا قبل قوله أيضاً. لأنه لا يلزم من ذلك الغنى بدليل قوله سبحانه (يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف) لكن ينبغي أن يخبره أنها زكاة لئلا يكون ممن لا تحل له، وإن رآه ظاهر المسكنة أعطاه منها ولم يحتج أن يبين له شرط جواز الاخذ، ولا أن ما يدفعه اليه زكاة. قال أحمد رحمه الله وقد سئل عن الرجل يدفع زكاته إلى رجل هل يقول له هذه زكاة؟ فقال: يعطيه ويسكت ولا يقرعه فاكتفى بظاهر حاله عن السؤال * (مسألة) * (وإن ادعى ان له عيالا قلد وأعطى) ذكره القاضي وأبو الخطاب كما يقلد في دعوى حاجته، ويحتمل أن لا يقبل الا ببينة اختاره ابن

مسألة: ويستحب صرفها إلى أقاربه الذين لا تلزمه مؤنتهم وتفريقها فيهم على قدر حاجتهم

عقيل لان الاصل عدمهم، ولا يتعذر إقامة البينة عليه وفارق ما إذا ادعى أنه لا كسب له لأنه يدعي ما يوافق الاصل، ولأن الأصل عدم الكسب والمال ويتعذر إقامة البينة عليه * (مسألة) * (ومن سافر أو غرم في معصية لم يدفع إليه شئ فإن تاب فعلى وجهين) من غرم في معصية كالخمر والزنا والقمار والغناء ونحوه لم يدفع إليه شئ قبل التوبة لأنه إعانة على المعصية، وكذلك اذا سافر في معصية فأراد الرجوع الى بلده لا يدفع إليه شئ قبل التوبة لما ذكرنا، فإن تاب من المعصية فقال القاضي وابن عقيل: يدفع اليه لان بقاء الدين في الذمة ليس من المعصية بل يجب تفريغها والاعانة على الواجب قربة لا معصية فأشبه من أتلف ماله في المعاصي حتى افتقر فإنه يدفع إليه من سهم الفقراء (والوجه الثاني) لا يدفع اليه لأنه استدانة للمعصية فلم يدفع إليه كما لو لم يتب ولأنه لا يؤمن إن يعود إلى الاستدانة للمعاصي ثقة منه بأن دينه يقضى بخلاف من أتلف في المعاصي فانه يعطى لفقره لا لمعصيته، وكذلك من سافر إلى معصية ثم تاب أو أراد الرجوع الى بلده يجوز الدفع إليه في أحد الوجهين لأن رجوعه ليس بمعصية أشبه غيره، بل ربما كان رجوعه إلى بلده تركا للمعصية واقلاعاً عنها كالعاق يريد الرجوع إلى أبويه (والوجه الثاني) لا يدفع اليه لأن سبب ذلك المعصية أشبه الغارم في المعصية * (مسألة) * (ويستحب صرفها في الاصناف كلها فان اقتصر على انسان واحد أجزأه، وعنه لا يجزئه إلا ثلاثة من كل صنف إلا العامل فإنه يجوز أن يكون واحداً) يستحب صرف الزكاة إلى جميع الاصناف، أو آلى من أمكن منهم لانه يخرج بذلك من الخلاف ويحصل الاجزاء يقيناً، فان اقتصر على انسان واحد أجزأه وهذا قول عمر وحذيفة وابن عباس، وبه قال سعيد بن جبير والحسن وعطاء، واليه ذهب الثوري وأبو عبيد وأصحاب الرأي، وروي عن النخعي إن كان المال كثيراً يحتمل الاصناف قسمة عليهم، وإن كان قليلاً جاز وضعه في صنف واحد وقال مالك: يتحرى موضع الحاجة منهم ويقدم الاولى فالاولى: وقال عكرمة والشافعي: يجب أن يقسم زكاة كل صنف من ماله على الموجودين من الاصناف الستة الذين سهمانهم ثابتة قسمة على السواء ثم حصة كل صنف منهم لا تصرف إلى أقل من ثلاثة أو أكثر، فان لم يجد الا واحداً صرف حصة ذلك الصنف اليه. وروى الاثرم ذلك عن أحمد اختاره أبو بكر لأن الله تعالى جعل الصدقة لجميعهم وشرك بينهم فيها فلم يجز الاقتصار على بعضهم كأهل الخمس ولنا قول الله تعالى (إن تبدوا الصدقات فنعما هي، وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم) وقول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ حين بعثه إلى اليمن " أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم " متفق

مسألة: ولا إلى الوالدين وإن علوا، ولا إلى الولد وإن سفل

عليه، فلم يذكر في الآية والخبر إلا صنفاً واحداً (1) ، وأمر بني زريق بدفع صدقتهم إلى سلمة بن صخر وقال لقبيصة " أقم يا قبيصة حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها " ولو وجب صرفها إلى جميع الاصناف لم يجز صرفها إلى واحد، ولأنه لا يجب صرفها إلى جميع الأصناف اذا فرقها الساعي فكذلك المالك ولأنه لا يجب عليهم تعميم أهل كل صنف بها فجاز الإقتصار على واحد كما لو وصى لجماعة لا يمكن حصرهم ويخرج على هذين المعنيين الخمس فإنه يجب على الإمام تفريقه على جميع مستحقيه بخلاف الزكاة، وهذا الذي اخترناه هو اللائق بحكمة الشرع وحسنه، إذ غير جائز أن يكلف الله سبحانه وتعالى من وجبت عليه شاة أو صاع من البر او نصف مثقال دفعه إلى ثمانية عشر نفساً، أو أحد وعشرين نفساً، أو اربعه وعشرين من ثمانية أصناف لكل ثلاثة منهم ثمنها، الغالب تعذر وجودهم في الاقليم العظيم، فكيف يكلف الله تعالى كل من وجبت عليه زكاة جمعهم وإعطاؤهم وهو سبحانه القائل (وما جعل عليكم في الدين من حرج) وقال (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) وأظن من قال بوجوب دفعها على هذا الوجه إنما يقوله بلسانه ولا يفعله، ولا يقدر على فعله، وما بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل هذا في صدقة من الصدقات، ولا أحد من خلفائه، ولا من صحابته ولا غيرهم، ولو كان هذا هو الواجب في الشريعة المطهرة لما اغفلوه ولو فعلوه مع مشقته لنقل ولما أهمل، إذ لا يجوز على أهل التواتر اهمال نقل ما تدعو الحاجة إلى نقله لاسيما من كثرة من تجب عليهم الزكاة ووجود ذلك في كل زمان في كل عصر وبلد، وهذا أمر ظاهر إن شاء الله تعالى، والآية انما سيقت لبيان من يجوز الصرف اليه لا لايجاب الصرف إلى الجميع بدليل أنه لا يجب تعميم كل صنف بها، فأما العامل فإنه يجوز أن يكون واحداً لأنه إنما يأخذ أجر عمله فلم تجز الزيادة عليه مع الغناء عنه، ولأن الرجل اذا تولى اخراجها بنفسه سقط سهم العامل لعدم الحاجة إليه، فاذا جاز تركهم بالكلية جاز الاقتصار على بعضهم بطريق الأولى (فصل) وقد ذكرنا أنه يستحب تفريقها على من أمكن من الاصناف وتعميمهم بها، فإن كان المتولي لتفريقها الساعي استحب احصاء أهل السهمان من عمله حتى يكون فراغه من قبض الصدقات بعد تناهي أسمائهم وانسابهم وحاجاتهم وقدر كفاياتهم ليكون تفريقه عقيب جمع الصدقة، ويبدأ باعطاء العامل لانه يأخذ على وجه المعاوضة فكان استحقاقه أولى، ولذلك اذا عجزت الصدقة عن أجره تمم من بيت المال ولأن ما يأخذه أجر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه " ثم الأهم فالأهم، وأهمهم أشدهم حاجة، ويعطى كل صنف قدر كفايته على ما ذكرنا، فان فضلت عن كفايتهم نقل الفاضل إلى أقرب البلاد اليه وإن نقصت أعطى كل إنسان منهم ما يرى * (مسألة) * (ويستحب صرفها إلى أقاربه الذين لا تلزمه مؤنتهم وتفريقها فيهم على قدر حاجتهم

_ " 1 " لم يقل أحد من المسلمين بجواز دفع جميع الزكاة إلى الفقراء وحدهم مع وجود غيرهم من الاصناف معهم، ولا يتفق مع أصول أحد من أئمة الفقه ان يكون حديث معاذ ناسخا لآية (انما الصدقات) الخ وكذا ما بعده من الاحاديث التى يجب حملها على أحوال أو وقائع لا تنافى الآية. ولم يقل عكرمة والشافعي ولا أحمد في الرواية الأخرى عنه أنه يجب على من عليه صاع من زكاة الفطر ان يتكلف البحث في البلد أو القطر 24 حاصلة من ضرب 3 في 8 فيدفعه إليهم كما ذكره الشارح بعبارة كالتهكم أو التجهيل، وانما يقولون بوجوب ما اعتمد هو انه مستحب عند امكانه

مسألة: قال: ولا إلى الزوجة

اذا تولى الرجل تفريق زكاته استحب أن يبدأ بأقاربه الذين يجوز الدفع اليهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم " صدقتك على ذي القرابة صدقة وصلة " رواه الترمذي والنسائي ويخص ذوي الحاجة لأنهم أحق، فإن استووا في الحاحة فأولاهم أقربهم نسباً * (مسألة) * (ويجوز للسيد دفع زكاته الى مكاتبه وإلى غريمه) يجوز للسيد دفع زكاته إلى مكاتبه في الصحيح من المذهب لأنه صار معه في باب المعاملة كالاجنبي يجري بينهما الربا فهو كالغريم يدفع زكاته الى غريمه، ويجوز للمكاتب ردها الى سيد بحكم الوفاء أشبه إيفاء الغريم دينه بها. قال ابن عقيل: ويجوز دفع الزكاة إلى سيد المكاتب وفاء عن دين الكتابة وهو الاولى لأنه أعجل لعتقه وأوصل إلى المقصود الذي كان الدفع من أجله لأنه اذا أخذه المكاتب قد يدفعه وقد لا يدفعه: ونقل حنبل عن أحمد أنه قال: قال سفيان لا تعط مكاتباً لك من الزكاة. قال وسمعت أبا عبد الله يقول: وأنا أرى مثل ذلك. قال الاثرم: وسمعت أبا عبد الله يسئل: يعطى المكاتب من الزكاة؟ قال المكاتب بمنزلة العبد وكيف يعطى، ومعناه والله أعلم لا يعطي مكاتبه من الزكاة لانه عبده وماله يرجع اليه إن عجز وإن عتق، وله ولاؤه، ولأنه لا تقبل شهادته لمكاتبه ولا شهادة مكاتبه له فلم يعط من زكاته كولده، وكذلك يجوز للرجل دفع زكاته الى غريمه لأنه من جملة الغارمين فان رده اليه الغارم فله أخذه. نص عليه أحمد في رواية مهنا لان الغريم قد ملكه بالاخذ أشبه ما لو وفاه من مال آخر، وإن سقط الدين عن الغريم وحسبه زكاة لم تسقط عنه الزكاة لانه مأمور بادائها وهذا اسقاط. قال مهنا: سألت أبا عبد الله عن رجل له على رجل دين برهن وليس عنده قضاؤه ولهذا الرجل زكاة مال يريد أن يفرقها على المساكين فيدفع اليه رهنه ويقول له: الدين الذي عليك هو لك: يحسبه من زكاة ماله؟ قال لا يجزئه ذلك. فقلت له فيدفع اليه زكاته، فان رده اليه قضاء من ماله له أخذه؟ قال نعم. وقال في موضع آخر: وقيل له فان أعطاه ثم رده اليه؟ قال إذا كان بحيلة فلا يعجبني، قبل له فان استقرض الذي عليه الدين دراهم فقضاه اياها ثم ردها عليه وحسبها من الزكاة قال إذا أراد بهذا إحياء ماله فلا يجوز. فحصل من كلامه أن دفع الزكاة إلى الغريم جائز سواء دفعها ابتداء أو استوفى حقه ثم دفع ما استوفاه اليه، إلا أنه متى قصد بالدفع احياء ماله واستيفاء دينه لم يجز لأن الزكاة لحق الله تعالى فلا يجوز صرفها إلى نفعه والله أعلم (فصل) قال رحمه الله: (ولا يجوز دفعها إلى كافر ولا عبد، ولا فقيرة لها زوج غني) قال الشيخ رحمه الله لا نعلم خلافاً بين أهل العلم في أن زكاة المال لا تعطى لكافر ولا لمملوك. قال إبن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن الذمي لا يعطى من زكاة الاموال شيئاً، وقد قال

مسألة: ويجوز لبني هاشم الأخذ من صدقة التطوع، ووصايا الفقراء، والنذور وفي الكفارة وجهان

النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ " أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم " فخصهم بصرفها إلى فقرائهم كما خصهم بوجوبها على أغنيائهم، ولان المملوك لا يملك ما يدفع اليه، وانما يملكه سيده فكأنه دفع إلى السيد، ولأنه تجب نفقته على السيد فهو غني بغناه (فصل) إلا أن يكون الكافر مؤلفاً قلبه فيجوز الدفع إليه، وكذلك إن كان عاملا على إحدى الروايتين وقد ذكرنا الخلاف فيه، وكذلك العبد إذا كان عاملا يجوز أن يعطي من الزكاة أجر عمله وقد مضى ذكر ذلك (فصل) والفقيرة إذا كان لها زوج غني ينفق عليها لم يجز دفع الزكاة اليها لان الكفاية حاصلة لها بما يصلها من النفقة الواجبة فأشبهت من له عقار يستغنى بأجرته، وإن لم ينفق عليها وتعذر ذلك جاز الدفع اليها كما تعطلت منفعة العقار وقد نص أحمد على هذا * (مسألة) * (ولا إلى الوالدين وإن علوا، ولا إلى الولد وإن سفل) قال إبن المنذر: أجمع أهل العلم على أن الزكاة لا يجوز دفعها إلى الولدين في الحال التي يجبر الدافع اليهم على النفقة عليهم، ولان دفع زكاته اليهم تغنيهم عن نفقته ويسقطها عنه فيعود نفعها اليه فكانه دفعها الى نفسه فلم يجز كما لو قضى بها دينه، وأراد المصنف بالوالدين الاب والام، وقوله وإن علوا يعني آباءهما وأمهاتهما وإن ارتفعت درجتهم من الدافع، كأبوي الاب وأبوي الأم من يرث منهم ومن لا يرث، وقوله ولا إلى الولد وإن سفل، يعني وإن نزلت درجته من أولاد البنين وأولاد البنات الوارث وغيره. نص عليه أحمد فقال: لا يعطى الوالدين من الزكاة، ولا الولد، ولا ولد الولد، ولا الجد ولا الجدة، ولا ولد البنت، قال النبي صلى الله عليه وسلم " إن ابني هذا سيد " يعني الحسن فجعله ابنه لانه من عمودي نسبه فأشبه الوارث، ولأن بينهما قرابة جزئية وبعضية بخلاف غيرهما * (مسألة) * قال (ولا إلى الزوجة) وذلك اجماع. قال إبن المنذر: أجمع أهل العلم على أن الرجل لا يعطي زوجته من الزكاة، وذلك لأن نفقتها واجبة عليه فتستغنى بها عن أخذ الزكاة، فلم يجز دفعها إليها كما لو دفعها اليها على سبيل الإنفاق عليها * (مسألة) * (ولا بني هاشم ولا مواليهم) لا نعلم خلافاً في أن بني هاشم لا تحل لهم الصدقة المفروضة لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد إنما هي أوساخ الناس " أخرجه مسلم، وعن أبي هريرة قال: أخذ الحسن تمرة من تمر الصدقة فقال النبي صلى الله عليه وسلم " كخ كخ " ليطرحها وقال " أما شعرت أنا لا نأكل الصدقة " متفق عليه، وسواء

مسألة: وهل يجوز دفعها إلى سائر من تلزمه مؤنته من أقاربه أو إلى الزوج أو بني المطلب على روايتين

أعطوا من خمس الخمس أو لم يعطوا لعموم النصوص، ولان منعهم من الزكاة لشرفهم وشرفهم باق فيبقى المنع، فان أعطوا منها لغزو أو حمالة جاز ذلك ذكره شيخنا، وإن كان الهاشمي عاملا، أو غارما لم يجزئه الاخذ في أظهر الوجهين وقد ذكرنا ذلك (فصل) وحكم مواليهم حكمهم عند أحمد رحمه الله. وقال أكثر أهل العلم: يجوز الدفع إليهم لأنهم ليسوا بقرابة النبي صلى الله عليه وسلم فلم يمنعوا الصدقة كسائر الناس ولنا ما روى أبو رافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رجلا من بني مخزوم على الصدقة فقال لأبي رافع اصحبني كيما تصيب منها، فقال لا حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسأله، فانطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله فقال " إنا لا تحل لنا الصدقة، وإن موالي القوم منهم " أخرجه أبو داود والنسائي والترمذي وقال حديث حسن صحيح، ولأنهم ممن يرثه بنو هاشم بالتعصيب فلم يجز دفع الصدقة اليهم كبني هاشم وقولهم انهم ليسوا بقرابة، قلنا هم بمنزلة القرابة بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم " الولاء لحمة كلحمة النسب " ويثبت فيهم حكم القرابة من الارث والعقل والنفقة فلا يمتنع ثبوت حكم تحريم الصدقة فيهم (فصل) وروى الخلال بإسناده عن أبي مليكة أن خالد بن سعيد بن العاص بعث إلى عائشة سفرة من صدقة فردتها وقالت: إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة. وهذا يدل على تحريمها على أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم * (مسألة) * (ويجوز لبني هاشم الأخذ من صدقة التطوع، ووصايا الفقراء، والنذور وفي الكفارة وجهان) قال أحمد رحمه الله في رواية ابن القاسم انما لا يعطون من الصدقة المفروضة فأما التطوع فلا، وعن أحمد رواية أخرى أنهم يمنعون من صدقة التطوع أيضاً لعموم قوله عليه السلام " أنا لا تحل لنا الصدقة " والاول أظهر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال " المعروف كله صدقة " متفق عليه، وقال الله تعالى (فمن تصدق به فهو كفارة له) وقال تعالى (فنطرة إلى ميسرة، وأن تصدقوا خير لكم) ولا خلاف في اباحة ايصال المعروف إلى الهاشمي والعفو عنه وانظاره. وقال أخوة يوسف (وتصدق علينا) والخبر أريد به صدقة الفرض لان الطلب كان لها والالف واللام تعود إلى المعهود، وروى جعفر بن محمد عن أبيه عن جده أنه كان يشرب من سقايات بين مكة والمدينة، فقلت له أتشرب من الصدقة! فقال انما حرمت علينا الصدقة المفروضة (1) ، ويجوز أن يأخذوا من الوصايا للفقراء ومن النذور لأنهما تطوع فأشبه ما لو وصى لهم، وفي الكفارة وجهان (أحدهما) يجوز لانها ليست بزكاة ولا هي أوساخ الناس فأشبهت صدقة التطوع (والثاني) لا يجوز لأنها واجبة لايجابه على نفسه أشبهت الزكاة

_ " 1 " بقي ان تعليل تحريم الصدقة عليهم بأنها من أوساخ أظهر في صدقة التطوع لما فيها من المنة بكونها اختيارية. وزكاة مال حق في النصاب. وتسمية المعروف صدقة مجاز واخوة يوسف لم تكن الصدقة محرمة عليهم. وتقدم مثل هذا في حواشي المغني

ولو أهدى المسكين مما تصدق به عليه الى الهاشمي حل له لأن النبي صلى الله عليه وسلم أكل مما تصدق به على أم عطية وقال " انها بلغت محلها " متفق عليه (فصل) وكل من حرم صدقة الفرض من الاغنياء وقرابة المتصدق ولكافر وغيرهم يجوز دفع صدقة التطوع اليهم ولهم أخذها، قال الله تعالى (ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيما وأسيرا) ولم يكن الاسير يومئذ إلا كافراً، وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: قدمت على أمي وهي مشركة فقلت يا رسول الله: إن أمي قدمت علي وهي راغبة أفأصلها؟ قال " نعم صلي أمك " وكسا عمر أخا له مشركا حلة كان النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه اياها، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لسعد " إن نفقتك على أهلك صدقة، وإن ما تأكل امرأتك صدقة " متفق عليه (1) (فصل) فأما النبي صلى الله عليه وسلم فالظاهر أن الصدقة جميعها كانت محرمة عليه فرضها ونقلها لأن اجتنابها كان من دلائل نبوته فلم يكن ليحل بذلك بدليل أن في حديث سلمان الفارسي أن الذي أخبره عن النبي صلى الله عليه وسلم ووصفه له قال: انه يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة. وقال أبو هريرة: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتي بطعام سأل عنه، فإن قيل صدقة قال لأصحابه " كلوا " ولم يأكل، وإن قيل هدية ضرب بيديه وأكل معهم أخرجه البخاري. وقال في لحم تصدق به على بريرة " هو عليها صدقة وهو لينا هدية " ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان أشرف الخلق وكان له من المغانم خمس الخمس والصفي فحرم نوعي الصدقة فرضها ونفلها، وآله دونه في الشرف ولهم خمس الخمس وحده فحرموا أحد نوعيها وهو الفرض، وقد روي عن أحمد أن صدقة التطوع لم تكن محرمة عليه والصحيح الأول إن شاء الله تعالى لما ذكرنا من الادلة والله تعالى أعلم * (مسألة) * (وهل يجوز دفعها إلى سائر من تلزمه مؤنته من أقاربه أو إلى الزوج أو بني المطلب على روايتين) الأقارب غير الوالدين قسمان: من لا يرث منهم دفع الزكاة إليه سواء كان انتفاء الارث لانتفاء سببه لكونه بعيد القرابة ليس من أهل الميراث في حال أو كان لمانع مثل أن يكون محجوباً عن الميراث كالأخ المحجوب بالابن والعم المحجوب بالاخ وابنه فيجوز دفع الزكاة إليه لأنه لا قرابة جزئية بينهما ولا ميراث فأشبها الاجانب. والثاني من يرث كالأخوين اللذين يرث كل واحد منهما الآخر ففيه روايتان: إحداهما يجوز لكل واحد منهما دفع زكاته الى الآخر وهي الظاهرة عنه رواها عنه الجماعة قال في رواية إسحق بن إبراهيم واسحق بن منصور وقد سأله يعطى الاخ والاخت والخالة من الزكاة؟ قال يعطى كل القرابة إلا الابوين والولد وهذا قول أكثر أهل العلم لقول النبي صلى الله عليه وسلم " الصدقة على المسكين صدقة وهي لذي الرحم اثنتان صدقة وصلة " فلم يشترط نافلة ولا

_ " 1 " وحديث أسماء متفق عليه أيضاً وقال سفيان بن عيينة احد رواته عند البخاري: فأنزل الله فيها (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين)

فريضة ولم يفرق بين الوارث وغيره ولأنه ليس من عمودي نسبه فأشبه الاجنبي (والرواية الثانية) لا يجوز دفعها إلى الموروث وهو ظاهر قول الخرقي لأن على الوارث مؤنة الموروث فاذا دفع اليه الزكاة أغناه عن مؤنته فيعود نفع زكاته اليه فلم يجز كدفعها الى والده أو قضاء دينه بها، والحديث يحتمل صدقة التطوع فيحمل عليها. فعلى هذا إن كان أحدهما يرث الآخر ولا يرثه الآخر كالعمة مع ابن أخيها والعتيق مع معتقه فعلى الوارث منهما نفقة موروثه وليس له دفع زكاته إليه على هذه الرواية وليس على الموروث منهما نفقة وارثه ولا يمنع من دفع الزكاة إليه لانتفاء المقتضي للمنع، ولو كان أخوان لأحدهما ابن والآخر لا ولد له فعلى أبي الابن نفقة أخيه وليس له دفع زكاته إليه وللذي لا ولد له دفع زكاته الى أخيه ولا تلزمه نفقته لانه محجوب عن ميرائه، ونحو هذا قول الثوري. فأما ذوو الأرحام في الحال يرثون فيها فيجوز دفعها اليهم في ظاهر المذهب لأن قرابتهم ضعيفة لا يرث بها مع عصبة ولا ذي فرض غير أحد الزوجين فلم يمنع دفع الزكاة كقرابة سائر المسلمين فان ماله بصير اليهم عند عدم الوارث (فصل) فإن كان في عائلته من لا يجب عليه الإنفاق عليه كيتيم أجنبي، فظاهر كلام أحمد أنه لا يجوز دفع زكاته إليه لانه ينتفع بدفعها اليه لإغنائه بها عن مؤنته. والصحيح إن شاء الله جواز دفعها اليه لأنه داخل في الاصناف المستحقين للزكاة ولم يرد في منعه نص ولا إجماع ولا قياس صحيح فلم يجز اخراجه عن عموم النص بغير دليل. وقد روى البخاري أن امرأة عبد الله سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن بني أخ لها أيتام في حجرها فتعطيهم زكاتها؟ قال " نعم " فإن قيل فهو ينتفع بدفعها اليه قلنا قد لا ينتفع به لإمكان صرفها في مصالحه التي لا يقوم بها الدافع، وان قدر الانتفاع به فانه نفع لا يسقط به واجباً عليه ولا يجتلب به مالاً اليه فلم يمنع ذلك الدفع كما لو لم يكن من عائلته (فصل) ويجوز أن يعطي الانسان ذا قرابته من الزكاة لكونه غارما أو مؤلفاً أو عاملاً أو غارما لإصلاح ذات البين ولا يعطى لغير ذلك (فصل) وفي دفع الزكاة الى الزوج روايتان: إحداهما لا يجوز دفعها اليه اختارها أبو بكر وهو مذهب أبو حنيفة لأنه أحد الزوجين فلم يجز دفع الزكاة إليه كالآخر ولانها تنتفع بدفعها اليه لأنه إن كان عاجزاً عن الإنفاق عليها تمكن بأخذ الزكاة من الانفاق فيلزمه وإن لم يكن عاجزاً لكنه أيسر بها فلزمته نفقة الموسرين فينتفع بها في الحالين فلم يجز لها ذلك كما لو دفعتها في أجرة دار أو نفقة رقيقها أو بهائمها، فان قيل فيلزم على هذا الغريم فانه يجوز له دفع زكاته الى غريمه ويلزم

مسألة: وإن دفعها إلى من لا يستحقها وهو لا يعلم ثم علم لم يجزه إلا الغني اذا ظنه فقيرا في احدى الروايتين

الأخذ بذلك وفاء دينه، قلنا الفرق بينهما من وجهين: أحدهما لن حق الزوجة في النفقة آكد من حق الغريم بدليل ان نفقة المرأة مقدمة في مال المفلس على وفاء دينه وانها تملك أخذها من ماله بغير علمه إذا امتنع من أدائها. والثاني ان المرأة تنبسط في مال زوجها بحكم العادة ويعد مال كل واحد منهما مالاً للآخر. ولهذا قال ابن مسعود في عبد سرق مرآة امرأة سيده: عبدكم سرق مالكم، ولم يقطعه وروي ذلك عن عمر. والرواية الثانية يجوز للمرأة دفع زكاتها الى زوجها وهو مذهب الشافعي وابن المنذر وطائفة من أهل العلم لأن زينب امرأة عبد الله بن مسعود قالت يا رسول الله إنك أمرت اليوم بالصدقة وكان عندي حلي لي فأردت أن أتصدق به فزعم ابن مسعود أنه هو وولده أحق من تصدقت عليهم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم " صدق ابن مسعود زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم " رواه البخاري ولأنه لا تجب نفقته فلم يمنع دفع الزكاة إليه كالاجنبي، وبهذا فارق الزوجة فان نفقتها واجبة عليه ولأن الأصل جواز الدفع الى الزوج لدخوله في عموم الاصناف المسمين في الزكاة وليس في المنع نص ولا إجماع وقياسه على من يثبت المنع في حقه لا يصح لوضوح الفرق بينهما فيبقى جواز الدفع ثابتا والاستدلال بهذا أقوى من الاستدلال بحديث ابن مسعود لانه في صدقة التطوع لقولها أردت أن أتصدق بحلي لي ولا تجب الصدقة بالحلي وقول النبي صلى الله عليه وسلم " زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم " والولد لا تدفع اليه الزكاة (فصل) وهل يجوز دفع الزكاة الى بني المطلب على روايتين: إحداهما ليس لهم ذلك نقلها عنه عبد الله بن أحمد وغيره لقول النبي صلى الله عليه وسلم " أنا وبنو المطلب لم نفترق في جاهلية ولا إسلام إنما نحن وهم شئ واحد " وفي لفظ رواه الشافعي في مسنده " إنما بنو هاشم وبنو المطلب شئ واحد " وشبك بين أصابعه ولانهم يستحقون من خمس الخمس فمنعوا من الزكاة كبني هاشم. وقد أكد ذلك ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم علل منعهم من الصدقة باستغنائهم عنها بخمس الخمس فقال " أليس في خمس الخمس ما يغنيكم " والرواية الثانية لهم الاخذ منها وهو قول أبي حنيفة لدخولهم في عموم الصدقات لكن خرج بنو هاشم لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد " فوجب أن يختص المنع بهم ولا يصح قياسهم على بني هاشم لأن بني هاشم أقرب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأشرف وهم آل النبي صلى الله عليه وسلم ومشاركة بني المطلب لهم في خمس الخمس ما استحقوه بمجرد القرابة بدليل ان بني عبد شمس وبني نوفل يساوونهم في القرابة ولم يعطوا شيئاً وانما شاركوهم بالنصرة أو بهما جميعاً والنصرة لا تقتضي منع الزكاة

* (مسألة) * (وإن دفعها إلى من لا يستحقها وهو لا يعلم ثم علم لم يجزه إلا الغني اذا ظنه فقيراً في إحدى الروايتين) اذا دفع الزكاة إلى من لا يستحقها جاهلا بحاله كالعبد والكافر والهاشمي وقرابة المعطي ممن لا يجوز دفعها اليه لم يجزئه رواية واحدة لأنه ليس بمستحق ولا يخفى حاله غالباً فلم يجزئه الدفع اليه كديون الآدميين. فأما إن أعطى من يظنه فقيراً فبان غنياً ففيه روايتان: إحداهما يجزئه اختارها أبو بكر وهو قول الحسن وأبي عبيد وأبي حنيفة لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الرجلين الجلدين وقال " إن شئتما أعطيتكما منها ولا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب " وقال للرجل الذي سأله من الصدقة " إن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك حقك " ولو اعتبر حقيقة الغنى لما اكتفى بقولهم. وروى ابو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " قال رجل لأتصدقن بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد غني فأصبحوا يتحدثون: تصدق على غني، فأتي فقيل له: اما صدقتك فقد تقبلت لعل الغني يعتبر فينفق مما أعطاه الله " رواه النسائي. والرواية الثانية لا يجزيه لانه دفع الواجب إلى غير مستحقه فلم يخرج من عهدته كما لو دفعها إلى كافر أو ذي قرابة وكديون الآدميين. وهذا قول الثوري وأبي يوسف وابن المنذر، وللشافعي قولان كالروايتين والأول أولى إن شاء الله تعالى لأن الفقر والغنى يعسر الاطلاع عليه والمعرفة بحقيقته قال الله تعالى: (يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم) فاكتفى بظهور الفقر ودعواه بخلاف غيره والله أعلم. (فصل) وصدقة التطوع مستحبة في جميع الأوقات لقول الله تعالى (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة) وأمر بالصدقة في آيات كثيرة وحث عليها ورغب فيها، وروى أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يصعد إلى الله إلا طيب فإن الله يقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل " متفق عليه. وصدقة السر أفضل من العلانية لقول الله تعالى (إن تبدو الصدقات فنعما هي، وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم) وروى ابو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله " ذكر منهم رجلاً " تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه " متفق عليه. وروى عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال " صدقة السر تطفئ غضب الرب " رواه الترمذي * (مسألة) * (وأفضل ما تكون في شهر رمضان وأوقات الحاجات) لقول الله تعالى (أو إطعام في يوم ذي مسغبة) ولأن الحسنات تضاعف في شهر رمضان وفيها

مسألة: وأفضل ما تكون في شهر رمضان وأوقات الحاجات

اعانة على أداء الصوم المفروض، ومن فطر صائما كان له مثل أجره. وتستحب الصدقة على ذي القرابة لقوله سبحانه (يتيما ذا مقربة) وقال النبي صلى الله عليه وسلم " الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم اثنتان صدقة وصلة " وهو حديث حسن، وسألت زينب امرأة ابن مسعود رسول الله صلى الله عليه وسلم هل يسعها أن تضع صدقتها في زوجها وبني أخ لها يتامى قال " نعم لها أجران: أجر القرابة وأجر الصدقة " رواه النسائي. ويستحب أن يخص بالصدقة من اشتدت حاجته لقول الله تعالى (أو مسكينا ذا متربة) * (مسألة) * (وتستحب الصدقة بالفاضل عن كفايته وكفاية من يمونه على الدوام) لقول النبي صلى الله عليه وسلم " خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى وابدأ بمن تعول " متفق عليه فإن تصدق بما ينقص مؤنة من تلزمه مؤنته أثم لقول النبي صلى الله عليه وسلم " كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت " وروى أبو هريرة قال: أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصدقة فقام رجل فقال: يا رسول الله عندي دينار، فقال " تصدق به على نفسك " فقال عندي آخر، قال " تصدق به على ولدك " قال عندي آخر، قال " تصدق به على زوجك " قال عندي آخر، قال " تصدق به على خادمك " قال عندي آخر، قال " أنت أبصر " رواهما أبو داود، فان وافقه عياله على الايثار فهو أفضل لقوله بعالى (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) وقال النبي صلى الله عليه وسلم " أفضل الصدقة جهد من مقل إلى فقير في السر " * (مسألة) * (ومن أراد الصدقة بماله كله وهو يعلم من نفسه حسن التوكل والصبر عن المسألة فله ذلك وان لم يثق من نفسه بذلك كره له) من أراد الصدقة بجميع ماله وكان وحده أو كان لمن يمونه كفايتهم وكان مكتسباً أو واثقاً من نفسه بحسن التوكل والصبر على الفقر والتعفف عن المسألة فله ذلك لما ذكرنا من الآية والخبر في المسألة قبلها، ولما روى عمر رضي الله عنه قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتصدق فوافق ذلك مالاً عندي فقلت اليوم أسبق أبا بكر أن سبقته يوما فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما أبقيت لأهلك " قلت أبقيت لهم مثله، فأتى أبو بكر بكل ما عنده فقال له " ما أبقيت لأهلك " قال أبقيت لهم الله ورسوله، فقلت لا أسابقك إلى شئ أبداً، فكان هذا فضيلة في حق الصديق رضي الله عنه لقوة يقينه وكمال إيمانه وكان تاجراً ذا مكسب، فانه قال حين ولي: قد علم الناس أن مكسبي لم يكن ليعجز عن مؤنة عيالي، وإن لم يوجد في المتصدق أحد هذين كره له لما روى أبو داود عن جابر بن عبد الله قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إد جاء رجل بمثل بيضة من ذهب فقال يا رسول الله: أصبت هذه من معدن خذها فهي صدقة ما أملك غيرها، فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أتاه من قبل ركنه الأيمن فقال مثل ذلك فأعرض عنه، ثم أتاه من قبل ركنه الأيسر فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم

مسألة: ومن أراد الصدقة لماله كله وهو يعلم من نفسه حسن التوكل والصبر عن المسألة فله ذلك وإن لم يثق من نفسه بذلك كره له

أتاه من خلفه فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم فحذفه بها فلو أصابته لعقرته أو لأوجعته، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يأتي أحدكم بما يملك فيقول هذه صدقة ثم يقعد يستكف الناس، خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى " فقد نبه النبي صلى الله عليه وسلم على المعنى الذي كره الصدقة بجميع ماله وهو " أن يستكف الناس " أي يتعرض للصدقة فيأخذها ببطن كفه، يقال تكفف واستكف إذا فعل ذلك وروى النسائي أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى رجلا ثوبين من الصدقة، ثم حث على الصدقة فطرح الرجل أحد ثوبيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ألم تروا إلى هذا دخل بهيئة بذة فأعطيته ثوبين ثم قلت تصدقوا فطرح أحد ثوبيه " خذ ثوبك وانتهره، ولأن الانسان اذا أخرج جميع ماله لا يأمن فتنة الفقر وشدة نزاع النفس إلى ما خرج منه فيندم فيذهب ماله ويبطل أجره ويصير كلا على الناس * (مسألة) * (ويكره لمن لا صبر له على الضيق أن ينقص نفسه من الكفاية التامة) والله أعلم * (تم طبع الجزء الثاني) * من كتاب المغني وهو الذي في أعلى الصحائف وكتاب الشرح الكبير للمقنع وهو الذي في أدناها وكان ذلك في أواخر شهر رجب من سنة 1345 هـ ويليه الجزء الثالث وأوله في الكتابين (كتاب الصيام)

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين (كتاب الصيام) الصيام في اللغة عبار عن الإمساك يقال صام النهار إذا وقف سير الشمس، وقال سبحانه وتعالى حكاية عن مريم (إني نذرت للرحمن صوما) أي إمساكاً عن الكلام وقال الشاعر خيل صيام وخيل غير صائمة * تحت العجاج وأخرى تعلك اللجما يعني بالصائمة الممسكة عن الصهيل، وهو في الشرع عبارة عن الإمساك عن أشياء مخصوصة في وقت مخصوص يأتي بيانه إن شاء الله. وصوم رمضان واجب والأصل في وجوبه الكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب فقول الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام) إلى قوله (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) وأما السنة فقول النبي صلى الله عليه وسلم " بنى الإسلام على خمس " وذكر منها صوم رمضان، وعن طلحة بن عبيد الله أن أعرابياً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثائر الرأس فقال يارسول الله أخبرني ماذا فرض الله علي من الصيام؟ فقال " شهر رمضان " فقال هل علي غيره؟ فقال " لا، إلا أن تتطوع شيئاً "

كتاب الصيام

قال فأخبرني ماذا فرض علي من الزكاة؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرائع الإسلام فقال والذي أكرمك لا أتطوع شيئاً ولا أنقص مما فرض الله علي شيئاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أفلح إن صدق أو دخل الجنة إن صدق " متفق عليهما، وأجمع المسلمون على وجوب صوم شهر رمضان (فصل) روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة " متفق عليه وروى عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا تقولوا جاء رمضان فإن رمضان اسم من أسماء الله تعالى " فيتعين حمل هذا على أنه لا يقال ذلك غير مقترن بما يدل على إرادة الشهر لئلا يخالف الأحاديث الصحيحة. والمستحب مع ذلك أن تقول شهر رمضان كما قال تعالى (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن) واختلف في المعنى الذي سمي لأجله رمضان، فروى أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " انما سمي رمضان لأنه يحرق الذنوب " فيحتمل أنه أراد أنه شرع صومه دون غيره ليوافق اسمه معناه، وقيل هو اسم موضوع لغير معنى كسائر الشهور وقيل غير ذلك (فصل) والصوم المشروع هو الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس روي معنى ذلك عن عمر وابن عباس وبه قال عطاء وعوام أهل العلم، وروى عن علي رضي الله عنه أنه لما صلى الفجر قال: الآن حين تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، وعن ابن مسعود نحوه وقال مسروق لم يكونوا يعدون الفجر فجركم إنما كانوا يعدون الفجر الذي يملأ البيوت والطرق وهذا قول الأعمش

ويجب صوم رمضان برؤية الهلال فإن لم ير مع الصحو أكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما ثم صاموا، فإن حال دون منظرة غيم أو قتر ليلة الثلاثين وجب صيام بنية رمضان في ظاهر المذهب وعنه لا يجب وعنه الناس تبع للإمام فإن صام صاموا

ولنا قول الله تعالى (حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر) يعني بياض النهار من سواد الليل وهذا يحصل بطلوع الفجر. قال ابن عبد البر: قول النبي صلى الله عليه وسلم إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم " دليل على أن الخيط الأبيض هو الصباح وإن السحور لا يكون إلا قبل الفجر وهذا إجماع لم يخالف فيه إلا الأعمش وحده فشذ ولم يعرج أحد على قوله، والنهار الذي يجب صيامه من طلوع الفجر إلى غروب الشمس قال هذا قول جماعة من علماء المسلمين (مسألة) قال (ويجب صوم رمضان برؤية الهلال فإن لم ير مع الصحو أكملوا عدة شعبان ثلاثين يوماً ثم صاموا، فإن حال دون منظرة غيم أو قتر ليلة الثلاثين وجب صيامه بنية رمضان في ظاهر المذهب وعنه لا يجب وعنه الناس تبع الامام فإن صام صاموا) وجملة من ذلك ان صوم رمضان يجب بأحد ثلاثة أشياء (أحدها) رؤية هلال رمضان يجب به الصوم إجماعاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم " صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته " متفق عليه (الثاني) كمال شعبان ثلاثين يوماً يجب به الصوم لأنه يتيقن به دخول شهر رمضان ولا نعلم فيه خلافاً، ويستحب للناس

ترائي الهلال ليلة الثلاثين من شعبان ليحتاطوا لصيامهم ويسلموا من الاختلاف. وقد روى الترمذي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أحصوا هلال شعبان لرمضان " (فصل) ويستحب لمن رأى الهلال أن يقول ماروى ابن عمر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى الهلال قال " الله أكبر، اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام والتوفيق لما تحب وترضى، ربي وربك الله " رواه الأثرم (الثالث) أن يحول دون منظره ليلة الثلاثين من شعبان غيم أو قتر فيجب صيامه في ظاهر المذهب ويجزيه إن كان من شهر رمضان اختارها الخرقي وأكثر شيوخ أصحابنا وهو مذهب عمر وابنه وعمرو بن العاص وأبي هريرة وأنس ومعاوية وعائشة وأسماء ابنتي أبي بكر وبه قال بكر بن عبد الله المزني وأبو عثمان النهدي وأبن أبي مريم ومطرف وميمون بن مهران وطاوس ومجاهد وعن أحمد رواية ثانية لا يجب صومه ولا يجزيه عن رمضان إن صامه وهو قول أبي حنيفة ومالك والشافعي وكثير من أهل العلم لما روى أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غمي عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوماً " رواه البخاري وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غمي عليكم فاقدروا له ثلاثين " رواه مسلم، وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم يوم الشك وهذا يوم شك ولأن الأصل بقاء شعبان فلا ينتقل بالشك وعنه رواية ثالثة أن الناس تبع للإمام فإن صام صاموا وإن أفطر أفطروا وهو قول الحسن وابن سيرين لقول النبي صلى الله عليه وسلم " الصوم يوم تصومون والفطر يوم تفطرون والأضحى يوم تضحون " قيل معناه أن الصوم والفطر مع الجماعة ومعظم الناس قال الترمذي حديث حسن غريب ووجه الرواية الأولى ماروى نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنما الشهر تسع وعشرون

فلا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فاقدروا له " قال نافع كان عبد الله ابن عمر إذا مضى من شعبان تسعة وعشرون يوماً يبعث من ينظر له الهلال فإن رؤي فذاك وإن لم ير ولم يحل دون منظره سحاب ولا قتر أصبح مفطراً، وإن حال دون منظرة سحاب أو قتر أصبح صائماً ومعنى اقدروا له أي ضيقوا له من قوله تعالى (ومن قدر عليه رزقه) أي ضيق عليه وقوله (يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر) والتضييق له أن يجعل شعبان تسعة وعشرون يوماً، وقد فسره ابن عمر بفعله وهو رواية وأعلم بمعناه فيجب الرجوع إلى تفسيره كما رجع إليه في تفسير التفرق في خيار المتبايعين ولأنه شك في أحد طرفي الشهر لم يظهر فيه أنه من غير رمضان فوجب الصوم كالطرف الآخر، قال علي وابو هريرة وعائشة: لأن أصوم يوماً من شعبان أحب إلي من أن أفطر يوما من رمضان، ولأن الصوم يحتاط له ولذلك وجب الصوم بخبر واحد ولم يفطروا إلا بشهادة اثنين. فأما خبر أبي هريرة الذي احتجوا به فإنه يرويه محمد بن زياد وقد خالفه سعيد بن المسيب فرواه عن أبي هريرة " فإن غم عليكم فصوموا ثلاثين " وروايته أولى لإمامته واشتهار ثقته وعدالته وموافقته لرأي أبي هريرة ومذهبه ولخبر ابن عمر الذي رويناه ويمكن حمله على ما إذا غم في طرفي الشهر ورواية ابن عمر " فاقدروا له ثلاثين " مخالفه للرواية الصحيحة المتفق عليها ولمذهب ابن عمر، ورواية النهي عن صوم يوم الشك محمول على حال الصحو جمعاً بينه وبين ما ذكرنا (مسألة) (وإذا رأى الهلال نهاراً قبل الزوال أو بعده فهو لليلة المقبلة) المشهور عن أحمد أن الهلال إذا رؤي نهاراً قبل الزوال أو بعده وكان ذلك في آخر رمضان لم يفطروا برؤيته وهذا قول عمر وابن مسعود وابن عمر وأنس والاوزاعي ومالك والليث وأبي حنيفة والشافعي وإسحاق، وحكي عن أحمد أنه إن رؤي قبل الزوال فهو للماضية وإن كان بعده فهو لليلة المقبلة، وروي ذلك عن عمر رضي الله عنه رواه سعيد وبه قال الثوري وأبو يوسف لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته " وقد رأوه فيجب الصوم والفطر ولأن ما قبل الزوال أقرب إلى الماضية ولنا ما روى أبو وائل قال جاءنا كتاب عمر ونحن بخانقين أن الأهلة بعضها أقرب من بعض فإذا رأيتم الهلال نهاراً فلا تفطروا حتى تمسوا أو يشهد رجلان أنهما رأياه بالأمس عشية ولأنه قول من سمينا من الصحابة، وخبرهم محمول على ما إذا رؤي عشية بدليل ما لو رؤي بعد الزوال، ثم أن الخبر إنما يقتضي الصوم والفطر من الغد بدليل ما لو رآه عشية، فأما إن كانت الرؤية في أول رمضان فالصحيح أيضاً أنها لليلة المقبلة وهو قول مالك وأبي حنيفة والشافعي وعن أحمد رواية أخرى أنه للماضية، فعلى هذا يلزم قضاء ذلك اليوم وإمساك بقيته احتياطاً للعبادة لأن ما كان لليلة المقبلة في آخره فهو لها في أوله كما لو رؤي بعد العصر

إذا رأى الهلال نهارا قبل الزوال أو بعده فهو لليلة المقبلة

(مسألة) (وإذا رأى الهلال أهل بلد لزم الناس كلهم الصوم) هذا قول الليث وبعض أصحاب الشافعي، وقال بعضهم إن كان بين البلدين مسافة قريبة لا تختلف المطالع لأجلها كبغداد والبصرة لزم أهلها الصوم برؤية الهلال في أحدهما، وإن كان بينهما بعد كالحجاز والعراق والشام فلكل أهل بلد رؤيتهم، وروي عن عكرمة أنه قال لكل أهل بلد رؤيتهم وهو مذهب القاسم وسالم وإسحاق لما روى كريب قال قدمت الشام واستهل علي هلال رمضان وأنا بالشام فرأينا الهلال ليلة الجمعة ثم قدمت المدينة في آخر الشهر فسألني ابن عباس ثم ذكر الهلال فقال متى رأيتم الهلال؟ فقلت رأيناه ليلة الجمعة، فقال أنت رأيته ليلة الجمعة؟ فقلت نعم ورآه الناس وصاموا وصام معاوية. فقال لكن رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه. فقلت ألا تكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ فقال لا، هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه مسلم ولنا قول الله تعالى (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) وقول النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي لما قال له: الله أمرك أن تصوم هذا الشهر من السنة؟ قال نعم. وأجمع المسلمون على وجوب صوم شهر رمضان وقد ثبت ان هذا اليوم من شهر رمضان بشهادة الثقاة فوجب صومه على جميع المسلمين ولأن شهر رمضان ما بين الهلالين وقد ثبت انه هذا اليوم منه في سائر الأحكام من حلول الدين ووقوع الطلاق والعتاق ووجوب

ويقبل في هلال رمضان قول عدل واحد ولا يقبل في سائر الشهور إلا عدلان

النذر وغير ذلك من الأحكام فيجب صيامه بالنص والإجماع ولان البينة العادلة شهدت برؤية الهلال فيجب الصوم كما لو تقاربت البلدان. فأما حديث كريب فإنما دل على أنهم لا يفطرون بقول كريب وحده ونحن نقول به وإنما محل الخلاف وجوب قضاء اليوم الأول وليس في الحديث فإن قيل فقد قلتم أن الناس إذا صاموا بشهادة واحد ثلاثين يوماً أفطروا في أحد الوجهين قلنا الجواب عنه من وجهين: أحدهما أننا إنما قلنا يفطرون إذا صاموا بشهادته فيكون فطرهم مبنيا على صومهم بشهادته وهاهنا لم يصوموا بقوله فلم يوجد ما يجوز بناء الفطر عليه. الثاني أن الحديث دل على صحة الوجه الآخر (مسألة) (ويقبل في هلال رمضان قول عدل واحد ولا يقبل في سائر الشهور إلا عدلان) المشهور عن أحمد أنه يقبل في هلال رمضان قول عدل واحد ويلزم الناس الصوم بقوله وهو قول عمر وعلي وابن عمر وابن المبارك والشافعي في الصحيح عنه، وروى عن أحمد أنه قال اثنين أعجب إلي، وقال أبو بكر إن رآه وحده ثم قدم المصر صام الناس بقوله على ما روي في الحديث، وإن كان الواحد في جماعة الناس فذكر أنه رآه دونهم لم يقبل إلا قول اثنين لأنهم يعاينون ما عاين وروي عن عثمان رضي الله عنه لا يقبل إلا شهادة اثنين وهو قول مالك والليث والاوزاعي وإسحاق

لما روى عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب أنه خطب الناس في اليوم الذي يشك فيه فقال إني جالست أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسألتهم وإنهم حدثوني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته وانسكوا لها، فإن غم عليكم فأتموا ثلاثين، وإن شهد شاهدان ذوا عدل فصوموا وأفطروا " رواه النسائي ولأن هذه شهادة على رؤية الهلال أشبهت الشهادة على هلال شوال، وقال أبو حنيفة في الغيم كقولنا وفي الصحو لا يقبل إلا الاستفاضة لأنه لا يجوز أن ينظر الجماعة إلى مطلع الهلال وأبصارهم والموانع منتفيه فيراه واحد دون الباقين ولنا ماروى ابن عباس قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال رأيت الهلال قال " أتشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله " قال نعم. قال يا بلال أذن في الناس فليصوموا غداً " رواه أبو داود والنسائي والترمذي، وروى ابن عمر قال: تراءى الناس الهلال فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم إني رأيته فصام وأمر الناس بصيامه رواه أبو داود ولأنه خبر عن وقت الفريضة فيما طريقه المشاهدة فقبل فيه قول واحد كالخبر بدخول وقت الصلاة ولأنه خبر ديني يشترك فيه المخبر والمخبر فقبل من عدل واحد كالرواية وخبرهم إنما يدل بمفهومه وخبرنا يدل بمنطوقه وهو أشهر منه فيجب تقديمه، ويفارق الخبر عن هلال شوال فإنه خروج من العبادة وهذا دخول فيها ويتهم في هلال شوال بخلاف مسئلتنا وما ذكره أبو بكر وأبو حنيفة لا يصح لأنه يجوز انفراد الواحد به مع لطافة المرئي وبعده (1) ويجوز أن يختلف معرفتهم بالمطلع ومواضع قصدهم وحده نظرهم ولهذا لو حكم حاكم بشهادة واحد جاز ولو شهد شاهدان وجب قبول شهادتهما عند أبي بكر ولو كان ممتنعاً على ما قالوه لم يصح فيه حكم حاكم ولا ثبت بشهادة اثنين، ومن منع ثبوته بشهادة اثنين رد عليه الخبر الأول وقياسه على سائر الحقوق وسائر الشهور، ولو أن جماعة في محفل وشهد منهم اثنان على رجل أنه طلق زوجته أو أعتق عبده قبلت شهادتهما، ولو أن اثنين من أهل الجمعة شهدا على الخطيب أنه قال على المنبر في الخطبة شيئاً لم يشهد به غيرهما لقبلت شهادتهما، وكذلك لو شهدا عليه بفعل وأن غيرهما يشاركهما في سلامة السمع وصحة البصر كذا هاهنا (فصل) وإن أخبره برؤية الهلال من يثق بقوله لزمه الصوم وإن لم يثبت ذلك عند الحاكم لأنه خبر بوقت العبادة يشترك فيه المخبر والمخبر أشبه الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والخبر عن دخول وقت الصلاة ذكره ابن عقيل، ومقتضى هذا أنه يلزمه قبول خبره وإن رده الحاكم لأن رد الحاكم يجوز أن يكون لعدم علمه بحال المخبر، ولا يتعين ذلك في عدم العدالة وقد يجهل الحاكم عدالة من يعلم غيره عدالته

وإذا صاموا بشهادة اثنين يوما فلم يروا الهلال أفطروا

(فصل) فإن كان المخبر امرأة فقياس المذهب قبول قولها وهو قول أبي حنيفة وأحد الوجهين لأصحاب الشافعي لأنه خبر ديني أشبه الرواية والخبر عن القبلة ودخول وقت الصلاة ويحتمل أن لا يقبل فيه قول امرأة كهلال شوال (فصل) فأما هلال شوال وغيره من الشهور فلا يقبل فيه إلا شهادة عدلين في قول الجميع الا ابا ثور فإنه قال يقبل في هلال شوال قول واحد لأنه أحد طرفي شهر رمضان أشبه الأول ولأنه خبر يستوي فيه المخبر والمخبر أشبه الرواية وأخبار الديانات. ولنا خبر عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أجاز شهادة رجل واحد على رؤية الهلال وكان لا يجيز على شهادة الافطار إلا شهادة رجلين ولأنها شهادة على هلال لا يدخل بها في العبادة أشبه سائر الشهور وهذا يفارق الخبر لان الخبر يقبل فيه قول المخبر مع وجود المخبر عنه وفلان عن فلان وهذا لا يقبل فيه ذلك فافترقا (فصل) ولا يقبل فيه شهادة رجل وامرأتين ولا شهادة النساء منفردات وان كثرن وكذلك سائر الشهور لأنه مما يطلع عليه الرجال وليس بمال ولا يقصد به المال أشبه القصاص وكان القياس يقتضي مثل ذلك في رمضان لكن تركناه احتياطاً للعبادة والله أعلم. (مسألة) (وإذا صاموا بشهادة اثنين ثلاثين يوماً فلم يروا الهلال أفطروا) وجهاً واحداً لأن الشهر لا يزيد على ثلاثين ولحديث عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب (مسألة) (وإن صاموا بشهادة واحد فلم يروا الهلال فعلى وجهين) (أحدهما) لا يفطرون لقوله عليه السلام " وإن شهد اثنان فصوموا وأفطروا " ولأنه فطر فلم يجز أن يستند إلى شهادة واحد كما لو شهد بهلال شوال (والثاني) يفطرون وهو منصوص الشافعي وحكي عن ابي حنفية لأن الصوم إذا وجب وجب الفطر لاستكمال العدة لا بالشهادة وقد يثبت تبعا مالا يثبت أصلاً بدليل أن النسب لا يثبت بشهادة النساء وتثبت بها الولاد ويثبت النسب تبعاً لها كذا هاهنا (مسألة) (فإن صاموا لأجل الغيم لم يفطروا) وجهاً واحداً لأن الصوم إنما كان على وجه الاحتياط فلا يجوز الخروج منه للاحتياط أيضاً (مسألة) (ومن رأى هلال رمضان وحده وردت شهادته لزمه الصوم) هذا المشهور في المذهب وسواء كان عدلاً أو فاسقاً شهد عند الحاكم أو لم يشهد قبلت شهادته أو ردت، وهذا قول مالك والليث والشافعي وأصحاب الرأي وابن المنذر، وقال إسحاق وعطاء لا يصوم وروى حنبل عن أحمد لا يصوم إلا في جماعة الناس، وروي نحوه عن الحسن وابن سيرين

ومن رأى هلال رمضان وحده وردت شهادته لزمه الصوم

لأنه يوم محكوم به من شعبان فأشبه التاسع والعشرين ولنا أنه تيقن أنه من رمضان فلزمه صومه كما لو حكم به الحاكم وكونه محكوماً به من شعبان ظاهر في حق غيره، وأما في الباطن فهو يعلم أنه من رمضان فلزمه صيامه كالعدل (مسألة) (وإن رأى هلال شوال وحده لم يفطر) روى ذلك عن مالك والليث وقال الشافعي يحل له أن يأكل بحيث لا يراه أحد لأنه تيقنه من شوال فجاز له الأكل كما لو قامت به بينة ولنا ما روى أبو رجاء عن أبي قلابة أن رجلين قدما المدينة وقد رأيا الهلال وقد أصبح الناس صياماً فأتيا عمر فذكرا ذلك له فقال لأحدهما أصائم أنت؟ قال بل مفطر قال ما حملك على هذا؟ قال لم أكن لأصوم وقد رأيت الهلال وقال للآخر قال إني صائم قال ما حملك على هذا؟ قال لم أكن لأفطر والناس صيام فقال للذي افطر لولا مكان هذا لأوجعت رأسك ثم نودي في الناس أن اخرجوا أخرجه سعيد عن ابن عيينة عن أيوب عن أبي رجاء وإنما أراد ضربه لإفطاره برؤيته وحده ودفع عنه الضرب لكمال الشهادة به وبصاحبه ولو جاز له الفطر لما أنكر عليه ولا توعده وقالت عائشة إنما يفطر يوم الفطر الإمام وجماعة المسلمين ولم يعرف لهما مخالف في عصرهما فكان إجماعاً ولأنه محكوم به من رمضان أشبه اليوم الذي قبله وفارق ما إذا ثبت ببينة لأنه محكوم به من شوال بخلاف هذا. قولهم إنه يتيقن أنه من شوال ممنوع فإنه يحتمل أن يكون خيل إليه ذلك فرأى شيئاً أو شعرة من حاجبه ظنها هلالا ولم تكن (فصل) فإن رآه اثنان فلم يشهدا عند الحاكم جاز لمن سمع شهادتهما الفطر إذا عرف عدالتهما ولكل واحد منهما أن يفطر بقولهما إذا عرف عدالة الآخر لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا شهد اثنان فصوموا وافطروا " وان شهدا عند الحاكم فرد شهادتهما لجهله بحالهما فلمن علم عدالتهما الفطر لأن رد الحاكم هاهنا ليس بحكم منه وإنما هو توقف لعدم علمه فهو كالوقوف عن الحكم انتظاراً للبينة، ولهذا لو ثبتت عدالتهما بعد ذلك حكم بها وإن لم يعرف أحدهما عدالة صاحبه لم يجز له الفطر الا أن يحكم بذلك الحاكم لأنه يكون مفطراً برؤيته وحده (مسألة) (وإن اشتبهت الأشهر على الأسير تحرى وصام فإن وافق الشهر أو ما بعده أجزأه وإن وافق قبله لم يجزه) إذا كان الأسير محبوساً أو مطموراً أو في بعض النواحي النائية عن الأمصار لا يمكنه تعرف الأشهر بالخبر فاشتبهت عليه الأشهر فإنه يتحرى ويجتهد فإذا غلب على ظنه عن إمارة تقوم في نفسه

وإن اشتبهت الأشهر على الأسير تحرى وصام فإن وافق الشهر أو ما بعده أجزأه وإن وافق قبله لم يجره

دخول شهر رمضان صامه ولا يخلو من أربعة أحوال (أحدها) أن لا ينكشف له الحال فيصح صومه ويجزئه لأنه أدى فرضه باجتهاده فأجزأه كما لو صلى في يوم الغيم بالاجتهاد (الثاني) أن ينكشف أنه وافق الشهر أو ما بعده فيجزيه في قول عامة العلماء وحكي عن الحسن ابن صالح أنه لا يجزئه في الحالتين لأنه صامه على الشك فلم يجزئه كما لو صام يوم الشك فبان من رمضان والأول أولى لأنه أدى فرضه بالاجتهاد في محله فإذا أصاب أو لم يعلم الحال أجزأه كالقبلة إذا اشتبهت أو الصلاة في يوم الغيم إذا اشتبه وقتها وفارق يوم الشك فإنه ليس بمحل للاجتهاد فإن الشرع أمر بصومه عند أمارة عينها فما لم توجد لم يجز الصوم (الحال الثالث) وافق قبل الشهر فلا يجزئه في قول عامة الفقهاء، وقال بعض الشافعية يجزئه في أحد القولين كما لو اشتبه يوم عرفة فوقفوا قبله، ولنا أنه أتى بالعبادة قبل وقتها فلم يجزئه كالصلاة في يوم الغيم، وأما الحج فلا نسلمه إلا فيما أذ أخطأ الناس كلهم لعظم المشقة وإن وقع ذلك لبعضهم لم يجزهم ولأن ذلك لا يؤمن مثله في القضاء بخلاف الصوم. (الحال الرابع) أن يوافق بعضه رمضان دون بعض فما وافق رمضان أو بعده اجزأه وما وافق قبله لم يجزئه (فصل) وإذا وافق صومه بعد الشهر اعتبر أن يكون ما صامه بعدد أيام شهره الذي فاته سواء وافق ما بين الهلالين أو لم يوافق وسواء كان الشهران تامين أو ناقصين ولا يجزئه أقل من ذلك وقال القاضي ظاهر كلام الخرقي أنه إذا وافق شهراً بين هلالين أجزأه سواء كان الشهران تامين أو ناقصين أو أحدهما تاماً والآخر ناقصاً وليس بصحيح فإن الله تعالى قال (فعدة من أيام أخر) ولأنه فاته شهر رمضان فوجب أن يكون صيامه بعدد ما فاته كالمريض والمسافر وليس في كلام الخرقي تعرض لهذا التفصيل فلا يجوز حمل كلامه على ما يخالف الكتاب والصواب، فان قيل أليس إذا نذر صوم شهر يجزئه مابين الهلالين؟ قلنا الإطلاق يحمل على ما تناوله الاسم والاسم يتناول ما بين الهلالين وهنا يجب قضاء ما ترك فيجب أن يراعى فيه عدة المتروك كما ان من نذر صلاة أجزأه ركعتان ولو ترك صلاة وجب قضاؤها بعدد ركعاتها كذلك هاهنا الواجب بعدد ما فاته من الأيام سواء كان ما صامه بين هلالين أو بين شهرين فان دخل في صيامه يوم عيد لم يعتد به وإن وافق أيام التشريق فهل يعتد بها؟ على روايتين بناء على صحة صومها عن الفرض (فصل) فإن لم يغلب على ظن الأسير دخول رمضان فصام لم يجزه وإن وافق الشهر لأنه صامه

على الشك فلم يجزئه كما لو نوى ليلة الشك إن كان غدا من رمضان فهو فرضي وإن غلب على ظنه من غير أمارة فقال القاضي عليه الصيام ويقضي إذا عرف الشهر كالذي خفيت عليه دلائل القبلة فصلى على حسب حاله فإنه يعيد وذكر أبو بكر فيمن خفيت عليه دلائل القبلة هل يعيد على وجهين كذلك يخرج على قوله هاهنا وظاهر كلام الخرقي أنه يتحرى فمتى غلب على ظنه دخول الشهر صح صومه وإن لم يبن على دليل لأنه ليس في وسعه معرفة الدليل (ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها) (فصل) وإذا صام تطوعاً فوافق شهر رمضان لم يجزئه نص عليه أحمد وبه قال الشافعي، وقال أصحاب الرأي يجزئه وهو مبني على وجوب تعيين النية لرمضان وسنذكره إن شاء الله تعالى (مسألة) (ولا يجب الصوم إلا على المسلم البالغ العاقل القادر على الصوم ولا يجب على كافر ولا مجنون ولا صبي) يجب الصوم على من وجدت فيه هذه الشروط بغير خلاف لما ذكرنا من الأدلة ولا يجب على كافر أصلياً كان أو مرتداً في الصحيح من المذهب لأنه عبادة لا تصح منه في حال كفره ولا يجب عليه قضاؤها إذا أسلم لقوله تعالى (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) وفيه رواية أخرى أن القضاء يجب على المرتد إذا أسلم وهو مذهب الشافعي لأنه قد اعتقد وجوبها عليه بخلاف الكافر الأصلي فعلى هذا يجب عليه في حال ردته لعموم الأدلة وسنذكر ذلك في باب المرتد إن شاء الله تعالى ولا يجب على مجنون لقوله صلى الله عليه وسلم " رفع القلم عن ثلاث عن الصبي حتى يبلغ وعن المجنون حتى يفيق " ولا يصح منه لأنه غير عاقل أشبه بالطفل (فصل) فأما الصبي العاقل الذي يطيق الصوم فيصح منه ولا يجب عليه حتى يبلغ وكذلك الجارية نص عليه أحمد وهذا قول أكثر أهل العلم، وذهب بعض أصحابه إلى أنه يجب على الغلام الذي يطيقه إذا بلغ عشرا لما روى ابن جريج عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي لبيبة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا أطاق الغلام صيام ثلاثة أيام وجب عليه صيام شهر رمضان " ولأنها عبادة بدنية أشبهت الصلاة، والمذهب الأول قال القاضي المذهب عندي رواية واحدة أن الصلاة والصوم لا تجب حتى يبلغ، وما قاله أحمد فيمن ترك الصلاة يقضيها نحمله على الاستحباب لما ذكرنا من الحديث ولأنها عبادة فلم تجب على الصبي كالحج، وحديثهم مرسل ويمكن حمله على الاستحباب وسماه واجباً تأكيداً كقوله عليه السلام " غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم " وفي ذلك جمع بين الحديثين فكان أولى، وما قاسوا عليه ممنوع

ولا يجب الصوم إلا على المسلم البالغ العاقل القادر على الصوم ولا يجب على كافر ولا مجنون ولا صبي

(مسألة) (ويؤمر به إذا أطاقه ويضرب عليه ليعتاده) يجب على الولي أمر الصبي بالصيام إذا أطاقه ويضربه عليه ليتمرن عليه ويعتاده لما ذكرنا في الصلاة، وممن ذهب إلى أنه يؤمر بالصيام إذا أطاقه عطاء والحسن وابن سيرين والزهري وقتادة والشافعي وقال الأوزاعي إذا أطاق صيام ثلاثة أيام تباعاً لا يحور فيهن ولا يضعف حمل صوم شهر رمضان، وقال الخرقي إذا كان للغلام عشر سنين وأطاق الصيام أخذ به، وقال إسحاق إذا بلغ اثنتي عشرة أحب أن يكلف الصوم للعادة، قال شيخنا رحمه الله واعتباره بالعشر أولى لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالضرب على الصلاة عندها، واعتبار الصوم بالصلاة أحسن لقرب إحداهما من الأخرى في كونهما عبادتين بدنيتين من أركان الاسلام الا أن الصوم أشق فاعتبرت له الطاقة لأنه قد يطيق الصلاة من لا يطيق الصيام (مسألة) (وإذا قامت البينة بالرؤية في أثناء النهار لزمهم الإمساك والقضاء) وهذا قول عامة أهل العلم، وروى عن عطاء انه لا يجب عليه الإمساك. قال ابن عبد البر لا نعلم أحدا قاله غير عطاء، وذكر أبو الخطاب ذلك رواية عن أحمد قياساً على المسافر إذا قدم. قال شيخنا رحمه الله ولم نعلم أحداً ذكرها غيره وأظن هذا غلطاً فإن أحمد نص على إيجاب الكفارة على من وطئ ثم كفر ثم عاد فوطئ في يومه لأن حرمه الصوم لم تذهب، فإذا أوجب الكفارة على غير الصائم لحرمة اليوم فكيف يبيح الأكل، ولا يصح قياس هذا على المسافر إذا قدم وهو مفطر وأشباهه لأنه كان له الفطر ظاهراً وباطناً وهذا لم يكن له الفطر في الباطن مباحاً أشبه من أكل يظن أن الفجر لم يطلع وكان قد طلع (فصل) وكل من أفطر والصوم يجب عليه كالمفطر لغير عذر، ومن ظن أن الفجر لم يطلع وقد طلع، أو أن الشمس قد غابت ولم تغب، والناسي للنية ونحوهم يلزمهم الإمساك بغير خلاف بينهم إلا أنه يخرج على قول عطاء في المعذور في الفطر إباحة فطر بقية يومه كالمسألة قبلها، وهو قول شاذ لم يعرج عليه العلماء (مسألة) (وإن بلغ صبي أو أسلم كافر أو أفاق مجنون فكذلك وعنه لا يلزمهم شئ) إذا بلغ الصبي في أثناء النهار وهو مفطر أو أفاق المجنون أو أسلم الكافر لزمهم الإمساك في إحدى الروايتين. وهذا قول أبي حنيفة والثوري والاوزاعي والحسن بن صالح والعنبري لأنه معنى لو وجد قبل الفجر أوجب الصيام فإذا طرأ أوجب الإمساك كقيام البينة بالرؤية. والثانية لا يلزمهم الإمساك وإليه ذهب مالك والشافعي، وروي عن ابن مسعود أنه قال: من أكل أول النهار أكل آخره لأنه

وإذا قامت البينة بالرؤية في أثناء النهار لزمهم الإمساك والقضاء

أبيح له الفطر أول النهار ظاهراً وباطناً فإذا أفطر كان له استدامة الفطر كما لو دام العذر، وهل يجب عليهم القضاء؟ فيه روايتان: إحداهما يجب لأنهم أدركوا بعض وقت العبادة فلزمهم القضاء كما لو أدركوا بعض وقت الصلاة وهذا قول إسحاق في الكافر إذا أسلم. والثانية لا يلزمهم وهو قول مالك وأبي ثور وابن المنذر في الكافر إذا أسلم والأول ظاهر المذهب لأنهم لم يدركوا وقتاً يكنهم التلبس بالعبادة فيه أشبه ما لو زال عذرهم بعد خروج الوقت (فصل) ويجب على الكافر (1) صوم ما يستقبل من الشهر بغير خلاف ولا يجب قضاء ما مضى في قول عامة أهل العلم، وقال عطاء عليه القضاء وعن الحسن كالمذهبين. ولنا أنها عبادة انقضت في حال كفره فلم يجب قضاءها كالرمضان الماضي (مسألة) (وإن بلغ الصبي صائماً أتم ولا قضاء عليه عند القاضي وعند أبي الخطاب عليه القضاء) إذا نوى الصبي الصوم من الليل فبلغ في أثناء النهار بالاحتلام أو السن أتم صومه ولا قضاء عليه قاله القاضي لأنه نوى الصوم من الليل فأجزأته كالبالغ، ولا يمتنع أن يكون أول الصوم نفلاً وباقيه فرضاً كما لو شرع في صوم تطوعاً ثم نذر إتمامه، واختار أبو الخطاب وجوب القضاء عليه لأنها عبادة بدنية بلغ في أثنائها بعد مضي بعض أركانها فلزمته إعادتها كالصلاة والحج إذا بلغ بعد الوقوف يحقق ذلك أنه ببلوغه يلزمه صومه جميعه والماضي قبل بلوغه نفل فلم يجز عن الفرض، ولهذا لو نذر صوم يوم يقدم فلان فقدم والناذر صائم لزمه القضاء (فصل) فأما ما مضى من الشهر قبل بلوغه فلا يجب عليه قضاؤه سواء كان صامه أو لا في قول عامة أهل العلم، وقال الأوزاعي يقضيه إن كان أفطره وهو مطيق لصيامه، ولنا أنه زمن مضى في حال صباه فلم يلزمه قضاء الصوم فيه كما لو بلغ بعد انسلاخ رمضان (مسألة) (وإن طهرت حائض أو نفساء أو قدم مسافر مفطرا فعليهم الفضاء وفي الإمساك روايتان) أما وجوب القضاء عليهم فلا خلاف فيه لقوله تعالى (فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) والتقدير فافطر ولقول عائشة كنا نحيض على عهد رسول الله (ص) فنؤمر بقضاء الصوم متفق عليه، وكذلك الحكم في المريض إذا صح في أثناء النهار وكان مفطراً وفي وجوب الإمساك عليهم روايتان ذكرنا وجههما، والاختلاف في ذلك في مسألة الصبي والكافر إذا أسلم والمجنون إذا أفاق فكذلك الحكم في هؤلاء (مسألة) (ومن عجز عن الصوم لكبر أو مرض لا يرجى برؤه أفطر وأطعم عن كل يوم مسكيناً) الشيخ الكبير والعجوز إذا كان الصوم يجهدهما ويشق عليهما مشقة شديدة فلهما أن يفطرا ويطعما

وإن بلغ الصبي صائما أتم ولا قضاء عليه عند القاضي وعن أبي الخطاب عليه القضاء

لكل يوم مسكينا وهذا قول علي وابن عباس وأبي هريرة وأنس رضي الله عنهم وبه قال سعيد بن جبير وطاوس وأبو حنيفة والثوري والاوزاعي، وقال مالك لا يجب عليه شئ لأنه ترك الصوم لعجزه فلم يجب فدية كما لو تركه لمرض اتصل به الموت وللشافعي قولان كالمذهبين ولنا الآية، قال ابن عباس في تفسيرها نزلت رخصة للشيخ الكبير ولأن الأداء صوم واجب فجاز أن يسقط إلى الكفارة كالقضاء، وأما المريض فإن كان لا يرجى برؤه فهو كمسئلتنا، وإن كان يرجى برؤه فإنما لم يجب عليه الإطعام لأن ذلك يؤدي الى أن يجب على الميت ابتداءا بخلاف مسئلتنا فإن وجوب الإطعام يستند إلى حال الحياة والشيخ الهم له ذمة صحيحة، فإن كان عاجزاً عن الإطعام فلا شئ عليه ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها، والمريض الذي لا يرجى برؤه حكمه حكم الشيخ فيما ذكرنا، وذكر السامري أنها تبقى في ذمته ولا تسقط كسائر الديون، وكذلك قال فيما يجب على الحامل والمرضع إذا أفرطتا خوفاً على ولديهما أنه لا يسقط الإطعام عنهما بالعجز عنه لأنه في معناه (فصل) قال أحمد رحمه الله فيمن به شهوة الجماع غالبة لا يملك نفسه ويخاف أن تنشق أنثياه " يطعم " أباح له الفطر لأنه يخاف على نفسه فهو كالمريض، ومن يخاف على نفسه الهلاك لعطش أو نحوه أوجب الإطعام بدلاً من الصيام، وهذا محمول من كلامة على من لا يرجو إمكان القضاء، فإن رجي ذلك فلا فديه عليه، والواجب انتظار القضاء وفعله إذا قدر عليه لقوله تعالى (فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) وإنما يصار إلى الفدية عند اليأس من القضاء، فإن أطعم مع إياسه ثم قدر على القضاء احتمل أن لا يلزمه لأن ذمته قد برئت بأداء الفدية الواجبة عليه فلم تعد الى الشغل كالمعضوب إذا أقام من يحج عنه ثم عوفي، واحتمل أن يلزمه القضاء لان الاطعام بدل إياس، وقد بينا ذهاب الإياس فأشبه من اعتدت بالشهور عند اليأس من الحيض فيما إذا ارتفع حيضها لا تدري ما رفعه ثم حاضت (مسألة) (والمريض إذا خاف الضرر والمسافر استحب لهما الفطر، فإن صاما أجزاهما) أجمع أهل العلم على إباحة الفطر للمريض في الجملة، والأصل فيه قول الله تعالى (فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) والمريض المبيح للفطر هو الذي يزيد بالصوم أو يخشى تباطؤ برئه. قيل لأحمد متى يفطر المريض؟ قال إذا لم يستطع. قيل مثل الحمى؟ قال وأي مرض أشد من الحمى. وحكي عن بعض السلف أنه أباح بكل مرض حتى من وجع الأصبع والضرس لعموم الآية ولأن المسافر يباح له الفطر من غير حاجة إليه فكذلك المريض ولنا أنه شاهد للشهر لا يؤذيه الصوم فلزمه كالصحيح، والآية مخصوصة في المسافر والمريض

وإن طهرت حائض أو نفساء أو قدم المسافر مفطرا فعليهم القضاء وفي الإمساك روايتان

جميعاً بدليل أن المسافر لا يباح له الفطر في السفر القصير، والفرق بين المسافر والمريض أن السفر اعتبرت فيه المظنة وهو السفر الطويل حيث لم يمكن اعتبار الحكمة بنفسها، فإن قليل المشقة لا يبيح وكثيرها لا ضابط له في نفسه فاعتبرت بمظنتها وهو السفر الطويل فدار الحكم مع المظنة وجوداً وعدماً والمرض لا ضابط له فإن الأمراض تختلف منها ما يضر صاحبه الصوم ومنها ما لا أثر للصوم فيه كوجع الضرس وجرح في الاصبع والدمل والجرب وأشباه ذلك فلم يصلح المرض ضابطاً وأمكن اعتبار الحكمة وهو ما يخاف منه الضرر فوجب اعتباره بذلك، إذا ثبت هذا فإن تحمل المريض وصام مع هذا فقد فعل مكروها لما يتضمنه من الأضرار بنفسه وتركه تخفيف الله وقبول رخصته، ويصح صومه ويجزئه لأنه عزيمة أبيح تركها رخصة، فإذا تحمله أجزأه كالمريض الذي يباح له ترك الجمعة إذا حضرها (فصل) والصحيح الذي يخشى المرض بالصيام كالمريض الذي يخاف زيادة المرض في إباحة الفطر لأن المريض إنما أبيح له الفطر خوفاً مما يتجدد بصيامه من زيادة المرض وتطاوله والخوف من تجدد المرض في معناه. قال أحمد فيمن به شهوة غالبة للجماع يخاف أن تنشق أنثياه فله الفطر، وقال في الجارية تصوم إذا حاضت فإن جهدها الصوم فلتفطر ولتقض يعني إذا حاضت وهي صغيره قال القاضي هذا إذا كانت تخاف المرض بالصيام يباح لها وإلا فلا (فصل) ومن أبيح له الفطر لشدة شبقه إن أمكنه استدفاع الشهوة بغير الجماع كالاستمناء بيده أو يد امرأته أو جاريته لم يجز له الجماع لأنه أفطر للضرورة فلم يبح له الزيادة على ما تندفع به الضرورة كأكل الميتة عند الضرورة (1) فإن جامع فعليه الكفارة، وكذلك إن أمكنه دفعها بما لا يفسد صوم غيره كوطئ زوجته، أو أمته الصغيرة أو الكتابية، أو المباشرة للكبيرة المسلمة دون الفرج أو الاستمناء بيدها أو بيده لم يبح له إفساد صوم غيره لأن الضرورة إذا اندفعت لم يبح ما وراءها كالشبع من الميتة إذا اندفعت الضرورة بسد الرمق، وإن لم تندفع الضرورة إلا بإفساد صوم غيره أبيح ذلك لأنه مما تدعو الضرورة إليه فأبيح كفطره وكالحامل والمرضع يفطران خوفاً على ولديهما، فإن كان له امرأتان حائض وطاهر صائمة ودعته الضرورة إلى وطئ إحداهما احتمل وجهين (أحدهما) وطئ الصائمة أولى لأن الله تعالى نص على النهي عن وطئ الحائض في كتابه (والثاني) يتخير لأن وطئ الصائمة يفسد صومها فتتعارض المفسدتان ويتساويان (فصل) وحكم المسافر حكم المريض في إباحة الفطر وكراهية الصوم واجزائه إذا فعل، وإباحة الفطر للمسافر ثابتة بالنص والإجماع وأكثر أهل العلم على أنه ان صام أجزأه، وروي عن أبي هريرة أنه لا يصح صوم المسافر، قال أحمد: عمر وأبو هريرة يأمرانه بالإعادة وروى الزهري عن أبي سلمة عن أبيه عبد الرحمن بن عوف أنه قال: الصائم في السفر كالمفطر

والمريض إذا خاف الضرر والمسافر استحب لهما الفطر، فإن صاما أجزاهما

في الحضر وهو قول بعض أهل الظاهر لقول النبي صلى الله عليه وسلم " ليس من البر الصوم في السفر " متفق عليه، ولأنه عليه السلام أفطر في السفر فلما بلغه أن قوماً صاموا قال " أولئك العصاة " وروى ابن ماجة بإسناده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " الصائم في رمضان في السفر كالمفطر في الحضر " وعامة أهل العلم على خلاف هذا القول. قال ابن عبد البر هذا قول يروى عن عبد الرحمن بن عوف هجره الفقهاء كلهم والسنة ترده، وحجتهم ما روى حمزة عن عمرو الأسلمي أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أصوم في السفر؟ وكان كثير الصيام قال " إن شئت فصم وإن شئت فأفطر " متفق عليه، وفي لفظ رواه النسائي أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم أجد قوة على الصيام في السفر فهل علي جناح؟ قال " هي رخصة فمن أخذ بها فحسن، ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه " وقال أنس كنا نسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يعب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم، متفق عليه، وأحاديثهم محمولة على تفضيل الفطر على الصيام (فصل) والفطر في السفر أفضل وهو مذهب ابن عمر وابن عباس وسعيد بن المسيب والشعبي والاوزاعي، وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي الصوم أفضل لمن قوي عليه، يروي ذلك عن أنس وعثمان بن أبي العاص لما روى سلمة بن المحبق أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من كانت له حمولة تأوي إلى شبع فليصم رمضان حيث أدركه " رواه أبو داود، ولأن من خير بين الصوم والفطر كان الصوم أفضل كالتطوع، وقال عمر بن عبد العزيز ومجاهد وقتادة أفضل الأمرين أيسرهما لقول الله تعالى " يريد الله بكم اليسر " ولما روى أبودواد عن حمزة بن عمرو قال: قلت يا رسول الله إني صاحب ظهر أعالجه وأسافر عليه وأكريه وإنه ربما صادفني هذا الشهر يعني رمضان وأنا أجد القوة وأنا شاب وأجدني أن أصوم يا رسول الله أهون علي من أن أوخر فيكون ديناً علي أفأصوم يارسول الله أعظم لأجري أو أفطر؟ قال " أي ذلك شئت يا حمزة " ولنا ما تقدم من الأخبار في الفصل الذي قبله، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " خيركم الذي يفطر في السفر ويقصر " ولأن فيه خروجاً من الخلاف فكان أفضل كالقصر وقياسهم ينتفض بالمريض وبصوم الأيام المكروه صومها (فصل) وإنما يباح الفطر في السفر الطويل الذي يبيح القصر وقد ذكرنا ذلك فيما مضى في الصلاة ثم لا يخلو المسافر من ثلاث أحوال (أحدها) أن يدخل عليه شهر رمضان في السفر فلا خلاف في إباحة الفطر له فيما نعلم (الثاني) أن يسافر في أثناء الشهر ليلاً فله الفطر في صبيحة الليلة التي يخرج فيها وما بعدها في قول عامة أهل العلم، وقال عبيدة السلماني وأبو مجاز وسويد بن غفلة: لا يفطر من سافر بعد دخول

الشهر لقوله تعالى (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) وهذا شاهد ولنا قوله تعالى (فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) وروى ابن عباس قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح في شهر رمضان فصام حتى بلغ الكديد ثم أفطر وأفطر الناس متفق عليه، ولأنه مسافر فأبيح له الفطر كما لو سافر قبل الشهر والآية محمولة على من شهد الشهر كله وهذا لم يشهده كله (1) (الثالث) أن يسافر في اثناء يوم من رمضان وسيأتي ذكر ذلك إن شاء الله (مسألة) (ولا يجوز أن يصوما في رمضان عن غيره) لا يجوز للمريض ولا المسافر سفراً طويلاً أن يصوم في رمضان عن نذر ولا قضاء ولا غيرهما لأن الفطر أبيح رخصة وتخفيفا، فإذا لم يرد التخفيف عن نفسه لزمه أن يأتي بالأصل، فإن نوى صوماً غير رمضان لم يصح صومه عن رمضان ولا عما نواه في الصحيح من المذهب وهو قول أكثر العلماء. وقال أبو حنيفة في المسافر: يقع ما نواه إذا كان واجباً لأنه زمن أبيح له فطره فكان له صومه عن واجب عليه كغير شهر رمضان ولنا أنه أبيح له الفطر للعذر فلم يجز أن يصومه عن غير رمضان كالمريض وبهذا ينتقض ما ذكروه وينتقض أيضاً بصوم التطوع، قال صالح قيل لأبي من صام شهر رمضان وهو ينوي به تطوعاً يجزئه؟ فقال أو يفعل هذا مسلم؟ (فصل) ومن نوى الصوم في سفره فله الفطر واختلف قول الشافعي فيه فقال مرة لا يجوز له الفطر وقال مرة إن صح حديث الكديد لم ار به بأساً، قال مالك إن أفطر فعليه القضاء والكفارة ولنا حديث ابن عباس وهو صحيح متفق عليه، وروى جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عام الفتح فصام حتى بلغ كراع الغميم وصام الناس معه فقيل له إن الناس قد شق عليهم الصيام، وإن الناس ينظرون فيما فعلت فدعا بقدح من ماء بعد العصر فشرب والناس ينظرون فأفطر بعضهم وصام بعضهم فبلغه أن ناساً صاموا فقال " أولئك العصاة " (2) رواه مسلم وهذا نص صريح لا يعرج على ما خالفه (مسألة) (وإن نوى الحاضر صوم يوم ثم سافر في أثنائه فله الفطر وعنه لا يباح) اذا سافر في اثناء يوم من رمضان فهل له فطر ذلك اليوم فيه روايتان أصحهما جواز الفطر وهو قول عمرو بن شرحبيل والشعبي واسحاق وداود وابن المنذر (والثانية) لا يباح له فطر ذلك اليوم وهو قول مكحول والزهري ويحيى الانصاري ومالك والاوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي لأن الصوم عبادة تختلف بالحضر والسفر فإذا اجتمعا فيها غلب حكم الحضر كالصلاة

ولنا ماروى عبيد بن جبير قال ركبت مع أبي بصرة الغفاري في سفينة من الفسطاط في شهر رمضان فدفع ثم قرب غداه فلم يجاوز البيوت حتى دعا بالسفرة ثم قال: اقترب، قلت ألست ترى البيوت؟ قال أبو بصرة أترغب عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ رواه أبو داود، ولأنه أحد الأمرين المنصوص عليهما في إباحة الفطر فإذا وجد في اثناء النهار أباحه كالمرض، وقياسهم على الصلاة لا يصح فإن الصوم لا يفارق الصلاة لأن الصلاة يلزم اتمامها بنيتها بخلاف الصوم. إذا ثبت هذا فإنه لا يباح له الفطر حتى يخلف البيوت وراء ظهره ويخرج من بين بنيانها، وقال الحسن يفطر في بيته إن شاء يوم يريد الخروج، وروي نحوه عن عطاء قال ابن عبد البر قول الحسن شاذ، وقد روي عنه خلافه ووجهه ماروى محمد بن كعب قال: أتيت أنس بن مالك في رمضان وهو يريد سفراً وقد رحلت له راحلته ولبس ثياب السفر فدعا بطعام فأكل فقلت له سنة؟ فقال سنة، ثم ركب. رواه الترمذي وقال حديث حسن ولنا قوله تعالى (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) وهذا شاهد ولا يوصف بكونه مسافراً حتى يخرج من البلد ومهما كان في البلد فله أحكام الحاضرين ولذلك لا يقصر الصلاة، فأما أنس فيحتمل أنه كان برز من البلد خارجاً منه فأتاه محمد بن كعب في ذلك المنزل (مسألة) (والحامل والمرضع إذا خافتا الضرر على أنفسهما أفطرتا وقضتا وإن خافتا على ولديدهما أفطرتا وقضتا وأطعمتا عن كل يوم مسكيناً) وجملة ذلك أن الحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما إذا صامتا فلهما الفطر وعليهما القضاء لا غير لا نعلم فيه خلافا لانهما يمنزلة المريض الخائف على نفسه وإن خافتا على ولديهما أفطرتا وعليهما القضاء وإطعام مسكين لكل يوم، روى ذلك عن ابن عمر وهو المشهور من مذهب الشافعي وقال الليث الكفارة عن المرضع دون الحامل وهو إحدى الروايتين عن مالك لأن المرضع يمكنها أن تسترضع لولدها بخلاف الحامل ولأن الحمل متصل بالحامل والخوف عليه كالخوف عليه بعض أعضائها وقال الحسن وعطاء والزهري وسعيد بن جبير والنخعي وأبو حنيفة لا كفارة عليهما لما روى أنس بن مالك رجل من بني كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " إن الله وضع عن المسافر شطر الصلاة وعن الحامل والمرضع الصوم أو الصيام " والله لقد قالهما رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدهما أو كليهما رواه النسائي والترمذي (1) وقال حديث حسن ولم يأمر بكفارة ولأنه فطر أبيح لعذر فلم يجب به كفارة كالفطر للمرض ولنا قول الله تعالى (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) وهما داخلتان في عموم الآية قال ابن عباس كانت رخصة للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة وهما يطيقان الصيام أن يفطرا أو يطعما مكان كل يوم مسكيناً، والحبلى والمرضع إذا خافتا على أولادهما أفطرتا وأطعمتا رواه أبو داود، وروي ذلك

ولا يجوز أن يصوما في رمضان عن غيره

عن ابن عمر ولا مخالف لهما في الصحابة ولأنه فطر بسبب نفس عاجزة من طريق الخلقة فوجبت به الكفارة كالشيخ الهم وخبرهم لم يتعرض للكفارة فكانت موقوفة على الدليل كالقضاء فإن الحديث لم يتعرض له والمريض أخف حالاً من هاتين لأنه يفطر بسبب نفسه، إذا ثبت هذا فإن الواجب في طعام المسكين مد بر أو نصف صاع شعير والخلاف فيه كالخلاف في اطعام المساكين في كفارة الجماع على ما يذكر في موضعه (فصل) ويجب عليهما القضاء مع الإطعام وقال ابن عمر وابن عباس لا قضاء عليهما لأن الآية تناولتهما وليس فيها إلا الإطعام ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إن الله وضع عن الحامل والمرضع الصوم " ولنا أنهما يطيقان فلزمهما كالحائض والنفساء والآية أوجبت الإطعام ولم تتعرض للقضاء وأخذناه من دليل آخر والمراد بوضع الصوم وضعه في مدة عذرهما كما جاء في حديث عمرو أبن أمية عن النبي صلى الله عليه وسلم " إن الله وضع عن المسافر الصوم " ولا يشبهان الشيخ الهم لأنه عاجز عن القضاء وهما يقدران عليه قال أحمد أذهب الى حديث أبي هريرة يعني ولا أقول بقول ابن عمر وابن عباس في منع القضاء (فصل) فإن عجزتا عن الإطعام سقط عنهما بالعجز ككفارة الوطئ بل السقوط ههنا أولى لوجود العذر ذكره شيخنا في الكافي وقيل لا يسقط وقد ذكرناه، وقال صاحب المحرر يسقط ههنا ولا يسقط عن الكبير العاجز والمريض الذي لا يرجى برؤه لأنها بدل عن نفس الصوم وتلك جبران لنقص الصوم والله أعلم (مسألة) (ومن نوى قبل الفجر ثم جن أو أغمي عليه جميع النهار لم يصح صومه وإن أفاق جزءاً منه صح صومه) متى نوى الصوم قبل الفجر ثم جن أو أغمي عليه جميع النهار لم يصح صومه وهذا قول الشافعي وقال أبو حنيفة يصح لأن النية قد صحت وزوال الاستشعار بعد ذلك لا يمنع صحة الصوم كالنوم ولنا أن الصوم هو الإمساك مع النية قال النبي صلى الله عليه وسلم " يقول تعالى كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به يدع طعامه وشرابه من أجلي " فأضاف ترك الطعام والشراب إليه والمجنون والمغمى عليه لا يضاف الإمساك إليه فلم يجزئه ولأن النية أحد ركني الصوم فلم تجزي وحدها كالإمساك وحده أما النوم فإنه عادة ولا يزيل الإحساس بالكلية ومتى نبه انتبه (فصل) ومتى أفاق المغمى عليه في جزء من النهار صح صومه سواء كان في أوله أو في آخره وقال الشافعي في أحد قوليه تعتبر الإفاقة في أول النهار ليحصل حكم النية في أوله ولنا أن الافاقة حصلت جزأ من النهار فأجزأ كما لو وجدت في أوله وما ذكروه لا يصح فإن النية قد حصلت من الليل فيستغني عن ذكرها في النهار كما لو نام أو غفل عن الصوم ولو كانت النية

وإن نوى الحاضر صوم يوم ثم سافر في أثنائه فله الفطر وعنه لا يباح

إنما تحصل بالإفاقة في أول النهار لما صح منه صوم الفرض بالإفاقة لانه لا يجزي بنية من النهار وحكم المجنون حكم المغمى عليه في ذلك وقال الشافعي إذا وجد الجنون في جزء من النهار أفسد الصوم لأنه معنى يمنع وجوب الصوم فأفسده وجوده في بعضه كالحيض ولنا أنه زوال عقل في بعض النهار فلم يمنع صحة الصوم كالإغماء ويفارق الحيض فإن الحيض لا يمنع الوجوب وإنما يمنع الصحة ويحرم فعل الصوم ويتعلق به وجوب الغسل وتحريم الصلاة والقراءة واللبث في المسجد والوطئ فلا يصح القياس عليه (مسألة) (وإن نام جميع النهار صح صومه) لا نعلم فيه خلافا لأنه عادة ولا يزيل الإحساس بالكلية (مسألة) (ويلزم المغمى عليه القضاء دون الجنون) لا نعلم خلافاً في وجوب القضاء على المغمى عليه لأن مدته لا تتطاول غالباً ولا تثبت الولاية على صاحبه فلم يلزم به التكليف كالنوم فأما الجنون فلا يلزمه قضاء ما مضى وبه قال أبو ثور والشافعي في الجديد وقال مالك يقضي وإن مضى عليه سنون وعن أحمد مثله وهو قول الشافعي في القديم لأنه معنى يزيل العقل فلم يمنع وجوب الصوم كالإغماء، وقال أبو حنيفة إن جن جميع الشهر فلا قضاء عليه وإن أفاق في أثنائه قضى ما مضى لأن الجنون لا ينافي الصوم بدليل أنه لوجن في أثناء الصوم لم يفسد فإذا وجد في بعض الشهر وجب القضاء كالإغماء ولأنه أدرك جزءاً من رمضان وهو عاقل فلزمه صيامه كما لو أفاق في جزء من اليوم ولنا أنه معنى يزيل التكليف فلم يجب القضاء في زمانه كالصغر والكفر وتخص أبا حنيفة بأنه معنى لو وجد في جميع الشهر أسقط القضاء فإذا وجد في بعضه أسقطه كالصبى والكفر فأما إذا أفاق في بعض اليوم فلنا فيه منع وإن سلمناه فلأنه قد أدرك بعض وقت العبادة فلزمته كالصبي إذا بلغ والكافر إذا أسلم في بعض النهار وكما لو أردك بعض وقت الصلاة (فصل) قال ولا يصح صوم واجب إلا أن ينويه من الليل معيناً وعنه لا يجب تعيين النية لرمضان لا يصح صوم إلا بنية بالإجماع فرضاً كان أو تطوعا لانه عبادة محضة فافتقر إلى النية كالصلاة فإن كان فرضاً كصيام رمضان في أدائه أو قضائه والنذر والكفارة اشترط أن ينويه من الليل وهذا مذهب مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة يجزي صيام رمضان وكل صوم متعين بنيته من النهار لأن النبي صلى الله عليه وسلم

والحامل والمرضع إذا خافتا الضرر على أنفسهما أفطرتا وقضتا وإن خافتا على ولديهما أفطرتا وقضتا وأطعمتا عن كل يوم مسكينا

أرسل غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة " من كان أصبح صائماً فليتم صومه ومن كان أصبح مفطراً فليتم بقية يومه ومن لم يكن أكل فليصم " متفق عليه وكان صوماً واجباً متعيناً ولأنه غير ثابت في الذمة فهو كالتطوع ولنا ما روى ابن جريج وعبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن الزهري عن سالم عن أبيه عن حفصة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له " وفي لفظ ابن حزم من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له ورواه أبو داود والترمذي والنسائي وروى الدارقطني بإسناده عن عمرة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من لم يبيت الصيام قبل طلوع الفجر فلا صيام له " وقال إسناده كلهم ثقات وقال حديث حفصة رفعه عبد الله بن أبي بكر عن الزهري وهو من الثقات ولأنه صوم فرض فافتقر إلى النية من الليل كالقضاء فأما صوم عاشوراء فلم يثبت وجوبه فان معاوية قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " هذا يوم عاشوراء ولم يكتب الله عليكم صيامه وأنا صائم فمن شاء فليصم ومن شاء فليفطر " ممتفق عليه، وإنما سمى الإمساك صياماً تجوزا كما روي البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر رجلاً أن أذن في الناس أن من كان أكل فليصم بقية يومه وإمساك بقية اليوم بعد الأكل ليس بصيام شرعي فسماه صياماً تجوزاً ثم لو ثبت أنه صيام فالفرق

بين ذلك وبين رمضان أن وجوب الصيام تجدد في أثناء النهار فأجزأته النية حين تجدد الوجوب كمن كان صائماً تطوعاً فنذر في أثناء النهار صوم بقية يومه فإنه تجزئه نيته عند نذره بخلاف ما إذا كان النذر متقدماً والفرق بين التطوع والفرض من وجهين (أحدهما) أن التطوع يمكن الاتيان به في بعض النهار بشرط عدم المفطرات في أوله بدليل قوله عليه السلام في حديث عاشوراء " فليصم بقية يومه " فإذا نوى صوم التطوع من النهار كان صائماً بقية النهار دون أوله والفرض يجب في جميع النهار ولا يكون صائماً بغير نية (والثاني) أن التطوع سومح في نيته من الليل تكثيراً له فإنه قد يبدو له الصوم في النهار فاشتراط النية في الليل يمنع ذلك فسامح الشرع فيها كمسامحته في ترك الصلاة في صلاة التطوع بخلاف الفرض إذا ثبت هذا ففي أي جزء من الليل نوى أجزأه وسواء فعل بعد النية ما ينافي الصوم من الأكل والشرب والجماع أو لم يفعل واشترط بعض أصحاب الشافعي أن لا يأتي بعد النية بما ينافي الصوم واشترط بعضهم وجود النية في النصف الأخير من الليل كأذان الصبح والدفع من مزدلفة ولنا مفهوم قوله عليه السلام " لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل " من غير تفصيل ولأنه نوى من الليل فصح صومه كما نوى في النصف الأخير وكما لو لم يفعل ما ينافي الصوم ولأن تخصيص النية بالنصف الأخير يفضي الى تفويت الصوم لأنه وقت النوم وكثير من الناس لا ينتبه فيه ولا يذكر الصوم والشارع انما رخص في تقديم النية على ابتدائه لحرج اعتبارها عنده فلا يخصها بمحل لا تندفع

ومن نوى قبل الفجر ثم جن أو أغمي عليه جميع النهار لم يصح صومه وإن أفاق جزاءا منه صح صومه

المشقة بتخصيصها به ولان تخصيصها بالنصف الأخير تحكم من غير دليل واعتبار الصوم بالأذان والدفع من مزدلفة لا يصح لأنهما يجوزان بعد الفجر فلا يفضي منعهما في النصف الأول إلى فواتهما بخلاف نية الصوم ولأن اختصاصهما بالنصف الأخير بمعنى تجويزهما فيه واشتراط النية بمعنى الإيجاب والتحتم وفوات الصوم بفواتها فيه وهذا فيه مشقة ومضرة بخلاف التجويز فأما إن فسخ النية مثل إن نوى الفطر بعد نية الصيام لم تجزئه تلك النية المفسوخة لأنها زالت حكما وحقيقة (فصل) وإن نوى من النهار صوم الغد لم يجزئه إلا أن يستصحب النية إلى جزء من الليل وقد روى ابن منصور عن أحمد من نوى الصوم عن قضاء رمضان بالنهار ولم ينو من الليل فلا بأس إلا أن يكون فسخ النية بعد ذلك فظاهر هذا حصول الأجزاء بنية النهار إلا أن القاضي قال هذا محمول على أنه استصحب النية إلى الليل وهذا صحيح لظاهر قوله عليه السلام " لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل " ولأنه لم ينو عند ابتداء العبادة ولا قريباً منها فلا يصح كما لو نوى من الليل صوم بعد الغد (فصل) وتعتبر النية لكل يوم وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وابن المنذر وعن أحمد أنه تجزئه نية واحدة لجميع الشهر إذا نوى صوم جميعه وهو مذهب مالك وإسحاق لإنه نوى في زمن يصلح جنسه لنية الصوم فجاز كما لو نوى كل يوم في ليلته

وإن نام جميع النهار صح صومه

ولنا أنه صوم واجب فوجب أن ينوي كل يوم من ليلته كالقضاء ولأن هذه الأيام عبادات لا يفسد بعضها بفساد بعض ويتخللها ما ينافيها أشبهت القضاء وبهذا فارقت اليوم الأول وعلى قياس رمضان إذا نذر صوم شهر بعينه خرج فيه مثل ما ذكرنا في رمضان (فصل) ومعنى النية القصد وهو اعتقاد القلب فعل شئ وعزمه عليه من غير تردد فمتى خطر بقلبه في الليل أن غدا من رمضان وأنه صائم فيه فقد نوى وإن شك في أنه من رمضان ولم يكن له أصل يبني عليه مثل ليلة الثلاثين من شعبان ولم يحل دون مطلع الهلال غيم ولا قتر فعزم أن يصوم غداً من رمضان لم تصح النية ولم يجزئه صيام ذلك اليوم لأن النية قصد يتبع العلم وما لا يعلمه ولا دليل على وجوده لا يصح قصده وبهذا قال حماد وربيعة ومالك وابن أبي ليلى والحسن بن صالح وابن المنذر وقال الثوري والاوزاعي يصح إذا نواه من الليل كاليوم الثاني وعن الشافعي كالمذهبين ولنا أنه لم يجزم النية بصومه من رمضان فلم يصح كما لو لم يعلم إلا بعد خروجه وكذلك إن بنى على قول المنجمين وأهل الحساب فوافق الصواب لم يصح صومه وإن كثرت اصابتهم لأنه ليس بدليل شرعي يجوز البناء عليه ولا العمل به فكان وجوده كعدمه قال النبي صلى الله عليه وسلم " صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته " وفي رواية " لا تصوموا حتى تروه ولا تفطروا حتى تروه " فأما ليلة الثلاثين

من رمضان فتصح نيته وإن احتمل أن يكون من شوال لأن الأصل بقاء رمضان ولما ذكرنا من الحديث فإن قال إن كان غداً من رمضان فأنا صائم، وإن كان من شوال فأنا مفطر، فقال ابن عقيل لا يصح صومه لأنه لم يجزم بنية الصوم والنية اعتقاد جازم، ويحتمل أن يصح لأن هذا شرط واقع والأصل بقاء رمضان (فصل) ويجب تعيين النية في كل صوم واجب فيعتقد أنه يصوم غداً من رمضان أو من قضائه أو من كفارته أو نذر نص عليه في رواية الأثرم فإنه قال يا أبا عبد الله أسير صائم في أرض الروم شهر رمضان ولا يعلم أنه رمضان فنوى التطوع قال لا يجزئه إلا بعزيمة أنه من رمضان، وبهذا قال مالك والشافعي، وعن أحمد رواية أخرى أنه لا يجب تعيين النية لرمضان، قال المروذي روي عن أحمد أنه قال يكون يوم الشك يوم غيم إذا أجمعنا على أننا نصبح صياماً يجزينا من رمضان، وإن لم نعتقد أنه من رمضان؟ قال: نعم. فقلت قول النبي صلى الله عليه وسلم " إنما الأعمال بالنية " أليس يريد أن ينوي أنه من رمضان؟ قال لا، إذا نوى من الليل أنه صائم أجزأه وحكى أبو حفص العكبري عن بعض أصحابنا أنه قال: ولو نوى أن يصوم تطوعاً ليلة الثلاثين من رمضان فوافق رمضان أجزأه. قال القاضي وجدت هذا الكلام اختياراً لأبي القاسم ذكره في

شرحه، وقال أبو حفص لا يجزئه إلا أن يعتقد من الليل بلا شك ولا تلوم، فعلى القول الثاني لو نوى في رمضان الصوم مطلقاً أو نوى نفلاً وقع عن رمضان وصح صومه، وهذا قول أبي حنيفة إذا كان مقيماً لأنه فرض مستحق في زمن بعينه فلا يجب تعيين النية له كطواف الزيارة ولنا أنه صوم واجب فوجب تعيين النية له كالقضاء، وطواف الزيارة عندنا كهذه المسألة في افتقاره إلى التعيين، فلو نوى طواف الوداع أو طوافاً مطلقاً لم يجزه عن طواف الزيارة، ثم الحج مخالف للصوم ولهذا ينعقد مطلقاً وينصرف إلى الفرض، ولو حج عن غيره ولم يكن حج عن نفسه وقع عن نفسه ولو نوى الإحرام بمثل ما أحرم به فلان صح وينعقد فاسداً بخلاف الصوم (مسألة) (ولا يحتاج إلى نية الفرضية، وقال ابن حامد يجب ذلك) إذا عين النية عن صوم رمضان أو قضائه أو نذره أو كفارة لم يحتج أن ينوي أنه فرض لان التعيين يجزئ عن نية الفرضية، وقال ابن حامد يجب ذلك، وقد ذكرنا ذلك في كتاب الصلاة (مسألة) (ولو نوى إن كان غدا من رمضان فهو فرضي وإلا فهو نفل لم يجزئه على الرواية المشهورة لأنه لم يعين الصوم من رمضان جزماً وعنه يجزيه لأنه قد نوى الصوم ولو كان عليه صوم من سنة خمس فنوى أنه يصوم عن سنة ست أو نوى الصوم عن يوم الأحد وكان غيره أو ظن أن غداً الأحد فنواه وكان الاثنين صح صومه لأن نية الصوم لم تختل إنما أخطأ في الوقت (مسألة) (ومن نوى الإفطار أفطر)

إذا نوى الإفطار في صوم الفرض أفطر وفسد صومه هذا ظاهر المذهب وقول الشافعي وأبي ثور وقال أصحاب الرأي إن عاد فنوى قبل أن ينتصف النهار أجزأه بناء على أصلهم أن الصوم المعين يجزئ بنية من النهار، وحكي عن ابن حامد أن الصوم لا يفسد بذلك لأنها عبادة يلزم المضي في فاسدها فلم تفسد بنية الخروج منها كالحج ولنا أنها عبادة من شرطها النية ففسدت بنية الخروج منها كالصلاة ولأن اعتبار النية في جيمع أجزاء العبادة، لكن لما شق اعتبار حقيقتها اعتبر بقاء حكمها وهو أن لا ينوي قطعها، فإذا نواه زالت حقيقة وحكما ففسد الصوم لزوال شرطه، وما ذكره ابن حامد لا يطرد في غير رمضان ولا يصح القياس على الحج فإنه يصح بنية مطلقة وسبهمة وبالنية عن غيره إذا لم يكن حج عن نفسه فافترقا (فصل) فأما صوم النفل فإن نوى الفطر ثم لم ينو الصوم بعد ذلك لم يصح صومه لأن النية انقطعت ولم توجد نية غيرها أشبه من لم ينو أصلاً، وإن عاد فنوى الصوم صح كما لو أصبح غير ناو للصوم لأن نية الفطر إنما أبطلت الفرض لقطعها النية المشترطة في جميع النهار حكما وخلو بعض أجزاء النهار عنها، والنفل بخلاف ذلك فلم يمنع صحة الصوم نية الفطر في زمن لا يشترط وجود نية الصوم فيه لأن نية الفطر لا تزيد على عدم النية في ذلك الوقت وعدمها لا يمنع صحة الصوم إذا نوى بعد ذلك فكذلك إذا نوى الفطر ثم نوى الصوم بعده، وقد روي عن أحمد أنه قال: إذا أصبح صائما ثم عزم على الفطر فلم يفطر حتى بدا له ثم قال لابل أتم صومي من الواجب لم يجزئه حتى يكون عازماً على الصوم يومه كله، ولو كان تطوعاً كان أسهل وظاهر هذا موافق لما ذكرناه. وقد دل على صحته أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسأل أهله هل من غداء؟ فإن قالوا لا. قال: " إني إذا صائم " (فصل) فإن نوى أنه سيفطر ساعة أخرى فقال ابن عقيل هو كنية الفطر في وقته وإن تردد في الفطر فعلى وجهين كما ذكرنا في الصلاة، وإن نوى إنني إن وجدت طعاماً أفطرت وإلا أتممت صومي خرج فيه وجهان (أحدهما) يفطر لأنه لم يبق جازماً بنية الصوم ولذلك لا يصح ابتداء النية بمثل هذا (الثاني) لا يفطر لأنه لم ينو الفطر نية صحيحة، لأن النية لا يصح تعليقها على شرط، ولذلك لا ينعقد الصوم بمثل هذه النية (فصل) ومن ارتد عن الإسلام أفطر بغير خلاف نعلمه إذا ارتد في أثناء الصوم فعليه قضاء ذلك اليوم إذا عاد إلى الإسلام سواء أسلم في أثناء اليوم أو بعد انقضائه، وسواء كانت ردته باعتقاد ما يكفر به أو شكه أو النطق بكلمة الكفر مستهزئاً أو غير مستهزئ لأنها عبادة من شرطها النية أشبهت الصلاة والحج (مسألة) (ويصح صوم النفل بنية من النهار قبل الزوال وبعده، وقال القاضي لا يجزي بعد الزوال)

ولا يحتاج إلى نية الفرضية وقال ابن حامد يجب ذلك

يصح صوم التطوع بنية من النهار وهذا قول أبي حنيفة والشافعي، وروي ذلك عن أبي الدرداء وأبي طلحة وابن مسعود وحذيفة وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير والنخعي، وقال مالك وداود لا يجوز إلا بنية من الليل لقوله عليه السلام " لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل " ولأن الصلاة يتفق نية نفلها وفرضها فكذلك الصوم ولنا ماروت عائشة رضي الله عنها قال: دخل على النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال " هل عندكم شي؟ " قلنا لا. قال " فاني إذا صائم " أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي ويدل عليه أيضاً حديث عاشوراء ولأن الصلاة يخفف نفلها عن فرضها في سقوط القيام وجوازها في السفر على الراحلة إلى غير القبلة فكذلك الصيام، وحديثهم نخصه بحديثنا ولو تعارضا قدم حديثنا لأنه أصح من حديثهم فإنه من رواية ابن لهيعة ويحيى بن أيوب. قال الميموني سألت أحمد عنه فقال أخبرك ماله عندي ذاك الإسناد إلا أنه عن ابن عمر وحفصة اسنادان جيدان، والصلاة يتفق وقتها وقت النية لنفلها وفرضها لأن اشتراط النية في أول الصلاة لا يفضي إلى تقليلها بخلاف الصوم فإنه يعين له الصوم من النهار فعفي عنه كما جوزنا التنفل قاعداً لهذه العلة إذا ثبت ذلك فأي وقت من النهار نوى أجزأه، هذا ظاهر كلام أحمد والخرقي وهو ظاهر قول ابن مسعود ويروى عن سعيد ابن المسيب، واختار القاضي في المجرد أنه

ومن نوى الإفطار أفطر

لا تجزئه النية بعد الزوال وهو مذهب أبي حنيفة والمشهور من قولي الشافعي لأن معظم النهار مضى بغير نية بخلاف الناوي قبل الزوال فإنه قد أدرك معظم العبادة ولهذا تأثير في الأصول بدليل أن من أدرك الإمام في الركوع أدرك الركعة لإدراكه معظمها، ولو أدركه بعد الرفع لم يكن مدركاً لها، وكذلك من أدرك ركعة من الجمعة يكون مدركاً لها لأنها لا تزيد بالتشهد شيئا ولا يدركها بدون الركعة لذلك ولنا أنه نوى في جزء من النهار أشبه مالو نوى في أوله ولأن جميع الليل وقت النية الفرض فكذلك جميع النهار وقت لنية النفل ولأن صوم النفل إنما جوزناه بنية من النهار طلباً لتكثيره وهذا أبلغ في التكثير (فصل) وإنما يحكم له بالصوم الشرعي المثاب عليه من وقت النية في المنصوص عن أحمد فإنه قال: من نوى في التطوع من النهار كتب له بقية يومه، وأذا أجمع من الليل كان له يومه، وهذا قول بعض أصحاب الشافعي، وقال أبو الخطاب في الهداية يحكم بذلك من أول النهار وهو قول بعض الشافعية لأن الصوم لا يتبعض في اليوم بدليل ما لو أكل في بعضه لم يجزه صيام باقيه، فإذا وجد في بعض اليوم دل على أنه صائم من أوله، ولا يمتنع الحكم بالصوم من غير نية حقيقية كما لو نسي الصوم بعد نيته أو غفل عنه، ولأنه لو أدرك بعض الركعة أو بعض الجماعة كان مدركاً لجميعها ولنا أن ما قبل النية لم ينو صيامه فلا يحصل له صيامه لقوله عليه السلام " إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى " ولأن الصوم عبادة محضة فلا يوجد بغير نية كسائر العبادات المحضة، ودعوى

أن الصوم لا يتبعض دعوى محل النزاع وإنما يشترط لصوم البعض أن لا توجد المفطرات في شئ من اليوم، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عاشوراء " فليصم بقية يومه " وأما إذا نسي النية بعد وجودها فإنه يكون مستصحباً لحكمها بخلاف ما قبلها فإنها لم توجد حكماً ولا حقيقة، ولهذا لو نوى الفرض من الليل ونسيه في النهار صح صومه، ولو لم ينو من الليل لم يصح صومه. وأما إدراك الركعة والجماعة فإنما معناه أنه لا يحتاج إلى قضاء ركعة وينوي أنه مأموم وليس هذا مستحيلا، إما أن يكون ما صلى

ويصح صوم النفل بنية من النهار قبل الزوال وبعده وقال القاضي: لا يجزي بعد الزوال

الإمام قبله من الركعات محسوباً له بحيث يجزئه عن فعله فكلا ولأن مدرك الركوع مدرك لجميع أركان الركعة لأن القيام وجد حين كبر وفعل سائر الأركان مع الإمام، وأما الصوم فإن النية شرط له

أو ركن فيه فلا يتصور وجوده بدون شرطه وركنه (فصل) وإنما يصوم الصوم بنية من النهار بشرط أن يكون طعم قبل النية ولا فعل ما يفطره

فإن فعل شيئاً من ذلك لم يجزه الصيام بغير خلاف نعلمه والله عزوجل أعلم (باب ما يفسد الصوم ويوجب الكفارة) ومن أكل أو شرب أو استعط أو احتقن أو داوى الجائفة بما يصل إلى جوفه او كتحل بما يصل إلى حلقه أو داوى المأمومة أو قطر في أذنه ما يصل إلى دماغه أو أدخل في جوفه شيئاً من أي موضع كان أو استقاء أو استمنى أو قبل أو لمس فأمنى أو أمذى أو كرر النظر فانزل أو حجم أو احتجم عامداً ذاكراً لصومه فسد صومه وإن كان مكرهاً أو ناسياً لم يفسد.

أجمع أهل العلم على الإفطار بالأكل والشرب لما يتغذى به، وقد دل عليه قوله تعالى (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل) مدة إباحة الأكل والشرب إلى تبين الفجر ثم أمر بالصيام عنهما، وفي الحديث " لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي " فأما أكل ما لا يتغذى به فيحصل به الفطر في قول عامة أهل العلم، وقال الحسن بن صالح لا يفطر بما ليس بطعام ولا شراب وحكي عن أبي طلحة الأنصاري أنه كان يأكل البرد في الصوم ويقول ليس بطعام ولا شراب ولعل من يذهب إلى ذلك يحتج بأن الكتاب والسنة إنما حرما الأكل والشرب المعتاد فما عداهما يبقى على أصل الإباحة.

ولنا دلالة الكتاب والسنة على تحريم الأكل والشرب على العموم فيدخل فيه محل النزاع ولم يثبت عندنا ما نقل عن أبي طلحة فلا يعد خلافاً (فصل) ويفطر بكل ما أدخله إلى جوفه او مجوف في جسده كدماغه وحلقه ونحو ذلك مما ينفد إلى معدته إذا وصل باختياره وكان مما يمكن التحرز منه سواء وصل من الفم على العادة أو غيرها كالوجور واللدود أو من الأنف كالسعوط أو ما يدخل من الاذان إلى الدماغ أو ما يدخل من العين إلى الحلق كالكحل أو ما يدخل إلى الجوف من الدبر بالحقنة أو ما يصل من مداواة الجائفة أو من دواء المأمومة، وكذلك أن جرح نفسه أو جرحه غيره بإذنه فوصل إلى جوفه سواء استقر في جوفه أو عاد فخرج منه لأنه واصل إلى الجوف باختياره فأشبه الأكل وبهذا كله قال الشافعي إلا في الكحل وقال مالك لا يفطر بالسعوط إلا أن ينزل الى حلقه ولا يفطر إذا داوى المأمومة والجائفة واختلف عنه

باب ما يفسد الصوم ويوجب الكفارة

في الحقنة واحتج بأنه لم يصل إلى الحلق منه شئ أشبه ما لم يصل إلى الدماغ ولا الجوف ولنا أنه واصل إلى جوف الصائم باختياره فيفطره كالواصل إلى الحلق ولأن الدماغ جوف والواصل إليه يغذيه فيفطر كجوف البدن (فصل) فأما الكحل فإن وجد طعمه في حلقه أو علم وصوله إليه فطره وإلا لم يفطره نص عليه أحمد وقال ابن أبي موسى ان اكتحل بما يجد طعمه كالذرور والصبر والقطور افطر وإن اكتحل باليسير من الأثمد غير المطيب لم يفطر نص عليه أحمد وقال ابن عقيل أن كان الكحل حاداً فطره وإلا فلا ونحو ما ذكرناه قال أصحاب مالك عن ابن أبي ليلى وابن شبرمة أن الكحل يفطر الصائم، وقال أبو حنيفة والشافعي لا يفطر لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه اكتحل في رمضان وهو صائم ولأن العين ليست منفذاً فلم يفطر بالداخل منها كما لو دهن رأسه ولنا أنه أوصل إلى حلقه ما هو ممنوع من تناوله بفيه فأفطر به كما لو أوصله من أنفه وما رووه لم يصح، قال الترمذي لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في باب الكحل للصائم شئ ثم نحمله أنه اكتحل بما لا يصل، وقولهم ليست العين منفذاً لا يصح فإنه يوجد طعمه في الحلق ويكتحل بالأثمد فيتنخعه. قال أحمد: حدثني انسان أنه اكتحل بالليل فتنخعه بالنهار ثم لا يعتبر في الواصل أن يكون من منفذ بدليل ما لو جرح نفسه جائفة فانه يفطر (مسألة) (أو استقاء أو استمنى) معنى استقاء استدعى القئ ويفطر به في قول عامة أهل العلم، قال ابن المنذر أجمع أهل العلم على

إبطال صوم من استقاء عامداً، وحكي عن ابن مسعود وابن عباس أن القئ لا يفطر، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ثلاث لا يفطرن الصائم الحجامة والقئ والاحتلام " ولنا ما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من استقاء عمداً فليقض " قال الترمذي هذا حديث حسن، ورواه أبو داود وحديثهم غير محفوظ يرويه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وهو ضعيف قال الترمذي (فصل) وقليل القئ وكثيره سواء في ظاهر المذهب وفيه رواية ثانية لا يفطر إلا بملء الفم لأنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " ولكن دسعة تملأ الفم ولأن اليسير لا ينقض الوضوء فلا يفطر كالبلغم، وفيه رواية ثالثة: أنه نصف الفم لأنه ينقض الوضوء فأفطر به كالكثير، والأولى أولى لظاهر الحديث الذي رويناه، ولأن سائر المفطرات لا فرق بين قليلها وكثيرها كذلك، هذا وحديث الرواية الثانية لا نعرف له أصلا ولا فرق بين كون القئ طعاماً، أو مراراً، أو بلغماً، أو دماً، أو غيره لأن لجميع داخل في الحديث (فصل) ولو استمنى بيده فقد فعل محرما ولا يفسد صومه بمجرده، فإن أنزل فسد صومه لأنه في معنى القبلة في إثارة الشهوة، وكذلك إن مذى به في قياس المذهب قياساً على القبلة، فأما إن أنزل لغير شهوة كالذي يخرج منه المني أو المذي لمرض فلا شئ عليه لأنه خارج لغير شهوة أشبه البول، ولانه يخرج من غير اختيار منه ولا بسبب أشبه الاحتلام، ولو جامع بالليل فأنزل بعدما أصبح لم يفطر لأنه لم يتسبب إليه في النهار فأشبه مالو أكل شيئاً في الليل فذرعه القئ في النهار (مسألة) (قال أو قبل أو لمس فأمنى أو مذي) إذا قبل أو لمس لم يخل من ثلاثة أحوال (أحدها) أن لا ينزل ولا يمذي فلا يفسد صومه بذلك بغير خلاف علمناه لما روت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل وهو صائم وكان أملككم لإربه، رواه البخاري وروي بتحريك الراء وسكونها، قال الخطابي معنى ذلك حاجة النفس ووطرها وقيل بالتسكين العضو وبالتحريك الحاجة، وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: هششت فقبلت وأنا صائم فقلت يارسول الله صنعت اليوم أمراً عظيماً قبلت وأنا صائم، قال " أرأيت لو تمضمضت من إناء وأنت صائم " قلت لا بأس به، قال " فمه " رواه أبو داود، شبه القبلة بالمضمضة من حيث أنها من مقدمات الشهوة فإن المضمضة إذا لم يكن معها نزول الماء لم تفطر وإن كان معها نزوله أفطر إلا أن أحمد ضعف هذا الحديث وقال: هذا ريح ليس من هذا شئ (الحال الثاني) أن يمني فيفطر بغير خلاف نعلمه لما ذكرناه من إيماء الخبرين ولانه انزل بمباشرة أشبه الإنزال بجماع دون الفرج (الحال الثالث) أن يمذي فيفطر وهو قول مالك، وقال أبو حنيفة والشافعي لا يفطر وروي ذلك عن الحسن والشعبي والاوزاعي لأنه خارج لا يوجب الغسل أشبه البول

ولنا أنه خارج تخلله الشهوة خرج بالمباشرة أشبه المني وبهذا فارق البول (مسألة) (أو كرر النظر فأنزل) لتكرار النظر ثلاثة أحوال أيضاً (أحدها) أن لا يقترن به إنزال فلا يفسد الصوم بغير اختلاف (الثاني) أن ينزل المني به فيفسد الصوم، وبه قال عطاء والحسن ومالك وقال جابر بن زيد والثوري وأبو حنيفة والشافعي وابن المنذر لا يفسد لأنه عن غير مباشرة أشبه الإنزال بالفكر ولنا أنه إنزال بفعل يتلذذ به يمكن التحرز منه أشبه الإنزال باللمس. والفكر لا يمكن التحرز منه (1) بخلاف تكرار النظر (الثالث) مذى بذلك فظاهر كلام أحمد أنه لا يفطر به لأنه لا نص في الفطر به ولا يصح قياسه على إنزال المني لمخالفته إباه في الأحكام فيبقى على الأصل وفيه قول آخر إنه يفطر لأنه خارج بسبب الشهوة أشبه المني ولأن السبب الضعيف إذا تكرر تنزل بمنزلة السبب القوي فإن من أعاد الضرب بعصا صغيره فقتل وجب عليه القصاص كالضرب بالعصا الكبيرة والأول ظاهر المذهب (فصل) فأما إن صرف نظره لم يفسد صومه أنزل أو لم ينزل، وقال مالك يفسد صومه إن أنزل كما لو كرره ولنا أن النظرة الأولى لا يمكن التحرز منها فلا يفسد الصوم ما أفضت إليه كالفكرة وعليه يخرج التكرار (مسألة) (قال أو حجم أو احتجم) الحجامة يفطر بعها الحاجم والمحجوم وبه قال إسحاق وابن المنذر ومحمد بن اسحق وابن خريمة وعطاء وعبد الرحمن بن مهدي وكان مسروق والحسن وابن سيرين لا يرون للصائم أن يحتجم وكان جماعة من الصحابة يحتجمون ليلاً في الصوم منهم ابن عمر وابن عباس وأبو موسى وأنس بن مالك ورخص فيها أبو سعيد الخدري وابن مسعود وأم سلمة والحسين بن علي وعروة وسعيد بن جبير وقال مالك والثوري وأبو حنيفة والشافعي يجوز للصائم أن يحتجم ولا يفطر لما روى البخاري عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم ولأنه دم خارج من البدن أشبه الفصد ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " أفطر الحاجم والمحجوم " رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم أحد عشر نفساً قال أحمد حديث شداد بن أوس من أصح حديث يروى في هذا الباب واسناد حديث رافع إسناد جيد وقال حديث ثوبان وشداد صحيحان وقال علي بن المديني أصح شئ في هذا الباب حديث شداد وثوبان. وحديثهم منسوخ بحديثنا بدليل ما روى ابن عباس أنه قال احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقاحة بقرن وناب وهو محرم صائم فوجد لذلك ضعفاً شديدا فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحتجم الصائم رواه أبو إسحاق الجوزجاني في المترجم وعن الحكم قال احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم فضعف ثم كرهت الحجامة

أو استقاء أو استمنى

للصائم وكان ابن عباس وهو راوي حديثهم يعد الحجام والمحاجم فإذا غابت الشمس احتجم كذلك رواه الجوزجاني وهذا يدل على انه علم نسخ الحديث الذي رواه (1) ويحتمل أنه احتجم فافطر كما روي عنه عليه السلام أنه قاء فافطر فإن قيل فقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى الحاجم والمحتجم يغتابان فقال ذلك قلنا لم تثبت صحة هذه الرواية مع أن اللفظ أعم من السبب فيجب الأخذ بعموم اللفظ دون خصوص السبب على أننا قد ذكرنا الحديث الذي فيه بيان علة النهي عن الحجامة وهي الخوف من الضعف فيبطل التعليل بما سواه أو تكون كل واحدة منهما علة مستقلة على أن الغيبة لا تفطر الصائم إجماعاً فلا يصح حمل الحديث عليها قال أحمد لأن يكون الحديث على ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم " أفطر الحاجم والمحجوم " أحب إلينا من أن يكون من الغيبة لأن من أراد أن يمتنع من الحجامة امتنع وهذا أشد على الناس من يسلم من الغيبة؟ فإن قيل إذا كانت علة النهي ضعف الصائم بها فلا يقتضي ذلك الفطر إنما يقتضي الكراهة ومعنى قوله " افطر الحاجم والمحجوم " أي قربا من الفطر قلنا هذا تأويل يحتاج إلى دليل مع أنه لا يصح في حق الحاجم لأنه لا يضعفه (فصل) وإنما يفطر بما ذكرنا إذا فعله عامداً ذاكراً لصومه وإن فعل شيئاً من ذلك ناسياً لم يفسد صومه روي عن علي رضي الله عنه لا شئ على من أكل ناسياً وهو قول أبي هريرة وابن عمر وعطاء وطاوس وابن أبي ذئب والاوزاعي والثوري وأبي حنيفة واسحاق وقال ربيعة ومالك يفطر لان مالا يصح الصوم مع شئ من جنسه عمداً لا يجوز مع سهوه كالجماع وترك النية ولنا ما روى أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا أكل أحدكم أو شرب ناسياً فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه " متفق عليه وفي لفظ " من أكل أو شرب ناسياً فإنما هو رزق رزقه الله " ولأنها عبادة ذات تحليل وتحريم فكان في محظوراتها ما يختلف عمده وسهوه كالصلاة والحج فأما النية فليس تركها فعلاً ولأنها شرط والشروط لا تسقط بالسهو بخلاف المبطلات والجماع حكمه أغلظ ويمكن التحرز عنه (مسألة) (فإن فكر فأنزل لم يفسد صومه) وحكي عن أبي حفص البرمكي أنه يفسد واختاره ابن عقيل لأن الفكرة تستحضر فتدخل تحت الاختيار لأن الله تعالى مدح الذين يتفكرون في خلق السموات والأرض ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التفكر في ذات الله ولو كانت غير مقدور عليها لم يتعلق بها ذلك كالاحتلام فأما أن خطر بقلبه صورة ذلك الفعل فأنزل لم يفسد صومه كالاحتلام ولنا قوله عليه الصلاة والسلام " عفي لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل به " ولأنه لا نص في الفطر به ولا إجماع، ولا يمكن قياسه على تكرار النظر لأنه دونه في استدعاء الشهوة وافضائه

قال أو قبل أو لمس فأمنى أو مذي

الى الإنزال ويخالفه في التحريم إذا تعلق، إذا ثبت ذلك في الأكل والشرب ثبت في سائر ما ذكرنا قياساً عليه، ولنا في الجماع منع (فصل) وإن فعل شيئاً من ذلك وهو نائم لم يفسد صومه لأنه لا قصد له ولا علم بالصوم فهو أعذر من الناسي فإن فعله جاهلاً بتحريمه فذكر أبو الخطاب أنه لا يفطره كالناسي (قال شيخنا) ولم أره عن غيره، وقول النبي صلى الله عليه وسلم " أفطر الحاجم والمحجوم " في حق الرجلين اللذين رآهما يحجم أحدهما صاحبه من جهلهما بتحريمه يدل على أن الجهل لا يعذر به، ولأنه نوع جهل فلم يمنع الفطر كالجهل بالوقت في حق من أكل يظن أن الفجر لم يطلع وتبين بخلافه (فصل) فإن فعله مكرهاً بالوعيد فقال ابن عقيل قال أصحابنا لا يفطر به لقول النبي صلى الله عليه وسلم " عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " قال ويحتمل عندي أن يفطر لأنه فعل المفطر لدفع الضرر عن نفسه أشبه المريض ومن شرب لدفع العطش، فأما الملجأ فلا يفطر لأنه خرج بذلك عن حيز الفعل ولذلك لا يضاف إليه، ولذلك افترقا فيما اذا أكره على قتل آدمي فقتله أو القى عليه (مسألة) (وإن طار إلى حلقه ذباب، أو غبار، أو قطر في إحليله، أو فكر فأنزل، أو احتلم، أو ذرعه القئ، أو أصبح وفي فيه طعام فلفظه، أو اغتسل، أو تمضمض، أو استنشق فدخل الماء حلقه لم يفسد صومه، وإن زاد على الثلاث أو بالغ فيهما فعلى وجهين) إذا دخل حلقه غبار من غير قصد كغبار الطريق ونخل الدقيق، أو الذبابة تدخل حلقه أو يرش عليه الماء فيدخل مسامعه أو حلقه، أو يلقى في ماء فيصل إلى جوفه، او يدخل حلقه بغير اختياره، أو يداوي جائفته أو مأمومته بغير اختياره، أو يحجم كرهاً، أو تقبله امرأة بغير اختياره فينزل وما أشبه ذلك لا يفسد صومه، لا نعلم فيه خلافاً لأنه لا يمكن التحرز منه أشبه مالو دخل حلقه شئ وهو نائم، وكذلك الاحتلام لأنه من غير اختيار منه فأشبه ما ذكرنا، وفي معنى ذلك إذا ذرعه القئ لأنه بغير اختياره كالاحتلام بأجنبية أو الكراهة إن كان في زوجة فبقي على الأصل (فصل) فإن قطر في إحليله دهناً لم يفطر به سواء وصل إلى المثانة أم لا، وبه قال أبو حنيفة وقال الشافعي يفطر لأنه أوصل الدهن إلى جوف في جسده فأفطر كما لو داوى الجائفة، ولأن المني يخرج من الذكر فيفطره وما أفطر بالخارج منه جاز أن يفطر بالداخل منه كالفم ولنا أنه ليس بين باطن الذكر والجوف منفذ، وإنما يخرج البول رشحاً فالذي يتركه فيه لا يصل إلى الجوف فلا يفطره كالذي يتركه في فيه ولا يبلعه (مسألة) (قال أو أصبح وفي فيه طعام فلفظه) إذا أصبح في فيه الطعام لم يخل من حالين (أحدهما) أن يكون يسيراً لا يمكنه لفظه فيزدرده

أو كرر النظر فانزل

فإنه لا يفطر به لأنه لا يمكن التحرز منه أشبه الريق، قال إبن المنذر أجمع على ذلك أهل العلم (الثاني) أن يكون كثيراً يمكنه لفظه فإن لفظه فلا شئ عليه وكذلك إن دخل حلقه بغير اختياره لمشقة الاحتراز منه وإن ابتلعه عامداً فسد صومه وهو قول الأكثرين وقال أبو حنيفة لا يفسد لأنه لابد أن يبقى بين أسنانه شئ مما يأكله فلم يفطر بابتلاعه كالريق ولنا أنه بلع طعاماً يمكنه لفظه باختياره ذاكراً لصومه فأفطر به كما لو ابتلع ابتداء من خارج ويخالف ما يجري به الريق فانه لا يمكنه لفظه فإن قيل يمكنه أن يبصق قلنا لا يخرج جميع الريق ببصاقه وإن منع من ابتلاع ريقه كله لم يمكنه

قال أو حجم أو احتجم

(مسألة) قال (أو اغتسل أو تمضمض أو استنشق فدخل الماء حلقه لم يفسد صومه) المضمضة والاستنشاق لا يفطر بغير خلاف سواء كان في طهارة أو غيرها وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم إن عمر سأله عن القبلة للصائم فقال النبي صلى الله عليه وسلم " أرأيت لو تمضمضت من إناء وأنت صائم " قلت لا بأس قال " فمه " ولأن الفم في حكم الظاهر فلا يبطل الصوم بالواصل إليه كالأنف والعين فإن تمضمض أو استنشق في الطهارة فسبق الماء إلى حلقه من غير قصد ولا إسراف فلا شئ عليه، وهذا قول الأوزاعي وإسحاق والشافعي في أحد قوليه وروي ذلك عن ابن عباس وقال مالك وأبو حنيفة يفطر لأنه أوصل الماء إلى حلقه ذاكراً لصومه فأفطر كما لو تعمد شربه ولنا أنه وصل إلى حلقه من غير قصد ولا إسراف أشبه مالو طارت ذبابه إلى حلقه وبهذا فارق المتعمد (فصل) فأما إن زاد على الثلاث وبالغ في الاستنشاق والمضمضة فقد فعل مكروهاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم للقيط بن صبرة " وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً " فإن دخل الماء حلقه فقال أحمد يعجبني أن يعيد الصوم وفيه وجهان أحدهما يفطر لأنه فعل مكروهاً تعرض به إلى إيصال الماء إلى حلقه أشبه من أنزل بالمباشرة ولأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المبالغة حفظاً للصوم فدل على أنه يفطر به ولأنه وصل بفعل منهي عنه أشبه العمد والثاني لا يفطره لأنه وصل من غير قصد أشبه غبار الدقيق إذا دخل حلقه وقت نخله فأما المضمضة لغير طهارة فإن كانت لحاجة كغسل فمه عند الحاجة إليه ونحوه فحكمه حكم المضمضة للطهارة

وإن كان عبثاً أو تمضمض من أجل العطش كره وسئل أحمد عن الصائم يعطش فيمضمض ثم يمجه قال يرش على صدره أحب إلي فإن فعل فوصل الماء إلى حلقه أو ترك الماء في فيه عابثاً أو للتبرد فالحكم فيه كالحكم في الزائد على الثلاث لأنه مكروه (فصل) ولا بأس أن يصب الماء على رأسه من الحر والعطش لما روي عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال " لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعرج يصب على رأسه الماء وهو صائم من العطش أو من الحر " رواه أبو داود (فصل) ولا بأس أن يغتسل الصائم فان عائشة وأم سلمة قالتا: نشهد علي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن كان ليصبح جنباً من غير احتلام ثم يغتسل ثم يصوم متفق عليه وروى أبو بكر باسناده أن ابن عباس دخل الحمام وهو صائم هو وأصحاب له في شهر رمضان فأما الغوص في الماء فقال أحمد في الصائم يغتمس في الماء إذا لم يخف أن يدخل في مسامعه وكره الحسن والشعبي أن ينغمس في الماء خوفاً أن يدخل في مسامعه فإن دخل إلى مسامعه في الغسل المشروع من غير قصد ولا إسراف لم يفطر كالمضمضة في الوضوء وإن غاص في الماء أو أسرف أو كان عابثاً فحكمه حكم الداخل إلى الحلق من المبالغة والزيادة على الثلاث على ما ذكرنا من الخلاف

(مسألة) (وإن أكل شاكاً في طلوع الفجر فلا قضاء عليه) إذا أكل وهو يشك في طلوع الفجر ولم يتبين له الحال فلا قضاء عليه وله الأكل حتى يتيقن طلوع الفجر نص عليه أحمد وهو قول ابن عباس وعطاء والاوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي وروي معنى ذلك عن أبي بكر الصديق رضي الله عنهم وقال مالك يجب القضاء كما لو أكل شاكاً في غروب الشمس ولنا قول الله تعالى (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر)

فإن فكر فأنزل لم يفسد صومه

مد الأكل إلى غاية التبين وقد يكون شاكاً قبل التبين فلو لزمه القضاء لحرم عليه الأكل، وقال النبي صلى الله عليه وسلم " فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم " وكان رجلاً أعمى لا يؤذن حتى يقال له أصبحت أصبحت ولأن الأصل بقاء الليل فيكون زمن الشك منه ما لم يعلم يقين زواله بخلاف غروب الشمس فإن الأصل بقاء النهار فبني عليه (مسألة) (وإن أكل شاكاً في غروب الشمس فعليه القضاء)

إن طار إلى حلقه ذباب، أو غبار، أو قطر أو احليله

إذا لم يتبين لأن الأصل بقاء النهار فإن كان حين الأكل ظاناً أن الشمس قد غربت ثم شك بعد الأكل ولم يتبين فلا قضاء عليه لأنه لم يوجد يقين أزال ذلك الظن الذي بنى عليه فأشبه مالو صلى بالاجتهاد ثم شك في الإصابة بعد صلاته (مسألة) (ومن أكل معتقداً أنه ليل فبان نهاراً فعليه القضاء) وذلك أن يظن أن الشمس قد غابت ولم تغب أو أن الفجر لم يطلع وقد طلع فيجب عليه القضاء

قال أو أصبح وفي فيه طعام فلفظه

هذا قول أكثر أهل العلم وحكي عن عروة ومجاهد والحسن واسحاق لا قضاء عليهم لما روي زيد بن وهب قال كنت جالساً في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان في زمن عمر بن الخطاب فأتينا بعساس فيها شراب من بيت حفصة فشربنا ونحن نرى أنه من الليل ثم انكشف السحاب فإذا الشمس طالعة قال فجعل الناس يقولون نقضي يوماً مكانه فقال عمر والله لا نقضيه ما تجانفنا لإثم ولأنه لم يقصد الأكل في الصوم فلم يلزمه القضاء كالناسي

أو اغتسل أو تمضمض أو استنشق فدخل الماء حلقه لم يفسد صومه

ولنا أنه أكل مختاراً ذاكراً للصوم فأفطر كما لو أكل يوم الشك ولأنه جهل وقت الصيام فلم يعذر به كالجهل بأول رمضان ولأنه يمكن التحرز منه فأشبه أكل العامد وفارق الناسي فإنه لا يمكن التحرز منه. وأما الخبر فرواه الأثرم أن عمر قال من أكل فليقض يوماً مكانه رواه مالك في الموطأ أن عمر قال الخطب يسير يعني خفة القضاء وروى هشام بن عروة عن فاطمة امرأته عن أسماء قالت أفطرنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم غيم ثم طلعت الشمس قيل لهشام أمروا بالقضاء قال لا بد من قضاء رواه البخاري

(فصل) ويجوز للجنب في الليل أن يؤخر الغسل حتى يصبح ويتم صومه وهو قول علي وابن مسعود وزيد وأبي الدرداء وأبي ذر وابن عمر وابن عباس وعائشة وأم سلمة رضي الله عنهم وهو قول مالك والشافعي في أهل الحجاز والثوري وأبي حنيفة في أهل العراق والاوزاعي في أهل الشام والليث في أهل مصر واسحاق وأبي عبيد وأهل الظاهر وكان أبو هريرة يقول لاصوم له ويروى ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم رجع عنه قال سعيد بن المسيب رجع أبو هريرة عن فتياه وحكي عن الحسن

وإن أكل شاكا في طلوع الفجر فلا قضاء عليه

وسالم بن عبد الله يتم صومه ويقضي وعن النخعي يقضي في الفرض دون التطوع وعن عروة وطاوس أن علم بجنابته في رمضان فلم يغتسل حتى أصبح فهو مفطر وإن لم يعلم فهو صائم وحجتهم حديث أبي هريرة ولنا ماروى أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام قال ذهبت أنا وأبي حتى دخلنا على عائشة فقالت أشهد علي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن كان ليصبح جنباً من جماع من غير احتلام ثم يصومه ثم دخلنا على أم سلمة فقال مثل ذلك ثم أتينا أبا هريرة فأخبرناه بذلك فقال هما أعلم بذلك إنما

وإن أكل شاكا في غروب الشمس فعليه القضاء

حدثنيه الفضل بن العباس متفق عليه قال الخطابي أحسن ما سمعت في خبر أبي هريرة أنه منسوخ لأن الجماع كان محرماً على الصائم بعد النوم فلما أباح الله سبحانه الجماع إلى طلوع الفجر جاز للجنب إذا أصبح قبل أن يغتسل أن يصوم وروت عائشة أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم إني أصبح جنباً وأنا أريد الصيام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " وأنا أصبح جنباً وأنا أريد الصيام " فقال له الرجل يا رسول الله إنك لست مثلنا قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال " إني لأرجو اأن أكون أخشاكم لله وأعلمكم بما اتقي " رواه مسلم ومالك في الموطأ (فصل) وحكم المرأة إذا انقطع حيضها من الليل وأخرت الغسل حتى أصبحت حكم الجنب يصح صومها إذا نوت من الليل بعد انقطاعه وقال الاوزاعي والحسن بن حي وعبد الملك بن الماجشون تقضي فرطت في الاغتسال أو لم تفرط لأن حدث الحيض يمنع الصوم بخلاف الجنابة

ولنا أنه حدث يوجب الغسل فتأخير الغسل منه إلى أن يصبح لا يمنع صحة الصوم كالجنابة وما ذكروه لا يصح فان من طهرت من الحيض غير الحائض وانما عليها حدث موجب للغسل فهي كالجنب فإن الجماع الموجب للغسل لو وجد في الصوم أفسده كالحيض وبقاء وجوب الغسل منه كبقاء وجوب الغسل من الحيض والله أعلم (فصل) وإذا جامع في نهار رمضان في الفرج قبلا كان أو دبراً فعليه القضاء والكفارة عامداً كان أو ساهياً وعنه لا كفارة عليه مع الإكراه والنسيان هذا المسألة تشتمل على خمسة أمور (أحدها) أن من جامع في نهار رمضان في الفرج فأنزل أو لم ينزل أو دون الفرج فأنزل عامداً فسد صومه بغير خلاف علمناه وقد دلت الأخبار الصحيحة على ذلك (الثاني) أنه يجب عليه القضا في قول أكثر أهل العلم وقال الشافعي في أحد قوليه لا يجب القضاء على من لزمته الكفارة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر الأعرابي بالقضاء وحكي عن الشافعي أنه قال إن كفر بالصيام فلا قضاء عليه لأنه صام شهرين متتابعين ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمجامع " وصم يوماً مكانه " رواه أبو داود بإسناده وابن ماجة والاثرم ولأنه

أفسد يوما من رمضان فلزمه قضاؤه كما لو أفسده بالأكل ولأنه صوم واجب أفسده بالجماع فوجب عليه القضاء كغير رمضان (فصل) فإن جامع في غير صوم عامداً أفسده ويجب عليه القضاء إن كان واجباً بغير خلاف علمناه وإن كان نفلاً ففيه اختلاف نذكره إن شاء الله تعالى (الثالث) أن من جامع في الفرج في رمضان عامداً تجب عليه الكفارة أنزل أو لم ينزل في قول عامة أهل العلم وعن الشعبي والنخعي وسعيد بن جبير انه لا كفارة عليه لأنها عبادة لا تجب الكفارة بإفساد قضائها فلم تجب في إفساد أدائها كالصلاة ولنا ما روى عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال بينا نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل فقال يا رسول الله هلكت قال " مالك؟ " قال وقعت على امرأتي وأنا صائم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " هل تجد رقبة تعتقها " قال لا قال " فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ " قال لا قال " فهل تجد إطعام ستين مسكيناً؟ " قال لا قال فمكث النبي صلى الله عليه وسلم فبينا نحن على ذلك أتى النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر والعرق المكتل فقال " أين السائل؟ " فقال أنا فقال " خذ هذا فتصدق به " فقال الرجل على أفقر مني يارسول الله فوالله ما بين لابيتها أهل بيت أفقر من بيتي فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه ثم قال " أطعمه أهلك " متفق عليه ولا يجوز اعتبار الأداء في ذلك بالقضاء لأن الأداء يتعلق بزمن مخصوص يتعين به والقضاء محله الذمة والصلاة لا يدخل في جبرانها المال بخلاف مسئلتنا

(الرابع) أن من جامع ناسياً فحكمه حكم العامد في ظاهر المذهب نص عليه أحمد وهو قول عطاء وابن الماجشون وروى أبو داود عن أحمد أنه توقف عن الجواب وقال أجبن أن أقول فيه شيئا وفيه رواية ثانية أنه يجب عليه القضاء دون الكفارة وهذا قول مالك والاوزاعي والليث لأن الكفارة لرفع الأثم وهو محطوط عن الناسي وفيه رواية ثالثة نقلها عنه ابن القاسم أنه قال كل أمر غلب عليه الصائم فليس عليه قضاء ولا غيره وهذا يدل على إسقاط القضاء والكفارة عن المكره والناسي وهو قول الحسن ومجاهد والثوري والشافعي وأصحاب الرأي لأنه معنى حرمه الصوم فإذا وجد منه مكرهاً أو ناسياً لم يفسده كالأكل ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الذي قال وقعت على امرأتي بالكفارة ولم يستفصله ولو افترق الحال لسأل واستفصل لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة ولأنه يجب التعليل بما تناوله لفظ السائل وهو الوقوع على المرأة في الصوم ولأن السؤال كالمعاد في الجواب فكأن النبي صلى الله عليه وسلم قال من وقع على أهله في نهار رمضان فليعتق رقبه. فإن قيل ففي الحديث ما يدل على العمد وهو قوله هلكت

وروى احترقت قلنا يجوز أن يخبر عن هلكته لما يعتقده في الجماع مع النسيان وخوفه من غير ذلك ولأن الصوم عبادة تحرم الوطئ فاستوى فيها عمده وسهوه كالحج ولأن إفساد الصوم ووجود الكفارة حكمان يتعلقان بالجماع لا تسقطهما الشبهة فاستوى فيهما العمد والسهو كسائر أحكامه (الخامس) أنه لا فرق بين كون الفرج قبلا أو دبراً من ذكر أو أنثى وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة في أشهر الروايتين لا كفارة بالوطئ في الدبر لأنه لا يحصل به الإحلال ولا الإحصان فلا يوجب الكفارة كالوطئ دون دون الفرج ولنا أنه أفسد صوم رمضان بجماع في الفرج فأوجب الكفارة كالوطئ في القبل وأما الوطئ دون الفرج قلنا فيه منع وإن سلمنا فلان الجماع دون الفرج لا يفسد الصوم بمجرده بخلاف الوطئ في الدبر (مسألة) (ولا يلزم المرأة كفارة مع العذر وهل يلزمها مع عدمه على روايتين) حكم الوطئ في رمضان في حق المرأة كحكمه في حق الرجل في إفساد الصوم ووجوب القضاء بغير خلاف نعلمه في المذهب لأنه نوع من المفطرات فاستوى فيه الرجل والمرأة كالأكل ولا يجب على المرأة كفارة مع العذر لما نذكره وهل يجب عليها الكفارة مع عدم العذر فيه روايتان إحداهما تجب عليها اختاره أبو بكر وهو قول مالك وأبي حنيفة وأبي ثور وابن المنذر لأنها

هتك صوم رمضان بالجماع فوجبت عليها الكفارة كالرجل (والثانية) لا كفارة عليها قال أبو داود سئل أحمد عمن أتى أهله في رمضان أعليها كفارة قال ما سمعنا أن على المرأة كفارة وهذا قول الحسن وللشافعي قولان كالروايتين ووجه ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الواطئ في رمضان أن يعتق رقبة ولم يأمر في المرأة بشئ مع علمه بوجود ذلك منها ولأنه حق مال يتعلق بالوطئ من بين جنسه فكان على الرجل المهر (مسألة) (قال وكل أمر غلب عليه الصائم فليس عليه قضاء ولا كفارة) هذه الرواية نقلها عنه ابن القاسم وهي تدل على إسقاط القضاء والكفارة مع الإكراه والنسيان وكذلك قال أبو الخطاب وقد ذكرنا حكم الناسي فأما حكم الإكراه فإن أكرهت المرأة على الجماع فلا كفارة عليها رواية واحدة وعليها القضاء في ظاهر المذهب قال مهنا سألت أحمد عن امرأة غصبها رجل نفسها فجامعها أعليها القضاء؟ قال نعم قلت وعليها الكفارة؟ قال لا وهذا قول الحسن والثوري وأصحاب الرأي وعلى قياس ذلك النائمة وقال مالك في النائمة عليها القضاء بلا كفارة والمكرهة عليها القضاء والكفارة وقال الشافعي وأبو ثور وابن المنذر إن كان الإكراه بوعيد حتى فعلت كقولنا وإن كان إلجاء أو كانت نائمة لم تفطر وهذا مقتضى قول أحمد في هذه الرواية التي رواها ابن القاسم لأنها لم يوجد منها فعل فلم تفطر كما لو صب في حلقها ماء بغير اختيارها ووجه الأول أنه جماع في الفرج

ولا يلزم المرأة كفارة مع العذر وهل يلزمها مع عدمه على روايتين

فأفسد كما لو أكرهت بالوعيد ولأنه عبادة يفسدها الوطئ ففسدت به على كل حال كالصلاة والحج (فصل) فإن جامعت المرأة ناسية فقال أبو الخطاب حكم النسيان حكم الإكراه يوجب القضاء دون الكفارة قياساً على الرجل في أن الجماع يفطره مع النسيان، ويحتمل أن لا يلزمها القضاء لأنه مفسد لا يوجب الكفارة أشبه الأكل (فصل) فإن أكره الرجل فجامع فسد صومه على الصحيح لأنه إذا أفسد صوم المرأة فالرجل أولى، فأما الكفارة فقال القاضي تجب عليه لأن الاكراه على الوطئ لا يمكن لأنه لا يطأ حتى ينتشر ولا ينتشر إلا عن شهوة فهو كغير المكره، وقال أبو الخطاب فيه روايتان (إحداهما) لا كفارة عليه وهو مذهب الشافعي لأن الكفارة إما عقوبة أو ماحية للذنب، والمكره غير آثم ولا مذنب، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم " عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " (والرواية الثانية) عليه الكفارة لما ذكرنا، فأما إن كان نائماً فانتشر فاستدخلته امرأته أو غلبته على نفسه في حال يقظته، فقال ابن عقيل لا قضاء عليه ولا كفارة وهو ظاهر قول أحمد في رواية ابن القاسم ومذهب الشافعي لأنه معنى حرمه الصوم حصل بغير اختياره فلم يفطر به كما لو طار إلى حلقه ذبابة، وظاهر كلام أحمد أن عليه القضاء وقد ذكرناه لأن الصوم عبادة يفسدها الجماع فاستوى فيه حالة الاختيار والإكراه كالحج، ولا يصح قياس الجماع على غيره في عدم الإفساد لتأكده بإيجاب الكفارة وإفساد الحج من بين سائر محظوراته والله أعلم (فصل) فإن تساحقت امرأتان فسد صومهما إن انزلتا، فإن أنزلت إحداهما فسد صومها وحدها دون الأخرى، وهل يكون حكمهما حكم المجامع دون الفرج إذا أنزل أو لا يلزمهما كفارة بحال فيه وجهان مبنيان على أن الجماع من المرأة هل يوجب الكفارة على روايتين، والصحيح أنه لا كفارة

قال وكل أمر غلب عليه الصائم فليس عليه قضاء ولا كفارة

عليهما لأن ذلك ليس بمنصوص عليه ولا في معنى المنصوص عليه فيبقى على الأصل، فإن أنزل المجبوب بالمساحقة فحكمه حكم المجامع دون الفرج إذا أنزل والله أعلم (مسألة) (وإن جامع فيما دون الفرج فأنزل أو وطئ بهيمة في الفرج أفطر وفي الكفارة وجهان) إذا جامع فيما دون الفرج عامداً فأنزل فسد صومه بغير خلاف علمناه وهل تجب عليه الكفارة فيه عن احمد روايتان (إحداهما) تجب وبه قال مالك وعطاء والحسن وابن المبارك وإسحاق اختارها الخرقي والقاضي لأنه أفطر بجماع فوجبت به الكفارة كالوطئ في الفرج (والثانية) لا كفارة عليه وهو قول أبي حنيفة والشافعي لأنه فطر بغير جماع تام أشبه القبلة ولأنه لا نص فيه ولا إجماع ولا هو في معنى المنصوص لأن الجماع في الفرج أبلغ بدليل تعلق الكفارة به من غير إنزال، ويجب به الحد ويتعلق به أثنى عشر حكما فلا يصح القياس عليه ولأن العلة في الأصل الجماع بدون الانزال والجماع هنا بدون إنزال غير موجب بالإجماع فلا يصح الاعتبار به وهذه أصح إن شاء الله تعالى (فصل) فإن قبل أو لمس فأنزل فسد صومه، وفي الكفارة روايتان أصحهما أنها لا تجب نقلها عنه الأثرم وأبو طالب واختارها الخرقي وهو قول الشافعي وأبي حنيفة لانه أنزال بغير وطئ أشبه الإنزال بتكرار النظر، ولا يصح قياسه على الوطئ دون الفرج لأن الاستمتاع بالوطئ فيما دون الفرج أقوى وأبلغ من القبلة لكونه وطأ في الجملة (والثانية) عليه الكفارة نقلها حنبل لأنه إنزال عن مباشرة أشبه الانزال بالوطئ دون الفرج، ولا فرق بين كون الموطوءة زوجة أو أجنبية صغيرة او كبيرة لأنه إذا وجب بوطئ الزوجة فبوطئ الأجنبية أولى (فصل) فأما الوطئ في فرج البهيمة فذكر القاضي أنه موجب للكفارة، وذكر أبو بكر ذلك عن أحمد نقلها عنه ابن منصور لأنه وطئ في فرج موجب للغسل مفسد للصوم أشبه وطئ الآدمية وفيه وجه آخر أنه لا يوجب الكفارة ذكره أبو الخطاب لأنه لا نص فيه ولا هو في معنى المنصوص فإنه مخالف لوطئ الآدمية في إيجاب الحد على إحدى الروايتين وفي كثير من أحكامه (مسألة) (وإن جامع في يوم رأى الهلال في ليلته وردت شهادته فعليه القضاء والكفارة وهو

قول الشافعي، وقال أبو حنيفة لا تجب لأنها عقوبة فلم تجب بفعل مختلف فيه كالحد) ولنا أنه أفطر يوما من رمضان بجماع فوجبت عليه الكفارة كما لو قبلت شهادته، ولا نسلم أن الكفارة عقوبة ثم قياسهم ينتقض بوجوب الكفارة بالجماع في السفر القصير مع وقوع الخلاف فيه (مسألة) (وإن جامع في يومين ولم يكفر فهل يلزمه كفارة أو كفارتان على وجهين) إذا جامع مرتين ولم يكفر عن الأول فان كان في يوم واحد أجزأته كفارة واحدة بغير خلاف وإن كان في يومين ففيه وجهان (أحدهما) تجرئه كفارة واحدة وهو ظاهر كلام الخرقي واختيار أبي بكر، وإليه ذهب الزهري والاوزاعي وأصحاب الراي لأنها جزاء عن جناية تكرر سببها قبل استيفائها فيجب أن تتداخل كالحد (والثاني) يلزمه كفارتان اختاره القاضي وهو قول مالك والليث والشافعي وابن المنذر، وروي عن عطاء ومكحول لأن كل يوم عبادة مفردة، فإذا وجبت الكفارة بإفساده لم يتداخل كرمضانين وكالحجتين (مسألة) (وإن جامع ثم كفر ثم جامع في يومه فعليه كفارة ثانية نص عليه، وكذلك كل من لزمه الإمساك إذا جامع) إذا كفر ثم جامع ثانية فان كان في يومين فعليه كفارة ثانية بغير خلاف نعلمه، وإن كان في يوم واحد فكذلك نص عليه أحمد، وهكذا يخرج في كل من لزمه الإمساك وحرم عليه الجماع في نهار رمضان، وإن لم يكن صائماً كمن لم يعلم برؤية الهلال إلا بعد طلوع الفجر أو نسي النية أو أكل عامداً ثم جامع، وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي لا شئ عليه بذلك الجماع لأنه لم يصادف الصوم ولم يمنع صحته فلم يوجب شيئاً كالجماع في الليل ولنا أنها عبادة تجب الكفارة بالجماع فيها فتكررت بتكرر الوطئ إذا كان بعد التكفير كالحج ولأنه وطئ محرم لحرمة رمضان فأوجب الكفارة كالأول وفارق الوطئ في الليل لأنه مباح، فإن قيل الوطئ الأول تضمن هتك الصوم وهو مؤثر في الإيجاب فلا يصح قياس غيره عليه قلنا هو ملغى بمن

وإن جامع فيما دون الفرج فأنزل أو وطئ بهيمة في الفرج أفطر وفي الكفارة وجهان

طلع عليه الفجر وهو مجامع فاستدام فإنه يلزمه الكفارة مع أنه لم يهتك الصوم (فصل) وإذا بلغ الصبي أو أسلم كافر، أو أفاق مجنون، أو طهرت حائض، أو نفساء، أو قدم المسافر مفطراً في نهار رمضان فقد ذكرنا في وجوب الإمساك عليهم روايتين، فإن قلنا بوجوب الإمساك وجبت الكفارة على المجامع، وإن قلنا لا يجب فلا شئ عليهم لأن الفطر مباح لهم أشبه المجامع بالليل، فأما إن نوى الصوم في مرضه، أو سفره، أو صغره ثم زال عذره في أثناء النهار لم يجز له الفطر رواية واحدة وعليه الكفارة إن وطئ، وقال بعض الشافعية في المسافر خاصة وجهان (أحدهما) له الفطر لأنه أبيح له الفطر ظاهراً وباطناً في أول النهار فكانت له استدامته كما لو قدم مفطراً ولا يصح ذلك لأن سبب الرخصة زال قبل الترخص فلم يكن له ذلك كما لو قدمت به السفينة قبل قصر الصلاة وكالصبي يبلغ والمريض يبرأ وهذا ينقض ما ذكروه وما قاسوا عليه ممنوع، ولو علم الصبي أنه يبلغ في اثناء النهار بالسن، أو علم المسافر أنه يقدم لم يلزمهما الصيام قبل زوال عذرهما لأن سبب الرخصة موجود فثبت حكمها كما لو لم يعلما ذلك (مسألة) (وإن جامع وهو صحيح ثم مرض، أو جن، أو سافر لم تسقط عنه) إذا جامع في أول النهار ثم مرض، أو جن، أو كانت امرأة فحاضت أو نفست في أثناء النهار لم تسقط الكفارة، وبه قال مالك والليث وابن الماجشون واسحاق، وقال أصحاب الرأي لا كفارة عليهم، وللشافعي قولان كالمذهبين واحتجوا بأن صوم هذا اليوم خرج عن كونه مستحقاً فلم يجب بالوطئ فيه كفارة كصوم المسافر أو كما لو تبين أنه من شوال ولنا أنه معنى طرأ بعد وجوب الكفارة فلم يسقطها كالسفر، ولأنه أفسد صوماً واجباً من رمضان بجماع تام فاستقرت الكفارة عليه كما لو لم يطرأ العذر والوطئ في صوم المسافر ممنوع، وإن سلم فالوطئ

وإن جامع في يوم رأى الهلال في ليلته وردت شهادته فعليه القضاء والكفارة وهو قول الشافعي، وقال أبو حنيفة لا تجب لأنها عقوبة فلم تجب بفعل مختلف فيه كالحد

ثم مباح لأنه في صوم أبيح الفطر فيه بخلاف مسئلتنا، وكذا إذا تبين أنه من شوال لأنه تبين أن الوطئ لم يصادف رمضان، والموجب إنما هو الوطئ المفسد لصوم رمضان، فأما إن جامع في نهار رمضان ثم سافر في أثناء النهار لم تسقط الكفارة لأنه يفضي إلى أن كل من جامع أمكنه إسقاط الكفارة عنه بالسفر في النهار وهو غير جائز (فصل) إذا طلع الفجر وهو مجامع فاستدام الجماع فعليه القضاء والكفارة، وبه قال مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة: يجب القضاء دون الكفارة لأن وطأه لم يصادف صوماً صحيحاً فلم يوجب الكفارة كما لو ترك النية وجامع ولنا أنه ترك صوم رمضان بجماع أثم به لحرمة الصوم فوجبت به الكفارة كما لو وطئ بعد طلوع الفجر وما قاسوا عليه ممنوع، فأما إن نزع في الحال مع أول طلوع الفجر فقال ابن حامد والقاضي عليه الكفارة لأن النزع جماع يلتذ به أشبه الإيلاج، وقال أبو حفص لا قضاء عليه ولا كفارة وهو قول أبي حنيفة والشافعي لأنه ترك الجماع فلا يتعلق به ما يتعلق بالجماع كما لو حلف لا يدخل دارا وهو فيها فخرج منها وقال مالك يبطل صومه ولا كفارة عليه لأنه لا يقدر علي أكثر مما فعله من ترك الجماع أشبه المكره (قال شيخنا) وهذه المسألة تقرب من الاستحالة إذ لا يكاد يعلم أول طلوع الفجر على وجه يتعقبه النزع من غير أن يكون قبله شئ من الجماع فلا حاجة الى فرضها والكلام فيها (فصل) ومن جامع يظن أن الفجر لم يطلع فتبين أنه كان طلع فعليه القضاء والكفارة، وقال

وإن جامع في يومين ولم يكفر فهل يلزمه كفارة أو كفارتان على وجهين

بعض الشافعية لا كفارة عليه، ولو علم في أثناء الوطئ فاستدام ذلك فلا كفارة عليه أيضاً لأنه إذا لم يعلم لم يأثم أشبه الناسي، وإن علم فاستدام فقد حصل الذي أثم به في غير صوم ولنا حديث المجامع حيث أمره النبي صلى الله عليه وسلم بالكفارة ولم يستفصل، ولأنه أفسد صوم رمضان بجماع تام فوجبت عليه الكفارة كما لو علم، ووطئ الناسي ممنوع ثم إنه لا يحصل به الفطر على الرواية الأخرى (مسألة) (وإن نوى الصوم في سفره ثم جامع فلا كفارة عليه وعنه عليه الكفارة) إذا نوى الصوم في سفره ثم أفطر بالجماع ففي الكفارة روايتان (إحداهما) تجب اختارها القاضي لأنه أفطر بجماع فلزمته الكفارة كالحاضر (والثانية) لا كفارة عليه اختارها شيخنا وهي الصحيحة وهو مذهب الشافعي لأنه صوم لا يجب المضي فيه فلم تجب الكفارة بالجماع فيه كالتطوع وفارق الحاضر الصحيح فانه يجب عليه المضي في الصوم، وإن كان مريضاً يباح له الفطر فهو كالمسافر قياساً عليه، ولأنه يفطر بنية الفطر فيقع الجماع بعد حصول الفطر أشبه مالو أكل ثم جامع، ومتى أفطر المسافر فله فعل جميع ما ينافي الصوم من الأكل والشرب والجماع وغيره لأن حرمتها بالصوم فيزول بزواله كمجئ الليل (مسألة) (ولا تجب الكفارة بغير الجماع في نهار رمضان) إذا جامع من غير صوم رمضان لم تجب عليه الكفارة في قول جمهور العلماء وقال قتادة تجب على من وطئ في قضاء رمضان لأنه عبادة تجب الكفارة في آدائها فوجبت في قضائها كالحج ولنا أنه جامع في غير رمضان فلم يلزمه كفارة كما لو جامع في صيام الكفارة والقضاء يفارق الأداء لأنه متعين بزمان محترم فالجماع فيه هتك له بخلاف القضاء (فصل) ولا تجب الكفارة بإفساد الصوم بغير الجماع وعن أحمد في المحتجم إن كان عالماً بالنهي فعليه الكفارة وقال عطاء في المحتجم عليه الكفارة وقال مالك تجب الكفارة بكل ما كان هتكاً للصوم إلا الردة قياساً على الإفطار بالجماع وحكي عن عطاء والحسن والزهري والثوري والاوزاعي وإسحاق أن الفطر بالأكل والشرب يوجب ما يوجب الجماع وبه قال أبو حنيفة إلا أنه اعتبر ما يتغذى به أو يتداوى به فلو ابتلع حصاة أو نواة أو فستقة بقشرها فلا كفارة عليه واحتج بأنه أفطر بأعلى ما في الباب من جنسه فوجبت عليه الكفارة كالمجامع ولنا أنه أفطر بغير جماع فلم يوجب الكفارة كبلع الحصاة وكالردة عند مالك، ولأنه لا نص في إيجاب الكفارة بهذا ولا إجماع، ولا يصح قياسه على الجماع لأن الحاجة الى الزجر عنه أمس والحكمة

في التعدي به آكد، ولهذا يجب به الحد إذا كان محرماً، ويختص بإفساد الحج دون سائر محظوراته ويفسد صوم اثنين في الغالب دون غيره (مسألة) (والكفارة عتق رقبة، فان لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً) ظاهر المذهب أن كفارة الوطئ في رمضان مرتبة ككفارة الظهار يلزمه العتق، فإن عجز عنه انتقل إلى الصيام، فإن عجز انتقل إلى الإطعام المذكور وهذا قول أكثر العلماء منهم الثوري والاوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي، وعن أحمد رواية أخرى أنها علي التخيير بين هذه الثلاثة فبأيها كفر أجزأه وهي رواية مالك لما روى مالك وابن جريج عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رجلاً أفطر في رمضان فأمره النبي صلى الله عليه وسلم إن يكفر بعتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكيناً وأو حرف تخيير، ولأنها تجب بالمخالفة فكانت على التخيير ككفارة اليمين وعن مالك رواية أخرى أنه قال: الذي نأخذ به في الذي يصيب أهله في شهر رمضان إطعام ستين مسكيناً وصيام ذلك اليوم، وليس التحرير والصيام من كفارة رمضان في شئ، وهذا القول مخالف للحديث الصحيح مع أنه ليس له أصل يعتمد عليه ولا شئ يستند إليه، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم أحق أن تتبع، ووجه الرواية الأولى الحديث الصحيح روه معمر ويونس والاوزاعي والليث وموسى بن عقبة

وإن جامع وهو صحيح ثم مرض، أو جن، أو سافر لم تسقط عنه

وعبيد الله بن عمر وعراك بن مالك وغيرهم عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للواقع على أهله " هل تجد رقبة تعتقها " قال لا، قال " فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ " قال لا، قال " فهل تجد إطعام ستين مسكيناً؟ " قال لا وذكر سائر الحديث وهذا لفظ الترتيب والأخذ به أولى من رواية مالك لأن أصحاب الزهري اتفقوا على روايته هكذا سوى مالك وابن جريج فيما علمنا، واحتمال الغلط فيهما أكثر من احتماله في سائر أصحابه ولأن الترتيب زيادة والأخذ بالزيادة متعين، ولأن حديثنا لفظ النبي صلى الله عليه وسلم وحديثهم لفظ الراوي ويحتمل أنه رواه بأو لاعتقاده أن معنى اللفظين سواء ولأنها كفارة فيها صوم شهرين متتابعين فكانت مرتبة كالظهار والقتل (فصل) فعلى هذه الرواية إذا عدم الرقبة انتقل إلى الصوم المذكور ولا نعلم خلافاً في دخول الصوم في هذه الكفارة إلا قولاً شاذاً يخالف السنة الثابتة وقد ذكرناه، ولا خلاف بين من أوجبه أنه شهران متتابعان للخبر، فإن لم يشرع في الصيام حتى وجد الرقبة لزمه العتق لأن النبي صلى الله عليه وسلم سأل المواقع عما يقدر عليه حين أخبره بالتق ولم يسأله عما كان يقدر عليه حالة المواقعة وهي حالة الوجوب ولأنه وجد المبدل قبل التلبس بالبدل فلزمه كما لو وجده حال الوجوب، وإن شرع في الصوم قبل القدرة على الإعتاق ثم قدر عليه لم يلزمه الخروج إليه إلا أن يشاء أن يعتق فيجرئه ويكون قد فعل

الأولى، وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة: يلزمه العتق لأنه قدر على الأصل قبل أداء فرضه بالبدل فبطل حكم البدل كالمتيمم يرى الماء ولنا أنه شرع في الكفارة الواجبة عليه فأجزأته كما لو استمر العجز وفارق العتق التيمم لوجهين (أحدهما) أن التيمم لا يرفع الحدث وإنما يستره فإذا وجد الماء ظهر حكمه، بخلاف الصوم فإنه يرفع حكم الجماع بالكلية (الثاني) أن الصيام تطول مدته فيشق إلزامه الجمع بينه وبين العتق بخلاف الوضوء والتيمم (فصل) (فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً) قال شيخنا رحمه الله ولا نعلم خلافاً بين أهل العلم في دخول الإطعام في كفارة الوطئ في رمضان في الجملة وهو مذكور في الخبر، ولأنه إطعام في كفارة فيه صوم شهرين متتابعين فكان ستين مسكيناً ككفارة الظهار، وقدر المطعم خمسة عشر صاعا من البر لكل مسكين مد وهو ربع الصاع أو ثلاثين صاعاً من التمر أو الشعير لكل مسكين نصف صاع، قال أبو حنيفة من البر لكل مسكين نصف صاع ومن غيره صاع لكل مسكين لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث سلمة بن صخر " فأطعم وسقا من تمر " رواه أبو داود، وقال أبو هريرة يطعم مدا من أي الأنواع شاء، وبهذا قال عطاء والاوزاعي

ولا تجب الكفارة بغير الجماع في نهار رمضان

والشافعي لما روى أبو هريرة في حديث المجامع أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بمكتل من تمر قدره خمسة عشر صاعا فقال " خذ هذا فأطعمه عنك " رواه أبو داود ولنا ما روى أحمد: حدثنا اسماعيل ثنا أيوب عن أبي زيد المدني قال جاءت امرأة من بني بياضة بنصف وسق شعير فقال النبي صلى الله عليه وسلم " أطعم هذا فإن مدي شعير مكان مد بر " ولأن فدية الأذى

والكفارة عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا

نصف صاع من التمر والشعير بلا خلاف فكذا هذا والمد من البر يقوم مقام نصف صاع من غيره بدليل هذا الحديث ولأنه قول ابن عمر وابن عباس وأبي هريرة وزيد ولا مخالف لهم من الصحابة وأما حديث سلمة بن صخر فقد اختلف فيه وحديث أصحاب الشافعي يجوز أن يكون الذي أتى به النبي صلى الله عليه وسلم قاصراً عن الواجب فاجتزئ به لعجز المكفر عن ما سواه (مسألة) (فإن لم يجد سقطت عنه، وعنه لا نسقط وعنه أن الكفارة على التخيير فبأيها كفر أجزأه) ظاهر المذهب أن المجامع في رمضان إذا عجز عن العتق والصيام والإطعام أن الكفارة تسقط عنه وهذا قول الأوزاعي وقال الزهري لابد من التكفير بدليل أن الأعرابي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بإعساره قبل أن يدفع إليه العرق ولم يسقطها عنه ولأنها كفارة واجبة فلم تسقط بالفجر عنها كسائر الكفارات وهذه الرواية الثانية عن أحمد وهو قياس أبي حنيفة والثوري وأبي ثور وعن الشافعي كالمذهبين ولنا أن الأعرابي لما دفع إليه النبي صلى الله عليه وسلم التمر فأخبره بحاجته قال " أطعمه أهلك " ولم يأمره بكفارة أخرى قولهم إنه أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بعجزه فلم يسقطها، قلنا قد أسقطها عنه بعد ذلك وهذا آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما القياس على سائر الكفارات فلا يصح لمخالفته النص والاعتبار بالعجز في حالة الوجوب وهو حالة الوطئ

باب ما يكره وما يستحب وحكم القضاء (مسألة) (ويكره للصائم أن يجمع ريقه فيبلعه وأن يبتلع النخامة وهل يفطر بهما على وجهين) لا يفطر ابتلاع الريق إذا لم يجمعه بغير خلاف نعلمه لأنه لا يمكن التحرز منه أشبه غبار الطريق ويكره للصائم جمع ريقه وابتلاعه لإمكان التحرز منه فإن جمعه ثم ابتلعه قصداً لم يفطره لأنه يصل إلى جوفه من معدته أشبه إذا لم يجمعه وفيه وجه آخر أنه يفطره لأنه أمكنه التحرز منه أشبه ما لو قصد ابتلاع غبار الطريق والأول أصح فإن الريق لا يفطر إذا لم يجمعه وإن قصد ابتلاعه فكذلك إذا جمعه بخلاف غبار الطريق فإن خرج ريقه إلى ثوبه أو بين أصابعه أو بين شفتيه ثم عاد فابتلعه أو بلع ريق غيره أفطر لأنه ابتلعه من غير فمه أشبه غير الريق فإن قيل فقد روت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبلها وهو صائم ويمص لسانها رواه أبو داود قلنا قد روي عن أبي داود أنه قال هذا إسناد ليس بصحيح ويجوز أن يكون يقبل في الصوم ويمص لسانها في غيره ويجوز أن يمصه ثم لا يبتلعه ولأنه لم يتحقق انفصال ما على لسانها من البلل إلى فمه فأشبه ما لو ترك حصاة مبلولة في فيه أو لو تمضمض بماء ثم مجه ولو ترك في فمه حصاة أو درهماً فأخرجه وعليه بلة من الريق ثم أعاده في فيه نظرت فإن كان ما عليه من الريق

كثيراً فابتلعه أفطر وإن كان يسيراً لم يفطر بابتلاع ريقه وقال بعض أصحابنا يفطر لابتلاعه ذلك البلل الذي كان على الجسم ولنا أنه لا يتحقق انفصال ذلك البلل ودخوله إلى حلقه كالمضمضة والتسوك بالسواك الرطب والمبلول ويقوي ذلك حديث عائشة في مص لسانها ولو أخرج لسانه وعليه بلة ثم عاد فأدخله وابتلع ريقه لم يفطر (فصل) وإن ابتلع النخامة فقد روى حنبل قال سمعت أبا عبد الله يقول إذا تنخم ثم ازدرده فقد أفطر لأن النخامة تنزل من الرأس والريق من الفم ولو تنخع من جوفه ثم ازدرده أفطر وهذا مذهب الشافعي لأنه أمكن التحرز منها أشبه الدم ولأنها من غير الفم اشبه القئ وفيه رواية أخرى لا يفطر فإنه قال في رواية المروذي ليس عليك قضاء إذا ابتلعت النخاعة وأنت صائم لأنه معتاد في الفم أشبه الريق (فصل) فإن سأل فمه دماً أو خرج إليه قلس أو قئ فازدرده أفطر وإن كان يسيراً لأن الفم في حكم الظاهر والأصل حصول الفطر بكل واصل منه لكن عفى عن الريق لعدم إمكان التحرز منه فيبقى فيما عداه على الأصل وإن ألقاه من فيه وبقي فمه نجساً أو تنجس فمه بشئ من خارج فابتلع ريقه فإن كان معه جزء من المنجس أفطر بذلك الجزء وإلا فلا (مسألة) (ويكره ذوق الطعام وإن وجد طعمه في حلقه أفطر)

فإن لم يجد سقطت عنه، وعنه لا تسقط وعنه أن الكفارة على التخيير فبأيها كفر أجزأه

قال أحمد أحب إلي أن يجتنب ذوق الطعام فإن فعل لم يضره، وقال ابن عقيل يكره من غير حاجة لأنه ربما دخل حلقه فأفطر ولا بأس به مع الحاجة لقول ابن عباس لا بأس ان يذوق الطعام الخل والشئ يريد شراءه والحسن كان يمضغ الجوز لابن ابنه وهو صائم ورخص فيه إبراهيم فإن فعل فوجد طعمه في حلقه أفطر وإلا لم يفطر (فصل) ولا بأس بالسواك للصائم قبل الزوال قال أحمد لا بأس به لما روى عامر بن ربيعة قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مالاً أحصي يتسوك وهو صائم حديث حسن ولكنه يكون عوداً ذاوي وهل يكره السواك للصائم بعد الزوال على روايتين ذكرناهما في باب الوضوء ويكره للصائم السواك بالعود الرطب في إحدى الروايتين وهو قول قتادة والشعبي واسحاق ومالك في رواية لأنه مغرر بصومه لكونه ربما يتحلل منه أجزاء تصل إلى حلقه فيفطره وعنه لا يكره، وهو قول الثوري وأبي حنيفة لأنه يروي عن علي وابن عمر وعروة ومجاهد ولما روينا من الحديث والله أعلم (مسألة) (ويكره مضغ العلك الذي لا يتحلل منه أجزاء ولا يجوز مضغ ما يتحلل منه أجزاء إلا أن لا يبلع ريقه وإن وجد طعمه في حلقه أفطر)

باب ما يكره وما يستحب وحكم القضاء

المنقول عن أحمد رحمه الله كراهة مضغ العلك قال اسحاق بن منصور قلت لأحمد الصائم يمضغ العلك؟ قال لا وقال أصحابنا العلك ضربان (احدهما) ما يتحلل منه اجزاء وهو الردئ الذي يتحلل بالمضغ فلا يجوز مضغه إلا أن لا يبلع ريقه فإن فعل فنزل إلى حلقه منه شئ أفطر به كما لو تعمد أكله (والثاني) القوي الذي يصلب بالمضغ فهذا يكره مضغه ولا يحرم، وممن كرهه الشبعي والنخعي ومحمد بن علي والشافعي وأصحاب الرأي، وذلك لأنه يحلب الفم ويجمع الريق ويورث العطش، ورخصت عائشة في مضغه، وبه قال عطاء لأنه لا يصل إلى الجوف منه شئ فهو كوضع الحصاة في فيه ومتى مضغه ولم يجد طعمه في حلقه لم يفطر، وإن وجد طعمه في حلقه ففيه وجهان (أحدهما) يفطره كالكحل إذا وجد طعمه في حلقه (والثاني) لا يفطره لأنه لا يترك منه شئ، ومجرد الطعم لا يفطر بدليل أنه قد قيل أن من لطخ باطن قدمه بالحنظل وجد طعمه ولا يفطر بخلاف الكحل فإن أجزاءه تصل إلى الحلق ويشاهد إذا تنخع. قال أحمد: من وضع في فيه درهماً أو ديناراً وهو صائم فلا بأس به ما لم يجد طعمه في حلقه وما يجد طعمه فلا يعجبني، وقال عبد الله سألت أبي عن الصائم يفتل الخيوط قال يعجبني أن يبزق

(مسألة) (وتكره القبلة إلا أن يكون ممن لا تحرك شهوته في إحدى الروايتين) وجملته أن المقبل لا يخلو من ثلاثة أقسام: (أحدها) أن يكون ذا شهوة مفرطة يغلب على ظنه أنه إذا قبل أنزل أو مذى فهذا تحرم عليه القبلة لأنها مفسدة لصومه (1) أشبهت الأكل (الثاني) أن يكون ذا شهوة لكنه لا يغلب على ظنه ذلك فيكره له التقبيل لأنه يعرض صومه للفطر ولا يأمن عليه الفساد لما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فأعرض عني فقلت له ما بالي؟ فقال " إنك تقبل وأنت صائم " ولأن العبادة إذا منعت الوطئ منعت دواعيه كالإحرام، ولا تحرم القبلة في هذه الحال لما روي أن رجلاً قبل وهو صائم فأرسل امرأته فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرها النبي صلى الله عليه وسلم أنه يقبل وهو صائم، فقال الرجل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس مثلنا قد غفر الله ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال " إني لأخشاكم لله وأعلمكم بما اتقي " رواه مسلم بمعناه وروي عن عمر أنه قال: هششت فقبلت وأنا صائم فقلت يا رسول الله صنعت اليوم أمراً عظيماً

ويكره ذوق الطعام وإن وجد طعمه في حلقه أفطر

قبلت وأنا صائم قال " أرأيت لو تمضمضت من إناء وأنت صائم " قلت لا بأس به، قال " فمه " رواه أبو داود، ولأن افضاءه إلى إفساد الصوم مشكوك فيه ولا يثبت التحريم بالشك (الثالث) أن يكون ممن لا تحرك القبلة شهوته كالشيخ الكبير ففيه روايتان (إحداهما) لا تكره له وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل وهو صائم لما كان مالكاً لإربه وغير ذي الشهوة في معناه، وقد روى أبو هريرة أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن المباشرة للصائم فرخص له، فأتاه آخر فنهاه فإذا الذي رخص له شيخ والذي نهاه شاب، أخرجه أبو دواد، ولأنها مباشرة لغير شهوة أشهت لمس اليد لحاجة (والثانية) يكره لأنه لا يأمن حدوث الشهوة، ولأن الصوم عبادة تمنع الوطئ فاستوى في القبلة فيها من تحرك شهوته ومن لا تحرك كالإحرام، فأما اللمس لغير شهوة كلمس اليد ليعرف مرضها ونحوه فليس بمكروه بحال لأن ذلك لا يكره في الإحرام أشبه لمس ثوبها (مسألة) (ويجب عليه اجتناب الكذب والغيبة والشتم فإن شتم استحب أن يقول اني صائم) يجب على الصائم أن ينزه صومه عن هذه الأشياء، قال أحمد ينبغي للصائم أن يتعاهد صومه من

ويكره مضغ العلك الذي يتحلل منه أجزاء ولا يجوز مضغ ما يتحلل منه أجزاء إلا أن لا يبلع ريقه وإن وجد طعمه في حلقه أفطر

لسانه، ولا يماري ويصرن صومه كانوا إذا صاموا قعدوا في المساجد فقالوا نحفظ صومنا ولا نغتاب أحداً، ولا يعمل عملاً يخرج به صومه، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه (1) " وقال أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " قال الله تعالى كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، الصيام جنة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني أمرؤ صائم، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، للصائم فرحتان يفرحهما، إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربه فرح بصومه " متفق عليهما (2) فصل (مسألة) (ويستحب تعجيل الإفطار وتأخير السحور، وأن يفطر على التمر وإن لم يجد فعلى الماء، وأن يقول عند فطره اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت، سبحانك وبحمدك اللهم تقبل مني أنك أنت السميع العليم)

يستحب تعجيل الإفطار وهو قول أكثر أهل العلم لما روى سهل بن سعد الساعدي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر " متفق عليه، وعن أبي عطية قال: دخلت أنا ومسروق على عائشة فقال مسروق رجلان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدهما يعجل الإفطار ويعجل المغرب والآخر يؤخر الإفطار ويؤخر المغرب، قالت من الذي يعجل الإفطار ويعجل المغرب، قال عبد الله قالت هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه مسلم، وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى " أحب عبادي إلي أسرعهم فطراً " قال الترمذي هذا حديث حسن ويستحب أن يفطر قبل الصلاة لما روى أنس قال: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي حتى يفطر ولو على شربة من ماء. رواه ابن عبد البر (مسألة) (ويستحب تأخير السحور) الكلام في السحور في أمور ثلاثة (أحدها في استحبابه) ولا نعلم بين العلماء خلافاً في استحبابه لما روى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال تسحروا فإن في السحور بركة) متفق عليه وعن عمرو بن العاص قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فضل

وتكره القبلة إلا أن يكون ممن لا تحرك شهوته في إحدى الروايتين

مابين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر " رواه مسلم وعن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " السحور بركة فلا تدعوه ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين " رواه الإمام أحمد. (الثاني في وقته) وقال أحمد يعجبني تأخير السحور لما روى زيد بن ثابت قال تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قمنا إلى الصلاة قلت كم كان قدر ذلك؟ قال خمسين آية متفق عليه وروى العرباض بن سارية قال دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السحور فقال " هلم إلى الغداء المبارك " رواه أبو داود سماه غداء لقرب وقته منه ولأن المقصود بالسحور التقوي على الصوم وما كان أقرب إلى الفجر كان أعون على الصوم قال أبو داود قال أبو عبد الله إذا شك في الفجر يأكل حتى يستيقن طلوعه وهذا قول ابن عباس وعطاء والاوزاعي قال أحمد يقول الله تعالى (فكلوا واشربو حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر) وقال النبي صلى الله عليه وسلم " لا يمنعكم من سحوركم أذان بلال ولا الفجر المستطيل ولكن المستطير في الأفق " حديث حسن وروي أبو قلابة قال قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه وهو يتسحر يا غلام اخف لا يفجأنا الصبح، وقال رجل لابن عباس إني أتسحر فإذا شككت امسكت فقال ابن عباس كل ما شككت حتى لا تشك

فأما الجماع فلا يستحب تأخيره لأنه ليس مما يتقوى به وفيه خطر وجوب الكفارة والفطر به (الثالث فيما يتسحر به) كل ما يحصل من أكل، أو شرب حصل به فضيلة السحور لقوله عليه السلام " ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء " وروى أبو داود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " نعم سحور المؤمن التمر " (فصل) فيما يستحب أن يفطر عليه، يستحب أن يفطر على رطبات فإن لم يكن فعلى تمرات، فإن لم يكن فعلى الماء، لما روى أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر على رطبات قبل أن يصلي، فإن لم يكن فعلى تمرات، فإن لم يكن تمرات حسا حسوات من ماء، رواه أبو داود والترمذي وقال حسن غريب، وعن سليمان بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمرات فان لم يجد فليفطر على الماء فإنه طهور " أخرجه أبو داود والترمذي (فصل) روى ابن عباس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أفطر قال " اللهم لك صمنا، وعلى رزقك أفطرنا، فتقبل منا أنك أنت السميع العليم " وعن ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أفطر قال " ذهب الظمأ وابتلت العروق، ووجب الأجر إن شاء الله " وإسناده حسن ذكرهما الدارقطني (فصل) ويستحب تفطير الصائم لما روى زيد بن خالد الجهني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من فطر صائماً فله مثل أجره من غير أن ينقص من أجر الصائم شئ " قال الترمذي حديث حسن صحيح (مسألة) (يستحب التتابع في قضاء رمضان ولا يجب)

ويجب عليه اجتناب الكذب والغيبة والشتم فإن شتم استحب أن يقول إني صائم

لا نعلم خلافاً في استحاب التتابع في قضاء رمضان لأنه أشبه بالأداء، وفيه خروج من الخلاف ولا يجب، هذا قول ابن عباس وأنس بن مالك وأبي هريرة وأبي قلابة ومجاهد وأهل المدينة ومالك وأبي حنيفة والثوري والاوزاعي والشافعي واسحاق وغيرهما وحكي وجوب التتابع عن علي وابن عمر والنخعي والشعي وقال داود يجب ولا يشترط لما روى ابن المنذر بإسناده عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من كان عليه صوم رمضان فليسرده ولا يقطعه " ولقوله تعالى (فعدة من أيام أخر) غير مقيد بالتتابع فإن قيل فقد روي عن عائشة أنها قالت نزلت (فعدة من أيام أخر متتابعات) فسقطت متتابعات قلنا هذا لم تثبت عندنا صحته ولو صح فقد سقطت اللفظة المحتج بها وأيضاً قول الصحابة قال ابن عمر أن سافر إن شاء فرق وإن شاء تابع وروي مرفوعا وقال أبو عبيدة في قضاء رمضان الله لم يرخص لكم في فطره وهو يريد أن يشق عليكم في قضائه وعن محمد بن المنكدر أنه قال بلغني أن رسول الله (ص) سئل عن تقطيع قضاء رمضان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كان على احدكم دين فقضاه من الدرهم أو الدرهمين حتى يقضي ما عليه من الدين هل كان ذلك قاضياً دينه؟ قالوا نعم يارسول الله قال فالله أحق بالعفو والتجاوز منكم " رواه الأثرم ولأنه صوم لا يتعلق بزمان بعينه فلم يجب فيه التتابع

فصل

كالنذر المطلق وخبرهم لم تثبت صحته ولم يذكره أصحاب السنن ولو صح حملناه على الاستحباب جمعاً بينه وبين ما ذكرناه والله أعلم (فصل) قال رحمه الله (ولا يجوز تأخير قضاء رمضان إلى رمضان آخر من غير عذر) وجملته أن من عليه صوم من رمضان فله تأخيره ما لم يدخل رمضان آخر لما روت عائشة قالت كان يكون علي الصيام من شهر رمضان فلا أقضيه حتى يجئ شعبان متفق عليه ولا يجوز تأخيره إلى رمضان آخر من غير عذر لأن عائشة رضي الله عنها لم تؤخره إلى ذلك ولو أمكنها لأخرته ولأن الصوم عبادة متكررة فلم يجز تأخيره عن الثانية كالصلاة المفروضة (مسألة) (فان فعل فعليه القضاء وإطعام مسكين لكل يوم) إذا أخر قضاء رمضان حتى أدركه رمضان آخر لعذر فليس عليه إلا القضاء لعموم الآية، وإن كان لغير عذر فعليه مع القضاء إطعام مسكين لكل يوم، يروي ذلك عن ابن عباس وابن عمر وأبي هريرة ومجاهد وسعيد بن جبير، وبه قال مالك والثوري والاوزاعي والشافعي واسحاق، وقال الحسن والنخعي وأبو حنيفة لافدية عليه لأنه صوم واجب فلم يجب عليه في تأخيره كفارة كالأداء والنذر ولنا أنه قول من سمينا من الصحابة ولم يرو عن غيرهم خلافهم وروي مسنداً من طريق ضعيف ولأن تأخير صوم رمضان عن وقته إذا لم يوجب القضاء أوجب الفدية كالشيخ الكبير (فصل) فإن أخره لعذر حتى أدركه رمضانان أو أكثر لم يكن عليه أكثر من فدية مع القضاء لأن كثرة التأخير لا يزداد بها الواجب كما لو أخر الحج الواجب سنين لم يكن عليه أكثر من فعله (مسألة) (وإن أخره لعذر فلا شئ عليه وإن مات) من مات وعليه صيام من رمضان قبل إمكان الصيام إما لضيق الوقت أو لعذر من مرض أو سفر أو عجز عن الصوم فلا شي عليه في قول أكثر أهل العلم، وحكي عن طاوس وقتادة أنهما قالا يجب الإطعام عنه لأنه صوم واجب سقط بالعجز عنه فوجب الإطعام عنه كالشيخ الهم إذا ترك الصيام لعجزه عنه

ويستحب تأخير السحور

ولنا أنه حق لله تعالى وجب بالشرع مات من يجب عليه قبل إمكان فعله فسقط إلى غير بدل كالحج ويفارق الشيخ الهم فإنه يجوز ابتداء الوجوب عليه بخلاف الميت (مسألة) (وإن أخره لغير عذر فمات قبل أن أدركه رمضان آخر أطعم عنه لكل يوم مسكين ومن مات بعد أن أدركه رمضان آخر فهل يطعم عنه لكل يوم مسكين أو اثنان على وجهين) إذا أخر رمضان مع إمكان القضاء فمات أطعم عنه لكل يوم مسكين وهذا قول أكثر أهل العلم روي ذلك عن عائشة وابن عباس، وبه قال مالك والليث والاوزاعي والثوري والشافعي وابن علية وأبو عبيد في الصحيح عنهم، وقال أبو ثور يصيام عنه وهو قول الشافعي لما روت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من مات وعليه صيام صام عنه وليه " متفق عليه، وروى ابن عباس نحوه ولنا ماروى ابن ماجة عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من مات وعليه صيام شهر فليطعم عنه مكان كل يوم مسكيناً " رواه الترمذي وقال الصحيح عن ابن عمر موقوف، وعن عائشة أيضاً قالت يطعم عنه في قضاء رمضان ولا يصام، وعن ابن عباس أنه سئل عن رجل مات وعليه نذر يصوم شهراً وعليه صوم رمضان؟ قال أما رمضان فيطعم عنه، وأما النذر فيصام عنه، رواه الأثرم في السنن، ولأن الصوم لا تدخله النيابة حال الحياة فكذلك بعد الوفاة كالصلاة، فأما حديثهم فهو في النذر لأنه قد جاء مصرحاً به في بعض الألفاظ كذلك رواه البخاري عن ابن عباس قال: قالت امرأة يارسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم نذر أفأقضيه عنها؟ قال " ارأيت لو كان على أمك دين فقضيتيه أكان

يؤدي ذلك عنها " قالت نعم، قال " فصومي عن أمك " وقالت عائشة وابن عباس كقولنا وهما راويا حديثهم فدل على ما ذكرنا

(فصل) فإن مات المفرط بعد أن أدركه رمضان آخر لم يجب عليه أكثر من إطعام مسكين لكل يوم نص عليه أحمد فيما رواه عنه أبو داود أن رجلاً سأله عن امرأة أفطرت رمضان ثم أدركها رمضان آخر ثم ماتت قال يطعم عنها قال له السائل كم أطعم؟ قال كم أفطرت؟ قال ثلاثين يوماً، قال اجمع ثلاثين مسكيناً وأطعمهم مرة واحدة وأشبعهم، قال ما أطعمهم؟ قال خبزاً ولحماً إن قدرت من أوسط طعامكم، وذلك لأنه بإخراج كفارة واحدة زال تفريطه بالتأخير فصار كما لو مات من غير تفريط وقال أبو الخطاب يطعم عنه لكل يوم مسكينان لأن الموت بعد التفريط بدون التأخير عن رمضان آخر يوجب كفارة، والتأخير بدون الموت يوجب كفارة، فاذا اجتمعا وجب كفارتان كما لو فرط في يومين (فصل) واختلفت الرواية عن أحمد في جواز التطوع بالصوم ممن عليه صوم فرض فنقل عنه حنبل أنه لا يجوز بل يبدأ بالفرض حتى يقضيه إن كان عليه نذر صامه يعني بعد الفرض، وروى حنبل بإسناده عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من صام تطوعاً وعليه من رمضان شئ لم يقضه فإنه لا يتقبل منه حتى يصومه " ولأنه عبادة يدخل في جبرانها المال فلم يصح التطوع قبل أداء فرضها كالحج، وروي عنه أنه يجوز له التطوع لأنها عبادة تتعلق بوقت موسع فجاز التطوع في وقتها قبل فعلها

يستحب التتابع في قضاء رمضان ولا يجب

كالصلاة يتطوع في وقتها قبل فعلها وعليه يخرج الحج، ولأن التطوع بالحج يمنع فعل واجبه المتعين فأشبه صوم التطوع في رمضان على أن لنا في الحج منعاً، والحديث يرويه ابن لهيعة وهو ضعيف وفي سياقه ما هو متروك فإنه قال في آخره " ومن أدركه رمضان وعليه من رمضان شئ لم يتقبل منه " ويخرج في التطوع بالصلاة في حق من عليه القضاء مثل ما ذكرنا في الصوم، بل عدم الصحة في الصلاة أولى لأنها تجب على الفور بخلاف الصوم (فصل) واختلفت الرواية في كراهية القضاء في عشر ذي الحجة فروي أنه لا يكره وهو قول سعيد بن المسيب والشافعي واسحاق لما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يستحب قضاء رمضان في العشر ولأنه أيام عبادة فلم يكره القضاء فيه كعشر المحرم (والثانية) يكره روى ذلك عن الحسن والزهري لأنه يروي عن علي رضي الله عنه أنه كرهه ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ما من أيام العمل الصالح فيها أحب الى الله سبحانه من هذه الأيام " يعني أيام العشر قالوا يارسول الله ولا الجهاد في سبيل الله " قال " ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجلاً خرج بنفسه وماله فلم يرجع بشئ " فاستحب اخلاؤها للتطوع لينال فضيلتها ويجعل القضاء في غيرها وقال بعض أصحابنا هاتان الروايتان مبنيتان على الروايتين في إباحة التطوع قبل صوم الفرض وتحريمه فمن أباحه كره القضاء فيها لتوفيرها على التطوع لينال فضله فيها مع فضل القضاء ومن حرمه لم يكرهه بل استحب فعله فيها لئلا تخلو من

فإن فعل فعليه القضاء وإطعام مسكين لكل يوم

العبادة بالكلية قال شيخنا ويقوى عندي أن هاتين الروايتين فرع على إباحة التطوع قبل القضاء أما على رواية التحريم فيكون صومها تطوعاً قبل الفرض محرماً وذلك أبلغ من الكراهة والله أعلم

وإن أخر لعذر فلا شيء عليه وإن مات

(مسألة) (ومن مات وعليه صوم منذور أو حج أو اعتكاف فعله عنه وليه وإن كانت صلاة منذورة فعلى روايتين) وجملة ذلك أن من مات وعليه صوم نذر ففعله عنه وليه اجزأ عنه وهذا قول ابن عباس والليث وأبي عبيد وأبي ثور وقال مالك والليث والاوزاعي والثوري وابن عليه يطعم عنه لما ذكرنا في صوم رمضان

وإن أخره لغير عذر فمات قبل أن أدركه رمضان آخر

ولنا الأحاديث الصحيحة التي رويناها من قبل هذا وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق بالاتباع وفيها غنى عن كل قول والفرق بين النذر وغيره أن النيابة تدخل العبادة بحسب خفتها والنذر أخف حكما لكونه لم يجب بأصل الشرع وإنما أوجبه الناذر على نفسه

(فصل) ولا يجب على الولي فعله لأن النبي صلى الله عليه وسلم شبهه بالدين ولا يجب على الولي قضاء دين الميت إذا لم يخلف تركه كذلك هذا لكن يستحب له أن يصوم عنه لتفريغ ذمته وكذلك يستحب له قضاء الدين عنه ولا يختص ذلك بالولي بل كل من قضاه عنه وصام عنه أجزأ لأنه تبرع فأما الاعتكاف

فلا يجب إلا بالنذر فمن مات وعليه اعتكاف واجب فقضاه وليه اجزأ قياساً على الصوم ولأن الكفارة تجب بتركه في الجملة أشبه الصوم وأما الحج فتجوز النيابة فيه عند العجز عنه وأن يفعله عنه غيره في

حال الحياة فبعد الموت أولى ولا فرق في الحج بين النذر وحجة الإسلام لحديث الخثعمية الذي يذكر في الحج إن شاء الله تعالى وغيره من الأحاديث (فصل) وفي الصلاة المنذورة روايتان (إحداهما) حكمها حكم الصوم فيما ذكرنا قياساً عليه

(والثانية) لا يجزئ عنه فعل الولي لأنها عبادة بدنية محضة لا يدخل المال في جبرانها بحال فلا يصح قياسها على الصوم فعلى هذا يكفر عنه كفارة يمين لتركه النذر والله تعالى أعلم وسوف نذكره في النذر بأبسط من هذا إن شاء الله تعالى

ومن مات وعليه صوم منذور أو حج أو اعتكاف فعله عنه وليه وإن كانت صلاة منذورة فعلى روايتين

(باب صوم التطوع) (مسألة) (وأفضله صيام داود عليه السلام كان يصوم يوماً ويفطر يوماً) لما روى عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " له صم يوماً وأفطر يوماً فذلك صيام داود وهو

أفضل الصيام " فقلت إني أطيق أفضل من ذلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم " لا أفضل من ذلك " متفق عليه (مسألة) (ويستحب صيام أيام البيض من كل شهر وصوم الاثنين والخميس) صيام ثلاثة أيام من كل شهر مستحب لا نعلم فيه خلافاً بدليل ما روى أبو هريرة قال وصاني

باب صوم التطوع

خليلي بثلاث صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام، وعن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له " صم ثلاثة أيام فإن الحسنة بعشر أمثالها وذلك مثل صيام الدهر " متفق عليهما

ويستحب أن يجعل هذه الثلاثة أيام والبيض هي ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس لما روى أبو ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا أبا ذر إذا صمت من الشهر ثلاثة فصم ثلاث عشرة وأربع

ومن صام رمضان وأتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر

عشرة وخمس عشرة " قال الترمذي هذا حديث حسن وروي النسائي أن النبي صلى الله عليه وسلم لأعرابي كل قال إني صائم قال " صوم ماذا؟ " قال صوم ثلاثة أيام من الشهر قال " إن كنت صائماً فعليك بالغر البيض

ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة " وعن ملحان القيسي قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نصوم البيض ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة، وقال هو كهيئة الدهر رواه أبو داود وسميت

وصيام يوم عاشوراء كفارة سنة يوم عرفة كفارة سنيتين

أيام البيض لا بيضاض ليلها والتقدير أيام الليالي البيض وذكر أبو الحسن التميمي إن الله سبحانه تاب

على آدم فيها وبيض صحيفته وروى أسامة بن زيد أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم يوم الاثنين والخميس

فسئل عن ذلك فقال " إن أعمال الناس تعرض يوم الاثنين والخميس " رواه أبو داود وفي لفظ فأحب

ويستحب صيام عشر ذي الحجة

أن يعرض عملي وانا صائم (مسألة) (ومن صام رمضان وأتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر) صوم ستة أيام من شوال مستحب عند كثير من أهل العلم، روي عن كعب الاحبار والشعبي وميمون بن مهران والشافعي وكرهه مالك وقال: ما رأيت أحداً من أهل الفقه صومها ولم يبلغني ذلك

وأفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله المحرم

عن أحد من السلف، وإن أهل العلم يكرهون ذلك ويخافون بدعته وإن يلحق برمضان ما ليس منه ولنا ما روى أبو أيوب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال فكأنما صام الدهر " رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن، قال أحمد هو من ثلاثة أوجه عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يجري مجرى التقديم لرمضان لأن يوم العيد فاصل وروى سعيد بإسناده عن ثوبان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من صام رمضان شهر بعشرة أشهر وصام ستة أيام بعد الفطر وذلك تمام سنة " يعني أن الحسنة بعشر أمثالها فالشهر بعشرة والستة بستين يوماً فذلك سنة كاملة فإن قيل فالحديث لا يدل على فضيلتها لأنه شبه صيامها بصيام الدهر وهو مكروه قلنا: إنما كره صوم الدهر لما فيه من الضعف والتشبه بالتبتل لولا ذلك لكان فضلاً عظيماً لاستغراقه الزمان بالعبادة والطاعة والمراد بالخبر التشبيه به في حصول العبادة به على وجه لا مشقة فيه كما قال عليه السلام " من صام ثلاثة أيام من كل شهر كان كمن صام الدهر " مع ان ذلك لا يكره بل يستحب بغير خلاف وكذلك نهى عبد الله بن عمرو عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث وقال " من قرأ (قل هو الله أحد) فكأنما قرأ ثلث القرآن " أراد التشبيه بثلث القرآن في الفضل لا في كراهة الزيادة عليه. إذا ثبت هذا فلا فرق بين كونها متتابعة أو متفرقة في أول الشهر أو في آخره لأن الحديث ورد مطلقاً من غير تقييد ولان فضيلتها لكونها تصير مع الشهر عشر السنة والحسنة بعشر أمثالها فيكون كأنه صام السنة كلها فإذا وجد ذلك في كل سنة صار

كصيام الدهر كله وهذا المعنى يحصل مع التفريق والله أعلم (مسألة) وصيام يوم عاشوراء كفارة سنة ويوم عرفة كفارة سنتين ولا يستحب لمن كان بعرفة صيام هذين اليومين مستحب لما روى أبو قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في صيام عرفة " إني احتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده " وقال في صيام عاشوراء " إني احتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله " أخرجه مسلم (فصل) يوم عاشوراء هو اليوم العاشر من المحرم هذا قول سعيد بن المسيب والحسن لما روى ابن عباس قال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصوم يوم عاشوراء العاشر من المحرم أخرجه الترمذي وقال حسن صحيح وروي عن ابن عباس أنه التاسع وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم التاسع أخرجه مسلم بمعناه وروى عنه عطاء أنه قال صوموا التاسع والعاشر ولا تشبهوا باليهود فعلى هذا يستحب صوم التاسع والعاشر نص عليه أحمد وهو قول إسحاق وقال أحمد فإن اشتبه عليه أول الشهر صام ثلاثة أيام وإنما يفعل ذلك ليحصل له التاسع والعاشر يقيناً (فصل) واختلف في صوم عاشوراء هل كان واجباً فذهب القاضي إلى أنه لم يكن واجباً وقال هذا قياس المذهب واستدل بأمرين (أحدهما) أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من لم يأكل بالصوم والنية في الليل شرط في الواجب

(والثاني) أنه لم يأمر من أكل بالقضاء ويشهد لهذا ما روى معاوية قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " ان هذا يوم عاشوراء لم يكتب الله عليكم صيامه فمن شاء فليصم ومن شاء فليفطر " وهو حديث صحيح وروى عن أحمد أنه كان مفروضاً لما روت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم صامه وأمر بصيامه فلما افترض رمضان كان هو الفريضة وترك عاشوراء فمن شاء صامه ومن شاء تركه حديث صحيح وحديث معاوية محمول على أنه أراد ليس هو مكتوباً عليكم الآن، وأما تصحيحه بنية من النهار وترك الأمر بقضائه فيحتمل أن يقول من لم يدرك اليوم بكماله لم يلزمه قضاؤه كما قلنا فيمن أسلم وبلغ في اثناء يوم من رمضان على أنه قد روي أبو داود أن أسلم أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال " صمتم يومكم هذا؟ " قالوا لا قال " فأتموا يقية يومكم واقضوه " (فصل) فأما يوم عرفة فهو اليوم التاسع من ذي الحجة لا نعلم فيه خلافاً سمي بذلك لأن الوقوف بعرفة فيه وقيل سمي بذلك لأن ابراهيم عليه السلام أري في المنام ليلة التروية أنه يؤمر بذبح ابنه فأصبح يومه يتروى هل هذا من الله أو حلم فسمي يرم التروية فلما كانت الليلة الثانية رآه أيضاً فأصبح فعرف أنه من الله فسمي يوم عرفة وهو يوم شريف عظيم وفضله كبير

(فصل) ولا يستحب لمن كان بعرفة أن يصومه ليتقوى على الدعاء عند أكثر أهل العلم وكانت عائشة وابن الزبير يصومانه، وقال قتادة لا بأس به إذا لم يضعف عن الدعاء، وقال عطاء أصوم في الشتاء ولا أصوم في الصيف لأن كراهة صومه إنما هي معللة بالضعف عن الدعاء فإذا قوي عليه أو كان في الشتاء لم يضعف فتزول الكراهة ولنا ما روى عن أم الفضل بنت الحارث أن ناساً تماروا بين يديها يوم عرفة في رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم صائم وقال بعضهم ليس بصائم فأرسلت إليه بقدح من لبن وهو واقف على بعيره، بعرفات فشربه النبي صلى الله عليه وسلم متفق عليه، وقال ابن عمر حججت مع النبي صلى الله عليه وسلم فلم يصمه يعني يوم عرفة ومع أبي بكر فلم يصمه ومع عمر فلم يصمه ومع عثمان فلم يصمه وأنا لا أصومه ولا أمر به ولا أنهى عنه، قال الترمذي حديث حسن وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام يوم عرفة بعرفة رواه أبو داود لأن الصوم يضعفه ويمنعه من الدعاء في هذا اليوم المعظم الذي يستجاب فيه الدعاء في ذلك الموقف الشريف الذي يقصد من كل فج عميق رجاء فضل الله فيه واجابة دعائه فكان تركه أفضل

(مسألة) (ويستحب صيام عشر ذي الحجة) أيام عشر ذي الحجة كلها شريفة مفضلة يضاعف العمل الصالح فيها ويستحب صومها والاجتهاد في العبادة فيها لما روى ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام يعني أيام العشر قالوا يارسول الله ولا الجهاد في سبيل الله قال " ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجلاً خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشئ " حديث حسن صحيح، وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ما من أيام أحب إلى الله بأن يتعبد له فيها من عشر ذي الحجة يعدل صيام كل يوم منها بصيام سنة وقيام كل ليلة منها بقيام ليلة القدر " أخرجه الترمذي وقال غريب، وروى أبو داود عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة ويوم عاشوراء (مسألة) (وأفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله المحرم) وذلك لما روى أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله المحرم رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن (مسألة) (ويكره إفراد رجب بالصوم) قال أحمد إن صام رجل أفطر فيه يوماً أو أياماً بقدر ما لا يصومه كله وذلك لما روى أحمد بإسناده عن خرشة ابن الحر قال رأيت عمر يضرب أكف المترجبين حتى يضعوها في الطعام ويقول كلوا فإنما هو شهر كانت تعظمه الجاهلية، وبإسناده عن ابن عمر أنه كان إذا رأى الناس وما يعدونه لرجب كرهه وقال صوموا منه وأفطروا وعن ابن عباس نحوه، وبإسناده عن أبي بكرة أنه دخل على أهله وعندهم سلال جدد وكيزان فقال ما هذا؟ فقالوا رجب نصومه فقال أجعلتم رجب رمضان فاكفأ السلال وكسر الكيزان قال أحمد من كان يصوم السنة صامه وإلا فلا يصومه متوالياً بل يفطر فيه لاو يشبهه برمضان (مسألة) (ويكره إفراد يوم الجمعة ويوم السبت ويوم الشك ويوم النيروز والمهرجان إلا أن يوافق عادة) وجملته أنه يكره إفراد يوم الجمعة بالصوم إلا أن يوافق عادة مثل من يصوم يوماً ويفطر يوماً فيوافق صومه يوم الجمعة أو من عادته صومه أول يوم الشهر أو آخره أو يوم لضعفه ونحو ذلك نص

عليه أحمد في رواية الأثرم قال قيل لأبي عبد الله صيام يوم الجمعة فذكر حديث النهي أن يفرد ثم قال إلا أن يكون في صيام كان يصومه، أما أن يفرد بفلا قال قلت رجل كان يصوم يوماً ويفطر يوماً فوقع فطره يوم الخميس وصومه يوم الجمعة وفطره يوم السبت فصام الجمعة مفرداً فقال هذا الآن لم يتعمد صومه خاصة إنما كره أن يتعمد الجمعة، وقال أبو حنيفة ومالك لا يكره إفراد الجمعة لأنه يوم فأشبه سائر الأيام. ولنا ما روى أبو هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا أن يصوم يوماً قبله أو يوماً بعده " وقال محمد بن عباد سألت جابراً: انهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الجمعة؟ قال نعم متفق عليهما وعن جويرية بنت الحرث أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة فقال " صمت أمس؟ " قالت لا قال " أتريدين أن تصومي غدا؟ " قال لا قال " فافطري " رواه البخاري وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن تتبع وهذا الحديث يدل على أن المكروه افراده لانه نهيه معلل بكونها لم تصم أمس ولا غداً (فصل) ويكره إفراد يوم السبت بالصوم ذكره أصحابنا لما روى عبد الله بن بسر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم " قال الترذي هذا حديث حسن، وروي أيضاً عن عبد الله بن بسر عن أخته الصماء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم، فان لم يجد أحدكم إلا لحاء من عنب أو عود شجرة فليمضغه " رواه أبو داود قال اسم أخت عبد الله بن بسر هجيمة أو جهيمة، قال الأثرم قال أبو عبد الله: أما صيام يوم السبت ينفرد به، فقد جاء فيه حديث الصماء والمكروه إفراده فإن صام معه غيره لم يكره لحديث أبي هريرة وجويرية، وإن وافق صوماً لإنسان لم يكره لما قدمناه (فصل) ويكره صيام يوم الشك وهو يوم الثلاثين من شعبان إذا كانت السماء مصحية ولم يروا الهلال إلا أن يوافق صوماً كان يصومه كمن عادته صوم يوم، وفطر يوم أو صوم يوم الخميس، أو صوم آخر يوم من الشهر وشبه ذلك، أو من صام قبل ذلك بأيام فلا بأس بصومه لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يتقدمن أحدكم رمضان بصيام يوم أو يومين إلا أن يكون رجل كان يصوم صياماً فليصمه " متفق عليه، ويحتمل أن يحرم لقول عمار: من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم. حديث حسن صحيح

(فصل) ويكره أفراد يم النيروز والمهرجان بالصوم ذكره أصحابنا لأنهما يومان يعظمها الكفار فيكون تخصيصهما بالصيام دون غيرهما موافقة لهم في تعظيمهما فكره كيوم السبت، وعلى قياس هذا كل عيد للكفار، أو يوم يفردونه بالتعظيم يكره إفراده بالصوم لما ذكرنا إلا أن يوافق عادة فلا يكره لما ذكرنا في الفصول المتقدمة (فصل) في الوصال وهو أن لا يفطر بين اليومين أو الأيام بأكل وشرب وهو مكروه في قول أكثر أهل العلم وروى عن ابن الزبير أنه كان يواصل اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم ولنا ما روى ابن عمر قال واصل رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان فواصل الناس فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال فقالوا إنك تواصل فقال " إني لست مثلكم إني أطعم وأسقى " متفق عليه وهذا يقتضي اختصاصه بذلك ومنع إلحاق غيره به وقوله (إني أطعم وأسقى) يحتمل أنه أراد أني أعان على الصيام ويغنيه الله تعالى عن الشراب والطعام بمنزلة من طعم وشرب ويحتمل أنه أراد إني أطعم حقيقة وأسقى حقيقة حملاً للفظ على حقيقته والأول أظهر لوجهين (أحدهما) أنه لو طعم وشرب حقيقة لم يكن مواصلاً وقد أقرهم على قولهم أنك تواصل (والثاني) أنه قد روي أنه قال " إني أظل يطعمني ربي ويسقيني " وهذا يقتضي أنه في النهار ولا يجوز الأكل في النهار له ولا لغيره. إذا ثبت هذا فإن الوصال غير محرم وظاهر قول الشافعي أنه حرام لظاهر النهي ولنا (1) أنه ترك الأكل والشرب المباح فلم يكن محرماً كما لو تركه في حال الفطر فإن قيل فصوم يوم العيد محرم مع كونه تركاً للأكل والشرب المباح قلنا ما حرم ترك الأكل والشرب بنفسه وإنما حرم نية الصوم ولهذا لو تركه من غير نية الصوم لم يكن محرما وأما النهي فإنما أتى به رحمة لهم ورفقا بهم لما فيه من المشقة عليهم كما نهى عبد الله بن عمرو عن صيام النهار وقيام الليل وعن قراءة القرآن في أقل من ثلاث وقالت عائشة نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال رحمة لهم وهذه قرينة صارفة عن التحريم ولهذا لم يفهم منه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم التحريم بدليل أنهم واصلوا بعده ولو فهموا منه التحريم لما فعلوه قال أبو هريرة نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال فلما أبوا أن ينتهوا واصل بهم يوماً ويوماً ثم رأوا الهلال فقال " لو تأخر لزدتكم " كالمنكل لهم حين أبوا أن ينتهوا متفق عليه فإن واصل إلى السحر جاز لما روى أبو سعيد أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " لا تواصلوا فأيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر أخرجه البخاري وتجيل الفطر أفضل لما قدمناه

ولا يجوز صوم العيدين

(فصل) في صوم الدهر روى أبو قتادة قال قيل يارسول الله فكيف بمن صام الدهر؟ قال " لا صام ولا أفطر أو لم يصم ولم يفطر " قال الترمذي هذا حديث حسن وعن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من صام الدهر ضيقت عليه جهنم " قال الأثرم قيل لأبي عبد الله وفسر مسدد حديث أبي موسى من صام الدهر ضيقت عليه جهنم فلا يدخلها فضحك وقال من قال هذا؟ وأين حديث عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم كره ذلك وما فيه من الأحاديث؟ قال أبو الخطاب إنما يكره إذا أدخل فيه يومي العيدين وأيام التشريق لأن أحمد قال إذا أفطر يومي العيدين وأيام التشريق رجوت أن لا يكون بذلك بأس. وروي نحو هذا عن مالك وهو قول الشافعي لأن جماعة من الصحابة كانوا يسردون الصوم منهم أبو طلحة قيل إنه صام بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم أربعين سنة قال شيخنا ويقوى عندي أن صوم الدهر مكروه وأن لم يصم هذه الأيام فإن صامها فقد فعل محرما وإنما كره صوم الدهر لما فيه من المشقة والضعف وشبه التبتل المنهي عنه لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعبد الله بن عمرو " إنك لتصوم الدهر وتقوم الليل؟ " قال نعم قال " إنك إذا فعلت ذلك هجمت له عينك (1) ونفهت له النفس، لا صام من صام الدهر، صوم ثلاثة أيام صوم الدهر كله " وذكر الحديث رواه البخاري. (فصل) ويكره استقبال رمضان باليوم واليومين لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم ولا يومين إلا أن يكون رجل كان يصوم صياماً فليصمه " متفق عليه وما وافق من هذا كله عادة فلا بأس لهذا الحديث، وقد دل هذا الحديث بمفهومة على جواز التقدم بأكثر من يومين، وروي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " اذا كان النصف من شعبان فامسكوا عن الصيام حتى يكون رمضان " وهذا حديث حسن فيحمل الأول على الجواز، وهذا على نفي الفضيلة جمعاً بينهما (مسألة) (ولا يجوز صوم العيدين عن فرض ولا تطوع وإن قصد صيامهما كان عاصياً ولم يجزه عن الفرض) اتفق أهل العلم على أن صوم يومي العيدين محرم في التطوع والنذر المطلق والقضاء والكفارة وذلك لما روى أبو عبيد مولى إبن أزهر قال شهدت العيد مع عمر بن الخطاب فجاء فصلى ثم انصرف فخطب الناس فقال إن هذين يومين نهى رسول الله (ص) عن صيامهما يوم فطركم من

ولا يجوز صيام أيام التشريق تطوعا وفي صيامها عن الفرض روايتان

صيامكم والآخر يوم تأكلون من نسككم وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام يومين يوم فطر ويوم أضحى متفق عليهما والنهي يقتضي فساد المنهي عنه وتحريمه أما صومهما عن النذر المعين ففيه خلاف نذكره في باب النذر إن شاء الله تعالى (مسألة) (ولا يجوز صيام أيام التشريق تطوعاً وفي صيامها عن الفرض روايتان) وجملة ذلك أن أيام التشريق منهي عن صيامها لما روى نبيشة الهذلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر الله عزوجل " رواه مسلم، وعن عمرو بن العاص أنه قال: هذه الأيام التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا بإفطارها وينهى عن صيامها، قال مالك وهي أيام التشريق رواه أبو داود، ولا يحل صيامها تطوعاً في قول أكثر أهل العلم، وعن ابن الزبير أنه كان يصومها، وروي نحو ذلك عن ابن عمر والأسود بن يزيد وعن أبي طلحة أنه كان لا يفطر إلا يومي العيدين، والظاهر أن هؤلاء لم يبلغهم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامها، ولو بلغهم لم يعدوه إلى غيره، وأما صومها عن الفرض ففيه روايتان (إحداهما) لا يجوز لأنه منهي عن صيامها فأشبهت يومي العيدين (والثانية) يجوز لما روي عن ابن عمر وعائشة أنهما قالا: لم يرخص في أيام التشريق إلا لمن لم يجد الهدي أن يصوم وهو حديث صحيح ويقاس عليه سائر المفروض (مسألة) (ومن شرع في صوم أو صلاة تطوعاً استحب له إتمامه ولا يلزمه، فإن أفسده فلا قضاء عليه) لما روى عن ابن عمر وابن عباس أنهما أصبحا صائمين ثم أفطرا، وقال ابن عمر لا بأس به ما لم يكن نذراً أو قضاء رمضان، وقال ابن عباس إذا صام الرجل تطوعاً ثم شاء أن يقطعه قطعه، وإذا دخل في صلاة تطوعاً ثم شاء أن يقطعها قطعها، وقال ابن مسعود متى أصبحت تريد الصوم فأنت على خير النظرين، إن شئت صمت وإن شئت أفطرت، هذا قول أحمد والثوري والشافعي واسحاق، وفد روى حنبل عن أحمد إذا أجمع علي الصيام فأوجبه على نفسه فأفطر من غير عذر أعاد ذلك اليوم وهذا محمول على أنه استحب ذلك أو نذره ليكون موافقاً لسائر الروايات عنه، وقال النخعي وأبو حنيفة ومالك: يلزم بالشروع فيه ولا يخرج منه إلا بعذر فإن خرج قضاه، وعن مالك لا قضاء عليه، واحتج من أوجب القضاء بما روي عن عائشة أنها قالت: أصبحت أنا وحفصة صائمتين متطوعتين

ومن شرع في صوم أو صلاة تطوعا استحب له إتمامه ولا يلزمه، فإن أفسده فلا قضاء عليه

فأهدي لنا حيس فأفطرنا ثم سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " اقضيا يوما مكانه " ولأنها عبادة تلزم بالنذر فلزمت بالشروع فيها كالحج والعمرة ولنا ما روى مسلم وأبو داود والنسائي عن عائشة قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فقال " هل عندكم شئ " فقلت لا، قال " فإني صائم " ثم مر بي بعد ذلك اليوم وقد أهدي لنا حيس فخبأت له منه وكان يحب الحيس قلت يارسول الله: أنه أهدي لنا حيس فخبأت لك منه قال " ادنيه أما إني قد أصبحت وأنا صائم " فأكل منه ثم قال " إنما مثل صوم التطوع مثل الرجل يخرج من ماله الصدقة فإن شاء أمضاها، وإن شاء حبسها " هذا لفظ رواية النسائي وهو أتم من غيره وروت أم هانئ قالت: دخلت علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى بشراب فناولنيه فشربت منه ثم قلت يا رسول الله لقد أفطرت وكنت صائمة، فقال لها " أكنت تقضين شيئاً؟ " قالت لا، قال " فلا يضرك إن كان تطوعاً " رواه سعيد وأبو داود والاثرم، وفي لفظ قالت قلت إني صائمة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن المتطوع أمير نفسه، فإن شئت فصومي، وإن شئت فافطري " ولأن كل صوم لو أتمه كان تطوعاً إذا خرج منه لم يجب قضاؤه كما لو اعتقد أنه من رمضان فبان من شعبان، فأما خبرهم فقال أبو داود لا يثبت، وقال الترمذي فيه مقال وضعفه الجوزجاني وغيره، ثم هو محمول على الاستحباب، إذا ثبت هذا فإنه يستحب له إتمامه، وإن خرج منه استحب قضاؤه للخروج من الخلاف وعملا بالخبر الذي رووه (فصل) وسائر النوافل من الأعمال حكمها حكم الصيام في أنها لا تلزم بالشروع ولا يجب قضاؤها إذا أفسدها إلا الحج والعمرة فإنهما يخالفان سائر العبادات في هذا لتأكد إحرامهما ولا يخرج منهما بافسادهما ولو اعتقد أنهما واجبان ولم يكونا واجبين لم يكن له الخروج منهما، وقد روي عن احمد في الصلاة ما يدل على أنها تلزم بالشروع، قال الأثرم قلت لأبي عبد الله الرجل يصبح صائماً متطوعاً، أيكون بالخيار؟ والرجل يدخل في الصلاة له أن يقطعها، قال الصلاة أشد أما الصلاة فلا يقطعها، قيل له فإن قطعها قضاها؟ قال إن قضاها فليس فيه اختلاف ومال أبو إسحاق الجوزجاني إلى هذا القول وقال الصلاة ذات إحرام وإحلال فلزمت بالشروع فيها كالحج، وأكثر أصحابنا على أنها لا تلزم أيضاً وهو قول ابن عباس لأن ما جاز ترك جميعه جاز ترك بعضه كالصدقة، والحج والعمرة يخالفان غيرهما بما ذكرنا

(فصل) فان دخل في صوم واجب كقضاء رمضان أو نذر معين، أو مطلق، أو صيام كفارة لم يجز له الخروج منه لأن المتعين وجب الدخول فيه وغير المتعين بدخوله فيه فصار بمنزلة المتعين وهذا لا خلاف فيه بحمد الله (مسألة) (وتطلب ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان وليالي الوتر آكدها) ليلة القدر ليلة شريفة مباركة معظمة مفضلة قال الله تعالى (ليلة القدر خير من ألف شهر) قيل معناه العمل فيها خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر، وقال النبي صلى الله عليه وسلم " من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه " متفق عليه، قيل إنما سميت ليلة القدر لأنه يقدر فيها ما يكون في تلك السنة من خير ومصيبة، ورزق وبركة، يروي ذلك عن ابن عباس قال الله تعالى (يفرق فيها كل أمر حكيم) وسماها مباركة فقال تعالى (إنا أنزلناه في ليلة مباركة) وهي ليلة القدر بدليل قوله تعالى (إنا أنزلناه في ليلة القدر) وقال تعالى (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن) يروى أن جبريل نزل به من بيت العزة إلى سماء الدنيا في ليلة القدر ثم نزل به على النبي صلى الله عليه وسلم نجوماً في ثلاث وعشرين سنة وهي باقية لم ترفع لما روى أبو ذر قال قلت يارسول الله ليلة القدر رفعت مع الأنبياء أو هي باقية إلى يوم القيامة؟ فقال " باقية إلى يوم القيامة " قلت في رمضان أو في غيره؟ قال " في رمضان " فقلت في العشر الأول أو الثاني أو الآخر؟ فقال " في العشر الآخر " وأكثر أهل العلم على أنها في رمضان وكان ابن مسعود يقول من يقم الحول يصيبها يشير إلى

أنها في السنة كلها، وفي كتاب الله تعالى ما يبين أنها في رمضان لأن الله تعالى أخبر أنه أنزل القرآن في ليلة القدر وأنه أنزله في رمضان فيجب أن يكون في رمضان لئلا يتناقض الخبران ولأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أنها في رمضان في حديث أبي ذر وقال التمسوها في العشر الأواخر في كل وتر متفق عليه وقال أبي بن كعب والله لقد علم ابن مسعود أنها في رمضان ولكنه كره أن يخبركم فتتكلوا، إذا ثبت هذا فإنه يستحب طلبها في جميع ليالي رمضان وفي العشر الأواخر آكد وفي ليالي الوتر آكد قال أحمد في العشر الأواخر في الوتر من الليالي لا تخطئ إن شاء الله كذا روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " اطلبوها في العشر الأواخر في ثلاث بقين أو سبع بقين أو تسع بقين " وروى سالم عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أرى رؤياكم قد تواطأت على أنها في العشر الأواخر فالتمسوها في العشر الأواخر في الوتر منها " متفق عليه وقالت عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور في العشر الأواخر من رمضان، وفي لفظ البخاري تحروا ليلة القدر في الوتر في العشر الأواخر من رمضان والأحاديث في ذلك كثيرة صحيحة (مسألة) (وأرجاها ليلة سبع وعشرين) اختلف أهل العلم في أرجى هذا الليالي فقال أبي بن كعب وعبد الله بن عباس هي ليلة سبع

وعشرين قال زر بن بن حبيش قلت لأبي بن كعب أما علمت أبا المنذر أنها ليلة سبع وعشرين، قال اخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها ليلة صبيحتها تطلع الشمس ليس لها شعاع فعددنا وحفظنا والله لقد علم ابن مسعود أنها في رمضان وأنها ليلة سبع وعشرين ولكنه كره أن يخبركم فتتكلوا، قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح وروى أبو ذر في حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقم بهم في رمضان حتى بقي سبع فقام بهم حتى مضى نحو من ثلث الليل ثم قام بهم في ليلة خمس وعشرين حتى مضى نحو من شطر الليل حتى كانت ليلة سبع وعشرين فجمع نساءه وأهله واجتمع الناس قال فقام بهم حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح يعني السحور متفق عليه وحكي عن ابن عباس أنه قال: سورة القدر ثلاثون كلمة السابعة والعشرين منها (هي) وروى أبو داود بإسناده عن معاوية عن النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة القدر قال " ليلة سبع وعشرين " وقيل آكدها ليلة ثلاث وعشرين لأنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم إن عبد الله بن أنيس سأله فقال يارسول الله أني أكون ببادية يقال لها الوطأة وإني بحمد الله أصلي بهم فمرني بليلة من هذا الشهر أنزلها في المسجد فأصليها فيه فقال " انزل ليلة ثلاث وعشرين فصلها فيها وإن أحببت أن تستتم آخر هذا الشهر فافعل وإن أحببت فكف " فكان إذا صلى العصر دخل المسجد فلم يخرج إلا في حاجة حتى يصلي الصبح فإذا صلى الصبح كانت دابته بباب المسجد. رواه أبو داود مختصراً، وقيل آكدها ليلة أربع وعشرين لأنه روي عن النبي

وتطلب ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان وليالي الوتر آكدها

صلى الله عليه وسلم أنه قال ليلة القدر أول ليلة من السبع الأواخر، وروي عن بعض الصحابة أنه قال: لم نكن نعد عددكم هذا وإنما نعد من آخر الشهر يعني أن السابعة والعشرين هي أول ليلة من السبع الأواخر، وقيل آكدها ليلة إحدى وعشرين لما روى أبو سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " أريت ليلة القدر ثم أنسيتها فالتمسوها في العشر الأواخر في الوتر وإني رأيت أني أسجد في صبيحتها في ماء وطين " قال فجاءت سحابة فمطرت حتى سال سقف المسجد وكان من جريد النخل فأقيمت الصلاة فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد في الماء والطين حتى رأيت أثر الماء والطين في جبهته، وفي حديث " في صبيحة إحدى وعشرين " متفق عليه قال الترمذي قد روي أنها ليلة إحدى وعشرين وليلة ثلاث وعشرين وليلة خمس وعشرين وليلة سبع وعشرين وليلة تسع وعشرين وآخر ليلة، وقال أبو قلابة أنها تنتقل في ليالي العشر قال الشافعي كان هذا عندي والله أعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجيب على نحو ما يسأل، فعلى هذا كانت في السنة التي رأى أبو سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم يسجد في الماء والطين ليلة إحدى وعشرين وفي السنة التي أمر عبد الله بن أنيس ليلة ثلاث وعشرين وفي السنة التي رأى أبي بن كعب علامتها ليلة سبع وعشرين

وقد ترى علامتها في غير هذه الليالي قال بعض أهل العلم أبهم الله هذه الليلة على الأمة ليجتهدوا في طلبها ويجدوا في العبادة في الشهر كله طمعاً في إدراكها كما أخفى ساعة الإجابة في يوم الجمعة ليكثروا من الدعاء في اليوم كله وأخفى اسمه الأعظم في الأسماء ورضاه في الطاعات ليجتهدوا في جميعها وأخفى الأجل وقيام الساعة ليجد الناس في العلم حذراً منها (فصل) والمشهور من علامتها ما ذكره أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الشمس تطلع من صبيحتها بيضاء لا شعاع لها وفي بعض الأحاديث بيضاء مثل الطست وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنها " ليلة بلجة سمحة لا حارة ولا باردة تطلع الشمس من صبيحتها لا شعاع لها " (مسألة) (ويستحب أن يجتهد فيها في الدعاء ويدعو فيها بما روي عن عائشة أنها قالت يارسول الله ان وافقتها بم أدعوا قال " قولي اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني " (كتاب الاعتكاف) (وهو لزوم المسجد لطاعة الله) الاعتكاف في اللغة لزوم الشئ وحبس النفس عليه براً كان أو غيره ومنه قوله تعالى (يعكفون على أصنام لهم) قال الخليل عكف يعكف ويعكف وهو في الشرع الإقامة في المسجد لطاعة الله تعالى على صفة نذكرها، وهو قربة وطاعة قال الله تعالى (وطهر بيتي للطائفين والعاكفين) وقالت عائشة كان

وأرجاها ليلة سبع وعشرين

النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر متفق عليه وروى ابن ماجة في سننه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المعتكف " هو يعكف الذنوب ويجري له من الحسنات كعامل الحسنات كلها " إلا أن الحديث ضعيف فيه فرقد السنجي قال أبو داود لأحمد رحمه الله تعرف في فضل الاعتكاف شيئاً؟ قال لا إلا شيئا ضعيفا (مسألة) (وهو سنة إلا أن ينذره فيجب) لا نعلم خلافاً في استحبابه وأنه إذا نذره وجب عليه قال ابن المنذر أجمع أهل العلم على أن الاعتكاف لا يجب على الناس فرضا إلا أن يوجب المرء على نفسه الاعتكاف نذراً فيجب عليه ويدل على أنه سنة أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله وداوم عليه تقربا إلى الله وطلباً لثوابه واعتكف أزواجه بعده ومعه ويدل على أنه غير واجب أن أصحابه لم يعتكفوا ولا أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم به إلا من أراده وقال عليه السلام " من أراد أن يعتكف فليعتكف العشر الأواخر " ولو كان واجباً لم يعلقه بالإرادة، وأما إذا نذره فيجب لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من نذر أن يطع الله فليطعه " وعن عمر أنه قال يارسول الله إني نذرت إن أعتكف ليلة في المسجد الحرام فقال النبي صلى الله عليه وسلم " أوف بنذرك " رواهما البخاري (فصل) فإن نوى الاعتكاف مدة لم يلزمه فإن شرع فيها فله اتمامها والخروج منها متى شاء،

وبهذا قال الشافعي وقال مالك: يلزمه بالنية مع الدخول فيه، فإن قطعه فعليه قضاؤه، قال ابن عبد البر لا يختلف في ذلك الفقهاء ويلزمه القضاء عند جميع العلماء، قال وإن لم يدخل فيه فالقضاء مستحب ومن العلماء من أوجبه وإن لم يدخل فيه، واحتج بما روي عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان فاستأذنته عائشة فإذن لها فأمرت ببنائها فضرب وسألت حفصة أن يستأذن لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ففعلت فأمرت ببنائها فضرب، فلما رأت ذلك زينب بنت جحش أمرت ببنائها فضرب قال فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الصبح دخل معتكفه، فلما صلى الصبح انصرف فبصر بالأبنية فقال " ما هذا؟ " فقالوا بناء عائشة وحفصة وزينب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " البر أردتن ما أنا بمعتكف " فرجع فلما أفطر اعتكف عشراً من شوال، متفق على معناه، ولأنها عبادة تتعلق بالمسجد فلزمت بالدخول فيها كالحج وما ذكره ابن عبد البر فليس بشئ، فإن هذا ليس بإجماع ولا يعرف هذا القول عن أحد سواه، وقال الشافعي: كل عمل لك أن لا تدخل فيه، فإذا دخلت فيه فخرجت منه فليس عليك أن تقضي إلا الحج والعمرة، ولم يقم الإجماع على لزوم نافلة بالشروع فيها سوى الحج والعمرة، وإذا كانت العبادات التي لها أصل في الوجوب لا تلزم بالشروع فما ليس له أصل في الوجوب أولى، وقد انعقد الاجماع على أن الإنسان لو نوى الصدقة بمال قدر وشرع في الصدقة به فأخرج بعضه لم تلزمه الصدقة بباقيه وهو نظير للاعتكاف لأنه غير مقدر بالشرع

فأشبه الصدقة، وما ذكره من الحديث حجة عليه فإن النبي صلى الله عليه وسلم ترك اعتكافه ولو كان واجباً ما تركه، وأزواجه تركن الاعتكاف بعد نيته وضرب الأبنية له ولم يوجد عذر يمنع فعل الواجب ولا أمرن بالقضاء وقضاء النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن لوجوبه عليه وإنما فعله تطوعاً لأنه كان إذا عمل عملاً أثبته فكان فعله لقضائه على سبيل التطوع كما قضى السنة التي فاتته بعد الظهر وقبل الفجر فتركه دليل على عدم وجوبه وقضاؤه لا يدل على الوجوب لأن قضاء السنن مشروع، فإن قيل إنما جاز تركه ولم يؤمر تاركه من النساء بقضائه لتركهن إياه قبل الشروع قلنا فقد سقط الاحتجاج لاتفاقنا على أنه لا يلزم قبل شروعه فيه فلم يكن القضاء دليلاً على الوجوب مع الاتفاق على انتفائه ولا يصح قياسه على الحج والعمرة لأن الوصول إليهما لا يحصل في الغالب إلا بعد كلفة عظيمة، ومشقة شديدة، وانفاق مال كثير، ففي إبطالهما تضييع لماله وإبطال لأعماله الكثيرة، وقد نهينا عن إضاعة المال وإبطال الأعمال، وليس في ترك الاعتكاف بعد الشروع فيه مال يضيع ولا عمل يبطل، فإن ما مضى من اعتكافه لا يبطل بترك اعتكاف المستقبل، ولأن النسك يتعلق بالمسجد الحرام على الخصوص والاعتكاف بخلافه (مسألة) (ويصح بغير صوم وعنه لا يصح فعلى هذا لا يصح في ليلة مفردة ولا بعض يوم) ظاهر المذهب أن الاعتكاف يصح بغير صوم يروي ذلك عن علي وابن مسعود وسعيد بن المسيب

ويستحب أن يجتهد فيها في الدعاء

وعمر بن عبد العزيز والحسن وعطاء وطاوس والشافعي واسحاق، وعن أحمد رواية أخرى أن الصوم شرط فيه، قال إذا اعتكف يجب عليه الصوم، يروي ذلك عن ابن عمر وابن عباس وعائشة، وبه قال الزهري وأبو حنيفة ومالك والثوري والليث والحسن بن حي لما روي عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا اعتكاف إلا بصوم " وعن ابن عمر جعل عليه أن يعتكف في الجاهلية فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال " اعتكف وصم " رواه أبو داود، ولأنه لبث في مكان مخصوص فلم يكن بمجردة قربة كالوقوف ولنا ما روى عن عمر أنه قال يارسول الله إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام فقال النبي صلى الله عليه وسلم " أوف بنذرك " رواه البخاري ولو كان الصوم شرطا لما صح اعتكاف الليل لأنه لا صيام فيه ولأنه عبادة تصح في الليل فلم يشترط له الصيام كالصلاة وكسائر العبادات ولأن إيجاب الصوم حكم لا يثبت إلا بالشرع ولم يصح فيه نص ولا إجماع فإن أحاديثهم لا تصح، أما حديث عمر فتفرد به ابن بديل وهو ضعيف قال أبو بكر النيسابوري هذا حديث منكر والصحيح ما رويناه

كتاب الاعتكاف

أخرجه البخاري والنسائي وغيرهما وحديث عائشة موقوف عليها ومن رفعة فقد وهم، ثم لو صح فالمراد به الاستحباب فإن الصوم فيه أفضل وقياسهم ينقلب عليهم فإنه لبث في مكان مخصوص فلم يشترط له الصوم كالوقوف ثم نقول بموجبه فإنه لا يكون قربة بمجرده بل بالنية إذا ثبت هذا فإنه يستحب أن يصوم لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف وهو صائم ولأن المعتكف يستحب له التشاغل بالعبادات والقرب والصوم من أفضلها ويتفرغ به مما يشغله عن العبادات ويخرج به من الخلاف (فصل) وإذا قلنا باشتراط الصوم لم يصح اعتكاف ليلة مفردة ولا بعض يوم ولا ليلة وبعض يوم لأن الصوم المشترط لا يصح في أقل من يوم ويحتمل أن يصح في بعض اليوم إذا صام اليوم كله لأن الصوم المشروط وجد في زمان الاعتكاف ولا يعتبر وجود المشروط في زمن الشرط كله (مسألة) (وليس للمرأة الاعتكاف إلا بإذن زوجها ولا للعبد إلا بإذن سيده) وذلك لان منافعهما مملوكة لغيرهما والاعتكاف يفوتها ويمنع استيفائها وليس بواجب عليهما بالشرع فكان لهما المنع منه وأم الولد والمدبر كالقن في هذا لأن الملك باق فيهما لهما (مسألة) (فإن شرعا فيه بغير إذن فلهما تحليلهما وإن كان بإذن فلهما تحليلهما إن كان تطوعاً وإلا فلا) إذا اعتكفت الزوجة بغير إذن زوجها أو العبد بغير إذن السيد فلهما منعهما منه وإن كان فرضا لأنه يتضمن تفويت حق غيرهما بغير إذنه فكان لصاحب الحق المنع منه كالغصب وإذا أذن السيد أو الزوج في الاعتكاف ثم أرادا إخراجهما منه بعد شروعهما فيه فلهما ذلك في التطوع وبه قال الشافعي وأبو حنيفة في العبد وقال في الزوجة ليس لزوجها إخراجها لأنها تملك بالتمليك فبالإذن اسقط حقه من منافعها وأذن لها في استيفائها فلم يكن له الرجوع فيها كما لو أذن لها في الحج فأحرمت به بخلاف العبد فإنه لا يملك بالتمليك وقال مالك ليس له تحليلهما لأنهما عقدا على أنفسهما تمليك منافع كانا يملكانها بحق الله تعالى فلم يجز الرجوع فيها كما لو احرما بالحج بإذنهما ولنا أن لهما المنع منه ابتداء فكان لهما المنع منه دواما كالعارية ويخالف الحج فإنه يلزم بالشروع فيه ويجب المضي في فاسده بخلاف الاعتكاف على ما مضى من الاختلاف

(فصل) وإن كان ما أذنا فيه منذوراً لم يكن لهما تحليلهما منه لأنه يتعين بالشروع فيه ويجب إتمامه فيصير كالحج إذا أحرما به فأما إن نذرا الاعتكاف فأراد السيد والزوج منعهما الدخول فيه فإن كان النذر بإذنهما وكان معيناً لم يملكا منعهما منه لأنه وجب بإذنهما وإن كان النذر المأذون فيه غير معين فشرعا فيه باذنهما لم يملكا منعهما منه لأنه يتعين بالدخول فيه فهو كالمعين بالنذر، وإن كان النذر بإذن وكان غير معين والشروع بغير إذن لم يجز تحليلهما كما لو أذن في الشروع خاصة ويحتمل أن لهما تحليلهما (مسألة) (وللمكاتب أن يحج ويعتكف بغير إذن سيده) سواء كان فرضاً أو تطوعاً لأن السيد لا يستحق منافعه ولا يملك اجباره على الكسب وإنما له دين في ذمته فهو كالحر المدين (مسألة) (ومن بعضه حر إن كان بينهما مهايأة فله أن يعتكف في نوبته بغير إذن سيده) لأن منافعه غير مملوكة لسيده في ذلك الزمن وحكمه في نوبة سيده حكم القن، فإن لم يكن بينهما مهايأة فلسيده منعه لأن له ملكاً في منافعه في جميع الأوقات (فصل) ولا يصح بغير نية لانه عبادة محضة أشبه الصوم، وإن كان فرضاً لزمه نية الفرضية ليتميز عن التطوع، فإن نوى الخروج منه ففيه وجهان (أحدهما) يبطل كما لو قطع نية الصوم (والثاني) لا يبطل لأنها قربة تتعلق بمكان فلا يخرج منها بنية الخروج كالحج (مسألة) (ولا يجوز الاعتكاف إلا في مسجد يجمع فيه إلا المرأة لها الاعتكاف في كل مسجد إلا مسجد بيتها) لا يجوز للرجل الاعتكاف في غير مسجد لا نعلم فيه خلافا بين أهل العلم لقول الله تعالى (ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد) فخصها بذلك، ولو صح الاعتكاف في غيرها لم يختص بتحريم

المباشرة فيها، فإن المباشرة محرمة في الاعتكاف مطلقاً، وفي حديث عائشة قالت: أن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدخل إلي رأسه وهو في المسجد فأرجله، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة وإذا كان معتكفاً وقوله إلا في مسجد يجمع فيه أي تقام فيه الجماعة، وإنما اشترط ذلك لأن الجماعة واجبة فاعتكف الرجل في مسجد لا تقام فيه يفضي الى أحد أمرين، إما ترك الجماعة الواجبة وإما خروجه إليها فيتكرر ذلك منه كثيراً مع إمكان التحرز منه وذلك مناف للاعتكاف إذ هو لزوم الإقامة في المسجد على طاعة الله فعلى هذا يجوز الاعتكاف في كل مسجد تقام فيه الجماعة، وروي عن حذيفة وعائشة والزهري ما يدل على هذا، واعتكف أبو قلابة وسعيد بن جبير في مسجد حيهما، وروي عن عائشة والزهري أنه لا يصح إلا في مساجد الجماعات وهو قول الشافعي إذا كانت الجمعة تتخلل اعتكافه لئلا يلتزم الخروج من معتكفه لما يمكنه التحرز من الخروج إليه، وروي عن حذيفة وسعيد بن المسيب لا يجوز الاعتكاف إلا في مسجد نبي، وحكي عن حذيفة أن الاعتكاف لا يصح إلا في أحد المساجد الثلاثة. قال سعيد ثنا مغيرة عن إبراهيم قال: دخل حذيفة مسجد الكوفة فإذا هو بأبنية مضروبة فسأل عنها فقيل قوم معتكفون فانطلق الى ابن مسعود فقال ألا تعجب من قوم يزعمون أنهم معتكفون بين دارك ودار الاشعري؟ فقال عبد الله لعلهم أصابوا واخطأت، وحفظوا ونسيت، فقال حذيفة لقد علمت ما الاعتكاف إلا في ثلاثة مساجد: المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم. وقال مالك يصح الاعتكاف في كل مسجد لعموم قوله (وأنتم عاكفون

ويصح بغير صوم وعنه لا يصح فعلى هذا لا يصح في ليلة مفردة ولا بعض يوم

في المساجد) وهو قول الشافعي إذا لم تتخلل اعتكافه جمعة ولنا ماروى الدارقطني بإسناده عن الزهري عن عروة وسعيد بن المسيب عن عائشة أن السنة للمعتكف أن لا يخرج إلا لحاجة الإنسان ولا اعتكاف إلا في مسجد جماعة وهو ينصرف إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وروى سعيد ثنا هشيم أنا جرير عن الضحاك عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كل مسجد له إمام ومؤذن فالاعتكاف فيه يصلح " ولأن قوله (وأنتم عاكفون في المساجد) يقتضي إباحة الاعتكاف في كل مسجد إلا أنه يقيد بما يقام فيه الجماعة بالأخبار، والمعنى الذي ذكرناه فيبقى على العموم فيما عداه، واشترط الشافعي أن يكون المسجد مما تقام فيه الجمعة وهذا مخالف للأخبار المذكورة والجمعة لا تتكرر فلا يصح قياسها على الجماعة، ولا يصر الخروج إليها كاعتكاف المرأة مدة يتخللها أيام حيضها، ولو كان الجامع تقام فيه الجمعة وحدها لم يجز اعتكاف الرجل فيه عندنا، ويصح عند مالك والشافعي، ومبنى ذلك على أن الجماعة واجبة عندنا فيلزم الخروج إليها وليست واجبة عندهم (فصل) فإن كان اعتكافه في مدة غير وقت الصلاة كليلة أو بعض يوم جاز في كل مسجد لعدم المانع، وإن كان تقام فيه في بعض الزمان جاز الاعتكاف فيه في ذلك الزمن دون غيره، وإن كان المعتكف ممن لا تلزمه الجماعة كالمريض والمعذور ومن هو في قرية لا يصلي فيها غيره جاز اعتكافه في

وليس للمرأة الاعتكاف إلا بإذن زوجها ولا للعبد إلا بإذن سيده

كل مسجد لأن الجماعة ساقطة عنه أشبه المرأة، ويحتمل أن لا يجوز ذلك للمريض والمعذور لأنه من أهل الجماعة فأشبه من تجب عليه، ولأنه إذا التزم الاعتكاف وكلفه نفسه فينبغي أن يجعله في مكان تصلى فيه الجماعة، ولأن من التزم مالا يلزمه لا يصح بدون شرطه كالمتطوع بالصلاة والأول أولى لأن من لا تجب عليه الجماعة لا يجب عليه الخروج إليها فلا يفوت شرط الاعتكاف، ولو اعتكف اثنان أو أكثر في مسجد لا تقام فيه الجماعة فأقاما الجماعة صح اعتكافهم لأنهما أقاما الجماعة أشبه ما لو أقامها غيرهما (فصل) فأما المرأة فيجوز اعتكافها في كل مسجد لأن الجماعة لا تجب عليها، وبهذا قال الشافعي وليس لها الاعتكاف في بيتها، وقال أبو حنيفة والثوري لها الاعتكاف في مسجد بيتها وهو المكان الذي جعلته للصلاة منه واعتكافها فيها أفضل كصلاتها فيه، وحكي عن أبي حنيفة أنه لا يصح اعتكافها في مسجد الجماعة لأن النبي صلى الله عليه وسلم ترك الاعتكاف في المسجد لما رأى أبنية أزواجه فيه وقال " البر أردتن؟ " ولأن مسجد بيتها موضع فضيلة صلاتها فكان موضع اعتكافها كالمسجد في حق الرجل ولنا قوله تعالى (وأنتم عاكفون في المساجد) والمراد بها المواضع التي بنيت للصلاة فيها وموضع صلاتها في بيتها ليس بمسجد لأنه لم يبن للصلاة فيه وتسميته مسجداً مجاز فلا يثبت له أحكام المساجد الحقيقية بدليل جواز لبث الجنب فيه وصار كقوله عليه السلام " جعلت لي الأرض مسجداً " ولأن النبي صلى الله عليه وسلم حين استأذنه أزواجه في الاعتكاف في المسجد أذن لهن ولو لم يكن موضعاً لاعتكافهن لما أذن فيه ولو كان الاعتكاف في غيره أفضل لنبههن عليه ولأن الاعتكاف قربة يشترط لها المسجد في

فإن شرعا فيه بغير إذن فلهما تحليهما وإن كان بإذن فلهما تحليهما إن كان تطوعا وإلا فلا

حق الرجل فيشترط في حق المرأة كالطواف وحديث عائشة قد بينا أنه حجة لنا وإنما كره اعتكافهن في تلك الحال حيث كثرت ابنيتهن لما رأى من منافستهن فكرهه لهن خشية عليهن من فساد نيتهن ولذلك قال " البر أردتن؟ " منكراً لذلك أي لم تفعلن ذلك تبرراً ولو كان للمعنى الذي ذكروه لأمرهن بالاعتكاف في بيوتهن ولم يأذن لهن في المسجد، وأما الصلاة فلا يصح اعتبار الاعتكاف بها فان صلاة النافلة للرجل في بيته أفضل ولا يصح اعتكافه فيه بالاتفاق (فصل) وإذا اعتكفت المرأة في المسجد استحب لها أن تستتر بشئ لأن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لما أردن الاعتكاف أمرن بأبنيتهن فضربت في المسجد ولأن المسجد يحضره الرجال وخير لهم وللنساء أن لا يرى بعضهم بعضاً وإذا ضربت بناء جعلته في مكان لا يصلي فيه الرجال لئلا تقطع صفوفهم ويضيق عليهم ولا بأس أن يستتر الرجل أيضاً فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ببنائه فضرب ولانه أسترله وأخفى لعمله وروى ابن ماجة عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتكف في قبة تركية على سدتها قطعة حصير قال فأخذ الحصير بيده فنحاها في ناحية القبة ثم أطلع رأسه فكلم الناس (مسألة) (والأفضل الاعتكاف في الجامع إذا كانت الجمعة تتخلله) إذا كانت الجمعة تتخلل الاعتكاف فالأفضل أن يكون في المسجد الذي تقام فيه الجمعة لئلا يحتاج إلى الخروج إليها فيترك الاعتكاف مع إمكان التحرز من ذلك ولأن فيه خروجاً من الخلاف على ما ذكرناه ولأن ثواب الجماعة فيه أكثر (مسألة) (وإذا نذر الاعتكاف أو الصلاة في مسجد فله فعله في غيره، ولا كفارة عليه إلا المساجد الثلاثة) وجملة ذلك أنه لا يتعين شئ من المساجد بنذره الاعتكاف أو الصلاة فيه إلا المساجد الثلاثة

وللمكاتب أن يحج ويعتكف بغير إذن سيده

وهي المسجد الحرام، ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم، والمسجد الأقصى لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا " متفق عليه ولو تعين غيرها بتعيينه لزمه المضي إليه واحتاج لشد الرحل لقضاء نذره فيه ولأن الله تعالى لم يعين لعبادته مكاناً فلم يتعين بتعيين غيره وإنما تعينت هذه المساجد للخبر الوارد فيها ولأن العبادة فيها أفضل فإذا عين ما فيه فضيلة لزمته كأنواع العبادة ولهذا قال الشافعي في صحيح قوليه وقال في الآخر لا يتعين المسجد الأقصى لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام " رواه مسلم، وهذا يدل على التسوية فيما عدا هذين المسجدين لأن المسجد الأقصى لو فضلت الصلاة فيه على غيره يلزم أحد أمرين إما خروجه من عموم هذا الحديث وإما كون فضيلته بألف مختصاً بالمسجد الأقصى ولنا أنه من المساجد التي تشد الرحال إليها فتعين بالتعيين في النذر كالآخرين وما ذكره لا يلزم فإنه إذا فضل الفاضل بألف فقد فضل المفضول بها أيضاً (مسألة) (وأفضلها المسجد الحرام ثم مسجد المدينة ثم المسجد الأقصى) وقال قوم مسجد النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من المسجد الحرام لأن النبي (ص) إنما دفن في خير البقاع وقد نقله الله تعالى من مكة إلى المدينة فدل على أنها أفضل ولنا قوله عليه السلام (صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام " وروى ابن ماجة بإسناده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (صلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه فيدخل في عمومه مسجد النبي صلى الله عليه وسلم (مسألة) (فإن نذره في الأفضل لم يكن له فعله في غيره وإن نذره في غيره فله فعله فيه) إذا نذر الاعتكاف في المسجد الحرام لزمه ولم يكن له الاعتكاف فيما سواه لان عمر نذر أن يعتكف ليلة في المسجد الحرام فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال (أوف بنذرك) متفق عليه وإن نذر أن يعتكف في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم جاز أن يعتكف في المسجد الحرام لأنه أفضل ولم يجز له أن يعتكف في المسجد الأقصى لأن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم أفضل منه فلم يجز له تفويت فضيلته وإن نذر الاعتكاف في المسجد الأقصى جاز له أن يعتكف في المسجدين الآخرين لأنهما أفضل منه وروى الإمام أحمد في مسنده عن رجال من الأنصار من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح والنبي صلى الله عليه وسلم في مجلس قريباً من المقام فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال يا نبي الله: إني نذرت إن فتح الله للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين مكة لأصلين في بيت المقدس وإني وجدت رجلا من أهل الشام ههنا في قريش مقبلاً معي ومدبراً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " ههنا فصل "

ولا يجوز الاعتكاف إلا في مسجد يجمع فيه إلا المرأة لها الاعتكاف في كل مسجد إلا مسجد بيتها

فقال الرجل قوله هذا ثلاث مرات كل ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم " ههنا فصل " ثم قال الرابعة مقالته هذه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " اذهب فصل فيه، فو الذي بعث محمدا بالحق لو صليت ههنا لقضي عنك ذلك كل صلاة في بيت المقدس " (فصل) وإن نذر الاعتكاف في غير هذه المساجد فدخل فيه ثم انهدم معتكفه ولم يمكن المقام فيه لزم إتمام الاعتكاف في غيره ولم يبطل اعتكافه (مسألة) (وإن نذر اعتكاف شهر بعينه لزمه الشروع فيه قبل دخول ليلته إلى انقضائه) إذا عين بنذره زمناً تعين لأن الله تعالى عين للعبادة زمناً فتعين بتعيين العبد ويلزمه الشروع فيه قبل دخول ليلته إلى انقضائه وهذا قول مالك والشافعي، وحكى ابن أبي موسى عن أحمد رواية أخرى انه يدخل في معتكفه قبل طلوع الفجر من أوله وهو قول الليث وزفر لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يعتكف صلى الصبح ثم دخل معتكفه، متفق عليه، ولأن الله تعالى قال (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) ولا يلزم الصوم إلا من قبل طلوع الفجر، ولأن الصوم شرط في الاعتكاف فلم يجب ابتداؤه قبل شرطه ولنا أنه نذر الشهر وأوله غروب الشمس بدليل حل الديون المعلقة به ووقوع الطلاق والعتاق المعلقين به فوجب أن يدخل قبل الغروب ليستوفي جميع الشهر فإنه لا يمكن إلا بذلك وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب كامساك جزء من الليل في الصوم، وأما الصوم فمحله النهار فلا يدخل فيه شئ من الليل في أثنائه ولا ابتدائه الا ما حصل ضرورة بخلاف الاعتكاف وأما الحديث فقال ابن عبد البر لا أعلم أحداً من الفقهاء قال به على أن الخبر إنما هو في التطوع فمتى شاء دخل، وفي مسألتنا نذر شهراً فيلزمه اعتكاف شهر كامل، ولا يحصل إلا أن يدخل فيه قبل غروب الشمس من أوله ويخرج بعد غروبها من آخره فأشبه ما لو نذر اعتكاف يوم فإنه يلزمه الدخول فيه قبل طلوع فجره ويخرج بعد غروب شمسه وقوله: إن الاعتكاف لا يصح بغير صوم قد أجبنا عنه فيما مضى (فصل) وإن أحب اعتكاف العشر الأواخر تطوعاً ففيه روايتان (إحداهما) يدخل قبل غروب الشمس من ليلة إحدى وعشرين لما روي عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأوسط من رمضان حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين وهي الليلة التي يخرج من صبيحتها من اعتكافه قال " من كان معي فليعتكف العشر الأواخر " متفق عليه ولأن العشر بغير هاء عدد الليالي فإنها عدد المؤنث قال الله تعالى (وليال عشر) وأول الليالي العشر ليلة إحدى وعشرين

(والرواية الثانية) يدخل بعد صلاة الصبح قال حنبل قال أحمد أحب إلي أن يدخل قبل الليل ولكن حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الفجر ثم يدخل معتكفه وبهذا قال الأوزاعي واسحاق ووجهه ماروت عمرة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى الصبح دخل معتكفه متفق عليه وإن نذر اعتكاف العشر ففي وقت دخوله الروايتان (فصل) ومن اعتكف العشر الأواخر من رمضان استحب أن يبيت ليلة العيد في معتكفه نص عليه أحمد وروي عن النخعي وأبي مجاز وأبي بكر بن عبد الرحمن والمطلب بن حنطب وأبي قلابة أنهم كانو يستحبون ذلك وروى الأثرم باسناده عن أيوب عن أبي قلابة أنه كان يبيت في المسجد ليلة الفطر ثم يغدو كما هو إلى العيد وكان يعني في اعتكافه لا يلقى له حصير ولا مصلى يجلس عليه كان يجلس كأنه بعض القوم قال فأتيته في يوم الفطر فإذا في حجره جويرية مزينة ما ظننتها إلا بعض بناته فإذا هي أمة له فأعتقها وغدا كما هو إلى العيد وقال إبراهيم كانوا يحبون لمن اعتكف العشر الأواخر من رمضان أن يبيت ليلة الفطر في المسجد ثم يغدو إلى المصلى من المسجد (مسألة) (وإن نذر شهراً مطلقاً لزمه شهر متتابع) إذا نذر اعتكاف شهر مطلق فهل يلزمه التتابع فيه وجهان بناء على الروايتين في نذر الصوم (أحدهما) لا يلزمه وهو مذهب الشافعي لأنه معنى يصح فيه التفريق فلا يجب فيه التتابع بمطلق النذر كالصيام (والثاني) يلزمه التتابع وهو قول أبي حنيفة ومالك وقال القاضي يلزمه التتابع وجهاً واحداً لأنه معنى يحصل في الليل والنهار فإذا أطلقه اقتضى التتابع كما لو حلف لا يكلم زيداً شهراً وكمدة الإيلاء والعدة وبهذا فارق الصيام فإن أتى بشهر بين هلالين أجزأه ذلك وإن كان ناقصاً وإن اعتكف ثلاثين يوما من شهرين جاز فتدخل فيه الليالي لأن الشهر عبارة عنهما ولا يجزئه أقل من ذلك وإن قال الله تعالى أن اعتكف أيام هذا الشهر أو ليالي هذا الشهر لزمه ما نذر ولم يدخل فيه غيره وكذلك إن قال شهراً في النهار أو في الليل (مسألة) (وإن نذر أياماً معدودة فله تفريقها إلا عند القاضي) إذا قال لله علي أن اعتكف ثلاثين يوماً يلزمه التتابع كما لو نذر شهراً مطلقاً وقال أبو الخطاب لا يلزمه لأن اللفظ يقتضي تناوله والأيام المطلقة توجد بدون التتابع فلا يلزمه كما لو نذر صوم ثلاثين يوماً فعلى قول القاضي تدخل فيه الليالي الداخلة في الأيام المنذورة كما لو نذر شهراً ومن لم يوجب التتابع لا يدخل في الليل فيه إلا أن ينويه فإن نوى التتابع أو شرطه وجب (مسألة) (وإن نذر أياماً أو ليالي متتابعة ما يتخللها من ليل أو نهار)

متى شرط التتابع في نذره أو نواه دخل الليالي فيه ويلزمه ما بين الأيام من الليالي وإن نذر الليالي لزمه ما بينها من الأيام حسب وبه قال مالك والشافعي وقال أبو حنيفة يلزمه من الليالي بعدد الأيام إذا كان على وجه الجمع أو التثنية يدخل فيه مثله من الليالي والليالي تدخل معها الأيام بدليل قوله تعالى (آيتك أن لا تكلم الناس ثلاث ليال سويا) وقال في موضع آخر (ثلاثة أيام إلا رمزا) ولنا أن اليوم اسم لبياض النهار والليلة اسم لسواد الليل والتثنية والجمع تكرار الواحد وإنما تدخل الليالي تبعاً لوجوب التتابع ضمناً وهذا يحصل مابين الأيام خاصة فاكتفى به وأما الآية فإن الله تعالى نص على الليل في موضع والنهار في موضع فصار منصوصاً عليهما فعلى هذا إن نذر اعتكاف يومين متتابعين لزمه يومان وليلة بينهما وإن نذر اعتكاف يومين مطلقاً فكذلك عند القاضي وكذلك لو نذر اعتكاف ليلتين لزمه اليوم الذي بينهما عند القاضي وعند أبي الخطاب لا يلزمه ما بينهما إلا بلفظ أو بنية ويتخرج أنه إذا نذر اعتكاف يومين متتابعين أن لا تلزمه الليلة التي بينهما كالليلة التي قبلهما وكذلك إذا نذر اعتكاف ليلتين لا يلزمه اليوم الذي بينهما كاليوم الذي قبلهما اختاره الشيخ أبو حكيم (فصل) وإن نذر اعتكاف يوم لزمه أن يدخل معتكفه قبل طلوع الفجر ويخرج منه بعد غروب الشمس، وقال مالك يدخل معتكفه قبل طلوع الفجر ويخرج منه بعد غروب الشمس من ليلة ذلك اليوم كقولنا في الشهر لأن الليل يتبع النهار بدليل ما لو كان متتابعاً ولنا أن الليلة ليست من اليوم وهي من الشهر قال الخليل اليوم اسم لما بين طلوع الفجر وغروب الشمس وإنما دخل الليل في المتتابع ضمنا ولهذا خصصناه بما بين الأيام وإن نذر اعتكاف ليلة لزمه دخول معتكفه قبل غروب الشمس ويخرج منه بعد طلوع الفجر وليس له تفريق الاعتكاف وظاهر كلام الشافعي جواز التفريق قياساً على الشهر ولنا أن إطلاق اليوم يفهم منه التتابع فلزمه كما لو قال متتابعان وفارق الشهر فإنه اسم لما بين هلالين واسم لثلاثين يوماً واليوم لا يقع في الظاهر إلا على ما ذكرنا وإن قال في وسط النهار لله علي أن اعتكف يوما من وقتي هذا، لزمه الاعتكاف من ذلك الوقت إلى مثله ويدخل فيه الليل لأنه في خلل نذره فصار كما لو نذر يومين متتابعين وإنما لزمه بعض يومين لتعيينه ذلك بنذره فعلمنا أنه أراد ذلك ولم يرد يوماً صحيحاً (فصل) وإن نذر اعتكافاً مطلقاً لزمه ما يسمى به معتكفاً ولو ساعة من ليل أو نهار إلا على قولنا بوجوب الصوم في الاعتكاف فيلزمه يوم كامل فأما اللحظة ومالا يسمى به معتكفاً فلا يجزئه على الروايتين جميعاً (فصل) إذا نذر اعتكاف يوم يقدم فلان صح نذره فإن ذلك ممكن فإن قدم في بعض النهار

لزمه اعتكاف الباقي منه ولم يلزمه قضاء ما فات لأنه فات قبل شرط الوجوب فلم يجب كما لو نذر اعتكاف زمن ماض لكن إن قلنا شرط صحة الاعتكاف الصوم لزمه قضاء يوم كامل لأنه لا يمكنه أن يأتي بالاعتكاف في الصوم فيما بقي من النهار ولا قضاؤه مميزاً مما قبله فلزمه يوم كامل ضرورة كما لو نذر صوم يوم يقدم فلان ويحتمل أن يجزئه اعتكاف ما بقي منه إذا كان صائماً لأنه قد وجد اعتكاف مع الصوم وإن قدم ليلاً لم يلزمه شئ لأن ما التزمه بالنذر لم يوجد فإن كان للناذر عذر يمنعه الاعتكاف عند قدوم فلان من حبس أو مرض قضى أو كفر لفوات النذر في وقته ويقضي بقية اليوم فقط لأنه الذي كان يلزم في الأداء على الرواية المنصورة وفي الأخرى يقضي يوماً كاملاً بناء على اشتراط الصوم في الاعتكاف (فصل) قال الشيخ رحمه الله ولا يجوز للمعتكف الخروج إلا لما لابد له منه كحاجة الإنسان والطهارة والجمعة والنفير المتعين والشهادة الواجبة والخوف من فتنة أو مرض والحيض والنفاس وعدة الوفاة ونحوه. وجملته أنه ليس للمعتكف الخروج من معتكفه الا لما لابد منه قالت عائشة رضي الله عنها وعن أبيها: السنة للمعتكف أن لا يخرج إلا لما لابد منه. رواه أبو داود وقالت أيضاً: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اعتكف يدني إلي رأسه فأرجله وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان. متفق عليه ولا خلاف في أن له الخروج لما لابد منه قال إبن المنذر أجمع أهل العلم على أن للمعتكف أن يخرج من معتكفه للغائط والبول ولأن هذا لا يمكن فعله في المسجد ولو بطل الاعتكاف بالخروج إليه لم يصح لأحد اعتكاف ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف وقد علمنا أنه كان يخرج لقضاء حاجته والمراد بحاجة الإنسان البول والغائط كني بذلك عنهما لأن كل إنسان يحتاج إلى فعلهما وفي معناه الحاجة إلى المأكول

والأفضل الاعتكاف في الجامع إذا كانت الجمعة تتخلله

والمشروب إذا لم يكن له من يأتيه به فله الخروج إليه عند الحاجة إليه وان بغته القئ فله أن يخرج ليتقيأ خارج المسجد وكل مالا بد له منه ولا يمكن فعله في المسجد فله الخروج إليه ولا يفسد اعتكافه وهو عليه ما لم يطل وكذلك له الخروج إلى ما أوجبه الله تعالى عليه مثل من يعتكف في مسجد لا جمعة فيه فيحتاج إلى الخروج لصلاة الجمعة ولا يبطل اعتكافه به، وبهذا قال أبو حنيفة وقال الشافعي فيمن نذر اعتكافاً متتابعاً فخرج منه لصلاة الجمعة بطل اعتكافه وعليه الاستئناف لأنه أمكنه فرضه بحيث لا يخرج منه فبطل بالخروج كالمكفر إذا ابتدأ صوم الشهرين المتتابعين في شعبان أو ذي الحجة ولنا أنه خرج لواجب فلم يبطل اعتكافه كالمعتدة تخرج لقضاء العدة، وكالخارج لانقاذ غريق وإطفاء حريق وأداء شهادة تعينت عليه، ولأنه إذا نذر أياماً فيها جمعة فكأنه استثنى الجمعة بلفظه ثم يبطل بما إذا نذرت المرأة أياما فيها عادة حيضها فإنه يصح مع إمكان فرضها في غيرها والأصل ممنوع. إذا ثبت هذا فإنه إذا خرج لواجب فهو على اعتكافه ما لم يطل لأنه خروج لابد منه أشبه الخروج لحاجة الإنسان، فإن كان خروجه لصلاة الجمعة فله أن يتعجل. قال الامام أحمد: أرجو أن يكون له لأنه خروج جائز فجاز تعجيله كالخروج لحاجة الإنسان، فإذا صلى الجمعة فأحب أن يعتكف في الجامع فله ذلك لأنه محل للاعتكاف والمكان لا يتعين للاعتكاف بتعيينه فمع عدم ذلك أولى. وإن

وافضلها المسجد الحرام ثم مسجد المدينة ثم المسجد الأقصى

أحب الرجوع إلى معتكفه فله ذلك كما لو خرج إلى غير الجمعة. قال بعض أصحابنا: يستحب له الإسراع إلى معتكفه، وقال أبو داود قلت لأحمد يركع يعني المعتكف يوم الجمعة بعد الصلاة في المسجد؟ قال نعم بقدر ما كان يركع (قال شيخنا) رحمه الله ويحتمل أن تكون الخيرة إليه في تعجيل الرجوع وتأخيره لأنه في مكان يصلح للاعتكاف فأشبه مالو نوى الاعتكاف فيه، فأما إن خرج ابتداء إلى مسجد آخر أو إلى الجامع من غير حاجة، أو كان المسجد أبعد من موضع حاجته فمضى إليه لم يجز له ذلك لأنه خروج لغير حاجة أشبه مالو خرج لغير المسجد، فإن كان المسجدان متصلاقين يخرج من أحدهما فيصير في الآخر فله الانتقال من أحدهما إلى الآخر لأنهما كمسجد واحد ينتقل من إحدى زاويتيه إلى الأخرى، وإن كان يمشي بينهما في غيرهما لم يجز له الخروج: وإن قرب لأنه خروج من المسجد لغير حاجة (فصل) وإذا خرج لما لابد منه فليس عليه أن يتعجل في مشيه لكن يمشي على حسب عادته لأن عليه مشقة في إلزامه غير ذلك فليس له الإقامة بعد قضاء حاجته لأكل ولا لغيره، وقال ابن حامد يجوز أن يأكل اليسير في بيته كاللقمة والثنتين ولا يأكل جميع أكله، وقال القاضي: يتوجه أن له الاكل في بيته والخروج إليه ابتداء لأن الأكل في المسجد دناءة وقد يخفي جنس قوته عن الناس، وقد يكون في المسجد غيره فيستحي منه أن يأكل دونه وإن أطعمه لم يكفهما

فإن نذره في الأفضل لم يكن له فعله في غيره وإن نذره في غيره فله فعليه فيه

ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لايدخل البيت إلا لحاجة الإنسان وهذا كناية عن الحدث، ولأنه خروج لما له منه بد، ولبث في غير معتكفه لما له منه بد فأبطل الاعتكاف كمحادثة أهله وما ذكره القاضي ليس بعذر يبيح الخروج ولا الإقامة، ولو ساغ ذلك لساغ الخروج للنوم وأشباهه (فصل) وإن خرج لحاجة الإنسان وبقرب المسجد سقاية أقرب من منزله لا يحتشم من دخولها ويمكنه التنظف فيها لم يكن له المضي إلى منزله لأن له من ذلك بدا، وإن كان يحتشم من دخولها أو فيه نقيصة عليه أو مخالفة لعادته أو لا يمكنه التنظف فيها فله المضي إلى منزله لما عليه من المشقة في ترك المروءة، وكذلك إن كان له منزلان أحدهما أقرب من الآخر يمكنه الوضوء في الأقرب بلا ضرر فليس له قصد الأبعد، وإن بذل له صديقه أو غيره الوضوء في منزله القريب لم يلزمه لما عليه من المشقة بترك المروءة والاحتشام من صاحبه، قال المروذي سألت أبا عبد الله عن الاعتكاف في المسجد الكبير أعجب إليك أو مسجد الحي؟ قال: المسجد الكبير وأرخص لي أن أعتكف في غيره، قلت فأين ترى أن أعتكف في هذا الجانب، أو في ذلك الجانب؟ قال في ذاك الجانب هو أصلح من أجل السقاية، قلت فمن اعتكف في هذا الجانب ترى أن يخرج الى الشط يتهيأ؟ قال إذا كان له حاجة لابد له من ذلك قلت يتوضأ الرجل في المسجد؟ قال لا يعجبني أن يتوضأ في المسجد (فصل) وإذا احتيج إليه في النفير إذا عم أو حضر عدو يخافون كلبه واحتيج إلى خروج

وإن نذر اعتكاف شهر بعينه لزمه الشروع فيه قبل دخول ليلته إلى انقضائه

المعتكف لزمه الخروج لأنه واجب متعين فكان عليه الخروج إليه كالخروج إلى الجمعة، وكذلك الشهادة الواجبة عليه لما ذكرنا، وإن وقعت فتنة خاف منها على نفسه إذا قام في المسجد أو على ماله، أو خاف نهباً أو حريقاً فله ترك الاعتكاف والخروج لأن هذا مما أباح الله تعالى لأجله ترك الواجب بأصل الشرع وهو الجمعة فأولى أن يباح لأجله ترك ما اوجبه على نفسه، وكذلك إن تعذر عليه المقام في المسجد لمرض لا يمكنه المقام معه كالقيام المتدارك أو سلس البول، أو الإغماء، أو لا يمكنه المقام إلا بمشقة شديدة مثل أن يحتاج إلى خدمة وفراش فله الخروج، وإن كان المرض خفيفاً كالصداع، ووجع الضرس ونحوه فليس له الخروج، فإن خرج بطل اعتكافه لأنه خروج لما له منه بد (فصل) وإن حاضت المعتكفة أو نفست وجب عليها الخروج من المسجد بغير خلاف لأنه حدث يمنع اللبث في المسجد، وعن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم " لا أحل المسجد لحائض ولا جنب " رواه أبو داود، والنفاس في معنى الحيض فثبت فيه حكمه، قال الخرقي تخرج من المسجد وتضرب خباء في الرحبة هذا إن كان للمسجد رحبة فإن لم يكن رجعت إلى بيتها، فإذا طهرت عادت فأتمت اعتكافها وقضت ما فاتها ولا كفارة عليها لأنه خروج معتاد أشبه الخروج للجمعة، وإن كان للمسجد رحبة خارجة من المسجد يمكن ضرب خبائها فيه ضربت خباءها فيه مدة حيضها وهو قول أبي قلابة، وقال النخعي تضرب فسطاطها في دارها، فإذا طهرت قضت تلك الأيام، وإن دخلت بيتاً أو سقفاً استأنفت، وقال الزهري وعمرو بن دينار وربيعة ومالك ترجع إلى منزلها لأنه وجب عليها الخروج من المسجد فلم تلزمها الإقامة في رحبته كالخارجة لعدة أو خوف فتنة ووجه قول الخرقي ماروى المقدام بن شريح عن عائشة رضي الله عنها قالت: كن معتكفات إذا حضن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإخراجهن من المسجد وإن يشربن الأخبية في رحبة المسجد. رواه أبو حفص بإسناده وفارق المعتدة فإن خروجها لتعتد في بيتها وتقيم فيه ولا يحصل ذلك مع الكون في الرحبة، وكذلك الخائفة من الفتنة خروجها لتسلم منها فلا تقيم في موضع لا تحصل السلامة بالإقامة فيه، قال والظاهر أن إقامتها في الرحبة مستحبة وليس بواجب، وإن لم تقم في الرحبة رجعت إلى منزلها أو غيره ولا شئ عليها إلا القضاء لأيام حيضها لا نعلم فيه خلافا إلا قول إبراهيم وهو تحكم لا دليل عليه (فصل) فأما الاستحاضة فلا تمنع الاعتكاف لكونها لا تمنع الصلاة، وقد قالت عائشة رضي

الله عنها اعتكفت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من أزواجه مستحاضة فكانت ترى الحمرة والصفرة وربما وضعت الطست تحتها وهي تصلي. أخرجه البخاري ويجب عليها أن تتحفظ وتتلجم لئلا تلوث المسجد فإن لم يكن صيانته منها خرجت من المسجد لأنه عذر وخروج لحفظ المسجد من نجاستها أشبه الخروج لقضاء الحاجة (فصل) والمتوفى عنها يجب عليها أن تخرج لقضاء العدة، وبهذا قال الشافعي وقال ربيعة ومالك وابن المنذر تمضي في اعتكافها حتى تفرغ منه ثم ترجع إلى بيت زوجها فتعتد فيه لأن الاعتكاف المنذور واجب والاعتداد في البيت واجب فقد تعارض واجبان فيقدم أسبقهما ولنا أن الاعتداد في بيت زوجها واجب فلزمها الخروج إليه كالجمعة في حق الرجل ودليلهم ينتقض بالخروج إلى الجمعة وسائر الواجبات (مسألة) (ولا يعود مريضاً ولا يشهد جنازة إلا أن يشترطه فيجوز وعنه له ذلك من غير شرط) اختلفت الرواية عن الامام أحمد في الخروج لعيادة المريض وشهود الجنازة مع عدم الشرط فروي عنه ليس له فعله ذكره الخرقي وهو قول عطاء وعروة ومجاهد والزهري ومالك والشافعي وأصحاب الرأي، وعنه أن له عيادة المريض وشهود الجنازة ثم يعود إلى معتكفه، نقلها عنه الأثرم ومحمد ابن الحكم وهو قول علي، وبه قال سعيد بن جبير والنخعي والحسن لما روى عاصم بن ضمرة عن علي قال: إذا اعتكف الرجل فليشهد الجمعة، وليعد المريض، وليحضر الجنازة، وليأت أهله وليأمرهم بالحاجة وهو قائم، رواه الإمام أحمد والاثرم، قال أحمد عاصم بن ضمرة عندي حجة ووجه الأولى ماروي عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اعتكف لا يدخل البيت إلا لحاجة

وإن نذر شهرا مطلقا لزمه شهر متتابع

الإنسان. متفق عليه وعنها أنها قالت: السنة على المعتكف أن لا يعود مريضاً! ولا يشهد جنازة، ولا يمس امرأة ولا يباشرها ولا يخرج لحاجة إلا لما لابد منه، عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يمر بالمريض وهو معتكف فيمر كما هو ولا يعرج يسأل عنه. رواهما أبو داود، ولأن هذا ليس بواجب فلا يجوز ترك الاعتكاف الواجب له كالمشي في حاجة أخيه ليقضيها فإن تعينت عليه صلاة الجنازة فأمكنه فعلها في المسجد لم يجز الخروج اليها، وإن لم يمكنه ذلك فله الخروج إليها، وإن تعين عليه دفن الميت أو تغسيله فله الخروج لأن هذا واجب متعين فيقدم على الاعتكاف كصلاة الجمعة (فصل) فأما إن كان تطوعاً فأحب الخروج منه لعيادة مريض أو شهود جنازة جاز لأن كل واحد منهما تطوع فلا يتحتم واحد منهما لكن الأفضل المقام على اعتكافه لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يعرج على المريض ولم يكن الاعتكاف واجباً عليه (فصل) فإن شرط فعل ذلك في الاعتكاف فله فعله اوجبا كان الاعتكاف أو تطوعاً وكذلك ما كان قربة كزيارة أهله أو رجل صالح أو عالم وكذلك ماكان مباحاً مما يحتاج إليه كالعشاء في منزله والمبيت فيه فله فعله قال الأثرم سمعت أبا عبد الله يسأل عن المعتكف يشترط أن يأكل في أهله قال فإن اشترط فنعم قلت له فيبيت في أهله؟ قال إذا كان تطوعاً جاز وممن أجاز أن يشترط العشاء في أهله الحسن والعلاء

وإن نذر أياما معدودة فله تفريقها إلا عند القاضي

ابن زياد والنخعي وقتادة ومنع منه أبو مجاز ومالك والاوزاعي قال مالك لا يكون في الاعتكاف شرط ولنا أنه يجب بعقده فكان الشرط إليه فيه كالوقف ولأن الاعتكاف لا يختص بقدر وإذا شرط الخروج فكأنه نذر القدر الذي أقامه وإن قال متى مرضت أو عرض لي عارض خرجت جاز شرطه (فصل) وإن شرط الوطئ في اعتكافه أو الفرجة أو النزهة أو البيع للتجارة أو التكسب بالصناعة في المسجد لم يجز لأن هذا ينافي الاعتكاف أشبه إذا شرط ترك الإقامة في المسجد ولأن الله تعالى قال (ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد) فاشتراط ذلك كاشتراط المعصية والصناعة في المسجد منهي عنها في غير الاعتكاف ففي الاعتكاف أولى وسائر ما ذكرنا يشبه ذلك ولا حاجة إليه وإن احتاج إليه فلا يعتكف لأن ترك الاعتكاف أولى من فعل المنهي عنه قال أبو طالب سألت أحمد عن المعتكف يعمل عمله من الخياط وغيره قال ما يعجبني أن يعمل قلت أن كان يحتاج قال إن كان يحتاج لا يعتكف (فصل) وللمعتكف صعود سطح المسجد لأنه من جملته ولهذا يمنع الجنب من اللبث فيه وهذا قول

أبي حنيفة ومالك والشافعي لا نعلم فيه مخالفاً ويجوز أن يبيت فيه (فصل) ورحبة المسجد ليست منه في ظاهر كلام الخرقي هذا ليس للمعتكف الخروج إليها وعن أحمد ما يدل على هذا وروى المروذي أن المعتكف يخرج إلى رحبة المسجد هي من المسجد وجمع القاضي بين الروايتين فقال إن كان عليها حائط وباب فهي كالمسجد لأنها معه وتابعة له وإن لم تكن محوطة لم يثبت لها حكم المسجد فإن خرج إلى منارة خارج المسجد فسد اعتكافه قال أبو الخطاب ويحتمل أن لا يبطل لأن منارة المسجد كالمتصلة به (مسألة) (وله السؤال عن المريض في طريقه ما لم يعرج لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله) وروت عائشة رضي الله عنها قالت: أن كنت لأدخل البيت للحاجة والمريض فيه فما أسأل عنه إلا وأنا مارة متفق عليه وليس له الوقوف لأن فيه ترك الاعتكاف وله الدخول إلى مسجد يتم اعتكافه فيه لأنه محل للاعتكاف والمكان لا يتعين للاعتكاف بنذره وتعيينه فمع عدم ذلك أولى وقد ذكرنا تفصيل ذلك (مسألة) (فإن خرج لما لا بد منه خروجاً معتاداً لحاجة الإنسان فلا شئ عليه لانه لابد له منه) فلو بطل اعتكافه بخروجه إليه لم يصح لأحد الاعتكاف وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج لحاجته وهو معتكف وكذلك خروج المرأة لحيضها لأنها خرجت بإذن الشرع ولا يجب عليها كفارة لأنه خروج لعذر معتاد أشبه الخروج لقضاء الحاجة وحكم النفاس حكم الحيض لأنه في معناه (مسألة) (وإن خرج لغير المعتاد في المتتابع وتطاول خير بين استئنافه وإتمامه مع كفارة يمين وإن فعله في معين قضى وفي الكفارة وجهان) إذا خرج المعتكف لغير المعتاد كالخروج إلى النفير المتعين والشهادة الواجبة والخوف من الفتنة والمرض وعدة الوفاة ونحو ذلك ولم يتطاول فهو على اعتكافه لأنه خروج يسير مباح أو واجب فلم يبطل به الاعتكاف كحاجة الإنسان وإن تطاول ثم زال عذره وكان الاعتكاف تطوعاً فهو مخير إن شاء رجع إلى معتكفه وان شاء لم يرجع لأنه لا يلزم بالشروع وإن كان واجباً رجع إلى معتكفه فبنى على ما مضى من اعتكافه ثم لا يخلو من ثلاثة أحوال (أحدها) أن يكون نذر اعتكافاً في أيام غير متتابعة ولا معينة فهذا يلزمه أن يتم ما بقي عليه لكن يبتدئ اليوم الذي خرج فيه من أوله ليكون متتابعاً

ولا كفارة عليه لأنه أتى بالمنذور على وجهه فلم تلزمه كفارة كما لو لم يخرج (الثاني) أن يكون معيناً كشهر رمضان فعليه قضاء ما ترك وكفارة يمين لتركه النذر في وقته وفيه وجه آخر لا كفارة عليه وقد روي ذلك عن أحمد (الثالث) نذر أياماً متتابعة فهو مخير بين البناء والقضاء مع التكفير وبين الاستئناف ولا كفارة عليه لأنه أتى بالمنذور على وجهه فلم تلزمه كفارة كما لو أتى به من غير أن يسبقه الاعتكاف الذي خرج منه وذكر الخرقي مثل هذا قال من نذر أن يصوم شهراً متتابعاً فلم يسمه فمرض في بعضه فإذا عوفي بنى على ما مضى من صيامه وقضى ما تركه وكفر كفارة يمين وإن أحب أتى بشهر متتابع ولا كفارة عليه. وقال أبو الخطاب فيمن ترك الصيام المنذور لعذر فعن أحمد فيه رواية أخرى لا كفارة عليه وهو قول مالك والشافعي وأبي عبيد لأن المنذور كالمشروع ابتداء ولو أفطر في رمضان لعذر لم يلزمه شئ فكذلك المنذور وقال القاضي إن خرج لواجب كجهاد تعين أو شهادة واجبة أو عدة الوفاة فلا كفارة عليه لأنه خروج واجب لحق الله تعالى فلم يجب فيه شئ كالمرأة تخرج لحيضها ونفاسها فيقتضي قوله أن الخروج إذا لم يكن واجباً بل كان مباحاً كخروج من خوف الفتنة ونحوه يوجب الكفارة لأنه خرج لحاجة نفسه خروجاً غير معتاد وظاهر كلام الخرقي وجوب الكفارة لأن النذر كاليمين ومن حلف على فعل شئ فحنث لزمته الكفارة سواء كان لعذر أو لغيره وسواء كانت المخالفة واجبة أو لم يكن وفارق صوم رمضان من حيث إن الفطر لا يوجب كفارة سواء كان لعذر أو لغيره وفارق الحيض فإنه يتكرر ويظن وجوده في زمن النذر فيصير كالخروج لحاجة الانسان (مسألة) (وإن خرج لما له منه بد في المتتابع لزمه استئنافه وإن فعله في معين فعليه الكفارة وفي الاستئناف وجهان) إذا خرج لما له منه بد عامداً بطل اعتكافه إلا أن يشترطه على ما ذكرناه. وإن خرج ناسياً فقال القاضي لا يفسد اعتكافه لأنه فعل المنهي عنه ناسياً فلم تفسد العبادة كالأكل في الصوم وقال ابن عقيل يفسد لأنه ترك الاعتكاف وهو لزوم المسجد والترك يستوي عمده وسهوه كترك النية في الصوم فإن أخرج بعض جسده لم يفسد اعتكافه وإن كان عمدا لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج رأسه من المسجد وهو معتكف الى عائشة فتغسله وهي حائض متفق عليه (فصل) ويبطل اعتكافه بالخروج وإن قل وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي وقال أبو يوسف ومحمد لا يبطل حتى يكون اكثر من نصف يوم لأن اليسير معفوعنه لأن صفية أتت النبي صلى الله عليه وسلم تزوره في معتكفه فلما خرجت لتنقلب خرج معها ليقلبها (1) ولأن اليسير معفو عنه بدليل مالو تأنى في مشيه ولنا أنه خروج من معتكفه لغير حاجة فأبطله كما لو أقام اكثر من نصف يوم وأما خروج النبي صلى الله عليه وسلم فيحتمل أنه لم يكن له منه بد لأنه كان ليلاً فلم يأمن عليها ويحتمل أنه فعل ذلك لكو

اعتكافه تطوعاً له ترك جميعه فكان له ترك بعضه ولذلك تركه لما أراد نساؤه الاعتكاف معه وأما المشي فيختلف فيه طباع الناس وعليه في تغيير مشيه مشقه ولا كذلك هاهنا فإنه لا حاجة به إلى الخروج إذا ثبت ذلك فإنه إن فعله في متتابع لزمه الاستئناف لأنه أمكنه الاتيان بالمنذور على صفته أشبه حالة الابتداء وإن فعله في معين لزمه الكفارة لتركه النذر لغير عذر وفي الاستئناف وجهان (أحدهما) يلزمه كالمتتابع ولأنه كان يلزمه التتابع مع التعين فإن تعذر التعين لزمه التتابع لإمكانه ومن ضرورته الاستئناف (والوجه الثاني) لا يلزمه الاستئناف لأن ما مضى منه قد أدى العبادة فيه أداء صحيحاً فلم تبطل بتركها في غيره كما لو أفطر في أثناء شهر رمضان ولأن التتابع هاهنا حصل ضرورة التعيين مصرح به فإذا لم يكن بد من الإخلال بأحدهما ففيما حصل ضرورة أولى ولان وجوب التتابع من حيث الوقت لامن حيث النذر فالخروج في بعضه لا يبطل ما مضى منه كصوم رمضان إذا أفطر لغير عذر فعلى هذا يقضي ما أفسد فيه حسب ويكفر على كلا الوجهين لأصل الوجهين فيمن نذر صوماً معيناً فأفطرفي بعضه فإن فيه روايتين كالوجهين اللذين ذكرناهما وكذلك الحكم في كل من أفسد اعتكافه بجماع أو غيره فان كان الاعتكاف تطوعاً فلا قضاء عليه لأن التطوع لا يلزم بالشروع فيه في غير الحج والعمرة وقد ذكرنا ذلك (فصل) فإن نذر اعتكاف أيام متتابعة بصوم فأفطر يوما فسد تتابعه ووجب الاستئناف لإخلاله بالإتيان بما نذره على صفته والله أعلم (مسألة) (وإن وطئ المعتكف في الفرج فسد اعتكافه ولا كفارة عليه إلا لترك نذره وقال أبو بكر عليه كفارة يمين وقال القاضي عليه كفارة الظهار) الوطئ في الاعتكاف محرم بالإجماع والأصل فيه قول الله تعالى (ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد تلك حدود الله فلا تقربوها) فإن وطئ في الفرج متعمداً أفسد اعتكافه بإجماع أهل العلم حكاه ابن المنذر ولان الوطئ إذا حرم في العبادة أفسدها كالحج والصوم وإن كان ناسياً أفسده أيضاً وهذا قول أبي حنيفة ومالك وقال الشافعي لا يفسد لأنها مباشرة لا تفسد الصوم فلا تفسد الاعتكاف

كالمباشرة فيما دون الفرج ولنا أن ما حرم في الاعتكاف استوى عمده وسهوه في إفساده كالخروج من المسجد ولا نعلم أنها لا تفسد الصوم ولأن المباشرة دون الفرج لا تفسد الاعتكاف إلا إذا اقترن بها الإنزال إذا ثبت هذا فلا تجب الكفارة بالوطئ في ظاهر المذهب وهو ظاهر كلام الخرقي وقول عطاء والنخعي وأهل المدينة ومالك وأهل العراق والثوري وأهل الشام والاوزاعي ونقل حنبل عن الإمام أحمد أن عليه كفارة وهو قول الحسن والزهري واختيار القاضي لأنها عبادة يفسدها الوطئ بعينه فوجبت الكفارة بالوطئ فيها كالحج وصوم رمضان ولنا أنها عبادة لا تجب بأصل الشرع فلم تجب بإفسادها كفارة كالنوافل، ولأنها عبادة لا يدخل المال في جبرانها فلم تجب الكفارة بافسادها كالصلاة، ولأن وجوب الكفارة إنما يثبت بالشرع ولم يرد الشرع بإيجابها فيبقى على الأصل، وما ذكروه ينتقض بالصلاة وبالصوم في غير رمضان والقياس على الحج لا يصح لأنه مباين لسائر العبادات، ولهذا يمضي في فاسده ويلزم بالشروع فيه، ويجب بالوطئ فيه بدنة بخلاف غيره، ولأنه لو وجبت الكفارة ههنا بالقياس عليه لزم أن تكون بدنة لأن الحكم في الفرع يثبت على صفة الحكم في الاصل إذ كان القياس إنما هو توسعه مجرى الحكم فيصير النص الوارد في الأصل واردا في الفرع فيثبت فيه الحكم الثابت في الأصل بعينه، وأما القياس على الصوم فهو دال على

نفي الكفارة لأن الصوم كله لا يجب بالوطئ فيه كفارة سوى رمضان، والاعتكاف أشبه بغير رمضان لأنه نافلة لا يجب إلا بالنذر ثم لا يصح قياسه على رمضان أيضاً لان الوطئ فيه إنما أوجب الكفارة لحرمة رمضان، ولذلك تجب على كل من لزمه الإمساك وإن لم يفسد به صوماً واختلف موجبو الكفارة فيها، فقال القاضي تجب كفارة الظهار وهو قول الحسن والزهري، وظاهر كلام أحمد في رواية حنبل قال أبو عبد الله إذا كان نهاراً وجبت عليه الكفارة، قال الشيخ رحمه الله: ويحتمل أن أبا عبد الله إنما أوجب عليه الكفارة إذا فعل ذلك في رمضان لأنه اعتبر ذلك في النهار لأجل الصوم، ولو كان بمجرد الاعتكاف لما اختص الوجوب بالنهار كما لم يختص الفساد به وحكي عن أبي بكر أن عليه كفارة يمين (قال شيخنا) ولم أر هذا عن أبي بكر في كتاب الشافي ولعل أبا بكر إنما أوجب عليه الكفارة في موضع تضمن لافساد الإخلال بالنذر فوجب لتركه نذره وهي كفارة يمين، وأما في غير ذلك فلا لأن الكفارة إنما تجب بنص أو إجماع أو قياس، وليس ههنا نص ولا إجماع ولا قياس فإن نظير الاعتكاف الصوم، ولا تجب بإفساده كفارة إذا كان تطوعاً ولا منذوراً ما لم يتضمن الإخلال بنذره فتجب به كفارة يمين كذلك ههنا، فأما إن كان منذوراً فأفسده بالوطئ فالحكم فيه كالحكم فيما إذا أفسده بالخروج لما له منه بد لأنه في معناه، وقد ذكرنا ما فيه التفصيل (مسألة) (وإن باشر فيما دون الفرج فأنزل فسد اعتكافه وإلا فلا) إذا كانت المباشرة دون الفرج لغير شهوة فلا بأس بها مثل أن تغسل رأسه أو تفليه لما ذكرنا

من حديث عائشة، وإن كانت لشهوة فهي محرمة لقوله تعالى (ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد) ولقول عائشة رضي الله عنها: السنة للمعتكف أن لا يعود مريضاً، ولا يشهد جنازة، ولا يمس امرأة ولا يباشرها، رواه أبو داود، ولأنه لا يأمن افضاءها إلى إفساد الاعتكاف وما أفضى إلى الحرام حرام، فإن فعل فأنزل فسد اعتكافه وإن لم ينزل لم يفسد، وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي في أحد قوليه، وقال في الآخر يفسد في الحالين وهو قول مالك لأنها مباشرة محرمة فأفسدت الاعتكاف كما لو أنزل ولنا أنها مباشرة لا يفسد صوماً ولا حجاً فلم تفسد الاعتكاف كالمباشرة لغير شهوة وفارق التي أنزل بها لأنها تفسد الصوم ولا كفارة عليه إلا على رواية حنبل (فصل) وإن ارتد فسد اعتكافه لقول الله تعالى (لئن أشركت ليحبطن عملك) ولأنه خرج

بالردة عن كونه من أهل الاعتكاف، وإن شرب ما أسكره فسد اعتكافه بخروجه عن كونه من أهل

المسجد، ومتى أفسد اعتكافه فلا كفارة عليه إلا أن يكون واجباً وقد ذكرناه (مسألة) (ويستحب للمعتكف التشاغل بفعل القربة واجتناب ما لا يعنيه) يستحب للمعتكف التشاغل بالصلاة وقراءة القرآن وذكر الله تعالى ونحو ذلك من الطاعات المحضة ويجتنب مالا يعنيه من الأقوال والأفعال لأن من كثر كلامه كثر سقطه، وفي الحديث " من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه " ويجتنب الجدال والمراء والسباب والفحش فإن ذلك مكروه في غير الاعتكاف ففيه أولى ولا يبطل الاعتكاف بشئ من ذلك لأنه لما لم يبطل بمباح الكلام لم يبطل بمحظوراته وعكسه الوطئ ولا بأس بالكلام بمحادثته ومحادثة غيره فان صفية زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم معتكفاً فأتيته لأزوره ليلاً فحدثته ثم قمت فانقلبت فقام معي ليقلبني (1) وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد فمر رجلان من الأنصار فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم أسرعا فقال النبي صلى الله عليه وسلم " على رسلكهما إنها صفية بنت حيي " فقالا سبحان الله يارسول الله قال " إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شراً " أو قال " شيئاً " متفق عليه وقال علي رضي الله عنه أيما رجل معتكف فلا يساب ولا يرفث في الحديث ويأمر أهله بالحاجة أي وهو يمشي ولا يجلس عندهم رواه الإمام أحمد (فصل) ويجتنب المعتكف البيع والشراء الا مالا بد له منه قال حنبل سمعت أبا عبد الله يقول المعتكف لا يبيع ولا يشتري الا مالا بد له منه طعام أو نحو ذلك فأما التجارة والأخذ والعطاء فلا يجوز وقال الشافعي لا بأس أن يبيع ويشتري ويخيط ويتحدث ما لم يكن مأثماً

ولا يعود مريضا ولا يشهد جنازة إلا أن يشترطه فيجوز وعنه له ذلك من غير شرط

ولنا ماروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن البيع والشراء في المسجد رواه الترمذي وقال حديث حسن ورأي عمر أن القصير رجلاً يبيع في المسجد فقال يا هذا إن هذا سوق الآخرة فإن أردت البيع فأخرج إلى سوق الدنيا وإذا منع من البيع والشراء في غير حال الاعتكاف ففيه أولى فأما الصنعة فظاهر كلام الخرقي أنه لا يجوز منها ما يتكسب به ولانه بمنزلة البيع والشراء ويجوز ما يعمله لنفسه كخياطة قميصه ونحوه وقد روى المروذي قال سألت أبا عبد الله عن المعتكف ترى له أن يخيط قال لا ينبغي له أن يعتكف إذا كان يريد أن يفعل، وقال القاضي لا تجوز الخياطة في المسجد سواء كان محتاجاً إليها أو لم يكن لأن ذلك معيشة وتشغل عن الاعتكاف فأشبه البيع والشراء فيه قال شيخنا: والأولى أن يباح له ما يحتاج إليه من ذلك إذا كان يسيراً مثل أن ينشق قميصه فيخيطه أو ينحل شئ يحتاج إلى ربطه فيربطه لأن هذا يسير تدعو الحاجة إليه فجرى مجرى لبس قميصه وعمامته

(فصل) وليس الصمت من شريعة الإسلام وظاهر الأخبار تحريمه، قال قيس بن مسلم دخل ابو بكر رضي الله عنه على امرأة من أحمس يقال لها زينب فرآها لا تتكلم فقال مالها لا تتكلم؟ قالوا حجب مصمتة، فقال لها تكلمي هذا لا يحل هذا من عمل الجاهلية فتكلمت. رواه البخاري، وروى أبو داود باسناده عن علي رضي الله عنه قال: حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا صمات يوم إلى الليل " وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن صوم الصمت، فإن نذر ذلك لم يلزمه الوفاء به، وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي وابن المنذر ولا نعلم فيه مخالفاً لما روى ابن عباس قال: بينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إذ هو برجل قائم فسأل عنه فقالوا أبو إسرائيل نذر أن يقوم في الشمس، ولا يقعد، ولا

يستظل، ولا يتكلم ويصوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " مره فليتكلم، وليستظل وليقعد وليتم صيامه " رواه البخاري، ولأنه نذر فعل منهي عنه فلم يلزمه كنذر المباشرة في المسجد، وأن أراد فعله لم يكن له ذلك سواء نذره أو لم ينذره، وقال أبو ثور وابن المنذر له فعله إذا كان أسلم ولنا النهي عنه وظاهره التحريم والأمر بالكلام ومقتضاه الوجوب، وقول ابي بكر الصديق رضي الله عنه أن هذا لا يحل، هذا من عمل الجاهلية، وهذا صريح لم يخالفه أحد من الصحابة فيما علمناه واتباع ذلك أولى (فصل) ولا يجوز أن يجعل القرآن بدلا من الكلام لأنه استعمال له في غير ما هو له أشبه استعمال المصحف في التوسد ونحوه وقد جاء " لا تناظروا بكتاب الله " قيل معناه لا تتكلم به عند الشئ تراه كأن ترى رجلاً قد جاء في وقته فيقول (وجئت على قدر يا موسى) ونحوه ذكر أبو عبيد نحو هذا المعنى (مسألة) (ولا يستحب له اقراء القرآن والعلم والمناظرة فيه إلا عند الخطاب إذا قصد به الطاعة) أكثر أصحابنا لا يستحبون للمعتكف إقراء القرآن وتدريس العلم ومناظرة الفقهاء ومجالستهم وكتابة الحديث ونحو ذلك مما يتعدى نفعه وهو ظاهر كلام أحمد وقال أبو الحسن الآمدي في استحباب ذلك روايتان. واختار أبو الخطاب أنه مستحب إذا قصد به طاعة الله تعالى لا المباهاة وهذا مذهب الشافعي لأن ذلك أفضل العبادات ونفعه يتعدى فكان أولى من تركه كالصلاة واحتج أصحابنا بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف فلم ينقل عنه الاشتغال بغير العبادات المختصة به، ولأن الاعتكاف عبادة من شرطها المسجد فلم يستحب فيها ذلك كالطواف وما ذكروه يبطل بعيادة المرضى وشهود الجنازة فعلى هذا القول فعله لهذه الأفعال أفضل من الاعتكاف قال المروذي قلت لأبي عبد الله أن رجلاً يقرئ في المسجد وهو يريد أن يعتكف ولعله أن يختم في كل يوم فقال إذا فعل هذا كان لنفسه وإذا قعد في المسجد كان له ولغيره يقرئ أحب إلي وسئل أيما أحب إليك الاعتكاف أو الخروج إلى عبادان فقال ليس يعدل الجهاد عندي شئ يعني أن الخروج إلى عبادان أفضل من الاعتكاف

وله السؤال عن المريض في طريقه ما لم يعرج لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله

(فصل) ولا بأس أن يتزوج المعتكف ويشهد النكاح في المسجد لأنه عبادة لا تحرم الطيب فلا تحرم النكاح كالصوم ولان النكاح طاعة وحضوره قربة ومدته لا تتطاول فلم يكره كتشميت العاطس ورد السلام (فصل) ولا بأس أن يتنظف بأنواع التنظف لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرجل رأسه وهو معتكف وله أن يتطيب ويلبس الرفيع من الثياب وليس ذلك بمستحب قال الامام أحمد لا يعجبني أن يتطيب وذلك لأن الاعتكاف عبادة تختص مكاناً فكان ترك الطيب فيها مشروعاً كالحج وليس ذلك بمحرم لأنه لا يحرم اللباس ولا النكاح أشبه الصوم (فصل) ولا بأس أن يأكل المعتكف في المسجد ويضع سفرة يسقط عليها ما يقع منه كيلا يتلوث المسجد ويغسل يده في الطست ليفرغ خارج المسجد ولا يجوز أن يخرج ليغسل يده لأن من ذلك بدا وهل يكره تجديد الطهارة في المسجد؟ فيه روايتان (إحداهما) لا يكره لأن أبا العالية قال حدثني من كان يخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أما ما حفظت لكم منه أنه كان يتوضأ في المسجد وعن ابن عمر أنه كان يتوضأ في المسجد الحرام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجال والنساء وعن ابن سيرين قال كان أبو بكر وعمر والخلفاء رضي الله عنهم يتوضئون في المسجد وروي ذلك عن ابن عمر وابن عباس وعطاء وطاوس وابن جريج (والثانية) يكره لأنه لا يسلم من أن يبصق في المسجد أو يتمخط والبصاق في المسجد خطيئة ولأنه

يبل من المسجد مكاناً يمنع المصلين من الصلاة فيه وإن خرج من المسجد للوضوء وكان تجديداً بطل لأنه خروج لما له منه بد وإن كان وضوأ عن حدث لم يبطل لأن الحاجة داعية إليه سواء كان في وقت الصلاة أو قبلها لأنه لا بد من الوضوء للحدث وإنما يتقدم عن وقت الحاجة إليه لمصلحة وهو كونه على وضوء ربما يحتاج إلى صلاة النافلة (فصل) إذا أراد أن يبول في المسجد في طست لم يبح له ذلك لأن المساجد لم تبن لهذا وهو

وإن خرج لما له منه بد في المتتابع لزمه استئنافه وإن فعله في معين فعليه الكفارة وفي الاستئناف وجهان

مما يقبح ويفحش ويستخف به فوجب صيانة المسجد عنه كما لو أراد أن يبول في أرضه لم يغسله، وإن

أراد الفصد والحجامة فيه فكذلك ذكره القاضي لأنه أراقة نجاسة في المسجد فأشبه البول فيه، وإن

وإن وطئ المعتكف في الفرج فسد اعتكافه ولا كفارة عليه إلا لترك نذره، وقال أبو بكر عليه كفارة يمين وقال القاضي عليه كفارة الظهار

دعت إليه حاجة كبيرة خرج من المسجد ففعله، وإن استغنى له الخروج إليه كالمرض الذي يمكن احتماله وقال

ابن عقيل يحتمل أن يجوز الفصد في المسجد في طست بدليل أن المستحاضة يجوز لها الاعتكاف ويكون

وإن باشر فيما دون الفرج فأنزل فسد اعتكافه وإلا فلا

تحتها شئ يقع فيه الدم، قالت عائشة رضي الله عنها: اعتكفت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من أزواجه

ويستحب للمعتكف التشاغل بفعل القربة واجتناب ما لا يعنيه

مستحاضة فكانت ترى الحمرة والصفرة وربما وضعنا الطست تحتها وهي تصلي. رواه البخاري والأول أولى والفرق بينهما أن المستحاضة لا يمكنها التحرز من ذلك إلا بترك الاعتكاف بخلاف الفصد والله أعلم

(كتاب المناسك) (مسألة) (يجب الحج والعمرة في العمر مرة واحدة بخمسة شروط) الحج في اللغة القصد وعن الخليل قال: الحج كثرة القصد إلى من تعظمه. قال الشاعر: واشهد من عوف حئولا كثيرة * يحجون سب الزبرقان المزعفرا أي يقصدون، والسب العمامة، وفي الحج لغتان الحج والحج بفتح الحاء وكسرها، والحج في الشرع اسم لأفعال مخصوصة يأتي ذكرها إن شاء الله تعالى وهو أحد أركان الإسلام الخمسة والدليل على وجوبه الكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب فقوله تعالى (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا * ومن كفر فإن الله غني عن العالمين) روي عن ابن عباس ومن كفر باعتقاده أنه غير واجب، وقال الله تعالى (وأتموا الحج والعمرة لله) وأما السنة فقول النبي صلى الله عليه وسلم " بنى الإسلام على خمس شهادة ان لا إله إلا الله " وذكر فيها الحج (فصل) وإنما يجب مرة واحدة في العمر لما روى مسلم بإسناده عن أبي هريرة قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " يا أيها الناس قد فرض عليكم الحج فحجوا " فقال رجل أكل عام يارسول الله؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قالها ثلاثاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم " ثم قال " ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم وإذا أمرتكم

فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شئ فدعوه " في أخبار سوى هذين كثيرة وأجمعت الأمة على وجوب الحج على المستطيع في العمر مرة واحدة (فصل) وتجب العمرة على من يجب عليه الحج في إحدى الروايتين، يروي ذلك عن عمر وابن عباس وزيد بن ثابت وابن عمر وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وعطاء وطاوس ومجاهد والحسن وابن سيرين والشعبي والثوري والشافعي في أحد قوليه، والرواية الثانية ليست واجبة روى ذلك عن ابن مسعود وبه قال مالك وأبو ثور وأصحاب الرأي لما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن العمرة أواجبة هي؟ قال " لا وإن تعتمروا فهو أفضل " أخرجه الترمذي قال حديث حسن صحيح وعن طلحة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " الحج جهاد والعمرة تطوع " رواه ابن ماجه ولأنه نسك غير مؤقت فلم يكن واجباً كالطواف المجرد ووجه الأولى قول الله تعالى (وأتموا الحج والعمرة لله) ومقتضى الأمر الوجوب ثم إنه عطفها على الحج والأصل التساوي بين المعطوف والمعطوف عليه قال ابن عباس إنها لقرينة الحج في كتاب الله وعن الضبي بن معبد قال أتيت عمر فقلت يا أمير المؤمنين إني أسلمت وإني وجدت الحج والعمرة مكتوبين علي فأهللت بهما فقال عمر هديت لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم رواه أبو داود والنسائي وعن ابن رزين أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يارسول الله أن أبي شيخ كبير ولا يستطيع الحج ولا العمرة ولا الظعن فقال " حج عن أبيك واعتمر " رواه أبو داود والنسائي والترمذي وقال حديث حسن صحيح وذكره أحمد ثم قال وحديث يرويه سعيد بن عبد الرحمن الجمحي عن عبد الله عن نافع عن ابن عمر قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أوصني قال " تقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتحج وتعتمر " وروى الأثرم باسناده عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن وكان في الكتاب " أن العمرة هي الحج الأصغر " ولأنه قول من سمينا من الصحابة لم نعلم لهم مخالفاً إلا ابن مسعود وقد اختلف عنه، وأما حديث جابر فقال الترمذي قال الشافعي هو ضعيف لا تقوم به الحجة وليس في العمرة شئ ثابت بأنها تطوع وقال ابن عبد البر روي ذلك بأسانيد لا تصح ولا تقوم بمثلها الحجة ثم نحلمه على المعهود وهو العمرة التي قضوها حين احصروا في الحديبية أو على العمرة التي اعتمروها مع حجتهم مع النبي صلى الله عليه وسلم فإنها لم تكن واجبة على من اعتمر أو على ما زاد على العمرة الواحدة وتفارق العمرة الطواف لأن من شرطها الإحرام بخلاف الطواف وليس على أهل مكة عمرة نص عليه أحمد وقال: كان ابن عباس يرى العمرة واجبة ويقول: يا أهل مكة ليس عليكم عمرة وإنما عمرتكم طوافكم بالبيت، وبهذا قال عطاء وطاوس، قال عطاء ليس أحد من خلق الله إلا عليه حج وعمرة واجبان لابد منهما لمن استطاع إليهما سبيلاً إلا أهل مكة

ولا يستحب له اقراء القرآن والعلم والمناظرة فيه إلا عند الخطاب إذا قصد به الطاعة

فإن عليهم حجة وليس عليهم عمرة من أجل طوافهم بالبيت ووجه ذلك أن ركن العمرة ومعظمها الطواف بالبيت وهم يفعلونه فأجزأ عنهم، وحمل القاضي كلام الإمام أحمد على أنه لا عمرة عليهم مع الحجة لأنه يتقدم منهم فعلها في غير وقت الحج، قال الشيخ رحمه الله والأمر على ما قلناه (مسألة) (وإنما يجب الحج والعمرة بخمس شروط: الإسلام والعقل والبلوغ والحرية والاستطاعة) لا نعلم في هذا كله خلافاً، أما الصبي والمجنون فلأنهما غير مكلفين لما روى علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يشب، وعن المعتوه حتى يعقل " رواه أبو داود وابن ماجة والترمذي وقال حديث حسن وأما العبد فلا تجب عليه لأنها عبادة تطول مدتها وتتعلق بقطع مسافة ويشترط لها الاستطاعة بالزاد والراحلة وتضيع حقوق السيد المتعلقة به فلم تجب عليه كالجهاد، وغير المستطيع لا يجب عليه لأن الله تعالى خص المستطيع بالإيجاب عليه، وقال الله تعالى (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) وأما الكافر فلأنه ليس من أهل العبادات (فصل) وهذه الشروط تنقسم ثلاثة أقسام (منها) ما هو شرط للوجوب والصحة وهما الإسلام والعقل فلا يجب على كافر ولا مجنون، ولا يصح منهما لكونهما ليسا من أهل العبادات، (ومنها) ما هو شرط للوجوب والأجزاء وهو البلوغ والحرية وليس شرطاً للصحة فلو حج الصبي والعبد صح حجهما

ولم يجزئهما عن حجة الإسلام إن بلغ الصبي أو عتق العبد، قال إبن المنذر: أجمع أهل العلم إلا من شذ عنهم ممن لا يعتد بخلافه على أن الصبي إذا حج في حال صغره والعبد إذا حج في حال رقه ثم بلغ الصبي وعتق العبد أن عليهما حجة الإسلام إذا وجدا إليها سبيلاً، كذلك قال ابن عباس وعطاء والحسن والنخعي والثوري ومالك والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي، قال الترمذي وقد أجمع أهل العلم عليه. وقال الإمام أحمد رحمه الله عن محمد بن كعب القرظي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إني أريد أن أجدد في صدور المؤمنين عهداً أيما صبي حج به أهله فمات أجزأت عنه، فإن أدرك فعليه الحج " رواه سعيد في سننه والشافعي في مسنده عن ابن عباس من قوله، ولأن الحج عبادة بدنية فعلها قبل وقت وجوبها فلم يمنع ذلك وجوبها عليه في وقتها كما لو صلى قبل الوقت، أو كما لو صلى ثم بلغ في الوقت (ومنها) ما هو شرط للوجوب وذلك الاستطاعة (مسألة) (إلا أن يبلغ ويعتق في الحج قبل الخروج من عرفة وفي طوافها فيجزئهما) إذا بلغ الصبي أو عتق العبد بعرفة أو قبلها غير محرمين فاحرما ووقفا بعرفة فأتما المناسك أجزأهما عن حجة الإسلام بغير خلاف علمناه لأنهما لم يفتهما شئ من أركان الحج ولا فعلا منها شيئاً قبل وجوبه، وإن كان البلوغ والعتق وهما محرمان أجزأهما أيضاً عن حجة الاسلام، كذلك قال ابن عباس وهو مذهب الشافعي واسحاق وهو قول الحسن في العبد، وقال مالك لا يجزئهما اختاره ابن المنذر. وقال أصحاب الرأي لا يجزئ العبد، فأما الصبي فإن جدد إحراماً بعد أن أحتلم قبل الوقوف أجزأه وإلا فلا لأن إحرامهما لم ينعقد واجباً فلا يجزي عن الواجب كما لو بقيا على حالهما ولنا أنه أدرك الوقوف حراً بالغاً فأجزأه كما لو احرم تلك الساعة، قال أحمد وطاوس عن ابن عباس إذا أعتق العبد بعرفة اجزأت عنه حجته، فإن أعتق بجمع لم تجز عنه، وهؤلاء يقولون لاتجزئ ومالك يقوله أيضاً، وكيف لا يجزئه وهو لو أحرم تلك الساعة كان حجة تاماً وما أعلم أحداً قال لا يجزئه إلا هؤلاء (فصل) والحكم فيما إذا أعتق للعبد وبلغ الصبي بعد خروجهما من عرفة فعادا إليها قبل طلوع الفجر ليلة النحر كالحكم فيما إذا كانا فيها لأنهما قد أدركا من الوقت ما يجزئ ولو كان لحظة، وإن لم يعودا أو كان ذلك بعد طلوع الفجر من يوم النحر لم يجزئهما عن حجة الاسلام ويتمان حجهما تطوعا لفوات الوقوف المفروض ولا دم عليهما لانهما حجاً تطوعاً بإحرام صحيح من الميقات فأشبها البالغ الذي يحج تطوعاً، فإن قيل فلم لا قلتم إن الوقوف فعلاه يصير فرضاً كما قلتم في الإحرام الذي أحرم به قبل

البلوغ إنه يصير بعد بلوغه فرضاً؟ قلنا إنما اعتددنا له بإحرامه الموجود بعد بلوغه وما قبله تطوع لم ينقلب فرضاً ولا اعتد له به الوقوف مثله، فنظير أن يبلغ وهو واقف بعرفة فإنه يعتد له بما أدرك من الوقوف ويصير فرضاً دون ما مضى (فصل) إذا بلغ الصبي أو عتق العبد قبل الوقوف أو في وقته وأمكنهما الإتيان بالحج لزمهما ذلك لأن الحج واجب على الفور فلا يجوز تأخيره مع إمكانه كالبالغ الحر وإن فاتهما الحج لزمتهما العمرة عند من أوجبهما لأنها واجبة أمكن فعلها فأشبهت الحج ومتى أمكنهما ذلك فلم يفعلا استقر الوجوب عليهما سواء كانا وسرين أو معشرين لأن ذلك وجب عليهما بإمكانه في موضعه فلم يسقط بفوات القدرة بعده (فصل) والحكم في الكافر يسلم والمجنون يفيق حكم الصبي يبلغ في جميع ما ذكرنا إلا أن هذين لا يصح منهما إحرام ولو أحرما لم ينعقد إحرامهما لانهما من غير أهل العبادات وحكمهما حكم من لم يحرم (مسألة) (ويحرم الصبي المميز بإذن وليه وغير المميز يحرم عنه وليه ويفعل ما يعجز عنه من عمله حج الصبي صحيح فإن كان مميزاً أحرم بإذن وليه وإن لم يكن مميزاً أحرم عنه وليه فيصير محرم بذلك وبه قال مالك والشافعي وروي عن عطاء والنخعي وقال أبو حنيفة لا ينعقد إحرام الصبي ولا يصير محرماً بإحرام وليه لأن الإحرام سبب يلزم به حكم فلم يصح من الصبي كالنذر ولنا ماروى ابن عباس قال رفعت امرأة صبياً فقالت يارسول الله ألهذا حج؟ قال " نعم ولك أجر " رواه مسلم وغيره من الأئمة وروي البخاري عن السائب بن يزيد قال حج بي مع النبي صلى الله عليه وسلم وأنا ابن سبع سنين، ولأن أبا حنيفة قال يجتنب ما يجتنبه المحرم ومن اجتنب ما يجتنبه المحرم كان إحرامه صحيحاً والنذر لا يجب به شئ بخلاف مسئلتنا والكلام في حج الصبي في فصول أربعة في الإحرام عنه أو منه وفيما يفعله ينفسه أو بغيره وفي حكم جناياته على إحرامه وفيما يلزمه من القضاء والكفارة (الفصل الأول في إحرامه) فإن كان مميزاً أحرم بإذن وليه ولا يصح بغير إذنه لأنه عقد يؤدي إلى لزوم مال فلم ينعقد من الصبي بنفسه كالبيع، وإن كان غير مميز فأحرم عنه من له ولاية على ماله كالأب والوصي وأمين الحاكم صح، ومعنى إحرامه عنه انه يعقد له الاحرام فيصح للصبي دون الولي كما يعقد له النكاح فعلى هذا يصح عقد الإحرام عنه سواء كان الولي محرماً أو حلالاً ممن عليه حجة الإسلام أو غيره، فإن أحرمت عنه أمه صح لقول النبي صلى الله عليه وسلم " ولك أجر " ولا يضاف الأجر إليها إلا لكونه تبعاً لها في الإحرام، قال الامام أحمد في رواية حنبل: يحرم عنه أبوه أو وليه واختاره

كتاب المناسك

ابن عقيل وقال المال الذي يلزم بالإحرام لا يلزم الصبي وإنما يلزم من أدخله في الإحرام في أحد الوجهين، وقال القاضي ظاهر كلام أحمد أنه لا يحرم عنه إلا وليه لأنه لا ولاية للأم على ماله والإحرام يتعلق به إلزام مال فلا يصح من غير ذي ولاية كشراء شئ له، فأما غير الأم والولي من الأقارب كالأخ والعم وابنه فيخرج فيهم وجهان بناء على القول في الأم، أما الأجانب فلا يصح إحرامهم عنه وجهاً واحداً (الفصل الثاني) إن كل ما أمكنه فعله بنفسه لزمه فعله ولا ينوب عنه غيره فيه كالوقوف والمبيت بمزدلفة ونحوهما وما عجز عنه عمله الولي عنه. قال جابر خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجاجاً ومعنا النساء والصبيان فأحرمنا عن الصبيان، رواه سعيد في سننه ورواه ابن ماجة وفيه فلبينا عن الصبيان ورمينا عنهم، ورواه الترمذي قال فكنا نلبي عن النساء، ونرمي عن الصبيان، قال إبن المنذر كل من نحفظ عنه من أهل العلم يرى الرمي عن الصبي الذي لا يقدر على الرمي كان ابن عمر يفعل ذلك، وبه قال عطاء والزهري ومالك والشافعي واسحاق، وعن ابن عمر أنه كان يحج سبيانه وهم صغار فمن استطاع منهم أن يرمي رمى ومن لم يستطع أن يرمي رمى عنه، وعن أبي إسحاق أن أبا بكر رضي الله عنه طاف بابنه في خرقة، رواهما الأثرم، قال الامام أحمد يرمي عن الصبي أبوه أو وليه، قال القاضي إن أمكنه أن يناول النائب الحصى ناوله وإن لم يمكنه استحب أن يوضع الحصى في يده ثم يؤخذ منه فيرمى عنه وإن وضعها في يد الصغير ورمى بها فجعل يده كالآلة فحسن، ولا يجوز أن يرمي إلا من قد رمى عن نفسه لأنه لا يجوز أن ينوب عن الغير وعليه فرض نفسه كالحج، وأما الطواف فإنه إن أمكنه المشي مشى وإلا طيف به محمولاً أو راكباً لما ذكرنا من فعل أبي بكر، ولأن الطواف بالكبير محمولاً لعذر يجوز فالصغير أولى، ولا فرق بين أن يكون الحامل له حلالاً أو حراماً ممن أسقط الفرض عن نفسه أو لم يسقطه لأن الطواف للمحمول لا للحامل ولذلك صح أن يطوف راكباً على بعير وإن طيف به محمولاً أو راكباً وهو يقدر على الطواف بنفسه ففيه روايتان نذكرهما فيما بعد إن شاء الله تعالى ومتى طاف بالصبي اعتبرت النية من الطائف فإن لم ينو الطواف عن الصبي لم يجزئه لأنه لما لم يعتبر النية من الصبي اعتبرت من غيره كما في الإحرام، فإن نوى الطواف عنه وعن الصبي احتمل وقوعه عن نفسه كالحج إذا نوى عنه وعن غيره، واحتمل أن يقع عن الصبي كما لو طاف بكبير ونوى كل واحد عن نفسه لكون المحمول أولى، واحتمل أن يلغو لعدم التعيين لكون الطواف لا يقع عن غير معين وأما الإحرام فإن الصبي يجرد كما يجرد الكبير، وقد روي عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تجرد الصبيان إذا دنوا من الحرم قال عطاء يفعل بالصغير كما يفعل بالكبير ويشهد به المناسك كلها إلا أنه لا يصلى عنه

(الفصل الثالث في محظورات الإحرام) وهي قسمان ما يختلف عمده وسهوه كاللباس والطيب ومالا يختلف كالصيد وحلق الشعر (فالأول) لا فدية على الصبي فيه لأن عمده خطأ (والثاني) عليه فيه الفدية وإن وطئ أفسد حجه ويمضي في فاسده وفي وجوب القضاء عليه وجهان (أحدهما) لا يجب لئلا تجب عبادة بدنية على غير مكلف (والثاني) يجب لأنه إفساد موجب للبدنة فاوجب القضاء كوطئ البالغ فإن قضى بعد البلوغ بدأ بحجة الإسلام فإن أحرم بالقضاء قبلها انصرف إلى حجة الاسلام وهل تجرئه عن القضاء؟ ينظر فإن كانت الفاسدة قد أدرك فيها شيئاً من الوقوف بعد بلوغه أجزأ عنهما جميعاً وإلا لم يجزئه وكذلك حكم العبد والله أعلم (مسألة) (ونفقة الحج وكفارته في مال وليه وعنه في مال الصبي) أما نفقة الحج فقال القاضي ما زاد على نفقة الحضر فهو في مال الولي لأنه كلفه ذلك عن غير حاجة بالصبي إليه اختاره أبو الخطاب وحكي عن القاضي أنه ذكر في الخلاف أن جميع النفقة على الصبي لأن الحج له فنفقته عليه كالبالغ ولأن له فيه مصلحة بتحصيل الثواب له ويتمرن عليه فصار كأجر المعلم والطبيب والصحيح الأول لأن هذا لا يجب في العمر إلا مرة فلا حاجة الى التمرن عليه ولأنه قد لا يجب فلا يجوز تكليفه بذل ماله من غير حاجة إليه (فصل) فإن أغمي على البالغ فأحرم عنه رفيقه لم يصح وهذا قول الشافعي وأبي يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة يصير محرماً بإحرام رفيقه عنه استحساناً ولنا أنه بالغ فلم يصر محرماً بإحرام رفيقه كالنائم ولأنه لو أذن في ذلك وأجازه لم يصح فمع عدمه أولى (مسألة) (وليس للعبد الإحرام إلا بإذن سيد ولا للمرأة الإحرام نفلاً إلا بإذن زوجها فإن شرعا فيه بغير إذن فلهما تحليلهما ويكونان كالمحصر وإن كان بإذن لم يجز تحليلهما) وجملته أنه ليس للعبد الإحرام بدون إذن سيده لأنه تفوت به حقوق سيده الواجبة عليه بالتزام ما ليس بواجب فإن فعل انعقد إحرامه صحيحاً لأنها عبادة بدنية فأشبهت الصلاة والصوم ولسيده تحليله في أظهر الروايتين اختارها ابن حامد لأن في بقائه عليه تفويتاً لحقه بغير إذنه فلم يلزم ذلك لسيده كالصوم المضر ببدنه (والثانية) ليس له تحليله اختارها أبو بكر لأنه لا يمكن التحلل من تطوع نفسه فلم يملك تحليل عبده والأول أصح وإنما لم يملك تحليل نفسه لأنه التزم التطوع باختياره فنظيره أن يحرم عبده بإذنه، وفي مسئلتنا يفوت حقه الواجب بغير اختياره فأما إن أحرم بإذن سيده لم يكن له تحليله وهذا قول الشافعي وقال أبو حنيفة له ذلك لأنه ملكه منافع نفسه فكان له

وإنما يجب الحج والعمرة بخمسة شروط: الإسلام والعقل والبلوغ والحرية والاستطاعة

الرجوع فيها كالمعير يرجع في العارية ولنا أنه عقد لازم بإذن سيده فلم يكن لسيده فسخه كالنكاح ولا يلزم عليه العارية لأنها ليست لازمة ولو أعاره شيئاً ليرهنه فرهنه لم يكن له الرجوع فيه فإن باعه سيده بعد ما أحرم فحكم مشتريه في تحليله حكم بائعه لأنه اشتراه مسلوب المنفعة أشبه الأمة المزوجة والمستأجرة فإن علم المشتري بذلك فلا خيار له كما لو اشترى معيباً يعلم عيبه وإن لم يعلم فله الفسخ لأنه يتضرر بمضي العبد في حجة لفوات منافعه إلا أن يكون إحرامه بغير إذن سيده ونقول له تحليله فلا فسخ له لأنه يمكنه دفع الضرر عنه ولو أذن له سيده في الإحرام وعلم العبد برجوعه قبل إحرامه فهو كمن لم يؤذن له وإن لم يعلم ففيه وجهان بناء على الوكيل هل ينعزل بالعزل قبل العلم على روايتين (فصل) إذا نذر العبد الحج صح نذره لأنه مكلف فصح نذره كالحر ولسيده منعه من المضي فيه لأنه يفوت حق سيده الواجب فمنع منه كما لو لم ينذر ذكره القاضي وابن حامد وروى عن أحمد أنه قال لا يعجبني منعه من الوفاء به وذلك لما فيه من أداء الواجب فيحتمل أن ذلك على الكراهة لا على التحريم لما ذكرنا، ويحتمل التحريم لأنه واجب فلا يملك منعه منه كسائر الواجبات والأول أولى فإن أعتق لزمه الوفاء به بعد حجة الإسلام فإن أحرم به أولا انصرف إلى حجة الإسلام في الصحيح من المذهب كالحر إذا نذر حجاً (فصل) في جناياته وما جنى على إحرامه لزمه حكمه وحكمه فيما يلزمه حكم الحر المعسر فرضه الصيام وإن تحلل بحصر عدو أو حلله سيده فعليه الصيام لا يتحلل قبل فعله كالحر وليس لسيده أن يحول بينه وبين الصوم نص عليه لأنه صوم واجب أشبه صوم رمضان فإن ملكه السيد هديا وأذن له في اهدائه وقلنا أنه يملكه فهو كالواجب للهدي لا يتحلل إلا به وإن قلنا لا يملكه ففرضه الصيام وإن أذن له سيده في تمتع أو قران فعليه الصيام بدلا عن الهدي الواجب بهما وذكر القاضي أن على سيده تحمل ذلك عنه لأنه بإذنه فكان على من أذن فيه كما لو فعله النائب بإذن المستنيب، قال شيخنا وليس بجيد لأن الحج للعبد وهذا من موجباته فيكون عليه كالمرأة إذا حجت بإذن زوجها ويفارق من يحج عن غيره فإن الحج للمستنيب فموجبه عليه وإن تمتع أو قارن بغير إذن سيده فالصيام عليه بغير خلاف وإن أفسد حجه فعليه أن يصوم لذلك لأنه لا مال هل فهو كالمعسر الحر (فصل) وإن وطئ قبل التحلل الأول فسد نسكه ويلزمه المضي في فاسده كالحر لكن إن كان الإحرام مأذوناً فيه فليس لسيده إخراجه منه لأنه ليس له منعه من صحيحه فلم يملك منعه من

فاسده وإن كان بغير إذنه فله تحليله منه لأن له تحليله من صحيحه فالفاسد أولى وعليه القضاء سواء كان الإحرام مأذوناً فيه أو غير مأذون ويصح القضاء في حال رقه لأنه وجب فيه فصح كالصلاة والصيام ثم إن كان الإحرام الذي أفسده مأذوناً فيه فليس له منعه من قضائه لأن إذنه في الحج الأول أذن في موجبه ومقتضاه ومن موجبه القضاء لما أفسده فإن كان الأول غير مأذون فيه احتمل أن لا يملك منعه من قضائه لأنه واجب وليس للسيد منعه من الواجبات واحتمل أن له منعه منه لأنه يملك منعه من الحج الذي شرع فيه بغير إذنه فكذلك هذا فإن أعتق قبل القضاء فليس له فعله قبل حجة الإسلام لأنها آكد فإن أحرم بالقضاء انصرف إلى حجة الإسلام في الصحيح من المذهب وبقي القضاء في ذمته وإن عتق في أثناء الحجة الفاسدة فأدرك من الوقوف ما يجزئه أجزأه القضاء عن حجة الإسلام لأن المقضي لو كان صحيحاً أجزأه فكذلك قضاؤه فإن أعتق بعد ذلك لم يجزئه لأن المقضي لم يجزئه فكذلك القضاء والمدبر والمعلق عتقه بصفة وأم الولد والمعتق بعضه حكمه حكم القن فيما ذكرناه (فصل) وإن أحرمت المرأة بحج أو عمرة تطوعاً فلزوجها تحليلها ومنعها منه في ظاهر المذهب وهو ظاهر كلام الخرقي وقال القاضي ليس له تحليلها لأن الحج يلزم بالشروع فيه فلم يملك تحليلها منه كالمنذور قال وحكي عن أحمد في امرأة تحلف بالصوم أو بالحج لها أن تصوم بغير إذن زوجها قد ابتليت وابتلي زوجها ولنا أنه تطوع يفوت حق غيرها منه أحرمت بغير إذنه فملك تحليلها كالأمة إذا أحرمت بغير إذن سيدها والمدينة تحرم بغير إذن غريمها على وجه يمنعه إيفاء دينه الحال عليها ولأن العدة تمنع المضي في الإحرام لحق الله عزوجل فحق الآدمي أولى لأن حقه أضيق لشحه وحاجته وكرم الله وغناه وكلام أحمد لا يتناول محل النزاع بل قد خالفه من وجهين (أحدهما) أنه في الصوم وتأثير الصوم في منع حق الزوج يسير لكونه في النهار دون الليل (الثاني) أن الصوم إذا وجب صار كالمنذور والشروع ههنا على وجه غير مشروع فلم يكن له حرمة بالنسبة إلى صاحب الحق (فصل) فإن كانت حجة الإسلام لكن لم تكمل شروطها لعدم الاستطاعة فله منعها من الخروج إليها والتلبس بها لأنها غير واجبة عليها فإن أحرمت بها بغير إذن لم يملك تحليلها لأن ما أحرمت به يقع عن حجة الإسلام الواجبة بأصل الشرع كالمريض إذا تكلف حضور الجمعة ويحتمل

إلا أن يبلغ ويعتق في الحج قبل الخروج من عرفة وفي طوافها فيجزئهما

أن له تحليلها لفقدان شرطها فأشبهت الأمة والصغيرة فإنه لما فقدت الحرية والبلوغ ملك منعها ولأنها ليست واجبة عليها أشبهت سائر التطوع فأما الخروج إلى حج التطوع والإحرام به فله منعها منه (مسألة) (وليس للرجل منع امرأته من حج الفرض ولا تحليلها إن أحرمت به بغير خلاف حكاه ابن المنذر فإن أذن لها فله الرجوع ما لم تتلبس بالإحرام ومتى قلنا له تحليلها فحللها فحكمها حكم المحصر يلزمها الهدي أو الصوم إن لم تجده كسائر المحصرين) ليس للزوج منع امرأته من المضي إلى الحج الواجب عليها إذا كملت شروطه وكان لها محرم يخرج معها لأنه واجب وليس له منعها من الواجبات كالصوم والصلاة وهذا قول النخعي واسحاق وأصحاب الرأي وهو الصحيح من قولي الشافعي وله قول آخر أن له منعها بناء على أن الحج على التراخي ووجه ذلك ما تقدم ويستحب لها استئذانه نص عليه فإن أذن لها وإلا خرجت بغير إذنه (فصل) ولا تخرج إلى الحج في عدة الوفاة نص عليه ولها الخروج إذا كانت مبتوتة لأن المبيت ولزوم منزلها واجب في عدة الوفاة دون لمبتوتة فإنه لا يجب عليها ذلك وقدم على الحج لأنه يفوت وأما الرجعية فحكمها حكم الزوجة فإن خرجت للحج فتوفي زوجها في الطريق فسنذكر ذلك في العدد إن شاء الله تعالى والله أعلم وإن تكمل شروطه فله منعها من المضي إليه والشروع فيه لأنه يفوت حقه بما ليس بواجب عليها فملك منعها منه كصوم التطوع (فصل) فإن أحرمت بالحج الواجب عليها لم يكن له منعها، وكذلك إن أحرمت بالعمرة الواجبة ولا تحليلها إذا أحرمت في قول أكثر أهل العلم منهم النخعي واسحاق وأصحاب الرأي، وبه قال الشافعي في أصح قوليه، وقال في الآخر له منعها لأن الحج عنده على التراخي فلا يتعين في هذا العام والصحيح الأول لأن الحج الواجب يتعين بالشروع فيه فصار كالصلاة إذا أحرمت بها في أول وقتها وقضاء رمضان إذا شرعت فيه، ولأن حق الزوج مستمر على الدوام فلو ملك منعها في هذا العام ملكه في كل عام فيفضي إلى إسقاط أحد أركان الإسلام (فصل) فإن أحرمت بواجب فحلف عليها زوجها بالطلاق الثلاث أن لا تحج العام فليس لها أن تحل لأن الطلاق مباح وليس لها ترك الفضيلة لاجله، ونقل مهنا عن أحمد أنه سئل عن هذه المسألة فقال قال عطاء الطلاق هلاك وهي بمنزلة المحصر فاحتج بقول عطاء فلعله ذهب إليه لأن ضرر الطلاق عظيم لما فيه من خروجها من بيتها ومفارقة زوجها وولدها، وقد يكون ذلك أعظم من ذهاب مالها، ولذلك سماه عطاء هلاكاً، ولأنه لو منعها عدو من الحج إلا أن تدفع إليه مالها كان ذلك حصراً فهذا أولى

ويحرم الصبي المميز بإذن وليه وغير المميز يحرم عنه وليه ويفعل ما يعجز عنه من عمله

(فصل) وليس للوالد منع ولده من حج الفرض والنذر ولا تحليله من إحرامه وليس للولد طاعته في تركه لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لاطاعة لمخلوق في معصية الله تعالى " فأما التطوع فله منعه من الخروج لأن له منعه من الغزو وهو من فروض الكفايات فالتطوع أولى، فإن أحرم بغير إذنه لم يملك تحليله لأنه وجب بالدخول فيه فصار كالواجب ابتداء أو كالنذر (فصل) فإن أحرمت المرأة بحجة النذر بغير إذن فهل لزوجها منعها؟ على روايتين حكاهما القاضي وأبو الحسين (إحداهما) ليس له منعها كحجة الإسلام (والثانية) له منعها لأنه وجب عليها بإيجابها أشبه حج التطوع إذا أحرمت به (فصل) الشرط الخامس الاستطاعة وهي أن يملك زادا وراحلة صالحة لمثله بآلتها لصالحة لمثله، أو ما يقدر به على تحصيل ذلك فاضلاً عما يحتاج إليه من مسكن وخادم وقضاء دينه ومؤنته ومؤنة عياله على الدوام الاستطاعة المشترطة لوجوب الحج والعمرة ملك الزاد والراحلة، وبه قال الحسن ومجاهد وسعيد ابن جبير والشافعي واسحاق، قال الترمذي والعلم عليه عند أهل العلم، وقال عكرمة هي الصحة، وقال الضحاك إن كان شاباً فليؤاجر نفسه بأكله وعقبة حتى يقضي نسكه، وعن مالك إن كان يمكنه المشي وعادته سؤال الناس لزمه الحج لأن هذه الاستطاعة في حقه فهو كواجد الزاد والراحلة ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم فسر الاستطاعة بالراد والراحلة فوجب الرجوع الى تفسيره فروى الدارقطني بإسناده عن جابر وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو وأنس وعائشة رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل ما السبيل؟ قال " الزاد والراحلة " وروى ابن عمر قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يارسول الله ما يوجب الحج؟ قال: " الزاد والراحلة " رواه الترمذي وقال حديث حسن

وروى الإمام أحمد قال: أنا هشيم عن يونس عن الحسن قال: لما نزلت هذه الآية (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) قال رجل يارسول الله ما السبيل؟ قال " الزاد والراحلة " ولأنها عبادة تتعلق بقطع مسافة بعيدة فاشترط لوجوبها الزاد والراحلة كالجهاد وما ذكروه ليس باستطاعة فإنه شاق وإن كان عادة، والاعتبار بعموم الأحوال دون خصوصها كما أن رخص السفر تعم من يشق عليه ومن لا يشق عليه، وكذلك من كان له ما يقدر به على تحصيل الزاد والراحلة بالشروط المذكورة لأنه في معنى ملك الزاد والراحلة، ولأن القدرة على ما تحصل به الرقبة في الكفارة كملك الرقبة فكذلك ههنا (فصل) ويختص اشتراط الراحلة بالبعيد الذي بينه وبين البيت مسافة القصر، فأما القريب الذي يمكنه المشي فلا يعتبر وجود الراحلة في حقه لأنها مسافة قريبة ويمكنه السعي إليها فلزمه كالسعي

إلى الجمعة، وإن كان ممن لا يمكنه المشي كالشيخ الكبير اعتبر وجود الحمولة في حقه لأنه عاجز عن المشي أشبه البعيد، وأما الزاد فلابد منه فان لم يجد زاداً ولا قدر على كسبه لم يلزمه الحج (فصل) والزاد الذي تشترط القدرة عليه هو ما يحتاج إليه في ذهابه ورجوعه من مأكول ومشروب وكسوة فإن كان يملكه أو وجده يباع بثمن المثل في الغلاء والرخص أو بزيادة يسيرة لا تجحف بماله لزمه شراؤه وإن كانت تجحف بماله لم يلزمه كما قلنا في شراء الماء للوضوء وإذا كان يجد الزاد في كل منزل لم يلزمه حمله وإن لم يجده كذلك لزمه حمله وأما الماء وعلف البهائم فسنذكره إن شاء الله تعالى (فصل) ويشترط أن يجد راحلة تصلح لمثله إما بشراء أو كراء لذهابه ورجوعه ويجد ما يحتاج إليه من آلتها التي تصلح لمثله فإن كان ممن يكفيه الرحل والقتب ولا يخشى السقوط اكتفى بذلك وإن كان ممن لم تجر عادته بذلك أو يخشى السقوط عنهما اعتبر وجود محمل وما أشبهه ممن لا يخشى سقوطه عنه ولا مشقة فيه لأن اعتبار الراحلة في حق القادر على المشي إنما كان لدفع المشقة فيجب أن يعتبر ههنا ما تندفع به المشقة وإن كان ممن لا يقدر على خدمة نفسه والقيام بأمره اعتبرت القدرة على من يخدمه لأنه من سبيله

ونفقة الحج وكفاراته في مال وليه وعنه في مال الصبي

(فصل) ويعتبر أن يكون هذا فاضلاً عما يحتاج إليه لنفقة عياله الذين تلزمه مؤنتهم في مضيه ورجوعه لأن النفقة تتعلق بها حقوق الآدميين وهم أحوج وحقهم آكد وقد روى عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت " رواه أبودواد وأن يكون فاضلا عما يحتاج هو وأهله إليه من مسكن وخادم ومالا بد منه وإن يكون فاضلاً عن قضاء دينه لأن قضاء الدين من حوائجه الأصلية ويتعلق به حقوق الآدميين فهو آكد وكذلك منع الزكاة مع تعلق حقوق الفقراء بها وحاجتهم إليها فالحج الذي هو لخالص حق الله تعالى أولى وسواء كان الدين لآدمي معين أو من حقوق الله تعالى كزكاة في ذمته أو كفارات ونحوها وإن احتاج الى النكاح وخاف على نفسه العنت قدم التزويج لأنه واجب عليه ولا غناء به عنه فهو كنفقته وإن لم يخف قدم الحج لأن النكاح تطوع فلا يقدم على الحج الواجب وإن حج من تلزمه هذه الحقوق وضيعها صح حجه لأنها متعلقة بذمته فلا تمنه صحة حجه (فصل) ومن له دار يسكنها أو يسكنها عياله أو يحتاج إلى أجرتها لنفقة نفسه أو عياله أو بضاعة متى نقصها اختل ربحها فلم تكفهم أو سائمة يحتاجون إليها لم يلزمه الحج لما ذكرنا وإن كان له من ذلك شئ فاضل عن حاجته لزمه بيعه في الحج فإن كان له مسكن واسع يفضل عن حاجته وأمكنه بيعه وشراء ما يكفيه ويفضل قدر ما يحتاج به لزمه وإن كانت له كتب يحتاج إليها لم يلزمه بيعها في الحج

وليس للعبد الإحرام إلا بإذن سيده ولا للمرأة الإحرام نفلا إلا بإذن زوجها

وإلا لزمه وإن كان له بكتاب نسختان يستغنى باحدهما باع الأخرى وإن كان له دين على ملئ باذل له يكفيه في الحج لزمه لأنه قادر وان كان على معسر أو تعذر استيفاؤه لم يلزمه (فصل) فإن تكلف الحج من لا يلزمه وأمكنه ذلك من غير ضرر يلحق بغيره مثل من يكتسب بصناعة كالخرز أو معاونة من ينفق عليه أو يكتري لزاده ولا يسأل الناس استحب له الحج لقول الله تعالى (يأتوك رجالا وعلى كل ضامر) فقدم ذكر الرجال ولأن فيه مبالغة في طاعة الله وخروجاً من الخلاف وإن كان يسأل الناس كره الحج له لأنه يضيق على الناس ويحصل كلاً عليهم في التزام مالا يلزمه وسئل الإمام أحمد عمن يدخل البادية بلا زاد ولا راحلة فقال لا أحب له ذلك هذا يتوكل على أزواد الناس. (مسألة) (ولا يصير مستطيعاً ببذل غيره بحال) لا يلزمه الحج ببذل غيره له ولا يصير مستطيعاً بذلك سواء كان الباذل قريباً أو أجنبياً، وسواء

بذل له الركوب والزاد أو بذل له مالا وهو قول الأكثرين، وعن الشافعي أنه إذا بذل له ولده ما يتمكن به من الحج لزمه لأنه أمكنه الحج من غير منة تلزمه ولا ضرر يلحقه فلزمه الحج كما لو ملك الزاد والراحلة ولنا أن قول النبي صلى الله عليه وسلم " يوجب الحج الزاد والراحلة " يتعين فيه تقدير ملك ذلك أو ملك ما يحصل به بدليل مالو كان الباذل أجنبياً، ولأنه ليس بمالك للزاد والراحلة ولا ثمنهما فلم يلزمه الحج كما لو بذل له والده، ولا نسلم أنه لا يلزمه منه، ولو سلمناه فيبطل ببذل الوالد وبذل من للمبذول عليه أياد كثيرة ونعم (مسألة) (فمن كملت له هذه الشروط وجب عليه الحج على الفور) من كملت فيه هذه الشروط وجب عليه الحج لما ذكرنا من الأدلة ويجب عليه على الفور إذا أمكنه فعله ولم يجز له تأخيره وبه قال مالك، وقال الشافعي يجب الحج وجوباً موسعاً وله تأخيره، وحكى ابن أبي موسى وجها مثله قوله، وحكاه ابن حامد عن الإمام أحمد لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر

رضي الله عنه على الحج وتخلف بالمدينة غير محارب ولا مشغول بشئ وتخلف أكثر المسلمين قادرين على الحج، ولأنه إذا أخره ثم فعله في السنة الأخرى لم يكن قاضياً دل على أن وجوبه على التراخي ولنا قول الله تعالى (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) وقوله (وأتموا الحج والعمرة لله) والأمر على الفور، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من أراد الحج فليعجل " رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجة وفي رواية أحمد وابن ماجة " فإنه قد يمرض المريض وتضل الضالة وتعرض الحاجة " قال أحمد ورواه الثوري ووكيع عن أبي اسرائيل عن فضيل بن عمرو عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس عن أخيه الفضل عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن علي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من ملك زاداً وراحلة تبلغه إلى بيت الله ولم يحج فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا " قال الترمذي لا نعرفه إلا من هذا الوجه وفي إسناده مقال، وروى سعيد بن منصور بإسناده عن عبد الرحمن بن سابط قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من مات ولم يحج حجة الإسلام لم يمنعه مرض

وليس للرجل منع امرأته من حج الفرض ولا تحليلها إن أحرمت به بغير خلاف

حابس أو سلطان جائر أو حاجة ظاهرة فليمت على أي حال شاء يهوديا أو نصرانيا " وعن عمر نحوه من قوله، وكذلك عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم، ولأنه أحد أركان الإسلام فكان واجباً على الفور كالصيام، ولأن وجوبه بصفة التوسع بخروجه عن رتبة الواجبات لأنه يؤخر الى غير غاية ولا يأثم بالموت قبل فعله لكونه فعل ما يجوز له فعله وليس على الموت أمارة يقدر بعدها على فعله، فأما النبي صلى الله عليه وسلم فإنما فتح مكة سنة ثمان وإنما أخره سنة تسع فيحتمل أنه كان له عذر من عدم الاستطاعة أو كره رؤية المشركين عراة حول البيت فأخر الحج حتى بعث أبا بكر ينادي أن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ويحتمل أنه أخره بأمر الله تعالى لتكون حجته حجة الوداع في السنة التي استدار فيها الزمان كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض ويصادف وقفه الجمعة ويكمل الله دينه ويقال أنه اجتمع يومئذ أعياد أهل كل دين ولم يجتمع قبله ولا بعده فأما تسمية فعل الحج قضاء فإنه يسمى بذلك قال الله تعالى (ثم ليقضوا تفثهم) وعلى أنه لا يلزم من الوجوب على الفور

تسمية الفعل إذا أخره قضاء بدليل الزكاة فإنها تجب على الفور ولو أخرها لا تسمى قضاء والقضاء الواجب على الفور إذا أخره لا يقال قضاء القضاء ولو غلب على ظنه في الحج أنه لا يعيش إلى سنة أخرى لم يجز له تأخيره وإذا أخره لا يسمى قضاء (مسألة) (فإن عجز عنه لكبر أو مرض لا يرجى برؤه لزمه أن يقيم من يحج عنه ويعتمر من بلده وقد أجزأ عنه وإن عوفي) وجملة ذلك أن من وجدت فيه شرائط وجوب الحج وكان عاجزاً عنه لمانع مأيوس من زواله كزمانة أو مرض لا يرجى زواله أو كان نضو الخلق لا يقدر على الثبوت على الراحلة إلا بمشقة غير محتملة والشيخ الفاني ونحوهم متى وجد من ينوب عنه في الحج وما يستنيبه به لزمه ذلك وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وقال مالك لا حج عليه إلا أن يستطيع بنفسه ولا أرى له ذلك لأن الله تعالى قال (من استطاع إليه سبيلا) وهو غير مستطيع ولأنها عبادة لا تدخلها النيابة مع القدرة فلا تدخلها مع العجز كالصوم والصلاة ولنا حديث أبي رزين حيث أمره النبي صلى الله عليه وسلم إن يحج عن أبيه ويعتمر وروى ابن عباس أن امرأة من خثعم قالت: يارسول الله إن فريضة الله على عباده في الحج ادركت أبي شيخاً كبيراً لا يستطيع أن يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال " نعم " وذلك في حجة الوداع متفق عليه وفي لفظ لمسلم قالت: يارسول الله أن أبي شيخ عليه فريضة الله في الحج وهو لا يستطيع أن يستوي على ظهر

بعيره فقال النبي صلى الله عليه وسلم " فحجي عنه " وسئل علي رضي الله عنه عن شيخ يجد الاستطاعة قال يجهز عنه ولأن هذه عبادة تجب بإفسادها الكفارة فجاز أن يقوم غير فعله فيها مقام فعله كالصوم إذا عجز عنه افتدى بخلاف الصلاة ويلزمه أن يستنيب على الفور إذا أمكنه كما يلزمه ذلك بنفسه (فصل) ويستناب عنه من يحج عنه من حيث وجب عليه إما من بلده أو من الموضع الذي يسر فيه كالاستنابة عن الميت وسنذكر ذلك إن شاء الله تعالى (فصل) فإن لم يجد مالاً يستنيب به فلا حج عليه بغير خلاف لأن الصحيح العادم ما يحج به لا يلزمه الحج فالمريض أولى وإن وجد مالا ولم يجد نائباً فقياس المذهب أن ينبني على الروايتين في امكان السير هل هو من شرائط الوجوب أو من شرائط وجوب السعي فإن قلنا من شرائط لزوم السعي ثبت الحج في ذمته يحج عنه بعد موته وإن قلنا من شرائط الوجوب لم يجب شئ (فصل) وإذا استناب من حج عنه ثم عوفي لم يجب عليه حج آخر وهذا قول إسحاق وقال الشافعي وأصحاب الرأي وابن المنذر يلزمه لأن هذا بدل اياس فإذا برأ تبينا أنه لم يكن مأيوساً منه فلزمه الأصل كالآيسة تعتد بالشهور ثم تحيض يلزمها العدة بالحيض ولنا أنه أتى بما أمر به فخرج عن العهدة كما لو يبرأ أو نقول أدى حجة الإسلام بأمر الشرع فلم يلزمه حج ثان كما لو حج عن نفسه ولأن هذا يفضي إلى إيجاب حجتين عليه ولم يوجب الله عليه الا حجة واحدة وقولهم لم يكن مأيوساً من برئه قلنا لو لم يكن مأيوساً من برئه لما أبيح له أن

يستنيب فإنه شرط لجواز الاستنابة فأما الآيسة إذا اعتدت بالشهور فلا يتصور عود حيضها فإن رأت دما فليس بحيض ولا يبطل به اعتدادها لكن من ارتفع حيضها لا تدري ما رفعه إذا اعتدت سنة ثم عاد حيضها لم يبطل اعتدادها (فصل) فإن عوفي قبل فراغ النائب من الحج فينبغي أن لا يجزئه الحج لأنه قدر على الأصل قبل تمام البدل فلزمه كالصغيرة ومن ارتفع حيضها قبل إتمام عدتها بالشهور وكالمتيمم إذا رأى الماء في صلاته ويحتمل أن يجزئه كالمتمتع إذا شرع في الصوم ثم قدر على الهدي والمكفر إذا قدر على الأصل بعد الشروع في البدل وإن برأ قبل إحرام النائب لم يجزئه بحال (فصل) فأما من يرجى زوال مرضه والمحبوس ونحوه فليس له أن يستنيب فإن فعل لم يجزئه وإن لم يبرأ وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة له الاستنابة ويكون ذلك مراعى فإن قدر على الحج بنفسه لزمه وإلا أجزأه ذلك كالمأيوس من برئه ولنا أنه يرجو القدرة على الحج بنفسه فلم يكن له الاستنابة ولا تجزئه إن فعل كالفقير وفارق المأيوس من برئه لأنه عاجز على الإطلاق آيس من القدرة على الأصل فأشبه الميت ولأن النص إنما ورد في الحج عن الشيخ الكبير وهو ممن لا يرجى منه الحج بنفسه فلا يصح قياس غيره عليه إلا إذا كان مثله

(فصل) فأما القادر على الحج بنفسه فلا يجوز أن يستنيب في الحج الواجب إجماعاً قال إبن المنذر أجمع أهل العلم على أن من عليه حجة الإسلام وهو قادر على الحج لا يجزئ عنه أن يحج غيره عنه والحج المنذور كحجة الإسلام في إباحة الاستنابة عند العجز والمنع منها مع القدرة لأنها حجة واجبة فهي كحجة الإسلام (فصل) وهل يصح الاستئجار على الحج فيه روايتان (أشهرهما) لا يجوز وهو مذهب أبي حنيفة واسحاق (والثانية) يجوز وهو مذهب مالك والشافعي وابن المنذر لأنه يجوز أخذ النفقة عليه

ولا يصير مستطيعا ببذل غيره بحال

فجاز الاستئجار عليه كبناء المساجد والقناطر ولما أنها عبادة يختص فاعلها أن يكون مسلماً فلم يجز أخذ الأجرة عليها كالصلاة، فأما بناء المساجد فيجوز أن يقع قربه وغير قربة فإذا وقع بأجرة لم يكن عبادة ولا قربة وهذا لا يصح أن يقع إلا عبادة ولا يجوز الاشتراك في العبادة فمتى فعله من أجل الأجرة خرج عن كونه عبادة فلم يصح ولا يلزم من جواز أخذ النفقة جواز أخذ الأجرة بدليل الإمامة والقضاء يجوز أخذ الرزق عليهما من بيت المال وهو نفقة في المعنى بخلاف الأجرة وفائدة الخلاف أنه متى لم يجز أخذ الأجرة عليها فلا يكون الا نائباً محضاً وما يدفع إليه من المال يكون نفقة لطريقه فلو مات وأحصر أو مرض أو ضل الطريق لم يلزمه الضمان لما أنفق نص عليه أحمد لأنه إنفاق بإذن صاحب المال فأشبه ما لو أذن له في سد بثق فانبثق ولم ينسد فإذا ناب عنه آخر فإنه يحج عنه من حيث بلغ النائب الأول من الطريق لحصول قطع هذه المسأفة بمال المنوب عنه فلم يحتج إلى الانفاق دفعة أخرى كما لو حج بنفسه فمات في الطريق فإنه يحج عنه من حيث انتهى وما فضل معه من المال رده إلا أن يؤذن له في أخذه وينفق عليه بقدر الحاجة من غير إسراف ولا تقتير وليس له التبرع بشئ منه إلا أن

فمن كملت له هذه الشروط وجب عليه الحج على الفور

يؤذن له في ذلك قال أحمد في الذي يأخذ دراهم للحج لا يمشي ولا يقتر في النفقة ولا يسرف وقال في رجل أخذ حجة عن ميت ففضلت معه فضلة يردها ولا يناهد أحداً إلا بقدر مالا يكون سرفاً ولا يدعو إلى طعامه ولا يتفضل ثم قال أما إذا أعطي ألف درهم أو كذا وكذا فقيل له حج بهذه فله أن يتوسع فيها وإن فضل شئ فهو له وإذا قال الميت حجوا عني حجة بألف فدفعوها إلى رجل فله أن يتوسع فيها وما فضل فهو له وإن قلنا بجواز الاستئجار على الحج جاز أن يستنيب من غير استئجار فيكون الحكم على ما ذكرنا وإن يستأجر فإن استأجر من يحج عنه أو عن ميت اعتبر فيه شروط الإجارة وما يأخذه اجرة يملكه ويباح له التصرف فيه والتوسع في النفقة وغيرها وما فضل فهو له وإن أحصر أو ضل عن الطريق أو ضاعت النفقة منه فهو من ضمانه وعليه الحج وإن مات انفسخت الإجارة لتلف المعقود عليه كما لو ماتت البهيمة المستأجرة ويكون للحج أيضاً من الموضع الذي بلغ إليه وما لزمه من الدماء فعليه لأن الحج عليه (فصل) والنائب غير المستأجر فما لزمه من الدماء بفعل محظور فعليه في ماله لأنه لم يؤذن له في الجناية فكان موجبها عليه كما لو لم يكن نائباً ودم المتعة والقران إن لم يؤذن له فيهما عليه لأنه كجنايته وإن أذن له فيهما فالدم على المستنيب لأنه أذن في سببهما ودم الاحصار على المستنيب لأنه للتخلص من مشقة السفر فهو كنفقة الرجوع فإن أفسد حجة فالقضاء عليه ويرد ما أخذ لأن الحجة لم تجز عن

فإن عجز عنه لكبر أو مرض لا يرجى برؤه لزمه أن يقيم من يحج عنه ويعتمر من بلده وقد أجزأ عنه وإن عوفي

المستنيب لتفريطه وجنايته، وكذلك إن فاته الحج بتفريطه وإن فات بغير تفريط احتسب له بالنفقة لأنه لم يفت فلم يكن مخالفاً كما لو مات، وإن قلنا بوجوب القضاء فهو عليه في ماله كما لو دخل في حج ظن أنه عليه فلم يكن عليه وفاته (فصل) وإذا سلك النائب طريقاً يمكنه سلوك أقرب منه بغير ضرر ففاضل النفقة في ماله، وإن تعجل عجله يمكنه تركها فكذلك، وإن أقام بمكة أكثر من مدة القصر بعد إمكان السفر للرجوع أنفق من ماله لأنه غير مأذون له فيه فإن لم يمكنه الخروج قبل ذلك فله النفقة لأنه مأذون فيه وله نفقة الرجوع وإن طالت إقامته بمكة ما لم يتخذها داراً فإن اتخذها داراً ولو ساعة لم يكن له نفقة لرجوعه لأنه صار بنية الإقامة مكياً فسقطت نفقته فلم تعد، وإن مرض في الطريق فعاد فله نفقة رجوعه لانه لابد له منه وقد حصل بغير تفريطه فأشبه مالو قطع عليه الطريق أو أحصر، وإن قال خفت المرض فرجعت فعليه الضمان لأنه متوهم، وعن الإمام أحمد رحمه الله فيمن مرض في الكوفة فرجع: يرد جميع ما أخذ، وفي جميع ذلك إذا أذن له في النفقة فله ذلك لأن المال للمستنيب فجاز ما أذن فيه، وإن شرط أحدهما أن الدماء الواجبة عليه على غيره لم يصح الشرط لأن ذلك من موجبات فعله أو الحج الواجب عليه فلم يصح شرطه على غيره كما لو شرط على أجنبي (فصل) يجوز أن ينوب الرجل عن الرجل والمرأة، والمرأة عن المرأة والرجل في الحج في قول عوام

اهل العلم لا نعلم فيه مخالفاً إلا الحسن بن صالح فإنه كره حج المرأة عن الرجل. قال إبن المنذر: هذه غفلة عن ظاهر السنة فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المرأة الخثعمية أن تحج عن أبيها، وعليه يعتمد من أجاز حج المرء عن غيره وفي الباب حديث أبي رزين وأحاديث سواه (فصل) ولا يجوز الحج والعمرة عن حي إلا بإذنه فرضاً كان أو تطوعاً لأنها عبادة تدخلها النيابة فلم تجز عن البالغ العاقل بغير إذنه كالزكاة، فأما الميت فيجوز عنه بغير إذن واجباً كان أو تطوعاً لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالحج عن الميت وقد علم أنه لااذن له، وما جاز فرضه جاز نفله كالصدقة فعلى هذا كلما يفعله النائب عن المستنيب مما لم يؤمر به مثل أن يؤمر بحج فيعتمر، أو بعمرة فيحج يقع عن الميت لأنه يصح عنه من غير إذنه، ولا يقع عن الحي لعدم إذنه فيه، ويقع عمن فعله لأنه لما تعذر وقوعه عن المنوي عنه وقع عن نفسه كما لو استنابه رجلان فأحرم عنهما جميعا وعليه رد النفقة لأنه لم يفعل ما أمر به فأشبه ما لو لم يفعل شيئاً (فصول في مخالفة النائب) إذا أمره بحج فتمتع أو اعتمر لنفسه من الميقات ثم حج نظرت فإن خرج إلى الميقات فأحرم منه بالحج جاز ولا شئ عليه نص عليه أحمد وهو مذهب الشافعي وإن أحرم من مكة فعليه دم لترك

ميقاته ويرد من النفقة بقدر ما ترك من إحرام الحج فيما بين الميقات ومكة وقال القاضي لا يقع فعله عن الآمر ويرد جميع النفقة لأنه أتى بغير ما أمر به وهو مذهب أبي حنيفة ولنا أنه أحرم بالحج من الميقات فقد أتى بالحج صحيحاً من ميقاته اشبه مالو لم يحرم بالعمرة وإن أحرم به من مكة فما أخل إلا بما يجبره الدم فلم تسقط نفقته كما لو تجاوز الميقات غير محرم فأحرم دونه فإن أمره بالإفراد فقرن لم يضمن شيئاً وهو قول الشافعي وقال أبو حنيفة يضمن لأنه مخالف ولنا أنه أتى بما أمر به وزيادة فصح كما لو أمره بشراء شاة بدينار فاشترى به شاتين تساوي إحداهما ديناراً ثم إن كان أمره بالعمرة بعد الحج ففعلها فلا شئ عليه وإن لم يفعل رد من النفقة بقدرها (فصل) فإن أمره بالتمتع فقرن وقع عن الآمر لأنه أمر بهما وإنما خالف في أنه أمره بالإحرام بالحج من مكة فأحرم به من الميقات وظاهر كلام أحمد انه لايرد شيئاً من النفقة وهو مذهب الشافعي وقال القاضي يرد نصف النفقة لأن غرضه في عمره مفردة وتحصيل فضيلة التمتع وقد خالفه في ذلك وفوته عليه وقع عن المستنيب أيضاً ويرد نصف النفقة لأنه أخل بالإحرام بالعمرة من الميقات وقد أمر به وإحرامه بالحج من الميقات زيادة لا يستحق به شيئاً (فصل) فإن أمره بالقران فأفرد أو تمتع صح ووقع النسكان عن الآمر ويرد من النفقة بقدر ما

ترك من إحرام النسك الذي تركه من الميقات وفي جميع ذلك إذا أمره بالنسكين ففعل أحدهما دون الآخر رد من النفقة بقدر ما ترك ووقع المفعول عن الآمر وللنائب من النفقة بقدره (فصل) وإن استنابه رجل في الحج وآخر في العمرة واذنا له في القرآن ففعل جاز لأنه نسك مشروع وإن قرن من غير إذنهما صح ووقع عنهما ويرد من نفقة كل واحد منهما نصفهما لأنه جعل السفر عنهما بغير إذنهما وإن أذن أحدهما دون الآخر رد على غير الآمر نصف نفقته وحده، وقال القاضي إذا لم يأذنا له ضمن الجميع لأنه أمر بنسك مفرد ولم يأت به فكان مخالفاً كما لو أمر بحج فاعتمر ولنا أنه أتى بما أمر به وإنما خالف في صفته لافي أصله أشبه من أمر بالتمتع ولو أمر بأحد النسكين فقرن بينه وبين النسك الآخر لنفسه فالحكم فيه كذلك ودم القرآن على النائب إذا لم يؤذن له فيه لعدم الإذن في سببه وإن أذن أحدهما دون الآخر فعلى الآذن نصف الدم ونصفه على النائب (فصل) وإن أمر بالحج فحج ثم اعتمر لنفسه أو أمر بالعمرة فاعتمر ثم حج عن نفسه صح ولم يرد شيئاً من النفقة لأنه أتى بما أمر به على وجهه وإن أمره بالإحرام من ميقات فأحرم من غيره جاز لانها سواء في الأجزاء وإن أمره بالإحرام من الميقات جاز لأنه الأفضل وإن أمره بالإحرام من بلده فأحرم من الميقات جاز لأنه الأفضل، وإن أمره بالإحرام من الميقات فأحرم من بلده جاز لأنه زيادة لا تضر، وإن أمره بالحج في السنة أو الاعتمار في شهر ففعله في غيره جاز لأنه مأذون فيه في الجملة

(مسألة) (ومن قدر على السعي لزمه ذلك إذا كان في وقت المسير ووجد طريقاً آمناً لا خفارة فيه يوجد فيه الماء والعلف على المعتاد، وعنه أن إمكان المسير وتخلية الطريق من شرائط الوجوب. وقال ابن حامد إن كانت الخفارة لا تجحف بماله لزمه بذلها) متى كملت الشروط المذكورة وجب على الحج على الفور لما ذكرناه ولزمه السعي إليه لأن مالا يتم الواجب إلا به واجب، ولأنه سعي إلى فريضة فكان واجباً كالسعي إلى الجمعة، وإنما يجب عليه السعي إذا كان في وقت المسير وهو كون الوقت متسعاً يمكنه الخروج فيه إليه وأمكنه المسير إليه بما جرت به العادة فلو أمكنه بأن يسير سيراً يجاوز العادة لم يلزمه السعي، ويشترط أن يجد طريقا مسلوكة لامانع فيها بعيدة كانت أو قريبة، براً كان أو بحراً إذا كان الغالب فيها السلامة، فإن لم يكن الغالب منه السلامة لم يلزمه سلوكه، فان كان في الطريق عدو يطلب خفارة لم يلزمه سلوكه ويسقط عنه السعي بسيره كانت أو كثيرة، ذكره القاضي لأنها رشوة فلم يلزمه بذلها في العبادة كالكثيرة وقال ابن حامد: إن كان ذلك مما لا يجحف بماله لزمه الحج لأنها غرامة يقف إمكان الحج على بذلها فلم يمنع الوجوب مع إمكان بذلها كثمن الماء وعلف البهائم، ويشترط أن يكون الطريق آمناً، فإن كان مخوفاً لم يلزمه سلوكه لأن فيه تغريراً بنفسه وماله، ويشترط أن يوجد فيه الماء والعلف كما جرت به العادة بحيث يوجد الماء وعلف البهائم في المنازل التي ينزلها على حسب العادة ولا يلزمه حمله من بلده ولا من أقرب البلدان إلى مكة كأطراف الشام ونحوها لأن هذا يشق ولم تجر العادة به، ولا يتمكن من حمل الماء والعلف لبهائمه في جميع الطريق بخلاف زاد نفسه فإنه يمكنه حمله (فصل) واختلفت الرواية في إمكان المسير وتخلية الطريق فروي أنهما من شرائط الوجوب لا يجب الحج بدونهما لأن الله سبحانه وتعالى إنما فرض الحج على المستطيع وهذا غير مستطيع، ولأن هذا يتعذر معه فعل الحج فكان شرطاً كالزاد والراحلة وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي، وروي أنهما من شرائط لزوم الأداء فلو كملت الشروط الخمسة ثم مات قبل وجود هذين الشرطين حج عنه بعد موته، وإن اعسر بعد وجودهما بقي في ذمته وهو ظاهر كلام الخرقي، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل ما يوجب الحج؟ قال " الزاد والراحلة " حديث حسن، ولأنه عذر يمنع نفس الأداء فلم يمنع الوجوب كالعضب، ولأن إمكان الأداء ليس بشرط في وجوب العبادات بدليل مالو طهرت الحائض أو بلغ الصبي أو أفاق المجنون ولم يبق من وقت الصلاة ما يمكن أداؤها فيه، والاستطاعة مفسرة بالزاد والراحلة في الحديث فيجب المصير إليه، والفرق بين هذين وبين الزاد والراحلة أنه يتعذر مع فقدهما الأداء دون القضاء وفقد الزاد والراحلة يتعذر مع الجميع

(مسألة) (ومن وجب عليه الحج فتوفي قبله أخرج عنه من جميع ماله حجة وعمرة) وجملة ذلك أن من وجب عليه الحج ولم يحج وجب أن يخرج عنه من جميع ماله ما يحج به عنه ويعتمر سواء فاته بتفريطه أو بغير تفريطه وبهذا قال الحسن وطاوس والشافعي وقال أبو حنيفة ومالك يسقط بالموت فإن وصى بها فهي من الثلث لأنه عبادة بدنية فسقط بالموت كالصلاة ولنا ماروى ابن عباس أن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن أبيها مات ولم يحج قال " حجي عن أبيك " وعنه أن إمرأة نذرت أن تحج فماتت فأتى أخوها النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن ذلك فقال " ارأيت لو كان على أختك دين أكنت قاضيه؟ " قال نعم قال " فاقضوا الله فهو أحق بالقضاء " رواهما النسائي ولأنه حق استقر عليه تدخله النيابة فلم يسقط بالموت كالدين وبهذا فارق الصلاة فإنها لا تدخلها النيابة والعمرة كالحج فميا ذكرنا إذا قلنا بوجوبها ويكون ما يحج به ويعتمر من جميع ماله لأنه دين مستقر فكان من جميع المال كالدين الآدمي (فصل) ويستناب من يحج عنه من حيث وجب عليه إما من بلده أو من الموضع الذي أيسر فيه وبهذا قال الحسن ومالك واسحاق في النذر وقال عطاء في الناذر إن لم يكن نوى مكاناً فمن ميقاته واختاره ابن المنذر وقال الشافعي فيمن عليه حجة الإسلام يستأجر من يحج عنه من الميقات لأن الإحرام لا يجب من دونه ولنا أن الحج وجب عليه من بلده فوجب أن ينوب عنه منه لأن القضاء يكون على صفة الأداء كقضاء الصلاة والصوم كذلك الحكم في حج النذر والقضاء فياسا عليه فإن كان له وطنان استنيب من أقربهما فإن وجب عليه الحج بخراسان فمات ببغداد وبالعكس فقال أحمد يحج عنه من حيث وجب عليه لا من حيث موته ويحتمل أن يحج عنه من أقرب المكانين لأنه لو كان حياً في أقرب المكانين لم يجب عليه الحج من أبعد منه فكذلك نائبه فإن حج عنه من دون ذلك فقال القاضي إن كان دون مسافة القصر اجزأه لأنه في حكم القريب وإلا لم يجزئه لأنه لم يؤد الواجب بكماله ويحتمل أن يحزئه ويكون مسيئاً كمن وجب عليه الإحرام من الميقات فأحرم من دونه والله أعلم (فصل) فإن خرج للحج فمات في الطريق حج عنه من حيث مات لأنه أسقط بعض ما وجب عليه فلم يجب ثانياً وكذلك إن مات نائبه فاستنيب من حيث مات كذلك ولو أحرم بالحج ثم مات صحت النيابة عنه فما بقي من النسك سواء كان إحرامه لنفسه أو غيره نص عليه لأنها عبادة تدخلها النيابة فإذا مات بعد فعل بعضها قضي عنه باقيها كالزكاة (مسألة) (فإن ضاق ماله عن ذلك أو كان عليه دين أخذ للحج بحصته وحج به من حيث يبلغ)

إذا لم يخلف الميت ما يكفي للحج من بلده حج عنه من حيث يبلغ، وان كان عليه دين لآدمي تحاصا ويؤخذ للحج بحصته فيحج بها من حيث يبلغ) قال الامام أحمد في رجل أوصى أن يحج عنه ولا يبلغ النفقة قال يحج عنه من حيث تبلغ النفقة للراكب من غير مدينته وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا أمرتكم بأمر فأتموا منه ما استطعتم " ولأنه قدر على اداء بعض الواجب فلزمه كالزكاة، وعن أحمد ما يدل على أن الحج يسقط لأنه قال في رجل أوصى بحجة واجبة ولم يخلف ما يتم به حجة هل يحج عنه من المدينة أو من حيث تتم الحجة فقال: ما يكون الحج عندي إلا من حيث وجب عليه وهذا تنبيه على سقوطه عمن عليه دين لا تفي تركته به وبالحج فإنه إذا أسقطه مع عدم المعارض فمع المعارضة بحق الآدمي المؤكد أولى، ويحتمل أن يسقط عمن عليه دين وجهاً واحداً لأن حق الآدمي المعين أولى بالتقديم لتأكده وخفة حق الله تعالى مع عدم إمكانه على الوجه الواجب (مسألة) (فإن وصى بحج تطوع ولم يف ثلثه بالحج من بلده حج به من حيث يبلغ، أو يعان به في الحج نص عليه) وقال التطوع ما يبالي من حيث كان ويستناب عن الميت ثقة بأقل ما يوجد إلا أن يرضي الورثة بزيادة أو يكون قد أوصى بشئ فيجوز ما أوصى به ما لم يزد على الثلث (فصل) ويستحب أن يحج الإنسان عن أبويه إذا كانا ميتين أو عاجزين لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا رزين فقال " حج عن أبيك واعتمر " وسألت امرأة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبيها مات ولم يحج قال " حجي عن أبيك " ويستحب البداءة بالحج عن الأم إن كان تطوعاً أو واجباً عليهما. نص عليه أحمد في التطوع لأن الأم مقدمة في البر لما روى أبو هريرة قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال " أمك " قال ثم من؟ قال " أمك " قال ثم من؟ قال " أمك " قال ثم من؟ قال " أبوك " متفق عليه وإن كان الحج واجباً على الأب دونها بدأ به لأنه واجب فكان أولى من التطوع، وقد روى زيد بن أرقم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا حج الرجل عن والديه تقبل منه ومنهما، واستبشرت أرواحهما في السماء، وكتب عند الله براً " وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من حج عن أبويه أو قضى عنهما مغرماً بعث يوم القيامة مع الأبرار " وعن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من حج عن أبيه أو أمه فقد قضى عنه حجته وكان له فضل عشر حجج " رواهن الدارقطني

فصول في مخالفة النائب

(فصل) قال الشيخ رحمه الله: ويشترط لوجوب الحج على المرأة وجود محرمها وهو زوجها أو من تحرم عليه على التأبيد بنسب أو سبب مباح إذا كان بالغاً عاقلا، وعن أن المحرم من شرائط لزوم الأداء اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في وجود المحرم في حق المرأة فروي عنه أن الحج لا يجب على المرأة إذا لم تجد محرماً وهذا ظاهر كلام الخرقي وقال أبو داود قلت لأحمد امرأة موسرة لم يكن لها محرم هل وجب عليها الحج؟ قال لا وقال المحرم من السبيل. وهذا قول الحسن والنخعي واسحاق وأصحاب الرأي وابن المنذر وروي عنه أنه من شرائط لزوم السعي دون الوجوب فعلى هذه الرواية متى كملت لها الشرائط الخمس وفاتها الحج بموت أو مرض لا يرجى برؤه أخرج عنها حجة لأن شروط الحج المختصة بها قد كملت وإنما المحرم لحفظها فهو كتخلية الطريق وإمكان المسير وعنه رواية ثالثة أن المحرم ليس بشرط في الحج الواجب قال الأثرم سمعت احمد يسئل هل يكون الرجل محرماً لأم امرأته يخرجها إلى الحج فقال أما في حجة الفريضة فأرجو لأنها تخرج إليها مع نساء ومع كل من أمنته وأما في غيرها فلا، والمذهب الأول وقال ابن سيرين ومالك والاوزاعي والشافعي ليس المحرم شرطاً في حجها بحال قال ابن سيرين تخرج مع رجل من المسلمين لا بأس به، وقال مالك تخرج مع جماعة النساء، وقال الشافعي تخرج مع حرة مسلمة ثقة، وقال الأوزاعي تخرج مع قوم عدول تتخذ سلماً تصعد عليه وتنزل ولا يقربها رجل إلا أن يأخذ برأس البعير وتضع رجله على ذراعه قال إبن

المنذر تركوا القول بظاهر الحديث واشترط كل واحد منهم شرطاً لا حجة معه عليه واحتجوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم فسر الاستطاعة بالزاد والراحلة، وقال لعدي بن حاتم يوشك أن تخرج الظعينة تؤم البيت لاجوار معها لا تخاف إلا الله ولأنه سفر واجب فلم يشترط له المحرم كالمسلمة إذا تخلصت من أيدي الكفار. ولنا ما روى أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم إلا ومعها ذو محرم " وعن ابن عباس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم " فقام رجل فقال يارسول الله إني كنت في غزوة كذا وانطلقت امرأتي حاجة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " انطلق فاحجج مع امرأتك " متفق عليهما وروى ابن عمر وأبو سعيد رضي الله عنه نحوا من حديث أبي هريرة قال أبو عبد الله أما أبو هريرة فيقول يوم وليلة ويروى عن أبي هريرة لا تسافر سفراً أيضاً، وأما حديث أبي سعيد فيقول ثلاثة أيام قلت ما تقول أنت؟ قال لا تسافر سفراً قليلاً ولا كثيراً إلا مع ذي محرم. وروى الدارقطني بإسناده عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لاتحجن امرأة إلا ومعها ذو محرم " وهذا نص صريح في الحكم ولأنها أنشأت سفراً في دار الإسلام فلم يجز بغير محرم كحج التطوع وحديثهم محمول على الرجل بدليل أنهم شرطوا خروج غيرها معها فجعل ذلك الغير المحرم الذي بينه النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديثنا أولى مما اشترطوه بالتحكم من غير دليل ويحتمل

أنه أراد أن الزاد والراحلة توجب الحج مع كمال بقية الشروط ولذلك اشترطوا تخلية الطريق وإمكان المسير وقضاء الدين ونفقة العيال واشترط مالك إمكان الثبوت على الراحلة وهي غير مذكورة في الحديث واشترط كل واحد منهم شرطاً في محل النزاع من عند نفسه لامن كتاب ولا سنة فما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم أولى بالاشتراط ولو قدر التعارض فحديثنا أصح وأخص وأولى بالتقديم وحديث عدي يدل على وجود السفر لا على جوازه ولذلك لم يجزه في غير الحج المفروض ولم يذكر فيه خروج غيرها معها، وأما الأسيرة إذا تخلصت من أيدي الكفار فإن سفرها سفر ضرورة لا يقاس عليه حالة الاختيار ولذلك تخرج فيه وحدها ولأنها تدفع ضرراً متيقناً بتحمل الضرر المتوهم فلا يلزم تحمل ذلك من غير ضرر أصلاً. (فصل) والمحرم زوجها أو من تحرم عليه على التأبيد بنسب أو سبب مباح كابنها وأبيها وأخيها من نسب أو رضاع وربيبها ورابها لما روى أبو سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفراً يكون ثلاثة أيام فصاعداً إلا ومعها أبوها أو ابنها أو زوجها أو ذو محرم منها " رواه مسلم وكذلك من تحرم عليه بالمصاهرة بسبب مباح لأنها محرمة عليه على التأبيد أشبه التحريم بالنسب قال أحمد ويكون زوج أم المرأة محرماً لها يحج بها ويسافر الرجل مع أم ولد جده وإذا كان أخوها من الرضاعة خرجت معه وقال في أم امرأته يكون محرماً لها في الفرض دون غيره. قال الأثرم كأنه ذهب إلى أنها لم تذكر في قوله تعالى (ولا يبدين زينتهم) الآية فأما من تحل

ومن قدر على السعي لزمه ذلك إذا كان في وقت المسير ووجد طريقا آمنا لا خفارة فيه وجد فيه الماء والعلف على المعتاد

له في حال كزوج أختها فليس بمحرم لها نص عليه لأنه ليس بحرام عليها على التأبيد ولا يباح له النظر إليها وليس العبد محرماً لسيدته نص عليه أحمد، وقال الشافعي هو محرم لها وحكاه بعض اصحابنا عن أحمد لأنه يباح له النظر إليها فكان محرماً لها كذي رحمها ولنا ما روى سعيد في سننه بإسناده عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال " سفر المرأة مع عبدها ضيعة " ولأنه غير مأمون عليها ولا تحرم عليه على التأبيد أشبه الأجنبي وقياسه على ذي الرحم لا يصح لأنه مأمون عليها بخلاف العبد ولا يلزم من إباحة النظر إليها أن يكون محرما فإنه يجوز النظر إلى القواعد من النساء ويجوز لغير أولي الإربة النظر إلى الأجنبية وليس محرماً لها. (فصل) وأما الموطوءة بشبهة والمزني بها وابنتها فليس بمحرم لهما وعنه أنه محرم والأول أولى لأن تحريمها بسبب غير مباح فلم يثبت به حكم المحرمية كالتحريم الثابت باللعان وليس له الخلوة بهما والنظر إليهما لذلك، والكافر ليس بمحرم للمسلمة وإن كانت ابنته. قال الامام أحمد في يهودي أو نصراني أسلمت ابنته لا يزوجها ولا يسافر بها ليس هو لها بمحرم، وقال أبو حنيفة والشافعي هو محرم لها لأنها محرمة عليه على التأبيد ولنا أن إثبات المحرمية يقتضي الخلوة بها فوجب أن لا يثبت لكافر على مسلمة كالحضانة للطفل ولأنه لا يؤمن عليها أن يفتنها عن دينها كالطفل وما ذكروه يبطل بالمحرمة باللعان وبالمجوسي مع ابنته، ولا ينبغي أن يكون في المجوسي خلاف لأنه لا يؤمن عليها ويعتقد حلها، نص عليه أحمد في المحرم،

ويشترط في المحرم أن يكون بالغاً عاقلاً قيل لأحمد فيكون الصبي محرماً؟ قال لا حتى يحتلم لأنه لا يقوم بنفسه فكيف تخرج معه امرأة وذلك لأن المقصود بالمحرم حفظ المرأة ولا يحصل ذلك من غير البالغ لأنه يحتاج إلى حفظ فلا يقدر على حفظ غيره (فصل) ونفقة المحرم في الحج عليها نص عليه أحمد لأنه من سبيلها فكان عليها نفقته كالراحلة فعلى هذا يعتبر في استطاعتها أن تملك زاداً وراحلة لها ولمحرمها، فإن امتنع محرمها من الحج معها مع بذلها له نفقته فهي كمن لا محرم لها، وهل يلزمه إجابتها إلى ذلك على روايتين، والصحيح أنه لا يلزمه لأن في الحج مشقة شديدة وكلفة عظيمة فلا يلزم أحداً لأجل غيره كما لم يلزمه أن يحج عنها إذا كانت مريضة (مسألة) (فإن مات المحرم في الطريق مضت في حجها ولم تصر محصرة)

إذا مات محرم المرأة في الطريق فقال الإمام أحمد رحمه الله إذا تباعدت مضت فقضت الحج

ومن وجب عليه الحج فتوفي قبله أخرج عنه من جميع ماله حجة وعمرة

خاصة فهو آكد ثم قال بدلها من أن ترجع وهذا لابد لها من السفر بغير محرم فمضيها إلى قضاء حجتها

أولى، لكن إن كان حجها تطوعاً وأمكنها الإقامة ببلد فهو أولى من السفر بغير محرم، وإن مات وهي قريبة رجعت لتقضي العدة في منزلها لأنها في حكم المقيم

فإن ضاق ماله عن ذلك أو كان عليه دين أخذ للحج بحصته وحج به

(مسألة) (ولا يجوز لمن لم يحج عن نفسه أن يحج عن غيره ولا نذره ولا نافلة فإن فعل انصرف إلى حجة الإسلام، وعنه يقع ما نواه) وجملة ذلك أنه ليس لمن لم يحج حجة الإسلام إن يحج عن غيره، فإن فعل وقع إحرامه عن حجة الاسلام، وبهذا قال الأوزاعي والشافعي واسحاق، وقال أبو بكر عبد العزيز يقع الحج باطلاً ولا يصح عنه ولا عن غيره وروي ذلك عن ابن عباس، لأنه لما كان من شرط طواف الزيارة تعيين النية فمتى نواه لغيره لم يقع عن نفسه، ولهذا لو طاف حاملاً لغيره ولم ينوه لنفسه لم يقع عن نفسه، وقال الحسن وابراهيم وأيوب السختياني وجعفر بن محمد ومالك وأبو حنيفة يجوز أن يحج عن غيره من لم يحج عن نفسه، وعن أحمد مثل ذلك، وقال الثوري إن كان يقدر على الحج عن نفسه حج عن نفسه، وإن لم يقدر حج عن غيره، واحتجوا بأن الحج مما تدخله النيابة فجاز أن يؤديه عن غيره من لم يؤد فرضه عن نفسه كالزكاة ولنا ماروى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقول: لبيك عن شبرمة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من شبرمة؟ " قال قريب لي، قال " هل حججت قط؟ " قال لا، قال " فاجعل هذه عن نفسك ثم احجج عن شبرمة " وراه الامام أحمد وأبو داود وابن ماجة وهذا لفظه، ولأنه حج عن غيره قبل أن يحج عن نفسه فلم يقع عن الغير كما لو كان صبياً، ويفارق الزكاة فإنه يجوز أن ينوب عن الغير وقد بقي عليه بعضها وههنا لا يجوز أن ينوب عن الغير من شرع في الحج قبل إتمامه ولا يطوف عن نفسه

فإن وصى بحج تطوع ولم يف ثلثه بالحج من بلده حج به من حيث يبلغ

(فصل) فإن أحرم بالمنذورة من عليه حجة الإسلام وقع عن حجة الإسلام لأنها آكد وعنه يقع عن المنذورة لقوله صلى الله عليه وسلم " وإنما لكل امرئ ما نوى " فإذا قلنا يقع عن حجة الإسلام بقيت المنذورة في ذمته ولم تسقط عنه نص عليه أحمد وهذا قول ابن عمر وأنس وعطاء لأنها حجة واحدة فلم تجزئ عن حجتين كما لو نذر حجتين فحج واحدة، وقد نقل أبو الخطاب عن أحمد فيمن نذر أن يحج وعليه حجة مفروضة فاحرم عن النذر وقعت عن المفروضة ولا يجب عليه شئ آخر وصار كمن نذر صوم يوم يقدم فلان فقدم في يوم من رمضان فنواه عن فرضه ونذره فإنه يجزئه في رواية ذكره الخرقي

وهذا قول ابن عباس وعكرمة رواه سعيد بن منصور عنهما، وروي أن عكرمة سئل عن ذلك فقال: تقضى حجته عن نذره وعن حجة الإسلام ارأيتم لو أن رجلا نذر أن يصلي أربع ركعات فصلى العصر أليس ذلك يجزئه منهما؟ قال وذكرت ذلك لابن عباس فقال أصبت أو أحسنت (فصل) فإن أحرم يتطوع، أو نذر من عليه حجة الإسلام وقع عن حجة الاسلام، وبه قال ابن عمر وأنس والشافعي، وقال مالك والثوري وأبو حنيفة وإسحاق وابن المنذر يقع مانواه وهي رواية عن أحمد وقول ابي بكر لما تقدم

ولنا أنه أحرم بالحج وعليه فريضة فوقع عن فرضه كالمطلق، ولو أحرم بتطوع وعليه منذورة وقعت عن المنذورة لأنها واجبة أشبهت حجة الإسلام والعمرة كالحج فيما ذكرنا لأنها أحد النسكين أشبهت الآخر والنائب كالمنوب عنه في هذا، فمتى أحرم النائب بتطوع أو نذر عمن لم يحج حجة الإسلام وقع عن حجة الإسلام سواء حج عن ميت أو حي لأن النائب يجري مجرى المنوب عنه، وإن استناب رجلين في حجة الإسلام ومنذور أو تطوع فأيهما سبق بالإحرام وقعت حجته عن حجة الإسلام ممن هي فكذلك من نائبه

(فصل) وإذا كان الرجل قد أسقط فرض أحد النسكين عنه جاز أن ينوب عن غيره فيه دون الآخر، وليس للصبي والعبد أن ينوبا في الحج عن غيرهما لأنهما لم يسقطا عن أنفسهما فهما كالحر البالغ في ذلك، ويحتمل أن لهما النيابة في حج التطوع دون الفرض لأنهما من اهل التطوع دون الفرض ولا يمكن أن تقع الحجة التي نابا فيها عن فرضهما لكونهما ليسا من أهله فبقيت لمن فعلت عنه (مسألة) (وهل يجوز لمن يقدر على الحج بنفسه أن يستنيب في حج التطوع على روايتين الاستنابة في حج التطوع تنقسم إلى ثلاثة أقسام

(أحدها) أن يكون ممن لم يؤد حجة الإسلام فلا يصح أن يستنيب في حج التطوع لأنه لا يصح أن يفعله بنفسه فبنائبه أولى (الثاني) أن يكون ممن قد أدى حجة الإسلام وهو عاجز عن الحج بنفسه فيجوز أن يستنيب في التطوع، فإن ما جازت الاستنابة في فرضه جازت في نفله كالصدقة

(الثالث) أن يكون قادراً على الحج وقد أسقط فرضه ففيه روايتان (إحداهما) يجوز وهو قول أبي حنيفة لأنها حجة لا تلزمه بنفسه فجاز أن يستنيب فيها كالمعضوب (والثانية) لا يجوز وهو مذهب الشافعي لأنه قادر على الحج بنفسه فلم يجز أن يستنيب فيه كالفرض

(فصل) فإن عجز عنه عجزاً مرجو الزوال كالمريض الذي يرجى برؤه والمحبوس جاز أن يستنيب فيه لأنه حج لا يلزمه عجز عن فعله بنفسه فجاز أن يستنيب فيه كالشيخ الكبير والفرق بينه وبين

فإن مات المحرم في الطريق مضت في حجها ولم تصر محصرة

الفرض أن الفرض عبادة العمر فلا يفوت بتأخيره عن هذا العام والتطوع مشروع في كل عام فيفوت حج هذا العام بتأخيره، ولأن حج الفرض إذا مات قبل فعله فعل عنه بعد موته بخلاف التطوع (باب المواقيت) (مسألة) (ميقات أهل المدينة من ذي الحليفة وأهل الشام ومصر والمغرب الجحفة وأهل اليمن يلملم وأهل نجد قرن وأهل المشرق ذات عرق)

للحج ميقاتان ميقات زمان وميقات مكان فأما مواقيت المكان فهي الخمسة المذكورة، وقد أجمع أهل العلم على أربعة منها وهي ذوالحليفة والجحفة وقرن ويلملم واتفق أئمة النقل على صحة الحديث عن النبي (ص) فيها، فروى ابن عباس رضي الله عنه قال: وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الحجفة، ولأهل نجد قرن، ولأهل اليمن يلملم قال " فهن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن كان يريد الحج والعمرة " فمن كان دونهن مهله من أهله وكذلك أهل مكة يهلون منها، وعن ابن عمر رضي الله عنه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " يهل أهل المدينة من ذي الحليفة، وأهل الشام من الجحفة، وأهل نجد من قرن " قال ابن عمر وذكر لي ولم اسمعه أنه قال وأهل اليمن من يلملم، متفق عليهما، وذات عرق ميقات أهل المشرق في قول أكثر أهل العلم منهم مالك وأبو ثور وأصحاب الرأي، قال ابن عبد البر: أجمع أهل العلم على أن إحرام العراقي من ذات عرق إحرام من الميقات، وقد روي عن أنس رض الله عنه أنه كان يحرم من العقيق واستحسنه الشافعي وابن المنذر وابن عبد البر، وكان الحسن بن صالح يحرم من الربذة، وروي ذلك عن حصين والقاسم بن عبد الرحمن وروى ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المشرق العقيق. قال الترمذي هو حديث حسن. قال ابن عبد البر: هو أولى وأحوط من ذات عرق وذات عرق ميقاتهم بإجماع، واختلف أهل العلم فيمن وقت ذات عرق، فروى أبو داود والنسائي وغيرهما بإسنادهم عن عائشة

رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت لأهل العراق ذات عرق وعن أبي الزبير أنه سمع جابراً سئل عن المهل فقال سمعته أحسبه رفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقول " مهل أهل المدينة من ذي الحليفة والطريق الأخرى من الجحفة ومهل أهل العراق من ذات عرق ومهل أهل نجد من قرن " رواه مسلم وقال قوم آخرون إنما وقتها عمر رضي الله عنه فروى البخاري بإسناده عن ابن عمر رضي الله عنهما قال لما فتح هذان المصران أتو عمر رضي الله عنه فقالوا يا أمير المؤمنين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حد لأهل نجد قرنا وهو جور عن طريقنا وإنا إن أردنا قرنا شق علينا قال انظروا حذوها من طريقكم، فحدلهم ذات عرق، ويجوز أن يكون عمر ومن سأله لم يعلموا توقيت النبي صلى الله عليه وسلم ذات عرق فقال ذلك برأيه فأصاب ماوقته النبي صلى الله عليه وسلم فقد كان موفقاً للصواب رضي الله عنه وإذا ثبت توقيتها عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن عمر فالإحرام منه أولى (فصل) وإذا كان الميقات قرية فانتقلت الى مكان آخر فموضع الإحرام من الأولى وإن انتقل الاسم إلى الثانية لأن الحكم تعلق بذلك الموضع فلا يزول بخرابه، وقد رأى سعيد بن جبير رجلاً يريد أن يحرم من ذات عرق فأخذه حتى خرج من البيوت وقطع الوادي فأتى به المقابر فقال هذه ذات عرق الأولى فهذه المواقيت لأهلها ولمن مر عليها من غيرهم وجملة ذلك أن من سلك طريقاً فيها ميقات فهو ميقاته إن أراد الحج أو العمرة فإذا حج الشامي من المدينة فمر بذي الحليفة فهي ميقاته وإن حج من اليمن فميقاته يلملم وإن حج من العراق فميقاته ذات عرق، وهكذا كل من مر على ميقات غير ميقات بلده صار ميقاتاً له، سئل الإمام أحمد رحمه الله تعالى عن الشامي يمر بالمدينة يريد الحج من أين يهل قال من ذي الحليفة قيل فإن بعض الناس يقولون يهل

من ميقاته من الجحفة فقال سبحان الله أليس يروي ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن " وهذا قول الشافعي واسحاق وقال أبو ثور في الشامي يحرم بالمدينة له أن يحرم من الجحفة وهو قول أصحاب الرأي وكانت عائشة رضي الله عنها إذا أرادت الحج أحرمت من ذي الحليفة وإذا أرادت العمرة أحرمت من الجحفة ولعلهم يحتجون بأن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل الشام الجحفة ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن " ولأنه ميقات فلم يجز تجاوزه بغير إحرام لمن يريد النسك كسائر المواقيت وخبرهم أريد به من لم يمر على ميقات آخر بدليل مالو مر بميقات غير ذي الحليفة لم يجز تجاوزه بغير إحرام بغير خلاف، وقد روى سعيد بن سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت لمن ساحل من أهل الشام الجحفة والحج والعمرة سواء في هذا لقول النبي صلى الله عليه وسلم " فهن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن كان يريد حجا أو عمرة " (فصل) فإن مر من غير طريق ذي الحليفة فميقاته الجحفة سواء كان شامياً أو مدنياً لما روى أبو الزبير أنه سمع جابراً يسأل عن المهل فقال سمعته أحسبه رفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقول " مهل أهل المدينة من ذي الحليفة والطريق الآخر من الجحفة " رواه مسلم، ولأنه مر على أحد المواقيت دون غيره فلم يلزمه الإحرام قبله كسائر المواقيت ولعل أبا قتادة حين أحرم أصحابه دونه في قصة صيد الحمار الوحشي إنما ترك الإحرام لأنه لم يمر على ذي الحليفة فأخر إحرامه إلى الجحفة ويمكن حمل حديث عائشة في تأخيرها إحرام العمرة إلى الجحفة على هذا، وأنها لا تمر في طريقها على ذي الحليفة لئلا يكون فعلها مخالفاً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (مسألة) (ومن منزله دون الميقات فميقاته من موضعه يعني إذا كان مسكنه أقرب إلى مكة من الميقات كان ميقاته سكنه) هذا قول أكثر أهل العلم منهم مالك والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي، وعن مجاهد قال يهل من مكة والصحيح الأول، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث ابن عباس " فمن كان دونهن مهله من أهله " وهذا صريح فالعمل به أولى (فصل) إذا كان مسكنه قرية فالأفضل أن يحرم من أبعد جانبيها، وإن أحرم من أقرب جانبيها جاز، وهكذا القول في المواقيت التي وقتها رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كانت قريبة والحلة كالقرية فيما ذكرنا وإن كان مسكنه منفرداً فميقاته مسكنه أو حذوه وكل ميقات فحذوه بمنزلته، ثم إن كان مسكنه في الحل فإحرامه منه للحج والعمرة معاً، وإن كان في الحرم فإحرامه للعمرة من الحل ليجع في النسك بين الحل والحرم كالمكي، وأما الحج فينبغي أن يجوز له الإحرام من أي الحرم شاء كالمكي

وهل يجوز لمن يقدر على الحج بنفسه أن يستنيب في حج التطوع على روايتين

(مسألة) (وأهل مكة إذا أرادوا العمرة فمن الحل، وإن أرادوا الحج فمن مكة) أهل مكة من كان بها سواء كان مقيماً بها أو غير مقيم لأن كل من أتى على ميقات كان ميقاتاً له لما ذكرنا فكذلك كل من كان بمكة فهي ميقاته للحج، وإن أراد العمرة فمن الحل لا نعلم في هذا خلافا ولذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما أن يعمر عائشة رضي الله عنها من التنعيم وكانت بمكة يومئذ وهذا لقول النبي صلى الله عليه وسلم " حتى أهل مكة يهلون منها " يعني للحج، وقال أيضاً " ومن كان أهله دون الميقات فمن حيث ينشئ حتى يأتي ذلك على أهل مكة " وهذا في الحج فأما في العمرة فميقتاتها في حقهم الحل من أي جوانب الحرم شاء لحديث عائشة رضي الله عنها حين أعمرها من التنعيم وهو أدنى الحل. قال ابن سيرين: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت لأهل مكة التنعيم، وقال ابن عباس: يا أهل مكة من أتى منكم العمرة فليجعل بينه وبينها بطن محسر، يعني إذا أحرم بها من ناحية المزدلفة، وإنما لزم الإحرام من الحل ليجمع في النسك بين الحل والحرم فإنه لو أحرم من الحرم لما جمع بينهما فيه لأن أفعال العمرة كلها في الحرم بخلاف الحج فإنه يفتقر إلى الخروج إلى عرفة ليجمع له الحل والحرم ومن أي الحل أحرم جاز، وإنما أعمر النبي صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها من التنعيم لأنه أقرب الحل إلى مكة وقد روي عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى في المكي كلما تباعد في العمرة فهو أعظم للأجر على قدر تعبها، وأما إذا أراد المكي الإحرام بالحج فمن مكة للخبر المذكور،

ولأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فسخوا الحج أمرهم فأحرموا من مكة، قال جابر رضي الله عنه أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم إن نحرم إذا توجهنا من الأبطح، رواه مسلم، وهذا يدل على أنه لا فرق بين قاطني مكة وغيرهم ممن هو بها كالمتمتع إذا حل ومن فسخ حجه بها ونقل عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى فيمن اعتمر في أشهر الحج من أهل مكة أنه يهل بالحج من الميقات، فان لم يفعل فعليه دم والصحيح ما ذكرنا أولاً، وقد دلت عليه الأحاديث الصحيحة، ويحتمل أن أحمد إنما أراد أن الدم يسقط عنه إذا خرج إلى الميقات فأحرم ولا يسقط إذا أحرم من مكة وهذا في غير المكي، أما المكي فلا يجب عليه دم متعة بحال لقوله تعالى (ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام) وذكر القاضي فيمن دخل مكة يحج عن غيره ثم أراد أن يعتمر بعده لنفسه أو بالعكس، أو دخل بعمرة لنفسه ثم أراد أن يحج أو يعتمر لغيره، أو دخل بعمرة لغيره ثم أراد أن يحج أو يعتمر لنفسه، أنه في جميع ذلك يخرج إلى الميقات فيحرم منه، فان لم يفعل فعليه دم قال: وقد قال الامام أحمد في رواية عبد الله: إذا اعتمر عن غيره ثم أراد الحج لنفسه يخرج إلى الميقات أو اعتمر عن نفسه يخرج إلى الميقات، فإن دخل مكة بغير إحرام ثم أراد الحج يخرج إلى الميقات، واحتج له القاضي بأنه جاوز الميقات مريداً للنسك غير محرم لنفسه فلزمه دم إذا أحرم دونه كمن جاوز

الميقات غير محرم، وعلى هذا لو حج عن شخص واعتمر عن آخر أو اعتمر عن إنسان ثم حج أو اعتمر عن آخر فكذلك والذي ذكره شيخنا رحمه الله تعالى أنه لا يلزمه الخروج إلى الميقات في هذا كله وهو ظاهر كلام الخرقي رحمه الله تعالى لما ذكرنا لأن كل من كان بمكة كالقاطن بها وهذا قد حصل بمكة حلالاً على وجه مباح فأشبه المكي وما ذكره القاضي تحكم بغير دليل، والمعنى الذي ذكره لا يصح لوجوه (أحدها) أنه لا يلزم أن يكون مريداً للنسك لنفسه حال مجاوزته الميقات لأنه قد يبدو له بعد ذلك (الثاني) أن هذا لا يتناول من أحرم عن غيره (الثالث) لو وجب بهذا الخروج إلى الميقات لزم المتمتع والمفرد لأنهما جاوزا الميقات غير مريدين للنسك الذي أحرما به (الرابع) أن المعنى في الذي تجاوز الميقات غير محرم أنه فعل مالا يحل له فعله وترك الإحرام الواجب عليه في موضعه فأحرم من دونه (فصل) ومن أي الحرم أحرم بالحج جاز لأن المقصود من الإحرام به الجمع في النسك بين الحل والحرم وهو حاصل بالإحرام من أي موضع كان من الحرم فجاز كما يجوز الإحرام بالعمرة من أي موضع كان من الحل، وكذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه في حجة الوداع " إذا أردتم أن تنطلقوا إلى منى فأهلوا من البطحاء، ولأن ما اعتبر فيه الحرم استوت البلدة وغيرها فيه كالنحر

باب المواقيت

(فصل) وإن أحرم بالحج من الحل الذي يلي الموقف فعليه دم لأنه أحرم من دون الميقات وإن أحرم من الجانب الآخر ثم سلك الحرم فلا شئ عليه نص عليه أحمد فيمن أحرم بالحج من التنعيم فقال ليس عليه شئ لأنه أحرم قبل ميقاته فكان كالمحرم قبل بقية المواقيت وإن لم يسلك الحرم فعليه دم لكونه لم يجمع في النسك بين الحل والحرم

(مسألة) (ومن لم يكن طريقه على ميقات فإذا حاذى أقرب المواقيت إليه أحرم) ومن سلك طريقاً بين ميقاتين اجتهد حتى يكون إحرامه بحذو الميقات الذي هو أقرب إلى طريقه لأن أهل العراق قالوا لعمر رضي الله عنه إن قرنا جور على طريقنا قال انظروا حذوها من طريقكم، فوقت لهم ذات عرق ولأن هذا مما يعرف بالاجتهاد والتقدير فإن اشتبه دخله الاجتهاد كالقبلة وإن لم يعرف حذو الميقات المقارب لطريقه احتاط فأحرم من بعد بحيث يتيقن أنه لم يجاوز الميقات إلا محرماً لأن الإحرام قبل الميقات جائز وتأخيره عنه غير جائز فالاحتياط فعل ما ذكرنا ولا يلزمه

الإحرام حتى يعلم أنه قد حاذاه لأن الأصل عدم وجوبه فلا يجب بالنسك فإن أحرم ثم علم بعد أنه

ومن منزله دون الميقات فميقاته من موضعه يعني إذا كان مسكنه أقرب إلى مكة من الميقات كان ميقاته مسكنه

قد جاوز ما يحاذي الميقات غير محرم فعليه دم وإن شك في أقرب الميقاتين إليه فالحكم فيه كالحكم

وأهل مكة إذا أرادوا العمرة فمن الحل، وإن أرادوا الحج فمن مكة

في المسألة قبلها فإن كانا متساويين في القرب إليه أحرم من حذو أبعدهما (مسألة) (ولا يجوز لمن أراد دخول مكة تجاوز الميقات بغير إحرام إلا لقتال مباح أو حاجة متكررة كالحطاب ونحوه ثم إن بدا له النسك أحرم من موضعه) من تجاوز الميقات ممن لا يريد النسك ينقسم قسمين (أحدهما) من لا يريد دخول الحرم فهذا لا يلزمه الإحرام بغير خلاف ولا شئ عليه في تركه فإن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أتوا بدراً مرتين وكانوا يسافرون للجهاد وغيره فيمرون بذي الحليفة غير محرمين ولا يرون بذلك بأساً فإن بدا لهذا الإحرام أحرم من موضعه ولا شئ عليه، وهذا ظاهر

كلام الخرقي وبه يقول مالك والثوري والشافعي وصاحبا أبي حنيفة وحكى ابن المنذر عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى في الرجل يخرج لحاجة وهو لا يريد الحج فجاوز ذا الحليفة ثم أراد الحج يرجع إلى ذي الحليفة فيحرم وبه قال إسحاق لأنه أحرم من دون الميقات فلزمه الدم كالذي يريد دخول الحرم والأول أصح وكلام أحمد يحمل على من يجاوز الميقات ممن يجب عليه الإحرام لقول النبي صلى الله عليه وسلم " فهن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن كان يريد الحج أو العمرة " ولأنه حصل دون الميقات على وجه مباح فكان له الإحرام منه كأهل ذلك المكان ولأن هذا القول يفضي إلى من كان منزله دون الميقات إذا خرج إلى الميقات ثم عاد إلى منزله وأراد الإحرام لزمه الخروج إلى الميقات ولا قائل به ولأنه مخالف لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " ومن كان منزله دون الميقات فمهله من أهله " (القسم الثاني) من يريد دخول الحرم إلى مكة أو غيرها وهم على ثلاثة أضرب (أحدها) من يدخلها لقتال مباح أو من خوف أو لحاجة كالحطاب والحشاش وناقل الميرة والفيح ومن كانت له ضيعة يتكرر دخوله وخروجه إليها فلا إحرام عليهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم دخل يوم فتح مكة حلالاً وعلى رأسه المغفر وكذلك أصحابه ولم يعلم أن أحداً منهم أحرم ولانا لو أوجبنا الإحرام على من يتكرر دخوله أفضى إلى أن يكون في جميع زمنه محرماً فسقط للحرج، وهذا مذهب الشافعي وقال أبو حنيفة لا يجوز لأحد دخول الحرم بغير إحرام إلا من كان دون الميقات لأنه يجاوز الميقات مريداً للحرم فلم يجز بغير إحرام

ولنا ما ذكرنا من النص والمعنى، وقد روى الترمذي بإسناده أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل يوم فتح مكة وعلى رأسه عمامة سوداء، وقال حديث حسن صحيح ومتى أراد هذا النسك بعد مجاوزة الميقات أحرم من موضعه كالقسم الذي قبله وفيه من الخلاف ما فيه (الضرب الثاني) من لا يجب عليه الحج كالعبد والصبي والكافر إذا أسلم بعد تجاوز الميقات أو عتق العبد أو بلغ الصبي وأرادوا الإحرام فإنهم يحرمون من موضعهم ولا دم عليهم وبه قال عطاء ومالك والثوري والاوزاعي واسحاق وبه قال أصحاب الرأي في الكافر يسلم والصبي يبلغ وقالوا في العبد عليه دم وقال الشافعي في جميعهم على كل واحد منهم دم وعن أحمد في الكافر يسلم كقوله واختارها أبو بكر، وقال القاضي وهي أصح ويتخرج في الصبي والعبد كذلك قياساً على الكافر يسلم لأنهم تجاوزوا الميقات بغير إحرام وأحرموا دونه فوجب الدم كالمسلم البالغ العاقل ولنا أنهم احرموا من الموضع الذي وجب عليهم الإحرام منه فأشبهوا المكي ومن قريته دون الميقات إذا أحرم منها وفارق من يجب عليه الإحرام إذا تركه لأنه ترك الواجب عليه (الضرب الثالث) المكلف الذي يدخل لغير قتال ولا حاجة متكررة فلا يجوز له تجاوز الميقات غير محرم، وبه قال أبو حنيفة وبعض أصحاب الشافعي، وقال بعضهم لا يجب الإحرام عليه، وعن أحمد ما يدل على ذلك لما روى ابن عمر رضي الله عنهما أنه دخلها بغير إحرام، ولأنه أحد الحرمين

ومن لم يكن طريقه على ميقات فإذا حاذى أقرب المواقيت إليه أحرم

شبه حرم المدينة، ولأن الوجوب من الشارع ولم يرد به إيجاب ذلك على كل داخل فيبقى على الأصل ولنا أنه لو نذر دخولها لزمه الاحرام، ولم لم يكن واجباً لم يجب بنذر الدخول كسائر البلدان إذا ثبت ذلك فمتى أراد الإحرام بعد تجاوز الميقات فالحكم فيه كمن تجاوزه مريد النسك (فصل) ومن دخل الحرم بغير إحرام ممن يريد الإحرام فلا قضاء عليه وهذا قول الشافعي، وقال أبو حنيفة يجب عليه أن يأتي بحج أو عمرة، فإن أتى بحجة الإسلام في سنته أو منذورة أو عمرة أجزأه عن عمرة الدخول استحساناً لأن مروره على الميقات مريداً للحرم يوجب الإحرام، فإذا لم يأت به وجب قضاؤه كالنذر ولنا أنه مشروع لتحية المبقعة فإذا لم يأت به سقط كتحية المسجد فإن قيل تحية المسجد غير واجبة قلنا إلا أن النوافل المرتبات تقضى وإنما سقط القضاء لما ذكرنا فأما أن تجاوز الميقات ورجع قبل دخول الحرم فلا قضاء عليه بغير خلاف سواء أراد النسك أولا (فصل) ومن كان منزله دون الميقات خارجاً من الحرم فحكمه في مجاوزة قريته إلى ما يلي الحرم حكم المجاوز للميقات في الأحوال الثلاث لأن موضعه ميقاته فهو في حقه كالمواقيت لاهل الآفاق (مسألة) (ومن جاوزه مريدا النسك غير محرم رجع من الميقات فأحرم منه، فإن أحرم من موضعه فعليه دم وإن رجع إلى الميقات) وجملته أن من جاوز الميقات مريداً للنسك غير محرم يجب عليه أن يرجع إلى الميقات ليحرم منه إذا أمكنه لأنه واجب أمكنه فعله فلزمه كسائر الواجبات، وسواء تجاوزه عالماً به أو جاهلاً علم تحريم

ولا يجوز لمن أراد دخول مكة تجاوز الميقات بغير إحرام إلا لقتال مباح أو حاجة متكررة كالحطاب ونحوه ثم إن بدا له النسك أحرم من موضعه

ذلك أو جهله، فإن رجع إليه فأحرم منه فلا شئ عليه لا نعلم في ذلك خلافاً، وبه قال جابر بن زيد والحسن وسعيد بن جبير والثوري والشافعي لأنه أحرم من الميقات الذي أمر بالإحرام منه فلم يلزمه شئ كما لو لم يتجاوزه، وإن أحرم من دون الميقات فعليه دم سواء رجع إلى الميقات أو لم يرجع، وبه قال مالك وابن المبارك وظاهر مذهب الشافعي أنه إن رجع إلى الميقات فلا دم عليه إلا أن يكون قد تلبس بشئ من أفعال الحج كالوقوف وطواف القدوم فيستقر الدم عليه، قالوا لأنه حصل محرماً في الميقات قبل التلبس بأفعال الحج فلم يلزمه دم كما لو احرم عنه، وعن أبي حنيفة أن رجع إلى الميقات فلبى سقط عنه الدم، وإن لم يلب لم يسقد عنه، وعن عطاء والحسن والنخعي لا شئ على من ترك الميقات ولنا ماروى ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من ترك نسكاً فعليه دم " روي موقوفاً ومرفوعاً، ولأنه أحرم دون ميقاته واستقر عليه الدم كما لو لم يرجع أو كما لو طاف عند الشافعي، وكما لو لم يلب عند أبي حنيفة، ولأن الدم وجب بتركه الإحرام من الميقات ولا يزول هذا برجوعه ولا بتلبيته لأن الأصل بقاء ما وجب وفارق ما إذا رجع قبل إحرامه فأحرم منه، فإنه لم يترك الإحرام منه ولم يهتكه (فصل) ولو أفسد المحرم من دون الميقات حجه لم يسقط عنه الدم، وبه قال الشافعي واسحاق وأبو ثور وابن المنذر، وقال الثوري وأصحاب الرأي يسقط لأن القضاء واجب ولنا أنه وجب عليه بموجب هذا الإحرام فلم يسقط بوجوب القضاء كبقية المناسك وكجزاء الصيد (فصل) وإن جاوز الميقات غير محرم وخشي إن رجع إلى الميقات فوات الحج جاز أن يحرم من موضعه بغير خلاف نعلمه ويجزئه الحج إلا أنه روي عن سعيد بن جبير، من ترك الميقات فلا حج له: والأول مذهب الجمهور لأنه لو كان من أركان الحج لم يختلف باختلاف الناس والأماكن كالوقوف والطواف، وإذا أحرم من دون الميقات عند خوف الفوات فعليه دم لا نعلم فيه خلافاً عند من أوجب الإحرام من الميقات لحديث ابن عباس، وإنما أبحنا له الإحرام من موضعه مراعاة لإدراك الحج فإن مراعاة ذلك أولى من مراعاة واجب فيه مع فواته، ومن لم يمكنه الرجوع لعدم الرفقة أو الخوف من عدو، أو لص، أو مرض، أو لا يعرف الطريق ونحو هذا مما يمنع الرجوع فهو كالخائف الفوات في أنه يحرم من موضعه وعليه دم (مسألة) والاختيار أن لا يحرم قبل ميقاته ولا يحرم بالحج قبل أشهره فإن فعل فهو محرم)

الأفضل الإحرام من الميقات ويكره قبله روي نحو ذلك عن عمر وعثمان رضي الله عنهما، وبه قال الحسن وعطاء ومالك واسحاق، وقال أبو حنيفة: الأفضل الإحرام من بلده، وعن الشافعي كالمذهبين، وكان علقمة والاسود وعبد الرحمن يحرمون من بيوتهم، واحتجوا بما روي عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " من أهل بحجة أو عمرة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر أو وجبت له الجنة " شك عبد الله أيتهما قال رواه أبو داود، وأحرم ابن عمر من إيلياء، وروى النسائي وأبو داود بإسنادهما عن الضبي بن معبد قال: أهللت بالحج والعمرة فلما أتيت العذيب لقيني سلمان بن ربيعة وزيد بن صوحان وأنا أهل بهما فقال أحدهما: ما هذا بأفقه من بعيره فأتيت عمر فذكرت ذلك له فقال لي: هديت لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم وهذا إحرام به قبل الميقات، وروي عن عمر وعلي رضي الله عنهما في قوله تعالى (وأتموا الحج والعمرة لله) إنما هو أن تحرم بهما من دويرة أهلك ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أحرموا من الميقات ولا يفعلون إلا الأفضل (1) فإن قيل إنما فعل ليبين الجواز قلنا قد حصل بيان الجواز بقوله كما في سائر المواقيت، ثم لو كان كذلك لكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه يحرمون من بيوتهم ولما تواطؤا على ترك الأفضل واختيار الأدنى وهم أفضل الخلق ولهم من الحرص على الفضائل والدرجات مالهم، وروى أبو يعلى الموصلي بإسناده عن أبي أيوب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يستمتع أحدكم بحله ما استطاع فإنه لا يدري ما يعرض له في إحرامه " وروى الحسن أن عمران بن حصين أحرم من مصره فبلغ ذلك عمر رضي الله عنه فغضب وقال: يتسامع الناس أن رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحرم من مصره، وقال أن عبد الله بن عامر أحرم من خراسان فلما قدم على عثمان رضي الله عنه لامه فيما صنع وكرهه له، رواهما سعيد والاثرم، وقال البخاري كره عثمان أن يحرم من خراسان أو كرمان، ولأنه أحرم قبل الميقات فكره كالإحرام بالحج قبل أشهره، ولأنه تغرير بالإحرام وتعريض لفعل محظوراته وفيه مشقة على النفس فكره كالوصال في الصوم، قال عطاء انظروا هذه المواقيت التي وقت لكم فخذوا برخص الله فيها، فإنه عسى أن يصيب أحدكم ذنباً في إحرامه فيكون أعظم لوزره فإن الذنب في الإحرام أعظم من ذلك فأما حديث الإحرام من بيت المقدس ففيه ضعف يرويه ابن أبي فديك ومحمد بن إسحاق وفيهما مقال ويحتمل اختصاص هذا ببيت المقدس دون غيره ليجمع بين الصلاة في المسجدين في إحرام واحد، ولذلك أحرم ابن عمر منه ولم يكن يحرم من غيره إلا من الميقات، وقول عمر رضي الله عنه للضبي:

هديت لسنة نبيك يعني في الجمع بين الحج والعمرة لا في الإحرام من قبل الميقات، فإن سنة النبي صلى الله عليه وسلم الإحرام من الميقات بين ذلك بفعله وقوله، وقد تبين أنه لم يرد ذلك بإنكاره على عمران بن حصين حين أحرم من مصره، وأما قول عمر وعلي رضي الله عنهما فإنما قالا إتمام العمرة أن تنشئها من بلدك، يعني أن تنشي، لها سفراً من بلدك تقصد له ليس أن تحرم بها من أهلك، قال أحمد كان سفيان يفسره بهذا، وكذلك فسره به أحمد ولا يصح إن يفسر بنفس الإحرام لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ما أحرموا بها من بيوتهم، وقد أمرهم سبحانه بإتمام العمرة، فلو حمل قولهم على ذلك لكان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه تاركين الأمر، ثم أن عمر وعلياً ما كانا يحرمان إلا من الميقات افتراهما يريان أن ذلك ليس بإتمام لها ويفعلانه؟ هذا لا ينبغي أن يتوهمه أحد، ولذلك أنكر عمر على عمران إحرامه من مصره واشتد عليه وكره أن يتسامع الناس مخافة أن يؤخذ به افتراه كره إتمام العمرة واشتد عليه أن يأخذ الناس بالأفضل؟ هذا لا يجوز فتعين حمل قولهما على ما حمله عليه الأئمة (فصل) ويكره الإحرام بالحج قبل أشهره بغير خلاف علمناه لكونه إحراماً به قبل وقته فأشبه الإحرام به قبل ميقاته بل الكراهة هنا أشد لأن في صحته اختلافاً فإن أحرم بالحج قبل ميقات المكان صح إحرامه بغير خلاف علمناه إلا أنه يكره ذلك وقد ذكرناه وإن أحرم به قبل أشهره صح أيضاً إذا بقي على إحرامه إلى وقت الحج نص عليه أحمد في رواية جماعة، وهو قول النخعي والثوري وأبي حنيفة ومالك واسحاق، وقال عطاء وطاوس ومجاهد والشافعي يجعله عمرة وذكر القاضي في الشرح رواية مثل ذلك واختارها ابن حامد لقول الله تعالى (الحج أشهر معلومات) تقديره وقت الحج أو أشهر الحج من قبيل حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه وإذا ثبت أنه وقته لم يصح تقديمه عليه كأوقات الصلوات ولنا قوله تعالى (يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج) يدل على أن جميع الأشهر ميقات (1) ولأنه أحد النسكين فجاز الإحرام به في جميع السنة كالعمرة وأحد الميقاتين فصح الإحرام قبله كميقات المكان والآية محمولة على أن الإحرام به إنما يستحب فيها (مسألة) (وأشهر الحج شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة وهو ميقات الزمان للحج) هذا قول ابن مسعود وابن عمر وابن الزبير وعطاء ومجاهد والحسن والشعبي والنخعي وقتادة والثوري وأصحاب الرأي وروي عن عمر وابنه وابن عباس أشهر الحج شوال وذو القعدة وذو الحجة، وقول مالك لأن أقل الجمع ثلاثة، وقال الشافعي آخر أشهر الحج ليلة النحر وليس

ومن جاوزه مريدا للنسك غير محرم رجع من الميقات فأحرم منه

يوم النحر منها لقوله تعالى (فمن فرض فيهن الحج) ولا يمكن فرضه بعد ليلة النحر ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " يوم الحج الأكبر يوم النحر " رواه أبو داود فكيف يجوز أن يكون يوم الحج الأكبر ليس من أشهره؟ ولأنه قول من سمينا من الصحابة ولأن يوم النحر فيه ركن الحج وهو طواف الزيارة وفيه رمي جمرة العقبة والحلق والنحر والسعي والرجوع إلى منى وما بعده ليس من أشهره لأنه ليس بوقت لإحرامه ولا لأركانه (1) فهو كالمحرم ولا يمنع التعبير بلفظ الجمع عن شيئين وبعض الثالث فقد قال الله تعالى (يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) والقروء الطهر عند مالك ولو طلقها في طهر احتسبت بنفسه وبقول العرب ثلاث خلون من ذي الحجة وهم في الثالثة وقوله تعالى (فرض فيهن الحج) أي في أكثرهن والله تعالى أعلم (فصل) فأما العمرة فكل الزمان ميقات لها ولا يكره الإحرام بها في يوم النحر وعرفة وأيام التشريق في أشهر الروايتين وعنه يكره وبه قال أبو حنيفة ولنا أنه زمان لإحرام الحج فلم يكره فيه إحرام العمرة كغيره (باب الإحرام) (مسألة) (يستحب لمن أراد الإحرام أن يغتسل ويتنظف ويتطيب ويلبس ثوبين أبيضين نظيفين ازارا أو رداء ويتجرد عن المخيط)

يستحب لمن أراد الإحرام أن يغتسل قبله وهو قول طاوس والنخعي ومالك والشافعي وأصحاب الرأي لما روى زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم تجرد لإهلاله واغتسل، رواه الترمذي وقال حديث حسن غريب، وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أسماء بنت عميس وهي نفساء أن تغتسل عند الإحرام، ولأن هذه العبادة يجتمع لها الناس فسن لها الاغتسال كالجمعة، وليس ذلك واجباً في قول عامة أهل العلم، قال ابن المنذر أجمع أهل العلم على أن الإحرام جائز بغير اغتسال وأنه غير واجب وحكي عن الحسن أنه قال: إذا نسي الغسل يغتسل إذا ذكر، قال الأثرم سمعت أبا عبد الله قيل له عن بعض أهل المدينة من ترك الاغتسال عند الإحرام فعليه دم لقول النبي صلى الله عليه وسلم لأسماء " اغتسلي فكيف الطاهر؟ فأظهر التعجب من هذا القول، وكان ابن عمر يغتسل أحياناً ويتوضأ أحياناً وأي ذلك فعل أجزأه ولا أوجب (1) الاغتسال ولا أمر به إلا لحائض أو نفساء، ولو كان واجباً لأمر به غيرهما، ولأنه لأمر مستقبل فأشبه غسل الجمعة، فان لم يجد ماء، فقال القاضي يتيمم لأنه غسل مشروع فناب التيمم عنه كالواجب، والصحيح أنه غير مسنون لأنه غسل غير واجب فلم يستحب التيمم عند عدمه كغسل الجمعة وما ذكره منتقض بغسل الجمعة، والفرق بين الواجب والمسنون أن

والاختيار أن لا يحرم قبل ميقاته ولا يحرم بالحج قبل أشهره فإن فعل فهو محرم

الواجب شرع لإباحة الصلاة والتيمم يقوم مقامه في ذلك، والمسنون يراد للتنظيف وقطع الرائحة والتيمم لا يحصل هذا بل يحصل شعثاً وتغبيراً، ولذلك افترقا في الطهارة الصفرى فلم يشرع تجديد التيمم ولا تكرار المسح (فصل) ويستحب للمرأة الغسل كالرجل وإن كانت حائضاً أو نفساء لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أسماء بنت عميس وهي نفساء أن تغتسل رواه مسلم، وأمر عائشة أن تغتسل لإهلال الحج وهي حائض. فإن رجت الحائض أو النفساء الطهر قبل الخروج من الميقات استحب لهما تأخير الاغتسال حتى يطهرا ليكون أكمل لهما وإلا اغتسلتا لما ذكرناه (فصل) ويستحب التنظيف بازالة الشعر وقطع الرائحة ونتف الإبط وقص الشارب وتقليم الأظفار وحلق العانة لأنه أمر يسن له الاغتسال والطيب فسن له هذا كالجمعة، ولأن الإحرام يمنع قطع الشعر وتقليم الأظفار فاستحب له فعله قبله لئلا يحتاج إليه في إحرامه فلا يتمكن منه (فصل) ويستحب لمن أراد الإحرام أن يتطيب في بدنه خاصة ولا فرق بين ما تبقى عينه كالمسك

أو أثره كالعود والبخور وماء الورد هذا قول ابن عباس وابن الزبير وسعد بن أبي وقاص وعائشة وأم حبيبة ومعاوية رضي الله عنهم وروي عن ابن الحنفية وأبي سعيد وعروة والقاسم والشعبي وابن جريج. وكان عطاء يكره ذلك، وهو قول مالك وروي ذلك عن عمر وعثمان وابن عمر رضي الله عنهم وإحتج مالك بما روى يعلى بن أمية أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يارسول الله كيف ترى في رجل أحرم بعمرة وهو متضمخ بطيب؟ فسكت النبي صلى الله عليه وسلم يعني ساعة ثم قال " اغسل الطيب الذي بك ثلاث مرات وانزع عنك الجبة واصنع في عمرتك ما تصنع في حجك " متفق عليه ولأنه يمنع من ابتدائه فمنع من استدامته كاللبس ولنا قول عائشة رضي الله عنها كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت. وقالت كأني أنظر إلى وبيص الطيب في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم. متفق عليه وفي لفظ لمسلم طيبته بأطيب الطيب وقالت بطيب فيه مسك وحديثهم في بعض ألفاظه عليه جبة بها أثر الخلوق رواه مسلم وفي بعضها وهو متضمخ بالخلوق وفي بعضها عليه ردع من زعفران وهذا يدل على أن طيب الرجل كان من الزعفران وهو منهي عنه للرجال في غير الإحرام ففيه أولى وقد روي البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يتزعفر الرجل ولأن حديثهم في سنة ثمان وحديثنا في سنة عشر قال ابن

جريج كان شأن صاحب الجبة قبل حجة الوداع قال ابن عبد البر لا خلاف بين جماعة أهل العلم بالسير والآثار أن قصة صاحب الجبة كانت عام خيبر بالجعرانة سنة ثمان وحديث عائشة في حجة الوداع سنة عشر فعند ذلك أن قدر التعارض فحديثنا ناسخ لحديثهم فإن قيل فقد روى محمد بن المنتشر قال سألت ابن عمر عن الطيب عند الإحرام فقال لأن أطلي بالقطران أحب إلي من ذلك قلنا تمام الحديث قال فذكرت ذلك لعائشة فقالت يرحم الله أبا عبد الرحمن قد كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيطوف في نسائه ثم يصبح ينضح طيباً فإذا صار الخبر حجة على من احتج به فإن فعل النبي صلى الله عليه وسلم حجة على ابن عمر وغيره وقياسهم يبطل بالنكاح فإن الإحرام يمنع ابتداءه دون استدامته (فصل) فإن طيب ثوبه فله استدامة لبسه ما لم ينزعه فإن نزعه فليس له لبسه فإن لبسه افتدى لأن الإحرام يمنع ابتداء الطيب ولبس المطيب دون الاستدامة وكذا إن نقل الطيب من موضع من بدنه إلى موضع يفتدي لأنه ابتدأ الطيب وكذا إن تعمد مسه بيده أو نحاه عن موضعه ثم رده إليه فأما إن عرق الطيب أو ذاب بالشمس فسال إلى موضع اخر فلا شئ عليه لأنه ليس من فعله قالت عائشة رضي الله عنها كنا نخرج مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة فنضمد جباهنا بالمسك عند الإحرام فإذا عرقت إحدانا سال على وجهها فيرانا النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينهانا رواه أبو داود

وأشهر الحج شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة وهو ميقات الزمان للحج

(فصل) ويستحب أن يلبس ثوبين أبيضين نظيفين إزارا ورداء لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " وليحرم أحدكم في إزار ورداء ونعلين " ويستحب أن يكونا نظيفين إما جديدين أو مفسولين لأنا أحببنا له التنظيف في بدنه فكذلك في ثيابه كشاهد الجمعة، والأولى أن يكونا أبيضين لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " خير ثيابكم البياض فألبسوها أحياكم وكفنوا فيها موتاكم " رواه النسائي بمعناه (فصل) ويتجرد عن المخيط إن كان رجلاً، فأما المرأة فلها ليس لبس المخيط في الإحرام لأن المحرم ممنوع من لبسه في شئ من بدنه وهو كل ما يخاط على قدر الملبوس عليه كالقميص والسراويل والبرنس، ولو لبس إزاراً موصلاً، أو اتشح بثوب مخيط كان جائزاً وسنذكر ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى (مسألة) (ويصلي ركعتين ويحرم عقيبهما) المستحب أن يحرم عقيب الصلاة فإن حضرت صلاة مكتوبة أحرم عقيبها وإلا صلى ركعتين تطوعاً وأحرم عقيبهما وهذا قول عطاء وطاوس ومالك والشافعي والثوري وأبي حنيفة واسحاق وأبي ثور وابن المنذر، وروي عن ابن عمر وابن عباس، وقد روي عن أحمد أن الإحرام عقيب الصلاة وإذا استوت به راحلته وإذا بدأ السير سواء لأن الجميع مروي عن النبي صلى الله عليه وسلم من طرق صحيحة. قال الأثرم سألت أبا عبد الله أيما أحب إليك الإحرام في دبر الصلاة أو إذا استوت به راحته؟ قال كل ذلك قد جا، في دبر الصلاة وإذا علا البيداء وإذا استوت به راحلته فوسع في ذلك كله. قال ابن عمر رضي الله عنهما: أهل النبي صلى الله عليه وسلم حين استوت به راحلته قائمة وروى ابن عباس وأنس رضي الله عنهما نحوه. رواهن البخاري والأولى الإحرام عقيب الصلاة

لما روى سعيد بن جبير قال: ذكرت لابن عباس إهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أوجب رسول الله صلى الله عليه وسلم الإحرام حين فرغ من صلاته، ثم خرج فلما ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم راحلته واسوت به قائمة أهل فأدرك ذلك منه قوم فقالوا: أهل حين استوت به راحلته وذلك أنهم لم يدركوا إلا ذلك ثم سار حتى علا البيداء فأهل فأدرك ذلك منه ناس فقالوا: أهل حين علا البيداء. رواه أبو داود والاثرم وهذا لفظه، وهذا فيه بيان وزيادة فتعين حمل الأمر عليه، ولو لم يقله ابن عباس لتعين حمل الأمر عليه جمعاً بين الأخبار المختلفة وعلى سبيل الاستحباب، وكيفما أحرم جاز. لا نعلم أحدا خالف في ذلك (مسألة) (وينوي الإحرام بنسك معين ولا ينعقد إلا بالنية) يستحب أن يعين ما يحرم به من الإنساك، وبه قال مالك وقال الشافعي في أحد قوليه الإطلاق أولى لما روي طاوس قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة لا يسمي حجاً ينتظر القضاء فنزل عليه القضاء وهو بين الصفا والمروة فأمر أصحابه من كان منهم أهل ولم يكن معه هدي أن يجعلوها عمرة ولأن ذلك أحوط لأنه لا يأمن الإحصار أو تعذر فعل الحج فيجعلها عمرة ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه بالإحرام بنسك معين فقال " من شاء منكم أن يهل بالحج أو عمرة فليهل، ومن أراد أن يهل بحج فليهل، ومن أراد أن يهل بعمرة فليهل " والنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إنما أحرموا بمعين لما نذكره إن شاء الله تعالى في الأحاديث الصحيحة، ولأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين كانوا معه في صحبته يطلعون على أحواله ويقتدون به أعلم به من طاوس، ثم إن حديثه مرسل والشافعي لا يحتج بالمراسيل فكيف صار إليه مع مخالفه الروايات الصحيحة المسندة والاحتياط ممكن بأن يجعلها عمرة، فإن شاء كان متمتعاً، وإن شاء أدخل عليها الحج فصار قارناً (فصل) وينوي الإحرام بقلبه ولا ينعقد إلا بالنية لقول البني صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنيات) ولأنها عبادة محضة فافتقرت إلى النية كالصلاة فإن لبى من غير نية لم يصر محرماً لما ذكرنا وإن اقتصر على النية كفاه ذلك وهو قول مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة لا ينعقد بمجرد النية حتى يضاف إليها التلبية أو سوق الهدي لما روى خلاد بن السائب الانصاري عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال جاءني جبريل فقال يا محمد مر أصحابك أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية قال الترمذي هذا حديث حسن ولأنها

باب الإحرام

عبادة ذات تحريم وتحليل فكان لها نطق واجب كالصلاة ولأن الهدي والأضحية لا يجبان بمجرد النية كذلك النسك. ولنا أنها عبادة ليس في آخرها نطق واجب فلم يكن في أولها كالصيام والخبر المراد به الاستحباب فإن منطوقه رفع الصوت ولا خلاف في عدم وجوبه فما هو من ضرورته أولى ولو وجب النطق لم يلزم كونه شرطاً فأن كثيراً من واجبات الحج غير مشترطه فيه والصلاة في آخرها نطق واجب بخلاف الحج والعمرة وأما الهدي والأضحية فإيجاب مال فهو يشبه النذر بخلاف الحج لأنه عبادة بدنية فعلى هذا لو نطق بغير ما نواه نحو أن ينوي العمرة فيسبق لسانه إلى الحج أو بالعكس انعقد ما نواه دون ما لفظه به. قال إبن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على هذا وذلك لأن الواجب النية وعليها الاعتماد واللفظ لا عبرة به فلم يؤثر كما لا يؤثر اختلاف النية فيما يعتبر له اللفظ دون النية فإن لبى أو ساق الهدي من غير نية لم ينعقد إحرامه لأن ما اعتبرت له النية لا ينعقد بدونها كالصوم والصلاة (مسألة) (ويشترط فيقول اللهم إني أريد النسك الفلاني فيسره لي وتقبله مني وإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستي) فإن أراد التمتع قال اللهم إني أريد العمرة فيسرها لي وتقبلها مني وإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستي وإن أراد الأفراد قال اللهم إني أريد الحج فيسره لي وتقبله مني وبشترط. وإن أراد القران قال اللهم إني أريد الحج والعمرة فيسرهما لي وتقبلهما مني وبشترط. وهذا الاشتراط مستحب ويفيد هذا الشرط شيئين. (أحدهما) أنه إذا عاقه عدو أو مرض أو ذهاب نفقة ونحوه أن له التحلل (والثاني) أنه متى حل بذلك فلا شئ عليه وممن رأى الاشتراط في الإحرام عمر وعلي وابن مسعود وعمار رضي الله عنهم وبه قال عبيدة السلماني وعلقمة والاسود وشريح وسعيد بن المسيب وعطاء وعكرمة والشافعي بالعراق وأنكره ابن عمر وطاوس وسعيد بن جبير والزهري ومالك وأبو حنيفة وعن أبي حنيفة أن الاشتراط يفيد سقوط الدم فأما التحلل فهو ثابت عنده بكل إحصار واحتجوا بأن ابن عمر كان ينكر الاشتراط ويقول حسبكم سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم ولأنها عبادة تجب بأصل الشرع فلم يفد الاشتراط فيها كالصوم والصلاة. ولنا ماروت عائشة رضي الله عنها قالت دخل النبي صلى الله عليه وسلم على ضباعة بنت الزبير فقالت يارسول الله إني أريد الحج وأنا شاكية فقال النبي صلى الله عليه وسلم " حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني " متفق عليه

وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن ضباعة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يارسول الله إني أريد الحج فكيف أقول؟ قال قولي (لبيك اللهم لبيك ومحلي من الأرض حيث تحبسني. فإن لك على ربك ما استثنيت) رواه مسلم ولا قول لأحد مع قول النبي صلى الله عليه وسلم فكيف يعارض بقول ابن عمر ولو لم يكن فيه حديث لكان قول الخليفتين الراشدين مع من قد ذكرنا قوله من فقهاء الصحابة أولى من قول ابن عمر إذا ثبت هذا فإن غير هذا اللفظ مما يؤدي معناه يقوم مقامه لأن المقصود المعنى واللفظ إنما أريد لتأدية المعنى قال إبراهيم خرجنا مع علقمة وهو يريد العمرة فقال اللهم إني أريد العمرة إن تيسرت وإلا فلا حرج علي. وكان شريح يقول اللهم قد عرفت نيتي وما أريد فإن كان أمراً تتمه فهو أحب إلي وإلا فلا حرج علي. وقالت عائشة رضي الله عنها لعروة قل اللهم إني أريد الحج وإياه نويت فإن تيسر وإلا فعمرة. فإن نوى الاشتراط ولم يتلفظ به احتمل أن يصح لأنه تابع لعقد الإحرام والإحرام ينعقد بالنية فكذلك تابعه واحتمل أنه لابد من القول لأنه اشتراط فاعتبر فيه القول كالاشتراط في النذر والاعتكاف والوقوف ويدل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس " قولي محلي من الأرض حيث تحبسني " (مسألة) (وهو مخير بين التمتع والإفراد والقران) لا خلاف بين أهل العلم في جواز الإحرام بأي الإنساك الثلاثة شاء، وقد دل على ذلك قول عائشة رضي الله عنها خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنا من أهل بعمرة ومنا من أهل بحج وعمرة ومن من أهل بحج متفق عليه فذكرت التمتع والقران والإفراد (مسألة) (وأفضلها التمتع ثم الإفراد ثم القران، وعنه إن ساق الهدي فالقران أفضل ثم التمتع) أفضل الإنساك التمتع ثم الإفراد ثم القران، وممن روي عنه اختيار التمتع ابن عمر وابن عباس وابن الزبير وعائشة والحسن وعطاء وطاوس ومجاهد وجابر بن زيد وسالم والقاسم وعكرمه وأحد قولي الشافعي، وروى المروذي عن أحمدان ساق الهدي فالقران أفضل وإن لم يسقه فالتمتع أفضل

لأن النبي صلى الله عليه وسلم قرن حين ساق الهدي ومنع كل من ساق الهدي من الحل حتى ينحر هديه وذهب الثوري وأصحاب الرأي إلى اختيار القران لما روى أنس رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل بهما جميعاً " لبيك عمرة وحجاً " متفق عليه، وحديث الضبي بن معبد حين أحرم بهما فأنى عمر فسأله فقال هديت لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم وروي عن مروان بن الحكم قال كنت جالساً عند عثمان ابن عفان فسمع علياً يلبي بعمرة وحج فأرسل إليه فقال ألم نكن نهينا عن هذا؟ فقال بلى. ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبي بهما جميعاً فلم أكن أدع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لقولك رواه سعيد ولأن القران مبادرة إلى فعل العبادة وإحرام بالنسكين من الميقات وفيه زيادة نسك هو الدم فكان أولى، وذهب مالك وأبو ثور إلى اختيار الأفراد وهو ظاهر مذهب الشافعي وروي ذلك عن عمر وعثمان وابن عمر وجابر وعائشة رضي الله عنهم لما روت عائشة وجابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد الحج متفق عليهما وعن ابن عمر وابن عباس مثل ذلك متفق عليه ولأنه يأتي بالحج تاماً من غير احتياج إلى جبر فكان أولى قال عثمان: ألا إن الحج التام من أهليكم والعمرة التامة من أهليكم وقال إبراهيم أن أبا بكر وعمر وابن مسعود وعائشة كانوا يجردون الحج ولنا ما روى ابن عباس وجابر وأبو موسى وعائشة رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه

لما طافوا بالبيت أن يحلو ويجعلوها عمرة فنقلهم من الإفراد والقران إلى المتعة متفق عليهما ولا ينقلهم إلا إلى الأفضل ولم يختلف عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما قدم مكة أمر أصحابه أن يحلوا إلا من ساق هديا وثبت على إحرامه وقال " لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولجعلتها عمرة " قال جابر حججنا مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم ساق البدن معه وقد أهلوا بالحج مفرداً فقال لهم " حلوا من إحرامكم واجعلوا التي قدمتم بها متعة " فقالوا كيف نجعلها عمرة وقد سمينا الحج؟ فقال " افعلوا ما أمرتكم به فلولا أني سقت الهدي لفعلت مثل الذي أمرتكم به " وفي لفظ فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " قد علمتم أني أتقاكم لله وأصدقكم وأبركم ولولا هديي لحللت كما تحلون ولو استقبلت من أمري ما استدبرت ما اهديت " فحللنا وسمعنا وأطعنا متفق عليهما فنقلهم إلى التمتع وتأسف إذ لم يمكنه ذلك فدل على فضله، ولأن التمتع منصوص عليه في كتاب الله تعالى بقوله (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج) دون سائر الانساك ولأن التمتع يجتمع له الحج والعمرة في أشهر الحج مع كمالهما وكمال أفعالهما على وجه اليسر والسهولة مع زيادة نسك فكان أولى فأما القرآن فإنما يؤتى فيه بأفعال الحج وتدخل أفعال العمرة فيه والمفرد إنما يأتي بالحج وجده وإن اعتمر بعده من أدنى الحل فقد اختلف في إجزائها عن عمرة الإسلام وكذلك اختلف في إجزاء عمرة القارن ولا خلاف في إجزاء عمرة المتمتع فكان أولى فأما حجتهم بفعل النبي صلى الله عليه وسلم ففيها أجوبة (أحدها) منع أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم محرما بغير التمتع لأمور أولها أن رواة أحاديثهم قد رووا

ويصلي ركعتين ويحرم عقيبهما

أن النبي صلى الله عليه وسلم تمتع بالعمرة إلى الحج رواه ابن عمر وعائشة وجابر رضي الله عنهم من طرق صحاح فسقط الاحتجاج بها (وثانيها) أن روايتهم اختلفت فرووا مرة أنه أفرد ومرة أنه تمتع ومرة أنه قرن والقضية واحدة ولا يمكن الجمع بينها فوجب اطراح الكل وأحاديثهم في القرآن أصحها حديث أنس وقد أنكره ابن عمر فقال رحم الله انسا ذهل أنس متفق عليه وفي رواية: كان أنس يتولج على النساء أي كان صغيراً وحديث علي رواه حفص بن أبي داود وهو ضعيف عن ابن أبي ليلى وهو كثير الوهم قاله الدارقطني (وثالثها) أن أكثر الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم كان متمتعاً روى ذلك عمر وعلي وعثمان وسعد ابن أبي وقاص وابن عباس وابن عمر ومعاوية وأبو موسى وجابر وعائشة وحفصة بأحاديث صحاح وإنما منعه من الحل الهدي الذي كان معه ففي حديث عمر أنه قال إني لا أنهاكم عن المتعة وإنها لفي كتاب الله ولقد صنعها رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني العمرة في الحج وفي حديث علي أنه اختلف هو وعثمان في المتعة بعسفان فقال علي ما تريد إلى أمر فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم تنهى عنه متفق عليه وللنسائي قال علي لعثمان ألم تسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم تمتع؟ قال بلى وعن ابن عمر قال تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج وعنه أن حفصة قالت للنبي صلى الله عليه وسلم ما شأن الناس حلوا من عمرتهم ولم تحلل أنت من عمرتك؟ قال " إني لبدت رأسي وقلدت هديي فلا

وينوي الإحرام بنسك معين ولا ينعقد إلا بالنية

أحل حتى أنحر متفق عليهما وقال سعد صنعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وصنعناها معه وهذه الأحاديث راجحة لأن رواتها أكثر وأعلم ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بالمتعة عن نفسه في حديث حفصة فلا يعارض خبره غيره ولأنه يمكن الجمع بين الأحاديث بأن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أحرم بالمتعة ثم لم يحل منها لأجل هديه حتى أحرم بالحج فصار قارناً وسماه من سماه مفرداً لأنه اشتغل بأفعال الحج وحدها بعد فراغه من أفعال العمرة فإن الجمع بين الأحاديث مهما أمكن أولى من حملها على التعارض (الوجه الثاني) من الجواب أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر أصحابه بالانتقال إلى المتعة عن الافراد والقرآن ولا يأمرهم إلا بالانتقال إلى الأفضل فإنه من المحال أن ينقلهم من الأفضل إلى الأدنى وهو الداعي إلى الخير الهادي إلى الفضل ثم أكد ذلك بتأسفه على فوات ذلك في حقه ولأنه لا يقدر على انتقاله وحله لسوقه وهذا ظاهر الدلالة (الثالث) إن ما ذكرناه قول النبي صلى الله عليه وسلم وهم يحتجون بفعله وعند التعارض يجب تقديم القول لاحتمال اختصاصه بفعله دون غيره كنهيه عن الوصال مع فعله له ونكاحه بغير ولي مع قوله " لا نكاح إلا بولي " فإن قيل فقد قال أبو ذر كانت متعة الحج لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم خاصة رواه مسلم قلنا هذا قول صحابي يخالف الكتاب والسنة والإجماع وقول من هو خير وأعلم أما الكتاب

ويشترط فيقول اللهم ني أريد النسك الفلاني فيسره لي وتقبله مني وإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني

فقوله سبحانه (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج) وهذا عام وأجمع المسلمون على إباحة التمتع، وأما السنة فروى سعيد بإسناده أن سراقة بن مالك سأل النبي صلى الله عليه وسلم المتعة لنا خاصة أم هي للأبد؟ قال " بل هي للأبد " وفي لفظ قال هي لعامنا أو للأبد؟ قال " بل لأبد الأبد دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة " وفي حديث جابر الذي رواه مسلم في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا ومعناه والله أعلم أن الجاهلية كانوا لا يحيزون التمتع ويرون العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور فبين النبي صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى قد شرع العمرة في أشهر الحج وجوز المتعة إلى يوم القيامة وقد خالف أبا ذر علي وسعد وابن عباس وابن عمر وعمران بن حصين وسائر المسلمين قال عمران تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل فيه القرآن ولم ينهنا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينسخها شئ فقال فيها رجل برأيه ما شاء متفق عليه وقال سعد بن أبي وقاص فعلناها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني المتعة وهذا يومئذ كافر بالعرش يعني الناهي عنها والعرش بيوت مكة قال أحمد حين ذكر له حديث أبي ذر أفيقول بهذا أحد؟ المتعة في كتاب الله تعالى وقد أجمع المسلمون على جوازها، فإن قيل فقد روى أبو داود أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أتى عمر فشهد عنده أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم

ينهى عن العمرة قبل الحج قلنا هذا حاله في مخالفة الكتاب والسنة والإجماع كحال حديث أبي ذر بل هو أدنى حالا فإن في إسناده مقالاً فإن قيل فقد نهى عنها عمر وعثمان ومعاوية قلنا فقد أنكر عليهم علماء الصحابة نهيهم عنها وخالفوهم في فعلها وقد ذكرنا إنكار علي على عثمان واعتراف عثمان له وقول عمران بن حصين منكراً لنهي من نهى وقول سعد عائباً على معاوية نهيه عنها وردهم عليهم بحجج لم يكن لهم عنها جواب بل ذكر بعض من نهى في كلامه الحجة عليه فقال عمر رضي الله عنه والله إني لأنهاكم عن المتعة وإنها لفي كتاب الله وقد صنعها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا خلاف في أن من خالف كتاب الله وسنة رسوله له حقيق بأن لا يقبل نهيه ولا يحتج به مع أنه قد سئل سالم بن عبد الله بن عمر أنهى عمر عن المتعة؟ قال لا والله ما نهى عنها عمر ولكن قد نهى عنها عثمان ولما نهى معاوية عن المتعة أمرت عائشة حشمها ومواليها أن يهلوا بها فقال معاوية من هؤلاء فقيل حشم أو موالي عائشة فأرسل إليها ما حملك على ذلك؟ فقالت أحببت أن يعلم أن الذي قلت ليس كما قلت وقيل لابن عباس أن فلانا نهى عن المتعة قال انظروا في كتاب الله فإن وجدتموها فيه فقد كذب على الله وعلى رسوله وإن لم تجدوها فقد صدق فأي الفريقين أحق بالاتباع وأولى بالصواب؟ الذين معهم كتاب الله وسنة رسوله أم الذين يخالفونهما؟ ثم قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم الذي قوله حجة على الخلق أجمعين فكيف

وهو مخير بين التمتع والإفراد والقران

يعارض بقول غيره قال سعيد بن جبير عن ابن عباس قال تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " عروة نهى أبو بكر وعمر رضي الله عنهما عن المتعة فقال ابن عباس أراهم سيهلكون أقول قال النبي صلى الله عليه وسلم ويقولون نهى عنها أبو بكر وعمر وسئل ابن عمر عن متعة الحج فأمر بها فقال إنك تخالف أباك فقال: عمر لم يقل الذي تقولون فإذا أكثروا عليه قال فكتاب الله أحق أن تتبعوا أم عمر؟ روى الأثرم هذا كله (مسألة) (وصفة التمتع أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج ويفرغ منها ويحرم بالحج من مكة أو من قريب منها في عامة، والإفراد أن يحرم بالحج مفرداً والقران أن يحرم بهما جميعاً أو يحرم بالعمرة ثم يدخل عليها الحج ولو أحرم بالحج ثم أدخل عليه العمرة لم يصح إحرامه بها) إذا أدخل الحج على العمرة قبل طوافها من غير خوف الفوات جاز وكان قارناً بغير خلاف وقد فعل ذلك ابن عمر ورواه عن النبي صلى الله عليه وسلم فأما بعد الطواف فليس له ذلك ولا يصير قارناً وبهذا قال الشافعي وابو ثور وروي عن عطاء، وقال مالك يصير قارناً وحكي ذلك عن أبي حنيفة لأنه أدخل الحج على إحرام العمرة فصح كما قبل الطواف ولنا أنه قد شرع في التحلل من العمرة فلم يجز إدخال الحج عليها كما بعد السعي (فصل) إلا أن يكون معه هدي فله ذلك لأنه لا يجوز له التحلل حتى ينحر هديه لقوله سبحانه (ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله) فلا يتحلل بطوافه ويتعين عليه إدخال الحج على العمرة لئلا يفوته الحج ويصير قارناً بخلاف غيره (فصل) فأما إدخال العمرة على الحج فلا يجوز وإن فعل لم يصح ولم يصر قارناً روى ذلك عن علي رضي الله عنه وبه قال مالك وأبو ثور وابن المنذر وقال أبو حنيفة يصح ويصير قارناً لأنه أحد النسكين فجاز إدخاله على الآخر كالآخر ولنا أنه قول علي رضي الله عنه رواه عنه الأثرم ولأن إدخال العمرة على الحج لا يفيد إلا ما أفاده العقد الأول فلم يصح كما لو استأجره على عمل ثم استأجره عليه ثانياً وعكسه إذا أدخل الحج على العمرة (مسألة) (ويجب على المتمتع والقارن دم نسك إذا لم يكونا من حاضري المسجد الحرام وهم أهل مكة ومن كان منها دون مسافة القصر)

يجب الدم على المتمتع في الجملة بالإجماع قال إبن المنذر أجمع أهل العلم على أن من أهل بعمرة في أشهر الحج من أهل الآفاق من الميقات وقدم مكة ففرغ منها وأقام بها فحج من عامة أنه متمتع وعليه الهدي إن وجد وإلا فالصيام وقد نص الله سبحانه عليه بقوله (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج) الآية وقال ابن عمر تمتع الناس مع النبي صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للناس " من لم يكن معه هدي فليطف بالبيت وبالصفا والمروة وليقصر ثم ليهل بالحج ويهدي فمن لم يجد فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله " متفق عليه وعن أبي حمزة قال سألت ابن عباس عن المتعة فأمرني بها وسألته عن الهدي فقال فيها جزور أو بقرة أو شرك في دم متفق عليه (مسألة) (والدم الواجب شاة أو سبع بدنة أو بدنة فإن نحر بدنة أو ذبح بقرة فقد زاد خيراً) وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي وقال مالك لا يجزئ إلا بدنة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما تمتع ساق بدنة والذي ذكره ترك لظاهر القرآن لأنه سبحانه قال (فما استيسر من الهدي) واطراح الآثار الثابتة وما احتجوا به فلا حجة فيه فإن إهداء النبي صلى الله عليه وسلم للبدنة لا يمنع اجزاء ما دونها فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد ساق مائة بدنة ولا خلاف في أن ذلك ليس بواجب فلا يجب أن تكون البدنة التي ذبحها على صفة بدن النبي صلى الله عليه وسلم ثم أنهم يقولون أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مفرداً في حجته ولذلك ذهبوا إلى تفضيل الأفراد فكيف يكون سوقه للبدنة دليلاً لهم في التمتع ولم يكن متمتعاً (فصل) وإنما يجب الدم بشروط خمسة (أولها) أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج، فإن أحرم بها في غير أشهره لم يكن متمتعاً ولا يلزمه دم سواء وقعت أفعالها في أشهر الحج أو في غيره، نص عليه قال الأثرم سمعت أبا عبد الله سئل من أهل بعمرة في غير أشهر الحج ثم قدم في شوال أيحل في عمرته من شوال أو يكون متمتعاً؟ قال لا يكون متمتعاً واحتج بحديث جابر وذكر إسناده عن أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يسأل عن امرأة تجعل على نفسها عمرة في شهر مسمى ثم يخلو إلا ليلة واحدة ثم تحيض، قال لتخرج ثم لتهل بعمرة، ثم لتنتظر حتى تطهر، ثم لتطف بالبيت، قال أبو عبد الله فجعل عمرتها في الشهر الذي حلت فيه ولا نعلم بين أهل العلم خلافاً أن من اعتمر في غير أشهر الحج وفرغ من عمرته قبل أشهر الحج أنه لا يكون متمتعاً إلا قولين شاذين

(أحدهما) عن طاوس أنه قال: إذا اعتمرت في غير أشهر الحج ثم أقمت حتى الحج فأنت متمتع (والآخر) عن الحسن أنه قال: من اعتمر بعد النحر فهي متعة، قال إبن المنذر لا نعلم أحدا قال بواحد من هذين القولين، فأما إن أحرم بالعمرة في غير أشهر الحج ثم حل منها في أشهر الحج فإنه لا يكون متمتعاً على ما ذكرناه عن أحمد، ونقل معنى ذلك عن جابر وأبي عياض وهو قول إسحاق وأحد قولي الشافعي، وقال طاوس عمرته في الشهر الذي يدخل فيه الحرم، وقال الحسن والحكم وابن شبرمة والثوري والشافي في أحد قوليه عمرته في الشهر الذي يطوف فيه، وقال عطاء عمرته في الشهر الذي يحل فيه وهو قول مالك، وقال أبو حنيفة إن طاف للعمرة أربعة أشواط في غير أشهر الحج فليس بمتمتع، وإن طاف الأربعة في أشهر الحج فهو متمتع لأن العمرة صحت في أشهر الحج بدليل أنه لو وطئ أفسدها أشبه إذا أحرم بها في أشهر الحج ولنا ما ذكرناه عن جابر ولأنه أتى بالنسك لا تتم العمرة إلا به في غير أشهر الحج فلم يكن متمتعاً كما لو طاف ويخرج عليه ما قاسوا عليه (الثاني) أن يحج من عامة فإن اعتمر في أشهر الحج فلم يحج ذلك العام بل حج في العام القابل فليس بمتمتع لا نعلم فيه خلافاً إلا قولاً شاذاً عن الحسن فيمن اعتمر في أشهر الحج فهو متمتع حج أو لم يحج، والجمهور على خلاف هذا لأن الله تعالى قال (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج) وهذا يقتضي الموالاة بينهما، ولأنهم إذا اجمعوا على أن من اعتمر في غير أشهر الحج ثم حج من عامه فليس بمتمتع فهذا أولى لأن التباعد بينهما أكثر (الثالث) أن لا يسافر بين العمرة والحج سفراً بعيداً تقصر في مثله الصلاة، نص عليه، وروي ذلك عن عطاء والمغيرة والمديني واسحق، وقال الشافعي إن رجع إلى الميقات فلا دم عليه، وقال أصحاب الرأي إن رجع من مصره بطلت متعته وإلا فلا، وقال مالك إن رجع إلى مصرة أو إلى غيره أبعد من مصره بطلت متعته وإلا فلا، وقال الحسن هو متمتع وإن رجع إلى بلده، واختاره ابن المنذر لعموم قوله تعالى (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج) الآية ولنا ماروي عمر رضي الله عنه أنه قال إذا اعتمر في أشهر الحج ثم أقام فهو متمتع فإن خرج

ورجع فليس بمتمتع وعن ابن عمر نحو ذلك ولأنه إذا رجع إلى الميقات أو ما دونه لزمه الإحرام منه فإن كان بعيداً فقد أنشأ سفرا بعيداً لحجه فلم يترفه بترك أحد السفرين فلم يلزمه دم كموضع الوفاق والآية تناولت المتمتع وهذا ليس بمتمتع بدليل قول عمر رضي الله عنه (الرابع) أن يحل من إحرام العمرة قبل إحرامه بالحج فإن أدخل الحج على العمرة قبل حله منها كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يصير قارناً ولا يلزمه دم المتعة قالت عائشة رضي الله عنها خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع فأهللنا بعمرة فقدمت مكة وأنا حائض لم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة فشكوت ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال " انقضي رأسك وامتشطي وأهلي بالحج وعدي العمرة " قالت ففعلت فلما قضينا الحج أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عبد الرحمن بن أبي بكر إلى التنعيم فاعتمرت معه فقال هذه عمرة مكان عمرتك، قال عروة فقضى الله حجتها وعمرتها ولم يكن في شئ من ذلك هدي ولا صوم ولا صدقة متفق عليه ولكن عليه دم للقران لأنه صار قارناً وترفه بسقوط أحد السفرين، فأما قول عروة لم يكن في ذلك هدي يحتمل أنه أراد لم يكن فيه هدي للمتعة إذ قد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذبح عن نسائه بقرة بينهن (الخامس) أن لا يكون من حاضري المسجد الحرام ولا خلاف بين أهل العلم في أن دم المتعة لا يجب على حاضري المسجد الحرام لقوله تعالى (ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام) والمعنى في ذلك إن حاضر المسجد الحرام ميقاته مكة ولا يحصل له الترفه بترك أحد السفرين ولأنه أحرم من ميقاته أشبه المفرد. (فصل) وحاضرو المسجد الحرام أهل الحرم ومن بينه وبين مكة دون مسافة القصر نص عليه أحمد وروي ذلك عن عطاء وبه قال الشافعي وقال مالك: هم أهل مكة وقال مجاهد: هم أهل الحرم وروي ذلك عن طاوس وروي عن مكحول وأصحاب الرأي من دون المواقيت لأنه موضع شرع فيه النسك فأشبه الحرم لونا أن حاضر الشئ من دنا منه ومن دون مسافة القصر قريب من حكم الحاضر بدليل أنه إذا قصده لا يترخص رخص المسافر من الفطر والقصر فيكون من حاضريه، وتحديده بالميقات

لا يصح لأنه قد يكون بعيداً يثبت له حكم السفر البعيد إذا قصده ولأن ذلك يفضي إلى جعل البعيد من حاضريه، والقريب من غير حاضريه لتفاوت المواقيت في القرب والبعد واعتباره بما ذكرنا أولى لأن الشارع حد الحاضر دون مسافة القصر بنفي أحكام المسافرين عنه فكان الاعتبار به أولى من الاعتبار بالنسك لوجود لفظ الحضور في الآية (فصل) إذا كان للمتمتع قريتان قريبة وبعيده فهو من حاضري المسجد الحرام لأنه إذا كان بعض أهله قريباً لم يوجد فيه الشرط وهو أن لا يكون أهله من حاضري المسجد الحرام، ولأن له أن يحرم من القريبة فلم يكن بالتمتع مترفها بترك أحد السفرين، وقال القاضي: له حكم القرية التي يقيم بها أكثر فإن استويا فمن التي ماله بها أكثر؟ فإن استويا فمن التي ينوي الإقامة بها أكثر؟ فإن استويا فله حكم القرية التي أحرم منها وقد ذكرنا دليل ما قلناه (فصل) فإن دخل الآفاقي مكة متمتعاً ناوياً الإقامة بها بعد تمتعه فعليه دم المتعة قال إبن المنذر أجمع على هذا كل من نحفظ عنه من أهل العلم ولو كان الرجل منشأة بمكة فخرج عنها منتقلاً مقيماً بغيرها ثم عاد إليها متمتعاً ناوياً للإقامة بها أو ناو فعليه دم متعة لأنه خرج بالانتقال عنها عن أن يكون من أهلها وبه قال مالك والشافعي واسحاق وذلك لأن حضور المسجد الحرام إنما حصل بنية الإقامة وفعلها وهذا إنما نوى الإقامة إذا فرغ من أفعال الحج لأنه إذا فرغ من عمرته فهو ناو للخروج إلى الحج فكأنه إنما نوى أن يقيم بعد وجوب الدم عليه فأما إن سافر المكي غير منتقل ثم عاد فاعتمر من الميقات وحج من عامة فلا دم عليه لأنه لم يخرج بذلك عن كون أهله من حاضري المسجد الحرام (فصل) وهذا الشرط الخامس شرط لوجوب الدم عليه وليس بشرط لكونه متمتعاً فإن متعة المكي صحيحة لأن التمتع أحد الإنساك الثلاثة فصح من المكي كالنسكين الآخرين ولأن حقيقة التمتع أن يعتمر في أشهر الحج ثم يحج من عامة وهذا موجود في المكي وقد نقل عن أحمد ليس على أهل مكة متعة ومعناه ليس عليهم دم متعة لأن المتعة له لا عليه فتعين حمله على ما ذكرناه (فصل) إذا ترك الآفاقي الإحرام من الميقات وأحرم من دونه بعمرة ثم حل منها وأحرم بالحج من مكة من عامه فهو متمتع وعليه دمان دم المتعة ودم لإحرامه من دون الميقات. قال إبن المنذر

وصفة التمتع أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج ويفرغ منها ويحرم بالحج من مكة أو من قريب منها في عامة

وابن عبد البر أجمع العلماء على أن من أحرم في أشهر الحج بعمرة وحل منها ولم يكن من حاضري المسجد ثم أقام بمكة حلالاً ثم حج من عامه أنه متمتع عليه دم. وقال القاضي إذا تجاوز الميقات حتى صار بينه وبين مكة أقل من مسافة القصر فأحرم منه فلا دم عليه للمتعة لأنه من حاضري المسجد الحرام وليس بجيد فإن حضور المسجد الحرام إنما يحصل بالإقامة به ونية ذلك، وهذا لم تحصل منه الإقامة ولا نيتها ولأن الله تعالى قال (ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام) وهذا يقتضي أن يكون المانع من الدم السكنى به وهذا ليس بساكن، وإن أحرم الآفاقي بعمرة في غير أشهر الحج ثم أقام بمكة واعتمر من التنعيم في أشهر الحج وحج من عامه فهو متمتع نص عليه أحمد وعليه دم وفي تنصيصه على هذه الصورة تنبيه على إيجاب الدم في الصورة الأولى بطريق الأولى، وذكر القاضي شرطاً سادساً لوجوب الدم وهو أن ينوي في ابتداء العمرة وفي أثنائها أنه متمتع وظاهر النص يدل على أن هذا غير مشترط فإنه لم يذكره، وكذلك الإجماع الذي ذكرناه مخالف لهذا القول لأنه قد حصل له الترفه بترك أحد السفرين فلزمه الدم كمن نوى (فصل في وقت وجوب الهدي وذبحه) أما وقت وجوبه فعن أحمد أنه يجب إذا أحرم بالحج وهو قول أبي حنيفة والشافعي لأن الله تعالى قال (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي) وهذا قد فعل ذلك ولأن ما جعل غاية فوجود أوله كاف كقوله تعالى (ثم أتموا الصيام إلى الليل) وعنه أنه يجب الدم إذا وقف بعرفه اختاره القاضي، وهو قول مالك لأن التمتع بالعمرة إلى الحج إنما يحصل بعد وجود الحج منه ولا يحصل ذلك إلا بالوقوف لقول النبي صلى الله عليه وسلم " الحج عرفة " ولأنه قبل ذلك بعرض الفوات فلا يحصل التمتع ولأنه لو احرم بالحج ثم أحصر أو فاته الحج لم يلزمه دم المتعة ولا كان متمتعاً ولو وجب الدم لما سقط وقال عطاء: يجب إذا رمى الجمرة. ونحوه قال أبي الخطاب قال: يجب إذا طلع الفجر يوم النحر لأنه وقت ذبحه فكان وقت وجوبه، وأما وقت ذبحه فيوم النحر، وبه قال مالك وأبو حنيفة لأن ما قبل يوم النحر لا يجوز ذبح الأضحية فيه فلا يجوز ذبح الهدي الذي للمتمتع كما قبل التحلل من العمرة، وقال أبو الخطاب: سمعت أحمد قال في الرجل يدخل مكة في شوال ومعه هدي قال ينحر بمكة وإن قدم قبل العشر نحره لا يضيع أو يموت أو

ويجب على المتمتع والقارن دم نسك إذا لم يكونا من حاضري المسجد الحرام وهم أهل مكة ومن كان منها دون مسافة القصر

يسرق، وكذا قال عطاء: وإن قدم في العشر لم ينحره حتى ينحره بنى لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه قدموا في العشر فلم ينحروا حتى نحروا بمنى. ومن جاء قبل ذلك نحره عن عمرته وأقام على إحرامه وكان قارنا، وقال الشافعي: يجوز نحره بعد الإحرام بالحج قولاً واحداً وفيما قبل ذلك بعد حله من العمرة احتمالان ووجه جوازه أنه دم يتعلق بالإحرام وينوب عنه الصيام فجاز قبل يوم النحر كدم الطيب ولأنه يجوز إذا بدله قبل يوم النحر فجاز اداؤه قبله كسائر الفديات (فصل) ويجب الدم على القارن في قول عامة أهل العلم ولا نعلم فيه خلافاً الا عن داود لأنه قال لا دم عليه وروي عن طاوس وحكى ابن المنذر إن ابن داود لما دخل مكة سئل عن القارن هل يجب عليه دم؟ فقال لا فجروا برحله وهذا يدل على شهرة الأمر بينهم ولنا قوله تعالى (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي) وهذا متمتع بالعمرة إلى الحج بدليل أن عليا لما سمع عثمان ينهى عن المتعة أهل بالعمرة والحج ليعلم الناس أنه ليس بمنهي عنه وقال ابن عمر رضي الله عنهما إنما القران لأهل الآفاق وتلا قوله (ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام) وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من قرن بين حجته فليهريق دما " ولأنه ترفه بسقوط أحد السفرين فأشبه المتمتع فإن عدم الدم فعليه صيام كصيام المتمتع سواء ومن شرط وجوب الدم عليه أن لا يكون من حاضري المسجد الحرام في قول جمهور العلماء. وقال ابن الماجشون: عليه دم لأن الله تعالى إنما أسقط الدم عن المتمتع وليس هذا متمتعاً والصحيح الأول فإننا قد ذكرنا أنه متمتع وإن لم يكن متمتعاً فهو فرع عليه ووجوب الدم على القارن إنما كان معنى النص على المتمتع ولا يجوز أن يخالف الفرع عليه (مسألة) (ومن كان مفرداً أو قارناً أحببنا له أن يفسخ إذا طاف وسعى ويجعلها عمره لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بذلك إلا أن يكون معه هدي فيكون على إحرامه) إذا كان مع المفرد والقارن هدي فليس له أن يحل من إحرامه ويجعله عمرة بغير خلاف علمناه لما روى ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة قال للناس " من كان منكم أهدى فإنه لا يحل من شئ حرم منه حتى يقضي حجه، ومن لم يكن منكم أهدى فليطف بالبيت وبالصفا والمروة

والدم الواجب شاة أو سبع بدنة أو بدنة فإن نحر بدنة أو ذبح بقرة فقد زاد خيرا

وليقصر وليحلل ثم ليهل بالحج وليهد ومن لم يحل هدياً فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله " متفق عليه. فأما من لا هدي معه فيستحب له إذا طاف وسعى أن يفسخ نيته بالحج وينوي عمرة مفردة فيقصر ويحل من إحرامه ليصير متمتعاً إن لم يكن وقف بعرفة. وكان ابن عباس رضي الله عنهما يرى أن من طاف بالبيت وسعى فقد حل وإن لم ينو ذلك وبهذا الذي ذكرناه قال مجاهد والحسن وداود وذهب أكثر أهل العلم إلى أنه لا يجوز له ذلك لأن الحج أحد النسكين فلم يجز فسخه كالعمرة. وروى ابن ماجة عن بلال بن الحارث المزني عن أبيه أنه قال يا رسول الله فسخ الحج لنا خاصة أو لمن يأتي قال " لنا خاصة " وروي أيضاً عن المرقع الأسدي عن أبي ذر رضي الله عنه قال كان ما أذن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخلنا مكة أن نجعلها عمرة ونحل من كل شئ إن تلك كانت لنا خاصة رخصة من رسول الله صلى الله عليه وسلم دون جميع الناس ولنا أنه قد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أمر أصحابه في حجة الوداع الذين أفردوا الحج وقرنوا أن يحلوا كلهم ويجعلوها عمرة إلا من كان معه الهدي في أحاديث كثيرة متفق عليها بحيث يقرب من المتواتر ولم يختلف في صحة ذلك وثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم أحد من أهل العلم علمناه. وذكر أبو حفص في شرحه بإسناده عن إبراهيم الخرقي وقد سئل عن فسخ إلى العمرة فقال قال سلمة بن شبيب لاحمد ابن حنبل يا أبا عبد الله: كل شئ منك حسن جميل إلا خلة واحدة فقال وما هي؟ قال تقول نفسخ الحج قال احمد ما كنت أرى أن لك عقلاً، عندي ثمانية عشر حديثاً صحاحاً جياداً كلها في فسخ الحج أتركها لقولك، وقد روى فسخ الحج إلى العمرة ابن عمر وابن عباس وجابر وعائشة رضي الله عنهم وأحاديثهم متفق عليها ورواه غيرهم من وجوه صحاح. قال جابر: أهللنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج خالصاً وحده وليس معه غيره فقدم النبي صلى الله عليه وسلم صبح رابعة مضت من ذي الحجة فلما قدمنا أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم إن نحل قال أحلوا وأصيبوا من النساء قال فبلغه عنا أنا نقول لم يكن بيننا وبين عرفة لا خمس ليال أمرنا أن نحل إلى نسائنا فنأتي عرفة تقطر مذاكيرنا بالمني قال فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " قد علمتم أني أتقاكم لله وأصدقكم وأبركم، ولولا هديي تحللت كما تحلون فحلوا، ولو استقبلت من أمري ما استدبرت ما اهديت " قال فحللنا وسمعنا وأطعنا، قال فقال سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي

متعتنا هذه يارسول الله لعامنا هذا أم للأبد؟ فظنه محمد بن أبي بكر أنه قال: للأبد متفق عليه، فأما حديثهم فقال أحمد روى هذا الحديث الحرث بن بلال، فمن الحارث بن بلال؟ يعني أنه مجهول ولم يروه إلا الداروردي، وحديث أبي ذر رواه مرقع الأسدي، فمن مرقع الأسدي؟ شاعر من أهل الكوفة لم يلق أبا ذر، فقيل له أفليس قد روى الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر قال كانت لنا متعة الحج خاصة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أفيقول هذا أحد؟ المتعة في كتاب الله؟ وقد أجمع الناس على أنها جائزة، قال الجوزجاني مرقع الأسدي ليس بالمشهور، ومثل هذه الأحاديث في ضعفها وجهالة رواتها لا تقبل إذا انفردت فكيف تقبل في رد حكم ثابت بالتواتر مع أن قول أبي ذر من رأيه، وقد خالفه من هو أعلم منه، وقد شذ به عن الصحابة رضي الله عنهم فلا يكون حجة، وأما قياسهم فلا يقبل في مقابلة النص الصحيح على أن قياس الحج على العمرة في هذا لا يصح فإنه يجوز قلب الحج إلى العمرة في حق من فاته الحج ومن حصر عن عرفة والعمرة لا تصير حجاً بحال، ولأن فسخ الحج إلى العمرة يصير به متمتعاً فحصل الفضيلة وفسخ العمرة إلى الحج يفوت الفضيلة، ولا يلزم من مشروعية ما يحصل الفضيلة مشروعية ما يفوتها (فصل) وإذا فسخ الحج إلى العمرة صار متمتعاً حكمه حكم المتمتعين في وجوب الدم وغيره، وقال القاضي لا يجب الدم لأن من شرط وجوبه أن ينوي في ابتداء العمرة أو في انتهائها أنه متمتع، وهذه دعوى لا دليل عليها تخالف عموم الكتاب وصريح السنة الثابتة فإن الله تعالى قال (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي) وفي حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ومن لم يكن منكم أهدى فليطف بالبيت وبالصفا والمروة، وليقصر وليحلل، ثم ليهل بالحج وليهدي، ومن لم يجد هدياً فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله " متفق عليه، ولأن وجوب دم المتعة للترفه بسقوط أحد السفرين، وهذا المعنى لا يختلف بالنية وعدمها فوجب أن لا يختلف في الوجوب على أنه لو ثبت أن النية شرط فقد وجدت فانه ماحل حتى نوى أنه يحل ثم يحرم بالحج (مسألة) ولو ساق المتمتع الهدي لم يكن له أن يحل لقول الله تعالى (ولا تحلقوا رؤوسكم حتى

يبلغ الهدي محله) ولما روى ابن عمر رضي الله عنهما قال تمتع الناس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة قال للناس من كان معه هدي فإنه لا يحل من شئ حرم منه حتى يقضي حجته متفق عليه وهذا مذهب أبي حنيفة وقال مالك والشافعي في قول: له التحلل وينحر هديه عند المروة ويحتمله كلام الخرقي ولنا ما ذكرنا من الآية وحديث ابن عمر وروت حفصة رضي الله عنها أنها قالت يارسول الله ما شأن الناس حلوا من العمرة ولم تحل أغت من عمرتك؟ قال " إني لبدت رأسي وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر " متفق عليه والأحاديث في ذلك كثيرة وعن أحمد فيمن قدم متمتعاً في أشهر الحج وساق الهدي قال: إن دخلها في العشر لم ينحر الهدي حتى ينحره يوم النحر وإن قدم قبل العشر نحر الهدي، وهذا يدل على أن المتمتع إذا قدم قبل العشر حل وإن كان معه هدي وهذا قول عطاء رواه حنبل في المناسك وقال من لبد أو ضفر فهو بمنزلة من ساق الهدي لحديث حفصة والرواية الأولى أولى لما ذكرنا من الحديث الصحيح وهو أولى بالاتباع (فصل) فأما المعتمر غير المتمتع فإنه يحل بكل حال في أشهر الحج وغيرها كان معه هدي أو لم يكن لأن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر ثلاث عمر سوى عمرته التي مع حجته بعضهن في ذي القعدة فكان يحل فإن كان معه هدي نحره عند المروة وحيث نحره من الحرم جاز لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " كل فجاج مكة طريق ومنحر " رواه أبو داود وابن ماجة (مسألة) (والمرأة إذا دخلت متمعة فحاضت فخشيت فوات الحج أحرمت بالحج وصارت قارنة) إذا حاضت المتمتعة قبل طواف العمرة لم يكن لها أن تطوف بالبيت لأنه صلاة ولأنها ممنوعة من دخول المسجد ولا يمكنها أن تحل من عمرتها قبل الطواف فإذا خشيت فوات الحج أحرمت بالحج من عمرتها وصارت قارنة، هذا قول مالك والاوزاعي والشافعي وكثير من أهل العلم، وقال أبو حنيفة قد رفضت العمرة وصار حجا وما قال هذا أحد غير أبي حنيفة وحجته ما روى عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت أهللت بعمرة فقدمت مكة وأنا حائض لم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة فشكوت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " انقضي رأسك وامتشطي وأهلي بالحج ودعي

العمرة قالت ففعلت فلما قضينا الحج أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عبد الرحمن بن أبي بكر إلى التنعيم فاعتمرت معه فقال هذه عمرة مكان عمرتك متفق عليه دليل على أنها رفضت عمرتها وأحرمت بحج من وجوه. (أحدها) قوله (دعي عمرتك) و (الثاني) قوله (وامتشطي) و (الثالث) قوله (هذه عمرة مكان عمرتك) ولنا ما روى جابر قال: أقبلت عائشة بعمرة حتى إذا كانت بسرف عركت ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على عائشة فوجدها تبكي فقال " ما شأنك؟ " قالت شأني أني قد حضت وقد حل الناس ولم أحل ولم أطف بالبيت والناس يذهبون إلى الحج الآن فقال " إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم فاغتسلي ثم أهلي بالحج " ففعلت ووقفت المواقف حتى إذا طهرت طافت بالكعبة وبالصفا والمروة ثم قال " قد حللت من حجتك وعمرتك " قالت يارسول الله إني أجد في نفسي أني لم أطف بالبيت حتى حججت، قال " فاذهب بها يا عبد الرحمن فاعمرها من التنعيم " وروى طاوس عن عائشة أنها قالت أهللت بعمرة فقدمت ولم أطف حتى حضت فنسكت المناسك كلها، وقد أهللت بالحج فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم " يوم النفر يسعك طوافك لحجك وعمرتك " فأبت فبعث معها عبد الرحمن بن أبي بكر فأعمرها من التنعيم. رواهما مسلم وهما يدلان على جميع ما ذكرنا، ولأن إدخال الحج على العمرة جائز بالإجماع من غير خشية الفوات فمع خشيته أولى، وقال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن لمن أهل بالعمرة أن يدخل عليها الحج ما لم يفتتح الطواف بالبيت، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم من كان معه هدي في حجة الوداع أن يهل بالحج مع العمرة ومع إمكان الحج مع بقاء العمرة لا يجوز رفضها كغير الحائض، فأما حديث عروة فإن قوله " انقضي رأسك وامتشطي ودعي العمرة " انفرد به عروة وخالف به كل من روي عن عائشة حين حاضت وقد روي ذلك طاوس والقاسم والاسود وغيره عن عائشة فلم يذكروا ذلك، وحديث جابر وطاوس مخالفان لهذه الزيادة

وقد روى حماد بن زيد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة حديث حيضها فقال فيه حدثني غير واحد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها " دعي عمرتك، وانقضي رأسك وامتشطي " وذكر تمام الحديث، وهذا يدل على أنه لم يسمع من عائشة هذه الزيادة وهو مع ما ذكرنا من مخالفة بقية الرواة يدل على الوهم مع مخالفتها للكتاب والأصول إذ ليس لنا موضع آخر يجوز فيه رفض العمرة مع إمكان إتمامها، ويحتمل أن قوله " دعي العمرة " أي دعيها بحالها وأهلي بالحج معها أو دعي أفعال العمرة فإنها تدخل في أفعال الحج، فأما العمرة من التنعيم فلم يأمرها بها النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما قالت للنبي صلى الله عليه وسلم إني أجد في نفسي أني لم أطف بالبيت حتى حججت، قال " فاذهب بها يا عبد الرحمن فاعمرها من التنعيم " وروى الأثرم باسناده عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها قال: قلت اعتمرت بعد الحج؟ قالت والله ما كانت عمرة ما كانت إلا زيارة ورب البيت إنما هي مثل نفقتها. قال أحمد: إنما أعمر النبي صلى الله عليه وسلم عائشة حين ألحت عليه فقالت يرجع الناس بنسكين وأرجع بنسك فقال " يا عبد الرحمن أعمرها " فنظر إلى أدنى الحل فأعمرها منه (مسألة) (ومن أحرم مطلقا صح وله صرفه إلى ما شاء) يصح الإحرام بالنسك المطلق وهو أن لا يعين حجاً ولا عمرة لأنه إذا صح الإحرام مع الإبهام صح مع الإطلاق قياساً عليه، فإذا أحرم مطلقاً فله صرفه إلى ما شاء من الإنساك لأن له أن يبتدئ الإحرام بأيها شاء فكان له صرف المطلق إلى ذلك. والأولى صرفه إلى العمرة لأنه إن كان في غير أشهر الحج فالإحرام بالحج مكروه أو ممتنع، وإن كان في أشهر الحج فالعمرة أولى لأن التمتع أفضل وقد قال أحمد يجعله عمرة لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا موسى حين أحرم بما أهل به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعلها عمرة كذا هذا

(مسألة) (وإن أحرم بمثل ما أحرم به فلان انعقد إحرامه بمثله) يصح إبهام الإحرام وهو أن يحرم بما أحرم به فلان لما روى أبو موسى رضي الله عنه قال قدمت علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو منيخ بالبطحاء فقال لي بما أهللت؟ فقلت لبيك بإهلال كإهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " أحسنت " فأمرني فطفت بالبيت وبالصفا والمروة ثم قال " حل " متفق عليه وروى جابر وأنس أن عليا قدم من اليمن علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم بما أهللت؟ فقال أهللت بما أهل به رسول الله صلى الله عليه وسلم قال جابر في حديثه قال " فاهد وامكث إحراماً " وقال أنس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لولا أن معي هديا لحللت " متفق عليهما ولا يخلو من أبهم إحرامه من أربعة أحوال (أحدها) أن يعلم ما أحرم به فلان فينعقد حرامه بمثله فان علياً رضي الله عنه قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " ماذا قلت حين فرضت الحج؟ " قال قلت اللهم إني أهل بما أهل به رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " فإن معي الهدي فلا تحل " (الثاني) أن لا يعلم ما أحرم به فلان فيكون حكمه حكم الناسي على ما سنذكره إن شاء الله تعالى (الثالث) أن يكون فلان قد أحرم مطلقاً فيكون حكمه حكم الفصل الذي قبله (الرابع) أن لا يعلم هل أحرم فلان أو لا فحكمه حكم من لم يحرم لأن الأصل عدم إحرامه فيكون إحرامه ههنا مطلقاً يصرفه إلى ما شاء فإن صرفه قبل الطواف وقع طوافه عما صرف إليه، وإن طاف قبل صرفه لم يعتد بطوافه لأنه طاف لا في حج ولا عمرة

(مسألة) (وإن أحرم بحجتين أو عمرتين انعقد إحرامه بإحداهما) إذ أحرم بحجتين أو عمرتين انعقد بإحداهما ولغت الأخرى، وبه قال مالك والشافعي وقال أبو حنيفة ينعقد بهما وعليه قضاء إحداهما لأنه أحرم بها ولم يتمها ولنا أنهما عبادتان لا يلزمه المضي فيهما فلم يصح الإحرام بهما كالصلاتين، وعلى هذا لو أفسد حجه وعمرته لم يلزمه إلا قضاؤها وعند أبي حنيفة يلزمه قضاؤهما معا بناء على صحة احرامه بهما (مسألة) (وإن أحرم بنسك ونسيه جعله عمرة وقال القاضي يصرفه إلى ما شاء) أما إذا أحرم بنسك ونسيه قبل الطواف فله صرفه إلى أي الإنساك شاء فإنه إن صرفه إلى عمرة وكان المنسي عمرة فقد أصاب وان كان حجا مفرداً أو قارناً فله فسخهما إلى العمرة على ما ذكرناه وإن صرفه إلى القران وكان المنسي قرانا فقد أصاب وإن كان عمرة فادخال الحج على العمرة جائز قبل الطواف فيصير قارناً، وإن كان مفرداً لغا إحرامه بالعمرة، وصح حجه، وسقط فرضه وإن صرفه إلى الإفراد وكان مفرداً فقد أصاب وإن كان متمتعاً فقد أدخل الحج على العمرة وصار قارناً في الحكم وفيما بينه وبين الله تعالى وهو يظن أنه مفرد وإن كان قارناً فكذلك والمنصوص عن أحمد أنه يجعله عمرة قال القاضي هذا على سبيل الاستحباب لأنه إذا أستحب ذلك مع العلم فمع عدمه أولى وقال أبو حنيفة يصرفه إلى القران، وهو قول الشافعي الجديد، وقال في القديم يتحرى فيبني على غالب ظنه لأنه من شرائط العبادة فيدخله التحري كالقبلة ومبني الخلاف على فسخ الحج إلى العمرة فإنه جائز عندنا ولا يجوز عندهم فعلى هذا إن صرفه إلى المتعة فهو متمتع عليه دم المتعة ويجزئه عن الحج والعمرة جميعاً وإن صرفه إلى إفراد أو قران لم يجزه عن العمرة إذ من المحتمل أن يكون المنسي حجاً مفرداً

ومن كان مفردا أو قارنا أحببنا له أن يفسخ إذا طاف وسعى ويجعلها عمره لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بذلك إلا أن يكون معه هدي فيكون على إحرامه

وليس له إدخال العمرة على الحج فتكون صحة العمرة مشكوكاً فيها فلا تسقط بالشك ولا دم عليه لذلك فانه لم يثبت حكم القران يقينا فلا يجب الدم مع الشك في سببه، ويحتمل أن يجب وأما إن شك بعد الطواف لم يجز صرفه إلا إلى العمرة لأن إدخال الحج على العمرة بعد الطواف غير جائز إلا أن يكون معه هدي فإن صرفه إلى حج أو قران فإنه يتحلل بفعل الحج ولا يجزئه واحد من النسكين لأنه يحتمل أن يكون حجاً وإدخال العمرة عليه غير جائز فلم يجزه عن واحد منهما مع الشك ولا دم عليه للشك فيما يوجب الدم ولا قضاء عليه للنسك فيما يوجبه، وإن شك وهو في الوقوف بعد الطواف والسعي جعله عمرة فقصر، ثم أحرم بالحج فإنه إن كان المنسي عمرة فقد أصاب وكان متمتعاً، وإن كان إفراداً أو قراناً لم ينفسخ بتقصيره وعليه دم بكل حال لأنه لا يخلو إما أن يكون متمتعاً عليه دم المتعة أو غير متمتع فلزمه دم لتقصيره، وإن شك ولم يكن طاف وسعى جعله قراناً لأنه إن كان قرانا فقد أصاب، وإن كان معتمراً فقد أدخل الحج على العمرة وصار قارناً، وإن كان مفرداً لغا إحرامه بالعمرة وصح إحرامه بالحج، وإن صرفه إلى الحج جاز أيضاً، ولا يجزئه عن العمرة في هذه المواضع لاحتمال أن يكون مفرداً وإدخال العمرة على الحج غير جائز ولا دم عليه للشك في وجود سببه (مسألة) (وإن أحرم عن رجلين وقع عن نفسه) إذا استنابه اثنان في النسك فأحرم عنهما به وقع عن نفسه دونهما لأنه لا يمكن وقوعه عنهما،

وليس أحدهما أولى به من الآخر، وإن أحرم عن نفسه وغيره وقع عن نفسه لأنه إذا وقع عن نفسه ولم ينوها فمع نيته أولى (مسألة) (وإن أحرم عن أحدها لا بعينه وقع عن نفسه، وقال أبو الخطاب له صرفه إلى أيهما شاء) أما إذا أحرم عن أحدهما غير معين فإنه يقع عن نفسه أيضاً لأن أحدهما ليس أولى من الآخر أشبه المسألة قبلها. ويحتمل أن يصح وله صرفه إلى أيهما شاء اختاره أبو الخطاب لأن الإحرام يصح بالمجهول فصح عن المجهول كما لو احرم مطلقاً فان لم يفعل حتى طاف شوطاً وقع عن نفسه ولم يكن له صرفه إلى أحدهما لأن الطواف لا يقع عن غير معين (مسألة) (وإذا استوى على راحلته لبى تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم " لبيك اللهم لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك " تستحب التلبية إذا استوى على راحلته لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعلها وأمر بها وأدنى أحوال الأمر الاستحباب. وروى سهل بن سعد رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما من مسلم يلبي إلا لبى ما عن يمينه من حجر أو شجر أو مدر حتى تنقطع الأرض من ههنا وههنا " وتستحب البداية بها إذا استوى على راحلته لما روى أنس وابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ركب راحته واستوت

به أهل رواه البخاري. وقال ابن عباس رضي الله عنهما أوجب رسول الله صلى الله عليه وسلم الإحرام حين فرغ من صلاته فلما ركب راحلته واستوت به قائمة أهل يعني لبى ومعنى الإهلال رفع الصوت من قولهم استهل الصبي إذا صاح والأصل فيه أنهم كانوا إذا رأوا الهلال صاحوا فقيل لكل صائح مستهل وإنما يرفع بالتلبية وهذه تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم وكم روى ابن عمر في المتفق عليه إن تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم " لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك " رواه مسلم عن جابر. والتلبية مأخوذه من لب بالمكان إذا لزمه فكأنه قال أنا أقيم على طاعتك وأمرك غير خارج عن ذلك، ولا شارد عليك هذا ونحوه. وثنوها وكرروها لأنهم أرادوا إقامة بعد إقامة كما لو قالوا حنانيك أي رحمة بعد رحمة أو رحمه مع رحمه أو ما أشبهه. وقال جماعة من العلماء معنى التلبية إجابة نداء إبراهيم عليه السلام حين نادى بالحج. وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال. لما فرغ إبراهيم عليه السلام من بناء البيت قيل له أذن في الناس بالحج قال: رب وما يبلغ صوتي قال أذن

لو ساق المتمتع الهدي لم يكن له أن يحل

وعلي البلاغ فنادى إبراهيم أيها الناس كتب عليكم الحج فسمعه ما بين السماء والأرض أفلا ترى الناس يجيئون من أقطار الأرض يلبون ويقولون لبيك إن الحمد (بكسر الهمزة) نص عليه أحمد والفتح جائز والكسر أجود قال ثعلب: من قال إن بالفتح فقد خص ومن قال بكسر الألف فقد عم يعني أي أن من كسر فقد جعل الحمد لله على كل حال ومن فتح فمعناه لبيك لأن الحمد لك أي لهذا السبب (فصل) ولا تستحب الزيادة على تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تكره ونحوه. وقال الشافعي وابن المنذر لقول جابر فأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتوحيد " لبيك اللهم لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك " وأهل الناس بهذا الذي يهلون ولزم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلبيته وكان ابن عمر يلبي بتلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم ويزيد مع هذا لبيك لبيك، لبيك وسعديك والخير بيديك والرغباء إليك والعمل متفق عليه وزاد عمر رضي الله عنه لبيك ذا النعماء والفضل لبيك لبيك مرهوباً ومرغوباً اليك لبيك هذا معناه رواه الأثرم ويروى أن أنساً كان يزيد: لبيك حقاً حقا، تعبداً ورقا. ففي هذا دليل على أنه لا بأس بالزيادة ولا تستحب لأن النبي صلى الله عليه وسلم لزم تلبيته فكررها ولم يزد عليها: وقد روي أن سعداً سمع بعض بني أخيه وهو يلبي يا ذا المعارج فقال إنه لذو المعارج وما هكذا كنا نلبي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم (مسألة) (والتلبية سنة ويستحب رفع الصوت بها والإكثار منها والدعاء بعدها) التلبية سنة كما ذكرنا وليست واجبة، وبه قال الشافعي وعن أصحاب مالك أنها واجبة يجب

والمرأة إذا دخلت متمتعة فحاضت فخشيت فوات الحج أحرمت بالحج وصارت قارنة

الدم بتركها، وعن الثوري وأبى حنيفة أنها من شرط الإحرام لا يصح إلا بها كالتكبير للصلاة لأن ابن عباس قال في قوله تعالى (فمن فرض فيهن الحج) قال الإهلال، وعن عطاء وطاوس وعكرمة هي التلبية ولأن النسك عبادة ذات إحلال وإحرام فكان في أولها ذكر واجب كالصلاة ولنا أنها ذكر فلم تجب في الحج كسائر الإذكار، وفارق الصلاة فإن النطق في آخرها يجب فوجب في أولها بخلاف الحج، ويستحب رفع الصوت بها لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل أي الحج أفضل؟ قال " العج والثج " حديث غريب: العج رفع الصوت بالتلبية والثج إسالة الدماء بالذبح والنحر وروى الترمذي بإسناده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " أتاني جبريل يأمرني أن آمر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية " وهو حديث حسن صحيح، وقال أنس: سمعتهم يصرخون بها صراخاً وقال أبو حازم: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يبلغون الروحاء حتى تبح حلوقهم من التلبية. وقال سالم: كان ابن عمر يرفع صوته بالتلبية فلا يأتي الروحاء حتى يصحل صوته، ولا يجهد نفسه في رفع الصوت زيادة على الطاقة لئلا ينقطع صوته وتلبيته (فصل) ويستحب الإكثار منها على كل حال لما روى ابن ماجة عن عبد الله بن عامر بن ربيعة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " مامن مسلم يضحي (1) لله يلبي حتى تغيب الشمس إلا غابت بذنوبه فعاد كما ولدته أمه " رواه ابن ماجه (فصل) ولا يستحب رفع الصوت بها في مساجد الأمصار ولا في الأمصار إلا في مكة والمسجد

الحرام لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سمع رجلاً يلبي بالمدينة فقال: إن هذا لمجنون إنما التلبية إذا برزت وهذا قول مالك. وقال الشافعي يلبي في المساجد كلها ويرفع صوته لعموم الحديث ولنا قول ابن عباس ولأن المساجد إنما بنيت للصلاة وجاءت الكراهة لرفع الصوت عامة إلا الإمام خاصة فوجب إبقاؤها على عمومها فأما مكة فتستحب التلبية فيها لأنها محل النسك وكذلك المسجد الحرام وسائر مساجد الحرم كمسجد منى وفي عرفات أيضاً (فصل) ويتسحب الدعاء بعدها فيسأل الله الجنة ويستعيذ به من النار ويدعو بما أحب لما روى الدارقطني بإسناده عن خزيمة بن ثابت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من تلبيته سأل الله مغفرته ورضوانه، واستعاذه برحمته من النار. وقال القاسم بن محمد: يستحب للرجل إذا فرغ من تلبيته أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم لأنه موضع شرع فيه ذكر الله تعالى فشرع فيه الدعاء، ولأن الدعاء مشروع مطلقاً فتأكدت مشروعيته بعد ذكر الله تعالى. ويستحب أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بعدها لأنه موضع شرع فيه ذكر الله تعالى فشرعت فيه الصلاة على رسوله كالصلاة، أو فشرع فيه ذكر رسوله كالأذان (فصل) ويستحب ذكر ما أحرم به في تلبيته. قال أحمد: إن شئت لبيت بالحج وإن شئت لبيت بعمرة وإن شئت لبيت بحج وعمرة فقلت لبيك بحجة وعمرة. وقال أبو الخطاب: لا يستحب ويروى عن ابن عمر وهو قول الشافعي لأن جابرا قال: ما سمى النبي صلى الله عليه وسلم في تلبيته

حجاً ولا عمرة، وسمع ابن عمر رجلاً يقول لبيت بعمرة فضرب صدره قال تعلمه ما في نفسك ولنا ما روى أنس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " لبيك عمرة وحجا " وقال جابر: قدمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نقول لبيك بالحج وقال ابن عباس قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهم يلبون بالحج، وقال ابن عمر: بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج متفق على هذه الأحاديث. وقال أنس: سمعتهم يصرخون بهما صراخاً رواه البخاري، وهذه الأحاديث أصح من حديثهم وأكثر، وقول ابن عمر يخالفه قول أبيه فإن النسائي روي بإسناده عن الضبي بن معبد أنه أول ما حج لبى بالحج والعمرة جميعاً ثم ذكر ذلك لعمر فقال: هديت لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم وإن لم يذكر ذلك في تلبيته فلا بأس فإن النية محلها القلب والله سبحانه عالم بها (فصل) ولا يلبي بغير العربية إلا أن يعجز عنها لأنه ذكر مشروع فلا يشرع بغير العربية كالأذان والإذكار المشروعة في الصلاة (فصل) وإن حج عن غيره كفاه مجرد النية عنه قال أحمد لا بأس بالحج عن الرجل ولا يسميه وإن ذكره في التلبية فحسن قال أحمد إذا حج عن رجل يقول أول ما يلبي: عن فلان، ثم لا يبالي أن لا يقول بعد ذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم للذي سمعه يلبي عن شبرمة " لب عن نفسك ثم لب عن شبرمة "

ومن أحرم مطلقا وله صرفه إلى ما شاء

ومتى لبى بالحج والعمرة بدأ بذكر العمرة نص عليه أحمد وذلك لقول أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لبيك عمرة وحجا " (مسألة) (ويلبي إذا علا نشزاً أو هبط وادياً وفي دبر الصلوات المكتوبات. وإقبال الليل والنهار وإذا التقت الرفاق) التلبية مستحبة في جميع الأوقات ويتأكد استحبابها في ثمانية مواضع منها الستة المذكورة، والسابع إذا فعل محظورا ناسياً، الثامن (1) إذا سمع ملبياً لما روى جابر قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يلبي في حجته إذا لقي راكباً أو علا أكمة أو هبط وادياً وفي دبر الصلوات المكتوبة ومن آخر الليل: وقال إبراهيم النخعي كانوا يستحبون التلبية دبر الصلاة المكتوبة، وإذا هبط واديا، وإذا علا نشزاً، وإذا لقي راكباً وإذا استوت به راحلته، وبهذا قال الشافعي وقد كان قبل يقول مثل قول مالك لا يلبي عند اصطدام الرفاق والحديث يدل عليه وكذلك قول النخعي (فصل) ويجزئ من التلبية دبر الصلاة مرة واحدة قال الأثرم قلت لأبي عبد الله ماشئ يفعله العامة يلبون في دبر الصلاة ثلاثاً؟ فتبسم وقال ما أدري من أين جاؤا به قلت أليس يجزئه مرة واحدة؟ قال بلى وذلك لأن المروي التلبية مطلقاً من غير تقييد وذلك يحصل بمرة واحدة وهكذا التكبير في أدبار الصلوات الخمس في أيام الأضحى وأيام التشريق. وإن زاد فلا بأس لأن ذلك زيادة ذكر وخير وتكراره ثلاثاً حسن فإن الله وتر يحب الوتر

وإن أحرم بحجتين أو عمرتين انعقد إحرامه بإحداهما

(فصل) ولا بأس بالتلبية في طواف القدوم، وبه قال ابن عباس وعطاء بن السائب وربيعة ابن عبد الرحمن وابن أبي ليلى وداود والشافعي، وروي عن سالم بن عبد الله أنه قال: لا يلبي حول البيت، وقال ابن عينية: ما رأينا أحداً يقتدى به يلبي حول البيت إلا عطاء بن السائب. وقال أبو الخطاب: لا يلبي وهو قول للشافعي لأنه مشتغل بذكر يخصه فكان أولى ولنا أنه زمن التلبية فلم يكره له كما لو لم يكن حول البيت ويمكن الجمع بين التلبية والذكر المشروع في الطواف، ويكره له رفع الصوت بالتلبية حول البيت لئلا يشغل الطائفين عن طوافهم واذكارهم (فصل) ولا بأس أن يلبي الحلال، وبه قال الحسن والنخعي وعطاء بن السائب والشافعي وأبو ثور وابن المنذر وأصحاب الرأي وكره هذا مالك ولنا أنه ذكر مستحب للمحرم فلم يكره لغيره كسائر الاذكار (مسألة) (ولا ترفع المرأة صوتها بالتلبية إلا بقدر ما تسمع نفسها) قال ابن عبد البر أجمع العلماء على أن السنة في المرأة أن لا ترفع صوتها وإنما عليها أن تسمع نفسها، وبهذا قال عطاء ومالك والاوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي، وروي عن سليمان بن يسار أنه قال: السنة عندهم أن المرأة لا ترفع صوتها بالإهلال وإنما كره لها رفع الصوت مخافة الفتنة بها ولهذا لا يسن لها اذان ولا إقامة، والمسنون لها في التنبيه في الصلاة التصفيق دون التسبيح

وإن أحرم عن رجلين وقع عن نفسه

باب محظورات الإحرام وهي تسعة (مسألة) (حلق الشعر) أجمع أهل العلم على أنه لا يجوز للمحرم أخذ شئ من شعره إلا من عذر لقول الله تعالى (ولا تحلقوا رؤسكم حتى يبلغ الهدي محله) وروى كعب بن عجرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " لعلك يؤذيك هوام رأسك " قال نعم يارسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " احلق رأسك وصم ثلاثة أيام أو اطعم ستة مساكين أو انسك شاة " متفق عليه ففيه دليل على أن الحلق كان محرماً قبل ذلك (فصل) فإن كان له عذر من مرض أو قمل أو غيره مما يتضرر بابقاء الشعر فله إزالته لقوله سبحانه (فمن كان مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك) وللحديث المذكور قال ابن عباس رضي الله عنه: فمن كان منكم مريضاً أي برأسه قروح أو به أذى من رأسه أي قمل (مسألة) (وتقليم الأظفار) أجمع العلماء على أن المحرم ممنوع من تقليم أظفاره إلا من عذر لأنه إزالة جزء من بدنه يترفه به أشبه الشعر فإن انكسر فله إزالته قال إبن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن للمحرم أن يزيل ظفره بنفسه إذا انكسر لأن بقاءه يؤلمه أشبه الشعر النابت في عينه (مسألة) (فمن حلق أو قلم ثلاثة فعليه دم وعنه لا يجب إلا في أربع فصاعداً) الكلام في هذه المسألة في فصلين

وإن أحرم عن أحدهما لا بعينه وقع عن نفسه

(أحدهما) في وجوب الفدية بحلق شعر رأسه ولا خلاف في ذلك إذا كان لغير عذر، وقال ابن المنذر أجمع أهل العلم على وجوب الفدية على من حلق وهو محرم لغير علة والأصل في وجوبها ما ذكرنا من الآية والخبر، وظاهر كلام شيخنا ههنا يدل على أنه لا فرق بين أن يقطع شعره لعذر أو غيره أو كان عامداً أو مخطئاً أنه يجب به الفدية وقد دل عليه ظاهر الآية والخبر وهو ظاهر المذهب، وبه قال الشافعي ونحوه عن الثوري وفيه وجه آخر أنه لافدية على الناسي وهو قول إسحاق وابن المنذر لقوله عليه السلام " عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان " ولنا أنه إتلاف فاستوى عمده وسهوه كإتلاف مال الآدمي، ولأن الآية قد دلت على وجوب الفدية على من حلق رأسه للأذى وهو معذور فكان تنيها على وجوبها على غير المعذور وفيها دليل على وجوبها على المعذور بغير الأذى مثل المحتجم الذي يحلق موضع محاجمه، أو شعراً عن شجته وفي معنى الناسي والنائم الذي يقلع شعره أو يصوب رأسه من نار فيحرق لهبها شعره ونحو ذلك (الفصل الثاني) في القدر الذي تجب به الفدية وذلك ثلاث شعرات فما زاد قال القاضي: هذا المذهب، وهو قول الحسن وعطاء وابن عيينة والشافعي وأبي ثور لأنه شعر آدمي يقع ليه الجمع المطلق أشبه ربع الرأس (1) وفيه رواية أخرى ذكرها الخرقي أنه لا يجب إلا في أربع فصاعداً لأن الأربع كثير أشبهت ربع الرأس. أما الثلاث فهي آخر القلة وآخر الشئ منه فأشبهت ما كان دونها وذكر ابن أبي موسى رواية انه لا يجب فيما دون الخمس ولا نعلم وجها لذلك، وقال أبو حنيفة لا يجب الدم

والتلبية سنة ويستحب رفع الصوت بها والإكثار منها والدعاء بعدها

بدون ربع الرأس لأنه يقوم مقام الكل ولهذا إذا رأى رجلاً يقول رأيت فلاناً وإنما أري إحدى جهاته، وقال مالك إذا حلق من رأسه ما أماط به الأذى وجب الدم، وقد ذكرنا ما يدل على ما ذهبنا إليه، وقول أبي حنيفة أن الربع يقع عليه اسم الكل ممنوع وما ذكره من المثال غير مقيد بالربع بل هو مجاز يتناول القليل والكثير. وهل يجب الدم بقص ثلاثة أظفار او لا يجب إلا في أربع يخرج على الروايتين في الشعر لأنه في معناه وعلى ما حكاه ابن أبي موسى لا يجب إلا في خمسة أظفار قياساً على الشعر والله أعلم. (مسألة) (وفيما دون ذلك في كل واحد مد من طعام وعنه قبضة وعنه درهم) يعني إذا حلق أقل من ثلاث شعرات أو أقل من أربع على الرواية الأخرى فعليه مد من طعام في ظاهر المذهب، وهو الذي ذكره الخرقي، وهو قول الحسن وابن عيينة والشافعي وعن أحمد في الشعرة درهم وفي الشعرتين درهمان وعنه في كل شعرة قبضة من طعام روى ذلك عن عطاء ونحوه عن مالك وأصحاب الرأي قال أصحاب الرأي يتصدق بشئ قليل، وقال مالك فيما قل من الشعر إطعام طعام. ووجهه انه لا تقدير فيه فيجب فيه أقل ما يقع عليه اسم الصدقة. وعن مالك فيمن أزال شعراً يسيراً لا ضمان عليه لأن النص إنما أوجب الفدية في حلق جميع الرأس والحقنا به ما يقع عليه اسم الرأس ولنا أن ما ضمنت جملته ضمنت أبعاضه كالصيد والأولى وجوب الإطعام لأن الشارع إنما عدل

عن الحيوان إلى الإطعام في جزاء الصيد وههنا أوجب الإطعام مع الحيوان على وجه التخيير فيجب أن يرجع إليه فيما لا يجب فيه الدم والأولى مد لأنه أقل ما وجب باشرع فدية فكان واجباً في أقل الشعر والطعام الذي يجزئ إخراجه في الفطرة من البر والشعير والتمر والزبيب كالذي يجزئ في الأربع من الشعر (فصل) وحكم الأظفار حكم الشعر فيما ذكرنا، قال إبن المنذر أجمع أهل العلم على أن المحرم ممنوع من أخذ أظفاره وعليه الفدية بأخذها في قول أكثرهم منهم حماد ومالك والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي وفيه رواية أخرى لافدية عليه لأن الشرع لم يرد فيه بفدية ولنا أنه أزال ما منع إزالته لأجل الترفه فوجبت عليه الفدية كحلق الشعر، وعدم النص لايمنع قياسه على المنصوص كشعر البدن مع شعر الرأس والحكم في فدية الأظفار، وفيما يجب فيما دون الثلاث منها أو الأربع على الرواية الأخرى، وفيما يجب في الأربع والثلاث كالحكم في الشعر على ما ذكرنا من التفصيل والاختلاف فيه وهذا قول الشافعي وأبي ثور، وقال أبو حنيفة لا يجب الدم إلا بتقليم أظفار يد كاملة، فلم قلم من كل يد أربعة لم يجب عليه دم عنده لأنه لم يستكمل منفعة اليد أشبه ما دون الثلاث ولنا أنه قلم ما يقع عليه اسم الجمع أشبه مالو قلم خمساً من يد واحدة، وقولهم يبطل بما إذا حلق ربع رأسه فإنه لم يستوف منفعة العضو ويجب به الدم، وقولهم يفضي إلى وجوب الدم في القليل دون الكثير (فصل) وفي قص بعض الظفر ما في جميعه وكذلك في قطع بعض الشعرة ما في قطع جميعها لأن

الفدية تجب في الشعر والظفر سواء طال أو قصر وليس يقدر بمساحة فيتقدر الضمان عليه، بل هو كالموضحة يجب في الصغيرة منها ما يجب في الكبيرة، وخرج ابن عقيل وجهاً أنه يجب بحساب المتلف كالاصبع يجب في أنملتها ثلث ديتها (مسألة) (وإن حلق رأسه بأذنه فالفدية عليه، وإن كان مكرها أو نائما فالفدية على الحالق) إذا حلق محرم رأس محرم بإذنه أو حلقه حلال بإذنه فالفدية على المحلوق رأسه لأن الله تعالى قال (ولا تحلقوا رؤوسكم) الآية، وقد علم أن غيره هو الذي يحلقه فأضاف الفعل إليه وجعل الفدية عليه ويحتمل أن يجب الضمان على الحالق لأنه شعر محترم أشبه شعرالصيد، ذكره ابن عقيل في الفصول وإن حلق رأسه وهو ساكت لم ينهه ففيه وجهان (أحدهما) يجب على الحالق كما لو اتلف ماله وهو ساكت (والثاني) على المحرم لأنه أمانة عنده فهو كما لو أتلف إنسان الوديعة فلم ينهه وإن حلقه مكرهاً أو نائماً فلا فدية على المحلوق رأسه، وبه قال إسحاق وأبو ثور وابن القاسم وابن المنذر، وقال أبو حنيفة عليه الفدية وعن الشافعي كالمذهبين ولنا أنه لم يحلق رأسه ولم يحلق بإذنه فأشبه ما لو انقطع الشعر بنفسه، إذا ثبت ذلك فإن الفدية تجب على الحالق محرماً كان أو حلالاً، وقال أصحاب الرأي على الحلال صدقة، وقال عطاء عليهما الفدية ولنا أنه أزال ما منع من إزالته لأجل الإحرام فكانت الفدية عليه كالمحرم يحلق رأس نفسه (مسألة) (وإن حلق محرم رأس حلال فلا فدية عليه) وكذلك إن قلم أظفاره، وبه قال عطاء ومجاهد وعمرو بن دينار والشافعي واسحاق وأبو ثور

ويلبي إذا علا نشزا أو هبط واديا وفي دبر الصلوات المكتوبات. وإقبال الليل والنهار وإذا التقت الرفاق

وقال سعيد بن جبير في محرم قص شارب حلال يتصدق بدرهم، وقال أبو حنيفة يلزمه صدقة لأنه محرم أتلف شعراً أشبه شعر المحرم ولنا أنه شعر مباح الإتلاف فلم يجب باتلافه شئ كشعر بهيمة الأنعام (مسألة) (وقطع الشعر ونتفه كحلقة وشعر الرأس والبدن واحد وعنه لكل واحد حكم مفرد) لا فرق بين حلق الشعر وإزالته بالنورة، أو قصه، أو غير ذلك لا نعلم فيه خلافا وكذلك القول في الأظفار، وشعر الرأس والبدن واحد سواء في وجوب الفدية في ظاهر المذهب وهو قول الأكثرين خلافاً لداود لأنه شعر يحصل به الترفه والتنظيف أشبه الرأس، فإن حلق شعر رأسه وبدنه ففي الجميع فدية واحدة، وإن حلق من رأسه شعرتين ومن بدنة كذلك فعليه دم هذا اختيار أبي الخطاب وهو ظاهر كلام الخرقي ومذهب أكثر الفقهاء، وفيه رواية أخرى أنه إذا قلع من رأسه وبدنه ما يجب الدم بكل واحد منهما منفرداً فعليه دمان، وهذا الذي ذكره القاضي وابن عقيل، وعلى هذه الرواية لو قطع من رأسه شعرتين ومن بدنة كذلك لم يجب عليه دم لأن الرأس يخالف البدن بحصول التحلل بحلقه دون شعر البدن ولنا أن الشعر كله جنس واحد في البدن فلم تتعدد الفدية بتعدده فيه بخلاف مواضعه كسائر البدن وكما لو لبس قميصاً وسراويل (مسألة) (وإن خرج في عينيه شعر فقلعه أو نزل شعرة فغطى عينيه فقصه أو انكسر ظفره فقصه أو قلع جلداً عليه شعر فلا فديه عليه) إذا خرج في عينيه شعر أو استرسل شعر حاجبيه على عينيه فغطاهما فله إزالته وكذلك إن انكسر

ولا ترفع المرأة صوتها بالتلبية إلا بقدر ما تسمع نفسها

ظفره فله قص ما انكسر منه ولا شئ عليه لانه إزالة لاذاه فلم يكن عليه فدية كقتل الصيد الصائل وكذلك إن قطع جلده عليها شعر لم يكن عليه فدية لأنه زال تبعاً لغيره والتابع لا يضمن كما لو قلع أشعار عيني إنسان فإنه لا يضمن اهدابهما فأما إن كان الأذى من غير الشعر كالقمل والقروح والصداع وشدة الحر عليه لكثرة الشعر فله إزالته وعليه الفدية كما لو احتاج إلى أكل الصيد في حال المخمصة وكذلك إن احتاج إلى مداواة قرحة لا يمكنه مداواتها إلا بقص ظفره فله قصه وعليه الفدية لما ذكرنا وقال ابن القاسم صاحب مالك لا فديه عليه ولنا أنه ما منع إزالته لضرر في غيره أشبه حلق رأسه دفعاً لضرر القمل وإن وقع في أظفاره مرض فأزالها لذلك المرض فلا شئ عليه لأنه أزالها لإزالة مرضها أشبه قص الظفر لكسره والله تعالى أعلم، وإن انكسر ظفره فأزال أكثر مما انكسر فعليه الفدية لأنه لا حاجة إلى إزالته. (فصل) وإن خلل شعره فسقطت شعرة فإن كانت ميتة فلا شئ عليه وإن كانت من الشعر النابت ففيها الفدية لان أزالها بفعله فإن شك فيها فلا فدية لأن الأصل نفي الضمان وبراءة الذمة فلا يجب بالشك وان قطع اصبعاً عليها ظفر فلا شئ عليه لأنه تبع والله أعلم (فصل) قال رحمه الله (الثالث) تغطيه رأسه فمتى غطاه بعمامة أو خرقة أو قرطاس فيه دواء أو غيره أو عصبة أو طينه بطين أو حناء أو غيره فعليه الفدية أجمع أهل العلم على أن المحرم ممنوع من تغطيه رأسه حكاه ابن المنذر، وقد دل عليه نهى النبي صلى الله عليه وسلم المحرم عن لبس العمائم والبرانس وقوله عليه السلام في المحرم الذي وقصته راحلته " لا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً " فعلل منع تخمير رأسه ببقائه على إحرامه فعلم أن المحرم ممنوع منه وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول إحرام الرجل في رأسه، وذكر القاضي أن النبي صلى الله عليه وسلم

باب محظورات الإحرام وهي تسعة

قال " إحرام الرجل في رأسه وإحرام المرأة في وجهها " وإنه عليه السلام نهى أن يشد المحرم باليسير. (فصل) والاذنان مع الرأس تحرم تغطيتهما كسائر الرأس وأباح ذلك الشافعي ولنا قوله صلى الله عليه وسلم " الأذنان من الرأس " وقد ذكرناه في الطهارة إذا ثبت ذلك فإنه يمنع من تغطية بعض رأسه كما يمنع تغطيه جميعه لأن المنهي عنه يحرم بعضه كما يحرم جميعه ولذلك لما قال الله تعالى (ولا تحلقوا رؤوسكم حرم حلق بعضه) وسواء غطاه بالملبوس المعتاد أو بغيره مثل أن عصبه بعصابة أو شدة بسير أو جعل عليه قرطاسا فيه دواء أو لا دواء فيه أو خضبه بحناء أو طلاه بطين أو نورة أو جعل عليه دواء فإن جميع ذلك ستر له وتغطيه وهو ممنوع منه وسواء كان ذلك لعذر أو غيره تجب به الفدية لقوله تعالى (فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية) الآية ولحديث كعب ابن عجرة وبهذا كله قال الشافعي وكان عطاء يرخص في العصابة من المصرورة، والصحيح الأول كما لو لبس قلنسوة للبرد. (مسألة) (وإن استظل بالمحمل ففيه روايتان) كره أحمد رحمه الله للمحرم الاستظلال بالمحمل وما كان في معناه كالهودج والعمارية ونحو ذلك على البعير رواية واحدة ويروى كراهته عن ابن عمر ومالك وعبد الرحمن بن مهدي وأهل المدينة وكان سفيان بن عيينة يقول لا يستظل البتة ورخص فيه ربيعة والثوري والشافعي، وروي ذلك عن عثمان وعطاء لما روت ام الحصين قالت حججت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع فرأيت أسامة وبلالاً وأحدهما آخذ بخطام ناقة النبي صلى الله عليه وسلم والآخر رافع ثوبه يستره من الحر حتى رمى جمرة العقبة رواه مسلم ولأنه يباح له التظلل في البيت والخباء فجاز في حال الركوب كالحلال واحتج أحمد بأن عطاء روي أن ابن عمر رضي الله عنه رأى على رحل عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة عوداً يستره من الشمس فنهاه وعن نافع عن ابن عمر أنه رأى رجلاً محرماً على رحل وقد رفع عليه ثوباً على عود يستره من الشمس فقال أضح لمن أحرمت له أي ابرز للشمس. رواهما الأثرم، ولأنه يستره بما يقصد به الترفه

أشبه مالو غطاه، والحديث الذي استدلوا به قد ذهب إليه أحمد ولم يكره الاستتار بالثوب، فإن ذلك لا يقصد الاستدامة والهودج بخلافه والخيمة والبيت يرادان الجمع الرحل وحفظه لا للترفه. إذا ثبت ذلك فإن أحمد رحمه الله إنما كره ذلك كراهة تنزيه في الظاهر عنه لوقوع الخلاف فيه وقول ابن عمر، ولم ير ذلك حراماً ولا موجباً للفدية، قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله يسأل عن المحرم يستظل على محمل قال لا وذكر حديث ابن عمر، قيل له فإن فعل يهريق دماً؟ قال أما الدم فلا وعنه أنه تجب عليه الفدية اختاره الخرقي وهو وقل أهل المدينة لأنه ستر رأسه بما يستدام ويلازمه غالباً أشبه مالو ستره بشئ يلاقيه، ويروى عن الرياشي قال: رأيت أحمد بن المعذل في الموقف في يوم شديد الحر وقد ضحى للشمس، فقلت له يا أبا الفضل هذا أمر قد اختلف فيه فلو أخذت بالتوسعة فأنشأ يقول: ضحيت له كي استظل بظله * إذا الظل أضحى في القيامة قالصا فوا أسفا إن كان سعيك باطلاً * وواحسرتا إن كان حجك ناقصا (مسألة) (وإن حمل على رأسه شيئاً، أو نصب حياله ثوباً، أو ستظل بخيمة، أو شجرة، أو بيت فلا شئ عليه) إذا حمل على رأسه طبقاً، أو مكيلاً أو نحوه فلا فديه عليه، وبه قال عطاء ومالك وقال الشافعي عليه الفدية لأنه ستره ولنا أن هذ لا يقصد به الستر غالباً فلم تجب به الفدية كما لو وضع يديه على رأسه وسواء قصد به الستر أو لم يقصد لأن ما تجب به الفدية لا يختلف بالقصد وعدمه فكذلك مالا يجب به، واختار ابن عقيل وجوب الفدية إذا قصد به الستر لان الحيل لاتحيل الحقوق، ولأنه لو جلس عند العطار لقصد شم الطيب وجبت عليه الفدية، وإن لم يقصد لم تجب كذلك هذا، وإن ستر رأسه ببدنه فلا شئ عليه لما ذكرنا، ولأن الستر ببعض بدنه لا يثبت له حكم الستر، وكذلك لو وضع يده على فرجه لم تجزه في الستر، ولأن المحرم مأمور بمسح رأسه وذلك يكون بوضع يده عليه، وإن طلا رأسه بغسل أو صمغ ليجتمع الشعر ويتلبد فلا يدخله الغبار ولا يصيبه الشعث، ولا يقع فيه الدبيب جاز، وهذا

وفيما دون ذلك في كل واحد مد من طعام وعنه قبضة وعنه درهم

التلبيد الذي جاء في حديث ابن عمر رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل ملبدا. متفق عليه. وإن كان في رأسه طيب مما جعله فيه قبل الإحرام فلا بأس لأن ابن عباس رضي الله عنه قال: كأني أنظر إلى وبيص المسك في مفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم (فصل) ولا بأس أن يستظل بالسقف والحائط والشجرة والخباء وإن نزل تحت شجرة وطرح عليها شيئاً يستظل به فلا بأس به عند جميع أهل العلم وقد صح به النقل قال جابر رضي الله عنه في حديث حجة النبي صلى الله عليه وسلم وأمر بقبة من شعر فضربت له بنمرة فنزل بها حتى إذا زاغت الشمس رواه مسلم ولا بأس أن ينصب حياله ثوباً يقيه الحر والبرد. إما أن يمسكه إنسان أو يرفعه على عود على نحو ما روي في حديث أم الحصين أن بلالاً وأسامة كان رافعاً ثوبه يستر به النبي صلى الله عليه وسلم ولأن ذلك لا يقصد به الاستدامة فلم يكن به بأس كالاستظلال بحائط (مسألة) (وفي تغطية الوجه روايتان) (إحداهما) يباح روى ذلك عن عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف وزيد بن ثابت وابن الزبير وسعد بن أبي وقاص وجابر والقسم وطاوس والثوري والشافعي (والثانية) لا يباح وهو مذهب أبي حنيفة ومالك لما روي عن ابن عامر أن رجلاً وقع عن راحلته فأقعصته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تخمروا وجهه ولا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً " ولأنه محرم على المرأة فحرم على الرجل كالطيب ولنا قول من ذكرنا من الصحابة ولا نعرف لهم مخالفاً في عصرهم فكان إجماعاً، ولما روي عنه عليه السلام أنه قال " إحرام الرجل في رأسه، وإحرام المرأة في وجهها " وحديث ابن عباس المشهور فيه " ولا تخمروا رأسه " هذا المتفق عليه، وقوله " ولا تخمروا وجهه " فقال شعبة حدثنيه أبو بشر ثم سألته عنه بعد عشر سنين فجاء بالحديث كما كان يحدث إلا أنه قال " ولا تخمروا وجهه ورأسه " ففي قوله دليل على أنه ضعف هذه الزيادة، وقد روي في بعض ألفاظه " خمروا وجهه ولا تخمروا رأسه " فتعارض الروايتان وما ذكروه يبطل بلبس القفازين

(مسألة) (الرابع لبس المخيط والخفين) قال إبن المنذر أجمع أهل العلم على أن المحرم ممنوع من لبس القميص والعمائم والسراويلات والبرانس والخفاف والأصل في هذا ماروى ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يلبس المحرم من الثياب؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يلبس القمص ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرانس ولا الخفاف إلا أحداً لا يجد النعلين فيلبس الخفين وليقطعهما أسفل من الكعبين، ولا يلبس من الثياب شيئاً مسه الزعفران ولا الورس " متفق عليه. نص النبي صلى الله عليه وسلم على هذه الأشياء وألحق بها أهل العلم ما في معناه مثل الجبة والدراعة والتبان وأشباه ذلك، فلا يجوز للمحرم ستر بدنه بما عمل على قدره ولا ستر عضو من أعضائه بما عمل على قدره كالقميص للبدن والسراويل لبعض البدن والقفازين لليدين والخفين للرجلين ونحو ذلك، وليس في هذا اختلاف، قال ابن عبد البر: لا يجوز لبس شئ من المخيط عند جميع أهل العلم، وأجمعوا على ان المراد بهذا الذكور دون الاناث (مسألة) (إلا أن لا يجد إزارا فيلبس سراويل أو لا يجد نعلين فيلبس خفين ولا يقطعهما ولا فدية عليه) إذا لم يجد المحرم إزاراً فله أن يلبس سراويل وإذا لم يجد النعلين فله لبس الخفين لا نعلم فيه خلافا

وإن حلق رأسه بإذنه فالفدية عليه، وإن كان مكرها أو نائما فالفدية على الحالق

والاصل فيه ماروى ابن عباس قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب بعرفات يقول " من لم يجد نعلين فليلبس الخفين، ومن لم يجد إزاراً فليلبس سراويل للمحرم " متفق عليه. ولا فدية عليه في لبسهما عند ذلك في قول عطاء وعكرمة والثوري والشافعي واسحاق وأصحاب الرأي إلا مالكا وأبا حنيفة قالا على من لبس السراويل الفدية لحديث ابن عمر الذي قدمناه ولأن ما وجبت الفدية بلبسه مع وجود الازار وجبت مع عدمه كالقميص ولنا ما ذكرنا من حديث ابن عباس وهو صريح في الإباحة ظاهر في إسقاط الفدية لأنه أمر بلبسه ولم يذكر فدية ولأنه يختص لبسه بحالة عدم غيره فلم تجب به فدية كالخفين المقطوعين وحديث ابن عمر مخصوص بحديث ابن عباس. وأما القميص فيمكنه أن يأتزر به من غير لبس ويحصل به الستر بخلاف السراويل (فصل) وإذا لبس الخفين مع عدم النعلين لم يلزمه قطعهما في أشهر الروايتين عن أحمد يروي ذلك عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وبه قال عطاء وعكرمة (والرواية الثانية) أنه يقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين فعلى هذه الرواية إن لبسهما من غير قطع افتدى، وبه قال عروة بن الزبير ومالك والثوري والشافعي واسحاق وأصحاب الرأي وابن المنذر لما روى ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " فمن لم يجد النعلين فليلبس الخفين وليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين " متفق عليه وهو متضمن لزيادة على حديث ابن عباس وجابر والزيادة من الثقة مقبولة. قال الخطابي: العجب من أحمد

وإن حلق محرم رأس حلال فلا فدية عليه

في هذا فإنه لا يكاد يخالف سنة تبلغه وقلت سنة لم تبلغه. ووجه الأولى حديث ابن عباس وجابر " من لم يجد النعلين فليلبس الخفين " مع قول علي رضي الله عنه وقطع الخفين فساد يلبسهما كما هما مع موافقة القياس فإنه ملبوس أبيح مع عدم غيره أشبه السراويل ولأن قطعه لا يخرجه عن حالة الحظر فإن لبس المقطوع محرم مع القدرة على النعلين كلبس الصحيح وفيه إتلاف ماله وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعته فأما حديث ابن عمر فقد قيل ان قوله فليقطعهما من كلام نافع كذلك روي في أمالي أبي القاسم بن بشران بإسناد صحيح أن نافعاً قال بعد روايته للحديث وليقطع الخفين أسفل من الكعبين وروى ابن أبي موسى عن صفية بنت أبي عبيد عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص للمحرم أن يلبس الخفين ولا يقطعهما، وكان ابن عمر يفتي بقطعهما قالت صفية فلما أخبرته بهذا رجع، وروي أبو حفص بإسناده في شرحه عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أنه طاف وعليه خفان فقال له عمر رضي الله عنه والخفان مع القباء فقال قد لبستهما مع من هو خير منك يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحتمل أن يكون الأمر بقطعهما منسوخاً فإن عمرو بن دينار روى الحديثين جميعاً وقال انظروا أيهما كان قبل، قال الدارقطني قال أبو بكر النيسابوري حديث ابن عمر قبل لأنه جاء في بعض رواياته قال نادى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد يعني بالمدينة فكأنه كان قبل الإحرام وفي حديث ابن عباس يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب بعرفات يقول " من لم يجد نعلين فليلبس خفين "

وإن خرج في عينيه شعر فقلعه أو نزل شعرة فغطى عينيه فقصه أو انكسر ظفره فقصه أو قلع جلدا عليه شعر فلا فديه عليه

فيدل على تأخره عن حديث ابن عمر فيكون ناسخاً له لأنه لو كان القطع واجباً لبينه للناس فإنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة إليه والمفهوم من إطلاق لبسهما لبسهما على حالهما من غير قطع قال شيخنا والأولى قطعهما عملا بالحديث الصحيح وخروجاً من الخلاف وأخذا بالاحتياط والذي قاله صحيح (فصل) فإن وجد المقطوع مع وجود النعل لم يجز له وعليه الفدية نص عليه، وبه قال مالك وقال أبو حنيفة لا فدية عليه لأنه لو كان لبسه محرماً وفيه فدية لما أمر بقطعه لعدم الفائدة فيه وعن الشافعي كالمذهبين ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم شرط لإباحة لبسهما عدم النعلين فدل على أنه لا يجوز مع وجودهما ولأنه مخيط لعضو على قدره فوجب على المحرم الفدية بلبسه كالقفازين (فصل) وقياس قول أحمد في اللالكة والجمجم ونحوهما أنه لا يلبسهما فإنه قال لا يلبس النعل التي لها قيد وهذا أشد منها وقد قال في رأس الخف الصغير لا يلبسه وذلك لأنه يستر القدم وقد عمل لها على قدرها فأشبه الخف فإن عدم النعلين فله لبس ذلك ولا فدية عليه لأن النبي صلى الله عليه وسلم أباح لبس الخف عند ذلك فما دون الخف أولى (فصل) فأما النعل فيباح لبسها كيفما كانت ولا يجب قطع شئ منها لأن إباحتها وردت مطلقاً وروى عن أحمد في القيد في النعل يفتدي لأننا لا نعرف النعال هكذا وقال إذا أحرمت فأقطع المحمل الذي على النعال والعقب الذي يجعل للنعل فقد كان عطاء يقول فيه دم وقال ابن أبي موسى في

الإرشاد في القيد والعقب الفدية والقيد هو السير المعترض على الزمام قال القاضي: إنما كرههما إذا كانا عريضين وهذا هو الصحيح فإنه لم يجب قطع الخفين الساترين للقدمين والساقين فقطع سير النعل أولى أن لا يجب، ولأن ذلك معتاد في النعل فلم يجب إزالته كسائر سيورها ولأن قطع القيد والعقب ربما تعذر معه المشي في النعلين لسقوطهما بزوال ذلك فلم يجب كقطع القبال (فصل) فإن وجد نعلا لم يمكنه لبسها فله لبس الخف ولا فدية عليه لان مالا يمكن استعماله كالمعدوم فاشبه مالو كانت النعل لغيره وكالماء في التيمم والرقبة التي لا يمكنه عتقها ولأن العجز عن لبسها قال مقام العدم في إباحة لبس الخف فكذلك في إسقاط الفدية ونص أحمد على وجوب الفدية لقوله عليه السلام " من لم يجد نعلين فيلبس الخفين " وهذا واجد (مسألة) (ولا يعقد عليه منطقة ولا رداء ولا غيره إلا إزاره وهميانه فيه نفقته إذا لم يثبت إلا بالعقد) ليس للمحرم أن يعقد عليه الرداء ولا غيره إلا الإزار والهميان وليس له أن يجعل لذلك زرا وعروة ولا يخلله بشوكة ولا إبرة ولا خيط ولا يغرزه في إزاره لأنه في حكم المخيط وروى الأثرم عن ابن عمر رضي الله عنه أن رجلاً سأله أخالف بين طرفي من ورائي ثم أعقده؟ وهو محرم فقال ابن عمر: لا تعقد عليك شيئاً. وعن أبي معبد مولى ابن عباس أن ابن عباس قال له يا أبا معبد زر علي طيلساني وهو محرم فقال له كنت تكره هذا فقال إني أريد أن أفتدي ولا بأس أن يتشح بالقميص

وإن استظل بالمحمل

ويرتدي به وبرداء موصل ولا يعقده لأن المنهي عنه المخيط على قدر العضو (فصل) فأما الإزار فيجوز عقده، لأنه يحتاج إليه لستر العورة فأبيح كاللباس وإن شد وسطه بالنديل أو نحوه كالحبل جاز إذا لم يعقده قال أحمد في محرم حزم عمامة على وسطه: لا يقدها ويدخل بعضها في بعض، قال طاوس رأيت ابن عمر يطوف بالبيت وعليه عمامة قد شدها على وسطه فأدخلها هكذا. ولا يجوز أن يشق أسفل إزاره نصفين ويعقد كل نصف على ساق لأنه يشبه السراويل ولا يلبس الران لأنه في معنى الخف (فصل) فأما الهميان فهو مباح للمحرم في قول أكثر أهل العلم منهم ابن عباس وابن عمر وسعيد أبن المسيب وعطاء ومجاهد وطاوس والقاسم والنخعي والشافعي واسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي قال ابن عبد البر أجاز ذلك جماعة فقهاء الأمصار متقدموهم ومتأخروهم ومتى ثبت بغير العقد مثل أن يدخل السيور بعضها في بعض لم يعقده لأنه لا حاجة إليه فإن لم يثبت إلا بالعقد جاز نص عليه أحمد وهو قول إسحاق. قال ابراهيم كانوا يرخصون في عقد الهميان للمحرم ولا يرخصون في عقد غيره وقالت عائشة: أوثق عليك نفقتك. وقال ابن عباس: أوثقوا عليكم نفقاتكم. وذكر القاضي في الشرح أن ابن عباس قال رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم للمحرم في الهميان أن يربطه إذا كانت فيه نفقته

وإن حمل على رأسه شيئا، أو نصيب حياله ثوبا، أو استظل بخيمة، أو شجرة، أو بيت فلا شيء عليه

وقال مجاهد سئل ابن عمر عن المحرم يشد الهميان عليه فقال لا بأس به إذا كانت فيه نفقته يستوثق من نفقته ولأنه مما تدعو الحاجة إليه فجاز كعقد الإزار (فصل) فإن لم يكن في الهميان نفقة لم يجز عقده لعدم الحاجة إليه وكذلك المنطقة وقد روى ابن عمر أنه كره المنطقة والهميان للمحرم وهو محمول على ما ليس فيه نفقة على ما تقدم من الرخصة فيما فيه النفقة، وسئل أحمد عن المحرم يلبس المنطقة من وجع الظهر أو لحاجة إليها. فقال يفتدي. فقيل له أفلا يكون مثل الهميان؟ قال لا: وعن ابن عمر أنه كره المنطقة للمحرم وأباح شد الهميان إذا كانت فيه نفقة والفرق بينهما أن الهميان يكون فيه النفقة والمنطقة لا نفقة فيها فأبيح شد ما فيه النفقة للحاجة إلى حفظها ولم يبح شد غيرها فان كان في المنطقة نفقة أو لم يكن في الهميان نفقة فهما سواء وقد ذكرنا أن أحمد لم يبح شد المنطقة لوجع الظهر إلا أن يفتدي لأن المنطقة ليست بعدة لذلك ولأنه فعل المحظور في الإحرام لدفع الضرر عن نفسه أشبه من لبس المخيط لدفع البرد أو تطيب للمرض فإن فعل مالا يباح له فعله من عقد غير الهميان والإزار ونحوه فعليه الفدية لأنه فعل محظوراً في الإحرام

وفي تغطية الوجه روايتان

(مسألة) (وإن طرح على كتفيه قباء فعليه الفدية وقال الخرقي لا فدية عليه إلا أن يدخل يديه في كميه) إذا طرح على كتفيه قباء أو نحوه وأدخل كتفيه فيه فعليه الفديه وإن لم تدخل يداه في الكمين هذا مذهب مالك والشافعي لأنه مخيط لبسه المحرم على العادة في لبسه فأشبه القميص وقد روى ابن المنذر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس الأقبية وقال الخرقي لا فديه عليه إذا لم يدخل يديه في كميه وهو قول الحسن وعطاء وابراهيم وأبي حنيفة لما ذكرنا من حديث عبد الرحمن بن عوف في مسألة الخفين إذا لم يجد نعلين ولان القباء لا يحيط بالبدن فلم تلزمه الفديه بوضعه على كتفيه إذا لم يدخل يديه في كميه كالقميص يتشح به وقياسهم منقوض بالرداء الموصل والخبر محمول على لبسه مع إدخال يديه في الكمين (مسألة) (ويتقلد بالسيف عن الضرورة) إذا احتاج المحرم إلى أن يتقلد بالسيف فله ذلك وبه قال عطاء والشافعي ومالك وكرهه الحسن ولنا ما روى أبو داود بإسناده عن البراء قال: لا صالح رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الحديبية صالحهم على أن لا يدخلوها إلا بجلبان السلاح (القراب بما فيه) وهذا ظاهر في إباحة حمله عند الحاجة لانهم لم يكونوا يأمنون أهل مكة أن ينقضوا العهد فاشترطوا حمل السلاح في قرابة فأما من غير خوف فقد قال أحمد لا الامن ضرورة وإنما منع منه لأن ابن عمر قال لا يحمل المحرم السلاح في الحرم. قال شيخنا والقياس إباحته لأن ذلك ليس هو في المعنى الملبوس المنصوص على تحريمه ولذلك لو حمل قربة في عنقه لم يحرم ذلك ولم تجب به الفدية. وقد سئل أحمد عن المحرم يلقي جرابه في عنقه كهيئة القربة فقال أرجوا أن لا يكون به بأس (فصل) قال الشيخ رحمه الله (الخامس الطيب فيحرم عليه تطيب بدنه وثيابه وشم الادهان المطيبة والادهان بها) أجمع أهل العلم على أن المحرم ممنوع من الطيب وقد دل قول النبي صلى الله عليه وسلم في المحرم الذي وقصته راحلته " لا تمسوه بطيب " رواه مسلم، وفي لفظ ولا تخيطوه. متفق عليه فلما منع الميت من الطيب

لبس المخيط والخفين

لإحرامه فالحي أولى ومتى تطيب فعليه الفدية لأنه فعل ما حرمه الإحرام فلزمته الفدية كاللباس فيحرم عليه تطيب بدنه لما ذكرنا من الحديث وتطيب ثيابه فلا يجوز له لبس ثوب مطيب وهذا قول جابر وابن عمر ومالك والشافعي وأبي ثور وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه خلافاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا يلبس من الثياب شئ مسه الزعفران ولا الورس " متفق عليه فكلما صبغ بزعفران أو ورس أو غمس في ماء ورد أو بخر بعود فليس للمحرم لبسه ولا الجلوس عليه ولا النوم عليه نص عليه أحمد لأنه استعمال له فأشبه لبسه ومتى لبسه أو استعمله فعليه الفديه، وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة إن كان رطباً يلي يدنه أو يابساً ينفض فعليه الفدية وإلا فلا لأنه ليس بمطيب ولنا أنه منهي عنه لأجل الإحرام فلزمته الفدية به كاستعمال الطيب في بدنه وقياساً على الثوب المطيب فإن غسله حتى ذهب ما فيه من ذلك فلا بأس به عند جميع العلماء وإن فرش فوق المطيب ثوباً صفيقاً يمنع الرائحة والمباشرة فلا فدية بالنوم عليه لأنه لم يستعمل الطيب ولم يباشره (فصل) وليس له شم الأدهان المطيبة كدهن الورد والبنفسج والخيري والزنبق ونحوها ولا الادهان بها وليس في تحريم ذلك خلاف في المذهب وكره مالك وأبو ثور وأصحاب الرأي الادهان بدهن البنفسج وقال الشافعي ليس بطيب ولنا أنه يقصد رائحته ويتخذ للطيب أشبه ماء الورد (مسألة) (وشم المسك والكافور والعنبر والزعفران والورس والمبخر بالعود وأكل ما فيه الطيب يظهر طعمه أو ريحه يحرم عليه شم كل ما تطيب رائحته ويتخذ للشم كالمسك والعنبر والكافور والغالية والزعفران والورس وماء الورد لأنه استعمال للطيب وكذلك التبخر بالعود لأنه طيب (فصل) ومتى جعل شئ من الطيب في مأكول أو مشروب كالمسك والزعفران فلم تذهب رائحته لم يبح للمحرم تناوله نيا كان أو قد مسته النار وبهذا قال الشافعي وكان مالك وأصحاب الرأي

إلا أن لا يجد إزارا فيلبس سراويل أو لا يجد نعلين فيلبس خفين ولا يقطعهما ولا فدية عليه

لا يرون بما مست النار من طعام بأساً وإن بقيت رائحته وطعمه ولونه لأنه بالطبخ استحال عن كونه طيباً وروي عن ابن عمر وعطاء ومجاهد وسعيد بن جبير أنهم لم يكونوا يرون بأكل الخشكنانج الأصفر بأساً وكرهه القاسم بن محمد ولنا أن الاستمتاع والترفه به حاصل أشبه النئ ولأن المقصود من الطيب رائحته وهي باقيه وقول من أباح الخشكنانج الأصفر محمول على ما ذهبت رائحته فإن ما ذهبت رائحته. وطعمه ولم يبق فيه إلا اللون مما مسته النار لا بأس بأكله لا نعلم فيه خلافاً إلا ما روي عن القاسم وجعفر بن محمد أنهما كرها الخشكنانج الأصفر ويمكن حمله على ما بقيت رائحته ليزول الخلاف فإن لم تمسه النار لكن ذهبت رائحته وطعمه فلا بأس به وهو قول الشافعي وكره مالك والحميدي واسحاق وأصحاب الرأي الملح الاصفر وفرقوا بين ما مسته النار وما لم تمسه ولنا أن المقصود الرائحة دون اللون فإن الطيب إنما كان طيباً لرائحته لا للونه فوجب دوران الحكم معها دونه (فصل) فإن ذهبت رائتحه وبقي طعمه فظاهر كلام أحمد في رواية صالح تحريمه وهو مذهب الشافعي لأن الطعم لا يكاد ينفك عن الرائحة فمتى وجد الطعم دل على وجود بقاء الرائحة وظاهر كلام الخرقي إباحته لأن المقصود الرائحة فيزول المنع بزوالها (فصل) ولا يجوز أن يأكل طيباً ولا يكتحل به ولا يستعط به ولا يحتقن به لأنه استعمال للطيب أشبه شمه (مسألة) (وإن مس من الطيب ما لا يعلق بيده فلا فديه عليه) إذا مس من الطيب مالا يعلق بيده كالمسك غير المسحوق وقطع الكافور والعنبر فلا فدية عليه لأنه غير مستعمل للطيب فإن شمه فعليه الفدية لأنه هكذا يستعمل وإن شم العود فلا فدية عليه لأنه لا يتطيب به هكذا وإن كان الطيب يعلق بيده كالغالية وماء الورد والمسك المسحوق الذي يعلق بأصابعه فعليه الفدية لأنه مستعمل للطيب

(مسألة) (وله شم العود والفواكه والشيح والخزامى) للمحرم شم العود ولا فدية عليه لأنه لا يتطيب به هكذا إنما يقصد منه التبخير وكذلك الفواكه كلها من الأترج والتفاح والسفرجل وغيرها وكذلك نبات الصحراء كالشيح والقيصوم والخزامى الذي تستطاب رائحته وما يشمه الآدميون لغير قصد الطيب كالحناء والعصفر فمباح شمه ولا فدية في شئ من ذلك لا نعلم فيه خلافاً إلا ما روي عن ابن عمر أنه كان يكره للمحرم أن يشم شيئاً من نبت الأرض من الشيح والقيصوم وغيرهما ولا نعلم احدا أوجب في ذلك شيئاً لأنه لا يقصد للطيب ولا يتخذ منه الطيب أشبه سائر نبت الأرض وقد روي أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كن يحرمن في المعصفرات (مسألة) (وفي شم الريحان والنرجس والورد والبنفسج والبرم ونحوها والادهان بدهن غير مطيب في رأسه روايتان) المذكور في هذه المسألة ينقسم قسمين (أحدها) ما ينبته الآدميون للطيب ولا يتخذ منه طيب كالريحان الفارسي والمرشوش والنرجس والبرم ففيه روايتان (إحداهما) يباح بغير فدية وهو قول عثمان وابن عباس والحسن ومجاهد واسحاق لأنه إذا يبس ذهبت رائحته أشبه نبت البرية ولأنه لا يتخذ منه طيب أشبه العصفر (والثانية) يحرم شمه فإن فعل فعليه الفدية وهو قول جابر وابن عمر والشافعي وأبي ثور لأنه يتخذ للطيب أشبه الورد وكرهه مالك وأصحاب الرأي ولم يوجبوا فيه شيئاً وكلام أحمد محتمل لهذا فإنه قال في الريحان ليس من آلة المحرم ولم يذكر فيه فدية (الثاني) ما ينبت للطيب ويتخذ منه طيب كالورد والبنفسج والياسمين والخيري فهذا إذا استعمله وشمه ففيه الفدية لأن الفدية تجب فيما يتخذ منه كماء الورد فكذلك أصله، وعن أحمد رواية أخرى في الورد لا شئ في شمه لأنه زهر أشبه سائر الشجر، وقد ذكر شيخنا فيه ههنا روايتين وكذلك ذكر أبو الخطاب والأولى تحريمه ووجوب الفدية فيه لأنه ينبت للطيب ويتخذ منه أشبه الزعفران والعنبر. قال القاضي: يقال أن العنبر ثمر شجرة وكذلك الكافور

(فصل) فأما الادهان بدهن لا طيب فيه كالزيت والشيرج والسمن والشحم ودهن البان الساذج فنقل الأثرم قال سمعت أبا عبد الله يسأل عن المحرم يدهن بالزيت والشيرج فقال نعم يدهن به إذا احتاج إليه ويتداوى المحرم بما يأكل قال إبن المنذر اجمع عوام أهل العلم على أن للمحرم أن يدهن بدنه بالشحم والزيت والسمن ونقل جواز ذلك عن ابن عباس وأبي ذر والأسود بن يزيد وعطاء والضحاك نقله الأثرم ونقل أبو داود عن أحمد أنه قال الزيت الذي يؤكل لا يدهن المحرم به رأسه فظاهر هذا أنه لا يدهن رأسه بشئ من الادهان وهو قول عطاء ومالك والشافعي وأبي ثور وأصحاب الرأي لأنه يزيل الشعث ويسكن الشعر (فصل) فأما دهن سائر البدن فلا نعلم عن أحمد فيه منعاً وقد أجمع أهل العلم على إباحته في اليدين وإنما الكراهة في الرأس خاصة فإنه محل الشعر وقال القاضي في إباحته في جميع البدن روايتان فإن فعله فلا فديه فيه في ظاهر كلام أحمد سواء دهن رأسه وغيره إلا أن يكون مطيباً وقد روي عن ابن عمر رضي الله عنه انه صدع وهو محرم. فقالوا ألا ندهنك بالسمن؟ قال لا. قالوا أليس تأكله؟ قال ليس أكله كالادهان به. وعن مجاهد أنه إن تداوى به فعليه الكفارة وقال من منع من دهن الرأس فيه الفدية لأنه مزيل للشعث أشبه ما لو كان مطيباً ولنا أن وجوب الفدية يحتاج إلى دليل ولا دليل فيه من نص ولا إجماع، ولا يصح قياسه على الطيب فإن الطيب يوجب الفدية وإن لم يزل شعثا ويستوي فيه الرأس وغيره والدهن بخلافه ولأنه مانع لا تجب الفدية باستعماله في البدن فلم تجب باستعماله في الرأس كالماء (مسألة) (وإن جلس عند العطار أو في موضع ليشم الطيب فشمه فعليه الفدية وإلا فلا) متى قصد شم الطيب من غيره بفعل منه نحو أن يجلس عند العطارين لذلك أو يدخل الكعبة حال تجميرها ليشم طيبها أو يحمل معه عقدة فيها مسك ليجد ريحها قال أحمد: سبحان الله كيف

يجوز هذا؟ وأباح الشافعي ذلك إلا العقدة تكون معه يشمها فإن أصحابه اختلفوا فيها قال: لأنه شم الطيب من غيره أشبه ما لو لم يقصده ولنا أنه قصد شم الطييب مبتدئاً به وهو محرم فحرم كما لو باشره يحقق ذلك أن القصد شم الطيب لا مباشرته بدليل أنه لو مس اليابس الذي لا يعلق بيده لم يكن عليه شئ ولو رفعه بخرقة وشمه وجبت عليه الفدية وإن لم يباشره فأما إن لم يقصد شمه كالجالس عند العطار لحاجته وداخل السوق أو داخل الكعبة للتبرك بها ومن يشتري طيباً لنفسه أو للتجارة ولا يمسه فغير ممنوع منه لأنه لا يمكن التحرز منه فعفي عنه فإن حمل الطيب فقال ابن عقيل: أن كان ريحه ظاهراً لم يجز وإن لم يكن ظاهراً جاز (فصل) قال الشيخ رحمه الله (السادس) قتل صيد البر واصطياده وهو ما كان وحشياً مأكولاً أو متولداً منه ومن غيره لا خلاف بين أهل العلم في تحريم قتل صيد البر واصطياده على المحرم، والأصل فيه قول الله سبحانه (يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم) وقوله تعالى (حرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما) والصيد المحرم على المحرم ما جمع ثلاثة أشياء (أحدها) أن يكون وحشياً وما ليس بوحشي لا يحرم على المحرم أكله ولا ذبحه كبهيمة الأنعام والخيل والدجاج ونحوها لا نعلم بين أهل العلم فيه خلافاً والاعتبار في ذلك بالأصل لا بالحال فلو استأنس الوحشي وجب فيه الجزاء كالحمام يجب الجزاء في أهليه ووحشيه اعتبار بالأصل ولو توحش الأهلي لم يجب فيه شئ قال أحمد في بقرة صارت وحشية لا شئ فيها لأن الأصل فيها الانسية فإن تولد بين الوحشي والأهلي ولد ففيه الجزاء تغليباً للتحريم، واختلفت الرواية في الدجاج السندي هل فيه جزاء على روايتين وروى مهنا عن أحمد في البط يذبحه المحرم إذا لم يكن صيداً والصحيح أنه يحرم عليه ذبحه وفيه الجزاء لأن الأصل فيه الوحشي فهو كالحمام (الثاني) أن يكون مأكولاً فأما ما ليس بمأكول كسباع البهائم والمستخبث من الحشرات والطير وسائر المحرمات فلا جزاء فيه قال أحمد رحمه الله إنما جعلت الكفارة في الصيد المحلل أكله وهذا قول أكثر أهل العلم إلا أنهم أوجبوا الجزاء في المتولد بين المأكول وغيره كالسمع المتولد بين الضبع والذئب تغليباً للتحريم قبله كما غلبوا التحريم في أكله، وقال بعض أصحابنا في أم حبين جدي وهي دابة منتفخة البطن وهذا خلاف القياس فإن أم حبين مستخبثة عند العرب لا تؤكل، وقد حكي

ولا يعقد عليه منطقة ولا رداء ولا غيره إلا إزاره وهميانه الذي فيه نفقته إذا لم يثبت إلا بالعقد

أن رجلا من البدو سئل: ما تأكلون؟ فقال مادب ودرج إلا أم حبين. فقال السائل: ليهن أم حبين العافية وإنما تبعوا فيها قضية عثمان فانه قضى فيها بحملان وهو الجدي والصحيح أنه لا شئ فيها، واختلفت الرواية في الثعلب فعنه فيه الجزاء وهو المشهور، وبه قال طاوس وقتادة ومالك والشافعي وعن أحمد لا شئ فيه وهو قول الزهري وعمرو بن دينار وابن المنذر لأنه سبع، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذي ناب من السباع، واختلفت الرواية في السنور الوحشي والأهلي والصحيح أنه لا جزاء في الأهلي لأنه ليس وحشياً ولا مأكولاً وأما الوحشي فاختار القاضي أنه لا شئ فيه لأنه سبع. وقال الثوري واسحاق في الوحشي حكومه والاختلاف فيه مبني على الاختلاف في إباحته، واختلفت الرواية في الهدهد والصرد لاختلاف الروايتين في إباحتهما وكلما اختلفت في إباحته اختلف في جزائه فأما ما يحرم فالصحيح أنه لا جزاء فيه لعدم النص فيه وهو مخالف للقياس الثالث أن يكون من صيد البر فأما صيد البحر فلا يحرم على المحرم بغير خلاف لقوله سبحانه (أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر مادمتم حرما) قال ابن عباس رضي الله عنهما طعامه ما لفظه (مسألة) (فمن أتلفه أو تلف في يده أو أتلف جزأ منه فعليه جزاؤه) من أتلف صيدا وهو محرم فعليه جزاؤه بإجماع أهل العلم، وقد دل عليه قوله سبحانه (من قتله منكم متعمدا فجزاء، مثل ما قتل من النعم) قال شيخنا رضي الله عنه ولا نعلم احدا خالف في قتل الصيد متعمداً أن فيه الجزاء إلا الحسن ومجاهدا قالا يجب في الخطأ والنسيان ولا يجب في العمد، وهذا خلاف النص فلا يلتفت إليه وقتل الصيد نوعان مباح ومحرم، فالمحرم أن يقتله ابتداء من غير سبب يبيح قتله ففيه الجزاء لما ذكرنا، والباح ثلاثة أنواع (أحدها) أن يضطر إليه (والثاني) أن يصول عليه الصيد (والثالث) إذا أراد تخليصه من سبع أو شبكة أو نحوه وسنذكر ذلك إن شاء الله تعالى (فصل) ويضمن ما تلف في يده وإن صاده لم يملكه لأن ما حرم لحق غيره لا يملك بالأخذ من غير إذنه كمل غيره وعليه إرساله في موضع يمتنع فيه فإن لم يفعل فتلف ضمنه كما الآدمي إذا أخذه بغير حق فتلف في يده، وإن كان مملوكاً لآدمي فعليه رده إليه لكونه غصبه منه

(فصل) وإن أتلف جزءاً من الصيد فعليه ضمانه لأن جملته مضمونة فكان بعضه مضموناً كالآدمي والاموال (مسألة) (ويضمن ما دل عليه أو أشار إليه أو أعان على ذبحه أو كان له أثر في ذبحه مثل أن يعيره سكيناً إلا أن يكون القاتل محرماً فيكون جزاؤه بينهما) يحرم على المحرم الدلالة على الصيد والإشارة إليه فإن في حديث أبي قتادة لما صاد الحمار الوحشي وأصحابه محرمون قال النبي صلى الله عليه وسلم " هل منكم أحدا أمره أن يحمل عليها أو أشار إليها؟ " وفي لفظ فأبصروا حماراً وحشياً وأنا مشغول أخصف نعلي فلم يؤذنوني وأحبوا لو أني أبصرته وهذا يدل على تعليق التحريم بذلك لو وجد منهم ولأنه سبب إلى إتلاف صيد محرم فحرم كنصب الشرك (فصل) وليس له الإعانة على الصيد بشئ فإن في حديث أبي قتادة المتفق عليه ثم ركبت ونسيت السوط والرمح فقلت لهم ناولوني السوط والرمح قالوا والله لا نعينك عليه، وفي رواية فاستعنتهم فأبوا أن يعينوني. وهذا يدل على أنهم اعتقدوا تحريم الأعانة والنبي صلى الله عليه وسلم أقرهم على ذلك ولأنه أعانه على محرم فحرم كالإعانة على قتل الآدمي، وبضمنه بالدلالة عليه فإذا دل المحرم حلالاً على الصيد فأتلفه فالجزاء على المحرم روى ذلك عن علي وابن عباس وعطاء ومجاهد وبكر المزني واسحاق

وإن طرح على كتفيه قباء عليه الفدية

وأصحاب الرأي، وقال مالك والشافعي لا شئ على الدال لأنه يضمن بالجناية فلا يضمن بالدلالة كالآدمي ولنا حديث أبي قتادة ولأنه سبب يتوصل به إلى إتلاف الصيد فتعلق به الضمان كما لو نصب أحبولة ولأنه قول علي وابن عباس رضي الله عنهما ولا مخالف لها في الصحابة، وإن اشار إليه فهو كما لو دل عليه لأنه في معناه (فصل) فإن دل محرماً على الصيد فقتله فالجزاء بينهما، وبه قال عطاء وحماد بن أبي سليمان، وقال الشعبي وسعيد بن جبير وأصحاب الرأي على كل واحد جزاء لأن كل واحد من الفعلين يستقل بالجزاء إذا انفرد فكذلك إذا لم يضمنه غيره، وقال مالك والشافعي لا شئ على الدال ولنا أن الواجب جزاء المتلف وهو واحد فيكون الجزاء واحداً وعلى مالك والشافعي ما سبق ولا فرق بين جميع الصورتين كون المدلول عليه ظاهراً أو خفياً لا يراه إلا بالدلالة عليه ولو دل محرم محرماً على الصيد ثم دل الآخر آخر ثم كذلك إلى عشرة فقتل العاشر كان الجزاء على جميعهم، وإن قتله الأول فلا شئ على غيره لأنه لم يدله عليه أحد فلا يشاركه في ضمانه أحد ولو كان المدلول رأى الصيد قبل الدلالة والإشارة فلا شئ على الدال والمشير لأن ذلك لم يكن سبباً في تلفه ولأن هذه ليست دلالة على الحقيقة وكذلك إن وجد من المحرم حدث عند رؤية الصيد من ضحك أو استشراف

ففطن له غيره فصاده فلا شئ على المحرم، فإن في حديث أبي قتادة قال. خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كنا بالقاحة ومنا المحرم ومنا غير المحرم إذ بصرت بأصحابي يتراءون شيئاً فنظرت فإذا حمار وحش، وفي لفظ فبينا أنا مع أصحابي فضحك بعضهم إذ نظرت إذا أنا بحمار وحش، وفي لفظ فلما كنا بالصفاح إذا هم يتراءون فقلت أي شئ تنظرون؟ فلم يخبروني متفق عليه (فصل) فإن أعار قاتل الصيد سلاحاً فقتله به فهو كما لو دله عليه سواء كان المستعار مما لا يتم قلته إلا به أو أعاره شيئاً هو مستغن عنه مثل أن يعيره رمحاً ومعه رمح وكذلك لو أعانه عليه بمناولته سلاحه أو سوطه أو أمره باصطياده لما ذكرنا من حديث أبي قتادة وقول أصحابه والله لا نعينك عليه بشئ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم " هل منكم أحد أمره أن يحمل عليها أو أشار إليها؟ " وكذلك إن أعاره سكيناً فذبحه بها فأما إن أعاره آلة ليستعملها في غير الصيد فاستعملها في الصيد لم يضمن لأن ذلك غير محرم عليه أشبه مالو ضحك عند رؤية الصيد ففطن له إنسان فصاده (فصل) فإن دل الحلال محرماً على صيد فقتله فلا شئ على الحلال لأنه لا يضمن الصيد بالإتلاف فبالدلالة أولى إلا أن يكون ذلك في الحرم فيشتركان في الجزاء كالمحرمين لأن صيد الحرم حرام على الحلال والمحرم فإن اشترك في قتل الصيد حلال ومحرم في الحل فعلى المحرم الجزاء جميعه على ظاهر قول أحمد رحمه الله وقال أصحاب الشافعي عليه نصف الجزاء كما لو كانا محرمين

وشم المسك والكافور والعنبر والزعفران والورس والتبخر بالعود وأكل ما فيه الطيب يظهر طعمه

ولنا أنه اشترك في قتله من يجب عليه الضمان ومن لا يجب فاختص الجزاء بمن يجب عليه كما لو دل الحلال محرماً على صيد فعليه ولأنه اجتمع موجب ومسقط فغلب الإيجاب كما لو قتل صيداً بعضه في الحرم وبعضه في الحل ذكر هذه المسألة القاضي أبو الحسين (فصل) وكذلك إن كان شريكه سبعاً ثم إن كان جرح أحدهما قبل صاحبه والسابق الحلال أو السبع فعلى المحرم جزاؤه مجروحاً وإن كان السابق المحرم فعليه أرش جرحه على ما ذكرنا وإن كان جرحهما في حال واحدة أو جرحاه ومات منهما فالجزاء كله على المحرم، وفيه وجه لنا كقول أصحاب الشافعي إن على المحرم نصفه كالمحرمين (مسألة) (ويحرم عليه الأكل من ذلك كله واكل ماصيد لأجله ولا يحرم عليه الأكل من غير ذلك) لا خلاف في تحريم الصيد على المحرم إذا صاده أو ذبحه لقوله تعالى (وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما) وإن صاده حلال أو ذبحه وكان من المحرم إعانة فيه أو دلالة أو إشارة إليه لم يبح أيضا لان أعان عليه أشبه ما لو ذبحه، وإن صيد من أجله حرم عليه اكله يروي ذلك عن عثمان ابن عفان رضي الله عنه، وبه قال مالك والشافعي وقال أبوحينفة له أكل ما صيد لاجله للقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي قتادة " هل منكم أحد أمره أو أشار إليه بشئ؟ " قالوا لا. قال " كلوا ما بقي من لحمها " متفق عليه فدل على أن التحريم إنما يتعلق بالإشارة والأمر والإعانة ولأنه صيد مذكى لم يحصل فيه ولا في سببه منع منه فلم يحرم عليه أكله كما لو لم يصد له

وإن مس من الطيب ما لا يعلق بيده فلا فديه عليه

ولنا ماروى ابن عباس رضي الله عنهما أن الصعب بن جثامة الليثي أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم حماراً وحشيا وهو بالابواء أو بودان فرده عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأى ما في وجهه قال: " إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم " متفق عليه، وروى جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " صيد البر لكم حلال ما لم تصيدوه أو يصد لكم) رواه أبو داود والنسائي والترمذي وقال هو أحسن حديث في الباب وهذا فيه تحريم ماصيد للمحرم وفيه إباحة ما لم يصده ولم يصد له (فصل) ولا يحرم عليه الأكل من غير ذلك، وهذا مذهب الشافعي وأبي حنيفة ومالك، ويروى ذلك عن طلحة بن عبيد الله وحكي عن عطاء وابن عمر وعائشة وابن عباس رضي الله عنهم أن لحكم الصيد يحرم على المحرم بكل حال، وبه قال طاوس وكرهه الثوري واسحاق لعموم قوله سبحانه (وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما) ولما ذكرنا من حديث الصعب بن جثامة، وروى أبو داود باسناده عن عبد الله بن الحارث عن أبيه قال: كان الحارث خليفة عثمان على الطائف فصنع له طعاماً وصنع فيه الحجل واليعاقيب ولحم الوحش فبعث إلى علي بن أبي طالب فجاءه فقال أطعموه قوما حلالاً أنا حرم ثم قال علي أنشد الله من كان ههنا من أشجع أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدى إليه رجل حمار وحش فأبى أن يأكله؟ قالوا نعم، ولأنه لحم صيد فحرم على المحرم كما لو دل عليه ولنا ما ذكرنا من حديث أبي قتادة وجابر فإنهما صريحان في الحكم وفي ذلك جمع بين الأحاديث وبيان المختلف منها بأن يحمل ترك النبي صلى الله عليه وسلم الأكل في حديث الصعب بن جثامة لعلمه أو ظنه أنه

وفي شم الريحان والنرجس والورد والبنفسج والبرم ونحوها والادهان بدهن غير مطيب في رأسه روايتان

صيد من أجله ويتعين حمله على ذلك لما ذكرنا من الحديثين فإن الجمع بين الأحاديث أولى من التعارض والتناقض، وروى مالك في الموطأ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يريد مكة وهو محرم حتى إذا كان بالروحاء إذا حمار وحشي عقير فجاء البهزي وهو صاحبه فقال يارسول الله شأنكم بهذا الحمار فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر فقسمه بين الرفاق (فصل) وما حرم على المحرم لكونه دل عليه أو أعان عليه أو صيد من أجله لا يحرم على الحلال أكله لقول علي رضي الله عنه أطعموه حلالا وقد بينا حمله على أنه صيد من أجلهم وحديث الصعب ابن جثامة حين رد النبي صلى الله عليه وسلم الصيد عليه لم ينهه عن أكله ولأنه صيد حلال فأبيح للحلال أكله كما لو صيد لهم وهل يباح أكله لمحرم آخر فيه احتمالان (أحدهما) يباح فإن ظاهر حديث جابر إباحته وهو قول عثمان رضي الله عنه لأنه يروى أنه أهدي له صيد فقال لأصحابه كلوا ولم يأكل وقال إنما صيد من أجلي ولأنه لم يصد من أجله فحل له كما لو صاده الحلال لنفسه ويحتمل أن يحرم وهو قول علي رضي الله عنه لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي قتادة " هل منكم أحد أمره أن يحمل عليها أو أشار إليها " قالوا لا قال " فكلوه " فمفهومه إن إشارة واحد منهم تحرمه عليهم والأول أولى

(فصل) وإذا قتل المحرم الصيد ثم أكله ضمنه للقتل دون الأكل، وبه قال مالك والشافعي، وقال عطاء وأبو حنيفة يضمنه للأكل أيضاً لأنه أكل من صيد محرم عليه فضمنه كما لو صيد لأجله ولنا أنه مضمون بالجزاء فلم يضمن ثانياً كما لو أتلفه بغير الأكل وكصيد المحرم إذا قتله الحلال وأكله وكذلك إن قتله محرم آخر ثم أكل منه لم يجب عليه الجزاء لما ذكرنا ولأن تحريمه لكونه ميتة والميتة لا تضمن بالجزاء، وكذلك إن حرم عليه أكله بالدلالة عليه والإعانة عليه فأكل منه لم يضمن لأنه صيد مضمون بالجزاء مرة فلم يجب به جزاء ثان كما لو أتلفه فإن أكل مما صيد لأجله ضمنه وهو قول مالك والشافعي في القديم وقال في الجديد لا جزاء عليه لأنه أكل للصيد فلم يجب به الجزاء كما لو قتله ثم أكله ولنا أنه إتلاف ممنوع منه لحرمة الإحرام فتعلق به الضمان كالقتل. أما إذا قتله ثم أكله يحرم للإتلاف إنما حرم لكونه ميتة، إذا ثبت هذا فإنه يضمنه بمثله من اللحم لأن أصله مضمون بمثله من النعم فكذلك أبعاضه تضمن بمثلها بخلاف حيوان الآدمي فإنه يضمن جميعه بالقيمة فكذلك ابعاضه (فصل) وإذا ذبح المحرم الصيد صار ميتة يحرم أكله على جميع الناس، وهذا قول الحسن والقاسم وسالم ومالك والاوزاعي واسحاق وأصحاب الرأي، وقال الحكم والثوري وأبو ثور لا بأس بأكله. قال إبن المنذر هو بمنزلة ذبيحة السارق وقال عمرو بن دينار وأيوب السختياني

وإن جلس عند العطار أو في موضع ليشم الطيب فشمه فعليه الفدية وإلا فلا

يأكله الحلال، وحكي عن الشافعي قول قديم أنه يحل لغيره الأكل منه لأن من أباحت زكاته غير الصيد أباحت الصيد كالحلال ولنا أنه حيوان حرم عليه ذبحة لحق الله تعالى فلم يحل بذبحه كالمجوسي، وبهذا فارق سائر الحيوانات وفارق غير الصيد فإنه لا يحرم ذبحه وكذلك الحكم في صيد المحرم إذا ذبحه محرم أو حلال وبعض الحنفية يقول هو مباح، ولنا ما ذكرناه (مسألة) (وإن اتلف بيض صيد أو نقله إلى موضع آخر ففسد فعليه ضمانه بقيمته) إذا أتلف بيض صيد ضمنه بقيمته أي صيد كان قال ابن عباس في بيض النعام قيمته، وروي ذلك عن عمر وابن مسعود رضي الله عنهما، وبه قال النخعي والزهري والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي لأنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " في بيض النعام يصيبه المحرم ثمنه " رواه ابن ماجه، وإذا وجب في بيض النعام قيمته مع أنه من ذوات الأمثال فغيره أولى، ولأن البيض لا مثل له فيجب فيه قيمته كصغار الطير فإن لم يكن له قيمة لكونه مدراً أو لان فرخه ميت فلا شئ فيه، قال أصحابنا

إلا بيض النعام فإن لقشرة قيمة والصحيح أنه لا شئ فيه لأنه إذا لم يكن فيه حيوان ولا مآله إلى أن يصير فيه حيوان صار كالأحجار والخشب وسائر ماله قيمة من غير الصيد ألا ترى أنه لو نقب بيضة فأخرج ما فيها لزمه جزاء جميعها ثم لو كسرها هو أو غيره لم يلزمه لذلك شئ، ومن كسر بيضه فخرج منها فرخ حي فعاش فلا شئ فيه، وقال ابن عقيل يحتمل أن يضمنه إلا أن يحفظه من الجارح إلى أن ينهض فيطير لأنه صار في يده مضموناً وتخليته غير ممتنع ليس برد تام، ويحتمل أن لا يضمنه لأنه لم يجعله غير ممتنع بعد أن كان ممتنعاً بل تركه على صفته فهو كما لو أمسك طائراً أعرج ثم تركه وإن مات ففيه ما في صغار أولاد المتلف بيضه ففي فرخ الحمام صغير أولاد الغنم، وفي فرخ النعامة حوار وفيما عداهما قيمة إلا ما كان أكبر من الحمام ففيه ما نذكره من الخلاف في أمهاته إن شاء الله تعالى، ولا يحل لمحرم أكل بيض الصيد إذا كسره هو أو محرم سواه، وإن كسره حلال فهو كلحم الصيد إن كان أخذه لاجل المحرم لم يبح أكله وإلا أبيح، وإن كسر المحرم بيض صيد لم يحرم على الحلال لأن حله لا يقف على كسره ولا يعتبر له أهليته بل لو كسره مجوسي أو وثني أو بغير تسمية لم يحرم فأشبه قطع اللحم وطبخه، وقال القاضي: يحرم على الحلال أكله كالصيد لأن

فمن أتلفه أو تلف في يده أو أتلف جزءا منه فعليه جزاؤه

كسره جرى مجرى الذبح بدليل حله للمحرم بكسر الحلال له وتحريمه عليه بكسر المحرم (فصل) وإن نقل بيض صيد فجعله تحت آخر أو ترك مع بيض الصيد بيضاً آخر أو شيئاً فنفر عن بيضه حتى فسد فعليه ضمانه لأنه تلف بسببه، وإن صح وفرخ فلا ضمان عليه، وإن باض الصيد على فراشه فنقله برفق ففسد ففيه وجهان بناء على الجراد إذا انفرش في طريقه وحكم بيض الجراد حكم الجراد وكذلك بيض كل حيوان حكمه حكمه لأنه جزء منه أشبه الأصل، وإن احتلب لبن صيد ففيه قيمته كما لو حلب لبن حيوان مغصوب (مسألة) (ولا يملك الصيد بغير الإرث وقيل لا يملكه به أيضا) لا يملك المحرم الصيد ابتداء بالبيع ولا بالهبة ونحوهما من الاسباب فان الصعب بن جثامة

ويضمن ما دل عليه أو أشار إليه أو أعان على ذبحه أو كان له أثر في ذبحه مثل أن يعيره سكينا لا أن يكون القاتل محرما فيكون جزاؤه بنيهما

أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم حماراً وحشياً فرده عليه وقال " إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم " فإن أخذه بأحد هذه الأسباب ثم تلف فعليه جزاؤه، وإن كان مبيعاً فعليه القيمة لمالكه مع الجزاء لأن ملكه لم يزل عنه، وإن أخذه رهناً فلا شئ عليه سوى الجزاء لأنه أمانة فإن لم يتلف فعليه رده إلى مالكه فإن أرسله فعليه ضمانه لمالكه وليس عليه جزاء وعليه رد المبيع أيضاً، ويحتمل أن يلزمه إرساله كما لو كان مملوكاً، ولأنه لا يجوز له إثبات يده المشاهدة على الصيد، وهذا قول الشافعي وأصحاب الرأي ولا يسترد المحرم الصيد الذي باعه وهو حلال بخيار ولا عيب في ثمنه ولا غير ذلك لأنه ابتداء ملك على الصيد وهو ممنوع منه، وإن رده المشتري عليه بعيب أو خيار فله ذلك لأن سبب الرد محقق ثم لا يدخل في ملك المحرم ويلزمه إرساله (فصل) وإن ورثه المحرم ورثه لأن الملك بالإرث ليس بفعل من جهته، وإنما يدخل في ملكه حكماً اختار ذلك أو كرهه، ولهذا يدخل في ملك الصبي والمجنون ويدخل به المسلم في ملك الكافر فجرى مجرى الاستدامة وقيل لا يملك به أيضاً لأنه جهة من جهات التمليك أشبه البيع وغيره فعلى هذا يكون أحق به من غير ثبوت ملكه عليه فإذا حل ملكه

(مسألة) (وإن أمسك صيدا حتى تحلل ثم تلف أو ذبحه ضمنه وكان ميتة وقال أبو الخطاب له أكله) إذا صاد المحرم صيداً لم يملكه، فإن أمسكه حتى حل لزمه إرساله وليس له ذبحه فإن تلف فعليه ضمانه لأنه لا يحل له إمساكه أشبه الغاصب، وإن ذبحه ضمنه لذلك وحرم أكله لأنه صيد ضمنه بحرمة الإحرام فلم يبح أكله كما لو ذبحه حال إحرامه، ولأنها زكاة منع منها بسبب الإحرام فأشبه ما لو كان الإحرام باقياً، واختار أبو الخطاب أن له أكله وعليه ضمانه لأنه ذبحه وهو من أهل ذبح الصيد فأشبه ما لو صاده الحل والفرق ظاهر لأن هذا يلزمه ضمانه بخلاف الذي صاده بعد الحل ورى ابن أبي موسى عن أحمد إذا استأجر بيتاً في الحرم فوجد فيه صيداً ميتاً فداه احتياطاً والقياس أنه لا يجب عليه فداؤه ولأن الأصل براءة الذمة (مسألة) (وإن أحرم وفي يده صيد أو دخل الحرم بصيد لزمه إزالة يده المشاهدة دون الحكمية عنه فان لم يفعل فتلف ضمنه وإن أرسله إنسان من يده قهراً فلا ضمان على المرسل) إذا أحرم وفي ملكه صيد لم يزل ملكه عنه ولا يده الحكمية مثل أن يكون في بلده أو في يد ثابت له في غير مكانه ولا شئ عليه إن مات وله التصرف فيه بالبيع والهبة وغيرهما وإن غصبه

غاصب لزمه رده ويلزمه إزالة يده المشاهدة عنه، ومعناه إذا كان في قبضته أو خيمته أو رحله أو قفص معه أو مربوط بحبل معه لزمه إرساله، وبه قال مالك وأصحاب الرأي وقال الثوري هو ضامن لما في بيته أيضاً، وحكي نحو ذلك عن الشافعي، وقال أبو ثور ليس على إرسال ما في يده وهو أحد قولي الشافعي لأنه في يده ولم يجب إرساله كما لو كان في يده الحكمية ولأنه لا يلزم من منع ابتداء الصيد المنع من استدامته بدليل الصيد في الحرم ولنا على أنه لا يلزمه إزالة يده الحكمية أنه لم يفعل في الصيد فعلا فلم يلزمه شئ كما لو كان في ملك غيره وعكس هذا إذا كان في يده المشاهدة لأنه فعل الإمساك في الصيد فكان ممنوعاً منه وكحالة الابتداء فإن استدامة الإمساك إمساك بدليل أنه لو حلف لا يملك شيئاً فاستدام إمساكه حنث، والأصل المقيس عليه ممنوع والحكم فيه ما ذكرنا قياساً عليه. إذا ثبت هذا فانه متى أرسله لم يزل ملكه عنه، ومن أخذه رده عليه إذا حل ومن قتله ضمنه له لأن ملكه كان عليه، وإزالة يده لا تزيل الملك بدليل الغصب والعارية فإن تلف في يده قبل إرساله مع إمكانه ضمنه لأنه تلف تحت اليد العادية فلزمه ضمانه كمال الآدمي ولا يلزمه ضمانه قبل إمكان الإرسال لعدم التفريط والتعدي فإن

ويحرم عليه الأكل من ذلك كله وأكل ما صيد لأجله ولا يحرم عليه الأكل من غير ذلك

أرسله إنسان من يده قهر فلا ضمان عليه لأنه فعل ما له فعله ولأن اليد قد زال حكمها وحرمتها فإن أمسكه حتى حل فملكه باق عليه لأن ملكه لم يزل بالإحرام إنما زال حكم المشاهدة فصار كالعصير يتخمر ثم يتخلل قبل إراقته (فصل) ومن ملك صيدا في الحل فأدخله الحرم لزمه رفع يده وإرساله فإن تلف في يده أو أتلفه فعليه ضمانه كصيد الحل في حق المحرم. وقال عطاء: إن ذبحه فعليه الجزاء. وروي ذلك عن ابن عمر رضي الله عنهما وممن كره الصيد الحرم ابن عمر وابن عباس وعائشة وعطاء وطاوس وأصحاب الرأي، ورخص فيه جابر بن عبد الله ورويت عنه الكراهة قال هشام بن عروة: كان ابن الزبير تسع سنين براها في الأقفاص، وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يرون به بأساً ورخص فيه سعيد بن جبير ومجاهد ومالك والشافعي وأبو ثور وابن المنذر لأنه ملكه خارجاً وحل له التصرف فيه فجاز له ذلك في الحرم كصيد المدينة ولنا أن الحرم سبب محرم للصيد يوجب ضمانه فحرم استدامة إمساكه كالإحرام ولأنه صيد ذبحه في الحرم فلزمه جزاؤه كما لو صاده منه، وصيد المدينة لا جزاء فيه بخلاف صيد الحرم

(فصل) فإن أمسك صيدا في الحرم فأخرجه لزمه إرساله من يده كالمحرم إذا أمسك الصيد حتى حل فإن تركه فتلف فعليه ضمانه كالمحرم إذا أمسكه حتى تحلل (مسألة) (وان قتل صيداً صائلا عليه دفعاً عن نفسه أو بتخليصه من سبع أو شبكة ليطلقه فتلف لم يضمنه وقيل يضمنه فيهما) إذا صال عليه صيد فلم يقدر على دفعه إلا بقتله فله قتله ولا ضمان عليه، وبهذا قال الشافعي وقال أبو بكر عليه الجزاء وهو قول أبي حنيفة لأنه قتله لحاجة نفسه أشبه قتله لحاجته إلى أكله ولنا إنه حيوان قتله لدفع شره فلم يضمنه كالآدمي الصائل ولأنه التحق بالمؤذيات طبعا فصار كالكلب العقور ولا فرق بين أن يخشى منه التلف أو مضرة لجرحه أو إتلاف ماله أو بعض حيواناته (فصل) فإن خلص صيداً من سبع أو شبكة أو أخذه ليخلص من رجله خيطاً ونحوه فتلف بذلك فلا ضمان عليه، وبه قال عطاء وقيل عليه الضمان وهو قول قتادة لعموم الآية، ولأن غاية ما فيه أنه عدم القصد إلى قتله فأشبه قتل الخطأ ولنا أنه فعل أبيح لحاجة الحيوان فلم يضمن ما تلف به كما لو داوى ولي الصبي الصبي فمات بذلك وهذا ليس بمتعمد ولا تناوله الآية

(مسألة) (ولا تأثير للحرم ولا للإحرام في تحريم حيوان انسي ولا محرم الاكل ولا القمل على المحرم في رواية وأي شئ تصدق به كان خيراً منه) لا تأثير للحرم ولا للإحرام في تحريم شئ من الحيوان الأهلي كبهيمة الانعام والخيول والدجاج ونحوها لأنه ليس بصيد، وإنما حرم الله سبحانه الصيد، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يذبح البدن في إحرامه في الحرم يتقرب الى الله سبحانه بذلك، وقال عليه السلام " أفضل الحج العج والثج " يعني إسالة الدماء بالذبح والنحر وهذا لا خلاف فيه، فإن كان متولداً بين وحشي وأهلي غلب جانب التحريم (فصل) فأما المحرم أكله فهو ثلاثة أقسام (أحدها) الخمس الفواسق التي أباح الشارع قتلها في الحل والحرم وهي الحدأة والغراب والفأرة والعقرب والكلب العقور، وفي بعض ألفاظ الحديث الحية مكان العقرب فيباح قتلهن في الإحرام والحرم وهذا قول أكثر أهل العلم منهم الثوري والشافعي وأصحاب الرأي واسحاق، وحكي عن النخعي أنه منه قتل الفأرة والحديث صريح في حل قتلها فلا تعويل على ما خالفه، والمراد بالغراب الأبقع وغراب البين، وقال قوم لا يباح قتل غراب البين لأنه روي " خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم الحية

والغراب الأبقع والفأرة والكلب العقور والحديا " رواه مسلم وهذا يقيد مطلق ذكر الغراب في الحديث الآخر ولا يمكن حمله على العموم بدليل أن المباح من الغربان لا يحل قتله ولنا ما روت عائشة رضي الله عنها قالت: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل خمس فواسق في الحرم الحدأة والغراب والفأرة والعقرب والكلب العقور. وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " خمس من الدواب ليس على المحرم جناح في قتلهن " وذكر مثل حديث عائشة متفق عليهما وهذا عام في الغراب وهو أصح من الحديث الآخر، ولأن غراب البين محرم الاكل يعدوا على أموال الناس ولا وجه لإخراجه من العموم وفارق ما أبيح أكله فانه ليس في معنى ما أبيح قتله فلا يلزم من تخصيصه تخصيص ما ليس في معناه (القسم الثاني) من المحرم أكله ماكان طبعه الأذى وإن لم يوجد منه أذى كالأسد والنمر والفهد والذئب وما في معناه فيباح قتله أيضاً ولا جزاء فيه قال مالك: الكلب العقور ما عقر الناس وعدا عليهم مثل الأسد والذئب والنمر والفهد. فعلى هذا يباح قتل كل ما فيه أذى للناس في أنفسهم وأموالهم مثل سباع البهائم كلها، الحرام أكلها وجوارح الطير كالبازي والصقر والشاهين والعقاب ونحوها والحشرات

وإن أتلف بيض صيد أو نقله إلى موضع آخر ففسد فعليه ضمانه بقيمته

المؤذية والزنبور والبق والبعوض والبراغيث والذباب وبه قال الشافعي، وقال أصحاب الرأي: يقتل ما جاء في الحديث والذئب قياساً عليه ولنا أن الخبر نص من كل جنس على صورة من أدناه تنبيها على ما هو أعلى منها، ودلالة على ماكان في معناها فنصه على الغراب والحدأة تنبيه على البازي ونحوه وعلى الفأرة تنبيه على الحشرات وعلى العقرب تنبيه على الحية وقد ذكرت في بعض الأحاديث، وعلى الكلب العقور تنبيه على السباع التي هي أعلا منه ولان مالا يضمن بقيمته ولا مثله لا يضمن بشئ كالحشرات (القسم الثالث) من المحرم الاكل مالا يؤذي بطبعه كالرخم والديدان فلا أثر للحرم ولا للإحرام فيه ولا جزاء فيه إن قتله، وبه قال الشافعي وقال مالك يحرم قتلها فإن قتلها فداها وكذلك كل سبع لا يعدو على الناس فإذا وطئ الذباب أو النمل أو الذر أو قتل الزنبور تصدق بشئ من الطعام، وقال ابن عقيل في النملة لقمة، أو تمرة إذا لم تؤذه، ويتخرج في النحلة مثل ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل النملة والنحلة. وحكى ابن أبي موسى في الضفدع حكومة

ولنا أن الله سبحانه إنما أوجب الجزاء في الصيد وليس هذا بصيد. قال بعض أهل العلم الصيد ما جمع ثلاثة أشياء إن يكون مباحاً ممتنعاً، ولأنه لا مثل له ولا قيمة والضمان إنما يكون بأحد هذين الشيئين (فصل) ولا بأس أن يقرد المحرم بعيره روى ذلك عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قرد بعيره باسقيا أي نزع القراد عنه فرماه وهذا قول ابن عباس وجابر بن زيد وعطاء وقال مالك لا يجوز وكرهه عكرمة ولنا أنه قول من سمينا من الصحابة ولأنه مؤذ فأبيح قتله كالحية والعقرب (فصل) فأما القمل ففيه روايتان (إحداهما) إباحة قتله لأنه من أكثر الهوام أذى فأبيح قتله كالبراغيث وسائر ما يؤذي (والثانية) إن قتله محرم وهو ظاهر كلام الخرقي لأنه يترفه بازالته فحرم كقطع الشعر ولأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى كعب بن عجرة والقمل يتناثر على وجهه فقال له احلق رأسك فلو كان قتل القمل وإزالته مباح لم يكن كعب ليتركه حتى يصير كذلك ولكان النبي صلى الله عليه وسلم أمره بإزالته خاصة والصئبان كالقمل لأنه بيضه ولافرق بين قتل القمل ورميه أو قتله بالزئبق لحصول الترفه به قال القاضي إنما الروايتان فيما أزاله من شعره أما ما ألقاه من ظاهر بدنه وثوبه فلا شئ فيه رواية واحدة وظاهر كلام شيخنا ههنا يقتضي العموم ويجوز له حك رأسه برفع كيلا يقطع شعراً أو يقتل قملاً فإن حك فرآى في يده شعراً استحب له أن يعيده احتياطاً ولا يجب حتى يستيقن

ولا يملك الصيد بغير الإرث وقيل لا يملكه به أيضا

(فصل) فإن تفلى المحرم أو قتل قملاً فلا فدية فيه فإن كعب بن عجرة حين حلق رأسه قد أذهب قملاً كثيراً ولم يجب عليه لذلك شئ إنما أوجب الفدية بحلق الشعر ولأن القمل لا قيمة له فأشبه البعوض والبراغيث ولأنه ليس بصيد ولاهو مأكولا حكي عن ابن عمر قال هي أهون مقتول وسئل ابن عباس في محرم ألقى قملة ثم طلبها فلم يجدها قال مالك ضالة لا تبتغى، وهذا قول طاوس وسعيد بن جبير وعطاء وأبي ثور وابن المنذر وعن أحمد فيمن قتل قملة قال يطعم شيئاً. فعلى هذا أي شئ تصدق به أجزأه سواء قتل قليلاً أو كثيراً وهذا قول أصحاب الرأي وقال إسحاق تمرة فما فوقها، وقال مالك حفنة من طعام وروي ذلك عن ابن عمر وهذه الأقوال كلها قريب من قولنا فانهم لم يريدوا بذلك التقدير وإنما هو على التقريب لأقل ما يتصدق به (فصل) والخلاف إنما هو في قتله للمحرم أما في الحرم فيباح قتل القمل بغير خلاف لأنه إنما حرم في حق المحرم لما فيه من الترفه فهو كقطع الشعر ومن كان في الحرم غير محرم فمباح له قطع الشعر وتقليم الأظفار والطيب وسائر ما يترفه به (فصل) ولا بأس بغسل المحرم رأسه وبدنه برفق. فعل ذلك عمر وابنه وأرخص فيه علي وجابر

وإن أحرم وفي يده صيد أو دخل الحرم بصيد لزمه إزالة يده المشاهدة دون الحكمية عنه

وسعيد بن جبير والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي وكره مالك للمحرم أن يغطس في الماء ويغيب فيه رأسه ولعله ذهب إلى أن ذلك ستر له، والصحيح أنه لا بأس بذلك لأن ذلك ليس بستر ولهذا لا يقوم مقام السترة في الصلاة، وقد روي عن ابن عباس قال ربما قال لي عمر ونحن محرمون بالجحفة تعال أباقيك أينا أطول نفساً في الماء؟ رواه سعيد ولأنه ليس بستر معتاد وأشبه صب الماء عليه ووضع يده عليه، وقد روي عبد الله بن جبير قال أرسلني ابن عباس الى أبي أيوب الأنصاري فأتيته وهو يغتسل فسلمت عليه فقال من هذا؟ فقلت أنا عبد الله بن جبير أرسلني إليك عبد الله بن عباس يسألك كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغسل رأسه وهو محرم فوضع أبو أيوب يده على الثوب فطاطاه حتى بدا لي رأسه ثم قال لإنسان يصب عليه الماء: صب، فصب على رأسه ثم حرك رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر ثم قال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل متفق عليه (فصل) ويكره له غسل رأسه بالسدر والخطمى ونحوهما لما فيه من إزالة الشعث والتعرض لقطع الشعر وكرهه جابر بن عبد الله ومالك والشافعي وأصحاب الرأي فإن فعل فلا فدية عليه، وبه قال الشافعي وأبو ثور وابن المنذر، وعن أحمد رحمه الله عليه الفديه، وبه قال مالك وأبو حنيفة وقال صاحباه عليه

صدقة لأن الخطمي يستلذ برائحته ويزيل الشعث ويقتل الهوام فوجبت به الفدية كالورس ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المحرم الذي وقصه بعيره " اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تحنطوه ولا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً " متفق عليه فأمر بغسله بالسدر مع إثبات حكم الإحرام في حقه والخطمى كالسدر، ولأنه ليس بطيب فلم تجب الفدية باستعماله كالتراب، وقولهم يستلذ رائحته ممنوع ثم يبطل بالفاكهة وبعض التراب وإزالة الشعث يحصل بذلك أيضاً، وقتل الهوام لا يعلم حصوله ولا يصح قياسه على الورس لأنه طيب، ولذلك لو استعمله في غير الغسل أو في ثوبه منع منه بخلاف مسئلتنا (مسألة) (ولا يحرم صيد البحر على المحرم وفي إباحته في الحرم روايتان) لا يحرم صيد البحر على المحرم بغير خلاف لقوله تعالى (أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة) قال ابن عباس وابن عمر طعامه ما ألقاه، وعن ابن عباس طعامه ملحه ولا خلاف بين أهل العلم في جواز أكله وبيعه وشرائه، ولا فرق بين حيوان البحر الملح وبين ما في الأنهار والعيون فإن اسم البحر يتناول الكل قال الله سبحانه (وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا

وإن قتل صيدا صائلا عليه دفعا عن نفسه أو تخليصه من سبع أو شبكة ليطلقه فتلف لم يضمنه وقيل يضمنه فيهما

ملح أجاج ومن كل تأكلون لحما طريا) ولأن الله تعالى قابله بصيد البر بقوله (وحرم عليكم صيد البر) فدل على أن ما ليس من صيد البر فهو من صيد البحر، وحيوان البحر ماكان يعيش في الماء ويفرخ فيه ويبيض فيه، فإن كان مما لا يعيش إلا في الماء كالسمك ونحوه فهذا لا خلاف فيه، وإن كان مما يعيش في البر كالسلحفاة والسرطان فهو كالسمك لاجزاء فيه، وقال عطاء فيه الجزاء وفي الضفدع وكل ما يعيش في البر ولنا أنه يفرخ في الماء ويبيض فيه فكان من حيوانه كالسمك فأما طير الماء ففيه الجزاء في قول عامة أهل العلم منهم الاوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه مخالفاً غير ما حكي عن عطاء أنه قال: حيثما يكون أكثر فهو من صيده ولنا أنه إنما يفرخ في البر ويبيض فيه وإنما يدخل الماء ليتعيش فيه ويكتسب منه فهو كصياد الآدميين، فإن كان جنس من الحيوان نوع منه في البر ونوع منه في البحر كالسلحفاة فلكل نوع حكم نفسه كالبقر منها الوحشي محرم والأهلي مباح

ولا تأثير للحرم ولا للإحرام في تحريم حيوان انسي ولا محرم الأكل إلا القمل على المحرم في رواية وأي شيء تصدق به كان خيرا منه

(فصل) وهل يباح صيد البحر في الحرم فيه روايتان أصحهما أنه لا يباح فلا يحل الصيد من آبار الحرم وعيونه كرهه جابر بن عبد الله رضي الله عنه لقوله عليه السلام " لا ينفر صيدها " ولأن الحرمة تثبت للصيد بحرمة المكان وهو شامل لكل صيد (والثانية) أنه مباح لأن الإحرام لا يحرمه الحرم كالسباع والحيوان الأهلي (مسألة) (ويضمن الجراد بقيمته فإن انفرش في طريقه فقتله بالمشي عليه ففي الجزاء وجهان وعنه لا ضمان في الجراد) اختلفت الرواية في الجراد فعنه هو صيد البحر لا جزاء فيه وهو مذهب أبي سعيد، قال إبن المنذر قال ابن عباس وكعب هو من صيد البحر، قال عروة هو من نثرة حوت، وروي عن أبي هريرة قال أصابنا ضرب من جراد فكان الرجل منا يضرب بسوطه وهو محرم فقيل له أن هذا لا يصلح فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال " إن هذا من صيد البحر " وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " الجراد من صيد البحر " رواهما أبو داود (والرواية الثانية) أنه من صيد البر وفيه الجزاء وهو قول الأكثرين لما روي أن عمر رضي الله عنه قال لكعب في جرادتين: ما جعلت في نفسك؟ قال درهمان، قال بخ درهمان خير من مائة جرادة، رواه

الشافعي في مسنده، ولأنه طير يشاهد طيرانه في البر ويهلكه الماء إذا وقع فيه أشبه العصافير، فأما الحديثان اللذان ذكرناهما للرواية الأولى فوهم قاله أبو داود، فعلى هذا يضمنه بقيمته لأنه لا مثل له وهذا قول الشافعي، وعن أحمد يتصدق بتمرة عن الجرادة وهذا يروى عن عمر وعبد الله بن عمر، وقال ابن عباس قبضة من طعام، قال القاضي كلام أحمد وغيره محمول على أنه أوجب ذلك على طريق القيمة، والظاهر أنهم لم يريدوا بذلك التقدير وإنما أرادوا فيه أقل شئ (فصل) فإن افترش الجراد في طريقه فقتله بالمشي عليه بحيث لا يمكنه التحرز منه ففيه وجهان (أحدهما) يجب جزاؤه لانه أتلقه لنفع نفسه فضمنه كالمضطر يقتل صيداً يأكله (والثاني) لا يضمنه لأنه اضطره إلى إتلافه أشبه الصائل عليه (مسألة) (ومن اضطر إلى أكل الصيد واحتاج إلى شئ من هذه المحظورات فله فعله وعليه الفداء) إذا اضطر إلى أكل الصيد أبيح له ذلك بغير خلاف علمناه لقوله سبحانه (ولا تلقوا بأيديكم إلى

التهلكة) وترك الأكل مع القدرة عند الضرورة القاء بيده إلى التهلكة ومتى قتله لزمه ضمانه سواء وجد غيره أو لم يجد، وقال الأوزاعي لا يضمنه لأنه مباح أشبه صيد البحر ولنا عموم الآية ولأنه قتله من غير معنى حدث من الصيد يقتضي قتله فضمنه كغيره ولأنه أتلفه لدفع الأذى عن نفسه لا لمعنى منه أشبه حلق الشعر لأذى برأسه وكذلك إن احتاج إلى حلق شعره للمرض أو القمل وقطع شعره لمداواة جرح أو نحوه أو تغطية رأسه أو لبس المخيط أو شئ من المحظورات فله فعله كما جاز حلق رأسه للحاجة فإن فعله فعليه الفدية لأن الفدية تثبت في حلق الرأس للعذر للآية وحديث كعب بن عجرة وقسنا عليه سائر المحظورات (فصل) قال الشيخ رحمه الله (السابع) عقد النكاح لا يصح منه، وفي الرجعة روايتان ولا فدية عليه في شئ منهما. لا يجوز للمحرم أن يتزوج لنفسه ولا يكون ولياً في النكاح ولا وكيلاً فيه ولا يجوز تزويج المحرمة روى ذلك عن عمر وابنه وزيد بن ثابت رضي الله عنهم، وبه قال سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار

والزهري والاوزاعي ومالك والشافعي وأجازه ابن عباس وهو قول أبي حنيفة لما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم متفق عليه ولأنه عقد يملك به الاستمتاع فلم يحرمه الإحرام كشراء الاماء. ولنا ماروى عثمان بن عفان رض قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب " رواه مسلم ولان الإحرام يحرم الطيب فيحرم النكاح كالعدة فأما حديث ابن عباس فقد روى يزيد بن الأصم عن ميمونة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها حلالا وبنى بها حلالا وماتت بسرف في الظلة التي بنى بها فيها رواه أبو داود والاثرم وعن أبي رافع قال تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة وهو حلال وبنى بها وهو حلال وكنت أنا الرسول بينهما قال الترمذي هذا حديث حسن وميمونة أعلم بحال نفسها وأبو رافع صاحب القصة وهو السفير فيها فهما أعلم بذلك من ابن عباس وأولى بالتقديم لو كان ابن عباس كبيرا وقد كان صغيراً لا يعرف حقائق الأمور وقد أنكر عليه هذا القول فقال سعيد بن المسيب وهم من ابن عباس ما تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا حلالا فكيف يعمل بحديث هذا حاله ويمكن حمل قوله وهو محرم أي في الشهر الحرام أو في البلد الحرام كما قيل * قتلوا ابن عفان الخليفة محرماً * وقيل تزوجها حلالا وأظهر أمر تزويجها وهو محرم ثم لو تعارض الحديثان كان تقديم حديثنا أولى لأنه

قول النبي صلى الله عليه وسلم وذلك فعله والقول آكد لأنه يحتمل أن يكون مختصاً بما فعله وعقد النكاح يخالف شراء الأمة لأنه يحرم بالعدة والردة واختلاف الدين وكون المنكوحة اختاله من الرضاع ولأن النكاح إنما يراد للوطئ غالباً بخلاف الشراء فإنه يراد للخدمة والتجارة وغير ذلك فافترقا. (فصل) وإذا وكل المحرم حلالا في النكاح فعقد له النكاح بعد تحلل الموكل صح العقد لأن الاعتبار بحالة العقد وإن وكله وهو حلال فلم يعقد له العقد حتى أحرم لم يصح لما ذكرنا فإن أحرم الامام الاعظم منع من التزويج لنفسه وتزويج أقاربه وهل يمنع من أن يزوج بالولاية العامة فيه احتمالان (أحدهما) يمنع كما لو باشر العقد (والثاني) لا يمنع لأن فيه حرجاً على الناس وتضييقاً عليهم في سائر البلاد ولان من يزوج من الحكام إنما يزوجوه بإذنه وولايته ذكر ذلك ابن عقيل واختار الجواز لأنه حال ولايته كان حلالا والاستدامة أقوى من الابتداء لأن الإمامة العظمى من شرطها العدالة ولا تبطل بالفسق الطارئ (فصل) وإذا وكل الحلال محلاً في النكاح فعقد النكاح وأحرم الموكل فقالت الزوجة وقع العقد بعد الإحرام فلم يصح وقال الزوج بل قبله فالقول قوله وإن كان الاختلاف بالعكس فالقول قوله أيضاً لأنه يملك فسخ العقد فملك الإقرار به لكن يجب عليه نصف الصداق (فصل) فإن تزوج أو زوج أو زوجت المحرمة لم يصح النكاح سواء كان الكل محرمين أو بعضهم لأنه منهي عنه فلم يصح كنكاح المرأة على عمتها وخالتها، وقال ابن أبي موسى إذا زوج المحرم غيره صح في إحدى الروايتين، وروى عن أحمد رحمه الله أنه قال: إن زوج المحرم لم ينفسخ النكاح قال بعض أصحابنا هذا يدل على أنه إذا كان الولي بمفرده أو الوكيل محرماً لم يفسد النكاح لأنه سبب يبيح محظوراً للحلال فلم يمنع منه الإحرام كما لو حلق المحرم رأس حلال والمذهب الأول للحديث،

ولا يحرم صيد البحر على المحرم وفي إباحته في الحرم رايتان

وكلام أحمد يحمل على أنه لم يفسخه لكونه مختلفاً فيه، قال القاضي ويفرق بينهما بطلقة وكذلك كل نكاح مختلف فيه كالنكاح بلا ولي ليباح تزويجها بيقين وفي الرجعة روايتان (إحداهما) لا تصح لأنه عقد وضع لإباحة البضع أشبه النكاح (والثانية) يصح ويباح وهو قول أكثر أهل العلم واختيار الخرقي لأنها إمساك للزوجة لقوله تعالى (فأمسكوهن بمعروف) ولأنها تجوز بلا ولي ولا شهود ولا اذنها فلم تحرم كامساكها بترك الطلاق، ولأن الصحيح من المذهب إن الرجعية مباحة قبل الرجعة فلا يحصل بها إحلال ولو قلنا إنها محرمة لم يكن ذلك مانعاً من رجعتها كالتكفير للمظاهر، وهذه الرواية هي الصحيحة إن شاء الله تعالى ويباح شراء الإماء للتسري وغيره، ولا نعلم في ذلك خلافاً والله أعلم (فصل) ويكره للمحرم الخطبة، وخطبة المحرمة، ويكره للمحرم أن يخطب للمحلين لقوله عليه السلام في حديث عثمان (ولا يخطب) ولأنه تسبب إلى الحرام أشبه الإشارة إلى الصيد والإحرام الفاسد كالصحيح في منع النكاح وسائر المحظورات لأن حكمه باق في وجوب ما يجب بالإحرام فكذلك ما يحرم به (فصل) ويكره أن يشهد في النكاح لأنه معونة على النكاح أشبه الخطبة، وإن شهد أو خطب لم يفسد النكاح، وقال بعض أصحاب الشافعي لا ينعقد النكاح بشهادة محرمين لأن في بعض الروايات لا يشهد ولنا أنه لا مدخل للشاهد في العقد فأشبه الخطيب وهذه الزيادة غير معروفة فلا يثبت بها حكم ومتى تزوج المحرم أو المحرمة أو زوج لم يجب عليه فدية لأنه فسد لأجل الاحرام فلم يجب به فدية كشراء الصيد ولا فرق بين الإحرام الفاسد والصحيح فيما ذكرنا لأنه يمنع ما يمنعه في الصحيح كحلق الشعر وتقليم الأظفار وغير ذلك كذلك التزويج

(فصل) قال الشيخ رحمه الله (الثامن الجماع في الفرج قبلاً كان أو دبراً من آدمي أو غيره فمتى فعل ذلك قبل التحلل فسد نسكه عامداً كان أو ساهياً) يفسد الحج بالوطئ في الجملة بغير خلاف. قال إبن المنذر: أجمع أهل العلم على أن الحج لا يفسد باتيان شئ في حال الإحرام إلا بالجماع والأصل فيه ماروي عن ابن عمر رضي الله عنه أن رجلاً سأله فقال: إني وقعت بامرأتي ونحن محرمان، فقال إفسدت حجك انطلق أنت وأهلك مع الناس فاقضوا ما يقضون، وحل إذا أحلوا، فإذا كان العام المقبل فاحجج أنت وامرأتك واهديا هدياً، فإن لم تجدا فصوما ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم، وكذلك قال ابن عباس وابن عمر ولم نعرف لهم مخالفاً في عصرهم فكان إجماعاً رواه الأثرم في سننه وفي حديث ابن عباس " ويتفرقان من حيث يحرمان حتى يقضيا حجهما " قال إبن المنذر قول ابن عباس أعلى شئ روي فيمن وطئ في حجه، وروي ذلك عن عمر رضي الله عنه، وبه قال سعيد بن المسيب وعطاء والنخعي والثوري والشافعي واسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي (فصل) ومتى كان قبل التحلل الأول فسد الحج سواء كان قبل الوقوف أو بعده في قول الأكثرين، وقال أبو حنيفة وأصحاب الرأي: إن جامع قبل الوقوف فسد حجه، وإن جامع بعده لم يفسد لقول النبي صلى الله عليه وسلم " الحج عرفة " ولأنه معنى يأمن به الفوات فأمن به الإفساد كالتحلل

ويضمن الجراد بقيمته فإن انفرش في طريقه فقتله بالمشي عله ففي الجزاء وجهان وعنه لا ضمان في الجراد

ولنا قول من سمينا من الصحابة فإن قولهم مطلق جامع وهو محرم، ولأنه جماع صادف إحراما تاما فأفسده كما قبل الوقوف، وقوله عليه السلام " الحج عرفة " يعني معظمة، أو أنه ركن متأكد فيه ولا يلزم من أمن الفوات أمن الفساد بدليل العمرة (فصل) ولا فرق بين الوطئ في القبل والدبر من آدمي أو بهيمة، وبه قال الشافعي وأبو ثور ويتخرج من وطئ البهيمة أنه لا يفسد الحج إذا قلنا لا يجب به الحد وهو قول مالك وأبي حنيفة لأنه لا يوجب الحد أشبه الوطئ دون الفرج. وحكى أبو ثور عن أبي حنيفة إن اللواط والوطئ في دبر

ومن اضطر إلى أكل الصيد واحتاج إلى شيء من هذه المحظورات فله فعله وعليه الفداء

المرأة لا يفسد الحج لأنه لا يثبت به الإحصان أشبه الوطئ دون الفرج ولنا أنه وطئ في فرج يوجب الغسل فافسد الحج كالوطئ في قبل الآدمية ويفارق الوطئ دون الفرج فإنه ليس من الكبائر في الأجنبية ولا يوجب مهراً ولا عدة ولا حداً ولا غسلاً وإن أنزل به فهو كمسئلتنا في رواية (فصل) والعمد والنسيان فيما ذكرنا سواء نص عليه أحمد فقال: إذا جامع أهله بطل حجه لأنه شئ لا يقدر على رده والشعر إذا حلقه فقد ذهب لا يقدر على رده والصيد إذا قتله فقد ذهب لا يقدر على رده فهذه الثلاثة العمد والنسيان فيها سواء، والجاهل بالتحريم والمكره في حكم الناسي لأنه معذور وممن قال أن عمد الوطئ ونسيانه سواء أبو حنيفة ومالك والشافعي في القديم وقال في الجديد لا يفسد الحج ولا يجب عليه مع النسيان شئ. وحكى ابن عقيل في الفصول رواية لا يفسد لقوله عليه السلام " عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان " والجهل في معناه لأنها عبادة تجب بإفسادها الكفارة فافترق فيها وطئ العامد والساهي كالصوم ولنا أن الصحابة رضي الله عنهم لم يستفصلوا السائل عن العمد والنسيان حين سألهم عن حكم الوطئ ولأنه سبب يتعلق به وجوب القضاء في الحج فاستوى عمده وسهوه كالفوات والصوم ممنوع (فصل) ويجب به بدنة روى ذلك عن ابن عباس وطاوس ومجاهد ومالك والشافعي وقال الثوري واسحاق عليه بدنة فان لم يجد فشاة، وقال أصحاب الرأي إن كان قبل الوقوف فسد حجه وعليه شاة وإن كان بعده فحجه صحيح لأنه قبل الوقوف معنى يوجب القضاء فلم يجب به بدنة كالفوات ولنا أنه جماع صادف إحراما تاما فوجبت به البدنة كبعد الوقوف ولأنه قول من سمينا من الصحابة ولم يفرقوا بين ما قبل الوقوف وبعده. أما الفوات فهو مفارق للجماع وأما فساد الحج فلا فرق فيه بين حال الإكراه والمطاوعة لا نعلم فيه خلافا لأنهم لا يوجبون فيه الشاة بخلاف الجماع (فصل) وحكم المرأة حكم الرجل في فساد الحج لأن الجماع وجد منهما فاستويا فيه وحكم المكرهة والنائمة حكم المطاوعة ولا فرق فيما بعد يوم النحر وقبله لأنه وطئ قبل التحلل الأول أشبه قبل يوم النحر (مسألة) (وعليهما المضي في فاسده والقضاء على الفور من حيث أحرما أولا ونفقة المرأة في القضاء عليها إن طاعوت وإن أكرهت فعلى الزوج) لا يفسد الحج بغير الجماع فإذا فسد فعليه، إتمامه وليس له الخروج منه روى ذلك عن عمر وعلي وأبي

هريرة وابن عباس رضي الله عنهم، وبه قال أبو حنيفة والشافعي، وقال الحسن ومالك يجعل الحجة عمرة ولا يقيم على حجة فاسدة، وقال داود يخرج بالإفساد من الحج والعمرة لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد " ولنا عموم قوله تعالى " (وأتموا الحج والعمرة لله) ولأنه قول من سمينا من الصحابة ولم نعرف لهم مخالفاً ولأنه معنى يجب به القضاء فلم يخرج منه كالفوات والخبر لا يلزمنا لأن المعنى فيه بأمر الله وإنما وجب القضاء لأنه لم يأت به على الوجه الذي يلزم بالإحرام ونخص مالكاً بأنها حجة لا يمكنه الخروج منها بالإحرام فلا يخرج منها إلى عمرة كالصحيحة. إذا ثبت هذا فانه يجب عليه أن يفعل بعد الإفساد كما يفعل قبله من الوقوف والمبيت بمزدلفة والرمي ويجتنب بعد الفساد ما يجتنبه قبله من الوطئ ثانياً وقتل الصيد والطيب واللباس ونحوه وعليه الفدية بالجناية على الإحرام الفاسد كالإحرام الصحيح ويلزمه القضاء من قابل بكل حال لأنه قول ابن عمر وابن عباس وعبد الله بن عمرو رضي الله عنهم فإن كانت الحجة التي أفسدها واجبة بأصل الشرع أو بالنذر أو قضاء كانت الحجة من قابل مجزئة لأن الفاسد إذا انضم إليه القضاء أجزأ عما يجزئ عنه الأول لو لم يفسده وإن كانت تطوعاً وجب قضاؤها أيضاً لأنه بالدخول في الإحرام صار الإحرام عليه واجباً فإذا أفسده وجب قضاؤه كالمنذور ويكون القضاء على الفور ولا نعلم فيه مخالفاً لأن الحج الأصل يجب على الفور فهذا أولى لأنه قد تعين بالدخول فيه والواجب بأصل الشرع لم يتعين بذلك (فصل) ويحرم بالقضاء من أبعد الموضعين الميقات أو موضع إحرامه الأول لأنه إن كان الميقات أبعد فلا يجوز تجاوز الميقات بغير إحرام وإن كان موضع إحرامه أبعد فعليه الإحرام بالقضاء منه نص عليه أحمد رحمه الله ليكون القضاء على صفة الأداء، ولأنه قول ابن عباس، وبه يقول سعيد بن المسيب والشافعي وإسحاق وابن المنذر وقال النخعي يحرم من موضع الجماع لأنه موضع الإفساد ولنا أنها عبادة فكان قضاؤها على حسب أدائها كالصلاة (فصل) ونفقة المرأة في القضاء عليها إن طاوعت لأنها أفسدت حجتها متعمدة فكانت نفقة القضاء عليها كالرجل، وإن كانت مكرهة فعلى الزوج لأنه الذي أفسد حجتها فكانت النفقة عليه كنفقة حجته (مسألة) (ويتفرقان في القضاء من الموضع الذي أصابها فيه إلى أن يحلا وهو واجب أو مستحب على وجهين) إذا قضيا يفرقان من موضع الجماع حتى يقضيا حجهما روي هذا عن عمر وابن عباس رضي

الله عنهما فروى سعيد والاثرم بإسنادهما أن عمر سئل عن رجل وقع بامرأته وهما محرمان فقال: انما حجكما فإذا كان قابل فحجا وأهديا حتى إذا بلغتما المكان الذي أصبتما فتفرقا حتى تحلا. وروي عن ابن عباس مثل ذلك، وبه قال سعيد بن المسيب وعطاء والنخعي والثوري والشافعي وأصحاب الرأي، وروي عن أحمد رضي الله عنه أنهما يتفرقان من حيث يحرمان إلى أن يحلا رواه مالك في الموطأ عن علي رضي الله عنه وروى عن ابن عباس وهو قول مالك لأن التفريق بينهما خوفاً من معاودة المحظور وهو يوجد في جميع إحرامها، ووجه الأول أن ما قبل موضع الإفساد كان إحرامهما فيه صحيحاً فلم يوجب التفريق فيه كالذي لم يفسد وإنما اختص التفريق بموضع الجماع لأنه ربما يذكره برؤية مكانه فيدعوه ذلك إلى فعله ومعنى التفريق أن لا يركب معها في محمل ولا ينزل معها في فسطاط ونحوه قال أحمد: يفترقان في النزول وفي المحمل والبساط ولكن يكون بقربهما، وهل يجب التفريق أو يستحب؟ فيه وجهان (أحدهما) لا يجب وهو قول أبي حنيفة لأنه لا يجب التفريق في قضاء رمضان إذا أفسده كذلك الحج (والثاني) يجب لأنه قول من سمينا من الصحابة وقد أمروا به ولأن الاجتماع في ذلك الموضع يذكر الجماع فيكون من دواعيه والأول أولى لأن حكمه التفريق للصيانة عما يتوهم من معاودة الوقاع عند تذكره برؤية مكانه وهذا وهم بعيد لا يقتضي الإيجاب والعمرة فيما ذكرناه كالحج لأنها أحد النسكين فأشبه الآخر فإن كان المعتر مكياً قد أحرم بها من الحل أحرم للقضاء من الحل، وإن كان أحرم بها من الحرم أحرم للقضاء من الحل لأنه ميقاتها ولا فرق بين المكي ومن حصل بها من المجاورين، وإن أفسد المتمتع عمرته ومضى في فسادها فأتمها فقال أحمد: يخرج من الميقات فيحرم منه للحج فإن خشي الفوات أحرم من مكة وعليه دم فإذا فرغ من حجه خرج إلى الميقات فأحرم منه بعمرة مكان التي أفسدها وعليه هدي يذبحه إذا قدم مكة لما أفسد من عمرته، ولو أفسد المفرد حجته وأتم فله الإحرام بالعمرة من أدنى الحل كالمكيين (فصل) وإذا أفسد القارن نسكه فعليه فداء واحد وبه قال عطاء وابن جريج ومالك والشافعي واسحاق وأبو ثور، وقال الحكم عليه هديان ويتخرج لنا أن يلزمه بدنة للحج وشاة للعمرة إذا قلنا يلزمه طوافان وسعيان وقال أصحاب الرأي إن وطئ قبل الوقوف فسد نسكه وعليه شاتان للحج والعمرة ولنا أن الصحابة الذين سئلوا عمن أفسد نسكه لم يأمروه إلا بفداء واحد ولم يفرقوا ولأنه أحد الانساك الثلاثة فلم يجب في افساده أكثر من فدية واحدة كالآخرين وسائر محظورات الإحرام واللبس والطيب وغيرهما لا يجب في كل واحد منهما أكثر من فدية واحدة كما لو كان مفرداً

(فصل) وحكم العمرة حكم الحج في فسادها بالوطئ قبل الفراغ من السعي ووجوب المضي في فاسدها ووجوب القضاء قياساً على الحج إلا أنه لا يجب بإفسادها إلا شاة، وقال الشافعي عليه القضاء وبدنة كالحج، وقال أبو حنيفة إن وطئ قبل أن يطوف أربعة أشواط كقولنا وإن وطئ بعد ذلك لم تفسد عمرته وعليه شاة ولنا على الشافعي أنها عبادة لا وقوف فيها فلم تجب فيها بدنة كما لو قرنها بالحج ولأن العمرة دون الحج فيجب ان يكون حكمها دون حكمه ولنا على أبي حنيفة أن الجماع من محظورات الإحرام فاستوى فيه ما قبل الطواف وبعده كسائر المحظورات ولانه وطئ صادف إحراما تاما فأفسده كما قبل الطواف (فصل) إذا أفسد القارن والمتمع نسكهما لم يسقط الدم عنهما، وبه قال مالك والشافعي وقال أبو حنيفة يسقط، وعن أحمد رحمه الله مثله لأنه لم يحصل الترفه بسقوط أحد السفرين. وقال القاضي في القارن إذا قلنا إن عليه للإفساد دمين فسد دم القران ولنا أن ما وجب في النسك الصحيح وجب في الفاسد كالأفعال ولأنه دم وجب عليه فلم يسقط بالإفساد كالدم الواجب لترك الميقات فإن أفسد القارن نسكه ثم قضى مفرداً لم يلزمه في القضاء دم، وقال الشافعي يلزمه لأنه يجب في القضاء ما يجب في الأداء ولنا أن الأفراد أفضل من القران مع الدم فإذا أتى به فقد أتى بما هو أولى فلم يلزمه شئ كمن لزمته الصلاة بتيمم فقضاه بوضوء (مسألة) (وإن جامع بعد التحلل الأول لم يفسد نسكه ويمضي إلى التنعيم فيحرم ليطوف وهو محرم وهل يلزمه بدنة أو شاة على روايتين) وفي هذه المسألة ثلاثة فصول (أحدها) أن الوطئ بعد التحلل الأول لا يفسد الحج وهو قول ابن عباس وعكرمة وعطاء والشعبي وربيعة ومالك والشافعي واسحاق وأصحاب الرأي، وقال النخعي والزهري وحماد عليه حج من قابل لان الوطئ صادف إحراما تاما بالحج فافسده كالوطئ قبل الرمي ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " من شهد صلاتنا هذه ووقف معنا حتى ندفع وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه " ولأن ابن عباس قال في رجل أصاب أهله قبل أن يفيض يوم النحر: ينحران جزوراً بينهما وليس عليه الحج من قابل ولا نعرف له في الصحابة مخالفاً، ولأنها عبادة لها تحللان فوجود المفسد بعد تحللها الأول لا يفسدها كما بعد التسليمة الأولى في الصلاة وبهذا فارق ما قبل التحلل الأول (الفصل الثاني) إن يفسد الاحرام بالوطئ بعد جمرة العقبة فليزمه أن يحرم من الحل وبذلك قال

عكرمه وربيعة واسحاق. وقال ابن عباس والشعبي والشافعي حجه صحيح ولا يلزمه إحرام لأنه إحرام لم يفسد جميعه فلم يفسد بعضه كما بعد التحلل الثاني ولنا انه وطئ صادف إحراماً فأفسده كالإحرام التام، وإذا فسد إحرامه فعليه أن يحرم ليأتي بالطواف في إحرام صحيح لأن الطواف ركن فيجب أن يأتي به في إحرام صحيح كالوقوف. ويلزمه الإحرام من الحل لأن الإحرام ينبغي أن يجمع فيه بين الحل والحرم فلو أبحنا له الإحرام من الحرم لم يجمع بينهما لأن أفعاله كلها تقع في الحرم أشبه المعتمر. وإذا أحرم طاف للزيارة وسعى إن لم يكن سعى وتحلل لأن الذي بقي عليه يقية أفعال الحج وإنما وجب عليه الإحرام ليأتي بها في إحرام صحيح هذا ظاهر كلام الخرقي. والمنصوص عن أحمد رحمه الله ومن وافقه من الأئمة أنه يعتمر فيحتمل أنهم أرادوا هذا أيضاً وسموه عمرة لأن هذه أفعال العمرة. ويحتمل أنهم أرادوا عمرة حقيقة فلزمه سعي وتقصير، والأول أصح، وقوله يحرم من التنعيم لم يذكره لوجوب الإحرام منه بل لأنه حل فمن أتى الحل وأحرم جاز كالمعتمر (فصل) ومتى وطئ بعد رمي الجمرة لم يفسد حجة حلق أو لم يحلق، هذا ظاهر كلام أحمد والخرقي ومن سمينا من الأئمة لترتيبهم هذا الحكم على الوطئ بعد مجرد الرمي من غير إعتبار أمر زائد (فصل) فإن طاف للزيارة ولم يرم ثم وطئ لم يفسد حجة بحال لأن الحج قد تمت أركانه كلها ولا يلزمه إحرام من الحل فإن الرمي ليس بركن ولا يلزمه دم لما ذكرنا ويحتمل أن يلزمه لأنه وطئ قبل وجود ما يتم به التحلل أشبه من وطئ بعد الرمي قبل الطواف (فصل) والقارن كالمفرد في أنه إذا وطئ بعد الرمي لم يفسد حجة ولا عمرته لأن الحكم للحج ألا ترى أنه لا يحل من عمرته قبل الطواف ويفعل ذلك إذا كان قارنا ولأن الترتيب للحج دونها والحج لا يفسد قبل الطواف كذلك العمرة وقال أحمد فيمن وطئ بعد الطواف يوم النحر قبل أن يركع: ما عليه شئ. قال أبو طالب: سألت أحمد عن الرجل يقبل بعد رمي جمرة العقبة قبل أن يزور البيت قال ليس عليه شئ قد قضى المناسك. فعلى هذا ليس في غير الوطئ في الفرج شئ (الفصل الثالث فيما يجب عليه فدية للوطئ وهو شاة) نص عليه أحمد وهو ظاهر كلام الخرقي، وهو قول عكرمة وربيعة ومالك واسحاق وفيه رواية أخرى أن عليه بدنة وهو قول ابن عباس وعطاء والشعبي والشافعي وأصحاب الرأي لأنه وطئ في الحج فوجبت به بدنة كما قبل رمي جمرة العقبة. ووجه الأولى أنه وطئ لم يفسد الحج فلم يوجب بدنة كالوطئ دون الفرج إذا لم ينزل ولأن حكم الإحرام

خف بالتحلل الأول فينبغي أن ينقص موجبه عن الإحرام التام (فصل) وإذا أفسد القضاء لم يجب عليه قضاؤه وإنما يقضي عن الحج الأول كما لو أفسد قضاء الصلاة والصيام وجب القضاء للأصل دون القضاء كذا ههنا. وذلك لأن الواجب لا يزداد بفواته وإنما يبقى ما كان واجباً في الذمة على ماكان عليه فيعود به القضاء (فصل) قال الشيخ رضي الله عنه (التاسع) (المباشرة في ما دون الفرج لشهوة فإن فعل فأنزل فعليه بدنة وهل يفسد نسكه؟ على روايتين وإن لم ينزل لم يفسد) إذا وطئ فميا دون الفرج أو قبل أو لمس بشهوة فأنزل فعليه بدنة، وبذلك قال الحسن وسعيد ابن جبير وأبو ثور، وقال الشافعي وأصحاب الرأي وابن المنذر عليه شاة لأنه مباشرة دون الفرج أشبه مالو لم ينزل. ولنا أنها مباشرة أوجبت الغسل فاوجبت بدنة كالوطئ في الفرج (فصل) وفي فساد النسك به روايتان (إحداهما) يفسد اختارها أبو بكر والخرقي فيما إذا وطئ دون الفرج فأنزل وهو قول الحسن وعطاء والقاسم بن محمد ومالك واسحاق لأنها عبادة يفسدها الوطئ فأفسدها الإنزال عن مباشرة كالصيام (والثانية) لا يفسد وهو قول الشافعي وأصحاب الرأي وابن المنذر وهو الصحيح إن شاء الله تعالى لأنه استمتاع لا يجب بنوعه الحد فلم يفسد الحج

وعليهما المضي في فاسده والقضاء على الفور من حيث أحرما أولا ونفقة المرأة في القضاء عليها إن طاوعت وإن أكرهت فعلى الزوج

كما لو لم ينزل ولأنه لا نص فيه ولا إجماع ولا يصح قياسه على المنصوص عليه لأن الوطئ في الفرج يجب بنوعه الحد ولا يفترق الحال فيه بين الإنزال وعدمه بخلاف المباشرة، والصيام بخلاف الحج في المفسدات ولذلك يفسد إذا أنزل بتكرار النظر وسائر محظوراته والحج لا يفسد بشئ من محظوراته غير الجماع فافترقا والمرأة كالرجل في هذا إذا كانت ذات شهوة وإلا فلا شئ عليها كالرجل إذا لم يكن له شهوة وإن لم ينزل لم يفسد حجة بذلك لا نعلم فيه خلافا لأنها مباشرة دون الفرج عريت عن الإنزال فلم يفسد بها الحج قياساً عليه، وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال لرجل قبل زوجته أفسدت حجك، وروي ذلك عن سعيد بن جبير وهو محمول على ما إذا أنزل (فصل) فإن كرر النظر فانزل أو لم ينزل لم يفسد حجة روى ذلك عن ابن عباس، وهو قول أبي حنيفة والشافعي وروي عن الحسن وعطاء ومالك فيمن ردد النظر حتى أمنى عليه حج قابل لأنه أنزل بفعل محظور أشبه الإنزال بالمباشرة ولنا أنه إنزال من غر مباشرة أشبه الإنزال بالفكر والإحتلام والأصل الذي قاموا عليه ممنوع ثم إن المباشرة أبلغ في اللذة وآكد في استدعاء الشهوة فلا يصح القياس عليها، وإن لم ينزل لم يفسد حجة لا نعلم أحدا قال بخلاف ذلك لأنه لا يمكن التحرز منه أشبه الفكر والله أعلم (فصل) قال رضي الله عنه (والمرأة إحرامها في وجهها ويحرم عليها ما يحرم على الرجل إلا في اللباس وتظليل المحمل) يحرم على المرأة تغطية وجهها في إحرامها لا نعلم في هذا خلافاً إلا ماروي عن أسماء رضي الله عنها أنها كانت تغطي وجهها فيحتمل أنها كانت تغطيه بالسدل عند الحاجة ولا يكون اختلافاً قال إبن المنذر كراهية البرقع ثابتة عن سعد وابن عمر وابن عباس وعائشة رضي الله عنهم ولا نعلم احدا خالف فيه والأصل فيه ماروى البخاري وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ولا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين " وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " إحرام الرجل في رأسه وإحرام المرأة في وجهها " (فصل) فإن احتاجت الى ستر وجهها لمرور الرجال قريباً منها فانها تسدل القثوب فوق رأسها على وجهها روى ذلك عن عثمان وعائشة رضي الله عنهما، وبه قال عطاء ومالك والثوري والشافعي

ويتفرقان في القضاء من الموضع الذي أصابها فيه إلى أن يحلا وهو واجب أو مستحب على وجهين

واسحاق ومحمد بن الحسن ولا نعلم فيه خلافا لما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان الركبان يمرون بنا ونحن محرمات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها على وجهها فإذا جاوزونا كشفناه. رواه أبو داود والاثرم ولأن بالمرأة حاجة الى ستر وجهها فلم يحرم عليها ستره على الإطلاق كالعورة. وذكر القاضي أن الثوب يكون متجافياً عن وجهها بحيث لا يصيب البشرة فإن أصابها ثم زال أو أزالته بسرعة فلا شئ عليها كما لو أطارت الربح الثوب عن عورة المصلي ثم عاد بسرعة لا تبطل الصلاد، وإن لم ترفعه مع القدرة فدت لأنها استدامت الستر قال شيخنا ولم أر هذا الشرط عن أحمد ولا هو في الخبر مع أن الظاهر خلافه فإن الثوب المسدول لا يكاد يسلم من اصابة البشرة فلو كان هذا شرطاً لبين، وإنما منعت المرأة من البرقع والنقاب ونحوه مما يعد لستر الوجه قال أحمد إنما لها أن تسدل على وجهها من فوق وليس لها أن ترفع الثوب من أسفل كأنه يقول إن النقاب من أسفل على وجهها (فصل) ويجتمع في حق المحرمة وجوب تغطية الرأس وتحريم تغطيه الوجه ولا يمكن تغطيه جميع الرأس إلا بجزء من الوجه ولا كشف جميع الوجه لا بكشف جزء من الرأس فعند ذلك ستر الرأس كله أولى لأنه آكد إذ هو عورة ولا يختص بحالة الإحرام وكشف الوجه بخلافه وقد أبحنا ستر جملته للحاجة العارضة فستر جزء منه لستر العورة أولى (فصل) ولا بأس للمرأة أن تطوف منتقبة إن لم تكن محرمة فعلته عائشة رضي الله عنها وكره ذلك عطاء ثم رجع عنه وذكر أبو عبد الله حديث ابن جريج أن عطاء كان يكره لغير المحرمة أن تطوف منتقبة حتى حدثته عن الحسن بن مسلم عن صفية بنت شيبة أن عائشة طافت وهي منقبة فأخذ به (فصل) ويحرم عليها ما يحرم على الرجل من قطع الشعر وتقليم الأظفار والطيب وقتل الصيد وسائر المحظورات إلا لبس المخيط وتظليل المحمل قال إبن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن المرأة ممنوعة مما منع منه الرجال إلا بعض اللباس، وأجمع أهل العلم على أن للمحرمة لبس القمص والدروع والسراويلات والخمر والخفات وإنما كان كذلك لأن أمر النبي صلى الله عليه وسلم المحرم بأمر وحكمه عليه يدخل فيه الرجال والنساء إنما استثنى منه اللباس للحاجة إلى ستر المرأة لكونها عورة إلا وجهها فتجردها يفضي إلى انكشافها فأبيح لها اللباس للستر كما أبيح للرجل عقد الإزار كيلا يسقط فتنكشف عورته ولم يبح عقد الرداء، وقد روى ابن عمر رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى النساء في

إحرامهن عن القفازين والنقاب وما مس الورس والزعفران من الثياب ولتلبس بعد ذلك ما أحبت من ألوان الثياب من معصفر أو خز أو حلي أو سراويل أو قميص أو خف وهذا صريح والمراد باللباس ههنا المخيط من القمص والدروع والسراويلات والخفاف وما يستر الرأس ونحوه (فصل) ويستحب للمرأة عند الإحرام ما يستحب للرجل من الغسل والطيب قالت عائشة رضي الله عنها كنا نخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنضمد جباهنا بالمسك والطيب عند الإحرام فإذا عرقت إحدانا سال على وجهها فيراها النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينكر عليها والشابة والكبيرة سواء في هذا فإن عائشة كانت شابة فان قيل أليس قد كره ذلك في الجمة قلنا لأنها في الجمة تقرب من الرجال فيخاف الافتتان بها بخلاف مسألتنا ولهذا يلزم الحج النساء ولا يلزمهن الجمعة، وكذلك يستحب لها قلة الكلام إلا فيما ينفع والاشتغال بالتلبية وذكر الله تعالى (مسألة) (ولا تلبس القفازين ولا الخلخال ولا تكتحل بالاثمد) القفازان شئ يعمل لليدين يدخلهما فيهما من خرق يسترهما من الحر مثل ما يعمل للبزاة يحرم على المرأة لبسه في حال إحرامها، وهذا قول ابن عمر وبه قال عطاء وطاوس ومجاهد والنخعي ومالك واسحاق وكان سعد بن أبي وقاص يلبس بناته القفازين وهن محرمات ورخص فيه علي وعائشة وعطاء، وبه قال الثوري وأبو حنيفة والشافعي كالمذهبين واحتجوا بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " إحرام المرأة في وجهها " ولأنه عضو يجوز ستره بغير المخيط فجاز ستره به كالرجلين ولنا ماروى ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين " رواه البخاري وحديثهم المراد به الكشف فأما الستر بغير المخيط فيجوز للرجل ولا يجوز بالمخيط (فصل) فأما الخلخال وما أشبهه من الحلي كالسوار فظاهر كلام شيخنا ههنا أنه لا يجوز لبسه وهو ظاهر كلام الخرقي وقد قال أحمد المحرمة والمتوفى عنها زوجها يتركان الطيب والزينة ولهما ما سوى ذلك، وروي عن عطاء أنه كان يكره للمحرمة الحرير والحلي وكرهه الثوري وروي عن قتادة أنه كان لا يرى بأساً أن تلبس المرأة الخاتم والقرط وهي محرمة وكره السوارين والخلخالين والدملحين وظاهر المذهب الرخصة فيه وهو قول ابن عمر وعائشة وأصحاب الراي وهو الصحيح. قال أحمد في رواية حنبل تلبس المحرمة الحلي والمعصفر وقال عن نافع كان نساء ابن عمر وبناته يلبسن الحلي والمعصفر وهن محرمات لا ينكر عبد الله ذلك، وقد ذكرنا حديث ابن عمر وفيه ولتلبس بعد ذلك ما أحبت

وإن جامع بعد التحلل الأول لم يفسد نسكه ويمضي إلى التنعيم فيحرم ليطوف وهو محرم وهل يلزمه بدنة أو شاة على الروايتين

من ألوان الثياب من معصفر أوخز أو حلي قال إبن المنذر لا يجوز المنع منه بغير حجة ويحمل كلام أحمد في المنع على الكراهة لما فيه من الزينة وشبهه بالكحل بالأثمد ولا فدية فيه كما لا فدية في الكحل فاما ليس القفازين ففيه الفدية لأنها لبست ما نهيت عن لبسه في الإحرام فلزمتها الفدية بالنقاب، وقال القاضي يحرم عليها شد يديها بخرقة لأنه ستر ليديها بما يختص بها أشبه القفازين، وكما لو شد الرجل على جسده شيئاً وإن لفت يديها من غير شد فلا فدية لأن المحرم هو اللبس لا تغطيتهما كبدن الرجل (فصل) والكحل بالأثمد في الإحرام مكروه للمرأة والرجل، وإنما خصت المرأة بالذكر لانها محل الزينة والكراهة في حقها أكثر من الرجل يروى هذا عن عطاء والحسن ومجاهد، وروي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: يكتحل المحرم بكل كحل ليس فيه طيب ورخص فيه مالك في الحر يجده المحرم، وروى عن أحمد أنه قال: يكتحل المحرم بما لم يرد به الزينة، قيل له الرجال والنساء؟ قال نعم ووجه كراهته ماروي عن جابر أن علياً رضي الله عنه قدم من اليمن فوجد فاطمة ممن حل فلبست ثياباً صبيغاً واكتحلت فأنكر ذلك عليها فقالت: أبي أمرني بهذا فقال النبي صلى الله عليه وسلم " صدقت صدقت " رواه مسلم وغيره، وهذا يدل على أنها كانت ممنوعة من ذلك، وروي عن عائشة أنها قالت لامرأة اكتحلي بأي كحل شئت غير الأثمد أو الأسود، إذا ثبت هذا فإن الكحل بالأثمد مكروه ولا فدية فيه لا نعم فيه خلافاً، وروت شميسة عن عائشة قالت: اشتكيت عيني وأنا محرمة فسألت عائشة فقالت اكتحلي بأي كحل شئت غير الأثمد، أما إنه ليس بحرام ولكنه زينة فيجب تركه، قال الشافعي إن فعلا فلا أعلم عليهما فيه فدية بشئ (فصل) فأما الكحل بغير الأثمد والأسود فلا كراهة فيه إذا لم يكن مطيباً لما ذكرنا من حديث عائشة وقول ابن عمر، وقد روى مسلم عن نبيه بن وهب قال: خرجنا مع أبان بن عثمان حتى إذا كنا بملل اشتكى عمر بن عبيد الله عينيه فأرسل إلى أبان بن عثمان ليسأله فقال اضمدهما بالصبر فإن عثمان حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرجل إذا اشتكلى عينيه وهو محرم يضمدهما بالصبر ففيه دليل على إباحة ما أشبهه مما ليس فيه زينة ولا طيب وكان إبراهيم لا يرى بالذرور الأحمر بأساً (فصل) وإذا أحرم الخنثى المشكل لم يلزمه اجتناب المخيط لانا لا نتيقن كونه رجلاً، وقال ابن المبارك يغطي رأسه ويكفر (قال شيحنا) والصحيح أنه لا شئ عليه لأن الأصل عدم الوجوب فلا يجب بالشك، فإن غطى وجهه وجسده لم يلزمه فدية لذلك، وإن جمع بين تغطية وجهه بنقاب أو برقع

وغطى رأسه أو لبس المخيط لزمته الفدية لأنه لا يخلو أن يكون رجلاً أو امرأة والله أعلم (مسألة) (ويجوز لبس المعصفر والكحلي والخضاب بالحناء والنظر في المرآة لهما جميعاً) لا بأس بما صبغ بالعصفر لأنه ليس بطيب ولا بأس باستعماله وشمه هذا قول جابر وابن عمر وعبد الله بن جعفر وعقيل بن أبي طالب رضي الله عنهم وهو مذهب الشافعي، وكرهه مالك اذا كان ينتفض في جسده ولم يوجب فيه فدية ومنع منه الثوري وأبو حنيفة ومحمد وشبهوه بالمورس والمزعفر لأنه صبغ طيب الرائحة ولنا أن في حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في المحرمة " وللبس بعد ذلك ما أحبت من ألوان الثياب من معصفر، أو خز، أو حلي " رواه أبو داود، وعن عائشة وأسماء وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم أنهن كن يحرمن في المعصفرات، ولأنه قول من سمينا من الصحابة ولم نعرف لهم مخالفاً، ولأنه ليس بطيب فلم يكره المصبوغ به كالسواد، وأما الورس والزعفران فإنه طيب ولا بأس بالممشق وهو المصبوغ بالمغرة لأنه مصبوغ بطين وكذلك سائر الأصباغ سوى ما ذكرنا لأن الأصل الإباحة إلا ما ورد الشرع بتحريمه أو ماكان في معناه، وليس هذا كذلك فأما المصبوغ بالرياحين فهو مبني على الرياحين في نفسها فما منع المحرم من استعماله منع لبس المصبوغ به إذا ظهرت رائحته وإلا فلا إلا أنه يكره للرجل لبس المعصفر في غير الإحرام فكذلك فيه وقد ذكرنا ذلك في الصلاة (فصل) ويستحب للمرأة أن تختضب بالحناء عند الإحرام لما روي عن ابن عمر أنه قال: من السنة أن تدلك المرأة يديها في حناء، ولأنه من الزينة فاستحب عند الإحرام كالطيب ولا بأس بالخضاب في حال إحرامها، وقال القاضي يكره لكونه من الزينة فأشبه الكحل بالأثمد، فإن فعلت ولم تشد يديها بالخرق فلا فدية عليها، وبه قال الشافعي وابن المنذر. وكان مالك ومحمد بن الحسن يكرهان الخضاب للمحرمة وألزماها الفدية ولنا ما روى عكرمة أنه قال: كانت عائشة وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم يختضبن بالحناء وهن حرم ولا بأس بذلك للرجل فيما لا تشبه فيه بالنساء لأن الأصل الإباحة، وليس ههنا دليل يمنع من نص ولا إجماع ولاهو في معنى المنصوص (فصل) ولا بأس بالنظر في المرآة للحاجة كمداواة جرح أو إزالة شعره نبتت في عينه ونحو ذلك مما أباح الشرع له فعله، وقد روي عن ابن عمر وعمر بن عبد العزيز أنهما كانا ينظران في

المرآة وهما محرمان ويكره أن ينظر فيها لإزالة شعث أو تسوية شعر أو شئ من الزينة ذكره الخرقي قال أحمد رحمه الله: لا بأس أن ينظر في المرآة ولا يصلح شعراً، ولا ينفض عنه غباراً، وقال أيضاً إذا كان يريد زينة فلا، قيل فكيف يريد زينة؟ قال يرى شعرة فيسويها، روي نحو ذلك عن عطاء لأنه قد روي في حديث " إن المحرم الاشعث الاغبر " وفي الآخر " إن الله يباهي بأهل عرفة ملائكته فيقول يا ملائكتي انظروا إلى عبادي قد أتوني شعثاً غبراً ضاحين " أو كما جاء ولا فدية بالنظر في المرآة بحال وإنما ذلك أدب لا شئ على فاعله لا نعلم أحدا أوجب في ذلك شيئاً (فصل) وللمحرم أن يحتجم ولا فدية عليه إذا لم يقطع شعراً في قول الجمهور لأنه تداو بإخراج دم أشبه الفصد وبط الجرح، وقال مالك لا يحتجم إلا من ضرورة وكان الحسن يرى في الحجامة دماً ولنا أن ابن عباس روي أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم: متفق عليه ولم يذكر فدية، ولأنه لا يترفه بذلك أشبه شرب الأدوية، وكذلك الحكم في قطع العضو عند الحاجة والختان كل ذلك مباح من غير فدية، فإن احتاج في الحجامة إلى قطع شعر فله قطعه لما روى عبيد الله بحينه أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم بلحي جمل في طريق مكة وهو محرم وسط رأسه. متفق عليه، ومن ضرورة ذلك قطع الشعر، لانه يباح حلق الشعر لإزالة أذى القمل فكذلك هذا وعليه الفديه، وبه قال مالك والشافعي وابو حنيفة وابو ثور وابن المنذر، وقال أبو يوسف ومحمد يتصدق بشئ ولنا قوله تعالى (فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة) الآية ولأنه حلق شعرا لإزالة ضرر غيره فلزمته الفدية كما لو حلقه لإزالة قمله (فصل) ويجتنب المحرم مانهاه الله تعالى عنه بقوله (الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) وهذا صيغته صيغة النفي والمراد به النهي كقوله تعالى (لاتضار والدة بولدها) والرفث الجماع روى ذلك عن ابن عباس وابن عمر، وروي عن ابن عباس أنه قال الرفث غشيان النساء والتقبيل والغمز وأن يعرض لها بالفحش من الكلام، وقال أو عبيدة الرفت لغا الكلام وأنشد قول العجاج: * عن اللغا ورفث التكلم * وقيل الرفث هو ما يكنى عنه من ذكر الجماع، وروي عن ابن عباس أنه أنشد بيتاً فيه التصريح بما يكنى عنه من الجماع وهو محرم فقيل له في ذلك فقال إنما الرفث ماروجع به النساء، وفي لفظ ما قيل من ذلك عند النساء، وفي الجملة كل ما فسر به الرفث ينبغي للمحرم أن يجتنبه إلا أنه في الجماع

أظهر لما ذكرنا من تفسير الأئمة ولأنه قد جاء في موضع آخر وأريد به الجماع وهو قوله (أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم) (1) أما الفسوق فهو السباب لقول الني صلى الله عليه وسلم " سباب المسلم فسوق " متفق عليه (2) وقيل الفسوق المعاصي روى ذلك عن ابن عباس وإن عمر وعطاء وابراهيم وقالوا أيضاً الجدال المراء قال ابن عباس رضي الله عنه هو أن تماري صاحبك حتى تغضبه والمحرم ممنوع من ذلك كله قال النبي صلى الله عليه وسلم " من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه " متفق عليه وقال مجاهد في قوله (ولا جدال في الحج) أي لا مجادلة وقول الجمهور أولى. (فصل) ويستحب له قلة الكلام إلا فيما ينفع صيانة لنفسه عن اللغو والوقوع في الكذب ومالا يحل فإن من كثر كلامه كثر سقطه، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت متفق عليه وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه " قال أبو داود أصول السنن أربعة أحاديث هذا أحدها وهذا في حال الإحرام أشد استحباباً لأنه حال عبادة واستشعار بطاعة فهو يشبه الاعتكاف، وقد احتج أحمد رحمه الله على ذلك بأن شريحاً رحمه الله كان إذا أحرم كأنه حية صماء فيستحب للمحرم أن يشتغل بالتلبية وذكر الله تعالى وقراءة القرآن وأمر بمعروف أو نهي عن منكر أو تعليم جاهل أو يأمر بحاجته أو يسكت فإن تكلم بما لا إثم فيه أو أنشد شعراً لا يقبح فهو مباح ولا يكثر فقد روي عن عمر رضي الله عنه أنه كان على ناقة وهو محرم فجعل يقول: كان راكبها غصن بمروحة * إذا تدلت به أو شارب ثمل الله اكبر الله أكبر. وهذا يدل على الإباحة، والفضيلة ما ذكرناه أولاً والله أعلم (فصل) ويجوز للمحرم أن يتجر ويصنع الصنائع بغير خلاف علمناه. قال ابن عباس رضي الله عنهما: كان ذو المجاز وعكاظ متجر الناس في الجاهلية فلما جاء الإسلام كأنهم كرهوا ذلك حتى نزلت (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم) يعني في مواسم الحج

باب الفدية (وهي على ثلاثة أضرب (أحدها) ما هو على التخيير وهو نوعان (أحدهما) يخير فيه بين صيام ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين مد بر أو نصف صاع تمر أو شعير أو ذبح شاة وهي فدية حلق الرأس وتقليم الأظفار وتغطية الرأس واللبس والطيب، وعنه يجب الدم إلا أن يفعله لعذر فيجب) الكلام في هذه المسألة في فصول (أحدها) في أن فدية هذه المحظورات على التخيير أيها شاء فعل والأصل في ذلك قوله تعالى (فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك) ذكره بلفظ أو وهي للتخيير وقال النبي صلى الله عليه وسلم لكعب بن عجرة " لعلك اذاك هو امك " قال: نعم يارسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " احلق رأسك وصم ثلاثة أيام أو اطعم ستة مساكين أو انسك شاة " متفق عليه وفي لفظ " أو اطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع تمر " فدلت الآية والخبر على وجوب الفدية على صفة التخيير بين الذبح والإطعام والصيام في حلق الشعر وقنا عليه تقليم الأظفار واللبس والطيب لأنه حرم في الإحرام لأجل الترفه فأشبه حلق الشعر ولا فرق في الحلق بين المعذور وغيره في ظاهر المذهب والعامد والمخطئ، وهو مذهب مالك والشافعي، وعن أحمد أنه إذا حلق من غير عذر فعليه دم من غير تخيبر اختاره ابن عقيل وهو مذهب أبي حنيفة لأن الله تعالى خير بشرط العذر فإذا عدم العذر زال التخيير ولنا أن الحكم ثبت في غير المعذور بطريق التنبيه تبعا له والتبع لا يخالف أصله، ولان كل كفارة ثبت التخيير فيها مع العذر ثبت مع عدمه كجزاء الصيد، لا فرق بين قتله للضرورة إلى أكله أو لغير ذلك وإنما الشرط لجواز الحلق لا للتخير (الفصل الثاني) أنه مخير بين الثلاثة المذكورة في الحديث وهي صيام ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين مد بر أو نصف صاع تمر أو شعير أو ذبح شاة وقد دل الحديث المذكور على ذلك. وفي لفظ أو أطعم فرقا بين ستة مساكين. وفي لفظ فصم ثلاثة أيام وإن شئت فتصدق بثلاثة آصع من تمر بين ستة مساكين رواه أبو داود، وبهذا قال مجاهد والنخعي ومالك والشافعي وأصحاب الرأي، وقال الحسن وعكرمة ونافع الصيام عشرة أيام والصدقة على عشرة مساكين

ولا تلبس القفازين ولا الخلخال ولا تكتحل بالأثمد

ويروى عن الثوري وأصحاب الرأي قالوا يجزئ من البر نصف صاع ومن التمر والشعير صاع صاع واتباع السنة الصحيحة أولى (فصل) والحديث إنما ذكر فيه التمر ويقاس عليه البر والشعير والزبيب لأن كل موضع أجزأ فيه التمر أجزأ ذلك فيه كالفطرة وكفارة اليمين، وقد روى أبو داود في حديث كعب بن عجرة قال فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي " احلق رأسك وصم ثلاثة أيام أو اطعم ستة مساكين فرقا من زبيب أو انسك شاة " ولا يجزئ من هذه الأصناف أقل من ثلاثة آصع إلا البر ففيه روايتان (إحداهما) يجزئ مد بر لكل مسكين مكان نصف صاع من غير كما في كفارة اليمين (والثانية) لا يجزئ إلا نصف صاع لأن الحكم ثبت فيه بطريق التنبيه أو القياس والفرع يماثل أصله ولا يخالفه، وبهذا قال مالك والشافعي (فصل) ومن أبيح له حلق رأسه جاز له تقديم الكفارة على الحلق فعله علي رضي الله عنه ولأنها كفارة فجاز تقديمها على وجوبها ككفارة اليمين (الفصل الثالث) أنه لا فرق بين فعلها لعذر أو غيره وقد ذكرناه (مسألة) (النوع الثاني جزاء الصيد يتخير فيه بين المثل وتقويمه بدراهم يشتري بها طعاماً فيطعم لكل مسكين مداً أو يصوم عن كل مد يوما وان كان ممالا مثل له خبر بين الإطعام والصيام وعنه أن جزاء الصيد على الترتيب فيجب المثل فان لم يجد لزمه الإطعام فان لم يجد صام) الكلام في هذه المسألة في فصول (أحدها) في وجوب الجزاء على المحرم في قتل الصيد وأجمع أهل للعلم على وجوبه في الجملة، وقد نص الله تعالى عليه بقوله (يا أيها الذين آمنوا لا تقتوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم) نص على وجوب الجزاء على المتعمد وقد ذكرناه (الفصل الثاني) أنه على التخيير بين الأشياء المذكورة بأيها شاء كفر موسراً كان أو معسراً وبهذا قال مالك والشافعي وأصحاب الرأي، وعن أحمد رواية ثانية أنها على الترتيب فيجب المثل أولاً فان لم يجد أطعم فان لم يجد صام روي هذا عن ابن عباس والثوري ولان هذي المتعة على الترتيب وهذا آمد منه لأنه بفعل محظور وعنه رواية ثالثة أنه لاإطعام في كفارة الصيد، وإنما ذكره في الآية ليعدل به الصيام لأن من قدر على الإطعام قدر على الذبح كهذا قال ابن عباس وهذا قول الشافعي ولنا قوله سبحانه (فجزأ مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل امنكم هديا بالغ الكعبة أو

كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما) و " أو " في الأمر للتخيير روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: كل شئ أو، أو، فهو مخير وأما ما كان (فان لم يجد) فهو الاول فالأول ولأنه عطف هذه الخصال بعضها على بعض بأو فكان مخيراً في جميعها كفدية الادى وقد سمى الله تعالى الطعام كفارة ولا يكون كفارة ما لم يجب إخراجه وجعله طعاماً للمساكين وما لا يجوز صرفه إليهم لا يكون طعاماً لهم ولأنها كفارة ذكر فيها الطعام فكان من خصالها كسائر الكفارات وقولهم إنها وجبت بفعل محظور يبطل بفدية الأذى على أن لفظ النص صريح في التخيير فليس ترك مدلولة قياساً على هدي المتعة بأولى من العكس فكما لا يجوز ثم لا يجوز هنا (فصل) وإذا اختار المثل ذبحه وتصدق به على فقراء الحرم ولا يجزئه أن يتصدق به حياً على المساكين لأن الله سبحانه سماه هدياً والهدي يجب ذبحه وله ذبحه أي وقت شاء، ولا يختص ذلك بأيام النحر لأن الأمر به مطلق (الفصل الثالث) أنه متى اختار الإطعام فإنه يقوم المثل بدراهم والدراهم بطعام ويتصدق به على المساكين، وبهذا قال الشافعي وقال مالك: يقوم الصيد لا المثل وحكى ابن أبي موسى رواية مثل ذلك وحكى رواية أخرى أنه إن شاء اشترى بالدراهم طعاماً فتصدق به وإن شاء تصدق بالدراهم وجه قول مالك إن التقويم إذا وجب لأجل الإتلاف قوم المتلف كالذي لا مثل له ولنا على مالك أن كل متلف وجب فيه المثل إذا قوم وجبت قيمة مثله كالمثلي من مال الآدمي وعلى أنه لا تجوز الصدقة بالدراهم إن الله سبحانه إنما ذكر في الآية التخيير بين ثلاثة أشياء وهذا ليس منها. والطعام المخرج هو الذي يخرج في الفطرة وفدية الأذى من التمر والزبيب والبر والشعير قياساً عليه ويحتمل أن يجزئ كل ما يسمى طعاماً لدخوله في إطلاق اللفظ (الفصل الرابع) أنه يطعم كل مسكين من البر مداً كما يدفع إليه في كفارة اليمين ومن سائر الأصناف نصف صاع نص عليه أحمد رحمه الله تعالى في إطعام المساكين في الفدية والجزاء وكفارة اليمين إن أطعم براً فمد لكل مسكين ان أطعم تمراً فنصف صاع لكل مسكين، ولفظ شيخنا ههنا مطلق في أنه يطعم لكل مسكين مداً ولم يفرق بين الأصناف وكذلك ذكره الخرقي مطلقاً، والأولى أنه لا يجتزئ من غير البرباقل من نصف صاع لأنه لم يرد الشرع في موضع بأقل من ذلك في طعمه المساكين وهذا لا توقيف فيه فيرد إلى نظرائه ولا يجزئ إخراج الطعام إلا على مساكين الجرم

ويجوز لبس المعصفر والكحلي والخضاب بالحناء النظر في المرآة لهما جميعا

لأنه قائم مقام الهدي الواجب لهم فيكون أيضاً لهم كقيمة المثلي من مال الآدمي (الفصل الخامس) أنه يصوم عن كل مد يوماً وهو قول عطاء ومالك والشافعي لأنها كفارة دخلها الصيام والإطعام فكان اليوم في مقابلة المد ككفارة الظهار وعن أحمد رحمه الله أنه يصوم عن كل نصف صاع يوماً وهو قول ابن عباس والحسن والنخعي والثوري وأصحاب الرأي وابن المنذر قال القاضي المسألة رواية واحدة واليوم عن مد بر أو نصف صاع من غيره وكلام أحمد في الروايتين محمول على اختلاف الحالين لأن صوم اليوم مقابل إطعام المسكين وإطعام المسكين مد بر أو نصف صاع من غيره، ولأن الله تعالى جعل اليوم في كفارة الظهار في مقابلة إطعام المسكين فكذا ههنا وروى أبو ثور إن كفارة الصيد من الإطعام والصيام مثل كفارة الآدمي وروي ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما ولنا أنه جزاء عن متلف فاختلف باختلافه كبدل مال الآدمي، ولأن الصحابة رضي الله عنهم حين قضوا في الصيد قضوا فيه مختلفاً (فصل) فإن بقي من الطعام مالا يعدل يوماً كدون المد صام عنه يوما كاملا كذلك قال عطاء والنخعي وحماد والشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم احداً خالفهم لأن الصوم لا يتبعض فيجب تكميله ولا يجب التتابع في الصيام، وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي فإن الله سبحانه أمر به مطلقاً فلا يتقيد بالتتابع من غير دليل ولا يجوز أن يصوم عن بعض الجزاء ويطعم عن بعض نص عليه أحمد، وبه قال الشافعي واسحاق وأبو ثور وابن المنذر وجوزه محمد بن الحسن إذا عجز عن بعض الإطعام ولا يصح لأنها كفارة واحدة فلم يجز فيها ذلك كسائر الكفارات (فصل) وإن كان ممالا مثل له من الصيد يخير قاتله بين أن يشتري بقيمته طعاماً فيطعمه للمساكين وبين أن يصوم لتعذر المثل وهل يجوز إخراج القيمة؟ فيه احتمالان (أحدهما) لا يجوز وهو ظاهر كلام أحمد في رواية حنبل فإنه قال إذا أصاب المحرم صيداً ولم يصب له عدل حكم عليه قوم طعاماً إن قدر على طعام والاصام لكل نصف صاع يوماً هكذا يروي عن ابن عباس ولأنه جزاء صيد فلم يجز إخراج القيمة فيه كالذي له مثل ولأن الله تعال خير بين ثلاثة أشياء ليس منها القيمة فإذا عدم أحد الثلاثة يبقى التخيير بين الشيئين الباقيين فأما إيجاب شئ غير المنصوص عليه فلا (والثاني) يجوز إخراج القيمة لأن عمر رضي الله عنه قال لكعب ما جعلت على نفسك؟ قال درهمين. قال

اجعل ما جعلت على نفسك. وقال عطاء في العصفور نصف درهم وظاهره اخراج الدرهم الواجبة، وعنه أن جزاء الصيد على الترتيب وقد ذكرناه (فصل) قال رضي الله عنه (الضرب الثاني على الترتيب وهو ثلاثة أنواع (أحدها دم المتعة والقرآن فيجب الهدي فان لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج والأفضل أن يكون آخرها يوم عرفة وسبعة إذا رجع إلى أهله وإن صامها قبل ذلك أجزأه) لا نعلم خلافاً في وجوب الدم على المتمتع والقارن وقد ذكرناه فيما مضى وذكرنا شروط وجوب الدم فان لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله لقوله تعالى (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم) وتعتبر القدرة على الهدي في موضعه فمتى عدمه في موضعه جاز له الانتقال إلى الصيام وإن كان قادراً عليه في بلده لأن وجوبه موقت فاعتبرت له القدرة عليه في موضعه كالماء في الطهارة إذا عدمه في مكانه انتقل إلى التراب (فصل) ولكل واحد من صوم الثلاثة والسبعة وقتان وقت استحباب ووقت جواز. فأما الثلاثة فالأفضل أن يكون آخرها يوم عرفة يروي ذلك عن عطاء وطاوس والشعبي ومجاهد والحسن والنخعي وسعيد بن جبير وعلقمة وأصحاب الرأي وروي عن ابن عمر وعائشة رضي الله عنهما أنه يصومهن مابين أهلاله بالحج ويوم عرفة وظاهر هذا أنه يجعل آخرها يوم التروية لأن صوم يوم عرفة بعرفة غير مستحب. وذكر القاضي في المجرد ذلك مذهب أحمد المنصوص عن أحمد ما ذكرناه أولاً وانما أوجبنا له صوم يوم عرفة ههنا لموضع الحاجة وعلى هذا القول يستحب له تقديم الإحرام بالحج قبل يوم التروية ليصومها في الحج فإن صام منها شيئاً قبل إحرامه بالحج جاز نص عليه فأما وقت جواز صيامها فإذا أحرم بالعمرة. وهذا قول أبي حنيفة، وعن أحمد إذا حل من العمرة وقال مالك والشافعي لا يجوز إلا بعد الإحرام بالحج ويروى ذلك عن ابن عمر وهو قول إسحاق وابن المنذر لقول الله تعالى (فصيام ثلاثة أيام في الحج) ولأنه صيام واجب فلم يجز تقديمه على وقت وجوبه كسائر الصيام الواجب ولأن ما قبله وقت لا يجوز فيه المبدل فلم يجز فيه البدل كقبل الإحرام بالعمرة وقال الثوري والاوزاعي يصومهن من أول العشر إلى يوم عرفة ولنا أن احرم العمرة أحد إحرامي التمتع فجاز الصوم بعده كإحرام الحج. وأما قوله (فصيام ثلاثة

أيام في الحج) فقيل معناه في أشهر الحج فإنه لا بد فيه من اضمار إذا كان الحج أفعالاً لا يصام فيها إنما يصام في وقتها أو في أشهرها فهو كقوله سبحانه (الحج أشهر معلومات) وأما تقديمه على وقت الوجوب فيجوز إذا وجد السبب كتقديم التكفير على الحنث وزهوق النفس وأما كونه بدلاً فلا يقدم على المبدل فقد ذكرنا رواية في جواز تقديم الهدي على الإحرام بالحج فكذلك الصوم (فصل) فأما تقديم الصوم على إحرام العمرة فلا يجوز لا نعلم قائلا بجواز إلا رواية عن أحمد حكاها بعض الاصحاب وليس بشئ لأنه تقديم الصوم على سببه ووجوبه ومخالف لقول أهل العلم وأحمد رحمه الله ينزه عن هذا. وأما السبعة فلها وقتان وقت اختيار ووقت جواز أما وقت الاختيار فإذا رجع إلى أهله لما روى ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " فمن لم يجد هدياً فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله " متفق عليه وأما وقت الجواز فإذا مضت أيام التشريق قال الأثرم سئل أحمد هل يصوم بالطريق أو بمكة؟. قال: كيف شاء، وبهذا قال أبو حنيفة ومالك وعن عطاء ومجاهد يصومها في الطريق وهو قول إسحاق وقال ابن المنذر يصومها إذا رجع إلى أهله للخبر ويروى ذلك عن ابن عمر وهو قول الشافعي وله قول كقولنا وكقول إسحاق ولنا أن كل صوم لزمه وجاز في وطنه جاز قبل ذلك كسائر الفروض وأما الآية فإن الله سبحانه جوز له تأخير الصيام الواجب تخفيفاً عنه فلا يمنع ذلك الأجزاء قبله كتأخير صوم رمضان في السفر والمرض بقوله سبحانه (فعدة من أيام أخر) لأن الصوم وجد من أهله بعد وجود سببه فأجزأ كصوم المسافر والمريض (مسألة) (فإن لم يصم قبل يوم النحر صام أيام منى وعنه لا يصومها ويصوم بعد ذلك عشرة أيام وعليه دم) إذا لم يصم المتمتع الثلاثة الأيام في الحج فإنه يصومها بعد ذلك، وبهذا قال علي وعائشة وابن عمر وعروة بن الزبير وعبيد بن عمير والحسن وعطاء والزهري ومالك والشافعي وأصحاب الرأي ويروى عن ابن عباس وطاوس ومجاهد إذا فاته الصوم في العشر لم يصم بعده واستقر الهدي في ذمته لأن الله تعالى قال (فصيام ثلاثة أيام في الحج) ولأنه بدل موقت فيسقط بخروج وقته كالجمعة ولنا أنه صوم واجب فلم يسقط بخروج وقته كصوم رمضان والآية تدل على وجوبه في الحج لا على سقوطه والقياس منتقض بصوم الظهار إذا قدم المسيس عليه والجمعة ليست بدلاً إنما هي الأصل وإنما سقطت لان الوقت جعل شرطاً لها كالجماعة. إذا ثبت هذا فإنه يصوم أيام منى وهذا قول ابن عمر

وعائشة وعروة وعبيد بن عمير والزهري ومالك والاوزاعي واسحاق والشافعي في القديم لما روى ابن عمر وعائشة رضي الله عنهما قالا لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي رواه البخاري وهذا ينصرف إلى ترخيص رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأن الله تعالى أمر بصيام هذه الأيام الثلاثة في الحج ولم يبق من الحج إلا هذه الأيام فيتعين الصوم فيها فإذا صام هذه الأيام فحكمه حكم من صام قبل يوم النحر، وعن أحمد رواية أخرى أنه لا يصوم أيام منى روى ذلك عن علي والحسن وعطاء وهو قول ابن المنذر لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم ستة أيام ذكر منها أيام التشريق ولأنها لا يجوز فيها صوم النفل فلا يصومها عن الفرض كيوم النحر فعلى هذه الرواية يصوم بعد ذلك عشرة أيام وكذلك الحكم اذا قلنا بصوم أيام منى فلم يصمها واختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في وجوب الدم عليه فعنه عليه دم لأنه أخر الواجب من مناسك الحج عن وقته فلزمه دم كرمي الجمار ولا فرق بين المؤخر لعذر أو لغيره لما ذكرنا وقال القاضي إنما يجب الدم إذا أخره لغير عذر فليس عليه إلا قضاؤه لأن الدم الذي هو المبدل لو أخره لعذر لم يكن عليه دم لتأخيره فالبدل أولى وروي ذلك عن أحمد (مسألة) وقال أبو الخطاب (إن أخر الصوم أو الهدي لعذر لم يلزمه إلا قضاؤه وإن أخر الهدي لغير عذر فهل يلزمه دم آخر؟ على روايتين) قال وعندي أنه لا يلزمه من الصوم دم بحال ولا يجب التتابع في الصيام إذا أخر الهدي الواجب لعذر مثل أن ضاعت نفقته فليس عليه إلا قضاؤه كسائر الهدايا الواجبة، وإن أخره لغير عذر ففيه روايتان (إحداهما) ليس عليه إلا قضاؤه كسائر الهدايا (والثانية) عليه هدي آخر لأنه نسك موقت فلزمه الدم بتأخيره عن وقته كرمي الجمار قال أحمد من تمتع فلم يهد إلى قابل يهدي هديين كذلك قال ابن عباس رضي الله عنه وأما إذا أخر الصوم فقد ذكرنا أنه يجب على الدم إذا كان تأخيره لغير عذر اختاره القاضي وإن كان لعذر ففيه روايتان، وعن أحمد رواية ثالثة أنه لا يلزمه مع الصوم دم بحال وهذا اختيار أبي الخطاب ومذهب الشافعي لأنه صوم واجب يجب القضاء بفواته فلم يجب بفواته دم كصوم رمضان (فصل) ولا يجب التتابع في صيام التمتع لا في الثلاثة ولا في السبعة ولا في التفريق نص عليه أحمد رحمه الله لأن الأمر ورد بها مطلقاً وذلك لا يقتضي حجا ولا تفريقاً وهذا قول الثوري واسحاق وغيرهما وقال بعض الشافعية إذا أخر الثلاثة وصام السبعة فعليه التفريق لأنه وجب من

باب الفدية

حيث الفعل وما وجب التفريق فيه من حيث الفعل لا يسقط بفوات وقته كأفعال الصلاة من الركوع والسجود ولنا أنه صوم واجب فعله في زمن يصح الصوم فيه فلم يجب تفريقه كسائر الصوم ولا نسلم وجوب التفريق في الأداء فإنه إذا صام أيام منى واتبعها السبعة فما حصل التفريق وإن سلمنا وجوب التفريق في الأداء فإنما كان من حيث الوقت فإذا فات الوقت سقط كالتفريق بين الصلاتين (فصل) ووقت وجوب الصوم وقت وجوب الهدي لأنه بدل عنه فأشبه سائر الابدال فإن قيل فكيف جوزتم الانتقال إلى الصوم قبل زوال وجوب المبدل فلم يتحقق العجز عن المبدل لأنه إنما يتحقق العجز المجوز للانتقال إلى المبدل زمن الوجوب فكيف جوزتم الصوم قبل وجوبه؟ قلنا إنما جوزنا له الانتقال إلى المبدل بناء على العجز الظاهر فإن الظاهر من المعسر استمرار إعساره وعجزه كما جوزنا التكفير قبل وجوب المبدل وأما تجويز الصوم قبل وجوبه فقد ذكرناه (مسألة) (ومتى وجب عليه الصوم فشرع فيه ثم قدر على الهدي لم يلزمه الانتقال إليه إلا أن يشاء) هذا قول الحسن وقتادة ومالك والشافعي وقال ابن أبي نجيح وحماد والثوري إن أيسر قبل أن يكمل الثلاثة فعليه الهدي فإن كمل الثلاثة صام السبعة وقيل متى قدر على الهدي قبل يوم النحر انتقل إليه صام أو لم يصم وإن وجده بعد أن مضت أيام النحر أجزأه الصيام قدر على الهدي أو لم يقدر لأنه قدر على المبدل في زمن وجوبه فلم يجزه البدل كما لو لم يصم ولنا أنه يصوم دخل فيه لعدم الهدي فإذا وجد الهدي لم يلزمه الخروج إليه كصوم السبعة وعلى هذا يخرج الأصل الذي قاسوا عليه فانه ما شرع في الصيام فأما إن اختار الانتقال إلى الهدي جاز لأنه أكمل. (مسألة) وإن وجب ولم يشرع فهل يلزمه الانتقال؟ على روايتين (إحداهما) لا يلزمه الانتقال إليه قال في رواية المروذي إذا لم يصم في الحج فليصم إذا رجع ولا يرجع إلى الدم قد انتقل فرضه إلى الصيام وذلك لأن الصيام استقر في ذمته لوجوبه حال وجود السبب المتصل بشرطه وهو عدم الهدي. (والثانية) يلزمه الانتقال إليه قال يعقوب سألت أحمد عن المتمتع إذا لم يصم قبل يوم النحر قال عليه هديان يبعث بهما إلى مكة أوجب عليه الهدي الأصلي وهديا لتأخير الصوم عن وقته لأنه قدر على المبدل قبل شروعه في البدل فلزمه الانتقال إليه كالتيمم إذا وجد الماء

النوع الثاني جزاء الصيد يتخير فيه بين المثل وتقويمه بدراهم يشتري بها طعاما فيطعم لكل مسكين مدا

(فصل) ومن لزمه صوم المتعة فمات قبل أن يأتي به لعذر منعه الصوم فلا شئ عليه وإن كان لغير عذر أطعم عنه كما يطعم عن صوم رمضان لأنه صوم وجب بأصل الشرع أشبه صوم رمضان (مسألة) (النوع الثاني المحصر يلزمه الهدي فان لم يجد صام عشرة أيام ثم حل) لا خلاف في وجوب الهدي على المحصر وقد دل عليه قوله تعالى (فإن أحصرتم فما استيسر من من الهدي) فان لم يجد الهدي صام عشرة أيام ثم حل قياساً على هدي المتمتع وليس له التحلل قبل ذلك وفيه اختلاف نذكره في باب الإحصار إن شاء الله تعالى (مسألة) (النوع الثالث فدية الوطئ) تجب به بدنة فان لم يجد صام عشرة أيام ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجع كدم المتعة لقضاء الصحابة رضي الله عنهم به، وقد ذكرناه في الباب الذي قبله قاله عبد الله ابن عمر وعبد الله بن عمرو وعبد الله ابن عباس رواه عنهم الأثرم ولم يظهر لهم في الصحابة مخالف فيكون إجماعاً فيكون بدله مقيساً على بدل دم المتعة، هذا هو الصحيح من المذهب لأنا إنما أوجبنا البدنة بقول الصحابة رضي الله عنهم فكذلك في بدلها، وقال القاضي يخرج بدنة فان لم يجد أخرج بقرة فان لم يجد فسبعاً من الغنم فان لم يجد أخرج بقيمتها طعام فبأيها كفر أجزأه. وجه قول القاضي يجب بالوطئ بدنه لما ذكرنا من قول الصحابة رضي الله عنهم فان لم يجد البدنة أخرج بقرة لأنها تساويها في الهدي والأضاحي، وقد روى أبو الزبير رضي الله عنه قال كنا ننحر البدنة عن سبعة فقيل له والبقرة؟ قال وهل هي إلا من البدن فان لم يجد أخرج سبعاً من الغنم لأنها تقوم مقام البدنة في الهدي والأضاحي ولما روى ابن عباس قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال إني علي بدنة وأنا موسر لها ولا أجدها فأشتريها فأمره النبي صلى الله عليه وسلم إن يبتاع سبع شياه فيذبحهن رواه ابن ماجه وإن لم يجد أخرج بقيمتها طعاماً فان لم يجد صام عن كل مد يوماً كقولنا في جزاء الصيد على إحدى الروايتين في أنه لا ينتقل إلى الإطعام مع وجود المثل ولا إلى الصيام مع القدرة على الإطعام قال شيخنا وظاهر كلام الخرقي أنه مخير في هذه الخمسة فبايها كفرأجزأه والخرقي إنما صرح بإجزاء سبع من الغنم مع وجود البدنة هكذا ذكر في كتابه ولعل ذلك نقله بعض الأصحاب عنه في غير كتابه المختصر ووجه قوله إنها كفارة تجب بفعل محظور فيخير فيها بين الدم والإطعام والصيام كفدية الاذى (مسألة) (ويجب بالوطئ في الفرج بدنة إن كان في الحج وشاة إن كان في العمرة) ذكرنا ذلك في باب محظورات الإحرام مفصلا فيم إذا كان الوطئ قبل التحلل الأول وبعده وذكرناه

الخلاف فيه بما يغني عن إعادته. (مسألة) (ويجب على المرأة مثل ذلك إن كانت مطاوعة وإن كانت مكرهة فلا فدية عليها) وقيل عليها كفارة يتحملها الزوج عنها إذا جامع امرأته في الحج وهي مطاوعة فحكمها حكمه على كل واحد منهما بدنة إن كان قبل التحلل الأول وممن أوجب عليها بدنة ابن عباس وسعيد بن المسيب ومالك والحكم وحماد ولأن ابن عباس رضي الله عنه قال: أهد ناقة، ولانها حدى المتجامعين من غير إكراه فأشبهت الرجل وعنه أنه قال أرجو أن يجزيهما هدي واحد يروي ذلك عن عطاء وهو مذهب الشافعي لأنه جماع واحد فلم يوجب أكثر من بدنة كحالة الإكراه، فأما المكرهة على الجماع فلا فدية عليها ولا على الواطئ أن يفدي عنها نص عليه أحمد لأنه جماع يوجب الكفارة فلم يوجب حال الإكراه أكثر من كفارة واحدة كما في الصيام، وهذا قول إسحاق وأبي ثور وابن المنذر، وعن أحمد رواية أخرى أن عليه أن يهدي عنها وهو قول عطاء ومالك لأن إفساد الحج وجد منه في حقهما فكان عليه لإفساد حجها هدي كإفساد حجه وعنه ما يدل على أن الهدي عليها وهو قول أصحاب الرأي لأن فساد الحج ثبت بالنسبة إليه فكان الهدي عليها كما لو طاوعته ويحتمل أنه أراد أن الهدي عليه يتحمله الزوج عنها فلا يكون رواية ثالثة. (فصل) قال الشيخ رحمه الله (الضرب الثالث الدماء الواجبة للفوات أو لترك واجب أو للمباشرة في غير الفرج فما أوجب منها بدنة فحكمهما حكم البدنة الواجبة بالوطئ بالفرج وما عداه فقال القاضي ما وجب لترك واجب ملحق بدم المتعة وما وجب لمباشرة ملحق بفدية الأذى) إذا فاته الحج وجب عليه دم في أصلح الروايتين وسنذكر ذلك إن شاء الله تعالى وكذلك إذا ترك شيئاً من واجبات الحج كالإحرام من الميقات والوقوف بعرفة إلى الليل والمبيت بمزدلفة وسائر الواجبات المتفق على وجوبها والهدي الواجب بغير النذر ينقسم قسمين منصوص عليه ومقيس على المنصوص عليه فالمنصوص عليه فدية الأذى وجزاء الصيد ودم الإحصار ودم المتعة والبدنة الواجبة بالوطئ في الفرج لقضاء الصحابة رضي الله عنهم بها وما سوى ذلك مقيس عليه فالبدنة الواجبة بالمباشرة فيما دون الفرج مقيسة على الواجبة بالوطئ بالفرج لأنه دم وجب بسبب المباشرة أشبه الواجب بالوطئ في الفرج وهكذا القران يقاس على هدي التمتع لأنه وجب للترفه بترك أحد السفرين أشبه دم المتعة

ويقاس عليه أيضاً دم الفوات فيجب عليه مثل دم المتعة وبدله مثل بدله وهو صيام عشرة أيام إلا أنه لا يمكن أن يكون منها ثلاثة قبل يوم النحر لأن الفوات إنما يكون بفوات ليلة النحر لأنه ترك بعض ما اقتضاه إحرامه فصار كالتارك لأحد السفرين، فإن قيل فهلا ألحقتموه بهدي الإحصار فإنه أشبه به إذ هو إحلال من إحرامه قبل إتمامه؟ قلنا أما الهدي فقد استويا فيه وأما البدل فإن الإحصار ليس بمنصوص على البدل فيه وإنما ثبت قياساً وقياسه على الأصل المنصوص عليه أولى من قياسه على فرعه على أن الصيام ههنا مثل الصيام عن دم الإحصار في العدد إلا أن صيام الإحصار يجب قبل الحل وهذا يجوز قبل الحل وبعده وأما الخرقي فإنه جعل الصوم عن دم الفوات كالصوم عن جزاء الصيد عن كل مديوما والمروي عن عمر وابنه رضي الله عنهما مثل ما ذكرنا ويقاس عليه أيضاً كل دم وجب لترك واجب كترك الإحرام من الميقات والوقوف بعرفة إلى غروب الشمس والمبيت بمزدلفة وطواف الوداع فالواجب فيه ما استيسر من الهدي فان لم يجد فصيام عشرة أيام لأن المتمتع ترك الإحرام من الميقات بالحج وكان يقتضي أن يكون واجباً فوجب عليه الهدي لذلك فقسنا عليه ترك الواجب ويقاس على فدية الأذى ما وجب بفعل محظور يترفه به كتقليم الأظفار واللبس والطيب وكل استمتاع من النساء يوجب شاة كالوطئ في العمرة وبعد التحلل الأول في الحج والمباشرة من غير إنزال فإنه في معنى فدية الأذى من الوجه الذي ذكرناه فيقاس عليه ويلحق به، وقد قال ابن عباس فيمن وقع على امرأته في العمرة قبل التقصير عليه فدية من صيام أو صدقة أو نسك، رواه الأثرم (مسألة) (ومتى أنزل بالمباشرة دون الفرج فعليه بدنة وإن لم ينزل فعليه شاة وعند بدنة) أما إذا أنزل بالمباشرة فإن عليه بدنة لأنه استمتاع أوجب الغسل فأوجب بدنة كالوطئ في الفرج وإن لم ينزل فعليه شاة في الصحيح كذلك ذكره الخرقي وبه قال سعيد بن المسيب وعطاء وابن سيرين والزهري وقتادة ومالك والثوري والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي لأنها ملامسة لا تفسد الحج عريت عن الإنزال فلم توجب بدنة كاللمس لغير شهوة وعنه يجب عليه بدنة. وقال الحسن فيمن ضرب بيده على فرج جاريته عليه بدنة، وعن سعيد بن جبير إذا قال منها ما دون الجماع ذبح بقرة لأنها مباشرة محظورة بالإحرام أشبهت ما اقترن به الإنزال ولنا أنها ملامسة من غير إنزال فأشبهت لمس غير الفرج ويجب به شاة لما روى الأثرم أن عمر ابن عبد الله قبل عائشة بنت طلحة محرماً فسأل فأجمع له على أن يهريق دماً والظاهر أنه لم يكن أنزل لأنه

لم يذكر. وسواء مذى أو لم يمذ قال سعيد بن جير إن قبل فمذى أو لم يمذ فعليه دم وسائر اللمس لشهوة كالقبلة فيما ذكرنا لأنه استمتاع يلتذ به كالقبلة. وقال أحمد رحمه الله فيمن قبض على فرج امرأته وهو محرم فإنه يهريق دماً وبه قال عطاء لأنه استمتاع محظور في الإحرام أشبه الوطئ فيما دون الفرج (مسألة) (وإن كرر النظر فانزل أو استمنى فعليه دم هل هو شاة أو بدنة؟ على روايتين وإن مذى بذلك فعليه شاة) إذا كرر النظر فأنزل ففيه روايتان (إحداهما) عليه بدنة روى ذلك عن ابن عباس (والثانية) عليه شاة وهو قول سعيد بن جبير وروي أيضاً عن ابن عباس وقال أبو ثور لا شئ عليه وحكي عن أبي حنيفة والشافعي لأنه ليس بمباشرة أشبه الفكر ولنا أنه إنزال بفعل محظور فأوجب الفدية كاللمس وقد روى الأثرم عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال له رجل فعل الله بهذه وفعل أنها تطيبت لي فكلمتني وحدثتني حتى سبقتني الشهوة فقال ابن عباس تم حجك واهرق دماً. والاستمناء في معنى تكرار النظر فيقاس عليه فإن كرر النظر فمذى فعليه شاة وكذلك ذكره أبو الخطاب لأنه جزء من المني لكونه خارجاً بسبب الشهوة ولأنه حصل به التذاذ فهو كاللمس فإن لم يقترن به مني ولا مذي فلا شئ عليه كرر النظر أو لم يكرره. وقد روي عن أحمد فيمن جرد امرأته ولم يكن منه غير التجريد إن عليه شاة وهو محمول على أنه لمس فإن التجريد لا يخلو عن اللمس ظاهراً أو على أنه أمنى أو أمذى أما مجرد النظر فلا شئ ففيه فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم ينظر إلى نسائه وهو محرم وكذلك أصحابه (فصل) فإن نظر ولم يكرر النظر فأمنى فعليه شاة لأنه فعل يحصل به اللذة أوجب الإنزال أشبه اللمس وإلا فلا شئ عليه لأنه لا يمكن التحرز عنه أشبه الفكر والاحتلام (مسألة) (فإن فكر فانزل فلا شئ عليه وحكى ابو حفص البرمكي وابن عقيل أن حكمه حكم تكرار النظر إذا اقترن به الإنزال في إفساد الصوم) فيحتمل أن يجب به ههنا دم قياساً عليه ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم " متفق عليه ولأنه لانص فيه ولا إجماع ولا يصح قياسه على تكرار النظر لأنه دونه في استدعاء الشهوة وافضائه إلى الإنزال ويخالفه في التحريم إذا تعلق بأجنبية أو الكراهة إن كان في زوجته فيبقى على الأصل

(فصل) والعمد والنسيان في الوطئ سواء نص عليه أحمد وقد ذكرناه فأما القبلة واللمس وتكرار النظر فلم يذكر شيخنا حكم النسيان فيه في الحج لكن ذكره في مفسدات الصوم وفرق بين العمد والسهو فينبغي أن يكون ههنا مثله وكذلك ذكره الخرقي والفرق بينهما أن الوطئ لا يكاد يتطرق النسيان إليه بخلاف ما دونه ولأن الجماع يفسد الصوم بمجردة دون غيره والجاهل في التحريم والمكره في حكم الناسي لأنه معذور (فصل) قال رضي الله عنه (ومن كرر محظوراً من جنس مثل أن حلق ثم حلق أو وطئ ثم وطئ قبل التكفير عن الأول فكفارة واحدة وإن كفر عن الأول فعليه للثاني كفارة) إذا حلق ثم حلق فالواجب فدية واحدة ما لم يكفر عن الأول قبل فعل الثاني فإن كفر عن الأول ثم حلق ثانياً فعليه بالثاني كفارة أيضاً وكذلك الحكم فيما إذا وطئ ثم وطئ أو لبس ثم لبس أو تطيب ثم تطيب وكذلك سائر محظورات الإحرام إذا كررها ما خلا قتل الصيد وسواء فعله متتابعاً أو متفرقاً فإن فعلها مجتمعة كفعلها متفرقة في وجوب الفدية ما لم يكفر عن الأول قبل فعل الثاني وعنه أن لكل وطئ كفارة وإن لم يكفر عن الأول لأنه سبب للكفارة فأوجبها كالأول وعنه أنه إن كرره لأسباب مثل أن لبس للبرد ثم لبس للحر ثم لبس للمرض فكفارات وإن كان لسبب واحد فكفارة واحدة وروى عنه الأثرم فيمن لبس قميصاً وجبة وعمامة وغير ذلك لعلة واحدة فكفارة فإن اعتل فلبس جبة ثم برأ ثم اعتل فلبس جبة فقال لا هذا عليه كفارتان وقال ابن أبي موسى في الإرشاد إذا لبس وغطى رأسه متفرقاً وجب عليه دمان وإن كان في وقت واحد فعلى روايتين وعن الشافعي كقولنا وعنه لا يتداخل وقال مالك تتداخل كفارة الوطئ دون غيره وقال أبو حنيفة إن كرره في مجلس واحد فكفارة واحدة وإن كان في مجالس فكفارات وقال في تكرار الوطئ عليه للثاني شاة إلا أن يفعله في مجلس واحد على وجه الرفض للإحرام ولنا إنما يتداخل إذا كان متتابعاً يتداخل وإن تفرق كالحدود وكفارات الإيمان ولأن الله تعالى أوجب في حلق الرأس فدية واحدة ولم يفرق بين ما وقع في دفعة أو في دفعات والقول بأنه لا يتداخل لا يصح فإنه إذا حلق لا يمكن إلا شيئاً بعد شئ ولنا على أنه لا يتداخل إذا كفر عن الأول أنه سبب للكفارة فإذا كفر عن الأول وجب عليه للثاني كفارة كالإيمان أو نقول سبب يوجب عقوبة فيكرر بتكرره بعد التطهير كالحدود (مسألة) (وان قتل صيداً بعد صيد فعليه جزاؤهما وعنه عليه جزاء واحد) إذا قتل صيدين فعليه جزاؤهما سواء قتلهما دفعة واحدة أو واحدة بعد واحدة، وعن أحمد أنه

فإن لم يصم قبل يوم النحر صام أيام منى وعنه لا يصومها ويصوم بعد ذلك عشرة أيام وعليه دم

يتداخل إذا كان متفرقاً فيجب عليه جزاء واحد كالمحظورات غير قتل الصيد والصحيح الأول لأن الله تعالى قال (فجزاء مثل ما قتل من النعم) ومثل الصيدين لا يكون مثل أحدهما ولأنه لو قتل صيدين دفعة واحدة وجب جزاؤهما فإذا تفرقا كان الوجوب أولى لأن حالة التفريق لا تنقص عن حالة الاجتماع كسائر المحظورات (مسألة) (وإن فعل محظوراً من أجناس فعليه لكل واحد فداء وعنه عليه فدية واحدة) إذا فعل محظوراً من أجناس كحلق ولبس وتطيب ووطئ فعليه لكل واحد فدية سواء فعله مجتمعاً أو متفرقاً، وهذا مذهب الشافعي. وعن أحمد أن في الطيب واللبس والحلق فدية واحدة إذا كانا في وقت واحد وان فعل ذلك واحداً بعد واحد فعليه لكل واحد دم وهو قول إسحاق وقال عطاء وعمر بن دينار إذا حلق ثم احتاج إلى الطيب أو إلى قلنسوة أو إليهما ففعل ذلك فليس عليه إلا فدية واحدة وقال الحسن إن لبس القميص وتعمم وتطيب فعل ذلك جميعاً فليس عليه إلا فدية واحدة ولنا أنها محظورات مختلفة الأجناس فلم يتداخل جزاؤهما كالحدود المختلفة والإيمان المختلفة وعكسه إذا كانت من جنس واحد (مسألة) (وإن حلق أو قلم أو وطئ أو قتل صيداً عامداً أو مخطئاً فعليه الكفارة وعنه في الصيد لا كفارة عليه إلا في العمد ويتخرج في الحلق مثله) أما الوطئ فقد ذكرناه وجملته أنه لا فرق بين العمد والخطأ في الحلق والتقليم ومن له عذر ومن لا عذر له في ظاهر المذهب وهو قول الشافعي ونحوه عن الثوري وفيه وجه آخر لافدية على الناسي وهو قول أبي إسحاق وابن المنذر لقوله عليه السلام " عفي لا متي عن الخطأ والنسيان " ولنا أنه إتلاف فاستوى عمده وسهوه كإتلاف مال الآدمي ولأن الله تعالى أوجب الفدية على من حلق رأسه لأذى به وهو معذور فكان تنبيهاً على وجوبها على غير المعذور ودليلاً على وجوبها على المعذور بنوع آخر كالمحتجم يحلق موضع محاجمه أو شعر شجته وفي معنى الناسي النائم الذي يقلع شعره أو يصوب رأسه إلى تنور فيحرق اللهب شعره ونحو ذلك (فصل) وقتل الصيد يستوي عمده وسهوه أيضاً هذا ظاهر المذهب، وبه قال الحسن وعطاء والنخعي ومالك والثوري والشافعي وأصحاب الرأي قال الزهري على المتعمد بالكتاب وعلى المخطئ بالسنة وعنه لا كفارة على المخطئ وهو قول ابن عباس وسعيد بن جبير وطاوس وابن المنذر وداود لأن الله تعالى قال (ومن قتله منكم متعمداً) فيدل بمفهومه على أنه لاجزاء على الخاطئ ولأن الأصل

إن أخر الصوم أو الهدي لعذر لم يلزمه إلا قضاؤه وإن أخر الهدي لغير عذر فهل يلزمه دم آخر

براءة ذمته فلا تشغلها إلا بدليل ولأنه محظور بالإحرام لا يفسد به ففرق بين عمده وخطأه كاللبس ووجه الأول قول جابر رضي الله عنه جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في الضبع يصيد المحرم كبشا وقال عليه السلام في بيض النعام يصيبه المحرم ثمنه ولم يفرق بين العمد والخطأ رواهما ابن ماجة ولأنه ضمان إتلاف فاستوى عمده وخطاؤه كمال الآدمي (مسألة) (وإن لبس أو تطيب أو غطى رأسه ناسياً فلا كفارة فيه وعنه عليه الكفارة) أما إذا لبس أو تطيب أو غطى رأسه عامداً فإن عليه الفدية بغير خلاف علمناه لأنه ترفه محظور في إحرامه عامداً فأشبه حلق الشعر ويستوي في ذلك قليل الطيب وكثيره وقليل اللبس وكثيره، وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة لا يجب الدم الا بتطبيب عضو كامل وفي اللباس بلباس يوم وليلة ولا شئ فيما دون ذلك لأنه لم يلبس لبساً معتاداً أشبه مالو ائتزر بالقميص ولنا أنه معنى حصل به الاستمتاع بالمحظور فاعتبر بمجرد الفعل كالوطئ أو محظوراً فلا يتقدر فديته بالزمن كسائر المحظورات وما ذكروه ممنوع فإن الناس يختلفون في اللبس في العادة وما ذكروه تقدير والتقديرات بابها التوقيف وتقديرهم بعضو ويوم وليلة تحكم محض وأما إذا ائتزر بقميص فليس ذلك بلبس مخيط ولذلك لا يحرم عليه وإن طال والمختلف فيه محرم لبسه (فصل) ويلزمه غسل الطيب وخلع اللباس لأنه فعل محظور فلزمته إزالته وقطع استدامته كسائر المحظورات والمستحب أن يستعين في غسل الطيب بحلال لئلا يباشر المحرم الطيب بنفسه وإن وليه بنفسه فلا بأس لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للذي عليه طيب " اغسل عنك الطيب " ولأنه تارك له فإن لم يجد ما يغسله به مسحه بخرقة أو حكه بتراب أو غيره لأن الذي عليه أن يزيله حسب الإمكان وقد فعله (فصل) فإن كان معه ماء وهو محتاج إلى الوضوء والماء لا يكفيهما غسل به الطيب وتيمم للحدث لأنه لا رخصة في إبقاء الطيب وترك الوضوء إلى التيمم رخصة فإن قدر على قطع رائحة الطيب بغير الماء فعل وتوضأ لأن المقصود من إزالة الطيب قطع رائحة فلا يتعين الماء والوضوء بخلافه فإن لبس قميصاً وسراويل وعمامة وخفين كفاه فدية واحدة لأن الجميع لبس فأشبه الطيب في رأسه وبدنه وفيه خلاف ذكرناه فيما مضى (فصل) فأما إن فعل ذلك ناسياً فلا فدية عليه هذا ظاهر المذهب والجاهل في معنى الناسي وهذا قول عطاء والثوري وإسحاق وابن المنذر قال أحمد قال سفيان ثلاثة في الحج العمد والنسيان سواء إذا أتى أهله وإذا أصاب صيدا وإذا حلق رأسه قال أحمد: إذا جامع أهله بطل حجه لانه شئ

ومتى وجب عليه الصوم فشرع فيه ثم قدر على الهدي لم يلزمه الانتقال إليه إلا أن يشاء

لا يقدر على رده والصيد إذا قتله فقد ذهب لا يقدر على رده والشعر إذا حلقه فقد ذهب فهذه الثلاثة العمد والخطأ والنسيان فيه سواء وكل شئ من النسيان بعد الثلاثة فهو يقدر على رده مثل إذا غطى المحرم رأسه ثم ذكر ألقاه عن رأسه وليس عليه شئ أو لبس خفاً نزعه وليس عليه شئ وعنه رواية أخرى أن عليه الفدية في كل حال وهو مذهب مالك والليث وأبي حنيفة لأنه هتك حرمة الإحرام فاستوى عمده وسهوه كالحلق والتقليم ولنا عموم وقوله عليه السلام " عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " وروى يعلى ابن أمية أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة وعليه جبة وعليه أثر خلوق أو أثر صفرة فقال يارسول الله كيف تأمرني أن أصنع في عمرتي قال " اخلع عنك هذه الجبة واغسل عنك أثر الخلوق - أو قال - أثر الصفرة واصنع في عمرتك كما تصنع في حجك " متفق عليه وفي لفظ قال يارسول الله أحرمت بالعمرة وعلي هذه الجبة فلم يأمره بالفدية مع مسألته عما يصنع وتأخير البيان عن وقت الحاجة غير جائز دل على أنه عذره لجهله (1) والناسي في معناه. ولأن الحج عبادة يجب بإفسادها الكفارة فكان في محظوراته ما يفرق فيه بين عمده وسهوه كالصوم. وأما الحلق وقتل الصيد فه إتلاف ولا يمكن تلافيه، إذا ثبت ذلك فإنه متى ذكر فعليه خلع اللباس وغسل الطيب في الحال فإن أخر ذلك عن زمن الإمكان فعليه الفدية لأنه تطيب وليس من غير عذر فأشبه المبتدئ. وإن مس طيباً يظنه يابساً فبان رطباً ففيه وجهان (أحدهما) عليه الفدية لأنه قصد مس الطيب (والثاني) لا فدية عليه لأنه جهل تحريمه فأشبه من جهل تحريم الطيب. وإن طيب بإذنه فعليه الفدية لأنه منسوب إليه، فإن قيل: فلم لا يجوز له استدامة الطيب ههنا كالذي تطيب قبل إحرامه؟ قلنا ذلك فعل مندوب اليه فكان له استدامته وههنا هو محرم وإنما سقط حكمه بالنسيان والجهل فإذا زالا ظهر حكمه وإن تعذر عليه إزالته لا كراه أو علة ولم يجد من يزيله فلا فديه عليه وجرى مجرى المكره على ابتداء الطيب وحكم الجاهل إذا علم حكم الناسي إذا ذكر وحكم المكره حكم الناسي لأنه مقرون به في الحديث الدال على العفو. ويستحب له أن يلبي إذا فعل ذلك استذكاراً للحج واستشعاراً بإقامته عليه ورجوعه إليه، ويروى هذا القول عن إبراهيم النخعي وقد ذكره الخرقي (مسألة) (ومن رفض إحرامه ثم فعل محظوراً فعليه فداؤه) وجملة ذلك أن التحلل من الحج لا يحصل إلا بأحد ثلاثة أشياء كمال أفعاله أو التحلل عند الحصر أو بالعذر إذا شرط وما عدا هذا فليس له أن يتحلل به ولو نوى التحلل لم يحل ولا يفسد الإحرام برفضه لأنها عبادة لا يخرج منها بالفساد فلم يخرج برفضها بخلاف سائر العبادات، ويكون الإحرام

النوع الثاني المحصر يلزمه الهدي فإن لم يجد صام عشرة أيام ثم حل

باقياً في حقه يلزمه أحكامه ويلزمه جزاء كل جناية جناها، وإن وطئ أفسد حجه وعليه لذلك بدنة مع ما وجب عليه من الدماء سواء كان الوطئ قبل الجنايات أو بعدها فإن الجناية على الإحرام الفاسد كالجناية على الإحرام الصحيح وليس عليه لرفض الاحرام شئ لأنه مجرد نية لم تؤئر شيئاً (مسألة) (ومن تطيب قبل إحرامه في بدنة فله استدامة ذلك في إحرامه وليس له لبس ثوب مطيب) يستحب لمن أراد الإحرام أن يتطيب في بدنة خاصة وقد ذكرناه في باب الإحرام وله استدامة الطيب في إحرامه قالت عائشة رضي الله عنها كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم وقالت كأني أنظر إلى وبيص الطيب في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم. متفق عليه وفي لفظ للنسائي: كأني أنظر إلى وبيص طيب المسك في مفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم. قالت عائشة رضي الله عنها كنا نخرج مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة فنضمد جباهنا بالمسك المطيب عند الإحرام فإذا عرقت إحدانا سال على وجهها فيراها النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينهاها. رواه أبو داود (فصل) وليس له لبس مطيب بعد إحرامه بغير خلاف لقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تلبسوا من الثياب شيئاً مسه الزعفران ولا الورس " متفق عليه فإن لبس ثوباً مطيباً ثم أحرم فله استدامة لبسه ما لم ينزعه فإن نزعه لم يكن له أن يلبسه فإن فعل فعليه الفدية لأن الإحرام يمنع ابتداء الطيب ولبس المطيب دون استدامته وقد ذكرناه والله تعالى أعلم (مسألة) (وإن أحرم وعليه قميص خلعه ولم يشقه فإن استدام لبسه فعليه الفدية) إذا أحرم وعليه قميص أو سراويل أو جبة خلعه ولم يشقه ولا فدية عليه، وبه قال أكثر أهل العلم وقال بعضهم أنه يشق ثيابه لئلا يتغطى رأسه حين ينزع القميص منه ولنا ما ذكرناه من حديث يعلى بن أمية أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة فقال يارسول الله أحرمت بالعمرة وعلي هذه الجبة فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بخلعها ولو وجب شقها أو وجبت عليه فدية لأمره بها لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة فإن استدام لبسه فعليه الفدية لأن خلعه واجب لأمر النبي صلى الله عليه وسلم به ولأنه محظور من محظورات الإحرام فوجب عليه دم لفعله كما لو حلق رأسه (مسألة) (وإن لبس ثوبا مطيبا فانقطع ريح الطيب منه وكان بحيث إذا رش فيه الماء فاح ريحه فعليه الفدية) لأنه مطيب بدليل أن رائحته تظهر عند رش الماء والماء لا رائحة له وإنما هو من الطيب الذي فيه فلزمته الفدية كما لو ظهرت بنفسها (فصل) قال رحمه الله (وكل هدي أو إطعام فهو لمساكين الحرم إذا قدر على إيصاله إليهم إلا

ويجب على المرأة مثل ذلك إن كانت مطاوعة وإن كانت مكرهة فلا فدية عليها

فدية الأذى واللبس ونحوها إذا وجد سببها في الحل فيفرقها حيث وجد سببها ودم الإحصار يخرجه حيث أحصر) الهدايا والضحايا مختصه بمساكين الحرم لقوله تعالى (ثم محلها إلى البيت العتيق) وكذلك جزاء المحظورات إذا فعلها في الحرم نص عليه أحمد رحمه الله فقال أما إذا كان بمكة أو كان من الصيد فكله بمكة لأن الله تعالى قال (هدايا بالغ الكعبة) وذكر القاضي في قتل الصيد رواية أخرى أنه يفدي حيث قتله كحلق الرأس وهذا يخالف نص الكتاب ومنصوص أحمد فلا يعول عليه وما وجب لترك نسك أو فوات فهو لمساكين الحرم دون غيرهم لأنه هدي وجب لترك نسك أشبه دم القران وقال ابن عقيل فيمن فعل المحظور لغير سبب يبيحه أنه يختص ذبحه وتفرقه لحمه بفقراء الحرم كسائر الهدي (فصل) وما وجب نحره بالحرم جب تفرقه لحمه به، وبهذا قال الشافعي وقال مالك وأبو حنيفة إذا ذبحها في الحرم جاز تفرقه لحمها في الحل ولنا أنه أحد مقصودي النسك فاختص بالحرم كالذبح ولأن المقصود من ذبحه بالحرم التوسعة على مساكينه ولا يحصل بإعطائه غيرهم والطعام كالهدي في اختصاصه بفقراء الحرم فيما يختص الهدي به، وقال عطاء والنخعي الهدي بمكة وما كان من طعام أو صيام فحيث شاء ويقتضيه مذهب مالك وأبي حنيفة ولنا قول ابن عباس رضي الله عنهما الهدي والإطعام بمكة والصوم حيث شاء ولأنه نسك يتعدى نفعه إلى المساكين فاختص بالحرم كالهدي (فصل) ومساكين الحرم من كان فيه من أهله ومن رود إليه من الحاج وغيرهم وهم الذين تدفع إليهم الزكاة لخاصتهم فإن دفع إلى فقير في ظنه فبان غنيا خرج فيه وجهان كالزكاة وللشافعي فيه قولان وما جاز تفرقته بغير الحرم لم يجز دفعه إلى فقراء أهل الذمة، وبه قال الشافعي وأبو ثور وجوزه أصحاب الرأي ولنا أنه كافر فلم يجز الدفع إليه كالحربي (فصل) فإن عجز عن إيصاله إلى فقراء الحرم جاز ذبحه وتفريقه في غيره لقوله سبحانه (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) فإن منع الناذر الوصول بنفسه وأمكنه تنفيذه لزمه وقال ابن عقيل يخرج في الهدي المنذور إذا عجز عن إيصاله روايتان كدماء الحج والصحيح الجواز (فصل) فأما فدية الأذى إذا وجد سببها في الحل فيجوز في الموضع الذي حلق فيه نص عليه أحمد، وقال الشافعي: لا يجوز إلا في الحرم لقوله تعالى (هديا بالغ الكعبة) ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر كعب بن عجرة بالفدية بالحديبية وهي من الحل ولم يأمره ببعثه إلى الحرم، وروي الاثرم والجوزجاني في كتابيهما عن أبي أسماء مولى عبد الله بن جعفر رضي الله

ومتى أنزل بالمباشرة دون الفرج فعليه بدنة وإن لم ينزل فعليه شاة وعنه بدنة

عنهما قال: كنت مع عثمان وعلي وحسين بن علي رضي الله عنهم حجابا فاشتكى حسين بن علي بالسقيا فأومأ بيده إلى رأسه فحلقه علي ونحر عنه جزورا بالسقيا وهذا لفظ رواية الأثرم ولم يعرف لهم مخالف والآية وردت في الهدي وحكم اللبس والطيب حكم الحلق إذا وجد في الحل ذكره القاضي قياساً عليه وقال فيه وفي الحلق روايتان (إحداهما) يفدي حيث وجد سببه والثانية محل الجميع الحرم حكاهما ابن أبي موسى في الإرشاد (فصل) فأما دم الإحصار فيخرجه حيث أحصر من حل أو حرم نص عيه أحمد وهو قول مالك والشافعي فإن كان قادراً على أطراف الحرم ففيه وجهان (أحدهما) يلزمه نحره فيه لأن الحرم كله منحر وقد قدر عليه (والثاني) ينحره في موضعه لأن النبي صلى الله عليه وسلم نحر هديه في موضعه وعن أحمد رحمه الله ليس للمحصر نحر هديه إلا في الحرم فيبعثه إلى الحرم ويواطئ رجلاً على نحره في وقت يتحلل وهذا يروي عن ابن مسعود رضي الله عنه فيمن لدغ في الطريق وروى ذلك كعن الحسن والشعبي وعطاء لأنه أمكنه النحر في الحرم أشبه مالو حصر فيه قال شيخنا وهذا والله أعلم فيمن كان حصره خاصاً أما الحصر العام فلا ينبغي أن يقوله أحد لأن ذلك يفضي إلى تعذر الحل لتعذر وصول الهدزي إلى محله ولأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ونحروا هداياهم بالحديبية وهي من الحل قال البخاري ومال أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حلقوا وحلوا من كل شئ قبل الطواف وقبل أن يصل الهدي إلى البيت ولم يذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أحداً أن يقضي شيئاً ولا أن يعود له ويروى أن النبي صلى الله عليه وسلم نحر هديه عند الشجرة التي كانت تحتها بيعة الرضوان وهي من الحل باتفاق أهل السير والنقل وقد دل عليه قوله سبحانه (والهدي معكوفا أن يبلغ محله) ولأنه موضع حله فكان موضع نحره كالحرم فإن قيل فقد قال الله تعالى (ولا تحلقوا رؤسكم حتى يبلغ الهدي محله) وقال (ثم محلها إلى البيت العتيق) ولأنه ذبح يتعلق بالإحرام فلم يجز في غير الحرم كجزاء الصيد قلنا الآية في حق غير المحصر ولا يمكن قياس المحصر عليه لأن تحلل المحصر في الحل وتحلل غيره في الحرم وكل منهما ينحر في موضع تحلله وقد قيل في قوله تعالى (حتى يبلغ الهدي محله) أي حتى يذبح وذبحه في حق المحصر في موضع حله اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم (مسألة) (وأما الصيام فيجزئه بكل مكان) لا نعلم فيه خلافاً كذلك قال ابن عباس وعطاء والنخعي وغيرهم وذلك لأن الصيام لا يتعدى نفعه إلى أحد فلا معنى لتخصيصه بمكان بخلاف الهدي والإطعام فإن نفعه يتعدى إلى المعطى والله تعالى أعلم (مسألة) (وكل دم ذكرنا يجزئ فيه شاة أو سبع بدنة ومن وجبت عليه بدنة أجزأته بقرة)

وإن كرر النظر فأنزل أو استمنى فعليه دم هل هو شاة أو بدنة؟ على روايتين وإن مذى بذلك فعليه شاة

كل من وجب عليه دم أجزأه ذبح شاة أو سبع بدنة أو بقرة لقوله سبحانه في المتمتع (فما استيسر من الهدي) قال ابن عباس رضي الله عنهما شاة أو شرك في دم (1) وقال تعالى في فدية الأذى (ففدية من صيام أو صدقة أو نسك) وفسره النبي صلى الله عليه وسلم في حديث كعب بن عجرة بذبح شاة وما سوى هذين مقيس عليهما فإن اختار ذبح بدنة فهو أفضل لأنها أوفر لحماً وأنفع للفقراء وهل تكون كلها واجبة؟ فيه وجهان (أحدهما) تكون واجبة اختاره ابن عقيل لأنه اختار الا على لأداء فرضه فكان كله واجباً كما لو اختار إلا على من خصال الكفارة (والثاني) يكون سبعها واجباً والباقي تطوع له أكله وهديته لأن الزائد على السبع يجوز تركه من غير شرط ولا بدل أشبه مالو ذبح سبع شياه (فصل) ولا يجزئه إلا الجذع من الضأن والثني من غيره والجذع ماله ستة أشهر والثني من المعز ماله سنة ومن البقر ماله سنتان ومن الإبل ماله خمس سنين وبه قال مالك والليث والشافعي واسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي. وقال ابن عمر والزهري لا يجزئ إلا الثني من كل شئ. وقال عطاء والاوزاعي يجزي، الجذع من الكل إلا المعز ولنا على الزهري ماروي عن أم هلال بنت هلال عن أبيها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " يجوز الجذع من الضأن أضحية " وعن عاصم بن كليب عن أبيه قال كنا مع رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له مجاشع بن سليم فعزب الغنم فأمر منادياً فنادى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول " إن الجذع يوفي مما توفي منه الثنية " رواهما ابن ماجة وعن جابر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعاً من الضأن " رواه مسلم وهذا حجة على عطاء والاوزاعي، وحديث أبي بردة بن نيار قال يارسول الله إن عندي عناقاً جذعا هي خبر من شاتي لحم قال " تجزئك ولا تجزئ أحداً بعدك " رواه أبو داود والنسائي. ولا يجزئ فيها المعيب الذي يمنع من الاجزاء في الهدي والأضاحي قياسها عليها (فصل) ومن وجبت عليه بدنة أجزأته بقرة) إذا كان في غير النذر وجزاء الصيد لما روى أبو الزبير عن جابر قال كنا ننحر البدنة عن سبعة فقيل له والبقرة؟ قال وهل هي إلا من البدن؟ رواه مسلم فأما في النذر فقال ابن عقيل يلزمه ما نواه فإن أطلق ففيه روايتان (إحداهما) هو مخير لما ذكرنا من الخبر (والأخرى) لا تجزئه إلا مع عدم البدنة وهو قول الشافعي لأنها بدل فاشترط عدم المبدل لها قال شيخنا والأولى أولى للخبر ولأن ما أجزأ عن سبعة في الهدايا ودم المتعة أجزأ في النذر بلفظ البدنة كالجزور، وإن كان في جزاء الصيد أجزأت أيضاً لحديث جابر اختاره شيخنا. ويحتمل أن لا تجزئ لأن البقرة لا تشبه النعامة. ومن وجبت علية بدنة أجزأه سبع من الغنم ذكره الخرقي سواء

فإن فكر فأنزل فلا شيء عليه وحكى أبو حفص البرمكي وابن عقيل أن حكمه حكم تكرار النظر إذا اقترن به الإنزال في إفساد الصوم

كانت من جزاء الصيد أو منذورة أو فدية الوطئ. وقال ابن عقيل إنها تجزئ عنها عند عدمها في ظاهر كلام أحمد رحمه الله لأنه بدل فلا يصار إليه مع وجودها كسائر الإبدال، فأما عند عدمها فيجوز لما روى ابن عباس رضي الله عنه قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال إن علي بدنة وأنا موسر لها ولا أجدها فأشتريها فأمره النبي صلى الله عليه وسلم إن يبتاع سبع شياه فيذبحهن رواه ابن ماجه. وعنه لا يجزئه أقل من عشر شياه لانهم كانا يعدلونها في الغنيمة بعشر كذلك. هذا والأول أولى للخبر ولنا أن الشاة معدولة بسبع بدنة وهي أطيب لحماً فإذا عدل إلى الأعلى أجزأه كما لو ذبح عن الشاة بدنة (فصل) ومن وجبت عليه سبع من الغنم أجزأته بدنة أو بقرة إن كان في كفارة محظور لأن الواجب فيه ما استيسر من الهدي وهو شاة أو سبع بدنة وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتمتعون فيذبحون البقرة عن سبعة. قال جابر أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نشترك في الإبل والبقر كل سبع منا في بدنة. رواه مسلم. فأما ان وجب عليه سبع من الغنم في جزاء الصيد فقال شيخنا لاتجزئه البدنة في الظاهر لأن الغنم أطيب لحماً فلا يعدل عن الأعلى إلى الأدنى (فصل) ومن وجبت عليه بقرة أجزأته بدنة لأنها أكثر لحماً وأوفر. ويجزئه سبع من الغنم إذا قلنا يجزئ عن البدنة بطريق الأولى وإن كانت البقرة منذورة احتمل على ما حكاه ابن عقيل أن لا تجزئه سبع من الغنم مع وجودها كما لو كان المنذور بدنة والله تعالى أعلم * باب جزاء الصيد * (وهو ضربان (أحدهما) له مثل من النعم فيجب مثله وهو نوعان (أحدهما) قضت فيه الصحابة ففيه ما قضت) . يجب على المحرم الجزاء يقتل صيد البر بمثله من النعم إن كان له مثل هذا قول أكثر أهل العلم منهم الشافعي. وقال أبو حنيفة الواجب القيمة ويجوز صرفها إلى المثل لأن الصيد ليس بمثلي ولنا قوله تعالى (فجزاء مثل ما قتل من النعم) وجعل النبي صلى الله عليه وسلم في الضبع كبشاً وأجمع الصحابة رضي الله عنهم على إيجاب المثل فقال عمر وعلي وعثمان وزيد وابن عباس ومعاوية في النعامة بدنة، وحكم عمر وعلي في الظبي بشاة وحكم عمر في حمار الوحش ببقرة حكموا بذلك في الأزمنة المختلفة والبلدان المتفرقة فدل على أن ذلك ليس على وجه القيمة لأنه لو كان على وجه القيمة لاعتبروا صفة المتلف التي تختلف القيمة فيه إما برؤية أو اخبار ولم ينقل عنهم السؤال عن ذلك حال الحكم ولانهم حكموا في الحمام بشاة والحمامة لا تبلغ قيمة الشاة غالباً. إذا ثبت هذا فليس المراد حقيقة المماثلة فإنها لا تتحقق بين الأنعام والصيد لكن أريد المماثلة من حيث الصورة، والمثلي من الصيد قسمان (أحدهما) قضت فيه

وإن قتل صيدا بعد صيد فعليه جزاؤهما وعنه عليه جزاء واحد

الصحابة فيجب فيه ما قضت وبه قال عطاء والشافعي وإسحاق. وقال مالك يستأنف الحكم فيه لأن الله تعالى قال (يحكم به ذواعدل منكم) ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " أصحابي كالنجوم فبأيهم اقتديتم اهتديتم " (1) وقال " اقتداو بالذين من بعدي أبي بكر وعمر (2) ولأنهم أقرب الى الصواب وأبصر بالعلم فكان حكمهم حجة على غيرهم كالعالم مع العامي فالذي؟؟ فيه النعامة حكم فيها عمر وعلي وعثمان وزيد وابن عباس ومعاوية رضي الله عنهم ببدنة. وبه قال عطاء ومالك والشافعي وأكثر العلماء، وحكي عن النخعي إن فيها قيمتها وبه قال أبو حنيفة وخالفه في ذلك صاحباه واتباع النص والآثار أولى، ولأن النعامة تشبه البعير في خلقه فكان مثلاً لها فيدخل في عموم النص وفي حمار الوحش بقرة روى ذلك عن عمر وبه قال عروة ومجاهد والشافعي وعن أحمد فيه بدنة روى ذلك عن أبي عبيدة وابن عباس وبه قال عطاء والنخعي وفي بقرة الوحش بقرة روى ذلك عن ابن مسعود وعطاء وعروة وقتادة والشافعي، والإيل فيه بقرة قاله ابن عباس، قال أصحابنا في الثيتل والوعل بقرة كالايل، والاروي فيه بقرة قاله ابن عمر وقال القاضي فيها عضب وهو من أولاد البقر ما بلغ أن يعتص على قرن ولم يبلغ أن يكون ثوراً، وفي الضبع كبش لما روى أبو داود عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل في الضبع يصيدها المحرم كبشاً، قال أحمد حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الضبع بكبش وقضى به عمر وابن عباس وبه قال عطاء والشافعي وأبو ثور وابن المنذر، وقال الأوزاعي كان العلماء بالشام يعدونها من السباع ويكرهون أكلها وهو القياس إلا أن اتباع السنة والآثار أولى، وفي الغزال شاة ثبت ذلك عن عمر وروي عن علي وبه قال عطاء وعروة والشافعي وابن المنذر ولا يحفظ عن غيرهم خلافهم وقد روى جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " في الظبي شاة وفي الأرنب عناق وفي اليربوع جفرة " قال ابن الزبير والجفرة التي قد فطست ورعت، رواه الدارقطني، وفي الثعلب شاة أيضاً لأنه يشبه الغزال وممن قال فيه الجزاء قتادة وطاوس ومالك والشافعي وعن أحمد لا شئ فيه لأنه سبع، وأما الوبر فقال القاضي فيه جفرة لأنه ليس بأكبر منها وهو قول الشافعي وقيل فيه شاة روى ذلك عن مجاهد وعطاء، وفي الضب جدي قضى به عمر وزيد وبه قال الشافعي وعن أحمد فيه شاة لأن جابر بن عبد الله وعطاء قالا فيه ذلك، وقال مجاهد حفنة من طعام والأولى أولى لأن قضاء عمر أولى من قضاء غيره والجدي أقرب إليه من الشاة، وفي اليربوع جفرة لما ذكرنا من حديث جابر وروي ذلك عن عمر وابن مسعود وبه قال عطاء والشافعي وأبو ثور وقال النخعي ثمنه وقال مالك قيمته من الطعام وقال عمرو بن دينار ما سمعنا أن الضب واليربوع يوديان

وإن حلق أو قلم أو وطئ أو قتل صيدا عامدا أو مخطئا فعليه الكفارة وعنه في الصيد لا كفارة عليه إلا في العمد ويتخرج في الحلق مثله

واتباع الآثار أولى والجفرة يكون لها أربعة أشهر من المعز وقال أبو الزبير هي التي فطمت ورعت وقيل هي الطفلة التي يروح بها الراعي على يديه، وفي الأرنب عناق لما ذكرنا من حديث جابر وقضى به عمر أيضاً وبه قال الشافعي وقال ابن عباس فيه حمل وقال عطاء فيه شاة وقضاء عمر أولى والعناق الأنثى من أولاد المعز أصغر من الجفرة، والذكر جدي وفي الحمام وهو كل ماعب وهدر شاة حكم به عمر وعثمان وابن عمر وابن عباس ونافع بن الحارث في حمام الحرم وبه قال سعيد بن المسيب وعطاء وعروة وقتادة والشافعي واسحاق وقال أبو حنيفة ومالك فيه قيمته إلا أن مالكا وافق في حمام الحرم دون الإحرام لأن القياس يقتضي القيمة في كل الطير تركناه في حمام الحرم بحكم الصحابة ففيما عداه يبقى على الأصل قلنا قد روي عن ابن عباس في الحمام في حال الإحرام كقولنا ولأنها حمامة مضمونة لحق الله تعالى فضمنت بشاة كحمامة الحرم ولأنها متى كانت الشاة مثلاً لها في الحرم فكذلك في الحل فيجب ضمانها لقول الله تعالى (فجزاء مثل ما قتل من النعم) وقياس الحمام على جنسه أولى من قياسه على غيره، والحمام كل ماعب الماء أي وضع منقاره فيه فيكرع كما تكرع الشاة ولا يأخذ قطرة قطرة كالدجاج والعصافير وإنما أوجبوا فيه شاة لشبهه بها في كرع الماء ولا يشرب كشرب بقية الطيور قال أحمد في رواية ابن القاسم وسندي كل طير يعب الماء يشرب مثل الحمام ففيه شاة فيدخل فيه الفواخت والدواشين والسفاهين والقمري والدسبي والقطا. ولأن كل واحد منها تسميه العرب حماماً، وقال الكسائي كل مطوق حمام وعلى هذا القول الحجل حمام لأنه مطوق (مسألة) (النوع الثاني) ما لم تقض فيه الصحابة فيرجع فيه إلى قول عدلين من أهل الخبرة ويجوز أن يكون القاتل أحدهما) وذلك لقول الله تعالى (يحكم به ذوا عدل منكم) فيحكمان فيه بأشبه الأشياء به من النعم من حيث الخلقة لا من حيث القيمة بدليل أن قضاء الصحابة لم يكن بالمثل في القيمة وليس من شرط الحكم أن يكون فقيهاً لأن ذلك زيادة على أمر الله تعالى به وقد أمر عمر أربد أن يحكم في الضب ولم يسأله أفقيه أم لا لكن تعتبر العدالة لأنها منصوص عليها، وتعتبر الخبرة لأنه لا يتمكن من الحكم بالمثل إلا من له خبرة ولأن الخبرة بما يحكم به شرط في سائر الحكام، ويجوز أن يكون القاتل أحد العدلين وبه قال الشافعي وإسحاق وابن المنذر، وقال مالك والنخعي ليس له ذلك لأن الانسان لا يحكم لنفسه وكذلك يجوز أن يكون الحاكمان القاتلين وبه قال الشافعي وقال مالك لا يجوز حكاه أبو الحسين ولنا عموم قوله تعالى (يحكم به ذوا عدل منكم) والقاتل مع غيره ذوا عدل منا وقد روى الشافعي في مسنده عن طارق بن شهاب قال: خرجنا حجاجاً فأوطأ رجل منا قال له أربد ضباً ففقر ظهره فقدمنا

وإن لبس أو تطيب أو غطى رأسه ناسيا فلا كفارة فيه وعنه عليه الكفارة

على عمر رضي الله عنه فسأله أربد فقال احكم يا أربد فيه قال أنت خير مني يا أمير المؤمنين قال إنما أمرتك أن تحكم ولم آمرك أن تزكيني فقال أربد أرى فيه جدياً قد جمع الماء والشجر فقال عمر فذلك فيه، فأمره عمر أن يحكم وهو القاتل وأمر أيضا كعب الأحبار أن يحكم على نفسه في الجرادتين اللتين صادهما وهو محرم ولأنه مال يخرج في حق الله تعالى فجاز أن يكون من وجب عليه أمينا فيه كالزكاة، قال ابن عقيل إنما يحكم القاتل إذا قتل خطأ لأن القتل عمداً ينافي العدالة فيخرج عن أن يكون قد قتله جاهلاً بالتحريم فلا يمتنع أن يحكم لأنه لا يفسق بذلك والله أعلم. وعلى قياس ذلك إذا قتله عند الحاجة إلى أكله لأن قتله مباح لكن يجب فيه الجزاء (مسألة) (ويجب في كل واحد من الصغير والكبير والصحيح والمعيب مثله إلا الماخض تفدى بقيمة مثلها وقال أبو الخطاب يجب فيها مثلها) يجب في كبير الصيد كبير مثله وفي الصغير صغير وفي الصحيح صحيح وفي المعيب معيب وفي الذكر ذكر وفي الأنثى أنثى، وبهذا قال الشافعي، وقال مالك لا يجزئ إلا كبير صحيح لأن الله تعالى قال (هديا بالغ الكعبة) ولا يجزئ في الهدي صغير ولا معيب ولأنها كفارة متعلقة بقتل حيوان فلم تختلف بصغره وكبره كقتل لآدمي ولنا قوله تعالى (فجزاء مثل ما قتل من النعم) ومثل الصغير صغير ومثل المعيب معيب ولأن ما ضمن باليد والجناية اختلف ضمانه بالصغر والكبر كالبهيمة، والهدي في الآية مقيد بالمثل، وقد أجمع الصحابة رضوان الله عليهم على ايجاب مالا يصلح هديا كالجفرة والعناق والجدي. وكفارة الآدمي ليست بدلاً عنه ولا تجري مجرى الضمان بدليل أنها لا تتبعض في أبعاضه فإن فدى المعيب بصحيح فهو أفضل فأما الماخض وهي الحامل فقال القاضي يضمنها بقيمة مثلها، وهو مذهب الشافعي لأن قيمتها أكثر من قيمة لحمها وقال أبو الخطاب يضمنها بما خض مثلها للآية ولأن إيجاب القيمة عدول عن المثل مع إمكانه فان فداها بغير ماخض احتمل الجواز لأن هذه الصفة لا تزيد في لحمها بل ربما نقصتها فلا يشترط وجودها في المثل كاللون وإن جني على ماخض فأتلف جنينها وخرج ميتاً ففيه ما نقصت أمه كما لو جرحها وإن خرج حياً لوقت يعيش لمثله ثم مات ضمنه بمثله وإن كان لوقت لا يعيش لمثله فهو كالميت كجنين الآدمية (مسألة) (ويجوز فداء أعور من عين بأعور من أخرى وفداء الذكر بالانثى وفي فدائها به وجهان) إذا فدى المعيب بمثله جاز لما ذكرنا وإن اختلف العيب مثل فداء الأعور بأعرج والأعرج بأعور لم يجز لعدم المماثلة وإن فدى أعور من إحدى العينين بأعور من أخرى أو أعرج بقائمة بأعرج من أخرى

جاز لأن هذا اختلاف يسير ونوع العيب واحد وإنما اختلف محله وإن فدى الذكر بالأنثى جاز لأن لحمها أطيب وأرطب وإن فداها به ففيه وجهان (أحدهما) يجوز لأن لحمه أوفر فتساويا والآخر لا يجوز لأن زيادته عليها ليست من جنس زيادتها فاشبه فداء المعيب من نوع بالمعيب من نوع آخر ولأنه لا يجزئ عنها في الزكاة كذلك ههنا (مسألة) (الضرب الثاني) مالا مثل له وهو سائر الطير فيجب فيه قيمته إلا ما كان أكبر من الحمام فهل يجب فيه قيمته أو شاة؟ على وجهين) يجب فداء مالا مثل له بقيمته في موضعه الذي أتلفه فيه كإتلاف فصال الآدمي ولا خلاف بين أهل العلم في وجوب ضمان الصيد من الطير إلا ما حكي عن داود ماكان أصغر من الحمام لا يضمن لأن الله تعالى قال (فجزاء مثل ما قتل من النعم) وهذا لا مثل له ولنا عموم قوله تعالى (لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم) وقد قيل في قوله تعالى (ليبلونكم الله بشئ من الصيد تناله أيديكم) يعني الفرخ والبيض ومالا يقدر أن يفر من صغار الصيد (ورماحكم) يعني الكبار، وقد روي عن عمر وابن عباس رضي الله عنهما أنهما حكما في الجراد الجزاء ودلالة الآية على وجوب جزاء غيره لا يمنع من وجوب الجزاء في هذا بدليل آخر ويفدى بقيمته لأن الأصل أن يضمن بقيمته كما لو أتلفه الآدمي لكن تركنا هذا الأصل لدليل ففيما عداه تجب القيمة بقضية الأصل. (فصل) فأما ماكان أكبر من الحمام كالأوز والحبارى والكركي والحجل والكبير من طير الماء ففيه وجهان (أحدهما) يجب فيه شاة لأنه يروي عن ابن عباس وعطاء وجابر أنهم قالوا في الحجلة والقطاة والحبارى شاة وزاد عطاء في الكركي والكروان وابن الماء ودجاجة الحبش والماء والخرب شاة شاة والخرب هو فرخ الحبارى ولأن إيجاب الشاة في الحمام تنبيه على إيجابها فيما هو أكبر منه (والوجه الثاني) فيه قيمته وهو مذهب الشافعي لأن القياس يقتضي وجوبها في جميع الطير تركناه في الحمام لإجماع الصحابة ففي غيره يبقى على أصل القياس (مسألة) (ومن أتلف جزءاً من صيد فعليه ما نقص من قيمته أو قيمة مثله إن كان مثلياً) أما مالا مثل له فإذا أتلف جزءاً منه ضمنه بقيمته لأن جملته تضمن بقيمته فكذلك اجزاؤه كما لو كان لآدمي وإن كان له مثل ففيه وجهان (أحدهما) يضمن بمثله من مثله لأن ما وجب ضمان جملته بالمثل وجب في بعضه مثله كالمكيلات والآخر تجب قيمة مقداره من مثله لأن الجزء يشق إخراجه فيمنع إيجابه ولهذا عدل الشارع عن

ومن رفض إحرامه ثم فعل محظورا فعليه فداؤه

إيجاب جزء من بعير في خمس من الإبل إلى إيجاب شاة والأول أولى لأن المشقة ههنا غير ثابتة لوجود الخبرة له في العدول عن المثل إلى عدله من الطعام أو الصيام فينتفي المانع فيثبت مقتضى الأصل هذا إذا اندمل الصيد ممتنعاً. (مسألة) (وإذا نفر صيداً فتلف بشئ ضمنه) إذا نفر صيداً فتلف في حال نفوره ضمنه وكذلك أن جرح صيداً فتحامل إن وقع في شئ تلف به لأنه تلف بسببه فإن نفره فسكن في مكان وأمن من نفوره ثم تلف لم يضمنه وفيه وجه آخر أنه يضمنه إذا تلف في المكان الذي انتقل إليه لما روى عن عمر رضي الله عنه أنه دخل دار الندوة فالقى رداءه على واقف في البيت فوقع عليه طير من هذا الحمام فأطاره فوقع على واقف آخر فانتهزته حية فقتلته فقال لعثمان ونافع بن الحارث إني وجدت في نفسي أني اطرته من منزل كان فيه آمنا إلى موقع كان فيه حية فقال نافع لعثمان كيف ترى في عنز ثنية عفراء يحكم بها على أمير المؤمنين؟ فقال عثمان أرى ذلك فأمر بها عمر رضي الله عنه رواه الشافعي في مسنده (مسألة) (وان جرحه فغاب ولم يعلم خبره فعليه ما نقصه وكذلك إن وجد ميتاً ولم يعلم موته بجنايته وإن اندمل غير ممتنع فعليه جزاء جميعه) وإذا جرح صيداً فغاب غير مندمل والجراحة موجبة لا تبقى الحياة معها غالباً فعليه جزاء جميعه كما لو قتله وإن كانت غير موجبة فعليه ضمان ما نقص لأنا لا نعلم حصول التلف بفعله إلا أنه يقومه صحيحاً وجريحاً جراحة غير مندملة فيعتبر ما بينهما لأنا لا نعلم هل يندمل أم لاوكذلك إن وجده ميتاً ولم يعلم أمات من الجناية أم من غيرها لما ذكرنا ويحتمل أن يلزمه ضمان جميعه ههنا لأنه وجد سبب إتلافه منه ولم نعلم سبباً آخر فوجب إحالته على السبب المعلوم كما لو وقع في الماء نجاسة فوجده متغيراً تغيراً يصلح أن يكون منها فانا نحكم بنجاسته وكذلك لو رمى صيداً فغاب عن عينه ثم وجده ميتاً لا أثر به غير سهمه حل أكله وهذا أقيس. (فصل) وإن اندمل الصيد غير ممتنع ضمنه جميعه لأنه عطله فصار كالتالف ولأنه يفضي إلى تلفه فصار كما لو جرحه جرحا يتيقن موته به، وهذا مذهب أبي حنيفة ويتخرج أن يضمنه بما نقص لأنه لا يضمن إلا ما أتلف ولم يتلف جميعه بدليل مالو قتله محرم لزمه الجزاء والصحيح أن على المشتركين جزاء واحداً وضمانه بجزاء كامل يفضي الى إيجاب جزاءين وإن صيرته الجناية غير ممتنع فلم يعلم أصار ممتنعاً أم لا فعليه ضمانه لأن الأصل عدم الامتناع (فصل) وكل ما يضمن به الآدمي يضمن به الصيد من مباشرة أو سبب وكذلك ما جنت دابته بيدها او فمها فأتلفت صيداً فالضمان على راكبها أو قائدها أو سائقها وما جنت برجلها فلا ضمان فيه

وإن لبس ثوبا فانقطع ريح الطيب منه وكان بحيث إذا رش فيه الماء فاح ريحه فعليه الفدية

وقال القاضي يضمن السائق جميع جنايتها لأن يده عليها ويشاهد رجلها، وقال ابن عقيل لا ضمان في الرجل لقول النبي صلى الله عليه وسلم " الرجل جبار " وإن انفلتت فأتلفت صيداً لم يضمنه لأنه لا يدله عليها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " العجماء جبار " ولذلك لو أتلفت آدمياً لم يضمنه ولو نصب شبكة أو حفر بئراً فوقع فيها صيد ضمنه لأنه بسببه كما يضمن الآدمي إلا أن يكون حفر البئر بحق كحفرة في داره أو في طريق واسع ينتفع بها المسلمون فينبغي أن لا يضمن كالآدمي وإن نصب شبكة قبل إحرامه فوقع فيها صيد بعد إحرامه لم يضمنه لأنه لم يوجد منه بعد إحرامه تسبب إلى إتلافه أشبه مالو صاده قبل إحرامه وتركه في منزله فتلف بعد إحرامه (مسألة) (وإن نتف ريشه فعاد فلا شئ عليه وقيل عليه قيمة الريش) إذا نتف ريش طائر ثم حفظه فأطعمه وسقاه حتى عاد ريشه فلا ضمان عليه لأن النقص زال وقيل عليه قيمة الريش لأن الثاني غير الأول فإن صار غير ممتنع بنتف ريشه فهو كالجرح وقد ذكرناه وإن غاب ففيه ما نقص، وبهذا قال الشافعي وأبو ثور وأوجب مالك وأبو حنيفة فيه الجزاء جميعه ولنا أنه نقص يمكن زواله فلا يضمنه بكماله كما لو جرحه ولم يعلم حاله (مسألة) (وكلما قتل صيداً حكم عليه) يعني يجب الجزاء بقتل الصيد الثاني كما يجب إذا قتله ابتداء هذا ظاهر المذهب قال أبو بكر وهذا أولى القولين بأبي عبد الله، وبه قال عطاء والثوري والشافعي واسحاق وأصحاب الرأي وابن المنذر وفيه رواية ثانية أنه لا يجب إلا في المرة الأولى وروي ذلك عن ابن عباس. وبه قال شريح والحسن وسعيد بن جبير ومجاهد والنخعي وقتادة لأن الله تعالى قال (ومن عاد فينتقم الله منه) ولم يوجب جزاء وفيه رواية ثالثة أن كفر عن الأول فعليه للثاني كفارة وإلا فلا وقد ذكرناها ولنا أنها كفارة عن قتل فاستوى فيها المبتدي والعائد كقتل الآدمي، ولأنها بدل متلف يجب به المثل أو القيمة فأشبه بدل مال الآدمي. قال أحمد روي عن عمر وغيره أنهم حكموا في الخطأ وفيمن قتل ولم يسألوه هل كان قبل هذا قتل أو لا والآية اقتضت الجزاء على العائد بعمومها، وذكر العقوبة في الثاني لايمنع الوجوب كما قال تعالى (فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) وقد ثبت ان العائد لو انتهى كان له ما سلف وأمره إلى الله (فصل) ويجوز إخراج جزاء الصيد بعد جرحه وقبل موته. نص عليه أحمد رحمه الله لأنها كفارة قتل فجاز تقديمها على الموت ككفارة قتل الآدمي، ولأنها كفارة أشبهت كفارة الظهار واليمين

(مسألة) (وإن اشترك جماعة في قتل صيد فعليهم جزاء واحد، وعنه على كل واحد جزاء، وعنه إن كفروا بالمال فكفارة واحدة، وإن كفروا بالصيام فعلى كل واحد كفارة) روي عن أحمد رحمه الله في هذه المسألة ثلاث روايات (إحداهن) أن الواجب جزاء واحد وهو الصحيح. يروى هذا عن عمر بن الخطاب وابنه وابن عباس رضي الله عنهم، وبه قال عطاء والزهري والنخعي والشعبي والشافعي واسحاق (والثانية) على كل واحد جزاء ذكرها ابن أبي موسى اختارها أبو بكر، وبه قال مالك والثوري وأبو حنيفة، ويروى عن الحسن لأنها كفارة قتل يدخلها الصوم أشبهت كفارة قتل الآدمي (والثالثة) إن كان صوماً فعلى كل واحد منهم صوم تام، وإن كان غيره فجزاء واحد، وإن أهدى أحدهما أو أطعم وصام الآخر فعلى المهدي بحصته، وعلى الآخر صيام تام لأن الجزاء ليس بكفارة، وإنما هو بدل بدليل أن الله تعالى عطف عليه الكفارة فقال (فجزاء مثل ما قتل من النعم..أو كفارة) والصيام كفارة فيكمل ككفارة قتل الآدمي ولنا قوله تعالى (فجزاء مثل ما قتل من النعم) والجماعة إنما قتلوا صيدا فلزمهم مثله، والزائد خارج عن المثل، فلا يجب، ومتى ثبت اتحاد الجزاء في الهدي وجب اتحاده في الصيام لأن الله تعالى قال (أو عدل ذلك صياما) والاتفاق حاصل على أنه معدول بالقيمة إما قيمة المتلف أو قيمة مثله فإيجاب الزائد على عدل القيمة خلاف النص، ولأنه قول من سمينا من الصحابة ولم نعرف لهم مخالفاً ولأنه جزاء عن مقتول يختلف باختلافه فكان واحداً كالدية، وكفارة الآدمي لنا فيها منع فلا تتبعض في إبعاضه ولا تختلف باختلافه، فلم يتبعض على الجماعة بخلاف مسئلتنا (فصل) فإن كان شريك المحرم حلالاً أو سبعاً فالجزاء كله على المحرم في أحد الوجهين وفيه وجه آخر إن على المحرم بحصته كالمحرمين وقد ذكرناه (فصل) وإن اشترك حلال ومحرم في قتل صيد حرمي فالجزاء بينهما نصفين لأن الإتلاف ينسب إلى كل واحد منهما نصفه ولا يزداد الواجب على المحرم باجتماع حرمة الإحرام والحرم، وهذا الاشتراك الذي هذا حكمه هو الذي يقع الفعل منهما معا أو يجرحه أحدهما قبل الآخر ويموت منهما فإن جرحه أحدهما وقتله الآخر فعلى الجارح ما نقصه على ما مضى، وعلى القاتل جزاؤه مجروحاً (فصل) وان قتل صيداً مملوكاً ضمنه بالقيمة لمالكه والجزاء لله تعالى لأنه حيوان مضمون بالكفارة فجاز أن يجتمع التقويم في التكفير فلا ضمانه كالعبد

وأما الصيام فيجزئه بكل مكان

(فصل) وإذا قتل القارن صيداً فعليه جزاء واحد نص عليه أحمد فقال: إذا قتل القارن صيداً فعليه جزاء واحد وهؤلاء يقولون جزاآن فليزمهم أن يقولوا في صيد الحرم ثلاثة لأنهم يقولون في الحل اثنين ففي الحرم ينبغي أن يكون ثلاثة وهذا قول مالك والشافعي، وقال أصحاب الرأي جزاآن، وكذلك إذا تطيب أو لبس، قال القاضي وإذا قلنا على القارن طوافان لزمه جزاآن ولنا قوله تعالى (ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم) ومن أوجب جزائين فقد أوجب مثلين، ولأنه صيد واحد فلم يجب فيه جزآان كما لو قتل المحرم في الحرم صيداً (باب صيد الحرم ونباته) (مسألة) (وهو حرام على الحلال والمحرم فمن أتلف من صيده شيئاً فعليه ما على المحرم في مثله) الأصل في تحريمه النص والإجماع، أما النص فما روى ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة " إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي ولم يحل لي إلا ساعة من النهار، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، لا يختلى خلاها، ولا يعضد شوكها، ولا ينفر صيدها، ولا تلتقط لقطتها إلا من عرفها " فقال العباس يارسول الله: إلا الاذخر فإنه لقينهم وبيوتهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إلا الاذخر " متفق عليه. وأجمع المسلمون على تحريم صيد الحرم على الحلال والمحرم (فصل) وفيه الجزاء على من يقتله بمثل ما يجزي به الصيد في الإحرام، وحكي عن داود أنه لا جزاء فيه لأن الأصل براءة الذمة ولم يرد فيه نص فيبقى بحاله

وكل دم ذكرنا يجزئ فيه شاة أو سبع بدنة ومن وجبت عليه بدنة أجزأته بقرة

ولنا أن الصحابة رضي الله عنهم قضوا في الحمام الحرم بشاة شاة، روى ذلك عن عمر وعثمان وابن عمر وابن عباس ولم ينقل عن غيرهم خلافهم فيكون إجماعاً، ولأنه صيد ممنوع منه لحق الله تعالى أشبه الصيد في حق المحرم (فصل) للصوم مدخل في ضمان صيد الحرم عند الأكثرين خلافا لابي حنيفة ولنا أنه يضمن بالإطعام فيضمن بالصيام كالصيد في الإحرام (فصل) ويجب في حمام الحرم شاة، وقال أبو حنيفة فيه في الحرم شاة، وفي حمام الحل في الحرم حكومة، وفي حمام الحرم في الحل روايتان (إحداهما) حكومة (والثانية) شاة ولنا ما ذكرنا من قضاء الصحابة ولم يفرقوا. ذكر هذين الفصلين القاضي أبو الحسن (فصل) وكل ما يضمن في الإحرام يضمن في الحرم إلا القمل فإنه يباح في الحرم بغير خلاف لأنه حرم في حق المحرم لأجل الترفه وهو مباح في الحرم كإباحة الطيب واللبس (فصل) ويضمن صيد الحرم في حق المسلم والكافر، والكبير والصغير، والحر والعبد، وقال أبو حنيفة لا يضمنه الصغير ولا الكافر ولنا أن الحرمة تعلقت بمحله بالنسبة إلى الجميع فوجب ضمانه كالآدمي

(فصل) ويضمن صيد الحرم بالدلالة والإشارة كصيد الإحرام والواجب عليهما جزاء واحد نص عليه أحمد، وظاهر كلامه أنه لافرق بين كون الدلالة في الحل والحرم، وقال القاضي لا جزاء على الدال إذا كان في الحل، والجزاء على المدلول وحده كالحلال إذا دل محرماً ولنا أن قتل الصيد الحرمي حرام على الدال فيضمن بالدلالة كما لو كان في الحرم يحققه أن صيد الحرم محرم على كل أحد لقوله عليه السلام " لا ينفر صيدها " وفي لفظ " لا يصاد صيدها " وهذا عام في كل أحد، ولأن صيد الحرم معصوم بمحله فحرم قتله عليهما كالملتجئ إلى الحرم، وإذا ثبت تحريمه عليهما فيضمن بالدلالة ممن يحرم عليه قتله كما يضمن بدلالة المحرم عليه، وكل ما يضمن به في الإحرام يضمن به في الحرم ومالا فلا لأنه صيد ممنوع منه لحق الله تعالى فيضمن بكل ما به في الإحرام وكان حكمه حكمه في وجوب الضمان وعدمه قياساً عليه (مسألة) (وإن رمى الحلال من الحل صيداً في الحرم، او أرسل كلبه عليه، أو قتل صيداً على غصن في الحرم أصله في الحل، أو أمسك طائراً في الحل فهلك فراخه في الحرم ضمن في أصح الروايتين) إذا رمى الحلال من الحل صيدا في الحرم، او أرسل جارحاً عليه فقتله، أو قتل صيداً على غصن في الحرم أصله في الحل ضمنه، وبه قال الشافعي والثوري وأبو ثور وابن المنذر وأصحاب الرأي، وعن

باب جزاء الصيد

أحمد رواية أخرى لاجزاء عليه لان القاتل حلال في الحل ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " لا ينفر صيدها " ولم يفرق بين من هو في الحل والحرم، وقد أجمع المسلمون على تحريم صيد الحرم وهذا من صيده، ولأن صيد الحرم معصوم بمحله لحرمة الحرم فلا يختص تحريمه بمن في الحرم كالملتجئ، وكذلك الحكم لو أمسك طائراً في الحل فهلك فراخه في الحرم فإنه يضمن الفراخ لما ذكرنا دون الأم لأنها من صيد الحل وهي حلال (مسألة) (وان قتل من الحرم صيداً في الحل بسهمه أو كلبه، أو صيداً على غصن في الحل أصله في الحرم، او أمسك حمامة في الحرم فهلك فراخها في الحل لم يضمن في أصح الروايتين) هذه المسائل عكس التي قبلها والصحيح أنه لا ضمان في ذلك لأنه ليس من صيد الحرم، قال أحمد فيمن أرسل كلبه في الحرم فصاد في الحل فلا شئ عليه، وعنه رواية أخرى عليه الضمان في جميع الصور وعن الشافعي ما يدل عليه، وذهب الثوري والشافعي وأبو ثور وابن المنذر فيمن قتل طائراً على غصن في الحل أصله في الحرم لا جزاء عليه، وهو ظاهر قول أصحاب الرأي، وقال اسحاق وابن الماجشون عليه الجزاء لأن الغصن تابع للأصل وهو في الحرم ولنا أن الأصل حل الصيد حرم صيد الحرم بالنص والإجماع فبقي ما عداه على الأصل ولأنه صيد حل أصابه حلال فلم يحرم كما لو كانا في الحل، ولأن الجزاء إنما يجب في صيد الحرم، أو صيد المحرم وليس هذا واحداً منهما

(فصل) وإن كان الصيد والصائد في الحل فرماه بسهمه، أو أرسل كلبه عليه فدخل الحرم ثم خرج فقتل الصيد في الحل فلا جزاء فيه، وبه قال أصحاب الرأي وأبو ثور وابن المنذر، وحكي عن الشافعي أن عليه الجزاء ولنا ما ذكرنا قال القاضي لا يزيد سهمه على نفسه، ولو عدا بنفسه فسلك الحرم في طريقه ثم قتل صيداً في الحل لم يكن عليه شئ فسهمه أولى (مسألة) (وإن أرسل كلبه من الحل على صيد في الحل فقتل صيدا في الحرم فعلى وجهين، وان فعل ذلك بسهمه ضمنه) أما إذا رمى من الحل صيداً فيه فقتل صيدا في الحرم فعليه الجزاء، وبهذا قال الثوري واسحاق وأصحاب الرأي، وقال أبو ثور لا جزاء عليه ولنا أنه قتل صيداً حرمياً فلزمه جزاؤه كما لو رمى حجراً في الحرم فقتل صيداً. يحققه أن الخطأ كالعمد في وجوب الجزاء وهذا لا يخرج عن أحدهما، فأما إن أرسل كلبه على صيد في الحل فقتله في الحرم فنص أحمد على أنه لا يضمنه وهو قول الشافعي وأبي ثور وابن المنذر لأنه لم يرسل الكلب على الصيد في الحرم، وإنما دخل باختيار نفسه أشبه مالو استرسل بنفسه، وقال عطاء وأبو حنيفة وصاحباه عليه الجزاء لأنه قتل صيداً حرمياً بإرسال كلبه عليه فضمنه كما لو قتله بسهمه وهذا اختيار أبي بكر عبد العزيز

ما لم تقض فيه الصحابة فيرجع فيه إلى قول عدلين من أهل الخبرة، ويجوز أن يكون القاتل أحدهما

وحكى صالح عن أحمد أنه إن كان الصيد قريباً من الحرم ضمنه لأنه فرط بإرساله وإلا لم يضمنه وهذا قول مالك فإن قتل صيداً غيره لم يضمنه، وهذا قول الثوري والشافعي وأصحاب الرأي وأبي ثور وابن المنذر لأنه لم يرسل الكلب على ذلك الصيد فأشبه مالو استرسل بنفسه، وفيه رواية أخرى أنه يضمن إن كان الصيد قريباً من الحرم لأنه مفرط فأشبه المسألة التي قبلها. إذا ثبت هذا فإنه لا يأكل الصيد في هذه المواضع كلها ضمنه أولا لأنه صيد حرمي قتل في الحرم كما لو ضمنه، ولأننا إذا ألغينا فعل الآدمي صار الكلب كأنه استرسل بنفسه فقتله (فصل) فإن رمى الحلال من الحل صيداً فجرحه فتحامل الصيد فدخل الحرم فمات فيه حل أكله ولا جزاء فيه لأن الذكاة حصلت في الحل فأشبه مالو جرح صيداً ثم أحرم فمات الصيد بعد إحرامه ويكره أكله لموته في الحرم (فصل) وإن وقف صيد بعض قوائمه في الحل وبعضها في الحرم فقتله قاتل ضمنه تغليباً للحرم وبه قال أصحاب الرأي وأبو ثور وإن نفر صيداً من الحرم فأصابه شئ في حال نفوره ضمنه لأنه تسبب إلى إتلافه فأشبه ما لو تلف بشركة أو شبكته وإن سكن من نفوره ثم أصابه شئ لم يضمنه نص عليه وهو قول الثوري لأنه لم يكن سبباً لإتلافه وقد روي عن عمر رضي الله عنه أنه وقع على ردائه حمامة فأطارها فوقعت على واقف فانتهزتها حية فاستشار عثمان ونافع بن الحارث فحكما عليه

ويجب في كل واحد من الصغير والكبير والصحيح والمعيب مثله إلا الماخض تفدى بقيمة مثلها، وقال أبو الخطاب يجب فيها مثلها

بشاة وهذا يدل على أنهم رأوا عليه الضمان بعد سكونه فإن انتقل عن المكان الثاني فأصابه شئ فلا ضمان عليه لأنه خرج عن المكان الذي طرد إليه وقول الثوري وأحمد يدل على هذا قال سفيان إذا طردت في الحرم شيئاً فأصاب شيئاً قبل أن يقع أو حين وقع ضمنت وإن وقع من ذلك المكان الى مكان آخر فليس عليك شئ فقال أحمد رحمه الله جيد (فصل) قال المصنف رحمه الله (ويحرم قلع شجر الحرم وحشيشه إلا اليابس والاذخر وما زرعه الآدمي وفي جواز الرعي وجهان) أجمع أهل العلم على تحريم قطع شجر الحرم البري الذي لم ينبته الآدمي وعلى إباحة أخذ الاذخر وما أنبته الآدمي من البقول والزروع والرياحين حكى ذلك ابن المنذر والأصل ما روينا من حديث ابن عباس وروى أبو شريح وأبو هريرة بنحوه والكل متفق عليها وفي حديث أبي هريرة " ألا وإنها ساعتي هذه حرام لا يختلى شوكها ولا يعضد شجرها " وروى الأثرم حديث أبي هريرة وفيه " لا يعضد شجرها ولا يحتش حشيشها ولا يصاد صيدها " فأما ما أنبته الآدمي من الشجر فقال أبو الخطاب وابن عقيل له قلعه من غير ضمان كالزرع، وقال القاضي: ما نبت في الحل ثم غرس في الحرم فلا جزاء فيه وما نبت أصله في الحرم ففيه الجزاء بكل حال، وقال الشافعي في شجر الحرم الجزاء بكل حال أنبته الآدميون أو نبت بنفسه، وحكى ابن البنا في الخصال

ويجوز فداء أعور من عين بأعور من أخرى، وفداء الذكر والأنثى وفي فدائها به وجهان

مثل ذلك لعموم قوله عليه السلام " ولا يعضد شجرها " وقال أبو حنيفة: لا جزاء فيما أنبت الآدميون جنسه كالجوز واللوز والنخل ونحوه ولا فيما أنبته الآدمي من غيره كالدوح والسلم ونحوه لأن الحرم يختص تحريمه ما كان وحشياً من الصيد كذلك الشجر، وقول شيخنا وما زرعه الآدمي يحتمل اختصاصه بالزرع دون الشجر فيكون كما حكاه ابن البنا وهو قول الشافعي ويحتمل أن يعم جميع ما يزرع كقول أبي الخطاب ويحتمل أن يريد ما أنبت الآدميون حشيشه، قال شيخنا والأولى الاخذ بعموم الحديث في تحريم الشجر كله إلا ما أنبته الآدميون من جنس شجرهم بالقياس على ما أنبتوه من الزرع والأهلي من الحيوان فإننا إنما أخرجنا من الصيد ما كان أصله أنسيا دون من تأنس من الوحشي كذا ههنا (فصل) ويحرم قطع الشوك والعوسج وقال القاضي وابو الخطاب وابن عقيل لا يحرم وروي عن عطاء ومجاهد وعمرو بن دينار والشافعي لأنه يؤذي بطبعه أشبه السباع من الحيوان ولنا قوله صلى الله عليه وسلم " لا يعضد شوكها " وفي حديث أبي هريرة " لا يختلي شوكها " وهذا صريح وهو راجح على القياس (فصل) ولا بأس بقطع اليابس من الشجر والحشيش لأنه بمنزلة الميت ولا يقطع ما انكسر ولم يبن لأنه قد تلف فهو بمنزلة الظفر المنكسر ولا بأس بالانتفاع بما انكسر من الأغصان وانقلع من

ومن أتلف جزءا من صيد فعليه ما نقص من قيمته أو قيمة مثله إن كان مثليا

الشجر بغير فعل آدمي ولا فيما سقط من الورق نص عليه ولا نعلم فيه خلافاً لأن الخبر إنما ورد في القطع وهذا لم يقطع فأما إذا قطعه آدمي فقال أحمد لم أسمع إذا قطع ينتفع به وقال في الدوحة تقطع من شبهه بالصيد لم ينتفع بحطبها لأنه ممنوع من إتلافه لحرمة الحرم فإذا قطعه من يحرم عليه قطعه لم ينتفع به كالصيد يذبحه المحرم ويحتمل إن يباح لغير القطع للانتفاع به لأنه انقطع بغير فعله فأبيح له الانتفاع به كما لو أقلعته الريح ويفارق الصيد الذي ذبحه لأن الذكاة يعتبر لها الأهلية ولهذا لا يحصل بفعل البهيمة بخلاف هذا (فصل) وليس له أخذ ورق الشجر وقال الشافعي له أخذه لأنه لا يضر به وكان عطاء يرخص في أخذ ورق السنا يستمشي به ولا ينزع من أصله ورخص فيه عمرو بن دينار ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " لا يخبط شوكها ولا يعضد شجرها " رواه مسلم ولأن ما حرم أخذه حرم كل شيء منه كريش الطير وقولهم لا يضر به ممنوع فإنه يضعفه وربما آل إلى تلفه (فصل) ويحرم قطع حشيش الحرم إلا ما استثناه الشرع من الاذخر وما أنبته الآدميون واليابس لقوله عليه السلام " لا يحتش حشيشها " وفي استثنائه الاذخر دليل على تحريم ما عداه وفي جواز رعيه وجهان (أحدهما) لا يجوز وهو مذهب أبي حنيفة لأن ما حرم إتلافه لم يجز أن يرسل

وإن جرحه فغاب ولم يعلم خبره فعليه ما نقصه وكذلك إن وجد ميتا ولم يعلم موته بجنايته وإن اندمل غير ممتنع فعليه جزاء جميعه

عليه ما يتلفه كالصيد (والثاني) يجوز وهو مذهب عطاء والشافعي لان الهديا كانت تدخل الحرم فتكثر فيه فلم ينقل أنها كانت تسد أفواهها ولأن الحاجة تدعو إليها أشبه قطع الاذخر ويباح أخذ الكمأة من الحرم وكذلك الفقع لانه لاأصل له فأشبه الثمرة وروى حنبل قال يؤكل من شجر الحرم الضغابيس والعشرق وما سقط من الشجر وما أنبت الناس (مسألة) (ومن قطعه ضمن الشجرة الكبيرة ببقرة والصغيرة بشاة والحشيش بقيمته والغصن بما نقصه فإن استخلف سقط الضمان في أحد الوجهين) يجب الضمان في إتلاف شجر الحرم وحشيشه، وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي وقال مالك وأبو داود وابن المنذر لا يضمن لأن المحرم لا يضمنه في الحل فلا يضمن في الحرم كالزرع قال إبن المنذر لااجد دلالة أوجب بها في شجر الحرم فرضا في كتاب ولا سنة ولا إجماع وأقول كما قال مالك نستغفر الله تعالى ولنا ما روى أبوهشيمة قال رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمر بشجر كان في المسجد بضر بأهل الطواف فقطع وفدا قال وذكر البقرة رواه حنبل في المناسك وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في الدوحة بقرة وفي الجزلة شاة قال والدوحة الشجرة العظيمة والجزلة الصغيرة ونحوه عن عطاء ولأنه ممنوع منه لحرمة الحرم فضمن كالصيد ويخالف المحرم فانه لايمنع من قطع شجر الحل ولا زرع الحرم إذا ثبت هذا فإنه يضمن الشجرة الكبيرة ببقرة والصغيرة بشاة والحشيش بقيمته والغصن بما

وإن نتف ريشه فعاد فلا شيء عليه وقيل عليه قيمة الريش

نقص كأعضاء الحيوان، وبه قال الشافعي وقال أصحاب الرأي يضمن الكل بقيمته، وعن أحمد مثل ذلك وعنه في الغصن الكبير شاة ولنا قول ابن عباس وعطاء لأنه أحد نوعي ما يحرم إتلافه فكان فيه ما يضمن بمقدر كالصيد فإن قطع غصناً أو حشيشاً فاستخلف سقط ضمانة كما لو قطع شعر آدمي فنبت وفيه وجه آخر أنه لا يسقط لأن الثاني غير الأول فهو كما لو حلق المحرم شعراً فعاد (فصل) ومن قلع شجرة من الحرم فغرسها في مكان آخر فيبست ضمنها، لأنه أتلفها وإن غرسها في الحرم فنبتت لم يضمنها لأنه لم يتلفها ولم تزل حرمتها وإن نقصت ضمن نقصها وإن غرسها في الحل فنبتت فعليه ردها إليه لأنه أزال حرمتها فإن تعذر ردها أو ردها فيبست ضمنها وإن قلعها غيره من الحل فقال القاضي الضمان على الثاني لأنه أتلفها فإن قيل فلم لا يجب على المخرج كالصيد إذا نفره إنسان من الحرم فقتله إنسان في الحل فإن الضمان على المنفر قلنا الشجر لا ينتقل بنفسه ولا تزول حرمته بإخراجه ولهذا وجب على مخرجه رده والصيد يكون تارة في الحرم وتارة في الحل فمن نفره فقد فوت حرمته فلزمه جزاؤه وهذا لم يفوت حرمتها بالإخراج فكان الجزاء على المتلف لأنه أتلف شجراً حرمياً محرماً إتلافه (مسألة) (وإن قطع غصنا في الحل أصله في الحرم ضمنه وإن قطع غصناً في الحرم أصله في الحل لم يضمنه في أحد الوجهين) إذا كانت الشجرة في الحرم غصها في الحل فعلى قاطعة الضمان لأنه تابع لأصله وإن كانت في

وإن اشترك جماعة في قتل صيد فعليهم جزاء واحد، وعنه على كل واحد جزاء

الحل وغصنها في الحرم لم يضمنه في أحد الوجهين اختاره القاضي لأنه نابع لأصله فهي كالتي قبلها وفي الآخر يضمنه اختاره ابن أبي موسى لأنه في الحرم فإن كان بعض الأصل في الحرم وبعضه في الحل ضمن الغصن سواء كان في الحل أو في الحرم تغليباً لحرمة الحرم كالصيد الواقف بعضه في الحل وبعضه في الحرم (فصل) يكره إخراج تراب الحرم وحصاه لأن ابن عباس وابن عمر كرهاه ولا يكره إخراج ماء زمزم لأنه يستخلف فهو كالثمرة (فصل) قال رحمه الله ويحرم صيد المدينة وشجرها وحشيشها إلا ما تدعو الحاجة إليه من شجرها للرحل والعارضة القائمة ونحوها ومن حشيشها للعلف ومن أدخل إليها صيداً فله إمساكه وذبحه صيد المدينة وشجرها وحشيشها حرام، وبه قال مالك والشافعي وقال أبو حنيفة لا يحرم لأنه لو كان محرماً لبينه النبي صلى الله عليه وسلم بياناً عاماً ولوجب فيه الجزاء كصيد الحرم ولنا ما روى علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " المدينة حرم مابين ثور إلى عير " متفق عليه وروى تحريم المدينة أبو هريرة ورافع وعبد الله بن زيد في المتفق عليه ورواه مسلم عن سعد وجابر وأنس رضي الله عنهم وهذا يدل على تعميم البيان وليس هو في الدرجة دون أخبار تحريم الحرم وقد قبلوه وأثبتوا أحكامه على أنه ليس بممتنع أن يبينه بياناً خاصاً أو بينه بيانا عام فينقل خاصاً كصفة الاذان والإقامة

(فصل) ويفارق حرم المدينة حرم مكة في شيئين (أحدهما) انه يجوز أنه يؤخذ من شجر حرم المدينة ما تدعو الحاجة إليه للمساند والوسائد والرحل ومن حشيشها ما يحتاج إليه للعلف لما روى الإمام أحمد عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لما حرم المدينة قالوا يارسول الله إنا أصحاب عمل وأصحاب نضح وإنا لا نستطيع أرضاً غير أرضنا فرخص لنا فقال " القائمتان والوسادة والعارضة والمسند فأما غير ذلك فلا يعضد ولا يخبط منها شئ " قيل المسند مرود البكرة

باب صيد الحرم ونباته

فاستثنى ذلك وجعله مباحاً كاستثناء الاذخر بمكة وعن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " المدينة حرام مابين عائر إلى ثور لا يختلى خلاها ولا ينفر صيدها ولا يصلح أن يقطع منها شجرة إلا أن يعلف رجل بعيره " رواه أبو داود ولا المدينة يقرب منها وزرع فلو منعنا من احتشاشها أفضى إلى الضرر بخلاف مكة (الثاني) إن من صاد من خارج المدينة صيداً ثم أدخله إليها لم يلزمه

إرساله نص عليه أحمد لأن النبي صلى الله عليه وسلم " يا أبا عمير ما فعل النغير؟ " وهو طائر صغير فظاهر هذا أنه أباح إمساكه بالمدينة ولم ينكر ذلك وحرمه مكة أعظم من حرمة المدينة بدليل أنه لا يدخلها إلا محرم وإذا جاز إمساك الصيد فيها جاز ذبحه فيها كغيرها

وإن رمى الحلال من الحل صيدا في الحرم

(مسألة) (ولا جزاء في صيد المدينة وعنه جزاؤه سلب القاتل لمن أخذه) ليس في صيد المدينة وشجرها جزاء في إحدى الروايتين وهو قول أكثر أهل العلم لأنه موضع يجوز دخوله بغير إحرام فلم يجب فيه جزاء كصيد وج (والثانية) فيه الجزاء روى ذلك عن ابن أبي ذئب وهو قول الشافعي القديم وابن المنذر لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إني أحرم المدينة مثل ما حرم

إبراهيم مكة " ونهى أن يعضد شجرها ويؤخذ طيرها فوجب في هذا الحرم الجزاء كما وجب في ذلك إذا لم يظهر بينهما فرق وجزاؤه إباحة سلب القاتل لما أخذ لما روى مسلم باسناده عن عامر بن سعد أن سعداً رضي الله عنه ركب إلى قصره بالعقيق فوجد عبداً يقطع شجراً ويخبطه فسلبه فلما جاء سعد جاءه أهل العبد فكلموه أن يرد على غلامهم أو عليهم فقال معاذ الله أن أرد شيئاً نفلنيه رسول

وإن أرسل كلبه من الحل على صيد في الحل فقتل صيدا في الحرم فعلى وجهين، وإن فعل ذلك بسهمه ضمنه

الله صلى الله عليه وسلم وأبي أن يرد عليهم، وعن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من وجد أحداً يصيد فيه فليسلبه رواه أبو داود فعلى هذا يباح لمن وجد آخذ الصيد أو قاتله أو قاطع الشجر سلبه وهو أخذ جميع ثيابه حتى السراويل فإن كان على دابة لم يملك أخذها لأن الدابة ليست من السلب وإنما أخذها

قاتل الكافر في الجهاد لأنها يستعان بها في الحرب بخلاف مسئلتنا فإن لم يسلبه أحد فلا شئ عليه سوى التوبة (مسألة) (وحد حرمها بين ثور إلى عير وجعل النبي صلى الله عليه وسلم حول المدينة اثني عشر ميلاً حمى) حد حرم المدينة ما بين لا بيتها لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما

بين لابيتها حرام " متفق عله واللابة الحرة وهي أرض بها حجارة سود قال أحمد رحمه الله: ما بين لابيتها حرام بريد في بريد كذا فسره مالك بن أنس والبرد أربعة فراسخ وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل حول المدينة اثني عشر ميلاً حمى رواه مسلم وقد روي علي رضي الله عنه أن النبي

صلى الله عليه وسلم قال " حرم المدينة ما بين ثور إلى عير " متفق عليه قال أهل العلم بالمدينة لا نعرف بها ثوراً ولا عيراً وإنما هما جبلان بمكة فيحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد قدر ما بين ثور وعير ويحتمل أنه أراد جبلين بالمدينة وسماها ثوراً وعيراً تجوزاً والله تعالى أعلم

ومن قطعه ضمن الشجرة الكبيرة ببقرة والصغيرة بشاة والحشيش بقيمته الغصن بما نقصه فإن استخلف سقط الضمان في أحد الوجهين

(فصل) ولا يحرم صيد وج ولا شجره وهو واد بالطائف، وقال أصحاب الشافعي يحرم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " صيد وج وعضاهها محرم " رواه الإمام أحمد ولنا أن الأصل الإباحة والحديث ضعفه أحمد ذكره أبو بكر الخلاف في كتاب العلل (باب ذكر دخول مكة) يستحب الاغتسال لدخول مكة لأن عبد الله بن عمر كان إذا دخل أدنى الحرم أمسك عن التلبية ثم يبيت بذى طوى ثم يصلي به الصبح ويغتسل ويحدث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك رواه

البخاري ولأن مكة مجمع أهل النسك فإذا قصدها استحب له الاغتسال كالخارج إلى الجمعة والمرأة كالرجل وإن كانت حائضاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة وقد حاضت " افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت " ولأن الغسل يراد للتنظيف وهو يحصل مع الحيض وهذا مذهب الشافعي وفعله عروة والأسود بن يزيد وعمرو بن ميمون والحرث بن سويد (مسألة) (ويستحب أن يدخل مكة من أعلاها من ثنية كداء ثم يدخل المسجد من باب بني شيبة لما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة من الثنية العليا التي بالبطحاء وخرج من السفلى (1) وروت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء مكة دخل من أعلاها وخرج من أسفلها متفق عليهما ولا بأس بدخولها ليلاً ونهاراً لأن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة ليلاً ونهاراً رواهما النسائي (فصل) ويستحب أن يدخل المسجد من باب بني شيبة لما روى جابر في حديثه أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة ارتفاع الضحى وأناخ راحلته عند باب بني شيبة ودخل المسجد رواه مسلم وغيره (مسألة) فإذا رأى البيت رفع يديه وكبر وقال اللهم أنت السلام ومنك السلام حينا ربنا بالسلام، اللهم زد هذا البيت تعظيماً وتشريفا وتكريما ومهاية وبرا، وزد من عظمه وشرفه ممن حجه واعتمره تعظيما وتشريفا وتكريما ومهابة وبرا، الحمد الله رب العالمين كثيراً كما هو أهله وكما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله وعظيم شأنه، الحمد الله الذي بلغني بيته ورآني لذلك أهلاً، والحمد الله على كل حال، اللهم

إنك دعوت إلى حج بيتك الحرام وقد جئتك لذلك اللهم تقبل مني واعف عني وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت يرفع بذلك صوته) يستحب رفع اليدين عند رؤية البيت يروي ذلك عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما، وبه قال الثوري وابن المبارك والشافعي واسحاق وكان مالك لا يرى رفع اليدين كما روي عن المهاجر المكي قال سئل جابر بن عبد الله عن الرجل يرى البيت أيرفع يديه؟ فقال ما كنت أظن أحداً يفعل هذا إلا اليهود حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم نكن نفعله رواه النسائي ولنا ما روى ابن المنذر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا ترفع الأيدي إلا في سبعة مواطن افتتاح الصلاة واستقبال البيت وعلى الصفا والمروة وعلى الموقفين والجمرتين " وهذا قول النبي صلى الله عليه وسلم وذلك قول جابر وخبره عن ظنه وفعله وقد خالفه ابن عمر وابن عباس ولأن الدعاء مستحب عند رؤية البيت وقد أمر برفع اليدين عند الدعاء (فصل) ويستحب أن يدعو عند رؤية البيت بالدعاء الذي ذكرناه لما روى ابن جريج أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى البيت رفع يديه وقال " اللهم زد هذا البيت تشريفاً وتكريماً وتعظيماً ومهابة وبرا

وإن قطع غصنا في الحل أصله في الحرم ضمنه وإن قطع غصنا في الحرم أصله في الحل لم يضمنه في أحد الوجهين

وزد من شرفه ممن حجه واعتمره تشريفاً وتكريماً وتعظيماً وبراً " وعن سعيد بن المسيب أنه كان حين ينظر إلى البيت يقول اللهم أنت السلام ومنك السلام حينا ربنا بالسلام رواهما الشافعي بإسناده وباقي الدعاء ذكره الأثرم وابراهيم الحربي قال بعض أصحابنا ويرفع بذلك صوته وما زاد في الدعاء فحسن (فصل) إذا دخل المسجد فذكر صلاة مفروضة أو فائته أو أقيمت الصلاة المكتوبة قدمهما على الطواف لأن ذلك فرض والطواف تحية ولأنه لو أقيمت الصلاة وهو في طوافه قطعه لأجلها فلأن يبدأ بها أولى وإن خاف فوات ركعتي الفجر أو الوتر أو حضرت جنازة قدمها لأنها تفوت بخلاف الطواف (مسألة) ثم يبتدئ بطواف العمرة إن كان معتمراً وبطواف القدوم إن كان مفرداً أو قارناً) يستحب لمن دخل المسجد أن يبدأ بالطواف بالبيت اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم فإن جابرا قال في حديثه حتى أتينا البيت معه استلم الركن فرمل ثلاثاً ومشى أربعاً وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم مكة توضأ ثم طاف بالبيت متفق عليه وروى ذلك عن أبي بكر وعمر وعثمان وعبد الله ابن عمر وغيرهم ولأن الطواف تحية المسجد الحرام فاستحب البداية به كما استحب لداخل غيره من المساجد البداية بتحية المسجد بصلاة ركعتين فإن كان معتمراً به أبطواف العمرة ولم يحتج إلا أن يطوف لها طواف قدوم لأن المقصود به تحية المسجد ومن دخل المسجد وقد قامت الصلاة اشتغل بها وأجزأت عن تحية المسجد كذلك ههنا وإن كان مفرداً أو قارناً بدأ بطواف القدوم وهي سنة بغير خلاف (مسلئة) (ويضطبع بردائه فيجعل وسطه تحت عاتقه الا يمن وطرفيه على عاتقه الايسر) صفة الاضطباع ما ذكره ههنا وهو مأخوذ من الضبع وهو عضد الإنسان افتعال منه وكان أصله اضتبع فقلبوا التاء طاء لأن التاء متى وقعت بعد صاد أو ضاد أو طاء ساكنة فلبت طاء وهو مستحب في طواف القدوم وطواف العمرة للمتمتع ومن في معناه لما روى أبو داود وابن ماجة عن يعلى بن أمية أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف مضطبعاً ورويا عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه اعتمروا من الجعرانة فرملوا بالبيت وجعلوا أرديتهم تحت آباطهم ثم قذفوها على عواتقهم اليسرى، وبه قال الشافعي وكثير من أهل العلم وقال مالك ليس الاضطباع بسنة وقال لم أسمع أحداً من بلدنا يذكر أن الاضطباع سنة وقد ثبت بما روينا أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فعلوه وقد أمر الله تعالى باتباعه وقد روى مسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه اضطبع ورمل وقال ففيم الرمل، ولم نبدي مناكبنا وقد نفى الله المشركين؟ بل لن ندع شيئاً فعلناه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه أبو داود (فصل) فإذا فرغ من الطواف سوى ردائه لأن الاضطباع غير مستحب في الصلاة وقال الاثرم

يزيل الاضطباع إذا فرغ من الرمل والأول أولى لأن قوله طاف النبي صلى الله عليه وسلم مضطبعاً ينصرف إلى جميعه ولا يضطبع في السعي وقال الشافعي يضطبع فانه أحد الطوافين فأشبه الطواف بالبيت ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يضطبع فيه والسنة في الاقتداء به قال أحمد رحمه الله ما سمعنا فيه شيئاً ولا يصح القياس إلا فيما عقل معناه وهذا تعبد محض (مسألة) (ثم يبتدئ من الحجر الأسود فيحاذيه بجميع بدنه ثم يستلمه ويقبله وإن شاء استلمه وقبل يده وإن شاء أشار إليه ثم يقول الله أكبر إيمانا بك وتصديقاً بكتابك ووفاء بعهدك واتباعاً لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم كلما استلمه يبتدئ الطواف من الحجر الأسود فيحاذيه بجميع بدنه فان حاذاء ببعضه احتمل أن يجزئه لأنه حكم يتعلق بالبدن فأجزأ فيه بعضه كالحد ويحتمل أن لا يجزئه لأن النبي صلى الله عليه وسلم استقبل الحجر واستلمه وظاهر هذا أنه استقبله بجميع بدنة ولأن ما لزمه استقباله لزمه لجميع بدنة كالقبلة فإذا قلنا بوجوب فذلك فلم يفعله أو بدأ بالطاف من دون الركن كالباب ونحوه لم يحتسب له بذلك الشوط ويحتسب بالشوط الثاني وما بعده ويصير الثاني أوله لأنه قد حاذى فيه الحجر بجميع بدنه وأتى على جميعه فمتى أكمل سبعة أشواط غير الأول صح طوافه وأجزأه وإلا فلا (فصل) ثم يستلمه ويقبله ومعنى الاستلام المسح باليد مأخوذ من السلام وهي الحجارة فإذا مسح الحجر قيل استلم أي مس السلام قاله ابن قتيبة وذلك لما روى أسلم قال رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه قبل الحجر وقال: إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول

ولا جزاء في صيد المدينة وعنه جزاءه سلب القاتل لمن أخذه

الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك. متفق عليه وروى ابن ماجة عن ابن عمر رضي الله عنه قال استقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحجر ثم وضع شفتيه عليه يبكي طويلاً ثم التفت فإذا هو بعمر بن الخطاب رضي الله عنه يبكي فقال " يا عمر ههنا تسكب العبرات " فإن لم يكن الحجر موجوداً والعياذ بالله فإنه يقف مقابلاً مكانه ويستلم الركن فإن شق استلامه وتقبيله استمله وقبل يده روى ذلك عن ابن عمر وجابر وأبي هريرة وأبي سعيد وابن عباس والثوري والشافعي واسحاق وقال مالك يضع يده على فيه من غير تقبيل ولنا ما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم استلمه وقبل يده رواه مسلم فان شق عليه استلمه بشئ في يده وقبله رواه ابن عباس مرفوعاً أخرجه مسلم والاقام بحذائه واستقبله بوجهه وأشار إليه وكبر وهلل وكذا إن طاف راكباً لما روى البخاري عن ابن عباس قال: طاف النبي صلى الله عليه وسلم على بعير كلما أتى الحجر أشار إليه بشئ في يده وكبر. فإن أمكنه استلامه بشئ في يده كالعصا ونحوه فعل، فقد روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف في حجة الوداع يستلم الركن بمحجن. وهذا كله مستحب ويستحب أن يقول عنده ماروى عبد الله بن السائب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عند استلامه " بسم الله والله أكبر إيماناً بك وتصديقاً بكتابك ووفاء بعهدك واتباعاً لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم " يقول ذلك كلما استلمه

وحد حرمها بين ثور إلى عير وجعل النبي صلى الله عليه وسلم حول المدينة اثني عشر ميلا حمى

(مسألة) (ثم يأخذ على يمينه ويجعل البيت على يساره) لأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف كذلك وقد قال " لتأخذوا عني مناسككم " ولأن الله تعالى أمر بالطواف مجملاً وبينه النبي صلى الله عليه وسلم بفعله (مسألة) (فإذا أتى على الركن اليماني استلمه وقبل يده) الركن اليماني قبلة أهل اليمن وهو آخر ما يمر عليه من الأركان في طوافه لأنه يبدأ بالركن الذي فيه الحجر الأسود وهو قبلة أهل خراسان ثم يأخذ على يمين نفسه فينتهي إلى الركن الثاني وهو العراقي ثم يمر بالثالث وهو الشامي وهذان الركنان يليان الحجر ثم يأتي على الرابع وهو الركن اليماني واستلامه مستحب ولا يستحب تقبيله، وقال الخرقي يقبله والصحيح عن أحمد الأول وهو قول أكثر أهل العلم وحكي عن أبي حنيفة أنه لا يستلم الركن اليماني قال ابن عبد البر جائز عند أهل العلم أن يستلم الركن اليماني والركن الأسود لا يختلفون في شئ من ذلك وإنما الذي فرقوا به بينهما التقبيل فرأوا تقبيل الأسود ولم يروا تقبيل اليماني وأما استلامهما فأمر مجتمع عليه قال وقد روي مجاهد عن ابن عباس قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استلم الركن اليماني قبله ووضع خده الأيمن عليه قال وهذا لا يصح إنما يعرف التقبيل في الحجر الأسود وحده وقد روى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يستلم إلا الحجر والركن اليماني، وقال ابن عمر ما تركت استلامهما منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمهما في شدة ولا رخاء رواهما مسلم ولأن الركن اليماني مبني على قواعد إبراهيم عليه السلام فسن استلامه كالركن الأسود فأما تقبيله فلم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا يسن

(فصل) وأما العراقي والشامي وهما الركنان اللذان يليان الحجر فلا يسن استلامهما في قول الأكثرين وروي عن أنس ومعاوية وجابر وابن الزبير والحسن والحسين رضي الله عنهم استلامهما قال معاوية ليس شئ من البيت مهجور ولنا قول ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يستلم إلا الحجر والركن اليماني وقال ما أراه يعني النبي صلى الله عليه وسلم لم يستلم الركنين اللذين يليان الحجر إلا لأن البيت لم يتم على قواعد إبراهيم ولا طاف الناس من وراء الحجر إلا لذلك وروى ابن عباس أن معاوية طاف فجعل يستلم الأركان كلها وقال له ابن عباس لم تستلم هذين الركنين ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يستلمهما؟ فقال معاوية ليس شئ من هذا البيت مهجوراً. فقال ابن عباس: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) . فقال معاوية: صدقت ولأنهما لم يتما على قواعد إبراهيم عليه السلام فلم بسن استلامها كالحائط الذي يلي الحجر (مسألة) (ويطوف سبعاً يرمل في الثلاثة الأول منها وهو إسراع المشي مع تقارب الخطى ولا يثب وثباً ويمشي أربعا) يجب الطواف سبعاً لأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف سبعاً ويرمل في الثلاثة الأول منها من الحجر إلى الحجر ومعنى الرمل إسراع المشي مع مقاربة الخطو من غير وثب وهو سنة في الأشواط الثلاثة من

باب ذكر دخول مكة

طواف القدوم وطواف العمرة للمتمتع لا نعلم بين أهل العلم فيه خلافاً ويمشي أربعة أشواط لأن النبي صلى الله عليه وسلم رمل ثلاثة أشواط ومشى أربعاً رواه جابر وابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم وأحاديثهم متفق عليها فإن قيل إنما رمل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لإظهار الجلد للمشركين ولم يبق ذلك المعنى إذ قد نفى الله المشركين فلم قلتم إن الحكم يبقى بعد زوال علته؟ قلنا قد رمل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه واضطبع في حجة الوداع بعد الفتح فثبت أنها سنة ثابتة وقال ابن عباس رمل النبي صلى الله عليه وسلم في عمره كلها وفي حجه وأبو بكر وعمر وعثمان والخلفاء من بعده رواه الإمام أحمد في المسند وقد ذكرنا حديث عمر إذا ثبت أن الرمل سنة في الأشواط الثلاثة فإنه يرمل من الحجر إلى الحجر لا يمشي في شئ منها روى ذلك عن عمر وابنه وابن مسعود وابن الزبير رضي الله عنهم وهو قول مالك والثوري والشافعي وأصحاب الرأي وقال طاوس وعطاء والحسن وسعيد بن جبير والقاسم وسالم بن عبد الله يمشي مابين الركنين لما روى ابن عباس قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مكة وقد وهنتهم الحمى فقال المشركون إنه يقدم عليكم قوم قدوهنتهم حمى يثرب ولقوامنها شراً فأطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على ما قالوا فلما قدموا قعد المشركون مما يلي الحجر فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يرملوا الأشواط الثلاثة ويمشوا مابين الركنين ليري المشركين جلدهم فلما رأوهم رملوا قال المشركون هؤلاء الذين زعمتم أن الحمى قد وهنتهم هؤلاء أجلد منا قال ابن عباس ولم يمنعه أن يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها إلا الابقاء عليهم متفق عليه

فإذا رأى البيت رفع يديه وكبر

ولنا ماروى ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رمل من الحجر إلى الحجر ومن رواية مسلم عن جابر قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رمل من الحجر حتى انتهى إليه وهذا يقدم على حديث ابن عباس لوجوه منها أن هذا إثبات ومنها أن رواية ابن عباس أخبار عن عمرة القضية وهذا إخبار عن فعله في حجة الوداع فيكون متأخراً فيجب تقديمه ومنها أن ابن عباس كان صغيراً في تلك الحال وجابر وابن عمر كانا رجلين يتبعان أفعال النبي صلى الله عليه وسلم ويحرصان على حفظها فهما أعلم ويحتمل أن يكون ماقاله ابن عباس اختص بالذين كانوا في عمرة القضية لضعفهم والإبقاء عليهم وما رويناه سنة في سائر الناس (فصل) ولا يسن الرمل في غير الأشواط الثلاثة الأول من طواف القدوم وطواف العمرة فإن ترك الرمل والاضطباع فيها لم يقضه في الأربعة الباقية لانها هيئة فان موضعها فسقطت كالجهر في الركعتين الأولتين ولأن المشي هيئة في الأربعة كما أن الرمل هيئة في الثلاثة فإذا رمل في الأربعة

الأخيرة كان تاركاً للهيئة في جميع طوافه كمن ترك الجهر في الأولتين من العشاء وجهر في الآخرتين فإن ترك الرمل في شوط من الثلاثة الاول أنى به في الاثنين الباقيين وإن تركه في اثنين أتى به في الثالث كذلك قال الشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي لأن تركه للهيئة في بعض محلها لا يسقطها في بقية محلها كتارك الجهر في إحدى الركعتين الأولتين لا يسقطه في الثانية (فصل) وإن نسي الرمل فليس عليه إعادة لأن الرمل هيئة فلم تجب الإعادة بتركه كهيئات

ثم يبتدئ بطواف العمرة إن كان معتمرا وبطواف القدوم إن كان مفردا أو قارنا

الصلاة وكالاضطباع في الطواف ولو تركه عمداً لم يلزمه شئ، وبه قال عامة العلماء، وحكي عن الحسن والثوري وابن الماجشون أن عليه دما لانه نسك وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم " من ترك نسكاً فعليه دم " ولنا أنها هيئة فلم يجب بتركها شئ كالاضطباع والحديث إنما يصح عن ابن عباس وقد قال: من ترك الرمل فلا شئ عليه. ثم قد خص بالاضطباع (فصل) ويستحب الدنو من البيت في الطواف لأنه المقصود فإن كان قربة زحام فظن أنه إذا وقف لم يؤذ أحداً وتمكن من الرمل وقف ليجمع بين الرمل والدنو من البيت وإن لم يظن ذلك وظن أنه إذا كان حاشية الناس تمكن من الرمل فعل وكان أولى من الدنو وإن كان لا يتمكن من الرمل أيضاً أو يختلط بالنساء فالدنو أولى ويطول كيفما أمكنه فإذا وجد فرجة رمل فيها، وإن تباعد من البيت أجزأه ما لم يخرج من المسجد سواء حال بينه وبين البيت حائل من قبة أو غيره أو لم يحل لأن الحائل لا يضر في المسجد كما لو صلى مؤتماً بالإمام من وراء حائل فقد روت ام سلمة رضي الله عنها

ويضطبع بردائه فيجعل وسطه تحت عاتقه الأيمن وطرفيه على عاتقه الأيسر

قالت: شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أشتكي فقال " طوفي من وراء الناس " قالت فطفت ورسول الله صلى الله عليه وسلم حينئذ يصلي إلى جنب البيت متفق عليه (مسألة) (وكلما حاذى الحجر والركن اليماني استلمهما أو أشار إليهما ويقول كلما حاذى الحجر لا إله إلا الله والله أكبر) يستحب استلام الحجر الركن اليماني في طوافه لأن ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدع أن يستلم الركن اليماني والحجر في كل طوفة قال نافع وكان ابن عمر يفعله رواه أبو داود فإن شق عليه استلامهما أشار إليهما لما روى البخاري بإسناده عن ابن عباس قال طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم على بعير كلما أتى الركن أشار بيده وكبر (فصل) ويكبر كلما حاذى الحجر الأسود لما رويناه ويقول لا إله إلا الله والله أكبر قالت عاشئة رضي الله عنها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنما جعل الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله عزوجل رواه الاثرم وابن المنذر (مسألة) (ويقول بين الركنين (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنه وقنا عذاب النار) لما روى أحمد في المناسك عن عبد الله بن السائب أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول فيما بين ركن بني جمح والركن الأسود " ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنه وقنا عذاب النار " وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " وكل الله به - يعني الركن اليماني - سبعين ألف ملك فمن قال اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة قالوا آمين (مسألة) (ويقول في سائر طوافه اللهم اجعله حجاً مبروراً وسعياً مشكوراً وذنباً مغفوراً رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم وأنت الأعز الأكرم) وكان عبد الرحمن بن عوف يقول رب قني شح نفسي وعن عروة قال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون لا إله إلا الله أنت، وأنت تحيي بعدما أمت، ويدعو بما أحب، ويكثر من ذكر الله تعالى، ويكثر الدعاء لأن ذلك مستحب في جميع الأحوال ففي حال تلبسه بهذه العبادة أولى، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويدع الحديث إلا ذكر الله تعالى أو قراءة القرآن أو أمراً بمعروف أو نهياً عن منكر أو ما لا بد له منه لقول النبي صلى الله عليه وسلم " الطواف بالبيت صلاة فمن تكلم فلا يتكلم إلا بخير " (فصل) ولا بأس بقراءة القرآن في الطواف، وبه قال مجاهد وعطاء والثوري وابن المبارك والشافعي وأصحاب الرأي، وعن أحمد كراهته وروي ذلك عن الحسن وعروة ومالك

يبتدئ من الحجر الأسود

ولنا ماروت عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في طوافه (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنه، وقنا عذاب النار) وكان عمر وعبد الرحمن بن عوف يقولان ذلك في الطواف وهو قرآن، ولأن الطواف صلاة ولا تكره القراءة في الصلاة قال ابن المبارك: ليس شئ أفضل من القران (فصل) والمرأة كالرجل في البداية بالطواف وفيما ذكرنا إلا أنها إذا قدمت مكة نهاراً ولم تخش مجيئ الحيض استحب لها تأخير الطواف إلى الليل لأنه أستر، ولايستحب لها مزاحمة الرجال لتستلم الحجر لكن تشير إليه بيدها كالذي لا يمكنه الوصول إليه: قال عطاء كانت عائشة تطوف حجزة من الرجال لا تخالطهم فقالت امرأة انطلقي نستلم يا أم المؤمنين فقالت انطلقي عنك وأبت (1) فإن خشيت الحيض أو النفاس استحب لها تعجيل الطواف كي لا يفوتها (مسألة) (وليس على النساء ولا أهل مكة رمل ولا اضطباع وليس في غير هذا الطواف رمل والا اضطباع) قال إبن المنذر أجمع أهل العلم على أنه لا رمل على النساء حول البيت ولا بين الصفا والمروة وليس عليهن اضطباع وذلك لأن الأصل فيها إظهار الجلد، ولا يقصد ذلك من النساء إنما يقصد فيهن الستر وفي الرمل والاضطباع تعرض للانكشاف (فصل) وليس على أهل مكة رمل وهذا قول ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهما وكان ابن

عمر إذا أحرم من مكة لم يرمل لأن الرمل إنما شرع في الأصل لإظهار الجلد والقوة لأهل البلد، وهذا المعنى معدوم في أهل البلد. والحكم فيمن أحرم من مكة حكم أهل مكة لما ذكرنا عن ابن عمر، ولأنه أحرم من مكة أشبه أهل البلد. وليس عليهم اضطباع لأن من لا يشرع له الرمل لا يشرع له الاضطباع كالنساء والمتمتع إذا أحرم بالحج من مكة ثم عاد وقلنا يشرع له طواف القدوم لم يرمل فيه. قال أحمد رحمه الله: ليس على أهل مكة رمل البيت ولا بين الصفا والمروة (فصل) وليس في غير هذا الطواف رمل ولا اضطباع لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إنما رملوا واضطبعوا في ذلك وذكر القاضي أن من ترك الرمل والاضطباع في طواف القدوم أتى بهما في طواف الزيارة لأنهما سنة أمكن قضاؤها فتقضى كسنن الصلاة وليس بصحيح لما ذكرنا من أن من تركه في الثلاثة الأول لا يقضيه في الأربعة. وكذلك من ترك الجهر في صلاة الفجر لا يقضيه في صلاة الظهر، ولا يقتضي القياس أن يقضي هيئة عبادة في عبادة أخرى. قال القاضي ولو طاف فرمل واضطبع ولم يسع بين الصفا والمروة فإذا طاف بعد ذلك رمل في طوافه لأنه يرمل في السعي بعده وهو تبع في الطواف فلو قلنا لا يرمل في الطواف أفضى إلى كون التبع أكمل من المتبوع، وهذا قول مجاهد والشافعي قال شيخنا: وهذا لا يثبت بمثل هذا الرأي الضعيف فإن المتبوع لا تتغير هيئاته تبعاً كتبعة ولو كانا متلازمين كان ترك الرمل في السعي تبعاً لعدمه في الطواف أولى من الرمل في الطواف تبعا للسعي

ثم يأخذ على يمينه ويجعل البيت على يساره

(مسألة) (ومن طاف راكباً أو محمولاً أجزأه وعنه لا يجزئه إلا لعذر ولا يجزيء عن الحامل) يصح طواف الراكب للعذر بغير خلاف علمناه لأن ابن عباس روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه طاف في حجة الوداع على بعير يستلم الركن بمحجن. وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت شكوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم أني أشتكي فقال " طوفي من وراء الناس وأنت راكبة " متفق عليهما وقال جابر رضي الله عنه طاف النبي صلى الله عليه وسلم على راحلته بالبيت وبالصفا والمروة ليراه الناس وليشرف عليهم يسألوه فإن الناس غشوه، والمحمول كالراكب فيما ذكرنا قياساً عليه (فصل) فإن فعل ذلك لغير عذر فعن أحمد فيه ثلاث روايات (إحداهن) لا يجزئ وهو ظاهر كلام الخرقي لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " الطواف بالبيت صلاة ولأنها عبادة تتعلق بالبيت فلم يجز فعلها راكباً لغير عذر كالصلاة " (والثانية) يجزئه ويجبره بدم وهو قول أبي حنيفة إلا أنه قال بعيد ما كان بمكة فإن رجع جبره بدم لأنه ترك صفة واجبة في ركن الحج أشبه مالو دفع من عرفة قبل الغروب (والثالثة) يجزئ ولا شئ عليه اختارها أبو بكر وهو مذهب الشافعي وابن المنذر، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف راكباً قال إبن المنذر لا قول لأحد مع فعل النبي صلى الله عليه وسلم ولأن الله تعالى أمر بالطواف مطلقاً فكيفما أتى به أجزأه ولا يجوز تقييد المطلق بغير دليل (فصل) والطواف راجلاً أفضل بغير خلاف لأن النبي صلى الله عليه وسلم في غير حجة الوداع طاف ماشياً

وأصحابه طافوا مشاة وفي قول أم سلمة شكوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم إني أشتكي فقال " طوفي من وراء الناس وأنت راكبة " دليل على أن الطواف إنما يكون مشياً وانا طاف النبي صلى الله عليه وسلم راكباً لعذر فإن ابن عباس روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كثر عليه الناس يقولون هذا محمد هذا محمد حتى خرج العواتق من البيوت وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يضرب الناس بين يديه فلما كثروا عليه ركب رواه مسلم. وكذلك في حديث جابر: فإن الناس غشوه (1) ورواه عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم. طاف راكباً لشكاة به وبهذا يعتذر من منع الطواف راكباً عن طواف النبي صلى الله عليه وسلم والحديث الأول أثبت فعلى هذا يكون كثرة الناس وشدة الزحام عذراً، ويحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قصد تعليم الناس فلا يتمكن إلا بالركوب (فصل) وإذا طاف راكباً أو محمولاً فلا رمل فيه وقال القاضي يخب به بعيره والصحيح الأول لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله ولا أمر به ولا يتحقق فيه معنى الرمل (فصل) فأما السعي محمولاً وراكباً فيجزئه لعذر ولغير عذر لأن المعنى الذي منع الطواف راكباً غير موجود فيه (فصل) من طيف به محمولاً لم يخل من ثلاثة أحوال (أحدها) أن ينويا جميعاً عن المحمول أو ينوي المحمول على نفسه ولا ينوي الحامل شيئاً فيقع عنه دون الحامل بغير خلاف (الثاني) أن يقصدا

ويطوف سبعا يرمل في الثلاثة الأول منها وهو إسراع المشي مع تقارب الخطى ولا يثب وثبا ويمشي أربعا

عن الحامل فيقع عنه ولا شئ للمحمول وكذلك أن نوى الحامل عن نفسه ولم ينو المحمول (الثالث) أن يقصد كل واحد عن نفسه فيقع للمحمول دون الحامل وهذا أحد قولي الشافعي والقول الآخر يقع للحامل لأنه الفاعل. وقال أبو حنيفة يقع لهما لأن كل واحد منهما طائف بنية صحيحة فأجزأ الطواف عنه كما لو لم ينو صاحبه شيئاً ولأنه لو حمله بعرفات لكان الوقوف عنهما كذا هذا، قال (شيخنا) وهو قول حسن، ووجه الأول أنه طواف أجزأ عن المحمول فلم يقع عن الحامل كما لو نويا جميعاً ولأنه طواف واحد فلم يقع عن شخصين كالراكب أما إذا حمله بعرفة فما حصل الوقوف بالحمل فإن المقصود الكون عفرفات وهما كائنان بها والمقصود ههنا الفعل وهو واحد فلا يقع عن شخصين ووقوعه عن المحمول أولى لأنه لم ينو بطوافه إلا لنفسه، والحامل لم يخلص قصده بالطواف لنفسه فإنه لو لم يقصد الطواف بالمحمول لما حمله فإن تمكنه من الطواف لا يقف على حمله قصار المحمول مقصوداً لهما ولم يخلص قصد الحامل لنفسه فلم يقع لعدم التعيين. وقال أبو حفص العكبري لا يجزئ الطواف عن واحد منهما لأن فعلا واحدا لا يقع عن اثنين وليس أحدهما أولى به من الآخر، وقد ذكرنا أن المحمول أولى بخلوص نيته لنفسه وقصد الحامل له فإن عدمت النية منهما أو نوى كل واحد منهما عن الآخر لم تصح لواحد منهما (مسألة) (وإن طاف منكساً أو على جدار الحجر أو شاذروان الكعبة، أو ترك شيئاً من طوافه وإن قل أو لم ينوه لم يجزه) إذا نكس الطواف فجعل البيت على يمينه لم يجزه، وبه قال مالك والشافعي وقال أبو حنيفة يعيد ما كان بمكة فإن رجع جبره بدم لأنه ترك هيئة فلم تمنع الأجزاء كترك الرمل والاضطباع ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل البيت في الطواف على يساره وقال عليه الصلاة والسلام " لتأخذوا

عني مناسككم " ولأنها عبادة متعلقة بالبيت فكان الترتيب شرطاً لصحتها كالصلاة، وما قاسوا عليه مخالف لما ذكرنا كما اختلف حكم هيئات الصلاة وترتيبها (فصل) ويطوف من وراء الحجر لأن الله تعالى قال (وليطوفوا بالبيت العتيق) والحجر منه فمن لم يطف به لم يعتد بطوافه، وبهذا قال عطاء ومالك والشافعي وأبو ثور وابن المنذر. وقال أصحاب الرأي إن كان بمكة قضى ما بقي، وإن رجع إلى الكوفة فعليه دم ونحوه قول الحسن ولنا أنه من البيت لما روت عائشة رضي الله عنها قالت سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحجر فقال " هو من البيت " وعنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أن قومك استقصروا من بنيان البيت ولولا حداثة عهدهم بالشرك أعدت ما تركوا منها فإن بدا لقومك من بعدي أن يبنوا فهلمي لأريك ما تركوا منها " فأراها قريباً من سبعة أذرع رواهما مسلم، وعنها قالت قلت يا رسول الله إني نذرت إن أصلي في البيت " قال صلي في الحجر فإن الحجر من البيت " رواه الترمذي وقال حسن صحيح فمن ترك الطواف بالحجر لم يطف بالبيت جميعه فلم يصح كما لو ترك الطواف ببعض البناء، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف من وراء الحجر وقال " لتأخذوا عني مناسككم "

(فصل) ولو طاف على جدار الحجر أو شاذروان الكعبة وهو ما فضل من جدارها لم يجز لأن ذلك من البيت فإذا لم يطف به لم يطف بكل البيت، وكذلك إن ترك شيئاً من طوافه وإن قل لم يجزه لأن لم يطف بجميع البيت، وقد طاف النبي صلى الله عليه وسلم من وراء ذلك وطاف بجميع البيت من الحجر إلى الحجر (1) (فصل) والنية شرط في الطواف إن تركها لم يصح لأنها عبادة تتعلق بالبيت فاشترطت لها النية كالصلاة، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " الطواف بالبيت صلاة " والصلاة لا تصح بدون النية (مسألة) (وإن طاف محدثاً أو نجساً أو عرياناً لم يجزه وعنه يجزئه ويجبره بدم) الطهارة من الحدث والنجاسة والستارة شرائط لصحة الطواف في ظاهر المذهب وهو قول مالك والشافعي، وعن أحمد أن الطهارة ليست شرطاً فمتى طاف للزيارة غير متطهر أعاد ما كان بمكة فإن خرج إلى بلده جبره بدم، وكذلك يخرج في الطهارة من النجس والستارة، وعنه فيمن طاف للزيارة وهو ناس للطهارة لا شئ عليه، وقال أبو حنيفة ليس شئ من ذلك شرطاً، واختلف أصحابه فقال بعضهم هو واجب، وقال بعضهم هو سنة لأن الطواف ركن للحج فلم تشترط له الطهارة كالوقوف ولنا ما روى ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " الطواف بالبيت صلاة إلا أنكم تتكلمون فيه " رواه الترمذي والاثرم، وعن أبي هريرة أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه بعثه في الحجة التي أمره عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم قل حجة الوداع يوم النحر يؤذن " لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان " متفق عليه، ولأنها عبادة متعلقة بالبيت فكانت الطهارة والستارة فيها شرطاً كالصلاة وعكسه الوقوف، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة حين حاضت " افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت " (فصل) وإذا شك في الطهارة وهو في الطواف لم يصح طوافه لأنه شك في شرط العبادة قبل الفراغ منها أشبه ما لو شك في الطهارة وهو في الصلاة، وإن شك بعد الفراغ منه لم يلزمه شئ لأن الشك في شرط العبادة بعد فراغها لا يؤثر فيها، وإن شك في عدد الطواف بني على اليقين. قال إبن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على ذلك لانها عبادة فمتى شك فيها وهو فيها بني على اليقين كالصلاة، فإن أخبره ثقة عن عدد طوافه قبل قوله إن كان عدلاً، وإن شك في عدده بعد الفراغ منه لم يلتفت إليه كمن شك في عدد الركعات بعد فراغ الصلاة، قال أحمد إذا كان رجلان

وكلما حاذى الحجر والركن اليماني استلمهما أو أشار إليهما ويقول كلما حاذى الحجر لا إله إلا الله والله أكبر

يطوفان فاختلفا في الطواف بنيا على اليقين، قال شيخنا وهو محمول على أنهما شكا، فإن كان أحدهما يتيقن حال نفسه لم يلتفت إلى قول غيره، (فصل) إذا فرغ المتمتع ثم علم أنه كان على غير طهارة في أحد الطوافين لا بعينه بنى الأمر على الأشد وهو أنه كان محدثاً في طواف العمرة فلم تصح ولم يحل منها فيلزمه دم للحلق ويكون قد أدخل الحج على العمرة فيصير قارنا ويجزئه الطواف للحج عن النسكين، ولو قدرناه من الحج لزمه إعادة الطواف ويلزمه إعادة السعي على التقديرين لأنه وجد بعد طواف غير معتد به، وإن كان وطئ بعد حله من العمرة حكمنا بأنه أدخل حجا على عمرة فاسدة فلا يصح ويلغو ما فعله من أفعال الحج ويتحلل بالطواف الذي قصده للحج من عمرته الفاسدة وعليه دم للحلق ودم للمضي في عمرته ولا يحصل له حج ولا عمرة، ولو قدرناه من الحج لم يلزمه أكثر من إعادة الطواف والسعي ويحصل له الحج والعمرة (مسألة) (وإن أحدث في بعض طوافه أو قطعه بفصل طويل ابتدأه) إذا أحدث في الطواف عمداً ابتدأ الطواف لأن الطهارة شرط له، فإذا أحدث عمداً أبطله كالصلاة وإن سبقه الحدث ففيه روايتان (إحداهما) يبتدئ أيضاً وهو قول مالك والحسن قياساً على الصلاة (والثانية) يتوضأ ويبني وبها قال الشافعي وإسحاق، وقال حنبل عن أحمد فيمن طاف ثلاثة أشواط أو أكثر يتوضأ فإن شاء بنى وإن شاء استأنف، قال أبو عبد الله يبني إذا لم يحدث حدثاً إلا الوضوء، فإن عمل عملاً غير ذلك استقبل الطواف وذلك لان المولاة تسقط عند العذر على إحدى الروايتين وهذا عذر، فأما إن اشتغل بغير الوضوء لزمه الابتداء لأنه ترك الموالاة لغير عذر وهذا إذا كان الطواف فرضاً، فأما النفل فلا تجب إعادته كالصلاة المسنونة إذا بطلت (فصل) والموالاة شرط في الطواف فمتى قطعه بفصل طويل ابتدأه سواء كان عمداً أو سهواً مثل أن يترك شوطاً من الطواف يظن أنه قد أتمه، وقال أصحاب الرأي فيمن طاف ثلاثة أشواط من طواف الزيارة ثم رجع إلى بلده عليه أن يعود فيطوف ما بقي ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم وإلى بين طوافه وقال " خذوا عني مناسككم " ولأنه صلاة فاشترطت له الموالاة كسائر الصلوات، أو نقول: عبادة متعلقة بالبيت فاشترطت لها الموالاة كالصلاة والمرجع في طول الفصل وقصره إلى العرف، وقد روي عن أبي عبد الله رحمه الله رواية أخرى إذا كان له عذر يشغله بنى، وإن قطعه لغير عذر أو لحاجة استقبل الطواف، وقال إذا أعيا في الطواف لا بأس ان

ويقول في سائر طوافه: اللهم اجعله حجا مبرورا وسعيا مشكورا وذنبا مغفورا رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم الأعز الأكرم

يتسريح، وقال الحسن غشي عليه فحمل إلى أهله، فلما أفاق أتمه لأنه قطعه للعذر فجاز البناء عليه كما لو قطعه للصلاة (مسألة) (ولو كان يسيراً أو أقيمت الصلاة أو حضرت جنازة صلى وبنى) ويتخرج أن الموالاة سنة، أما إذا لم يطل الفصل فإنه يبني على طوافه لأنه يسير فعفي عنه، وكذلك إن أقيمت الصلاة المكتوبة فإنه يقطع الطواف ويصلي جماعة في قول كثير من أهل العلم، وقال مالك يمضي في طوافه ولا يقطعه إلا أن يخاف أن يضر بوقت الصلاة لأنه صلاة فلا يقطعه لصلاة أخرى ولنا قوله صلى الله عليه وسلم " إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة " والطواف صلاة فيدخل في عموم النص، وإذا صلى بنى على طوافه، قال إبن المنذر ولا نعلم احدا خالف في ذلك إلا الحسن فإنه قال: يستأنف، وقول الجمهور أولى لأن هذا فعل مشروع في أثناء الطواف فلم يقطعه كاليسير، وكذلك الحكم في الجنازة إذا حضرت يصلي عليها ثم يبني على طوافه لأنها تفوت بالتشاغل عنها، قال أحمد ويكون ابتداؤه من الحجر أنه يبتدئ بالحجر الشوط الذي قطعه من الحجر حين يشرع في البناء، وحكم السعي حكم الطواف فيما ذكرنا لأنه إذا ثبت ذلك في الطواف مع تأكده ففي السعي بطريق الأولى، ولأن ذلك يروي عن ابن عمر رضي الله عنهما ولا يعرف له في الصحابة مخالف وهذا قول عطاء والشافعي وأبي ثور وأصحاب الرأي ولا نعلم عن غيرهم خلافهم، ويتخرج أن الموالاة في الطواف سنة وهو قول أصحاب الرأي قياساً على الصفا والمروة والصحيح الأول لما ذكرنا (مسألة) (ثم يصلي ركعتين) والأفضل أن يكون خلف المقام يقرأ فيهما (قل يا أيها الكافرون) في الأولى و (قل هو الله أحد) في الثانية فإن جابراً رضي الله عنه روى في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم قال: حتى أتينا البيت معه استلم الركن فرمل ثلاثاً ومشى أربعاً ثم تقدم إلى مقام إبراهيم فقرأ (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) فجعل المقام بينه وبين البيت، قال محمد بن علي ولا أعلمه إلا ذكره عن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في

الركعتين (قل هو الله أحد، وقل يا أيها الكافرون) وحيث ركعهما ومهما قرأ فيهما جاز فإن عمر رضي الله عنه ركعهما بذي طوى، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأم سلمة " إذا أقيمت صلاة الصبح فطوفي على بعيرك والناس يصلون " ففعلت ذلك فلم تصل حتى خرجت، ولا بأس أن يصليهما إلى غير سترة ويمر بين يديه الطائفون من الرجال والنساء فإن النبي صلى الله عليه وسلم صلاهما والطواف بين يديه ليس بينهما شئ، وكان ابن الزبير يصلي والطواف بين يديه فتمر المرأة بين يديه ينتظرها حتى ترفع رجلها ثم يسجد وكذلك سائر الصلوات بمكة لا يعتبر لها سترة وقد ذكرنا ذلك (فصل) والركعتان فيه سنة مؤكذة غير واجبة، وبه قال مالك وللشافعي قولان (أحدهما) أنهما واجبتان لأنهما تابعتان للطواف فكانا واجبتين كالسعي ولنا قول عليه السلام للأعرابي حين سأله عن الفرائض فذكر الصلوات الخمس، فقال هل علي غيرها؟ قال " لا إلا أن تطوع " ولأنها صلاة لم يشرع لها جماعة فلم تكن واجبة كسائر النوافل وأما السعي فلم يجب لكونه تابعاً ولا هو مشروع مع كل طواف بخلاف الركعتين فإنهما يشرعان عقيب كل طواف (فصل) فإن صلى المكتوبة بعد طوافه أجزأته عن ركعتي الطواف، روي نحوه عن ابن عباس

وليس على النساء ولا أهل مكة رمل اضطباع وليس في غير هذا الطواف رمل ولا اضطباع

وعطاء وجابر بن زيد والحسن وسعيد بن جبير واسحاق، وعنه أنه يصلي ركعتي الطواف بعد المكتوبة، قال أبو بكر عبد العزيز هو أقيس، وبه قال الزهري ومالك وأصحاب الرأي لأنه سنة فلم يجز عنها المكتوبة كركعتي الفجر ولنا أنهما ركعتان شرعتا للنسك فأجزأت عنهما المكتوبة كركعتي الإحرام (فصل) ولا بأس أن يجمع بين الأسابيع فإذا فرغ منها ركع لكل أسبوع ركعتين فعلته عائشة والمسور ابن مخرمة، وبه قال عطاء وطاوس وسعيد بن جبير وكرهه ابن عمر والحسن والزهري ومالك وأبو حنيفة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله، ولأن تأخير الركعتين عن طوافهما يخل بالموالاة بينهما ولنا أن الطواف يجري مجرى الصلاة يجوز جمعها ويؤخر ما بينها فيصليها بعدها كذلك ههنا، وكون النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله لا يوجب كراهته فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يطف أسبوعين ولا ثلاثة وذلك غير مكروه بالاتفاق والموالاة غير معتبرة بين الطواف والركعتين بدليل أن عمر صلاهما بذي طوى وأخرت أم سلمة ركعتي الطواف حين طافت راكبة بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن ركع لكل أسبوع عقيبه كان أولى وفيه اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وخروج من الخلاف (فصل) والمشترط لصحة الطواف تسعة أشياء: الطهارة من الحدث والنجاسة، وستر العورة، والنية، والطواف بجميع البيت، وإن يكمل سبعة أشواط، ومحاذاة الحجر بجميع بدنة، والترتيب، وهو أن يطوف على يمينه، والموالاة، وسننه استلام الركن وتقبيله أو ما قام مقامه من الإشارة،

ومن طاف راكبا أو محمولا أجزأه وعنه لا يجزئه إلا لعذر ولا يجزئ عن الحامل

واستلام الركن اليماني والاضطباع والرمل، والمشي في موضعه، والدعاء والذكر، وركعتا الطواف، والطواف ماشياً، والدنو من البيت، وفي ذلك اختلاف ذكرناه فيما مضى (مسألة) (ثم يعود إلى الركن فيستلمه) إذا فرغ من ركعتي الطواف وأراد الخروج إلى الصفا استحب أن يعود فيستلم الحجر نص عليه أحمد لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك ذكره جابر في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم وكان ابن عمر يفعله وبه قال النخعي ومالك والثوري والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه خلافا (مسألة) (ثم يخرج إلى الصفا من بابه ويسعى سبعاً يبدأ بالصفا فيرقى عليه حتى يرى البيت فيستقبله ويكبر ثلاثاً ويقول الحمد لله على ما هدانا لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شئ قدير، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، صدق وعده، ونصر عبده، وهرم الأحزاب وحده، لا إله إلا الله لا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، ثم يلبي ويدعو بما أحب) وجملة ذلك أنه إذا فرغ من طوافه واستلم الركن فالمستحب أن يخرج إلى الصفا من بابه فيأتي الصفا فيرقى عليه حتى يرى الكعبة فيستقبلها فيكبر الله عزوجل ويهلله ويدعو بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم وما أحب من الدنيا والآخرة قال جابر رضي الله عنه في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم ثم رجع إلى الركن فاستلمه ثم خرج من الباب إلى الصفا فلما دنا من الصفا قرأ (إن الصفا والمروة من شعائر الله) نبدأ بما بدأ الله به " فبدأ بالصفا فرقي عليه حتى رأى البيت فاستقبل القبلة فوحد الله وكبره وقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز

وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ثم دعا بين ذلك وقال مثل هذا ثلاث مرات. قال أحمد رحمه الله ويدعو بدعاء ابن عمر رضي الله عنهما، ورواه إسماعيل عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أنه كان يخرج من الصفا من الباب الأعظم فيقوم عليه فيكبر سبع مرار ثلاثاً ثلاثا يكبر ثم يقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير، لا إله إلا الله لا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، ثم يدعو فيقول: اللهم اعصمني بدينك وطواعيتك وطواعية رسولك، اللهم جنبني حدودك، اللهم اجعلني ممن يحبك ويحب ملائكتك وأنبيائك ورسلك وعبادك الصالحين، اللهم حببني إليك وإلى ملائكتك وإلى رسلك وإلى عبادك الصالحين، اللهم يسرني لليسرى وجنبني للعسرى، واغفر لي في الآخرة والأولى، واجعلني من أئمة المتقين، واجعلني من ورثة جنة النعيم، واغفر لي خطيئتي يوم الدين، اللهم قلت وقولك الحق (ادعوني أستجب لكم) وإنك لا تخلف المعياد، اللهم إذ هديتني للإسلام فلا تنزعني منه ولا تنزعه مني حتى توفاني على الاسلام، اللهم لا تقدمني إلى العذاب، ولا تؤخرني لسوء الفتن. قال ويدعو دعاء كثيراً حتى إنه ليملنا وانا لشاب وكان إذا أتى على المسعى سعى وكبر، وكل ما دعا به فحسن (فصل) فإن لم يرق على الصفا فلا شئ عليه، قال القاضي لكن يجب عليه أن يستوعب ما بين الصفا والمروة فيلصق عقبيه بأسفل الصفا ثم يسعى إلى المروة فإن لم يصعد عليها ألصق أصابع رجليه

بأسفل المروة والصعود عليهما أولى اقتداء بفعل النبي صلى الله عليه وسلم، فإن ترك مما بينهما شيئاً ولو ذراعا لم يجزه حتى يأتي به، وحكم المرأة في ذلك حكم الرجل إلا أنها لا ترقى لئلا تزاحم الرجال ولأنه استر لها (مسألة) (ثم ينزل فيمشي حتى يأتي العلم فيسعى سعياً شديداً إلى العلم الآخر، ثم يمشي حتى يأتي المروة فيفعل عليها كما فعل علي الصفا، ثم ينزل فيمشي في موضع مشيه، ويسعى في موضع سعيه يفعل ذلك سبعاً) يحتسب بالذهاب سعية، وبالرجوع سعيه، يفتتح بالصفا ويختتم بالمروة، فإن افتتح بالمروة لم يحتسب بذلك الشوط، هذا وصف السعي وهو أن ينزل من الصفا فيمشي حتى يأتي العلم أي يحاذيه وهو الميل الأخضر في ركن المسجد، فإذا كان منه نحواً من ستة أذرع سعى سعياً شديداً حتى ياحذي العلم الآخر وهما الميلان الأخضران بفناء المسجد وحذاء دار العباس، ثم يترك السعي فيمشي حتى يأتي المروة فيرقى عليها ويستقبل القبلة ويدعو بمثل دعائه على الصفا ومهما دعا به فلا بأس وليس في الدعاء شئ موقت ثم ينزل فيمشي في موضع مشبه ويسعى في موضع سعيه ويكثر من الدعاء والذكر فيما بين ذلك. قال أبو عبد الله كان ابن مسعود إذا سعى بين الصفا والمروة قال: رب اغفر وارحم، وتجاوز عما تعلم،

وأنت الأعز الأكرم. وقال النبي صلى الله عليه وسلم " إنما جعل رمي الجمار والسعي بين الصفا والمروة لإقامة ذكر الله عزوجل " قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح ولا يزال حتى تكمل سبعة أشواط يحتسب بالذهاب سعية وبالرجوع سعية وحكي عن ابن جرير وبعض الشافعية أنهم قالوا ذهابه ورجوعه سعية وهذا غلط لأن جابرا قال في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم ثم نزل إلى المروة حتى إذا انفضت قدماه رمل في بطن الوادي حتى إذا صعدنا مشى حتى إذا أتى المروة فعل على المروة كما فعل علي الصفا فلما كان آخر طوفه على المروة قال " لو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي ولجعلتها عمرة " وهذا يقتضي أنه آخر طوافه، ولو كان على ما ذكروه كان آخره عند الصفا في الموضع الذي بدأ منه، ولأنه في كل مرة طائف بهما فاحتسب بذلك مرة كما إذا طاف بجميع البيت احتسب به مرة (فصل) ويفتتح بالصفا ويختم بالمروة لأن الترتيب شرط في السعي كذلك، فإن بدأ بالمروة لم يحتسب بذلك الشوط، فإذا صار إلى الصفا اعتد بما يأتي به بعد ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ بالصفا وقال " نبدأ بما بدأ الله به " وهذا قول الحسن ومالك والشافعي والاوزاعي وأصحاب الرأي، وعن ابن عباس أنه قال: قال الله تعالى (إن الصفا والمروة من شعائر الله) فبدأ بالصفا وقال اتبعوا القرآن فما بدأ الله به فابدؤا به

وإن طاف منكسا أو على جدار الحجر أو شاذروان الكعبة، أو ترك شيئا من طوافه وإن قل أو لم ينوه لم يجزه

(فصل) والرمل في السعي سنة لأن النبي صلى الله عليه وسلم سعى وسعى أصحابه فروت صفية بنت شيبة عن أم ولد شيبة قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسعى بين الصفا والمروة ويقول " لانقطع الأبطح إلا شداً " وليس ذلك بواجب ولا شئ على تاركه، فان ابن عمر قال: إن أسع بين الصفا والمروة فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسعى، وإن أمش فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي وأنا شيخ كبير. رواهما ابن ماجة وأبو داود، ولان ترك الرمل في الطواف بالبيت لا شئ فيه فبين الصفا والمروة أولى (مسألة) (ويستحب أن يسعى طاهراً مستتراً متوالياً، وعنه أن ذلك من شرائطه) المستحب لمن قدر على الطهارة أن لا يسعى إلا متطهراً من الحدث والنجاسة وكذلك جميع المناسك، فإن سعى بين الصفا والمروة على غير طهارة كره له ذلك وأجزأه في قول أكثر أهل العلم منهم عطاء ومالك والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي وكان الحسن يقول. إذا ذكر قبل أن يحل فليعد الطواف، وإن ذكر بعد ماحل فلا شئ عليه ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها حين حاضت " اقضي ما يقضي الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت " ولأن ذلك عبادة لا تتعلق بالبيت أشبهت الوقوف بعرفة، قال أبو داود سمعت أحمد يقول إذا طافت المرأة بالبيت ثم حاضت سعت بين الصفا والمروة ثم نفرت، وروي عن عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما أنهما قالتا إذا طافت المرأة بالبيت وصلت ركعتين ثم حاضت بين الصفا والمروة فلتطف

بالصفا والمروة رواه الأثرم، ولا تشترط الطهارة من النجاسة أيضاً ولا الستارة للسعي لأنه إذا لم تشترط الطهارة من الحدث وهي آكد فغيرها أولى، وقد ذكر بعض أصحابنا رواية عن أحمد أنه كالطواف في اشتراط الطهارة والستارة قياسا عليه ولا عمل عليه (فصل) والموالاة في السعي غير مشترطه في ظاهر كلام أحمد رحمه الله فإنه قال في رجل كان بين الصفا والمروة فلقيه قادم بعرفة يقف يسلم عليه ويسأله قال نعم أمر الصفا سهل إنما كان يكره الوقوف في الطواف بالبيت، فأما بين الصفا والمروة فلا بأس؟ وقال القاضي تشترط الموالاة فيه قياساً على الطواف، وحكي رواية عن أحمد والأول أصح فإنه نسك لا يتعلق بالبيت فلم تشترط له الموالاة كالرمي والحلاق، وقد روى الأثرم أن سودة بنت عبد الله بن عمر امرأة عروة بن الزبير سعت بين الصفا والمروة فقضت طوافها في ثلاثة أيام وكانت ضخمة، وكان عطاء لا يرى بأساً ان يستريح بينهم ولا يصح قياسه على الطواف لأن الطواف يتعلق بالبيت وهو صلاة، وتشترط له الطهارة والستارة فاشترطت له الموالاة بخلاف السعي (مسألة) (والمرأة لا ترمل ولا ترقى) لا يسن للمرأة أن ترقى على المروة لئلا تزاحم الرجال ولأن ذلك استر لها ولا يسن لها الرمل، قال إبن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أنه لا رمل على النساء حول البيت ولابين الصفا والمروة، وذلك لأن الأصل في ذلك إظهار الجلد ولا يقصد ذلك في حقهن، ولأن النساء يقصد منهن الستر وفي ذلك تعرض للانكشاف فلم يستحب لهن (فصل) والسعي تبع للطواف لا يصح إلا بعد الطواف فإن سعى قبله لم يصح، وبه قال مالك

وإن طاف محدثا أو نجسا أو عريانا لم يجزه وعنه يجزئه ويجبره بدم

والشافعي وأصحاب الرأي وقال عطاء يجزئه، وعن أحمد يجزئه إن نسي وإلا فلا لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن التقدم والتأخر في حال الجهل والنسيان قال " لاحرج " ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما سعى بعد الطوف وقال " لتأخذوا عني مناسككم " فعلى هذا إن سعى بعد طوافه ثم علم أنه طاف غير متطهر أعاد السعي، وإن سعى المفرد والقارن بعد طواف القدوم لم يلزمهما سعي بعد ذلك ولا تجب الموالاة بين الطواف والسعي، روى ذلك عن الحسن وعطاء قالا: لا بأس ان يطوف أول النهار ويسعى آخره، وفعله القاسم وسعيد بن جبير لأن الموالاة إذا لم تجب في نفس السعي ففيما بينه وبين الطواف أولى (مسألة) (فإذا فرغ من السعي فإذا كان معتمراً قصر من شعره وتحلل إلا أن يكون قد ساق معه هديا فلا يحل حتى يحج) إذا طاف المتمتع وسعى وقصر أو حلق وقد حل من عمرته إن لم يكن معه هدي لما روى ابن عمر رضي الله عنهما قال: تمتع الناس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة قال للناس " من كان معه هدي فإنه لا يحل من شئ حرم منه حتى يقضي حجته ومن لم يكن معه هدي فليطف بالبيت وبالصفا وبالمروة وليقصر وليحلل " متفق عليه ولا نعلم فيه خلافا، ولا يستحب تأخير التحلل قال أبو داود سمعت أحمد سئل عمن دخل مكة

معتمراً فلم يقصر حتى كان يوم التروية عليه شئ؟ قال هذا لم يحل حتى يقصر ثم يهل بالحج وليس عليه شئ وبئس ما صنع (فصل) فأما من معه الهدي فليس له أن يتحلل لكن يقيم على إحرامه ويدخل الحج على العمرة ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعاً نص عليه أحمد وهو قول أبي حنيفة، وعن أحمد رواية أخرى أنه يحل له التقصير من شعر رأسه خاصة ولا يمس من أظفاره وشاربه شيئاً روى ذلك عن ابن عمر وهو قول عطاء لما روي عن معاوية قال قصرت من رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشقص عند المروة متفق عليه، وقال مالك والشافعي في قول له التحلل ونحر هديه عند المروة ويحتمله كلام الخرقي ولنا ما ذكرنا من حديث ابن عمر وروت عائشة قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فأهللت بعمرة ولم أكن سقت الهدي فقال النبي صلى الله عليه وسلم " من كان معه هدي فليهل بالحج مع عمرته ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعا " وعن حفصة أنها قلت: يارسول الله ما شأن الناس حلوا من العمرة ولم تحلل أنت من عمرتك؟ قال " إني لبدت رأسي وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر " متفق عليه والأحاديث فيه كثيرة، وعن أحمد رواية ثالثة فيمن قدم متمتعاً في أشهر الحج وساق الهدي قال إن دخلها في العشر لم ينحر الهدي حتى ينحره يوم النحر وإن قدم في العشر نحر الهدي وهذا يدل على أن المتمتع إذا قدم قبل العشر حل وإن كان معه هدي وإن قدم

وإن أحدث في بعض طوافه أو قطعه بفصل طويل ابتدأه

في العشر لم يحل وهو قول عطاء رواه حنبل في المناسك وقال فيمن لبد أو ضفر هو بمنزلة من ساق الهدي لحديث حفصة والرواية الأولى أولى لما فيها من الأحاديث الصحيحة الصريحة فهي أولى بالاتباع (فصل) فأما المعتمر غير المتمتع فإنه يحل سواء كان معه هدي أو لم يكن وسواء كان في أشهر الحج أو في غيرها لأن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر ثلاث عمر سوى عمرته التي مع حجته بعضهن في ذي القعدة وقيل كلهن في ذي القعدة وكان يحل فإن كان معه هدي نحره عند المروة وحيث نحره من الحرم جاز لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " كل فجاج مكة طريق ومنحر " رواه أبو داود (فصل) وقول المصنف رحمه الله قصر من شعره يدل على أن المستحب في حق المتمتع إذا حل من عمرته التقصير ليؤخر الحلق إلى الحج قال أحمد رحمه الله في رواية أبي داود يعجبني إذا دخل متمتعاً أن يقصر ليكون الحلق للحج ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه إلا بالتقصير فقال في حديث جابر " حلوا من إحرامكم بطواف بين الصفا والمروة وقصروا " وفي حديث ابن عمر أنه قال " من لم يكن معه هدي فليطف بالبيت وبين الصفا والمروة وليقصر وليحلل " متفق عليه. وإن حلق جاز لأنه أحد النسكين فجاز فيه كل واحد منهما وفي الحديث دليل على أنه لا يحل إلا بالتقصير وهذا ينبني على أن التقصير هل هو نسك أو لا وسنذكر ذلك إن شاء الله تعالى فإن أحرم بالحج قبل التقصير وقلنا هو نسك فقد أدخل الحج على العمرة وصار قارنا

ولو كان يسيرا أو أقيمت الصلاة أو حضرت جنازة صلى وبنى

(فصل) فإن ترك التقصير أو الحلق وقلنا هو نسك فعليه دم فإن وطئ قبل التقصير فعليه دم وعمرته

صحيحة، وبهذا قال مالك وأصحاب الرأي وحكى عن أصحاب الشافعي إن عمرته تفسد لأنه وطئ

ثم يصلي ركعتين

قبل حله من عمرته وعن عطاء قال يستغفر الله

ولنا ماروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل عن امرأة معتمرة وقع عليها زوجها قبل

ثم يعود إلى الركن فيستلمه

أن تقصر قال من ترك من مناسكه شيئاً أو نسيه فليهرق دما قيل إنها موسرة قال فلتنحر ناقة ولأن

ثم يخرج إلى الصفا من بابه ويسعى سبعا يبدأ بالصفا

التقصير ليس بركن فلا يفسد النسك بتركه ولا بالوطئ قبله كالرمي في الحج قال أحمد فيمن وقع على امرأته قبل تقصيرها من عمرتها تذبح شاة قيل عليها أو عليه؟ قال عليها هي وهو محمول على أنها طاوعته فإن أكرهها فالدم عليه وقد ذكر ذلك على ما فيه من الخلاف والله تعالى أعلم

(مسألة) (ومن كان متمتعاً قطع التلبية إذا وصل إلى البيت) قال أبو عبد الله يقطع المعتمر التلبية إذا استلم الركن، وبهذا قال ابن عباس وعطاء وعمرو بن ميمون وطاوس والنخعي والثوري والشافعي واسحاق وأصحاب الرأي وقال ابن عمر وعروة والحسن يقطعها إذا دخل الحرم، وعن سعيد بن المسيب يقطعها حين يرى عرش مكة، وعن مالك أنه إن أحرم من الميقات قطع التلبية إذا وصل الحرم وإن أحرم بها من أدنى الحل قطع التلبية حين يرى البيت ولنا ما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما يرفع الحديث كان يمسك عن التلبية في العمرة إذا استلم الحجر قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر ثلاث عمر ولم يزل يلبي حتى استلم الحجر ولأن التلبية إجابة إلى العبادة وشعار للإقامة عليها وإنما يتركها إذا شرع فيما ينافيها وهو التحلل منها والتحلل يحصل بالطواف والسعي فإذا شرع في الطواف فقد أخذ في التحلل فينبغي أن يقطع التلبية كالحاج يقطها إذا شرع في رمي جمرة العقبة لحصول التحلل بها وأما قبل ذلك فلم يشرع فيما ينافيها فلا معنى لقطعها والله تعالى أعلم

ثم ينزل فيمشي حتى يأتي العلم فيسعى سعيا شديدا إلى العلم الآخر

(باب صفة الحج) نذكر في هذا الباب صفة الحج بعد حل المتمتع من عمرته والأولى أن نبدأ بذكر حديث جابر رضي الله عنه في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم ونقتصر منه على ما يختص بهذا الباب وقد ذكرنا بعضه متفرقاً في الأبواب المتقدمة وهو صحيح رواه مسلم وغيره بالإسناد عن جابر وذكر الحديث قال " فحل الناس كلهم وقصروا إلا النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان معه هدي فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى فأهلوا بالحج وركب النبي صلى الله عليه وسلم الى منى فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ثم مكث قليلاً حتى طلعت الشمس وأمر بقية من شعر فضربت له بنمرة فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام كما كانت قريش تصنع في الجاهلية فأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها حتى إذا زالت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له فأتى بطن الوادي فخطب الناس وقال " إن دماءكم وأموالكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا. إلا أن كل شئ من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع ودماء الجاهلية موضوعة وإن أول دم أضعه من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث كان مسترضعاً في بني سعد فقتلته هذيل وربا الجاهلية موضوع وأول ربا أضع من ربانا عباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن

ويستحب أن يسعى طاهرا مستترا متواليا، وعنه أن ذلك من شرائطه

بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضرباً غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف. وقد تركت فيك ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله. وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون؟ " قالوا نشهد إنك قد بلغت وأديت ونصحت فقال بأصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكبها إلى الناس " اللهم اشهد اللهم اشهد " ثلاث مرات ثم أذن ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ولم يصل بينهما شيئاً ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى الموقف فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات وجعل حبل المشاة بين يديه فاستقبل القبلة فلم يزل واقفاً حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلاً حتى غاب القرص وأردف أسامة خلفه ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد شنق للقصواء الزمام حتى أن رأسها ليصيب مورك رحله ويقول بيده اليمنى " أيها الناس السكينة السكينة " كلما أتى حبلاً من الحبال أرخى لها قليلاً حتى تصعد حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد واقامتين ولم يسبح بينها شيئاً ثم اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طلع الفجر فصلى الصبح حين تبين له الصبح بأذان وإقامة ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة فدعا الله وكبره وهلله ووحده ولم يزل واقفاً حتى أسفر جدا فدفع قبل أن تطلع الشمس وأردف الفضل بن العباس وكان رجلاً حسن الشعر أبيض وسيماً فلما دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم مرت به ظعن يجرين فطفق الفضل ينظر إليهن فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على وجه الفضل فحول وجهه إلى الشق الآخر

ينظر فحول رسول الله صلى الله عليه وسلم يده من الشق الآخر على وجه الفضل فصرف وجهه من الشق الآخر ينظر حتى أتى بطن محسر فحرك قليلا ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة منها مثل حصى الخذف رمى من بطن الوادي ثم انصرف إلى المنحر فنحر ثلاثاً وستين بدنة بيده ثم أعطى عليا فنحر ماغبر وأشركه في هديه ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فطبخت فأكلا من لحمها وشربا من مرقها ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأفاض إلى البيت فصلى بمكة الظهر فأتى بني عبد المطلب وهم يسقون على زمزم فقال انزعوا بني عبد المطلب فلولا أن تغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم فناولوه دلوا شرب منه. قال عطاء كان منزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى بالخيف (مسألة) (يستحب للمتمتع الذي حل وغيره من المحلين بمكة الإحرام بالحج يوم التروية وهو الثامن من ذي الحجة من مكة ومن حيث أحرم من الحرم جاز) سمي يوم التروية بهذا الاسم لأنهم كانوا يتروون من الماء فيه يعدونه ليوم عرفة وقيل سمي بذلك لأن ابراهيم عليه السلام رأى ليلته في المنام ذبح ابنه فأصبح يروي في نفسه أهو حلم أم من الله تعالى فسمي يوم التروية فلما كانت ليلة عرفة رأى ذلك أيضاً فعرف أنه من الله فسمي يوم عرفة والله تعالى أعلم والمستحب لمن كان بمكة من المتمتعين الذين حلوا من عمرتهم أو كان مقيماً بمكة من أهلها أو

والمرأة لا ترمل ولا ترقى

من غيرهم وهو حلال أن يحرموا يوم التروية حين يتوجهون إلى منى، وبهذا قال ابن عمر وابن عباس وعطاء وطاوس وسعيد بن جبير واسحاق وقد روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال لأهل مكة: ما لكم يقدم الناس عليكم شعثاً إذا رأيتم الهلال فأهلوا بالحج. وهذا مذهب ابن الزبير وقال مالك من كان بمكة فأحب أن يهل من المسجد لهلال ذي الحجة ولنا قول جابر فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى فأهلوا بالحج، وفي لفظ عن جابر رضي الله عنه قال أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم لما حللنا أن نحرم إذا توجهنا إلى منى فأهللنا من الأبطح حتى إذا كان يوم التروية جعلنا مكة بظهر أهللنا بالحج رواه مسلم. وعن عبيد بن جريج أنه قال لابن عمر رأيتك إذا كنت بمكة أهل الناس ولم تهل أنت حتى يكون يوم التروية فقال عبد الله بن عمر أما الإهلال فإني لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل حتى تنبعث به راحلته متفق عليه ولأنه ميقات للاحرام فاستوى فيه أهل مكة وغيرهم كميقات المكان، وإن أحرم قبل ذلك جاز (فصل) والأفضل أن يحرم من مكة لقول النبي صلى الله عليه وسلم في المواقيت " حتى أهل مكة يهلون منها " ومن أيها أحرم جاز للحديث، وإن أحرم خارجاً منها من الحرم جاز لقول جابر فأهللنا من الأبطح ولأن المقصود أن يجمع في النسك بين الحل والحرم وذلك حاصل بإحرامه من جميع الحرم ويستحب أن يفعل عند إحرامه هذا ما يفعله عند الإحرام من الميقات من الغسل والتنظيف ويتجرد عن المخيط ويطوف سبعاً ويصلي ركعتين ثم يحرم عقيبهما وممن استحب ذلك عطاء ومجاهد

فإن فرغ من السعي فإذا كان معتمرا قصر من شعره وتحلل إلا أن يكون قد ساق معه هديا فلا يحل حتى يحج

وسعيد بن جبير والثوري والشافعي واسحاق وابن المنذر ولا يسن أن يطوف بعد إحرامه قال ابن عباس رضي الله عنه لا أرى لأهل مكة أن يطوفوا بعد إن يحرموا بالحج ولا أن يطوفوا بين الصفا والمروة حتى يرجعوا، وهذا مذهب عطاء ومالك واسحاق، وإن طاف بعد إحرامه ثم سعى لم يجزه عن السعي الواجب، وهذا قول مالك وقال الشافعي يجزئه فعله ابن الزبير وهو قول القاسم بن محمد وابن المنذر لأنه سعى في الحج مرة فأجزأه كما لو سعى بعد رجوعه من منى وكما لو سعى بعد طواف القدوم ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه أن يهلوا بالحج إذا خرجوا إلى منى ولو شرع لهم الطواف لم يتفقوا على تركه وقالت عائشة رضي الله عنها خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فطاف الذين أهلوا بالعمرة بالبيت وبين الصفا والمروة ثم حلوا ثم طافوا طوافاً آخر بعد أن رجعوا من منى (مسألة) (ثم يخرج إلى منى فيبيت فيها) يتسحب أن يخرج محرماً من مكة يوم التروية فيصلي الظهر بمنى ثم يقيم حتى يصلي بها الصلوات الخمس ويبيت بها لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك كما جاء في حديث جابر وهذا قول سفيان ومالك والشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه خلافاً وليس ذلك واجباً عند الجميع قال إبن المنذر

ولا أحفظ عن غيرهم خلافهم وقد تخلفت عائشة ليلة التروية حتى ذهب ثلثا الليل وصلى ابن الزبير بمكة (فصل) فإن صادف يوم التروية يوم جمعة فمن كان مقيماً بمكة حتى زالت الشمس ممن تجب عليه الجمعة لم يخرج حتى يصليها لأن الجمعة فرض والخروج إلى منى في هذا الوقت ليس بفرض فأما قبل الزوال فإن شاء خرج وإن شاء أقام حتى يصلي فقد روي أن ذلك وجد في أيام عمر بن عبد العزيز فخرج إلى منى، وقال عطاء كل من أدركت يصنعونه أدركتهم يجمع بمكة إمامهم ويخطب ومرة لا يجمع ولا يخطب فعلى هذا إذا خرج الإمام أمر من تخلف أن يصلي بالناس الجمعة وقال أحمد رحمه الله إذا كان والي مكة بمكة يوم الجمعة يجمع بهم قيل له يركب إلى منى فيجئ إلى مكة يجمع بهم؟ قال لا إذا كان هو بعد بمكة (مسألة) (فإذا طلعت الشمس سار إلى عرفة فأقام بنمرة حتى تزول الشمس) يستحب أن يدفع إلى الموقف من منى إذا طلعت الشمس يوم عرفة فيقيم بنمرة لما تقدم من حديث جابر وإن شاء أقام بعرفة (مسألة) (ثم يخطب الإمام خطبة يعلمهم فيها الوقوف ووقته والدفع منه والمبيت بمزدلفة ثم ينزل فيصلي بهم الظهر والعصر يجمع بينهما بأذان واقامتين) إذا زالت الشمس استحب للإمام أن يخطب خطبة يعلم الناس فيها مناسكهم من موضع الوقوف

ومن كان متمتعا قطع التلبية إذا وصل إلى البيت

ووقته والدفع من عرفات والمبيت بمزدلفة وأخذ الحصى لرمي الجمار لما ذكرنا من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك ثم يأمر بالأذان فينزل فيصلي الظهر والعصر يجمع بينهما ويقيم لكل صلاة إقامة وقال أبو ثور يؤذن المؤذن إذا صعد الإمام المنبر فجلس فإذا فرغ المؤذن قام الإمام فخطب وقيل يؤذن في آخر خطبة الإمام وحديث جابر يدل على أنه أذن بعد فراغ النبي صلى الله عليه وسلم من خطبته وكيفما فعل فحسن (فصل) والأولى أن يؤذن للأولى وإن لم يؤذن فلا بأس هكذا قال أحمد لأن كلا مروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والأذان أولى، وهو قول الشافعي وأبي ثور وأصحاب الرأي، وقال مالك يؤذن لكل صلاة واتباع السنة أولى من موافقة القياس على سائر المجموعات والفوائت (فصل) والسنة تعجيل الصلاة حين تزول الشمس وأن تقصر الخطبة ثم يروح إلى الموقف لما روي أن سالماً قال للحجاج يوم عرفة إن كنت تريد أن تصيب السنة فقصر الخطبة وعجل الصلاة فقال ابن عمر صدق رواه البخاري ولأن تطويل ذلك يمنع الرواح إلى الموقف في أول وقت الزوال والسنة

التعجيل في ذلك فقد روي سالم أن الحجاج أرسل إلى ابن عمر أي ساعة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يروح في هذا اليوم قال إذا كان ذاك رحنا فلما أراد ابن عمر أن يروح قال أزاغت الشمس قالوا لم تزغ فلما قالوا قد زاغت ارتحل رواه أبو داود قال ابن عمر غدا رسول الله صلى الله عليه وسلم من منى حين صلى الصبح صبيحة يوم عرفة حتى أتى عرفة فنزل بنمرة حتى إذا كان عند الصلاة الظهر راح رسول الله صلى الله عليه وسلم مهجراً فجمع بين الظهر والعصر ثم خطب الناس ثم راح فوقف على الموقف من عرفة، وقد ذكرنا حديث جابر قال ابن عبد البرهذا كله مما لا خلاف فيه بين علماء المسلمين (فصل) ويجوز الجمع لمن بعرفة من مكي وغيره قال إبن المنذر أجمع أهل العلم على أن الإمام يجمع بين الظهر والعصر بعرفة وكذلك كل من صلى مع الإمام وذكر أصحابنا أنه لا يجوز الجمع إلا لمن بينه وبين وطنه ستة عشر فرسخاً إلحاقاً له بالقصر والصحيح الأول فإن النبي صلى الله عليه وسلم جمع معه من حضر من المكيين وغيرهم فلم يأمرهم بترك الجمع كما أمرهم بترك القصر حين قال " أتموا فإنا سفر " ولو حرم لبينه لهم لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة ولا يقر النبي صلى الله عليه وسلم على الخطأ وقد كان عثمان رضي الله عنه يتم الصلاة لأنه اتخذ أهلا ولم يترك الجمع وروي نحو ذلك عن ابن الزبير وكان عمر بن عبد العزيز والي مكة فخرج فجمع بين الصلاتين ولم يبلغنا عن أحد من المتقدمين الخلاف في الجمع بعرفة

باب صفة الحج

والمزدلفة بل وافق عليه من لا يرى الجمع في غيره فألحق فيما أجمعوا عليه فلا يعرج على غيره فأما القصر فلا يجوز لأهل مكة، وبه قال عطاء ومجاهد والزهري وابن جريج والثوري ويحيى القطان والشافعي وأصحاب الرأي وابن المنذر، وقال القاسم وسالم ومالك والاوزاعي لهم القصر لأن لهم الجمع فكان لهم القصر كغيرهم ولنا أنهم في غير سفر بعيد فلم يجز لهم القصر كغير من بعرفة ومزدلفة (1) قيل لأبي عبد الله رحمه الله فرجل أقام بمكة ثم خرج إلى الحج قال إن كان لا يريد أن يقيم بمكة إذا رجع صلى ركعتين وذكر فعل ابن عمر قال لأن خروجه إلى منى وعرفة ابتداء سفر فإن عزم على أن يرجع ويقيم بمكة أتم بمنى وعرفة (مسألة) (ثم يروح إلى الموقف وعرفة كلها موقف إلا بطن عرنة. وهي من الجبل المشرف على عرفة إلى الجبال المقابلة له إلى ما يلي حوائط بني عامر) يعني إذا صلى الصلاتين صار إلى الموقف بعرفة لما ذكرنا من حديث جابر وابن عمر، ويستحب أن يغتسل للموقف لأن ابن مسعود رضي الله عنه كان يفعله، وروي عن علي رضي الله عنه، وبه قال الشافعي واسحاق وأبو ثور وابن المنذر لأنه مكان يجتمع فيه الناس للعبادة فاستحب له الاغتسال كالعيد والجمعة (فصل) وعرفة كلها موقف لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " قد وقفت ههنا وعرفة كلها موقف " رواه أبو داود وابن ماجة وعن يزيد بن شيبان قال: أتانا ابن مربع الأنصاري ونحن بعرفة

في مكان يباعده عمرو عن الإمام فقال إني رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكم يقول " كونوا على مشاعركم فإنكم على ارث من ارث أبيكم إبراهيم " (فصل) وليس وادي عرنة من الموقف ولا يجزئه الوقوف به قال ابن عبد البر أجمع الفقهاء على أن من وقف به لا يجزئه، وحكي عن مالك أنه يجزئه وعليه دم ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " كل عرفة موقف وارفعوا عن بطن عرنة " رواه ابن ماجه ولأنه لم يقف بعرفة فلم يجزه كما لو وقف بمزدلفة. وحد عرفة من الجبل المشرف على عرنة إلى الجبال المقابلة له إلى ما يلي حوائط بني عامر (مسألة) (ويستحب أن يقف عند الصخرات وجبل الرحمة راكباً وقيل الراجل أفضل) المستحب أن يقف عند الصخرات وجبل الرحمة ويستقبل القبلة لما جاء في حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات وجعل حبل المشاة بين يديه واستقبل القبلة والأفضل أن يقف راكباً كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم حيث وقف على راحلته وقيل الراجل أفضل لأنه أخف على الراحلة ويحتمل التسوية بينهما. والوقوف بعرفة ركن لا يتم الحج إلا به إجماعاً نذكره إن شاء الله تعالى

يستحب للمتمتع الذي حل وغيره من المحلين بمكة الإحرام بالحج يوم التروية

(مسألة) (ويكثر من الدعاء ومن قول لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شئ قدير. اللهم اجعل في قلبي نوراً، وفي بصري نوراً، وفي سمعي نوراً، ويسر لي أمري) وجملة ذلك أنه يستحب الإكثار من ذكر الله تعالى والدعاء يوم عرفة فإنه يوم ترجى فيه الإجابة ولذلك أحببنا له الفطر ليتقوى به على الدعاء مع أن صومه بغير عرفة يعدل سنتين، وروى ابن ماجة في سننه قال قالت عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ما من يوم أكثر أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة، فإنه ليدنو عزوجل ثم يباهي بكم الملائكة فيقول ما أراد هؤلاء " ويستحب أن يختار المأثور من الأدعية مثل ماروي عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أكثر دعاء الأنبياء قبلي ودعائي عشية عرفة لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شئ قدير. اللهم اجعل في قلبي نوراً، وفي سمعي نوراً، وفي بصري نوراً، ويسر لي أمري " وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: الله اكبر الله أكبر ولله الحمد، الله اكبر الله أكبر ولله الحمد، الله اكبر الله أكبر ولله الحمد، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد. اللهم اهدني بالهدي، وقني بالتقوى، واغفر لي في الآخرة والأولى. ويرد يديه ويسكت قدر ما كان إنسان قارئاً فاتحة الكتاب ثم يعود فيرفع يديه ويقول مثل ذلك، ولم يزل يفعل ذلك حتى أفاض. وسئل سفيان بن عيينة عن أفضل الدعاء يوم عرفة فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير، فقيل له هذا ثناء وليس بدعاء، فقال أما سمعت قول الشاعر

أأذكر حاجتي أم قد كفاني * حباؤك إن شيمتك الحباء إذا أثنى عليك المرء يوماً * كفاه من تعرضه الثناء وروى أن من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة " اللهم إنك ترى مكاني، وتسمع كلامي، وتعلم سري وعلانيتي، ولا يخفى عليك شئ من أمري، أنا البائس الفقير، المستغيث المستجير، الوجل المشفق، المقر المعترف بذنبه، أسألك مسألة المسكين، وأبتهل إليك ابتهال المذنب الذليل، وأدعوك دعاء الخائف المستجير، من خضعت لك رقبته، وذل لك جسده، وفاضت لك عينه، ورغم لك أنفه " وروينا عن سفيان الثوري رضي الله عنه قال سمعت أعرابياً وهو مستلق بعرفة يقول: إلهي من أولى بالزلل والتقصير مني وقد خلقتني ضعيفاً، ومن أولى بالعفو عني منك وعلمك في سابق وأمرك بي محيط، أطعتك باذنك والمنة لك، وعصيتك بعلمك والحجة لك، فأسألك بوجوب حجتك وانقطاع حجتي وبفقري اليك وغناء عني أن تغفر لي وترحمني، إلهي لم أحسن حتى أعطيتني، ولم أسئ حتى قضيت علي، اللهم أطعتك بنعمتك في أحب الأشياء إليك شهادة ان لا إله إلا الله، ولم اعصك في أبغض الأشياء اليك الشرك بك، فاغفر لي ما بينهما، اللهم أنت أنس المؤنسين لأوليائك وأقربهم بالكفاية من المتوكلين عليك، تشاهدهم في ضمائرهم، وتطلع على سرائرهم، وسري اللهم لك مكشوف، وأنا إليك ملهوف، إذا أوحشتني الغربة آنسني ذكرك، وإذا أصمت علي الهموم لجأت إليك استجارة بك،

ثم يخرج إلى منى فيبيت فيها

علما بان أزمة الأمور بيديك ومصدرها عن قضائك. وكان إبراهيم بن إسحاق الحربي يقول: اللهم قد آويتني من ضناي، وبصرتني من عماي، وأنقذتني من جهلي وجفاي، أسألك ما يتم به فوزي، وما أؤمل في عاجل دنياي وديني، ومأمول أجلي ومعادي، ثم مالا أبلغ أداء شكره ولا أنال احصاءه وذكره إلا بتوفيقك والهامك إن هيجت قلبي القاسي على الشخوص إلى حرمك، وقويت أركاني الضعيفة لزيارة عتيق بيتك، ونقلت بدني لإشهادي مواقف حرمك، اقتداء بسنة خليلك، واحتذاء على مثال رسولك، واتباعاً لآثار خيرتك وأنبيائك وأصفيائك صلى الله عليهم، وأدعوك في مواقف الأنبياء عليهم السلام، ومناسك السعداء ومشاهد الشهداء دعاء من أتاك لرحمتك راجياً، وعن وطنه نائياً، ولقضاء نسكه مؤدياً، ولفرائضك قاضياً، ولكتابك تالياً، ولربه عزوجل داعيا ملبيا، ولقبله شاكياً، ولذنبه خاشياً، ولحظة مخطئاً، ولرهنه مغلقاً، ولنفسه ظالماً، ولجرمه عالما. دعاء من عمت عيوبه وكثرت ذنوبه، وتصرمت أيامه، واشتدت فاقته، وانقطعت مدته، دعاء من ليس لذنبه سواك غافراً، ولا لعيبه غيرك مصلحاً، ولا لضعفه غيرك مقوياً، ولا لكسره غيرك جابراً، ولا لمأمول خير غيرك معطيا، وقد أصبحت في بلد حرام ويوم حرام في شهر حرام في قيام من خير الأنام، أسألك أن لا تجعلني أشقى خلقك المذنبين عندك، ولا أخيب الراجين لديك، ولا أحرم الآملين لرحمتك الزائرين لبيتك، ولا أخسر المنقلبين من بلادك، اللهم وقد كان من تقصيري ما قد عرفت، ومن توبيقي

فإذا طلعت الشمس سار إلى عرفة فأقام بنمرة حتى تزول الشمس

نفسي ما قد علمت، ومن مظالمي ما قد أحصيت، فكم من كرب منه قد نجيت، وكم من غم قد جليت، ومن هم قد فرجت، ودعاء قد استجبت، وشدة قد أزلت، ورجاء قد أ؟ لت منك النعماء وحسن القضاء، ومني الجفا وطول الاستقصاء والتقصير عن أداء شكرك لك النعماء يا محمود فلا يمنعك يا محمود من اعطائي مسئلتي من حاجتي إلى حيث انتهى لها سؤلي ما تعرف من تقصيري، وما تعلم من ذنوبي وعيوبي. اللهم فأدعوك راغباً، وأنصب لك وجهي طالباً، وأضع لك خدي مذنباً راهباً فتقبل دعائي، وارحم ضعفي، وأصلح الفساد من أمري، واقطع من الدنيا همي، واجعل فيما عندك رغبتي اللهم واقلبني منقلب المدركين لرجائهم، المقبول دعاؤهم، المفلوج حجتهم، المبرور حجهم، المغفور ذنبهم، المحطوط خطاياهم، الممحو سيئاتهم، المرشود أمرهم، منقلب من لا يعصي لك بعده أمراً، ولا يأتي من بعده مأثماً، ولا يركب بعده جهلاً، ولا يحمل بعده وزراً، منقلب من عمرت قلبه بذكرك، ولسانه بشكرك، وطهرت الادناس من بدنه، واستودعت الهدي قلبه، وشرحت بالإسلام صدره، وأقررت بعفوك قبل الممات عينه، وأغضضت عن المآثم بصره، واستشهدت في سبيلك نفسه، يا أرحم الراحمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليما كثيرا كما يحب ربنا ويرضى، ولا حول ولا

ثم يخطب الإمام خطبة يعلمهم فيها الوقوف ووقته والدفع منه والمبيت بمزدلفة ثم ينزل فيصلي بهم الظهر والعصر يجمع بينهما بأذان واقامتين

قوة إلا بالله العلي العظيم، ويدعو بما أحب من الدعاء والذكر إلى غروب الشمس (فصل) ووقت الوقوف من طلوع الفجر يوم عرفة إلى طلوع الفجر يوم النحر، فمن حصل بعرفة في شئ من هذا الوقت وهو عاقل تم حجه لا نعلم خلافاً بين العلماء أن آخر وقت الوقوف طلوع الفجر من يوم النحر، قال جابر رضي الله عنه لا يفوت الحج حتى يطلع الفجر من ليلة جمع، قال أبو الزبير فقلت له أقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك؟ قال نعم. رواه الأثرم، وأما أوله فمن طلوع الفجر يوم عرفة، فمتى حصل بعرفة في شئ من هذا

الوقت وهو عاقل فقد تم حجه، وقال مالك والشافعي أول وقته زوال الشمس يوم عرفة، واختاره أبو حفص العكبري، وحكى ابن عبد البر إجماعاً لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما وقف بعد الزوال ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " من شهد صلاتنا هذه ووقف معنا حتى ندفع وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه " ولأنه من يوم عرفة فكان وقتاً للوقوف كما بعد الزوال، وترك الوقوف فيه لايمنع كونه وقتا له كما بعد العشاء، وإنما وقفوا في وقت الفضيلة ولم يستوعبوا وقت الوقوف (فصل) وكيفما حصل بعرفة وهو عاقل أجزأه قائماً، أو جالساً، أو راكباً، أو نائماً، وإن مر بها مختاراً فلم يعلم أنها عرفة أجزأه أيضاً، وبه قال مالك والشافعي وأبو حنيفة وقال أبو ثور لا يجزئه لأنه لا يكون واقفاً إلا بالإرادة ولنا عموم قوله عليه السلام " وقد أتى عرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً " ولأنه حصل بعرفة في زمن الوقوف وهو عاقل فأجزأه كما لو علم وإن وقف وهو مغمى عليه أو مجنون ولم يفق حيت خرج منها لم يجزه وهو قول الحسن والشافعي وأبي ثور وابن المنذر، وقال عطاء في المغمى عليه يجزئه وهو قول مالك وأصحاب الرأي، وقد توقف أحمد في هذه المسألة، وقال: الحسن يقول بطل حجه، وعطاء يرخص فيه، وذلك لأنه لا يعتبر له نية ولا طهارة ويصح من النائم فصح من المغمى عليه كالمبيت بمزدلفة، ووجه الأول أنه ركن من أركان

ثم يروح إلى الموقف وعرفة كلها موقف إلا بطن عرنة، وهي من الجبل المشرف على عرفة إلى الجبال المقابلة له إلى ما يلي حوائط بني عامر

الحج فلم يصح من المغمى عليه كسائر أركانه. قال ابن عقيل والسكران كالمغمى عليه لأنه زائل العقل بغير نوم، فأما النائم فهو في حكم المستيقظ يجزئه الوقوف (فصل) وتسن له الطهارة، قال أحمد يستحب أن يشهد المناسك كلها على وضوء، كان عطاء يقول لا يقضي شئ من المناسك إلا على وضوء ولا يجب في ذلك وحكاه ابن المنذر إجماعاً، وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها " افعلي ما يفعل الحاج غير الطواف بالبيت " دليل على أن الوقوف بعرفة جائز على غير طهارة، ووقفت عائشة بعرفة حائضاً بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يشترط ستارة، ولا استقبال، ولا نية، ولا نعلم فيه خلافا لأنه لا تشترط له الطهارة فلم يشترط له شئ من ذلك قياساً عليها (فصل) ومن فاته ذلك فاته الحج لقول النبي صلى الله عليه وسلم " الحج عرفة، فمن جاء قبل صلاة الفجر ليلة جمع فقد تم حجه " رواه أبو داود يدل على فواته بخروج ليلة جمع، ولحديث جابر الذي ذكرناه ولا نعلم في ذلك خلافاً، ولأنه ركن للعبادة فلم يتم بدونه كسائر العبادات (مسألة) (ومن وقف بها نهاراً ودفع قبل غروب الشمس فعليه دم) يعني أنه يجب عليه الوقوف إلى غروب الشمس ليجع بين الليل والنهار في الوقوف بعرفة لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك. رواه جابر وغيره، وقال عليه السلام " خذوا عني مناسككم " فإن دفع قبل الغروب فحجه صحيح في قول جماعة الفقهاء إلا مالكاً فإنه قال لاحج له. قال ابن عبد البر لا نعلم أحدا من العلماء قال بقول مالك، ووجه قوله ماروى ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من أدرك عرفات بليل فقد أدرك الحج، ومن فاته عرفات بليل فقد فاته الحج فليحلل بعمرة وعليه الحج من قابل " ولنا ما روى عروة بن مضرس قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بالمزدلفة حين خرج إلى الصلاة فقلت يارسول الله إني جئت من جبل طي أكللت راحلتي وأتعبت نفسي والله ما تركت جبل إلا وقفت عليه فهل لي من حج، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من شهد صلاتنا هذه ووقوف معنا حتى ندفع وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليللا أو نهاراً فقد تم حجه، وقضى تفثه " قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح، ولانه وقف في زمن الوقوف أشبه الليل، فأما خبره فإنما خص الليل لأن الفوات يتعلق به

ويستحب أن يقف عند الصخرات وجبل الرحمة راكبا وقيل الراجل أفضل

إذا كان بعد النهار فهو آخر وقت الوقوف كما قال عليه السلام " من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدركها " وعلى من دفع قبل الغروب دم في قول أكثر العلماء منهم عطاء والثوري والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي ومن تبعهم لقول ابن عباس رضي الله عنهما: من ترك نسكاً فعليه دم ويجزئه شاة، وقال ابن جريح عليه بدنة ونحوه قول الحسن ولنا أنه واجب لا يفسد الحج بفواته فلم يوجب بدنة كالإحرام من الميقات (فصل) فإن دفع قبل الغروب ثم عاد نهاراً فوقف حتى غرب الشمس فلا دم عليه، وبه قال مالك والشافعي، وقال الكوفيون وأبو ثور عليه دم لأنه بالدفع لزمه الدم فلم يسقط برجوعه كما لو عاد بعد الغروب ولنا أنه أتى بالواجب وهو الوقوف في الليل والنهار فلم يجب عليه دم كمن تجاوز الميقات غير محرم ثم رجع فأحرم منه، فإن لم يعد حتى غرب الشمس فعليه دم لأن عليه الوقوف حال الغرب وقد فاته بخروجه فأشبه من تجاوز الميقات غير محرم فأحرم دونه ثم عاد إليه (مسألة) (فمن وافاها ليلا فوقف بها فلا دم عليه) إذا لم يأت عرفة حتى غابت الشمس ولم يدرك جزءاً من النهار فوقف بها ليلاً فقد تم حجه ولا شئ عليه، لا نعلم فيه مخالفاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم من أدرك عرفات بليل فقد أدرك الحج " ولأنه لم يدرك جزأ من النهار فأشبه من منزله دون الميقات إذا أحرم منه (مسألة) (ثم يدفع بعد غروب الشمس إلى مزدلفة وعليه السكينة والوقار) فإذا وجد فجوة أسرع لقول جابر رضي الله عنه في حديثه فلم يزل واقفاً حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلاً حتى غاب القرص فأردف أسامة خلفه ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد شنق للقصواء بالزمام حتى أن رأسها ليصيب مورك رحله ويقول بيده اليمنى " أيها الناس السكينة السكينة " وقال أسامة

ويكثر من الدعاء ومن قول لا إله إلا الله وحده لا شريك له

رضي الله عنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير العنق فإذا وجد فجوة نص يعني أسرع قال هشام النص فوق العنق متفق عليه (فصل) ويستحب أن يكون دفعه مع الإمام أو الوالي الذي إليه أمر الحج من قبله ولا ينبغي للناس أن يدفعوا حتى يدفع قال احمد ما يعجبني أن يدفع إلا مع الإمام وسئل عن رجل دفع قبل الإمام بعد غروب الشمس قال ما وجدت عن أحمد أنه سهل فيه كلهم يشدد فيه (فصل) ويكون ملبياً ذاكر الله عزوجل لأن ذكر الله مستحب في كل الأوقات وهو في هذا الوقت أشد تأكيداً لقول الله تعالى (فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله) الآية ولأنه زمن الاستشعار بطاعة الله تعالى والتلبس بعبادته والسعي إلى شعائره ويستحب التلبية وقال قوم لا يلبي ولنا ماروى الفضل بن العباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل يلبي حتى رمى الجمرة متفق عليه، ويستحب أن يمضي على طريق المأزمين لأنه روي أن النبي صلى الله عليه وسلم سلكها وإن سلك غيرها جاز لحصول المقصود به (مسألة) (فإذا وصل مزدلفة صلى المغرب والعشاء قبل حط الرحال) السنة لمن دفع من عرفة أن لا يصلي المغرب حتى يصل مزدلفة فيجمع بين المغرب والعشاء بغير

خلاف قالل ابن المنذر أجمع اهل العلم لا اختلاف بينهم أن السنة أن يجمع الحاج بجمع بين المغرب والعشاء لأن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بينها رواه جابر وابن عمر وأسامة وغيرهم وأحاديثهم صحاح (فصل) ويستحب أن يجمع قبل حط الرحال وأن يقيم لكل صلاة إقامة لما روى أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفة حتى إذ كان بالشعب نزل فبال ثم توضأ فقلت له الصلاة يارسول الله فقال " الصلاة أمامك " فركب فلما جاء مزدلفة نزل فتوضأ فأسبغ الوضوء ثم أقيمت الصلاة فصلى المغرب ثم أناخ كل إنسان بعيره في منزله ثم أقيمت الصلاة فصلى ولم يصل بينهما متفق عليه وممن روي عنه أنه يجمع بينهما باقامتين بلا أذان ابن عمر وسالم والقاسم بن محمد والشافعي واسحاق وإن اقتصر على إقامة للأولى فلا بأس يروي ذلك عن ابن عمر أيضاً وبه قال الثوري لما روي أن عمر رضي الله عنهما قال جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المغرب والعشاء يجمع صلى المغرب ثلاثاً والعشاء ركعتين بإقامة واحدة رواه مسلم وإن أذن للأولى وأقام للثانية فحسن فإنه مروي في حديث جابر وهو متضمن للزيادة وهو معتبر بسائر الفوائت والمجموعات وهو قول ابن المنذر وأبي ثور واختار الخرقي القول الأول قال إبن المنذر هو آخر قولي أحمد لان راويه أسامة وهو أعلم بحال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه كان رديفه وإنما لم يؤذن للأولى ههنا لأنها في غير وقتها بخلاف المجموعتين

بعرفة، وقال مالك يجمع بينهما بأذان وإقامتين، وروي ذلك عن عمر وابنه وابن مسعود واتباع السنة أولى قال ابن عبد البر لا أعلم فيما قاله مالك حديثاً مرفوعاً بوجه من الوجوه وقال قوم إنما أمر عمر بالتأذين للثانية لأن الناس كانوا قد تفرقوا لعشائهم فأذن لجمعهم وكذلك ابن مسعود فإنه كان يجعل العشاء بمزدلفة بين الصلاتين (فصل) والسنة أن لا يتطوع بينهما قال ابن المنذر لا أعلمهم يختلفون في ذلك، وقد روي عن ابن مسعود أنه يتطوع بينهما ورواه عن النبي صلى الله عليه وسلم ولنا حديث أسامة وابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل بينهما وحديثهما أصح (مسألة) (وإن صلى المغرب في الطريق ترك السنة وأجزأه) وبه قال عطاء وعروة والقاسم وسعيد بن جبير ومالك والشافعي واسحاق وأبو ثور وأبو يوسف وابن المنذر، وقال أبو حنيفة والثوري لا يجزئه لأن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الصلاتين فكان نسكاً وقد قال عليه السلام " خذوا عني مناسككم " ولنا أن كل صلاتين جاز الجمع بينهما جاز التفريق بينهما كالظهر والعصر بعرفة وفعل النبي صلى الله عليه وسلم محمول على الأفضل وما ذكروه يبطل بالجمع بعرفة (مسألة) (ومن فاتته الصلاة مع الإمام بعرفة أو بمزدلفة جمع وحده) لا نعلم خلافاً في أنه إذا فانه الجمع مع الإمام بمزدلفة أنه يجمع وحده لأن الثانية منهما تصلى في وقتها وكذلك لو فرق بينهما لم يبطل الجمع، وقد روى أسامة قال ثم أقيمت الصلاة فصلى المغرب ثم أناخ كل إنسان بعيره في منزله ثم أقيمت العشاء فصلاها وكذلك حكم من فاته الجمع مع الإمام بعرفة بين الظهر والعصر فإنه يجمع وحده أيضاً فعله ابن عمر، وبه قال عطاء ومالك والشافعي واسحاق

وأبو ثور وأبو يوسف ومحمد، وقال النخعي والثوري وأبو حنيفة لا يجمع إلا مع الإمام لأن لكل صلاة وقتاً محدوداً، وإنما ترك ذلك في الجمع مع الإمام فإذا لم يكن اماما رجعنا إلى الأصل ولنا فعل ابن عمر ولأن كل جمع جاز مع الإمام جاز منفرداً كالجمع بين العشاءين بجمع قولهم إنا

جاز الجمع في الجماعة لا يصح لأنهم قد سملواان الإمام يجمع، وإن كان منفرداً (مسألة) (ثم يبيت بها فإن دفع قبل نصف الليل فعليه دم، وإن دفع بعده فلا شئ عليه وإن وافاها بعد نصف الليل فلا شئ عليه، وإن جاء بعد الفجر فعليه دم، وحد المزدلفة مابين المأزمين ووادي محسر) وجملة ذلك أن المبيت بمزدلفة واجب من تركه فعليه دم هذا قول عطاء والزهري وقتادة والثوري والشافعي واسحاق وأبي عبيد وأصحاب الرأي لأن النبي صلى الله عليه وسلم بات بها وقال " خذوا عني مناسككم " وقال علقمة والنخعي والشعبي من فانه جمع فاته الحج لقوله تعالى (فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام) وقول النبي صلى الله عليه وسلم " من شهد صلاتنا هذه ووقف معنا حتى ندفع وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه " ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " الحج عرفة فمن جاء قبل ليلة جمع فقد تم حجه " يعني من جاء عرفة وما احتجوا به من الآية والخبر فالمنطوق فيهما ليس بركن في الحج إجماعاً فانه لو بات بجمع ولم يذكر الله تعالى ولم يشهد الصلاة صح حجه فما هو من ضرورة ذلك أولى ولأن المبيت ليس من ضرورة ذكر الله تعالى بها، وكذلك شهود صلاة الفجر فإنه لو أفاض من عرفة آخر ليلة النحر أمكنه ذلك فيتعين حمل ذلك على الإيجاب أو الفضيلة أو الاستحباب

(فصل) وليس له الدفع قبل نصف الليل فإن فعل فعليه دم، وإن دفع بعده فلا شئ عليه، وبه قال الشافعي وقال مالك إن مر بها فلم ينزل فعليه دم وإن نزل فلا دم عليه متى ما دفع ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم باب بها وقال " لتأخذوا عني مناسككم " وإنما أبيح الدفع بعد نصف الليل بما ورد من الرخصة فيه فروى ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنت فيمن قدم النبي صلى الله عليه وسلم في ضعفة أهله من مزدلفة إلى مني متفق عليه، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأم سلمة ليلة النحر فرمت الجمرة قبل الفجر ثم مضت فأفاضت رواه أبو داود فمن دفع من مزدلفة قبل نصف الليل ولم يعد في الليل فعليه دم، وإن عاد فلا دم كالذي دفع من عرفة نهاراً ثم عاد نهاراً (فصل) ويجب الدم على من دفع قبل نصف الليل ولم يرجع في الليل وعلى من ترك المبيت بمنى سواء فعل ذلك عامداً أو ساهياً أو جاهلاً لأنه ترك نسكاً والنسيان أثره في جعل الموجود كالمعدوم لا في جعل المعدوم كالموجود إلا أنه رخص لأهل السقاية والرعاء في ترك البيتوتة لأن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للرعاة في ترك البيتوتة، وفي حديث عدي وأرخص للعباس في ترك المبيت لأجل سقايته ولأن عليهم مشقة في المبيت لحاجتهم إلى حفظ مواشيهم وسقي الحاج فكان لهم ترك المبيت كليالي منى وروى عن أحمد أن المبيت بمزدلفة غير واجب والمذهب الأول (فصل) فإن وافاها بعد نصف الليل فلا شئ عليه لأنه لم يدرك جزءاً من النصف الأول فلم يتعلق به حكمه كمن أدرك الليل بعرفات دون النهار وإن جاء بعد الفجر فعليه دم لترك الواجب وهو المبيت والمستحب الأقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم والمبيت إلى أن يصبح ثم يقف حتى بسفر ولا بأس بتقديم

ومن وقف بها نهارا ودفع قبل غروب الشمس فعليه دم

الضعفة والنساء، وممن كان يقدم ضعفه أهله عبد الرحمن بن عوف وعائشة، وبه قال عطاء والثوري وأبو حنيفة والشافعي ولا نعلم فيه خلافاً لأن فيه رفقاً بهم ودفعاً لمشقة الزحام عنهم والاقتداء بنبيهم عليه الصلاة والسلام (فصل) وللمزدلفة ثلاثة أسماء: مزدلفة وجمع والمشعر الحرام، وحدها من مأزمي عرفة إلى قرن محسر وما على يمين ذلك وشماله من الشعاب ففي أي موضع وقف منها أجزأه لقول النبي صلى الله عليه وسلم " كل المزدلفة موقف " رواه أبو داود وابن ماجة، وعن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه قال " وقفت ههنا بجمع وجمع كلها موقف " وليس وادي محسر من مزدلفة لقوله " وارفعوا عن بطن محسر " (مسألة) (فإذا أصبح بها صلى الصبح، ثم يأني المشعر الحرام فيرقى عليه أو يقف عنده ويحمد الله تعالى ويكبر ويدعو) يستحب أن يعجل صلاة الصبح ليتسع وقت الوقوف عند المشعر الحرام لقول جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الصبح حين تبين له الصبح، ثم إذا صلى أتى المشعر الحرام فوقف عنده أو رقي عليه إن أمكنه فذكر الله تعالى ودعاه واجتهد لقول الله تعالى (فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام) وفي حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى المشعر الحرام فرقي عليه فحمد الله وكبره وهلله ووحده، وفي لفظ ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة فدعا الله وهلله وكبره واجتهد، ويستحب أن يكون من دعائه: اللهم كما وقفتنا فيه وأريتنا اياه فوفقنا لذكرك كما هديتنا، واغفر لنا وارحمنا كما وعدتنا بقولك وقولك الحق (فإذا أفضتم من عرفات - إلى - غفور رحيم) الآيتين إلى أن يسفر لأن في حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل واقفاً حتى أسفر جدا (مسألة) (ثم يدفع قبل طلوع الشمس لا نعلم خلافاً في استحباب الدفع قبل طلوع الشمس لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله. قال ابن عمر رضي الله عنهما أن المشركين كانوا لا يفيضون يقولون: أشرق ثبير كيما نغير. وإن رسول

فمن وافاها فوقف بها فلا دم علي

الله صلى الله عليه وسلم خالفهم فأفاض قبل أن تطلع الشمس. رواه البخاري (1) والسنة الإسفار جداً، وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي وكان مالك يرى الدفع قبل الإسفار ولنا حديث جابر الذي ذكرناه، وعن نافع أن ابن الزبير أخر في الوقت حتى كادت الشمس تطلع، فقال ابن عمر إني أراه يريد أن يصنع كما صنع أهل الجاهلية فدفع ودفع الناس معه، وكان ابن مسعود يدفع كانصراف القوم المسفرين من صلاة الغداة ويستحب أن يسير وعليه السكينة. قال ابن مسعود رضي الله عنه: ثم أردف النبي صلى الله عليه وسلم الفضل بن عباس وقال أيها النس " إن البر ليس بايجاف الخيل الابل فعليكم بالسكينة " فما رأيتها رافعة يديها حتى أتى منى (مسألة) (فإذا بلغ محسرا أسرع قدر رميه بحجر) يستحب الإسراع في وادي محسر وهو مابين المزدلفة ومنى، فإن كان ماشياً أسرع، وإن كان راكباً حرك دابته لأن جابرا قال في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما أتى بطن محسر حرك قليلا، ويروى أن عمر رضي الله عنه لما أتى محسراً أسرع وقال: إليك يعدو قلقا وضينها * مخالفاً دين النصارى دينها * معترضاً في بطنها جنينها وذلك قدر رميه بحجر ويكون ملبياً في طريقه فإن الفضل بن عباس روي أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل

ثم يدفع بعد غروب الشمس إلى مزدلفة وعليه السكينة والوقار

يلى حتى رمى جمرة العقبة. متفق عليه، ولأن التلبية من شعار الحج فلا تقطع إلا بالشروع في الإحلال وأوله رمي جمرة العقبة (مسألة) (ثم يأخذ حصى الجمار من طريقه أو من مزدلفة ومن حيث أخذه جاز، ويكون أكبر من الحمص دون البندق) إنما يستحب أخذ حصى الجمار قبل أن يصل منى لئلا يشتغل عند قدومه بشئ قبل الرمي لأنها تحيه له كما أن الطواف تحية المسجد فلا يبدة بشئ قبله، وكان ابن عمر رضي الله عنه يأخذ حصى الجمار من جمع وفعله سعيد بن جبير وقال: كانوا يتزودون الحصى من جمع واستحبه الشافعي. وقال أحمد: خذ الحصى من حيث شئت اختاره عطاء وابن المنذر وهو أصح إن شاء الله تعالى لأن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة العقبة وهو على ناقته " القط لي حصى " فلقطت له سبع حصيات هن حصى الخذف فجعل يقبضهن في كفه ويقول " أمثال هؤلاء فارموا " ثم قال أيها

فإذا وصل مزدلفة صلى المغرب والعشاء قبل حط الرحال

الناس " إياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين " رواه ابن ماجه وكان ذلك بمنى ولا خلاف أنه يجزئه أخذه من حيث كان والتقاطه أولى من تكسيره لهذا الخبر ولأنه لا يؤمن في تكسيره أن يطير إلى وجهه شئ يؤذيه، ويستحب أن يكون كحصى الخذف للخبر ولقول جابر في حديثه كل حصاة منها مثل حصى الخذف، وروى سليمان بن عمرو بن الأحوص عن أمه قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم يا أيها الناس " إذا رميتم الجمرة فارموا بمثل حصى الخذف " رواه أبو داود، قال الأثرم يكون أكبر من الحمص ودون البندق، وكان ابن عمر يرمي بمثل بعر الغنم، فإن رمى بحجر كبير فقال أصحابنا يجزئه مع ترك السنة لأنه قد رمى بحجر وكذلك الحكم في الصغير، وروى عن أحمد أنه قال لا يجوز حتى يأتي بالحصى على ما فعل النبي صلى الله عليه وسلم لأنه أمر بهذا القدر ونهى عن تجاوزه والأمر يقتضي الوجوب والنهي يقتضي فساد المنهي عنه (فصلى) واختلفت الرواية عن أحمد في استحباب غسله فروي عنه أنه مستحب ذكره الخرقي لأنه روي عن ابن عمر وكان طاوس يفعله، وكان ابن عمر يتحرى سنة النبي صلى الله عليه وسلم وعن أحمد أنه

وإن صلى المغرب في الطريق ترك السنة وأجزأه

لا يستحب قوا لم يبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله وهذا الصحيح وهو قول عطاء ومالك ومالك وكثير من أهل العلم فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما لقطت له الحصى وهو راكب على بعيره جعل يقبضهن في يده لم يغسلهن ولا أمر بغلسهن ولا فيه معنى يقتضيه، فإن رمى بحجر نجس أجزأه لأنه حصاة ويحتمل أن لا يجزئه لأنه يؤدي به العبادة فاعتبرت طهارته كحجر الاستجمار وتراب التيمم، وإن غسله ورمى به أجزأه وجهاً واحداً والله تعالى أعلم (مسألة) (وعدده سبعون حصاة يرمي منها بسبع يوم النحر وباقيها في أيام منى كل يوم بإحدى وعشرين، فإذا وصل منى - وحدها من وادي محسر إلى العقبة - بدأ بجمرة العقبة فرماها بسبع حصيات واحدة بعد واحدة يكبر مع كل حصاة ويرفع يده حتى يرى بياض إبطه) حد منى مابين جمرة العقبة ووادي محسر كذلك قال عطاء والشافعي وليس محسر والعقبة من منى ويستحب سلوك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى فإن النبي صلى الله عليه وسلم سلكها كذا في حديث جابر، فإذا وصل منى بدأ بجمرة العقبة لأن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ بها، ولأنها تحية منى فلم يتقدمها شئ كالطواف في المسجد وهي آخر الجمرات مما يلي منى وأولها مما يلي مكة وهي عند العقبة لذلك سميت بهذا فيرميها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ويستبطن الوادي ويستقبل القبلة ثم ينصرف ولا يقف وهذا بجملته قول من علمنا قوله من أهل العلم وإن رماها من فوقها جاز، ولأن عمر رضي الله عنه جاء والزحام عند الجمرة فرماها من فوقها والأول أفضل لما روى عبد الرحمن بن يزيد أنه

ومن فاتته الصلاة مع الإمام بعرفة أو بمزدلفة جمع وحده

مشى مع عبد الله وهو يرمي الجمرة، فلما كان في بطن الوادي اعترضها فرماها، فقيل له أن ناساً يرمونها من فوقها فقال: من ههنا والذي لا إله غيره رأيت الذي أنزل عليه سورة البقرة رماها. متفق عليه وفي لفظ لما أتى عبد الله جمرة العقبة استبطن الوادي واستقبل القبلة وجعل يرمي الجمرة على حاجبه الأيمن ثم رمى جمرة بسبع حصيات ثم قال: والذي لا إله إلا هو من ههنا رمى الذي أنزلت عليه سورة البقرة. قال الترمذي هذا حديث صحيح. ولا يسن الوقوف عندها لأن ابن عمر وابن عباس رويا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رمى جمرة العقبة انصرف ولم يقف. رواه ابن ماجه. ويكبر مع كل حصاة لأن جابرا قال: فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة، وإن قال اللهم اجعله حجاً مبروراً، وذنباً مغفوراً، وعملاً مشكوراً، فحسن. فإن ابن مسعود ابن عمر كانا يقولان نحو ذلك، وروى حنبل في المناسك بإسناده عن زيد بن أسلم قال: رأيت سالم بن عبد الله استبطن الوادي ورمى الجمرة بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة الله اكبر الله أكبر ثم قال: اللهم اجعله حجاً مبروراً، وذنباً مغفوراً، وعملاً مشكوراً. فسألته عما صنع فقال حدثني أبي أن النبي صلى الله عليه وسلم رمى الجمرة من هذا المكان ويقول كلما رمى حصاة مثل ما قلت ويرمي الحصى واحدة بعد واحدة كما ذكر، وإن رماها دفعة وحدة لم يجزه إلا عن واحدة نص عليه أحمد وهو قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي. وقال عطاء: بجزئه ويكبر لكل حصاة ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم رمى سبع رميات وقال " خذوا عن مناسككم " ويرفع يده حتى

يرى بياض إبطه قال بعض أصحابنا (فصل) ويرميها راجلاً وراكباً وكيفما شاء لأن النبي صلى الله عليه وسلم رماها على راحلته. رواه جابر وابن عمر وغيرهما، قال جابر رضي الله عنه رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يرمي على راحتله يوم النجر ويقول " لاخذوا عني مناسككم فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه " رواه مسلم، وقال نافع كان ابن عمر رضي الله عنهما يرمي جمرة العقبة على دابته يوم النحر وكان لا يأتي سائرها بعد ذلك إلا

ماشياً ذاهباً وراجعاً، وزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يأتيها إلا ذاهباً وراجعاً. رواه أحمد في المسند، وفي هذا بيان للتفريق بين هذا الجمرة وغيرها، ولأن رمي هذه الجمرة مما تستحب البداية به وهي في هذا اليوم عند قدرمه ولا يسن عندها وقوف، فلو سن له المشي إليها لشغله النزول عن الابتداء بها والتعجيل إليها بخلاف سائرها (فصل) ولا يجزئه الرمي ألا إن يقع الحصى في المرمى، فإن وقع دونه لم يجزئه لا نعلم فيه خلافاً وكذلك إن وضعها بيده في المرمى لا يجزئه في قولهم جميعاً لأنه مأمور بالرمي ولم يرم، وإن طرحها طرحاً أجزأه لأنه يسمى رمياً وهذا قول أصحاب الرأي، وقال ابن القاسم لا يجزئه، وإن رمى حصاة فوقعت في غير المرمى فأطارت حصاة أخرى فوقعت في المرمى لم يجزه لأن التي رماها لم تقع في المرمى وإن رمى حصاة فالتقطها طائر قبل وصولها لم يجزه لأنها لم تقع في المرمى، وإن وقعت على موضع صلب في غير المرمى ثم تدحرجت إلى المرمى أو على ثوب انسان تم طارت فوقعت في المرمى أجزأته لأن حصولها في المرمى بفعله، وإن نفضها الإنسان عن ثوبه فوقعت في المرمى فعن أحمد أنها تجزئه لأنه انفرد برميها، وقال ابن عقيل لاتجزئه لأن حصولها في المرمى بفعل الثاني فأشبه مالو أخذها بيده فرمى

فإذا أصبح بها صلى الصبح، ثم يأتي المشعر الحرام فيرقى عليه أو يقف عنده ويحمد الله تعالى ويكبر ويدعو

بها، وإن رمى حصاة فشك هل وقعت في المرمى أو لا لم يجزه لأن الأصل بقاء الرمي في ذمته فلا يزول بالشك، وعنه يجزئه ذكره ابن البنا في الخصال، وإن غلب على ظنه أنها وقعت فيه أجزأته لأن الظاهر دليل (مسألة) (ويقطع التلبية مع ابتداء الرمي) يروي ذلك عن ابن مسعود وابن عباس وميمونة رضي الله عنهم، وبه قال عطاء وطاوس وسعيد بن جبير والنخعي والثوري والشافعي وأصحاب الرأي، وروي عن سعيد بن أبي وقاص وعائشة رضي الله عنهما يقطع التلبية إذا راح الموقف، وعن علي وأم سلمة رضي الله عنهما أنهما كانا يلبيان حتى تزول الشمس يوم عرفة، وقال مالك يقطع التلبية إذا راح المسجد، وكان الحسن يقول يلبي حتى يصلي الغداة يوم عرفة ولنا أن الفضل بن عباس رضي الله عنه روي أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة وكان رديفه يومئذ وهو أعلم بحاله من غيره، وفعل النبي صلى الله عليه وسلم يقدم على ما خالفه، ويستحب قطع التلبية عند أول حصاة للخبر، وفي بعض ألفاظه: حتى رمى جمرة العقبة قطع عند أول حصاة. رواه حنبل في المناسك وهذا بيان يتعين الأخذ به، وفي رواية من روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر مع كل حصاة دليل على أنه لم يكن يلي، ولأنه يتحلل بالرمي، وإذا شرع فيه قطع التلبية كالمعتمر يقطع التلبية بالشروع في الطواف (مسألة) (وإن رمى بذهب أو فضة أو غير الحصى أو رمى بحجر رمى به مرة لم يجزه) يجزئ المرمي بكل ما يسمى حصى وهي الحجارة الصغار سواء كان أسود، أو أبيض، أو أحمر من المرمر أو البرام أو المرو وهو الصوان أو الرخام أو الكذان، أو حجر المسان وهذا قول مالك والشافعي، وقال القاضي لا يجزئ الرخام والبرام والكذان، ومقتضى قوله ان لا يجزئ المرو ولا حجر المسن، وقال أبو حنيفة يجزئ بالطين والمدر وما كان من جنس الأرض، ونحوه قول الثوري، وروي عن سكينة بنت الحسين أنها رمت الجمرة ورجل يناولها الحصى وسقطت حصاة فرمت بخاتمها ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم رمى بالحصى وأمر بالرمي بمثل حصى الخذف فلا يتناول غير الحصى ويتناول

ثم يدفع قبل طلوع الشمس

جميع أنواعه فلا يجوز تخصيص بغير دليل ولا إلحاق غيره به والذهب والفضة لا يتناوله اسم الحصى (فصل) وإن رمى بحجر أخذ من المرمى لم يجزه، وقال الشافعي يجزئه لأنه حصى فيدخل في العموم ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذه من غير المرمى وقال " خذوا عني مناسككم " ولأنه لو جاز الرمي بمارمي به لما احتاج أحد إلى أخذ الحصى من غير مكانه ولا نكسير، ولأن ابن عباس قال ما نقبل منه رفع، وإن رمى بخاتم فضة حجر لم يجزه في أحد الوجهين لأنه تبع والرمي بالمتبوع لا بالتابع (مسألة) (ويرمي بعد طلوع الشمس فإن رمى بعد نصف الليل أجزأه) وجملته أن لرمي هذه الجمرة وقتين: وقت فضيلة ووقت إجزاء، فأما وقت الفضيلة فعند طلوع الشمس. قال ابن عبد البر: أجمع علماء المسلمين عن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما رماها ضحى ذلك اليوم، وقال جابر رضي الله عنه: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي الجمرة ضحى يوم النحر وحده. أخرجه مسلم، وروى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس " رواه الإمام أحمد، وأما وقت الجواز فأوله نصف الليل من ليلة النحر، وبذلك قال عطاء وابن أبي ليلى والشافعي، وعن أحمد أنه يجزئ بعد الفجر قبل طلوع الشمس وهو قول مالك وأصحاب الرأي وابن المنذر، وقال مجاهد والثوري والنخعي لا يرميها إلا بعد طلوع الشمس لحديث ابن عباس ولنا ماروى أبو داود عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أم سلمة ليلة النحر فرمت جمرة العقبة قبل الفجر ثم مضت فأفاضت، وروي أنه أمرها أن تعجل الإفاضة وتوافي مكة مع صلاة الصبح، احتج به أحمد، ولانه وقت للدفع من المزدلفة فكان وقتاً للرمي كبعد طلوع الشمس، والاخبار المذكورة محمولة على الاستحباب (فصل) (وإن أخر الرمي إلى آخر النهار جاز) قال ابن عبد البر: أجمع أهل العلم على أن من رماها يوم النحر قبل المغيب فقد رماها في وقت لها وإن لم يكن ذلك مستحباً، وروى ابن عباس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يسئل يوم النحر بمنى قال رجل رميت بعد ما أمسيت قال " لا حرج " رواه البخاري فإن أخرها إلى الليل لم يرمها حتى تزول الشمس من الغدو به قال أبو حنيفة واسحاق، وقال الشافعي ومحمد وأبو يوسف وابن المنذر يرمي ليلاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم " ارم ولا حرج

فإذا بلغ محسرا أسرف قدر رميه بحجر

ولنا أن ابن عمر رضي الله عنهما قال: من فاته الرمي حتى تغيب الشمس فلا يرم حتى تزول الشمس من الغد، وقول النبي صلى الله عليه وسلم " ارم ولا حرج " إنما كان في النهار لأنه سأله في يوم الحر ولا يكون اليوم إلا قبل مغيب الشمس، وقال مالك يرمي ليلاً وعليه دم، ومرة قال لادم عليه وإذا رمى انصرف ولم يقف لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقف عندها (مسألة) (ثم ينحر هديا إن كان معه، ويحلق أو يقصر من جميع شعره، وعنه يجزئه بعضه كالمسح)

ثم يأخذ حصى الجمار من طريقه أو من مزدلفة ومن حيث أخذه جاز

إذا فرغ من رمي الجمرة يوم النحر لم يقف وانصرف فأول شئ يبدأ به نحر الهدي إن كان معه هدي واجباً كان أو تطوعاً، فإن لم يكن معه هدي وعليه هدي واجب اشتراه، وإن لم يكن عليه واجب فأحب أن يضحي اشترى ما يضحي به وينحر الإبل ويذبح ما سواها والمستحب أن يتولى ذلك بيده ويجوز أن يستنيب فيه، هذا قول مالك وأبي ثور وأصحاب الرأي، وذلك لما روى جابر في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم أنه رمى من بطن الوادي ثم انصرف إلى المنحر فنحر ثلاثاً وستين بدنة بيده ثم أعطى عليا فنحر ما غبر مناه وأشركه في هديه، ويستحب توجيه الذبيحة إلى القبلة ويقول بسم الله والله أكبر. قال إبن المنذر ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا ذبح يقول " بسم الله والله أكبر " (فصل) وإذا نحر الهدي فرقة على مساكين الحرم وهم من كان في الحرم وإن أطلقها لهم جاز كما روى أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نحر خمس بدنات ثم قال " من شاء اقتطع " رواه أبو داود

وعدده سبعون حصاة يرمي منها بسبع يوم النحر وباقيها في أيام منى كل يوم بإحدى وعشرين

وإن قسمها فهو أحسن وأفضل لأنه بقسمها يتبين إيصالها إلى مستحقها ويكفي المساكين تعب النهب والزحام ويقسم جلودها وجلالها لما روى علي رضي الله عنه قال: أمرني النبي صلى الله عليه وسلم إن أقوم على بدنه وأن أقسم بدنه كلها جلودها وجلالها وأن لا نعطي الجازر منها شيئاً وقال نحن نعطيه من عندنا، وإنما لزمه قسم جلالها للخير ولانه سافها الله على تلك الصفة فلا يأخذ شيئاً مما جعله الله تعالى. وقال بعض أصحابنا لا يلزمه اعطاء جلالها لأنه إنما أهدى الحيوان دون ما عليه والسنة النحر بمنى لأن النبي صلى الله عليه وسلم نحر بها، وحيث نحر من الحرم أجزأه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " كل منى منحر، وكل فجاج مكة منحر وطريق " رواه أبو داود (فصل) يلزمه الحلق أو التقصير من جميع شعره وكذلك المرأة وبه قال مالك وعنه يجزئه بعضه

كالمسح كذلك قال ابن حامد، وقال الشافعي يجزئه التقصير من ثلاث شعرات. وقال ابن المنذر يجزئه ما يقع عليه اسم التقصير لتناول اللفظ له ولنا قوله تعالى (محلقين رؤسكم) وهذا عام في جميعه، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم حلق جميع رأسه تفسيراً لمطلق الأمر به فيجب الرجوع إليه، فإن كان الشعر مضفوراً قصر من رءوس ضفائره كذلك قال مالك تقصر المرأة من جميع قرونها ولا يجب التقصير من كل شعره لأن ذلك لا يعلم إلا بحلقه وأي قدر قصر منه أجزأ لأن الأمر مطلق فيتناول أقل ما يقع عليه الاسم. قال أحمد: يقصر قدر الأنملة وهو قول ابن عمر والشافعي وهو محمول على الاستحباب. وبأي شئ قصر الشعر أجزأه وكذلك إن نتفه أو أزاله بنورة لأن القصد إزالته ولكن السنة الحلق أو التقصير لأن النبي صلى الله عليه وسلم حلق رأسه فروى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم رمي جمرة العقبة يوم النحر ثم رجع إلى منزله بمنى فدعا بذبح فذبح ثم دعا بالحلاق فأخذ شق رأسه الأيمن فحلقه فجعل يقسم بين من يليه الشعرة والشعرتين ثم شق رأسه الأيسر فحلقه ثم قال " ههنا أبو طلحة؟ " فدفعه إلى أبي طلحة. رواه أبو داود. والسنة أن يبدأ بشق رأسه الأيمن ثم الأيسر لهذا الخبر فان لم يفعل أجزأه لا نعلم فيه خلافاً ويستقبل القبلة لأن خير المجالس ما استقبل به القبلة ويكبر وقت الحلق لأنه نسك ويكون ذلك بعد النحر (فصل) وهو مخير بين الحلق والتقصير في قول الجمهور وقال ابن المنذر أجمع أهل العلم على أن التقصير يجزي يعني في حق من لم يوجد منه معنى يقتضي وجوب الحلق عليه إلا أنه يروى عن الحسن أنه كان يوجب الحلق في الحجة الأولى ولا يصح هذا لأن الله تعالى قال (محلقين رءوسكم ومقصرين) ولم يفرق والنبي صلى الله عليه وسلم قال " رحم الله المحلقين والمقصرين " وقد كان معه من قصر فلم ينكر عليه والحلق أفضل لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله وقال " رحم الله المحلقين " قالوا يارسول الله والمقصرين قال " رحم المحلقين " قالوا والمقصرين يارسول الله قال " رحم الله المحلقين والمقصرين " رواه مسلم فأما من لبد أو عقص أو ضفر فقال أحمد من فعل ذلك فيحلق وهو قول النخعي ومالك والشافعي وإسحق وكان ابن عباس رضي الله عنه يقول من لبد أو قصر أو عقد أو فتل أو عقص فهو على ما نوى إن نوى الحلق فليحلق وإلا فلا يلزمه وقال أصحاب الرأي وهو مخير على كل حال لأن ما ذكرناه يقتضي

التخيير على العموم ولم يثبت في خلاف ذلك دليل ووجه القول الأول ماروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من لبد فليحلق وثبت عن عمر وابنه أنهما أمرا من لبد رأسه أن يحلقه والنبي صلى الله عليه وسلم لبد رأسه وحلق والصحيح أنه مخير الا أن يتبت الخبر، وقول عمر وابنه قد خالفهما فيه ابن عباس وفعل النبي صلى الله عليه وسلم لا يدل على وجوبه بعد ما تبين جواز الأمرين والله أعلم (مسألة) (والمرأة تقصر من شعرها قدر الأنملة والأنملة رأس الأصبع من المفصل الأعلى والمشروع للمرأة التقصير دون الحلق بغير خلاف) قال إبن المنذر أجمع على هذا أهل العلم لأن الحلق في حقهن مثله وقد روى ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ليس على النساء حلق إنما على النساء التقصير " رواه أبو داود، وعن علي رضي الله عنه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تحلق المرأة رأسها رواه الترمذي وكان أحمد يقول تقصر من كل قرن قدر الأنملة وهو قول ابن عمر والشافعي واسحق وأبي ثور وقال أبو داود سمعت أحمد سئل عن المرأة تقصر من كل رأسها قال نعم تجمع شعرها إلى مقدم رأسها ثم تأخذ من أطراف شعرها قدر الأنملة والرجل الذي يقصر كالمرأة في ذلك وقد ذكرنا فيه خلافاً (فصل) والأصلع الذي ليس على رأسه شعر يستحب أن يمر الموسى على رأسه روى ذلك عن ابن عمر وبه قال مسروق وسعيد بن جبير والنخعي ومالك والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي ولا نعلم عن غيرهم خلافهم وليس بواجب وقال أبو حنيفة يجب لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم وهذا لو كان ذا شعر وجب عليه إزالته وإمرار الموسى على رأسه فإذا سقط أحدهما لتعذره بقي الآخر ولنا أن الحلق محله الشعر فسقط بعدمه كماسقط وجوب غسل العضو في الوضوء بفقده ولأنه إمرار لو فعله في الإحرام لم يجب به دم فلم يجب عند التحلل كإمراره على الشعر من غير حلق (فصل) ويستحب تقليم أظفاره والأخذ من شاربه قال إبن المنذر ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حلق رأسه قلم أظفاره وكان ابن عمر يأخذ من شاربه وأظفاره وكان عطاء وطاوس والشافعي يحبون لو أخذ من لحيته شيئاً ويستحب إذا حلق أن يبلغ العظم الذي عند منقطع الصدغ من الوجه كان ابن عمر يقول للحالق أبلغ العظمين افصل الرأس من اللحية وكان عطاء يقول من السنة إذا حلق أن يبلغ العظمين

ويقطع التلبية مع ابتداء الرمي

(مسألة) (ثم قد حل له لكل شئ إلا النساء وعنه الا الوطئ في الفرج) وجملته أن المحرم إذا رمي جمرة العقبة ثم حلق أو قصر حل له كل ماكان محرماً بالإحرام إلا النساء هذا الصحيح من المذهب نص عليه أحمد في رواية جماعة فيبقى ما كان محرما عليه من النساء من الوطئ والقبلة واللمس بشهوة وعقد النكاح ويحل له ما سوى ذلك هذا قول ابن الزبير وعائشة وعلقمة وسالم والنخعي وعبد الله بن الحسن وخارجة بن زيد والشافعي وأبي ثور وأصحاب الرأي وروي عن ابن عباس، وعن أحمد أنه يحل له كل شئ الا الوطئ في الفرج لأنه أغلظ المحرمات ويفسد النسك بخلاف غيره وقال عمر رضي الله عنه يحل له كل شئ إلا النساء والطيب وروي ذلك عن ابنه وعروة بن الزبير وغيرهما لأنه من دواعي الوطئ أشبه القبلة، وعن عروة أنه لا يلبس القميص ولا العمامة ولا يتطيب وروي في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث، ولنا ماروت عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " اذا رميتم وحلقتم فقد حل لكم الطيب والثياب وكل شئ إلا النساء " رواه سعيد وقالت عائشة: طيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لحرمه حين أحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت، متفق عليه وعن سالم عن أبيه قال قال عمر بن الخطاب إذا رميتم الجمرة بسبع حصيات وذبحتم وحلقتم فقد حل لكم كل شئ إلا الطيب فقالت عائشة أنا طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن تتبع رواه سعيد عن ابن عباس أنه قال إذا رميتم الجمرة فقد حل لكم كل شئ إلا النساء فقال له رجل والطيب فقال أما أنا فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يضمخ رأسه بالمسك الطيب هو ذاك أم لا؟ رواه ابن ماجه وقال مالك لا يحل له النساء ولا الطيب ولا قتل الصيد لقوله سبحانه (لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم) وهذا حرام وقد ذكرنا ما يرد هذا القول ويمنع أنه محرم وإنما بقي بعض أحكام الاحرام (مسألة) (والحلق والتقصير نسك إن أخره عن أيام منى فهل يلزمه دم؟ على روايتين وعنه أنه إطلاق من محظور لا شئ في تركه ويحصل التحلل بالرمي وحده)

وإن رمى بذهب أو فضة أو غير الحصى أو رمى بحجر رمى به مرة لم يجزه

الحلق والتقصير نسك في الحج والعمرة في ظاهر المذهب وهو قول مالك وأبي حنيفة والشافعي وعن أحمد أنه ليس بنسك وإنما هو إطلاق من محظور كان محرما عليه بالإحرام فأطلق فيه بالحل كاللباس وسائر محظورات الإحرام فعلى هذه الرواية لا شئ على تاركه ويحصل التحلل بدونه ووجهها أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالحل من العمرة قبله فروى أبو موسى رضي الله عنه قال: قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم فقال " بم أهللت؟ " قلت لبيك بإهلال كإهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال " أحسنت " وأمرني فطفت بالبيت وبين الصفا والمروة ثم قال لي " أحل " متفق عليه، وعن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سعى بين الصفا والمروة قال " من كان منكم ليس معه هدي فليحل وليجعلها عمرة " رواه مسلم، ولان ماكان محرما في الاحرام إذا أبيح كان اطلاقا من محظور كسائر محرماته والرواية الأولى أصح فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به، فروى ابن عمر ضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من لم يكن معه هدي فليطف بالبيت وبالصفا والمروة وليقصر وليحلل " عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أحلوا من إحرامكم بطواف بالبيت وبين الصفا والمروة وقصروا " وأمره يقتضي الوجوب، ولأن الله تعالى وصفهم بقوله (محلقين رءوسكم ومقصرين) ولو لم يكن من المناسك لما وصفهم به كاللبس وقتل الصيد، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم ترحم على المحلقين ثلاثاً وعلى المقصرين مرة، ولو لم يكن من المناسك لما دخله التفضيل كالمباحات، ولأن النبي صلى الله

ويرمي بعد طلوع الشمس فإن رمى بعد نصف الليل أجزأه

عليه ولم وأصحابه فعلوه في جميع حجهم وعمرهم لم يخلوا به، ولو لم يكن نسكا لما داوموا عليه بل لم يفعلوه إلا نادراً لأنه لم يكن من عادتهم فيفعلوه عادة ولا فيه فضل فيفعلوه لفضله، فأما أمره بالحل فإنما معناه - والله أعلم الحل بفعله لأن ذلك كان مشهوراً عندهم فاستغني عن ذكره ولا يمنع الحل من العبادة بما كان محرماً فيها كالسلام في الصلاة (فصل) فإذا قلنا إنه نسك جاز تأخيره إلى آخر أيام النحر لأنه إذا جاز تأخير النحر المقدم عليه فتأخيره أولى، فإن أخره عن ذلك فلا دم عليه في إحدى الروايتين لأن الله تعالى بين أول وقته ولم يبين آخره فمتى أتى به اجزاء كالطواف للزيارة والسعي (والثانية) عليه دم لأنه نسك أخره عن محله ومن ترك نسكاً فعليه دم ولافرق في التأخير بين القليل والكثير والعامد والساهي. وقال مالك والثوري واسحاق وأبو حنيفة ومحمد من تركه حتى حل فعليه دم لأنه نسك فوجب أن يأتي به قبل الحل كسائر مناسكه. ولنا ما تقدم وهل يحل قبله؟ فيه روايتان (إحداهما) أن التحلل إنما يحصل بالحلق والرمي معاً وهو ظاهر كلام الخرقي وقول الشافعي وأصحاب الرأي لقول النبي صلى الله عليه وسلم إذا رميتم وحلقتم فقد حل لكم كل شئ إلا النساء " وترتيب الحل عليهما دليل على حصوله بهما، ولأنهما نسكان يتعقبهما الحل فكان حاصلاً بهما كالطواف والسعي في العمرة (والثانية) يحصل التحلل بالرمي وحده وهذا قول عطاء ومالك وأبي ثور قال شيخنا وهو الصحيح إن شاء الله تعالى لقوله في حديث أم سلمة " إذا رميتم الجمرة فقد حل لكم كل شئ إلا النساء " وكذلك قال ابن عباس قال بعض أصحابنا هذا ينبني على الخلاف في الحلق إن قلناهو نسك حصل

ثم ينحر هديا إن كان معه

الحل وإلا حصل بالرمي وحده وهو الذي ذكره شيخنا في كتابه المشروح (مسألة) (وإن قدم الحلق على الرمي والنحر جاهلاً أو ناسياً فلا شئ عليه، وإن كان عالماً فهل يلزمه دم؟ على روايتين) السنة في يوم النحر إن يرمي ثم ينحر ثم يحلق ثم يطوف ترتيبها هكذا لأن النبي صلى الله عليه وسلم رتبها كذلك فروى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم رمى ثم نحر ثم حلق. رواه أبو داود، فان أخل بترتيبها ناسياً أو جاهلاً فلا شئ عليه هذا قول الحسن وطاوس ومجاهد وسعيد بن جبير وعطاء والشافعي واسحاق وأبي ثور وداود ومحمد بن جرير الطبري، وقال أبو حنيفة إن قدم الحلق على الرمي أو على النحر فعليه دم، فإن كان قارنا فعليه دمان، وقال زفر عليه ثلالثة دماء لأنه لم يوجد التحلل الأول اشبه مالو حلق قبل يوم النحر. ولنا ماروى عبد الله بن عمرو قال: قال رجل يارسول الله حلقت قبل أن أذبح، قال " اذبح ولا خرج " فقال آخر ذبحت قبل أن أرمي، قال " ارم ولا حرج " متفق عليه، وفي لفظ قال فجاء رجل ققال يارسول الله: لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح وذكر الحديث قال فما سمعته يسئل يومئذ عن أمر مما ينسى المرء أو يجهل من تقديم عبض الأمور على بعض وأشباهها إلا قال " افعلوا ولا حرج " رواه مسلم، وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قيل له يوم النحر وهو بمنى في النحر والحلق والرمي والتقديم والتأخير متفق عليه، روواه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عيسى بن طلحة عن عبد الله ابن عمرو وفيه فحلقت قبل أن أرمي، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن تتبع، فأما إن فعله عامداً عالماً مخالفة للسنة فإنه لا دم عليه في (إحدى الروايتين) وهو قول عطاء واسحاق لإطلاق حديث ابن عباس

وكذلك حديث عبد الله بن عمرو من رواية سفيان بن عيينة (والثانية) عليه دم روي نحو ذلك عن سعيد بن جبير وجابر بن زيد وقتادة والنخعي لأن الله تعالى قال (ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله) ولأن النبي صلى الله عليه وسلم رتب وقال " خذوا عني مناسككم " والحديث المطلق قد جاء مقيداً فيحمل المطلق على المقيد، قال الأثرم سمعت أبا عبد الله يسئل عن رجل حلق قبل أن يذبح فقال: إن كان جاهلاً فليس عليه دم فأما مع التعمد فلا لأن النبي صلى الله عليه وسلم سأله رحل فقال لم أشعر، قيل لأبي عبد الله سفيان بن عيينة لا يقول لم أشعر فقال نعم ولكن مالكاً والناس عن الزهري لم أشعر وهو في الحديث، وقال مالك إن قدم الحلق على المرى فعليه دم وإن قدمه على النحر أو النحر على الرمي فلا شئ عليه لأنه بالإجماع ممنوع من حلق شعره قبل التحلل الأول ولا يحصل إلا برمي الجمرة، فأما النحر قبل الرمي فجائز لأن الهدي قد بلغ محله ولنا الحديث فإنه لم يفرق بينهما فإن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له في الحلق والنحر والتقديم والتأخير فقال " لا حرج " ولا نعلم خلافاً بينهم في أن مخالفة الترتيب لا تخرج هذه الأفعال عن الأجزاء ولا يمنع وقوعها موقعها، وإنما اختلفوا في وجوب الدم على ما ذكرنا (فصل) فإن قدم الإفاضة على الرمي أجزأ طوافه، وبهذا قال الشافعي وقال مالك لاتجزئه الإفاضة فليرم ثم لينحر ثم ليقصر، وكان ابن عمر يقول فيمن أفاض قبل أن يحلق برجع فيحلق أو يقصر ثم يفيض

ولنا ماروى عطاء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له رجل أفضت قبل أن أرم، قال " ارم ولا حرج " وعنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من قدم شيئاً قبل شئ فلا حرج " رواهما سعيد في سننه، وروى عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه آخر فقال إني أفضت إلى البيت قبل أن أرمي، فقال " ارم ولا حرج " فما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شئ قدم ولا أخر إلا قال " افعل ولا حرج " رواه أبو داود والنسائي والترمذي، ولأنه أتى بالرمي في وقته فأجزأه كما لو رتب، ومقتضى كلام أصحابنا أنه يحصل له بالإفاضة قبل الرمي التحلل الأول كمن رمى ولم يفض، فعلى هذا لو واقع أهله قبل الرمي بعد الإفاضة فعليه دم ولا يفسد حجه، وكذلك قال الأوزاعي فإن رجع إلى أهله ولم يرم فعليه دم الترك الرمي وحجه صحيح فإن ابن عباس قال: من نسي أو ترك شيئاً من نسكه فليهرق لذلك دما (مسألة) (ثم يخطب الإمام خطبة يعلمهم فيها النحر والإفاضة والرمي) يستحب أن يخطب الامام بمعنى يوم النحر يعلمهم فيها النحر والإفاضة والرمي نص عليه

أحمد وهو مذهب الشافعي وابن المنذر، وذكر بعض أصحابنا أنه لا يخطب يومئذ وهو مذهب مالك لأنها تسن في اليوم الذي قبله فلا تسن فيه ولنا ما روى ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم النحر يعنى بمنى. أخرجه البخاري، وعن رافع بن عمرو المزني قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بخطب الناس بمنى حين ارتفع الضحى على بغلة شهباء وعلي؟ عبر عنه والناس بين قائم وقاعد، وقال أبو أمامة رضي الله عنه سمعت خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى يوم النحر، وقال عبد الرحمن بن معاذ خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بمنى ففتحنا أسماعنا حتى كنا نسمع ونحن في منازلنا فطفق يعلمهم مناسكهم حتى بلغ الجمار. رواهن أبو داود غير حديث ابن عباس، ولأنه يوم تكثر فيه أفعال الحج ويحتاج إلى تعليم الناس أحكام ذلك فاحتيج إلى الخطبة من أجله يوم عرفة (فصل) يوم الحج الأكبر يوم النحر فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال في خطبته يوم النحر " هذا يوم الحج الأكبر " رواه البخاري وسمي بذلك لكثرة أفعال الحج فيه من الوقوف بالمشعر والدفع منه إلى منى والرمي والنحر والحلق وطواف الإفاضة والرجوع إلى منى ليبيت بها وليس في غيره مثله وهو مع ذلك يوم عيد وبرم يحل فيه من أفعال الحج (مسألة) (ثم يفيض إلى مكة ويطوف للزيارة، ويعينه بالنية وهو الطواف الواجب الذي به تمام الحج)

والمرأة تقصر من شعرها قدر الأنملة والأنملة رأس الأصبع من المفصل الأعلى والمشروع للمرأة التقصير دون الحلق بغير خلاف

وجملة ذلك أنه إذا رمى ونحر وحلق أفاض إلى مكة يوم النحر فطاف طواف الزيارة وسمي بذلك لأنه يأتي من منى فيزور البيت، ولا يقيم بمكة بل يرجع إلى منى ويسمى طواف الإفاضة لكونه يأتي به عند افضاته من منى إلى مكة، وصفة هذا الطواف كصفة طواف القدوم إلا أنه ينوي به طواف الزيارة ويعينه بالنية ولا رمل فيه ولا اضطباع لقول ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرمل في السبع الذي أفاض فيه، والنية شرط في هذا الطواف. هذا قول اسحاق وابن القاسم صاحب مالك وابن المنذر، وقال الثوري والشافعي وأصحاب الرأي: يجزئه وإن لم ينو الفرض الذي عليه ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى " ولأن النبي صلى الله عليه وسلم سماه صلاة والصلاة لا تصح إلا بنية اتفاقاً، وهذا الطواف ركن للحج لا يتم إلا به بغير خلاف علمناه. قال ابن عبد البر هو من فرائض الحج لا خلاف في ذلك بين العلماء، قال الله تعالى (وليطوفوا بالبيت العتيق) وعن عائشة قالت: حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأفضنا يوم النحر فحاضت صفية فأراد النبي صلى الله عليه وسلم منها ما يرد الرجل من أهله فقلت يارسول الله إنها حائض فقال " أحابستنا هي؟ قالوا يارسول الله إنها قد أفاضت يوم النحر قال " اخرجوا " متفق عليه فدل على أن هذا الطواف لابد منه وأنه حابس لمن لم يأت به (مسألة) (وأول وقته بعد نصف الليل من ليلة النحر والأفضل فعله يوم النحر فإن أخره عنه وعن أيام منى جاز) لهذا الطواف وقتان وقت فضيلة ووقت إجزاء فأما وقت الفضيلة فيوم النحر بعد الرمي والنحر

ثم قد حل له كل شيء إلا النساء وعنه إلا الوطء في الفرج

والحلق لقول جابر رضي الله عنه في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر: فأفاض إلى البيت فصلى بمكة الظهر. وقد ذكرنا حديث عائشة قالت فأفضنا يوم النحر وقال ابن عمر أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر متفق عليهما، وإن أخره إلى الليل فلا بأس فإن ابن عباس وعائشة رويا أن النبي صلى الله عليه وسلم أخر طواف الزيارة إلى الليل رواهما أبو داود والترمذي وأما وقت الجواز فأوله من نصف الليل من ليلة النحر وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة أولا طلوع الفجر يوم النحر وآخره آخر أيام النحر وهذا مبني على أول وقت الرمي وقد مضى الكلام فيه، واحتج على آخر وقته بأنه نسك يفعل في الحج فكان آخره محدوداً كالوقوف الرمي والصحيح أن آخر وقته غير محدود لأنه متى أتى به صح بغير خلاف وإنما الخلاف في وجوب الدم فنقول طاف فيما بعد أيام النحر طوافاً صحيحاً فلم يلزمه دم كما لو طاف في أيام النحر وأما الوقوف والرمي فإنهما لما كانا موقتين كان لهما وقت يفوتان بفواته وليس كذلك الطواف فإنه متى أتى به صح (مسألة) ثم يسعى بين الصفا والمروة إن كان متمتعاً أو لم يكن سعى من طواف القدوم وإن كان قد سعى لم يسع لأن السعي الذي سعاه المتمتع إنما كان للعمرة فيشرع له أن يسعى للحج، وإن كان المفرد والقارن لم يسعيا مع طواف القدوم سعياً بعد طواف الزيارة لأن السعي لا يكون إلا بعد الطواف لكون النبي صلى الله عليه وسلم إنما سعى بعد الطواف وقال " خذوا عني مناسككم " وإن كان قد سعى مع طواف

والحلق والتقصير نسك إن أخره عن أيام منى فهل يلزمه دم

القدوم لم يسع فإنه لا يستحب التطوع بالسعي كسائر الإنساك ولا نعلم فيه خلافاً، فأما الطواف فيستحب التطوع به لأنه صلاة (مسألة) (ثم قد حل له كل شئ) يعني إذا طاف للزيارة بعد الرمي والنحر والحلق وكان قد سعى حل له كل شئ حرمه الإحرام وقد ذكرنا أنه لم يكن بقي عليه من المحظورات سوى النساء فبهذا الطواف حل له النساء قال ابن عمر رضي الله عنهما: لم يحل النبي صلى الله عليه وسلم من شئ حرم عنه حتى قضى حجه ونحر هديه يوم النحر فأفاض بالبيت ثم حل من كل شئ حرم منه. وعن عائشة رضي الله عنها مثله متفق عليهما ولا نعلم خلاف في حصول الحل بما ذكرناه على هذا الترتيب، فإن طاف ولم يكن سعى لم يحل حتى يسعى إن قلنا إن السعي ركن وإن قلنا هو سنة فهل يحل قبله على وجهين (أحدهما) يحل لأنه لم يبق عليه شئ من واجباته (والثاني) لا يحل لأنه من أفعال الحج فيأتي به في إحرام الحج كالسعي في العمرة (فصل) قال الخرقي يستحب للمتمتع إذا دخل مكة لطواف الزيارة أن يطوف طوافاً ينوي به القدوم ثم يسعى بين الصفا والمروة ثم يطوف طواف الزيارة لأن المتمتع لم يأت به قبل ذلك فإن

الطواف الذي طافه في الأول كان طواف العمرة، وقد نص أحمد رحمه الله على ذلك في رواية الأثرم قال قلت لأبي عبد الله فإذا رجع يعني المتمتع كم يطوف ويسعى؟ قال: يطول ويسعى لحجه ويطوف طوافاً آخر للزيارة. عاودناه في هذا غير مرة فثبت عليه وكذلك الحكم في القارن والمفرد إذا لم يكونا أتيا مكة قبل يوم النحر ولا طافا طواف القدوم فإنهما يبدآن بطواف القدوم قبل طواف الزيارة نص عليه أحمد أيضا واحتج بما روت عائشة رضي الله عنها قالت: فطاف الذين أهلوا بالعمرة وبين الصفا والمروة ثم حلوا ثم طافوا طوافاً آخر بعد أن رجعوا من منى لحجهم وأما الذين جمعوا الحج والعمرة فإنما طافوا طافوا طوافاً واحداً. فحمل أحمد رضي الله عنه قول عائشة على أن طوافهم لحجهم هو طواف القدوم ولأنه قد ثبت أن طواف القدوم مشروع فلم يكن طواف الزيارة مسقطاً له كتحية المسجد عند دخوله قبل التلبس بصلاة الفرض قال شيخنا رحمه الله ولم أعلم أحدا وافق أبا عبد الله على هذا الطواف الذي ذكره الخرقي بل المشروع طواف واحد للزيارة كمن دخل المسجد وأقيمت الصلاة فإنه يكتفي بها من تحية المسجد ولأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه الذين تمتعوا معه في حجة الوداع ولا أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أحداً وحديث عائشة دليل على هذا فإنها قالت طافوا طوافاً واحداً بعد أن رجعوا من منى لحجتهم وهذا هو طواف الزيارة ولم تذكر طوافاً آخر ولو كان هذا الذي ذكرته طواف القدوم لكانت قد أخلت بذكر طواف الزيارة الذي هو ركن الحج لايتم إلا به وذكرت ما يستغني عنه وعلى كل

حال فما ذكرت إلا طوافاً واحداً فمن أين يستدل على طوافين؟ وأيضاً فإنها لما حاضت فقرنت الحج إلى العرمة بأمر النبي صلى الله عليه وسلم ولم تكن طافت للقدوم لم تطف للقدوم ولا أمرها به النبي صلى الله عليه وسلم ولأن طواف القدوم لو لم يسقط بالطواف الواجب لشرع في حق المعتمر طواف القدوم مع طواف العمرة ولأنه أول قدومه إلى البيت فهو به أولى من المتمتع الذي يعود إلى البيت بعد رؤيته وطوافه به وفي الجملة هذا الطواف المختلف فيه ليس بواجب إنما الواجب طواف واحد وهو طواف الزيارة وهو في حق المتمتع كهو في حق القارن والمفرد لا يتم الحج إلا به (فصل) والاطوفة المشروعة في الحج ثلاثة: طواف الزيارة وهو ركن لايتم الحج إلا به بغير خلاف، وطواف القدوم وهو سنة لا شئ على تاركه، وطواف الوداع واجب يجب بتركه دم وبهذا قال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه وقال مالك على تارك طواف القدوم دم ولا شئ على تارك طواف الوداع وحكي عن الشافعي كقولنا في طواف الوداع وكقوله في طواف القدوم وما زاد على هذه الاطوفة فهو نقل ولا يشرع في حقه أكثر من سعي واحد بغير خلاف علمناه قال جابر لم يطف النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافاً واحداً طوافه الأول رواه مسلم ولا يكون السعي إلا بعد طواف وقد ذكرناه

وإن قدم الحلق على الرمي والنحر جاهلا أو ناسيا فلا شيء عليه

(فصل) ويستحب أن يدخل البيت فيكبر في نواحيه ويصلي فيه ركعتين ويدعو الله عزوجل قال ابن عمر رضي الله عنه: دخل النبي صلى الله عليه وسلم البيت وبلال وأسامة بن زيد فقلت لبلال هل صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال نعم قلت أين؟ قال بين العمودين تلقا وجهه قال ونيست أن أسأله كم صلى. وقال ابن أسامة أخبرني أسامة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل البيت دعا في نواحيه كلها ولم يصل فيه حتى خرج متفق عليهما فقدم أهل العلم رواية بلال على رواية أسامة لأنه مثبت وأسامة ناف ولأن أسامة كان حديث السن فيجوز أن يكون أشتغل بالنظر إلى ما في الكعبة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وإن لم يدخل البيت فلا بأس فإن إسماعيل بن خالد قال: قلت لعبد الله بن أبي أوفى دخل النبي صلى الله عليه وسلم البيت في عمرته؟ قال لا متفق عليه. وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عندها وهو مسرور ثم رجع وهو كئيب فقال " إني دخلت الكعبة ولو استقبلت من أمري ما استدبرت ما دخلتها إني أخاف أن أكون قد شققت على أمتي (مسألة) ويستحب أن يأتي زمزم فيشرب من مائها لما أحب ويتضلع منه قال جابر في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم ثم أتى بني عبد المطلب وهم يسقون فناولوه دلواً فشرب منه. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ماء زمزم لما شرب له " وعن عبد الرحمن بن أبي بكر قال كنت عند ابن عباس جالساً فجاءه رجل فقال من أين جئت؟ قال من زمزم قال فشربت منها كما ينبغي؟ قال فكيف؟ قال إذا شربت منها فاستقبل الكعبة واذكر اسم الله وتنفس ثلاثة من زمزم

وتضلع منها فإذا فرغت فاحمد الله فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " آية ما بيننا وبين المنافقين أنهم

لا يتضلعون من زمزم " رواهما ابن ماجة ويقول عند الشرب بسم الله اللهم اجعله لنا علما نافعا، ورزقا واسعا ورياً

ثم يخطب الإمام خطبة يعلمهم فيها النحر والإفاضة والرمي

وشبعاً وشفاء من كل داء واغسل به قلبي واملأة من خشيتك وحكمتك (فصل) قال الشيخ رحمه الله (ثم يرجع إلى منى ولا يبيت بمكة ليالي منى) السنة لمن أفاض يوم النحر أن يرجع إلى منى لما روى ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أفاض يوم النحر ثم رجع فصلى الظهر بمنى. متفق عليه والمبيت بمنى في لياليها واجب في إحدى الروايتين عن أحمد وهو ظاهر كلام الخرقي. روى ذلك عن ابن عباس وهو قول عروة ومجاهد وابراهيم وعطاء وروي عن عمربن الخطاب وبه قال مالك والشافعي (والثانية) ليس بواجب روى ذلك عن الحسن وروي عن ابن عباس إذا رميت الجمرة فبت حيث شئت ولأنه قد حل من حجه فلم يجب عليه المبيت بموضع معين كليلة الحصبة ووجه الرواية الأولى أن ابن عمر روي أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للعباس بن

ثم يفيض إلى مكة ويطوف للزيارة، ويعينه بالنية وهو الطواف الواجب الذي به تمام الحج

عبد المطلب أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته، متفق عليه وتخصيص العباس بالرخصة لعذره دليل على أنه لا رخصة لغيره وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لم يرخص النبي صلى الله عليه وسلم لأحد يبيت بمكة إلا للعباس من أجل سقايته. رواه ابن ماجه ولأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله نسكاً وقال " خذوا عني مناسككم " (مسألة) (ويرمي الجمرات بها في أيام التشريق بعد الزوال كل جمرة بسبع حصيات فيبدأ بالجمرة الأولى وهي أبعدهن من مكة وتلي مسجد الخيف فيجعلها عن يساره ويرميها بسبع ثم يتقدم قليلاً فيقف يدعو الله تعالى ويطيل ثم يأتي الوسطى فيجعلها عن يمينه ويرميها بسبع ويقف عندها فيدعو ثم يرمي جمرة العقبة بسبع ويستبطن الوادي ولا يقف عندها ويستقبل القبلة في الجمرات كلها) وقد ذكرنا أن جملة ما يرمي به الحاج سبعون حصاة سبعة منها يرمي بها يوم النحر بعد طلوع الشمس وباقيها في أيام التشريق الثلاثة بعد زوال الشمس كل يوم إحدى وعشرين حصاة لثلاث

وأول وقته بعد نصف الليل من ليلة النحر والأفضل فعله يوم النحر فإن أخره عنه وعن أيام منى جاز

جمرات يبدأ بالجمرة الأولى وهي أبعد الجمرات من مكة قريباً من مسجد الخيف فيجعلها عن يساره ويستقبل القبلة ويرميها بسبع حصيات كما وصفنا في رمي جمرة العقبة ثم يتقدم منها إلى مكان لا يصيبه الحصى فيقف طويلاً يدعو الله تعالى رافعاً يديه ثم يتقدم إلى الوسطى فيجعلها عن يمينه ويستقبل القبلة ويرميها بسبع ويفعل من الوقوف والدعاء كما فعل في الأولى ثم يرمي جمرة العقبة بسبع ويستبطن الوادي ويستقبل القبلة ولا يقف عندها. هذا قول الشافعي ولا نعلم في جميع ذلك خلافاً إلا أن مالكا قال: ليس بموضع لرفع اليدين وقد ذكرنا الخلاف فيه عند رؤية البيت وقال الأثرم سمعت أبا عبد الله يسئل أيقوم الرجل عند الجمرتين إذا رمى؟ قال: أي لعمري شديداً ويطيل القيام أيضاً قيل: فإلى أين يتوجه في قيامه؟ قال إلى القبلة ويرميها من بطن الوادي، والأصل في هذا ماروت عائشة قالت: أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من آخر يومه حين صلى الظهر ثم رجع إلى منى فمكث بها ليالي أيام التشريق يرمي الجمرة إذا زالت الشمس كل جمرة بسبع حصيات يكبر مع كل حصا ويقف عند الأولى والثانية ويتضرع ويرمي الثالثة ولا يقف عندها. رواه أبو داود، وعن ابن عمر أنه كان يرمي الجمرة الأولى بسبع حصيات يكر على أثر كل حصاة ثم يتقدم وستهل ويقوم قياماً طويلاً ويرفع يديه ثم يرمي الوسطى ويأخذ بذات الشمال ويستهل ويقوم مستقبل القبلة فياما طويلاً ثم يرفع يديه ويقوم طويلاً ثم يرمي جمرة العقبة من بطن الوادي ولا يقف عندها ثم ينصرف ويقول هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله. رواه البخاري، وروى أبو داود أن ابن عمر كان يدعو بدعائه الذي

ثم يسعى بين الصفا والمروة

دعا به بعرفة ويزيد وأصلح وأتم لنا مناسكنا وقال ابن المنذر كان ابن عمر وابن مسعود يقولان عند الرمي اللهم اجعله حجاً مبروراً وذنباً مغفوراً وسعياً مشكوراً. وروى عبد الرحمن بن زيد قال: أفضت مع عبد الله فرمى بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ويستبطن الوادي حتى إذا فرغ قال اللهم اجعله حجاً مبروراً وذنباً مغفوراً، ثم قال: هكذا رأيت الذي أنزلت عليه سورة البقرة صنع رواه الأثرم (فصل) ولا يرمي إلا بعد الزوال فإن رمى قبل الزوال أعاد نص عليه وروي ذلك عن ابن عمر وبه قال مالك والثوري والشافعي واسحاق وأصحاب الرأي وعطاء إلا أن إسحاق وأصحاب الرأي رخصوا في الرمي يوم النفر قبل الزوال ولا ينفر إلا بعد الزوال وعن أحمد مثله ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما رمى بعد الزوال لقول جابر رضي الله عنه رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي الجمرة ضحى يوم النحر ورمى بعد ذلك بعد زوال الشمس وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " خذوا عني مناسككم " وقال ابن عمر كنا نتحين إذا زالت الشمس رميناً، وأي وقت رمى بعد الزوال أجزأه إلا أن المستحب المبادرة إليها حين الزوال كما قال ابن عمر وقال ابن عباس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي الجمار إذا زالت الشمس قدر مااذا فرغ من رميه صلى الظهر. رواه ابن ماجه

ثم قد حل له كل شيء

(فصل) فإن ترك الوقوف عندها والدعاء ترك السنة ولا شئ عليه وبه قال الشافعي واسحاق وأبو حنيفة وعن الثوري أنه قال: يطعم شيئاً وإن أراق دما أحب إلي لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله فيكون نسكاً ولنا أنه دعاء ووقوف مشروع فلم يجب بتركه دم كحالة رؤية البيت وكسائر الأدعية والنبي صلى الله عليه وسلم يفعل الواجبات والمندوبات وقد ذكرنا الدليل على أنه مندوب (مسألة) (والترتيب شرط في الرمي وفي عدد الحصا روايتان (إحداهما) سبع والأخرى يجزئه خمس) الترتيب في هذه الجمرات واجب على ما ذكرناه فإن نكس فبدأ بجمرة العقبة ثم الثانية، ثم الأولى أو بدأ بالوسطى ورمى الثلاث لم يجزه إلا الأولى وأعاد الوسطى والقصوى نص عليه أحمد، وإن رمى القصوى ثم الأولى ثم الوسطى أعاد القصوى وحدها. وبه قال مالك، والشافعي وقال الحسن وعطاء لا يجب الترتيب وهو قول أبي حنيفة فإنه قال: إذا رمى منكساً يعيد. فان لم يفعل أجزأه، واحتج بعضهم بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من قدم نسكاً بين يدي نسك فلا حرج " ولأنها مناسك متكررة وفي أمكنه متفرقة في وقت واحد ليس بعضها تابعاً لبعض فلم يشترط الترتيب فيها كالرمي والذبح ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم رتبها في الرمي وقال " خذوا عني مناسككم " ولأنه نسك متكرر فاشترط الترتيب فيه كالسعي وحديثهم إنما هو فيمن يقدم نسكاً على نسك لا فيمن يقدم بعض النسك على بعض وقياسهم يبطل بالطواف والسعي

(فصل) والأولى في الرمي أن لا ينقص عن سبع حصيات لأن النبي صلى الله عليه وسلم رمى بسبع فإن نقص حصاة أو حصاتين فلا بأس. ولا ينقص أكثر من ذلك نص عليه وهو قول مجاهد وإسحاق وعنه إن رمى بست ناسياً فلا شئ عليه ولا ينبغي أن يتعمده فإن تعمد ذلك تصدق بشئ. وكان ابن عمر يقول ما أبالي رميت بست أو سبع. قال ابن عباس: ما أدري رماها النبي صلى الله عليه وسلم بست أو بسبع، وعن أحمد أن عدد السبع شرط ويشبه مذهب الشافعي وأصحاب الرأي لأن النبي صلى الله عليه وسلم رمى بسبع. وقال أبو حية: لا بأس بما رمي به الرجل من الحصى، فقال عبد الله بن عمرو: صدق أبو حية. وكان أبو حية بدريا. ووجه الرواية الأولى ما روى ابن أبي نجيح قال: سئل طاوس عن رجل ترك حصاة، قال: يتصدق بتمرة أو لقمة، فذكرت ذلك لمجاهد فقال: أن أبا عبد الرحمن لم يسمع قول سعد قال سعد رجعنا من الحجة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضنا يقول رميت بست وبعضنا بسبع فلم يعب ذلك بعضنا على بعض. رواه الأثرم وغيره (مسألة) (فإن أخل بحصاة واجبة من الأولى لم يصح رمي الثانية حتى يكمل الأولى لإخلاله بالترتيب فإن لم يعلم من أي الجمار تركها بني على اليقين ليتيقن براءة الذمة، فإن أخل بحصاة غير واجبة لم يؤثر تركها)

(مسألة) (وإن أخر الرمي كله فرماه في آخر أيام التشريق أجزأه ويرتبه بنيته، وإن أخره عن أيام التشريق أو ترك المبيت بمنى في لياليها فعليه دم، وفي حصاة أو ليلة واحدة ما في حلق شعرة) إذا أخر رمي يوم إلى ما بعده أو أخر الرمي كله إلى آخر أيام التشريق ترك السنة ولا شئ عليه

إلا أنه يقدم بالنية رمي اليوم الأول ثم الثاني ثم الثالث، وبذلك قال الشافعي وأبو ثور. وقال أبو حنيفة: إن ترك حصاة أو حصاتين أو ثلاثاً إلى الغد وعليه لكل حصاة نصف صاع، وإن ترك أربعاً رماها وعليه دم ولنا أن أيام التشريق وقت للرمي فإذا أخره من أول وقته إلى آخره لم يلزمه شئ كما لو أخر الوقوف بعرفة إلى آخر وقته، قال القاضي: ولا يكون رميه في اليوم الثاني قضاء لأنه وقت واحد فإن سمي قضاء بالمراد به الفعل كقوله تعالى (ثم ليقضوا تفثهم) وقولهم قضيت الدين. والحكم في رمي جمرة العقبة إذا أخرها كالحكم في رمي أيام التشريق في أنها إذا لم ترم يوم النحر رميت من الغد وإنما قلنا يلزمه الترتيب بنيته لأنها عبادة يجب الترتيب فيها إذا فعلها في أيامها فوجب ترتيبها مجموعة كالمجموعتين والفوائت من الصلوات (فصل) فإن أخره عن أيام التشريق فعليه دم لأنه ترك نسكاً واجباً فيجب عليه دم لقول ابن عباس: من ترك نسكاً أو نسيه فإنه يهرق دماً. ولأن آخر وقت الرمي آخر أيام التشريق فمتى خرجت قبل رميه فات وقته واستقر عليه الفداء الواجب في ترك الرمي هذا قول أكثر أهل العلم. وعن عطاء فيمن رمى جمرة العقبة وخرج إلى إبله في ليلة أربع عشرة ثم رمى قبل طلوع الفجر أجزأه فإن لم يرم فعليه دم والأول أولى لأن محل الرمي النهار فيخرج وقت الرمي بخروج النهار وكذلك إن ترك المبيت بمنى في لياليها وهذا مبني على الرواية في وجوب المبيت بمنى، وعن أحمد أنه لا شئ عليه وقد أساء. وهو قول أصحاب الرأي لأن الشرع لم يرد فيه بشئ، وعنه يطعم شيئاً وخففه ثم قال: قد قال بعضهم ليس عليه. وقال إبراهيم عليه دم وضحك ثم قال دم بمرة شدد وبمرة (1) قلت ليس إلا أن يطعم شيئاً قال نعم يطعم شيئاً تمراً أو نحوه فعلى هذا أي شئ تصدق به أجزأه، ولا فرق بين ليلة أو أكثر لأنه لا تقدير فيه، وفيما دون الثلاث ثلاث روايات (إحداهن) في كل واحدة مد (والثانية) درهم (والثالثة) نصف درهم. قال الشيخ رحمه الله: وهذا لا نظير له فإنا لا نعلم في ترك شئ من المناسك درهماً ولا نصفاً فايجابه بغير نص تحكم لا وجه له. وفي ترك حصاة من رمي الجمار كذلك ولانه في معناه وقد ذكرنا ما في حلق الشعرة فيما مضى وذكرنا الخلاف (مسألة) (وليس على أهل سقاية الحاج ولا الرعاة مبيت بمنى فإن غربت الشمس وهم بمنى لزم الرعاة المبيت دون أهل السقاية) لما روى ابن عمر رضي الله عنه أن العباس استأذن النبي صلى الله عليه وسلم إن يبيت بمكة ليالي منى من أجل

ويستحب أن يأتي زمزم فيشرب من مائها

سقايته. متفق عليه. وقد روى مالك بإسناده عن أبي البداح بن عاصم عن أبيه قال: رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم لرعاء الإبل في البيتوتة أن يرموا يوم النحر ثم يجمعوا رمي يومين بعد يوم النحر يرمونه في أحدهما. قال مالك ظننت أنه قال في أول يوم منهما ثم يرمون يوم النفر. رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح، ورواه ابن عيينة قال رخص للرعاء أن يرموا يوماً ويدعوا يوماً وكذلك الحكم في أهل سقاية الحاج إلا أن الفرق بين الرعاء وأهل السقاية أن الرعاء إذا قاموا حتى غربت الشمس لزمهم المبيت إذا قلنا بوجوبه وأهل السقاية لا يلزمهم لأن الرعاء إنما رعيهم بالنهار فإذا غربت الشمس انقضى وقت الرعي وأهل السقاية يستقون بالليل، وصار الرعاء كالمريض الذي يسقط عنه حضور الجمعة لمرضه فإذا حضرها تعينت عليه كذلك الرعاء أبيح لهم ترك المبيت لأجل الرعي فإذا فات وقته وجب المبيت، وأهل الأعذار من غير الرعاء كالمرضى ومن له مال يخاف ضياعه ونحوهم كالرعاء في ترك البيتوتة لأن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لهؤلاء تنبيها على غيرهم فوجب إلحقاهم بهم لوجود المعنى فيهم (فصل) ومن كان مريضاً أو محبوساً أو له عذر جاز أن يستنيب من يرمي عنه. قال الأثرم: قلت لأبي عبد الله إذا رمى عنه الجمار يشهد هو ذاك أم يكون في رحله؟ قال يعجبني أن يشهد ذاك إن قدر حين يرمى عنه. قلت فإن ضعف عن ذلك يكون في رحله ويبعث من يرمي عنه؟ قال: نعم قال القاضي: المستحب أن يضع الحصى في يد النائب ليكون له عمل في الرمي. وإن أغمي على المستنيب لم تنقطع النيابة وللنائب الرمي عنه كما لو استنابه في الحج ثم أغمي عليه وبما ذكرنا في هذه المسألة قال الشافعي ونحوه قال مالك إلا أنه يتحرى المريض حين رميهم فيكبر سبع تكبيرات (فصل) ومن ترك الرمي من غير عذر فعليه دم. قال أحمد: أعجب إلي إذا ترك رمي الأيام كلها كان عليه دم وفي ترك جمرة واحدة دم أيضاً نص عليه أحمد وبه قال عطاء والشافعي وأصحاب الرأي. وحكي عن مالك أنه عليه في جمرة وفي الجمرات كلها بدنة. وقال الحسن: من نسي جمرة واحدة يتصدق على مسكين ولنا قول ابن عباس: من ترك شيئاً من مناسكه فعليه دم. ولأنه ترك من مناسكه مالا يفسد الحج بتركه فكان الواجب عليه شاة كالمبيت. وإن ترك أقل من جمرة فالظاهر عن أحمد أنه لا شئ في حصاة ولا حصاتين، وعنه أنه يجب الرمي بسبع فإن ترك شيئاً من ذلك تصدق بشئ أي شئ كان. وعنه أن في حصاة دما وهو مذهب مالك والليث لأن ابن عباس رضي الله عنهما قال: من ترك

شيئاً من مناسكه فعليه دم، وعنه في الثلاثة دم وهو مذهب الشافعي وفيما دون ذلك في كل حصاة مد وعنه درهم وعنه نصف درهم. وقال أبو حنيفة: إن ترك جمرة العقبة والجمار كلها فعليه دم وإن ترك أقل من ذلك فعيه في كل حصاة نصف صاع إلى أن يبلغ دما وقد ذكرنا ذلك (فصل) ويستحب أن لا يدع الصلاة مع الإمام في مسجد منى لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يصلون بمنى، قال ابن مسعود رضي الله عنه: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين ومع أبي بكر ركعتين ومع عمر وعثمان ركعتين صدرا من إمارته، فإن كان الاما غير مرضي صلى المرء برفقته في رحله (مسألة) ويخطب الإمام في اليوم الثاني من أيام التشريق خطبة يعلمهم فيها حكم التعجيل والتأخير وتوديعهم، وبهذا قال الشافعي وابن المنذر وقال أبو حنيفة لا يستحب قياساً على اليومين الآخرين ولنا ماروي عن رجلين من بني بكر قالا: رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب بين أواسط أيام التشريق ونحن عند راحلته، رواه أبو داود. ولأن بالناس حاجة إلى أن يعلمهم كيف يتعجلون وكيف يودعون بخلاف اليوم الأول والثالث

ويرمي الجمرات بها في أيام التشريق بعد الزوال كل جمرة بسبع حصيات

(مسألة) فمن أحب أن يتعجل في يومين خرج قبل غروب الشمس وهو بمنى لزمه المبيت والرمي من الغد) أجمع أهل العلم على أن من أراد الخروج من منى شاخصاً عن الحرم غير مقيم بمكة أن له أن ينفر بعد الزوال في اليوم الثاني من أيام التشريق فإن أحب الإقامة بمكة فقال أحمد: لا يعجبني لمن نفر النفر الأول أن يقيم بمكة. وقال مالك: يقول في أهل مكة من كان له عذر فله أن يتعجل في يومين فإن أراد التخفيف عن نفسه من أمر الحج فلا. واحتج من ذهب إلى هذا بقول عمر رضي الله عنه: من شاء من الناس كلهم أن ينفر في النفر الأول إلا آل خزيمة فلا ينفروا إلا في النفر الآخر. جعل أحمد وإسحاق معنى قول عمر: إلا آل خزيمة. أي أنهم أهل الحرم. والمذهب جواز النفر في النفر الاول لكل أحد وهو قول عامة العلماء لقول الله تعالى (فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه) قال عطاء هي للناس عامة، وروى أبو داود وابن ماجة عن يحيى بن يعمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " أيام منى ثلاثة فمن تعجل فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه " قال ابن عيينة هذا أجود حديث رواه سفيان، وقال وكيع: هذا الحديث أم المناسك وفيه زيادة أنا اختصرته، ولأنه دفع من مكان فاستوى فيه أهل مكة وغيرهم كالدفع من عرفة ومزدلفة، وكلام أحمد في هذا أراد به الاستحباب موافقة لقول عمر، فمن أحب التعجيل في النفر الأول خرج قبل غروب الشمس فإن غربت قبل خروجه من منى لم ينفر سواء كان ارتحل أو لم يرتحل، هذا قول ابن عمر وجابر وعطاء وطاوس ومجاهد ومالك والثوري والشافعي واسحاق وابن المنذر، وقال أبو حنيفة: له ان ينفر ما لم يطلع فجر اليوم الثالث لأنه لم يدخل وقت رمي اليوم الآخر فجاز له النفر كما قبل الغروب ولنا قوله سبحانه (فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه) واليوم اسم للنهار فمن أدركه الليل فما تعجل في يومين، قال إبن المنذر: ثبت عن عمر رضي الله عنه أنه قال: من أدركه المساء في اليوم الثاني فليقم إلى الغد حتى ينفر مع الناس. وما قاسوا عليه لا يشبه ما نحن فيه فإنه تعجل في يومين

(فصل) قال بعض أصحابنا يستحب لمن ينفر أن يأتي المحصب وهو الأبطح وحده ما بين الجبلين إلى المقبرة فيصلي به الظهر والعصر والمغرب والعشاء ثم يهجع يسيراً ثم يدخل مكة، وكان ابن عمر يرى التحصيب سنة، قال إبن المنذر كان ابن عمر يصلي بالمحصب الظهر والعصر والمغرب والعشاء وكان كثير الإتباع لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان طاوس يحصب في شعب الجور، وكان ابن عباس وعائشة لا يريان ذلك سنة، قال ابن عباس رضي الله عنهما التحصيب ليس بشئ إنما هو منزل نزله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن عائشة رضي الله عنها أن نزول الأبطح ليس بسنة إنما نزله رسول الله صلى الله عليه وسلم ليكون أسمح لخروجه إذا خرج، متفق عليهما، ومن استحب ذلك فلاتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه كان ينزله، قال نافع كان ابن عمر يصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء ويهجع هجعة ويذكر ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم متفق عليه، وقال ابن عمر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان ينزلون الأبطح قال الترمذي هذا حديث حسن غريب، ولا خلاف انه لا يجب ولا شئ على تاركه (فصل) ويستحب لمن حج أن يدخل البيت وقد ذكرناه ولا يدخله بنعليه ولا خفيه ولا إلى الحجر لأنه من البيت ولا يدخل الكعبة بسلاح قال أحمد وثياب الكعبة إذا نزعت يتصدق بها وقال إذا أراد أن يستشفي بشئ من طيب الكعبة فيأت بطيب من عنده فليزقه على البيت بحيث يأخذه ولا يأخذ من طيب البيت شيئاً ولا يخرج من تراب الحرم ولا يدخل فيه من الحل كذلك قال ابن عمر وابن عباس ولا يخرج من حجارة مكة إلى الحل والخروج أشد إلا أن ماء زمزم أخرجه كعب (فصل) قال أحمد رضي الله عنه كيف لنا بالجوار بمكة قال النبي صلى الله عليه وسلم " والله إنك لأحب البقاع إلى الله ولولا أني أخرجت منك ما خرجت " وإنما كره عمر الجوار بمكة لمن هاجر منها، وجابر ابن عبد الله جاور بمكة وجميع أهل البلاد ومن كان من أهل اليمن ليس بمنزلة من يخرج ويهاجر أي لا بأس به وابن عمر كان يقيم بمكة قال والمقام بالمدينة أحب إلي من المقام بمكة لمن قوي عليه لأنها مهاجر المسلمين وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " لا يصبر أحد على لأوائها وشدتها إلا كنت شفيعاً له يوم القيامة "

(مسألة) فإذا أتى مكة لم يخرج حتى يودع البيت بالطواف إذا فرغ من جميع أموره) وجملة ذلك أن من أتى مكة فلا يخلو إما أن يريد الإقامة بها أو الخروج منها فإن أقام بها فلا وداع عليه لأن الوداع من المفارق وسواء نوى الإقامة قبل النفر أو بعده وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة ان نوى الإقامة بعد أن حل له النفر لم يسقط عنه الطواف ولنا أنه غير مفارق فلا يلزمه وداع كمن نواها قبل حل النفر وانما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت " وهذا ليس بنافر فأما الخارج من مكة فليس له الخروج حتى يودع البيت بطواف سبع وهو واجب يجب بتركه دم وبه قال الحسن والحكم وحماد والثوري واسحاق وأبو ثور. وقال الشافعي في قول لا يجب بتركه شئ لأنه يسقط عن الحائض فلم يكن واجباً كطواف القدوم ولنا ما روى ابن عباس رضي الله عنهما قال: أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن المرأة الحائض. متفق عليه. ولمسلم قال كان الناس ينصرفون كل وجه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت " وسقوطه عن المعذور لا يوجب سقوطه عن غيره كالصلاة تسقط عن الحائض، وتجب على غيرها بل تخصيص الحائض بإسقاطه عنها

دليل على وجوبه على غيرها إذ لو كان ساقطاً عن الكل لم يكن لتخصيصها بذلك. معنى إذا ثبت وجوبه فإنه ليس بركن بغير خلاف ويسمى طواف الوداع لأنه لتوديع البيت وطواف الصدر لأنه عند صدور الناس من مكة ووقته بعد فراغ الحاج من جميع ما أمره ليكون آخر عهده بالبيت كما جرت العادة في توديع المسافر أهله وإخوانه ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم " ليكون آخر عهده بالبيت " ولأنه خارج من الحرم فلزمه التوديع كالبعيد (مسألة) فإن ودع ثم اشتغل في تجارة أو أقام أعاد الوداع لأن طواف الوداع إنما يكون عند خروجه ليكون آخر عهده بالبيت. فإن اشتغل بعده بتجارة أو إقامة فعليه إعادته هذا قول عطاء ومالك والثوري والشافعي وأبي ثور، وقال أصحاب الرأي إذا طاف للوداع أو طاف تطوعا بعد ماحل له النفر أجزأه عن طواف الوداع. وإن أقام شهراً لأنه طاف بعد

والترتيب شرط في الرمي وفي عدد الحصا روايتان إحداهما سبع والأخرى يجزئه خمس

ماحل له النفر فلم تلزمه إعادته كما لو نفر عقيبه ولنا قوله عليه السلام " لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت " ولأنه إذا قام بعده خرج عن أن يكون وداعاً في العادة فلم يجزه كما لو طافه قبل حل النفر. فأما إن قضى حاجة في طريقه أو اشترى زاداً أو شيئاً لنفسه في طريقه لم يعده لأن ذلك ليس بإقامة تخرج طوافه عن أن يكون آخر عهده بالبيت. وبهذا قال مالك والشافعي ولا نعلم فيه خلافاً (مسألة) (فإن أخر طواف الزيارة فطافه عند الخروج أجزأه عن طواف الوداع) هذا ظاهر المذهب لأنه أمر أن يكون آخر عهده بالبيت. وقد فعل ولأن ما شرع لتحية المسجد أجزأ عنه الواجب من جنسه كتحية المسجد بركعتين تجزئ عنهما المكتوبة، وركعتا الطواف والإحرام يجزئ عنهما المكتوبة، وعنه لا يجزئ عن طواف الوداع لأنهما عبادتان واجبتان فلم تجز إحداهما عن الأخرى كالصلاتين الواجبتين فأما إن نوى بطوافه الوداع لم يجزه عن طواف الزيارة لقوله عليه السلام " وإنما لكل امري ما نوى " وحكمه حكم من ترك طواف الزيارة على ما نذكره إن شاء الله تعالى (مسألة) (فان خرج قبل الوداع رجع إليه. فان لم يمكنه فعليه دم إلا الحائض والنفساء لا وداع عليهما) من خرج قبل الوداع فعليه الرجوع إن كان قريباً وإن أبعد فعليه دم هذا قول عطاء والثوري والشافعي، واسحاق وأبي ثور. والقريب من كان من مكة دون مسافة القصر. والبعيد مسافة القصر فما زاد. نص عليه أحمد، وهو قول الشافعي، وكان عطاء يرى الطائف قريباً: وقال الثوري حد ذلك الحرم. فمن كان فيه فهو قريب. ومن خرج منه فهو بعيد

ولنا أن من دون مسافة القصر في حكم الحاضر في أنه لا يفطر ولا يقصر ولذلك عددناه من حاضري المسجد الحرام ومن لم يمكنه الرجوع لعذر فهو كالبعيد ولو لم يرجع القريب الذي يمكنه الرجوع لم يكن عليه أكثر من دم ولا فرق بين تركه عمداً أو خطأ لعذر أو غيره لأنه من واجبات الحج فاستوى عمده وخطأه والمعذور وغيره كسائر واجباته. فإن رجع البعيد فطاف للوداع. فقال القاضي لا يسقط عنه الدم لأنه قد استقر عليه ببلوغه مسافة القصر فلم يسقط برجوعه كمن تجاوز الميقات غير محرم فأحرم دونه ثم رجع إليه. وإن رجع القريب فطاف فلا دم عليه سواء كان ممن له عذر يسقط عنه الرجوع أولا لأن الدم لم يستقر عليه لكونه في حكم الحائض ويحتمل سقوط الدم عن البعيد برجوعه لأنه واجب أتى به فلم يجب عليه بدله كالقريب (فصل) وإذا رجع البعيد فينبغي أن لا يجوز له تجاوز الميقات إن كان تجاوزه إلا محرماً لأنه ليس من أهل الاعذار فليزمه طواف لإحرامه بالعمرة، والسعي، وطواف الوداع وفي سقوط الدم عنه الخلاف المذكور وإن كان من دون الميقات أحرم من موضعه. فأما إن رجع القريب فظاهر قول من ذكرنا قوله أنه لا يلزمه إحرام لأنه رجع لإتمام نسك مأمور به فأشبه من رجع لطواف الزيارة فأما أن ودع وخرج ثم دخل مكة لحاجة فقال أحمد أحب إلي أن لا يدخل إلا محرماً وأحب إلي إذا خرج أن يودع البيت بالطواف، وهذا لأنه لم يدخل لإتمام النسك، إنما دخل لحاجة غير متكررة أشبه من يدخلها للإقامة بها

فإن أخل بحصاة واجبة من الأولى لم يصح رمي الثانية

(فصل) والحائض والنفساء لا وداع عليهما ولا فدية كذلك هذا قول عامة أهل العلم. وقد روي عن عمر وابنه رضي الله عنهما أنهما أمرا الحائض بالمقام لطواف الوداع وكان زيد بن ثابت يقول به ثم رجع عنه. فروى مسلم أن زيد بن ثابت خالف ابن عباس في هذا. قال طاوس كنت مع ابن عباس إذ قال زيد بن ثابت يفتي: أن لاتصدر الحائض حتى يكون آخر عهدها بالبيت، فقال له ابن عباس: أما لا تسأل فلانه الأنصارية هل أمرها بهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فرجع زيد بن ثابت إلى ابن عباس يضحك وهو يقول. ما أراك إلا قد صدقت، وروي عن ابن عمر أنه رجع إلى قول الجماعة أيضاً، وقد ثبت التخفيف عن الحائض بحديث صفية حين قالوا: يارسول الله إنها حائض فقال " أحابستنا هي؟ " قالوا يا رسول الله إنها قد أفاضت يوم النحر. قال " فلتنفر إذا " ولم يأمرها بفدية ولا غيرها. وفي حديث ابن عباس إلا أنه خفف عن المرأة الحائض، وحكم النفساء حكم الحائض لأن أحكام النفاس أحكام الحيض فيما يجب ويسقط (فصل) إذا نفرت الحائض بغير وداع فطهرت قبل مفارقة البنيان وجعت فاغتسلت وودعت لأنها في حكم الإقامة لانها لا تستبيح الرخص. فإن لم تمكنها الإقامة فمضت أو مضت لغير عذر فعليها دم فأما إن فارقت البنيان لم يجب عليها الرجوع لخروجها عن حكم الحاضر فإن قيل فلم لا يجب الرجوع ما دامت قريبة كالخارج لغير عذر؟ قلنا هناك ترك واجباً فلم يسقط بخروجه حتى يصير إلى مسافة

القصر لأنه يكون انشاء سفر طويل غير الأول وههنا لم يكن واجباً ولا يثبت وجوبه ابتداء إلا في حق من كان مقيماً (مسألة) (فإذا فرغ من الوداع وقف في الملتزم بين الركن والباب) يستحب أن يقف المودع في الملتزم وهو ما بين الحجر الأسود وباب الكعبة فيلتزمه ويلصق به صدره ووجهه ويدعو الله عزوجل. لما روى أبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه قال: طفت مع عبد الله. فما جاء دبر الكعبة قلت ألا تتعوذ. قال نعوذ بالله من النار ثم مضى حتى استلم الحجر فقام بين الركن والباب فوضع صدره ووجهه وذراعيه وكفيه هكذا وبسطها بسطا وقال. هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله. وعن عبد الرحمن بن صفوان قال: لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة انطلقت فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خرج من الكعبة هو وأصحابه، وقد استلموا الركن من الباب إلى الحطيم ووضعوا خدودهم على البيت ورسول الله صلى الله عليه وسلم وسطهم. رواه أبو داود. وقال منصور سألت مجاهداً إذا أردت الوداع كيف أصنع؟ قال: تطوف سبعاً وتصلي ركعتين خلف المقام، ثم تأتي زمزم فتشرب منها ثم تأتي الملتزم ما بين الباب والحجر فتستلمه ثم تدعو ثم تسأل حاجتك ثم تستلم الحجر وتنصرف. وقال بعض أصحابنا يقول في دعائه: اللهم هذا بيتك وأنا عبدك وابن عبدك وابن أمتك حملتني على ما سخرت لي من خلقك، وسيرتني في بلادك، حتى بلغتني بنعمتك إلى بيتك، وأعنتني على

آداء نسكي، فإن كنت رضيت عني فازدد عني رضى، وإلا فمن الآن قبل أن تنأى عن بيتك داري فهذا أوان انصرافي إن أذنت لي غير مستبدل بك ولا ببيتك، ولا راغب عنك ولا عن بيتك. اللهم فأصحبني العافية في بدني، والصحة في جسمي، والعصمة في ديني، وأحسن منقلبي، وارزقني طاعتك أبداً ما أبقيتني، واجمع لي بين خيري الدنيا والآخرة إنك على كل شئ قدير. وعن طاوس قال: رأيت أعرابياً أتى المتلزم فتعلق باستار الكعبة فقال: بك أعوذ وبك ألوذ، اللهم فاجعل لي في اللهف إلى جودك، والرضى بضمانك، مندوحاً عن منع الباخلين، وغنى عما في أيدي المستأثرين. اللهم فرجك القريب ومعروفك التام وعادتك الحسنة. ثم أضلني في الناس فألفيته بعرفات قائماً وهو يقول: اللهم إن كنت لم تقبل حجتي وتعبي ونصبي فلا تحرمني أجر المصاب على مصيبته فلا أعلم أعظم مصيبة ممن ورد حوضك وانصرف محروماً من وجه رغبتك. وقال آخر: ياخير موفود إليه، قد ضعفت قوتي، وذهبت منتي، وأتيت إليك بذنوبي لا تسعها البحار أستجير برضاك من سخطك، وبعفوك عن عقوبتك، رب ارحم من شملته الخطايا، وغمرته الذنوب، وظهرت منه العيوب، ارحم أسير ضر، وطريد فقر، أسألك أن تهب لي عظيم جرمي، يا مستزاداً من نعمه، ومستعاذاً من نقمه، ارحم صوت حزين دعاك بزفير وشهيق. اللهم إن كنت بسطت إليك يدي داعياً، فطالما كفيتني ساهياً، فنعمتك التي تظاهرت علي عند الغفلة، لا أيأس منها عند التوبة، فلا تقطع رجائي منك لما قدمت من اقتراف، وهب لي الإصلاح في الولد،

وليس على أهل سقاية الحاج ولا الرعاة مبيت بمنى فإن غربت الشمس وهم بمنى لزم الرعاة المبيت دون أهل السقاية

والامن في البلد. والعافية في الجسد، إنك سميع مجيب، اللهم إن لك علي حقوقاً فتصدق بها علي، وللناس قبلي تبعات فتحملها عني: وقد أوجبت لكل ضيف قرى وأنا ضيفك الليلة فاجعل قراي الجنة. اللهم إن سائلك عند بابك من ذهبت أيامه، وبقيت آثامه، وانقطعت شهوته، وبقيت تبعته، فارض عنه وإن لم ترض عنه فاعف عنه، فقد يعفو السيد عن عبده وهو غير راض عنه، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ألا إن المرأة إذا كانت حائضا أو نفساء لم تدخل المسجد ووقفت على بابه فدعت بذلك (فصل) قال أحمد: إذا ودع البيت يقوم عند الباب إذا خرج ويدعو فإذا تلا لا يقف ولا يلتفت فإن التفت رجع وودع، وروى حنبل في المناسك عن المهاجر قال قلت لجابر بن عبد الله: الرجل يطوف بالبيت ويصلي فإذا انصرف خرج ثم استقبل القبلة فقام فقال: ما كنت أحسب يصنع هذا إلا اليهود والنصاري قال أبو عبد الله أكره ذلك، وقول أبي عبد الله إن التفت رجع فودع على سبيل الاستحسان إذ لا نعلم لا بجاب ذلك عليه دليلاً. وقد قال مجاهد هذا إذا كدت تخرج من باب المسجد فالتفت ثم انظر إلى الكعبة ثم قل: اللهم لا تجعله آخر العهد (فصل) فإن خرج قبل طواف الزيارة رجع حراماً حتى يطوف بالبيت لأنه ركن لايتم الحج إلا به ولا يحل من إحرامه حتى يفعله، فمتى لم يفعله لم ينفك إحرامه ورجع متى أمكنه محرماً لا يجزئه غير

ذلك، وبذلك قال عطاء والثوري ومالك والشافعي واسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي وابن المنذر وقال الحسن يحج من العام المقبل، وحكي نحو ذلك عن عطاء أيضاً ولنا قول البني صلى الله عليه وسلم حين ذكر له أن صفية حاضت قال " أحابستنا هي؟ " قيل إنها قد أفاضت يوم النحر قال " فلتنفر إذاً " يدل على أن هذا الطواف لابد منه وأنه حابس لمن لم يأت به، فإن نوى التحلل ورفض إحرامه لم يحل بذلك لأن الإحرام لا يخرج منه بنية الخروج، ومتى رجع إلى مكة فطاف بالبيت حل بطوافه لأن الطواف لا يفوت وقته على ما قدمناه (فصل) وترك بعض الطواف كترك الجميع فيما ذكرنا وسواء ترك شوطاً أو أقل أو أكثر وهذا قول عطاء ومالك والشافعي واسحاق وأبي ثور، وقال أصحاب الرأي من طاف أربعة أشواط من طواف الزيارة وطواف العمرة وسعى بين الصفا والمروة ثم رجع إلى الكوفة أن سعيه يجزئه وعليه دم لما ترك من الطواف بالبيت ولنا أن ما أتى به لا يجزئه إذا كان بمكة فلم يجزئه إذا خرج منها كما لو طاف دون أربعة أشواط (فصل) فإن ترك طواف الزيارة بعد رمي جمرة العقبة لم يبق محرماً إلا عن النساء خاصة لأنه قد حصل له التحلل الأول برمي الجمرة فحل له كل شئ إلا النساء فإن وطئ لم يفسد حجة ولم تجب عليه بدنة لكن على دم ويجدد إحرامه ليطوف في إحرام صحيح وفي ذلك اختلاف ذكرناه فيما مضى

(مسألة) (فإذا فرغ من الحج استحب زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبر صاحبيه رضي الله عنهما) تستحب زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم لما روى الدارقطني بإسناده عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من حج فزار قبري بعد وفاتي فكأنما زارني في حياتي " وفي رواية " من زار قبري وجبت له شفاعتي " رواه باللفظ الأول سعيد، وقال أحمد في رواية عبد الله عن يزيد بن قسيط عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " مامن أحد يسلم علي عند قبري إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام " قال وإذا حج الذي لم يحج قط يعني من غير طريق الشام لا يأخذ على طريق المدينة لأني أخاف أن يحدث به حدث فينبغي أن يقصد مكة من أقصد الطرق، ولا يتشاغل بغيره، ويروى عن العتبي قال. كنت جالساً عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فجاء أعرابي فقال: السلام عليك يارسول الله سمعت الله يقول (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما) وقد جئتك متسغفرا من ذنبي، مستشفعاً بك إلى ربي ثم أنشأ يقول: يا خير من دفنت بالقاع أعظمه * فطاب من طيبهن البان والاكم نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه * فيه العفاف وفيه الجود والكرم ثم انصرف الأعرابي فحملتني عيني فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا عتبي " الحق الأعرابي فبشره إن الله قد غفر له "

ويستحب لمن دخل المسجد أن يقدم رجله اليمنى ثم يقول: بسم الله والصلاة علي رسول الله، اللهم اغفر لي وافتح لي أبواب رحمتك، فإذا خرج قدم رجله اليسرى وقال مثل ذلك إلا أنه يقول وافتح لي أبواب فضلك لما روي عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمها أن تقول ذلك إذا دخلت المسجد، ثم تأتي القبر فتولي ظهرك القبلة وتستقبل وسطه وتقول: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، والسلام عليك يا نبي الله وخيرته من خلقه وعباده، أشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أشهد أنك قد بلغت رسالات ربك، ونصحت لأمتك، ودعوت إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وعبدت الله حتى أتاك اليقين، فصلى الله عليك كثيراً كما يحب ربنا ويرضى، اللهم اجز عنا نبينا أفضل ما جزيت أحداً من النبيين والمرسلين وابعثه المقام المحمود الذي وعدته يغبطه الأولون والآخرون اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم إنك قلت وقولك الحق (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما) وقد أتيتك مستغفراً من ذنوبي مستشفعاً بك إلى ربي فأسألك يا رب أن توجب لي المغفرة كما أوجبتها لمن أتاه في حياته، اللهم أجعله

ويخطب الإمام في اليوم الثاني من أيام التشريق

أو الشافعين وأنجح السائلين وأكرم الأولين والآخرين برحمتك يا أرحم الراحيمين. ثم يدعو لوالديه ولا خوانه وللمسلمين أجمعين ثم يتقدم قليلاً ويقول: السلام عليك يا أبا بكر الصدق، السلام عليك يا عمر الفاروق، السلام عليكما يا صاحبي رسول الله صلى الله عليه وسلم وضجيعيه ووزيريه ورحمه الله وبركاته، اللهم اجزهما عن نبيهما وعن الإسلام خيراً (سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار) اللهم لا تجعله آخر العهد من قبر نبيك صلى الله عليه وسلم ومن حرم مسجدك يا أرحم الراحمين (فصل) ولا يستحب التمسح بحائط قبر النبي صلى الله عليه وسلم ولا تقبيله، قال أحمد رحمه الله ما أعرف هذا، قال الأثرم رأيت أهل العلم من أهل المدينة لا يمسون قبر النبي صلى الله عليه وسلم يقومون من ناحية فيسلمون، قال أبو عبد الله وهكذا كان ابن عمر رضي الله عنهما يفعل. قال أما المنبر فقد جاء فيه ما رواه إبراهيم بن عبد الله بن عبد القارئ أنه نظر إلى ابن عمر وهو يضع يده على مقعد النبي صلى الله عليه وسلم من المنبر ثم يضعها على وجه (فصل) ويستحب لمن رجع من الحج أن يقول ماروى البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قفل من غزو أو حج أو عمرة يكبر على كل شرف من الأرض ثم يقول " لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير، آيبون تائبون ما بدون لربنا حامدون، صدق الله وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، وصلى الله على محمد

وسلم، روى سعيد ثنا هشيم أنا ليث عن ثكير بن جعفر عن ابن عمر أنه قال: يقال إذا قدم الحاج تقبل الله نسكك، وأعظم أجرك، وأخلف نفقتك (فصل) في صفة العمرة قال الشيخ رحمه الله (من كان في الحرم خرج إلى الحل فأحرم منه) من أراد العمرة من أهل الحرم فخرج إلى الحل فأحرم منه وكان ميقاتاً له، لا نعلم فيه خلافاً والأفضل أن يحرم من التنعيم لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عبد الرحمن بن أبي بكر أن يعمر عائشة من التنعيم وقال ابن سيرين بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل مكة التنعيم، وإنما لزم الإحرام من الحل ليجمع في النسك بين الحل والحرم، ومن أي الحل أحرم جاز، وإنما أعمر النبي صلى الله عليه وسلم عائشة من التنعيم لأنه أقرب الحل إلى مكة، وقد روي عن أحمد في المكي كلما تباعد في العمرة فهو أعظم للأجر هي على قدر تعبها (مسألة) (فإن أحرم من الحرم لم يجز وينعقد وعليه دم) وذلك لتركه الإحرام من الميقات، فإن خرج قبل الطواف ثم عاد أجزأه لأنه قد جمع بين الحل والحرم، وإن لم يخرج حتى قضى عمرته صح أيضاً لأنه قد أتى بأركانها، وإنما أخل بالإحرام من ميقاتها وقد جبره فأشبه من أحرم دون الميقات بالحج وهذا قول أبي ثور وأصحاب الرأي وأحد قولي الشافعي (والقول الثاني) لا تصح عمرته

لأنه نسك فكان من شرطه الجمع بين الحل والحرم كالحج فعلى هذا وجود هذا الطواف كعدمه وهو باق على إحرامه حتى يخرج إلى الحل ثم يطوف بعد ذلك ويسعى، وإن حلق قبل ذلك فعليه دم، وكذلك كل ما فعله من محظورات إحرامه عليه فديه، وإن وطئ أفسد عمرته ويمضي في فاسده وعليه دم لا فسادها ويقضيها بعمرة من الحل، فإن كانت العمرة التي أفسدها عمرة الإسلام أجزأه قضاؤها عن عمرة الإسلام وإلا فلا (مسألة) (ثم يطوف ويسعى ثم يحلق أو يقصر، ثم قد حل) لأن هذا أفعال العمرة فحل بفعلها كحله من الحج بأفعاله وهل يحل قبل الحلق والتقصير؟ على روايتين أصلهما هل الحلق والتقصير نسك أو ليس بنسك؟ فان قلنا انه نسك لم يحل قبله كالرمي، وإن قلنا ليس بنسك، بل إطلاق من محظور حل قبله كاللبس والطيب وقد ذكرنا الخلاف في ذلك في الحج وهذا مقاس عليه (مسألة) (وتجزئ عمرة القارن والعمرة من التنعيم عن عمرة الإسلام في أصح الروايتين) لا نعلم في إجزاء عمرة المتمتع خلافاً كذلك قال ابن عمر وعطاء وطاوس ومجاهد ولا نعلم عن غيرهم خلافهم، وروى عن أحمد أن عمرة القارن لاتجزئ اختاره أبو بكر لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعمر عائشة رضي الله عنها حين حاضت من التنعيم، ولو كانت عمرتها في قرانها أجزأتها " أعمرها بعدها، ولأنها ليست عمرة تامة لأنه لا طواف لها؟ وعنه أن العمرة من أدنى الحل لا تجزئ عن العمرة الواجبة قال إنما هي من أربعة أميال وثوابها على قدر تعبها، وروي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: والله

ما كانت عمرة إنما كانت زيارة، وإذا لم تكن تامة لم تجزئ لقوله تعالى (وأتموا الحج والعمرة لله) قال علي رضي الله عنه: اتمامهما أن تأتي بهما من دويرة أهلك ووجه الأولى قول الضبي بن معبد إني وجدت الحج والعمرة مكتوبين علي فأهللت بهما، فقال عمر رضي الله عنه هديت لسنة نبيك، وحديث عائشة حين قرنت الحج والعمرة فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم حين حلت منهما " قد حللت من حجك وعمرتك " وإنما أعمرها من التنعيم قصداً لتطييب قلبها واحابة مسألتها لا لأنها كانت واجبة عليها، ثم إن لم تكن أجزأتها عمرة القران فقد أجزأتها العمرة من أدنى الحل وهي أحد ما قصدنا الدلالة عليه، ولأن الواجب عمرة واحدة وقد أتى بها صحيحة فأجزأته كعمرة المتمتع، ولأن عمرة القارن أحد النسكين للقارن فأجزأت كالحج، ولأن الحج من مكة يجزئ في حق المتمتع فالعمرة من أدنى الحل في حق المفرد أولى، وإذا كان الطوا ف المجرد يجزئ عن العمرة في حق المكي فلأن تجزئ العمرة المشتملة على الطوا ف وغيره أولى (مسألة) (ولا بأس أن يعتمر في السنة مراراً) روى ذلك عن علي وابن عمر وابن عباس وأنس وعائشة وعطاء وطاوس وعكرمة والشافعي، وكره العمرة في السنة مرتين الحسن وابن سيرين ومالك، قال النخعي ما كانوا يعتمرون في السنة إلا مرة ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله

فإذا أتى مكة لم يخرج حتى يودع البيت بالطواف إذا فرغ من جميع أموره

ولنا أن عائشة اعتمرت في شهر مرتين بأمر النبي صلى الله عليه وسلم عمرة مع قرانها وعمرة بعد حجها، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " العرمة إلى العمرة كفارة لما بينهما " متفق عيه، وقال علي رضي الله عنه في كل شهر مرة، وكان أنس إذا حمم رأسه خرج فاعتمر رواهما الشافعي في مسنده، وقال عكرمة يعتمر إذا مكن الموسى من شعره، وقال عطاء إن شاء اعتمر في كل شهر مرتين، فأما الإكثار من الاعتمار والموالاة بينهما فلا يستحب في ظاهر قول السلف الذي حكيناه، وكذلك قال أحمد إذا اعتمر فلا بد أن يحلق أو يقصر، وفي عشرة أيام يمكن حلق الرأس، فظاهر هذا أنه لا يستحب أن يعتمر في أقل من عشرة أيام، وقال في رواية الأثرم إن شاء اعتمر في كل سنة، وقال بعض أصحابنا يستحب الإكثار من الاعتمار كالطواف. قال شيخنا رحمه الله وأحوال السلف وأقوالهم على ما قلناه، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم تنقل عنه الموالاة بينهما، وإنما نقل عن السلف إنكار ذلك والحق في اتباعهم، قال طاوس الذين يعتمرون من التنعيم ما أدري يؤجرون عليها أم يعذبون، قيل له فلم يعذبون؟ قال لأنه يدع الطواف بالبيت ويخرج إلى أربعة أميال ويجئ، وإلى أن يجئ من أربعة أميال قد طاف مائة طواف وكلما طاف بالبيت كان افضل من أن يمشي في غير شئ (فصل) روى ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " عمرة في رمضان تعدل حجة " متفق عليه، قال أحمد من أدرك يوما من رمضان فقد أدرك عمرة رمضان وقال إسحاق معنى

هذا الحديث مثل ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من قرأ قل هو الله أحد فقد قرأ ثلث القرآن " وقال أنس رضي الله عنه حج النبي صلى الله عليه وسلم حجة وحدة واعتمر أربع عمر: واحدة في ذي القعدة وعمرة الحديبية، وعمرة مع حجته، وعمرة الجعرانه إذا قسم غنائم حنين. متفق عليه، وقال أحمد حج النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، قال وروي عن مجاهد أنه قال حج قبل ذلك حجة أخرى وما هو يثبت عندي وروي عن جابر رضي الله عنه قال: حج النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث حجج حجتين قبل أن يهاجر، وحجة بعد ما هاجر وهذا حديث غريب (فصل) وروي عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " تابعوا بين الحج والعمرة فانها ينفيان العقر والذنوب كما ينفي الكبر خبث الحديث والذهب والفضة، وليس للحجة المبرورة

فإن ودع ثم اشتغل في تجارة أو أقام أعاد الوداع

ثواب إلا الجنة " قال الترمذي حسن صحيح، وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من أتى هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه ولدته أمه " متفق عليه (فصل) قال رضي الله عنه (أركان الحج الوقوف بعرفة وطواف الزيارة، وعنه أنها أربعة الوقوف والطواف والإحرام والسعي، وعنه أنها ثلاثة وأن السعي سنة، واختار القاضي أنه واجب وليس بركن) الوقوف بعرفة ركن لا يتم الحج إلا به إجماعاً، وقد روى الثوري عن بكير بن عطاء الليثي عن عبد الرحمن بن يعمر الديلي قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة فجاءه نفر من أهل نجد فقالوا يارسول

فإن أخر طواف الزيارة فطافه عند الخروج أجزأه عن طواف الوداع

الله: كيف الحج؟ قال " الحج عرفة، فمن جاء قبل صلاة الفجر ليلة جمع فقد تم حجه " رواه أبو داود، قال محمد بن يحيى ما أري للثوي حديثاً أشرف منه. وطواف الزيارة أيضاً ركن للحج لا يتم إلا به، قال ابن عبد البر هو من فرائض الحج لا خلاف في ذلك بين العلماء لقول الله تعالى (وليطوفوا بالبيت العتيق) (فصل) واختلفت الرواية في الإحرام والسعي، فروي عنه أن الإحرام ركن لأنه عبارة عن نية الدخول في الحج فلم يتم بدونها لقوله عليه السلام " إنما الأعمال بالنيات " وكسائر العبادات،

فإن خرج قبل الوداع رجع إليه. فإن لم يمكنه فعليه دم إلا الحائض والنفساء لا وداع عليهما

وعنه أنه ليس بركن لحديث الثوري الذي ذكرناه، وأما السعي فروي عنه أنه ركن لايتم الحج إلا به وهو قول عائشة وعروة ومالك والشافعي لما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت: طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم وطاف المسلمون يعني بين الصفا والمروة فكانت سنة فلعمري ما أتم الله حج من لم يطف بين الصفا والمرة. رواه مسلم، وعن حبيبة بنت أبي تجراة إحدى نساء بني عبد الدار قالت: دخلت مع نسوه من قريش دار آل أبي حسين ننظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يسعى بين الصفا والمروة وإن مئزره ليدور في وسطه من شدة سعيه حتى أني أقول إني لأرى ركبتيه وسمعته يقول " اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي " رواه ابن ماجه، ولأنه نسك في الحج والعمرة فكان ركناً فيها كالطواف بالبيت وعن أحمد أنه سنة لا دم في تركه، روى ذلك عن ابن عباس وأنس وابن الزبير وابن سيرين لقول الله تعالى (فلا جناح عليه أن يطوف بهما) ونفي الحرج عن فاعله دليل على عدم وجوبه فإن هذا رتبة المباح، وإنما تثبت سنته بقوله (من شعائر الله) وروي أن في مصحف أبي وابن مسعود (فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما) وهذا إن لم يكن قرآنا فلا ينحط عن رتبة الخبر لأنهما يرويانه عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولأنه نسك معدود لا يتعلق بالبيت فلم يكن ركناً كالرمي، واختار القاضي أنه واجب وليس ركن لكن يجب بتركه دم وهو قول الحسن وأبي حنيفة والثوري وهذا أولى لأن دليل من أوجبه دل على مطلق الوجوب لاعلى أنه لايتم إلا به، وقول عائشة في ذلك معارض بقول من خالفها من الصحابة، وحديث بنت أبي تجراة يرويه عبد الله

ابن المؤمل وقد تكلموا في حديثه ثم هو يدل على أنه مكتوب وهو الواجب، فأما الآية فإنما نزلت لما تحرج ناس من السعي في الإسلام لما كانوا يطوفون بينهما في الجاهلية لأجل صنمين كانا على الصفا والمروة كذلك قالت عائشة وهذا أوسط الأقوال وهو اختيار شيخنا (مسألة) (وواجباته سبعة: الإحرام من الميقات، والوقوف بعرفة إلى الليل، والمبيت بمزدلفة إلى بعد نصف الليل، والمبيت بمنى، والرمي والحلق أو التقصير، وطواف الوداع) وفي ذلك اختلاف ذكرناه فيما منضى وذكرنا الدليل عليه وما عدا هذا سنن وهو الاغتسال وطواف القدوم، والرمل والاضطباع، واستلام الركنين وتقبيل الحجر والاسرع والمشي في مواضعها

والخطب والإذكار والدعاء والصعود على الصفا والمروة، وسائر ما ذكرناه غير الأركان والواجبات وأركان العمرة الطواف قياساً على الحج، وفي الإحرام والسعي روايتان على ما ذكرنا في الحج واجبها الحلق أو التقصير في إحدى الروايتين بناء على الحلق في الحج وسنتها الغسل والدعاء والذكر والسنن التي في الطواف، فمن ترك ركناً لم يتم نسكه إلا به، ومن ترك واجباً فعليه دم، وقد ذكرنا ذلك في مواضعه مفصلاً، ومن ترك سنة فلا شئ عليه لأنها ليست واجبة فلم يجب جبرها كسنن سائر العبادات والله تعالى أعلم

فإذا فرغ من الوداع وقف في الملتزم بين الركن والباب

(باب الفوات والاحصار) (مسألة) (ومن طلع عليه الفجر يوم النحر ولم يقف بعرفة فقد فاته الحج ويتحلل بطواف وسعي وعنه ينقلب إحرامه لعمرة ولا قضاء عليه إلا أن يكون فرضاً وعنه عليه القضاء) الكلام في هذه المسألة في ثلاثة أمور (أولها) إن آخر وقت الوقوف آخر ليلة النحر، فمن لم يدرك الوقوف حتى طلع الفجر يومئذ فاته الحج لا نعلم فيه خلافاً، قال جابر رضي الله عنه لا يفوت الحج حتى يطلع الفجر من ليلة جمع، قال أبو الزبير فقلت له أقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك؟ قال نعم رواه الأثرم؟ وقول النبي صلى الله عليه وسلم " الحج عرفة فمن جاء قبل صلاة الفجر ليلة جمع فقد تم حجه " يدل على فواته بخروج ليلة جمع (الثاني) إن من فاته الحج يتحلل بطواف وسعي وحلق هذا الصحيح من المذهب، روى ذلك عن عمر بن الخطاب وابنه وزيد بن ثابت وابن عباس وابن الزبير رضي الله عنهم وهو قول مالك والثوري والشافعي وأصحاب الرأي، وقال ابن أبي موسى في المسألة روايتان

(إحداهما) كما ذكرنا (والثانية) يمضي في حج فاسد وهو قول المزني قال يلزمه أفعال الحج لأن سقوط ما فات وقته لايمنع وجوب ما لم يفت ولنا قول من سمينا من الصحابة ولم نعرف له مخالفا فكان إجماعا، وروى الشافعي في مسنده أن عمر رضي الله عنه قال لأبي أيوب حين فاته الحج اصنع مايصنع المعتمر ثم قد حللت فإن ادركت الحج قابلاً فحج واهد ما استيسر من الهدي، وروى النجاد بإسناده عن عطاء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من فاته الحج فعليه دم وليجعلها عمرة وليحج من قابل " ولأنه يجوز فسخ الحج إلى العمرة من غير فوات فمع الفوات أولى إذا ثبت هذا فظاهر كلام الخرقي أنه يجعل إحرامه بعمرة وقد نص عليه أحمد واختاره أبو بكر وهو قول ابن عباس وابن الزبير وعطاء وأصحاب الرأي، وعنه لا يصير إحرامه بعمرة، بل يتحلل بطواف وسعي وحلق وهو مذهب مالك والشافعي لأن إحرامه انعقد بأحد النسكين فلم ينقلب إلى

الآخر كما لو أحرم بالعمرة، ويحتمل أن من قال يجعل إحرامه بعمرة أراد أنه يفعل فعل المعتمر من الطواف والسعي فلا يكون بين القولين خلاف، ويحتمل أنه يصير إحرامه بحج إحراماً بعمرة بحيث تجزئه عن عمرة الإسلام إن لم يكن اعتمر، ولو أدخل الحج عليها لصار قارناً إلا أنه لا يمكنه الحج بذلك الإحرام إلا أنه يصير محرماً به في غير أشهره فيكون كمن أحرم بالحج في غير أشهره، ولأن قلب الحج إلى العمرة يجوز من غير سبب على ما قررناه في فسخ الحج فمع الحاجة أولى، ويخرج على هذا قلب العمرة إلى الحج فإنه لا يجوز، ولأن العمرة لا يفوت وقتها ولا حاجة الى انقلاب إحرامها بخلاف الحج (الأمر الثالث) في وجوب القضاء وفيه روايتان (إحداهما) يجب سواء كان الفائت واجباً أو تطوعاً اختاره الخرقي، ويروى ذلك عن عمر وابنه وزيد وابن عباس وابن الزبير ومروان وهو قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي (والثانية) لاقضاء عليه، بل إن كانت فرضاً فعلها بالوجوب السابق وتسقط إن كانت نفلا، روي هذا عن عطاء وهو إحدى الروايتين عن مالك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الحج أكثر من مرة قال مرة واحدة

ولو أوجبنا القضاء كان أكثر من مرة، ولأنه معذور في ترك إتمام حجه فلم يلزمه القضاء كالمحصر، ولأنها عبادة تطوع فلم يجب قضاؤها إذا فاتت كسائر التطوعات ووجه الأولى ما ذكرناه من الحديث واجماع الصحابة، وروى الدارقطي بإسناده عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من فاته عرفات فقد فاته الحج فليتحلل بعمرة وعليه الحج من قابل " ولأن الحج يلزمه بالشروع فيه فيصير كالمنذور بخلاف سائر التطوعات، وأما الحديث فإنه أراد الواجب بأصل الشرع حجة واحدة وهذه إنما تجب بإيجابه لها بالشروع فيها فهي كالمنذور، وأما المحصر فإنه غير منسوب إليه التفريط بخلاف من فاته الحج على أن في المحصر رواية أنه يجب عليه القضاء فهو كمسئلتنا، وإذا قضى أجزأه القضاء عن الحجة الواجبة لا نعلم فيه خلافاً لأن الحجة المقضية لو تمت لأجزأت عن الواجبة عليه فكذلك قضاؤها لأن القضاء يقوم مقام الاداء (مسألة) (وهل يلزمه هدي؟ على روايتين (إحداهما) عليه هدي يذبحه في حجة القضاء إن

قلنا عليه قضاء وإلا ذبحه في عامة) يجب الهدي على من فاته الحج في أصح الروايتين وهو قول من سمينا من الصحابة والفقهاء إلا أصحاب الراي فإنهم قالوا لاهدي عليه وهي الرواية الثانية عن احمد لأنه لو كان الفوات سبباً لوجوب الهدي لزم المحصر هديان للفوات والاحصار ولنا حديث عطاء وإجماع الصحابة ولأنه حل من إحرامه قبل إتمامه فلزمه هدي كالمحصر والمحصر لم يفت حجه لأنه يحل قبل فواته، إذا ثبت هذا فإنه يخرج الهدي في سنة القضاء إن قلنا بوجوبه وإلا أخرجه في عامة، وإذا كان معه هدي قد ساقه نحره ولا يجزئه إن قلنا بوجوب القضاء، بل عليه في السنة الثانية هدي أيضاً نص عليه أحمد لما روى الأثرم بإسناده أن هبار بن الأسود حج من الشام فقدم يوم النحر فقال له عمر ما حبسك؟ قال حسبت أن اليوم يوم عرفة، قال فانطلق إلى البيت فطف به سبعاً وإن كان معك هدية فانحرها، ثم إذا كان عام قابل فاحجج فإن وجدت سعة فأهد، فإن لم تجد فصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعت إن شاء الله. والهدي ما استيسر مثل هدي المتعة لحديث عمر رضي الله عنه، والمتمتع والمفرد والقارن والكي وغيره سواء فيما ذكرنا

فإذا فرغ من الحج استحب زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبر صاحبيه رضي الله عنهما

(فصل) فإن اختار من فاته الحج البقاء على إحرامه للحج من قابل فله ذلك، روى ذلك عن مالك لأن تطاول المدة بين الإحرام وفعل النسك لا تمنع إتمامه كالعمرة والمحرم بالحج في غير أشهره ويحتمل أنه ليس له ذلك وهو قول الشافعي وأصحاب الرأي وابن المنذر، ورواية عن مالك الظاهر الخبر وقول الصحابة، ولكون إحرام الحج يصير في غير أشهره فصار كالمحرم بالعبادة قبل وقتها (فصل) فإن كان الذي فاته الحج قارنا حل وعليه مثل ما أهل به من قابل نص عليه أحمد وهو قول مالك والشافعي وأبي ثور واسحاق ويحتمل أن يجزئه ما فعله عن عمرة الاسلام ولا يلزمه إلا قضاء الحج لأنه لم يفته غيره، وقال الثوري وأصحاب الرأي يطوف ويسعى لعمرته ثم لا يحل حتى يطوف

ويسعى لحجه إلا أن سفيان قال ويهريق دماً، ووجه الأول أنه يجب القضاء على حسب الأداء في صورته ومعنا فيجب ان يكون ههنا كذلك ويلزمه هديان لقرانه وفواته، وبه قال مالك والشافعي وقيل يلزمه هدي ثالث للقضاء وليس بشئ فإن القضاء لا يجب له شئ، وإنما الهدي الذي في سنة القضاء للفوات، ولذلك لم يأمره الصحابة بأكثر من هدي واحد والله تعالى أعلم (مسألة) (وإن أخطأ الناس فوقفوا في غير يوم عرفة أجزأهم، وإن أخطأ بعضهم فقد فاته الحج) إذا أخطأ الناس فوقفوا في غير يوم عرفة ظناً منهم أنه يوم عرفة أجزأهم لما روى الدارقطبي باسناده عن عبد العزيز بن عبد الله بن جابر بن أسيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يوم عرفة الذي يعرف الناس فيه " وقد روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " يوم فطركم يوم تفطرون، وأضحاكم يوم تضحون " رواه الدارقطني وغيره، ولأنه لا يؤمن مثل ذلك في القضاء، فإن اختلفوا فأصاب بعض وأخطأ بعض لم يجز من أخطأ لأنهم غير معذورين في ذلك وقد ذكرنا حديث هبار حين قال لعمر ظننت أن اليوم يوم عرفة فلم يعذر بذلك (فصل) فإن كان عبداً لم يلزمه الهدي لأنه عاجز عنه بكونه لامال له فهو كالمعسر ويجب عليه الصوم بدل الهدي، فإن أذن له سيده في الهدي لم يكن له أن يهدي في ظاهر كلام الخرقي ولا يجزئه إلا الصيام هذا قول الثوري وأصحاب الرأي والشافعي حكاه ابن المنذر عنهم في الصيد وعلى قياس

هذا كل دم لزمه في الإحرام لا يجزئه عند إلا الصيام، وقال غير الخرقي من أصحابنا أن ملكه السيد هديا وأذن له في ذبحه خرج على الروايتين في ملك العبد بالتمليك، فإن قلنا يملك لزمه الهدي وأجزأ عنه لأنه قادر عليه مالك له أشبه الحر وإن قلنا لا يملك لم يجزئه إلا الصيام لأنه ليس بمالك ولا سبيل له إلها الملك فهو كالمعسر، وإذا صام فإنه يصوم عن كل مد من قيمة الشاة يوما ذكره الخرقي، وينبغي أن يخرج فيه من الخلاف ما ذكرناه في الصيد، فإن بقي من قيمتها دون المد صام عنه يوماً لأن الصوم لا يتبعض فيجب تكملته (قال شيخنا) والأولى أن يكون الواجب من الصوم عشرة أيام كصوم المتعة كما جاء في حديث عمر أنه قال لهبار بن الأسود فإن وجدت سعة فأهد، فإن لم تجد سعة فصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعت إن شاء الله، وروى الشافعي عن ابن عمر رضي الله عنهما مثل ذلك وأحمد ذهب الى حديث عمر رضي الله عنه واحتج به، ولأنه صوم وجب لحله من إحرامه قبل إتمامه فكان عشرة أيام كصوم المحصر والمعسر في الصوم كالعبد، ولذلك قال عمر رضي الله عنه لهبار إن وجدت سعة فاهد، وإن لم تجد فصم. ويعتبر اليسار والاعسار في زمن الوجوب وهو في سنة القضاء إن قلنا بوجوبه، أو في سنة الفوات إن قلنا لا يجب القضاء، وقال الخرقي في العبد ثم يقصر ويحل

يريد أن العبد لا يحلق لأن الحلق يزيل الشعر الذي يزيد في قيمته وماليته وهو ملك لسيده ولم يتعين إزالته فلم يكن له ذلك كغير حالة الإحرام فإن أذن له سيده فيه جاز لأن المنع منه لحقه (مسألة) (ومن أحرم فحصره عدو ولم يكن له طريق إلى الحج نحر هديا في موضعه رحل) لا خلاف بين أهل العلم أن المحصر إذا حصره عدو ومنعوه الوصول إلى البيت ولم يجد طريقاً آمناً أن له التحلل مشركاً كان العدو أو مسلماً لقوله تعالى (فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي) ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه حين حصروا في الحديبية أن ينحروا ويحلقوا ويحلوا، وسواء كان الإحرام بحج أو عمرة أو بهما، وهذا قول أبي حنيفة والشافعي، وحكي عن مالك أن المعتمر لا يتحلل لأنه لا يخاف الفوات ولا يصح ذلك لأن الآية إنما نزلت في حصر الحديبية، وإنما كانوا محرمين بعمرة فحلقوا جميعاً. وعلى من تحلل بالإحصار الهدي في قول الأكثرين، وعن مالك ليس عليه هدي لأنه

فإن أحرم من الحرم لم يجز وينعقد وعليه دم

تحلل أبيح له من غير تفريط أشبه من أتم حجه. ولنا قوله تعالى (فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي) قال الشافعي لا خلاف بين أهل التفسير أن هذه الآية نزلت في حصر الحديبية، ولانه أبيح له التحلل قبل إتمام نسكه أشبه من فاته الحج وبهذا فارق من أتم حجه (فصل) ولا فرق بين الحصر العام في حق كل الحاج وبين الخاص في حق شخص واحد مثل أن يجلس بغير حق أو تأخذه اللصوص لعموم النص ووجود المعنى في الكل، فأما من حبس بحق عليه يمكنه الخروج منه فلا يجوز له التحلل في الحبس، فإن كان عاجزاً عن أدائه فحبس بغير حق فله التحلل كمن ذكرناه، وإن كان عليه دين مؤجل يحل قبل قدوم الحاج فمنعه صاحبه من الحج فله التحلل لأنه معذور، ولو أحرم العبد بغير إذن سيده أو المرأة للتطوع بغير إذن زوجها فلهما منعهما وحكمهما حكم المحصر

وتجزئ عمره القارن والعمرة من التنعيم عن عمرة الإسلام في أصح الروايتين

(فصل) فإن أمكن المحصر الوصول من طريق أخرى لم يبح له التحلل ولزمه سلوكها بعد أو قرب، خشي الفوات أو لم يخشه، فإن كان محرماً بعمرة لم تفت، وإن كان بحج ففاته تحلل بعمرة وكذا لو لم يتحلل المحصر حتى زال الحصر لزمه السعي وإن كان بعد فوات الحج ليتحلل بعمرة، ثم هل يلزمه القضاء إن فاته الحج فيه روايتان (إحداهما) يلزمه كمن فاته بخطأ الطريق (والثانية) لا يجب لأن سبب الفوات الحصر أشبه من لم يجد طريقاً أخرى وبهذا فارق المخطئ (فصل) وإذا كان العدو الذين حصروا الحاج مسلمين فأمكنه الانصراف كان أولى من قتالهم لأن في قتالهم المخاطرة بالنفس والمال وقتل مسلم فكان تركه أولى ويجوز قتالهم لأنهم تعدوا على المسلمين لمنعهم طريقهم فأشبهوا سائر قطاع الطريق، وإن كانوا مشركين لم يجب قتالهم لأنه إنما يجب بأحد أمرين إذا بدأوا بالقتال أو وقع النفير فاحتيج إلى مدد وليس ههنا واحد منهما، لكن إن غلب على ظن المسلمين الظفر استحب قتالهم لما فيه من الجهاد وحصول النصر وإتمام النسك، وإن كان

ولا بأس أن يعتمر في السنة مرارا

بالعكس فالأولى الانصراف لئلا يغرروا بالمسلمين، ومتى احتاجوا في القتال إلى لبس ما تجب في الفدية فلهم فعله وعليهم الفدية لأن لبسهم لأجل أنفسهم فأشبه مالو لبسوا للاستدفاء من برد، فإن أذن لهم العدو في العبور فلم يثقوا بهم فلهم الانصراف لأنهم خائفون على أنفسهم فكأنهم لم يؤمنوهم وإن وثقوا بأمانهم وكانوا معروفين بالوفاء لزمهم المضي على إحرامهم لأنه قد زال حصرهم، ان طلب العدو خفارة على تخلية الطريق وكان ممن لا يؤمن بأمانة لم يلزمهم بذلة لأن الخوف باق مع البذل، وإن كان موثوقاً بأمانة والخفارة كثيرة لم يجب بذله، بل يكره إن كان العدو كافراً لأن فيه صغاراً وتقوية للكافر، وإن كانت يسيرة فقياس المذهب وجوب بذلة كالزيادة في ثمن الماء للوضوء. وقال بعض أصحابنا: لا يجب بذل خفارة بحال وله التحلل كما في ابتداء الحج لا يلزمه إذا لم يجد طريقاً آمناً من غير خفارة (مسألة) متى قدر المحصر على الهدي فليس له التحلل قبل ذبحه، فإن كان معه هدي قد ساقه أجزأه، وإن لم يكن معه لزمه شراؤه إن أمكنه ويجزئه أدنى الهدي وهو شاة أو سبع بدنة لقوله تعالى (فما استيسر من الهدي) وله نحره في موضع حصره من حل أو حرم نص عليه أحمد وهو قول مالك

والشافعي إلا أن يكون قادراً على أطراف الحرم ففيه وجهان (أحدهما) يلزمه نحره فيه لأن الحرم كله منحر وقد قدر عليه (والثاني) ينحره في موضعه لأن النبي صلى الله عليه وسلم نحر هديه في موضعه، وعن أحمد ليس للمحصر نحر هديه إلا في الحرم ويواطئ رجلاً على نحره في وقت يتحلل فيه، يروى هذا عن ابن مسعود فيمن لدغ في الطريق، وروي نحو ذلك عن الحسن والشعبي والنخعي وعطاء (قال شيخنا) وهذا والله أعلم فيمن كان حصره خاصا، وأما الحصر العام فلا ينبغي أن يقوله أحد لأن ذلك يفضي إلى تعذر الحل لتعذر وصول الهدي إلى محله، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه نحروا هداياهم في الحديبية وهي من الحل، قال البخاري قال مالك وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حلقوا وحلوا من كل شئ قبل الطواف وقبل أن يصل الهدي إلى البيت ولم يذكر أن النبي صلى الله عليه أمر أحداً أن يقضي شيئاً ولا أن يعودوا له، ويروى أن النبي صلى الله عليه وسلم نحر هديه عند الشجرة التي كان تحتها بيعة الرضوان وهي من الحل باتفاق أهل السير وقد دل عليه قوله تعالى (والهدي معكوفا أن يبلغ محله) ولأنه موضع حله فكان

موضع نحره كالحرم، فإن قيل فقد قال الله تعالى (ولا تحلقوا رؤسكم حتى يبلغ الهدي محله) وقال (ثم محلها إلى البيت العتيق) ولأنه ذبح يتعلق بالإحرام فلم يجز في غير الحرم كدم الطيب واللبس، قلنا الآية في غير المحصر ولا يصح قياس المحصر عليه لأن تحلل المحصر في الحل وتحلل غيره في الحرم فكل واحد منهما ينحر في موضع تحلله، وقد قيل في قوله تعالى (حتى يبلغ الهدي محله) حتى يذبح وذبحه في حق المحصر في موضع حله اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وما قاسوا عليه ممنوع (فصل) وإذا أحصر المعتمر فله التحلل ونحر هديه وقت حصره لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه زمن الحديبية حلوا ونحروا هداياهم قبل يوم النحر وإن كان مفرداً أو قارناً فكذلك في إحدى الروايتين لأنه أحد النسكين أشبه العمرة، ولأن العمرة لا تفوت وجميع الزمان وقت لها، فإذا جاز الحل منها ونحر هديها من غير خشية فواتها فالحج الذي يخشى فواته أولى (والثانية) لا يحل ولا ينحر هديه إلى يوم النحر نص عليه في رواية الاثرم وحنبل لأن للهدي محل زمان ومحل مكان، فإذا سقط محل المكان للعجز عنه بقي محل الزمان واجباً لإمكانه، وإذا لم يجز له نحر الهدي قبل يوم النحر لم

يجز له التحلل لقوله سبحانه (ولا تحلقوا رؤسكم حتى يبلغ الهدي محله) وإذا قلنا بجواز التحلل قبل يوم النحر فالمستحب له الإقامة على إحرامه رجاء زوال الحصر ومتى زال قبل تحلله فعليه المضي لإتمام نسكه بغير خلاف علمناه. قال إبن المنذر قال كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن من يئس أنى يصل إلى البيت فجاز له الحل فلم يحل حتى خلي سبيله أن عليه أن يقضي مناسكه وإن زال الحصر بعد فوات الحج تحلل بعمرة، فإن فات الحج قبل زوال الحصر تحلل بهدي، وقد قيل إن عليه ههنا هديين: هدي للفوات وهدي للاحصار، ولم يذكر أحمد رحمه الله في رواية الأثرم هدياً ثانياً في حق من لم يتحلل إلا يوم النحر (مسألة) (فإن لم يجد صام عشرة أيام ثم حل، ولو نوى التحلل قبل ذلك لم يحل) إذا عجز المحصر عن الهدي انتقل إلى صوم عشرة أيام ثم حل، وبه قال الشافعي في أحد قوليه وقال مالك وأبو حنيفة لا يدل له لأنه لم يذكر في القرآن

وواجباته سبعة: الإحرام من الميقات، والوقوف بعرفة إلى الليل، والمبيت بمزدلفة ... وطواف الوداع

ولنا أنه دم واجب للإحرام فكان له بدل كدم التمتع والطيب واللباس وترك النص عليه لا يمنع قياسه على غيره ويتعين الانتقال إلى صيام عشرة أيام كبدل هدي التمتع، وليس له أن يتحلل الابعد الصيام كما لا يتحلل واجد الهدي إلا بنحره وهل يلزمه الحلق أو التقصير مع ذبح الهدي والصيام؟ فيه روايتان (إحداهما) لا يلزمه وهو ظاهر كلام الخرقي لأن الله تعالى ذكر الهدي وحده ولم يشرط سواه (والثانية) عليه الحلق أو التقصير لأن النبي صلى الله عليه وسلم حلق يوم الحديبية وفعل في النسك دال على الوجوب ولعل هذا يبني على الخلاف في الحلق هل هو نسك أو إطلاق من محظور وفيه اختلاف ذكرناه فيما مضى (فصل) ولا يتحلل إلا بالنية مع ما ذكرنا فيحصل الحل بشيئين: النحر الصوم مع النية على قولنا إن الحلاق ليس بنسك وإن قلنا هو نسك حصل بثلاثة أشياء الحلاق مع ما ذكرنا، فإن قيل فلم اعتبرتم النية ههنا ولم تعتبروها في غير المحصر قلنا لأن من أتى بأفعال النسك فقد أتى بما عليه فيحل منها باكمالها فلم يحتج إلى نية بخلاف المحصر فإنه يريد الخروج من العبادة قبل اكمالها فافتقر إلى قصده ولأن الذبح قد يكون لغير الحل فلم يتخصص إلا بقصده بخلاف الرمي فإنه لا يكون إلا للنسك فلم يحتج إلى قصد (فصل) فإن نوى التحلل قبل الهدي أو الصيام لم يحل وكان على إحرامه حتى ينجر الهدي أو

باب الفوات والاحصار

يصوم لأنهما أقيما مقام أفعال الحج فلم يحل قبلهما كما لا يتحلل القادر على أفعال الحج قبلها وليس عليه في نية الحل فدية لأنها لم تؤثر في العبادة، فإن فعل شيئاً من محظورات الإحرام قبل ذلك فعليه فديته كما لو فعل القادر ذلك قبل أفعال الحج (مسألة) (وفي وجوب القضاء على المحصور روايتان) (إحداهما) لا قضاء عليه إلا أن يكون واجباً فيفعله بالوجوب السابق هذا هو الصحيح من المذهب، وبه قال مالك والشافعي (والثانية) عليه القضاء روى ذلك عن مجاهد وعكرمة والشعبي، وبه قال أبو حنيفة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما تحلل زمن الحديبية قضى من قابل وسميت عمرة القضية، ولأنه حل من إحرامه قبل إتمامه فلزمه القضاء كما لو فاته الحج، ووجه الرواية الأولى أنه تطوع جاز التحلل

منه مع صلاح الوقت له فلم يجب قضاؤه كما لو دخل في الصوم يعتقد أنه واجب فلم يكن، فأما الخبر فأن الذين صدوا كانوا ألفاً وأربعمائة، والذين اعتمروا مع النبي صلى الله عليه وسلم كانوا نفراً يسيراً ولم ينقل الينا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أحداً بالقضاء، وأما تسميتها عمرة القضية فانما يعني بها القضية التي اصطلحوا عليها واتفقوا عليها ولو أرادوا غير ذلك لقالوا عمرة القضاء، وفارق الفوات فإنه مفرط بخلاف مسئلتنا (مسألة) (فإن صد عن عرفة دون البيت تحلل بعمرة ولا شئ عليه) إذا تمكن من الوصول إلى البيت وصد عن عرفة فله أن يفسخ نية الحج ويجعله عمرة ولا هدي عليه لأننا أبحنا له ذلك من غير حصر فمع الحصر أولى، فإن كان قد طاف وسعى للقدوم ثم أحصر أو مرض حتى فاته الحج تحلل بطواف وسعي آخر لأن الاول لم يقصد به طواف العمرة ولا سعيها وليس عليه أن يجدد إحراماً،

وبهذا قال الشافعي وأبو ثور وقال الزهري لابد أن يقف بعرفة، وقال محمد بن الحسن لا يكون محصراً بمكة، وروى عن أحمد رحمه الله لأنه إنما جاز له التحلل بعمرة في موضع يمكنه أن يحج من عامة فيصير متمتعاً وهذا ممنوع من الحج ولا يمكنه أن يصير متمتعاً فعلى هذا يقيم على إحرامه حتى يفوته الحج ثم يتحلل بعمرة، فإن فاته الحج فحكمه حكم من فاته بغير حصر، وقال مالك يخرج إلى الحل ويفعل ما يفعل المعتمر، فإن أحب أن يستنيب من يتمم عنه أفعال الحج جاز في التطوع لأنه جاز أن يستنيب في جملته فجاز في بعضه، ولا يجوز في حج الفرض إلا أن ييأس من القدرة عليه في جميع العمر كما في الحج كله (فصل) فإن أحصر عن البيت بعد الوقوف بعرفة فله التحلل لأن الحصر يفسد التحلل من جميعه فأفاد التحلل من بعضه، وإن كان ما حصر عنه ليس من أركان الحج كالرمي وطواف الوداع

وهل يلزمه هدي؟ على روايتين، إحداهما: عليه هدي يذبحه في حجة القضاء إن قلنا عليه قضاء وإلا ذبحه في عامة

والمبيت بمزدلفة أو بمنى في لياليها فليس له التحلل لان صحة الحج لا تقف على ذلك ويكون عليه دم لتركه ذلك وحجة صحيح كما لو تركه من غير حصر، وإن حصر عن طواف الإفاضة بعد رمي الجمرة فليس له أن يتحلل أيضاً لأن إحرامه إنما هو عن النساء، والشرع إنما ورد بالتحلل عن الإحرام التام الذي يحرم جميع محظوراته فلا يثبت بما ليس مثله، ومتى زال الحصر أتى بالطواف وتم حجه (مسألة) وإذا تحلل المحصر من الحج فزال الحصر وأمكنه الحج لزمه ذلك إن كانت حجة الإسلام أو كانت واجبة في الجملة أو قلنا بوجوب القضاء لأن الحج يجب على الفور، فأما إن كانت تطوعاً ولم نقل بوجوب القضاء فلا شئ عليه كمن لم يحرم (فصل) فإن أحصر في حج فاسد فله التحلل لأنه إذا أبيح له في الحج الصحيح فالفاسد بطريق

الأولى، فإن حل ثم زال الحصر وفي الوقت سعة فله أن يقضي في ذلك العام وليس يتصور القضاء في العام الذي أفسد فيه الحج في غير هذه المسألة (مسألة) (ومن أحصر بمرض أو ذهاب نفقة لم يكن له التحلل في إحدى الروايتين) اختارها الخرقي روى ذلك عن ابن عمر وابن عباس ومروان وبه قال مالك والشافعي واسحاق (والثانية) له التحلل بذلك، وروي نحوه عن ابن مسعود وهو قول عطاء والنخعي والثوري وأصحاب الرأي لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من كسر أو عرج فقد حل وعليه حجة أخرى " رواه النسائي ولأنه محصور فيدخل في عموم قوله (فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي) يحققه إن لفظ الاحصار إنما هو للمرض ونحوه يقال احصره المرض احصاراً فهو محصر، وحصره العدو فهو محصور فيكون اللفظ صريحاً

وإن أخطأ الناس فوقفوا في غير يوم عرفة أجزأهم، وإن أخطأ بعضهم فقد فاته الحج

في محل النزاع وحصر العدو مقيس عليه ولأنه مصدود عن البيت أشبه من صده العدو ووجه الرواية الأولى أنه لا يستفيد بالإحلال الانتقال من حاله ولا التخلص من الأذى الذي به بخلاف حصر العدو، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على ضباعة بنت الزبير فقالت إني أريد الحج وأنا شاكية فقال " حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني " فلو كان المرض يبيح الحل ما احتاجت إلى شرط، وحديثهم متروك الظاهر فإن مجرد الكسر والعرج لا يصير به حلالاً فإن حملوه على أنه يبيح له التحلل حملناه على ما إذا اشترط الحل على أن في حديثهم كلاما لأن ابن عباس يرويه ومذهبه بخلافه فإذا قلنا يتحلل فحكمه حكم من حصره العدو على ما مضى وإن قلنا لا يتحلل فإنه يقيم على إحرامه ويبعث ما معه من الهدي ليذبح بالحرم وليس له نحره في مكانه لأنه لم يتحلل فإن فاته الحج تحلل بعمرة كغير المريض

(مسألة) (ومن شرط في ابتداء إحرامه أن محلي حيث حبستني فله التحلل بجميع ذلك ولا شئ عليه) إذا شرط في وقت إحرامه أن يحل متى مرض أو ضاعت نفقته أو نفذت أو نحوه أو قال إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني فله التحلل متى وجد ذلك وليس عليه هدي ولا صوم ولا قضاء ولا غيره فإن للشرط تأثيراً في العبادات بدليل أنه لو قال إن شفى مريضي صمت شهراً متتابعاً أو متفرقاً كان على شرطه وإنما لم يلزمه هدي ولا قضاء لأنه إذا شرط شرطاً كان إحرامه الذي فعله إلى حين وجود الشرط فصار بمنزلة من أكمل أفعال الحج ثم ينظر في صيغة الشرط فإن قال إن مرضت فلي أن أحل أو إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستي فإذا حبس كان بالخيار بين الحل وبين البقاء على الإحرام، وإن قال إن مرضت فأنا حلال فمتى وجد الشرط حل بوجوده لأنه شرط صحيح فكان على ما شرط، وفي هذه المسألة اختلاف ذكرناه في باب الإحرام

ومن أحرم فحصره عدو ولم يكن له طريق إلى الحج نحر هديا في موضعه وحل

(باب الهدي والأضاحي) الأصل في مشروعية الأضحية الكتاب والسنة والإجماع أما الكتاب فقوله تعالى (فصل لربك وانحر) قال بعض أهل التفسير والمراد به الأضحية بعد صلاة العيد، وأما السنة فإنه روي أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده وسمى وكبر ووضع رجله على صفاحهما. متفق عليه الأملح الذي فيه بياض وسواد وبياضه أكثر قاله الكسائي، وقال ابن الأعرابي هو النقي البياض قال الشاعر حتى اكتسى الرأس قناعاً أشيبا * أملح لالدا ولا محبباً وأجمع المسلمون على مشروعية الأضحية، ويستحب لمن أتى مكة أن يهدي هديا لأن النبي صلى الله عليه وسلم أهدى في حجته مائة بدنة وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث الهدي ويقيم بالمدينة

(مسألة) (والأفضل فيهما الإبل ثم البقر ثم الغنم والذكر والأنثى سواء) أفضل الهدايا والاضاحي الإبل ثم البقر ثم الغنم ثم شرك في بدنة ثم شرك في بقرة، وبه قال أبو حنيفة والشافعي وقال به مالك في الهدي وقال في الأضحية الأفضل الجذع ثم الضأن ثم البقرة ثم البدنة لأن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين ولا يفعل إلا الأفضل ولو علم الله سبحانه خيراً منه لفدى به اسحاق. ولنا ماروى أبو هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة " الخ متفق عليه ولأنه ذبح يتقرب به إلى الله تعالى

متى قدر المحصر على الهدي فليس له التحلل قبل ذبحه

فكانت البذنة فيه أفضل كالهدي ولأنها أكثر ثمناً ولحماً وأنفع للفقراء، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل أي الرقاب أفضل؟ فقال " أغلاها ثمناً وأنفسها عند أهلها " والابل أغلا ثمناً وأنفس من الغنم. فأما التضحية بالكبش فلانه افضل أجناس الغنم وكذلك حصول الفداء به أفضل والشاة أفضل من شرك في بدنة لأن إراقة الدم مقصود في الاضحية والمنفرد يتقرب بإراقته كله (فصل) والذكر والأنثى سواء لأن الله تعالى قال (ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام) وقال (والبدن جعلناها لكم من شعائر الله) ولم يقل ذكراً ولا أنثى وممن أجاز ذكران الإبل في الهدي ابن المسيب وعمر بن عبد العزيز ومالك وعطاء والشافعي، وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال ما رأيت أحداً فاعلاً ذلك: وإن أنحر أنثى أحب إلي، والأول أولى لما ذكرنا من النص، وقد

ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أهدى جملاً لأبي جهل في أنفه برة من فضة رواه أبو داود وابن ماجة ولأنه يجوز ذبح الذكر من سائر بهيمة الأنعام فكذلك من الإبل، ولأن القصد اللحم ولحم الذكر أوفر ولحم الأنثى أرطب فتساويا. قال أحمد الخصي أحب إلينا من النعجة لأن لحمه أوفر وأطيب. قال شيخنا والكبش في الأضحية أفضل النعم لأنها أضحية النبي صلى الله عليه وسلم وذكره ابن أبي موسى والضأن أفضل من المعز لأنه أطيب لحماً، وقال القاضي جذع الضأن أفضل من ثنى المعز لذلك ولما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " نعم الأضحية الجذع من الضأن " حديث غريب قال شيخنا رحمه الله ويحتمل أن الثني من المعز أفضل من الجذع لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا تذبحوا إلا مسنة فإن عسر عليكم فاذبحوا الجذع من الضأن " رواه مسلم، وهذا يدل على فضل الثني على الجذع لكونه جعل الثني أصلاً والجذع بدلا لا ينتقل إليه إلا عند عدم الثني.

فإن لم يجد صام عشرة أيام ثم حل، ولو نوى التحلل قبل ذلك لم يحل

(فصل) ويسن استسمانها واستحسانها لقول الله تعالى (ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب) قال ابن عباس تعظيمها استسمانها واستعظامها واستحسانها ولأن ذلك أعظم لأجرها وأعظم لنفعها والأفضل في لون الغنم البياض لما روي عن مولاة أبي ورقة بن سعيد قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " دم عفراء أزكى عند الله من دم سوداوين " رواه أحمد بمعناه وقال أبو هريرة " دم بيضاء أحب إلى الله من دم سوداوين " ولأنه لون أضحية النبي صلى الله عليه وسلم ثم ماكان أحسن لوناً فهو أفضل. (مسألة) (ولا يجزي إلا الجذع من الضأن وهو ماله ستة أشهر والثني مما سواه) وهو قول مالك والليث والشافعي وابي عبيد وأصحاب الرأي، وقال ابن عمر والزهري: لا يجزئ

الجذع لأنه لا يجزئ من غير الضأن فلا يجزئ منه كالحمل وعن عطاء والاوزاعي أنهما قالا لا يجزئ الجذع في جميع الأجناس لما روى مجاشع بن سليم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إن الجذع يوفي بما يوفي به الثني " رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة ولأنه يجزئ من بعض الأجناس فأجزأ من جميعها كالثني. ولنا على أجزاء الجذع من الضأن حديث مجاشع وأبي هريرة، وعلى أن الجذعة من غيرها لاتجزئ قول النبي صلى الله عليه وسلم " لا تذبحوا إلا مسنة فإن عسر عليكم فاذبحوا الجذع من الضأن " وقال أبو بردة بن نيار رضي الله عنه عندي جذعة من المعز أحب إلي من شاتين فهل تجزي عني؟ قال " نعم ولا تجزي عن أحد بعدك " متفق عليه وحديثهم محمول على الجذع من الضأن لما ذكرنا قال ابراهيم الحربي إنما يجزئ الجذع من الضأن لانه ينزو فليقح فإذا كان من المعز لم يلقح حتى يكون ثنيا

وفي وجوب القضاء على المحصور روايتان

(فصل) ولا يجزي في الأضحية غير بهيمة الأنعام وان كان أحد أبويه وحشياً وحكي عن الحسن ابن صالح أن بقرة الوحش تجزئ عن سبعة والظبي عن واحد وقال أصحاب الرأي يجزئ ولد البقرة الانسية إذا كان أبوه وحشياً وقال أبو ثور يجزئ إذا كان منسوباً إلى بهيمة الأنعام. ولنا قوله سبحانه (ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام) وهي الإبل والبقر والغنم وعلى أصحاب الرأي أنه متولد بين ما يجزئ وبين مالا يجزئ أشبه مالو كانت الأم وحشية. والجذع من الضأن ماله ستة أشهر. قال وكيع الجذع من الضأن أن يكون ابن سبعة أشهر أو ستة أشهر قال الخرقي

وإذا تحلل المحصر من الحج

وسمعت أبي يقول سألت بعض أهل البادية كيف تعرفون الضأن إذا أجذع قالوا لا تزال الصوفة قائمة على ظهره مادام حملاً فإذا نامت الصوفة على ظهره علم أنه قد أجذع وفيه قول أن الجذع من الضأن ماله ثمانية أشهر ذكره ابن أبي موسى (مسألة) (وثني الإبل ما كمل له خمس سنين ومن البقر ماله سنتان ومن المعز ماله سنة) قال الأصمعي وأبو زياد الكلابي وأبو زيد الأنصاري إذا مضت السنة الخامسة على البعير ودخل في السادسة وألقى ثنيه فهو حينئذ ثني ويروى أنه يسمى ثنياً لأنه ألقى ثنيته، وأما البقرة فهي التي لها سنتان وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " لا تذبحوا إلا مسنة " ومسنة البقر التي لها سنتان على ما ذكرنا في الزكاة، وثني المعز ماله سنة، وقال ابن أبي موسى فيه قول أن ثني البقر مادخل في السنة الرابعة

ومن أحصر بمرض أو ذهاب نفقة لم يكن له التحلل في إحدى الروايتين

والأول المشهور في المذهب. (مسألة) (وتجزئ الشاة عن واحد والبدنة والبقرة عن سبعة سواء أراد جميعهم القربة أو بعضهم والباقون اللحم) أما إجزاء الشاة عن واحد فلا نعلم فيه خلافاً، وقد روى أبو أيوب رضي الله عنه قال كان الرجل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته فيأكلون ويطعمون حديث صحيح، وتجزي البدنة والبقرة عن سبعة وهذا قول أكثر أهل العلم وري ذلك عن علي وابن مسعود وابن عباس وعائشة رضي الله عنهم، وبه قال عطاء وطاوس وسالم والحسن وعمرو بن دينار والثوري والاوزاعي والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي، وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال لاتجزئ نفس واحدة

ومن شرط في ابتداء إحرامه أن محلي حيث حبستني فله التحلل بجميع ذلك ولا شيء عليه

عن سبعة ونحوه قول مالك إلا أن يذبح عنه وعن أهل بيته، قال احمد ما علمت أن احدا لا يرخص في ذلك إلا ابن عمر، وعن سعيد بن المسيب أن الجزور عن عشرة والبقرة عن سبعة وبه قال إسحاق لما روى رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم فعدل عن عشرة من الغنم ببعير متفق عليه. وعن ابن عباس قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فحضر الأضحى فاشتركنا في الجزور عن عشرة والبقرة عن سبعة رواه ابن ماجه. ولنا ماروى جابر قال نحرنا بالحديبية مع النبي صلى الله عليه وسلم البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة. وقال أيضاً كنا نتمتع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنذبح البقرة عن سبعة نشترك فيها رواه مسلم. وهذا أصح من حديثهم. وأما حديث رافع فهو في القسمة لافي الأضحية. إذا ثبت هذا فسواء كان المشتركون من أهل بيت أو لم يكونوا، متطوعين أو متفترضين أو كان بعضهم يريد القربة وبعضهم يريد اللحم، وقال أبو حنيفة يجوز إذا كانوا كلهم متقربين ولا يجوز إذا لم يرد بعضهم القربة.

والأفضل فيهما الإبل ثم البقر ثم الغنم والذكر والأنثى سواء

ولنا أن الجزء المجزئ لا ينقص بإرادة الشريك غير القربة فجاز كما لو اختلفت جهات القرب فأراد بعضهم المتعة والآخر القران ولأن كل إنسان إنما يجزئ عنه نصيبه فلا يضره نية غيره في نصيبه ويجوز أن يقتسموا اللحم لأن القسمة إفراز حق وليست بيعاً ومنع منه أصحاب الشافعي في وجه، بناء على أن القسمة بيع وبيع لحم الهدي والأضحية غير جائز. ولنا أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالاشتراك مع أن سنة الهدي والأضحية الأكل منها دليل على تجويز القسمة إذ به يتمكن من الأكل وكذلك الصدقة والهدية. (فصل) ولا بأس أن يذبح الرجل عن أهل بيته شاة واحدة أو بدنه أو بقرة يضحي بها نص عليه أحمد وقال مالك والليث والاوزاعي واسحاق. وروي ذلك عن ابن عمر وأبي هريرة قال

صالح قلت لأبي يضحى بالشاة عن أهل البيت؟ قال نعم لا بأس قد ذبح النبي صلى الله عليه وسلم كبشين قال (بسم الله هذا عن محمد وأهل بيته) وقرب الآخر وقال (اللهم منك ولك عمن وحدك من أمتي) وحكي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان يضحي بالشاة فتجئ بنته فتقول عني؟ وعنك، وكره ذلك الثوري وأبو حنيفة لأن الشاة لا تجزئ عن أكثر من واحد فإذا اشترك فيها اثنان لم تجز عنهما كالاجنبيين ولنا الحديث الذي ذكره أحمد وروى جابر قال ذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الذبح كبشين أقرنين أملحين موجوءين فلما وجههما قال " وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض على ملة إبراهيم حنيفاً وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العاليمن، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين، اللهم منك ولك عن محمد وأمته، بسم الله والله أكبر " ثم ذبح رواه أبو داود، وقد ذكرنا حديث أبو أيوب في أول المسألة

ولا يجزئ إلا الجذع من الضأن وهو ما له ستة أشهر والثني مما سواه

(مسألة) (ولا يجزئ فيها العوراء البين عورها وهي التي انخسفت عينها، ولا العجفاء التي لا تنقى وهي الهزيلة التي لا مخ فيها، ولا العرجاء البين ظلعها فلا تقدر على المشي مع الغنم، ولا المريضة البين مرضها ولا العضباء وهي التي ذهب أكثر أذنها أو قرنها) أما العيوب الأربعة الأول فلا نعلم بين أهل العلم خلافاً في أنها تمنع الأجزاء في الهدي والأضحية لما روى البراء بن عازب رضي الله عنه قال قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " أربع لا تجوز في الأضاحي العوراء البين عورها والمريضة البين مرضها والعرجاء البين ظلعها والعجفاء التي لاتنقى " رواه أبو داود والنسائي نص على الاضاحي والهدي في معناها ومعنى العوراء البين عورها التي قد انخسفت عينها والعين

عضو مستطاب فإن كان على عينها بياض ولم تذهب جازت التضحية بها لأن عورها ليس بين ولا ينقص ذلك لحمها، والعجفاء المهزولة، والتي لاتنقى هلا التي لامخ فيها في عظامها لهزالها والنقي المخ قال الشاعر: لا تنسكين عملاً ما أنقين * ما دام مخ في سلامي أو عين فهذه لا تجزئ لأنه لامخ فيها انما هي عظام مجتمعة، وأما العرجاء البين عرجها فهي التي بها عرج فاحش وذلك يمنعها من اللحاق بالغنم فيسبقنها إلى الكلأ فيرعينه لا تدركهن فينقص لحمها فإن كان عرجاً يسيراً لا يفضي بها إلى ذلك أجزأت. وأما المريضة البين مرضها فقال الخرقي هي التي لا يرجى برؤها لأن ذلك ينقص قيمتها ولحمها نقصاً كثيراً وقال القاضي هي الجرباء لان الجرب إذا كثر يهزل ويفسد

وتجزئ الشاة عن واحد والبدنة والبقرة عن سبعة سواء أراد جميعهم القربة أو بعضهم والباقون اللحم

اللحم، وهذا قول أصحاب الشافعي، قال شيخنا والذي في الحديث " المريضة البين مرضها " وهو الذي يبين أثره عليها لأن ذلك ينقص لحمها ويفسده، وهذا أولى مما ذكره الخرقي والقاضي لانه تقييد للملطق وتخصيص للعموم بلا دليل والمعنى يقتضي العموم كما يقتضيه اللفظ والمعنى، وأما العضب فهو ذهاب اكثر من نصف القرن أو الأذن وذلك يمنع الأجزاء أيضاً، وبه قال النخعي وأبو يوسف ومحمد، وقال أبو حنيفة والشافعي تجزئ مكسورة القرن، وروي نحو ذلك عن علي وعمار وابن المسيب والحسن وقال مالك إن كان قرنها يدمي لم تجزئ، وإلا أجزأت وعن أحمد لاتجزئ ما ذهب ثلث إذنها وهو قول أبي حنيفة، وقال عطاء ومالك إذا ذهبت الأذن كلها لم تجز وإن ذهب يسير جاز، واحتجوا بأن قول النبي صلى الله عليه وسلم أربع لا تجوز في الأضاحي يدل على أن غيرها يجزئ ولأن في حديث

البراء عن عبيد بن فيروز قال قلت: للبراء فإني أكره النقص من القرن والذنب قال: اكره لنفسك ما شئت ولا تضيق على الناس ولأن المقصود اللحم وهذا لا يؤثر فيه. ولنا ماروي عن علي رضي الله عنه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضحى بأعضب الأذن والقرن قال قتادة فسألت سعيد بن المسيب فقال نعم العضب النصف فأكثر من ذلك رواه النسائي وابن ماجة وعن علي رضي الله عنه قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والأذن رواه أبو داود والنسائي وهذا منطوق يقدم على المفهوم. (فصل) ولا تجزئ العمياء لأن النهي عن العوراء تنبيه على العمياء ولا تجزئ وإن لم يكن عماها بيناً لأن العمى يمنع مشيها مع الغنم ومشاركتها في العلف ولا تجزئ ما قطع منها عضو كالألية والأطباء

لأن ابن عباس رضي الله عنهما قال لا تجوز العجفاء ولا الجداء، قال أحمد رحمه الله هي التي قد يبس ضرعها، ولأنه أبلغ في الإخلال بالمقصود من ذهاب شحمة العين (فصل) وتكره المعيبة الأذن بخرق أو شق أو قطع لأقل من النصف لما روى علي رضي الله عنه قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والأذن ولا نضحي بمقابلة ولا مدابرة ولاشرقاء ولا خرقاء قال زهير قلت: لأبي اسحاق ما المقابلة؟ قال تقطع طرف الأذن قلت: فما المدابرة؟ قال تقطع من مؤخر الأذن قلت: فما الخرقاء؟ قال شق الأذن قلت: فما الشرقاء؟ قال تشق أذنها للسمة رواه أبو داود، وقال القاضي الخرقاء التي قد انثقبت أذنها والشرقاء التي تشق أذنها ويبقى كالشتاخين وهذا نهي تنزيه ويحصل الأجزاء بها لأن اشتراط السلامة من ذلك يشق ولا يكاد يوجد سالم

ولا يجزئ فيها العوراء البين عورها وهي التي انخسفت عينها ... الخ

من هذا كله. وذكر ابن أبي موسى في الإرشاد انها لاتجزئ لظاهر الحديث والجمهور على خلاف هذا للمشقة (مسألة) (وتجزئ الجماء والبتراء والخصي وقال ابن حامد لا تجزئ الجماء) تجزئ الجماء وهي التي لم يخلق لها قرن والصمعاء وهي الصغيرة الأذن والبتراء وهي التي لا ذنب لها سواء كان خلقه أو مقطوعاً ومن لا يرى بالبتراء بأساً ابن عمر وسعيد بن المسيب والحسن وسعيد ابن جبير والنخعي وكره الليث أن يضحى بالبتراء ما فوق القبضة، وقال ابن حامد لا تجرئ الجماء لأن ذهاب اكثر من نصف القرن يمنع فذهاب جميعه أولى ولأن ما منع منه العور منع منه العمى فكذلك ما منع منه العضب يمنع منه كونه أجم. ولنا أن هذا نقص لا ينقص اللحم ولم يخل بالقصود ولم يرد به نهي فوجب أن يجزئ، وفارق العضب فإنه قد نهى عنه وهو عيب فإنه ربما دمي وآلم الشاة فيكون كمرضها ويقبح منظرها بخلاف الأجم فإنه ليس بمرض ولاعيب وما كان كامل الخلقة فهو أفضل فإن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبش أقرن

كحيل وقال خير الاضحية الكبس الاقرن. (فصل) ويجزئ الخصي لأن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين موجوءين والوجأ رض الخصيتن وما قطعت خصيتاه أو سلتا في معناه، ولأن الخصي اذهاب عضو غير مستطاب يطيب اللحم بذهابه ويسمن قال الشعبي ما زاد في لحمه وشحمه أكثر مما ذهب منه، وبهذا قال الحسن وعطاء والشعبي والنخعي ومالك والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه خلافاً (فصل: والسنة نحر الإبل قائمة معقولة يدها اليسرى فيطعنها بالحربة في الوهدة التي بين أصل العنق والصدر ويذبح البقر والغنم) السنة نحر الإبل كما ذكر وممن استحب ذلك مالك والشافعي وإسحاق وابن المنذر. وقال عطاء يستحب وهي باركة وجوز الثوري وأصحاب الرأي كلا الأمرين ولنا ما روى زياد بن جبير قال: رأيت ابن عمر أتى على رجل أناخ بدنته لينحرها فقال:

ابعثها قياماً مقيدة سنة محمد صلى الله عليه وسلم متفق عليه، وروى أبو داود بإسناده عن عبد الرحمن بن ساباط أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا ينحرون البدنة معقولة اليسرى قائمة على ما بقي من قوائمها، وفي قول الله تعالى (فإذا وجبت جنوبها) دليل على أنها تنحر قائمة وقيل في تفسير قوله تعالى (واذكروا اسم الله عليها صواف) أي قياماً وكيفما نحر اجزأه قال احمد وينحر الابل معقولة على ثلاث قوائم فان خشي عليها أن تنفر اناخها، ويذبح البقر والغنم قال الله تعالى (إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة) وروى أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين ذبحهما بيده، فإن ذبح ما ينحر أو نحرما يذبح جاز وأبيح لأنه لم يتجاوز محل الذبح، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ما أنهر الدم وذكر اسم عليه فكل " وقد روي عن أحمد أنه توقف في أكل البعير إذا ذبح والأول أولى لما ذكرنا. (مسألة) (ويقول عند ذلك بسم الله والله أكبر اللهم هذا منك ولك) يستحب توجيه الذبيحة إلى القبلة وإن يقول " بسم لله والله أكبر " قال إبن المنذر ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا ذبح يقول: بسم الله والله أكبر. وإن قال ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم مما زاد على ذلك فحسن فقد روى ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم ذبح يوم العيد كبشين ثم

وتجزئ الجماء والبتراء والخصي وقال ابن حامد لا تجزئ الجماء

قال حين وجههما (وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين * إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين * لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين) " بسم الله والله أكبر اللهم منك ولك عن محمد وأمته " رواه أبو داود، فان اقتصر على التسمية أو وجه الذبيحة إلى غير القبلة ترك الأفضل وأجزأه هذا قول القاسم والنخعي والثوري والشافعي وابن المنذر، وكره ابن عمر وابن سيرين الأكل من الذبيحة إذا وجهت إلى غير القبلة، والصحيح أنه غير واجب لأنه لم يقم عليه دليل. (فصل) إذا قال اللهم تقبل مني ومن فلان بعد قوله اللهم هذا منك ولك فحسن وهو قول الأكثرين، وقال أبو حنيفة يكره أن يذكر اسم غير الله لقول الله تعالى (وما أهل به لغير الله) ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " اللهم تقبل من محمد وآل محمد وأمة محمد صلى الله عليه وسلم " رواه مسلم وهذا نص لا يعرج على خلافه وليس عليه أن يقول عمن فان النية تجزئ بغير خلاف

والسنة نحر الإبل قائمة معقولة يدها اليسرى فيعطبها بالحربة في الوهدة التي بين أصل العنق والصدر ويذبح البقر والغنم

(مسألة) (ولا يستحب أن يذبحها إلا مسلم، وإن ذبحها بيده كان أفضل، فان لم يفعل استحب أن يشهدها) يستحب أن لا يذبح الأضحية إلا مسلم لأنها قربة فلا يليها غير أهل القربة، فإن استناب ذمياً في ذبحها أجزأت مع الكراهة وهو قول الشافعي وأبي ثور وابن المنذر، وعن أحمد لا يجوز أن يذبحها إلا مسلم وهو قول مالك، وممن كره ذلك علي وابن عباس وجابر رضي الله عنهم، وبه قال الحسن وابن سيرين، قال جابر لا يذبح النسك إلا مسلم لأن في حديث ابن عباس الطويل عن النبي صلى الله عليه وسلم " ولا يذبح ضحاياكم إلا طاهر " ولأن الشحوم تحرم علينا مما يذبحونه على رواية فيكون ذلك بمنزلة إتلافه، وحكى ابن أبي موسى رواية ثالثة أنه إن كان بعيراً لم ينحر وإلا أجزأ في أصح الروايتين (ووجه الأولى) أنه من جاز له ذبح غير الأضحية جاز له ذبح الأضحية كالمسلم، ويجوز أن يتولى الكافر ماكان قربة للمسلم كبناء المساجد والقناطر ولا نسلم تحريم الشحوم علينا بذبحهم والحديث محمول على الاستحباب والأولى أن يذبحها المسلم ليخرج من الخلاف، وذبحها بيده أفضل لأن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين

ويقول عند ذلك بسم الله والله أكبر اللهم هذا منك ولك

أقرنين أملحين ذبحهما بيده وسمى ووضع رجله على صفاحهما ونحر البدنات الست بيده (1) التي ساقها في حجته ثلاثاً وستين بدنة بيده ولان فعله قربة وتولي القربة بنفسه أولى من الاستنابة فيها والاستنابة جائزة فإن النبي صلى الله عليه وسلم استناب من نحر ما بقي من بدنة (2) وهذا لا خلاف فيه، وإن لم يذبحها بيده استحب أن يحضر ذبحها لأن في حديث ابن عباس الطويل " واحضروها إذا ذبحتم فإنه يغفر لكم عند أول قطرة من دمها " وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة " أحضري أضحيتك يغفر لك بأول قطرة من دمها " (مسألة) (ووقت الذبح يوم العيد بعد الصلاة أو قدرها إلى آخر يومين من أيام التشريق) الكلام في وقت الذبح في ثلاثة أشياء أوله وآخره وعموم وقته أو خصوصه، أما أوله فظاهر كلامه ههنا إذا دخل وقت صلاة العيد ومضى قدر الصلاة التامة فقد دخل وقت الذبح ولا يعتبر نفس الصلاة لافرق في هذا بين أهل الأمصار والقرى ممن يصلي العيد وغيرهم وهذا قول الخرقي إلا أنه

ولا يستحب أن يذبحها إلا مسلم، وإن ذبحها بيده كان أفضل، فإن لم يفعل استحب أن يشهدها

قال مقدار الصلاة والخطبة وهذا مذهب الشافعي وابن المنذر لأنها عبادة يتعلق آخرها بالوقت فتعلق أولها به كالصيام، وظاهر كلام أحمد أنه من شرط جواز التضحية في حق أهل المصر صلاة الإمام وخطبته وعلى قياس قوله كل موضع يصلى فيه العيد روي نحو هذا عن الحسن والاوزاعي ومالك وأبي حنيفة واسحاق لما روى جندب بن عبد الله البجلي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من ذبح قبل أن يصلي فليعد مكانها أخرى " وعن البراء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من صلى صلاتنا ونسك نسكنا فقد أصاب النسك، ومن ذبح قبل أن يصلي فليعد مكانها أخرى " متفق عليه، وظاهر هذا اعتبار نفس الصلاة، فإن ذبح بعد الصلاة وقبل الخطبة أجزأ لأن النبي صلى الله عليه وسلم علق المنع على فعل الصلاة فلا يتعلق بغيره، ولأن الخطبة غير واجبة فلا تكون شرطاً وهذا قول الثوري وهو الصحيح إن شاء الله تعالى لموافقة ظاهر الحديث، فأما غير أهل الأمصار والقرى فأول الوقت في حقهم قدر الصلاة والخطبة بعد حل الصلاة في قول الخرقي، وظاهر ما ذكره شيخنا في كتاب المقنع أن أول الوقت في حقهم قدر الصلاة بعد حل الصلاة لانه لاصلاة في حقهم تعتبر فوجب الاعتبار بقدرها، وقال

ووقت الذبح يوم العيد بعد الصلاة أو قدرها إلى آخر يومين من أيام التشريق

عطاء وقتها إذا طلعت الشمس، وقال أبو حنيفة أول وقتها في حقهم إذا طلع الفجر الثاني لأنه من يوم النحر فكان وقتاً لها كسائر اليوم ولنا أنها عبادة وقتها في حق أهل المصر بعد اشراق الشمس فلا يتقدم وقتها في حق غيرهم كصلاة العيد وما ذكروه يبطل بأهل المصر فإن لم يصل الإمام في المصر لم يجز الذبح حتى تزول الشمس عند من اعتبر نفس الصلاة لأنها حينئذ تسقط فكأنه قد صلى وسواء ترك الصلاة عمداً أو خطأ لعذر أو لغير عذر، فأما الذبح في اليوم الثاني والثالث فيجوز في أول النهار لأن الصلاة فيه غير واجبة، ولأن الوقت قد دخل في اليوم الأول وهذا من أثنائه فلم يعتبر فيه صلاة ولا غيرها، فإن صلى الإمام في المصلى واستخلف من صلى في المسجد فمتى صلى في أحد الموضعين جاز الذبح لوجود الصلاة التي يسقط بها الفرض عن سائر الناس ولا يستحب أن يذبح قبل الإمام فإن فعل أجزأه، وقال ابن أبي موسى لا تجزئه ويروى عن مالك والصحيح أنها تجزئ لما ذكرنا من الأحاديث

(فصل) والثاني في آخر وقت الذبح وآخره آخر اليوم الثاني من أيام التشريق فتكون أيام النحر ثلاثة: يوم النحر ويومان بعده وهذ قول عمر وعلي وابن عمر وابن عباس وأبي هريرة وأنس رضي الله عنهم، قال أحمد أيام النحر ثلاثة عن غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي رواية قال خمسة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يذكر أنساً وإليه ذهب مالك والثوري وأبو حنيفة، وروي عن علي رضي الله عنه آخره آخر أيام التشريق، وبه قال عطاء والحسن والشافعي لأنه روي عن جبير ابن مطعم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أيام منى كلها منحر " ولأنها أيام تكبير وإفطار فكانت محلاً للنحر كالأوليين، وقال ابن سيرين لا يجوز إلا في يوم النحر خاصة لأنها وظيفة عيد فاختصت بيوم العيد كالصلاة واداء الفطرة يوم الفطر، وقال سعيد بن جبير وجابر بن زيد كقول ابن سيرين في أهل الأمصار وكقولنا في أهل منى، وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن وعطاء بن يسار تجوز التضحية إلى هلال المحرم لما روى أبو أمامة سهل بن حنيف رضي الله عنه قال: كان الرجل من المسلمين يشتري

أضحيته فيسمنها حتى يكون آخر ذي الحجة فيضحي بها. رواه الإمام أحمد بإسناده وقال هذا حديث عجيب وقال أيام الأضحى التي أجمع عليها ثلاثة أيام ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث ولا يجوز الذبح في وقت لا يجوز ادخار الأضحية إليه، ولأن اليوم الرابع لا يجب الرمي فيه فلم تجز التضحية فيه كاليوم الذي بعده، ولأنه قول من سمينا من الصحابة ولا مخالف لهم إلا رواية عن علي، وقد روي عنه مثل مذهبنا وحديثهم إنما هو " ومنى كلها منحر " وليس فيه ذكر الأيام والتكبير أعم من الذبح، وكذلك الافطار بدليل أو يوم النحر (مسألة) (ولا يجزي في ليلتيهما في قول الخرقي وقال غيره يجزئ) اختلفت الرواية عن أحمد في الذبح في ليلتي يومي التشريق فعنه لا يجزئ نص عليه أحمد رضي الله عنه في رواية الأثرم وهو قول مالك لقول الله تعالى (ليذكروا اسم الله في أيام معدودات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام) ولأنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الذبح بالليل، ولأنه ليل يوم يجوز الذبح فيه فأشبه ليلة يوم النحر، ولأن الليل يتعذر فيه تفرقة اللحم في الغالب ولا يفرق طريا فيفوت بعض المقصود ولهذا قالوا يكره الذبح فيه، فعلى هذا إن ذبح ليلا لم يجزئه عن الواجب، وإن

ولا يجزئ في ليلتيهما في قول الخرقي وقال غيره يجزئ

كانت تطوعاً فذبحها ليلا كانت شاة لحم ولم تكن أضحية فإن فرقها حصلت القربة بتفريقها لا بذبحها، وروى عن أحمد أن الذبح يجوز ليلا اختاره أصحابنا المتأخرون، وبه قال الشافعي واسحاق وأبو حنيفة وأصحابه لأن الليل زمن يصح فيه الرمي فأشبه النهار، ولأن الليل داخل في مدة الذبح فجاز الذبح فيه كالأيام (مسألة) (فإن فات الوقت ذبح الواجب قضاء وسقط التطوع) إذا فات وقت الذبح ذبح الواجب قضاء وصنع به مايصنع بالمذبوح في وقته لأن حكم القضاء حكم الأداء، فأما التطوع فهو مخير فيه، فإن فرق لحمها كانت القربة بذلك دون الذبح لأنها شاة لحم وليست أضحبة، وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة يسلمها إلى الفقراء ولا يذبحها فإن ذبحها فرق لحمها وعليه أرش ما نقصها الذبح لأن الذبح قد سقط بفوات وقته كالوقوف والرمي ولنا أن الذبح أحد مقصودي الأضحية فلم يسقط بفوات وقته كتفرقه اللحم، ولأنه لو ذبحها

فإن فات الوقت ذبح الواجب قضاء وسقط التطوع

في الوقت ثم خرج قبل تفرقتها فرقها بعد ذلك، وبهذا فارق الوقوف والرمي ولأن الأضحية لا تسقط بفواتها بخلاف ذلك، فإن ضلت الأضحية التي وجبت بإيجابه لها أو سرقت بغير تفريط منه فلا ضمان عليه لأنها أمانة في يده فإن عادت بعد الوقت ذبحها على ما ذكرناه (فصل) فإن ذبحها قبل وقتها لم تجزه وعليه بدلها إن كانت واجبة بنذر أو تعيين لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من ذبح قبل أن يصلي فليعد مكانها أخرى " ولأنها نسيكة واجبة ذبحها قبل وقتها فلزمه بدلها كالهدي إذا ذبحه قبل محله، ويجب أن يكون بدلها مثلها أو خيراً منها لأنه أتلفها، فإن كانت غير واجبة فهي شاة لحم ولا بدل عليه إلا أن يشاء لأنه قصد التطوع فأفسده فلم يجب عليه بدله كما لو خرج بصدقة تطوع فدفعها إلى غير مستحقها فعلى هذا يحمل الحديث على الندب أو على مااذا كانت واجبة والشاة المذبوحة شاة لحم كما وصفها النبي صلى الله عليه وسلم ومعناه يصنع بها ما شاء كشاة ذبحها للحمها لا لغير ذلك لأنها إن كانت واجبة فقد لزمه ابدالها وذبح ما يقوم مقامها فخرجت هذه عن كونها واجبة كالهدي الواجب إذا عطب دون محله، وإن كانت تطوعاً فقد أخرجها بذبحه إياها عن القربة فبقيت مجرد شاة

ويتعين الهدي بقوله هذا هدي أو تقليده أو اشعاره مع النية، والأضحية بقوله هذه أضحية ولو نوى حال الشراء لم تتعين بذلك

لحم ويحتمل أن يكون حكمها حكم الأضحية كالهدي إذا عطب لا يخرج عن حكم الهدي على رواية ويكون معنى قوله شاة لحم يعني أنها تفارقها في فضلها وثوابها خاصة دون مايصنع بها (مسألة) (ويتعين الهدي بقوله هذا هدي أو تقليده أو اشعاره مع النية، والأضحية بقوله هذه أضحية ولو نوى حال الشراء لم تتعين بذلك) يتعين الهدي بقوله هذا هدي أو تقليده أو اشعاره مع النية وبهذا قال الثوري واسحاق لأن الفعل مع النية يقوم مقام اللفظ إذا كان الفعل يدل على المقصود كمن بنى مسجداً وأذن في الصلاة فيه، وكذلك الأضحية تتعين بقوله هذه أضحية فتصير واجبة بذلك كما يعتق العبد بقول سيده هذا حر ولا يتعين بالنية هذا مقصود الشافعي، وقال مالك وأبو حنيفة إذا اشتراها بنية الأضحية صارت أضحية لأنه مأمور بشراء أضحية، فإذا اشتراها بالنية وقعت عنه كالوكيل قال صاحب المحرر وهو ظاهر كلام أحمد رحمه الله فيما نقله عن الحسن بن ثواب وأبو الحرث كما يتعين الهدي بالاشعار

ولنا أنه إزالة ملك على وجه القربة فلم تؤثر فيه النية المقارنة للشراء كالعتق والوقف، ويفارق البيع فإنه لا يمكنه جعله لموكله بعد إيقاعه وههنا بعد الشراء يمكنه جعلها أضحية (فصل) فإن عينها وهي ناقصة نقصاً يمنع الأجزاء وجب عليه ذبحها كما لو نذر ذبحها، ولأن إيجابها كنذر هدي من غير بهيمة الأنعام يلزمه الوفاء به ولا يجزئه عن الأضحية الشرعية لقول النبي صلى الله عليه وسلم " أربع لا تجوز في الأضاحي " الحديث، ولكنه يذبحها ويثاب على ما يتصدق به منها كما يثاب على الصدقة بما لا يصلح أن يكون هديا وكما لو أعتق عن كفارته عبداً لا يجزئ في الكفارة إلا أنه ههنا لا يلزمه بدلها لأن الأضحية في الأصل غير واجبة ولم يوجد منه ما يوجبها، فإن زال عيبها المانع من الأجزاء كبرء المريضة والعرجاء وزوال الهزال فقال القاضي تجزئ في قياس المذهب، وقال أصحاب الشافعي لا تجزئ لأن الاعتبار بحال إيجابها، ولأن الزيادة فيها كانت للمساكين كما أنها لو نقصت بعد إيجابها كان عليهم ولا يمنع كونها أضحية ولنا أنها أضحية يجزئ مثلها فاجزأت كما لو لم يوجبها إلا بعد زوال عيبها (مسألة) (وإذا تعيبت لم يجز بيعها ولا هبتها إلا أن يبدلها بخير منها، وقال أبو الخطاب لا يجوز أيضاً)

وإذا تعيبت لم يجز بيعها ولا هبتها إلا أن يبدلها بخير منها، وقال أبو الخطاب لا يجوز أيضا

إذا تعينت لم يجز بيعها ولا هبتها، وقال القاضي يجوز أن يبيعها ويشتري خيراً منها نص عليه أحمد وهو قول عطاء ومجاهد وأبي حنيفة لأن النبي صلى الله عليه وسلم ساق في حجته مائة بدنة، وقدم عليا من اليمن فأشركه في بدنة رواه مسلم، والاشتراك نوع من البيع أو الهبة، ولأنه يجوز ابدالها بخير منها والابدال نوع من البيع ولنا انه قد تعين ذبحها فلم يجز بيعها كما لو نذر ذبحها بعينها ولأنه جعلها لله فلم يجز بيعها كالوقف وإنما جاز إبدالها بجنسها لأنه لم يزل الحق فيها عن جنسها وإنما انتقل إلى خير منها فكان في المعنى ضم زيادة إليها وقد جاز إبدال المصحف ولم يجز بيعه، وأما الحديث فيحتمل أنه أشرك علياً فيها قبل إيجابها، ويحتمل أن اشراكه فيها بمعنى أن علياً جاء ببدن فاشتركا في الجميع فكان بمعنى الابدال لا بمعنى البيع (1) ويجوز أن تكون الشركة في ثوابها وأجرها، فأما إبدالها بخير منها فقد نص أحمد على جوازه وهو اختيار الخرقي، وبه قال عطاء ومجاهد وعكرمة وأبو حنيفة ومالك ومحمد بن الحسن واختار أبو الخطاب أنه لا يجوز لأن أحمد نص في الهدي إذا عطب أنه يجزئ عنه، وفي الأضحية إذا

هلكت وذبحها فسرقت لا بدل عليه، ولو كان ملكه ما زال عنها لزمه بدلها في هذه المسائل ولما ذكرنا في عدم جواز بيعها وهذا مذهب ابي يوسف والشافعي وأبي ثور ولأنه زال ملكه عنها لله تعالى فلم يجز أبدالها كالوقف. ولنا ما ذكرنا من حديث علي رضي الله عنه وقد تأولناه على معنى الابدال، ويتعين حمله عليه لاتفاقنا على تحريم بيعها وهبتها، ولأنه عدل عن العين إلى خير منها من جنسها فجاز كما لو أخرج عن بنت لبون حقة في الزكاة، ولأن النذور محمولة على أصولها في الفروض وفي الفروض يجوز إخراج البدل في الزكاة فكذلك في النذور، وقوله قد زال ملكه ممنوع بل تعلق بها حق الله تعالى مع بقاء ملكه عليها بدليل أنه لو غير الواجب في ذمته فعطب أو تعيب كان له استرجاعه ولو زال ملكه عنه لم يعد إليه كالوقف والفرق بين الإبدال والبيع أن الإبدال لا يزيل الحق المتعلق بها من جنسها والبدل قائم مقامها فكأنها لم تزل في المعنى، وقوله إلا أن يبدلها بخير منها يدل على أنه لا يجوز بدونها لأنه تفويت جزء منها فلم يجز كإتلافه وهذا لا خلاف فيه ويدل على أنه لا يجوز إبدالها بمثلها لعدم الفائدة فيه، وقال القاضي في إبدالها احتمالان (أحدهما) لا يجوز ذلك (والثاني) يجوز لأنه لا ينقص

وله ركوبها عند الحاجة ما لم يضر بها

مما وجب عليه شئ، ولنا أنه يعتبر ما وجب عليه لغير فائدة فلم يجز كإبدالها بدونها (فصل) وإذا عينها ثم مات وعليه دين لم يجز بيعها فيه سواء كان له وفاء أو لم يكن، وبه قال أبو ثور ويشبه مذهب الشافعي، وقال الأوزاعي تباع إذا لم يكن لدينه وفاء إلا منها، وقال مالك إن تشاجر الورثة فيها باعوها ولنا أنه تعين ذبحها فلم تبع في دينه كما لو كان حياً، إذا ثبت هذا فإن ورثته يقومون مقامه في الاكل والصدقة والهدية لأنهم يقومون مقام موروثهم فيما له وعليه (مسألة) (وله ركوبها عند الحاجة ما لم يضر بها) قال أحمد رحمه الله لا يركبها إلا عند الضرورة وهو قول الشافعي وابن المنذر وأصحاب الرأي لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " اركبها بالمعروف إذا ألجئت إليها حتى تجد ظهراً " رواه أبو داود، ولأنه تعلق بها حق المساكين فلم يجز ركوبها من غير ضرورة كملكهم وإنما جوزناه عند الضرورة للحديث فإن نقصها الركوب ضمن النقص لأنه تعلق بها حق غيره فأما ركوبها مع عدم الحاجة ففيه روايتان (إحداهما) لا يجوز لما ذكرنا (والثانية) يجوز لما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يسوق بدنة فقال " أركبها " فقال يارسول الله إنها بدنة، فقال " اركبها ويلك " في الثانية أو في الثالثة متفق عليه

وإن ولدت ذبح ولدها معها ولا يشرب من لبنها إلا ما فضل عن ولدها

(مسألة) (وإن ولدت ذبح ولدها معها ولا يشرب من لبنها إلا ما فضل عن ولدها) إذا عين أضحية فولدت فحكم ولدها حكمها سواء كان حملاً حال التعيين أو حدث بعده، وبهذا قال الشافعي وعن أبي حنيفة لا يذبحه ويدفعه إلى المساكين حياً، فإن ذبحه دفعه إليهم مذبوحاً وارش ما نقصه الذبح لأنه من نمائها فيلزمه دفعه إليهم على صفته كصوفها وشعرها. ولنا أن استحقاق ولدها حكم ثبت للولد بطريق السراية من الام فثبت له ما ثبت لها كولد أم الولد والمدبرة، إذا ثبت هذا فإنه يذبحه كما ذبحها لانه صار أضحية على وجه التبع لامه، ولا يجوز ذبحه قبل وقت ذبح أمه ولا تأخيره عن آخر الوقت كأمة، وقد روي عن علي رضي الله عنه أن رجلاً سأله فقال يا أمير المؤمنين: إني اشتريت هذه البقرة لأضحي بها وإنها وضعت هذا العجل، فقال علي لا تحلبها إلا ما فضل عن تيسير ولدها، فإذا كان يوم الأضحى فاذبحها وولدها عن سبعة رواه سعيد والاثرم (فصل) وولد الهدية بمنزلتها أيضا كولد الأضحية إن أمكن سوقه وإلا حمله على ظهرها وسقاه من لبنها فان لم يمكنه سوقه ولا حمله صنع به ما يصنع بالهدي إذا عطب ولا فرق في ذلك بين ما عينه ابتداء، وبين ما عينه عن الواجب في ذمته، وقال القاضي في المعين بدلا عن الواجب يحتمل أن لا يتبعها

ولدها لأن ما في الذمة واحد فلا يلزمه اثنان والصحيح أنه يتبع أمه في الوجوب فإنه ولد هدي واجب فتبعه كالمعين ابتداء، ولما ذكر من حديث علي فإن تعيبت المعينة عن واجب في الذمة وقلنا يذبحها ذبح ولدها معها لأنه تبع لها، وإن قلنا يبطل تعيينها وترد إلى مالكها احتمل أن يبطل التعيين في ولدها تبعاً كما ثبت تبعاً قياساً على نمائها المتصل بها، واحتمل أن لا يبطل ويكون للفقراء لأنه تبعها في الوجوب حال اتصاله بها ولم يتبعها في زواله لأنه صار منفصلا عنها فهو كولد المبيع المعيب إذا ولد عند المشتري ثم رده لا يبطل البيع في ولدها، والمدبرة إذا قتلت سيدها قبطل تدبيرها لا يبطل في ولدها وحكم الأضحية المعينة عما في الذمة إذا تعينت وولدت كذلك على قياس الهدية لأنها في معناها (فصل) ولا يشرب من لبنها إلا الفاضل عن ولدها، فإن لم يفضل عنه شئ أو كان الحلب يضر بها وينقص لحمها لم يكن له أخذه وإلا فله أخذه والانتفاع به، وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا يحلبها ويرش على الضرع الماء حتى ينقطع اللبن فإن احتلبها تصدق به لأن اللبن متولد من الأضحية الواجبة فلم يجز للمضحي الانتفاع به كالولد، ولنا قول علي رضي الله عنه لا يحلبها إلا فضلاً عن تيسير

وله أن يجز صوفها ووبرها إذا كان أنفع لها

ولدها، ولأنه انتفاع لا يضر بها ولا بولدها فأشبه الركوب ويفارق الولد فإنه يمكن إيصاله إلى محله، أما اللبن فإن حلبه وتركه فسد، وإن لم يحلبه تعقد الضرع وأضربها فجوز له شربه وإن تصدق به كان أفضل لأن فيه خروجاً من الخلاف، وإن احتلب ما يضر بها أو بولدها لم يجز له وعليه الصدقة به وإن شربه ضمنه لأنه تعدى بأخذه وهكذا الحكم في الهدية، فإن قيل فصوفها وشعرها إذا جزه تصدق به ولم ينتفع به فلم جوزتم له الانتفاع باللبن قلنا الفرق بينهما من وجهين (أحدهما) ان لبنها يتولد من غذائها وعلفها وهو القائم فبه فجاز صرفه إليه كما أن المرتهن إذا علف الرهن كان له أن يركب ويحلب وليس له أنى أخذ الصوف ولا الشعر (الثاني) أن الصوف والشعر ينتفع به على الدوام فجرى مجرى جلدها واجزائها واللبن يشرب ويؤخذ شيئاً فشيئاً فجرى مجرى منافعها وركوبها، ولأن اللبن يتجدد كل يوم والصوف والشعر عين موجودة دائمة في جميع احوال (مسألة) وله أن يجز صوفها ووبرها إذا كان أنفع لها مثل أن تكون في زمن تخف بجزه وتسمن ويتصدق هبه، وإن لا يضر بها لقرب مدة الذبح أو كان بقاؤه أنفع لها لكونه يقيها الحر والبرد

وله أن ينتفع بجلدها وجلها ولا يبيعه ولا شيئا منها

لم يجز له حزه كما لا يجوز أخذ بعض أعضائها (مسألة) (ولا يعطى الجازر بأجرته شيئاً منها) وبه قال مالك والشافعي وأصحاب الرأي ورخص الحسن وعبد الله بن عبيد بن عمير في اعطائه الجلد. ولنا ما روى علي بضي الله عنه قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقوم على بدنه وأن أقسم جلودها وجلالها وأن لا أعطي الجازر منها شيئاً وقال " نحن نعطيه من عندنا " متفق عليه، ولأن ما يدفعه إلى الجزار عوض عن عمله وجزارته ولا تجوز المعاوضة بشئ منها، فأما إن دفع إليه صدقة أو هبة فلا بأس لأنه مستحق للاخذ فهو كغيره، بل هو أولى لانه باشرها وتاقت نفسه إليها (مسألة) (وله أن ينتفه بجلدها وجلها ولا يبيعه ولا شيئاً منها) لا خلاف في جواز الانتفاع بجلودها وجلالها لأن الجلد جزء منها فجاز للمضحي الانتفاع به كاللحم كان علقمة ومسروق يد بغان جلد أضحيتهما ويصليان عليه، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت رسول الله قد كانوا ينتفعون من ضحاياهم يحملون منها الودك ويتخذون منها الاسقية، قال " وما

وإن ذبحها ذابح في وقتها بغير إذنه أجزأت ولا ضمان على ذابحها

ذاك " قالت نهيت عن إمساك لحوم الأضاحي بعد ثلاث، فقال " انها نهيتكم للدافة التي دفت فكلا وتزودوا وتصدقوا " حديث صحيح ولأنه انتفاع به فجاز كلحمها (فصل) ولا يجوز بيع شئ من الأضحية واجبة كانت أو تطوعاً لأنها تعينت بالذبح، قال أحمد لا يبيعها ولا يبيع شيئاً منها وقال سبحان الله كيف يبيعها وقد جعلها لله تبارك وتعالى. قال الميموني قالوا لأبي عبد الله فجلد الأضحية نعطيه السلاخ؟ قال لا وحكى قول النبي صلى الله عليه وسلم " لا تعط في جزارتها شيئاً منها " ثم قال اسناد جيد، وبه قال الشافعي وروي عن أبي هريرة، ورخص الحسن والنخعي في الجلد أن يبيعه ويشتري به الغربال والمنخل وآلة البيت، وروي نحو ذلك عن الاوزاعي لأنه ينتفع به هو وغيره فجرى مجرى تفريق لحمها، وقال أبو حنيفة يبيع ما شاء منها ويتصدق بثمنه، وروي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه يبيع الجلد ويتصدق بثمنه وحكاء ابن المنذر عن أحمد وإسحاق. ولنا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقسم جلودها وجلالها وأن لا يعطى الجازر شيئا منها وفيه دليل على وجوب الصدقة بالجلال وعلى تسويتها بالجلود، ولانه جعله الله تعالى فلم يجز بيعه وكالوقف وما ذكروه في شراء آلة

وإن تلفها أجنبي ضمنها بقيمتها

البيت يبطل باللحم لا يجوز بيعه لشراء الآلة وإن كان ينتفع به (مسألة) (فإن ذبحها فسرقت فلا شئ عليه) لأنها أمانة في يده، فإذا تلفت بغير تفريطه لم يضمنها كالوديعة (مسألة) (وإن ذبحها ذابح في وقتها بغير إذنه أجزأت ولا ضمان على ذابحها) وبهذا قال أبو حنيفة وقال مالك هي شاة لحم لمالكها ارشها وعليه بدلها لأن الذبح عبادة، فإذا فعلها غير صاحبها عنه بغير إذنه لم تقع الموقع كالزكاة، وقال الشافعي تجزئ وله على ذابحها ارش مابين قيمتها صحيحة ومذبوحة لأن الذبح أحد مقصودي الهدي، فإذا فعله فاعل بغير إذن المضحي ضمنه كتفرقة اللحم. ولنا على مالك أنه فعل لا يفتقر إلى النية فإذا فعله غير الصاحب أجزأ عنه كغسل ثوبه من النجاسة، وعلى الشاعفي أنها أضحية أجزأت عن صاحبها ووقعت موقعها فلم يضمن ذابحها كما لو كان بإذن، ولأنه إراقة دم تعينت ارقاته لحق الله تعالى فلم يضمن مريقة كقاتل المرتد بغير إذن الإمام، ولأن الأرش لو وجب فإنما يجب ما بين كونها مستحقة الذبح في هذه الأيام متعينة له وما بينها مذبوحة ولا قيمة لهذه الحياة ولا تفاوت بين القيمتين فتعذر وجود الأرش ووجوبه، ولأنه لو وجب الأرش لم يخل إما أن يجب للمضحي أو للفقراء لا جائز أن يجب للفقراء لأنهم انما يستحقونها مذبوحة، ولو دفعها إليهم في الحياة لم يجز، ولا جائز أن يجب له لأنه بدل شئ منها فلم يجز أن يأخذه كبدل عضو من أعضائها، ولأنهم وافقونا في أن الارض لا يدفع إليه فتعذر إيجابة لعدم مستحقه (فصل) وإن اشترى أضحية فلم يوجبها حتى علم بها عيباً فإن شاء ردها، وإن شاء أخذ أرشها ثم إن كان عيبها يمنع الأجزاء لم يكن له التضحية بها وإن لم يمنع فله ذلك والارض له فإن أوجبها ثم

علم أنها معيبة فذكر القاضي أنه مخير بين ردها وأخذ أرشها فإن أخذ أرشها فحكمه حكم الزائد عن قيمة الأضحية على ما نذكره، ويحتمل أن يكون الأرش له لأن الإيجاب إنما صادفها بدون الذي أخذ أرشه فلم يتعلق الإيجاب بالأرش ولا بمبدله فاشبه مالو تصدق بها ثم أخذ أرشها، وعلى قول أبي الخطاب: لا يملك ردها لأنه قد زال ملكه عنها بإيجابها فأشبه ما لو اشترى عبداً معيباً فأعتقه ثم علم عيبه وهذا مذهب الشافعي فعلى هذا يتعين أخذ الأرش، وفي كون الأرش للمشتري ووجوبه في التضحية وجهان ثم ينظر فإن كان عيبها لا يمنع أجزاءها فقد صح إيجابها والتضحية بها، وإن كان يمنع أجزاءها فحكمه حكم ما لو أوجبها عالما بعيبها على ما ذكرناه (مسألة) (وإن أتلفها أجنبي ضمنها بقيمتها، ان أتلفها صاحبها ضمنها بأكثر الأمرين من قيمتها أو مثلها فإن ضمنها بمثلها وأخرج فضل القيمة جاز ويشتري به شاة أو سبع بدنة فإن لم يبلغ اشترى به لحماً فتصدق به أو يتصدق بالفضل) إذا أتلف الأضحية الواجبة صاحبها فعليه قيمتها لأنها من المتقومات، وتعتبر القيمة يوم أتلفها فإن غلت الغنم بعد ذلك فصار مثله خيراً من قيمتها فقال أبو الخطاب يلزمه مثله لأنها أكثر الأمرين ولأنه يتعلق بها حق الله تعالى في ذبحها فوجب عليه مثلها ليوفي بحق الله تعالى بخلاف الأجنبي وهذا مذهب الشافعي. وظاهر قول القاضي أنه لا يلزمه إلا القيمة يوم الإتلاف وهو قول أبي حنيفة لأنه إتلاف أوجب القيمة فلم يجب به أكثر من القيمة يوم الإتلاف كما لو أتلفها أجنبي وكسائر المضمونات فإن رخصت الغنم فزادت قيمتها على مثلها مثل ان كانت قيمتها عند إتلافها عشرة فصارت قيمة مثلها

وإن عطب الهدي في الطريق نحره في موضعه وصبغ نعله التي في عنقه في دمه وضرب بها صفحة سنامه ليعرفه الفقراء فيأخذوه ولا يأكل منه هو ولا أحد من أهل رفقته

خمسة فعليه عشرة وجهاً واحدا فإن شاء اشترى بها أضحية واحدة تساوي عشرة، وإن شاء اشترى اثنتين فإن اشترى واحدة وفضل من العشرة مالا يجئ به أضحية اشترى به شركاً في بدنة فإن لم يتسع لذلك أو لم تمكنه المشاركة فيه وجهان (أحدهما) يشتري لحماً ويتصدق به لأن الذبح وتفرقه اللحم مقصودان فإن تعذر أحدهما وجب الآخر (والثاني) يتصدق بالفضل لأنه إذا لم يحصل له التقرب بالاراقة كان اللحم وثمنه سواء، وإن أتلفها أجنبي فعليه قيمتها يوم تلفها وجهاً واحداً ويلزمه دفعها إلى صاحبها فإن زاد على ثمن مثلها فحكمه حكم ما لو أتلفها صاحبها وان لم تبلغ القيمة ثمن أضحية فالحكم فيه على ما مضى فيما إذا زاد على ثمن الأضحية في حج المضحي (مسألة) (فإن تلفت بغير تدريطه أو سرقت أو ضلت فلا شئ عليه لأنها أمانة في يده فلم يضمنها إذا لم يفرط كالوديعة) (مسألة) (وإن عطب الهدي في الطريق نحره في موضعه وصبغ نعله التي في عنقه في دمه وضرب بها صفحة سنامه ليعرفه الفقراء فيأخذوه ولا يأكل منه هو ولا أحد من أهل رفقته) وجملة ذلك أن من تطوع بهدي غير واجب لم يخل من حالين (أحدهما) أن ينويه هدياً ولا يوجبه بلسانه ولا تقليده واشعاره فهذا لا يلزمه امضاؤه وله أولاده ونماؤه والرجوع فيه متى شاء ما لم يذبحه لأنه نوى الصدقة بشئ من ماله أشبه مالو نوى الصدقة بدرهم (الثاني) أن يوجبه بلسانه أو يقلده ويشعره مع النية فيصير واجباً معيناً يتعلق الوجوب بعينه دون ذمة صاحبه ويكون في يد صاحبه كالوديعة يلزمه حفظه وإيصاله إلى محله فإن تلف بغير تفريطه منه أو سرق أو ضل فلا ضمان عليه

كالوديعة لأن الحق إنما تعلق بالعين فسقط بتلفها، وقد روى الدارقطني بإسناده عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " من أهدى تطوعاً ثم ضلت فليس عليه البدل " إلا أن يشاء فإن كان نذراً فعليه البدل فأما إن أتلفها أو تلفت بتفريطه فعليه ضمانه لأنه أتلف واجباً لغيره فضمنه كالوديعة وإن خاف عطبه أو عجزه عن المشي وصحبه الرفاق نحره موضعه وخلى بينه وبين المساكين ولم يبح له أكل شئ منه ولا لأحد من صحابته وإن كانوا فقراء، ويستحب له أن يصبغ نعل الهدي المقلد في عنقه ثم يضرب بها صفحته ليعرفه الفقراء فيعلموا أنه هدي فيأخذوه، وبهذا قال الشافعي وسعيد بن جبير وروي عن ابن عمر أنه أكل من هديه الذي عطب ولم يقض مكانه، وقال مالك: يباح لرفتقه ولسائر الناس غير صاحبه أو سائقه ولا يأمر أحداً يأكل منه فإن أكل أو أمر من أكل أو ادخر شيئاً من لحمه ضمنه لما روي هشام بن عروة عن أبيه عن ناجية بن كعب صاحب بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال يا رسول الله كيف أصنع بما عطب من الهدي. قال " انحره ثم اغمس قلائده في دمه ثم اضرب بها صفحة عنقه ثم خل بينه وبين الناس " فيدخل في عموم قوله " خل بينه وبين الناس " رفقته وغيرهم ولنا ماروى ابن عباس رضي الله عنه أن ذؤيباً أبا قبيصة حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبعث معه بالبدن ثم يقول " إن عطب منها شئ فخشيت عليها فانحرها ثم اغمس نعلها في دمها ثم اضرب به صفحتها ولا تطعمها أنت ولا أحد من أهل رفتك " رواه مسلم، وفي لفظ " ويخليها والناس ولا يطعم منها هو ولا أحد من أصحابه " رواه الإمام أحمد وهذا صحيح متضمن للزيادة ومعنى خاص فيجب تقديمه على عموم ما خالفه ولا يصح قياس رفقته على غيرهم لأن الإنسان يشفق على رفقته

وإن تعيبت ذبحها وأجزأته إلا أن تكون واجبة في ذمته قبل التعيين كالفدية والمنذور في الذمة فعليه بدلها

ويجب التوسعة عليهم وربما وسع عليهم من مؤنته وإنما منع السائق ورفقته من الاكل منها ليلا يقصر في حفظها فيعطيها ليأكل هو ورفقته منها فتلحقه التهمة في عطبها لنفسه ورفقته فحرموها لذلك. فإن أكل منها أو باع أو أطعم غنياً أو رفقته ضمنه بمثله لحما، وإن أتلفها أو تلفت بتفريطه أو خاف عطبها فلم ينحرها حتى هلكت فعليه ضمانها يوصله إلى فقراء الحرم لأنه لا يتعذر عليه ايصال الضمان إليهم بخلاف العاطب، وإن أطعم منها فقيراً أو أمره بالأكل منها فلا ضمان عليه لأنه أوصله إلى مستحقه فأشبه ما لو فعل ذلك بعد بلوغ الهدي محله، وإن تعيب ذبحه وأجزأه. وقال أبو حنيفة لا يجزيه، ولنا أنه لو عطب لم يلزمه شئ فالعيب أولى لأنه أقل وكما لو حدث به العيب حال اضجاعه فإنه قد سلمه، وإن تعيب بفعل آدمي فعليه ما نقصه من القيمة يتصدق به، وقال أبو حنيفة يباع جميعه ويشترى بالجمع هدي وبنى ذلك على أنه لا يجزئ وقد بينا أنه يجزئ (مسألة) (وإن تعيبت ذبحها وأجزأته إلا أن تكون واجبة في ذمته قبل التعيين كالفدية والمنذور في الذمة فعليه بدلها) إذا أوجب أضحية سليمة ثم حدث بها عيب بمنع الأجزاء ذبحها وأجزأته روي هذا عن عطاء والحسن والنخعي والزهري والثوري ومالك والشافعي واسحاق وقال أصحاب الرأي لا تجزئ لأن الأضحية عندهم واجبة فلا يبرأ منها إلا بإراقة دمها سليمة كما لو أوجبها في ذمته ثم عينها فعابت ولناما روى أبو سعيد رضي الله عنه قال: ابتعنا كبشاً نضحي به فأصاب الذئب من اليته فسألنا النبي صلى الله عليه وسلم فأمرنا أن نضحي به رواه ابن ماجه، ولأنه عيب حدث في الأضحية الواجبة فلم

بمنع الأجزاء كما لو حدث بها عيب بمعالجة الذبح ولا نسلم أنها واجبة في الذمة وإنما تعلق الوجوب بعينها فأما إن تعيبت بفعله فعليه بدلها، وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة إذا عالج ذبحها فقلعت السكين عينها أجزأت استحساناً، ولنا أنه عيب أحدثه قبل ذبحه فلم يجزئه كما لو كان قبل معالجة الذبح (فصل) والواجب في الذمة من الهدي قسمان (أحدهما) وجب بالنذر في ذمته (والثاني) وجب بغيره كهدي المتعة والقرآن والدماء الواجبة في النسك بترك واجب أو فعل محظور فمتى عين عما في ذمته شيئاً فقال هذا الواجب علي فإنه يتعين الوجوب فيه من غير أي أن تبرأ الذمة لأنه لو أوجب هديا ولا هدي عليه لتعين فكذلك إذا كان اجبا فعينه الا أن مضمون عليه فإن عطب أو سرق أو نحو ذلك لم يجزئه وعاد الوجوب إلى ذمته كما لو كان لرجل عليه دين فاشترى به مكيلاً فتلف قبل قبضه انفسخ البيع وعاد الدين إلى ذمته، ولأن ذمته لم تبرأ من الواجب بتعيينه وإنما تعلق الوجوب بمحل آخر فصار الدين يضمنه ضامن أو يرهن به رهناً فإنه يتعلق الحق بالضامن والرهن مع بقائه في ذمة الدين فمتى تعذر استيفاؤه من الضامن أو تلف الرهن بقي الحق في الذمة بحاله فأما إن ساق الهدي ينوي به الواجب الذي في ذمته ولم يعينه بالقول فهذا لا يزول ملكه عنه إلا بذبحه ودفعه إلى أهله وله التصرف فيه بما شاء من بيع وهبة وأكل وغير ذلك لأنه لم يتعلق به حق لغيره وله نماؤه وإن عطب تلف من ماله وإن تعيب لم يجزئه ذبحه وعليه الهدي الذي كان واجباً ولا يبرأ إلا بإيصاله إلى مستحقه بمنزلة من عليه دين فحمل إلى مستحقه يقصد دفعة إليه فتلف قبل أن يوصله إليه ومتى عينه بالقول تعين فإن ذبحه فسرق أو عطب فلا شئ عليه قال أحمد رحمه الله إذا نحر فلم يطعمه حتى سرق

لا شئ عليه، فإنه إذا نحر فقد فرغ وبهذا قال الثوري وابن القاسم صاحب مالك وأصحاب الرأي. وقال الشافعي: عليه الإعادة لأنه لم يوصل الحق إلى مستحقه فأشبه ما لو لم يذحبه. ولنا أنه أدى الواجب عليه فبرئ منه كما لو فرقه، ودليل أنه أدى الواجب أنه لم يبق إلا التفرقة وليست واجبة لأنه لو خلي بينه وبين الفقراء أجزأه ولذلك لما نحر النبي صلى الله عليه وسلم البدنات قال " من شاء اقتطع " وإذا عطب هذا المعين أو تعيب عيباً يمنع الأجزاء لم يجزئه ذبحه عما في الذمة لأن عليه هديا سليماً ولم يوجد وكذلك إذا عين عن الأضحية التي في الذمة شاة فهلكت أو تعيبت بما يمنع الأجزاء لم تجزئ لأن ذمته لم تبرأ إلا بذبح شاة سليمة كما لو نذر عتق رقبة أو كان عليه عتق رقبة في كفارة فاشتراها سليمة ثم عابت عنده لم تجزئه عما في ذمته بخلاف ما لو نذر عتق عبد معين فعاب فإنه يجزئ عنه (مسألة) (وهل له استرجاع هذا العاطب والمعيب؟ على روايتين) (إحداهما) له استرجاعه إلى ملكه فيصنع به ما شاء. هذا ظاهر كلام الخرقي ورواه ابن المنذر عن أحمد والشافعي واسحاق وأبي ثور وأصحاب الرأي ونحوه عن عطالانه إنما عينه عما في ذمته فإذا لم يقع عنه عاد إلى صاحبه كمن أخرج زكاته فبان أنها غير واجبة. وقال مالك: يأكل ويطعم من أحب من الأغنياء والفقراء ولا يبيع منه شيئاً. ولنا ما روى سعيد باسناد عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: إذا اهديت هديا واجباً فعطب فانحره ثم كله إن شئت واهده إن شئت وبعه إن شئت. ويقوم به في هدي آخر ولأنه متى كان له أن يأكل ويطعم الاغنياء كان له بيعه لأنه ملكه (والثانية) لا يرجع المعين إلى ملكه لأنه قد تعلق به حق الفقراء بتعيينه فلزم ذبحه كما لو عينه بنذره ابتداء (فصل) فإن عين معيباً عما في ذمته لم يجزه ويلزمه ذبحه على قياس قوله في الأضحية إذا عينها معيبة لزمه ذبحها ولم يجزه، وإن عين صحيحاً فهلك أو تعيبت بغير تفريطه لم يلزمه أكثر مما كان واجباً في الذمة لأن الزائد لم يجب في الذمة، وإنما تعلق بالعين فسقط بتلفها كأصل الهدي إذا لم يجب بغير التعيين، وإذا أتلفه أو تلف بتفريطه لزمه مثل المعين إن كان زائدا عما في الذمة لان الزائد تعلق به حق الله تعالى فإذا فوته لزمه كاهدي المعين ابتداء

وهل له استرجاع هذا العاطب والمعيب؟ على روايتين

(مسألة) (وكذلك إن ضلت فذبح بدلها ثم وجدها) إذا ضل المعين فذبح غيره ثم وجده أو عين غير الضال بدلاً عما في الذمة ثم وجد الضال ذبحهما معاً. روى ذلك عن عمر وابنه وابن عباس وبه قال مالك والشافعي وإسحاق لما روي عن عائشة رضي الله عنها انها أهدت هديين فأضلتهما فبعث إليها ابن الزبير بهديين فنحرتهما ثم عاد الضالان فنحرتهما وقالت: هذه سنة الهدي. رواه الدار قطبي، وهذا ينصرف إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأنه تعلق حق الله تعالى بهما بإيجابهما أو ذبح أحدهما وإيجاب الآخر، ويتخرج أن يرجع إلى ملكه أحدهما بناء على المسألة التي قبلها فيما إذا عين عما في الذمة شاة فعطبت أو تعينت أنها ترجع إلى ملكه لأنه قد ذبح عما في الذمة فلم يلزمه شئ آخر كما لو عطب المعين وهذا قول أصحاب الرأي (فصل) إذا غصب شاة فذبحها عما في ذمته لم يجزه وإن رضي مالكها وسواء عوضه عنها أو لم يعوضه وقال أبو حنيفة يجزيه إن رضي مالكها. ولنا أن هذا لم يكن قربة في ابتدائه فلم يصر قربة في أثنائه كما لو ذبحها للأكل ثم نوى بها التقرب وكما لو أعتق عبداً ثم نواه عن كفارته (فصل) لا يبرأ من الهدي إلا بذبحه أو نحره لأن النبي صلى الله عليه وسلم نحر هديه فإن نحره بنفسه أو وكل من نحره أجزأه وكذلك إن نحره إنسان بغير إذنه في وقته وفيه اختلاف ذكرناه، وإن دفعه إلى الفقراء سليماً فنحروه أجزأ عنهم لأنه حصل المقصود بفعلهم فأجزأه كما لو ذبحه غيرهم وإن لم ينحروه فعليه أن يسترده منهم وينحره فان لم يفعل أو لم يقدر فعليه ضمانه لأنه فوته بتفريطه في دفعه إليهم سليماً (فصل) ويباح للفقراء الاخد من الهدي إذا لم يدفعه إليهم باحذ شيئين (أحدهما) الأذن فيه لفظاً كما قال النبي صلى الله عليه وسلم " من شاء اقتطع " (والثاني) دلالة الحال على الأذن كالتخلية بينهم وبينه، وقال الشافعي في أحد قوليه: لا يباح إلا باللفظ. ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " اصبغ نعلها في دمها واضرب به صفحتها " دليل على أن ذلك وشبهه كاف من غير لفظ ولولا ذلك لم يكن هذا مفيداً (فصل) قال رحمه الله: سوق الهدي مسنون لا يجب إلا بالنذر لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله فساق

وكذلك إن صلت فذبح بدلها ثم وجدها

في حجته مائة بدنة وكان يبعث بهديه وهو بالمدينة وليس بواجب لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر به والأصل عدم الوجوب فإن نذره وجب لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من نذر أن يطيع الله فليطعه " ولأنه نذر طاعة فوجب الوفاء به كنذور الطاعات (1) (مسألة) (ويستحب أن يقفه بعرفة ويجمع بين الحل والحرام ولا يجب ذلك) روي استحباب ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما، وبه قال الشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي وكان ابن عمر لا يرى الهدي إلا ما عرف به ونحوه عن سعيد بن جبير. وقال مالك: أحب للقارن يسوق هديه من حيث يحرم فإن ابتاعه من درن ذلك مما يلي مكة بعد أن يقفه بعرفة جاز، وقال في هدي المجامع إن لم يكن ساقه فليشتره من مكة ثم ليخرجه إلى الحل وليسقه إلى مكة. ولنا أن المراد من الهدي نحره ونفع المساكين بلحمه وهذا لا يقف على شئ مما ذكوره ولم يرد بما قالوه دليل يوجبه فبقي على أصله (مسألة) ويسن إشعار البدن وهو أن يشق صفحة سنامها حتى يسيل الدم ويقلدها ويقلد الغنم النعل وآذان القرب والعري) يسن تقليد الإبل والبقر وإشعارها وهو أن يشق صفحة سنامها الإيمن حتى يدميها في قول أهل العلم وقال أبو حنيفة هذا مثله غير جائز لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن تعذيب الحيوان ولأنه إيلام فهو كقطع عضو منه، وقال مالك: إن كانت البقرة ذا ت سنام فلا بأس بإشعارها وإلا فلا لونا ما روت عائشة رضي الله عنها قالت: فتلت قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أشعرها وقلدها. متفق عليه، وفعله الصحابة فيجب تقديمه على عموم ما احتجوا به ولأنه إيلام لغرض صحيح فجاز كالكي والوسم والحجامة وفائدته أن لا تختلط بغيرها وأن يتوقاها اللص ولا يحصل ذلك بالتقليد بمفرده لأنه يحتمل أن ينحل ويذهب وقياسهم ينتقض بالكي وبشعر البقرة لانها من البدن فتشعر كذات السنام. أما الغنم فلا يسن اشعارها لأنها ضعيفة وصوفها وشعرها يستر موضع إشعارها. إذا ثبت هذا فالسنة الاشعار في صفحتها اليمنى، وبهذا قال الشافعي وأبو ثور وقال مالك وأبو يوسف بل

يشعرها في صفحتها اليسرى، وعن أحمد مثله لأن ابن عمر فعله. ولنا ما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بذي الحليفة ثم دعا ببدنة وأشعرها من صفحة سنامها الإيمن وسلت الدم عنها بيده. رواه مسلم. وأما ابن عمر فقد روي عنه كمذهبنا رواه البخاري ثم فعل النبي صلى الله عليه وسلم أولى من فعل ابن عمر بغير خلاف ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعجبه التيمن في شأنه كله وإذا ساق الهدي من قبل الميقات استحب اشعاره وتقليده من الميقات لحديث ابن عباس: وإن كانت غنماً استحب أن يقلدها نعلاً أو آذان القرب أو علافة إداوة أو عروة، وقال مالك وأبو حنيفة لا يسن تقليد الغنم لأنه لو كان سنة لنقل كما نقل في الابل. ولنا ما روى أن عائشة رضي الله عنها قالت: كنت أفتل القلائد للنبي صلى الله عليه وسلم رواه البخاري ولأنه إذا سن تقليد الإبل مع أنه يمكن تعريفها بالإشعار فالغنم أولى وإن ترك التقليد والاشعار فلا شئ عليه لأنه غير واجب (مسألة) (وإذا نذر هديا مطلقاً فأقل ما يجزئه شاة أو سبع بدنة أو بقرة لأن المطلق في النذور يحمل على المعهود الشرعي، والهدي الواجب في الشرع إنما هو من النعم وأقله ما ذكرناه فحمل عليه ولهذا لما قال الله تعالى في المتعة (فما استيسر من الهدي) حمل على ما قلنا فإن اختار إخراج بدنة كاملة فهو أفضل وهل تكون كلها واجبة على وجهين ذكرناهما في باب الفدية) (مسألة) (ومن نذر بدنة أجزأته بقرة) قد ذكرنا ذلك في باب الفدية (مسألة) (فإن عين بنذره أجزأه ماعينه صغيرا كان أو كبيراً من الحيوان وغيره وعليه إيصاله إلى فقراء الحرم إلا أن يعينه بموضع سواه) إذا عين الهدي بشئ لزمه ماعينه وأجزأه سواء كان من بهيمة الأنعام أو من غيرها وسواء كان حيواناً أو غيره مما ينقل أو مما لا ينقل فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من راح يعني إلى الجمعة في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة " فذكر الدجاجة والبيضة في الهدي وعليه إيصا له إلى فقراء الحرم لأنه سماه هديا وأطلق فيحمل على محل الهدي المشروع

ويستحب أن يقفه بعرفة ويجمع بين الحل والحرم ولا يجب ذلك

وقد قال سبحانه (ثم محلها إلى البيت العتيق) فإن كان مما ينقل كالعقار باعه وبعث ثمنه إلى الحرم فتصدق به فيه وكذلك إذا نذر هدياً مطلقاً أو معيناً وأطلق مكانه وجب عليه إيصاله إلى فقراء الحرم وجوز أبو حنيفة ذبحه حيث شاء كما لو نذر الصدقة بشاة. ولنا قوله تعالى (ثم محلها إلى البيت العتيق) ولأن النذر يحمل على المعهود شرعاً والمعهود في الهدي الواجب بالشرع كهدي المتعة وشبهه إن ذبحه يكون في الحرم كذا ههنا فإن عين نذره بموضع غير الحرم لزم ذبحه فيه ويفرق لحمه على مساكينه أو اطلاقه لهم لما روي أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني نذرت إن أنحر ببوانة. قال " أبها صنم؟ " قال لا. قال " أوف بنذرك " رواه أبو داود فإن نذر الذبح بموضع فيه صنم أو شئ من الكفر أو المعاصي كبيوت النار والكنائس والبيع وأشباه ذلك (1) لم يصح نذره لعموم هذا الحديث ولأنه نذر معصية فلا يوف به لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا نذر في معصية الله " ولقوله عليه السلام " من نذر أن يعصي الله فلا يعصه " (مسألة) (ويستحب أن يأكل من هديه ولا يأكل من واجب إلا من دم المتعة والقرآن) يستحب أن يأكل من هديه وسواء في ذلك ما أوجبه بالتعيين من غير أن يكون واجباً في ذمته وما نحره تطوعاً من غير أن يوجبه لقول الله تعالى (فكلوا منها) وأقل أحوال الأمر الاستحباب، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أكل من بدنه، وقال جابر: كنا لا نأكل من بدننا فوق ثلاث فرخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " كلوا وتزودوا " فأكلنا وتزودنا رواه البخاري. والمستحب أن يأكل اليسير كما روى جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فاكلام منها وحسياً من مرقها ولأنه نسك فاستحب الأكل منه كالأضحية وله التزود والأكل كثيراً كما جاء في حديث جابر وتجزئه الصدقة باليسير منها كما في الأضحية فإن أكلها كلها ضمن المشروع للصدقة منها كما في الأضحية، وقال ابن عقيل: حكمه في الأكل والتفريق حكم الأضحية، وحديث جابر في أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمر من كل جزور ببضعة يدل على خلاف قوله ولأن الهدي يكثر بخلاف الأضحية. وإن

لم يأكل فحسن فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما نحر البدنات الخمس قال " من شاء اقتطع " وظاهره أنه لم يأكل منهن شيئاً، وقال بعض أهل العلم يجب الأكل منها لظاهر الأمر. ولنا الحديث المذكور ولأنها ذبيحة يتقرب إلى الله تعالى بها فلم يجب الأكل منها كالعقيقة (مسألة) (ولا يأكل من واجب إلا دم المتعة والقرآن دون ما سواهما) نص عليه أحمد لأن سببهما غير محظور فأشبها هدي التطوع، وهذا قول أصحاب الرأي، وعن أحمد أنه يحرم الأكل من النذور وجزاء الصيد ويأكل مما سواهما وهو قول ابن عمر وعطاء والحسن واسحق لأن جزاء الصيد بدل والنذر جعله لله تعالى بخلاف غيرهما وقال ابن أبي موسى: لا يأكل أيضاً من الكفارة ويأكل مما سوى الثلاثة ونحوه مذهب مالك، لأن ما سوى الثلاثة لم يسمه للمساكين ولا مدخل للإطعام فيه فاشبه التطوع وقال الشافعي لا يأكل من واجب لأنه هدي وجب بالإحرام فلم يجز الأكل منه كدم الكفارة ولنا أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم تمتعن معه في حجة الوداع وأدخلت عائشة الحج على العمرة فصارت قارنة ثم ذبح عنهن النبي صلى الله عليه وسلم البقر فأكلن من لحومها، قال أحمد قد أكل من البقر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة. وقالت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من لم يكن معه هدي إذا طاف بالبيت أن يحل فدخل علينا يوم النحر بلحم بقر فقلت ما هذا؟ فقيل ذبح النبي صلى الله عليه وسلم عن أزواجه. وقال ابن عمر تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج فساق الهدي من ذي الحليفة. متفق عليه، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فأكل هو وعلي من لحمها وشربا من مرقها رواه مسلم. ولأنهما دما نسك أشبها التطوع ولا يجوز الأكل من غيرهما لأنه وجب بفعل محظور أشبه جزاء الصيد (فصل) فإن أكل مما منع من أكله ضمنه بمثله لحماً لأن الجميع مضمون عليه بمثله حيواناً فكذلك ابعاضه، وكذلك إن أعطى الجازر منها شيئاً ضمنه بمثله فإن أطعم غنياً منها على سبيل الهدية جاز كما

فإن عين بنذره أجزأه ما عينه صغيرا كان أو كبيرا من الحيوان وغيره وعليه إيصاله إلى فقراء الحرم إلا أن يعينه بموضع سواه

يجوز له ذلك في الاضحة لان ماملك أكله ملك هديته، وإن باع شيئاً منها أو أتلفه ضمنه بمثله لأنه ممنوع من ذلك عطيته للجازر، وإن أتلف أجنبي منه شيئا ضمنه بقيمته لأنه من غير ذوات الأمثال فضمنه بقيمته كما لو أتلف لحماً لآدمي معين (فصل) قال رحمه الله (والأضحية سنة مؤكدة لا تجب إلا بالنذر) أكثر أهل العلم يرون الأضحية سنة مؤكدة غير واجبة. روى ذلك عن ابي بكر وعمر وابن مسعود رضي الله عنهم، وبه قال سويد بن غفلة وسعيد بن المسيب وعلقمة والاسود وعطاء والشافعي واسحاق وأبو ثور وابن المنذر، وقال ربيعة ومالك والثوري والليث والاوزاعي وأبو حنيفة هي واجبة لما روى أبو هريرة رضي الله عنه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من كان له سبعة ولم يصح فلا يقربن مصلانا " وعن محنف بن سليم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " يا أيها الناس أن على كل أهل بيت في كل عام أضحاة وعتيرة " ولنا ماروى الدار قطبي بإسناده عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " ثلاث كتبن علي وهن لكم تطوع " وفي رواية " الوتر والنحر وركعتا الفجر " ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من أراد أن يضحي فدخل العشر فلا يأخذ من شعره لوا بشرته شيئاً " رواه مسلم. علقه على الإرادة والواجب لا يعلق على الإرادة، ولأنها ذبيحة لم يجب تفريق لحمها فلم تكن واجبة كالعقيقة، وحديثهم قد ضعفه أصحاب الحديث ثم نحمله على الاستحباب كما قال " غسل الجمعة واجب على كل محتلم " وقال: " من أكل من هاتين الشجرتين فلا يقربن صملانا " وقد روي عن أحمد في اليتيم يضحي عنه وليه إذا كان موسراً، وقال أبو الخطاب وهذا يدل على أنها واجبة والصحيح أن هذا على وجه التوسعة عليه لا سبيل الإيجاب. فان نذرها وجبت لقول النبي صلى الله عليه وسلم من نذر أن يطيع الله فليطعه " وهذا نذر طاعة

ويستحب أن يأكل من هديه ولا يأكل من واجب إلا من دم المتعة والقران

(مسألة) (وذبحها أفضل من الصدقة بثمنها نص عليه) وبهذا قال ربيعة وأبو الزناد، وروي عن بلال أنه قال ما أبالي ألا أضحي إلا بديك ولأن أضعه في يتيم قد ترب فوه أحب إلي من أن أضحي، وبهذا قال الشعبي وأبو ثور وقالت عائشة لأن أتصدق بخاتمي هذا أحب إلي من أن أهدي إلي البيت ألفاً. ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى والخلفاء بعده، ولو علموا أن الصدقة أفضل لعدلوا إليها، وروت عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ما عمل ابن آدم يوم النحر عملاً أحب إلى الله من إراقة دم، وإنه ليؤتى يوم القيامة بقرونها وأظلافها وأشعارها، وإن الدم ليقع من الله عزوجل بمكان قبل أن يقع على الأرض فطيبوا بها نفساً " رواه ابن ماجه: ولأن إيثار الصدقة على الأضحية يفضي إلى ترك سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقول عائشة في الهدي لا في الاضحية (مسألة) ويستحب أن يأكل ثلثها، ويهدي ثلثها، ويتصدق بثلثها، وإن أكل أكثر جاز) قال أحمد نحن نذهب إلى حديث عبد الله يأكل هو الثلث، ويطعم من أراد الثلث، ويتصدق على المساكين بالثلث. قال علقمة بعث معي عبد الله بهديه فأمرني أن آمل ثلثها، وإن أرسل إلى أهل أخيه بثلث، وأن أتصدق بثلث. وعن ابن عمر قال: الضحايا والهدايا ثلث لك وثلث لأهلك وثلث للمساكين، وهذا قول إسحاق وأحد قولي الشافعي وقال في الآخر. يجعلها نصفين يأكل نصفها ويتصدق بنصف لقول الله تعالى (فكلا منها وأطعموا البائس الفقير) وقال أصحاب الرأي ما كثر من الصدقة فهو أفضل لأن النبي صلى الله عليه وسلم أهدى مائة بدنة، وأمر من كل بدنة ببضعة فجعلت لي قدر فأكل هو وعلي من لحمها وحسيا من مرقها، ونحر خمس بدنات أو ست بدنات وقال " من شاء اقتطع " ولم يأكل منهن شيئاً. ولنا ما روى ابن عباس في صفة أضحية النبي صلى الله عليه وسلم قال: ويطعم أهل بيته الثلث، ويطعم فقراء جيرانه الثلث، ويتصدق على السؤال بالثلث رواه الحافظ أبو موسى في الوظائف وقال حديث حسن، ولأنه قول ابن مسعود وابن عمر ولم يعرف لهما مخالف في

ولا يأكل من واجب إلا دم المتعة والقرآن دون ما سواهما

الصحابة. ولأن الله تعالى قال فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر) والقانع السائل، يقال قنع قنوعاً إذا سأل، والمعتر الذي يعتريك أي بتعرض لك لتطعمه ولا يسأل فذكر ثلاثة أصناف فينبغي أن يقسم بينهم أثلاثاً، وأما الآية التي احتج بها أصحاب الشافعي فإن الله تعالى لم يبين قدر المأكول منها والمتصدق به وقد نبه عليه في آيتنا وفسره النبي صلى الله عليه وسلم بفعله وابن عمر بقوله، وأما خبر أصحاب الرأي فهو في الهدي، والهدي يكثر فلا يتمكن الإنسان من قسمه وأخذ ثلثه فيتعين الصدقة. والأمر في هذا واسع فلو تصدق بها كلها أو بأكثرها جاز، وإن أكلها كلها إلا أوقية تصدق بها أجزأ لأن الله تعالى أمر بالأكل والإطعام منها ولم يقيده بشئ فمتى أكل وأطعم فقد أتى بما أمر. وقال أصحاب الشافعي يجوز أكلها كلها. ولنا أن الله تعالى قال (فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير) وظاهر الأمر الوجوب، وقال بعض أهل العلم يجب الأكل منها ولا تجوز الصدقة بجميعها للأمر بالأكل. ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم نحر خمس بدنات وقال " من شاء فليقتطع " ولم يأكل منهن شيئاً، ولأنها ذبيحة يتقرب بها إلى الله تعالى فلم يجب الأكل منها كالعقيقة فيكون الأمر للاستحباب أو للاباحة كالامر بالأكل من الثمار والزروع والنظر إليها (فصل) ويجوز أن يطعم منها كافراً وبهذا قال الحسن وأبو ثور وأصحاب الرأي وكره مالك والليث إعطاء النصراني جلد الأضحية، وقال مالك غيرهم أحب إلينا. ولنا أنه طعام له أكله فجاز إطعامه الذمي كسائر طعامه، ولأنه صدقة تطوع فأشبه سائر صدقة التطوع، وأما الصدقة الا جبة منها فلا يجزئ دفعه إلى كافر لأنها واجبة فأشبهت الزكاة وكفارة اليمين (مسألة) (فإن أكلها كلها ضمن أقل ما يجزئ في الصدقة مها) لقول الله تعالى (فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير) والأمر يقتضي الوجوب، ولأن ما أبيح له أكله لا يلزمه غرامته، ويلزم غرم ما وجبت به الصدقة لأنه حق يجب عليه مع بقائه فلزمته غرامته إذا أتلفه كالوديعة ويضمنه بمثله لحماً لأن ما ضمن جميعه بحيوان ضمن بعضه بمثله وفيه قول آخر إنه يجب عليه ضمان ثلثها ذكره صاحب المحرر والأول أقيس وأصح

(فصل) وإذا نذر أضحية في ذمته ثم ذبحها فله أن يأكل منها، وقال القاضي من أصحابنا يمنع من الأكل منها وهو ظاهر كلام أحمد وبناه على الهدي المنذور. ولنا أن النذر محمول على المعهود والمعهود من الأضحية الشرعية ذبحها والأكل منها والنذر لا يغير من صفة المنذور إلا الإيجاب وفارق الهدي فإن الهدي الاجب بأصل الشرع لا يجوز الأكل منه فالمنذور محمول عليه (فصل) ويجوز ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث في قول عامة أهل العلم ولم يجزه علي وابن عمر رضي الله عنهما لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث. ولنا أن النبي قال " كنت نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث فامسكوا ما بدالكم " رواه مسلم، وروت عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إنما نهيتكم للدافة التي دفت فكلوا وتزودوا وتصدقوا وادخروا " قال أحمد رحمه الله فيه أسانيد صحاح، فأما علي وابن عمر فلم تبلغهما الرخصة وقد كانا سمعا النهي فروياه على ما سمعوه (فصل) ولا يضحي عما في البطن روى ذلك عن ابن عمر وبه قال الشافعي ولا نعلم فيه مخالفاً وليس للعبد والمدبر والمكاتب وأم الولد أن يضحوا إلا بإذن سادتهم لأنهم ممنوعون من التصرف بغير إذنهم والمكاتب ممنوع من التبرع والأضحية تبرع، فأما من نصفه حراذا ملك يجزئه الحر فله أن يضحي بغير إذن سيده لأن له التبرع بغير إذن (مسألة) (ومن أراد أن يضحي فدخل العشر فلا يأخذ من شعره ولا بشرته شيئاً حتى يضحي وهل ذلك حرام؟ على وجهين؟ لما روت ام سلمة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " إذا دخل العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئاً حتى يضحي " رواه مسلم، وفي رواية " ولا من بشرته " رواه مسلم ظاهر هذا التحريم وهو قول بعض أصحابنا، وحكاه ابن المنذر عن أحمد واسحاق وسعيد بن المسيب، وقال القاضي وجماعة من أصحابنا هو مكروه غير محرم، وبه قال مالك والشافعي

لقول عائشة: كنت أفتل قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يقلدها بيده ثم يبعث بها ولا يحرم عليه شئ أحله الله له حتى ينحر الهدي. متفق عليه، وقال أبو حنيفة لا يكره ذلك لأنه لا يحرم عليه الوطئ واللباس فلا يكره له حلق الشعر وتقليم الأظفار كما لو لم يرد أن يضحي. ولنا الحديث المذكور وظاهره التحريم وهذا يرد القياس وحديثهم عام وهذا خاص يجب تقديمه وتنزيل العام على ما عدا ما تناوله الحديث الخاص، ولأنه يجب حمل حديثهم على غير ما تناوله محل النزاع لوجوه (منها) أن أقل أحوال النهي الكراهة والنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن ليفعل مانهي عنه وإن كان مكروها قال الله تعالى إخبارا عن شعيب عليه السلام (وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنها كم عنه) (ومنها) أن عائشة إنما تعلم ظاهراً ما يباشرها به من المباشرة أو ما يفعله دائماً كاللباس والطيب، أما قص الشعر وتقليم الأظفار مما لا يفعله في الأيام إلا مرة فالظاهر أنها لم ترده بخبرها، فإن احتمل إرادته فهو احتمال بعيد وما كان هكذا فاحتمال تخصيصه قريب فيكفي فيه أدنى دليل وخبرنا دليل قوي فكان أولى بالتخصيص ولأن عائشة تخبر عن فعله وأم سلمة تخبر عن قوله والقول يقدم على الفعل لاحتمال أن يكون فعله خاصاً له، إذا ثبت هذا فإنه يترك قطع الشعر وتقليم الأظفار، فإن فعل استغفر الله ولا فدية عليه اجماعا ساء فعله عمداً أو ناسياً (فصل) قال ابن أبي موسى يستحب أن يحلق رأسه عقيب الذبح ولم يذكر له وجهاً والله أعلم ولعله لما كان ممنوعاً منه قبل الذبح استحب له ذلك كالمحرم (فصل) قال رضي الله عنه (والعقيقة سنة مؤكدة) العقيقة الذبيحة التي تذبح عن المولود، وقيل هي الطعام الذي يصنع ويدعى إليه من أجل المولود. قال أبو عبيد العقيقة الشعر الذي على المولود، وجمعها عقائق ثم إن العرب سمت الذبيحة عند حلق شعر المولود عقيقة على عادتهم في تسمية الشئ باسم سببه أو ما يجاوره ثم اشتهر ذلك حتى صار من الأسماء العرفية بحيث لا يفهم من العقيقة عند الإطلاق إلا الذبيحة، وقال ابن عبد البر: أنكر أحمد هذا التفسير وقال: إنما العقيقة الذبح نفسه، ووجهه أن أصل العق القطع، ومنه عق والدين إذا قطعهما، والذبح قطع الحلقوم والمرئ والودجين

وذبحها أفضل من الصدقة بثمنها نص عليه

والعقيقة سنة في قول عامة أهل العلم منهم ابن عباس وابن عمر وعائشة وفقهاء التابعين وأئمة الأمصار وقال أصحاب الرأي ليست سنة وهي من أمر الجاهلية لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن العقيقة فقل " أن الله لا يجب العقوق " فكأنه كره الاسم وقال " من ولد له مولود فأحب أن ينسك عنه فليفعل " رواه مالك في الموطأ وقال الحسن وداود هي واجبة وروي عن بريدة أن الناس يعرضون عليها كما يعرضون على الصلوات الخمس لما روى سلمة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " كل غلام رهينة بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه ويسمي ويحلق رأسه " وعن أبي هريرة مثله قال أحمد إسناده جيد، وروي حديث سمرة الاثرم وأبو داود، وعن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم عن الغلام بشاتين مكافئتين (1) وعن الجارية بشاة، وظاهر الأمر الوجوب ولنا على أنها مستحبة هذه الاحاديث، وعن أمر كرز الكعبة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " عن الغلام شاتان مكافأتان، وعن الجارية شاة " وفي لفظ " عن الغلام شاتان مثلان، وعن الجارية شاة " رواه أبو داود وقد دل على استحبابها الإجماع. قال أبو الزناد من أمر الناس كانوا يكرهون تركه، وقال أحمد رضي الله عنه العقيقة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قدعق عن الحسن والحسين وفعله أصحابه، وقال النبي صلى الله عليه وسلم " الغلام مرتهن بعقيقته " وهو إسناد جيد يرويه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ومن جعلها من أمر الجاهلية فهو لأن هذه الأخبار لم تبلغه، والدليل على عدم وجوبها ما احتج به أصحاب الرأي من الخبر، وما روي فيها من الأخبار محمولة على تأكيد الاستحباب جمعاً بين الأخبار فإنه أولى من التعارض ولأنها ذبيحة لسرور حادث فلم تكن واجبة كالوليمة (فصل) وهي أفضل من التصدق بقيمتها نص عليه أحمد قال: إذا لم يكن عنده ما يعق فاستقرض رجوت أن يخلف الله عليه أحيا سنة. قال أحمد احياء السنن واتباعها أفضل، وقد ورد فيها من تأكيد الأحاديث التي رويناها ما لم يرد في غيرها (مسألة) (عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة) يروي ذلك عن ابن عباس وعائشة وهو قول أكثر القائلين بها. منهم الشافعي وأبو ثور وكان ابن عمر يقول: شاة شاة عن الغلام والجارية، لما روي

ويستحب أن يأكل ثلثها، ويهدي ثلثها، ويتصدق بثلثها، وإن أكل أكثر جاز

أن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن شاة، وعن الحسين شاة. رواه أبو داود وكان الحسن وقتادة لا يريان عن الجارية عقيقة لأن العقيقة شكر للنعمة الحاصلة بالولد والجارية لا يحصل بها سرور فلا يشرع لها عقيقة. ولنا حديث عائشة وأم كرز وما رووه محمول على الجواز. إذا ثبت هذا فيستحب أن تكون الشاتان متماثلتين لقول النبي صلى الله عليه وسلم شاتان مكافأتان، وفي رواية مثلان قال أحمد يعني متقاربتين أو متساويتين لما جاء من الحديث فيه، ويجوز فيها الذكر والأنثى لأنه روي في حديث أم كرز أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " عن الغلام شاتان مكافئتان وعن الجارية شاة ولا بأس أن تكون ذكوراً أو إناثاً " رواه سعيد وابن داود والذكر أفضل لأن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن والحسين بكبش كبش وضحى بكبشين والعقيقة تجري مجرى الأضحية والأفضل في لونها البياض ويستحب استحسانها واستسمانها واستعظامها لما ذكرنا في الأضحية لأنها تشبهها فإن خالف ذلك أو عق بكبش واحد أجزأ لما روينا من حديث الحسن والحسين (مسألة) (وتذبح يوم سابعه ويحلق رأسه ويتصدق بوزنه ورقا فإن فات ففي أربعة عشر فإن فات ففي إحدى وعشرين) السنة أن تذبح العقيقة يوم السابع لما ذكرنا من حديث سمرة. قال شيخنا ولا نعلم خلافاً بين أهل العلم القائلين بمشروعيتها في استحباب ذبحها يوم السابع. يستحب أن يحلق رأس الصبي يوم السابع ويسمى لحديث سمرة وأن يتصدق بوزن شعره من الفضة لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة لما ولدت الحسن " احلقي رأسه وتصدقي وزن شعره فضة على المساكين والاوقاص " يعني أهل الصفة رواه الإمام أحمد، وروى سعيد في سننه عن محمد بن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن والحسين بكبش كبش وضحى بكبشين. والعقيقة تجري مجرى الأضحية والأفضل في لونها البياض، وأنه تصدق بوزن شعورهما ورقاً وأن فاطمة رضي الله عنها كانت إذا ولدت ولداً حلقت شعره وتصدقت بوزن شعره ورقا: وإن سماه قبل السابع فحسن لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ولد لي الليلة ولد فسميته باسم أبي إبراهيم " والغلام الذي جاء به أنس بن مالك فحنكه وسماه عبد الله. ويستحب أن يحسن اسمه لأنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " إنكم تدعون يوم القيامة

فإن أكلها كلها ضمن أقل ما يجزئ في الصدقة منها

بأسمائكم وأسماء آبائكم فاحسنوا أسماكم " رواه أبو داود وقال عليه الصلاة والسلام " أحب الأسماء إلى الله عبد الله والرحمن " رواه مسلم وهو حديث صحيح وروي عن سعيد بن المسيب أنه قال " أحب الأسماء إلى الله أسماء الأنبياء " وقال النبي صلى الله عليه وسلم " تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي " وفي رواية " لا تجمعوا بين اسمي وكنيتي " (فصل) فإن فات الذبح في السابع ففي أربع عشرة، فإن فات ففي إحدى وعشرين، وهذا قول إسحاق لأنه روي عن عائشة رضي الله عنها، والظاهر أنها لا تقوله إلا توفيقاً فإن ذبح قبل ذلك أو بعده أجزأ لحصول المقصود بذلك فإن تجاوز إحدى وعشرين احتمل أن يستحب في كل سابع فيجعله في ثمان وعشرين، فإن لم يكن ففي خمس وثلاثين، وعلى هذا قياساً على ما قبله، واحتمل أن يجوز في كل وقت لأن هذا قضاء فائت فلم يتوقف كقضاء الأضحية وغيرها فإن لم يعق أصلاً فبلغ الغلام وكسب فقد سئل أحمد عن هذه المسألة فقال ذلك على الوالد يعني لا يعق عن نففسه لأن السنة في حق غيره وقال عطاء والحسن يعق عن نفسه لأنه مشروعة عنه ولأنه مرتهن بها فينبغي أن يشرع له فكاك نفسه ولنا أنها مشروعة في حق الوالد فلا يفعلها غيره كالأجنبي وكصدقة الفطر (فصل) يكره أن يلطخ رأس الصبي بدم عن أحمد والزهري ومالك والشافعي وابن المنذر وحكي عن الحسن وقتادة أنه مستحب، وحكاه ابن أبي موسى قولا في المذهب لما روي في حديث سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " الغلام مرتهن بعقيقته يذبح عنه يوم السابع ويدمى " رواه همام عن قتادة عن الحسن عن سمرة قال ابن عبد البر لا أعلم أحداً قال هذا إلا الحسن وقتادة وأنكره سائر أهل العلم وكرهوه لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " مع الغلام العقيقة فهريقوا عنه دما وأميطوا عنه الأذى " رواه أبو داود وهذا يقتضي أن لا يمس بدم لأنه أذى، وروى زيد بن عبد المزني عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " يعق عن الغلام ولا يمس رأسه بدم " قال مهنا ذكرت هذا الحديث لأحمد فقال: ما أظرفه. رواه ابن ماجه ولم يقل عن أبيه، ولأن هذا تنجيس له فلا يشرع كلطخه بغيره من النجاسات، وقال بريدة كنا في الجاهلية إذا ولد لأحدنا غلام ذبح شاة ويلطخ رأسه بدمها، فلما جاء الإسلام كنا نذبح شاة

ونحلق رأسه ونلطخه بزعفران. رواه أبو داود فأما رواية من روى ويدمي فقال أبو داود ويسمى أصح هكذا قال سلام بن أبي مطيع عن قتادة واياس بن دغفل عن الحسن ووهم همام وقال: ويدمي قال أحمد قال فيه ابن أبي عروبة يسمى، وقال همام يدمى، وما اره الاخطأ وقبل هو تصحيف من الراوي (مسألة) (وينزعها أعضاء ولا يكسر عظمها وحكمها حكم الأضحية) يستحب أن يفصلها أعضاء ولا يكسر عظامها لما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت السنة شاتان مكافأتان عن الغلام وعن الجارية شاة يطبخ جدولاً لا يكسر عظم ويأكل ويطعم ويتصدق وذلك يوم السابع. قال أبو عبيد الهروي في العقيقة تطبخ جدولاً لا يسكر لها عظم أي عضواً عضواً وهو الجدل بالدال غير المعجمة والأرب والشلو والعضو والوصل كله واحد إنما فعل بها ذلك لأنها أول ذبيحة ذبحت عن الغلام فاستحب ذلك تفاؤلا بالسلامة كذلك قالت عائشة وروي أيضاً عن عطاء وابن جريج وبه قال الشافعي (فصل) وحكمها حكم الأضحية في سنها وما يجزئ منها، وما لا يجزئ، ويستحب فيها من الصفة ما يستحب فيها وكانت عائشة تنقول ائتوني به أعين أقرن. قال عطاء الذكر أحب إلي من الأنثى والضأن أحب إلينا من المعز، ويكره فيها ما يكره في الأضحية وهي: الشرقاء والخرقاء والمقابلة والمدابرة، ويستحب استشراف العين والأذن كما ذكرنا في الأضحية سواء لأنها تشبهها فتقاس عليها وحكمها في الأكل والهدية والصدقة حكم الأضحية، وبهذا قال الشافعي وقال ابن سيرين اصنع بلحمها كيف شئت، وقال ابن جريح تطبخ بماء وملح وتهدى في الجيران والصديق ولا يتصدق منها بشئ وسئل أحمد عنها فحكى قول ابن سيرين، وهذا يدل على أنه ذهب إليه وسئل هل يأكلها كلها؟ قال: ألم أقل يأكلها كلها ولا يتصدق منها بشئ؟ والاشبه قياسها على الأضحية لانها نسيكة مشروعة غير واجبة أشبهت الأضحية، ولأنها أشبهتها في صفتها وسنها وقدرها وشروطها فكذلك في مصرفها وإن طبخها ودعا من أكلها فحسن (فصل) قال أحمد رحمه الله: يباع الجلد والرأس والسقط ويتصدق به ونص في الأضحية على

خلاف هذا وهو أقيس في مذهبه لانها ذبيحة الله فلا يباع منها شئ كالهدي، ولأنه يمكن الصدقة به فلا جاجة إلى بيعه، وقال أبو الخطاب يحتمل أن ينقل حكم إحداهما إلى الأخرى فيخرج في المسئلتين روايتان، ويحتمل أن يفرق بينهما من حيث إن الأضحية ذبيحة شرعت يوم النحر فأشبهت الهدي، والعقيقة شرعت عند سرور حادث وتجدد نعمة أشبهت الذبح في الوليمة، ولأن الذبيحة ههنا لم تخرج عن ملكه فكان له أن يفعل بها ما شاء من بيع وغيره، والصدقة بثمن ما بيع منها بمنزلة الصدقة به في فضلها وثوابها وحصول النفع به فكان له ذلك (فصل) قال بعض أهل العلم: يستحب للوالد أن يؤذن في أذن ابنه حين يولد لما روى عبد الله ابن رافع عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن في أذن الحسن حين ولدته فاطمة، وعن عمر بن عبد العزيز أنه كان إذا ولد له مولود أخذه في خرقة فأذن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى وسماه وروينا أن رجلاً قال لرجل عند الحسن يهنيه بانب: ليهنك الفارس، فقال الحسن: وما يدرك أفارس هو أو حمار؟ فقال كيف نقول؟ قال قل؟ بورك لك في الموهوب؟ وشكرت الواهب؟ وبلغ أشده؟ ورزقت بره. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يحنك أولاد الأنصار بالتمر. وروى أنس رضي الله عنه قال: ذهب بعبد الله بن أبي طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ولد قال " هل معك تمر؟ " فناولته تمرات فلاكهن ثم فغرفاه ثم مجه طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ولد قال " هل معك تمر؟ " فناولته تمرات فلاكهن ثم فغرفاه ثم مجه فيه فجعل يتلمظ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " انظروا إلى حب الأنصار التمر " وسماه عبد الله (مسألة) (ولا تسن الفرعة وهي ذبح أول ولد الناقة ولا العتيرة وهي ذبيحة رجب) هذا قول علماء الأمصار سوى ابن سيرين فإنه كان يذبح العتيرة في رجب ويروي فيها شيئاً

ومن أراد أن يضحي فدخل العشر فلا يأخذ من شعره ولا بشرته شيئا حتى يضحي وهل ذلك حرام

والفرعة والفرع بفتح الراء أول ولد الناقة كانوا يذبحونه لآلهتهم في الجاهلية فنهوا عنها قال ذلك أبو عمرو الشيباني وقال أبو عبيد: العتيرة هي الرجبية كان أهل الجاهلية إذا طلب أحدهم أمراً نذر أن يذبح من غنمه شاة في رجب وهي العتائر، والصحيح إن شاء الله تعالى أنهم كانوا يذبحونها في رجب من غير نذر جعلوا ذلك سنة فيما بينهم كالأضحية في الأضحى وكان منهم من ينذرها كما قد ينذر الأضحية بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم " على كل أهل بيت أضحاة وعتيرة " وهذا الذي قاله النبي صلى الله عليه وسلم في بدء الإسلام تقريراً لما كان في الجاهلية وهو يقتضي ثبوتها بغير نذر ثم نسخ بعد، ولأن العتيرة لو كانت هي المنذورة لم تكن منسوخة فإن الإنسان لو نذر ذبح شاة في أي قت كان لزمه الوفاء بنذره وروي عن عائشة رضي الله عنها قالت: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفرعة من كل خمسين واحدة. قال إبن المنذر: هذا حديث ثابت. ولنا على أنها لا تسن ما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا فرع ولا عتيرة " متفق عليه. وهذا الحديث متأخر على الأمر بها فيكون ناسخا ودليل تأخر أمران (أحدهما) أن راويه أبو هريرة وهو متأخر الإسلام فإن إسلامه في سنة فتح خيبر وهي السنة السابعة من الهجرة (والثاني) أن الفرع والعتيرة كان فعلها أمراً متقدماً على الإسلام فالظاهر بقاؤهم عليه إلى حين نسخه واستمرار النسخ من غير رفع له، ولو قدرنا تقدم النهي عن الأمر بها لكانت قد نسخت ثم نسخ ناسخها، وهذا خلاف الظاهر، إذا ثبت هذا فإن المراد بالخبر نفي كونها سنة لا تحريم فعلها ولا كراهته فلو ذبح إنسان ذبيحة فقي رجب أو ذبح ولد الناقة لجاته إلى ذلك أو للصدقة به وإطعامه لم يكن ذلك مكروها والله تعالى أعلم (تم الجزء الثالث..)

بسم الله الرحمن الرحيم (وبه نستعين) كتاب البيع البيع مبادلة المال بالمال تمليكاً وتملكاً واشتقاقه من الباع لأن كل واحد من المتبايعين يمد باعه للأخذ والإعطاء، ويحتمل أن كل واحد منهما كان يبايع صاحبه أي يصافحه عند البيع ولذلك سمي البيع صفقة والأصل في جوازه الكتاب والسنة والإجماع. أما الكتاب فقوله سبحانه وتعالى (وأحل الله البيع) وقوله تعالى (وأشهدوا إذا تبايعتم) وقوله (إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) وقوله (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم) قال ابن عباس رضي الله عنهما كانت عكاظ ومجنة وذو المجاز أسواقاً في الجاهلية فلما كان الإسلام تأثموا فيه فأنزلت (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم) يعني في مواسم الحج، وعن ابن الزبير نحوه رواه البخاري، وأما السنة فقول النبي صلى الله عليه وسلم

_ ليعلم أن كتاب البيع في الشرح الكبير متأخر عن موضعه هنا فقدمناه لاجل موافقته للمغني للاستفادة من الكتابين قراءة ومراجعة

كتاب البيع

" البيعان بالخيار ما لم يتفرقا " متفق عليه، وروى رفاعة أنه خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المصلى فرأى الناس يتبايعون فقال " يا معشر التجار " فاستجابوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ورفعوا أعناقهم وأبصارهم إليه فقال " إن التجار يبعثون يوم القيامة فجارا إلا من بر وصدق " قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح في أحاديث كثيرة سوى هذه، وأجمع المسلمون على جواز البيع في الجملة والحكمة تقتضيه لأن حاجة الإنسان تتعلق بما في يد صاحبه ولا يبذله صاحبه بغير عوض ففي تجويز البيع طريق إلى وصول كل واحد منهما إلى غرضه ودفع حاجته (مسألة) (وله صورتان (إحداهما) الإيجاب والقبول. فالإيجاب أن يقول البائع بعتك أو ملكتك أو نحوهما، والقبول أن يقول المشتري ابتعت أو قبلت أو ما في معناهما فإن تقدم القبول الإيجاب جاز في إحدى الروايتين) إذا تقدم القبول الإيجاب بلفظ الماضي كقوله ابتعت منك فقال بعتك صح في أصح الروايتين لأن لفظ القبول والإيجاب وجد منهما على وجه تحصل منه الدلالة على تراضيهما فيصح كما لو تقدم الإيجاب (والثانية) لا يصح لأنه عقد معاوضة فلم يصح مع تقدم القبول كالنكاح ولأن القبول مبني على الإيجاب فإذا لم يتقدم الإيجاب فقد أتى بالقبول في غير محله فوجوده كعدمه، فإن تقدم بلفظ الطلب فقال: بعني ثوبك بكذا فقال بعتك ففيه روايتان أيضاً (إحداهما) يصح لما ذكرنا وهو قول مالك والشافعي (والثانية) لا يصح وهو قول أبي حنيفة لأنه لو تأخر عن الإيجاب لم يصح به البيع فلم يصح إذا تقدم كلفظ الاستفهام ولأنه عقد عري عن القبول فلم ينعقد كما لو لم يطلب فأما إن تقدم بلفظ الاستفهام مثل أن يقول أتبيعني ثوبك بكذا فيقول بعتك لم يصح بحال. نص عليه أحمد

وله صورتان: إحداهما: الإيجاب والقبول

وبه يقول أبو حنيفة والشافعي ولا نعلم عن غيرهم خلافهم لأن ذلك ليس بقبول ولا استدعاء (مسألة) (وإن تراخى القبول عن الإيجاب صح ماداما في المجلس ولم يتشاغلا بما يقطعه وإلا فلا) لأن حالة المجلس كحالة العقد بدليل أنه يكتفى بالقبض فيه لما يشترط قبضه، فإن تفرقا عن المجلس أو تشاغلا بما يقطعه لم يصح لأن العقد إنما يتم بالقبول فلم يتم مع تباعده عنه كالاستثناء والشرط وخبر المبتدأ الذي لايتم الكلام إلا به (مسألة) (الثانية المعاطاة) وهو أن يقول: أعطني بهذا الدينار خبزاً فيعطيه ما يرضيه أو يقول البائع خذ هذا بدرهم فيأخذه، وقال القاضي لا يصح هذا إلا في الشئ اليسير نص أحمد على صحة هذا البيع فيمن قال لخباز كيف تبيع الخبز؟ قال كذا بدرهم قال زنه وتصدق به فإذا وزنه فهو عليه وقول مالك نحو من هذا فإنه قال: يقع البيع بما يعتقده الناس بيعاً، وقال بعض الحنفية يصح في خسائس الأشياء: وهو قول القاضي لأن العرف إنما جرى به في الشئ اليسير ومذهب الشافعي أن البيع لا يصح إلا بإيجاب وقبول، وذهب بعض أصحابه إلى مثل قولنا ولنا أن الله تعالى أحل البيع ولم يبين كيفيته فوجب الرجوع فيه إلى العرف كما رجع إليه في القبض والإحراز والتفريق، والمسلمون في أسواقهم وبياعاتهم على ذلك، ولأن البيع كان موجوداً بينهم معلوماً عندهم. وإنما علق الشرع عليه أحكاماً وأبقاه على ما كان فلا يجوز تغييره بالرأي والتحكم ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه مع كثرة وقوع البيع بينهم استعمال الإيجاب والقبول. ولو استعملوا ذلك في بياعاتهم لنقل نقلاً شائعاً، ولو كان ذلك شرطاً لوجب نقله ولم يتصور منهم اهماله والغفلة عن نقله ولأن البيع مما تعم به البلوى فلو اشترط الإيجاب والقبول لبينه النبي صلى الله عليه وسلم بيانا عاما ولم يخف حكمه لأنه يفضي إلى وقوع العقود الفاسدة كثيراً وأكلهم المال بالباطل ولم ينقل ذلك

وإن تراخى القبول عن الإيجاب صح ما داما في المجلس ولم يتشاغلا بما يقطعه وإلا فلا

عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه فيما علمناه ولأن الناس يتبايعون بالمعاطاة في كل عصر ولم ينقل إنكاره قبل مخالفينا فكان أجماعاً ولأن الإيجاب والقبول انما يرادان للدلالة فإذا وجد ما يدل عليه من المساومة والتعاطي قام مقامهما وأجزأ عنهما لعدم التعبد فيه (فصل) وكذلك الحكم في الإيجاب والقبول في الهبة والهدية والصدقة فانه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه استعمال ذلك فيه وقد أهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحبشة وغيرها وكان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة. متفق عليه وروى البخاري عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى بطعام سأل عنه " أهديه أم صدقة؟ " فإن قيل صدقة قال لأصحابه " كلوا " ولم يأكل وإن قيل هدية ضرب بيده فأكل معهم وفي حديث سلمان رضي الله عنه حين جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بتمر فقال: هذا شئ من الصدقة رأيتك أنت وأصحابك أحق الناس به فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه " كلوا " ولم يأكل ثم أتاه ثانية بتمر فقال رأيتك لا تأكل الصدقة وهذا شئ أهديته لك فقال النبي صلى الله عليه وسلم " بسم الله " وأكل ولم ينقل قبول ولا أمر بإيجاب وإنما سأل ليعلم هل هو صدقة أو هدية ولو كان الإيجاب والقبول شرطاً في هذه العقود لشق ذلك ولكانت أكثر العقود فاسدة وأكثر أموالهم محرمة وهذا ظاهر إن شاء الله تعالى (فصل) قال رضي الله عنه (ولا يصح البيع إلا بشروط سبعة (أحدها) التراضي به وهو أن يأتيا به اختياراً لقول الله تعالى (إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) فإن كان أحدهما مكرهاً لم يصح لعدم الشرط إلا أن يكره بحق كالذي يكرهه الحاكم على بيع ماله لوفاء دينه فيصح لأنه قول حمل عليه لحق فصح كإسلام المرتد) (فصل) (الثاني أن يكون العاقد جائز التصرف وهو المكلف الرشيد فلا يصح من غير عاقل

كالطفل والمجنون والمبرسم والسكران والنائم لأنه قول يعتبر له الرضى فلم يصح من غير عاقل كالإقرار وسواء أذن له وليه أو لم يأذن (فأما الصبي المميز والسفيه فيصح تصرفهما بإذن وليهما) في إحدى الروايتين (ولا يصح بغير إذنهما إلا في الشئ اليسير) يصح تصرف الصبي المميز بالبيع والشراء فيما أذن له الولي فيه في إحدى الروايتين. وهو قول أبي حنيفة (والأخرى) لا يصح حتى يبلغ وهو قول الشافعي لأنه غير مكلف فأشبه غير المميز، ولأن العقل لا يمكن الوقوف منه على الحد الذي يصح به التصرف لخفائه وتزايده تزايدا خفي التدريج فجعل الشارع له ضابطاً وهو البلوغ فلا تثبت له أحكام العقلاء قبل وجود المظنة ولنا قول الله تعالى (وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم) معناه اختبروهم لتعلموا رشدهم وإنما يتحقق ذلك بتفويض التصرف إليهم من البيع والشراء ليعلم هل تغير أولا ولأنه عاقل مميز محجور عليه فيصح تصرفه بإذن وليه كالعبد، وفارق غير المميز فإنه لا تحصل له المصلحة بتصرفه لعدم تمييزه ومعرفته ولا حاجة الى اختباره لأنه قد علم حاله، وقولهم ان العقل لا يمكن الاطلاع عليه قلنا يعلم ذلك بتصرفاته وجريانها على وفق المصلحة كما يعلم في حق البالغ فإن معرفة رشده شرط لدفع ماله إليه وصحة تصرفه كذا ههنا، فأما إن تصرف بغير إذن وليه

لم يصح تصرفه الا في الشئ اليسير، وكذلك تصرف غير المميز لما روي أن أبا الدرداء رضي الله عنه اشترى من صبي عصفوراً فأرسله ذكره ابن أبي موسى، ويحتمل أن يصح ويقف على إجازة الولي وهو قول أبي حنيفة وهو مبني على تصرف الفضولي وسنذكره إن شاء الله تعالى، وكذلك الحكم في تصرف السفيه بإذن وليه فيه روايتان (إحداهما) يصح لأنه عقد معاوضة فملكه بالإذن كالنكاح وقياساً على الصبي المميز، يحقق هذا أن الحجر على الصبي أعلى من الحجر عليه فههنا أولى بالصحة ولأننا لو منعنا تصرفه بالإذن لم يكن لنا طريق إلى معرفة رشده واختباره) (والثانية) لا يصح لأن الحجر عليه لتبذيره وسوء تصرفه فإذا أذن له فقد أذن فيما لا مصلحة فيه فلم يصح كما لو أذن في بيع ما يساوي عشرة بخمسة وللشافعي وجهان كهاتين ويصح تصرفه في الشئ اليسير كالصبي (فصل) (الثالث: أن يكون المبيع مالا وهو ما فيه منفعة مباحة لغير ضرورة) (فيجوز بيع البغل والحمار ودود القز وبذره والنحل منفرداً أو في كواراته) قوله لغير ضرورة احتراز من الميتة والمحرمات التي تباح في حال المخمصة والخمر يباح دفع اللقمة بها، فكل عين مملوكة يجوز اقتناؤها والانتفاع بها في غير حال الضرورة يجوز بيعها إلا ما استثناه الشرع كالكلب وأم الولد والوقف لان الملك سبب إطلاق التصرف، والمنفعة المباحة يباح له استبقاؤها فجاز له أخذ عوضها وأبيح لغيره بذل ماله فيها توصلا إليها ودفعاً لحاجته بها كسائر ما أبيح نفعه، وسواء في ذلك ما كان طاهرا كالثياب والعقار وبهيمة

الأنعام والخيل والصيود أو مختلفاً في نجاسته كالبغل والحمار لا نعلم في ذلك خلافاً، ويجوز بيع الجحش الصغير والفهد الصغير وفرخ البازي إذا قلنا بجواز بيعهما لأنه ينتفع به في المال فأشبه طفل العبيد (فصل) ويجوز بيع دود القز وبذره وقال أبو حنيفة إن كان مع دود القز قز جاز بيعه وإلا فلا لأنه لا ينتفع بعينه فهو كالحشرات وقيل لا يجوز بيع بذره، ولنا أنه حيوان طاهر يجوز اقتناؤه لتملك ما يخرج منه أشبه البهائم ولأن الدود وبذره طاهر منتفع به فجاز بيعه كالثوب، وقوله لا ينتفع بعينه يبطل بالبهائم التي لا يحصل منها نفع سوى النتاج ويفارق الحشرات التي لا نفع فيها أصلا فإن نفع هذه كثير لأن الحرير الذي هو أشرف الملابس إنما يحصل منها (فصل) ويجوز بيع النحل إذا شاهدها محبوسة بحيث لا يمكنها أن تمتنع، وقال أبو حنيفة لا يجوز بيعها منفردة كما ذكر في دود القز، ولنا أنه حيوان طاهر يخرج من بطنه شراب فيه منافع للناس فجاز بيعه كبهيمة الأنعام، واختلف أصحابنا في بيعها في كواراتها فقال القاضي لا يجوز لأنه لا يمكن مشاهدتها جميعا ولأنها لا تخلو من عسل يكون مبيعا معها وهو مجهول. وقال أبو الخطاب يجوز بيعها في كواراتها منفردة عنها فإنه يمكن مشاهدتها في كواراتها إذا فتح رأسها يعرف كثرته من قلته، وخفاء بعضه لايمنع صحة بيعه كالصبرة وكما لو كان في وعاء فإن بعضه يكون على بعض فلا يشاهد إلا ظاهرة والعسل يدخل في البيع تبعاً فلا تضر جهالته كأساسات الحيطان، فإن لم يمكن مشاهدته لكونه مستوراً بأقراصه ولم يعرف لم يجز بيعه لجهالته

(فصل) وفي بيع العلق التي ينتفع بها كالتي تعلق على صاحب الكلف فيمص الدم والديدان التي تترك في الشص فتصاد بها السمك وجهان: أصحهما جواز بيعها لحصول نفعها فهي كالسمك (والثاني) لا يجوز بيعها لأنها لا ينتفع بها إلا نادرا فشبهت ما لانفع فيه. (مسألة) (ويجوز بيع الهر والفيل وسباع البهائم التي تصلح للصيد في إحدى الروايتين إلا الكلب اختارها الخرقي. والأخرى لا يجوز اختارها أبو بكر) يجوز بيع الهر وبه قال ابن عباس والحسن وابن سيرين والحكم وحماد والثوري ومالك والشافعي واسحاق وأصحاب الرأي، وعن أحمد أنه كره ثمنها وروي ذلك عن أبي هريرة وطاوس ومجاهد وجابر ابن زيد اختاره أبو بكر لما روى مسلم عن جابر أنه سئل عن ثمن السنور فقال زجر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك وفي لفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن السنور رواه أبو داود ولنا أنه حيوان يباح اقتناؤه من غير وعيد في حبسه فجاز بيعه كالبغل والحمار، ويمكن حمل الحديث على غير المملوك منها وعلى ما لانفع فيه منها بدليل ما ذكرناه (فصل) ويجوز بيع الفيل وسباع البهائم والطير الذي يصلح للصيد كالفهد والصقر والبازي والعقاب والطير المقصود صوته كالهزار والبلبل والببغة وأشباه ذلك وبهذا قال الشافعي، وقال أبو بكر عبد العزيز وابن أبي موسى لا يجوز بيع الفهد والصقر والفيل ونحوها لأنها نجسة فلم يجز بيعها كالكلب

ويجوز بيع الهر والفيل وسباع البهائم التي تصلح للصيد في إحدى الروايتين إلا الكلب اختارها الخرقي والأخرى لا اختارها أبو بكر

ولنا أنه حيوان يباح اقتناؤه من غير وعيد في حبسه فأبيح بيعه كالبغل والحمار وما ذكروه يبطل بالبغل والحمار وحكمهما حكم سباع البهائم في الطهارة والنجاسة وإباحة الاقتناء والانتفاع. فأما الكلب فإن الشرع توعد على اقتنائه وحرمه إلا في حال الحاجة فصارت إباحته ثابتة بطريق الضرورة ولأن الأصل إباحة البيع لقول الله تعالى (وأحل الله البيع) حرم منه ما استثناه الشرع لمعان غير موجودة في هذا فيبقى على أصل الإباحة، فإن كان الفهد والصقر ونحوها ليس بمعلم ولا يقبل التعليم لم يجز بيعه لعدم النفع به، وإن أمكن تعليمه جاز بيعه لأن مآله إلى الانتفاع أشبه الجحش الصغير فأما ما يصاد عليه كالبومة التي يجعل عليها شباشاً ليجمع الطير إليها فيصيده الصياد فيحتمل جواز بيعها للنفع الحاصل منها ويحتمل المنع لأن ذلك مكروه لما فيه من تعذيب الحيوان وكذلك اللقلق ونحوه (فصل) فأما بيض ما لا يؤكل لحمه من الطير فإن لم يكن فيه نفع لم يجز بيعه طاهراً كان أو نجسا وإن كان ينتفع به بأن يصير فرخاً وكان طاهراً جاز بيعه لأنه طاهر منتفع به أشبه أصله، وإن كان نجساً كبيض البازي والصقر ونحوه فحكمه حكم فرخه، وقال القاضي لا يجوز بيعه لنجاسته وكونه لا ينتفع به في الحال وما ذكر ملغى بفرخه وبالجحش الصغير (فصل) قال أحمد رحمه الله أكره بيع القرد. قال ابن عقيل هذا محمول على بيعه للإطافة به واللعب فأما بيعه لمن ينتفع به لحفظ المتاع والدكان ونحوه فيجوز لأنه كالصقر وهذا مذهب الشافعي وقياس قول أبي بكر وابن أبي موسى المنع من بيعه مطلقاً (مسألة) (ويجوز بيع العبد المرتد المريض وفي بيع الجاني والقاتل في المحاربة ولبن الآدميات وجهان)

حكم بيع المرتد حكم القاتل في صحة بيعه وسائر أحكامه، وبيعه جائز لأن قتله غير متحتم لاحتمال رجوعه إلى الاسلام ولانه مملوك منتفع به، وخشية هلاكه لا تمنع صحة بيعه كالمريض فإنا لا نعلم خلافاً في صحة بيع المريض (فصل) ويصح بيع العبد الجاني في أصح الوجهين سواء كانت جنايته عمداً أو خطأ على النفس أو ما دونها موجبة للقصاص أو غير موجبة وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي في أحد قوليه، وقال في الآخر لا يصح بيعه لأنه تعلق برقبته حق آدمي فمنع صحة بيعه كالرهن. بل حق الجناية آكد لأنها تقدم على حق المرتهن. ولنا أنه حق غير مستقر في الجاني يملك أداءه من غيره فلم يمنع البيع كالزكاة أو حق ثبت بغير رضى سيده فلم يمنع بيعه كالدين في ذمته أو تصرف في الجاني فجاز كالعتق، وإن كان الحق قصاصاً فهو يرجى سلامته ويخشى تلفه وذلك لا يمنع كالمريض، أما الرهن فإن الحق متعلق فيه لا يملك سيده إبداله ثبت الحق فيه برضاه وثيقة للدين فلو أبطله بالبيع سقط حق الوثيقة الذي التزمه برضاه واختياره (فصل) فأما القاتل في المحاربة فإن تاب قبل القدرة عليه فهو كالجاني وإن لم يتب حتى قدر عليه فقال أبو الخطاب هو كالقاتل في غير محاربة لأنه عبد قن يصح اعتاقه ويملك استخدامه فصح بيعه كغير القاتل، ولأنه يمكنه الانتفاع به إلى حين قتله، ويعتقه فيجر به ولاء أولاده فجاز بيعه كالمريض المأيوس من برئه، وقال القاضي لا يصح بيعه لأنه تحتم قتله وإتلافه وإذهاب ماليته وحرم إبقاؤه فصار بمنزلة ما لا ينتفع به من الحشرات والميتات، وهذه المنفعة اليسيرة مفضية به إلى قتله لا يتمهد بها محلا للبيع كالمنفعة الحاصلة من الميتة لسد رمق أو إطعام كلب، والأولى أصح فإنه كان محلا للبيع والأصل بقاء ذلك فيه وانحتام إتلافه لا يجعله تالفاً بدليل أن أحكام الحياة من التكليف وغيره لا تسقط عنه ولا تثبت

ويجوز بيع العبد المرتد والمريض وفي بيع الجاني والقاتل في المحاربة ولبن الآدميات وجهان

أحكام الموتى له من إرث ماله ونفوذ وصيته وغيرها، ولأن خروجه عن حكم الأصل لا يثبت إلا بدليل ولانص فيه ولا إجماع، ولا يصح قياسه على الحشرات والميتات لأن تلك لم يكن فيها منفعة فيما مضى ولافي الحال وعلى أن هذا المحتم يمكن زواله لزوال ما يثبت به من الرجوع عن الإقرار والرجوع من الشهود ولو لم يمكن زواله فأكثر ما فيه تحقق تلفه، وهذا يجعله كالمريض المأيوس من برئه وبيعه جائز (فصل) فأما بيع لبن الآدميات فرويت الكراهة فيه عن احمد، واختلف أصحابنا في جوازه وهو قول ابن حامد ومذهب الشافعي. وذهب جماعة من أصحابنا إلى تحريم بيعه، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك لأنه مائع خارج من آدمية فلم يجز بيعه كالعرق ولأنه جزء من آدمي فلم يجز بيعه أشبه سائر أجزائه. والأول أصح لأنه طاهر منتفع به فجاز بيعه كلبن الشاة ولأنه يجوز أخذ العوض عنه في إجارة الظئر فأشبه المنافع ويفارق العرق فانه لانفع فيه. ولذلك لا يباع عرق الشاة ويباع لبنها وسائر أجزاء الآدمي يجوز بيعها فإنه يجوز بيع العبد والأمة. وإنما حرم بيع الحر لأنه غير مملوك وحرم بيع العضو المقطوع لأنه لانفع فيه (مسألة) (وفي جواز بيع المصحف وكراهة شرائه وإبداله روايتان) قال أحمد لا أعلم في بيع المصاحف رخصة ورخص في شرائها. وقال الشراء أهون. وممن كره بيعها ابن عمر وابن عباس وأبو موسى وسعيد بن جبير واسحاق قال ابن عمر وددت أن الأيدي تقطع في بيعها. وقال أبو الخطاب يجوز بيع المصحف مع الكراهة وهي رواية عن أحمد لأنه منتفع به فأشبه سائر كتب العلم، وهل يكره شراؤه وإبداله؟ على روايتين ورخص في بيعها الحسن والحكم وعكرمة والشافعي وأصحاب الرأي لأن البيع يقع على الورق والجلد وبيعه مباح ولنا قول الصحابة ولم نعلم لهم مخالفاً في عصرهم، ولأنه يشتمل على كلام الله تعالى فتجب صيانته عن البيع والابتذال (يقول الاخرون ان المبتذل ما لا يباع وانفس الجواهر تباع وان بيعه يسهل على الناس الانتفاع به تعميم هدايته وكتبه محمد رشيد رضا) أما الشراء فهو أسهل لأنه استنقاذ للمصحف وبذل لماله فيه فجاز كما جاز شراء رباع مكة واستئجار دورها ولم ير بيعها ولا أخذ أجرتها، وكذلك دفع الأجرة إلى الحجام لا يكره مع كراهية كسبه والرواية الأخرى يكره لأن المقصود منه كلام الله تعالى فيجب صيانته عن الابتذال وفي جواز شرائه التسبب إلى ذلك والمعونة عليه، ولا يجوز بيعه لكافر فإن اشتراه فالبيع باطل وبه

قال الشافعي، وقال أصحاب الرأي يجوز ويجبر على بيعه لأنه أهل للشراء والمصحف محل، له ولنا أنه يمنع من استدامة الملك عليه فمنع من ابتدائه كسائر مالا يجوز بيعه، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن المسافرة بالقرآن إلى أرض العدو مخافة أن تناله أيديهم، فلا يجوز تمكينهم من التوسل إلى نيل أيديهم اياه {مسألة} (ولا يجوز بيع الحشرات ولا الميتة ولا شئ منها ولا سباع البهائم التي لا تصلح للصيد) لا يجوز بيع الميتة ولا الخنزير ولا الدم. قال إبن المنذر أجمع أهل العلم على القول به، وذلك لما روى جابر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه سلم وهو بمكة يقول " إن الله ورسوله حرم بيع الميتة والخمر والخنزير والأصنام " متفق عليه ولا يجوز بيع مالا نفع فيه كالحشرات كلها وسباع البهائم التي لا تصلح للاصطياد كالأسد والذئب، وما لا يؤكل ولا يصاد به من الطير كالرخم والحدأة والغراب الأبقع وغراب البين وبيضها لأنه لا نفع فيه فأخذ ثمنه أكل للمال بالباطل ولانه ليس فيها نفع مباح أشبهت الخنزير {مسألة} (ولايجوز بيع الكلب أي كلب كان لا نعلم فيه خلافا في المذهب) وبه قال الحسن وربيعة. وحماد والشافعي وداود، ورخص في ثمن كلب الصيد خاصة جابر بن عبد الله وعطاء والنخعي رو أجاز أبو حنيفة بيع الكلاب كلها وأخذ ثمنها، وعنه لا يجوز بيع الكلب العقور واختلف أصحاب مالك فقال قوم لا يجوز. وقال قوم يجوز بيع الكلب المأذون في إمساكه ويكره لما روي عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب والسنور إلا كلب الصيد ولأنه يباح الانتفاع به. ويصح نقل اليد فيه والوصية به فصح بيعه كالحمار ولنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهى متفق عليه وعن رافع بن خديج قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ثمن الكلب خبيث " رواه مسلم وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب فإن جاء يطلبه فاملؤا كفه تراباً رواه أبودواد ولأنه حيوان نهي عن اقتنائه في غير حال الحاجة أشبه الخنزير، وأما حديثهم فقال الترمذي لا يصح اسناد هذا الحديث. قال الدارقطني الصحيح أنه موقوف على جابر وقال أحمد هذا من الحسن بن أبي جعفر وهو ضعيف (فصل) ولا يحل قتل الكلب المعلم لأنه محل منتفع به مباح اقتناؤه فحرم إتلافه كالشاة. ولا نعلم في هذا خلافاً ولا غرم على قاتله وهذا مذهب الشافعي. وقال مالك وعطاء عليه الغرم لما ذكرنا في تحريم قتله. ولنا أنه محل يحرم أخذ عوضه لخبثه فلم يجب غرمه بإتلافه كالخنزير. وإنما حرم إتلافه لما فيه من الاضرار وهو منهي عنه. فأما قتله ما لا يباح إمساكه من الكلاب فإن كان أسود بهيما أبيح قتله لأنه شيطان كما جاء في حديث أبي ذر ولما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها فاقتلوا منها كل أسود بهيم " وكذلك يباح قتل الكلب العقور لما روت عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " خمس من الدواب كلهن فاسق يقتلن في الحل والحرم الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور " متفق عليه ويقتل كل واحد من هذين وإن كان

وفي جواز المصحف وكرهة شرائه وإبداله روايتان

معلماً لما ذكرنا من الحديثين. وعلى قياس الكلب العقور كل ما آذى الناس وضرهم في أنفسهم وأموالهم يباح قتله ولأنه يؤذي بلا نفع أشبه الذئب وما لا مضره فيه لا يباح قتله للخبر المذكور. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بقتل الكلاب ثم نهى عن قتلها وقال " عليكم بالأسود البهيم ذي النقطتين فإنه شيطان " رواه مسلم (فصل) ويحرم اقتناء الكلاب الاكلب الصيد والماشية والحرث لما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من اتخذ كلباً إلا كلب ماشية أوصيد أوزرع نقص من أجره كل يوم قيراط " متفق عليه. وإن اقتناه لحفظ البيوت لم يجز للخبر، ويحتمل الا باحة وهو قول بعض أصحاب الشافعي لأنه في معنى الثلاثة والأول أصح لأن قياس غير الثلاثة عليها يبيح ما تناول أول الخبر تحريمه قال القاضي وليس هو في معناها فقد يحتال اللص باخراجه بشئ يطعمه إياه ليسرق المتاع، أما الذئب فلا يحتمل هذا في حقه ولأن اقتناءه في البيوت يؤذي المارة بخلاف الصحراء (فصل) ويجوز تربية الجرو الصغير لأحد الثلاثة في أقوى الوجهين لأنه قصده لذلك فيأخذ حكمه كما جاز بيع الجحش الصغير الذى لانفع فيه في الحال لمآله إلى الانتفاع ولأنه لو لم يتخذ الصغير لما أمكن جعل الكلب للصيد إذ لا يصير معلماً إلا بالتعلم ولا يمكن تعلمه إلا بتربيته واقتنائه مدة يعلمه فيها قال الله تعالى (وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن) ولا يوجد كلب معلم بغير تعليم. والثاني لا يجوز لأنه ليس من الثلاثة (فصل) ومن اقتنى كلب صيد ثم ترك الصيد مدة وهو يريد العود إليه لم يحرم اقتناؤه في مدة تركه لأن ذلك لا يمكن التحرز منه، وكذلك لو حصد صاحب الزرع زرعه أبيح اقتناؤه حتى يزرع زرعاً آخر، وكذلك لو هلكت ماشيته أو باعها وهو يريد شراء غيرها فله إمساك كلبها لينتفع به في التي يشتريها، فإن اقتنى كلب الصيد من لا يصيد به احتمل الجواز لاستثنائه في الخبر مطلقاً واحتمل المنع لأنه اقتناء من غير حاجة أشبه غيره من الكلاب، ومعنى كلب الصيد أي كلب يصيد به وهكذا الاحتمالان فيمن اقتنى كلباً ليحفظ له حرثاً أو ماشية إن حصلت أو يصيد به إن احتاج إلى الصيد وليس في الحال حرث ولا ماشية، ويحتمل الجواز لقصده ذلك كما لو حصد الزرع وأراد زرع غيره (مسألة) (ولا يجوز بيع السرجين النجس) وبهذا قال مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة يجوز ولأن أهل الأمصار يبتاعونه لزرعهم من غير نكير فكان إجماعاً ولنا أنه مجمع على نجاسته فلم يجز بيعه كالميتة وما ذكروه ليس بإجماع لان الاجماع اتفاق أهل العلم ولم يوجد ولأنه رجيع نجس فلم يجز بيعه كرجيع الآدمي (فصل) ولا يجوز بيع الحر ولا ما ليس بمملوك كالمباحات قبل حيازتها وملكها لا نعلم في ذلك خلافا وقد روى البخاري بإسناده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " قال الله عزوجل ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حراً وأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يوفه أجره " {مسألة} (ولايجوز بيع الادهان النجسة)

ولا يجوز بيع الحشرات ولا الميتة ولا شيء منها ولا سباع البهائم التي لا تصلح للصيد

في ظاهر كلام أحمد رضي الله عنه لأن أكله حرام لا نعلم فيه خلافا لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الفأرة تموت في السمن فقال " إن كان مائعاً فلا تقربوه " من المسند وإذا كان حراماً لم يجز بيعه لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه " ولأنه نجس فلم يجز بيعه قياساً على شحم الميتة وعنه يجوز بيعه لكافر يعلم نجاستها لأنه يعتقد حلها ويستبيح أكلها ولأنه قد روي عن أبي موسى لتوا به السويق وبيعوه ولا تبيعوه من مسلم وبينوه، والصحيح الأول لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها وأكلوا ثمنها، إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه " متفق عليه. ولأنه لا يجوز بيعها من مسلم فلا يجوز بيعها لكافر كالخمر والخنزير فإنهم يعتقدون حله ولايجوز بيعه لهم ولأنه دهن نجس فلم يجز بيعه لكافر كشحوم الميتة. قال شيخنا ويجوز أن يدفع إلى الكافر في فكاك مسلم ويعلم الكافر بنجاسته لأنه ليس ببيع في الحقيقة إنما هو استنقاذ المسلم به {مسألة} (وفي جواز الاستصباح بها روايتان ويخرج على ذلك جواز بيعها) اختلفت الرواية في الاستصباح بالزيت النجس فروي عنه أنه لا يجوز لقول النبي صلى الله عليه وسلم في السمن الذي ماتت فيه الفأرة " وإن كان مائعاً فلا تقربوه " ولا النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن شحوم الميتة تطلى بها السفن وتدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس فقال " لا، هو حرام " متفق عليه. وهذا في معناه وهو قول ابن المنذر وعنه إباحته لأن ذلك يروي عن ابن عمر وهو قول الشافعي لأنه أمكن الانتفاع به من غير ضرر فجاز كالطاهر وهذا اختيار الخرقي، فعلى هذا يستصبح به على وجه لا تتعدى نجاسته إما أن يجعل في إبريق ويصب منه في المصباح ولا يمس وإما أن يدع على رأس الجرة التي فيها الزيت سراجاً مثقوباً ويطبقه على رأس إناء الزيت، وكلما نقص زيت السراج صب فيه ماء بحيث يرتفع الزيت فيملأ السراج وما أشبه هذا، وعلى قياس هذا كل انتفاع لا يفضي إلى التنجيس بها يجوز ويتخرج على جواز الاستصباح به جواز بيعه وهكذا ذكره أبو الخطاب لأنه يجوز الإنتفاع به من غير ضرورة فجاز بيعه كالبغل والحمار، وهل تطهر بالغسل فيه وجهان ذكرناهما فيما مضى، وإذا قلنا تطهر بالغسل فالقياس يقتضي جواز بيعها لأنها عين نجسة تطهر بالغسل أشبهت الثوب النجس. وكره أحمد رحمه الله أن تدهن بها بالجلود وقال تجعل منها الأسقية، ونقل عن ابن عمر أنه يدهن بها الجلود وعجب أحمد من هذا فيحتمل أن يحمل على ما لا تتعدى نجاسته كالنعال كما قلنا في جلود الميتة (فصل) فأما شحوم الميتة وشحم الكلب والخنزير فلا يجوز الاستصباح به ولا الإنتفاع به في جلود ولا سفن ولا غيرها لما ذكرنا من الحديث، وإذا استصبح بالزيت النجس فاجتمع من دخانه شئ فهو نجس لأن جزء منه، والنجاسة لا تطهر بالاستحالة فان علق بشئ عفي عن يسيره لمشقة التحرز عنه وإن كثر لم يعف عنه (فصل) ولايجوز بيع الترياق الذي فيه لحوم الحيات لأن نفعه إنما يحصل بالأكل وهو محرم فخلا

ولا يجوز بيع السرجين النجس

من نفع مباح فلم يجز بيعه كالميتة، ولا يجوز التداوي به ولا بسم الأفاعي، فأما سم النبات فإن كان لا ينتفع به أو يقتل قليله لم يجز بيعه لعدم نفعه، وإن أمكن التداوي بيسيره كالسقمونيا جاز بيعه لأنه طاهر منتفع به (فصل) (الرابع أن يكون مملوكاً له أو مأذوناً له في بيعه فإن باع ملك غيره بغير إذنه أو اشترى بعين ماله شيئاً بغير إذنه لم يصح وعنه يصح ويقف على إجازة المالك) إذا اشترى بعين مال غيره أو باع ماله بغير إذنه ففيه روايتان (إحداهما) لا يصح البيع وهذا مذهب الشافعي وأبي ثور وابن المنذر (والثانية) يصح البيع والشراء ويقف على إجازة المالك فإن أجازه نفذ ولزم البيع وإن لم يجزه بطل وهو قول مالك وإسحاق وبه قال أبو حنيفة في البيع. فأما الشراء فيقع للمشتري عنده بكل حال لما روى عروة بن الجعد البارقي أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه ديناراً ليشتري به شاة فاشترى شاتين ثم باع إحداهما بدينار في الطريق، قال فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم بالدينار والشاة وأخبرته فقال " بارك الله لك في صفقة يمينك " رواه ابن ماجه والاثرم ولأنه عقد له مجيز حال وقوعه فصح وقفه على إجازته كالوصية بزيادة على الثلث ووجه الرواية الأولى قول النبي صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزام " لاتبع ما ليس عندك " رواه ابن ماجه والترمذي وقال حديث حسن صحيح يعني مالا تملك لأنه ذكره جواباً له حين سأله أنه يبيع الشئ ويمضي ويشتريه ويسلمه. ولاتفاقنا على صحة بيع ماله الغائب ولانه باع مالا يقدر على تسليمه فأشبه الطير في الهواء. فأما الوصية فيتأخر فيها القبول عن الإيجاب، ولا يعتبر ان يكون لها مجيز حال وقوع العقد ويجوز فيها من الغرر مالايجوز في البيع، وحديث عروة نحمله على أن وكالته كانت مطلقة بدليل أنه يسلم ويستلم وليس ذلك لغير المالك باتفاقنا {مسألة} (وإن اشترى له في ذمته بغير إذنه صح فإن أجازه من اشترى له ملكه وإلا لزم من اشتراه) إذا اشترى في ذمته لإنسان شيئاً بغير إذنه صح لأنه متصرف في ذمته لا في مال غيره وسواء نقد الثمن من مال الغير أو لا لأن الثمن هو الذي في الذمة والذي نقده عوضه ولذلك قلنا إنه إذا اشترى ونقده الثمن بعد ذلك كان له البدل، وإن خرج مغصوباً لم يبطل العقد وإنما وقف الأمر على إجازة الآخر لإنه قصد الشراء له فإن أجازه لزمه وعليه الثمن وإن لم يقبله لزم من اشتراه (فصل) وإن باع سلعة وصاحبها حاضر ساكت فحكمه حكم مالو باعها بغير إذنه في قول الأكثرين منهم أبو حنيفة وابو يوسف والشافعي قال ابن أبي ليلى سكوته إقرار لأنه يدل على الرضا كسكوت البكر في الاذن في النكاح. ولنا أن السكوت محتمل فلم يكن إذنا كسكوت الثيب، وفارق سكوت البكر لوجود الحياء المانع من الكلام في حقها وليس ذلك موجوداً هاهنا {مسألة} (ولايجوز بيع مالا يملكه ليمضي ويشتريه ويسلمه رواية واحدة) وهو قول الشافعي ولا نعلم فيه مخالفاً لأن حكيم بن حزام قال للنبي صلى الله عليه وسلم إن الرجل يأتيني يلتمس من البيع ما ليس عندي فأمضي إلى السوق فأشتريه ثم أبيعه منه فقال النبي صلى الله عليه وسلم " لاتبع ما ليس عندك " حديث حسن صحيح ولانه يبيع ما لا يقدر على تسليمه أشبه بيع الطير في الهواء

ولا يجوز بيع الادهان النجسة

{مسألة} (ولا يجوز بيع ما فتح عنوة ولم يقسم كأرض الشام والعراق ومصر ونحوها إلا المساكن وأرضاً من العراق فتحت صلحاً وهي الحيرة والليس وبانقيا وأرض بني صلوبا لأن عمر رضي الله عنه وقفها على المسلمين وأقرها في أيدي أربابها بالخراج الذي ضربه أجرة لها في كل عام ولم تقدر مدتها لعموم المصلحة فيها) لا يجوز بيع شئ من الأرض الموقوفة ولا شراؤه كأرض الشام ونحوها في ظاهر المذهب وقول أكثر أهل العلم منهم عمر وعلي وابن عباس وعبد الله بن عمرو رضي الله عنهم، وروي ذلك عن عبد الله ابن مغفل وقبيصة بن ذؤيب وميمون بن مهران والاوزاعي ومالك وأبي إسحاق الفزاري. قال الأوزاعي لم تزل أئمة المسلمين ينهون عن شراء أرض الجزية ويكرهه علماؤهم، وقال: أجمع رأي عمر وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لما ظهروا على أهل الشام على إقرار أهل القرى في قراهم على ما كان بأيديهم من أرضهم يعمرونها ويؤدون خراجها إلى المسلمين ويرون أنه لا يصلح لأحد من المسلمين شراء ما في أيديهم من الأرض طوعا ولاكرها وكرهوا ذلك لما كان من أيقاف عمر وأصحابه الأرضين المحبوسة على آخر هذه الأمة من المسلمين لاتباع ولا تورث قوة على جهاد من لم يظهر عليه بعد من المشركين، وقال الثوري إذا أقر الإمام أهل العنوة في أرضهم توارثوها وتبايعوها، وروي نحو هذا عن ابن سيرين والقرظي، لما روى عبد الرحمن بن زيد أن ابن مسعود اشترى من دهقان أرضاً على أن يكفيه جزيتها، وروي عنه أنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التبقر (1) في الأهل والمال، ثم قال عبد الله وكيف بمال بزاذان وبكذا وكذا؟ وهذا يدل على أن له مالاً بزا ذان ولأنها أرض لهم فجاز بيعها كأرض الصلح، وقد روي عن أحمد أنه قال: كان الشراء أسهل يشتري الرجل ما يكفيه ويغنيه عن الناس وهو رجل من المسلمين وكره البيع، قال شيخنا وإنما رخص في الشراء والله أعلم لأن بعض الصحابة اشترى ولم يسمع عنهم البيع، ولأن الشراء استخلاص للأرض ليقوم فيها مقام من كانت في يده والبيع. أخذ عوض عما لا يملكه ولا يستحقه فلا يجوز ولنا إجماع الصحابة رضي الله عنهم فإنه روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: لا تشتروا رقيق أهل الذمة ولا أراضيهم. وقال الشعبي اشترى عتبة بن فرقد أرضا على شاطئ الفرات ليتخذ فيها قصا فذكر ذلك لعمر فقال ممن اشتريتها؟ قال من أربابها، فلما اجتمع المهاجرون والأنصار قال هؤلاء أربابها فهل اشتريت منهم شيئاً؟ قال لا، قال فارددها إلى من اشتريتها منه وخذ مالك. وهذا قول عمر في المهاجرين والأنصار بمحضر سادة الصحابة وأئمتهم فلم ينكر فكان إجماعاً ولا سبيل إلى وجود إجماع أقوى من هذا وشبهه إذ لا سبيل إلى نقل قول جميع الصحابة في مسألة ولا إلى نقل قول العشرة ولم يوجد الإجماع إلا القول المنتشر، فإن قيل فقد خالفه ابن مسعود بما ذكر عنه. قلنا لا نسلم المخالفة وقولهم اشترى قلنا المراد به أكرى كذا قال أبو عبيد، والدليل عليه قوله على أن يكفيه جزيتها ولا يكون مشتريا لها وجزيتها على غيره وقد روي عنه القاسم أنه قال: من أقر بالطسق فقد أقر بالصغار والذل وهذا يدل على أن الشراء هنا الاكتراء وكذلك كل من رويت عنه الرخصة في الشراء محمول

_ (1) التبقر التوسع

وإن اشترى له في ذمته بغير إذنه صح فإن أجازه من اشترى له ملكه وإلا لزم من اشتراه

على ذلك وقوله فكيف بمال بزاذان ليس فيه ذكر الشراء، ولأن المال الأرض فيحتمل أنه أراد من السائمة أو الزرع أو نحوه، ويحتمل أنه أراد أرضاً اكتراها وقد يحتمل أنه أراد بذلك غيره وقد يعيب الإنسان الفعل المعيب من غيره (جواب ثان) أنه يتناول الشراء وبقي قول عمر في النهي عن البيع غير معارض، فأما المعنى فلأنها موقوفة فلم يجز بيعها كسائر الوقوف والدليل على وقفها النقل والمعنى أما النقل فما نقل من الأخبار أن عمر لم يقسم الأرض التي افتتحها وتركها لتكون مادة للمسلمين الذين يقاتلون في سبيل الله إلى يوم القيامة وقد نقلنا بعض ذلك وهو مشهور تغني شهرته عن نقله وأما المعنى فلانها لو قسمت لكانت للذين افتتحوها ثم لورثته (الظاهر أن تكون لورثتهم) ولمن انتقلت إليه عنهم ولم تكن مشتركة بين المسلمين، ولأنه لو قسمت لنقل ذلك ولم يخف بالكلية فإن قيل فهذا لا يلزم منه الوقف لأنه يحتمل أنه تركها للمسلمين عامة فتكون فيئاً للمسلمين والإمام نائبهم فيفعل ما يرى فيه المصلحة من بيع وغيره، ويحتمل أنه تركها لاربابها كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم بمكة، قلنا أما الأول فلا يصح لأن عمر إنما ترك قسمتها لتكون مادة للمسلمين كلهم ينتفعون بها مع بقاء أصلها وهذا معنى الوقف، ولو جاز تخصيص قوم بأصلها لكان الذين افتتحوها أحق بها ولا يجوز أن يمنعها أهلها لمفسدة ثم يخص بها غيرهم مع وجود المفسدة المانعة والثاني أظهر فساداً من الأول لأنه إذا منعها المسلمين المستحقين كيف يخص بها أهل الذمة المشركين الذين لا حق لهم ولا نصيب؟ (فصل) وإذا بيعت هذه الأرض فحكم بصحة البيع حاكم صح لأنه مختلف فيه فصح بحكم الحاكم كسائر المختلفات، وإن باع الإمام شيئاً لمصلحة رآها مثل أن يكون في الأرض ما يحتاج إلى عمارته ولا يعمرها إلا من يشتريها صح أيضاً لأن فعل الإمام كحكم الحاكم، وقد ذكر ابن عائذ في كتاب فتوح الشام قال: قال غير واحد من مشايخنا إن الناس سألوا عبد الملك والوليد وسليمان أن يأذنوا لهم في شراء الأرض من أهل الذمة فأذنوا لهم على ادخال أثمانها في بيت المال، فلما ولى عمر بن عبد العزيز أعرض عن تلك الأشرية لاختلاط الأمور فيها لما وقع فيها من المواريث ومهور النساء وقضاء الديون ولما لم يقدر على تخليصه ولا معرفة ذلك كتب كتاباً قرئ على الناس: ان من اشترى شيئاً بعد سنة مائة إن بيعه مردود. وتسمى سنة مائة سنة المدة فتناهى الناس عن شرائها ثم اشتروا أشريه كبيرة كانت يأيدي أهلها تؤدي العشر ولا جزية عليها، فلما أفضى الأمر إلى المنصور ورفعت إليه تلك الأشرية وأن ذلك أضر بالخراج وكسره فأراد ردها إلى أهلها فقيل له قد وقعت في المواريث والمهور واختلط أمرها. فبعث المعدلين منهم عبد الله بن يزيد إلى حمص، وإسماعيل بن عباس إلى بعلبك، وهضاب بن طوق ومحرز ابن زريق إلى الغوطة، وأمرهم أن لا يضعوا على القطائع والأشرية القديمة خراجا ومنعوا الخراج على ما بقي بأيدي الانباط وعى الأشرية المحدثة من سنة مائة إلى السنة التي عدل فيها فعلى هذا ينبغي أن يجزئ ما باعه إمام أو بيع بإذنه أو تعذر رد بيعه هذا المجزئ في أن يضرب عليه خراج بقدر ما يحتمله ويترك في يد مشتريه أو من انتقل إليه إلا ما بيع قبل المائة سنة فإنه لا خراج عليه كما نقل في هذا الخبر

ولا يجوز بيع ما فتح عنوة ولم يقسم كأرض الشام والعراق ومصر ونحوها

(فصل) وحكم إقطاع هذه الأرض حكم بيعها في أن ما كان من عمر رضي الله عنه أو ما كان قبل مائة سنة فهو لا هله وما كان بعد المائة ضرب عليه الخراج كما فعل المنصور إلا أن يكون بغير إذن الإمام فيكون باطلاً، وذكر ابن عائذ في كتابه باسناده عن سليمان بن عتبة إن أمير المؤمنين عبد الله بن محمد أظنه المنصور سأله في مقدمة الشام سنة ثلاث أو أربع وخمسين عن الأرضين التي بأيدي أبناء الصحابة يذكرون أنها قطائع لآبائهم قديمة فقلت يا أمير المؤمنين أن الله تعالى لما أظهر المسلمين على بلاد الشام وصالحوا أهل دمشق وأهل حمص كرهوا أن يدخلوها دون أن يتم ظهورهم واثخانهم في عدوالله وعسكروا في مرج بردان المرة إلى مرج شعبان حسي بردا - مروج كانت مباحة فيما بين أهل دمشق وقراها ليست لأحد منهم فأقاموا بها حتى وطأ الله بهم المشركين قهراً وذلا فاختبأ كل قوم محلهم وهيئوا فيها بناء فرفع إلى عمر فأمضاه عمر لهم وأمضاه عثمان من بعده إلى ولاية أمير المؤمنين قال فقد أمضيناه لهم! وعن الأحوص بن حكيم أن المسلمين الذين فتحوا حمص لم يدخلوها وعسكروا على نهر الأوند فأحيوه فأمضاه لهم عمر وعثمان وقد كان أناس منهم تعدوا ذاك إلى حبس الاوند الذي على باب الرتبتين فعسكروا في برجه مسلحة لمن خلفهم من المسلمين، فلما بلغهم ما أمضاه عمر للمعسكرين على نهر الأوند سألوا أن يشركوهم في تلك القطائع فكتب إلى عمر فيه فكتب أن يعوضوا مثله من المروج التي كانوا عسكروا فيها على باب الرتبتين فلم تزل تلك القطائع على شاطئ الأوند وعلى باب حمص وعلى باب الرتبتين ماضية لاهلها لاخراج عليها تؤدي العشر (فصل) وهذا الذي ذكرناه في الأرض المغلة، أما المساكن فلا بأس بحيازتها وبيعها وشرائها وسكناها، قال أبو عبيد ما علمنا أحداً كره ذلك وقد اقتسمت بالكوفة خططاً في زمن عمر رضي الله عنه بإذنه وبالبصرة وسكنها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك الشام ومصر وغيرهما من البلدان فما غاب ذلك أحد ولا أنكره (فصل) وكذلك ما فتح صلحاً بشرط أن يكون لأهله كأرض الحيرة والليس وبانقيا وأرض بني صلوبا وما في معناها فيجوز بيعها لأنها ملك لاهلها فهي كالمساكن وكذلك كل أرض أسلم أهلها عليها كأرض المدينة وشبهها فإنها ملك لأهلها يجوز بيعها لذلك {مسألة} (وتجوز إجارتها) لأنها مستأجرة في أيدي أربابها وإجارة المستأجر جائزة على ما نذكره في موضعه إن شاء الله تعالى (وعن أحمد أنه كره بيعها) لما ذكرنا (وأجاز شراءها) لأنه كالاستنقاذ لها فجاز كشراء الأسير، ولأنه قد روي عن بعض الصحابة رضي الله عنهم على ما ذكرنا في المسألة التي قبلها، وإذا قلنا بصحة الشراء فإنها تكون في أيدي المشتري على ما كانت في يد البائع يؤدي خراجها ويكون معنى الشراء ههنا نقل اليد من البائع إلى المشتري بعوض إلا ما كان قبل مائة سنة أو ما كان من إقطاع عمر رضي الله عنه على ما ذكرناه، فإن اشتراها وشرط الخراج على البائع كما فعل ابن مسعود فهو كراء لا شراء وينبغي أن يشترط بيان مدته كسائر الاجارات {مسألة} (ولايجوز بيع رباع مكة ولا إجارتها وعنه يجوز ذلك)

اختلف الرواية في بيع رباع مكة وإجارة دورها فروي أن ذلك غير جائز وهو قول أبي حنيفة ومالك والثوري وأبي عبيد وكرهه إسحاق لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه سلم في مكة " لاتباع رباعها، ولا تكرى بيوتها " رواه الأثرم، وعن مجاهد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " مكة حرام بيع رباعها حرام إجارتها " رواه سعيد بن منصور في سننه وروي أنها كانت تدعى السوائب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكره مسدد في مسنده ولأنها فتحت عنوة ولم تقسم فصارت موقوفة فلم يجز بيعها كسائر الأرض التي فتحها المسلمون عنوة ولم يقسموها ودليل أنها فتحت عنوة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " ان الله حبس عن مكة الفيل وسلط عليها رسوله والمؤمنين وإنها لم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي، وإنما حلت لي ساعة من نهار " متفق عليه. وروت أم هانئ أنها قالت أجرت حموين لي فأراد علي قتلهما فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يارسول الله: إني أجرت حموين لي فزعم ابن أمي علي أنه قاتلهما فقال النبي صلى الله عليه وسلم " قد أجرنا من أجرت وأمنا من أمنت " متفق عليه. وكذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل أربعة فقتل منهم ابن خطل ومقيس بن ضبابة فدل على أنها فتحت عنوة (والرواية الثانية) أنه يجوز ذلك روى ذلك عن طاوس وعمر وبن دينار وهو قول الشافعي وابن المنذر وهو أظهر في الحجة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قيل له أين تنزل غداً؟ قال " وهل ترك لنا عقيل من رباع؟ " متفق عليه، يعني أن عقيلا باع رباع أبي طالب لأنه ورثه دون أخوته لكونه كان على دينه دونهما ولو كانت غير مملوكة لما أثر بيع عقيل شيأ ولأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لهم دور بمكة كأبي بكر والزبير وحكيم بن حزام وأبي سفيان وسائر أهل مكة فمنهم من باع ومنهم من ترك داره فهي في يد أعقابهم، وقد باع حكيم بن حزام دار الندوة فقال له ابن الزبير بعت مكرمة قريش فقال يا ابن أخي ذهبت المكارم إلى التقوى أو كما قال، واشترى معاوية منه دارين، واشترى عمر رضي الله عنه دار السجن من صفوان بن أمية بأربعة آلاف ولم يزل أهل مكة يتصرفون في دورهم تصرف الملاك بالبيع وغيره ولم ينكره منكر فكان إجماعاً، وقد قرره النبي صلى الله عليه وسلم بنسبة دورهم إليهم فقال " من دخل دار أبي سفيان فهو آمن. ومن أغلق بابه فهو آمن " وأقر هم في دورهم ورباعهم ولم ينقل أحداً عن داره ولا وجد منه ما يدل على زوال أملاكهم وكذلك من بعده من الخلفاء حتى أن عمر مع شدته في الحق لما احتاج إلى دار للسجن لم يأخذها إلا بالبيع. ولأنها أرض حية لم يرد عليها صدقة محرمة فجاز بيعها كسائر الأرض وما روي من الأحاديث في خلاف هذا فهو ضعيف. وأما كونها فتحت عنوة فهو صحيح لا يمكن دفعه إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم أقر أهلها فيها على أملاكهم ورباعهم فيدل ذلك على أنه تركها لهم كما ترك لهوازن نساءهم وابناءهم (1) كان الاولى أن يقول كما أعتقهم بقوله " أنتم الطلقاء ") وعلى القول الأول من كان ساكن دار أو منزل فهو أحق به يسكنه ويسكنه وليس له بيعه ولا أخذ أجرته. ومن احتاج إلى مسكن فله بذلك الأجرة فيه. وإن احتاج الى الشراء فله ذلك كما فعل عمر رضي الله عنه. وكان أبو عبد الله إذا سكن أعطاهم أجرتها. فإن سكن بأجرة جاز أن لا يدفع إليهم الأجرة إن أمكنه لأنهم لا يستحقونها. وقد روي أن سفيان سكن

في بعض رباع مكة وهرب ولم يعطهم أجرة فأدركوه فأخذوها منه، وذكر لأحمد فعل سفيان فتبسم فظاهر هذا أنه أعجبه قال ابن عقيل وهذا الخلاف في غير مواضع المناسك. أما بقاع المناسك كموضع المسعى والرمي فحكمه حكم المساجد بغير خلاف (فصل) ومن بنى بمكة بآلة مجلوبة من غير أرض مكة جاز بيعها كما يجوز بيع أبنية الوقوف وانقاضها، وان كانت من تراب الحرم وحجارته انبنى جواز بيعها على الروايتين في بيع رباع مكة لأنها تابعة لها وهكذا تراب كل وقف وانقاضه قال أحمد وأما البناء بمكة فإني أكرهه قال إسحاق البناء بمكة على وجه الاستخلاص لنفسه لا يحل وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له ألا تبني لك بمنى بيتا فقال " منى مناخ من سبق ". {مسألة} (ولايجوز بيع كل ماء عد كمياه العيون ونقع البئر ولا ما في المعادن الجارية من القار والملح والنفط ولا ما ينبت في أرضه من الكلأ والشوك ومن أخذ منه شيئاً ملكه) الأنهار النابعة في غير ملك كالأنهار الكبار لا تملك بحال ولا يجوز بيعها، ولو دخل إلى أرض رجل لم يملكه بذلك كالطير فدخل إلى أرضه ولكل احد أخذه وتملكه، إلا أن يحتفر منه ساقيه فيكون أحق بها من غيره، وأما ما ينبع في ملكه كالبئر والعين المستنبطة بنفس النهر وأرض العين مملوكة لمالك الأرض فالماء الذي فيها غير مملوك في ظاهر المذهب لأنه يجزي من تحت الأرض فأشبه الماء الجاري في النهر إلى ملكه وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشافعي، والوجه الآخر يملك لأنه نماء الملك. وقد روي عن أحمد نحو ذلك فإنه قيل له قي رجل له أرض ولآخر ماء فيشترك صاحب الأرض وصاحب الماء في الزرع يكون بينهما؟ فقال لا باس اختاره أبو بكر وهذا يدل من قوله على أن الماء مملوك لصاحبه، وفي معنى الماء المعادن الجارية في الأملاك كالقار والنفط والموميا والملح، وكذلك الحكم في الكلأ والشوك النابت في أرضه فكذلك كله يخرج على الروايتين في الماء، والصحيح أن الماء لا يملك فكذلك هذه وجواز بيع ذلك مبني على ملكه قال أحمد: لا يعجبني بيع الماء البتة وقال الأثرم: سمعت أبا عبد الله يسئل عن قوم بينهم نهر تشرب منه أرضوهم لهذا يوم ولهذا يومان يتفقون عليه الحصص فجاء يومي ولا أحتاج إليه أكريه بدراهم؟ قال ما أدري أما النبي صلى الله عليه وسلم فنهى عن بيع الماء قيل له إنه ليس يبيعه إنما يكريه قال إنما احتالوا بهذا ليحسنوه فأي شئ هذا إلا البيع؟ وروى الأثرم باسناده عن جابر وإياس بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يباع وروى أبو عبيد والا ثرم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " المسلمون شركاء في ثلاث في النار والكلأ والماء " فإن قلنا يملك جاز بيعه وإن قلنا لا يملك فصاحب الارض أحق به من غيره لكونه في ملكه فإن دخل غيره بغير إذنه فأخذه ملكه لأنه يباح في الاصل فأشبه مالو عشش في أرضه طائر أو دخل إليها صيد أو نضبت عن سمك فدخل إليها داخل فأخذه {مسألة} (إلا أنه لا يجوز له الدخول إلى ملك غيره بغير إذنه) لأنه تصرف في ملك الغير بغير

وتجوز إجارتها

إذنه أشبه ما لو دخل لغير ذلك (وعنه يجوز بيعه) وهذا مبني على أنه يملك وقد ذكرناه (فصل) والخلاف في بيع ذلك إنما هو قبل حيازته. فأما ما يحوزه من الماء في إنائه أو يأخذه من الكلأ في حبله أو يحوزه في رحله أو يأخذه من المعادن فإنه يملكه بذلك بغير خلاف بين أهل العلم فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لأن يأخذ أحدكم حبلاً فيأخذ حزمة حطب فيبيعها فيكف بها وجهه خير له من أن يسأل الناس أعطي أو منع " رواه البخاري، وقد روى أبو عبيد في الأموال عن المشيخة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الماء إلا ما حمل منه. وعلى ذلك مضت العادة في الأمصار ببيع الماء في الروايا والحطب والكلأ من غير نكير وليس لأحد أن يشرب منه ولا يتوضأ ولا يأخذ إلا بإذن مالكه لأنه ملكه. قال أحمد: إنما نهى عن بيع فضل ماء البئر والعيون في قراره ويجوز بيع البئر نفسها والعين ومشتريها أحق بملئها، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من يشتري بئر رومة يوسع بها على المسلمين وله الجنة؟ " أو كما قال فاشتراها عثمان بن عفان رضي الله عنه من يهودي بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وسبلها للمسلمين، وروي أن عثمان اشترى منه نصفها باثني عشر ألفاً ثم قال لليهودي اختر إما أن تأخذها يوماً وآخذها يوماً وأما إن تنصب لك عليها دلواً وأنصب عليها دلواً فاختار يوماً ويوماً فكان الناس يستقون منها في يوم عثمان لليومين فقال اليهودي أفسدت علي بئري فاشتر باقيها فاشتراه بثمانية آلاف، وفي هذا دليل على صحة بيعها وتسبيلها وملك ما يسقيه منها وجواز قسمة مائها بالمهايأة وكون مالكها أحق بمائها وجواز قسمة ما فيه حق وليس بمملوك (فصل) فأما المصانع المتخذة لمياه الأمطار تجتمع فيها ونحوها من البرك وغيرها فالأولى أنه يملك ماؤها ويصح بيعه إذا كان معلوماً لأنه مباح حصله بشئ معد له كالصيد يحصل في شبكة والسمك في بركة معدة له ولا يحصل أخذ شئ منه بغير إذن مالكه وكذلك إن جرى من نهر غير مملوك ماء إلى بركة في أرضه يستقر الماء فيها لا يخرج منها فحكمه حكم مياه الأمطار تجتمع في البركة قياساً عليه والله أعلم. (فصل) إذا اشترى ممن في ماله حلال وحرام كالسلطان الظالم والمرابي فإن علم أن المبيع من حلال فهو حلال وإن علم أنه من الحرام فهو حرام ولا يقبل قول المشتري عليه في الحكم لأن الظاهر أن ما في يد الإنسان ملكه، فإن لم يعلمه من أيها هو كره لاحتمال التحريم فيه ولم يبطل البيع لإمكان الحلال سواء قل الحرام أو كثر وهذا هو الشبهة، وبقدر قلة الحرام أو كثرته تكثر الشبهة وتقل قال أحمد لا يعجبني أن يأكل منه وذلك لما روى النعمان بن بشير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس فمن اتقى الشبهات استبراء لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه الاوان لكل ملك حمى وإن حمى الله محارمه " متفق عليه واللفظ لمسلم ولفظ البخاري " فمن ترك ما اشتبه عليه كان لما استبان أترك، ومن اجتزأ على ما يشك فيه من المأثم أو شك أن يواقع ما استبان " وروى الحسن بن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " دع ما يريبك الى ما لا يريبك " وهذا مذهب الشافعي (فصل) والمشكوك فيه على ثلاثة أضرب ما أصله الحظر كالذبيحة في بلده فيها مجوس وعبدة أو ثان

يذبحون فلا يجوز شراؤها وإن جاز أن تكون ذبيحة مسلم لأن الأصل التحريم فلا يجوز إلا بيقين أو ظاهر وكذلك إن كان فيها اخلاط من المسلمين والمجوس لم يجز شراؤها لذلك والأصل فيه حديث عدي بن حاتم " إذا أرسلت كلبك فخالط أكلباً لم يسم عليها فلا تأكل فإنك لا تدري أيها قتله " متفق عليه. فأما إن كان ذلك في بلد الإسلام فالظاهر إباحتها لأن المسلمين لا يقرون في بلدهم بيع مالا يحل بيعه ظاهرا (الثاني) ما أصله الاباحة كالماء يجده متغيراً لا يعلم بنجاسة تغيره أو غيرها فهو طاهر في الحكم لأن الأصل الطهارة لا يزول عنها إلا بيقين أو ظاهر ولم يوجد واحد منهما، والأصل في ذلك حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه قال شكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يخيل إليه في الصلاة أنه يجد الشئ قال " لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحا " متفق عليه (الثالث) ما لا يفرق له أصل كرجل في ماله حلال وحرام فهذا هو الشبهة التي الأولى تركها على ما ذكرناه وعملا بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه وجد تمرة ساقطة فقال " لولا أني أخشى أنها من الصدقة لأكلتها " وهو من باب الورع (فصل) وكان أحمد لا يقبل جوائز السلطان وينكر على ولده وعمه قبولها ويشدد في ذلك. وممن كان لا يقبلها سعيد بن المسيب والقاسم وبشر بن سعيد ومحمد بن واسع الثوري وابن المبارك، وكان هذا منهم على سبيل الورع لا على أنها حرام فإن أحمد قال: جوائز السلطان أحب إلي من الصدقة وقال ليس أحد من المسلمين إلا وله في هذه الدراهم نصيب فكيف أقول إنها سحت وممن كان يقبل جوائزهم ابن عمر وابن عباس وعائشة وغيرهم مثل الحسن والحسين وابن جعفر ورخص فيه الحسن البصري ومكحول الزهري والشافعي. واحتج بعضهم بأن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي طعاماً ومات ودرعه مرهونة عنده وأجاب يهودياً دعاه وأكل من طعامه وقد أخبر الله تعالى أنهم أكالون للسحت، وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال لا بأس بجوائز السلطان فإن ما يعطيكم من حلال أكثر مما يعطيكم من الحرام وقال لا تسأل السلطان شيئاً وإن أعطى فخذ فإن ما في بيت المال من الحلال أكثر مما فيه من الحرام (فصل) قال أحمد رضي الله عنه فيمن معه ثلاثة دراهم فيها درهم حرام يتصدق بالثلاثة وإن كان معه مائتا درهم فيها عشرة دراهم حرام تصدق بالعشرة لأن هذا كثير وذاك قليل، قيل له قال سفيان ما كان دون العشرة يتصدق به وما كان أكثر يخرج؟ قال نعم لا يجحف به قال القاضي ليس هذا على سبيل التحديد وإنما هو على سبيل الاختيار لأنه كلما كثر الحلال بعد تناول الحرام وشق التورع عن الجميع بخلاف القليل فإنه يسهل إخراج الكل والواجب في الموضعين إخراج قدر الحرام والباقي له وهذا لأن تحريمه لم يكن لتحريم عينه وإنما حرم لتعلق حق غيره به فإذا أخرج عوضه زال التحريم كما لو كان صاحبه حاضراً فرضي بعوضه وسواء كان قليلاً أو كثيراً، والورع إخراج ما يتيقن به إخراج عين الحرام ولا يحصل ذلك إلا بإخراج الجميع لكن لما شق ذلك في الكثير ترك لأجل المشقة فيه واقتصر على الواجب. ثم يختلف هذا باختلاف الناس فمنهم من لا يكون له سوى الدراهم اليسيرة فيشق إخراجها لحاجته إليها ومنهم من يكون له كثير فيستغني عنها فيسهل إخراجها والله تعالى أعلم

ولا يجوز بيع كل ماء عد كمياه العيون ونقع البئر ولا ما في المعادن الجارية من القار والملح والنفط ولا ما ينبت في أرضه من الكلأ والشوك، ومن أخذ منه شيئا ملكه

(فصل) (الخامس أن يكون مقدوراً على تسليمه فلا يجوز بيع الآبق ولا الشارد ولا الطير في الهواء ولا السمك في الماء ولا المغصوب إلا من غاصبه أو ممن يقدر على أخذه منه) بيع العبد الآبق لا يجوز سواء علم بمكانه أو جهله وكذلك ما في معناه من الجمل الشارد والفرس العائر وشبههما وبه قال مالك والشافعي وأبو ثور وابن المنذر وأصحاب الرأي وروي عن ابن عمر أنه اشترى من بعض ولده بعيراً شارداً وعن ابن سيرين لا بأس ببيع الآبق إذا كان علمهما فيه واحداً وعن شريح مثله. ولنا ماروى أبو هريرة قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر رواه مسلم وهذا بيع غرر ولأنه غير مقدور على تسليمه فلم يجز بيعه كالطير في الهواء فإن حصل في يد انسان جاز بيعه لإمكان تسليمه (فصل) ولا يجوز بيع الطير في الهواء مملوكا كان اولا أما المملوك فلأنه غير مقدور عليه وغير المملوك لا يجوز لعلتين عدم القدرة وعدم الملك لحديث أبي هريرة قيل في تفسيره هو بيع الطير في الهواء والسمك في الماء ولا نعلم في هذا خلافاً ولا فرق بين كون الطائر يألف الرجوع أولا يألفه لأنه لا يقدر على تسليمه الآن وإنما يقدر إذا عاد. فإن قيل فالغائب في مكان بعيد لا يقدر على تسليمه في الحال، قلنا الغائب يقدر على استحضاره والطير لا يقدر صاحبه على رده إلا أن يرجع هو بنفسه ولا يستقل مالكه برده فيكون عاجزاً عن تسليمه لعجزه عن الواسطة التي يحصل بها تسليمه بخلاف الغائب وإن باعه الطير في البرج نظرت فإن كان البرج مفتوحاً لم يجز لأن الطير إن لم يمكن تسليمه فإن كان مغلقاً ويمكن أخذه جاز بيعه وقال القاضي إن لم يمكن أخذه إلا بتعب ومشقة لم يجز بيعه وهذا مذهب الشافعي. وهو ملغي بالبعيد الذي لا يمكن إحضاره إلا بتعب ومشقة، وفرقوا بينهما بأن البعيد تعلم الكلفة التي يحتاج إليها في إحضاره بالعادة وتأخير التسليم مدته معلومة، والصحيح أن تفاوت المدة في إحضار البعيد واختلاف المشقة أكبر من التفاوت في إمساك طائر من البرج، والعادة تكون في هذا كالعادة في ذلك فإذا صح في البعيد مع كثرة التفاوت وشدة اختلاف المشقة فهذا أولى (فصل) ولا يجوز بيع السمك في الآجام هذا قول أكثر أهل العلم وروى عن ابن مسعود أنه نهى عنه وقال إنه غرر وكرهه الحسن النخعي ومالك وأبو حنيفة والشافعي وأبو يوسف وأبو ثور ولا نعلم لهم مخالفاً لما ذكرنا من الحديث والمعنى، فإن باعه في الماء جاز بثلاثة شروط أحدها أن يكون مملوكاً وأن يكون الماء رقيقا لايمنع مشاهدته ومعرفته، وأن يمكن اصطياده لأنه مملوك معلوم يمكن تسليمه فجاز بيعه كالموضوع في طست في الماء. وإن اختل شرط مما ذكرنا لم يجز بيعه لفوات الشرط وروي عن عمر بن عبد العزيز وابن أبي ليلى فيمن له أجمة يحبس السمك فيها يجوز بيعه لأنه يقدر على تسليمه ظاهراً أشبه ما يحتاج إلى مؤنة في الكيل أو الوزن والنقل. ولنا قول ابن مسعود وابن عمر لا تشتروا السمك في الماء لأنه غرر ولأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر وهذا منه ولأنه لا يقدر على تسليمه إلا بعد اصطياده أشبه الطير في الهواء ولأنه مجهول أشبه اللبن في الضرع ويفارق ما قاسوا عليه، لأن ذلك من مؤنة القبض وهذا يحتاج إلى مؤنة ليمكن قبضه، فأما إن كانت له بركة له فيها سمك

يمكن اصطياده بغير كلفة والماء رقيق لايمنع المشاهدة صح بيعه على ما ذكرنا، وإن لم يمكن إلا بكلفة ومشقة وكانت يسيرة بمنزلة اصطياد الطائر من البرج فالقول فيه كالقول في بيع الطائر في البرج على ما ذكرنا من الخلاف وإن كانت كثيرة تتطاول المدة فيه لم يجز بيعه للعجز عن تسليمه في الحال والجهل بإمكان التسليم (فصل) ولا يجوز بيع المغصوب لعدم إمكان تسليمه فإن باعه لغاصبه أو لقادر على أخذه منه جاز لعدم الغرر فيه ولإمكان قبضه، وكذلك إن باع الآبق لقادر عليه صح كذلك وإن ظن أنه قادر على استنقاذه ممن هو في يده صح البيع فإن عجز عن استنقاذه فله الخيار بين الفسخ والإمضاء لأن العقد صح لكونه مظنون القدرة على قبضه وثبت له الفسخ للعجز عن القبض فهو كما لو باعه فرساً فشردت قبل تسليمها أو غائباً بالصفة فعجز عن تسليمه (فصل) (السادس أن يكون معلوما برؤية أو صفة يحصل بها معرفته فإن اشترى ما لم يره ولم يوصف له أو رآه ولم يعلم ما هو أو ذكر له من صفته ما لا يكفي في السلم لم يصح البيع وعنه يصح وللمشتري خيار الرؤية) اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في بيع الغائب الذي لم يوصف ولم تتقدم رؤيته فالمشهور عنه أنه لا يصح بيعه وبهذا قال الشعبي والنخعي والحسن والاوزاعي ومالك واسحاق وهذا أحد قولي الشافعي. وفيه رواية أخرى أنه يصح وهو مذهب أبي حنيفة والقول الثاني للشافعي واحتج من أجازه بعموم قوله تعالى (وأحل الله البيع) وبما روي عن عثمان وطلحة أنهما تبايعا داريهما إحداهما بالكوفة والأخرى بالمدينة فقيل لعثمان إنك قد غبنت فقال ما أبالي إني بعت ما لم أره. وقيل لطلحة فقال لي الخيار لأنني اشتريت ما لم أره، فتحاكما إلى جبير فجعل الخيار لطلحة. وهذا اتفاق منهم على صحة البيع ولأنه عقد معاوضة فلم تفتقر صحته إلى رؤية المعقود عليه كالنكاح. ولنا ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع الغرر رواه مسلم، ولأنه باع ما لم يره ولم يوصف له فلم يصح كبيع النوى في التمر، ولأنه بيع فلم يصح مع الجهل بصفة المبيع كالسلم والآية مخصوصة بما ذكرنا من الأصل، وأما حديث عثمان وطلحة فيحتمل أنهما تبايعا بالصفة ومع ذلك فهو قول صحابي وقد اختلف في كونه حجة ولا يعارض به حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، والنكاح لا يقصد منه المعاوضة ولا يفسد بفساد العوض ولا بترك ذكره ولا يدخله شئ من الخيارات، وفي اشتراط الرؤية مشقة على المخدرات وإضرار بهن ولأن الصفات التي تعلم بالرؤية ليست هي المقصودة بالنكاح فلا يضر الجهل بها بخلاف البيع. فإن قيل فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من اشترى ما لم يره فهو بالخيار إذا رآه " والخيار لا يثبت إلا في عقد صحيح قلنا: هذا يرويه عمربن إبراهيم الكردي وهو متروك الحديث ويحتمل أنه بالخيار بين العقد عليه وتركه فعلى هذا يشترط رؤية ما هو مقصود بالبيع كداخل الثوب وشعر الجارية ونحوهما، فلو باع ثوباً مطوياً أو عيناً حاضرة لا يشاهد منها ما يختلف الثمن لأجله كان كبيع الغائب فإن قلنا بصحة بيع الغائب فللمشتري الخيار في أشهر الروايتين وهو قول أبي حنيفة ويثبت الخيار عند رؤية المبيع في الفسخ والإمضاء ويكون على الفور فإن اختار الفسخ انفسخ العقد وإن لم يختر لزم العقد لأن الخيار خيار الرؤية فوجب أن يكون عندها وقيل يتقيد بالمجلس وإن اختار الفسخ قبل

الرؤية انفسخ لأن العقد غير لازم في حقه فملك الفسخ كحالة الرؤية وإن اختار إمضاء العقد لم يلزم لأن الخيار يتعلق بالرؤية ولأنه يؤدي إلى إلزام العقد على المجهول فيفضي إلى الضرر وكذلك لو تبايعا على أن لا يثبت الخيار للمشتري لم يصح الشرط كذلك. وهل يفسد به البيع؟ على وجهين بناء على الشروط الفاسدة في البيع (فصل) ويعتبر لصحة العقد الرؤية من المتعاقدين وإن قلنا بصحة البيع مع عدم الرؤية فباع ما لم يره فله الخيار عند الرؤية، وإن لم يره المشتري فلكل منهما الخيار وبهذا قال الشافعي، وقال أبو حنيفة لاخيار للبائع لحديث عثمان وطلحة ولأننا لو أثبتنا له الخيار لثبت لتوهم الزيادة والزيادة في المبيع لا تثبت الخيار بدليل مالو باع شيئاً على أنه معيب فبان غير معيب لم يثبت الخيار له ولنا أنه جاهل بصفة المعقود عليه فأشبه المشتري. فأما الخبر فإنه قول طلحة وجبير وقد خالفهما عثمان وقوله أولى لأن البيع يعتبر فيه الرضا منهما فتعتبر الرؤية التي هي مظنة الرضا منهما {مسألة} (وإن ذكر له من صفته ما يكفي في السلم أو رآه ثم عقدا بعد ذلك بزمن لا يتغير فيه ظاهراً صح في أصح الروايتين ثم إن وجده لم يتغير فلا خيار له، وإن وجده متغيراً فله الفسخ والقول في ذلك قول المشتري مع يمينه) إذا ذكر له من صفات المبيع ما يكفي في صحة السلم صح بيعه في ظاهر المذهب وهو قول أكثر أهل العلم وعنه لا يصح حتى يراه لأن الصفة لا تحصل بها معرفة المبيع فلم يصح البيع بها كالذي لا يصح السلم فيه ولنا أنه بيع بالصفة فصح كالسلم ولا نسلم أن الصفة لا يحصل بها المعرفة فإنها تحصل بالصفات الظاهرة التي لا يختلف بها الثمن ظاهراً ولهذا اكتفي به في السلم ولأنه لا يعتبر في الرؤية الاطلاع على الصفات الخفية. وأما ما لا يصح السلم فيه فإنما لم يصح بيعه بالصفة لأنه لا يمكن ضبطه بها. إذا ثبت هذا فانه متى وجده على الصفة لم يكن له الفسخ وبهذا قال ابن سيرين وأيوب ومالك والعنبري واسحاق وأبو ثور وابن المنذر، وقال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه له الخيار بكل حال لأنه يسمى بيع خيار الرؤية ولان الرؤية من تمام هذا العقد فأشبه غير الموصوف ولأصحاب الشافعي وجهان كالمذهبين، ولنا أنه سلم له المعقود عليه بصفاته فلم يكن له خيار كالمسلم فيه ولأنه مبيع موصوف فلم يكن للعاقد فيه الخيار في جميع الأحوال كالسلم. وقولهم إنه يسمى بيع خيار الرؤية لا تعرف صحته فإن ثبت فيحتمل أنه يسميه من يرى ثبوت الخيار فلا يحتج به على غيره فأما إن وجده بخلاف الصفة فله الخيار ويسمى خيار الخلف في الصفة لأنه وجد الموصوف بخلاف الصفة فلم يلزمه كالمسلم فيه وإن اختلفا في اختلاف الصفة فالقول قول المشتري مع يمينه لأن لاصل براءة ذمته من الثمن فلم يلزمه ما لم يقربه أو يثبت ببينة أو ما يقوم مقامها (فصل) والبيع بالصفة نوعان (أحدهما) بيع عين معينه مثل أن يقول بعتك عبدي التركي ويذكر صفاته فهذا ينفسخ العقد عليه برده على البائع وتلفه قبل قبضه لكون المعقود عليه معينا فيزول العقد بزوال محله، ويجوز التفرق قبل قبض ثمنه وقبضه كبيع الحاضر (الثاني) بيع موصوف غير معين مثل أن يقول بعتك عبداً تركياً ثم يستقصي صفات السلم فهذا في معنى السلم فمتى سلم إليه عبداً على غير

ما وصف فرده أو على ما وصف فأبدله لم يفسد العقد لأن العقد لم يقع على غير هذا فلم ينفسخ العقد برده كما لو سلم إليه في السلم غير ما وصف له فرده ولا يجوز التفرق عن مجلس العقد قبل قبض المبيع أو قبض ثمنه وهذا قول الشافعي لأنه بيع في الذمة فلم يجز التفرق فيه قبل قبض أحد العوضين كالسلم وقال القاضي يجوز التفرق فيه قبل القبض لأنه بيع حال فجاز التفرق فيه قبل القبض كبيع العين (فصل) فإن رأيا المبيع ثم عقدا البيع بعد ذلك بزمن لا تتغير العين فيه جاز في قول أكثر أهل العلم وحكي عن أحمد رواية أخرى لا يجوز حتى يرياها حالة العقد وحكي ذلك عن الحكم وحماد ولأن ما كان شرطاً في صحة العقد يجب أن يكون موجوداً حال العقد كالشهادة في النكاح، ولنا أنه معلوم عندهما أشبه ما لو شاهداه حال العقد والشرط إنما هو العلم والرؤية طريق العلم ولهذا اكتفي بالصفة المحصلة للعلم والشهادة في النكاح تراد لحل العقد والاستيثاق عليه فلهذا اشترطت حال العقد ويقرر ما ذكرناه ما لو رأيا داراً أوقفا في بيت منها أو أرضاً ووقفا في طرفها وتبايعاها صح بلا خلاف مع عدم المشاهدة للكل في الحال، ولو كانت الرؤية المشروطة للبيع مشروطة حال العقد لا اشترط رؤية جميعه، إذا ثبت ذلك فمتى وجد المبيع بحاله لم يتغير لزمه البيع، وإن كان ناقصاً ثبت له الخيار لأن ذلك كحدوث العيب، وإن اختلفا في التغير فالقول قول المشتري مع يمينه لأنه يلزمه الثمن فلا يلزمه ما لم يعترف به فأما إن عقدا البيع بعد رؤية المبيع بمدة يتحقق فيها فساد المبيع لم يصح البيع لأنه مما لا يصح بيعه، وإن كان يتغير فيها لم يصح بيعه أيضاً لأنه مجهول، وكذلك إن كان الظاهر تغيره فإن كان يحتمل التغير وعدمه وليس الظاهر تغيره صح بيعه لأن الأصل السلامة ولم يعارضه ظاهر فيصح بيعه كما لو كانت الغيبة يسيرة وهذا ظاهر مذهب الشافعي {مسألة} (ولايجوز بيع الحمل في البطن، واللبن في الضرع، والمسك في الفأرة، والنوى في التمر) بيع الحمل في البطن فاسد بغير خلاف، قال إبن المنذر اجمعوا على أن بيع الملاقيح والمضامين غير جائز، وإنما لم يجز بيع الحمل في البطن لوجهين (أحدهما) الجهالة فإنه لا تعلم صفته ولا حياته (والثاني) أنه غير مقدور على تسليمه بخلاف الغائب فإنه يقدر على الشروع في تسليمه، وقد روى سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الملاقيح والمضامين، قال أبو عبيد الملاقيح ما في البطون وهي الأجنة، والمضامين ما في أصلاب الفحول فكانوا يبيعون الجنين في بطن الناقة وما يضربه الفحل في عامة أو في أعوام وأنشد إن المضامين التي في الصلب * ماء الفحول في الظهور الحدب وروى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع المجر، قال ابن الأعرابي المجر ما في بطن الناقة والمجر الربا والمجر القمار والمجر المحاقلة والمزابنة (فصل) وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع حبل الحبلة ومعناه نتاج النتاج قاله أبو عبيد وعن ابن عمر قال: كان أهل الجاهلية يتبايعون لحم الجزور إلى حبل الحبلة، وحبل الحبلة أن تنتج

الناقة ثم تحمل التي نتجت فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم. رواه مسلم وكلا البيعين فاسد، أما الأول فلأنه بيع معدوم، وإذا لم يجز بيع الحمل فبيع حمله أولى، وأما الثاني فلأنه بيع إلى أجل مجهول (فصل) ولا يجوز بيع اللبن في الضرع، وبه قال الشافعي واسحاق وأصحاب الرأي ونهى عنه ابن عباس وأبو هريرة وكرهه طاوس ومجاهد. وحكي عن مالك أنه يجوز أياما معلومة إذا عرفا حلابها لسقي الصبي كلبن الظئر وأجازه الحسن وسعيد بن جبير ومحمد بن مسلمة، ولنا ما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يباع صوف على ظهر أو لبن في ضرع رواه الخلال وابن ماجة، ولأنه مجهول الصفة والمقدار فأشبه الحمل، ولأنه بيع عين لم تخلق فلم يصح كبيع ما تحمل الناقة والعادة في ذلك تختلف وأما لبن الظئر فإنما جاز للحضانة لأنه موضع حاجة (فصل) ولا يجوز بيع المسك في الفأرة وهو الوعاء الذي يكون فيه. قال الشاعر: إذا التاجر الهندي راح بفأرة * من المسك راحت في مفارقهم تجري فإن فتح وشاهد ما فيه جاز بيعه وإن لم يشاهد لم يجز بيعه للجهالة، وقال بعض الشافعية يجوز لأن بقاءه في فأرته مصلحة له فإنه يحفظ رطوبته وذكاء رائحته أشبه ما مأكوله في جوفه، ولنا أنه يبقى خارج وعائه من غير ضرورة وتبقى رائحته فلم يجز بيعه مستوراً كالدر في الصدف وما مأكوله في جوفه إخراجه يفضي إلى تلفه، فالتفصيل في بيعه مع وعائه كالتفصيل في بيع السمن في ظرفه على ما نذكره (فصل) ولا يجوز بيع النوى في التمر والبيض في الدجاجة للجهل بها ولا نعلم في هذا اختلافاً، فأما بيع الصوف على الظهر فالمشهور أنه لا يجوز بيعه لما ذكرنا من الحديث، ولأنه متصل بالحيوان فلم يجز إفراده بالعقد كأعضائه، وعنه أنه يجوز بشرط جزء في الحال لأنه معلوم يمكن تسليمه فجاز بيعه كالرطبة وفارق الأعضاء لكونها لا يمكن تسليمها مع بقاء الحيوان سالماً والخلاف فيه كالخلاف في اللبن في الضرع، فإن اشتراه بشرط القطع وتركه حتى طال فحكمه حكم الرطبة إذا طالت على ما نذكره في موضعه {مسألة} (فأما بيع الأعمى وشراؤه فإن أمكنه معرفة المبيع بالذوق إن كان مطعوماً أو بالشم إن كان مشموماً صح بيعه وشراؤه، وإن لم يمكن جاز بيعه بالصفة كالبصير وله خيار الخلف في الصفة) وبهذا قال مالك وقال أبو حنيفة له الخيار إلى معرفته بالبيع إما بحسه أو ذوقه أو وصفه وقال عبيد الله بن الحسن شراؤه جائز وإذا أمر إنساناً بالنظر إليه لزمه. وقال الشافعي لا يجوز إلا على الوجه الذي يجوز فيه بيع المجهول أو يكون قد رآه بصيراً ثم اشتراه قبل مضي زمن يتغير فيه المبيع لأنه مجهول الصفة عند العاقد فلم يصح كبيع البيض في الدجاجة والنوى في التمر ولنا أنه يمكن الاطلاع على المقصود ومعرفته فأشبه بيع البصير، ولأن إشارة الأخرس تقوم مقام عبارته فكذلك شم الأعمى وذوقه، فأما البيض والنوى فلا يمكن الإطلاع عليه ولا وصفه بخلاف مسئلتنا {مسألة} (ولايجوز بيع الملامسة) وهو أن يقول بعتك ثوبي هذا إنك متى لمسته فهو عليك بكذا أو يقول أي ثوب لمسته فهو لك بكذا (ولا بيع المنابذة) وهو أن يقول أي ثوب نبذته إلي فهو علي بكذا (ولابيع الحصاة) وهو أن يقول ارم هذه الحصاة

وإن ذكر له من صفته ما يكفي في السلم أو رآه ثم عقدا بعد ذلك بزمن لا يتغير فيه ظاهرا

فعلى أي ثوب وقعت فهو لك بكذا أو يقول بعتك من هذه الأرض قدر ما تبلغ هذه الحصاة إذا رميتها بكذا لا نعلم بين أهل العلم خلافاً في فساد هذه المبايعات، والملامسة أن يبيعه شيئاً ولا يشاهده على أنه متى لمسه وقع البيع، والمنابذة أن يقول أي ثوب نبذته إلي فقد اشتريته بكذا هكذا فسره أحمد في الظاهر عنه ونحوه قال مالك والاوزاعي، وفيما روى البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المنابذة وهي طرح الرجل ثوبه بالبيع إلى الرجل قبل ان يقلبه أو ينظر إليه، ونهى عن الملامسة والملامسة لمس الثوب لا ينظر إليه. وروى مسلم عن أبي هريرة في تفسيرهما قال هو لمس كل واحد منهما ثوب صاحبه بغير تأمل، والمنابذة أن ينبذ كل واحد منهما ثوبه ولم ينظر كل واحد منهما إلى ثوب صاحبه، وعلى التفسير الأول لا يصح البيع فيهما لعلتين (إحداهما) الجهالة (والثانية) كونه معلقا على شرط وهو نبذ الثوب أو لمسه له، وإن عقد البيع قبل نبذه ولمسه فقال بعتك ما تلمسه من هذه الثياب أو ما أنبذه إليك فهو غير معين ولا موصوف فأشبه مالو قال بعتك واحداً منها. فأما بيع الحصاة فقد روى مسلم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحصاة واختلف في تفسيره فقيل هو أن يقول ارم هذه الحصاة فعلى أي ثوب وقعت فهو لك بدرهم، وقيل هو أن يقول بعتك من هذه الأرض مقدار ما تبلغ هذه الحصاة إذا رميتها بكذا، وقيل هو أن يقول بعتك هذا بكذا على أني متى رميت هذه الحصاة وجب البيع، وكل هذه البيوع فاسدة لما فيها من الغرر والجهل والله تعالى أعلم {مسألة} (ولايجوز أن يبيع عبداً غير معين، ولا عبداً من عبيد، ولا شاة من قطيع، ولا شجرة من بستان، ولا هؤلاء العبيد إلا واحداً غير معين، ولا هذا القطيع الاشاة غير معينة، وإن استثنى معيناً من ذلك جاز) لا يجوز أن يبيع عبداً غير معين لأنه مجهول ولأنه غرر وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر، ولا عبداً من عبيده سواء قلوا أو كثروا وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة إذا باعه عبداً من عبدين أو من ثلاثة بشرط الخيار له صح لأن الحاجة تدعو إليه، ولو كانوا أكثر لم يصح لأنه يكثر الغرر ولنا أنه مما تختلف أجزاؤه وقيمته فلا يجوز شراء بعضه غير معين ولاشياع كالأربعة ولأنه لا يصح من غير شرط الخيار فلا يصح مع شرطه كالأربعة ولا حاجة الى هذا فإن الاختيار يمكن قبل العقد ويبطل ما قالوه بالاربعة، ولايجوز بيع شاة من القطيع لأن شياه القطيع غير متساوية القيم فتكون مجهولة ولأن ذلك يفضي إلى التنازع، وكذلك إن باع شجرة من بستان لا يصح لما ذكرنا ولأن فيه غرراً فيدخل في عموم النهي عن بيع الغرر (فصل) وإن باع هؤلاء العبيد إلا واحداً غير معين، أو هذا القطيع إلا شاة غير معينة لم يصح نص عليه وهو قول أكثر أهل العلم، وقال مالك يصح أن يبيع مائة شاة إلا شاة يختارها، ويبيع ثمرة حائط ويستثني ثمرة نخلات يعدها ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الثنيا إلا أن تعلم، قال الترمذي هذا حديث صحيح، ونهى عن بيع الغرر ولأنه مبيع مجهول فلم يصح كما لو قال إلا شاة مطلقة ولأنه مبيع مجهول فلم يصح كما لو قال بعتك شاة تختارها من القطيع، وضابط هذا الباب أنه لا يصح استثناء ما لا يصح بيعه منفرداً أو بيع

ما عداه منفرداً عن المستثنى ونحوه مذهب أبي حنيفة والشافعي إلا أن أصحابنا استثنوا من هذا سواقط الشاة للأثر الوارد فيبقى فيما عداه على قضية الأصل، فإن استثنى معيناً من ذلك جاز لأن المبيع معلوم بالمشاهدة لكون المستثنى معلوماً ولا يبقى فيه غرر ولأن نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الثنيا إلا أن تعلم يدل على الصحة إذا كانت معلومة ولا نعلم في هذا خلافاً {مسألة} (وإن باع قفيزاً من هذه الصبرة صح) لأنه معلوم لكون أجزائها لا تختلف فلا تفضي إلى الجهالة، وكذلك إذا باعه رطلا من دن أو من زبرة حديد يصح لذلك، وحكي عن داود أنه لا يصح لأنه غير مشاهد ولا موصوف. ولنا أن المبيع مقدر معلوم من جملة يصح بيعها أشبه إذا باع نصفها وما ذكره قياس وهو لا يحتج بالقياس ثم لا يصح لأنه إذا شاهد الجميع فقد شاهد البعض {مسألة} (وإن باعه الصبرة إلا قفيزاً أو ثمرة الشجرة إلا صاعاً لم يصح وعنه يصح) إذا باع صبرة واستثنى منها قفيزاً أو أقفزة أو باع ثمرة بستان واستثنى منها صاعاً أو آصعاً لم يصح في ظاهر المذهب، روى ذلك عن سعيد بن المسيب والحسن والشافعي والاوزاعي واسحاق وأبي ثور وأصحاب الرأي. وفيه رواية أخرى أنه يجوز وهو قول ابن سيرين وسالم بن عبد الله ومالك لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الثنيا إلا أن تعلم وهذه ثنيا معلومة ولأنه معلوم أشبه إذا استثنى منها جزءاً مشاعاً ووجه الأولى ما روى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الثنيا ولأن المبيع إنما علم بالمشاهدة لا بالقدر، والاستثناء يغير حكم المشاهدة لأنه لا يدرى كم يبقى في حكم المشاهدة فلم يجز، ويخالف الجز فإنه لا يعتبر حكم المشاهدة ولا يمنع المعرفة بها، وكذلك إذا باع ثمرة شجرة واستثنى أرطالاً فالحكم فيه على ما ذكرا. وقال القاضي في شرحه يصح لأن الصحابة رضي الله عنهم أجازوا استثناء سواقط الشاة والصحيح ما ذكرناه، وهذه المسألة أشبه بمسألة استثناء الصاع من الحائط والمعنى الذي ذكرناه ثم متحقق هاهنا (فصل) فإن استثنى من الحائط شجرة بعينها جاز لأن المستثنى معلوم ولا يؤدي إلى الجهالة في المستثنى منه، وإن استثنى شجرة غير معينة لم يصح لأن المستثنى مجهول. وقال مالك يصح أن يستثنى ثمرة نخلات يعدها وقد ذكرناه، وقد روي عن ابن عمر أنه باع ثمرة بأربعة آلاف واستثنى طعام القنيان وهذا يحتمل أنه استثنى نخلا معينا بقدر طعام القنيان لأنه لو حمل على غير ذلك كان مخالفاً لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الثنيا إلا أن تعلم، ولأن المستثنى متى كان مجهولاً لزم أن يكون الباقي بعده مجهولاً فلم يصح بيعه كما لو قال بعتك من هذه الثمرة طعام القنيان (فصل) وإن استثنى جزءاً معلوماً من الصبرة أو الحائط مشاعاً كثلاث أو أربع أو أجزاء كثلاثة أثمان صح البيع والاستثناء ذكره أصحابنا وهو مذهب الشافعي، وقال أبو بكر وابن أبي موسى لا يجوز ولنا أنه لايؤدي إلى جهالة المستثنى ولا المستثنى منه فصح كما لو استثنى شجرة بعينها وذلك لا معنى بعتك هذه الصبرة إلا ثلثها اي بعتك ثلثيها، وإن باع حيواناً واستثنى ثلثه جاز ومنع منه القاضي قياساً على استثناء الشحم ولا يصح لأن الشحم مجهولا لا يصح إفراده بالبيع وهذا معلوم يصح إفراده بالبيع

ولا يجوز بيع الحمل في البطن، واللبن في الضرع، والمسك في الفأرة، والنوى في التمر

فصح استثناؤه كالشجرة المعينة، وقياس المعلوم على المجهول في الفساد لا يصح فعلى هذا يصيران شريكين فيه للمشتري ثلثاه وللبائع ثلثه (فصل) وإذا قال بعتك قفيزاً من هذه الصبرة إلا مكوكاً جاز لأن القفيز معلوم والمكوك معلوم ولا يفضي إلى جهالة، ولو قال بعتك هذه الثمرة بأربعة دراهم إلا بقدر درهم صح لأن قدره معلوم من المبيع وهو الربع فكأنه قال بعتك ثلاثة أرباع هذه الثمرة بأربعة دراهم، وإن قال إلا ما يساوي درهماً لم يصح لأن ما يساوي الدرهم يكون الربع وأكثر وأقل فيكون مجهولاً فيبطل {مسألة} (وإن باعه أرضاً إلا جريباً أو جريباً من أرض يعلمان جربانها صح وكان مشاعاً فيها وإلا لم يصح) إذا باعه أرضاً إلا جريباً يريدان بذلك قدراً غير مشاع لم يصح لأن الأرض لا تساوي اجزاؤها فيكون البيع مجهولاً فهو كما لو باعه شاة من قطيع أو عبداً من عبيد، وإن كان الجريب المستثنى مشاعاً في الأرض وهما يعلمان جربانها صح لأنها إذا كانت عشرة أجربه فقد باع تسعة أعشار هذه الأرض وهو معلوم بالمشاهدة وإن لم يعلما جربانها لم يصح لأن المبيع غير معلوم فهو كما لو باع هؤلاء العبيد إلا واحداً غير معين وكذلك إن باعه جريباً من هذه الأرض إن أراد قدراً غير مشاع لم يصح، وإن باعه مشاعاً وهما يعلمان جربانها صح، وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا يصح لأن الجريب عبارة عن بقعة بعينها وموضعه مجهول. ولنا أن الجريب من عشرة عشرها ولو قال بعتك عشر هذه الأرض صح فكذلك إذا باعه منها جريباً مشاعاً وهي عشرة. وما قالوه غير مسلم لأنه عبارة عن قدر كما أن المكيال عبارة عن قدر فإذا أضافه إلى جملة كان ذلك جزأ منها، وإن كانا لا يعلمان ذرعان الدار لم يصح لأن الجملة غير معلومة وأجزاء الأرض مختلفة فلا يمكن أن يكون معيناً ولا مشاعاً، وإن قال بعتك من الأرض من هنا إلى هنا جاز لأنه معلوم، وإن قال عشرة أذرع ابتداؤها من هنا إلى حيث ينتهي الذرع لم يصح لأن الموضع الذي ينتهي إليه الذرع لا يعلم حال العقد، وإن قال بعتك نصيبي من هذه الدار ولا يعلم قدر نصيبه أو قال نصيباً منها أو سهما لم يصح للجهالة وان علماه صح، وإن قال بعتك نصف داري مما يلي دارك لم يصح نص عليه لأنه لا يدري إلى أين ينتهي فيكون مجهولاً (فصل) وحكم الثوب حكم الأرض إلا أنه إذا قال بعتك من هذا الثوب من هذا الموضع إلى هذا صح فإن كان القطع لا ينقصه قطعاه، وإن كان ينقصه وشرط البائع أن يقطع له أو رضي بقطعه هو والمشتري جاز، وإن تشاحا في ذلك كانا شريكين فيه كما يشتركان في الأرض، وقال القاضي لا يصح لأنه لا يقدر على التسليم إلا بضرر أشبه مالو باعه نصفاً معيناً من الحيوان، ولنا أن التسليم ممكن ولحوق الضرر لايمنع التسليم إذا حصل الرضا فهو كما لو باعه نصف حيوان مشاعاً وفارق نصف الحيوان المعين فإنه لا يمكن تسليمه مفرداً إلا بإتلافه وإخراجه عن المالية {مسألة} (وإن باعه حيواناً مأكولا إلا رأسه أو جلده أو أطرافه صح وإن استثنى حمله أو شحمه لم يصح) إذا باعه حيواناً مأكولاً واستثنى رأسه أو جلده أو أطرافه صح نص عليه أحمد رحمه الله وقال مالك يصح في السفر دون الحضر لأن المسافر لا يمكنه الانتفاع بالجلد والسواقط فجوز له شراء اللحم دونها. وقال

ولا يجوز بيع الملامسة

أبو حنيفة والشافعي لا يجوز لأنه لا يجوز إفراده بالبيع فلم يجز استثناؤه كالحمل ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الثنيا إلا أن تعلم وهذه معلومة، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة ومعه أبو بكر وعامر بن فهيرة مروا براعي غنم فذهب أبو بكر وعامر فاشتريا منه شاة وشرطا له سلبها، وروى أبو بكر في الشفاء باسناده عن جابر عن الشعبي قال: قضى زيد بن ثابت وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في بقرة باعها رجل واشترط رأسها فقضى بالشروى يعني أن يعطى رأساً مثل رأس، ولأن المستثنى والمستثنى منه معلومان فصح كما لو باع حائطاً واستثنى منه نخلة معينة، وكونه لا يجوز إفراده بالبيع لا يمنع صحة استثنائه كما أن الثمرة قبل التأبير لا يجوز إفرادها بالبيع بشرط كشرط التبقية ويجوز استثناؤها والحمل مجهول وفيه منع. فإن امتنع المشتري من ذبحها لم يجبر ويلزمه قيمة ذلك على التقريب نص عليه لما روي عن علي رضي الله عنه انه قضى في رجل اشترى ناقة وشرط ثنياها فقال اذهبوا إلى السوق فإذا بلغت أقصى ثمنها فاعطوه بحساب ثنياها من ثمنها (فصل) فإن استثنى شحم الحيوان لم يصح نص عليه أحمد، قال أبو بكر لا يختلفون عن أبي عبد الله أنه لا يجوز ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الثنيا إلا أن تعلم، ولأنه مجهول لا يصح إفراده بالبيع فلم يصح استثناؤه كفخذها، وإن استثنى الحمل لم يصح الاستثناء لما ذكرنا وهو قول أبي حنيفة ومالك والثوري والشافعي، نقل عن أحمد صحته، وبه قال الحسن والنخعي واسحاق وأبو ثور لما روى نافع أن ابن عمر رضي الله عنهما باع جارية واستثنى ما في بطنها، ولأنه يصح استثناؤه في العتق فصح في البيع قياساً عليه. ولنا ما تقدم في الصحيح من حديث ابن عمر أنه أعتق جارية واستثنى ما في بطنها لأن الثقات الحفاظ حدثوا بالحديث فقالوا أعتق جارية والإسناد واحد. قاله أبو بكر ولا يلزم من الصحة في العتق الصحة في البيع لأن العتق لا تمنعه الجهالة ولا العجز عن التسليم، ولا تعتبر فيه شروط البيع (فصل) وإن باع جارية حاملاً بحر، فقال القاضي لا يصح وهو مذهب الشافعي لأنه يدخل في البيع فكأنه مستثنى. والاولى صحته لا المبيع معلوم وجهالة الحمل لا تضر لأنه ليس بمبيع ولا مستثنى باللفظ، وقد يستثنى بالشرع ما لا يصح استثناؤه باللفظ كما لو باع أمة مزوجة صح ووقعت منفعة البضع مستثناة بالشرع ولو استثناها بلفظه لم يجز، ولو باع أرضاً فيها زرع للبائع أو نخله مؤبرة وقعت منفعتها مستثناة مدة بقاء الزرع والثمرة ولو استثناها بقوله لم يجز (فصل) ولو باعه سمسماً واستثنى الكسب لم يجز لأنه قد باعه الشريج في الحقيقة وهو غير معلوم فإنه غير معين ولا موصوف ولأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الثنيا إلا أن تعلم، وكذلك إن باعه قطناً، واستثنى الحب لم يجز للجهالة، وكذلك إن باعه السمسم واستثنى الشيرج لم يجز لذلك {مسألة} (ويجوز بيع ما مأكوله في جوفه وبيع الباقلا والجوز واللوز في قشريه والحب المشتد في سنبله) يجوز بيع ما مأكوله في جوفه كالرمان والبيض والجوز لا نعلم فيه خلافا لأن الحاجة تدعو إلى بيعه كذلك لكونه يفسد إذا أخرج من قشره

ولا يجوز أن يبيع عبدا غير معين، ولا عبدا من عبيد، ولا شاة من قطيع..

(فصل) ويجوز بيع الجوز واللوز والفستق والباقلا والرطب في قشريه مقطوعاً وفي شجره وبيع الطلع قبل تشقيقه مقطوعاً وفي شجره وبيع الحب المشتد في سنبله، وبه قال أبو حنيفة ومالك، وقال الشافعي لا يجوز حتى ينزع قشره الا على إلا في الطلع والسنبل في أحد القولين، واحتج بأنه مستور بما لا يدخر عليه ولا مصلحة فيه فلم يجز بيعه كتراب الصاغة والمعادن وبيع والحيوان المذبوح في سلخه. ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها وعن بيع السنبل حتى يبيض وتؤمن العاهة فمفهومة إباحة بيعه إذا بدا صلاحه وأبيض سنبله ولأنه مستور بحائل من أصل خلقته فجاز بيعه كالرمان والبيض والقشر الأسفل، ولا يصح قولهم ليس من مصلحته فإنه لاقوام له في شجرة إلا به، والباقلا يؤكل رطباً وقشره يحفظ رطوبته ولأن الباقلا يباع في أسواق المسلمين من غير نكير وهذا إجماع، وكذلك الجوز واللوز في شجرهما والحيوان المذبوح يجوز بيعه في سلخه فإنه إذا جاز بيعه قبل ذبحه وهو مراد للذبح فكذلك إذا ذبح كما أن الرمانة إذا جاز بيعها قبل كسرها فكذلك إذا كسرت، وأما تراب الصاغة والمعادن فلنا فيهما منع وإن سلم فليس ذلك من أصل الخلقة في تراب الصاغة ولا بقاؤه فيه من مصلحته بخلاف مسألتنا. (فصل) (السابع أن يكون الثمن معلوماً فإن باعه السلعة برقمها أو بألف درهم ذهباً وفضة أو بما ينقطع به السعر أو بما باع به فلان أو بدينار مطلق وفي البلد نقود لم يصح البيع وإن كان فيه نقد واحد انصرف إليه) يشترط أن يكون الثمن في البيع معلوماً عند المتعاقدين لأنه أحد العوضين فاشترط العلم به كالآخر وقياساً على رأس مال السلم فإن باعه السلعة برقمها وهما لا يعلمانه أو أحدهما لم يصح البيع للجهالة فيه وكذلك إن باعه بألف درهم ذهباً وفضه لأنه مجهول ولأنه بيع غرر فيدخل في عموم النهي عن بيع الغرر، وإن باعه بمائة ذهباً وفضة لم يصح البيع، وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة يصح ويكون نصفين لأن الإطلاق يقتضي التسوية كالإقرار، ولنا أن قدر كل واحد منهما مجهول فلم يصح كما لو قال بمائة بعضها ذهب وقوله إنه يقتضي التسوية ممنوع فإنه لو فسره بغير ذلك صح. وكذلك لو أقر له بمائة ذهباً وفضة فالقول قوله في قدر كل واحد منهما. وإن باعه بما ينقطع السعر به أو بما باع به فلان عبده وهما لا يعلمانه أو أحدهما لم يصح لأنه مجهول، وإن باعه بدينار مطلق وفي البلد نقود لم يصح لجهالته وإن كان فيه نقد واحد انصرف إليه لأنه تعين بانفراده وعدم مشاركة غيره ولهذا لو أقر بدينار أو أوصى به انصرف إليه. {مسألة} (وإن قال بعتك بعشرة صحاح أو إحدى عشرة مكسرة أو بعشرة نقد أو عشرين نسيئة لم يصح) لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيعتين في بيعه وهذا هو كذلك فسره مالك والثوري واسحاق، وهذا قول أكثر أهل العلم لأنه لم يجزم له ببيع واحد أشبه ما لو قال بعتك أحد هذين ولأن الثمن مجهول فلم يصح كالبيع بالرقم المجهول، وقد روي عن طاوس والحكم وحماد أنهم قالوا لا بأس ان يقول أبيعك بالنقد بكذا وبالنسيئة بكذا فيذهب إلى أحدهما فيحتمل انه جرى بينها بعد ما يجري في العقد فكأن المشتري قال أنا آخذه بالنسيئة بكذا

وإن باعه الصبرة إلا قفيزا أو ثمرة الشجرة إلا صاعا لم يصح وعنه يصح

فقال خذه أو قد رضيت ونحو ذلك فيكون عقداً كافياً فيقول كقول الجمهور، فعلى هذا إن لم يوجد ما يدل على الإيجاب أو ما يقوم مقامه لم يصح لأن ما مضى من القول لا يصلح أن يكون إيجاباً. وقد روي عن أحمد أنه قال فيمن قال إن خطته اليوم فلك درهم وإن خطته غدا فلك نصف درهم أنه يصح فيتحمل أن لا يلحق به هذا البيع فيخرج وجهاً في الصحة ويحتمل أن يفرق بينهما من حيث إن العقد ثم يمكن أن يصح لكونه جعالة بخلاف البيع ولان العمل الذي يستحق به الأجرة لا يمكن وقوعه إلا على إحدى الصفتين فتتعين الأجرة المسماة عوضاً فلا يفضي إلى التنازع وهذا بخلافه {مسألة} (وإن باعه الصبرة كل قفيز بدرهم والثوب كل ذراع بدرهم والقطيع كل شاة بدرهم صح) إذا باعه الصبرة كل قفيز بدرهم صح وإن لم يعلما قدر قفزانها حال العقد وبهذا قال مالك والشافعي وقال أبو حنيفة يصح في قفيز واحد ويبطل فيما سواه لأن جملة الثمن مجهولة فلم يصح كبيع المتاع برقمه، ولنا أن المبيع معلوم بالمشاهدة والثمن معلوم لإشارته إلى ما يعرف مبلغه بجهة لا تتعلق بالمتعاقدين وهو وكيل الصبرة فجاز كما لو باع ما رأس ماله اثنان وسبعون لكل ثلاثة عشر درهم فإنه لا يعلم في الحال وإنما يعلم بالحساب كذا ههنا ولأن المبيع معلوم بالمشاهدة والثمن معلوم قدر ما يقابل كل جزء من المبيع فصح كالأصل المذكور وكذلك حكم الثوب والأرض والقطيع من الغنم إذا كان مشاهداً فباعه إياه كل ذراع بدرهم أو كل شاة بدرهم صح وإن لم يعلما قدر ذلك حال العقد لما ذكرنا في الصبرة {مسألة} (وإن باعه من الصبرة كل قفيز بدرهم لم يصح لأن من للتبعيض وكل للعدد فيكون ذلك العدد منها مجهولاً) ويحتمل أن يصح البيع بناء على قوله في الإجارة إذا أجره كل شهر بدرهم. قال ابن عقيل وهو الاشبهة كالمسألة التي قبلها لأن من وإن أعطيت البعض فما هو بعض مجهول بل قد جعل لكل جزء معلوم منها ثمناً معلوماً فهو كما لو قال قفيزاً منها وكمسألة الإجارة (فصل) وإن قال بعتك هذه الصبرة بعشرة دراهم على أن أزيدك قفيزاً أو أنقصك قفيزاً لم يصح لأنه لا يدري أيزيده أم ينقصه. وإن قال على أن أزيدك قفيزاً لم يجز لأن القفيز مجهول. وإن قال على أن أزيدك قفيزاً من هذه الصبرة الاخرى أو بصفة يعلم بها صح لأن معناه بعتك هذه الصبرة وقفيزاً من هذه الأخرى بعشرة دراهم، وإن قال على أن أنقصك قفيزاً لم يصح لأن معناه بعتك هذه الصبرة إلا قفيزاً كل قفيز بدرهم وشئ مجهول، ولو قال بعتك هذه الصبرة كل قفيز بدرهم على أن أزيدك قفيزاً من هذه الصبرة الأخرى لم يصح لإفضائه إلى جهالة في الثمن في التفصيل لأنه يصير قفيزاً وشيئاً بدرهم وهما لا يعرفانه لعدم معرفتهما بكمية ما في الصبرة من القفزان. ولو قصد أني أحط ثمن قفيز من الصبرة ولا أحتسب به لم يصح للجهالة التي ذكرناها. وإن علما قدر فقزان الصبرة أو قال هذه عشرة أقفزة بعتكها كل قفيز بدرهم على أن أزيدك قفيزاً من هذه الصبرة أو وصفه بصفة يعلم بها صح لأن معناه بعتك كل قفيز وعشرة بدرهم وإن لم يعلم القفزان وجعله هبة لم يصح وإن أراد أني لا احتسب

وإن باعه أرضا إلا جريبا أو جريبا من أرض يعلمان جربانها صح وكان مشاعا فيها وإلا لم يصح

عليك بثمن قفيز منها صح أيضاً لأنهما لما علما جملة الصبرة علما ما ينقص من الثمن، ولو قال على أن أنقصك قفيزاً صح لأن معناه بعتك تسعة أقفزة بعشرة دراهم، وحكي عن أبي بكر أنه يصح في جميع المسائل على قياس قول أحمد لأنه يجيز الشرط ولا يصح ما قاله لأن المبيع مجهول فلا يصح بيعه بخلاف الشرط الذي لا يفضي إلى الجهالة. وما لا تتساوى أجزاؤه كالأرض والثوب والقطيع من الغنم فيه نحو من مسائل الصبرة. وإن قال بعتك هذه الأرض أو هذه الدار أو هذا الثوب أو هذا القطيع بألف درهم صح إذا شاهداه وإن قال بعتك نصفه أو ثلثه أو ربعه بكذا صح وإن قال بعتك من الثوب كل ذراع بدرهم أو من القطيع كل شاة بدرهم لا يصح لأنه مجهول (فصل) ويصح بيع الصبرة جزافاً مع جهل المتبايعين بقدرها لا نعلم فيه خلافاً وقد نص عليه أحمد ودل عليه حديث ابن عمر وهو قوله، كنا نشتري الطعام من الركبان جزافاً فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نبيعه حتى ننقله من مكانه متفق عليه، ولأنه معلوم بالرؤية فصح بيعه كالثياب والحيوان، ولا يضر عدم مشاهدة باطن الصبرة فإن ذلك يشق لكون الحب بعضه على بعض ولا يمكن بسطها حبة حبة، ولأن الحب تتساوى أجزاؤه في الظاهر فاكفتي برؤية ظاهره بخلاف الثوب فإن نشره لا يشق وتختلف أجزاؤه ولايحتاج إلى معرفة قدرها مع المشاهدة لأنه علم ما اشترى بأبلغ الطرق وهو الرؤية، وكذلك لو قال بعتك نصف هذه الصبرة أو جزأ منها معلوماً لأن ما جاز بيع جملته جاز بيع بعضه كالحيوان، قال ابن عقيل ولا يصح هذا إلا أن تكون الصبرة متساوية الأجزاء، فإن كانت مختلفة مثل صبرة بقال القرية لم يصح، ويحتمل أن يصح لأنه يشتري منها جزءاً مشاعاً فيستحق من جيدها ورديئها بقسطه ولا فرق بين الأثمان والمثمنات في صحة بيعها جزافاً، وقال مالك لا يجوز في الأثمان لأن لها خطراً ولا يشق وزنها ولا عددها فأشبه الرقيق والثياب ولنا أنه معلوم بالمشاهدة أشبه المثمنات والنقرة والحلي ويبطل بذلك ما قال. وأما الرقيق فإنه يجوز بيعهم إذا شاهدهم ولم يعدهم، وكذلك الثياب إذا شراها ورأى جميع أجزائها (فصل) فإن كان البائع يعلم قدر الصبرة لم يجز بيعها جزافاً نص عليه أحمد وهو اختيار الخرقي. وكرهه عطاء وابن سيرين ومجاهد وعكرمة، وبه قال مالك واسحاق وروي ذلك عن طاوس، قال مالك لم يزل أهل العلم ينهون عن ذلك، وعن أحمد رحمه الله أنه مكروه غير محرم فقد روى بكر بن محمد عن أبيه عنه أنه سئل عن الرجل يبيع الطعام جزافاً وقد عرف كيله، فقلت له وإن مالكاً يقول إذا باع الطعام ولم يعلم المشتري فإن اختار أن يرده رده قال: هذا تغليظ شديد ولكن لا يعجبني إذا عرف كيله إلا أن يخبره فإن باعه فهو جائز عليه وقد أساء. ولم ير أبو حنيفة والشافعي بذلك بأسا لأنه إذا جاز البيع مع جهلهما بمقداره فمع العلم من أحدهما أولى. ووجه الأول ما روى الأوزاعي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من عرف مبلغ شئ فلا يبيعه جزافاً حتى يبينه " قال القاضي وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع الطعام مجازفة وهو يعلم كيله وأيضاً الاجماع الذي نقله مالك ولأن البائع لا يعدل إلى البيع جزافاً مع علمه بقدر الكيل إلا للتغرير ظاهراً وقد قال عليه السلام " من غشنا

وإن باعه حيوانا مأكولا إلا رأسه أو جلده أو أطرافه صح وإن استثنى حمله أو شحمه لم يصح

فليس منا " فصار كتدليس البيع فإن باع ما علم كيله صبرة فظاهر كلام أحمد في رواية محمد بن الحكم إن البيع صحيح لازم وهو قول أبي حنيفة والشافعي لأن المبيع معلوم لهما ولا تغرير من أحدهما أشبه مالو علما كيله أو جهلاه ولم يثبت ما روي من النهي فيه، وانما كرهه أحمد كراهة تنزيه لاختلاف العلماء فيه ولأن تسويتهما في العلم أو الجهل أبعد من التغرير. وقال القاضي وأصحابه هذا بمنزلة التدليس والغش إن علم به المشتري فلا خيار له لأنه دخل على بصيرة فهو كمن اشترى مصراة يعلم تصريتها، وإن لم يعلم أن البائع كان عالماً بذلك فله الخيار في الفسخ والإمضاء وهذا قول مالك لأنه غش وغرر من البائع فصح العقد معه ويثبت للمشتري الخيار، وذهب بعض أصحابه إلى أن البيع فاسد والنهي يقتضي الفساد (فصل) فإن أخبره البائع بكيله ثم باعه بذلك الكيل فالبيع صحيح، فإن قبضه باكتياله تم البيع والقبض، وإن قبضه بغير كيل كان بمنزلة قبضه جزافاً إن كان البيع باقياً كاله عليه، فإن كان قدر حقه الذي أخبره فقد استوفاه، وان كان زائداً رد الفضل وإن كان ناقصاً أخذ النقص، وإن كان قد تلف فالقول قول القابض مع يمينه سواء قل القبض أو كثر لأن الأصل عدم القبض وبقاء الحق وليس للمشتري التصرف في الجميع قبل كيله لأن للبائع فيه علقة فإنه لو زاد كانت الزيادة له ولا يتصرف في أقل من حقه بغير كيل لأن ذلك يمنعه من معرفة كيله، وان تصرف فيما يتحقق أنه مستحق له مثل أن يكون حقه قفيزاً فيتصرف في ذلك أو في أقل منه بالكيل ففيه وجهان (أحدهما) له ذلك لأنه تصرف في حقه بعد قبضه فجاز كما لوكيل له (والثاني) لا يجوز لأنه لا يجوز له التصرف في الجميع فلم يجز له التصرف في البعض كما قبل القبض، فإن قبضه بالوزن فهو كما لو قبضه جزافاً، فأما إن أعلمه بكيلة ثم باعه إياه مجازفة على أنه له بذلك الثمن سواء زاد أو نقص لم يجز لما روى الأثرم باسناده عن الحكم قال: قدم طعام لعثمان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " إذهبوا بنا إلى عثمان نعينه على طعامه " فقام إلى جنبه فقال عثمان في هذه الغرارة كذا وكذا وأبيعها بكذا وكذا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا سميت الكيل فكل " قال أحمد إذا أخبره البائع أن في كل قارورة منها كذا رطلاً فأخذ بذلك ولا يكتاله فلا يعجبني لقوله فعثمان " إذا سميت الكيل فكل " قيل له إنهم يقولون إذا فتح فسد. قال فلم لا يفتحون واحدة ويتركون الباقي (فصل) ولو كان طعاماً وآخر يشاهده فلمن شاهد الكيل شراؤه بغير كيل ثان لأنه شاهد كيله أشبه مالو كيل له وعنه يحتاج إلى كيل للخبر وكالبيع الأول ولو كاله بائع للمشتري ثم اشتراه منه فكذلك لما ذكرنا، ولو اشترى اثنان طعاماً فاكتالاه ثم اشترى أحدهما حصة شريكه قبل تفرقهما فهو جائز، وإن لم يحضر المشتري الكيل لم يجز إلا بكيل. وقال ابن أبي موسى فيه رواية أخرى لابد من كيله، وإن باعه الثاني في هذه المواضع على أنه صبرة جاز ولم يحتج إلى كيل ثان ينقله كالصبرة (فصل) قال أحمد في رجل يشتري الجوز فيعد في مكيل ألف جوزه ثم يأخذ الجوز كله على ذلك العيار لا يجوز. وقال في رجل ابتاع أعكاماً كيلا وقال للبائع كل لي عكما منها وأخد ما بقي على هذا الكيل أكره هذا حتى يكيلها كلها. قال الثوري كان أصحابنا يكرهون هذا وذلك لأن ما في

ويجوز بيع ما مأكوله في جوفه وبيع الباقلا والجوز واللوز في قشريه والحب المشتد في سنبله

العكوم يختلف فلا يعلم ما في بعضها بكيل البعض، والجوز يختلف فيكون في أحد المكيلين أكثر من الآخر فلا يصح تقديره بالكيل كما لا يصح تقدير المكيل بالوزن ولا الموزون بالكيل (فصل) وإن باع الأدهان في ظروفها جملة وقد شاهدها جاز لأن أجزاءها لا تختلف فهي كالصبرة وكذلك الحكم في العسل والدبس والخل وسائر المائعات التي لا تختلف، فإن باعه كل رطل بدرهم أو باعه رطلاً منه أو أرطالاً معلومة يعلم أن فيها أكثر منها أو باعه أجزاء مشاعة أو أجزاء أو باعه إياه مع الظرف بعشرة دراهم أو بثمن معلوم جاز، وإن باعه السمن والظرف كل رطل بدرهم وهما يعلمان مبلغ كل واحد منهما صح لأنه قد علم المبيع والثمن، وإن لم يعلما ذلك جاز أيضاً لأنه قد رضي أن يشتري الظرف كل رطل بدرهم وما فيه كذلك فأشبه مالو اشترى ظرفين في أحدهما سمن وفي آخر زيت كل رطل بدرهم. وقال القاضي لا يصح لأن وزن الظرف يزيد وينقص فيدخل على غرر. والأول أصح لأن بيع كل واحد منهما منفرداً يصح كذلك، فكذلك إذا جمعهما كالأرض المختلفة الأجزاء والثياب وغيرها. فأما إن باعه كل رطل بدرهم على أن يزن الظرف فيحسب عليه بوزنه ولا يكون مبيعاً وهما يعلمان زنة كل واحد منهما صح لأنه إذا علم أن الدهن عشرة والظرف رطل كان معناه بعتك عشرة أرطال باثني عشر درهما، وإن كانا لا يعلمان زنة الظرف والدهن لم يصح لأنه يؤدي إلى جهالة الثمن في الحال، وسواء جهلا زنتهما جميعاً أو زنة أحدهما كذلك (فصل) وإن وجد في ظرف الدهن ربا فقال ابن المنذر قال أحمد واسحاق إن كان سمانا عنده سمن أعطاه بوزنه سمناً، وإن لم يكن عنده سمن أعطاه بقدر الرب من الثمن وألزمه شريح بقدر الرب سمناً بكل حال، وقال الثوري إن شاء أخذ الذي وجد ولا يكلف أن يعطيه بقدر الرب سمناً. ولنا أنه وجد المبيع بكيل ناقصاً فأشبه ما لو اشترى صبرة فوجد تحتها ربوة أو اشتراها على أنها عشرة أقفزة فبانت تسعة فإنه يأخذ الموجود بقسطه من الثمن، كذلك هذا فعلى هذا إنما يأخذ الموجود بقسطه من الثمن ولا يلزم البائع أن يعطيه سمناً سواء كان موجوداً عنده أو لم يكن، فإن تراضيا على إعطائه سمناً جاز (فصل) وإن باعه بمائة درهم إلا ديناراً لم يصح ذكره القاضي لأنه قصد استثناء قيمة الدينار وذلك غير معلوم، واستثناء المجهول من المعلوم يصيره مجهولاً ولأنه استثناء من غير الجنس فلم يصح كما لو قال بمائة إلا قفيزاً من حنطة ويجئ على قول الخرقي أنه يصح فيمن استثنى في الإقرار عيناً من ورق أو ورقاً من عين فإنه يصح، فعلى هذا يحذف من الجملة بقيمة الدينار، ولو قال بمائة إلا قفيزاً من حنطة لم يصح لأنه استثناء من غير الجنس. فأما الذهب والفضة فهما كالجنس الواحد (فصل في تفريق الصفقة) (وهو أن يجمع بين ما يجوز بيعه وبين ما لا يجوز) صفقة واحدة بثمن واحد (وله ثلاث صور (إحداها) أن يبيع معلوماً ومجهولاً) كقولك بعتك هذه الفرس وما في بطن هذه الفرس الأخرى بكذا فهذا بيع باطل بكل حال ولا أعلم في بطلانه خلافاً لأن المجهول لا يصح بيعه بجهالته والمعلوم مجهول الثمن ولا سبيل إلى معرفته لأن معرفته إنما تكون بتقسيط الثمن عليهما والمجهول لا يمكن تقويمه فيتعذر التقسيط

وإن قال بعتك بعشرة صحاح أو إحدى عشرة مكسرة أو بعشرة نقدا أو عشرين نسيئة لم يصح

(الثانية) باع مشاعاً بينه وبين غيره بغير إذن شريكه كعبد مشترك بينهما أو ما يقسم عليه الثمن بالأجزاء كقفيزين متساويين لهما فيصح في ملكه بقسطه من الثمن ويفسد في نصيب الآخر، والثاني لا يصح فيهما وأصل الوجهين أن أحمد نص فيمن تزوج حرة وأمة على روايتين (إحداهما) يفسد فيهما (والثانية) يصح في الحرة. الوجه الأول قول مالك وأبي حنيفة وأحد قولي الشافعي، وقال في الآخر لا يصح وهو قول أبي ثور لأن الصفقة جمعت حلالاً وحراماً فغلب التحريم، ولأن الصفقة إذا لم يمكن تصحيحها في جميع المعقود عليه بطلت في الكل كالجمع بين الأختين وبيع درهم بدرهمين، ووجه الأول أن كل واحد منهما له حكم لو كان منفرداً فإذا جمع بينهما ثبت لكل واحد حكمه كما لو باع شقصا وسيفاً ولأن ما يجوز بيعه قد صدر فيه البيع من أهله في محله بشرطه فصح كما لو انفرد، ولأن البيع سبب اقتضى الحكم في محلين فامتنع حكمه في أحد المحلين لنبوته عن قبوله فيصح في الآخر كما لو وصى بشئ لآدمي وبهيمة. وأما الدرهمان والأختان فليس واحد منهما أولى بالفساد من الآخر فلذلك فسد فيهما وهذا بخلافه (فصل) ومتى حكمنا بالصحة ههنا وكان المشتري عالماً بالحال فلا خيار له لأنه دخل على بصيرة وإن لم يعلم مثل أن اشترى عبداً يظنه كله للبائع فبان أنه لا يملك إلا نصفه فله الخيار بين الفسخ والإمساك لأن الصفقة تبعضت عليه، وأما البائع فلا خيار له لأنه رضي بزوال ملكه عما يجوز بقسطه ولو وقع العقد على شيئين يفتقر الى القبض فيهما فتلف أحدهما قبل قبضه، فقال القاضي للمشتري الخيار بين إمساك الباقي بحصته وبين الفسخ لأن حكم ما قبل القبض في كون المبيع من ضمان البائع حكم ما قبل العقد بدليل أنه لو تعيب قبل قبضه ملك المشتري الفسخ به (الثالثة باع عبده وعبد غيره بغير إذنه أو عبداً وحراً أو خلاً وخمراً ففيه روايتان) اختلفت الرواية عن أحمد في هذا المسألة فنقل صالح عن أحمد فيمن اشترى عبدين فوجد أحدهما حراً رجع بقيمته من الثمن، ونقل عنه مهنا فيمن تزوج امرأة على عبدين فوجد أحدهما حراً فلها قيمة العبدين فأبطل الصداق فيهما جميعاً. وللشافعي قولان كالروايتين وأبطل مالك العقد فيهما إلا أن يبيع ملكه وملك غيره فيصح في ملكه يقف في ملك غيره على الإجازة ونحوه قول أبي حنيفة فإنه قال إن كان أحدهما لا يصح بيعه بنص أو بإجماع كالحر والخمر لم يصح العقد فيهما وإن لم يثبت بذلك كملكه وملك غيره صح فيما يملكه لان ما اختلف فيه يمكن أن يلحقه حكم الإجازة بحكم حاكم بصحة بيعه، وقال أبو ثور لا يصح بيعه لما تقدم في القسم الثاني، ولأن الثمن مجهول لأنه إنما يبين بالتقسيط للثمن على القيمة وذلك مجهول في الحال فلم يصح البيع به كما لو قال بعتك هذه السلعة برقمها أو بحصتها من رأس المال، ولأنه لو صرح به فقال بعتك هذا بقسطه من الثمن لم يصح فكذلك إذا لم يصرح وهذا هو الصحيح إن شاء الله تعالى ووجه الرواية الأولى أنه متى سمى ثمناً في مبيع فتقسط بعضه لا يوجب جهالة تمنع الصحة كما لو وجد بعض المبيع معيباً فأخذ أرشه، وإذا قلنا بالصحة فللمشتري الخيار إذا لم يكن عالماً كالقسم

وإن باعه الصبرة كل قفيز بدرهم والثوب كل ذراع بدرهم والقطيع كل شاة بدرهم صح

الثاني لتبعض الصفقة عليه والحكم في الرهن والهبة وسائر العقود إذا جمعت ما يجوز وما لا يجوز كالحكم في البيع إلا أن الظاهر فيها الصحة لأنها ليست عقود معاوضة فلا تؤثر جهالة العوض فيها (فصل) وإن وقع العقد على مكيل أو موزون فتلف بعضه قبل قبضه لم ينفسخ العقد في الباقي رواية واحدة سواء كانا من جنس واحد أو جنسين ويأخذ المشتري الباقي بحصته من الثمن لأن العقد وقع صحيحاً فذهاب بعضه لا يفسخه كما بعد القبض وكما لو وجد أحد المبيعين معيباً فرده أو أقال أحد المتبايعين الآخر في بعض المبيع {مسألة} (وإن باع عبده وعبد غيره بإذنه بثمن واحد فهل يصح؟ على وجهين) (أحدهما) يصح فيهما ويتقسط الثمن على قدر قيمتهما وهو قول مالك وأبي حنيفة وأحد قولي الشافعي لأن جملة الثمن معلومة فصح كما لو كانا لرجل واحد وكما لو باعا عبداً واحدا لهما (والثاني) لا يصح لأن كل واحد منهما مبيع بقسطه من الثمن وهو مجهول على ما قدمنا وفارق ما إذا كانا لرجل واحد فإن جملة المبيع مقابلة بجملة الثمن من غير تقسيط والعبد المشترك ينقسم عليه الثمن بالأجزاء فلا جهالة فيه، فأما إن باع قفيزين متساويين له ولغيره بثمن واحد بإذنه صح لأن الثمن يتقسط عليهما بالأجزاء فلا يفضي إلى جهالة الثمن، وكذلك إن باعه عبداً لهما بثمن واحد صح لما ذكرنا {مسألة} (وإن جمع بين بيع وإجارة، أو بيع وصرف صح فيهما ويقسط العوض عليهما في أحد الوجهين) إذا جمع بين عقدين مختلفي الحد كالبيع والإجارة والبيع والصرف بعوض واحد صح فيهما لأن اختلاف حكم العقدين لا يمنع الصحة كما لو جمع ما فيه شفعة وما لا شفعة فيه، وكذلك إن باع سيفاً محلى بذهب وفضة، وفيه وجه آخر أنه لا يصح لأن حكمهما مختلف وليس أحدهما أولى من الآخر فبطل فيهما فإن البيع فيه خيار ولا يشترط فيه التقابض في المجلس، ولا ينفسخ العقد بتلف المبيع والصرف يشترط له التقابض، وينفسخ العقد بتلف العين. وإن جمع بين نكاح وبيع بعوض واحد فقال زوجتك ابنتي وبعتك داري بمائة صح النكاح لكونه لا يفسد بفساد العوض وفي البيع وجهان وللشافعي قولان كالوجهين {مسألة} (وإن جمع بين كتابه وبيع فكاتب عبده وباعه شيئاً صفقة واحدة مثل أن يقول بعتك عبدي هذا وكاتبتك بمائة كل شهر عشرة بطل البيع وجهاً واحداً) لأنه باع عبده لعبد فلم يصح كبيعه إياه من غير كتابة وهل تبطل الكتابة؟ ينبني على روايتين في تفريق الصفقة (فصل) قال رضي الله عنه (ولا يصح البيع ممن تلزمه الجمعة بعد ندائها) لا يحل البيع بعد نداء الجمعة قبل الصلاة لمن تجب عليه الجمعة لقول الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله تعالى وذروا البيع) فإن باع لم يصح البيع للنهي عنه. والنداء الذي يتعلق به المنع هو النداء عقيب جلوس الإمام على المنبر لأنه النداء الذي كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فتعلق الحكم به، والنداء الثاني زيد في زمن عثمان رضي الله عنه، وحكي القاضي رواية عن أحمد أن البيع يحرم

بزوال الشمس وإن لم يجلس الإمام على المنبر، ولا يصح هذا لأن الله تعالى علقه على النداء لا على الوقت، ولأن المقصود بهذا إدراك الجمعة وهو حاصل بما ذكرنا دون ما ذكره، ولا نه لو اختص تحريم البيع بالوقت لما اختص بالزوال فإن ما قبله وقت أيضا، فأما من لا تجب عليه الجمعة من النساء والمسافرين وغيرهم فلا يثبت في حقه هذا الحكم وذكر ابن أبي موسى فيه روايتين لعموم النهي، والصحيح ما ذكرنا إن شاء الله تعالى فإن الله تعالى إنما نهى عن البيع من أمره بالسعي فغير المخاطب بالسعي لا يتناوله النهي، ولأن تحريم البيع معلل بما يحصل به من الاشتغال عن الجمعة وهذا معدوم في حقهم، فان كان المسافر في غير المصر أو كان مقيماً بقرية لاجمعة على أهلها لم يحرم البيع ولم يكره وجهاً واحدا، فإن كان أحدهما مخاطباً بالجمعة دون الآخر حرم على المخاطب وكره للآخر لما فيه من الإعانة على الإثم، ويحتمل أن يحرم لقوله تعالى (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) {مسألة} (ويصح النكاح وسائر العقود في أصح الوجهين كالإجارة والصلح ونحوهما وفيه وجه آخر أنه يحرم ولا يصح لأنه عقد معاوضة أشبه البيع. ولا أن النهي مختص بالبيع وغيره لا يساويه في الشغل عن السعي لقلة وجوده فلا يؤدي إلى ترك الجمعة فلا يصح قياسه على البيع) {مسألة} (ولا يصح بيع العصير لمن يتخذه خمراً، ولا بيع السلاح في الفتنة ولا لأهل الحرب ويحتمل أن يصح مع التحريم) بيع العصير ممن يعتقد أنه يتخذه خمراً محرم وكرهه الشافعي، وذكر بعض أصحابه إن البائع إذا اعتقد أنه يصيره خمراً محرم وإنما يكره إذا شك فيه، وحكى ابن المنذر عن الحسن وعطاء والثوري أنه لا بأس ببيع التمر ممن يتخذه مسكراً، قال الثوري بع الحلال من شئت لقول الله تعالى (وأحل الله البيع) ولأن البيع تم بأركانه وشروطه، ولنا قول الله تعالى (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) وهذا نهي يقتضي التحريم، وقد روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل فقال يا محمد: إن الله لعن الخمر وعاصرها ومعتصرها، وحاملها والمحمولة إليه، وشاربها وبائعها ومبتاعها وساقيها، وأشار إلى كل معاون عليها ومساعد فيها. أخرجه الترمذي من حديث أنس، وقد روى هذا الحديث عن ابن عباس وابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى ابن بطة باسناده عن محمد ابن سيرين أن قيماً كان لسعد بن أبي وقاص في أرض له، وأخبره عن عنب أنه لا يصلح زبيباً ولا يصلح أن يباع إلا لمن يعصره فأمره بقلعه وقال بئس الشيخ أنا إن بعت الخمر، ولأنه يعقد عليها لمن يعلم أنه يريدها للمعصية فأشبه إجارة أمته لم يعلم أنه يستأجرها للزنا بها والآية مخصوصة بصور كثيرة فيخص منها صورة النزاع بدليلنا، وقولهم تم البيع بشروطه وأركانه قلنا لكن وجد المانع منه إذا ثبت هذا فإنما يحرم البيع إذا علم البائع قصد المشتري ذلك إما بقوله أو بقرائن محتفه بقوله تدل عليه، وإن كان الأمر محتملاً كمن لا يعلم حالة أو من يعمل الخل والخمر معاً ولم يلفظ بما يدل على إرادة الخمر فالبيع جائز. فإن باعها لمن يتخذها خمراً فالبيع باطل ويحتمل أن يصح، وهو مذهب الشافعي

لأن المحرم في ذلك اعتقاده بالعقد دونه فلم يمنع صحة العقد كما لو دلس العيب ولنا أنه عقد على عين لمعصية الله تعالى بها فلم يصح كإجارة الأمة للزنا والغناء، وأما التدليس فهو المحرم دون العقد ولأن التحريم هنا لحق الله تعالى فأفسد العقد كبيع الربا وفارق التدليس فإنه لحق آدمي (فصل) وهكذا الحكم في كل ما قصد به الحرام كبيع السلاح في الفتنة أو لأهل الحرب أو لقطاع الطريق، وبيع الأمة للغناء أو إجارتها لذلك فهو حرام والعقد باطل لما قدمنا. قال ابن عقيل وقد نص أحمد على مسائل نبه بها على ذلك فقال في القصاب والخباز إذا علم أن من يشتري منه يدعو عليه من يشرب المسكر لا يبيعه، ومن يخرط الأقداح لا يبيعها لمن يشرب فيها ونهى عن بيع الديباج للرجال ولا بأس ببيعه للنساء، وروي عنه لا يبيع الجوز من الصبيان للقمار وعلى قياسه البيض فيكون بيع ذلك كله باطلاً (فصل) قال أحمد في رجل مات وخلف جارية مغنيه وولداً يتيماً وقد احتاج إلى بيعها قال يبيعها على أنها ساذجة فقيل له إنها تساوي ثلاثين ألف درهم فإذا بيعت ساذجة تساوي عشرين ديناراً. فقال لاتباع الاعلى أنها ساذجة. ووجهه ما روى أبو أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يجوز بيع المغنيات ولا أثمانهن ولا كسبهن " قال الترمذي لا نعرفه إلا من حديث علي بن يزيد وقد تكلم فيه بعض أهل العلم ورواه ابن ماجة وهذا يحمل على بيعهن لأجل الغناء، فأما ماليتهن الحاصلة بغير الغناء فلا تبطل كبيع العصير لمن لا يتخذه خمراً فإنه لا يحرم لصلاحيته للخمر (فصل) (ولايجوز بيع الخمر ولا التوكل في بيعه ولا شرائه) قال إبن المنذر أجمع أهل العلم على أن بيع الخمر غير جائز، وعند أبي حنيفة يجوز للمسلم أن يوكل ذمياً في بيعها وشرائها ولا يصح. فإن عائشة روت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " حرمت التجارة في الخمر " وعن جابر أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح وهو بمكة يقول " إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام فقيل يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة فإنه تطلى بها السفن وتدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس؟ فقال " لا، هو حرام " ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " قاتل الله اليهود، أن الله تعالى حرم عليهم شحومها فجعلوه ثم باعوه وأكلوا ثمنه " متفق عليه ومن وكل في بيع الخمر وأكل ثمنه فقد أشبههم في ذلك، ولأن الخمر نجسه محرمة فحرم بيعها والتوكيل فيه كالميتة والخنزير {مسألة} (ولا يصح بيع العبد المسلم لكافر إلا أن يكون ممن يعتق عليه فيصح في إحدى الروايتين) لا يصح شراء الكافر مسلماً، وهذا إحدى الروايتين عن مالك وأحد قولي الشافعي، وقال أبو حنيفة يصح ويجبر على إزالة ملكه لأنه يملك المسلم بالإرث ويبقى ملكه عليه إذا أسلم في يده فصح أن يشتريه كالمسلم. ولنا أنه يمنع استدامة ملكه عليه فمنع من ابتدائه كالنكاح ولأنه عقد يثبت الملك للكافر على المسلم فلم يصح كالنكاح وإنما ملكه بالإرث وبقي ملكه عليه إذا أسلم في يده لأن الاستدامة أقوى من الابتداء بالفعل والاختيار بدليل ثبوته بهما للحوم الصيد مع منعه من ابتدائه فلا يلزم من

ثبوت الاقوى ثبوت ما دونه مع أنا نقطع الاستدامة عليه بإجباره على إزالتها، فإن كان ممن يعتق عليه بالقرابة صح في إحدى الروايتين وعتق عليه وهذا قول بعض الأصحاب، والأخرى لا يصح ولا يعتق لأنه شراء يملك به المسلم فلم يصح كالذي لا يعتق عليه، ولأن ما منع من شرائه لم يبح له شراؤه وإن زال ملكه عقيب الشراء المحرم الصيد. وجه الرواية الأولى أن الملك لا يستقر عليه وإنما يعتق بمجرد الملك في الحال ويزول الملك عنه بالكلية ويحصل له من نفع الحرية أضعاف ما حصل من الإماء بالملك في لحظة يسيرة. ويفارق من لا يعتق عليه فإن ملكه لا يزول إلا بإزالته وكذا شراء المحرم الصيد {مسألة} (وإن أسلم عبد الذمي أجبر على إزالة مكله عنه) لأنه لا يجوز استدامة الملك للكافر على المسلم إجماعاً وليس له كتابته لأن الكتابة لا تزيل ملك السيد عنه ولايجوز اقرار ملك الكافر عليه وقال القاضي له ذلك لأنه يزيل يده عنه فأشبه بيعه والأول أولى {مسألة} (ولايجوز بيع الرجل على بيع أخيه وهو أن يقول لمن اشترى سلعة بعشرة أنا أعطيك مثلها بتسعة، ولا شراؤه على شراء أخيه وهو أن يقول لمن باع سلعة بتسعة عندي فيها عشرة ليفسخ البيع ويعقد معه فإن فعل فهل يصح؟ على وجهين) أما البيع فهو محرم لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لابيع بعضكم على بيع بعض " ومعناه ما ذكرنا ومثله أن يقول أبيعك خيراً منها بثمنها أو يعرض عليهما سلعة يرغب المشتري ليفسخ البيع ويعقد معه فلا يجوز ذلك للنهي عنه ولما فيه من الاضرار بالمسلم والإفساد عليه، وفي معنى ذلك شراؤه على شراء أخيه لأنه في معنى المنهي عنه، ولأن الشراء يسمى بيعاً فيدخل في عموم النهي، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يخطب الرجل على خطبة أخيه متفق عليه. وهو في معنى الخاطب، وإن خالف وفعل فالبيع باطل للنهي عنه والنهي يقتضي الفساد، وفيه وجه أنه يصح لأن المحرم هو عرض سلعته على المشتري أو قوله الذي فسخ البيع من أجله وذلك سابق على البيع، ولأنه إذا صح الفسخ الذي حصل به الضرر فالبيع المحصل للمصلحة أولى ولأن النهي لحق آدمي فأشبه بيع النجش وهذا مذهب الشافعي (فصل) وروى مسلم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يسم الرجل على سوم أخيه " ولا يخلو من أربعة اقسام (أحدها) أن يوجد من البائع تصريح بالرضا بالبيع. فهذا يحرم السوم على غير ذلك المشتري، وهو الذي تناوله النهي والثاني أن يظهر منه ما يدل على عدم الرضا فلا يحرم السوم لأن النبي صلى الله عليه وسلم باع فيمن يزيد فروى أنس أن رجلا من الأنصار شكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم الشدة والجهد فقال له " أما تبقى لك شئ؟ " قال بلى قدح وحلس قال " فائتني بهما " فأتاه بهما فقال " من يبتاعهما؟ " فقال رجل أخذتهما بدرهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم " من يزيد على درهم؟ " فأعطاه رجل درهمين فباعهما منه: رواه الترمذي وقال حديث حسن وهذا أيضاً إجماع فإن المسلمين يبيعون في أسواقهم بالمزايدة (الثالث) أن لا يوجد منه ما يدل على الرضا ولا عدمه فلا يحرم السوم أيضاً ولا الزيادة استدلالاً

بحديث فاطمة بنت قيس حين ذكرت له أن معاوية وأبا جهم خطباها فأمرها أن تنكح أسامة، وقد نهى عن الخطبة على خطبة أخيه كما نهى عن السوم على سوم أخيه فما أبيح في أحدهما أبيح في الآخر (الرابع) أن يظهر منه ما يدل على الرضا من غير تصريح. فقال القاضي لا تحرم المساومة، وذكر أن أحمد نص عليه في الخطبة استدلالاً بحديث فاطمة ولأن الأصل إباحة السوم والخطبة فحرم منه ما وجد فيه التصريح بالرضا وما عداه يبقى على الأصل (قال شيخنا) لو قيل بالتحريم ههنا لكان وجها حسناً فإن النهي عام خرجت منه الصورة المخصوصة بأدلتها فتبقى هذه الصورة على مقتضى العموم ولأنه وجد منه دليل على الرضا أشبه مالو صرح به، ولا يضر اختلاف الدليل بعد التساوي في الدلالة وليس في حديث فاطمة ما يدل على الرضا لانها جات مستشيرة للنبي صلى الله عليه وسلم وليس ذلك دليلاً على الرضا وكيف ترضى وقد نهاها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله " لا تفوتينا بنفسك " فلم تكن تفعل شيئاً قبل مراجعة النبي صلى الله عليه وسلم والحكم في الفساد كالحكم في البيع على بيع أخيه في الموضع الذي حكمنا بالتحريم فيه (فصل) وبيع التلجئة باطل وبه قال أبو يوسف ومحمد، وقال أبو حنيفة والشافعي هو صحيح لأن البيع تم بأركانه وشروطه خالياً عن مقارنة مفسدة فصح كما لو اتفقا على شرط فاسد ثم عقد البيع بغير شرط. ولنا أنهما ما قصدا البيع فلم يصح منهما كالهازلين، ومعنى بيع التلجئة أن يخاف أن يأخذ السلطان أو غيره ملكه فيواطئ رجلا على أن يظهر أنه اشتراه منه ليحتمي بذلك ولا يريدان بيعاً حقيقيا {مسألة} (وفي بيع الحاضر للبادي روايتان إحداهما يصح والأخرى لا يصح بخمسة شروط أن يحضر البادي لبيع سلعة بسعر يومها جاهلاً بسعرها ويقصده الحاضر وبالناس حاجة إليها، وإن اختل شرط منها صح البيع) البادي ههنا من يدخل البلد من غير أهلها سواء كان بدوياً أو من قرية أو من بلدة أخرى، ولا يجوز أن يبيع الحاضر للبادي لقول ابن عباس نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تتلقى الركبان وأن يبيع حاضر لباد. قال فقلت لابن عباس ما قوله حاضر لباد؟ قال لا يكون له سمساراً، متفق عليه، وعن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يبيع حاضر لباد دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض " رواه مسلم والمعنى في ذلك أنه متى ترك البدوي بيع سلعته اشتراها الناس رخص وتوسع عليهم السعر، وإذا تولى الحاضر بيعها وامتنع من بيعها إلا بسعر البلد ضاق على أهل لبلد، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم في تعليله إلى هذا. وممن كره بيع الحاضر للبادي طلحة بن عبيد الله وابن عمر وأبو هريرة وأنس وعمر بن عبد العزيز ومالك والليث والشافعي، ونقل أبو إسحاق ابن شاقلا أن الحسن بن علي المصري سأل أحمد عن بيع حاضر لباد فقال لا بأس به قال له فالخبر الذي جاء بالنهي. قال كان ذلك مرة، فظاهر هذا أن النهي اختص بأول الإسلام لما كان عليهم من الضيق في ذلك. هذا قول مجاهد وأبي حنيفة وأصحابه، والمذهب الأول لعموم النهي وما ثبت في حقهم ثبت في حقنا ما لم يقم على اختصاصهم به دليل، وهو مذهب الشافعي وظاهر كلام الخرقي أنه يحرم بثلاثة شروط (أحدها) أن يكون الحاضر قصد البادي ليتولى البيع له فان كان هو القاصد للحاضر جاز لان التضيق حصل منه لامن الحاضر. (الثاني) أن يكون

وإن باع عبده وعبد غيره بإذنه بثمن واحد فهل يصح؟ على وجهين

البادي جاهلاً بالسعر قال أحمد في رواية أبي طالب: إذا كان البادي عارفاً بالسعر لم يحرم لأن التوسعة لا تحصل بتركه يبيعها لأنه لا يبيعها إلا بسعرها ظاهراً (الثالث) أن يكون قد جلب السلعة للبيع، فأما إن جلبها ليأكلها أو يخزنها فليس في بيع الحاضر له تضييقا بل توسعة، وذكر القاضي شرطين آخرين (أحدهما) أن يكون مريداً لبيعها بسعر يومها، فأما إن كان أحضرها وفي نفسه أن لا يبيعها رخيصة فليس في بيعه تضييق (الثاني) أن يكون بالناس حاجة إليها وضرر في تأخير بيعها كالأقوات ونحوها، وقال أصحاب الشافعي إنما يحرم بشروط أربعة وهي ما ذكرنا إلا حاجة الناس إليها فمتى اختل شرط منها لم يحرم البيع وإن اجتمعت هذه الشروط فالبيع حرام وظاهر المذهب أنه باطل نص عليه أحمد في رواية اسماعيل بن سعيد. وذكر الخرقي رواية أخرى أن البيع صحيح وهو مذهب الشافعي لأن النهي لمعنى في غير المنهي عنه فلم يبطل كتلقي الركبان ولنا أنه منهي عنه والنهي يقتضي الفساد والله أعلم {مسألة} (فأما شراؤه له فيصح رواية واحدة) وهو قول الحسن وكرهت طائفة الشراء لهم أيضاً كما كرهت البيع فروى أنس قال: كان يقال هي كلمة جامعة يقول لا تبيعن له شيئاً ولا تبتاعن له شيئا وهو إحدى الروايتين عن مالك ولنا أن النهي غير متناول للشراء بلفظه ولا هو في معناه فإن النهي عن البيع للرفق بأهل الحضر ليتسع عليهم السعر ويزول عنهم الضرر، وليس ذلك في الشراء لهم ولا يتضررون لعدم الغبن للبادين بل هو دفع الضرر عنهم والخلق في نظر الشارع على السواء فكما شرع ما يدفع الضرر عن أهل الحضر لا يلزم أن يلزم أهل البدو الضرر. فأما إن أشار الحاضر على البادي من غير أن يباشر البيع فقد رخص فيه طلحة بن عبيد الله والاوزاعي وابن المنذر وكرهه مالك والليث وقول الصحابي أولى (فصل) وليس للإمام أن يسعر على الناس بل يبيع الناس أموالهم على ما يختارون وهذا مذهب الشافعي، وكان مالك يقول يقال لمن يريد أن يبيع أقل ما يبيع الناس بع كما يبيع الناس وإلا فاخرج عنا، واحتج بما روي الشافعي وسعيد بن منصور عن داود بن صالح التمار عن القاسم بن محمد عن عمر أنه مر بحاطب في سوق المصلى وبين يديه غرارتان فيهما زبيب فسأله عن سعرهما فسعر له مدين بكل درهم فقال له عمر قد حدثت بعير مقبلة من الطائف تحتمل زبيباً وهم يعتبرون سعرك فإما أن ترفع في السفر وإما أن تدخل زبيبك فتبيعه كيف شئت ولأن في ذلك إضراراً بالناس إذا زاد وإذا نقص أضر بأصحاب المتاع. ولنا ما روى أبو داود والترمذي وابن ماجة عن أنس قال: غلا السعر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله غلا السعر فسعر لنا فقال " إن الله هو المسعر القابض الباسط الرازق إني لأرجو أن ألقى الله وليس أحد يطلبني بمظلمة في دم ولا مال " قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح. وعن أبي سعيد مثله فوجه الدلالة من وجهين (أحدهما) أنه لم يسعر وقد سألوه ذلك ولو جاز لا جابهم إليه (الثاني) أنه علل بكونه مظلمة والظلم حرام ولأنه ماله فلم يجز منعه من بيعه بما تراضى عليه المتبايعان كما لو اتفق الجماعة عليه، والظاهر أنه سبب الغلاء لأن الجالبين إذا بلغهم ذلك لم يقدموا بسلعتهم بلداً يكرهون على بيعها فيه بغير ما يريدون ومن عنده البضاعة يمتنع من بيعها ويكتمها ويطلبها المحتاج

وإن جمع بين كتابه وبيع فكاتب عبده وباعه شيئا صفقة واحدة مثل أن يقول بعتك عبدي هذا وكاتبتك بمائة كل شهر عشرة بطل البيع وجها واحدا

ولا يجدها إلا قليلاً فيرفع في ثمنها ليحصلها فتغلو الأسعار ويحصل الأضرار بالجانبين جانب الملاك في منعهم من بيع أملاكهم، وجانب المشتري في منعه من الوصول إلى غرضه فيكون حراماً، فأما حديث عمر فقد روي فيه سعيد والشافعي أن عمر لما رجع حاسب نفسه ثم أتى حاطباً في داره فقال: أن الذي قلت لك ليس بعزيمة مني ولا قضاء وانما هو شئ أردت به الخير لأهل البلد فحيث شئت فبع كيف شئت وهذا رجوع إلى ما قلنا وما ذكروه من الضرر موجود فيما إذا باع في بيته ولا يمنع منه {مسألة} (من باع سلعة بنسيئة لم يجز أن يشتريها بأقل مما باعها إلا أن تكون قد تغيرت صفتها، وإن اشتراها أبوه أو ابنه جاز) من باع سلعة بثمن مؤجل ثم اشتراها بأقل منه نقداً لم يجز روى ذلك عن ابن عباس وعائشة والحسن وابن سيرين والشعبي والنخعي وبه قال الثوري والاوزاعي ومالك واسحاق وأصحاب الرأي وأجازه الشافعي لأنه ثمن يجوز بيعها به من غير بائعها فجاز من بائعها كما لو باعها بمثل ثمنها ولنا ما روى غندر عن شعبة عن أبي إسحاق السبيعي عن امرأته العالية بنت أيفع بن شرحبيل أنها قالت دخلت أنا وأم ولد زيد بن أرقم وامرأته على عائشة فقالت أم ولد زيد بن أرقم إني بعت غلاما من زيد بن أرقم بثمانمائة درهم إلى العطاء ثم اشتريته منه بستمائة درهم فقالت لها: بئس ما شريت بئس ما اشتريت أبلغي زيد بن أرقم قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا إن يتوب. رواه أحمد وسعيد بن منصور، والظاهر أنها لا تقول مثل هذا التغليظ وتقدم عليه إلا بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم فجرى مجرى روايتها ذلك عنه لأن ذلك ذريعة إلى الربا فإنه يدخل السلعة ليستبيح بيع ألف بخمسمائة إلى أجل، ولذلك قال ابن عباس في مثل هذه المسألة أرى مائة بخمسين بينهما حريرة يعني خرقة حرير جعلاها في بيعهما والذرائع معتبرة، فأما إن باعها بمثل الثمن أو أكثر جاز لأنه لا يكون ذريعة وهذا إن كانت السلعة لم تنقص عن حالة البيع، فإن نقصت مثل أن هزل العبد أو نسي متاعه أو تخرق الثوب ونحوه جاز له شراؤها بما شاء لأن نقص الثمن لنقص المبيع لا للتوسل إلى الربا (فصل) فإن اشتراها بعرض أو كان بيعها الأول بعرض فاشتراها بنقد جاز ولا نعلم فيه خلافا لأن التحريم إنما كان لشبهة الربا ولا ربا بين الأثمان والعروض، فإن باعها بنقد ثم اشتراها بنقد آخر فقال أصحابنا يجوز لأنهما جنسان لا يحرم التفاضل بينهما أشبه ما لو اشتراها بعرض، وقال أبو حنيفة لا يجوز استحساناً لأنهما كالشئ الواحد في معنى الثمنية ولان ذلك يتخذ وسيلة إلى الربا فهو كما لو باعها بجنس الثمن الأول قال شيخنا وهذا أصح إن شاء الله تعالى وهذه المسألة تسمى مسألة العينة قال الشاعر: أندان أم نعتان أم ينبري لنا * فتى مثل نصل السيف ميزت مضاربة ومعنى نعتان أي نشتري عينه كما وصفنا، وقد روى أبو داود بإسناده عن ابن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم " وهذا وعيد يدل على التحريم، وقد روي عن أحمد أنه قال: العينة أن يكون عند الرجل المتاع فلا يبيعه إلا بنسيئة فإن باع بنقد ونسيئة فلا بأس وقال أكره

للرجل أن لا يكون له تجارة غير العينة لا يبيع بنقد قال ابن عقيل إنما كره النسيئة لمضارعته الربا فإن البائع بنسيئة يقصد الزيادة بالاجل غالبا ويجوز أن تكون العينة اسماً لهذه المسألة وللبيع نسيئة جميعاً لكن البيع بنسيئة مباح اتفاقاً ولا يكره إلا أن لا يكون له تجارة غيره (فصل) فإن باع سلعة بنقد ثم اشتراها بأكثر منه نسيئة فقال أحمد في رواية حرب لا يجوز إلا أن تتغير السلعة لأن ذلك يتخذ وسيلة إلى الربا فهي كمسألة العينة، فإن اشتراها بسلعة أخرى أو بأقل من ثمنها أو بمثله نسيئة جاز لما ذكرنا في مسألة العينة، وإن اشتراها بنقد آخر بأكثر من ثمنها فهو كمسألة العينة على ما ذكرنا من الخلاف، قال شيخنا ويحتمل أن يكون له شراؤها بجنس الثمن بأكثر منه إذ لم يكن ذلك عن مواطأة ولا حيلة بل وقع اتفاقاً من غير قصد لأن الأصل حل البيع وإنما حرم في مسألة العينة للأثر الوارد فيه وليس هذا في معناه لأن التوسل بذلك أكثر فلا يلحق به ما دونه (فصل) وفي كل موضع قلنا لا يجوز له أن يشتري لا يجوز ذلك لوكيله لأنه قائم مقامه ويجوز لغيره من الناس سواء كان أباه أو ابنه أو غيرهما لأنه غير البائع اشترى بنسيئة أشبه الأجنبي {مسألة} (وإن باع ما يجري فيه الربا بنسئية ثم اشترى منه بثمنه قبل قبضه من جنسه أو ما لا يجوز بيعه به نسيئة لم يجز) روى ذلك عن ابن عمر وسعيد بن المسيب وطاوس وبه قال مالك وإسحاق وأجازه جابر بن زيد وسعيد بن جبير وعلي بن حسين والشافعي وابن المنذر وأصحاب الرأي. قال علي بن حسين إذا لم يكن لك في ذلك رأي. وروى محمد بن عبد الله بن أبي مريم قال بعت تمراً من التمارين كل سبعة آصع بدرهم ثم وجدت عند رجل منهم تمراً يبيعه أربعة آصع بدرهم فاشتريت منه فسألت عكرمة عن ذلك فقال لا بأس أخذت أنقص مما بعت، ثم سألت سعيد بن المسيب عن ذلك وأخبرته بقول عكرمة فقال كذب قال عبد الله ابن عباس ما بعت من شئ مما يكال بمكيال فلا تأخذ منه شيئاً مما يكال بمكيال إلا ورقاً أو ذهباً، فإذا أخذت ذلك فابتع ممن شئت منه أو من غيره، فرجعت فإذا عكرمة قد طلبني فقال الذي قلت لك هو حلال هو حرام، فقلت لسعيد بن المسيب ان فضل لي عنده فضل قال فاعطه أنت الكسر وخذ منه الدراهم ووجه تحريم ذلك أنه ذريعة إلى بيع الطعام بالطعام نسيئة فحرم كمسألة العينة، وقد نص أحمد على ما يدل على هذا، قال شيخنا والذي يقوى عندي جواز ذلك إذا لم يفعله حيلة ولاقصد ذلك في ابتداء العقد كما قال علي بن الحسين فيما روى عنه عبد الله بن زيد قال قدمت على علي بن الحسين فقلت له إني أجذ نخلي وأبيع فيمن حضرني إلى أجل فيقدمون بالحنطة وقد حل الاجل فيوقفونها بالسوق فابتاع منهم وأقاصهم، قال لا بأس بذلك إذا لم يكن منك على رأي وذلك لأنه اشترى الطعام بالدراهم التي في الذمة بعد لزوم العقد الأول فصح كما لو كان المبيع الأول حيواناً أو ثياباً ولما ذكرنا في الفصل الذي قبل هذا، فإن لم يأخذ بالثمن طعاماً لكن اشترى من المشتري طعاماً بدراهم وسلمها إليه ثم أخذها منه وفاء أو لم يسلمها إليه لكن قاصه بها جاز كما في حديث علي بن الحسين (فصل) والاحتكار حرام لما روى أبو أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يحتكر الطعام، وعن

ولا يصح بيع العبد المسلم لكافر إلا أن يكون ممن يعتق عليه فيصح في إحدى الروايتين

سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من احتكر فهو خاطئ رواهما الأثرم، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " الجالب مرزوق والمحتكر ملعون " والاحتكار المحرم ما جمع ثلاثة شروط: (أحدها) أن يشتري فلو جلب شيئاً أو أدخل عليه من غلته شيئاً فادخره لم يكن محتكراً روى ذلك عن الحسن ومالك، قال الاوازعي الجالب ليس بمحتكر لقوله " الجالب مرزوق والمحتكر ملعون " ولأن الجالب لا يضيق على أحد ولا يضر بل ينفع، فإن الناس إذا علموا أن عنده طعاماً معداً للبيع كان أطيب لقلوبهم (الثاني) أن يكون قوتاً، فأما الادام والعسل والزيت وعلف البهائم فليس احتكاره بمحرم. قال الأثرم سئل أبو عبد الله عن أي شئ الاحتكار؟ قال إذا كان من قوت الناس فهذا الذي يكره وهذا قول عبد الله بن عمرو، وكان سعيد بن المسيب يحتكر الزيت وهو راوي حديث الاحتكار، قال أبو داود وكان يحتكر النوى والخبط والبزر ولأن هذه الأشياء لاتعم الحاجة إليها أشبهت الثياب والحيوان (الثالث) أن يضيق على الناس بشرائه ولا يحصل ذلك إلا بأمرين (أحدهما) أن يكون في بلد يضيق بأهله الاحتكار كالحرمين والثغور قاله أحمد، فظاهر هذا أن البلاد الواسعة الكبيرة كبغداد والبصرة ومصر ونحوها لا يحرم فيها الاحتكار لأن ذلك لا يؤثر فيها غالباً (الثاني) أن يكون في حال الضيق بأن يدخل البلد قافلة فيتبادر ذوو الأموال فيشترونها ويضيقون على الناس، وأما ان اشتراه في حال الاتساع والرخص على وجه لا يضيق على أحد لم يحرم (فصل) ويستحب الإشهاد في البيع لقوله تعالى (وأشهدوا إذا تبايعتم) أقل أحوال الأمر الندب ولأنه أقطع للنزاع وأبعد من التجاحد، ويختص ذلك ماله خطر فأما مالا خطر له كحوائج البقال والعطار وشبهها فلا يستحب ذلك فيها لأنها تكثر فيشق الاشهاد عليها وتقبح إقامة البينة عليها، والترافع إلى الحاكم بخلاف الكثير وليس ذلك بواجب في واحد منها ولا شرطاً له روى ذلك عن أبي سعيد الخدري وهو قول الشافعي وأصحاب الرأى واسحاق، وقال قوم هو فرض لا يجوز تركه روى ذلك عن ابن عباس وممن رأى الإشهاد في البيع عطاء وجابر بن زيد والنخعي لظاهر الأمر قياساً على النكاح. ولنا قوله تعالى (فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته) قال أبو سعيد: صار الأمر الى الأمانة وتلا هذه الآية، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي طعاماً ورهنه درعه ومن رجل سراويل ومن أعرابي فرساً فجحده الأعرابي حتى شهد له خزيمة بن ثابت، ولم ينقل أنه أشهد في شئ من ذلك وكان الصحابة يتبايعون في عصره في الأسواق فلم يأمرهم بالإشهاد ولانقل عنهم فعله ولم ينكر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ولو كانوا يشهدون في كل بياعاتهم لنقل، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم عروة بن الجعد البارقي أن بشتري له أضحية ولم يأمره بالإشهاد، ولأن المبايعة تكثر بين الناس في أسواقهم وغيرها فلو وجب الإشهاد في كل ما يتبايعونه أفضى إلى الحرج المحطوط عنا بقوله تعالى (ما جعل عليكم في الدين من حرج) والآية المراد بها الإرشاد إلى حفظ الأموال والتعليم كما أمر بالرهن والكاتب، وليس بواجب وهذا ظاهران شاء الله تعالى (فصل) ويكره البيع والشراء في المسجد لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا لا أربح الله تجارتك " رواه الترمذي وقال حديث حسن غريب وقال

ولا يجوز بيع الرجل على بيع أخيه وهو أن يقول لمن اشترى سلعة بعشرة أنا أعطيك مثلها بتسعة

قوم لا بأس به. والصحيح الأول للحديث المذكور فإن باع فالبيع صحيح لأنه تم بأركانه وشروطه ولم يثبت وجود مفسد له وكراهة ذلك لا توجب الفساد كالغش في البيع والتدليس والتصرية، وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم " قولوا لا أربح الله تجارتك " من غير أخبار بفساد البيع دليل على صحته والله أعلم {بسم الله الرحمن الرحيم} باب الشروط في البيع وهي ضربان: صحيح وهو ثلاثة أنواع (أحدها) شروط من مقتضى البيع كالتقابض وطول الثمن ونحوه فهذا لا يؤثر فيه لأنه بيان وتأكيد لمقتضى العقد فوجوده كعدمه (الثاني) شرط من مصلحة العقد كاشتراط صفة في الثمن كتأجيله أو الرهن أو الضمين أو الشهادة أو صفة في المبيع مقصودة نحو كون العبد كاتباً أو خطيباً أو صانعاً أو مسلماً أو الأمة بكراً أو الدابة هملاجة أو الفهد صيوداً فهو شرط صحيح يلزم الوفاء به فإن لم يف به فللمشتري الفسخ والرجوع بالثمن والرضا به لأنه شرط وصفاً مرغوباً فيه فصار الشرط مستحقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم " المؤمنون عند شروطهم " ولا نعلم في صحة هذين القسمين خلافاً {مسألة} (فإن شرطها ثيباً كافرة فبانت بكراً مسلمة فلا فسخ له لأنه زاده خيراً وليس ذلك يزيد في الثمن فاشبه مالو شرطه غير صانع فبان صانعاً) وهذا قول الشافعي في البكر واختيار القاضي واستبعد كونه يقصد الثيوبة لعجزه عن البكر ويحتمل أن له الفسخ لأن له فيه قصداً صحيحاً وهو أن طالب الكافرة أكثره لصلاحيتها للمسلمين والكفار أو ليستريح من تكليفها العبادات وقد يشترط الثيب لعجزه عن البكر أو لبيعها لعاجز عن البكر فقد فات قصده وقد دل اشتراطه على أن له قصداً صحيحاً. فأما إن شرط صفة غير مقصودة فبانت بخلافها مثل أن يشرطها سبطة فبانت جعده أو جاهلة فبانت عالمة فلا خيار له لأنه زاده خيراً. (فصل) فإن شرط الشاة لبوناً صح وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة لا يصح لأنه لا يجوز بيع اللبن في الضرع فلم يجز شرطه، ولنا أنه أمر مقصود يتحقق من الحيوان ويأخذ قسطاً من الثمن فصح اشراطه كالصناعة في الأمة والهملجة في الدابة وإنما لم يجز بيعه مفرداً للجهالة والجهالة فيما كان تبعاً لا تمنع الصحة ولذلك لو اشتراها بغير شرط صح بيعه معها. وكذلك يصح بيع أساسات الحيطان والنوى في التمر وإن لم يجز بيعهما منفردين فإن شرط أنها تحلب قدراً معلوما لم يصح لأن اللبن يختلف ولا يمكن ضبطه فتعذر الوفاء به، وإن شرطها غزيرة اللبن صح لأنه يمكن الوفاء به وإن شرطها حاملاً صح. وقال القاضي قياس المذهب أن لا يصح لأن الحمل لاحكم له. ولهذا لا يصح اللعان على الحمل ويحتمل أنه ريح ولنا أنه صفة مقصودة يمكن الوفاء بها فصح شرطه كالصناعة وكونها لبوناً. وقوله إن الحمل لاحكم له لا يصح فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد حكم في الدية بأربعين خلفة في بطونها أولادها، ومنع أخذ الحوامل في الزكاة ومنع وطئ الحبالى المسبيات وأرخص للحامل في الفطر في رمضان إذا اخافت على ولدها ومنع من

وفي بيع الحاضر للبادي روايتان إحداهما يصح والأخرى لا يصح بخمسة شروط

اقامة الحد عليها من أجل حملها. وظاهر الحديث المروي في اللعان يدل على أنه لاعنها حال حملها فانتفى عنه ولدها، فإن شرط أنها تضع الولد في وقت بعينه لم يصح وجهاً واحداً لأنه لا يمكن الوفاء به، وكذلك إن شرط أنها لا تحمل لذلك، وقال مالك لا يصح في المرتفعات ويصح في غيرهن، ولنا أنه باعها بشرط البراءة من الحمل فلم يصح كالمرتفعات، وإن شرطها حائلاً فبانت حاملاً فإن كانت أمة فهو عيب يثبت الخيار وإن كان في غيرها فهو زيادة لا يستحق به فسخاً، ويحتمل أن يستحق لأنه قد يريدها لسفر أو حمل شئ لا تتمكن منه مع الحمل، وإن شرط البيض في الدجاجة فقيل لا يصح لأنه لا علم عليه يعرف به ولم يثبت له في الشرع حكم وقيل يصح لأنه يعرف بالعادة فأشبه اشتراط الشاة لبونا {مسألة} (وإن اشترط الطائر مصوتاً أو انه يجئ من مسافة معلومة صح وقال القاضي لا يصح) إذا شرط في الهزار والقمري ونحوهما أنه مصوت فقال بعض أصحابنا لا يصح وبه قال أبو حنيفة لأن صياح الطير يجوز أن يوجد وأن لا يوجد ولأنه لا يمكنه اكراهه على التصويت. والأولى جوازه لأن فيه قصداً صحيحاً وهو عادة له وخلقه فيه فأشبه الهملجة في الدابة والصيد في الفهد، وإن شرط في الحمام انه يجئ من مسافة معلومة صح أيضاً اختاره أبو الخطاب لأن هذه عادة مستمرة وفيها قصد صحيح لتبليغ الأخبار وحمل الكتب فجرى مجرى الصيد والهملجة وقال القاضي لا يصح وهو قول أبي حنيفة لأن فيه تعذيباً للحيوان أشبه مالو شرط الكبش مناطحاً. وإن شرط الغناء في الجارية لا يصح لأن الغناء مذموم في الشرع فلم يصح اشتراطه كالزنا. وإن شرط في الكبش النطاح أو في الديك كونه مناقراً لم يصح لأنه منهي عنه في الشرع فجرى مجرى الغناء في الجارية. وإن شرط إن الديك يوقظه للصلاة لم يصح لأنه لا يمكن الوفاء به وإن شرط أنه يصيح في أوقات معلومة جرى مجرى التصويت في القمري على ما ذكرنا (والثالث) أن يشترط نفعاً معلوماً في المبيع كسكنى الدار شهراً وحملان البعير إلى موضع معلوم أو يشترط المشتري نفع البائع في المبيع كحمل الحطب أو تكسيره أو خياطة الثوب أو تفصيله ويصح أن يشترط البائع نفع المبيع مدة معلومة مثل أن يبيع داراً ويستثنى سكناها سنة، أو دابة ويشترط ظهره إلى مكان معلوم أو عبداً ويستثنى خدمته مدة معلومة نص عليه أحمد وهو قول الأوزاعي وأبي ثور وإسحاق وابن المنذر، وقال الشافعي وأصحاب الرأي لا يصح لأنه يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع وشرط ولأنه ينافي مقتضى البيع فأشبه مالو شرط أن لا يسلمه ذلك لأنه شرط تأخير تسليم المبيع إلى أن يستوفي البائع منفعته وقال ابن عقيل فيه رواية أخرى انه يبطل البيع والشرط نقلها عبد الله بن محمد في الرجل يشتري من الرجل الجارية ويشترط أن تخدمه فالبيع باطل قال شيخنا وهذه الرواية لاتدل على محل النزاع في هذه المسألة فإن اشتراط خدمة الجارية باطل لوجهين (أحدهما) أنها مجهولة فإطلاقه يقتضي خدمتها أبداً وهذا لا خلاف في بطلانه إنما الخلاف في اشتراط منفعة معلومة (الثاني) أن يشترط خدمتها بعد زوال ملكه عنها وذلك يفضي إلى الخلوة بها والخطر برؤيتها وصحبتها وهذا لا يوجد في غيرها ولذلك منع إعارة الأمة الشابة لغير محرمها وقال

فأما شراؤه له فيصح رواية واحدة

مالك ان اشرط ركوباً إلى مكان قريب جاز وإن كان إلى مكان بعيد كره لأن اليسير تدخله المسامحة ولنا ماروى جابرانه باع النبي صلى الله عليه وسلم جملاً واشترط ظهره إلى المدينة وفي لفظ قال فبعته بأوقية واستثنيت حملانه إلى أهلي متفق عليه وفي لفظ فبعته بخمس أواق قال قلت على أن لي ظهره إلى المدينة قال " ولك ظهره إلى المدينة " رواه مسلم ولأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الثنيا إلا أن تعلم وهذه معلومة ولأن المنفعة قد تقع مستثناة بالشرع على المشتري فيما إذا اشترى نخلاً مؤبرة أو أرضاً مزروعة أو داراً مؤجرة أو أمة مزوجة فجاز أن يستثنيها كما لو اشترط البائع الثمرة قبل التأبير ولم يصح نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع وشرط إنما نهى عن شرطين في بيع فمفهومة إباحة الشرط الواحد وقياسهم منقوض بشرط الخيار والتأجيل في الثمن (فصل) وإن باع أمة واستثنى وطأها مدة معلومة لم يصع لان الوطئ لا يباح في غير ملك أو نكاح لقول الله تعالى (والذين هم لفروجهم حافظون * إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين * فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون) وفارق اشتراط وطئ المكاتبة حيث نبيحه لأنها مملوكة فيستباح وطؤها بالشرط في المحل المملوك. واختار ابن عقيل عدم الإباحة أيضاً وهو قول أكثر الفقهاء (فصل) وإن باع المشتري العين المستثناة منفعتها صح البيع وتكون في يد المشتري الثاني مستثناة ايضاً فإن كان عالماً بذلك فلا خيار له لأنه دخل على بصيرة فلم يثبت له خيار كما لو اشترى معيباً يعلم عيبه وإن لم يعلم فله خيار الفسخ كمن اشترى أمة مزوجة أو داراً مؤجرة وإن أتلف المشتري العين فعليه أجرة المثل لتفويت المنفعة المستحقة لغيره وثمن البيع وإن تلفت العين بتفريطه فهو كتلفها بفعله نص عليه أحمد وقال يرجع البائع على المبتاع باحرة المثل قال القاضي: معناه عندي القدر الذي نقصه البائع لأجل الشرط وظاهر كلام أحمد خلاف هذا لأنه يضمن ما فات بتفريطه فضمنه بعوضه وهو أجرة المثل فأما إن تلفت بغير فعله وتفريطه لم يضمن قال الأثرم: قلت لأبي عبد الله فعلى المشتري أن يحمله على غيره لأنه كان له حملان؟ قال الا إنما شرط عليه هذا بعينه لأنه لا يملكها البائع من جهته فلم يلزمه عوضها كما لو تلفت النخلة المؤبرة بثمرتها أوغير المؤبرة إذا اشترط البائع ثمرتها وكما لو باع حائطاً واستثنى منه شجرة بعينها فتلفت، وقال القاضي عليه ضمانها أخذا من عموم كلام أحمد وإذا تلفت العين رجع البائع على المبتاع بأجرة المثل وكلامه محمول على حالة التفريط على ما ذكرناه (فصل) إذا اشترط البائع منفعة المبيع فأراد المشتري أن يعطيه ما يقوم مقام المبيع في المنفعة أو يعوضه عنها لم يلزمه قبوله وله استيفاء المنفعة من غير المبيع نص عليه أحمد لأن حقه تعلق بعينها أشبه ما لو استأجر عينا فبذل له الآخر مثلها ولأن البائع قد يكون له غرض في استيفاء منافع تلك العين فلا يجبر على قبول عوضها فإن تراضيا على ذلك جاز لأن الحق لهما وإن أراد البائع إعارة العين أو إجارتها لمن يقوم مقامه فله ذلك في قياس المذهب لأنها منافع مستحقة له فملك ذلك فيها كمنافع الدار المستأجرة الموصى بمنافعها ولا تجوز إجارتها إلا لمثله في الانتفاع فإن أراد إجارتها أو إعارتها لمن يضر بالعين بانتفاعه لم يجز ذلك كما لا يجوز له إجارة العين المستأجرة لمن لا يقوم مقامه ذكر ذلك ابن عقيل.

من باع سلعة بنسيئة لم يجز أن يشتريها بأقل مما باعها إلا أن تكون قد تغيرت صفتها، وإن اشتراها أبوه أو ابنه جاز

(فصل) وإن قال بعتك هذه الدار وأجرتكها شهراً لم يصح لأنه إذا باعه فقد ملك المشتري المنافع فإذا أجره إياها فقد شرط أن يكون له بدل في مقابلة ما ملكه المشتري فلم يصح قال ابن عقيل وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قفيز الطحان ومعناه أن يستأجره طحاناً ليطحن له كذا بقفيز منه فيصير كأنه شرط له القفيز عوضاً عن عمله في باقي الكر المطحون ويحتمل الجواز بناء على اشتراط منفعة البائع في المبيع على ما نذكره إن شاء الله تعالى. (فصل) ويصح أن يشترط المشتري نفع البائع في المبيع مثل أن يشتري ثوبا ويشرط على بائعه خياطته قميصا أو بغلة ويشرط حذوها نعلاً أو حزمة حطب ويشرط حملها إلى موضع معلوم نص عليه أحمد في رواية مهنا وغيره، واحتج أحمد بما روي أن محمد بن مسلمة اشترى من نبطي حزمة حطب وشارطه على حملها، وبه قال إسحاق وأبو عبيدة، وقال أبو حنيفة يجوز أن يشري بغلة ويشرط على البائع حذوها، وحكي عن أبي ثور والثوري أنهما أبطلا العقد بهذا الشرط لأنه شرط فاسد أشبه الشروط الفاسدة وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع وشرط ولنا ما تقدم في قضية محمد بن مسلمة ولأنه بيع وإجارة لأنه باعه الثوب وأجره نفسه على خياطته وكل واحد منهما يصح إفراده بالعقد فإذا جمعهما جاز كالعينين ولم يصح أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع وشرط قال أحمد: إنما نهى عن شرطين في بيع وهو يدل بمفهومه على جواز الشرط الواحد ولابد من العلم بالمنفعة لهما ليصح اشتراطها لأننا نزلنا ذلك منزلة الإجارة فلو اشترط حمل الحطب إلى منزله والبائع لايعرف منزله لم يصح وإن شرط حذوها نعلاً فلا بد من معرفة صفتها كما لو استأجره على ذلك ابتداء. قال أحمد: في الرجل يشتري البغلة على أن يحذوها جائز إذا أراد الشراك فإن تعذر العمل بتلف المبيع قبله أو بموت البائع انفسخت الإجارة ورجع المشتري عليه بعوض ذلك، وإن تعذر بمرض أقيم مقامه من يعمل العمل والأجرة عليه كقولنا في الإجارة. (فصل) وإذا اشترط المشتري منفعة البائع في المبيع فأقام البائع مقامه من يعمل العمل فله ذلك بمنزلة الأجير المشترك يجوز أن يعمل العمل بنفسه وبمن يقوم مقامه وإن أراد بذل العوض عن ذلك لم يلزم المشتري قبوله وإن أراد المشتري أخذ العوض عنه لم يلزم البائع بذله لأن المعاوضة عقد تراض فلا يجبر عليه أحد وإن تراضيا عليه احتمل الجواز لأنها منفعة يجوز أخذ العوض عنها لو لم يشترطها فإذا ملكها المشتري جاز له أخذ العوض عنها كما لو استأجرها وكما يجوز أن تؤجر المنافع الموصى بهامن ورثة الموصى ويحتمل أن لا يجوز لأنه مشترط بحكم العادة والاستحسان لأجل الحاجة فلم يجز أخذ العوض عنه كالقرض فإنه يجوز أن يرد في الخبز والخمير قل أو كثر ولو أراد أن يأخذ بقدر خبزه وكسره بقدر الزيادة لم يجز ولأنه أخذ عوضاً عن مرفق معتاد جرت العادة بالعفو عنه دون أخذ العوض فأشبه المنافع المستثناة شرعاً وهو ما إذا باع أرضاً فيها زرع للبائع واستحق تبقيته إلى حين الحصاد فلو أخذه قصيلاً لينتفع بالأرض إلى وقت الحصاد لم يكن له ذلك {مسألة} (وذكر الخرقي في جز الرطبة إن شرطه على البائع لم يصح فيخرج ههنا مثله)

وإن باع ما يجري فيه الربا بنسيئة ثم اشترى منه بثمنه قبل قبضه من جنسه أو ما لا يجوز بيعه به بنسيئة لم يجز

إذا اشترى زرعاً أو جزه من الرطبة أو ثمرة على الشجر فالحصاد وجز الرطبة وجذاذ الثمرة على المشتري لأن نقل المبيع وتفريغ ملك البائع منه على المشتري كنقل الطعام المبيع من دار البائع بخلاف الكيل والوزن والعدد فإنها على البائع من مؤنة تسليم المبيع إلى المشتري والتسليم على البائع، وههنا حصل التسليم بالتخلية بدون القطع بدليل جواز بيعها والتصرف فيها وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي ولا نعلم فيه خلافا. فإن شرطه على البائع فاختلف أصحابنا فقال الخرقي يبطل البيع وقال ابن أبي موسى لا يجوز وقيل يجوز فإن قلنا لا يجوز فهل يبطل البيع لبطلان الشرط على روايتين، وقال القاضي: المذهب جواز الشرط ذكره أبو بكر وابن حامد وقال القاضي ولم أجد بما قاله الخرقي رواية في المذهب، واختلف فيه أصحاب الشافعي فقال بعضهم إذا شرط الحصاد على البائع بطل البيع قولا واحداً وقال بعضهم يكون على قولين فمن أفسده قال لا يصح لثلاثة معان (أحدها) شرط العمل في الزرع قبل أن يملكه (والثاني) أنه شرط مالا يقتضيه العقد (والثالث) أنه شرط تأخير التسليم لأن معنى ذلك تسليمه مقطوعاً، ومن أجازه هذا بيع وإجارة وكل واحد منهما يصح إفراده فصح جمعهما كالعينين وقولهم شرط العمل فيما لا يملكه يبطل بشرط رهن المبيع على الثمن في البيع (والثاني) يبطل بشرط الرهن والكفيل والخيار (والثالث) ليس بتأخير لأنه يمكنه تسليمه قائماً ويبقى الشرط من المستلم فليس ذلك بتأخير التسليم فإذا فسدت هذه المعاني صح لما ذكرناه. فإن قيل فالبيع يخالف حكمه حكم الإجارة لأن الضمان ينتقل في البيع بتسليم العين بخلاف الإجارة فكيف يصح الجمع بينهما؟ قلنا كما يصح بيع الشقص والسيف وحكمهما مختلف بدليل ثبوت الشفعة في الشقص دون السيف، وقد صح الجمع بينهما. وقول الخرقي أن العقد ههنا يبطل يحتمل أن يختص هذه المسألة وشبهها مما يفضي الشرط فيه إلى التنازع فإن البائع قد يريد قطعها من أعلاها ليبقى له منها بقية والمشتري يريد الاستقصاء عليها ليزيد له ما يأخذه فيفضي إلى التنازع وهو مفسدة فيبطل البيع من أجله، ويحتمل أن يقاس عليه ما أشبهه من اشتراط منفعة البائع في البيع كما ذكرنا في صدر المسألة والأول أولى لوجهين (أحدهما) أنه قد قال في موضع آخر ولا يبطل البيع شرط واحد (والثاني) أن المذهب أنه يصح اشتراط منفعة البائع في البيع كما ذكرنا والله أعلم {مسألة} وإن جمع بين شرطين لم يصح) ثبت عن أحمد رحمه الله أنه قال: الشرط الواحد لا بأس به إنما نهى عن الشرطين في البيع وهو ماروي عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع ولا بيع ما ليس عندك " أخرجه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح. قال الأثرم قيل لأبي عبد الله أن هؤلاء يكرهون الشرط في البيع فنفض يده وقال: الشرط الواحد لا بأس به في البيع إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شرطين في البيع وحديث جابريدل على إباحة الشرط حين باعه جملة وشرط ظهره إلى المدينة. واختلف في تفسير الشرطين المنهي عنهما فروي عن أحمد أنهما شرطان صحيحان ليسامن مصلحة العقد فحكى ابن المنذر عنه وعن إسحاق فيمن اشترى ثوباً واشترط على

البائع خياطته أوقصارتة أو طعاما واشترط طحنه وحمله إن شرط أحد هذه الاشياء فالبيع جائز، وإن اشترط شرطين فالبيع باطل وكذلك فسر القاضي في شرحه الشرطين المبطلين بنحو هذا التفسير وروى الأثرم عن أحمد تفسير الشرطين أن يشتريها على أنه لا يبيعها من أحد ولا يطؤها ففسره بشرطين فاسدين، وروى عنه اسماعيل بن سعيد في الشرطين في البيع أن يقول إذا بعتها فأنا أحق بها بالثمن، وأن تخدمني سنة فظاهر كلام أحمد أن الشرطين المنهي عنهما ماكان من هذا النحو، وأما إن شرط شرطين أو أكثر من مقتضى العقد أو من مصلحته مثل أن يبيعه بشرط الخيار والتأجيل والرهن والضمين أو بشرط أن يسلم إليه المبيع أو الثمن فهذا لا يؤثر في العقد وإن كثر، وقال القاضي في المجرد ظاهر كلام أحمد أنه متى شرط في العقد شرطين بطل سواء كانا صحيحين أو فاسدين لمصلحة العقد أو لغير مصلحته أخذاً من ظاهر الحديث وعملاً بعمومة ولم يفرق الشافعي وأصحاب الرأي بين الشرط والشرطين ورووا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع وشرط ولأن الصحيح لا يؤثر في البيع وإن كثر والفاسد يؤثر فيه وإن اتحد والحديث الذي رويناه يدل على الفرق ولأن العذر اليسير إذا احتمل في العقد لا يلزم احتمال الكثير، حديثهم ليس له أصل وقد أنكره أحمد ولا يعرفه مروياً في مسند فلا يعول عليه، والذي ذكره القاضي في المجرد بعيد أيضاً. فإن شرط ما يقتضيه العقد لا يؤثر فيه بغير خلاف وشرط ما هو من مصلحة العقد كالأجل والخيار والرهن والضمين وشرط صفة في المبيع كالكتابة والصناعة فيه مصلحة العقد فلا ينبغي أن يؤثر في بطلانه قلت أو كثرت. ولم يذكر أحمد في هذه المسألة شيئاً من هذا القسم فالظاهر أنه غير مراد له والأولى تفسيره بما حكاه ابن المنذر والله أعلم (فصل) (الثاني) فاسد وهو ثلاثة أنواع (أحدها) أن يشرط على صاحبه عقد آخر كسلف أو قرض أو بيع أو إجارة أو صرف للثمن أوغير فهذا يبطل البيع، ويحتمل أن يبطل الشرط وحده) المشهور في المذهب أن هذا الشرط فاسد يبطل به البيع لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يحل بيع وسلف ولا شرطان في بيع " قال الترمذي هذا حديث صحيح ولأن النبي صلى الله عليه سلم نهى عن بيعتين في بيعه، حديث صحيح وهذا منه، قال أحمد وكذلك كل ما في معنى ذلك مثل أن يقول على أن تزوجني ابنتك أو على أن أزوجك ابنتي فهذا كله لا يصح، قال ابن مسعود صفقتان في صفقة ربا وهذا قول أبي حنيفة والشافعي وجمهور العلماء وجوزه مالك وجعل العوض المذكور في الشرط فاسداً قال ولا ألتفت إلى اللفظ الفاسد إذا كان معلوماً حلالاً فكأنه باع السلعة بالدراهم التي ذكر أنه يأخذها بالدنانير ولنا الخبر والنهي يقتضي الفساد ولأن العقد لا يجب بالشرط لكونه لا يثبت في الذمة فيسقط فيفسد العقد لأن البائع لم يرض به إلا بالشرط فإذا فات فات الرضا به ولأنه شرط عقداً في عقد فلم يصح كنكاح الشغار، وقوله لاألتفت إلى اللفظ لا يصح لأن البيع هو اللفظ كان فاسداً فكيف يكون صحيحاً، ويحتمل أن يصح البيع ويبطل الشرط بناء على ما ينافي مقتضى العقد على ما نذكره إن شاء الله تعالى

بسم الله الرحمن الرحيم، باب الشروط في البيع

(الثاني) شرط ما ينافي مقتضى البيع نحو أن يشترط أن لا خسارة عليه أو متى نفق المبيع وإلا رده أو إلا يبيع ولا يهب ولا يعتق وإن أعتق فالولاء له أو يشترط أن يفعل ذلك فهذا الشرط باطل في نفسه لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث بريرة حين شرط أهلها الولاء " ماكان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل " نص على بطلان هذا الشرط وقسنا عليه سائر الشروط لأنها في معناه وهل يبطل بها البيع؟ على روايتين، قال القاضي: المنصوص عن أحمد أن البيع صحيح وهو ظاهر كلام الخرقي وبه قال الحسن والشعبي والنخعي والحكم وابن أبي ليلى وأبو ثور (والثانية) البيع فاسد وهو قول أبي حنيفة والشافعي لأنه شرط فاسد فأفسد البيع كما لو اشترط فيه عقداً آخر، ولأن الشرط إذا فسد وجب الرجوع بما نقصه الشرط من الثمن وذلك مجهول فيصير الثمن مجهولاً ولأن البائع إنما رضي بزوال ملكه عن المبيع بشرطه والمشتري كذلك إذا كان الشرط له فلو صح البيع بدونه لزال ملكه بغير رضاه، والبيع ممن شرطه التراضي ولأنه قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع وشرط ووجه الأولى ماروت عائشة قالت: جاءتني بريرة فقالت: كاتبت أهلي على تسع أواق في كل عام أوقيه فأعينيني، فقلت إن أحب أهلك أعدها لهم عدة واحدة ويكون ولاؤك لي فعلت، فذهبت بريرة إلى أهلها فقالت لهم فأبوا عليها فجاءت من عندهم ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس فقالت: إني عرضت عليهم فأبوا إلا أن يكون الولاء لهم، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرت عائشة النبي صلى الله عليه وسلم فقال " خذيها واشترطي لهم الولاء فإنما الولاء لمن أعتق " ففعلت عائشة فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فحمد الله واثنى عليه ثم قال " أما بعد فما بال رجال يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله تعالى، ماكان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط قضاء الله أحق، وشرط الله أوثق، وإنما الولاء لمن أعتق " متفق عليه فأبطل الشرط ولم يبطل العقد قال إبن المنذر خبر بريرة ثابت ولا نعلم خبراً يعارضه فالقول به يجب فإن قيل المراد بقوله " اشترطي لهم الولاء " أي عليهم بدليل أنه أمرها به ولا يأمرها بفاسد قلنا لا يصح هذا التأويل لوجهين أحدهما أن الولاء لها بإعتاقها فلا حاجة الى اشتراطه (الثاني) لهم أبوا البيع إلا أن يشترط لهم الولاء فكيف يأمرها بما علم أنهم لا يقبلونه منها وأما أمرها بذلك فليس هو أمراً على الحقيقة، وإنما هو صيغة الأمر بمعنى التسوية بين الا شتراط وتركه كقول الله تعالى (استغفر لهم) وقوله (اصبروا اولا تصبروا) والتقدير واشترطي لهم الولاء اولا تشترطي ولهذا قال عقيبه " فإنما الولاء لمن أعتق " وحديثهم لااصل له على ما ذكرنا وما ذكروه من المعنى في مقابلة النص لا يقبل (فصل) وإذا حكمنا بصحة البيع فللبائع الرجوع بما نقصه الشرط من الثمن ذكره القاضي وللمشتري الرجوع يزيادة الثمن إن كان هو المشترط لأن البائع إنما سمح بالبيع بهذا الثمن لما يحصل له من الغرض بالشرط والمشتري إنما سمح له بزيادة الثمن من أجل شرطه فإذا لم يحصل غرضه ينبغي أن يرجع بما سمح به كما لو وجده معيباً ويحتمل أن يثبت الخيار ولا يرجع بشئ كمن شرط رهناً اوضمينا فامتنع

فإن شرطها ثيبا، كافرة فبانت بكرا مسلمة فلا فسخ له لأنه زاده خيرا وليس ذلك يزيد في الثمن ما لو شرطه غير صانع فبان صانعا

الراهن والضمين ولأن ما ينقصه الشرط من الثمن مجهول فيصير الثمن مجهولاً ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحكم لأرباب بريرة بشئ مع فساد الشرط وصحة البيع. وإن حكمنا بفساد العقد لم يحصل به ملك سواء قبضه أو يقبضه على ما نذكره إن شاء الله تعالى {مسألة} (إذا شرط العتق ففي صحته روايتان) إحداهما يصح وهو مذهب مالك وظاهر مذهب الشافعي لأن عائشة اشترت بريرة وشرط عليها أهلها عتقها وولاءها فأنكر النبي صلى الله وسلم شرط الولاء دون العتق (والثانية) الشرط فاسد وهو مذهب أبي حنيفة لأنه شرط ينافي مقتضى العقد أشبه ما لو شرط أن لا يبيعه ولانه شرط إزالة ملكه عنه أشبه ما إذا اشترط أن يبيعه وليس في حديث عائشة أنها شرطت لهم العتق إنما اخبرهم أنها تريد ذلك من غير شرط فاشرطوا ولاءها فإن حكمنا بفساده فحمكه حكم سائر الشروط الفاسدة على مابينا وإن حكمنا بصحته فاعتقه المشتري فقد وفى بما شرط عليه وإن لم يعتقه ففيه وجهان (أحدهما) يجبر لأن شرط العتق إذا صح تعلق بعينه فيجبر كما لو نذر عتقه (والثاني) لا يجبر لأن الشرط لا يوجب فعل المشروط بدليل ما لو شرط الرهن والضمين فعلى هذا يثبت للبائع خيار الفسخ لأنه لم يسلم له ما شرط أشبه ما لو شرط عليه رهناً فلم يف به، وإن تعيب المبيع أو كان أمة فأحبلها أعتقه وأجزأه لأن الرق باق فيه وإن استغله أو أخذ من كسبه شيئاً فهو له وإن مات المبيع رجع البائع على المشتري بما نقصه شرط العتق فيقال كم قيمته لو بيع مطلقاً وكم قيمته إذا بيع بشرط العتق؟ فيرجع بقسط ذلك من ثمنه في أحد الوجهين كالارش وفي الآخر يضمن بما نقص من قيمته {مسألة} (وعنه فيمن باع جارية وشرط على المشتري أنه إن باعها فهو أحق بها بالثمن أن البيع جائز) روى المروذي عن أحمد أنه قال هو في معنى حديث النبي صلى الله عليه وسلم " لا شرطان في بيع " يعني أنه فاسد لأنه شرط أن يبيعه إياه وأن يبيعه بالثمن الاول فهما شرطان في بيع نهي عنهما ولأنه ينافي مقتضى العقد لأنه شرط أن لا يبيعه من غيره إذا أعطاه ثمنه فهو كما لو شرط أن لا يبيعه إلا من فلان وروى عنه اسماعيل بن سعيد البيع جائز لما روي عن ابن مسعود أنه قال ابتعت من امرأتي زينب الثقفية جارية وشرطت لها إن بعتها فهي لها بالثمن الذي ابتعتها به فذكرت ذلك لعمر فقال لا تقربها ولأحد فيها شرط قال إسماعيل فذكرت لأحمد الحديث قال البيع جائز ولا تقربها لأنه كان فيها شرط واحد للمرأة لم يقل عمر في ذلك البيع فاسد فحمل الحديث على ظاهره وأخذه به وقد اتفق عمر وابن مسعود على صحته والقياس يقتضي فساده قال شيخنا ويحتمل أن يحمل كلام أحمد في رواية المروذي على فساد الشرط وفي رواية اسماعيل بن سعيد على جواز البيع فيكون البيع صحيحاً والشرط فاسداً كما لو اشتراها بشرط أن لا يبيعها وقول أحمد لاتقربها قد روي مثله فيمن اشترط في الأمة أن لا يبيعها ولا يهبها أو شرط عليه ولاءها أولا يقربها والبيع جائز لحديث عمر المذكور. وقال القاضي

وهذا يدل على الكراهة لا على التحريم قال ابن عقيل عندي أنه إنما منع من الوطئ لمكان الخلاف في العقد لكونه يفسد بفساد الشرط في بعض المذاهب {مسألة} (وإن شرط رهناً فاسداً كالخمر ونحوه فهل يبطل البيع على وجهين؟) أصلهما الروايتان في الشروط الفاسدة وقد مضى ذكرهما (فصل) وإذا قال رجل لغريمه: بعني هذا على أن أقضيك دينك منه، ففعل، فالشرط باطل لأنه شرط أن لا يتصرف فيه بغير القضاء وهل يفسد البيع؟ ينبني على الشروط الفاسدة في البيع على ما ذكرنا. وإن قال اقبضني حقي على أن أبيعك كذا وكذا فالشرط باطل والقضاء صحيح لأنه أقبضه حقه وإن قال أقبضني أجود من مالي على أن أبيعك كذا فالقضاء والشرط باطلان وعليه رد ما قبضه ويطالب بماله (فصل) ومتى حكمنا بفساد العقد لم يثبت به ملك سواء اتصل به القبض أو لا ولا ينفذ تصرف المشتري فيه ببيع ولاهبة ولا عتق ولا غيره وبهذا قال الشافعي. وقال أبو حنيفة يثبت الملك فيه إذا اتصل به القبض وللبائع الرجوع فيه فيأخذه مع زيادته المتصلة إلا أن يتصرف فيه المشتري تصرفاً يمنع الرجوع فيه فيأخذ قيمته محتجاً بحديث بريرة فإن عائشة اشترتها بشرط الولاء فاعتقها فأجاز النبي صلى الله عليه وسلم العتق والبيع فاسد ولأن المشتري على صفة يملك المبيع ابتداء بعقد وقد حصل عليه الضمان للبدل غير أنه عقد فيه تسليط فوجب أن يملكه كالعقد الصحيح. ولنا أنه مقبوض بعقد فاسد فلم يملكه كما لو كان الثمن ميتة أو دما فأما حديث بريرة فإنما يدل على صحة العقد لاعلى ما ذكروه وليس في الحديث أن عائشة اشترتها بهذا الشرط بل الظاهر أن أهلها حين بلغهم إنكار النبي صلى الله عليه وسلم هذا الشرط تركوه ويحتمل أن الشرط كان سابقاً للعقد فلم يؤثر فيه (فصل) وعليه رد المبيع مع نمائه المنفصل وأجرة مثله مدة بقائه في يديه، وإن نقص ضمن نقصه لأنها جملة مضمونة فأجزاؤها تكون مضمونة أيضاً وإن تلف المبيع في يد المشتري فعليه ضمانه بقيمته يوم التلف قاله القاضي ولأن أحمد نص عليه في الغصب ولأنه قبضه بإذن مالكه فأشبه العارية، وذكر الخرقي في الغصب أنه يلزمه قيمته أكثر ما كانت فيخرج ههنا كذلك ولأصحاب الشافعي وجهان كهذين (فصل) فإن كان المبيع أمة فوطئها المشتري فلا حد عليه لاعتقاده أنها ملكه، ولأن في الملك اختلافاً وعليه مهر مثلها لأن الحد إذا سقط للشبهة وجب المهر، ولأن الوطئ في ملك الغير يوجب المهر وعليه أرش البكارة إن كانت بكراً، فان قيل أليس إذا تزوج امرأة تزويجاً فاسداً فوطئها فأزال بكارتها لا يضمن البكارة؟ قلنا لأن النكاح تضمن الإذن في الوطئ المذهب للبكارة لأنه معقود على الوطئ ولا كذلك البيع لانه ليس معقود على الوطئ بدليل أنه يجوز شراء من لا يحل وطؤها. فإن قيل إذا أوجبتم

مهر بكر فكيف توجبون ضمان البكارة وقد دخل ضمانها في المهر؟ وإذا أوجبتم ضمان البكارة فكيف توجبون مهر بكر وقد أدى عوض البكارة بضمانه له فجرى مجرى من أزال بكارتها بأصبعه ثم وطئها؟ قلنا لأن مهر البكر ضمان المنفعة وأرش البكارة ضمان جزء فلذلك اجتمعا، وأما الثاني فإنه إذا وطئها بكراً فقد استوفى نفع هذا الجزء فوجبت قيمة ما استوفى من نفعه وإذا أتلفه وجب ضمان عينه ولايجوز أن يضمن العين ويسقط ضمان المنفعة كما لو غصب عيناً ذات منفعة فاستوفى منفعتها ثم أتلفها أو غصب ثوباً فلبسه حتى أبلاه وأتلفه فإنه يضمن القيمة والمنفعة كذا ههنا (فصل) وإن ولدت كان ولدها حراً لأنه وطئها بشبهة ويلحق به لذلك ولاولاء عليه لأنه حر الأصل وعلى الواطئ قيمته يوم وضعه لأنه يوم الحيلولة بينه وبين صاحبه فإن سقط ميتاً لم يضمن لأنه إنما يضمنه حين وضعه ولا قيمة له حينئذ. فإن قيل فلو ضرب بطنها فألقت جنيناً ميتاً وجب ضمانه قلنا الضارب يجب عليه غرة وههنا يضمنه بقيمته ولا قيمة له ولأن الجاني أتلفه وقطع نماءه وههنا يضمنه بالحيلولة بعينه فإن كان الضارب أجنبياً فألقت جنيناً ميتاً فعلى الضارب غرة عبد أو أمة وللسيد أقل الأمرين من دية الجنين أو قيمته يوم سقط لأن ضمان الضارب له قام مقام خروجه حياً ولذلك ضمنه للبائع وإنما كان للسيد أقل الأمرين لأن الغرة إن كانت أكثر من القيمة فالباقي منها لورثته لأنه حصل بالحرية فلا يستحق السيد منها شيئاً وإن كانت أقل لم يكن على الضارب أكثر منها لأنه بسبب ذلك ضمن، وإن ضرب الواطئ بطنها فألقت الجنين ميتاً فعليه الغرة أيضاً ولا يرث منها شيئاً، وللسيد أقل الأمرين كما ذكرنا، وان سلم الجارية المبيعة إلى البائع حاملاً فولدت عنده ضمن نقص الولادة وإن تلفت بذلك ضمنها لأن تلفها بسبب منه وإن ملكها الواطئ لم تصر بذلك أم ولد على الصحيح من المذهب لأنها علقت منه في غير ملكه فأشبهت الزوجة وهكذا كل موضع حبلت في ملك غيره لا تصير له أم ولد بهذا (فصل) إذا باع المشتري المبيع الفاسد لم يصح لأنه باع ملك غيره بغير إذنه، وعلى المشتري رده على البائع الأول لأنه مالكه ولبائعه أخذه حيث وجده، ويرجع المشتري الثاني بالثمن على الذي باعه ويرجع الأول على بائعه فإن تلف في يد الثاني فللبائع مطالبة من شاء منهما لأن الأول ضامن والثاني قبضه من يد ضامنه بغير إذن صاحبه فكان ضامناً. فإن كانت قيمته أكثر من ثمنه فضمن الثاني لم يرجع بالفضل على الاول لأن التلف في يده فاستقر الضمان عليه، وإن ضمن الأول رجع بالفضل على الثاني (فصل) وإن زاد المبيع في يد المشتري بسمن أو نحوه ثم نقص حتى عاد إلى ما كان عليه أو ولدت الأمة في يد المشتري ثم مات ولدها احتمل أن يضمن تلك الزيادة لأنها زيادة في عين مضمونة أشبهت الزيادة في المغصوب واحتمل أن لا يضمنها لأنه دخل على أن لا يكون في مقابلة الزيادة عوض، فعلى هذا تكون الزيادة أمانة في يده إن تلفت بتفريطه أو عدوانه ضمنها والافلا، وإن تلفت العين بعد

زيادتها أسقطت تلك الزيادة من القيمة وضمنها بما بقي من القيمة حين التلف، قال القاضي وهذا ظاهر كلام أحمد (فصل) وإذا باع بيعاً فاسداً وتقابضا ثم أتلف البائع الثمن ثم أفلس فله الرجوع في المبيع والمشترى أسوة الغرماء وبهذا قال الشافعي، وقال أبو حنيفة المشتري أحق بالمبيع من سائر الغرماء لأنه في يده فكان أحق به كالمرتهن. ولنا أنه لم يقبضه وثيقة فلم يكن أحق به كما لو كان وديعة عنده بخلاف المرتهن فإنه قبضه على أنه وثيقة بحقه (فصل) وإذا قال بع عبدك من فلان بألف على ان على خمسمائة فباعه بهذا الشرط فالبيع فاسد لأن الثمن يجب أن يكون جميعه على المشتري، فإذا شرط كون بعضه على غيره لم يصح لأنه لا يملك المبيع والثمن على غيره، ولا يشبه هذا ما لو قال " أعتق عبدك أو طلق امرأتك وعلي خمسمائة. لكون هذا عوضاً في مقابلة فك الزوجة ورقبة العبد ولذلك لم يجز في النكاح. أما في مسألتنا فإنه معاوضة في مقابلة نقل الملك فلا يثبت لأن العوض على غيره، وإن كان هذا القول على وجه الضمان صح البيع ولزم الضمان (الثالث أن يشترط شرطاً يعلق البيع كقوله بعتك إن جئتني بكذا أو أن رضي فلان) فلا يصح البيع لأنه علق البيع على شرط مستقبل فلم يصح كما إذا قال: بعتك إذا جاء رأس الشهر {مسألة} (وكذلك إذا قال المرتهن إن جئتك بحقك في محله وإلا فالرهن لك، فلا يصح البيع، إلا بيع العربون وهو أن يشتري شيئاً ويعطي البائع درهماً ويقول ان اخدته وإلا فالدرهم لك. فقال أحمد يصح لأن عمر فعله وعند أبي الخطاب أنه لا يصح) وممن روي عنه القول بفساد الشرط ابن عمر وشريح والنخعي ومالك والثوري والشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم احداً خالفهم، والأصل في ذلك ما روى معاوية بن عبد الله بن جعفر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يغلق الرهن " رواه الأثرم قال الأثرم قلت لأحمد ما معنى قوله لا يغلق الرهن؟ قال لا يدفع رهن إلى رجل ويقول: إن جئتك بالدراهم إلى كذا وكذا وإلا فالرهن لك. قال إبن المنذر هذا معنى قوله لا يغلق الرهن عند مالك والثوري واحمد وإنما فسد البيع لانه معلق بشرط مستقبل فلم يصح كالمسألة قبلها، وكما لو قال إن ولدت ناقتي فصيلاً فقد بعتكه بدينار (فصل) والعربون في البيع هو أن يشتري السلعة ويدفع إلى البائع درهماً أو أكثر على أنه ان أخذ السلعة احتسب به من الثمن وإن لم يأخذها فهو للبائع. يقال عربون وعربون وعربان وأربان. قال أحمد ومحمد بن سيرين لا بأس به وفعله عمر رضي الله عنه، وعن ابن عمر أنه أجازه وقال ابن المسيب وابن سيرين لا بأس إذا كره السلعة أن يردها ويرد معها شيئاً قال أحمد هذا في معناه، وقال أبو الخطاب لا يصح وهو قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي ويروى عن ابن عباس والحسن ولأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع العربون رواه ابن ماجه ولأنه شرط للبائع شيئاً بغير عوض فلم يصح كما لو شرطه لاجنبي ولأنه بمنزلة الخيار المجهول فإنه اشترط أن له رد المبيع من غير ذكر مدة فلم يصح كما

وذكر الخرقي في جز الرطبة إن شرطه على البائع لم يصح فيخرج ههنا مثله

لو قال ولي الخيار متى شئت رددت السلعة ومعها ردهم (قال شيخنا) وهذا هو القياس وإنما صار أحمد فيه إلى ما روي عن نافع بن الحارث أنه اشترى لعمر دار السجن من صفوان بن أمية فإن رضي عمر وإلا فله كذا وكذا، قال الأثرم قلت لأحمد تذهب إليه قال أي شئ أقول هذا عمر رضي الله عنه؟ وضعف الحديث المروي. روى هذه القصة الأثرم بإسناده (فصل) فأما إن دفع إليه قبل البيع درهما وقال لاتبع هذه السلعة لغيري وإن لم اشترها منك فهذا الدرهم لك ثم اشتراها منه بعد ذلك بعقد مبتدأ وحسب الدرهم من الثمن صح لأن البيع خلا عن الشرط المفسد، ويحتمل أن الشراء الذي اشترى لعمر كان على هذا الوجه فيحمل عليه جمعاً بين فعله وبين الخبر وموافقة القياس والأئمة القائلين بفساد بيع العربون. وان لم يشتر السلعة في هذه الصورة لم يستحق البائع الدرهم لانه يأخذه بغير عوض ولصاحبه الرجوع فيه ولا يصح جعله عوضا من انتظاره وتأخر بيعه من أجله لأنه لو كان عوضاً عن ذلك لما جاز جعله من الثمن في حال الشراء ولأن الانتظار بالبيع لا تجوز المعاوضة عنه ولو جازت لوجب أن يكون معلوم المقدار كما في الإجارة {مسألة} (وإن قال بعتك على أن تنقدني الثمن إلى ثلاث أو مدة معلومة وإلا فلا بيع بيننا فالبيع صحيح نص عليه) وهذا قول أبي حنيفة والثوري وإسحاق ومحمد بن الحسن، وقال به أبو ثور إذا كان إلى ثلاث، وحكي مثل قوله عن ابن عمر، وقال مالك يجوز في اليومين والثلاثة ونحوها وإن كان عشرين ليلة فسخ البيع، وقال الشافعي وزفر البيع فاسد لأنه علق فسخ البيع على غرر فلم يصح كما لو علقه بقدوم زيد. ولنا أنه يروى عن عمر ولأنه علق رفع العقد بأمر يحدث في مدة الخيار فجاز كما لو شرط الخيار ولأنه بيع فجاز أن ينفسخ بتأخير القبض كالصرف ولأن هذا بمعنى شرط الخيار لانه كما يحتاج إلى التروي في المبيع - هل يوافقه أولا - يحتاج إلى التروي في الثمن هل يصير منقودا أولا فهما شبيهان في المعنى وإن تغايرا في الصورة إلا أنه في الخيار يحتاج إلى الفسخ وهذا ينفسخ إذا لم ينقد في المدة المذكورة لأنه جعله كذلك. {مسألة} (وإن باعه وشرط البراءة من كل عيب لم يبرأ وعنه يبرأ إلا أن يكون البائع علم العيب فكتمه) اختلفت الرواية عن أحمد في هذه المسألة فروي عنه أنه لا يبرأ إلا أن يعلم المشتري بالعيب وهو قول الشافعي. وقال إبراهيم والحكم وحماد لا يبرأ إلا مما سمى، وقال شريح لا يبرأ إلا مما أراه أو وضع يده عليه، وروي عنه أنه يبرأ من كل عيب لم يعلمه ولا يبرأ من عيب علمه يروي ذلك عن عثمان ونحوه عن زيد بن ثابت، وهو قول مالك وقول الشافعي في الحيوان خاصة لما روي أن عبد الله ابن عمر باع زيد بن ثابت عبداً بشرط البراءة بثمانمائة درهم فأصاب به زيد عيباً فأراد رده على ابن عمر فلم يقبله فترافعا إلى عثمان فقال عثمان لابن عمر تحلف إنك لم تعلم بهذا العيب؟ قال لا فرده عليه فباعه ابن عمر بألف درهم رواه الإمام أحمد، وهذه قصة اشتهرت فلم تنكر فكانت إجماعاً ويتخرج

أن يبرأ من العيوب كلها بالبراءة وحكاه بعض أصحابنا رواية عن أحمد بناء على جواز البراءة من المجهول، وروى هذا عن ابن عمر، وهو قول أصحاب الرأي وقول الشافعي لما روت ام سلمة أن رجلين اختصما في مواريث درست إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " استهما وتوخيا وليحلل كل واحد منكما صاحبه " وهذا يدل على أن البراءة من المجهول جائزة ولأنه إسقاط حق لا تسليم فيه فصح في المجهول كالطلاق والعتاق ولافرق بين المجهول وغيره فما يثبت في أحدهما يثبت في الآخر وقول عثمان قد خالفه ابن عمر فلا يبقى حجة (فصل) وإذا قلنا بفساد هذا الشرط لم يفسد به البيع في ظاهر المذهب وهو وجه لأصحاب الشافعي لما ذكرنا من قضية ابن عمر فانهم أجمعوا على صحتها فعلى هذا لايمنع الرد بوجود الشرط. ويكون وجوده كعدمه وعن أحمد في الشروط الفاسدة روايتان (إحداهما) يفسد بها العقد فيدخل فيها هذا البيع لأن البائع إنما رضي بهذا الثمن عوضاً عن ماله بهذا الشرط فإذا فسد الشرط فات الرضا به فيفسد البيع لعدم التراضي. (فصل) قال رضي الله عنه (وإن باعه داراً أو ثوباً على أنه عشرة أذرع فبان أحد عشر فالبيع باطل) لأنه لا يمكن اجبار البائع على تسليم الزيادة انما باع عشرة، ولا المشتري على أخذ البعض وإنما اشترى الكل وعليه ضرر في الشركة أيضاً، عنه أنه صحيح والزيادة للبائع لأن ذلك نفص على المشتري فلم يمنع صحة البيع كالمعيب، ثم يخير البائع بين تسليم المبيع زائداً وبين تسليم العشرة فإن رضي بتسليم الجميع فلا خيار للمشتري لأنه زاده خيراً وإن أبى تسليمه زائداً فللمشتري الخيار بين الأخذ والفسخ بجميع الثمن المسمى فإن رضي بالأخذ أخذ بالعشرة والبائع شريك له بالذراع، وهل للبائع خيار الفسخ؟ على وجهين (أولهما) له الفسخ لأن عليه ضرراً في المشاركة (والثاني) لاخيار له لأنه رضي ببيع الجميع بهذا الثمن فإذا وصل إليه الثمن مع بقاء جزء له فيه كان زيادة فلا يستحق بها الفسخ ولأن هذا الضرر حصل بتغريره واختياره بخلاف مجبره فلا ينبغي أن يسلط به على فسخ عقد المشتري، فإن بذلها البائع للمشتري بثمن أو طلبها المشتري بثمن لم يلزم الآخر القبول لأنها معاوضة يعتبر فيها التراضي منهما فلا يجبر واحد منهما عليها وإن تراضيا على ذلك جاز، وإن بانت تسعة فالبيع باطل لما ذكرنا وعنه أنه صحيح والمشتري بالخيار بين الفسخ وأخذ المبيع بقسطه من الثمن، وقال أصحاب الشافعي ليس له إمساكه إلا بجميع الثمن أو الفسخ بناء على المبيع المعيب عندهم، ولنا أنه وجد المبيع ناقصاً في القدر فكان له إمساكه بقسطه من الثمن كالصبرة إذا اشتراها على أنها مائة فبانت خمسين وسنبين في المعيب أن له إمساكه وأخذ الأرش، فإن أخذها بقسطها من الثمن فللبائع الخيار بين الرضا بذلك وبين الفسخ لأنه إنما رضي ببيعها بكل الثمن فإذا لم يصل إليه ثبت له الفسخ، فإن بذل له المشتري جميع الثمن لم يملك الفسخ لأنه وصل إليه الثمن الذي رضيه فأشبه مالو اشترى معيباً فرضيه بجميع الثمن وإن اتفقا على تعويضه عنه جاز لأنها

معاوضة فجازت بتراضيهما كغيرها (فصل) وإن اشترى صبرة على أنها عشرة أقفزة فبانت أحد عشر رد الزائد ولاخيار له ههنا لأنه لاضرر في رد الزيادة وإن بانت تسعة أخذها بقسطها من الثمن، وقد ذكرنا فيما تقدم أنه متى سمى الكيل في الصبرة لا يكون قبضها إلا بالكيل فإن وجدها قدر حقه أخذها وإن كانت زائدة رد الزيادة وإن نقصت أخذها بقسطها من الثمن وهل له الفسخ وإذا وجدها ناقصة؟ على وجهين (أحدهما) له الخيار وهو مذهب الشافعي لأنه وجد المبيع ناقصاً فكان له الفسخ كغير الصبرة وكنقصان الصفة (والثاني) لاخيار له لأن نقصان القدر ليس بعيب في الباقي من الكيل بخلاف غيره {باب الخيار في المبيع} (وهو على سبعة أقسام: أحدها خيار المجلس ويثبت في البيع والصلح بمعناه والإجارة ويثبت في الصرف والسلم وعنه لا يثبت فيهما ولا يثبت في سائر العقود إلا في المساقاة والحوالة والسبق في أحد الوجهين) وجملته أن خيار المجلس يثبت في البيع بمعنى أنه يقع جائزاً ولكل واحد من المتبايعين الخيار في فسخه ماداما مجتمعين لم يتفرقا، وهو قول أكثر أهل العلم يروي ذلك عن عمر وابنه وابن عباس وأبي هريرة وأبي برزة، وبه قال سعيد بن المسيب وشريح والشعبي وعطاء وطاوس والزهري والاوزاعي وابن أبي ذئب والشافعي واسحاق وأبو عبيد وأبو ثور، وقال مالك وأصحاب الرأي يلزم العقد بالإيجاب والقبول والخيار لهما لأنه روي عن عمر رضي الله عنه: البيع صفقة أو خيار ولأنه عقد معاوضة فلزم بمجرده كالنكاح والخلع ولنا ماروى ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا " تبايع الرجلان فلكل واحد منهما الخيار ما لم يتفرقا وكانا جميعاً أو يخير أحدهما الآخر فإن خير أحدهما الآخر فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع وإن تفرقا بعد أن تبايعا ولم يترك أحدهما البيع فقد وجب البيع " متفق عليه وقال عليه الصلاة والسلام " البيعان بالخيار ما لم يتفرقا " رواه الأئمة ورواه عبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو وحكيم بن حزام وأبو ثور الاسملي ورواه عن نافع عن ابن عمر مالك وأيوب وعبيد الله بن عمر وابن جريج والليث ابن سعد وغيرهم وهو صريح في حكم المسألة وعاب كثير من أهل العلم على مالك مخالفته الحديث مع روايته له وثوبته عنده قال الشافعي لاأدري هل أيهم مالك نفسه أو نافعاً وأعظم أن أقول عبد الله بن عمر. وقال ابن أبي ذئب يستتاب مالك في تركه لهذا الحديث. فإن قيل المراد بالتفرق هاهنا التفرق بالأقوال كقوله تعالى (وما تفرق الذين أو توا الكتاب الامن بعد ما جاءتهم البينة) وقول النبي صلى الله عليه وسلم " ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة " أي بالأقوال والاعتقادات قلنا هذا باطل لوجوه منها أن اللفظ لا يحتمل ما قالوه إذ ليس بين المتبايعين تفرق بقول ولا اعتقاد إنما بينهما اتفاق على

إلا إذا شرط العتق ففي صحته روايتان

البيع بعد الاختلاف فيه (الثاني) أن هذا يبطل فائدة الحديث إذ قد علم أنه بالخيار قبل العقد في إنشائه وإتمامه أو تركه (الثالث) أنه قال في الحديث " إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار بعد تبايعهما " وقال " وإن تفرقا بعد أن تبايعا ولم يترك أحدهما البيع فقد وجب البيع " (والرابع) أنه يرده تفسير ابن عمر للحديث بفعله فإنه كان إذا بايع رجلاً مشى خطوات ليلزم البيع وتفسير أبي برزة بقوله مثل قولنا وهما راويا الحديث وأعلم معناه وقول عمر لبيع صفقة أو خيار معناه أن البيع ينقسم إلى بيع شرط فيه الخيار وبيع لم يشرط فيه سماه صفقة لقصر مدة الخيار فيه لأنه قد روي عن الحوزجاني مثل مذهبنا ولو أراد ما قالوه لم يجز أن يعارض به قول النبي صلى الله عليه وسلم فإنه لاحجة في قول احد مع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن قول الصحابي لا يحتج به إذا خالفه غيره من الصحابة وقد خالفه ابنه وأبو برزة وغيرهما، ولا يصح قياس البيع على النكاح لأن النكاح لا يقع الابعد رؤية ونظر غالباً فلا يحتاج إلى الخيار بعده ولأن في ثبوت الخيار فيه مضرة لما يلزم من رد المرأة بعد ابتذالها بالعقد وذهاب حرمتها بالرد وإلحاقها بالسلع المبيعة فلم يثبت الخيار لذلك ولهذا لم يثبت فيه خيار الشرط ولاخيار الرؤية والحكم في هذه المسألة ظاهر لظهور دليله وضعف ما يذكره المخالف في مقابلته (فصل) ويثبت الخيار في الصلح بمعنى البيع لأنه عقد معاوضة أشبه البيع. والهبة إذا شرط فيها عوضاً معلوماً ثبت فيها الخيار في إحدى الروايتين بناء على الاختلاف فيها هل تصير بيعاً أو لا ويثبت في الإجارة لأنه عقد معاوضة أشبه البيع ويثبت في الصرف والسلم وما يشترط فيه القبض في المجلس كبيع مال الربا بجنسه في الصحيح لما ذكرنا من الخبر والمعنى. وعنه لا يثبت فيها قياساً على خيار الشرط فإنه لا يثبت فيها رواية واحدة لأن موضوعها على أن لا يبقى بينهما علقة بعد التفرق بدليل اشتراط القبض، وثبوت الخيار يبقى بينهما علقة ولا يثبت في سائر العقود وهي. على اضرب (أحدها) لازم لا يقصد به العوض كالنكاح والخلع فلا يثبت فيهما خيار لأن الخيار إنما يثبت لمعرفة الحظ في كون العوض جابراً لما يذهب من ماله والعوض هاهنا ليس هو المقصود وكذلك الوقف والهبة بغير عوض ولأن في ثبوت الخيار في النكاح ضرراً ذكرناه (الضرب الثاني) لازم من أحد طرفيه كالرهن لازم في حق الراهن وجده فلا يثبت فيه خيار لأن المرتهن يستغني بالجواز في حقه عن ثبوت الخيار والراهن يستغني بثبوت الخيار له إلى أن يقبض وكذلك الضامن والكفيل لاخيار لهما لأنهما دخلا متطوعين راضيين بالغبن، وكذلك المكاتب (الضرب الثالث) عقد جائز من الطرفين كالشركة والمضاربة والجعالة والوكالة والوديعة والوصية فلا يثبت فيها خيار استغناء بجوازها والتمكن من فسخها بأصل وضعها (الضرب الرابع) ما هو متردد بين الجواز واللزوم كالمساقاة والمزارعة، وظاهر المذهب أنهما جائزان فلا يدخلهما خيار، وقيل هما إجارة فلهما حكمها، والسبق والرمي الظاهر أنهما جعالة فلا

وعنه فيمن باع جارية وشرط على المشتري أنه إن باعها فهو أحق بها بالثمن أن البيع جائز

يثبت فيهما خيار وقيل هما إجارة وقد ذكرناه، فأما الحوالة والأخذ بالشفعة فهو عقد لازم يستقل به أحد المتعاقدين فلا خيار فيهما لأن من لا يعتبر رضاه الخيار له، إذا لم يثبت في أحد طرفيه لا يثبت في الآخر كسائر العقود، ويحتمل أن يثبت الخيار للمحيل والشفيع لأنه يقصد فيهما العوض فأشبها سائر عقود المعاوضات {مسألة} (ولكل واحد من المتبايعين الخيار ما لم يتفرقا بأبدانهما لما ذكرناه) ولا خلاف في لزوم العقد بعد التفرق ما لم يكن سبب يقتضي جوازه مثل أن يجد في السلعة عيباً فيردها به أو يكون قد شرط الخيار مدة معلومة فيملك الرد فيها بغير خلاف علمناه بين أهل العلم، وفي معنى العيب أن يدلس المبيع بما يختلف به الثمن أو يشرط في المبيع صفة يختلف بها الثمن فيبين بخلافه أو يخبره في المرابحة بثمن حال وهو مؤجل ونحو ذلك وقد دل على لزوم البيع بالتفرق قول النبي صلى الله عليه وسلم " وإن تفرقا بعد أن تبايعا ولم يترك أحدهما البيع فقد وجب البيع " والمرجع في التفرق إلى عرف الناس وعاداتهم لأن الشارع علق عليه حكما ولم يبينه فدل على أنه أراد ما يعرفه الناس كالقبض والإحراز، فإن كانا في فضاء واسع كالمسجد الكبير والصحراء فبأن يمشي أحدهما مستدبراً لصاحبه خطوات وقيل هو أن يبعد منه بحيث لا يسمع كلامه الذي يتكلم به في العادة. قال أبو الحارث سئل أحمد عن تفرقه الأبدان فقال إذا أخذ هذا هكذا وأخذ هذا هكذا فقد تفرقا. وروى مسلم عن نافع قال فكان ابن عمر إذا باع فأراد أن لا يقيله مشى هنيهة ثم رجع، وإن كانا في دار كبيرة ذات مجالس وبيوت فالمفارقة أن يفارقه من بيت إلى بيت أو إلى مجلس أو صفة أو من مجلس إلى بيت ونحو ذلك، فإن كانا في دار صغيرة فإذا صعد أحدهما السطح أو خرج منها فقد فارقه، وإن كانا في سفينة صغيرة خرج أحدهما منها ومشى، وإن كانت كبيرة صعد أحدهما إلى أعلاها ونزل الآخر في أسفلها وهذا كله مذهب الشافعي، فإن كان المشتري هو البائع مثل أن اشترى لنفسه من مال ولده أو اشترى لولده من نفسه لم يثبت فيه خيار المجلس لأنه يتولى طرفي العقد فلم يثبت له خيار كالشفيع ويحتمل أن يثبت فيه كغيره فعلى هذا يعتبر لزومه مفارقة مجلس العقد لأن الافتراق لا يمكن هاهنا لكون البائع هو المشتري، ومتى حصل التفرق لزم العقد قصدا ذلك أو لم يقصداه علماء أو جهلاه لأن النبي صلى الله عليه وسلم علق الخيار على التفرق وقد وجد، ولو هرب أحدهما من الآخر لزم العقد لأنه فارقه ولا يقف لزوم العقد على رضاهما ولهذا كان ابن عمر يفارق صاحبه ليلزم البيع، ولو أقاما في المجلس وسدلا بينهما ستراً أو بنيا بينهما حاجزاً أو ناما وقاما فمضيا جميعاً ولم يتفرقا فالخيار بحاله وإن طالت المدة لعدم التفرق، وقد روى أبو داود والاثرم بإسنادهما عن أبي الوضئ قال غزونا غزوة لنا فنزلنا منزلا فباع صاحب لنا فرساً بغلام ثم أقاما بقية يومهما وليلتهما فلما أصبحنا من الغد وحضر الرحيل قام إلى فرسه يسرجه فندم فأتى الرجل وأخذه بالبيع فأبى الرجل أن يدفعه اليه فقال بيني وبينك

وإن شرط رهنا فاسدا كالخمر ونحوه فهل يبطل البيع على وجهين؟

أبوبرزة صاحب رسول الله صلى الله وعليه وسلم فأتيا أبا برزة في ناحية العسكر فقالوا له هذه القصة فقال أترضيان أن أقضي بينكما بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " البيعان بالخيار ما لم يتفرقا " وما أراكما افترقتما. فإن فارق أحدهما الآخر مكرهاً احتمل بطلان الخيار لوجود التفرق ولأنه لا يعتبر رضاه في مفارقة صاحبه له فكذلك في مفارقته لصاحبه، وقال القاضي لا ينقطع الخيار لأنه حكم علق على التفرق فلم يثبت مع الإكراه كما لو علق عليه الطلاق ولأصحاب الشافعي وجهان كهذين، فعلى قول من لا يرى انقطاع الخيار إن أكره أحدهما على فرقة صاحبه انقطع خيار صاحبه كما لو هرب منه يبقى الخيار للمكره منهما في المجلس الذي يزول عنه الإكراه فيه حتى يفارقه، وإن أكرها جميعاً انقطع خيارهما لأن كل واحد منهما يقطع خياره بتفرقة الآخر له فأشبه مالو أكره صاحبه دونه، وذكر ابن عقيل من صور الإكراه مالو رأيا سبعاً أو ظالما خشياه فهربا فزعا منه أو حملهما سبيل أو فرقت بينهما ريح. فان خرس أحدهما قامت اشارته مقام نطقه فإن لم تفهم إشارته أو جن أو أغمي عليه قام أبوه أو وصيه أو الحاكم مقامه وهذا مذهب الشافعي (فصل) ولو ألحقا في العقد خياراً بعد لزومه لم يلحق وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة وأصحابنا يلحقه لأن لهما فسخ العقد فكان لهما إلحاق الخيار به كالمجلس. ولنا أنه عقد لازم فلم يصر جائزاً بقولهما كالنكاح وفارق المجلس فإنه جائز فجاز إبقاؤه على جوازه (فصل) وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " البائع والمبتاع بالخيار حتى يتفرقا إلا أن تكون صفقة خيار فلا يحل له أن يفارق صاحبه خشية أن يستقيله " رواه الترمذي وقال حديث حسن وقوله " إلا أن يكون صفقة خيار " يحتمل أنه أراد البيع المشروط فيه الخيار فإنه لا يلزم بتفرقهما لكونه ثابتاً بعده بالشرط، ويحتمل أنه أراد البيع الذي شرط فيه أن لا يكون فيه خيار فيلزم بمجرد العقد من غير تفرق. وظاهر الحديث تحريم مفارقة أحد المتبايعين لصاحبه خشية من فسخ البيع وهذا ظاهر كلام أحمد في رواية الأثرم فإنه ذكر له فعل ابن عمر وهذا الحديث فقال هذا الان قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو اختيار أبي بكر، وقال القاضي ظاهر كلام أحمد جواز ذلك لأن ابن عمر فعله والأول أصح لأن قول النبي صلى الله عليه وسلم يقدم على فعل ابن عمر، والظاهر أن ابن عمر لم يبلغه هذا ولو علمه لما خالفه {مسألة} (إلا أن يتبايعا على أن لاخيار بينهما أو يسقطا الخيار بعده فيسقط في إحدى الروايتين، وإن اسقطه أحدهما بقي خيار صاحبه) اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في ذلك فروي عنه أن الخيار يمتد إلى التفرق ولا يبطل بالتخاير ولا بالإسقاط قبل العقد ولابعده وهو ظاهر كلام الخرقي لأن أكثر الروايات عن النبي صلى الله عليه وسلم " البيعان بالخيار ما لم يتفرقا " من غير تقييد ولا تخصيص في رواية حكيم بن حزام وأبي برزة

وأكثر الروايات عن عبد الله بن عمرو. والتقييد إنما هو في حديث ابن عمر، ومتى انفرد بعض الرواة بزيادة قدم قول الأكثرين وذوي الضبط (والرواية الثانية) أن الخيار يبطل بالتخاير اختارها ابن أبي موسى وهذا مذهب الشافعي وهو الصحيح إن شاء الله تعالى لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر " فإن خير أحدهما صاحبه فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع " يعني لزم، وفي لفظ المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا إلا أن يكون البيع كان عن خيار، فإن كان البيع عن خيار فقد وجب البيع " متفق عليه. والأخذ بالزيادة أولى وهي صريحة في الحكم، والتخاير في ابتداء العقد وبعده في المجلس واحد فالتخاير في ابتدائه أن يقول بعتك ولا خيار بيننا ويقبل الآخر على ذلك فلا يكون لهما خيارا، والتخاير بعده أن يقول كل واحد منهما بعد العقد اخترت إمضاء العقد والزامه أو اخترت العقد أو أسقطت خياري فيلزم العقد من الطرفين، وإن اختار أحدهما دون الآخر لزم في حقه وحده كما لو كان خيار الشرط فاسقطه أحدهما، وقال أصحاب الشافعي في التخاير في ابتداء العقد قولان أظهرهما لا يقطع الخيار لأنه إسقاط للحق قبل سببه فلم يجز كخيار الشفعة، فعلى هذا هل يبطل به العقد؟ على وجهين بناء على الشروط الفاسدة. ولنا ما ذكرنا من حديثي ابن عمر وذلك صريح في الحكم فلانعول على ما خالفه ولأن ما أثر في الخيار في المجلس أثر فيه مقارناً للعقد كاشتراط الخيار ولأنه أحد الخيارين في البيع فجاز إخلاؤه عنه كخيار الشرط، وقولهم أنه إسقاط للخيار قبل سببه ممنوع فإن سبب الخيار البيع المطلق، فأما البيع مع التخاير فليس سبباً له ثم لو ثبت أنه سبب للخيار لكن المانع مقارن له فلم يثبت حكمه، والشفعة لنا فيها منع وإن سلم فالفرق بينهما أن الشفيع أجنبي من العقد فلم يصح اشتراط إسقاط خياره في العقد بخلاف مسئلتنا (فصل) فإن قال أحدهما لصاحبه اختر ولم يقل الآخر شيئاً فالساكت على خياره لأنه لم يوجد منه ما يبطله وأما القائل فيحتمل أن يبطل خياره لما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " البيعان بالخيار ما لم يتفرقا أو يقول أحدهما لصاحبه اختر " رواه البخاري ولأنه جعل لصاحبه ما ملكه من الخيار فسقط خياره وهذا ظاهر مذهب الشافعي ويحتمل أن لا يبطل خياره لأنه خيره فلم يختر فلم يؤثر كما لو جعل لزوجته الخيار فلم تختر شيئاً ويحمل الحديث على أنه خيره فاختار، والأول أولى لظاهر الحديث ولأنه جعل الخيار لغيره ويفارق الزوجة لأنه ملكها مالا تملك فإذا لم تقبل سقط وههنا كل واحد منهما يملك الخيار فلم يكن قوله تمليكاً إنما كان إسقاطاً فسقط (فصل) قال رضي الله عنه (الثاني خيار الشرط وهو أن يشترط في العقد خيار مدة معلومة فيثبت فيها وإن طالت) هذا قول أبي يوسف ومحمد وابن المنذر وحكي ذلك عن الحسن بن صالح وابن أبي ليلى واسحاق وأبي ثور وأجازه مالك فيما زاد على الثلاث بقدر الحاجة مثل قرية لا يصل إليها في

وكذلك إذا قال المرتهن إن جئتك بحقك في محله وإلا فالرهن لك، فلا يصح البيع، إلا بيع العربون وهو أن يشتري شيئا ويعطي البائع درهما ويقول أن أخذته وإلا فالدرهم لك فقال أحمد يصح لأن عمر فعله، وعند أبي الخطاب أنه لا يصح

أقل من أربعة أيام لأن الخيار لحاجته فيقدر بها، وقال أبو حنيفة والشافعي لا يجوز أكثر من ثلاث لما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال ما أجد لكم أوسع مما جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم لحبان جعل له الخيار ثلاثة أيام أن رضي أخذ وإن سخط ترك. ولأن الخيار ينافي مقتضى البيع لأنه يمنع الملك واللزوم وإطلاق التصرف، وإنما جاز للحاجة فجاز القليل منه وآخر حد القلة ثلاث قال الله تعالى (فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام - بعد قوله - فيأخذكم عذاب قريب) ولنا أنه حق يعتمد الشرط فرجع في تقديره إلى مشترطه كالأجل ولم يثبت ما روي عن عمر رضي الله عنه وقد روي عن أنس خلافه، وتقدير مالك بالحاجة لا يصح فإنها لا يمكن ضبط الحكم بها لخفائها واختلافها وإنما يرتبط بمظنتها وهو الاقدام فإنه صالح أن يكون ضابطاً وربط الحكم به في الثلاث وفي السلم والأجل، وقول الآخرين: أنه ينافي مقتضى البيع لا يصح لأن مقتضى البيع نقل الملك والخيار لا ينافيه وإن سلمنا ذلك لكن متى خولف الأصل لمعنى في محل وجب تعدية الحكم لتعدي ذلك المعنى {مسألة} (ولايجوز مجهولاً في ظاهر المذهب، وعنه يجوز وهما على خيارهما ما لم يقطعاه أو تنتهي مدته) إذا شرط الخيار أبداً أو متى شاء، أو قال أحدهما ولي الخيار ولم يذكر مدته أو شرطاه إلى مدة مجهولة كقدوم زيد أو نزول المطر أو مشاورة إنسان ونحو ذلك لم يصح في الصحيح من المذهب هذا اختيار القاضي وابن عقيل ومذهب الشافعي وعن أحمد أنه يصح وهما على خيارهما أبداً أو يقطعاه أو تنتهي مدته إن كان مشروطاً إلى مدة وهو قول ابن شبرمة لقول النبي صلى الله عليه وسلم المسلمون على شروطهم وقال مالك يصح ويضرب لهما مدة يختبر المبيع في مثلها في العادة لأن ذلك مقرر في العادة فإذا أطلقا حمل عليه، وقال أبو حنيفة إن اسقطا الشرط قبل مضي الثلاث أو حذفا الزائد عليها وبينا مدته صح لانهما حذفا المفسد قبل اتصاله بالعقد فوجب أن يصح كما لو لم يشترطاه ولنا أنها مدة ملحقة بالعقد فلا تجوز مع الجهالة كالأجل، ولأن اشتراط الخيار أبداً يقتضي المنع من التصرف على الأبد وذلك ينافي مقتضى العقد فلم يصح كما لو قال بعتك بشرط أن لا تتصرف، وقول مالك أنه يرد إلى العادة لا يصح فإنه لاعادة في الخيار يرجع إليها واشتراطه مع الجهالة نادر، وقول أبي حنيفة لا يصح فإن المفسد هو الشرط وهو مقترن بالعقد، ولأن العقد لا يخلو من أن يكون صحيحا أو فاسداً فإن كان صحيحاً مع الشرط لم يفسد بوجود ما شرطناه وإن كان فاسداً لم ينقلب صحيحاً كبيع درهم بدرهمين إذا حذف أحدهما، وإذا قلنا يفسد الشرط هل يفسد به البيع؟ على روايتين (إحداهما) يفسد وهو مذهب الشافعي لأنه عقد قارنه شرط فاسد كنكاح الشغار، ولأن البائع إنما رضي ببذله بهذا الثمن مع الخيار في استرجاعه والمشتري إنما رضي ببذل هذا الثمن فيه مع الخيار في فسخه فلو صححناه لأزلنا ملك كل واحد منهما عنه بغير رضاه وألزمناه ما لم يرض به ولأن الشرط يأخذ قسطاً من الثمن فإذا حذفناه وجب رد ما سقط من الثمن من أجله وذلك مجهول فيكون الثمن مجهولاً فيفسد به

وإن باعه وشرط البراءة من كل عيب لم يبرأ إلا أن يكون البائع علم العيب فكتمه

العقد (والثانية) لا يفسد به العقد وهو قول ابن أبي ليلى لحديث بريرة ولأن العقد قد تم بأركانه والشرط زائد فإذا فسد وزال سقط الفاسد وبقي العقد بركنيه كما لو لم يشترط (فصل) وإن شرطه إلى الحصاد أو الجذاذ احتمل أن يكون كتعليقه على قدوم زيد لأنه يختلف ويتقدم ويتأخر فكان مجهولاً، ويحتمل أن يصح لأن ذلك يتفاوت في العادة ولا يكثر تفاوته، وإن شرطه إلى العطاء وأراد وقت العطاء وكان معلوماً صح، وإن أراد نفس العطاء فهو مجهول (فصل) وإن شرطا الخيار شهراً يوماً يثبت ويوماً لا، فقال ابن عقيل يصح في اليوم الأول لامكانه ويبطل فيما بعده لأنه إذا لزم في اليوم الثاني لم يعد إلى الجواز، ويحتمل أن يبطل الشرط كله لأنه شرط واحد تناول الخيار في أيام فإذا فسد بعضه فسد جميعه كما لو شرطه إلى الحصاد {مسألة} (ولا يثبت إلا في البيع والصلح بمعناه والإجارة في الذمة أو على مدة لاتلي العقد) لا نعلم خلافاً في ثبوت خيار الشرط في البيع الذي لا يشترط فيه القبض في المجلس وكذلك الصلح بمعنى البيع لأنه بيع بلفظ الصلح والهبة بعوض على إحدى الروايتين والإجارة في الذمة نحو أن يقول استأجرتك لتخيط لي هذا الثوب ونحوه لأن الإجارة بيع المنافع فأشبهت بيع الأعيان، فأما الإجارة المعينة فإن كانت مدتها من حين العقد دخلها خيار المجلس دون خيار الشرط لأن دخوله يفضي إلى فوت بعض المنافع المعقود عليها أو استبقائها في مدة الخيار وكلاهما لا يجوز وهذا مذهب الشافعي، وذكر القاضي مرة مثل هذا ومرة قال يثبت فيها خيار الشرط قياساً على البيع، وقد ذكرنا ما يقتضي الفرق بينهما، فإن كانت المدة لاتلي العقد يثبت فيها خيار الشرط إذا كانت مدة الخيار لا تشتمل على شئ من مدة العقد فإن كانت بعض مدة العقد تدخل في مدة الخيار لم يجز لما ذكرنا {مسألة} (وإن شرطاه إلى الغد لم يدخل في المدة) وهذا مذهب الشافعي، وعنه يدخل وهو مذهب أبي حنيفة لان إلى تستعمل بمعنى مع كقوله تعالى (وأيديكم إلى المرافق * ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم) والخيار ثابت بيقين فلا نزيله بالشك ولنا أن موضوع (إلى) لانتهاء الغاية فلا يدخل ما بعدها فيما قبلها كقوله تعالى (ثم أتموا الصيام إلى الليل) وكالأجل وليس ههنا شك فإن الأصل حمل اللفظ على موضوعه فكأن الواضع قال متى سمعتم هذه اللفظة فافهموا منها انتهاء الغاية. وفيما استشهدوا به حملت إلى على معنى مع بدليل، أو لتعذر حملها على موضوعها ولأن الأصل لزوم العقد وإنما خولف فيما اقتضاه الشرط فيثبت ما تيقن منه وما شككنا فيه رددناه إلى الأصل. (فصل) وإن شرط الخيار إلى طلوع الشمس أو إلى غروبها صح، وقال بعض أهل العلم لا يصح توقيته بطلوعها لأنها قد تتغيم فلا يعلم وقت طلوعها، ولنا أنه تعليق للخيار بأمر ظاهر معلوم فصح كتعليقه بغروبها، وطلوع الشمس بروزها من الأفق كما أن غروبها سقوط القرص، ولذلك لو علق طلاق

امرأته أو عتق عبده بطلوع الشمس وقع ببروزها من الأفق، وإن عرض غيم يمنع المعرفة بطلوعها فالخيار ثابت حتى يتيقن طلوعها كما لو علقه بغروبها فمنع الغيم المعرفة بوقته، ولو جعل الخيار إلى طلوع الشمس من تحت السحاب أو إلى غيبتها تحته كان خياراً مجهولاً {مسألة} (وإن شرطاه مدة فابتداؤها من حين العقد ويحتمل أن يكون من حين التفرق) إذا شرط الخيار مدة معلومة اعتبرنا مدة الخيار من حين العقد في أظهر الوجهين والآخر من حين التفرق لأن الخيار ثابت في المجلس حقاً فلا حاجة الى إثباته بالشرط ولأن حالة المجلس كحالة العقد لأن لهما فيه الزيادة والنقصان فكان كحالة العقد في ابتداء مدة الخيار بعد انقضائه والأول أصح لأنها مدة ملحقة بالعقد فأشبهت الأجل، ولأن الاشتراط سبب ثبوت الخيار فيجب أن يتعقبه حكمه كالملك في البيع ولأنا لو جعلنا ابتداءها من حين التفرق أدى إلى جهالته لأنا لا نعلم متى يتفرقان فلا نعلم متى ابتداؤه ولا وقت انتهائه، ولا يمنع ثبوت الحكم بسببين كتحريم الوطئ بالصيام والإحرام، فعلى هذا لو شرط ابتداءه من حين التفرق لم يصح إلا على قولنا بصحة الخيار المجهول، وإن قلنا ابتداؤه من حين التفرق فشرط ثبوته من حين العقد صح لأنه معلوم الابتداء والانتهاء، ويحتمل أن لا يصح لأن خيار المجلس يغني عن خيار آخر فيمنع ثبوته والأول أولى ومذهب الشافعي في هذا الفصل على ما ذكرنا {مسألة} (وإن شرط الخيار لغيره جاز وكان توكيلاً له فيه) إذا شرط الخيار لأجنبي صح وكان اشتراطاً لنفسه وتوكيلاً لغيره فيه وهذا قول أبي حنيفة ومالك وللشافعي قولان (أحدهما) لا يصح وهو قول القاضي إذا أطلق الخيار لفلان أو قال لفلان دوني لأن الخيار شرع لتحصيل الحظ لكل واحد من المتعاقدين بنظره فلا يكون لمن لاحظ له، وإن جعل الأجنبي وكيلاً صح ولنا أن الخيار يعتمد شرطهما ويفوض إليهما وقد أمكن تصحيح شرطهما وتنفيذ تصرفهما على الوجه الذي ذكرناه فلا يجوز إلغاؤه مع إمكان تصحيحه لقول النبي صلى الله عليه وسلم " المسلمون على شروطهم " فعلى هذا يكون لكل واحد من المشترط ووكيله الذي شرط له الخيار الفسخ، ولو كان المبيع عبداً فشرط الخيار له صح سواء شرطه له البائع أو المشتري لأنه بمنزلة الأجنبي، وإن كان العاقد وكيلاً فشرط الخيار لنفسه صح فإن النظر في تحصيل الحظ مفوض إليه، وإن شرطه للمالك صح لأنه المالك والحظ له، وإن شرطه لأجنبي انبنى على الروايتين في صحة توكيل الوكيل (فصل) ولو قال بعتك على أن أستأمر فلاناً أو حد ذلك بوقت معلوم فهو خيار صحيح وله الفسخ قبل أن يستأمره لأنا جعلنا ذلك كناية عن الخيار وهذا قول بعض أصحاب الشافعي، وإن لم يظبطه بمدة معلومة فهو خيار مجهول فيه من الخلاف ما ذكرناه

باب الخيار في المبيع

{مسألة} (وإن شرطا الخيار لأحدهما دون صاحبه صح) يجوز شرط الخيار لأحد المتعاقدين دون الآخر ويجوز أن يشرطا لأحدهما مدة وللآخر دونها لأن ذلك حقهما وإنما جوز رفقاً بهما فكيفما تراضيا به جاز، ولو اشترى شيئين وشرط الخيار في أحدهما بعينه دون الآخر صح لأن أكثر ما فيه أنه جمع بين مبيع فيه الخيار وبين مبيع لاخيار فيه وذلك جائز بالقياس على شراء ما فيه شفعة وما لا شفعة فيه فإنه يصح ويكون كل واحد منهما مبيعاً بقسطه من الثمن فإن فسخ البيع فيما فيه الخيار رجع بقسطه من الثمن كما لو وجد أحدهما معيباً فرده، وإن شرط الخيار في أحدهما لا بعينه أو شرط الخيار لأحد المتعاقدين لا بعينه لم يصح لأنه مجهول فأشبه مالو اشترى واحداً من عبدين لا بعينه، ولأنه يفضي إلى التنازع فربما طلب كل واحد من المتعاقدين ضد ما يطلبه الآخر ويدعي أنني المستحق للخيار أو يطلب من له الخيار رد أحد المبيعين ويقول ليس هذا الذي شرطت لك الخيار فيه، ويحتمل أن لا يصح شرط الخيار في أحد المبيعين بعينه كما لا يصح بيعه بقسطه من الثمن وهذا كله مذهب الشافعي {مسألة} (ولمن له الخيار الفسخ بغير حضور صاحبه ولارضاه) وبهذا قال مالك والشافعي وأبو يوسف وزفر، وقال أبو حنيفة ليس له الفسخ إلا بحضور صاحبه كالوديعة. ولنا أنه رفع عقد لا يفتقر إلى رضى صاحبه فلم يفتقر إلى حضوره كالطلاق، وما ذكره ينتقض بالطلاق، والوديعة لاحق للمودع فيها ويصح فسخها مع غيبته {مسألة} (فإن مضت المدة ولم يفسخا بطل خيارهما) إذا انقضت مدة الخيار ولم يفسخ أحدهما بطل الخيار ولزم العقد، وهذا قول أبي حنيفة والشافعي وقال القاضي لا يلزم بمضي المدة وهو قول مالك لان مدة الخيار ضربت لحق له لا لحق عليه فلم يلزم الحكم بنفس مرور الزمان كمضي الأجل في حق المولي. ولنا أنها مدة ملحقة بالعقد فبطلت بانقضائها كالأجل، ولأن الحكم ببقائها يفضي إلى بقاء الخيار في غير المدة التي شرطاه فيها والشرط يثبت الخيار فلا يجوز أن يثبت به ما لم يتناوله ولأنه حكم مؤقت ففات بفوات وقته كسائر المؤقتات. ولأن البيع يقتضي اللزوم وإنما يختلف موجبه بالشرط ففيما لم يتناوله الشرط يجب أن يثبت موجبه لزوال المعارض كما لو أمضياه. وأما المولي فإن المدة إنما ضربت لاستحقاق المطالبة وهي تستحق بمضي المدة والحكم في هذه المسألة ظاهر (فصل) فإن قال أحد المتعاقدين عند العقد (لاخلابة) فقال أحمد: أرى ذلك جائزاً وله الخياران كان خلبه وإن لم يكن خلبه فليس له خيار وذلك لأن رجلاً ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم أنه يخدع في البيع فقال " إذا بايعت فقل لاخلابة " متفق عليه ولمسلم " من بايعت فقل لاخلابة " فكان إذا بايع يقول لاخلابة قال شيخنا ويحتمل أن لا يكون له خيار ويكون هذا الخبر خاصاً بحبان لأنه روي أنه عاش إلى زمن عثمان فكان

يبايع الناس ثم يخاصمهم فيمر بهم بعض الصحابة فيقول لمن يخاصمه ويحك أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل له الخيار ثلاثاً وهذا يدل على اختصاصه بهذا لأنه لو كان للناس عامة لقال لمن يخاصمه أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الخيار لمن قال لاخلابة، وقال بعض الشافعية إن كانا عالمين أن ذلك عبارة عن خيار الثلاث ثبت وإن علم أحدهما دون الآخر فعلى وجهين لأنه روي أن حبان بن منقذ بن عمرو كان لا يزال يغبن فأتى الني صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال " إذا أنت بايعت فقل لاخلابة ثم أنت في كل سلعة ابتعتها بالخيار ثلاث ليال فإن رضيت أمسكت وإن سخطت فارددها على صاحبها " وما ثبت في حق واحد من الصحابة ثبت في حق غيره ما لم يقم على اختصاصه دليل، ولنا أن هذا اللفظ لا يقتضي الخيار مطلقاً ولا يقتضي تقييده بثلاث والأصل اعتبار اللفظ فيما يقتضيه، والخبر الذي احتجوا به إنما رواه ابن ماجه مرسلاً وهم لا يرون المرسل حجة ثم لم يقولوا بالحديث على وجهه إنما قالوا إنه في حق من يعلم أن مقتضاه ثبوت الخيار ثلاثاً ولا يعلم ذلك أحد لأن اللفظ لا يقتضيه فكيف يعلم أن مقتضاه مالا يقتضيه ولا يدل عليه، وعلى أنه إنما كان خاصاً لحبان بدليل ما رويناه ولأنه كان يثبت له الرد على من لم يعلم مقتضاه. (فصل) إذا شرط الخيار حيلة على الانتفاع بالقرض ليأخذ غلة المبيع ونفعه في مدة انتفاع المقترض بالثمن ثم يرد المبيع بالخيار عند رد الثمن فلا خيار فيه لأنه من الحيل ولا يحل لآخذ الثمن الإنتفاع به في مدة الخيار ولا التصرف فيه قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله يسئل عن الرجل يشتري من الرجل الشئ ويقول لك الخيار إلى كذا وكذا مثل العقار قال هو جائز إذا لم يكن حيلة أراد أن يقرضه فيأخذ منه العقار فيستغله ويجعل له فيه الخيار ليربح فيما أقرضه بهذه الحيلة، فإن لم يكن أراد هذا فلا بأس. قيل لأبي عبد الله فإن أراد إرفاقه أراد أن يقرضه مالاً، يخاف أن يذهب فاشترى منه شيئاً وجعل له الخيار لم يرد الحيلة، فقال أبو عبد الله هذا جائز إلا أنه إذا مات انقطع الخيار لم يكن لورثته. وقول أحمد بالجواز في هذه المسألة محمول على المبيع الذي لا ينتفع إلا بإتلافه أو على أن المشتري لا ينتفع بالمبيع في مدة الخيار لئلا يفضي إلى أن القرض جر منفعة {مسألة} (وينتقل الملك إلى المشتري بنفس العقد في أظهر الروايتين) ينتقل الملك في بيع الخيار بنفس العقد في ظاهر المذهب ولا فرق بين كون الخيار لهما أو لأحدهما أيهما كان وهو أحد أقوال الشافعي وعن أحمد إن الملك لا ينتقل حتى ينقضي الخيار وهو قول مالك والقول الثاني للشافعي وبه قال أبو حنيفة إذا كان الخيار لهما أو للبائع وإن كان للمشتري خرج عن ملك البائع ولم يدخل في ملك المشتري لأن البيع الذي فيه الخيار عقد قاصر فلم ينقل الملك كالهبة قبل القبض، وللشافعي قول ثالث أن الملك موقوف فإن أمضيا البيع تبينا أن الملك للمشتري وإلا تبينا أنه لم ينتقل عن البائع ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " من باع عبداً وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع " وقوله " من

ولكل واحد من المتبايعين الخيار ما لم يتفرقا بأبدانهما لما ذكرناه

باع نخلاً بعد أن يؤبر فثمره للبائع إلا أن يشترط المبتاع " متفق عليه " فجعله للمبتاع بمجرد اشتراطه وهو عام في كل بيع، ولأنه بيع صحيح فنقل الملك عقيبه كالذي لا خيار فيه، ولأن البيع تمليك، بدليل أنه يصح بقوله ملكتك فيثبت به الملك كسائر البيع لأن التمليك يدل على نقل الملك إلى المشتري ويقتضيه لفظه وقد اعتبره الشرع وقضى بصحته فوجب اعتباره فيما يقتضيه ويدل عليه لفظه وثبوت الخيار فيه لا ينافيه كما لو باع عرضاً بعوض فوجد كل واحد منهما بما اشتراه عيباً، وقولهم إنه قاصر غير صحيح وجواز فسخه لا يوجب قصوره ولا يمنع نقل الملك فيه كبيع المعيب، وامتناع التصرف إنما كان لأجل حق الغير فلا يمنع ثبوت الملك كالمرهون، وقولهم أنه يخرج عن ملك البائع ولا يدخل في ملك المشتري لا يصح لأنه يفضي إلى وجود ملك بغير مالك وهو محال ويفضي أيضاً إلى ثبوت الملك للبائع في الثمن من غير حصول عوضه للمشتري، أو إلى نقل ملكه عن المبيع من غير ثبوته في عوضه وكون العقد معاوضة يأبى ذلك، وقول أصحاب الشافعي إن الملك موقوف إن أمضيا البيع تبينا أنه انتقل وإلا فلا غير صحيح فإن انتقال الملك إنما ينبني على سببه الناقل وهو البيع وذلك لا يختلف بامضائه وفسخه، فإن امضاءه ليس من المقتضي ولا شرطاً فيه إذ لو كان كذلك لما ثبت الملك قبله والفسخ ليس بمانع فإن المنع لا يتقدم المانع كما أن الحكم لا يسبق سببه ولا شرطه، ولأن البيع مع الخيار سبب يثبت الملك عقيبة فيما إذا لم يفسخ فوجب أن يثبته وإن فسخ كبيع المعيب وهو ظاهر إن شاء الله تعالى {مسألة} (فما حصل من كسب أو نماء منفصل فهو له أمضيا العقد أو فسخاه) ما يحصل من غلات المبيع ونمائه في مدة الخيار فهو للمشتري أمضيا العقد أو فسخاه، قال أحمد فيمن اشترى عبداً ووهب له مال قبل التفرق ثم اختار البائع العبد فالمال للمشتري، وقال الشافعي إن أمضيا العقد وقلنا الملك للمشتري أو موقوف فالنماء المنفصل له، وإن قلنا الملك للبائع فالنماء له وإن فسخا العقد وقلنا الملك للبائع أو موقوف فالنماء له وإلا فهو للمشتري ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " الخراج بالضمان " قال الترمذي هذا حديث صحيح وهذا من ضمان المشتري فيجب ان يكون خراجه له، ولأن الملك ينتقل بالبيع على ما بينا فيجب ان يكون نماؤه للمشتري كما بعد انقضاء الخيار ويتخرج أن يكون النماء المنفصل للبائع إذا فسخا العقد بناء على قولنا إن الملك لا ينتقل، وأما النماء المتصل فهو تابع للمبيع بكل حال كما يتبعه في الرد بالعيب والمقايلة (فصل) وضمان المبيع على المشتري إذا قبضه أو لم يكن مكيلاً ولا موزوناً فإن تلف أو نقص أو حدث به عيب في مدة الخيار فهو من ضمانه لأنه ملكه وغلته له فكان من ضمانه كما بعد انقضاء الخيار ومؤنته عليه، وإن كان عبداً فهل هلال شوال ففطرته عليه لذلك، وإن اشترى حاملاً فولدت عنده في مدة الخيار ثم ردها على البائع لزمه رد ولدها لانه مبيع حدث فيه زيادة منفصلة فلزم رده

إلا أن يتبايعا على أن لا خيار بنيهما أو يسقطا الخيار بعده فيسقط في إحدى الروايتين وإن سقطه أحدهما بقي خيار صاحبه

بزيادته كما لو اشترى عبدين فسمن أحدهما عنده، وقال الشافعي في أحد قوليه لايرد الولد لأن الحمل لاحكم له لأنه جزء متصل بالأم فلم يأخذ قسطاً من الثمن كأطرافها. ولنا أن كل ما يقسط عليه الثمن إذا كان منفصلاً يقسط عليه إذا كان متصلاً كاللبن وما قالوه يبطل بالجزء المشاع كالثلث والربع، والحكم في الأصل ممنوع ثم يفارق الحمل الأطراف لأنه يؤول إلى الانفصال وينتفع به منفصلاً ويصح إفراده منفصلاً والوصية به وله، ويرث إن كان من أهل الميراث ويفرد بالدية ويرثها ورثته وقولهم لا حكم للحمل لا يصح لهذه الأحكام وغيرها مما قد ذكرناه {مسألة} (وليس لواحد من المتبايعين التصرف في المبيع في مدة الخيار إلا بما يحصل به تجربة المبيع) إنما لم يجز لواحد منهما التصرف في المبيع في مدة الخيار لأنه ليس بملك للبائع فيتصرف فيه ولا انقطعت عنه غلته فيتصرف فيه المشتري فأما تصرفه بما يحصل به تجربة المبيع كركوب الدابة لينظر سيرها، والطحن على الرحى ليعلم قدر طحنها، وتحلب الشاة ليعلم قدر لبنها ونحو ذلك فيجوز لأن ذلك هو المقصود بالخيار وهو اختبار المبيع {مسألة} (فإن تصرفا فيه ببيع أو هبة أو نحوهما لم ينفذ تصرفهما) إذا تصرف أحد المتبايعين في مدة الخيار في المبيع تصرفاً ينقل الملك كالبيع والهبة والوقف أو يستغله كالإجارة والتزويج والرهن والكتابة ونحوهما لم يصح تصرفه إلا العتق على ما نذكره سواء وجد تصرف من البائع أو المشتري لأن البائع تصرف في غير ملكه والمشتري يسقط حق البائع من الخيار واسترجاع المبيع فلم يصح تصرفه فيه كالتصرف في الرهن إلا أن يكون الخيار للمشتري وحده فينفذ تصرفه ويبطل خياره لأنه لاحق لغيره فيه وثبوت الخيار له لا يمنع تصرفه فيه كالمعيب، قال أحمد إذا اشترط الخيار فباعه قبل ذلك بربح فالربح للمبتاع لأنه قد وجب عليه حين عرضه يعني بطل خياره ولزمه وهذا فيما إذا اشترط الخيار له وحده، وكذلك إذا قلنا إن البيع لا ينقل الملك وكان الخيار لهما أو للبائع وحده فتصرف فيه البائع نفذ تصرفه وصح لأنه ملكه وله إبطال خيار غيره، وقال ابن أبي موسى في تصرف المشتري في المبيع قبل التفرق ببيع أو هبة روايتان (إحداهما) لا يصح لأن في صحته اسقاط حق البائع من الخيار (والثانية) هو موقوف فإن تفرقا قبل الفسخ صح، وإن اختار البائع الفسخ بطل بيع المشتري قال أحمد في رواية أبي طالب إذا اشترى ثوباً بشرط فباعه بربح قبل انقضاء الشرط يرده إلى صاحبه إن طلبه فإن لم يقدر على رده فللبائع قيمة الثوب لأنه استهلك ثوبه أو يصالحه. فقوله يرده إن طلبه يدل على أن وجوب رده مشروط بطلبه، وقد روى البخاري عن ابن عمر أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فكان على بكر صعب لعمر فكان يتقدم النبي صلى الله عليه وسلم فيقول له أبوه لا يتقدم النبي صلى الله عليه وسلم أحد فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " بعنيه " فقال عمر فهو لك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " هو لك يا عبد الله ابن عمر فاصنع به ما شئت " وهذا يدل على التصرف قبل التفرق، والأول أصح وحديث ابن عمر ليس فيه

تصريح بالبيع فإن قول عمر هو لك يحمل على أنه أراد هبته وهو الظاهر فإنه لم يذكر ثمناً والهبة لا يثبت فيها الخيار، وقال الشافعي تصرف البائع في المبيع بالبيع والهبة ونحوهما صحيح لأنه إما أن يكون على ملكه فيملك العقد عليه، إما أن يكون للمشتري والبائع يملك فسخه، فجعل البيع والهبة فسخاً وأما تصرف المشتري فلا يصح إذا قلنا الملك لغيره وإن قلنا الملك له ففي صحة تصرفه وجهان ولنا على إبطال تصرف البائع أنه تصرف في ملك غيره بغير ولاية شرعية ولا نيابة عرفية فلم يصح كما بعد الخيار، وقولهم يملك الفسخ قلنا إلا أن ابتداء التصرف لم يصادف ملكه فلم يصح كتصرف الأب فيما وهبه لولده قبل استرجاعه وتصرف الشفيع في الشقص المشفوع قبل أخذه (فصل) فإن تصرف المشتري بإذن البائع أو البائع بوكالة المشتري صح التصرف وانقطع خيارهما لأنه يدل على تراضيهما بإمضاء البيع فينقطع به خيارهما كما لو تخايرا، وانما صح تصرفهما لأن قطع الخيار حصل بالإذن في البيع فيقع بعد البيع انقطاع الخيار ويحتمل أن لا يصح تصرف البائع بإذن المشتري لأن البائع لا يحتاج إلى إذن المشتري في استرجاع المبيع فيصير كتصرفه بغير إذن المشتري وقد ذكرنا أنه لا يصح كذا ههنا، وكل موضع قلنا إن تصرف البائع لا ينفذ ولكن ينفسخ به البيع فإنه متى أعاد ذلك التصرف أو تصرف تصرفاً سواه صح لأن الملك عاد إليه بفسخ البيع فصح تصرفه فيه كما لو فسخ البيع بصريح قوله ثم تصرف فيه إلا إذا قلنا أن تصرفه لا ينفسخ به البيع وكذلك إن تقدم تصرفه بما ينفسخ به البيع صح تصرفه لما ذكرنا {مسألة} (ويكون تصرف البائع فسخا لبيع وتصرف المشتري إسقاطاً لخياره في أحد الوجهين وفي الآخر البيع والخيار بحالهما، وان استخدام المبيع لم يبطل خياره في أصح الوجهين وكذلك إن قبلته الجارية ويحتمل أن يبطل إذا لم يمنعها) إذا تصرف البائع في المبيع بما يفتقر إلى الملك كان فسخاً للبيع وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي لأن تصرفه يدل على رغبته في المبيع فكان فسخاً للبيع كصريح القول لأن الصريح إنما كان فسخاً للبيع لدلالته على الرضا به فما دل على الرضا به يقوم مقامه ككنايات الطلاق، وعن أحمد رواية أخرى لا ينفسخ البيع بذلك لأن الملك انتقل عنه فلم يكن تصرفه فيه استرجاعاً له كمن وجد متاعه عند مفلس فتصرف فيه، وإن تصرف المشتري في المبيع في مدة الخيار بما ذكرنا ونحوه مما يختص الملك كاعتاق العبد وكتابته ووطئ الجارية ومباشرتها ولمسها بشهوة ووقف المبيع وركوب الدابة لحاجته أو سكنى الدار ورمها وحصاد الزرع فما وجد من هذا فهو رضا بالمبيع ويبطل به خياره لأن الخيار يبطل بالتصريح بالرضى وبدلالته ولذلك بطل خيار المعتقة بتمكينها من نفسها وقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن وطئك فلا خيار لك " وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي، فأما ما يستعلم به المبيع كركوب الدابة ليختبر فراهتها والطحن على الرحى ليعلم قدره ونحو ذلك فلا يدل على الرضا ولا يبطل به الخيار لانه

ولا يجوز مجهولا في ظاهر المذهب، وعنه يجوز وهما على خيارهما ما لم يقطعاه أو تنتهي مدته

المقصود بالخيار وفيه وجه آخر أن تصرف المشتري لا يبطل خياره ولا يبطل إلا بالتصريح كما لو ركب الدابة ليختبرها، والأول أصح لأن هذا يتضمن إجازة البيع ويدل على الرضى به فيبطل به الخيار كصريح القول، ولأن صريح القول إنما يبطل به الخيار لدلالته على الرضى فما دل على الرضى بالمبيع يقوم مقام القول ككنايات الطلاق، وإن عرضه على البيع أو باعه بيعاً فاسداً، أو عرضه على الرهن، أو وهبه فلم يقبل الموهوب له بطل خياره على الوجه الأول لأن ذلك يدل على الرضى به، قال أحمد إذا شرط الخيار فباعه قبل ذلك يربح فالربح للمبتاع لأنه وجب عليه حين عرضه (فصل) وإن استخدم المشتري المبيع ففيه روايتان (إحداهما) لا يبطل خياره، قال أبو الصقر قلت لأحمد رجل اشترى جارية وله الخيار فيها يومين فانطلق بها فغسلت رأسه أو غمزت رجله أو طبخت له أو خبزت هل يستوجبها بذلك؟ قال لا حتى يبلغ منها مالا يحل لغيره قلت فإن مشطها أو خظبها أو حفها هل استوجبها بذلك؟ قال قد بطل خياره لأنه وضع يده عليها. وذلك لأن الاستخدام لا يختص الملك ويراد به تجربة المبيع فأشبه ركوب الدابة ليعلم سيرها. ونقل حرب عن أحمد أنه يبطل خياره لأنه انتفاع بالمبيع أشبه لمسها بشهوة. ويمكن أن يقال ما قصد به من الاستخدام تجربة المبيع لا يبطل الخيار كركوب الدابة ليعلم سيرها وما لا يقصد به ذلك يبطل الخيار كركوب الدابة لحاجته، وإن قبلت الجارية المشتري لم يبطل خياره وهذا مذهب الشافعي، ويحتمل أن يبطل ذكره أبو الخطاب إذا لم يمنعها لأن إقراره لها على ذلك يجري مجرى استمتاعه بها، وقال أبو حنيفة إن قبلته بشهوة بطل خياره لأنه استمتاع يختص الملك فأبطل خياره كما لو قبلها ولنا أنها قبلة لأحد المتعاقدين فلم يبطل خياره كما لو قبلت البائع ولأن الخيار له لا لها فلو ألزمناه بفعلها لألزمناه بغير رضاه ولا دلالة عليه بخلاف ما إذا قبلها فإنه يدل على الرضى بها، ومتى بطل خيار المشتري بتصرفه فخيار البائع باق بحاله لأن خياره لا يبطل برضى غيره إلا أن يكون تصرف بإذن البائع وقد ذكرناه {مسألة} (وإن أعتقه المشتري نفذ عتقه وبطل خيارهما، وكذلك إن تلف المبيع، وعنه لا يبطل خيار البائع وله الفسخ والرجوع بالقيمة) إذا تصرف أحد المتعاقدين بعتق المبيع في مدة الخيار نفذ عتق من حكمنا بالملك له، وظاهر المذهب أن الملك للمشتري فنفذ عتقه سواء كان الخيار لهما أو لأحدهما لأنه عتق من مالك جائز التصرف فنفذ كما بعد المدة وقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا عتق فيما لا يملك ابن آدم " يدل بمفهومه على أنه ينفذ في الملك وملك البائع الفسخ لا يمنع نفوذ العتق من المشتري كما لو باع عبداً بجارية معيبة فإن عتق المشتري ينفذ مع أن للبائع الفسخ. ولو وهب رجل ابنه عبداً فاعتقه نفذ عتقه مع ملك الأب استرجاعه ولا ينفذ عتق البائع في ظاهر المذهب، وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي ينفذ عتقه لأنه ملكه، وإن كان الملك انتقل فإنه يسترجعه بالعتق، ولنا أنه إعتاق من غير مالك فلم ينفذ كعتق الأب عبد ابنه

ولا يثبت إلا في البيع والصلح بمعناه والإجارة في الذمة أو على مدة لا تلي العقد

الذي وهبه إياه، وقد دللنا على أن الملك انتقل إلى المشتري، وإن قلنا بالرواية الأخرى وإن الملك لم ينتقل إلى المشتري نفذ عتق البائع دون المشتري، وإن أعتق البائع والمشتري جميعاً فإن تقدم عتق المشتري فالحكم على ما ذكرناه، وإن تقدم عتق البائع فينبغي أن لا ينفذ عتق واحد منهما لأن البائع لم ينفذ عتقه لكونه أعتق غير مملوكة، ولكن حصل بإعتاقه فسخ البيع واسترجاع العبد فلم ينفذ عتق المشتري، ومتى أعاد البائع الاعتاق مرة ثانية نفذ إعتاقه لأنه عاد العبد إليه أشبه مالو استرجعه بصريح قوله إلا على الرواية التي تقول إن تصرف البائع لا يكون فسخاً للبيع فينبغي أن ينفذ إعتاق المشتري. ولو اشترى من يعتق عليه جرى مجرى إعتاقه بصريح قوله وقد ذكرنا حكمه، وإن باع عبداً بجارية بشرط الخيار فاعتقها نفذ عتق الأمة دون العبد، وإن أعتق أحدهما ثم أعتق الآخر نظرت فإن أعتق الأمة أولاً نفذ عتقها وبطل خياره ولم ينفذ عتق العبد، وإن أعتق العبد أولاً انفسخ البيع ورجع إليه العبد ولم ينفذ اعتاقه ولا ينفذ عتق الأمة لأنها خرجت بالفسخ عن ملكه وعادت إلى سيدها الذي باعها. (فصل) وإذا قال لعبده إذا بعتك فأنت حر ثم باعه صار حراً نص عليه أحمد، وبه قال الحسن وابن أبي ليلى ومالك والشافعي وسواء شرطا الخيار أو لم يشرطاه، وقال أبو حنيفة والثوري لا يعتق لأنه إذا تم بيعه زال ملكه عنه فلم ينفذ اعتاقه له، ولنا أن زمن انتقال الملك زمن الحرية لأن البيع سبب لنقل الملك وشرط للحرية فيجب تغليب الحرية كما لو قال لعبده إذا مت فأنت حر ولأنه علق حريته على فعله للبيع، والصادر منه في البيع إنما هو الإيجاب فمتى قال للمشتري بعتك فقد وجد شرط الحرية فيعتق قبل قبول المشتري وعلله القاضي بأن الخيار ثابت في كل بيع فلا ينقطع تصرفه فيه فعلى هذا لو تخايرا ثم باعه لم يعتق، ولا يصح هذا التعليل على مذهبنا لأننا قد ذكرنا أن البائع لو أعتق في مدة الخيار لم ينفذ إعتاقه (فصل) وإذا اعتق المشتري العبد بطل خياره وخيار البائع، وهذا اختيار الخرقي كما لو تلف المبيع على ما نذكره، وفيه رواية أخرى أنه لا يبطل خيار البائع لقول النبي صلى الله عليه وسلم " البيعان بالخيار ما لم يتفرقا " فعلى هذه الرواية له الفسخ ولا رجوع بالقيمة يوم العتق (فصل) وإن تلف المبيع في مدة الخيار فلا يخلوا إما أن يكون قبل القبض أو بعده فإن كان قبل القبض وكان مكيلا أو موزونا انفسخ البيع، وكان من مال البائع ولا نعلم في هذا خلافاً إلا أن يتلفه المشتري فيكون من ضمانه، ويبطل خياره في خيار البائع روايتان وإن كان المبيع غير المكيل والموزون فلم يمنع البائع والمشتري من قبضه فظاهر المذهب أنه من ضمان المشتري ويكون كتلفه بعد القبض، وأما إن تلف المبيع بعد القبض في مدة الخيار فهو من ضمان المشتري ويبطل خياره وفي خيار البائع روايتان (إحداهما) يبطل وهو اختيار الخرقي وأبي بكر لأنه خيار فسخ فبطل بتلف

وإن شرط الخيار لغيره جاز وكان توكيلا له فيه

المبيع كخيار الرد بالعيب إذا تلف المعيب (والثانية) لا يبطل وللبائع الفسخ ويطالب المشتري بقيمته أو مثله إن كان مثلياً اختارها القاضي وابن عقيل لقول النبي صلى الله عليه وسلم " البيعان بالخيار ما لم يتفرقا " ولأنه خيار فسخ فلم يبطل بتلف المبيع كما لو اشترى ثوباً بثوب فتلف أحدهما ووجد الآخر بالثوب عيباً فإنه يرده ويرجع بقيمة ثوبه كذا ههنا {مسألة} (وحكم الوقف حكم البيع في أحد الوجهين وفيه وجه آخر أنه كالعتق لأنه تصرف يبطل الشفعة فأشبه العتق) والصحيح أن حكمه حكم البيع فيما ذكرنا لأن المبيع يتعلق به حق البائع فقلنا يمنع جواز التصرف فمنع صحة الوقف كالرهن ويفارق الوقف العتق لأنه مبني على التغليب والسراية بخلاف الوقف ولا نسلم أن الوقف يبطل الشفعة والله أعلم {مسألة} (وإن وطئ المشتري الجارية فأحبلها صارت أم ولد له وولده حر ثابت النسب) لا يجوز للمشتري وطئ الجارية في مدة الخيار إذا كان الخيار لهما أو للبائع وحده لأنه يتعلق بها حق البائع فلم يصح وطئها كالمرهونة ولا نعلم في هذا خلافاً، فإن وطئها فلا حد عليه لأن الحد يدرأ بشبهة الملك فبحقيقته أولى ولا مهر لها لأنها مملوكته، وإن علقت منه فالولد حر يلحقه نسبه لأنه من أمته ولا يلزم قيمته لذلك وتصير أم ولد له، فإن فسخ البائع البيع رجع بقيمتها لأنه تعذر الفسخ فيها ولا يرجع بقيمة ولدها لأنه حدث في ملك المشتري، وإن قلنا إن الملك لا ينتقل الى المشتري فلا حد عليه أيضاً لأن له فيها شبهة لوجود سبب نقل الملك إليه فيها، واختلاف أهل العلم في ثبوت الملك له، والحد يدرأ بالشبهات وعليه المهر وقيمة الولد وحكمهما حكم نمائهما، وإن علم التحريم وإن ملكه غير ثابت فولده رقيق {مسألة} (وإن وطئها البائع وقلنا البيع ينفسخ بوطئه فكذلك، وإن قلنا لا ينفسخ فعليه المهر وولده رقيق إلا إذا قلنا الملك له ولا حد فيه على كل حال) وقال أصحابنا عليه الحد إذا علم زوال ملكه وإن البيع لا ينفسخ بوطئه وهو المنصوص، وأما البائع فلا يحل له الوطئ قبل فسخ البيع، وقال بعض الشافعية له وطؤها لأن البيع ينفسخ بوطئه فإن كان الملك انتقل رجعت إليه، وإن لم يكن انتقل انقطع حق المشتري منها فيكون واطئا لمملوكته التي لا حق لغيره فيها، ولنا أن الملك انتقل عنه فلم يحل له وطؤها لقول الله تعالى (إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين * فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون) ولأن ابتداء الوطئ يقع في غير ملكه حراماً، ولو انفسخ البيع قبل وطئه لم يحل حتى يستبرئها ولاحد عليه، وبهذا قال أبو حنيفة ومالك والشافعي، وقال بعض أصحابنا أن علم التحريم وان مكله قد زال ولا ينفسخ بالوطئ فعليه الحد، وذكر أن أحمد نص عليه لأنه لم يصادف ملكاً ولا شبهة ملك. ولنا ان ملكه

وإن شرطا الخيار لأحدهما دون صاحبه صح

يحصل بابتداء وطئه فيحصل تمام الوطئ في ملكه مع اختلاف العلماء في كون الملك له وحل الوطئ له ولا يجب الحد مع واحدة من هذه الشبهات فكيف إذا اجتمعت مع أنه يحتمل أن يحصل الفسخ باللامسة قبل الوطئ فيكون الملك قد رجع إليه قبل وطئه، ولهذا قال أحمد في المشتري إنها قد وجبت عليه فيما إذا مشطها أو خضبها أو حفها فبوضع يده عليها للجماع ولمس فرجها أولى، وعلى هذا يكون ولده منها حراً ثابت النسب ولا يلزمه قيمته ولا مهر عليه، وتصير أم ولد له، وقال أصحابنا إن علم التحريم فولده رقيق لا يلحقه نسبه، وإن لم يعلم لحقه النسب وولده حر وعليه قيمته يوم الولادة وعليه المهر ولا تصير أم ولد له لأنه وطئها في غير ملكه (فصل) ولا بأس بنقد الثمن وقبض المبيع في مدة الخيار وهو قول أبي حنيفة والشافعي وكرهه مالك قال لأنه في معنى بيع وسلف إذا أقبضه الثمن ثم تفاسخا البيع صار كأنه أقرضه إياه. ولنا أن هذا الحكم من أحكام البيع فجاز في مدة الخيار كالإجارة وما ذكره لا يصح لأننا لا نجيز له التصرف فيه {مسألة} (ومن مات منهم بطل خياره ولم يورث) إذا مات أحد المتبايعين في مدة الخيار بطل خياره في ظاهر المذهب، ويبقى خيار الآخر بحاله إلا أن يكون الميت قد طالب بالفسخ قبل موته فيكون لورثته، وهو قول الثوري وأبي حنيفة ويتخرج أن الخيار لا يبطل، وينتقل إلى ورثته لأنه حق مالي فينتقل إلى الوارث كالأجل وخيار الرد بالعيب ولأنه حق فسخ فينتقل إلى الوارث كالفسخ بالتحالف، وهذا قول مالك والشافعي. ولنا أنه حق فسخ لا يجوز الاعتياض عنه فلم يورث كخيار الرجوع في الهبة {فصل} (الثالث) خيار الغبن ويثبت في ثلاث صور (إحداها) إذا تلقى الركبان فباعهم أو اشترى منهم فلهم الخيار إذا هبطوا السوق وعلموا أنهم قد غبنوا غبناً يخرج عن العادة، روي أنهم كانوا يتلقون الاجلاب فيشترون منهم الأمتعة قبل أن يهبطوا الا سواق فربما غبنوهم غبناً بيناً فيضروا بهم وربما أضروا بأهل البلد لأن الركبان إذا وصلوا باعوا أمتعتهم والذين يتلقونهم لا يبيعونها سريعاً ويترابصون بها السعة فهو في معنى بيع الحاضر للبادي فنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فروى ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تلقوا الركبان ولا يبيع حاضر لباد " وعن أبي هريرة مثله متفق عليهما، وكرهه أكثر العلماء منهم عمر بن عبد العزيز ومالك والليث والاوزاعي والشافعي واسحاق وحكي عن أبي حنيفة أنه لم ير بذلك بأساً، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن تتبع فإن خالف وتلقى الركبان واشترى منهم فالبيع صحيح في قول الجميع قاله ابن عبد البر، وعن أحمد أن البيع باطل لظاهر النهي والأول أصح لما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا تلقوا الجلب فمن تلقاه فاشترى منه فإذا أتى السوق فهو بالخيار " رواه مسلم والخيار لا يكون إلا في عقد صحيح، ولأن النهي لا لمعنى في البيع بل يعود إلى ضرب من الخديعة يمكن استدراكها بإثبات الخيار فأشبه بيع المصراة وفارق

فإن مضت المدة ولم يفسخا بطل خيارهما

بيع الحاضر للبادي فإنه لا يمكن استدراكه بالخيار إذ ليس الضرر عليه إنما هو على المسلمين، إذا تقرر هذا فللبائع الخيار إذا علم أنه قد غبن، وقال أصحاب الرأي لا خيار له وقد روينا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا ولا قول لأحد مع قوله، وظاهر المذهب أنه لاخيار له إلا مع الغبن لأنه إنما يثبت لأجل الخديعة ودفع الضرر عن البائع ولا ضرر مع عدم الغبن وهذا ظاهر مذهب الشافعي ويحمل إطلاق الحديث في إثبات الخيار على هذا لعلمنا بمعناه ومراده ولأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل له الخيار إذا أتى السوق فيفهم منه أنه أشار إلى معرفته بالغبن في السوق ولولا ذلك لكان الخيار له من حين البيع، وظاهر كلام الخرقي إن الخيار يثبت له مجرد الغبن وان قل والأولى أن يتقيد بما يخرج عن العادة لأن ما دون ذلك لا ينضبط، وقال أصحاب مالك إنما نهى عن تلقي الركبان لما يفوت به من الرفق بأهل السوق لئلا ينقطع عنهم ماله جلسوا من ابتغاء فضل الله، قال ابن القاسم فإن تلقاها متلق فاشتراها عرضت على أهل السوق فيشتركون فيها، وقال الليث بن سعد يباع في السوق وهذا مخالف لمدلول الحديث فإن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الخيار للبائع إذا هبط السوق ولم يجعلوا له خيار أو جعل النبي صلى الله عليه وسلم الخيار له يدل على أن النهي عن التلقي لحقه لا لحق غيره، ولأن الجالس في السوق كالمتلقي في أن كل واحد منهما مبتغ لفضل الله ولا يليق بالحكمة فسخ عقد أحدهما والحاق الضرر به دفعاً للضرر عن مثله، وليس رعاية حق الجالس أولى من رعاية حق المتلقي، ولا يمكن اشتراك أهل السوق كلهم في سلعته فلا يعرج على مثل هذا (فصل) فإن تلقاهم فباعهم شيئاً فهو كمن اشترى منهم ولهم الخيار إذا غبنهم غبناً يخرج عن العادة وهذا أحد الوجهين للشافعية وقالوا في الآخر النهي عن الشراء دون البيع فلا يدخل البيع فيه وهذا مقتضى قول أصحاب مالك لأنهم عللوه بما ذكرنا عنهم ولا يتحقق ذلك في البيع لهم. ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " ولا تلقوا الركبان " والبائع داخل فيه ولأن النهي عنه لما فيه من خديعتهم وغبنهم، وهذا في البيع كهو في الشراء، والحديث قد جاء ملطقا، ولو كان مختصاً بالشراء لألحق به ما في معناه وهذا في معناه (فصل) فإن خرج لغير قصد التلقي فلقي ركباً فقال القاضي: ليس له الابتياع منهم ولا الشراء وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشافعي، ويحتمل أن لا يحرم عليه ذلك وهو قول الليث بن سعد والوجه الثاني لأصحاب الشافعي لأنه لم يقصد التلقي فلم يتناوله النهي ولأنه نادر فلا يكثر ضرره كمن يقصد ذلك ووجه الأول أنه إنما نهى عن التلقي دفعاً للخديعة والغبن عنهم وذلك متحقق سواء قصد التلقي أو لم يقصده فأشبه ما لو قصد {مسألة} (الثانية النجش وهو أن يزيد في السلعة من يريد شراها ليغر المشتري فله الخيار إذا غبن)

وينتقل الملك إلى المشتري بنفس العقد في أظهر الروايتين

النجش حرام وخداع قال البخاري الناجش آكل ربا خائن وهو خداع باطل لا يحل لما روى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن النجش متفق عليه، ولأن في ذلك تغريراً بالمشتري وخديعة له، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " الخديعة في النار " فإن اشترى مع النجش فالشراء صحيح في قول أكثر العلماء منهم الشافعي وأصحاب الرأي، وعن أحمد أن البيع باطل اختاره أبو بكر وهو قول مالك لأن النهي يقتضي الفساد. ولنا أن النهي عاد إلى الناجش لا إلى العاقد فلم يؤثر في البيع ولأن النهي لحق آدمي فلم يفسد العقد كبيع المدلس، وفارق ماكان لحق الله تعالى فإن حق الآدمي يمكن جبره بالخيار أو زيادة في الثمن، لكن إن كان في البيع غبن لم تجر العادة بمثله فللمشتري الخيار بين الفسخ والإمضاء كما في تلقي الركبان فإن كان يتغابن بمثله فلا خيار له، وسواء كان النجش بمواطأة من البائع أو لم يكن، وقال أصحاب الشافعي إن لم يكن ذلك بمواطأة من البائع وعلمه فلا خيار، واختلفوا فيما إذا كان بمواطأة منه فقال بعضهم لاخيار للمشتري لأن التفريط منه حيث اشترى ما لايعرف قيمته. ولنا أنه تغرير بالعاقد فإذا غبن ثبت له الخيار كما في تلقي الركبان، وبذلك يبطل ما ذكروه ولو قال البائع أعطيت بهذه السلعة ما لم يعط فصدقه المشتري ثم كان كاذباً فالبيع صحيح وللمشتري الخيار أيضاً لأنه في معنى النجش {مسألة} (الثالثة المسترسل إذا غبن الغبن المذكور) يعني إذا غبن غبناً يخرج عن العادة كما ذكرنا في تلقي الركبان، والنجش يثبت له الخيار بين الفسخ والإمضاء، وبه قال مالك قال ابن أبي موسى وقد قيل قد لزمه البيع ولا فسخ له وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي لأن نقصان قيمة السلعة مع سلامتها لا يمنع لزوم العقد كغير المسترسل وكالغبن اليسير. ولنا أنه غبن حصل لجهله بالمبيع فأثبت الخيار كالغبن في تلقي الركبان. فأما غير المسترسل فإنه دخل على بصيرة بالغبن فهو كالعالم بالعيب وكذا لو استعجل فجهل مالو تثبت لعلمه لم يكن له خيار لأنه انبنى على تفريطه وتقصيره، والمسترسل هو الجاهل بقيمة السلعة ولا يحسن المبايعة قال أحمد: المسترسل الذي لا يحسن أن يما كس وفي لفظ الذي لا يماكس فكأنه استرسل إلى البائع فأخذ ما أعطاه من غير مما كسة ولا معرفة بغبنه. ولا تحديد للغبن في المنصوص عن أحمد، وحده أبو بكر في التنبيه وابن أبي موسى في الإرشاد بالثلث وهو قول مالك لقول النبي صلى الله عليه وسلم " والثلث كثير " وقيل السدس والأولى تحديده بما لا يتغابن الناس به في العادة لأن ما لا يرد الشرع بتحديده يرجع فيه إلى العرف (فصل) وإذا وقع البيع على غير متعين كقفيز من صبرة ورطل من دن فظاهر قول الخرقي أنه يلزم بالتفرق سواء تقابضا أولا، وقال القاضي في موضع المبيع الذي لا يلزم الا بالقبض كالمكيل والموزون فقد صرح بأنه لا يلزم قبل قبضه، وذكر في موضع آخر: من اشترى فقيزا من صبرتين فتلفت إحداهما قبل القبض بطل العقد في التالف دون الباقي رواية واحدة، ولا خيار للبائع وهذا

فما حصل من كسب أو نماء منفصل فهو له أمضيا العقد أو فسخاه

تصريح باللزوم في حق البائع قبل القبض، وأنه لو كان جائزاً كان له الخيار سواء تلفت احداهما أو لم تتلف. ووجه الجواز أنه مبيع لا يملك بيعه ولا التصرف فيه فكان جائزاً كما قبل التفرق، ولأنه لو تلف لكان من ضمان البائع. ووجه اللزوم قول النبي صلى الله عليه وسلم " وإن تفرقا بعد أن تبايعا ولم يترك أحدهما البيع فقد وجب البيع " وما ذكرناه للقول الأول ينتقض ببيع الموصوف والسلم فإنه لازم مع ما ذكرناه وكذلك سائر البيع في إحدى الروايتين. (فصل) قال رضي الله عنه (الرابع خيار التدليس بما يزيد الثمن كتصرية اللبن في الضرع وتحمير وجه الجارية وتسويد شعرها وتجعيده وجمع ماء الرحى وارساله عند عرضها فهذا يثبت للمشتري خيار الرد) التصرية جمع اللبن في الضرع يقال صرى الشاة وصرى اللبن في ضرع الشاة بالتشديد والتخفيف ويقال صرى الماء في الحوض، وصرى الطعام في فيه وصرى الماء في ظهره إذا ترك الجماع وأنشد أبو عبيدة: رأيت غلاماً قد صرى في فقرته * ماء الشباب عنفوان شرته قال البخاري أصل التصرية حبس الماء. يقال صريت الماء ويقال للمصراة المحفلة وهو من الجمع أيضاً ومنه سميت مجامع الناس محافل، والتصرية حرام إذا أريد بها التدليس على المشتري لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا تصروا الإبل " وقوله " من غشنا فليس منا " وروى ابن ماجة بإسناده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " بيع المحفلات خلابة ولا تحل الخلابة لمسلم " وراه ابن عبد البر " ولا تحل خلابة مسلم " فمن اشترى مصراة من بهيمة الأنعام وهو لا يعلم تصريتها ثم علم فله الخيار في الرد والإمساك روى ذلك عن ابن مسعود وابن عمر وأبي هريرة وأنس وإليه ذهب مالك وابن أبي ليلى والشافعي واسحاق وأبو يوسف وعامة أهل العلم، وذهب أبو حنيفة ومحمد إلى أنه لا خيار له لأن ذلك ليس بعيب بدليل أنها لو لم تكن مصراة فوجدها أقل لبنا من أمثالها لم يملك ردها، والتدليس بما ليس بعيب لا يثبت الخيار كما لو علفها فانتفخ بطنها فظن المشتري أنها حامل ولنا ما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا تصروا الإبل والغنم فمن ابتاعها فإنه بخير النظرين بعد أن يحلبها إن شاء أمسك وإن شاء ردها وصاعاً من تمر " متفق عليه، وروى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من ابتاع محفلة فهو بالخيار ثلاثة أيام فإن ردها رد معها مثل أو مثلي لبنها فمحا " رواه أبو داود ولأنه تدليس بما يختلف الثمن باختلافه فوجب به الرد كالشمطاء إذا سود شعرها، وبه يبطل قياسهم فإن بياضه ليس بعيب كالكبر، وإذا دلسه ثبت له الخيار، وأما انتفاخ البطن فقد يكون لغير الحمل فلا معنى لحمله عليه وعلى أن هذا القياس يخالف النص واتباع قول النبي صلى الله عليه وسلم أولى، إذا ثبت هذا فإنما يثبت الخيار إذا لم يعلم المشتري بالتصرية فإن كان عالماً لم يثبت له خيار، وقال أصحاب الشافعي يثبت له الخيار في وجه للخبر ولأن انقطاع اللبن لم يوجد وقد يبقى على حاله كما لو

فإن تصرفا فيه ببيع أو هبة أو نحوهما لم ينفذ تصرفهما

تزوجت عنيناً ثم طلبت الفسخ. ولنا أنه اشتراها عالماً بالتدليس فلم يكن له خيار كما لو اشترى من سود شعرها عالماً بذلك ولأنه دخل على بصيرة فلم يثبت له الرد كما لو اشترى معيباً يعلم عيبه وبقاء اللبن على حاله نادر بعيد لا يعلق عليه حكم، والأصل الذي قاسوا عليه ممنوع (فصل) وكذلك كل تدليس يختلف الثمن لأجله مثل أن يسود شعر الجارية أو يجعده أو يحمر وجهها أو يضمر الماء على الرحى ويرسله عند عرضها على المشتري يثبت الخيار أيضاً لأنه تدليس يختلف الثمن باختلافه فأثبت الخيار كالتصرية، وبهذا قال الشافعي، ووافق أبو حنيفة في تسويد الشعر وقال في تجعيده لا يثبت به خيار لانه تدليس بما ليس بعيب أشبه ما لو سود أنامل العبد ليظنه كاتباً أو حدادا وما ذكروه ينتقض بتسويد الشعر، وأما تسويد أنامل العبد فليس بمنحصر في كونه كاتباً لأنه يحتمل أن يكون قد ولع بالدواة أو كان غلاماً لكاتب يصلح له الدواة فظنه كاتبا طمعا لا يستحق به فسخاً، فإن حصل هذا من غير تدليس مثل أن اجتمع اللبن في الضرع من غير قصد، أو احمر وجه الجارية لخجل أو تعب أو يسود شعرها بشئ وقع عليه، فقال القاضي له الرد أيضاً لدفع الضرر اللاحق بالمشتري والضرر واجب الدفع سواء قصد أو لم يقصد أشبه العيب، ويحتمل أن لا يثبت الخيار بحمرة الوجه بخجل أو تعب لأنه يحتمل ذلك فتعين ظنه من خلقته الأصلية لطمع فأشبه سواد أنامل العبد (فصل) وإن دلسه بما لا يختلف به الثمن كتبييض الشعر وتسبيطه فلا خيار للمشتري لأنه لا ضرر في ذلك، وإن علف الشاة فظنها المشتري حاملاً أو سود أنامل العبد أو ثوبه ليظنه كاتباً أو حداداً أو كانت الشاة عظيمة الضرع خلقة فظنها كثيرة اللبن فلا خيار له لأن ذلك لا ينحصر فيما ظنه المشتري لأن سواد الأنامل قد يكون لو لع أو خدمة كاتب أو حداد أو شروع في الكتابة وانتفاخ البطن يكون للأكل فظنه المشتري غير ذلك طمعاً لا يثبت به الخيار (فصل) فإن أراد إمساك المدلس مع الأرش لم يكن له ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجعل له في المصراة أرشاً بل خيره بين الإمساك والرد مع صاع من تمر ولأن المدلس ليس بمعيب فلم يستحق له أرشاً، فإن تعذر عليه الرد بتلف فعليه الثمن لأنه تعذر عليه الرد ولا أرش له أشبه غير المدلس، فإن تعيب عنده قبل العلم بالتدليس فله رده ورد أرش العيب عنده وأخذ الثمن وإن شاء أمسك ولا شئ له، وإن تصرف في المبيع بعد علمه بالتدليس بطل رده كما لو تصرف في المبيع، المعيب وإن أخر الرد من غير تصرف فحكمه حكم تأخير رد المعيب على ما نذكره إن شاء الله {مسألة} (ويرد مع المصراة عوض اللبن صاعا من تمر فان لم يجد التمر فقيمته في موضعه سواء كانت ناقة أو بقرة أو شاة) إذا رد المصراة لزمه بدل اللبن في قول كل من جوز ردها وهو مقدر بصاع من تمر كما جاء في

ويكون تصرف البائع فسخا للبيع وتصرف المشتري إسقاطا لخياره في أحد الوجهين وفي الآخر البيع والخيار بحالهما

الحديث، وهذا قول الليث وإسحاق والشافعي وأبي عبيد وأبي ثور، وذهب مالك وبعض الشافعية إلى أن الواجب صاع من قوت البلد لأن في بعض الأحاديث " ورد معها صاعاً من طعام " وفي بعضها " ورد معها مثل أو مثلي لبنها قمحاً " فجمع بين الأحاديث وجعل تنصيصه على التمر لأنه غالب قوت البلد في المدينة لأنه غالب قوت بلد أخر، وقال أبو يوسف يرد قيمة اللبن لأنه ضمان متلف فيقدر بقيمته كسائر المتلفات وحكي ذلك عن ابن أبي ليلى، وحكي عن زفر أنه يرد صاعا من تمر أو نصف صاع بر كقولهم في الفطرة. ولنا الحديث الصحيح الذي أوردناه وقد نص فيه على التمر فقال " إن شاء ردها وصاعاً من تمر " وللبخاري " من اشترى غنماً مصراة فاحتلبها فإن رضيها أمسكها وإن سخطها ففي حلبها صاع من تمر " ولمسلم " ردها ورد صاعا من تمر لاسمرا " يعني لايرد قمحاً والمراد بالطعام في الحديث التمر لأنه مطلق في أحد الحديثين مقيد في الآخر في قضية واحدة، والمطلق فيما هذا سبيله يحمل على المقيد وحديث ابن عمر في روايته جميع بن عمير التيمي قال ابن نمير هو من أكذب الناس، وقال ابن حبان كان يضع الحديث مع أن الحديث متروك الظاهر بالاتفاق إذ لا قائل بإيجاب مثل لبنها أو مثلي لبنها قمحاً ثم قد شك فيه الراوي مع مخالفة الحديث الصحيح فلا يعول عليه، وقياس أبي يوسف مخالف للنص فلا يقبل ولا يبعد أن يقدر الشارع بدل هذا المتلف قطعاً للخصومة والتنازع كما قدر دية الآدمي ودية أطرافه، ولا يمكن حمل الحديث على أن الصاع كان قيمة اللبن، فلذلك أوجبه لوجوه ثلاثة (أحدها) أن القيمة هي الأثمان لا التمر (الثاني) أنه أوجب في المصراة من الإبل والغنم جميعاً صاعا من تمر مع اختلاف لبنها (الثالث) أن لفظه للعموم فيتناول كل مصراة ولا يتفق أن تكون قيمة لبن كل مصراة صاعاً وإن أمكن أن يكون كذلك فيتعين إيجاب الصاع لأنه القيمة التي عين الشارع إيجابها فلا يجوز العدول عنها، ويجب أن يكون صاع التمر جيداً غير معيب لأنه واجب بإطلاق الشارع فينصرف إلى ما ذكرناه كالصاع الواجب في الفطرة، ويكفي فيه أدنى ما يقع عليه اسم الجيد، ولا فرق بين أن تكون قيمة التمر أقل من قيمة الشاة أو أكثر أو مثلها نص عليه وليس فيه جمع بين البدل والمبدل لان التمر بدل اللبن قدره الشارع به كما قدر في يدي العبد قيمته وفي يديه ورجليه قيمته مرتين مع بقاء العبد على ملك السيد، وإن عدم التمر في موضعه فعليه قيمته في موضع العقد لأنه بمنزلة عين أتلفها فيجب عليه قيمتها (فصل) ولا فرق بين الناقة والبقرة والشاة فيما ذكرنا، وقال داود لا يثبت الخيار بتصرية البقرة لأن الحديث " لا تصروا الإبل والغنم " فدل على أن ما عداهما بخلافهما ولأن الحكم ثبت فيهما بالنص، والقياس لا تثبت به الاحكام. ولنا عموم قوله " من اشترى مصراة ومن ابتاع محفلة " ولم يفصل والخبر فيه تنبيه على تصرية البقر لأن لبنها أكثر وأنفع فيثبت بالتنبيه وهو حجة عند الجميع (فصل) إذا اشترى مصراتين أو أكثر في عقد فردهن رد مع كل مصراة صاعاً وبه قال الشافعي وبعض المالكية، وقال بعضهم في الجميع صاع لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من

وإن أعتقه المشتري نفذ عتقه وبطل خيارهما، وكذلك إن تلف المبيع، وعنه لا يبطل خيار البائع وله الفسخ والرجوع بالقيمة

اشترى غنماً مصراة فاحتلبها فإن رضيها أمسكها وإن سخطها ففي حلبتها صاع من تمر ". ولنا قوله " من اشترى مصراة " وهذا يتناول الواحدة ولأن ما جعل عوضاً عن شئ في صفقتين وجب إذا كان في صفقة واحدة كأرش العيب وأما الحديث فإن الضمير فيه يعود إلى الواحدة {مسألة} (فإن كان اللبن بحاله لم يتغير رده وأجزأه ويحتمل أن لا يجزئه إلا التمر) إذا احتلبها واللبن بحاله ثم ردها مع لبنها فلا شئ عليه لأن المبيع إذا كان موجوداً فرده لم يلزمه بدله فإن أبى البائع قبوله وطلب التمر فليس له ذلك إذا كان اللبن لم يتغير ويحتمل أن يلزمه قبوله لظاهر الخبر ولأنه قد نقص بالحلب لأن كونه في الضرع أحفظ له ولنا أنه قدر على رد المبدل فلم يلزمه البدل كسائر المبدلات مع أبدالها. والحديث المراد به رد التمر حاله عدم اللبن لقوله " في حلبتها صاع من تمر " وقولهم الضرع أحفظ له لا يصح لأنه لا يمكن إبقاؤه في الضرع على الدوام لأنه يضر بالحيوان، فإن تغير اللبن ففيه وجهان (أحدهما) لا يلزمه قبوله وهو قول مالك للخبر ولأنه قد نقص بالحموضة أشبه تلفه (والثاني) يلزمه قبوله لأن التعهد حصل باستعلام المبيع بتعين البائع وتسليطه على حلبه فلم يمنع الرد كلبن غير المصراة (فصل) فإن رضي بالتصرية فأمسكها ثم وجد بها عيباً ردها به لأن رضاه بعيب لا يمنع الرد لعيب آخر كما لو اشترى أعرج فرضي به فوجده أبرص فإن رد لزمه صاع من تمر عوض اللبن لأنه عوض به فيما إذا ردها بالتصرية فيكون عوضاً له مطلقاً (فصل) ولو اشترى شاة غير مصراة فاحتلبها ثم وجد بها عيباً فله الرد، ثم إن لم يكن في ضرعها لبن حال العقد فلا شئ عليه لأن اللبن الحادث بعد العقد يحدث على ملكه، وإن كان فيه لبن حال العقد إلا أنه يسير لا يخلو الضرع من مثله عادة فلا شئ فيه لأنه لا عبرة به ولا قيمة له في العادة، وإن كان كثيراً وكان قائماً بحاله انبنى رده على رد لبن المصراة وقد سبق، فإن قلنا ليس له رده فبقاؤه كتلفه، وهل له رد المبيع؟ يخرج على الروايتين فيما إذا اشترى شيئاً فتلف بعضه أو تعيب فإن قلنا برده رد مثل اللبن لأنه من المثليات والأصل ضمانها بمثلها إلا أنه خولف في لبن المصراة للنص ففيما عداه يبقى على الأصل، ولأصحاب الشافعي في هذا الفصل نحو مما ذكرنا (فصل) قال ابن عقيل إذا علم التصرية قبل حلبها مثل أن أقربه البائع أو شهد به من تقبل شهادته فله ردها ولا شئ معها لأن التمر إنما وجب بدلا للبن المحتلب ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من اشترى غنماً مصراة فاحتلبها فإن رضيها أمسكها وإن سخطها ففي حلبها صاع من تمر " ولم يأخذ لها ههنا لبناً فلم يلزمه رد شئ معها وهذا قول مالك، قال ابن عبد البر: هذا مما لا خلاف فيه {مسألة} (ومتى علم التصرية فله الرد، وقال القاضي ليس له ردها إلا بعد ثلاث) اختلف أصحابنا في مدة الخيار فقال القاضي هو مقدر بثلاثة أيام ليس له الرد قبل مضيها ولا

إمساكها بعدها فإن أمسكها بعدها سقط الرد قال وهو ظاهر كلام أحمد وقول بعض أصحاب الشافعي لأن أبا هريرة روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من اشترى مصراة فهو فيها بالخيار ثلاثة أيام أن شاء أمسكها وإن شاء ردها ورد معها صاعا من تمر " رواه مسلم، قالوا هذه الثلاثة قدرها الشارع لمعرفة التصرية فإنها لا تعرف قبل مضيها لأن لبنها في أول يوم لبن التصرية وفي الثاني يجوز أن يكون نقص لتغير المكان واختلاف العلف وكذلك الثالث، فإذا مضت الثلاث استبانت التصرية وثبت الخيار على الفور ولا يثبت قبل انقضائها، وقال أبو الخطاب متى تبينت التصرية جاز له الرد قبل الثلاث وبعدها لأنه تدليس يثبت الخيار فملك الرد به إذا ظهر كسائر التدليس وهو قول بعض المدلسين، فعلى هذا فائدة التقدير في الخبر بالثلاث لأن الظاهر أنه لا يحصل العلم إلا بها فاعتبرها لحصول العلم ظاهراً، فإن حصل العلم بها أولم يحصل فالاعتبار به دونها كما في سائر التدليس، وظاهر قول ابن أبي موسى أنه متى علم التصرية ثبت له الخيار في الأيام الثلاثة إلى تمامها وهو قول ابن المنذر وأبي حامد من الشافعية وحكاه عن الشافعي لظاهر حديث أبي هريرة فإنه يقتضي ثبوت الخيار في الأيام الثلاثة كلها، وقول القاضي لا يثبت في شئ منها، وقول أبي الخطاب يسوى بينها وبين غيرها، والعمل بالخبر أولى والقياس ما قاله أبو الخطاب قياساً على سائر التدليس {مسألة} (وإن صار لبنها عادة لم يكن له الرد في قياس قوله: إذا اشترى أمة مزوجة فطلقها الزوج لم يملك الرد. وقال أصحاب الشافعي له الرد في أحد الوجهين للخبر ولأن التدليس كان موجوداً في حال العقد فأثبت الرد كما لو نقص اللبن. ولنا أن الرد جعل لدفع الضرر بنقص الثمن ولم يوجد فامتنع الرد ولأن العيب لم يوجد ولم تختلف صفة البيع عن حالة العقد فلم يثبت التدليس ولأن الخيار يثبت لدفع الضرر ولا ضرر {مسألة} (فإن كانت التصرية في غير بهيمة الأنعام كالأمة والأتان والفرس ثبت له الخيار في أحد الوجهين) اختاره ابن عقيل وهو ظاهر مذهب الشافعي لعموم قوله صلى الله عليه وسلم " من اشترى مصراة " ولأنه تصرية بما يختلف به الثمن فأثبت الخيار كتصرية بهيمة الأنعام لأن الآدمية تراد للرضاع ويرغب فيها ظئراً، ولذلك لو اشترط كثرة لبنها فبان بخلافه ملك الفسخ، والفرس تراد لولدها (والثاني) لا يثبت به الخيار لأن لبنها لا يعتاض عنه في العادة ولا يقصد كلبن بهيمة الأنعام، والخبر ورد في بهيمة الأنعام ولا يصح القياس عليه لذلك، واللفظ العام أريد به الخاص لأنه أمر في ردها بصاع من تمر ولا يجب في لبن غيرها ولأنه ورد عاماً وخاصاً في قضية واحدة فيحمل العام على الخاص فإن قلنا بردها لم يلزمه بذل لبنها ولا يرد معها شيئاً لأن هذا اللبن لا يباع عادة ولا يعتاض عنه {مسألة} (ولا يحل للبائع تدليس سلعته ولا كتمان عيبها) لقوله عليه السلام " من غشنا فليس منا " قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح. وقال عليه الصلاة والسلام " المسلم أخو المسلم لا يحل

وإن وطئها البائع وقلنا البيع ينفسخ بوطئه فكذلك، وإن قلنا لا نفسخ فعليه المهر وولده رقيق إلا إذا قلنا الملك له، ولا حد فيه على كل حال

لمسلم باع من أخيه بيعاً إلا بينه " رواه ابن ماجه، فإن فعل فالبيع صحيح في قول أكثر أهل العلم منهم مالك وأبو حنيفة والشافعي بدليل حديث التصرية فإن النبي صلى الله عليه وسلم صححه مع نهيه عنه، وقال أبو بكر إن دلس العيب فالبيع باطل لأنه منهي عنه والنهي عنه والنهي يقتضي الفساد، فقيل له ما تقول في التصرية؟ فلم يذكر جواباً فدل على رجوعه (فصل) قال رضي الله عنه (الخامس خيار العيب وهو النقص كالمرض وذهاب جارحة أو سن أو زيادتها ونحو ذلك، وعيوب الرقيق من فعله كالزنا والسرقة والإباق والبول في الفراش إن كان من مميز) العيوب النقائص الموجبة لنقص المالية في عادات التجار لأن المبيع إنما صار محلا للعقد باعتبار صفة المالية فما يوجب نقصاً فيها يكون عيباً والمرجع في ذلك إلى العادة في عرف التجار، فالعيوب في الخلقة كالجنون والجذام والبرص والصمم والعمى والعور والعرج والعفل والقرن والفتق والرتق والقرع والطرش والخرس وسائر المرض والأصبع الزائدة والناقصة والحول والخوص والسبل وهو زيادة في الأجفان والتخنيث وكونه خنثى والخصاء والتزوج في الأمة والبخر فيها وهذا كله قول أبي حنيفة والشافعي، قال إبن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم في الجارية تشترى ولها زوج أنه عيب، وكذلك الدين في رقبة العبد إذا كان السيد معسراً، والجناية الموجبة للقود، ولأن الرقبة صارت كالمستحقة لوجوب الدفع في الجناية والبيع في الدين ومستحقة الإتلاف بالقصاص، والزنا والبخر عيب في العبد والأمة وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة ليس بعيب في العبد لأنه لايراد للفراش والاستمتاع بخلاف الأمة. ولنا أن ذلك ينقص قيمته وماليته فإنه بالزنا يتعرض لإقامة الحد عليه والتعزير ولا يأمنه سيده على عائلته؟ والبخر يؤذي سيده ومن جالسه أوساره، والسرقة والإباق والبول في الفراش عيوب في الكبير الذي جاوز العشر، وقال أصحاب أبي حنيفة في الذي يأكل وحده ويشرب وحده، وقال الثوري واسحاق ليس بعيب حتى يحتلم لأن الأحكام تتعلق به من التكليف ووجوب الحد فكذلك هذا. ولنا أن الصبي العاقل يتحرز من هذا عادة كتحرز الكبير فوجوده منه في تلك الحال يدل على أن البول لداء في بطنه، والسرقة والإباق لخبث في طبعه. وحد ذلك بالعشر لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بتأديب الصبي على ترك الصلاة عندها والتفريق بينهم في المضاجع. فأما من دون ذلك فتكون هذه الأمور منه لضعف عقله وعدم تثبته، وكذلك إن كان العبد يشرب الخمر ويسكر من النبيذ نص عليه أحمد لأنه يوجب الحد فهو كالزنا، وكذلك الحمق الشديد والاستطالة على الناس لأنه يحتاج إلى التأديب وربما تكرر فأفضى الى تلفه، ويختص الكبير دون الصغير لأنه منصوب إلى فعله، وعدم الختان ليس بعيب في العبد الصغير لأنه لم يفت وقته ولا في الأمة الكبيرة وبه قال الشافعي، وقال أصحاب أبي حنيفة هو عيب فيها لأنه زيادة ألم أشبهت العبد. ولنا أنه لا يجب عليها والألم فيه يقل

ومن مات منهم بطل خياره ولم يورث

ولا يخشى منه التلف بخلاف العبد الكبير، فأما الكبير فإن كان مجلوباً من الكفار فليس ذلك بعيب فيه لأن العادة أنهم لا يختنون فصار ذلك معلوماً عند المشتري فهو كديتهم، وان كان مسلما مولداً فهو عيب فيه لأنه يخشى عليه منه وهو خلاف العادة (فصل) والثيوبة ليست بعيب لانها الغالب على الجواري فالاطلاق لا يقتضي خلافها هذا اختيار القاضي، وقال ابن عقيل إذا أطلق الشراء اقتضى سلامتها من الثيوبة وبقاء البكارة، فالثيوبة إتلاف جزء والأصل عدم الإتلاف والثمن يختلف باختلافه فنقول جزء يختلف الثمن ببقائه وزواله فزواله عيب كتلف بعض أجزائها. وتحريمها على المشتري بنسب أو رضاع ليس بعيب إذ ليس في المحل ما يوجب خللا في المالية ولا نقصاً والتحريم يختص به، وكذلك الإحرام والصيام لأنهما يزولان قريباً وبه قال أبو حنيفة والشافعي ولا نعلم فيه خلافاً وكذلك عدة البائن. فأما عدة الرجعية فهي عيب لأن الرجعية زوجة لا يؤمن ارتجاعها، ومعرفة الغناء والحجامة ليس بعيب، وحكي عن مالك في الجارية المغنية أنه عيب فيها لأنه محرم. ولنا أنه ليس بنقص في عينها ولا قيمتها فهو كالصناعة وكونه محرماً ممنوع وإن سلم فالمحرم استعماله لا معرفته، والعسر ليس بعيب وكان شريح يرد به ولنا أنه ليس بنقص وعمله بإحدى يديه يقوم مقام عمله بالأخرى، والكفر ليس بعيب وبه قال الشافعي وهو عيب عند أبي حنيفة لأنه نقص لقول الله تعالى (ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم) ولنا أن العبيد فيهم المسلم والكافر والأصل فيهم الكفر، فالاطلاق لا يقتضي خلاف ذلك وكون المؤمن خيراً من الكافر لا يقتضي كون الكفر عيباً كما أن المتقي خير من غيره، قال الله تعالى (أن أكرمكم عند الله أتقاكم) وليس عدمه عيبا. وكونه ولد زنا ليس بعيب وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة هو عيب في الجارية لأنها تراد للافتراش بخلاف العبد، قلنا أن النسب في الرقيق غير مقصود بدليل أنهم يشترون مجلوبين غير معروفي النسب. وكون الجارية لا تحسن الطبخ أو الخبز ونحوه ليس بعيب لأن هذا حرفة فلم يك فقدها عيباً كسائر الصنائع. وكونها لا تحيض ليس بعيب، وقال الشافعي هو عيب إذا كان لكبر لأن من لا تحيض لا تحمل. ولنا أن الإطلاق لا يقتضي الحيض ولاعدمه فلم يكن فواته عيباً كما لو كان لغير الكبر {مسألة} (فمن اشترى معيباً لا يعلم عيبه فله الخيار بين الرد والإمساك مع الأرش وهو قسط ما بين قيمة الصحيح والمعيب من الثمن) من اشترى معيباً يعلم عيبه أو مدلساً أو مصراة وهو عالم فلا خيار له لأنه بذل الثمن فيه عالماً راضياً به عوضاً أشبه ما لا عيب فيه لا نعلم خلاف ذلك، وإن علم به عيباً لم يكن عالماً به فله الخيار بين الإمساك والفسخ سواء كان البائع علم العيب فكتمه أو لم يعلم لا نعلم فيه خلافاً ولأن إثبات النبي صلى الله عليه وسلم الخيار بالتصرية تنبيه على ثبوته بالعيب ولأن مطلق العقد يقتضي السلامة من العيب بدليل ما روي

عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه اشترى مملوكاً فكتب " هذا ما اشترى محمد بن عبد الله من العداء بن خالد اشترى منه عبداً - أو أمة - لا دابة ولا غائلة بيع المسلم للمسلم " ولأن الأصل السلامة والعيب حادث أو مخالف للظاهر، فعند الإطلاق يحمل عليها فمتى فاتت فات بعض مقتضى العقد فلم يلزمه أخذه بالعوض وكان له الرد وأخذ الثمن كاملاً (فصل) فإن اختار إمساك المعيب وأخذ الأرش فله ذلك وبه قال اسحاق، وقال أبو حنيفة والشافعي ليس له إلا الإمساك أو الرد ولا أرش له إلا أن يتعذر رد المبيع وروي ذلك عن أحمد حكاه صاحب المحرر لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل لمشتري المصراة الخيار بين الإمساك من غير أرش أو الرد ولأنه يملك الرد فلم يملك أخذ جزء من الثمن كالرد بالخيار. ولنا أنه ظهر على عيب لم يعلم به فكان له الأرش كما لو تعيب عنده ولأنه فات عليه جزء من المبيع فكانت له المطالبة بعوضه كما لو اشترى عشرة أقفزة فبانت تسعة أو كما لو أتلفه بعد البيع، فأما المصراة فليس فيها عيب وإنما ملك الخيار بالتدليس لا لفوات جزء وكذلك لا يستحق أرشاً إذا تعذر الرد، إذا ثبت هذا فمعنى الأرش أن يقوم المبيع صحيحاً ثم يقوم معيباً فيؤخذ قسط ما بينهما من الثمن. مثاله أن يقوم المعيب صحيحاً بعشرة ومعيباً بتسعة والثمن خمسة عشر فقد نقصه العيب عشر قيمته فيرجع على البائع بعشر الثمن وهو درهم ونصف، وعلة ذلك أن المبيع مضمون على المشتري بثمنه ففوات جزء منه يسقط عنه ضمان ما قابله من الثمن ولأننا لو ضمناه نقص القيمة أفضى إلى اجتماع الثمن والمثمن للمشتري فيما إذا اشترى شيئاً بعشرة وقيمته عشرون فوجد به عيبا ينقصه عشرة فأخذها حصل له المبيع ورجع بثمنه، وهذا لاسبيل إليه وقد نص أحمد على ما ذكرناه. وذكره الحسن البصري فقال يرجع بقيمة العيب في الثمن يوم اشتراه. قال أحمد هذا أحسن ما سمعته {مسألة} (وما كسب فهو للمشتري وكذلك نماؤه المنفصل وعنه لا يرده إلا مع نمائه) وجملة ذلك أنه إذا أراد رد المبيع فلا يخلو إما أن يكون بحاله أو أن يكون قد زاد أو نقص فإن كان بحاله رده وأخذ الثمن، وإن زاد بعد العقد أو حصلت له فائدة فذلك قسمان (أحدهما) أن تكون الزيادة متصلة كالسمن والكبر وتعلم صنعة والحمل والثمرة قبل الظهور فانه يردها بمائها فإنه يتبع في العقود والفسوخ (القسم الثاني) أن تكون الزيادة منفصلة وهي نوعان (أحدهما) أن تكون من غير المبيع كالكسب والأجرة وما يوهب له أو يوصى له به فهو للمشتري في مقابلة ضمانه لأن المبيع لو هلك كان من مال المشتري وهو معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم " الخراج بالضمان " ولا نعلم في هذا خلافا وقد روى ابن ماجة بإسناده عن عائشة أن رجلاً اشترى عبداً فاستغله ما شاء الله ثم وجد به عيباً فرده فقال يا رسول الله إنه استغل غلامي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الخراج بالضمان " رواه أبو داود وبهذا قال أبو حنيفة ومالك والشافعي ولا نعلم عن غيرهم خلافهم (النوع الثاني) أن تكون الزيادة من عين المبيع كالولد والثمرة واللبن فهي للمشتري أيضاً ويرد

الثانية: النجش وهو أن يزيد في السلعة من يريد شراءها ليغر المشتري فله الخيار إذا غبن

الأصل بدونها، وبهذا قال الشافعي إلا أن الولد إن كان لآدمية لم يملك ردها دونه وسنذكر ذلك وعنه ليس له رده دون نمائه قياساً على النماء المتصل، والمذهب الأول لما ذكرناه من حديث عائشة وقال مالك، إن كان النماء ثمرة لم يردها، وإن كان ولداً رده لأن الرد حكم فسرى إلى الولد كالكتابة، وقال أبو حنيفة: النماء الحادث في يد المشتري يمنع الرد لأنه لا يمكن رد الأصل بدونه لأنه من موجبه فلا يرفع العقد مع بقاء موجبه، ولا يمكن رده معه لأنه لم يتناوله العقد. ولنا أنه نماء حدث في ملك المشتري فلم يمنع الرد كما لو كان في يد البائع وكالكسب ولأنه نماء منفصل فجاز رد الأصل بدونه كالكسب والثمرة عند مالك، وقولهم إن النماء من موجب العقد لا يصح إنما موجبه الملك ولو كان موجباً للعقد لعاد إلى البائع بالفسخ، وقول مالك لا يصح، لأن الولد ليس بمبيع فلا يمكن رده بحكم رد الأم، ويبطل ما ذكره بنقل الملك بالهبة والبيع وغيرهما فإنه لا يسري إلى الولد بوجوده في الأم فإن اشتراها حاملا فولدت عند المشتري فردها رد ولدها معها لأنه من جملة المبيع والولادة نماء متصل، وإن نقص المبيع فسيأتي حكمه إن شاء الله تعالى {مسألة} (ووطئ الثيب لايمنع الرد وعنه يمنع) إذا اشترى أمة ثيباً فوطئها المشتري قبل علمه بالعيب فله ردها ولا شئ عليه روي ذلك عن زيد بن ثابت، وبه قال مالك والشافعي وأبو ثور وعثمان البتي، وعن أحمد رواية أخرى أنه يمنع الرد يروي ذلك عن علي رضي الله عنه، وبه قال الزهري والثوري وأبو حنيفة واسحاق لان الوطئ كالجناية لأنه لا يخلو في ملك الغير من عقوبة أو مال فوجب أن يمنع الرد كوطئ البكر، وقال شريح والشعبي والنخعي وسعيد بن المسيب وابن أبي ليلى يردها ومعها أرش واختلفوا فيه فقال شريح والنخعي نصف عشر ثمنها، وقال الشعبي حكومة وقال سعيد بن المسيب دنانير، وقال ابن أبي موسى مهر مثلها وحكي نحوه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وذكره ابن أبي موسى رواية عن احمد لأنه إذا فسخ صار واطئاً في ملك الغير لكون الفسخ رفعاً للعقد من أصله. ولنا أنه معنى لا ينقص عينها ولا قيمتها ولا يتضمن الرضا بالعيب فلم يمنع الرد كالاستخدام وكوطئ الزوج. وما قالوه يبطل بوطئ الزوج، ووطئ البكر ينقص ثمنها. وقولهم يكون واطئاً في ملك الغير لا يصح لأن الفسخ رفع العقد من حينه لامن أصله بدليل أنه لا يبطل الشفعة ولا يوجب رد الكسب فيكون وطؤه في ملكه (فصل) ولو اشتراها مزوجة فوطئها الزوج لم يمنع ذلك الرد بغير خلاف نعلمه، فإن زوجها المشتري فوطئها الزوج ثم أراد ردها بالعيب فإن كان النكاح باقياً فهو عيب حادث، وإن كان قد زال فحكمه حكم وطئ السيد، وقد استحسن أحمد أنه يمنع الرد وهو محمول على الرواية الأخرى إذ لا فرق بين هذا وبين وطئ السيد، وإن زنت في يد المشتري ولم يكن عرف ذلك منها فهو عيب حادث حكمه حكم العيوب الحادثة، ويحتمل أن يكون عيباً بكل حال لأنه لزمها حكم الزنا في يد المشتري

{مسألة} (وإن وطئ البكر أو تعيبت عنده فله الأرش، وعنه أنه مخير بين الأرش وبين الرد وأرش العيب الحادث عنده ويأخذ الثمن) إذا وطئ المشتري البكر قبل علمه بالعيب ففيه روايتان (إحداهما) لا يردها ويأخذ أرش العيب وبه قال مالك وابن سيرين والزهري والثوري والشافعي وأبو حنيفة واسحاق قال ابن أبي موسى وهو الصحيح عن أحمد (والرواية الأخرى) يردها ومعها شئ اختارها الخرقي وبه قال شريح وسعيد بن المسيب والشعبي والنخعي ومالك وابن أبي ليلى وأبو ثور، والواجب رد ما نقص قيمتها بالوطئ فإذا كانت قيمتها بكراً مائة وثيباً ثمانين رد معها عشرين لأنه بفسخ العقد يصير مضموناً عليه بقيمته بخلاف أرش العيب الذي يأخذه المشتري، وهذا قول مالك وأبي ثور، وقال شريح والنخعي يرد عشر ثمنها وقال سعيد بن المسيب يرد عشرة دنانير وما قلناه إن شاء الله أولى، واحتج من منع ردها بأن الوطئ نقص عينها وقيمتها فمنع الرد كما لو اشترى عبداً فخصاه فنقصت قيمته، ووجه الرواية الأخرى أنه عيب حدث عند أحد المتبايعين لا للاستعلام فيثبت معه الخيار كالعيب الحادث عند البائع قبل القبض (فصل) وكذلك كل مبيع كان معيباً ثم حدث به عيب عند المشتري قبل علمه بالأول ففيه روايتان (إحداهما) ليس له الرد وله أرش العيب القديم، وبه قال الثوري وابن شبرمة والشافعي وأصحاب الرأي، وروي ذلك عن ابن سيرين والزهري والشعبي لأن الرد يثبت لإزالة الضرر، وفي الرد على البائع إضرار به ولا يزال الضرر بالضرر (والثانية) له الرد ويرد أرش العيب الحادث عنده ويأخذ الثمن وإن شاء أمسكه وله الأرش، وبه قال مالك واسحاق وقال الحكم يرده ولم يذكر معه شيئاً، ولنا حديث المصراة فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بردها بعد حلبها ورد عوض لبنها ولأنه روي عن عثمان أنه قضى في الثوب إذا كان به عوار يرده وإن كان قد لبسه، ولأنه عيب حدث عند المشتري فكان له الخيار بين رد المبيع وأرشه وبين أرش العيب القديم كما لو حدث لا ستعلام المبيع ولأن العيبين قد استويا والبائع قد دلس والمشتري لم يدلس فكان رعاية جانبه أولى، ولأن الرد كان جائزاً قبل حدوث العيب الثاني فلا يزول إلا بدليل وليس في المسألة إجماع ولا نص، والقياس إنما يكون على أصل وليس لما ذكروه أصل فيبقى الجواز بحاله. إذا ثبت هذا فإنه يرد أرش العيب الحادث عنده لأن المبيع بجملته مضمون عليه بقيمته فكذلك أجزاؤه. فإن زال العيب الحادث عنده رده ولا شئ معه على كلتا الروايتين وبه قال الشافعي لأنه زال المانع مع قيام السبب المقتضي للرد فثبت حكمه، ولو اشترى أمة فحملت عنده ثم أصاب بها عيباً فالحمل عيب للآدميات دون غيرهن لأنه يمنع الوطئ ويخاف منه التلف فإن ولدت فالولد للمشتري، وإن نقصتها الولادة فذلك عيب، وإن لم تنقصها الولادة ومات الولد ردها لزوال

العيب فإن كان ولدها باقياً لم يكن له ردها دون ولدها لما فيه من التفريق بينهما وهو محرم، وقال الشريف ابن جعفر وأبو الخطاب في مسائلهما له ردها دون ولدها وهو قول أكثر أصحاب الشافعي لأنه موضع حاجة فأشبه مالو ولدت حراً فإنه يجوز بيعها دون ولدها ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة " رواه الترمذي وقال حديث حسن ولأنه أمكن منع الضرر بأخذ الأرش أو برد ولدها معها فلم يجز ارتكاب نهي الشرع بالتفريق بينهما كما لو أراد الإقالة فيها دون ولدها، وقولهم أن الحاجة داعية إليه قلنا قد اندفعت الحاجة بأخذ الأرش. أما إذا ولدت حراً فلا سبيل إلى بيعه معها بحال ولو كان المبيع حيواناً غير الآدمي فحدث فيه حمل عند المشتري لم يمنع الرد بالعيب لأنه زيادة، وإن علم بالعيب بعد الوضع ولم تنقصه الولادة فله رد الأم وإمساك الولد لأن التفريق بينهما لا يحرم ولا فرق بين حملها قبل القبض وبعده، ولو اشتراها حاملاً فولدت عنده ثم اطلع على عيب فردها رد الولد معها لأنه من جملة المبيع والزيادة فيه نماء متصل فاشبه مالو سمنت الشاة، وإن تلف الولد فهو كتعيب المبيع عنده فإن قلنا له الرد فعليه قيمته، وعن أحمد لا قيمة عليه للولد، وحمل القاضي كلام أحمد على أن البائع دلس العيب، وإن نقصت الأم بالولادة فهو عيب حادث حكمه حكم العيوب الحادثة، ويمكن حمل كلام أحمد على أنه لاحكم للحمل وهو أحد أقوال الشافعي فعلى هذا يكون الولد حينئذ للمشتري فلا يلزمه رده مع بقائه ولاقيمته مع التلف، والأول أصح وعليه العمل (فصل) فإن كان المبيع كاتباً أو صانعاً فنسي ذلك عند المشتري ثم وجد به عيباً فالنسيان عيب حادث فهو كغيره من العيوب وعنه يرده ولا شئ عليه وعلله القاضي بأنه ليس بنقص في العين، ويمكن عوده بالتذكر، قال وعلى هذا لو كان سميناً فهزل والقياس ما ذكرناه فإن الصناعة والكتابة مقومة تضمن في الغصب وتلزم بشرطها في البيع فأشبهت الأعيان والمنافع من السمع والبصر والعقل وإمكان العود منتقض بالسن والبصر والحمل، وما روي عن أحمد محمول على ما إذا دلس بعيب (فصل) وإذا تعيب المبيع عند البائع بعد العقد وكان المبيع من ضمانه فهو كالعيب القديم، وإن كان من ضمان المشتري فهو كالعيب الحادث بعد القبض، فأما الحادث بعد القبض فهو من ضمان المشتري لا يثبت الخيار وهو قول أبي حنيفة والشافعي، وقال مالك عهدة الرقيق ثلاثة أيام فما أصابه فيها فهو من مال البائع إلا في الجنون والجذام والبرص، فإن تبين إلى سنة ثبت الخيار لما روى الحسن عن عقبة أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل عهدة الرقيق ثلاثة أيام ولأنه إجماع أهل المدينة ولأن الحيوان يكون فيه العيب ثم يظهر. ولنا أنه ظهر في يد المشتري ويجوز أن يكون حادثاً فلم يثبت به الخيار كسائر المبيع وكما بعد الثلاثة والسنة وحديثهم لا يثبت قال أحمد ليس فيه حديث صحيح، وقال ابن المنذر لا يثبت

ويرد مع المصراة عوض اللبن صاعا من تمر فإن لم يجد التمر فقيمته في موضعه سواء كانت ناقة أو بقرة أو شاة

في العهدة حديث، والحسن لم يلق عقبة، وإجماع أهل المدينة ليس بحجة، والداء الكامن لا عبرة به وإنما النقص بما ظهر لا بماكمن {مسألة} (قال الخرقي إلا أن يكون البائع دلس العيب فيلزمه رد الثمن كاملا) قال القاضي ولو تلف المبيع عنده ثم علم أن البائع دلس العيب رجع بالثمن كله نص عليه في رواية حنبل. معنى دلس العيب أي كتمه عن المشتري أو غطاه عنه بما يوهم المشتري عدمه مشتق من الدلسة وهي الظلمة فكأن البائع يستر العيب، وكتمانه جعله في ظلمة فخفي على المشتري فلم يره ولم يعلم به والتدليس حرام وقد ذكرناه فمتى فعله البائع فلم يعلم به المشتري حتى تعيب المبيع في يده فله رد المبيع وأخذ ثمنه كاملاً ولا أرش عليه سواء كان بفعل المشتري كوطئ البكر وقطع الثوب أو بفعل آدمي آخر مثل أن يجني عليه أو بفعل العبد كالسرقة أو بفعل الله تعالى، وسواء كان ناقصاً للمبيع أو مذهباً لجملته قال أحمد في رجل اشترى عبداً فأبق وأقام البينة أن إباقه كان موجوداً في يد البائع يرجع على البائع بجميع الثمن لأنه غر المشتري ويتبع البائع عبده حيث كان، ويحكى هذا عن الحكم ومالك لأنه غره فرجع عليه كما لو غره بحرية أمة (قال شيخنا) ويحتمل أن يلزمه عوض العين إذا تلفت، وأرش البكر إذا وطئها لقوله عليه السلام " الخراج بالضمان " وكما يجب عوض لبن المصراة على المشتري مع كونه قد نهى عن التصرية وقال " بيع المحفلات خلابة ولا تحل الخلابة لمسلم " وقد جعل الشارع الضمان عليه لوجوب الخراج، فلو كان ضمانه على البائع لكان الخراج له لوجود علته، ولأن وجوب الضمان على البائع لا يثبت إلا بنص أو إجماع، ولا نعلم لهذا أصلا ولا يشبه هذا التغرير بحرية الامة في النكاح لأنه يرجع على من غره وإن لم يكن سيد الأمة، وههنا لو كان التدليس من وكيل البائع لم يرجع عليه بشئ نص عليه {مسألة} (وإن أعتق العبد أو تلف المبيع يرجع بأرشه، وكذلك ان باعه غيره عالم بعيبه، وكذلك إن وهبه وإن فعله عالماً بعيبه فلا شئ له) إذا زال ملك المشتري عن المبيع بعتق أو موت أو وقف أو قتل أو تعذر الرد لا ستيلاد ونحوه قبل علمه بالعيب فله الأرش، وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي إلا أن أبا حنيفة قال في المقتول خاصة لاارش له لأنه زال ملكه بفعل مضمون أشبه البيع ولنا أنه عيب لم يرض به ولم يستدرك ظلامته فكان له الأرش كما لو أعتقه، والبيع ممنوع وإن سلم فقد استدرك ظلامته فيه، وأما الهبة فمن أحمد فيها روايتان (إحداهما) أنها كالبيع لأنه لم ييأس من إمكان الرد لاحتمال رجوع الموهوب إليه. (والثانية) له الأرش وهو أولى ولم يذكر القاضي غيرها لأنه لم يستدرك ظلامته أشبه الوقف، وإمكان الرد ليس بمانع من أخذ الأرش عندنا بدليل

فإن كان اللبن بحاله لم يتغير رده وأجزأه ويحتمل أن لا يجزئه إلا التمر

ما قبل الهبة، وإن أكل الطعام أو لبس الثوب فأتلفه رجع بأرشه وبه قال أبو يوسف ومحمد، وقال أبو حنيفة لا يرجع بشئ لأنه أهلك العين فأشبه مالو قتل العبد. ولنا أنه ما استدرك ظلامته ولارضي بالعيب فلم يسقط حقه من الأرش كما لو تلف بفعل الله تعالى (فصل) إذا باع المشتري المبيع قبل علمه بالعيب فله الأرش نص عليه أحمد لأن البائع لم يوفه ما أوجبه له العقد ولم يوجد منه الرضى به ناقصاً فكان له الرجوع عليه كما لو أعتقه، وظاهر كلام الخرفي أنه لا أرش له سواء باعه عالما بيعه أو غير عالم. وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي لأن امتناع الرد كان بفعله فأشبه ما لو أتلف المبيع ولأنه استدرك ظلامته ببيعه فلم يكن له أرش كما لو زال العيب (فصل) وإن باعه عالماً بعيبه أو وهبه أو أعتقه أو وقفه أو استولد الأمة ونحوه فلا شئ له. ذكره القاضي لأن تصرفه فيه مع علمه بالعيب يدل على رضاه به أشبه مالو صرح بالرضا (قال شيخنا) وقياس المذهب أن له الأرش بكل حال، وقد روي عن أحمد فيما إذا باعه أو وهبه لانا خيرناه ابتداء بين رده وامساكه مع الأرش فبيعه والتصرف فيه بمنزلة إمساكه ولأن الأرش عوض الجزء الفائت من المبيع فلم يسقط ببيعه، كما لو باعه عشرة أقفزة وسلم إليه تسعة فباعها المشتري، وقولهم إنه استدرك ظلامته لا يصح فإن ظلامته من البائع ولم يستدركها منه، وإنما ظلم المشتري الثاني فلا يسقط حقه بذلك من الظالم له وهذا هو الصحيح من قول مالك، وذكر أبو الخطاب رواية أخرى فيمن باعه ليس له شئ إلا أن يرد عليه المبيع فيكون له حينئذ الرد أو الأرش لأنه إذا باعه فقد استدرك ظلامته، فعلى هذا إذا علم به المشتري الثاني فرده به أو أخذ أرشه منه فللأول أخذ أرشه وهو قول الشافعي إذا امتنع على المشتري الثاني رده بعيب حدث عنده لأنه لم يستدرك ظلامته، وكل واحد من المشتريين يرجع بحصة العيب من الثمن الذي اشتراه به على ما تقدم (فصل) وإذا ردها المشتري الثاني على الأول وكان الاول باعها عالما بالعيب أو وجد منه ما يدل على الرضى به فليس له رده لأن تصرفه رضى بالعيب، وإن لم يكن علم فله رده على بائعه وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة ليس له رده إلا أن يكون المشتري فسخ بحكم الحاكم لأنه سقط حقه من الرد ببيعه فأشبه مالو علم بعيبه. ولنا أنه أمكنه استدراك ظلامته برده فملك ذلك كما لو فسخ الثاني بحكم حاكم أو كما لو لم يزل ملكه عنه ولا نسلم سقوط حقه، وإنما امتنع لعجزه عن رده فإذا عاد إليه زال المانع فظهر جواز الرد كما لو امتنع الرد لغيبة البائع أو لمعنى آخر، وسواء رجع إلى المشتري الأول بالعيب الاول أو بإقالة أو هبة أو شراء ثان أو ميراث في ظاهر كلام القاضي، وقال أصحاب الشافعي إن رجع بغير الفسخ بالعيب الاول ففيه وجهان (أحدهما) ليس له رده لأنه استدرك ظلامته ببيعه ولم يزل فسخه. ولنا أن سبب استحقاق الرد قائم وإنما امتنع لتعذره بزوال ملكه فإذا زال المانع وجب

ومتى علم التصرية فله الرد، وقال القاضي: ليس له ردها إلا بعد ثلاث

أن يجوز الرد كما لو رد عليه بالعيب، فعلى هذا إذا باعها المشتري لبائعها الأول فوجد بها عيباً كان موجوداً حال العقد الأول فله الرد على البائع الثاني ثم للثاني رده عليه وفائدة الرد ههنا اختلاف الثمنين فإنه قد يكون الثمن الثاني أكثر (فصل) وإن استغل المشتري المبيع أو عرضه على البيع أو تصرف فيه تصرفاً دالاً على الرضى به قبل علمه بالعيب لم يسقط خياره لأن ذلك لا يدل على الرضى به معيباً، وإن فعله بعد علمه بعيبه بطل خياره في قول عامة أهل العلم. قال ابن المنذر كأن الحسن وشريح وعبيد الله بن الحسن وابن أبي ليلى والثوري واسحاق وأصحاب الرأي يقولون إذا اشترى سلعة فعرضها على البيع بعد علمه بالعيب بطل خياره، وهذا قول الشافعي ولا أعلم فيه خلافاً، فأما الأرش فقال ابن أبي موسى لا يستحقه أيضاً، وقد ذكرنا أن قياس المذهب استحقاق الأرش. قال أحمد أنا أقول إذا استخدم العبد فأراد نقصان العيب فله ذلك، فأما ان احتلب اللبن الحادث بعد العقد لم يسقط رده لأن اللبن له فملك استيفاءه من المبيع الذي يريد رده، وكذلك إن ركب الدابة لينظر سيرها أو استخدم الأمة ليختبرها أو لبس القميص ليعرف قدره لم يسقط خياره لأن ذلك ليس برضا بالمبيع ولهذا لا يسقط به خيار الشرط وإن استخدمها لغير ذلك استخداماً كثيراً بطل رده، وإن كان يسيراً لا ينقص الملك لم يبطل الخيار، قيل لأحمد إن هؤلاء يقولون إذا اشترى عبداً فوجده معيباً فاستخدمه بأن يقول ناولني هذا الثوب بطل خياره فأنكر ذلك وقال من قال هذا أو قال من أين أخذوا هذا؟ ليس هذا برضا حتى يكون شئ يبين ويطول وقد نقل عنه في بطلان خيار الشرط بالاستخدام روايتان فكذلك يخرج ههنا (فصل) فإن أبق العبد ثم علم عيبه فله أخذ أرشه فإن أخذه ثم قدر على العبد فإن لم يكن معروفاً بالإباق قبل البيع فقد تعيب عند المشتري فهل يملك رده ورد أرش العيب الحادث عنده والأرش الذي أخذه على روايتين، وإن كان آبقاً فله رده ورد ما أخذه من الأرش وأخذ ثمنه، وقال الثوري والشافعي ليس للمشتري أخذ أرشه سواء قدر على رده أو عجز عنه إلا أن يهلك لأنه لم ييأس من رده فهو كما لو باعه، ولنا أنه معيب لم يرض به ولم يستدرك ظلامته فيه فكان له أرشه كما لو أعتقه وفي البيع استدرك ظلامته بخلاف مسئلتنا. (فصل إذا اشترى عبداً فأعتقه ثم علم به عيباً فأخذ أرشه فهو له. وعنه رواية أخرى أنه يجعله في الرقاب وهو قول الشعبي لأنه من جملة الرقبة التي جعلها الله فلا يرجع إليه شئ من بدلها، ولنا أن العتق إنما صادف الرقبة المعينة والجزء الذي أخذ بدله ما تناوله عتق ولا كان موجوداً وليس الأرش بدلاً عن العبد إنما هو عن جزء من الثمن جعل مقابلاً للجزء الفائت فلما لم يحصل ذلك الجزء من المبيع رجع بقدره من الثمن لامن قيمة العبد، وكلام أحمد في الرواية الأخرى يحمل على استحباب ذلك لا على

ولا يحل للبائع تدليس سلعته ولا كتمان عيبها

وجوبه. قال القاضي إنما الروايتان فيما إذا أعتق عن كفارته لأنه إذا أعتقه عن الكفارة لا يجوز أن يرجع إليه شئ من بدله كالمكاتب إذ أدى بعض كتابته. ولنا أنه أرش عبدا عتقه فهو كما لو تبرع بعتقه {مسألة} (وإن باع بعضه فله أرش الباقي وفي أرش المبيع الروايتان وقال الخرقي له رد ملكه منه بقسطه من الثمن أو أرش العيب بقدر ملكه فيه) إذا باع بعض المبيع ثم ظهر على عيب فله أرش الباقي لأنه كان له ذلك والأصل في كل ثابت بقاؤه وفي أرش المبيع ما ذكرنا من الخلاف فيما إذا باع الجميع فإن أراد رد الباقي بحصته من الثمن ففيه روايتان (إحداهما) له ذلك اختارها الخرقي لأنه مبيع رده ممكن أشبه ما لو كان الجميع باقياً (والأخرى) لا يجوز وهي الصحيحة إذا كان المبيع عيناً واحدة أو عينين ينقصهما التفريق لما فيه من الضرر على البائع بنقص القيمة أو ضرر الشركة وامتناع الانتفاع بها على الكمال كوطئ الامة وليس الثوب، وبهذا قال شريح والشعبي والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي، وقد ذكر أصحابنا في غير هذا الموضع فيما إذا كان المبيع عينين ينقصهما التفريق أنه لا يجوز رد إحداهما وحدها لما فيه من الضرر، وفيما إذا اشترى معيباً وتعيب عنده أنه لا يملك رده إلا أن يرد أرش العيب الحادث عنده فكذلك لا يجوز أن يرده في مسئلتنا معيباً بعيب الشركة أو نقص القيمة بغير شئ. وما ذكره الخرقي يحمل على ما إذا دلس البائع العيب على ما ذكرنا فيما مضى. وإن كان المبيع عينين لا ينقصهما التفريق فهل له رد الباقية في ملكه؟ يخرج على الروايتين في تفريق للصفقة. قال القاضي: المسألة مبنية على تفريق الصفقة سواء كان المبيع عيناً واحدة أو عينين، والتفصيل الذي ذكرناه أولى {مسألة} (وإن صبغه أو نسجه فله الارش ولارد له في أظهر الروايتين) فيما إذا صبغه وهو قول أبي حنيفة لأن فيه ضرراً على البائع وتشق المشاركة فلم تجز كما لو فصله وخاطه أو خلط المبيع بما لا يتميز منه، وعنه له الرد ويكون شريكاً للبائع بقيمة الصبغ والنسج لأنه رد المبيع بعينه أشبه مالو لم يصبغه ولم ينسجه، ومتى رده لزمت الشركة ضرورة، وعنه يرده ويأخذ زيادته بالصبغ كما لو قصره وهو بعيد لأن إجبار البائع على بذل ثمن الصبغ إجبار على المعاوضة فلم يجز لقوله سبحانه (إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) وإن قال البائع أنا آخذه وأعطي قيمة الصبغ لم يلزم المشتري ذلك، وقال الشافعي ليس للمشتري إلا رده لأنه أمكنه رده فلم يملك أخذ الأرش كما لو سمن عنده، ولنا أنه لا يمكنه رده إلا برد شئ من ماله معه فلم يسقط حق من الأرش بامتناعه من رده كما لو تعيب عنده فطلب البائع أخذه مع أخذ أرش العيب الحادث والأصل لا يسلمه فإنه يستحق أخذ الأرش إذا رده {مسألة} (وإن اشترى ما مأكوله في جوفه فكسره فوجده فاسداً فإن لم يكن له مكسوراً قيمة كبيض الدجاج رجع بالثمن كله، وإن كان له مكسوراً قيمة كبيض النعام وجوز الهند فهو مخير بين أخذ أرشه وبين رده، وعنه ليس له رد ولا أرش في ذلك كله)

إذا اشترى ما لا يطلع على عيبه إلا بكسره كالبيض والجوز والرمان والبطيخ فكسره فظهر عيبه ففيه روايتان (إحداهما) لا يرجع على البائع بشئ وهو مذهب مالك لأنه ليس من البائع تدليس ولا تفريط لعدم معرفته بعيبه وكونه لا يمكنه الوقوف عليه إلا بكسره فجرى مجرى البراءة من العيوب (والثانية) يرجع عليه وهي ظاهر المذهب وقول أبي حنيفة والشافعي لأن عقد البيع اقتضى السلامة من عيب ليطلع عليه المشتري فإذا بان معيباً ثبت له الخيار كالعبد ولأن البائع إنما يستحق ثمن المعيب دون الصحيح لأنه لم يملكه صحيحاً فلا معنى لإيجاب الثمن كله، وكونه لم يفرط لا يقتضي أن يجب له ثمن ما لم يسلمه بدليل العيب الذي لم يعلمه في العبد. إذا ثبت هذا فإن المبيع إن كان مما لا قيمة له مكسوراً كبيض الدجاج الفاسد والرمان الأسود والجوز الخرب رجع بالثمن كله لأن هذا يبين به فساد العقد من أصله لكونه وقع على ما لا نفع فيه فهو كبيع الحشرات والميتات وليس عليه رد المبيع إلى البائع لأنه لا فائدة فيه، وإن كان الفاسد في بعضه رجع بقسطه (الثاني) أن يكون مما لعيبه قيمة كبيض النعام وجوز الهند والبطيخ الذي فيه نفع ونحوه فإذا كسره نظرت. فإن كان كسراً لا يمكن استعلام المبيع بدونه فالمشتري مخير بين رده ورد أرش الكسر وأخذ الثمن وبين أخذ أرش عيبه. هذا ظاهر كلام الخرقي، وقال القاضي عندي لا أرش عليه لكسره لأنه حصل بطريق استعلام العيب والبائع سلطه عليه حيث علم أنه لا يعلم صحته من فساده بغير ذلك، وهذا قول الشافعي. ووجه قول الخرقي أنه نقص لم يمنع الرد فلزم رد أرشه كلبن المصراة إذا احتلبها والبكر إذا وطئها، وبها يبطل ما ذكره بل ههنا أولى لأنه لا تدليس من البائع والتصرية تدليس، وإن كان كسراً يمكن استعلام المبيع بدونه إلا أنه لا يتلف المبيع بالكلية فالحكم فيه كالذي قبله عند الخرقي والقاضي والمشتري مخير بين رده وأرش الكسر وأخذ الثمن وبين أخذ أرش العيب، وهذا إحدى الروايتين عن أحمد والرواية الثانية ليس له رده وله أرش العيب، وهذا قول أبي حنيفة والشافعي وقد ذكرناه، وإن كسره كسراً لا يبقى له قيمة فله أرش العيب لا غير لأنه أتلفه. وقدر أرش العيب قسط ما بين الصحيح والمعيب من الثمن فيقوم المبيع صحيحاً ثم يقوم معيباً غير مكسور فيكون للمشتري قدر ما بينهما من الثمن (فصل) ولو اشترى ثوباً فنشره فوجده معيباً فإن كان مما لا ينقصه النشر رده وإن كان ينقصه النشر كالهسجاني الذي يطوي طاقين ملتصقين جرى ذلك مجرى جوز الهند على التفصيل المذكور فيما إذا لم يزد على ما يحصل به استعلام المبيع أو زاد كنشر من لا يعرف، وإن أراد أخذ أرشه فله ذلك بكل حال {مسألة} (ومن علم العيب وأخر الرد لم يبطل خياره إلا أن يوجد منه ما يدل على الرضا من التصرف ونحوه) وهكذا ذكر أبو الخطاب لأنه خيار لدفع الضرر المتحقق فكان على التراخي كخيار القصاص وعنه أنه على الفور وهو مذهب الشافعي، فمتى علم العيب وأخر الرد مع إمكانه بطل خياره لأنه يدل

فمن اشترى معيبا لا يعلم عيبه فله الخيار بين الرد والإمساك مع الأرش وهو قسط ما بين قيمة الصحيح والمعيب من الثمن

على الرضى فأسقط خياره كالتصرف ولأنه خيار ثبت بالشرع لدفع الضرر عن المال فأشبه خيار الشفعة والأول أولى، ولا نسلم أن الإمساك يدل على الرضى والشفعة تثبت لدفع ضرر غير متحقق بخلاف الرد بالعيب {مسألة} (ولا يفتقر الرد إلى رضى ولا قضاء ولا حضور صاحبه قبل القبض ولا بعده) وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة إن كان قبل القبض افتقر إلى حضور صاحبه دون رضاه، وإن كان بعده افتقر إلى رضا صاحبه أو حكم حاكم لأن ملكه قد تم على الثمن فلا يزول إلا رضاه ولنا أنه رفع عقد مستحق له فلم يفتقر إلى رضا صاحبه ولا حضوره كالطلاق ولأنه مستحق الرد بالعيب فلم يفتقر إلى رضا صاحبه كقبل القبض {مسألة} (فإن اشترى اثنان شيئاً وشرطا الخيار أو وجداه معيباً فرضي أحدهما فللآخر الفسخ في نصيبه، وعنه ليس له ذلك) نقل عن أحمد رحمه الله في ذلك روايتان حكاهما أبو بكر وابن أبي موسى (إحداهما) لمن لم يرض الفسخ، وبه قال ابن أبي ليلى والشافعي وأبو يوسف ومحمد، وإحدى الروايتين عن مالك والأخرى لا يجوز له رد مشترك رده ناقصاً أشبه مالو تعيب عنده. ولنا أنه رد جميع ما ملكه بالعقد فجاز كما لو انفرد بشرائه، والشركة إنما حصلت بإيجاب البائع وإنما باع كل واحد منهما نصفها فخرجت عن ملك البائع مشقصة بخلاف العيب الحادث (فصل) وإن ورث اثنان خيار عيب فرضي أحدهما سقط حق الآخر من الرد لأنه لو رد وحده شقصت السلعة على البائع فتضرر بذلك وإنما أخرجها من ملكه إلى واحد غير مشقصة فلا يجوز رد بعضها إليه مشقصاً بخلاف المسألة التي قبلها، فإن عقد الواحد مع الاثنين عقدين فكأنه باع كل واحد منهما نصفها منفرداً فرد عليه أحدهما جميعا ما باعه إياه وههنا بخلافه (فصل) ولو اشترى رجل من رجلين شيئاً فوجده معيباً فله رده عليهما فإن كان أحدهما غائباً رد على الحاضر حصته بقسطها من الثمن ويبقى نصيب الغائب في يده حتى يقدم، ولو كان أحدهما باع العين كلها بوكالة الآخر فالحكم كذلك سواء كان الحاضر الوكيل أو الموكل. نص أحمد على نحو من هذا، وإن أراد رد نصيب أحدهما وإمساك نصيب الآخر جاز لأنه يرد على البائع جميع ما باعه ولم يحصل برده تشقيص لأنه كان مشقصاً قبل البيع (فصل) وإن اشترى حلي فضة بوزنه دراهم فوجده معيباً فله رده وليس له أخذ الارش لا فضائه إلى التفاضل فيما يجب فيه التماثل، فإن حدث به عيب عند المشتري فعلى إحدى الروايتين يرده ويرد أرش العيب الحادث عنده وبأخذ ثمنه، وقال القاضي ليس له رده لا فضائه إلى التفاضل ولا يصح لأن الرد فسخ للعقد ورفع له فلا تبقى المعاوضة وإنما يدفع الأرش عوضاً عن العيب الحادث عنده

وما كسب فهو للمشتري، وكذلك نماؤه المنفصل، وعنه لا يرده إلا مع نمائه

بمنزلة ما لو خفي عليه في ملك صاحبه من غير بيع وكما لو فسخ الحاكم عليه، وعلى الرواية الأخرى يفسخ الحاكم البيع ويرد البائع الثمن ويطالب بقيمة الحلي لأنه لم يمكن إهمال العيب ولا أخذ الأرش. ولأصحاب الشافعي وجهان كهاتين الروايتين وإن تلف الحلي فسخ العقد، ويرد قيمته ويسترجع الثمن فإن تلف المبيع لا يمنع جواز الفسخ، واختار شيخنا أن الحاكم إذا فسخ وجب رد الحلي وأرش نقصه كما قلنا فيما إذا فسخ المشتري على إحدى الروايتين وإنما يرجع إلى قيمته عند تعذره بتلف أو عجز عن رده أما مع بقائه وإمكان رده فيجب رده دون بدله كسائر المبيع إذا انفسخ العقد فيه وليس في رده ورد أرشه تفاضل لأن المعاوضة قد زالت بالفسخ ولم يبق له مقابل، وإنما هذا الأرش بمنزلة الجناية عليه ولأن قيمته إذا زادت على وزنه أو نقصت عنه أفضى إلى التفاضل لأن قيمته عوض عنه فلا يجوز ذلك إلا أن يأخذ القيمة من غير الجنس. ولو باع قفيزاً مما فيه الربا بمثله فوجد أحدهما بما أخذه عيباً ينقص قيمته دون كله لم يملك أخذ أرشه لئلا يفضي إلى التفاضل والحكم فيه على ما ذكرنا في الحكم بالدراهم {مسألة} (وإن اشترى واحد معيبين صفقة واحدة ليس له إلا ردهما أو إمساكهما والمطالبة بالأرش) قاله القاضي، وعنه له رد أحدهما بقسطه من الثمن كما لو كان أحدهما معيب والآخر صحيحاً لأن المانع من الرد إنما هو تشقيص المبيع على البائع وهو موجود فيما إذا كان أحدهما صحيحاً، فإن تلف أحدهما فله رد الباقي بقسطه من الثمن في إحدى الروايتين، هذا قول الحادث العكلي والاوزاعي واسحاق وقول أبي حنيفة فيما بعد القبض لأنه رد المعيب على وجه لا ضرر فيه على البائع فجاز كما لورد الجميع (والثانية) ليس له إلا أخذ الأرش مع إمساك الباقي منهما وهو ظاهر قول الشافعي وقول أبي حنيفة فيما قبل القبض لأن في الرد تبعيض الصفقة على البائع وذلك ضرر أشبه إذا كانا مما ينقصه التفريق، والقول في قيمة التالف قول المشتري مع يمينه لأنه منكر لما يدعيه البائع من زيادة قيمته ولأنه بمنزلة الغارم لأن قيمة التالف إذا زادت قدر ما يغرمه فهو بمنزلة المستعير والغاصب {مسألة} (وإن كان أحدهما معيباً فله رده بقسطه من الثمن وعنه ليس له إلا ردهما أو إمساكهما) ووجه الروايتين ما ذكرنا فيما إذا تلف أحدهما وفيه من التفصيل والخلاف ما ذكرنا {مسألة} (فإن كان المبيع مما ينقصه التفريق كمصراعي باب أو زوجي خف أو من لا يجوز التفريق بينهما كجارية وولدها فليس له رد أحدهما) لما فيه من الضرر على البائع بنقص القيمة وسوء المشاركة ولقول النبي صلى الله عليه وسلم " من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة " رواه الترمذي وفي ذلك اختلاف ذكرنا فيما مضى وهذا القول هو الصحيح إن شاء الله تعالى

ووطء الثيب لا يمنع الرد وعنه يمنع

{مسألة} (وإن اختلفا في العيب هل كان عند البائع أو حدث عند المشتري ففي أيهما يقبل قوله؟ روايتان إلا أن لا يحتمل إلا قول أحدهما فالقول قوله بغير يمين) اذا اختلف المتبايعان في العيب هل كان في المبيع قبل العقد أو حدث عند المشتري، فإن كان لا يحتمل الاقول أحدهما كالاصبع الزائدة والشجة المندملة التي لا يمكن حدوث مثلها والجرح الطارئ الذي لا يمكن كونه قديماً فالقول قول من يدعي ذلك بغير يمين لأنا نعلم صدقة فلا حاجة الى استحلافه وإن احتمل قول كل واحد منهما كالخرق في الثوب والرفو ونحوهما ففيه روايتان (إحداهما) القول قول المشتري فيحلف بالله أنه اشتراه وبه هذا العيب أو أنه ما حدث عنده ويكون له الخيار اختارها الخرقي لأن الأصل عدم القبض في الجزء الفائت واستحقاق ما يقابله من الثمن ولزوم العقد في حقه فكان القول قول من ينفي ذلك كما لو اختلفا في قبض المبيع (والثانية) القول قول البائع مع يمينه فيحلف على حسب جوابه إن أجاب أنه باعه بريئاً من العيب حلف على ذلك، وإن أجاب أنه لا يستحق ما يدعيه من الرد حلف على ذلك. ويمينه على البت لأن الإيمان كلها على البت إلا ما كان على النفي في فعل الغير وعنه أنها على نفي العلم فيحلف أنه ما يعلم به عيباً حال البيع ذكرها ابن أبي موسى والرواية الثانية مذهب أبي حنيفة والشافعي لأن الأصل سلامة المبيع وصحة العقد ولأن المشتري يدعي عليه استحقاق فسخ البيع والبائع ينكره والقول قول المنكر (فصل) وإذا باع الوكيل ثم ظهر المشتري على عيب كان بالمبيع فله رده على الموكل لأن المبيع يرد بالعيب على من كان له، فان كان العيب مما يمكن حدوثه فأقربه الوكيل وأنكره الموكل فقال أبو الخطاب يقبل إقراره على موكله بالعيب لأنه أمر يستحق به الرد فقبل إقراره به على موكله كخيار الشرط، وقال أصحاب أبي حنيفة والشافعي لا يقبل إقرار الوكيل بذلك، قال شيخنا وهو أصح لأنه اقرار على الغير فلم يقبل كالأجنبي، وفارق خيار الشرط من حيث إن الموكل يعلم صفة سلعته ولا يعلم صفة العقد لغيبته عنه، فعلى هذا إذا رده المشتري على الوكيل لم يملك الوكيل رده على الموكل لأن رده كإقراره وهو غير مقبول على غيره ذكره القاضي، فان أنكره الوكيل فتوجهت اليمين عليه فنكل عنها فرد عليه بنكوله فهل له رده على الموكل على وجهين (أحدهما) ليس له رده لأن ذلك يجري مجرى إقراره (والثاني) له رده لأنه رجع إليه بغير رضاه أشبه مالو قامت به بينة (فصل) ولو اشترى جارية على أنها بكرا فقال المشتري هي ثيب أو النساء الثقات ويقبل قول واحدة، فإن وطئها المشتري وقال ما وجدتها بكراً خرج فيه وجهان بناء على الاختلاف في العيب الحادث

وإن وطئ البكر أو تعيبت عنده فله الأرش، وعنه أنه مخير بين الأرش وبين الرد وأرش العيب الحادث عنده ويأخذ الثمن

(فصل) فإن رد المشتري السلعة بعيب فأنكر البائع أنها سلعته فالقول قول البائع مع يمينه وبه قال أبو ثور وأصحاب الرأي ونحوه قال الأوزاعي فإنه قال فيمن صرف دراهم فقال للصيرفي هذا درهمي يحلف الصيرفي بالله لقد وفيتك ويبرأ لأن البائع منكر كون هذه سلعته ومنكر استحقاق الفسخ والقول قول المنكر، فأما إن جاء ليرد السلعة بخيار فأنكر البائع أنها سلعته فحكى ابن المنذر عن أحمد أن القول قول المشتري وهو قول الثوري واسحاق وأصحاب الرأي لأنهما اتفقا على استحقاق فسخ العقد والرد بالعيب بخلافه {مسألة} (ومن باع عبداً يلزمه عقوبة من قصاص أو غيره ويعلم المشتري ذلك فلا شئ له) لأنه رضي به معيباً أشبه سائر المعيبات وهذا قول الشافعي، وإن علم بعد البيع فله الرد أو الأرش على أصلنا كغيره من العيوب {مسألة} (فإن لم يعلم حتى قتل فله الأرش لتعذر الرد) وهو قسط ما بين قيمته جانياً وغير جان، ولا يبطل البيع من أصله وبه قال بعض أصحاب الشافعي، وقال أبو حنيفة والشافعي يرجع بجميع الثمن لأن تلفه كان بمعنى استحق عند البائع فجرى مجرى إتلافه إياه، ولنا أنه تلف عند المشتري بالعيب الذي كان فيه فلم يوجب الرجوع بجميع الثمن كما لو كان مريضاً فمات بدائه أو مرتداً فقتل بردته وبهذا ينتقض ما ذكروه ولا يصح قياسهم على إتلافه لأنه لم يتلفه فلم يشتركا في المقتضي، وإن كانت الجناية موجبة للقطع فقطعت يده عند المشتري فقد تعيب عنده لأن استحقاق القطع دون حقيقته فهل يمنع ذلك رده بعيبه؟ على روايتين {مسألة} (وإن كانت الجناية موجبة للمال والسيد معسر قدم حق المجني عليه، وللمشتري الخيار إذا لم يكن عالماً، فإن كان السيد موسراً تعلق الأرش بذمته والبيع لازم) إذا كانت الجناية موجبة للمال أو للقود فعفي عنه الى مال فعلى السيد فداؤه ويزول الحق عن رقبة العبد ببيعه لأن للسيد الخيرة بين تسليمه وفدائه. فإذا باعه تعين عليه فداؤه لإخراج العبد عن ملكه ولاخيار للمشتري لعدم الضرر عليه إذ الرجوع على غيره هذا إذا كان السيد موسراً وقال بعض أصحاب الشافعي لا يلزم السيد فداؤه لأن أكثر ما فيه أنه التزم فداءه ولا يلزمه كما لو قال الراهن أنا أقضي الدين من الرهن ولنا أنه أزال ملكه عن الجاني فلزمه فداؤه كما لو أتلفه وبهذا قال أبو حنيفة، وإن كان البائع معسراً لم يسقط حق المجني عليه من رقبة الجاني لأن المالك إنما يملك نقل حقه عن رقبته بفدائه أو ما يقوم مقامه ولا يحصل ذلك من ذمة المعسر فيبقى الحق في رقبته بحاله مقدماً على حق المشتري وللمشتري خيار الفسخ إن لم يكن عالماً فإن فسخ رجع بالثمن وإن لم يفسخ وكانت الجناية مستوعبة لرقبة العبد فأخذ

بها رجع المشتري بالثمن أيضاً لأن أرش مثل هذا جميع ثمنه وإن لم تكن مستوعبة رجع بقدر أرشه وإن كان عالماً بعيبه راضياً بتعلق الحق به لم يرجع بشئ لأنه اشترى معيباً عالما بعيبه فإن اختار المشتري فداءه فله ذلك والبيع بحاله لأنه يقوم مقام البائع بين تسليمه وفدائه، وحكمه في الرجوع بما فداه به على البائع حكم قضاء الدين عنه على ما نذكره في موضعه. {فصل} قال رضي الله عنه (السادس خيار يثبت في التولية والشركة والمرابحة والموضعة ولابد في جميعها من معرفة المشتري برأس المال) هذه أنواع من أنواع البيع وأنا اختصت بأسماء كاختصاص السلم ويثبت فيها الخيار إذا أخبره بزيادة في الثمن أو نحو ذلك فيثبت للمشتري الخيار كما لو أخبره بأنه كاتب أو صانع فاشتراه بثمن فبان بخلافه ولا بد في جميع هذه الأنواع من معرفة المشتري برأس المال لأن معرفة الثمن متوقفة على العلم به والعلم بالثمن شرط فمتى فات لم يصلح البيع لفوات شرطه {مسألة} (ومعنى التولية البيع برأس المال فيقول وليتكه أو بعتك برأس ماله أو بما اشتريته أو برقمه) قال أحمد رحمه الله لا بأس ببيع الرقم والرقم هو الثمن المكتوب عليه إذا كان معلوماً لهما حال العقد وهذا قول عامة العلماء وكره طاوس بيع الرقم، ولنا أنه بيع بثمن معلوم فأشبه ما لو ذكر مقداره أو إذا قال بعتك هذا بما اشتريته وقد علماه فإن لم يعلم فالبيع باطل لجهالة الثمن {مسألة} (والشركة بيع بعضه بقسطه من الثمن ويصح بقوله شركتك في نصفه أو ثلثه) إذا اشترى شيئاً فقال له رجل أشركني في نصفه بنصف الثمن فقال له أشركتك صح وصار شركا بينهما إذا كان الثمن معلوماً لهما، ولو قال أشركني فيه أو قال الشركة فقال شركتك أو قال ولني ما اشتريت ولم يذكر الثمن فقال وليتك صح إذا كان الثمن معلوماً لأن الشركة تقتضي ابتياع جزء منه بقسطه من الثمن على ما ذكر والتولية ابتياعه بمثل الثمن فإذا ذكر اسمه انصرف إليه كما إذا قال أقلني فقال أقلتك، وفي حديث عن زهرة بن معبد أنه كان يخرج به جده عبد الله بن هشام إلى السوق فيشتري الطعام فيلقاه ابن عمر وابن الزبير فيقولان له أشركنا فإن النبي صلى الله عليه وسلم دعا لك بالبركة فيشركهم فربما أصاب الراحلة كما هي فبعث بها إلى المنزل ذكره البخاري، ولو اشترى شيئاً فقال له رجل أشركني فشركه انصرف إلى النصف لأنها تنصرف إلى التسوية بإطلاقها، فإن اشترى إثنان عبداً فقال لهما رجل أشركاني فيه فقالا شركناك احتمل أن يكون لهما النصف لأن اشراكهما لو كان من كل واحد منهما منفرداً لكان له النصف فكذلك حال الاجتماع، ويحتمل أن يكون له الثلث لأن الاشتراك يفيد التساوي ولا يحصل التساوي إلا بجعله بينهم أثلاثاً وهذا أصح لأن إشراك الواحد إنما اقتضى النصف لحصول التسوية به وإن شركه كل واحد منهما منفرداً كان له النصف ولكل

قال الخرقي: إلا أن يكون البائع دلس العيب فيلزمه رد الثمن كاملا

واحد منهما الربع، وإن قال أشركاني فيه فشركه أحدهما فعلى الوجه الأول يكون له نصف حصة الذي شركه وهو الربع وعلى الآخر له السدس لأن طلب الشركة بينهما يقتضي طلب ثلث ما في يد كل واحد منهما ليكون مساوياً لهما فإذا أجابه أحدهما ثبت له الملك فيما طلب منه وإن قال له أحدهما أشركناك انبنى على تصرف الفضولي. فإن قلنا يقف على الإجازة فأجازه فهل يثبت له الملك في نصفه أو ثلثه على الوجهين، ولو قال لاحدهما أشكرني في نصف هذا العبد فإن قلنا يقف على الإجازة من صاحبه فأجازه فله نصف العبد ولهما نصفه وإلا فله نصف حصة الذي شركه، فإن اشترى عبداً فلقيه رجل فقال أشركني في هذا العبد فقال قد شركتك فله نصفه فإن لقيه آخر فقال أشركني في هذا العبد وكان عالماً بشركه الأول فله ربع العبد وهو نصف حصة الذي شركه لأن طلبه للشركة رجع إلى ما ملكه المشارك وهو النصف فكان بينهما، وإن لم يعلم بشركه الأول فهو طالب نصف العبد لاعتقاده أن جميع العبد لمن طلب منه المشاركة، فإذا قال له شركتك احتمل ثلاثة أوجه (أحدها) أن يصير له نصف العبد ولا يبقى للذي شركه شئ لأنه طلب منه نصف العبد فأجابه إليه فصار كأنه قال بعني نصف هذا العبد فقال بعتك، وهذا قول القاضي (الثاني) أن ينصرف قوله شركتك فيه إلى نصف نصيبه ونصف نصيب شريكه فيمتد في نصف نصيبه ويقف الزائد على إجازة صاحبه على إحدى الروايتين لأن لفظ الشركة يقتضي بعض نصيبه ومساواة المشتري له فلو باع جميع نصيبه لم يكن له شركة لأنه لا يتحقق فيه ما طلب منه (الثالث) لا يكون للثاني إلا الربع بكل حال لأن الشركة إنما تثبت بقول البائع شركتك لأن ذلك هو الإيجاب الناقل للملك وهو عالم أنه ليس له إلا نصف العبد فينصرف إيجابه إلى نصف ملكه، وعلى هذين الوجهين لطالب الشركة الخيار لأنه إنما طلب النصف فلم يحصل له جميعه إلا أن نقول بوقوفه على الإجازة في الوجه الثاني فيخير الآخر، ويحتمل أن لا تصح الشركة أصلا لأنه طلب شراء النصف فاجيب في الربع فصار بمنزلة مالو قال بعني نصف هذا العبد بعتك ربعه. (فصل) ولو اشترى قفيزاً من الطعام فقبض نصفه فقال له رجل بعني نصف هذا القفيز فباعه انصرف إلى النصف المقبوض لأن البيع ينصرف إلى ما يجوز له بيعه وهو المقبوض وإن أشركني في هذا القفيز بنصف الثمن ففعل لم تصح الشركة إلا فيما قبض منه فيكون النصف المقبوض بينهما لكل واحد منهما ربعه بربع الثمن لأن الشركة تقتضي التسوية هكذا ذكر القاضي، قال شيخنا والصحيح إن شاء الله أن الشركة تنصرف إلى النصف كله فيكون بائعاً لما يصح بيعه وما لا يصح فيصح في نصف المقبوض في أصح الوجهين ولا يصح فيما لم يقبض كما في تفريق الصفقة.

{مسألة} (والمرابحة أن يبيعه بربح فيقول رأس مالي فيه مائة بعتكه بها وربح عشرة) فهذا جائز لا خلاف في صحته ولا نعلم احدا كرهه وإن قال على أن أربح في كل عشرة درهماً أو قال ده يازدة أو دوازده. فقد كرهه أحمد ورويت فيه الكراهة عن ابن عمر وابن عباس والحسن ومسروق وعكرمة وسعيد بن جبير وعطاء بن يسار، وقال إسحاق لا يجوز لأن الثمن مجهول حال العقد فلم يجز كما لو باعه بما يخرج به في الحساب، ورخص فيه سعد بن المسيب وابن سيرين وشريح والنخعي والثوري والشافعي وأصحاب الرأي وابن المنذر لأن رأس المال معلوم والربح معلوم أشبه ما إذا قال وربح عشرة دراهم ووجه الكراهة أن ابن عمر وابن عباس كرهاه ولم يعلم لهما في الصحابة مخالف ولأن فيه نوعاً من الجهالة فالتحرز عنها أولى وهذه كراهة تنزيه والبيع صحيح والجهالة يمكن إزالتها بالحساب فلم تضر كما لو باعه صبرة كل قفيز بدرهم أما مايخرج به الحساب فمجهول في الجملة والتفصيل {مسألة} (والمواضعة أن يقول بعتكه بها ووضيعة درهم من كل عشرة فيلزم المشتري تسعون درهما) المواضعة أن يخبر برأس ماله ويقول بعتك هذا به وأضع لك عشرة فيصح من غير كراهة، وإن قال بوضيعة درهم من كل عشرة كره لما ذكرنا في المرابحة وصح فإذا كان رأس ماله مائة لزمه تسعون ويكون الحط عشرة، وقال قوم يكون الحط درهماً من كل أحد عشر فيكون ذلك تسعة دراهم وجزأ من أحد عشر جزأ من درهم ويبقى تسعون وعشرة أجزاء من أحد عشر جزأ من درهم، وهذا غلط لأن هذا يكون حطاً من كل أحد عشر وهو غير ماقاله، فأما إن قال بوضعية درهم لك عشرة كانت الوضيعة من كل أحد عشر درهماً درهم ويكون الباقي تسعين وعشرة أجزاء من أحد عشر جزأ من درهم وهذا قول أبي حنيفة والشافعي، وحكي عن أبي ثور أنه قال الحط ههنا عشرة مثل الأولى ولا يصح فإنه إذا قال لكل عشرة درهم يكون الدرهم من غيرها فكأنه قال من كل أحد عشر درهماً درهم، وإذا قال من كل عشرة درهما كان الدرهم من العدة، ولأن من للتبعيض فكأنه قال آخذ من العشرة تسعة وأحط منها درهما (فصل) فإن باعه السلعة مرابحة مثل أن يخبره أن ثمنها مائة ويربح عشرة ثم علم ببينة أو إقرار أن ثمنها تسعون فالبيع صحيح لأنه زيادة في الثمن فلم يمنع الصحة كالعيب وللمشتري الرجوع على البائع بما زاد في الثمن وهو عشرة وحطها من الربح وهو درهم فيبقى على المشتري تسعة وتسعون درهماً، وبهذا قال الثوري وابن أبي ليلى وهو أحد قولي الشافعي، وقال أبو حنيفة يخير بين الأخذ بكل الثمن أو يترك قياساً على المبيع. ولنا انه باعه برأس ماله وما قدره من الربح فإذا بان رأس ماله قدراً كان مبيعاً به وبالزيادة التي

اتفقا عليها والمعيب كذلك عندنا فإن له أخذ الأرش ثم الفرق بينهما أن المسيب لم يرض إلا بالثمن المذكور وههنا رضي فيه برأس المال والربح المقدر، وهل للمشتري الخيار؟ فالمنصوص عن أحمد أن المشتري مخير بين أخذ المبيع برأس ماله وحصته من الربح وبين تركه نقل ذلك حنبل وهو قول للشافعي لأن المشتري لا يأمن الخيانة في هذا الثمن أيضاً، ولأنه ربما كان له غرض في الشراء بذلك الثمن لكونه خالفا أو وكيلاً أو غير ذلك فظاهر كلام الخرقي أنه لا خيار له وحكي قولا للشافعي لأنه رضيه بمائة وعشرة فإذا حصل له بدون ذلك فقد زاده خيراً فلم يثبت له الخيار كما لو اشتراه على أنه معيب فبان صحيحاً أو وكل في شراء معين بمائة فاشتراه بتسعين، وأما البائع فلا خيار له لأنه باعه برأس ماله وحصته من الربح وقد حصل له ذلك. (فصل) وإن قال في المرابحة رأس مالي فيه مائة وأربح عشرة ثم قال غلطت رأس مالي فيه مائة وعشرة لم يقبل قوله إلا ببينة تشهد أن رأس ماله عليه ماقاله ثانياً ذكره ابن المنذر عن أحمد وإسحاق وروى أبو طالب عن احمد إذا كان البائع معروفاً بالصدق قبل قوله وإن لم يكن صدوقاً جاز البيع، قال القاضي وظاهر كلام الخرقي أن القول قول البائع مع يمينه لأنه لما دخل معه في المرابحة فقد ائتمنه والقول قول الأمين مع يمينه كالوكيل والمضارب، والصحيح الأول وكون البائع مؤتمناً لا يوجب قبول دعواه في الخلط كالمضارب إذا أقر بربح ثم قال غلطت، وعن أحمد رواية ثالثة أنه لا يقبل قول البائع وإن أقام بينة حتى يصدقه المشتري وهو قول الثوري والشافعي لأنه أقر بالثمن وتعلق به حق الغير فلا يقبل رجوعه وإن أقام بينة لإقراره بكذبها ولنا أنها بينة عادلة شهدت بما يحتمل الصدق فتقبل كسائر البينات ولا نسلم أنه أقر بخلافها فإن الإقرار يكون لغير المقر وحالة اخباره بثمنها لم يكن عليه حق لغيره فلم يكن إقراراً، فإن لم يكن له بينة أو كانت له بينة وقلنا لا تقبل فادعى أن المشتري يعلم غلطه فأنكر المشتري فالقول قوله، فإن طلب بيمينه فقال القاضي لا يمين عليه لأنه مدع واليمين على المدعى عليه، ولأنه قد أقر فيستغني بالإقرار عن اليمين، والصحيح أن عليه اليمين أنه لا يعلم ذلك لأنه ادعى ما يلزمه رد السعلة أو زيادة في ثمنها فلزمه اليمين كموضع الوفاق وليس هو ههنا مدع إنما هو مدعى عليه العلم بمقدار الثمن الأول، وإن قلنا يقبل قول البائع أو قامت له بينة بما ادعاه وقلنا تقبل بينته فللمشتري أن يحلفه أن وقت ما باعها لم يعلم أن شراءها أكثر ذكره الخرقي فإنه لو باعها بدون ثمنها عالماً لزمه البيع بما عقد عليه لكونه تعاطى سببه عالماً فلزمه كمشتري المعيب عالماً بعيبه، وإذا كان البيع يلزمه بالعلم فادعى عليه لزمته اليمين فإن نكل قضي عليه بالنكول، وإن حلف خير المشتري بين قبوله بالثمن والزيادة التي غلط بها وحطها من الربح وبين

وإن باع بعضه فله أرش الباقي وفي أرش المبيع الروايتان وقال الخرقي له رد ملكه منه بقسطه من الثمن أو أرش العيب بقدر ملكه فيه

فسخ العقد (قال شيخنا) ويحتمل أنه إذا قال بعتك بمائة وربح عشرة ثم تبين أنه غلط بعشرة أنه لا يلزمه حط العشرة من الربح لأن البائع رضي بربح عشرة في هذا المبيع فلا يكون له أكثر منها، وكذلك إن تبين أنه زاد في رأس المال لا ينقص الربح من عشرة لأن البائع لم يبعه إلا بربح عشرة، فأما إن قال وأربح في كل عشرة درهماً فإنه يلزمه حط العشرة من الربح في الصورتين وإنما أثبتنا للمشتري الخيار لأنه دخل على أن الثمن مائة وعشرة فإذا بان أكثر كان عليه ضرر في التزامه فلم يلزمه كالمعيب، وإن اختار أحدهما بمائة واحد وعشرين لم يكن للبائع خيار لأنه قد زاده خيراً فلم يكن له خيار كبائع المعيب إذا رضيه المشتري، وإن اختار البائع إسقاط الزيادة عن المشتري فلا خيار له أيضاً لأنه قد بذلها بالثمن الذي وقع عليه العقد ورضيا به {مسألة} (ومتى اشتراه بثمن مؤجل أو ممن لا تقبل شهادته له أو بأكثر من ثمنه حيلة أو باع بعض الصفقة بقسطها من الثمن فلم يبين ذلك للمشتري في تخييره بالثمن فللمشتري الخيار بين الإمساك والرد) إذا اشتراه بثمن مؤجل لم يجز بيعه مرابحة حتى يبين أمره فان لم يفعل لم يفسد البيع وللمشتري الخيار بين أخذه بالثمن الذي وقع عليه حالاً وبين الفسخ في إحدى الروايتين وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي لأن البائع لم يرض بذمة المشتري وقد تكون ذمته دون ذمة البائع فلا يلزم الرضى بذلك وحكى ابن المنذر عن أحمد أنه إن كان المبيع قائما فهو مخير بين الفسخ وأخذه بالثمن مؤجلاً لأنه الثمن الذي اشترى به البائع والتأجيل صفة له فهو كما لو أخبره بزيادة في الثمن وإن كان قد استهلك حبس الثمن بقدر الأجل وهذا قول شريح (فصل) وإن اشتراه بدنانير فأخبر أنه اشتراه بدراهم أو بالعكس أو اشتراه بعوض فأخبر أنه اشتراه بثمن أو بالعكس واشباه ذلك فللمشتري الخيار بين الفسخ وبين الرضى به بالثمن الذي تبايعا به كسائر المواضع التي يثبت فيها ذلك. (فصل) وإن اشتراه ممن لاتقبل شهادته له كأبيه وابنه لم يجز بيعه مرابحة حتى يبين ذلك وبهذا قال أبو حنيفة، وقال الشافعي وأبو يوسف ومحمد يجوز وإن لم يبين لأنه اشتراه بعقد صحيح وأخبر بثمنه فأشبه مالو اشتراه من أجنبي. ولنا أنه متهم في الشراء منهم لكونه يحابيهم ويسمح لهم فلم يجز أن يخبر بما اشترى منهم مطلقاً كما لو اشترى من مكاتبه فانه يجب عليه أن يبين أمره لا نعلم فيه خلافا وبه يبطل قياسهم (فصل) وإن اشتراه بأكثر من ثمنه حيلة مثل أن يشتريه من غلام دكانه الحر أو غيره على وجه الحيلة لم يجز بيعه مرابحة حتى يبين أمره لأن ذلك تدليس وحرام على ما بيناه، وإن لم يكن حيله

وإن اشترى ما مأكوله في جوفه فكسره فوجده فاسدا فإن لم يكن له مكسورا قيمة كبيض الدجاج رجع الثمن كله، وإن كان له مكسورا قيمة كبيض النعام وجوز الهند فهو مخير بين أخذ أرشه وبين رده، وعنه ليس له رد ولا أش في ذلك

فقال القاضي إذا باع غلام دكانه سلعة ثم اشتراها منه بأكثر من ذلك لم يجز بيعه مرابحة حتى يبين أمره لأنه يتهم في حقه فهو كمن لا تقبل شهادته له والصحيح إن شاء الله أن ذلك يجوز لأنه أجنبي فأشبه غيره (فصل) إذا اشترى شيئين صفقة واحدة ثم أراد بيع أحدهما مرابحة أو اشترى اثنان شيئا فتقاسماه وأراد أحدهما بيع نصيبه مرابحة بالثمن الذي أداه فيه فإن كان من المتقومات التي لا ينقسم عليها الثمن بالاجزاء كالثياب ونحوها لم يجز حتى يبين الحال على وجهه نص عليه وهذا مذهب الثوري واسحاق وأصحاب الرأي، وقال الشافعي يجوز بيعه بحصته من الثمن لأن الثمن ينقسم على المبيع على قدر قيمته كما لو كان المبيع شقصاً وشفعاً فإن الشفيع يأخذ الشقص بحصته من الثمن، وذكر ابن أبي موسى فيما إذا اشتراه اثنان فتقاسماه رواية عن أحمد أنه يجوز بيعه مرابحة بما اشتراه لأن ذلك ثمنه فهو صادق فيما أخبر به. ولنا ان قسمة الثمن على المبيع طريقه الظن واحتمال الخطأ فيه كثير وبيع المرابحة أمانة فلم يجز فيه هذا وصار هذا كالخرص الحاصل بالظن لا يجوز أن يباع به ما يجب التماثل فيه، وأما الشفيع فلنا فيه منع وإن سلم فإن ما أخذه الشفيع بالقيمة للحاجة الداعية إليه لكونه لا طريق له سوى التقويم ولأنه لو لم يأخذه به لا تخذه الناس طريقاً إلى إسقاط الشفعة فيؤدي إلى تقويتها وهاهنا يمكن الاخبار بالحال وبيعه مساومة ولا تدعوا الحاجة إليه فإن باعه ولم يبين فللمشتري الخيار بين الامساك والرد كالمسائل المذكورة وإن كان من المتماثلات التي ينقسم عليها الثمن بالأجزاء كالبر والشعير المتساوي جاز بيع بعضه مرابحة بقسطه من الثمن لا نعلم فيه خلافا لان ثمن ذلك الجزء معلوم يقيناً ولذلك جاز بيع قفيز من الصبرة. وإن أسلم في ثوبين بصفة واحدة فأخذهما على الصفة فله بيع أحدهما مرابحة بحصته من الثمن على قياس ذلك لأن الثمن ينقسم عليهما نصفين لا باعتبار القيمة، ولذلك لو أقال في أحدهما أو تعذر تسليمه كان له نصف الثمن من غير اعتبار قيمة المأخوذ منهما فكأنه أخذ كل واحد منهما منفرداً وإن حصل في أحدهما زيادة على الصفة جرت مجرى الحادث بعد البيع على ما نذكر إن شاء الله {مسألة} (وما يزاد في الثمن أو يحط منه في مدة الخيار أو يؤخذ أرشاً للعيب أو جناية عليه يلحق برأس المال ويخبر به) وجملة ذلك إن البائع إذا أراد الاخبار بثمن السلعة وكانت بحالها لم تتغير أخبر بثمنها، فإن تغير سعر السلعة بأن حط البائع بعض الثمن عن المشتري أو اشتراه في مدة الخيار لحق بالعقد واخبر به في الثمن، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة ولا نعلم عن غيرهم خلافهم، وأن تغير سعر السلعة وهي

ومن علم العيب وأخر الرد لم يبطل خياره إلا أن يوجد منه ما يدل على الرضا من التصرف ونحوه

بحالها فإن غلت لم يلزمه الإخبار بذلك لأنه زيادة فيها، وإن رخصت فكذلك نص عليه أحمد لأنه صادق بدون الإخبار بذلك، ويحتمل أن يلزمه الأخبار بالحال، فإن المشتري لو علم بذلك لم يرضها بذلك الثمن فكتمانه تغرير به فإن أخبره بدون ثمنها ولم يبين الحال لم يجز لأنه كذبه، فأما ما يؤخذ أرشاً للعيب أو جناية عليه فذكر القاضي أنه يخبر به على وجهه، وقال أبو الخطاب يحط أرش العيب من الثمن ويخبر بالباقي وهو الذي ذكره شيخنا في هذا الكتاب لأن أرش العيب عوض عما فات به فكان ثمن الموجود ما بقي، وفي أرش الجناية وجهان (أحدهما) يحط من الثمن كأرش العيب وهو الأولى (والثاني) لا يحطه كالنماء، وقال الشافعي يحطهما من الثمن ويقول: تقوم علي بكذا. لأنه صادق فيما أخبر به أشبه مالو أخبره بالحال على وجهه ولنا أن الإخبار بالحال أبلغ في الصدق وأقرب إلى البيان وبقي التغيير والتدليس فلزمه ذلك كما يلزمه بيان العيب وقياس أرش الجناية على النماء والكسب لا يصح لأن أرش الجناية عوض نقصه الحاصل بالجناية عليه فهو بمنزلة ثمن جزء منه باعه أو كقيمة أحد الثوبين إذا تلف أحدهما، والنماء زيادة لم ينقص بها المبيع ولا هي عوض عن شئ منه {مسألة} (وإن جنى ففداه المشتري أو زيد في الثمن أو حط منه بعد لزومه لم يلحق به) أما إذا جنى ففداه المشتري، فإنه لا يلحق بالثمن ولا يخبر به في المرابحة بغير خلاف علمناه لأن هذا لم يزد به المبيع قيمة ولا ذاتاً وإنما هو مزيل لنقصه بالجناية والعيب الحاصل بتعلقها برقبته فأشبهت الدواء المزيل لمرضه الحادث عند المشتري، فأما الأدوية والمؤنة والكسوة وعمله في السلعة بنفسه أو عمل غيره له بغير أجرة فإنه لا يخبر بذلك في الثمن وجها واحدا، وان أخبر بالحال على وجهه فحسن وكذلك ما زيد في الثمن أو حط منه بعد لزوم العقد لا يخبر به، ويخبر بالثمن الأول لأن ذلك هبة من أحدهما للآخر فلا يكون عوضاً وبهذا قال الشافعي، وقال أبو حنيفة يلحق بالعقد ويخبر به في المرابحة لانه بسبب العقد {مسألة} (وإن اشترى ثوباً بعشرة وقصره بعشرة أخبر بذلك على وجهه، فإن قال تحصل علي بعشرين فهل يجوز ذلك؟ على وجهين، وإن عمل فيه بنفسه عملا يساوي عشرة لم يجز ذلك وجهاً واحداً) وجملة ذلك أن من أراد البيع مرابحة والسلعة بحالها أخبر بثمنها. وإن تغيرت فهو على ضربين (أحدهما) أن تتغير بزيادة وذلك نوعان (أحدهما) أن تزيد لنمائها كالسمن وتعلم صنعة أو يحدث منها نماء منفصل كالولد والثمرة والكسب فهذا إذا أراد بيعها مرابحة اخبر الثمن من غير زيادة لأنه الذي ابتاعها به، وإن أخذ النماء المنفصل أو استخدم الأمة أو وطئ الثيب أخبر برأس المال ولم يجب تبيين الحال، وروى ابن المنذر عن أحمد أنه يبين ذلك كله وهو قول إسحاق، وقال أصحاب الرأي

وإن اشترى واحد معيبين صفقة واحدة ليس له إلا درهما أو إمساكهما والمطالبة بالأرش

في الغلة يأخذها لا بأس ان يبيع مرابحة، وفي الولد والثمرة لا يبيع مرابحة حتى يبين لأنه موجب العقد ولنا أنه صادق فيما أخبر به من غير تغرير بالمشتري فجاز كما لو لم يزد، ولأن الولد والثمرة نماء منفصل، فلم يمنع من بيع المرابحة كالغلة (النوع الثاني) أن يعمل فيها عملا مثل أن يقصرها أو يرفوها أو يخيطها أو يحملها فمتى أراد بيعها مرابحة أخبر بالحال على وجهه سواء عمل ذلك بنفسه أو استأجر من عمله هذا ظاهر كلام أحمد فإنه قال: يبين ما اشتراه وما لزمه ولا يجوز أن يقول تحصلت علي بكذا وبه قال الحسن وابن سيرين وابن المسيب وطاوس والنخعي والاوزاعي وابو ثور، وفيه وجه آخر أنه يجوز فيما استأجر عليه أن يضم الأجرة إلى الثمن ويقول. تحصلت علي بكذا لأنه صادق، وبه قال الشعبي والحكم والشافعي. ولنا أنه تغرير بالمشتري فإنه عسى أنه لو علم أن بعض ما تحصلت به لأجل الصناعة لم يرغب فيها لعدم رغبته في ذلك فأشبه ما ينفق على الحيوان في مؤنته وكسوته، وعلى المتاع في خزنه (الضرب الثاني) أن يتغير بنقص كالمرض والجناية عليه أو تلف بعضه أو الولادة أو أن يتعيب أو يأخذ المشتري بعضه كالصوف واللبن ونحوه فإنه يخبر بالحال ولا نعلم فيه خلافاً {مسألة} (وإن اشتراه بعشرة ثم باعه بخمسة عشر ثم اشتراه بعشرة أخبر بذلك على وجهه وإن قال اشتريته بعشرة جاز وقال أصحابنا يحط الربح من الثمن الثاني ويخبر أنه اشتراه بخمسة) المستحب في هذه المسألة وأمثالها أو يخبر بالحال على وجهه لأن فيه خروجاً من الخلاف وهو أبعد من التغرير بالمشتري، فإن أخبر أنه اشتراه بعشرة ولم يبين جاز وهذا قول الشافعي وأبي يوسف ومحمد لأنه صادق فيما أخبر به وليس فيه تهمة فأشبه مالو لم يربح، وروي عن ابن سرين أنه يطرح الربح من الثمن الثاني ويخبر أن رأس ماله عليه خمسة، وأعجب أحمد قول ابن سيرين قال فإن باعه على ما اشتراه يبين أمره يعني أنه ربح مرة ثم اشتراه وهذا من أحمد على الاستحباب لما ذكرناه، ولأنه الثمن الذي حصل به الملك الثاني أشبه مالو خسر فيه، وقال أبو حنيفة لا يجوز بيعه مرابحة إلا أن يبين أمره أو يخبر أن رأس ماله عليه خمسة وهو قول القاضي وأصحابه لأن المرابحة تضمن فيها العقود فيخبر بما تقوم عليه كما تضم أجرة الخياط والقصاب، وقد استفاد بهذا العقد الثاني تقرير الربح في العقد الأول لأنه أمن أن يرد عليه، فعلى هذا ينبغي إذا طرح الربح من الثمن الثاني أن يقول تقوم علي بخمسة ولا يقول اشتريته بخمسة لأنه كذب وهو حرام فيصير كما لو ضم أجرة القصارة ونحوها إلى الثمن وأخبر به. ولنا ما ذكرناه، وما ذكروه من ضم القصارة والخياطة فشئ بنوه على أصولهم لا نسلمه ثم لا يشبه هذا ما ذكروه لأن المؤنة لزمته في هذا البيع الذي يلي المرابحة وهذا الربح في عقد آخر قبل هذا الشراء فأشبه الخسارة فيه، وأما تقويم الربح فغير صحيح فإن العقد الأول قد لزم ولم يظهر

وإن اختلفا في العيب هل كان عند البائع أو حدث عند المشتري ففي أيهما يقبل قوله؟ روايتان إلا أن لا يحتمل إلا قول أحدهما فالقول قوله بغير يمين

العيب ولم يتعلق به حكمه، وقد ذكرنا في مثل هذه المسألة أن للمشتري أن يرده على البائع إذا ظهر على عيب قديم وإذا لم يلزمه طرح النماء والغلة فههنا أولى، ويجئ على قولهم أنه لو اشترى بعشرة ثم باعه بعشرين ثم اشتراها بعشرة فإنه يخبر أنها حصلت عليه بغير شئ، وإن اشتراها بعشرة ثم باعها بثلاثة عشر ثم اشتراها بخمسة أخبر أنها تقومت عليه بدرهمين، وإن اشتراها بخمسة عشر أخبر أنها تقومت عليه باثني عشر نص أحمد على نظير هذا، فان لم يربح ولكن اشتراها ثانية بخمسة أخبر بها لأنها ثمن للعقد الذي يلي المرابحة، ولو خسر فيها مثل أن اشتراها بخمسة عشر ثم باعها بعشرة ثم اشتراها بأي ثمن كان أخبر به ولم يجز أن يضم الخسارة إلى الثمن الثاني ويخبر به في المرابحة بغير خلاف نعلمه وهو يدل على صحة ما ذكرناه (فصل) وإن ابتاع اثنان ثوباً بعشرين ثم بذل لهما فيه اثنان وعشرون فاشترى أحدهما نصيب صاحبه فيه بذلك السعر فإنه يخبر في المرابحة بأحد وعشرين نص عليه وهذا قول النخعي، وقال الشعبي يبيعه على اثنين وعشرين لأن ذلك الدرهم الذي كان أعطيه قد كان أحرزه ثم رجع إلى قول النخعي بعد ذلك ولا نعلم احدا خاف ذلك لأنه اشترى نصفه الأول بعشرة والثاني بأحد عشر فصار أحداً وعشرين (فصل) قال أحمد المساومة عندي أسهل من بيع المرابحة لأن بيع المرابحة يعتريه أمانة واسترسال من المشتري ويحتاج فيه إلى تعيين الحال على وجهه ولا يؤمن هوى النفس في نوع تأويل وخطر فيكون على خطر وغرر فتجنب ذلك أسلم وأولى (فصل) وإن اشترى رجل نصف سلعة بعشرة واشترى آخر نصفها بعشرين ثم باعاها مساومة بثمن واحد فهو بينهما نصفان لا نعلم فيه خلافاً لأن الثمن عوض عنها فكان بينهما على حسب ملكهما فيها كالإتلاف وإن باعها مرابحة أو مواضعة أو تولية فكذلك نص عليه أحمد وهو قول ابن سيرين والحكم قال الأثرم قال أبو عبد الله إذا باعها فالثمن بينهما نصفان. قلت أعطى أحدهما أكثر مما أعطى الآخر؟ فقال وإن اليس الثوب بينهما الساعة سواء؟ فالثمن بينهما لأن كل واحد منهما يملك مثل الذي يملك صاحبه. وحكى أبو بكر عن أحمد أن الثمن بينهما على قدر رءوس أموالهما لأن بيع المرابحة يقتضي أن يكون الثمن في مقابلة رأس المال فيكون مقسوماً بينهما على حسب رءوس أموالهما، قال شخينا ولم أجد عن أحمد رواية بما قال أبو بكر، وقيل هذا وجه خرجه أبو بكر وليس برواية والمذهب الأول لأن الثمن عوض المبيع وملكهما متساو فيه فكان ملكهما لعوضه متساوياً كما لو باعه مساومة (فصل) قال رضي الله عنه (السابع خيار يثبت لاختلاف المتبايعين فمتى اختلفا في قدر الثمن تحالفا فيبدأ بيمين البائع فيحلف ما بعته بكذا وإنما بعتكه بكذا ثم يحلف المشتري ما اشتريته بكذا وإنما اشتريته بكذا)

ومن باع عبدا يلزمه عقوبة من قصاص أو غيره ويعلم المشتري ذلك فلا شيء له

إذا اختلف المتبايعان في الثمن والسلعة قائمة فقال البائع بعتك بعشرين، وقال المشتري بعشرة ولأحدهما بينة حكم بينهما وإن لم يكن لهما بينة تحالفا، وبه قال شريح وأبو حنيفة والشافعي وهي رواية عن مالك وله رواية أخرى القول قول المشتري مع يمينه، وبه قال أبو ثور وزفر لأن البائع يدعي عشرة ينكرها المشتري والقول قول المنكر، وقال الشعبي القول قول البائع أو يترادان البيع وحكاه ابن المنذر عن أحمد لما روى ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " إذا اختلف البيعان وليس بينهما بينة فالقول ما قال البائع أو يترادان البيع " رواه سعيد وابن ماجة وغيرهما والمشهور في المذهب الأول. ويحتمل أن يكون معنى القولين واحداً وأن القول قول البائع مع يمينه فإذا حلف فرضي المشتري بذلك أخذ به وإن أبى حلف أيضاً وفسخ البيع لأن في بعض ألفاظ حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا اختلف المتبايعان والسلعة قائمة ولا بينة لأحدهما تحالفا " ولأن كل واحد منهما مدع ومدعى عليه فإن البائع يدعي عقداً بعشرين ينكره المشتري والمشتري يدعي عقداً بعشرة ينكره البائع والعقد بعشرة غير العقد بعشرين فشرعت اليمين في حقهما وهذا الجواب عما ذكروه (فصل) والمبتدئ باليمين البائع فيحلف ما بعته بكذا وإنما بعته بكذا فإن شاء المشتري أخذه بما قال البائع والاحلف ما اشتريته بكذا وإنما اشتريته بكذا، وبهذا قال الشافعي، وقال أبو حنيفة يبدأ يبين المشتري لأنه منكر واليمين في جنبته أقوى ولأنه يقضى بنكوله ينفصل الحكم وما كان أقرب إلى فصل الخصومة كان أولى ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " فالقول ما قال البائع أو يترادان البيع " وفي لفظ " فالقول قول البائع والمشتري بالخيار " رواه أحمد ومعناه إن شاء أخذ وإن شاء حلف ولأن البائع أقوى جنبة لانها إذا تحالفا عاد المبيع إليه فكان أقوى كصاحب اليد وقد بينا أن كل واحد منهما منكر فيتساويان من هذا الوجه والبائع إذا حلف فهو بمنزلة نكول المشتري يحلف الآخر ويقتضى به فهما سواء ويكفي كل واحد منهما يمين واحدة لأنه أقرب إلى فصل القضاء {مسألة} (فإن نكل أحدهما لزمه ما قال صاحبه) يعني إذا حلف البائع فنكل المشتري عن اليمين قضي عليه وإن نكل المشتري حلف المشتري وقضي له، ووجه ذلك حديث ابن عمر لما باع زيداً عبداً واختلفا في عيب فيه فاحتكما إلى عثمان فوجبت علي عبد الله اليمين فلم يحلف فرد عثمان عليه العبد رواه الإمام أحمد {مسألة} (فإن تخالفا فرضي أحدهما بقول صاحبه أقر العقد وإلا فلكل واحد منهما الفسخ) إذا تخالفا لم ينفسخ البيع بنفس التخالف لأنه عقد صحيح فلم ينفسخ باختلافهما وتعارضهما في الحجة كما لو قامت البينة لكل واحد منهما، لكن إن رضي احدهما مما قال الآخر أجبر الآخر عليه وأقر

ومعنى التولية البيع برأس المال فيقول وليتكه أو بعتكه برأس ماله أو بما اشتريته أو برقمه

العقد بينهما وإن لم يرض واحد منهما فلكل واحد منهما الفسخ هذا ظاهر كلام أحمد ويحتمل أن يقف الفسخ على الحاكم وهو ظاهر مذهب الشافعي لأن العقد صحيح وأحدهما ظالم وإنما يفسخه الحاكم لتعذر إمضائه في الحكم أشبه نكاح المرأة إذا زوجها الوليان وجهل السابق منهما ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " أو يترادان البيع " وظاهره استقلالهما بذلك، وروي أن ابن مسعود باع الأشعث بن قيس رقيقاً من رقيق الإمارة فقال عبد الله بعتك بعشرين ألفاً، وقال الأشعث شريت منك بعشرة آلاف، فقال عبد الله سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إذا اختلف المتبايعان وليس بينهما بينة والبيع قائم بعينه فالقول قول البائع أو يترادان البيع " قال فإني أرد البيع رواه سعيد وروى أيضا حديثاً عن عبد الملك بن عبيدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا اختلف المتبايعان استحلف البائع ثم كان للمشتري الخيار إن شاء أخذ وإن شاء ترك " وهذا ظاهر في انه يفسخ من غير حاكم لأنه جعل الخيار إليه فأشبه من له خيار الشرط ولأنه فسخ لا ستدراك الظلامة أشبه الرد بالعيب ولا يشبه النكاح لأن لكل واحد من الزوجين الاستقلال بالطلاق {مسألة} (وإن كانت السلعة تالفة رجعاً إلى قيمة مثلها فإن اختلفا في صفتها فالقول قول المشتري وعنه لا يتحالفان إذا كانت تالفة والقول قول المشتري مع يمينه) إذا اختلفا في ثمن السلعة بعد تلفها فعن أحمد فيها روايتان (إحداهما) يتحالفان هكذا ذكره الخرقي مثل لو كانت قائمة، وهو قول الشافعي وإحدى الروايتين عن مالك (والاخرى) القول قول المشتري مع يمينه اختارها أبو بكر وهو قول النخعي والثوري والاوزاعي وابي حنيفة لقوله عليه السلام في الحديث " والسلعة قائمة " مفهومه أنه لا يشرع التحالف عند تلفها ولأنهما اتفقا على نقل السلعة إلى المشتري واستحقاق عشرة في ثمنها، واختلفا في عشرة زائدة البائع يدعيها والمشتري ينكرها والقول قول المنكر وتركنا هذا القياس حال قيام السلعة للحديث الوارد فيه ففيما عداه يبقى على القياس، ووجه الرواية الأولى عموم قوله عليه السلام " إذا اختلف المتبايعان فالقول قول البائع والمشتري بالخيار " قال أحمد ولم ينقل فيه " والبيع قائم " إلا يزيد بن هارون قال أبو عبد الله وقد أخطأ، رواه الخلق عن المسعودي ولم يقولوا هذه الكلمة، ولأن كل واحد منهما مدع ومنكر فيشرع اليمين كحال قيام السلعة فإن ذلك لا يختلف بقيام السلعة وتلفها، وقولهم تركناه للحديث قلنا لم يثبت في الحديث، قال إبن المنذر وليس في هذا الباب حديث يعتمد عليه، وعلي أنه إذا خولف الأصل لمعنى وجب تعديه الحكم بتعدي ذلك المعنى فنقيس عليه بل يثبت الحكم بالبينة فإن التحالف إذا ثبت مع قيام السلعة مع أنه يمكن معرفة ثمنها للمعرفة بقيمتها فإن الظاهر أن الثمن يكون بالقيمة فمع تعذر ذلك أولى، فإذا تحالفا

والمرابحة أن يبيعه بربح فيقول رأس مالي فيه مائة بعتكه بها وربح عشرة

فإن رضي أحدهما بما قال الآخر لم يفسخ العقد لعدم الحاجة إلى فسخه وإن لم يرضيا فلكل واحد منهما فسخه كما إذا كانت السلعة باقية ويرد الثمن إلى المشتري ويدفع المشتري قيمة السلعة إلى البائع فإن كانا من جنس واحد وتساويا بعد التقابض تقاصا، وينبغي أن لا يشرع التحالف ولا الفسخ فيما إذا كانت قيمة السلعة مساوية للثمن الذي ادعاه المشتري ويكون القول قول المشتري مع يمينه لأنه لا فائدة في ذلك لأن الحاصل به الرجوع إلى ما ادعاه المشتري. وإن كانت القيمة أقل فلا فائدة للبائع في الفسخ فيحتمل أن لا يشرع له اليمين ولا الفسخ لأن ذلك ضرر عليه من غير فائدة، ويحتمل أن يشرع لتحصل الفائدة للمشتري، ومتى اختلفا في قيمة السلعة رجعا إلى قيمة مثلها موصوفاً بصفاتها، فإن اختلفا في الصفة فالقول قول المشتري مع يمينه لأنه غارم (فصل) وإن تقايلا المبيع أو رد بعيب بعد قبض البائع الثمن ثم اختلفا في قدره فالقول قول البائع لأنه منكر لما يدعيه المشتري بعد انفساخ العقد أشبه ما إذا اختلفا في القبض {مسألة} (وإن ماتا فورثتهما في منزلتهما) في جميع ما ذكرناه لأنهم يقومون مقامهما في أخذ مالهما وارث حقوقهما فكذلك فيما يلزمهما أو يصير لهما، ولأنها يمين في المال فقام الوارث فيها مقام الموروث كاليمين في الدعوى {مسألة} (ومتى فسخ المظلوم منهما انفسخ العقد ظاهراً وباطناً وإن فسخ الظالم لم ينفسخ قي حقه باطناً وعليه إثم الغاصب) وجملة ذلك أن الفسخ إذ وجد منهما فقال القاضي ظاهر كلام أحمد أن الفسخ ينفذ ظاهراً وباطناً لأنه فسخ لا ستدراك الظلامة فهو كالرد بالعيب أو فسخ عقد بالتحالف فأشبه الفسخ باللعان. وقال أبو الخطاب إن كان البائع ظالم لم ينفسخ العقد في الباطن لأنه لا يمكنه إمضاء العقد واستيفاء حقه فلا ينفسخ العقد في الباطن ولا يباح له التصرف في المبيع لأنه غاصب، وإن كان المشتري ظالماً انفسخ البيع ظاهراً وباطناً لعجز البائع عن استيفاء حقه فكان له الفسخ كما لو أفلس المشتري، ولأصحاب الشافعي وجهان كهذين، ولهم وجه ثالث أنه لا ينفسخ في الباطن بحال وهذا فاسد لأنه لو علم أنه لا ينفسخ في الباطن بحال لما أمكن فسخه في الظاهر فإنه لا يباح لكل واحد منهما التصرف فيما رجع إليه بالفسخ ومتى علم أن ذلك محرم منع منه، ولأن الشارع جعل للمظلوم منهما الفسخ ظاهراً وباطناً فانفسخ بفسخه في الباطن كالرد بالعيب (قال شيخنا) ويقوى عندي أن فسخه المظلوم منهما انفسخ ظاهراً وباطناً كذلك، وإن فسخه الكاذب عالماً بكذبه لم ينفسخ بالنسبة إليه لأنه لا يحل به الفسخ فلم يثبت حكمه بالنسبة إليه ويثبت بالنسبة إلى صاحبه فيباح له التصرف فيما رجع إليه لأنه رجع إليه بحكم من غير

والمواضعة أن يقول بعتكه بها ووضيعة درهم من كل عشرة فيلزم المشتري تسعون درهما

عدوان منه فأشبه مالو رد عليه المبيع بدعوى العيب ولا عيب فيه {مسألة} (وإن اختلفا في صفة الثمن تحالفا إلا أن يكون للبلد نقد معلوم فيرجع إليه) إذا اختلفا في صفة الثمن رجع إلى نقد البلد نص عليه في رواية الأثرم لأن الظاهر انهما لا يعقدان إلا به، وإن كان في البلد نقود رجع إلى أوسطها نص عليه في رواية جماعة فيحتمل أنه أراده إذا كان هو الأغلب والمعاملة به أكثر لأن الظاهر وقوع المعاملة به أشبه إذا كان في البلد نقد واحد، ويحتمل أنه ردهما إليه مع التساوي لأن فيه تسوية بينهما في الحق وتوسطاً بينهما وفي العدول الى غيره ميل على أحدهما فكان التوسط أولى، وعلى مدعي ذلك اليمين لأن قول خصمه محتمل فيجب اليمين لنفي ذلك الاحتمال كوجوبها على المنكر، وإن لم يكن في البلد إلا نقدان تحالفا لأنهما اختلفا في الثمن على وجه لم يترجح قول أحدهما فيتحالفان كما لو اختلفا في قدره {مسألة} (وإن اختلفا في أجل أو شرط فالقول قول من ينفيه، وعنه يتحالفان إلا أن يكون شرطاً فاسداً فالقول قول من يثبته) إذا اختلفا في أجل أو شرط أو رهن أو ضمين أو في قدر الأجل أو الرهن فالقول قول من ينفيه في إحدى الروايتين مع يمينه وهذا قول أبي حنيفة لأن الأصل عدمه فكان القول قول من يدعيه كأصل العقد (والثانية) يتحالفان وهو قول الشافعي لأنهما اختلفا في صفة العقد فوجب أن يتحالفا كما لو اختلفا في الثمن فأما إن اختلفا فيما يفسد العقد فقال بعتك بخمس أو خيار مجهول أو في شرط فاسد، وقال لابل بعتني بنقد معلوم أو خيار معلوم إلى ثلاث فالقول قول من يدعي الصحة مع يمينه لأن ظهور تعاطي المسلمين الصحيح أكثر من تعاطي الفاسد، وإن قال بعتك مكرهاً فأنكر فالقول قول المشتري لأن الأصل عدم الإكراه وصحة البيع كذلك، وإن قال بعتك وأنا صبي فالقول قول المشتري نص عليه وهو قول الثوري واسحاق لأنهما اتفقا على العقد واختلفا فيما يفسده فكان القول قول من يدعي الصحة كالتي قبلها، ويحتمل أن يقبل قول من يدعي الصغر لأنه الأصل وهو قول بعض أصحاب الشافعي ويفارق ما إذا اختلفا في الإكراه والشرط الفاسد من وجهين (أحدهما) أن الأصل عدمه وههنا الأصل بقاؤه (والثاني) أن الظاهر من المكلف أنه لا يتعاطى إلا الصحيح وههنا ما ثبت أنه كان مكلفاً، وإن قال بعتك وأنا مجنون فإن لم يعلم حال جنون فالقول قول المشتري لأن الأصل عدمه، وإن ثبت أنه كان مجنوناً فهو كالصبي، وإن قال بعتك وأنا غير مأذون لي في التجارة فالقول قول المشتري نص عليه في رواية منها لأنه مكلف فالظاهر أنه لا يعقد إلا عقداً صحيحاً {مسألة} (وإن قال بعتني هذين قال بل أحدهما فالقول قول البائع)

ومتى اشتراه بثمن مؤجل أو ممن لا تقبل شهادته له أو بأكثر من ثمنه حيلة، أو باع بعض الصفقة بقسطها من الثمن فلم يبين ذلك للمشتري في تخييره بالثمن فللمشتري الخيار بين الإمساك والرد

أما إذا قال بعتني هذا العبد والأمة بمائة قال بل بعتك العبد بخمسين فالقول قول البائع لأن المشتري يدعي عقداً ينكره البائع والقول قول المنكر، وإن قال البائع بعتك هذا العبد بألف فقال بل هو والعبد الآخر بألف فالقول قول البائع مع يمينه وهو قول أبي حنيفة لان البائع ينكر بيع العبد الزائد فكان القول قوله مع يمينه كما لو ادعى شراءه منفرداً. وقال الشافعي يتحالفان لأنهما اختلفا في أحد عوضي العقد أشبه ما لو اختلفا في الثمن وهذا القول أقيس وأولى إن شاء الله تعالى {مسألة} (وإن قال بعتني هذا قال بل هذا حلف كل واحد منهما على ما أنكره ولم يثبت بيع واحد منهما) وذلك مثل أن يقول البائع بعتك هذا العبد قال بل بعتني هذه الجارية لأن كل واحد منهما يدعي عقداً على عين ينكرها المدعى عليه والقول قول المنكر فإذا حلف البائع ما بعتك هذه الجارية أقرت في يده وإن كان مدعيها قد قبضها ردت عليه وأما العبد فان كان في يد البائع أقر في يده ولم يكن للمشتري طلبه لأنه لا يدعيه وعلى البائع رد الثمن اليه لأنه لم يصل إليه المعقود عليه، وإن كان في يد المشتري فعليه رده إلى البائع لأنه يعترف أنه لم يشتره وليس للبائع طلبه إذا بذل ثمنه لاعترافه بيعه، وإن لم يعطه ثمنه فله فسخ البيع واسترجاعه لتعذر الثمن عليه فملك الفسخ كما لو أفلس المشتري، وإن أقام كل واحد منهما بينة بدعواه ثبت العقدان لأنهما لا يتنافيان فأشبه مالو ادعى أحدهما البيع فيهما جميعاً وأنكره الآخر، وإن أقام أحدهما بينة دون الأخر ثبت ما قامت عليه البينة دون الآخر {مسألة} (وإن قال البائع لا أسلم المبيع حتى أقبض الثمن، وقال المشتري لا أسلمه حتى أقبض المبيع وكان الثمن عيناً أو عرضاً جعل بينهما عدل يقبض منهما ويسلم إليهما) لأن حق البائع قد تعلق بعين الثمن كما تعلق حق المشتري بعين المبيع فاستويا وقد وجب لكل واحد منهما على الآخر حق قد استحق قبضه فأجبر كل واحد منهما على إيفاء صاحبه حقه وهذا قول الثوري وأحد أقوال الشافعي، وعن أحمد ما يدل على أن البائع يجبر على تسليم المبيع أولا وهو قول ثان للشافعي والأول أولى لما ذكرنا، وقال أبو حنيفة ومالك يجبر المشتري على تسليم الثمن قبل الاستيفاء كالمرتهن ولنا أن تسليم المبيع يتعلق به استقرار البيع وتمامه فكان تقديمه أولى ويخالف الرهن فإنه لا تتعلق به مصلحة عقد الرهن والتسليم ههنا يتعلق به مصلحة عقد البيع وإن كان ديناً أجبر البائع على تسليم المبيع ثم أجبر المشتري على تسليم الثمن لأن حق المشتري تعلق بعين المبيع وحق البائع تعلق بالذمة وتقديم ما تعلق بالعين أولى لتأكده وكذلك تقديم الدين الذي به الرهن على ما في الذمة

وكذلك تقديم أرش الجناية على الدين لذلك، وقال مالك وأبو حنيفة يجبر المشتري أولاً على تسليم الثمن كالمسألة قبلها وقد ذكرنا ما يدل على خلافه، إذا ثبت هذا وأجبنا على البائع التسليم فسلم فإن كان المشتري موسراً والثمن حاضراً أجبر على تسليمه وإن كان الثمن غائباً عن البلد في مسافة القصر أو كان المشتري معسراً فللبائع الفسخ لأن عليه ضرراً في تأخير الثمن فكان له الفسخ والرجوع في عين ماله كالمفلس، وإن كان الثمن في بيته أو بلده حجر على المشتري في المبيع وسائر ماله حتى يسلم الثمن لئلا يتصرف في ماله تصرفاً يضر بالبائع، وإن كان غائباً عن البلد قريباً دون مسافة القصر فللبائع الفسخ في أحد الوجهين لأن عليه ضرراً في تأخير الثمن أشبه المفلس (والثاني) لا يثبت له خيار الفسخ لأنه كالحاضر فعلى هذا يحجر على المشتري كما لو كان في البدل وهذا كله مذهب الشافعي، وقال شيخنا ويقوى عندي أنه لا يجب على البائع تسليم المبيع حتى يحضر الثمن ويتمكن من تسليمه لأن البائع إنما رضي ببذل المبيع بالثمن فلا يلزمه دفعة قبل حصول عوضه ولأن المتعاقدين سواء في المعاوضة فيستويان في التسليم وإنما يؤثر ما ذكر في الترجيح في تقديم التسليم مع حضور العوض الآخر لعدم الضرر فيه أما مع الحظر المحوج إلى الحجر أو المجوز الفسخ فلا ينبغي أن يثبت ولأن شرع الحجر لا يندفع به الضرر لأنه يقف على الحاكم ويتعذر ذلك في الغالب ولأن ما أثبت الحجر والفسخ بعد التسليم أولى أن يمنع التسليم لأن المنع أسهل من الرفع، والمنع قبل التسليم أسهل من المنع بعده ولذلك ملكت المرأة منع نفسها من التسليم قبل قبض صداقها ولم تملكه بعد التسليم على أحد الوجهين. وكل موضع قلنا له الفسخ فإنه يفسخ بغير حكم حاكم لأنه فسخ للبيع فتعذر ثمنه فملكه البائع كالفسخ في عين ماله إذا أفلس المشتري وكل موضع قلنا يحجر عليه فذلك إلى الحاكم لأن ولاية الحجر إليه (فصل) فإن هرب المشتري قبل وزن الثمن وهو معسر فللبائع الفسخ في الحال لأنه يملك الفسخ مع حضوره فمع هربه أولى وإن كان موسراً أثبت البائع ذلك عند الحاكم ثم إن وجد الحاكم له ما لا قضاه وإلا باع المبيع وقضى ثمه منه وما فضل فللمشتري وإن أعوز ففي ذمته، قال شيخنا ويقوى عندي أن للبائع الفسخ بكل حال لأنا أبحنا له الفسخ مع حضوره إذا كان الثمن بعيداً عن البلد للضرر في التأخير فههنا مع العجز عن الاستيفاء بكل حال أولى، ولا يندفع الضرر برفع الأمر إلى الحاكم لأنه قد يعجز عن إثباته عنده وقد يكون المبيع في مكان لاحاكم فيه والغالب أن لا يحضره من يعرفه الحاكم بالعدالة فاحالته على هذا تضييع لماله وهذه الفروع تقوي ما ذكرته من أن للبائع منع المشتري من قبض المبيع قبل إحضار الثمن لما في ذلك من الضرر

وما يزاد في الثمن أو يحط منه في مدة الخيار أو يؤخذ أرشا للعيب أو جناية عليه يلحق برأس المال ويخبر به

(فصل) وليس للبائع الامتناع من تسليم المبيع بعد قبض الثمن لأجل الاستبراء وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وحكي عن مالك في القبيحة وقال في الجميلة يضعها على يدي عدل حتى تستبرأ لأن التهمة تلحقه فيها فمنع منها. ولنا أنه بيع عين لاخيار فيها قد قبض ثمنها فوجب تسليمها كسائر المبيعات وما ذكره من التهمة لا يمكنه من المنع كالقبيحة ولأنه إن كان استبرأها قبل بيعها فاحتمال وجود الحمل منها بعيد نادر وإن كان لم يستبرئها فهو الذي ترك التحفظ لنفسه، ولو طالب المشتري البائع بكفيل لئلا تظهر حاملاً لم يكن له ذلك لأنه ترك التحفظ لنفسه حال العقد فلم يكن له كفيل كما لو طالب كفيلا بالثمن المؤجل {مسألة} (ويثبت الخيار للتخلف في الصفة وتغير ما تقدمت رؤيته وقد ذكرناه) في الفصل السادس من كتاب البيع بما يغني عن إعادته (فصل) قال رضي الله عنه (ومن اشترى مكيلا أو موزونا لم يجز بيعه حتى يقبضه، وإن تلف قبل قبضه فهو من مال البائع إلا أن يتلفه آدمي فيخير المشتري بين فسخ العقد وإمضائه ومطالبة متلفه ببدله وعنه في الصبرة المتعينة أنه يجوز بيعها قبل قبضها، وإن تلفت فهي من ضمان المشتري) ظاهر المذهب أن المكيل والموزون لا يدخل في ضمان المشتري إلا بقبضه، وهو ظاهر كلام الخرقي وكذلك قال في المعدود سواء كان متعيناً كالصبرة أو غير متعين كقفيز منها، وهو ظاهر كلام أحمد ونحوه قول إسحاق، وروي عن عثمان بن عفان وسعيد بن المسيب والحسن والحكم وحماد بن أبي سليمان أن كل ما بيع على الكيل والوزن لا يجوز بيعه قبل قبضه وما ليس بمكيل ولا موزون يجوز بيعه قبل قبضه، وقال القاضي وأصحابه المراد بالمكيل والموزون والمعدود ما ليس بمتعين كالقفيز من صبرة والرطل من زبده، فأما المتعين فيدخل في ضمان المشتري كالصبرة يبيعها من غير تسمية كيل، وقد نقل عن أحمد نحو ذلك فإنه قال في رواية أبي الحارث في رجل اشترى طعاماً فطلب من يحمله فرجع وقد احترق فهو من مال المشتري. وذكر الجوز جاني عنه فيمن اشترى ما في السفينة صبرة لم يسم كيلاً فلا بأس أن يشترك فيها ويبيع ما شاء إلا أن يكون بينهما كيل فلا يولى عليه، ونحو هذا قال مالك فإنه قال فيما بيع من الطعام مكايلة أو موازنة لم يجز بيعه قبل قبضه وما بيع مجازفة أو بيع من غير الطعام مكايلة أو موازنة جاز بيعه قبل قبضه، ووجه ذلك ماروى الأوزاعي عن الزهري عن حمزة بن عبد الله بن عمر أنه سمع عبد الله بن عمر يقول: مضت السنة أن ما أدركته الصفقة حياً مجموعاً فهو من مال المبتاع رواه البخاري عن ابن عمر من قوله تعليقاً. وقول الصحابي مضت السنة يقتضي سنة النبي صلى الله عليه وسلم ولأن المبيع المعين لا يتعلق به حق توفيه فكان من مال المشتري كغير المكيل والموزون ونقل عن أحمد أن المطعوم لا يجوز بيعه قبل قبضه سواء كان مكيلا أو موزونا أو لم يكن، فعلى هذا

وإن اشترى ثوبا بعشرة وقصره بعشرة أخبر بذلك على وجهه، فإن قال تحصل علي بعشرين فهل يجوز ذلك؟ على وجهين، وإن عمل فيه بنفسه عملا يساوي عشرة لم يجز ذلك وجها واحدا

يختص ذلك بالمطعوم في أنه لايدخل في ضمان المشتري إلا بقبضه فإن الترمذي روي عن أحمد أنه أرخص في بيع ما لا يكال ولا يوزن مما لا يؤكل ولا يشرب قبل قبضه، وقال الأثرم سألت أبا عبد الله عن قوله نهى عن ربح ما لا يضمن قال هذا في الطعام وما أشبهه من مأكول أو مشروب فلا يبيعه حتى يقبضه، وقال ابن عبد البر الأصح عن أحمد بن حنبل أن الذي يمنع من بيعه قبل قبضه هو الطعام وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الطعام قبل قبضه فمفهومه إباحة بيع ما سواه قبل قبضه وروى ابن عمر قال رأيت الذين يشترون الطعام مجازفة يضربون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إن يبيعوه حتى يؤووه إلى رحالهم وهذا نص في بيع المعين وعموم قوله عليه السلام " من ابتاع طعاماً فلا يبيعه (بالرفع وفي رواية فلا يبعه بالجزم والخبر في الاولى بمعنى الانشاء) حتى يستوفيه " متفق عليهما. ولمسلم عن ابن عمر قال. كنا نشتري الطعام من الركبان جزافاً فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم. أن نبيعه حتى ننقله من مكانه. وقال ابن المنذر أجمع أهل العلم على أن من اشترى طعاماً فليس له أن يبيعه حتى يستوفيه ولو دخل في ضمان المشتري جاز بيعه والتصرف فيه كما بعد قبضه، وهذا يدل على تعميم المنع في كل طعام مع تنصيصه على البيع مجازفة بالمنع وهو خلاف قول القاضي وأصحابه ويدل بمفهومه على أن ما عدا الطعام يخالفه في ذلك (فصل) وكل مالا يدخل في ضمان المشتري إلا بقبضه لا يجوز له بيعه حتى يقبضه وقد ذكرنا ذلك وذكرنا الذي يحتاج الى قبض والخلاف فيه لما ذكرنا من الأحاديث ولأنه من ضمان بائعه فلم يجز بيعه كالسلم ولم نعلم بين أهل العلم في ذلك خلافا إلا ما حكى عن البتي أنه لا بأس ببيع كل شئ قبل قبضه. قال ابن عبد البر وهذا قول مردود بالسنة والحجة المجمعة على الطعام أظنه لم يبلغه الحديث ومثل هذا لا يلتفت إليه. (فصل) والمبيع بصفة أو برؤية متقدمة من ضمان البائع حتى يقبضه المبتاع فعلى هذا لا يجوز بيعه قبل قبضه لأنه يتعلق به حق توفيه فجرى مجرى المكيل والموزون (فصل) وما يحتاج إلى القبض إذا تلف قبل قبضه فهو من ضمان البائع، فإن تلف بآفة سماوية بطل العقد ورجع المشتري بالثمن وإن بان بفعل المشتري استقر عليه الثمن وكان كالقبض لأنه تصرف فيه، وإن أتلفه أجنبي لم يبطل العقد على قياس قوله في الجائحة ويثبت للمشتري الخيار بين الفسخ والرجوع بالثمن لأن التلف حصل في يد البائع فهو كحدوث العيب في يده وبين البقاء على العقد ومطالبة المتلف بالمثل إن كان مثلياً وبالقيمة إن لم يكن مثلياً، وبهذا قال الشافعي ولا نعلم فيه مخالفاً، وإن أتلفه البائع فقال أصحابنا الحكم فيه كما لو أتلفه أجنبي، وقال الشافعي: ينفسخ العقد ويرجع المشتري بالثمن لاغير لأنه تلف يضمنه به البائع أشبه تلفه بفعل الله تعالى، وفرق أصحابنا بينهما لكونه إذا تلف بفعل

الله تعالى لم يوجد مقتض للضمان سوى حكم العقد بخلاف ما إذا أتلفه، فإن إتلافه يقتضي الضمان بالمثل وحكم العقد يقتضي الضمان بالثمن فكانت الخيرة الى المشتري في التضمين بأيهما شاء (فصل) وإن تعيب في يد البائع أو تلف بعضه بأمر سماوي فالمشتري مخير بين أخذه ناقصاً ولا شئ له وبين فسخ العقد والرجوع بالثمن لأنه إن رضيه معيباً فكأنه اشترى معيباً عالما بعيبه لا يستحق شيئاً من أجل العيب، وإن فسخ العقد لم يكن له أكثر من الثمن لأنه لو تلف المبيع كله لم يكن له أكثر من الثمن أو تلف بعضه لم يكن له الفسخ لذلك لانه أتلف ملكه فلم يرجع على غيره وإن كان بفعل البائع فقياس قول اصحابنا إن المشتري مخير بين الفسخ والرجوع بالثمن وبين أخذه والرجوع على البائع بعوض ما أتلف أو عيب، وقياس قول الشافعي أنه بمنزلة ما لو تلف بفعل الله تعالى وإن كان بفعل أجنبي فله الفسخ والمطالبة بالثمن وأخذ المبيع ومطالبة الأجنبي بعوض ما أتلف (فصل) ولو باع شاة بشعير فأكلته قبل قبضه فإن كانت في يد المشتري فهو كما لو أتلفه، وإن كانت في يد البائع فهو كإتلافه وكذلك إن كانت في يد أجنبي فهو كإتلافه، وإن لم يكن في يد أحد انفسخ البيع لأن المبيع هلك قبل قبضه بأمر لا ينسب إلى آدمي فهو كتلفه بفعل الله تعالى (فصل) ولو اشترى شاة أو عبداً أو شقصاً بطعام فقبض الشاة أو العبد وباعهما أو أخذ الشقص بالشفعة ثم تلف الطعام قبل قبضه انفسخ الأول دون الثاني ولا يبطل الأخذ بالشفعة لأنه كمل قبل فسخ العقد ويرجع مشتري الطعام على مشتري الشاة أو العبد أو الشقص بقيمة ذلك لتعذر رده، وعلى الشفيع مثل الطعام لأنه عوض الشقص {مسألة} (وعنه في الصبرة المتعينة أنه يجوز بيعها قبل قبضها وإن تلفت فهي من ضمان المشتري) نقلها عنه أبو الحارث والجوزجاني واختاره القاضي وأصحابه ونحوه قول مالك لقول ابن عمر مضت السنة أن ما أدركته الصفقة حياً مجموعاً فهو من مال المتاع وقد ذكرنا ذلك {مسألة} (وما عدا المكيل والموزون يجوز التصرف فيه قبل قبضه وإن تلف فهو من مال المشتري) وحكى أبو الخطاب رواية أخرى أنه كالمكيل والموزون في ذلك كله ما عدا المكيل والموزون والمعدود والمطعوم على ما ذكرنا فيه من الخلاف يجوز التصرف فيه قبل قبضه في أظهر الروايتين ويروى مثل هذا عن عثمان بن عفان وسعيد بن المسيب والحكم وحماد والاوزاعي واسحاق، وعن أحمد رواية أخرى لا يجوز بيع شئ قبل القبض اختارها ابن عقيل، وروي ذلك عن ابن عباس وهو قول أبي حنيفة والشافعي إلا أن أبا حنيفة اختار بيع العقار قبل قبضه وإذا قلنا بجواز التصرف فيه فتلف فهو من ضمان المشتري، وقال أبو حنيفة كل مبيع قبل قبضه من ضمان البائع إلا العقار، وقال الشافعي

هو من ضمان البائع في الجميع، وحكى أبو الخطاب عن أحمد مثل ذلك. واحتجوا بنهي النبي صلى الله عليه وسلم إن يباع الطعام قبل قبضه، وبما روي عن ابن عباس أنه قال أرى كل شئ بمنزلة الطعام (1) (الطعام ربوي وعليه مدار المعيشة فلا يقاس عليه ما ليس مثله في ذلك) وبما روى أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم، وروى ابن ماجة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن شرا الصدقات حيث تقبض، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث عتاب بن أسيد إلى مكة قال " انههم عن بيع ما لم يقبضوا وعن ربح ما لم يضمنوا " ولأنه لم يتم الملك عليه فلم يجز بيعه كغير المتعين أو كالمكيل والموزون. ولنا على جواز بيعه قبل قبضه ما روى ابن عمر قال كنا نبيع الإبل بالبقيع بالدراهم فنأخذ بدل الدراهم الدنانير ونبيع بالدنانير فنأخذ بدلها الدراهم فسألنا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال " لا بأس إذا تفرقتما وليس بينكما شئ " وهذا تصرف في الثمن قبل قبضه وهو أحد العوضين، وروى ابن عمر أنه كان على بكر صعب يعني لعمر فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر " بعنيه " فقال هو لك يا رسول فقال النبي صلى الله عليه وسلم " هو لك يا عبد الله ابن عمر فاصنع به ما شئت " وهذا ظاهر في التصرف في المبيع بالهبة قبل قبضه، واشترى من جابر جملاً ونقده ثمنه ثم وهبه إياه قبل قبضه ولأنه أحد نوعي المعقود عليه فجاز التصرف فيه قبل قبضه كالمنافع في الإجارة يجوز له إجارة العين المستأجرة قبل قبض المنافع ولأنه مبيع لا يتعلق به حق توفيه فصح بيعه كالمال في يد المودع والمضارب ولنا على أنه إذا تلف فهو من ضمان المشتري قول النبي صلى الله عليه وسلم " الخراج بالضمان " وهذا المبيع نماؤه للمشتري فضمانه عليه وقول ابن عمر مضت السنة أن ما أدركته الصفقة حياً مجموعاً فهو من مال المبتاع، وأما أحاديثهم فقد قيل لم يصح منها إلا حديث الطعام وهو حجة لنا بمفهومة فإن تخصيص الطعام بالنهي عن بيعه قبل قبضه يدل على جوازه فيما سواه وقولهم لم يتم الملك عليه ممنوع فإن السبب المقتضي للملك متحقق وأكثر ما فيه تخلف القبض واليد ليست شرطاً في صحة البيع بدليل جواز بيع المال المودع والموروث والتصرف في الصداق وعوض الخلع عند أبي حنيفة (فصل) وما لا يجوز بيعه قبل قبضه لا يجوز بيعه لبائعه لعموم الخبر فيه قال القاضي ولو ابتاع شيئاً مما يحتاج إلى قبض فلقيه ببلد آخر لم يكن له أخذ بدله إن تراضيا لأنه مبيع لم يقبض فإن كان مما لا يحتاج إلى قبض جاز أخذ البدل عنه إلا أن يكون سلماً لأنه لا يجوز بيع السلم قبل قبضه (فصل) وكل عوض ملك بعقد ينفسخ بهلاكه قبل القبض لا يجوز التصرف فيه قبل قبضه كالذي ذكرنا والاجرة وبدل الصلح اذا كانا من المكيل أو الموزون أو المعدود. وما لا ينفسخ العقد بهلاكه يجوز التصرف فيه قبل القبض كعوض الخلع والعتق على مال وبدل الصلح عن دم العمد وأرش الجناية وقيمة المتلف لأن المقتضي للتصرف الملك وقد وجد لكن ما يتوهم فيه غرر الانفساخ بهلاك المعقود

وإن كانت السلعة تالفة رجعا إلى قيمة مثلها فإن اختلفا في صفتها فالقول قول المشتري، وعنه لا يتحالفان إذا كانت تالفة والقول قول المشتري مع يمينه

عليه لم يجز بناء عقد آخر عليه تحرزاً من الغرر ومالا يتوهم فيه ذلك الغرر انتفى المانع فجاز العقد عليه وهذا قول أبي حنيفة، والمهر كذلك عند القاضي، وهو قول أبي حنيفة لأن العقد لا ينفسخ بهلاكه، وقال الشافعي لا يجوز التصرف فيه قبل قبضه ووافقه أبو الخطاب في غير المتعين لأنه يخشى رجوعه بانتقاض سببه بالردة قبل الدخول أو انفساخه بسبب من جهة المرأة أو بصفة بالطلاق أو انفساخه بسبب من غير جهتها وكذلك قال الشافعي في عوض الخلف وهذا التعليل باطل بما بعد القبض فإن قبضه لايمنع الرجوع فيه قبل الدخول، فأما ما ملك بإرث أو وصيه أو غنيمة أو تعين ملكه فيه فإنه يجوز له التصرف فيه بالبيع وغيره قبل قبضه لأنه غير مضمون بعقد معاوضة فهو كالمبيع المقبوض، وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي وإن كان لإنسان في يد غيره وديعة أو عارية أو مضاربة أو جعله وكيلاً فيه جاز له بيعه ممن هو في يده ومن غيره لأنه عين مال مقدور على تسليمها لا يخشى انفساخ الملك فيها فهي كالتي في يده فإن كان غصباً فقد ذكرنا حكمه (فصل) فإن اشترى اثنان طعاماً فقبضاه ثم باع أحدهما الآخر نصيبه قبل أن يقسماه احتمل أن لا يجوز وكرهه الحسن وابن سيرين فيما يكال أو يوزن لأنه لم يقبض نصيبه منفرداً فأشبه غير المقبوض ويحتمل الجواز لأنه مقبوض لهما يجوز بيعه لا جنبي فجاز بيعه لشريكه كسائر الأموال فإن تقاسماه وتفرقا ثم باع أحدهما نصيبه بذلك الكيل الذي كاله له لم يجز كما لو اشترى من رجل طعاماً فاكتاله وتفرقا ثم باعه إياه بذلك الكيل وإن لم يتفرقا خرج على الروايتين اللتين ذكرناهما (فصل) وكل مالا يجوز بيعه قبل قبضه لا يجوز فيه الشركة ولا التولية ولا الحوالة به، وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي، وقال مالك يجوز هذا كله في الطعام قبل قبضه لأنها تختص بمثل الثمن الأول فجازت قبل القبض كالإقالة، ولنا أن التولية والشركة من أنواع البيع فإن الشركة بيع بعضه بقسطه من ثمنه والتولية بيع جميعه بمثل ثمنه فيدخل في عموم النهي عن بيع الطعام قبل قبضه ولأنه تمليك لغير من هو في ذمته فأشبه البيع. وأما الإقالة فهي فسخ للبيع فأشبهت الرد بالعيب، وكذلك لا يصح هبته ولا رهنه ولا دفعه أجرة وما أشبه ذلك ولا التصرفات المنعقدة إلى القبض لانه غير مقبوض فلاسبيل إلى اقباضه

ومتى فسخ المظلوم منهما انفسخ العقد ظاهرا وباطنا، وإن فسخ الظالم لم ينفسخ في حقه باطنا وعليه إثم الغاصب

{مسألة} (ويحصل القبض فيما بيع بالكيل والوزن بكيله ووزنه) وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة التخلية في ذلك قبض، وقد روي عن أحمد رواية أخرى أن القبض في كل شئ بالتخلية مع التمييز لأنه خلي بينه وبين المبيع من غير حائل فكان قبضاً له كالعقار. ولنا ماروى عثمان بن عفان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا بعت فكل وإذا ابتعت فاكتل " رواه البخاري وروي أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من اشترى طعاماً فلا يبيعه حتى يكتاله " رواه مسلم وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان صاع البائع وصاع المشتري رواه ابن ماجه وهذا فيما بيع كيلا {مسألة} (وفي الصبرة وما ينقل بالنقل) لأن ابن عمر قال كانوا يضربون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتروا الطعام جزافاً أن لا يبيعوه في مكانه حتى يحولوه، وفي لفظ كنا نبتاع الطعام جزافاً فيبعث علينا من يأمرنا بانتقاله من مكانه الذي ابتعناه إلى مكان سواه قبل أن نبيعه، وفي لفظ كنا نشتري الطعام من الركبان جزافاً فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نبيعه حتى ننقله رواهن مسلم وهذا يبين أن الكيل إنما وجب فيما بيع بالكيل، وقد دل على ذلك أيضاً قوله عليه الصلاة والسلام " إذا سميت الكيل فكل " {مسألة} (وفيما يتناول بالتناول وفيما عدا ذلك بالتخلية) وعنه أن قبض جميع الأشياء بالتخلية مع التمييز إذا كان البيع دراهم أو دنانير فقبضها باليد وإن كان ثياباً فقبضها نقلها وإن كان حيوانًا فقبضه بمشيه من مكانه وإن كان ما لا ينقل ويحول فقبضه التخلية بينه وبين مشتريه لا حائل دونه ولأن القبض مطلق في الشرع فيجب فيه الرجوع إلى العرف كالإحراز والتفرق والعادة في قبض هذه الاشياء ما ذكرناه (فصل) وأجرة الكيال والوزان في المكيل والموزون على البائع لأن عليه تقبيض المبيع للمشتري والقبض لا يحصل إلا بذلك فكان على البائع كما أن على بائع الثمرة سقيها وكذلك أجرة العداد في المعدودات وأما نقل المنقولات وما أشبهها فهو على المشتري لأنه لا يتعلق به حق توفيه نص عليه أحمد (فصل) ويصح القبض قبل نقد الثمن وبعده باختيار البائع وبغير اختياره لأنه ليس للبائع حبس المبيع على قبض الثمن ولأن التسليم من مقتضيات العقد فمتى وجد بعده وقع موقفه كقبض الثمن

وإن اختلفا في صفة الثمن تحالفا إلا أن يكون للبلد نقد معلوم فيرجع إليه

{مسألة} (والإقالة فسخ يجوز في المبيع قبل قبضه ولا يستحق بها شفعة ولايجوز إلا بمثل الثمن وعنه أنها بيع فلا يثبت. فيها ذلك إلا بمثل الثمن في أحد الوجهين إقالة النادم مستحبة لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من أقال نادماً بيعته أقاله الله عثرته يوم القيامة " رواه ابن ماجه وأبو داود ولم يقل أبو داود يوم القيامة، وهي فسخ في أصح الروايتين اختارها أبو بكر وهي مذهب الشافعي (والثانية) هي بيع وهي مذهب مالك لأن المبيع عاد إلى البائع على الجهة التي خرج عليها فكانت بيعاً كالأول، وكونها بمثل الثمن لا يمنع من كونها بيعاً كالتولية، وحكي عن أبي حنيفة أنها فسخ في حق المتعاقدين بيع في حق غيرهما فلا تثبت أحكام البيع في حقهما بل يجوز في المبيع قبل قبضه وفي السلم ويثبت حكم البيع في حق الشفيع فيجوز له أخذ الشقص الذي تقايلا فيه بالشفعة ولنا أن الإقالة هي الرفع والإزالة يقال أقالك الله عثرتك أي أزالها فكانت فسخاً للعقد الأول بدليل جواز الإقالة في السلم مع إجماعهم على أنه لا يجوز بيع المسلم فيه قلب قبضه، ولأنها مقدرة بالثمن الأول ولو كانت بيعاً لم تقدر به ولأنه عاد إليه المبيع بلفظ لا ينعقد به البيع فكان فسخاً كالرد بالعيب، ويدل على أبي حنيفة ما كان فسخاً في حق المتعاقدين كان فسخاً في حق غيرهما كالرد بالعيب والفسخ بالخيار ولأن حقيقة الفسخ لا تختلف بالنسبة إلى شخص دون شخص والأصل اعتبار الحقائق، فإن قلنا هي فسخ جازت قبل القبض وبعده وقال أبو بكر لابد من كيل ثان ويقوم الفسخ مقام البيع في إيجاب كيل ثان كقيام فسخ النكاح مقام الطلاق في العدة ولنا أنه فسخ للبيع فجاز قبل القبض كالرد بالعيب والتدليس والفسخ بالخيار أو لاختلاف المتبايعين وفارق العدة فإنها اعتبرت للاستبراء والحاجة داعية إليه في كل فرقة بعد الدخول بخلاف مسئلتنا. وإن قلنا هي بيع لم يجز قبل القبض فيما يعتبر فيه القبض لأن بيعه من بائعه قبل قبضه لا يجوز كما لا يجوز من غيره ولا يستحق بها الشفعة إن كانت فسخاً لأنها رفع للعقد وإزالة له وليست معاوضة فأشبهت سائر الفسوخ، ومن حلف لا يبيع فأقال لم يحنث، وإن كانت بيعاً استحقت الشفعة وحنث الحالف على ترك البيع بفعلها كالتولية. والصحيح أنها لا تجوز إلا بمثل الثمن سواء قلنا هي فسخ أو بيع لانها خصت بمثل الثمن كالتولية وفيه وجه آخر أنها تجوز بأكثر من الثمن الأول وأقل منه كسائر البياعات فإذا

وإن قال بعني هذين قال بل أحدهما فالقول قول البائع

قلنا لا تجوز إلا بمثل الثمن وأقال بأقل منه أو أكثر لم تصح الإقالة وكان الملك باقياً للمشتري، وبهذا قال الشافعي، وعن أبي حنيفة أنها تصح بالثمن الأول ويبطل الشرط لأن لفظها اقتضى مثل الثمن والشرط ينافيه فيبطل ونفي الفسخ على مقتضاه كسائر الفسوخ، ولنا أنه شرط التفاضل فيما يعتبر فيه التماثل فيبطل كبيع درهم بدرهمين ولأن القصد بالإقالة رد كل حق إلى صاحبه فإذا اشترط زيادة أو نقصاً أخرج العقد عن مقصوده فيبطل كما لو باعه بشرط أن لا يسلم إليه وفارق سائر الفسوخ لأنه لا يعتبر فيه الرضى منهما بل يسأل به أحدهما فإذا شرط عليه شئ لم يلزمه لتمكنه من الفسخ بدونه وإن شرط لنفسه شيئاً لم يلزم أيضاً لأنه لا يستحق أكثر من الفسخ وفي مسئلتنا لا تجوز الإقالة إلا برضاهما وإنما رضي بها أحدهما مع الزيادة أو النقص فإذا أبطلنا شرطه فات رضاه فتبطل الإقالة لعدم رضاه بها {باب الربا والصرف} الربا في اللغة الزيادة قال الله تعالى (فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت) وقال (أن تكون أمة هي أربى من أمة) أي أكثر عدداً. وهو في الشرع الزيادة في أشياء مخصوصة وهو محرم بالكتاب والسنة والإجماع أما الكتاب فقوله تعالى (وحرم الربا) وما عداها من الآيات، وأما السنة فقول النبي صلى الله عليه وسلم " اجتنبوا السبع الموبقات " قيل يا رسول الله ما هي؟ قال " الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات " وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لعن آكل الربا وموكله وشاهده وكاتبه متفق عليهما وأجمعت الأمة على أن الربا محرم.

{مسألة} (وهو نوعان ربا الفضل وربا النسيئة) وأجمعت الأمة على تحريمهما وقد كان في ربا الفضل اختلاف بين الصحابة فحكي عن ابن عباس وأسامة بن زيد وزيد بن أرقم وابن الزبير أنهم قالوا إنما الربا في النسيئة لقوله عليه السلام " لاربا إلا في النسيئة " رواه البخاري والمشهور من ذلك قول ابن عباس ثم أنه رجع إلى قول الجماعة وروى ذلك الأثرم وقاله الترمذي وابن المنذر وروى سعيد بإسناده عن أبي صالح قال صحبت ابن عباس حتى مات فوالله ما رجع عن الصرف، وعن سعيد بن جبير قال سألت ابن عباس قبل موته بعشرين ليلة عن الصرف فلم ير به بأساً وكان يأمر به، والصحيح قول الجمهور لما روى أبو سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلا بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا منها غائباً بناجز " وعن أبي سعيد قال جاء بلال إلى النبي صلى الله عليه وسلم بتمر برني فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " من أين هذا يا بلال؟ " قال كان عندنا تمر ردئ فبعت صاعين بصاع ليطعم النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " أوه عين الربا عين الربا لا تفعل، ولكن إن أردت أن تشتري فبع التمر ببيع آخر ثم اشتر به " متفق عليهما قال الترمذي: على حديث أبي سعيد العمل عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم وقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا ربا إلا في النسيئة " محمول على الجنسين {مسألة} (فأما ربا الفضل فيحرم في الجنس الواحد من كل مكيل أو موزون، وإن كان يسيراً

ويثبت الخيار للتخلف في الصفة وتغير ما تقدمت رؤيته وقد ذكرناه

كتمرة بتمرتين وحبة بحبتين، وعنه لا يحرم إلا في الجنس الواحد من الذهب والفضة وكل مطعوم وعنه لا يحرم إلا في ذلك إذا كان مكيلا أو موزونا) روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في الربا أحاديث كثيرة من أتمها حديث عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " الذهب بالذهب مثلا بمثل والفضة بالفضة مثلا بمثل والتمر بالتمر مثلا بمثل والبر بالبر مثلا بمثل والملح بالملح مثلا بمثل والشعير بالشعير مثلا بمثل فمن زاد أو ازداد فقد أربى، بيعوا الذهب بالفضة كيف شئتم يداً بيد، وبيعوا الشعير بالتمر كيف شئتم يداً بيد، وبيعوا البر بالتمر كيف شئتم يداً بيد " رواه مسلم. فهذه الأعيان الستة المنصوص عليها يثبت الربا فيها بالنص والإجماع، واختلف أهل العلم فيما سواها فحكي عن طاوس وقتادة أنهما قصرا الربا عليها، وبه قال داود ونفاة القياس وقالوا اما عداها على أصل الإباحة لقول الله تعالى (وأحل الله البيع) واتفق القائلون بالقياس على أن لربا فيها بعلة وأنه يثبت في كل ما وجدت فيه علتها لأن القياس دليل شرعي فيجب استخراج علة هذا الحكم وإثباته حيث وجدت علته ولأن قول الله تعالى (وأحل الله البيع وحرم الربا) يقتضي تحريم كل زيادة إذ الربا في اللغة الزيادة إلا ما أجمعنا على تخصيصه وهذا يعارض ما ذكروه، ثم اتفق أهل العلم على أن ربا الفضل لا يجري إلا في الجنس الواحد إلا سعيد بن جبير فإنه قال: كل شيئين يتقارب الانتفاع بهما لا يجوز بيع أحدهما بالآخر متفاضلاً كالحنطة والشعير والتمر والزبيب والذرة والدخن لأنها يتقارب نفعها فجرى مجرى نوعي الجنس، وهذا مخالف لقول النبي صلى الله عليه وسلم " بيعوا الذهب بالفضة كيف شئتم يداً بيد وبيعوا التمر بالبر كيف شئتم " فلا يعول عليه واتفق المعللون على أن علة الذهب

والفضة واحدة وعلة الأعيان الأربعة واحدة، ثم اختلفوا في علة كل واحد منهما فروي عن أحمد في ذلك ثلاث روايات أشهرهن أن علة الربا في الذهب والفضة كونه موزون جنس، وعلة الأعيان الأربعة كونه مكيل جنس نقلها عن أحمد الجماعة ذكرها الخرقي وابن أبي موسى وأكثر الأصحاب وبه قال النخعي والزهري والثوري واسحاق وأصحاب الرأي، فعلى هذه الرواية يجري الربا في كل مكيل أو موزون بجنسه مطعوماً كان أو غير مطعوم كالحبوب والأشنان والنورة والقطن والصوف والكتان والحناء والحديد والنحاس ونحو ذلك، ولا يجري في مطعوم لا يكال ولا يوزن كالمعدودات لما روى ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تبيعوا الدينار بالدينارين ولا الدرهم بالدرهمين ولا الصاع بالصاعين فإني أخاف عليكم الرماء " وهو الربا فقام إليه رجل فقال: يارسول الله أرأيت الرجل يبيع الفرس بالأفراس والنجيبة بالإبل؟ فقال " لا باس إذا كان يداً بيد " رواه أحمد في المسند عن ابن حبان عن أبيه عن ابن عمر، وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ما وزن مثلاً بمثل إذا كان نوعاً واحداً " رواه الدارقطني، وعن عمار أنه قال: العبد خير من العبدين والثوب خير من الثوبين لما كان يداً بيد فلا بأس به إنما الربا في النساء إلا ما كيل أو وزن، ولأن قضية البيع المساواة والمعتبر في تحقيقها الكيل والوزن والجنس فإن الوزن أو الكيل يسوي بينهما صورة والجنس يسوي بينهما معنى فكانا علة ووجدنا الزيادة في الكيل محرمة دون الزيادة في الطعم بدليل بيع الثقيلة بالخفيفة فانه جائزا إذا تساويا

في الكيل (والرواية الثانية) أن العلة في الاثمان الثمنيه وفيما عداها كونه مطعوم جنس فيختص بالمطعومات ويخرج منه ما عداها. قال أبو بكر روى ذلك عن أحمد جماعة، ونحو ذلك قول الشافعي فإنه قال: العلة الطعم والجنس شرط والعلة في الذهب والفضة جوهرية الثمنية غالباً فيختص بالذهب والفضة لما روى معمر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الطعام بالطعام إلا مثلا بمثل رواه مسلم، ولان الطعم وصف شرف اذبه قوام الابدان، والثمنية وصف شرف إذ بها قوام الأموال فيقتضي التعليل بهما، ولأنه لو كانت العلة في الأثمان الوزن لم يجز إسلامهما في الموزونات لان أحد وصفي علة الربا يكفي في تحريم النساء (والرواية الثالثة) العلة فيما عدا الذهب والفضة كونه مطعوم جنس مكيلا أو موزونا فلا يجري الربا في مطعوم لا يكال ولا يوزن كالتفاح والرمان والبطيخ والجوز والبيض ولا فيما ليس بمطعوم كالزعفران والأشنان والحديد، ويروى ذلك عن سعيد بن المسيب وهو قديم قولي الشافعي لما روى عن سعيد ابن المسيب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا ربا الا فيما كيل أو وزن مما يؤكل أو يشرب " أخرجه الدارقطني وقال الصحيح أنه من قول سعيد ومن رفعة فقد وهم، ولأن لكل واحد من هذه الأوصاف أثراً والحكم مقرون بجيعها في المنصوص عليه فلا يجوز حذفه ولان الكيل الوزن الجنس لا يقتضي وجوب المماثلة وإنما أثره في تحقيقها في العلة ما يقتضي ثبوت الحكم لاما تحقق شرطه، والطعم بمجرده لاتتحقق المماثلة به لعدم العيار الشرعي فيه، وانما تجب المماثلة في المعيار الشرعي وهو الكيل والوزن ولهذا وجبت المساواة في المكيل كيلاً وفي الموزون وزناً فوجب أن يكون الطعم معتبراً في المكيل

وما عدا المكيل والموزون يجوز التصرف فيه قبل قبضه، وإن تلف فهو من مال المشتري

والموزون دون غيرهما، والأحاديث الواردة في هذا الباب يجب الجمع بينها وتقييد كل واحد منها بالآخر فنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام إلا مثلاً بمثل يتقيد بما فيه معيار شرعي من كيل أو وزن، ونهيه عن بيع الصاع بالصاعين يتقيد بالمطعوم المنهي عن التفاضل فيه وهذا اختيار شيخنا، وقال مالك العلة القوت أو ما يصلح به القوت من جنس واحد من المدخرات، وقال ربيعة يجري الربا فيما تجب فيه الزكاة دون غيره. وقال ابن سيرين في الجنس الواحد. وهذا القول لا يصح لقول النبي صلى الله عليه وسلم في بيع الفرس بالأفراس والنجيبة بالإبل " لا بأس إذا كان يدا بيد " وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم ابتاع عبداً بعبدين رواه أبو داود والترمذي وقال: هو حديث صحيح، وقول مالك ينتقض بالحطب والادام يستصلح به القوت ولا ربا فيه عنده، وتعليل ربيعة ينعكس بالملح والعكس لازم عند اتحاد العلة. فالحاصل أن ما اجتمع فيه الكيل والوزن والطعم من جنس واحد ففيه الربا رواية واحدة كالارز والدخن والذرة والقطنيات والدهن واللبن ونحوه، وهذا قول أكثر أهل العلم. قال ابن المنذر هذا قول علماء الأمصار في القديم والحديث، وما يعدم فيه الكيل والوزن والطعم واختلف جنسه فلا ربا فيه رواية واحدة، وهو قول أكثر أهل العلم وذلك كالتين النوى والقت والماء، والطين الأرمني فإنه يؤكل دواء فيكون موزوناً مأكولاً فهو إذا من القسم الأول وما عداه إنما يؤكل سفهاً فجرى مجرى الرمل والحصا. وما وجد فيه الطعم وحده أو الكيل والوزن من جنس واحد ففيه روايتان، واختلف أهل العلم فيه. والأولى إن شاء الله حله إذ ليس في تحريمه دليل موثوق به ولا معنى يقوي التمسك به وهي مع ضعفها يعارض

بعضها بعضاً فوجب اطراحها والجمع بينها والرجوع إلى أصل الحل الذي يقتضيه الكتاب والسنة والاعتبار، ولا فرق في المطعومات بين ما يؤكل قوتاً كالأرز والذرة أو أدماً كالقطنيات واللحم واللبن أو تفكهاً كالثمار أو تداويا كالا هليلج والسقمونيا فإن الكل في باب الربا واحد (فصل) وقوله في كل مكيل أو موزون أي ما كان جنسه مكيلا أو موزونا وإن لم يتأت فيه كيل ولا وزن أما لقلته كالحبة والحبتين والحفنة والحفنتين وما دون الأرزة من الذهب والفضة أو لكثرته كالزبرة العظيمة فإنه لا يجوز بيع بعضه ببعض إلا مثلاً بمثل ويحرم التفاضل فيه، وبهذا قال الثوري والشافعي وإسحاق وابن المنذر، ورخص أبو حنيفة في بيع الحفنة بالحفنتين والحبة بالحبتين وسائر المكيل الذي لا يتأتى كيله ووافق في الموزون واحتج بأن العلة الكيل ولم يوجد في اليسير ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " التمر بالتمر مثلا بمثل والبر بالبر مثلا بمثل من زاد أو ازداد فقد أربى " ولأن ما جرى الربا في كثيرة جرى في قليله كالموزون ولا يجوز بيع تمرة بتمرة ولا حفنة بحفنة وهذا قول الثوري لأن ما أصله الكيل لا تجري المماثلة في غيره (فصل) اما مالا وزن للصناعة فيه كمعمول الحديد والرصاص والنحاس والقطن والكتان والصوف والحرير فالمنصوص عن أحمد في الثياب والأكسية أنه لا يجري فيه الربا فإنه قال لا بأس بالثوب بالثوبين والكساء بالكساءين وهذا قول أكثر أهل العلم. وقال لا يباع الفلس بالفلسين ولا السكين بالسكينين ولا الا برة بالإبرتين أصله الوزن ونقل القاضي حكم احدى المسئلتين إلى الأخرى فجعل في

الجميع روايتين (إحداهما) لا يجري في الجميع وهو قول الثوري وأبي حنيفة وأكثر أهل العلم لأنه ليس بموزون ولا مكيل وهذا هو الصحيح إذ لا معنى لثبوت الحكم مع انتفاء العلة وعدم النص والإجماع فيه (والثانية) يجري الربا في الجميع اختارها ابن عقيل لان أصله الوزن فلا يخرج بالصناعة عنه كالخبز، وذكر أن اختار القاضي أن ما كان يقصد وزنه بعد عمله كالاسطال ففيه الربا وإلا فلا (فصل) ويجري الربا في لحم الطير وعن أبي يوسف لا يجري فيه لأنه يباع بغير وزن. ولنا أنه لحكم فأشبه سائر اللحمان وقوله لا يوزن قلنا هو من جنس ما يوزن ويقصد نقله وتختلف قيمته بثقله وخفته أشبه ما يباع من الخبز عداً (فصل) والجيد والردئ والتبر والمضروب والصحيح والمكسور سواء في جواز البيع مع التماثل وهذا قول أكثر العلماء منهم أبو حنيفة والشافعي، وحكي عن مالك جواز بيع المضروب بقيمته من جنسه وأنكر ذلك أصحابه، وحكى بعض اصحابنا عن أحمد رواية أنه لا يجوز بيع الصحاح بالمكسرة لأن للصناعة قيمة بدليل حالة الإتلاف فيصير كأنه ضم قيمة الصناعة إلى الذهب. ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " الذهب بالذهب مثلا بمثل والفضة بالفضة مثلا بمثل " وعن عبادة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " الذهب بالذهب تبرها وعينها والفضة بالفضة تبرها وعينها " رواه أبو داود وروى مسلم عن أبي الأشعث أن معاوية أمر ببيع آنية من فضة في أعطيات الناس فبلغ عبادة فقدم فقال أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والملح بالملح إلا سواء بسواء عيناً

بعين فمن زاد أو ازداد فقد أربى " وروى الأثرم عن عطاء بن يسار ان معاوية باع سقاية من ذهب أو ورق بأكثر من وزنها فقال أبو الدرداء سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن مثل هذا إلا مثلاً بمثل ولأنهما تساويا في الوزن فلا يؤثر اختلافهما في القيمة كالجيد بالردئ فأما إن قال لصائغ

وفيما يتناول بالتناول وفيما عدا ذلك بالتخلية

اصنع لي خاتماً وزنه درهم وأعطيك مثل زنته وأجرتك درهماً فليس ذلك بيع درهم بدرهمين، وقال أصحابنا للصائغ أخذ الدرهمين أحدهما في مقابلة الخاتم والباقي أجرة له

والإقالة فسخ يجوز في المبيع قبضه ولا يستحق بها شفعة ولا يجوز إلا بمثل الثمن، وعنه أنها بيع فلا يثبت فيها ذلك إلا بمثل الثمن في أحد الوجهين

(فصل) وكل ما حرم فيه ربا الفضل حرم فيه النساء بغير خلاف علمناه، ويحرم التفرق قبل القبض لقول النبي صلى الله عليه وسلم " عيناً بعين " وقوله " يداً بيد " ولأن تحريم النساء آكد ولذلك جرى في

باب الربا والصرف

الجنسين المختلفين فإذا حرم التفاضل فالنساء أولى بالتحريم {مسألة} (ولا يباع ما أصله الكيل بشئ من جنسه وزناً ولا ما أصله الوزن كيلاً) لا خلاف بين أهل العلم في وجوب المماثلة في بيع الأموال التي يحرم التفاضل فيها وأن المساواة المرعية هي المساواة في المكيل كيلاً وفي الموزون وزناً، ومتى تحققت هذه المساواة لم يضر اختلافهما فيما سواها وإن لم توجد لم يصح البيع وهذا قول أبي حنيفة والشافعي وأكثر أهل العلم. وقال مالك يجوز بيع بعض الموزونات ببعض جزافاً. ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " الذهب بالذهب وزناً بوزن الفضة بالفضة وزناً بوزن والبر بالبر كيلاً بكيل والشعير بالشعير كيلا بكيل " رواه الأثرم عن عبادة ورواه أبو داود وفي لفظ " البر بالبر مداً بمد والشعير بالشعير مداً بمد فمن زاد أو ازداد فقد أربى " فأمر بالمساواة في الموزنات المذكورة في الوزن كما أمر بالمساواة في المكيلات بالكيل وما عدا الذهب والفضة من الموزونات مقيس عليهما ولأنه جنس يجري فيه الربا فلم يجز بيع بعضه ببعض جزافاً كالمكيل ولأن حقيقة الفضل مبطلة للبيع ولا يعلم عدم ذلك إلا بالوزن فوجب ذلك كما في المكيل والأثمان إذا ثبت هذا فإنه لا يجوز بيع المكيل بالمكيل وزناً ولا بيع الموزن بالموزن كيلاً لأن التماثل في

وهو نوعان ربا الفضل وربا النسيئة

الكيل مشترط في المكيل وفي الوزن في الموزون وقد عدمت ولأنه متى باع رطلاً من المكيل برطل حصل في الرطل من الخفيف أكثر ما يحصل من الثقيل فيختلفان في الكيل وإن لم يعلم الفضل لكن يجهل التساوي فلا يصح كما لو باع بعضه ببعض جزافاً. وكذلك إذا باع الموزون بالموزون بالكيل لا يتحقق التماثل في الوزن فلم يصح كما ذكرنا في المكيل (فصل) ولو باع بعضه ببعض جزافاً أو كان جزافاً من أحد الطرفين لم يجز قال إبن المنذر أجمع أهل العلم على أن ذلك لا يجوز إذا كنا من صنف واحد لما روى مسلم عن جابر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الصبرة من التمر لا يعلم مكيلها بالكيل المسمى من التمر، وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم " الذهب بالذهب وزناً بوزن " إلى تمام الحديث دليل على أنه لا يجوز بيعه إلا كذلك ولأن التماثل شرط والجهل به يبطل البيع الحقيقة التفاضل {مسألة} قال (فإن اختلف الجنس جاز بيع بعضه ببعض كيلاً ووزناً وجزافاً) ما لا يشترط فيه التماثل كالجنسين وما لا ربا فيه يجوز بيع بعضه ببعض كيلاً ووزناً وجزافاً وهذا ظاهر كلام الخرقي وهو قول أكثر العلماء قال إبن المنذر أجمع أهل العلم على أن بيع الصبرة من الطعام بالصبرة لا ندري كم كيل هذه ولا كم كيل هذه من صنف واحد غير جائز ولا بأس به من صنفين استدلالا بقوله عليه السلام " فإذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم " وذهب بعض أصحابنا إلى منع بيع المكيل بالمكيل والموزون بالموزون جزافاً، وقال أحمد في رواية محمد بن الحكم أكره

فأما ربا الفضل فيحرم في الجنس الواحد من كل مكيل أو موزون

ذلك قال ابن أبي موسى: لاخير فيما يكال بما يكال جزافاً، ولا فيما يوزن بما يوزن جزافاً. اتفقت الأجناس أو اختلفت ولا بأس ببيع المكيل بالموزون جزافاً، وقال ذلك القاضي والشريف أبو جعفر قالوا لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الطعام مجازفة وقياساً على الجنس الواحد ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم يداً بيد " ولأنه يجوز التفاضل فيه فجاز جزافاً كالمكيل بالموزون، يحققه أنه إذا كان حقيقة الفضل لا يمنع فاحتماله أولى أن لايمنع وحديثهم أراد به الجنس الواحد، ولهذا جاء في بعض ألفاظ: نهى أن تباع الصبرة لا يعلم مكيلها من التمر بالصبرة لا يعلم مكيلها من التمر. ثم هو مخصوص بالمكيل بالموزون فنقيس عليه محل النزاع والقياس لا يصح لأن الجنس الواحد يجب التماثل فيه فمنع من بيعه مجازفة لفوات المماثلة المشترطة وفي الجنسين لا يشترط التماثل ولا يمنع حقيقة التفاضل فاحتماله أولى (فصل) إذا قال بعتك هذه الصبرة بهذه الصبرة وهما من جنس واحد وقد علما كيلهما وتساويهما صح البيع لوجود التماثل المشترط، وإن قال بعتك هذه الصبرة بهذه الصبرة مثلاً بمثل فكيلتا فكانتا سواء صح البيع، وإن زادت إحدهما فرضي صاحب الناقصة بها مع نقصها أو رضي صاحب الزائدة برد الفضل على صاحبه جاز وإن امتنع فسخ البيع بينهما ذكره القاضي وهو مذهب الشافعي

{مسألة} (والجنس ماله اسم خاص يشتمل أنواعاً كالذهب والفضة والبر والشعير والتمر والملح) الجنس الشامل لأشياء مختلفة بأنواعها، والنوع الشامل لأشياء مختلفة بأشخاصها، وقد يكون النوع جنساً بالنسبة إلى ما تحته والجنس نوعاً بالنسبة إلى ما فوقه. والمراد ههنا الجنس الأخص والنوع الأخص فكل نوعين اجتمعا في اسم خاص فهما جنس كأنواع التمر وأنواع الحنطة وأنواع الشعير فالتمور كلها جنس وإن كثرت أنواعها كالبرني والعقلي وغيرهما ولك شيئين اتفقا في الجنس ثبت فيهما حكم الشرع بتحريم التفاضل، وإن اختلفت الأنواع لما ذكرنا من قول النبي صلى الله عليه وسلم " التمر بالتمر مثلا بمثل " الحديث بتمامه فاعتبر المساواة في جنس التمر بالتمر والبر بالبر ثم قال: فإذا اختلفت هذه الأجناس فبيعوا كيف شئتم (فصل) واختلفت الرواية في البر والشعير فظاهر المذهب أنهما جنسان وهو قول الثوري

والشافعي وأصحاب الرأي وعنه أنهما جنس واحد " يروي ذلك عن سعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن ابن الأسود بن عبد يغوث والحكم وحماد ومالك والليث لما روي عن معمر بن عبد الله أنه أرسل غلامه بصاع قمح فقال: بعه ثم اشتر به شعيراً، فذهب الغلام فأخذ صاعاً وزيادة بعض صاع فلما جاء معمراً أخبره فقال معمرا: لم فعلت ذلك؟ انطلق فرده ولا تأخذن الامثلا بمثل فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الطعام بالطعام إلا مثلا بمثل وكان طعامنا يومئذ الشعير. قيل فإنه ليس بمثله قال إني أخاف أن يضارع. أخرجه مسلم ولأن أحدهما يعتبر بالآخر فكانا كنوعي الجنس ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " بيعوا البر بالشعير كيف شئتم يداً بيد " وفي لفظ " لا بأس ببيع

البر بالشعير والشعير بالبر هما يداً بيد وأما نسيئة فلا - وفي لفظ - فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم " وهذا صريح لا يجوز تركه بغير معارض مثله وحديث معمر لابد فيه من اضمار الجنس بدليل سائر أجناس الطعام، ويحتمل أنه أراد الطعام المعهود عندهم وهو نسيئة فإنه قال في الخبر وكان طعامنا يومئذ الشعير ثم لو كان عاماً لوجب تقديم الخاص الصريح عليه وفعل معمر وقوله لا يعارض به فعل النبي صلى الله عليه وسلم وقياسهم منقوض بالذهب والفضة {مسألة} (وفروع الأجناس أجناس كالأدقة والأخباز والأدهان) إذا كان المشتركان في الاسم الخاص من جنسين فهما جنسان كالأدقة والأخباز والخلول والأدهان وعصير الاشياء المختلفة كلها أجناس مختلفة باختلاف أصولها، وحكي عن أحمد أن خل التمر وخل

العنب جنس وحكي أيضاً عن مالك لأن الاسم الخاص يجمعهما. والصحيح الأول لأنهما من جنسين مختلفين فكانا جنسين كدقيق الحنطة ودقيق الدخن وما ذكر للرواية الأخرى منقوض بسائر فروع الأصول التي ذكرناها، فكل فرع مبني على أصله فزيت الزيتون وزيت البطم وزيت الفجل أجناس ودهن السمك والشيرج والجوز واللوز والبزر أجناس، وعسل النحل وعسل القصب جنسان وتمر النخل وتمر الهند جنسان، وكل شيئين أصلهما واحد فهما جنس وإن اختلفت مقاصدهما، فدهن الورد والبنفسج والزئبق والياسمين إذا كانت من دهن واحد فهي جنس واحد وهذا الصحيح من مذهب الشافعي، وله قول آخر لا يجري الربا فيها لأنها تقصد للأكل، وقال أبو حنيفة هي أجناس لاختلاف

مقاصدها. ولنا أنها كلها شيرج وانما طيبت بهذه الرياحين فنسبت إليها فلم تصر أجناسها كما لو طيب سائر أنواع الأجناس، وقولهم لا تقصد للأكل قلنا هي صالحة للأكل وإنما تعد لما هو أعلى منه فلا تخرج عن كونها مأكولة بصلاحها لغيره، وقولهم أنها أجناس لا يصح لأنها من أصل واحد يشملها اسم واحد فكانت جنساً كأنواع التمر والحنطة (فصل) وقد يكون الجنس الواحد مشتملاً على جنسين كالتمر يشتمل على النوى وغيره وهما جنسان واللبن يشتمل على المخيض والزبد وهما جنسان فما داما متصلين اتصال الخلقة فهما جنس واحد فإذا ميز أحدهما من الآخر صارا جنسين حكمهما حكم الجنسين الأصلين

(فصل) واللحم أجناس باختلاف أصوله، وكذلك اللبن وعنه جنس واحد وعنه في اللحم أنه أربعة أجناس لحم الأنعام ولحم الوحش ولحم الطير ولحم دواب الماء) اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في اللحم فروي عنه أنه جنس واحد وهذا الذي ذكره الخرقي وهو قول أبي ثور وأحد قولي الشافعي وأنكر القاضي أبو يعلى كون هذه رواية عن أحمد، وقال الأنعام والوحش والطير ودواب الماء أجناس يجوز التفاضل فيها رواية واحدة وإنما في اللحم روايتان (إحداهما) أنه أربعة أجناس كما

ذكرناه وهو مذهب مالك إلا أنه يحتمل أن الأنعام والوحش جنس واحد فيكون عنده ثلاثة أصناف وروي عنه أنه أجناس باختلاف أصوله وهو قول أبي حنيفة وأحد قولي الشافعي وهي أصح لأنها فروع أصول هي أجناس فكانت أجناساً كالأدقة والأخباز وهذا اختيار ابن عقيل، وعنه في اللحم أنه أربعة أجناس على ما ذكرناه، وهذا اختيار القاضي واحتج بأن لحم هذه الحيوانات تختلف المنفعة بها والقصد إلى أكلها فكانت أجناساً (قال شيخنا) وهذا ضعيف لأن كونها أجناساً لا يوجب حصرها في أربعة

أجناس ولا نظير لهذا فيقاس عليه، والصحيح أنه أجناس باختلاف أصوله، ووجه قول الخرقي أنه اشترك في الاسم الواحد حال حدوث الربا فيه فكان جنساً واحداً كالطلع، والصحيح ما ذكرنا وما ذكره من الدليل منتقض بعسل النحل وعسل القصب وغير ذلك، فعلى هذا لحم الإبل كله صنف بخاتيها وعرابها، والبقر عرابها وجواميسها صنف، والغنم ضأنها ومعزها جنس. ويحتمل أن يكونا صنفين لأن الله تعالى سماها في الأزواج الثمانية فقال (ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين) ففرق بينهما كما فرق بين الإبل والبقر فقال (ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين) والوحش أصناف بقرها

ولا يباع ما أصله الكيل بشيء من جنسه وزنا ولا ما أصله الوزن كيلا

صنف وغنمها صنف وظباؤها صنف، وكل ماله اسم يخصه فهو صنف، والطير أصناف، كل ما انفرد باسم وصفة فهو صنف، فيجوز أن يباع لحم صنف لحم صنف آخر متفاضلاً ومتماثلا ويباع بصفة متماثلا ومن جعلها صنفا واحدا لم يجز بيع لحم بلحم متماثلاً (فصل) وفي اللبن روايتان (إحداهما) هو جنس واحد لما ذكرنا في اللحم (والثانية) هو أجناس باختلاف أصوله كاللحم وهذا مذهب الشافعي، وقال مالك لبن الأنعام كلها جنس واحد وقال ابن عقيل لبن البقر الأهلية والوحشية جنس واحد على الروايات كلها لأن اسم البقر يشملها ولا يصح لأن لحمهما جنسان فكان لبنهما جنسين كالإبل والبقر، ويجوز بيع اللبن بغير جنسه متفاضلاً وكيف شاء يداً بيد وبجنسه متماثلاً كيلاً، ولا فرق بين أن يكونا حليبين أو حامضين أو أحدهما حليباً والآخر حامضاً لأن تغير الصفة لايمنع جواز البيع كالجودة والرداءة، وإن شيب أحدهما بماء أو غيره لم يجز بيعه بخالص لابمشوب من جنسه وسنذكر ذلك {مسألة} (واللحم والشحم والكبد أجناس) اللحم والشحم جنسان، والكبد جنس والطحال جنس والقلب جنس والمخ جنس ويجوز بيع جنس بجنس آخر متفاضلاً، وقال القاضي لا يجوز بيع اللحم بالشحم وكره مالك ذلك إلا أن يتماثلا وظاهر المذهب إباحة البيع فيهما متماثلاً ومتفاضلاً وهو قول أبي حنيفة والشافعي لأنهما جنسان فجاز التفاضل

فيهما كالذهب والفضة، فإن منع منه لكون اللحم لا يخلو من شحم لم يصح لأن الشحم لا يظهر وإن كان فيه شئ فهو غير مقصود فلا يمنع البيع ولو منع ذلك لم يجز بيع لحم بلحم لاشتمال كل واحد منهما على ما ليس من جنسه ثم لا يصح هذا عند القاضي لأن السمين الذي يكون مع اللحم عنده لحم فلا يتصور اشتمال اللحم على الشحم، وذكر القاضي أن الأبيض الذي في ظاهر اللحم الاحمر هو والأحمر جنس واحد وإن الألية والشحم جنسان، وظاهر كلام الخرقي أن كل ما هو أبيض في الحيوان يذوب بالإذابة ويصير دهناً فهو جنس واحد (قال شيخنا) وهو الصحيح إن شاء الله تعالى لقوله سبحانه (حرمنا

فإن اختلف الجنس جاز بيع بعضه ببعض كيلا ووزنا وجزافا

عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما) فاستثنى ما حملت الظهور من الشحم، ولأنه يشبه الشحم في لونه وذوبه ومقصده فكان شحما كالذي في البطن {مسألة} (ولايجوز بيع لحم بحيوان من جنسه وفي بيعه بغير جنسه وجهان) لا يختلف المذهب أنه لا يجوز بيع اللحم بحيوان من جنسه وهو مذهب مالك والشافعي وقول الفقهاء السبعة وحكي عن مالك أنه لا يجوز بيع اللحم بحيوان معد للحم ويجوز بغيره، وقال أبو حنيفة يجوز مطلقاً لأنه باع مال الربا بما لاربا فيه أشبه بيع الحيوان بالدراهم أو بلحم من غير جنسه ولنا ما روى عن مالك عن زيد بن أسلم عن سعيد بن المسيب أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع اللحم بالحيوان، قال ابن عبد البر هذا أحسن أسانيده، وورد أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يباع حي بميت ذكره الإمام أحمد، وروى ابن عباس أن جزورا نحرت فجاء رجل بعناق فقال أعطوني جزأ بهذا العناق قال أبو بكر لا يصلح هذا قال الشافعي لا أعلم مخالفاً لأبي بكر في ذلك. وقال أبو الزناد كل من أدركت ينهى عن بيع اللحم بالحيوان ولأن اللحم نوع فيه الربا بيع بأصله الذي فيه منه فلم يجز كبيع السمسم بالشيرج وهذا فارق ما قاسووا عليه، فما بيعه بحيوان من غير جنسه فظاهر كلام أحمد والخرقي أنه لا يجوز لما ذكرنا من الا حاديث واختار القاضي جوازه وللشافعي فيه قولان، واحتج من أجازه بأن مال الربا بيع بغير أصله ولا جنسه فجاز كما لو باعه بالأثمان، والظاهر أن الاختلاف مبني على الاختلاف في اللحم، فإن قلنا بأنه جنس واحد لم يجز، وإن قلنا إنه أجناس جاز بيعه بغير جنسه لما ذكرنا فإن باعه بحيوان غير مأكول جاز في ظاهر قول أصحابنا وهو قول عامة الفقهاء {مسألة} (ولايجوز بيع حب بدقيقة ولا بسويقه في أصح الروايتين) لا يجوز بيع الحب بالدقيق في الصحيح من المذهب وهو قول سعيد بن المسيب والحسن والحكم وحماد ومكحول الثوري وأبي حنيفة وهو المشهور عن الشافعي وعن أحمد أنه جائز، وبه قال ربيعة ومالك وحكي عن النخعي وقتادة وابن شبرمة واسحاق وأبي ثور لأن الدقيق نفس الحنطة وإنما تكسرت أجزاؤها فجاز بيع بعضها ببعض كالحنطة المكسرة بالصحاح فعلى هذا إنما يباع الحب وزناً لأن أجزاءه قد تفرقت بالطحن وانتشرت فيأخذ من المكيال مكاناً كبيراً والحب يأخذ مكاناً صغيراً والوزن يسوي بينهما وبهذا قال إسحاق ولنا أن بيع الحب بالدقيق بيع مال الربا بجنسه متفاضلاً فحرم كبيع مكيلة بمكيلتين وذلك لأن الطحن قد فرق أجزاءه فيحصل في مكياله دون ما يحصل في مكيال الحب، وإن لم يتحقق التفاضل فقد جهل التماثل والجهل بالتماثل كالعمل بالتفاضل فيما يشترط التماثل فيه، ولذلك لم يجز بيع بعضه ببعض جزافاً والتساوي في الوزن لا يلزم منه التساوي في الكيل، والحب والدقيق مكيلان لأن الأصل الكيل ولم

يوجد ما ينقل عنه ثم لو ثبت أن الدقيق كان موزنا لم يتحقق التماثل لأن المكيل لا يقدر بالوزن كما لا يقدر الموزون بالكيل (فصل) ولا يجوز بيع الحب بالسويق، وبه قال الشافعي وحكي عن مالك وأبي ثور جواز ذلك متماثلاً ومتفاضلاً. ولنا أنه بيع الحب ببعض أجزائه متفاضلاً فلم يجز كبيع مكوك حنطه بمكوكي دقيق ولا سبيل إلى التماثل لأن النار قد أخذت من أحدهما دون الآخر فأشبهت المقلية بالنيئة، فأما الخبز والهريسة والفالوذج والنشاء وأشباهها فلا يجوز بيعه بالحنطة، وقال أصحاب أبي حنيفة يجوز بناء على مسألة مد عجوة وسنذكر ذلك إن شاء الله تعالى، ويجوز بيع الحب بالدقيق من غير جنسه والخبز وغير ذلك لعدم اشتراط المماثلة بينهما، وقال ابن أبي موسى لا يجوز بيع سويق الشعير بالبر في رواية وذلك مبني على أن البر والشعير جنس واحد وقد ذكرناه {مسألة} (ولايجوز بيع أصله بعصيره ولا خالصه بمشوبه ولارطبه بيابسه ولانيئه بمطبوخه) لا يجوز بيع شئ من مال الربا بأصله الذي فيه منه كالسمسم بالشيرج الزيتون بزيت وسائر الأدهان بأصولها والعصير بأصله كعصير العنب والرمان التفاح والسفرجل وقصب السكر لا يباع شئ منها بأصله وبه قال الشافعي وقال ابن المنذر وقال أبو ثور يجوز، وقال أبو حنيفة يجوز إذا علم أن ما في الأصل من الدهن والعصير أقل من المنفرد وإن لم يجز، ولنا أنه مال بيع بأصله الذي هو منه فلم يجز كبيع اللحم بالحيوان وقد أثبتنا ذلك بالنص (فصل) ولايجوز بيع اللبن بالزبد ولا بالسمن ولا بشئ من فروعه كاللبأ والمخيض وسواء كان فيه من غيره أولا لأنه مستخرج من اللبن فلم يجز بيعه بأصله الذي فيه منه كالسمسم بالشيرج وهذا مذهب الشافعي، وعن أحمد أنه يجوز بيع اللبن بالزبد إذا كان الزبد المنفرد أكثر من الزبد الذي في اللبن وهذا يقتضي جواز بيعه به متفاضلاً ومنع جوازه متماثلاً، وقال القاضي وهذه الرواية لا تخرج على المذهب لأن الشيئين إذا دخلهما الربا لم يجز بيع أحدهما بالآخر ومعه من غير جنسه كمد عجوة، والصحيح أن هذه الرواية دالة على جواز البيع في مسألة مد عجوة وكونها مخالفة لروايات أخر لا يمنع كونها رواية كسائر الروايات المخالفة لغيرها لكونها مخالفة لظاهر المذهب والحكم في السمن كالحكم في الزبد، وأما اللبن بالمخيض فلا يجوز نص عليه أحمد ويتخرج الجواز كالتي قبلها، وأما اللبن باللبأ فإن كان قبل أن تمسه النار جاز متماثلاً لأنه لبن بلبن؟ وإن مسته النار لم يجز، وذكر القاضي وجها أنه يجوز وليس بصحيح لأن النار عقدت أجزاء أحدهما وذهبت ببعض رطوبته فلم يجز بيعه بما لم تمسه النار كالخبز بالعجين المقلية بالنيئة وهذا مذهب الشافعي (فصل) ولا يجوز بيع الخالص بالمشوب كحنطة فيها شعير أو رواب بخالصة أو غير خالصة أو لبن مشوب بخالص أو مشوب أو اللبن بالكشك أو الكامخ، ويتخرج الجواز إذا كان اللبن أكثر من اللبن الذي في الكشك والكامخ بناء على مد عجوة، ولا يجوز بيع العسل في شمعه بمثله فإن كان

والجنس ما له اسم خاص يشتمل أنواعا كالذهب والفضة والبر والشعير والتمر والملح

الخلط يسيراً كحبات الشعير ويسير التراب والزوان الذي لا يظهر في الكيل لم يمنع لأنه لا يخل بالتماثل ولا يجوز بيع التمر بالدبس والخل والناطف والقطارة لأن بعضها معه من غير جنسه وبعضها مائع والتمر جامد، ولا يجوز بيع الناطف بعضه ببعض ولا بغيره من المصنوع من التمر لان معهما شيئاً مقصوداً من غير جنسهما فهو كمد عجوة والعنب كالتمر فيما ذكرناه (فصل) ولا يجوز بيع المشوب بالمشوب كالكشك والكامخ ولا يجوز بيع أحدهما بالآخر كمسألة مد عجوة ولا يجوز نيئة بمطبوخة كالخبز بالعجين والحنطة المقلية بالنيئة لأنه لا يحصل التماثل لأن النار ذهبت ببعض رطوبتها وهذا مذهب الشافعي (فصل) ولايجوز بيع نوع بنوع آخر إذا لم يكن فيه منه فيجوز بيع الزبد بالزبد والسمن بالمخيض في ظاهر المذهب متماثلا متفاضلاً لأنهما جنسان من أصل واحد أشبها اللحم والشحم، وممن أجاز بيع الزبد بالمخيض الثوري والشافعي واسحاق لأن اللبن الذي في الزبد غير مقصود وهو يسير فلم يمنع كالملح في الشيرج، وبيع السمن بالمخيض أولى بالجواز لخلوه من اللبن المخيض، ولا يجوز بيع الزبد بالسمن لأن في الزبد لبنا يسيرا ولا شئ في السمن فيختل التماثل ولأنه من الزبد فلم يجز بيعه كالزيتون بالزيت وهذا مذهب الشافعي، واختار القاضي جوازه لأن اللبن الذي في الزبد غير مقصود فوجوده كعدمه ولهذا جاز بيع الزبد بالمخيض ولا يصح ذلك لأن التماثل شرط وانفراد أحدهما بوجود اللبن فيه يخل بالتماثل فلم يجز البيع كتمر منزوع النوى بما نواه فيه ولأن أحدهما ينفرد برطوبة لا توجد في الآخر أشبه الرطب بالتمر وكل رطب بيابس من جنسه، ولا يجوز بيع شئ من الزبد والسمن والمخيض بشئ من أنواع اللبن كالجبن واللبأ ونحوهما لأن هذه الأنواع لم ينزع منها شئ فهي كاللبن الذي فيه زبده فلم يجز بيعها به كبيع اللبن بها، وأما بيع الجبن بالأقط فلا يجوز بيع رطوبتهما أو رطوبة أحدهما كما لا يجوز بيع الرطب بالتمر، وإن كانا يابسين احتمل المنع لأن الجبن موزون والأقط مكيل فأشبه بيع الخبز بالدقيق، ويحتمل الجواز إذا تماثلا كبيع الجبن بالجبن (فصل) ولا يجوز بيع رطب بيابس كالرطب بالتمر والعنب بالزبيب والحنطة المبلولة أو الرطبة باليابسة والمقلية بالنيئة ونحو ذلك، وبه قال سعد بن أبي وقاص وسعيد بن المسيب والليث ومالك والشافعي واسحاق وأبو يوسف ومحمد، وقال أبو حنيفة لا يجوز لأنه إما أن يكونا جنساً فيجوز متماثلاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم " التمر بالتمر مثلا بمثل " أو يكونا جنسين فيجوز لقوله عليه السلام " لا تبيعوا التمر بالتمر فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم يداً بيد " ولنا قوله عليه السلام " لا تبيعوا التمر بالتمر " وفي لفظ نهى عن بيع التمر بالتمر ورخص في بيع العرية أن تباع بخرصها يأكلها أهلها رطباً متفق عليهما، وعن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن بيع الرطب بالتمر قال " أينقص الرطب إذا يبس؟ " قالوا نعم. فنهى عن ذلك رواه مالك وأبو داود والاثرم وابن ماجة، وفي رواية الأثرم قال " فلا إذن " نهى وعلل بأنه ينقص إذا يبس، وروى مالك عن

نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المزابنة، والمزابنة بيع الرطب بالتمر كيلا وبيع العنب بالزبيب كيلاً ولأنه جنس فيه الربا بيع بعضه ببعض على وجه ينفرد أحدهما بالنقصان فلم يجز كبيع المقلية بالنيئة، ولا يلزم الحديث بالعتيق لأن التفاوت يسير. قال الخطابي وقد تكلم بعض الناس في إسناد حديث سعد بن أبي وقاص في بيع الرطب بالتمر، وقال زيد أبو عياش راويه ضعيف وليس الأمر على ما توهمه وأبو عياش مولى بني زهرة معروف وقد ذكره مالك في الموطأ، وهو لا يروي عن متروك الحديث {مسألة} (يجوز بيع دقيقه بدقيقه إذا استويا في النعومة ومطبوخه بمطبوخه وخبزه بخبزه إذا استويا في النشاف وعصيره بعصيره ورطبه برطبه) يجوز بيع كل واحد من الدقيق والسويق بنوعه متساوياً وبه قال أبو حنيفة والمشهور عن الشافعي المنع لأنه يعتبر تساويهما حالة الكمال وهو حال كونهما حباً وقد فات ذلك لأن أحد الدقيقين يكون من حنطة رزينة والآخر من خفيفة فيستويان دقيقاً ولا يستويان حباً ولنا أنهما تساويا حال العقد على وجه لا ينفرد أحدهما بالنقصان فجاز كبيع التمر بالتمر. إذا ثبت هذا فإنما يباع بعضه ببعض كيلاً لأن الحنطة مكيلة ولم يوجد في الدقيق والسويق ما ينقلهما عن ذلك ويشترط تساويهما في النعومة ذكره أصحابنا وهو قول أبي حنيفة لأنهما إذا تفاوتا في النعومة تفاوتا في ثاني الحال فيصير كبيع الحب بالدقيق وزناً، وذكر القاضي أن الدقيق يباع بالدقيق وزنا ولاوجه له، وقد سلم في السويق أنه يباع بالكيل والدقيق مثله (فصل) ولا يجوز بيع الدقيق بالسويق وبه قال الشافعي وعنه الجواز لأن كل واحد منهما أجزاء حنطة ليس معه غيره أشبه السويق بالسويق ولنا أن النار قد أخذت من السويق فلم يجز بيعه بالدقيق كالمقلية بالنيئة، وروي عن مالك وأبي يوسف ومحمد وأبي ثور جواز بيع أحدهما بالآخر متفاضلاً لأنهما جنسان، ولنا أنهما أجزاء جنس واحد فأشبه بيع أحدهما بجنسه (فصل) ويجوز بيع مطبوخه بمطبوخه كاللبأ بمثله والجبن بالجبن والأقط بالأقط والسمن بالسمن متساوياً ويعتبر التساوي بين الأقط والأقط بالكيل، ولا يباع ناشف من ذلك برطب كما لا يباع الرطب بالتمر ويباع الجبن بالجبن بالوزن لأنه لا يمكن كيله أشبه الخبز، وكذلك الزبد والسمن ويتخرج أن يباع السمن بالكيل كالشيرج (فصل) ويجوز بيع الخبز بالخبز وزناً وكذلك النشاء بنوعه إذا تساويا في النشافة والرطوبة ويعتبر التساوي في الوزن لأنه يقدر به عادة ولا يمكن كيله، وقال مالك إذا تحرى المماثلة فلا بأس وإن لم يوزن وبه قال الأوزاعي وأبو ثور وحكي عن أبي حنيفة لا بأس به قرصاً بقرصين، وقال الشافعي لا يجوز بيع بعضه ببعض بحال إلا أن ييبس ويدق دقاً ناعماً ويباع بالكيل ففيه قولان لأنه مكيل،

ويجب التساوي فيه ولا يمكن كيله فتعذرت المساواة فيه ولأن في كل واحد منهما من غير جنسه فلم يجز بيعه كالمغشوش من الذهب والفضة وغيرهما ولنا على وجوب التساوي أنه مطعوم موزون فحرم التفاضل بينهما كاللحم واللبن، ومتى وجب التساوي وجبت معرفة حقيقة التساوي في المعيار الشرعي كالحنطة بالحنطة والدقيق بالدقيق. ولنا على الشافعي أن معظم نفعه في حال رطوبته فجاز بيعه به كاللبن باللبن ولا يمتنع أن يكون موزوناً أصله مكيل كالأدهان، ولا يجوز بيع الرطب باليابس لانفراد أحدهما بالنقص في ثاني الحال فأشبه الرطب بالتمر ولا يمنع زيادة أخذ النار من أحدهما أكثر من الآخر إذا لم يكثر لأن ذلك يسير ولا يمكن التحرز منه أشبه بيع الحديثة بالعتيقة وما فيه من الملح والماء غير مقصود ويراد لمصلحته فهو كالملح في الشيرج فإن يبس الخبز ودق وصار فتيتاً بيع بمثله كيلاً لأنه أمكن كيله فرد إلى أصله. وقال ابن عقيل فيه وجه أنه يباع الوزن لأنه انتقل إليه (فصل) فأما ما فيه غيره من فروع الحنطة مما هو مقصود كالهريسة والخزيرة والفالوذج وخبز الا بازير والخشكنانج والسنبوسك ونحوه فلا يجوز بيع بعضه ببعض ولا بيع نوع بنوع آخر لأن كل واحد منهما يشتمل على ما ليس من جنسه، وهو مقصود كاللحم في الهريسة والعسل في الفالوذج والماء والدهن في الخزيرة ويكثر التفاوت في ذلك فلا يتحقق التماثل فيه، وحكم سائر الحبوب حكم الحنطة فيما ذكرنا، ويجوز بيع الحنطة والمصنوع منها بغيرها من الحبوب والمصنوع منها لعدم اشتراط المماثلة بينهما (فصل) ويجوز بيع العصير بجنسه متماثلا ومتفاضلاً بغير جنسه وكيف شاء لأنهما جنسان ويعتبر التساوي فيهما بالكيل لأنه يقدر به ويباع به عادة وهذا مذهب الشافعي وسواء كانا مطبوخين أو نيئين، وقال أصحاب الشافعي: لا يجوز بيع المطبوخ بجنسه لأن النار تعقد أجزاءهما فيختلف ويؤدي إلى التفاضل ولنا أنهما متساويان في الحال على وجه لا ينفرد أحدهما بالنقص فأشبه النئ بالنئ، فأما بيع النئ بالمطبوخ من جنس واحد فلا يجوز لأن أحدهما ينفرد بالنقص في ثاني الحال أشبه الرطب بالتمر، وقد ذكرناه وإن باع عصير شئ من ذلك بثفله فان كان فيه بقية من المستخرج منه لم يجز بيعه به فلا يجوز بيع الشيرج بالكسب ولا الزيت بثفله الذي فيه بقية من الزيت إلا على قولنا بجواز مد عجوة وإن لم يبق فيه شئ من عصيره جاز بيعه به متفاضلاً ومتماثلا لأنهما جنسان (فصل) ويجوز بيع الرطب بالرطب والعنب بالعنب ونحوه من الرطب بمثله في قول الا كثرين ومنع منه الشافعي فيما يبس، فأما ما لا ييبس كالقثاء والخيار ونحوه فعلى قولين لأنه لا يعلم تساويهما حالة الادخار فأشبه الرطب بالتمر، وذهب أبو حفص العكبري إلى هذا وقال ويحتمله كلام الخرقي لقوله في اللحم لا يجوز بيع بعضه ببعض رطباً قال شيخنا ومفهوم كلام الخرقي إباحته ههنا لأنه قال: ولا يباع شئ من الرطب بيابس من جنسه مفهومه جواز الرطب بالرطب ولنا أن نهيه عليه السلام عن بيع التمر بالتمر يدل بمفهومه على إباحة بيع كل واحد منهما بمثله

ولأنهما تساويا في الحال على وجه لا ينفرد أحدهما بالنقصان فجاز كبيع اللبن باللبن والتمر بالتمر ولأن قوله تعالى (وأحل الله البيع) عام خرج منه المنصوص عليه وهو بيع التمر بالتمر وليس هذا في معناه فيبقى على العموم، وقياسهم لا يصح فإن التفاوت كثير وينفرد أحدهما بالنقصان بخلاف مسئلتنا، ولا بأس ببيع الحديث بالعتيق لأن التفاوت فيه يسير ولا يمكن ضبطه فعفي عنه (فصل) ويجوز بيع القطارة والدبس والخل كل نوع بعضه ببعض متساوياً قال أحمد في رواية مهنا في خل الدقل يجوز بيع بعضه ببعض متساويا لأن الماء في كل واحد منهما غير مقصود وهو من مصلحته فلم يمنع جواز البيع كالخبز بالخبز والتمر بالتمر في كل واحد منهما نواه ولا يباع نوع بالآخر لأن في كل واحد منهما من غير جنسه يقل ويكثر فيفضي إلى التفاضل، والعنب كالتمر إلا أنه لا يباع خل العنب بخل الزبيب لا نفراد أحدهما بما ليس من جنسه، ويجوز بيع خل الزبيب بعضه ببعض كخل العنب وخل التمر (فصل) ويجوز بيع اللحم باللحم رطباً نص عليه، وقال الخرقي لا يجوز بيع بعضه ببعض إلا إذا تناهى جفافه وهذا مذهب الشافعي واختاره أبو حفص العكبري في شرحه، قال القاضي والمذهب جواز بيعه، ونص أحمد على جواز بيع الرطب بالرطب ينبه على إباحة بيع اللحم باللحم من حيث كان اللحم حال كماله ومعظم نفعه في حال رطوبته دون حال يبسه فجرى مجرى اللبن بخلاف الرطب فإن حال كماله ومعظم نفعه في حال يبسه فإذا جاز فيه البيع ففي اللحم أولى، فأما بيع رطبه بيابسه ونيئه بمطبوخه فلا يجوز لانفراد أحدهما بالنقص في ثاني الحال فلم يجز كالرطب بالتمر، قال القاضي ولا يجوز بيع بعضه ببعض إلا منزوع العظام كما لا يجوز بيع العسل بمثله إلا بعد التصفية وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشافعي، وكلام أحمد رحمه الله يقتضي الإباحة مطلقاً فإنه قال في رواية حنبل إذا صار إلى الوزن رطلاً برطل مثلاً بمثل فأطلق ولم يشترط شيئاً ولأن العظم تابع للحم بأصل الخلقة فأشبه النوى في التمر وفارق العسل في أن اختلاط الشمع به من فعل النحل لا من أصل الخلقة {مسألة} (ولا يجوز بيع المحاقلة وهو بيع الحب في سنبله بجنسه وفي بيعه بغير جنسه وجهان) وذلك لما روى البخاري عن أنس قال نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة والمحاضرة والملامسة والمنابذة والمزابنة. والمحاضرة بيع الزرع الأخضر والمحاقلة بيع الزرع في الحقول بحب من جنسه، قال جابر: المحاقلة أن يبيع الزرع بمائة فرق حنطه، وقال الأزهري الحقل الفراخ المزروع وفسره أبو سعيد باستكراء الأرض بالحنطة ولأنه بيع الحب بجنسه جزافاً من أحد الجانبين فلم يجز كما لو كانا على الأرض فأما بيعه بغير جنسه فإن كان بدراهم أو دنانير جاز لأن نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الحب حتى يشتد يدل على جواز ذلك إذا اشتد وهذا أحد قولي الشافعي، وإن باعه بحب ففيه وجهان (أحدهما) يجوز لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم يداً بيد " (والثاني) لا يجوز لعموم الحديث المذكور {مسألة} (ولا يجوز بيع المزابنة وهو بيع الرطب في رءوس النخل بالتمر إلا في العرايا وهي

وفروع الأجناس أجناس كالأدقة والأخباز والأدهان

بيع الرطب في رءوس النخل خرصاً بمثله من التمر كيلا فيما دون خمسة أوسق لمن به حاجة إلى أكل الرطب ولا ثمن معه) لا يجوز بيع المزابنة لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المزابنة وهو بيع الرطب بالتمر متفق عليه. وروى البخاري عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المزابنة، فأما العرايا فيجوز في الجملة وهو قول أكثر أهل العلم منهم مالك في أهل المدينة والاوزاعي في أهل الشام والشافعي وإسحاق وابن المنذر، وقال أبو حنيفة لا يحل بيعها لما ذكرنا من الحديث ولأنه بيع الرطب بالتمر من غير كيل في أحدهما فلم يجز كما لو كان على وجه الأرض ولنا ما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في العرايا في خمسة أوسق أو دون خمسة أوسق متفق عليه، ورواه زيد بن ثابت وسهل بن أبي حثمة وغيرهما وحديثهم في سياقه إلا العرايا كذلك في المتفق عليه، وهذه زيادة يجب الأخذ بها ولو قدر التعارض وجب تقديم حديثنا بخصوصه جمعاً بين الحديثين وعملاً بكلا النصين. قال إبن المنذر الذي نهى عن المزابنة هو الذي أرخص في العرايا وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى، والقياس لا يصار اليه مع النص مع أن في الحديث أنه أرخص في العرايا، والرخصة استباحة المحظور مع وجود السبب الحاظر، فلو منع وجود السبب من الاستباحة لم يبق لنا رخصة بحال {فصل} وإنما يجوز بشروط خمسة (أحدها) أن يكون فيما دون خمسة أوسق في ظاهر المذهب ولا خلاف في أنها لا تجوز في زيادة على خسمة أوسق وانها تجوز فيما نقص عن خمسة أوسق عند القائلين بجوازها. فأما الخمسة الأوسق فظاهر المذهب أنه لا يجوز فيها وبه قال ابن المنذر والشافعي في أحد قوليه، وقال مالك والشافعي في قول يجوز ورواه اسماعيل بن سعيد عن أحمد لأن في حديث زيد وسهل أنه أرخص في العرايا مطلقاً ثم استثنى ما زاد على الخمسة وشك الراوي في الخمسة فبقي المشكوك فيه على أصل الإباحة ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المزابنة. والمزابنة بيع الرطب بالتمر ثم أرخص في العرية فيما دون خمسة أوسق وشك في الخمسة فيبقى على العموم في التحريم ولأن العرية رخصة بنيت على خلاف النص والقياس فيما دون الخمسة، والخمسة مشكوك فيها فلا تثبت إباحتها مع الشك، وروى ابن المنذر بإسناده أن النبي صلى الله عليه وسلم أرخص في بيع العرية في الوسق والوسقين والثلاثة والأربعة والتخصيص بهذا يدل على أنه لا تجوز الزيادة في العدد عليه كما اتفقنا على أنه لا تجوز الزيادة على الخمسة لتخصيصه إياها بالذكر ولأن خمسة الأوسق في حكم ما زاد عليها في وجوب الزكاة فيها دون ما نقص عنها فأما قولهم أرخص في العرية مطلقاً فلم يثبت أن الرخصة المطلقة سابقة على الرخصة المقيدة ولا متأخرة عنها بل الرخصة واحدة رواها بعضهم مطلقة وبعضهم مقيدة فيجب حمل المطلق على المقيد ويصير القيد المذكور في أحد الحديثين كأنه مذكور في الآخر ولذلك يقيد فيما زاد على الخمسة اتفاقاً

(فصل) ولا يجوز أن يشتري أكثر من خمسة أوسق فيما زاد على صفقة سواء اشتراها من واحد أو من جماعة، وقال الشافعي يجوز للإنسان بيع جميع حائطه عرايا من رجل واحد ومن رجال في عقود متكررة لعموم حديث زيد ولأن كل عقد جاز مرة جاز أن يتكرر كسائر البيوع، ولنا عموم النهي عن المزابنة استثنى منه العرية فيما دون خمسة أوسق فما زاد يبقى على العموم في التحريم ولأن مالا يجوز عليه العقد مرة إذا كان نوعاً واحداً لا يجوز في عقدين كالذي على وجه الأرض وكالجمع بين الاختين. (فصل) (كذا في الاصل وكان المناسب ان يذكر هذا الفصل عقيب الشرط الثاني ولا ندري إن كان هذا الوضع من المصنف أو من النساخ) ولا تعتبر حاجة البائع فلو باع رجل عرية من رجلين فيها أكثر من خمسة أوسق جاز وقال أبو بكر القاضي لا يجوز لما ذكرنا في المشتري ولنا أن المغلب في التجويز حاجة المشتري بدليل ما روى محمود بن لبيد قال قلت لزيد بن ثابت ما عراياكم هذه؟ فسمى رجالا محتاجين من الأنصار شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الرطب يأتي ولا نقد بأيديهم يبتاعون به رطباً يأكلونه وعندهم فضول من التمر فرخص لهم أن يبتاعوا العرايا بخرصها من التمر الذي في أيديهم يأكلونه رطباً، وإذا كان سبب الرخصة حاجة المشتري لم تعتبر حاجة البائع إلى البيع فلا يتقيد في حقه بخمسة أوسق، ولا ننا لو اعتبرنا الحاجة من المشتري وحاجة البائع إلى البيع أفضى إلى أن لا يحصل الإرفاق إذ لا يكاد يتفق وجود الحاجتين فتسقط الرخصة. فإن قلنا لا يجوز ذلك بطل العقد الثاني وإن اشترى عريتين أو باعهما وفيهما أقل من خمسة أوسق جاز وجهاً واحداً (الثاني) أن يكون مشتريها محتاجاً إلى أكلها رطباً ولا يجوز بيعها لغني وهو أحد قولي الشافعي وله قول آخر أنها تباح مطلقاً لكل أحد لأن كل بيع جاز للمحتاج جاز للغني كسائر البيوع ولأن حديث أبي هريرة وسهل مطلقان. ولنا حديث زيد بن ثابت الذي ذكرناه وإذا خولف الأصل بشرط لم يجز مخالفته بدون ذلك الشرط ولا يلزم من إباحته للحاجة إباحته مع عدمها كالزكاة للمساكين فعلى هذا متى كان المشتري غير محتاج إلى أكل الرطب لم يجز شراؤها بالتمر، ولو باعها لواهبها تحرزاً من دخول صاحب العرية حائطه كمذهب مالك أو لغيره لم يجز وقال ابن عقيل يباح ويحتمله كلام أحمد لأن الحاجة وجدت من الجانبين فجاز كما لو كان المشتري محتاجاً إلى أكلها ولنا حديث زيد الذي ذكرناه والرخصة لمعنى خاص لا تثبت مع عدمه ولأن في حديث زيد وسهل يأكلها أهلها رطباً ولو جازت لتخليص المعري لما شرط ذلك (الثالث) أن لا يكون للمشتري نقد يشتري به للخبر المذكور (الرابع) أن يشتريها بخرصها من التمر ويجب أن يكون التمر الذي يشتري به معلوماً بالكيل ولا يجوز جزافاً لا نعلم خلافاً في هذا عند من أباح بيع العرايا لما روى زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص في العرايا أن تباع بخرصها كيلاً متفق عليه، ولمسلم أن تؤخذ بمثل خرصها تمراً يأكلها أهلها رطباً، إذا ثبت ذلك فمعنى خرصها بمثلها من التمر أن ينظر الخارص إلى العرية فينظر كم يجئ منها تمراً فيشتريها المشتري بمثله تمراً، وبهذا قال الشافعي، ونقل حنبل عن أحمد أنه قال يخرصها رطباً ويعطي تمراً وهذا يحتمل الأول، ويحتمل أنه يشتريها بمثل الرطب الذي عليها لأنه بيع

اشترطت المماثلة فيه فاعتبرت حال البيع كسائر البيوع ولأن الأصل اعتبار المماثلة في الحال وإن لا يباع الرطب بالتمر خولف في الأصل في بيع الرطب بالتمر فبقي فيما عداه على قضية الدليل. قال القاضي والأول أصح لأنه ينبني على خرص الثمار في العشر والصحيح خرصة تمراً ولأن المماثلة في بيع التمر بالتمر معتبرة حالة الادخار وبيع الرطب بمثله تمراً يفضي إلى فوات ذلك، فأما ان اشتراها بخرصها رطباً لم يجز وهذا أحد الوجوه لاصحاب الشافعي والثاني يجوز والثالث لا يجوز مع اتفاق النوع ويجوز مع اختلافه. ووجه جوازه ماروى الجوزجاني عن أبي صالح عن الليث عن ابن شهاب عن سالم عن ابن عمر عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرخص بعد ذلك في بيع العرية بالرطب أو التمر ولم يرخص في غير ذلك، ولأنه إذا جاز بيعها بالتمر مع اختصاص أحدهما بالنقص في ثاني الحال فلأن يجوز مع عدم ذلك أولى ولنا ما روى مسلم بإسناده عن زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص في العرايا أن تؤخذ بمثل خرصها تمراً، وعن سهل بن أبي حثمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع التمر بالتمر وقال " ذلك الربا تلك المزابنة " إلا أنه أرخص في العرية النخلة أو النخلتين يأخذهما أهل البيت بخرصهما تمراً يأكلونها رطباً ولأنه مبيع يجب فيه مثله تمراً فلم يجز بيعه بمثله رطباً كالتمر الجاف، ولأن من له رطب فهو مستغن عن شراء الرطب بأكل ما عنده وبيع العرايا يشترط فيه حاجة المشتري على ما أسلفناه وحديث ابن يحيى شك في الرطب والتمر فلا يجوز العمل مع الشك سيما وهذه الأحاديث تثبته وتزيل الشك (الخامس) التقابض في المجلس وهو قول الشافعي ولا نعلم فيه مخالفا ولا نعلم فيه مخالفاً لأنه بيع تمر بتمر فاعتبر فيه شروطه إلا ما استثناه الشرع مما لم يمكن اعتباره في بيع العرايا، والقبض في كل واحد منهما على حسبه ففي التمر اكتياله وفي الثمر التخلية، وليس من شروطه حضور التمر عند النخيل بل لو تبايعا بعد معرفة التمر والثمرة ثم مضيا جميعا إلى النخيل فسلمه إلى مشتريه ثم مضيا إلى التمر فسلمه البائع أو تسلم التمر أولا ثم مضيا إلى النخل فسلمه جاز لأن التفرق لم يحصل قبل القبض. إذا ثبت هذا فإن بيع العرية يقع على وجهين (أحدهما) أن يقول بعتك ثمرة هذه النخلة بكذا ويصفه الثاني أن يكيل من التمر بقدر خرصها ثم يقول بعتك هذا بهذا، أو بعتك ثمرة النخلة بهذا التمر ونحو هذا فإن باعه بمعين فقبضه بنقله وأخذه وإن باعه بموصوف فقبضه بكيله {مسألة} (فيعطيه من التمر مثل ما يؤول إليه ما في النخل عند الجفاف وعنه يعطيه مثل رطبه وقد ذكرناه) (فصل) ولا يشترط في العرية أن تكون موهوبة لبائعها، وبه قال الشافعي وظاهر قول الخرقي أنه شرط، وقال الأثرم سمعت أحمد يسئل عن تفسير العرايا فقال: العرايا أن يعري الرجل الجار أو القرابة للحاجة والمسكنة فللمعري أن يبيعها ممن شاء، وقال مالك بيع العرايا الجائز هو أن يعري الرجل الرجل نخلات من حائطه ثم يكره صاحب الحائط دخول الرجل المعرى حائطه لأنه ربما كان مع أهله في الحائط

فيؤذيه دخول صاحبه عليه فيجوز أن يشتريها منه، واحتجوا بأن العرية في اللغة هبة ثمرة النخيل عاما قال أبو عبيد الإعراء أن يجعل الرجل للرجل ثمرة نخله عامها ذلك قال شاعر الأنصار: ليست بسنهاء ولا رجبية * ولكن عرايا في السنين الجوائح يقول إنا نعريها الناس، فتعين صرف اللفظ الى موضوعه لغة ومقتضاه في العربية ما لم يوجد ما يصرفه عن ذلك. ولنا حديث زيد بن ثابت وهو حجة على مالك في تصريحه بجواز بيعها من غير الواهب ولأنه لو كان لحاجة الواهب لما اختص بخمسة أوسق لعدم اختصاص الحاجة بها ولم يجز بيعها بالتمر لان لأن الظاهر من حال صاحب الحائط الذي له النخل الكثير يعريه الناس أنه لا يعجز عن اداء ثمن العرية. وفيه حجة على من اشترط كونها موهوبة لبائعها لأن علة الرخصة حاجة المشتري إلى أكل الرطب ولا ثمن معه سوى التمر فمتى وجد ذلك جاز البيع، ولأن اشتراط كونها موهوبة مع اشتراط حاجة المشتري إلى أكلها رطباً ولا ثمن معه يفضي إلى سقوط الرخصة إذ لا يكاد يتفق ذلك، ولأن ما جاز بيعه لواهبة إذا كان موهوباً جاز وإن لم يكن موهوباً كسائر الأموال وما جاز بيعه لواهبة جاز لغيره كسائر الأموال وإنما سمي عرية لتعريه عن غيره وافراده بالبيع {مسألة} (ولا يجوز في سائر الثمار في أحد الوجهين) لا يجوز بيع العرية في غير النخيل اختاره أبو حامد وهو قول الليث إلا تكون ثمرته مما لا يجري فيه الربا فيجوز بيع رطبها بيابسها لعدم جريان الربا فيها، وقال القاضي يجوز في سائر الثمار وهو قول مالك والاوزاعي قياساً على ثمرة النخيل، ويحتمل أن يجوز في العنب دون غيرهما وهو قول الشافعي لأن العنب كالرطب في وجوب الزكاة فيه وجواز خرصه وتوسيقه وكثرة يابسه واقتنائه في بعض البلدان والحاجة إلى أكل رطبه، والتنصيص على الشئ يوجب ثبوت الحكم في مثله ولايجوز في غيرهما لاختلافهما في أكثر هذه المعاني فإنه لا يمكن خرصها لتفرقها في الأغصان واستتارها بالأوراق ولا يقتات يابسها فلا يحتاج إلى الشراء به، ووجه الأولى أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المزابنة التمر بالثمرة إلا أصحاب العرايا فإنه أذن لهم، وعن بيع العنب بالزبيب وكل ثمر بخرصة وهذا حديث حسن رواه الترمذي وهو يدل على تخصيص العرية بالتمر فعن زيد بن ثابت رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أرخص بعد ذلك في بيع العرية بالرطب أو بالتمر ولم يرخص في غير ذلك، وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المزابنة والمزابنة بيع ثمر النخل بالتمر كيلا وعن كل ثمر بخرصه ولان الأصل يقتضي تحريم بيع العرية وإنما جازت في ثمرة النخيل رخصة ولا يصح قياس غيرها عليها لوجهين (أحدهما) أن غيرها لا يساويها في كثرة الاقتيات بها وسهولة خرصها وكون الرخصة في الأصل لأهل المدينة، وإنما كانت حاجتهم إلى الرطب دون غيره (الثاني) أن القياس لا يعمل به إذا خالف نصاً وقياسهم يخالف نصوصاً غير مخصوصة، وإنما يجوز التخصيص بالقياس على المحل المخصوص ونهى عن بيع العنب بالزبيب لم يدل على تخصيص فيقاس عليه وكذلك سائر الثمار {مسألة} (ولا يجوز بيع جنس فيه الربا بعضه ببعض ومع أحدهما أو معهما من غير جنسهما

كمد عجوة ودرهم بمدين أو بدرهمين أو بمد ودرهم وعنه يجوز بشرط أن يكون المفرد أكثر من الذي معه غيره أو يكون مع كل واحد منهما من غير جنسه) هذه المسألة تسمى مسألة مد عجوة وظاهر المذهب أن ذلك لا يجوز نص عليه أحمد في مواضع كثيرة قال ابن أبي موسى في السيف المحلى والمنطقة والمراكب المحلاة تباع بجنس ما عليها لا يجوز قولاً واحداً، وروى هذا عن سالم بن عبد الله والقاسم بن محمد وشريح وابن سيرين وبه قال الشافعي وإسحاق وأبو ثور، وعن أحمد أنه يجوز بشرط أن يكون المفرد أكثر من الذي معه غيره أو يكون مع كل واحد منهما من غير جنسه: قال حرب قلت لأحمد دفعت ديناراً كوفياً ودرهما وأخذت دينار اشامياً وزنهما سواء؟ قال لا يجوز إلا أن ينقص الدينار فيعطيه بحسابه فضة، وكذلك روى عن محمد ابن أبي حرب الجرجرائي قال أبو داود سمعت أحمد يسئل عن الدراهم المسيبية بعضها صفر وبعضها فضة بالدراهم فقال لا أقول فيه شيئاً، قال أبو بكر روى هذه المسألة عن أحمد خمسة عشر نفساً كلهم اتفقوا على أنه لا يجوز حتى يفصل إلا الميموني، وقال حماد بن أبي سليمان وأبو حنيفة يجوز ذلك بما ذكرنا من الشرط، وقال الحسن لا بأس ببيع السيف المحلى بالفضة بالدراهم وبه قال الشعبي والنخعي واحتجوا بأن العقد إذا أمكن حمله على الصحة لم يحمل على الفساد لأنه لو اشترى لحماً من قصاب جاز مع احتمال كونه ميتة لكن يجب حمله على أنه مذكى تصحيحاً، وقد أمكن تصحيح العقد ههنا بجعل

واللحم والشحم والكبد أجناس

الجنس في مقابلة غير الجنس أو جعل غير الجنس في مقابلة الزائد على المثل ولنا ما روى فضالة بن عبيد قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم بقلادة فيها ذهب وخرز ابتاعها رجل بتسعة دنانير أو سبعة دنانير فقال النبي صلى الله عليه وسلم " لا، حتى تميز بينهما " قال فرده حتى ميز بينهما رواه أبو داود وفي لفظ رواه مسلم قال أمر رسول الله صلى الله عليه بالذهب الذي في القلادة فنزع وحده ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم " الذهب بالذهب وزناً بوزن " ولأن العقد إذا جمع عوضين مختلفي الجنس وجب أن ينقسم أحدهما على الآخر على قدر قيمة الآخر في نفسه، فإذا اختلفت القيمة اختلف ما يأخذه من العوض. بيانه إذا اشترى عبدين قيمة أحدهما مثل نصف قيمة الآخر بعشرة كان ثمن أحدهما ثلثي العشرة والآخر ثلثها فلو رد أحدهما بعيب رده بقسطه من الثمن، وكذلك إذا اشترى شقصاً وسيفاً بثمن أخذ الشفيع الشقص بقسطه من الثمن، فإذا فعلنا هذا فيمن باع درهماً ومداً قيمته درهمان بمدين قيمتهما ثلاثة حصل الدرهم في مقابلة ثلثي مد، والمد الذي مع الدرهم في مقابلة مد وثلث هذا إذا تفاوتت القيم ومع التساوي يجهل ذلك لأن التقويم ظن وتخمين، والجهل بالتساوي كالعلم بعدمه في باب الربا ولذلك لم يجز بيع صبرة بصبرة بالظن والخرص، وقولهم يجب تصحيح العقد ممنوع بل يحمل على ما يقتضيه من صحة وفساد، كذلك لو باع بثمن وأطلق وفي البلد نقود بطل العقد ولم يحمل على نقد أقرب البلاد اليه، أما إذا اشترى من إنسان شيئاً فإنه يصح لأن الظاهر أنه ملكه لأن اليد دليل الملك، وإذا باع لحماً فالظاهر أنه مذكى لأن المسلم في الظاهر لا يبيع الميتة

{مسألة} (وإن باع نوعي جنس بنوع واحد منه كدينار قراضة وصحيح بصحيحين أو حنطة حمراء وسمراء ببيضاء أو تمراً برنيا ومعقلياً بابرحيمي فإن ذلك يصح قاله أبو بكر وأومأ إليه أحمد واختار القاضي أن الحكم فيها كالتي قبلها) وهو مذهب مالك والشافعي لأن العقد يقتضي انقسام الثمن على عوضه على حسب اختلافه في قيمته كما ذكرنا وروى عن أحمد منع ذلك في النقد وتجويزه في الثمن نقله أحمد بن القاسم لأن الأنواع في غير الأثمان يكثر اختلاطها ويشق تمييزها فعفي عنها بخلاف الأثمان ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " الذهب بالذهب مثلا بمثل والفضة بالفضة مثلا بمثل " الحديث وهذا يدل على إباحة البيع عند وجود المماثلة المرعية هي في الموزون وزناً وفي المكيل كيلا ولان الجودة ساقطة في باب الربويات فيما قوبل بجنسه فيما إذا اتحد النوع في كل واحد من الطرفين فكذلك إذا اختلفا واختلاف القيمة ينبني على الجودة والرداءة ولأنه باع ذهباً بذهب متساوياً في الوزن فصح كما لو اتفق النوع، وإنما يقسم العوض على المعوض فيما يشتمل على جنسين أو في غير الربويات بدليل مالو باع نوعا بنوع يشتمل على جيد وردئ {مسألة} (ولايجوز بيع تمر منزوع النوى بما نواه فيه لاشتمال أحدهما على ما ليس من جنسه دون الآخر، وإن نزع النوى ثم باع النوى والتمر بنوى وتمر لم يجز لأن التبعية زالت بنزعه فصار كمسألة مد عجوة بخلاف ما إذا كان في كل واحد نواه، وإن باع تمراً منزوع النوى بتمر منزوع النوى

ولا يجوز بيع لحم بحيوان من جنسه وفي بيعه بغير جنسه وجهان

جاز كما لو باع تمراً فيه النوى بعضه ببعض، وقال أصحاب الشافعي لا يجوز في أحد الوجهين لأنهما لم يتساويا في حال الكمال ولأنه يتجافى في المكيال ولنا قول النبي صلى الله وعليه وسلم " التمر بالتمر مداً بمد " ولأنهما تساويا في حال على وجه لا ينفرد أحدهما بالنقصان فجاز كما لو كان في كل واحد نواه، ويجوز بيع النوى بالنوى كيلا كذلك {مسألة} (وفي بيع النوى بتمر فيه النوى، واللبن بشاة ذات لبن والصوف بنعجة عليها صوف روايتان) إذا باع النوى بتمر نواه فيه فعلى روايتين (إحداهما) لا يجوز رواه عنه مهنا وابن القاسم لأنه كمسألة مدعجوة وكما لو باع تمراً فيه نواه بتمر منزوع النوى (والثانية) يجوز رواها ابن منصور لأن النوى في التمر غير مقصود فجاز كما لو باع داراً مموهاً سقفها بذهب، فعلى هذا يجوز بيعه متفاضلاً ومتساوياً لأن النوى الذي في التمر لا عبرة به فصار كبيع النوى بتمر منزوع النوى (فصل) وإن باع شاة ذات لبن بلبن أو شاة عليها صوف بصوف أو باع لبوناً بلبون أو ذات صوف بمثلها خرج فيه الروايتان كالتي قبلها (إحداهما) الجواز اختاره ابن حامد وهو قول أبي حنيفة وسواء كانت الشاة حية أو مذكاة لأن ما فيه الربا غير مقصود (والثاني) المنع وهو مذهب الشافعي لأنه باع مال الربا بأصله الذي فيه منه أشبه بيع اللحم بالحيوان والأول أولى، والفرق بينهما أن اللحم والحيوان مقصود بخلاف اللبن والصوف، ولو كانت الشاة محلوبة اللبن جاز بيعها بمثلها وباللبن وجهاً واحداً لأن اللبن لا أثر له ولا يقابله شئ من الثمن فأشبه الملح في الشيرج والخبز والجبن وحبات الشعير في الحنطة ولا نعلم فيه خلافاً، وكذلك لو كان اللبن المنفرد من غير جنس لبن الشاة جاز بكل حال، ويحتمل أن لا يجوز على قولنا إن اللبن جنس واحد، ولو باع نخلة عليها ثمر بثمر أو بنخلة عليها ثمر ففيه أيضاً وجهان (أحدهما) الجواز اختاره أبو بكر لأن الثمر غير مقصود بالبيع (والثاني) لا يجوز ووجه الوجهين ما ذكرنا في المسألة قبلها، واختار القاضي المنع وفرق بينها وبين الشاة ذات اللبن بكون الثمرة يصح إفرادها بالبيع وهي معلومة بخلاف اللبن في الشاة، وهذ الفرق غير مؤثر فإن ما يمنع إذا جاز

ولا يجوز بيع أصله بعصيره ولا خالصه بمشوبه ولا رطبه بيابسه ولا نيئه بمطبوخه

إفراده يمنع وإن لم يجز إفراده كالسيف المحلى يباع بجنس حليته وما لا يمنع لا يمنع وإن جاز افراده كمال العبد (فصل) وإن باع داراً سقفها مموه بذهب أو دارا بدار مموه سقف كل واحدة منهما جاز لأن ما فيه الربا غير مقصود بالبيع فوجوده كعدمه، وكذلك لو اشترى عبداً له مال فاشترط ماله وهو من جنس الثمن جاز إذا كان المال غير مقصود فهو كالسقف المموه، ولو اشترى عبداً بعبد واشترط كل واحد منهما مال العبد جاز أيضاً إذا كان المال غير مقصود (فصل) وإن باع جنساً فيه الربا بجنسه ومع كل واحد من غير جنسه غير مقصود فهو على أقسام (أحدها) أن يكون غير المقصود يسيراً لا يؤثر في كيل ولا وزن كالملح فيما يعمل فيه وحبات الشعير في الحنطة فلا يمنع لأنه يسير لا يخل بالتماثل، وكذلك لو وجد في أحدهما دون الآخر لم يمنع لذلك ولو باع ذلك بجنس غير المقصود الذي معه كبيع الخبز بالملح جاز لأن وجود ذلك كعدمه (الثاني) أن يكون غير المقصود كثيراً إلا أنه لمصلحة المقصود كالماء في خل التمر والزبيب ودبس التمر فيجوز بيعه بمثله ويتنزل خلطه بمنزلة رطوبته لكونه من مصلحته فلم يمنع من بيعه بما يماثله كالرطب بالرطب ولا يجوز بيعه بما ليس فيه خلط كبيع خل العنب بخل الزبيب لافضائه إلى التفاضل فجرى مجرى بيع التمر بالرطب، ومنع الشافعي ذلك كله إلا بيع الشيرج بالشيرج لكون الماء لا يظهر في الشيرج (الثالث) أن يكون غير المقصود كثيراً وليس من مصلحته كاللبن المشوب بالماء بمثله والأثمان المغشوشة بغيرها فلا يجوز بيع بعضها ببعض لأن خلطه ليس من مصلحته وهو يخل بالتماثل المقصود فيه، وإن باعه بجنس غير المقصود كبيعه الدينار المغشوش بالفضة بالدراهم احتمل الجواز لأنه يبيعه بجنس غير مقصود فيه فأشبه بيع اللبن بشاة فيها لبن، ويحتمل المنع بناء على الوجه الآخر في

الأصل وإن باع ديناراً مغشوشاً بمثله والغش فيهما متفاوت أو غير معلوم المقدار لم يجز لأنه يخل بالتماثل المقصود، وإن علم التساوي في الذهب والغش الذي فيهما خرج على وجهين أولاهما الجواز لأنهما تماثلا في المقصود وفي غيره ولا يفضي إلى التفاضل بالتوزيع بالقيمة لكون الغش غير مقصود فكأنه لا قيمة له (فصل) ولو دفع إلى إنسان درهماً وقال أعطني بنصف هذا الدرهم نصف درهم وبنصفه فلوساً أو حاجة أخرى جاز لأنه اشترى نصفاً بنصف وهما متساويان فصح كما لو دفع إليه درهمين فقال بعني بهذا الدرهم فلوساً وأعطني بالآخر نصفين، وإن قال أعطني بهذا الدرهم نصفاً وفلوساً جاز أيضاً لأن معناه ذلك ولأن ذلك لا يفضي إلى التفاضل بالتوزيع بالقيمة فإن قيمة النصف الذي في الدرهم كقيمة النصف الذي مع الفلوس يقيناً وقيمة الفلوس كقيمة النصف الآخر سواء {مسألة} (والمرجع في الكيل والوزن إلى عرف أهل الحجاز في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وما لا عرف لهم فيه ففيه وجهان) (أحدهما) يعتبر عرفة في موضعه ولا يرد إلى أقرب الأشياء شبهاً به بالحجاز ونحو هذا مذهب الشافعي، وقال أبو حنيفة الاعتبار في كل بلد بعادته، ولنا ما روى عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " المكيال مكيال المدينة والميزان ميزان مكة " والنبي صلى الله عليه وسلم إنما يحمل كلامه على بيان الأحكام ولأن ما كان مكيلاً بالحجاز في زمن النبي صلى الله عليه وسلم انصرف إليه التحريم في تفاضل الكيل فلا يجوز أن يتغير بعد ذلك وهكذا الوزن، فأما مالا عرف له في الحجاز ففيه وجهان (أحدهما) يرد إلى أقرب الأشياء شبهاً به بالحجاز كما أن الحوادث ترد إلى أشبه المنصوص عليه بها وهو القياس (والثاني) يعتبر عرفة في موضعه لأن ما لم يكن له في الشرع حد يرجع فيه إلى العرف كالقبض الحرز والتفرق، وعلى هذا

يجوز بيع دقيقه بدقيقه إذا استويا في النعومة ومطبوخه بمطبوخه وخبزه بخبزه إذا استويا في النشاف وعصيره بعصيره ورطبه برطبه

إن اختلفت البلاد فالاعتبار بالغالب فإن لم يكن غالب تعين الوجه الأول ومذهب الشافعي كهذين الوجهين (فصل) والبر والشعير مكيلان منصوص عليهما بقول النبي صلى الله عليه وسلم " البر بالبر كيلاً بكيل والشعير بالشعير كيلا بكيل " وكذلك سائر الحبوب والا بازير والاشنان والجص والنورة وما أشبهها والتمر مكيل وهو من المنصوص عليه وكذلك سائر ثمرة النخل من الرطب والبسر وغيرهما، وسائر ما تجب فيه الزكاة من الثمار مثل الزبيب والفستق والبندق واللوز والعناب والمشمش والزيتون والبطم والملح مكيل وهو من المنصوص عليه بقوله عليه السلام " الملح بالملح مداً بمد " والذهب والفضة موزونان بقوله عليه السلام " الذهب بالذهب والفضة بالفضة وزناً بوزن " وكذلك ما أشبههما من جواهر الأرض كالحديد والرصاص والصفر والنحاس والزجاج والزئبق وكذلك الابريسم والقطن والكتان والصوف وغزل ذلك وما أشبهه، ومنه الخبز واللحم والشحم والجبن والزبد والشمع والزعفران والورس والعصفر وما أشبه ذلك (فصل) والدقيق والسويق مكيلان لأن أصلهما مكيل ولم يوجد ما ينقلهما عنه ولأنهما يشبهان ما يكال وذكر القاضي في الدقيق أنه يجوز بيع بعضه ببعض وزناً ولا يمنع أن يكون موزوناً وأصله مكيل كالخبز. ولنا ما ذكرناه ولأنه يقدر بالصاع بدليل أنه يخرج في الفطر صاع من دقيق، وقد جاء ذلك في الحديث والصاع إنما يقدر به المكيلات، وعلى هذا يكون الأقط مكيلاً لأن في حديث صدقة الفطر صاع من أقط. فأما اللبن وغيره من المائعات كالأدهان من الزيت والشيرج والعسل والدبس والخل ونحو ذلك، فالظاهر أنها مكيلة. قال القاضي في الأدهان هي مكيلة وفي اللبن يصح السلم فيه كيلاً، وقال أصحاب الشافعي لا يباع اللبن بعضه ببعض إلا كيلاً، وقد روي عن أحمد رحمه الله تعالى أنه سئل عن السلف في اللبن فقال نعم كيلاً أو وزناً وذلك لأن الماء يقدر بالصاع، ولذلك قالوا: كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع ويغتسل هو وزوجته من الفرق وهذه مكاييل قدر بها الماء، وكذلك سائر المائعات، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع ما في ضروع الأنعام إلا بكيل رواه ابن ماجه، وأما غير المكيل والموزون فما لم يكن له أصل بالحجاز في كيل ولا وزن ولا يشبه ما جرى فيه عرف بذلك كالنبات والحبوب والمعدودات من الجوز والبيض والرمان والقثاء والخيار وسائر الخضر

والبقول والسفرجل والتفاح والكمثرى والخوخ ونحوها، فهذه إذا اعتبرنا التماثل فيها فإنه يعتبر في الوزن لأنه أخصر ذكره القاضي في الفواكة الرطبة وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي، والآخر قالوا يعتبر ما أمكن كيله بالكيل لأن الأصل الأعيان الأربعة وهي مكيلة، ومن شأن الفرع أن يرد إلى أصله بحكمه، والأصل حكمه تحريم التفاضل بالكيل فكذلك يكون حكم فروعه ولنا أن الوزن أخصر فوجب اعتباره في غير المكيل والموزون كالذي لا يمكن كيله، وإنما اعتبر الكيل في المنصوص لأنه يقدر به في العادة وهذا بخلافه (فصل) قال رضي الله عنه (وأما ربا النسيئة فكل شيئين ليس أحدهما ثمناً علة ربا الفضل فيهما واحدة كالمكيل بالمكيل والموزون بالموزون لا يجوز النساء فيهما وإن تفرقا قبل التقابض بطل العقد) متى كان أحد العوضين ثمناً والآخر مثمناً جاز النساء بينهما بغير خلاف لأن الشرع أرخص في السلم والأصل في رأس مال السلم الدراهم والدنانير فلو حرم النساء ههنا لا نسد باب السلم في الموزونات في الغالب وإن لم يكن أحدهما ثمناً، فكل شيئين يجري فيهما الربا بعلة واحدة كالمكيل بالمكيل والموزون بالموزون والمطعوم بالمطعوم عند من يعلل به يحرم بيع أحدهما بالآخر نسيئة بغير خلاف نعلمه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم يداً بيد " وفي لفظ " لا بأس ببيع الذهب بالفضة والفضة أكثرهما يداً بيد وأما النسيئة فلا، ولا بأس ببيع البر بالشعير - والشعير أكثرهما - يداً بيد وأما النسيئة فلا " رواه أبو داود (فصل) وإن تفرقا قبل التقابض بطل العقد، وبه قال الشافعي رحمه الله تعالى، وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى لا يشترط التقابض في غير النقدين لأن ما عداهما ليس بأثمان. فلم يشترط التقابض فيهما كغير أموال الربا كبيع ذلك بأحد النقدين، وأما قوله عليه السلام " فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم يداً بيد " فالمراد به القبض، ولأنهما مالان من أموال الربا علتهما واحدة فحرم التفرق بينهما قبل القبض كالذهب بالفضة {مسألة} (وإن باع مكيلاً بموزون كاللحم بالبر جاز التفرق قبل القبض وفي التساوي روايتان) وهذا ذكره أبو الخطاب وقال هو رواية واحدة لأن علتهما مختلفة فجاز التفرق قبل القبض كالثمن بالثمن، ويحتمل كلام الخرقي وجوب التقابض لأنه قال: وما كان من جنسين فجائز التفاضل فيه يداً بيد

وهل يجوز النساء؟ فيه روايتان (إحداهما) لا يجوز ذكرها الخرقي لأنهما مالان من أموال الربا فلم يجز النساء فيهما كالمكيل بالمكيل (والثانية) يجوز وهو قول النخعي لأنهما لم يجتمعا في أحد وصفي علة ربا الفضل فجاز النساء فيهما كالثياب بالحيوان وعند من يعلل بالطعم لا يجيزه ههنا وجهاً واحداً {مسألة} (وما لا يدخله ربا الفضل كالثياب والحيوان يجوز النساء فيهما، وعنه لا يجوز وعنه لا يجوز في الجنس الواحد كالحيوان بالحيوان ويجوز في الجنسين كالثياب بالحيوان) فيه أربع روايات (إحداهن) لا يحرم النساء فيه سواء بيع بجنسه أو بغيره متساوياً أو متفاضلاً، وقال القاضي إن كان مطعوماً حرم النساء فيه وإن لم يكن مكيلاً ولا موزوناً، وهذا مبني على أن العلة الطعم وهو مذهب الشافعي، ووجه جواز النساء ما روى أبو داود عن عبد الله بن عمر وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يجهز جيشاً فنفدت الإبل فأمره أن يأخذ في قلاص الصدقة فكان يأخذ البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة، وروى سعيد في سننه عن أبي معشر عن صالح بن كيسان عن الحسن بن محمد بن علي أن علياً باع بعيراً له يقال له عصيفير بأربعة أبعرة إلى أجل ولأنهما مالان لا يجري فيهما ربا الفضل فجاز النساء فيهما كالعرض بالدينار، ولأن النساء أحد نوعي الربا فلم يجز في الأموال كلها كالنوع الآخر فعلى هذه الرواية علة تحريم النساء الوصف الذي مع الجنس. أما الكيل أو الوزن أو الطعم عند من يعلل به فيختص تحريم النساء بالمكيل والموزون عند من يعلل به اختاره القاضي (والرواية الثانية) يحرم النساء في كل مال بيع بمال آخر سواء كان من جنسه أو لا لما روى سمرة رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة. قال الترمذي حديث صحيح ولم يفرق بين الجنس والجنسين، ولأنه بيع عرض بعرض فحرم النساء بينهما كالجنسين من أموال الربا فيكون علة النساء بينهما المالية على هذه الرواية. قال القاضي فعلى هذا لو باع عرضاً بعرض ومع أحدهما دراهم العروض نقدا والدراهم نسئية جاز وإن كان بالعكس لم يجز لأنه يفضي إلى النسئية في العروض (قال شيخنا) وهذه الرواية ضعيفة جداً لأنه إثبات حكم يخالف الأصل بغير نص. ولا إجماع ولا قياس صحيح فإن للمحل المجمع عليه أو المنصوص عليه أو صافا لها أثر في تحريم الفضل فلا يجوز حذفها عن درجة الاعتبار، وما هذا سبيله لا يجوز إثبات الحكم فيه وإن لم يخالف أصلا فكيف مع مخالفة الأصل في حل البيع؟ فأما حديث سمرة فهو من رواية الحسن عن سمرة، وأبو عبد الله لا يصحح سماع الحسن من سمرة قاله الأثرم (والرواية الثالثة) يحرم النساء في كل ما بيع بجنسه كالحيوان بالحيوان والثياب بالثياب ولا يحرم

ولا يجوز المحاقلة وهو بيع الحب في سنبله وفي بيعه بغير جنسه وجهان

في غير ذلك وهذا مذهب أبي حنيفة ويروى كراهة بيع الحيوان بالحيوان نساء عن ابن الحنفية وعبد الله ابن عبيد بن عمير وعكرمة بن خالد وابن سيرين والثوري والحسن وروي ذلك عن عمار وابن عمر لحديث سمرة ولأن الجنس أحد وصفي علة ربا الفضل فحرم النساء كالكيل والوزن (والرواية الرابعة) لا يحرم النساء إلا فيما بيع بجنسه متفاضلاً لما روى جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " الحيوان اثنين بواحد لا يصلح نساء ولا بأس به يداً بيد " قال الترمذي حديث حسن، وروي الإمام أحمد بإسناده عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلاً قال يا رسول الله أرأيت الرجل يبيع الفرس بالأفراس والنجيبة بالإبل؟ فقال لا باس إذا كان يداً بيد " وهذا يدل بمفهومه على إباحة النساء مع التماثل والرواية الأولى أصح لموافقتها الأصل، والأحاديث المخالفة لها قد قال أحمد ليس فيها حديث يعتمد عليه ويعجبني أن يتوقاه وذكر له حديث ابن عباس وابن عمر في هذا فقال هما مرسلان، وحديث سمرة قد أجبنا عنه وحديث جابر قال أبو عبد الله هذا حجاج زاد فيه نساء، وليث بن سعيد قال يعقوب بن شيبة هو واهي الحديث وهو صدوق، وان كان أحد المبيعين مما لا ربا فيه والآخر فيه ربا كالمكيل بالمعدود ففي تحريم النساء فيهما روايتان {مسألة} (ولا يجوز بيع الكالئ بالكالئ وهو بيع الدين بالدين) لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الكالئ بالكالئ رواه أبو عبيد في الغريب (فصل) قال رحمه الله تعالى (ومتى افترق المتصارفان قبل التقابض أو افترقا عن مجلس السلم قبل قبض رأس ماله بطل العقد) أما إذا افترقا عن مجلس السلم قبل قبض رأس المال فسيذكر في بابه إن شاء الله تعالى، وأما الصرف فهو بيع الأثمان بعضها ببعض، والقبض في المجلس شرط لصحته بغير خلاف. قال إبن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن المتصارفين إذا افترقا قبل أن يتقابضا أن الصرف فاسد لقول النبي صلى الله عليه وسلم " اذهب بالورق ربا إلا هاء وهاء " وقوله عليه السلام " بيعوا الذهب بالفضة كيف شئتم يداً بيد " ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الذهب بالورق دينا ونهى أن يباع غائب منها بناجز وكلها أحاديث صحاح. ويجزئ القبض في المجلس وإن طال، ولو تماشيا مصطحبين إلى منزل أحدهما أو إلى الصراف فتقابضاه عنده جاز، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه، وقال مالك لاخير في ذلك لأنهما فارقا مجلسهما ولنا أنهما لم يتفارقا قبل التقابض فأشبه مالو كانا في سفينة تسير بهما أو راكبين على دابة واحدة تمشي بهما وقد دل على ذلك حديث أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه في قوله للذين مشياً إليه من جانب العسكر: وما أراكما افترقتما. وإن تفرقا قبل التقابض بطل العقد لفوات شرطه

{مسألة} وإن قبض البعض ثم افترقا بطل في الجميع في أحد الوجهين، وفي الآخر يبطل فيما لم يقبض بناء على تفريق الصفقة، ولو وكل أحدهما وكيلاً في القبض فقبض الوكيل قبل تفرقهما جاز وقام قبض وكيله مقام قبضه سواء فارق الوكيل المجلس قبل القبض أو لم يفارقه، وإن افترقا قبل قبض الوكيل بطل لأن القبض في المجلس شرط وقد فات، وإن تخايرا قبل القبض في المجلس لم يبطل العقد بذلك لأنهما لم يتفرقا قبل القبض، ويحتمل أن يبطل إذا قلنا بلزوم العقد وهو مذهب الشافعي لأن العقد لم يبق فيه خيار قبل القبض أشبه ما لو افترقا، والصحيح الأول فإن الشرط التقابض في المجلس وقد وجد واشتراط التقابض قبل اللزوم تحكم بغير دليل ثم يبطل بما إذا تخايرا قبل الصرف ثم اصطرفا فإن الصرف يقع لازماً صحيحاً قبل القبض ثم يشترط القبض في المجلس (فصل) ولو صارف رجلاً ديناراً بعشرة دراهم وليس معه إلا خمسة لم يجز أن يتفرقا بل قبض العشرة، فإن قبض الخمسة وافترقا فهل يبطل في الجميع أو في نصف الدينار؟ ينبني على تفريق الصفقة فان ارادا صحة العقد فسخا الصرف في النصف الذي ليس معه عوضه أو يفسخان العقد كله ثم يشتري منه نصف الدينار بخمسة ويدفعها إليه ثم يأخذ الدينار كله فيكون نصفه له والباقي أمانة في يده ويتفرقان ثم إذا صارفه بعد ذلك بالباقي له من الدينار أو اشترى به منه شيئاً أو جعله سلما في شئ أو وهبه إياه جاز، ولو اشترى فضة بدينار ونصف ودفع إلى البائع دينارين وقال أنت وكيلي في نصف الدينار الزائد صح، ولو صارفه عشرة دراهم بدينار فأعطاه أكثر من دينار ليزن له حقه في وقت آخر جاز وإن طال ويكون الزائد أمانة في يده لا شئ عليه في تلفه نص أحمد على أكثر هذه المسائل، فإن لم يكن مع أحدهما إلا خمسة دراهم فاشترى بها نصف دينار وقبض ديناراً كاملاً ودفع إليه الدراهم ثم اقترضها منه واشترى بها النصف الباقي أو اشترى الدينار منه بعشرة ابتداء ودفع إليه الخمسة ثم اقترضها منه ودفع إليه عوضاً عن النصف الآخر على غير وجه الحيلة فلا بأس {مسألة} (وإن تقابضا ثم افترقا فوجدا أحدهما ما قبضه رديئاً فرده بطل العقد في إحدى الروايتين) هذا إن كان فيه عيب من غير جنسه لأنهما تفرقا قبل قبض المعقود عليه فيما يشترط قبضه اختاره القاضي، والآخر لا يبطل لأن قبض عوضه في مجلس الرد يقوم مقام قبضه في المجلس وإن رد بعضه وقلنا يبطل في المردود فهل يبطل في الباقي؟ على روايتين بناء على تفريق الصفقة، وإن كان العيب من جنسه فسنذكره إن شاء الله تعالى (فصل) فإذا باع مدي تمر ردئ بدرهم ثم اشترى بالدرهم تمراً جيداً أو اشترى من رجل ديناراً صحيحاً بدراهم وتقابضا ثم اشترى منه بالدراهم قراضة عن غير مواطأة ولا حيلة فلا بأس به، وقال ابن أبي موسى لا يجوز إلا أن يمضي الى غيره ليبتاع منه فلا يستقيم له فيجوز أن يرجع إلى البائع

فيبتاع منه، وقال أحمد في رواية الأثرم يبيعها من غيره أحب إلي، قلت له فإن لم يعلمه أنه يريد أن يبيعها منه، فقال يبيعها من غيره فهو أطيب لنفسه وأحرى أن يستوفي الذهب منه فإنه إذا ردها إليه لعله أن لا يوفيه الذهب ولا يحكم الوزن ولا يستقصي، يقول هي ترجع إليه، قيل لأبي عبد الله فذهب ليشتري الدراهم بالذهب الذي أخذها منه من غيره (قوله فذهب الخرقي العبارة تعقيد واضطراب فتراجع في مظنتها من المغني) فلم يجدها فرجع إليه، فقال إذا كان لا يبالي اشترى منه أو من غيره فنعم، فظاهر هذا أنه على وجه الاستحباب لا الإيجاب ولعل أحمد إنما أراد اجتناب المواطأة على هذا ولهذا قال إذا كان لا يبالي اشترى منه أو من غيره فنعم، وقال مالك إن فعل ذلك مرة جاز وإن فعله أكثر من مرة لم يجز لأنه يضارع الربا ولنا ما روى أبو سعيد رضي الله عنه قال: جاء بلال رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم بتمر برني، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " من أين هذا؟ " قال بلال كان عندنا تمر ردئ فبعت صاعين بصاع ليطعم النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " أوه عين الربا عين الربا لا تفعل، ولكن إذا أردت أن تشتري فبع التمر ببيع آخر ثم اشتربه " وروى أبو سعيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلاً على خيبر فجاء بتمر جنيب فقال " أكل تمر خيبر وهكذا؟ " فقال لا والله إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين والصاعين بالثلاثة فقال النبي صلى الله عليه وسلم " لا تفعل بع التمر بالدراهم ثم اشتر بالدراهم جنيباً " متفق عليهما ولم يأمره أن يبيعه من غير من يشتري منه، ولو كان ذلك محرماً لبينه له وعرفه إياه، ولأنه باع الجنس بغيره من غير شرط ولا مواطأة فجاز كما لو باعه من غيره، ولأن ما جاز من البياعات مرة جاز على الإطلاق كسائر البياعات، فإن تواطآ على ذلك لم يجز وكان حيله محرمة، وبه قال مالك وقال أبو حنيفة والشافعي يجوز ما لم يكن مشروطاً في العقد. ولنا أنه إذا كان عن مواطأة كان حيلة والحيل محرمة على ما سنذكره (فصل) والصرف ينقسم إلى قسمين (أحدهما) أن يبيع عينا بعين وهو أن يقول بعتك هذا الدينار بهذه الدراهم (والثاني) أن يقع العقد على موصوف نحو أن يقول بعتك دينارا مصريا بعشرة دراهم ناصرية وقد يكون أحد العوضين معيناً دون الأخر وكل ذلك جائز، وظاهر المذهب أن النقود تتعين بالتعيين في العقود فيثبت الملك في أعيانها، فإن تبايعا عيناً بعين ثم تقابضا فوجد أحدهما عيباً فيما قبضه فذلك قسمان (عبارة المغني في الصفحة السابقة. لم يخل من قسمين. وهو جواب الشرط. وما هنا لا يصلح جوابا بل هو معطوف على ما قبله) (أحدهما) أن يكون العيب غشا من غير جنس المبيع كالنحاس في الدراهم والمس في الذهب فالصرف باطل وهو قول الشافعي، وذكر أبو بكر فيها ثلاث روايات (إحداهن) البيع باطل (والثانية) صحيح وللمشتري الخيار والترك وأخذ البدل (والثالثة) يلزمه العقد وليس له رد ولا بدل. ولنا انه باعه غير ما سمى له فلم يصح كما لو قال بعتك هذه البغلة فإذا هو حمار، أو هذا الثوب القز وإذا هو كتان، وأما القول بأنه يلزمه البيع فلا يصح لأنه اشترى معيباً لم يعلم عيبه فلم يلزمه ذلك بغير أرش كسائر البياعات (القسم الثاني) أن يكون العيب من جنسه كالسواد في الفضة والخشونة

فيعطيه من التمر مثل ما يؤول إليه مما في النخل عند الجفاف وعنه يعطيه مثل رطبه وقد ذكرناه

كونها تتفطر (لعل أصله ككونها تتفطر وانظر عبارة المغني في اوائل هذه الصفحة فهي أصرح وأفصح) عند الضرب أوان سكتها مخالفة لسكة السلطان فيصح العقد ويخير المشتري بين الامساك والترك ولا بدل له لأن العقد وقع على معين فإذا أخذ غيره أخذ ما لم يشتره، وإن قلنا أن النقد لا يتعين بالتعيين في العقد فله أخذ البدل ولا يبطل العقد لأن الذي قبضه ليس هو المعقود عليه فأشبه المسلم إذا قبضه فوجد به عيبا ومذهب الشافعي في هذا الفصل على ما ذكرناه (فصل) ولو أرادا أخذ أرش العيب والعوضان في الصرف من جنس واحد لم يجز لحصول الزيادة في أحد العوضين وفوات المماثلة المشترطة في الجنس الواحد، وخرج القاضي وجها لجواز أخذ الأرش في المجس لأن الزيادة طرأت بعد العقد وليس لذلك وجه فإن أرش العيب من العوض يجبر به في المرابحة ويرد به إذا رد المبيع بفسخ أو إقالة ولو لم يكن من العوض فبأي شئ استحقه المشتري فإنه ليس بهبة، على أن الزيادة في المجلس من العوض وإن لم يكن أرشا فالارش أولى، وإن كان الصرف بغير جنسه فله أخذ الأرش في المجلس لأن المماثلة غير معتبرة، وتختلف قبض بعض العوض عن بعض لا يضر ماداما في المجلس فجاز كما في سائر المبيع، وإن كان بعد التفرق لم يجز لأنه يفضي إلى حصول التفرق قبل قبض أحد العوضين إلا أن يجعلا الأرش من غير جنس الثمن كأنه أخذ أرش عيب الفضة حنطة فيجوز، وكذلك الحكم في سائر أموال الربا فيما بيع بجنسه أو بغير جنسه مما يشترط فيه القبض، فإذا كان مما لا يشترط قبضه كمن باع قفيز حنطة بقفيزي شعير فوجد أحدهما عيباً فأخذ أرشه درهماً جاز وإن كان بعد التفرق لأنه لم يحصل التفرق قبل قبض ما يشترط فيه القبض

ولا يجوز في سائر الثمار في أحد الوجهين

(فصل) وإن تلف العوض في الصرف بعد القبض ثم علم عيبه فسخ العقد ويرد الموجود وتبقى قيمة العيب في ذمة من تلف في يده فيرد مثلها أو عوضها إن اتفقا عليه سواء كان الصرف بجنسه أو بغير جنسه ذكره ابن عقيل وهو قول الشافعي، قال ابن عقيل وقد روي عن أحمد جواز أخذ الأرش والأول أولى إلا أن يكونا في المجلس والعوضان من جنسين (القسم الثاني) أن يصطرفا في الذمة فيصح

سواء كانت الدراهم والدنانير عندهما أولا إذا تقابضا قبل الافتراق وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي. وحكي عن مالك لا يجوز الصرف إلا أن تكون العينان حاضرتين وعنه لا يجوز حتى تظهر إحدى العينين وتعين وعن زفر مثله لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا تبيعوا غائباً منها بناجز " ولأنه إذا لم يعين أحد العوضين كان بيع دين بدين. ولنا أنهما تقابضا في المجلس فصح كما لو كانا حاضرين، والحديث يراد به ان لا يباع عاجل بآجل أو مقبوض بغير مقبوض بدليل ما لو غير أحدهما فإنه يصح وإن كان الآخر غائباً ولأن القبض في المجلس جرى مجرى القبض حالة العقد ألا ترى إلى قوله عيناً بعين يداً بيد، والقبض يجري في المجلس كذا التعيين. إذا ثبت هذا فلا بد من تعينها بالتقابض في المجلس ومتى تقابضا فوجد أحدهما بما قبضه عيباً قبل التفرق فله المطالبة بالبدل سواء كان العيب من جنسه أو من غير جنسه لأن العقد وقع على مطلق لاعيب فيه فكان له المطالبة بما وقع عليه العقد كالمسلم فيه وإن رضيه بعيبه والعيب من جنسه جاز كما لو رضي بالمسلم فيه معيباً، وان اختار أخذ أرشه وكان العوضان من جنسين جاز وإن كانا من جنس لم يجز وقد ذكرناه، وإن تقابضا ثم افترقا ثم وجد العيب من جنسه فله إبداله في إحدى الروايتين اختارها الخلال والخرقي وروي ذلك عن الحسن وقتادة وبه قال أبو يوسف ومحمد وهو أحد قولي الشافعي لأن ما جاز إبداله قبل التفرق جاز بعد التفرق كالمسلم فيه (والثانية) ليس له ذلك اختارها أبو بكر وهو مذهب أبي حنيفة. والقول الثاني للشافعي لأنه يقبضه بعد التفرق ولايجوز ذلك في الصرف، ومن نصر الرواية الأولى قال قبض الأول صح

وإن تلفت بجائحة من السماء رجع على البائع، وعنه إن أتلفت الثلث فصاعدا ضمنه البائع وإلا فلا

به العقد وقبض الثاني بدل عن الأول، ويشترط أن يأخذ البدل في مجلس الرد فإن لم يأخذه فيه بطل العقد، وإن وجد البعض رديئا فرده فعلى الرواية الأولى له البدل وعلى الثانية يبطل في المردود وهل يصح فيما لم يرد على وجهين بناء على تفريق الصفقة ولافرق بين كون المبيع من جنس أو من جنسين وقال مالك إن وجد درهماً زيفاً فرضي به جاز وإن رده انتقض الصرف في دينار وإن رد أحد عشر درهماً انتقض في دينارين وكلما زاد على دينار انتقض الصرف في دينار آخر ولنا أن ما لا عيب فيه لم يرد فلم ينتقض الصرف فيما يقابله كسائر العوض، وإن اختار واجد العيب الفسخ فعلى قولنا له البدل ليس له الفسخ إذا أبدل له لأنه يمكنه أخذ حقه غير معيب، وعلى الرواية الأخرى له الفسخ أو الإمساك في الجميع لأنه تعذر عليه الوصول إلى ما عقد عليه مع إبقاء العقد وان اختار أخذ أرش العيب بعد التفرق لم يكن له ذلك لأنه عوض يقبضه بعد التفرق عن الصرف ويجوز على الرواية الأخرى (فصل) ومن شرط المصارفة في الذمة أن يكون العوضان معلومين إما بصفة يتميزان بها أو يكون للبلد نقد معلوم أو غالب فينصرف الإطلاق إليه، فلو قال بعتك دينارا مصريا بعشرين درهماً من نقد عشرة بدينار لم يصح إلا أن لا يكون في البلد نقد عشرة بدينار إلا نوع واحد فتنصرف الصفة إليه وكذلك الحكم في البيع (فصل) وإذا كان لرجل في ذمة رجل ذهب وللآخر عليه دراهم فاصطرفا بما في ذمتهما لم يصح وبهذا قال الليث والشافعي، وحكى ابن عبد البر عن مالك وأبي حنيفة جوازه لأن الذمة الحاضرة كالعين

ولا يجوز بيع تمر منزوع النوى بما نواه فيه لاشتمال أحدهما على ما ليس من جنسه دون الآخر

الحاضرة ولذلك جاز أن يشتري الدراهم بدينار من غير تعيين ولنا أنه بيع دين بدين وقد قال إبن المنذر أجمع أهل العلم على أن بيع الدين بالدين لا يجوز، وقال أحمد إنما هو إجماع وقد روى أبو عبيد في الغريب أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الكالئ بالكالئ وفسره بالدين بالدين إلا أن الأثرم روى أن أحمد سئل أيصح هذا الحديث؟ قال لا. فأما الصرف فإنما صح بغير تعيين بشرط أن يتقابضا في المجلس فجرى القبض والتعيين في المجلس مجرى وجوده حالة العقد، ولو كان لرجل على رجل دنانير فقضاه دراهم شيئاً بعد شئ فإن كان يعطيه كل درهم بحسابه من الدنانير صح نص عليه، فإن لم يفعل ذلك ثم تحاسبا بعد فصارفه بها وقت المحاسبة لم يجز نص عليه لأن الدنانير دين والدراهم قد صارت ديناً فيصير بيع دين بدين، وإن قبض أحدهما من الآخر ماله عليه ثم صارفه بعين وذمة صح، وإذا أعطاه الدراهم شيئا بعد شئ ولم يقبضه إياها وقت دفعها إليه ثم أحضرها وقوماها قانه يحتسب بقيمتها يوم القضاء لايوم دفعها اليه لأنه قبل ذلك لم تصر في ملكه إنما هي وديعة في يده، وإن تلفت أو نقصت فهي من ضمان مالكها ويحتمل أن تكون من ضمان القابض إذا قبضها بنية الاستيفاء لأنها مقبوضة على أنها عوض ووفاء، والمقبوض في عقد فاسد كالمقبوض في عقد صحيح فيما يرجع إلى الضمان وعدمه، ولو كان لرجل عند صيرفي دنانير فأخذ منه دراهم أدراراً لتكون هذه بهذه لم يكن كذلك بل كل واحد منهما في ذمة من قبضه، فإذا أرادا التصارف أحضرا أحدهما واصطرفا بعين وذمة (فصل) ويجوز اقتضاء أحد النقدين من الآخر ويكون صرفا بعين وذمة في قول الأكثرين ومنع

وفي بيع النوى بتمر فيه النوى واللبن بشاة ذات لبن، والصوف بنعجة عليها صوف روايتان

منه ابن عباس وأبو سلمة بن عبد الرحمن وابن شبرمة، وروي عن ابن مسعود لأن القبض شرط وقد يختلف ولنا أن ابن عمر قال: كنت أبيع الإبل فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم، وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير، آخذ هذه من هذه وأعطي هذه من هذه، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم في بيت حفصة فقلت يارسول الله رويدك أسألك إني أبيع الإبل بالبقيع فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم، وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير، آخذ هذه من هذه وأعطي هذه من هذه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا بأس ان تأخذها بسعر يومها ما لم تفرقا وليس بينكما شئ " رواه أبو داود والاثرم قال أحمد إنما يقضيه إياها بالسعر لم يختلفوا إلا ما قال أصحاب الرأي أنه يقضيه مكانها ذهباً على التراضي لأنه بيع في الحال فجاز ما تراضيا عليه إذا اختلف الجنس كما لو كان العوض عرضاً ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " لا بأس ان تأخذها بسعر يومها " فشرط أخذها بالسعر وروي أن بكر ابن عبد الله ومسروقاً العجلي سألا ابن عمر عن كري لهما له عليهما دراهم وليس معهما إلا دنانير فقال ابن عمر أعطوه بسعر السوق. ولأن هذا جرى مجرى القضاء فيقيد بالمثل كالقضاء من الجنس والتماثل ههنا بالقيمة لتعذر التماثل بالصورة، قيل لأبي عبد الله فإن أهل السوق يتغابنون بينهم بالدانق في الدينار وما أشبهه فقال إن كان مما يتغابن الناس به فسهل ما لم يكن حيلة (فصل) فإن كان المقضي الذي في الذمة مؤجلاً فقد توقف أحمد فيه، وقال القاضي يحتمل وجهين (احدهما) المنع وهو قول مالك ومشهور قولي الشافعي لأن ما في الذمة غير مستحق القبض فكان

القبض ناجزاً في أحدهما والناجز يأخذ قسطاً من الثمن (الثاني) الجواز وهو قول أبي حنيفة لأنه ثابت في الذمة وما في الذمة بمنزلة المقبوض فكأنه رضي بتعجيل المؤجل، وهذا هو الصحيح إذا قضاه بسعر يومها ولم يجعل للمقتضي فضلاً لأجل تأجيل ما في الذمة لأنه إن لم ينقض عن سعرها شيئاً فقد رضي بتعجيل ما في الذمة بغير عوض فأشبه مالو قضاه من جنس الدين، ولم يستفصل النبي صلى الله عليه وسلم ابن عمر حين سأله، ولو افترق الحال لسأل واستفصل. هذا اختيار شيخنا (فصل) قال أحمد لو كان لرجل على رجل عشرة دراهم فدفع إليه ديناراً وقال استوف حقك منه فاستوفاه بعد التفرق جاز، ولو كان عليه دنانير فوكل غريمه في بيع داره واستيفاء دينه من ثمنها فباعها بدراهم لم يجز أن يأخذ منها بقدر حقه لأنه لم يأذن له في مصارفة نفسه ولأنه متهم نص أحمد على ذلك (فصل) ولو كان له عند رجل دينار وديعة فصارفه به وهو معلوم بقاؤه أو مظنون صح الصرف وإن ظن عدمه لم يصح لأن حكمه حكم المعدوم، وإن شك فيه فقال ابن عقيل يصح وهو قول بعض الشافعية، وقال القاضي لا يصح لأنه غير معلوم البقاء وهو منصوص الشافعي. ووجه الأول أن الأصل بقاؤه فصح البناء عليه عند الشك لأن الشك لا يزيل اليقين، ولذلك صح بيع الحيوان المشكوك في حياته فإن تبين أنه كان تالفاً حين العقد تبينا أن العقد وقع باطلاً (فصل) وإذا عرف المصطرفان وزن العرضين جاز أن يتبايعا بغير وزن، وكذلك لو أخبر أحدهما الآخر بوزن ما معه فصدقه فإذا باع ديناراً بدينار كذلك وافترقا فوجد أحدهما ما قبضه ناقصاً بطل الصرف لأنهما تبايعاً ذهباً بذهب متفاضلا، فان وجد أحدهما فيما قبضه زيادة على الدينار فإن كان قال بعتك هذا الدينار بهذا فالعقد باطل لوجود التفاضل وإن قال بعتك ديناراً بدينار ثم تقابضا كان الزائد في يد القابض مشاعاً مضموناً لمالكه لأنه قبضه على أنه غوض ولم يفسد العقد لأنه إنما باع

والمرجع في الكيل والوزن إلى عرف أهل الحجاز في زمن النبي صلى الله عليه وسلم أما ما لا عرف لهم فيه ففيه وجهان

ديناراً بمثله وإنما وقع القبض للزيادة على المعقود عليه، فإن أراد دفع عوض الزائد جاز سواء كان من جنسه أو من غيره لأنها معاوضة مبتدأة، وإن أراد أحدهما الفسخ فله ذلك لأن آخذ الزائد وجد المبيع مختلطاً بغيره معيباً بعيب الشركة ودافعة لا يلزمه أخذ عوضه إلا أن يكونا في المجلس فيرد الزائد أو يدفع بدله، ولو كان لرجل على رجل عشرة دنانير فوفاه عشرة عدداً فوجدها أحد عشر كان هذا الدينار زائداً في يد القابض مشاعاً مضموناً لمالكه لأنه قبضه على أنه عوض عما له فكان مضموناً بهذا القبض ولمالكه التصرف فيه كيف شاء {مسألة} (والدراهم والدنانير تتعين بالتعيين في العقد في أظهر الروايتين فلا يجوز ابدالها، وان خرجت مغصوبة بطل العقد) وبه قال مالك والشافعي وعن أحمد أنها لا تتعين بالعقد فيجوز إبدالها ولا يبطل العقد بخروجها مغصوبة، وهذا مذهب أبي حنيفة لأنه يجوز إطلاقها في العقد فلم تتعين بالتعيين كالمكيال والصنجة. ولنا أنه عوض في عقد فيتعين بالتعيين كسائر الأعواض ولأنه أحد العوضين فيتعين بالتعيين كالآخر ويفارق ما ذكروه فإنه ليس بعوض وإنما يراد لتقدير المعقود عليه وتعريف قدره ولا يثبت فيها الملك بحال بخلاف مسئلتنا، وإنما جاز إطلاقها لأن لها عرفا ينصرف إليه يقوم في بابها مقام الصفة، فعلى هذا إن وجدها معيبة خير بين الإمساك والرد كالعوض الآخر، ويتخرج أن يمسك ويطالب بالإرش لأنه مبيع أشبه سائر المبيعات، وإن كان ذلك في الصرف فقد ذكرناه. هذا إن كان العيب من جنس النقود وإن كان من غير جنسها كالنحاس في الفضة والفضة في الذهب وكان في جميعها بطل العقد وإن كان في بعضها بطل فيه، وفي الباقي وجهان بناء على تفريق الصفقة وإن قلنا لا يتعين انعكست هذه الأحكام

(فصل) في إنفاق المغشوش من النقود وفيه روايتان أظهرهما الجواز نقل صالح عنه في دراهم يقال لها المسيبية عامتها نحاس إلا شيئاً فيها فضة فقال إذا كان شيئاً اصطلحوا عليه مثل الفلوس اصطلحوا عليها فأرجوا أن لا يكون بها بأس (والثانية) التحريم نقل حنبل في دراهم يخلط فيها مس ونحاس يشتري بها ويباع فلا يجوز أن يبتاع بها أحد، كل ما وقع عليه اسم الغش فالشراء به والبيع حرام، وقال أصحاب الشافعي إن كان الغش مما لا قيمة له جاز الشراء بها، وإن كان مما له قيمة ففي جواز إنفاقها وجهان. واحتج من منع المغشوشة بقول النبي صلى الله عليه وسلم " من غشنا فليس منا " وبأن عمر نهى عن بيع نفاية بيت المال ولأن المقصود فيه مجهول أشبه تراب الصاغة، والأولى أن يحمل كلام أحمد في الجواز على الخصوص فيما ظهر عيبه واصطلح عليه فإن المعاملة به جائزة إذ ليس فيه أكثر من اشتماله على جنسين لا غرر فيهما فلا يمنع من بيعهما كما لو كانا متميزين ولأن هذا مستفيض في الأعصار جار بينهم من غير نكير وفي تحريمه مشقة وضرر وليس شراؤه بها غشاً للمسلمين ولا تغريراً لهم والمقصود منها ظاهر مرئي معلوم بخلاف تراب الصاغة، ورواية المنع محمولة على ما يخفى غشه ويقع اللبس به فإن ذلك يفضي إلى التغرير بالمسلمين، وقد أشار أحمد إلى هذا فقال في رجل اجتمعت عنده دراهم زيوف ما يصنع بها؟ قال يسبكها. قيل له فيبيعها بدينار؟ قال لا، قيل يبيعها بفلوس؟ قال لا إني أخاف أن يغربها مسلماً قيل لأبي عبد الله فيتصدق بها؟ قال: إني أخاف أن يغربها مسلماً، وقال ما ينبغي له أن يغربها المسلمين ولا أقول أنه حرام لأنه على تأويل وذلك إنما كرهته لأنه يغربها مسلماً. فقد صرح بأنه إنما كرهه لما فيه من التغرير بالمسلمين وعلى هذا يحمل منع عمر بيع نفاية بيت المال لما فيه من التغرير

فإن مشتريها ربما خلطها بدراهم جيدة واشترى بها ممن لا يعرف حالها ولو كانت مما اصطلحوا على انفاقه لم تكن نفاية، فإن قيل روي عن عمر أنه قال من زافت عليه دراهمه فليخرج بها إلى البقيع فليشتر بها سحق الثياب، وهذا دليل على جواز إنفاق المغشوشة التي لم يصطلح عليها قلنا قد قال أحمد معنى زافت عليه دراهمه أي نفيت ليس أنها زيوف ويتعين حمله على هذا جمعاً بين الروايتين عنه ويحتمل أنه أراد ما ظهر غشه وبان زيفه بحيث لا يخفى على أحد ولا يحصل بها تغرير، وإن تعذر تأويلها تعارضت الروايتان عنه ويرجع إلى ما ذكرنا من المعنى ولا فرق بين ما كان غشه يبقى كالنحاس والرصاص وما لا ثبات له كالزرنيخية والأندرانية وهو زرنيخ ونورة يطلى عليه فضة فإذا دخل النار استهلك الغش وذهب.

وإن باع مكيلا بموزون كاللحم بالبر جاز التفرق قبل القبض وفي التساوي روايتان

(فصل) ولايجوز بيع تراب الصاغة والمعدن بشئ من جنسه لأنه مال ربا بيع بجنسه على وجه لا تعلم المماثلة بينهما فلم يصح كبيع الصبرة بالصبرة وان بيع بغير جنسه، وحكى ابن المنذر عن أحمد كراهة بيع تراب المعادن وهو قول عطاء والشعبي والشافعي والثوري واسحاق لأنه مجهول، وقال ابن أبي موسى في

وما لا يدخله ربا الفضل كالثياب والحيوان يجوز النساء فيهما، وعنه لا يجوز، وعنه لا يجوز في الجنس الواحد كالحيوان ويجوز في الجنسين كالثياب بالحيوان

الإرشاد يجوز وهو قول مالك، وروي ذلك عن الحسن والنخعي وربيعة والليث قالوا فإن اختلط واشكل فليبعه يعرض ولا يبيعه بعين ولا ورق لأنه باعه بما لاربا فيه فجاز كما لو اشترى ثوباً بدينار ودرهم (فصل) والحيل كلها محرمة لا تجوز في شئ من الدين وهو أن يظهر عقداً مباحاً يريد به محرماً مخادعة وتوسلا إلى فعل ما حرم الله عزوجل واستباحة محظوراته أو إسقاط واجب أو دفع حق ونحو ذلك قال أيوب السختياني رحمه الله أنهم ليخادعون الله سبحانه كما يخادعون صبياً، لو كانوا يأتون الأمر على وجهه كان أسهل علي. فمن ذلك ما لو كان لرجل عشرة صحاح ومع آخر خمسة عشر مكسرة فاقترض كل واحد منهما ما مع صاحبه ثم تباريا توصلا إلى بيع الصحاح بالمكسرة متفاضلاً أو باعه الصحاح بمثلها من المكسرة ثم وهبه الخمسة الزائدة أو اشترى منه بها أوقية صابون ونحوها مما يأخذه بأقل من قيمته أو اشترى منه بعشرة إلا حبة من الصحيح بمثلها من المكسرة واشترى منه بالحبة الباقية ثوباً قيمته خمسة دنانير، وهكذا لو أقرضه شيئاً وباعه سلعة بأكثر من قيمتها أو اشترى منه سلعة بأقل من قيمتها توصلا إلى أخذ عوض عن القرض فكل ما كان من هذا على وجه الحيلة فهو خبيث محرم وبهذا قال مالك، وقال أبو حنيفة هذا كله وأشباهه جائز إن لم يكن مشروطاً في العقد، وقال بعض أصحاب الشافعي يكره أن يدخلا في البيع على ذلك لأن كل ما لا يجوز شرطه في العقد يكره أن يدخلا عليه

وإن تقابضا ثم افترقا فوجد أحدهما ما قبضه رديئا فرده بطل العقد في إحدى الروايتين

ولنا أن الله تعالى عذب أمة بحيلة احتالوها فمسخهم قردة وسماهم معتدين وجعل ذلك نكالا وموعظة للمتعين ليتعظوا بهم ويمتنعوا من مثل أفعالهم، قال بعض المفسرين في قوله تعالى (وموعظة للمتقين) أي لأمة محمد صلى الله عليه وسلم فروي أنهم كانوا ينصبون شباكهم يوم الجمعة ويتركونها إلى يوم الأحد ومنهم من كان يحفر حفائر ويجعل إليها مجاري فيفتحها يوم الجمعة فإذا جاء السمك يوم السبت جرى مع الماء في المجاري فيقع في الحفائر فيدعها إلى يوم الأحد ثم يأخذها ويقول ما اصطدت يوم السبت ولا اعتديت فيه وهذا حيلة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم " من أدخل فرساً بين فرسين وقد أمن أن يسبق فهو قمار " رواه أبو داود فجعله قماراً مع ادخاله الفرس الثالث لكونه لايمنع معنى القمار وهو كون كل واحد من المتسابقين لا ينفك عن كونه آخذاً أو مأخوذاً منه وإنما دخل صورة تحيلاً على إباحة محرم وسائر الحيل مثل ذلك، ولأن الله تعالى إنما حرم المحرمات لمفسدتها والضرر الحاصل منها ولا تزول مفسدتها مع بقاء معناها باظهارهما صورة غير صورتها فوجب أن لا يزول التحريم كما لو سمى الخمر بغير اسمها لم يبح ذلك شربها، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " ليستحلن قوم من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها " ومن الحيل في غير الربا أنهم يتوصلون إلى بيع المنهي عنه بأن يستأجروا بياض أرض البستان بأمثال أجرته ثم يساقيه على ثمر شجرة بجزء من ألف جزء للمالك وتسعمائة وتسعة وتسعون للعامل ولا يأخذ منه المالك شيئاً ولا يريد ذلك، وإنما قصده بيع الثمرة قبل وجودها بما سماه أجرة والعامل لا يقصد أيضاً سوى ذلك وربما لا ينتفع بالأرض التي سمى الأجرة في مقابلتها ومتى لم يخرج الثمر أو أصابته

جائحة جاء المستأجر يطلب الجائحة ويعتقد أنه إنما بذل ماله في مقابلة الثمرة لاغير ورب الأرض يعلم ذلك (فصل) وإن اشترى شيئاً بمكسرة لم يجز أن يعطيه صحيحاً أقل منها، قال أحمد هذا هو الربا المحض وذلك لأنه يأخذ عوض الفضة أقل منها فيحصل التفاضل، ولو اشتراه بصحيح لم يجز أن يعطيه مكسرة أكثر منها كذلك، فإن تفاسخا البيع ثم عقدا بالصحاح أو بالمكسرة جاز، ولو اشترى ثوباً بنصف دينار لزمه نصف دينار شق، فإن عاد فاشترى شيئاً آخر بنصف لزمه نصف شق أيضاً فإن وفاء ديناراً صحيحاً بطل العقد الثاني لأنه تضمن اشتراط زيادة ثمن العقد الأول، وأن كان ذلك قبل لزوم العقد الاول بطل أيضاً لأنه وجد ما يفسده قبل انبرامه، وإن كان بعد لزومه لم يؤثر ذلك فيه ولا يلزمه أكثر من ثمنه الذي عقد البيع به ومذهب الشافعي في هذا كما ذكرنا

{مسألة} (ويحرم الربا بين المسلم والحربي) وبين المسلمين في دار الحرب كما يحرم بين المسلمين في دار الإسلام وبذلك قال مالك والاوزاعي

وابو يوسف والشافعي واسحاق، وقال أبو حنيفة لا يجري الربا بين مسلم وحربي في دار الحرب، وعنه في مسلمين أسلما في دار الحرب لا ربا بينهما لما روى مكحول عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لاربا بين

المسلمين وأهل الحرب في دار الحرب " لأن أموالهم مباحة وانما حظرها الامان في دار الإسلام فما لم يكن كذلك كان مباحاً. ولنا قول الله تعالى (وحرم الربا الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم

الذي يتخبطه الشيطان من المس) وقوله تعالى (اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا) وعموم الأخبار يقتضي تحريم التفاضل، وقوله " من زاد أو ازداد فقد أربى " عام ولأن ما كان محرماً في دار الإسلام كان محرماً في دار الحرب كالربا بين المسلمين وخبرهم مرسل لا تعرف صحته (استدلوا أيضا بان مالهم مباح في دارهم فبأي طريق أخذه المسلم حل وأما المستأمن منهم بدارنا فماله محرم بعقد الامان لان أخذه غدر محرم وفي فتح القدير اشتراط أن يكون الربح للمسلم) ويحتمل أنه أراد النهي عن ذلك ولايجوز ترك ما ورد بتحريمه القرآن وتظاهرت به السنة بخبر مجهول ولم يرو في صحيح ولا

مسند ولا كتاب موثوق به وما ذكروه من الإباحة منتقض بالحربي إذا دخل دار الإسلام فإن ماله مباح إلا ما حظره الأمان {باب بيع الأصول والثمار} ومن باع داراً تناول البيع أرضها وبناءها وما يتصل بها لمصلحتها كالسلاليم والرفوف المسمرة والأبواب المنصوبة والخوابي المدفونة والرحى المنصوبة وأشباه ذلك لانه متصل بها لمصلحتها أشبه حيطانها {مسألة} (ولا يدخل ما هو مودع فيها من الكنز والأحجار المدفونة) لأن ذلك مودع فيها للنقل عنها فأشبه الفرش والستور، ولا يدخل ما هو منفصل عنها لا يختص بمصلحتها كالحبل والدلو والبكرة والقفل والفرش، وكذلك الرفوف الموضوعة على الأوتاد بغير تسمير

ولا غرز في الحائط، وحجر الرحى إن لم يكن منصوباً والخوابي الموضوعة من غير أن يطين عليها لأنه منفصل عنها لا تختص بمصلحتها أشبه الثياب والطعام {مسألة} (فأما ما كان من مصالحها لكنه منفصل عنها كالمفتاح وحجر الرحا الفوقاني إذا كان السفلاني منصوباً ففيه وجهان) (أحدهما) يدخل في البيع لأنه لمصلحتها فأشبه المنصوب فيها (والثاني) لايدخل لأنه منفصل عنها فأشبه القفل والدلو ونحو ذلك وهذا مذهب الشافعي {مسألة} وما كان في الأرض من الحجارة المخلوقة فيها أو مبني فيها كأساسات الحيطان المهدمة فهو للمشتري لأنه من أجزائها فهو كترابها) والمعادن الجامدة فيها والآجر كالحجارة في هذا، وإذا كان المشتري عالماً بذلك فلا خيار له وإن لم يعلم وكان يضر بالارض وينقصها كالصخر المضر بعروق الشجر فهو عيب حكمه حكم سائر العيوب فإن كانت الحجارة والآجر مودعاً فيها فهو للبائع كالكنز ويلزمه نقلها وتسوية الأرض وإصلاح الحفر لأنه ضرر لحق لاستصلاح ملكه فكان عليه إزالته وإن كان قلعها يضربا بالأرض أو تتطاول مدته فهو عيب، وإن لم يكن في نقلها ضرر وكان يمكن نقلها في أيام يسيرة كالثلاثة فما دون فليس بعيب وله مطالبة البائع لأنه لاعرف في تبقيتها بخلاف الزرع، ومتى كان عالماً بالحال فلا أجرة له في الزمان الذي نقلت فيه لأنه علم بذلك ورضي به فهو كما لو اشترى أرضاً فيها زرع، وإن لم يعلم فاختار إمساك المبيع فهل له أجرة لزمان النقل على وجهين (أحدهما) له ذلك لأن المنافع مضمونة على المتلف فكان عليه بدلها كالاجر (والثاني) لا يجب لأنه لما رضي بإمساك المبيع رضي بتلف المنفعة في زمان النقل، فإن لم يختر الإمساك فقال البائع أنا أدع ذلك لك وكان مما لا ضرر في بقائه لم يكن له خيار لزوال الضرر عنه (فصل) فإن كان في الأرض معادن جامدة كمعادن الذهب والفضة ونحوهما دخلت في البيع وملكت بملك الأرض التي هي فيها لأنها من أجزائها فهي كأحجارها ولكن لا يباع معدن الذهب بذهب، ويجوز بيعها بغير جنسها وإن ظهر في الأرض معدن لم يعلم به البائع فله الخيار لأنه زيادة لم يعلم بها فأشبه ما لو باعه ثوباً على أنه عشرة أذرع فبان أحد عشر، هذا إذا كان قد ملك الأرض بإحياء أو إقطاع، وقد روي أن ولد بلال بن الحارث باعوا عمر بن عبد العزيز أرضاً فظهر فيها معدن فقالوا إنما بعنا الأرض ولم نبع المعدن وأتوا عمر بالكتاب الذي فيه قطيعة النبي صلى الله عليه وسلم لأبيهم فأخذه فقبله ورد عليهم المعدن. وإن كان البائع ملك الأرض بالبيع احتمل أن لا يثبت له خيار لأن الحق لغيره وهو المالك الأول، واحتمل أن يثبت له الخيار كما لو اشترى معيباً ثم باعه ولم يعلم عيبه فإنه يستحق الرد وإن كان قد باعه مثل ما اشتراه، وروى أبو طالب عن أحمد إذا ظهر المعدن في ملكه ملكه وظاهر هذا أنه لم يجعله للبائع ولا جعل له خياراً لأنه من أجزاء الأرض فأشبه ما لو ظهر فيها حجارة ولها قيمة كبيرة (فصل) فإن كان فيها بئر أو عين مستنبطة فنفس البئر وأرض العين مملوكة لمالك الأرض والماء الذي فيها غير مملوك في أصح الروايتين، ولأصحاب الشافعي وجهان كالروايتين وفي معنى الماء المعادن

الجارية في الأملاك كالقار والنفط والموميا والملح وكذلك ما ينبت في الأرض من الكلأ والشوك ففي هذا كله روايتان، فإن قلنا هي مملوكة دخلت في البيع وإلا لم تدخل {مسألة} (وإن باع أرضاً بحقوقها دخل غراسها وبناؤها في البيع وإن لم يقل بحقوقها فعلى وجهين) إذا باع أرضاً بحقوقها أو رهنا دخل في ذلك غراسها وبناؤها، وإن لم يقل بحقوقها فهل يدخل الغرس والبناء فيهما على وجهين، ونص الشافعي على أنهما يدخلان في البيع دون الرهن واختلف أصحابه في ذلك فمنهم من قال فيهما جميعاً قولان، ومنهم من فرق بينهما بكون البيع أقوى فيستتبع البناء والشجر بخلاف الرهن ووجه دخولهما في البيع أنهما من حقوق الأرض ولذلك يدخلان إذا قال بحقوقها وما كان من حقوقها يدخل فيها بالإطلاق كطرقها ومنافعها (والوجه الثاني) لا يدخلان لأنهما ليسا من الأرض فلا يدخلان في بيعها ورهنها كالثمرة المؤبرة ومن نصر الأول فرق بينهما بكون الثمرة تراد للنقل وليست من حقوقها بخلاف الشجرة والبناء فإن قال بعتك هذا البستان دخل فيه الشجر لأنه اسم للأرض والشجر والحائط ولذلك لا تسمى الأرض المكشوفة بستاناً ويدخل فيه البناء ذكره ابن عقيل لأن ما دخل فيه الشجر دخل فيه البناء، ويحتمل أن لا يدخل. لأن اسم البستان لا يفتقر إليه، فأما إن باعه شجراً لم تدخل الأرض في البيع. ذكره أبو اسحاق ابن شاقلا لأن الإسم لا يتناولها ولا هي تبع للمبيع (فصل) وإن قال بعتك هذه القرية وكان في اللفظ قرينة تدل على دخول أرضها مثل المساومة على أرضها أو ذكر الزرع والغرس فيها وذكر حدودها أو بذل ثمن لا يصلح إلا فيها وفي أرضها دخل في البيع لأن الاسم يجوز أن يطلق عليها مع أرضها والقرينة صارفة إليه ودالة عليه فأشبه مالو صرح به وإن لم يكن قرينة تصرف الى ذلك فالبيع يتناول البيوت والحصن الدائر عليها فإن القرية اسم لذلك وهو مأخوذ من الجمع لأنه يجمع الناس وسواء قال بحقوقها أو لم يقل، وأما الغراس بين بنيانها فحكمه حكم الغراس في الأرض إن قال بحقوقها دخل وإن لم يقله فعلى وجهين {مسألة} (وإن كان فيها زرع يجز مرة بعد أخرى كالرطبة والبقول أو تكرر ثمرته كالقثاء والباذنجان فالأصول للمشتري والجزة الظاهرة للبائع) سواء كان مما يبقى سنة كالهندبا أو أكثر كالرطبة، وعلى البائع قطع ما يستحقه منه في الحال فإنه ليس لذلك حد ينتهي اليه ولأن ذلك يطول ويخرج غير ما كان ظاهراً والزيادة من الأصول التي هي ملك المشتري، وكذلك إن كان مما تتكرر ثمرته كالقثاء والبطيخ والباذنجان فالأصول للمشتري والثمرة الظاهرة عند البيع للبائع لأن ذلك مما تتكرر الثمرة فيه أشبه الشجر، وإن كان مما تؤخذ زهرته وتبقى عروقه في الأرض كالبنفسج والنرجس فالأصول للمشتري لأنه جعل في الأرض للبقاء فيها فهو كالرطبة، وكذلك أوراقه وغصونه لأنه لا يقصد أخذه فهو كورق الشجر وأغصانه، فأما زهرته فإن تفتحت فهي للبائع وما لم تتفتح للمشتري، واختار ابن عقيل في هذا كله أن البائع إن قال بعتك هذه الأرض بحقوقها دخل فيها وإلا ففيه وجهان كالشجر

(فصل) وإذا اشترى أرضاً وفيها بذر فاستحق المشتري أصله كالرطبة والبقول التي تجز مرة بعد أخرى فهو للمشتري لأنه يترك في الأرض للتبقية فهو كأصول الشجر ولأنه لو كان ظاهرا كان له فالمستتر أولى وسواء علقت له عروق في الارض أولا، وإن كان بذراً لما يستحقه البائع كالشعير فهو له إلا أن يشترطه المبتاع فيكون له، وقال الشافعي يبطل البيع لأن البذر مجهول وهو مقصود ولنا أن البذر يدخل تبعاً فلم يضر جهله كما لو اشترى عبداً واشترط ماله ولأنه يجوز في التابع من الغرر ما لا يجوز في الأصل كبيع اللبن في الضرع مع الشاة والحمل مع الأم ولا تضر جهالته، ولايجوز مفرداً فإن لم يعلم المشتري ذلك فله فسخ البيع وامضاؤه لأنه يفوت عليه منفعة الأرض مدة فإن تركه البائع للمشتري أو قال أنا أحوله وأمكن ذلك في زمن يسير لا يضر بمنافع الأرض فلا خيار للمشتري لأنه أزال العيب بالنقل أو زاده خيراً بالترك فلزمه قبوله لأن فيه تصحيح العقد وهذا مذهب الشافعي، وكذلك إن اشترى نخلاً فيها طلع فبان مؤبراً فله الخيار لأنه يفوت على المشتري ثمرة عامة فإن تركها البائع فلا خيار له، وان قال أنا أقطعها الآن لم يسقط خياره لأن ثمرة العام تفوت وإن قطعها وإن اشترى أرضاً فيها زرع للبائع أو شجراً فيه ثمر للبائع والمشتري جاهل يظن أن الزرع والثمر له فله الخيار كما لو جهل وجوده لأنه إنما رضي بذلك ماله عوضاً عن الأرض والشجر بما فيهما فإذا بان بخلافه ثبت له الخيار كمن اشترى معيباً يظنه صحيحاً، فإن اختلفا في ذلك فالقول قول المشتري إذا كان مثله يجهل ذلك كالعامي، وإن كان ممن يعلم ذلك لم يقبل قوله {مسألة} (وإن كان فيها زرع لا يحصد إلا مرة كالبر والشعير فهو للبائع مبقى إلى الحصاد إلا أن يشترط المبتاع) إذا كان في الأرض زرع لا يحصد إلا مرة كالبر والقطاني وما المقصود منه مستتر كالجزر والفجل والثوم وأشباه ذلك فاشترطه المشتري فهو له قصيلاً كان أو ذا حب مستتراً أو ظاهراً معلوماً أو مجهولا لكونه دخل في البيع تبعاً للأرض فلم يضر جهله وعدم كماله كما لو اشترى شجرة فاشترط تمرتها بعد تأبيرها، وإن أطلق البيع فهو للبائع لأنه مودع في الأرض فهو كالكنز والقماش وهذا قول أبي حنيفة والشافعي ولا أعلم فيه مخالفاً. إذا ثبت ذلك فإنه يكون للبائع مبقى في الأرض إلى الحصاد بغير أجرة لأن المنفعة حصلت مستثناة له، وعليه حصاده في أول وقت حصاده وإن كان بقاؤه أنفع له على ما نذكر في الثمرة وبهذا قال الشافعي، وقال أبو حنيفة عليه نقله عقيب البيع كقوله في الثمرة، وسنذكر ذلك، وهكذا الحكم في القصب الفارسي لأن له وقتاً يقطع فيه الا إن العروق للمشتري لأنها تترك في الأرض للبقاء فيها والقصب كالثمرة وإن لم يكن ظهر من القصب شئ فهو للمشتري: فأما قصب السكر فهو كالزرع، ويحتمل أن يكون كالقصب الفارسي لأنه يؤخذ سنة بعد سنة، فإن حصده قبل أوان الحصاد لينتفع بالأرض في غيره لم يملك الانتفاع بها لأن منفعتها إنما حصلت مستثناة عن مقتضى العقد ضرورة بقاء الزرع فتتقدر ببقائه كالثمرة على الشجر، وكما لو كان المبيع طعاماً لا ينقل مثله عادة إلا في

والدراهم والدنانير تتعين بالتعيين في العقد في أظهر الروايتين فلا يجوز إبدالها، وإن خرج مغصوبة بطل العقد

شهر لم يكلف إلا ذلك فإن تكلف نقله في أقل من شهر لينتفع بالدار في غيره لم يجز كذا ههنا، ومتى حصد الزرع وبقيت له عروق تستضربها الأرض فعلى البائع إزالتها، وإن تحفرت الارض فعليه تسوية حفرها لأنه استصلاح لملكه فهو كما لو باع داراً فيها خابية كبيرة لا تخرج إلا بهدم الباب فهدمه كان عليه الضمان وكذلك كل نقص دخل على ملك شخص لاستصلاح ملك آخر من غير إذن الاول ولافعل صدر عنه النقص وأسند إليه كان الضمان على مدخل النقص (فصل) قال رحمه الله (ومن باع نخلاً مؤبراً وهو ما تشقق طلعه فالثمر للبائع متروكا في رءوس النخل إلى الجزاز إلا أن يشترطه المبتاع) الأبار التلقيح قاله ابن عبد البر إلا أنه لا يكون حتى يتشقق الطلع فعبر به عن ظهور الثمرة للزومه منه يقال أبرت النخلة بالتخفيف والتشديد فهي مؤبرة ومأبورة ومنه قوله عليه السلام " خير المال سكة مأبورة " والسكة النخل المصفوف والحكم متعلق بالظهور دون نفس التلقيح ولذلك فسره ههنا به قال القاضي وقد يتشقق الطلع بنفسه قد يشقه الصعاد فيظهر وايهما كان فهو المراد هنا وهذا قول أكثر أهل العلم، وحكي ابن أبي موسى رواية عن أحمد أنه إذا انشق طلعه ولم يؤبر أنه للبائع لظاهر الحديث والمشهور الاول. وهذه المسألة تشتمل على فصول (أحدها) أن البيع متى وقع على نخل مثمر ولم يشترط الثمرة وكانت الثمرة مؤبرة فهي للبائع، وإن كانت غير مؤبرة فهي للمشتري وبهذا قال مالك والليث والشافعي، وقال ابن أبي ليلى هي للمشتري في الحالين لأنها متصلة بالأصل اتصال خلقه فكانت تابعة له كالأغصان، وقال أبو حنيفة والاوزاعي هي للبائع لأنه نماء له حد فلم يتبع أصله كالزرع في الأرض ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " من ابتاع نخلاً بعد أن تؤبر فثمرتها للذي باعها إلا أن يشترط المبتاع " متفق عليه وهذا صريح في رد قول ابن أبي ليلى وحجة على أبي حنيفة والاوزاعي بمفهومة لأنه جعل التأبير حداً لملك البائع للثمرة فيكون ما قبله للمشتري وإلا لم يكن حداً ولا كان التأبير مفيداً ولأنه نماء كامن لظهوره غاية فيكون تابعاً لأصله قبل ظهوره كالحمل في الحيوان، فأما الأغصان فإنها تدخل في اسم النخل وليس لانفصالها غاية، والزرع ليس من نماء الأرض وإنما هو مودع فيها

(الفصل الثاني) أنه متى اشترطها أحد المتبايعين فهي له مؤبرة كانت أو غير مؤبرة البائع والمشتري سواء، وقال مالك إن اشترطها المشتري بعد التأبير جاز لأنه بمنزلة مشتريها مع أصلها وإن اشترطها البائع قبل التأبير لم يجز لأن ذلك بمنزلة شرائه لها قبل بدو صلاحها بشرط التبقية. ولنا أنه استثنى بعض ما وقع عليه العقد وهو معلوم فصح كما لو باع حائطاً واستثنى نخلة بعينها ولأنه أحد المتبايعين فصح اشتراطه للثمرة كالمشتري، وقد ثبت الأصل بالاتفاق عليه، ولو اشترط جزءاً من الثمرة معلوماً كان كاشتراط جميعها في الجواز في قول الجمهور، وقال ابن القاسم من أصحاب مالك لا يجوز اشتراط بعضها لأن الخبر إنما ورد باشتراط جميعها. ولنا أن ما جاز اشتراط جميعه جاز اشتراط بعضه كمدة الخيار وهكذا الحكم في مال العبد إذا اشترط بعضه (الفصل الثالث) إن الثمرة إذا بقيت للبائع فله تركها في الشجر إلى أوان الجزاز سواء استحقها بشرطه أو بظهورها وبه قال مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة يلزمه قطعها وتفريغ النخل منها لأنه مبيع مشغول بملك البائع فلزمه نقله وتفريغه كما لو باع داراً فيها طعام له أو قماش ولنا أن النقل والتفريغ للمبيع على حسب العرف والعادة كما باع داراً فيها طعام لم يجب نقله إلا على حسب العادة في ذلك وهو أن ينقله نهاراً شيئا بعد شئ ولا يلزمه النقل ليلاً ولا جمع دواب البلد لنقله كذلك ههنا تفريغ النخل من الثمرة في أوان تفريغها وذلك أوان جذاذها، وقياسه حجة لنا لما بيناه، إذا تقرر هذا فالمرجع في جزه إلى ما جرت به العادة فإن كان المبيع نخلا فحين تتناهى حلاوة ثمره، وإن كان مما بسره خير من رطبه أو ما جرت العادة بأخذه بسراً فإنه يجزه حين تستحكم حلاوة بسره لأن هذا

هو العادة فإذا استحكمت حلاوته فعليه قطعه، وإن قيل بقاؤه في شجره خير له وأبقى لم يمنع وجوب القطع لأن العادة في ذلك قد وجدت فليس له إبقاؤه بعد ذلك وإن كان المبيع عنباً أو فاكهة سواه فأخذه حين يتناهى ادراكه ويجز مثله وهذا قول مالك والشافعي (فصل) فإن أبر بعضه دون بعض فما أبر للبائع وما يؤبر للمشتري نص عليه أحمد واختاره أبو بكر للخبر الذي عليه مبنى هذه المسألة، وقال ابن حامد الكل للبائع وهو مذهب الشافعي لأنا إذا لم نجعل الكل للبائع أدى إلى الاضرار باشتراك الا يدي فيجب أن يجعل ما لم يؤبر تبعاً لما أبر كثمر النخلة الواحدة إذا أبر بعضها فإن الجميع للبائع بالاتفاق، وقد يتبع الباطن الظاهر منه كأساسات الحيطان تتبع الظاهر منه، وهذا الخلاف في النوع الواحد لأن الظاهر أنه يتقارب ويتلاحق فيختلط، فأما إن أبر نوع لم يتبعه النوع الآخر ولم يفرق أبو الخطاب بين النوع والجنس كله وهو ظاهر مذهب الشافعي لأنه يفضي الى سوء المشاركة واختلاف الا يدي كما في النوع الواحد، والأشبه الفرق بين النوعين والنوع لأن النوعين يتباعدان ويتميز أحدهما عن الآخر ولا يخشى اختلاطهما أشبها الجنسين وما ذكروه يبطل بالجنسين، لا يصح القياس على النوع الواحد لافتراقهما فيما ذكرنا، ولو باع حائطين قد أبر أحدهما لم يتبعه الآخر لأنه يفضي إلى سوء المشاركة واختلاف الأيدي لانفراد كل واحد منهما عن صاحبه، ولو أبر بعض الحائط فأفرد بالبيع ما لم يؤبر فللمبيع حكم نفسه ولا يتبع غيره وخرج القاضي وجها في أنه يتبع غير المبيع فيكون للبائع كما لو باع الحائط كله وهو أحد الوجهين لأصحاب

الشافعي. ولنا أن المبيع لم يؤبر شئ منه فوجب أن يكون للمشتري لمفهوم الحديث وكما لو كان منفرداً في بستان وحده ولأنه لا يفضي إلى سوء المشاركة ولا اختلاف الأيدي ولا إلى ضرر فبقي على حكم الأصل، فإن بيعت النخلة المؤبرة كلها أو بعضها ثم حدث طلع فهو للمشتري لأنه حدث في ملكه أشبه مالو حدث بعد أخذ الثمرة ولأن ما أطلع بعد تأبير غيره لا يكاد يشتبه لتباعد ما بينهما (فصل) وطلع الفحال كطلع الإناث فيما ذكرنا وهو ظاهر كلام الشافعي ويحتمل أنه للبائع بكل حال لأنه قد يؤخذ للأكل قبل ظهوره فهو كثمرة لا تخلق إلا ظاهرة كالتين ويكون ظهور طلعه كظهور ثمرة غيره. ولنا أنها ثمرة نخل إذا تركت ظهرت فهي كالإناث، ولأنه يدخل في عموم الخبر وما ذكر للوجه الآخر لا يصح فإن أكله ليس هو المقصود منه وإنما يراد للتلقيح به وذلك يكون بعد ظهوره فأشبه طلع الإناث، فإن باع نخيلاً فيه فحال وإناث لم يتشقق منه شئ فالكل للمشتري إلا على الوجه الآخر، فإن طلع الفحال يكون للبائع، وإن تشقق أحد النوعين دون الآخر فما تشقق للبائع وما لم يتشقق للمشتري إلا عند من سوى بين الأنواع كلها (فصل) وكل عقد معاوضة يجري مجرى البيع في أن الثمرة المؤبرة تكون لمن انتقل عنه الأصل وغير المؤبرة لمن انتقل إليه مثل أن يصدق المرأة نخلاً أو يخلعها به أو يجعله عوضاً في إجارة أو عقد صلح لأنه عقد معاوضة فجرى مجرى البيع، وإن انتقل بغير معاوضة كالهبة والرهن أو فسخ لأجل العيب أو فلس المشتري أو رجوع الأب في هبة ولده أو تقايلا البيع، أو كان صداقاً فرجع إلى

الزوج لفسخ المرأة النكاح أو نصفه لطلاق الزوج فإنه في الفسخ يتبع الأصل سواء أبر أو لم يؤبر لأنه نماء متصل أشبه السمن وفي الهبة والرهن حكمهما حكم البيع في أنه يتبع قبل التأبير ولا يتبع بعده لأن الملك زال عن الأصل بغير فسخ أشبه البيع، وأما رجوع البائع لفلس المشتري، أو الزوج لا نفساخ النكاح فيذكران في بابيهما {مسألة} (وكذلك الشجر إذا كان فيه ثمر باد كالتوت والتين والرمان والجوز) والشجر على خمسة أضرب (أحدها) ما تكون ثمرته في اكمام ثم تتفتح فتظهر كالنخل الذي بينا حكمه وهو الأصل وما سوا مقيس عليه، ومن هذا الضرب القطن وما يقصد نوره كالورد والياسمين والنرجس والبنفسح فإنه تظهر أكمامه ثم تتفتح فهو كالطلع إن تفتح جنبذه فهو للبائع وإلا فهو للمشتري (الثاني) ما تظهر ثمرته بارزة لاقشر عليها ولا نور كالتين والتوت والجميز فهي للبائع لأن ظهورها من شجرها بمنزلة ظهور ما في الطلع (الثالث) ما يظهر في قشره ثم يبقى فيه إلى حين الأكل كالموز والرمان فهو للبائع أيضاً بنفس الظهور لأن قشره من مصلحته ويبقى فيه إلى حين الأكل كالتين (الرابع) ما يظهر في قشرين كالجوز واللوز فهو للبائع أيضاً بنفس الظهور لأن قشرة لا يزول عنه غالباً إلا بعد جزازه فأشبه الضرب الذي قبله، ولأن قشر اللوز يؤكل معه أشبه التين، وقال القاضي إن تشقق القشر الأعلى فهو للبائع، وإن لم يتشقق فهو للمشتري كالطلع، ولو اعتبر هذا لم يكن للبائع إلا نادراً ولا يصح قياسه على الطلع لأن الطلع لابد من تشققه وتشققه من مصلحته وهذا بخلافه فإنه لا يتشقق على شجرة وتشققه قبل كماله يفسده

(الخامس) ما يظهر نوره ثم يتناثر فتظهر الثمرة كالتفاح والمشمش والإجاص والخوخ، فإذا تفتح نوره وظهرت الثمرة فيه فهو للبائع، وإن لم تظهر فهو للمشتري، وقيل ما يتناثر نوره فهو للبائع ومالا فهو للمشتري لأن الثمرة لا تظهر حتى يتناثر النور وقال القاضي يحتمل أن يكون للبائع بظهور نوره لأن الطلع إذا تشقق كان كنور الشجر، فإن العقد التي في جوف الطلع ليست عين الثمرة وإنما هي أوعية لها تكبر الثمرة في جوفها وتظهر فتصير العقدة في طرفها وهي قمع الرطبة، وظاهر لفظه ههنا يقتضي ما قلناه أولاً وهو ظاهر كلام الخرقي لأنه علق استحقاق البائع للثمرة ببدوها ولا يبدو الثمر حتى ينفتح نوره وقد يبدو إذا كبر قبل أن ينثر النور فيتعلق ذلك بظهوره والعنب بمنزلة ماله نور لأنه يبدو في قطوفه شئ صغار كحب الدخن ثم يتفتح ويتناثر كتناثر النور فيكون من هذا القسم وهذا يفارق الطلع لأن الذي في الطلع عين الثمرة ينمو ويتغير والنور في هذه الثمار يتساقط ويذهب وتظهر الثمرة ومذهب الشافعي في هذا الفصل جميعه كما ذكرنا أو قريبا منه وبينهما اختلاف قريب مما ذكرنا {مسألة} (والورق للمشتري بكل حال) الأغصان والورق وسائر أجزاء الشجر للمشتري لأنه من أجزائها خلق لمصلحتها فهو كأجزاء سائر المبيع، ويحتمل أن يكون ورق التوت المقصود أخذه لدود القز للبائع إذا تفتح وللمشتري قبل ذلك لأنه بمنزلة الجنبذ الذي يتفتح فيظهر نوره من الورد وغيره وإنما هذا في المواضع التي عادتهم أخذ الورق وإن لم يكن عادتهم ذلك فهو للمشتري كسائر الورق والله أعلم {مسألة} (وإن ظهر بعض الثمرة فهو للبائع، وما لم يظهر فهو للمشتري، وقال أبو حامد الكل للبائع) وقد ذكرناه

{مسألة} (وإن احتاج الزرع أو الثمرة إلى سقي لم يلزم المشتري ولم يملك منع البائع منه) إذا كانت الثمرة للبائع مبقاة في شجر المشتري فاحتاجت إلى سقي لم يكن للمشتري منعه لأنه يبقى به فلزمه تمكينه منه كتركه على الأصول، وإن أراد سقيها من غير حاجة فللمشتري منعه لأن سقيه يتضمن التصرف في ملك غيره والأصل منعه منه وإنما أبحناه للحاجة فما لم توجد الحاجة يبقى على أصل المنع، وإن احتاجت إلى سقي يضر بالشجر أو احتاج الشجر إلى سقي يضر بالثمرة فقال القاضي: أيهما طلب السقي لحاجته أجبر الآخر عليه لأنه دخل العقد على ذلك فإن المشتري اقتضى عقده تبقيه الثمرة والسقي من تبقيتها واقتضى تمكين المشتري من حفظ الأصول وتسلميها فلزم كل واحد منهما ما أوجبه العقد للآخر وإن أضربه وإنما له أن يسقي بقدر حاجته، وإن اختلفا في ذلك رجع إلى أهل الخبرة وأيهما التمس السقي فالمؤنة عليه لأنه لحاجته (فصل) وإن خيف على الأصول الضرر بتبقية الثمرة عليها لعطش أو غيره والضرر يسير لم يجبر على قطعها لأنها مستحقة للبقاء فلم يجبر على إزالتها لدفع ضرر يسير عن غيره، وإن كان كثيراً فخيف على الأصول الجفاف أو نقص حملها ففيه وجهان (أحدهما) لا يجبر كذلك (والثاني) يجبر على القطع لأن الضرر يلحقها وإن لم تقطع والأصول تسلم بالقطع فكان القطع أولى وللشافعي قولان كالوجهين (فضل) ولا يجوز بيع الثمرة قبل بدو صلاحها ولا الزرع قبل اشتداد حبة إلا بشرط القطع في الحال

لا يجوز بيع الثمرة قبل بدو صلاحها بشرط التبقية إجماعاً لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها نهى البائع والمبتاع. متفق عليه، والنهي يقتضي فساد المنهي عنه. قال إبن المنذر: أجمع أهل العلم على القول بجملة هذا الحديث

ويحرم الربا بين المسلم والحربي

(فصل) وكذلك الزرع الأخضر في الأرض لا يجوز بيعه إلا بشرط القطع كما ذكرنا في الثمرة على الأصول لما روى مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع السنبل حتى يبيض ويأمن العاهة نهى البائع والمشتري. قال إبن المنذر ولا أعلم أحداً يعدل عن القول به وهو قول مالك وأهل المدينة وأهل

البصرة وأصحاب الحديث وأصحاب الرأي، فإن باعه بشرط القطع أو باع الثمرة قبل بدو صلاحها بشرط القطع صح بالإجماع لأن المنع إنما كان خوفاً من تلف الثمرة وحدوث العاهة عليها قبل أخذها لما روى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى تزهو قال " أرأيت إذا منع الله الثمرة بم يأخذ

أحدكم مال أخيه؟ " رواه البخاري وهذا مأمون فيما يقطع فصح بيعه كما لو بدا صلاحه (فصل) وإذا اشترى رجل نصف الثمرة قبل بدو صلاحها أو نصف الزرع قبل اشتداد حبة مشاعاً لم يجز سواء اشتراها من رجل أو من أكثر منه، وسواء شرط القطع أو لم يشترطه لأنه لا يمكنه قطعه إلا بقطع ما لا يمكله فلم يصح اشتراطه.

{مسألة} (ولايجوز بيع الرطبة والبقول إلا بشرط جذه ولا القثاء ونحوه إلا لفظه لفظة إلا أن يبيع أصله) الرطبة وما أشبهها مما تثبت أصوله في الأرض ويؤخذ ما ظهر منه بالقطع مرة بعد أخرى كالنعناع والهندبا وبشبههما لا يجوز بيعه إلا أن يبيع الظاهر منه بشرط القطع في الحال وبذلك قال الشافعي، وروي

باب بيع الأصول والثمار

ذلك عن الحسن وعطاء ورخص مالك في شراء جزتين وثلاثاً ولا يصح ذلك لأن ما في الأرض منه مستور وما يحدث منه معدوم فلا يجوز بيعه كما لا يجوز بيع ما يحدث من الثمرة، ومتى أشترى جزة لم يجز إبقاؤها لأن ما يظهر منها أعيان لم يتناولها البيع فيكون للبائع إذا ظهر فيفضي إلى اختلاط المبيع بغيره فإن أخرها حتى طالت فالحكم فيها يذكر إن شاء الله تعالى

وإن باع أرضا بحقوقها دخل غراسها وبناؤها في البيع، وإن لم يقل بحقوقها فعلى وجهين

(فصل) وإذا باع ثمرة شئ من هذه البقول كالقثاء والباذنجان لم يجز إلا بيع الموجود منها دون المعدوم، وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي، وقال مالك يجوز بيع الجميع لأن ذلك يشق تمييزه فجعل ما لم يظهر تبعاً لما ظهر كما إن ما لم يبد صلاحه تبع لما بدا

وإن كان فيها زرع يجز مرة بعد أخرى كالرطبة والبقول أو تكرر ثمرته كالقثاء والباذنجان فالأصول للمشتري والجزة الظاهرة للبائع

ولنا أنها ثمرة لم تخلق فلم يصح بيعها كما لو باعها قبل ظهور شئ منها والحاجة تندفع ببيع أصوله ولأن ما لم يبد صلاحه يجوز إفراده بالبيع بخلاف ما لم يخلق ولأن ما لم يخلق من ثمرة النخل لا يجوز بيعه تبعاً لما خلق، وإن كان ما لم يبد صلاحه تبعاً لما بدا، إذا ثبت ذلك فإن باعها قبل بدو صلاحها لم يجز

وإن كان فيها زرع لا يحصد إلا مرة كالبر والشعير فهو للبائع مبقى إلى الحصاد إلا أن يشترط المبتاع

إلا بشرط القطع، وإن كان بعد بدو صلاحه جاز مطلقاً وبشرط القطع والتبقية على ما نذكر في ثمرة الاشجار وسنبين بم يكون بدو صلاحه؟ (فصل) ويصح بيع هذه الأصول التي تتكرر ثمرتها من غير شرط القطع ذكره القاضي وهو

مذهب أبي حنيفة والشافعي ولا فرق بين كون الأصول صغاراً أو كباراً مثمرة أو غير مثمرة لأنه أصل فيه الثمرة فأشبه الشجر، فإن باع المثمر منه فثمرته الظاهرة للبائع متروكة إلى حين بلوغها إلا أن يشترطها المبتاع فإن حدثت ثمرة أخرى فهي للمشتري وإن اختلطت بثمرة البائع ولم تتميز كان الحكم فيها كثمرة الشجرة إذا اختلطت بثمرة أخرى على ما يأتي حكمه

(فصل) والقطن ضربان (أحدهما) ماله أصل يبقى في الأرض أعواماً فهذا حكمه حكم الشجر في أنه يصح افراده البيع، وإذا بيعت الأرض بحقوقها دخل في البيع وثمرة كالطلع أن تفتح فهو للبائع وإلا فهو للمشتري (الثاني) ما يتكرر زرعه كل عام فحكمه حكم الزرع، ومتى كان جوزه ضعيفاً رطباً لم يقو ما فيه لم يصح بيعه إلا أن يشترط القطع كالزرع الأخضر، وإن قوي حبه واشتد جاز بيعه بشرط التبقية كالزرع

إذا اشتد حبه، وإذا بيعت الأرض لم يدخل في البيع إلا أن يشترطه المبتاع، والباذنجان الذي تبقى أصوله وتتكرر ثمرته كالشجر وما يتكرر زرعه كل عام فهو كالحنطة والشعير. (فصل) ولايجوز بيع ما المقصود منه مستور في الأرض كالجزر والفجل والثوم والبصل حتى يقلع ويشاهد وهذا قول الشافعي وابن المنذر وأصحاب الرأي وأباحه مالك والاوزاعي واسحاق لأن الحاجة

تدعوا إليه فأشبه بيع ما لم يبد صلاحه تبعاً لما بدا ولنا أنه مجهول لم يره ولم يوصف له فأشبه بيع الحمل ولأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر رواه مسلم وهذا غرر، وأما بيع ما لم يبد صلاحه فإنما جاز تبعاً فإن الظاهر أنه يتلاحق في الصلاح ويتبع بعضه

وكذلك الشجر إذا كان فيه ثمر باد كالتوت والرمان والجوز

بعضاً، فإن كان مما يقصد فروعه وأصوله كالبصل المبيع أخضر والكراث واللفت وسائر ما تقصد فروعه جاز بيعه لأن المقصود منه ظاهر فأشبه الحيطان التي أساساتها مدفونة، ويدخل ما لم يظهر في البيع تبعاً لما ظهر فلا تضر جهالته كالحمل في البطن مع بيع الحيوان، فإن كان معظم المقصود منه أصوله لم يجز بيعه

الورق للمشتري بكل حال

لأن الحكم للأغلب، وكذا إن تساويا لأن الأصل اعتبار الشرط في الجميع وإنما سقط اعتباره فيما كان معظم المقصود منه ظاهراً تبعا ففيما عداه يبقى على الأصل {مسألة} (والحصاد واللقاط على المشتري)

وإن ظهر بعض الثمرة فهو للبائع، وما لم يظهر فهو للمشتري، وقال أبو حامد: الكل للبائع

وكذلك جزاز الثمرة إذا اشتراها في شجرها لأن نقل المبيع وتفريغ مالك البائع منه على المشتري كنقل الطعام المبيع من دار البائع، ويفارق الكل والوزن فإنهما على البائع لأنهما من مؤنة تسليم المبيع إلى المشتري والتسليم على البائع وههنا حصل التسليم بالتخلية بدون القطع بدليل جواز التصرف فيها،

وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي ولا نعلم فيه خلافاً {مسألة} (فإن باعه مطلقاً أو بشرط التبقية لم يصح) إذا باع الثمرة قبل صلاحها أو الزرع قبل اشتداد حبه بشرط التبقية لم يصح إجماعاً وقد ذكرناه

وكذلك إذا باعها ولم يشترط تبقية ولا قطعاً، وبه قال مالك والشافعي وأجازه أبو حنيفة لأن إطلاق العقد يقتضي القطع فحمل عليه كما لو اشترطه قالوا: ومعنى النهي أن يبيعها مدركة قبل إدراكها بدليل قوله في الحديث " أرأيت إن منع الله الثمرة بم يأخذ أحدكم مال أخيه؟ " فلفظة المنع تدل على أن العقد

يتناول معنى هو مقصود في الحال حتى يتصور المنع ولنا النهي المطلق عن بيع الثمرة قبل بدو صلاحها فيدخل فيه محل النزاع واستدلالهم بسياق الحديث يدل على هدم قاعدتهم التي قرروها في أن إطلاق العقد يقتضي القطع ويقرر ما قلناه من أن

إطلاق العقد يقتضي التبقية فيصير العقد المطلق كالذي يشرط فيه التبقية يتناولهما النهي جميعاً ويصح تعليلهما بالعلة التي علل بها النبي صلى الله عليه وسلم من منع الثمرة وهلاكها (فصل) وبيع الثمرة قبل بدو صلاحها من غير شرط القطع على ثلاثة أضرب (أحدها) أن يبيعها

ولا يجوز بيع الرطبة والبقول إلا بشرط جزه ولا القثاء ونحوه إلا لقطة لقطة إلا أن يبيع أصله

منفردة لغير مالك الأصل فلا يصح وهذا الذي ذكرناه وبينا بطلانه (الثاني) أن يبيعها مع الأصل فيجوز بالإجماع لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من باع نخلاً بعد أن تؤبر فثمرتها الذي باعها إلا أن يشترط المبتاع " متفق عليه ولأنه إذا باعها مع الأصل حصلت تبعاً في البيع فلم يضر احتمال الغرر فيها كما

احتملت الجهالة في بيع اللبن في الضرع مع بيع الشاة وأساسات الحيطان (الثالث) أن يبيعها مفردة لمالك الأصل نحو أن تكون للبائع ولم يشترطها المبتاع فيبيعها له بعد ذلك أو يوصي لرجل بثمرة نخلة فيبيعها لورثة الموصى فيه وجهان (أحدهما) يصح وهو المشهور عن مالك وأحد الوجهين لأصحاب

الشافعي لانه يجتمع الأصل والثمرة للمشتري أشبه مالو اشتراهما معاً، ولأنه إذا باعها لمالك الأصل حصل التسليم إلى المشتري على الكمال لكونه مالكاً لأصولها فصح كبيعها مع أصلها (والثاني) لا يصح وهو الوجه الثاني لأصحاب الشافعي لأن العقد تناول الثمرة خاصة والغرر فيما تناوله العقد

أصل يمنع الصحة كما لو كانت الأصول لأجنبي ولأنها تدخل في عموم النهي بخلاف ما إذا باعهما معها فإنه مستثنى بالخبر المذكور، ولأن الغرر فيما يتناوله العقد أصل يمنع الصحة ولا يمنع إذا تناوله تبعاً فإنه يجوز في التابع من الغرر ما لا يجوز في المتبوع كاللبن في الضرع والحمل مع الشاة وغيرهما، وإن باعه الثمرة بشرط

القطع في الحال صح وجهاً واحداً ولا يلزم المشتري الوفاء بالشرط لأن الأصل له (فصل) وإذا باع الزرع الأخضر من غير شرط القطع مع الأرض جاز كبيع الثمرة مع الأصل وإن باعه لمالك الأرض منفرداً ففيه وجهان على ما ذكرنا في الثمرة، واختار أبو الخطاب الجواز

وإن باعه إياه بشرط القطع جاز وجهاً واحداً ولم يلزم المشتري الوفاء بالشرط لأن الأصل له فهو كبيع الثمرة لمالك الأصل (فصل) وإذا اشترى قصيلاً من شعير ونحوه فقطعه ثم نبت فهو لصاحب الأرض المشتري

ترك الأصول على سبيل الرفض لها فسقط حقه منها كما يسقط حق صاحب الزرع من السنابل التي يدعها ولذلك أبيح التقاطها، ولو سقط من الزرع حب ثم نبت من العام المقبل فهو لصاحب الأرض نص أحمد على هاتين المسئلتين، ومما يؤكد هذا أن البائع لو أراد التصرف في أرضه بعد قصل الزرع بما

يفسد الأصول ويقلعها كان له ذلك ولم يملك المشتري منعه {مسألة} (فإن باعها بشرط القطع ثم تركه المشتري حتى بدا الصلاح واشتد الحب وطالت الجزة وحدثت ثمرة أخرى فلم تتميز، أو اشترى عرية ليأكلها رطباً فأثمرت بطل البيع، وعنه لا يبطل

ويشتركان في الزيادة وعنه يتصدقان بها) اختلفت الرواية فيمن اشترى ثمرة قبل بدو صلاحها بشرط القطع ثم تركها حتى بدا صلاحها فنقل عنه حنبل وأبو طالب أن البيع يبطل اختارها الخرقي، وقال القاضي هي أصح فعلى هذا يرد المشتري

الثمرة إلى البائع ويأخذ الثمن ونقل احمد بن سعيد أن البيع لا يبطل وهو قول أكثر الفقهاء لأن أكثر ما فيه ان المبيع اختلط بغيره فأشبه ما لو اشترى حنطة فانثالت عليها أخرى أو ثوباً فاختلط بغيره، ونقل عنه أبو داود فيمن اشترى قصيلاً فمرض أو توانا حتى صار شعيراً فان اراد به حيلة فسد البيع وانتفض

وجعل بعض أصحابنا هذا رواية ثالثة فيمن قصد التبقية وإلا لم يفسد، قال شيخنا: والظاهر أن هذا يرجع إلى ما نقله أحمد بن سعيد فإنه يتعين حمل ما نقله أحمد بن سعيد على صحة البيع على من لم يرد حيلة فإن أراد الحيلة لم يصح بحال، وقد ثبت من مذهب أحمد أن الحيل كلها باطلة، ووجه الرواية الأولى

أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمرة قبل بدو صلاحها فاستثنى منه ما اشتراه بشرط القطع وقطعه بالإجماع فيبقى فيما عداه على أصل التحريم، ولأن التبقية معنى حرم الشرع اشتراطه لحق الله تعالى فابطل العقد وجوده كالنسيئة فيما يحرم فيه النساء وترك التقابض فيما يشترك القبض فيه، ولأن

والحصاد واللقاط على المشتري

صحة البيع تجعل ذلك ذريعة إلى شراء الثمرة قبل بدو صلاحها وتركها حتى يبدو صلاحها ووسائل الحرام حرام كبيع العينة، ومتى حكمنا بفساد البيع فالثمرة كلها للبائع، وعنه أنهما يتصدقان بالزيادة قال القاضي هذا مستحب لوقوع الخلاف في مستحق الثمرة فاستحب الصدقة بها وإلا فالحق أنها للبائع

تبعاً للأصل كسائر نماء المبيع المتصل إذا رد على البائع بفسخ أو بطلان، ونقل ابن أبي موسى في الإرشاد أن البائع والمشتري يشتركان في الزيادة وإن قلنا لا يبطل العقد فقد روي إنهما يشتركان في الزيادة لحصولها في ملكهما كان الثمرة ملك المشتري والأصل ملك البائع وهو سبب الزيادة وقال القاضي

فإن باعه مطلقا أو بشرط التبقية لم يصح

الزيادة للمشتري كالعبد إذا سمن، وحمل قول أحمد يشتركان على الاستحباب والأول أظهر لما ذكرنا فإن الزيادة حصلت من أصل البائع من غير استحقاق تركها فكان له فيها حق بخلاف سمن العبد فإنه لا يتحقق فيه هذا المعنى ولا يشبهه ولا يصح حمل قول أحمد على الاستحباب، فإنه لا يستحب

للبائع أن يأخذ من المشتري مالا يستحقه، بل ذلك حرام عليه فكيف يستحب وعن أحمد أنهما يتصدقان بالزيادة وهو قول الثوري ومحمد بن الحسن لأن عين المبيع زاد بجهة محظورة، قال الثوري إذا اشترى قصيلاً يأخذ رأس ماله ويتصدق بالباقي، ولأن الأمر اشتبه في هذه الزيادة فكان

الأولى الصدقة بها، قال شيخنا: ويشبه أن يكون هذا استحباباً لأن الصدقات بالشبهات مستحبة فإن أبيا الصدقة بها اشتركا فيها والزيادة هي ما بين قيمتها يوم الشراء وقيمتها يوم أخذها، قال القاضي: ويحتمل أنه ما بين قيمتها قبيل بدو صلاحها وقيمتها بعده لأن الثمرة قبل بدو صلاحها كانت للمشتري

بنمائها لا حق للبائع فيها، وكذلك الحكم في الرطبة إذا طالت والزرع الأخضر إذا أدجن لأنه في معنى الثمرة وهذا إذا لم يقصد وقت الشراء تأخيره ولم يجعل شراءه بشرط القطع حيله على المنهي عنه من شراء الثمرة قبل بدو صلاحها ليتركها حتى يبدو صلاحها، فإن قصد ذلك فالبيع

باطل من أصله لأنه حيلة محرمة، وعند أبي حنيفة والشافعي لاحكم للقصد والبيع صحيح وقد ذكرنا ذلك في تحريم الحيل (فصل) فإن حدثت ثمرة أخرى أو باع شجراً فيه ثمرة للبائع فحدثت ثمرة أخرى، فإن تميزت

فلكل واحد ثمرته، وان اختلطتا ولم تتميز واحدة منهما فهما شريكان فيهما كل بقدر ثمرته، فإن لم يعلم قدرهما اصطلحا عليهما ولا يبطل العقد في ظاهر المذهب لأن المبيع لم يتعذر تسليمه، وانما اختلط بغيره فهو كما لو اشترى طعاماً في مكان فانثال عليه طعام للبائع أو انثال هو على طعام للبائع ولم يعرف

قدر كل واحد منهما، ويفارق هذا مالو اشترى ثمرة قبل بدو صلاحها فتركها حتى بدا صلاحها فإن العقد يبطل في أظهر الروايتين لكون اختلاط المبيع بغيره حصل بارتكاب نهي وكونه يتخذ حيلة على شراء الثمرة قبل بدو صلاحها وههنا ما ارتكب نهياً ولا يجعل هذا طريق إلى فعل المحرم، وفيه

رواية أخرى أنه يبطل ذكرها أبو الخطاب كالمسألة التي قبلها، والصحيح الأولى وقد ذكرنا الفرق بينهما، وقال القاضي: إن كانت الثمرة للبائع فحدثت ثمرة أخرى قيل لكل واحد اسمح بنصيبك لصاحبك، فإن فعل أحدهما أقررنا العقد وأجبرنا الآخر على القبول لأنه يزول به النزاع، وإن

امتنعا فسخنا العقد لتعذر وصول كل واحد منهما إلى قدر حقه، وإن اشترى ثمرة فحدثت ثمرة أخرى لم نقل للمشتري اسمح بنصيبك لان الثمر كل المبيع فلا يؤمر بتخليته كله ونقول للبائع ذلك فإن سمح بنصيبه للمشتري أجبرنا على القبول وإلا فسخ البيع وهذا مذهب الشافعي، وقال ابن عقيل:

لعل هذا قول لبعض أصحابنا فإنني لم أجده معزياً إلى أحمد، والظاهر أن هذا اختيار القاضي وليس بمذهب لأحمد ولو اشترى حنطة فانثالت عليها أخرى لم ينفسخ البيع والحكم فيه كالحكم في الثمرة تحدث معها أخرى على ما ذكرناه

(فصل) فإن اشترى عرية فتركها حتى أثمرت بطل البيع وهذا قول الخرقي، وعن أحمد أنه لا يبطل وهو قول الشافعي لأن كل ثمرة جاز بيعها رطبا لا يبطل العقد إذا صارت تمراً كغير العرية، وكما لو قطها وتركها عنده حتى أتمرت

فإن باعها بشرط القطع ثم تركه المشتري حتى بدا الصلاح واشتد الحب وطالت الجزة وحدثت ثمرة أخرى فلم تتميز

ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " يأكلها رطباً " ولأن شراءها إنما جاز للحاجة إلى أكل الرطب فإذا أتمرت تبينا عدم الحاجة فيبطل العقد ولا فرق بين تركه لغناه عنها أو مع حاجته إليها وتركها لعذر أو لغير عذر للخبر، ولو أخذها رطبا فتركها عنده فأتمرت أو شمسها حتى صارت تمراً

جاز لأنه قد أخذها، فإن أخذ بعضها رطباً وترك باقيها حتى أتمر فهل يبطل البيع فيما أتمر؟ على وجهين {مسألة} (وإذا اشتد الحب وبدا الصلاح في الثمر جاز بيعه مطلقاً وبشرط التبقية، وللمشتري تبقيته إلى الحصاد والجزاز)

إذا بدا صلاح الثمرة جاز بيعها مطلقاً وبشرط القطع وبشرط التبقية وهو قول مالك والشافعي وقال أبو حنيفة وأصحابه لا يجوز بشرط التبقية إلا أن محمداً قال: إذا تناهى عظمها جاز واحتجوا بأن هذا شرط للانتفاع بملك البائع على وجه لا يقتضيه العقد فلم يجز كما لو اشترط تبقية الطعام في كندوجه

ولنا أن نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها يدل بمفهومه على إباحة بيعها بعد بدو صلاحها والمنهي عنه قبل بدو الصلاح عندهم بيعها بشرط التبقية فيجب ان يكون ذلك جائزاً بعد بدو الصلاح وإلا لم يكن بدو الصلاح غاية ولا يكون في ذكره فائدة، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمرة

حتى يبدو صلاحها وتأمن العاهة، وتعليله بأمن العاهة يدل على التبقية لأن ما يقطع في الحال لا يخاف العاهة عليه، وإذا بدا الصلاح فقد أمنت العاهة فيجب أن يجوز بيعه مبقى لزوال علة المنع، ولأن النقل والتحويل يجب في الممتنع بحكم العرف، فإذا شرطه جاز كما لو اشترط نقل الطعام من ملك البائع حسب

العادة وفي هذا انفصال عما ذكروه، وكذلك إذا اشتد الحب يجوز بيعه كذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث " حتى يبيض " فجعل ذلك غاية للمنع من بيعه فيدل على الجواز بعده، وفي رواية نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الحب حتى يشتد، ولأنه إذا اشتد حبه بدا صلاحه فصار كالثمرة إذا بدا صلاحها

وإذا اشتد بعض حبه جاز بيع جميع ما في البستان من نوعه كالشجرة {مسألة} (ويلزم البائع سقيه إن احتاج إلى ذلك لأنه يجب عليه تسليم الثمرة كاملة) وذلك يكون بالسقي فإن قيل فلم قلتم إنه إذا باع الأصل وفيه ثمرة للبائع لا يلزم المشتري سقيها

قلنا لأن المشتري ليس عليه تسليم الثمرة لأن البائع لم يملكها من جهته، وإنما بقي مكله عليها بخلاف مسئلتنا، فإن امتنع البائع من السقي لضرر يلحق بالأصل أجبر عليه لأنه دخل على ذلك (فصل) ويجوز لمشتري الثمرة بيعها في شجرها روى ذلك عن الزبير بن العوام والحسن البصري وأبي

حنيفة والشافعي وابن المنذر، وكرهه ابن عباس وعكرمة وأبو سلمة لأنه تبع له قبل قبضه فلم يجز كما لو كان على وجه الأرض ولم يقبضه. ولنا أنه يجوز له التصرف فيه فجاز بيعه كما لو قطعه، وقولهم لم يقبضه ممنوع فإن قبض كل شئ بحسبه وهذا قبضه التخلية وقد وجدت

{مسألة} (وإن تلفت بجائحة من السماء رجع على البائع، وعنه إن أتلفت الثلث فصاعداً ضمنه البائع وإلا فلا) كل ما تهلكه الجائحة من الثمر على أصوله قبل أوان الجزاز من ضمان البائع وبهذا قال أكثر أهل المدينة منهم يحيى بن سعيد ومالك وأبو عبيد وجماعة من أهل الحديث وهو قول الشافعي القديم،

وقال أبو حنيفة والشافعي في الجديد هو من ضمان المشتري لما روي أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: أن ابني اشترى ثمرة من فلان فأذهبتها الجائحة فسأله أن يضع عنه فتألى أن لا يفعل. فقال النبي صلى الله عليه وسلم " تألى فلان أن لا يفعل خيراً " متفق عليه، ولو كان واجباً

لاجبره عليه، ولأن التخلية يتعلق بها جواز التصرف فتعلق بها الضمان كالنقل والتحويل، ولأنه لا يضمنه إذا أتلفه آدمي فكذلك لا يضمنه بإتلاف غيره ولنا ما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بوضع الجوائح، وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

" إن بعت من أخيك ثمراً فأصابته جائحة فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئا، بم تأخذ مال أخيك بغير حق؟ " رواهما مسلم، ورواه أبو داود ولفظه " من باع ثمراً فأصابته جائحة فلا يأخذ من مال أخيه شيئا على م يأخذ أحدكم مال أخيه المسلم؟ " وهذا صريح في الحكم فلا يعدل عنه قال الشافعي لم يثبت عندي

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بوضع الجوائح، ولو ثبت عندي لم أعده، ولو كنت قائلاً بوضعها لوضعتها في القليل والكثير: قلنا الحديث ثابت رواه الإمام أحمد ومسلم وابو داود وابن ماجة وغيرهم: فإما حديثهم فلا حجة لهم فيه فإن فعل الواجب خير، فإذا تألى أن لا يفعل الواجب فقد تألى أن لا يفعل

خيراً، وإنما لم يجبره النبي صلى الله عليه وسلم لأنه قول بمجرد قول المدعي من غير إقرار بالبائع ولا حضوره، وأما التخلية فليست قبضاً تاما بدليل مالو تلفت بعطش عند بعضهم، ولا يلزم من إباحة التصرف تمام القبض بدليل المنافع في الإجارة يباح التصرف فيها كانت من ضمان المؤجر كذلك الثمرة في شجرتها كالمنافع قبل استيفائها تؤخذ حالاً فحالاً وقياسهم يبطل بالتخلية في الإجارة

(فصل) والجائحة كل آفة لا صنع لآدمي فيها كالريح والحر والبرد والعطش لما روي الساجي باسناده عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في الجائحة تكون في البرد والحر وفي الحبق وفي السيل وفي الريح وهذا تفسير من الرواي لكلام النبي صلى الله عليه وسلم فيجب الرجوع إليه، فأما ما

كان بفعل آدمي فقال القاضي يخير المشتري بين فسخ العقد ومطالبة البائع بالثمن وبين البقاء عليه ومطالبة الجاني بالقيمة كالمكيل والموزون إذا أتلفه آدمي قبل القبض لأنه أمكن الرجوع ببدله بخلاف التالف بالجائحة ألا إن في إحراق اللصوص ونهب العساكر والحرامية وجهين، فإن قيل فقد نهى النبي صلى الله

عليه وسلم عن ربح ما لم يضمن والثمرة غير مضمونة على المشتري، فإذا كانت القيمة أكثر من الثمن فقد ربح فيه. قلنا إن المراد بالخبر النهي عن الربح بالبيع بدليل أن المكيل لو زادت قيمته قبل قبضه ثم قبضه جاز ذلك بالإجماع

(فصل) وظاهر المذهب أنه لافرق بين قليل الجائحة وكثيرها الا أن ما جرت العادة بتلف مثله كاليسير الذي لا ينضبط لا يلتفت عليه، قال أحمد إني لا أقول في عشر ثمرات ولا عشرين ولا أدري ما الثلث ولكن إذا كانت جائحة تستغرق الثلث أو الربع أو الخمس توضع، وعن أحمد أن ما دون الثلث

من ضمان المشتري وهو مذهب مالك والشافعي في القديم لأنه لابد أن يأكل الطائر منها وتنثر الريح وتسقط منها فلم يكن بد من ضابط وحد والثلث قد اعتبره الشارع في الوصية وعطية المريض قال الأثرم قال أحمد إنهم يستعملون الثلث في سبع عشرة مسألة، ولأن الثلث في حد الكثرة وما دونه في حد القلة

بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم في الوصية " الثلث والثلث كثير " فلهذا قدر به ولنا عموم الأحاديث فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بوضع الجوائح وما دون الثلث داخل فيها فيجب وضعه، ولأن هذه الثمرة لم يتم قبضها فكان ما تلف منها من ضمان البائع، وإن نقص عن الثلث كالتي على الأرض

وإذا اشتد الحب وبدا الصلاح في الثمر جاز بيعه مطلقا وبشرط التبقية، وللمشتري تبقيته إلى الحصاد والجزاز

وما أكله الطير أو سقط لا يؤثر في العادة ولا يسمى جائحة فلا يدخل في الخبر ولأنه لا يمكن التحرز منه فهو معلوم الوجود بحكم العادة فأنه مشروط. إذا ثبت ذلك فمتى تلف شئ له قدر خارج عن العادة وضع من الثمن بقدر الذاهب، وإن تلف الجميع بطل العقد ويرجع المشتري بجميع الثمن، وأما على

الرواية الثانية فإنه يعتبر ثلث الثمرة وقيل ثلث القيمة، فإن تلف الثلث فما زاد رجع بقسطه من الثمن وإن كان دونه لم يرجع بشئ، وإن اختلفا في الجائحة أو قدر التالف فالقول قول البائع لأن الأصل بالسلامة، ولأنه غارم والقول في الأصول قول الغارم

(فصل) فإن بلغت الثمرة أوان الجزاز فلم يجزها حتى أصابتها جائحة فقال القاضي عندي لا توضع لأنه مفرط بترك النقل في وقته مع قدرته فكان الضمان عليه، ولو اشترى ثمرة قبل بدو صلاحها بشرط

القطع فأمكنه قطعها فلم يقطعها حتى تلفت فهي من ضمانه لذلك، وإن تلفت قبل إمكان قطعها فهي من مال البائع كالمسألة قبلها.

(فصل) فإن استأجر أرضاً فزرعها فتلف الزرع فلا شئ على المؤجر نص عليه أحمد ولا نعلم فيه خلافا لأن المعقود عليه منافع الأرض ولم يتلف إنما تلف مال المستأجر فيها فصار كدار استأجرها

ويلزم البائع سقيه إن احتاج إلى ذلك لأنه يجب عليه تسلم الثمرة كاملة

ليقصر فيها ثياباً فتلفت الثياب فيها {مسألة} (وصلاح بعض ثمرة الشجرة صلاح لجميعها)

لا يختلف فيه فيباح بيع جميعها بذلك لا نعلم فيه خلافاً وهل يكون صلاحاً لسائر النوع الذي في البستان؟ على روايتين أظهرهما أنه يكون صلاحاً فيجوز بيعه وهو قول الشافعي ومحمد بن الحسن قياساً

على الشجرة الواحدة، ولأن اعتبار الصلاح يشق ويؤدي إلى الاشتراك واختلاف الا يدي فوجب أن يتبع ما لم يبد صلاحه من نوعه لما بدا كالشجرة الواحدة (والثانية) لا يكون صلاحاً، ولا يجوز

بيع إلا ما بدا صلاحه لأنه لم يبد صلاحه فلم يجز بيعه كالذي في البستان الآخر.

(فصل) فأما النوع الآخر من ذلك الجنس فقال القاضي لا يجوز بيعه وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي، وقال محمد بن الحسن ما كان متقارب الإدراك فبدو صلاح بعضه يجوز به بيع جميعه وما

يتأخر تأخراً كثيراً فلا يجوزه في الباقي، وقال أبو الخطاب يجوز بيع ما في البستان من ذلك الجنس وهو الوجه الثاني لأصحاب الشافعي لأن الجنس الواحد يضم بعضه إلى بعض في إكمال النصاب فيتبعه

في جواز البيع كالنوع الواحد، والأول أولى لأن النوعين قد يتباعد إدراكهما فلم يتبع أحدهما الآخر في بدو الصلاح كالجنسين ويخالف الزكاة فإن القصد هو الغني من جنس ذلك المال لتقارب منفعته

وقيام كل نوع مقام الآخر في المقصود والمعنى ههنا هو تقارب إدراك أحدهما من الآخر ودفع الضرر الحاصل بالاشتراك واختلاف الأيدي ولا يحصل ذلك في النوعين فصار في هذا كالجنسين

(فصل) فأما النوع الواحد من بساتين فلا يتبع أحدهما الآخر في جواز بيع أحدهما ببدو صلاح الآخر سواء كانا متجاورين أو متباعدين وهذا مذهب الشافعي، وحكي عن أحمد أن بدو الصلاح

في شجرة من القراح صلاح له ولما قاربه وبهذا قال مالك، لأنهما يتقاربان في الصلاح فأشبه القراح الواحد ولأن المقصود الأمن من العاهة وقد وجد والأول المذهب لأنه إنما جعل ما لم يبد صلاحه

بمنزلة ما بدا دفعاً لضرر الاشتراك واختلاف الأيدي وإلا فالأصل اعتبار كل شئ بنفسه والذي في القراح الآخر لا يوجد فيه هذا الضرر فوجب أن لايتبع الآخر كما لو تباعدا فإن بدا صلاح النوع

الواحد فأفرد بالبيع ما لم يبد صلاحه من بقية النوع من ذلك البستان لم يجز لدخوله تحت عموم النهي وتعذر قياسه على الصورة المخصوصة من العموم وهي إذا باعه ما بدا صلاحه لأنه دخل في البيع تبعاً

دفعاً لمضرة الاشتراك ولا يوجد ذلك ههنا، ولأنه قد يدخل في البيع تبعاً ما لا يجوز إفراده كالثمرة تباع مع الأصل والزرع مع الأرض، ويحتمل الجواز لأن الكل في حكم ما بدا صلاحه فأشبه بيعه معه

وكما لو أفرد بالبيع ما بدا صلاحه {مسألة} (وبدو الصلاح في ثمر النخل أن يحمر أو يصفر، وفي العنب أو يتموه، وفي سائر الثمار

أن يبدو فيه النضج ويطيب أكله) وجملة ذلك أن ما كان من الثمر يتغير لونه عند صلاحه كثمرة النخل والعنب غير الأبيض والإجاص

فبدو صلاحه بذلك، فإن كان العنب أبيض فصلاحه بتموهه وهو أن يبدو فيه الماء الحلو ويلين ويصفو لونه، فإن كان مما لا يتلون كالتفاح ونحوه فبأن يحلو ويطيب، وإن كان بطيخاً أو نحوه فبأن ينمو وفيه النضج

وإن كان مما لا يتغير لونه ويؤكل طيبا كالقثاء والخيار فصلاحه بلوغه أن يؤكل عادة، وقال القاضي وأصحاب الشافعي بلوغه تناهي عظمه وما قلناه أشبه بصلاحه مما قالوه فإن بدو صلاح الشئ ابتداؤه

وتناهي عظمه آخر صلاحه، ولأن بدو الصلاح في الثمر يسبق حال الجزاز فلا يجوز أن يجعل بدو صلاحه فيما يقاس عليه بسبقه قطعه عادة وما قلنا في هذا الفصل فهو قول مالك والشافعي وكثير من

أهل العلم أو مقارب له، وقال عطاء لا يباع حتى يؤكل من الثمر قليل أو كثير وروي عن ابن عمر وابن عباس ولعلهم أرادوا صلاحه للأكل فيرجع معناه إلى ما قلنا فإن ابن عباس قال: نهى رسول الله صلى

الله عليه وسلم عن بيع النخل حتى يأكل منه أو يؤكل متفق عليه، وإن أرادوا حقيقة الأكل فيحمل على ذلك موافقة لا كثر الأخبار وهو ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع الثمر حتى يطيب

أكله متفق عليه، ونهى أن تباع الثمرة حتى تزهو قيل وما تزهو؟ قال " تحمار أو تصفار " رواه البخاري ونهى عن بيع العنب حتى يسود، رواه الترمذي وابن ماجة والأحاديث في هذا كثيرة كلها تدل

وصلاح بعض ثمرة الشجرة صلاح لجميعها

على هذا المعنى والله أعلم. {مسألة} (ومن باع عبداً وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع)

إذا باع عبده أو أمته وله مال ملكه إياه أو خصه به فهو للبائع لما روى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من باع عبداً وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع " رواه مسلم

وغيره ولأن العبد وماله للبائع، فإذا باع العبد اختص البيع به دون غيره كما لو كان له عبدان فباع أحدهما وإن اشترطه المبتاع كان له للخبر، روى ذلك عن عمر بن الخطاب وقضي به شريح، وبه

قال مالك والشافعي وإسحاق. {مسألة} (فإن كان قصده المال اشترط علمه وسائر شروط المبيع، وإن لم يكن قصده

المال لم يشترط علمه) إذا اشترى عبداً واشترط ماله وكان المال مقصوداً بالشراء صح اشتراطه للخبر ويشترط أن يوجد

فيه شرائط البيع من العلم به وإلا يكون بينة وبين الثمن ربا كما يعتبر ذلك في العينين المبيعتين لأنه مبيع مقصود فأشبه مالو ضم إلى العبد عيناً أخرى وباعهما، وإن لم يكن قصده المال صح شرطه وإن كان

مجهولاً نص عليه أحمد وهو قول الشافعي وأبي ثور والبتي، وسواء كان المال من جنس الثمن أو من غير جنسه عيناً كان أو ديناً، وسواء كان مثل الثمن أو أقل أو أكثر. قال البتي: إذا باع عبداً بألف

درهم ومعه ألف درهم فالبيع جائز إذا كان رغبة المبتاع في العبد لا في الدراهم وذلك لأنه دخل في البيع تبعاً غير مقصود فأشبه أساسات الحيطان والتمويه بالذهب في السقوف، وقال القاضي: هذا

ينبني على كون العبد يملك اولا يملك. فإن قلنا لا يملك فاشترط المشتري ماله صار مبيعا معه فاشترط فيه ما يشترط في سائر المبيعات وهو مذهب أبي حنيفة، وإن قلنا يملك احتملت فيه الجهالة وغيرها مما

ذكرنا من قبل أنه بيع تبعاً فهو كطي الآبار، وهذا خلاف نص أحمد والخرقي فإنهما جعلا الشرط الذي يختلف الحكم به قصد المشتري دون غيره. قال شيخنا: وهو أصح إن شاء الله تعالى، واحتمال

الجهالة فيه لكونه غير مقصود كاللبن في الضرع والحمل في البطن وأشباه ذلك فإنه مبيع ويحتمل فيه الجهالة وغيرها لما ذكرنا، وقد قيل إن المال ليس بمبيع ههنا، وانما استيقاء المشتري على ملك العبد

فلا يزول عنه إلى البائع وهو قريب من الأول (فصل) وإذا اشترط مال العبد في الشراء ثم رده بإقالة أو عيب رد ماله وقال داود يرده دون ماله

وبدو الصلاح في ثمر النخل أن يحمر أو يصفر، وفي العنب أن يتموه، وفي سائر الثمار أن يبدو فيه النضج ويطيب أكله

لأن ماله لم يدخل فيه فأشبه النماء الحادث عنده، ولنا أنه عين مال أخذها المشتري لا تحصل بدون البيع فيردها بالفسخ كالعبد، ولأن العبد إذا كان ذا مال كانت قيمته أكثر فأخذ ماله ينقص قيمته فلم يملك

رده حتى يدفع ما يزيل نقصه، فإن تلف ماله فاراد رده فهو بمنزلة العيب الحادث هل يمنع الرد؟ على روايتين فإن قلنا بالرد فعليه قيمة ما تلف عنده. قال أحمد في رجل اشترى أمة معها قناع فاشترطه وظهر على

عيب وقد تلف القناع غرم قيمته بحصته من الثمن {مسألة} (وإن كان عليه ثياب فقال أحمد: ما كان للجمال فهو للبائع، وما كان للبس

المعتاد فهو للمشتري) إذا كان على العبد أو الجارية حلي فهو بمنزلة ماله على ما ذكرنا. فأما الثياب فقال أحمد: ما كان يلبسه

عند البائع فهو للمشتري، وإن كانت ثياباً يلبسها فوق ثيابه أو شئ يزينه به فهو للبائع إلا أن يشترطه

المبتاع، وإنما كان كذلك لأن ثياب البذلة جرت العادة ببيعها معه، ولأنها تتعلق بها حاجة العبد وإنما

يلبسها إياه لينفقه بها وهذه حاجة السيد لا حاجة العبد ولم تجر العادة بالمسامحة فيها فجرت مجرى الستور

في الدرا والدابة التي يركبه عليها. وقال ابن عمر من باع وليدة زينها بثياب فللذي اشتراها ما عليها

إلا أن يشترطه الذي باعها، وبه قال الحسن والنخعي، ولنا الخبر المذكور ولأن الثياب لم يتناولها لفظ

البيع ولا جرت العادة ببيعها معه أشبه سائر مال البائع ولأنه زينة للمبيع أشبه مالو زين الدار ببسط

أو ستور والله سبحانه وتعالى أعلم

ومن باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع

(باب السلم) وهو أن يسلم عيناً حاضرة في عوض موصوف في الذمة إلى أجل ويسمى سلفاً وسلماً يقال: أسلم واسلف وهو نوع من البيع وينعقد بلفظ السلف والسلم لأنهما حقيقة فيه، ويشترط له ما يشترط للبيع إلا أنه يجوز في المعدوم، والأصل في جوازه الكتاب والسنة والإجماع. أما الكتاب فقوله سبحانه (يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه) قال ابن عباس أشهد أن السلف المضمون إلى أجل مسمى قد أحله الله في كتابه وأذن فيه ثم قرأ هذه الآية، رواه سعيد وإن اللفظ يشمله بعمومه، وأما السنة فروى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنتين والثلاث فقال " من أسلف في شئ فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم " متفق عليه، وأما الإجماع فقال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن السلم جائز (فصل) ولا يصح إلا بشروط سبعة (أحدها) أن يكون مما يمكن ضبط صفاته التي يختلف الثمن باختلافها ظاهراً كالمكيل من الحبوب وغيرها والموزون القطن والابريسم والكتان والقنت والصوف والشعر والكاغد والحديد والصفر والنحاس والطيب والأدهان والخلول وكل مكيل أو موزون وكذلك المزروع كالثياب، وقد جاء الحديث في الثمار، وقال ابن المنذر أجمع أهل العلم على أن السلم في الطعام جائز. {مسألة} (فأما المعدود المختلف كالحيوان والفواكه والبقول والجلود والرءوس ونحوها ففيه روايتان)

اختلفت الرواية في السلم في الحيوان فروي أنه لا يصح السلم فيه وهو قول الثوري وأصحاب الرأي وروي ذلك عن عمر وابن مسعود وحذيفة وسعيد بن جبير والشعبي. قال عمر: إن من الربا أبوابا لاتخفى وإن منها السلم في البسر، ولأن الحيوان يختلف اختلافاً متبايناً فلا يمكن ظبطه، وإن استقصى صفاته التي يختلف بها الثمن مثل أزج الحاجبين أكحل العينين أقنى الأنف أهدب الأشفار ألمى الشفة تعذر تسلميه لندرة وجوده على تلك الصفة وإن لم يذكرها اختلف بها الثمن ظاهراً والمشهور في المذهب صحة السلم فيه نص عليه أحمد في رواية الأثرم، قال إبن المنذر وممن روينا عنه أنه لا بأس بالسلم في الحيوان ابن مسعود وابن عباس وابن عمر وسعيد بن المسيب الحسن والشعبي ومجاهد والزهري والاوزاعي والشافعي واسحاق وأبو ثور، ولأن أبا رافع قال: استسلف النبي صلى الله

عليه وسلم من رجل بكرا، ورواه مسلم، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أبتاع البعير بالبعيرين وبالابعرة إلى مجئ الصدقة، رواه أبو داود ولأنه يثبت في الذمة صداقاً فيثبت في السلم كالثياب. فأما حديث عمر فلم يذكره أصحاب الاختلاف ثم هو محمول على أنهم يشترطون من ضراب فحل بني فلان، قال الشعبي إنما كره ابن مسعود السلف في الحيوان لأنهم اشترطوا نتاج فحل معلوم رواه سعيد، وقد روي عن علي أنه باع جملا له يدعى عصيفيراً بعشرين بعيراً إلى أجل، ولو ثبت قول عمر في تحريم السلم في الحيوان فقد عارضه قول من سمينا ممن وافقنا. (فصل) واختلفت الرواية في السلم في الحيوان مما لا يكال ولا يوزن ولا يزرع فنقل إسحاق بن إبراهيم عن أحمد أنه قال: لا أرى السلم إلا فيما يكال أو يوزن أو يوقف عليه قال أبو الخطاب معناه يوقف عليه بحد معلوم لا يختلف كالزرع فأما الرمان والبيض فلا أرى السلم فيه، وحكى ابن المنذر عنه وعن اسحاق أنه لاخير في السلم في الرمان والسفرجل والبطيخ والقثاء والخيار لأنه لا يكال ولا يوزن ومنه الصغير والكبير فعلى هذه الرواية لا يصح السلم في كل معدود مختلف كالذي سمينا وكالبقول لأنه يختلف ولا يمكن

فإن كان قصده المال اشترط علمه وسائر شروط المبيع، وإن لم يكن قصده المال لم يشترط علمه

تقديره بالحزم لأن الحزم يمكن في الصغير والكبير فلم يصح السلم فيه كالجواهر، ونقل اسماعيل بن سعيد وابن منصور جواز السلم في الفواكه والموز والخضراوات ونحوها لأن كثيراً من ذلك يتقارب وينضبط بالكبر والصغر وما لا يتقارب ينضبط بالوزن كالبقول ونحوها فيصح السلم فيه كالمزروع، وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي والاوزاعي، وحكى ابن المنذر عن الشافعي المنع من السلم في البيض الجوز ولعل هذا قول آخر فيكون له قولان: (فصل) وفي السلم في الرؤوس من الخلاف ما ذكرناه وكذلك الأطراف وللشافعي فيه قولان (أحدهما) يجوز وهو قول مالك والاوزاعي وأبي ثور لأنه لحم فيه عظم يجوز شراؤه فجاز السلم فيه كبقية اللحم (والأخرى) لا يجوز وهو قول أبي حنيفة لأن أكثره العظام والمشافر واللحم فيه قليل وليس بموزون بخلاف اللحم فإن كان مطبوخاً أو مشوياً فقال الشافعي لا يصح السلم فيه وهو قياس قول القاضي لا يتناثر ويختلف وعلى قول اصحابنا غير القاضي حكم ما مسته النار حكم غيره وبه قال مالك والاوزاعي

وأبي ثور والعقد يقتضيه سليماً من التناثر والعادة في طبخة تتقارب فأشبه غيره وفي الجلود من الخلاف ما في الرؤوس والأطراف وقال الشافعي لا يصح السلم فيها لأنه يختلف فالورك ثخين قوي والصدر ثخين رخو والبطن رقيق ضعيف والظهر أقوى فيحتاج إلى وصف كل موضع منه ولا يمكن ذرعه لاختلاف أطرافه، ولنا أن التفاوت في ذلك معلوم فلم يمنع صحة السلم فيه كالحيوان فإنه يشتمل على الرأس والجلد والأطراف والشحم وما في البطن وكذلك الرأس يشتمل على لحم الخدين والأذنين والعينين ويختلف ولم يمنع صحة السلم فيه كذلك ههنا (فصل) ويصح السلم في اللحم وبه قال مالك والشافعي وقال أبو حنيفة لا يجوز لأنه يختلف، ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " من أسلم فليسلم في كيل معلوم أو وزن معلوم " ظاهرة إباحة السلم في كل موزون ولأنا قد بينا جواز السلم في الحيوان فاللحم أولى (مسألة) وفي الأواني المختلفة الرؤوس والأوساط كالقماقم والأسطال الضيقة الرؤوس وما يجمع أخلاطاً مميزة كالثياب المنسوجة من نوعين وجهان) لا يصح السلم في الأواني المختلفة الرؤوس والأوساط لأن الصفة لا تأتي عليها وفيه وجه آخر أنه يصح إذا ضبط بارتفاع حائطه ودون أسفله وأعلاه لأن التفاوت في ذلك يسير. فأما الثياب المنسوجة من نوعين كالقطن والكتان والابريسم فالصحيح جواز السلم فيها لأن ضبطها ممكن وفيه وجه آخر أنه لا يجوز كالمعاجين. (فصل) ويصح السلم في اللبأ والخبز وما أمكن ضبطه ما مسته النار، وقال الشافعي لا يصح السلم في كل معمول بالنار لأن النار تختلف ويختلف الثمن ويختلف عملها، ولنا أنه موزون فجاز السلم فيه كسائر الموزونات ولعموم الحديث ولأن عمل النار فيه معلوم بالعادة ممكن ضبطه بالنشافة والرطوبة فأشبه المجفف بالشمس، فأما اللحم المطبوخ والمشوي فقال القاضي لا يصح السلم فيه وهو مذهب الشافعي لأنه يتفاوت كثيراً وعادة الناس فيه مختلفة فلا يمكن ضبطه وقال بعض أصحابنا: يصح السلم فيه لما ذكرنا في الخبز واللبأ.

(فصل) ويصح السلم في النشاب والنبل وقال القاضي: لا يصح السلم فيهما وهو مذهب الشافعي لأنه يجمع أخلاطاً من خشب وعقب وريش ونصل فرى مجرى اخلاط الصيادلة ولأن فيه ريشاً نجساً لأنه من جوارح الطير. ولنا أنه مما يصح بيعه ويمكن ضبطه بالصفات التي لا يتفاوت الثمن معها غالباً فصح السلم فيه كالقصب والخشب وما فيه من غيره متميز يمكن ضبطه والإحاطة به ولا يتفاوت كثيراً فلا يمنع كالثياب المنسوجة من جنسين وقد يكون الريش طاهراً وإن كان نجساً لكن يصح بيعه فلا يمنع السلم فيه كنجاسة البغل والحمار. {مسألة} (ولا يصح فيما لا ينضبط كالجواهر كلها والحوامل من الحيوان والمغشوش من الأثمان وغيرها وما يجمع أخلاطا غير مميزة كالغالية والند والمعاجين ويصح فيما يترك فيه شئ غير مقصود لمصلحته كالجبن والعجين وخل التمر والسكنجبين ونحوه) لا يصح السلم فيما لا ينضبط بالصفة كالجوهر من اللؤلؤ والياقوت والزبرجد والفيروزج والبلور لأن أثمانها تختلف اختلافاً متبايناً بالصغر والكبر وحسن التدوير وزيادة ضوئها وصفائها ولا يمكن تقديرها بشئ معين لأن ذلك يتلف وهذا قول الشافعي وأصحاب الرأي وحكي عن مالك صحة السلم فيها إذا اشترط منها شيئاً معلوماً إن كان وزنا فبوزن معروف والصحيح الأول لما ذكرناه، ولا يصح في الحوامل من الحيوان لأن الصفة لا تأتي عليها، ولأن الولد مجهول غير متحقق، وفيه وجه آخر أنه يصح لأن الحمل لا حكم له مع الأم بدليل صحة بيع الحامل وإن اشترط الحمل ولا نقول بأن الجهل بالحمل مبطل للبيع لكن إن لم تكن حاملاً فله الرد، وإذا صح البيع صح السلم لأنه بيع، ولا يصح في المغشوش من الأثمان لأنه مجهول لا ينضبط بالصفة ولا فيما يجمع اخلاطاً غير مميزة كالغالية والند والمعاجين التي يتداوى بها للجهل بها. والذي يجمع اخلاطاً على أربعة أضرب (أحدها) مختلط مقصود متميز كالثياب المنسوجة من نوعين والصحيح جواز السلم فيها (الثاني) ما خلطه لمصلحته وليس بمقصود في نفسه كالانفحة في الجبن والملح في العجين والخبز والماء في خل التمر والخل في السكنجبين فيصح السلم فيه لأنه يسير لمصلحته (الثالث) اخلاط مقصودة غير متميزة كالغالية والند والمعاجين

فلا يصح السلم فيه لأن الصفة لا تأتي عليها (الرابع) ما خلطه غير مقصود ولا مصلحة فيه كاللبن المشوب بالماء فلا يصح السلم فيه لان غشه يمنع العلم بقدر المقصود منه فيكون مجهولا، ولا يصح السلم في القسي المشتملة على الخشب والقرن والقصب والتوز إذ لا يمكن ضبط مقادير ذلك وتمييز ما فيه منها، وقيل يجوز السلم فيها كالثياب المنسوجة من نوعين وكالنشاب المشتمل على الخشب والعقب والريش والنصول والأولى ما ذكرنا. (فصل) الثاني أن يصفه بما يختلف به الثمن ظاهراً فيذكر جنسه ونوعه وقدره وبلده وحداثته وقدمه وجودته ورداءته وما لا يختلف به الثمن لا يحتاج إلى ذكره إنما اشترط ذلك لأن المسلم فيه عوض في الذمة فلابد من العلم به كالثمن، ولأن العلم شرط في البيع وطريقه الرؤية أو الوصف والرؤية متعذرة ههنا فتعين الوصف والأوصاف على ضربين متفق على اشتراطها ومختلف فيها، فالمتفق عليها ثلاثة أوصاف: الجنس والنوع والجودة والرداءة فهذه لابد منها في كل مسلم فيه وكذلك معرفته وسنذكرها وهذا قول أبي حنيفة ومالك والشافعي ولا نعلم عن غيرهم فيه خلافاً (الضرب الثاني) ما يختلف الثمن باختلافه غير هذه الأوصاف فينبغي أن يكون ذكرها شرطاً قياساً على المتفق عليها ونذكرها عند ذكره وهذا مذهب الشافعي، وقال أبو حنيفة يكفي ذكر الأوصاف الأول لأنها تشتمل على ما وراءها من الصفات. ولنا أنه يبقى من الصفات من اللون والبلد ونحوهما ما يختلف الثمن والعوض لاجله فوجب ذكره كالنوع، ولا يجب استقصاء كل الصفات لأنه يتعذر وقد ينتهي الحال فيها إلى أمر يتعذر تسليم المسلم فيه فيجب الا كتفاء بالأوصاف الظاهرة التي يختلف بها الثمن ظاهراً، ولو استقصى الصفات حتى انتهى إلى حال يتعذر وجود المسلم فيه بتلك الصفات بطل لأن من شروط السلم أن يكون المسلم فيه عام الوجود في محله واستقصاء الصفات يمنع منه (فصل) ولو أسلم في جارية وابنتها أو أختها أو عمتها أو خالتها أو بنت عمها لم يصح لأنه لابد أن يضبط كل واحدة منهما بصفات ويتعذر وجود تلك الصفات في جارية وبنتها، ولو أسلم في ثوب على صفة خرقة معيبة لم يجز لأنها قد تهلك وهذا غرر فهو كما لو شرط مكيالا بعينه غير معلوم (فصل) والجنس والجودة والقدر شرط في كل مسلم فيه فلا حاجة الى تكرير ذكر ذلك ويذكر ما سواها فيصف التمر بأربعة أوصاف النوع برني أو معقلي والبلد إن كان يختلف فيقول بغدادي أو

بصري فإن البغدادي أحلى وأقل بقاء لعذوبة الماء، والبصري بخلافه، والقدر كبار أو صغار، أو حديث أو عتيق فإن أطلق العتيق أجزأ أي عتيق كان ما لم يكن مسوساً ولا حشفاً ولا متغيراً، وإن شرط عتيق عام أو عامين فهو على ما شرط، فأما اللون فإن كان النوع الواحد يختلف كالطبرزد يكون أحمر وأسود ذكره وإلا فلا، والرطب كالتمر في هذه الأوصاف إلا الحديث والعتيق وليس له من الرطب إلا ما أرطب كله ولا يأخذ مشدخا ولا ما قارب أن يتمر وهكذا ما يشبهه من العنب والفواكه (فصل) ويصف البر بأربعة أوصاف النوع فيقول سبيلة أو سلموني والبلد حوراني أو سمالي وصغار الحب أو كباره وحديث أو عتيق، وإن كان النوع الواحد يختلف لونه ذكره ولا يسلم إليه إلا مصفى وهذا الحكم في الشعير وسائر الحبوب ويصف العسل بثلاثة أوصاف بالبلد ويجزئ ذلك عن النوع، والزمان ربيعي وصيفي واللون وليس له إلا مصفى (فصل) ولا بد في الحيوان من ذكر النوع والسن والذكورية والأنوثية ويذكر اللون إن كان النوع الواحد يختلف ويرجع في سن الغلام إليه إن كان بالغاً وإلا فالقول قول سيده، وإن لم يعلم رجع في ذلك إلى أهل الخبرة على ما يغلب على ظنونهم تقريباً، وإذا ذكر النوع في الرقيق وكان مختلفاً مثل التركي منهم الحبكلي والخزري فهل يحتاج إلى ذكره أو يكفي ذكر النوع؟ يحتمل وجهين (أولاهما) أنه يحتاج لأنه يختلف به الثمن، ولا يحتاج في الجارية إلى ذكر الجعودة والسبوطة لأن ذلك لا يختلف به الثمن اختلافاً بيناً ومثل ذلك لا يراعى كما لا تراعى صفات الحسن والملاحة، فإن ذكر شيئاً من ذلك

لزمه، ويذكر الثيوبة والبكارة لأن الثمن يختلف بذلك ويتعلق به الغرض ويذكر القد خماسي أو سداسي يعني خمسة أشبار أو ستة أشبار. قال أحمد: يقول خماسي سداسي أسود أبيض أعجمي أو فصيح، أما الإبل فيضبطها بأربعة أوصاف فلان والسن بنت مخاض أو بنت لبون واللون بيضاء أو حمراء أو ورقاء وذكر أو أنثى، فإن اختلف النتاج فكان فيه مهرية وأرجبية فهل يحتاج إلى ضبط ذلك؟ يحتمل وجهين ولا يفتقر إلى ذكر ما زاد على هذه الأوصاف، وإن ذكر بعضه كان تأكيداً ولزمه وأوصاف الخيل كأوصاف الإبل، وأما البغال والحمر فلا نتاج لها فيجعل بدل ذلك نسبتها إلى بلدها، وأما البقر والغنم فإن عرف لها نتاج فهي كالإبل وإلا فهي كالحمر، ولا بد من ذكر النوع في هذه الحيوانات فيقول في الإبل بختية أو عرابية، وفي الخيل عربية أو هجين أو برذون، وفي الغنم ضأن أو معز إلا الحمير والبغال فلا أنواع فيها (فصل) ويذكر في اللحم السمن والذكورية والأنوثية والسمن والهزال وراعياً أو مغلوفا ونوع الحيوان وموضع اللحم منه ويزيد في الذكر فحلاً أو خصياً وإن كان لحم صيد لم يحتج إلى ذكر العلف والخصى ويذكر الآلة التي يصاد بها من جارحة أو أحبولة، وفي الجارحة يذكر صيد فهد أو كلب أو صقر فإن الأحبولة يؤخذ الصيد منها سليماً، وصيد الكلب خير من صيد الفهد لكون الكلب أطيب نكهة من الفهد لكونه مفتوح الفم في أكثر الأوقات، والصحيح إن شاء الله أن هذا ليس بشرط لأن التفاوت فيه يسير ولا يكاد الثمن يتباين باختلافه ولا يعرفه إلا القليل من الناس، وإذا لم يحتج في الرقيق إلى ذكر السمن والهزال وأشباهها وما يتباين بها الثمن وتتعلق بها الرغبات ويعرفها الناس

فهذا أولى، ويلزم قبول اللحم بعظامه لأنه هكذا يقطع فهو كالنوى في التمر، فان كان السلم في لحم طير لم يحتج إلى ذكر الذكورية والأنوثية إلا أن يختلف بذلك كلحم الدجاج ولا إلى ذكر موضع اللحم إلا أن يكون كثيراً يأخذ منه بعضه ولا يلزمه قبول الرأس والساقين لأنه لا لحم عليها، ويذكر في السمك النوع بردي أو غيره والكبر والصغر والسمن والهزال والطري والملح ولا يقبل الرأس والذنب وله ما بينهما وإن كان كثيراً يأخذ بعضه ذكر موضع اللحم منه (فصل) ويضبط السمن بالنوع من ضأن أو معز أو بقر واللون أبيض أو أصفر، قال القاضي ويذكر المرعى ولايحتاج إلى ذكر حديث أو عتيق لأن الإطلاق يقتضي الحديث ولا يصح السلم في عتيقه لأنه عيب ولا ينتهي الى حد يضبط به، ويصف الزبد بأوصاف السمن ويزيد زبد يومه أو أمسه ولا يلزمه قبول متغير من السمن والزبد ولا رقيق إلا أن تكون رقته للحر، ويصف اللبن بالمرعى ولايحتاج إلى اللون ولا حليب يومه لأن اطلاقه يقتضي ذلك ولا يلزمه قبول متغير. قال أحمد ويصح السلم في المخيض وقال الشافعي لا يصح لأن فيه ما ليس من مصلحته وهو الماء فصار المقصود مجهولاً ولنا أن الماء يسير يترك لاجل المصحلة جرت العادة به فلم يمنع صحة السلم فيه كالماء في الشيرج وفي خل التمر، ويصف الجبن بالنوع والمرعى ورطب أو يابس، ويصف اللبأ بصفات اللبن ويزيد اللون ويذكر الطبخ وعدمه. (فصل) ويضبط الثياب بستة أوصاف النوع كتان أو قطن والبلد والطول والعرض والصفاقة

والرقة والغلظ والنعومة والخشونة ولا يذكر الوزن وإن ذكره لم يصح لتعذر الجمع بين صفاته المشترطة مع وزن معلوم فيكون فيه تغرير لبعد اتفاقه، وإن ذكر الخام أو المقصور فله شرطه وإن لم يذكره جاز وله خام لأنه الأصل، وإن ذكر مغسولاً أو لبيساً لم يجز لأن اللبيس يختلف ولا ينضبط فان أسلم في مصبوغ مما يصبغ غزله جاز لأن ذلك من جملة صفات الثوب وإن كان مما يصبغ بعد نسجه لم يجز لأن الصبغ يمنع من الوقوف على نعومة الثوب وخشونته ولأن الصبغ غير معلوم، وإن أسلم في ثوب مختلف الغزول كقطن وكتان أو قطن وابريسم أو صوف وابريسم وكانت الغزول مضبوطة بأن يقول السدى ابريسم واللحمة كتان أو نحوه جاز وقد ذكرناه، ولهذا جاز السلم في الخز وهو من غزلين مختلفين، وإن أسلم في ثوب موشى وكان الوشي من تمام نسجه جاز وإن كان زيادة لم يجز لأنه لا ينضبط. (فصل) ويصف غزل القطن والكتان بالبلد واللون والغلظ والرقة والنعومة والخشونة ويصف القطن بذلك ويجعل مكان الغلظة والرقة الطول والقصر، وإن شرط في القطن منزوع احب جاز وإن أطلق كان له بحبه كالتمر بنواه، ويصف الابريسم بالبلد واللون والغلظ والرقة، ويصف الصوف بالبلد واللون والطول والقصر والزمان خريفي أو ربيعي لأن صوف الخريف أنظف، قال القاضي: ويصفه بالذكورية والأنوثية لأن صوف الإناث أنعم ويحتمل أن لا يحتاج إلى هذه الصفة لأن التفاوت في هذا يسير وعليه تسليمه نقياً من الشوك والبعر وإن لم يشترطه، وإن اشترطه جاز وكان تأكيداً وكذلك الشعر والوبر، ويصح السلم في الكاغد لأنه يمكن ضبطه ويصفه بالطول والعرض والرقة والغلظ واستواء الصنعة وما يختلف به الثمن

(فصل) ويضبط الرصاص والنحاس والحديد بالنوع فيقول في الرصاص قلعي أو أسرب والنعومة والخشونة واللون إن كان يختلف ويزيد في الحديد ذكرا أو انثى فإن الذكر أحد وأمضى وإن أسلم في الأواني التي يمكن ضبط قدرها وطولها وسمكها ودورها كالأسطال القائمة الحيطان والطسوت جاز ويضبطها بذلك وإن أسلم في قصاع وأقداح من الخشب جاز ويذكر نوع خشبها من جوز أو توت وقدرها في الصغر والكبر والعمق والضيق والثخانة والرقة وإن أسلم في سيف ضبطه بنوع حديده وطوله وعرضه ورقته وبلده وغلظه وقديم الطبع أو محدث ماض أو غيره يصف قبضته وجفنه (فصل) والخشب على أضرب منه ما يراد للبناء فيذكر نوعه ورطوبته ويبسه وطوله ودوره أو سمكه وعرضه ويلزمه أن يدفع إليه من طرفه إلى طرفه بذلك العرض والدور، وان كان أحد طرفيه أغلظ مما وصف فقد زاده خيراً، وإن كان أدق لم يلزمه قبوله، وإن ذكر الوزن أو سمحاً جاز وإن لم يذكره جاز وله سمح خال من العقد لأن ذلك عيب وإن كان للقسي ذكر هذه الأوصاف وزاد سهلياً أو جبلياً أو خوطاً أو فلقة فإن الجبلي أقوى من السهلي والخوط أقوى من الفلقة ويذكر فيما للوقود الغلظ واليبس والرطوبة والوزن، ويذكر فيما للنصب النوع والغلظ وسائر ما يحتاج الى معرفته ويخرجه من الجهالة وإن أسلم في النشاب والنبل ضبطه بنوع خشبه وطوله وقصره ودقته وغلظه ولونه ونصله وريشه. (فصل) والحجارة منها ما هو للأرحية فيضبطها بالدور والثخانة والبلد والنوع إن كان يختلف ومنها ما هو للبناء فيذكر اللون والقدر والنوع والوزن ويذكر في حجارة الآنية النوع واللون والقدر واللين والوزن ويصف البلور بأوصافه ويصف الآجر واللبن بموضع التربة واللون والدور والثخانة وإن أسلم

في الجص والنورة ذكر اللون والوزن ولا يقبل ما أصابه الماء فجف ولا ما قدم قدما يؤثر فيه ويضبط التراب بمثل ذلك ويقبل الطين الذي قد جف إن كان لا يتأثر بذلك (فصل) ويضبط العنبر بالوزن والبلد وإن شرط قطعة أو قطعتين جاز وإن لم يشترط فله اعطاؤه صغاراً أو كباراً، وقد قيل العنبر نبات يخلقه الله تعالى في جنبات البحر ويضبط العود الهندي ببلده وما يعرف به ويضبط اللبان والمصطكا وصمغ الشجر والمسك وسائر ما يجوز السلم فيه بما يختلف به {مسألة} (فإن شرط الأجود لم يصح) لتعذر الوصول إليه إلا نادراً (وإن شرط الأردأ لم يصح في أحد الوجهين) لذلك (والثاني) يصح لأنه يمكنه تسليم المسلم أو خير منه فيلزم المسلم قبوله {مسألة} (وإن جاءه بدون ما وصف له أو نوع آخر فله أخذه) لأنه رضي بدون حقه ولا يلزمه لأن فيه إسقاط حقه، وقال القاضي يلزمه إذ لم يكن أدنى من النوع المشترط لأنه من جنسه أشبه الزائد في الصفة. ولنا أنه لم يأت بالمشروط فلم يلزم قبوله كالأدنى بخلاف الزائد في الصفة فإنه أحضر المشروط مع زيادة ولان أحد النوعين يصلح لما لا يصلح له الآخر بخلاف الصفة {مسألة} (وإن جاءه بجنس آخر لم يجز له آخذه) لقوله عليه الصلاة والسلام " من أسلف في شئ فلا يصرفه إلى غيره " رواه أبو داود وذكر ابن أبي موسى رواية أنه يجوز أن يأخذ مكان البر شعيراً مثله ولعله بناه على أنهما جنس واحد والأول أصح {مسألة} (وإن جاءه بأجود منه من نوعه لزمه قبوله) لأنه أتى بما تناوله العقد وزيادة تنفعه ولا تضره {مسألة} (وإن جاءه بالأجود فقال خذه وزدني درهما لم يصح) وقال أبو حنيفة يصح كما لو جاءه بزيادة في القدر. ولنا أن الجودة صفة فلا يجوز إفرادها بالعقد كما لو كان مكيلا أو موزونا، وإن جاءه بزيادة في القدر فقال له ذلك صح لأن الزيادة ههنا يجوز إفرادها بالبيع {فصل} قال رحمه الله تعالى (الثالث أن يذكر قدره بالكيل في المكيل والوزن في الموزون والذرع في المذروع فان أسلم في المكيل وزنا وفي الموزون كيلا لم يصح وعنه يصح) يشترط معرفة قدر المسلم فيه بالكيل في المكيل والوزن في الموزون في إحدى الروايتين لقول

النبي صلى الله عليه وسلم " من أسلف في شئ فليسلف في كيل معلوم أو وزن معلوم إلى أجل معلوم " متفق عليه ويشترط معرفة المذروع بالذرع والمعدود بالعد لأنه عوض غائب يثبت في الذمة فاشترط معرفة قدره كالثمن، ولا نعلم في اعتبار معرفة مقدار المسلم فيه خلافاً. قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن السلم جائز في الثياب بذرع معلوم فإن أسلف في المكيل وزنا أو في الموزون كيلا ففيه روايتان (إحداهما) لا يصح نقلها عنه الأثرم فقال سئل أحمد عن السلم في التمر وزنا فقال لا إلا كيلا، قلت إن الناس ههنا لا يعرفون الكيل. قال وإن كانوا لا يعرفون الكيل فعلى هذه الرواية لا يجوز في المكيل إلا كيلا ولا في الموزن إلا وزناً ذكره القاضي وابن أبي موسى لأنه مبيع يشترط معرفة قدره فلم يجز بغير ما هو مقدر به في الأصل كبيع الربويات بعضها ببعض ولأنه مقدر بغير ما هو مقدر به في الأصل فلم يجز كما لو اسلم في المذروع وزنا (الثانية) يجوز فنقل المروذي عن أحمد أن السلم يجوز في اللبن إذا كان كيلا أو وزناً وهذا يدل على إباحة السلم في المكيل وزنا وفي الموزون كيلا لأن اللبن لا يخلو من أن يكون مكيلا أو موزونا وقد أجاز السلم فيه بكل منهما وهو قول الشافعي وابن المنذر، وقال مالك ذلك جائز إذا كان الناس يتبايعون التمر وزناً وهذا الصحيح إن شاء الله لأن الغرض معرفة قدره وإمكان تسليمه من غير تنازع فبأي قدر قدره جاز ويفارق بيع الربويات فإن التماثل بالكيل في المكيل الوزن في الموزون شرط ولا يعلم هذا الشرط إذ قدرها بغير مقدارها الأصلي، وقد ذكرنا المكيل والموزون في باب الربا، ولا يسلم في اللبأ إلا موزوناً لأنه يجمد عقيب حلبه فلا يتحقق الكيل فيه وإن كان المسلم فيه مما لا يمكن وزنه بميزان لثقله كالأرحية والحجارة الكبار وزن بالسفينة فتترك السفينة في الماء ثم يترك ذلك فيها فينظر إلى أي موضع تغوص فيعلمه ثم يرفع ويترك مكانه رمل أو أحجار صغار إلى أن يبلغ الماء الموضع المعلم ثم يوزن بميزان فيكون زنة ذلك الشئ {مسألة} (ولا بد أن يكون المكيال معلوماً فإن شرط مكيالاً بعينه أو صنجة بعينها غير معلومة لم يصح) بشرط أن يكون المكيال والصنجة والذراع معروفة عند العامة فإن عين مكيالا أو صنجة أو

ذراعاً غير معلوم لم يصح لأنه يهلك فيتعذر المسلم فيه وهذا غرر لا يحتاج إليه العقد. قال إبن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن السلم في الطعام لا يجوز بقفيز لايعرف عياره ولا في ثوب بذرع فلان لأن المعيار لو تلف أو مات فلان بطل السلم منهم الثوري والشافعي وأبو حنيفة وأصحابه وأبو ثور فإن عين مكيال رجل أو ميزانه وكانا معروفين عند العامة جاز ولم يختص بهما، فإن لم يعلما لم يجز لما ذكرنا {مسألة} (وفي المعدود المختلف غير الحيوان روايتان) (إحداهما) يسلم فيه عدداً والأخرى وزناً وقيل يسلم في الجوز والبيض عدداً وفي الفواكه والبقول وزناً وما عدا المكيل والموزون الحيوان والمذروع فعلى ضربين معدود وغيره والمعدود نوعان (أحدهما) لا يتباين كثيراً كالجوز والبيض فيسلم فيه عددا في أضهر الروايتين وهو قول أبي حنيفة والاوزاعي، وقال الشافعي لا يسلم فيهما عدداً لأن ذلك يتباين ويختلف فلم يجز عدداً كالبطيخ وإنما يسلم فيهما وزناً وكيلا ولنا أن التفاوت يسير ويذهب ذلك باشتراط الكبر والصغر أو الوسط فيذهب التفاوت وإن بقي شئ " يسير عفي عنه كسائر التفاوت في المكيل والموزون المعفو عنه، ويفارق البطيخ فإنه يتفاوت تفاوتاً كثيراً لا ينضبط ولنا فيه منع أيضاً (النوع الثاني) ما يتفاوت كالرمان والسفرجل والقثاء والخيار فحكمه حكم ما ليس بمعدود من البطيخ والبقول وفيه وجهان (أحدهما) يسلم فيه عددا ويضبطها بالصغر والكبر لانه يباع هكذا (والثاني) لا يسلم فيه الاوزنا وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي لأنه لا يمكن تقديره بالعدد لأنه يختلف كثيراً ويتباين جداً، ولا بالكيل لأنه يتجافى في المكيال. ولا يمكن تقدير البقل بالحزم لأنه يختلف ويمكن حزم الكبيرة والصغيرة فلم يمكن تقديره بغير الوزن فيتعين تقديره به، وقيل يسلم في الجوز والبيض عدداً لأنه يباع كذلك وفي الفواكه والبقول وزناً لأنه أضبط وقد ذكرناه

قال رحمه الله تعالى (فصل) (الرابع أن يشترط أجلا معلوماً له وقع في الثمن كالشهر ونحوه، فإن أسلم حالا أو إلى أجل قريب كاليوم ونحوه لم يصح) يشترط لصحة السلم كونه مؤجلا ولا يصح السلم الحال نص عليه أحمد في رواية المروذي، وبه قال أبو حنيفة ومالك والاوزاعي، وقال الشافعي وأبو ثور وابن المنذر يجوز السلم حالا لأنه عقد يصح مؤجلا فصح حالا كبيوع الأعيان، ولأنه إذا جاز مؤجلا فحالا أجوز ومن الغرر أبعد ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " من أسلف في شئ فليسلف في كيل معلوم أو وزن معلوم إلى أجل معلوم " فأمر بالأجل والأمر يقتضي الوجوب، ولأنه أمر بهذه الشروط تبييناً لشروط السلم ومنعا منه بدونها، ولذلك لا يصح إذا انتفى الكيل والوزن فكذلك الأجل، ولأنه إنما جاز رخصة للمرفق ولا يحصل المرفق إلا بالأجل، فإذا انتفى الأجل انتفى المرفق فلا يصح الكتابة، ولأن الحلول يخرجه عن اسمه ومعناه أما الاسم فإنه سمي سلماً وسلفاً لتعجل أحد العوضين وتأخر الآخر ومعناه ما ذكرناه في أول الباب من أن الشارع رخص فيه من أجل الحاجة الداعية إليه ومع حضور ما يبيعه حالا لا حاجة إلى السلم فلا يثبت وفارق بيوع الأعيان فإنها لم تثبت على خلاف الأصل لمعنى يختص بالتأجيل وما ذكروه من التنبيه غير صحيح لأن ذلك إنما يجري فيما إذا كان المعنى المقتضي موجوداً في الفرع بصفة التأكيد وليس كذلك ههنا فان البعد من الغرر ليس هو المقتضي لصحة السلم المؤجل وإنما المصحح له شئ آخر لم يذكر اجتماعهما فيه وقد بينا افتراقهما. إذا ثبت هذا فإنه إن باعه ما يصح السلم فيه حالا في الذمة صح ومعناه معنى السلم، وإنما افترقا في اللفظ لكن يشترط في البيع إن يكون المبيع مملوكاً للبائع، فإن باعه ما ليس عنده لم يصح وقد ذكرناه (فصل) ويشترط كون الأجل مدة لها وقع في الثمن كالشهر وما قاربه، وقال أصحاب أبي حنيفة لو قدره بنصف يوم جاز، وقدره بعضهم بثلاثة أيام وهو قول الأوزاعي لأنها مدة يجوز فيها خيار الشرط وهي آخر حد القلة قالوا لأن الأجل إنما اعتبر في السلم لأن المسلم فيه معدوم في الأصل لكون

وإن كان عليه ثياب فقال أحمد: ما كان للجمال فهو للبائع، وما كان للبس المعتاد فهو للمشتري

السلم إنما ثبت رخصه في حق المفاليس فلابد من الأجل ليحصل ويسلم وهذا يتحقق بأقل مدة يتصور حصوله فيها. ولنا أن الأجل إنما اعتبر ليتحقق المرفق الذي شرع من أجله السلم ولا يحصل ذلك بالمدة التي لا وقع لها في الثمن، ولا يصح اعتباره بمدة الخيار لأن الخيار يجوز ساعة وهذا لا يجوز والأجل يجوز أن يكون أعواماً وهم لا يجيزون الخيار أكثر من ثلاث وكونها آخر حد القلة لا يقتضي التقدير بها، وقولهم إن المقصود يحصل بأقل مدة لا يصح فإن السلم إنما يكون لحاجة المفاليس الذين لهم ثمار أو زروع أو تجارات ينتظرون حصولها ولا يحصل هذا في المدة اليسيرة غالبا {مسألة} (إلا أن يسلم في شئ يأخذ منه كل يوم أجزاء معلومة فيصح) قال الأثرم قلت لأبي عبد الله الرجل يدفع إلى الرجل الدراهم في الشئ يؤكل فيأخذ منه كل يوم من تلك السلعة شيئاً فقال على معنى السلم؟ فقلت نعم، فقال لا باس ثم قال مثل الرجل القصاب يعطيه الدينار على أنه يأخذ منه كل يوم رطلا من لحم قد وصفه: وبهذا قال مالك، وقال الشافعي إذا أسلم في جنس واحد إلى أجلين لم يصح في أحد القولين لأن ما يقابل أبعدهما أجلا أقل مما يقابل الآخر وذلك مجهول. ولنا أن كل بيع جاز إلى أجل جاز إلى أجلين وآجال كبيوع الأعيان، فعلى هذا إذا قبض البعض وتعذر رجع بقسطه من الثمن ولا يجعل للباقي فضلاً على المقبوض لأنه مبيع واحد متماثل الاجزاء فيقسط الثمن على أجزائه بالسوية كما لو اتفق أجله {مسألة} (فان أسلم في جنس إلى أجلين أو في جنسين إلى أجل صح) أما إذا أسلم في جنس إلى أجلين فقد ذكرناه في المسألة قبلها، وأن أسلم في جنسين إلى أجل واحد صح قياساً على البيع {مسألة} (ولابد أن يكون الأجل مقدراً بزمن معلوم للخبر) وهو أن يسلم إلى وقت يعلم بالأهلة نحو أول الشهر وأوسطه وآخره أو يوم معلوم منه لقول الله تعالى (يسئلونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج) ولا خلاف في صحة التأجيل بذلك، فإن أسلم إلى عيد الفطر أو النحر أو يوم عرفة أو عاشوراء أو نحوها جاز لأنه معلوم بالأهلة فإن

جعل الأجل مقدراً بغير الشهور الهلالية وكان ما يعرفه المسلمون وهو مشهور بينهم مثل الأشهر الرومية كشباط ونحوه أو عيد لا يختلف كالنيروز والمهرجان عند من يعرفهما فظاهر كلام الخرقي وابن أبي موسى أنه لا يصح لأنه أسلم إلى غير الشهور الهلالية أشبه إذا أسلم إلى الشعانين وعيد الفطير، ولأن هذه لا يعرفها كثير من المسلمين اشبه ما ذكرنا، وقال القاضي يصح وهو قول الأوزاعي والشافعي لأنه معلوم لا يختلف أشبه أعياد المسلمين وفارق ما يختلف لكونه لا يعلمه المسلمون وإن كان مما لا يعرفه المسلمون كالشعانين وعيد الفطير ونحوهما لم يصح السلم إليه لأن المسلمين لا يعرفونه ولايجوز تقليد أهل الذمة فيه لأن قولهم غير مقبول ولأنهم يقدمونه ويؤخرونه على حساب لهم لا يعرفه المسلمون، وإن أسلم الى ما لا يختلف مثل كانون الأول ولا يعرفه المتعاقدان أو أحدهما لم يصح لأنه مجهول عنده {فصل} وإذا جعل الأجل إلى شهر تعلق بأوله، وإن جعل الأجل اسما يتناول شيئين كجمادى ويوم النفر تعلق بأولهما، وإن قال الى ثلاثة أشهر كان إلى انقضائها لأنه إذا ذكر ثلاثة أشهر مبهمة وجب أن يكون ابتداؤها من حين لفظه بها، وكذلك لو قال إلى شهر كان إلى آخره وينصرف إلى الأشهر الهلالية لقول الله تعالى (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً) وإن أراد الهلالية فان

كان في أثناء شهر كمل شهراً بالعدد وشهرين بالأهلة، وقيل تكون الثلاثة بالعدد وسنذكر ذلك في غير هذا، وإن قال محله شهر كذا صح وتعلق بأوله، وقيل لا يصح لأنه جعل ذلك ظرفا فيحتمل أوله وآخره والصحيح الأول، فإنه لو قال لعبده أنت حر في شهر كذا تعلق بأوله وهو نظير مسئلتنا، فإن قيل العتق يتعلق بالاخطار والاغرار ويجوز تعليقه على مجهول كنزول المطر وقدوم زيد بخلاف مسئلتنا، قلنا إلا أنه إذا جعل محله في شهر تعلق بأوله فلا يكون مجهولاً وكذا السلم {مسألة} (وإن أسلم إلى الحصاد أو شرط الخيار إليه فعلى روايتين) لا يصح أن يؤجل السلم إلى الحصاد والجزاز وما أشبهه، كذلك قال ابن عباس وأبو حنيفة والشافعي وابن المنذر، وفيه رواية أخرى أنه يجوز. قال أحمد: أرجو أن لا يكون به بأس، وبه قال مالك وأبو ثور، وعن ابن عمر أنه كان يبتاع إلى العطاء، وبه قال ابن أبي ليلى وقال أحمد إن كان شئ يعرف فأرجو، وكذلك إن قال إلى قدوم الغزاة وهذا محمول على أنه أراد وقت العطاء لأن ذلك معلوم، فأما نفس العطاء فهو مجهول يختلف ويتقدم ويتأخر، ويحتمل أنه أراد نفس العطاء لكونه يتقارب أيضاً فأشبه الحصاد ووجه ذلك أنه أجل تعلق بوقت من الزمن يعرف في العادة لا يتفاوت تفاوتا كثيراً أشبه إذا قال إلى رأس السنة

ولنا قول ابن عباس: لا تتبايعوا إلى الحصاد والدياس، ولا تتبايعوا إلا إلى شهر معلوم، ولأن ذلك يختلف ويقرب ويبعد فلا يجوز أن يكون أجلا كقدوم زيد، فإن قيل فقد روي عن عائشة أنها قالت: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى يهودي " أن ابعث إلي بثوبين إلى الميسرة " قلنا قال إبن المنذر رواه حرمي بن عمارة، وقال أحمد فيه غفلة وهو صدوق، قال إبن المنذر فأخاف أن يكون من غفلاته إذ لم يتابع عليه، ثم أنه لا خلاف في أنه لو جعل الأجل إلى الميسرة لم يصح، وإن جعل الخيار إليه فهو في معنى الاجل {مسألة} (وإذا جاءه بالسلم قبل محله ولا ضرر في قبضه لزمه قبضه وإلا فلا) عبر بالسلم عن المسلم فيه كما يعبر بالسرقة عن المسروق، وبالرهن عن المرهون، وإذا حضر المسلم فيه على الصفة المشروطة لم يخل من أحوال ثلاثة (أحدها) أن يحضره في محله فيلزمه قبوله كالبيع المعين سواء تضرر بقبضه أولا لأن على المسلم إليه ضرراً في بقائه في يده، فإن امتنع قيل له إما أن تقبض حقك أو تبرئ منه لأن قبض الحاكم قام مقام قبض الممتنع بولايته إلا أنه ليس له الابراء (الحال الثاني) أن يحضره بعد محل الوجوب فهو كما لو أحضر المبيع بعد تفرقهما (الحال الثالث) أن يحضره قبل محله فينظر، فان كان في قبضه قبل المحل ضرر إما لكونه مما يتغير كالفاكهة والأطعمة كلها أو كان قديمة دون حديثه كالحبوب ونحو هذا لم يلزم المسلم قبوله لأن له غرضاً في تأخيره بأن يحتاج إلى أكله أو طعامه في ذلك الوقت، وكذلك الحيوان لأنه لا يأمن تلفه ويحتاج إلى المؤنة وهكذا إن كان يحتاج في حفظه إلى مؤنة كالقطن ونحوه، أو كان الوقت مخوفاً يخشى على ما يقبضه فلا يلزمه الأخذ في هذه الأحوال لأن عليه ضرراً في قبضه ولم يأت محل استحقاقه له فهو كنقص صفة فيه، وإن كان مما لاضرر في قبضه ولا يتغير كالحديد والرصاص والنحاس فإنه يستوي قديمه وحديثه ونحو ذلك الزيت والعسل ولم يكن في قبضه ضرر الخوف ولا تحمل مؤنة فعليه قبضه لحصول غرضه مع زيادة تعجل المنفعة فجرى مجرى زيادة الصفة وزيادة الجودة في المسلم فيه (فصل) وليس له إلا أقل ما تقع عليه الصفة لأنه قد سلم إليه ما تناوله العقد فبرئت ذمته منه فعليه أن يسلم الحبوب نقية، فإن كان فيها تراب يأخذ موضعاً من المكيال لم يجز، وإن كان يسيراً لا يؤثر في الكيل ولا يعيب لزمه أخذه، ولا يلزمه أخذ التمر إلا جافاً، ولا يلزم ان يتناهى جفافه لأنه يقع عليه

الاسم، ولا يلزمه أن يقبل معيباً بحال وإن قبضه فوجده معيباً فله المطالبة بالبدل كالمبيع والله أعلم (فصل) الشرط الخامس أن يكون المسلم فيه عام الوجود في محله لا نعلم فيه خلافاً لأنه إذا كان ظاهراً أمكن تسليمه عند وجوب التسليم، وإذا لم يكن عام الوجود لم يكن موجوداً عند المحل كذلك فلا يمكن تسليمه فلم يصح كبيع الآبق، بل أولى فإن السلم احتمل فيه أنواع من الغرر للحاجة فلا يحتمل فيه غرر آخر لئلا يكثر الغرر فإن كان لا يوجد فيه أولا يوجد إلا نادراً كالسلم في العنب والرطب إلى شباط أو آذار أو أسلم الى محل لا يعم وجوده فيه كزمان أول العنب أو آخره الذي لا يوجد فيه إلا نادراً لم يصح لأنه لا يؤمن انقطاعه فلا يغلب على الظن القدرة على تسليمه عند وجوب التسليم {مسألة} (وإن أسلم في ثمرة بستان بعينه أو قرية صغيرة لم يصح لأنه لا يؤمن تلفه وانقطاعه) قال إبن المنذر: ابطال السلم إذا أسلم في ثمرة بستان بعينه كالإجماع من أهل العلم منهم الثوري ومالك والشافعي والاوزاعي واسحاق وأصحاب الرأي، قال وروينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أسلف إليه رجل من اليهود دنانير في تمر مسمى فقال اليهودي من تمر حائط بني فلان فقال النبي صلى الله عليه وسلم " أما من حائط بني فلان فلا ولكن كيل مسمى إلى أجل مسمى " رواه ابن ماجه وغيره ورواه الجوزجاني في المترجم وقال أجمع الناس على الكراهة لهذا البيع ولأنه لا يؤمن انقطاعه وتلفه أشبه مالو اسلم في شئ قدره مكيال معين أو صنجة معينة أو أحضر خرقة وأسلم في مثلها (فصل) ولا يشترط وجود المسلم فيه حال العقد بل يجوز أن يسلم في الرطب في أوان الشتاء

وفي كل معدوم إذا كان موجوداً عند المحل وهو قول مالك والشافعي وإسحاق وابن المنذر، وقال الثوري والاوزاعي وأصحاب الرأي يشترط أن يكون جنسه موجوداً حال العقد إلى حال المحل لأن كل زمان يجوز أن يكون محلاً للمسلم فيه لموت المسلم إليه فاعتبر وجوده فيه كالمحل. ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنتين والثلاث فقال " من أسلف فليسلف في كيل معلوم أو وزن معلوم إلى أجل معلوم " ولم يذكر الوجود ولو كان شرطاً لذكره ولنهاهم عن السلف سنتين لأنه يلزم منه انقطاع المسلم فيه أوسط السنة ولا يثبت في الذمة ويوجد في محله غالباً أشبه الموجود ولا نسلم أن الدين يحل بالموت، وإن سلمنا فلا يلزم أن يشترط ذلك الوجود إذ لو لزم أفضى إلى أن تكون آجال السلم مجهولة والمحل ما جعله المتعاقدان محلاً وههنا لم يجعلاه {مسألة} (وإن أسلم إلى محل يوجد فيه عاماً فانقطع خير بين الصبر والفسخ والرجوع برأس ماله أو عوضه إن كان معدوماً في أحد الوجهين وفي الآخر ينفسخ بنفس التعذر) وجملة ذلك أنه تعذر تسليم المسلم فيه عند محله أما لغيبة المسلم إليه أو عجزه عن التسليم حتى عدم المسلم فيه أو لم تحمل الثمار تلك السنة فالمسلم بالخيار بين الصبر إلى أن يوجد فيطالب به وبين أن يفسخ العقد ويرجع بالثمن إن كان موجوداً أو بمثله إن كان مثلياً والاقيمته، وبذلك قال الشافعي وإسحاق وابن المنذر، وفيه وجه آخر أنه ينفسخ بنفس التعذر لكون المسلم فيه من ثمرة العام بدليل وجوب التسليم منها فإذا هلكت انفسخ العقد به كما لو باعه قفيزاً من صبرة فهلكت والأول أصح فإن العقد قد صح وإنما تعذر التسليم فهو كمن اشترى عبداً فأبق قبل القبض، ولا يصح دعوى التعيين في هذا العام، فإنهما

لو تراضيا على دفع المسلم فيه من غيرها جاز وإنما أجبر على دفعه من ثمرة العام لتمكنه من دفع ما هو نصف حقه وذلك يجب الدفع من ثمرة نفسه إذا قدر ولم يجد غيرها وليست متعينة فإن تعذر البعض فللمشتري الخيار بين الفسخ في الكل والرجوع بالثمن وبين أن يصبر إلى حين الامكان ويطالب بحقه، فان أحب الفسخ في المتعذر وحده فله ذلك لأن الفساد طرأ بعد صحة العقد فلم يوجب الفساد في الكل ويصبر على ما نذكره من الخلاف في الإقالة في بعض السلم، وإن قلنا أن الفسخ يثبت بنفس التعذر انفسخ في المعقود دون الموجود لما ذكرنا من أن الفساد الطارئ على بعض المعقود عليه لا يوجب فساد الجميع ويثبت للمشتري خيار الفسخ في الموجود كما ذكرنا في الوجه الأول (فصل) وإذا أسلم ذمي إلى ذمي في خمر ثم أسلم أحدهما فقال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن المسلم يأخذ دراهمه لأنه إن كان المسلم المسلم فليس له استيفاء الخمر فقد تعذر استيفاء المعقود عليه وإن كان الآخر فقد تعذر عليه الإيفاء فصار الأمر الى رأس ماله {فصل} (الشرط السادس) أن يقبض رأس مال السلم في مجلس العقد فإن تفرقا قبل ذلك بطل، وبذلك قال أبو حنيفة والشافعي وقال مالك يجوز أن يتأخر قبضه يومين وثلاثة وأكثر ما لم يكن ذلك شرطاً لأنه معاوضة لا تخرج بتأخير قبضه من أن تكون سلماً فأشبه تأخيره إلى آخر المجلس ولنا أنه عقد معاوضة لا يجوز فيه شرط تأخير العوض المطلق فلا يجوز التفرق فيه قبل القبض كالصرف، ولا يصح قياسه على المجلس بدليل الصرف، وإن قبض بعضه ثم تفرقا فكلام الخرقي

يقتضي أن لا يصح وحكي ذلك عن ابن شبرمة والثوري. وقال أبو الخطاب هل يصح في المقبوض؟ على وجهين بناء على تفريق الصفقة وهذا الذي يقتضيه مذهب الشافعي، وقد نص أحمد في رواية ابن منصور إذا أسلمت ثلثمائة درهم في أصناف شتى مائة في حنطة ومائة في شعير ومائة في شئ آخر فخرج فيها زيوف رد على الأصناف الثلاثة على كل صنف بقدر ما وجد من الزيوف فصحح العقد في البافي بحصته من الثمن، وقال الشريف أبو جعفر فيمن أسلف ألفاً إلى رجل فقبضه نصفه وأحاله بنصفه أو كان له دين على المسلم إليه بقدر نصفه فحسبه عليه من الألف صح السلم في النصف المقبوض وبطل في الباقي وحكي عن أبي حنيفة أنه قال يبطل في الحوالة في الكل، وفي المسألة الأخرى يبطل فيما لم يقبض وحده بناء على تفريق الصفقة (فصل) وإن قبض الثمن فوجده رديئاً فرده والثمن معين بطل العقد برده فإن كان الثمن أحد النقدين وقلنا تتعين النقود بالتعيين بطل، ويبتدئان عقداً آخر إن اختاره، وإن كان في الذمة فله إبداله في المجلس ولا يبطل العقد برده لأن العقد إنما وقع على ثمن سليم فإذا دفع إليه معيباً كان له رده والمطالبة بالسليم، ولم يؤثر قبض المعيب في العقد، وإن تفرقا ثم علما عيبه فرده ففيه وجهان (أحدهما) يبطل العقد برده لوقوع القبض بعد التفرق (والثاني) لا يبطل لأن القبض الأول كان صحيحا بدليل مالو أمسكه ولم يرده وهذا بدل عن المقبوض وهذا قول أبي يوسف ومحمد وأحد قولي الشافعي واختيار المزني لكن من شرطه أن يقبض البدل في مجلس الرد، فإن تفرقا عن مجلس الرد قبل قبض البدل بطل وجهاً واحداً لخلو العقد عن قبض الثمن بعد تفرقهما، فإن وجد بعض الثمن رديئاً فرده

ففي المردود ما ذكرنا من التفصيل، وهل يصح في غير الردئ. إذا قلنا بفساده في الردئ؟ على وجهين بناء على تفريق الصفقة (فصل) وإن ظهرت الدراهم مستحقة والثمن معين لم يصح. قال أحمد: إذا خرجت الدراهم مسروقة فليس بينهما بيع. وذلك لأن الثمن إذا كان معينا فقد اشترى بعين مال غيره بغير إذنه وإن كان غير معين فله المطالبة ببدله في المجلس، وإن قبضه ثم تفرقا بطل العقد لأن المقبوض لا يصلح عوضاً فقد تفرقا قبل أخذ الثمن الاعلى الرواية التي تقول بصحة تصرف الفضول، أو إن النقود لا تتعين بالتعيين، وإن وجد بعضه مستحقاً بطل العقد فيه، وفي الباقي على وجهين بناء على تفريق الصفقة (فصل) وإن كان له في ذمة رجل دينارا فجعله سلماً في طعام إلى أجل لم يصح قال إبن المنذر: أجمع على هذا كل من نحفظ عنه من أهل العلم، وروي عن ابن عمر أنه قال: لا يصح لذلك وذلك لأن المسلم فيه دين: فإذا جعل الثمن ديناً كان بيع دين بدين ولا يصح بالإجماع، ولو قال أسلمت إليك في كر طعام وشرطا أن يعجل له منها خمسين ويؤجل خمسين لم يصح العقد في الكل في قول الخرقي ويخرج في صحته في قدر المقبوض وجهان (أحدهما) يصح وهو قول أبي حنيفة بناء على تفريق الصفقة (والثاني) لا يصح وبه قال الشافعي وهو أصح لأن للمعجل فضلاً على المؤجل فيقتضي أن يكون في مقابلته أكثر مما في مقابلة المؤخر والزيادة مجهولة فلا يصح {مسألة} (وهل يشترط كونه معلوم القدر والصفة كالمسلم فيه على وجهين)

اختلفت الرواية في معرفة صفة الثمن المعين ولا خلاف في اشتراط معرفة صفته إذا كان في الذمة لأنه أحد عوضي السلم، فإذا لم يكن معيناً اشترط معرفة صفته كالآخر إلا أنه إذا أطلق وفي البلد نقد واحد انصرف إليه وقام مقام وصفه، وإن كان الثمن معيناً فقال القاضي وابو الخطاب يشترط ذلك لأن أحمد قال: يقول أسلمت إليك كذا وكذا درهما ونصف الثمن فاعتبر ضبط صفته، وهذا قول مالك وأبي حنيفة لأنه عقد لا يمكن إتمامه في الحال ولا تسليم المعقود عليه ولا يؤمن انفساخه فوجبت معرفة رأس مال السلم فيه ليرد بدله كالقرض، ولأنه لا يؤمن أن يظهر بعض الثمن مستحقاً فينفسخ العقد في قدره فلا يعلم في كم بقي وكم انفسخ؟ فإن قيل هذا موهوم والموهومات لا تعتبر. قلنا الوهم ههنا معتبر لأن الأصل عدم الجواز، وإنما جاز إذا وقع الأمن الغرر ولم يوجد ههنا بدليل ما إذا أسلم في ثمرة بستان بعينه أو قدر السلم بصنجة بعينها وظاهر كلام الخرقي أنه لا يشترط لأنه لم يذكره في شروط السلم وهو أحد قولي الشافعي لأنه عوض مشاهد فلم يحتج إلى معرفة قدره كبيوع الأعيان وكلام أحمد إنما تناول غير المعين ولا خلاف في اعتبار أوصافه، ودليلهم ينتقض بعقد الإجارة فإنه ينفسخ بتلف العين المستأجرة ولايحتاج مع التعيين إلى معرفة الأوصاف، ولأن رد مثل الثمن إنما يستحق عند فسخ العقد لا من جهة عقده. وجهالة ذلك لا تؤثر كما لو باع المكيل والموزون، ولأن العقد قد تمت شرائطه فلا يبطل بأمر موهوم فعلى القول الأول لا يجوز أن يجعل رأس مال السلم مالاً يمكن ضبطه بالصفة كالجواهر وسائر مالا يجوز السلم فيه فإن فعلا بطل العقد ويرده إن كان موجوداً وإلا رد قيمته، فإن

باب السلم

اختلفا في القيمة فالقول قول المسلم إليه لأنه غارم وكذلك إن حكمنا بصحة العقد ثم انفسخ. فإن اختلفا في المسلم فيه فقال أحدهما في كذا مدي حنطة، وقال الآخر في كذا مدي شعير تحالفا وتفاسخا وبه قال الشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي كما لو اختلفا في ثمن المبيع (فصل) وكل مالين حرم النساء فيهما لا يجوز أن يسلم أحدهما في الآخر لأن السلم من شرطه النساء والتأجيل والذي ذكره الخرقي في أنه لا يجوز النساء في العروض وهي إحدى الروايتين فعلى هذا لا يجوز إسلام بعضها في بعض. وقال ابن أبي موسى: لا يجوز أن يكون رأس مال السلم إلا عيناً أو ورقاً، قال القاضي وهو ظاهر كلام أحمد، قال إبن المنذر قيل لأحمد يسلم ما يوزن فيما يكال وما يكال فيما يوزن؟ فلم يعجبه، فعلى هذا لا يجوز أن يكون المسلم فيه ثمناً وهو قول أبي حنيفة لأنها لا تثبت في الذمة إلا ثمناً فلا يجوز أن تكون مثمنة، وعلى الرواية التي تقول يجوز النساء في العروض يجوز أن يكون رأس المال عرضاً كالثمن سواء ويجوز إسلامها في الأثمان، قال الشريف أبو جعفر يجوز السلم في الدراهم والدنانير وهذا مذهب مالك والشافعي لأنها تثبت في الذمة صداقاً فتثبت في الذمة سلما كالعروض ولانه لاربا بينهما من حيث التفاضل ولا النساء فصح إسلام أحدهما في الآخر كالعرض في العرض ولا يصح ما قاله أبو حنيفة فإنه لو باع دراهم بدنانير صح ولا بد أن يكون أحدهم مثمناً فعلى هذا إذا أسلم عرضاً في عرض موصوف بصفاته فجاء عند الحلول بذلك العرض بعينه لزمه قبوله على أحد الوجهين لأنه أتاه بالمسلم فيه على صفته فلزمه قبوله كما لو كان غيره (والثاني) لا يلزمه لان يفضي إلى كون الثمن هو المثمن، ومن نصر الأول قال هذا لا يصح لأن الثمن إنما هو في الذمة وهذا عوض

فأما المعدود المختلف كالحيوان والفواكه والبقول والجلود والرؤوس ونحوها ففيه روايتان

عنه، وهكذا لو أسلم جارية صغيرة في كبيرة فجاء المحل وهي على صفة المسلم فيه فأحضرها خرج فيها الوجهان (أحدهما) لا يجوز لأنه يفضي إلى أن يكون قد استمتع بها وردها خالية عن عقر (والثاني) يجوز لأنه أحضر المسلم فيه على صفته، ويبطل الأول بما إذا وجد بها عيباً فردها وللشافعي في هاتين المسئلتين وجهان كهذين، فان فعل ذلك حيلة لينتفع بالعين أو ليطأ الجارية ثم يردها بغير عوض لم يجز وجهاً واحداً {مسألة} (وإن أسلم ثمنا واحدا في جنسين لم يجز حتى يبين ثمن كل جنس) يجوز أن يسلم ديناراً في قفيز حنطة وقفيز شعير فإن لم يبين ثمن الحنطة من الشعير لم يصح وقال مالك يجوز وللشافعي قولان كالمذهبين لأن كل عقد جاز على جنسين في عقدين جاز عليهما في عقد واحد كبيوع الأعيان. ولنا أن ما يقابل كل واحد من الجنسين مجهول فلم يصح كما لو عقد عليه مفرداً بثمن مجهول، ولأن فيه غرراً لأنا لا نأمن الفسخ بتعذر أحدهما فلم ندربكم يرجع؟ وهذا غرر يؤثر مثله في السلم، وبمثل هذا عللنا معرفة صفة الثمن وقد ذكرنا ثم وجهاً أنه لا يشترط فيخرج ههنا مثله لأنه في معناه، والجواز ههنا أولى لأن العقد ثم إذا انفسخ لا يعلم مقدار ما يرجع به وههنا يرجع بقسطه من رأس مال السلم، ولأنه لو باع عبده وعبد غيره بثمن واحد جاز في أظهر الوجهين وهذا مثله، ولأنه لما جاز أن يسلم في شئ واحد إلى أجلين ولا يبين ثمن كل منهما ينبغي أن يجوز ههنا. قال ابن أبي موسى: ولا يجوز أن يسلم خمسة دنانير وخمسين درهماً في كر حنطة إلا أن يبين حصة ما لكل واحد منهما من الثمن، والأولى صحة هذا لأنه إذا تعذر بعض السلم رجع بقسطه منهما، وإن تعذر النصف رجع بالنصف، وإن تعذر الخمس رجع بدينار وعشرة دراهم (فصل) قال رحمه الله تعالى (السابع أن يسلم في الذمة، فان أسلم في عين لم يصح)

لأنه ربما تلف قبل أوان تسليمه فلم يصح كما لو شرط مكيالا بعينه أو صنجة بعينها غير معلومة، ولأن المعين يمكن بيعه في الحال فلا حاجة الى السلم فيه {مسألة} (ولا يشترط ذكر مكان الإيفاء) ذكره القاضي وحكاه ابن المنذر عن أحمد وإسحاق وطائفة من أهل الحديث، وبه قال أبو يوسف ومحمد وهو أحد قولي الشافعي لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من أسلم فليسلم في كيل معلوم أو وزن معلوم إلى أجل معلوم " ولم يذكر مكان الإيفاء، ولو كان شرطاً لذكره وفي الحديث الذي فيه أن اليهودي أسلم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " أما من حائط بني فلان فلا، ولكن كيل مسمى إلى أجل مسمى " ولم يذكر مكان الإيفاء ولأنه عقد معاوضة أشبه بيوع الأعيان، وقال الثوري يشترط وهو القول الثاني للشافعي وقال الأوزاعي هو مكروه لأن القبض يجب بحلوله ولا يعلم موضعه يؤمئذ، وقال أبو حنيفة وبعض أصحاب الشافعي إن كان لحمله مؤنة وجب شرطه وإلا فلا لأنه إذا كان لحمله مؤنة اختلف فيه الغرض بخلاف مالا مؤنة فيه {مسألة} (إلا أن يكون موضع العقد لا يمكن الوفاء فيه) فيشترط ذكره لأنه متى كانا في برية لم يمكن التسليم في مكان العقد فإذا ترك ذكره كان مجهولا {مسألة} (ويكون الوفاء في موضع العقد) إذا كانا في مكان يمكن الوفاء فيه اقتضى العقد التسليم في مكانه فاكتفى بذلك عن ذكره {مسألة} (فإن شرط الوفاء فيه كان تأكيداً) وهو حسن لأنه شرط ما يقتضيه العقد أشبه مالو شرط الحلول في ثمن المبيع {مسألة} (وإن شرطه في غيره صح) لأنه بيع فصح شرط الإيفاء في غير مكانه كبيوع الأعيان ولأنه شرط ذكر مكان الإيفاء فصح كما لو ذكره في مكان العقد (وعنه لا يصح) ذكرها ابن أبي موسى لأنه شرط خلاف ما اقتضاه العقد لأن العقد يقتضي الإيفاء في مكانه، وقال القاضي وابو الخطاب: متى ذكر مكان الإيفاء ففيه روايتان سواء شرطه في مكان العقد أو في غيره لأنه ربما تعذر تسليمه في ذلك المكان فأشبه تعيين المكيال اختاره

أبو بكر، ولنا أن في تعيين المكان غرضاً ومصلحة لهما أشبه تعيين الزمان وبهذا يبطل ما ذكروه، ثم لا يخلو إما أن يكون مقتضى العقد التسليم في مكانه فإذا شرطه فقد شرط مقتضى العقد أولا يكون ذلك مقتضى العقد فيتعين ذكر مكان الإيفاء نفياً للجهالة عنه وقطعاً للتنازع فالغرر في تركه لافي ذكره، وتعيين المكان يفارق هذا فإنه لا حاجة إليه ويفوت به علم المقدار المشترط لصحة العقد ويفضي إلى التنازع وفي مسئلتنا لا يفوت به شرط، ويقطع التنازع والمعنى المانع من التقدير بمكيال بعينه مجهول هو المقتضي لذكر مكان الإيفاء فكيف يصح قياسهم عليه؟ {مسألة} (ولايجوز بيع المسلم فيه قبل قبضه ولاهبته ولا أخذ غيره مكانه ولا الحوالة به) لا يجوز بيع المسلم فيه قبل قبضه بغير خلاف علمناه لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الطعام قبل قبضه وعن ربح ما لم يضمن ولأنه مبيع لم يدخل في ضمانه فلم يجز بيعه كالطعام قبل قبضه وكذلك التولية والشركة وبهذا قال أكثر أهل العلم وحكي جواز الشركة والتولية عن مالك لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع الطعام قبل قبضه وأرخص في الشركة والتولية وقياساً على الإقالة، ولنا أنها معاوضة في المسلم فيه قبل القبض فلم يصح كما لو كان بلفظ البيع ولأنهما نوعا بيع فلا يجوز فيه السلم قبل قبضه كالنوع الآخر والحديث لا نعرفه وهو حجة لنا لأنه نهى عن بيع الطعام قبل قبضه والشركة والتولية بيع فيدخلان في النهي ويحمل قوله وأرخص في الشركة والتولية على أنه أرخص فيهما في الجملة لافي هذا الموضع، وأما الإقالة فإنها فسخ وليست بيعاً وأما أخذ غيره مكانه فهو أن يأخذ غير المسلم فيه عوضاً عن المسلم فيه وذلك حرام سواء كان المسلم فيه موجوداً أو معدوماً وسواء كان العوض مثل المسلم فيه في القيمة أو أقل أو أكثر، وبه قال أبو حنيفة والشافعي وذكر ابن أبي موسى رواية فيمن أسلم في بر فعدمه عند المحل فرضي أن يأخذ شعيرا مثله جاز وذلك محمول على أن البر والشعير جنس والصحيح في المذهب خلافه وقال مالك يجوز أن يأخذ غير المسلم فيه مكانه يتعجله ولا يؤخره إلا الطعام، وقال ابن المنذر وقد ثبت ان ابن عباس قال: إذا أسلمت في شئ إلى أجل فإن أخذت ما أسلفت فيه وإلا

وفي الأواني المختلفة الرؤوس والأوساط كالقماقم والأسطال الضيقة الرؤوس وما يجمع أخلاطا مميزة كالثياب المنسوجة من نوعين وجهان

فخذ عوضاً أنقص منه ولا تربح مرتين رواه سعيد في سننه. ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " من أسلم في شئ فلا يصرفه إلى غيره " رواه أبو داود وابن ماجة، ولأن أخذ العوض عن المسلم فيه بيع له فلم يجز كبيعه لغيره (فصل) ولا تجوز الحوالة به لأنها إنما تجوز على دين مستقر والسلم بعرض الفسخ فليس بمستقر ولأنه نقل للملك في المسلم فيه على غير وجه الفسخ فلم يجز كالبيع، ومعنى الحوالة أن يكون لرجل سلم وعليه مثله من قرض أو سلم آخر أو بيع فيحيل بما عليه من الطعام على الذي عنده السلم فلا يجوز وإن أحال المسلم إليه المسلم بالطعام الذي عليه لم يصح أيضاً لأنه معاوضة بالمسلم فيه قبل قبضه فلم يجز كالبيع. {مسألة} (ويجوز بيع الدين المستقر لمن هو في ذمته بشرط أن يقبض عوضه في المجلس ولايجوز لغيره) لحديث ابن عمر: كنا نبيع الأبعرة بالبقيع بالدنانير ونأخذ عوضها الدراهم وبالدراهم ونأخذ عوضها الدنانير فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " لا باس إذا تفرقتما وليس بينكما شئ " فقد دل الحديث على جواز بيع ما في الذمة من أحد النقدين بالآخر وغيره مقاس عليه ودل على اشتراط القبض في المجلس قوله " إذا تفرقتما وليس بينكما شئ " وفي ذلك اختلاف ذكرناه في الصرف وفيه رواية أخرى أنه لا يصح بيعه لمن هو في ذمته كما لا يصح في السلم، والأول أولى فإن اشتراه منه موصوف في الذمة من غير جنسه جاز ولا يتفرقا قبل القبض لأنه يكون بيع دين بدين، وإن أعطاه معيناً بما يشترط فيه التقابض مثل أن أعطاه عوض الحنطة شعيراً جاز ولم يجز التفرق قبل القبض وإن أعطاه معيناً لا يشترط فيه التقابض جاز التفرق قبل القبض كما لو قال بعتك هذا الشعير بمائة درهم في ذمتك ويحتمل أن لا يجوز لأن المبيع في الذمة فلم يجز التفرق قبل القبض كالسلم (فصل) وإن باع الدين لغير من هو في ذمته لم يصح، وبه قال أبو حنيفة والثوري واسحاق قال أحمد: إذا كان لك على رجل طعام قرضاً فبعه من الذي هو عليه بنقد ولا تبعه من غيره بنقد ولا نسيئة وإذا أقرضت رجلاً دراهم أو دنانير فلا تأخذ من غيره عوضا بمالك عليه، وقال الشافعي

ولا يصح فيما لا ينضبط كالجواهر كلها والحوامل من الحيوان والمغشوش من الأثمان وغيرها وما يجمع اخلاطا غير مميزة كالغالية

إن كان الدين على معسر أو مماطل لم يصح البيع لأنه معجوز عن تسليمه وان كان على ملئ باذل له ففيه قولان (أحدهما) يصح لأنه ابتاع بمال ثابت في الذمة فصح كما لو اشترى في ذمته، ويشترط أن يشتري بعين أو يتقابضا في المجلس لئلا يكون بيع دين بدين. ولنا أنه غير قادر على تسليمه فلم يصح كبيع الآبق والطير في الهواء {مسألة} وتجوز الإقالة في السلم وتجوز في بعضه في أحد الوجهين إذا قبض رأس مال السلم أو عوضه في مجلس الإقالة) الإقالة في السلم جائزة لانها فسخ قال إبن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الإقالة في جميع ما أسلم فيه جائزة، ولأن الإقالة فسخ للعقد وقع من أصله وليست بيعاً، قال القاضي ولو قال لي عندك هذا الطعام صالحني على ثمنه جاز لأنه أقاله. فأما الإقالة في بعض السلم فاختلفت الرواية فيها فروي عنه أنها لا تجوز وقد رويت كراهتها عن ابن عمر وسعيد بن المسيب والحسن وابن سيرين والنخعي وسعيد بن جبير وربيعة وابن أبي ليلى وإسحاق، وروى حنبل عن أحمد أنه قال: لا باس بها. روى ذلك عن ابن عباس وعطاء وطاوس ومحمد بن علي وحميد بن عبد الرحمن وعمرو بن دينار والحكم والثوري والشافعي وأبي حنيفة وأصحابه وابن المنذر لأن كل معروف جاز في الجميع جاز في البعض كالإبراء والأنظار ووجه الرواية الأولى أن السلف في الغالب يزاد فيه في الثمن من أجل التأجيل فإذا أقاله في البعض بقي البعض بالباقي من الثمن وبمنفعة الجزء الذي حصلت الإقالة فيه فلم يجز كما لو شرط ذلك في ابتداء العقد، ويخرج الإبراء والانظار فانه لا يتعلق به شئ من ذلك

(فصل) وإذا أقاله رد الثمن إن كان باقيا وإلا رد مثله إن كان مثلياً أو قيمته إن لم يكن مثلياً ويشترط رده في المجلس كما يشترط في السلم {مسألة} (وإن انفسخ العقد بإقالة أو غيرها لم يجز أن يأخذ من الثمن عوضاً من غير جنسه) متى أراد أن يعطيه عوضاً عن الثمن فقال الشريف أبو جعفر لا يجوز له صرف ذلك الثمن في عقد آخر حتى يقبضه، وبه قال أبو حنيفة لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من أسلف في شئ فلا يصرفه إلى غيره " ولأن هذا مضمون على المسلم إليه بعقد السلم فلم يجز التصرف فيه قبل قبضه كما لو كان في يد المشتري ولأن هذا مضمون على المسلم إليه بعقد السلم فلم يجز أخذ عوضه كالمسلم فيه، وقال القاضي أبو يعلى: يجوز أخذ العوض عنه وهو قول الشافعي لأنه عوض مستقر في الذمة فجاز أخذ العوض عنه كما لو كان قرضاً ولأنه مال عاد إليه بفسخ العقد فجاز أخذ العوض عنه كالثمن في المبيع، والفرق بين المسلم فيه والثمن أن المسلم فيه مضمون بالعقد والثمن مضمون بعد فسخه والخبر أريد به المسلم فيه فإن قلنا بهذا فحكمه حكم ما لو كان في قرض أو ثمناً في بيوع الأعيان لا يجوز أن يجعل سلماً في شئ آخر لأنه بيع دين بدين، ويجوز فيه ما يجوز في القرض واثمان البياعات إذا فسخت ويأخذ أحد النقدين عن الآخر ويقبضه في مجلس الإقالة لانه صرف {مسألة} (وإذا كان لرجل سلم وعليه سلم من جنسه فقال لغريمه اقبض سلمي لنفسك لم يصح قبضه لنفسه) لان قبضه لنفسه حوالة به والحوالة بالسلم لا تجوز وهل يقطع قبضه للآمر؟ على روايتين (إحداهما)

يصح لأنه أذن له في القبض فأشبه قبض وكيله وكما لو نوى المأمور القبض للآمر (والثانية) لا يصح لأنه لم يجعله نائباً في القبض فلم يقع بخلاف الوكيل فصار كالقابض بغير إذن فإذا قلنا لا يصح القبض بقي على ملك المسلم إليه، ولو قال الأول للثاني أحضر اكتيالي منه لاقبض لك ففعل لم يصح قبضه للثاني وهل يكون قابضاً لنفسه؟ على وجهين (أولاهما) أنه يكون قابضاً لنفسه لأن قبض المسلم فيه قد وجد من مستحقه كما لو نوى القبض لنفسه فعلى هذا إذا قبضه للآخر صح {مسألة) (وإن قال اقبضه لي ثم أقبضه لنفسك صح لأنه استنابه في قبضه له فصح كما لو لم يقل ثم أقبضه لنفسك وإذا وقع القبض للآمر ملكه وقبضه ثانية فجاز أن يقبضه لنفسه كما لو كان في يد غيره وكذلك إن قال الآمر احضرنا حتى اكتاله لنفسي ثم تكتاله أنت صح؟ {مسألة} وإن قال أنا أقبضه لنفسي وحده بالكيل الذي يشاهده جاز في إحدى

الروايتين لانه علمه وشهد كيله والثانية لا يجوز، وهو مذهب الشافعي لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان صاع البائع وصاع المشتري ولم يوجد ذلك ولانه قبضه بغير كيل أشبه مالو قبضه جزافا {مسألة} وإن اكتاله وتركه في المكيال وسلمه إلى غريمه فقبضه صح القبض لهما لأن استدامة الكيل بمنزلة ابتدائه فلا معنى لابتداء الكيل ههنا لأنه لا يحصل به زيادة علم، وقال الشافعي لا يصح للحديث الذي ذكرنا في المسألة قبلها وهذا يمكن القول بموجبة لأن قبض المشتري له جري لصاعه فيه (فصل) وإن دفع زيد إلى عمرو دراهم فقال اشتر لك بها مثل الطعام الذي لك علي ففعل لم يصح لأن دراهم زيد لا تكون عوضاً لعمرو فإن اشترى الطعام بعينها أو في ذمته فهو كتصرف الفضولي، وإن قال اشتر لي بها طعاماً ثم اقبضه لنفسك ففعل صح الشراء ولم يصح القبض لنفسه على ما تقدم في مثل هذه الصورة وإن قال اقبضه لي ثم اقبضه لنفسك ففعل نص عليه، وقال أصحاب الشافعي لا يصح لأنه لا يجوز أن يكون قابضاً من نفسه لنفسه ولنا أنه يجوز أن يشتري من مال ولده ويبيعه ويقبض لنفسه من نفسه ولولده من نفسه وكذلك

لو وهب ولده الصغير شيئاً جاز أن يقبل له من نفسه ويقبض منها فكذا ههنا {مسألة} (وإن قبض المسلم فيه جزافاً فالقول قوله في قدره) لا يقبض ما أسلم فيه كيلاً إلا بالكيل ولا وزناً إلا بالوزن ولا بغير ما قدر به وقت العقد لأن الكل والوزن يختلفان فإن قبضه بذلك فهو كقبضه جزافاً ومتى قبضه جزافاً فإنه يأخذ قدر حقه ويرد الباقي ويطالب بالنقص إن نقص وهل له أن يتصرف في قدر حقه منه قبل أن نعتبره على وجهين مضى ذكرهما في كتاب البيع وإن اختلفا في قدره فالقول قول القابض مع يمينه لأنه أعلم بكيله ولأنه منكر للزائد والقول قول المنكر {مسألة} (وإن قبضه كيلا أو وزنا ثم ادعى غلطا لم يقبل قوله في أحد الوجهين) لأن الأصل عدم الغلط والآخر يقبل لانه أعلم بكيل ما قبض يعني إذا كاله فوجده ناقصا. {مسألة} (وهل يجوز الرهن والكفيل بالمسلم فيه؟ على روايتين)

اختلفت الرواية في الرهن والضمين في السلم فروى المروذي وابن القاسم وأبو طالب منع ذلك وهو الذي ذكره الخرقي واختاره أبو بكر ورويت كراهته عن علي وابن عمر وابن عباس والحسن وسعيد بن جبير والاوزاعي، وروي حنبل جوازه وهو قول عطاء ومجاهد وعمرو بن دينار والحكم ومالك الشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي وابن المنذر لقول الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى قوله مقبوضة) وقد روي عن ابن عباس وابن عمر إن المراد به السلم ولأن اللفظ عام فيدخل فيه السلم ولأنه أحد نوعي البيع فجاز أخذ الرهن بما في الذمة منه كبيوع الأعيان. ووجه الأولى أن الرهن والضمين أن أخذ برأس مال السلم فقد أخذ بما ليس بواجب ولا ما مآله الى الوجوب لأن المسلم إليه قد ملكه وان أخذ بالمسلم فيه فالرهن إنما يجوز بشئ يمكن استيفاؤه من ثمن الرهن والمسلم فيه لا يمكن استيفاؤه من ثمن الرهن ولا من ذمة الضامن ولأنه لا يأمن هلاك الرهن في يده بعدوان فيصير مستوفياً لحقه من غير المسلم فيه وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " من أسلف في شئ فلا يصرفه إلى غيره " رواه أبو داود ولأنه يقيم ما في ذمة الضامن مقام ما في ذمة المضمون عنه فيكون في حكم أخذ العوض والبدل عنه ولايجوز ذلك (فصل) فان أخذ رهناً أو ضميناً بالمسلم فيه ثم تقايلا السلم أو فسخ العقد لتعذر المسلم فيه بطل الرهن لزوال الدين الذي به الرهن وبرئ الضامن وعلى المسلم إليه رد رأس مال السلم في الحال ولا يشترط قبضه في المجلس لأنه ليس بعوض، ولو أقرضه ألفاً وأخذ به رهناً ثم صالحه عن الألف على طعام معلوم في ذمته صح وزال الرهن لزوال دينه من الذمة وبقي الطعام في الذمة ويشترط قبضه في المجلس

كيلا يكون بيع دين بدين فإن تفرقا قبل القبض بطل الصلح ورجع الالف إلى ذمته برهنه لأنه يعود إلى ما كان عليه كالعصير إذا تخمر ثم عاد خلا. وكذا لو صالحه عن الدراهم بدنانير في ذمته فالحكم على ما بينا في هذه المسألة (فصل) وإذا حكمنا بصحة ضمان السلم فلصاحب الحق مطالبة من شاء منهما وأيهما قضاء برئت ذمتهما منه فإن سلم المسلم إليه المسلم فيه إلى الضامن ليدفعه إلى المسلم جاز وكان وكيلاً وإن قال خذه عن الذي ضمنت عني لم يصح وكان قبضاً فاسداً مضموناً عليه لأنه إنما إستحق الأخذ بعد الوفاء فإن أوصله إلى المسلم برئ بذلك لأنه سلم إليه ما سلطه المسلم إليه في التصرف فيه وإن تلف فعليه ضمانه لأنه قبضه على ذلك وإن صالح المسلم الضامن عن المسلم فيه بثمنه لم يصح لأنه إقالة فلا يصح من غير المسلم إليه وإن صالحه المسلم إليه بثمنه صح وبرئت ذمته وذمة الضامن لأن هذا إقالة، وإن صالحه على غير ثمنه لم يصح لأنه بيع للمسلم فيه قبل القبض (فصل) والذي يصح أخذ الرهن به كل دين ثابت في الذمة يصح استيفاؤه من الرهن كأثمان البياعات والأجرة في الإجارات والمهر وعوض الخلع والقرض وأروش الجنايات وقيم المتلفات ولا يجوز أخذ الرهن بما ليس بواجب ولا ما مآله الى الوجوب كالدية على العاقلة قبل الحول لأنها لم تجب بعد ولم يعلم إفضاؤها إلى الوجوب لأنها قد تسقط بالجنون أو الفقر أو الموت فلم يصح أخذ الرهن بها ويحتمل جواز أخذ الرهن بها قبل الحول لأن الأصل بقاء الحياة واليسار والعقل. فأما بعد الحول فيجوز أخذ الرهن بها لأنها قد استقرت. ولايجوز أخذ الرهن بالجعل في الجعالة قبل العمل لأنه

لم يجب ولا يعلم افضاؤه إلى الوجوب ويحتمل جواز أخذ الرهن به ذكره القاضي لأن مآله الى الوجوب واللزوم فأشبهت أثمان البياعات والأولى أولى لأن افضاءها محتمل فأشبهت الدية قبل الحول ويجوز أخذ الرهن به بعد العمل لأنه قد وجب ولا يجوز أخذ الرهن بمال الكتابة لأنه غير لازم فإن للعبد تعجيز نفسه ولا يمكن استيفاء دينه من الرهن لأنه لو عجز صار الرهن للسيد لأنه من جملة مال المكاتب وقال أبو حنيفة يجوز ولنا أنها وثيقة لا يمكن استيفاء الحق منها فلم يصح كضمان الخمر ولايجوز أخذ الرهن بعوض المسابقة لأنها جعالة لا يعلم إفضاؤها إلى الوجوب لأن الوجوب إنما يثبت بسبق غير المخرج وهو غير معلوم ولا مظنون، وقال بعض أصحابنا فيها وجهان هل هي إجارة أو جعالة؟ فإن قلنا هي إجارة جاز أخذ الرهن بعوضها وقال القاضي إن لم يكن فيها محلل فهي جعالة وإن كان فيها محلل فعلى وجهين وهذا كله بعيد لأن الجعل ليس في مقابلة العمل بدليل أنه لا يستحقه إذا كان مسبوقاً وقد عمل العمل وإنما هو عوض عن السبق ولا تعلم القدرة عليه ولأنه لا فائدة للجاعل فيه ولا هو مراد له، وإذا لم يكن إجارة مع عدم المحلل فمع وجوده أولى لأن مستحق الجعل هو السابق وهو غير معين فلا يجوز استئجار رجل غير معين ثم لو كانت إجارة لكان عوضها غير واجب في الحال ولا يعلم إفضاؤها إلى الوجوب ولا يظن فلم يجز أخذ الرهن به كالجعل في رد الآبق ولا يجوز أخذ الرهن بعوض غير ثابت في الذمة كالثمن المعين والأجرة المعينة في الإجارة والمعقود عليه في الإجارة إذا كان منافع معينه كإجارة الدار والعبد العين والدابة المعينة مدة معلوم أو لحمل شئ معين إلى مكان معلوم لأن هذا حق تعلق بالعين لا بالذمة

وإن جاءه بدون ما وصف له أو نوع آخر فله أخذه

ولا يمكن استيفاؤه من الرهن لأن منفعة العين لا يمكن استيفاؤها من غيرها وتبطل الإجارة بتلف العين فأما إن وقعت الإجارة على منفعة في الذمة كخياطة ثوب وبناء دار أخذ الرهن به لأنه ثابت في الذمة ويمكن استيفاؤه من الرهن بأن يستأجر من ثمنه من يعمل ذلك العلم فجاز أخذ الرهن به كالدين ومذهب الشافعي في هذا كله كما قلنا (فصل) فأما الأعيان المضمونة كالغصوب العواري والمقبوض على وجه السوم ففيه وجهان (أحدهما) لا يصح الرهن بها وهو مذهب الشافعي لأن الحق غير ثابت في الذمة أشبه ما ذكرنا، ولأنه إن رهنه على قيمتها إذا تلفت فهو رهن على ما ليس بواجب ولا يعلم افضاؤه إلى الوجوب، وإن كان الرهن على عينها لم يصح لأنه لا يمكن استيفاء عينها من الرهن فأشبه أثمان البياعات المتعينة (والثاني) يصح أخذ الرهن بها وهو مذهب أبي حنيفة وقال كل عين كانت مضمونة بنفسها جاز أخذ الرهن بها يريد ما يضمن بمثله أو قيمته كالمبيع يجوز أخذ الرهن به لأنه مضمون بفساد العقد، ولأن مقصود الرهن الوثيقة بالحق وهذا حاصل فإن الرهن بهذه الأعيان يحمل الراهن على ادائها، وإن تعذر أداؤها استوفى بدلها من ثمن الرهن فأشبهت الدين في الذمة (فصل) قال القاضي كل ما جاز أخذ الرهن به جاز أخذ الضمين به وما لم يجز الرهن به لم يجز أخذ الضمين به إلا ثلاثة أشياء عهدة المبيع يصح ضمانها ولا يصح الرهن بها. والكتابة لا يصح الرهن بدينها ويصح ضمانها في إحدى الروايتين. وما لا يجب لا يصح الرهن به ويصح ضمانه والفرق بينهما من وجهين (أحدهما) أن الرهن بهذه الأشياء يبطل الارقاق فإنه إذا باع عبده بألف ودفع رهنا يساوي

ولا بد أن يكون المكيال معلوما فإن شرط مكيالا بعينه أو صنجة بعينها غير معلومة لم يصح

الفاً فكأنه ما قبض الثمن ولا ارتفق به والمكاتب إذا رفع ما يساوي كتابته فما ارتفق بالأجل لأنه كان يمكنه بيع الرهن وإبقاء الكتابة ويستريح والضمان بخلاف هذا (والثاني) أن ضرر الرهن يعم لأنه يدوم بقاؤه عند المشتري فيمنع البائع التصرف فيه والضمان بخلافه (فصل) وإذا اختلف المسلم والمسلم إليه في حلول الأجل فالقول قول المسلم إليه لأنه منكر، وإن اختلفا في أداء المسلم فيه فالقول قول المسلم لذلك وإن اختلفا في قبض الثمن فالقول قول المسلم إليه لذلك وإن اتفقا عليه وقال أحدهما كان في المجلس قبل التفرق. وقال الآخر بعده فالقول قول من يدعي القبض في المجلس لأن معه سلامة العقد. وإن أقام كل واحد بينة بما ادعاه قدمت أيضاً بينته لأنها مثبته بخلاف الأخرى. {باب القرض} وهو نوع من السلف وهو جائز بالسنة والإجماع، أما السنة فروى أبو رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم استسلف من رجل بكرا فقدمت على النبي صلى الله ليه وسلم إبل الصدقة فأمر أبا رافع أن يقضي الرجل بكره فرجع إليه أبو رافع فقال يا رسول الله لم أجد فيها إلا خياراً رباعياً، فقال " أعطه فإن خير الناس أحسنهم قضاء " رواه مسلم، وعن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ما من مسلم يقرض مسلماً قرضاً مرتين إلا كان كصدقة مرة " وعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " رأيت ليلة أسري بي على باب الجنة مكتوباً الصدقة بعشر أمثالها، والقرض بثمانية عشر فقلت يا جبريل ما بال القرض أفضل

وفي المعدود المختلف غير الحيوان روايتان

من الصدقة؟ قال " لأن السائل يسأل وعنده والمستقرض لا يستقرض إلا من حاجة " رواهما ابن ماجة وأجمع المسلمون على جواز القرض {مسألة} (وهو من المرافق المندوب إليها في حق المقرض) لما روينا من الأحاديث ولما روي عن أبي الدرداء أنه قال: لأن أقرض دينارين ثم يردان ثم أقرضهما أحب إلي من أن أتصدق بهما. ولأن فيه تفريجاً عن أخيه المسلم وقضاء لحاجته فكان مندوباً إليه كالصدقة وليس بواجب قال أحمد لا أثم على من سئل فلم يقرض وذلك لأنه من المعروف أشبه صدقة التطوع وهو مباح للمقترض وليس مكروهاً. قال أحمد ليس القرض من المسألة يريد أنه لا يكره لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستقرض وقد ذكرنا حديث أبي رافع ولو كان مكروهاً كان أبعد الناس منه، قال ابن أبي موسى لا أحب أن يتحمل بأمانته ما ليس عنده يريد ما لا يقدر على وفائه، ومن أراد أن يستقرض فليعلم المقرض بحاله ولا يغره من نفسه إلا الشئ اليسير الذي لا يتعذر مثله، وقال أحمد إذا اقترض لغيره ولم يعلمه بحاله لم يعجبني وقال ما أحب أن يقترض بجاهه لاخوانه، قال القاضي إذا كان من يقترض له غيره معروف بالوفاء لكونه تغريرا بمال المقرض واضراراً به، وأما إذا كان معروفاً بالوفاء لم يكره لكونه اعانة له وتفريجاً لكربته (فصل) ولا يصح إلا من جائز التصرف كالبيع وحكمه في الإيجاب والقبول على ما مضى ويصح بلفظ السلم والقرض لورود الشرع بهما وبكل لفظ يؤدي معناهما نحو قوله ملكتك هذا على أن ترد

علي بدله أو توجد قرينة دالة على إرادته وإن لم يذكر البدل ولم توجد قرينة فهو هبة. فإن اختلفا فالقول قول الموهوب له لأن الظاهر معه لأن التمليك من غير عوض هبة ولا يثبت فيه خيار لأن المقرض دخل على بصيرة أن الحظ لغيره والمقترض متى شاء رده وذلك يغنيه عن ثبوت الخيار {مسألة} (ويصح في كل عين يجوز بيعها إلا بني آدم والجواهر ونحوهما مما لا يصح السلم فيه في أحد الوجهين فيهما) يجوز قرض المكيل والموزون بغير خلاف، قال إبن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن استقراض ماله مثل من المكيل الموزون والأطعمة جائز، ويجوز قرض كل ما يثبت في الذمة

إلا أن يسلم في شيء يأخذ منه كل يوم أجزاء معلومة فيصح

سلما غير بني آدم، وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة لا يجوز قرض المكيل والموزون لأنه لا مثل له أشبه الجواهر. ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم استسلف بكراً وليس بمكيل ولا موزون، ولأن ما يثبت سلما يملك بالبيع ويضبط بالوصف فجاز قرضه كالمكيل والموزون، وقولهم لا مثل له خلاف أصلهم فإن عند أبي حنيفة لو أتلف ثوباً ثبت في ذمته مثله ويجوز الصلح عنه بأكثر من قيمته، فأما مالا يثبت في الذمة سلما كالجواهر وشبهها فقال القاضي يجوز قرضها ويرد المستقرض القيمة لان مالا مثل له يضمن بالقيمة والجواهر كغيرها في القيم، وقال أبو الخطاب لا يجوز لأن القرض يقتضي رد المثل وليس لها مثل، ولأنه لم ينقل قرضها ولا هي في معنى ما نقل القرض فيه لكونها ليست من المرافق ولا تثبت في الذمة سلما فيجب ابقاؤها على المنع، ويمكن بناء هذا الخلاف على الوجهين في الواجب في بدل غير المكيل والموزون، فإذا قلنا يجب رد المثل لم يجز قرض الجواهر ولا مالا يثبت في الذمة سلما لتعذر رد مثلها وإن قلنا الواجب رد القيمة جاز قرضه لإمكان رد القيمة، ولأصحاب الشافعي وجهان كهذين (فصل) فأما بنو آدم فقال أحمد أكره قرضهم فيحتمل كراهة التنزيه ويصح قرضهم وهو قول ابن جريج والمزني لأنه مال يثبت في الذمة سلما فصح قرضه كسائر الحيوان، ويحتمل صحة قرض العبيد دون الإماء وهو قول مالك والشافعي إلا أن يقرضهن من ذوي محارمهن لأن الملك بالقرض

فإن أسلم في جنس إلى أجلين أو في جنسين إلى أجل صح

ضعيف فإنه لا يمنعها من ردها على المقرض فلا يستباح به الوطئ كالملك في مدة الخيار، وإذا لم يبح الوطئ لم يصح القرض لعدم القائل بالفرق ولأن الإبضاع مما يحتاط لها ولو أبحنا قرضهن أفضى إلى أن الرجل يستقرض أمة فيطؤها ثم يردها من يومه ومتى احتاج إلى وطئها استقرضها فوطئها ثم ردها كما يستعير المتاع فينتفع به ثم يرده ولنا أنه عقد ناقل للملك فاستوى فيه العبد والامة كسائر العقود ولا نسلم ضعف الملك فإنه مطلق كسائر التصرفات بخلاف الملك في مدة الخيار، وقولهم متى شاء المقترض ردها ممنوع فإننا إذا قلنا الواجب رد القيمة لا يملك المقترض رد الأمة وإنما يرد قيمتها وإن سلمنا ذلك، لكن متى قصد المقترض هذا لم يحل له فعله ولا يصح اقتراضه كما لو اشترى أمة ليطأها ثم يردها بالمقايلة أو بعيب فيها وإن وقع هذا بحكم الاتفاق لم يمنع الصحة كما لو وقع ذلك في البيع وكما لو أسلم جارية في أخرى موصوفة بصفاتها ثم ردها بعينها عند حلول الأجل، ولو ثبت أن القرض ضعيف لا يبيح الوطئ لم يمنع منه في الجواري كالبيع في مدة الخيار وعدم القائل بالفرق ليس بشئ على ما عرف في مواضعه وعدم نقله ليس بحجة فإن أكثر الحيوانات لم ينقل قرضها وهو جائز. (فصل) ولو اقترض دراهم أو دنانير غير معروفة الوزن لم يجز لأن القرض فيها يوجب رد المثل فإذا لم يعرف القدر لم يمكن القضاء وكذلك لو اقترض مكيلا أو موزونا جزافا لم يجز كذلك ولو قدره بمكيال بعينه أو صنجة بعينها غير معروفين عند العامة لم يجز لأنه لا يأمن تلف ذلك فيتعذر رد المثل فأشبه السلم وقد قال أحمد في ماء بين قوم لهم نوب في أيام مسماة فاحتاج بعضهم إلى أن يستقي في غير نوبته

فاستقرض من نوبة غيره ليرد عليه بدله في يوم نوبته فلا بأس وإن كان غير محدود كرهته فكرهه إذا لم يكن محدوداً لأنه لا يمكن رد مثله وإن كانت الدراهم يتعامل بها عدداً ويرد عدداً وإن استقرض وزناً رد وزناً، وهذا قول الحسن وابن سيرين والاوزاعي واستقرض أيوب من حماد بن زيد دراهم بمكة عددا وأعطاء بالبصرة عدداً ولأنه وفاه مثل ما اقترض فيما يتعامل به الناس فأشبه مالو كانوا يتعاملون بالوزن فاقترض وزناً ورد وزنا {مسألة} (ويثبت الملك فيه بالقبض) لأنه عقد يقف التصرف فيه على القبض فوقف الملك عليه كالهبة {مسألة} (ولا يملك المقرض استرجاعه) وجملة ذلك أن القرض عقد لازم من جهة المقرض جائز في حق المقترض فلو أراد المقرض الرجوع في عين ماله لم يملك ذلك، وقال الشافعي له ذلك لأن كل ما يملك المطالبة بمثله يملك أخذه إذا كان موجوداً كالمغصوب والعارية، ولنا أنه زال ملكه عنه بعقد لازم من غير خيار فلم يكن له الرجوع فيه كالبيع ويفارق المغصوب والعارية فإنه لم يزل ملكه عنهما ولأنه لا يملك المطالبة بمثلهما مع وجودهما وفي مسئلتنا بخلافه {مسألة} (وله طلب بدله في الحال) لأنه سبب يوجب رد المثل في المثليات فأوجبه حالا كالإتلاف ولو أقرضه تفاريق ثم طالبه بها جملة فله ذلك لأن الجميع حال فأشبه ما لو باعه بيوعاً حالة ثم طالبه بثمنها جملة وإن أجل القرض لم يتأجل وكل دين حل أجله لم يصر مؤجلاً بتأجيله، وبه قال الأوزاعي والشافعي وابن المنذر وقال مالك والليث يتأجل الجميع بالتأجيل لقول النبي صلى الله عليه وسلم " المؤمنون عند شروطهم " ولأن المتعاقدين يملكان التصرف في هذا العقد بالإقالة والإمضاء فملكا الزيادة فيه كخيار المجلس، وقال أبو حنيفة في القرض وبدل المتلف كقولنا وفي ثمن المبيع والأجرة والصداق وعوض الخلع كقولهما لأن الأجل يقتضي جزءاً من المعوض والقرض لا يحتمل الزيادة والنقص في عوضه وبدل المتلف يجب فيه المثل من غير زيادة ولا نقص فلذلك لم يتأجل وبقية الأعواض يجوز الزيادة فيها فجاز تأجيلها، ولنا أن الحق يثبت حالا والتأجيل تبرع ووعد فلا يلزم الوفاء به كما لو اعاره شيئاً وهذا لا يقع عليه اسم الشرط ولو سمي فالخبر مخصوص بالعارية فيلحق به ما اختلفنا فيه لأنه مثله، ولنا على أبي حنيفة أنها زيادة بعد استقرار العقد فأشبه القرض، وأما الإقالة فهي فسخ وابتداء عقد آخر بخلاف مسئلتنا وأما خيار المجلس فهو بمنزلة ابتداء العقد بدليل أنه يجري القبض لما يشترط قبضه والتعيين لما في الذمة {مسألة} (فإن رده المقترض عليه لزمه قبوله ما لم يتعيب أو يكن فلوساً أو مكسرة فيحرمها

وإن أسلم إلى الحصاد أو شرط الخيار إليه فعلى روايتين

السطان فيكون له القيمة وقت القرض) يجوز للمقترض رد ما اقترضه على المقرض إذا كان على صفته لم ينقص ولم يحدث به عيب ويلزم المقرض قبوله لأنه على صفة حقه أشبه ما لو أعطاه غيره وقياساً على المسلم فيه وسواء تغير سعره أو لم يتغير ويحتمل أن لا يلزم المقرض قبول غير المثلي لأن القرض فيه يوجب رد القيمة على أحد الوجهين فإذا رده بعينه لم يرد الواجب عليه فلم يجب قبوله كالبيع (فصل) فإن تعيب أو تغير لم يجب قبوله لأن عليه في قبوله ضرراً لأنه دون حقه فأشبه مالو نقص وكذلك إن كان القرض فلو سا أو مكسرة فحرمها السلطان وتركت المعاملة بها لأنه كالعيب فلا يلزمه قبولها ويكون له قيمتها وقت القرض سواء كانت باقية أو استهلكها نص عليه أحمد في الدراهم المكسرة فقال يقومها كم تساوي يوم أخذها ثم يعطيه؟ وسواء نقصت قيمتها قليلاً أو كثيراً وذكر أبو بكر في التنبيه أنه يكون له قيمتها وقت فسدت وتركت المعاملة بها لأنه كان يلزمه رد مثلها ما دامت نافعة فإذا فسدت انتقل إلى قيمتها حينئذ كما لو عدم المثل. قال القاضي هذا إذا اتفق الناس على تركها فأما إن تعاملوا بها مع تحريم السلطان لها لزمه أخذها، وقال مالك والليث والشافعي ليس له إلا مثل ما أقرضه لأن ذلك ليس بعيب حدث فيها فجرى مجرى رخص سعرها ولنا أن تحريم السلطان منع انفاقها وأبطل ما ليتها فأشبه كسرها أو تلف أجزائها وأما رخص السعر فلا يمنع سواء كان قليلاً أو كثيراً لأنه لم يحدث فيها شئ إنما تغير السعر فأشبه الحنطة إذا رخصت أو غلت وكذلك يخرج في المغشوشة إذا حرمها السلطان {مسألة} (ويجب رد المثل في المكيل والموزون والقيمة في الجواهر ونحوها وفيما سوى ذلك وجهان) لا نعلم خلافاً في وجوب رد المثل في المكيل والموزون، قال إبن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن من أسلف سلفاً مما يجوز أن يسلف فرد عليه مثله أن ذلك جائز وإن للمسلف أخذ ذلك ولأن المكيل والموزون يضمن في الغصب والإتلاف بمثله فكذا ههنا فإن أعوز المثل لزمته قيمته يوم الاعواز لأنها حينئذ تثبت في الذمة ويرد القيمة في الجواهر ونحوها إذا قلنا بجواز قرضها لأنها من ذوات القيم ولا مثل لها لأنها لا تنضبط وفيما سوى ذلك وجهان (أحدهما) يرد القيمة لأن ما أوجب المثل في المثليات أوجب القيمة فيما لا مثل له كالإتلاف (والثاني) يجب رد مثله لأن النبي صلى الله عليه وسلم استسلف من رجل بكرا فرد مثله ولأن ما ثبت في الذمة في السلم ثبت في القرض كالمثلي ويخالف الإتلاف فإنه لا مسامحة فيه فوجبت القيمة لأنها أحصر والقرض أسهل ولهذا جازت النسيئة فيما فيه الربا ويعتبر مثل صفاته تقريباً فإن حقيقة المثل إنما توجد في المكيل والموزون فإن تعذر المثل فعليه قيمته يوم التعذر وإذا قلنا تجب القيمة وجبت حين القرض لأنها حينئذ تثبت في الذمة،

وإذا جاءه بالسلم قبل محله ولا ضرر في قبضه لزمه قبضه وإلا فلا

{مسألة} (ويثبت العوض في الذمة حالا وإن أجله) لأن التأجيل في الحال عدة وتبرع فلم يلزم الوفاء به وفيه اختلاف ذكرناه فيما مضى وينبغي أن يفي له بما وعده. {مسألة} (ويجوز شرط الرهن والضمين به) لأن النبي صلى الله عليه وسلم رهن درعه على شعير أخذه لأهله متفق عليه. (فصل) ويجوز قرض الخبز ورخص فيه أبو قلابة ومالك ومنع منه أبو حنيفة، ولنا أنه موزون فجاز قرضه كسائر الموزونات وإذا أقرض بالوزن رد المقترض مثله بالوزن وإن استقرضه عدداً رده عدداً وقال الشريف أبو جعفر فيه روايتان (إحداهما) لا يجوز كسائر الموزونات (والثانية) يجوز وقال ابن أبي موسى إذا كان يتحرى أن يكون مثلا بمثل فلا يحتاج إلى وزن والوزن أحب إلي ووجه الجواز ما روت عائشة قالت قلت يا رسول الله إن الجيران يقترضون الخبز والخمير ويردون زيادة ونقصاناً فقال " لا باس أن ذلك من مرافق الناس لا يراد به الفضل " رواه أبو بكر في الشافي بإسناده وروى أيضاً بإسناده عن معاذ بن جبل أنه سئل عن استقراض الخبز والخمير فقال " سبحان الله انما هذا من مكارم الأخلاق فخذ الكبير واعط الصغير وخذ الصغير واعط الكبير خيركم أحسنكم قضاء سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك. ولأن هذا مما تدعو الحاجة إليه ويشق اعتبار الوزن فيه وتدخله المسامحة فأشبه دخول الحمام والركوب في سفينة الملاح من غير تقدير أجرة فإن شرط أن يعطيه أكثر مما أقرضه أو أجود كان ذلك حراما وكذلك إن أقرضه صغيراً قصد أن يعطيه كبيراً لأن الأصل تحريم ذلك وإنما أبيح لمشقة إمكان التحرز منه فإذا قصد أو شرط أو أفردت الزيادة فقد أمكن التحرز منه فحرم بحكم الأصل كما لو فعل ذلك في غيره

وإن أسلم في ثمرة بستان بعينه أو قرية صغيرة لم يصح لأنه لا يؤمن تلفه وانقطاعه

{مسألة} (ولايجوز شرط ما يجر نفعاً نحو أن يسكنه داره أو يقضيه خيراً منه أو في بلد آخر ويحتمل جواز هذا الشرط) كل قرض شرط فيه الزيادة فهو حرام بغير خلاف. قال إبن المنذر اجمعوا على أن المسلف إذا شرط على المستسلف زيادة أو هدية فأسلف على ذلك أن أخذ الزيادة على ذلك ربا، وقد روي عن أبي بن كعب وابن عباس وابن مسعود أنهم نهوا عن قرض جر منفعة ولأنه عقد ارفاق وقربة فإذا شرط فيه الزيادة أخرجه عن موضوعه ولا فرق بين الزيادة في القدر أو في الصفة مثل أن يقرض مكسرة فيعطيه صحاحاً أو نقداً ليعطيه خيراً منه فإن شرط أن يعطيه إياه في بلد آخر لم يجز أن كان لحمله مؤنة لأنه زيادة وإن لم يكن لحمله مؤنة فقد روي عن أحمد أنه لا يجوز أيضاً ورويت كراهته عن الحسن البصري وميمون بن أبي شبيب وعبدة بن أبي لبابة ومالك والاوزاعي والشافعي لأنه قد يكون في ذلك زيادة وقد نص أحمد أن من شرط أن يكتب له بها سفتجة لم يجز ومعناه اشتراط القضاء في بلد آخر وروي عنه جواز ذلك حكاه عنه ابن المنذر لكونه مصلحة لهما. وحكاه عن علي وابن عباس والحسن بن علي وابن الزبير وابن سيرين وعبد الرحمن بن الاسود وايوب السختياني والثوري واسحاق واختاره. وذكر القاضي أن للوصي قرض مال اليتيم في بلد ليوفيه في بلد آخر ليربح خطر الطريق قال شيخنا: والصحيح جوازه لأنه مصلحة لهما من غير

وإن أسلم إلى محل يوجد فيه عاما فانقطع خير بين الصبر والفسخ والرجوع برأس ماله أو عوضه إن كان معدوما في أحد الوجهين وفي الآخر ينفسخ بنفس التعذر

ضرر بواحد منهما والشرع لا يرد بتحريم المصالح التي لا مضرة فيها ولأن هذا ليس بمنصوص عليه ولا في معنى المنصوص فوجب ابقاؤه على الإباحة. (فصل) وإن شرط أن يؤجره دراه أو يبيعه شيئاً أو أن يقرضه المقترض مرة أخرى لم يجز لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع وسلف ولأنه شرط عقداً في عقد فلم يجز كما لو باعه داره. وبشرط أن يبيعه الآخر دراه، وإن شرط أن يؤجره داره بأقل من أجرتها أو على أن يستأجر دار المقرض بأكثر من أجرتها أو على أن يهدي له أو يعمل له عملا كان أبلغ في التحريم (فصل) وإن شرط أن يوفيه أنقص مما أقرضه لم يجز إذا كان مما يجري فيه الربا لإفضائه إلى فوات المماثلة فيما هي شرط فيه، وإن كان في غيره فكذلك وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي لأن القرض يقتضي رد المثل وشرط النقصان يخالف مقتضاه فلم يجز كشرط الزيادة ولهم وجه آخر أنه يجوز لأن القرض جعل للرفق بالمستقرض وشرط النقصان لا يخرجه عن موضوعه بخلاف الزيادة {مسألة} (وان فعل ذلك من غير شرط أو قضاء خيراً أو أهدى له هدية بعد الوفاء جاز) وكذلك إن كتب له سفتجة أو قضاه في بلد آخر خيراً منه جاز، ورخص في ذلك ابن عمر

وسعيد بن المسيب والحسن والنخعي والشعبي والزهري وقتادة ومكحول ومالك والشافعي واسحاق، وقال أبو الخطاب أن قضاه خيراً منه أو زاده زيادة بعد الوفاء من غير شرط ولا مواطأة فعلى روايتين وروي عن أبي بن كعب وابن عباس أنه يأخذ مثل قرضه ولا يأخذ فضلا لئلا يكون قرضاً جر منفعة ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم استسلف بكراً فرد خيراً منه وقال " خيركم أحسنكم قضاء " متفق عليه ولأنه لم يجعل تلك الزيادة عوضاً في القرض ولا وسيلة إليه ولا إلى استيفاء دينه أشبه ما لو لم يكن قرض، وقال ابن أبي موسى إذا زاده بعد الوفاء فعاد المستقرض بعد ذلك يلتمس منه قرضاً ثانياً ففعل لم يأخذ منه إلا مثل ما أعطاه. فإن أخذ زيادة أو أجود مما أعطاه حرم قولا واحداً وإذا كان الرجل معروفاً بحسن القضاء لم يكره إقراضه، وقال القاضي فيه وجه آخر أنه يكره لأنه يطمع في حسن عادته وهذا لا يصح فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان معروفاً بحسن القضاء فهل يسوغ لأحد أن يقول اقراضه مكروه؟ ولان المعروف بحسن القضاء خير الناس وأفضلهم وهو أولى الناس بقضاء حاجته وإجابة مسألته وتفريج كربته فلا يجوز أن يكون ذلك مكروهاً، وإنما يمنع من الزيادة المشروطة، ولو أقرضه مكسرة فجاءه مكانها بصحاح بغير شرط جاز، وإن جاءه بصحاح أقل منها فأخذها بجميع حقه لم يجز لأن ذلك معاوضة للنقد بأقل منه فكان ربا، وكذلك ما يشترط فيه المماثلة {مسألة} (وإن فعله قبل الوفاء لم يجز إلا أن تكون العادة جارية بينهما بذلك قبل القرض إلا أن يكافئه أو يحسبه من دينه) وذلك لما روى الأثرم أن رجلا كان له على سماك عشرون درهما فجعل يهدي إليه السمك ويقومه حتى بلغ ثلاثة عشر درهما فسأل ابن عباس فقال: أعطه سبعة دراهم، وعن ابن سيرين أن عمر أسلف أبي بن كعب عشرة آلاف درهم فأهدى إليه أبي بن كعب من ثمرة أرضه فردها عليه ولم يقبله فأتاه

أبي فقال: لقد علم أهل المدينة أني من أطيبهم ثمرة وأنه لا حاجة لنا فبم منعت هديتنا؟ ثم أهدى إليه بعد ذلك فقبل. وعن زرين حبيش قال: قلت لأبي بن كعب إني أريد أن أسير إلى أرض الجهاد إلى العراق فقال إنك تأتي أرضاً فاش فيها الربا، فإن أقرضت رجلا قرضاً فأتاك بقرضك ليؤدي إليك قرضك ومعه هدية فاقبض قرضك واردد عليه هديته. رواهما الأثرم، وروي البخاري عن أبي بردة عن أبي موسى قال قدمت المدينة فلقيت عبد الله بن سلام وذكر حديثاً وفيه، ثم قال لي إنك بأرض فيها الربا فاش، فإذا كان لك على رجل قرض فأهدى إليك حمل تبن أو حمل شعير أو حمل قت فلا تأخذه فإنه ربا. قال ابن أبي موسى: ولو أقرضه قرضاً ثم استعمله عملا لم يكن يستعمله مثله قبل القرض كان قرضاً جر منفعة، ولو استضاف غريمه ولم تكن العادة جرت بذلك بينهما حسب له ما أكله لما روى ابن ماجة في سننه عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا أقرض أحدكم قرضاً فأهدى إليه أو حمله على الدابة فلا يركبها ولا يقبله إلا أن يكون جرى بينه وبينه قبل ذلك " وهذا كله في مدة القرض، فأما بعد الوفاء فهو كالزيادة من غير شرط وقد ذكرناه (فصل) ولو اقترض نصف دينار فدفع إليه المقترض ديناراً صحيحاً وقال نصفه وفاء ونصفه وديعة عندك أو سلم في شئ صح ولا يلزم المقرض قبوله لأن عليه في الشركة ضرراً، ولو اشترى بالنصف الباقي من الدينار سلعة جاز، فإن كان بشرط مثل أن يقول أقضيك صحيحا بشرط أن آخذ منك بنصفه الباقي قميصاً لم يجز لأنه لم يدفع إليه صحيحاً إلا ليعطيه بالنصف الباقي فضل ما بين الصحيح والمكسور من النصف المقتضي وإن اتفقا على كسره كسراه، وإن اختلفا لم يجبر أحدهما على ذلك لأنه ينقص قيمته (فصل) ولو أفلس غريمه فأقرضه ألفاً ليوفيه كل شهر شيئاً معلوماً جاز لأنه إنما انتفع باستيفاء ما هو مستحق له، ولو كان له عليه حنطة فأقرضه ما يشتري به حنطة يوفيه إياها جاز لذلك، ولو

أراد رجل أن يبعث إلى عياله نفقة فأقرضها رجلا على أن يدفعها إلى عياله فلا بأس إذا لم يأخذ عليها شيئاً وإن أقرض أكاره ما يشتري به بقراً يعمل عليها في أرضه، أو بذراً يبذره فيها، فإن كان شرط ذلك في القرض لم يجز لأنه شرط ما ينتفع به أشبه الزيادة، وإن لم يكن شرطاً فقال ابن أبي موسى لا يجوز لأنه قرض جر منفعة. قال ولو قال أقرضني ألفاً وادفع إلي أرضك أزرعها بالثلث كان خبيثاً. قال شيخنا. والأولى جواز ذلك إذا لم يكن مشروطاً لأن الحاجة داعية إليه والمستقرض إنما يقصد نفع نفسه، وإنما يحصل انتفاع المقرض ضمنا فأشبه أخذ السفتجة به وإيفاءه في بلد آخر من حيث إنه مصلحة لهما جميعاً (فصل) قال أحمد في رجل اقترض دراهم وابتاع بها منه شيئاً فخرجت زيوفاً فالبيع جائز ولا يرجع عليه بشئ. يعني لا يرجع البائع على المشتري ببدل الثمن لأنها دراهمه بعينها فعيبها عليه وإنما له على المشتري بدل ما أقرضه إياه بصفته زيوفاً وهذا يحتمل أنه أراد فيما إذا باعه السلعة بها وهو يعلم عينها، فأما إن باعه في ذمته بدراهم ثم قبض هذه بدلا عنها غير عالم بها فينبغي أن يجب له دراهم خالية من العيب ويرد هذه عليه وللمشتري ردها على البائع وفاء عن القرض ويبقى الثمن في ذمته، فإن حسبها على البائع وفاء عن القرض ووفاه الثمن جيداً جاز، قال ولو أقرض رجلاً دراهم وقال إذا مت فأنت في حل كانت وصية، وإن قال إن مت فأنت في حل لم يصح لأن هذا إبراء معلق على شرط ولا يصح ذلك والأول وصية لأنه علقه على موت نفسه وذلك جائز. قال ولو أقرضه تسعين ديناراً وزناً بمائة عدداً وزنها تسعون وكانت لا تنفق في مكان إلا بالوزن جاز، وإن كانت تنفق برؤوسها فلا وذلك لأنها إذا كانت تنفق في مكان برؤوسها كان ذلك زيادة لأن تسعين من المائة تقوم

وهل يشترط كونه معلوم القدر والصفة كالمسلم فيه على وجهين

مقام التسعين التي أقرضه إياها ويستفضل عشرة ولا يجوز اشتراط الزيادة، وإذا كانت لا تنفق إلا بالوزن فلا زيادة فيها وإن اختلف عددها، قال ولو قال اقترض لي من فلان مائة ولك عشرة فلا بأس، ولو قال اكفل عني ولك ألف لم يجز وذلك لأن قوله اقترض لي ولك عشرة جعالة على فعل مباح فجازت كما لو قال ابن لي هذا الحائط ولك عشرة، وأما الكفالة فلأن الكفيل يلزمه أداء الدين فإذا أداه وجب له على المكفول عنه فصار كالقرض، فإذا أخذ عوضاً صار قرضاً جر منفعة فلم يجز {مسألة} (وإذا أقرضه أثمانا فطالبه بها ببلد آخر لزمته، وإن أقرضه غيرها فطالبه بها لم تلزمه فإن طالبه بالقيمة لزمه اداؤها) وجملة ذلك أنه إذا أقرضه ما لحمله مؤنة وطالبه بمثله ببلد آخر لم يلزمه لأنه لا يلزمه حمله إلى ذلك البلد، فإن تبرع المقترض بدفع المثل وأبى المقرض قبوله فله ذلك لأن عليه ضرراً في قبضه لأنه ربما احتاج إلى حمله الى المكان الذي أقرضه فيه، وله المطالبة بقيمة ذلك في البلد الذي أقرضه فيه لأنه المكان الذي يجب التسليم فيه، ولو أقرضه اثمانا أو مالا مؤنة لحمله وطالبه بها وهما ببلد آخر لزمه دفعه لأن تسليمه إليه في هذا البلد وغيره واحد

(فصل) ولو أقرض ذمي ذميا خمراً ثم أسلما أو أحدهما بطل القرض ولم يجب على المقترض شئ سواء كان هو المقترض أو المقرض لأنه إذا أسلم لم يجز أن يجب عليه خمر لعدم ماليتها ولا يجب بدلها لأنه لاقيمة لها ولذلك لا يضمنها إذا أتلفها، وإن كان المقرض لم يجب له شئ لما ذكرنا والله سبحانه وتعالى أعلم باب الرهن الرهن في اللغة الثبوت والدوام يقال ماء راهن أي راكد ونعمه راهنة أي دائمة، وقيل هو الحبس قال الله تعالى (كل نفس بما كسبت رهينة) وقال الشاعر: وفارقتك برهن لا فكاك له * يوم الوداع فأضحى الرهن قد غلقا شبه لزوم قلبه لها واحتباسه عندها لوجده بها بالرهن الذي يلزمه المرتهن فيحبسه عنده ولا يفارقه وغلق الرهن استحقاق المرتهن إياه لعجز الراهن عن فكاكه {مسألة} (وهو وثيقة بالحق) الرهن في الشرع المال الذي يجعل وثيقة بالدين ليستوفي من ثمنه إن تعذر استيفاؤه من ذمة الغريم وهو جائز بالكتاب والسنة والإجماع. قال الله سبحانه وتعالى (وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة) وروت عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي طعاماً ورهنه درعه

وإن أسلم ثمنا واحدا من جنسين لم يجز حتى يبين ثمن كل جنس

متفق عليه، وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا يغلق الرهن " وأجمع المسلمون على جواز الرهن في الجملة (فصل) ويجوز الرهن في الحضر كجوازه في السفر قال إبن المنذر لا نعلم أحدا خالف في ذلك إلا مجاهداً قال ليس الرهن إلا في السفر لقوله تعالى (وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة) ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي طعاماً ورهنه درعه وكانا بالمدينة، ولأنها وثيقة تجوز في السفر فجازت في الحضر كالضمان. فأما ذكر السفر فإنه خرج مخرج الغالب لكون الكاتب يعدم في السفر غالباً ولهذا لم يشترط عدم الكاتب وهو مذكور في الآية (فصل) وهو غير واجب لا نعلم فيه مخالفا لأنه وثيقة بالدين فلم يجب كالضمان والكتابة وقول الله تعالى (فرهان مقبوضة) إرشاد لنا لا إيجاب علينا بدليل قول الله تعالى (فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته) ولأنه أمر به عند اعواز الكتابة وهي غير واجبة فكذلك بدلها {مسألة} (وهو لازم في حق الراهن جائز في حق المرتهن) لأن العقد لحقه وحده فكان له فسخه كالمضمون له وهو لازم من جهة الراهن لأن الحظ لغيره فلزم من جهته كالضمان في حق الضامن {مسألة} (يجوز عقده مع الحق وبعده ولا يجوز قبله إلا عند أبي الخطاب) وجملة ذلك أن الرهن لا يخلو من أحوال ثلاثة (أحدها) أن يقع مع الحق فيقول بعتك هذا بعشرة إلى شهر ترهنني بها كذا فيقول قبلت فيصح ذلك، وبه قال مالك والشافعي وأصحاب الرأي لأن الحاجة داعية إلى ثبوته فإنه لو لم يعقده مع ثبوت الحق ويشترطه فيه لم يتمكن من إلزام المشتري عقده وكانت الخيرة إلى المشتري، والظاهر أنه لا يبذله فتفوت الوثيقة بالحق (الحال الثاني) أن يقع بعد الحق فيصح

بالإجماع لأنه دين ثابت تدعو الحاجة إلى الوثيقة به فجاز أخذها به كالضمان ولأن الله تعالى قال (وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة) جعله بدلا عن الكتابة فيكون في محلها ومحلها بعد وجوب الحق، ولأن في الآية ما يدل على ذلك وهو قوله تعالى (إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه) فجعله مذكوراً بعدها بفاء التعقيب (الحال الثالث) أن يرهنه قبل الحق فيقول رهنتك عبدي هذا بعشرة تقرضنيها فلا يصح في ظاهر المذهب واختاره أبو بكر والقاضي وذكر القاضي أن أحمد نص عليه في رواية ابن منصور وهو مذهب الشافعي، واختار أبو الخطاب أنه يصح، فإذا قال رهنتك ثوبي هذا بعشرة تقرضنيها غداً وسلمه إليه ثم أقرضه الدراهم لزمه الرهن وهو مذهب أبي حنيفة ومالك لأنه وثيقة بالحق فجاز عقدها قبل وجوبه كالضمان أو فجاز انعقادها على شئ يحدث في المستقبل كضمان الدرك. ولنا أنه وثيقة بحق لا يلزم قبله فلم يصح قبله كالشهادة ولأن الرهن بالحق تابع للحق فلا يسبقه كالشهادة وأما الضمان فيحتمل أن يمنع صحته، وإن سلمناه فالفرق بينهما أن الضمان التزام مال تبرعاً بالقول فجاز من غير حق ثابت كالنذر {مسألة} (ويصح في كل عين يجوز بيعها) لأن مقصود الرهن الاستيثاق بالدين ليتوصل إلى استيفائه من ثمن الرهن إن تعذر استيفاؤه من ذمة الراهن وهذا يتحقق في كل ما يجوز بيعه ولأن كل ما كان محلا للبيع كان محلا لحكمة الرهن ومحل الشئ محل حكمته إلا أن يمنع من ثبوته مانع أو يفوت بشرط فيبقى الحكم به

ولا يشترط ذكر مكان الإيفاء

{مسألة} (إلا المكاتب إذا قلنا استدامة القبض شرط لم يجز رهنه) إذا قلنا لا يجوز بيع المكاتب لم يجز رهنه لعدم حصول مقصود الرهن به وإن قلنا يجوز بيعه وقلنا استدامة القبض شرط في الرهن لم يصح، والصحيح أن استدامة القبض شرط فلا يصح رهنه وهذا مذهب الشافعي لأن استدامة القبض غير ممكنة في حق المكاتب لمنافاتها مقتضى الكتابة، وقال القاضي: قياس المذهب صحة رهنه وهو مذهب مالك لأنه يجوز بيعه وايفاء الدين من ثمنه، فعلى هذا يكون ما يؤديه من نجوم الكتابة رهناً معه وإن عجز ثبت الرهن فيه وفي اكتسابه وإن عتق كان ما أداه من نجومه بعد عقد الرهن رهناً بمنزلة مالو كسب العبد ثم مات

ولا يجوز بيع المسلم فيه قبل قبضه ولا هبته ولا أخذ غيره مكانه ولا الحوالة به

(فصل) فأما المعلق عتقه بصفة فإن كانت توجد قبل حلول الدين لم يصح رهنه لكونه لا يمكن بيعه عند حلول الحق ولا استيفاء الدين من ثمنه وإن كان الدين يحل قبلها صح رهنه لا مكان بيعه واستيفاء الدين من ثمنه وإن كانت تحتمل الأمرين كقدوم زيد فقيام المذهب صحة رهنه لأنه في الحال محل للرهن ويمكن أن يبقى حتى يستوفى الدين من ثمنه فأشبه المريض والمدبر، وهو مذهب أبي حنيفة ويحتمل أن لا يصح لأن فيه غرراً إذ يحتمل أن يعتق قبل حلول الحق ولأصحاب الشافعي اختلاف كنحو هذا (فصل) ويجوز رهن الجارية دون ولدها وولدها دونها وان كان صغيرا لأن الرهن لا يزيل

ويجوز بيع الدين المستقر لمن هو في ذمته بشرط أن يقبض عوضه في المجلس ولا يجوز لغيره

الملك فلا يحصل بذلك تفرقه ولأنه يمكن تسليم الولد مع أمة والأم مع ولدها فان دعت الحاجة إلى بيع أحدهما بيع معه الآخر لأن الجمع في العقد ممكن والتفريق حرام فإذا بيعا معاً تعلق حق المرتهن من ذلك بقدر قيمة الرهن من الثمن فإذا كانت الجارية رهناً وكانت قيمتها مائة مع أنها ذات ولد وقيمة الولد خمسون فحصتها ثلثا الثمن فإن لم يعلم المرتهن بالولد ثم علم فله الخيار في الرد والإمساك لأن الولد عيب فيها لكونه لا يمكن بيعها بدونه فإن أمسك فلا شئ له غيرها وإن ردها فله فسخ البيع إن كانت مشروطة فيه {مسألة} (ويجوز رهن ما يسرع اليه الفساد بدين مؤجل ويباع ويجعل ثمنه رهنا)

وتجوز الإقالة في السلم وتجوز في بعضه في أحد الوجهين إذا قبض رأس مال السلم أو عوضه في مجلس الإقالة

يجوز رهن ما يسرع اليه الفساد دين حال ومؤجل لأنه يمكن ايفاء اليد من ثمنه أشبه الثوب وسواء كان مما يمكن تجفيفه كالعنب أو لا يمكن كالبطيخ فإن كان مما يجفف فعلى الراهن تجفيفه لأنه من مؤنة حفظه وتقيته فأشبه نفقة الحيوان وإن كان مما لا يجفف فإنه يباع ويقضي الدين من ثمنه إن كان حالا أو يحل قبل فساده وإن لم يحل قبل فساده فشرطا بيعه وجعل ثمنه رهناً فعلا ذلك وإن أطلق العقد فذكر القاضي فيه وجهين (أحدهما) لا يصح لأن بيع الرهن قبل حلول الحق لا يقتضيه عقد الرهن فلم يجب كما لو شرط أن لا يبيعه (والثاني) يصح وهو الصحيح لأن العرف يقتضي ذلك لكون المالك لا يعرض ملكه للتلف والهلاك فإذا تعين حفظه في بيعه حمل عليه مطلق العقد كالتجفيف

وإن انفسخ العقد بإقالة أو غيرها لم يجز أن يأخذ من الثمن عوضا من غير جنسه

في العنب والإنفاق على الحيوان. وللشافعي قولان كالوجهين. فأما إن شرطا ان لا يباع فلا يصح لأنه شرط ما يتضمن فساده وفوات المقصود فأشبه مالو شرط عدم النفقة على الحيوان. إذا ثبت ذلك فإنه إن شرط للمرتهن بيعه أو أذن له فيه بعد العقد أو انفقا على أن الراهن يبيعه أو غيره باعه وإلا باعه الحاكم وجعل ثمنه رهناً ولا يقضي الدين من ثمنه لأنه لا يجوز له تعجيل وفاء الدين قبل حله وكذلك الحكم إن رهنه ثياباً فخاف تلفها أو حيوانا فخاف موته لما ذكرنا {مسألة} (ويجوز رهن المشاع) وبه قال ابن أبي ليلى والنخعي ومالك والاوزاعي والعنبري والشافعي وأبو ثور، وقال أصحاب

وإذا كان لرجل سلم وعليه سلم من جنسه فقال لغريمه اقبض سلمي لنفسك لم يصح قبضه لنفسه

الرأي لا يصح إلا أن يرهنه لشريكه أو يرهنها الشريكان لرجل واحد أو يرهن رجل داره من رجلين فيقبضانها معاً لأنه عقد تخلف عنه مقصوده لمعنى اتصل به فلم يصح كما لو تزوج أخته من الرضاع. بيانه أن مقصوده الحبس الدائم والمشاع لا يمكن المرتهن حبسه لأن شريكه ينزعه في نوبته ولأن استدامة القبض شرط، وهذا يستحق زوال العقد عنه لمعنى فارق العقد فلم يصح رهنه كالمغصوب ولنا أن المشاع يصح بيعه في محل الحق فصح رهنه كالمفرد قولهم مقصوده الحبس ممنوع إنما المقصود استيفاء الدين من ثمنه عند تعذره من غيره والمشاع قابل لذلك ثم يبطل ما ذكروه برهن القاتل والمرتد والمغصوب ورهن ملك غيره بغير إذنه فإنه يصح عندهم، إذا ثبت ذلك فرضي الشريك

وإن قال أنا أقبضه لنفسي وحده بالكيل

والمرتهن بكونه في يد أحدهما أو غيرهما جاز لأن الحق لهما لا يخرج عنهما فإن اختلفا جعله الحاكم في يد أمين أمانة أو بأجرة لأن المالك لا يلزمه تسليم ما لم يرهنه والمرتهن لا يلزمه ترك الرهن عند المالك فقام الحاكم مقامهما في حفظه لهما (فصل) ويصح أن يرهن بعض نصيبه من المشاع كما يصح رهن جميعه سواء رهنه مشاعاً في نصيبه مثل أن يرهن بعض نصيبه أو رهن نصيبه من معين مثل أن يكون له نصف دار فيرهن نصيبه من بيت منها بعينه. وقال القاضي يحتمل أن لا يصح رهن حصته من معين من شئ يمكن قسمته لاحتمال أن يقسم الشريكان فيحصل الرهن في حصة شريكه، ولنا أنه يصح بيعه فصح رهنه كغيره وما ذكروه لا يصح لأن الراهن ممنوع من التصرف في الرهن بما يضر بالمرتهن فيمنع القسمة المضرة كما يمنع من بيعه.

وإن قبض المسلم فيه جزافا فالقول قوله في قدره

(فصل) ويصح رهن المرتد والقاتل في المحاربة والجاني سواء كانت جنايته عمداً أو خطأ على النقس وما دونها، وقال القاضي لا يصح رهن القاتل في المحاربة واختار أبو بكر أنه لا يصح رهن الجاني والاختلاف في ذلك مبني على الاختلاف في صحة بيعه وقد سبق. فإن كان المرتهن عالماً بالحال فلا خيار له لأنه دخل على بصيرة أشبه المشتري إذا علم العيب وإن لم يكن عالماً ثم علم بعد اسلام المرتد وفداء الجاني فكذلك لأن العيب زال فهو كزوال عيب المبيع وإن علم قبل ذلك فله رده وفسخ البيع إن كان مشروطاً في العقد لأن العقد اقتضاه سليماً فإذا ظهر معيباً ملك الفسخ كالبيع وإن اختار امساكه فلا أرش له لأن الرهن بجملته لو تلف قبل قبضه لم يملك بدله فبعضه أولى وكذلك لو لم يعلم حتى قتل العبد بالردة أو القصاص أو أخذ في الجناية فلا أرش للمرتهن، وذكر القاضي أن قياس المذهب أن له الأرش في هذه المواضع قياساً على البيع، وليس الأمر كذلك فإن المبيع عوض عن الثمن فإذا فات بعضه رجع بما يقابله من الثمن ولو فات كله كتلف المبيع قبل قبضه رجع بالثمن كله والرهن ليس بعوض ولو تلف كله قبل القبض لما استحق الرجوع بشئ فكيف يستحق الرجوع ببدل عيبه أو فوات بعضه؟ وإن امتنع السيد من فداء الجاني لم يجبر ويباع في الجناية لأن حق المجني عليه مقدم على الرهن كما لو حدثت الجناية بعد الرهن فعلى هذا إن استغرق الأرش قيمته بيع وبطل الرهن وإن لم يستغرقها بيع منه بقدر الأرش والباقي رهن (فصل) ويصح رهن المدبر في ظاهر المذهب بناء على جواز بيعه ومنع منه أبو حنيفة والشافعي لأنه معلق عتقه بصفة أشبه مالو كانت توجد قبل حلول الحق

وهل يجوز الرهن والكفيل بالمسلم فيه؟ على روايتين

ولنا أنه عقد يقصد منه استيفاء الحق من العين أشبه الإجارة ولأنه علق عتقه بصفة لا تمنع استيفاء الحق أشبه مالو علقه بصفة لا توجد قبل حلول الحق. وما ذكروه ينتقض بهذا الأصل، ويفارق التدبير التعليق بصفة توجد قبل حلول الحق لأن الرهن لايمنع عتقه بالصفة فإذا عتق تعذرا استيفاء الدين منه فلا يحصل المقصود والدين في المدبر يمنع عتقه بالتدبير ويقدم عليه فلا يمنع حصول المقصود، والحكم فيما إذا علم وجود التدبير أو لم يعلم كالحكم في العبد الجاني على ما فصل فيه. ومتى مات السيد قبل الوفاء فعتق المدبر بطل الرهن وإن عتق بعضه بقي الرهن فيما بقي وإن لم يكن للسيد مال يفضل عن وفاء الدين بيع المدبر في الدين وبطل التدبير ولا يبطل الرهن به وإن كان الدين لا يستغرقه بيع منه بقدر الدين وعتق ثلث الباقي وباقيه للورثة {مسألة} (ويجوز رهن المبيع غير المكيل والموزون قبل قبضه إلا على ثمنه في أحد الوجهين) لأنه يصح بيعه فصح رهنه كما بعد القبض. فأما رهنه على ثمنه قبل قبضه ففيه وجهان (أحدهما) لا يصح لوجوه ثلاثة (أحدهما) أن البيع يقتضي تسليم المبيع أولا والرهن يقتضي تسليم الثمن أولا (والثاني) أن البيع يقتضي إيفاء الثمن من غير المبيع والرهن يقتضي إيفاء الثمن منه (والثالث) أن البيع يقتضي إمساك المبيع مضموناً والرهن يقتضي عدم الضمان وهذا يوجب تناقض الأحكام وإنما

تتحقق هذه المعاني إذا شرط رهنه قبل قبضه فإن شرط أنه يقبضه ثم يسلمه رهناً فإنه يتحقق فيه بعض هذه المعاني، وقد روي عن أحمد أنه قال إذا حبس ببقية الثمن فهو غاصب ولا يكون رهناً إلا أن يكون شرط عليه في نفس البيع. قال القاضي معناه شرط عليه رهناً غير المبيع فيكون له حبسه حتى يقبض الرهن فإن وفى له به وإلا فسخ (والوجه الثاني) يصح كما يصح لغير البائع فأما المكيل والموزون فذكر القاضي أنه يجوز رهنه قبل قبضه لأن قبضه مستحق فيمكن المشتري أن يقبضه ثم يقبضه وإنما لم يجز بيعه لأنه يفضي إلى ربح ما لم يضمن وهو منهي عنه ويحتمل أنه لا يصح رهنه لأنه لا يصح بيعه بربح ولا برأس مال ولا يصح هبته فكذلك رهنه {مسألة} (وما لا يجوز بيعه لا يجوز رهنه إلا الثمرة قبل بدو صلاحها من غير شرط القطع في أحد الوجهين) لا يصح رهن ما لا يجوز بيعه كأم الولد والوقف والعين المرهونة لأن مقصود الرهن استيفاء الدين من ثمنه وما لا يجوز بيعه لا يمكن ذلك فيه ولو رهن العين المرهونة عند المرتهن لم يجز فلو قال الراهن للمرتهن زدني مالا يكون الذي عندك رهناً به وبالدين الأول لم يجز، وبه قال أبو حنيفة ومحمد وهو

أحد قولي الشافعي، وقال مالك وأبو يوسف والمزني وأبو ثور وابن المنذر يجوز ذلك لأنه لو زاده رهناً جاز فكذلك إذا زاد في دين الرهن ولأنه لو فدا المرتهن العبد الجاني بإذن الراهن ليكون رهناً بالمال الأول وبما فداه به جاز فكذلك ههنا ولانها وثيقة محضة فجازت الزيادة فيها كالضمان، ولنا أنها عين مرهونة فلم يجز رهنها بدين آخر كما لو رهنها عند غير المرتهن. فأما الزيادة في الرهن فتجوز لأنه زيادة استيثاق بخلاف مسئلتنا، فأما العبد الجاني قلنا فيه منع وإن سلمنا فإنما يصح فداؤه ليكون رهناً بالفداء والمال الأول لكون الرهن لايمنع تعلق الأرش بالجاني لكون الجناية أقوى ولأن لولي الجناية المطالبة ببيع الرهن وإخراجه من الرهن فصار بمنزلة الرهن الجائز قبل قبضه والرهن الجائز تجوز الزيادة فيه فكذلك إذا صار جائزاً بالجناية، ويفارق الرهن الضمان فإنه يجوز أن يضمن لغيره، إذا ثبت هذا فرهنه بحق بان كان رهناً بالأول خاصة فإن شهد بذلك شاهدان يعتقدان فساده لم يكن، لهما أن يشهدا به وإن اعتقدا صحته جاز أن يشهدا بكيفية الحال ولا يشهدان أنه رهنه بالحقين مطلقاً

(فصل) ويصح رهن الثمرة قبل بدو صلاحها من غير شرط القطع والزرع الأخضر في أحد الوجهين. اختاره القاضي لأن الغرر يقل فيه فإن الثمرة متى تلفت عاد إلى حقه في ذمة الراهن، ولأنه يجوز بيعه فجاز رهنه، ومتى حل الحق بيع، وإن اختار المرتهن تأخير بيعه فله ذلك (والثاني) لا يصح وهو منصوص الشافعي لأنه لا يجوز بيعه فلا يصح رهنه كسائر ما لا يجوز بيعه (فصل) وإن رهن ثمرة إلى محل تحدث فيه أخرى لا تتميز فالرهن باطل لأنه مجهول حين حلول الحق ولا يمكن إمضاء الرهن على مقتضاه، وإن رهنها بدين حال أو شرط قطعها عند خوف اختلاطها جاز لأنه لا غرر فيه، فإن لم يقطعها حتى اختلطت لم يبطل الرهن لأنه وقع صحيحاً، لكن ان سمح الراهن بيع الجميع أو اتفقا على قدر منه جاز، وإن اختلفا وتشاحا فالقول قول الراهن مع يمينه لأنه منكر (فصل) ولا يصح رهن المصحف في إحدى الروايتين نقل جماعة عنه لا أرخص في رهن المصحف وذلك لأن المقصود من الرهن استيفاء الدين من ثمنه ولا يحصل ذلك إلا ببيعه وبيعه غير جائز (والثانية) يصح فإنه قال إذا رهن مصحفاً لا يقرأ فيه إلا بإذنه فظاهر هذا صحة رهنه وهو قول مالك والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي بناء على أنه يصح بيعه فيصح رهنه كغيره والخلاف في ذلك مبني على جواز بيعه وقد ذكرناه في كتاب البيع

{مسألة} (ولا يصح رهن العبد المسلم لكافر) اختاره القاضي لأنه عقد يقتضي قبض المعقود عليه والتسليط على بيعه فلم يجز كالبيع، واختار

باب القرض

أبو الخطاب صحته إذا شرطا كونه على يد مسلم ويبيعه الحاكم إذا امتنع مالكه وهذا أولى لأن مقصود الرهن يحصل من غير ضرر

وهو من المرافق المندوب إليها في حق المقرض

(فصل) ولا يصح رهن المجهول لأنه لا يصح بيعه، فلو قال رهنتك هذا الجراب أو البيت أو الخريطة بما فيها لم يصح للجهالة وإن لم يقل بما فيها صح للعلم بها، ولو قال رهنتك أحد هذين العبدين لم يصح لعدم التعيين، وقال أبو حنيفة يصح لأنه يصح بيعه عنده بشرط الخيار له وقد ذكر في البيع وفي الجملة أنه يعتبر للعلم في الرهن ما يعتبر في البيع، وكذلك القدرة على التسليم فلا يصح رهن الآبق ولا الشارد ولا غير مملوك لأنه لا يصح بيعه (فصل) فأما سواد العراق والأرض الموقوفة على المسلمين فظاهر المذهب أنه لا يجوز رهنها لأنه لا يجوز بيعها وهذا منصوص الشافعي وحكم بنائها حكمها، فإن كان فيها من غير ترابها أو الشجر المتجدد فيها فإنه يصح إفراده بالبيع والرهن في إحدى الروايتين نص عليهما في البيع لأنه طلق (الثانية) لا يجوز لأنه تابع لما لا يجوز رهنه فهو كأساسات الحيطان، وإن رهنه مع الأرض بطل في الأرض، وهل يجوز في الأشجار والبناء إذا قلنا بجواز رهنها منفردة؟ يخرج على الروايتين في تفريق الصفقة وهذا مذهب الشافعي رضي الله عنه

(فصل) ولو رهن عبداً أو باعه يعتقده مغصوباً فبان ملكه نحو أن يرهن عبد ابنه فيبين انه قد مات وصار العبد ملكه بالميراث، أو وكل إنساناً يشتري له عبداً فباعه الموكل، أو رهنه يعتقده لسيده الأول وكان تصرفه بعد شراء وكيله ونحو ذلك صح تصرفه لأنه صادف ملكاً فصح كما لو علم، ويحتمل أن لا يصح لأنه اعتقده باطلاً (فصل) ولو رهن المبيع في مدة الخيار لم يصح إلا أن يرهنه المشتري والخيار له وحده فيصح ويبطل خياره وذكره أبو بكر وهو مذهب الشافعي، ولو أفلس المشتري فرهن البائع عين ماله التي له الرجوع فيها قبل الرجوع لم يصح لأنه رهن مالا يملكه، وكذلك رهن الأب العين التي وهبها لابنه قبل رجوعه فيها لما ذكرنا، وفيه وجه لأصحاب الشافعي أنه يصح لأن له استرجاع العين وتصرفه فيها يدل على الرجوع. ولنا أنه رهن ما لا يمكله بغير إذن المالك ولا ولاية عليه فلم يصح كما لو رهن الزوج نصف الصداق قبل الدخول (فصل) ولو رهن ثمر شجر يحمل في السنة حملين لا يتميز أحداهما من الآخر فرهن الحمل الأول إلى محل يحدث الحمل الثاني على وجه لا يتميز لم يصح لأنه مجهول حين حلول الحق فلا يمكن استيفاء الدين منه فأشبه مالو كان مجهولاً حين العقد، وإن شرط قطع الحمل الأول إذا خيف اختلاطه بالثاني صح، وإن كان الحمل المرهون بحق حال أو كان الثاني يتميز عن الأول إذا حدث فالرهن صحيح، فإن وقع التواني في قطع الحمل الأول حتى اختلط بالثاني وتعذر التمييز لم يبطل الرهن لأنه وقع صحيحاً وقد اختلط بغيره على وجه لا يمكن فصله فعلى هذا إن سمح الراهن بكون الثمرة رهنا كلها أو اتفقا

ويصح في كل عين يجوز بيعها إلا بني آدم والجواهر ونحوهما مما لا يصح السلم فيه أحد الوجهين فيهما

على قدر المرهون منهما فحسن، وإن اختلفا فالقول قول الراهن مع يمينه في قدر الرهن لأنه منكر للقدر الزائد والقول قول المنكر (فصل) ولو رهنه منافع داره شهراً لم يصح لأن مقصود الرهن استيفاء الدين من ثمنه والمنافع تهلك إلى حلول الحق، وإن رهنه أجرة داره شهراً لم يصح لأنها مجهولة وغير مملوكة (فصل) ولو رهن المكاتب من يعتق عليه لم يصح لأنه لا يملك بيعه وأجازه أبو حنيفة لأنهم لا يدخلون معه في الكتابة، ولو رهن العبد المأذون من يعتق على السيد لم يصح لأن ما في يده لسيده فقد صار حراً بشرائه (فصل) ولو رهن الوارث تركة الميت أو باعها وعلى الميت دين صح في أحد الوجهين. وفيه وجه أنه لا يصح، وقال أصحاب الشافعي لا يصح إذا كان الدين يستغرق التركة لأنه تعلق به حق آدمي فلم يصح رهنه كالمرهون. ولنا أنه تصرف صادق ملكه ولم يعلق به حقاً فصح كما لو رهن المرتد وفارق المرهون فإن الحق تعلق باختياره وفي مسئلتنا تعلق بغير اختياره فلم يمنع تصرفه وهكذا كل حق يثبت من غير إثباته كالزكاة والجناية فانه لايمنع رهنه، فإذا رهنه ثم قضى الحق من غيره فالرهن بحاله، وإن لم يقض الحق فللغرماء انتزاعه لأن حقهم سابق والحكم فيه كالحكم في الجاني، وهكذا الحكم لو تصرف في التركة ثم رد عليه مبيع باعه الميت بعيب ظهر فيه أو حق تجدد تعلقه بالتركة مثل ان وقع انسان أو بهيمة في بئر حفرها في غير ملكه بعد موته فالحكم واحد وهو أن تصرفه صحيح غير نافذ، فإن قضى الحق من غيره نفذ وإلا فسخ البيع والرهن وعلى الوجه الآخر لا يصح تصرفه والله أعلم (فصل) ولا يصح الرهن والارتهان إلا من جائز الأمر وهو المكلف الرشيد غير المحجور عليه لصغر أو سفه أو فلس لأنه نوع تصرف في المال فلم يصح من غير إذن من المحجور عليه كالبيع ويعتبر ذلك في حال رهنه واقباضه لأن العقد والتسليم ليس بواجب وإنما هو إلى اختيار الراهن، فإذا لم

يكن له اختيار صحيح لم يصح منه كالبيع، فإن جن أحد المتراهنين قبل القبض أو مات لم يبطل الرهن لأنه عقد يؤول إلى اللزوم فلم يبطل بجنون أحد المتعاقدين أو موته كالبيع في مدة الخيار. ويقوم ولي المجنون مقامه فإن كان المجنون الراهن وكان الحظ في التقبيض مثل أن يكون شرطاً في بيع يستضر بفسخه ونحوه اقبضه. وإن كان الحظ في قبضه لم يجز له تقبيضه، وإن كان المجنون المرتهن قبضه وليه فإذا مات قام وارثه مقامه في القبض فإن مات الراهن لم يلزم ورثته تقبيضه لأنهم يقومون مقام الراهن ولم يلزمه ذلك، فإن لم يكن على الميت دين سوى هذا الدين فللورثة تقبيض الرهن، وان كان عليه دين سواه فظاهر المذهب أنه ليس للوارث تخصيص المرتهن بالرهن نص عليه في رواية علي بن سعيد وهو مذهب الشافعي، وذكر القاضي فيه رواية أخرى أن لهم ذلك أخذا مما نقل ابن منصور وابو طالب عن أحمد أنه قال: إذا مات الراهن أو أفلس فالمرتهن أحق به من الغرماء ولم يعتبر وجود القبض بعد الموت أو قبله. قال شيخنا: وهذا لا يعارض ما نقله علي بن سعيد لأنه خاص وهذا عام والاستدلال به على هذه الصورة يضعف جداً لندرتها فكيف يعارض بها الخاص، لكن يجوز أن يكون هذا الحكم مبنياً على الرواية التي لا يعتبر فيها القبض في غير المكيل والموزون فيكون الرهن قد لزم قبل القبض ووجب تقبيضه على الراهن فكذلك على وارثه ويختص ذلك بغير المكيل والموزون وأما ما يلزم الرهن فيه فليس للورثة تقبيضه لأن الغرماء تعلقت ديونهم بالتركة قبل لزوم حقه في الرهن فلم يجز تخصيصه به بغير رضاهم كما لو أفلس الراهن إذا قلنا إن للورثة التصرف في التركة ووفاء الدين من أموالهم، فإن قيل فما الفائدة في القول بصحة الرهن إذا لم يختص المرتهن به؟ قلنا فائدته أنه يحتمل أن يرضى الغرماء بتسلميه إليه فيتم الرهن، وسواء فيما ذكرنا ما بعد الإذن في القبض وقبله لأن الأذن يبطل بالجنون والموت والإغماء والحجر (فصل) ولو حجر على الراهن لفلس قبل التسليم لم يكن له تسليمه لأن فيه تخصيصا للمرتهن به وليس له تخصيص بعض غرمائه، وإن حجر عليه لسفه فحكمه حكم ما لو زال عقله بجنون على

ويثبت الملك فيه بالقبض

ما أسلفنا، وإن أغمي عليه لم يكن للمرتهن قبض الرهن وليس لأحد تقبيضه لأن المغمى عليه لا تثبت عليه الولاية، وإذا أغمي على المرتهن لم يكن لأحد أن يقوم مقامه في قبض الرهن وانتظر إفاقته، وإن خرس وكانت له كتابة مفهومة أو إشارة معلومة فحكمه حكم المتكلمين، وإن لم تفهم إشارته ولا كتابته لم يجز القبض، وان كان أحد هؤلاء قد أذن في القبض فحكمه حكم من لم يأذن لأن إذنهم يبطل بما عرض لهم {مسألة} (ولا يلزم الرهن إلا بالقبض واستدامته شرط في اللزوم) لا يلزم الرهن إلا بالقبض ويكون قبل القبض رهنا جائزا يجوز للراهن فسخه، وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وسواء في ذلك المكيل الموزون وغيره، وقال بعض أصحابنا في غير المكيل والموزون رواية أخرى أنه يلزم بمجرد العقد كالبيع وقد نص عليه أحمد في رواية الميموني، وقال مالك يلزم الرهن بمجرد العقد قبل القبض لأنه عقد يلزم بالقبض فلزم قبله كالبيع ووجه الاولى قوله تعالى (فرهان مقبوضة) وصفها بكونها مقبوضة، ولأنه عقد ارفاق يفتقر إلى القبول فافتقر إلى القبض كالقرض ولأنه رهن لم يقبض فلا يلزم اقباضه كما لو مات الراهن، فعلى هذا إن تصرف الراهن فيه قبل القبض بهبة أو بيع أو عتق، أو جعله صداقا أو رهنه ثانيا بطل الرهن الأول سواء قبض الهبة والبيع والرهن الثاني أو لم يقبضه لأنه أخرجه عن امكان استيفاء الدين من ثمنه أو فعل ما يدل على قصده ذلك، وإن دبره أو أجره أو زوج الأمة لم يبطل الرهن لأن هذا التصرف لايمنع البيع فلا يمنع صحة الرهن ولأنه لايمنع ابتداء الرهن فلا يقطع استدامته كاستخدامه، وإن كاتب العبد الرهن انبنى على صحة رهن المكاتب، فإن قلنا يجوز رهنه لم يبطل الرهن كالتدبير، وإن قلنا لا يجوز بطل الرهن كما لو أعتقه (فصل) فان قلنا أن ابتداء القبض شرط في لزوم الرهن فاستدامة القبض شرط لأنها احدى حالتي الرهن فأشبهت الابتداء، وإن قلنا أن الابتداء ليس بشرط في اللزوم فكذلك الاستدامة {مسألة} (فإن اخرجه المرتهن إلى الراهن باختياره زال لزوم الرهن)

فإن رده المقترض عليه لزمه قبوله ما لم يتعيب أو يكن فلوسا أو مكسرة فيحرمها السلطان فيكون له القيمة وقت القرض

وبقي العقد كأنه لم يوجد فيه قبض سواء أخرجه بإجارة أو إعارة أو إيداع أو غير ذلك، فإذا عاد فرده إليه عاد اللزوم بحكم العقد السابق لأنه أقبضه باختياره فلزم به كالأول قال أحمد في رواية ابن منصور: إذا ارتهن داراً ثم أكراها صاحبها خرجت من الرهن فإذا رجعت إليه صارت رهناً، وقال فيمن رهن جارية ثم سأل المرتهن أن يبعثها إليه لتخبز لهم فبعث بها فوطئها انتقلت من الرهن فإن لم يكن وطئها فلا شئ. قال أبو بكر: لا تكون رهناً في تلك الحال، فإذا ردها رجعت إلى الرهن وممن أوجب استدامة القبض مالك وأبو حنيفة وهذا التفريغ على القول الصحيح، فأما على قول من قال ابتداء القبض ليس بشرط فأولى أن يقول الاستدامة غير مشروطة لأن كل شرط يعتبر في الاستدامة يعتبر في الابتداء وقد يعتبر في الابتداء ما لا يعتبر في الاستدامة، وقال الشافعي استدامة القبض ليست شرطاً لأنه عقد يعتبر القبض في ابتدائه فلم تشترط استدامته كالهبة ولنا قول الله تعالى (فرهان مقبوضة) ولأنها إحدى حالتي الرهن فكان القبض فيه شرطاً كالابتداء ويفارق الهبة فإن القبض في ابتدائها يثبت الملك فإذا ثبت استغنى عن القبض ثانياً والرهن يراد للوثيقة ليتمكن من بيعه واستيفاء اليدين من ثمنه، فإذا لم يكن في يده لم يتمكن من بيعه وإن أزيلت يد المرتهن بغير حق كالغصب والسرقة أو إباق العبد أو ضياع المتاع ونحو ذلك لم يزل لزوم الرهن لأن يده ثابتة حكماً فكأنها لم تزل {مسألة} (ولو رهنه عصيراً فتخمر زال لزومه، فإن تخلل عاد لزومه بحكم العقد السابق) يصح رهن العصير لأنه يصح بيعه وتعريضه للخروج عن المالية لا يمنع صحة رهنه كالمريض والجاني فإن صار إلى حال لا يخرج فيها عن المالية كالخل فهو رهن بحاله، وإن تخمر زال لزوم العقد ووجبت إراقته فإن أريق بطل العقد ولاخيار للمرتهن لأن التلف حصل في يده، فإن عاد خلاً عاد اللزوم بحكم العقد السابق كما لو زالت يد المرتهن عن الرهن ثم عادت إليه وإن استحال خمراً قبل قبض المرتهن له بطل الرهن ولم يعد بعوده خلاً لأنه عقد ضعيف لعدم القبض فأشبه إسلام أحد الزوجين قبل الدخول

ويجوز شرط الرهن والضمين به

وذكر القاضي أن العصير إذا استحال خمراً بعد القبض بطل الرهن أيضاً، ثم إذا عاد خلاً عاد ملكاً لصاحبه مرهوناً بالعقد السابق لأنه يعود مملوكاً بحكم الملك الأول فيعود حكم الرهن لأنه زال بزوال الملك فيعود بعوده وهذا قول الشافعي، وقال مالك وأبو حنيفة: هو رهن بحاله لأنه كانت له قيمة حال كونه عصيراً ويجوز أن تصير له قيمة فلا يزول الملك عنه كما لو ارتد الجاني، ولأن اليد لم تزل عنه حكماً بدليل أنه لو غصبه غاصب فتخلل في يده كان ملكاً للمغصوب منه، ولو زالت يده كان ملكاً للغاصب كما لو أراقه فجمعه إنسان فتخلل في يده كان له دون من أراقه، وهذا القول هو قولنا الأول في المعنى إلا أن يقولوا ببقاء اللزوم فيه حال كونه خمراً. قال شيخنا: ولم تظهر لي فائدة الخلاف بعد اتفاقهم على عوده رهناً باستحالته خلاً وأرى القول ببقائه رهناً أقرب إلى الصحة لأن العقد لو بطل لما عاد صحيحاً من غير ابتداء عقد، فإن قالوا يمكن عوده صحيحاً لعود المعنى الذي بطل بزواله كما أن زوجة الكافر إذا أسلمت خرجت من حكم العقد لاختلاف دينهما فإن أسلم الزوج في العدة عادت الزوجية بالعقد الأول لزوال الاختلاف في الدين، قلنا هناك ما زالت الزوجية ولا بطل العقد، ولو بطل بانقضاء العدة لما عاد إلا بعقد جديد وإنما العقد كان موقوفاً مراعى، فإذا أسلم في العدة تبينا أنه لم يبطل وإن لم يسلم تبينا أنه كان قد بطل وههنا قد جزمتم ببطلانه، وعنه أن القبض واستدامته في المتعين ليس بشرط ويلزم بمجرد العقد كالبيع، فعلى هذا إن امتنع الراهن من تقبيضه أجبر عليه كالبيع، فإن رده المرتهن على الراهن بعارية أو غيرها ثم طلبه أجبر الراهن على رده لأن الرهن صحيح والقبض واجب فيجبر عليه كبيعه (فصل) وإذا استعار شيئاً ليرهنه جاز، قال إبن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على ان الرجل اذا استعار من الرجل شيئاً يرهنه على دنانير معلومة عند رجل سماه الى وقت معلوم ففعل أن ذلك جائز وينبغي أن يذكر المرتهن والقدر الذي يرهنه به وجنسه ومدة الرهن لأن الضرر يختلف بذلك، فاحتيج إلى بيانه كأصل الرهن ومتى شرط شيئاً من ذلك فخالف ورهنه بغيره لم

ولا يجوز شرط ما يجر نفعا نحو أن يسكنه داره أو يقضيه خيرا منه أو في بلد آخر ويحتمل جواز هذا الشرط

يصح الرهن لأنه لم يؤذن له فيه أشبه من لم يأذن في أصل الرهن وهذا إجماع حكاه ابن المنذر فإن أذن له في رهنه بقدر من المال فنقص عنه صح لأن من أذن في شئ فقد أذن في أقل منه وإن رهنه بأكثر احتمل أن يبطل في الكل لأنه خالف المنصوص عليه فبطل كما لو قال أرهنه بدنانير فرهنه بدراهم أو بحال فرهنه بمؤجل أو بالعكس فإنه لا يصح وهذا منصوص الشافعي، واحتمل أن يصح في القدر المأذون فيه ويبطل في الزائد عليه لأن العقد تناول ما يجوز وما لا يجوز فصح فيما يجوز دون غيره كتفريق الصفقة، ويفارق ما ذكرنا من الأصول فإن العقد لم يتناول مأذوناً فيه بحال وكل واحد من هذه الأمور يتعلق به غرض لا يوجد في الآخر فإن الراهن قد يقدر على فكاكه في الحال ولا يقدر على ذلك عند الأجل وبالعكس، وقد يقدر على فكاكه بأحد النقدين دون الآخر فيفوت الغرض بالمخالفة وفي مسئلتنا إذا صح في المائة المأذون فيها لم يختلف الغرض فإن أطلق الأذن في الرهن من غير تعيين فقال القاضي يصح وله رهنه بما شاء وهو قول أصحاب الرأي وأحد قولي الشافعي، والآخر لا يجوز حتى يتبين قدر الذي يرهنه به وصفته وحلولة وتأجيله لأن هذا بمنزلة الضمان لأن منفعة العبد لسيده والعارية ما أفادت المنفعة إنما حصلت له نفعاً بكون الرهن وثيقة عنه فهو بمنزلة الضمان في ذمته وضمان المجهول لا يصح ولنا أنها عارية فلم يشترط لصحتها ذكر ذلك كالعارية لغير الرهن والدليل على أنه عارية أنه قبض ملك غيره لمنفعة نفسه منفرداً بها من غير عوض فكان عارية كقبضه للخدمة، وقولهم أنه ضمان غير صحيح لأن الضمان يثبت في الذمة وهذا يثبت في الرقبة، ولأن الضمان لازم في حق الضامن وهذا له الرجوع في العبد قبل الرهن والزام المستعير بفاكه بعده، وقولهم إن المنافع للسيد قلنا المنافع مختلفة فيجوز أن يستعيره لتحصيل منفعة واحدة وسائر المنافع للسيد كما لو استعاره لحفظ متاع وهو مع ذلك يخيط لسيده أو يعمل له شيئاً أو استعاره ليخيط له ويحفظ المتاع لسيده، فإن قيل لو كان عارية لما صح رهنه لأن العارية لا تلزم والرهن لازم، قلنا العارية غير لازمة من جهة المستعير فإن لصاحب العبد

المطالبة بفكاكه قبل حلول الدين، ولأن العارية قد تكون لازمة فيما إذا أعاره حائطاً ليبني عليه أو أرضاً ليزرع فيها ما لا يحصد قصيلاً، ثم هو منقوض بما إذا استعاره ليرهنه بدين موصوف عند رجل معين إلى أجل معلوم. إذا ثبت ذلك فإنه يصح رهنه بما شاء إلى أي وقت شاء لأن الأذن يتناول الكل بإطلاقه وللسيد مطالبة الراهن بفكاكه حالاً كان أو مؤجلاً في محل الحق وقبله لأن العارية لا تلزم ومتى حل الحق فلم يقبضه فللمرتهن بيع الرهن واستيفاء الدين من ثمنه ويرجع المعير على الراهن بالضمان وهو قيمة العين المستعارة أو مثلها إن كانت من ذوات الأمثال ولا يرجع بما بيعت سواء بيعت بأقل من القيمة أو أكثر في أحد الوجهين (والثاني) إنها إن بيعت بأقل من قيمتها رجع بالقيمة لأن العارية مضمونة فيضمن نقص ثمنها، وإن بيعت بأكثر رجع بما بيعت به لأن العبد ملك للمعير فيكون ثمنه كله له، وكذلك لو أسقط المرتهن حقه عن الراهن رجع الثمن كله إلى صاحبه، فإذا قضى به دين الراهن رجع به عليه، ولا يلزم من ضمان النقص أن لا تكون الزيادة لصاحب العبد كما لو كان باقياً بعينه فأما إن تلف الرهن فإن الراهن يضمنه بقيمته سواء اتلف بتفريط أو بغير تفريط نص عليه أحمد لأن العارية مضمونة (فصل) وإن فك المعير الرهن وأدى الدين الذي عليه بإذن الراهن رجع عليه، وإن قضاه متبرعا لم يرجع بشئ، وإن قضاه بغير إذنه محتسباً بالرجوع فهل يرجع؟ على روايتين بناء على ما إذا قضى دينه بغير إذنه ويترجح الرجوع ههنا لأن له المطالبة فكاك عبده وأداء دينه فكاكه، وإن اختلفا في الاذن فالقول قول الراهن مع يمينه لأنه منكر، وإن شهد المرتهن للمعير قبلت شهادته لأنه لا يجربها نفعاً ولا يدفع بها ضرراً، وإن قال أذنت لي في رهنه بعشرة، قال بخمسة فالقول قول المالك لأنه منكر للزيادة، وبهذا قال الشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي، وإن كان الدين مؤجلاً فقضاه حالاً بإذنه رجع به حالاً، وإن قضاه بغير إذنه فقال القاضي يرجع به حالا أيضاً لأن له المطالبة بفكاك عبده في الحال

وإن فعل ذلك من غير شرط أو قضاه خيرا أو أهدى له هدية بعد الوفاء جاز

(فصل) ولو استعار من رجل عبداً ليرهنه بمائة فرهنه عند رجلين صح لأن تعيين ما يرهن به ليس شرطاً فكذلك من يرهن عنده، ولأن رهنه من اثنين أقل ضرراً لأنه ينفك منه بعضه بقضاء بعض الدين بخلاف ما إذا رهنه عند واحد، فإذا قضى أحدهما ما عليه من الدين خرج نصيبه من الرهن لأن عقد الواحد مع الإثنين عقدان في الحقيقة، ولو استعار عبداً من رجلين فرهنه عند واحد بمائة فقضاه نصفها عن أحد النصيبين لم ينفك من الرهن شئ في أحد الوجهين لأنه عقد واحد من راهن واحد مع مرتهن واحد أشبه ما لو كان العبد لواحد (والثاني) ينفك نصف العبد لأن كل واحد منهما إنما أذن في رهن نصيبه بخمسين فلا يكون رهناً بأكثر منهما كما لو قال له ارهن نصيبي بخمسين لا تزد عليها، فعلى هذا الوجه إن كان المرتهن عالماً بذلك فلا خيار له، وإن لم يكن عالماً والرهن مشروط في بيع احتمل أن له الخيار لأنه دخل على أن كل جزء من الرهن وثيقة بجميع الدين وقد فاته ذلك، واحتمل أن لا يكون له خيار لأن الرهن سلم له كله بالدين كله وهو قد دخل على ذلك، ولو كان رهن هذا العبد عند رجلين فقضى أحدهما انفك نصيب كل واحد من المعيرين من نصفه، وإن قضى نصف دين أحدهما انفك نصيب أحدهما على أحد الوجهين، وفي الآخر ينفك نصف نصيب كل واحد منهما (فصل) ولو كان لرجلين عبدان فأذن كل واحد منهما لشريكه في رهن نصيبه من أحد العبدين فرهناهما عند رجل مطلقاً صح، فإن شرط أحدهما أنني متى قضيت ما على من الدين انفك الرهن في العبد الذي رهنته وفي العبد الآخر أو في قدر نصيبي من العبد الآخر فهذا شرط فاسد لأنه شرط أن ينفك بقضاء الدين رهن على دين آخر ويفسد الرهن لأن في هذا الشرط نقصاً على المرتهن وكل شرط فاسد ينقص حق المرتهن يفسد الرهن، فأما إن شرط أنه لا ينفك شئ من العبد حتى يقضي جميع الدين فهو فاسد أيضاً لأنه شرط أن يبقى الرهن محبوساً بغير الدين الذي هو رهن به، لكنه لا ينقص حق المرتهن فهل يفسد الرهن بذلك على وجهين وقد ذكرنا أن الرهن لا يلزم الا بالقبض في الصحيح

وإن فعله قبل الوفاء لم يجز إلا أن تكون العادة جارية بينهما بذلك قبل القرض إلا أن يكافئه أو يحسبه من دينه

(فصل) والقبض في الرهن كالقبض في البيع على ما ذكرناه، فلو رهنه داراً فخلى بينه وبينها وللراهن فيها قماش لم يمنع من صحة التسليم لأن اتصالها بملك الراهن لايمنع صحة التسليم كالثمرة في الشجرة، وكذلك الدابة التي عليها حمل للراهن ولو رهن الحمل وهو على الدابة وسلمها إليه بحملها صح القبض لأنه حصل فيهما جميعاً فيكون موجوداً في الرهن منهما (فصل) وإذا رهنه سهماً مشاعاً مما لا ينقل خلى بينه وبينه وإن لم يحضر الشريك، وإن كان منقولا كالجواهر فقبضها تناولها ولا يمكن تناولها الا برضى الشريك، فإن رضي الشريك تناولها المرتهن، وإن امتنع فرضي الراهن أو المرتهن بيد الشريك جاز وناب عن المرتهن في القبض، وإن تنازع الشريك والمرتهن أقام الحاكم عدلاً تكون في يده لهما، وإن سلمها الراهن إلى المرتهن بغير إذن الشريك فتناولها وقلنا استدامة القبض شرط لم يكف هذا التناول، وإن قلنا ليس بشرط فقد حصل القبض لأن الرهن حصل في يده والتعدي في غيره لا يمنع صحة القبض كما لو رهنه ثوباً فسلمه إليه مع ثوب غيره فتناولهما جميعاً، ولو رهنه ثوباً فاشتبه عليه بغيره فسلم إليه أحدهما لم يثبت القبض لأنه لا يعلم أنه أقبضه الرهن، فإن تبين أنه الرهن صح القبض، وإن سلم إليه الثوبين معاً حصل القبض لأنه قد تسلم الرهن يقيناً (فصل) ولو رهنه داراً فخلى بينه وبينها وهما فيها ثم خرج الراهن صح القبض، وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا يصح حتى يخلي بينه وبينها بعد خروجه منها لانه ماكان في الدار فيده عليها فما حصلت التخلية. ولنا أن التخلية تصح بقوله مع التمكين منها وعدم المانع أشبه مالو كانا خارجين عنها، ولا يصح ما ذكره لأن خروج المرتهن منها لا يزيل يده عنها ودخوله إلى دار غيره لا يثبت يده عليها، ولأنه بخروجه عنها محقق لقوله فلا معنى لاعادة التخلية (فصل) وإن رهنه مالاً في يد المرتهن عارية أو وديعة أو غصباً أو نحوه صح الرهن لأنه مالك

له يمكن قبضه فصح رهنه كما لو كان في يده، وظاهر كلام أحمد لزوم الرهن ههنا بنفس العقد من غير احتياج إلى أمر زائد فإنه قال إذا حصلت الوديعة في يده بعد الرهن فهو رهن فلم يعتبر أمراً زائداً وذلك لأن اليد ثابتة والقبض حاصل وإنما يتغير الحكم لاغير. ويمكن تغير الحكم مع استدامة القبض كما أنه لو طولب بالوديعة فجحدها لتغير الحكم وصارت مضمونة عليه من غير أمر زائد، ولو عاد الجاحد فأقربها وقال لصاحبها خذ وديعتك فقال دعها عندك وديعة كما كانت ولا ضمان عليك فيها لتغير الحكم من غير حدوث أمر زائد، وقال القاضي وأصحاب الشافعي لا يصير رهناً حتى تمضي مدة يتأتى قبضه فيها، فإن كان منقولاً فبمضي مدة يمكن نقله فيها، وإن كان مكيلاً فبمضي مدة يمكن اكتياله فيها، وإن كان غير منقول فبمضي مدة التخلية، وإن كان غائباً عن المرتهن لم يصر مقبوضاً حتى يوفيه هو أو وكيله ثم تمضي مدة يمكن قبضه فيها لأن العقد يفتقر الى القبض، والقبض إنما يحصل بفعله أو بإمكانه فيكفي ذلك ولايحتاج إلى وجود حقيقة القبض لأنه مقبوض حقيقة، فإن تلف قبل مضي مدة يتأتى قبضه فيها فهو كتلف الرهن قبل قبضه ثم هل يفتقر إلى الاذن من الراهن في القبض؟ يحتمل وجهين (احدهما) يفتقر لأنه قبض يلزم به عقد غير لازم فلم يحصل بغير إذن كما لو كان في يد الراهن. وإقراره في يده لا يكفي كما لو أقر المغصوب في يد غاصبه مع إمكان أخذه منه (والثاني) لا يفتقر لأن إقراره في يده بمنزلة إذنه في القبض، فإن أذن له في القبض ثم رجع عنه قبل مضي مدة يتأتى القبض فيها لم يلزم الرهن حتى يعود فيأذن ثم تمضي مدة يقبضه في مثلها (فصل) وإذا رهنه المضمون على المرتهن كالمغصوب والعارية والمقبوض على وجه السوم أو في بيع فاسد صح وزال الضمان، وبه قال مالك وأبو حنيفة. وقال الشافعي: لا يزول الضمان ويثبت حكم الرهن، والحكم الذي كان ثابتاً فيه يبقى بحاله لأنه لا تنافي بينهما بدليل أنه لو تعدى في الرهن صار مضموناً وهو رهن كما كان فكذلك ابتداؤه لأنه أحد حالتي الرهن

ولنا أنه مأذون له في إمساكه رهنا لم يتجدد فيه منه عدوان فلم يضمنه كما لو قبضه منه ثم أقبضه إياه أو أبرأه من ضمانه، وقولهم لا تنافي بينهما ممنوع فإن الغاصب يده عادية يجب عليه إزالتها ويد المرتهن محققة جعلها الشرع له ويد المرتهن يد أمانة، ويد الغاصب والمستعير ونحوهما يد ضامنه وهذان متنافيان، ولأن السبب المقتضي للضمان زال فزال الضمان لزواله كما لو رده إلى مالكه وذلك لأن سبب الضمان الغصب أو العارية ونحوهما وهذا لم يبق غاصباً ولا مستعيراً، ولا يبقى الحكم مع زوال سببه وحدوث سبب يخالف حكمه حكمه، وأما إذا تعدى في الرهن فإنه يلزمه الضمان لعدوانه لا لكونه غاصباً ولا مستعيراً وههنا قد زال سبب الضمان ولم يحدث ما يوجبه فلم يثبت (فصل) وإذا رهنه عينين فتلفت إحداهما قبل قبضها انفسخ العقد فيها دون الباقية لأن العقد كان صحيحا فيهما، وإنما طرأ انفساخ العقد في إحداهما فلم يؤثر في الأخرى كما لو اشترى شيئين فرد أحدهما بعيب أو غيره والراهن مخير بين اقباض الباقية وبين منعها إذا قلنا إن الرهن لا يلزم الا بالقبض فإن كان التلف بعد قبض الأخرى لزم الرهن فيها، فإن كان الرهن مشروطاً في بيع ثبت للبائع الخيار لتعذر الرهن بكماله فإن رضي لم يكن له المطالبة ببدل التالفة لأن الرهن لم يلزم فيها وتكون المقبوضة رهناً بجميع الثمن، فإن تلفت إحدى العينين بعد القبض فلا خيار للبائع لأن الرهن لو تلف كله لم يثبت للبائع خيار فإذا تلف بعضه كان أولى، ثم إن كان تلفها بعد قبض العين الا خرى فقد لزم الرهن فيها، وإن كان قبل قبض الأخرى فالراهن مخير بين اقباضها وبين تركه، فإن امتنع من تقبيضها ثبت للبائع الخيار كما لو لم تتلف الأخرى (فصل) فإذا رهنه داراً فانهدمت قبل قبضها لم ينفسخ عقد الرهن لان ما ليتها لم تذهب بالكلية فإن عرصتها وانقاضها باقية ويثبت للمرتهن الخيار إن كان الرهن مشروطاً في بيع لتعيبها ونقص قيمتها

وإذا أقرضه أثمانا فطالبه بها ببلد آخر لزمته، وإن أقرضه غيرها فطالبه بها لم تلزمه فإن طالبه بالقيمة لزمه اداؤها

فإن قيل فلم لا ينفسخ عقد الرهن كعقد الإجارة؟ قلنا الإجارة؟ عقد على منفعة السكنى وقد تعذرت وعدمت فبطل العقد لعدم المعقود عليه والرهن عقد استيثاق يتعلق بالأعيان التي فيها المالية وهي باقية فعلى هذا تكون العرصة والأنقاض من الخشب والأحجار ونحوها من الرهن لأن العقد وارد على جميع الأعيان والأنقاض منها وما دخل في العقد استقر بالقبض (فصل) ويجوز للمرتهن أن يوكل في قبض الرهن ويقوم قبض وكيله مقام قبضه في لزوم الرهن وسائر أحكامه، فإن وكل المرتهن الراهن في قبض الرهن له من نفسه لم يصح ولم يكن قبضاً لأن الرهن وثيقة يستوفى الحق منه عند تعذر استيفائه من الراهن، فإذا كان في يد الراهن لم يحصل معنى الوثيقة، وقد ذكرنا في البيع أن المشتري لو دفع إلى البائع وعاء وقال كل لي حقي فيه ففعل كان قبضاً فيخرج ههنا مثله (فصل) إذا أقر الراهن بتقبيض الرهن أو أقر المرتهن بقبضه كان مقبولا فيما يمكن صدقهما فيه فإن أقر الراهن بالتقبيض ثم أنكر وقال أقررت بذلك ولم أكن أقبضت شيئاً أو أقر المرتهن بالقبض ثم أنكره فالقول قول المقر له فإن طلب المنكر يمينه فيه وجهان (أحدهما) لا يلزمه يمين لأن الإقرار أقوى من البينة ولو قامت البينة بذلك وطلب المشهود عليه يمين خصمه لم يجب إليها فكذلك الإقرار (والثاني) يلزمه اليمين، وهو قول الشافعي وهو أولى لأن العادة جارية بأن الإنسان يشهد على نفسه بالقبض قبله فكذلك تسمع دعواه ويلزم خصمه اليمين لما ذكرنا من حكم العادة بخلاف البينة فإنها لا تشهد إلا بالحق قبل ولو فعلت ذلك لم تكن عادلة، وقال القاضي إن كان المقر غائباً فقال أقررت لأن وكيلي كتب إلي بذلك ثم بان لي خلافه سمعنا قوله وأحلفنا خصمه وإن أقر أنه باشر ذلك بنفسه

باب الرهن

ثم عاد فأكذب نفسه لم يحلف خصمه، وهذا قول بعض أصحاب الشافعي. فأما إن اختلفا في القبض فقال المرتهن قبضته وأنكر الراهن فالقول قول صاحب اليد لأنه إن كان في يد الراهن فالأصل معه وهو عدم الاقباض ولم يوجد ما يدل على خلافه وإن كان في يد المرتهن فقد وجد القبض لكونه لا يحصل في يده إلا بعد قبضه وإن اختلفا في الاذن فقال الراهن: أخذته بغير إذني قال بل بإذنك وهو في يد المرتهن فالقول قوله لأن الظاهر معه فإن العقد قد وجد ويده تدل على أنه بحق ويحتمل أن يكون القول قول الراهن لأن الأصل عدم الأذن، وهذا مذهب الشافعي ذكر القاضي هذين الوجهين {مسألة} (وتصرف الراهن في الرهن لا يصح إلا العتق فإنه يصح ويؤخذ منه قيمته فيجعل رهناً مكانه وعنه لا ينفذ عتق المعسر) إذا تصرف الراهن بغير رضى المرتهن بغير العتق كالبيع والهبة والوقف والرهن ونحوه فتصرفه باطل لأنه تصرف يبطل حق المرتهن من الوثيقة غير مبني على التغليب والسراية فلم يصح بغير إذن المرتهن كفسخ الرهن، وفي الوقف وجه آخر أنه يصح لأنه يلزم لحق الله تعالى أشبه العتق. والصحيح الأول لأنه تصرف لا يسري إلى ملك الغير فلم يصح كالهبة فإن أذن فيه صح وبطل الرهن إلا أن يأذن في البيع فيه تفصيل نذكره فيما بعد إن شاء الله تعالى (فصل) وليس للراهن الانتفاع بالرهن باستخدام ولا وطئ ولا سكنى ولا غير ذلك ولا يملك التصرف فيه بإجارة ولا إعارة ولا غيرهما بغير رضى المرتهن، وبهذا قال الثوري وأصحاب الرأي وقال مالك وابن أبي ليلى والشافعي وابن المنذر: للراهن إجارته وإعارته مدة لا يتأخر انقضاؤها عن حلول

وهو لازم في حق الراهن جائز في حق المرتهن

الدين، وهل له أن يسكن بنفسه؟ على اختلاف بينهم. وإن كان الرهن عبداً فله استيفاء منافعه بغيره وهل له ذلك بنفسه؟ على الخلاف. وليس له إجارة الثوب ولا ما ينقص بالانتفاع وبنوه على أن المنافع للراهن لا تدخل في الرهن ولا يتعلق بها حقه وسيأتي الكلام فيه ولنا أنها عين محبوسة فلم يكن للمالك الا نتفاع بها كالمبيع المحبوس عند البائع على قبض ثمنه. إذا ثبت هذا فإن المتراهنين إن لم يتفقا على الانتفاع بها لم يجز الانتفاع وكانت منافعة معطلة فإن كانت دار اأغلفت وإن كان عبداً أو غيره تعطلت منافعه حتى يفك الرهن فإن اتفقا على إجارة الرهن وإعارته جاز ذلك في ظاهر قول الخرقي لأنه جعل غلة الدار وخدمة العبد من الرهن ولو عطلت منافعهما لم تكن لهما غلة. وقال ابن أبي موسى: أذن الراهن للمرتهن في إعارته أو إجارته صح والأجرة رهن وإن أجره الراهن بإذن المرتهن خرج من الرهن في أحد الوجهين ولا يخرج في الآخر كما لو أجرة المرتهن. وقال أبو الخطاب في المشاع يؤجره الحاكم لهما وذكر أبو بكر في الخلاف أن منافع الرهن تعطل مطلقاً ولا يؤجراه، وهو قول الثوري وأصحاب الرأي وقالوا إذا أجر الراهن بإذن المرتهن كان اخراجاً من الرهن لأن الرهن يقتضي حبسه عند المرتهن أو نائبه على الدوام فمتى وجد عقد يستحق به زوال الحبس زال الرهن

ولنا أن مقصود الرهن الاستيثاق بالدين واستيفاؤه من ثمنه عند تعذر استيفائه من ذمة الراهن وهذا لا ينافي الانتفاع به ولا إجارته ولا إعارته فجاز إجتماعهما كانتفاع المرتهن به ولأن تعطيل منفعته تضييع للمال وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعته، ولأنه عين تعلق بها حق الوثيقة فلم تمنع إجارتها كالعبد إذا ضمن بإذن سيده، ولا نسلم أن مقتضى الرهن الحبس بل مقتضاه تعلق الحق به على وجه تحصل به الوثيقة وذلك غير مناف للانتفاع به. ولو سلمنا بأن مقتضاه الحبس فلا يمنع كون المستأجر نائباً عنه في امساكه وحبسه ومتوفيا لمنفعته لنفسه (فصل) ولا يمنع الراهن من إصلاح الرهن ودفع الفساد عنه ومداواته إن احتاج إليها، فإذا كان ماشية فاحتاجت إلى إطراق الفحل فللراهن ذلك لأن فيه مصلحة الرهن وزيادته وذلك زيادة في حق المرتهن من غير ضرر وإن كانت فحولاً لم يكن للراهن إطراقها بغير رضا المرتهن لأنه انتفاع لا مصلحة للرهن فيه فهو كالاستخدام إلا أن يكون يتضرر بترك الإطراق فيجوز لأنه كالمداواة له (فصل) وليس للراهن عتق الرهن لأنه يبطل حق المرتهن من الوثيقة وذلك إضرار به فإن فعل نفذ عتقه موسراً كان أو معسراً نص عليه أحمد وبه قال شريك والحسن بن صالح وأصحاب الرأي والشافعي في أحد أقواله إلا أن أبا حنيفة قال يستسعى العبد في قيمته إن كان المعتق موسراً. وعن أحمد أنه لا ينفذ عتق

إلا المكاتب إذا قلنا: استدامة القبض شرط لم يجز رهنه

المعسر وذكرها الشريف أبو جعفر وهو قول مالك والقول الثاني للشافعي لأن عتقه يسقط حق المرتهن من الوثيقة من عين الرهن وبدلها فلم ينفذ لما فيه من الاضرار بالمرتهن ولأنه عتق يبطل حق غير المالك فنفذ من الموسر دون المعسر كعتق شرك له في عبد، وقال عطاء والبتي وأبو ثور: لا ينفذ عتق الراهن موسراً كان أو معسراً وهو القول الثالث للشافعي لأنه معنى يبطل حق الوثيقة من الرهن أشبه البيع ولنا أنه إعتاق من مالك جائز التصرف تام الملك فنفذ كعتق المستأجر ولأن الرهن عين محبوسة لاستيفاء الحق فنفذ فيها عتق المالك كالمبيع في يد البائع والعتق يخالف البيع فإنه مبني على التغليب والسراية وينفذ في ملك الغير ويجوز عتق المبيع قبل قبضه والآبق والمجهول وما لا يقدر على تسليمه ويجوز تعليقه على الشرط بخلاف البيع. إذا ثبت هذا فإن كان موسراً أخذت منه قيمته فجعلت مكانه رهنا لأنه أبطل حق الوثيقة بغير إذن المرتهن فلزمته قيمته كما لو أبطلها أجنبي أو كما لو أتلفه وتكون القيمة رهناً لكونها نائبة عن العين وبدلاً منها وإن كان معسراً فهي في ذمته فإن أيسر قبل حلول الحق أخذت منه فجعلت رهناً إلا أن يختار تعجيل الحق فيقضيه ولا يحتاج إلى رهن وان أيسر بعد حلول الحق طولب بالدين خاصة لأن ذمته تبرأ به من الحقين معاً والاعتبار بقيمة العبد حال العتق لأنه وقت الإتلاف وبهذا قال الشافعي، وقال أبو حنيفة في المعسر يستسعى العبد في قيمته ثم يرجع على الراهن وفيه إيجاب الكسب على العبد ولا صنيع له ولا جناية منه فكان الزام الغرم للمتلف أولى كحال اليسار وكسائر الإتلاف (فصل) فإن أعتقه بإذن المرتهن فلا نعلم خلافاً في نفوذ عتقه على كل حال لأن المنع كان لحق المرتهن وقد أذن ويسقط حقه من الوثيقة موسراً كان المعتق أو معسراً لأنه أذن فيما ينافي حقه فإذا

وجد زال حقه وقد رضي به لرضاه بما ينافيه واذن فيه فلم يكن له بدل فان رجع عن الإذن قبل العتق وعلم الراهن برجوعه بطل الإذن وإن لم يعلم برجوعه فأعتق ففيه وجهان بناء على عزل الوكيل بدون علمه، وإن رجع بعد العتق لم ينفعه الرجوع والقول قول المرتهن مع يمينه لأن الأصل عدم الإذن، وإن اختلف الراهن وورثة المرتهن فالقول قول الورثة أيضاً إلا أن أيمانهم على نفي العمل لأنها على فعل الغير، وإن اختلف المرتهن وورثة الراهن فالقول قول المرتهن مع يمينه وإن لم يحلف قضى عليه بالنكول {مسألة} (وليس عليه تزويج الأمة المرهونة فإن فعل لم يصح) وهذا اختيار أبي الخطاب وقول مالك والشافعي. وقال القاضي وجماعة من أصحابنا يصح وللمرتهن منع الزوج من وطئها لحق المرتهن حتى لا تخرج عن يده فيفوت القبض ومهرها رهن معها لأنه من نمائها وبسببها فكان رهناً معها كأجرتها وسائر نمائها، وهذا مذهب أبي حنيفة لأن محل النكاح غير محل عقد الرهن ولذلك صح رهن المزوجة ولأن الرهن لا يزيل الملك فلم يمنع التزويج كالإجارة، ولنا أنه تصرف في الرهن بما ينقص ثمنه ويستغل بعض منافعه فلم يملكه الراهن بغير رضى المرتهن كالإجارة ولا يخفى تنقصيه لثمنها فإنه يعطل منافع بضعها ويمنع مشتريها من وطئها وحلها ويوجب عليها تمكين زوجها من الاستمتاع بها ويعرضها بوطئه للحمل الذي يخاف منه تلفها ويشغلها عن خدمته بتربية ولدها فتذهب الرغبة فيها وتنقص نقصاً كثيراً وربما منع بيعها بالكيلة. وقولهم إن محل عقد النكاح غير محل الرهن غير صحيح فإن محل الرهن محل البيع والبيع يتناول جملتها، ولهذا يباح لمشتريها استمتاعها

وإنما صح رهن المزوجة لبقاء معظم المنفعة فيها وبقائها محلاً للبيع كما يصح رهن المستأجرة. ويفارق الرهن الإجارة فإن التزويج لا يؤثر في مقصود الإجارة ولا يمنع المستأجر من استيفاء المنافع المستحقة له ويؤثر في مقصود الرهن وهو استيفاء الدين من ثمنها لأن تزويجها يمنع بيعها أو ينقص ثمنها فيتعذر استيفاء الدين بكماله {مسألة} (وإن وطئ الجارية فأولدها خرجت من الرهن وأخذت منه قيمتها فجعلت رهناً) لا يجوز للراهن وطئ أمته المرهونة في قول أكثر أهل العلم، وقال بعض أصحاب الشافعي له وطئ الآيسة والصغيرة لكونه لا ضرر فيه فإن علة المنع خوف الحمل مخالفة أن تلد منه فتخرج من الرهن أو تتعرض للتلف، وهذا معدوم فيهما وسائر أهل العلم على خلاف هذا. قال إبن المنذر أجمع أهل العلم على أن للمرتهن منع الراهن من وطئ أمته المرهونة ولأن سائر من يحرم وطؤها لا فرق فيه بين الآيسة والصغيرة وغيرهما كالمعتدة والمستبرأة والأجنبية ولأن الوقت الذي تحمل فيه يختلف ولا ينحزر فمنع من الوطئ جملة كما حرم الخمر للسكر وحرم منه اليسير الذي لا يسكر لكون السكر يختلف، فإن وطئ فلا حد عليه لأنها ملكه وإنما حرمت عليه لعارض كالمحرمة والصائمة ولا مهر عليه لان المرتهن لاحق له في منفعتها ووطؤها لا ينقص قيمتها إذا كانت ثيبا فأشبه مالو استخدمها وإن تلف جزء منها أو نقصها مثل أن افتض البكر أو أفضاها فعليه قيمة ما أتلف فإن شاء جعله رهناً معها وإن شاء جعله قضاء من الحق إن لم يكن حل فإن كان الحق قد حل جعله قضاء لا غير فإنه لا فائدة في جلعه رهناً ولا فرق بين الصغيرة والكبيرة فيما ذكرناه

ويجوز رهن ما يسرع إليه الفساد بدين مؤجل ويباع ويجعل ثمنه رهنا

(فصل) فإن أولدها خرجت من الرهن وعليه قيمتها حين أحبلها كما لو جرح العبد كانت عليه قيمته يوم جرحه ولا فرق بين الموسر والمعسر إلا أن الموسر تؤخذ منه قيمتها والمعسر تكون قي ذمته قيمتها على حسب ما ذكرنا في العتق، وهذا قول أصحاب الرأي، وقول الشافعي ههنا كقوله في العتق إلا أنه إذا قال لا ينفذ الاحبال فإنما هو في حق المرتهن، فأما في حق الراهن فهو ثابت فلا يجوز له أن يهبها للمرتهن، ولو حل الحق وهي حامل لم يجز بيعها لأنها حامل بحر فإذا ولدت لم يجز بيعها حتى تسقي ولدها اللبأ ثم إن وجد من يرضعه بيعت وإلا تركت حتى ترضعه ثم يباع منها بقدر الدين ويثبت للباقي حكم الاستيلاد فإذا مات الراهن عتق. وإن رجع المبيع إلى الراهن بيع أو غيره أو بيع جميعها ثم رجعت إليه ثبت لها حكم الاستيلاد، وقال مالك إن كانت الأمة تخرج إلى الراهن وتأتيه خرجت من الرهن وإن تسور عليها أخذ ولدها وبيعت. ولنا أن هذه أم ولد فلم يثبت فيها حكم الرهن كما لو كان الوطئ سابقاً على الرهن أو نقول معنى ينافي الرهن في ابتدائه فنفاه في دوامه كالحرية (فصل) فإن كان الوطئ بإذن المرتهن خرجت من الرهن ولا شئ للمرتهن لأنه أذن في سبب ما ينافي حقه فكان إذناً فيه ولا نعلم في هذا خلافاً وإن لم تحبل فهي رهن بحالها، فإن قيل إنما أذن في الوطئ ولم يأذن في الاحبال قلنا الوطئ هو المفضي إلى الاحبال ولا؟؟ ذلك على اختياره فالإذن في سببه

أذن فيه، فإن أذن ثم رجع فهو كمن لم يأذن، وإن اختلفا في الاذن فالقول قول من ينكره وإن أقر المرتهن بالإذن وأنكر كون الولد من الوطئ المأذون فيه أو قال هو من زوج أو زنا فالقول قول الراهن بأربع شروط (أحدها) أن يعترف المرتهن بالاذن (الثاني) أن يعترف بالوطئ (الثالث) أن يعترف بالولادة (الرابع) أن يعترف بمضي مدة بعد الوطئ يمكن أن تلد فيها فحينئذ لا يلتفت إلى إنكاره ويكون القول قول الراهن بغير يمين لأننا لم نلحقه به بدعواه: بل بالشرع، فإن أنكر شرطاً من هذه الشروط فقال لم آذن أو قال أذنت فما وطئت، أو قال لم تمض مدة تضع فيها الحمل منذ وطئت، أو قال ليس هذا ولدها إنما استعارته فالقول قوله لأن الأصل عدم ذلك كله وبقاء الوثيقة صحيحة حتى تقوم البينة وهذا مذهب الشافعي (فصل) ولو أذن في ضربها فضربها فتلفت فلا ضمان عليه لأن ذلك تولد من المأذون فيه فهو كتولد الا حبال من الوطئ (فصل) وإذا أقر الراهن بالوطئ لم يخل من ثلاثة أحوال (أحدها) أن يقربه حال العقد أو قبل لزومه فحكم هذين واحد ولا يمنع ذلك صحة الرهن لأن الأصل عدم الحمل، فإن بانت حائلاً أو حاملاً بولد لا يلحق بالراهن فالرهن بحاله، وكذلك إن كان يلحق به لكن لا تصير به أم ولد مثل إن وطئها وهي زوجته ثم ملكها ورهنها، وإن بانت حاملاً بما تصير به أم ولد بطل الرهن ولاخيار للمرتهن وإن كان مشروطاً في بيع لأنه دخل مع العلم بانها قد لا تكون رهناً، فإذا خرجت من الرهن بذلك السبب الذي علمه لم يكن له خيار كالمريض إذا مات والجاني إذا اقتص منه وهذا قول أكثر الشافعية، وقال بعضهم له الخيار لان الوطئ نفسه لا يثبت الخيار فلم يكن رضاه به رضى بالحمل الذي يحدث منه بخلاف الجناية والمرض. ولنا أن اذنه في الوطئ أذن فيما يؤول إليه كذلك رضاه به رضى بما يؤول إليه (الحال الثالث) أقر بالوطئ بعد لزوم الرهن فإنه يقبل في حقه ولا يقبل في حق المرتهن لأنه أقر بما يفسخ عقداً لازماً لغيره فلم يقبل كما لو أقر بذلك بعد بيعها، ويحتمل أن يقبل لأنه أقر في ملكه بما لاتهمة

ويجوز رهن المشاع

فيه لانه يستضرمن ذلك أكثر من نفعه بخروجها من الرهن والأول أصح لأن إقرار الإنسان على غيره لا يقبل {مسألة} (وإن أذن المرتهن في بيع أو هبة أو نحو ذلك صح وبطل الرهن إلا أن يأذن له في بيعه بشرط أن يجعل ثمنه رهنا أو يعجل دينه من ثمنه) وجملة ذلك أنه متى أذن المرتهن للراهن في بيع الرهن أو هبته أو وقفه ففعل صح لأن المنع كان لحقه فجاز بإذنه ويبطل الرهن لانه هذا تصرف ينافي الرهن فلا يجتمع مع ما ينافيه إلا البيع فله ثلاثة أحوال (أحدها) أن يأذن له في بيعه بعد حلول الحق فيصح ويتعلق حق المرتهن بثمنه ويجب قضاء الدين منه لأن مقتضى الرهن بيعه واستيفاء الدين من ثمنه (الثاني) أنه يأذن له قبل حلوله مطلقاً فيبيعه فيبطل الرهن ولا يكون عليه عوضه لأنه أذن له فيما ينافي حقه فأشبه مالو اذن في عتقه وللمالك أخذ ثمنه وبه قال الشافعي. وقال أبو حنيفة ومحمد يكون الثمن رهناً لأن الراهن باع الرهن بإذن المرتهن فوجب أن يثبت حقه فيه كما لو حل الدين. قال الطحاوي: حق المرتهن يتعلق بعين الرهن والثمن بدله فوجب أن يتعلق به كما لو أتلفه متلف ولنا أنه تصرف يبطل حق المرتهن من عين الرهن لا يملكه المرتهن، فإذا أذن فيه أسقط حقه كالعتق. ويخالف ما بعد الحلول لأن المرتهن يستحق البيع. ويخالف الا تلاف لأنه غير مأذون فيه من جهة المرتهن، فإن قال إنما أردت بإطلاق الإذن أن يكون ثمنه رهناً لم يقبل قوله لأن إطلاق الإذن يقتضي بيعا يفسخ الرهن، وبهذا قال الشافعي (الثالث) أن يأذن فيه بشرط أن يجعل ثمنه رهناً مكانه أو يعجل له دينه من ثمنه فيجوز ويلزم ذلك لأنه لو شرط ذلك بعد حلول الحق جاز فكذلك قبله وإن اختلفا في الاذن فالقول قول المرتهن لأنه منكر، وإن أقر بالإذن واختلفا في شرط جعل ثمنه رهناً أو تعجيل دينه منه فالقول قول الراهن لأن الأصل عدم الشرط، ويحتمل أن يقدم قول المرتهن لأن الأصل بقاء الوثيقة {مسألة} (ونماء الرهن وكسبه وأرش الجناية عليه من الرهن)

وجملة ذلك أن نماء الرهن جميعه وغلاته تكون رهناً في يد من الرهن في يده كالأصل وإذا احتيج إلى بيعه في وفاء الدين بيع مع الأصل، وسواء في ذلك المتصل كالسمن والتعلم والمنفصل كالكسب والأجرة والولد والثمر واللبن والصوف والشعر وبنحو هذا قال النخعي والشعبي. وقال الثوري وأصحاب الرأي يتبع النماء ولا يتبع الكسب لأن الكسب لا يتبع في حكم الكتابة والاستيلاد والتدبير فلا يتبع في الرهن كإعتاق مال الراهن. وقال مالك: يتبع الولد في الرهن خاصة دون سائر النماء لأن الولد يتبع الأصل في الحقوق الثابتة كولد أم الولد، وقال الشافعي وأبو ثور وابن المنذر لا يدخل في الرهن شئ من النماء المنفصل ولا من الكسب لأنه حق تعلق بالأصل يستوفي من ثمنه فلا يسري إلى غيره كحق جنايته حتى قال الشافعي لو رهنه ماشية مخاضاً فنتجت فالنتاج لا يدخل في الرهن، وخالفه أبو ثور وابن المنذر واحتجوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم " الرهن من راهنه له غنمه وعليه غرمه " وإنما يكون رهناً كسائر ماله ولنا أنه حكم يثبت في العين بعقد المال فيدخل فيه النماء والمنافع كالملك بالبيع وغيره، ولأن النماء حادث من غير الرهن فيدخل فيه كالمتصل، ولأنه حق مستقر في الام ثبت برضى المالك فسرى إلى الولد كالتدبير والاستيلاد. ولنا على مالك إنه نماء حادث من غير الرهن فسرى إليه حكم الرهن كالولد، وعلى أبي حنيفة أنه عقد يستتبع النماء فاستتبع الكسب كالشراء، وأما الحديث فنقول به، وأن غنمه وكسبه ونماءه للراهن لكن يتعلق به حق الرهن كالأصل. والفرق بينه وبين سائر مال الراهن أنه تبع فثبت له حكم أصله، وأما حق الجناية فإنه ثبت بغير رضى المال فلم يتعد ما ثبت فيه لأنه جزاء عدوان فاختص الجاني كالقصاص، ولأن السراية في الرهن لا تفضي إلى استيفاء أكثر من دينه فلا يكثر الضرر فيه. وأما أرش الجناية على الرهن فيتعلق بها حق المرتهن لأنها بدل جزء منه فكانت من الرهن كقيمته إذا أتلفه إنسان وهذا قول الشافعي وغيره (فصل) وإذا ارتهن أرضاً أو داراً أو غيرهما تبعه في الرهن ما يتبع في البيع، فان كان في الأرض

شجر فقال رهنتك هذه الأرض بحقوقها أو ذكر ما يدل على أن الشجر في الرهن دخل، وإن لم يذكر ذلك فهل يدخل في الرهن؟ على وجهين بناء على دخوله في البيع، وإن رهنه شجراً مثمراً وفيه ثمرة ظاهرة لم تدخل في الرهن كما لا تدخل في البيع. وإن لم تكن ظاهرة دخلت، وقال الشافعي لا تدخل بحال، وقال أبو حنيفة تدخل بكل حال لأن الرهن عنده يصح على الأصل دون الثمرة وقد قصد إلى عقد صحيح فتدخل الثمرة ضرورة الصحة ولنا أن الثمرة المؤبرة لا تدخل في البيع مع قوته وإزالته لملك البائع فالرهن مع ضعفه أولى، وعلى الشافعي أنه عقد على الشجر فاستتبع الثمرة غير المؤبرة كالبيع. ويدخل في الرهن الصوف واللبن الموجودان كما يدخل في البيع، وكذلك الحمل وسائر ما يتبع في البيع لأنه عقد وارد على العين فدخلت فيه هذه التوابع كالبيع، ولو كان الرهن داراً فخربت كانت أنقاضها رهناً معها لأنها من أجزائها وقد كانت مرهونة قبل خرابها، ولو رهنه أرضاً فنبت فيها شجر فهو من الرهن سواء نبت بفعل الراهن أو بغير فعله لأنه من نمائها {مسألة} (ومؤنته على الراهن وكفنه إن مات وأجرة مخزنه إن كان مخزوناً) مؤنة الرهن من طعامه وكسوته ومسكنه وحافظه وحرزه ومخزنة وغير ذلك على الراهن، وبهذا قال مالك والشافعي والعنبري واسحاق، وقال أبو حنيفة أجرة المسكن والحافظ على المرتهن لأنه من مؤنة إمساكه وارتهانه. ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " الرهن من راهنه له غنمه وعليه غرمه " رواه الدارقطني وقال إسناد جيد متصل، ولأنه نوع اتفاق فكان على الراهن كالطعام، ولأن الرهن ملك الراهن فكان عليه مسكنه وحافظه كغير الرهن، وإن ابق العبد فأجرة من يرده على الراهن، وقال أبو حنيفة يكون بقدر الأمانة على الراهن وبقدر الضمان على المرتهن. وإن إحتيج إلى مداواته لمرض أو جرح فذلك على الراهن، وعند أبي حنيفة هو كأجرة من يرده من إباقه وبنى ذلك على أصله في أن يد المرتهن يد ضمان بقدر دينه فيه وما زاد فهو أمانة عنده ويأتي الكلام على ذلك فيما بعد، فإن مات العبد كانت مؤنة تجهيزه وتكفينه ودفنه على الراهن لأن ذلك تابع لمؤنته. فإن كل من لزمته مؤنة شخص في حياته لافي مقابلة نفع كانت مؤنة تجهيزه ودفنه عليه كسائر العبيد والإماء والأقارب من الأحرار (فصل) وإن كان الرهن ثمرة فاحتاجت إلى سقي وتسوية وجذاذ فذلك على الراهن، وإن احتاجت إلى تجفيف والحق مؤجل فعليه التجفيف لأنه يحتاج إلى أن يستبقيها رهنا حتى يحل الحق،

وإن كان حالا بيعت ولم يحتج إلى تجفيفها، فإن اتفقا على بيعها وجعل ثمنها رهنا بالحق المؤجل جاز وإن اختلفا قدم قول من يستبقيها بعينها لأن العقد يقتضي ذلك إلا أن يكون مما تقل قيمته بالتجفيف وقد جرت العادة ببيعه رطباً فيباع ويجعل ثمنه رهنا، وإن اتفقا على قطع الثمرة في وقت جاز سواء كان الحق حالا أو مؤجلاً، أو كان الأصلح القطع أو الترك لأن الحق لا يخرج عنهما، وإن اختلفا قدم قول من طلب الأصلح إن كان ذلك قبل حلول الحق، وإن كان الحق حالا قدم قول من طلب القطع لأنه إن كان المرتهن فهو طالب لاستيفاء حقه الحال فلزم إجابته، وإن كان الراهن فهو يطلب بتبرئة ذمته وتخليص عين ملكه من الرهن والقطع أحوط من جهة أن في تبقيته غرراً. ذكر القاضي هذا في المفلس وهو قول أكثر أصحاب الشافعي وهذا في معناه، ويحتمل أن ينظر في الثمرة فإن كانت تنقص بالقطع نقصاً كثيراً لم يجبر الممتنع من قطعها لأن ذلك إتلاف فلا يجبر عليه كما لا يجبر على نقض داره ليبيع أنقاضها، ولا على ذبح فرسه ليبيع لحمها، فإن كانت الثمرة مما لا ينتفع بها قبل كمالها لم يجز قطعها قبله ولم يجبر عليه بحال لما فيه من إضاعة المال والله أعلم (فصل) فإن كان الرهن ما شية تحتاج إلى إطراق الفحل لم يجبر الراهن عليه لأنه ليس عليه ما يتضمن زيادة في الرهن وليس ذلك مما يحتاج إليه لبقائها ولا يمنع من ذلك لكونه زيادة لهما لا ضرر على المرتهن فيه، وإن احتاجت إلى رعي فعلى الراهن أن يقيم لها راعياً لأن ذلك يجري مجرى علفها فإن أراد الراهن السفر بها ليرعاها في مكان آخر وكان لها في مكانها مرعى تتماسك به فللمرتهن منعه لأن في السفر بها إخراجها عن نظره ويده، وإن أجدب مكانها فلم تجد ما تتماسك به فللراهن السفر بها لأنها تهلك إذا لم يسافر بها إلا أنها تكون في يد عدل يرضيان به أو ينصبه الحاكم ولا ينفرد الراهن بها، فإن امتنع الراهن من السفر بها فللمرتهن نقلها لأن في بقائها هلاكها وضياع حقه من الرهن، وإن أراد جميعاً السفر بها واختلفا في مكانها قدمنا قول من يعين الأصلح فإن استويا قدم قول المرتهن، وعند الشافعي يقدم قول الراهن وإن كان الأصلح غيره لأنه أملك بها إلا أنه يكون مأواها إلى يد عدل. ولنا أن اليد للمرتهن فكان أولى كما لو كانا في بلد واحد وأيهما أراد نقلها عن البلد مع خصبه لم يكن له سواء أراد نقلها إلى مثله أو أخصب منه إذ لا معنى للمسافرة بالرهن مع إمكان ترك السفر به وإن اتفقا على نقلها جاز سواء كان أنفع لها اولا لأن الحق لا يخرج عنهما

ويجوز رهن المبيع غير المكيل والموزون قبل قبضه إلى على ثمنه في أحد الوجهين

(فصل) وإن كان عبداً يحتاج إلى ختان والدين حال أو أجله قبل برئه منع منه لأنه ينقص ثمنه وفيه ضرر، وإن كان يبرأ قبل محل الحق والزمان معتدل لا يخاف عليه فيه فله ذلك لأنه من الواجبات ويزيد في الثمن ولا يضر بالمرتهن ومؤنة ختانه على الراهن، وإن مرض فاحتاج إلى دواء لم يجبر الراهن عليه لأنه لا يتحقق أنه سبب لبقائه وقد يبرأ بغير علاج بخلاف النفقة، وإن أراد الراهن مداواته بما لا ضرر فيه لم يمنع منه لأنه مصلحة لهما من غير ضرر بواحد منهما، فإن كان الدواء مما يخاف غائلته كالسموم فللمرتهن منعه منه لأنه لا يأمن تلفه، وإن احتاج الى قصد أو احتاجت الدابة إلى توديج ومعناه فتح الودجين ليسيل الدم وهما عرقان غليظان من جانبي ثغرة النحر أو تبزيغ وهو فتح الرهصة فللراهن فعل ذلك ما لم يخف منه ضرر، وإن إحتيج إلى قطع شئ من بدنه بدواء لا يخاف منه جاز، وإن خيف منه فأيهما امتنع منه لم يجبر، وإن كانت به آكلة كان له قطعها لأنه يخاف من تركها لامن قطعها، وإن كان به خبيثة فقال أهل الخبرة الأحوط قطعها وهو أنفع من بقائها فللراهن قطعها وإلا فلا، وإن تساوى الخوف عليه في الحالين لم يكن له قطعها لأنه يحدث جرحاً فيه لم يترجح إحداثه، وإن كانت به سلعة أو اصبع زائدة لم يملك الراهن قطعها لأن قطعها يخاف منه وتركها لا يخاف منه، وان كانت الماشية جربة فأراد الراهن دهنها بما يرجى نفعه ولا يخاف ضرره كالقطران والزيت اليسير لم يمنع، وإن خيف ضرره كالكثير فللمرتهن منعه. وقال القاضي: له ذلك بغير إذن المرتهن لأن له معالجة ملكه، وإن امتنع من ذلك لم يجبر عليه، ولو أراد المرتهن مداواتها بما ينفعها ولا يخشى ضرره لم يمنع لأن فيه إصلاح حقه بما لا يضر بغيره، وإن خيف منه الضرر لم يمكن منه لأن فيه خطراً بحق غيره (فصل) فإن كان الرهن نخلا فاحتاج إلى تأبير فهو على الراهن وليس للمرتهن منعه منه لأن فيه مصلحة بغير مضرة وما يسقط من ليف أو سعف أو عراجين فهو من الرهن لأنه من أجزأئه أو من نمائه، وقال أصحاب الشافعي ليس من الرهن بناءا منهم على أن نماء الرهن ليس منه. ولا يصح ذلك ههنا لأن السعف من جملة الأعيان التي ورد عليها عقد الرهن فكانت منه كالأصول وانقاض الدار وإن كان الرهن كرما فله زباره لانه لمصلحته ولا ضرر فيه والزرجون من الرهن، وإن كان الشجر

وما لا يجوز بيعه لا يجوز رهنه إلا الثمرة قبل بدو صلاحها من غير شرط القطع في أحد الوجهين

مزدحماً وفي قطع بعضه صلاح لما يبقى فله ذلك، وان أراد تحويله كله لم يملك ذلك، وإن قيل هو الأولى لأنه قد لا يعلق فيفوت الرهن. وإن امتنع الراهن من فعل هذا كله لم يجبر عليه لأنه لا يلزمه فعل ما فيه زيادة الرهن (فصل) وكل زيادة تلزم الراهن إذا امتنع منها أجبره الحاكم عليها فإن لم يفعل اكترى الحاكم من ماله فإن لم يكن له مال اكترى من الرهن، فإن بذلها المرتهن متطوعاً لم يرجع بشئ، وإن كان بإذن الراهن محتسبا بالرجوع رجع، فإن أنفق بإذن الراهن ليكون الرهن رهناً بالنفقة والدين الأول لم يصح ولم يصر رهناً بالنفقة لما ذكرنا، وإن قال الراهن انفقت متبرعاً وقال المرتهن بل أنفقت محتسباً بالرجوع فالقول قول المرتهن لأن الخلاف في نيته وهو أعلم بها وعليه اليمين لأن ما قاله الراهن محتمل، وكل مؤنة لا تلزم الراهن كنفقة المداواة والتأبير وأشباههما لا يرجع بها المرتهن إذا أنفقها سواء أنفقها محتسباً أو متبرعا {مسألة} (وهو أمانة في يد المرتهن إن تلف بغير تعد منه فلاشئ عليه ولا يسقط بهلاكه شئ من دينه) وجملة ذلك أن الرهن إذا تلف في يد المرتهن فإن كان تلفه بتعد أو تفريط في حفظه ضمنه لا نعلم في ذلك خلافاً لأنه أمانة في يده فلزمه ضمانه إذا تلف بتعديه أو تفريطه كالوديعة فأما إن تلف بغير تعد منه ولا تفريط فلا ضمان عليه وهو من مال الراهن يروي ذلك عن علي رضي الله عنه، وبه قال عطاء والزهري والاوزاعي والشافعي وأبو ثور وابن المنذر، وروي عن شريح والنخعي والحسن أن الرهن يضمن بجميع الدين وإن كان أكثر من قيمته لأنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " الرهن بما فيه " وقال مالك إن كان تلفه بأمر ظاهر كالموت والحريق فمن ضمان الراهن، وإن ادعى تلفه بأمر خفي لم يقبل قوله ويضمن، وقال الثوري وأبو حنيفة يضمنه المرتهن بأقل الا مرين من قيمته أو قدر الدين ويروى ذلك عن عمر رضي الله عنه لما روى عطاء أن رجلا رهن فرساً فنفق عند المرتهن فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك فقال " ذهب حقك " ولأنها عين مقبوضة للاستيفاء فيضمنها

من قبضها لذلك، أو من قبضها نائبه كحقيقة المستوفي، ولأنه محبوس بدين فكان مضموناً كالمبيع إذا حبس لاستيفاء ثمنه. ولنا ما روى ابن أبي ذؤيب عن الزهري عن سعيد بن المسيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يغلق الرهن لصاحبه غنمه وعليه غرمه " رواه الأثرم عن أحمد بن عبد الله بن يونس عن ابن أبي ذؤيب ورواه الشافعي عن ابن أبي فديك عن ابن أبي ذؤيب ولفظه " الرهن من صاحبه الذي رهنه وباقيه سواء " قال ووصله ابن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله أو مثل معناه من حديث ابن أبي أنيسة ولأنه وثيقة بالدين فلا يضمن كالزيادة على قدر الدين، ولأنه مقبوض بعقد واحد بعضه أمانة فكان جميعه أمانة كالوديعة، وعلى مالك أن مالا يضمن به العقار لا يضمن به الذهب كالوديعة فأما حديث عطاء فهو مرسل وقوله يخالفه. قال الدارقطني يرويه اسماعيل بن أمية وكان كذاباً وقيل يرويه مصعب بن ثابت وكان ضعيفاً، ويحتمل أنه أراد ذهب حقك من الوثيقة بدليل أنه لم يسأل عن قدر الدين وقيمه الرهن، والحديث الآخر إن صح فيحتمل أنه محبوس بما فيه، وأما المستوفى فإنه صار ملكاً للمستوفي وله نماؤه وغنمه فكان عليه ضمانه وغرمه بخلاف الرهن والمبيع قبل القبض ممنوع إذا ثبت ذلك فإنه لا يسقط بهلاكه شئ من دينه وهو قول الشافعي لأن الدين كان ثابتاً في ذمة الراهن قبل التلف ولم يوجد ما يسقطه فبقي بحاله {مسألة} (وإن تلف بعضه فباقيه رهن بجميع الدين) لأن جميعه كان رهناً بجميع الدين، فإذا تلف البعض بقي البعض الآخر رهناً بجميع الدين لأن الأصل بقاء ما كان على ما كان، ولأن الباقي بعض الجملة، وقد كان الجميع رهناً فيكون البعض رهناً لأنه من الجملة (فصل) وإذا قضاه حقه وابرأه من الدين بقي الرهن أمانة في يد المرتهن، وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة إذا قضاه كان مضموناً وإذا أبرأه لم يكن مضموناً استحساناً وهذا مناقضه لأن القبض المضمون منه لم يزل ولم يبرئه منه، وعندنا انه كان أمانة وبقي على ما كان عليه وليس عليه رده لأنه أمسكه بإذن مالكه ولا يختص بنفعه فهو كالوديعة بخلاف العارية فإنه يختص بنفعها وبخلاف مالو أطارت الريح إلى دراه ثوباً فإنه يلزمه رده إلى مالكه لأن مالكه لم يأذن في إمساكه، فأما إن طلبه المالك في

هذه الحال لزم من هو في يده من المرتهن أو العدل دفعه إليه إذا أمكنه، فإن امتنع صار ضامنا كالمودع إذا امتنع من رد الوديعة بعد طلبها فإن كان امتناعه لعذر مثل أن يكون بينهما طريق مخوف أو باب مغلق لا يمكنه فتحه أو خاف فوت جمعه أو جماعة أو فوت وقت صلاة أو كان به مرض أو جوع شديد ونحوه فأخر التسليم لذلك لم يضمن لأنه لا تفريط منه أشبه المودع (فصل) وإذا قبض الرهن فوجده مستحقاً لزمه رده على مالكه والرهن باطل من أصله، فإن أمسكه مع علمه بالغصب حتى تلف في يده استقر الضمان عليه وللمالك تضمين أيهما شاء، فإن أمسكه مع علمه بالغصب حتى تلف في يده استقر الضمان عليه وللمالك تضمين أيهما شاء، فإن ضمن المرتهن لم يرجع على أحد لذلك، وإن ضمن الراهن رجع عليه، وإن لم يعلم بالغصب حتى تلف بتفريطه ففيه ثلاثة أوجه (أحدها) يستقر الضمان عليه أيضاً لأن مال الغير تلف تحت يده العادية أشبه ما لو علم (والثاني) لا ضمان عليه لأنه قبضه على أنه أمانة من غير علمه فهو كالوديعة، فعلى هذا يرجع المالك على الغاصب لا غير (الثالث) للمالك تضمين أيهما شاء ويستقر الضمان على الغاصب لأنه غره فرجع عليه كالمغرور بحرية أمة {مسألة} (ولا ينفك شئ من الرهن حتى يقضي جميع الدين) وجملة ذلك أن حق الوثيقة يتعلق بجميع الرهن فيصير محبوساً بكل الحق وبكل جزء منه لا ينفك منه شئ حتى يقضي جميع الدين سواء كان مما يمكن قسمته أولا. قال إبن المنذر أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم على أن من رهن شيئاً بمال فأدى بعض المال وأراد إخراج بعض الرهن أن ذلك ليس له ولا يخرج شئ حتى يوفيه آخر حقه أو يبرئه من ذلك كذلك قال مالك والثوري والشافعي واسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي لأن الرهن وثيقة بحق فلا يزول إلا بزوال جميعه كالضمان والشهادة. {مسألة} (وإن رهنه عند رجلين فوفى أحدهما انفك في نصيبه) إذا رهن عيناً عند رجلين فنصفها رهن عند كل واحد منهما بدينه فمتى وفي أحدهما خرجت حصته من الرهن لأن عقد الواحد مع الاثنين بمنزلة العقدين فكأنه رهن كل واحد منهما النصف منفرداً فإن أراد مقاسمه المرتهن وأخذ نصيب من وفاه، وكان الرهن مما لا تنقصه القسمة كالمكيل والموزون فله ذلك، وإن كان مما تنقصه القسمة لم تجب قسمته لأن على المرتهن ضرراً فيها ويقر

ولا يصح رهن العبد المسلم لكافر

في يد المرتهن بعضه رهن وبعضه وديعة، وقال أبو الخطاب فيمن رهن عبده عند رجلين فوفى أحدهما يبقى جميعه رهناً عند الآخر حتى يوفيه، وكلامه محمول على أنه ليس للراهن مقاسمه المرتهن لما عليه من الضرر لا بمعنى أن العين كلها تكون رهناً إذ لا يجوز أن يقال أنه رهن نصف العبد عند رجل فصار جميعه رهنا {مسألة} (وإن رهنه رجلان شيئاً فوفاه أحدهما انفك في نصيبه) لما ذكرنا وقد قال أحمد في رواية مهنا في رجلين رهنا دارا لهما عند رجل على ألف فقضاه أحدهما ولم يقض الآخر فالدار رهن على ما بقي وهذا من كلام أحمد محمول أيضاً على أنه ليس للراهن مقاسمه المرتهن لما عليه من الضرر لا بمعنى أن العين كلها تكون رهناً عند الآخر لأنه إنما رهنه نصفها (فصل) ولو رهن اثنان عبداً لهما عند اثنين بألف فهذه أربعة عقود ويصير كل ربع من العبد رهناً بمائتين وخمسين فمتى قضاها من هي عليه انفك من الرهن ذلك القدر ذكره القاضي وهو الصحيح {مسألة} (وإذا حل الدين وامتنع من وفائه فإن كان الراهن أذن للمرتهن أو العدل في بيع الرهن باعه ووفى الدين وإلا رفع الأمر إلى الحاكم فيجبره على وفاء الدين أو بيع الرهن فان لم يفعل باعه الحاكم وقضى دينه) وجملة ذلك أنه إذا حل الدين لزم الإيفاء لأنه دين حال فلزم إيفاؤه كالذي لارهن به فان لم يوف وكان قد أذن للمرتهن أو للعدل في بيع الرهن باعه ووفى الحق من ثمنه لأن هذا هو المقصود من الرهن وقد باعه بإذن صاحبه في قضاء دينه يصح في غير الرهن وما فضل من ثمنه فهو للمالك وإن فضل من الدين شئ فعلى الراهن وإن لم يكن أذن لهما في بيعه أو كان قد أذن لهما ثم عزلهما طولب بالوفاء أو بيع الرهن فإن أبى فعلى الحاكم ما يرى من حبسه أو تعزيره ليبيعه أو يبيعه الحاكم بنفسه أو نائبه وبهذا قال الشافعي، وقال أبو حنيفة لا يبيعه الحاكم لأن ولاية الحاكم على من عليه الحق لا على ماله فلم ينفذ بيعه بغير إذنه. ولنا أنه حق تعين عليه فإذا امتنع من أدائه قام الحاكم مقامه في أدائه كالايفاء من جنس الدين وإن وفى الدين من غير الرهن انفك الرهن (فصل) قال الشيخ رحمه الله (وإن شرط في الرهن جعله على يد عدل صح وقام قبضه مقام قبض المرتهن)

وجملة ذلك أن المتراهنين إذا شرطا كون الرهن على يدي رجل رضياه واتفقا عليه جاز وكان وكيلا للمرتهن نائباً عنه في القبض فمتى قبضه صح قبضه وقام مقام قبض المرتهن في قول أكثر الفقهاء منهم عطاء وعمرو بن دينار ومالك والثوري وابن المبارك والشافعي واسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي وقال الحكم والحارث العكلي وقتادة وابن أبي ليلى لا يكون مقبوضاً بذلك لأن القبض من تمام العقد فتعلق بالمتعاقدين كالإيجاب والقبول ولنا أنه قبض في عقد فجاز فيه التوكيل كسائر القبوض وفارق القبول لأن الإيجاب إذا كان لشخص كان القبول منه لأنه مخاطب به ولو وكل في الإيجاب والقبول قبل أن يوجب له صح أيضاً وما ذكروه ينتقض بالقبض في البيع فيما يعتبر القبض فيه. إذا ثبت هذا فإنه يجوز أن يجعلا الرهن على يدي من يجوز توكيله وهو الجائز التصرف مسلما كان أو كافراً عدلاً أو فاسقاً ذكرا أو انثى ولايكون صبياً لأنه غير جائز التصرف مطلقاً فإن فعلا كان قبضه وعدم القبض واحداً ولا عبداً بغير إذن سيده لأن منافع العبد لسيده فلا يجوز تضييعها في الحفظ بغير إذنه فإن أذن له السيد جاز. وأما المكاتب فيجوز بجعل لأن له الكسب وبذل منافعه بغير إذن السيد ولا يجوز بغير جعل لأنه ليس له التبرع بمنافعه. {مسألة} (فإن شرط جعله في يد اثنين فليس لا حدهما الانفراد بحفظه) لأن المتراهنين لم يرضيا الا بحفضهما معاً فلم يجز لأحدهما الانفراد به كالوصين فإن سلمه أحدهما إلى الآخر فعليه ضمان النصف لأنه القدر الذي تعدى فيه وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشافعي، وفي الآخر إذا رضي أحدهما بإمساك الآخر جاز، وبهذا قال أبو يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة إن كان مما ينقسم اقتسماه وإلا فلكل واحد منهما إمساك جميعه لأن اجتماعهما على حفظه يشق عليهما فحمل الأمر على أن لكل واحد منهما الحفظ ولنا أن المتراهنين لم يرضيا إلا بحفظهما معاً فلم يجز لأحدهما الانفراد بذلك كالوصيين ولا يجوز لأحدهما الانفراد بالتصرف. قولهم أن الاجتماع على الحفظ يشق ممنوع لإمكان جعله في مخزن عليه لكل واحد منهما قفل {مسألة} (وليس للراهن ولا للمرتهن إذا لم يتفقا ولا للحاكم نقله عن يد العدل إلا أن يتغير حالة)

وجملة ذلك أن العدل مادام بحاله لم يتغير عن الأمانة ولا حدثت بينه وبين أحدهما عداوة فليس لأحدهما ولا للحاكم نقله عن يده لانهما رضيا به في الابتداء وإن اتفقا على نقله جاز لأن الحق لهما لم يعدهما وكذلك لو كان الرهن في يد المرتهن فلم يتغير حاله لم يكن للراهن ولا للحاكم نقله عن يده، فإن تغيرت حال العدل بفسق أو ضعف أو حدثت عداوة بينه وبينهما أو بينه وبين أحدهما فمن طلب نقله عن يده له ذلك ويضعانه في يد من اتفقا عليه. فإن اختلفا وضعه الحاكم عند عدل وإن اختلفا في تغير حاله بحث الحاكم وعمل بما ظهر له، وهكذا لو كان في يد المرتهن فتغيرت حاله في الثقة والحفظ فللراهن رفعه عن يده إلى الحاكم ليضعه في يد عدل، وإذا ادعى الراهن تغير حال المرتهن فأنكر بحث الحاكم عن ذلك وعمل بما بان له. فإن مات العدل أو المرتهن لم يكن لورثتهما إمساكه إلا برضاهما فإن اتفقا عليه جاز، وإن اتفقا على عدل يضعانه عنده فلهما ذلك لأن الحق لهما فيفوض أمره إليهما. وإن اختلف الراهن والمرتهن عند موت العدل أو اختلف الراهن وورثة المرتهن رفعا الأمر إلى الحاكم ليضعه على يد عدل فإن كان الراهن في يد اثنين فمات أحدهما أو تغيرت حاله بفسخ أو ضعف عن الحفظ أو عداوة أقيم مقامه عدل يضم إلى العدل الآخر فيحفضان معاً {مسألة} (وله رده إليهما ولا يملك رده إلى أحدهما فإن فعل فعليه رده إلى يده فإن لم يفعل ضمن حق الآخر) وجملة ذلك أن العدل متى أراد رده عليهما فله ذلك وعليهما قبوله لأنه أمين متطوع بالحفظ فلم يلزمه المقام عليه فإن امتنع أجبرهما الحاكم فإن تغيبا نصب الحاكم أميناً يقبضه لهما لأن للحاكم ولاية على الممتنع من الحق الذي عليه فإن دفعه إلى أمين من غير امتناعهما ضمن الأمين وضمن الحاكم لأنه لا ولاية له على غير الممتنع وكذلك لو تركه العدل عند آخر مع وجودهما ضمن وضمن القابض فإن امتنعا ولم يجد حاكماً فتركه عند عدل آخر لم يضمن. وإن امتنع أحدهما لم يكن له دفعه إلى الآخر فإن فعل ضمن. والفرق بينهما أن أحدهما يمسكه لنفسه والعدل يمسكه لهما هذا فيما إذا كانا حاضرين. فإن كانا غائبين نظرت فإن كان للعدل عذر من مرض أو سفر أو نحوه دفعه إلى الحاكم فقبضه منه أو نصب له عدلاً يقبضه لهما. فإن لم يجد حاكما أودعه عند ثقة وليس له أن يودعه عند ثقة مع وجود الحاكم فإن فعل ضمن. فإن لم يكن له عذر وكانت الغيبة بعيدة قبضه الحاكم منه فان لم

يجد حاكماً دفعة إلى عدل، وإن كانت الغيبة دون مسافة القصر فهو كما لو كانا حاضرين لأنهما في حكم الإقامة، وإن كانا أحدهما حاضراً وحده فحكمهما حكم الغائبين وليس له دفعه إلى الحاضر منهما وفي كل موضع قلنا لا يجوز له دفعه إلى أحدهما إذا دفعه إليه لزمه رده إلى يده فإن لم يفعل ضمن حق الآخر لأنه فرط في دفعه إليه وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " على اليد ما أخذت حتى تؤدي " رواه أبو داود والترمذي والنسائي {مسألة} (فإن أذنا له في البيع لم يبع إلا بنقد البلد فان كان فيه نقود باع بجنس الدين) وجملة ذلك إنهما إذا أذنا للعدل في البيع ولم يعينا نقدا لم يبع إلا بنقد البلد لأن الحظ فيه فإن كان فيه نقود باع بأغلبها لذلك. فإن تساووا فقال القاضي يبيع بما يؤديه إليه اجتهاده وهو قول الشافعي لأنه الأحظ. فأن تساووا بيع بجنس الدين. والذي ذكره شيخنا أن النقود إذا تساوت قدم البيع بجنس الدين على البيع بما ير فيه الحظ لأنه يمكن القضاء منه. فإن لم يكن فيها جنس الدين وتساوت النقود عنده في الحظ عين الحاكم له ما يبيعه به، وإن عينا له نقداً لم يجز أن يخالفهما لأن الحق لهما، وإن اختلفا لم يقبل قول واحد منهما لأن لكل واحد منهما فيه حقاً للراهن ملك الثمن وللمرتهن حق الوثيقة واستيفاء حقه فعلى هذا يرفع الأمر إلى الحاكم فيأمر ببيعه بنقد البلد سواء كان من جنس الحق أو لم يكن وافق قول أحدهما أو لم يوافق لأن الحظ في ذلك، قال شيخنا والأولى أنه يبيعه بما يرى الحظ فيه. فان كان في البلد نقود فهو كما لو لم يعينا نقداً وحكمه في البيع حكم الوكيل في وجوب الاحتياط والمنع من البيع بدون ثمن المثل ومن البيع نساء، ومتى خالف لزمه ما يلزم الوكيل المخالف، وذكر القاضي رواية في البيع نساء أنه يجوز بناء على الوكيل ولا يصح لأن البيع ههنا لإيفاء دين حال يجب تعجيله والبيع نساء يمنع من ذلك. وكذا نقول في الوكيل متى وجدت في حقه قرينة دالة على منع البيع نساء لم يجز له وإنما الروايتان فيه عند انتفاء القرائن. وكل موضع حكمنا ببطلان البيع وجب رد المبيع إن كان باقيا فإن تعذر فللمرتهن تضمين أيهما شاء من العدل أو المشتري بأقل الأمرين من قيمة الرهن أو قدر الدين لأنه يقبض قيمة الرهن مستوفياً لحقه لا رهناً فلذلك لم يكن له أن يقبض أكثر من دينه وما بقي من قيمة الرهن للراهن يرجع به على من شاء منهما. وإن استوفى دينه من الراهن رجع الراهن بقيمته على من شاء منهما، ومتى ضمن المشتري لم يرجع على أحد لأن

العين تلفت في يده، وإن ضمن العدل رجع على المشتري (فصل) ومتى قدر له ثمناً لم يجز بيعه بدونه وإن أطلق فله بيعه بثمن مثله أو زيادة عليه وبهذا قال الشافعي، وقال أبو حنيفة له بيعه ولو بدرهم والكلام معه في الوكالة: فإن أطلقا فباع بأقل من ثمن المثل مما يتغابن الناس به صح ولا ضمان عليه لأن ذلك لا يضبط غالبا وإن كان النقص أكثر من ذلك أو باع بأنقص مما قدر له لم يصح البيع لأنه بيع لم يؤذن فيه فلم يصح كما لو خالف في النقد اختاره شيخنا، وقال أصحابنا يصح ويضمن النقص كله {مسألة} (وإن قبض الثمن فتلف في يده فهو من ضمان الراهن) إذا باع العدل الرهن بإذنهما وقبض الثمن فتلف في يده من غير تفريط فلا ضمان عليه لأنه أمين فهو كالوكيل ولا نعلم في ذلك خلافا ويكون من ضمان الراهن وبهذا قال الشافعي. وقال أبو حنيفة ومالك: يكون من ضمان المرتهن لأن البيع لأجله، ولنا أنه وكيل الراهن في البيع والثمن ملكه وهو أمين له في قبضه فإذا تلف كان من ضمان موكله كسائر الأمناء. وإن ادعى التلف فالقول قوله مع يمينه لأنه أمين ويتعذر عليه إقامة البينة على ذلك فإن كلفناه البينة شق عليه وربما أدى إلى أن لايدخل الناس في الأمانات، فإن خالفاه في قبض الثمن فقالا ما قبضه من المشتري وادعى ذلك ففيه وجهان (أحدهما) يقبل قوله لأنه أمين (والآخر) لا يقبل لأن هذا ابراء للمشتري من الثمن فلم يقبل قوله كما لو أبرأه من غير الثمن {مسألة} (وإن استحق المبيع رجع المشتري على الراهن) إذا خرج المبيع مستحقاً فالعهدة على الراهن دون العدل إذا أعلم المشتري أنه وكيل وهكذا كل وكيل باع مال غيره، وهذا قول الشافعي، وقال أبو حنيفة: العهدة على الوكيل والكلام معه يأتي في الوكالة. فإن علم المشتري بعد تلف الثمن في يد العدل رجع على الراهن ولا شئ على العدل. فإن قيل لم لا يرجع المشتري على العدل لأنه قبض الثمن بغير حق؟ قلنا لأنه سلمه اليه على أنه أمين في قبضه يسلمه إلى المرتهن فلذلك لم يجب الضمان عليه، وأما المرتهن فقد بان له أن عقد الرهن كان فاسداً فإن كان مشروطاً في بيع ثبت له الخيار فيه وإلا سقط حقه، فإن كان الراهن مفلساً حياً أو ميتاً كان المرتهن والمشترى أسوة الغرماء لأنهم تساووا في ثبوت حقوقهم في الذمة فاستووا في قسم ماله بينهم، فأما

إن خرج مستحقاً بعد دفع الثمن إلى المرتهن رجع المشتري على المرتهن وهو قول الشافعي: وقال أبو حنيفة يرجع على العدل ويرجع العدل على من شاء منهما من الراهن والمرتهن ولنا أن عين ماله صار إلى المرتهن بغير حق فكان رجوعه عليه كما لو قبضه منه، فإن كان المشتري رده بعيب لم يرجع على المرتهن لأنه قبض الثمن بحق ولا على العدل لأنه أمين ويرجع على الراهن، فأما إن كان العدل حين باعه لم يعلم المشتري أنه وكيل كان للمشتري الرجوع عليه ويرجع هو على الراهن إن أقر العدل بذلك أو قامت به بينة فإن أنكر ذلك فالقول قول العدل مع يمينه، فإن نكل عن اليمين فقضي عليه بالنكول أوردت اليمين على المشتري فحلف ورجع على العدل لم يرجع العدل على الراهن لأنه يقر أنه ظلمه. وعلى قول الخرقي القول في حدوث العيب قول المشتري مع يمينه وهو إحدى الروايتين عن أحمد، فإذا حلف المشتري رجع على العدل ورجع العدل على الراهن، فإن تلف المبيع في يد المشتري ثم بان مستحقاً قبل وزن ثمنه فللمغصوب منه تضمين من شاء من الغاصب والعدل والمرتهن والمشتري ويستقر الضمان على المشتري لأن التلف في يده هذا إذا علم بالغصب. وإن لم يكن عالماً فهل يستقر الضمان عليه أو على الغاصب؟ على روايتين {مسألة} (وإن ادعى دفع الثمن إلى المرتهن فأنكر ولم يكن قضاه ببينة ضمن، وعنه لا يضمن إلا أن يكون أمر بالإشهاد فلم يفعل وهكذا الحكم في الوكيل) إذا ادعى العدل دفع الثمن إلى المرتهن فأنكر ففيه وجهان (أحدهما) يقبل قوله في حق الراهن ولا يقبل في حق المرتهن ذكره القاضي وهو مذهب الشافعي لأن العدل وكيل الراهن في دفع الثمن إلى المرتهن وليس بوكيل للمرتهن في ذلك إنما هو وكيله في الحفظ فقط فلم يقبل قوله عليه فيما ليس بوكيل له فيه كما لو وكل رجلا في قضاء دين فادعى أنه سلمه إلى صاحب الدين (والثاني) يقبل قوله على المرتهن في إسقاط الضمان عن نفسه ولا يقبل في نفي الضمان من غيره ذكره الشريف أبو جعفر وهو مذهب أبي حنيفة لأنه أمين فقبل قوله في إسقاط الضمان عن نفسه كالمودع يدعي رد الوديعة، فعلى هذا إذا حلف العدل سقط الضمان عنه ولم يثبت على المرتهن أنه قبضه. وعلى القول الأول يحلف المرتهن ويرجع على من شاء منهما، فان رجع عن العدل لم يرجع العدل على الراهن لأنه يقول ظلمني وأخذ مني بغير حق فلم يرجع على الراهن كما لو غصبه مالاً آخر، وإن رجع على الراهن فهل يرجع

ولا يلزم الرهن إلا بالقبض واستدامته شرط في اللزوم

الراهن على العدل؟ ينظر فإن كان دفعه إلى المرتهن بحضرة الراهن أو ببينة فماتت أو غابت لم يرجع عليه لأنه أمين ولم يفرط في القضاء، وإن دفعه في غيبة الراهن بغير بينة رجع عليه في إحدى الروايتين لأنه فرط في القضاء بغير بينة فلزمه الضمان كما لو تلف الرهن بتفريطه (والرواية الثانية) لا يرجع الراهن عليه سواء صدقه أو كذبه لأنه أمين في حقه إلا أنه إن كذبه فله عليه اليمين، فإن كان الراهن أمره بالإشهاد فلم يفعل لزمه الضمان لأنه مفرط وهكذا الحكم في الوكيل لأنه في معناه (فصل) إذا غصب المرتهن الرهن من العدل ثم رده إليه زال عنه الضمان، ولو كان الرهن في يد المرتهن فتعدى فيه ثم ازال التعدي أو سافر به ثم رده لم يزل عنه الضمان لانه استئمانه زال بذلك فلم يعد بفعله مع بقائه في يده بخلاف التي قبلها فإنه رد إلى يد نائب مالكها أشبه مالو ردها إلى مالكها (فصل) إذا استقرض ذمي من مسلم مالاً فرهنه خمراً لم يصح سواء جعله في يد ذمي أو غيره فإن باعها الراهن أو نائبه الذمي وجاء المقرض بثمنها لزمه قبوله، فإن أبى قيل له إما أن تقبض وإما أن تبرئ لأن أهل الذمة إذا تقابضوا في العقود الفاسدة جرت مجرى الصحيح. قال عمر رضي الله عنه في أهل الذمة معهم الخمر: ولو هم بيعها وخذوا من أثمانها، وإن جعلها على يد مسلم فباعها لم يجبر المرتهن على قبول الثمن لأنه بيع فاسد لا يقران عليه ولا حكم له {مسألة} وإن شرط أن يبيعه المرتهن أو العدل صح فإن عزلهما صح عزله) إذا كان الرهن على يدي عدل فشرط أن يبيعه العدل عند حلول الحق أو أن يبيعه المرتهن صح ويصح بيعه لأنه شرط فيه مصلحة للمرتهن لا ينافي مقتضى الرهن فصح كما لو شرط صفة فيه، وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي فيما إذا شرط أن يبيعه العدل، فإن شرط أن يبيعه المرتهن ففيه اختلاف يذكر في الشروط في الرهن، فإن عزل الراهن العدل أو المرتهن عن البيع صح ولم يملك البيع، وبهذا قال الشافعي، وقال أبو حنيفة ومالك لا ينعزل لأن وكالته صارت من حقوق الرهن فلم يكن للراهن إسقاطه كسائر حقوقه. وقال ابن أبي موسى: ويتوجه لنا مثل ذلك فإن أحمد قد منع الحيلة في غير موضع من كتبه وهذا يفتح باب الحيلة للراهن، فإنه شرط ذلك للمرتهن ليجيبه إليه ثم يعزله. والمنصوص الأول لأن الوكالة عقد جائز فلم يلزم المقام عليها كسائر الولايات وكونه من حقوق الرهن لا يمنع جوازه كما لو شرطا الرهن نفي البيع فإنه لا يصير لازما، وكذلك إذا مات الراهن بعد الاذن

فإن اخرجه المرتهن إلى الراهن باختياره زال لزوم الرهن

تنفسخ الوكالة، وقياس المذهب أنه متى عزله عن البيع وكان الرهن مشروطاً في بيع فللمرتهن فسخ البيع الذي حصل الرهن عنه كما لو امتنع من تسليم الرهن المشروط في البيع، فأما إن عزله المرتهن لم ينعزل لأن العدل وكيل الراهن لأن الراهن ملكه، ولو انفرد بتوكيله صح فلم ينعزل بعزل غيره لكن لا يجوز بيعه بغير إذنه وهكذا لو لم يعزلاه فحل الحق لم يبعه حتى يستأذن المرتهن لأن البيع لحقه فلم يجز حتى يأذن فيه ولايحتاج إلى تجديد إذن من الراهن في ظاهر كلام أحمد لأن الأذن قد وجد فاكتفى به كما في الوكالة في سائر الحقوق، وذكر القاضي وجها أنه يحتاج إلى تجديد إذن لأنه قد يكون له غرض في قضاء الحق من غيره. والأول أولى فإن الاذن كاف ما لم يغير والغرض لااعتبار به مع صريح الاذن بخلافه بدليل مالو جدد الأذن بخلاف المرتهن فإن البيع يفتقر إلى مطالبته بالحق ومذهب الشافعي نحو هذا (فصل) ولو أتلف الرهن في يد العدل أجنبي فعلى الجاني قيمته تكون رهناً في يده وله المطالبة بها لأنها بدل الرهن وقائمة مقامه وله إمساك الرهن وحفظه، فإن كان المتراهنان أذنا له في بيع الرهن فقال القاضي قياس المذهب أن له بيع بدله لأن له بيع نماء الرهن تبعاً للأصل فالبدل أولى، وقال أصحاب الشافعي ليس له ذلك لأنه متصرف بالإذن فلا يملك بيع ما لم يؤذن له في بيعه والمأذون في بيعه قد تلف وبدله غيره، وللقاضي أن يقول أنه قد أذن له في بيع الرهن والبدل رهن ثبت له حكم الأصل من كونه يملك المطالبة به وإمساكه واستيفاء دينه من ثمنه فكذلك بيعه، فإن كان البدل من جنس الدين وقد أذن له في وفائه من ثمن الرهن مالك ايفاءه منه لأن بدل الرهن من جنس الدين فأشبه ثمن المبيع {مسألة} (فإن شرط أن لا يبيعه عند الحلول أو إن جاءه بحقه في محله وإلا فالرهن له لم يصح الشرط وفي صحة الرهن روايتان) الشروط في الرهان قسمان: صحيح وفاسد فالصحيح مثل أن يشترط كونه على يدي عدل أو عدلين أو أكثر أو أن يبيعه العدل عند حلول الحق ولا نعلم في صحته خلافاً فإن شرط أن يبيعه المرتهن صح، وبه قال أبو حنيفة ومالك، وقال الشافعي لا يصح لأنه وكيل فيما يتنافى فيه الغرضان فلم يصح كما لو وكله في بيعه من نفسه، ووجه التنافي أن الراهن يريد الصبر على المبيع والا حتياط في توفير

ولو رهنه عصيرا فتخمر زال لزومه، فإن تخلل عاد لزومه بحكم العقد السابق

الثمن والمرتهن يريد تعجيل الحق وإنجاز المبيع. ولنا ما جاز توكيل غير المرتهن فيه جاز توكيل المرتهن فيه كبيع عين أخرى، ولأن من جاز أن يشترط له الإمساك جاز اشتراط البيع له كالعدل ولا يضر اختلاف الغرضين إذا كان غرض المرتهن مستحقاً له وهو استيفاء الثمن عند حلول الحق وإنجاز البيع، وعلى أن الراهن إذا وكله مع العلم بغرضه فقد سمح له بذلك والحق له فلا يمنع من السماحة به كما لو وكل فاسقاً في بيع ماله وقبض ثمنه، ولا نسلم أنه لا يجوز توكيله في بيع شئ من نفسه، ولئن سلمنا فلأن الشخص الواحد يكون بائعاً مشترياً وموجباً قابلاً وقابضاً من نفسه لنفسه بخلاف مسئلتنا (فصل) إذا رهنه أمة فشرطا كونها عند امرأة أو ذي محرم أو كونها في يد المرتهن أو أجني على وجه لا يفضي إلى الخلوة بها مثل أن يكون لهما زوجات أو سراري، أو نساء من محارمهما معهما في دارهما جاز لأنه لا يفضي إلى محرم، وإن لم يكن كذلك فسد الشرط لافضائه إلى الخلوة المحرمة فلا يؤمن عليها ولا يفسد الرهن لأنه لا يعود إلى نقص ولا ضرر في حق المتعاقدين ويكون الحكم كما لو رهنها من غير شرط يصح الرهن ويجعلها الحاكم على يد من يجوز أن تكون عنده، وإن كان الرهن عبداً فشرط موضعه جاز أيضاً كالأمة، ويحتمل أن لا يصح لأن للأمة عرفاً بخلاف العبد، والأول أصح فإن الأمة إذا كان المرتهن ممن يجوز وضعها عنده كالعبد، وإذا كان مرتهن العبد امرأة لا زوج لها فشرطت كونه عندها على وجه يفضي إلى خلوته بها لم يجز أيضاً فاستويا (القسم الثاني) الشروط الفاسدة وهو أن يشترط ما ينافي مقتضى الرهن نحو ان لا يباع الرهن عند حلول الحق أو لا يستوفى الدين من ثمنه، أو لا يباع ما خيف تلفه أو بيع الرهن بأي ثمن كان، أو أن لا يبيعه إلا بما يرضيه فهذه شروط فاسدة لمنافاتها مقتضى العقد فإن المقصود مع الوفاء بهذه الشروط مفقود، وكذلك إن شرطا الخيار للراهن أو أن لا يكون العقد لازماً في حقه أو توقيت الرهن أو أن يكون رهناً يوماً ويوما لا، أو كون الرهن في يد الراهن أو أن ينتفع به المرتهن أو كونه مضموناً على المرتهن أو العدل فهذه كلها فاسدة لانها منها ما ينافي مقتضى العقد ومنها ما لا يقتضيه العقد ولا هو من مصلحته، وعن أحمد إذا شرط في الرهن أن ينتفع به المرتهن أنه يجوز في البيع. قال القاضي: معناه أن يقول بعتك هذا الثوب بدينار بشرط أن ترهنني عبدك يخدمني شهراً فيكون بيعاً واجارة فهو صحيح، وإن أطلق فالشرط باطل لجهالة الثمن، وقال مالك لا بأس أن يشترط في البيع منفعة الرهن

إلى أجل في الدور والأرضين وكرهه في الحيوان والثياب وكرهه في القرض ولنا أنه شرط في الرهن ما ينافيه فلم يصح كما لو شرطه في القرض، فإن شرط شيئاً منها في عقد الرهن فقال القاضي يحتمل أن يفسد الرهن بها بكل حال لأن العاقد إنما بذل ملكه بهذا الشرط، فإذا لم يسلم له لم يصح العقد لعدم الرضى به بدونه، وقيل أن شرط الرهن مؤقتاً أو رهنه يوماً ويوما لا فسد الرهن وهل يفسد بسائرها؟ على وجهين بناء على الشروط الفاسدة في البيع، ونصر أبو الخطاب في رءوس المسائل صحته، وبه قال أبو حنيفة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يغلق الرهن " وهو مشروط فيه شرط فاسد ولم يحكم بفساده، وقيل ما ينقص حق المرتهن يبطله وجها واحدا ومالا فعلى وجهين وهو مذهب الشافعي لأن المرتهن شرطت له زيادة لم تصح له فإذا فسدت الزيادة لم يبطل أصل الرهن (فصل) وإن شرط أنه متى حل الحق ولم توفني فالرهن لي بالدين أو فهو مبيع لي بالدين الذي عليك فهو شرط فاسد، وروي ذلك عن ابن عمر وشريح والنخعي ومالك والثوري والشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم عن غيرهم خلافهم لما روى عبد الله بن جعفر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يغلق الرهن " رواه الأثرم قلت لأحمد ما معنى قوله، " لا يغلق الرهن "؟ قال لا يدفع رهناً إلى رجل ويقول إن جئتك بالدراهم إلى كذا وكذا وإلا فالرهن لك، قال إبن المنذر هذا معنى قوله لا يغلق الرهن عند مالك والثوري وأحمد وفي حديث معاوية بن عبد الله بن جعفر أن رجلاً رهن داراً بالمدينة إلى أجل مسمى فمضى الأجل فقال الذي ارتهن: منزلي فقال النبي صلى الله عليه وسلم " لا يغلق الرهن " ولأنه علق البيع على شرط فإنه جعله مبيعاً بشرط أن لا يوفيه الحق في محله والبيع المعلق بشرط لا يصح فإذا شرط هذا الشرط فسد الرهن. وفيه رواية أخرى أنه لا يفسد لما ذكرنا في الشروط الفاسدة، وهذا ظاهر قول أبي الخطاب في رءوس مسائلة، واحتج بالحديث المذكور فبقي غلق الرهن على أصله فدل على صحته ولأن الراهن قد رضي برهنه مع هذا الشرط فمنع بطلانه أولى أن يرضى به؟ ولنا أنه رهن بشرط فاسد فكان فاسداً كما لو شرط توقيته وليس في الخبر أنه يشرط ذلك في ابتداء العقد (فصل) وإذا قال الغريم رهنتك عبدي هذا على أن تزيدني في الأجل كان باطلاً لأن الأجل لا يثبت في الدين إلا أن يكون مشروطاً في عقد قد وجب به وإذا لم يثبت الأجل لم يصح الرهن لأنه جعله في مقابلته ولأن ذلك يضاهي ربا الجاهلة كانوا يزيدون في الدين ليزدادوا في الأجل

(فصل) إذا كان له على رجل ألف فقال اقرضني ألفاً بشرط أن أرهنك عبدي هذا بألفين فنقل حنبل عن أحمد أن القرض باطل، وهو مذهب الشافعي لأنه قرض يجر منفعة وهي الاستيثاق بالألف الأول وإذا بطل القرض بطل الرهن فان قيل أليس لو شرط أن يعطيه رهنا بما يقترضه جاز؟ قلنا ليس هذا قرضاً جر منفعة لأن غاية ما حصل له تأكيد الاستيفاء لبدل ما أقرضه وهو مثله والقرض يقتضي وجوب الوفاء وفي مسئلتنا شرط في هذا القرض الاستيثاق لدينه الأول فقد شرط استيثاقاً لغير موجب القرض. ونقل مهنا أن القرض صحيح ولعل أحمد حكم بصحة القرض مع فساد الشرط كيلا يفضي إلى جر المنفعة بالقرض أو حكم بفساد الرهن في الألف الأول وحده. ولو كان مكان القرض بيع فقال بعني عبدك هذا بألف على أن أرهنك عبدي به وبالألف الآخر الذي علي فالبيع باطل رواية واحدة لأن الثمن مجهول لكونه جعله ألفاً ومنفعة هي وثيقة بالألف الأول وتلك المنفعة مجهولة ولانه شرط عقد الرهن بالألف الأول فلم يصح كما لو أفرده أو كما لو باعه داره بشرط أو يبيعه الآخر داره (فصل) إذا فسد الرهن وقبضه المرتهن فلا ضمان عليه لأنه قبضه بحكم أنه رهن وكل عقد كان صحيحاً مضموناً أو غير مضمون ففاسده كذلك فإن كان مؤقتاً أو شرط أن يصير المرتهن بعد انقضاء

مدته صار بعد ذلك مضموناً لأنه مقبوض بحكم بيع فاسد. وحكم الفاسد من العقود حكم الصحيح في الضمان. وإن كان أرضاً فغرسها قبل انقضاء الأجل فهو كغرس الغاصب لأنه غرس بغير إذن وإن غرس بعد الأجل وكان قد شرط أن الرهن يصير له فقد غرس بإذن لأن البيع قد تضمن الأذن وإن كان فاسداً فعلى هذا يكون مخيراً بين أن يقر غرسه له وبين أخذه بقيمته وبين أن يلزمه بقلعه ويضمن له ما نقص (فصل) إذا اشترى سلعة وشرط أن يرهنه بها شيئاً من ماله أو شرط ضميناً فالبيع والشرط صحيح لأنه من مصلحة العقد غير مناف لمقتضاه ولا نعلم في صحته خلافا إذا كان معلوماً. ومعرفة الرهن تحصل بالمشاهدة وبالصفة التي يعلم بها الموصوف كما في السلم ويتعين بالقبض. والضمين يعلم بالإشارة إليه ويذكر اسمه ولا يصح بالصفة بأن يقول رجل غني من غير تعيين لأن الصفة لا تأتي عليه، ولو قال بشرط رهن أو ضمين كان فاسداً لأن ذلك يختلف وليس له عرف ينصرف إليه بالإطلاق. ولو قال بشرط رهن أحد هذين العبدين أو يضمنني أحد هذين الرجلين لم يصح لأن الغرض يختلف فلم يصح مع عدم التعيين كالبيع، وهذا مذهب الشافعي. وحكي عن مالك وأبي ثور أنه يصح الرهن بالمجهول ويلزمه أن يدفع

إليه رهناً بقدر الدين لأنه وثيقة فجاز شرطها مطلقاً كالشهادة. وقال أبو حنيفة إذا قال على أن أرهنك أحد هذين العبدين جاز لأن بيعه جائز عنده ولنا أنه شرط رهنا مجهولاً فلم يصح كما لو شرط رهن ما في كمه ولأنه عقد يختلف فيه المعقود عليه فلم يصح مع الجهل كالبيع. وفارق الشهادة فان لها عرفاً في الشرع فحملت عليه والكلام مع أبي حنيفة قد مضى في البيع فإن الخلاف فيه واحد، إذا ثبت هذا فإن المشتري إن وفى بالشرط فسلم الرهن أو ضمن عنه الضامن لزم البيع. وإن أبى تسليم الرهن أو أبى الضامن أن يضمن فللبائع الخيار بين فسخ البيع وامضائه والرضا به بلا رهن ولا ضمين فإن رضي لزمه البيع، وهذا قول الشافعي وأصحاب الرأي ولا يلزم المشتري تسليم الرهن، وقال مالك وأبو ثور يلزم الرهن إذا شرط في عقد البيع ويجبر عليه المشتري وإن وجده الحاكم دفعه إلى البائع لأن عقد البيع وقع عليه أشبه الخيار والأجل، وقال القاضي ما عدا المكيل والموزون يلزم فيه الرهن بمجرد العقد وقد مضى الكلام فيه ولنا أنه رهن فلم يلزم قبل القبض كما لو لم يكن مشروطاً في البيع أو كالمكيل والموزون وإنما لزم الخيار والأجل بالشرط لأنه من توابع البيع لا ينفرد بنفسه والرهن عقد منفرد بنفسه ليس من التوابع ولأن الخيار والأجل يثبت بالقول ولا يفتقر إلى تسليم فاكتفى في ثبوته مجرد القول بخلاف الرهن فأما الضمين فلا خلاف في أنه لا يلزمه الضمان إذ لا يلزمه شغل ذمته ووفاء دين غيره باشتراط غيره ولو وعده بأنه يضمن ثم لم يفعل لم يلزمه كما لو وعده أن يبيعه ثم امتنع ومتى لم يف للبائع بشرطه كان له الفسخ كما لو شرط له صفة في الثمن فلم يف بها

(فصل) ولو شرط رهناً أو ضميناً معيناً فجاء بغيرهما لم يلزم البائع قبوله وإن كان ما أتى به خيراً من المشروط مثل أن يأتي بأكثر قيمة من المشروط أو بضمان أوثق من المعين لأنه عقد على معين فلم يلزمه قبول غيره كالبيع ولأن الغرض يختلف بالأعيان فمنها ما يسهل بيعه ومنها ما هو أقل مؤنة وأسهل حفظاً وبعض الذمم أملأ من بعض وأسهل فلا يلزمه قبول غير المعين كسائر العقود (فصل) فإن تعيب الرهن أو استحال العصير خمراً قبل القبض فللبائع الخيار بين قبضه معيباً ورضاه بلا رهن فيما إذا تخمر العصير وبين فسخ البيع ورد الرهن. وإن علم بالعيب بعد قبضه فكذلك وليس له مع امساكه أرش من أجل العيب لأن الرهن إنما لزم فيما حصل قبضه وهو الموجود والجزء الفائت لم يلزم تسليمه فلم يلزم الأرش بدلاً عنه بخلاف المبيع وإن تلف أو تعيب بعد القبض فلا خيار للبائع. وإن اختلفا في زمن حدوث العيب فإن كان لا يحتمل إلا قول أحدهما فالقول قوله من غير يمين لأن اليمين إنما يراد لرفع الاحتمال، وإن احتمل قوليهما معاً انبنى على اختلاف المتبايعين في حدوث العيب وفيه روايتان فيكون ههنا وجهان (أحدهما) القول قول الراهن وهو قول أبي حنيفة والشافعي لأن الأصل صحة العقد ولزومه (والآخر) القول قول المرتهن وهو قياس قول الخرقي لأنهما اختلفا في قبض المرتهن للجزء الفائت فكان القول قوله كما لو اختلفا في قبض جزء منفصل منه، وإن اختلفا في زمن التلف فقال الراهن بعد القبض وقال المرتهن قبله فالقول قوله لأنه منكر للقبض. وإن كان الرهن عصيراً فاستحال خمراً واختلفا في زمن استحالته فالقول قول الراهن نص عليه أحمد. وقال القاضي يخرج فيه رواية أخرى أن القول قول المرتهن كالاختلاف في البيع. وهو قول أبي حنيفة لأن الأصل عدم القبض كما لو اختلفا في زمن التلف

ولنا أنهما اتفقا على العقد والقبض واختلفا فيما يفسد به فكان القول قول من ينفيه كما لو اختلفا في شرط فاسد، وفارق اختلافهما في حدوث العيب من وجهين (أحدهما) أنهما اتفقا على القبض ههنا وثم اختلفا في قبض الجزء الفائت (الثاني) أنهما اختلفا ههنا فيما يفسد العقد والعيب بخلافه. (فصل) ولو وجد بالرهن عيباً بعد أن حدث عنده عيب آخر فله رده وفسخ البيع لأن العيب الحادث في ملك الراهن لا يلزم المرتهن ضمانه بخلاف البيع وخرجه القاضي على روايتين بناء على البيع فعلى قوله لا يملك الرد لا يملك الفسخ والصحيح ما ذكرناه، وإن هلك الرهن في يد المرتهن ثم علم أنه كان معيباً لم يملك فسخ البيع لأنه قد تعذر عليه رده. فإن قيل فالرهن غير مضمون ولهذا لا يمنع رده بحدوث العيب فيه قلنا إنما تضمن قيمته لأن العقد لم يقع على ملكه، وإنما وقع على الوثيقة فهو مضمون بالوثيقة، أما إذا تعيب فقد رده فيستحق بدل ما رده وههنا لم يرد شيئاً، فلو أوجبنا له بدله لأوجبنا على الراهن غير ما شرط على نفسه. (فصل) ولو لم يشرطا رهنا في البيع فتطوع المشتري برهن وقبضه البائع كان حكمه حكم الرهن المشروط في البيع إلا انه إذا رده بعيب أو غيره لم يملك فسخ البيع (فصل) إذا تبايعا بشرط أن يكون المبيع رهنا على ثمنه لم يصح، قاله ابن حامد وهو قول الشافعي لأن المبيع حين شرط رهنه لم يكن ملكاً له وسواء شرط أنه يقبضه ثم يرهنه وشرط رهنه قبل قبضه وقد روي عن أحمد أنه قال: إذا حبس المبيع ببقية الثمن فهو غاصب ولايكون رهناً إلا أن يكون شرطاً

عليه في نفس البيع وهذا يدل على صحة الشرط لأنه يصح بيعه فصح رهنه، وقال القاضي معنى هذه الرواية أنه شرط عليه في البيع رهنا غير المبيع فيكون له حبس المبيع حتى يقبض الرهن فإن لم يف به فسخ البيع، وأما شرط رهن المبيع نفسه على ثمنه فلا يصح لوجوه (أحدها) أنه غير مملوك له (والثاني) أن البيع يقتضي إيفاء الثمن من غير المبيع (والثالث) أن البيع يقتضي أن يكون إمساك المبيع مضموناً والرهن يقتضي أن لا يكون مضموناً (الرابع) أن البيع يقتضي تسليم المبيع أولا ورهن المبيع يقتضي أن لا يسلمه حتى يقبض الثمن وهذا تناقض في الأحكام، وظاهر الرواية صحة رهنه، قولهم أنه غير مملوك قلنا إنما شرط رهنه بعد ملكه، وقولهم البيع يقتضي إيفاء الثمن من غير المبيع ممنوع إنما يقتضي إيفاء الثمن مطلقاً، ولو تعذر وفاء الثمن من غير المبيع لا ستوفى من ثمنه، قولهم البيع يقتضي

تسليم المبيع قبل تسليم الثمن ممنوع وإن سلم فلا يمنع أن يثبت بالشرط خلافه كما أن مقتضى البيع حلول الثمن ووجوب تسليمه في الحال ولو شرط التأجيل جاز، وكذلك مقتضى البيع ثبوت الملك في المبيع والتمكين من التصرف فيه وينتفي بشرط الخيار وهذا الجواب عن باقي الوجوه، فأما إن لم يشرط ذلك في البيع لكن رهنه عنده بعد البيع، فإن كان بعد لزوم البيع فالأولى صحته لأنه يصح رهنه عند غيره فصح عنده كغيره ولأنه يصح رهنه على غير ثمنه فيصح رهنه على ثمنه، وإن كان قبل لزوم البيع انبنى على جواز التصرف في المبيع ففي كل موضع جاز التصرف فيه جاز رهنه ومالا فلا لأنه نوع تصرف أشبه البيع

وتصرف الراهن في الرهن لا يصح إلا العتق فإنه يصح ويؤخذ منه قيمته فيجعل رهنا مكانه وعنه لا ينفذ عتق المعسر

(فصل) قال الشيخ رحمه الله (وإن اختلفا في قدر الدين أو رده أو قال أقبضتك عصيراً قال بل خمراً فالقول قول الراهن) إذا اختلفا في قدر الحق نحو أن يقول الراهن رهنتك عبدي بألف فقال المرتهن بل بألفين فالقول قول الراهن وبه قال النخعي والثوري والشافعي والبتي وأبو ثور وأصحاب الرأي، وحكي عن الحسن وقتادة أن القول قول المرتهن ما لم يجاوز ثمن الرهن أو قيمته ونحوه قول مالك لأن الظاهر ان الرهن يكون بقدر الحق. ولنا أن الراهن منكر للزيادة التي يدعيها المرتهن والقول قول المنكر لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " لو

يعطى الناس بدعواهم لادعى قوم دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعي عليه " رواه مسلم ولأن الأصل براءة الذمة من هذه الألف فكان القول قول من ينفيها كما لو اختلفا في أصل الدين، وما ذكروه من الظاهر غير مسلم فإن العادة رهن الشئ بأقل من قيمته، إذا ثبت هذا فإن القول قول الراهن في قدر ما رهنه سواء اتفقا على أنه رهنه بجميع الدين أو اختلفا، فلو اتفقا على أن الدين الفان وقال الراهن إنما رهنتك بأحد الالفين وقال المرتهن إنما رهنتني بهما فالقول قول الراهن مع يمينه لأنه ينكر تعلق حق المرتهن في أحد الالفين بعبده والقول قول المنكر، وإن اتفقا على أنه رهن بأحد الألفين، وقال الراهن رهنته بالمؤجل، وقال المرتهن بل بالحال فالقول قول الراهن مع يمينه لأنه منكر،

ولأن القول قوله في أصل الرهن فكذلك في صفته هذا إن لم تكن بينة. فإن كان لأحدهما بينة حكم له بها وجها واحدا وإن اختلفا في قدر الرهن فقال رهنتك هذا العبد فقال بل هو والعبد الآخر فالقول قول الراهن لأنه منكر ولا نعلم في هذا خلافاً، وإن قال رهنتك هذا العبد قال بل هذه الجارية خرج العبد من الرهن لاعتراف المرتهن بأنه لم يرهنه وحلف الراهن على أنه ما رهنه الجارية وخرجت من الرهن أيضاً. (فصل) وإن اختلفا في رد الرهن إلى الراهن فالقول قوله لأنه منكر والأصل معه، وكذلك الحكم في المستأجر إذا ادعى رد العين المستأجرة، وقال أبو الخطاب يتخرج فيهما وجه آخر أن القول قول المرتهن والمستأجر في الرد بناء على المضارب والوكيل بجعل فإن فيهما وجهين، والفرق بينهما وبين المرتهن أن المرتهن قبض العين لينتفع بها، وكذلك المستأجر والوكيل قبض العين لينتفع بالجعل لا بالعين والمضارب قبضها لينتفع بربحها لا بها، وإن اختلفا في تلف العين فالقول قول المرتهن مع يمينه لأن يده يد أمانة ويتعذر عليه إقامة البينة على التلف فقبل قوله فيه كالمودع، فإن أتلفها المرتهن أو تلفت بتفريطه واختلفا في القيمة فالقول قول المرتهن مع يمينه لأنه غارم لا نعلم في ذلك خلافا

(فصل) وإن قال الراهن رهنتك عصيراً قال بل خمراً فالقول قول الراهن يريد إذا كان الرهن شرط في البيع فقال الراهن رهنتك عصيراً فليس لك فسخ البيع، وقال المرتهن بل رهنتني خمراً فلي فسخ البيع فالقول قول الراهن نص عليه أحمد لأنهما اختلفا فيما يفسد العقد فكان القول قول من ينفيه وقد ذكرنا ذلك (فصل) وإذا قال بعتك هذا الثوب على أن ترهنني بثمنه عبديك هذين، قال بل علي رهن هذا وحده فحكى القاضي فيها روايتين (إحداهما) يتحالفان لأنهما اختلفا في البيع فهو كالاختلاف في الثمن (والثانية) القول قول الراهن لأنه منكر لشرط رهن العبد المختلف فيه والقول قول المنكر وهذا أصح (فصل) وإن قال أرسلت وكيلك فرهنني عبدك هذا على عشرين وقبضها قال ما أمرته إلا بعشرة ولا قبضت إلا عشرة سئل الرسول، فإن صدق الراهن فعليه اليمين أنه ما رهنه إلا بعشرة ولا قبض إلا عشرة ولا يمين على الراهن لأن الدعوى على غيره، فإذا حلف الوكيل برئا جميعاً، وإن نكل فعليه العشرة المختلف فيها ولا يرجع بها على أحد لأنه يصدق الراهن في أنه ما أخذها ولا أمره بأخذها وإنما المرتهن ظلمه، وإن صدق المرتهن وادعى أنه سلم العشرين إلى الراهن فالقول قول الراهن مع يمينه، فإن نكل قضي عليه بالعشرة وتدفع إلى المرتهن، وإن حلف برئ وعلى الوكيل غرامة العشرة

للمرتهن لأنه يزعم أنها حق له وإنما الراهن ظلمه، فإن عدم الوكيل وتعذر احلافه فعلى الراهن اليمين أنه ما أذن في رهنه إلا بعشرة ولا قبض أكثر منها ويبقى الرهن بعشرة (فصل) إذا كان على رجل الفان أحدهما برهن والآخر بغير رهن فقضى ألفاً وقال قضيت دين الرهن وقال المرتهن بل قضيت الدين الآخر فالقول قول الراهن مع يمينه سواء اختلفا في نية الراهن أو في لفظه لأنه أعلم بنيته وصفة دفعه، ولأنه يقول الدين الباقي بلا رهن والقول قوله في أصل الرهن فكذلك في صفته، وإن أطلق القضاء ولم ينو شيئاً فقال أبو بكر له صرفها إلى أيهما شاء كما لو كان له مال حاضر وغائب فأدى قدر زكاة أحدهما فإن له أن يعين عن أي المالين شاء وهذا قول بعض أصحاب الشافعي، وقال بعضهم يقع الدفع عن الدينين معاً عن كل واحد نصفه لأنهما تساويا في القضاء فتساويا في وقوعه عنهما، فأما إن أبرأه المرتهن من أحد الدينين واختلفا فالقول قول المرتهن على التفصيل الذي ذكرناه في الرهن. ذكره أبو بكر (فصل) إذا اتفق المتراهنان على قبض العدل للرهن لزم الرهن في حقهما ولم يضر إنكاره لأن الحق لهما وإن قال أحدهما قبضه العدل فأنكر الآخر فالقول قول المنكر كما لو اختلفا في قبض المرتهن فإن أشهد العدل بالقبض لم تقبل شهادته لأنها شهادة الوكيل لموكله فيما هو وكيل فيه (فصل) إذا كان في يد رجل عبد فقال رهنتني عبدك هذا بألف فقال بل غصبته أو استعرته

وليس عليه تزويج الأمة المرهونة فإن فعل لم يصح

فالقول قول السيد سواء اعترف بالدين أو جحده لأن الأصل عدم الرهن. وإن قال السيد بعتك عبدي هذا بألف قال بل رهنته عندي بها فالقول قول كل واحد منهما في العقد الذي ينكره ويأخذ السيد عبده. وإن قال رهنتكه بألف أقرضتنيه قال بل بعتنيه بألف قبضته مني ثمناً فكذلك ويرد صاحب العبد الألف ويأخذ عبده. (فصل) وإذا ادعى على رجلين فقال رهنتماني عبدكما بديني عليكما فأنكراه فالقول قولهما فإن شهد كل واحد منهما على صاحبه قبلت شهادته وللمرتهن أن يحلف مع كل واحد منهما ويصير جميعه رهناً أو يحلف مع أحدهما ويصير نصيب الآخر رهناً وإن أقر أحدهم اثبت في حقه وحده. وإن شهد المقر على المنكر قبلت شهادته لأنه لا يجلب لنفسه نفعاً ولا يدفع عنها، وبهذا قال أصحاب الشافعي. وقال بعضهم إذا أنكرا جميعاً ففي شهادتهما نظر لأن المشهود له يدعي أن كل واحد منهما ظالم له بجحوده حقه من الرهن ومتى طعن المشهود له في شهوده لم تقبل شهادتهم له. قلنا هذا لا يصح فإن إنكار الدعوى لا يثبت به فسق المدعى عليه وإن كان الحق عليه لجواز أن ينسى أو يلحقه شبهة فيما يدعيه أو ينكره ولذلك لو تداعى رجلان شيئاً وتخاصما فيه ثم شهدا عند الحاكم بشئ لم يرد شهادتهما وإن كان أحدهما كاذباً ولو ثبت الفسق بذلك لم يجز قبول شهادتهما جميعاً مع تحقق الجرح في أحدهما (فصل) وإذا ادعى رجلان على رجل أنه رهنهما عبده وقال كل واحد منهما رهنه عندي دون

وإن وطئ الجارية فأولدها خرجت من الرهن وأخذت منه قيمتها فجعلت رهنا

صاحبي فأنكرهما فالقول قوله وإن أنكر أحدهما وصدق الآخر سلم إلى من صدقه وحلف للآخر. وإن قال لا أعلم المرتهن منهما حلف على ذلك والقول قول من هو في يده منهما مع يمينه وإن كان في أيديهما حلف كل واحد منهما على نصفه وصار رهناً عنده. وإن كان في يد غيرهما اقرع بينهما فمن قرع صاحبه حلف وأخذه كما لو ادعيا ملكه وإن قال رهنته عند أحدهما ثم رهنته عند الآخر ولا أعلم السابق منهما فكذلك. وإن قال هذا هو السابق بالعقد والقبض سلم إليه وحلف الآخر وإن نكل والعبد في يد الأول أو يد غيره فعليه قيمته للثاني كما لو قال هذا العبد لزيد وغصبته من عمرو فإنه يسلم إلى زيد ويغرم قيمته لعمرو. وإن نكل والعبد في يد الثاني أقر في يده وغرم قيمته للأول لأنه أقر له بعد ما فعل ما حال بينه وبين من أقر له به فلزمته قيمته كما قلنا، وقال القاضي إذا اعترف لغير من هو في يده فهل يرجح صاحب اليد أو المقر له؟ على وجهين. ولو اعترف لأحدهما وهو في يديهما ثبتت يد المقر له في النصف وفي النصف الآخر وجهان {مسألة} (وإن أقر الراهن أنه أعتق العبد قبل رهنه فالحكم في ذلك كما لو أعتقه بعد رهنه) على ما ذكرنا من الخلاف لأن كل من صح منه إنشاء عقد صح منه الإقرار به ولا يقبل قوله في تقدم عتقه لأنه يسقط حق المرتهن من عوضه فعلى هذا تؤخذ منه قيمته فتجعل رهناً مكانه إن كان موسراً لأنه فوته على الراهن بإقراره فهو كما لو أعتقه، وإن كان معسراً فالحكم فيه كما ذكرنا

{مسألة} (وإن أقر أنه كان جنى أو أنه باعه أو غصبه قبل على نفسه ولم يقبل على المرتهن إلا أن يصدقه) وجملته أنه إذا أقر الراهن أن العبد كان جنى قبل رهنه فكذبه المرتهن وولي الجناية لم يسمع قوله، وإن صدقه ولي الجناية وحده قبل إقراره على نفسه دون المرتهن ويلزمه أرش الجناية لأنه حال بين المجني عليه وبين رقبة الجاني بفعله فأشبه مالو جنى عليه، وإن كان معسراً فمتى انفك الرهن كان المجني عليه أحق برقبته وعلى المرتهن اليمين أنه لا يعلم ذلك فإن نكل قضي عليه. وفيه وجه آخر أنه يقبل إقرار الراهن لأنه غير متهم لكونه تغريماً يخرج الرهن من ملكه وعليه اليمين لأنه يبطل بإقراره حق المرتهن فيه، فإن أقر أنه غصبه لم يقبل على المرتهن لأن اقرار غيره لا يقبل في حقه فعلى هذا لا يخرج من الرهن ولا يزول شئ من أحكام الرهن ويلزمه قيمته للمغصوب منه لأنه حال بينه وبينه برهنه، وكذلك لا يقبل إقراره على المرتهن ببيع ولا هبة لما ذكرنا، فإن صدقة المرتهن في ذلك بطل الرهن لاعترافه بما يبطله فإذا انفك أخذ الراهن باقراره {مسألة} قال الشيخ رضي الله عنه (وإذا كان الرهن مركوباً أو محلوباً فللمرتهن أن يركب ويحلب بقدر نفقته متحرياً للعدل في ذلك) وجملة ذلك أن الرهن ينقسم إلى قسمين: حيوان وغيره، والحيوان نوعان (أحدهما) أن يكون

مركوباً أو محلوباً فللمرتهن أن ينفق عليه ويركب ويحلب بقدر نفقته متحرياً للعدل في ذلك نص عليه أحمد في رواية محمد بن الحكم واحمد بن القاسم، واختاره الخرقي وهو قول إسحاق، وسواء انفق مع تعذر النفقة من الراهن لغيبة أو امتناع أو مع القدرة على أخذ النفقة منه واستئذانه. وعن أحمد رواية أخرى لا يحتسب له بما أنفق وهو متطوع بها ولا ينتفع من الرهن بشئ وهذا قول أبي حنيفة ومالك والشافعي لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " الرهن من راهنه له غنمه وعليه غرمه " ولأنه ملك غيره لم يأذن له في الانتفاع به ولا الإنفاق عليه فلم يكن له ذلك كغير الرهن ولنا ما روى البخاري بإسناده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الرهن يركب بنفقته إذا كان مرهوناً، والدر يشرب بنفقته إذا كان مرهوناً، وعلى الذي يركب ويشرب النفقة " فجعل منفعته بنفقته وهذا محل النزاع، فإن قيل المراد به الرهن ينفق وينتفع قلنا لا يصح لو جهين (أحدهما) أنه قد روي في بعض الألفاظ إذا كانت الدابة مرهونة فعلى المرتهن علفها، ولأن الدر يشرب وعلى الذي يشرب نفقته فجعل المنفق المرتهن فيكون هو المنتفع (الثاني) أن قوله بنفقته يشير إلى أن الانتفاع عوض النفقة وإنما ذلك في حق المرتهن، أما الراهن فإنفاقه وانتفاعه لا بطريق المعاوضة

وإن أذن المرتهن في بيع أو هبة أو نحو ذلك صح وبطل الرهن إلا أن يأذن له في بيعه بشرط أن يجعل ثمنه رهنا أو يجعل دينه من ثمنه

لأحدهما بالآخر ولأن نفقة الحيوان واجبة وللمرتهن فيه حق وقد أمكنه استيفاء حقه من نماء الرهن والنيابة عن المالك فيما وجب عليه واستيفاء ذلك من منافعه فجاز ذلك كما يجوز للمراد اخذ مؤنتها من مال زوجها عند امتناعه بغير إذنه والنيابة عنه في الإنفاق عليها. والحديث نقول به والنماء للراهن ولكن للمرتهن ولاية صرفها إلى نفقته لثبوت يده عليه وولايته وهذا فيمن انفق محتسباً بالرجوع فإن انفق متبرعاً بغير نية الرجوع لم ينتفع به رواية واحدة (فصل) النوع الثاني الحيوان غير المركوب والمحلوب كالعبد والأمة فليس للمرتهن أن ينفق عليه ويستخدمه بقدر نفقته في ظاهر المذهب ذكره القاضي ونص عليه أحمد في رواية الأثرم قال: سعمت أبا عبد الله يسئل عن الرجل يرهن العبد فيستخدمه فقال الرهن لا ينتفع منه بشئ إلا حديث أبي هريرة خاصة في الذي يركب ويحلب ويعلف. قلت له فان كان الركوب واللبن أكثر؟ قال لا إلا بقدر، ونقل حنبل عن أحمد أن له استخدام العبد أيضاً وبه قال أبو ثور إذا امتنع المالك من الإنفاق عليه وقال أبو بكر خالف حنبل الجماعة والعمل على أنه لا ينتفع من الرهن بشئ إلا ما خصه الشرع فإن القياس أنه لا ينتفع بشئ منه تركناه في المركوب والمحلوب للأثر فيما عداه يبقى على مقتضى القياس (القسم الثاني) ما لا يحتاج إلى مؤنة كالدار والمتاع ونحوه فلا يجوز للمرتهن الانتفاع بغير إذن الراهن لا نعلم في ذلك خلافاً لأن الرهن ملك الراهن فكذلك نماؤه، فإن أذن الراهن للمرتهن في الانتفاع بغير عوض وكان دين الراهن من قرض لم يجز لأنه يصير قرضاً جر منفعة وذلك حرام، قال

ونماء الرهن وكسبه وأرش الجناية عليه من الرهن

أحمد: أكره قرض الدور وهو الربا المحض. يعني إذا كانت رهناً في قرض ينتفع بها المرتهن، وإن كان الرهن بثمن مبيع أو أجر دار أو دين غير القرض فأذن له الراهن في الانتفاع جاز ذلك، وقد روي عن الحسن وابن سيرين، وهو قول إسحاق، فأما إن كان الانتفاع بعوض مثل إن استأجر المرتهن الدار من الراهن بأجرة مثلها من غير محاباة جاز في القرض وغيره لكونه ما انتفع بالقرض إنما انتفع بالإجارة، وإن حاباه فهو كالانتفاع بغير عوض يجوز في غير القرض، ومتى استأجرها واستعارها المرتهن فظاهر كلام أحمد أنها تخرج عن كونها رهناً فمتى انقضت الإجارة أو العارية عاد الرهن بحاله، قال أحمد في رواية الحسن بن ثواب قال أحمد إذا كان الرهن داراً فقال المرتهن اسكنها بكرائها وهي وثيقة بحقي تنتقل فتصير ديناً وتتحول عن الرهن، وكذلك إن أكراها للراهن وقال أحمد في رواية ابن منصور: إذا ارتهن داراً ثم أكراها لصاحبها خرجت من الرهن، فإذا رجعت إليه صارت رهنا. قال شيخنا: والأولى أنها لا تخرج من الرهن إذا استأجرها المرتهن أو استعارها لأن القبض مستدام ولا تنافي بين العقدين، وكلام أحمد في رواية الحسن بن ثواب محمول على أنه أذن للراهن في سكناها كما في رواية ابن منصور لأنها خرجت عن يد المرتهن فزال اللزوم لزوال اليد بخلاف ما إذا سكنها المرتهن، ومتى استعار المرتهن الرهن صار مضموناً عليه، وبهذا قال الشافعي. وقال أبو حنيفة لا ضمان عليه ومبنى ذلك على العارية هل هي مضمونة أم لا؟ وسيأتي ذلك {مسألة} (وإن أنفق على الرهن بغير إذن الراهن مع إمكانه فهو متبرع) إذا أنفق على الحيوان متبرعا لم يرجع بشئ لأنه تصدق به فلم يرجع بعوضه كالصدقة على مسكين

ومؤنته على الراهن وكفنه إن مات وأجرة مخزنه إن كان مخزونا

وإن نوى الرجوع على المالك وكان ذلك بإذن المالك رجع عليه لأنه ناب عنه في الإنفاق بإذنه فكانت النفقة على المالك كما لو وكله في ذلك {مسألة} (وإن عجز عن استئذانه ولم يستأذن الحاكم فعلى روايتين) مفهوم كلامه ههنا أنه متى قدر على استئذان المالك فلم يستأذنه أن يكون متبرعاً لا يرجع بشئ، وكذلك ذكره أبو الخطاب لأنه مفرط في ترك استئذانه مع القدرة عليه فلم يرجع كما لو عمر داره بغير إذنه، وإن عجز عن استئذانه ولم يستأذن الحاكم ففيه روايتان (إحداهما أنه متبرع لأنه لم يستأذن مالكه ولا من يقوم مقامه أشبه مالو كان المالك حاضراً فلم يستأذنه (والثانية) يرجع عليه لأنه أنفق عليه عند العجز عن استئذانه أشبه مالو عجز عن إستئذان الحاكم، وكذلك الحكم فيما إذا مات العبد المرهون. وقال شيخنا فيمن أنفق بغير إذن الراهن بنية الرجوع مع إمكانه أنه يخرج على روايتين بناء على ما إذا قضى دينه بغير إذنه وهذا أقيس في المذهب إذ لا يعتبر في قضاء الذين العجز عن استئذان الغريم {مسألة} (وكذلك الحكم في الوديعة وفي نفقة الجمال إذا هرب الجمال وتركها في يد المكتري) لأنها أمانة فأشبهت الرهن {مسألة} (وإن انهدمت الدار فعمرها المرتهن بغير إذن الراهن لم يرجع به رواية واحدة) وليس له الانتفاع بها بقدر عمارتها فان عمارتها غير واجبة على الراهن فليس لغيره أن ينوب عنه فيما لا يلزمه، فإن فعل كان متبرعاً كالأجنبي بخلاف نفقة الحيوان فإنها تجب على مالكه لحرمته في نفسه، وكذلك كفن العبد إذا مات يجب على سيده

(فصل) قال الشيخ (إذا جنى الرهن جناية موجبة للمال تعلق أرشها برقبته وللسيد فداؤه بالأقل من قيمته أو أرش جنايته أو بيعه في الجناية أو يسلمه إلى ولي الجناية فيملكه، وعنه إن اختار فداءه لزمه جميع الأرش) وجملة ذلك أن العبد المرهون إذا جنى على إنسان أو على ماله تعلقت الجناية برقبته وقدمت على حق المرتهن بغير خلاف علمناه لأنها مقدمة على حق المالك والملك أقوى من الرهن فأولى أن يقدم على الرهن، فإن قيل فحق المرتهن أيضاً يقدم على حق المالك. قلنا حق المرتهن ثبت من جهة المالك بعقده وحق الجناية ثبت بغير اختياره مقدماً على حقه فيقدم على ما ثبت بعقده، ولأن حق الجناية مختص بالعين يسقط بفواتها وحق المرتهن لا يسقط بفوات العين ولا يختص بها فكان تعلقه بها أحق وأولى، فإن كانت جنايته موجبة للقصاص في النفس فلولي الجناية استيفاؤه، فإن اقتص سقط الرهن كما لو تلف، وإن كانت في طرف اقتص منه وبقي الرهن في باقيه، وإن عفى على مال تعلق برقبة العبد وصار كالجناية الموجبة للمال فيقال للسيد أنت مخير بين فدائه وبين تسليمه للبيع، فإن اختار فداءه فداه بأقل الامرين من قيمته أو أرش الجناية في أصح الروايتين لأنه إن كان الأرش أقل فالمجني عليه لا يستحق أكثر من أرش جنايته، وإن كانت القيمة أقل فلا يلزمه أكثر منها لأن ما يدفعه عوض عن العبد فلا يلزم أكثر من قيمته كما لو أتلفه (والثانية) يفديه بأرش الجناية بالغا ما بلغ لأنه ربما يرغب فيه راغب فيشتريه بأكثر من قيمته {مسألة} (فان فداه فهو رهن بحاله، وإن سلمه بطل الرهن) إذا فداه الراهن فهو رهن بحاله لأن حق المرتهن قائم لوجود سببه، وإنما قدم حق المجني عليه

لقوته، فإذا زال ظهر حكم الرهن كحق من لارهن له مع حق المرتهن في تركة المفلس إذا أسقط المرتهن حقه ظهر حكم الآخر وهذا مذهب الشافعي، وإن سلمه بطل الرهن لفوات محله فهو كما لو تلف {مسألة} (فإن لم يستغرق الأرش قيمته بيع منه بقدره وباقيه رهن، وقيل يباع جميعه ويكون باقي ثمنه رهنا) إذا لم يستغرق أرش الجناية قيمة الرهن بيع منه بقدر الأرش وباقيه رهن لأن بيعه إنما جاز ضرورة ايفاء الحق، فإذا اندفعت الضرورة ببيع البعض لم يجز بيع ما بقي لعدم الضرورة فيه، فإن تعذر بيع بعضه بيع كله للضرورة المقتضية لبيعه ويكون باقي ثمنه رهنا لعدم تعلق الجناية به. وقال أبو الخطاب: هل يباع منه بقدر الجناية أو يباع جميعه ويكون الفاضل من ثمنه عن أرش جنايته رهنا؟ على وجهين (أحدهما) يباع بعضه خاصة لما ذكرنا (والثاني) يباع جميعه لأن بيع البعض يستقبض له وهو عيب ينقص به الثمن وذلك يضر بالمالك والمرتهن، وقد قال عليه السلام " لاضرر ولا ضرار " {مسألة} (فإن اختار المرتهن فداءه ففداه بإذن الراهن رجع به، وإن فداه بغير إذنه فهل يرجع به؟ على روايتين إذا امتنع الراهن من فداء الجاني فالمرتهن مخير بين فدائه وتسليمه، فإن اختار فداءه فبكم يفديه؟ يخرج على روايتين فيما يفديه به الراهن، فإن فداه بإذن الراهن رجع به عليه كما لو قضى دينه بإذنه، وإن فداه متبرعا لم يرجع بشئ، وإن نوى الرجوع فهل يرجع ذلك؟ على وجهين بناء على مالو قضى دينه بغير إذنه. فإن زاد على الفداء الواجب لم يرجع به وجهاً واحداً. ومذهب الشافعي كما ذكرنا إلا أنه

وهو أمانة في يد المرتهن إن تلف بغير تعد منه فلا شيء عليه ولا يسقط بهلاكه شيء من دينه

لا يرجع بما فداه بغير إذنه وجها واحدا، وان شرط له الراهن الرجوع رجع قولاً واحداً، وإن قضاه بإذنه من غير شرط الرجوع ففيه وجهان وهذا أصل يذكر فيما بعد، وإن فداه وشرط أن يكون رهنا بالفداء مع الدين الأول فقال القاضي يجوز ذلك لأن المجني عليه يملك بيع العبد وإبطال الرهن فصار بمنزلة الرهن الجائز قبل قبضه والزيادة في دين الرهن قبل لزومه جائزة، ولأن أرش الجناية متعلق به وإنما ينتقل من الجناية إلى الرهن. وفيه وجه آخر أنه لا يجوز لأن العبد رهن بدين فلم يجر رهنه بدين سواه كما لو رهنه بدين غير هذا، وذهب أبو حنيفة إلى أن ضمان جناية الرهن على المرتهن فإن فداه لم يرجع بالفداء، وإن فداه الراهن وبيع في الجناية سقط دين الرهن إن كان بقدر الفداء وبناء على أصله في أن الرهن من ضمان المرتهن وقد ذكرنا ذلك (فصل) فإن كانت الجناية على سيد العبد فلا يخلو من حالين (أحدهما) أن تكون غير موجبة للقود كجناية الخطأ وإتلاف مال فيكون هدراً لأن العبد مال سيده فلا يثبت له مال في ماله (الثاني) أن تكون موجبة للقود فلا يخلو ان تكون على النفس أو على ما دونها، فإن كانت على ما دون النفس فالحق للسيد، فإن عفا على مال سقط القصاص ولم يجب المال لما ذكرنا، وكذلك إن عفا على غير مال وان أراد أن يقتص فله ذلك لأن السيد لا يملك الجناية على عبده فيثبت له ذلك بجنايته عليه كالأجنبي ولأن القصاص يجب للزجر والحاجة داعية إلى زجره عن سيده، فإن اقتص فعليه قيمته تكون رهناً مكانه أو قضاء عن الدين لأنه أخرجه عن الرهن باختياره فكان عليه بدله كما لو أعتقه، ويحتمل أن لا يجب عليه شئ لأنه اقتص بإذنه فكأنه اقتص بإذن الشارع فلم يلزمه شئ كالأجنبي وكذلك إن كانت الجناية على النفس فاقتص الورثة فهل تجب عليهم القيمة؟ يخرج على ما ذكرنا، وليس للورثة العفو على مال لما ذكرنا في السيد لأنهم يقومون مقام الموروث، وذكر القاضي وجها آخر أن لهم ذلك لأن الجناية في

وإن تلف بعضه فباقيه رهن بجميع الدين

ملك غيرهم فكان لهم العفو على مال كما لو جنى على أجنبي وللشافعي قولان كالوجهين، فان عفا بعض الورثة سقط القصاص وهل يثبت لغير العافي نصيبه من الدية؟ على الوجهين ومذهب الشافعي في هذا الفصل على نحو ما ذكرناه (فصل) فإن جنى المرهون على عبد سيده لم يخل من حالين (أحدهما) أن لا يكون مرهوناً فحكمه حكم الجناية على طرف سيده له القصاص إن كانت جنايته موجبة له فإن عفا على مال أو غيره أو كانت الجناية لا توجب القصاص ذهبت هدراً وسواء كان المجني عليه قنا أو مدبراً أو أم ولد (الحال الثاني) أن يكون رهناً فلا يخلو إما أن يكون رهنا عند مرتهن القاتل أو غيره فان كان عند مرتهن القاتل والجناية موجبة للقصاص فللسيد القصاص فإن اقتص بطل الرهن في المجني عليه وعليه قيمة المقتص منه، ويحتمل أن لا يجب لأنه اقتص بإذن الشارع فإن عفا على مال أو كانت الجناية موجبة للمال وكان رهناً بحق واحد فجنايته هدر لأن الحق يتعلق بكل واحد منهما فإذا قتل أحدهما بقي الحق متعلقاً بالآخر، وإن كان كل واحد منهما رهناً بحق منفرد ففيه أربع مسائل: (إحداها) أن يكون الحقان سواء وقيمتهما سواء فتكون الجناية هدراً سواء كان الحقان من جنسين مثل أن يكون أحدهما بمائة دينار والآخر بدراهم قيمتها مائة دينار أو من جنس واحد لأنه لا فائدة في اعتبار الجناية (المسألة الثانية) أن يختلف الحقان وتتفق القيمتان مثل أن يكون دين أحدهما مائة ودين الآخر مائتين وقيمة كل واحد منهما مائة فإن كان دين القاتل أكثر لم ينقل إلى دين المقتول لعدم الغرض

ولا ينفك شيء من الرهن حتى يقضي جميع الدين

فيه وإن كان دين المقتول أكثر نقل إلى القاتل لان للمرتهن غرضاً في ذلك وهل يباع القاتل وتجعل قيمته رهناً مكان المقتول أو ينقل بحاله؟ على وجهين (أحدهما) لا يباع لأنه لا فائدة فيه (والثاني) يباع لأنه ربما زاد فيه من يبلغه أكثر من ثمنه فإن عرض للبيع فلم يزد فيه لم يبع لعدم ذلك (المسألة الثالثة) أن يتفق الدينان وتختلف القيمتان بأن يكون دين كل واحد منهما مائة وقيمة أحدهما مائة والآخر مائتين فإن كانت قيمة المقتول أكثر فلا غرض في النقل فيبقى بحاله وإن كانت قيمة الجاني أكثر بيع منه بقدر جنايته تكون رهنا بدين المجني عليه والباقي رهن بدينه وإن اتفقا على تبقيته ونقل الدين إليه صار مرهوناً بهما فإن حل أحد الدينين بيع بكل حال لأنه إن كان دينه المعجل بيع ليستوفي من ثمنه وما بقي منه رهن بالدين الآخر وإن كان المعجل الآخر بيع ليستوفي منه بقدره والباقي رهن بدينه (المسألة الرابعة) أن يختلف الدينان والقيمتان مثل أن يكون أحد الدينين خمسين والآخر ثمانين وقيمة أحدهما مائة والآخر مائتين فإن كان دين المقتول أكثر نقل إليه والافلا (فصل) فإن كان المجني عليه رهناً عند غير مرتهن القاتل فللسيد القصاص لأنه مقدم على حق المرتهن بدليل أن الجناية الموجبة للمال مقدمة عليه فالقصاص أولى فإن اقتص بطل الرهن في المجني عليه لأن الجناية عليه لم توجب مالاً يجعل رهناً مكانه وعليه قيمة المقتص منه يكون رهناً لأنه أبطل حق الوثيقة فيه باختياره. ويحتمل أن لا تجب لما ذكرنا وللسيد العفو على مال فتصير كالجناية الموجبة

وإذا حل الدين وامتنع من وفائه فإن كان الراهن أذن للمرتهن أو العدل في بيع الرهن باعه ووفى الدين وإلا رفع الأمر إلى الحاكم فيجبره على وفاء الدين أو بيع الرهن فإن لم يفعل باعه الحاكم وقضى دينه

للمال فيثبت المال في رقبة العبد لأن السيد لو جنى على العبد لوجب أرش جنايته لحق المرتهن فبأن يثبت على عبده أولى. فإن كان الأرش لا يستغرق قيمته بعنا منه بقدر أرش الجناية يكون رهنا عند مرتهن المجني عليه وباقيه رهن عند مرتهنه، وإن لم يمكن بيع بعضه بيع جميعه وقسمة ثمنه بينهما على حسب ذلك يكون رهنا، وإن كانت الجناية تستغرق قيمته نقل الجاني فجعل رهناً عند الآخر، ويحتمل أن يباع لاحتمال أن يرغب في شرائه راغب بأكثر من قيمته فيفصل من قيمته شئ يكون رهنا عند مرتهنه وهذا كله قول الشافعي (فصل) فإن كانت الجناية على موروث سيده فيما دون النفس كأطرافه أو ماله فهي كالجناية على أجنبي وله القصاص إن كانت موجبة له والعفو على مال وغيره، وإن كانت موجبة للمال ابتداء ثبت فإن انتقل ذلك إلى السيد بموت المستحق فله ما لموروثة من القصاص والعفو على مال لأن الاستدامة أقوى من الابتداء فجاز أن يثبت بها مالا يثبت في الابتداء، وإن كانت الجناية على نفسه بالقتل ثبت الحكم لسيده وله أن يقتص فيما يوجب القصاص. وإن عفا على مال أو كانت الجناية موجبة للمال ابتداء فهل يثبت للسيد؟ فيه وجهان (أحدهما) يثبت وهو قول بعض أصحاب الشافعي لأن الجناية على غيره فأشبهت الجناية على ما دون النفس (والثاني) لا يثبت له مال في عبده ولا له العفو عليه وهو قول أبي ثور لأنه حق ثبت للسيد ابتداء فلم يكن له ذلك كما لو كانت الجناية عليه، وأصل الوجهين في وجوب الحق في ابتدائه هل يثبت للقتيل ثم ينتقل إلى وارثه أو يثبت للوارث ابتداء؟ على وجهين وكل موضع ثبت له المال في رقبة عبده فإنه يقدم على الرهن لأنه يثبت للموروث بهذه الصفة فينتقل إلى وارثه كذلك فإن اقتص في هذه الصورة لم يلزمه بدل الرهن لأنه إذا قدم المال على حق المرتهن

فالقصاص أولى ولأن القصاص ثبت للموروث مقدماً على حق المرتهن فكذلك في حق وارثه فإن كانت الجناية على مكاتب السيد فهي كالجناية على ولده وتعجيزه كموت ولده فيما ذكرناه (فصل) فإن جنى العبد المرهون بإذن سيده وكان ممن يعلم تحريم الجناية وإنه لا يجب عليه قبول ذلك من سيده فهي كالجناية بغير إذنه، وإن كان صبياً أو أعجمياً لا يعلم ذلك فالجاني هو السيد. يتعلق به موجب الجناية، ولا يباع العبد فيها موسراً كان أو معسراً كما لو باشر السيد الجناية، وقال القاضي فيه وجه أن العبد يباع مع اعسار السيد لأن العبد باشر الجناية، والصحيح الأول لأن العبد آلة فلو تعلقت الجناية به بيع مع اليسار، وحكم إقرار العبد بالجناية حكم إقرار غير المرهون على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى {مسألة} (وإن جنى عليه جناية موجبة للقصاص فللسيد القصاص فإن اقتص فعليه قيمة أقلهما قيمة تجعل مكانه) إذا جنى على الرهن فالخصم في ذلك السيد لأنه المالك والأرش الواجب بالجناية ملكه وإنما للمرتهن فيه حق الوثيقة فصار كالعبد المستأجر والمودع وبهذا قال الشافعي وغيره، فإن ترك المطالبة أو أخرها أو كان غائباً أو له عذر يمنعه منها فللمرتهن المطالبة بها لأن حقه متعلق بموجبها فكان له المطالبة به كما لو كان الجاني سيده، ثم إن كانت الجناية موجبة للقصاص فللسيد القصاص لأنه حق له وإنما يثبت ليستوفي فإن اقتص أخذت منه قيمة أقلهما قيمة فجعلت مكانه رهنا نص عليه أحمد في رواية ابن منصور وهو قول إسحاق، ويتخرج أن لا يجب عليه شئ وهو مذهب الشافعي لأنه لم يجب بالجناية مال ولا استحق بحال وليس على الراهن

فإن شرط جعله في يد اثنين فليس لأحدهما الانفراد بحفظه

أن يسعى للمرتهن في اكتساب مال، ووجه الأول أنه أتلف مالاً استحق بسبب إتلاف الرهن فغرم قيمته كما لو كانت الجناية موجبة للمال، وهكذا الحكم فيما إذا ثبت القصاص للسيد في عبده المرهون. وانما أو جبنا أقل القيمتين لأن حق المرتهن إنما يتعلق بالمالية والواجب من المال هو أقل القيمتين لأن الرهن إن كان أقل لم يجب أكثر من قيمته، وإن كان الجاني أقل قيمة لم يجب أكثر من قيمته لأنها التي أتلفها بالقصاص وإن عفا على مال صح عفوه ووجب أقل القيمتين لما ذكرنا، هذا إذا كان القصاص قتلاً، وإن كان جرحاً أو قلع سن أو نحوه فالواجب بالعفو أقل الأمرين من ارش الجرح أو قيمة الجاني لما ذكرنا وإن عفا مطلقاً انبنى على موجب العمد ما هو؟ فإن قلنا موجبه أحد شيئين ثبت المال وإن قلنا موجبه القصاص عينا فحكمه كما لو اقتص، أو قلنا ثم تجب القيمة على الراهن وجب هنا وهو اختيار أبي الخطاب لأنه فوت بدل الرهن بعفوه أشبه مالو اقتص، وإن قلنا لا تجب على الراهن ثم لم تجب ههنا وهو قول القاضي ومذهب الشافعي لأنه اكتساب مال فلا يجبر عليه وكذلك إن عفا على غير مال {مسألة} (وكذلك إن جنى على سيده فاقتص منه هو أو ورثته وقد ذكرنا ذلك) {مسألة} (وإن عفا السيد على مال أو كانت موجبة للمال فاقتص منه جعل مكانه) أما إذا كانت الجناية موجبة للمال أو ثبت المال بالعفو عن الجناية الموجبة للقصاص فإنه يتعلق به حق الراهن والمرتهن ويجب من غالب نقد البلد كقيم المتلفات، فلو أراد الراهن أن يصالح عنها ويأخذ عوضا عنها لم يجز إلا بإذن المرتهن، فإن أذن جاز لأن الحق لهما وما قبض من شئ فهو رهن بدلاً عن الأول وقائماً مقامه

وله رده إليهما ولا يملك رده إلى أحدهما فإن فعل فعليه رده إلى يده فإن لم يفعل ضمن حق الآخر

{مسألة} (وإن عفا السيد عن المال صح في حقه ولم يصح في حق المرتهن، فإذا انفك الرهن رد إلى الجاني، وقال أبو الخطاب يصح وعليه قيمته) إذا عفا السيد عن المال فقال القاضي يسقط حق الراهن دون المرتهن فتؤخذ القيمة من الجاني تكون رهنا فإذا زال الرهن رجع الأرش إلى الجاني كما لو أقر أن الرهن مغصوب أو جان فإن استوفى الدين من الأرش احتمل ان يرجع الجاني على العافي لأن ماله ذهب في قضاء دينه فلزمته غرامته كما لو استعاره فرهنه، واحتمل أن لا يرجع عليه لأنه لم يوجد منه في حق الجاني ما يقتضي وجوب الضمان وإنما استوفى بسبب منه حال ملكه له فأشبه مالو جنى إنسان على عبده ثم وهبه لغيره فتلف بالجناية السابقة، وقال أبو الخطاب: يضمن العفو مطلقاً ويؤخذ من الراهن قيمته تكون رهناً لأنه أسقط دينه عن غريمه فصح كسائر ديونه، قال ولا يمكن كونه رهنا مع تقدم حق الراهن فيه ولزمته القيمة لتقوية حق المرتهن كما لو اتلف بدل الرهن، وقال الشافعي لا يصح العفو أصلاً لأن حق المرتهن متعلق به فلم يصح عفو الراهن عنه كالرهن نفسه، وكما لو وهب الرهن أو غصب فعفا عن غاصبه. قال شيخنا: وهذا أصح في النظر، فإن قال المرتهن أسقطت حقي من ذلك سقط لأنه ينفع الراهن ولا يضره، وإن قال أسقطت الأرش أو ابرأت منه لم يسقط لأنه ملك للراهن فلا يسقط باسقاط غيره وهل يسقط حقه؟ فيه وجهان (أحدهما) يسقط وهو قول القاضي لأن ذلك يتضمن إسقاط حقه وإذا لم يسقط حق غيره سقط حقه كما لو قال اسقطت حقي وحق الراهن (والثاني) لا يسقط لأن العفو ولابراء منه لا يصح فلم يصح ما يضمنه

(فصل) وإن أقر رجل بالجناية على الرهن فكذباه فلاشئ لهما، وإن كذبه المرتهن وصدقه الراهن فله الأرش ولا حق للمرتهن فيه وإن صدقه المرتهن وحده تعلق حقه بالأرش وله قبضه فإذا قضى الراهن الحق أو أبرأه المرتهن رجع الأرش إلى الجاني ولا شئ للراهن فيه، وإن استوفى حقه من الأرش لم يملك الجاني مطالبة الراهن بشئ لأنه مقر له باستحقاقه (فصل) ولو كان الرهن أمة حاملاً فضرب بطنها أجنبي فألقت جنيناً ميتاً ففيه عشر قيمة أمه وإن ألقته حيا ثم مات لوقت يعيش مثله ففيه قيمته ولا يجب ضمان نقص الولادة لأنه لا يتميز نقصها عما وجب ضمانه من ولدها، ويحتمل أن يضمن نقصها بالولادة لأنه حصل بفعله فلزم ضمانة كما لو غصبها ثم جنى عليها ويحتمل أن يجب أكثر الأمرين من نقصها أو ضمان جنينها لأن سبب ضمانها وجد فإذا لم يجتمع ضمانهما وجب ضمان أكثرهما، وان ضرب بطن بهيمة فالقت ولدها ميتاً ففيه ما نقصتها الجناية لاغير وما وجب من ذلك كله فهو رهن مع الأمر، وقال الشافعي: ما وجب لنقص الأم أو لنقص البهيمة فهو رهن معها وكذلك ما وجب في ولدها وما وجب في جنين الأمة فليس برهن ولنا أنه ضمان وجد بسبب الجناية على الرهن فكان من الرهن كالواجب لنقص الولادة وولد البهيمة {مسألة} (وإن وطئ المرتهن الجارية بغير إذن الراهن فعليه الحد والمهر وولده رقيق) لا يحل للمرتهن وطئ الجارية المرهونة إجماعاً لقول الله تعالى (إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم وليست هذه زوجته ولا مكله، فإن فعل بغير إذن الراهن عالماً بالتحريم فعليه الحد لأنه

وإن قبض الثمن فتلف في يده فهو من ضمان الراهن

لاشبهة له فيه فإن الرهن وثيقة بالدين ولا مدخل لذلك في اباحة الوطئ، ولان وطئ المستأجرة يوجب الحد مع ملكه لنفعها فالرهن أولى، ويجب عليه المهر سواء اكرهها أو طاوعته، وقال الشافعي لا يجب المهر مع المطاوعة لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن مهر البغي، ولأن الحد إذا وجب على الموطوءة لم يجب المهر كالحرة. ولنا أن المهر يجب للسيد فلا يسقط بمطاوعة الأمة وإذنها كما لو أذنت في قطع يدها، ولأنه استوفى هذه المنفعة المملوكة للسيد بغير إذنه فكان عليه عوضها كما لو أكرهها وكأرش بكارتها لو كانت بكراً والحديث مخصوص بالمكرهة على البغاء فإن الله تعالى سماها بذلك مع كونها مكرهة فقال (ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا) وقولهم لا يجب الحد والمهر قلنا لا يجب لها المهر لها وفي مسئلتنا لا يجب لها وإنما يجب لسيدها. ويفارق الحرة فإن المهر لو وجب لوجب لها وقد أسقطت حقها بإذنها وههنا المستحق لم يأذن، ولأن الوجوب في حق الحرة تعلق بإكراهها وسقوطه بمطاوعتها فكذلك السيد ههنا لما تتعلق السقوط بإذنه ينبغي أن يثبت عند عدمه وسواء وطئها معتقداً للحل أو غير معتقد له، أو ادعى بشبهة أو لم يدعها لا يسقط المهر بشئ من ذلك لأنه حق آدمي فلا يسقط بالشبهات وولده رقيق للراهن لأنه من زنا ولأنه لاملك له فيها ولا شبهة ملك فأشبه الأجنبي

وإن ادعى دفع الثمن إلى المرتهن فأنكر ولم يكن قضاه ببينة ضمن، وعنه لا يضمن إلا أن يكون أمر بالإشهاد فلم يفعل وهكذا الحكم في الوكيل

{مسألة} (وإن وطئها بإذن الراهن وادعى الجهالة وكان مثله بجهل ذلك فلاحد عليه ولا مهر وولده حر لا تلزمه قيمته) وجملة ذلك أن المرتهن إذا وطئها بإذن الراهن وادعى الجهالة بالتحريم فإن احتمل صدقة لكونه ممن نشأ ببادية أو حديث عهد بالإسلام فلاحد عليه وولده حر لأنه وطئها معتقداً إباحة وطئها فهو كما لو وطئها يظنها أمته، وإن لم يحتمل صدقة كالناشئ ببلاد المسلمين مختلطاً بهم من أهل العلم لم تقبل دعواه لأنه لا يخلو ممن يسمع منه ما يعلم به تحريم ذلك فيكون كمن لم يدع الجهل فيكون ولده رقيقا للراهن لأنه من زنا، ومتى كان الوطئ بإذن الراهن لم يجب عليه قيمة الولد وهذا قول بعض أصحاب الشافعي لأن الإذن في الوطئ إذن فيما يحدث منه بدليل أنه لو أذن المرتهن للراهن في الوطئ فحملت سقط حقه من الرهن، وكما لو أذن في قطع أصبع لم يضمنها وكالحرة إذا أذنت في وطئها سقط عنه الضمان، وفيه قول أن قيمة الولد تجب؟ وإن أذن الراهن في الوطئ وهو منصوص الشافعي لأن وجوب الضمان يمنع اتخاذ الولد رقيقا ويشبه اعتقاد الحل وما حصل ذلك بإذنه بخلاف وطئ الراهن فإن خروجها من الرهن بالحمل الذي سببه الوطئ المأذون فيه ولا يجب المهر إذا كان الوطئ بإذن الراهن، وقال أبو حنيفة يجب وعن الشافعية كالمذهبين ولنا أنه أذن في سببه وهو حقه فلم يجب كما لو أذن في قتلها، ولأن المالك أذن في استيفاء المنفعة

وإن شرط أن يبيعه المرتهن أو العدل صح فإن عزلهما صح عزله

فلم يجب عوضها كالحرة المطاوعة، وولده حر للشبهة وقد ذكرناه، ولا تصير هذه الأمة أم ولد بحال سواء ملكها المرتهن بعد الوضع أو قبله، وسواء حكمنا برق الولد أو حريته وفيه وجه آخر أنه إذا ملكها حاملاً أنها تصير أم ولد وسنذكر ذلك في أمهات الأولاد (فصل) قال عبد الله بن أحمد سألت أبي عن رجل عنده رهون كثيرة لا يعرف أصحابها ولا من رهن عنده قال: إذا ايست من معرفتهم ومعرفة ورثتهم فأرى أن تباع ويتصدق بثمنها، فإن عرف بعد اربابها خيرهم بين الاجر أو يغرم لهم. هذا الذي أذهب إليه، وقال أبو الحارث عن أحمد في الرهن يكون عنده السنين الكثيرة يأيس من صاحبه يبيعه ويتصدق بالفضل فظاهر هذا أنه يستوفي حقه، ونقل أبو طالب لا يستوفي حقه من ثمنه ولكن إن جاء صاحبه بعد فطلبه اعطاه إياه وطلب منه حقه، وأما إن رفع أمره إلى الحاكم فباعه ووفاه حقه منه جاز ذلك

فإن شرط أن لا يبيعه عند الحلول أو إن جاءه بحقه في محله وإلا فالرهن له لم يصح الشرط وفي صحة الرهن روايتان

(باب الحجر) الحجر في اللغة المنع والتضييق ومنه سمي الحرام حجراً قال الله تعالى (ويقولون حجرا محجورا) أي حراماً محرماً ويسمى العقل حجراً قال الله تعالى (هل في ذلك قسم لذي حجر؟) أي عقل سمي حجرالانه يمنع صاحبه من ارتكاب ما يقبح، وهو في الشرع منع الإنسان من التصرف في ماله {مسألة} (وهو على ضربين حجر على الإنسان لحظ نفسه وحجر لحق غيره) كالحجر على المريض في التبرع بما زاد على الثلث لحق الورثة، وعلى العبد والمكاتب لحق السيد والراهن يحجر عليه في الرهن لحق المرتهن ولهؤلاء أبواب يذكرون فيها، ومن ذلك الحجر على المفلس لحق الغرماء وهو المذكور ههنا، والمفلس هو الذي لامال له ولا ما يدفع به حاجته ولهذا لما قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه " أتدرون من المفلس " قالوا يا رسول الله المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع قال " ليس ذلك المفلس، ولكن المفلس من يأتي يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال ويأتي وقد ضرب هذا ولطم هذا وأكل مال هذا وأخذ من عرض هذا فيأخذ هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن بقي عليه شئ أخذ من سيئاتهم فرد عليه ثم صك له صك إلى النار " أخرجه مسلم بمعناه فقولهم ذلك اخبار عن حقيقة المفلس، وقول النبي صلى الله عليه وسلم " ليس ذلك المفلس " تجوز لم يرد به نفي الحقيقة بل أراد أن فلس الآخرة أشد وأعظم بحيث يصير مفلس الدنيا بالنسبة إليه كالغني، ونحو هذا قوله عليه الصلاة والسلام " ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يغلب نفسه عند الغضب " وقوله " ليس الغني عن كثرة العرض إنما الغني غني النفس " ومنه قول الشاعر ليس من مات فاستراح بميت * إنما الميت ميت الأحياء قيل إنما سمي هذا مفلسا لانه لامال له إلا الفلوس وهي أدنى أنواع المال، والمفلس في عرف

الفقهاء من دينه أكثر من ماله، وسموه مفلساً وإن كان ذا مال لان ماله مستحق الصرف في جهة دينه فكأنه معدوم وقد دل عليه تفسير النبي صلى الله عليه وسلم مفلس الآخرة فإنه أخبر أن له حسنات أمثال الجبال لكنها لا تفي بما عليه فقسمت بين الغرماء وبقي لا شئ له ويجوز أن يكون سمي بذلك لما يؤول إليه من عدم ماله بعد وفاء دينه ويجوز أن يكون سمي بذلك لأنه يمنع من التصرف في ماله إلا الشئ التافه الذي لا يعيش إلا به كالفلوس {مسألة} ومن لزمه دين مؤجل لم يطالب به قبل أجله لأنه لا يلزمه أداؤه ولم يحجر عليه من أجله لأنه لا يستحق المطالبة به فلم يجز منعه من التصرف في ماله بسببه فإن كان بعض دينه مؤجلاً وبعضه حالاً وكان ماله يفي بالحال لم يحجر عليه أيضاً، وقال بعض أصحاب الشافعي إن ظهرت أمارات الفلس لكون ماله بازاء دينه ولا نفقة له إلا من ماله حجر عليه في أحد الوجهين لأن الظاهر أنه ماله يعجز عن ديونه فهو كما لو كان ماله ناقصاً، ولنا أن ماله واف بما يلزمه أداؤه فلم يحجر عليه كما لو لم تظهر أمارات الفلس ولأن الغرماء لا يمكنهم طلب حقوقهم في الحال فلا حاجة الى الحجر {مسالة} (فإن أراد سفراً يحل الدين قبل مدته فلغريمه منعه إلا أن يوثقه برهن أو كفيل)

وجملة ذلك أن المدين إذا أراد السفر وأراد غريمه منعه نظرنا فإن كان محل الدين قبل محل قدومه من السفر كمن يسافر إلى الحج لا يقدم الافي صفر ودينه يحل في المحرم فله منعه من السفر لأن عليه ضرراً في تأخير حقه عن محله فإن أقام ضميناً مليئاً أو دفع رهناً يفي بالدين عند المحل فله السفر لزوال الضرر بذلك. {مسألة} (فإن كان لا يحل الدين قبله ففي منعه روايتان) أما إذا كان الدين لا يحل إلا بعد محل السفر مثل أن يكون محله في ربيع وقدومه في صفر فإن كان سفره إلى الجهاد فلغريمه منعه إلا بضمين أو رهن لأنه سفر يتعرض فيه لذهاب النفس فلا يأمن فوات الحق، وإن كان لغير الجهاد فليس له منعه في إحدى الروايتين، وهو ظاهر كلام الخرقي لأن هذا السفر ليس با مارة على منع الحق في محله فلم يملك منعه منه كالسفر القصير وكالسعي إلى الجمعة (والثانية) له منعه لأن قدومه عند المحل غير متيقن ولا ظاهر فملك منعه منه كالأول، وقال الشافعي ليس له منعه من السفر ولا المطالبة بكفيل إذا كان الدين مؤجلاً بحال سواء كان الدين يحل قبل محل

سفره أولا إلى الجهاد أو إلى غيره لأنه لا يملك المطالبة بالدين فلم يملك منعه من السفر ولا المطالبة بكفيل كالسفر الآمن القصير، ولنا أنه سفر يمنع استيفاء الدين في محله فملك منعه منه إذا لم يوثقه برهن أو كفيل كالسفر بعد حلول الحق، ولأنه لا يملك تأخير الدين عن محله وفي السفر المختلف فيه تأخيره عن محله فلم يملك كحجره {مسألة} (وإذا كان حالاً وله ما يفي به لم يحجر عليه) لعدم الحاجة إلى ذلك ويأمره بوفائه فإن أبى حبسه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " لي الواجد يحل عرضه وعقوبته " رواه أحمد فعقوبته حبسه وعرضه أن يغلظ له فيقال له يا ظالم يا متعدي ونحو ذلك {مسألة} (فإن أصر باعه الحاكم وقضى دينه) وجملته أن الغريم إذا حبس فصبر على الحبس ولم يقض الدين قضى الحاكم دينه من ماله. وإن احتاج الى بيع ماله في قضاء دينه باعه وقضى دينه وهذا مذهب الشافعي وأبي يوسف ومحمد، وقال أبو حنيفة ليس للحاكم بيع ماله لكنه يجبره على البيع إذا لم يمكن الإيفاء بدونه، فإن امتنع لم يبعه الحاكم وإنما يحبسه ليبيع بنفسه إلا أن يكون عليه احد النقدين وماله من النقد الآخر فيدفع أحد النقدين عن الآخر لأنه رشيد لا ولاية عليه فلم يجز بيع ماله بغير إذنه كالذي لادين عليه ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم حجر على معاذ وباع ماله في دينه. رواه الخلال باسناده، وروي عن عمر رضي الله عنه أنه خطب الناس فقال: ألا أن أسيفع جهينة قد رضي من دينه وأمانته بان يقال سبق الحاج فادان معرضاً فاصبح وقد رين به فمن كان له عليه مال فليحضر غداً

فأنا بائعو ماله وقاسموه بين غرمائه " ولأنه محجور عليه محتاج إلى قضاء دينه فجاز بيع ماله بغير رضاه كالصغير والسفيه ولأنه نوع مال فجاز بيعه في قضاء دينه كالأثمان وقياسهم يبطل ببيع الدراهم بالدنانير {مسألة} (وإن ادعى الاعسار وكان دينه عن عوض كالبيع والقرض أو عرف له مال سابق حبس إلا أن يقيم البينة على نفاد ماله أو إعساره، وهل يحلف معها؟ على وجهين وإن لم يكن كذلك حلف وخلي سبيله) وجملة ذلك أن من وجب عليه دين حال فطولب به فلم يؤده فان كان في يده مال ظاهر أمره الحاكم بالقضاء، وإن لم يظهر له مال فادعى الاعسار فصدقه غريمه لم يحبس ووجب انظاره ولم يجز ملازمته لقول الله تعالى (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة) ولقول النبي صلى الله عليه وسلم لغرماء الذي كثر دينه " خذوا ما وجدتم ليس لكم إلا ذلك " ولأن الحبس إما أن يكون لإثبات عسرته أو لقضاء دينه وعسرته ثابتة والقضاء متعذر فلا فائدة في الحبس فإن كذبه غريمه فلا يخلو إما أن يكون عرف له مال أو لم يعرف، فإن عرف له مال لكون الدين ثبت عن معاوضة كالقرض والبيع أو عرف له أصل مال سوى هذا فالقول قول غريمه مع يمينه فإذا حلف أنه ذو مال حبس حتى تشهد البينة باعساره. قال إبن المنذر أكثر من نحفظ عنه من علماء الأمصار وقضاتهم يرون الحبس في الدين منهم مالك والشافعي وأبو عبيد والنعمان وسوار وعبيد الله بن الحسن، وروي عن شريح والشعبي وكان عمر بن عبد العزيز يقول: يقسم ماله بين الغرماء ولا يحبس، وبه قال عبد الله بن أبي جعفر والليث بن سعد.

ولنا أن الظاهر قول الغريم فكان القول قوله كسائر الدعاوي فإن شهدت البينة بتلف ماله قبلت شهادتهم سواء كانت من أهل الخبرة الباطنة أولم تكن لان التلف يطلع عليه أهل الخبرة وغيرهم، وإن طلب الغريم إحلافه على ذلك لم يجب إليه لأنه تكذيب للبينة، وإن شهدت مع ذلك بالاعسار اكتفى بشهادتهما وثبتت عسرته وإن لم تشهد إلا بالتلف وطلب الغريم يمينه على عسرته وأنه ليس له مال آخر استحلف على ذلك لأنه غير ما شهدت به البينة وإن لم تشهد بالتلف وإنما شهدت بالاعسار لم تقبل الشهادة إلا من ذي خبرة باطنة لأن هذا في الأمور الباطنة لا يطلع عليه في الغالب إلا أهل الخبرة والمخالطة وهذا مذهب الشافعي. وحكي عن مالك أنه قال لا تسمع البينة على الاعسار لأنها شهادة على النفي فلم تسمع كما لو شهدت أنه لادين عليه ولنا ما روى قبيصة بن المخارق أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ويا قبيصة إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك ورجل أصابته جائحة فاجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش أو قال سداداً من عيش، ورجل أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من أهل الحجى من قومه لقد أصابت فلاناً فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش - أو قال - سداداً من عيش " رواه مسلم وأبو داود، وقولهم إن الشهادة على النفي لا تقبل قلنا لا ترد مطلقاً فإنه لو شهدت بينة أن هذا وارث هذا الميت لا وارث له سواه قبلت، ولأن هذه وإن كانت تتضمن النفي فهي تثبت حالة تظهر ويوقف عليها بالمشاهدة بخلاف ما إذا شهدت أنه لا حق له فإن هذا مما لا يوقف عليه ولا يشهد به حال يتوصل بها إلى معرفته بخلاف مسئلتنا وتسمع البينة في الحال، وبهذا قال الشافعي

وقال أبو حنيفة لا تسمع في الحال وتحبس شهراً وقيل ثلاثة أشهر، وروي أربع حتى يغلب على ظن الحاكم أنه لو كان له مال لأظهره ولنا أن كل بينة جاز سماعها بعد مدة جاز سماعها في الحال كسائر البينات وما ذكروه لو كان صحيحاً لأغنى عن البينة، فإن قال الغريم أحلفوه لي مع بينته أن لا مال له لم يستحلف في ظاهر كلام أحمد لأنه قال في رواية إبراهيم في رجل جاء بشهود على حق فقال الغريم استحلفوه لا يستحلف لأن ظاهر الحديث البينة على المدعي واليمين على من أنكر. قال القاضي سواء شهدت البينة بتلف المال أو بالاعسار وهذا أحد قولي الشافعي لأنها بينة مقبولة فلم يستحلف معها كما لو شهدت بأن هذا عبده وفيه وجه آخر أنه يستحلف وهو القول الثاني للشافعي لأنه يحتمل أن يكون له مال خفي عن البينة. قال شيخنا: ويصح عندي الزامه اليمين على الاعسار إذا شهدت البينة بتلف المال وسقوطها عنه فيما إذا شهدت بالاعسار لأنها إذا شهدت بالتلف صار كمن لم يثبت له أصل مال أو بمنزلة من أقر له غريمة بتلف ذلك المال وادعى له مالا سواه أو أنه استحدث مالاً بعد تلفه، ولو لم تقم البينة وأقر له غريمه بتلف ماله وادعى أن له مالاً سواه لزمته اليمين فكذلك إذا قامت به البينة فإنها لا تزيد على الاقرار، فإن كان الحق ثبت عليه في غير مقابلة مال أخذه كأرش الجناية وقيمة متلف ومهر أو ضمان أو كفالة أو عوض خلع إن كانت امرأة فإن لم يعرف له مال حلف أنه لامال له وخلي سبيله، وهذا قول الشافعي وابن المنذر، وإنما اكتفينا بيمينه لأن الأصل عدم المال، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لحبة وسواء ابني خلد بن سواء " لا تيأسا من الرزق ما اهتزت رؤسكما فإن ابن آدم يخلق وليس له إلا قشرتاه ثم يرزقه الله تعالى "

قال إبن المنذر الحبس عقوبة ولا نعلم له ذنباً يعاقب به والأصل عدم ماله بخلاف من علم له مال فإن الأصل بقاء ماله فيحبس حتى يعلم ذهابه ومطلق كلام الخرقي يدل على أنه يحبس في الحالتين لكنه ينبغي أن يحمل كلامه على هذا لقيام الدليل على الفرق (فصل) ومتى ثبت اعساره عند الحاكم لم يجز مطالبته ولا ملازمته، وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة لغرمائه ملازمته من غير أن يمنعوه من الكسب، فإذا رجع إلى بيته فأذن لهم في الدخول معه والامنعوه من الدخول لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لصاحب الحق اليد واللسان " ولنا أن من ليس لصاحب الحق مطالبته لم يكن له ملازمته كصاحب الدين المؤجل، وقول الله تعالى (فنظرة إلى ميسرة) ومن وجب انظاره حرمت ملازمته كمن دينه مؤجل والحديث فيه مقال قاله ابن المنذر ثم نحمله على الموسر بدليل ما ذكرنا، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لغرماء الذي أصيب في ثمار ابتاعها فكثر دينه " خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك " رواه مسلم والترمذي {مسألة} (وإن كان له ماله لا يفي به فسأل غرماؤه الحاكم الحجر عليه لزمته إجابتهم) إذا اتفق الغرماء على طلب الحجر عليه في هذه الحال لزم الحاكم إجابتهم ولايجوز الحجر عليه بغير سؤال غرمائه لأنه لا ولاية له في ذلك إنما يفعله لحق الغرماء فاعتبر رضاهم، وكذلك إن سأله بعضهم، وبهذا قال مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة ليس للحاكم الحجر عليه فإذا أدى اجتهاده إلى الحجر عليه ثبت لأنه فصل مجتهد فيه. ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم حجر على معاذ وباع ماله في دينه رواه الخلال باسناده

(فصل) وتصرفه قبل حجر الحاكم في ماله نافذ من البيع والهبة والإقرار وقضاء بعض الغرماء وغير ذلك وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي ولا نعلم فيه خلافاً لأنه رشيد غير محجور عليه فنفذ تصرفه كغيره، ولأن سبب المنع الحجر فلا يتقدم سببه، ولأنه من أهل التصرف، ولم يحجر عليه أشبه الملئ وإن أكرى جملاً بعينه أو داراً لم تنفسخ إجارته بالفلس وان المكتري أحق به حتى تنقضي مدته {مسألة} (ويستحب إظهار الحجر عليه والإشهاد عليه) لنتجنب معاملته لئلا يستضر الناس بضياع أموالهم، ويشهد عليه لينتشر ذلك وربما عزل الحاكم أو مات فيثبت الحجر عند الآخر فلا يحتاج إلى ابتداء حجر ثان (فصل) قال الشيخ رضي الله عنه (ويتعلق بالحجر عليه أربعة أحكام (أحدها) تعلق حق الغرماء بماله فلا يصح تصرفه فيه ولا يقبل إقراره عليه إلا العتق على إحدى الروايتين) متى حجر على المفلس لم ينفذ تصرفه في شئ من ماله فإن تصرف فيه ببيع أو هبة أو وقف أو إصداق امرأة مالا له أو نحو ذلك لم يصح، وبه قال مالك والشافعي في قول، وقال في آخر يقف تصرفه فإن كان فيما بقي من ماله وفاء الغرماء وإلا بطل. ولنا أن حقوق الغرماء تعلقت بأعيان ماله فلم يصح تصرفه فيها كالعين المرهونة ولأنه محجور عليه بحكم حاكم فأشبه السفيه، وإن أقر بدين لم يقبل في الحال ويتبع به بعد فك الحجر عنه نص عليه وهو قول مالك ومحمد بن الحسن والثوري والشافعي في قول، وقال في الآخر يشاركهم اختاره ابن المنذر لأنه دين ثابت مضاف إلى ما قبل الحجر فشارك صاحبه الغرماء

كما لو ثبت ببينة، ولنا أنه محجور عليه فلم يصح إقراره فيما حجر عليه فيه كالسفيه ولأنه إقرار يبطل ثبوته في غير حق غير المقر فلم يقبل أو إقرار على الغرماء فلم يقبل كإقرار الراهن ولأنه متهم في إقراره وفارق البينة فإنه لا تهمة في حقها، فإن كان المفلس صانعاً كالقصار والحائك في يده متاع فأقر به لأربابه لم يقبل والقول فيها كالتي قبلها وتباع العين التي في يده وتقسم بين الغرماء وتكون قيمتها واجبة على المفلس إذا قدر عليها لأنها انصرفت في وفاء دينه بسبب من جهته فكانت قيمتها عليه كما لو أذن في ذلك، وإن توجهت على المفلس يمين فنكل عنها فقضي عليه فحكمه حكم إقراره يلزم في حقه دون الغرماء فإن أعتق بعض رقيقه صح في إحدى الروايتين ونفذ وهو قول أبي يوسف واسحاق لأنه عتق من مالك رشيد فنفذ كما قبل الحجر. وفارق سائر التصرفات لأن للعتق تغليباً وسراية ولهذا يسري إلى ملك الغير بخلاف غيره، والأخرى لا ينفذ عتقه وبه قال مالك وابن أبي ليلى والثوري والشافعي واختاره أبو الخطاب في رءوس المسائل لأنه ممنوع من التبرع لحق الغرماء فلم ينفذ عتقه كالمريض الذي يستغرق دينه ماله، وأما سرايته إلى ملك الغير فمن شرطه أن يكون موسراً يؤخذ منه قيمة نصيب شريكه ولا يتضرر ولو كان معسراً لم ينفذ عتقه إلا في ملكه صيانة لحق الغير وحفظاً له عن الضياع كذا ههنا وهذا أصح إن شاء الله تعالى {مسألة} (فإن تصرف في ذمته بشراء أو ضمان أو اقرار صح) ويتبع به بعد فك الحجر عنه لأنه أهل للتصرف وإنما وجد في حقه الحجر والحجر متعلق بماله لا بذمته ولكن لا يشارك أصحاب هذه الديون الغرماء لأنهم رضوا بذلك إذا علموا بفلسه وعاملوه ومن لا يعلم فقد فرط في ذلك فإن هذا في مظنة الشهرة، فعلى هذا يتبع بها بعد فك الحجر عنه، وفي إقراره خلاف ذكرناه في المسألة التي قبلها، فأما إن ثبت عليه حق ببينة شارك صاحبه الغرماء لأنه دين ثابت قبل الحجر عليه أشبه مالو شهدت به قبل الحجر {مسألة} (وإن جنى شارك المجني عليه الغرماء وإن جنى عبده قدم المجني عليه بثمنه) إذا جنى المفلس بعد الحجر جناية موجبة للمال شارك المجني عليه الغرماء لأن حق المجني عليه ثبت بغير اختياره، ولو كانت الجناية موجبة للقصاص فعفا صاحبها عنها الى مال أو صالحه المفلس على مال

شارك الغرماء لأن سببه ثبت بغير اختيار صاحبه فأشبه ما أوجب المال، فإن قيل ألا قدمتم حقه على الغرماء كما قدمتم حق من جنى عليه بعض عبيد المفلس؟ قلنا لأن الحق في العبد الجاني تعلق بعينه فقدم لذلك وحق هذا تعلق بالذمة كغيره من الديون فاستويا، فإن جنى عبده قدم المجني عليه بثمنه لأن الحق تعلق بالعين فقدم على من تعلق حقه بالذمة كما يقدم حق المرتهن بثمن الرهن على الغرماء ولأن حق المجني عليه يقدم على حق المرتهن فأولى أن يقدم على حق الغرماء {فصل} قال رحمه الله (الثاني إن من وجد عنده عينا باعها إياه فهو أحق بها بشرط أن يكون المفلس حيا ولم ينقد من ثمنها شيئاً والسلعة بحالها لم يتلف بعضها ولم تتغير صفتها بما يزيل اسمها كنسج الغزل وخبز الدقيق) وجملته أن المفلس إذا حجر عليه فوجد بعض غرمائه سلعته التي باعه إياها بعينها فله فسخ البيع والرجوع في عين ماله بالشروط التي نذكرها روى ذلك عن عثمان وعلي وأبي هريرة وبه قال عروة ومالك والشافعي والاوزاعي والعنبري واسحاق وأبو ثور وابن المنذر، وقال الحسن والنخعي وابن شبرمة وأبو حنيفة هو اسوة الغرماء لأن البائع كان له حق الإمساك لقبض الثمن فلما سلمه أسقط حق الإمساك فلم يكن له أن يرجع في ذلك بالإفلاس كالمرتهن إذا سلم الرهن إلى الراهن ولأنه ساوى الغرماء في سبب الاستحقاق فيساويهم في الاستحقاق كسائرهم ولنا ما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من أدرك متاعه بعينه عند إنسان قد أفلس فهو أحق به " متفق عليه قال أحمد. لو أن حاكما حكم أنه أسوة الغرماء ثم رفع إلى رجل يرى العمل بالحديث جاز له نقض حكمه ولأن هذا العقد يلحقه الفسخ بالإقالة فجاز فيه الفسخ لتعذر الغرض كالمسلم فيه إذا تعذر ولأنه لو شرط في البيع رهنا فعجز عن تسليمه استحق الفسخ وهو

وثيقة بالثمن فالعجز عن تسليم الثمن بنفسه أولى ويفارق البيع الرهن فإن إمساك الرهن إمساك مجرد على سبيل الوثيقة وليس ببدل والثمن ههنا بدل عن العين فإذا تعذر استيفاؤه رجع إلى المبدل وقولهم تساووا في سبب الاستحاق قلنا لكن اختلفوا في الشرط فإن بقاء العين شرط لملك الفسخ وهي موجودة في حق من وجد متاعه دون من لم يجده، إذا ثبت هذا فإن البائع بالخيار إن شاء رجع في السلعة وان شاء لم يرجع، وكان أسوة الغرماء وسواء كانت السلعة مساوية لثمنها أو أقل أو أكثر لأن الاعسار سبب يثبت جواز الفسخ فلا يوجبه كالعيب والخيار، ولا يفتقر الفسخ إلى حكم حاكم لأنه فسخ ثبت بالنص فلم يحتج إلى حكم حاكم كفسخ النكاح لعتق أمة (فصل) وهل خيار الفسخ على الفور أو التراخي فيه وجهان (أحدهما) أنه على التراخي لأنه حق رجوع يسقط إلى عوض فكان على التراخي كالرجوع في الهبة (والثاني) على الفور لان جواز تأخيره يفضي إلى الضرر بالغرماء لا فضائه إلى تأخير حقوقهم فأشبه خيار الأخذ بالشفعة وهذان الوجهان مبنيان على الروايتين في خيار الرد بالعيب، ونصر القاضي الوجه الثاني ولأصحاب الشافعي الوجهان (فصل) فإن بذل الغرماء لصاحب السلعة الثمن ليتركها لم يلزمه قبوله نص عليه أحمد وبه قال الشافعي، وقال مالك ليس له الرجوع إنما جاز لدفع ما يلحقه من النقص في الثمن فإذا بذل له بكماله لم يكن له الرجوع كما لو زال العيب من المعيب ولنا الخبر الذي رويناه ولأنه تبرع بدفع الحق من غير من هو عليه فلم يجبر صاحب الحق على قبضه كما لو أعسر الزوج النفقة فبذلها غيره أو أعسر المكاتب فبذل غيره ما عليه لسيده وبهذا

ينتقض ما ذكروه وسواء بذلوه من أموالهم أو خصوه بثمنه من مال المفلس، وفي هذا القسم ضرر آخر لأنه لا يأمن أن يظهر له غريم لم يحضر فيرجع عليه، وإن دفعوا إلى المفلس الثمن فبذله للبائع لم يكن له الفسخ لأنه زال العجز عن تسليم الثمن فزال ملك الفسخ كما لو أسقط سائر الغرماء حقوقهم عنه فملك أداء الثمن، ولو أسقط الغرماء حقوقهم عنه فتمكن من الأداء أو وهب له مال فأمكنه الأداء منه أو غلت أعيان ماله فصارت قيمتها وافية بحقوق الغرماء بحيث يمكنه أداء الثمن كله لم يملك الفسخ لزوال سببه ولأنه مكنه الوصول إلى ثمن سلعته من المشتري فلم يكن له الفسخ كما لو لم يفلس (فصل) فإن اشترى المفلس من إنسان سلعة بعد الحجر في ذمته وتعذر الاستيفاء لم يكن له الفسخ سواء علم أو لم يعلم لأنه لا يستحق المطالبة بثمنها فلا يستحق الفسخ لتعذره كما لو كان ثمنها مؤجلاً ولأن العالم بالفلس دخل على بصيرة بخراب الذمة أشبه من اشترى معيباً يعلم عيبه، وفيه وجه آخر له الخيار لعموم الخبر ولأنه عقد عليه وقت الفسخ فلم يسقط حقه من الفسخ كما لو تزوجت امرأة فقيراً معسراً بنفقتها، وفيه وجه ثالث إن كان عالماً بفلسه فلا فسخ له، وإن لم يعلم فله الفسخ كمشتري المعيب ويفارق المعسر بالنفقة لكون النفقة يتجدد وجوبها كل يوم فالرضا بالمعسر بها رضا بعيب ما لم يجب

وإن عفا السيد على مال أو كانت موجبة للمال فاقتص منه جعل مكانه

بخلاف مسئلتنا، وإنما يشبه هذا إذا تزوجت معسراً بالصداق وسلمت نفسها إليه ثم أرادت الفسخ (فصل) وإن استأجر أرضاً للزرع فأفلس قبل مضي شئ من المدة فللمؤجر فسخ الإجارة لأنه وجد عين ماله وإن كان بعد انقضاء المدة فهو غريم بالأجرة، وإن كان بعد مضي بعضها لم يملك الفسخ في قياس قولنا في المبيع إذا تلف بعضه قال المدة ههنا كالمبيع ومضي بعضها كتلف بعضه لكن يعتبر مضي مدة لمثلها أجر لأنه لا يمكن التحرز عن مضي جزء منها بحال، وقال القاضي في موضع آخر من اكترى أرضاً فزرعها ثم أفلس ففسخ صاحب الأرض فعليه تبقية زرع المفلس إلى حين الحصاد بأجر مثله لأن المعقود عليه المنفعة فإذا فسخ العقد فسخه فيما ملك عليه بالعقد وقد تعذر ردها عليه فكان عليه عوضها كما لو فسخ البيع بعد تلف المبيع فله قيمته، ويضرب بذلك مع الغرماء كذاههنا، ويضرب مع الغرماء بأجر المثل دون المسمى وهذا مذهب الشافعي وهذا لا يقتضيه مذهبنا ولا يشهد بصحته الخبر ولا يصح في النظر. أما الخبر فلأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قال " من أدرك متاعه بعينه عند رجل قد أفلس فهو أحق به " وهذا ما أدرك متاعه بعينه ولا هو أحق به بالإجماع فإنهم وافقوا على وجوب تبقيتها وعدم الرجوع في عينها ولأن معنى قوله من أدرك متاعه بعينه أي على وجه يمكنه أخذه ويتعلق حقه بعينه وليس هذا كذلك، وأما النظر فإن البائع إنما كان أحق بعين ماله لتعلق حقه بالعين وإمكان رد ماله إليه بعينه فيرجع على من تعلق حقه بمجرد الذمة وهذا لم يتعلق حقه بالعين

ولا أمكن ردها إليه وإنما صار فائدة الرجوع الضرب بالقيمة دون المسمى وليس هذا هو المقتضي في محل النص ولا هو في معناه فإثبات الحكم به تحكم بغير دليل، ولو اكترى من يحمل له متاعاً إلى بلد ثم أفلس المكتري قبل حمل شئ فللمكتري الفسخ. وإن حمل البعض أو بعض المسافة لم يكن له الفسخ في قياس المذهب وقياس قول القاضي له ذلك وإذا فسخ سقط عنه حمل ما بقي وضرب مع الغرماء بقسط ما حمل من الأجر المسمى وعلى قياس قول القاضي ينفسخ العقد في الجميع ويضرب بقسط ما حمل من أجر المثل لما ذكرنا من قوله في المسألة التي حكينا قوله فيها (فصل) وإن أقرض رجلاً مالاً ثم أفلس المقترض وعين المال قائمة فله الرجوع فيها لقوله عليه السلام " من أدرك متاعه بعينه عند رجل قد أفلس فهو أحق به " ولأنه غريم وجد عين ماله فكان له أخذها كالبائع فإن أصدق امرأة عينا ثم أنفسخ نكاحها بسبب من جهتها يسقط صداقها أو طلقها قبل الدخول بها فاستحق الرجوع في نصفه وقد أفلست ووجد عين ماله فهو أحق بها لما ذكرنا (فصل) وانما يستحق الرجوع في السلعة بشروط خمسة (أحدها) أن يكون المفلس حيا فإن مات

فالبائع أسوة الغرماء سواء علم بفلسه قبل الموت فحجر عليه ثم مات أو مات فتبين فلسه وبهذا قال مالك، وإسحاق، وقال الشافعي له الفسخ واسترجاع العين لما روى ابن خلدة الزرقي قاضي المدينة قال: أتينا أبا هريرة في صاحب لنا قد أفلس فقال أبو هريرة هذا الذي قضى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم " أيما رجل مات أو أفلس فصاحب المتاع أحق بمتاعه إذا وجده بعينه " رواه أبو داود وابن ماجة ولأن هذا العقد يلحقه الفسخ بالإقالة فجاز فسخه لتعذر العوض كما لو تعذر المسلم فيه، ولأن الفلس سبب لاستحقاق الفسخ فجاز الفسخ به بعد الموت كالعيب ولنا ما روى أبو بكر بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث المفلس " فإن مات فصاحب المتاع أسوة الغرماء " رواه أبوداد وروى أبو اليمان عن الزبيدي عن الزهري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أيما امرئ مات وعنده مال امرى بعينه اقتضى

من ثمنه شيئاً أولم يقتض فهو أسوة الغرماء " رواه ابن ماجه ولأنه تعلق به حق غير المفلس والغرماء وهم الورثة فأشبه الموهوب وحديثهم مجهول الإسناد قاله ابن المنذر، وقال ابن عبد البر يرويه أبو المعتمر عن الزرقي وأبو المعتمر غير معروف بحمل العلم، ثم هو غير معمول به إجماعاً فإنه جعل المتاع لصاحبه بمجرد موت المشتري من غير شرط فلسه ولا تعذر وفائه ولا عدم قبض ثمنه، والأمر بخلاف ذلك عند جميع العلماء إلا ما حكي عن الاصطخري من أصحاب الشافعي أنه قال لصاحب السلعة أن يرجع فيها إذا مات المشتري، وإن خلف وفاء وهذا شذوذ عن اقوال أهل العلم وخلاف للسنة لا يعرج على مثله ويفارق حال الحياة حالة الموت لا مرين (أحدهما) أن الملك في الحياة للمفلس وههنا لغيره (الثاني) أن ذمة المفلس خربت ههنا خراباً لا يعود واختصاص هذا بالعين يضر بالغرماء كثيراً بخلاف حال الحياة (الشرط الثاني) أن لا يكون البائع قبض من ثمنها شيئاً فإن كان قد قبض بعض ثمنها سقط حق الرجوع

وإن أقر الراهن أنه أعتق العبد قبل رهنه فالحكم في ذلك كما لو أعتقه بعد رهنه

وبهذا قال إسحاق والشافعي في القديم. وقال في الجديد له أن يرجع في قدر ما بقي من الثمن لأنه سبب ترجع به العين كلها إلى العاقد فجاز أن يرجع في بعضها كالفرقة قبل الدخول في النكاح، وقال مالك هو مخير إن شاء رد ما قبضه ورجع في جميع العين وإن شاء حاص الغرماء ولم يرجع ولنا ماروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم " أيما رجل أفلس فوجد رجل عنده ماله ولم يكن اقتضى من ماله شيئاً فهو له " رواه الإمام أحمد ورواه أبو بكر بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أيما رجل باع سلعة فأدرك سلعته بعينها عند رجل قد أفلس ولم يكن قبض من ثمنها شيئاً فهي له وإن كان قبض من ثمنها شيئاً فهو أسوة الغرماء " رواه أبو داود وابن ماجة ولأن في الرجوع في قسط ما بقي تبعيضا للصفقة على المشتري واضراراً به وليس ذلك للبائع، فإن قيل لا ضرر عليه في ذلك لأن ماله يباع ولا يبقى له فيزول عنه الضرر قلنا لا يندفع الضرر بالبيع فإن قيمة الشقص تنقص ولا يرغب فيها مشقصاً فيتضرر المفلس والغرماء بنقص القيمة ولأنه سبب يفسد به البيع فلم يجز تشقيصه كالرد بالعيب والخيار وقياس البيع على البيع أولى من قياسه على النكاح، ولا فرق بين كون المبيع عيناً واحدة أو عينين لما ذكرنا من الحديث والمعنى، فإن قيل حديثكم يرويه أبو بكر بن عبد الرحمن عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا ولا حجة في المراسيل قلنا قد رواه مالك وموسى بن عقبة عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي هريرة كذلك ذكره ابن عبد البر واخرجه أبو داود وابن ماجه والدارقطني في سننهم متصلاً فلا يضر إرسال من أرسله على أن حديثنا الأول يكفي في الدلالة وهو متصل رواه الإمام أحمد. (فصل) الشرط الثالث أن تكون السلعة باقية بعينها لم يتلف بعضها فإن تلف جزء منها كبعض أطراف العبد أو ذهبت عينه أو تلف بعض الثوب أو انهدم بعض الدار أو اشترى شجراً مثمراً لم تظهر ثمرته فتلفت

وإن أقر أنه كان جنى أو أنه باعه أو غصبه قبل على نفسه ولم يقبل على المرتهن إلا أن يصدقه

الثمرة أو نحو هذا لم يكن للبائع الرجوع وكان أسوة الغرماء وبهذا قال إسحاق، وقال مالك والاوزاعي والشافعي والعنبري له الرجوع في الباقي ويضرب مع الغرماء بحصة التالف لأنها عين يملك الرجوع في جميعها فملك الرجوع في بعضها كالذي له الخيار وكالأب فيما وهب لولده ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " من أدرك متاعه بعينه عند إنسان قد أفلس فهو أحق به " بشرط أن يجده بعينه وهذا لم يجده بعينه، ولأنه إذا أدركه بعينه حصل له بالرجوع فصل الخصومة وانقطاع ما بينهما من المعاملة بخلاف ما إذا وجد بعضه، ولا فرق بين أن يرضى بالموجود بجميع الثمن أو يأخذ بقسطه منه لأنه فات شرط الرجوع، وإن كان المبيع عينين كعبدين أو ثوبين تلف أحدهما أو نقص ففي جواز الرجوع في الباقي منهما روايتان (إحداهما) لا يرجع نقلها منه أبو طالب قال لا يرجع ببقية العين ويكون أسوة الغرماء لأنه لم يجد المبيع بعينه فأشبه مالو كان عينا واحدة، ولأن بعض المبيع تالف فلم يملك الرجوع فيه كما لو قطعت يد العبد، ونقل الحسن بن ثواب عن أحمد أن كان ثوباً واحداً فتلف بعضه فهو أسوة الغرماء، وإن كان رزماً فتلف بعضها فإنه يأخذ بقيتها إذا كان بعينه لأن السالم من المبيع وجده البائع بعينه فيدخل في عموم الحديث المذكور، ولأنه مبيع وجده بعينه فكان للبائع الرجوع فيه كما لو كان جميع المبيع، فإن باع بعض المبيع أو وهبه أو وقفه فهو بمنزلة تلفه لأن البائع ما أدرك ماله بعينه (فصل) فإن تغيرت صفتها بما يزيل اسمها فطحن الحنطة أو زرعها أو خبز الدقيق أو عمل الزيت صابوناً أو قطع الثوب قميصاً، أو نسج الغزل ثوباً أو نجر الخشبة أبواباً، أو عمل الشريط إبراً أو شيئاً فصل به ما أزال سقط حق الرجوع، وقال الشافعي فيه قولان (أحدهما) به أقول يأخذ عين ماله

ويعطي قيمة عمل المفلس فيها لأن عين ماله موجودة، وإنما تغير اسمها فأشبه مالو كان المبيع حملاً فصار كبشاً أو ودياً فصار نخلاً. ولنا أنه لم يجد متاعه بعينه فلم يكن له الرجوع كما لو تلف والأصل الذي قاسوا عليه ممنوع وإن سلم فإنه لم يتغير اسمه بخلاف مسئلتنا (فصل) فإن كان حباً فصار زرعاً أو بالعكس أو نوى فنبت شجراً أو بيضاً فصار فرخاً سقط الرجوع، وقال القاظي لا يسقط وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي المنصوص عليهما لأن الزرع نفس الحب والفرخ نفس البيضة. ولنا أنه لم يجد عين ماله فلم يرجع كما لو أتلفه متلف فأخذ قيمته، ولأن الحب أعيان ابتدأها الله تعالى لم تكن موجودة عند البيع، وكذلك أعيان الزرع والفرخ، ولو استأجر أرضاً واشترى بذراً وماء فزرع وسقى واستحصد وأفلس فالمؤجر وبائع البذر والماء غرماء لاحق لهم في الرجوع لأنهم لم يجدوا أعيان امواله، وعلى قول من قال له الرجوع في الزرع تكون عليه غرامة الأجرة وثمن الماء أو قيمة ذلك {مسألة} (ولم يتعلق بها حق من شفعة أو جناية أو رهن) وهذا هو الشرط الرابع وهو أن لا يتعلق بها حق الغير فان رهنها المفلس أو وهبها لم يملك البائع الرجوع كما لو باعها أو أعتقها لأن الرجوع إضرار بالمرتهن ولان يزال الضرر بالضرر، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من وجد متاعه بعينه عند رجل قد أفلس فهو أحق به " وهذا لم يجده عند المفلس ولا نعلم في هذا خلافاً، فإن كان دين المرتهن دون قيمة الرهن بيع كله فقضي منه دين المرتهن والباقي يرد على مال المفلس يشترك فيه الغرماء، والبيع بعضه فباقيه لهم يباع أيضاً ولا يرجع به البائع، وقال القاضي له الرجوع وهو مذهب الشافعي لأنه عين ماله وهذا مثل تلف بعض المبيع وقد ذكرناه وما ذكره القاضي لا يخرج على المذهب لأن تلف بعض المبيع يمنع الرجوع فكذلك ذهاب

بعضه بالبيع، ولو رهن بعض العبد لم يكن للبائع الرجوع في باقيه لما ذكرنا، فإن كان المبيع عينين فرهن إحداهما فهل يملك البائع الرجوع في الاخرى؟ على وجهين بناء على الروايتين فيما إذا تلفت إحدى العينين، فإن فك الرهن قبل فلس المشتري أو أبرأه من دينه فللبائع الرجوع لأنه أدرك عين ماله عند المشتري، وإن أفلس وهو رهن فأبرأ المرتهن المشتري من دينه أو قضى الدين عن غيره فللبائع الرجوع أيضاً لذلك (فصل) فإن كان المبيع شقصاً مشفوعاً ففيه أوجه ثلاثة (أحدها) البائع أحق به هذا قول ابن حامد للخبر ولأنه إذا رجع فيه عاد الشقص إليه فيزول الضرر عن الشفيع لأنه عاد كما كان قبل البيع (والثاني) أن الشفيع أحق وهو الذي ذكره شيخنا ههنا وحكاه أبو الخطاب لأن حقه أسبق فكان أولى لأن حق البائع ثبت بالحجر وحق الشفيع ثبت بالبيع، ولأن حقه آحد لأنه يستحق إنتزاع الشقص من المشتري وممن نقله إليه، وحق البائع إنما يتعلق بالعين مادامت في يد المشتري ولا يزول الضرر عنه برده إلى البائع بدليل مالو باعه المشتري من بائعه أو وهبه إياه أو أقاله فإنه لا يسقط حق الشفيع (والوجه الثالث) أن الشفيع إن كان طالب بالشفعة فهو أحق لتأكد حقه بالمطالبة وإن لم يكن طالب فالبائع أولى. ولأصحاب الشافعي وجهان كالاولين، وهم وجه ثالث أن الثمن يؤخذ من الشفيع فيخص به البائع جمعاً بين الحقين فإن غرض الشفيع في عين الشقص المشفوع وغرض البائع في ثمنه فيحصل ذلك بما ذكرنا، وليس هذا جيداً لأن حق البائع انما يثبت في العين، فإذا صار الأمر الى وجوب الثمن تعلق بذمته فساوى الغرماء فيه (فصل) فإن كان المبيع عبداً فأفلس المشتري بعد تعلق أرش الجناية برقبته ففيه وجهان (أحدهما) ليس للبائع الرجوع لأن تعلق الرهن به يمنع الرجوع وأرش الجناية يقدم على حق المرتهن فأولى أن

يمنع وهذا ذكره أبو الخطاب (والثاني) لايمنع الرجوع لأنه حق لايمنع تصرف المشتري فيه بخلاف الرهن، فإن قلنا لا يرجع فحكمه حكم الرهن، وإن قلنا له الرجوع فهو مخير إن شاء رجع فيه ناقصاً بأرش الجناية، وإن شاء ضرب بثمنه مع الغرماء، وإن أبرأ الغرماء من الجناية فللبائع الرجوع لأنه وجد متاعه بعينه خالياً من تعلق حق غيره به (فصل) فإن أفلس بعد خروج المبيع من ملكه ببيع أو عتق أو وقف أو غير ذلك لم يكن للبائع الرجوع لأنه لم يدرك متاعه بعينه عند المفلس سواء كان المشتري يمكنه استرجاع المبيع بخيار له أو عيب في ثمنه أو رجوعه في هبة ولده أو غير ذلك لما ذكرنا، فإن أفلس بعد رجوع ذلك إلى ملكه ففيه أوجه ثلاثة (أحدها) له الرجوع للخبر، ولأنه أدرك عين ماله خالياً عن حق غيره أشبه مالو لم يبعه (الثاني) لا يرجع لأن هذا الملك لم ينتقل إليه منه فلم يملك فسخه ذكر أصحابنا الوجهين، ولأصحاب الشافعي مثل ذلك (والثالث) أنه إن عاد إليه بسبب جديد كبيع أو هبة أو إرث أو وصيه لم يكن للبائع الرجوع لأنه لم يصل إليه من جهته، وإن عاد إليه بفسخ كالإقالة والرد بعيب أو خيار ونحوه فللبائع الرجوع لأن هذا الملك استند إلى السبب الأول فإن فسخ العقد الثاني لا يقتضي ثبوت الملك وإنما زال السبب المزيل لملك البائع فثبت الملك بالسبب الأول فملك استرجاع ما ثبت الملك فيه ببيعه {مسألة} (ولم تزد زيادة متصلة كالسمن وتعلم صنعة) وهذا هو الشرط الخامس وهو أن لا يكون المبيع زاد زيادة متصلة كالسمن والكبر وتعلم الكتابة أو القرآن ونحو ذلك فيمنع الرجوع وهذا اختيار الخرقي، وروى الميموني عن أحمد انها لا تمنع وهو مذهب مالك والشافعي لأن مالكاً يخير الغرماء بين أن يعطوه السلعة أو ثمنها الذي باعها به، واحتجوا بالخبر وبأنه فسخ لا تمنع منه الزيادة المنفصلة فلم تمنع المتصلة كالرد بالعيب وفارق الطلاق فإنه ليس

وإن عجز عن استئذانه ولم يستأذن الحاكم فعلى روايتين

بفسخ، ولأن الزوج يمكنه الرجوع في قيمة العين فيصل إلى حقه تاماً وههنا لا يمكنه الرجوع في الثمن ولنا أنه فسخ بسبب حادث فلم يملك به الرجوع في عين المال الزائدة زيادة متصلة كفسخ النكاح بالإعسار أو الرضاع، ولأنها زيادة في ملك المفلس فلم يستحق البائع أخذها كالمنفصلة وكالحاصل بفعله، ولأن النماء لم يصل إليه من البائع فلم يستحق أخذه منه كغيره من أمواله وفارق الرد بالعيب لوجهين (أحدهما) أن الفسخ فيه من المشتري فهو راض بإسقاط حقه من الزيادة وتركها للبائع بخلاف مسئلتنا (الثاني) أن الفسخ لمعنى قارن العقد وهو العيب القديم والفسخ ههنا حادث فهو أشبه بفسخ النكاح الذي لا يستحق به استرجاع العين الزائدة، وقولهم أن الزوج إنما لم يرجع في العين لكونه يندفع عنه الضرر بالقيمة لا يصح فإن اندفاع الضرر عنه بطريق آخر لا يمنعه من أخذ حقه من العين ولأنه لو كان مستحقاً للزيادة لم يسقط حقه منها بالقدرة على أخذ القيمة كمشتري المعيب، ثم كان ينبغي أن يأخذ قيمة العين زائدة لكون الزيادة مستحقة له فلما لم يكن كذلك علم أن المانع من الرجوع كون الزيادة للمرأة، ولأنه لا يمكن فصلها فكذلك ههنا بل أولى فإن الزيادة ههنا يتعلق بها حق المفلس والغرماء فمنع البائع من أخذ زيادة ليست له أولى من تفويتها على الغرماء الذين لم يصلوا إلى تمام حقوقهم والمفلس المحتاج إلى تبرئة ذمته عند اشتداد حاجته، وأما الخبر فمحمول على من وجد متاعه على صفته ليس بزائد ولم يتعلق به حق آخر وههنا قد تعلق به حقوق الغرماء لما فيه من الزيادة لما ذكرنا من الدليل. يحققه أنه إذا كان تلف بعض المبيع مانعاً له من الرجوع من غير ضرر يلحق بالمفلس ولا الغرماء فلأن تمنع الزيادة فيه مع تفويتها بالرجوع عليهم أولى، ولأنه إذا رجع في الناقص فما رجع الافيما باعه وخرج منه، فإذا رجع في الزائد أخذ ما لم يبعه واسترجع ما لم يخرج عنه فكان بالمنع أحق

وكذلك الحكم في الوديعة وفي نفقة الجمال إذا هرب الجمال وتركها في يد المكتري

{مسألة} (فأما الزيادة المنفصلة والنقص بهزال أو نسيان صنعة فلا يمنع الرجوع والزيادة للمفلس وعنه للبائع) وجملة ذلك أن الزيادة المنفصلة كالولد والثمرة والكسب لا تمنع الرجوع بغير خلاف بين أصحابنا وهو قول مالك والشافعي وسواء نقص بها المبيع أو لم ينقص إذا كان نقص صفة والزيادة للمفلس وهذا ظاهر كلام الخرقي لانه منع الرجوع بالزيادة المتصلة لكونها للمفلس فالمنفصلة أولى وهو قول ابن حامد والقاضي وهو مذهب الشافعي وهو الصحيح إن شاء الله تعالى، وقال أبو بكر الزيادة للبائع وهو مذهب مالك، ونقل حنبل عن أحمد في ولد الجارية ونتاج الدابة هو للبائع لأنها زيادة فكانت للبائع كالمتصلة. ولنا أنها زيادة في ملك المشتري فكانت له كما لو رده بعيب، ولأنه فسخ استحق به استرجاع العين فلم يستحق الزيادة المنفصلة كفسخ البيع بالعيب أو الخيار والإقالة وفسخ النكاح بسبب من أسباب الفسخ، ولأن قول النبي صلى الله عليه وسلم " الخراج بالضمان " يدل على أن النماء والغلة للمشتري لكون الضمان عليه وقياسهم على الزيادة المتصلة الأصل فيه ممنوع، ثم لو سلم ثم فالفرق ظاهر فإن المتصلة تتبع في الفسوخ والرد بالعيب بخلاف المنفصلة. قال شيخنا: ولا ينبغي أن يقع في هذا خلاف لظهوره، وكلام أحمد في رواية حنبل يحمل على أنه باعهما في حال حملهما فيكونان بسببين، ولهذا خص هذين بالذكر دون بقية النماء (فصل) فإن نقصت مالية المبيع لذهاب صفة مع بقاء عينه كعبد هزل أو نسي صناعة أو كتابة أو كبر أو تغير عقله أو كان ثوباً فخلق لم يمنع الرجوع لأن فقد الصفة لا يخرجه عن كونه عين ماله لكنه يخير بين أخذه ناقصاً بجميع حقه وبين أن يضرب مع الغرماء بكمال ثمنه لأن الثمن لا يتقسط على صفة السلعة من سمن أو هزال أو علم أو نحوه فيصير كنقصه لتغير الاسعار، ولو كان المبيع أمة

فإن فهو رهن بحاله وإن سلمه بطل الرهن

ثيباً فوطئها المشتري ولم تحمل فله الرجوع فيها لما ذكرنا فإنها لم تنقص في ذات ولا صفات، وإن كانت بكراً فقال القاضي له الرجوع لأن فقد صفة فإنه لم يذهب منها جزء وإنما هو كالجراح، وقال أبو بكر ليس له الرجوع لأنه أذهب منها جزأ فأشبه مالو فقأ عينها، وإن وجد الوطئ من غير المفلس فهو كوطئ المفلس فيما ذكرنا (فصل) وإن جرح العبد أو شج فعلى قول أبي بكر لا يرجع لأنه ذهب جزء ينقص به الثمن أشبه مالو فقئت عين العبد، ولأنه ذهب من العين جزء له بدل فمنع الرجوع كما لو قطعت يد العبد، ولأنه لو كان نقص صفة مجردة لم يكن مع الرجوع فيها شئ سواه كما ذكرنا في هزال العبد ونسيان الصنعة وههنا بخلافه، ولأن الرجوع في المحل المنصوص عليه يقطع النزاع ويزيل المعاملة بينهما فلا يثبت في محل لا يثبت به هذا المقصود، وقال القاضي قياس المذهب أن له الرجوع لأنه فقد صفة فأشبه نسيان الصنعة واستخلاق الثوب، فإذا رجع نظرنا في الجرح فإن كان مما لا أرش كله كالحاصل بفعل الله تعالى أو فعل بهيمة أو جناية عبده أو جناية العبد على نفسه فليس له مع الرجوع أرش، وإن كان الجرح موجباً لأرش كجناية الأجنبي فللبائع إذا رجع أن يضرب مع الغرماء بحصة ما نقص من الثمن فينظر كم نقص من قيمته فيرجع بقسط ذلك من الثمن لأنه مضمون على المشتري للبائع بالثمن، فإن قيل فهلا جعلتم له الأرش الذي وجب على الأجنبي لأنه لو لم يجب به أرش لم يرجع بشئ فلا يجوز أن يرجع بأكثر من الأرش؟ قلنا لما أتلفه الأجنبي صار مضموناً بإتلافه للمفلس فكان الأرش له وهو مضمون على المفلس للبائع بالثمن فلا يجوز أن يضمنه بالأرش، وإذا لم يتلفه أجنبي لم يكن مضموناً فلا يجب بفواته شئ، فإن قيل فهلا فكان هذا الأرش للمشتري ككسبه لا يضمنه للبائع؟ قلنا الكسب بدل منافعه ومنافعه مملوكة للمشتري بغير عوض وهذا بدل جزء من العين والعين جميعها

فإن لم يستغرق الأرش قيمته بيع منه بقدره وباقيه رهن، وقيل يباع جميعه ويكون باقي ثمنه رهنا

مضمونة بالعوض فلهذا ضمن ذلك للمشتري (فصل فإن اشترى زيتاً فخلطه بزيت آخر أو قمحاً فخلطه بما لا يمكن تمييزه منه سقط حق الرجوع، وقال مالك يأخذ أرشه، وقال الشافعي إن خلطه بمثله أو دونه لم يسقط الرجوع وله أن يأخذ متاعه بالكيل والوزن، وإن خلطه بأجود منه ففيه قولان (أحدهما) يسقط حقه، قال الشافعي وبه أقول واحتجوا بأن عين ماله موجودة من طريق الحكم فكان له الرجوع كما لو كانت منفردة ولأنه ليس له أكثر من اختلاط ماله بغيره فلم يمنع الرجوع كما لو اشترى ثوباً فصبغه أو سويقاً فلته. ولنا أنه لم يجد عين ماله فلم يكن له الرجوع كما لو تلفت، ولأن ما يأخذه عوضاً عن ماله فلم يختص به دون الغرماء كما لو تلف ماله، وقول النبي صلى الله عليه وسلم " من أدرك متاعه بعينه " أي من قدر عليه وتمكن من أخذه من المفلس بدليل ما لو وجده بعد زوال ملك المفلس عنه، أو كان مسامير قد سمر بها باباً أو حجراً قد بنى عليه. أو خشباً في سقفه أو أمة استولدها وهذا إذا اخذ مثله أو قيمته إنما يأخذ عوض ماله فهو كالثمن والقيمة وفارق المصبوغ فإن عينه يمكنه أخذها والسويق كذلك فاختلفا {مسألة} (وإن صبغ الثوب أو قصره لم يمنع الرجوع والزيادة للمفلس) إذا صبغ المفلس الثوب أو لت السويق بزيت فقال أصحابنا لبائع الثوب والسويق الرجوع في أعيان أموالهما وهو مذهب الشافعي لأن عين مالهما قائمة مشاهدة ما تغير اسمها ويكون المفلس شريكا لصاحب الثوب والسويق بما زاد عن قيمتهما فإن حصل زيادة فهي له، وإن حصل نقص فعليه، وإن نقصت قيمة الثوب أو السويق، فإن شاء البائع أخذهما ناقصين ولا شئ له، وإن شاء تركهما وله أسوة الغرماء لأن هذا نقص صفة فهو كالهزال. قال شيخنا: ويحتمل أن لا يكون له الرجوع إذا

زادت القيمة لأنه اتصل بالمبيع زيادة للمفلس فمنعت الرجوع كسمن العبد. ولأن الرجوع لا يتخلص به البائع من المفلس ولا يحصل به المقصود من قطع المنازعة وإزالة المعاملة. بل يحصل له ضرر الشركة فلم يكن في معنى المنصوص عليه فلا يمكن إلحاقه به (فصل) فإن قصر الثوب لم يخل من حالين (أحدهما) أن لا تزيد قيمته بذلك فللبائع الرجوع فيه لأن عين ماله قائمة لم يزل اسمها ولم يتلف بعضها ولا اتصلت بغيرها فكان له الرجوع كما لو علم العبد صناعة لم تزد بها قيمته، وسواء نقصت قيمته بذلك أو لم تنقص لأن ذلك النقص نقص صفة فلا فلا يمنع الرجوع كنسيان صناعة وهزال العبد ولا شئ له مع الرجوع (الثاني) أن تزيد قيمته بذلك فليس للبائع الرجوع في قياس قول الخرقي لأنه زاد زيادة لا تتميز زيادتها فلم يملك البائع الرجوع فيه كسمن العبد ولأنه لم يجد عين ماله متميزة عن غيرها فلم يملك الرجوع كبائع الصبغ إذا صبغ به، وقال القاضي وأصحابه له الرجوع فيها لأنه أدرك متاعه بعينه ولأنه وجد عين ماله لم يتغير اسمها ولا ذهبت عينها فملك الرجوع فيها كما لو صبغها فعلي قولهم إن كانت القصارة بعمل المفلس أو بأجرة وفاها فهما شريكان في الثوب فإذا كانت قيمة الثوب خمسة فصار يساوي ستة فللمفلس سدسه وللبائع خمسة أسداسه فإن اختار البائع دفع قيمة الزيادة إلى المفلس لزمه قبولها لأنه يتخلص بذلك من ضرر الشركة من غير مضرة تلحقه فأشبه مالو دفع الشفيع قيمة البناء إلى المشتري، وإن لم يختر بيع الثوب وأخذ كل واحد بقدر حقه، وإن كان العمل من صانع لم يستوف أجره فله حبس الثوب على استيفاء أجره فإن كانت الزيادة بقدر الاجر دفعت إليه، وإن كانت أقل فله حبس الثوب على قدر الزيادة ويضرب مع الغرماء بما يبقى، وإن كانت أكثر مثل ان تكون الزيادة درهمين والأجر درهم فله قدر أجره وما فضل للغرماء

(فصل) وإن اشترى صبغاً فصبغ به ثوباً أو زيتاً فلت به سويقاً فبائعهما أسوة الغرماء، وقال أصحاب الشافعي له الرجوع لأنه وجد عين ماله. قالوا ولو اشترى ثوبا وصبغا فصبغ الثوب بالصبغ رجع بائع كل شئ في عين ماله وكان بائع الثوب، وإن حصل نقص فهو من صاحب الصبغ لأنه الذي يتفرق وينقص والثوب بحاله فإذا كانت قيمة الثوب عشرة وقيمة الصبغ خمسة فصارت قيمتهما اثنا عشر كان لصاحب الثوب خمسة أسداس الثوب وللآخر سدسه ويضرب مع الغرماء بما نقص وذلك ثلاثة دراهم وذكر القاضي في موضع مثل هذا ولنا أنه لم يجد عين ماله فلم يكن له الرجوع كما لو تلف ولأن المشتري شغله بغيره على وجه البيع فلم يملك بائعه الرجوع فيه كما لو كان حجراً فبنى عليه أو مسامير سمر بها بابا، ولو اشترى ثوباً وصبغاً من واحد فصبغه به فقال أصحابنا هو كما لو كان الصبغ من غير بائع الثوب، فعلى قولهم يرجع في الثوب وحده ويكون المفلس شريكا له بزيادة الصبغ ويضرب مع الغرماء بثمن الصبغ، ويحتمل أن يرجع فيهما ههنا لأنه وجد عين ماله متميزاً عن غيره فكان له الرجوع فيه للخبر ولأن المعنى في المحل الذي ثبت فيه الرجوع موجود ههنا فملك الرجوع به كما يملكه ثم، ولو اشترى دفوفاً ومسامير من بائع واحد فسمرها به رجع بائعهما فيهما لذلك وكذلك ما أشبهه (فصل) ولو اشترى أمة حاملا ثم أفلس وهي حامل فله الرجوع فيها إلا أن يكون الحمل قد زاد بكبره وكثرت قيمتها بسببه فيكون من قبيل الزيادة المتصلة على ما مضى، وإن أفلس بعد وضعها فقال القاضي له الرجوع فيهما بكل حال من غير تفصيل. قال شيخنا والصحيح أننا إن قلنا إن الحمل لاحكم له فالولد زيادة منفصلة لا يمنع الرجوع فيها على قول أبي بكر لأن الزيادة المنفصلة عنده للبائع وهذه زيادة منفصلة، وعلى قول غيره يكون الولد للمفلس فيحتمل أن يمتنع الرجوع في الأم لئلا يفضي

إلى التفريق بين الأم وولدها، ويحتمل أن يرجع في الأم ويدفع قيمة الولد ليكونا جميعاً له وإن لم يفعل بيعت الأم وولدها جميعاً وقسم الثمن على قدر قيمتهما فما خص الأم فهو للبائع وما خص الولد للمفلس وإن قلنا أن للولد حكما وهو الصحيح لما ذكرناه فيما تقدم كانت الأم والولد قد زادا بالوضع فحكمه حكم المبيع الزائد زيادة متصلة، وإن لم يزيدا جاز الرجوع فيهما، وإن زاد أحدهما دون الآخر خرج على الروايتين فيما اذا كان المبيع عينين فتلف بعض إحداهما هل يمنع ذلك الرجوع في الاخرى؟ كذلك يخرج ههنا وجهان (أحدهما) أن له الرجوع فيما لم يزد دون ما زاد فيكون حكمه حكم الرجوع في الأم دون الولد على ما فصلناه (والثاني) ليس له الرجوع في شئ منهما لأنه لم يجد المبيع إلا زائداً فأشبه العين الواحدة، فإن كان المبيع حيواناً غير الامة فحكمه حكمها إلا في التفريق بينهما فإنه جائز بخلاف الأمة (فصل) فإن اشترى حائلا فحملت ثم أفلس وهي حامل فزادت قيمتها به فهي زيادة متصلة تمنع الرجوع على قول الخرقي ولا تمنعه على رواية الميموني، وإن أفلس بعد وضعها فهي زيادة منفصلة فتكون للمفلس على الصحيح وتمنع الرجوع في الأم دون ولدها لما فيه من التفريق بينهما وهذا أحد قولي الشافعي، ويحتمل أن يرجع في الأم على ما ذكرنا في التي قبلها، وعلى قول أبي بكر الزيادة للبائع فيكون له الرجوع فيهما، وقال القاضي إذا وجدها حاملا انبنى على أن الحمل هل له حكم أولا؟ فإن قلنا لا حكم له جرى مجرى الزيادة المتصلة، وإن قلنا له حكم فالولد في حكم المنفصل تتربص به حتى تضع ويكون الحكم فيه كما لو وجده بعد وضعه، وإن كان الحمل في غير الآدمية جاز التفريق بينهما كما تقدم (فصل) فإن كان المبيع نخلا أو شجراً فأفلس المشتري لم يخل من أربعة أحوال (أحدها) أن

يفلس وهي بحالها لم تزد ولم تثمر ولم يتلف بعضها فله الرجوع فيها (الثاني) أن يكون فيها ثمر ظاهر أو طلع مؤبر فيشترطه المشتري فيأكله أو يتصرف فيه أو يذهب بجائحة ثم يفلس فهذا في حكم مالو اشترى عينين فتلفت إحداهما ثم أفلس فهل للبائع الرجوع في الأصول ويضرب مع الغرماء بحصة التالف من الثمر؟ على روايتين وإن تلف بعضها فهو كتلف جميعها، وإن زادت أو بدا صلاحها فهذه زيادة متصلة في إحدى العينين وقد ذكرنا بيان حكمها (الحال الثالث) أن يبيعه نخلا قد أطلعت ولم تؤبر أو شجراً فيه ثمرة لم تظهر فهذه تدخل في مطلق البيع فإن أفلس بعد تلف الثمرة أو بعضها أو الزيادة فيها أو بدو صلاح فحكم ذلك حكم تلف بعض المبيع وزيادته المتصلة لأن المبيع كان بمنزلة العين الواحدة ولهذا دخل الثمر في مطلق البيع بخلاف التي قبلها (الحال الرابع) باعه نخلا حائلاً فأطلعت أو شجراً فأثمر فذلك على أربعة أضرب (أحدها) أن يفلس قبل تأبيرها فالطلع زيادة متصلة تمنع الرجوع وهو اختيار الخرقي كالسمن ويحتمل أن يرجع في النخل دون الطلع لأنه يمكن فصله ويصح افراده بالبيع فهو كالمؤبر بخلاف السمن وهذا قول ابن حامد، وعلى رواية الميموني لا يمنع بل يرجع ويكون الطلع للبائع كما لو فسخ العيب وهو أحد قولي الشافعي، والقول الثاني يرجع في الأصل دون الطلع وكذلك عندهم الرد بالعيب والأخذ بالشفعة (الضرب الثاني) أفلس بعد التأبير وظهور الثمرة فلا يمنع الرجوع والطلع للمشتري إلا على قول أبي بكر والصحيح الأول لأن الثمرة لاتتبع في البيع الذي يثبت بتراضيهما ففي الفسخ الحاصل بغير رضا المشتري أولى، ولو باعه أرضا فارغه فزرعها المشتري ثم أفلس فإنه يرجع في الأرض دون الزرع وجهاً واحداً لأن ذلك من مال المشتري (الضرب الثالث) أفلس والطلع غير مؤبر فلم يرجع حتى أبر لم يكن له الرجوع فيه كما لو أفلس بعد التأبير لأن العين لا تنتقل إلا باختياره وهذا لم يخترها

وإن جني عليه جناية موجبة للقصاص فللسيد القصاص فإن اقتص فعليه قيمة أقلهما قيمة تجعل مكانه

إلا بعد تأبيرها. فان ادعى البائع الرجوع قبل التأبير وأنكر المفلس فالقول قول المفلس مع يمينه لأن الأصل بقاء ملكه، وإن قال البائع بعت بعد التأبير وقال المفلس بل قبله فالقول قول البائع لهذه العلة فإن شهد الغرماء للمفلس لم تقبل شهادتهم لانهم يجرون إلى أنفسهم نفعاً، وإن شهدوا للبائع وهم عدول قبلت شهادتهم لعدم التهمة في حقهم (الضرب الرابع) أفلس بعد أخذ الثمن أو ذهابها بجائحة أو غيرها فله الرجوع في الأصل والثمرة للمشتري إلا على قول أبي بكر، وكل موضع لا يتبع الثمر الشجر إذا رجع البائع فيه فليس له مطالبة المفلس بقطع الثمرة قبل أوان الجزاز، وكذلك إذا رجع في الأرض وفيها زرع للمفلس فليس له المطالبة بأخذه قبل أوان الحصاد لأن المشتري زرع في أرضه بحق فطلعه على الشجر بحق فلم يلزمه أخذه قبل كماله كما لو باع الأصل وعليه الثمرة أو الأرض وفيها زرع وليس على صاحب الزرع أجر لأنه زرع في أرضه زرعا يحب تبقيته فكأنه استوفى منفعة الأرض فلم يكن عليه ضمان ذلك، إذا ثبت هذا فإن اتفق المفلس والغرماء على التبقية أو القطع فلهم ذلك، وإن اختلفوا فطلب بعضهم القطع وبعضهم التبقية وكان مما لا قيمة له مقطوعاً أو قيمته يسيرة لم يقطع لأن قطعة سفه وإضاعة مال، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعته وإن كانت قيمته كثيرة قدم قول من طلب القطع في أحد الوجهين لأن في تبقيته غرراً ولأن طالب القطع إن كان المفلس فهو يقصد تبرئة ذمته وإن كان الغرماء فهم يطلبون تعجيل حقوقهم وذلك حق لهم وهذا قول القاضي وأكثر الشافعية (الثاني) ينظر ما فيه الحظ فيعمل به لأن ذلك أنفع للجميع والظاهر سلامته، ولهذا يجوز أن يزرع للمولى عليه، وفيه وجه آخر إن كان الطالب القطع الغرماء وجب اجابتهم لأن حقوقهم حالة فلا يلزمهم تأخيرها مع إمكان ايفائها، وإن كان الطالب المفلس دونهم وكان التأخير أحظ لم يقع لأنهم رضوا

وكذلك إن جنى على سيده فاقتص منه هو أو ورثته

بتأخير حقوقهم لحظ يحصل لهم وللمفلس، والمفلس يطلب ما فيه ضرر بنفسه ومنع الغرماء من استيفاء القدر الذي يحصل من الزيادة بالتأخير فلا يلزم الغرماء أجابته إلى ذلك (فصل) فان أقر الغرماء بالطلع أو الزرع للبائع ولم يشهدوا به أو شهدوا به وليسوا عدولاً أو لم يحكم بشهادتهم حلف المفلس وثبت الطلع له ينفرد به دونهم لأنهم يقرون أنه لا حق لهم فيه، فإن أراد دفعة إلى أحدهم أو تخصيصه بثمنه فله ذلك لإقرار باقيهم أنه لا حق لهم فيه فإن امتنع ذلك الغريم من قبوله أجبر عليه أو على الإبراء من قدره من دينه وهذا مذهب الشافعي لأنه محكوم به للمفلس فكان له أن يقضي دينه منه كما لو أدى المكاتب نجوم كتابته إلى سيده فقال سيده هي حرام وأنكر المكاتب، ان أراد قسمة على الغرماء لزمهم قبوله أو الا براء لما ذكرنا، فإن قبضوا الثمرة بعينها لزمهم ردها إلى البائع لأنهم مقرون له بها فلزمهم دفعها إليه كما لو أقروا بعتق عبد ثم اشتروه، فإن باع الثمرة وقسم ثمنها فيهم أو دفعه إلى بعضهم لم يلزمه رد ما أخذ من ثمنها لأنهم اعترفوا بالعين لا بثمنها وإن شهد بعضهم دون بعض، أو أقر بعضهم دون بعض لزم الشاهد أو المقر الحكم الذي ذكرناه دون غيره، وإن عرض عليهم المفلس الثمرة بعينها فأبوا أخذها لم يلزمهم ذلك لأنهم إنما يلزمهم الاستيفاء من جنس ديونهم إلا أن يكون فيهم من له من جنس الثمر أو الزرع كالمقرض والمسلم فيلزمه أخذ ما عرض عليه إذا كان بصفة حقه، ولو أقر الغرماء، بأن المفلس أعتق عبداً له قبل فلسه فأنكر ذلك لم يقبل قولهم إلا أن يشهد منهم عدلان بإعتاقه ويكون حكمهم في قبض العبد وأخذ ثمنه إن عرضه عليهم حكم مالو أقروا بالثمرة للبائع، وكذلك إن أقروا بعين ما في يديه أنها غصب أو عارية أو نحو ذلك فالحكم كما ذكرنا سواء، وإن أقروا بأنه أعتق عبده بعد فلسه انبنى ذلك على صحة عتق المفلس، فإن

وإن عفا السيد عن المال صح في حقه ولم يصح في حق المرتهن، فإذا انفك الرهن رد إلى الجاني، وقال أبو الخطاب يصح وعليه قيمته

قلنا لا يصح عتقه فلا أثر لإقرارهم، وإن قلنا بصحته فهو كإقرارهم بعتقه قبل فلسه فان حكم الحاكم بصحته أو بفساده نفذ حكمه لأنه فصل مجتهد فيه فلزم ما حكم به الحاكم ولا يجوز نقضه ولا تغييره (فصل) فإن صدق المفلس البائع في الرجوع قبل التأبير وكذبه الغرماء لم يقبل إقراره لأن حقوقهم تعلقت بالثمرة ظاهراً فلم يقبل إقراره كما لو أقر بالنخيل وعلى الغرماء اليمين أنهم لا يعلمون أن البائع رجع قبل التأبير لأن هذه اليمين لا ينوبون فيها عن المفلس بل هي ثابتة في حقهم ابتداء بخلاف مالو ادعى حقاً وأقام شاهداً فلم يحلف لم يكن للغرماء أن يحلفوا مع الشاهد لأن اليمين على المفلس فلو حلفوا حلفوا ليثبتوا حقاً لغيرهم ولا يحلف الإنسان ليثبت لغيره حقاً ولا يجوز أن يكون نائباً فيها لأن الإيمان لا تدخلها النيابة وفي مسئلتنا الأصل أن هذا الطلع قد تعلقت حقوقهم به لكونه في يد غريمهم ومتصل بنخله، والبائع يدعي ما يزيل حقوقهم عنه فأشبه سائر أعيان ماله ويحلفون على نفي العلم لأنه يمين على فعل غيرهم فكانت على نفي العلم كيمين الوارث على نفي الدين على الميت، ولو أقر المفلس بعين من أعيان ماله لأجنبي أو لبعض الغرماء فأنكر الباقون فالقول قولهم وعليهم اليمين أنهم لا يعلمون ذلك ومثله لو أقر بغريم آخر يستحق مشاركتهم فأنكروه حلفوا أيضاً على نفي العلم لذلك وإن أقر بعتق عبده انبنى على صحة عتق المفلس فإن قلنا بصحة عتقه صح إقراره وعتق لأن من ملك شيئاً ملك الإقرار به وإن قلنا لا يصح عتقه لم يقبل إقراره وعلى الغرماء اليمين أنهم لا يعلمون ذلك، وكل موضع قلنا على الغرماء اليمين فهي على جميعهم فإن حلفوا وإلا قضي للمدعي إلا أن نقول برد اليمين على المدعى فيحلف ويستحق، وإن حلف بعضهم دون بعض أخذ الحالف نصيبه وحكم الناكل على ما ذكرنا (فصل) وإن أقر المفلس أنه أعتق عبده منذ سنة وكان العبد قد اكتسب بعد ذلك مالاً وأنكر

الغرماء فإن قلنا لا يقبل إقراره حلفوا واستحقوا العبد وكسبه، فإن قلنا يقبل إقراره لم يقبل في كسبه كان للغرماء أن يحلفوا أنهم لا يعلمون أنه أعتقه قبل الكسب ويأخذون كسبه لأن إقراره إنما قبل في العتق دون غيره لصحته منه لكونه ينبني على التغليب والسراية فلا يقبل في المال لعدم ذلك فيه ولا ننا نزلنا إقراره منزلة اعتاقه في الحال فلم نثبت به الحرية فيما مضى فيكون كسبه محكوماً به لسيده كما لو اقر بعتقه ثم أقر له بعين في يده {مسألة} (وإن غرس الأرض أو بنى فيها فله الرجوع ودفع قيمة الغراس والبناء فيملكه إلا أن يختار المفلس والغرماء القلع ومشاركته بالنقص) إذا كان المبيع أرضاً فبناها المشتري أو غرسها ثم أفلس فأراد البائع الرجوع في الأرض نظرت فإن اتفق المفلس والغرماء على قلع الغراس والبناء فلهم ذلك لأن الحق لهم لا يخرج عنهم فإذا قلعوه فللبائع الرجوع في أرضه لأنه وجد عين ماله، فإن أراد الرجوع قبل القلع فله ذلك وهو مذهب الشافعي لأنه أدرك متاعه بعينه وفيه مال المشتري على وجه البيع فلم يمنعه الرجوع كما لو صبغ الثوب ويحتمل أن لا يستحقه إلا بعد القلع لأنه قبل القلع لم يدرك متاعه إلا مشغولا بملك المشتري فأشبه مالو كان مسامير في باب المشتري، فإن قلنا له الرجوع قبل القلع فقلعوه لزمهم تسوية الأرض وأرش نقص الأرض الحاصل به لأن ذلك نقص حصل لتخليص ملك المفلس فكان عليه كما لو دخل فصيل دار انسان فكبر فأراد صاحبه إخراجه فلم يمكن إلا بهدم بابها فإن الباب يهدم ليخرج ويضمن صاحبه ما نقص بخلاف ما إذا وجد البائع عين ماله ناقصة فرجع فيها فإنه لا يرجع في النقص فإن النقص كان

وإن وطئ المرتهن الجارية بغير إذن الراهن فعليه الحد والمهر وولده رقيق

في ملك المفلس وههنا حدث بعد رجوعه في العين فلهذا ضمنوه، ويضرب بالنقص مع الغرماء، وإن قلنا ليس له الرجوع قبل القلع لم يلزمهم تسوية الحفر ولا أرش القص لأنهم فعلوا ذلك في أرض المفلس قبل رجوع البائع فيها فلم يضمنوا النقص كما لو قلعه المفلس قبل فلسه فإن امتنع المفلس والغرماء من القلع لم يجبروا عليه لأنه غرس بحق، ومفهوم قوله عليه السلام " ليس لعرق ظالم حق " أنه إن لم يكن ظالماً فله حق فإن بذل البائع قيمة الغراس والبناء ليملكه أو قال أنا أقلع وأضمن النقص فله ذلك إن قلنا له الرجوع قبل القلع لأن البناء والغراس حصل في ملكه لغيره بحق فكان له أخذه بقيمته أو قلعه وضمان نقصه كالشفيع إذا أخذ الأرض وفيها غراس أو بناء للمشتري والمعير إذا رجع في أرضه بعد غرس المستعير، وإن قلنا ليس له الرجوع قبل القلع لم يكن له ذلك لأنه بناء المفلس وغرسه فلم يجبر على بيعه لهذا البائع ولا على قلعه كما لو لم يرجع في الارض {مسألة} (فإن أبوا القلع وأبى دفع القيمة سقط الرجوع) وهذا قول ابن حامد وأحد الوجهين لأصحاب الشافعي، وقال القاضي يحتمل إن له الرجوع وهو قول للشافعي لأنه أدرك متاعه بعينه متصلا بملك المشتري على وجه التبع فلم يمنع الرجوع كالثوب إذا صبغه المشتري

وإن وطئها بإذن الراهن وادعى الجهالة وكان مثله يجهل ذلك فلا حد عليه ولا مهر وولده حر لا تلزمه قيمته

ولنا أنه لم يدرك متاعه على وجه يمكنه أخذه منفرداً عن غيره فلم يكن له أخذه كالحجر في البناء والمسامير في الباب ولأن في ذلك ضرراً على المشتري والغرماء، ولا يزال الضرر بالضرر ولأنه لا يحصل بالرجوع ههنا انقطاع النزاع والخصومة بخلاف ما إذا وجدها غير مشغولة بشئ، وأما الثوب إذا صبغه فلا نسلم إن له الرجوع، وإن سلمنا فالفرق بينهما من وجهين (أحدهما) أن الصبغ تفرق في الثوب فصار كالصفة بخلاف البناء والغراس فإنهما أعيان متميزة وأصل في نفسه (الثاني) أن الثوب لايراد للبقاء بخلاف الأرض والبناء فإذا قلنا لا يرجع فلا كلام، وإن قلنا يرجع فرجع واتفق الجميع على بيعهما بيعاً لهما كذا ههنا، ويحتمل أن لا يجبر لأنه يمكن طالب البيع أن يبيع ملكه منفرداً بخلاف الثوب المصوغ فإن بيعا لهما قسم الثمن على قدر القيمتين فتقوم الارض لاشجر فيها ولا بناء ثم تقوم وهما فيها فما كان قيمة الأرض بغير غراس ولا بناء فللبائع قسطه من الثمن والزائد للمفلس والغرماء، وإن قلنا لا يجبر على البيع أو لم يطلب أحدهما البيع فإن اتفقا على كيفية كونهما بينهما جاز ما اتفقا عليه، وإن اختلفا كانت الأرض للبائع والغراس والبناء للمفلس والغرماء ولهم دخول الأرض لسقي الشجر وأخذ الثمرة وليس لهم دخولها للتفرج أو لغير حاجة، وللبائع دخولها للزرع ولما شاء لأن الأرض ملكه، فإن باعوا الشجر والبناء لإنسان فحكمه في ذلك حكمهم، فإن بذل المفلس والغرماء أو المشتري

للبائع قيمة الأرض ليدعها لهم لم يلزمه ذلك لأن الأرض أصل فلا يجبر على بيعها بخلاف الغراس والبناء (فصل) فإن اشترى غراساً فغرسه في أرضه ثم أفلس ولم يزد الغراس فله الرجوع فيه لأنه أدرك متاعه بعينه، فإذا أخذه فعليه تسوية الأرض وأرش نقصها الحاصل بقلعه لأنه نقص حصل لتخليص ملكه من ملك غيره، وإن بذل المفلس والغرماء قيمته له ليملكوه لم يجبر على قبولها لأنه إذا اختار أخذ ماله وتفريغ ملكهم وإزالة ضرره عنهم لم يكن لهم منعه كالمشتري إذا غرس في الأرض المشفوعة وإن امتنع من القلع فبذلوا له القيمة ليملكه المفلس أو أرادوا قلعه وضمان النقص فلهم ذلك، وكذلك لو أرادوا قلعه من غير ضمان النقص لأن المفلس إنما ابتاعه مقلوعاً فلم يجب عليه إبقاؤه في أرضه، وقيل ليس لهم قلعه من غير ضمان النقص لأنه غرس بحق فأشبه غرس المفلس في الأرض التي ابتاعها إذا رجع بائعها فيها، والفرق بينهما ظاهر فإن إبقاء الغراس في هذه الصورة حق عليه فلم يجب عليه بفعله، وفي التي قبلها إبقاؤه حق له فوجب له بغراسه في ملكه، فإن اختار بعضهم القلع وبعضهم التبقية قدم قول من طلب القلع سواء كان المفلس أو الغرماء أو بعض الغرماء لأن الإبقاء ضرر غير واجب فلم يلزم الممتنع من الإجابة إليه، وإن زاد الغراس في الأرض فهي زيادة متصلة تمنع الرجوع إلا على رواية الميموني

باب الحجر

(فصل) وإن اشترى أرضاً من رجل وغراسا من آخر فغرسه فيها ثم أفلس ولم يزد الشجر فلكل واحد منهما الرجوع في عين ماله، ولصاحب الأرض قلع الغراس من غير ضمان النقص بالقلع كما ذكرنا لأن البائع إنما باعه مقلوعاً فلا يستحقه إلا كذلك، وإن أراد بائعه قلعه من الأرض فقلعه فعليه تسوية الأرض وضمان نقصها الحاصل به لما تقدم، فإن بذل صاحب الغراس قيمة الأرض لصاحبها ليملكها لم يجبر على ذلك لأن الأرض أصل لا يجبر على بيعها تبعاً، وإن بذل صاحب الأرض قيمة الغراس لصاحبها ليملكه إذا امتنع من القلع فله ذلك لأن غرسه حصل في ملك غيره بحق فأشبه غرس المفلس في أرض البائع، ويحتمل أن لا يملك ذلك لأنه لا يجبر على ابقائه إذا امتنع مع دفع قيمته أو أرش نقصه فلا يكون له أن يتملكه بالقيمة بخلاف التي قبلها والأول أولى وهذا منتقض بغرس الغاصب (فصل) فإن كان المبيع صيداً فأفلس المشتري والبائع محرم لم يرجع فيه لأنه تملك للصيد فلم يجز في الإحرام كشرائه، وإن كان البائع حلالا في الحرم والصيد في الحل فأفلس المشتري فللبائع الرجوع فيه لأن الحرم إنما يحرم الصيد الذي فيه وهذا ليس من صيده فلا يحرمه، ولو أفلس المحرم وفي ملكه صيد بائعه حلال فله أخذه لأن المانع غير موجود فيه (فصل) إذا أفلس وفي يده عين دين بائعها مؤجل وقلنا لا يحل الدين بالفلس فقال أحمد في رواية الحسن بن ثواب يكون موقوفاً إلى أن يحل دينه فيختار البائع الفسخ أو الترك وهو قول بعض أصحاب الشافعي، والمنصوص عن الشافعي انه يباع في الديون الحالة ويتخرج لنا مثل ذلك لأنها حقوق حالة فقدمت على الدين المؤجل كدين من لم يجد عين ماله والقول الأول أولى للخبر، ولأن حق هذا البائع تعلق بالعين فقدم على غيره، وإن كان مؤجلاً كالمرتهن والمجني عليه

(فصل) قال أحمد في رجل ابتاع طعاما نسيئة ونظر إليه وقلبه وقال أقبضه غداً فمات البائع وعليه دين فالطعام للمشتري ويتبعه الغرماء بالثمن وإن كان رخيصاً، وكذلك قال الثوري واسحاق لأن الملك ثبت للمشتري فيه بالشراء وزال ملك البائع عنه فلم يشاركه غرماء البائع فيه كما لو قبضه (فصل) ورجوع البائع فسخ للبيع لا يحتاج إلى معرفة المبيع ولا القدرة على تسليمه، فلو رجع في المبيع الغائب بعد مضي مدة يتغير فيها ثم وجده على حاله لم يتلف شئ منه صح رجوعه، وإن رجع في العبد بعد إباقه أو الجمل بعد شروده صح وصار ذلك له فإن قدر عليه أخذه، وإن ذهب كان من ماله، وإن تبين أنه كان تالفاً حال استرجاعه بطل الاسترجاع وله أن يضرب مع الغرماء في الموجود من ماله، وإن رجع في المبيع واشتبه بغيره واختلفوا في عينه فالقول قول المفلس لأنه منكر لاستحقاق ما ادعاه البائع والأصل معه {فصل} قال رحمه الله تعالى (الحكم الثالث بيع الحاكم ماله وقسم ثمنه وينبغي أن يحضره ويحضر الغرماء ويبيع كل شئ في سوقه) إذا حجر على المفلس باع الحاكم ماله لما ذكرنا من حديث معاذ، ولأنه مقصود الحجر ويستحب إحضار المفلس لمعان أربعة (أحدها) إحصاء ثمنه وضبطه (الثاني) أنه أعرف بثمن متاعه وجيده ورديئه فإذا حضر تكلم عليه وعرف الغبن من غيره (الثالث) أن الرغبة تكثر فيه فإن شراءه من صاحبه أحب إلى المشترين (الرابع) أنه أطيب لقلبه، ويستحب إحضار، الغرماء لأمور أربعة (أحدها) أن يباع لهم (الثاني) أنهم ربما رغبوا في شئ فزادوا في ثمنه فيكون أصلح لهم وللمفلس (الثالث)

ومن لزمه دين مؤجل لم يطالب به قبل أجله

أنه أطيب لقلوبهم وأبعد عن التهمة (الرابع) لعل فيهم من يجد عين ماله فيأخذها، فإن باعه من غير حضورهم كلهم جاز لأن ذلك مفوض إليه وموكول إلى اجتهاده فربما أداه اجتهاده إلى خلاف ذلك والمبادرة إلى البيع قبل احضارهم ويأمرهم أن يقيموا منادياً ينادي على المتاع، فإن تراضوا بثقة أمضاه الحاكم وإن لم يكن ثقة رده، فإن قيل لم يرده وقد اتفق عليه أصحاب الحق فأشبه مالو اتفق المرتهن والراهن على أن يبيع الرهن غير ثقة لم يكن للحاكم الاعتراض؟ قلنا الحاكم ههنا له نظر واجتهاد لأنه قد يظهر غريم آخر فيتعلق حقه به بخلاف الرهن فإنه لا نظر للحاكم فيه، فإن اختار المفلس رجلاً واختار الغرماء آخر أقر الحاكم الثقة منهما فإن كانا ثقتين قدم المتطوع منهما لأنه أوفر، فإن كانا متطوعين ضم أحدهما إلى الآخر، وإن كانا بجعل قدم أو ثقهما وأعرفهما، فإن تساويا قدم من يرى منهما فإن وجد متطوعاً بالنداء وإلا دفعت الاحرة من مال المفلس لأن البيع حق عليه لكونه طريق وفاء دينه، وقيل يدفع من بيت المال لأنه من المصالح، وكذلك الحكم في أجر من يحفظ المتاع والثمن وأجر الحمالين ونحوهم، ويستحب بيع كل شئ في سوقه لأنه أحوط وأكثر لطلابه ومعرفة قيمته، فإن باع في غير سوقه بثمن المثل جاز لأن الغرض تحصيل الثمن وربما أدى الاجتهاد إلى انه أصلح، ولهذا لو قال بع ثوبي بثمن كذا في سوق عينه فباعه بذلك في غيره جاز ويبيع بنقد البلد لأنه اصلح، فان كان في البلد نقود باع بغالبها فإن تساوت باع بجنس الدين، فإن زاد في السلعة أحد في مدة الخيار لزم الأمين الفسخ لأنه أمكنه بيعه بثمن فلم يبيعه بدونه كما لو زيد فيه قبل العقد، وإن زاد بعد لزوم العقد استحب للأمين سؤال المشتري الإقالة واستحب للمشتري الإجابة لتعلقه بمصلحة المفلس وقضاء دينه

وإذا كان حالا وله ما يفي به لم يحجر عليه

{مسألة} (ويترك له من ماله ما تدعو إليه حاجته من مسكن وخادم) لاتباع دار المفلس التي لا غنى له عن سكناها، وبه قال أبو حنيفة وإسحاق والخادم في معنى الدار إذا كان محتاجاً إليه، وقال شريح ومالك والشافعي تباع ويكتري له بدلها. اختاره ابن المنذر لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الذي أصيب في ثمار ابتاعها فكثر دينه فقال لغرمائه " خذوا ما وجدتم " وهذا مما وجدوه، ولأنه عين مال المفلس فوجب صرفه في دينه كسائر ماله. ولنا أن هذا مما لاغني للمفلس عنه فلم يصرف في دينه كثيابه وقوته والحديث قضية في عين يحتمل أنه لم يكن له عقار ولا خادم، ويحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " خذوا ما وجدتم " مما تصدق به عليه والظاهر أنه لم يتصدق عليه بدرا وهو يحتاج إلى سكناها ولا خادم وهو محتاج إلى خدمته، ولأن الحديث مخصوص بثياب المفلس وقوته فنقيس عليه محل النزاع وقياسهم منتقض بذلك بأجر المسكن وسائر ماله يستغنى عنه بخلاف مسئلتنا، فإن كان له داران يستغني بإحداهما بيعت الاخرى لان به غني عن سكناها، وإن كان مسكنه واسعاً يفضل عن سكنى مثله بيع واشتري له مسكن مثله ورد الفضل على الغرماء، وكذلك الثياب التي له إذا كانت رفيعة لا يلبس مثله مثلها (فصل) فإن كان المسكن والخادم الذي لا يستغني عنهما عين مال بعض الغرماء أو كان جميع ماله أعيان أموال أفلس بأثمانها ووجدها أصحابها فلهم أخذها بالشرائط المذكورة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من وجد متاعه بعينه عند رجل قد أفلس فهو أحق به " ولأن حقه تعلق بالعين فكان أقوى سبباً من المفلس ولأن الإعسار بالثمن سبب يستحق به الفسخ فلم يمنع منه تعلق حاجة المشتري

وإن ادعى الاعسار وكان دينه عن عوض كالبيع والقرض أو عرف له مال سابق حبس إلا أن يقيم البينة على نفاد ماله أو إعساره، وهل يحلف معها؟ على وجهين، وإن لم يكن كذلك حلف وخلي سبيله

كما قبل القبض وكالعيب والخيار، ولأن منعهم من أخذ أموالهم يفتح باب الحيل بأن يشتري من لامال له في ذمته ثياباً يلبسها وداراً يسكنها، أو خادماً يخدمه وفرساً يركبها وطعاماً له ولعائلته ويمتنع على أربابها أخذها لتعلق حاجته بها فتضيع أموالهم ويستغني هو بها، فعلى هذا يؤخذ ذلك ولا يترك له منه شئ لأنه أعيان أموال الناس فكانوا أحق بها منه كما لو كانت في أيديهم أو أخذها منهم غصبا {مسألة} (وينفق عليه بالمعروف إلى أن يفرغ من قسمته بين غرمائه) وجملة ذلك أنه إذا حجر على المفلس، فإن كان ذا كسب يفي بنفقته ونفقة من تلزمه مؤنته فهي في كسبه فإنه لا حاجة إلى إخراج ماله مع غناه بكسبه فلم يجز كالزيادة على النفقة، وإن كان كسبه دون نفقته كملت من ماله، وإن لم يكن ذا كسب أنفق عليه من ماله مدة الحجر وإن طال لأن ملكه باق، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " ابدأ بنفسك ثم بمن تعول " ومعلوم إن فيمن يعوله من تجب عليه نفقته ويكون ديناً عليه وهي زوجته، فإذا قدم نفقة نفسه على نفقة الزوجة فكذلك على حق الغرماء، ولأن تجهيز الميت يقدم على دينه بالاتفاق والحي آكد حرمة من الميت لأنه مضمون بالإتلاف، ويقدم أيضاً نفقة من تلزمه نفقته من أقاربه مثل الوالد والولد وغيرهم ممن تجب نفقته لأنهم يجرون مجرى نفسه في كون ذوي رحمه منهم يعتقون إذا ملكهم كما يعتق إذا ملك نفسه فكانت نفقتهم كنفقته، وكذلك نفقة زوجته لأن نفقتها آكد من نفقة الأقارب، وممن أوجب الإنفاق على المفلس وزوجته وأولاده أبو حنيفة ومالك والشافعي ولا نعلم فيه خلافاً، وتجب كسوتهم لأن ذلك مما لابد منه، والواجب من النفقة والكسوة أدنى ما ينفق على مثله بالمعروف وأدنى ما يكتسي مثله، وكذلك كسوته من جنس ما يكتسبه

مثله، وكسوة امرأته ونفقتها مثل ما يفرض على مثله، وأقل ما يكفيه من اللباس قميص وسراويل وشئ يلبسه على رأسه قلنسوة أو عمامة أو غيرهما مما جرت عادته ولرجله حذاء إن كان يعتاده، وجبه أو فروة في الشتاء لدفع البرد، فإن كانت له ثياب لا يلبس مثله مثلها بيعت واشترى له كسوة مثله ورد الفضل على الغرماء، فإن كانت إذا بيعت واشترى له كسوة مثله لا يفضل منها شئ تركت لعدم الفائدة في بيعها (فصل) وإن مات المفلس كفن من ماله لأن نفقته كانت واجبة من ماله في حال حياته فوجب تجهيزه منه بعد الموت كغيره، وكذلك يجب كفن من يمونه لأنهم بمنزلته ولا يلزم كفن زوجته لأن نفقتها تجب في مقابلة الاستمتاع وقد فات بموتها فسقطت بخلاف الأقارب فإن قرابتهم باقية، ويلزمه تكفين من مات من عبيده وتجهيزه لأن نفقته ليست في مقابلة الانتفاع به بدليل وجوب نفقة الصغير والمبيع قبل التسليم، ويكفن في ثلاث أثواب كما كان يلبس في حياته، ويحتمل أن يكفن في ثوب يستره لانه يكفيه فلا حاجة الى الزيادة، وفارق حال الحياة لانه لابد من تغطيه رأسه وكشفه يؤذيه بخلاف الميت، ويمتد الإنفاق المذكور إلى حين فراغه من القسمة بين الغرماء لأنه لا يزول ملكه إلا بذلك ومذهب الشافعي قريب مما ذكرنا في هذا الفصل (فصل) فإن كان المفلس ذا صنعة يكسب ما يمونه ويمون من تلزمه مؤنته أو كان يقدر على أن يكسب ذلك من المباحات ما يكفيه أو يؤجر نفسه أو يتوكل بجعل يكفيه لم يترك له شئ من ماله للنفقة، وإن لم يقدر على شئ ما ذكرناه ترك له من ماله قدر ما يكفيه. قال أحمد رحمه الله في رواية

أبي داود: يترك له قوت يتقوته، وإن كان له عيال ترك له قوام، وقال في رواية الميموني يترك له قدر ما يقوم به معاشه ويباع الباقي وهذا في حق الشيخ الكبير وذوي الهيآت الذين لا يمكنهم التصرف بأبدانهم، وينبغي أن يجعل مما لا يتعلق به حق بعضهم بعينه لأن من تعلق حقه بالعين أقوى سبباً من غيره كما ذكرنا في الدار والخادم (فصل) وإذا تلف شئ من ماله تحت يد الأمين أو بيع شئ من ماله وأودع ثمنه فتلف عند المودع فهو من ضمان المفلس وبهذا قال الشافعي. وقال مالك العروض من ماله والدراهم والدنانير من مال الغرماء، وقال المغيرة الدنانير من مال أصحاب الدنانير والدراهم من مال أصحاب الدراهم ولنا أنه من مال المفلس ونمائه فكان تلفه ماله كالعروض من {مسألة} (ويبدأ ببيع ما يسرع اليه الفساد من الطعام الرطب) لان بقائه يتلفه بيقين، ثم ببيع الحيوان لأنه معرض للإتلاف ويحتاج إلى مؤنة في بقائه ثم ببيع الاناث لانه يخاف عليه وتناله اليد، ثم ببيع العقار آخراً لأنه لا يخاف تلفه بقاؤه أشهر له وأكثر لطلابه {مسألة} (ويعطي المنادي أجرته من المال) لأن البيع حق على المفلس لكونه طريق وفاء دينه، وقيل هو من بيت المال لأنه من المصالح {مسألة} (ويبدأ بالمجني عليه فيدفع إليه الأقل من الأرش أو ثمن الجاني) وقد ذكرنا ذلك في الرهن هذا إذا كان عبده الجاني، فعلى هذا يبدأ ببيعه وما فضل من ثمنه صرف إلى الغرماء، وإن كان المفلس هو الجاني فالمجني عليه أسوة الغرماء لأن حقه يتعلق بالذمة بخلاف جناية العبد وقد ذكرناه

{مسألة} (ثم بمن له رهن فيخص بثمنه) يباع الرهن ويختص المرتهن بثمنه إذا كان ثمنه بقدر دينه أو أقل منه سواء كان المفلس حياً أو ميتاً لأن حقه متعلق بعين الرهن وذمة الراهن معاً وسائرهم يتعلق حقه بالذمة دون العين فكان حقه أقوى. لا نعلم في هذا خلافا وهو مذهب الشافعي وأصحاب الرأي، فإن كان ثمن الرهن فضل عن دين المرتهن أعطي قدر دينه ورد الباقي على الغرماء، وإن فضل شئ من دينه ضرب بالفاضل مع الغرماء (فصل) ولو باع شيئاً أو باعه وكيله وقبض الثمن فتلف وتعذر رده وخرجت السلعة مستحقه ساوى المشتري الغرماء لأن حقه لم يتعلق بعين المال فهو بمنزلة أرش جناية المفلس، وذكر القاضي احتمالا أنه يقدم على الغرماء لأنه لم يرض بمجرد الذمة فكان أولى كالمرتهن ولأنه لو لم يقدم على الغرماء لامتنع الناس من شراء مال المفلس خوفاً من ضياع أموالهم فتقل الرغبات فيه ويقل ثمنه فكان تقديم المشتري بذلك على الغرماء أنفع لهم وهذا وجه لأصحاب الشافعي ولنا أن هذا حق لم يتعلق بعين المال فلم يقدم كالذي جنى عليه المفلس وفارق المرتهن فإن حقه تعلق بالعين وما ذكروه من المعنى الأول منتقض بأرش جناية المفلس (والثاني) مصلحة لاأصل لها فلا يثبت الحكم بها، فإن كان الثمن موجوداً يمكن رده وجب رده وينفرد به صاحبه لأنه عين ماله لم يتعلق به حق أحد من الناس وكذلك صاحب السلعة المستحقة يأخذها، ومتى باع وكيل المفلس أو العدل أو باع الرهن وخرجت السلعة مستحقة فالعهدة على المفلس ولا شئ على العدل لأنه أمين (فصل) ومن استأجر داراً أو بعيرا بعينه أو شيئاً غيرهما بعينه ثم أفلس المؤجر فالمستأجر أحق

وإن كان له مال لا يفي به فسأل غرماؤه الحاكم عليه لزمته إجابتهم

بالعين التي استأجرها من الغرماء حتى يستوفي حقه لأن حقه متعلق بعين المال والمنفعة مملوكة له في هذه المدة فكان أحق بها كما لو اشترى منه شيئاً فإن هلك البعير أو انهدمت الدار قبل انقضاء المدة انفسخت الإجارة ويضرب مع الغرماء ببقية الإجرة، وإن استأجر جملاً في الذمة ثم أفلس المؤجر فالمستأجر أسوة الغرماء لأن حقه لم يتعلق بالعين وهذا مذهب الشافعي ولا نعلم فيه خلافا، وإن أجر داراً ثم أفلس فاتفق الغرماء والمفلس على البيع قبل انقضاء مدة الإجارة فلهم ذلك ويبيعونها مستأجرة فإن اختلفوا قدم قول من طلب البيع في الحال لأنه أحوط من التأخير. فإذا استوفى المستأجر سلم المشتري فإن اتفقوا على تأخير البيع حتى تنقضي مدة الإجارة فلهم ذلك لأن الحق لا يخرج عنهم (فصل) ولو باع سلعة ثم أفلس قبل تقبيضها فالمشتري أحق بها من الغرماء سواء كانت من المكيل والموزون أو لم تكن لأن المشتري قد ملكها وثبت ملكه فيها فكان أحق بها كما لو قبضها، ولا فرق بين ما قبل قبض الثمن وبعده وإن كان عليه سلم فوجد المسلم الثمن قائماً فهو أحق به لأنه وجد عين ماله وإن لم يجده فهو أسوة الغرماء لأنه لم يتعلق حقه بعين ماله ولا يثبت ملكه فيه ويضرب مع الغرماء بالمسلم فيه لأنه الذي يستحقه دون الثمن. فان كان في المال جنس حقه أخذ منه بقدر ما يستحقه، وإن لم يكن فيه جنس حقه عزل له قدر حقه فيشتري به المسلم فيه فيأخذه وليس له أن يأخذ المعزول بعينه لئلا يكون بدلاً عما في الذمة من المسلم فيه وذلك لا يجوز لقول النبي عليه السلام " من أسلف في شئ فلا يصرفه إلى غيره " فإن أمكن أن يشترى بالمعزول أكثر مما قدر له لرخص المسلم فيه اشترى له بقدر حقه ورد الباقي على الغرماء مثاله رجل أفلس وله دينار وعليه لرجل دينار ولآخر قفيز حنطة من سلم قيمته دينار فإنه يقسم

ويستحب إظهار الحجر عليه والإشهاد عليه

دينار المفلس نصفين لصاحب السلم نصفه فإن رخصت الحنطة فصار قيمة القفيز نصف دينار تبينا أن حقه مثل نصف حق صاحب الدينار فلا يستحق من دينار المفلس إلا ثلثه يشتري له به ثلثا قفيز فيأخذه ويرد سدس الدينار على الغريم الآخر، وإن غلا المسلم فيه فصار قيمة القفيز دينارين تبينا أنه يستحق مثلي ما يستحقه صاحب الدينار فيكون له من دينار المفلس ثلثاه فيشتري له بالنصف المعزول ويرجع على الغريم بسدس دينار يشتري له به أيضاً لأن المعزول ملك للمفلس وإنما للغريم قدر حقه فإن زاد فللمفلس وإن نقص فعليه {مسألة} (ثم بمن له عين مال يأخذها بالشروط المذكورة) وقد ذكرنا ذلك ثم يقسم الباقي بين باقي الغرماء على قدر ديونهم لتساويهم في الاستحقاق فإن كانت ديونهم من جنس الأثمان أخذوها، وإن كان فيهم من دينه من غير جنس الأثمان كالقرض لغير الأثمان فرضي أن يأخذ عوض حقه من الأثمان جاز وإن امتنع وطلب جنس حقه اشترى له بحصته من الثمن من جنس دينه، ولو أراد الغريم الأخذ من المال المجموع، وقال المفلس لا أقضيك إلا من جنس دينك قدم قول المفلس لأن هذه معاوضة فلا تجوز إلا بتراضيهما {مسألة} (فإن كان فيهم من له دين مؤجل لم يحل وعنه أنه يحل فيشاركهم) لا يحل الدين المؤجل بفلس من هو عليه ذكره القاضي رواية واحدة، وحكى أبو الخطاب فيه رواية أخرى انه يحل وهو قول مالك، وعن الشافعي كالمذهبين، واحتجوا بأن الإفلاس يتعلق به الدين بالمال فأسقط الأجل كالموت. ولا أن الأجل حق للمفلس فلا يسقط بفلسه كسائر حقوقه ولأنه

فإن تصرف في ذمته بشراء أو ضمان أو اقرار صح

لا يوجب حلول ماله فلا يوجب حلول ما عليه كالجنون والاغماء ولأنه دين مؤجل على حي فلم يحل قبل أجله كغير المفلس، والأصل المقيس عليه ممنوع وإن سلم فالفرق بينهما أن ذمته خربت بخلاف المفلس إذا ثبت هذا فإنه إذا حجر على المفلس، فقال أصحابنا لا يشارك أصحاب الديون المؤجلة أصحاب الديون الحالة ويبقى المؤجل في الذمة إلى وقت حلوله فإن لم يقسم الغرماء حتى حل الدين شارك الغرماء كما لو تجدد على المفلس دين بجنايته فإن أدرك بعض المال بل قسمته شاركهم فيه بجميع دينه، ويضرب مع باقي الغرماء ببقية ديونهم، وإن قلنا يحل الدين فهو كأصحاب الديون الحالة سواء {مسألة} (من مات وعليه دين مؤجل لم يحل إذا وثق الورثة وعنه أنه يحل) اختلفت الرواية في حلول الدين بالموت على من هو عليه فروي أنه لا يحل اختاره الخرقي بشرط أن يوثق الورثة وهو قول ابن سيرين وعبيد الله بن الحسن وإسحاق وأبي عبيد، والرواية الأخرى أنه يحل بالموت وبه قال الشعبي والنخعي وسوار ومالك والثوري والشافعي وأصحاب الرأي لأنه لا يخلو إما أن يبقى في ذمة الميت أو الورثة أو يتعلق بالمال، ولايجوز بقاؤه في ذمة الميت لخرابها وتعذر مطالبته بها ولا ذمة الورثة لأنهم لم يلتزموها ولارضي صاحب الدين بذممهم وهي مختلفة متباينة، ولا يجوز تعليقه على الأعيان وتأجيله لأنه ضرر بالميت وصاحب الدين ولا نفع للورثة فيه. أما الميت فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " الميت مرتهن بدينه حتى يقضى عنه " وأما صاحبه فيتأخر حقه، وقد

تتلف العين فيسقط حقه، وأما الورثة فإنهم لا ينتفعون بالأعيان ولا يتصرفون فيها، وإن حصلت لهم منفعة فلا يسقط حظ الميت وصاحب الدين لمنفعة لهم. ولنا ما ذكرنا في المفلس ولأن الموت ما جعل مبطلاً للحقوق وإنما هو ميقات للخلافة وعلامة على الوراثة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " من ترك حقاً أو مالا فلورثته " وما ذكروه إثبات حكم بالمصلحة المرسلة لم يشهد لها شاهد الشرع باعتبار، فعلى هذا يبقى الدين في ذمة الميت كما كان ويتعلق بعين ماله كتعلق حقوق الغرماء بمال المفلس عند الحجر عليه فإن أحب الورثة التزام أداء الدين ويتصرفون في المال لم يكن لهم ذلك إلا أن يرضى الغريم أو يوثقوا الحق بضمين ملئ أو رهن يثق به لوفاء حقه فإنهم قد لا يكونون أملياء ولم يرض بهم الغريم فيؤدي إلى فوات الحق، وذكر القاضي أن الحق ينتقل إلى ذمم الورثة بموت موروثهم من غير أن يشترط التزامهم له فلا ينبغي أن يلزم الإنسان دين لا يلتزمه ولم يتعاط سببه ولو لزمهم ذلك بموت موروثهم للزمهم وإن لم يخلف وفاء، فإن قلنا الدين يحل بالموت فأحب الورثة القضاء من غير التركة فلهم ذلك، وإن اختاروا القضاء منها فلهم ذلك وإن امتنعوا من القضاء باع الحاكم من التركة ما يقضي به الدين، وإن مات مفلس وله غرماء بعض ديونهم مؤجلة، قلنا يحل المؤجل بالموت اقتسموا التركة على قدر ديونهم، وإن قلنا لا يحل فأوثق الورثة لصاحب المؤجل اختص أصحاب الحال بالتركة، وإن امتنع الورثة من التوثيق حل دينه وشارك أصحاب الحال لئلا يفضي إلى إسقاط دينه بالكلية (فصل) وذكر بعض أصحابنا فيمن مات وعليه دين هل يمنع اليد نقل التركة إلى الورثة؟

روايتين (إحداهما) لا يمنعه للخبر المذكور ولأن تعلق الدين بالمال لا يزيل الملك في العبد الجاني والرهن والمفلس فلم يمنع نقله فعلى هذا إن تصرف الورثة في التركة ببيع أو غيره صح تصرفهم ولزمهم أداء الدين فإن تعذر وفاؤه فسخ تصرفهم كما لو باع السيد عبده الجاني (والثانية) يمنع نقل التركة إليهم لقول الله تعالى (من بعد وصية يوصى بها أو دين) فجعل التركة للوارث بعد الدين والوصية فلا يثبت لهم الملك قبلهما، فعلى هذا لا يصح تصرف الورثة لأنهم تصرفوا في غير ملكهم إلا أن يأذن لهم الغرماء وإن تصرف الغرماء لم يصح إلا بإذن الورثة {مسألة} (وإن ظهر له غريم بعد قسم ماله رجع على الغرماء بقسطه) وبهذا قال الشافعي وحكي عن مالك وحكي عنه لا يحاصهم لأنه نقض لحكم الحاكم ولنا أنه غريم يقاسمهم لو كان حاضراً، فإذا ظهر بعد ذلك قاسمهم كغريم الميت يظهر بعد قسم ماله وليس قسم الحاكم ماله حكماً إنما هو قسمه بان الخطأ فيها فأشبه مالو قسم أرضاً بين شركاء ثم ظهر شريك آخر وقسم الميراث ثم ظهر وارث سواه (فصل) ولو أفلس وله دار مستأجرة فانهدمت بعد قبض المفلس الأجرة انفسخت الإجارة فيما بقي من المدة وسقط من الأجرة بقدر ذلك ثم إن وجد عين ماله أخذ منه بقدر ذلك، وإن لم يجده ضرب مع الغرماء بقدره وإن كان ذلك بعد قسم ماله رجع على الغرماء بحصته لأن سبب وجوبه قبل الحجر ولذلك يشاركهم إذا وجب قبل القسمة، ولو باع سلعة وقبض ثمنها ثم أفلس فوجد بها المشتري عيباً فردها به أو ردها بخيار أو اختلاف في الثمن ونحوه ووجد عين ماله أخذها لأن

البيع لما انفسخ زال ملك المفلس عن الثمن كزوال ملك المشتري عن المبيع، وإن كان بعد تصرفه فيه شارك المشتري الغرماء. {مسألة} (وإن بقيت على المفلس بقية وله صنعة فهل يجبر على إيجار نفسه لقضائها على روايتين) (إحداهما) لا يجبر وهو قول مالك والشافعي لقول الله تعالى (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة) ولما روى أبو سعيد أن رجلا أصيب في ثمرة ابتاعها فكثر دينه فقال النبي صلى الله عليه وسلم " تصدقوا عليه " فتصدقوا عليه فلم يبلغ وفاء دينه فقال النبي صلى الله عليه وسلم " خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك " رواه مسلم ولأنه تكسب للمال فلم يجبر عليه كقبول الهبة والصدقة، وكما لا تجبر المرأة على التزويج لتأخذ المهر. (والثانية) يجبر على الكسب وهو قول عمر بن عبد العزيز وسوار والعنبري واسحاق لما روي

أن النبي صلى الله عليه وسلم باع سرقاً في دينه وكان سرق دخل المدينة وذكر أن وراءه مالاً فداينه الناس فركبته ديون ولم يكن وراءه مال فسماه سرقاً وباعه بخمسة أبعرة. رواه الدرا قطني بمعناه من رواية خلد بن مسلم الربحي إلا أن فيه كلاماً والحر لا يباع ثبت أنه باع منافعه، ولان المنافع، ولأن المنافع تجري مجرى الأعيان في صحة العقد عليها وتحريم أخذ الزكاة وثبوت الغني بها فكذلك في وفاء الدين منها، ولأن الإجارة عقد معاوضة فجاز إجباره عليه كبيع ماله، ولأنها إجارة لما يملك إجارته فيجبر عليها لوفاء دينه كإجارة أم ولده. فإن قيل حديث سرق منسوخ لأن الحر لا يباع والبيع وقع على رقبته بدليل أن في الحديث إن الغرماء قالوا لمشتريه ما تصنع به؟ قال اعتقه، قالوا: لسنا بأزهد منك في إعتاقه فأعتقوه قلنا هذا اثبات فسخ بالاحتمال ولا يجوز، ولم يثبت أن بيع الحر كان جائزاً في شريعتنا وحمل بيعه على بيع منافعه أسهل من حمله على بيع رقبته المحرم، فإن حذف المضاف وإقامة المضاف إليه كثير في القرآن

وفي كلام العرب كقوله تعالى (وأشربوا في قلوبهم العجل واسأل القرية) وغير ذلك، وكذلك قوله أعتقه أي من حقي عليه يدل على ذلك قوله فأعتقوه يعني الغرماء وهم لا يملكون إلا الدين الذي عليه، وأما قوله تعالى (فنظرة إلى ميسرة) فيمكن منع دخوله تحت عمومها لما ذكرنا من أنه في حكم الأغنياء في حرمان الزكاة وسقوط نفقته عن قريبه ووجوب نفقة قريبه عليه، وحديثهم قضية عين لا يثبت حكمها إلا في مثلها ولم يثبت أن لذلك الغريم كسا يفضل عن قدر نفقته. أما قبول الهدية والصدقة فمضرة تأباها قلوب ذوي المروءات لما فيها من المنة. فعلى هذا لا يجبر على الكسب إلا من كسبه يفضل عن نفقته ونفقة من تلزمه نفقته لما تقدم. (فصل) ولا يجبر على قبول صدقة، ولا هدية، ولا وصية، ولا قرض، ولا المرأة على التزويج ليأخذ مهرها لأن في ذلك ضرراً للحوق المنة في الهدية والصدقة والوصية والعوض في القرض وتملك الزوج للمرأة في النكاح وجوب حقوقه عليها، ولو باع بشرط الخيار ثم أفلس فالخيار بحاله ولا يجبر على ما فيه الحظ من الرد والإمضاء لأن الفلس يمنعه من إحداث عقد أما من امضائه وتنفيذ عقود فلا (فصل) وإن جنى على المفلس جناية توجب المال ثبت وتعلقت حقوق الغرماء به ولا يصح عفوه فإن كانت موجبة للقصاص فهو مخير بين القصاص والعفو ولا يجبر على العفو على مال لأن ذلك يفوت القصاص الذي يجب لمصلحة الزحر، فإن اقتص لم يجب للغرماء شئ، وإن عفا على مال ثبت وتعلق به حقوق الغرماء، وإن عفا مطلقاً انبنى على الروايتين في موجب العمد إن قلنا القصاص خاصة لم يثبت شئ، وإن قلنا أحد أمرين ثبتت الدية أو تعلقت بها حقوق الغرماء، وإن عفا على غير مال وقلنا القصاص هو الواجب عيناً لم يثبت شئ، وإن قلنا أحد الامرين يثبت الدية ولم يصح إسقاطه لأن عفوه عن القصاص يثبت له الدية ولا يصح إسقاطها، وإن وهب هبة بشرط الثواب ثم أفلس فبذل له الثواب لزمه قبوله ولم يكن له إسقاطه لأنه أخذه على سبيل العوض عن الموهوب كالثمن في المبيع وليس له إسقاط شئ من ثمن مبيع أو أجرة إجارة ولاقبض ردئ، ولاقبض المسلم فيه دون صفاته إلا بإذن غرمائه ومذهب الشافعي في هذا الفصل على نحو ما ذكرنا

{مسألة} (ولا ينفك عنه الحجر إلا بحكم حاكم) لأنه ثبت بحكمه فلا يزول إلا بحكمه كالمحجور عليه لسفه، وفيه وجه آخر أنه يزول بقسمة ماله لأنه حجر عليه لأجله فإذا زال ملكه عنه زال سبب الحجر فزال الحجر كزوال حجر المجنون لزوال جنونه والأول أولى وفارق الجنون فإنه يثبت بنفسه فزال بزواله بخلاف هذا ولأن فراغ ماله يحتاج إلى معرفة وبحث فوقف ذلك على الحاكم بخلاف الجنون (فصل) وإذا فك الحجر عنه فليس لأحد مطالبته وملازمته حتى يملك مالاً، فإن جاء الغرماء عقيب فك الحجر عنه فادعوا أن له مالاً لم يقبل الا ببينة، فإن جاءوا بعد مدة فادعوا أن في يده مالا أو ادعوا ذلك عقيب فك الحجر عنه وبينوا سببه أحضره الحاكم وسأله، فإن أنكر فالقول قوله مع يمينه لأنه ما فك الحجر عنه حتى لم يبق له شئ، وإن أقر وقال هو لفلان وأنا وكيله أو مضاربة وكان المقر له حاضراً سأله الحاكم فإن صدقه فهو له ويستحلفه الحاكم لجواز أن يكونا تواطآ على ذلك ليدفع المطالبة عن المفلس. وإن لم يصدقه عرفنا كذب المفلس فيصير كأنه أقر أن المال له فيعاد الحجر عليه إن طلب الغرماء ذلك، فإن أقر لغائب أقر في يديه حتى يحضر الغائب ثم يسأل كما حكمنا في الحاضر {مسألة} (ومتى فك عنه الحجر فلزمته ديون وظهر له مال فحجر عليه شارك غرماء الحجر الأول غرماء الحجر الثاني) إلا أن الأولين يضربون ببقية ديونهم والآخرين يضربون بجميعها، وبهذا قال الشافعي وقال مالك: لايدخل غرماء الحجر الأول على هؤلاء الذين تجددت حقوقهم حتى يستوفوا إلا أن يكون له فائدة من ميراث أو يجني عليه جناية فيتحاص الغرماء فيه. ولنا أنهم تساووا في ثبوت حقوقهم في ذمته فتساووا في الاستحقاق كالذين ثبتت حقوقهم في حجر واحد وكتساويهم في الميراث وأرش الجناية، ولأن كسبه مال له فتساووا فيه كالميراث {مسألة} (وإن كان للمفلس حق له به شاهد فأبى أن يحلف معه لم يكن لغرمائه أن يحلفوا) المفلس في الدعوى كغيره فإذا ادعى حقه له به شاهد عدل وحلف مع شاهده ثبت المال وتعلقت به حقوق الغرماء وإن امتنع لم يجبر لأنا لا نعلم صدق الشاهد، ولو ثبت الحق بشهادته لم يحتج إلى يمين معه

فلا نجبره على مالا نعلم صدقه كغيره فان قال الغرماء نحن نحلف مع الشاهد لم يكن لهم ذلك وبهذا قال الشافعي في الجديد، وقال في القديم يحلفون معه لأن حقوقهم تعلقت بالمال فكان لهم أن يحلفوا كالورثة يحلفون على مال موروثهم، ولنا أنهم يثبتون ملكاً لغيرهم لتتعلق حقوقهم به بعد ثبوته فلم يجز لهم ذلك كالمرأة تحلف لإثبات ملك زوجها لتتعلق نفقتها به وكالورثة قبل موت موروثهم وفارق ما بعد الموت فإن المال انتقل إليهم فهم يثبتون بأيمانهم ملكا لا نفسهم. {فصل} قال رحمه الله (الحكم الرابع انقطاع المطالبة عن المفلس فمن أقرضه شيئاً أو باعه إياه لم يملك مطالبته حتى يفك الحجر عنه) إذا تصرف المحجور عليه في ذمته بشراء أو افتراض صح لأنه أهل للتصرف والحجر إنما تعلق بماله وقد ذكرناه وليس للبائع ولا للمقرض مطالبته في حال الحج لأن حق الغرماء تعلق بعين ماله الموجود حال الحجر وبما يحدث له من المال فقدموا على غيرهم ممن لم يتعلق حقه بعين المال كتقديم حق المرتهن بثمن الرهن، وتقديم حق المجني عليه بثمن العبد الجاني فلا يشارك أصحاب هذه الديون الغرماء لما ذكرنا، ولأن من علم منهم بفلسه فقد رضي بذلك ومن لم يعلم فهو مفرط ويتبعونه بعد فك الحجر عنه كما لو أقر لإنسان بمال بعد الحجر عليه وفي إقراره خلاف ذكرناه فيما مضى فإن وجد البائع والمقرض أعيان أموالهما فهل لهم الرجوع فيها؟ على وجهين (أحدهما) لهما ذلك للخبر (والثاني) لافسخ لهما لأنهما دخلا على بصيرة بخراب الذمة فأشبه من اشترى معيباً يعلم عيبه وقد ذكرنا ذلك {فصل} قال الشيخ رحمه الله (الضرب الثاني المحجور عليه لحظه وهو الصبي والمجنون والسفيه) الحجر على هؤلاء الثلاثة حجر عام لأنهم يمنعون التصرف في أموالهم وذممهم والأصل في الحجر عليهم قول الله تعالى (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما) (وابتلوا اليتامى) الآية قال سعيد بن جبير وعكرمة: هو مال اليتيم عندك لا تؤته إياه وانفق عليه وإنما أضاف الأموال إلى الأولياء وهي لغيرهم لأنهم قوامها، ومدبروها، وقوله (وابتلوا اليتامى) اختبروهم في حفظهم لاموالهم {مسألة} (فلا يصح تصرفهم قبل الإذن) لأن تصحيح تصرفهم يفضي إلى ضياع أموالهم وفيه ضرر عليهم {مسألة} (ومن دفع إليهم ماله ببيع أو قرض رجع فيه ما كان باقياً) لأنه عين ماله وتصرفهم فاسد فإن أتلفه واحد منهم فهو من ضمان مالكه، وكذلك إن تلف

في يده لأنه سلطه عليه برضاه وسواء علم بالحجر على السفيه أو لم يعلم لأنه إن علم فقد فرط وإن لم يعلم فهو مفرط أيضاً إذ كان في مظنة الشهرة هذا إذا كان صاحبه قد سلطه عليه، فأما إن حصل في يده باختيار صاحبه من غير تسليط كالوديعة والعارية فاختار القاضي أنه يلزمه الضمان إن أتلفه أو تلف بتفريطه إن كان سفيها لأنه أتلفه بغير اختيار صاحبه فأشبه مالو كان القبض بغير اختياره، ويحتمل أن لا يضمن لأنه عرضها لا تلافه وسلطه عليها فأشبه المبيع أما ما أخذه بغير اختيار المالك كالغصب والجناية فعليه ضمانه لأنه لا تفريط من المالك وكذلك الحكم في الصبي والمجنون فإن أودع عند الصبي والمجنون أو أعارهما فلا ضمان عليهما فيما تلف بتفريطهما لأنهما ليسا من أهل الحفظ، وإن أتلفاه ففيه وجهان نذكرهما في الوديعة {مسألة} (ومتى عقل المجنون وبلغ الصبي ورشدا انفك الحجر عنهما بغير حكم حاكم ودفع إليهما ما لهما ولا ينفك قبل ذلك بحال) إذا عقل المجنون ورشد انفك الحجر عنه ولايحتاج إلى حكم حاكم بغير خلاف وكذلك الصبي إذا بلغ ورشد وهذا مذهب الشافعي، وقال مالك لا يزول إلا بحكم حاكم وهو قول بعض أصحاب الشافعي لأنه موضع اجتهاد ونظر فإنه يحتاج في معرفة البلوغ والرشد إلى اجتهاد فيوقف ذلك على حكم حاكم كزوال الحجر عن السفيه. ولنا قوله تعالى (فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم) أمر بدفع أموالهم إليهم عند البلوغ وإيناس الرشد فاشتراط حكم الحاكم زيادة تمنع الدفع عند وجود ذلك حتى يحكم الحاكم وهذا مخالف لظاهر النص، ولأنه حجر ثبت بغير حكم الحاكم فيزول بغير حكمه كالحجر على المجنون ولأن الحجر عليه إنما كان لعجزه عن التصرف في ماله على وجه المصلحة حفظاً لماله عليه فمتى بلغ ورشد زال الحجر لزوال سببه، السفيه لنا فيه منع، فعلى هذا الحجر منقسم إلى ثلاثة أقسام: قسم يزول بغير حكم الحاكم وهو الحجر للجنون، وقسم لا يزول إلا بحكم حاكم وهو الحجر للسفه، وقسم فيه الخلاف وهو الحجر على الصبي

(فصل) ومتى انفك الحجر عنهما دفع إليهما مالهما لقول الله تعالى (فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم) فقال ابن المنذر اتفقوا على ذلك ولأن منعه من التصرف إنما كان لعجزه عن التصرف حفظاً لماله فإذا صار أهلاً للتصرف زال الحجر لزوال سببه (فصل) ولا ينفك عنه الحجر ولا يدفع إليه ماله قبل البلوغ والرشد، ولو صار شيخاً وهو قول الأكثرين قال إبن المنذر أكثر علماء الأمصار من أهل العراق والحجاز والشام ومصر يرون الحجر على كل مضيع لماله صغيرا كان أو كبيراً وبه قال القاسم بن محمد ومالك والشافعي وأبو يوسف ومحمد وروى الجوزجاني في كتابه قال: كان القاسم بن محمد يلي أمر شيخ من قريش ذي أهل ومال فلا يجوز له أمر في ماله دونه لضعف عقله قال ابن إسحاق رأيته شيخاً يخضب وقد جاء إلى القاسم بن محمد فقال يا أبا محمد ادفع إلي مالي فإنه لا يولي على مثلي فقال. إنك فاسد فقال امرأته طالق البتة وكل مملوك له حر إن لم تدفع إلي مالي، فقال القاسم بن محمد وما يحل لنا أن ندفع إليك مالك على حالك هذه فبعث إلى امرأته وقال: هي حرة مسلمة وما كنت لأحبسها عليك وقد فهت بطلاقها فأرسل إليها فأخبرها ذلك وقال أما رقيقك فلا عتق لك ولا كرامة فحبس رقيقه. وقال ابن إسحاق ما كان يعاب على الرجل إلا سفهه وقال أبو حنيفة لا يدفع ماله إليه قبل خمس وعشرين سنة، وإن تصرف نفذ تصرفه فإذا بلغ خمسا وعشرين سنة فك الحجر عنه ودفع إليه ماله لقول الله تعالى (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده) وهذا قد بلغ أشده ويصلح أن يكون جداً ولأنه حر بالغ عاقل مكلف فلا يحجر عليه كالرشيد ولنا قول الله تعالى (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم) أي أموالهم وقوله تعالى (وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم) علق الدفع على شرطين والحكم المعلق على شرطين لا يثبت بدونهما وقال تعالى (فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل) فأثبت الولاية على السفيه ولأنه مبذر فلم يجز دفع ماله إليه كمن له دون ذلك، وأما الآية التي احتجوا بها فإنما تدل بدليل خطابها وهو لا يقول به ثم هي مخصصة فيما قبل

خمس وعشرين بالإجماع لعلة السفه وهو موجود بعد خمس وعشرين فيجب أن يخص به أيضاً كما أنها لما خصصت في حق المجنون لجنونه فيما قبل خمس وعشرين خصصت بعدها، وما ذكرنا من المنطوق أولى مما يستدل به من المفهوم المخصص وقوله أنه صار يصلح جداً لا معنى تحته يقتضي الحكم ولا له أصل يشهد له في الشرع فهو اثباب للحكم بالتحكم ثم هو متصور ممن هو دون هذا السن فإن المرأة تكون جدة لاحدى وعشرين سنة وقياسهم منتقض بمن له دون خمس وعشرين سنة فما أوجب الحجر قبلها يوجبه بعدها، إذا ثبت هذا فإنه لا يصح تصرفه ولا إقراره، وقال أبو حنيفة يصح بيعه وإقراره لأن البالغ عنده لا يحجر عليه وإنما لم يسلم إليه للآية ولنا أنه لا يدفع إليه ماله لعدم رشده فلم يصح تصرفه وإقراره كالصبي والمجنون ولأنه إذا نفذ تصرفه وإقراره تلف ماله ولم يفد منعه من ماله شيئاً ولأن تصرفه لو كان نافذا لسلم إليه ماله كالرشيد فإنه إنما منع ماله حفظاً له فإذا لم يحفظ بالمنع وجب تسليمه إليه بحكم الاصل {مسألة} (والبلوغ يحصل بالاحتلام وبلوغ خمس عشرة سنة ونبات الشعر الخشن حول القبل، وتزيد الجارية بالحيض والحمل) يثبت البلوغ في حق الجارية والغلام بأحد الأشياء الثلاثة المذكورة وهي: خروج المني من القبل وهو الماء الدافق الذي يخلق منه الولد كيفما خرج في يقظة أو منام بجماع أو احتلام أو غير ذلك يحصل به البلوغ لا نعلم فيه خلافاً لقول الله تعالى (وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا) وقوله (والذين لم يبلغو الحلم منكم) وقول النبي صلى الله عليه وسلم " رفع القلم عن ثلاث: عن الصبي حيت يحتلم " رواه أبو داود، وقال ابن المنذر اجمعوا على أن الفرائض والأحكام تجب على المحتلم العاقل، وعلى المرأة بظهور الحيض منها (الثاني) السن وهو بلوغ خمس عشرة سنة في حق الغلام والجارية وبهذا قال الأوزاعي والشافعي وأبو يوسف ومحمد، وقال داود لأحد للبلوغ من السن لقوله عليه السلام " رفع القلم عن

ولم يتعلق بها حق من شفعة أو جناية أو رهن

ثلاث عن الصبي حتى يحتلم " واثبات البلوغ لغيره يخالف الخبر وهذا قول مالك، وقال أصحابه سبع عشرة أو ثماني عشرة، وعن أبي حنيفة في الغلام روايتان (إحداهما) سبع عشرة (والثاني) ثماني عشرة والجارية سبع عشرة بكل حال لأن الحد لا يثبت إلا بتوقيف أو اتفاق ولا توقيف فيما دون هذا ولا اتفاق. ولنا أن ابن عمر قال عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم وأنا ابن أربع عشرة فلم يجزني في القتال وعرضت عليه وأنا ابن خمس عشرة فأجازني متفق عليه، وفي لفظ عرضت عليه يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة فردني ولم يرني بلغت وعرضت عليه عام الخندق وأنا ابن خمس عشرة فأجازني فأخبر بهذا عمر بن عبد العزيز فكتب إلى عماله أن لا تفرضوا إلا لمن بلغ خمس عشرة رواه الشافعي في مسنده والترمذي وقال حديث حسن صحيح، ولأن السن معنى يحصل به البلوغ يشترك فيه الجارية والغلام فاستويا فيه كالإنزال وما احتج به مالك وداود لايمنع اثبات البلوغ بغير الاحتلام إذا ثبت بالدليل ولهذا كان انبات الشعر علماً عليه (الثالث) نبات الشعر الخشن حول ذكر الرجل وفرج المرأة، فأما الزغب الضعيف فلا اعتبار به فإنه يثبت في حق الصغير وبهذا قال مالك والشافعي في قول وقال في الآخر هو بلوغ في حق المشركين وهل هو بلوغ في حق المسلمين؟ فيه قولان، وقال أبو حنيفة لااعتبار به لأنه نبات شعر أشبه سائر شعر البدن ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم لما حكم سعد بن معاذ في بني قريظة حكم بأن يقتل مقاتلتهم ويسبى ذراريهم فأمر بأن يكشف عن مؤتزريهم فمن أنبت فهو من المقاتلة ومن لم ينبت الحقوه بالذرية. قال عطية القرظي عرضت علي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قريظة فشكوا في فأمر النبي صلى الله عليه وسلم إن ينظر إلي هل أنبت بعد؟

فنظروا إلي فلم يجدوني أنبت بعد فالحقني بالذرية. متفق على معناه، وكتب عمر رضي الله عنه إلى عامله أن لا تأخذ الجزية إلا ممن جرت عليه المواسي، وروى محمد بن يحيى بن حبان أن غلاماً من الأنصار شبب بامرأة في شعره فرفع إلى عمر فلم يجده أنبت فقال. لو أنبت لحددتك، ولأنه خارج يلازمه البلوغ غالبا يستوي فيه الذكر والأنثى فكان علما على البلوغ كالاحتلام، ولأن الخارج ضربان متصل ومنفصل، فلما كان من المنفصل ما يثبت به البلوغ كذلك المتصل وما كان بلوغاً في حق المشرك كان بلوغاً في حق المسلم كالاحتلام والسن {فصل} والحيض علم على البلوغ في حق الجارية لا نعلم فيه خلافاً، وقد دل ذلك عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم " لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار " رواه الترمذي وقال حديث حسن، وكذلك الحمل يحصل به البلوغ لأن الله تعالى أجرى العادة أن الولد إنما يخلق من ماء الرجل وماء المرأة، قال الله تعالى (فلينظر الإنسان مم خلق، خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب) وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك في الأحاديث، فعلى هذا يحكم ببلوغها في الوقت الذي حملت فيه (فصل) إذا وجد خروج المني من الخنثى المشكل فهو علم على بلوغه وكونه رجلا، وإن خرج من فرجه أو حاض كان علما على بلوغه وكونه امرأة. وقال القاضي: ليس واحد منهما علما على البلوغ فإن اجتمعا فقد بلغ وهو مذهب الشافعي لجواز أن يكون الفرج الذي خرج ذلك منه خلقة زائدة. ولنا أن خروج البول من أحد الفرجين دليل على ذكوريته أو أنوثيته فخروج المني والحيض أولى

وإذا ثبت كونه رجلاً خرج المني من ذكره، أو امرأة خرج الحيض من فرجها لزم وجود البلوغ، ولأن خروج مني الرجل من المرأة أو الحيض من الرجل مستحيل فكان دليلا على التعيين، وإذا ثبت التعيين لزم كونه دليلاً على البلوغ كما لو تعين قبل خروجه، ولأنهم سلموا أن خروجهما معاً دليل عليه فخروج أحدهما منفرداً أولى لأن خروجهما معاً يقتضي تعارضهما وإسقاط دلالتهما إذ لا يتصور أن يجتمع حيض صحيح ومني رجل فلزم أن يكون أحدهما فضلة خارجه من غير محلها، وليس أحدهما أولى بذلك من الآخر فتبطل دلالتهما كالبينتين إذا تعارضتا وكالبول إذا خرج من المخرجين جميعاً بخلاف ما إذا وجد أحدهما منفرداً فإن الله تعالى أجرى العادة بأن الحيض يخرج من فرج المرأة عند بلوغها ومني الرجل يخرج من ذكره عند بلوغه، فإذا وجد ذلك من غير معارض وجب أن يثبت حكمه ويقضي بثبوت دلالته كالحكم بكونه رجلا بخروج البول من ذكره وبكونه أنثى بخروجه من فرجها والحكم للغلام بالبلوغ بخروج المني من ذكره وللجارية بخروج الحيض من فرجها، فعلى هذا إذا خرجا جميعاً لم يثبت كونه رجلا ولا امرأة، وهل يثبت البلوغ بذلك؟ فيه وجهان (أحدهما) يثبت وهو اختيار القاضي ومذهب الشافعي لأنه إن كان رجلا فقد خرج المني من ذكره، وإن كان أنثى فقد حاضت (والثاني) لا يثبت لأن هذا يجوز أن لا يكون حيضاً ولا منياً فلا يكون فيه دلالة وقد دل على ذلك تعارضهما فانتفت دلالتهما على البلوغ كانتفاء دلالتهما على الذكورية والأنوثية {مسألة} (والرشد الصلاح في المال) وهذا قول أكثر أهل العلم منهم مالك وأبو حنيفة، وقال الحسن والشافعي وابن المنذر. الرشد الصلاح في الدين والمال لأن الفاسق غير رشيد، ولأن افساد دينه يمنع الثقة به في حفظ

ولم تزد زيادة متصلة كالسمن وتعلم صنعة

ماله كما يمنع قبول قوله وثبوت الولاية على غيره وإن لم يعرف منه كذب ولا تبذير. ولنا قول الله تعالى (فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم) قال ابن عباس: يعني صلاحا في أموالهم، وقال مجاهد إذا كان عاقلا، ولأن هذا اثبات في نكره ومن كان مصلحا لما له فقد وجد منه رشد، ولأن العدالة لا تعتبر في الرشد في الدوام فلا تعتبر في الابتداء كالزهد في الدنيا، ولأن هذا مصلح لما له فأشبه العدل يحققه أن الحجر عليه إنما كان لحفظ ماله عليه والمؤثر فيه ما أثر في تضييع المال أو حفظه قولهم ان الفاسق غير رشيد قلنا هو غير رشيد في دينه، أما في ماله وحفظه فهو رشيد ثم هو منتقض بالكافر فإنه غير رشيد في دينه ولا يحجر عليه لذلك، ولا يلزم من منع قبول القول منه دفع ماله إليه، فإن من عرف بكثرة الغلط والنسيان أو من يأكل في السوق ويمد رجليه في مجمع الناس لا تقبل شهادتهم وتدفع أموالهم إليهم {مسألة} (ولا يدفع ماله إليه حتى يختبر) لأنه إنما يعرف رشده باختياره لقول الله تعالى (وابتلوا اليتامى) أي اختبروهم واختباره بتفويض التصرفات التي يتصرف فيها أمثاله إليه، فإن كان من أولاد التجار فوض إليه البيع والشراء، فإذا تكرر منه فلم يغبن ولم يضيع ما في يديه فهو رشيد، وإن كان من أولاد الدهاقين والكبراء الذين يصان أمثالهم عن الأسواق دفعت إليه نفقة مدة لينفقها في مصالحة فإن صرفها في مصارفها ومواقعها واستوفى على وكيله فيما وكله واستقصى عليه دل على رشده، والمرأة يفوض إليها ما يفوض إلى ربة البيت من استئجار الغزالات وتوكيلها في شراء الكتان وأشباه ذلك، فإن وجدت ضابطة لما في يديها مستوفية من وكيلها فهي رشيدة

فأما الزيادة المنفصلة والنقص بهزال أو نسيان صنعة فلا يمنع الرجوع والزيادة للمفلس وعنه للبائع

{مسألة} (وأن يحفظ ما في يده عن صرفه فيما لا فائدة فيه) كالغناء والقمار وشراء المحرمات، وشراء آلات اللهو والخمر وأن يتوصل به إلى الفساد فهذا غير رشيد لأنه تبذير لماله وتضييعه فيما لا فائدة فيه، فإن كان فسقه بالكذب والتهاون بالصلاة مع حفظه لماله لم يمنع ذلك من دفع ماله إليه لما ذكرنا {مسألة} (وعنه لا يدفع إلى الجارية مالها بعد رشدها حتى تتزوج وتلد أو تقيم في بيت الزوج سنة) المشهور في المذهب أن الجارية إذا بلغت ورشدت دفع إليها مالها كالغلام وزال الحجر عنها وإن لم تتزوج وهذا قول عطاء والثوري وأبي حنيفة والشافعي وأبي ثور وابن المنذر، ونقل أبو طالب عن أحمد أن الجارية لا يدفع إليها مالها حتى تتزوج وتلد أو تقيم سنة في بيت الزوج، روى ذلك عن عمر وبه قال شريح والشبعي واسحاق لما روي عن شريح أنه قال. عهد إلى عمر بن الخطاب أن لا أجيز لجارية عطية حتى تحول في بيت زوجها حولا أو تلد. رواه سعيد في سننه ولا يعرف له مخالف فصار إجماعاً، وقال مالك لا يدفع إليها مالها حتى تتزوج ويدخل عليها زوجها لأن كل حالة جاز للأب تزويجها من غير إذنها لم ينفك عنها الحجر كالصغيرة ولنا عموم قول الله تعالى (وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح، فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم) ولأنها يتيم بلغ وأنس منه الرشد فيدفع إليه ماله كالرجل، ولأنها بالغة رشيدة فجاز لها التصرف في مالها كالتي دخل بها الزوج، وحديث عمر إن صح فلم نعلم انتشاره في الصحابة فلا يترك به الكتاب والقياس، وعلى أن حديث عمر مختص بمنع العطية فلا يلزم منه المنع من تسليم مالها إليها ومنعها من سائر التصرفات ومالك لم يعلم به وإنما اعتمد على إجبار الأب لها على النكاح ولنا أن نمنعه وإن سلمناه فإنما أجبرها على النكاح لأن اختبارها للنكاح ومصالحة لا يعلم إلا بمباشرته

والبيع والشراء والمعاملات ممكنة قبل النكاح، وعلى هذه الرواية إذا لم تتزوج أصلا احتمل أن يدوم الحجر عليها عملا بعموم حديث عمر ولأنه لم يوجد شرط دفع مالها إليها فلم يجز دفعه إليها كما لو لم ترشد وقال القاضي عندي أنه يدفع إليها مالها إذا عنست وبرزت للرجال يعني كبرت {مسألة} (وقت الاختبار قبل البلوغ في إحدى الروايتين) وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي لأن الله تعالى قال (وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منها رشدا فادفعوا إليهم أموالهم) فظاهر الآية أن ابتلاءهم قبل البلوغ لوجهين (أحدهما) أنه سماهم يتامى وإنما يكونون يتامى قبل البلوغ (الثاني) أنه مد اختبارهم إلى البلوغ بلفظة حتى فيدل على أن الاختبار قبله، ولأن تأخير الاختبار إلى البلوغ مؤد إلى الحجر على البالغ الرشيد لأن الحجر يمتد إلى أن يختبر ويعلم رشده واختباره قبل البلوغ يمنع ذلك فكان أولى، لكن لا يختبر إلا المراهق المميز الذي يعرف البيع والشراء والمصلحة من المفسدة، وإذا أذن له وليه فتصرفه على ما نذكره، وعنه ان اختباره بعد البلوغ أومأ إليه أحمد لأن تصرفه قبل ذلك تصرف ممن لم يوجد فيه مظنة العقل ولأصحاب الشافعي نحو هذا الوجه {فصل} قال رضي الله عنه (ولا تثبت الولاية على الصبي والمجنون إلا للأب) لأنها ولاية على الصغير فقدم فيها الأب كولاية النكاح ثم وصيته بعده لأنه نائبه أشبه وكيله في الحياة ثم للحاكم لأن الولاية انقطعت من جهة القرابة فتثبت للحاكم كولاية النكاح ومذهب أبي حنيفة والشافعي أن الجد يقوم مقام الأب في الولاية لأنه أب ولنا أن الجد لا يدلي بنفسه وإنما يدلي بالأب الأدنى فلم يل مال الصغير كالأخ ولأن الأب يسقط الاخوة بخلاف الجد وترث الأم معه ثلث الباقي في زوج وأم وأب وزوجة وأم أب بخلاف الجد فلا

يصح قياسه عليه فأما من سواهم فلا يثبت لهم ولاية لأن المال محل الجناية ومن سواهم قاصر النفقة غير مأمون على المال فلم يله كالأجنبي، ومن شرط ثبوت الولاية على المال العدالة بغير خلاف لأن في تفويضها إلى الفاسق تضييعاً للمال فلم يجز كتفويضها إلى السفية، وكذلك الحكم في السفيه إذا حجر عليه صغيراً واستدام الحجر عليه بعد البلوغ {مسألة} (وليس لوليهما التصرف في مالهما إلا على وجه الحظ لهما وما لاحظ فيه ليس له التصرف به كالعتق والهبة والتبرعات والمحاباة) لقول الله سبحانه وتعالى (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن) وقوله عليه الصلاة والسلام " لاضرر ولا ضرار " رواه الإمام أحمد وهذا فيه اضرار فإن فعل شيئاً من ذلك أو زاد على النفقة عليهما أو على من تلزمهما مؤنته بالمعروف ضمن لانه مفرط فضمن كتصرفه في مال غيرهما {مسألة} (ولايجوز أن يشتري من مالهما شيئاً لنفسه ولا يبيعهما إلا الأب لأنه غير متهم عليه لكمال شفقته) وبه قال أبو حنيفة ومالك والاوزاعي والشافعي وزادوا الجد وقال زفر لا يجوز لأن حقوق العقد تتعلق بالعاقد ولايجوز أن يتعلق به حكمان متضادان، ولنا أن هذا يلي بنفسه فجاز أن يتولى طرفي العقد كالسيد يزوج عبده أمته ولا نسلم ما ذكره من تعلق حقوق العقد بالعاقد، فأما الجد فلا ولاية له على ما ذكرناه فهو كالأجنبي ولأن التهمة بين الأب وولده منتفية إذ من طبعه الشفقة عليه والميل إليه وترك حظ نفسه لحظه، وبهذا فارق الوصي والحكم وأمينه، فأما الحاكم والوصي فلا يجوز لهما ذلك لأنهما متهمان في طلب الحظ لانفسهما فلم يجز ذلك لهما بخلاف الأب {مسألة} (ولوليهما مكاتبة رقيقهما وعتقه على مال)

وإن صبغ الثوب أو قصره لم يمنع الرجوع والزيادة للمفلس

إذا كان الحظ فيه مثل أن تكون قيمته ألفاً فكاتبه بألفين أو يعتقه بهما فإن لم يكن فيها حظ لم يصح، وقال مالك وأبو حنيفة لا يجوز إعتاقه لأن الإعتاق بمال تعليق له على شرط فلم يملكه ولي اليتيم كالتعليق على دخول الدار، وقال الشافعي لا يجوز كتابته ولا إعتاقه لأن المقصود منهما العتق دون المعاوضة فلم يجز كالإعتاق بغير عوض ولنا أنها معاوضة لليتيم فيها حظ فملكها وليه كبيعة ولا عبرة بنفع العبد ولا يضره كونه تعليقاً فإنه إذا حصل لليتيم حظ لم يضره نفع غيره ولا كون العتق حصل بالتعليق وفارق ما قاسوا عليه فإنه لا نفع فيه لعدم الحظ وانتفاء المقتضي لا لما ذكروه ولو قدر أن يكون في العتق بغير مال نفع كان نادراً وإن كان العتق على مال بقدر قيمته أو أقل لم يجز لعدم الحظ فيه، وقال أبو بكر يتوجه جواز العتق بغير عوض للحظ فيه مثل أن تكون له جارية وابنتها يساويان مائة مجتمعتين ولو أفردت إحداهما ساوت مائتين ولا يمكن إفرادها بالبيع فيعتق الأخرى لتكثر قيمة الباقية فتصير ضعف قيمتيهما {مسألة} (وله تزويج إمائهما) إذا وجب تزويجهن بأن يطلبن ذلك أو يرى المصلحة فيه لأنه ولي عليهن وقائم مقام ما لكهن فكان له تزوجيهن كالمالك. {مسألة} (وله السفر بمالهما للتجارة فيه والمضاربة بمال اليتيم والمجنون وله أن يدفعه مضاربة بجزء من الربح) أبا كان أو وصيا أو حاكماً أو أمين حاكم وهو أولى من تركه، وممن رأى ذلك ابن عمر والنخعي والحسن بن صالح ومالك والشافعي وأبو ثور ويروى إباحة التجارة به عن عمر وعائشة والضحاك ولا نعلم احدا كرهه الا الحسن ولعله أراد اجتناب المخاطرة به ورأى خزنه أحفظ له وهو قول الجمهور لما روى عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من ولي يتيماً له مال

فليتجر له ولا يتركه حتى تأكله الصدقة " وروي موقوفاً على عمر وهو أصح من المرفوع ولأن ذلك أحفظ للمولي عليه لتكون نفقته من فاضله وربحه كما يفعله البالغون في أموالهم إلا أنه لا يتجر إلا في المواضع الآمنة ولا يدفعه إلا إلى الأمناء ولا يغرر به، وقد روي عن عائشة أنها أبضعت مال محمد بن أبي بكر في البحر فيحتمل أنه كان في موضع مأمون قريب من الساحل، ويحتمل أنها جعلت ضمانه عليها ان هلك {مسألة} (والربح كله لليتيم) يعني إذا اتجر بنفسه وأجاز الحسن بن صالح واسحاق أن يأخذ الوصي مضاربة لنفسه لأنه جاز له أن يدفعه بذلك فجاز أن يأخذه بذلك له، ويتخرج لنا مثل ذلك كما قلنا في الشريك إذا فعل بنفسه ما يجوز له الإجارة عليه فإنه يستحق الأجرة في أحد الوجهين كذلك هذا وبه قال أبو حنيفة، والصحيح ما قلناه لأن الربح نماء مال اليتيم فلا يستحقه غيره إلا بعقد ولا يجوز أن يعقد الولي المضاربة لنفسه {مسألة} (فأما إن دفعه إلى غيره فللمضارب ما جعل له الولي) ووافقه عليه في قولهم جميعاً لأن الوصي نائب عن اليتيم فيما فيه مصلحته، وهذا فيه مصلحته فأشبه تصرف المالك في ماله. (فصل) وله ابضاع ماله وهو دفعه إلى من يتجر به والربح كله لليتيم لأنه إذا جاز دفعه بجزء من ربحه فدفعه إلى من يوفر الربح أولى {مسألة} (ويجوز له بيعه نساء إذا كان له الحظ في ذلك) فإنه قد يكون أكثر ثمناً وأنفع لكن يحتاط على الثمن بأن يأخذ به رهناً أو كفيلاً موثوقاً يتحفظ الثمن به {مسألة} (وله قرضه برهن)

إذا لم يكن في قرض مال اليتيم حظ له لم يجز، وإن كان في قرضه حظ لليتيم جاز. قال أحمد لا تقرض مال اليتيم لأحد تريد مكافأته ومودته. ويقرض على النظر والشفقة كما صنع ابن عمر وقيل لأحمد ابن عمر اقترض مال اليتيم قال: انما استقرض نظراً لليتيم واحتياطاً إن أصابه شئ غرمه. قال القاضي ومعنى الحظ أن يكون للصبي مال في بلد فيريد نقله الى بلد آخر فيقرضه من رجل في ذلك البلد ليقضيه بدله في بلده يقصد بذلك حفظه من الغرر في نقله أو يخاف عليه الهلاك من نهب أو غرق أو غيرهما أو يكون مما يتلف بتطاول مدته، أو حديثه خير من قديمه كالحنطة ونحوها فيقرضه خوفاً من السوس أو تنقص قيمته، وأشباه هذا فيجوز القرض لأن لليتيم فيه حظاً فجاز كالتجارة به، وإن لم يكن فيه حظ لم يجز لأنه تبرع بمال اليتيم فلم يجز كهبته، وإن أراد الولي السفر لم يكن له المسافرة بماله، فإن أراد أن يودع مال اليتيم فقرضه لثقة أولى من ذلك لأن الوديعة لا تضمن فان لم يجد ثقة يستقرضه فله إيداعه لأنه موضع حاجة، وإن أودعه مع إمكان قرضه جاز ولا ضمان عليه لانه ربما رأى الإيداع أولى من القرض فلا يكون مفرطاً وكل موضع قلنا له قرضه فلا يجوز إلا لملئ أمين ليأمن جحوده وتعذر الإيفاء وينبغي أن يأخذ رهناً إن أمكنه فإن تعذر عليه أخذ الرهن جاز تركه في ظاهر كلام أحمد لأن الظاهر أن من يستقرضه لحظ اليتيم لا يبذل رهناً فاشتراط الرهن يفوت هذا الحظ، وظاهر كلام شيخنا في هذا الكتاب المشروح أنه لا يجوز وكذلك ذكره أبو الخطاب لأن فيه احتياطاً للمال، فإن تركه احتمل أن يضمن إن ضاع المال لتفريطه واحتمل أن لا يضمن لأن الظاهر سلامته وهذا ظاهر كلام أحمد لكونه لم يذكر الرهن (فصل) قال أبو بكر هل يجوز للوصي أن يستنيب فيما يتولى مثله بنفسه؟ على روايتين بناء على الوكيل، وقال القاضي يجوز ذلك للوصي، وفي الوكيل روايتان وفرق بينهما بأن الوكيل يمكنه الاستئذان والوصي بخلافه.

{مسألة} (وله شراء العقار لهما وبناؤه بما جرت عادة أهل بلده به) إذا رأى المصلحة في ذلك كله لأنه مصلحة له فإنه يحصل له الفضل ويبقى الأصل والغرر فيه أقل من التجارة لأن أصله محفوظ (فصل) ويجوز أن يبني لهما عقاراً لأنه في معنى الشراء أحظ وهو ممكن فيتعين تقديمه وإذا أراد بناء هـ بناه بما يرى الحظ فيه مما جرت عادة أهل البلد به وقال أصحابنا يبنيه بالآجر والطين لايبني باللبن لأنه إذا هدم لا مرجوع له ولا بجص لأنه يلتصق بالآجر فلا يخلص منه فإذا انهدم فسد الآجر لأن تخليصه منه يفضي إلى كسره وهذا مذهب الشافعي والذي قلناه أولى إن شاء الله فإنه إذا كان الحظ له في البناء بغيره فتركه ضيع حظه وماله ولايجوز تضييع الحظ العاجل وتحمل الضرر الناجز المتيقن لتوهم مصلحة بقاء الآجر عند هدم البناء ولعل ذلك لا يكون في حياته ولا يحتاج إليه مع أن كثيراً من البلدان لا يوجد فيها الآجر وكثير منها لم تجر عادتهم بالبناء به فلو كلفوا البناء به لاحتاجوا إلى غرامه كثيرة لا يحصل منها طائل، فعلى هذا يحمل قول أصحابنا على من عادتهم البناء بالآجر كالعراق ونحوها ولا يصح حمله في حق غيرهم وإنما يفعل ما ذكرنا من الشراء والبناء إذا رأى المصلحة فيه والحظ لهما {مسألة} (وله شراء الأضحية لليتيم الموسر) نص عليه إذا كان له مال كثير لا يتضرر بشرائها فيكون ذلك على وجه التوسعة في النفقة في هذا اليوم الذي هو يوم عيد وفرج وفيه جبر قلبه وإلحاقه بمن له أب فينزل منزلة الثياب الحسنة وشراء اللحم سيما مع استحباب التوسعة في هذا اليوم وجري العادة بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم " أنها أيام أكل وشرب وذكر الله عزوجل " رواه مسلم وهذا قول أبي حنيفة ومالك قال مالك إذا كان له ثلاثون ديناراً يضحي عنه بالشاة بنصف دينار. وعن أحمد رحمه الله رواية أخرى لا يجوز وهو مذهب الشافعي

لانه اخراج شئ من ماله بغير عوض فلم يجز كالهدية. قال شيخنا: ويحتمل أن يحمل كلام أحمد في الروايتين على حالين فالموضع الذي منع التضحية إذا كان الطفل لا يعقل التضحية ولا يفرح بها ولا ينكسر قلبه بتركها لعدم الفائدة فيها والموضع الذي أجازها إذا كان اليتيم يعقلها وينجبر قلبه بها وينكسر بتركها لحصول الفائدة فيها، وعلى كل حال من ضحى عن اليتيم لم يتصدق بشئ منها ويوفرها لنفسه لأنه لا تحل الصدقة بشئ من مال اليتيم تطوعاً (فصل) ومتى كان خلط مال اليتيم أرفق به وألين في الجبر وأمكن في حصول الأدم فهو أولى، وإن كان الأفراد أرفق به أفرده لقول الله تعالى (ويسئلونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح ولو شاء الله لأعنتكم) أي ضيق عليكم وشدد، من قولهم أعنت فلان فلاناً إذا ضيق عليه وشدد {مسألة} (ويجوز تركه في المكتب وأداء الأجرة عنه بغير إذن الحاكم) وحكي لأحمد قول سفيان: لا يسلم الوصي الصبي إلا بإذن الحاكم فأنكر ذلك، وذلك لان المكتب من مصالحه فجرى مجرى نفقته لمأكوله وملبوسه، وكذلك يجوز أن يسلمه في صناعة إذا كانت مصلحته في ذلك لما ذكرناه {مسألة} (ولا يبيع عقارهم إلا لضرورة أو غبطة وهو أن يزاد في ثمنه الثلث فصاعداً) وجملة ذلك أنه لا يجوز بيع عقاره لغير حاجة لأننا نأمره بالشراء لما فيه من الحظ فبيعه إذا تفويت للحظ فإن احتيج إلى بيعه جاز قال أحمد يجوز للوصي بيع الدور على الصغار إذا كان أحظ لهم وبه قال الثوري والشافعي وأصحاب الرأي واسحاق قالوا يبيع إذا رأى الصلاح، قال القاضي لا يجوز بيعه

الا في موضعين (أحدهما) أن يكون فيه ضرورة إلى كسوة أو نفقة أو قضاء دين أو ما لابد منه وليس له ما تندفع به حاجته (الثاني) أن يكون في بيعه غبطة وهو أن يبذل فيه زيادة كثيرة على ثمن مثله، قال أبو الخطاب كالثلث فما زاد أو يخاف عليه الهلاك بغرق أو خراب أو نحوه وهذا الذي ذكره شيخنا في المقنع وهو قول في مذهب الشافعي وكلام أحمد يقتضي إباحة البيع في كل موضع يكون نظراً لهم ولا يختص بما ذكروه فإن الولي قد يرى الحظ في غير هذا مثل أن يكون في مكان لا ينتفع به أو نفعه قليل فيبيعه ويشتري له في مكان يكثر نفعه أو يرى شيئاً في شرائه غبطه لا يمكنه شراؤه إلا ببيع عقاره وقد تكون داره بمكان يتضرر الغلام بالمقام فيها لسوء الجوار أو غيره فيبيعها ويشتري له بثمنها داراً يصلح له المقام بها وأشباه هذا مما لا ينحصر وقد لا يكون له حظ في بيع عقاره وإن دفع مثلاً ثمنه إما لحاجته إليه وأما لأنه لا يمكن صرف ثمنه في مثله فيضيغ الثمن ولا يبارك فيه فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم " من باع داراً أو عقاراً ولم يصرف ثمنه في مثله لم يبارك له فيه " فلا يجوز بيعه إذا فلا معنى لتقييده بما ذكروه في الجواز ولا في المنع بل متى كان الحظ في بيعه جاز ومالا فلا، وهذا اختيار شيخنا وهو الصحيح إن شاء الله تعالى {مسألة} (وإن وصى لاحدهما بمن يعتق عليه ولا تلزمه نفقته لا عسار الموصى له أو غير ذلك وجب على الولي قبول الوصية) لانه مصلحة ليس فيها ضرر، وإن كانت تلزمه نفقته لم يجز له قبولها لما فيه من الضرر بتفويت ماله بالنفقة عليه (فصل) قال رحمه الله (ومن فك عنه الحجر فعاوده السفه أعيد الحجر عليه) وجملة ذلك أن المحجور عليه إذا فك عنه الحجر لرشده وبلوغه ودفع إليه ماله ثم عاد إلى السفه أعيد عليه الحجر وبه

قال القاسم بن محمد ومالك والاوزاعي والشافعي واسحاق وأبو ثور وأبو عبيد وأبو يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة لا يبتدأ الحجر على بالغ عاقل وتصرفه نافذ، روى ذلك عن ابن سيرين والنخعي لأنه مكلف فلم يحجر عليه كالرشيد. ولنا ماروى عروة بن الزبير أن عبد الله بن جعفر ابتاع بيعا فقال علي لآتين عثمان ليحجر عليك فأتى عبد الله بن جعفر الزبير فقال قدابتعت بيعاً وإن عليا يريد أن يأتي أمير المؤمنين عثمان فيسأله الحجر علي فقال الزبير أنا شريكك في البيع، فأتى على عثمان فقال إن ابن جعفر قد ابتاع بيع كذا فاحجر عليه فقال الزبير أنا شريكه في البيع فقال عثمان كيف أحجر على من شريكه الزبير؟ قال أحمد لم أسمع هذا الا من أبي يوسف القاضي وهذه قضية يشتهر مثلها ولم يخالفها أحد في عصرهم فتكون إجماعاً ولأنه سفيه فحجر عليه كما لو بلغ سفيها فإن العلة التي اقتضت الحجر عليه إذا بلغ سفيها سفهه وهو موجود ولأن السفه لو قارن البلوغ منع دفع ماله إليه فإذا حدث وجب انتزاع المال كالجنون وفارق الرشيد فإن رشده لو قارن البلوغ لم يمنع دفع ماله إليه، إذا ثبت ذلك فلا يحجر عليه الا الحاكم وبهذا قال الشافعي وقال محمد يصير مجحورا عليه بمجرد تبذيره لأن ذلك سبب الحجر

فأشبه الجنون، ولنا أن التبذير يختلف ويختلف فيه ويحتاج إلى الاجتهاد فإذا افتقر السبب إلى الاجتهاد لم يثبت إلا بحكم حاكم كالحجر على المفلس وفارق الجنون فإنه لا يفتقر الى الاجهتاد ولا خلاف فيه {مسألة} (ولا ينظر في ماله إلا الحاكم) لأن الحجر عليه يفتقر إلى الحاكم فكذلك النظر في ماله {مسألة} (ولا ينفك عنه الحجر إلا بحكمه) يعني إذا رشد احتاج فك الحجر إلى حكم الحاكم وبه قال الشافعي وقيل ينفك بمجرد رشده، قاله أبو الخطاب لأن سبب الحجر زال فيزول بزواله كما في حق الصبي والمجنون، ولنا أنه حجر ثبت بحكم الحاكم فلا يزول إلا بحكمه كالمفلس ولأن الرشد يحتاج إلى تأمل واجتهاد في معرفته وزوال تبذيره فكان كابتداء الحجر عليه وفارق الصبي والمجنون فإن الحجر عليهما بغير حكم الحاكم فيزول بغير حكمه ولا ننا لو وقفنا صحة تصرف الناس على الحاكم كان أكثر الناس محجوراً عليهم، قال أحمد: والشيخ الكبير ينكر عقله يحجر عليه يعني إذا كبر واختل عقله حجر عليه بمنزلة المجنون لأنه يعجز بذلك عن التصرف في ماله على وجه المصلحة وحفظه فأشبه الصبي والمجنون {مسألة} (ويستحب إظهار الحجر عليه وأن يشهد عليه الحاكم ليظهر أمره فيجتنب

معاملته وإن رأى أن يأمر منادياً ينادي بذلك ليعرفه الناس فعل ولا يشترط الإشهاد لأنه قد ينتشر أمره لشهرته {مسألة} (ويصح تزويجه بإذن وليه) وبغير إذنه وهو قول أبي حنيفة واختاره القاضي، وقال أبو الخطاب لا يصح بغير إذن وليه وهو قول الشافعي وأبي ثور لأنه تصرف يجب به مال فلم يصح بغير إذن وليه كالشراء، ووجه الأول أنه عقد غير مالي فصح منه كخلعة وطلاقه ان لزم منه المال فحصوله بطريق الضمن فلم يمنع صحة التصرف (فصل) وإن خالع صح خلعة لأنه إذا صح الطلاق ولا يحصل منه شئ فالخلع الذي يحصل به المال أولى إلا أن العوض لا يدفع إليه وإن دفع إليه لم يصح قبضه، وقال القاضي يصح وسنذكر ذلك في باب الخلع فإن قلنا: لا يصح القبض فأتلفه بعد قبضه فلا ضمان عليه ولا تبرأ المرأة بدفعه إليه وهو من ضمانها إن أتلفه أو تلف في يده لأنها سلطته عليه. {مسألة} وهل يصح عتقه؟ على روايتين (إحداهما) لا يصح وهو قول القاسم بن محمد والشافعي (والثانية) يصح لأنه عتق من مكلف مالك تام الملك فصح كعتق الراهن والمفلس ولنا أنه تصرف في ماله فلم يصح كسائر تصرفاته ولأنه تبرع فأشبه هبته ووقفه ولأنه محجور عليه لحفظ ماله عليه فلم يصح كعتق الصبي والمجنون وفارق المفلس والراهن فإن الحجر عليهما لحق غيرهما وفي عتقهما خلاف أيضاً قد ذكرناه (فصل) ويصح تدبيره ووصيته لأن ذلك محض مصلحة لأنه تقرب إلى الله تعالى بماله بعد غناه عنه ويصح استيلاده وتعتق الأمة المستولدة بموته لأنه إذا صح ذلك من المجنون فمن السفيه أولى وله المطالبة بالقصاص لانه موضع للتشفي والانتقام وهو من أهله وله العفو على مال لأنه تحصيل للمال لا تضييع له، وإن عفا على غير مال وقلنا الواجب القصاص عيناً صح عفوه لأنه لم يتضمن تضييع المال، وإن قلنا أحد شيئين لم يصح عفوه عن المال ووجب المال كما لو سقط القصاص بعفو أحد الشريكين

وإن غرس الأرض أو بنى فيها فله الرجوع ودفع قيمة الغراس والبناء فيملكه إلا أن يختار المفلس والغرماء القلع ومشاركته بالنقص

وإن أحرم بالحج صح لأنه مكلف أشبه غيره ولأنه عبادة فصحت منه كسائر العبادات فإن كان أحرم بفرض دفع إليه النفقة من ماله ليسقط الفرض عن نفسه وإن كان تطوعاً وكانت نفقته في السفر كنفقته في الحضر دفعت لأنه لاضرر في إحرامه فإن زادت نفقة السفر فقال: أنا أكسب تمام نفقتي دفعت إليه أيضاً لأنه لا يضر بماله وإن لم يكن له كسب فلو ليه تحليله لما في مضيه فيه من تضييع ما له ويتحلل بالصيام كالمعسر لأنه ممنوع من التصرف في ماله، ويحتمل أن لا يملك وليه تحليله بناء على العبد إذا أحرم بغير إذن سيده وإن لزمه كفارة يمين أو ظهار أو قتل أو وطئ في نهار رمضان كفر بالصيام لما ذكرنا وإن أعتق أو أطعم لم يجزه لأنه ممنوع من ماله أشبه المفلس، وبهذا قال الشافعي، ويتخرج أن يجزئه العتق بناء على قولنا بصحة عتقه وإن نذر عبادة بدنية لزمه فعلها لأنه غير محجور عليه في بدنه وإن نذر الصدقة بمال لم يصح منه وكفر بالصيام فإن فك الحجر عنه قبل تكفيره في هذه المواضع لزمه العتق إن قدر عليه ومقتضى قول أصحابنا أنه يلزمه الوفاء بنذره بناء على قولهم فيمن أقر قبل فك الحجر عنه ثم فك الحجر عنه أنه يلزمه أداؤه وإن فك بعد تكفيره لم يلزمه شئ كما لو كفر عن يمينه بالصيام ثم فك الحجر عنه {مسألة} (وإن أقر بحد أو قصاص أو نسب أو طلق زوجته أخذ به) وجملة ذلك أن المحجور عليه لسفه أو فلس إذا أقر بما يوجب حداً أو قصاصاً كالزنا والسرقة والقذف والقتل والشرب أو قطع اليد وما أشبههما فإنه يصح إقراره ويلزمه حكم ذلك في الحال بغير خلاف علمناه، قال إبن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن إقرار المحجور عليه على نفسه جائز إذا كان إقراره بزنا أو سرقة أو شرب خمر أو قذف أو قتل وإن الحدود تقام عليه. وهذا قول الشافعي وأبي ثور وأصحاب الرأي ولا أحفظ عن غيرهم خلافهم وذلك لأنه غير متهم في حق نفسه والحجر إنما تعلق بماله فقبل إقراره على نفسه بمال يتعلق بالمال وإن طلق زوجته نفذ طلاقه في قول الأكثرين، وقال ابن أبي ليلى لا يقع لأن البضع يجري مجرى المال بدليل أنه يملكه بمال ويصح أن يزول ملكه عنه بمال فلم يملك التصرف فيه كالمال

فإن أبوا القلع وأبى دفع القيمة سقط الرجوع

ولنا أن الطلاق ليس بتصرف في المال ولا يجري مجراه فلا يمنع منه كالإقرار منه بالحد والقصاص ودليل أنه لا يجري مجرى المال أنه يصح من العبد بغير إذن سيده مع منعه من التصرف في المال ولأنه مكلف طلق امرأته مختاراً فوقع طلاقه كالعبد والمكاتب (فصل) وإن أقر بما يوجب القصاص فعفا المقر له على مال احتمل أن يجب المال لأنه عفو عن قصاص ثابت فصح كما لو ثبت بالبينة واحتمل أن لا يصح لئلا يتخذ ذلك وسيلة إلى الإقرار بالمال بأن يتواطأ المحجور عليه والمقر له على الإقرار بالقصاص والعفو عنه الى مال ولأنه وجوب مال مستنده إقراره فلم يثبت كالإقرار به ابتداء فعلى هذا القول يسقط القصاص ولا يجب المال في الحال (فصل) وإن أقر بنسب ولد قبل منه لأنه ليس بإقرار بمال ولا تصرف فيه فقبل كإقراره بالحد والطلاق وإذا ثبت النسب لزمته أحكامه من النفقة وغيرها لأن ذلك حصل ضمناً لما صح منه فأشبه نفقة الزوجة. {مسألة} (قال وإن أقر بمال لم يلزمه. في حال حجره ويحتمل أن لا يلزمه مطلقاً) إذا أقر السفيه بمال كالدين أو ما يوجبه كجناية الخطأ وشبه العمد وإتلاف المال وغصبه وسرقته لم يقبل إقراره به لأنه محجور عليه لحظه فأشبه الصبي والمجنون ولأنا لو قبلنا اقراره في ماله لزال فائدة الحجر لأنه يتصرف في ماله ثم يقربه فيأخذه المقر له ولأنه أقر بما هو ممنوع من التصرف فيه فلم ينفذ كإقرار الراهن على الرهن والمفلس على المال، وظاهر قول الأصحاب أنه يلزمه ما أقربه بعد فك الحجر عنه، وهو قول أبي ثور واختيار الخرقي لأنه مكلف أقر بما يلزمه في الحال فلزمه بعد فك الحجر عنه كالعبد يقر بالدين وكإقرار الراهن على الرهن وكإقرار المفلس، ويحتمل أن لا يصح إقراره ولا يؤخذ به في الحكم بحال، وهذا مذهب الشافعي لأنه محجور عليه لعدم رشده فلم يلزمه حكم إقراره بعد فك الحجر عنه كالصبي والمجنون ولا المنع من نفوذ إقراره في الحال إنما ثبت لحفظ ماله عليه ودفع الضرر عنه فلو نفذ بعد فك الحجر عنه لم يفد إلا تأخير الضرر عليه إلى أكمل حالتيه

وفارق المحجور عليه لحق غيره فإن المانع تعلق حق الغرماء بماله فيزول المانع بزوال الحق عن ماله فيثبت مقتضى إقراره وفي مسئلتنا انتفى الحكم لخلل في الإقرار فلم يثبت كونه سبباً وبزوال الحجر لم يكمل السبب فلا يثبت الحكم مع اختلال السبب كما لا يثبت بعد فك الحجر ولأن الحجر لحق الغير فلم يمنع تصرفهم في ذممهم فأمكن تصحيح إقرارهم في ذممهم على وجه لا يضر بغيرهم والحجر ههنا لحظ نفسه من أجل ضعف قلبه وسوء تصرفه ولا يندفع الضرر إلا بإبطال إقراره بالكلية كالصبي والمجنون. فأما صحته فيما بينه وبين الله تعالى فإن علم صحة ما أقر به كدين لزمه من جناية أو دين لزمه قبل الحجر عليه فعليه أداؤه لانه علم أن عليه حقاً فلزمه أداؤه كما لو لم يقر به، وإن علم فساد إقراره مثل إن علم أنه أقر بدين ولا دين عليه أو بجناية لم توجد منه أو أقر بما لا يلزمه مثل أن أتلف مال من دفعه إليه بقرض أو بيع لم يلزمه أداؤه لأنه يعلم إنه لا دين عليه فلم يلزمه كما لو لم يقر به {مسألة} (وحكم تصرف وليه حكم تصرف ولي الصبي والمجنون على ما ذكرنا من قبل) لأنه محجور عليه لحظه فهو كالصبي والمجنون {مسألة} قال الشيخ رحمه الله (وللولي أن يأكل من مال المولى عليه بقدر عمله إذا احتاج إليه) وإن كان غنياً لم يجز له ذلك إذا لم يكن أبا لقول الله تعالى (فمن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف) وإذا كان فقيراً فله أقل الأمرين أجرته أو قدر كفايته لأنه يستحقه بالعمل والحاجة جميعاً فلم يجز أن يأخذ إلا ما وجدا فيه وقال ابن عقيل يأكل وإن كان غنياً قياساً على العمل في الزكاة والآية محمولة على الاستحباب والأول أولى لظاهر الآية {مسألة} (وهل يلزمه عوض ذلك إذا أيسر؟ على روايتين) أما إذا كان أبا فلا يلزمه رواية واحدة لأن للأب أن يأخذ من مال ولده ما شاء مع الحاجة وعدمها وإن كان غير الأب لم يلزمه عوض ذلك في إحدى الروايتين وهذا قول الحسن والنخعي وأحد قولي الشافعي لأن الله تعالى أمر بالأكل من غير ذكر عوض فأشبه سائر ما أمر بأكله، ولأنه عوض عن عمله فلم يلزمه بدله كالأجير والمضارب (والثانية) يلزمه عوضه وهو قول عبيدة السلماني وعطاء ومجاهد وسعيد بن جبير وأبي العالية لأنه استباحة بالحاجة من مال غيره فلزمه قضاؤه كالمضطر إلى طعام غيره، والأول أصح لأنه لو وجب عليه إذا أيسر لكان واجباً في الذمة قبل اليسار فإن اليسار ليس سبباً للوجوب فاذا لم يجب بالسبب الذي هو الأكل لم يجب بعده وفارق المضطر فإن العوض واجب عليه في ذمته، ولأنه لم يأكله عوضاً عن شئ وهذا بخلافه {مسألة} (وكذلك يخرج في الناظر في الوقف) قياساً عليه {مسألة} (ومتى زال الحجر عنه فادعى على الولي تعدياً أو ما يوجب ضماناً فالقول قول الولي) إذا ادعى الولي الإنفاق على الصبي والمجنون أو على ماله أو عقاره بالمعروف من ماله أو أدعى

أنه باع عقاراً لحظه أو بناه لمصلحته أو أنه تلف قبل قوله، وقال أصحاب الشافعي: لا يمضي الحاكم بين الأمين والوصي حتى يثبت عنده الحظ ببينة ولا يقبل قولهما في ذلك ويقبل قول الأب والجد. ولنا أن من جاز له بيع العقار وشراؤه لليتيم يجب أن يقبل قوله في الحظ كالأب والجد، ولانه يقبل قوله في عدم التفريط فيما تصرف فيه من غير العقار فيقبل قوله في العقار كالأب، وإذا بلغ الصبي فادعى أنه لاحظ له في البيع لم يقبل إلا ببينة، فإن لم تكن بينة فالقول قول الولي مع يمينه، وإن قال الولي أنفقت عليك منذ ثلاث سنين وقال الغلام إنما مات أبي منذ سنتين فقال القاضي القول قول الغلام لأن الأصل حياة والدة واختلافهما في أمر ليس الوصي أميناً فيه فقدم قول من يوافق قوله الاصل {مسألة} (وكذلك القول قوله في دفع المال إليه بعد رشده) لأنه أمين فأشبه المودع، ويحتمل أن القول قول الصبي لأن أصله معه ولأن الله سبحانه قال (فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم) فمن ترك الإشهاد فقد فرط فلزمه الضمان والاول المذهب وكذلك الحكم في المجنون والسفيه {مسألة} (وهل للزوج أن يحجر على امرأته في التبرع بما زاد على الثلث من مالها؟ على روايتين) (إحداهما) ليس له الحجر عليها وهو قول أبي حنيفة والشافعي وابن المنذر وهو ظاهر كلام الخرقي (والثانية) ليس لها أن تتصرف في مالها بزيادة على الثلث بغير عوض إلا بإذن زوجها، وبه قال مالك وحكي عنه في امرأة حلفت بعتق جارية ليس لها غيرها فحنثت ولها زوج فرد ذلك عليها زوجها، قال له أن يرد عليها وليس لها عتق لما روي أن امرأة كعب بن مالك أتت النبي صلى الله عليه وسلم بحلي لها فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم " لا يجوز للمرأة عطية حتى يأذن زوجها فهل استأذنت كعباً " فقالت نعم فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كعب فقال " هل أذنت لها ان تتصرف بحليها؟ " فقال نعم فقبله. رواه ابن ماجه، وروي أيضاً عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبة خطبها " لا يجوز لامرأة عطية في مالها إلا بإذن زوجها إذ هو مالك عصمتها " رواه أبو داود ولفظه عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا يجوز لامرأة عطية إلا بإذن زوجها " ولأن حق الزوج متعلق بما لها فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال " تنكح المرأة لما لها ودينها " والعادة أن الزوج يزيد في مهرها من أجل مالها ويتبسط فيه وينتفع به، وإذا أعسر بالنفقة أنظرته فجرى ذلك مجرى حقوق الورثة المتعلقة بمال المريض ولنا قول الله تعالى (فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا أموالهم) وهو ظاهر في فك الحجر عنهم واطلاقهم في التصرف، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " يا معشر النساء تصدقن ولو من حليكن " وأنهن تصدقن فقبل صدقتهن ولم يسأل ولا استفصل، أتته زينب امرأة عبد الله وامرأة أخرى اسمها زينب فسألته عن الصدقة هل يجزئهن أن يتصدقن على أزواجهن وايتام لهن، فقال " نعم " ولم يذكر لهن هذا الشرط ولأن من وجب دفع ماله إليه لرشده جاز له التصرف فيه من غير إذن كالغلام، ولأن المرأة من أهل التصرف ولا حق لزوجها في مالها فلم يملك الحجر عليها في

التصرف بجميعه كاختها وحديثهم ضعيف وشعيب لم يذكر عبد الله بن عمرو فهو مرسل ويمكن حمله على أنه لا يجوز عطيتها من ماله بغير إذنه بدليل أنه يجوز عطيتها ما دون الثلث من مالها وليس معهم حديث يدل على تحديد المنع بالثلث والتحديد بذلك تحكم ليس فيه توقيف ولا عليه دليل، ولا يصح قياسهم على المريض لوجوه (أحدها) أن المرض سبب يفضي إلى وصول المال إليهم بالميراث والزوجية إنما تجعله من اهل الميراث فهي أحد وصفي العلة فلا يثبت الحكم بمجردها كما لا يثبت للمرأة الحجر على زوجها ولا لسائر الوراث بدون المرض (الثاني) إن تبرع المريض موقوف فإن برئ من مرضه صح تبرعه وههنا أبطلوه على كل حال والفرع لا يزيد على أصله (الثالث) إن ما ذكروه منتقض بالمرأة فإنها تنتفع بمال زوجها وتتبسط فيه عادة ولها النفقة منه وانتفاعها بماله أكثر من انتفاعه بمالها وليس لها الحجر عليه على أن هذا المعنى ليس بموجود في الأصل ومن شرط صحة القياس وجود المعنى المثبت للحكم في الأصل والفرع جميعاً {فصل} في الأذن. قال الشيخ رحمه الله {يجوز لولي الصبي المميز أن يأذن له في التجارة في إحدى الروايتين} ويصح تصرفه بالإذن وهذا قول أبي حنيفة (والثانية) لا يصح حتى يبلغ وهو قول الشافعي لأنه غير مكلف أشبه غير المميز. ولأن العقل لا يمكن الوقوف منه على الحد الذي يصلح به للتصرف لخفائه وتزايده تزايدا خفي التدريج فجعل الشارع له ضابطاً وهو البلوغ فلا تثبت له أحكام العقلاء قبل وجود المظنة ولنا قول الله تعالى (وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح، فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم) ومعناه اختبروهم لتعلموا رشدهم وإنما يتحقق اختبارهم بتفويض التصرف إليهم من البيع والشراء ليعلم هل يغبن أم لا، ولأنه عاقل مميز محجور عليه فصح تصرفه بإذن وليه كالعبد وفارق غير المميز فإنه لا تحصل المصلحة بتصرفه لعدم تمييزه ومعرفته ولا حاجة الى اختباره لأنه قد علم حاله، وقولهم ان العقل لا يمكن الاطلاع عليه، قلنا يعلم ذلك بآثاره وجريان تصرفاته على وفق المصلحة كما يعلم في حق البالغ فإن معرفة رشده شرط دفع ماله إليه وصحة تصرفه، ويحتمل أن يصح ويقف على إجازة الولي وهو قول أبي حنيفة ومبنى ذلك على ما إذا تصرف في مال غيره بغير إذنه وقد ذكرناه فيما مضى {مسألة} (ويجوز ذلك لسيد العبد) بغير خلاف نعلمه لأن الحجر عليه إنما كان لحق السيد فجاز له التصرف بإذنه لزوال المانع {مسألة} (ولا ينفك عنهما الحجر إلا فيما أذن لهما فيه وفي النوع الذي أمرا به لأن تصرفه إنما جاز بإذن وليه وسيده فزال الحجر في قدر ما أذنا فيه دون غيره كالتوكيل،

فإن دفع السيد إلى عبده مالا يتجر فيه كان له أن يبيع ويشتري ويتجر به وإن أذن له أن يشتري في ذمته جاز، وإن عين له نوعاً من المال يتجر فيه لم يكن له أن يتجر في غيره وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة: يجوز أن يتجر في غيره وينفك عنه الحجر مطلقاً لأن إذنه إطلاق من الحجر وفك له والإطلاق لا يبعض كبلوغ الصبي ولنا أنه متصرف بالاذن من جهة الآدمي فوجب أن يختص ما أذن له فيه كالوكيل والمضارب وما قاله ينتقض بما إذا أذن له في شراء ثوب ليلبسه أو طعام ليأكله ويخالف البلوغ فإنه يزول به المعنى الموجب للحجر فإن البلوغ مظنة كمال العقل الذي يتمكن به من التصرف على وجه المصلحة وههنا الرق سبب الحجر وهو موجود فنظير البلوغ في الصبي العتق للعبد وإنما يتصرف العبد بالإذن الا ترى أن الصبي يستفيد بالبلوغ قبول النكاح بخلاف العبد {مسألة} (وإن أذن له في جميع أنواع التجارة لم يجز أن يؤجر نفسه ولا يتوكل لغيره) وبه قال الشافعي وجوزهما أبو حنيفة لأنه يتصرف لنفسه فملك ذلك كالمكاتب، ولنا أنه عقد على نفسه فلا يملكه بالإذن في التجارة كبيع نفسه وتزويجه وقولهم يتصرف لنفسه ممنوع إنما يتصرف لسيده وبهذا فارق المكاتب فإن المكاتب يتصرف لنفسه ولهذا كان له أن يبتاع من سيده {مسألة} (وهل له أن يوكل فيما يتولى مثله بنفسه على روايتين) (إحداهما) لا يجوز لأنه تصرف بالإذن فاختص بما أذن فيه ولم يؤذن له في التوكيل (والثانية) يجوز لأنهم يملكون التصرف بأنفسهم فملكوه بنائبهم كالمالك الرشيد ولأنه أقامه مقام نفسه {مسألة} (وإن رآه سيده أو وليه يتجر فلم ينهه لم يصر مأذونا) وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة في العبد يصير مأذوناً له لأنه سكت عن حقه فكان مسقطاً له كالشفيع إذا سكت عن طلب الشفعة ولنا أنه تصرف يفتقر إلى الاذن فلم يقم السكوت مقام الإذن كما لو باع الراهن الرهن والمرتهن ساكت أو باعه المرتهن والراهن ساكت وكتصرفات الأجانب ويخالف الشفعة فإنها تسقط بمضي الزمان إذا علم لأنها على الفور {مسألة} (وما استدان العبد فهو في رقبته يفديه سيده أو يسلمه وعنه يتعلق بذمته يتبع به بعد العتق إلا المأذون له هل يتعلق برقبته أو ذمة سيده؟ على روايتين) يقال أدان واستدان وتداين بمعنى واحد والعبد قسمان: محجور عليه فما لزمه من الدين بغير رضا سيده مثل أن يقترض ويشتري شيئاً في ذمته ففيه روايتان (إحداهما) يتعلق برقبته اختارها الخرقي وأبو بكر لأنه دين لزمه بغير إذن سيده فتعلق برقبته كالإتلاف (والثانية) يتعلق بذمته يتبعه الغريم به إذا عتق وأيسر وهو مذهب الشافعي لأنه متصرف في ذمته بغير اذن سيده فتعلق بذمته كعوض الخلع من الأمة وكالحر (والقسم الثاني) المأذون له في التصرف أو في الاستدانة فما يلزمه من الدين هل

يتعلق برقبته أو ذمة سيده، على روايتين (إحداهما) يتعلق برقتبه وهو ظاهر قول أبي حنيفة لأنه قال يباع إذا طالب الغرماء ببيعه وهذا معناه أنه يتعلق برقبته لأنه دين ثبت برضا من له العين فيباع فيه كما لو رهنه (والثانية) يتعلق بذمة السيد وهو الذي ذكره الخرقي فعلى هذه الرواية يلزم مولاه جميع ما أدان، وقال مالك والشافعي إن كان في يده مال قضيت ديونه منه، وإن لم يكن في يده شئ تعلق بذمته يتبع به إذا عتق وأيسر لأنه دين ثبت برضا من له الدين أشبه غير المأذون أو فوجب أن لا يتعلق برقبته كما لو اقترض بغير إذن سيده ووجه قول الخرقي أنه إذا أذن له في التجارة فقد أغرى الناس بمعاملته وأذن فيها فصار ضامناً كما لو قال لهم داينوه أو إذن في استدانة تزيد على قيمته، ولا فرق بين الدين الذي لزمه في التجارة المأذون فيها أو فيما لم يؤذن له فيه مثل إن أذن له في التجارة في البر فاتجر في غيره فإنه لا ينفك عن التغرير إذ يظن الناس أنه مأذون له في ذلك أيضاً (فصل) فأما أروش جناياته وقيم متلفاته فهي متعلقة برقبة العبد سواء كان مأذوناً له اولا رواية واحدة وبه يقول أبو حنيفة والشافعي وكل ما تعلق برقبة العبد خير السيد بين تسليمه للمبيع وبين فدائه فإذا بيع وكان ثمنه أقل مما عليه فليس لرب الدين إلا ذلك لأن العبد هو الجاني فلم يجب على غيره شئ وإن كان ثمنه أكثر فالفضل للسيد، وذكر القاضي أن ظاهر كلام أحمد أن السيد لا يرجع بالفضل ولعله يذهب إلى أنه دفعه إليه عوضاً عن الجناية فلم يبق لسيده فيه شئ كما لو ملكه إياه عوضاً عن الجناية وليس هذا صحيحاً فإن المجني عليه لا يستحق أكثر من قدر ارش الجناية عليه فهو كما لو جنى عليه حر والجاني لا يجب عليه أكثر من أرش جنايته ولأن الحق تعلق بعينه فكان الفضل من ثمنه لسيده كالرهن ولا يصح قولهم أنه دفعه عوضاً لأنه لو كان عوضاً لملكه المجني عليه ولم يبع في الجناية وإنما دفعه ليباع فيؤخذ منه عوض الجناية ويرد إليه الباقي وكذلك لو أتلف درهماً لم يبطل حق سيده منه منه بذلك وإن عجز عن أداء الدراهم من غيره ثمنه فإن اختار السيد فداءه لزمه أقل الأمرين من قيمته أو أرش جنايته لأن أرش الجناية إن كان أكثر فلا يتعلق بغير العبد الجاني لعدم الجناية من غيره وإنما تجب قيمته وإن كان أقل فلم يجب بالجناية الا هو وعن أحمد رواية أخرى أنه يلزمه أرض الجناية كله لأنه يجوز أنه يرغب فيه راغب فيشتريه بأرش الجناية فإذا منع منه لزمه جميع الأرش لتفويته ذلك وللشافعي قولان كالروايتين (فصل) فإن تصرف العبد غير المأذون ببيع أو شراء بعين المال لم يصح لأنه تصرف من المحجور عليه فيما حجر عليه فيه أشبه المفلس وقياساً على تصرف الا جني، ويتخرج أن يصح ويقف على إجازة السيد كتصرف الفضولي، فأما شراؤه بثمن في ذمته واقتراضه فيحتمل أن لا يصح لأنه محجور عليه أشبه السفيه، ويحتمل أن يصح لأن الحجر لحق غيره أشبه المفلس والمريض، ويتفرع عن هذين الوجهين أن التصرف إن كان فاسداً فللبائع والمقرض أخذ ماله إن كان باقيا سواء كان في يد العبد أو السيد، وإن كان تالفاً فله قيمته أو مثله إن كان مثلياً، فإن تلف في يد السيد رجع عليه بذلك

ويترك له من ماله ما تدعو إليه حاجته من مسكين وخادم

لأن عين ماله تلف في يده وإن شاء كان ذلك متعلقاً برقبة العبد لأنه الذي أخذه منه، وإن تلف في يد العبد فالرجوع عليه وهل يتعلق برقبته أو ذمته؟ على روايتين، وإن قلنا التصرف صححيح والمبيع في يد العبد فللبائع فسخ البيع وللمقرض الرجوع فيما أقرض لأنه قد تحقق اعسار المشتري والمقترض فهو أسوأ حالاً من الحر المعسر، وإن كان السيد قد انتزعه من يد العبد ملكه بذلك لأنه أخذ من عبده مالا في يده بحق فهو كالصيد، فإذا ملكه السيد كان كهلاكه في يد العبد ولا يملك البائع والمقرض انتزاعه من السيد بحال فإن كان قد تلف استقر ثمنه في رقبة العبد أو في ذمته سواء تلف في يد العبد أو السيد {مسألة} (وإذا باع السيد عبده المأذون شيئاً لم يصح في أحد الوجهين) لأنه مملوكه فلا يثبت له دين في ذمته كغير المأذون له أو كمن لا دين عليه ويصح في الآخر إذا كان عليه دين بقدر قيمته لانا إذا قلنا إن الدين يتعلق برقبته فكأنه صار مستحقاً لأصحاب الديون فيصير كعبد غيره. {مسألة} (ويصح إقرار المأذون له في قدر ما أذن له فيه دون ما زاد عليه) لأنه لم يؤذن له فيه فهو كغير المأذون له ولأن الذي أذن له فيه يصح تصرفه فيه فصح إقراره به كالحر {مسألة} (وإن حجر عليه وفي يده مال ثم أذن له فيه فأقر به صح) لأن المانع من صحة إقراره الحجر عليه وقد زال ولأنه يصح تصرفه فيه فصح إقراره به كما لو لم يحجر عليه وقياساً على غيره من الاحرار {مسألة} (ولا يبطل الاذن بالإباق) وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة يبطل لأنه يزيل ولاية السيد عنه في التجارة بدليل أنه لا يجوز بيعه ولا هبته ولا رهنه فأشبه مالو باعه. ولنا أن الإباق لا يمنع ابتداء الأذن له في التجارة فلم يمنع استدامته كما لو غصب غاصب أو حبس بدين عليه ولا يصح ما ذكروه فإن سبب الولاية باق وهو الرق ويجوز بيعه وإجارته ممن يقدر عليه ويبطل بالمغصوب {مسألة} (ولا يصح تبرع المأذون له بهبة الدراهم وكسوة الثياب) لأن ذلك ليس من التجارة ولا يحتاج إليه فيها فأشبه غير المأذون له {مسألة} (وتجوز هديته للمأكول وإعارة دابته) واتخاذ الدعوة ما لم يكن اسرافاً وبه قال أبو حنيفة وقال الشافعي لا يجوز ذلك بغير إذن سيده لأنه تبرع بمال مولاه فلم يجز كهبة الدراهم، ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجيب دعوة المملوك فروى أبو سعيد مولى بني أسيد أنه تزوج فحضر دعوته أناس من أصحاب رسول الله عليه وسلم منهم عبد الله بن مسعود وحذيفة وابوذر فامهم وهو يومئذ عبد رواه صالح في مسائله بإسناده ولأنه مما جرت به عادة التجارة فيما بينهم فيدخل في عموم الأذن

وينفق عليه بالمعروف إلى أن يفرغ من قسمته بين غرمائه

{مسألة} (وهل لغير المأذون له الصدقة من قوته بالرغيف ونحوه إذا لم يضربه؟ على روايتين) (إحداهما) ليس له ذلك لأن المال لسيده وإنما أذن له في الأكل فلم يملك الصدقة به كالضيف ولا يتصدق بما أذن له في أكله (والثانية) يجوز لأنه مما جرت العادة بالمسامحة فيه والإذن عرفا فجاز كصدقة المرأة من بيت زوجها {مسألة} (وهل للمرأة الصدقة من بيت زوجها بغير إذنه بنحو ذلك؟ على روايتين) (إحداهما) يجوز لأن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما أنفقت المرأة من بيت زوجها غير مفسدة كان لها أجرها وله مثله بما كسب ولها بما أنفقت وللخازن مثل ذلك من غير أن ينقص من اجورهم شئ " ولم يذكر إذنا، وعن أسماء أنها جاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله: ليس لي شئ إلا ما أدخل علي الزبير فهل علي جناح أن أرضخ مما يدخل علي. قال: " ارضخي ما استطعت ولا توعي فيوعي الله عليك " متفق عليهما. وروي أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله: إنا كل على أزواجنا وأبنائنا فما يحل لنا من أموالهم؟ قال " الرطب تأكلينه وتهدينه " ولأن العادة السماح بذلك وطيب النفس به فجرى مجرى صريح الأذن كما أن تقديم الطعام بين يدي الا كلة قام مقام صريح الإذن في أكله كصدقة المرأة من بيت زوجها {مسألة} (وهل للمرأة الصدقة من بيت زوجها بغير إذنه بنحو ذلك؟ على روايتين) (إحداهما) يجوز لأن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما أنفقت المرأة من بيت زوجها غير مفسدة كان لها أجرها وله مثله بما كسب ولها بما أنفقت وللخازن مثل ذلك من غير أن ينقص من اجورهم شئ " ولم يذكر إذنا، وعن أسماء أنها جاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله: ليس لي شئ إلا ما أدخل علي الزبير فهل علي جناح أن أرضخ مما يدخل علي. قال: " ارضخي ما استطعت ولا توعي فيوعي الله عليك " متفق عليهما. وروي أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله: إنا كل على أزواجنا وأبنائنا فما يحل لنا من أموالهم؟ قال " الرطب تأكلينه وتهدينه " ولأن العادة السماح بذلك وطيب النفس به فجرى مجرى صريح الأذن كما أن تقديم الطعام بين يدي الا كلة قام مقام صريح الإذن في أكله (والثانية) لا يجوز لما روى أبو أمامة الباهلي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " لا تنفق المرأة شيئاً من بيتها إلا بإذن زوجها " قيل يا رسول الله ولا الطعام قال " ذاك أفضل أموالنا " رواه سعيد في سننه وقال النبي صلى الله عليه وسلم " لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه " وقال " إن الله حرم بينكم دماءمكم وأموالكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا " ولأنه تبرع بمال غيره بغير إذنه فلم يجز كغير الزوجة، والصحيح الأول لأن الأحاديث فيه خاصة صحيحة والخاص يقدم على العام ويثبته ويعرف أن المراد بالعام الصورة المخصوصة والحديث الخاص للرواية الثانية ضعيف ولا يصح قياس امرأة على غيرها لأنها بحكم العادة تتصرف في مال زوجها وتتبسط فيه وتتصدق منه لحضورها وغيبته والإذن العرفي يقوم مقام الأذن الحقيقي فصار كأنه قال لها افعلي هذا. فأما إن منعها ذلك وقال لاتتصدقي بشئ ولا تتبرعي من مالي بقليل ولا كثير لم يجز لها ذلك لأن المنع الصريح نفي الإذن العرفي وكذلك لو كانت امرأته ممنوعة من التصرف في بيت زوجها كالذي يطعمها بالفرض ولا يمكنها من طعامه فهو كما لو منعها بالقول فان كان في بيت الرجل من يقوم مقام امرأته كجاريته وأخته وغلامه المتصرف في بيت سيده وطعامه فهو كالزوجة فيما ذكرنا لوجود المعنى فيه والله أعلم (تم طبع الجزء الرابع بعون الله ويليه الجزء الخامس بمشيئته وأوله (كتاب الصلح)

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين (باب الصلح) الصلح معاقدة يتوصل بها إلى إصلاح بين المختلفين ويتنوع أنواعاً: صلح بين المسلمين وأهل الحرب وصلح بين أهل العدل وأهل البغي، وصلح بين الزوجين إذا خيف الشقاق بينهما. قال الله تعالى (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما) وقال تعالى (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير) وروى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (الصلح بين المسلمين جائز إلا صلحاً حرم حلالاً أو أحل حرما) أخرجه الترمذي وقال حديث حسن صحيح. وروي عن عمر أنه كتب إلى أبي موسى بمثل ذلك وأجمع العلماء على جواز الصلح في هذه الأنواع التي ذكرنا ولكل واحد منها باب يفرد له وتذكر فيه أحكامه وهذا الباب للصلح بين المختلفين في الأموال (مسألة) (والصلح في الأموال قسمان أحدهما صلح على الإقرار وهو نوعان (أحدهما) صلح على جنس الحق مثل أن يقر له بدين فيضع عنه بعضه أو بعين فيهب له بعضها ويأخذ الباقي فيصح إن لم يكن بشرط مثل أن يقول على أن تعطيني الباقي أو يمنعه حقه بدونه) وجملة ذلك أن من اعترف بدين أو عين في يده فأبرأه الغريم من بعض الدين أو وهبه بعض العين وطلب منه الباقي صح إذا كانت البراءة مطلقة من غير شرط. قال أحمد إذا كان للرجل على الرجل الدين ليس عنده وفاء فوضع عنه بعض حقه وأخذ منه الباقي كان ذلك جائزاً لهما ولو فعل ذلك قاض

بسم الله الرحمن الرحيم. وبه نستعين. باب الصلح

شافعي لم يكن عليه في ذلك أثم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد كلم غرماء جابر ليضعوا عنه وفي الذي أصيب في حديقته فمر به النبي صلى الله وسلم وهو ملزوم فأشار إلى غرمائه بالنصف فأخذوه منه، فان فعل ذلك قاض اليوم جاز إذا كان على وجه الصلح والنظر لهما، وقد روى عبد الله بن كعب عن أبيه أنه تقاضى ابن أبي حدرد ديناً كان له عليه في المسجد فارتفعت أصواتهما حتى سمعهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج إليهما ثم نادى (يا كعب) قال لبيك يارسول الله. فأشار إليه أن ضع الشطر من دينك. قال قد فعلت يا رسول الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (قم فأعطه) متفق عليه فأما إن منعه المقر حقه حتى يضع عنه بعضه فالصلح باطل لأنه صالح عن بعض ماله ببعضه وسواء كان بلفظ الصلح أو بلفظ الأبراء أو الهبة المقرون بشرط مثل أن يقول أبرأتك من خمسمائة أو وهبتك بشرط أن تعطيني ما بقي، قال ابن أبي موسى الصلح على الإقرار هضم للحق فمتى ألزم المقر له ترك بعض حقه فتركه من غير طيب نفسه لم يطب لأحد، وإن تطوع المقر له بإسقاط بعض حقه جاز غير أن ذلك ليس بصلح ولا من باب الصلح بسبيل فلم يجعله صلحاً، ولم يسم الخرقي الصلح إلا في حال الإنكار، فأما مع الاعتراف فإن قضاه من جنس حقه فهو وفاء وإن قضاء من غير جنسه فهو معاوضة وإن ابرأه من بعضه فهو إبراء وإن وهبه بعض العين فهو هبة فلا يسمى صلحاً وسماه القاضي وأصحابه صلحاً وهو قول الشافعي. والخلاف في التسمية أما المعنى فمتفق عليه، وهو ينقسم إلى إبراء وهبة ومعاوضة وقد ذكرنا الإبراء، فأما الهبة فهو أن يكون له في يده عين فيقول قد وهبتك نصفها واعطني بقيتها فيصح ويعتبر له شروط الهبة، وإن أخرجه مخرج الشرط لم يصح وهذا مذهب الشافعي، لأنه إذا شرط في الهبة الوفاء جعل الهبة عوضاً عن الوفاء فكأنه عاوض بعض حقه ببعض، فإن أبرأه من بعض الدين أو وهب له بعض العين بلفظ الصلح مثل أن يقول صالحني بنصف دينك علي أو بنصف دارك هذه، فيقول صالحتك بذلك لم يصح: ذكره القاضي وابن عقيل وهو قول بعض أصحاب الشافعي، وقال أكثرهم يجوز الصلح لأنه إذا لم يجر بلفظه خرج عن أن يكون صلحاً ولا يبقى له تعلق به أما إذا كان بلفظه سمي صلحاً لوجود اللفظ وإن تخلف المعنى كالهبة بشرط الثواب، وإنما يقتضي لفظ الصلح المعاوضة إذا كان ثم عوض أما مع عدمه فلا، وإنما معنى الصلح الاتفاق والرضى وقد يحصل هذا من غير عوض كالتمليك إذا كان بعوض سمي بيعاً وإن خلا عن العوض سمي هبة ولنا أن لفظ الصلح يقتضي المعاوضة لأنه إذا قال صالحني بهبة كذا أو على هبة كذا أو على نصف هذه العين ونحو هذا فقد أضاف إليه بالمقابلة فصار كقوله بعني بألف وإن أضاف إليه على جرى مجرى الشرط كقوله (على أن تأجرني ثماني حجج) وقوله (فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا) وكلاهما لا يجوز بدليل مالو صرح بلفظ الشرط أو بلفظ المعاوضة، وقولهم إنه يسمى صلحاً

ممنوع وإن سمي صلحاً فمجاز لتضمنه قطع التنازع وإزالة الخصومة وقولهم أن الصلح لا يقتضي المعاوضة ممنوع وإن سلمنا لكن المعاوضة حصلت من اقتران حرف الباء أو على أو نحوهما به فإن لفظ الصلح يحتاج إلى حرف يتعدى به وذلك يقتضي المعاوضة على ما بينا (مسألة) (ولا يصح ذلك ممن لا يملك التبرع كالمكاتب والمأذون له وولي اليتيم إلا في حال الإنكار وعدم البينة) لأنه تبرع وليس لهم التبرع فأما إذا لم يكن بالدين أو كان على الإنكار صح لان استيفاء هم البعض عند العجز عن استيفاء الكل أولى من تركه (مسألة) (وإن صالح عن المؤجل ببعضه حالاً لم يصح) كره ذلك زيد بن ثابت وابن عمر وقال نهى عمر أن تباع العين بالدين وكره ذلك سعيد بن المسيب والقاسم وسالم والحسن ومالك والشافعي والثوري وابن عيينه وابو حنيفة واسحاق وروي عن ابن عباس وابن سيرين والنخعي أنه لا بأس به، وعن الحسن وابن سيرين أنهما كانا لا يريان بأساً بالعروض أن يأخذها من حقه قبل محله لأنهما تبايعا العروض بما في الذمة فصح كما لو اشتراها بثمن مثلها ولعل ابن سيرين يحتج بأن التعجيل جائز والإسقاط وحده جائز فجاز الجمع بينهما كما لو فعلا ذلك من غير مواطأة عليه ولنا أنه يبذل القدر الذي يحطه عوضا من تعجيل ما في ذمته وبيع الحلول والتأجيل لا يجوز كما لا بجوز أن يعطيه عشرة حالة بعشرين موجلة ولأنه يبيعه عشرة بعشرين فلم يجز كما لو كانت معينة وفارق ما إذا كان من غير مواطأة ولا عقد لأن كل واحد منهما متبرع ببذل حقه من غير عوض ولا يلزم من جواز ذلك جوازه في العقد أو مع الشرط كبيع درهم بدرهمين ويقارق ما إذا اشترى العروض بثمن مثلها لأنه لم يأخذ عن الحلول عوضاً (مسألة) (وإن وضع بعض الحال وأجل باقيه صح الإسقاط دون التأجيل) إذا صالحه عن ألف حال بنصها مؤجلاً اختياراً منه وتبرعاً صح الإسقاط ولم يلزم التأجيل لأن الحال لا يتأجل بالتأجيل على ما ذكرنا والإسقاط صحيح وإن فعله لمنعه من حقه بدونه أو شرط ذلك في الوفاء لم يسقط على ما ذكرنا في أول الباب وذكر أبو الخطاب في هذا روايتين أصحهما لا يصح وما ذكرنا من التفصيل أولى (مسألة) (وإن صالح عن الحق بأكثر منه من جنسه مثل أن يصالح عن دية الخطأ أو قيمة متلف بأكثرمنها من جنسها لم يصح) وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة يجوز لأنه يأخذ عوضاً عن المتلف فجاز أن بأخذ أكثر من قيمته كما لو باعه بذلك

مسألة: وإن صالح عن الحق بأكثر منه من جنسه مثل أن يصالح عن دية الخطأ أو قيمة متلف بأكثر منها من جنسها لم يصح

ولنا أن الدية والقيمة تثبت في الذمة مقدرة فلم يجزان يصالح عنها بأكثر منها من جنسها كالثابتة عن قرض أو ثمن مبيع ولأنه إذا أخذ أكثر منها فقد أخذ حقه وزيادة لا مقابل لها فيكون أكل مال بالباطل (مسألة) (وإن صالحه بعرض قيمته أكثر منها جاز) لأنه بيع (فصل) ولو صالح عن المائة الثابتة بالإتلاف بمائة مؤجلة لم تصر مؤجلة وهذا قول الشافعي وعن أحمد أنها تصير مؤجلة وهو قول أبي حنيفة لأنه عاوض عن المتلف بمائة مؤجلة فجاز كما لو باعه إياه ولنا أنه إنما استحق عليه قيمة المتلف وهو مائة حالة والحال لا يتأجل بالتأجيل وإن جعلناه بيعاً فهو بيع دين بدين وهو غير جائز (مسألة) (وإن صالحه عن بيت على أن يسكنه سنة أو يبني له فوقه غرفة لم يصح) إذا ادعى على رجل بيتاً فصالحه على بعضه أو على أن يبني له ثم على أن يسكنه سنة لم يصح لأنه يصالحه عن ملكه على ملكه أو منفعته وإن أسكنه كان تبرعاً منه متى شاء أخرجه منها وإن أعطاه بعض داره بناء على هذا فمتى شاء انتزعه منه لأنه أعطاه إياه عوضاً عما لا يصلح عوضاً عنه وان فعل ذلك على سبيل المصالحة معتقداً أن ذلك وجب عليه بالصلح رجع عليه بأجر ما سكن وأجر ما كان في يده من الدار لأنه أخذه بعقد فاسد فأشبه المبيع الموجود بعقد فاسد وسكنى الدار بإجارة فاسدة، وان بنى وفوق البيت غرفة أجبر على نقضها وإذا أجر السطح مدة مقامه في يده وله أخذ آلته، وان انفقا على أن يصالحه صاحب البيت عن بنائه بعوض جاز وإن بنى الغرفة بتراب من أرض صاحب البيت وآلاته فليس له أخذ بنائه لأنه ملك صاحب البيت وإن أراد نقض البناء لم يكن له ذلك إذا أبرأه المالك من ضمان ما يتلف به ويتخرج أن يملك نقضه كقولنا في الغاصب (مسألة) (ولو قال أقر لي بديني وأعطيك منه مائة ففعل صع الإقرار ولم يصح الصلح) لأنه يجب عليه الإقرار بما عليه من الحق فلم يحل له أخذ العوض عما يجب عليه. فعلى هذا يردما أخذ لأنه تبين كذبه بإقراره وأن عليه الدين فلزمه أداؤه بغير عوض (مسألة) (وإن صالح انسانا ليقرله بالعبودية أو امرأة لتقرله بالزوجية لم يصح) لا يجوز الصلح على ما لا يجوز أخذ العوض عنه مثل أن يدعي على رجل أنه عبده فينكره فيصالحه على مال ليقرله بالعبودية فلا يجوز ذلك لأنه يحل حراماً فإن أرقاق الحر نفسه لا يحل بعوض ولا غيره وكذلك أن صالح امرأة لتقرله بالزوجية لأنه صلح يحل حراماً ولأنها لو أرادت بذل نفسها بعوض لم يجز فإن دفعت إليه عوضاً عن هذه الدعوى ليكف نفسه عنها ففيه وجهان (أحدهما) لا يجوز لأن الصلح في الإنكار إنما يكون في حق المنكر لافتداء اليمين وهذه لا يمين عليها وفي حق المدعي يأخذ العوض في مقابلة حقه الذي يدعيه وخروج البضع من ملك الزوج لا قيمة له وإنما

مسألة: وإن صالح إنسانا ليقر له بالعبودية أو امرأة لتقر له بالزوجية لم يصح

أجيز الخلع للحاجة إلى افتداء نفسها (والثاني) يصح ذكره أبو الخطاب وابن عقيل لأن المدعي يأخذ عوضاً عن حقه من النكاح فجاز كعوض الخلع والمرأة تبذله لقطع خصومته وإزالة شره وربما توجهت اليمين عليها لكون الحاكم يرى ذلك ولأنها مشروعة في حقها في إحدى الروايتين، ومتى صالحته عن ذلك ثم يثبت الزوجية بإقرارها أو ببينة فإن قلنا الصلح باطل فانكاح باق بحاله لأنه لم يوجد من الزوج طلاق ولا خلع وإن قلنا هو صحيح احتمل ذلك أيضاً لما ذكرنا، واحتمل أن تبين منه بأحد العوضين لأنه أخذ العوض عما يستحقه من نكاحها فكان خلعاً كما لو أقرت له بالزوجية فخالعها ولو ادعت أن زوجها طلقها ثلاثاً فصالحها على مال لتنزل عن دعواها لم يجز لأنه لا يجوز لها بذل نفسها لمطلقها بعوض ولا بغيره، وإن دفعت إليه مالاً ليقر بطلاقها لم يجز في أحد الوجهين وفي الآخر يجوز كما لو بذلت له عوضاً ليطلقها ثلاثا (مسألة) وإن دفع المدعي عليه العبودية إلى المدعي مالاً صلحاً عن دعواه صح) لأنه يجوز أن يعتق عبده بمال وليشرع للدافع لدفع اليمين الواجبة عليه والخصومة المتوجهة إليه. (النوع الثاني) أن يصالحه عن الحق بغير جنسه فهو معاوضة وذلك مثل أن يعترف له بعين في يده أو دين في ذمته ثم يعوضه عن ذلك بما يجوز تعويضه به وهو ثلاثة أقسام (أحدها) أن يقر له بنقد فيصالحه على نقد آخر مثل أن يقر له بمائة درهم فيصالحه عنها بعشرة دنانير أو بالعكس فهذا صرف يشترط له شروط الصرف من التقابض في المجلس ونحوه (القسم الثاني) أن يعترف له بعروض فيصالحه على أثمان أو بالعكس فهذا بيع تثبت فيه أحكام البيع (الثالث) أن يصالحه على سكنى دار أو خذمة عبده أو على أن يعمل له عملاً معلوماً فتكون إجارة لها حكم سائر الإجارات فإن تلفت الدار أو العبد قبل استيفاء شئ من المنفعة انفسخت الإجارة ورجع بما صالح عنه، وإن تلفت بعد استيفاء بعض المنفعة انفسخت فيما بقي من المدة ورجع بقسط ما بقي، ولو صالحه على أن يزوجه أمته وكان ممن يجوز له نكاح الأماء صح وكان المصالح عنه صداقها فإن انفسخ النكاح قبل الدخول بأمر يسقط الصداق رجع الزوج بما صالح عنه وإن طلقها قبل الدخول رجع بنصفه (مسألة) (وإن صالحت المرأة بتزويج نفسها صح فإن كان الصلح عن عيب في مبيعها فتبين أنه ليس بعيب رجعت بأرشه لا بمهر مثلها) إذا اعترفت امرأة لرجل بدين أو عين فصالحته على أن تزوجه نفسها صح ويكون صداقاً لها فإن كان المعترف به عيباً في مبيعها فبان أنه ليس بعيب كبياض في عين العبد ظنته عمى رجعت بأرشه لأن ذلك صداقها فرجعت به لا يمهر مثلها فإن لم يزل العيب ولكن انفسخ نكاحها بما يسقط صداقها رجع عليها بأرشه

مسألة: وإن دفع المدعي عليه العبودية إلى المدعي مالا صلحا عن دعواه صح

(مسألة) (وإن صالح عما في الذمة بشئ في الذمة لم يجز التفرق قبل القبض لأنه بيع دين بدين) وقد نهى الشارع عنه (فصل) وإن صالحه بخدمة عبده سنة صح وكانت إجارة على ما ذكرنا فإن باع العبد في السنة صح البيع ويكون المشتري مسلوب المنفعة بقية السنة وللمصالح استياء منفعته إلى انقضاء السنة كما لو زوج أمته ثم باعها وأن يعلم المشتري بذلك فله الفسخ لأنه عيب وإن أعتق العبد في أثناء المدة صح عتقه لأنه مملوك يصح بيعه فصح عتقه كغيره، وللمصالح أن يستوفي نفعه في المدة لأنه أعتقه بعد أن ملك نفعه لغيره فأشبه مالو اعتق الامة المزوجة لحر ولا يرجع العبد على سيده بشئ لأنه ما أزال ملكه بالعتق إلا عن الرقبة والمنافع حينئذ مملوكة لغيره فلم تتلف منافعه بالعتق فلا يرجع بشئ ولأنه أعتقه مسلوب المنفعة فلم يرجع بشئ كما لو اعتق زمناً أو مقطوع اليدين أو أمة مزوجة وذكر القاضي وابن عقيل وجهاً إنه يرجع على سيده بأجر مثله وهو قول الشافعي لأن العتق اقتضى إزالة ملكه عن الرقبة والمنفعة جميعاً فلما لم تحصل المنفعة للعبد ههنا فكأنه حال بينه وبين منفعته ولنا أن إعتاقه لم يصادف للمعتق سوى ملك الرقبة فلم يؤثر الافيه كما لو وصى لرجل برقبة عبد ولآخر بمنفعته فأعتق صاحب الرقبة وكما لو أعتق أمه مزوجة قولهم إنه اقتضى زوال الملك عن المنفعة قلنا إنما يقتضي ذلك إذا كانت مملوكة له أما إذا كانت مملوكة لغيره فلا يقتضي إعتاقه إزالة ما ليس بموجود وإن تبين أن العبد مستحق تبين بطلان الصلح لفساد العوض ورجع المدعي فيما أقر له به وإن وجد العبد معيباً عيباً تنقص به المنفعة فله رده وفسخ الصلح وإن صالح على العبد عينه صح والحكم فيما إذا خرج مستحقاً أو معيباً كما ذكرنا (فصل) وإذا ادعى زرعاً في يد رجل فأقر له به ثم صالحه على دراهم جاز على الوجه الذي يجوز بيع الزرع وقد ذكرناه في البيع، فإن كان الزرع في يد رجلين فأقر له أحدهما بنفصه ثم صالحه عليه قبل اشتداد حبة لم يجز لأنه إن كان الصلح مطلقاً أو بشرط التبقية لم يجز لأنه لا يجوز بيعه وإن شرط القطع لم يجز أيضاً لكونه لا يمكنه قطعه إلا بقطع زرع الآخر، ولو كان الزرع لواحد فاقر للمدعي بنصفه ثم صالحه عنه بنصف الأرض ليصير الزرع كله للمقر والارض بينهما نصفين فإن شرط القطع جاز لأن الزرع كله للمقر فجاز شرط قطعه ويحتمل أن لا يجوز لأن في الزرع ما ليس بمبيع وهو النصف الذي لم يقر به وهو في النصف الباقي له فلا يصح شرط قطعه كما لو شرط قطع زرع آخر في أرض أخرى، وإن صالحه منه بجميع الأرض بشرط القطع ليسلم الأرض إليه فارغة صح لأن قطع جميع الزرع مستحق نصفه بحكم الصلح والباقي لتفريغ الأرض فأمكن القطع وإن كان إقراره بجميع الزرع فصالحه من نصفه على نصف الأرض لتكون الأرض والزرع بينهما نصفين وشرطا القطع في

مسألة: وإن صالح عما في الذمة بشيء في الذمة لم يجز التفرق قبل القبض لأنه بيع دين بدين

الجميع احتمل الجواز لأنهما قد شرطا قطع كل الزرع وتسليم الأرض فارغة واحتمل المنع لأن باقي الزرع ليس بمبيع فلا يصح بشرط قطعه في العقد (مسألة) (ويصح الصلح عن المجهول بمعلوم إذا كان مما لا يمكن معرفته للحاجة) يصح الصلح عن المجهول سواء كان عيناً أو ديناً إذا كان مما لا سبيل إلى معرفته قال أحمد في الرجل يصالح عن الشئ فان علم أنه أكثر منه لم يجز إلا أن يوقفه عليه إلا أن يكون مجهولاً لا يدري ما هو، ونقل عنه عبد الله إذا اختلط قفيز حنطة بقفيز شعير وطحنا فإن عرف قيمة دقيق الحنطة ودقيق الشعير بيع هذا وأعطي كل واحد منهما قيمة ماله إلا أن يصطلحا على شئ ويتحالا وقال ابن أبي موسى الصلح الجائز وصلح الزوجة من صداقها الذي لا بينة لها به ولا علم لها ولا للورثة بمبلغه وكذلك الرجلان تكون بينهما المعاملة والحساب الذي قد مضى عليه الزمن الطويل لاعلم لكل واحد منهما بما عليه لصاحبه فيجوز الصلح بينهما، وكذلك من عليه حق لا علم له بقدره جاز أن يصالح عليه وسواء كان الحق يعلم حقه ولا بينة له ويقول القابض إن كان لي عليك حق فأنت منه في حل ويقول الدافع إن كنت أخذت أكثر من حقك فأنت منه في حل وقال الشافعي لا يصح الصلح على مجهول لأنه فرع البيع والبيع لا يصح على مجهول ولنا ماروي عن النبي صلى الله عليه وسلم في رجلين اختصما في مواريث درست (استهما وتوخيا وليحلل أحدكما صاحبه) رواه أحمد بمعناه وهذا صلح على المجهول ولأنه إسقاط حق فصح في المجهول كالعتاق ولأنه إذا صح الصلح مع العلم وإمكان أداء الحق بعينه فلأن يصح مع الجهل أولى وذلك لأنه إذا كان معلوماً فلهما طريق إلى التخلص وبراءة أحدهما من صاحبه بدونه ومع الجهل لا يمكن ذلك فلو لم يجز الصلح أفضى إلى ضياع المال على تقدير أن يكون بينهما مال لا يعرف كل واحد منهما قدر حقه منه ولا نسلم كونه فرع بيع وإنما هو إبراء وإن سلمنا كونه فرع بيع فإن البيع يصح في المجهول عند الحاجة كبيع أساسات الحيطان وطي الآبار وما مأ كوله في جوفه ولو اتلف رجل صبرة طعام لا يعلم قدرها فقال صاحب الطعام المتلفه بعتك الطعام الذي في ذمتك بهذا الدرهم أو بهذا الثوب صح. إذا ثبت هذا فمتى كان العوض في الصلح مما لا يحتاج إلى تسليمه ولا سبيل إلى معرفته كالمختصمين في مواريث دارسة وحقوق سالفة أو في أرض أو عين من المال لا يعلم كل واحد قدر حقه صح الصلح مع الجهالة من الجانبين لما ذكرنا من الخبر والمعنى، وإن كان يحتاج إلى تسليمه لم يجز مع الجهالة ولا بد من العلم به لأن تسليمه واجب والجهالة تمنعه وتفضي إلى التنازع فلا يحصل مقصود الصلح (فصل) فأما ما يمكنهما معرفته كتركة موجودة أو يعمله الذي هو عليه ويجهله صاحبه فلا يصح

مسألة: ويصح الصلح عن المجهول بمعلوم إذا كان مما لا يمكن معرفته للحاجة

الصلح عليه مع الجهل أحمد أن صولحت امرأة من ثمنها لم يصح، واحتج بقول شريح أيما امرأة صولحت من ثمنها فلم يبين لها ما ترك زوجها فهي الريبة كلها، قال وإن ورث قوم مالاً أودورأ وغير ذلك فقالوا لبعضهم نخرجك من الميراث بألف درهم أكره ذلك، ولا يشتري منها شيئاً وهي لا نعلم لعلها تظن أنه قليل وهو يعلم أنه كثير ولا يشترى حتى نعرفه وتعلم ما هو، إنما يصالح الرجل الرجل على الشئ لا يعرفه ولا يدري ما هو؟ حساب بينهما فيصالحه، أو يكون رجل يعلم ماله عند رجل والآخر لا يعلمه فيصالحه فأما إذا علم فلم يصالحه إنما يريد أن يهضم حقه ويذهب به وذلك لأن الصلح إنما جاز مع الجهالة للحاجة إليه لإبراء الذمم وإزالة الخصام فمع إمكان العلم لا حاجة إلى الصلح مع الجهالة فلم يصح كالبيع (فصل) قال الشيخ رضي الله عنه (القسم الثاني) أن يدعي عليه عينا أو ديناً فينكره ثم يصالحه على مال فيصح ويكون بيعاً في حق المدعى حتى أن وجد بما أخذه عيباً فله رده وفسخ الصلح) الصلح على الإنكار صحيح وبه قال مالك وأبو حنيفة وقال الشافعي لا يصح لأنه عاوض عما لم ثبت له فلم تصح المعاوضة كما لو باع مال غيره ولأنه عقد معاوضة خلاعن العوض في أحد جانبيه فبطل كالصلح على حد القذف ولنا عموم قول عليه السلام (الصلح بين المسلمين جائز) فيدخل هذا في عمومه فإن قالوا فقد قال (إلا صلحاً أحل حراماً) وهذا داخل فيه لأنه لم يكن له أن يأخذ من مال المد عى عليه فحل بالصلح قلنا

قلنا لا نسلم دخوله فيه ولا يصح حمل الحديث على ما ذكروه لوجهين (أحدهما) أن هذا يؤخذ في الصلح بمعنى البيع فإنه يحل لكل واحد منهما ما كان محرما عليه قبله وكذلك الصلح بمعنى الهبة فإنه يحل للموهوب له ما كان حراما عليه الثاني أنه لو حل به المحرم لكان الصلح صحيحاً فإن الصلح الفاسد يحل الحرام وإنما منعناه ما يتوصل به إلى تناول المحرم مع بقائه على تحريمه كما لو صالحه على استرقاق حر أو إحلال بضع محرم أو صالحه بخمر أو خنزير وليس ما نحن فيه كذلك وعلى أنهم لا يقولون بهذا فإنهم يبيحون لمن له حق يجحده غريمه أن يأخذ من ماله بقفره أو دونه فإذا حل له ذلك من غير اختياره ولا علمه فلان يحل برضاه وبذله أو لى وكذلك إذا حل مع اعتراف الغريم فلان يحل مع جحده وعجزه عن الوصول إلى حقه إلا بذلك أول ولأن المدعي ههنا يأخذ عوض حقه الثابت له والمدعى عليه يدفعه لدفع الشرعنه ويقطع الخصومة ولم يرد الشرع بتحريم ذلك في موضع ولأنه صلح يصح مع الأجنبي فصح مع الخصم كالصلح مع الإقرار، يحققه إنه إذا صح مع الأجنبي مع غناه عنه فلأن يصح مع الخصم مع حاجته إليه أولى، وقولهم إنه معاوضة قلنا في حقهما أو في حق أحدهما؟ الأول ممنوع والثاني مسلم وهذا لأن المدعي يأخذ عوض حقه من المنكر لعلمه بثبوت حقه عنده فهو معاوضة في حقه

والمنكر يعتقد أنه يدفع المال لدفع الخصومة واليمين عنه وتخلصه من شر المدعى فهوأبرأفى حقه وغير ممتنع ثبوت المعاوضة في حق أحد المعاقدين دون الآخر كما لو اشترى عبداً شهد بحريته فإنه يصح ويكون معاوضة في حق البائع واستقاذا له من الرق في حق المشتري كذاههنا. إذا ثبت هذا فلا يصح هذا الصلح إلا أن يكون المدعي شيئا معقتدا أن ما ادعاه حق والمدعى عليه يعتقد أنه لا حق عليه فيدفع إلى المدعي شيئاً افتداء ليمينه وقطعاً للخصومة وصيانة لنفسه عن التذل وحضور مجلس الحاكم فإن ذوي الأنفس الشريفة يصعب عليهم ذلك ويرون دفع ضررها عنهم من اعظم المصالح والشرع لا يمنعهم من وقاية أنفسهم وصيانتها ودفع الشر عنم ببذل أموالهم، والمدعي يأخذ ذلك عوضاً عن حقه الذي يعتقد ثبوته فلا يمنعه الشرع من ذلك، سواء كان المأخوذ من جنس حقه بقدر حقه أو دونه فإن أخذ من جنس حقه بقدره فقد استوفى حقه وإن اخذ دونه فقد استوفى بعضه وترك بعضه وإن أخذ من غير جنس حقه فقد أخذ عوضه ولا يجوز أن يأخذ من جنس حقه أكثر منه لأن الزائد لا مقابل له فيكون ظالماً بأخذه وإن أخذ من غير جنسه جاز ويكون بيعاً في حق المدعى لا عتقاده أخذه عوضاً فيلزمه حكم إقراره فإن وجد بما أخذه عيباً فله رده وفسخ الصلح كما لو اشترى شيئاً فوجده معيباً (مسألة) (وإن كان شقصاً مشفوعاً ثبتت فيه الشفعة ويكون إبراء في حق الآخر فلا يرد ما صولح عنه بعيب ولا يؤخذ بشفعة) إذا كان الذي أخذه المدعي شقصاً في دار أو عقار وجبت فيه الشفعة لأنه يقر ان الذي أخذه عوضاً فهو كما لو اشتراه ويكون أبرأ في حق المنكر لأنه دفع المال التداء ليمينه ودفعاً للضرر عنه لا عوضاً عن حق يعتقده فيلزمه أيضاً حكم اقراره، فان وجدبا لمصالح عنه عيباً لم يرجع به على المدعي لا عتقاده أنه ما أخذه عوضاً وإن كان شقصاً لم تثبت فيه الشفعة لأنه يعتقده على ملكه لم يزل وما

مسألة: وإن كان شقصا مشفوعا ثبتت فيه الشفعة، ويكون إبراء في حق الآخر فلا يرد ما صولح عنه بعيب ولا يؤخذ بشفعة

ملكه بالصلح ولو دفع المدعي عليه إلى المدعي ما ادعاه أو بعضه لم يثبت فيه حكم البيع ولا تثبت فيه الشفعة لأن المدعي يعتقد أنه استوفى بعض حقه وأخذ عين ماله مسترجعاً لها ممن هي عنده فلم يمن بيعاً كاسترجاع العين المغصوبة (مسألة) (فإن كان أحدهما عالماً بكذك نفسه فالصلح باطل في حقه وما أخذه حرام عليه) متى علم أحدهما كذب نفسه كمن ادعى شيئاً يعلم أنه ليس له أو أنكر حقاً يعلم أنه عليه فالصلح باطل في الباطن لأن المدعي إذا كان كاذباً فما يأخذه أكل للمال بالباطل أخذه بشره وظللمه لا عوضا من حق فيكون حراماً عليه كمن خوف رجلاً بالقتل حتى أخذ ماله، وإن كان المدعي عليه يعلم صدق المدعي وجحده لينتقص حقه أو يرضيه عنه شئ فهو هضم للحق وأكل مال بالباطل فيكون ذلك حراماً والصلح باطل لا يحل له مال المدعي بذلك هذا حكم الباطن وأما الظاهر لنا فهو الصحة لأنا لا نعلم باطن الحال إنما نبني الأمر على الظاهر والظاهر من حال المسلمين الصحة، ولو ادعى على رجل وديعة أو قرضاً أو تفريطاً في وديعة أو مضاربة فأنكر واصطلحا صح لما ذكرناه (مسألة) (فإن صالح عن النمكر أجنبي بغير إذنه صح ولم يرجع عليه في أصح الوجهين) إذا صالح عن النمكر أجنبي صح سواء اعترف للمدعي بصحة دعواه أولم يعترف وسواء كان بإذنه أو بغير إذنه وقال أصحاب الشافعي إنما يصح إذا اعترف المدعي بصدقه وهذا مبني على صلح المنكر وقد ذكرناه. ثم لا يخلوا الصلح أن يكون عن دين أو عين فإن كان عن دين صح سواء كان باذن المنكر أو بغير إذنه فإن علياً وأبا قتادة قضيا عن الميت فأجازه النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان الصلح عن

مسألة: فإن صالح عن المنكر أجنبي بغير إذنه صح ولم يرجع عليه في أصح الوجهين

عين باذن النمكر فهو كالصلح منه لأن الوكيل يقوم مقام الموكل وإن كان بغير إذنه فهو افتداء للمنكر من الخصومة وإبراء له من الدعوى وذلك جائز وفي الموضعين إذا صالح عنه بغير إذنه لم يرجع عليه بشئ لأنه أدى عنه مالا يلزمه أداؤه، وخرجه القاضي وابو الخطاب على الروايتين فيما إذا قضى دينه الثابت بغير أذنه وهذا التخريج لا يصح لأن هذا لم يثبت وجوبه على المنكر ولا يلزمه أداؤه إلى المدعي فكيف يلزمه أداؤه إلى غيره؟ ولانه أدى عنه مالا يجب عليه فكان متبرعاً كما لو تصدق عنه ومن قال برجوعه فإنه يجعله كالمدعي في الدعوى على المنكر أما أنه يجب له الرجوع بما ادعاه حتما فلاوجه له أصلاً لأن أكثر ما يجب لمن قضى دين غيره أن يقوم مقام صاحب الدين وصاحب الدين ههنا لم يجب له حق ولالزم الإداء إليه ولم يثبت له أكثر من جواز الدعوى فكذلك هذا ويشترط في جواز الدعوى أن يعلم صدق المدعي فأما إن لم يعلم لم يحل له دعوى شئ لا يعلم ثبوته (مسألة) (وإن صالح الأجنبي لنفسه لتكون المطالبة له غير معترف بصحة الدعوى أو معترفاً بها عالماً بعجزه عن استنقاذها لم يصح وإن ظن القدرة عليه صح فإن عجز عنه فهو مخير بين فسخ الصلح وإمضائه) إذا صالح الأجنبي المدعي لنفسه لتكون المطالبة له فلا يخلو إما أن يعترف للمدعي بصحة دعواه

مسألة: وإن صالح الأجنبي لنفسه لتكون المطالبة له غير معترف بصحة الدعوى أو معترفا بها عالما بعجزه عن استنقاذها لم يصح وإن ظن القدرة عليه صح فإن عجز عنه فهو مخير بين فسخ الصلح وإمضائه

أولاً فإن لم يعترف له فالصح باطل لأنه يشتري منه ما لم يثت له ولم يتوجه إليه خصومة يفتدي منها اشبه مالو اشترى منه ملك غيره، وإن اعترف له بصحة دعواه: كان المدعي ديناً لم يصح لأنه اشترى مالا يقدر البائع على تسليمه ولأنه بيع للدين من غير من هو في ذمته، وقال بعض أصحابنا يصح وليس بجيد لأن بيع الدين المقر به من غير من هو في ذمته لا يصح فيع دين في ذمة منكر معجوز عن قبضه أولى، وإن كان المدعي عيناً فقال الأجنبي للمدعي أنا أعلم أنك صادق فصالحني عنها فإني قادر على استنقاذها من المنكر فقال أصحابنا يصح الصلح وهو مذهب الشافعي لأنه اشترى منه ملكه الذي يقدر على قبضه ثم إن قدر على أخذه استقر الصلح وإن عجز كان له الفسخ لأنه لم يسلم له المعقود عليه فكان له الرجوع إلى بدله يحتمل أنه إن تبين أنه لا يقدر على تسليمه تبين أن الصلح كان قاسدا لأن الشرط الذي هو القدرة على قبضه معدوم حال العقد كان فاسداً كما لو اشترى عبده فتبين أنه آبق أو ميت ولو اعترف له بصحة دعواه ولا يمكنه استنقاذه لم يصح الصلح لانه اشترى مالا يمكنه قبضه فأشبه شراء العبد الآبق فإن اشتراه وهو يظن أنه عاجز عن قبضه فتبين أن قبضه ممكن صح البيع لأن البيع تناول ما يمكن قبضه فصح كما لو علما ذلك ويحتمل أن لا يصح لأنه ظن عدم الشرط فأشبه ما لو باع عبداً يظن أنه حر أو عبد غيره فتبين أنه ومحتمل أن يفرق بين من يعلم أن البيع يفسد بالعجز عن تسليم المبيع وبين من لا يعلم ذلك لأن من يعلم ذلك معتقد فساد البيع والشراء فكان بيعه فاسداً

لكونه متلاعباً بقوله معتقداً فساده ومن لا يعلم يعتقده صحيحا وشروطه فصح كما لو علمه مقدوراً على تسلميه. (فصل) فإن قال الأجنبي للمدعي أنا وكيل المدعى عليه في مصالحتك عن هذه العين وهو مقر لك بها وإنما جحدها في الظاهر فظاهر كلام الخرقي إن الصلح لا يصح لأنه يجحدها في الظاهر لينتقص الدمعي بعض حقه أو يشتريه بأقل من ثمنه فهو هاضم للحق متوصل إلى أخذ المصالح عنه بالظلم والعدوان فهو بمنزلة مالو شافهه بذلك فقال أنا أعلم صحة دعواك وأن هذا لك لكن لا أسلمه إليك ولا أقر لك به عند الحاكم حتى تصالحني منه على بعضه أو عوض عنه، وقال القاضي يصح وهو مذهب الشافعي قالوا ثم ينظر الى المدعى عليه فإن صدقه على ذلك ملك العين ورجع الأجنبي عليه بما أدى عنه، وإن كان أذن في الدفع، وإن أنكر الأذن في الدفع فالقول قوله مع يمينه ويكون حكمه حكم من قضى دينه بغير إذنه وإن أنكر الوكالة فالقول قوله مع يمينه وليس للأجنبي الرجوع عليه ولا يحكم له بملكها في الظاهر، فأما حكم ملكها في الباطن فإن كان وكل الأجنبي في الشراء فقد ملكها لأنه اشترها بإذنه

فلا يقدح إنكاره في ملكها لأن ملكه ثبت قبل إنكاره، وإنما هو ظالم بالإنكار للأجنبي وإن كان لم يوكله لم يملكها لأنه اشترى له عيناً بغير إذنه ويحتمل أن يقف على إجازته كما قلنا فيمن اشترى لغيره شيئاً بغير إذنه بثمن في ذمته فإن أجازه ملكه وإلا لزم من اشتراه، وإن قال الأجنبي للمدعي قد عرف المدعى عليه صحة دعواك وهو يسألك أن تصالحه عنه وقد وكلني في المصالحة عنه صح وكان الحكم كما ذكروه لأنه ههنا لم يمتنع من أدائه بل اعترف به وصالح عليه مع بدله فأشبه مالو لم يجحده (فصل) قال الشيخ رحمه الله (يصح عن القصاص بديات وبكل ما يثبت مهراً) وجملة ذلك أن الصلح يجوز عن كل ما يجوز أخذ العوض عنه سواء كان مما يجوز بيعه أو لا يجوز فيصح عن دم العمد وسكنى الدار وعيب المبيع ومتى صالح عما يوجب القصاص بأكثر من ديته أو أقل جاز وقد روي أن الحسن والحسين وسعيد بن العاص بذلوا للذي وجب له القصاص على هدبة اين خشرم سبع ديات فأبى أن يقبلها ولأن المال غير متعين فلا يقع العوض في مقابلته وإن صالح عن

القصاص بعبد فخرج مستحقا رجع بقيته في قول الجميع وإن خرج حراً فكذلك وبه قال أبو يوسف ومحمد وقا أبو حنيفة يرجع بالدية لأن الصلح فاسد فيرجع ببدل ما صالح عنه وهو الدية ولنا أنه تعذر تسليم ما جعله عوضاً فرجع في قيمته كما لو خرج مستحقاً، فإن صالحه عن القصاص يحر يعلمان حريته أو عبد يعلمان أنه مستحق أو تصالحا بذلك عن غير القصاص رجع بالدية وبما صالح عنه لأن الصلح باطل يعلمان بطلانه فكان وجوده كعدمه (فصل) وإن صالح عن دار أو عبد بعوض فخرج العوض مستحقاً أو حراً رجع في الدار وما صالح عنه أو بقيمته إن كا بالغا لان الصل ههنا مع في الحقيقة فإذا تبين أن العوض كان متسحقا أو حراً كان البيع فاسداً فرجع فيما كان له بخلاف الصلح عن القصاص فإنه ليس ببيع وإنما يأخذ عوضاً عن إسقاط القصاص ولو اشترى شيئاً فوجده معيباً فصالحه عن عبيه بعبد فبان مستحقاً أو حراً رجع بأرش العيب. (مسألة) (ولو صالح سارقاً ليطلعه أو شاهداً ليكتم شهادته أو شفيعاً عن شفعته أو مقذوفاً عن حده لم يصح الصلح وتسقط الشفعة وفي الحد وجهان)

مسألة: ولو صالح سارقا ليطلعه، أو شاهدا ليكتم شهادته، أو شفيعا عن شفعته، أو مقذوفا عن حده لم يصح الصلح وتسقط الشفعة وفي الشفعة وفي ثلاثة وجوه

إذا صالح السارق والزاني والشارب على أن لا يرقفعه إلى السلطان لم يصح ولا يجوز أخذا العوض عنه لأن ذلك ليس بحق فلا يجوز أخذ العوض عنه كسائر ما لا حق فيه، وإن صالح شاهداً ليكتم شهادته لم يصح لأنه لا يخلو من ثلاثة أحوال (أحدها) أن يصالحه على أن لا يشهد عليه بحق تلزمه الشهادة به كدين الآدمي أو حق لله تعالى لا يسقط بالشبهة كالزكاة ونحوها غفلا يجوز كما نه ولا يجوز أخذ العوض عن ذلك كما لا يجوز أخذ العوضن عن شرب الخمر. (الثاني) أن يصالحه على أن لا يشهد عليه بالزور فهذا يجب عليه ترك ذلك ويحرم عليه فعله لم يجز أخذ العوض عنه كما لا يجوزان يصالحه على أن لا يقتله ولا يغصب ماله (الثالث) أن يصالحه على أن لا يشهد عليه بما يوجب حد الزنا والسرقة فلا يجوز أخذ العوض عنه لأنه ليس بحق له وإن صالح عن حق الشفعة لم يصح لأنه حق شرع على خلاف الأصل لدفع ضرر الشركة فإذا رضي بالتزام الضرر سقط الحق من غير بدل ولم يجز العوضع نه لأنه ليس بمال فهو كحد القذف وإن صالحه عن حد الفذ ف لم يصح الصلح لأنه إن كان حد الله تعالى لم يكن له أن

مسألة: وإن صالحه أن يجري على أرضه أو سطحه ماء معلوما صح

يأخذ عوضه لكونه ليس بحق له فأشبه حد الزنا والسرقة ان كان حقاً له لم يجز الاعتياض عنه لكونه حقاً ليس بمال ولهذا لا يسقط إلى بدل بخلاف القصاص ولأنه شرع لتنزيه العرض فلا يجوز أن يعتاض عن عرضه بمال، وهل يسقط بالصلح فيه؟ بنبني على الخلاف في كون حدالقذف حقالله تعالى أو لآدمي فإن كان حقاً لله تعالى لم يسقط بصلح الآدمي بالاإسقاطه كحد الزنا وإن كان حقاً لآدمي سقط بصلحه وإسقاطه كالقصاص. (مسألة) (وإن اصالحه أن يجري على أرضه أو سطحه ماء معلوماً صح) إذا صالح رجل على موضع قناة من أرضه يجري فبها ماه وبينا موضعها وعرضها وطولها جاز لأن ذلك بيع لموضع من أرضه فلا حاجة الى بيان عمقه لأنه إذا ملك الموضع كان له إلى تخومه فله أن بترك فيه ما شاء، وإن صالحه على إجراء الماء في ساقية من أرض رب الأرض مع بقاء ملكه عليها فهو إجارة للأرض يشترط له تفدير المدة فإن كانت الأرض في يد رجل بإجارة جاز له أن يصالح رجلاً على إجراء

الماء فيها في ساقية محفورة مدة لا تجاوز مدة الإجارة وإن لم تكن الساقية محفورة لم يجز أن يصالحه على ذلك لأنه لا يجوز أحداث ساقية في أرض في يده بإجارة، فإن كانت الأرض في يده وقفاً عليه فقال القاضي هو كالمستأجر يجوز له أن يصالح على إجراء الماء في ساقية لأنه لا يملكها إنما يستوفي منفعتها كالأرض المستأجرة وهذا كله مذهب الشافعي قال شيخنا والأولى أنه يجوز له حفر الساقية لأن الأرض له وله التصرف فيها كيفما شاء ما لم ينقل الملك فيها إلى غيره بخلاف المستأجر فإنه إنما يتصرف فيها بما أذن له فيه فكان الموقوف عليه بمنزلة المستأجر إذا أذن له في الحفر، فإن مات الموقوف عليه في أثناء المدة فهل لمن انتقل إليه فسخ الصلح فيما بقي من المدة؟ على وجهين بناء على ما إذا أجره مدة فمات في أثناء المدة فإن قلنا له فسخ الصلح ففسخه رجع المصالح على ورثة الذي صالحه بقسط ما بقي من المدة وإن قلنا ليس له الفسخ رجع من انتقل إليه الوقف على الورثة (فصل) وإن صالح رجلاً على إجراء ماء سطحه من المطر على سطحه أو في أرضه عن أرضه جاز إذا كمان ما يجري ماؤه معلوماً إما بالمشاهدة وإما بمعرفة المساحة لأن الماء يختلف بصغر السطح وكبره

ولا يمكن ضبطه بغير. ويشترط معرفة الموضع الذي يخرج منه لماء إلى السطح لأن ذلك يختلف ولا يفتقر إلى ذكر مدة لأن الحاجة تدعوإلى ذلك، ويجوز العقد على المنفعة في موضع الحاجة غير مقدر بمدة كما في النكاح، ولا يملك صاحب الماء مجراه لأن هذا لا يستوفي به منافع المجرى دائما ولا في أكثر المدة بخلاف الساقية، ويختلفان أيضاً في أن الماء الذي في الساقية لا يحتاج إلى ما يقدر به لأن تقدير ذلك حصل بتقدير الساقية فإنه لا يملك أن يجري فيها أكثر من مثلها والماء الذي على السطح يفتقر إلى معرفة قدر السطح لأنه يجري منه القليل والكثير، فإن كان السطح الذي يجري عليه الماء مستأجراً أو عارية لم يجز أن يصالح على إجراء الماء عليه لأنه يتضرر بذلك ولم يوذن له فيه فلم يكن له أن يتصرف به بخلاف الماء في الساقية المحفورة فإن الأرض لا قتضرر به، وإن كان ماء السطح يجري على الأرض احتمل أن لا يجوز له الصلح على ذلك لأنه إن احتاج إلى حفر لم يجز له أن يحفر في أرض غيره ولأنه يجعل لغير صاحب الأرض رسماً فربما ادعى استحقاق ذلك على صاحبها، واحتمل الجواز إذا لم يحتج إلى حفر ولم يكن فيه مضرة لأنه بمنزلة إجراء الماء في ساقية محفورة ولا يجوز إلا مدة لا تزيد على مدة الإجارة كما قلنا في إجراء الماء في الساقية

(فصل) وإذا أراد أن يجري ماء في أرض غيره لغير ضرورة لم يجز إلا بإذنه وإن كان لضرورة مثل أن يكون له أرض للزراعة لها ماء لا طريق له الاارض جاره فهل له ذلك؟ على روايتين (إحداهما) لا يجوز لأنه تصرف في أرض غيره بغير إذنه فلم يجز كما لو لم تدع إليه ضرورة ولان مثل هذه الحاجة لا تبيح مال غيره بدليل أنه لا يباح له الزرع في أرض غيره ولا البناء فبها ولا الانتفاع بشئ من منافعها المحرمة عليه بمثل الحاجة (والأخرى) يجوز لما روي أن الضحاك بن خليفة ساق خليجاً من العريض فأراد أن يمر به في أرض محمد بن مسلمة فأبى فقال له الضحاك لم يمعني وهو منفعة لك تشربه أو لا وآخر أو لا يضرك فأبى محمد فكلم فيه الضحاك عمر فدعا عمر محمد بن مسلمة وأمره أن يخلي سبيله فقال محمد لا والله فقال عمر لم تمنع أخاك ما بنفعه وهو لك افع؟ تشربه أو لا وآخرا فقال محمد لا والله فقال عمر والله لميرن به ولو على بطلنك فأمره عمر أن يمر به ففعل. رواه مالك في الموطأ وسعيد في سننه والأول أقيس وقول عمر بخالفه قول محمد بن مسلمة وهو موافق للاصول فكان أولى (فصل) وإن صالح رجلاً على أن يسقي أرضه من نهر الرجل يوماً أو يومين أو من عينه وقدرة بشئ يعلم به لم يجز ذكره القاضي لأن الماء ليس بمملوك ولا يجوز بيعه فلا يجوز الصلح عليه ولأنه

مسألة: ويجوز أن يشتري ممرا في دار وموضعا في حائطه يفتحه بابا، وبقعة يحفرها بئرا

مجهول قال وإن صالحه على سهم من العين أو النهر كالثلث والربع جاز وكان بيعاً للقرار والماء تابع له ويحتمال أن يجوز الصلح على السقي من نهره وقناته لأن الحاجة تدعو إلى ذلك والماء مما يجوز أخذ العوض عنه في الجملة بدليل مالو أخذه في قربته والصلح يجوز على مالا يجوز بيعه بدليل الصلح عن دم العمد والصلح على المجهول (مسألة) (ويجوز أن يشتري ممرأفي دار وموضعاً في حائطه يفتحه باباً، وبقعة بحفرها بئراً) لأن، هذه الاما كن يجوز بيعها وإجارتها فجازا لاعتياض عنها كالدور (مسألة) (وإن يشتري علو بيت بيني عليه بنياناً موصوفاً) إذا كان البيت مبينا لما ذكرناه (فإن كان البيت غير مبنيي لم يجز في أحد الوجهين) ذكر الفااضي وأصحاب الشافعي لأنه مبيع للهواء دون القرار والثاني بجوز لأنه ملك للمصالح فجاز له أخذ عوضه كالقرار وإنما يجوز بشرط أن يصف العلوو السفل بما يعلم به لأن من شرط صحة البيع العلم بالمبيع (مسألة) (وإن حصل في هوائه أغصان شجرة غيره فطالبه بالزالتها فله ذلك فإن ابى فله فطعها) وجملة ذلك أنه إذا حصلت أغصان شجرته في هواء ملك غيره أو هوا جدار له فيه شركة لزم

مسألة: وإن حصل في هوائه أغصان شجرة غيره فطالبه بإزالتها فله ذلك فإن أبى فله قطعها

مالك الشجرة إزالة تلك الأغصان إما بردها إلى ناحية أخرى وإما بالقطع لأن الهواء ملك لصا حب القرار فوجب إزالة ما يشغله من ملك غيره كالقرار فإن امتنع المالك من إزالته لم يجبر لأنه من غير فعله فلم يجبر على إزالته كما لو لم يكن ملكه وإن تلف بها شئ لم يضمنه لذلك ويحتمل أن يجبر على إزالته ويضمن ما تلف به إذا امر بالزالته فلم يفعل بناء على ما إذا مال حائطه إلى ملك غيره عليما نذكره إن شاء الله تعالى، وعلى كلى الوجهين إذا امتنع من إزالته كان لصاحب الهواء إزالته بأحد الأمرين لأنه بمنزلة البهيمة التي تدخل داره له إخراجها كذا ههنا وهذا مذهب الشافعي، فان امكنه إرالته بلا إتلاف ولا يقطع من غير مشقة تلزمه ولا غرامة لم يجز له إتلافها كما أنه إذا أمكنه إخراج الهبيمة من غير إتلاف لم يجز له إتلافها فإن أتلفها في هذه الحال غرمها، وإن لم يمكله إزالتها إلا بالإتلاف فله ذلك ولا شئ عليه فإنه لا يلزمه إقرار مال غيره في ملكه (مسألة) (فإن صالحه عن ذلك بعوض لم يجز) اختلف أصحابنا في ذلك فقال أبو الخطاب لا تصح المصالحة عن ذلك بحال رطبا كان الغصن أو يابساً لأن الرطب يزيد ويتغير واليابس ينقص وربما ذهب كله، وقال ابن حامد وابن عقيل يجوز ذلك رطبا كان اغصن أو يابساً لأن الجهالة في المصالح عنه

مسألة: وإن اتفقا على أن الثمرة له أو بينهما جاز ولم يلزم

لا تمنع الصحة لكونها لا تمنع التسليم بخلاف العوض فإنه يفتقر إلى العلم لوجوب تسليمه ولأن الحاجة داعية إلى ذلك لكون ذلك يكثر في الأملاك المتجاورة وفي القطع إتلاف وضرر والزيادة المتجددة يعفى عنها كالسمن الحادث في المستأجر للركوب والمستأجر للغرفة يتجدد له أولاد والغراس المستأجر له الأرض يعظم ويجفو وقال القاضي إن كان يابساً معتمداً على نفس الجدار صحت المصالحة عنه ولأن الزيادة مأمونة فيه ولا يصح الصلح على غير ذلك لأن الرطب يزيد في كل وقت وما لا يعتمد على الجدار لا يصح الصلح عليه لأنه تبع الهواء وهذا مذهب الشافعي قال شيخنا واللائق بمذهب أحمد صحته لأن الجهالة في المصالح عنه لا تمنع الصحة إذا لم يكن إلى العلم به سبيل وذلك لدعاء الحاجة إليه وكونه لا يحتاج إلى تسليم وهذا كذلك والهواء كالقرار في كونه ملكاً لصاحبه فجاز الصلح على ما فيه كالذي في القرار (مسألة) (وإن اتفقا على أن الثمرة له أو بينهما جاز ولم يلزم) وجملة ذلك أنه إذا صالحه عن ذلك بجزء من الثمرة أو بالثمرة كلها فقد نقل المروذي واسحاق بن إبراهيم عن أحمد أنه سئل عن ذلك فقال لا أدري فيحتمل أن يصح، ونحوه قال مكحول فإنه نقل عنه

أنه قال أيما شجرة ظللت على قوم فهم بالخيار بين قطع ما ظلل أو أكل ثمرها، ويحتمل أن لا يصح وهو قول الأكثر وبه قال الشافعي لأن العوض مجهول فإن الثمرة مجهولة وجزؤها مجهول ومن شرط الصلح العلم بالعوص ولأن المصالح عليه أيضاً مجهول لأنه يزيد ويتغير على ما أسلفناه، ووجه الأول أن هذا مم يكثر في الأملاك وتدعوا الحاجة إليه وفي القطع إتلاف فجاز مع الجهالة كالصلح على مجرى مياه الأمطار وعلى المواريث الدارسة والحقوق المجهولة التي لا سبيل إلى علمها قال شيخنا ويقوى عندي أن الصلح هنا يصح بمعنى أن كل واحد منهما ييح صاحبه ما بذل له فصاحب الهواء يبيح صاحب الشجرة إبقاءها ويمتنع من قطعها وإزالتها وصاحب الشجرة يبيحه ما بذل له من ثمرتها ولا يكون هذا بمعنى البيع لأن البيع لا يصح بمعدوم ولا مجهول والثمرة في حال الصلح معدومة مجهولة ولا هو لازم بل لكل واحد منهما الرجوع عا بذله والعود فيما قاله لأنه مجرد إباحة من كل واحد منهما لصحابه فجرى مجرى قول كل واحد منهما لصاحبه أسكن داري وأسكن دارك من غير تقدير مدة ولا ذكر شروط الإجارة أو قوله أيحتك الأكل من ثمرة بستاني فابخمي الأكل من ثمرة بستانك وكذك قوله دعني

مسألة: ولا يجوز أن يشرع إلى طريق نافذ جناحا ولا ساباطا ولا دكاكا

أجري في أرضك ماء ولك أن تسقى به ما شئت وتشرب منه ونحو ذلك فهذا مثله بل أولى فإن هذا مما تدعو الحاجة إليه كثيراً وفي إلزام القطع ضرر كثيرو إتلاف أموال كثيرة وفي الترك من غير نفع يصل صاحب الهواء ضرر عليه، وفيما ذكرناه جمع بين الأمرين ونظر للفريقين وهو على وفق الأصول فكان أولى. (فصل) وكذلك الحكم فيما امتد من عروق شجر إنسان إلى أرض جاره سواء أثرت ضرراً مثل تأثيرها في المصانع وطي الآبار وأساس الحيطان أو منعها من نبات شجر لصاحب الأرض أو زرع أو لم توثر فإن الحكم في قطعه والصلح عنه كالحكم في الفروع إلا أن العروق لا ثمرلها فإن اتفقا على أن ما ينبت من عروقها لصاحب الأرض أو جزء معلوم منه فهو كالصلح على الثمرة فيما ذكرنا، فعلى قولنا إذا اصطلحا على ذلك فمضت مدة ثم أبى صاحب الشجرة دفع نباتها إلى صاحب الأرض فعليه أجر المثل لأنه إنما تركه في أرضه لهذا فلما لم يسلم له رجع بأجر المثل كما لو بذلها بعوض لم يسلم له وكذلك فيمن مال حائطه إلى هواء ملك غيره أوزلف من أخشابه إلى ملك غيره فالحكم فيه على ما ذكرنا

(مسألة) (ولا يجوز أن يشرع إلى طريق نافذ جناحاً ولا ساباطاً ولا دكانا) الجناح والروشن يكون على أطراف خشبة مدفونة في الحائط وأطرافها خارجة إلى الطريق الأولى وهو المستوفي لهواء الطريق كله عليه جدارين سواء كان الجداران ملكه أولم يكونا اذان الإمام في ذلك أولم يأذن، وقال ابن عقيل إن لم يكن فيه ضرر جاز بإذن الإمام فجرى إذنه مجرى إذن المشتركين في الدوب الذي ليس بنافذ، وقال أبو حنيفة يجوز من ذلك مالا ضرر فيه وإن عارضه رجل من المسلمين وجب ققعله، وقال مالك والاوزاعي والشافعي واسحاق وأبو يوسف ومحمد يجوز إذا لم يضر بالمارة ولا يملك أحد منعه لانه ارتفق بما لم يعتعين ملك أحد فيه من غير مضرة فأشبه المشي في الطريق والجلوس فيها واختلفوا في الذي لا يضر ما هو فقال بعضهم إن كان في شارع تمر فيه الجبوش فيكون يحيث إذا سار فيه الفارص ورمحه منصوب لا يبلغه وقال أكثرهم لا يقدر بذلك بل يكون بحيث لا يضر بالعماريات والمحامل. ولنا أنه بنى في ملك غيره بغير إذنه فلم يجز كبناء الدكة أو بناء ذلك في درب غير نافذ بغير إذن أهله، ويفارق المرور في الطريق فاناها جعلت لذلك ولا مضرة فيه والجلوس لا يدوم ولا يمكن التحرز

منه ولا نسلم أنه لا مضره فيه فإنه يظلم الطريق وربما سقط على المارة أو سقط منه شئ وقد تعلوا الأرض يمرور الزمان فيصدم رءوس الناس ويمنع مرور الدواب بالأحمال ويقطع الطريق الاعلى الماشي وقد رأينا مثل هذا كثيراً، وما يفضي إلى الضرر في ثاني الحال يجب المنع منه في ابتدائه كما لو أراد بناء حائط مائل إلى الطريق يخشى وقوعه على من يمر فيها ولنا على أبي حنيفة أنه بنى في حق مشترك لو منع منه بعض أهله لم يجز فلم يجز فلم يجز بغير إذنهم كما لو أخرجه إلى هواء دار مشتركة وذلك لأن حق الآدمي لا يجوز لغيره التصرف فيه بغير إذنه وإن كان ساكناً كما لا يجوز إذا منع فإما الدكان فلا يجوز بناؤه في الطريق بغير خلاف علمناه سواء كان الطريق وواسعا أو لا وسواء أذن فيه الإمام أولم يأذن لأنه بناء في ملك غيره بغير إذنه ولأنه يؤذي المارة يضيق عليهم ويعثر به العائر أشبه مالو كان الطريق ضيقاً. (فصل) ولا يجوز إخراج الميازيب إلى الطريق الأعظم ولا إلى درب غير نافذ إلا بإذن أهله وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي يجوز إخراجه إلى الطريق الأعظم لأن عمر اجتاز على دار العباس

مسألة: ولا يجوز أن يفعل ذلك في ملك إنسان أو درب غير نافذ إلا بإذن أهله

وقد نصب ميزاباً إلى الطريق فقلعه فقال العباس تقلعه وقد نصبه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده فقال والله لا نصبته إلا على ظهري وانحنى حتى صعد على ظهره فنصبه وما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم فلغيره فعله ما لم يقم دليل على اختصاصه به ولأن الحاجة تدعو إلى ذلك ولا يمكنه رد مائه إلى الدار ولأن الناس يعملون ذلك في جميع بلاد الإسلام من غير نكير ولنا أن هذا تصرف في هواء مشترك بينه وبين غيره بغير إذنه فلم يجز كما لو كان الطريق غير نافذ ولأنه يضر بالطريق وأهلها فلم يجز كبناء دكة فيها أو جناح يضر بأهلها ولا يخفي ما فيه من الضرر فإن ماءه يقع على المارة وربما جرى فيه البول أو ماء نجس فبنجسهم ويزلق الطريق ويجعل فيها الطين والحديث قضية في عين فيحتمل أنه كان في درب غير نافذ أو تجددت الطريق بعد نصبه ويحتمل أن يجوز ذلك لأن الحاجة داعية إليه والعادة جارية به مع ما فيه من الخبر المذكور (مسألة) (ولا يجوز أن يفعل ذلك في ملك إنسان أو درب غير نافذ إلا بإذن أهله) أما في ملك الإنسان فلا يجوز بغير إذنه لأنه تصرف في ملك الغير فلم يجز بغير إذنه فلا يجوز ذلك في الدرب وبه قال الشافعي في الجناح والساباط إذا لم يكن له في الدرب باب، وإن كان له في الدرب باب فقد اختلف أصحابه فمنهم من منعه أيضاً ومنهم من أجاز له إخراج الجناح والساباط لأن له في الدرب استطراقا فملك ذلك كما يملكه في الدرب النافذ

مسألة: مسألة: وإن صالح عن ذلك بعوض جاز في أحد الوجهين

ولنا أنه بناء في هواء ملك قوم معينين أشبه إذا لم يكن له فيه باب ولا نسلم الأصل اذي قاسوا عليه فإن أذن أهل الدرب فيه جاز لأن الحق لهم فجاز بإذنهم كما لو كان لمالك واحد (مسألة) (وإن صالح عن ذلك بعوض جاز في أحد الوجهين) وقال القاضي وأصحاب الشافعي لا يجوز في الجناح والساباط لأنه بيع للهواء. دون القرار ولنا أنه يبني فيه بإذنهم فجاز كما لو أذنوا له بغير عوض ولأنه ملك لهم فجاز لهم أخذ عوض كالقرار إذا ثبت هذا فإنما يجوز بشرط كون ما يخرجه معلوم المقدر في الخروج والعلو وهكذا الحكم فيما إذا أخرجه إلى ملك إنسان معين يجوز بإذنه بعوض وبغيره إذا كان معلوم المقدار (فصل) ولا يجوز أن يحفر في الطريق النافذة بئرا لنفسه سواء جعلها لماء المطر أو ليستخرج منها ماء ينتفع به ولا غير ذلك لما ذكرنا من قبل، وإن اراد حفرها للمسليمن ونفعهم أو لنفع الطريق مثل أن يحفرها ليسقي الناس من مائها ويشرب منه المارة أو لينزل فيها ماء المطر عن الطريق نظرنا

مسألة: وإذا كان ظهر داره في درب غير نافذ ففتح فيه بابا لغير الاستطراق جاز

فإن كان الطريق ضيقاً أو كانت في ممر الناس بحيث يخاف سقوط إنسان فيها أو دابة أو يضيق عليهم ممرهم لم يجز لأن ضررها أكثر من نفعها، وإن حفرها في زاوية من طريق واسع وجعل عليها ما يمنع الوقوع فيها جاز لأن ذلك يقع بلا ضرر فجاز كتمهيدها وبناء رصيف فيها فأما ما فعله في درب غير فافذ فلا يجوز بغير إذن أهله لأن هذا ملك لقوم معينين فلم يجز فعل ذلك بغير إذنهم كما لو فعله في بستان إنسان، ولو صالح أهل الدرب عن ذلك بعوض جاز سواء حفرها لنفسه ليزل فيها ماء المطر عن داره أو ليستقي منها ماء لنفسه أو حفرها للسبيل ونفع الطريق وكذلك إن فعل ذلك في ملك إنسان معين (مسألة) (وإذا كان ظهر داره في درب غير نافذ ففتح فيه باباً لغير الاستطراق جاز) لأن له رفع جميع حائطه فبعضه أولى. قال ابن عقيل ويحتمل أن لا يجوز لأن شكل الباب مع تقادم العهد ربما استدل به على حق الاستطراقن فيضرباهل الدرب بخلاف رفع الحائط فإنه لا يدل على شئ (مسألة) (وإن فتحه للإستطراق لم يجز بغير إذنهم) لأنه ليس لهم حق في الدرب الذي هو ملك غيره وفيه وجه آخر أنه يجوز لأن له رفع جميع والأول أولى لأن الدرب لاحق له فيه فلم يجز أن يجعل له فيه حق استطراق فإن صالحهم جاز لأن الحق لهم فأشبه دورهم إذا صالحهم على شئ منها

مسألة: وإن فتحه للإستطراق لم يجز بغير إذنهم لأنه ليس لهم حق في الدرب الذي هو ملك غيره وفيه وجه آخر أنه يجوز لأن له رفع جميعه

(فصل) وإن كان ظهر داره إلى زقاق نافذ ففتح في حائطه باب اليه جاز لأنه يرتفق بما لم يتعين ملك أحد عليه فإن قيل هذا فيه إضرار بأهل الدرب لأنه يحعله نافذاً يستطرق إليه من الشارع قلنا لا يصير الدرب نافذاً وإنما تصير داره نافذة وليس لأحد استطراق داره (مسألة) (ولو كان بابه في آخر الدرب ملك نقله إلى أوله ولم يملك نقله إلى داخل منه في أحد الوجهين) كان له لأن حقه لم يسقط، فاما ان أراد نقل بابه إلى تلقاء صدر الزقاق لم يكن له ذلك نص عليه أحمد لأنه يقدم بابه إلى موضع لا استطراق له فيه، وفيه وجه آخر أنه يجوز لأنه كان له أن يجعل بابه في أول البناء في أي موضع شاء فتركه في موضع لا يسقط حقه كما أن تحويله بعد فتحه لا يسقطه ولأن له أن يرفع حائطه كله فلم يمنع من رفع بعضه والأول أولى لأنه لا يلزم من جواز رفع الحائط جواز الاستطراق كالمسألة التي قبلها (فصل) وإن كان في الدرب بابان لرجلين أحدهما قريب من باب الزقاق والآخر في داخله فأراد صاحب الداخل أن يحول بابه فله تحويله حيث شاء لأنه لا منازع له فيما يجاوز الباب الأول إذا قلنا

أن صاحب القريب ليس له أن يقذمه إلى داخل الدرب وإن قلنا له تقديمه جاز لكل واحد منهما فان كان في داخل الدرب باب لثالث فحكم الأوسط حكم الأول فيما ذكرناه (فصل) إذا كان لرجل داران متلاصقتان ظهر كل واحدة منهما إلى ظهر الأخرى وباب كل واحدة منهما إلى درب غير نافذ فرفع الحاجز بينهما وجعلهما دار واحدة جاز لأنه تصرف في ملكه المختص وإن فتح من كل واحدة منهما بابا إلى الأخرى ليتمكن إلى التطرق من كل واحدة منهما إلى كلى الدربين فقال القاضي لا يجوز لأن ذلك يثبت الاستطراق في الدرب الذي لا ينفذ من دار لم يكن لها فيه طريق ولأنه ربما أدى الى إثبات الشفعة في قول من يثبتها بالطريق لكل واحدة من الدارين في زقاق الأخرى، ويحتمل جواز ذلك لأن له رفع الحاجز جميعه فبعضه أولى قال شيخنا وهذا أشبه وما ذكرناه للمنع ينتقض بما إذا رفع الحائط جميعه، وفي كل موضع قلنا ليس له فعله إذا صالحه أهل الدرب جاز وكذلك إن أذنوا له بغير عوض

(فصل) إذا تنازع صاحبا البابين في الدرب ولم يكن فيه باب لغيرهما ففيه ثلاثة أوجه (أحدها) أنه يحكم بالدرب من أوله الى الباب الذي يليه بينهما لأن لهما الاستطراق فيه جميعاً وما بعده إلى صدر الدرب للأخر لأن الاستطراق في ذلك له وحده فله اليد والتصرف (والثاني) أن من أوله الى أقصى حائط الأول بينهما لأن ما يقابل ذلك فلهما التصرف فيه بناء على أن للأول أن يفتح بابه فيما شاء من حائطه والباقي للثاني لأنه ليس بفناء للأول ولا له فيه استطراق والثالث يكون بينهما لأن لهم يداً وتصرفاً، وهكذا الحكم فيما إذا كان لرجل علو خان ولآخر سفله ولصاحب العلو درجة في أثناء صحن الخان فاختلفا في الصحن فالذي من الدرجة إلى باب الخان بينهما وما زاد على ذلك إلى صدر الخان على الوجهين، فإن كانت الدرجة في صدر الصحن فالصحن بينهما لوجود اليد والتصرف منهما جميعاً فعلى الوجه الذي يقول أن صدر الدرب مختص بصاحب الباب الصدراني له أن يستبد له أن يستبد بما يختص به منه بان

مسألة: وليس له أن يفتح في حائط جاره ولا الحائط المشترك روزنة ولا طاقا بغير إذن صاحبه

يجعله دهليز النفسه أو يدخله في داره على وجه لا يضر بجاره ولا يضع على حائطه شيئاً لأن ذلك ملك له ينفرد به (مسألة) (وليس له أن يفتح في حائط جاره ولا الحائط المشترك روزنة ولا طاقاً بغير إذن صاحبه) لأن ذلك انتفاع بملك غيره وتصرف فيه بما يضره وكذلك لا يجوز أن يغرز فيه وتداً ولا يحدث عليه حائطاً ولا سترة ولا يتصرف فيه بنوع تصرف لأنه يضر بحائط غيره فهو كنقصه وإن صالحه على ذلك بعوض جاز فأما الاستناد إليه واسناد شئ لا يضره فلا بأس به لكونه لا مضره فيه ولا يمكن التحرز منه أشبه الاستظلال به (مسألة) (وليس له وضع خشبة عليه الاعند الضرورة بأن لا يمكنه التسقيف إلا به) أما وضع خشبة عليه فلا يجوز إذا كان يضر بالحائط لا نعمل فيه خلافاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا ضرر ولا ضرار) وإن كان لا يضر به إلا أن به عنه غنى لامكان وضعه على غيره فقال أكثر أصحابنا لا يجوز أيضاً وهو قول الشافعي وأني ثور لأنه انتفاع بملك غيره بغير إذنه من غير ضرورة فلم يجز كبناء

حائط عليه واختار ابن عقيل جوازه لما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا يمنع أحدكم جاره أن يضع خشبة على جداره) متفق عليه ولأن ما أبيح للحاجة العامة لم يعتبر فيه حقيقة الحاجة كالشفعة والفسخ بالخيار أو بالعيب واتخاذ الكلب للصيد وإباحة السلم ورخص السفر وغير ذلك، فأما ان دعت الحاجة إلى وضعه على جدار جاره أو الحائط المشترك بحيث لا يمكنه التسقيف إلا به فإنه يجوز وضعه بغير إذن الشريك وهو قومل الشافعي في القديم وقال في الجديد ليس له وضعه وهو قول أبي حنيفة ومالك لأنه انتفاع بملك غيره من غير ضرورة فلم يجز كزراعته ولنا الخبر وانه انتفاع بحائط جاره على وجه لا يضر به أشبه الاستناد إليه والاستظلال به ويفارق الزرع فإنه يضر ولم تدع إليه حاجة. إذا ثبت هذا فاشترط القاضي وابو الخطاب للجواز أن يكون له حائط واحد ولجاره ثلاثة حوائط، وليس هذا في كلام أحمد إنما قال في رواية أبي داود لا يمنعه إذا لم

مسألة: وعنه ليس له وضع خشبة على جدار المسجد وهذا تنبيه على أنه لا يضعه على جدار جاره

يكن فيه ضرور كان الحائط يبقى ولأنه قد يمتنع التسقيف على حائطين إذا كانا غير متقابلين أو كان البيت واسعاً يحتاج إلى أن يجعل إليه جسراً ثم يضع الخشب على ذلك الجسر، قال شيخنا والأولى اعتباره بما ذكرنا من امتناع التسقيف بدونه، ولا فرق فيما ذكرنا بين البالغ واليتيم والعاقل والمجنون لما ذكرنا (مسألة) (وعنه ليس له وضع خشبة على جدار المسجد وهذا تنبيه على أنه لا يضعه على جدار جاره) اختلفت الرواية عن أحمد في وضع خشبة على جدار المسجد مع وجود الشرطين فعنه الجواز لانه ادا جار وضعه في ملك الجار مع أن حق مبني على الشح والضيق ففي حقوق الله تعالى المبنية على المسامحة أولى وعنه لا يجوز نقلها عنه أبو طالب لأن القياس يقتضي المنع في حق الكل ترك في حق الجار للخبر الوارد فيه فوجب البقاء في غيره على مقتضى القياس اختاره أبو بكر، وخرج أبو الخطاب من هذه الرواية وجهاً للمنع من وضع الخشب في ملك الجار لأنه إذا منع من وضع الخشب في الجدار المشترك بين المسلمين وللواضع فيه حق فلأن يمنع من الملك المختص بغيره أولى ولانه إذا منع في حق

الله تعالى مع انه مبني على المسامحة لغنى الله تعالى وكرمه فلان يمنع في حق الآدمي مع شحه وضيقه أولى والمذهب الأول، فإن قيل فلم لا تجيزون فتح الطاق والباب في الحائط قياساً على وضع الخشب؟ قلنا الخشب يمسك الحائط وينفعه بخلاف الطاق والباب فإنه يضعف الحائط لانه يبقى مفتوحاً والذي يفتحه للخشبة يسده بها ولأن وضع الخشب تدعو إليه الحاجة دون غيره (فصل) ومن ملك وضع خشبة على حائط فزال لسقوطه أو فعله أو سقوط الحائط ثم أعيد فله إعادة خشبه لأن السبب المجوز لوضعه مستمر فاستمر الاستحقاق وإن زال السبب مثل أن خشي على الحائط من وضعه عليه أو استغنى عن وضعه لم تجز إعادته لزوال السبب المبيح فإن خيف سقوط الحائط بعد وضعه عليه لزم إزالته لأنه يضر بالمالك وإن لم يخف عليه لكن استغنى عن إبقائه عليه لم تلزم إزالته لأن في إزالته ضرراً بصاحبه ولا ضرر على صاحب الحائط في إبقائه بخلاف مالو خشي سقوطه (فصل) وإذا كان له وضع خشبة على جدار غيره لم يملك إجارته ولا إعارته لأنه إنما ملك ذلك لحاجته الماسة إلى وضع خشبه ولا حاجة الى وضع خشب غيره فلم يملكه وكذلك لا يملك بيع حقه من وضع خشبه ولا المصالحة عنه للمالك ولا لغيره لأنه أبيح له من حق غيره لحاجته فلم يجز له ذلك فيه كطعام غيره

إذا أبيح له في حال الضرورة، ولو أراد صاحب الحائط إعارة الحائط أو إجارته على وجه يمنع هذا المستحق من وضع خشبه لم يملك ذلك لأنه وسيلة إلى منع ذي الحق من حقه فلم يملكه كمنعه، ولو أراد هدم الحائط لغير حاجة لم يملك ذلك لما فيه من تفويت الحق وإن احتاج الى ذلك للخوف من انهدامه أو لتحويله مكان آخر أو لغرض صحيح ملك ذلك لأن صاحب الخشب إنما يثبت حقه للإرفاق به مشروطاً بعدم الضرر بصاحب الحائط فمتى أفضى إلى الضرر زال الاستحقاق لزوال شرطه (فصل) فإن أذن صاحب الحائط لجاره في البناء على حائطه أو وضع سترة عليه أو وضع خشبه عليه في الوضع الذي لا يستحق وضعه جاز لأن الحق له فجاز بإذنه فإذا فعل ما أذن فيه صارت العارية لازمة تذكر في باب العارية (فصل) وإن أذن له في وضع خشبه أو البناء على جدار هـ بعوض جداره بعوض جاز سواء كان إجارة في مدة

معلومة أو صلحاً على وضعه على التأبيد ومتى زال فله إعادته سواء زال لسقوطه أو سقوط الحائط أو غير ذلك لأنه استحق إبقاءه بعوض ويحتاج أن يكون البناء معلوم العرض والطول والسمك والآلات من الطين واللبن والآجر وما أشبه ذلك لأن هذا يختلف فيحتاج إلى معرفته، وإذا سقط الحائط الذي عليه البناء أو الخشب في أثناء مدة الإجارة سقوطاً لا يعود انفسخت الإجارة فيما بقي من المدة ورجع من الأجرة بقسط ما بقي من المدة، وإن أعيد رجع من الأجرة بقدر المدة التي سقط البناء والخشب عنه، وان صالحه مالك الحائط على رفع خشبه أو بنائه بشئ معلوم جاز كما يجوز الصلح على وضعه سواء كان ما صالحه به مثل العوض الذي صولح به على وضعه أو أقل أو أكثر لأن هذا عوض عن المنفعة المستحقة له وكذلك لو كان له مسيل في أرض غيره أو ميزاب أو غيره فصالح صاحب الأرض مستحق ذلك بعوض لبزيله عنه جاز، وإن كان الخشب أو الحائط قد سقط فصالحه بشئ على أن لا يعيده جاز لانه لما جاز أن يبيع ذلك منه جاز أن يصالح عنه لأن الصلح بيع

(فصل) واذا وجد بناءه أو خشبه على حائط مشترك أو حائط جاره ولم يعلم سببه فمتى زال فله إعادته لأن الظاهر أن هذا الوضع بحق من صلح أو غيره فلا يزول هذا الظاهر حتى يعلم خلافه وكذلك لو وجد مسيل مائه في أرض غيره وما أشبه هذا فهو له لأن الظاهر أنه له بحق فجرى مجرى اليد الثابتة، ومتى اختلفا في ذلك هل هو بحق أو بعد وان فاقول قول صاحب الخشب والبناء والمسيل مع يمينه لأن الظاهر معه (فصل) إذا ادعى رجل داراً في يد أخوين فأنكره أحدهما وأقر له له الآخر ثم صالحه على ما اقر له بعوض صح الصلح ولأخيه الأخذ بالشفعة ويحتمل أن يفرق بين ما إذا كان الإنكار مطلقاً وبين ما إذا قال هذه لنا ورثناها جميعاً عن أبينا أو أخينا فيقال إذا كان الإنكار مطلقاً كان له الأخذ بالشفعة وإن قال ورثناها فلا شفعة له لأن المنكر يزعم إن الملك لا خيه المقر لم يزل وإن الصلح باطل

مسألة: وإن كان بينهما حائط فانهدم فطالب أحدهما صاحبه ببنائه أجبر عليه وعنه لا يجبر

فيؤاخذ بذلك فلا يستحق به شفعة، ووجه الأول أن الملك ثبت للمدعي حكماً وقد رجع إلى المقر بالبيع وهو معترف بأنه بيع صحيح فتثبت فيه الشفعة كما لو كان الإنكار مطلقاً ويجوز أن يكون نصيب المقر انتقل إلى المدعي ببيع أو هبة أو سبب من الأسباب فلا ينافي انكار النمكر واقرار المقر كجالة إطلاق الإنكار وهذا أصح (مسألة) (وإن كان بينهما حائط فانهدم فطالب أحدهما صاحبه ببنائه أجبر عليه وعنه لا يجبر) إذا كان بين الشريكين حائط فانهدم فطلب أحدهما إعادته وأبى الآخر فذكر القاضي فيه روايتين (إحداهما) يجبر نقلها ابن القاسم وحرب وسندي قال القاضي هي أصح قال ابن عقيل وعلى ذلك أصحابنا وهو إحدى الروايتين عن مالك وقول الشافعي القديم واختاره بعض أصحابه لأن في ترك بنائه أضراراً فيجبر عليه كما يجبر على القسمة إذا طلبها أحدهما وعلى نقض الحائط عند خوف سقوطه

عليهما ولقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا ضرر ولا إضرار) وهذا وشريكه يتضرران في ترك بنائه (والرواية الثانية) لا يجبر نقل عن أحمد ما يدل على ذلك وهو أقوى في النظر ومذهب أبي حنيفة لأنه ملك لاحرمة له في نفسه فلم يجبر مالكه على الإنفاق عليه كما لو انفرد به ولانه بناء حائط فلم يجبر عليه كالابتداء ولأنه لا يخلو إما أن يجبر على بنائه لحق نفسه أو لحق جاره أو لهما جميعاً لا يجوز أن يجبر لحق نفسه بدليل مالو انفرد به ولا لحق غيره كما لو انفرد به جاره وإذا لم يكن واحد منهما موجباً فعليه فكذلك إذا اجتمعا وفارق القسمة فإنها دفع للضرر عنهما بما لا ضرر فيه والبناء فيه ضرر لما فيه من الغرامة وانفلق ماله ولا يلزم من إجباره على إزالة الضرر بما لا ضرر فيه إجباره على إزالته بما فيه ضرر بدليل قسمة ما في قمسته ضرر ويفارق هدم الحائط إذا خيف سقوطه لأنه يخاف سقوطه على ما يتلفه فيجبر على ما يزيل ذلك ولذلك يجبر عليه وإن انفرد الحائط بخلاف مسئلتنا ولا نسلم أن في تركه أضراراً فإن الضرر إنما حصل بانهدامه وإنما ترك النباء ترك لما يحصل النفع

مسألة: فإن بناه بآلته فهو بينهما وإن بناه بآلة من عنده فهو له وليس للآخر الانتفاع به وإن طلب الانتفاع به خير الثاني بين أخذ نصف قيمته وبين أخذ آلته

به وهذا لا يمنع الإنسان منه بدليل حالة الإبتداء وإن سلمنا أنه أضرار لكن في الإجبار أضرار ولا يزال الضرر بالضرر ولأنه قد يكون الممتنع لانفع له في الحائط أو يكون الضرر عليه أكثر من النفع أو يكون معسراً ليس معه شي فيكلف الغرامة مع عجزه عنها (مسألة) (وليس له منعه من بنائه) على الرواية التي تقول لا يجبر الممتنع إذا أراد شريكه البناء فليس له منعه لأن له حقاً في الحمل ورسماً فلا يجوز منعه منه (مسألة) (فإن بناه بآلته فهو بينهما وإن بناه بآلة من عنده فهو له وليس للآخر الانتفاع به وإن طلب الانتفاع به خير الثاني بين أخذ نصف قيمته وبين أخذ آلته) وجملة ذلك أن للشريك بناء الحائط بأنقاضه وله بناؤ بآلة من عنده، فان بناء بآلته وأنقاضه فهو على الشركة كما كان لأن المنفق إنما أنفق على التالف وذلك أثر لاعين يملكها، وإن بناه بآلة من عنده فالحائط ملكه خاصة، وله مع شريكه من الانتفاع ومن وضع خشبة ورسومه عليه لأن الحائط له فإن أراد نقضه وكان بناه بآلته فليس له نقضه لأنه ملكهما فلم يكن له التصرف فيه بما فيه مضرة

عليهما وإن كان بناه بآلة من عنده فله نقضه لأنه يختص بملكه فإن قال شريكه أنا أدفع إليك نصف قيمة البناء ولا تتقضه لم يجبر لأنه لما لم يجبر على البناء لم يجبر على الإبقاء وإن أراد غير الباني نقضه وإجبار بانيه على نقضه لم يكن له ذلك على كلتا الروايتين لأنه إذا لم يملك منعه من بنائه فلأن لا يملك إجباره على نقضه أولى، فإن كان له على الحائط رسم انتفاع أو وضع خشب قال له اما أن تأخذ مني نصف قيمته وتمكنني من انتفاعي وإما أن تقلع حائطك لنعيد البناء من بيننا فيلزم الآخر إجابته لأنه لا يملك إبطال رسومه وانتفاعه ببنائه، وإن لم يرد الانتفاع به فطالبه الثاني بالغرامة أو القيمة لم يلزمه ذلك لأنه إذا لم يجبر على البناء فأولى أن لا يجبر على الغرامة إلا أن يكون قد أذن في البناء والإنفاق فيلزمه ما أذن فيه فأما على الرواية الأولى فمتى امتنع أجبره الحاكم على ذلك فإن لم يفعل أخذ الحكام من ماله وأنفق عليه وإن لم يكن له مال فانفق عليه الشريك بإذن الحاكم أو أذن الشريك رجع عليه متى قدر، وإذا أراد بناء لم يملك الشريك منعه، وما أنفق أن تبرع به لم يكن له الرجوع به وإن نوى الرجوع به فهل له الرجوع بذلك؟ يحتمل وجهين بناء على ما إذا قضى دينه بغير إذنه، وإن بناه لنفسه بآلته فهو بينهما وإن بناه بآلة من عنده فهو له خاصة فإن أراد نقضه فله ذلك إلا أن يدفع اليه شريكه نصف قيمته فلا يكون له نقضه لأنه إذا أجبر على بنائه فأولى أن يجبر على إبقائه

(فصل) فإن لم يكن بين ملكيهما حائط فطلب أحد هما من الآخر أن بينيا حائطاً يحجز بين ملكيهما لم يجبرا الآخر عليه رواية واحدة فإن أراد البناء وحده فليس له إلا في ملكه لأنه لا يملك التصرف في ملك جاره المختص به ولا في الملك المشترك بغير ماله فيه رسم وهذا لا رسم له فيه (فصل) فإن كان السفل لرجل والعلو لآخر فانهدم السقف الذي بينهما فطلب أحد هما المباناة من الآخر فامتنع فهل يجبر؟ على روايتين كالحائط بين البيتين وللشافعي فيه قولان، فإن انهدمت حيطان السفل فطالبه صاحب العلو بإعادتها ففيه روايتان (إحداهما) يجبر وهو قول مالك وأبي ثور وأحد قولي الشافعي فعلى هذه الرواية يجبر على البناء وحده لأنه ملكه خاصة (والثانية) لا يجبر وهو قول أبي حنيفة فإن أراد صاحب العلو بناءه لم يمنع من ذلك على الروايتين جميعاً، فإن بناه بآلته فهو على ما كان وإن بناه بآلة من عنده فقد روي عن أحمد لا ينتفع به صاحب السفل يعني حتى يؤدي القيمة فيحتمل أنه لا يسكن وهو قول أبي حنيفة لان البيت إنما يبني للسكنى فلم يملكه كغيره ويحتمل أنه أراد الانتفاع بالحيطان خاصة من طرح الخشب وسمر الوتد وفتح الطاق وتكون له السكنى من غير تصرف في ملك غيره وهو مذهب الشافعي لأن السكنى إنما هي إقامته في فناء الحيطان من غير تصرف فيها أشبه الاستظلال

بها من خارج فأما إن طالب صاحب السفل بالبناء وأبى صاحب العلوففيه روايتان: (إحداهما) لا يجبر على بنائه ولا مساعدته وهو قول الشافعي لأن الحائط ملك صاحب السفل فلم يجبر غيره على بنائه ولا المساعدة فيه كما لو لم يكن عليه علو (والثانية) يجبر على مساعدته والبناء معه، وهو قول أبي الدرداء لأنه حائط بشتركان في الإنتفاع به أشبه الحائط بين الدارين. (فصل) فإن كان بين البيتين حائط لأحدهما فانهدم فطلب أحدهما من الآخر بناءه أو المساعدة في بنائه لم يجبر لأنه إن كان الممتنع مالكه لم يجبر على بناء ملكه المختص به كحائط الآخر وإن كان الممتنع الآخر لم يجبر على بناء ملك غيره ولا المساعدة فيه ولا يلزم على هذا حائط السفل حيث يجبر صاحبه على بنائه مع اختصاصه بملكه لأن الظاهر أن صاحب العلو ملكه مستحقا لا بقائه على حيطان السفل دائماً فلزم صاحب السفل تمكينه مما يتسحقه وطريقة البناء فلذلك وجب بخلاف مسئلتنا وإن أراد

مسألة: وإن كان بينهما نهر أو بئر أو دولاب أو ناعورة أو قناة فاحتاج إلى عمارة ففي إجبار الممتنع وجهان

صاحب الحائط بناءه أو نقضه بعد بنائه لم يكن لجاره منعه لأنه ملكه خاصة وإن أراد جاره بناءه أو نقضه أو التصرف فيه لم يملك ذلك لأنه لاحق له فيه (فصل) ومتى هدم أحد الشريكين الحائط المشترك أو السقف الذي بينهما نظرت فإن خيف سقوطه ووجب هدمه فلا شيء على هادمه ويكون كما لو النهدم بنفسه لأنه فعل الواجب وأزال الضرر الحاصل بسقوطه، وإن هدمه لغير ذلك فعليه إعادته سواء كان هدمه لحاجة أو غيرها وسواء التزم إعادته أو لم يلتزم لأن الضرر حصل بفعله فلزمته إزالته (فصل) فإن اتفقا على بناء الحائط المشترك بينهما نصفين وملكه بينهما الثلث والثلثان لم يصح لأنه يصالح عن بعض ملكه ببعض فلم يصح كما لو أقر له بدار فصالحه على سكناها ولو اتفقا على أن يحمله كل واحد منهما ما شاء لم يجز لجهالة الحمل فإنه يحمله من الاثقال ما لا طاقة له بحمله وإن اتفقا على أن يكون بينهما نصفين جاز. (مسألة) (وإن كان بينهما نهر أو بئر أو دولاب أو ناعورة أو قناة فاحتاج إلى عمارة ففي إجبار الممتنع وجهان) بناء على الحائط المشترك إذا انهدم وحكي عن أبي حنيفة أنه يجبر ههنا على الإنفاق لأنه لا يتمكن شريكه من مقاسمته فيتضرر بخلاف الحائط فإنه يمكنهما قسمة العرصة قال شيخنا: والأولى التسوية لأن في قسمة العرصة أضراراً بهما والإنفاق أرفق بهما فكانا سواء

مسألة: وليس لأحدهما منع صاحبه من عمارته

(مسألة) (وليس لأحدهما منع صاحبه من عمارته) فإن عمره فالماء بينهما على الشركة أما الدولاب والناعورة فالحكم فيه كالحكم في الحائط على ما ذكرناه وأما النهر والبئر فلكل واحد منهما الإنفاق عليه وإذا أنفق عليه لم يكن له منع الآخر من نصيبه من الماء لأنه ينبع من ملكهما وإنما أثر أحدهما في نقل الطين منه وليس له فيه عين مال فأشبه الحائط إذا بناه بآلته والحكم في الرجوع بالنفقة حكم الرجوع في النفقة على الحائط على ما مضى (فصل) وليس للرجل التصرف في ملكه بما يضر بجاره نحو أن يبني حما ما بين الدور او يفتح

خبازاً بين العطارين أو يجعله دكان قصارة بهز الحيطان ويخربها أو يحفر بئراً إلى جانب بئر جاره يجتذب ماءها وبهذا قال بعض الحنفية وعن أحمد رواية أخرى لايمنع وبه قال الشافعي وبعض الحنفية لأنه تصرف في ملكه المختص به ولم يتعلق به حق غيره فلم يمنع منه كما لو طبخ في داره أو خبز فيها وسلموا انه يمنع من الدق الذي يهدم الحيطان وينزها ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (لا ضرر ولا إضرار) ولأن هذا إضرار بجير انه فمنع منه كالذي سلموء وكسقي

الأرض الذي يتعدى إلى هدم حائط جاره أو إشعال نار يتعدى إلى إحراقها، قالوا ههنا تعدت النار التي أضرمها والماء الذي أرسله فكان مرسلاً لذلك في ملك غيره أشبه مالو أرسله إليها قصداً، قلنا والدخان الذي هو اجزا الحريق الذي أحرقه فكان مرسلاً له في ملك جاره فهو كالنار والماء وأما دخان الخبز والطبيخ فإن ضرره يسير ولا يمكن التحرز منه وتدخله المسامحة (فصل) فإن كان سطح أحدهما أعلى من سطح الآخر فليس لصاحب الأعلى الصعود على سطحه

على وجه يشرف على سطح جاره إلا أن يبني سترة تستره وقال الشافعي لا يلزمه ستره لأن هذا حاجز بين ملكيهما فلم يجبر أحدهما عليه كالأسفل ولنا أنه أضر بجاره فمنع منه كدق يهز الحيطان وذلك أنه يكشف جاره ويطلع على حرمه فأشبه ما لو اطلع عليه من صئر بابه أو خصاصه وقد دل على المنع من ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم (لو أن رجلا اطلع إليك فحذمته بحصاة ففقأت عينه لم يكن عليك جناح) ويفارق الأسفل فإن تصرفه لا يضر بالأعلى ولا يكشف داره.

باب الحوالة

باب الحوالة الحوالة ثابتة بالسنة والإجماع أما السنة فما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (مطل الغني ظلم وإذا اتبع أحدكم على ملئ فليتبع) متفق عليه وفي لفظ من (أحيل بحقه على ملئ فليحتل) وأجمع أهل العلم على جواز الحوالة في الجملة، واشتقاقها من تحويل الحق من ذمة إلى ذمة، وقد قيل إنها بيع فإن المحيل يشتري ما في ذمته بماله في ذمة المحال عليه وجاز تأخير القبض رخصة لأنه موضوع على الرفق فيدخلها خيار المجلس لذلك والصحيح أنها عقد ارفاق منفد بنفسه ليس بمحمول على غيره لأنها لو كانت بيعاً لما جازت لأنه بيع دين بدين ولما جاز التفرق قبل القبض لأنه بيع مال الربا بجنسه ولجازت بلفظ البيع ولجازت بين جنسين كالبيع ولأن لفظها يشعر بالتحول لا بالبيع فعلى هذا لا يدخلها خيار وتلزم بمجرد العقد وهذا أشبه بكلام أحمد وأصوله، ولابدء فيها من محيل ومحتال ومحال عليه (مسألة) (والحوالة تنقل احق من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه فلا يملك المحتال الرجوع عليه بحال

إذا صحت الحوالة برئت ذمة المحيل وانتقل الحق إلى ذمة المحال عليه في قول عامة أهل العلم وروى عن الحسن أنه كان لا يرى الحوالة براءة إلا أن يبرئه وعن زفر أنه قال لا تنقل الحق وأجراها مجرى الضمان ولنا أن الحوالة مشتقة من تحويل الحق بخلاف الضمان فإنه مشتق من ضم ذمة إلى ذمة فعلق على كل واحد مقتضاه وما دل عليه لفظه. إذا ثبت ذلك فمتى رضي بها المحتال ولم يشترط اليسار لم يعد الحق إلى المحيل أبداً سواء أمكن استيفاء الحق أو تعذر لمطل أو فلس أو موت أو غيره وبه قال الليث والشافعي وأبو عبيد وابن المنذر وهو ظاهر كلام الخرقي، وقال شريح والشعبي والنخعي متى أفلس أو مات رجع على صاحبه وقال أبو حنيفة يرجع عليه في حالين إذا مات المحال عليه مفلساً وإذا جحده وحلف عليه عند الحاكم وقال أبو يوسف ومحمد يرجع عليه في هاتين الحالتين وإذا حجر عليه لفلس لأنه روي عن عثمان أنه سئل عن رجل أحيل بحقه فمات المحال عليه مفلساً فقال يرجع بحقه لأنه لا توى على مال امرئ مسلم ولأنه عقد معاوضة لم يسلم العوض فيه لأحد المتعاوضين فكان له الفسخ كما لو اعتاض بثوب فلم يسلم إليه ولنا أن حزنا حد سعيد بن المسيب كان له على علي رضي الله عنه دين فأحاله به فمات المحال

مسألة: ولا تصح إلا بشروط ثلاثة أحدها: أن يحيل على دين مستقر فإن أحال على مال الكتابة أو السلم قبل قبضه أو الصداق قبل الدخول لم يصح وإن أحال المكاتب سيده أو الزوج امرأته صح،

عليه فأخبره فقال اخترت علينا أبعدك الله فأبعده بمجرد احتياله ولم يخبره إن له الرجوع ولأنها براءة من دين ليس فيها قبض ممن هي عليه ولا ممن يدفع عنه فلم يكن فيها رجوع كما لو أبرأه من الدين وحديث عثمان لم يصح يرويه خلد بن جعفر عن معاوية بن قرة عن عثمان ولم يصح سماعه وقد روي أنه قال في حوالة أو كفالة وهذا يوجب التوقف ولو صح كان قول علي مخالفاً له، وقولهم هو معاوضة لا يصح لأنه يفضي إلى بيع الدين بالدين وهو منهي عنه ويقارق المعاوضة بالثوب لأن في ذلك قبضاً يقف استقرار العقد عليه وههنا الحوالة بمنزلة القبض والاكان بيع دين بدين (مسألة) (ولا تصح إلا بشروط ثلاثة (أحدها) أن يحيل على دين مستقر فإن أحال على مال الكتابة أو السلم قبل قبضه أو الصداق قبل الدخول لم يصح وإن أحال المكاتب سيده أو الزوج امرأته صح) لا تصح الحوالة على دين غير مستقر لأن مقتضاها إلزام المحال عليه الدين مطلقاً ولا يثبت ذلك فيما هو بعرض السقوط ولا يعتبر ان يحيل بدين مستقر إلا أن السلم لا تصح الحوالة به ولا عليه لأن دين السلم ليس بمستقر لكونه متعرضاً للفسخ بانقطاع المسلم فيه ولا تصح الحوالة به لأنها لا تصح إلا فيما يجوز أخذ العوض عنه ولا يجوز ذلك في السلم لقوله عليه الصلاة والسلام (من أسلف في شئ فلا يصرفه إلى

غيره فلا تصح الحوالة على المكاتب بمال الكتابة لأنه غير مستقر لأن له أن يمتنع من أدائه ويسقط بعجزه وتصح الحوالة عليه بدين غير دين الكتابة لأن حكمه حكم الأحرار في المداينات، وإن أحال المكاتب سيده بنجم قد حل عليه صح وبرئت ذمة المكاتب بالحوالة ويكون ذلك بمنزلة القبض وإن أحالت المرأة على زوجها بصداقها قبل الدخول لم يصح لأنه غير مستقر يحتمل أن يسقط بانفساخ النكاح بسبب من جهتها، وإن أحالها الزوج به صح لأن له تسليمه إليها وحوالته به تقوم مقام تسليمه وإن أحالت به بعد الدخول صح لأنه مستقر، وإن أحال البائع بالثمن على المشتري في مدة الخيار لم يصح في قياس ما ذكرنا وإن أحاله المشتري به صح لأنه بمنزلة الوفاء قبل الاستقرار، وإن أحال البائع بالثمن على المشتري ثم ظهر على عيب لم يتبين أن الحوالة كانت باطلة لأن الثمن كان ثابتاً مستقراً والبيع كان لازماً وانما ثبت الجاز بعد العلم بالعيب بالنسبة إلى المشتري، ويحتمل أن تبطل الحوالة لأن سبب الجواز عيب المبيع وقد كان موجوداً وقت الحوالة. وكل موضع أحال من عليه دين غير مستقر به ثم سقط الدين كالزوجة ينفسخ نكاحها بسبب من جهتها أو المشتري يفسخ البيع ويرد المبيع فإن كان ذلك قبل القبض من المحال عليه ففيه وجهان (أحدهما) تبطل الحوالة لعدم الفائدة في بقائها ويرجع

المحيل بدينه على المحال عليه والثاني لا تبطل لأن الحق انتقل عن المحيل فلم يعد إليه وثبت للمحتال فلم يزل عنه ولأن الحوالة بمنزلة القبض فكأن المحيل أقبض المحتال فيرجع عليه به ويأخذ المحتال من المحال عليه وسواء تعذر القبض من المحال عليه أو لم يتعذر وإن كان بعد القبض لم تبطل وجها واحداً ويرجع المحيل على المحتال به (فصل) وإن أحال من لادين عليه على من له عليه دين فهي وكالة يثبت فيها أحكامها وليست بحوالة لأن الحوالة مأخوذة من تحويل الحق وانتقاله ولا حق ههنا ينتقل ويتحول وإنما جازت الوكالة بلفظ الحوالة لاشتراكهما في استحقاق الوكيل مطالبة من عليه الدين كاستحقاق المحتال مطالبة المحال عليه وتحول ذلك إلى الوكيل كتحوله إلى المحتال، وإن أحال من عليه دين على من لا دين عليه فليست حوالة نص عليه أحمد فلا يلزم المحال عليه الأداء ولا المحتال القبول لأن الحوالة معاوضة ولا معاوضة ههنا وإنما هو اقتراض فإن قبض المحتال منه الدين رجع على المحيل لأنه قرض وإن أبرأه لم تصح البراءة لأنها براءة لمن لادين عليه وإن وهبه إياه بعد أن قبضه منه رجع المحال عليه على على المحيل به لأنه قد غرم عنه وإنما عاد إليه المال بعقد مستأنف ويحتمل أن لا يرجع إليه لكونه ما

غرم عنه شيئاً، وإن أحال من لادين عليه على من لادين عليه فهي وكالة في اقتراض وليست حوالة لأن الحوالة إنما تكون بدين على دين (الشرط الثاني) اتفاقن الدينين في الجنس والصفة والحلول والتأجيل لأنها تحويل للحق ونقل له فينتقل على صفته ويعتبر تماثلهما في الأمور المذكورة (أحدها) الجنس فيحيل من عليه ذهب بذهب ومن عليه فضة بفضة ولو أحال من عليه ذهب بفضة أو بالعكس لم يصح (الثاني) الصفة فلو أحال من عليه صحاح بمكسرة أو من عليه مصرية بأميرية لم يصح (الثالث) الحلول والتأجيل ويعتبر اتفاق أجل المؤجلين فإن كان أحدهما حالاً والآخر مؤجلاً أو كان أحدهما إلى شهر والآخر إلى شهرين لم تصح الحوالة، ولو كان الحقان حالين فشرط على المحتال أن يؤخر حقه أو بعضه إلى أجل لم تصح الحوالة لأن الحال لا يتأجل ولأنه شرط ما لو كان ثابتاً في نفس الأمر لم تصح الحوالة فكذلك إذا اشترطه. فإذا اجتمعت هذه الأمور وصحت الحوالة فتراضيا بأن يدفع المحال عليه إلى المحتال خيراً من حقه أو رضي المحتال بدون الصفة أو رضي من عليه المؤجل بتعجيله أو من له الحال بالظاره جاز لأن ذلك يجوز في القرض ففي الحوالة أولى فإن مات المحيل أو المحتال فالأجل بحال وإن مات المحال عليه انبنى على حول الدين بالموت وفيه روايتان (الشرط الثالث) ان يحيل برضاه لان الحق

عليه فلا يلزمه أداؤه من جهة الدين الذي على المحال عليه ولا خلاف في هذا (فصل) ويعتبر لصحة الحوالة أن تكون بمال معلوم لأنها إن كانت بيعاً فلا يصح في مجهول وإن كانت تحول الحق فيعتبر فيها التسليم، والجهالة تمنع منه، فتصح بكل ما يثبت في الذمة بالإتلاف من الأثمان والحبوب والأدهان، ولا تصح فيما لا يصح السلم فيه لأنه لا يثبت في الذمة، ومن شرط الحوالة تساوي الدينين فأما ما يثبت في الذمة سلما غير المثليات كالمعدود والمذروع ففي صحة الحوالة به وجهان (أحدهما) لا يصح لأن المثل فيه لا يتحرر ولهذا لا يضمن بمثله في الإتلاف وهذا ظاهر مذهب الشافعي (والثاني) يصح ذكره القاضي لأنه حق ثابت في الذمة فاشبه ماله مثل ويحتمل أن يخرج هذان الوجهان على الخلاف فيما يقضي به قرض هذه الأموال فإن كان عليه إبل من الدية وله على آخر مثلها في السن فقال القاضي يصح لأنها تختص بأقل ما يقع عليه الاسم في السن والقيمة وسائر القصات، وقال أبو الخطاب لا تصح في أحد الوجهين لأنها مجهولة ولأن الإبل ليست من المثليات التي تضمن بمثلها في الإتلاف فلا تثبت في الذمة سلماً في رواية، وإن كان عليه إبل في دية وله على آخر مثلها قرضاً فأحاله عليه فان قلنا يرد القرض قيمتها لم تصح الحوالة لاختلاف الجنس وإن قلنا يرد مثلها اقتضى قول القاضي صحة الحوالة

مسألة ولا يعتبر رضى المحال عليه ولا رضى المحتال إن كان المحال عليه مليئا

لأنه أمكن استيفاء الحق على صفته من المحال عليه ولأن الخيرة في التسليم إلى من عليه الدية وقد رضي بتسليم ماله في ذمة المقترض فإن كانت بالعكس فاحتال المقرض بابل الدية لم يصح لأننا إن قلنا تجب القيمة في القرض فقد اختلف الجنس وإن قلنا يجب المثل فللمقرض مثل ما أقرض في صفاته وقيمته والذي عليه الدية لا يلزمه ذلك (مسألة) (ولا يعتبر رضى المحال عليه ولارضى المحتال إن كان المحال عليه مليئا) أما المحال عليه فلا يعتبر رضاه لأن للمحيل أن يستوفي الحق بنفسه وبوكيله وقد افام المحتال مقام نفسه في القبض فلزم المحال عليه الدفع اليه كالوكيل وإنما تعتبر الملاءة في رضى المحتال بقرض الملئ غير المعدوم قال الشاعر: تطيلين لياني وأنت مليئة وأحسن يا ذات الوشاح التقاضيا يعني قادرة على وفائي قال أحمد في تفسير الملئ أن يكون مليئاً بماله وقوله وبدنه فمتى أحيل على من هذه صفته لزم المحتال والمحال عليه القبول ولم يعتبر رضاهما، وقال أبو حنيفة يعتبر رضاهما لأنه معاوضة فيعتبر الرضا من المتعاقدين، وقال مالك والشافعي يعتبر رضى المحتال لأن حقه في ذمة المحيل فلا يجوز نقله إلى غيرها بغير رضاه كما لا يجوز أن يجبره على أن يأخذ بالدين عوضاً، فأما المحال عليه فقال مالك لا يعتبر رضاؤه إلا أن يكون المحتال عدوه وللشافعي في اعتبار رضاه قولان:

مسألة وإن ظنه مليئا فبان مفلسا ولم يكن رضي بالحوالة رجع عليه وإلا فلا يحتمل أن يرجع

(أحدهما) يعتبر وهو يحكي عن الزهري لأنه أحد من تتم به الحوالة فأشبه المحيل (والثاني) لا يعتبر لأنه أقامه في القبض مقام نفسه فلم يفتقر إلى رضى من عليه الحق كالتوكيل ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا اتبع أحدكم على ملئ فليتبع، ولأن للمحيل أن يوفي الحق الذي عليه بنفسه وبوكيله وقد أقام المحال عليه مقام نفسه في التقبيض قلزم المحتال القبول كما لو وكل رجلاً في إيفائه، وفارق ما إذا أراد أن يعطيه عما في ذمته عرضا لأنه يعطيه غير ما وجب له فلم يلزمه قبوله وإن لم يكن المحال عليه مليئاً لم يلزمه أن يحتال لمفهوم الحديث ولأن عليه ضرراً في ذلك فلم يلزمه كما لو بذل له دون حقه في الصفة (ففصل) فإن شرط المحتال ملاءة المحال عليه فبان معسراً رجع على المحيل وبه قال بعض الشافعية وقال بعضهم لا يرجع لأن الحوالة لا ترد بالإعسار إذا لم يشترط الملاءة فلا ترد به وإن شرط كما لو شرط كونه مسلماً ويفارق البيع فإن الفسخ يثبت بالإعسار فيه من غير شرط بخلاف الحوالة ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (المسلمون على شروطهم) ولأنه شرط ما فيه مصلحة العقد في عقد معاوضة فيثبت الفسخ بفواته كما لو شرط صفة في المبيع وقد يثبت بالشرط مالا يثبت بإطلاق العقد بدليل إشتراط صفة في المبيع. (مسألة) (وإن ظنه مليئاً فبان مفلساً ولم يكن رضي بالحوالة رجع عليه وإلا فلا ويحتمل أن يرجع)

مسألة وإذا أحال المشتري البائع بالثمن أو أحال البائع عليه به فبيان البيع باطلا فالحوالة باطلة

أما إذا لم يرض المحتال بالحوالة ثم بأن المحال عليه مفلساً أو ميتاً رجع على المحيل بغير خلاف، ولا يلزمه الإحتيال على غير الملئ لما عليه فيه من الضرر وإنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقبول الحوالة على الملئ، وإن كان رضي بالحوالة لم يرجع لأنه رضي بدون حقه ويحتمل أن يرجع لان الفلس عيب في الذمة فاشبه مالو اشترى شيئاً يظنه سليما فبان معيبا. (مسألة) (وإذا أحال المشتري البائع بالثمن أو أحال البائع عليه به فبان البيع باطلاً فالحوالة باطلة) مثل أن يشتري عبداً فيحيل المشتري البائع بالثمن ثم يظهر العبد حرا وأو مستحقاً فالبيع باطل والحوالة باطلة لأنا تبينا أن لاثمن على المشتري وكذلك إن أحال البائع على المشتري أجنبياً بالثمن متى بطل البيع بطلت الحوالة لذلك والحرية إنما ثبتت ببينة أو اتفاقهم فإن اتفق المحيل والمحال عليه على حريته وكذبهما المحتال ولابينة بذلك لم يقبل قولهما عليه لأنهما يبطلان حقه فأشبه ما لو باع المشتري العبد ثم اعترف هو وبائعه أنه كان حراً لم يقبل قولهما على المشتري الثاني وإن أقاما بينه لم تسمع لأنهما كذباها بدخولهما في التبايع، وإن أقام العبد بينة بحريته قبلت وبطلت الحوالة وإن صدقهما المحتال وادعى ان الحوالة بغير ثمن العبد فالقول قوله مع يمينه لأن الأصل صحة الحوالة وهما يدعيان بطلانها فكان جنبته أقوى فإن أقام البينة أن الحوالة كانت بالثمن قبلت لأنهما لم يكذباها، وإن اتفق المحيل والمحتال على حرية العبد وكذبهما المحال عليه لم يقبل قولهما عليه في حرية العبد لأنه اقرار على غيرهما وتبطل

مسألة فإن فسخ العقد بعيب أو إقالة لم تبطل الحوالة

الحوالة لاتفاق المرجوع عليه بالدين والراجع به على استحقاق الرجوع والمحال عليه يعترف للمحتال بدين لا يصدقه فيه فلا يأخذ منه شيئاً، وإن اعترف المحتال والمحال عليه بحرية العبد عتق لإقرار من هو في يده بحريته وبطلت الحوالة بالنسبة إليهما ولم يكن للمحتال الرجوع على المحيل لأن دخوله معه في الحوالة اعتراف ببراءته فلم يكن له الرجوع عليه (مسألة) (فإن العقد بعيب أو إقالة لم تبطل الحوالة) يعني إذا فسخ العقد بعيب أو إقالة بعدا لقبض فيما إذا أحال المشتري البائع بالثمن فقد برئ المحال عليه لأنه قبض منه بإذنه ويرجع المشتري على البائع فإن كان ذلك قبل القبض فقال القاضي تبطل الحوالة ويعود المشتري إلى ذمة المحال عليه ويبرأ البائع فلا يبقى له دين ولا عليه لأن الحوالة بالثمن وقد سقط بالفسخ، ويجب أن تبطل الحوالة لذهاب حقه من المال المحال به، وقال أبو الخطاب لا تبطل في أحد الوجهين لأن المشتري عوض البائع عما في ذمته ماله في ذمة المحال عليه ونقل حقه اليه نقلا صحيحا وبرئ من الثمن ويرئ المحال عليه من دين المشتري فلم يبطل ذلك بفسخ العقد الأول كما لو أعطاه بالثمن ثوباً وسلمة اليه ثم فسخ العقد لم يرجع بالثوب كذا ههنا، فإن قلنا ببطلان الحوالة رجع المحيل على المحال عليه بدينه ولم يبق بينهما وبين البائع معاملة وإن قلنا لا تبطل رجع المشتري على البائع بالثمن ويأخذه البائع من المحال عليه وإن كانت المسألة بحالها لكن أحال البائع أجنبياً بالثمن على المشتري ثم رد البعد المبيع ففي الحوالة وجهان:

مسألة وللبائع أن يحيل المشتري على من أحاله المشتري عليه في الصورة الأولى وللمشتري أن يحيل المحتال عليه

(أحدهما) لا تبطل لأن ذمة المشتري برئت بالحوالة من حق البائع وصار الحق عليه للمحتال فأشبه مالو دفعه المشتري الى المحيل فعلى هذا يرجع المشتري على البائع بالثمن ويسلم للمحتال ما أحاله به (والثاني) تبطل الحوالة إن كان الرد قبل القبض لسقوط الثمن الذي كانت الحوالة به ولا فائدة في بقاء الحوالة فيعود البائع بدينه ويبرأ المشتري منهما كالمسألة قبلها (مسألة) (وللبائع أن يحيل المشتري على من أحاله المشتري عليه في الصورة الأولى وللمشتري أن يحيل المتحال عليه على البائع في الثانية) إذا قلنا إن الحوالة لا تبطل وبحتمل أن تبطل إذا لم يكن قبضها وقد ذكرناه (فصل) إذا أحال رجلاً على زيد بألف فأحاله زيد بها على عمرو فالحوالة صحيحة لأن حق الثاني ثابت مستقر في الذمة فصح ان يحيل به كالا ول وهكذا لو أحال الرجل عمراً على زيد بما يثبت له في ذمته صح أيضاً لما ذكرنا وتكرر المحتال والمحيل لا يضر (مسألة) (وإذا قال أحلتك قال بل وكلتني أو قال وكلتك قال بل احلتني فالقول قول مدعي الوكالة) إذا كان لرجل دين على آخر فأذن لرجل في قبضه ثم اختلفا فقال احلتك بدينك قال بل وكلتني وديني باق في ذمتك أو قال وكلتك في قبض ديني بلفظ التوكيل قال بل احلتني

مسألة وإذا اتفقا على أنه قال: أحلتك بالمال الذي قبل زيد ثم اختلفا فقال: المحيل إنما وكلتك في القبض لي

بلفظ الحوالة فالقول قول مدعي الوكالة مع يمينه لأنه يدعي بقاء الحق على ما كان وينكر انتقاله والأصل معه فإن كان لأحدهما بينة حكم بها لأن اختلافهما في اللفظ وهو مما يمكن إقامة البينة عليه (مسألة) (وإذا اتفقا على أنه قال أحلتك بالمال الذي قبل زيد ثم اختلفا فقال المحيل إنما وكلتك في القبض لي وقال الآخر بل أحلتني بديني عليك فالقول قول مدعي الحوالة في أحد الوجهين) لأن الظاهر معه فإن اللفظ حقيقة في الحوالة دون الوكالة فيجب حمل اللفظ على ظاهره كما لو اختلفا في دار في يد أحدهما (والثاني) القول قول المحيل لأن الأصل بقاء حق المحيل على المحال عليه والمحتال يدعي نقله والمحيل ينكره والقول قول المنكر. فعلى الوجه الأول يحلف المحتال ويثبت حقه في ذمة المحال عليه ويستحق مطالبته ويسقط عن المحيل، وعلى الوجه الثاني يحلف المحيل ويبقى حقه في ذمة المحال عليه، وعلى كلا الوجهين إن كان المحتال قد قبض من المحال عليه وتلف في يده فقد برئ كل واحد منهما من صاحبه ولا ضمان عليه سواء تلف بتفريط أو غيره لأنه إن تلف بتفريط وكان المحتال محقاً فقد أتلف ماله وإن كان مبطلاً ثبت لكل واحد منهما في ذمة الآخر ما في ذمته له فيتقاصان ويسقطان وإن تلف بغير تفريط فالمحتال يقول قد قبضت حقي وتلف في يدي وبرئ منه المحيل بالحوالة والمحال عليه بتسليمه والمحيل يقول قد تلف المال في يد وكيلي بغير تفريط فلا ضمان عليه وإن لم يتلف احتمل أن لا يملك المحيل طلبه لأنه معترف أن له عليه من الدين مثل ماله في يده وهو مستحق لقبضه فلا فائدة في أن يقبضه منه ثم يسلمه اليه ويحتمل أن يملك أخذه منه ويملك المحتال مطلبته بدينه وقيل يملك المحيل أخذه منه ولا يملك المحتال

مسألة وإن قال أحلتك بدينك فالقول قول مدعي الحوالة وجها واحدا

المطالبة بدينه لا عترافه ببراءة المحيل منه بالحوالة وليس بصحيح لأن المحتل إن اعترف بذلك فهو يدعي أنه قبض هذا المال منه بغير حق وإنه لا يستحق المطالبة به فعلى كلا الحالين هو مستحق للمطالبة بمثل هذا المال المقبوض منه في قولهما جميعاً فلا وجه لا سقاطه ولا موضع للبينة في هذه المسألة لأنهما لا يختلفان في لفظ يسمع ولا فعل يرى وإنما يدعي المحيل نيته وهذا لا تشهد به البينة نفياً ولا إثباتاً. (فصل) فإن قال احلتك بدينك قال بل وكلتني ففيهما وجهان أيضاً لما قدمنا فإن قلنا القول قول المحيل فحلف برئ من حق المحتال وللمحتال قبض المال من المحال عليه لنفسه لأنه يجوز ذلك بقولهما معاً فإذا قفبضه كان له بحقه، وإن قلنا القول قول المححتال فحلف كان له مطالبة المحيل بحقه ومطالبة المحتال عليه لأنه إما وكيل أو محتال، فإن قبض منه قبل أخذه من المحيل فله أخذ ما قبض لنفسه لأنه يجوز ذلك لأن المحيل يقول هو لك والمحتال يقول هو أمانة في يدي ولي مثله على صاحبه وقد أذن له في أخذه ضمناً فإذا أخذه لنفسه حصل غرضه ولم يأخذ من المحيل شيئاً، وإن استوفى من المحيل، دون المحال عليه رجع المحيل على المحال عليه في أحد الوجهين لأن الوكالة قد ثبتت بيمين المحتال وبقي في ذمة المحال عليه للمحيل (والثاني) لا يرجع عليه لأنه يعترف أنه قد برئ من حقه وإنما المحيل ظلمه بأخذ ما كان عليه، قال القاضي والأول أصح وإن كان قد أخذ الحوالة فتلفت في يده بتفريط أو أتلفها سقط حقه وجهاً واحداً لأنه إن كان محقاً فقد أتلف حقه وإن كان مبطلاً فقد أبطل مثل دينه فيثبت في ذمته فيتقاصان وإن تلف بغير تقريطه فعلى الوجه الأول يسقط حقه أيضاً لأن ماله تلف تحت يده وعلى الثاني له أن يرجع على المحيل بحقه وليس للمحيل الرجوع على المحال عليه لأنه يقر ببرأته

(مسألة) (وإن قال احتلك بدينك فالقول قول مدعي الحوالة وجهاً واحداً) إذا اتفقا على أنه قال احتلك بدينك ثم اختلفا فالقول قول مدعي الحوالة وجهاً واحداً لأن الحوالة بدينه لا تحتمل الوكالة فلم يقبل قول مدعيها وسواء اعترف المحيل بدين المحتال أو قال لادين لك علي لأن قوله أحتلك بدينك اعتراف بدينه فلا يقبل جحده بعد ذلك فأما إن لم يقل بدينك بل قال أحلتك ثم قال ليس لك علي دين وإنما أردت التوكيل بلفظ الحوالة أو قال أردت أن أقول وكلتك فسبق لساني فقلت أحلتك وادعى المحتال أنه حوالة بدينه وإن دينه كان ثابتاً على المحيل فهل هو اعتراف بالدين أولاء فيه وجهان سبق توجيهما (فصل) وإن كان لرجل دين على آخر فطالبه به فقال قد أحلت به علي فلاناً الغائب وأنكر صاحب الدين فالقول قوله مع يمينه فإن كان لمن عليه الدين بينة بدعواه سمعت بينته لإسقاط حق المحيل عليه، وإن ادعى رجل ان فلانا الغائب أحالني عليك فأنكر المدعي عليه فالقول قوله فإن اقام المدعي بينه ثبتت في حقه وحق الغائب لأن البينة يقضي بها على الغائب ولزم الدفع الى المحتال، وإن لم يكن له بينة فأنكر الندعى عليه فهل يلزمه اليمين؟ فيه وجهان بناء على مالو اعترف له هل يلزمه الدفع على وجهين (أحدهما) يلزمه الدفع إليه لأنه لا يأمن إنكار المحيل ورجوعه عليه فكان له الاحتياط لنفسه كما لو ادعى أني وكيل فلان في قبض دينه منك فصدقه وقال لا أدفعه اليك فإذا قلنا يلزمه الدفع مع الإقرار لزمته اليمين مع الإنكار فإذا حلف برئ ولم يكن للمحتال الرجوع على المحيل لإعترافه ببراءته وكذلك إن قلنا لا يلزمه اليمين فليس للمحتال الرجوع على المخيل، ثم ينظر في المحيل فإن صدق المدعي في أنه أحاله ثبتت الحوالة لأن رضا المحال عليه لا يعتبر وإن أنكر الحوالة حلف وسقط حكم الحوالة فإن نكل المحال عليه عن اليمين فقضي عليك بالنكول واستوفى الحق منه ثم إن المحيل صدق المدعي فلا كلام وإن أنكر الحوالة فالقول قوله وله أن يستوفي من المحال عليه لأنه معترف له بالحق ويدعي أن المحتال ظلمه وببقى دين المحتال على المحيل فإن أنكر المحيل أن له عليه دينا فالعقول قوله بغير يمين لأن المحتال يقر ببراءته منه لا يستيفائه من المحال عليه وإن كان المحيل

يعترف به لم يكن للمحتال المطالبة به لأنه يقر أنه قد برئ منه بالحوالة والمحيل يصدق المحال عليه في كون المحتال قد ظلمه واستوفى منه بغير حق والمحتال يزعم ان المحيل قذ أخذ منه ايضاً بغير حق وإنه يجب عليه أن يرد ما أخذ منه إليه فينبغي أن يقبضها المحتال ويسلمها الى المحال عليه أو يأذن للمحيل في ذفعها الى المحال عليه وإن صدق المحال عليه المحتال في الحوالة ودفع اليه فأنكر المحيل الحوالة حلف ورجع على المحال عليه، والحكم في الرجوع بما على المحيل من الدين على ما ذكرنا في التي قبلها (فصل) فإن كان عليه ألف ضمنه رجل فأحال الضامن صاحب الدين به برئت ذمته وذمة المضمون عنه لأن الحوالة كالتسليم ويكون الحكم ههنا كالحكم فيما لو قضى عنه الدين على ما ذكرنا فإن كان الألف على رجلين على كل واحد منهما خمسمائة وكل واحد كفيل عن الآخر بذلك فأحاله أحدهما بالألف برئت ذمتهما معا كما لو قضاها وإن أحال ضاحب الألف رجلاً على أحدهما بعينه صحت الحوالة لأن الدين على كل واحد منهما مستقر، وإن أحال عليهما جميعاً ليستوفي منهما أو من أيهما شاء صحت الحوالة أيضاً عند القاضي لأنه لا فضل ههنا في نوع ولا أجل ولا عدد وإنما هو زيادة استيثاق فلم فلم يمنع ذلك صحة الحوالة كحوالة المعسر على الملئ، وقال بعض الشافعية لا تصح الحوالة لأن الفضل قد دخلها فإن المحتال ارتفق بالتخيير الاستيفاء من أيهما شاء فأشبه مالو أحاله على رجلين له على كل واحد منهما ألف ليستوفي من أيهما شاء والأول أصح، والفرق وبين هذه المسألة وبين ما إذا

باب الضمان

أحاله بألفين أنه لا فضل بينهما في العدد ههنا وثم تفاضلا ولأن الحوالة ههنا بألف معين وثم الحوالة بأحدهما من غير تعيين وإنه إذا قضاه أحدهما الألف فقد قضاه جميع الدين وثم إذا قضى أحدهما بقي ما على الآخر ولو لم يكن كل واحد من الرجلين ضامناً عن صاحبه فأحال عليهما حصت الحوالة بغير إشكال لأنه لما كان له أن يستوفي الألف من واحد كان له أن يستوفي من اثنين كالوكلين باب الضمان وهو ضم ذمة الضامن إلى ذمة المضمون عنه في التزام الحق فيثبت في ذمتهما جميعاً ولصاحب الحق مطالبة من شاء منهما، واستقاقه من الضم وقيل من التضمين لأن ذمة الضامن تتضمن الحق، والأصل في جوازه الكتاب والسنة والإجماع. اما اكتاب فقوله تعالى (ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم والزعيم الكفيل قاله بان عباس. وأما السنة فما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (الزعيم غارم) رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن، وأجمع المسلمون على الضمان في الجملة واختلفوا في فروع تذكر إن شاء الله تعالى، يقال ضمين وكفيل وقبيل وحميل وزعيم وصبير بمعنى واحد ولا بد في الضمان من ضامن ومضمون عنه ومضمون له. (مسألة) (ولصاحب لحق مطالبة من شاء منهما في الحياة والموت) وجملة ذلك أن المضمون عنه لا يبرأ بنفس الضمان كما يبرأ المحيل بنفس الحوالة قبل القبض بل يثبت

الحق في ذمة الضامن مع بقائه في ذمة المضمون عنه فعلى هذا لصاحب الحق مطالبة من شاء منهما في الحياة وبعد الموت، وبهذا قال الئوري والشافعي وأصحاب الرأي وأبو عبيد وحكي عن مالك في إحدى الروايتين عنه أنه لا يطالب الضامن إلا إذا تعذر مطالبة المضمون عنه ولأنه وثيقة فلا يستوفي الحق منها إلا مع تعذر استيفائه من الأصل كالرهن ولنا قوله عليه السلام (الزعيم غارم) ولأن الحق ثابت في ذمة الضامن فملك مطالبته كالأصل ولأن الحق ثابت في ذمتهما فملك مطالبة من شاء منهما كالضامنين إذا تعذرت مطالبة المضمون عنه ولا يشبه الرهن لأنه مال من عليه الحق وليس بدين ذمة يطالب إنما يطالب من عليه الدين ليقضي منه أو من غيره، وقال أبو ثور الكفالة والحوالة سواء وكلاهما ينقل الحق عن ذمة المضمون عنه والمحيل وحكي ذلك عن ابن أبي ليلى وابن شبرمة وداود، وعن أحمد رواية أن الميت يبرأ بمجرد الضمان نص عليه في رواية يوسف بن موسى واحتجوا بما روي أبو سعيد الخدري قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة فلما وضعت قال (هل علي صاحبكما من دين؟) قالوا نعم درهمان فقال (صلوا على صاحبكم) فقال علي هما علي يا رسول الله وأنا لهما ضامن فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى عليه ثم أقبل على علي فقال (جزاك الله عن الإسلام خيراً أو فك رها نك كما فككت رهان أخيك) فقيل يا رسول

الله هذا لعلي خاصة أم للناس عامة؟ فقال (بل الناس عامة) رواه الدارقطني فدل على أن المضمون عنه برئ بالضامن ولذلك صلى الله عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وروى الإمام أحمد في المسند عن جابر قال توفي صاحب لنا فأتينا به النبي صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه فخطا خطوة ثم قال (أعليه دين؟) قلنا ديناران فانصرف، فتحملهما أبو قتادة فقال الديناران علي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (وجب حق الغريم وبرئ الميت منهما؟) قال نعم فصلى عليه ثم قال بعد ذلك (ما فعل الديناران؟) قال إنما مات أمس قال فعاد إليه من الفد فقال قد قضيتهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الآن بردت جلدته) وهذا صريح في براءة المضمون عنه لقوله (وبرئ الميت منهما؟) ولأنه دين واحد فإذا صار في ذمة نائبه برئت الاولى منه كالمحال به لأن الدين الواحد لا يحل في محلين ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه) وقوله في خبر أبي قتادة (الآن بردت جلدته) حين أخره أنه قضى دينه ولأنها وثيقة فلا تنقل الحق كالشهادة، فأما صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على المضمون عنه فلأنه بالضمان صار له وفاء وإنما كان عليه الصلاة والسلام يمتنع من الصلاة على مدين لم يخلف وفاء، وأما قوله لعلي (فك الله رهانك كما فككت رهان أخيك) فإنه كان بحال لا يصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم فلما ضمنه فكه من ذلك أو ما في معناه، وقوله (برئ الميت منهما؟) أي صرت أنت المطالب بهما وهذا على وجه التأكيد لثبوت الحق في ذمته ووجوب الأداء عنه بدليل قوله حين أخبره بالقضاء (الآن بردت عليه جلده) وفارق الضمان الحوالة

مسألة فإن برئت ذمة المضمون عنه برئ الضامن

فإن الضمان مشتق من الضم بين الذمتين في تعلق الحق بهما وثبوته فيهما والحوالة من التحول فيقتضي تحول الحق عن محله إلى ذمة المحال عليه وقولهم ان الدين الواحد لا يحل محلين قلنا يجوز تعلقه بمحلين على سبيل الاستيثاق كتعلق دين الرهن به وبذمة الراهن كذلك هذا (مسألة) (فإن برئت ذمة المضمون عنه برئ الضامن) متى برئت ذمة المضمون بقضاء أو إبراء برئت ذمة الضامن لا نعلم فيه خلافا لأنه بيع ولأنه وثيقة فإذا برئ الأصل زالت الوثيقة كالرهن (مسألة) (وإن برى الضامن أو أقر ببراءته لم يبرأ المضمون عنه لأنه أصل فلا يبرأ بإبراء التبع ولأنه وثيقة انحلت من غير استيفاء الدين منها فلم تبرأ ذمة الأصل كالرهن إذا انفسخ من غير استيفاء وأيهما قضى الحق برئا جميعاً من المضمون له لأنه حق واحد فإذا استوفي مرة زال تعلقه بهما كما لو استوفى الحق الذي به رهن، وإن أحال أحدهما الغريم برئا جميعاً لأن الحوالة كالقضاء (فصل) ويجوز أن يضمن الحق عن الرجل الواحد اثنان أو أكثر سواء ضمن كل واحد جميعه أو جزأ منه فإن ضمن كل واحد منهم جميعه برئ كل واحد منهم بأداء أحدهم وإن أبرأ المضمون عنه برئ الجميع لأنهم فروع له وإن ابرأ أحد الضامنين برئ واحده لأنهم غير فروع له فلم يبرؤا ببراءته كالمضمون عنه وان ضمن أحد هم صاحب لم يجز لأن الحق ثبت في ذمته بضمانه الأصلي فلا يجوز أن يثبت ثانياً ولأنه أصل فيه بالضمان فلا يجوز أن يصير فيه فرعاً، ولو تكفل بالرجل الواحد اثنان جازو يجوز أن يكفل كل واحد

مسألة ولو ضمن ذمي لذمي عن ذمي خمرا فأسلم المضمون له والمضمون عنه بريء هو والضامن معا

من الكفيلين صاحبه صاحبه لأن الكفالة ببدنه لا بما في ذمته وأي الكفيلين أخضر المكفول به برئ وبرئ صاحبه من الكفالة لأنه فرعه ولم يبرأ من إحضار المكفول به لأنه أصل في ذك وإن كفل المكفول به الكفيل لم يجز لأنه أصل له في الكفالة فلم يجز أن يصير فرعاً فيما كفل به وإن كفل به في غيره جاز. (مسألة) (ولو ضمن ذمي لذمي عن ذمي خمراً فأسلم المضمون له أو المضمون عنه برئ هو والضامن معاً) لانه برئ من الخمر الذي ضمن عنه إذ لا يجوز وجوب خمر على مسلم وإذا برئ المضمون عنه برئ الضامن لأنه فرعه، وإن أسلم المضمون له برئ أيضاً لأنه ليس للمسلم المطالبة بثمن الخمر لكونه لاقيمة له في الاسلام فإن أسلم وحده برئ ولم يبرأ المضمون عنه لأنه أصل فلم يبرأ ببراءة فرعه كما لو أبرأه المضمون له (مسألة) (ولا يصح الامن جائز التصرف) لا يصح لا لضمان الاممن يصح تصرفه في ماله رجلا كان أو امرأة لأنه عقد يقصد به المال فصح من المرأة كالبيع. (مسألة) (ولا يصح من صبي ولا مجنون ولاسفيه ولامن عبد بغير إذن سيده وعنه يصح ويتبع به بعد العتق وإن ضمن بإذن سيده صح وهل يتعلق برقبته أو ذمة سيده؟ على روايتين)

مسألة ولا يصح من صبي ولا مجنون ولا سفيه ولا من عبد بغير إذن سيده وعنه يصح ويتبع به بعد العتق وإن

لا يصح الضمان من مجنون ولا مبرسم ولا صبي غير مميز بغير خلاف لأنه إيجاب مال فلم يصح منهم كالنذر والإقرار، ولا يصح من السفيه المحجور عليه وهو قول الشافعي وقال القاضي يصح ويتبع به بعد فك الحجر عنه لأن من أصلنا أن إقراره صحيح يتبع به بعد فلك الحجر عنه كذلك ضمانه والأول أولى لأنه إيجاب مال بعقد فلم يصح منه كالبيع والشراء وأما الاقرار فلنا فيه منع وإن سلم فالفرق بينهما أن الإقرار إخبار بحق سابق وأما الصبي المميز فلا يصح ضمانه وهو قول الشافعي وخرج أصحابنا صحته على الروايتين في صحة إقراره وتصرفه بإذن وليه، ولا يصح هذا الجمع لان هذا التزام مال لا فائدة له فيه فلم يصح كالتبرع والنذر بخلاف البيع، وإن اختلفا في وقت الضمان بعد بلوغه فقال الصبي قبل بلوغي وقال المضمون له بعد البلوغ فقال القاضي قياس قول أحمد أن القول قول المضمون له لأن معه سلامة العقد فأشبه ما لو اختلفا في شرط فاسد ويحتمل أن القول قول الضامن لأن الأصل عدم البلوغ وعدم وجوب الحق عليه، وهذا قول الشافعي ولا يشبه هذا ما إذا اختلفا في شرط فاسد لأن المختلفين ثم متفقان على أهلية التصرف والظاهر إنهما لا يتصرفان إلا تصرفاً صحيحاً فكان قول مدعي الصحة وههنا في أهلية التصرف وليس مع من يدعي اهلية ظاهر يستند إليه فلم ترجح دعواه، والحكم فيمن عرف له حال جنون كالحكم في الصبي وإن لم يعرف له حال

جنون فالقول قول المضمون له لأن الأصل عدمه، وأما المحجور عليه لفلس فيصح ضمانه ويتبع به بعد فك الحجر عنه لأنه من أهل التصرف والحجر عليه في ماله لا في ذمته فهو كتصرف الراهن فيما عدا الرهن، فأما العبد فلا يصح ضمانه بغير إذن سيده سواء كان مأذوناً له في التجارة أولا، وبهذا قال ابن أبي ليلى والثوري وابو حنيفة، ويحتمل أن يصح ويتبع به بعد العتق وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي لأنه من أهل التصرف فصح تصرفه بما لا ضرر فيه على السيد كالإقرار بالإتلاف ولنا أنه عقد تضمن إيجاب فلم يصح بغير إذن السيد كالنكاح وقال أبو ثور إن كان من جهة التجارة جاز وإلا لم يجز فإن ضمن بإذن سيده صح لأن سيده لو أذن في التصرف صح قال القاضي وقياس المذهب تعلق المال برقبته لأنه دين لزمه بفعله فتعلق برقبته كارش جنايته وقال ابن عقيل ظاهر المذهب وقياسه أنه يتعلق بذمة السيد. وقد ذكر شيخنا هنا روايتين وكذلك ذكره أبو الخطاب كاستدانته بإذن سيده ونسذكر ذلك إن شاء الله تعالى، فإن أذن له سيده في الضمان ليكون القضاء من

المال الذي في يده صح ويكون ما في ذمته متعلقا بالمال الذي ى في يد العبد كتعلق حق الجناية برقبة الجاني كما لو قال الحر لك هذا الدين على أن تأخذ من مالي هذا صح (فصل) ولا يصح ضمان المكاتب بغير إذن سيده كالقن لأنه تبرع بالتزام مال أشبه نذر الصدقة بمال معين ويحتمل أن يصح ويتبع به بعد عتقه كقولنا في العبد وإن ضمن بإذنه ففيه وجهان (أحدهما لا يصح أيضاً لأنه ربما أدى الى تفويت الحرية (والثاني) يصح لأن الحق لهما لا يخرج عنهما فأما المريض فإن كان مرضه غير مخوف أو لم يتصل به الموت فهو كالصحيح وإن كان مرض الموت المخوف فحكم ضمانه حكم تبرعه يحسب من ثلثه لأنه تبرع بالتزام مال لا يلزمه ولم يأخذ عنه عوضاً أشبه الهبة، وإذا فهمت إشارة الأخرس صح ضمانه لا نه يصح بيعه وإقراره وتبرعه أشبه الباطن، ولا يثبت الضمان بكتابته

مسألة ولا يصح إلا برضى الضامن ولا يعتبر رضى المضمون له وإلا المضمون عنه ولا معرفة الضامن لها

منفردة عن إشارة يفهم بها أنه قصد الضمان لأنه قد يكتب عبثاً أو تجربة قلم فلم يثبت الضمان به مع الإحتمال ومن لاتفهم إشارته لا يصح مانه لأنه لا يدرى بضمانه وكذلك سائر تصرفاته (مسألة) (ولا يصح إلا برضى الضامن ولا يعتبر رضى المضمون له ولا المضمون عنه ولا معرفة الضامن لها) لا يصح الضمان إلا برضى الضامن فإن أكره عليه لم يصح لأنه التزام مال فلم يصح بغير رضا الملتزم كالنذر ولا يعتبر رضا المضمون له وقال أبو حنيفة ومحمد يعتبر لأنه إثبات مال لآدمي فلم يثبت إلا برضاه أو رضا من ينو ب عنه كالبيع والشراء وعن أصحاب الشافعي كالمذهبين ولنا أن أبا قتادة ضمن من غير رضا المضمون له ولا المضمون عنه فأجاره النبئ صلى الله عليه وسلم

ولأنها وثيقة لا يعتبر فيها قبض فأشبهت الشهادة ولأنه ضمان دين فأشبه ضمان بعض الورثة دين الميت للغائب وقد سلموه، ولا يعبر رضى المضمون حديث أبي قتادة، ولا يعتبر ان يعرفهما الضامن وقال القاضي يعتبر معرفتهما لعيلم هل المضمون عنه أهل لا صطناع المعروف اليه أولاً وليعرف المضمون له فيؤدي اليه وذكر وجهاً آخر أنه يعتبر معرفة المضمون له لذلك ولا تعتبر معرفة المضمون عنه لأنه لا معاملة بينه وبينه ولا صحاب الشافعي ثلاثة أوجه نحو هذا ولنا حديث علي وأبي قتادة فإنهما ضمنا لمن لم يعرفا وعن لم يعرفا ولأنه تبرع بالتزام مال فلم تعتبر معرفة من يتبرع له به كالنذر

مسألة ولا يعتبر كون الحق معلوما ولا واجبا إذا كان مآله الى الوجوب فلو قال: ضمنت لك ما على فلان أو

(مسألة) (ولا يعتبر كون الحق معلوماً ولا واجباً إذا كان مآله الى الوجوب فلو قال ضمنت لك ما على فلان أو ما تداينه به صح) يصح ضمان المجهول فمتى قال أنا ضامن لك ما على فلان أو ما تقوم به البينة أو ما يقر به لك أو ما يخرج في روز ما نجك صح الضمان، وبهذا قال أبو حنيفة ومالك وقال الثوري والليث وابن أبي ليلى والشافعي وابن المنذر لا يصح لأنه التزام مال فلم يصح مجهولا كالثمن. ولنا قول الله تعالى (ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم) وحمل البعير غير معلوم لأن حمل البعير مختلف باختلافه وعموم قوله عليه السلام (الزعيم غارم) ولأنه التزام حق في الذمة من غير معاوضة فصح في المجهول كالنذر والإقرار ولأنه يصح تعليقه بغرر وخطر وهو ضمان العهدة، وإذا قال ألق متاعك

في البحر وعلي ضمانه أو قال إدفع ثيابك الى هذا الرقاء وعلي ضمانها فصح في المجهول كالعتق والطلاق (فصل) ويصح ضمان ما لم يجبفلو قال ما أعطيت فلاناً فهو علي صح، والخلاف في هذه المسألة كالتي قبلها ودليل القولين ما ذكرنا، قد قال في هذه المسألة الضمان ضم ذمة إلى ذمة في التزام الدين فإذا لم يكن على المضمون عنه شئ لم يوجد ضم ولا يكون ضامناً قلنا: قد ضم ذمته الى ذمة المضمون عنه في أنه يلزمه ما يلزمه وإن ما يثبت مضمونة يثبت في ذمته وهذا كاف وقد سلموا ضمان ما يلقيه في البحر قبل وجوبه بقوله إلق مناعك في البحر وعلي ضمانه وسلم أصحاب الشافعي في أحد الوجهين ضمان الجعل في الجعالة قبل العمل وما وجب شئ بعد (مسألة) (ويصح ضمان دين الضامن) نحو أن يضمن الضامن ضامن آخر لأنه دين لازم في ذمته فصح ضمانه كسائر الديون ويثبت

مسألة ويصح ضمان دين الضامن

الحق في ذمم الثلاثة أيهم برئت ذممهم كلها لأنه حق واحد فإذا قضي مرة سقط فلم يجب مرة أخرى، وإن أبرأ الغريم المضمون عنه الضامنان لانهما فرغ وان أبرئ الضامن الاول برئ الضامنان لذلك ولم يبرأ المضمون عنه لما تقدم وإن ابرئ الضامن الثاني برئ وحده، ومتى حصلت براءة الذمة بالإبراء فلا رجوع فيها لأن الرجوع مع الغرء وليس في الإبراء غرم والكفالة كالضمان في هذا المعنى. (فصل) وإن ضمن المضمون عنه الضامن أو تكلفل المكفول عنه الكفيل لم يصح لأن الضامن يقتضي الزامه الحق في ذمته والحق لازم له فلا يتصور الزامه ثابيا ولأنه أصل في الدين فلا يجوز أن يصير فرعاً فيه فإن ضمن عنه ديناً آخر أو تكفل به في حق آخر جاز لعدم ما ذكرنا (مسألة) (ويصح ضمان دين الميت المفلس وغيره ولا تبرأ ذمته قبل القضاء في أصح الروايتين)

مسألة ويصح ضمان دين الميت المفلس وغيره ولا تبرأ ذمته قبل القضاء في أصح الروايتين

يصح الضمان عن كل غريم وجب عليه حق حياً كان أو ميتاً مليئاً أو مفلساً وبه قال أكثر العلماء وقال أبو حنيفة لا يصح ضمان دين الميت إلا أن يخلف وفاء فإن خلف بعض الوفاء صح ضمانه بقدر ما خلف لأنه دين صاقط فلم يصح ضمانه كما لو سقط بالإبراء ولأن ذمته قد خربت خراباً لا يعمر بعده فلم يبق فيه دين والضمان ضم ذمة إلى ذمة. ولنا حديث أبي قتادة فإنهما ضمنا دين ميت لم يخلف وفاء وقد حضهم النبي صلى الله عليه وسلم على ضمانه في حديث أبي قتادة بقوله (الاقام أحدكم فضمنه) وهذا صريح في المسألة ولأنه دين ثابت فصح ضمانة كما لو خلف وفاء. ودليل ثبوته أنه لو تبرع رجل بقضاء دينه جاز لصاحب الحق اقتضاؤه ولو ضمنه حياثم مات لم يبرأ منه الضامن ولو برئت ذمة المضمون عنه برئت ذمة الضامن وفي هذا انفصال عما ذكروه. وإذا ثبت صحة ضمان دين الميت فإن ذمته لا تبرأ من الدين قبل القضاء في إحدى

مسألة ويصح ضمان عهدة المبيع عن البائع للمشتري وعن المشتري للبائع

الروايتين لقول النبي صلى الله عليه وسلم (نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه) ولأن النبي صلى الله عليه وسلم سأل أبا قتادة عن الدينارين الذين ضمنهما فقال قد قضيتهما فقال (الآن بردت جلدته) رواه الإمام أحمد ولأنه وثيقة بدين فلم يسقط قبل القضاء كالرهن وكالشهادة والثانية يبرأ بمرجد الضمان نص عليه أحمد في رواية يوسف بن موسى لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي قتادة (وبرئ الميت منهما) قال نعم وقد ذكر نا ذلك (فصل) ويصح الضمان في جميع الحقوق المالية الواجبة والتي تؤول إلى الوجوب كثمن المبيع في مدة الخيار وبعده والأجرة والمهر قبل الدخول وبعده ولأن هذه الحقوق لازمة وجواز سقوطها لا يمنع صحة ضمانها كالثمن في المبيع بعد انقضاء الخيار يجوز أن يسقط بالرد بالعيب وبالمقايلة وهذا مذهب الشافعي (مسألة) (ويصح ضمان عهدة المبيع عن البائع للمشتري وعن المشتري للبائع) فضمانه على المشتري هوان يضمن الثمن الواجب بالبيع قبل تسليمه، وإن ظهر فيه عيب أو استحق رجع بذلك على الضامن وضمانه عن البائع للمشتري هو أن يضمن عن البائع الثمن متى خرج المبيع متسحقا أو رد بعيب أو أرش العيب، فضمان العهدة في الموضعين هو ضمان الثمن أو جزء منه عن أحدهما للآخر، والعهدة الكتاب الذي تكتب فيه وثيقة البيع ويذكر فيه الثمن فعبر به عن الثمن الذي يضمنه، وممن أجاز ضمان العهدة في الجملة أبو حنيفة ومالك والشافعي ومنع منه بعض أصحابه لكونه ضمان ما لم يجب وضمان مجهول وضمان عين وقد ثبت جواز الضمان في ذلك كله ولأن الحاجة تدعوا إلى الوثيقة على البائع، والوثائق ثلاثة الشهادة والرهن والضمان، فأما الشهادة فلا يستوفى منها الحق وأما الرهن فلا يجوز في ذلك بالإجماع لأنه يؤدي إلى أن يبقى أبداً مرهوناً فلم يبق إلا الضمان ولأنه لا يضمن إلا ما كان واجباً حال العقد ومتى كان كذلك فقد ضمن ما وجب حين العقد والجهالة منتفية لأنه ضمن الجملة فإذا خرج بعضه مستحقاً لزمه بعض ما ضمنه، إذا ثبت هذا فإنه يصح ضمان العهدة عن البائع للمشتري قبل قبض الثمن

وبعده. وقال الشافعي إنما يصح بعد القبض لأنه قبل القبض لو خرج مستحقاً لم يجب على البائع شئ وهذا ينبني على ضمان ما لم يجب إذا كان مفضياً الى الوجوب كالجعالة وسنذكرها، وألفاظ ضمان عهدة المبيع قوله ضمنت عهدته أو تمثه أو دركه أو يقول للمشتري ضمنت خلاصك منه أو متى خرج المبيع مستحقاً فقد ضمنت لك الثمن وحكي عن أبي يوسف أنه إذا قال ضمنت عهدته أو ضمنت لك العهدة لم يصح لأن العهدة الصك بالابتياع كذا فسره أهل اللغة فلا يصح ضمانه للمشتري لأنه ملكه وليس بصحيح لأن العهدة في العرف عبارة عن الدرك وضمان الثمن والمطلق يحمل على الأسماء العرفية كالرواية تحمل عند إطلاقها على المزادة لأعلى المحل وإن كان الموضوع لغة. فأما إن ضمن له خلاص المبيع فقال أبو بكر هو باطل لأنه إذا خرج حراً أو مستحقاً لم يستطع تخليصه ولا يحل وقد قال أحمد في رجل باع عبداً أو أمة ومضن له الخلاص فقال كيف يستطيع الخلاص إذا خرج حراً فإن ضمن عهدة المبيع وخلاصه بطل في الخلاص، وتنبني صحته في العهدة على تفريق الصفقة. إذا ثبت صحة ضمان العهدة فالكلام فيما يلزم الضامن فنقول استحقاق رجوع المشتري بالثمن إما أن يكون بسبب حادث بعد العقد أو مقارن له فأما الحادث فمثل تلف المكيل والموزون في يد البائع أو بغصب من يده أو يتقايلان فإن المشتري يرجع على البائع دون الضامن لأن هذا لم يكن موجوداً حال العقد وإنما ضمن الاستحقاق الموجود حال العقد ويحتمل أن يرجع به على الضامن لأن ضمان ما لم يجب جائز وهذا منه، وأما إن كان بسبب مقارن نظر نا فإن كان بسبب لا تفريط من البائع فيه كأخذه بالشفعة فإن المشتري يأخذ الثمن من الشفيع ولا يرجع على البائع ولا الضامن ومتى لم يجب على المضمون عنه لم يجب على الضامن بطريق الأولى. فأما إن كان زوال ملكه عن المبيع بسبب مقارن لتفريط من البائع باستحقاق أو حرية أورد بعيب قديم فله الرجوع لعى الضامن وهذا ضمان العهدة، وإن أراد أخذ أرش العيب رجع على الضامن أيضاً لأنه إذا لزمه كل الثمن لزمه بعضه إذا استحق ذلك على المضمون عنه وسواء ظهر

مسألة ولا يصح ضمان دين الكتابة في أصح الروايتين

كل المبيع متسحقا أو بعضه لأنه إذا ظهر بعضه مستحقاً بطل العقد في الجميع في إحدى الروايتين فقد خرجت العين كلها من يده بسبب الإستحقاق، وعلى الرواية الأخرى يبطل في البعض المستحق وله رد الجميع فإن ردها فهو كما لو استحقت كلها وإن أمسك بعضها فله المطالبة بالأرش كما لو وجدها الكفالة لأنه لا يلزم البائع فلا يلزم الكفيل مالا يلزم الأصل، وإن ضمن للمشتري قيمة ما يحدث في المبيع من بناء أو غراس صح سواء ضمنه البائع أو أجنبيي فإذا بنى أو غرس فاستحق المبيع رجع المشتري على الضامن بقيمة ما تلف أو نقص وبه قال أبو حنيفة وقال الشافعي لا يصح لأنه ضمان مجهول وضمان ما لم يجب وقد بيناه جوازه (مسألة) (ولا يصح ضمان دين الكتابة في أصح الروايتين) وهو قول الشافعي وأكثر أهل العلم والأخرى يصح لأنه دين على المكاتب فصح ضمانه كسائر ديونه والأولى أصح لأنه ليس بلازم ولا مآله إلى اللزوم لأن للمكاتب تعجيز نفسه والامتناع من الأداء فإذا لم يلزم الأصل فالضامن أولى (مسألة) (ولا يصح ضمان الأمانات كالوديعة ونحوها إلا أن يضمن التعدي فيها) أما الأمانات كالوديعة والعين المؤجرة والشركة والمضاربة والعين المدفوعة الى الخياط والقصار فإن ضمنها من غير تعد فيها لم يصح لأنها غير مضمونة على صاحب اليد فكذلك على ضامنه وإن ضمن التعدي فيها فظاهر كلام أحمد رحمه الله تعالى صحة ضمانها فإنه قال في رواية الأثرم في رجل يتقبل من الناس الثياب فقال له رجل ادفع اليه ثيابك وأنا ضامن فقال هو ضامن لما دفعه إليه يعني إذا تعدى أو تلف بفعله، فعلى هذا إن تلف بغير فعله ولا تفريط منه فلا شئ على الضامن وإن تلف بفعله أو تفريط لزمه ضامنه أيضاً لأنها مضمونة على من هي في يده فهي كالغصوب والعواري وهذا في الحقيقة ضمان ما لم يجب وقد ذكرناه

مسألة فأما الأعيان المضمونة كالغصوب والعواري والمقبوض على وجه السوم فيصح ضمانها

(مسألة) (فأما الأعيان المضمونة كالغصوب والعواري والمقبوض على وجه السوم فيصح ضمانها) وبه قال أبو حنيفة والشافعي في أحد قوليه، وقال في الآخر لا يصح لأن الأعيان غير ثابتة في الذمة فإنما يضمن ما يثبت في الذمة ووصفنا لما بالضمان إنما معناه أنه يلزم قيمتها عند التلف والقيمة مجهولة ولنا أنها مضمونة على من هي في يده فصح ضمانها كالحقوق الثابتة في الذمة، وقولهم أن الأعيان لا تثبت في الذمة قلنا الضمان في الحقيقة إنما هو ضمان استنقاذها وردها والتزام تحصيلها أو قيمتها عند تلفها وهذا مما يصح ضمانه كعهدة المبيع فإنه يصح وهي في الحقيقة التزام رد الثمن أو عوضه إن ظهر بالمبيع عيب أو استحق. (فصل) ويصح ضمان الجعل في الجعالة وفي المسابقة والمناضلة وقال أصحاب الشافعي لا يصح ضمانه في أحد الوجهين لأنه لا يؤول إلى اللزوم أشبه مال الكتابة ولنا قول الله تعالى (ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم) ولأنه يؤول إلى اللزوم إذا عمل العمل وإنما الذي لا يلزم العمل والمال يللزم بوجوده والضمان للمال دون العمل، ويصح ضمان أرش الجناية سواء كان نقوداً كقيم المتلفات أو حيوانا كاليات وقال أصحاب الشافعي لا يصح ضمان الحيوان الواجب فيها لأنه مجهول وقد مضى الدليل على صحة ضمان المجهول ولأن الإبل الواجبة في الدية معلومة الاسنان والعدد وجهالة اللون وغيره من الصفات الباقية لا تضر لأنه إنما يلزمه أدنى لون وصفة فيحصل معلومة وكذلك غيرها من الحيوان ولأن جهل ذلك لا يمنع وجوبه بإتلاف فلم يمنع وجوبه بالإلتزام ويصح ضمان نفقة الزوجة سواء كانت نفقة يومها أو مستقبلة لأن نفقة اليوم واجبة والمستقبلة مآلها الى اللزوم ويلزمه ما يلزم الزوج في قياس المذهب، وقال القاضي: إذا ضمن نفقة المستقبل لميلزمه إلا نفقة المعسر لأن الزيادة على ذلك تسقط بالإعسار، وهذا مذهب الشافعي على القول الذي قال فيه يصح ضمانها. ولنا أنه يصح ضمان الجعالة والصداق قبل الدخول والمبيع في مدة الخيار. فأما النفقة في الماضي

مسألة وإن قضى الضامن الدين متبرعا لم يرجع بشيء لأنه تطوع بذلك أشبه الصدقة وسواء ضمن بإذنه أو بغير

فإن كانت واجبة بحكم حاكم أو قلنا بوجوبها بدون حكمه صح ضمانها وإلا فلا وفي صحة ضمان السلم اختلاف نذكره في بابه. (مسألة) (وإن قضى الضامن الدين متبرعا لم يرجع بشئ لأنه تطوع بذلك أشبه الصدقة وسواء ضمن بإذنه أو بغير إذنه (مسألة) (وإن نوى الرجوع وكان الضمان والقضاء بغير إذن المضمون عنه فهل يرجع؟ على روايتين وإن أذن له في أحدهما فله الرجوع باقل الأمرين مما قضى أو قدر الدين) وجملة ذلك أن الضامن متى أدى الدين بينة الرجوع لم يخل من أربعة اقسام (أحدها) أن يضمن بإذن المضمون عنه ويؤدي بأمره فإنه يرجع عليه سواء قال أضمن عني وأد عني أو أطلق، وبهذا قال مالك والشافعي وأبو يوسف، وقال ابو حنيفة ومحمد إن قال أضمن عني وانقد عني رجع عليه وإن قال أنقد هذا لم يرجع عليه إلا أن يكون مخالطاً له يستقرض منه ويودع عنده لأن قوله أضمن عني وانقد عني اقراره منه بالحق وإذا أطلق صار كأنه قال هب لهذا أو تطوع وإذا كان مخالطاله رجع استحسانا لانه قدر يأمر مخالطه بالنقد عنه ولنا أنه ضمن ودفع بأمره فأشبه مالو كان مخالطاً له أو قال أضمن عني وما ذكراه ليس بصحيح لأنه إذا أمره بالضمان لا يكون إلا لما هو عليه وأمره بالنقد بعد ذلك ينصرف الى ما ضمنه بدليل المخالطة له فيجب عليه أداء ما ادى عنه كما لو صحربه (الثاني) ضمن بأمره وقضى بغير أمره فله الرجوع أيضاً وبه قال مالك والشافعي في أحد الوحوه عنه، والوجه الثاني لا يرجع لأنه دفع بغير أمره أشبه مالو تبرع، الوجه الثالث أنه إن تعذر الرجوع على المضمون عنه فدفع ما عليه رجع وإلا فلا لأنه تبرع بالدفع

ولنا أنه إذا أذن في الضمان تضمن ذلك إذنه في الإداء لأن الضمان يوجب عليه الإداء فرجع عليه كما لو أذن في الأداء صريحاً (الثالث) ضمن بغير أمره وقضى بأمره فله الرجوع أيضاً وظاهر مذهب الشافعي أنه لا يرجع لأن امره بالقضاء انصرف الى ما وجب بضمانه ولنا أنه أدى دينه بامرمه فرجع عليه كما لو لم يكن ضامناً أو كما لو ضمن بأمره، قولهم إن إذنه في القضاء انصرف الى ما وجب بضمانه قلنا والواجب بضمانه إنما هو إداء دينه وليس هو شيئاً آخر فمتى أداه عنه بإذنه لزمه إعطاؤه بدله (الرابع) ضمن بغير أمره وقضى بغير أمره ففيه روايتان (إحداهما) يرجع وهو قول مالك وعبيد الله بن الحسن واسحاق (والثانية) لا يرجع بشئ وهو قول أبي حنيفة والشافعي وابن المنذر بدليل حديث علي وأبي قتادة فانهما لو كان يستحقان الرجوع على الميت صار الدين لهما فكانت ذمة الميت مشغولة بدينهما كاشتغالها بدين المضمون له ولم يصل عليه النبي صلى الله عليه وسلم لأنه تبرع بذلك أشبه مالو علف دوابه وأطعم عبيده بغير أمره. ووجه الأولى أنه قضاء مبرئ من دين واجب فكان من ضمان من هو عليه كالحاكم إذا قضى عنه عند امتناعه، فأما علي وأبو قتادة فإنهما تبرعا بالقضاء والضمان فإنهما قضيا دينه قصداً لتبرئة ذمته ليصلي عليه النبي صلى الله عليه وسلم مع علمهما أنه لم يترك وفاءه والمتبرع لا يرجع بشئ وإنما الخلاف في المحتسب بالرجوع (فصل) ويرع الضامن على المضمون عنه باقل الأمرين مما قضى أو قدر الدين لأنه إن كان الأقل الدين فالزائد لم يكن واجباً فهو متبرع به وإن كان المقضي أقل فإنما يرجع بما غرم ولهذا لو أبرأه غريمه لم يرجع بشئ فإن دفع عن الدين عرضاً رجع بأقل الأمرين من قمته أو قدر الدين لما ذكرنا (فصل) ولو كان على رجلين مائة على كل واحد منهما نصفها وكل واحد ضامن عن صاحب ما عليه فضمن آخر عن أحدهما المائة بأمره وقضاها سقط الحق عن الجميع وله الرجوع على الذي ضمن عنه ولم ين له أن يرجع على الآخر بشئ في إحدى الروايتين لأنه لم يفضي عنه ولا أذن له في القضاء

فإذا رجع على الذي ضمن رجع على الآخر بنضفها إن كان ضمن عنه بإذنه لأنه ضمنها عنه بإذنه وقضاها ضامنه، والرواية الثانية له الرجوع على الآخر بالمائة لأنها وجبت له على من أداها عنه فملك الرجوع بها كالاصل (فصل) وإذا ضمن عن رجل بأمره فطولب الضامن فله مطالبة المضمون عنه بتخليصه لأنه لزمه الآداء عنه بأمره فكانت له المطالبة بتبرئة ذمته وإن لم يطالب الضامن لم يملك مطالبة المضمون عنه لأنه لما لم يكن له الرجوع بالدين قبل غرامته لم تكن له المطالبة قبل طلبه منه وفيه وجه آخر أن له المطالبة لأنه شغل ذمته بإذنه فكانت له المطالبة بتفريغها كما لو استعار عبداً فرهنه كان لسيده مطالبته بفكاكه وتفريغه من الرهن والأولى أولى. ويفارق الضمان العارية لأن السيد يتضرر بتعويق منافع عبده المستعار فملك المطالبة بما يزيل الضرر عنه والضامن لا يبطل بالضمان شئ من منافعه فأما إن ضمن عنه بغير إذنه لم يملك مطالبة المضمون عنه قبل الآداء بحال لأنه لاحق له يطالب به ولا شغل ذمته بامره فأشبه الأجنبي، وقيل أن ينبني على الروايتين في رجوعه على المضمون عنه بما أدى عنه فإن قلنا لا يرجع فلا مطالبة له بحال وإن قلنا يرجع فحكمه حكم من ضمن عنه بأمره على ما مضى تفصيله (فصل) وإن ضمن الضامن آخر فقضى أحدهما الدين برئ الجميع فإن قضاه المضمون عنه لم يرجع على أحد وإن قضاه الضامن الأول رجع على المضمون عنه دون الضامن الثاني وإن قضاه الثاني رجع على الأول ثم رجع الأول على المضمون عنه إذا كان كل واحد منهما قد أذن لصاحبه فإن لم يكن إذن له ففي الرجوع روايتان، وإن أذن الأول للثاني ولم يأذن المضمون عنه أو إذن المضمون عنه لضامنه ولم يأذن الضامن لضامنه رجع المأذون له على من أذن له ولم يرجع على الآخر على إحدى الروايتين فإن أذن المضمون عنه للضامن الثاني في الضمان ولم يأذن له الضامن الأول رجع على المضمون عنه ولم يرجع على الضامن لأنه إنما يرجع على من أذن له دون غيره

مسألة وإن أنكر المضمون له القضاء وحلف لم يرجع الضامن على المضمون عنه سواء صدقه أو كذبه

(فصل) إذا كان له. ألف على رجلين على كل واحد مهما نصفه وكل واحد منهما ضامن عن صاحبه فابرأ الغريم أحدهما من الالف برئ منه ويرئ صاحبه من ضمانه وبقي عليه خمسمائة وإن قضاه أحدهما خمسمائة أو أبرأه الغريم منها وعين القضاء بلفظه أو ببينة عن الأصل أو الضمان انصرف إليه وإن أطلق احتمل أن له صرفها الى ما شاء منهما كمن أخرج زكاة نصاب وله نصابان غائب وحاضر كان له صرفها الى ما شاء منهما واحتمال أن يكون نصفها عن الأصل ونصفها عن الضمان لأن إطلاق القضاء والإبراء ينصرف الى جملة ما في ذمته فيكون بينهما، والمعتبر في القضاء لفظ القاضي ونيته وفي الابراء لفظ المبرئ ونيته ومتى اختلفوا في ذلك فالقول قول من اعتبر لفظه ونيته (فصل) ولو ادعى ألفا على حاضر وغائب وإن كل واحد منهما ضامن عن صاحبه فاعترف الحاضر بذلك فله أخذ الألف منه فإن قدم الغائب فاعترف رجع عليه صاحبه بنصفه وإن أنكر فالقول قوله مع يمينه وإن كان الحاضر أنكر فالقول قوله مع يمينه، فإن قامت عليه بينة فاستوفى الألف منه لم يرجع على الغائب بشئ لأنه بإنكاره معترف أنه لا حق له عليه وإنما المدعي ظلمه وإن اعترف الغائب وعاد الحاضر عن إنكاره فله الإستيفاء منه لأنه يدعي عليه حقاً يعترف له به فجاز له أخذه، وإن لم يقم على الحاضر بينة حلف وبرئ فإذا قدم الغائب فإن أنكر وحلف برئ فإن اعترف لزمه دفع الألف وقال بعض أصحاب الشافعي لا يلزمه إلا خمس المائة الاصيلة دون المضمونة لأنها سقطت عن المضمون عنه بيمينه فتسقط عن ضامنه ولنا أنه مقربها وغريمه يدعيها واليمين انما أسقطت المطالبة عنه في الظاهر ولم تسقط عنه الحق الذي في ذمته بدليل أنه لو قامت عليه بينة بعد يمينه لزمه ولزم الضامن (مسألة) (وإن أنكر المضمون له القضاء وحلف لم يرجع الضامن على المضمون عنه سواء صدقه أو كذبه)

إذا ادعى الضامن انه قضى الدين فأنكر المضمون له ولابينة له فالقول قول المضمون له لأنه ادعى تسليم المال إلى من لم يأمنه فكان القول قول المنكر، وله مطالبة الضامن والأصيل فإن رجع على المضمون عنه فهل يرجع الضامن بما قضاه عنه؟ ينظر فإن لم يعترف له بالقضاء لم يرجع عليه وإن اعترف له بالقضاء وكان قد قضى بغير بينة في غيبة المضمون عنه لم يرجع بشئ سواء صدقه المضمون عنه أو كذبه لأنه أذن في قضاء مبرئ ولم يوجد، وإن قضاه ببينة ثبت بها الحق لكن إن كانت غائبة أو ميتة فللضامن الرجوع على المضمون عنه لأنه معترف أنه ما قصر وما فرط وإن قضاه ببينة مردودة بأمر ظاهر كالكفر والفسق الظاهر لم يرجع الضامن لتفريطه لأن هذه البينة كعدمها، وان ردت بأمر خفي كالسفق بالباطن أو كانت الشهادة مختلفا فيها مثل أن أشهد عبدين أو شاهداً واحداً فردت لذلك أو كان ميتاً أو غائباً احتمل أن يرجع لأنه قضى بينة شرعية والجرح والتعديل ليس له واحتمل أن لا يرجع لأنه أشهد من لا يثبت الحق بشهادته، وإن قضى بغير بينة بحضرة المضمون عنه ففيه وجهان أحدهما يرجع وهو مذهب الشافعي لأنه إذا كان حاضراً كان الإحتياط اليه فإذا ترك التحفظ كان التفريط منه دون الضامن والثاني لا يرجع لأنه قضى قضاء غير مبرئ فأشبه مالو قضى في غيبته (فصل) فإن رجع المضمون له على الضامن فاستوفى منه مرة ثابنة رجع على المضمون عنه بما قضاه ثانياً لأنه أبرأ به ذمته ظاهراً قال القاضي ويحتمل إن له الرجوع بالقضاء الأول دون الثاني لأن البراءة

مسألة وإن اعترف المضمون له بالقضاء وأنكر المضمون عنه لم يسمع إنكاره

حصلت به في الباطن، ولا صاحب الشافعي وجهان كهذين ووجه ثالث أنه لا يرجع بشئ بحال لأن الأول ما أبرأه ظاهراً والثاني ما أبرأه باطناً ولنا أن الضامن أدى عن المضمون عنه بإذنه إذا أبرأه ظاهراً وباطناً فرجع به كما لو قامت به بينة والوجه الاول أرحج لان القضاء المبرئ في الباطن ما أوجب الرجوع فيجب أن يجب بالباقي المبرئ في الظاهر. (مسألة) (وإن اعترف المضمون له بالقضاء وأنكر المضمون عنه لم يسمع انكاره) لأن ما في ذمته حق للمضمون له فإذا اعترف بالقبض من الضامن فقد اعترف بأن الحق الذي له صار للضامن فيجب ان يقبل اقراره لكونه اقرارا في حق نفسه وفيه وجه آخر أنه لا يقبل لأن الضامن مدع لما يستحق به الرجوع على المضمون عنه وقول المضمون له شهادة على فعل نفسه فلا تقبل والأول أصح وشهادة الإنسان على فعل نفسه صحيحه كشهادة المرضعة بالرضاع، وقد ثبت ذلك بخبر عقبة بن الحارث. (مسألة) (وإن قضى المؤجل قبل أجله لم يرجع حتى يحل) لأنه لا يجب له أكثر مما كان للغريم ولأنه تبرع بالتعجيل، وإن أحاله كانت الحوالة بمنزلة تقبيضه ورجع بالأقل مما أحال به أو قدر الدين سواء قبض الغريم من المحال عليه أو أبرأه أو تعذر عليه الإستيفاء لفلس أو مطل لأن الحوالة كالإقباض

مسألة وإن مات الضامن أو المضمون عنه فهل يحل الدين؟ على روايتين وأيهما حل عليه لم يحل على الآخر

(مسألة) (وإن مات الضامن أو المضمون عنه فهل يحل الدين؟ على روايتين وأيهما حل عليه لم يحل على الآخر) وجملة ذلك أنه إذا ضمن ديناً مؤجلاً فمات أحدهما. أما الضامن أو المضمون عنه فهل يحل الدين على الميت منهما؟ على روايتين يأتي ذكرهما. فإن قلنا يحل على الميت لم يحل على الآخر لأن الدين لا يحل على شخص بموت غيره. فان كان الميت المضمون عنه لم يستحق مطالبة الضامن قبل الأجل فإن قضاه قبل الأجل كان متبرعاً بتعجيل القضاء وهل له مطالبة المضمون عنه قبل الأجل؟ يخرج على الروايتين فيمن قضى الدين بغير إذن من هو عليه. وإن كان الميت الضامن فاستوفى الغريم من تركته لم يكن لورثته مطالبة المضمون عنه حتى يحل الحق لأنه مؤجل عليه فلا يستحق مطالبته قبل أجله وهذا مذهب الشافعي وحكي زفران لهم مطالبته لأنه أدخله في ذلك مع علمه أنه يحل بموته ولنا أنه دين مؤجل فلا يجوز مطالبته به قبل الأجل كما لو لم يمت، وقولهم أدخله فيه قلنا إنما أدخله في المؤجل وحلوله بسبب من جهته فهو كما لو قضى قبل الأجل (مسألة) (ويصح ضمان الحال مؤجلا وإن ضمن المؤجل حالا لم يلزمه قبل أجله في أصح الوجهين)

إذا ضمن الدين الحال مؤجلاً صح ويكون حالا على المضمون عنه مؤجلاً على الضامن يملك مطالبة المضمون عنه دون الضامن، وبه قال الشافعي قال أحمد في رجل ضمن ما على فلان أنه يؤديه في ثلاث سنين فهو عليه ويؤديه كما ضمن، ووجه ذلك ماروى ابن عباس أن رجلاً لزم غريما له بعشرة دنانير على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما عندي شئ أعطيكه فقال والله لا أفارقك حتى تعطيني أو تأتيني بحميل فجره إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (كم تستنظره؟) فقال شهراً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (فأنا أحمل؟ فجاءه به في الوقت الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (من ابن أصبت هذا؟) قال من معدن قال (لا خير فيها) وقضاها عنه رواه ابن ماجه ولأنه ضمن مالاً بعقد مؤجل فكان مؤجلاً كالبيع، فإن قيل فعندكم الدين الحال لا يتأجل فكبف تأجل على الضامن؟ أم كيف يثبت في ذمة الضامن على غير الوصف الذي يتصف به في ذمة المضمون عنه؟ قلنا الحق يتأجل في ابتداء ثبوته بعقد وهذا ابتداء ثبوته في حق الضامن فإنه لم يكن ثابتاً عليه حالا ويجوز أن يخالف ما في ذمة الضامن الذي في ذمة المضمون عنه بدليل ما لو مات المضمون عنه والدين مؤجل. إذا ثبت هذا فكان الدين حالا فضمنه الى شهرين لم يكن له مطالبة الضامن الى شهر فإن قضاه قبل الأجل فله الرجوع به في الحال على الرواية

التي تقول أنه إذا قضى دينه بغير إذنه رجع به لأن ما فيه ههنا أنه قضى بغير إذن وعلى الرواية الأخرى لا يرجع به قبل الأجل لأنه لم يأذن له في القضاء قبل ذلك (فصل) فإن كان الدين مؤجلاً فضمنه حالا لم يصر حالا ولم يلزمه أداؤه قبل أجله لأن الضامن فرع للمضمون عنه فلا يلزمه مالا يلزمه ولأن المضمون عنه لو ألزم نفسه تعجيل هذا الدين لم يلزمه تعجيله فبأن لا يلزم الضامن أولى ولأن الضمان التزام دين في الذمة فلا يجوز أن يلتزم ما يلزم المضمون عنه، فعلى هذا إن قضاه حالا لم يرجع به قبل أجله لأن ضمانه لم يغيره عن تأجيله، والفرق بين هذه المسألة والتي قبلها ان الدين الحال ثابت في الذمة مستحق القضاء في جميع الزمان فإذا ضمنه مؤجلاً فقد التزم بعض ما يجب على المضمون عنه فصح كما لو كان الدين عشرة فضمن خمسة، وأما الدين المؤجل فلا يستحق قضاءه الاعند أجله فإذا ضمنه حالا التزم ما لم يجب على المضمون عنه أشبه مالو كان الدين عشرة فضمن عشرين، وفيه وجه آخر أنه يصح ضمان المؤجل حالا كما يضح ضمان الحال مؤجلا قياساً عليه وقد ذكرنا الفرق بينهما بما يمنع القياس إن شاء الله تعالى (فصل) ولا يدخل الضمان والكفالة خيار لأن الخيار جعل ليعرف ما فيه الحظ والضمين والكفيل

دخلاً على أنه لا حظ لهمما ولأنه عقد لا يفتقر إلى القبول فلم يدخله خيار كالنذر وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي ولا نعلم فيه خلافاً، فإن شرط الخيار فيها فقال القاضي عندي أن الكفالة تبطل وهو مذهب الشافعي لأنه شرط ينافي مقتضاها ففسدت كمما لو شرط أن لا يؤدي عن الكفول به وذلك لأن مقتضى الضمان والكفالة لزوم ما ضمنه أو كفل به والخيار ينافي ذلك ويحتمل أن يبطل الشرط وحده كما قلنا في الشروط الفاسدة في البيع وولو أقرانه كفل بشرط الخيار لزمته الكفالة وبطل الشرط لأنه وصل بإقراره ما يبطله فأشبه استثناء الكل (فصل) وإذا ضمن رجلان عن رجل الفاضمان اشتراك فقالا ضمنا لك الألف الذي على زيد فكل واحد منهما ضامن لنصفه وإن كانوا ثلاثة فكل واحد ضامن ثلثه، فإن قال واحد منهم أنا وهذان ضامنون لكل الألف فسكت الآخران فعليه ثلث الألف ولا شئ عليهما وإن قال كل واحد منهم كل واحد منا ضامن لك الألف فهذا ضمان اشتراك وانفراد وله مطالبة كل وحد منهم بالألف إن شاء وإن أدى أحدهم الألف كله أو حصته منه لم يرجع الاعلى المضمون عنه لأن كل واحد منهم ضامن أصلي وليس بضامن عن الضامن الآخر

مسألة وتصح ببدن من عليه دين وبالأعيان المضمونة

(فصل) قال الشيخ رضي الله عنه (الكفالة التزام إحضار المكفول به) وجملة ذلك أن الكفالة بالنفس صحيحة في قول أكثر أهل العلم منهم شريح ومالك والثوري والليث وأبو حنيفة، وقال الشافعي في بعض أقواله الكفالة بالبدن ضعيفة، واختلف أصحابه فمنهم من قال هي صحيحة قولاً واحداً وإنما أراد أنها ضعيفة في القياس وإن كانت ثابتة بالإجماع والأثر ومنهم من قال فيها قولان (أحدهما) أنها غير صحيحة لأنها كفالة بعين فلم تصح كالكفالة بالوجه وبدن الشاهدين ولنا قوله تعالى (قال لن أرسله معكم حتى تؤنون موثقا من الله لتأتنني به إلا أن يحاط بحكم) ولأن ما وجب تسليمه بعقد وجب تسليمه بعقد الكفالة كالمال (مسألة) (وتصح ببدن من عليه دين وبالأعيان المضمونة) تصح الكفالة ببدن كل من يلزه الضحور في مجلس الحكم بدين لازم سواء كان معلوماً أو كان مجهولاً، وقال بعض الشافعية لا يصح ممن عليه دين مجهول لأنه قد يتعذر إحضار المكفول فيلزمه الدين ولا يمكنه طلبه منه لجهله ولنا أن الكفالة بالبدن لا بالدين والبدن معلوم فلا تبطل الكفالة لا حتمال عارض ولأنا قد

مسألة ولا يصح ببدن من عليه حد ولا قصاص سواء كان حقا لله تعالى كحد الزنا والسرقة أو لآدمي كحد

ببنا أن الضمان المجهول يصح وهو التزام المال ابتداء فالكفالة التي لا تتعلق بالمال ابتداء أولى، وتصح الكفالة بالصبي والمجنون لأنه قد يجب إحضارهما مجلس الحاكم للشهادة عليهما بالاتلاف واذن وليعما يقوم مقام إذنهما ويصح ببدن المحبوس والغائب وقال أبو حنيفة لا يصح ولنا أن كل وثيقة صحت مع الحضور صحت مع الغيبة والحبس كالرهن والضمان ولأن الحبس لا يمنع من التسليم لكون المحبوس يمكن تسليمه بأمر الحاكم وأمر من حبسه ثم يعيده الى الحبس بالحقين جميعاً والغائب يمضي اليه فيحضره إن كانت الغيبة غير منقطعة وهو أن يعلم خبره وإن لم يعلم خبره لزمه عليه قاله القاضي وقال في موضع آخر لا يلزمه عليه حتى تمضي مدة يمكنه الرد فيها ولا يفعل وتصح بالأعيان المضمونة كالغصوب والعواري لأنه يصح ضمانها وقد ذكرنا صحة ضمانها (مسألة) (ولا يصح ببدن من عليه حد ولا قصاص سواء كان حقاً لله تعالى كحد الزنا والسرقة أو لآدمي كحد القذف والقصاص) وهو قول العلماء منهم شريح والحسن واسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وأصحاب الرأي والشافعي في حدود الله تعالى واختلف قوله في حدود الآدمي فقال في موضع لا كفالة في حد ولا لعان وقال

مسألة ولا يصح بغير معين كأحد هذين

في موضع تجوز الكفالة بمن عليه حق أوحد لأنه حق لآدمي فصحت الكفالة به كسائر حقوق الآدميين ولنا ما روى عمر وبن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا كفالة في حد) ولأنه حد فلم تصح الكفالة فيه كحدود الله تعالى، ولأن الكفالة استيثاق والحدود مبناها على الإسقاط والدرء بالشبهات فلا يدخل فيها الاستيثاق ولأنه حق لا يجوز استيفاؤه من الكفيل إذا تعذر عليه إحضار المكفول به فلا تصح الكفالة بمن هو عليه كحد الزنا (فصل) ولا تجوز الكفالة بالمكاتب من أجل دين الكتابة لأن الحضور لا يلزمه فلا تجوز الكفالة به كدين الكتابة. (مسألة) (ولا يصح بغير معين كأحد هذين) لأنه غير معلوم في الحال ولا في المآل فلا يمكن تسليمه (مسألة) (وإن كفل بجزء شائع من إنسان أو عضو أو كفل بإنسان على أنه ان جاء به وإلا فهو كفيل بآخر أو ضامن ما عليه صح في أحد الوجهين) أما إذا قال أنا كفيل بفلان أو بنفسه أو ببدنه أو بوجهه كان كفيلاً به فإن كفل برأسه أو كبده أو جزء لا تبقى الحياة بدونه أو بجزء شائع منه كثلثه أو ربعه صحت الكفالة لأنه لا يمكنه إحضار ذلك إلا بإحضاره كله، وقال القاضي تصح الكفالة ببعض البدن لان مالا يسري إذا حضر به عضو لم يصح كالبيع والإجارة، وإن تكفل بعضو تبقى الحياة بعد زواله كاليد والرجل ففيه وجهان: (أحدهما) تصح الكفالة اختاره أبو الخطاب وهو أحد الوحهين لا صحاب الشافعي لأنه لا يمكنه إحضار هذه الأعضاء على صفتها إلا بإحضار البدن كله أشبه الكفالة بوجهه ورأسه ولأنه حكم يتعلق بالجملة

فيثبت حكمه إذا أضيف الى البعض كالطلاق والعتاق (والثاني) لا يصح لأن تسليمه بدون تسليم الجملة ممكن مع بقائها. (فصل) إذا تكفل بإنسان على أنه ان جاء به وإلا فهو كفيل بآخر أو ضامن ما عليه لم يصح عند القاضي فيهما لأن الأول مؤقت والثاني معلق على شرط، وقال أبو الخطاب: يصح فيهما لأنه ضمان أو كفالة فيصح تعليقه على شرط كضمان العهدة، فإن قال إن جئت به في وقت كذا وإلا فأنا كفيل ببدن فلان أو فأنا ضامن لك المال الذي على فلان أو قال إذا جاء زيد فأنا ضامن لك ما عليه أو إذا قدم الحاج فأنا كفيل بفلان أو قال أنا كفيل بفلان شهراً فقال القاضي لا تصح الكفالة، وهو مذهب الشافعي ومحمد ابن الحسن لأن ذلك خطر فلم يجز تعليق الضمان والكفالة به كمجئ المطر ولأنه إثبات حق لآدمي معين فلم يجز تعليقه على شرط ولا توقيته كالهبة. وقال الشريف أبو جعفر وأبو الخطاب يصح، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف لأنه أضاف الضمان الى سبب الوجوب فيحب أن يصح كضمان الدرك والأول أقيس. (فصل) وإن قال كفلت ببدن فلا على أن يبرأ فلان الكفيل أو على أن تبرئه من الكفالة لم يصح لأنه شرط شرطا لا يلزم الوفاء به فيكون فاسدا وتفسد به الكفالة ويحتمل أن يصح لأنه شرط تحويل الوثيقة التي على الكفيل إليه. فعلى هذا لا تلزمه الكفالة إلا ان يبرئ المكفول له الكفيل الأول لأنه إنما كفل بهذا الشرط فلا تثبت كفالته بدون شرطه، وإن قال كفلت لك بهذا الغريم على أن تبرئني من الكفالة بفلان أو ضمنت لك هذا الدين بشرط أن تبرئني من ضمان الدين الآخر أو على أن تبرئني من الكفالة بفلان خرج فيه الوجهان أصحهما البطلان لأنه شرط فسخ عقد في عقد فلم يصح كالبيع بشرط فسخ سيع آخر وكذلك لو شرط في الكفالة

مسألة ومتى أحضره وسلمه بريء إلا أن يحضره قبل الأجل وفي قبضه ضرر

أو الضمان أن يتكفل المكفول به بآخر أو يضمن ديناً عليه أو يبيعه شيئاً عينه أو يؤجره داره صح لما ذكرنا. (مسألة) (إلا برضا الكفيل وفي رضا المكفول به وجهان) يعتبر رضى الكفيل في صحة الكفالة لأنه لا يلزمه الحق ابتداء إلا برضاه، ولا يعتبر رضا المكفول له لأنها وثيقة له لا قبض فيها فصحت من غير رضاه كالشهادة ولأنها التزام حق له من غير عوض فلم يعتبر رضاه فيها كالنذر فأما رضا المكفول به ففيه وجهان (أحدهما) لا يعتبر كالضمان (الثاني) يعتبر وهو مذهب الشافعي لان مقصود ها إحضاره فإذا تكفل بغير ادنه لم يلزمه الحضور معه ولأنه يجعل لنفسه حقاً عليه وهو الحضور معه من غير رضاه فلم يجزكما لو ألزمه الدين وفارق الضمان فإن الضامن يقضي الحق ولايحتاج الى المضمون عنه (مسألة) ومتى أحصره وسلمه برئ إلا أن يحضره قبل الأجل وفي قبضه ضرر) وجملة ذالك أن الكفالة تصح حالة وموجلة كالضمان فإن اطلق انصرف الى الحلول لأن كل عقد يدخله الحلول إذا أطلق اقتضى تكفل حالا كان له مطالبته بإحضاره فإن أحضره وهناك يد حائله ظالمة لم يبرأ منه ولم يلزم المكفول له تسلمه لأنه لا يحصل له غرضه، وإن لم تكن يد حائلة لزمه قبوله فإن قبله برئ من الكفالة، وقال ابن أبي موسى لا يبرأ حتى يقول قد برئت اليك منه أو قد سلمته اليك أو قد أخرجت نفسي من كفالته، والصحيح الأول لأنه عقد على عمل فبرئ منه بالعمل المعقود عليه كالإجارة فإن امتنع من تسلمه برئ لأنه أحضره ما يجب تسليمه عند غريمه وطلب منه تسلمه على وجه لا ضرر في قبضه فبرئ منه كالمسلم فيه وقال بعض أصحابنا إذا امتنع من تسلمه أشهد على امتناعه رجلين وبرئ لأنه

فعل ما وقع العقد على فعله فبرئ منه، وقال القاضي يرفعه الى الحاكم فيسلمه إليه فان لم يجد حاكما أشهد شاهدين على إحضاره، وامتناع المكفول له من قبوله والأول أصح فإن مع وجود صاحب الحق لا يلزمه دفعه إلى نائبه كحاكم أو غيره، وإن كانت الكفالة مؤجلة لم يلزم إحضاره قبل الأجل كالدين المؤجل فإذا حل الأجل فأحضره وسلمه برئ فإن أحضر قبل الأجل ولا ضرر في تسلمه لزمه، وإن كان فيه ضرر مثل أن تكون حجة الغريم غائبة أو لم يكن يوم مجلس الحاكم والدين مؤجل عليه لا يمكن اتقضاؤه منه أو قد وعده بالأنظار في تلك المدة لم يلزمه قبوله كمن سلم المسلم فيه قبل محله أو في غير مكانه. (فصل) وإذا عين في الكفالة تسليمه في مكان فأحضره في غيره لم يبرأ من الكفالة، وبه قال أبو يوسف ومحمد وقال القاضي إن أحضره بمكان آخر من البلد وسلمه برئ من الكفالة وقال بعض أصحابنا متى أحضره في أي مكان كان وفي ذلك الموضع سلطان برئ من الكفالة لكونه لا يمكنه الامتناع من مجلس الحاكم ويمكن إثبات الحجة فيه وقيل إن كان عليه ضرر في إحضاره بمكان آخر لم يبرأ الكفيل إذا أحضره فيه وإلا برئ كقولنا فيما إذا أحضره قبل الأجل ولأصحاب الشافعي اختلاف على نحو ما ذكرنا ولنا أنه سلم ما شرط تسليمه في مكان في غيره فلم يبرأ كما لو أحضر المسلم فيه في غير الموضع الذي شرطه ولأنه قد يسلم في موضع لا يقدر على إثبات الحجة فيه لغيبة شهوده أو غير ذلك وقد يهرب منه ولا يقدر على إمساكه ويفارق ما إذا سلمه قبل الأجل فإنه عجل الحق قبل أجله فزاده خيراً فمتى لم

مسألة وإن مات المكفول به أو تلفت العين بفعل الله تعالى او سلم نفسه برىء الكفيل

يكن ضرر وجب قبوله فإن وقعت الكفالة مطلقة وجب تسليمه في مكان العقد كالسلم فإن سلمه في غيره فهو كتسليمه في غير المكان الذي عينه وإن كان المكفول به محبوساً لأن ذلك الحبس يمنعه استيفاء حقه وإن كان محبوسا عندا الحاكم فسلمه اليه محبوسا لزمه تسليمه لأن حبس الحاكم لا يمنعه استيفاء حقه وإذا طالب الحاكم بإحضاره أحضره وحكم بينهما ثم يرده إلى الحبس فإن توجه عليه حق للمكفول له حبسه بالحق الأول وحق المكفول له (مسألة) (وإن مات المكفول به أو تلفت العين بفعل الله تعالى أو سلم نفسه برئ الكفيل) إذا مات المكفول به برئ الكفيل وسقطت الكفالة، وبه قال شريح والشعبي وحماد بن أبي سليمان وأبو حنيفة والشافعي ويحتمل أن لا يسقط ويطالب بما عليه وهو قول الحكم ومالك والليث وحكي عن ابن شريح لأن الكفيل وثيقة بحق فإذا تعذرت من جهة من عليه الدين استوفي من الوثيقة كالرهن ولأنه تعذر إحضاره فلزم كفيله ما عليه كما لو غاب ولنا أن الحضور سقط عن المكفول به فبرئ الكفيل كما لو برئ من الدين ولأن ما التزمه من أجله سقط عن الاصل فبرئ الفرع كالضامن إذا قضى المضمون عنه الدين أو أبرئ ممن، وفارق ما إذا غاب فإن الحضور لم يسقط عنه وفارق الرهن فإنه غلق به المال فاستوفى منه وكذلك الحكم إن تلفت المكفول بها بفعل الله تعالى وإن سلم المكفول به نفسه برئ الكفيل لأنه أتى بما يلزم الكفيل لأجله وهو إحضار نفسه فبرئت ذمته كما لو قضى الدين (فصل) وإذا قال الكفيل قد برئ المكفول به من الدين وسقطت الكفالة أو قال لم يكن

مسألة وإن تعذر إحضاره مع بقائه لزم الكفيل الدين أو عوض العين

عليه دين حين كفلته فأنكر المكفول له فالقول قوله لأن الأصل صحة الكفالة وبقاء الدين وعليه اليمين فإن نكل قضي عليه، ويحتمل أن لا يستحلف فيما إذا ادعى الكفيل أنه تكفل بمن لا دين عليه لأن الكفيل مكذب لنفسه فيما ادعاه فإن من كفل بشخص معترف بدينه في الظاهر والأول أولى لأن ما ادعاه محتمل (فصل) وإذا قال المكفول له للكفيل أبرأتك من الكفالة برئ لأنه حقه فسقط بإسقاطه كالدين، وإن قال قد برئت إلي منه أو قد رددته إلي برئ أيضاً لأنه معترف بوفاء الحق فهو كما لو اعترف بذلك في الضمان وكذلك إذا قال له برئت من الدين الذي كفلت به، ويبرأ الكفيل في هذه المواضع دون المكفول به ولا يكون افرارا بقبض الحق فيما إذا قال برئت من الدين الذي كفلت به والأول أصح لأنه يمكن براءته بدون قبض الحق بإبراء المستحق أو موت المكفول به فأما إن قال للمكفول به أبر أتك عمالي قبلك من الحق أو برئت من الدين الذي قبلك فانه يبرأ من الحق وتزول الكفالة لانه لفظ يقتضي العموم في كل ما قبله وإن قال برئت من الدين الذي كفل به فلان برئ وبرئ كفيله (مسألة) (وإن تعذر إحضاره مع بقائه لزم الكفيل الدين أو عوض العين) متى تعذر إحضار المكفرل به مع حياته أو امتنع من إحضاره لزمه ما عليه وقال أكثرهم لا غرم عليه ولنا عموم قوله عليه الصلاة والسلام (الزعيم غارم) ولأنه أحد نوعي الكفالة فوجب بهما الغرم كالكفالة بالمال (مسألة) (وإن غاب أمهل الكفيل بقدر ما يمضي فيحضره فإن تعذر إحضاره ضمن ما عليه) إذا غاب المكفول به او ارتد ولحق بدار الحرب لم يؤخذ الكفيل بالحق حتى يمضي زمن يمكن المضي فيه وإعادته وقال ابن شبرمة يحبس في الحال لأن الحق قد توجه عليه. ولنا أن الحق يعتبر في وجوب

مسألة وإذا طالب الكفيل المكفول به بالحضور معه لزمه ذلك إن كانت الكفالة بإذنه أو طالبه صاحب الحق

أدائه إمكان التسليم وإن كان حالا كالدين فإذا مضت مدة يمكن إحضاره فيها ولم يحضره أو كانت الغيبة منقطعة لا يعلم خبره أو امتنع من إحضاره مع إمكانه أخذ بما عليه وقال أصحاب الشافعي إن كانت الغيبة منقطعة لا يعلم مكانه لم يطالب الكفيل بإحضاره ولم يلزمه شئ وإن امتنع من إحضاره مع إمكانه حبس وقد دللنا على وجوب الغرم في المسألة التي قبلها (فصل) وإن (. كفل ألى أجل مجهول لم تصح الكفالة وهذا قول الشافعي لأنه ليس له وقت يستحق مطالبته فيه وهكذا الضمان وإن جعله إلى الحصاد والجذاذ والعطاء خرج على الوجهين كالأجل في البيع والأولى صحته ههنا لأنه تبرع من غير عوض جعل له أجلا لا يمنع من حصول المقصود منه فصح كالنذر وهكذا كل مجهول لا يمنع مقصود الكفالة، وقد روى منها عن أحمد في رجل كفل رجلا وقال إن جئت به في وقت كذا وإلا فما عليه علي فقال لا أدري ولكن إن قال ساعة كذا لزمه، فنص على تعيين الساعة وتوقف عن تعيين الوقت ولعله أراد وقتا متسعاً أو وقت شئ يحدث مثل وقت الحصاد ونحوه، فأما إن قال وقت طلوع الشمس أو نحو ذلك صح وإن قال إلى الغد أو الى شهر كذا تعلق بأوله على ما ذكرنا في السلم. فإن تكفل برجل الى أجل إن جاء به فيه والا لزمه ما عليه صح وبه قال أبو حنيفة وأبو يوسف، وقال محمد بن الحسن والشافعي لا تصح الكفالة ولا يلزمه ما عليه لأن هذا تعليق الضمان بخطر فلم يصح كما لو علقه بقدوم زيد ولنا أن هذا موجب الكفالة ومقتضاها فصح اشتراطه كما لو قال إن جئت به في وقت كذا والا فلك حبسي، وميبنى هذا الخلاف ههنا على اخلاف في أن هذا مقتضى الكفالة وقد دللنا عليه (مسألة) (وإذا طالب الكفيل المكفول به بالحضور معه لزمه ذلك إن كانت الكفالة بإذنه أو طالبه صاحب الحق بإحضاره وإلا فلا إذا كفل رجلا بإذنه إحضاره ليسلمه الى المكفول له لزمه الحضور معه لأنه شغل ذمته من

أجله اذنه فلزمه تخليصها كما لو استعار عبده فرهنه بإذنه فإن عليه تخليصه إذا طلبه سيده، وإن كانت بغير إذنه فإن طلبه المكفول له لزمه الحضور لأن حضوره حق للمكفول له وقد استناب الكفيل في ذلك وإن لم يطلبه المكفول له لم يلزمه الحضور لأنه لم يشغل ذمته وإنما الكفيل شغلها باختيار نفسه فلم يجز أن يثبت له بذلك حق على غيره، وإن قال له المكفول له احضر كفيلك كان توكيلاً في إحضاره ولزمه أن يحضر معه كما لو وكل غيره وإن قال أخرج من كفالتك احتمل أن يكون توكيلاً في إحضاره كاللفظ الأول واحتمل أن يكون مطالبة بالدين الذي عليه فلا يكون توكيلاً ولا يلزمه الحضور معه (فصل) وإذا قال رجل لآخر أضمن عن فلان أو أكفل بفلان ففعل كان الضمان والكفالة لازمين للمباشر دون الآمر لأنه كفل باختيار نفسه وإنما الأمر إرشاد وحث على فعل خير فلا يلزمه به شئ (فصل) ولو قال أعط فلانا ألفاً ففعل لم يرجع على ألآمر ولم يكن ذلك كفالة ولا ضمانا إلا أن يقول أعط عني وقال أبو حنيفة يرجع عليه إذا كان خليطاً له ولنا أنه لم يقل أعطه عني فلم يلزمه الضمان كما لو لم يكن خليطا ولا يلزم إذا كان له عليه مال فقال أعط فلانا حيث يلزمه لأنه لم يلزمه لا جل هذا القول بل لأن عليه حقا يلزمه أداؤه (فصل) ولو تكفل اثنان بواحد صح وأيهم قضى الدين برئ الآخر لما ذكرنا في الضمان وإن سلم المكفول به نفسه برئ كفيلاه وإن أحضره أحد الكفيلين لم يبرأ الآخر لأن إحدى الوثيقتين انحلت من غير استيفاء فلم ننحل الأخرى كما لو أبرأ أحدهما أو انفك أحد الرهنين من غير قضاء الحق بخلاف ما إذا سلم المكفول به نفسه لأنه أصل لهما فإذا برئ الأصل مما تكفل به عنه برئ كفيلاه لأنهما فرعاه وكل واحد من الكفيلين ليس بفرع للآخر فلم يبرأ يبراءته وكذلك لو أبرأ المكفول به برئ كفيلاه ولو أبرئ أحد الكفيلين وحده لم يبرأ الآخر

مسألة ولو تكفل واحد غريما لأثنين فأبرأه أحدهما أو أحضره عند أحدهما لم يبرأ من الآخر

(مسألة) (ولو تكفل واحد غريمالا ثنين فأبرأه أحدهما أو أحضره عند أحدهما لم يبرأ من الآخر) لأن عقد الواحد مع الاثنين بمنزلة عقدين فقد التزم إحضاره عن كل واحد منهما فإذا أحضره عند أحدهما برئ منه كما لو كان في عقدين وكما لو ضمن دينا لرجلين فوفا أحدهما حقه (فصل) وإذا كانت السفينة في البحر وفيها متاع فخيف غرقها فألقى بعض من فيها متاعه في البحر لتخف لم يرجع به على أحد سواء ألقاه محتسباً بالرجوع أو متبرعاً لأنه أتلف مال نفسه باختياره من غير ضمان، وإن قال له بعضهم ألق متاعك فألقاه فكذلك لأنه لم يكرهه ولا ضمن له فإن قال ألقه وعلي ضمانه فألقاه فعلى القائل الضمان ذكره أبو بكر لأن ضمان ما لم يجب صحيح، وإن قال ألقه وأنا وركبان السفينة ضمناء له ففعل فقال أبو بكر يضمنه القائل وحده إلا أن يتطوع بقيتهم، وقال القاضي إن كان ضمان إشتراك فليس عليه إلا ضمان حصته ولانه لم يضمن الجميع إنما ضمن حصته وأخير عن سائر ركبان السفينة بضمان سائره فلزمه حصته ولم يقبل قوله في حق الباقين وإن كان ضمان إشتراك انفرادبان يقول كل واحد منا ضامن لك متاعك أو قيمته لزم القائل ضمان الجميع وسواء قال هذا والباقون يسمعون فسكتوا أو قالوا لا نفعل أولم يسمعوا لأن سكوتهم لا يلزمهم به حق (فصل) قال منها سألت أحمد عن رجل له على رجل الف درهم فأقام بها كفيلين كل واحد منهما كفيل ضامن فأيهما شاء أخذه بحقه فأحال رب المال عليه رجلاً بحقه فقال يبرأ الكفيلان قال فإن مات الذي أحاله عليه بالحق ولم يترك شيئاً؟ قال لا شئ له ويذهب الألف

باب الشركة

باب الشركة الشركة هي الاجتماع في استحقاق أو تصرف وهي ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب فقوله (سبحانه وتعالى فهم شركاء في الثلث) وقال تعالى (وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض) الآية والخلطاء هم الشركاء، ومن السنة ما روي أن البراء بن عازب وزيد بن أرقم كانا شريكين فاشتريا فضة بنقد ونسيئة فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرهما أن ما كان بنقد فأجيزوه وما كان نسيئة فردوه. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (يقول الله عزوجل انا ثالثا الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه فإذا خان أحدهما صاحبه خرجت من بينهما) رواه أبو داود وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (يد الله على الشريكين ما لم يتخاونا) وأجمع المسلمون على جواز الشركة في الجملة وإنما اختلفوا في أنوع منها نبينهما إن شاء الله تعالى، والشركة نوعان شركة أملاك وشركة عقود وهذا الباب لشركة العقود (مسألة) (وهي على خمسة أضرب أحدها شركة العنان والثاني شركة المضاربة وشركة الوجوه وشركة الأبدان وشركة المفاوضة، ولا يصح شئ منها إلا من جائز التصرف لأنه عقد على التصرف فم يصح من غير جائز التصرف في المال كالبيع (فصل) قال أحمد يشارك اليهودي والنصراني ولكن لا يخلو اليهودي والنصراني بالمال دونه ويكون

هو الذي يليه لأنه يعمل بالربا وبهذا قال الحسن والثوري، وكره الشافعي مشاركتهم مطلقاً لأنه روي عن عبد الله بن عباس أنه قال أكره أن يشارك المسلم اليهودي ولا يعرف له مخالف في الصحابة ولأن مال اليهودي والنصراني ليس بطيب فإنهم يبيعون الخمر ويتعاملون بالربا فكرهت معاملتهم ولنا ما روى الخلال بإسناده عن عطاء قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مشاركة اليهودي والنصراني إلا أن يكون الشراء والبيع بيد المسلم ولأن العلة في كراهة ما خلوا به معاملتهم بالربا وبيع الخمر والخنزير وهذا منتف فيما حضره المسلم أو وليه وقول ابن عباس محمول على هذا فإنه علل بكونهم يربون كذلك رواه الأثرم عن أبي حمزة عن ابن عباس أنه قال لا تشاركن يهودياً ولا نصرانياً ولا مجوسياً لأنهم يربون وإن الربا لا يحل وهو قول واحد من الصحابة لم ينتشر بينهم وهم لا يحتجون به وقولهم أن أموالهم غير طيبة لا يصح فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد عامهم ورهن درعه عند يهودي على شعير أخذه لأهله وأرسل ألى آخر يطلب منه ثوبين الى الميسرة وأضافه يهودي بخبز وإهالة سنخة ولا يأكل النبي صلى الله عليه وسلم ألا الطيب وما باعوه من الخمر والخنزير قبل مشاركة المسلم فثمنه حلال لا عتقادهم حله ولهذا قال عمر رضي الله عنه ولو هم بيعها وخذوا أثمانها فاما ما يشتربه أو يبيعه من الخمر بمال الشركة أو المضاربة فإنه يقع فاسداً وعليه الضمان لأن عقد الوكيل يقع للموكل والمسلم لا يثبت ملكه على الخمر والخنزير فأشبه شراء الميتة والمعاملة بالربا واما خفي أمره ولم يعلم فهو مباح

مسألة ولا تصح إلا بشرطين أحدهما أن يكون رأس المال دراهم أو دنانير

الأصل فأما المجوسي فإن أحمد كره مشاركته ومعاملته لأنه يستحل مالا يستحل هذا قال حنبل قال عمي لا يشاركه ولا يضاربه وهذا والله أعلم على سبيل الا ستحباب لترك معاملته والكراهة لمشاركته فإن فعل صح لأن تصرفه صحيح (فصل) وشركة العنان أن يشترك إثنان بماليهما ليعملا فيه بدنيهما وربحه لهما فينفذ تصرف كل واحد منهما فيهما بحكم الملك في نصيبه والوكالة في نصيب شريكه، وهي جائزة بالإجماع ذكره ابن المنذر وإنما اختلف في بعض شروطها واختلف في علة تسميتها بهذا الإسم فقيل سمتيت بذلك لانهما يتساويان في المال واتصرف كالفارسين إذا سويا بين فريسهما وتساويا في السير فانعنا نيهما يكونان سواء وقال الفراء هي مشتقة من عن الشئ إذا عرض يقال عنت إلي حاجبها إذا عرضت فسميت الشركة بذلك لأن كل واحد منهما عن له أن يشارك صاحبه وقيل هي مشتقة من المعاننة وهي المعارضة يقال عاننت فلانا إذا عارضته بمثل ماله وأفعاله فكل واحد من الشريكين معارض لصاحبه بماله وأفعال وهذا يرجع إلى قول الفراء (مسألة) (ولا تصح إلا بشرطين أحدهما أن يكون رأس المال دراهم أو دنانير) ولا خلاف في أنه يجوز أن يجعل رأس المال دراهم أو دنانير إذا كانت غير مغشوشة لأنهما قيم الأموال وأثمان البياعات والناس يشتركون فيها من لدن النبي صلى الله عليه وسلم الى زمننا هذا من غير نكير (فصل) ولا تصح بالعروض في ظاهر المذهب نص عليه أحمد في رواية أبي طالب وحرب

وحكاه عنه ابن المنذر وكره ذلك يحيى بن أبي كثير وابن سيرين والثوري والشافعي واسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي لأن الشركة إما أن تقع على أعيان العروض أو قيمتها أو أثمانها: لا يجوز وقوعها على أعيانها لأن الشركة تقتضي الرجوع عند المفاضلة برأس المال أو بمثله وهذه لامثل لها فيرجع عليه وقد تزيد قيمة جنس أحدهما دون الآخر فيستوعب بذلك جميع الربح أو جميع المال وقد تنقص قيمتها فيؤدي إلى أن يشاركه في ثمن ملكه الذي ليس بربح، ولا على قيمتها لأن القيمة غير متحققة القدر فيفضي الى النتازع وقد يقوم الشئ بأكثر من قيمته ولأن القيمة قد تزيد في أحدهما قبل بيعه فيشاركه الآخر في العين المملوكة له، ولا يجز وقوعها على أثمانها لأنها معدومة حال العقد ولا يملكانها لأنه إن أراد ثمنها الذي اشتراها به فقد خرج عن ملكه وصار للبائع وإن أراد ثمنها الذي يبيعها به فإنها تصير شركة معلقة على شرط وهو بيع الأعيان وهذا لا يجوز، وفيه رواية أخرى أن الشركة والمضاربة تجوز بالعروض ويجعل رأس المال قيمتها وقت العقد قال أحمد إذا اشتركا في العروض يقسم الربح على ما اشترطا وقال الأثرم سمعت أبا عبد الله يسئل عن المضاربة بالمتاع فقال جائز فظاهر هذا صحة الشركة بها اختاره أبو بكر وأبو الخطاب وهو قول مالك وابن أبي ليلى وبه قال في المضاربة طاوس والا وزاعي وحماد بن أبي سليمان لأن مقصود الشركة جواز تصرفهما في المالين جميعاً وكون ريح المالين بينهما وهو حاصل في العروض كحصوله في الأثمان فيجب أن تصح الشركة والمضاربة بها كالأثمان ويرجع

مسألة وهل تصح بالمغشوش والفلوس؟ على وجهين

كل واحد منهما عند المفاضلة بقيمة ماله عند العقد كما إننا جعلنا نصاب زكاتها قيمتها، وقال الشافعي إن كانت العروض من ذوات الأمثال أشبهت النقود ويرجع عند المفاضلة بمثلها وإن لم تكن من ذوات الأمثال لم يجز وجهاً واحداً لأنه لا يمكن الرجوع بمثلها، ووجه الأول أنه نوع شركة فاستوى فيها ماله مثل من العروض ومالا مثل له كالمضاربة فإنه سلم ان المضاربة لا تجوز بشئ من العروض ولأنها ليست بنقد فلم تصح الشركة بها كالذي لا مثل له (مسألة) (وهل تصح بالمغشوش والفلوس؟ على وجهين) اختلف أصحابنا في الشركة بالمغشوش من الأثمان هل تصح؟ على وجهين (أحدهما) لا تصح سواء قل الغش أو كثر وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة إن كان الغش أقل من النصف جازو ان كثر لم يجز لأن الاعتبار بالغالب في كثير من الأصول ولنا أنها مشغوشة اشبه مالو كان الغش أكثر ولأن قيمتها تزيد وتنقص أشبهت العروض وقولهم الإعتبار بالغالب لا يصح فإن الفضة إذا كانت أقل لم يسقط حكمها في الزكاة وكذلك الذهب اللهم إلا أن يكون الغش قليلاً لمصلحة النقد كيسير الفضة في الدينار كالحبة ونحوها فلا اعتبار به لأنه لا يمكن التحرز منه ولا يؤثر في ربا ولا غيره (والثاني) أن الشركة تصح بناء على صحة الشركة في العروض وقد ذكرنا ذلك، وحكم النقرة في الشركة بها كالحكم في العروض لأن قيمتها تزيد وتنقص أشبهت

مسألة الشرط الثاني أن يشرطا لكل واحد منهما جزءا من الربح مشاعا معلوما كالنصف والثلث والربع

العروض، ولا تصح الشركة بالفولس وبه قال أبو حنيفة والشافعي وابن القاسم صاحب مالك، ويتخرج الجواز إذا كانت نافقة فإن أحمد قال لاارى السلم في الفلوس لأنه يشبه الصرف وهذا قول محمد بن الحسن وابي ثور لأنها ثمن فأشبهت الدراهم والدنانير، وفيه وجه آخر أن الشركة تجوز بها على كل حال وإن لم تكن نافقة بناء على جواز الشركة بالعروض، ووجه الأول أنها تنفق مرة وتكسد أخرى فأشبهت العروض فإذا قلنا بصحة الشركة بها فانها ان كانت نافقة كان رأس المال مثلها وإن كانت كاسدة كانت قيمتها كالعروض (فصل) ولا يجوز أن يكون رأس مال الشركة مجهولا ولا جزافاً لأنه لا بد من الرجوع به عند المفاضلة ولا يمكن مع الجهل به ولا يجوز بمال غائب ولا دين لأنه لا يمكن التصرف فيه في الحال وهو مقصود الشركة. (مسألة) (الشرط الثاني أن يشرطا لكل واحد منهما جزاء من الربح مشاعاً معلوماً كالنصف والثلث والربع) لأنها أحد أنواع الشركة فاشترط علم نصيب كل واحد منهما من الربح كالمضاربة ويكون الربح بينهما على ما شرطاه سواء شرطا لكل واحد منهما على قدر ماله من الربح أو أقل أو أكثر لأن العمل يستحق به الربح بدليل المضاربة وقد يتفاضلان فيه لقوة أحدهما وحذقه فجاز أن يجعل له حظاً

مسألة وإن قالا الربح بيننا فهو بينهما نصفين

من الربح كالمضارب وبهذا قال أبو حنيفة وقال مالك والشافعي من شرط صحتها كون الربح والخسران على قدر المالين لأن الربح في هذه الشركة بيع للمال فلا يجوز تغييره بالشرط كالوضيعة ولنا أن العمل مما يستحق به الربح فجاز أن يتفاضلا في الربح مع وجود العمل منهما كالمضاربين لرجل واحد، وذلك أن أحدهما قد يكون أبصر بالتجارة من الآخر وأقوى على العمل فجاز أن يشرط له زيادة في الربح في مقابلة عمل المضارب، وفارق الوضيعة فإنها لا تتعلق إلا بالمال بدليل المضاربة (مسألة) (وإن قالا الربح بيننا فهو بينهما نصفين) لأن إضافته اليهما إضافة واحدة من غير ترجيح فاقتضى التسوية كقوله هذه الدار بيني وبينك وكذلك في المضاربة إذا قالا الربح بيننا (مسألة) (فإن يذكر الربح لم يصح كالمضاربة) لأنه المقصود من الشركة فلا يجوز الإخلال به فعلى هذا يكون الربح بينهما على قدر المالين (مسألة) (وإن شرطا لأحدهما جزءاً مجهولاً لم يصح) لأن الجهالة تمنع تسليم الواجب ولا الربح هو المقصود في الشركة فلم يصح مع الجهالة كالثمن والاجرة في الإجارة، وإن قال لك مثل ما شرط لفلان وهما يعلمانه صح وإن جهلاه أو أحدهما لم يصح كالثمن في البيع

مسألة وإن شرطا لأحدهما في الشركة والمضاربة دراهم معلومة أو ربح أحد الثوبين لم يصح

(مسألة) وإن شرطا لأحدهما في الشركة والمضاربة دراهم معلومة أو ربح أحد الثوبين لم يصح وجملته أنه متى جعل نصيب أحد الشركاء دراهم معلومة أو جعل مع نصيبه دراهم مثل أن يجعل لنفسه جزءاً وعشرة دراهم بطلت الشركة. قال إبن المنذر أجمع كل من تحفظ عنه من أهل العلم على إبطال القراض إذا جعل أحدهما لنفسه دراهم معلومة، وبه قال مالك وأبو ثور والاوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي، والجواب فيما إذا قال لك نصف الربح إلا عشرة دراهم أو نصف الربح وعشرة دراهم كالجواب فيما إذا شرط دراهم مفردة، وإنما لم يصح لأمرين (أحدهما) أنه إذا شرط دراهم معلومة احتمل أن لا يربح غيرها فيحصل غيرها على جميع الربح واحتمل أن لا يربحها فيأخذ من رأس المال وقد يربح كثيراً فيستضر من شرطت له الدراهم (الثاني) أن حصة العامل ينبغي أن تكون معلومة بالأجزاء لما تعذر كونها معلومة بالقدر فإذا جهلت الأجزاء فسدت كما لو جهل القدر فيما أن يكون معلوماً به ولأن العامل في المضاربة متى شرط لنفسه دراهم معلومة ربما في طلب الربح لعدم فائدته منه وحصول نفعه لغيره بخلاف ما إذا شرط له جزء من الربح. (فصل) وكذلك الحكم إذا شرط لأحدهما ربح أحد الثوبين أو ربح إحدى السفرتين أو ربح تجارته في شهر أوعام بعينه لأنه قد يربح في ذلك المعين دون غيره فيختص أحدحما بالربح وهو مخالف لموضوع الشركة ولا نعلم في هذا خلافاً وإن دفع إليه ألفا مضاربة وقال لك ربح نصفه لم يجز وبهذا قال الشافعي

مسألة وكذلك الحكم في المساقاة والمزارعة قياسا على الشركة

وقال أبو حنيفة وأبو ثور يجوز كما لو قال لك نصف ربحه ولأن ربح هو نصف ربحه، ووجه الأول أنه شرط لأحدهما ربح بعض المال دون بعض فلم يجز كما لو قال لك ربح هذه الخمسمائة ولأنه يمكن أن يفرد نصف المال فيربح فيه دون النصف الآخر بخلاف نصف الربح فإنه لا يؤدي إلى انفراده بربح شئ من المال (مسألة) (وكذلك في المساقاة والمزارعة) قياساً على الشركة (مسألة) (ولا يشترط أن يخطا المالين ولا أن يكونا من جنس واحد) لا يشترط اختلاط المالين في شركة العنان إذا عيناهما أو أحضراهما وبه قال أبو حنيفة ومالك إلا أن مالكا شرط أن تكون أيدهما عليه بأن يجعلاه في حانوت لهما أفي يدو كيلهما وقال الشافعي لا يصح حتى يخلطا المالين لأنهما إذا لم يخلطا هما فمال كل واحد منهما يتلف منه دون صاحبه ويزيد له دون صاحبه فلم تنعقد الشركة كما لو كان من المكيل ولنا أنه عقد يقصد به الربح فلم يشترط فيه خلط المال كالمضاربة ولأنه عقد على التصرف فلم يشترط فيه خلط المال كالوكالة ولنا على مالك فلم يكن من شزطه أن تكون أيديهما عليه كالوكالة وقولهم إنه يتلف من مال صاحبه أو يزيد على ملك صاحبه بل يتلف من مال لهما وزيادته لهما لأن الشركة اقتضت ثبوت الملك لكل واحد منهكا في نصف مال صاحبه فيكون تلفه منهما وزيادته لهما، وقال أبو حنيفة متى تلف أحد المالين فهو من ضمان صاحبه

ولنا أن الوضيعة والضمان احد موجببي الشركة فتعلق بالشريكين كالربح وكما لو اختلطا (فصل) ولا يشترط لصحتها اتفاق المالين في الجنس بل يجوز أن يخرج أحدهما دراهم والآخر دنانير نص عليه أحمد وبه قال الحسن وابن سيرين، وقال الشافعي لا تصح الشركة إلا أن يتفقا في مال واحد بناء على أن خلط المالين شرط ولا يمكن إلا في المل الواحد ونحن لا تشترط ذلك ولنا أنهما من جنس الأثمان فصحت الشركة فيهما كالجنس الواحد، فعلى هذا متى تفاضلا رجع هذا بدنانيره وهذا بدراهمه ثم اقتسما الفضل نص عليه أحمد وقال كذا يقول محمد والحسن، وقال القاضي متى أراد المفاضلة قوما المبتاع بنقد البلد وقوما مال الآخر به ويكون التقويم حين صرفا الثمن فيه ولنا أن هذه شركة صحيحة رأس المال فيما الأثمان فيكون الرجوع بجنس رأس المال كما لو كان الجنس واحدا. (فصل) ولا يشترط تساوي المالين في القدر وهو قول الحسن والشعبي والنخعي والشافعي واسحاق وأصحاب الرأي وقال بعض أصحاب الشافعي يشترط ذلك لأن صاحب المال القليل إن أخذ نصف الربح أخذ مالا يملكه وإن أخذ بقدر ماله أخذ شريكه بعض الربح الحاصل بعمله لاستوائهما في العمل ولنا أنهما مالان من جنس الأثمان فجاز عقد الشركة عليهما كمما لو تساويا (مسألة) (وما يشتريه كل واحد منهما بعد عقد الشركة فهو بينهما)

مسألة وما يشتريه كل واحد منهما بعد عقد الشركة فهو بينهما

شركة العنان مبنية علنى الوكالة والأمانة لأن كل واحد منهما بدفع المال إلى صاحبه أمنه وبإذنه له في التصرف وكله ومن شرط صحتها أن يأذن كل واحد منهما لصاحبه في التصرف فعلى هذا ما يشتريه كل واحد منهما بعد عقد الشركة فهو بينهما لأن العقد وقع على ذلك فإما ما يشتريه لنفسه فهو له والقول قوله في ذلك لأنه أعلم بنيته (مسألة) (وإن تلف أحد المالين فهو من ضمانهما إذا خلطا المال وإن لم يخلط فكذلك) لأن العقد اقتضى أن يكون المالان كالمال الواحد فكذك في الضمان كحال الخلطة وقال أبو حنيفة متى تلف أحد المالين فهو من ضمان صاحبه وقد ذكرنا ما يدل على خلافه (مسألة) (والوضيعة على قدر المال) الوضعية هي الخسران في الشركة على كل واحد منهما بقدر ماله فإن كان متساوياً في القدر فالخسران بينهما نصفين وإن كان أثلاثاً، فالوضيعة أثلاثاً قال شيخنا لا نعلم في ذلك خلافاً وبه يقول أبو حنيفة والشافعي وغيرهما، وفي شركة الوجوه تكون الوضيعة على قدر ملكيهما في الشمترى سواء كان الربح بينهما كذلك أو لم يكن وسواء كانت الوضيعة لتلف أو نقصان في الثمن عما اشتريا به أو غير ذلك، والوضيعة في المضاربة على المال خاصة لا شئ على العامل منها لأن الوضيعة عبارة عن نقصان رأس المال وهو

مختص بملك ربه لا شئ فيه للعامل فيكون نقصه من ماله دون غيره وانما يشتركان فيما يحصل من النماء فأشبه المساقاة والمزارعة فإن رب الأرض والشجر يشارك العامل فيما يحدث من الزرع والثمر وإن تلف الشجر أو هلك شئ من الأرض بغرق أو غيره لم يكن على العامل شئ (فصل) قال الشيخ رضي الله عنه (يجوز لكل واحد منما أن يبيع ويشتري ويقبض ويقبض ويطالب بالدين ويخاصم فيه ويحيل ويحتال ويرد بالعيب ويقر به ويفعل كل ما هو من مصلحة تجارتهما) يجوز لكل واحد من الشريكين أن يبيع ويشتري مساومة ومرابحة وتولية ومواضعة كيف رأى المصلحة لأن هذه عادة التجار، وله أن يقبض المبيع والثمن ويقبضهما ويخاصم في الدين ويطالب به ويحيل ويحتال ويرد بالعيب فيما وليه أو وليه صاحبه، وله أن يقر به كما يقبل إقرار الوكيل بالعيب على موكله نص عليه أحمد وكذلك ان بالثمن أو بعضه أو أجرة المنادي أو الحمال لأن هذا من توابع التجارة فهو كتسليم المبيع وأداء ثمنه، ويفعل كل ما هو من صملحة التجارة بمطلق الشركة لأن مبناها على الوكالة والأمانة على ما ذكرنا، فيتصرف كل واحد منهما في المالين بحكم الملك في نصيبه والوكالة في نصيب شريكه، في الإقالة وجهان أصحهما أنه لا يملكها لأنها إن كانت بيعاً فقد أذن له فيه وإن كانت فسخاً ففسخ البيع المضر من مصلحة التجارة فملكه كالرد بالعيب والآخر لا يملكها لأنها فسخ فلا يدخل في الإذن في التجارة وله أن يستأجر من مال الشركة ويؤجر لأن المنافع أجريت مجرى الأعيان فصار كالشراء والبيع وله المطالبة بالأجر لهما وعليهما لأن حقوق العقد لا تختص العاقد

مسألة وهل له أن يودع أو يبيع نساء او يبضع أو يوكل فيما يتولى مثله بنفسه أو يرهن أو يرتهن على وجهين

(فصل) فإن ردت السلعة عليه بعيب فله أن يقبلها وأن يعطي أرش العيب أو يحط من ثمنه أو يؤخر ثمنه لا جل العيب لأن ذلك قد يكون أحظ من الرد (مسألة) (وليس له أن يكانب الرقيق ولا يزوجه ولا يعتقه على مال ولا غيره لأن الشركة انعقدت على التجارة وليست هذه الأشياء تجارة سيما تزويج العبد فإنه محض ضرر ولا يهب ولا يقرض ولا يحابى لأن ذلك ليس بتجارة (مسألة) (ولا يضارب بالمال ولا يأخذ به سفتجة ولا يعطيها إلا بإذن شريكه) ليس له أن يشارك بمال الشركة ولا يدفعه مضاربة لأن ذلك يثبت في المال حقوقاً ويستحق ربحه لغيره وليس له أن يخلط مال الشركة بماله ولا مال غيره لأنه يتضمن إيجاب حقوق في المال وليس هو من التجارة المأذون فيها، وليس له أن يأخذ بالمال سفتجة ولا يعطيها لأن فيه خطراً فإن أذن شريكه في ذلك جاز لأنه يصير من التجارة المأذون فيها، ومعنى قوله يأخذ به سفتجة أنه يدفع إلى إنسان شيئاً من مال الشركة ويأخذ منه كتاباً الى بلد آخر ليستوفي منه ذلك المال، ومعنى قوله يعطيها أنه يأخذ من إنسان بضاعة ويعطيه بثمن ذلك كتاباً الى بلد آخر ليستوفي ذلك منه فلا يجوز لأن فيه خطراً على المال (مسألة) (وهل له أن يودع أو يبيع نساء او يبضع أو يوكل فيما يتولى مثله بنفسه أو يرهن أو يرتهن؟ على وجهين)

اختلفت الرواية في الإيداع والإبضاع على روايتين (إحداهما) له ذلك لأنه عادة التجارو قد تدعوا الحاجة إلى الإيداع (والثانية) لا يجوز لأنه ليس من الشركة وفيه غرر، والصحيح أن الإيداع يجوز عند الحاجة إليه لأنه من ضرورة الشركة أشبه دفع المتاع الى الحمال، وهل له أن يبيع نساء؟ يخرج على الروايتين في الوكيل والمضارب (إحداهما) له ذلك لأنه عادة النجار والربح فيه أكثر (والأخرى) لا يجوز لأن فيه تغريراً بالمال، فإن اشترى شيئاً بنقد عنده مثله أو نقدمن غير جنسه أو اشترى شيئاً من ذوات الأمثال وعنده مثله جاز لأنه إذا اشترى بجنس ما اشترى به أو كان عنده عرض فاستدان عرض فالشراء له خاصة وربحه له وضمانه عليه لأنه استدانه على مال الشركة وليس له ذلك لما نذكره، قال شييخنا والأولى أنه متى كان عنده من مال الشركة ما يمكنه أداء الثمن منه ببيعه أنه يجوز لأنه أمكنه إداء الثمن من مال الشركة أشبه ما لو كان عنده نقد ولأن هذا عادة التجار ولا يكمن التحرز عنه وهل له أن يوكل فيما يتولى مثله بنفسه؟ على وجهين بناء على الوكيل وقيل يجوز للشريك التوكيل بخلاف الوكيل لأنه لو جاز للوكيل التوكيل لاستفاد بحكم العقد مثل العقد والشريك يستفيد بعقد الشركة ما هو أخص منه ودونه لا التوكيل أخص من عقد الشركة فإن وكل أحدهما ملك الآخر عزله لأن لكل واحد منهما التصرف في حق صاحبه التوكيل فكذلك بالعزل، وهل لأحدهما أن يرهن أو يرتهن بالدين الذي لهم؟ على وجهين أصحهما أن له ذلك عند الحاجة لأن الرهن يراد للإيفاء والإرتهان يراد

مسألة ولس له أن يستدين على مال الشركة فإن فعل فهو عليه وربحه له إلا أن يأذن شريكه

للإستيفاء وهو يملك الإيفاء والإستيفاء فملك ما يراد لهما، والثاني ليس له ذلك لأن فيه خطراً ولا فرق بين أن يكون ممن ولي العقد أو من غيره لكون القبض من حقوق العقد وحقوق العقد لا تختص العاقد فكذلك ما يراد له وهل له السفر؟ فيه وجهان نذكرهما في المضاربة (فصل) فإن قال له اعمل برأيك جاز له أن يعمل كل ما نفع في التجارة من الابضاع والمضاربة بالمال والمشاركة به وخلطه بماله والسفر به والإيداع والبيع نساء والرهن والإرتهان والإقالة ونحو ذلك لأنه فوض اليه الرأي في التصرف الذي تقتضيه الشركة فجاز له كل ما هو من التجارة، فأما التمليك بغير عوض كالبهة والحطيطة لغير فائدة والقر والعتق ومكاتبة الرقيق وتزويجهم ونحوه فليس له فعله لأنه إنما فوض اليه العمل برأيه في التجارة وليس هذا منها (مسألة) (وليس له أن يستدين على مال الشركة فإن فعل فهو عليه وربحه له، إلا أن بأذن شريكه) إذا استدان على مال الشركة لم يجز له ذلك فإن فعل فهو له له ربحه وعليه وضيعته، قال أحمد في رواية صالح من استدان في المال بوجهه ألفاً فهو له ربحه له والوضيعة عليه، وقال القاضي إذا استقرض شيئاً لزمهما وربحه لهما لأنه تمليك مال بمال أشبه الصرف ومنصوص أحمد يخالف هذا لأنه أدخل في الشركة أكثر مما رضي الشريك بالمشاركة فيه فلم يجز كما لو ضم اليها ألفاً من ماله، ويفارق الصرف فإنه بيع وإبدال عين بعين فهو كبيع الثياب بالدراهم فإن أذن شريكه في ذلك جاز كيقية أفعال التجارة المأذون فيها

مسألة وإن أخر حقه من الدين جاز

(مسألة) (وإن أخر حقه من الدين جاز) إذا كان لهما دين حال فأخر أحدهما حصته من الدين جاز وبه قال أبو يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة لا يجوز ولنا أنه اسقط حقه من المطالبة فصح أن ينفرد أحدهما به كالإبراء (مسألة) (وإن تقاسما الدين في الذمة لم يصح) نص عليه في رواية حنبل لأن الذمة لا تتكافأ ولا تتعاد ل والقسمة تقتضي التعد يل فأما القسمة بغير تعديل فهي بمنزلة البيع ولايجوز بيع الدين بالدين، فعلى بالدين، فعلى هذا لو تقاسما ثم توى بعض المال رجع الذي توى ماله على الذي لم يتوو به قال ابن سيرين والنخعي ونقل حرب جواز ذلك لأن الاختلاف لا يمنع القسمة كاختلاف الأعيان وبه قال الحسن واسحاق، فعلى هذا لا يرجع من توى ماله على من لم يتو إذا أبرأ كل واحد منهما صاحبه وهذا إذا كان في ذمم فاما في ذمة واحدة فلا تمكن القسمة لأن القسمة إفراز حق ولا يتصور ذلك في ذمة وحده (مسألة) (وإن أبرأ من الدين لزم في حقه دون صاحبه) لأنه تبرع فلزم في حقه دون صاحبه كالصدقة (مسألة) (وكذلك إن أقر بمال سواء أقر بعين أو دين) لأن شريكه إنما أذن في التجارة وليس الإقرار داخلا فيها، وقال القاضي يقبل إقراره على مال الشركة لأن للشريك أن يشتري من غير أن يسلم الثمن في المجلس فلو لم يقبل إقراره بالثمن لضاعت أموال الناس وامتنعوا من معاملته ولأن ذلك مما يحتاج إليه في البيع اشبه الإقرار بالعيب

مسألة وعلى كل واحد مهما أن يتولى ما جرت العادة أن يتولاه من نشر الثوب وطيه وختم الكيس وإحرازه

(مسألة) (وعلى كل واحد منهما أن يتولى ما جرت العادة أن يتولاه من نشر الثوب وطيه وختم الكيس وإحرازه) لأن إطلاق الإذن يحمل على العرف، والعرف إن هذه الإمور يتولاها بنفسه (فن استأجر من يفعل ذلك فالإجرة عليه) في ماله لأنه بذلها عوضاً عما يلزمه (وما جرت العادة أن يستنيب فيه) كحمل المتاع ووزن ما ينقل والنداء (فله أن يستأجر من يفعله) من مال القراض لأنه العرف (مسألة) (فإن فعله ليأخذ أحرته فهل له ذلك؟ على وجهين) أحدهما لا يستحقها نص عليه لأنه تبرع بما لم يلزمه فلم يكن له أجر كالمرأة التي تستحق على زوجها خادماً إذا خدمت نفسها وفيه وجه آخر أن له الإجرة لأنه فعل ما يستحق الإجرة فيه فاستحقها كالأجنبي (فصل) قال المصنف رضي الله عنه (والشروط في الشركة ضربان صحيح مثل أن يشترط أن لا يتجر الافي نوع من المتاع أو بلد بعينه أو لا يبيع إلا بنقد معلوم أو لا يسافر بامال أو لا يبيع إلا من فلان أو لا يشتري إلا من فلان) فهذا كله صحيح سواء كان النوع مما يعم وجوده أو لا يعم أو الرجل مما يكثر عنده المتاع أو يقل وبهذا قال أبو حنيفة، وقال مالك والشافعي إذا شرط أن لا يشتري إلا من رجل بعينه أو سلعة بعينها أو مالا يعم وجوده كالياقوت الأحمر والخيل البلق لم يصح لأنه يفوت مقصود الشركة والمضاربة وهو التقلب وطلب الربح فلم يصح كما لو شرط أن لا يبيع ويشتري إلا من فلان أو أن لا يبيع إلا بمثل ما اشترى به

مسألة وفاسد مثل أن يشترط ما يعود بجهالة الربح أو ضمان المال أو أن عليه من الوضيعة أكثر من قدر ماله

ولنا أنها شركة خاصة لا تمنع الربح بالكلية نصحت كما لو شرط أن لا يتجر الافي نوع يعم وجوده ولانه عقد ثصح تخصيصه بنوع فصح تخصيصه في رجل بعينه وسلعة بعينها كالوكالة، قولهم إنه يمنع المقصود ممنوع وإنما يقلله وتقليله لا يمنع الصحة كتخصيصه بالنوع، ويفارق ما إذا شرط أن لا يبيع إلا برأس المال فإنه يمنع الربح بالكلية وكذلك إذا قال لا تبع إلا من فلان ولا تشتر إلا منه فإنه يمنع الربح أيضاً فإنه لا يشتري ما باعه إلا بدون ثمنه الذي باعه به ولهذا لو قال لا تبع إلا من اشتريت منه لم يصح لذلك (مسألة) (وفساد مثل أن يشترط ما يعود بجهالة الربح أو ضمان المال أو أن عليه من الوضيعة أكثر من قدر ماله أو أن يوليه ما يختار من السلع ويرتفق بها أو أن لا يفسخ الشركة مدة بعبنها، فما يعود بجهالة الربح يفسد به العقد وبخرج في سائرها روايتان) الشروط الفاسدة في الشركة والمضاربة تنقسم ثلاثة أقسام: (أحدها ما ينافي مقتضى العقد مثل أن يشترط لزوم المضاربة أو أن لا يعز له مدة بيعنها أو أن لا يبيع إلا برأس المال أو أقل أو لا يبيع إلا ممن اشترى منه أو شرط أن لا يتشري أو لا يبيع أو أن يوليه

ما يختار من السلع أو نحو ذلك فهذه شروط فاسدة لأنها تفوت المقصود من المضاربة وهو الربح أو تمنع الفسخ الجائز بحكم الأصل. (القسم الثاني) ما يعود بجهالة الربح مثل ان شرط للمضارب جزءاً من الربح مجهولاً او ربح أخد الكيسين أو أحد الألفين أو أحد العبدين أو أحد السفرتين أو ما يريج في هذا الشهر أو إن حق أحدهما في عبد يشتريه أو يشرط لأحدهما دراهم معلومة بجميع حقه أو ببعضه فهذه شروط فاسدة لأنها تفضي إلى جهل حق كل واحد منهما من الربح أو إلى فواته بالكلية ومن شرط المضاربة والشركة كون الربح معلوماً. (القسم الثالث) اشتراط ما ليس من مصلحة العقد ولا مقتضاه مثل أن يشترط على المضارب المضاربة له في مال آخر أو يأخذه بضاعة أو قرضنا أو أن يخدمه في شئ بعينه أو يرتفق ببعض السلع مثل أن يلبس الثوب او يستخدم العبد أو يشرط على المضارب ضمان المال أو سهما من الوضيعة أو أنه متى باع السلعة فهو أحق بها بالثمن أو شرط المضارب على رب المال شيئاً من ذلك، فهذه كلها شروط فاسدة وقد ذكرنا بعضها في غير هذا الموضع معللا، ومتى اشترط شرطاً فاسداً يعود بجهالة الربح فسدت المضاربة والشركة لأن الفساد لمعنى في العوض المعقود عليه فأسد العقد كما لو جعل رأس المال خمراً أو خنزيراً ولان لجهالة تمنع من التسليم فيفضي إلى التنازع والاختلاف ولا يعلم ما يدفعه إلى المضارب، وما عدا هذا من الشروط الفاسدة فالمنصوص عن أحمد في أظهر الروايتين عته أن العقد صحيح ذكره عنه الأثرم وغيره ولأنه

مسألة: وإذا فسد العقد قسم الربح على قدر المالين

عقد يصح على مجهول فل تبطله الشروط الفاسدة كالنكاح والعتاق، وفيه رواية أخرى أن العقد يبطل ذكرها القاضي وابو الخطاب لأنه شرط فاسد فأبطل العقد كالمزارعة إذا شرط البذر من العامل وكالشروط الفاسدة في البيع، ودليل فساد هذه الشروط أنها ليست من مصلحة العقد ولا يقتضيها العقد فإن مقصوده الربح فكيف يقتضي الضمان ولا يقتضي مدة معينة؟ لأنه جائز (مسألة) (وإذا فسد العقد قسم الربح على قدر المالين) لأن التصرف صحيح لكونه بإذن رب المال والوضيعة عليه لأن كل عقد لا ضمان في صحيحه لا ضمان في فاسدة ويقسم الربح على قدر المالين لأنه نماء المال ويرجع كل واحد منهما على الآخر بأجرة عمله يسقط منها أجرة عمله في ماله ويرجع على الآخر بقدر ما بقي له فإن تساويا مالاهما وعملهما فقاص الدينان واقتسما الربح نصفين وإن فضل أحدهما صاحبه يقاص دين القليل بمثله ويرجع على الآخر بالفضل والوجه الثاني ذكر الشريف أبو جعفر انهما يقتسان الربح على ما شرطاه لأنه عقد يجوز أن يكون عوضه مجهولا فوجب المسمى في فاسده كالنكاح (فصل) والشركة من العقود الجائزة تبطل بموت أحد الشريكين وجنونه والحجر عليه للسفه بالفسخ من أحدهما لأنه عقد جائز فبطل بذلك كالوكالة وإن عزل أحدهما صاحبه انعزل المعزول فلم يكن له أن يتصرف إلا في قدر نصيبه، وللعازل التصرف في الجميع لأن المعزول لم يرجع عن إذنه

هذا إذا نض المال وان كان عرضاً فذكر القاضي أن ظاهر كلام أحمد انه لا ينعزل بالعزل وله التصردف حتى ينض المال كالمضارب إذا عزله رب المال، وينبغي أن يكون له التصرف بالبيع دون المعاوضة بسلعة أخرى أو التصرف بغير ما ينض به المال، وذكر أبو الخطاب أنه ينعزل مطلقاً وهو مذهب الشافعي قياساً على الوكالة، فعلى هذا إن اتفقا على البيع او القسمة فعلا وإن طلب أحدهما القسمة والآخر البيع قسم ولم يبع، فان قيل أليس إذا فسخ رب المال المضاربة فطلب العامل البيع أجيب إليه؟ فالجواب أن حق العامل في الربح ولا يظهر إلا بالبيع فاستحقه العامل لو قوف حصول حقه عليه، وفي مسئلتنا ما يحصل من الربح يستدركه كل واحد منهما في نصيبه من المتاع فلم يجبر عى البيع، قال شيخنا وهذا إنما يصح إذا كان الربح على قدر المالين أما إذا زاد ربح أحدهما عن ماله فإنه لا يستدرك ربحه بالقسمة فيتعين البيع كالمضاربة. (فصل) إذا مات أحد الشريكين وله وارث رشيد فله أن يقيم على الشركة ويأذن له الشريك في التصرف لأن هذا إتمام للشركة وليس بابتدائها فلا يتعتبر شروطها، وله المطالبة بالقسمة فإن كان مولياً عليه قام وليه مقامه في ذلك إلا أنه لا يفعل إلا ما فيه المصلحة للمولي عليه، فإن كان الميت قد وصى بمال الشركة أو ببعضه لمعين فالموصى له كالوارث فيما ذكرنا وإن وصى به لغير معين كالفقراء لم يجز للوصي الإذن في التصرف لأنه قد وجب دفعه اليهم فيعزل نصيبه ويفرقه عليهم فإن كان على الميت دين تعلق بتركته فليس للوارث امضاء الشركة حتى يقضي دينه فإن قضاه من غير مال الشركة فله الإتمام وإن قضاه منه بطلت الشركة في قدر ما قضى.

(فصل) قال رضي الله عنه (الثاني المضاربة وهي أن يدفع ماله إلى آخر يتجر فيه والربح بينهما) فأهل العراق يسمونه مضاربة مأخوذة من الضرب في الأرض وهو السفر فيها للتجارة قال الله تعالى (وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله) ويحتمل أن يكون من ضرب كل واحد منهما بسهم في الربح ويسميه أهل الحجاز القراض، قيل هو مشتق من الفطع يفال قرض الفأر الثوب إذا قطعه فكأن صاحب المال اقتطع من ماله قطعه وسلمها الى العامل وإقتطع له قطعة من الربح، وقيل اشتقاقه من الساواة والموازنة يقال تقارض الشاعران إذا وازن كل واحد منهما الآخر بشعره وههنا من العامل العمل ومن الآخر المال فتوازنا، وينعقد بلفظ المضاربة والقراض وبكل ما يؤدي معناهما لأن القصد المعني فجاز بكل ما دل عليه كالوكالة وهي مجمع على جوازها في الجملة. وذكره ابن المنذر روي وعن حميد بن عبد الله عن أبيه عن جده أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أعطاه مال يتيم مضاربة يعمل به في العراق، وروى مالك عن زيد بن أسلم عن أببه أن عبد الله وعبيد الله ابي عمر بن الخطاب خرجا في حيش الى العراق فتسلفا من أبي موسى مالا وابتاعا به متاعاً وقد ما به الى المدينة فباعاه وربحا فيه فأراد عمر أخذ رأس المال والربح كله فقالا لو تلف كان ضامنه علينا فلم يكون ربحه لنا؟ فقال رجل يا أمير المؤمنين لو جعلته قراضاً؟ قال قد جعلته وأخذ منهما نصف الربح، وهذا يدل على جواز القراض وعن مالك عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن جده أن عثمان قارضه وعن قتادة

مسألة فإن قال: خذه فاتجر به والربح كله لي فهو إبضاع

عن الحسن ان عليا قال إذا خالف المضارب فلا ضمان هما على ما شرطا وعن ابن مسعود وحكيم بن حزام أنهما قارضا ولم يعرف لهم في الصحابة مخالف فكان أجماعاً ولأن بالناس حاجة إلى المضاربة فإن الدراهم الدنانير لا تنمي إلا بالتقليب والتجارة وليس كل من يملكها يحسن التجارة ولا كل من يحسن التجارة له مال فاحتيج اليها من الجانبين فشرعت لدفع الحاجتين (فصل) ومن شرط صحتها تقدير نصيب العامل لأنه يستحقه بالشرط فلم يقدر إلا به، فلو قال خذ هذا المال مضاربة ولم يذكر سهم العامل فالربح كله لرب المال والوضيعة عليه وللعامل أجر مثله نص عليه أحمد وهو قول الثوري والشافعي واسحاق وأبي ثور وأصحاب الرأي، وقال الحسن وابن سيرين والاوزاعي الربح بينهما نصفين كما لو قال والربح بيننا فإنه يكون بينهما نصفين كذا هذا، ولنا أن المضارب إنما يستحق بالشرط ولم يوجد وقوله مضاربة اقتضى أن له جزءاً من الرب مجهولاً فلم تصح المضاربة كما لو قال ولك جزء من الربح، فأما إذا قال الربح بيننا فإن المضاربة تصح وتكون بينهما نصفين لأنه أضافه اليهما إضافة واحدة فلم يترجح أحدهما على الآخر فاقتضى التسوية كما لو قال هذه الدار بيني وبينك (مسألة) (فإن قال خذه فاتجر به والربح كله لي فهو إبضاع) لأنه قرن به حكم الإبضاع فانصرف إليه (مسألة) (وإن قال والربح كله لك فهو قرض) لاقراض لأن قوله خذه فاتجر به يصلح لهما

مسألة ولو قال: لك ثلث الربح صح والباقي لرب المال

وقد قرن به حكم القرض فانصرف إليه وإن قال مع ذلك فلا ضمان عليك فهو قرض شرط فيه نفي الضمان فلا ينتفي شرطه كما لو صرح به فقال خذ هذا قرضاً ولا ضمان عليك (مسألة) (وإن قال خذه مضاربة والربح كله لك أولي لم يصح) وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة إذا قال والربح كله لي كان إبضاعاً صحيحاً لأنه أثبت له حكم الإبضاع فانصرف إليه كما لو قال اتجر به الربح كله لي، وقال مالك يكون مضاربة صحيحة في الصورتين لأنهما دخلا في القراض فإذا شرطه لا حدهما فكأنه وهب الآخر نصيبه فلم يمنع صحة العقد ولنا أن المضاربة تقتضي كون الربح بينهما فإذا شرط اختصاص أحدهما الربح فقد شرط ما ينافي مقتضى العقد ففسد كما لو شرط الربح كله في شركة العنان لأحدهما، ويفارق ما إذا لم يقل مضاربة لأن اللفظ يصلح لما أثبت حكمه من الإبضاع والقرض بخلاف ما إذا صرح بالمضاربة وما ذكره مالك لا يصح لأن الهبة لا تصح قبل وجود الموهوب (مسألة) (ولو قال لك ثلث الربح صح والباقي لرب المال) إذا قدر نصيب العامل فقال لك ثلث الربح أو ربعه أو جزء معلوم صح والباقي لرب المال لأنه يستحق الربح بماله لكونه نماؤه وفرعه والعامل يأخذ بالشرط فما له استحقه وما بقي فلرب المال بحكم الأصل (مسألة) (وإن قال ولي ثلث الربح ولم يذكر نصيب العامل ففيه وجهان)

مسألة وإن اختلفا في الجزء المشروط فهو للعامل قليلا كان أو كثيرا

أحدهما لا يصح لأن العامل إنما يستحق بالشرط ولم يشرط له شئ فتكون المضاربة (فاسدة) والثاني يصح ويكون الباقي للعامل وهو قول أبي ثور وأصحاب الرأي لأن الربح لا يستحقه غيرهما فإذا قدر نصيب أحدهما منه فالباقي للآخر بمفهوم اللفظ كما علم ذلك من قوله تعالى (وورثه أبواه فلأمه الثلث) ولم يذكر نصيب الأب فعلم أن الباقي له لأنه لو قال أوصيت بهذه المائة لزيد وعمرو ونصيب زيد منها ثلاثون كان الباقي لعمر وكذا ههنا وهي أصح (فصل) فإن قال لي النصف ولك الثلث وسكت عن الباقي صح وكان لرب المال لأنه لو سكت عن جميع الباقي بعد جزء العامل كان لرب المال فكذا إذا ذكر البعض وترك البعض، وإن قال خذه مضاربة عليالثلث أو قال بالثلث صح وكان تقدير النصيب للعامل لأن الشرط يراد لأجله لأن رب المال يستحق بماله لا بالشرط والعامل يستحق بالعمل وهو يقل ويكثر وإنما تتقدر حصته بالشرط فكان الشرط له وهو مذهب الشافعي (مسألة) (وإن اختلفا في الجزء المشروط فهو للعامل قليلاً كان أو كثيراً) لما ذكرنا واليمين على مدعيه لأنه يحتمل خلاف ما قاله فيجب اليمين لنفي الإحتمال كما يجب على النمكر لنفي ما يدعيه المدعي (فصل) وإن قال خذه مضاربة ولك ثلث الربح وثلث ما بقي صح وله خمسة أسباع الربح لأن

هذا معناه وإن قال لك ثلث الربح وربع وما بقي فله النصف وإن قال لك ربع الربح وربع ما بقي فله ثلاثة أثمان ونصف ثمن، وسواء عرفا الحساب أو جهلاه لان ذلك أجزاء معلومة مقدرة أشبه مالو شرط الخمسين ومذهب الشافعي في هذا الفعل كمذهبنا (فصل) ويجوز أن يدفع مالا إلى إثنين مضاربة في عقد واحد فإن شرط لهما جزءاً من الربح بينهما نصفين صح وإن قال لك كذا وكذا من الربح ولم يبين كيف هو بينهما فهو بينهما نصفان لأن إطلاق قوله لكما يقتضي التسوية كما لو قال لعامله الربح بيننا، وإن شرط لأحدهما ثلث الربح وللآخر ربعه والباقي له جاز وبه قال أبو حنيفة والشافعي وقال مالك لا يجوز لأنهما في العمل بأبدانهما فلم يجز تفاضلهما في الربح كشريكي الإبدان ولنا أن عقد الواحد مع الاثنين عقدان فجاز أن يشترط في أحدهما أكثر من الآخر كما لو انفردا ولأنهما يستحقان بالعمل وهما يتفاضلان فجاز تفاضلهما في العوض كالأجيرين، وشركة الا بدان كمسئلتنا لا يجب التساوي فيها ثم الفرق بينهما أن ذاك عقد واحد وهذا عقدان (فصل) وإن قارض إثنان واحداً بألف لهما جاز فإن شرطا له ربحاً متساوياً منها جازوكذلك ان بشرط أحدهما له النصف والآخر الثلث ويكون باقي ربح مال كل واحد منهما له، وإن شرطا كون الباقي من الربح بينهما نصفين لم يجز وهذا مذهب الشافعي وكلام القاضي يقتضي جوازه وحكي عن أبي حنيفة وأبى ثور

ولنا أن أحدهما يحصل له من ربح ماله النصف والآخر الثلثان فإذا شرط التساوي فقد شرط أحدهما للآخر جزءاً من ربح ماله بغير عمل فلم يجز كما لو شرط ربح ماله المنفرد (فصل) إذا شرطا جزءاً من الربح لغير العامل نظرت فإن شرطاه لعبد أحدهما أو لعبد يهما صح وكان مشروطاً لسيده فإذا جعالا الربح بينهما وبين عبد أحدهما إثلاثاً كان لصاحب العبد الثالثان وللآخر الثلث وإن شرطاه لاجبني أو لولد أحدهما أو امرأنه أو قريبه وشرطا عليه عملا مع العامل صح وكانا عاملين وإن لم يشرطا عليه عملاً لم تصح المضاربة وبه قال الشافعي، وحكي عن أصحاب الرأي أنه يصح، والجزء المشروط له لرب المال سواء شرط لقريب العامل أو قريب رب المال أو لأجنبي لأن العامل لا يستحق إلا ما يشترط له ورب المال يستحق الربح بحكم الأصل والأجنبي لا يستحق شيئاً لأن الربح إنما يستحق بمال أو عمل وليس له واحد منهما وما شرط لا يستحقه فرجع الى رب المال كما لو ترك ذكره ولنا أنه شرط فاسد يعود إلى الربح فسد به العقد كما لو شرط دارهم معلومة وإن قال لك الثلثان على أن تعطي امرأتك نصفه فكذلك لأنه شرط في الربح شرطاً لا يلزم فكان فاسدا والحكم في الشركة كالحكم في المضاربة فيما ذكرنا

مسألة وإذا فسدت فالربح لرب المال وللعامل الإجرة وعنه له الأقل من الإجرة أو ما شرط له من الربح

(فصل) وحكم المضاربة حكم الشركة فيما للعامل أن يفعله أو لا يعله وفيما يلزمه فعله وفي الشروط كلما جاز للشريك عمله جاز للمضارب وما منع منه المضارب وما اختلف فيه ثم فههنا مثله، وما جاز أن يكون رأس مال الشركة جاز أن يكون رأس مال المضاربة مالا يجوز ثم لا يجوز ههنا على ما فصلناه لأنها في معناها (مسألة) (وإذا فسدت فالربح لرب المال وللعامل الإجرة وعنه له الأقل من الإجرة أو ما شرط له من الربح) الكلام في المضاربة الفاسدة في فصول ثلاثة (أحدها) أنه إذا تصرف العامل نفذ تصرفه لانه إذ فيه رب المال فإذا بطل عقد المضاربة بقي الإذن فملك به التصرف كالوكيل، فإن قيل فلو اشترى الرجل شراء فاسداً ثم تصرف فيه لم ينفذ مع أن البائع قد أذن له في التصرف؟ قلنا لأن المشتري يتصرف من جهة الملك لا بالإذن فإن أذن البائع كان على أنه ملك المأذون له فإذا لم يملك لم يصح وههنا أذن له رب المال في التصرف في ملك نفسه وما شرط من الشرط الفاسد فليس بمشروط في مقابلة الإذن لأنه أذن له في تصرف ما يقع له (الفصل الثاني) إن الربح جميعه لرب المال لأنه نماء ماله وإنما يستحق العامل بالشرط فإذا فسدت المضاربة فسد الشرط فلم يستحق به شيئاً ولكن له أجر مثله نص عليه وهو مذهب الشافعي واختار الشريف أبو جعفر أن الربح بينهما على ما شرط له واحتج بما روي عن أحمد أنه قال إذا اشتركا قي العروض قسم الربح على ما شرطا قال وهذه شركة فاسدة واحتج بأنه عقد يصح مع الجهالة

فيثبت المسمى في فاسدة كالنكاح قال والاجرله وجعل أحكامها كأحكام الصحيحة وقد ذكرنا ذلك قال القاضي أبو يعلى والمذهب ما حكينا وكلام أحمد محمول على أنه صحح الشركة بالعروض، وحكي عن مالك أنه يرجع إلى قراض المثل وحكي عنه ان لم يربح فلا أجر له، ومقتضى هذا أنه إن ربح فله الأقل مما شرط له أو اجر مثله وعن أحمد مثل ذلك لأن الأجرة إن كانت اكثر فقد رضي بإسقاط الزائد منها عن المسمى لرضائه به وإن كانت أقل لم يستحق أكثر منها لفساد التسمية بفساد العقد لأنه لو استحق أجر المثل لتوسل الى فساد العقد وأدى إلى الخسران والمشهور الاول لان تسمية الربح من توابع المضاربة أو ركن من أركانها فإذا فسدت فسدت أركانها وتوابعها كالصلاة، ونمنع وجوب المسمى في النكاح الفاسد وإذا لم يجب له المسمى وجب أجر المثل لأنه إنما عمل ليأخذ المسمى فإذا لم يحصل له وجب رد عمله اليه وهو متعذر فتجب قبمته وهي أجر مثله كمما لو تبايعا فاسدا وتقابضا وتلف أحد العوضين في يد قابضه وجب رد بدله، فعلى هذا له أجر المثل سواء ظهر في المال ربح أو لم يظر فإن رضي المضارب بالعمل بغير عوض مثل أن يقول قارضتك والربح كله لي فالصحيح أنه لا شئ للمضارب ههنا لأنه تبعر بعمله أشبه مالو أعانه في شئ أو توكل له بغير جعل أو أخذ له بضاعة (الفصل الثالث) إن لا يضمن ما تلف بغير تعديه وتفريطه لأن ما كان المقبوض في صحيحه

مسألة وإن شرطا تأقيت المضاربة فهل تفسد على ضربين

مضموناً كان مضموناً في فاسده وما لم يضمن في صحيحه لم يضمن في فاسده، وبهذا قال الشافعي وقال أبو يوسف ومحمد يضمن ولنا أنه عقد لا يضمن ما قبضه في صحيحه فلا يضمن في فاسده كالو كالة ولأنها إذا فسدت صارت إجارة ولا يضمن الأجير ما تلف بغير فعله ولا تعديه كذلك ههنا (مسألة) (وإن شرطا تأقيت المضاربة فهل تفسدء على روايتين) وتأقيتها أن يقول ضاربتك على هذه الدراهم سنة فإذا مضت السنة فلا تبع ولا تشتر (إحداهما) يصح قال منها سألت أحمد عن رجل أعطى رجلاً ألفاً مضاربة شهراً فإذا مضى شهر تكون قرضاً قال لا بأس به قلت فإذا جاء الشهر وهي متاع قال إذا باع المتاع يكون قرضاً وهذا قول أبي حنيفة (والثانية) لا يصح وهو قول الشافعي ومالك واختيار أبي حفص العكبري لأمور ثلاثة (أحدها) أنه عقد يقع مطلقاً فإذا شرط قطعه لم يصح كالنكاح (الثاني) أنه ليس من مقتضى العقد ولا فيه له مصلحة أشبه إذا شرط أن لا يبيع، وبيان أنه ليس من مقتضى العقد أنه يقتضي أن يكون رأس المال ناضاً فإذا منعه البيع لم ينض (الثالث) أن هذا يؤدي الى ضرر بالعامل لأنه قد يكون الربح والخط في تبقية المتاع وبيعه بعد السنة فيمنتع ذلك بمضيها ولنا أنه تصرف يتوقت بنوع والمتاع فجاز توقيته في الزمان كالوكالة والمعنى الأول الذي ذكره

مسألة وإن قال بع هذا العرض وضارب بثمنه أو اقبض وديعتي وضارب بها او إذا قدم الحاج فضارب بهذا صح

يبطل بالوكالة والوديعة والناني والثالث يبطل. بتخصيصه بنوع من المتاع ولأن لرب المال منعه من التصرف في كل وقت إذا رضي أن يأخذ بماله عرضاً فإذا شرط ذلك فقد شرط ما هو من مقتضى العقد فصح كما لو قال إذا انقضت النسة فلا تشتر شيئاً وقد سلموا صحة ذلك (مسألة) (وإن قال بع هذا العرض وضارب بثمنه أو اقبض وديعتي وضارب بها أو إذا قدم الحاج فضارب بهذا صح في قولهم جميعاً ويكون وكيلاً في بيع العرض وقبض الوديعة مأذوناً له في التصرف مؤتمناً عليه فجاز جعله مضاربة كمما لو قال اقبض المال من غلامي فضارب به، وأما اذا قال إذا قدم الحاج فضارب بهذا صح) لأنه أذن في التصرف فجاز تعليقه على شرط مستقبل كالوكالة (فصل) فإن كان في يد إنسان وديعة فقاله له رب الوديعة ضارب بها صح وهذا قول الشافعي وأبي ثور وأصحاب الرأي وقال الحسن لا يجوز حتى يقبضها منه ققياسا على الدين ولنا أن الوديعة ملك رب المال فجاز أن يضاربه عليها كما لو كانت حاضرة فقال قارضتك على هذه الألف فارق الدين فإنه لا يصير ملكاً للغريم إلا بقبضه، فأما إن كانت الوديعة قد تلفت بتفر بطله وصارت في الذمة لم يجز أن يضارب عليها لما نذكره

مسألة وإن قال ضارب بالدين الذي عليك لم يصح

(فصل) ولو كان له في يد غيره مال مغصوب فضارب الغاصب به صح لأنه مال لرب المال يصح بيعه لغاصبه ولمن يقدر على أخذه منه فأشبه الوديعة فإذا ضارب به سقط ضمان الغصب لعقد المضاربة وهو قول أبي حنيفة وقال القاضي لا يزول ضمان الغصب إلا بدفعه ثمناً وهو مذهب الشافعي لان القراض لاينا في الضمان بدليل مالو تعدى فيه ولنا أنه ممسك للمال بإذن مالك لا يختص بنفعه ولم يتعد فيه فأشبه مالو قبضه وقبضه إياه (مسألة) (وإن قال ضارب بالدين الذي عليك لم يصح) نص عليه أحمد وهو قول أكثر أهل العلم قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أنه لا يجوز أن يجعل الرجل ديناً له على رجل مضاربة وممن حفظنا ذلك عنه عطاء والحكم وحماد ومالك والثوري واسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي پوبه قال الشافعي، وقال بعض أصحابنا يحتمل أن يصح لأنه إذا اشترى شيئاً للمضاربة فقد اشتراه بإذن رب المال ودفع الثمن إلى من أذن له في دفع ثمنه اليه فتبرأ ذمته منه ويصير كما لو دفع إليه عرضاً وقال به وضارب بثمنه وجعل أصحاب الشافعي مكان هذا الاحتمال أن الشراء لرب المال وللمضارب أجر مثله

مسألة وإن اخرج مالا ليعمل فيه هو وآخر والربح بينهما صح

لأنه علقه على شرط، ولا يصح عندهم تعليق القراض بشرط والمذهب الأول لأن المال الذي في يدي من عليه الذين له وإنما يصير لغريمه بقبضه ولم يوجد القبض ههنا، فإن قال له إعزل المال الذي لي عليك وقد قارضتك عليه ففعل واشترى بعين ذلك المال شيئاً للمضاربة وقع الشراء له لانه اشترى لغيره بمال نفسه فحصل الشراء له وإن اشترى في ذمته فكذلك لأنه عقد القراض على مالا يملكه وعلقه على شرط لا يملك به المال (فصل) ومن شرط صحة المضاربة كون رأس المال معلوم المقدار فإن كان مجهولا أو جزافاً لم تصح وإن شاهدا وبهدا قال الشافعي وقال أبو ثور وأصحاب الرأي تصح إذا شاهداه والقول قول العامل مع يمينه في قدره لأنه أمين رب المال والقول قوله فيما في يده فقام ذلك مقام المعرفة به ولنا أنه مجهول فلم تصح المضاربة به كما لو لم يشاهداه ولأنه لا يدرى بكم يرجع عند المفاضلة ويقضي الى المنازعة والإختلاف في مقداره فلم تصح كما لو كان في الكيس وما ذكروه بيطل بالسلم وبما إذا لم يشاهده (فصل) ولو أحضر كيسين في كل واحد منهما مال معلوم المقدار وقال قارضتك على أحدهما لم يصح سواء تساوى ما فيهما أو اختلف لأنه عقد تمنع صحته الجهالة فلم يجز على غير معين كالبيع (مسألة) (وإن أخرج مالا ليعمل فيه هو وآخر والربح بينهما صح) ذكره الخرقي ونص عليه أحمد في رواية أبي الحارث وتكون مضاربة لأن غير صاحب المال يستحق المشروط له من الربح

بعمله في مال غيره وهذا حقيقة المضاربة، وقال أبو عبد الله بن حامد والقاضي وأبو الخطاب إذا شرط إن يعمل معه رب المال لم يصح وهذا مذهب مالك والشافعي والاوزاعي وأصحاب الرأي وأبي ثور وابن المنذر قال: ولا تصح المضاربة حتى يسلم المال الى العامل ويخلي بينه وبينه لأن المضاربة تقتضي تسليم المال الى المضارب فإذا شرط عليه العمل فيه فلم يسلمه فيخالف موضوعها وتأول القاضي كلام أحمد والخرقي على أن رب المال عمل فيه من غير اشتراط والأول أظهر لأن العمل أحد ركني المضاربة فجاز أن ينفرد به أحدهما مع وجود الأمرين من الآخر كالمال وقولهم أن المضاربة تقتضي تسليم المال الى العامل ممنوع إنما تقتضي إطلاق التصرف في مال غيره بجزء مشاع من ربحه وهذا حاصل مع اشتراكهما في العمل ولهذا لو دفع ماله إلى إثنين مضاربة صح ولم يصحل تسليمه إلى أحدهما (فصل) وإن شرط أن يعمل معه غلام رب المال صح وهذا ظاهر كلام الشافعي وقول أكثر اصحابه ومنعه وبعضهم وهو قول القاضي لأن يد الغلام كيد سيده وقال أبو الخطاب فيه وجهان أحدهما الجواز لأن عمل الغلام مال ليسده فصح ضمه اليه كما يصح أن يضم اليه بهيمته يحمل عليها والثاني لا يجوز لأن يد العبد كيد سيده (فصل) وإن اشترك مالان ببدن صاحب أحدهما فهذا يجمع شركة ومضاربة وهو صحيح، فلو كان بين رجلين ثلاثة آلاف درهم لأحدهما ألف وللآخر ألفان فأذن صاحب الألفين لصاحب الألف

أن يتصرف فيه على أن يكون الربح يبنهما نصفين صح ويكون لصاحب الألف ثلث الربح بحق ماله والقاي وهو ثلثا الربح بينهما لصاحب الألفين ثلاثة أربعاعها وللعامل ربعه وذلك لأنه جعل له نصف الربح فجعلناه ستة أسهم منها ثلاثة للعامل حصة ماله سهمان وسهم يستحقه بعمله في مال شريكه، وحصة مال شريكه أربعة أسهم للعامل سهم وهو الربع، فإن قيل فكيف تجوز المضاربة ورأس المال مشاع قلنا إنما تنمنع الإشاعة الجواز إذا كانت مع غير العامل لانها تنمعه من التصرف بخلاف ما إذا كانت مع العامل فإنها لا تمنعه من التصرف فلا تمنع صحة المضاربة وإن شرط للعامل ثلث الربح فقط فمال صاحبه بضاعة في يده وليست مضاربة لأن المضاربة إنما تحصل إذا كان الربح بينهما فأما إذا قال ربح مالك لك وربح مالي لي فقبل الآخر كان إبضاعاً لا غير وبهذا كله قال الشافعي وقال مالك لا يجوز أن يضم الى القراض شركة كما لا يجوز أن يضم اليه عقد إجاوة. ولنا أنهما لم يجعلا أحد العقد ين شرطاً للآخر فلم يمنع من جمعهما كما لو كان المال متميزاً (فصل) إذا دفع إليه ألفا مضاربة وقال أضف إليه الفامن عندك واتجر بهما والربح بيننا لك ثلثاه ولي ثلثه جاز وكان شركة وقراضاً وقال أصحاب الشافعي لا يجوز لأن الشركة إذا وقعت على المال كان الربح تابعاً له دون العمل ولنا أنهما تساويا في المال وانفرد أحدهما بالعمل فجاز أن ينفرد بزيادة الربح كما لو لم يكن له

مال قولهم ان الربح تابع للمال وحده ممنوع بل تابع لهما كما أنه حاصل بهما فإن شرط غير العامل لنفسه ثلثي الربح لم يجز، وقال القاضي يجوز بناء على جواز تفاضلهما في شركة العنان ولنا أنه شرط لنفسه جزء من الربح لا مقابل له فلم يصح كما لو شرط ربح مال العامل المنفرد، وفارق شركة العنان لأن فيها عملاً منهما فجاز أن يتفاضلا في الربح لتفاضلهما في العمل بخلاف مسئلتنا وإن جعلا الربح بينهما نصفين ولم يقولا مضاربة جاز وكان إبضاعاً كما تقدم وإن قالا مضاربة فسد العقد لما ذكرنا (فصل) وقد ذكرنا أن حكم المضاربة حكم الشركة فيما للعامل أن يفعله أو لا يفعله والذي اختلف فيه في حق الشريك فكذلك في حق عامل المضاربة وهل له أن يبيع نساء إذا لم ينه عنه؟ فيه روايتان إحداهما) ليس له ذلك وبه قال مالك وابن أبي ليلى والشافعي لأنه نائب في البيع فلم يجز له ذلك بغير إذن كالوكيل، يحقق ذلك إن النائب لا يجوز له التصرف إلا على وجه الحظ والإحتياط وفي النسيئة تغرير بالمال والثانية يجوز له ذلك وهو قول أبي حنيفة واختيار ابن عقيل لأن إذنه في التجارة والمضاربة ينصرف إلى التجاره والمتعادة وهذا عادة التجار ولأنه يقصد به الربح والربح في النساء أكثر والحكم في الوكالة ممنوع، ثم الفرق بين الوكالة المطلقة والمضاربة أن الوكالة المقصود منها تصحيل الثمن فحسب ولا تختص بقصد الربح فإذا أمكن تحصيله من غير خطر كان أولى ولأن الوكالة المطلقة في البيع

تدل على أن حاجة الموكل الى الثمن ناجزة فلم يجز تأخيره بخلاف المضاربة، فإن قال له اعمل برأيك أو تصرف كيف شئت فله البيع نساء وقال الشافعي ليس له ذلك لأن فيه تغريراً أشبه مالو لم يقل له ذلك ولنا أنه داخل في عموم لفظه وقرينة حاله تدل على رضاه برأيه في صفات البيع وفي أنواع التجارة وهذا منها فإذا قلنا له البيع نساء فالبيع صحيح ومنهما فات من الثمن لا يضمنه إلا أن يفرط ببيع من لا يوثق به أو من لا يعرفه فيضمن الثمن المنكسر على المشتري وإن قلنا ليس له البيع نساء فالبيع باطل لأنه فعل ما لم يؤذن له فيه فهو كالبيع من الأجنبي إلا على الرواية التي تقول يقف بيع الاجنبي على الاجارة فههنا مثله، ويحتمل كلام الخرقي صحة البيع فإنه قال إذا باع المضارب نساء بغير إذن ضمن ولم يذكر فساد البيع وعلى كل حال يلزم العامل الضمان لأن ذهاب الثمن حصل بتفريطه وإن قلنا بفساد البيع ضمن المبيع بقيمته إذا تعذر عليه استرجاعه بتلف المبيع أو امتناع المشتري من رده إليه وإن قلنا بصحته احتمل أن يضمنه بقيمته أيضاً لأنه لم يفت بالبيع أكثر منها ولا ينحفظ بتركه سواها وزيادة الثمن حصلت بتفريطه فلا يضمنها واحتمل أن يضمن الثمن لانه وجب البيع وفات بتفريط البائع، فعلى هذا إن نقص عن القيمة فقد انتقل الوجوب اليه بدليل أنه لو حصل الثمن لم يضمن شيئاً

(فصل) وهل له السفر بالمال؟ فيه وجهان (أحدهما) ليس له ذلك وهو مذهب الشافعي لأن في السفر تغريراً بالمال وخطراً ولهذا يروى: أن المسافر وما معه على قلت ألا ما وقى الله. أي هلاك ولا يجوز له التعزير بالمال بغير إذن مالكه (والثاني) له السفر إذا لم يكن مخوفاً قال القاضي قياس المذهب جوازه بناء على السفر بالوديعة وهو قول مالك وحكي عن أبي حنيفة لأن الإذن المطلق ينصرف الى ما جرت به العادة والعادة جارية بالتجارة سفراً أو حضراً ولأن المضاربة مشتقة من الضرب في الأرض فملك ذلك بمطلقها وهذان الوجهان في المطلق، فأما إن أذن فيه أو نهى عنه أو وجدت قرينة دالة على أحد الأمرين تعين ذلك وجاز مع الإذن وحرم مع النبي، وليس له السفر في موضع مخوف على كلا الوجهين وكذلك لو أذن له في السفر مطلقاً لم يكن له السفر في طريق مخوف ولا إلى بلد مخوف فإن فعل فهو ضامن لما يتلف لأنه تعدى بفعل ما ليس له فعله (فصل) وليس للمضارب البيع بدون ثمن المثل ولا أن يشتري بأكثر منه مما لا يتغابن الناس بمثله فان فعل فقد روي عن أحمد أن البيع يصح ويضمن النقص كالو كيل ولأن الضرر ينجبر بضمان النقص، قال شيخنا والقياس بطلان البيع وهو مذهب الشافعي لأنه بيع لم يؤذن فيه أشبه بيع الأجنبي، فعلى هذا إن تعذر رد المبيع ضمن النقص أيضاً وإن أمكن رده وجب إن كان باقيا أو

قيمته إن تلف ولرب المال مطالبة من شاء من العامل والمشتري فإن أخذ من المشتري قيمته رجع المشتري على العامل بالثمن وإن رجع على العامل بقيمته رجع العامل على المشتري بها ورد عليه الثمن لان التف حصل في يده أما ما يتغابن الناس بمثله فلا يمنع منه لأنه لا يمكن التحر ز منه وأما إذا اشترى بأكثر من ثمن المثل بعين المال فهو كالبيع وإن إشترى في الذمة لزم العامل دون رب المال إلا أن يجبزه فيكون له هذا ظاهر كلام الخرقي وقال القاضي إن أطلق اشراء ولم يذكر رب المال فكذلك وإن صرح للبائع إني اشتريه لفلان فالبيع باطل ايضاً (فصل) وهل له أن يبيع ويشتري بغير نفد البلد؟ على روايتين أصحهما جوازه اذار أي المصلحة فيه والربح حاصل به كما يجوز أن يبيع عرضاً بعرض ويشتريه به فإن قلنا لا يملك ذلك ففعل فحكمه حكم ما لو اشترى أو باع بغير ثمن المثل، وإن قال اعمل برأيك فله ذلك وهل له المزارعة يحتمل أن لا يملكها لأن المضاربة لا يفهم من الاقها المزارعة وقد روي عن أحمد رحمه الله فيمن دفع إلى رجل الفاو قال إتجر فيها بما شئت فزرع زرعاً فربح فيه فالمضاربة جائزة والربح بينهما قال القاضي ظاهر هذا إن قوله أتجر بما شئت دخلت فيه المزارعة لأنها من الوجوه التي بيتغى بها النماء فعلى هذا لو توى المال في المزارعة لم يلزمه ضمانه

(فصل) وله أن يشتري المعيب إذا رأى المصلحة فيه لأن المقصود الربح وقد يكون الربح في المعيب فإن اشتراه يظنه سليمان فبان معيباً فله فعل ما يرى فيه المصلحة من رده أو إمساكه وأخذ الأرش فإن اختف العامل ورب المال في الرد فطلبه أحدهما وأباه الآخر فعل ما فيه النظر والخط لأن المقصود تحصيله فيحمل الأمر على ما فيه الحظ، وأما الشريكان إذا اختلفا في رد المعيب فلطالب الرد رد نصيبه وللآخر إمساك نصيبه إلا أن لا يعلم البائع ان التسراء لهما فلا يلزمه قبول رد بعضه لأن ظاهر الحال أن العقد لمن وليه فلم يجز إدخال الضرر على البائع بتبعيض الصفقة عليه، ولو أراد الذي ولي العقد رد بعض المبيع وإمساك البعض فإن حمه حكم مالو أراد شريكه ذلك على ما فصلناه (فصل) قال الشيخ رضي الله عنه (وليس للعامل شراء من يعتق على رب المال) لأن فيه ضرراً ولأنه لا حظ للتجارة فيه فإن اشتراه بإذن رب المال صح لانه صح شراؤه بنفسه فإذا أذن لغيره فيه جازو يعتق عليه وتنفسخ المضاربة في قدر ثمنه، وإن كان في المال ربح رجع العامل بحصته منه فإن كان بغير إذن رب المال احتمل أن لا يصح الشراء إذا كان الثمن عيناً لأن العامل اشترى ما ليس له أن يشتريه فهو كما لو اشترى شيئاً بأكثر من ثمنه ولأن الإذن في المضاربة إنما ينصرف الى ما يمكن بيعه والربح فيه وليس هذا كذلك، وإن كان اشتراه في الذمة وقع الشراء للعاقد وليس له دفع الثمن مال المضاربة فإن فعل ضمن وهذا قول الشافعي وأكثر الفقهاء، وقال القاضي ظاهر كلام أحمد صحة الشراء

مسألة وإن اشترى امرأته صح وانفسخ نكاحهما

لأنه مال متقوم قابل للعقود فصح شراؤه كما لو شاترى من نذرب المال عتقه ويعتق على رب المال ونتفسخ المضاربة فيه ويلزم العامل الضمان على ظاهر كلام أحمد علم بذلك أو جهل لأن مال المضاربة تلف بسببه، ولا فرق في الإتلاف الموجب للضمان بين العلم والجهل ويضمن قيمته في أحد الوجهين لأن الملك ثبت فيه ثم تلف أشبه مالو أتلفه بفعله والثاني يضمن الثمن الذي اشتراه به لأن التفر يط منه حصل بالشراء وبذل الثمن فيما يتلف بالشراء فكان عليه ضمان ما فرط فيه ومتى ظهر في المال ربح فللعامل حصته منه وقال أبو بكر إن لم يعلم العامل أنه يعتق على رب المال لم يضمن لأن التلف حصل لمعنى في المبيع لم يعلم به فلم يضمن كما لو اشترى معيبا لم يعلم عبيه فتلف به قال ويتوجه أن لا يضمن وإن علم (مسألة) (وإن اشترى امرأته صح وانفسخ نكاحهما) لأنه ملكها فإن كان قبل الدخول فهل يلزم الزوج نصف الصداق؟ فيه وجهان يذكران فيما بعد إن شاء الله تعالى، فإن قلنا يلزمه رجع به على العامل لأنه سبب تقريره عليه فرجع عليه كما لو أفسدت إمرأة نكاحه بالرضاع، وإن اشترى زوج ربة المال صح وانفسخ النكاح لأنها ملكت زوجها. وهذا قول أبي حنيفة وقال الشافعي لا يصح الشراء إلا أن يكون بإذنها لأن الإذن إنما يتناول شراء مالها فيه حظ وهذا الشراء يضربها لأنه يفسخ نكاحها وتسقط حصتها من النفقة والكسوة فلم يصح كشراء أبيها ولنا إنه اشترى ما يمكن طلب الربح فيه فجاز كما لو اشترى أجنبياً ولا ضمان على العامل فيما

مسألة وإن اشترى المضارب من يعتق عليه صح الشراء

يفوت من المهر ويسقط من النفقة لأن ذلك لا يعود الى المضاربة وإنما هو بسبب آخر ولا فرق بين شرائه في الذمة أو بعين المال. (فصل) وإن اشترى المأذون له من يعتق على رب المال بإذنه صح وعتق فإن كان على المأذون له دين يستغرق قيمته وما في يديه وقلنا يتعلق الدين برقبته فعليه دفع قيمة العبد الذي عتق الى الغرماء لأنه الذي أتلف عليهم بالعتق وإن نهاه عن الشراء فالشراء باطل لأنه يملكه بالإذن وقد زال بالنهي وإن أطلق الاذن فقال أبو الخطاب يصح شراؤه لأن من يصح أن يشتريه السيد صح شراء المأذون له كالأجنبي وهذا قول أبي حنيفة إذا أذن له في التجارة ولم يدفع إليه مالا وقال القاضي لا يصح لأن فيه إتلافاً على السيد فإن إذنه يتناول ما فيه حظ فلا يدخل فيه الإتلاف، وفارق عامل المضاربة لأنه يضمن القيمة فيزول الضرر وللشافعي قولان كالوجهين، وإن اشترى إمراة رب المال أو زوج ربة المال فهل يصح؟ على وجهين أيضاً كشراء من يعتق بالشراء (مسألة) (وإن اشترى المضارب من يعتق عليه صح الشراء) فإن لم يظهر في المال ربح لم يعتق منه شئ وإن ظهر فيه ربح ففيه وجهان مبنيان على العامل متى يملك الربح؟ فإن قلنا يملكه بالقسيمة لم يعتق منه شئ لأنه مالكه وإن قلنا يملكه بالظهور ففيه وجهان: (أحدهما) لا يعتق وهو قول أبي بكر لأنه لم يتم ملكه عليه لكون الربح وقاية لرأس المال فلم يعتق

لذلك (والثاني) يعتق بقدر حصته من الربح إن كان معسراً ويقوم عليه باقيه إن كان موسراً لأنه ملكه بفعله فعتق عليه كما لو اشتراه بماله وهذا قول الفاضي ومذهب أصحاب أبي حنيفة لكن عندهم يستسعى في بقيته إن كان معسراً ولنا رواية كقولهم وإن اشتراه ولم يظهر ربح ثم ظهر بعد ذلك والعبد باق في التجارة فهو كما لو كان الربح ظاهراً وقت الشراء وقال الشافعي إن اشتراه بعد ظهور الربح لم يصح في أحد الوجهين لأنه يودي إلى أن ينجر العامل حقه قبل رب المال ولنا أنهما شريكان فصح شراء كل واحد منهما من يعتق عليه كشريكي العنان (فصل) وليس للمضارب أن يشتري بأكثر من رأس المال لأن الإذن ما تناول أكثر منه فإذا كان رأس المال ألفاً فاشترى عبداً بألف ثم اشترى عبداً آخر بعين الألف فالشراء فاسد لأنه اشترى بمال يستحق تسليمه في البيع الأول، وإن اشتراه في ذمته صح الشراء والعبد له لأنه إشترى في ذمته لغيره بغير إذنه في شرائه فوقع له وهل يقف على إجازة رب المال؟ على روايتين ومذهب الشافعي كنحو ما ذكرنا (فصل) وليس للمضارب وطئ أمة المضاربة سواء ظهر ربح أو لا فإن فعل فعليه المهر والتعزير وإن علقت منه ولم يظهر في المال ربح فولده رقيق لأنها علقت منه في غير ملك ولا شبهة ملك ولا تصير أم ولد له لذلك وإن ظهر في المال ربح فالولد حر وتصير أم ولد له وعليه قيمتها ونحو ذلك قال سفيان واسحاق وقال القاضي إن لم يظهر ريح فعليه الحد لأنه وطئ في غير ملك ولا شبهة ملك والمنصوص

عن أحمد أن عليه التعزير فقط لأن ظهور الربح ينبني على التقويم وهو غير متحقق لاحتمال أن السلع تساوي أكثر مما قزمت به فيكون ذلك شبهة في درء الحد فإنه يدرأ بالشبهات (فصل) وليس لرب المال وطئ الأمة أيضاً لأنه ينقصها إن كانت بكراً ويعرضها للخروج من المضاربة والتلف فإن فعل فلا حد عليه لأنها ملكه فإن أحبلها صارت أم ولد له وولده حر لذلك وتخرج من المضاربة وتحسب قيمتها ويضاف إليها بقية المال فإن كان فيه ربح فللعامل حصته منه وليس لواحد منهما تزويج الأمة لأنه ينقصها ولا مكاتبة العبد لذلك وإن اتفقا عليه جاز لأن الحق لهما (فصل) وليس للمضارب دفع المال مضاربة بغير إذن نص عليه أحمد في رواية الأثرم وحرب وعبد الله، وخرج القاضي وجهين في جواز ذلك بناء على توكيل الوكيل ولا يصح هذا التخريج والقياس لأنه إنما دفع اليه المال ههنا ليضارب به ودفعه الى غيره مضاربة يخرجه عن كونه مضارباً له بخلاف الوكيل ولأن هذا يوجب في المال حقاً لغيره ولا يجوز إيجاب حق في مال إنسان بغير إذنه وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي ولا يعلم عن غير هم خلافهم فإن فعل فلم يتلف المال ولا ظهر فيه ربح رده الى مالكه ولا شئ له ولا عليه وإن تلف أو ربح فيه فقال الشريف أبو جعفر هو في الضمان والتصرف كالغاصب ولرب المال مطالبة ومن شاء منهما برد المال إن كان باقياً وبزد بدله إن تلف أو تعذر رده فإن طالب الأول وضمنه قيمة التلف ولم يكن الثاني علم الحال لم يرجع عليه بشئ لأنه دفعه إليه على

وجه الأمانة وإن علم رجع عليه لأنه قبض مال غيره على سبيل العدوان وقد تلف تحت يده فاستقر عليه ضمانه وإن ضمن الثاني مع علمه بالحال لم يرجع على الأول وإن لم يعلم فكذلك في أحد الوجهين لأن التلف حصل بيده فاستقر الضمان عليه، والثاني يرجع عليه لأنه غره أشبه المغرور بحرية أمة وان ربح فالربح للمالك ولا شئ للمضارب الأول لأنه لم يوجد منه مال ولا عمل وهل للثاني أجرة مثله؟ على روايتين (إحداهما) له ذلك لأنه عمل في مال غيره بعوض لم يسلم له فكان له أجر مثله كالمضاربة الفاسدة (والثانية) لا شئ له لأنه عمل في مال غيره بغير إذن أشبه الغاصب، وفارق المضاربة لأنه عمل في ماله بإذنه وسواء اشترى بعين المال أو في الذمة ويحتمل أنه إن اشترى في الذمة يكون الربح له لأنه ربح فيما اشتراه في ذمته مما لم يقع الشراء فيه لغيره فأشبه مالو ينقد الثمن من مال المضاربة، قال الشريف أبو جعفر هذا قول أكثرهم يعني قول مالك وأبي حنيفة والشافعي ويحثمل أنه إن كان عالماً بالحال فلا شئ للعامل كالغاصب وإن جهل الحال فله أجر مثله يرجع به على العاصب الأول لأنه غره واستعمله بعوض لم يسلم له فكان أجره عليه كما لو استعمله في مال نفسه وقال القاضي إن اشترى بعين المال فالشراء باطل وإن إشترى في الذمة ثم نقد المال وكان قد شرط رب المال للمضارب النصف فدفعه المضارب الى آخر على أن لرب المال النصف والنصف الآخر بينهما فهو على ما اتفقوا عليه لأن رب المال رضي بنصف الربح فلا يدفع

اليه أكثر منه والعاملان على ما اتفقا عليه وهذا قول الشافعي القديم وليس هذا موافقاً لا صول المذاهب ولا لنص أحمد فإن أحمد قال لا يطيب الربح لمضارب ولأن المضارب الأول ليس له عمل ولا مال ولا يستحق الربح في المضاربة إلا بواحد منهما والثاني عمل في مال غيره بغير إذنه ولا شرطه فلم يستحق ما شرطه له غيره كما لو دفع إليه الغاصب مضاربة ولأنه لم يستحق ما شرطه له رب المال في المضاربة الفاسدة فما شرطه له غيره بغير إذنه أولى. (فصل) فان إذن رب المال في ذلك جاز نص عليه أحمد ولا نعلم فيه خلافاً ويكون المضارب الأول وكيل رب المال في ذلك فإن دفعه إلى آخر ولم يشرط لنفسه شيئاً من الربح كان صحيحاً وإن شرط لنفسه شيئاً منه لم يصح لأنه ليس من جهته مال ولا عمل والربح إنما يستحق لواحد منهما فإن قال إعمل برأيك أو بما أراك الله جاز له دفعه مضاربة نص عليه لأنه قد يرى ان يدفعه الى أبصر منه ويحتمل أن لا يجوز له ذلك لأن قوله إعمل برأيك يعني في كيفية المضاربة والبيع والشراء وأنواع التجارة ولهذا يخرج به عن المضاربة فلا يتناوله إذنه (فصل) وليس له أن يخلط مال المضاربة بماله فإن فعل ولم يتميز ضمنه لأنه أمانة فهو كالوديعة فإن قال له اعمل برأيك جاز ذلك وهو قول مالك والثوري وأصحاب الرأي وقال الشافعي ليس له ذلك وعليه الضمان إن فعله لأن ذلك ليس من التجارة ولنا أنه قد يرى الخلط أصلح له فيدخل في قوله أعمل برأيك وهكذا القول في المشاركة به ليس له فعلها إلا أن يقول له اعمل برأيك فيملكها

مسألة وليس للمضارب أن يضارب لآخر إذا كان فيه ضرر على الأول فإن فعل رد نصيبه من الربح في الشركة

(فصل) وليس له شراء خمر ولا خنزير سواء كانا مسلمين أو كان أحدهما مسلماً فإن فعل فعليه الضمان وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة إن كان العامل ذمياً صح شراؤه للخمر وبيعه إياها لأن الملك عنده ينتقل إلى الوكيل وحقوق العقد تتعلق به وقال أبو يوسف ومحمد يصح شراؤه إياها ولا يصح بيعه لأنه يبيع ما ليس بملك له ولا لموكله ولنا أنه إن كان العامل مسلماً فقد اشترى خمراً ولا يصح إن يشتري خمراً ولا يبيعه وإن كان ذمياً فقد اشترى للمسلم مالا يصح أن يملكه ابتداء فلا يصح كما لو اشترى الخنزير ولأن الخمر محرمة فلم بصح شراؤها له كالخنزير والميتة ولان مالا يجوز بيعه لا يجوز شراؤه كالميتة والدم وكلما جاز في الشركة جاز في المضاربة وما جاز في المضاربة جاز في الشركة وما منع في إحداهما منع منه في الأخرى لأن المضاربة شركة ومبنى كل واحد منهما على الوكالة والأمانة (مسألة) (وليس للمضارب أن يضارب لآخر إذا كان فيه ضرر على الأول فإن فعل رد نصيبه من الربح في شركة الأول) وجملة ذلك أنه إذا أخذ من إنسان مضاربة ثم اراد أخذ مضاربة من آخر بإذن الأول جاز وكذلك إن لم يأذن ولم يكن عليه ضرر بغير خلاف علمناه فان كان فيه ضرر على الاول ولم بأذن مثل أن يكون المال الثاني كثيراً يستوعب زمانه فيشغله عن التجارة في الأول أو يكون المال الأول كثيراً

متى اشتغل عنه بغيره انقطع عن بعض تصرفاته لم يجز ذلك وقال أكثر الفقهاء يجوز لأنه عقد لا يملك به منافعه كلها فلم يمنع من المضاربة كما لو لم يكن فيه ضرر وكالأجير المشترك ولنا أن المضاربة على الحظ والنماء فإذا فعل ما يمنعه لم يجز له كما لو أراد التصرف بالغبن وفارق مالا ضرر فيه فعلى هذا إن فعل وربح رد الربح في شركة الأول وليقسمانه فينظر ما ربح في المضاربة الثانية فيدفع الى رب المال منه نصيبه ويأخذ المضارب نصيبه من الربح فيضمه الى ربح المضاربة الأولى ويقاسمه لرب المضاربة الأولى لانه استجق حصته من الربح بالمنفعة التي استحقت بالعقد الأول فكان بينهما كربح المال الاول فأما حصة رب المال الثاني من الربح فيدفع اليه لأن العدوان عن المضارب لا يسقط حق رب المال الثاني ولأنا لو رددنا ربح الثاني كله في الشركة الأولى لاختص الضرر برب المال الثاني ولم يلحق المضارب شئ من الضرر والعدوان منه بل ربما انتفع إذا كان قد شرط الأول النصف أو الثاني الثلث ولأنه لا يخلو إما أن يحكم بفساد المضاربة الثانية أو بصحتها فإن كانت فاسدة فالربح كله لرب المال وللمضارب أجر مثله وإن حكمنا بصحتها وجب صرف حصة رب المال إليه بمتقضى العقد وموجب الشرط قال شيخنا: والنظر يقتضي أن لا يستحق رب المضاربة الاولى من ريح الثانية شيئا لأنه إنما يستحق بمال أو عمل ولم يوجد واحد منهما وتعدي المضارب إنما هو بترك العمل واشتغاله عن المال الأول وذلك لا يوجب عوضاً كما لو اشتغل بالعمل في مال نفسه أو أجر نفسه أو ترك

التجارة للعب او اشتغال بعلم أو غير ذلك ولأنه لو أوجب عوضاً لأوجب شيئاً مقدراً لا يختلف ولا يتقدر بربحه في الثاني والله أعلم (فصل) فإن دفع اليه مضاربة واشترط النفقة لم يجز أن يأخذ لغيره بضاعة ولا مضاربه وإن لم يكن على الأول ضرر لقول أحمد إذا اشترط النفقة صار أجبراله فلا يأخذ من أحد بضاعة فإنها تشغله عن المال الذي يضارب به، قيل له وإن كانت لا تشغله قال ما يعجبني أن يكون إلا بإذن صاحب المضاربة فإنه لا بد من شغل قال شيخنا هذا والله العم على سبيل الا ستحباب وإن فعل فلا شئ عليه لأنه لا ضرر على رب المضاربة فيه، وإن أخذ من رجل مضاربة ثم أخذ من آخر بضاعة أو عمل في مال نفسه واتجر فيه فربحه في مال البضاعة لصاحبها وفي مال نفسه له (فصل) إذا أخذ من رجل مائة قراضاً ثم أخذ من آخر مثلها فاشترى بكل مائة عبداً فاختلط العبدان ولم يتميزا اصطلحا عليهما كما لو كانت لرجل حنطة فالثالت عليها أخرى، وذكر القاضي في ذلك وجهين أحدهما يكونا شريكين فيهما كما لو اشتركا في عقد البيع فيا عان ويقسم بينهما فإن كان فيهما ربح دفع الى العامل حصته والباقي بينهما نصفين والثاني يكونان للعامل وعليه آداء رأس المال والربح له والخسران عليه وللشافعي قولان كالوجهين والأول أولى لأن ملك كل واحد منهما ثابت في أحد العبدين فلا يزول بالاشتباه عن جميعه ولا عن بعضه بغير رضاه كما لو لم يكونا في يد المضارب

ولا تنالوا جعلناهما للمضارب أدى الى أن يكون تفريطه سببا لا نفراده بالربح وحرمان المعدى عليه وعكس ذلك أولى وان جعلنا هما شريكين أدى الى أن يأخذ أحدهما ربح مال الآخر بغير رضاه وليس له مال ولا عمل (فصل) إذا تعدى المضارب بفعل ما ليس له فعله فهو ضامن للمال في قول أكثر أهل العلم روي ذلك عن أبي هريرة وحكم بن حزام وأبي قلابة ونافع واياس والشعبي والنخعي وحماد ومالك والشافعي وأصحاب الرأي وعن علي رضي الله عنه لا ضمان على من شورك في الربح وروي معنى ذلك عن الحسن والزهري ولنا أنه متصرف في مال غيره بغير إذنه فلزمه الضمان كالغاصب ولا نقول بمشاركته في الربح فلا يتناوله قول علي رضي الله عنه، ومتى اشترى ما لم يؤذن فيه فربح فيه فالربح لرب المال نص عليه أحمد وبه قال أبو قلابة ونافع، وعن أحمد أنهما يتصدقان بالربح وبه قال الشعبي والنخعي والحكم وحماد قال القاضي قول أحمد يتصدقان بالربح على سبيل الورع وهو لرب المال في القضاء وهذا قول الأوزاعي، وقال إياس بن معاوية ومالك الربح على ما شرطاه كما لو ليس الثوب وركب دابة ليس له ركوبها وقال القاضي إن اشترى في الذمة ثم نقد المال فالربح لرب المال وإن اشترى بعين المال فالشراء باطل في إحدى الروايتين والأخرى هو موقوف على إجازة المالك فإن أجازه صح وإلا بطل والمذهب الأول نص عليه أحمد في رواية الأثرم وقال أبو بكر لم بروانه يتصدق بالربح إلا حنبل

واحتج أحمد بحديث عروة البارقي وهو ما روى أبو الوليد عن عروة بن الجعد قال عرض النبي صلى الله عليه وسلم جلب فأعطاني ديناراً فقال (عروة ائت الجلب فاشتر لنا شاة) فأتيت الجلب فساومت صاحبه فاشتريت شاتين بدينار فجئت أسو قهما أو أقودهما فلقيني رجل بالطريق فساومتي فبعت منه شاة بدينار فجئت بالدينار وبالشاة فقلت يا رسول الله هذا ديناركم وهذه شاتكم قال (وكيف صنعت؟) فحدثته الحديث فقال (اللهم بارك له في صفقة يمينه) رواه الأثرم ولأنه نماء مال غيره بغير إذن مالكه فكان لمالكه كما لو غصب حنطة فزرعها، فأما المضارب ففيه روايتان (إحداهما) لا شئ له لأنه عقد عقداً لم يؤذن له فيه فلم يكن له شئ كالغاصب وهذا اختيار أبي بكر (والثانية) له أجر لأن رب المال رضي بالبيع وأخذ الربح فاستحق العامل عوضاً كما لو عقده بإذنه، وفي قدر الأجر روايتان (إحداهما) أجر مثله ما لم يحط بالربح لأنه عمل ما يستحق به العوض ولم يسلم له المسمى فكان له أجر مثله كالمضاربة الفاسدة (والثانية) له الأقل من المسمى أو أجر المثل لأنه إن كان المسمى أقل فقد رضي به فلم يستحق أكثر منه وإن كان أجر المثل أقل فلم يستحق أكثر مه لأنه لم يعمل ما أمر به، فإن قصد الشراء لنفسه فلا أجر له رواية واحدة وقال القاضي وابو الخطاب إن إشترى في ذمته ونقد المال فلا أجر له رواية واحدة وان اشترى بعين المال فعلى روايتين (فصل) وعلى العامل أن يتولى بنفسه كل ما جرت العادة أن يتولاه المضارب من نشر الثوب وطيه

وعرضه على المشتري ومساومته وعقد البيع وأخذ الثمن وانتقاه وشد الكيس وخمه وإحرازه ونحو ذلك ولا أجر له عليه لأنه استحق الربح في مقابلته وإن استأجر من يفعل ذلك فالأجر عليه خاصة لأن العمل عليه فأما مالا يليه في العادة كالنداء على المتاع ونقله الى الخان فليس على العامل علمه وله أن يكتري من يعمله نص عليه أحمد لأن العمل في المضاربة غير مشروط لمشقة اشتراطه فرجع فيه إلى العرف فإن فعل العامل مالا يلزمه متبرعا فلا أجر له وإن فعله ليأخذ عليه أجراً فنص أحمد على أنه لا شئ له، وخرج أصحابنا وجهاً أن له الأجر بناء على الشريك إذا انفرد بعمل لا يلزمه هل له أجر لذلك؟ على روايتين وهذا مثله، قال شيخنا والصحيح أنه لا أجر له في الموضعين لأنه عمل في مال غيره عملا لم يجعل له في مقابلته شئ فلم يستحق شيئاً كالأجنبي (فصل) وإذا غصب مال المضاربة أو سرق فهل للمضارب المطالبة به؟ على وجهين (أحدهما) ليس له ذلك لان الضماربه عقد على التجارة فلا يدخل فيه الحصومة (والثاني) له ذلك لأنه يقتضي حفظ المال ولا يتم ذلك إلا بالخصومة والمطالبة سيما إذا كان غائباً عن رب المال فإنه حينئذ لا يكون مطالباً به إلا المضارب فإن تركه ضاع، عفلى هذا إن ترك الخصومة وانطلب به في هذه الحال ضمن لأنه ضيعه وفرط فيه فأما إن كان رب المال حاضراً وعلم الحال فإنه لا يلزم العامل طلبه ولا يضمنه إذا تركه لأن رب المال أولى بذلك من وكيله

مسألة وليس لرب المال أن يشتري من مال المضاربة شيئا لنفسه وعنه يجوز

(فصل) وإذا اشترى المضارب عبداً فقتله عبد لغيره ولم يكن ظهر في المال ربح فالأمر لرب المال إن شاء اقتص وإن شاء عفا على غير مال وتبطل المضاربة فيه لذ هاب رأس المال وإن شاء عفا على مال فإن عفا على مثل رأس المال أو أقل أو أكثر فالمضاربة بحالها والربح بينهما على ما شرطاه لأنه وجد بدل عن رأس المال فهو كما لو وجد بدله بالبيع وإن كان في العبد ربح فالقصاص اليهما والمصالحة كذلك لكونهما شريكين فيه والحكم في انفساخ المضاربة وبقائها على ما تقدم (مسألة) (وليس لرب المال أن يشتري من مال المضاربة شيئاً لنفسه وعنه يجوز) إذا اشترى رب المال من مال المضاربة شيئاً لنفسه لم يصح في إحدى الروايتين وهو قول الشافعي ويصح في الأخرى وبه قال مالك والاوزاعي وأبو حنيفة لأنه قد تعلق به حق المضارب فجاز شراؤء كما لو اشترى من مكاتبه. ولنا أنه ملكه فلم يصح شراؤه له كشرائه من وكيله، وفارق المكاتب فإن السيد لا يملك ما في يده ولا تجب زكاته عليه وله أخذ ما فيه شفعة منه (مسألة) وكذلك شراء السيد من عبده المأذون) لما ذكر ناويحتمل ان يصح اذن استغر قته الديون لأن الغرماء يأخذون ما في يده ولأن الدين إذا تعلق برقبته

مسألة وان اشترى أحد الشريكين نصيب شريكه صح

صار مستحقاً للغرماء فصح شراء السيد منه كبقية الغرماء والأول أولى لأن ملك السيد لم يزل عنه وإن تعلق حق الغرماء به كالعبد الجاني (فصل) فإن اشترى المضارب من مال المضاربة لنفسه ولم يظهر ربح صح نص عليه أحمد وبه قال مالك والثوري والاوزاعي واسحاق وحكي ذلك عن أبي حنيقة وقال أبو ثور البيع باطل لأنه شريك ولنا أنه ملك لغيره فصح شراؤء له كشراء الوكيل من موكله وإنما يكون شريكا إذا ظهر الربح لأنه إنما شارك في الربح دون أصل المال فإن ظهر ربح فشراؤه كشراء أحد الشريكين من شريكه (مسألة) (وإن اشترى أحد الشريكين نصيب شريكه صح) لأنه يشتري ملك غيره وقال أحمد في الشريكين في الطعام يريد أحدهما بيع حصته من صاحبه إن لم يكونا يعلمان كيله فلا بأس وإن علما كيله فلا بد من كيله يعني أن من علم مبلغ شئ لم يبعه صبرة وإن باعه إياه بالكيل والوزن جاز (مسألة) (وإن اشترى الجميع بطل في نصيبه لأنه ملكه)

مسألة وان اشترى الجميع بطل في نصيبه لأنه ملكه

وهل يصح في حصة شريكه؟ على وجهين بناء على تفريق الصفقة ويتخرج أن يصح في الجميع بناء على صحة شراء رب المال من مال المضاربة (فصل) ولو استأجر أحد الشريكين من صاحبه داراً ليحرز فيها مال الشركة أو غرائر جاز نص عليه أحمد في رواية صالح وإن استأجره لنقل الطعام أو غلامه أو دابته جاز لأن ما جاز أن يستأجر له غير الحيوان جاز أن يستأجر له الحيوان كمال الأجنبي، وفيه رواية أخرى لا يجوز لأن هذا لا تجب الأجرة فيه إلا بالعمل ولا يمكن إيفاء العمل في المشترك لأن نصيب المستأجر غير متميز من نصيب المؤجر فإذا لا تجب الأجرة، والدار والغرائر لا يعتبر فيها إيقاع العمل إنما يجب بوضع العين في الدار فيمكن تسليم المعقود عليه (مسألة) (وليس للمضارب نفقة إلا بشرط سواء كانت تجارته في الحضر أو السفر)

وبهذا قال ابن سيرين وحماد بن أبي سليمان وهو ظاهر مذهب الشافعي وقال الحسن والنخعي والاوزاعي ومالك واسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي ينفق من المال المعروف إذا شخص به عن البلد لان سفره لا جل المال فكانت نفقته فيه كأجر الحمال ولنا أن نفقته تخصه فكانت عليه كنفقة الحضر وأجر الطبيب وثمن الطيب لأنه دخل على أنه لا يستحق من الربح إلا الجزء المسمى فلا يكون له غيره ولأنه لو استحق النفقة أفضى إلى أن يختص بالربح إذا لم يربح سوى النفقة، فأما إن شرط له النفقة صح وله ذلك لقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم (المؤمنون على شروطهم) فإن قدر له ذلك فحسن لأن فيه قطع المنازعة وزوال الاختلاف قال أحمد في رواية الأثرم أحب إلي أن يشترط نفقة محدودة وله ما قدر له من مأكول وملبوس ومركوب وغيره وإن أطلق صح نص عليه، وله نفقته من المأكول خاصة ولا كسوة له قال أحمد إذا قال له نفقته فإنه ينفق قيل له فيكتسي؟ قال لا إنما له النفقة، فإن كان سفره طويلاً يحتاج إلى تجديد كسوة فظاهر كلام أحمد جوازها لا نه قيل

مسألة فأذن له في التسري فاشتري جارية ملكها وصار ثمنها قرضا نص عليه أحمد لأن البضع لا يباح إلا بملك

له فلم يشترط الكسوة إلا أنه في بلد بعيد وله مقام طويل يحتاج فيه إلى الكسوة؟ فقال إذا أذن له في النفقة فعل ما لم يحمل على مال الرجل ولم يكن ذلك قصده هذا معناه. وقال القاضي وابو الخطاب إذا شرط له النفقة فله جميع نفقته من مأكول وملبوس بالمعروف وقال أحمد ينفق على معنى ما كان ينفق على نفسه غير متعد بالنفقة ولا مضر بالمال ولم يذهب أحمد الى تقدير النفقة لأن الأسعار تختلف وقد تقل وقد تكثر (مسألة) (فإن اختلفا في قدر النفقة فقال أبو الخطاب يرجع في القوت إلى الإطعام في الكفارة وفي الكسوة إلى أقل ملبوس مثله لأنه العادة فينصرف الإطلاق اليه كما انصرف اليه في الإطعام في الكفارة، فإن كان معه مال لنفسه أو مضاربه أخرى أو بضاعة لآخر فالنفقة على قدر المالين لأنها لأجل السفر والسفر للمالين فيجب أن تكون النفقة مقسومة على قدرهما إلا أن يكون رب المال قد شرط له النفقة من ماله مع علمه بذلك، ولو أذن له في السفر إلى موضع معين أو غير معين ثم لقيه رب المال في السفر في ذلك الموضع أو في غيره وقد نص المال فأخذ ماله فطالبه العامل بنفقة الرجوع الى بلده لم يكن له ذلك لأنه إنما إستحق النفقة ماداما في القراض وقد زال فزالت النفقة ولذلك لو مات لم يجب تكفينه وقيل له ذلك لأنه كان شرط له نفقة ذهابه ورجوعه وغره بتسفيره إلى الموضع الذي أذن له فيه معتقداً أنه مستحق للنفقة ذاهباً وراجعاً فإذا قطع عنه النفقة تضرر بذلك (مسألة) (فأذن له في التسري فاشتري جارية ملكها وصار ثمنها قرضاً نص عليه أحمد لأن البضع لا يباح إلا بملك أو نكاح لقوله سبحانه (إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين)

مسألة وليس للمضارب ربح حتى يستوفى رأس المال يعني أنه لا يستحق أخذ شيء من الربح حتى يسلم رأس

ولم يوجد النكاح فتعين الملك ويخرج ثمنها من المضاربة ويكون قرضاً في ذمته لما ذكرنا (مسألة) (وليس للمضارب ربح حتى يستوفى رأس المال يعني أنه لا يستحق أخذ شئ من الربح حتى يسلم رأس المال الى ربه، ومتى كان في المال خسارن وربح جبرت الوضيعة من الربح سواء كان الربح والخسران في مرة واحدة أو الخسران في صفقة والربح في الأخرى أو أحد هما في سفرة والآخر في أخرى لأن الربح هو الفاضل عن رأس المال وما لم يفضل فليس بربح ولام نعلم في هذا خلافا (فصل) وفي ملك العامل نصيبه من الربح قبل القسمة روايتان (إحداهما) يملكه ذكره القاضي وهو قول أبي حنيفة (والأخرى) لا يملكه ذكرها أبو الخطاب وهو قول مالك وللشافعي قولان كالروايتين واحتج من لم يملكه أنه لو ملكه لاختص بربحه ولو جب أن يكون شريكا لرب المال كشريكي العنان، ووجه الأول أن الشرط صحيح فيثبت مقتضاه وهو أن يكون له جزء من الربح فإذا وجد وجب أن يملكه بحكم الشرط كما يملك المساقي حصته من الثمرة بظهورها وقياساً على كل شرط صحيح في عقد ولأنه مملوك ولا بد له من مالك ورب المال لا يملكه اتفاقا ولا تثبت أحكام الملك في حقه فلزم أن يكون للمضارب ولأنه يملك المطالبة بالقسمة فكان مالكا كأحد شريكي العنان ولا يمتنع أن يملكه ويكون وقاية لرأس المال كنصيب رب المال من الربح وبهذا امتنع اختصاصه بربحه ولأنه لو اختص بربحه لا ستحق من الربح أكثر مما شرط له ولا يثبت بالشرط ما يخالف مقتضاه، قال أحمد في المضارب يطأ جارية من المضاربة فإن لم يكن ظهر في المال ربح لم تكن أم ولده وإن ظهر فيه ربح فهي أم ولده وفيه دليل على أنه يملك الربح بالظهور وهذا ظاهر المذهب (فصل) إذا دفع إلى رجل مائة مضاربة فخسر عشرة ثم أخذ رب المال منها عشرة لم ينقص رأس

مسألة فإن اشترى سلعتين فربح في إحداهما وخسر في الأخرى أو تلفت جبرت الوضيعة من الربح

المال بالخسران لأنه قد يربح فيجبر الخسران لكنه ينتقص بما أخذه رب المال وهي العشرة وقسطها من الخسران وهو درهم وتسع ويبقى رأس المال ثمانية وثمانين وثمانية اتساع درهم فإن كان أخذ نصف التسعين الباقية بقي رأس المال خمسين لأنه أخذ نصف المال فسقط نصف الخسران وإن كان أخذ خمسين بقي أربعة وأربعون وأربعة أتساع ولذلك إذا ربح المال ثم أخذ رب المال بعضه كان ما أخذه من الربح ورأس المال فلو كان رأس المال مائة فربح عشرين فأخذها رب المال بعضه كان المال ثلاثة وثمانين وثلثا لأنه أخذ سدس المال فنقص رأس المال سدسه وهو ستة عشروثلثان وحقها من الربح ثلاثة وثلث، ولو كان أخذ ستين بقي رأس المال خمسين لأنه أخذ نصف المال فبقي نصفه وإن كان أخذ خمسين بقي ثمانية وخسمون وثلث لأنه أخذ ربح المال وسدسه بقي ثلثه وربعه وهو ما ذكرنا فإن أخذ ستين ثم خسر في الباقي فصار أربعين فردها كان له على رب المال خمسه لأن ما أخذه منه الرب المال انفسخت فيه المضاربة فلا يجبر بربحه خسران ما بقي في يده لمفارقته إياه وقد أخذ منه الربح عشرة لأن سدس ما أخذه ربح فكانت العشرة بينهما وإن لم يرد الأربعين كلها بل رد منها الى رب المال عشرين بقي رأس المال خمسة وعشرين (مسألة) (فإن اشترى سلعتين فربح في إحداهما وخسر في الأخرى أو تلفت جبرت الوضعية من الربح) إذا دفع إلى المضارب الفين فاشترى بكل ألف عبداً فربح في أحدهما وخسر في الآخر أو تلف وجب جبر الخسران من الربح ولا يستحق المضارب شيئاً إلا بعد كمال الألفين وبه قال الشافعي الافيما

مسألة وإن تلف بعض رأس المال قبل التصرف فيه انفسخت فيه المضاربة

إذا تلف أحد العبدين فإن أصحابه ذكر وافيه وجهاً ثانياً أن التالف من رأس المال لأنه بدل أحد الألفين ولو تلف أحد الألفين كان من رأس المال فكذلك بدله ولنا إن تلفه بعد أن دار في القراض وتصرف في المال بالتجارة فكان تلفه من الربح كما لو كان رأس المال ديناراً فاشترى به سلعتين ولأنهما سلعتان تجبر خسارة إحداهما بربح الأخرى فجبر تلفها به كما لو كان رأس المال ديناراً واحداً ولأنه رأس مال واحد فلا يستحق المضارب فيه ربحاً حتى يكمل رأس المال كالذي ذكرنا (مسألة) (ان تلف بعض رأس المال قبل التصرف فيه انفسخت فيه المضاربة) وكان رأس المال الباقي خاصة وقال بعض أصحاب الشافعي مذهب الشافعي أن التالف من الربح لأن المال إنما يصير قراضاً بالقبض فلا فرق بين هلاكه قبل التصرف أو بعده ولنا أنه مال هلك على جهته قبل التصرف فيه فكان رأس المال الباقي كما لو تلف قبل القبض وفارق ما بعد التصرف لانهه دار في التجارة وشرع فيما قصد بالعقد من التصرفات المؤدية إلى الربح (فصل) إذا دفع إليه ألفا مضاربة ثم دفع إليه ألفا آخرو أذن له في ضم أحدهما إلى الآخر قبل التصرف في الأول جاز وصار مضاربة واحدة كما لو دفعهما اليه جميعاً، وإن كان بعد التصرف في الأول في شراء المتاع لم يجزلان حكم الأول استقر وكان ربحه وخسرانه مختصاً فضم الثاني اليه يوجب جبر خسران أحدهما بربح الآخر فإذا شرط ذلك في الثاني فسد فان نض الأول جاز ضم الثاني اليه لزوال هذا المعنى وإن لم يأذن في ضم الثاني الى الأول لم يجز نص عليه أحمد وقال إسحاق له ذلك قبل أن يتصرف في الأول ولنا إنه أفرد كل واحد بعقد فكان عقدين لكل عقد حكم نفسه فلا يجبر وضيعة أحدهما ربح الآخر كما لو نهاه عن ذلك

مسألة وإن تلف المال ثم اشترى سلعة للمضاربة به فهي له وثمنها عليه سواء علم بتلف المال قبل نقد الثمن أو

(مسألة) (وإن تلف المال ثم اشترى سلعة للمضاربة به فهي له وثمنها عليه سواء علم بتلف المال قبل نقد الثمن أو جهل ذلك إلا أن يجبزه رب المال) وذلك لأنه اشتراها في ذمته وليست من مال المضاربة فاختصت به لأنه لو صح شراؤه للمضاربة لكان مستديناً على غيره والإستدانة على الإنسان بغير إذنه لا تجوز، فإن إجازة رب المال جاز في إحدى الروايتين والثمن عليه لأن من اشترى شيئاً لغيره بغير إذنه وقف على إجازته فإن أجازه فهو له وإلا فهو للمشتري وهذا كذلك، والثانية هو للعامل على كل حال لأن هذا زيادة في مال المضاربة فلا تجوز (مسألة) (فإن تلف بعد الشراء فالمضاربة بحالها والثمن على رب المال) لانه دار في التجارة ويصير رأس المال هذا الثمن دون التالف لأن الأول تلف قبل التصرف فيه وهذا قول بعض الشافعية ومنهم من قال رأس المال هو التالف حكي عن أبي حنيفة ومحمد بن الحسن ولنا أن التالف تلف قبل التصرف فيه فلم يكن من رأس المال كما لو تلف قبل الشراء فلو اشترى عبدين بمائة فتلف أحدهما وباع الآخر بخمسين فأخذ منها رب المال خمسه وعشرين بقي رأس المال خمسين لأن رب المال أخذ نصف المال الموجود فسقط نصف الجبران، ولو لم يتلف العبد وباعهما بمائة وعشرين فأخذ رب المال ستين ثم خسر العامل فيما معه عشرين فله من الربح خمسة لأن سدس ما أخذه رب المال ربح للعامل نصفه وقد انفسخت المضاربة فيه فلا يجبر به خسران الباقي ويبقى رأس المال خمسين فإن اقتسما الربح خاصة ثم خسر عشرين فعلى العامل رد ما أخذه وبقي رأس المال تسعين لأن العشرة الباقية مع رب المال تحسب من رأس المال

مسألة وإذا ظهر الربح لم يكن للعامل أخذ شيء إلا بإذن رب المال

(فصل) ومهما بقي العقد على رأس المال وجب جبر خسرانه من ربحه وإن اقتسما الربح قال الأثرم سمعت أبا عبد الله يسئل عن المضارب يربح ويضع مراراً فقال يرد الوديعة على الربح إلا أن يقبض المال صاحبه ثم يرده إليه فيقول أعمل به ثانية فما ربح بعد ذلك لا يجبر به وضيعة الأول فهذا ليس في نفسي منه شئ وأمامالم يدفع فحتى يحتسبا حساباً كالقبض كما قال ابن سيربن، قيل وكيف يكون حساباً كالقبض؟ قال يظهر المال يعني ينض ويجئ فيحتسبان عليه فإن شاء صاحب المال قبضه، قيل له فيحتسبان على المتاع؟ فقال لا يحتسبان إلا على الناض لأن المتاع قد ينحط سعره ويرتفع. قال أبو طالب قيل لاحمد رجل دفع الى رجل عشرة آلاف درهم مضاربة فوضع فبقيت ألف فحاسبه صاحبها ثم قال له أذهب فاعمل بها فربح؟ قال يقاسمه ما فوق الألف يعني إذا كانت الألف ناضة حاضرة إن شاء صاحبها قبضها فهذا الحساب الذي كالقبض فيكون أمره بالمضاربة بها في هذه الحال ابتداء مضاربة ثانية كما لو قبضها منه ثم ردها اليه فأما قبل ذلك فلا شئ للمضارب حتى يكمل عشرة آلاف ولو أن رب المال والمضارب اقتسما الربح وأخذ أحدهما شيئاً بإذن الآخر والمضاربة بحالها ثم خسر المضارب رد ما أخذ من الربح لا ننا تبينا أنه ليس بربح ما لم تنجبر الخسارة والله أعلم (مسألة) (وإذا ظهر الربح لم يكن للعامل أخذ شئ إلا بإذن رب المال) لا نعلم في هذا بين أهل العلم خلافاً لثلاثة أمور، أحدها أن الربح وقاية لرأس المال فلا يؤمن الخسران الذي يكون هذا الربح جابراله فيخرج بذلك عن كونه ربحا، الثاني أن رب المال شريكه فلم يكن له مقاسمة نفسه الثالث، أن ملكه غير مستقر عليه لأنه بعرض أن يخرج عن يديه لجبران خسارة المال فإن أذن رب المال في ذلك جاز لأن الحق لا يخرج عنهما (مسألة) (وإذا طلب العامل البيع فأبى رب المال أجبر إن كان فيه ربح وإلا فلا)

مسألة وإن انفسخ القراض والمال عرض فرضي رب المال أن يأخذ بماله عرضا أو طلب البيع فله ذلك

وجملة ذلك أن المضاربة من العقود الجائزة تنفسخ بفسخ أحدهما أيهما كان وبموته والحجر عليه لسفه كالوكالة، ويستوي في ذلك ما قبل التصرف وبعده فإن انفسخت والمال ناض لا ربح فيه أخذه وبه فان كان فيه ربح قسماه على ما شرطا فإن انفسخت والمال عرض فاتفقا على بيعه أو قسمه جاز لأن الحق لهما فجاز ما اتفقا عليه وإن طلب العامل البيع فأبى رب المال وقد ظهر في المال ربح أجبر رب المال على البيع وهذا قول الثوري واسحاق لأن حق العامل في الربح ولا يظهر إلا بالبيع وإن لم يظهر ربع لم يجبر لأنه لاحق له فيه وقد رضيه مالكه كذلك فلم يبجر على بيعه وهذا ظاهر مذهب الشافعي، وقال بعضهم فيه وجه آخر أنه يجبر لأنه ربما زاد فيه راغب فزاد على ثمن الثمل فيكون للعامل في البيع حظ ولنا أن المضارب إنما استحق الربح إلى حين الفسخ وذلك لا يعلم إلا بالتقويم الا ترى أن المستعير إذا غرس أو بنى أو المشتري كان للمعير والشفيع أن يدفعا قيمة ذلك الى مستحق الأرض؟ فههنا أولى وما ذكروه من احتمال الزيادة بزيادة راغب على القيمة فإنما حدث ذلك بعد فسخ العقد فلا يستحقها العامل (مسألة) (وإن انفسخ القراض والمال عرض فرضي رب المال أن يأخذ بماله عرضاً أو طلب البيع فله ذلك) أما إذا رضي رب المال أن يأخذ بماله عرضاً فله ذلك لأنه أسقط البيع عن المضارب وأخذ العروض بثمنها الذي يحصل من غيره، وأما إذا طلب البيع وأبى العامل ففيه وجهان (أحدهما) يجبر العامل عليه وهو قول الشافعي لان عليه رد المال ناضاً كما أخذه (والثاني) لا يجبر إذا لم يكن في المال ربح وأسقط العامل حقه من الربح لأنه بالفسخ زال تصرفه وصار أجنبياً من المال فأشبه الوكيل إذا اشترى ما يستحق رده فزالت وكالته قبل رده، ولو كان رأس المال دنانير فصار دراهم أو بالعكس فهو كما لو كان عرضاً على ما شرح وإذا نض رأس المال جميعه لم يلزم العامل أن ينض له الباقي لأنه شركة بينهما ولا يلزم الشريك أن ينض مال شريكه ولأنه إنما لزمه أن ينض راس المال ليرد إليه المال على صفته ولا يوجد هذا المعنى في الربح.

مسألة وإن كان دينا لزم العامل تقاضيه

(مسألة) (وإن كان ديناً لزم العامل تقاضيه) سواء ظهر في المال ربح أولم يظهر وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة لا يلزمه إلا أن يظهر ربح لأنه لا غرض له في العمل فهو كالوكيل ولنا أن المضاربة تقتضي رد المال على صفته والديون لا تجري مجرى الناض فلزمه أن ينضه كما لو ظهر ربح وكما لو كان رأس المال عرضاً، ويفارق الوكيل فإنه لا يلزمه رد المال كما قبضه ولهذا لا يلزمه بيع العروض ولا فرق بين كون الفسخ من العامل أو رب المال فأن اقتضى منه قدر رأس المال أو كان الدين قدر الربح أو دونه لزم العامل تقاضيه أيضاً لأنه إنما يستحق نصيبه من الربح عند وصوله إليهما على وجه يمكن قسمته ووصول كل واحد منهما إلى حقه لا يحصل ذلك إلا بعد تقاضيه (فصل) إذا مات أحد المتقارضين أو جن انفسخ القراض وقد ذكرناه فإن كان برب المال فأراد الوارث أو وليه إتمامه والمال ناض جازو يكون رأس المال وحصته من الربح رأس المال وحصة العامل من الربح شركة له مشاع وهذه الإشاعة لا تمنع لأن الشريك هو العامل وذلك لا يمنع التصرف: وإن كان المال عرضاً وأرادوا إتمامه فظاهر كلام أحمد جوازه لأنه قال في رواية علي بن سعيد إذا مات رب المال لم يجز للعامل أن يبيع ويشتري إلا بإذن الورثة، فظاهر هذا إبقاء العامل على قراضه وهو منصوص الشافعي لأن هذا إنمام للقراض لا ابتداء له ولأن القراض إنما منع منه في العروض لأنه يحتاج عند المفاصلة الى رد مثلها أو قيمتها ويختلف ذلك باخلاف الأوقات وهذا غير موجود ههنا لأن رأس المال غير العروض وحكمه باق الا ترى أن للعامل أن يبيعه ليسلم رأس المال ويقسم الباقي؟ وذكر القاضي وجهاً آخر أنه لا يجوز لأن القراض قد بطل بالموت وهذا اتبداء قراض على عروض، قال شيخنا وهذا الوجه أقيس لأن المال لو كان ناضاً كان ابتداء قرض وكانت حصة العامل من الربح شركة يختص بها دون رب المال

مسألة وإن قارض في المرض فالربح من راس المال وإن زاد على أجر المثل

وإن كان المال ناقصاً بخسارة أو تلف كان راس المال الموجود منه حال ابتداء القراض فلو جوزنا ابتداء القراض ههنا وبناء هما على القراض لصارت حصة المضاربة من الربح غير مختصة به وحصتها من الربح مشتركة بينهما وحسبت عليه العروض بأكثر من قيمتها فيما إذا كان المال ناقصاً، وهذا لا يجوز في القراض بلا خلاف وكلام أحمد محمول على أنه يبيع ويشتري بإذن الورثة كبيعه وشرائه بعد انفساخ القراض، فأما إن مات العامل أو جن وأراد رب المال ابتداء القراض مع وارثه أو وليه والمال ناض جاز كما قلنا فيما إذا مات رب المال، وإن كان عرضاً لم يجز ابتداء القراض على العروض بأن تقوم العروض ويجعل رأس المال قيمتها يوم العقد لأن الذي كان منه العمل قد جن أو مات وذهب عمله ولم يخلف أصلايني عليه وارثه بخلاف ما إذا مات رب المال فأن مال القراض موجود ومنافعه موجودة فأمكن استدامة العقد وبناء الوارث عليه، وإن كان المال ناضاً جاز ابتداء القراض فيه فإن لم يبتدئاه لم يكن للوارث شراء ولا يبع لأن رب المال إنما رضي باجتهاد وارثه فإذا لم يرض ببيعه رفعه إلى الحاكم ليبيعه فإن كان الميت رب المال فليس للعامل الشراء لأن القراض انفسخ وأما البيع فالحكم فيه وفي التقويم واقتضاء الدين على ما ذكرناه إذا انفسخت المضاربة ورب االمال حي (مسألة) (وإن قارض في المرض فالربح من رأس المال وإن زاد على أجر المثل) إذا قارض في مرضه صح لأنه عقد يبتغي فيه الفضل أشبه البيع والشراء وللعامل ما شرط له وإن زاد على أجر مثله ولا يحتسب به من ثلثه لأن ذلك غير مستحق من رب المال وإنما حصل بعمل المضارب فما يوجد من الربح المشروط يحدث على ملك العامل ولا يزاحم به أصحاب الوصايا لأنه لو أقرض المال كان الربح كله للمقترض فبعضه أولى وهذا بخلاف ما لو حابى الأجير في الأجرة فإنه يحتسب بما حاباه من ثلثه لأن الأجر يؤخذ من ماله، ولو شرط في المساقاة والمزارعة أكثر من أجر المثل احتمل أن لا

مسألة وإن مات المضارب ولم يعرف مال المضاربة فهو دين في تركته

يحتسب به من ثلثه لأن الثمرة تخرج على ملكيهما كالربح في المضاربة واحتمل أن يكون من ثلثه لأن الثمرة زيادة في ملكه خارجة من عينه والربح لا يخرج من عين المال إنما يحتل بالتقليب (مسألة) (ويقدم به على سائر الغرماء إذا مات رب المال) لأنه يملك الربح بالظهور فكان شريكا فيه ولأن حقه متعلق بعين المال دون الذمة فكان متقدماً على المتعلق بالذمة كحق الجناية أو كالمرتهن (مسألة) (وإن مات المضارب ولم يعرف مال المضاربة فهو دين في تركته) وكذلك الوديعة ولصاحبه أسوة الغرماء وقال الشافعي ليس على المضارب شئ لأنه لم يكن في ذمته وهو حي ولم يعلم حدوث ذلك بالموت فإنه يحتمل أن يكون المال قد هلك ولنا أن الأصل بقاء المال في يده واختلاطه بجملة التركة ولا سبيل إلى معرفة عينه فكان ديناً كالوديعة إذا لم يعرف عينها وكما إذا خلطها بماله على وجه لا يتميز منه ولأنه لا سبيل إلى إسقاط حق رب المال لأن الأصل بقاؤه ولم يوجد ما يعارض ذلك ويخالفه ولا سبيل إلى إعطائه عيناً من التركة لأنه يحتمل أن تكون غير مال المضاربة فلم يبق إلا تعلقه بالذمة (فصل) قال رضي الله عنه (والعامل أمين والقول قوله فيما يدعيه من هلاك وخسران) لأنه متصرف في مال غيره بإذنه لا يختص بنفعه أشبه الوكيل بخلاف المستعير فإن قبضه المنفته خاصة والقول قوله فيما يدعيه من تلف المال أو بعضه أو خسارة فيه ولا ضمان عليه في ذلك كالوكيل والقول قوله فيما يدعى عليه من خيانة أو تفريط وفيما يدعي أنه اشتراه لنفسه أو للقراض لأن الإختلاف ههنا في نيته وهو أعلم بها لا يطلع عليها غيره فكان القول قوله فيما نواه كما لو اختلف الزوجان في نية الزوج بكناية الطلاق ولأنه أمين في الشراء فكان القول قوله كالوكيل، ولو اشترى عبداً فقال رب المال كنت نهيتك عن شرائه فأنكر العامل فالقول قوله لأن الأصل عدم النهي ولا نعلم في هذا كله خلافاً وكذلك القول قوله في

مسألة والقول قول رب المال في رده إليه مع يمينه

قدر راس المال كذلك قال الثوري واسحاق وأصحاب الرأي حكاه عنهم ابن المنذر وقال أجمع على هذا كل من نحفظ عنه من أهل العلم وبه نقول لأنه يدعي عليه قبض شئ وهو ينكره والقول قول المنكر (مسألة) (والقول قول رب المال في رده إليه مع يمينه) نص عليه أحمد ولا صحاب الشافعي وجهان أحدهما كقولنا والآخر يقبل قول العامل لأنه أمين ولأن معظم النفع لرب المال فالعامل كالمودع وينبغي أن يخرج لنا مثل ذلك بناء على دعوى الوكيل الرد إذا كان بجعل، ووحه الأول أنه قبض المال لنفع نفسه فلم يقبل قوله في الرد كالمستعير ولأن رب المال منكر والقول قول المنكر والمودع لا نفع له في الوديعة وقولهم أن معظم النفع لرب المال ممنوع وإن سلم إلا أن المضارب لم يقبضه إلا لنفع نفسه لم يأخذه لنفع رب المال. (مسألة) (وفي الجزء المشروط للعامل) إذا اختلفا فيما شرط للعامل ففيه روايتان (إحداهما) القول قول رب المال نص عليه في رواية ابن منصور وسندي وبه قال الثوري واسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي وابن المنذر لأن رب المال منكر للزيادة التي ادعاها العامل والقول قول المنكر (والثانية) أن العامل أن ادعى أجر المثل أو ما يتغابن الناس به فالقول قوله لأن الظاهر صدقه وإن ادعى أكثر فالقول قول رب المال فيما زاد على أجر الثمل كالزوجين إذا اختلفا في الصداق وقال الشافعي يتحالفان لأنهما اختلفا في عوض عقد فيتحالفان كالمتبايعين

مسألة وإن قال أذنت لي في البيع نسأ وفي الشراء بخمسة فأنكره رب المال وقال: إنما أذنت لك في البيع نقدا

ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (ولكن اليمين على المدعى عليه) ولأنه اختلاف في المضاربة فلم يتحالفا كسائر ما قدمنا اختلافهما فيه والمتبايعان يرجعان على رءوس امولهما بخلاف ما نحن فيه (مسألة) (وإن قال أذنت لي في البيع نساء وفي الشراء بخسمة فأنكره رب المال وقال إنما أذنت لك في البيع نقدا وفي الشراء بأربعة فالقول قول العامل) نص عليه أحمد وبه قال أبو حنيفة وقيل القول قول رب المال وهو قول الشافعي لأن الاصل عدم الأذن ولأن القول قول رب المال في أصل الإذن فكذلك في صته. ولنا أنهما اتفقا على الإذن واختلفا في صفته فكان القول قول العامل كمما لو قال نهيتك عن شراء عبد فأنكر النهي. (مسألة) (وإن قال ربحت الفاثم خسرتها أو تلفت قبل قوله) لأنه أمين يقبل قوله فقبل في الخسارة كالو كيل: (مسألة) (وإن قال غلطت أو نسيت لم يقبل قوله) لأنه مقر بحق لآدمي فلم يقبل قوله في الرجوع عنه كما لو أقربان رأس المال الف ثم رجع ولو أن العامل خسر فقال لرجل أقرضني ما أتمم به رأس المال لأعرضه على ربه فإني أخشى أن ينزعه مني أن علم بالخسارة فأقرضه فعرضه على رب المال فقال هذا راس مالك فأخذه فله ذلك، وذلك ولا يقبل رجوع العامل عن إقراره إن رجع ولا شهادة المقرض له لأنه يجر إلى نفسه نفعاً وليس له مطالبة رب المال لأن العامل ملكه بالقرض ثم سلمه الى رب المال وأقر أنه له ولكن يرجع المقرض على العامل لا غير

(فصل) وإذا دفع رجل إلى رجلين مالا قراضا على النصف فنض المال وهو ثلاثة آلاف فقال رب المال رأس المال ألفان فصدقه أحدهما وقال الآخر بل هو ألف فالقول قول المنكر مع يمينه فإذا حلف أنه ألف فالربح ألفان ونصيبه منهما خمسمائة يبقى ألفان وخمسمائة يأخذ رب المال ألفين لأن الآخر يصدقه يبقى خمسمائة ربحا بين رب المال والعامل الأخر يقتسمانه أثلاثاً لرب المال ثلثا ها وللعامل ثلثها وذلك لأن نصيب رب المال نصف الربح ونصيب العامل ربعه فيقسم بينهما باقي الربح على ثلاثة وما أخذه الحالف فيما زاد على قدر نصيبه كالتالف منهما والتالف يحسب في المضاربة من الربح وهذا قول الشافعي (فصل) إذا دفع إلى رجل ألفا يتجر فيه فربح فقال العامل كان قرضاً لي ربحه كله وقال رب المال كان قراضاً ربحه بيننا فالقول قول رب المال لأنه ملكه فكان القول قوله في صفة خروجه عن يده فإذا حلف قسم الربح بينهما، ويحتمل أن يتحالفا ويكون للعامل أكثر الأمرين مما شرط له من الربح أو أجر مثله لأنه إن كان الأكثر نصيبه من الربح فرب المال معترف له وبه وهو يدعي الربح كله وإن كان أجر مثله أكثر فالقول قوله في عمله كما أن القول قول رب المال في ما له فإذا حلف قبل قوله في أنه ما عمل بهذا الشرط إنما عمل لغرض لم يسلم له فيكون له أجر المثل، فإن أقام كل واحد منهما بينة

بدعواه فنص أحمد في رواية منها أنهما يتعارضان ويقسم المال بينهما نصفين، وإن قال رب المال كان بضاعة وقال العامل كان قراضاً احتمل أن يكون القول قول العامل لأن عمله له فيكون القول قوله فيه ويحتمل أن يتحالفا ويكون للعامل أقل الأمرين من نصيبه من الربح أو أجر مثله لأنه يدعي أكثر من نصيبه من الربح فلم يستحق زيادة وإن كان الأقل أجر مثله فلم يثبت كونه قراضاً فيكون له أجر عمله، وإن قال رب المال كان بضاعة وقال العامل كان قرضاً حلف كل واحد منهما على إنكار ما ادعاه خصمه وكان للعامل أجر عمله لا غير وإن خسر المال أو تلف فقال رب المال كان قرضاً وقال العامل كان قراضاً أو بضاعة فالقول قول رب المال (فصل) وإذا شرط المضارب النفقة ثم ادعى أنه أنفق من ماله وأراد الرجوع فله ذلك سواء كان المال باقياً في يديه أو قد رجع إلى مالكه وبه قال أبو حنيفة إذا كان المال في يديه وليس له ذلك بعد رده. ولنا أنه أمين فكان القول قوله في ذلك كما لو كان باقياً في يديه وكالوصي إذا ادعى النفقة على اليتيم (فصل) إذا كان عبد بين رجلين فباعه أحدهما بأمر الآخر بألف وقال له اقبض ثمنه وادعى المشتري أنه قضه وصدقه الذي لم يبع برئ المشتري من نصف ثمنه لاعتراف شريك البائع بقبض وكيله حقه فبرئ المشتري منه كما لو أقر بقبضه بنفسه وتبقى الخصومة بين البائع وشريكه والمشتري

فإن خاصمه شريكه وادعى عليه أنك قبضته نصيبي من الثمن فأنكر فالقول قوله مع يمينه فإن كان للمدعي بينة حكم بها ولا تقبل شهادة المشتري له لانه يجبر بها إلى نفسه نفعاً وإن خاصم البائع المشتري فالقول قول البائع مع يمينه في عدم القبض لأنه منكر فإذا حلف أخذ من المشتري نصف الثمن ولا يشاركه فيه شريكه لأنه يقر أنه يأخذه ظلماً فلا يستحق مشاركته فيه وإن كانت للمشتري بينة حكم بها ولا تقبل شهادة شريكه عليه شريكه عليه لأنه يجربها إلى نفسه نفعاً ومن شهد شهادة يجر بها إلى نفسه نفعاً بطلت شهادته في الكل، ولا فرق بين مخاصمة الشريك قبل مخاصمة المشتري أو بعدها وإن ادعى المشتري أن شريك البائع قبض الثمن منه فصدقه البائع نظرت فإن كان البائع أذن لشريكه في القبض فهي كالتي قبلها وإن لم يأذن له فيه لم تبرأ ذمة المشتري من شئ من الثمن لأن البائع لم يوكله في القبض فقبضه لا يلزمه ولا يبرأ المشتري منه كما لو دفعه إلى أجنبي، ولا يقبل قول المشتري على شريك البائع لأنه ينكره وللبائع بقدر نصيبه لا غير لأنه مقر أن شريكه قبض حقه ويلزم المشتري دفع نصيبه إليه من غير يمين لأن المشتري مقر ببقاء حقه وإن دفعه إلى شريكه لم تبرأ ذمته فإذا قبض حقه فلشريكه مشاركته فيما قبض لأن الدين لهما ثابت بسبب واحد فما قبض منه يكون بينهما كما لو كان ميراثاً وله أن لا يشاركه ويطالب المشتري بحقه كله ويحتمل أن لا يملك الشريك مشاركته فيما قبض لأن كل واحد منهما يستحق ثمن نصيبه الذي ينفرد به فلم يكن لشريكه مشاركته فيما قبض من ثمنه كما لو باع كل واحد نصيبه في

صففة، ويخالف الميراث لأن سبب استحقاق الورثة لا يتبعض فلم يكن للورثة تبعيضه وههنا يتبعض لأنه إذا كان البائع اثنين كان بمنزلة عقدين ولأن الوارث نائب عن الموروث فكان ما يقضه هو للموروث يشترك فيه جميع الورثة بخلاف مسئلتنا فإن ما يقبضه لنفسه، فإن قلنا له مشاركته فيما قبض فعليه اليمين أنه لم يستوف حقه من المشتري ويأخذ من القابض نصف ما قبضه ويطالب المشتري ببقية حقه إذا حلف له أيضاً أنه ما قبض منه شيئاً وليس للمقبوض منه أن يرجع على المشتري بعوض ما أخذ منه لأنه مقر أن المشتري قد برئت ذمته من حق شريكه وإنما أخذ منه ظلماً فلا يرجع بما ظلمه هذا على غيره، وإن خاصم المشتري شريك البائع وادعى عليه أنه قبض الثمن منه وكانت له بينة حكم بها وتقبل شهادة البائع له إذا كان عدلاً لأنه لا يجر إلى نفسه نفعاً ولا يدفع عنه ضرراً لأنه إذا ثبت أن شريكه قبض الثمن لم يملك مطالبته بشئ لأنه ليس بوكيل له في القبض فلا يقع قبضه له هكذا ذكر بعض أصحابنا، قال شيخنا وعندي لاتقبل شهادته له لأنه يدفع عن نفسه ضرر مشاركة شريكه له فيما يقضه من المشتري فإذا لم يكن بينه فحلف أخذ من المشتري نصف الثمن وإن نكل أخذ المشتري منه نصفه (فصل) وإذا كان العبد بين اثنين فغصب رجل نصيب أحدهما بأن يستولي على العبد ويمنع أحدهما

الانتفاع دون الآخر ثم أن مالك نصفه والغاصب باعا العبد صفقة واحدة صح في نصيب المالك وبطل في نصيب الغاصب، وإن وكل الشريك الغاصب أو وكل الغاصب الشريك في البيع فباع العبد كله صفقة واحدة بطل في نصيب الغاصب في الصحيح وهل يصح في نصيب الشريك؟ على روايتين بناء على تفريق الصفقة وقد بطل البيع في بعضها فييطل في سائرها بخلاف ما إذا باع المالك والغاصب فإنهما عقدان لأن عقد الواحد مع الإثنين عقدان ولو أن الغاصب ذكر للمشتري أنه وكيل في نصفه لصح في نصيب الآذن لكونه كالعقد المنفرد. (فصل) إذا كان لرجلين دين بسبب واحد إما عقد أو ميراث أو استهلاك أو غير ذلك فقبض أحدهما منه شيئاً فللآخر مشاركته فيه في ظاهر المذهب وعن أحمد ما يدل على أن لأحدهما أخذ حقه دون صاحبه ولا يشاركه الآخر فيما أخذ وهو قول أبي العالية وأبي قلابة وابن سيرين وأبي عبيد، قيل لاحمد بعت أنا وصاحبي متاعاً بيني وبينه فأعطاني حقي وقال هذا حقك خامة وأنا أعطي شريكك بعد؟ قال لا يجوز قيل له فإن أخره أو أبرأه من حقه دون صاحبه؟ قال يجوز، قيل فقد قال أبو عبيد يجوز أن يأخذ دون صاحبه إذا كان له أن يؤخر ويبرئه دون صاحبه ففكر فيها ثم قال هذا يشبه الميراث إذا أخذ منه بعض الورثة دون بعض وقد قال ابن سيرين وأبو قلابة وأبو العالية من أخذ شيئاً فهو نصيبه قال فرأيته قد احتج له وأجازه قال أبو بكر العمل عندي على ما رواه حنبل وحرب أنه لا يجوز أن يكون نصيب

القابض له فيما أخذه لما في ذلك من قسمة الدين في الذمة من غير رضا الشريك فيكون المأخوذ ولا باقي جميعاً مشتركاً، ولغير القابض الرجوع على القابض بحصته من الدين سواء كان المال باقياً في يده أو أخرجه عنها برهن أو قضاء دين أو غيره، وله أن يرجع على الغريم لأن الحق يثبت في ذمته لهما على وجه سواء فليس له تسليم حق أحدهما إلى الآخر فإن أخذ من الغريم لم يرجع على الشريك بشئ لأن حقه ثبت في أحد المحلين فإذا اختار أحدما سقط حقه من الآخر، وليس للقابض منعه من الرجوع على الغريم بأن يقول أنا أعطيك نصف ما قبضت بل الخيرة إليه من أيهما شاء قبض فإن قبض من شريكه شيئاً رجع الشريك على الغريم بمثله فإن هلك المقبوض في يد القابض تعين حقه فيه ولم يضمنه للشريك لأنه قدر حقه فما تعدى بالقبض وإنما كان لشريكه مشاركته لثبوته في الأصل مشتركاً وإن أبرأ أحد الشريكين من حقه برئ منه لأنه بمنزلة تلفه ولا يرجع على غريمه بشئ وإن أبرأ أحدهما من عشر الدين ثم قبضا من الدين شيئاً اقتسماه على قدر حقهما في الباقي للمبرئ اربعة اتساعه ولشريكه خمسة أتساعه فإن قبضا نصف الدين ثم أبرأ أحدهما من عشر الدين كله نفذت في خمس الباقي وما بقي بينهما على ثمانية لمبرئ ثلاثة أثمانه وللآخر خمسة أثمانه فما قبضاه بعد ذلك اقتسماه على هذا، وإن اشترى أحدهما بنصيبه ثوباً أو غيره فللا خر إبطال الشراء فإن بذل له المشتري نصف الثوب ولا يبطل لم يلزمه ذلك وإن

أجاز البيع ليملك نصف الثوب انبنى على بيع الفضولي هل يقف على الإجازة أو لا؟ وإن أخر أحدهما حقه من الدين جاز لأنه لو اسقط حقه جاز فتأخيره أولى فإن قبض الشريك بعد ذلك شيئاً لم يكن لشريكه الرجوع عليه بشئ ذكره القاضي، والأولى إن له الرجوع لأن الدين الحال لا يتأجل بالتأجيل فوجود التأجيل كعدمه، وأما إذا قلنا بالرواية الأخرى وإن ما يقبضه أحدهما له دون صاحبه فوجهها أن ما في الذمة لا ينتقل الى العين إلا تسليمه الى غريمه أو وكيله وما قبضه أحدهما فليس لشريكه فيه قبض ولا لو كيله فلا يثبت له فيه حق ويكون لقابضه لثبوت يده عليه بحق فأشبه ما لو كان الدين بسببين وليس هذا قسمة الدين في الذمة وإنما تعين حقه بقبضه فأشبه تعينه بالإبراء ولأنه لو كان لغير لقابض حق في المقبوض لم يسقط بتلفه كسائر الحقوق ولأن هذا القبض إن كان بحق لم يشاركه غيره فيه كما لو كان الدين بسببين وإن كان بغير حق لم يكن له مطالبته لأن حقه في الذمة لا في العين فأشبه مالوا خذ غاصب منه مالا، فعلى هذا ما قبضه القابض يختص به وليس لشريكه الرجوع عليه، وإن اشترى بنصيبه شيئاً صح ولم يكن لشريكه إبطال الشراء، وإن قبض أكثر من حقه بغير إذن شريكه لم يبرأ الغريم مما زاد على حقه (فصل) الثالث شركة الوجوه وقد اختلف في تفسيرها قال الخرقي وهو أن يشترك اثنان بمال غيرهما وقال القاضي معناها أن يدفع واحد ماله الى اثنين مضاربة فكيون المضاربان شريكين في

مسألة والملك بينهما على ما شرطاه

الربح بمال غير هما لأنهما إذا أخذا المال بجاههما لم يونا مشتركين بملك غيرهما وهذا محتمل، وقال غيره معناها انعما اشتركا فيما يأخذان من مال غيرهما وحملوا كلام الخرقي على ذلك ليكون كلامه جامعاً لأنواع الشركة، وعلى تفسير القاضي تكون الشركة بين ثلاثة ويكون الخرقي قد أخل بذكر نوع من أنواع الشركة، وهي شركة الوجوه على تفسير القاضي فأما شركة الوجوه على ما ذكره شيخنا في الكتاب المشروح فهي أن يشترك اثنان فيما يشتريان بجاههما وثقة التجاربهما من غيران يكون لهما رأس مال على أن ما يشتريانه فهو بينهما نصفين أو أثلاثاً أو نحو ذلك ويبيعان ذلك فما قسم الله من الربح فهو بينهما فهي جائزة سواء عين أحدهما لصاحبه ما يشتريه أو قدره أو ذكر صنف المال أو لم يعين شيئاً من ذلك بل قال ما اشتريت من شئ فهو بيننا، قال أحمد في رواية ابن منصور في رجلين اشتركا بغير رءوس أموالهما على أن ما يشتريه كل واحد منهما بينهما فهو جائز وبهذا قال الثوري ومحمد بن الحسن وابن المنذر وقال أبو حنيفة لا يصح حتى يذكر الوقت أو المال أو صنفاً من الثياب، وقال مالك والشافعي يشترط ذكر شرائط الوكالة لأن شرائط الوكالة معتبرة في ذلك من تعيين الجنس وغيره من شروط الوكالة لأن كل واحد منهما وكيل صاحبه ولنا أنهما اشتركا في الابتياع وأذن كل واحد منهما للآخر فيه فصح وكان يتبايعانه بينهما كما لو ذكرا شرائط الوكالة وقولهم أن الوكالة لا تصح حتى يقدر الثمن والنوع ممنوع وإن سلم فإنما يعتبر في الوكالة المفردة أما الوكالة الداخلة في ضمن الشركة فلا يعتبر فيها ذلك بدليل المضاربة وشركة العنان فإن في ضمنها توكيلاً ولا يعتبر فيها شئ من هذا كذا ههنا، فعلى هذا إن قال لرجل ما اشتريت اليوم من شئ فهو بيني وبينك نصفان أو أطلق الوقت فقال نعم أو قال ما اشتريت أنا من شئ فهو بيني وبينك نصفان جازو كانت شركة صحيحة لأنه أذن له في التجارة على أن يكون المبيع بينهما وهذا معنى الشركة ويكون توكيلاً له في شراء نصف المتاع بنصف الثمن فيستحق الربح في مقابلة ملكه الحاصل في المبيع سواء خص ذلك بنوع من المتاع أو أطلق وكذلك لو قالا ما اشتريناه

مسألة وهما في التصرف كشريكي العنان

أو ما اشتراه أحدنا من تجارة فهو بيننا فكل واحد وكيل صاحبه كفيل عنه بالثمن لأن مبناها على الوكالة والكفالة لأن كل واحد منهما وكيل الآخر فيما يشتريه ويبيعه كفيل عنه بذلك (مسألة) (والملك بينهما على ما شرطاه) لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمنون على شروطهم، والوضيعة على قدر ملكيهما قياساً على شريكي العنان لأنها في معناها، والربح بينهما على ما شرطاه لذلك، ويحتمل أن يكون على قدر ملكيهما قاله القاضي لأن الربح يستحق بالضمان إذ الشركة وقعت عليه خاصة إذ لا مال لهما فيشتركان على العمل فيه والضمان لا تفاضل فيه فلا يجوز التفاضل في الربح ولانها شريكان في العمل والمال فجاز تفاضلهما في الربح مع تساو يهما في المال كشريكي العنان (مسألة) (وهما في التصرفات كشريكي العنان) يعني فيما يجب لهما وعليهما وفي إقراهما وخصومتهما وغير ذلك على ما ذكرناه وأيهما عزل صاحبه عن التصرف انعزل لأنه وكيله، وسميت شركة الوجوه لأنهما اشتركا فيما يشتريان بجاهما والجاه والوجه واحد يقال فلان وجيه إذا كان ذا جاه قال الله تعالى في موسى عليه السلام (وكان عند الله وجيها) (فصل) الرابع شركة الأبدان وهي أن يشتركا فيما يكتسبان بأبدانهما فهي شركة صحيحة فهي أن يشترك اثنان أو أكثر فيما يكتسبونه من المباح كالحطب والحشيش والثمار المأخوذة من الحبال والاصطياد والمعادن والتلصص على دار الحرب فهذا جائز نص عليه أحمد في رواية أبي طالب فقال

لا بأس ان يشترك القوم بأبدانهم وليس لهم مال مثل الصيادين والحمالين والنخالين قد أشرك انبي صلى الله عليه وسلم بين عمار وسعد وابن معسود فجاء سعد بأسيرين ولم يجيئا بشئ، وفسر أحمد صفة الشركة في الغنيمة فقال يشتركان فيما يصيبان من سلب المقتول لأن القاتل يختص به دون الفانمين وبه قال مالك وقال أبو حنيفة يصح في الصناعة ولا يصح في اكتساب المباح كالاحتشاش والاغتنام لأن الشركة مقتضاها الوكالة ولا تصح الوكالة في هذه الأشياء لأن من أخذها ملكها، وقال الشافعي شركة الأبدان كلها فاسدة لأنها شركة على غير مال فلم تصح كما لو اختلفت الصناعات ولنا ما ورى أبو داود والاثرم بإسنادهما عن عبد الله قال اشتركنا أنا وسعد وعمار يوم بدر فلم أجئ انا عمار بشئ وجاء سعد بأسيرين. ومثل هذا لا يخفى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أقرهم وقد قال أحمد أشرك بينهم النبي صلى الله عليه وسلم فإن قيل فالمغانم مشتركة بين الغانمين بحكم الله تعالى فكيف يصح اختصاص هؤلاء بالشركة فيها؟ وقال بعض الشافعية غنائم بدر كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فكان له أن يدفعها إلى من يشاء فيحتمل أن يكون فعل ذلك لهذا قلنا أما الأول فالجواب عنه أن غنائم بدر كانت لمن أخذها قبل أن يشرك الله تعالى بينهم ولهذا نقل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من أخذ شيئاً فهو له) فكان ذلك من قبل المباحات من سبق إلى شيئ فهو له ويجوز أن يكون شرك بينهم فيما يصيبون من الاسلاب والنقل إلا أن الأول أصح لقوله جاء سعد بأسيرين ولم أجئ أنا وعما بشئ

مسألة وتصح مع اتفاق الصنائع رواية واحدة فأما مع اختلافهما ففيه وجهان

وأما الثاني فإن الله تعالى إنما جعل الغنيمة لنبيه عليه السلام بعد أن غنموا واختلفوا في الغنائم فانزل الله تعالى (يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول) والشركة كانت قبل ذلك ويدل على صحة هذا أنها لو كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأما أن يكون قد أباحهم أخذها فصارت كالمباحات أولم يبحها لهم فكيف يشتركون في شئ لغيرهم؟ وفي هذا الخبر حجة على أبي حنيفة أيضاً لأنهم اشتركوا في مباح وفيما ليس بضاعة وهو يمنع ذلك ولأن العمل أحد جهتي المضاربة فصحت الشركة عليه كالمال وعلى أبي حنيفة أيضاً أنهما اشتركا في مكسب مباح فصح كما لو اشتركا في الخياطة والقصارة ولا نسلم أن الوكالة لا تصح في المباحات فإنه يصح أن يستنيب في تحصيلها بأجرة فكذلك يصح بغير عوض إذا تبرع آخذها بذلك كالتوكيل في بيع ماله ومبناهما على الوكالة لأن كل واحد منهما وكيل صاحبه وما يتقبله كل واحد منهما من الأعمال فهو من ضمانهما يطالب به كل واحد منهما (مسألة) (وتصح مع اتفاق الصنائع رواية واحدة فأما مع اختلافهما ففيه وجهان (أحدهما) لا تصح اختاره أبو الخطاب وهو قول مالك لأن مقتضاها أن ما يتقبله كل واحد منهما من العمل يلزمها ويطالب به كل واحد منهما فإذا تقبل أحدهما شيئاً مع اختلاف صنائعهما لم يمكن الآخر إن يقوم به فكيف يلزمه عمله؟ أم كيف يطالب بما لا قدرة له عليه؟ (والثاني) تصح اختاره القاضي لأنهما اشتركا في مكسب مباح فصح كما لو اتفقت الصنائع ولأن الصنائع المتفقة قد يكون أحد الرجلين أحذق فيها من الآخر فربما يتقبل احدهما مالا يمكن الآخر عمله ولم يمنع ذلك صحتها فكذلك إذا اختلفت الصنائع

مسألة وإن مرض أحدهما فالكسب بينهما فإن طالبه الصحيح أن يقيم مقامه لزم ذلك

وقولهم يلزم كل واحد منهما ما يتقبله صاحبه قال القاضي يحتمل أن لا يلزمه ذلك كالوكيلين بدليل صحتها في المباح ولا ضمان فيها وإن قلنا يلزمه أمكنه تحصيل ذلك بالأجرة أو بمن يتبرع له بعمله ويدل على صحة هذا أنه لو قال أحدهما أنا أتقبل وأنت تعمل صحت الشركة وعمل كل واحد منهما غير عمل صاحبه. وقال زفر لا تصح الشركة إذا قال أحدهما أنا أتقبل وأنت تعمل ولا يستحق العامل المسمى وإنما له أجر المثل. ولنا أن الضمان يستحق به الربح بدليل شركة الابدان وتقبل العمل يوجب الضمان على المتقبل ويستحق به الربح فصار كتقبله المال في المضاربة والعمل يستحق به العامل الربح كعمل المضارب فينزل منزلة المضاربة (فصل) والربح في شركة الأبدان على ما اتفقوا عليه من مساواة أو تفاضل لأن العمل يستحق به الربح وقد يتفاضلان في المعل فجاز تفاضلهما في الربح الحاصل به ولكل واحد منهما المطالبة بالأجرة وللمستأجر دفعها إلى كل واحد منهما وأيهما دفعها إليه برئ منها، وإن تلفت في يد أحدهما من غير تفريط فهي من ضمانهما لأنهما كالوكيلين في المطالبة، وما يتفبله كل واحد منهما من الأعمال فهو من ضمانهما يطالب به كل واحد منهما ويلزمه عمله لأن هذه الشركة لا تنعقد إلا على المضان ولا شئ فيها تنعقد عليه الشركة حال الضمان فكأن الشركة تضمنت ضمان كل واحد منهما عن الآخر ما يلزمه

مسألة وإن اشتركا ليحملا على دابتيهما والأجرة بينهما صح

وقال القاضي يحتمل أن لا يلزم أحدهما ما لزم الآخر كما ذكرنا من قبل وما يتلف بتعدي أحدهما أو تفريطه أو تحت يده على وجه يوجب الضمان عليه فهو عليه وحده وإن أقر أحدهما بما في يده قبل عليه وعلى شريكه لان اليد له فيقبل إقراره بما فيها ولا يقبل إقراره بما في يد شريكه ولا بدين عليه لان لا يدله على ذلك (مسألة) (وإن مرض أحدهما فالكسب بينهما فإن طالبه الصحيح أن يقيم مقامه لزمه ذلك) وجملة ذلك أنه إذا عمل أحدهما دون الآخر فالكسب بينهما قال ابن عقيل نص عليه أحمد في رواية إسحاق بن هانئ وقد سئل عن الرجلين يشتركان في عمل الأبدان فيأتي أحدهما بشئ ولا يأتي الآخر بشئ؟ فقال نعم هذا بمنزلة حديث سعد وعمار وابن مسعود يعني حيث اشتركوا فجاء سعد بأسيرين وأخفق الآخران ولا ن العمل مضمون عليهما معاً وبضمانهما له وجبت الأجرة فتكون لهما كما كان الضمان عليهما ويكون العامل عونا لصاحبه في حصته ولا يمنع ذلك استحقاقه كم استأجر رجلاً ليقصر له ثوباً فاستعان القاصر بإنسان فقصر معه كانت الأجرة للقصار المستأجر كذاههنا وسواء ترك العمل لمرض أو غيره فإن طالب أحدهما الآخران يعمل معه أو يقيم مقامه من يعمل فله ذلك فإن امتنع فللآخر الفسخ ويحتمل أنه إذا ترك العمل لغير عذر أن لا يشارك صاحبه في أجرة ما عمله

مسألة فإذا تقبلا حمل شيء فحملاه عليهما أو على غير الدابتين صحت الشركة

دونه لأنه إنما شاركه ليعملا جميعاً فإذا ترك أحدهما العمل فما وفى بما شرط على نفسه فلم يستحق ما جعل له في مقابلته وإنما احتمل ذلك فيما إذا تركه لعذر لأنه لا يمكن التحرز منه (مسألة) (وإن اشتركا ليحملا على دابتيهما والأجرة بينهما صح) لأنه نوع من الاكتساب والدابتان آلتان فأشبها الأداة (مسألة) (فإذا تقبلا حمل شئ فحملاه عليهما أو على غير الدابتين صحت الشركة) والأجرة بينهما على ما شرطاه لأن تقبلهما الحمل أثبت الضمان في ذمتهما ولهما أن يحملا بأي ظهر كان والشركة تنعقد على الضمان كشركة الوجوه فأشبه مالو تقب قصارة فقصراها بغير أداتهما (مسألة) (وإن أجراهما بأعيانهما فلكل واحد منهما أجرة دابته) أما إذا أجرا الدابتين بأعيانهما على حمل شئ بأجرة معلومة واشتركا على ذلك لم تصح الشركة ولكل واحد منهما أجرة دابته لأنه لم يجب ضمان الحمل في ذممهما وإنما استحق المكتري منفعة البهيمة التي استأجرها ولهذا تنفسخ الإجارة بموت الدابة المستأجرة ولأن الشركة إما أن تنعقد على الضمان في ذممهما او على عملهما وليس هذا بواحد منهما فانه لم يثبت في ذممهما ضمان ولا عملا بأبدانهما ما تجب الأجرة في مقابلته ولأن الشركة تنضمن الوكالة والوكالة على هذا الوجه لا تصح ولهذا قال اجر

عبدك وتكون اجرته بيني وبينك لم يصح كما لو قال بع عبدك وثمنه بيننا لم يصح قال شيخنا ويحتمل أن تصح الشركة كما لو اشتركا فيما يكتسبان بأبدانهما من المباح فإن أعان أحدهما صاحبه في التحميل والنقل كان له أجر مثله لأنها منافع وفاها بشبهة عقد (فصل) فإن كان لأحدهما أداة قصارة ولآخر بيت فاشتركا على أن يعملا بأداة هذا في بيت هذا والكسب بينهما جاز والأجرة على ما شرطاه لأن الشركة وقعت على عملهما والعمل يستحق به الربح في الشركة والآلة والبيت لا يستحق بهما شئ لأنهما يستعملان في العمل المشترك فصارا كالدابتين اللتين أجرهما لحمل الشئ الذي تقبلا حمله، وإن فسدت الشركة قسم الحاصل لهما على قدر أجر عملهما وأجر الدار والأداة، وإن كانت لأحدهما آلة وليس للآخر شئ أو لأحدهما بيت وليس للآخر شئ فاتفقا على أن يعملا بالآلة أو في البيت والأجرة بينهما جاز لما ذكرنا (فصل) وإن دفع رجل دابته الى آخر ليعملا عليها وما رزق الله بنيهما نصفين أو أثلاثاً أو ما شرطاه صح نص عليه أحمد في رواية الأثرم ومحمد بن أبي حرب وامد بن سعيد ونقل عن الاوزاعي ما يدل عليه هذا وكره ذلك الحسن والنخعي، وقال الشافعي وأبو ثور وابن المنذر وأصحاب الرأي لا يصح والربح كله لرب الدابة لأن الحمل الذي يستحق به العوض منها وللعامل أجر مثله لأن هذا ليس من أقسام الشركة إلا أن تكون المضاربة ولا تصح المضاربة بالعروض ولأن المضاربة تكون

بالتجارة في الأعيان وهذه لا يجوز بيعها ولا إخراجها عن ملك مالكها وقال القفاضي يتخرج أن لا يصح بناء على أن المضاربة بالعروض لا تصح فعلى، هذا إن كان أجر الدابة بعينها فالاجرة لما لكها وإن تقبل حمل شئ فحمله عليها أو حمل عليها شيئاً مباحاً فباعه فالأجرة والثمن له وعليه أجر مثلها لما لكها ولنا أنها عين تنمى بالعمل عليها فصح العقد ببعض نمائها كالدارهم والدنانير وكالشجر في المساقاة والأرض في المزارعة قولهم ليس من أقسام الشركة ولا هو مضاربة قلنا نعم لكنه يشبه المساقاة المزارعة فإنه دفع لعين المال إلى من يعمل عليها ببعض نمائها مع بقاء عينها وبهذا يتبين أن تخرجها على المضاربة بالعروض فاسد فإن المضاربة إنما تكون بالتجارة والتصرف في رقبة المال وهذا بخلافه وذكر القاضي في موضع آخر أن من استأجر دابة بنصف ما يرزق الله تعالى أو ثلثه جاز قال شيخنا ولا أرى لهذا وجهاً فإن الاجارة يشترط لصحاها العلم بالعوض وتقدير المدة أو العمل ولم يوجد ولأن هذا عقد غير منصوص عليه ولا هو في معنى المنصوص فهو كسائر العقود الفاسدة إلا أن يريد بالإجارة المعاملة على الوجه الذي تقدم وقد اشاره أحمد إلى ما يدل على تشبيهه لمثل هذا بالمزارعة فقال لا باس

بالثوب يدفع بالثلث والربع لحديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى خيبر على الشطر وهذا يدل على أنه صار في هذا ومثله الى الجواز لشبهه بالمساقاة والمزارعة لا إلى المضاربة والإجارة (فصل) نقل أبو داود عن أحمد فيمن يعطي فرسه على النصف من الغنيمة أرجوان لا يكون به بأس قال اسحاق بن إبراهيم قال أبو عبد الله إذا كان على النصف والربح فهو جائز وبه قال الأوزاعي ونقل احمد بن سعيد عن أحمد فيمن دع عبده الى رجل ليكتسب عليه ويكون له ثلث ذلك أو ربعه فجائز والوجه فيه ما ذكرناه في مسألة الدابة وإن دفع ثوبه الى خياط ليفصله فمصا ويبيعها وله نصف ربحها بحق عمله جاز نص عليه في رواية حرب وكذلك إن دفع غزلاً الى رجل يسنجه بثلث ثمنه أو ربعه جاز نص عليه، وقال مالك وابو حنيفة والشافعي لا يجوز شئ من ذلك لأنه عوض مجهول وعمل مجهول وقد ذكرنا وجه جوازه فإن جعل له مع ذلك دراهم لم يجز نص عليه وعنه يجوز والصحيح الأول قال أبو بكر هذا قول قذيم وما روي غير هذا فعليه المتمد قال الاثرم سمت أبا عبد الله يقول لا بأس بالثوب يدفع بالثلث والربع وسئل عن الرجل يعطي الثوب بلا ثلث ودراهم أو درهمين قال أكرهه لأن هذا شئ لا يعرف والثلث إذا لم يكن معه شئ نراه جازا لحديث جابران

النبي صلى الله عليه وسلم أعطى خيبر على الشطر ققيل لأبي عبد الله فإن كان النساج لا يرضى حتى يزاد على الثلث درهماً؟ قال فليجعل له ثلثاً وعشراً ثلثاً ونصف عشر وما أشبهه وروى الأثرم عن ابن سيرين والنخعي والزهري وايوب ويعلى بن حكيم أنهم أجازوا ذلك وقال ابن المنذ ركره هذا كله الحسن وقال أبو ثور وأصحاب الرأي: هذا كله فاسد واختاره ابن المنذر وابن عقيل وقالوا لو دفع شبكته الى الصياد ليصيدبها السمك بينهما نصفان فالصيد كله للصائد ولصاحب الشبكة أجر مثلها وقياس ما نقل عن أحمد صحة الشركة وما رزق الله بينهما على ما شرطاه لأنها عين تنمى بالعمل فيها فصح دفعها ببعض نمائها كالأرض (فصل) وقد ذكر ابن عقيل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قفيز الطحان وهو ان يعطي الطان أقفزة معلومة يطحنها يقفيز دقيق منها وعلة المنع أنه جعل له بعض معموله أجراً لعمله فيصير الطحن مستحقاً له وعليه وهذا الحديث لا نعرفه ولم تثبت صحته ولا ذكره أصحاب السنن وقياس قول أحمد جوازه لما ذكرنا عنه من المسائل (فصل) فإن كان لرجل دابة ولآخر إكاف وجو القات فاشتركا على ان يؤجراهما والأجرة

بينهما نصفان فهو فاسد لأن هذه أعيان لا يصح الإشتراك فيها كذلك في منافعها إذا تقديره أجر دابتك لتكون أجرتها بيننا وأؤجر جوالقاتي لتكون أجرتها بيننا وتكون كلها لصاحب البهيمة لأنه مالك الأصل وللآخر أجر مثله على صاحب البهيمة لأنه استوفى منافع ملكه بعقد فاسد، هذا إذا أجر الدابة بما عليها من الإكاف والجوالقات في عقد واحد فأما إن أجر كل واحد منهما ملكه مفردا فلكل واحد أجر ملكه وهكذا لو قال رجل لصاحبه أجر عبدي والأجر بيننا كان الأجر لصاحبه وللآخر أجر مثله وكذلك في جميع الأعيان (فصل) فان اشترك ثلاثة من أحدهم دابة ومن آخر رواية ومن آخر العمل على أن ما رزق الله تعالى فهو بينهم صح في قياس قول أحمد فإنه نص في الدابة يدفعها الى آخر يعمل عليها على أن لهما الأجرة على الصحة وهذا لأنه دفع دابته الى آخر يعمل عليها والرواية عين تنمى بالعمل عليها فهي كالبهيمة فعلى هذا يكون ما رزق الله بينهم على ما اتفقوا عليه وهذا قول الشافعي ولأنهما وكلا العامل في كسب مباح بآلة دفعا ها إليه فأشبه مالو دفع إليه أرضه ليزرعها، وهكذا لو اشترك اربعة من أحدهم دكان ومن

أخر رحى ومن آخر بغل ومن آخر العمل على أن يطحنوا بذلك فما رزق الله تعالى فهو بينهم صح وكان بينهم على ما شرطوه وقال القاضي العقد فاسد في السمئلتين جميعاً وهو ظاهر قول الشافعي، لأن هذا لا يجوز أن يكون مشاركة ولا مضاربة لكونه لا يجوز أن يكون رأس مالهما العروض ولأن من شرطهما عود رأس المال سليما بمعنى أنه لا يستحق شئ من الربح حتى يستوفى رأس المال بكماله والرواية هنا تخلق وتنقص، ولا إجارة لأنها تفتقر إلى مدة معلومة وأجر معلوم فتكون فاسدة، فعلى هذا يكون الأجر كله في المسألة الأولى للسقاء لأنه لما غرف الماء في الإناء ملكه فإذا باعه فثمنه له لأنه عوض ملكه وعليه لصاحبه أجر المثل لأنه استعمل ملكهما بعوض يسلم لهما فكان لهما أجر المثل كسائر الإجارات الفاسدة وأما في المسألة الثانية فإنهم إذا طحنوا الرجل طعاما بأجرة نظرت في عقد الإجارة فإن كان من واحد منهم ولم يذكر أصحابه ولا نواهم فالأجر كله له وعليه لأصحابه أجر المثل، وإن نوى أصحابه أو ذكرهم كان كما لو عقد مع كل واحد منهم منفرداً أو استأجر من جميعهم فقال استأجر تكم لتطحنو إلي هذا الطعام

مسألة وإن جمعا بين شركة العنان والأبدان والوجوه والمضاربة صح

بكذا فالأجر بينهم أرباعاً لأن كل واحد منهم قد لزمه طحن ربعه ويرجع كل واحد منهم على اصحابه بريع أجر مثله وإن قال استأجرت هذا الدكان والبغل والرجا وهذا الرجل بكذا وكذا من الطعام صح والأجر بينهم على قدر أجر مثلهم لكل واحد من المسمى بقدر حصته في أحد الوجهين وفي الآخر يكون بينهم أرباعاً بناء على ما إذا تزوج أربعاً بمهر واحد أو كاتب أربعة أعبد بعوض واحد هل يكون العوض أرباعاً أو على قدر قيمتهم؟ على وجهين

(مسألة) (وإن جمعا بين شركة العنان والأبدان والوجوه والمضاربة صح) لأن كل واحد منهما يصح منفرداً فصح مع غيره كحالة الإنفراد (فصل) الخامس شركة المفاوضة وهو أن يدخلا في الشركة الأكساب النادرة كوجدان لقطة أو ركاز أو ما يحصل لهما من ميراث وما يلزم أحدهما من ضمان غصب أو أرش جناية أو نحو ذلك

فهذه شركة فاسدة، وبهذا قال الشافعي واجازه الثوري والاوزاعي وأبو حنيفة وحكي عن مالك وشرط أبو حنيفة لها شروطاً وهي أن يكونا حرين مسلمين وإن يكون مالهما في الشركة سواء وإن يخرجا جميعاً ما يملكانه من جنس الشركة وهو الدراهم والدنانير، واحتجوا بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا تفاوضتم فأحسنوا المفاوضة ولأنها نوع شركة تختص باسم فكان منها صحيح كشركة العنان ولنا أنه عقد لا يصح بين كافرين ولابين كافر ومسلم فلم يصح بين المسلمين كسائر العقود الفاسدة ولأنه

عقد لم يرد الشرع بمثله فلا يصح كما ذكرنا ولأن فيه غرراً فلم يصح كبيع الغرر، بيان غرر أنه يلزم كل واحد ما لزم الآخر وقد يلزمه شئ لا يقدر على القيام به وقد أدخلا فيه الأكساب النادرة فأما الخبز فلا نعرفه ولا رواه أصحاب المنن وليس فيه ما يدل على أنه أراد هذا العقد فيحتمل أنه أراد المفاوضة في الحديث ولهذا روي فيه (ولا تجادلوا فإن المجادلة من الشيطان) وأما القياس فلا يصح فإن اختصاصها باسم لا يقتضي الصحة كبيع المنابذة والملامسة وسائر البيوع الفاسدة وشركة العنان تصح بين الكفارين والكافر والمسلم بخلاف هذا

باب الوكالة

باب الوكالة وهي جائزة بالكتاب والسنة والإجماع. أما الكتاب فقوله تعالى (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها) فجوز العمل عليها وذلك بحكم النيابة عن المستحقين وأيضاً قوله تعالى (فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه) وهذه وكالة، وأما السنة فروى أبو داود والاثرم وابن ماجه بانسادهم عن عروة بن الجعد قال عرض للنبي صلى الله عليه وسلم جلب فأعطاني ديناراً فقال (يا عروة أئت الجلب فاشتر لنا شاة) قال فأتيت الجلب فساومت صاحبه فاشتريت شاتين بدينار فجئت أسوقهما وأقودهما فلقبني رجل بالطريق فساومني فبعت منه شاة بدينار فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم بالدينار وبالشاة فقلت يا رسو الله هذا دينار كم وهذه شاتكم قال (وصنعت كيف؟) قال فحدثته الحديث فقال (اللهم بارك له في صفقة يمينه) هذا لفظ رواية الأثرم وروى أبو داود باسناده عن جابر بن عبد الله قال أردت الخروج إلى خيبر فأتيت النبي صلى الله عليه وقلت إني أردت الخروج إلى خيير فقال (أئت وكيلي فخذ منه خمسة عشر وسقاً فإن ابتغى منك آية فضع يدك على ترقوته) وروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه وكل عمر وبن أمية الضمري في قبول نكاح أم حبيبة وأبا رافع في قبول نكاح ميمونة

مسألة ويجوز القبول على الفور والتراخي نحو أن يوكله في بيع شيء فيبيعه بعد سنة أو يبلغه أنه وكله منذ شهر

وأجمعت الأمة على جواز الوكالة في الجملة، ولأن الحاجة داعية إلى ذلك فإنه لا يمكن كل أحد فعل ما يحتاج إليه بنفسه. (مسألة) (تصح الوكالة بكل قول بدل الإذن وكل قول أو فعل بدل القبول) لا تصح الوكالة إلا بالإيجاب والقبول لأنه عقد تعلق به حق كل واحد منهما فافتقر إلى الإيجاب والقبول كالبيع، والإيجاب هو كل لفظ دل على الاذن نحو قوله أفعل كذا أو أذنت لك في فعله فإن النبي صلى الله عليه وسلم وكل عروة بن الجعد في شراء شاة بلفظ الشراء وكذلك قوله تعالى حكاية عن أهل الكهف (فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة إلى قوله فليأتكم برزق منه) ولأنه لفظ دل على الإذن فهو كقوله وكلتك ويكفي في القبول قوله قبلت وكل لفظ دل عليه ويجوز بكل فعل دل عليه أيضاً نحو أن يفعل لان ما أمره بفعله لأن الذين وكلهم النبي صلى الله عليه وسلم لم ينقل عنهم سوى امتثال أمره ولأنه أذن في التصرف فجاز القبول فيه بالفصل كأكل الطعام (مسألة) (يجوز القبول على الفور والتراخي نحوان يوكله في بيع شئ فيبيعه بعد سنة أوبيلغه أنه وكله منذ شهر فيقول قبلت) لأن قبول وكلاء النبي صلى الله عليه كان بفعلهم وكان متراخياً عن توكيله إياهم ولأنه أذن في التصرف والإذن قائم ما لم يرجع عنه أشبه الإباحة وهذا كله مذهب الشافعي (فصل) ويجوز تعليقها على شرط نحو قوله إذا قدم الحاج فافعل كذا او إذا جاء الشتاء فاشتر لنا

مسألة ولا يصح التوكيل والتوكل في شيء إلا ممن يصح تصرفه فيه

كذا او إذا جاء الأضحى فاشتر لنا أضحية أو إذا طلب منك أهلي شيئاً فادفعه إليهم أو إذا دخل رمضان فقد وكلتك في كذا أو فأنت وكيلي وبهذا قال أبو حنيفة، وقال الشافعي لا تصح لكن إن تصرف صح تصرفه لوجود الإذن وإن كان وكيلا بجعل فسد المسمى وله أجر المثل لأنه عقد يملك التصرف به في الحياة أشبه البيع ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (أمير كم زيد فإن قتل فجعفر فإن قتل فعبد الله بن رواحة) وهذا في معناه ولا نه عقد اعتبر في حق الوكيل حكمة وهو إباحة التصرف وصحته فكان صحيحاً كما لو قال أنت وكيلي في بيع عبدي إذا قدم الحاج ولأنه لو قال وكلتك في شراء كذا في وقت كذا صح بلا خلاف ومحل النزاع في معناه ولأنه أذن في التصرف أشبه الوصية والتأمير ولأنه عقد يصح بغير جعل ولا يختص فاعله أن يكون من أهل القربة فصح بالجعل كالتوكيل الناجز (مسألة) (ولا يصح التوكيل والتوكل في شئ الاممن يصح تصرفه فيه) لأن من يصح تصرفه بنفسه فبنائبه أولى وكل من صح تصرفه في شئ بنفسه وكان مما تدخله النيابة صح أن يوكل فيه رجلا كان أو امرأة حرا أو عبدا مسلماً أو كافراً فأما من يتصرف بالإذن كالعبد المأذون له والوكيل والمضارب فلا يدخلون في هذا، لكن يصح من العبد التوكيل فيما يملكه دون سيده كالطلاق والخلع، وكذلك الحكم في المحجور عليه لسفه لا يوكل الافيما له فعله كالطلاق

مسألة ويجوز التوكيل في كل حق آدمي من العقود والفسوخ والعتق والطلاق والرجعة وتملك المباحات

والخلع وطلب القصاص، وكل ما صح أن يستوفيه بنفسه وتدخله النيابة صح أن يتوكل لغيره فيه إلا الفاسق فإنه يصح أن يقبل النكاح لنفسه، وذكر القاضي أنه لا يجوز أن يقبله لغيره وظاهر كلام شيخنا في الكتاب المشروح أنه يصح وهو قول أبي الخطاب وهو القياس ولا صحاب الشافعي وجهان كهذين فأما توكيله في الإيجاب فلا يجوز إلا على الرواية التي تثبت الولاية له وذكر أصحاب الشافعي في في ذلك الوجهين (أحدهما) يجوز لأنه ليس بولي (والثاني) لا يجوز لا نه موجب للنكاح أشبه الولي ولأنه لا يجوز أن يتولى ذلك بنفسه فلم يجز أن يتوكل فيه كالمرأة ويصح توكيل المرأة في طلاق نفسها وغيرها ويصح توكيل العبد في قبول النكاح لأنه ممن يجوز أن يقبله لنفسه وإنما يقف ذلك على إذن سيده ليرضى بتعلق الحقوق به، ومن لا يملك التصرف في شئ لنفسه لا يصح أن يتوكل فيه كالمرأة في عقد انكاح وقبوله والكافر في تزويج مسلمة والطفل والمجنون في الحقوق كلها، وللمكاتب أن يوكل فيما يتصرف فيه بنفسه وله أن يتوكل بجعل لأنه من اكتساب المال ولا يمنع من الإكتساب، وليس له أن يتوكل بغير جعل إلا بإذن سيده لأن منافعه كأعيان ماله وليس له بذلك عين ماله بغير عوض وتصح وكالة الصبي المميز بإذن الولي بناء على صحة تصرفه بإذنه (مسألة) (ويجوز التوكيل في كل حق آدمي من العقود والفسوخ والعتق والطلاق والرجعة وتملك المباحات من الصيد والحشيش ونحوه الا الظاهر واللعان والإيمان)

وجملة ذلك أن التوكيل يجوز في الشراء والبيع ومطالبة الحقوق والعتق والطلاق حاضراً كان الموكل أو غائباً وقد ذكرنا الدليل على ذلك من الآية والخبر والحاجة تدعو إليه لأنه قد يكون ممن لا يحسن البيع والشراء أو لا يمكنه الخروج الى السوق وقد يكون له مال ولا يحسن التجارة فيه وقد يحسن ولا يتفرغ وقد لا تليق به التجارة لكونه امرأة أو ممن يتعير بها ويحط ذلك من منزلته فأباحها الشرع دفعاً للحاجة وتحصيلاً لمصلحة الآدمي المخلوق لعبادة الله سبحانه، وكذلك يجوز التوكيل في الحوالة والرهن والضمان والكفالة والشركة والوديعة والمضاربة والجعالة والمساقاة والإجارة والقرض والصلح والهبة والصدقة والوصية والفسخ والإبراء لأنها في معنى البيع في الحاجة إلى التوكيل فيها فيثبت فيها حكمه ولا نعلم فيه خلافا، ويجوز التوكيل في الخلع والرجعة لأن الحاجة تدعو إليه كدعائها الى التوكيل في البيع ويجوز التوكيل في تحصيل المباحات كإحياء الموات واستقاء الماء والاصطياد والإحتشاش لأنها تملك مال بسبب لا يتعين عليه فجاز التوكيل فيه كالا بتياع والإيهاب (فصل) ولا تصح في الإيمان والنذور لأنها تتعلق بعين الحالف والناذر فأشبهت العبادات البدنية والحدود ولا تصح في الإيلاء والقسامة واللعان لأنها إيمان ولا في الظهار لأنه قول منكر وزور فلا يجوز فعله ولا الإستنابة فيه ولا تجوز في القسم بين الزوجات لأنها تتعلق ببدن الزوج لأمر يختص به

مسألة ويجوز أن يوكل من يقبل له النكاح ومن يزوج موليته إذا كان الوكيل ممن يصح له ذلك لنفسه وموليته

ولا في الرضاع لأنه يختص بالمرضعة والمرتضع لأمر يختص بإنبات لحم المرتضع وإنشاز عظمه من لبنها، ولا تصح في الغصب ولا في الجنايات لأن ذلك محرم وكذلك كل محرم لأنه لا يحل له فعله بنفسه قلم تجز النيابة فيه (مسألة) (ويجوز أن يوكل من يقبل له النكاح ومن يزوج موليته إذا كان الوكيل ممن يصح له ذلك لنفسه وموليته لأن النبي صلى الله عليه وسلم وكل عمرو بن أمية الضمري وأبا رافع في قبول النكاح له ولأن الحاجة تدعو إليه فإنه ربما احتاج إلى التزويج من مكان بعيد لا يمكنه السفر إليه كما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم أم حبيبة وهي بأرض الحبشة ويجوز أن يوكل من يزوج موليته لأن الحاجة تدعو إليه فأشبه البيع إذا كان الوكيل ممن يصح منه ذلك لموليته، وهل يجز أن يكون فاسقاً؟ ينبني على اشتراط ذلك في ولاية النكاح وسيذكر في بابه إن شاء الله (فصل) ولا يصح التوكيل في الشهادة لأنها تتعلق بعين الشاهد لكونها خبراً عما رآه أو سمعه ولا يتحقق هذا المعنى في نائبه فإن استناب فيها كان النائب شاهداً على شهادة لكونه يؤدي ما سمعه من شاهد الأصل وليس بوكيل، ولا يصح في الاغتنام لانه متى حضر النائب تعين عليه الجهاد فكان السهم له ولا في الالتقاط لأنه بأخذه يصير لملتقطه (فصل) ويجوز التوكيل في المطالبة بالحقوق وإثباتها والمحاكمة فيها حاضراً كان الموكل أو غائباً صحيحاً أو مريضاً وبه قال مالك وابن أبي ليلى وأبو يوسف ومحمد والشافعي وقال أبو حنيفة للخصم

مسألة ويجوز في كل حق لله تعالى تدخله النيابة من العبادات والحدود في إثباتها واستيفائها كحد الزنا والسرقة

أن يمتنع من محاكمة الوكيل إذا كان الموكل حاضراً لأن حضوره مجلس الحاكم ومخاصمته حق لخصمه عليه فلم يكن له نقله إلى غيره بغير رضاء خصمه كالدين عليه ولنا أنه حق تجوز النيابة فيه فكان لصاحبه الاستنابة بغير رضاء خصمه كحالة غيبته ومرضه وكدفع المال الذي عليه ولأنه إجماع الصحابة رضي الله عنهم فإن عليا وكل عقيلاً عند أبي بكر رضي الله عنه وقال ما قضى له فلي وما قضي عليه فعلي ووكل عبد الله بن جعفر عند عثمان وقال أن للخصومة قحما وإن الشيطان يحضرها وأني لأكره أن أحضرها قال أبو زياد القحم المهالك وهذه قصص اشتهرت لأنها في مظنة الشهرة فلم ينقل إنكارها ولأن الحاجة تدعو إلى ذلك فإنه قد يكون له حق أو يدعي عليه ولا يحسن الخصومة أو لا يحب أن يتولاها بنفسه ويجوز التوكيل في الإقرار ولأصحاب الشافعي وجهان (أحدهما) لا يجوز التوكيل فيه لأنه إخبار بحق فلم يجز التوكيل فيه كالشهادة ولنا أنه إثبات حق في الذمة بالقول فجاز التوكيل فيه كالبيع وفارق الشهادة فإنها لا تثبت الحق وإنما هو إخبار بثبوته على غيره، ويجوز التوكيل في إثبات القصاص وحد القذف واستيفائهما لانهما من من حقوق الآدميين وتدعو الحاجة إلى التوكيل فيهما لأن من له الحق قد لا يحسن الاستيفاء أو لا يحب أن يتولاهما (مسألة) (ويجوز في كل حق لله تعالى تدخله النيابة من العبادات والحدود في إثباتها واستيفائها كحد الزنا والسرقة) لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (اغديا أنيس الى امرأة هذا فان اعترفت فارجمها) فغدا عليها أنيس فاعترفت فأمر بها فرجت متفق عليه وأمر النبي صلى الله عليه وسلم برجم ما عز فرجموه ووكل عثمان عليا في إقامة حد الشرب على الوليد بن عقبة رواه مسلم ولأن الحاجة تدعو إليه لأن الامام لا يمكنه

مسألة ويجوز الاستيفاء في حضرة الموكل وغيبته نص عليه أحمد وهو قول مالك إلا القصاص وحد القذف

تولي ذلك بنفسه، ويجوز التوكيل في إثباتها وقال أبو الخطاب لا يجوز وهو قول الشافعي لأنها تسقط بالشبهات وقد أمرنا بدرئها بها والتوكيل توصل إلى الإيجاب ولنا حديث أنيس الذي ذكرناه فإن النبي صلى الله عليه وسلم وكله في إثباته واستيفائه جميعاً يقوله (فان اعترفت فارجمها) وهذا يدل على أنه لم يكن ثبت وقد وكله في إثباته ولأن الحاكم إذا استناب دخل في ذلك الحدود فإذا دخلت في التوكيل بطريق العموم فبالتخصيص يكون دخولها أولى والوكيل يقوم مقام الموكل في درئها بالشبهات (فصل) فأما العبادات فما تعلق منها بالمال كالصدقات والزكاة والمنذورات والكفارات جاز التوكيل في قبضها وتفريقها ويجوز للمخرج التوكيل في إخراجها ودفعها الى مستحقها ويجوز أن يقول لغيره أخرج زكاة مالي من مالك لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عماله لقبض الصدقات وتفريقها وقال لمعاذ حين بعثه إلى اليمين أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم) متفق عليه ويجوز التوكيل في الحج إذا أيس المحجوج عنه من الحج بنفسه وكذلك العمرة ويجوز أن يستناب من يحج عنه بعد الموت، وفاما العبادات البدنية المحضة كالصلاة والصيام والطهارة من الحدت فلا يجوز التوكيل فيها فإنها تتعلق ببدن من هي عليه فلا يقوم غيره مقامه إلا أن الصيام المنذور يفعل عن الميت وليس ذلك بتوكيل لأنه لم يوكل في ذلك ولا وكل فيه غيره، ولا يجوز في الصلاة إلا في ركعتي الطواف تبعاً للحج ولا تجوز الإستنابة في الطهارة إلا في صب الماء وإيصاله إلى الأعضاء وفي تطهير النجاسة عن البدن والثوب وغيرهما (مسألة) (ويجوز الاستيفاء في حضرة الموكل وغيبته نص عليه أحمد وهو قول مالك إلا القصاص، وحد القذف عند بعض أصحابنا لا يجوز في غيبته)

مسألة ولا يجوز للوكيل أن يوكل فيما يتولى مثله بنفسه إلا بإذن الموكل وعنه يجوز وكذلك الوصي والحاكم

وقد أومأ إليه أحمد وهو قول أبي حنيفة وبعض الشافعية لأنه يحتمل أن يعفو الموكل في حال غيبته فيسقط وهذا الاحتمال شبهة تمنع الاستيفاء ولأن العفو مندوب إليه فإذا حضر احتمل أن يرحمه فيعفو والأول ظاهر المذهب لأن ما جاز استيفاؤه في حضرة الموكل جاز في غيبته كالحدود وسائر الحقوق واحتمال العفو بعيد والظاهر أنه لو عفا لبعث وأعلم وكيله وبعفوه والأصل عدمه فلا يؤثر الا ترى أن قضاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يحكمون في البلاد ويقيمون الحدود التي تدرأ بالشبهات مع احتمال النسخ وكذلك لا يختلط في استيفاء الحدود بإحضار الشهود مع احتمال رجوعهم عن الشهادة أو بغير اجتهاد الحاكم. (مسألة) (ولايجوز للوكيل أن يوكل فيما يتولى مثله بنفسه إلا بإذن الموكل وعنه يجوز وكذلك الوصي والحاكم وله التوكيل فيما لا يتولى مثله بنفسه أو يعجز عنه لكثرته) وجملة ذلك أن التوكيل لا يخلو من ثلاثة أحوال (أحدها) أن ينهى الموكل وكيله عن التوكيل فلا يجوز له ذلك بغير خلاف لأن مانهاه عنه غير داخل في إذنه فلم يجزله كما لو لم يوكله (الثاني) أن يأذن له في التوكيل فيجوز له لأنه عقد أذن فيه فكان له فعله كالتصرف المأذون فيه ولا نعلم في هذا خلافاً فإن قال وكلتك فاصنع ما شئت فله أن يوكل، وقال أصحاب الشافعي ليس له التوكيل في أحد الوجهين لأن التوكيل يقتضي تصرفاً يتولاه بنفسه فقوله اصنع ما شئت يرجع إلى ما يقتضيه التوكيل من تصرفه بنفسه ولنا أن لفظة عام فيما شاء فيدخل في عمومه التوكيل (الثالث) اطلق له الوكالة فلا يخلو من أقسام ثلاثة (أحدها) أن يكون العمل مما يترفع الوكيل عن مثله كالأعمال الدنية في حق أشراف الناس المرتفعين عن فعلها في العادة أو يعجز عن عمله لكونه لا يحسنه فإنه لا يجوز له التوكيل فيه لأنه إذا كان مما لا يعمله الوكيل عادة انصرف الإذن إلى ما جرت به العادة من الاستنابة فيه (القسم الثاني) أن يكون مما يعمله بنفسه إلا أنه يعجز عن عمله لكثرته وانتشاره فيجوز له التوكيل في عمله ايضاً لأن الوكالة اقتضت جواز التوكيل في فعل جميعه كما لو أذن فيه بلفظه، وقال القاضي عندي

أنه إنما له التوكيل فيما زاد على ما يتمكن من عمله بنفسه لأن التوكيل إنما جاز للحاجة فاختص ما دعت إليه الحاجة بخلاف وجود إذنه فإنه مطلق ولأصحاب الشافعي وجهان كهذين (القسم الثالث) ما عدا هذين القسمين وهو ما يمكنه عمله بنفسه ولا يترفع عنه فهل يجوز له التوكيل فيه؟ على روايتين (إحداهما) لا يجوز نقلها ابن منصور وهو مذهب أبي حنيفة وأبي يوسف والشافعي لأنه لم يأذن له بالتوكيل ولا تضمنه إذنه فلم يجز كما لو نهاه ولأنه استئمان فيما يمكنه النهوض فيه فلم يكن له أن يوليه من لم يأمنه عليه كالوديعة (والثانية) يجوز نقلها أحمد وبه قال ابن أبي ليلى إذا مرض أو غاب لأن الوكيل له أن يتصرف بنفسه فملكه بنائبه كالمالك والأولى أولى ولا يشبه الوكيل المالك فان المالك يتصرف في ملكه كيف شاء بخلاف الوكيل (فصل) وكل وكيل جاز له التوكيل فليس له أن يوكل إلا أمينا لأنه لا نظر للموكل في توكيل من ليس بأمين فيفيد جواز التوكيل بما فيه الحظ والنظر كما أن الإذن في البيع يتقيد بالبيع بثمن المثل إلا أن يعين له الموكل من يوكله فيجوز توكيله وإن لم يكن أميناً لأنه قطع نظره بتعيينه فإن وكل أميناً فصار خائناً فعليه عزله لأن تركه يتصرف مع الخياتة تضييع وتفريط والوكالة تقتضي استئمان أمين وهذا ليس بأمين فوجب عزله (فصل) والحكم في الوصي يوكل فيما أوصى به إليه وفي الحاكم يولى القضاء في ناحية يستنيب غيره حكم الوكيل فيما ذكرنا من التفصيل إلا أن المنصوص عن أحمد في رواية منها جواز ذلك وهو قول الشافعي في الوصي لأن الوصي يتصرف بولائه بدليل أنه لم يتصرف فيما لم ينص له على التصرف فيه والوكيل لا يتصرف إلا فيما نص له عليه قال شيخنا والجمع بينهما أولى لأنه متصرف في مال غيره بالإذن فأشبه الوكيل وإنما يتصرف فيما اقتضته الوصية كالوكيل إنما يتصرف فيما اقتضته الوكالة

مسألة ويجوز توكيل عبد غيره بإذن سيده

(فصل) فأما الولي في النكاح فله التوكيل في تزويج موليته بغير إذنها أبا كان أو غيره وقال القاضي فيمن لا يجوز له الإجبار هل هو كالوكيل؟ يخرج على الروايتين المنصوص عليهما في الوكيل ولا صحاب الشافعي فيه وجهان (أحدهما) لا يملك التوكيل إلا بإذنها لأنه لا يملك التزويج إلا بإذنها أشبه الوكيل ولنا أن ولايته من غير جهتها فلم يعتبر إذنها في توكيله فيها كالأب بخلاف الوكيل فإن الولي متصرف بحكم الولاية الشرعية أشبه الحاكم ولأن الحاكم يملك تفويض عقود الأنكحة الى غيره بعير إذن النساء فكذلك الولي وما ذكروه يبطل بالحاكم والذي يعتبر إذنها فيه هو غير ما يوكل فيه بدليل أن الوكيل لا يستغني عن إذنها في التزويج فهو كالموكل في ذلك (فصل) إذا أذن الموكل في التوكيل فوكل كان الوكيل الثاني وكيلا للموكل لا ينعزل بموت الوكيل الأول ولا عزله ولا يملك الأول عزل الثاني لأنه ليس بوكيله وإن أذن له أن يوكل لنفسه جاز وكان وكيلاً للوكيل ينعزل بموته وعزله، وإن مات الموكل أو عزل الأول انعزلا جميعاً لأنهما فرعان له لكن أحدهما فرع الآخر فذهب حكمهما بذهاب اصلهما وأن وكل من غير أن يؤذن له في التوكيل نطلقا بل وجد عرفا أو على الرواية التي أجزنا له التوكيل من غير إذن فالثاني وكيل الوكيل الأول حكمه حكم ما لو أذن له أن يوكل لنفسه (مسألة) (ويجوز توكيل عبد غيره بإذن سيده) لأن المنع لحق السيد فجاز بإذنه ولا يجوز بغير إذنه لأنه لا يجوز له التصرف بغير إذن سيده لكونه محجوراً عليه فإذا أذن في ذلك صح كما تصح تصرفاته بإذنه (مسألة) (فإن وكله بإذنه في شراء نفسه من سيده فعلى روايتين) (إحداهما) يصح وبه قال أبو حنيفة وبعض الشافعية (والثانية) لا يجوز وهو قول بعض

الشافعية لأن يد العبد كيد سيده فأشبه مالو وكله في الشراء من نفسه ولهذا يحكم للإنسان بما في يد عبده، ولنا أنه يجوز أن يشتري عبدامن غير مولاه فجازان يشتريه من مولاه كالاجنبي وإذا جاز أن يشتري غيره جاز إن يشتري نفسه كما أن المرأة لما جاز توكيلها في طلاق غيرها جاز في طلاق نفسها، والوجه الذي ذكروه لا يصح لأن أكثر ما يقدر ههنا جعل توكيل العبد كتوكيل سيده وسنذكر صحة توكيل السيد في البيع والشراء من نفسه فههنا أولى، فعلى هذا إذا قال العبد اشتريت نفسي لزيد وصدقاه صح ولزم زيدا الثمن، وإن قال السيد ما اشتريت نفسك إلا لنفسك عتق العبد لإقرار السيد على نفسه بما يعتق به ويلزم العبد الثمن في ذمته لسيده لأن زيداً لا يلزمه الثمن لعدم حصول العبد له وكون سيده لا يدعيه عليه فلزم العبد لأن الظاهر ممن باشر العقد إنه له، وإن صدقه السيد وكذبه زيد نظرت في تكذيبه فان كذبه في الوكالة خلف وبرئ وللسيد فسخ البيع واسترجاع عبده لتعذر ثمنه وإن صدقه في الوكالة وقال ما اشتريت نفسك لي فالقول قول العبد لأن الوكيل يقبل قوله في التصرف المأذون فيه (فصل) وإذا وكل عبده في إعتاق نفسه أو امرأته في طلاق نفسها صح، وإن وكل العبد في اعتاق عبيده أو المرأة في طلاق نسائه لم يملك إعتاق نفسه ولا المرأة طلاق نفسها لأنه ينصرف بإطلاقه إلى التصرف في غيره ويحتمل أن لهما ذلك لشمولهما عموم اللفظ كما يجوز للوكيل في البيع إن يبيع من نفسه في إحدى الروايتين، وإن وكل غريمه في إبراء نفسه صح لأنه وكله في اسقاط حق من نفسه فهو كتوكيل البعد في إعتاق نفسه، وإن وكله في إبراء غرمائه لم يكن له أن يبرئ نفسه كما لو وكله في حبس غرمائه لم يملك حبس نفسه، وإن وكله في خصومتهم لم يكن وكيلاً في خصومة نفسه ويحتمل أن يملك إبراء نفسه لما ذكرنا من قبل، وإن وكل المضمون في إبراء الضامن فأبرأ صح ولم يبرأ المضمون عنه وإن وكل الضمان في إبراء المضمون عنه أو الكفيل في إبراء المكفول عنه صح وبرئ الوكيل ببراءته لأنه فرع عليه فإذا برئ الاصل برئ الفرع

مسألة والوكالة عقد جائز من الطرفين

(مسألة) (والوكالة عقد جائز من الطرفين) لكل واحد منهما فسخها متى شاء لأنه أذن في التصرف فكان لكل واحد منهما إبطاله كالإذن في أكل طعامه فإن وكل المرتهن في بيع الرهن ففيه اختلاف ذكرناه (مسألة) (وتبطل بالموت والجنون والحجر للسفه وكذلك كل عقد جائز كالشركة والمضارية) تبطل الوكالة بموت الموكل والوكيل وجنون المطلق بغير خلاف علمناه إذا علم الحال وكذلك يبطل بخروجه عن أهلية التصرف كالحجر عليه لسفه لأنه لا يملك التصرف فلا يملكه غيره من جهته كالجنون والموت وكذلك كل عقد جائز كالشركة والمضاربة قياساً على الوكالة قال أحمد في الشركة إذا وسوس أحدهما فهو مثل العزل (فصل) فإن حجر على الوكيل لفلس فالوكالة بحالها لأنه لم يخرج عن أهلية التصرف وإن حجر على الموكل وكانت الوكالة في أعيان ماله بطلت لانقطاع تصرفه وإن كانت في الخصومة او الشراء في الذمة أو الطلاق أو الخلع أو القصاص لم تبطل لأن الموكل أهل لذلك، وإن فسق الوكيل لم ينعزل لأنه من أهل التصرف إلا أن تكون الوكالة فيما ينافيه الفسق كالإيجاب في عقد الكاح فإنه ينعزل بفسق أحدهما لخروجه عن أهلية التصرف وإن كان وكيلا في القبول لم ينعزل بفسق موكله لأنه لا ينافي جواز قبوله، وهل يننعزل بفسق نفسه؟ على وجهين أولاهما أنه لا ينعزل لأنه يجوز أن يقبل النكاح لنفسه فجاز أن يقبله لغيره كالعدل، وإن كان وكيلاً فيما يشترط فيه الا مانة كوكيل ولي اليتيم وولي الوقف على المساكين ونحو هذا انعزل بفسقه وفسق موكله لخروجهما بذلك عن أهلية التصرف وإن كان وكيلا لوكيل ومن يتصرف في مال نفسه انعزل بفسقه لأن الوكيل ليس له توكيل فاسق ولا ينعزل بفسق موكله لان موكيله وكيل لرب المال ولا ينافيه الفسق (فصل) ولا تبطل الوكالة بالثوم والسكر والإغماء لأن ذلك لا يخرجه عن أهلية التصرف ولا تثبت عليه الولاية إلا أن يحصل الفسق بالسكر فقد ذكرناه مفصلاً

مسألة وهل تبطل بالردة وحرية عبده؟ على وجهين

ولا تبطل بالتعدي فيما وكل فيه مثل لبس الثوب وركوب الدابة وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشافعي والثاني تبطل بذلك لأنها عقد أمانة فبطلت بالتعدي كالوديعة ولنا أنه تصرف باذن موكمله فصح كما لو لم يتعد ويفارق الوديعة من حيث أنها أمانة مجردة فنافاها التعدي والخيانة، والوكالة أذن في التصرف تضمنت الأمانة فإذا انتفت الأمانة بالتعدي بقي الإذن بحاله، فعلى هذا لو وكله في بيع ثوب فلبسه صار ضامنا فإذا باعه صح بيعه وبرئ من ضمانه لدخوله في ملك المشتري وضمانه فإذا قبض الثمن كان أمانة في يده غير مضمون عليه لأنه قبضه بإذن الموكل ولم يتعد فيه ولو دفع إليه مالا ووكله أن يشتري به شيئاً فتعدي في الثمن صار ضامنا وإذا اشترى به وسلمه زال الضمان وقبضه للمبيع قبض أمانة، وإن ظهر بالمبيع عيب فرد عليه أو وجد هو بما اشتراه عيباً فرده وقبض الثمن كان مضموناً عليه لأن العقد المزيل للضمان زال فعاد ما زال به (مسألة) (وهل تبطل بالردة وحرية عبده؟ على وجهين) يصح توكيل المسلم كافراً فيما يصح تصرفه فيه سواء كان ذمياً أو مستأمناً أو حربياً أو مرتداً لأن العدالة لا تشترط في صحة الوكالة فكذلك الدين كالبيع، فإن وكل مسلماً فارتد لم تبطل وكالته

في أحد الوجهين سواء لحق بدار الحرب أو أقام، وقال أبو حنيفة تبطل إذا لحق بدار الحرب لأنه صار منهم ولنا أنه يصح تصرفه لنفسه فلم تبطل وكالته كما لو لم يلحق بدار الحرب ولأن الردة لا تمنع ابتداء الوكالة فلا تمنع استدامتها كسائر الكفر، وفيه وجه آخر أنها تبطل بالردة إذا قلنا إن المرتد تزول أملاكه وتبطل تصرفاته والوكالة تصرف وإن أرتد الموكل لم تبطل الوكالة فيما له التصرف فيه فأما الوكيل في ماله فينبني على تصرفه نفسه فإن قلنا يصح تصرفه لم يبطل توكيله وإن قلنا هو موقوف فوكالته موقوفة وإن قلنا يبطل تصرفه بطل توكيله وإن وكل في حال ردته ففيه الوجوه الثلاثة: (فصل) وإن وكل عبده ثم أعتقه أو باعه لم ينعزل لأن زوال ملكه لا يمنع ابتداء الوكالة فلا يقطع استدامتها وفيه وجه آخر أنها تبطل لأن توكيل عبده ليس بتوكيل في الحقيقة إنما هو استخدام بحق الملك فيبطل بزوال الملك وهكذا الوجهان فيما إذا وكل عبد غيره ثم باعه السيد، والصحيح الأول لأن سيد العبد أذن له في بيع ماله والعتق لا يبطل الإذن فكذلك البيع إلا أن المشتري إن رضى ببقائه على الوكالة وإلا بطلت وإن وكل عبد غيره فأعتقه فقال شيخنا لا تبطل الوكالة وجهاً واحداً لأن هذا توكيل حقيقة والعتق غير مناف له وإن اشتراه الموكل منه لم يبطل لأن ملكه إياه لا ينافي إذنه له في البيع والشراء وإن وكل امرأته ثم طلقها لم تبطل الوكالة لأن زوال النكاح لا يمنع ابتداء الوكالة فلم يمنع استدامتها

(فصل) وإن تلفت العين التي وكل في التصرف فيها بطلت الوكالة لأن محلها ذهب فذهبت الوكالة كما لو وكله في بيع عبد فمات، وكذا لو دفع إليه ديناراً ووكله في الشراء بعينه أو مطلقاً لأنه إن وكله في الشراء بعينه فقد استحال الشراء به بعد تلفه فبطلت الوكالة وإن وكله في الشراء مطلقاً ونقد الدينار بطلت أيضاً لأنه إنما وكله في الشراء به، ومعناه أن ينقده ثمن ذلك المبيع أما قبل الشراء او بعده وقد تعذر ذلك بتلفه ولأنه لو صح شراؤه للزم الموكل ثمن لم يلتزمه ولا رضي بلزومه، وإن استقرضه الوكيل وعزل ديناراً عوضه واشترى به فهو كالشراء له من غير إذن لأن الوكالة بطلت والدينار الذي عزله عوضاً لا يصير للموكل حتى يقبضه فإذا اشترى للموكل به شيئاً وقف على إجازة الموكل فإن أجازه صح ولزمه الثمن والالزم الوكيل وعنه يلزم الوكيل بكل حال. وقال القاضي متى اشترى بعين ماله شيئاً لغيره بغير إذنه فالشراء باطل لأنه لا يصح أن يشتري بعين ماله ما يملكه غيره، وقال أصحاب الشافعي متى اشترى بعين ماله شيئاً لغيره صح الشراء للوكيل لأنه اشترى ما لم يؤذن له فيه أشبه مالو اشتراه في الذمة. (فصل) نقل الأثرم عن أحمد في رجل كان له على آخر دراهم فقال له إذا أمكنك قضاؤها فادفعها إلى فلان وغاب صاحب الحق ولم يوص إلى هذا الذي أذن له في القبض لكن جعله وكيلاً وتمكن من عليه الدين من القضاء فخاف إن دفعها إلى الوكيل أن يكون الموكل قد مات ويخاف التبعة من

مسألة وهل ينعزل الوكيل بالموت والعزل قبل علمه؟ على روايتين

الورثة فقال لا يعجبني أن يدفع إليه لعله قد مات لكن يجمع بين الوكيل والورثة ويبرأ اليهما من ذلك هذا ذكره أحمد على طريق النظر للغريم خوفاً من التبعة من الورثة أن كان موروثهم قد مات فانعزل وكيله وصار الحق لهم فيرجعون على الدافع الى الوكيل فأما من طريق الحكم فللوكيل المطالبة وللآخر الدفع إليه فإن أحمد قد نص في رواية حرب إذا وكله وغاب استوفاه الوكيل وهو أبلغ من هذا لكونه يدرأ بالشبهات لكن هذا احتياط حسن وتبرئة للغريم ظاهراً وباطناً وإزالة التبعة عنه، وفي هذه الرواية دليل على أن الوكيل انعزل بموت الموكل وإن لم يعلم بموته لأنه اختار أن لا يدفع إلى الوكيل خوفاً من أن يكون الموكل قد مات فانتقل إلى الورثة ويجوز أن يكون اختار هذا لئلا يكون القاضي ممن يرى أن الوكيل ينعزل بالموت فيحكم عليه بالغرامة، وفيها دليل على جواز تراخى القبول عن الإيجاب لأنه وكله في قبض الحق ولم يعلمه ولم يكن حاضراً فيقبل، وفيها دليل على صحة التوكيل بغير لفظ التوكيل، وقد نقل جعفر بن محمد في رجل قال لرجل بع ثوبي ليس بشئ حتى يقول قد وكلتك وهذا سهو من الناقل، وقد تقدم ذكر الدليل على جواز التوكيل بغير لفظه وهو الذي نقله الجماعة. (مسألة) (وهل ينعزل الوكيل بالموت والعزل قبل علمه؟ على روايتين) وجملة ذلك أن الوكالة عقد جائز من الطرفين وقد ذكرنا ذلك فللموكل عزل وكيله متى شاء وللوكيل

عزل نفسه وتبطل بموت أحدهما أو جنونه فلمطبق ولا خلاف نعلمه في ذلك مع العلم بالحال فمتى تصرف بعد فسخ الموكل أو موته فهو باطل إذا علم ذلك، وإن لم يعلم بالعزل ولا يموت الموكل ففيه روايتان وللشافعي فيه قولان (أحدهما) ينعزل وهو ظاهر كلام الخرقي، فعلى هذا متى تصرف فبان أن تصرفه بعد عزله أو موت موكله فتصرفه باطل لأنه رفع عقد لا يفتقر إلى رضا صاحبه فصح بغير عمله كالطلاق والعتاق (والثانية) لا ينعزل قبل علمه نص عليه أحمد في رواية جعفر بن محمد لما في ذلك من الضرر لأنه قد يتصرف تصرفات فتقع باطلة وربما باع الجارية فيطؤها المشتري أو الطعام فيأكله أو غير ذلك فيتصرف فيه المشتري ويجب ضمانه فيتضرر المشتري والوكيل لأنه يتصرف بأمر الموكل فلا يثبت حكم الرجوع في حق المأمور قبل علمه كالفسخ، فعلى هذه الرواية متى تصرف قبل العلم صح تصرفه وهذا قول أبي حنيفة، وروي عن أبي حنيفة إن الوكيل إن عزل نفسه لم ينعزل إلا بحضرة الموكل لأنه متصرف بأمر الموكل فلا يصح رد أمره بغيره حضرته كالمودع في رد الوديعة، ووجه الأول ما ذكرناه فأما الفسخ ففيه وجهان كالروايتين، ويمكن الفرق بينهما بأن أمر الشارع يتضمن المعصبة بتركه ولا يكون عاصبا مع عدم العلم وهذا يتضمن العزل عنه إبطال التصرف فلا يمنع منه عدم العلم (فصل) وإذا وقعت الوكالة مطلقة ملك التصرف أبداً ما لم يفسخ الوكالة وتحصل بقوله فسخت الوكالة

مسألة وإذا وكل اثنين لم يكن لأحدهما الإنفراد بالتصرف إلا أن يجعل ذلك إليه

أو أبطلتها أو نقضتها أو أزلتك أو صرفتك أو عزلتك عنها أو ينهاه عن فعل ما أمره به وما أشبه ذلك من الألفاظ المقتضية عزله والمؤدية معناه أو يعزل الوكيل نفسه أو يوجد ما يقتضي فسخها حكما على ما ذكرنا أو يوجد ما يدل على الرجوع عن الوكالة فإذا وكله في طلاق امرأته ثم وطئها انفسخت الوكالة لأن ذلك يدل على رغبته فيها واختيار إمساكها وكذلك لو وطئ الرجعية كان ارتجاعا لها فإذا اقتضى رجعتها بعد طلاقها فلان يقتضي استيقاءها على نكاحها ومنع طلاقها وإن باشرها دون الفرج أو فعل ما يحرم على غير الزوج فهل تنفسخ الوكالة في الطلاق؟ يحتمل وجهين بناء على الخلاف في حصول الرجعة به، وإن وكله في بيع عبد ثم كاتبه أو دبرها نفسخت الوكالة لأنه على إحدى الروايتين لا يبقى محلا للبيع وعلى الرواية الأخرى تصرفه فيه بذلك يدل على أنه قصد الرجوع عن بيعه وإن باعه بيعاً فاسداً لم تبطل الوكالة لأن ملكه في العبد لم يزل ذكره ابن المنذر (مسألة) (وإذا وكل اثنين لم يكن لأحدهما الانفراد بالتصرف إلا أن يجعل ذلك إليه) وجملة ذلك أنه إذا وكل وكيلين وجعل لكل واحد الإنفراد بالتصرف فله ذلك لأنه مأذون فيه وإن

لم يجعل له ذلك فليس لأحدهما الانفراد به لأنه لم يأذن في ذلك وإنما يجوز له فعل ما أذن فيه موكله وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي فإن وكلهما في حفظ ماله حفظاه معاً في حرز لهما لان فوله افعلا كذا يقتضي اجتماعهما على فعله وهو مما يمكن تعلق بهما، وفارق هذا قوله بعتكما حيث كان منقسما ببنهما لأنه لا يمكن أن يكون الملك على الإجتماع فانقسم بينهما فإن غاب أحد الوكيلين لم يكن للآخر أن يتصرف ولا للحاكم ضم أمين إليه ليتصرفا لأن الموكل رشيد جائز التصرف لا ولاية للحاكم عليه فلا يقيم الحاكم له بغير إذنه، وفارق مالو مات أحد الوصيين حيث يضيف الحاكم الى الوصي أميناً ليتصرفا لكون الحاكم له النظر في حق الميت واليتيم ولهذا لو لم يوص الى أحد أقام الحاكم أميناً في النظر لليتيم، وإن حضر الحاكم أحد الوكيلين والآخر غائب فادعى الوكالة لهما وأقام بينة سمعها الحاكم وحكم بثبوت الوكالة لهما ولم يملك الحاضر التصرف وحده فإذا حضر الآخر تصرفا معاً ولا يحتاج إلى إعادة البينة لأن الحاكم سمعها لهما مرة، فإن قيل هذا حكم الغائب قلنا يجوز تبعاً لحق الحاضر كما يجوز أن بحكم بالوقف الذي يثبت لمن لم يحلف لأجل من يستحقه في الحال كذا ههنا وإن جحد الغائب الوكالة أو عزل نفسه لم يكن للآخران يتصرف وبما ذكرناه قال أبو حنيفة والشافعي ولا نعلم فيه مخالفا

مسألة ولا يجوز للوكيل في البيع أن يبيع لنفسه وعنه يجوز إذا زاد على مبلغ ثمنه في النداء أو وكل من يبيع

وجميع التصرفات في هذا سواء وقال أبو حنيفة إذا وكلهما في خصومة فلكل واحد منهما الانفراد بها ولنا أنه لم يرض بتصرف أحدهما أشبه البيع والشراء (مسألة) (ولا يجوز للوكيل في البيع إن يبيع لنفسه، وعنه يجوز إذا زاد على مبلغ ثمنه في النداء أو وكل من يبيع وكان هو أحد المشترين، ولا في الشراء ان يتشري من نفسه) وجملة ذلك أن من وكل في بيع شئ لم يجز أن يبيعه لنفسه ولا للوكيل في الشراء أن يشتري من نفسه في إحدى الروايتين نقلها منها وهو مذهب الشافعي واصحاب الرأي، وكذلك الوصي لا يجوز أن يشتري من مال اليتيم شيئاً لنفسه في إحدى الروايتين وهو مذهب الشافعي وحكي عن مالك والاوزاعي جواز ذلك فيهما (والرواية الثانية) عن أحمد يجوز لهما أن يشتريا بشرطين أحدهما أن يزيد على مبلغ ثمنه في النداء والثاني أن يتولى النداء غيره قال القاضي يحتمل أن يكون اشتراط تولي غيره للنداء واجباً ويحتمل أن يكون مستحباً والاول أشبه بطاهر كلامه وقال أبو الخطاب الشرط الثاني أن يولي من يبيع ويكون هو أحد المشترين، فإن قيل فكيف يجوز له دفعها إلى غيره ليبيعها وهذا توكيل وليس للوكيل التوكيل؟ قلنا يجوز التوكيل فيما لا يتولى مثله بنفسه والنداء مما لم تجربه العادة أن يتولاه أكثر

الناس بنفوسهم فإن وكل إنساناً يشتري له وباع جاز على هذه الرواية لأنه امتثل أمر موكله في البيع وحصل غرضه من الثمن فجاز كما لو اشتراها أجنيي وقال أبو حنيفة يجوز للوصي الشراء دون الوكيل لأن الله تعالى قال (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن) وإذا اشترى مال اليتيم بأكثر من ثمنه فقد قربه بالتي هي أحسن، ولأنه نائب عن الأب وذلك جائز للأب فكذلك نائبه، ووجه الرواية الأولى أن العرف في البيع بيع الرجل من غيره فحملت الوكالة عليه كما لو صرح به ولأنه تلحقه التهمة ويتنافى الغرضان في بيعه لنفسه فلم يجز كما لونهاه والوصي كالوكيل لأنه يلي بيع مال غيره بتوليه فأشبه الوكيل أو متهم فأشبه الوكيل بل التهمة في الوصي آكد لأن الوكيل متهم في ترك الاستقصاء في الثمن لا غير والوصي يتهم في ذلك وفي أنه يشتري من مال اليتيم مالا حظ لليتيم في بيعه فكان أولى بالمنع وعند ذلك لا يكون أخذه لماله قرباناً بالتي هي احسن وقد روى ابن مسعود أنه قال في رجل أوصى إلى رجل بتركته وقد ترك قريباً فقال الوصي اشتريه قال لا (فصل) وحكم الحاكم أمينه كحكم الوكيل والحكم في بيع أحد هؤلاء لوكيله أو لولده الصغير أو طفل يلي عليه أو لوكيله أو عبد المأذون له كالحكم في بيعه لنفسه كل ذلك يخرج على روايتين بناء على

مسألة وهل يجوز أن يبيع لولده أو والده أو مكاتبه؟ على وجهين

بيعه لنفسه، فأما ببعه لولده الكبير أو والده أو مكاتبه فذكر هم أصحابنا أيضاً في جملة ما يخرج على روايتين ولا صحاب الشافعي فيهم وجهان وقال أبو حنيفة يجوز بيعه لولده الكبير لأنه امتثل أمر موكله ووافق العرف في بيع غيره كما لو باعه لأخيه، وفارق البيع لوكيله لأن الشراء إنما يقع لنفسه وكذلك بيع عبد المأذون وبيع طفل يلي عليه بيع لنفسه لأن الشراء يقع لنفسه، ووجه الجمع بينهم أنه يتهم في حقهم وبميل الى ترك الاستقصاء عليهم في الثمن كتهمته في حق نفسه وكذلك لا تقبل شهادته لهم، والحكم فيما إذا أراد أن يشتري لموكله كالحاكم في بيعه لماله لأنهما سواء في المعنى (فصل) وإن وكل رجلا يتزوج له امرأة فهل له أن يزوجه ابنته؟ يخرج على ما ذكرنا في الوكيل في البيع هل يبيع لولده الكبير وقال أبو يوسف ومحمد يجوز ووجه القولين ما تقدم فيما قبلهما وإن أذنت له موليته في تزويجها خرج في تزويجها لنفسه أو ولده أو والده وجهان بناء عنى ما ذكر في البيع وكذلك لو وكله رجل في تزويج ابنته خرج فيه مثل ذلك (مسألة) (وهل يجوز أن يبيع لولده أو والده أو مكاتبه؟ على وجهين) وقد ذكر افي المسألة قبلها (فصل) فإن وكله في بيع عبده ووكله آخر في شراء عبد فقياس المذهب جواز شرائه من

مسألة ولا يجوز أن يبيع نساء ولا بغير نقد البلد ويحتمل أن يجوز كالمضارب

نفسه لأنه أذن له في طرفي العقد فجاز أن يليهما إذا انتفت التهمة كالأب يشتري من مال ولده لنفسه، ولو وكله المنداعيان في الدعوى عنهما فالقياس جوازه لأنه يمكنه الدعوى عن أحدهما والجواب عن الآخر وإقامة حجة كل واحد منهما ولأصحاب الشافعي في المسئلتين وجهان (فصل) فإن أذن للوكيل أن يشتري من نفسه جاز ذلك وقال أصحاب الشافعي لا يجوز في أحد الوجهين لأنه يجتمع له في عقد غرضان الاسترخاص لنفسه والاستقصاء للموكل وهما متضادان فتما نعا ولنا أنه وكله في التصرف لنفسه فجاز كما لو وكل المرأة في طلاق نفسها ولأن علة المنع من المشتري لنفسه في محل الإتفاق التهمة لدلالتها على عدم رضا الموكل بهذا التصرف وإخراج هذا التصرف عن عموم لفظه وإرادته وقد صرح ههنا بالإذن فيها فلا ينفي دلالة الحال مع نصه بلفظه على خلافها، وقولهم إنه يتضاد مقصوده في البيع والشراء قلنا أن عين الموكل له الثمن فاشترى به فقد زال مقصود الاستقصاء فإنه لا يراد أكثر مما حصل وإن لم يعين له الثمن يعيد البيع بثمن المثل كما لو باع الأجنبي وقد ذكر أصحابنا فيما إذا وكل عبداً يشتري له نفسه من سيده وجهاً أنه لا يجوز ويخرج ههنا مثله والصحيح ما قلناه إن شاء الله تعالى

مسألة وإن باع بدون ثمن مما قدره له صح وضمن النقص

(مسألة) (ولايجوز أن يبيع نساء ولا بغير نقد البلد ويحتمل أن يجوز كالمضارب) وجملة ذلك أن الموكل إذا عين للوكيل الشراء أو البيع بنقد معين أو حالا لم تجز مخالفته لأنه إنما يتصرف بإذنه ولم يأذن في غير ذلك وإن أذن له في الشراء أو البيع بنسيئة جاز وإن أطلق لم بيع إلا حالا بنقد البلد لأن الأصل في البيع الحلول وإطلاق النقد ينصرف الى نقد البلد كما لو باع ماله فان كان في البلد نقدان باع بأغلبهما فإن تساويا باع بما شاء منهما وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة وصاحباه له البيع نساء لأنه معتاد فأشبه الحال ويتخرج لنا مثل ذلك بناء على الرواية في المضارب والأول أولى لأنه لو أطلق البيع حمل على الحلول فكذلك إذا أطلق الوكالة ولا نسلم تساوي العادة فيهما فإن بيع الحال أكثر، ويفارق المضارية لوجهين (أحدهما) أن المقصود من المضاربة الربح لادفع الحاجة بالثمن في الحال وقد يكون المقصود في الوكالة دفع حاجة بأجرة تفوت بتأخير الثمن (الثاني) إن استيفاء الثمن في المضاربة على المضارب فيعود ضرر التأخير في التقاضي عليه وههنا بخلافه وفلا يرضى به الموكل ولأن الضرر في توي الثمن على المضارب لأنه يحسب من الربح لكون الربح وقاية لرأس المال وههنا يعود على الموكل فانقطع الإلحاق

(مسألة) (وإن باع بدون ثمن مما قدره له صح وضمن النقص) وجملة ذلك أن الوكيل ليس له أن يبيع بدون ثمن المثل أو دون ما قدره له وبهذا قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد قال أبو حنيفة إذا أطلق الوكالة في البيع فله البيع بأي ثمن كان لأن لفظه في الإذن مطلق فيجب حمله على إطلاقه ولنا أنه وكيل مطلق في عقد معاوضة فاقتضى ثمن المثل كالشراء فإنه قد وافق عليه وبه ينتقض دليله فإن باع بأقل من ثمن المثل مما لا يتغابن الناس بمثله أو بدون ما قدره له فحكمه حكم من لم يأذن له في البيع وعن أحمد البيع صحيح ويضمن الوكيل النقص لأن من صح بيعه بثمن المثل صح بدونه كالمريض، فعلى هذه الرواية يكون على الوكيل ضمان النقص وفي قدره وجهان (أحدهما) ما بين ثمن المال وما باع به (والثاني) ما بين ما يتغابن الناس بمثله وما لا يتغابنون لأن ما يتغابن الناس به يصح بيعه به ولا ضمان عليه والأول أقيس لأنه بيع غير مأذون فيه اشبه بيع الأجنبي وكل تصرف كان الوكيل فيه مخالفاً لموكله فحكمه فيه حكم تصرف الأجنبي على ما ذكرنا في موضعه فأما ما يتغابن الناس به عادة وهو درهم في عشرة فمعفو عنه إذا لم يكن الموكل قدر الثمن لأن ما يتغابن الناس به بعد ثمن المثل ولا يمكن التحرز منه. (فصل) ولو حضر من يزيد على ثمن المثل لم يجز أن يبيع بثمن المثل لأن عليه الإحتياط وطلب الخط لمولكه فإن باع بثمن المثل فحضر من يزيد في مدة الخيار لم يلزمه فسخ العقد لأن الزيادة منهي

مسألة وإن باع بأكثر من ثمن المثل صح سواء كانت الزيادة من جنس الثمن الذي أمر به أو لم تكن هي

عنها فلا يلزم الرجوع إليها ولأن الزايد قد لا يثبت على الزيادة فلا يلزم الفسخ بالشك ويحتمل أن يلزمه ذلك لأنها زيادة أمكن تحصيلها أشبه ما قبل البيع والنهي يتوجه الى الذي زاد لا إلى الوكيل فأشبه ما إذا زاد قبل البيع بعد الإتفاق عليه (مسألة) (وإن باع بأكثر من ثمن المثل صح سواء كانت الزيادة من جنس الثمن الذي أمر به أولم تكن هي) إذا وكله في بيع شئ معين فباعه بأكثر منه صح قلت الزيادة أو كثرت وكذلك إن أطلق فباعه بأكثر من ثمن المثل لأنه باع بالمأذون فيه وزاد زيادة تنفعه ولا تضره وسواء كانت لزيادة من جنس الثمن المأمور به أو من غير جنسه كمن أذن في البيع بمائة درهم فباعه بمائة درهم ودينار أو ثوب وقال أصحاب الشافعي لا يصح بيعه بمائة وثوب في أحد الوجهين لأنه من غير جنس الأثمان ولنا أنها زيادة تنفعه ولا تضره أشبه مالو باعه بمائة ودينار ولأن الإذن في بيعه بمائة اذن في بيعه بزيادة عليها عرفاً لأن من رضي بمائة لا يكره أن يزاد عليها ما ينفعه ولا يضره ويصير كما لو وكله في الشراء فاشترى بدون ثمن المثل أو بدون ما قدر له (مسألة) (وإن قال بعه بدرهم فباعه بدينار صح في أحد الوجهين) لأنه مأذون فيه عرفا فإن من رضي بدرهم رضي مكانه ديناراً فجرى مجرى بيعه بمائة درهم ودينار على ما ذكرنا في المسألة قبلها وقال القاضي لا يصح وهو مذهب الشافعي لأنه خالف موكله في الجنس

مسألة فإن قال بعه بألف نساء فباعه بألف حالة صح إن كان لا يستضر بحفظ الثمن في الحال

أشبه مالو باعه بثوب يساوي ديناراً فأما إن قال بعه بمائة درهم فباعه بمائة ثوب قيمتها أكثر من الدراهم أو بثمانين درهماً وعشرين ثوباً لم يصح وهو مذهب الشافعي لأنها من غير الاثمان ولأنه لم يؤذن فيه لفظاً ولا عرفاً بخلاف بيعه بدينار. (فصل) فإن وكله في بيع عبد بمائة فباع بعضه بها أو وكله مطلقا فباع بعضه بثمن الكل جاز لأنه مأذون فيه عرفا فإن من رضي بمائة ثمنا للكل رضي بها ثمنا للبعض ولأنه حصل له المائة وأبقى له زيادة تنفصه ولا تضره وله بيع النصف الآخر لأنه مأذون فيه فأشبه مالو باع العبد كله بزيادة على ثمنه، ويحتمل أن لا يجوز لأنه قد حصل للموكل غرضه من الثمن ببيع البعض فربما لا يختار بيع باقيه للغني عن بيعه يما حصل له من ثمن البعض وهكذا لو وكله في بيع عبدين بمائة فباع أحدهما بها يصح لما ذكرنا وهل له بيع الآخر على وجهين فأما إن وكله في بيع عبده بمائة فباع بعضه بأقل منها أو وكله مطلقا فباع بعضه بدون ثمن الكل لم يصح وبه قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة يجوز فيما إذا أطلق الوكالة بناء على أصله في أن للوكيل المطلق البيع بما شاء ولنا أن على الموكل ضرراً في تبعضه ولم يوجد الإذن فيه نطقاً ولا عرفا فلم يجوز كما لو وكله في في شراء عبد فاشترى بعضه (مسألة) (فإن قال بعه بألف نساء فباعه بألف حالة صح إن كان لا يستضر بحفظ الثمن في الحال)

مسألة وإن وكله في الشراء فاشترى بأكثر من ثمن المثل أو بأكثر مما قدره له أما إذا وكله في الشراء فاشترى

إذا وكله في بيع سلعة نسيئة فباعها نقداً بدون ثمنها نسسيئة أو بدون ما عينه له لم ينفذ بيعه لأنه خالف موكله لكونه إنما رضي بثمن النسيئة دون النقد وإن باعها نقداً بمثل ثمنها نسيئة أو بما عينه من الثمن فقال القاضي يصح لأنه زاده خيراً فهو كما لو وكله في بيعها بعشرة فباعها بأكثر من ثمنها والأولى أن ينظر له فيه فإن لم يكن له غرض في النسيئة صح لما ذكرنا وإن كان له فيها غرض مثل أن يستضر بحفظ الثمن في الحال أو يخاف عليه من التلف أو المتغلبين أو يتغير عن حاله إلى وقت الحلول أو نحو ذلك فهو كمن لم يؤذن له لأن حكم الإذن لا يتناول المسكوت عنه إلا إذا علم أنه في المصلحة كالمنطوق أو أكثر فيكون الحكم فيه ثابتاً بطريق التنبيه أو المماثلة ومتى كان في المنطوق به غرض صحيح لم يجز تفويته ولا ثبوت الحكم في غيره (مسألة) (وإن وكله في الشراء فاشترى بأكثر من ثمن المثل أو بأكثر مما قدره له (1) أما إذا وكله في الشراء فاشترى بأكثر من ثمن المثل مما لا يتغابن الناس بمثله (فصل) فإن وكله في بيع عبيد أو شرائهم ملك العقد عليهم جملة واحدة وواحداً واحداً لأن الإذن يتناول العقد عليهم جملة والعرف في بيعهم وشرائهم العقد على واحد واحد ولاضرر في جمعهم ولا افرادهم بخلاف مالو وكله في شراء عبد فاشترى بعضه فإنه لا يصح لأنه يفضي الى التشقيص وفيه إضرار بالموكل، فإن قال اشتر لي عبيداً صفقة واحدة أو واحد واحداً أو بعهم لي لم يجز مخالفته لأن (1)

_ هذه المسألة ذكرت في الاصل بهذا الوضع وهي كما ترى جملها ناقصة فلتراجع في مظنتها في المغني

مسألة وإن وكل في شراء شيء نقدا بثمن معين فاشتراه به مؤجلا صح

تنصيصه على ذلك يدل على عغرضه فيه فلم يتناول إذنه سواه، وإن قال اشتر لي عبدين صفقة فاشترى عبدين لا ثنين شركة بينهما من وكيليهما أو من أحدهما بإذن الآخر جاز وإن كان لكل واحد عبد منفرد فاشترى من الماليكن بأن أوجبا له البيع فيهما وقبل ذلك منهما بلفظ واحد فقال القاضي لا يلزم الموكل وهو مذهب الشافعي لأن عقد الواحد مع الإثنين عقدان ويحتمل أن يلزمه لأن القبول هو الشراء وهو متحد والغرض لا يختلف، وإن اشتراهما من وكيليهما وعين ثمن كل واحد منهما مثل أن يقول بعتك هذين العبدين هذا بمائة وهذا بثمانين فقال قبلت احتمل أيضاً وجهين وإن لم يعين الثمن لكل واحد لم يصح البيع لجهالة الثمن وفيه وجه أنه يصح ويقسط الثمن على قدر قيمتهما، وقد ذكر ذلك في تفريق الصفقة. (مسألة) (وإن وكل في شراء شئ نقداً بثمن معين فاشتراه به مؤجلاً صح) ذكره القاضي لأنه زاده خيراً فأشبه مالو وكله في الشراء بمائة فاشترى بدونها، ويحتمل أن ينظر في ذلك فان كان فيه ضرر نحو أن يستضر ببقاء الثمن معه ونحو ذلك لم يجز ولأصحاب الشافعي في صحة الشراء وجهان: (مسألة) (وإن قال اشتر لي شاة بدينار فاشترى له شاتين تساوي إحداهما دينارا أو اشترى له شاة تساوي ديناراً بأقل منه صح والالم يصح)

مسألة وإن قال اشتر لي شاة بدينار فاشترى له شاتين تساوي إحداهما دينارا أو اشترى له شاة تساوي دينارا

وجملة ذلك أنه إذا وكله في شراء شاة بدينار فاشترى شاتين تساوي كل واحدة منهما أقل من دينار لم يقع للموكل وإن كانت كل واحدة منهما تساوي ديناراً أو إحداهما تساوي ديناراً والأخرى اقل منه صح ولزم الوكل وهذا المشهور من مذهب الشافعي، وقال أبو حنيفة يقع للموكل إحدى الشاتين بنصف دينار واخرى للوكيل لأنه لم يرض بالزامه عهدة شاة واحدة ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى عروة بن الجعد البارقي ديناراً فقال (اشتر لنا به شاة) قال فأتيت الجلب فاشتريت شاتين بدينار فجئت أسوقهما أو أقودهما فلقيني رجل في الطريق فساومني فبعت منه شاة بدينار فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم بالد ينار وبالشاة فقلت يا رسول الله هذا دينار كم وهذه شاتكم فقال (وضعت كيف؟) فحدثته الحديث فقال (اللهم بارك له في صفقة يمينه) ولانه حصل المأذون فيه وزيادة من جنسه تنفع ولا تضر فوقع ذلك له كما لو قال بعه بدينار فباعه بدينارين وما ذكروه يبطل بالبيع فإن باع الوكيل إحدى الشاتين بغير أمر الموكل ففيه وجهان (أحدهما) لا يصح لأنه باع مال موكله بغير إذنه فلم يجز كبيع الشاتين (والثاني) إن كانت الباقية تساوي ديناراً جاز لحديث عروة ولأنه حصل له المأذون وزيادة من جنسه تنفع ولا تضر فوقع ذلك له كما لو قال له بعه بدينار فباعه بدينار وما ذكره يبطل بالبيع، فإن باع الوكيل إحدى الشاتين بغير أمر الموكل ففيه وجهان (أحدهما) البيع باطل لأنه باع مال موكله بغير أمره فلم يجز كبيع الشاتين (والثاني) إن كانت الباقية تساوي ديناراً جاز لحديث عروة البارقي ولأنه حصل له المقصود والزيادة لو كانت غير الشاة جاز

فجاز له إبدالها بغيرها وهذا ظاهر كلام أحمد لأنه اخذ بحديث عروة وذهب اليه، وإذا قلنا لا يجوز له بيع الشاة فباعها فهل يبطل البيع أو يصح ويقف على إجازة الموكل؟ على روايتين وهذا أصل لكل تصرف في ملك الغير بغير إذنه ووكيل خالف موكله فيه الروايتان وللشافعي في صحة البيع ههنا وجهان (فصل) واذا وكله في شراء عبد معين بمائة فاشتراه بما دونها صح ولزم الموكل لأنه مأذون فيه عرفا وإن قال لا تشتره بدون المائة فخالفه لم يجز لأنه خالف نصه وصريح قوله مقدم على دلالة العرف وإن قال اتشره بمائة ولا تشتره بخمسين جاز له شراؤه بما فوق الخمسين لأن إذنه في الشراء بمائة يدل عرفا على الشراء بما دونها خرج منه الخمسون بصريح النهي بقي فيما فوقها على مقتضى الإذن فإن اشتراه بما دون الخمسين جاز في إحدى الوجهين لذلك ولأنه لم يخالف صريح نهيه أشبه ما زاد عليها (والثاني) لا يجوز لأنه نهاه عن الخمسين استقلالا لها فكان تنبيها على النهي عما دونها كما أن الإذن في الشراء بمائة إذن فيما دونها فجرى مجرى صريح نهيه فإن تنبيه الكلام كنصه، فإن قال إشتره بمائة دينار فاشتراه بمائة درهم فالحكم فيه كما لو قال بعه بدرهم فباعه بدينار على ما مضى وإن قال اشتر لي نصفه بمائة فاشتراه كله أو أكثر من نصفه بمائة جاز لأنه مأذون فيه عرفاوان قال اشتر لي نصفه بمائة ولا تشتره جميعه فاشترى أكثر من النصف وأقل من الكل بمائة صح في قياس المسألة التي قبلها لكون دلالة العرف قاضية بالإذن في شراء كل ما زاد على النصف خرج الجميع بصربح نهيه ففيما عداه يبقى على مقتضى الإذن (فصل) وإن كله في شراء عبد موصوف بمائة فاشتراه على الصفة بدونها جاز لأنه مأذون فيه عرفا وإن خالف في الصفة أو اشتراه بأكثر منها لم يلزم الموكل وإن قال اشتر لي عبدا بمائة فاشترى

مسألة وليس له شراء معيب فإن وجد بما اشتراه عيبا فله رده

عبداً يساوي مائة بدونها جاز لأنه لو اشتراه بمائة جاز فإذا اشتراه بدونها فقد زاده خيراً فيجوز وإن كان لا يساوي مائة لم يجز وإن ساوى أكثر مما اشتراء به لأنه خالف أمره ولم يحصل غرضه (مسألة) (وليس له شراء معيب فإن وجد بما اشتراه عيباً فله رده) إذا وكله في شراء سلعة موصوفة لم يجز أن يشتري بها إلا سليمة العيوب لأن إطلاق البيع يقتضي السلامة ولذلك جاز له الرد بالعيب فإن اشترى معيباً يعلم عيبه لم يلزم الموكل لأنه اشترى له ما لم يأذن فيه وإن لم يعلم صح البيع لأنه إنما يلزمه شراء صحيح في الظاهر لعجزه عن التحرز عن شراء معيب لا يعلم عيبه فإذا علم عيبه ملك رده لأنه قائم مقام الموكل وللموكل رده أيضاً لأنه ملكه، فإن حضر قبل رد الوكيل ورضي بالعيب لم يكن للوكيل رده لأن الحق له بخلاف المضارب فإن له الرد وإن رضي رب المال فأن له حقاً فلا يسقط برضاء غيره وإن لم يحضر فأراد الوكيل الرد فقال له البائع توقف حتى يحضر الموكل فربما رضي بالعيب لم يلزمه ذلك لأنه لا يأمن فوات الرد بهرب البائع وفوات الثمن بتلفه فإن أخره بناء على هذا القول فلم يرض به الموكل فله الرد وإن قلنا الرد على الفور لأنه أخره بإذن البائع فيه وإن رضي الموكل سقط الرد (مسألة) (وإن قال البائع موكلك قد رضي بالعيب فالقول قول الوكيل بيمينه أنه لا يعلم ذلك)

مسألة فإن رده فصدق الموكل البائع في الرضى بالعيب فهل يصح الرد على وجهين

لأن الأصل عدم الرضى فلا يقبل قوله إلا ببينة فإن لم يقم بينة لم يستحلف الوكيل إلا أن يدعي علمه فيحلف على نفي العلم وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة في رواية لا يستحلف لأنه لو حلف كان نائباً في اليمين وليس بصحيح فإنه لا نيابة ههنا فإنه إنما يحلف على نفي علمه وهذا لا ينوب فيه عن أحد ولو اشترى المضارب معيباً صح لأن المقصود منها الربح وهو يحصل مع العيب بخلاف الوكيل فإنه قد يكون غرض الموكل القنية والانتفاع والعيب يمنع بعض ذلك (مسألة) (فإن رده فصدق الموكل البائع في الرضى بالعيب فهل يصح الرد؟ على وجهين) (أحدهما) لا يصح وللموكل إسترجاعه وللبائع رده عليه لأن رضاءه به عزل للوكيل عن الرد بدليل أنه لو علمه لم يكن له الرد (الثاني) يصح الرد بناء على أن الوكيل لا ينعزل قبل العلم بالعزل فإن رضي الوكيل المعيب أو أمسكه إمساكاً ينقطع به الرد فحضر الموكل فأراد الرد فله ذلك على الوجه الأول إن صدق البائع الموكل أن الشراء له أو قامت به بينة وإن كذبه ولم يكن بينة فحلف البائع أنه لا يعلم أن الشراء له فليس له رده لأن الظاهر أن منن اشترى شيئاً فهو له ويلزم الوكيل وعليه غرامة الثمن وهذا كله مذهب الشافعي، وقال أبو حنيفة للوكيل شراء المعيب لأن التوكيل في البيع مطلقاً يدخل الميعب في إطلاقه ولأنه أمين في الشراء فجاز له ذلك كالمضارب ولنا أن البيع بإطلاقه يقتضي الصحيح دون المعيب فكذلك الوكالة فيه ويفارق المضاربة من حيث

مسألة وإن وكله في شراء معين فاشتراه ووجده معيبا فهل له رده قبل إعلام الموكل على وجهين

إن المقصود فيها الربح وهو يحصل من المعيب كحصوله من الصحيح بخلاف الوكالة فإنه قد يكون المقصود بها القنية أو يدفع بها حاجة يكون المعيب مانعا منها فلا يحصل المقصود وقد ناقض أبو حنيفة قوله فإنه قال في قوله تعالى (فتحرير رقبة) لا يجوز العمياء ولا معيبة عيباً يضر بالعمل وقال ههنا يجوز للوكيل شراء الأعمى والمقعد ومقطوع اليدين والرجلين (مسألة) (وإن وكله في شراء معين فاشتراه ووجده معيباً فهل له رده قبل إعلام الموكل؟ على وجهين) (أحدهما) له الرد لأن الأمر يقتضي السلامة اشبه مالو وكله في شراء موصوفه (والثاني) لا يملكه لأن الموكل قطع نظره بالتعيين فربما رضيه على جميع صفاته فإن قلنا له الرد فحكمه حكم غير المعين وإن علم عيبه قبل شرائه فهل له شراؤه؟ يحتمل وجهين مبنيين على رده إذا علم عيبه بعد شراؤه إن قلنا له رده فليس له شراؤه لأن العيب إذا جاز الرد به بعد العقد فلأن يمنع من الشراء أولى وإن قلنا لا يملك الرد ثم فله الشراء ههنا لأن تعيين الموكل قطع نظره واجتهاده في جواز الرد فكذلك في الشراء (مسألة) (فإن قال اشتر لي بعين هذا الثمن فاشترى له في ذمته لم يلزم الموكل) وجملة ذلك أنه إذا دفع إليه دراهم وقال اشتر لي بهذه عبدا كا له أن يشتري بعينها وفي الذمة لأن الشراء يقع على هذين الوجهين فإذا أطلق كان له فعل ما شاء منهما فإن قال اشتر بعينها فاشتراه في ذمته ثم نقدها لم يلزم الموكل لأنه إذا تعين الثمن انفسخ العقد بتلفه أو كونه مغصوباً ولم يلزمه

مسألة فإن قال اشتر لي في ذمتك وانقد الثمن فاشترى بعينه صح

ثمن في ذمته وهذا غرض صحيح للموكل فلم يجز مخالفته ويقع الشراء للوكيل وهل يقف على إجازة الموكل؟ على روايتين (مسألة) (فإن قال اشتر لي في ذمتك وانقد الثمن فاشترى بعينه صح) ولزم الموكل ذكره أصحابنا لأنه أذن له في عقد يلزمه به الثمن مع بقاء الدراهم وتلفها فكان إذنا في عقد لا يلزمه الثمن إلا مع بقائها، ويحتمل أن لا يصح لأنه قد يكون له غرض في الشراء بغير عينها لشبهة فيها لا يجب أن تشتري بها أو يختار وقوع عقد لا ينفسخ بتلفها ولا يبطل بتحريهما وهذا غرض صحيح فلا يجوز تفويته عليه كما لم يجز تفويت غرضه في الصورة الأولى ومذهب الشافعي في هذا كله على نحو ما ذكرنا (مسالة) (وإن أمره ببيعه في سوق بثمن فباعه في آخر صح وإن قال بعه من زيد فباعه من غيره لم يصح) وجملة ذلك أن الوكيل لا يملك من التصرف الاما يقتضيه إذن موكله من جهة النطق أو العرف لأن تصرفه بالإذن فاختص بما أذن فيه والإذن يعرف بالنطق تارة وبالعرف أخرى، ولو وكل رجلا في التصرف في زمن مقيد لم يملك التصرف قبله ولا بعده لأنه لم يتناوله إذنه نطقا ولاعرفا فإنه قد يختار التصرف في زمن الحاجة إليه دون غيره ولهذا لما عين الله تعالى لعبادته وقتاً لم يجز تقديمها عليه ولا تأخيرها عنه فلو قال له بع ثوبي غدا لم يجز قبله ولا بعده، فإن عين له المكان وكان يتعلق به غرض مثل أن يأمره ببيع ثوبه في سوق وكان السوق معروفاً بجوده النقد أو كثرة الثمن أوحله أو بصلاح أهله أو بمودة بين الوكيل وبينهم تقيد الإذن به لأنه نص على أمر له فيه غرض فلم يجز تفويته وإن كان هو وغيره

سواء في الغرض لم يتقيد الإذن به وجاز له البيع في غيره لمساواته المنصوص عليه في الغرض فكان تنصيصه على أحدهما إذنا في الآخر كما لو استأجر أو استعار أرضا لزراعة شئ كان إذناً في زراعة مثله وما دونه ولو اكترى عقارا كان له أن يسكنه مثله ولو نذر الاعتكاف أو الصلاة في مسجد جاز له ذلك في غيره وسواء قدر له الثمن أو لم يقدره، فأما إن عين له المشتري فقال بعه فلانا لم يملك بيعه لغيره بغير خلاف علمناه سواء قدر له الثمن أو لا لأنه قد يكون له غرض في تمليكه إياه دون غيره إلا أن يعلم بقرينة أو صريح أنه لا غرض له في عين المشتري (فصل) إذا اشترى الوكيل لموكله شيئاً انتقل الملك من البائع إلى الموكل ولم يدخل في ملك الوكيل وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة يدخل في ملك الوكيل ثم ينتقل إلى الموكل لأن حقوق العقد تتعلق بالوكيل بدليل أنه لو اشتراه بأكثر من ثمنه دخل في ملكه ولم ينتقل إلى الموكل ولنا أنه قبل عقدا لغيره صح له فوجب أن ينتقل الملك إليه كالأب والوصي وكما لو تزوج له وقولهم إن حقوق العقد تتعلق به غير مسلم، ويتفرع من هذا أن المسلم لو وكل ذمياً في شراء دم أو حنزير فاشتراه له لم يصح الشراء وقال أبو حنيفة يصح ويقع للذمي لأن الخمر مال لهم لأنهم يتمولونها ويتبايعونها فصح توكيلهم فيها كسائر أموالهم ولنا أن كل مالا يجوز للمسلم العقد عليه لا يجوز أن يوكل فيه كتزويج المجوسية وبهذا خالف سائر

أموالهم وإذا باع الوكيل بثمن معين ثبت الملك للموكل في الثمن لأنه بمنزلة المبيع وإن كان الثمن في الذمة فللوكيل والموكل المطالبة به وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة ليس للموكل المطالبة لأن حقوق العقد تتعلق بالوكيل دونه ولهذا يتعلق مجلس الصرف والخيار به دون موكله وكذلك القبض ولنا أن هذا دين للموكل يصح قبضه له فملك المطالبة به كسائر ديونه التي وكل فيها وفارق مجلس العقد لأن ذلك من شرط العقد تعلق بالعاقد كالإيجاب والقبول وأما الثمن فهو حق للموكل ومال من ماله فكانت له المطالبة به ولانسلم أن حقوق العقد تتعلق به وإنما تتعلق بالموكل وهي تسليم الثمن وقبض المبيع والرد بالعيب وضمان الدرك فأما ثمن ما اشتراه إذا كان في الذمة فإنه يثبت في ذمة الموكل أصلاً وفي ذمة الوكيل تبعاً كالضامن وللبائع مطالبة من شاء منهما فإن أبرأ الوكيل لم يبرأ الموكل وإن أبرأ الموكل برئ الوكيل كالضامن والمضمون عنه سواء وإن دفع الثمن إلى البائع فوجد به عيبا فرده على الوكيل كان أمانة في يده إن تلف فهو من ضمان الموكل، ولو وكل رجلاً يستسلف له العامي كر حنطة ففعل ملك ثمنها والوكيل ضامن عن موكله كما تقدم قال أحمد في رواية منها إذا دفع إلى رجل ثوبا ليببعه ففعل فوهب له المشتري مند يلا فالمنديل لصاحب الثوب إنما قال ذلك لأن هبة المنديل سببها المبيع فكان المنديل زيادة في الثمن وزيادة في مجلس العقد تلحق به

مسألة وإن وكله في بيع شيء ملك تسليمه ولم يملك قبض ثمنه إلا بقرينة فإن تعذر قبضه لم يلزم الوكيل

(مسألة) (وإن وكله في بيع شئ ملك تسليمه ولم يملك قبض ثمنه إلا بقرينة فإن تعذر قبضه لم يلزم الوكيل) لأن إطلاق التوكيل في البيع يقتضي التسليم لكونه من تمامه ولم يملك الإبراء من الثمن وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة يمكله ولنا أن الإبراء ليس من المبيع ولا من ثمنه فلا يكون التوكيل في البيع توكيلا فيه كالإبراء من غير ثمنه فأما قبض الثمن فقال القاضي وابو الخطاب لا يملكه وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي لأنه قد يوكل في البيع من لا يأتمنه على قبض الثمن، فعلى هذا إن تعذر قبض الثمن من المشتري لم يلزم الوكيل شئ ويحتمل أن يملك قبض الثمن لأنه من موجب البيع فملكه كتسليم المبيع فعلى هذا ليس له تسليم المبيع إلا بقبض الثمن أو حضوره فإن سلمه قبل قبض ثمنه ضمنه، قال شيخنا والأولى أن ينظر فيه فإن دلت قرينة الحال على قبض الثمن مثل توكيله في بيع ثوب في سوق غائب عن الموكل أو موضع يضيع الثمن بترك قبض الوكيل كان إذنا في قبضه فمتى ترك قبضه ضمنه لأن ظاهر حال الموكل أنه إنما أمره بالبيع لتصحيل ثمنه فلا يرضى بتضييعه ولهذا يعد من فعل ذلك مفرطاً وإن لم تدل القرينة على ذلك لم يكن له قبضه (فصل) وإن وكله في شراء شئ ملك تسليم ثمنه لأنه من ثمنه وحقوقه فهو كتسليم المبيع في

مسألة وإن وكله في بيع فاسد لم يصح ولم يملكه

البيع والحكم في قبض المبيع كالحكم في قبض الثمن في البيع على ما ذكرنا، فان اتشرى عبداً فنقد ثمنه فخرج العبد مستحقاً فهل يملك أن يخاصم البائع في الثمن؟ على وجهين، فإن اشترى شيئاً وقبضه وأخر تسليم الثمن لغير عذر فهلك في يده ضمنه وإن كان له عذر مثل ان ذهب ينقده أو نحو ذلك فلا ضمان عليه نص أحمد على هذا لأنه مفرط في إمساكه في الصورة الأولى فلزمه الضمان بخلاف مااذا لم يفرط (مسألة) (وإن وكله في بيع فاسد لم يصح ولم يملكه) لأن الله تعالى لم يأذن فيه ولان الموكل لا يملكه فالوكيل أولى ولا يملك الصحيح لأن الموكل لم يأذن فيه وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة يملك الصحيح لأنه إذا أذن في الفاسد فالصحيح أولى ولنا أنه أذن له في محرم فلم يملك الحلال بالإذن في الفاسد كما لو أذن في شراء خمر وخنزير لم يملك شراء الخيل والغنم (مسألة) (وإن وكله في كل قليل وكثير لم يصح) لأنه يدخل فيه كل شئ فيعظم الغرر ولأنه لا يصح التوكيل إلا في تصرف معلوم، وبه قال أبو حنيفة والشافعي. وقال ابن أبي ليلى يصح ويملك به كل ما تناوله لفظه لأن لفظه عام فصح فيما تناوله كما لو قال بع مالي كله

مسألة: وإن وكله في بيع ماله كله صح

ولنا أن في هذا غرراً عظيماً وخطراً كبيراً لأنه يدخل فيه هبة ماله وطلاق نسائه وإعتاق رقيقة وتزوج نساء كثير وتلزمه المهور الكثيرة والإيمان العظيمة فيعظم الضرر (مسألة) (وإن وكله في بيع ماله كله صح) لأنه يعرف ماله فيعرف أقصى ما يبيع فيقل الغرر وكذلك لو وكله في بيع ما شاء من ماله أو قبض ديونه أو الإبراء منها أو ما شاء منها صح لأنه يعرف دينه فيعرف ما يقبض فيقل الغرر (مسألة) (وإن قال إشتر لي ما شئت أو عبداً بما شئت لم يصح حتى يذكر النوع وقدر الثمن وعنه ما يدل على أنه يصح) إذا قال اشتر لي ما شئت بما شئت لم يصح ذكره أبو الخطاب لأن ما يمكن شراؤه يكثر فيكثر فيه الغرر وإن قدر له أكثر الثمن وأقله صح لانه يقبل الغرر وقال القاضي إذا ذكر النوع لم يحتج إلى ذكر الثمن لأنه أذن في أعلاه وعنه ما يدل على أنه يصح فإنه قد روي عن فيمن قال ما اشتريت من شئ فهو بيننا أن هذا جائز وأعجبه وهذا توكيل في شراء كل شئ ولأنه أذن في التصرف فجاز من غير تعيين كالإذن في التجارة

مسألة: وإن قال: إشتر لي ما شئت أو عبدا بما شئت لم يصح حتى يذكر النوع وقدر الثمن وعنه ما يدل على أنه يصح

(فصل) وقد ذكرنا أنه إذا قال بع ما شئت من مالي أنه يصح وقال أصحاب الشافعي إذا قال بع ما شئت من مالي لم يجز وإن قال بع ما شئت من عبيدي جاز لأنه محصور بالجنس ولنا أن ما جاز التوكيل في جميعه جاز التوكيل في بعضه وإن قال اشتر لي عبداً تركياً أو ثوباً صروياً صح وكذلك إن قال إشتر لي عبداً أو ثوباً ولم يذكر جنسه صح أيضاً وقال أبو الخطاب لا يصح وهو مذهب الشافعي لأنه مجهول ولنا أنه ذكر نوعاً فقد أذن في أعلاه ثمناً فيقل الغرر ولأن تقدير الثمن يضربه فإنه قد لا يجد بقدر الثمن ومن اعتبر ذكر الثمن جوز أن يذكر له أكثر الثمن وأقله وقد ذكرناه (مسألة) (وإن وكله في الخصومة لم يكن وكيلاً في القبض) وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة يملك قبضه لأن المقصود من التثبت قبضه أو تحصيله

مسألة: وإن وكله في الخصومة لم يكن وكيلا في القبض

ولنا أن القبض لم يتناوله الإذن نطقا ولا عرفا لأنه قد يرضى للخصومة من لا يرضاه للقبض (فصل) إذا وكله في الخصومة لم يقبل إقراره على الموكل بقبض الحق ولا غيره وبه قال مالك والشافعي وابن أبي ليلى وقال أبو حنيفة ومحمد يقبل إقراره في مجلس الحكم فيما عدا الحدود والقصاص وقال أبو يوسف يقبل إقراره في مجلس الحكم وغيره لأن الإقرار أحد جوابي المدعي فملكه كالإنكار ولنا أن الإقرار يقطع الخصومة وينافيها فلم يملك الوكيل الإقرار فيها كالإبراء وفارق الإنكار فإنه لا يقطع الخصومة ويملكه في الحدود والقصاص وفي غير مجلس الحاكم ولأن الوكيل لا يملك الإنكار على وجه يمنع الموكل من الإقرار فلو ملك الاقرار لا متنع على الموكل الإنكار فافترقا ولا يملك المصالحة على الحق ولا الإبراء منه بغير خلاف نعلمه إلا أن الإذن في الخصومة لا يقتضي شيئاً من ذلك (مسألة) (وإن وكله في القبض كان وكيلا في الخصومة في أحد الوجهين) وقال أبو حنيفة والآخر ليس له ذلك وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي لأنهما معنيان مختلفان فالوكيل في أحدهما لا يكون وكيلاً في الآخر لأنه لم يتناوله اللفظ

مسألة: وإن وكله في القبض كان وكيلا في الخصومة في أحد الوجهين

ووجه الأول أنه لا يتوصل الى القبض إلا بالتثبيت فكان إذنا فيه عرفا ولأن القبض لا يتم إلا به فملكه كما لو وكل في شراء شئ ملك تسليم ثمنه أو في بيع شئ ملك تسليمه ويحتمل أنه إن كان الموكل عالماً بجحد من عليه الحق أو مطله كان توكيلاً في تثبيته والخصومة فيه لعلمه بوقوف القبض عليه ولا فرق بين كون الحق عينا أو ديناً وقال بعض أصحاب أبي حنيفة أن وكل في بيع عين لم يملك تثبيتها لأنه وكيل في نقلها أشبه الوكيل في نقل الزوجة. ولنا أنه وكيل في قبض حق أشبه الوكيل في قبض الدين وبه يبطل ما ذكروه فإنه توكيل في قبضه ونقله إليه (مسألة) (وإن وكل في قبض الحق من انسان لم يكن له القبض من وارثه وإن قال أقبض حقي الذي قبله فله القبض من وارثه) إذا وكله في قبض دين من رجل فمات نظرت في لفظه فإن قال اقبض حقي من فلان لم يكن له قبضه من وارثه لأنه لم يؤمر بذلك ولا يقتضيه العرف لأنه قد يرى بقاء الحق عندهم دونه وإن قال أقبض حقي الذي قبله أو عليه فله مطالبة وارثه والقبض منه لأن قبضه من الوارث قبض الحق الذي

مسألة: وإن وكله في قبضه اليوم لم يكن له قبضه غدا

على مورثه، فإن قيل فلو قال أقبض حقي من زيد فوكل زيد إنساناً في الدفع إليه كان له القبض والوارث نائب الموروث فهو كالوكيل، قلنا الوكيل إذا دفع عنه بإذنه جرى مجرى تسليمه لأنه أقامه مقام نفسه وليس كذلك ههنا فإن الحق انتقل إلى الورثة واستحقت المطالبة عليه لا بطريق النيابة عن المورث ولهذا لو حلف لا يفعل شيئاً حنث بفعل وكيله دون وارثه (مسألة) (وإن وكله في قبضه اليوم لم يكن له قبضه غداً لأنه قد يختص غرضه به في زمن حاجته إليه (مسألة) وإن وكله في الإيداع فأودع ولم يشهد لم يضمن إذا أنكر المودع) كذلك ذكره أصحابنا وعموم كلام الخرقي يقتضي أن لا يقبل قوله على الآخر وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي لأن الوديعة لا تثبت إلا ببينة فهو كما لو وكله في قضاء الدين وقال أصحابنا لا يصح القياس لأن قول المودع يقبل في الرد والهلاك فلا فائدة في استيثاق بخلاف قضاء الدين، فإن قال الوكيل دفعت المال إلى المودع فقال لم تدفعه فالقول قول الوكيل لأنهما اختلفا في تصرفه فيما وكل فيه فكان القول قوله فيه

مسألة: وإن وكله في قضاء الدين فقضاه ولم يشهد وأنكر الغريم ضمن إلا أن يقضيه بحضرة الموكل

(مسألة) (وإن وكله في قضاء الدين فقضاه ولم يشهد وأنكر الغريم ضمن إلا أن يقضيه بحضرة الموكل) إذا وكل رجلا في قبضاء دينه ودفع إليه مالاً ليدفعه إليه فادعى الوكيل قضاء الدين ودفع المال إلى الغريم لم يقبل قوله على الغريم إلا ببينة لأنه ليس بامينه فلم يقبل قوله عليه في ذلك كما لو ادعاه الموكل فإذا حلف الغريم فله مطالبة الموكل لأن ذمته لا تبرأ بدفع المال إلى وكيله وهل للموكل الرجوع على وكيله؟ ينظر فإن كان قضاه بغير بينة فللموكل الرجوع عليه إذا قضاه في غيبته قال القاضي سواء صدقه أو كذبه وهذا قولا الشافعي لأنه أذن في القضاء يبرأ به ولم يوجد وعن أحمد لا يرجع عليه بشئ إلا أن يكون أمره بالإشهاد فلم يفعل، فعلى هذه الرواية إن صدقه الموكل في الدفع لم يرجع عليه بشئ وإن كذبه فالقول قول الوكيل مع يمينه وهذا قول أبي حنيفة ووجه لأصحاب الشافعي لأنه ادعى فعل ما أمره به موكله فكان القول قوله كما لو أمره ببيع ثوبه فادعى بيعه ووجه الأول أنه مفرط بترك الاشهاد فضمن كمما لو فرط في البيع بدون ثمن المثل، فإن قيل فلم يأمره بالإشهاد؟ قلنا إطلاق الأمر بالقضاء يقتضي ذلك لأنه لا يثبت إلا به فيصير كأمره بالبيع والشراء يقتضي ذلك العرف لا العموم كذاههنا وقياس القول الآخر يمكن القول بموجبة وإن قوله مقبول في القضاء وإنما لزمه الضمان لتفريطه لالرد قوله وعلى هذا لو كان القضاء بحضرة الموكل

لم يضمن الوكيل لأن تركه الاحتياط والإشهاد رضا منه بما فعل وكيله وكذلك لو أذن له في القضاء بغير إشهاد فلا ضمان عليه لأن صريح قوله يقدم على ما تقتضيه دلالة الحال وكذلك إن أشهد على القصاء عد ولا فماتوا أو غابوا فلا ضمان عليه لعدم تفريطه، وإن أشهد من يختلف في ثبوت الحق بشهادته كشاهد واحد أو رجلاً وامرأتين فهل يبرأ من الضمان يخرج على روايتين فإن اختلف الوكيل والموكل فقال قضيت الدين بحضرتك فأنكر الموكل ذلك أو قال أذنت لي في قضائه بغير بينة فأنكر الموكل أو قال أشهدت على القضاء شهودا فما توا فأنكر الموكل فالقول قوله لأن الأصل معه (فصل) قال المصنف رحمه الله (والوكيل أمين لا ضمان عليه فيما تلف في يده بغير تفريط) سواء كان بجعل أولا لانه أمين أشبه المودع ومتى اختلفا في تعدي الوكيل أو تفريطه في الحفظ أو مخالفته أمر موكله مثل أن يدعي أنك حملت على الدابة فوق طاقتها أو حملت عليها شيئاً لنفسك أو فرطت في حفظها أو لبست الثوب أو أمرتك برد المال فلم تفعل ونحو ذلك فالقول قول الوكيل مع يمنيه لأنه أمين وهذا مما يتعذر إقامة البينة عليه فلا يكلف ذلك كالمودع ولأنه منكر لما يدعى عليه والقول قول المنكر، وكذلك إن ادعى الوكيل التلف فأنكر الموكل فالقول قول الوكيل مع يمينه لما ذكرنا وهكذا حكم من كان في يده شئ لغيره على سبيل الأمانة كالأب والوصي وأمين الحاكم والشريك والضمارب والمرتهن والمستأجر لأنه لو كلف ذلك مع تعذره لا متنع الناس من الدخول في الأمانات مع دعوى الحاجة إليها وذلك ضرر وقال

مسألة: وإن قال: بعت الثوب وقبضت الثمن فتلف فالقول قوله

القاضي إلا أن يدعي تلفها بأمر ظاهر كالحريق والنهب فعليه إقامة البينة على وجود هذا الأمر في تلك الناحية ثم يكون القول قوله في تلفها به وهذا قول الشافعي لأن وجود الأمر الظاهر مما لا يخفى فلا يتعذر إقامة البينة عليه ومتى ثبت التلف في يده من غير تعديه إما لقبول قوله أو بإقرار موكله أو تبينه فلاضمان عليه سواء تلف المتاع الذي أمر ببيعه أو باعه وقبض ثمنه فتلف الثمن سواء كان بجعل أو غيره لأنه نائب المالك في اليد والتصرف فالهلاك في يده كالهلاك في يد المالك وجرى مجرى المودع والمضارب وشبههما فإن تعدى أو فرط ضمن وكذلك سائر الأمناء ولو باع الوكيل سلعة وقبض ثمنها فتلف في يده من غير تعد واستحق المبيع رجع المشتري بالثمن على الموكل دون الوكيل لأن المبيع له فالرجوع بالعهدة عليه كما لو باع بنفسه (مسألة) (وإن قال بعت الثوب وقبضت الثمن فتلف فالقول قوله) إذا اختلف الوكيل والموكل في التصرف فيقول الوكيل بعت الثوب وقبضت الثمن فينكر الموكل ذلك أو يقول بعت ولم تقبض شيئاً فالقول قول الوكيل ذكره ابن حامد وهو قول أصحاب الرأي لأنه يملك البيع والقبض فقبل قوله فيهما كما يقبل قول ولي المرأة المجبرة على النكاح في تزويجها ويحتمل أن لا يقبل قوله وهذا أحد القولين لأصحاب الشافعي لأنه يقر بحق لغيره على موكله فلم يقبل كما لو أقر بدين عليه فإن وكله في شراء عبد فاشتراه واختلفا في قدر ما اشتراه به فقال اشتريته بألف قال بل بخمسمائة فالقول قول الوكيل لما ذكرناه

مسألة: وإن اختلفا في رده إلى الموكل فالقول قوله إن كان متطوعا وإن كان بجعل فعلى وجهين

وقال القاضي القول قول الموكل إلا أن يكون عين له الشراء بما ادعاه فقال اشتر لي عبداً بألف فادعى الوكيل أنه اشتراه بها فالقول قول الوكيل إذاً وإلا فالقول قول الموكل لأن من كان القول قوله في أصل شئ كان القول قوله في صفته وللشافعي قولان كهذين الوجهين، وقال أبو حنيفة إن كان الشراء في الذمة فالقول قول الموكل لأنه غارم لكونه مطالباً بالثمن وإن اشترى بعين المال فالقول قول الوكيل لكونه الغارم فإنه مطالبه برد ما زاد على خمسمائة. ولنا أنهما اختلفا في تصرف الوكيل فكان القول قوله كما لو اختلفا في البيع ولأنه وكيل في الشراء فكان القول قوله في قدر ثمن المشتري كالمضارب وكما لو قال له اشتر بألف عند القاضي (مسألة) (وإن اختلفا في رده إلى الموكل فالقول قوله إن كان متطوعاً وإن كان بجعل فعلى وجهين) إذا اختلفا في الرد فادعاه الوكيل وأنكره الموكل فإن كان بغير جعل فالقول قول الوكيل لأنه قبض المال لنفع مالكه فكان القول قوله كالمودع وإن كان بجعل ففيه وجهان (أحدهما) أن القول قوله كالأول (والثاني) لا يقبل قوله لأنه قبض المال لنفع نفسه فلم يقبل قوله في الرد كالمستعير وسواء اختلفا في رد العين أو رد ثمنها.

مسألة: وكذلك يخرج في الأجير والمرتهن

(مسألة) (وكذلك يخرج في الأجير والمرتهن) وجملة ذلك أن الأمناء على ضربين (أحدهما) من قبض المال لنفع مالكه لا غير كالمودع والوكيل بغير جعل فيقبل قولهم في الرد لأنه لو لم يقبل قولهم لامتنع الناس من قبول هذه الأمانة فيلحق الناس الضرر (الثاني) ينتفع بقبض الأمانة كالوكيل بجعل والمضارب والأجير المشترك والمستأحر والمرتهن ففيهم وجهان ذكرهما أبو الخطاب (أحدهما) لا يقبل قول المرتهن والمضارب في الرد لأن أحمد نص عليه في المضارب في رواية ابن منصور ولأن من قبض المال لنفع نفسه لا يقبل قوله في الرد كالمستعير ولو أنكر الوكيل قبض المال ثم ثبت ذلك ببينة أو اعتراف فادعى الرد أو التلف لم يقبل قوله لأن جنايته قد ثبتت بجحده، فإن أقام بينة بما ادعاه من الرد أو التلف لم تقبل بينته في أحد الوجهين لأنه كذبها بجحده فإن قوله قبضت يتضمن أنه لم يرد شيئاً (والثاني) يقبل لأنه يدعي الرد والتلف قبل وجود خيانته فإن كان جحوده إنك لا تستحق علي شيئاً أو مالك عندي شئ سمع قوله مع يمينه لأن جوابه لا يكذب ذلك فإنه إذا كان قد تلف أو رد فليس له عنده شئ فلا تنافي بين القولين إلا أن يدعي أنه رده أو تلف بعد قوله مالك عندي شئ فلا يسمع قوله لثبوت كذبه وخيانته (مسألة) (فإن قال أذنت لي في البيع نسيئة وفي الشراء بخمسة فأنكره فعلى وجهين) وجملة ذلك أنهما متى اختلفا في صفة الوكالة فقال وكلتك في بيع هذا العبد قال بل في بيع هذه الجارية أو قال

في بيعه نقداقال بل نسيئة أو قال وكلتك في شراء عبد قال بل في شراء أمة أو قال بل وكلتك في الشراء بعشرة قال بل بخمسة فقال القاضي في المجرد القول قول الموكل وهو قول أصحاب الرأي والشافعي وابن المنذر، وقال أبو الحطاب إذا قال أذنت لك في البيع نقدا وفي الشراء بخمسة قال بل أذنت لي في البيع نساء وفي الشراء بعشرة فالقول قول الوكيل نص عليه أحمد واختاره القاضي والتعليق الكبير في المضاربة لأنه أمين في التصرف فكان القول قوله في صفته كالخياط إذا قال أذنت لي في تفصيله قباء قال بل قميصاً وحكي عن مالك إن أدركت السلعة فالقول قول الموكل وإن فاتت فالقول قول الوكيل لأنها إذا فاتت لزم الوكيل الضمان والأصل عدمه بخلاف ما إذا كانت موجودة، والقول الأول أصح لوجهين (أحدهما) أنهما اختلفا في التوكيل الذي يدعيه الموكل فكان القول قول من ينفيه كما لو لم يقر الموكل بتوكيله في غيره (والثاني) أنهما اختلفا في صفة قول الموكل فكان القول قوله في صفة كلامه كما لو اختلف الزوجان في صفة الطلاق، فعلى هذا إذا قال اشتريت لك هذه الجارية بإذنك فقال ما أذنت إلا في شراء غيرها أو قال اشتريتها لك بألفين فقال ما أذنت لك في شرائها إلا بألف فالقول قول الموكل وعليه اليمين فإذا خلف برئ من الشراء، ثم لا يخلو إمان يكون الشراء بعين المال أو في الذمة فإن كان بعين المال فالبيع باطل ويرد الجارية على البائع إن اعترف بذلك وإن كذبه في أن الشراء لغيره أو بمال غيره بغير إذنه فالقول قول البائع لأن الظاهر أن ما في يد الإنسان له فإن ادعى الوكيل علمه بذلك حلف أنه

لا يعلم أنه اشتراه بمال موكله لأنه يحلف على نفي فعل غيره فإذا حلف مضى البيع وعلى الوكيل غرامة الثمن لموكله ودفع الثمن إلى البائع وتبقى الجارية في يده لا تحل له لأنه إن كان صادقاً فهي للموكل وإن كان كاذباً فهي للبائع، فإن أراد استحلالها اشتراها ممن هي له في الباطن امتنع من بيعه إياها رفع الأمر إلى الحاكم ليرفق به ليبيعه إياها ليثبت الملك له ظاهراً وباطناً ويصير ما ثبت له في ذمته ثمنا قصاصاً بالثمن الذي أخذ منه الآخر ظلماً فإن امتنع الآخر من البيع لم يجبر عليه لأنه عقد مراضاة، فإن قال له أن كانت الجارية لي فقد بعتكها أو قال الموكل إن كنت أذنت لك في شرائها بألفين فقد بعتكها ففيه وجهان (أحدهما) لا يصح وهو قول القاضي وبعض الشافعية لأنه بيع معلق على شرط (والثاني) يصح لأن هذا أمر واقع يعلمان وجوده فلا يصح جعله شرطاً كما لو قال إن كانت هذه الجارية جارية فقد بعتكها وكذلك كل شرط علما وجوده فإنه لا يوجب وقوف البيع ولا شكافيه، وإن كان الوكيل اشترى في الذمة ثم نقد الثمن صح الشراء ولزم الوكيل في الظاهر فأما في الباطن فإن كان كاذباً في دعواه فالجارية لموكله فإذا أراد إحلالها توصل إلى شرائها منه كما ذكرنا وكل موضع كانت للموكل في الباطن وامتنع من بيعها للوكيل فقد حصلت في يد الوكيل وهي للموكل وفي ذمته ثمنها في الوكيل فأقرب الوجوه ان يأذن للحاكم في بيعها وتوفيه حقه من ثمنها فإن كانت للوكيل فقد بيعت بإذنه وإن كانت للموكل فقد باعها الحاكم في إيفاء دين امتنع المدين من وفائه وقد قيل غير ما ذكرنا وهذا أقرب إن شاء الله تعالى

وإن اشتراها الوكيل من الحاكم بماله على الموكل جاز لأنه قائم مقام الموكل في ذلك أشبه ما لو اشترى منه (فصل) ولو وكله في بيع عبد فباعه نسيئة فقال الموكل ما أذنت في بيعه إلا نقداً فصدقه الوكيل والمشتري فسد البيع وله مطالبة من شاء منهما بالعبد إن كان باقيا وبقيمته إن تلف فإن أخذ القيمة من الوكيل رجع على المشتري بها لأن التلف في يده فاستقر الضمان عليه وإن أخذها من المشتري لم يرجع بالضمان على أحد، وإن كذباه وادعيا أنه أذن في البيع نسيئة فعلى قول القاضي يحلف الموكل ويرجع في العين إن كانت قائمة وإن كانت تالفة رجع المشتري على الوكيل بالثمن الذي أخذه منه لأنه لم يسلم له المنع وإن ضمن الوكيل لم يرجع على المشتري في الحال لأنه يقر بصحة البيع وتأجيل الثمن وإن البائع ظلمه بالرجوع عليه وأنه إنما يستحق المطالبة بالثمن بعد الأجل فإذا حل الأجل رجع الوكيل على المشتري بأقل الأمرين من القيمة أو الثمن المسمى لأن القيمة إن كانت أقل فما غرم أكثر منها فلم يرجع بأكثر مما غرم وإن كان الثمن أقل فالوكيل معترف للمشتري أنه لا يستحق عليه أكثر منه وان الموكل ظلمه بأخذ الزائد على الثمن فلا يرجع على المشتري بما ظلم به الموكل وإن كذبه أحدهما دون الآخر فله الرجوع على المصدق بغير يمين ويحلف على المكذب ويرجع على حسب ما ذكرناه هذا إن اعترف المشتري بالوكالة وإن أنكر ذلك وقال إنما بعتني ملكك فالقول قوله مع يمينه أنه لا يعلم كونه وكيلاً ولا يرجع عليه بشئ.

مسألة: وإن قال أذنت لي أن أتزوج لك فلانة ففعلت وصدقته المرأة فأنكر فالقول قول المنكر بغير يمين وهل يلزم الوكيل نصف الصداق؟ على وجهين

(فصل) إذا قبض الوكيل ثمن المبيع فهو أمانة في يده لا يلزمه تسليمه قبل طلبه ولا يضمنه بتأخيره لأنه رضي بكونه في يده فإن طلبه فأخر رده مع إمكانه فتلف ضمنه وإن وعده رده ثم ادعى إني كنت رددته قبل طلبه أو انه كان تلف لم يقبل قوله لأنه مكذب لنفسه بوعده رده فإن صدقه الموكل برئ فإن كذبه فالقول قول الموكل فإن أقام ببنة بذلك قبلت في أحد الوجهين لأنه يبرأ بتصديق الموكل فكذلك إذا قامت له بينة لأن البينة إحدى الحجتين فبرئ بها كالإقرار والثاني لا يقبل لانه كذبها بوعده بالدفع بخلاف ما إذا صدق لأنه أقر ببراءته فلم يبق له منازع، وإن لم بعده برده لكن منعه أو مطله مع إمكانه ثم ادعى الرد أو التلف لم يقبل قوله إلا بينة لأنه صار بالمنع خارجاً عن حال الأمانة وتسمع بينته لأنه لم يكذبها (مسألة) (وإن قال أذنت لي أن تزوج لك فلانة ففعلت وصدقته المرأة فأنكر فالقول قول المنكر بغير يمين وهل يلزم الوكيل نصف الصداقء على وجهين) وجملة ذلك أن الوكيل والموكل إذا ختلفا في أصل الوكالة فقال وكلتني فأنكر الموكل فالقول قوله لأن الأصل عدم الوكالة ولم يثبت أنه أمينه فيقبل قوله عليه ولو قال وكلتك ودفعت إليك مالاً فأنكر الوكيل ذلك كله أو اعترف بالتوكيل وأنكر دفع المال إليه فالقول قوله لذلك ولو قال رجل

لآخر وكلتني أن أتزوج لك فلانة ففعلت وادعت المرأه ذلك فأنكر الموكل فالقول قوله نص عليه أحمد فقال إن أقام البينة وإلا فلا يلزم الآخر عقد النكاح قال أحمد ولا يستحلف قال القاضي لأن الوكيل يدعي حقاً لغيره، وفأما إن ادعته المرأة فينبعي أن يستحلف لأنها تدعي الصداق في ذمته فإذا حلف لم يلزمه الصداق ولم يلزم الوكيل منه شئ لأن دعوى المرأة على الموكل وحقوق العقد لا تتعلق بالوكيل ونقل احساق بن إبراهيم عن أحمد أن الوكيل يلزمه نصف الصداق لأن الوكيل في الشراء ضامن للثمن وللبائع مطالبته كذا ههنا ولأنه فرط حيث لم يشهد على الزوج بالعقد والصداق والأول أولى لما ذكرناه، ويفارق الشراء لأن الثمن مقصود البائع والعادة تعجيله وأخذه من المتولي للشراء والنكاح يخالفه في هذا كله، فإن كان الوكيل ضمن المهر فلها الرجوع عليه بنصفه لأنه ضمنه الموكل وهو مقر بأنه في ذمته وبهذا قال أبو حنيفة وأبو يوسف والشافعي وقال محمد بن الحسن يلزم الوكيل جميع الصداق لأن الفرقة لم تقع بانكاره فيكون ثابتا في الباطن فيجب جميعه ولنا أنه يملك الطلاق فإذا أنكر فقد أقر بتحريمها عليه فصار بمنزلة إيقاعه لما تحرم به قال أحمد ولا يتزوج المرأة حتى يطلق لعله يكون كاذباً في إنكاره، وظاهر هذا تحريم نكاحها قبل طلاقها لابها

معترفة أنها زوجة له فيؤخذ باقرارها، وانكاره ليس بطلاق، وهل يلزم الموكل طلاقها؟ فيه احتمالان (أحدهما) لا يلزم لأنه لم يثبت في حقه نكاح ولو ثبت لم يكلف الطلاق ويحتمل أن يلزمه لازالة الاحتمال والزالة الضرر عنها بما لا ضرر عليه فيه فأشبه النكاح الفاسد، ولو مات أحدهما لم يرثه الآخر لأنه لم يثبت صداقها فترث وهو ينكر أنها زوجته فلا يرثها ولو ادعى أن فلانا الغائب وكيله في تزوج امرأة فتزوجها له ثم مات الغائب لم ترثه المرأة إلا بتصديق الورثة أو يثبت بينة، وإن أقر الموكل بالتوكيل في التزويج وأنكر أن يكون تزوج له فإن القول قول الوكيل فيه فيثبت التزويج ههنا وقال القاضي لا يثبت وهو قول أبي حنيفة لأنه لا تتعذر إقامة البينة عليه لكونه لا ينعقد إلا بها وذكر أن أحمد نص عليه وأشار إلى نصه فيما إذا أنكر الموكل الوكالة من أصلها ولنا أنهما اختلفا في فعل الوكيل ما أمره به فكان القول قوله كما لو وكله في بيع ثوب فادعى بيعه أو في شراء عبد بألف فادعى أنه أشتراه به وما ذكره القاضي من نص أحمد عليه فيما إذا أنكر الموكل الوكالة فيس بنص ههنا لاختلاف أحكام الصورتين وتباينهما فلا يكون النص في إحداهما نصاً في الآخر وما ذكره من المعنى لا أصل له فلا يعول عليه

مسألة: ويجوز التوكيل بجعل وبغيره

(فصل) ولو غاب رجل فجاء رجل إلى امرأته فذكر أن زوجها طلقها وأبانها ووكله في تجديد نكاحها بألف فأذنت في نكاحها فعقد عليها وضمن الوكيل الألف ثم جاء زوجها وأنكر هذا كله فاقول قوله والنكاح الأول بحاله وقياس ما ذكرناه أن المرأة إن صدقت الوكيل لزمه الألف إلا أن يبينها زوجها قبل دخوله بها وحكي ذلك عن مالك وزفر وحكي عن أبي حنيفة والشافعي أنه لا يلزم الضامن شئ لأنه فرع على المضمون عنه والمضمون عنه لا يلزمه شئ فكذلك فرعه ولنا أن الوكيل مقر بأن الحق في ذمة المضمون عنه وأنه ضامن عنه فلزمه ما اقربه كما لو ادعى على رجل أنه ضمن ألفا على أجنبي فأقر الضامن بالضمان وصحته وثبوت الحق في ذمة المضمون عنه وكما لو ادعى شفعة على إنسان في شقص اشتراه فأقر البائع وأنكر المشتري فإن الشفيع يستحق الشفعة في أصح الوجهين فإن لم تدع المرأة صحة ما ذكره الوكيل فلا شئ عليه، ويحتمل أن من أسقط عنه الضمان أسقطه في هذه الصورة ومن أوجبه أوجبه في الصورة الأخرى فلا يكون بينهما اختلاف والله أعلم (مسألة) (ويجوز التوكيل بجعل وبغيره) لأنه تصرف لغيره لا يلزمه فجاز أخذ الجعل عليه كرد الآبق

ويجوز بغير خلاف فإذا وكله بجعل فباع استحق الجعل قبل قبض الثمن لتحقق البيع قبل قبضه فإن قال في التوكيل فإذا أسلمت إلي الثمن فلك كذا وقف استحقاقه على التسليم إليه لا شتراطه إياه ولو قال بع ثوبي بعشرة فما زاد فلك صح نص عليه، وروي ذلك عن ابن عباس وهو قول ابن سيرين واسحاق وكرهه النخعي وحماد وأبو حنيفة والثوري والشافعي وابن المنذر لأنه أجر مجهول يحتمل الوجود ولنا إن عطاء روي عن ابن عباس أنه كان لا يرى بأساً أن يعطي الرجل الرجل الثوب أو غيره فيقول بعه بكذا فما ازددت فهو لك ولا يعرف له في عصره مخالف فكان إجماعا لأنها عين تنمى بالعمل عليها أشبه دفع ماله مضاربة. إذا ثبت ذلك فإذا باعه بزيادة فهي له لأنه جعلها له وإن باعه بما عينه فلا شئ له لأنه جعل له الزيادة ولا زيادة فهو كالمضارب إذا لم يربح، وإن باعه بنقص فعنه لا يصح لمخالفته فإن تعذر ضمن النقص وعنه يصح ويضمن النقص وقد ذكرنا ذلك وإن باعه نسيئة لم يصح ولا يستحق الوكيل وإن باعه بزيادة نص عليه أحمد في رواية الأثرم (فصل) إذا وكله في شراء شئ فاشترى غيره مثل أن يوكله في شراء عبد فاشترى جارية فإن كان الشراء بعين مال الموكل فالشراء باطل في أصح الروايتين وهو مذهب الشافعي وعن أحمد أنه يصح ويقف على إجازة المالك فإن أجازه صح وإلا بطل وهو قول مالك وإسحاق وقد ذكرناه في كتاب البيع فإن كان اشتراه في ذمته ثم نقد الثمن فالشراء صحيح لأنه إنما اشترى بثمن في ذمته وليس ذلك ملكا لغيره وقال أصحاب الشافعي لا يصح في أحد الوجهين لأنه عقد على أنه للموكل ولم يأذن فيه فلم يصح كما لو اشترى بعين ماله

ولنا أنه لم يتصرف في ملك غيره فصح كما لو لم ينوه إذا ثبت ذلك فروي عن أحمد روايتان (احداهما) الشراء لازم للمشتري وهو الوجه الثاني لأصحاب الشافعي لأنه إشترى في ذمته بغير إذنه فكان الشراء له كما لو لم ينو غيره (والثانية) يقف على إجازة الموكل إن أجازه لزمه وإن لم يجزه لزم الوكيل لأنه لا يجوز أن يلزم الموكل لكونه لم يأذن في شرائه ولزم الوكيل لأن الشراء صدر منه ولم يثبت لغيره فثبت في حقه كما لو اشتراه لنفسه وهكذا ذكر الخرقي وهذا حكم كل من اشترى شيئاً في ذمته لغيره بغير إذنه سواء كان وكيلاً للذي قصد الشراء له أو لم يكن (فصل) وإن وكله في أن يتزوج له امرأة فتزوج له غيرها أو تزوج له بغير إذنه فالعقد فاسد بكل حال في إحدى الروايتين وهو مذهب الشافعي لأن من شرط صحة عقد النكاح ذكرا لزوج فإذا كان بغير إذنه لم يقع له ولا للوكيل لأن المقصود أعيان الزوجين بخلاف البيع فإنه يجوز أن يشتري له من غير تسمية المشتري له والثانية يصح النكاح ويقف على إجازة المتزوج فإن أجازه صح والابطل وهو مذهب أبي حنيفة والقول فيه كالقول في البيع على ما تقدم (فصل) قال القاضي إذا قال لرجل اشتر لي بديني عليك طعاماً لم يصح ولو قال أسلف لي ألفاً من ملك في كر طعام ففعل لم يصح أيضاً لأنه لا يجوز أن يتشري الإنسان بماله ما يملكه غيره وإن قال اشتر لي في ذمتك أو قال أسلف لي الفافي كر طعام واقض الثمن عني من مالك أو من الدين الذي عليك صح لأنه إذا اشترى في الذمة حصل الشراء للموكل والثمن عليه فإذا قضاه من الدين الذي عليه فقد دفع الدين إلى من أمره صاحب الدين بدفعه إليه وإن قضاه من ماله عن دين السلف الذي عليه صار قرضاً عليه

(فصل) قال أحمد في رواية أبي الحارث في رجل له على آخر دراهم فبعث إليه رسولاً يقبضها فبعث إليه مع الرسول ديناراً فضاع مع الرسول فهو من مال الباعث لأنه لم يأمره بمصارفته إنما كان من ضمان الباعث لأنه دفع إلى الرسول غير ما أمره به المرسل لأن المرسل إنما أمره بقبض الدراهم ولم يدفعها إنما دفع ديناراً عوضاً عنه وهذا صرف يفتقر إلى إذن صاحب الدين ومصارفته به فإذا تلف في يد وكيله كان من ضمانه اللهم إلا أن يخبر الرسول الغريم أن رب الدين أذن له في قبض الدينار عن الدراهم فيكون من ضمان الرسول لأنه غره وأخذ الدينار على أنه وكيل للمرسل، وإن قبض الدراهم التي أمر بقبضها فضاعت من الرسول بغير تفريط فهي من ضمان صاحب الدين، وقال أحمد في رواية منها في رجل له عند آخر دنانير وثياب فبعث إليه رسولاً وقال خذ ديناراً أو ثوباً فأخذ دينارين وثوبين فضاعت فالضمان على الباعث يعني الذي أعطاه الدينار ين والثور بين ويرجع به على الرسول يعني عليه ضمان الدينار والثوب الزائداين إنما جعل عليه الضمان لأنه إلى من لم يؤمر بدفعهما إليه ورجع بهما على الرسول لأنه غره وحصل التلف في يده فاستقر الضمان عليه وللموكل تضمين الوكيل لأنه تعدى بقبض ما لم يؤمر بقبضه فإذا ضمنه لم يرجع على أحد لأن التلف حصل في يده فاستقر الضمان عليه، وقال أحمد في رجل وكل وكيلاً في اقتضاء دينه وغاب فأخذ الوكيل به رهناً فتلف الرهن في يد الوكيل فقال أساء الوكيل في أخذ الرهن ولا ضمان عليه إنما لم يضمنه لأنه رهن فاسد والقبض في العقد الفاسد كالقبض في العقد الصحيح فما كان القبض في صحيحه مضموناً كان مضموناً في فاسده وما كان غير مضمون في صحيحه كان غير مضمون في فاسده، ونقل البغوي عن أحمد في رجل أعطى آخر دراهم ليشتري له بها شاة فخلطها مع دراهمه فضاعا فلا شئ عليه وإن

مسألة: وإن كذبه لم يستحلف

ضاع أحدهما أيهما ضاع غرمه قال القاضي هذا محمول على أنه خلطها بما تتميز منه ويحتمل أنه أذن له في خلطها أما إن خلطها بما لا تتميز منه بغير إذنه ضمنها كالوديعة وإنما لزمه الضمان إذا ضاع أحدهما لأنه لا يعلم أن الضائع دراهم الموكل والأصل بقاؤها، ومعنى الضمان ههنا أنه يحسب الضائع من دراهم نفسه فأما على المحمل الآخر وهو إذا خلطها بما تتميز منه فإذا ضاعت دراهم الموكل وحدها فلاضمان عليه لأنها ضاعت من غير تعد منه (فصل) قال الشيخ رحمه الله (فإن كان عليه حق لإنسان فادعى آخر أنه وكيل صاحبه في قبضه فصدقه لم يلزمه الدفع إليه إلا أن تقوم به بينة وإن لم تقم به بينة لم يلزمه الدفع إليه وإن صدقه) وبه قال الشافعي وسواء كان الحق في ذمته أو وديعة عنده وقال أبو حنيفة يلزمه وفاء الدين إن صدقه وفي الوديعة روايتان أشهر هما لا يجب تسليمها لأنه أقر له بحق الاستيفاء فلزمه إيفاؤه كما لو أقر أنه وارثه ولنا أنه تسليم لا يبرئه فلا يجب عليه كما لو كان الحق عيناً وكما لو أقر بأن هذا وصي الصغير وفارق الاقرار بكونه وارثه لأنه يتضمن براءته فإنه أقر بأنه لا حق لسواه (مسألة) (وإن كذبه لم يستحلف) وقال أبو حنيفة يستحلف وهذا مبني على الخلاف في وجوب الدفع مع التصديق فمن أوجب عليه ثم أوجب عله اليمين مع التكذيب كسائر الحقوق ومن لم يوجب عليه الدفع مع التصديق لم يلزمه اليمين مع التكذيب لعدم فائدتها (مسألة) (فإن دفعه إليه فأنكر صاحب الحق الوكالة وحلف رجع على الدافع وحده)

مسألة: وإن كان المدفوع وديعة فوجدها أخذها وإن تلف فله تضمين أيهما شاء ولا يرجع من ضمنه على الآخر بشيء

وجملة ذلك أن من عليه الحق إذا دفعه إلى الوكيل مع التصديق أو عدمه فحضر الموكل وصدق الوكيل برئ الدافع وإن كذبه فالقول قوله مع يمينه لأنه منكر فإذا حلف وكان الحق ديناً لم يرجع إلا على الدافع وحده لأن حقه في ذمته ولم يبرأ منه بتسليمه إلى غيرو كيل صاحب الحق والذي أخذه الوكيل عين مال الدافع في زعم صاحب الحق والوكيل والدافع يزعمان أنه صار ملكاً لصاحب الحق وأنه ظالم للدافع بالأخذ منه فيرجع الدافع فيما أخذ منه الوكيل ويكون قصاصاً مما أخذ منه صاحب الحق وإن كان قد تلف في يد الوكيل لم يرجع عليه بشئ لأنه مقر بأنه أمين لا ضمان عليه إلا أن يتلف بتعديه وتفريطه فيرجع عليه (مسألة) (وإن كان المدفوع وديعة فوجدها أخذها وإن تلف فله تضمين أيهما شاء ولا يرجع من ضمنه على الآخر بشئ) إذا كان المدفوع عيناً فوجدها صاحبها أخذها وله مطالبة من شاء بردها لأن الدافع دفعها إلى غير مستحقها والوكيل عين ماله في يده فإن طالب الدافع فللدافع مطالبة الوكيل بها وأخذها من يده ليسلمها إلى صاحبها فإن تلفت العين أو تعذر ردها فلصاحبها الرجوع ببدلها على من شاء منهما لأن الدافع ضمنها بالدفع والقابض قبض مالا يستحق قبضه وأيهما ضمنه لم يرجع على الآخر لأن كل واحد منهما يدعي أن ما يأخذ ظلم ويقر بأنه لم يؤخذ من صاحبه بتعد فلا يرجع على صاحبه بظلم غيره إلا أن يكون الدافع دفعها إلى الوكيل من غير تصديق فيرجع على الوكيل لكونه لم يقر بوكالته ولم يثبت ببينة وإن ضمن الوكيل لم يرجع على الدافع وإن صدقه لكن إن كان الوكيل تعدى فيها أو

مسألة: فإن كان ادعى أن صاحب الحق أحاله ففي وجوب الدفع إليه مع التصديق واليمين مع الإنكار وجهان

فرط استقر الضمان عليه فإن ضمن لم يرجع على أحد وإن ضمن الدافع رجع عليه لأنه وإن كان يقر بأنه قبضه قبضاً شرعياً لكن إنما لزمه الضمان لتفريطه وتعديه فالدافع يقول ظلمني المالك بالرجوع علي وله على الوكيل حق يعتردف به الوكيل فيرجع عليه به (مسألة) (فإن كان ادعى أن صاحب الحق أحاله ففي وجوب الدفع إليه مع التصديق واليمين مع الإنكار وجهان. (أحدهما) لا يلزمه الدفع إليه لان الدفع اليه غرى مبرئ لاحتمال أن ينكر المحيل الحوالة ويضمنه فأشبه المدعي للوكالة (والثاني) يلزمه الدفع إليه لأنه معترف أن الحق انتقل إليه أشبه الوارث والأول أشبه لأن العلة في جواز منع الوكيل كون الدافع لا يبرئ وهي موجودة ههنا والعلة في وجوب الدفع إلى الوارث كونه مستحقاً والدفع إليه يبرئ وهو متخلف ههنا فإلحاقه بالوكيل أولى وإن قلنا يلزمه الدفع مع الإقرار لزمته اليمين مع الإنكار وإن قلنا لا يلزمه الدفع مع التصديق لم تلزمه اليمين مع الإنكار لعدم الفائدة فيها ومثل هذا مذهب الشافعي (مسألة) (وإن ادعى أنه مات وأنا وارثه فصدقه أنه وارث الحق لا وراث له سواه لزمه الدفع إليه) بغير خلاف نعلمه لأنه مقر له بالحق وأنه يبرأ بهذا الدفع فلزمه كما لو جاء صاحب الحق وإن أنكر لزمته اليمين أنه لا يعلم صحة ما قال لأن اليمين ههنا على نفي فعل الغير فكانت على نفي العلم وإنما لزمته اليمين ههنا لأن من لزمه الدفع مع الإقرار لزمته اليمين مع الإنكار كسائر الحقوق المالية (فصل) ومن طلب منه حق فامتنع من دفعه حتى يشهد القابض على نفسه بالقبض وكان الحق

عليه بغير بينة لم يلزم القابض الإشهاد لأنه لا ضرر في ذلك فإنه متى ادعى الحق على الدافع بعد ذلك قال لا تستحق علي شيئاً والقول قوله مع يمينه وإن كان الحق ثبت ببينة وكان من عليه الحق بقبل قوله في الرد كالمودع والوكيل بلا جعل فكذلك لأنه متى ادعى عليه حق أو قامت به بينة فالقول في الرد قوله، وإن كان ممن لا يقبل قوله في الرد أو يختلف في قبول قوله كالغاصب والمستعير والمرتهن لم يلزمه تسليم ما قبله إلا بالإشهاد لئلا ينكر القابض القبض ولا يقبل قول الدافع في الرد وإن أنكر قامت عليه البينة ومتى أشهد القابض على نفسه بالقبض لم يلزمه تسليم الوثيقة بالحق إلى من عليه الحق لأن بينة القبض تسقط البينة الأولى والكتاب ملكه فلا يلزمه تسليمه إلى غيره (فصل) في الشهادة على الوكالة إذا شهد بالوكالة رجل وامرأتان أو شاهد وحلف معه فقال أصحابنا فيها روايتان (إحداهما) تثبت بذلك إذا كانت الوكالة في المال قال أحمد في الرجل يوكل وكيلاً ويشهد على نفسه رجلاً وامرأتين إذا كانت المطالبة بدين فأما غير ذلك فلا (والثانية) لا تثبت إلا بشاهدين عدلين نقلها الخرقي في قوله ولا تقبل فيما سوى الأموال مما يطلع عليه الرجال أقل من رجلين وهذا قول الشافعي لأن الوكالة إثبات للتصرف ويحتمل أن يكون قول الخرقي كالرواية الأولى لأن الوكالة في المال يقصد بها المال فقبل شهادة النساء مع الرجال كالبيع والقرض. وإن شهدا بوكالة ثم قال أحدهما قد عزله لم تثبت وكالته بذلك، وإن كان الشاهد بالعزل أجنبياً لم يثبت العزل بشهادته وجده لأن العزل لا يثبت إلا بما يثبت به التوكيل، ومتى عاد أحد الشاهدين بالتوكيل فقال

قد عزله لم بحكم بشهادتهما لأنه رجوع عن الشهادة قبل الحكم بها فلا يجوز للحاكم الحكم بما رجع عنه الشاهد وإن كان حكم الحاكم بشهادتهما ثم قال أحدهما قد عزله بعد ما وكله لم يلتفت إلى قوله لأن الحكم قد نفذ بالشهادة ولم يثبت العزل فإن قالا جميعاً كان قد عزله ثبت العزل لأن الشهادة قد تمت في العزل كتمامها في التوكيل (فصل) فإن شهد أحدهما أنه وكله يوم الجمعة وشهد آخر انه وكله يوم السبت لم تتم الشهادة لأن التوكيل يوم الجمعة غير التوكيل يوم السبت فلم تكمل شهادتهما على فعل واحد، وإن شهد أحدهما أنه أقر بتوكيله يوم الجمعة وشهد آخر انه أقر به يوم السبت تمت الشهادة لأن الإقرارين أخبار عن عقد واحد ويشق جمع الشهود ليقر عندهم حالة واحدة فجوز له الإقرار عند كل واحد وحده وكذلك لو شهد أحدهما أنه أقر عنده بالوكالة بالعجمية وشهد آخر انه أقربها بالعريبة ثبتت، ولو شهد أحدهما أنه قال وكله بالعربية وشهد الآخر أنه وكله بالعجمية لم تكمل الشهادة لأن التوكيل بالعربية غير التوكيل بالعجمية فلم تكمل الشهادة على فعل واحد، وكذلك لو شهد أحدهما أنه قال وكلتك وشهد الآخر أنه قال أذنت في التصرف أو أنه قال جعلتك وكيلاً أو شهد أنه قال جعلتك جرياً لم تتم الشهادة لأن اللفظ مختلف والجري الوكيل، ولو قال أحدهما أشهد أنه وكله وقال الآخر أشهد أنه أذن له في التصرف تمت الشهادة لأنهما لم يحكيا لفظ الموكل وإنما عبرا عنه بلفظهما واختلاف لفظهما لا يؤثر إذا اتفق معناه، ولو قال أحدهما أشهد أنه أقر عندي أنه وكيله وقال الآخر أشهد أنه أقر عندي أنه جريه أو أنه أوصى إليه بالتصرف في حياته ثبتت الوكالة بذلك، ولو شهد احد بأنه وكل في بيع عبده وشهد الآخر أنه وكله وزيداً أو شهد أنه وكله في بيعة وقال لاتبعه حتى تستأمرني أو تستأمر فلاناً لم تتم

الشهادة لأن الأول أثبت استقلالاً بالبيع من غير شرط والثاني ينفي ذلك فكانا مختلفين، وإن شهد أحدهما أنه وكله في بيع عبده وشهد الآخر أنه وكله في بيع عبده وجاريته حكم بالوكالة في العبد لاتفاقهما عليه وزيادة الثاني لا تقدح في تصرفه في الأول فلا تضرو هكذا لو شهد أحدهما أنه وكله في بيعه لزيد وشهد الآخر أنه وكله في بيعه لزيد وإن شاء لعمرو (فصل) ولا تثبت الوكالة والعزل بخبر الواحد وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة تثبت بخبر الواحد وإن لم يكن ثقة ويجوز التصرف للخبر بذلك اذا غلب على ظنه صدق المخبر بشرط الضمان إن أنكر الموكل ويثبت العزل بخبر الواحد إذا كان رسولاً لأن اعتبار شاهدين عدلين في هذا يشق فسقط اعتباره ولأنه أذن في التصرف ومنع منه فلم تعتبر فيه شروط الشهادة كاستخدام غلامه ولنا أنه عقد مالي فلا يثبت بخبر الواحد كالبيع وفارق الاستخدام فإنه ليس بعقد ولو شهد اثنان ان فلانا الغائب وكل فلاناً الحاضر فقال الوكيل ما علمت هذا وأنا أتصرف عنه ثبتت الوكالة لأن معنى ذلك أني لم أعلم إلى الآن وقبول الوكالة بجوز متراخيا وليس من شرط التوكيل حضور الوكيل ولا عمله فلا يضر جهله به وإن قال ما أعلم صدق الشاهدين لم تثبت وكالته لقدحه في شهادتهما وإن قال ما علمت وسكت قيل له فسر فإن فسر بالأول ثبتت وكالته وإن فسر بالثاني لم تثبت (فصل) ويصح سماع البينة بالوكالة على الغائب وهو أن يدعي أن فلاناً الغائب وكلني في كذا وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا يصح بناء على أن الحكم على الغائب لا يصح

ولنا أنه لا يعتبر رضاه في سماع البينة فلا يعتبر حضوره كغيره وإذا قال له من عليه الحق أحلف أنك تستحق مطالبتي لم يسمع لأن ذلك طعن في الشهادة وإن قال قد عزلك الموكل فاحلف أنه ما عزلك لم يستحلف لأن الدعوى على الموكل واليمين لا تدخلها النيابة، وإن قال أنت تعلم إن موكلك قد عزلك سمعت دعواه وطلب اليمين من الوكيل حلف على نفي العلم لأن الدعوى عليه وإن أقام الخصم بينة بالعزل سمعت وانعزل الوكيل (فصل) وتقبل شهادة الوكيل على موكله لعدم التهمة لأنه لا يجربها نفعاً ولا يدفع بها ضرراً

وتقبل شهادته له فيما لم يوكله فيه لكونه لا يجر إلى نفسه نفعاً ولا تقبل شهادته له فيما هو وكيل له فيه لأنه يثبت لنفسه حقا بدليل أنه إذا كان وكله في قبض حق فشهد به ثبت له استحقاق قبضه ولأنه خصم فيه بدليل أنه يملك المخاصمة فيه فإن شهد بما كان وكيلاً فيه بعد عزله لم تقبل أيضاً سواء كان خاصم فيه بالوكالة أو لم يخاصم وبهذا قال أبو يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة ان كان لم يخاصم فيه قبلت شهادته لأنه لاحق له فيه وإن لم يخاصم فيه فأشبه مالو لم يكن وكيلاً فيه وللشافعي قولان كالمذهبين ولنا أنه بعقد الوكالة صار خصماً فيه فلم تقبل شهادته فيه كما لو خاصم فيه وفارق ما لم يكن وكيلاً فيه فإنه لم يكن خصماً فيه (فصل) إذا كانت الأمة بين نفسين فشهدا أن زوجها وكل في طلاقها لم تقبل شهادتهما لأنهما يجران لأنفسهما نفعاً وهو زوال حق الزوج من البضع الذي هو ملكهما، وإن شهدا بعزل الوكيل في الطلاق لم تقبل لأنهما يجران إلى أنفسهما نفعاً وهو إبقاء النفقة على الزوج، ولا تقبل شهادة إبني الرجل له بالوكالة ولا أبويه لأنهما يثبتان له حق التصرف ولا يثبت للإنسان حق بشهادة إبنه ولا أبيه ولا تقبل شهادة إبني الموكل ولا أبويه بالوكالة وقال بعض الشافعية تقبل لأن هذا حق على الموكل يستحق به الوكيل المطالبة فقبلت فيه شهادة قرابة الموكل كالإقرار ولنا أن هذه شهادة ثبت بها حق لأبيه أو ابنه فلم تقبل كشهادة ابني الوكيل وأبويه ولأنهما

يثبتان لابيهما نائبا متصرفا، وفارق الشهادة عليه بالإقرار فإنها شهادة عليه متمحضة ولو ادعى الوكيل الوكالة فأنكرها الموكل فشهد عليه ابناه أو أبواه ثبتت الوكالة وأمضي تصرفه لأن ذلك شهادة عليه ولو ادعى الموكل أنه تصرف بوكالته وأنكر الوكيل فشهد عليه أبواه أو ابناه قبل أيضاً كذلك وإن ادعى وكيل الموكل الغائب حقاً وطالب به فادعى الخصم أن الموكل عزله وشهد له بذلك ابنا الموكل قبلت شهادتهما ثبت العزل بها لأنهما يشهدان على أبيهما وإن لم يدع الخصم عزله لم تسمع شهادتهما لأنهما يشهدان لمن لا يدعيها فإن قبض الوكيل فحضر الموكل وادعى أنه كان قد عزل الوكيل وأن حقه باق في ذمة الغريم وشه له ابناه لم تقبل شهادتهما لأنهما يثبتان حقا لا بيهما ولو ادعى مكاتب الوكالة فشهد له سيده أو ابنا سيده أو أبواه لم تقبل لأن السيد يشهد لعبده وابناه يشهدان لعبد أبيهما والأبوان يشهدان لعبد ابنهما، وإن عتق فأعاد الشهادة فهل تقبل يحتمل وجهين (فصل) إذا حضر رجلان عند الحاكم فأقر أحدهما أن الآخر وكيله ثم غاب الموكل وحضر الوكيل فقدم حضما لموكله وقال أنا وكيل فلان فأنكر الخصم كونه وكيلاً فإن قلنا لا يحكم الحاكم بعلمه لم تسمع دعواه حتى تقوم البينة بوكالته وإن قلنا يحكم بعلمه وكان الحكم يعرف الموكل بعينه واسمه ونسبه صدقه ومكنه من التصرف لأن معرفته كالبينة وإن عرفه بعينه دون اسمه ونسبه لم يقبل قوله حتى تقوم البينة عنده بالوكالة لأنه يريد تثبيت نسبه عنده بقوله فلم يقبل

(فصل ولو حضر عند الحاكم رجل فادعى أنه وكيل فلان الغائب في شئ عينه أحضر بينة تشهد له بالوكالة سمعها الحاكم، ولو ادعى حقاً لموكله قبل ثبوت وكالته لم يسمع الحاكم دعواه وبه قال مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة لا يسمعها إلا أن يقدم خصما من خصماء الموكل فيدعي عليه حقاً فإذا أجاب المدعي عليه حينئذ يسمع الحاكم البينة، فحصل الخلاف بيننا في حكمين (أحدهما) أن الحاكم يسمع البينة على الوكالة من غير حضور خصم وعنده لا يسمع (والثاني) أنه لا يسمع دعواه لموكله قبل ثبوت وكالته وعنده يسمع وبنى ابو حنيفة على أصله في أن القضاء على الغائب لا يجز وسماع البينة بالوكالة من غير خصم بها قضاء على الغائب وإن الوكالة لا تلزم الخصم ما لم يجب الوكيل عن دعوى الخصم إنك لست بوكيل ولنا أنه إثبات للوكالة فلم يفتقر إلى حضور الموكل عليه كما لو كان عليه جماعة فأحضر واحداً منهم فان الباقين لا يفتقر إلى حضور هم كذلك ههنا والدليل على ان الدعوى لا تسمع قبل ثبوت الوكالة أنها لا تسمع إلا من خصم يخاصم عن نفسه أو عن موكله وهذا لا يخاصم عن نفسه ولم يثبت أنه وكل لمن يدعي له فلا تسمع دعواه كما لو ادعى لمن لم يدع وكالته وفي هذا الأصل جواب عما ذكره (فصل) ولو حضر رجل وادعى على غائب مالاً في وجه وكيله فأنكره فأقام بينة بما ادعاه حلفه الحاكم وحكم له بالمال فإذا حضر الموكل وجحد الوكالة وادعى أنه كان قد عزله لم يؤثر ذلك في الحكم لأن القضاء على الغائب لا يفتقر إلى حضور وكيله

كتاب الإقرار

كتاب الإقرار الإقرار الاعتراف والأصل فيه الكتاب والسنة والإجماع. أما الكتاب فقول الله تعالى (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين إلى قوله قال أأقر رتم وأخذتم على ذلك إصري؟ قالوا أقررنا) وقال تعالى (وآخرون اعترفوا بذنوبهم) وقال تعالى (ألست بربكم قالوا بلى) في أي كثيرة مثل هذا، وأما السنة فما روي أن ما عزا أقر بالزنا فرجمه النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك الغامدية وقال (وأغديا أنيس على امرأة هذا فان اعترفت فارجمها)) وأما الإجماع فإن الأمة أجمعت على صحة الإقرار ولأن الإقرار إخبار على وجه تنتفي عنه التهمة والريبة فإن العاقل لا يكذب على نفسه كذبا يضربها ولهذا كان آكد من الشهادة فإن المدعى عليه إذا اعترف لا تسمع عليه الشهادة وإنما ستمع إذا أنكر ولو كذب المدعي بينته لم تسمع وإن كذب المقر ثم صدقه سمع. (مسألة) (ويصح الإقرار من كل مكلف مختار غير محجور عليه. أما الطفل المجنون فلا يصح إقرارهما وكذلك المبرسم والنائم والمغمى عليه) لا نعلم في هذا خلافا وقد قال عليه الصلاة والسلام (رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يبلغ وعن المجنون حتى يفيق وعن النائم حتى يستيقظ) فنص عن الثلاثة والمبرسم والمغمى عليه في معنى المجنون

مسألة: ويصح الإقرار من كل مكلف مختار غير محجور عليه. أما الطفل والمجنون فلا يصح إقرارهما وكذلك المبرسم والنائم والمغمى عليه

والنائم ولأنه قول من غائب العقل فلم يثبت له حكم كالبيع والطلاق، فأما الصبي المميز فإن كان محجوراً عليه لم يصح إقراره للنص وإن كان مأذوناً له في البيع والشراء فبيعه وشراؤه جائز، وإن أقر أنه اقتضى شيئاً من ماله جاز بقدر ما أذن له وليه فيه وهذا قول أبي حنيفة وقال أبو بكر وابن أبي موسى إنما يصح إقراره فيما أذن له في التجارة فيه في الشئ اليسير وقال الشافعي لا يصح إقراره بحال لعموم الخبر ولأنه غير بالغ أشبه الطفل ولأنه لا تقبل شهادته ولا روايته أشبه الطفل ولنا أنه عامل مختار يصح تصرفه فصح إقراره كالبالغ وقد دللنا على صحة تصرفه فيما مضى والخبر محمول على رفع التكليف والإثم. (مسألة) (وكذلك العبد المأذون له في التجارة) لما ذكرنا في الصبي بل صحة إقرار العبد أولى لأنه ملكف (مسألة) (فإن أقر مراهق غير مأذون له ثم اختلف هو المقر له في بلوغه فالقول قول المقر) إلا أن تقوم بينة ببلوغه لأن الاصل الصغر ولا يحلف لاننا حمنا بعدم بلوغه إلا أن يختلفا بعد ثبوت بلوغه فعليه اليمين أنه حين أقر لم يكن بالغاً (مسألة) (ولا يصح إقرار السكران وتتخرج صحته بناء على طلاقه) أما من زال عقله بسبب مباح أو معذور فيه فهو كالمجنون لا يصح اقراره ببغير خلاف وإن كان

مسألة: فإن أقر مراهق غير مأذون له ثم اختلف هو المقر له في بلوغه فالقول قول المقر

خلاف وإن كان بمعصية كالسكران ومن شرب ما يزيل عقله عامداً لغير حاجة لم يصح إقراره ويتخرج أن يصح كطلاقه وهو منصوص الشافعي لأن أفعاله تجري مجرى الصاحي ولنا أنه غير عاقل فلم يصح إقراره كالمجنون الذي سبب جنونه فعل محرم ولأن السكران لا يوثق بصحة ما يقول ولا تنتفي عنه التهمة فيما يخبر به فلم يوجد معنى الإقرار الموجب لقبول قوله. * (مسألة) * (ولا يصح إقرار المكره إلا أن يقر بغير ما أكره عليه مثل أن يكره على الإقرار لإنسان فيقر لغيره أو على الإقرار بطلاق امرأة فيقر بطلاق غيرها أو على الإقرار بدنانير فيقر بدراهم فيصح) لا يصح إقرار المكره بما أكره على الاقرار به، وهذا مذهب الشافعي لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) ولأنه قول أكره عليه بغير حق فلم يصح كالبيع فأما إن أقر بغير ما أكره عليه مثل أن يكره على الإقرار لرجل فيقر لغيره أو بنوع من المال فيقر بغيره أو على الإقرار بطلاق امرأة فيقر بطلاق أخرى أو أقر بعتق عبد صح لأنه أقر بما لم يكره عليه فصح كما لو اقر به ابتداء * (مسألة) * (وإن أكره على وزن ثمن فباع داره في ذلك صح بيعه) نص عليه أحمد لأنه لم يكره على البيع، ومن أقر بحق ثم ادعى أنه كان مكرهاً لم يقبل قوله إلا

مسألة: وإن أكره على وزن ثمن فباع داره في ذلك صح بيعه

ببينة سواء أقر عنه سلطان أو عند غيره لأن الأصل عدم الإكراه، إلا أن يكون هناك دلالة على الإقرار كالقيد والحبس والتوكل به فيكون القول قوله مع يمينه لأن الحال تدل على الإكراه، ولو ادعى أنه كان زائل العقل حال إقراره لم يقبل قوله إلا بينة لأن الأصل السلامة حتى يعلم غيرها، ولو شهد الشهود بإقراره لم تفتقر صحة الشهادة إلى أن يقولوا طوعاً في صحة عقله لأن الظاهر السلامة وصحة الشهادة وقد ذكرنا إقرار السفيه والمفلس فيما مضى * (مسألة) * (وأما المريض مرض الموت المخوف فيصح إقراره بغير المال) لأنه لا تهمة عليه في ذلك وانما تلحقه التهمة في المال (مسألة) (وإن أقر بمال لمن لا يرثه صح في أصح الروايتين) لأنه غير متهم في حقه وهو قول أكثر أهل العلم قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن إقرار المريض في مرضه لغير الوارث جائز، وحكى أصحابنا رواية أنه لا يقبل لأنه إقرار في مرض الموت أشبه الإقرار للوارث وفيه رواية أخرى أنه لا يصح بزيادة على الثلث ذكرها أبو الخطاب لأنه ممنوع من عطية الوارث فلم يصح إقراره بما لا يملك عطيته بخلاف الثلث فما دون ولنا أنه إقرار غير متهم فيه فقبل كالإقرار في الصحة يحققه أن حالة المرض أقرب إلى الاحتياط لنفسه وأبرأ لذمته وتحري الصدق فكان أولى بالقبول وفارق الإقرار للوارث فإنه متهم فيه

مسألة: ولا يحاص المقر له غرماء الصحة

(مسألة) (ولا يحاص المقر له غرماء الصحة) وقال أبو الحسن التميمي والقاضي يحاصهم إذا ثبت عليه دين في الصحة ثم أقر لأجنبي بدين في مرض موته واتسع ماله لهما تساويا وإن ضاق عنهما فقيل بينهما سواء، والمذهب أن يقدم الدين الثابت على الدين الذي أقر به في المرض قاله أبو الخطاب قال القاضي وهو قياس المذهب، نص أحمد في المفلس على أنه إذا أقر وعليه دين ببينة يبدأ بالدين الذي بالبينة، وبهذا قال النخعي والثوري وأصحاب الرأي لأنه أقر بعد تعلق الحق بتركته فوجب أن لا يشارك المقر له من ثبت دينه ببينة كغريم المفلس الذي أقر له بعد الحجر عليه، والدليل على تعلق الحق بماله منعه من التبرع والإقرار لوارث ولأنه محجور عليه ولهذا لا تنفذ هباته فلم يشارك من أقر له قبل الحجر ومن ثبت دينه ببينة كالذي أقر له المفلس وظاهر كلام الخرقي إنهما يتحاصان وهو قول أبي الحسن التميمي وبه قال مالك والشافعي وأبو عبيد وأبو ثور وذكر أبو عبيد أنه قول أكثر أهل المدينة فإن أقر لهما في المرض جميعاً تساويا (مسألة) (وإن أقر لوارث لم يقبل إلا ببينة) وبهذا قال شريح وأبو هاشم وابن أذينة والنخعي ويحيى الانصاري وأبو حنيفة وأصحابه وروي ذلك عن القاسم وسالم وقال عطاء والحسن واسحاق وأبو ثور يقبل لأن من صح الإقرار له في الصحة صح في المرض كالاجنبي وللشافعي قولان كالمذهبين وقال مالك يصح إذا لم يتهم ويبطل إذا اتهم كمن له بنت وابن

مسألة: إلا أن يقر لزوجته بمهر مثلها فما دونه فيصح

عم فأقر لابنته لم يقبل وإن أقر لابن عمه قبل لانه لايتهم في انه يزوي ابنته ويوصل المال إلى ابن عمه وعلة منع الإقرار التهمة فاختص المنع بموضعها ولنا أنه إيصال لماله إلى وارثه بقوله في مرض موته فلم يصح بغير رضا بقية ورثته كهبته ولأنه محجور عليه في حقه فلم يصح الإقرار له كالصبي في حق جميع الناس، وفارق الأجنبي فإن هبته تصح وما ذكره مالك لا يصح فإن التهمة لا يمكن اعتبارها بنفسها فأجيز اعتبارها بمظنتها وهو الإرث ولذلك اعتبر في الوصية والتبرع وغيرهما (مسألة) (إلا أن يقر لزوجته بمهر مثلها فما دونه فيصح) في قول الجميع لا نعلم فيه مخالفاً إلا أن الشعبي قال لا يجوز اقراره لها لأنه إقرار لوارث ولنا أنه إقرار با تحقق سببه وعلم وجوده ولم تعلم البراءة منه فأشبه مالو كان عليه دين ببينة فأقر بأنه لم يوفه وكذلك إن اشترى من وارثه شيئاً فأقر له بثمن مثله لأن القول قول المقر له في أنه لم يقبض ثمنه وإن أقر لامرأته بدين سوى الصداق لم يقبل (فصل) فإن أقر لها ثم أبانها ثم تزوجها ومات من مرضه لم يقبل إقراره لها وقال محمد ابن الحسن يقبل لأنها صارت إلى حال لايتهم فيها فأشبه مالو أقر لمريض ثم برئ، ولنا أنه أقر لوارث في مرض الموت

مسألة: وإن أقر لوارث فصار عند الموت غير وارث لم يصح وإن أقر لغير وارث صح وإن صار وارثا نص عليه وقال: إن الاعتبار بحال الموت فيصح في الأولى ولا يصح في الثانية كالوصية

(مسألة) (وإن أقر الوارث وأجنبي بطل في حق الوارث وصح في حق الأجنبي) وفيه وجه آخر أنه لا يصح كما لو شهد بشهادة يجر إلى نفسه بعضها بطلت شهادته في الكل كما لو شهد لابنه وأجنبي وقال أبو حنيفة إن أقر لهما بدين من الشركة فاعترف الأجنبي بالشركة صح الإقرار لهما وإن جحدها صح له دون الوارث. ولنا أنه أقر لوارث وأجنبي فيصح للأجنبي دون الوارث كما لو أقر بلفظين أو كما لو جحد الأجنبي الشركة ويفارق الإقرار الشهادة لقوة الإقرار ولذلك لا تعتبر فيه العدالة، ولو أقر بشئ له فيه نفع كالإقرار بنسب وارث موسر قبل، ولو أقر بشئ يتضمن دعوى على غيره قبل فيما عليه دون ماله كما لو قال لامرأته خلعتك على ألف بانت بإقراره والقول قولها في نفي العوض وكذلك إن قال لعبده اشتريت نفسك مني بألف (مسألة) (وإن أقر لوارث فصار عند الموت غير وارث لم يصح وإن أقر لغير وارث صح وإن صار وارثاً نص عليه وقال ان الاعتبار بحال الموت فيصح في الأولى ولا يصح في الثانية كالوصية) وجملة ذلك أنه إذا أقر لوارث فصار غير وارث أقر لأخيه ولا ولد له ثم ولد له ابن لم يصح إقراره له، وإن أقر لغير وارث ثم صار وارثاً صح إقراره له نص عليه أحمد في رواية ابن منصور إذا أقر لامرأة بدين في المرض ثم تزوجها جاز إقراره لأنه غير متهم وحكي له قول سفيان في رجل

مسألة: وإن أقر لامرأته بدين ثم أبانها ثم تزوجها لم يصح إقراره لها

له ابنان فأقر لأحدهما بدين في مرضه ثم مات الابن وترك ابناً والأب حي ثم مات بعد ذلك جاز قراره فقال أحمد لا يجوز وبهذا قال عثمان البتي، وذكر أبو الخطاب رواية أخرى في الصورتين مخالفة لما قلنا وهو قول سفيان الثوري والشافعي لأنه معنى يعتبر فيه عدم الميراث فكان الاعتبار فيه بحالة الموت كالوصية ولنا أنه قول يعتبر فيه التهمة فاعتبرت حال وجوده دون غيره كالشهادة ولأنه إذا أقر لغير وارث ثبت الإقرار وصح لوجوده من أهله خالياً عن تهمة فثبت الحق به ولم يوجد مسقط له فلا يسقط وإذا أقر لوارث وقع باطلا لاقتران التهمة به فلا يصح بعد ذكل ولأنه إذا أقر لوارث فلا يصح كما لو استمر الميراث وإن أقر لغير وارث صح واستمر كما لو استمر عدم الإرث اما الوضية فإنها عطية بعد الموت فاعتبرت فيها حالة الموت يخالف مسئلتنا (مسألة) (وإن أقر لامرأته بدين ثم أبانها ثم تزوجها لم يصح إقراره لها) إذا مات من مرضه لأنه إقرار لوارث في مرض الموت أشبه مالو لم يبنها (مسألة) (وإن أقر المريض بوارث صحيح صح وعنه لا يصح) يصح إقرار المريض بوارث في إحدى الروايتين والأخرى لا يصح لأنه أقر لوارث فأشبه الإقرار له بمال والأول أصح لأنه عند الإقرار غير وارث فصح كما لو لم يصر وارثاً ويمكن بناء هذه المسألة على ما إذا أقر لغير وارث فصار وارثاً فمن صحح الإقرار ثم صححه هاهنا ومن أبطله أبطله

مسألة: وإن أقر بطلاق امرأته في صحته لم يسقط ميراثها

(مسألة) (وإن أقر بطلاق امرأته في صحته لم يسقط ميراثها) إذا كان الإقرار في مرضه لأنه متهم بقصد حرمانها الميراث فلم يبطل كما لو طلقها في مرضه (فصل) ويصح إقرار المريض بإحبال الأمة لأنه ملك ذلك فملك الإقرار به وكذلك كل ما ملكه ملك الإقرار به فإذا أقر بذلك ثم مات فإن بين أنه استولدها في ملكه فولده حر الأصل وأمه أم ولد تعتق من رأس المال وإن قال من نكاح أو وطئ شبهة عتق الولد ولم تصر الأمة أم ولد فإن كان من نكاح فعليه الولاء لأنه مسه رق وإن كان من وطئ شبهة لم تصر الأمة أم ولد وإن لم يتبين السبب فالأمة مملوكة لأن الأصل الرق ولم يثبت سبب الحرية ويحتمل أن تصير أم ولد لأن الظاهر استيلادها في ملكه من قبل أنها مملوكته والولادة موجودة ولا ولاء على الولد لأن الأصل عدمه فلا يثبت إلا بدليل. (فصل) قال الشيخ رحمه الله (وإن أقر العبد بحد أو قصاص أو طلاق صح وأخذ به إلا أن يقر بقصاص في النفس فنص أحمد أنه يتبع به عبد العتق وقال أبو الخطاب يؤخذ به في الحال) وجملة ذلك أن العبد يصح إقراره بالحد والقصاص فيما دون النفس لأن الحق له دون مولاه ولا يصح إقرار المولى عليه بما يوجب القصاص ويجب المال دون القصاص لأن المال يتعلق برقبته وهي مال السيد فصح إقراره بجناية الخطأ وهو الذي ذكره شيخنا في كتاب الكافي وأما إقراره بما يوجب

مسألة: وإن أقر العبد غير المأذون له بمال لم يقبل في الحال ويتبع به بعد العتق

القصاص في النفس فالمنصوص عن أحمد أنه لا يقبل ويتبع به بعد العتق وبه قال زفر والمزني وداود وابن جرير الطبري لأنه يسقط حق سيده باقراره فأشبه الإقرار بقتل الخطأ ولأنه يتهم في أنه يقر لرجل ليعفو عنه ويستحق أخده فيتخلص بذلك من سيده، واختار أبو الخطاب أنه يصح إقراره وهو قول أبي حنيفة ومالك والشافعي ولأنه أحد نوعي القصاص فصح اقرره به كما دون النفس، وبهذا الأصل ينتقض دليل الأول وينبغي على هذا القول أن لا يصح عفو ولي الجناية على مال إلا باختيار سيده لئلا يفضي إلى إيجاب المال على سيده بإقرار غيره ولا يقبل اقرار العبد بجناية الخطأ ولا شبه العمدولا بجناية عمد موجبها المال كالجائفة والمأمومة لأنه إيجاب حق في رقبته وذلك بتعلق بالمولى (مسألة) (وإن أقر العبد غير المأذون له بمال لم يقبل في الحال ويتبغ به بعد العتق) لأنه تصرف فيما هو حق للسيد فعلى هذا يتبع به بعد العتق عملا بإقراره على نفسه وعنه يتعلق برقبته كجنايته (مسألة) (وإن أقر السيد عليه بمال أو ما يوجبه كجناية الخطأ قبل) لأنه إيجاب حق في ماله (مسألة) (وإن أقر العبد بسرقة مال في يده وكذبه السيد قبل إقراره في القطع دون المال) وجملة ذلك أن العبد إذا أقر بسرقة موجبها القطع والمال فأقر بها العبد وجب قطعه ولم يجب المال سواء كان ما أقر بسرقته باقياً أو تالفاً في يد السيد أو يد العبد قال أحمد

مسألة: وإن أقر العبد بسرقة مال في يده وكذبه السيد قبل إقراره في القطع دون المال

في عبد أقر بسرقة دراهم في يده أنه سرقها من رجل والرجل يدعي ذلك والسيد يكذبه فالدراهم لسيده ويقطع العبد ويتبع بذلك بعد العتق وللشافعي في وجوب المال في هذه الصورة وجهان، ويحتمل أن لا يجب القطع لأن ذلك شبهة فيدرأبها القطع لكونه حداً يدرأ بالشبهات وهذا قول أبي حنيفة وذلك لأن العين التي أقر بسرقتها لم يثبت حكم السرقة فيها فلا يثبت حكم القطع بها (فصل) وإن أقر العبد برقه لغير من هو في يده لم يقبل إقراره لأن إقراره بالرق إقرار بالملك والعبد لا يقبل إقراره بمال لا نا لو قبلنا إقراره أضر بالسيد ولأنه إذا شاء أقر لغير سيده فأبطل ملكه فإن أقر السيد لرجل وأقر هو لآخر فهو للذي أقر له السيد لأنه في يد السيد لا في يد نفسصه ولأنه لو قبل إقرار العبد لما قبل إقرار السيد كالحد وجناية العمد (فصل) ويصح الإقرار لكل من يثبت له الحق فإذا أقر لعبد بنكاح أو قصاص أو تعزير القذف صح الإقرار له صدقه المولى أو كذبه لأن الحق له دون سيده وله المطالبة بذلك والعفو عنه وليس لسيده مطالبته به ولا عفو وإن كذبه العبد لم يقبل اقراره، وإن أقر له بمال صح ويكون لسيده لأن يد العبد كيد سيده، وقال أصحاب الشافعي إن قلنا يملك المال صح الإقرار له وإن قلنا لا يملك كان الإقرار لمولاه يلزم بتصديقه ويبطل برده (مسألة) (وإن أقر السد لعبده بمال لم يصح) لأن العبد لسيده فلا يصح إقراره لنفسه وإن أقر

مسألة: وإن أقر إنه باع عبده من نفسه بألف وأقر العبد به ثبت ويكون كالكتابة، وإن أنكر عتق ولم يلزمه الألف

العبد لسيده لم يصح لأنه أقر له بماله فلم يفده الإقرار شيئاً (مسألة) (وإن أقر إنه باع عبده من نفسه بألف وأقر العبد به ثبت ويكون كالكتابة وإن أنكر عتق ولم يلزمه الألف) لان أقر لعبده بسبب العتق فتعق وتبقى دعواه عليه لا تلزمه كما لم تلزم غيره (مسألة) (وإن أقر لعبد غيره بمال صح وكان لمالكه) لأن مال العبد لسيده (مسألة) (وإن أقر لبهيمة لم يصح) لأنها لا تملك ولا لها أهلية الملك، وإن قال على بسبب هذه البهيمة لم يكن إقراراً لأحد لأنه لم يذكر لمن هي ومن شرط صحة الإقرار ذكر المقر له فإن قال لمالكها ولزيد علي بسببها ألف صح الاقرار، وإن قال بسبب حمل هذه البهيمة لم يصح إذ لا يمكن ايجاب شئ بسبب الحمل وقيل يصح ويكون لما لكها كالإقرار للعبد (مسألة) (وإن تزوج مجهولة النسب فأقرت بالرق لم يقبل اقزارها) لأنها تقر على حق الزوج وعنه تقبل في نفسها لأنها عاقلة مكلفة فيقبل إقرارها على نفسها كما لو أقرت بمال، ولا يقبل إقرارها بفسخ النكاح ورق الأولاد لأن ذلك حق الزوج وإن أولدها بعد الإقرار ولداً كان رقيقاً لأنه حدث بعد ثبوت رقها وإن أقر بولد أمته أنه ابنه ثم مات ولم يتبين هل أتت به في ملكه أو غيره؟ فهل تصير أم ولد؟ على وجهين (أحدهما) لا تصير أم ولد لاحتمال أنها أتت به في ملك غيره (والثاني) تصير أم ولد له لأنه أقر بولدها وهي في ملكه فالظاهر أنه استولدها في ملكه

(فصل) قال الشيخ رحمه الله (وإذا أقر الرجل نسب صغير أو مجنون مجهول النسب أنه ابنه ثبت نسبه به) وجملة ذلك أن للإقرار بالنسب شروطاً وهو على ضربين: (أحدهما) أن يقر على نفسه خاصة (والثاني) أن يقر عليه وعلى غيره فإن أقر على نفسه خاصة مثل أن يقر بنسب ولد فيعتبر في ثبوت نسبه أربعة شروط (أحدها) أن يكون المقر به مجهول النسب، فإن كان معروف النسب لم يصح لأنه يقطع نسبه الثابت من غيره وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم من انتسب إلى غير أبيه أو تولى غير مواليه (الثاني) أن لا ينازعه فيه منازع لأنه إذا نازعه فيه غيره تعارضا فلم يكن إلحاقه بأحدهما أولى من الآخر (الثالث) أن يمكن صدقه بأن يكون المقر به يحتمل أن يولد لمثل المقر (الرابع) أن يكون ممن لا قول له كالصغير والمجنون أو يصدق المقر إن كان ذا قول وهو المكلف لانه ملكف أقر بحق ليس فيه نفع فلزم كما لو اقر بمال فإن كان غير المكلف لم يعتبر تصديقه فإن كبر وعقل فأنكر لم يسمع إنكاره لأن نسبه ثابت وجرى ذلك مجرى من ادعى ملك عبد صغير في يده وثبت بذلك ملكه فلما كبر جحد ذلك ولو طلب إحلافه على ذلك لم يستحلف لأن الأب لو عاد بجحد النسب لم يقبل منه ويحتمل أن يبطل نسب المكلف باتفاقهما على الرجوع عنه لأنه يثبت باتفاقهما فزال برجوعهما كالمال والأول أصح لأنه نسب ثبت بالإقرار فأشبه نسب الصغير والمجنون، وفارق المال لأن النسب يحتاط

مسألة: فإن كان الصغير المقر بنسبه ميتا ورثه لأنه ثبت نسبه وبهذا قال الشافعي، ويحتمل أن يثبت نسبه دون ميراثه لأنه متهم في قصد أخذ ميراثه، وقال أبو حنيفة لا يثبت نسبه ولا إرثه لذلك

لإثباته وإن اعترف إنسان أن هذا أبوه فهو كاعترافه بأنه ابنه (الضرب الثاني) أن يقر عليه وعلى غيره كإقراره بأخ فسنذكره إن شاء الله تعالى * (مسألة) * (فإن كان الصغير المقر بنسبه ميتاً ورثه لأنه ثبت نسبه وبهذا قال الشافعي ويحتمل أن يثبت نسبه دون ميراثه لأنه متهم في قصد أخذ ميراثه، وقال أبو حنيفة لا يثبت نسبه ولا إرثه لذلك ولنا أن علة ثبوت نسبه في حياته الإقرار به وهو موجود بعد الموت فيثبت كحالة الحياة وما ذكروه يبطل بما إذا كان المقر به حياً موسراً والمقر فقيراً فإنه يثبت نسبه ويملك المقر التصرف في ماله وإنفاقه على نفسه، وإن كان المقر به كبيراً عاقلاً فكذلك في قول القاضي وظاهر مذهب الشافعي أنه لا قول له أشبه الصغير وفيه وجه آخر لا يثبت نسبه لان نسب المكلف لا يبت إلا بتصديقه ولم يوجد ويجاب عن هذا بأنه غير مكلف فإن ادعى نسب المكلف في حياته فلم يصدقه حتى مات المقر ثم صدقه ثبت نسبه لأنه وجد الإقرار والتصديق (فصل) فإن أقرت امرأة بولد ولم تكن ذات زوج ولانسب قبل إقرارها وإن كانت ذات زوج فهل يقبل إقرارها؟ على روايتين (إحداهما) لا يقبل لأن فيه حملا لنسب الولد على زوجها ولم يقر به أو إلحاقاً للعار به بولادة امرأته من غيره (والثاني) يقبل لأنها شخص أقر بولد يحتمل أن يكون منه فقبل كالرجل وقال أحمد في رواية ابن منصور في امرأة ادعت ولداً فان كان لها إخوة أو نسب معروف فلا بدان يثبت أنه ابنها وإن لم يكن لها دافع فمن يحول بينها وبينه وهذا لأنها إذا كانت ذات أهل

مسألة: ومن ثبت نسبه فجاءت أمه بعد موت المقر فادعت الزوجية لم يثبت بذلك

فالظاهر أنه لا يخفى عليهمو ولادتها فمتى ادعت ولداً لا يعرفونه فالظاهر كذبها، ويحتمل أن تقبل دعواها مطلقاً لأن النسب يحتاط له فأشبهت الرجل وقد ذكرنا نحو ذلك في اللقيط (فصل) وإن قدمت امرأة من بلد الروم معها طفل فأقر به رجل لحقه لوجود الإمكان وعدم المنازع لأنه يحتمل أن يكون دخل أرضهم أو دخلت هي دار الإسلام فوطئها والنسب يحتاط لا ثباته ولهذا لو ولدت امرأة رجل وهو غائب عنها بعد عشر سنين أو أكثر من غيبته لحقه وإن لم يعرف له قدوم إليها ولا عرف لها خروج من بلدها (مسألة) (ومن ثبت نسبه فجاءت أمه بعد موت المقر فادعت الزوجية لم يثبت بذلك) لأنها مجرد دعوى فلم تثبت بها زوجية كما لو كان حياً ولأنه يحتمل أن يكون من وطئ شبهة أو نكاح فاسد. (فصل) وإن أقر رجل بنسب صغير لم يكن مقرا بزوجية أمة، وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة إذا كانت مشهورة بالحرية كان مقراً بزوجيتها لأن أنساب المسلمين وأحوالهم يجب حملها على الصحة وهو أن يكون ولدته منه في نكاح صحيح ولنا أن الزوجة ليست مقتضى لفظه ولا مضمونه فلم يكن مقراً بها كما لو لم تكن معروفة بالحرية وما ذكروه لا يصح فإن النسب محمول على الصحة وقد يلحق بالوطئ والنكاح الفاسد والشهبة فلا يلزم بحكم إقراره ما لم يوجبه لفظ ولا يتضمنه

(فصل) إذا كان له أمة لها ثلاثة اولاد ولازوج لها ولا أقر بوطئها فقال أحد هؤلاء ولدي فإقراره صحيح ويطالب بالبيان فإن عين أحدهم ثبت نسبه وحريته، ثم يسئل عن كيفية الاستيلاد فإن قال بنكاح فعلى الولد الولاء والأم والآخران من أولادها رقيق، فإن قال استولدتها في ملكي فالمقر به حر الاصل لاولاء عليه والأمة أم ولد ثم إن كان المقر به الأكبر فأخواه ابنا أم ولد حكمهما حكمها في العتق بموت سيدها وإن كان الاوسط فالاكبرقن والاصفر له حكم أمه وإن عين الأصغر فأخواه رقيق قن لأنها ولدتهما قبل الحكم بكونها أم ولد، وإن قال هي من وطئ شبهة فالولد حر الأصل وأخواه مملوكان وإن مات قبل أن يبين أخذ ورثته بالبيان ويقوم بيانهم مقام بيانه فإن بينوا النسب ولم يبينوا الاستيلاد ثبت النسب وحرية الولد ولم يثبت للام ولا لو لديها حكم الاسيتلاد لأنه يحتمل أن يكون من نكاح أو وطئ شبهة، وإن لم يبينوا النسب وقالوا لا نعرف ذلك ولا الاستيلاد فإنا نريه القافة فإن ألحقوا به واحداً منهم ألحقناه ولا يثبت حكم الاستيلاد لغيره فإن لم يكن قافة أقرع بينهم فمن وقعت له القرعة عتق وورث وبهذا قال الشافعي لأنه لا يورثه بالقرعة. ولنا أنه حر استندت حريته إلى إقرار أبيه فورث كما لو عينه في إقراره (فصل) إذا كان له أمتان لكل واحدة منهما ولد فقال أحد هذين ولدي من أمتي نظرت فإن كان لكل واحدة منهما زوج يمكن إلحاق الولد به لم يصح إقراره ولحق الولدان بالزوجين وإن كان لإحداهما زوج دون الأخرى انصرف الإقرار إلى ولد الأخرى لأنه الذي يمكن إلحاقه به وإن لم يكن لكل واحدة منهما زوج

ولكن أقر السيد بوطئهما صارنا فرشاو لحق ولداهمابه إذا أمكن أن يولد ابعد وطئه وإن أمكن في إحداهما دون الأخرى انصرف الإقرار إلى من أمكن لأنه ولده حكماً، وإن لم يكن اقر بوطئ واحدة منها صح إقراره وثبتت حرية المقر به لأنه أقر بنسب صغير مجهول النسب مع الإمكان لا منازع له فيه فلحقه نسبه ثم يكلف البيان كما لو طلق إحدى نسائه فإذا بين قبل بيانه لأن المرجع في ذلك إليه ثم يطالب ببيان كيفية الولادة فإن قال استولدتها في ملكي فالولد حرا لاصل لا ولاء عليه وأمه أم ولد وإن قال في نكاح فعلى الولد الولاء لأنه مسه رق والأمة قن لأنها علقت بمملوك، وان قال بوطئ شبهة فالولد حر الأصل والأمة قن لأنها علقت به في غير ملك، وإن ادعت الأخرى إنها التي استولدها فالقول قوله مع يمينه لأن الأصل عدم الاستيلاد فأشبه ما لو ادعت ذلك منغير إقرار بشئ فإذا حلف رقت له ورق ولدها فإذا مات ورثه ولده المقر به وإن كانت أمة قد صارت أم ولد عتقت، وإن لم تصر أم ولد عتقت على ولدها إن كان هو الوارث وحده وإن كان معه غيره عتق منها بقدر ماملك وإن عادت قبل ان يببن قام وارثه مقامه في البيان لأنه يقوم مقامه في إلحاق النسب وغيره فإذا بين كان كما لو بين الموروث، وان يعلم الوارث كيفية الاستيلاد ففي الأمة وجهان (أحدهما) يكون رقيقاً لأن الرق الأصل فلا يزول بالاحتمال (والثاني) يعتق لأن الظاهر أنها ولدته في ملكه لأنه أقر لولدها وهي في ملكه وهذا منصوص الشافعي، فإن لم يكن وارث أو كان وارث لم يعين عرض على القافة فإن ألحقته بأحدهما ثبت نسبه وكان حكمه

مسألة: وإن أقر بنسب أخ أو عم في حياة أبيه وحده لم يقبل وإن كان بعد موتهما وهو الوارث وحده قبل إقراره وثبت النسب، وإن كان معه غيره لم يثبت النسب وللمقر له من الميراث ما فضل في يد المقر

كما لو عين الوارث فإن لم تكن قافة أو كانت فلم تعرف أقرع بين الولدين فيعتق أحدهما بالقرعة لأن للقرعة مدخلا في إثبات الحرية وقياس المذهب ثبوت نسبه وميراثه على ما ذكرنا في التي قبلها وقال الشافعي لا يثبت نسبب ولا ميراث، واختلفوا في الميراث فقال المزني يوقف نصيب الابن لأنا تيقنا ابناً وارثاً ولهم وجه آخر لا يوقف شئ لأنه لا يرجى انكشافه وقال أبو حنيفة يعتق من كل واحد نصفه ويستسعى في باقيه ولا يرثان، وقال ابن أبي ليلى مثل ذلك إلا أن يجعل الميراث بينهما نصفين ويدفعانه في سعايتهما والكلام في قسمة الحرية والسعاية ذكره في باب العتق (مسألة) (وإن أقر بنسب أخ أو عم في حياة أبيه وحده لم يقبل وإن كان بعد موتهما وهو الوارث وحده قبل إقراره وثبت النسب وإن كان معه غيره لم يثبت النسب وللمقر له من الميراث ما فضل في يد المقر) إنما لم يقبل إقراره في حياتهما لأنه على غيره فلا يقبل فأما إن كان بعد الموت وهو الوارث وحده قبل إقراره وتثبت النسب سواء كان المقر واحداً أو جماعة ذكرا أو انثى وبهذا قال الشافعي وأبو يوسف وحكاه عن أبي حنيفة لأن الوارث يقوم مقام المورث في ديونه والديون التي عليه وفي دعاويه كذلك في النسب إلا أن يكون الميت قد نفاه فلا يثبت لأنه يحمل على غيره نسباً حكم بنفيه فإن كان وارثاً ومعه شريك في الميراث لم يثبت النسب لأنه لا يثبت في حق شريكه فوجب أن لا يثبت في حقه

وقد دل على ثبوت النسب بإقرار الواحد إذا كان وارثاً حديث عائشة رضي الله عنها أن سعد بن أبي وقاص اختصم هو وعبد بن زمعة في ابن أمة زمعة فقال سعد أوصاني أخي عتبة إذا قدمت أن أنظر إلى ابن أمة زمعة واقبضه فإنه ابنه فقال عبد بن زمعة أخي وابن وليدة أبي ولد على فراشه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (هو لك يا عبدبن زمعة، الولد للفراش وللعاهر الحجر) فقضى به لعبد بن زمعة وقال (احتجبي منه يا سودة) والمشهور عن أبي حنيفة أنه لا يثبت إلا بإقرار رجلين أو رجل وامرأتين وقال مالك لا يثبت إلا بإقرار اثنين لأنه يحمل النسب على غيره فاعتبر فيه العدد كالشهادة ولنا أنه حق ثبت بالاقرار فلم يعتبر فيه العدد كالدين ولأنه قول لا يعتبر فيه العدالة فلم يعتبر فيه العدد كإقرار الموروث واعتباره بالشهادة لا يصح لأنه لا يعتبر فيه اللفظ ولا العدالة ويبطل بالإقرار بالدين وللمقر له من الميراث ما فضل في يد المقر وقد ذكرنا ذلك فيما مضى (مسألة) (وإن أقر من عليه الولاء بنسب وارث لم يقبل إقراره إلا أن يصدقه مولاه لأن الحق لمولاه فلا يقبل إقراره بما يسقطه ويتخرج أن يقبل بدونه ذكره في المحرر (مسألة) (وإن أقرت امرأة بنكاح على نفسها فهل يقبل؟ على روايتين) (إحداهما) يقبل لأنه حق عليها فيقبل كما لو أقرت بمال (والأخرى) لا يقبل لأنها تدعي النفقة والكسوة والسكنى فلا يقبل

مسألة: وإن أقر أن فلانة امرأته أو أقرت أن فلانا زوجها فلم يصدق المقر له المقر إلا بعد موت المقر صح

(مسألة) (فإن أقر المولى عليها به قبل إن كانت مجبرة) لأن المرأة لا قول لها في حال الإجبار وكذلك إن كانت مقرة بالإذن نص عليه وقيل لا يقبل إلا على المجبرة من المحرر وإن لم تكن مجيرة لم يقبل لأنه اقرار على الغير فلم يلزمها كما لو أقر عليها بمال (مسألة) (وإن أقر أن فلانة امرأته أو أقرت أن فلانا زوجها فلم يصدق المقر له المقر إلا بعد موت المقر صح) وورثه كما لو صدقه في حياته وقد ذكرنا فيما إذا أقر بنسب كبير عاقل بعد موته هل يرثه؟ على وجهين بناء على ثبوت نسبه فيخرج ههنا مثله وإن كان قد كذبه في حياته ففيه وجهان (مسألة) (وإن أقر الورثة على موروثهم بدين لزمهم قضاؤه من التركة فإن أقر بعضهم لزمه بقدر ميراثه فإن لم تكن تركة لم يلزمهم شئ) إذا أقر الوارث بدين على موروثه قبل إقراره بغير خلاف نعلمه ويتعلق ذلك بتركة الميت كما لو اقربه الميت في حياته فإن لم يخلف تركه لم يلزم الوارث شئ لأنه لا يلزمه أداء دينه اذا كان حيا مفلساً فكذلك إذا كان ميتاً، وإن خلف تركة تعلق الدين بها وإن أحب الوارث تسليمها في الدين فله ذلك وان أحب استخلاصها ووفا الدين من ماله فله ذلك ويلزمه أقل الأمرين من قيمتها أو قدر الدين

مسألة: وإن أقر الورثة على موروثهم بدين لزمهم قضاؤه من التركة فإن أقر بعضهم لزمه بقدر ميراثه فإن لم تكن تركة لم يلزمهم شيء

بمنزلة الجاني فإن كان الوارث واحداً فحكمه ما ذكرنا وان كانا اثنين أو أكثر وثبت الدين بإقرار الميت أو ببينة أو إقرار جميع الورثة فكذلك وإذا اختار الورثة أخذ التركة وقضاء الدين من أموالهم فعلى كل واحد منهم من الدين بقدر ميراثه وإن أقر أحدهم لزمه من الدين بقدر ميراثه والخيرة إليه في تسليم نصيبه في الدين أو استخلاصه، وإذا قدره من الدين فإن كانا اثنين لزمه النصف وإن كانوا ثلاثة فعليه الثلث وبهذا قال النخعي والحكم والحسن واسحاق وأبو عبيد وابو ثور والشافعي في أحد قوليه وقال أصحاب الرأي يلزمه جميع الدين أو جميع ميراثه وهو أحد قولي الشافعي رجع إليه بعد قوله كقولنا لأن الدين يتعلق بتركته فلا يستحق الوارث منها إلا ما فضل من الدين لقول الله تعالى (من بعد وصية يوصى بها أو دين) ولأنه يقول ما أخذه المنكر أخذه بغير استحقاق فكان غاصباً فيتعلق الدين بما بقي من التركة كما لو غصبه أجنبي ولنا أنه لا يستحق أكثر من نصف الميراث فلا يلزمه أكثر من نصف الدين كما لو أقر أخوه ولانه اقرر يتعلق بحصته أو حصة أخيه فلا يجب عليه إلا ما يخصه كالإقرار بالوصية وإقرار أحد الشريكين على مال الشركة ولأنه حق لوثبت ببينة أو قول الميت أو إقرار الوارثين لم يلزمه إلا نصفه فلم يلزمه بإقراره أكثر من نصفه كالوصية ولأن شهادته بالدين مع غيره تقبل، ولو لزمه أكثر من حصته لم تقبل شهادته لأنه يجربها إلى نفسه نفعاً فإن كان عليه دين بينة أو إقرار الميت قدم على ما أقر به الورثة من المحرر

(فصل) قال رضي الله عنه (وإن أقر بحمل امرأة صح فإن ألقته ميتاً أو لم يكن حملاً بطل وإن ولدت حياً وميتاً فهو للحي وإن ولدتهما حيين فهو بينهما سواء الذكر والاثنى ذكره ابن حامد) إذا أقر لحمل امرأة بمال وعزاه إلى إرث أو وصية صح وكان للحمل وإن أطلق فقال أبو عبد الله بن حامد يصح وهو أصح قولي الشافعي لأنه يجوز أن يملك بوجه صحيح فصح له الإقرار المطلق كالطفل، فعلى هذا إن ولدت ذكر أو أنثى كان بينهما نصفين وإن عزاه إلى إرث أو وصية كان بينهما على حسب استحقاقها لذلك وإن ولدت حياً وميتاً فالكل للحي لأنه لا يخلو إما أن يكون الإقرار له عن إرث أو وصية وكلاهما لا يصح للميت، وقال أبو الحسن التميمي لا يصح الإقرار إلا أن يعزوه إلى إرث أو وصية وهو قول أبي ثور والقول الثاني للشافعي لأنه لا يملك بغيرهما، فإن وضعت الولد ميتاً كان قد عزا الإقرار إلى إرث أو وصية عادت إلى ورثة الموصي وموروث الطفل وإن أطلق الإقرار كلف ذكر السبب فيعمل بقوله فإن تعذر التفسير بموته أو غيره بطل إقراره كمن أقر لرجل لا يعرف من أراد بإقراره، وإن عزا الإقرار إلى جهة غير صحيحة فقال لهذا الحمل على ألف أقرضتها أو وديعة أخذتها منه فعلى قول التميمي الإقرار باطل وعلى قول ابن حامد ينبغي أن يصح اقراره لأنه وصل بإقراره ما يسقطه فيسقط ما وصله به كما لو قال له ألف لا يلزمني، وإن قال له على ألف جعلتها له أو نحو ذلك فهي عدة لا يؤخذ بها، ولا يصح الإقرار لحمل إلا إذا تيقن أنه كان موجوداً حال الإقرار على ما بين في الوصية له، وإن أقر لمسجد

مسألة: وإن أقر لكبير عاقل فلم يصدقه بطل إقراره في أحد الوجهين

أو مصنع أو طريق وعزاه إلى السبب صحيح مثل أن يقول من غلة وقفه صح وإن أطلق خرج على الوجهين وإن لم يكن ثم حمل بطل الإقرار لأنه أقر لغير شئ (مسألة) (وإن أقر لكبير عاقل فلم يصدقه بطل إقراره في أحد الوجهين) لأنه إقرار بحق أشبه النسب فعلى هذا يقر المال في يد المقر لأنه كان في يده فإذا بطل إقراره بقي كأنه لم يقر به والوجه الثاني يؤخذ المال الى بيت المال فيحفظه حتى ظهر مالكه لأنه بإقراره خرج عن ملكه ولم يدخل في ملك المقر له وكل واحد منهما ينكر ملكه فهو كالمال الضائع يترك في بيت المال قال صاحب المحرر فعلى هذا الوجه أيهما غير قوله لم يقبل منه وعلى الأول إن عاد المقر فادعاه لنفسه أو لثالث قبل منه ولم يقبل بعدها عود المقر له أولاً إلى دعواه، ولو كان عدوه إلى دعواه قبل ذلك ففيه وجهان ولو كان المقر به عبداً أو نفس المقر بأن أقر برقها للغير فهو كغيره من الأموال على الأول وعلى الثاني يحكم بحريتهما. باب ما يحصل به الإقرار إذا ادعى عليه ألفاً فقال نعم أو أجل أو صدقت أو أنا مقر بها أو بدعواك كان مقراً ومثله أنا مقر بما ادعيت لأن هذه الألفاظ وضعت للتصديق قال الله تعالى (هل وجدتم ما وعد ربكم حقا؟ قالوا نعم) وإن

باب ما يحصل به الإقرار

قال أليس لي عندك ألف؟ قال بلى كان إقراراً صحيحاً لأن بلى جواب للسؤال بحرف النفي قال الله تعالى (ألست بربكم؟ قالوا بلى) (مسألة) (وإن قال أنا اقر أولا أنكر أو يجوز أن يكون محقاً وعسى أو لعل أو أحسب أو أظن أو أقدر أوخذ أو اتزن أو افتح كمك لم يكن مقرا إذا قال أنا مقر لم يكن إقراراً لأنه وعد بالإقرار في المستقبل وكذلك إن قال لا أنكر لأنه لا يلزم من عدم الإنكار الإقرار فإن بينهما قسماً آخر وهو السكوت عنهما، وإن قال يجوز أن يكون محقاً لم يكن إقراراً كذلك وإن قال لعل أو عسى لم يكن مقرا لأنهما للترجي، وإن قال أظن أو أحسب أو أقدر لم يكن مقرا لأن هذه الألفاظ تستعمل للشك، وكذلك إن قال خذ أو اتزن أو افتح كمك لأنه يحتمل خذ الجواب أو اتزن أو افتح كمك لشئ آخر (مسألة) (وإن قال أنا مقر أو خذها أو اتزنها أو اقبضها أو احرزها أو هي صاح فهل يكون مقراً؟ يحتمل وجهين) إذا قال أنا مقر ولم يزد احتمل أن يكون مقراً لأن ذلك عقيب الدعوى فينصرف إليها وكذلك إن قال أقررت قال الله تعالى (قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري؟ قالو أقررنا) ولم يقولوا أقررنا بذلك ولا زادوا عليه فكان منهم إقراراً ويحتمل أن لا يكون مقراً لأنه يحتمل أن يريد غير ذلك مثل

مسألة: وإن قال: أنا مقر أو خذها أو اتزنها أو اقبضها أو احرزها أو هي صحاح فهل يكون مقرا؟ يحتمل وجهين

أن يريد أنا مقر بالشهادة أو بطلان دعواك، وإن قال خذها أو اتزنها أو اقبضها أو احرزها لي أو هي صحاح فهل يكون مقراً؟ يحتمل وجهين ففيه وجهان (أحدهما) ليس بإقرار لأن الصفة ترجع إلى المدعي ولم يقر بوجوبه ولا يجوز أن يعطيه ما يدعيه من غير أن يكون واجباً عليه فأمره بأخذها أولى أن لا يلزم منه الوجوب (والثاني) يكون إقراراً لأن الضمير يعود إلى ما تقدم (مسألة) (وإن قال له على ألف إن شاء الله أو في علمي أو فيما أعلم أو قال اقضني ديني عليك ألفاً أو سلم إلي ثوبي هذا أو فرسي هذه فقال نعم فقد اقربها) إذا قال لك على ألف إن شاء الله كان مقراً نص عليه أحمد وقال أصحاب الشافعي ليس بإقرار لأنه علق إقراره على شرط فلم يصح كما لو علقه على مشيئة زيد ولأن ما علق على مشيئة الله لا سبيل إلى معرفته ولنا أنه وصل إقراره بما يرفعه كله ولا يصرفه إلى غير الإقرار فلزمه ما أقر به وبطل ما وصله به كما لو قال له على ألف إلا ألفاً ولأنه عقب الإقرار بما لا يفيد حكماً آخر ولا يقتضي رفع الحكم أشبه مالو قال له على ألف ان شئت وان شاء في مشيئة الله وإن قال له على ألف إلا أن يشاء الله صح الإقرار لأنه أقر ثم علق رفع الإقرار على أمر لا يعلم فلم يرتفع، وإن قال له على ألف ان شئت وان شاء زيد لم يصح الإقرار وقال القاضي يصح لأنه عقبه ما يرفعه فصح الإقرار دون ما يرفعه كاستثناء الكل وكما لو قال إن شاء الله

ولنا أنه علقه علي شرط يمكن علمه فلم يصح كما لو قال له على ألف إن شهد به فلان وذلك لأن الإقرار إخبار بحق سابق فلا يتعلق على شرط مستقبل، ويفارق التعليق على مشيئة الله تعالى فإن مشيئة الله تذكر في الكلام تبركاً وصلة وتفويضاً إلى الله تعالى كقول الله تعالى (لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين) وقد علم الله سبحانه أنهم سيد خلونه بغير شك ويقول الناس صلينا إن شاء الله مع يقين صلاتهم بخلاف مشيئة الآدمي والثاني أن مشيئة الله تعالى لاتعلم إلا بوقوع الاومر فلا يمكن وقوف الأمر على وجودها ومشيئة الآدمي يمكن العلم بها فيمكن جعلها شرطا بتوقف الأمر على وجودها والماضي لا يمكن وقفه فتعين حمل الأمر ههنا على المستقبل فيكون لا إقراراً وعداً (فصل) ولو قال بعتك إن شاء الله أو زوجتك إن شاء الله فقال أبو إسحاق بن شاقلا لا أعلم خلافاً عنه في أنه إذا قيل له قبلت هذا النكاح فقال نعم إن شاء الله إن النكاح واقع وبه قال أبو حنيفة ولو قال بعتك ألف إن شئت فقال قد شئت وقبل صح لأن هذا الشرط من موجب العقد ومقتضاه فإن الإيجاب إذا وجد من البائع كان القبول إلى مشيئة المشتري واختياره (مسألة) (وإن قال له على ألف في علمي أو فيما أعلم كان مقراً به) لأن ما في علمه لا يحتمل إلا الوجوب ولو قال أقضيتني إلا ألف الذي لي عليك؟ قال نعم كان مقراً به لأنه تصديق لما ادعاه وإن قال سلم الي ثوبي وهذا أو فرسي هذه فقال نعم فقد أقر بها لما ذكرنا وإن قال اشتر عبدي هذا أو قال أعطني عبدي هذا فقال نعم كان إقراراً لما ذكرنا

مسألة: وإن قال: له علي ألف في علمي أو فيما أعلم كان مقرا به

(مسألة) (وإن قال إن قدم فلان فله على ألف درهم لم يكن مقراً) لأنه ليس بمقر في الحال وما لا يلزمه في الحال لا يصير واجباً عند وجود الشرط، وإن قال له على ألف إن قدم فلان فعلى وجهين (أحدهما) لا يكون إقراراً كالمسألة قبلها (والثاني) يكون مقراً لأنه قدم الإقرار فثبت حكمه وبطل الشرط لأنه لا يصلح أن يكون أجلاً (مسألة) (وإن قال له على ألف إذا جاء رأس الشهر كان إقراراً وإن قال إذا جاء رأس الشهر فله علي ألف فعلى وجهين) قال أصحابنا في المسألة الأولى هو إقرار وفي الثانية ليس بإقرار وهو منصوص الشافعي لأنه في الأول بدأ بالإقرار ثم عقبه بمالا يقتضي رفعه لأن قوله إذا جاء رأس الشهر يحتمل أنه أراد المحل فلا يبطل الإقرار بأمر محتمل وفي الثانية بدأ بالشرط فعلق عليه لفظاً يصح للاقرار ويصلح للواعد فلا يكون اقرار امع الاحتمال ويحتمل أنه لا فرق بينهما لأن تقديم الشرط وتأخيره سواء فيكون فيهما جميعاً وجهان (مسألة) (وإن قال له على ألف إن شهد به فلان أو إن شهد به فلان صدقته لم يكن مقراً) لأنه يجوز أن يصدق الكاذب (مسألة) (وإن قال إن شهد به فلان فهو صادق احتمل وجهين) (أحدهما) لا يكون إقراراً لأنه

مسألة: وإن قال: له علي ألف إن شهد به فلان أو إن شهد به فلان صدقته لم يكن مقرا

علقه على شرط فهي كالتي قبلها (والثاني) يكون إقرارا في الحال لأنه لا يتصور صدقه إلا أن يكون ثابتاً في الحال وقد أقر بصدقه (مسألة) (وإن أقر العربي بالعجمية أو العجمي بالعربية وقال لم أرد ما قلت فالقول قوله مع يمينه لأنه يحتمل أن يكون صادقاً فلا يكون مقراً (باب الحكم فيما إذا وصل بإقراره ما يغيره) إذا وصل بإقراره ما يسقطه مثل أن يقول له على ألف لا يلزمني أو قد قبضه أو استوفاه أو ألف من ثمن خمر أو تكلفت به على أني بالخيار لزمته الألف ولا يقبل قوله ذكره أبو الخطاب وهو قول أبي حنيفة وأحد قولي الشافعي، وذكر القاضي إذا قال له علي ألف زيوف وفسره برصاص أو نحاص لم يقبل لأنه رفع كل ما اعترف به وقال في سائر الصور التي ذكرناها يقبل قوله لأنه عزا إقراره إلى سببه فقبل كما لو عزاه إلى سبب صحيح إلا في قوله علي ألف لا يلزمني ولنا أن هذا يناقض ما أقر به فلم يقبل كالصورة التي قبلها وكما لو قال له علي ألف لا تلزمني أو نقول رفع جميع ما أقربه فلم يقبل كاستثناء الكل وتناقض كلامه غير خاف فإن ثبوت ألف عليه في هذه المواضع لا يتصور وإقراره إخبار بثبوته فتنافيا وإن سلم ثبوت الألف عليه فهو ما قلنا

مسألة: وإن قال: له علي ألف إلا ألفا لم يصح

(مسألة) (وإن قال له على ألف إلا ألفاً لم يصح) لأنه استثنى الكل ولا يصح بغير خلاف لأنه رجوع عن الاقرار وإن قال الاسمائة لم يصح وسنذكره إن شاء الله تعالى (فصل) ولا يقبل رجوع المقر عن إقراره إلا ماكان حداً لله تعالى يدرأ بالشبهات ويحتاط لا سقاطه فأما حقوق الآدميين وحقوق الله تعالى التي لا تدرأ بالشبهات كالزكاة والكفارات فلا يقبل رجوعه عنها ولا نعلم في هذا خلافاً (مسألة) (وإن قال كان له عندي ألف وقضيته أو قضيت منه خمسمائة درهم فقال الخرقي ليس بإقرار والقول قوله مع يمينه) وحكى ابن أبي موسى في هذه المسألة روايتين (أحدهما) أن هذا ليس بإقرار اختاره القاضي وقال لم أجد عن أحمد رواية بغير هذا (والثانية) أنه مقر بالحق مدع لقضائه فعليه البينة بالقضاء والاحلف غريمه وأخذه اختاره أبو الخطاب وهو قول أبي حنيفة لأنه أقر بالدين وادعى القضاء بكلام منفصل ولأنه رفع جميع ما أثبته فلم يقبل كاستثناء الكل وللشافعي قولان كالمذهبين، ووجه قول الخرقي أنه قول متصل تمكن صحته ولا تناقض فيه فوجب أن لا يقبل كاستثناء البعض، وفارق المنفصل لأن حكم الأول قد استقر بسكوته عنه فلا يمكن رفعه بعد استقراره ولذلك لا يرفع بعضه باستثناء ولا غيره فما يأتي بعده من دعوى القضاء يكون دعوى مجردة لا تقبل إلا بينة

وأما استئناء الكل فمتناقض لأنه لا يمكن أن يكون عليه ألف وليس عليه شئ (فصل) فإن قال كان له على ألف وقضيته منه خمسمائة فالكلام فيه كالكلام فيما إذا قال وقضيته وإن قال له إنسان عليك مائة لي فقال قد قضيتك منها خمسين فقال القاضي لا يكون مقرا بشئ لأن الخمسين التي ذكر أنه قضاها في كلامه ما يمنع بقاءها وهو دعوى القضاء وباقي المائة لم يذكرها وقوله منها يحتمل أنه يريد بها مما يدعيه ويحتمل مما علي فلا يثبت عليه شئ بكلام محتمل ويجئ على قول من قال بالرواية الأخرى إنه يلزمه الخمسون التي ادعى قضاءها لأن في ضمن دعوى القضاء إقراراً بأنها كانت عليه فلا تقبل دعوى القضاء بغير بينة (فصل) فإن قال كان له على ألف وسكت لزمه الألف في ظاهر قول أصحابنا وهو قول أبي حنيفة وأحد قولي الشافعي وقال في الآخر لا يلزمه شئ وليس هذا باقرار لأنه لم يذكر عليه شيئاً في الحال إنما أخبر بذلك في زمن ماض فلا يثبت في الحال ولذلك لو شهدت البينة لم يثبت ولنا أنه أقر بالوجوب ولم يذكر ما يرفعه فبقي على ما كان عليه، ولهذا لو تنازعا داراً فأقر أحدهما للآخرانها كانت ملكه حكم بها له إلا أنه ههنا إن عاد فادعى القضاء أو الإبراء سمعت دعواه لأنه لا تنافي بين الإقرار وبين ما يدعيه وهذا على إحدى الروايتين (فصل) وإن قال له على ألف قضيه إياه لزمه الألف ولم تقبل دعوى القضاء وقال القاضي تقبل

لأنه رفع ما أثبته بدعوى القضاء متصلا فأشبه مالو قال كان له على وقضيته له وقال ابن أبي موسى إن قال قضيت جميعه لم يقبل إلا ببينة ولزمه الألف الذي اقربه وله اليمين على المقر له وأما لو قال قضيت بعضه قبل منه في إحدى الروايتين لأنه رفع بعض ما اقربه بكلام متصل فأشبه مالو استثناه بخلاف ما إذا قال قضيت جميعه لكونه رفع جميع ما هو ثابت فأشبه استثناء الكل ولنا أن هذا قول متناقض إذا لا يمكن أن يكون عليه ألف قد قضاه فإن كونه عليه يقتضي بقاءه في ذمته واستحقاق مطالبته به وقضاءه بمقتضى براءة ذمته منه وتحريم مطالبته به وهذا ضدان لا يتصور اجتماعهما في زمن واحد بخلاف ما إذا قال له كان علي وقضيته فإنه أخبر بهما في زمانين ويمكن أن يرفع ما كان ثابتاً ويقضي ما كان ديناً وإذا لم يصح هذا في الجميع لم يصح في البعض لا ستحالة بقاء ألف عليه قد قضى بعضه، ويفارق الاستثناء فإن الاستثناء مع المستثنى منه عبارة عن الباقي من المستثنى منه فقول الله تعالى (فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما) عبارة عن تسعمائة وخمسين عاماً أما القضاء فإنما يرفع جزءاً كان ثابتاً فإذا ارتفع بالقضاء لا يجوز التعبير عنه بما يدل على القضاء (فصل) قال الشيخ رحمه الله (ويصح استثناء ما دون النصف ولا يصح فيما زاد عليه وفي النصف وجهان) الاستثناء من الجنس - وهو ما دخل في المستثنى منه - جائز بغير خلاف علمناه فإن ذلك كلام العرب وقد جاء في الكتاب والسنة قال الله تعالى (فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما) وقال النبي

صلى الله عليه وسلم (يكفر عنه خطاياه كلها إلا الدين) وذلك في كلام العرب كثير فإذا اقر بشئ واستثنى منه كان مقراً بالباقي بعد الاستثناء فإذا قال له على مائة إلا عشرة كان مقراً بتسعين لأن الاستثناء يمنع أن يدخل في اللفظ ما لولاه لدخل فإنه لو دخل ما أمكن إخراجه ولو أقر بالعشرة المستثناة لما قبل منه إنكارها وقول الله تعالى (فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما) أخبار بتسعمائة وخمسين فالاستثنا. بين أن الخمسين المستثناة غير مرادة كما أن التخصيص يبين أن المخصوص غير مراد باللفظ العام إذا ثبت ذلك فلا نعلم خلافاً في جواز استثناء ما دون النصف وقد دل عليه ما ذكرنا من الكتاب والسنة (فصل) فأما استثناء ما زاد على النصف فلا يختلف المذهب أنه لا يصح وهو كاستثناء الكل يؤخذ بالجميع ويحكى ذلك عن ابن درستويه النحوي وقال أبو حنيفة ومالك وأصحابهم يصح استثناء ما دون الكل فلو قال له على مائة إلا تسعة وتسعين لم يلزمه إلا واحد بدليل قول الله تعالى (قال فبعزتك لاغويهم أجميعن إلا عبادك منهم المخلصين) وقوله (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين) وأيهما كان الأكثر فقد دل على استثناء الأكثر وأنشدوا أدوا التي نقصت تعسين من مائة ثم ابعثوا حكماً بالحق قواما فاستثنى تسعين من مائة ولأنه في معنى الاستثناء ومشبه به ولأنه استثنى البعض فجاز كاستثناء الأقل

ولأنه رفع بعض ما تناوله اللفظ فجاز كالتخصيص والبدل. ولنا أنه لم يرد في لسان العرب الاستثناء إلا في الأقل وقد أنكروا استثناء الأكثر فقال أبو إسحاق الزجاج لم يأت الاستثناء إلا في القليل من الكثير ولو قال قائل مائة إلا تسعة وتسعين لم يكن متكلماً بالعربية وكان عياً من الكلام ولكنة، وقال القتيبي يقال صمت الشهر إلا يوماً ولا يقال صمت الشهر إلا تسعة وعشرين يوماً ويقال لقيت القوم جميعهم إلا واحداً أو اثنين ولا يجوزان يقال لقيت القوم إلا أكثرهم وإن لم يكن صحيحاً في الكلام لم يرتفع به ما أقر به كاستثناء الكل وكما لو قال له علي عشرة بل خسمة، وأما ما احتجوا به من التزيل فإنه في الآية الأولى استثنى المخلصين من بني آدم وهم الافل كما قال (إلا الذين آمنوا وعملوا الصلحات وقليل ماهم) وفي الآية الأخرى استثنى الغاوين من العباد وهم الأقل فإن الملائكة من العباد وهم غير غاوين قال الله تعالى (بل عباد مكرمون) وقيل الاستثناء في هذه الآية منقطع بمعنى الاستدراك فيكون قوله (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان) يبقى على عمومه لم يستثن منه شئ فيكون قوله (إلا من اتبعك من الغاوين) أي لكن من ابتعك من الغاوين فإنهم غووا باتباعك، وقد دل على صحة هذا قوله في الآية الأخرى لاتباعه (وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي) وعلى هذا لا يكون لهم فيها حجة وأما البيت فقال ابن فضال النحوي هو بيت مصنوع لم يثبت عن العرب على أن هذا ليس باستثناء فإن الاستثناء له كلمات مخصوصة

ليس هذا منها والقياس لا يجوز في اللغة ثم نعارضه بأنه استثنى أكثر من النصف فلم يجز كاستثناء الكل والفرق بين استثناء الأكثر والأقل أن العرب استحسنته في الأقل واستعملته ونفته في الأكثر وقبحته فلم يجز قياس ما قبحوه على ما حسنوه (فصل) وفي استثناء النصف وجهان (أحدهما) يجوز وهو ظاهر كلام الخرقي لأنه ليس بالأكثر فجاز كالأقل (والثاني) لا يجوز ذكره أبو بكر لأنه لم يرد في كلامهم إلا في القليل من الكثير والنصف ليس بقليل وهو أولى (مسألة) (فإذا قال له على هولاء العبيد العشرة إلا واحداً لزمه تسليم تسعة) فإن عينه فقال إلا هذا صح وكان مقراً بمن سواه وإن قال إلا واحداً ولم يعينه صح لأن الإقرار يصح مجهولاً فكذلك الاستثناء منه ويرجع في تعيين المسمى إليه لأن الحكم يتعلق بقوله وهو أعلم بمراده به وإن عين من عدا المستثنى صح وكان الباقي له. (مسألة) (فإن ماتوا إلا وحدا فقال هو المستثنى فهل يقبل؟ على وجهين) (أحدهما) يقبل ذكره القاضي وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي (والوجه الثاني) لا يقبل ذكره أبو الخطاب وهو الوجه الثاني لأصحاب الشافعي لأنه يرفع به الإقرار كله، والصحيح الأول لأنه يقبل تفسيره به في حياتهم لمعنى هو موجود بعد موتهم فقبل كحالة حياتهم وليس هذا رفعاً للإقرار وإنما تعذر تسليم المقر

مسألة: فإذا قال: له على هؤلاء العبيد العشرة إلا واحدا لزمه تسليم تسعة

به لتلفه لا لمعنى يرجع إلى التفسير فأشبه مالو عينه في حياته فتلف بعد تعيبنه فإن قتل الجميع إلا واحداً قبل تفسيره بالباقي وجهاً واحداً لأنه غير متهم لأن المقر له يحصل له قيمة المقتولين بخلاف الموت فإنه لا يحصل للمقر له شئ، وإن قتلوا كلهم فله قيمة أحدهم ويرجع في التفسير إليه، وإن قال غصبتك هؤلاء العبيد إلا واحداً قبل تفسيره به وجهاً واحداً لأن المقر له يستحق قيمة الهالكين فلا يفضي التفسير بالباقي إلى سقوط الإقرار بخلاف ما إذا ما توا (فصل) وحكم الاستثناء بسائر أدواته حكم الاستثناء بالافاذا قال له على عشرة سوى درهم أو ليس درهما أو خلا درهما أو عدا درهما أولا يكون درهما أو غير درهم بفتح الراء كان مقراً بدرهم وإن قال غير درهم بضم الراء وهو من أهل العربية كان مفسراً بعشرة لأنها تكون صفة للعشرة المقر بها ولا تكون استثناء فإنها لو كانت استثناء كانت منصوبة وإن لم يكن من أهل العربية لزمه تسعة لان الظهر أنه يريد الاستثناء وإنما ضمها جهلا منه بالعربية لا قصداً للصفة (فصل) ولا يصح الاستثناء إلا أن يكون متصلاً بالكلام فإن سكت سكوتاً يمكنه الكلام فيه أو فصل بين المستثنى والمستثنى منه بكلام أجنبي لم يصح لأنه إذا سكت وعدل عن إقراره إلى شئ آخر استقر حكم ما أقر به فلم يرفع بخلاف ما إذا كان في كلامه فإنه لا يثبت حكمه أو ينظر ما يتم به كلامه ويتعلق به حكم الاستثناء والشرط والبدل ونحوه

مسألة: وإن قال: له في هذه الدار إلا هذا البيت لي قبل منه لأن الأول استثناء فلا يدخل البيت في إقراره والثاني في معنى الاستثناء لكونه أخرج بعض ما يتناوله اللفظ بكلام متصل وسواء كان البيت أكثر من نصف الدار أو أقل

(مسألة) (وإن قال له هذه الدار إلا هذا البيت لي قبل منه لأن الأول استثناء فلا يدخل البيت في إقراره والثاني في معنى الاستثناء لكونه أخرج بعض ما يتناوله اللفظ بكلام متصل وسواء كان البيت اكثر من نصف الدار أو أقل (مسألة) (وإن قال له علي درهمان وثلاثة الادرهمين فهل يصح على وجهين؟) (أحدهما) يصح لأن الاستثناء يعود إلى الجملتين وهو أقل من النصف (والثاني) لا يصح لأنه يعود إلى أقرب المذكورين فيكون استثناء أكثر من النصف (مسألة) (وإن قال له على درهم ودرهم الادرهما أو ثلاثة ودرهمان إلا درهمين أو ثلاثة ونصف إلا نصفا أو إلا درهماً أو خمسة وتسعون إلا خمسة لم يصح الاستثناء. ولزمه جميع ما أقر به قبل الاستثناء وهذا قول الشافعي وهو الذي يقتضيه مذهب أبي حنيفة وفيه وجه آخر أنه يصح لأن الواو العاطفة تجمع بين العددين وتجعل الجملتين كالجملة الواحدة وعندنا أن الاستثناء إذا تعقب جملا معطوفاً بعضها على بعض بالواو عاد إلى جميعها كقولنا في قوله تعالى (ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا) إن الاستثناء عاد إلى الجملتين فإذا تاب القاذف قبلت شهادته ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يؤمن الرجل في سلطانه ولا يجلس على تكرمته

مسألة: وإن قال: له علي درهم ودرهم إلا درهما أو ثلاثة ودرهمان إلا درهمين أو ثلاثة ونصف إلا نصفا أو درهما أو خمسة وتسعون إلا خمسة لم يصح الاستثناء

إلا بإذنه) قال شيخنا والأول أولى لأن الواو لم تخرج الكلام من أن يكون جملتين والاستثناء برفع إحداهما جميعها ولا نظير لهذا في كلامهم ولأن صحة الاستثناء تجعل إحدى الجملتين مع الاستثناء لغواً لأنه أثبت شيئاً بلفظ مفرد ثم رفعه كله فلا يصح كما لو استثنى منها وهى غير معطوفة على غيرها فأما الآية والخبر فإن الاستثناء لم يرفع إحدى الجملتين إنما أخرج من الجملتين معاً من اتصف بصفة فنظيره قوله للبواب من جاء يستأذن فائذن له وأعطه درهما إلا فلاناً ونظير مسئلتنا ما لو قال اكرم زيدا وعمراً إلا عمراً (مسألة) وإن قال له على خمسة إلا درهمين ودرهما لزمته الخمسة في أحد الوجهين) لأنه استثنى أكثر من النصف وفي الآخر يلزمه ثلاثة ويبطل الاستثناء الثاني (مسألة) (ويصح الاستثناء من الاستثناء) فإذا استثنى استثناء بعد استثناء وعطف الثاني على الأول كان مضافاً إليه فإذا قال له على عشرة إلا ثلاثة وإلا درهمين كان مستثنيا الخمسة مقراً بخمسة فإن كان الثاني غير معطوف على الأول كان استثناء من الاستثناء وهو جائز في اللغة قال الله تعالى (إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين إلا آل لوط إنا لمنجوهم أجمعين إلا امرأته قدرنا إنها لمن الغابرين) فإذا كان صدر الكلام إثباتاً كان الاستثناء الأول نفياً والثاني إثباتاً فإن استثنى استثناء ثالثاً كان نفياً يعود كل استثناء الى ما يليه من الكلام فإذا

مسألة: وإن قال: له علي عشرة إلا خمسة إلا ثلاثة إلا درهمين إلا درهما لزمه عشرة

قال له سبعة الا ثلاثة الادرهما لزمته خمسة لأنه أثبت سبعة ثم نفى منها ثلاثة ثم أثبت درهماً وبقي من الثلاثة المنفية درهمان مستثنيان من السبعة فيكون مقراً بخمسة (مسألة) (وإن قال له علي عشرة إلا خمسة إلا ثلاثة الادرهمين الادرهما لزمه عشرة) على قول أبي بكر لأنه منع استثناء النصف وفي الوجه الآخر يلزمه ستة لأن الاستثناء إذا رفع الكل أو الا كثر سقط إن وقف عليه وإن وصله باستثناء آخر استعملناه فاستعملنا الاستثناء الأول لوصله بالثاني لأن الاستثناء مع المستثنى عبارة عما بقي فان عشرة الادرهما عبارة عن تسعة فإذا قال له على عشرة إلا خمسة إلا ثلاثة صح استثناء الخمسة لأنه وصلها باستثناء آخر وكذلك صح استثناء الثلاثة والدرهمين لأنه وصل ذلك باستثناء آخر والاستثناء من الاثبات نفي ومن النفي اثبات فصح استثناء الخمسة وهو نفي فنفي خسمة وصح استثناء الثلاثة وهي إثبات فعادت ثمانية وصح استثناء الدرهمين وهي نفي فبقيت ستة ولم يصح استثناء الدرهم لأنه مسكوت عليه ويحتمل أن يكون وجه الستة أن يصح استثناء النصف ويبطل الزائد فيصح استثناء الخمسة والدرهم ولا يصح استثناء ثلاثة والاثنين (والوجه الثالث) يلزمه سبعة إذا صححنا الاستثناءات كلها فإذا قال عشرة إلا خمسة بقي خمسة فإذا قال إلا ثلاثة عادت ثمانية لأنها إثبات فإذا قال إلا درهمين كانت نفياً فبقي ستة فإذا استثنى درهما كان مثبتاً فصارت سبعة (والوجه الرابع) يلزمه ثمانية لأنه يلغي الاستثناء الأول لكونه النصف فإذا قال إلا ثلاثة كانت مثبتة وهي مستثناة

من الخمسة وقد بطلت فتبطل الثلاثة أيضاً لبطلان الخمسة ويبقى الاثنان لأنهما نفي والنفي يكون من إثبات، وقد بطل الإثبات الذي قبلها فتكون منفية من العشرة تبقى ثمانية ولا يصح استثناء الواحد من الاثنين لأنه نصف (فصل) فإن قال له علي ثلاثة إلا ثلاثة إلا درهمين بطل الاستثناء كله لأن الاستثناء لدرهمين من الثلاثة استثناء الأكثر وهو موقوف عليه فبطل فإذا بطل الثاني بطل الأول لأنه استثنى الكل ولأصحاب الشافعي في هذا ثلاثة أوجه (أحدها) يبطل الاستثناء لأن الأول بطل لكونه استثناء الكل فبطل الثاني من الإقرار لأنه فرعه (الثاني) يصح ويلزمه درهم لأن الاستثناء الأول لما بطل جعلنا الاستثناء الثاني من الإقرار لأنه وليه لبطلان ما بينهما ويصح (الثالث) ويكون مقراً بدرهمين لأنه استثناء لأكثر واستثناء الأكثر عندهم يصح ووافقهم القاضي في هذا الوجه، وإن قال ثلاثة الا إلا ثلاثة إلا درهماً بطل الاستثناء كله، ويجئ على قول أصحاب الشافعي فيه مثل ما قلنا في التي قبلها (مسألة) (ولا يصح الاستثناء من غير الجنس نص عليه) وبهذا قال زفر ومحمد بن الحسن وقال أبو حنيفة إن استثنى مكيلا أو موزونا جاز وإن استثنى عبداً أو ثوباً من غير مكيل أو موزون لم يجز، وقال مالك والشافعي يصح الاستثناء من غير الجنس مطلقاً لأنه ورد في الكتاب العزيز ولغة العرب قال الله تعالى (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا

مسألة: ولا يصح الاستثناء من غير الجنس نص عليه

إبليس كان من الجن) وقال سبحانه (لا يسمعون فيها لغوا الاسلاما) وقال الشاعر: وبلدة. ليس بها أنيس إلا اليعافير وإلا العيس وقال آخر: أعيت جواباً وما بالربع من أحد إلا أواري لأياما أينها ولنا أن الاستثناء صرف اللفظ بحرف الاسثنا عما كان يقتضيه لولاه وقيل أخرج بعض ما تناوله المستثنى منه مشتق من قواه ثنيت فلاناً عن رأيه إذا صرفته عن رأي كان عازما عليه وثبت عنان دابتي إذا صرفتها به عن وجهتها التي كانت تذهب إليها، وغير الجنس المذكور ليس بداخل في الكلام فإذا ذكره فما صرف الكلام عن صوبه ولا ثناه عن وجه استرساله فلا يكون استثناء وإنما سمي استثناء تجوزا وإنما هو في الحقيقة استدارك والاههنا بمعنى لكن هكذا قال أهل العربية منهم ابن قيبة وحكاه عن سيبويه والاستدراك لا يأتي الابعد الجحد ولذلك لم يأت الاستثناء في الكتاب العزيز من غير الجنس إلا بعد النفي ولا يأتي بعد الإثبات إلا أن يوجد بعد جملة. إذا تقرر هذا فلا مدخل للاستدراك في الإقرار لأنه إثبات للمقر به فإذا ذكر الاستدراك بعده كان باطلاً وإن ذكر بعده جملة كأنه قال له عندي مائة درهم إلا ثوباً لي عليه فيكون مقراً لشئ مدعيا لشئ سواه فيقبل إقراره وتبطل دعواه

كما لو صرح بذلك بغير لفظ الاستثناء، وأما قوله تعالى (فسجدوا إلا إبليس) فإن إبليس كان من الملائه بدليل أن الله تعالى لم يأمر بالسجود غيرهم فلو لم يكن منهم لما كان مأموراً بالسجود ولا عاصياً بتركه ولا قال الله تعالى في حقه (ففسق عن أمر ربه) ولا قال (ما منعك أن لا تسجد إذا أمرتك) وإذا لم يكن مأموراً فلم أبلسه الله وأهبطه ودحره ولا يأمر الله بالسجود إلا الملائكة، قان قالوا بل قد تناول الأمر الملائكة ومن كان معهم فدخل إبليس في الأمر لكونه معهم قلنا فقد سقط استدلالكم فإنه متى كان إبليس داخلا في المستثنى منه مأموراً بالسجود فاستثناؤه من الجنس وهو ظاهر لمن أنصف إن شاء الله تعالى. فعلى هذا متى قال له على مائة درهم إلا ثوباً لزمته المائة لأن الاستثناء باطل على ما بينا (مسألة) (إلا أن يستثني عيناً من ورق أو ورقاً من عين فيصح) ذكره الخرقي وقال أبو بكر لا يصح (فإذا قال له على مائة درهم إلا ديناراً فهل يصح؟ على وجهين) اختلف أصحابنا في صحة استثناء أحد النقدين من الآخر فذهب أبو بكر إلى أنه لا يصح لما ذكرنا وهو قول محمد بن الحسن وقال ابن أبي موسى فيه روايتان واختار الخرقي صحته لأن قدر أحدهما معلوم الآخر ويعبر بأحدهما عن الآخر فإن قوما يسمون تسعة دراهم ديناراً وآخرون يسمون ثمانية ديناراً فإذا استثنى أحدهما من الآخر علم أنه أراد التعبير بأحدهما عن الآخر فإذا قال له على دينار إلا ثلاثة دراهم في موضع يعبر فيه بالدينار عن تسعة كان معناه له علي تسعة دراهم إلا ثلاثة ومتى أمكن حمل الكلام

على وجه صحيح لم يجز إلغاؤه وقد أمكن بهذا الطريق فرجب تصحيحه وقال أبو الخطاب لا فرق بين العين والورق وبين غيرهما فيلزم من صحة استثناء أحدهما من الآخر صحة استثناء الثياب وغيرها وقد ذكرنا الفرق ويمكن الجمع بين الروايتين بحمل رواية الصحة على ما إذا كان أحدهما يعبر به عن الآخر أو يعلم قدره منه ورواية البطلان على ما إذا انتفى ذلك والله أعلم (فصل) ولو ذكر نوعاً من جنس واستثنى نوعاً آخر من غير ذلك الجنس مثل أن يقول له علي عشرة آصح تمراً برنياً إلا ثلاثة تمرا معقيا لم يجز لما ذكرنا في الفصل الأول ويخالف العين والورق لأن قيمة أحد النوعين غير معلومة من الآخر ولا يعبر بأحدهما عن الآخر ويحتمل على قول الخرقي جوازه لتقارب المقاصد من النوعين فهما كالعين والورق والأول أصح لأن العلة الصحيحة في العين والورق غير ذلك (فصل) قال الشيخ رضي الله عنه (إذا قال له على ألف درهم ثم سكت سكوتاً يمكنه الكلام فيه ثم قال زيوفاً او صغاراً أو إلى شهر لزمه ألف جياد وافية حالة) وجملة ذلك أن من أقر بدارهم وأطلق اقتضى إقراره الدراهم الوافية وهي دراهم الإسلام كل عشرة منها سبعة مثاقيل واقتضى أن تكون جياداً حاله كما لو باعه بعشرة دراهم وأطلق فإنها تلزمه كذلك فإذا سكت سكوتاً يمكنه الكلام فيه أو أخذ في كلام آخر غير ما كان فيه استقرت عليه كذلك

مسألة: إلا يستثني عينا من ورق أو ورقا من عين فيصح

فان عاد فقال زيوفا أو صغار أو هي الدراهم الناقصة وهي دراهم طبرية كان كل درهم منها أربعة دوانيق وذلك ثلثا درهم، أو الى شهر يعني مؤجلة لم يقبل منه لأنه رجوع عن بعض ما أقربه ويرفعه بكلام منفصل فلم يقبل كالاستثناء المفنصل وهذا مذهب الشافعي، ولا فرق بين الإقرار بها ديناً أو وديعة أو غصباً، وقال أبو حنيفة يقبل قوله في الغصب والوديعة لأنه إقرار بفعل في عين وذلك لا يقتضي سلامتها فأشبه مالو أقر بغصب عبد ثم جاء به معيباً ولنا أن إطلاق الاسم يقتضي الوازنة الجياد فلم يقبل تفسيره بما يخالف ذلك كالدين ويفارق العبد فإن العيب لايمنع إطلاق اسم العبد عليه (مسألة) (إلا أن يكون في بلد أوزانهم ناقصة أو مغشوشة فهل يلزمه من دراهم البلد أو من غيرها؟ على وجهين (أولهما) أنه يلزمه من دراهم البلد لأن مطلق كلامهم يحمل على عرف بلدهم كما في البيع والصداق وغير ذلك (والثاني) يلزمه الوازنة الخالصة من الغش لأن إطلاق الدراهم في الشرع ينصرف إليها بدليل أن بها تقدر نصب الزكواث ومقادير الديات فكذلك إطلاق الشخص، وفارق البيع فإنه إيجاب في الحال فاختص بدراهم الموضع الذي هما فيه والإقرار إخبار عن حق سابق فانصرف إلى درهم الإسلام

مسألة: إلا أن يكون في بلد أوزانهم ناقصة أو مغشوشة فهل يلزمه من دراهم البلد أو من غيرها؟ على وجهين

(فصل) فإن أقر بدراهم وأطلق ثم فسرها بسكة البلد الذي أقر بها فيه قبل لانه إطلاقه ينصرف إليه وإن فسر بسكة غير سكة البلد أجود منها قبل لأنه يقر على نفسه بما هو أغلظ وكذلك إن كانت مثلها لأنه لا يتهم في ذلك وإن كانت أدنى من سكة البلد لكنها مساوية في الوزن احتمل أن لا يقبل لأن إطلاقها يقتضي دراهم البلد ونقده فلا يقبل منه دونها كما لا يقبل في البيع ولأنها ناقصة القيمة أشبهت الناقصة في الوزن ويحتمل أن يقبل منه وهو قول الشافعي لأنه يحتمل ما فسره به وفارق النقصة فإن في الشرع الدراهم لا تناولها بخلاف هذه ولهذا يتعلق بهذا مقدار النصاب في الزكاة وغيره وفارق الثمن فإنه إيجاب في الحال وهذا إخبار عن حق سابق (مسألة) (وإن قال له على ألف إلى شهر لزمه مؤجلاً ويحتمل أن يلزمه حالاً) إذا أقربها مؤجلة بكلام متصل قبل منه وكذلك إن سكت للتنفس أو اعترضه سلعة ونحو ذلك ويحتمل أن تلزمه حالة ذكرها أبو الخطاب وهو قول أبي حنيفة وبعض الشافعية لأن التأجيل يمنع استيفاء الحق في الحال فلم يقبل كما لو قال له علي دراهم قبضته إياها (مسألة) (وإن قال له على ألف زيوف وفسره بمالا فضة فيه لم يقبل وإن فسره بمغشوشة قبل وكذلك ان فسرها بمعيية عيباً ينقصها قبل لأنه صادق وإن فسرها برصاص أو نحاس أو مالا

مسألة: وإن قال له علي ألف إلى شهر لزمه مؤجلا ويحتمل أن يلزمه حالا

قيمة له لم يقبل لأن تلك ليست دراهم على الحقيقة فيكون تفسيره بها رجوعاً عما أقر به فلم يقبل كاستثناء الكل (مسألة) (وإن قال له علي دراهم ناقصة لزمته ناقصة) وقال أصحاب الشافعي لا يقبل تفسيره بالناقصة وقال القاضي إذا قال له علي دراهم ناقصة قبل قوله وإن قال صغار وللناس دراهم صغار قبل قوله وإن لم يكن لهم دراهم صغار لزمه وازنة كما لو قال دربهم فإنه يلزمه درهم وازن وهذا قول ابن القاص من أصحاب الشافعي ولنا أنه فسر كلامه بما يحتمله بكلام متصل فقبل منه كاستثناء البعض وذلك لأن الدراهم يعبر بها عن الوازنة والناقصة والزيوف والجيدة وكونها عليه يحتمل الحلول والتأجيل فإذا وصفها بذلك تقيدت به كما لو وصف الثمن به فقال بعتك بعشرة دراهم مؤجلة أو ناقصة وثبوتها على غير هذه الصفة حالة الإطلاق لا يمنع من صحة تقييدها به كالثمن وقولهم إن التأجيل يمنع استيفاءها لا يصح وانما يؤخره فأشبه الثمن المؤجل، يحققه إن الدراهم ثبتت في الذمة على هذه الصفات فإذا كانت ثابتة بهذه الصفة لم تقتض الشريعة المطهرة سد باب الإقرار بها على صفتها وعلى ما ذكروه لا سبيل إلى الإقرار بها إلا على وجه يؤاخذ بغير ما هو الواجب عليه فينسد باب الإقرار وقول من قال إن قوله صغار ينصرف إلى

مقدارها لا يصح لأن مساحة الدرهم لا تعتبر في الشرع ولا يثبت في الذمة بمساحة مقدرة وإنما يعتبر الصغر والكبر في الوزن فيرجع إلى تفسير المقر (فصل) وإن قال له علي درهم كبير لزمه درهم من دراهم الإسلام لأنه كبير في العرف وإن قال له على درهم فهو كما لو قال درهم لأن الصغير قد يكون لصغره في ذاته أو لقلة قدره عنده وتحقيره وقد يكون لمحبته كما قال الشاعر بذيالك الوادي أهيم ولم أقل بذيالك الوادي وذياك من زهد ولكن إذا ماحب شئ تولعت به أحرف التصغير من شدة الوجد وإن قال له على عشرة دراهم عدداً لزمته عشرة معدودة وازنة لأن إطلاق الدرهم يقتضي الوازن وذكر العدد لا ينافيها فوجب الجمع بينهما فإن كان في بلد أو زانهم ناقصة أو دراهمم مغشوشة فهو على ما فصل فيه. (مسألة) (وإن قال له عندي رهن وقال المالك بل وديعة فالقول قول المالك) لأن العين ثبتت بالإقرار له وإن ادعى المقر ديناً لا يعترف به المقر له فالقول قول المنكر ولأنه أقر بمال لغيره وادعى أن له به تعلقاً فلم يقبل كما لو ادعاه بكلام منفصل ولذلك ولو أقر له بدار وقال استأجرتها أو أقر له

مسألة: وإن قال له عندي رهن وقال المالك: بل وديعة فالقول قول المالك

بثوب وادعى أنه قصره أو خاطه بأجر يلزم المقر له لم يقبل لأنه مدع على غيره حقاً فلا يقبل قوله إلا ببينة ومن ذلك ما لو قال هذه الدار له ولي سكناها ببينة (مسألة) (وإن قال له على ألف من ثمن مبيع لم أقبضه وقال المقر له بل هو دين في ذمتك فعلى وجهين) (أحدهما) القول قول المقر لأنه اعترف له بالألف وادعى عليه مبيعاً فأشبه المسألة التي قبلها أو كما لو قال له على ألف ثم سكت ثم قال مؤجل (مسألة) (ولو قال له عندي ألف وفسره بدين أو وديعة قبل منه) لا نعلم فيه بين أهل العلم اختلافاً سواء فسره بكلام متصل أو منفصل لأنه فسر لفظه بما يقتضيه فقبل كما لو قال له علي دراهم وفسرها بدين عليه فعند ذلك تثبت فيه أحكام الوديعة بحيث لو ادعى تلفها بعد ذلك أو ردها قبل قوله وإن فسره بدين عليه قبل أيضاً لأنه يقر على نفسه بما هو أغلظ وإن قال له عندي وديعة ورددتها إليه أو تلفت لزمه ضمانها ولم يقبل قوله، وبهذا قال الشافعي لما فيه من مناقضة الإقرار والرجوع عما اقربه فإن الألف المردود والتالف ليساعنده أصلاً ولا هي وديعة وكل كلام يناقض الإقرار ويحيله يجب أن يكون مردوداً، وقال القاضي يقبل قوله إلا أن أحمد قال في رواية ابن منصور إذا قال لك عندي وديعة دفعتها إليك صدق لأنه ادعى تلف الوديعة أو ردها

مسألة: وإن قال له علي ألف من ثمن مبيع لم أقبضه وقال المقر له بل هو دين في ذمتك فعلى وجهين

فقبل كما لو ادعى ذلك بكلام منفصل فإن قال كانت عندي وظننت أنها باقية ثم عرفت أنها كانت قد هلكت فالحكم فيها كالتي قبلها (مسألة) (وإن قال له على ألف وفسره بوديعة لم يقبل قوله وإن ادعى بعد هذا تلفه لم يقبل قوله) وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وقيل عن الشافعي يقبل قوله إنها وديعة وإذا ادعى بعد هذا تلفها قبل منه وقال القاضي ما يدل على هذا أيضاً لأن الوديعة عليه حفظها وردها فإذا قال له على ألف وفسرها بذلك احتمل صدقه فقبل منه كما لو وصله بكلامه فقال له على ألف وديعة لأن حروف الصفات يخلف بعضها بعضاً فيجوز أن تستعمل علي بمعنى عندي كما قال تعالى إخباراً عن موسى عليه السلام أنه قال (ولهم علي ذنب) أي عندي ولنا أن على للإيجاب وذلك يقتضي كونها في ذمته ولذلك لو قال ما على فلان علي كان ضامناً له والوديعة ليست في ذمته ولاهي عليه إنما هي عنده وما ذكروه مجاز طريقه حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه أو إقامة حرف مقام حرف والإقرار يؤخذ فيه بظاهر اللفظ بدليل أنه لو قال له على دراهم لزمته ثلاثة وإن جاز التعبير عن اثنين وعن واحد بلفظ الجمع كقوله تعالى (فإن كان له إخوة فلأمه السدس) ومواضع كثيرة في القرآن ولو قال له على درهم وقال أردت نصف درهم فأقمت المضاف إليه مقامه لم يقبل منه ولو قال لك من مالي ألف قال صدقت ثم قال أردت أن عليك من مالي ألفاً أقمت اللام مقام على كقوله تعالى (وإن أسأتم فلها) لم يقبل منه ولو قبل في الإقرار مطلق الاحتمال لسقط ولقبل تفسير الدراهم

بالنقاصة والزائفة وللمؤجلة، وأما اذا قال لك علي ألف ثم قال كانت وديعة فتلف لم يقبل قوله فإنه متناقض وقد سبق نحو هذا (فصل) فإن قال لك على مائة درهم ثم أحضرها وقال هذه التي أقررت بها وهي وديعة كانت لك عندي فقال المقر له هذه وديعة والتي أقررت بها غيرها وهي دين عليك فالقول قول المقر له على مقتضى قول الخرقي وهو قول أبي حنيفة وقال القاضي القول قول المقر مع يمينه وللشافعي قولان كالوجهين وتعليلهما ما تقدم، فإن كان قال في إقراره لك على مائة في ذمتي فقد وافق القاضي ههنا في أنه لا يقبل قول المقر لأن الوديعة عين لا تكون في الذمة قال وقد قيل يقبل لأنه يحتمل في ذمتي أداؤها ولأنه يجوز أن تكون عنده وديعة تعدى فيها فكان ضمانها عليه في ذمته ولا صحاب الشافعي في هذه وجهان فأما إن وصل ذلك بكلامه فقال لك علي مائة وديعة قبل لأنه فسر كلامه بما يحتمله فصح كما لو قال له ودراهم ناقصة وإن قال له على مائة وديعة ديناً أو مضاربة ديناً صح ولزمه ضمانها لأنه قد يتعدى فيها فيكون ديناً وإن قال أردت أنه شرط علي ضمانها لم يلزمه ضمانها لأن الوديعة لا تصير بالشرط مضمونة وإن قال على أو عندي مائة درهم عارية لزمته وكانت مضمونة عليه سواء حكمنا بصحة العارية في الدراهم أو بفسادها لأن ما ضمن في العقد الصحيح ضمن في الفاسد وإن قال أودعني مائة فلم

أقبضها أو أقرضني مائة فلم آخذها قبل قوله متصلا ولم يقبل منفصلاً وهكذا إذا قال نقدني مائة فلم أقبضها وهذا قول الشافعي (فصل) وإن قال له في هذا العبد ألف اوله من هذا العبد ألف طولب بالبيان فإن قال نقد عني ألفاً في ثمنه كان قرضاً وإن قال نقد في ثمنه ألفاً قلنا بين كم ثمن العبد وكيف كان الشراء فإن قال بإيجاب واحد وزن ألفاً ووزنت ألفاً كان مقراً بنصف العبد وإن قال وزنت أنا ألفين كان مقراً بثلثه والقول قوله مع يمينه سواء كانت القيمة قدر ما ذكره أو أقل لأنه قد يغبن وقد يغبن وإن قال اشتريناه بإيجابين قيل له فكم اشترى منه؟ فإن قال نصفاً أو ثلثاً أو أقل أو أكثر قبل منه مع يمينه وافق القيمة أو خالفها وإن قال وصي له بألف من ثمنه بيع وصرف إليه من ثمنه ألف فإن أراد أن يعطيه ألفاً من ماله من غير ثمن العبد لم يلزمه قبوله لأن الموصى له يتعين حقه في ثمنه وإن فسر ذلك بجناية جناها العبد فتعلقت برقبته قبل ذلك وله بيع العبد ودفع الألف من ثمنه، وإن قال أردت أنه رهن عنده بألف فعلى وجهين (أحدهما) لا يقبل لأن حق المرتهن في الذمة (والثاني) يقبل لأن الدين يتعلق بالرهن فصح تفسيره به كالجناية ومذهب الشافعي في هذا الفصل كما ذكرنا (مسالة) (وإن قال له في هذا المال ألف لزمه تسليمه إليه) لأنه أقر له بالملك

(مسألة) (وإن قال له من مالي أو في مالي أو في ميراثي من أبي ألف أو نصف داري هذه وفسره بالهبة وقال بدالي من تقبيضه قبل) إذا قال له في مالي أو من مالي ألف وفسره بدين أو وديعة أو وصية قبل وقال بعضن أصحاب الشافعي لا يقبل إقراره وليس هو لغيره. ولنا أنه أقر بألف فقبل كما لو قال له في مالي ويجوز أن يضيف إليه مال بعضه لغيره ويجوز أن يضيف مال غيره إليه لاختصاص له به بأن يكون عليه يد أو ولاية قال الله تعالى (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي يجعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها واكسوهم) وقال سبحانه في النساء (ولا تخرجوهن من بيوتهن) وقال لأزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم (وقرن في بيوتكن) فلا يبطل إقراره مع احتمال صحته فإن قال أردت هبة قبل منه لأنه محتمل، وإن امتنع من تقبيضها لم يجبر عليه لأن الهبة فيها لا تلزم قبل القبض وكذلك يخرج إذا قال له نصف داري هذه أوله من داري نصفها، وقد نقل عن أحمد ما يدل على روايتين قال في رواية منها فيمن قال نصف عبدي هذا لفلان لم يجز إلا أن يقول وهبته وإن قال نصف مالي هذا لفلان لا أعرف هذا، ونقل ابن منصور إذا قال فرسي هذه لفلان فإقراره جائز فظاهر هذا صحة الإقرار فإن قال له في هذا المال نصفه فإقراره جائز وإن قال له في هذا المال نصفه أو له

مسألة: وإن قال له في هذا المال ألف لزمه تسليمه إليه

نصف هذه الدار فهو إقرار صحيح وإن قال له في هذا المال ألف صح، وإن قال في ميراثي من أبي ألف وقال أردت هبة قبل منه لأنه إذا أضاف الميراث إلى أبيه فمقتضاه ما خلفه فيتقضي وجوب المقربه فيه وإذا أضاف الميراث إلى نفسه فمعناه ما ورثته وانتقل إلي فلا تحمل إلا على الوجوب وإذا أضاف إليه جزءاً فالظاهر أنه جعل له جزءاً في ماله (مسألة) (وإن قال له في ميراث أبي ألف فهو دين على التركة) لأن لفظه يقتضي ذلك (مسألة) (وإن قال نصف هذه الدار فهو مقر بنصفها) لما ذكرنا (مسألة) (وإن قال له هذه ادار عارية ثبت لها حكم العارية) لا قراره بذلك (مسألة) (وإن أقر أنه وهب أو رهن أو قبض أو أقر بقبض ثمن أو غيره ثم أنكر وقال ما قبضت ولا أقبضت وسأل اخلاف خصمه فهل تلزمه اليمين؟ على وجهين) وذكر شيخنا في كتاب المغني روايتين (إحداهما) لا يستحلف وهو قول أبي حنيفة ومحمد لأن دعواه تكذيب لا قراره فلا تسمع كما لو أقر المضارب أنه ربح الفاثم قال غلطت ولأن الإقرار أقوى من البينة، ولو شهدت البينة ثم قال أحلفوه لي مع بينة لم يستحلف كذاههنا (والثانية) يستحلف وهو قول الشافعي وأبي يوسف لأن العادة جارية في الإقرار بالقبض قبله فيحتمل صحة ما قاله فينبغي أن يستحلف خصمه لنفي الاحتمال ويفارق الإقرار البينة من وجهين

مسألة: وإن قال: له في ميراث أبي ألف فهو دين على التركة

(أحدهما) إن العادة جارية بالإقرار بالقبض قبله ولم تجر العادة بالشهادة على القبض قبلها لأنها تكون شهادة زور (والثاني) إنكاره مع الشهادة طعن في البينة وتكذيب لها وفي الإقرار بخلافه ولم يذكر القاضي في المجرد غير هذا الوجه، وكذلك إن أقر أنه اقترض منه ألفاً وقبضها أو قال له على ألف ثم قال ما كنت قبضتها وانها أقررت لأقبضها فالحكم كذلك ولأنه يمكن أن يكون قد أقر بذلك بناء على قول وكيله وظنه والهشادة لا تجوز إلا على اليقين (مسألة) (وإن باع شيئاً ثم أقر أن المبيع لغيره لم يقبل قوله على المشتري) لأنه يقر على غيره ولا ينفسخ البيع لذلك وتلزمه غرامته للمقر له لانه ق فوته عليه بالبيع وكذلك إن وهبه أو أعتقه ثم أقر به. (مسألة) (وإن قال لم يكن ملكي ثم ملكته بعد لم يقبل قوله) لأن الأصل أن الإنسان إنما يتصرف فيما له التصرف فيه الا إن يقيم بينة فيقبل ذلك فإن كان قد أقر أنه ملكه أو قال قبضت ثمن ملكي أو نحوه لم تسمع بينته أيضاً لأنها تشهد بخلاف ما أقربه (فصل) إذا قال له هذه الدارهبة أو سكنى أو عارية كان إقراراً بما أبدل به كلامه ولم يكن إقراراً بالدار لأنه رفع بآخر كلامه بعض ما دخل في أوله فصح كما لو اقر بجملة واستثنى بعضها وذكر القاضي في هذا وجهاً أنه لا يصح لأنه استثناء من غير الجنس وليس هذا استثناء إنما هو بدل الاشتمال وهو أن يبدل من الشئ

مسألة: وإن باع شيئا ثم أقر أن المبيع لغيره لم يقبل قوله على المشتري

بعض ما يشتمل عليه ذلك الشئ كقوله تعالى (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه) فإنه أبدل القتال من الشهر المشتمل عليه، وقال تعالى إخباراً من فتى موسى عليه السلام أنه قال (وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره) أي أنساني ذكره وإن قال له هذه الدار ثلثها أو ربعها صح ويكون مقراً بالجزء الذي أبدله وهذا بدل البعض وليس ذلك استثناء ومنه قوله تعالى (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) ولكنه في معنى الاستثناء في كونه يخرج من الكلام بعض ما دخل فيه لولاه ويفارقه في أنه يجوز أن يخرج أكثر من النصف وأنه يجوز ابدال الشئ من غيره إذا كان مشتملا عليه الا ترى أن الله تعالى أبدل المستطيع للحج من الناس وهو أقل من نصفهم وأبدل القتال من الشهر الحرام وهو غيره؟ ومتى قال له هذه الدار سكنى أو عارية ثبت فيها حكم ذلك وله أن يسكنه إياها وأن يعود فيما أعاره والله أعلم (فصل) إذا قال بعتك جاريتي هذه قال بل زوجتنيها فلا يخلو إما أن يكون اختلافهما قبل نقده الثمن أو بعده وقبل الاستيلاد أو بعده فإن كان بعد اعتراف البائع بقبض الثمن فهو مقربها لمدعي الزوجية لأنه يدعي عليه شيئاً والزوج ينكرانها ملكه ويدعي حلها بالزوجية فيثبت الحل لاتفاقهما عليه ولا ترد إلى البائع لاتفاقهما أنه لا يستحق أخذها وإن كان قبل قبض الثمن وبعد الاستيلاد فالبائع يقرأنها صارت ام ولدولدها حروانه لا مهر لها ويدعي الثمن والمشتري ينكر ذلك كله فيحكم بحرية الولد لإقرار من ينسب

إليه ملكه بحريته ولا ولاء عليه لاعترافه بأنه حر الأصل، ولا ترد الأمة إلى البائع لاعترافه بأنها أم ولد لا يجوز نقل الملك فيها ويحلف المشتري إنه ما اشتراها ويسقط عنه الثمن الاقدر المهر فإنه يجب لاتفاقهما على وجوبه وإن اختلف في سببه، وهذا قول بعض أصحاب الشافعي، وقال بعضهم يتحالفان ولا يجب مهر ولا ثمن وهو قول القاضي إلا أنه لا يجعل على البائع يميناً لأنه لا يرى اليمين في إنكار النكاح، ونفقة الولد على أبيه لأنه حر ونفقة الأمة على زوجها لأنه اما زوج واما سيد وكلاهما سبب لوجوب النفقة وقال القاضي نفقتها في كسبها فان كان فيه فضل فهي موقوفة لأننا أزلنا عنها ملك السيد وأثبتنا لها حكم الاستيلاد فإن ماتت وتركت مالاً فللبائع قدر ثمنها لأنه إما أن يكون صادقاً فهو يستحق على المشتري ثمنها وتركتها للمشتري والمشتري مقر للبائع بها فيأخذ منها قدر ما يدعيه وإن كان كاذباً فهي ملكه وتركتها كلها له فيأخذ منها قدر ما يدعيه وبقيته موقوفة، وإن ماتت بعد الوطئ فقد ماتت حرة وميراثها لولدها وورثتها فإن لم يكن لها وارث فميراثها موقوف لان أحدالا يدعيه وليس للسيد أن يأخذ منه قدر الثمن لأنه يدعي الثمن على الواطئ وميراثها ليس له لأنه قد مات قبلها وإن كان اختلافهما قبل الاستيلاد فقال شيخنا عندي أنها تقبر في يد الزوج لاتفاقهما على حلها له واستحقاقه إمساكها وإنما اختلفا في السبب ولا ترد إلى السيد لاتفاقهما على تحريهما عليه وللبائع أقل الأمرين من الثمن أو المهر لاتفاقهما على استحقاقه لذلك والأمر في الباطن على ذلك فإن السيد إن كان صادقاً فالأمة حلال

لزوجها بالبيع وإن كان كاذباً فهي حلال له بالزوجية والقدر الذي اتفقا عليه إن كان السيد صادقاً فهو يستحقه ثمنا وإن كان كاذباً فهو يستحقه مهراً وقال القاضي يحلف الزوج أنه ما اشتراها لأنه منكر ويسقط عنه الثمن ولا يحتاج السيد إلى اليمين على نفي الزوجية لأنه لا يستحلف فيه وعند الشافعي يتحالفان معاً ويسقط الثمن عن الزوج لأن البيع ما ثبت ولا يجب المهر لأن السيد لا يدعيه وترد الجارية إلى سيدها وفي كيفية رجوعها وجهان (أحدهما) ترجع إليه فيملكها ظاهراً وباطناً كما يرجع البائع في السلعة عند فلس المشتري بالثمن لأن الثمن ههنا قد تعذر فيحتاج السيد أن يقول فسخت البيع وتعود إليه ملكاً (والثاني) يرجع إليه في الظاهر دون الباطن لأن المشتري امتنع من أداء الثمن مع إمكانه فعلى هذا يبيعها الحاكم ويوفيه ثمنها فإن كان وفق حقه أو دونه أخذه وإن زاد فالزيادة لا يديعها أحد، ولان المشتري يقر بها للبائع والبائع لا يدعي أكثر من الثمن الأول فهل تقر في يد المشتري أو ترجع الى بيت المال؟ يحتمل وجهين، وإن رجع البائع فقال صدق خصمي ما بعته إياها بل زوجته لم يقبل في إسقاط حرية الولد ولا في استرجاعها أن صارت أم ولد وقبل في إسقاط الثمن واستحقاق ميراثها وميراث ولدها وإن رجع الزوج ثبتت الحرية ووجب عليه الثمن (فصل) ولو أقر رجل بحرية عبد ثم اشتراه أو شهد رجلان بحرية عبد لغيرهما ثم اشتراه أحدهما من سيده عتق في الحال لاعترافه بأن الذي اشتراه حر ويكون البيع صحيحاً بالنسبة إلى البائع لأنه

محكوم له برقه وفي حق المشتري استفاذا فإذا صار في يديه حكم بحريته لاقراره السابق ويصير كما لو شهد رجلان على رجل أنه طلق زوجته ثلاثاً فرد الحاكم شهادتهما فدفعا إلى الزوج عوضاً ليخلعها صح وكان في حقه خلعاً صحيحاً وفي حقهما استخلاصاً، ويكون ولاؤه موقوفاً لأن أحداً لا يدعيه فإن البائع يقول ما أعتقته والمشتري يقول ما أعتقه إلا البائع وأنا استخلصته فإن مات وخلف مالا فرجع أحدهما عن قوله فالمال له لأن أحداً لا يدعيه سواه لأن الراجع إن كان البائع فقال فقال المشتري كنت أعتقته فالولاء له ويلزمه رد الثمن إلى المشتري لإقراره ببطلان البيع وإن كان الراجع المشتري قبل في المال لأن أحداً لا يدعيه سواه ولا يقبل قوله في نفي الحرية لأنها حق لغيره وإن رجعا معاً فيحتمل أن يوقف حتى يصطلحا عليه لأنه لأحدهما ولا نعرف عينه ويحتمل أن من هو في يده يأخذه ويحلف لأنه منكر وإن لم يرجع واحد منهما ففيه وجهان (أحدهما) يقر في يد من هو في يده فإن لم يكن في يد أحدهما فهو لبيت المال لأن أحداً لا يدعيه ويحتمل أن يكون لبيت المال على كل حال (فصل) ولو أقر لرجل بعبد أو غيره ثم جاء به وقال هذا الذي أقررت لك به قال بل هو غيره لم يلزمه تسلميه إلى المقر له لأنه لا يدعيه ويحلف المقر أنه ليس له عنده عبد سواه فإن رجع المقر له فادعاه لزمه دفعه إليه لأنه لا منازع له فيه وان قال المقر له صدقت والذي أقررت به آخر لي عندك لزمه تسليم هذا ويحلف على نفي الآخر

(فصل) قال الشيخ رحمه الله (وإذا قال غصبت هذا العبد من زيد لابل من عمرو أو غصبته من زيد وملكه لعمرو لزمه دفعه إلى زيد ويغرم قيمته لعمرو إذا قال غصبت هذا العبد من زيد لابل من عمر وحكم به لزيد ولزمه تسليمه إليه ويغرم لعمرو وبهذا قال أبو حنيفة وهو ظاهر مذهب الشافعي وقال في الآخر لا يضمن لعمرو شيئاً ولنا أنه أقر بالغصب الموجب للضمان والرد إلى المغصوب منه ثم لم يرد ما أقر بعضه فلزمه ضمانة كما لو تلف بفعل الله تعالى قال أحمد في رواية ابن منصور في رجل قال لرجل استودعتك هذا الثوب قال صدقت ثم قال استودعنيه رجل آخر فالثوب للأول ويغرم قيمته للآخر ولا فرق بين أن يكون إقراره بكلام متصل أو منفصل. (مسألة) (وإن قال ملكه لعمرو وغصبته من زيد فهي كالمسألة التي قبلها) ولا فرق بين التقديم والتأخير والمتصل والمنفصل وقيل يلزمه دفعه إلى عمرو يغرمه لزيد لأنه لما أقربه لعمرو أولا لم يقبل إقراره باليد لزيد قال شيخنا وهذا وجه حسن ولأصحاب الشافعي وجهان كهذين، ولو قال هذا الألف دفعه إلي زيد وهي لعمرو أو قال هو لعمرو ودفعه الي زيد فكذلك على ما مضى من القول فيه (مسألة) (وإن قال غصبته من أحدهما أو هو لأحدهما صح الإقرار)

مسألة: وإن قال: ملكه لعمرو وغصبته من زيد فهي كالمسألة التي قبلها

لأنه يصح بالمجهول فصح للمجهول ثم يطبالب بالبيان فإن عين أحدهما دفع إليه ويحلف للآخران ادعاه ولا يغرم له شيئاً لأنه لم يقر له بشئ، وإن قال لا أعرف عينه فصدقاه نزع من يده وكانا خصمين فيه وإن كذباه فعليه اليمين أنه لا يعلم وينزع من يده فإن كان لأحدهما بينة حكم له بها وإن لم تكن بينة أقرعنا بينهما فمن قرع صاحبه حلف وسلمت إليه، وإن بين الغاصب بعد ذلك مالكها قبل منه كما لو بينه ابتداء ويحتمل أنه إذا إدعى كل واحد أنه المغصوب منه توجهت عليه اليمين لكل واحد منهما إنه لم يغصبه فإن حلف لأحدهما لزمه دفعها إلى الآخر لأن ذلك يجري مجرى تعيينه وإن نكل عن اليمين لهما جميعاً فسلمت إلى أحدهما بقرعة أو غيرها لزمه غرمها للآخر لأنه نكل عن يمين توجهت عليه فقضى عليه كما لو إدعاها وحده (فصل) وإن كان في يده عبدان فقال أحد هذين لزيد طولب بالبيان فاذاعين أحدهما فصدقه زيد أخذه وإن قال هذا لي والعبد الآخر فعليه اليمين في الذي ينكره وإن قال زيد إنما لي العبد الآخر فالقول قول المقر مع يمينه في العبد الذي ينكره ولا يدفع إلى زيد العبد الذي يقر به له ولكن يقر في يد المقر لأنه لم يصح إقراره به في أحد الوجهين، وفي الآخر ينزع من يده لاعترافه إنه لا تملكه ويكون في بيت المال لانه لامالك له معروف فأشبه ميراث من لا يعلم وارثه، فإن أبى التعيين فعينه المقر له وقال هذا عبدي طولب بالجواب وإن أنكر حلف وكان بمنزلة تعيينه للآخر وإن نكل عن اليمين

مسألة: وإن أقر بألف في وقتين لزمه ألف واحد

قضي عليه وإن أقر له فهو كتعيينه (فصل) إذا قال هذه الدار لزيد لابل لعمرو أو ادعى زيد على ميت شيئاً معيناً من تركته فصدقه ابنه ثم ادعاه عمرو فصدقه حكم به لزيد ووجب عليه غرامته لعمرو، وسنذكر ذلك فيما بعد إن شاء الله تعالى (مسألة) (وإن أقر بألف في وقتين لزمه ألف واحد) وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة يلزمه ألفان كما لو قال له على ألف والف لا فربق بين أن يكون في وقت واحد أو أوقات أو مجلس واحد أو مجالس ولنا أنه يجوز أن يكون قد كرر الخبر عن الأول كما كرر الله الخبر عن إرساله نوحاً وهوداً وصالحاً وشعيباً وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام ولم يكن المذكور في قصة غير المذكور في الأخرى كذا ههنا لأنه يجوز أن يكون المطلق هو الموصف أطلقه في حال ووصفه في حال وإن وصفه بصفة واحدة في المرتين كان تأكيداً لما ذكرنا (مسألة) (وإن أقر بألف من ثمن عبد ثم أقر بألف من ثمن فرس أو قرض لزمه ألفان) وكذلك إن قال ألف درهم سود وألف درهم بيض لأن الصفة اختلفت فهما متغايران (مسألة) (وإن ادعى رجلان دار في يد غيرهما شركة بينهما بالسوية فأقر لاحدهما بنفصها فالمقر به بينهما نصفان.

مسألة: وإن أقر بألف من ثمن عبد ثم أقر بألف من ثمن فرس أو قرض لزمه ألفان

وجملة ذلك إنهما إذا إدعيا أنهما ملكاها بسبب يوجب الاشتراك مثل أن يقولا ورثناها وابتعناها معاً فأقر المدعى عليه بنفصها فذلك لهما جميعاً لأنهما اعترفا أن الدار لهما مشاعة فإذا غصب غاصب نصفها كان منهما والباقي بينهما وإن لم يكونا ادعيا شيئاً يقتضي الاشتراك بل ادعى كل وحد منهما فأقر لأحدهما بما ادعاه لم يشاركه الآخر وكان على خصومته لأنهما لم يعترفا بالاشتراك، فإن أقر لأحدهما بالكل وكان المقر له يعترف للآخر بالنصف سلمه إليه وكذلك إن كان قد تقدم إقراره بالنصف وجب تسليمه إليه لأن الذي هي في يده قد اعترف له بها فصار بمنزلته فثبتت لمن يقر له وإن لم يكن اعترف للآخر وادعى جميعها أو ادعى أكثر من النصف فهو له، فإن قيل فكيف يملك جميعها ولم يدع إلا نصفها؟ قلنا ليس من شرط صحة الإقرار تقدم الدعوى بل متى اقر بشئ لإنسان فصدقة المقر له ثبت وقد وجد التصديق ههنا في النصف الذي لم يسبق دعواه، ويجوز أن يكون اقتصر على دعوى النصف لأن له حجة به ولا النصف الآخر قد اعترف له به فادعى النصف الذي لم يعترف له به. فان لم يصدقه في إقراره بالنصف الذي لم يدعه ولم يعترف به الآخر ففيه ثلاثة أوجه (أحدها) يبطل الإقرار لأنه أقر لمن لا يدعيه (الثاني) ينزعه الحاكم حتى يثبت لمدعيه ويؤجره ويحفظ أجرته لما لكه (والثالث) يدفع إلى مدعيه لعدم التنازع فيه ومذهب الشافعي في هذا الفصل على نحو ما ذكرنا

مسألة: وإن قال في مرض موته: هذا الألف لقطة فتصدقوا به لزم الورثة الصدقة بثلثه

(مسألة) (وإن قال في مرض موته هذا الألف لقطة فتصدقوا به لزم الورثة الصدقة بثلثه) قال أبو الخطاب إذا لم يكن له مال غيره لأنه جميع ماله والأمر بالصدقة وصية بجميع المال فلا يلزم منه إلا الثلث وحكي عن القاضي أنه يلزمهم الصدقة بجميعه لأن أمره بالصدقة به يدل على تعديه فيه على وجه يلزمهم الصدقة بجميعه فيكون ذلك إقراراً منه لغير وارث فيجب امتثاله (فصل) قال الشيخ رحمه الله (إذا مات رجل وخلف مائة فادعاها رجل فادعاها رجل فأقر ابنه له بها ثم ادعاها آخر فأقر له فهي للأول ويغرمها للثاني) وجملة ذلك أنه إذا ادعى زيد على ميت شيئاً معيناً من تركته فصدقه ابنه ثم ادعاه عمرو فصدقه أو قال هذه الدار لزيد لابل لعمرو حكم بها لزيد وعليه غرامتها لعمرو وهذا أحد قولي الشافعي وقال في الآخر لا يغرم لعمرو شيئاً وهو قول أبي حنيفة لأنه أقر له بما وجب عليه الإقرار به وإنما منعه الحكم من قبوله وذلك لا يوجب الضمان ولنا أنه حال بين عمرو وبين ملكه الذي أقر له به بإقراره لغيره فلزمه غرمه كما لو شهد رجلان على آخر بإعتاق عبده ثم رجعا عن الشهادة أو كما لو رمى به في البحر ثم أقربه (مسألة) (وان أقربها لهما معاً فهي بينهما) لتساويهما في الدعوى والإقرار لهما

مسألة: وإن أقر بها لهما معا فهي بينهما

(مسألة) (وإن أقر لأحدهما وحده فهي له ويحلف للآخر أنه لا يعلم أنها له وإن نكل فقضي عليه بالنكول) لأن النكول كالإقرار ولو أقر لزمه الغرم فكذلك إذا نكل عن اليمين (مسألة) (وإن ادعى رجل على الميت مائة دينا فأقر له ثم ادعى آخر مثل ذلك فأقر له فان كان في مجلس واحد فهي بينهما وإن كان في مجلسين فهي للأول ولا شئ للثاني) وجملة ذلك أن الميت إذا خلف وارثاً وتركة فأقر الوارث لرجل بدين على الميت يستغرق الميراث فقد أقر بتعلق دينه بجميع التركة واستحقاقه لها فإذا اقر بعد ذلك لآخر وكان في المجلس صح الإقرار واشتركا في التركة لأن التركة حالة المجلس كحالة واحدة بدليل صحة القبض بها فيما يعتبر القبض فيه وإمكان الفسخ فيه ولحقوق الزيادة في العقد فكذلك في الإقرار، وإن كان في مجلس آخر لم يقبل إقراره لأنه يقر بحق على غيره فإنه يقر بما يقتضي مشاركة الأول في التركة وينقص حقه منها ولا يقبل اقرار الإنسان على غيره وقال الشافعي يقبل إقراره ويشتركان فيها لأن الوارث يقوم مقام الموروث ولو أقر الموروث لهما لقبل فكذلك الوارث ولأن منعه من الإقرار يفضي الى اسقاط حق الغرماء لأنه قد لا يتفق حضورهم في مجلس واحد فيبطل حقه بتعيينه ولأن من قبل اقراره اولا قبل إقراره ثانياً إذا لم تتغير حاله كالموروث.

مسألة: إلا أن يكون عدلا فيحلف الغريم مع شهادته ويأخذ مائة وتكون المائة الباقية بين الابنين

ولنا أنه إقرار بما يتعلق بمحل تعلق به حق غيره تعلقا يمنع تصرفه فيه على وجه يضربه فلم يقبل كإقرار الراهن بجناية على الرهن أو الجاني، وأما الموروث فإن أقرفي صحته صح لأن الدين لا يتعلق بماله وإن أقر في مرضه لم يحاص المقر له غرماء الصحة لذلك، وإن أقر في مرضه لغيرم يستغرق تركته دينه ثم أقر لآخر في مجلس آخر فاقرق بينهما أن إقراره الأول لم يمنعه التصرف في ماله ولا أن يعلق به ديناً آخر بأن يستدين ديناً آخر فلم يمنع ذلك تعليق الدين بتركته بالإقرار بخلاف الوارث فإنه لا يملك أن يتعلق بالتركة ديناً آخر بفعله فلا يملكه بقوله ولا يملك التصرف في التركة ما لم يلتزم قضاء الدين (مسألة) (وإن خلف ابنين ومائتين فادعى رجل مائة ديناً على الميت فصدقه أحد الابنين وأنكر الآخر لزم المقر نصفها) لأنه مقر على أبيه بدين ولا يلزمه أكثر من نصف دين أبيه ولأنه يقر على نفسه وأخيه فلا يقبل إقراره على أخيه ويقبل على نفسه وفي ذلك اختلاف ذكرناه في أواخر كتاب الإقرار (مسألة) (إلا أن يكون عدلا فيحلف الغريم مع شهادته ويأخذ مائة وتكون المائة الباقية بين الابنين) وإنما لزم المقر نصف المائة لأنه يرث نصف التركة فيلزمه نصف الدين لانه يقدر ميراثه ولو لزمه جميع الدين لم تقبل شهادته على أحد لكونه يدفع عن نفسه ضرراً ولأنه يرث نصف التركة فلزمه نصف الدين كما لو ثبت ببينة أو بإقرار الميت

مسألة: وإن خلف ابنين وعبدين متساويي القيمة لا يملك غيرهما فقال أحد الابنين أبي أعتق هذا وقال الآخر بل أعتق هذا

(مسألة) (وإن خلف ابنين وعبدين متساوي القيمة لا يملك غيرهما فقال أحد الابنين أبي أعتق هذا وقال الآخر بل أعتق هذا عتق من كل واحد ثلثه وصار لكل ابن سدس العبد الذي أقر بعتقه ونصف الآخر، وإن قال أحدهما أبي أعتق هذا وقال الآخر أبي أعتق أحدهما لا أدري من هو منهما أقرع بينهما فإن وقعت على من اعترف الابن بعتقه عتق ثلثاه إن لم يجيزا عتقه كاملا وإن وقعت على الآخر كان حكمه كما لو عين العتق في العبد سواء) . هذه المسألة محمولة على أن العتق كان في مرض الموت الخوف أو بالوصية لأنه لو اعتقه في صحته عتق كله ولم يقف على إجازة الورثة، فإذا اعترفا أنه عتق أحدهما في مرضه لم يخل من أربعة أحوال (أحدها) أن يعينا العتق في أحدهما فيعتق منه ثلثاه لأن ذلك ثلث جميع ماله إلا أن يجيزا عتق جميعه فيعتق (الثاني) أن يعين كل منهما العتق في واحد غير الذي عينه أخوه فيعتق من كل واحد ثلثه لأن كل واحد منهما حقه نصف العبدين فيقبل قوله في عتق حقه من الذي عينه وهو ثلثا النصف الذي له وذلك الثلث ولا نه يعترف بحرية ثلثيه فيقبل قوله في حقه منهما وهو الثلث ويبقى الرق في ثلثه فله النصف وهو السدس ونصف العبد الذي ينكر عتقه (الثالث) أن يقول أحدهما أبي أعتق هذا ويقول الآخر أبي أعتق أحدهما لا أدري من منهما فتقوم القرعة مقام تعيين الذي لم يعين فإن وقعت على الذي عينه أخوه عتق ثلثاه كما لو عيناه بقولهما وإن

باب الإقرار بالمجمل

وقعت على الآخر كما لو عين كل واحد منهما عبداً يكون لكل واحد منهما سدس العبد الذي عينه ونصف العبد الذي ينكر عتقه ويصير ثلث كل واحد من العبدين حراً (الرابع) أن يقولا أعتق أحدهما ولا ندري من منهما فإنه يقرع بين العبدين فمن وقت له القرعة عتق ثلثاه إن لم يجيزا عتق جميعه وكان الآخر رقيقاً (فصل) فإن رجع الابن الذي جهل عين العتق فقال قد عرفته قبل القرعة فهو كما لو عينه ابتداء من غير جهل وإذا كان بعد القرعة فوافقها تعيينه لم يتغير الحكم وإن خالفها عتق من الذي عينه ثلثه بتعيينه فإن عين الذي عينه أخوه عتق ثلثاه وإن عين الآخر عتق منه ثلثه وهل يبطل العتق في الذي عتق بالقرعة على وجهين (باب الإقرار بالمجمل) (إذا قال له علي شئ أو كذا قيل له فسر فإن أبى حبس حتى يفسر فإن مات أخذ وارثه بمثل ذلك إن خلف الميت شيئاً يقضي منه وإلا فلا) وجملة ذلك أنه إذا قال لفلان علي شئ أو كذا صح إقراره ولزمه تفسيره بغير خلاف، ويفارق

الدعوى حيث لا تصح بالمجهول لكون الدعوى له والإقرار عليه فلزمه ما عليه مع الجهالة دون ماله ولأن المدعي اذا لم يصحح دعواه فله داع إلى تحريرها والمقر لا داعي له إلى التحرير ولا يمكن رجوعه عن إقراره فيضيع حق المقر له فألزمناه إياه مع الجهالة فإن امتنع من تفسيره حبس حتى يفسر وقال القاضي يجعل ناكلا يؤمر المقر له بالبيان فإن بين شيئاً فصدقه المقر ثبت وإن كذبه وامتنع من البيان قيل له إن بينت وإلا جعلناك ناكلا وقضينا عليك وهذا قول الشافعي إلا أنهم قالوا إن بنت وإلا أحلفنا المقر له على ما يدعيه وأو جبناه عليك فإن فعل وإلا أحلفنا المقر له وأوجبناه على المقر، ووجه الأول أنه ممتنع من حق عليه فحبس به كما لوعينه وامتنع من أدائه، ومع ذلك فمتى عينه المدعي وادعاه فنكل المقر فهو على ما ذكروه فإن مات من عليه الحق أخذ وارثه بمثل ذلك لأن الحق ثبت على موروثهم فتعلق بتركته وقد صارت إلى الورثة فلزمهم ما لزم موروثهم كما لو كان الحق معينا، وإن لم يخلف الميت تركة. فلا شئ لى الورثة لأنهم ليس عليهم وفاء دين الميت إذا لم يخلف تركه كما لا يلزمهم في حياته، وذكر صاحب المحرر رواية أن الوارث إن صدق موروثه في إقراره أخذ به وإلا فلا والصحيح الأول قال وعندي إن أبي الوارث أن يفسر وقال لاعلم لي بذلك حلف ولزمه من التركة ما يقع عليه الاسم فيما إذا وصى لفلان بشئ ويحتمل أن يكون حكم المقر كذلك إذا حلف أن لا يعلم كالوارث (مسألة) (وإن فسره بحق شفعة أو مال قبل وإن قل وإن فسره بمال كقشر جوزة أو ميتة أو

مسألة: وإن فسره بحق شفعة أو مال قبل وإن قل وإن فسره بمال كقشرة جوزة أو ميتة أو خمر لم يقبل وإن فسره بكلب أو حد قذف فعلى وجهين

خمر لم يقبل وإن فسره بكلب أو حد قذف فعلى وجهين) متى فسر المقر إقراره بما يتمول عادة قبل تفسيره ويثبت إلا أن يكذبه المقر له ويدعي جنسا آخر أولا يدعي شيئاً فيبطل إقراره، وإن فسره بمالا يتمول عادة كقشر جوزة أو قشر باذنجانة لم يقبل تفسيره لأن إقراره اعترف بحق عليه ثابت في ذمته وهذا لا يثبت في الذمة وكذلك أن فسره بما ليس بمال في الشرع كالخمر والميتة، وإن فسره بكلب لا يجوز اقتناؤه فكذلك، وإن فسره بكلب يجوز اقتناؤه أو جلد ميتة غير مدبوغ ففيه وجهان (أحدهما) يقبل لأنه شئ يجب رده وتسليمه إليه فالإيجاب يتناوله (والثاني) لا يقبل لأن الإقرار إخبار عما يجب ضمانه وهذا لا يجب ضمانه، وإن فسره بحبة حنطة أو شعير ونحوها لم يقبل لأنه هذا لا يتمول عادة على انفراده، وإن فسره بحد قذف قبل لأنه حق يجب عليه وفيه وجه آخر أنه لا يقبل لأنه لا يؤول إلى مال والأول أصح لأن ما يثبت في الذمة يصح أن يقال هو علي ويصح تفسيره بحق شفعة لأنه حق واجب ويؤول إلى المال وإن فسره برد السلام أو تشميت العاطس ونحوه لم يقبل لأنه يسقط بفواته ولا يثبت في الذمة وهذا الإقرار يدل على ثبوت الحق في الذمة ويحتمل أن يقبل تفسيره إذا أراد حقاً علي رد سلامه إذا سلم وتشميته إذا عطس لما روي في الخبر (للمسلم على المسلم ثلاثون حقاً يرد سلامه ويشمت عطسته ويجب دعوته) (مسألة) (وإن قال غصبت منه شيئاً ثم فسره بنفسه أو ولده لم يقبل) لأن الغصب لا يثبت عليه

مسألة: وإن قال له علي مال عظيم أو خطير أو كثير أو جليل قبل تفسيره بالكثير والقليل

وإن أراد اني حبستك وسجنتك قبل ذكره في المحرر وإن فسره بما ليس بمال مما ينتفع به قبل لأن الغصب يشتمل عليه كالكلب وجلد الميتة لأنه قد يقهره عليه، وإن فسره بمالا نفع فيه أو مالا يباح الانتفاع به لم يقبل لأن أخذ ذلك ليس بغصب وهذا الذي ذكرناه في هذا الباب أكثره مذهب الشافعي وحكي عن أبي حنيفة أنه لا يقبل تفسير إقراره بغير المكيل والموزن لأن غيرهما لا يثبت في الذمة بنفسه. ولنا أنه مملوك يدخل تحت العقد فجازأن يفسر به الشئ في الإقرار كالمكيل والموزون ولأنه يثبت في الذمة في الجملة فصح التفسير به كالمكيل ولا عبرة بسبب ثبوته في الإخبار به والإخبار عنه (فصل) تقبل الشهادة على الإقرار بالمجهول لأن الإقرار به صحيح وما كان صحيحاً في نفسه صحت الشهادة به كالمعلوم (مسألة) (وإن قال له على مال عظيم أو خطير أو كثير أو جليل قبل تفسيره بالكثير والقليل) كما لو قال له على مال ولم يصفه وهذا قول الشافعي وحكي عن أبي حنيفة لا يقبل تفسيره بأقل من عشرة لأن يقطع به السارق ويكون صداقاً عنده وعنه لا يقبل أقل من مائتي درهم وبه قال صاحباه لأنه الذي تجب فيه الزكاة وقال بعض أصحاب مالك كقولهم في المال ومنهم من قال يزيد على ذلك أقل زيادة منهم من قال قدر الدية وقال الليث بن سعد اثنان وسبعون لأن الله سبحانه وتعالى قال

(لقد نصر كم الله في مواطن كثيرة) وكانت غزواته وسراياه اثنتين وسبعين قالوا ولأن الحبة لا تسمى مالا عظيما ولا كثيراً ولنا أن العظيم والكثير لاحد له في الشرع ولا اللغة ولا العرف ويختلف الناس فيه فمنهم من يستعظم القليل ومنهم من يستعظم الكثير ومنهم من يحتقر الكثير فلم يلبث في ذلك حد يرجع في تفسيره إليه ولأنه ما من مال إلا وهو عظيم كثير بالنسبة إلى ما دونه ويحتمل أنه أراد عظيماً لفقر نفسه ودناءتها وأما ما ذكروه فليس فيه تحديد الكثير وكون ما ذكروه كثيرا لايمنع الكثرة فيما دونه وقد قال الله تعالى (واذكروا الله كثيرا) فلم ينصرف إلى ذلك وقال تعالى كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة فلم يحمل على ذلك والحكم فيما إذا قال عظيم جداً أو عظيم كما لو لم يقله لما قررناه (فصل) وإن أقر بمال قبل تفسيره بالقليل والكثير كالمسألة قبل هذا وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا يقبل تفسيره بغير المال الزكوي لقول الله سبحانه (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) وقوله (وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم) وحكى بعض أصحاب مالك عنه ثلاثة أوجه الأول كقولنا والثاني لا يقبل الافي أول نصاب من نصب الزكاة من نوع أموالهم والثالث ما يقطع به السارق ويصح مهراً لقول الله تعالى (لن تبتغوا بأموالكم)

مسألة: وإن قال: له علي دراهم كثيرة قبل تفسيره بثلاثة فصاعدا

ولنا أن غير ما ذكروه يقع عليه اسم المال حقيقة وعرفاً ويتمول عادة فيقبل تفسيره به كالذي وافقوا عليه وأما آية الزكاة فقد دخلها التخصيص وقوله تعالى (في أموالهم حق) لم يرد بها الزكاة لأنها نزلت بمكة قبل قرض الزكاة فلا حجة لهم فيها ثم يرد قوله تعالى (أن تبتغوا بأموالكم) والترويج جائز بأي نوع كان من المال وبما دون النصاب (مسألة) (وإن قال له علي دراهم كثيرة قبل تفسيره بثلاثة فصاعداً) أما إذا قال له علي دراهم لزمه ثلاثة لأنها أقل الجمع، وإن قال له دراهم كثيرة أو وافرة أو عظيمة لزمته ثلاثة أيضاً وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا يقبل تفسيره بأقل من عشرة لأنها أقل جمع الكثرة وقال أبو يوسف لا يقبل أقل من مائتين لأن بها يحصل الغنى وتجب الزكاة ولنا أن الكثرة والعظمة لا حد لها شرعاً ولا لغة ولاعرفا وتختلف بالأوصاف وأحوال الناس فالثلاثة أكثر مما دونها وأقل مما فوقها ومن الناس من يستعظم اليسير ومنهم من لا يستعظم الكثير ويحتمل أن المقر أراد كثيرة بالنسبة إلى ما دونها أو كبيرة في نفسه فلا تجب الزدياة بالاحتمال (مسألة) (وإن قال له علي كذا درهم أو كذا وكذا درهم أو كذا كذا درهم بالرفع لزمه درهم) لأن تقديره شئ هو درهم وإن قال بالخفض لزمه بعض درهم لأن كذا يحتمل أن يكون جزءاً

مسألة: وإن قال: كذا وكذا درهما بالنصب فقال ابن حامد والقاضي: يلزمه درهم

مضافاً إلى درهم ويرجع في تفسيره إليه إذا فسره بذلك لأنه محتمل (مسألة) (وإن قال كذا درهما بالنصب لزمه درهم) ويكون منصوباً على التمييز (مسألة) (وإن قال كذا وكذا درهما بالنصب فقال ابن حامد والقاضي يلزمه درهم) لأن الدرهم الواحد يجوز أن يكون تفسيراً لشيئين كل واحد بعض درهم (وقال أبو الحسن التميمي يلزمه درهمان) لأنه ذكر جملتين فسرهما بدرهم فيعود التفسير إلى كل واحدة منهما (كقوله عشرون درهماً) إذا قال كذا ففيه ثلاث مسائل (أحدها) أن يقول كذا بغير تكرير ولا عطف (الثانية) أن يكرر بغير عطف (الثالثة) أن يعطف فيقول كذا وكذا: فأما الأولى فإذا قال له على كذا درهم لم يخل من أربعة أحوال (أحدها) أن يقول له علي كذا درهم بالرفع فيلزمه درهم وتقديره شئ هو درهم فجعل الدرهم بدلامن كذا (الثاني) أن يقول درهم بالجر فيلزمه جزء درهم يرجع في تفسيره إليه والتقدير جزء درهم أو يعض درهم ويكون كذا كناية عنه (الثالث) أن يقول درهما بالنصف فيلزمه درهم ويكون منصوباً على التفسير وهو التمييز وقال بعض النحويين هو منصوب علي القطع كأنه قطع ما ابتدأ به وأقر بدرهم وهذا على قول الكوفيين (الرابع) أن يذكره بالوقف فيقبل تفسيره بجزء درهم أيضاً لأنه يجوز أن يكون أسقط حركة

المسألة الثانية: إذا قال: كذا كذا بغير عطف فالحكم فيها كالحكم في كذا بغير تكرير سواء

الجر للوقف وهذا مذهب الشافعي وقال القاضي يلزمه درهم في الحالات كلها وهو قول بعض أصحاب الشافعي. ولنا أن كذا اسم مبهم فصح تفسيره بجزء درهم في حال الجر والوقف (المسألة الثانية) (إذا قال كذا كذا بغير عطف فالحكم فيها كالحكم في كذا بغير تكرير سواء) لا يتغير ولا يقتضي تكريره الزيادة كأنه قال شئ مشئ ولأنه إذا قاله بالجر احتمل أن يكون قد أضاف جزءاً إلى جزء ثم أضاف الجزء الأخير إلى الدرهم فقال نصف سبع درهم وهكذا لو قال كذا كذا لأنه يحتمل أن يرد ثلث خمس تسع درهم ونحوه (المسألة الثالثة) (إذا عطف فقال كذاوكذا درهم بالرفع لزمه درهم واحد) لأنه ذكر شيئين ثم أبدل منهما درهماً فصار كأنه قال هما درهم، وإن قال درهماً بالنصب ففيه ثلاثة أوجه (أحدها) يلزمه درهم واحد وهو قول أبي عبد الله بن حامد والقاضي لأن كذا يحتمل أقل من درهم فإذا عطف عليه مثله ثم فسرهما بدرهم واحد جاز وكان كلاماً صحيحاً وهذا يحكي قولاً للشافعي (الثاني) يلزمه درهمان وهو اختيار أبي الحسن التميمي لأنه ذكر جملتين فإذا فسر ذلك بدرهم عاد التفسير إلى كل واحد كقوله عشرون درهماً يعود النفسير إلى العشرين كذا ههنا وهذا يحكي قولا ثابنا للشافعي (الثالث) يلزمه أكثر من درهم ولعله ذهب إلى أن الدرهم تفسير للجملة التي تليه فيلزمه بها درهم والأولى باقية على إبهامها فيرجع في تفسيرها إليه وهذا يشبه قول التميمي، وقال محمد بن الحسن إذا قال كذا درهماً لزمه عشرون درهماً لأنه أقل

مسألة: وإن قال: له علي ألف ودرهم أو ألف ودينار أو ألف وثوب أو فرس أو درهم وألف أو دينار وألف فقال ابن حامد والقاضي: الألف من جنس ما عطف عليه

عدداً يفسر بالواحد المنصوب، وإن قال كذا كذا درهماً لزمه أحد عشر درهماً لأنه أقل عدد مركب يفسر بالواحد المنصوب، وإن قال كذا وكذا رهما لزمه أحد وعشرون درهماً لأنه أقل عدد عطف بعضه على بعض يفسر بذلك وإن قال كذا درهم بالجر لزمه مائة لأنه أقل عدد يضاف إلى الواحد وحكي عن أبي يوسف أنه قال كذا كذا أو كذا وكذا يلزمه بهما أحد عشر درهماً ولنا أنه يحتمل ما قلنا ويحتمل ما قالوا فوجب المصير إلى ما قلنا لأنه اليقين وما زاد مشكوك فيه فلا يجب بالشك كما لو قال علي دراهم لم يلزمه إلا أقل الجمع ولا يلزم كثرة الاستعمال فإن اللفظ إذا كان حقيقة في الأمرين جاز التفسير بكل واحد منهما، وعلى ما ذكره محمد يكون اللفظ المفرد يوجب أكثر من المكرر فإنه يجب بالمفرد عشرون وبالمركب أحد عشر ولا نعرف لفظاً مفرداً متناولاً لعدد صحيح يلزم به أكثر مما يلزم بمكرره (مسألة) (وإن قال له على ألف رجع في تفسيره إليه فإن فسره بأجناس قبل منه) لأنه يحتمل ذلك (مسألة) (وإن قال له على ألف ودرهم أو ألف ودينار أو ألف وثوب أو فرس أو درهم وألف أو دينار وألف فقال ابن حامد والقاضي الألف من جنس ما عطف عليه) وبه قال أبو ثور وقال التميمي وأبو الخطاب يرجع في تفسير الألف إليه لأن الشئ يعطف على غير جنسه قال الله تعالى (يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا) ولأن الألف مبهم فيرجع

مسألة: وإن قال: له علي ألف وخمسون درهما أو خمسون وألف درهم فالجميع دراهم

في تفسيره إلى المقر كما لو لم يعطف عليه، وقال أبو حنيفة إن عطف على المبهم مكيلا أو موزونا كان تفسيراً له، وإن عطف مذروعاً أو معدوداً لم يكن تفسيراً لأن علي للإيجاب في الذمة فإذا عطف عليه ما يثبت في ذمته بنفسه كان تفسيراً له كقوله مائة وخمسون درهماً ولنا أن العرب تكتفي بتفسير إحدى الجملتين عن الأخرى قال الله تعالى (ولبثوا في كهفهم ثلثمائة سنين وازدادوا تسعا) وقال تعالى (عن اليمين وعن الشمال قعيد) ولأنه ذكر مبهماً مع تفسير لم يقم الدليل على أنه من غير جنسه فكان المبهم من جنس المفسر كما لو قال مائة وخمسون درهماً أو ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، يحققه أن المبهم يحتاج إلى التفسير وذكر التفسير في الجملة المقارنة له يصلح أن يفسره يوجب حمل الأمر على ذلك، وأما قوله أربعة أشهر وعشرا فإنه امتنع أن تكون العشر أشهر الوجهين (أحدهما) أن العشر بغير هاء عدد للمؤنث والأشهر مذكرة فلا يجوز أن تعد بغير هاء (والثاني) أنها لو كانت أشهراً لقال أربعة عشر شهراً بالتركيب لا بالعطف كما قال (عليها تسعة عشر) وقولهم إن الألف مبهم قلنا قرن به ما يدل على تفسيره فأشبه مالو قال مائة وخمسون درهماً أو مائة ودرهم عند أبي حنيفة فإن قيل إذا قال مائة وخمسون درهماً فالدرهم ذكر للتفسير ولهذا لا يراد به العدد فصلح تفسير الجميع ما قبله بخلاف قوله مائة ودرهم فإنه ذكر الدرهم للإيجاب لا للتفسير بدليل أنه زاد به العدد قلنا هو صالح للإيجاب والتفسير معاً والحاجة داعية إلى التفسير فوجب حمل الأمر على ذلك صيانة لكلام المقر عن الإلباس والإبهام وصرفاً له إلى البيان والإفهام، وقول أبي حنيفة أن علي للإيجاب قلنا فمتى عطف ما يجب بها على ما لا يجب وكان أحدهما مبهماً والآخر مفسراً وأمكن تفسيره به وجب أن يكون المبهم من جنس المفسر، فأما إن لم يكن من جنس المفسر مثل أن يعطف عدد المذكر

مسألة: وهذا اختيار ابن حامد والقاضي، وقال أبو الحسن التميمي وأبو الخطاب: يكون الألف مبهما يرجع في تفسيره إليه وهو قول مالك والشافعي

على المؤنث أو بالعكس ونحو ذلك فلا يكون أحدهما من جنس الآخر ويبقى المبهم على إبهامه كما لو قال له أربعة دراهم وعشر (مسألة) (وإن قال له على ألف وخمسون درهماً أو خمسون وألف درهم فالجميع دراهم) ويحتمل على قول التميمي أن يرجع في تفسير الألف إليه وهو قول بعض أصحاب الشافعي وكذلك إن قال ألف وثلاثة دراهم أو مائة وألف درهم والصحيح الأول فإن الدرهم المفسر يكون تفسيراً لجميع ما قبله من الجمل المبهمة وجنس العدد قال الله تعالى مخبراً عن أحد الخصمين أنه قال (إن هذا أخي له تسع وتسعون تعجة) وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي وهو ابن ثلاث وستين سنة وقال عنترة: فيهان إثنتان وأربعون حلوبة * سودا كخافية العراب الأسحم ولأن الدرهم ذكر تفسيراً ولهذا لا يجب به زيادة على العدد المذكور فكان تفسيراً لجميع ما قبله ولأنها تحتاج إلى تفسير وهو صالح لتفسيرها فوجب جمله على ذلك وهذا المعنى موجود في قوله ألف وثلاثة دراهم وسائر الصور المذكورة، فعلى قول من لا يجعل المجمل من جنس المفسر لو قال بعتك هذا بمائة وخمسين درهماً أو بخمسة وعشرين درهماً لا يصح وهو قول شاذ ضعيف لا يعول عليه وإن قال له على ألف درهم إلا خمسين فالمستثنى دراهم لأن العرب لا تستثني في الإثبات إلا من الجنس (مسألة) (وهذا اختيار ابن حامد والقاضي وقال أبو الحسن التميمي وأبو الخطاب يكون الألف مبهماً يرجع في تفسيره إليه وهو قول مالك والشافعي) لأن الاستثناء عندهما يصح من غير الجنس ولأن لفظه في الألف مبهم والدرهم لم يذكر تفسيراً له فبقي على إبهامه.

مسألة: وإن قال: له في هذا العبد شركة أو هو شريكي فيه أو هو شركة بينهما رجع إلى تفسير نصيب الشريك إليه

ولنا أنه لم يرد عن العرب الاستثناء في الإثبات إلا من الجنس فمتى علم أحد الطرفين علم أن الآخر من جنسه كما لو علم المستثنى منه وقد سلموه علته تلازم المستثنى والمستثنى منه في الجنس فما ثبت في أحدهما ثبت في الآخر فعلى قول ابي الحسن التميمي وأبي الخطاب يسئل عن المستثنى فان فسره بغير الجنس بطل الإستثناء وعلى قول غيرهما ينظر في المستثنى إن كان مثل المستثنى منه أو أكثر يبطل في الأصح (فصل) وإن قال له تسعة وتسعون درهماً فالجميع دراهم ولا أعلم فيه خلافاً وكذلك إن قال مائة وخمسون درهماً وخرج بعض أصحابنا وجهاً أنه لا يكون تفسيراً إلا لما يليه وهو قول بعض أصحاب الشافعي (مسألة) (وإن قال له في هذا العبد شركة أو هو شريكي فيه أو هو شركة بينهما رجع إلى تفسير نصيب الشريك إليه) وقال أبو يوسف يكون مقراً بنصفه لقول الله تعالى (فهم شركاء في الثلث) فاقتضى ذلك التسوية بينهم كذا ههنا. ولنا أن أي جزء كان له منه فله فيه شركة فكان له تفسيره بما شاء كالنصف وليس إطلاق لفظ الشركة على ما دون النصف مجازاً ولا مخالفاً للظاهر والآية ثبتت التسوية فيها بدليل آخر، وكذلك الحكم اذا قال هذا العبد شركة بيننا وإن قال له فيه سهم فكذلك وقال القاضي يحمل على السدس كالوصية (مسألة) (وإن قال له على أكثر من مال فلان قيل له فسرفان فسره بأكثر منه قدر اقبل وإن قال أردت أكثر بقاء نفعا لأن الحلال أنفع من الحرام قبل قوله مع يمينه) سواء علم مال فلان أو جهله أو ذكر قدره أولم يذكره أما إذا فسره بأكثر منه قدراً فإنه يقبل تفسيره ويلزمه أكثر منه وتفسر الزيادة بما يريد من قليل أو كثير ولو حبة حنطه، ولو قال ما علمت لفلان أكثر من كذا وقامت البينة بأكثر منه لم يلزمه

مسألة: ولو ادعى عليه دينا فقال لفلان علي أكثر مما لك، وقال: أردت التهزئ لهما لزمه ويرجع في تفسيره إليه في أحد الوجهين

أكثر مما اعترف به لأن مبلغ المال حقيقة لا تعرف في الأكثر وقد يكون ظاهراً وباطنا يملك ما يعرفه المقر فكان المرجع إلى ما اعتقده المقر مع يمينه إذا ادعى عليه أكثر منه وان فسره بأقل من ماله مع علمه بماله لم يقبل، وقال أصحابنا يقبل تفسيره بالكثير والقليل وهو مذهب الشافعي سواء علم مال فلان أو جهله أو ذكر قدره أولم يذكره أو قاله عقيب الشهادة بقدره أولاً لأنه لا يحتمل أنه أكثر منه بقاء أو منفعة أو بركة لكونه من الحلال أو لأنه في الذمة، قال القاضي ولو قال لي عليك ألف دينار فقال لك على أكثر من ذلك لم يلزمه أكثر منها لأن لفظة أكثر مبهمة لإحتمالها ما ذكرنا ويحتمل أنه أراد أكثر منه فلوساً أو حبة حنطة أو شعير أو دخن فيرجع في تفسيرها إليه وهذا بعيد فإن لفظة أكثر إنما تستعمل حقيقة في العدد أو في القدر وينصرف إلى جنس ما أضيف أكثر إليه لا يفهم في الإطلاق غير ذلك قال الله تعالى (كانوا أكثر منهم) وأخبر عن الذي قال (أنا أكثر منك مالا وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا) والإقرار يؤخذ فيه بالظاهر دون مطلق الاحتمال، ولهذا لو أقر بدراهم لزمه أقل الجمع جيادا صحاحاً وازنة حاله ولو قال له على دراهم لم يقبل تفسيرها بالوديعة ولو رجع إلى مطل الإحتمال سقط الإقرار وإحتمال ما ذكروه أبعد من هذه الإحتمالات التي لم يقبلوا تفسيره بها فلا يعول على هذا (مسألة) (ولو ادعى عليه ينا فقال لفلان علي اكثر ممالك، وقال أردت التهزئ لهما لزمه ويرجع في تفسيره إليه في أحد الوجهين) وفي الآخر لا يلزمه شئ لأنه أقر لفلان بحق موصوف بالزيادة على مال المدعي فيجب عليه ما أقربه لفلان ويجب للمدعي حق لأن لفظه يقتضي أن يكون له شئ، وفي الآخر لا يلزمه شئ لأنه يجوز أن يكون أراد حقك على أكثر من حقه والحق لا يختص بالمال

مسألة: وإن قال: له علي درهم فوق درهم أو تحت درهم أو فوقه أو تحته أو قبله أو بعده أو معه درهم أو درهم ودرهم أو درهم بل درهمان أو درهمان بل درهم لزمه درهمان

(فصل) إذا قال له على ألف إلا شيئاً قبل تفسيره بأكثر من خمسمائة لأن الشئ يحتمل الكثير والقليل لكن لا يجوز استثناء الأكثر فيتعين حمله على ما دون النصف، وكذلك إن قال إلا قليلاً لأنه مبهم فأشبه قوله إلا شيئاً وإن قال له على معظم ألف أو جل ألف أو قريب من ألف لزمه اكثر من نصف الألف ويحلف على الزيادة إن ادعيت عليه (فصل) وإن قال له على ما بين درهم وعشرة لزمته ثمانية لأن ذلك ما بينهما وان قال من درهم إلى عشرة ففيه ثلاثة أوجه (أحدها) يلزمه تسعة وهذا يحكى عن أبي حنيفة لأن من لابتداء الغاية وأول الغاية منها وإلى لانتهاء الغاية فلا تدخل فيها كقوله تعالى (ثم أتموا الصيام إلى الليل) (والثاني) تلزمه ثمانية لان الاول والعاشر حدان فلا يدخلان في الاقرار ويلزمه ما بينهما كالتي قبلها. (والثالث) تلزمه عشرة لأن العاشر أحد الطرفين فيدخل فيها كالأول وكما لو قال قرأت القرآن من أوله الى آخره، وإن قال أردت بقولي من واحد إلى عشرة مجموع الأعداد كلها أي الواحد والإثنان كذلك إلى العشرة لزمه خمسة وخمسون درهماً وإختصار حسابه أن تزيد أول العدد وهو واحد على العشرة فيصير أحد عشر ثم اضربها في نصف العشرة فما بلغ فهو الجواب (مسألة) (وإن قال له علي درهم فوق درهم أو تحت درهم أو فوقه أو تحته أو قبله أو بعده أو معه درهم أو درهم ودرهم أو درههم بل درهمان أو درهمان بل درهم لزمه درهمان) إذا قال له علي درهم فوق درهم أو تحت درهم أو معه درهم أو مع درهم فقال القاضي يلزمه درهم وهو أحد قولي الشافعي لأنه يحتمل فوق درهم في الجودة أو فوق درهم لي وكذلك تحت درهم، وقوله معه درهم يحتمل معه درهم لي وكذلك مع درهم فلم يجب الزائد بالإحتمال، وقال أبو الخطاب يلزمه درهمان وهو القول الثاني للشافعي لأن هذا اللفظ يجري مجرى العطف لكونه يقتضي ضم درهم آخر لايه وقد ذكر ذلك في سياق الإقرار

مسألة: وإن قال: له علي درهم ودرهم أو درهم فدرهم أو درهم ثم درهم لزمه درهمان

فالظاهر أنه إقرار، ولأن قوله علي يقتضي في ذمتي وليس للمقر في ذمة نفسه درهم مع درهم المقر له ولا فوقه ولا تحته فإنه لا يثبت للإنسان في ذمة نفسه شئ، وقال أبو حنيفة وأصحابه إن قال فوق درهم لزمه درهمان لأن فوق يقتضي في الظاهر الزيادة وإن قال تحت درهم لزمه درهم لأن تحت يقتضي النقص. ولنا إن حمل كلامه على معنى العطف فلا فرق بينهما وإن حمل على الصفة للدرهم المقر به وجب أن يكون المقر به درهماً واحداً سواء ذكره بما يقتضي زيادة أو نقصاً، وإن قال له على درهم قبله درهم أو بعده درهم لزمه درهمان فإن قال قبله درهم وبعده درهم لزمه ثلاثة لأن قبل وبعد تستعمل للتقديم والتأخير (مسألة) (وإن قال له علي درهم ودرهم أو درهم فدرهم أو درهم ثم درهم لزمه درهمان) وبهذا قال أبو حنيفة وأصحابه، وذكر القاضي وجها فيما إذا قال درهم فدرهم وقال أردت درهم فدرهم لازم لي أنه يقبل منه وهو قول الشافعي لأنه يحتمل الصفة ولنا أن الفاء أحد حروف العطف الثلاثة فأشبهت الواو وثم ولأنه عطف شيئاً على شئ بالفاء فاقتضى ثبوتهما كما لو قال أنت طالق فطالق وقد سلمه الشافعي، وما ذكروه من إحتمال الصفة بعيد لا يفهم حالة الإطلاق فلا يقبل تفسيره به كما لو فسر الدراهم المطلقة بأنها زيوف أو صغار أو مؤجلة، وإن قال له على درهم ودرهم ودرهم لزمته ثلاثة وحكى ابن أبي موسى عن بعض أصحابنا أنه إذا قال أردت بالثالث تأكيد الثاني وبيانه أنه يقبل وهو قول بعض أصحاب الشافعي لأن الثالث في لفظ الثاني وظاهر مذهبه أنه تلزمه الثلاثة لأن الواو للعطف وهو يقتضي المغايرة فوجب أن يكون الثالث غير الثاني كما كان الثاني غير الأول والإقرار لا يقتضي تأكيداً فوجب حمله على العدد، وكذلك الحكم

مسألة: فإن قال: له علي درهم بل درهمان أو درهم لكن درهمان لزمه درهمان وبه قال الشافعي، وقال زفر وداود تلزمه ثلاثة لأن بل للإضراب فلما أقر بدرهم وأضرب عنه لزمه لأنه لا يقبل رجوعه عما أقر به ولزمه الدرهمان اللذان أقر بهما

إذا قال علي درهم فدرهم اودرهم ثم درهم ثم درهم فإن قال له على درهم ودرهم ثم درهم أو درهم فدرهم ثم درهم أو درهم ثم درهم فدرهم لزمته الثلاثة وجهاً واحداً لأن الثالث مغاير للثاني لاختلاف حرفي العطف الداخلين فلم يحتمل التأكيد (مسألة) (فإن قال له علي درهم بل درهمان أو درهم لكن درهمان لزمه درهمان وبه قال الشافعي وقال زفر وداود تلزمه ثلاثة لأن بل للإضراب فلما أقر بدرهم وأضرب عنه لزمه لأنه لا يقبل رجوعه عما أقر به ولزمه الدرهمان اللذان اقربهما ولنا أنه إنما نفى الإقتصار على واحد وأثبت الزيادة عليه فأشبه مالو قال له على درهم بل أكثر فإنه لا يلزم أكثر من اثنين. (مسألة) (وإن قال له علي درهمان بل درهم أو درهم لكن درهم فهل يلزمه درهم أو درهمان؟ على وجهين) ذكرهما أبو بكر (أحدهما) يلزمه درهم واحد لأن أحمد قال فيمن قال لامرأته أنت طالق بل أنت طالق أنها لا تطلق إلا واحدة وهذا مذهب الشافعي لأنه أقر بدرهم مرتين فلم يلزمه أكثر من درهم كما لو أقر بدرهم ثم أنكره ثم قال بل علي درهم، ولكن للاستدراك فهي في معنى بل إلا أن الصحيح إنها لا تستعمل إلا بعد الجحد إلا أن يذكر بعدها الجة (والوجه الثاني) يلزمه درهمان ذكره ابن أبي موسى وأبو بكر عبد العزيز ويقتضيه قول زفر وداود لأن ما بعد الإضراب يغاير ما قبله فيجب ان يكون الدرهم الذي أضرب عنه غير الدرهم الذي اقربه بعده فيجب الإثبات كما لو قال له علي درهم بل دينار ولأن بل من حروف العطف والمعطوف غير المعطوف عليه فوجبا جميعاً كما لو قال له علي درهم ودرهم ولأنا لو لم نوجب عليه الادرهما جعلنا كلامه لغواً وإضرابه غير مفيد والأصل في كلام العاقل أن يكون مفيداً.

مسألة: وإن قال: درهم في دينار لزمه درهم وإن قال: له علي درهم في عشرة لزمه درهم إلا أن يريد الحساب فيلزمه عشرة، أما إذا قال: له عندي درهم في دينار

(مسألة) (ولو قال له على هذا الدرهم بل هذان الدرهمان لزمته الثلاثة) لا نعلم في ذلك خلافاً لأنه متى كان الذي أضرب عنه لا يمكن أن يكون المذكور بعده ولا بعضه مثل أن يقول له علي درهم بل دينار أو قفيز حنطة بل قفيز شعير لزمه الجميع لأن الأول لا يمكن أن يكون الثاني ولا بعضه فكان مقراً بهما ولا يقبل رجوعه معن شئ منهما وكذلك كل جملتين أقر بإحداهما ثم رجع إلى الاخرى لزماه (مسألة) (وإن قال درهم في دينار لزمه درهم وإن قال له على درهم في عشرة لزمه درهم إلا أن يريد الحساب فيلزمه عشرة، أما إذا قال له عندي درهم في دينار فإنه يسئل عن مراده فإن قال أردت العطف أو معنى مع لزمه الدرهم والدينار وإن قال أسلمته في دينار فصدقة المقر له بطل إقراره لأن سلم أحد النقدين في الآخر لا يصح وإن كذبه فالقول قول المقر له لأن المقر وصل إقراره بما يسقطه فلزمه درهم وبطل قوله في دينار وكذلك إن قال له درهم في ثوب وفسره بالسلم أو قال في ثوب إشتريته منه إلى سنة فصدقه بطل إقراره لأنه إن كان بعد التفرق بطل السلم وسقط الثمن وإن كان قبل التفرق فالمقر بالخيار بين الفسخ والإمضاء وإن كذبه المقر له فالقول قوله مع يمينه وله الدرهم وأما اذا قال درهم في عشرة وقال أردت في عشرة لي لزمه درهم لأنه يحتمل ما يقول وإن قال أردت الحساب لزمه عشرة وإن قال أردت مع عشرة لزمه أحد عشر لأن كثيراً من العوام يريدون بهذا اللفظ هذا المعنى فإن كان من أهل الحساب احتمل أن لا يقبل لأن الظاهر من الحساب إستعمال ألفاظه في معاينها في إصطلاحهم ويحتمل أن يقبل فإنه لا يمتنع أن يستعمل إصطلاح العامة (مسألة) (وإن قال هل عندي تمر في جراب أو سكين في قراب أو ثوب في منديل أو عبد عليه عمامة أو دابة عليها سرج فهل يكون مقراً بالمظروف دون الظرف؟ وجهان) (أحدهما) يكون مقراً بالمظروف دون الظرف وهذا اختيار ابن حامد ومذهب مالك والشافعي لأن إقراره يتناول الظرف فيحتمل أن يكون في ظرف للمقر فلم يلزمه (والثاني) يلزمه الجميع لأنه ذكر ذلك في سياق الإقرار فلزمه كما لو قال له علي خاتم فيه فص وكذلك إن قال غصبت منه ثوبا في منديل أو زيتاً في زق، وإختار شيخنا فيما إذا قال عبد عليه عمامة أن يكون مقراً بهما وهو قول أصحاب الشافعي وقال أبو حنيفة في الغصب يلزمه ولا يلزمه في بقية الصور لأن المنديل يكون ظرفاً للثوب فالظاهر أنه ظرف له في حال الغصب فصار كأنه قال غصبت ثوباً ومنديلا

مسألة: وإن قال: له عندي خاتم فيه فص فهو مقر بهما

ولنا أنه يحتمل أن يكون المنديل للغاصب وهو ظرف للثوب فيقول غصبت ثوبا في منديل ولو قال هذا لم يكن مقرا بغصبه فإذا أطلق كان محتملاً له فلم يكن مقراً بغصبه كما لو قال غصبت دابة في إصطبلها (مسألة) (وإن قال له عندي خاتم فيه فص فهو مقر بهما) لأن الفص جزء من الخاتم فأشبه مالو قال له على ثوب فيه علم ويحتمل أن يخرج على الوجهين فيكون مقراً بالخاتم وحده، وإن قال فص في بالخاتم احتمل وجهين، فإن قال له عندي خاتم وأطلق لزمه الخاتم بفصة لأن إسم الخاتم بفصة لأن إسم الخاتم يجمعهما وكذلك إن قال له علي ثوب مطرز لزمه الثوب بطرازه لما ذكرنا. (فصل) وإن قال له عندي دار مفروشة أو دابة مسرجة أو عبد عليه عمامة ففيه أيضاً وجهان ذكرناهما وقال أصحاب الشافعي تلزمه عمامة العبد دون السرج لأن العبد يده على عمامته ويده كيد سيده ولا يد للدابة والدار. ولنا أن الظاهر أن سرج الدابة لصاحبها وكذلك لو تنازع رجلان سرجاً على دابة أحدهما كان لصاحبها فهو كعمامة العبد فأما إن قال له عندي دابة بسرجها أو دار بفرشها أو سفينة بطعامها كمان مقرابهما بغير خلاف لأن الباء تعلق الثاني بالأول (مسألة) (وإن قال له علي درهم أو دينار لزمه أحدهما يرجع في تفسيره إليه) لأن أو وإما في الخبر الشك وتقتضي أحد المذكورين لاهما فإن قال له على إما درهم وإما درهمان كان مقرا بدرهم والثاني مشكوك فيه فلا يلزم بالشك

كتاب العارية

كتاب العارية وهي مشتقة من عار الشئ إذا ذهب وجاء ومنه قيل للبطال عيار لتردده في بطالته، والعرب تقول أعاره وعاره مثل أطاعه وطاعه، وهي إباحة الإنتفاع بعين من أعيان المال، والأصل فيها الكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب فقوله تعالى ويمنعون الماعون روي عن ابن عباسن وابن مسعود قالا العوراي وفسرها ابن مسعود قال القدر والميزان والدلو. وأما السنة فروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في خطبته في حجة الوداع (العارية مؤداة والمنحة مزدودة والدين مقتضي والزعيم غارم) قال الترمذي حديث حسن غريب وروى صفوان بن أمية أن النبي صلى الله عليه وسلم استعار منه أدراعاً يوم حنين فقال أغصباً يا محمد؟ قال (بل عارية مضمونة) رواه أبو داود وأجمع المسلمون على جواز العارية واستحبابها ولأنه لما جازت هبة الأعيان جازت هبة المنافع ولذلك صحت الوصية بالاعيان والمنافع جميعا، وهي مندوب إليها غير واجبة في قول أكثر أهل العلم وقيل هي واجبة للآية ولما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (مامن صاحب ابل لايؤدي حقها) الحديث قيل يا رسول الله وما حقها؟ قال (إعارة دلوها وإطراق فحلها ومنحة لبنها يوم ورودها) فذم الله تعالى

مسألة: وهي هبة منفعه تجوز في كل المنافع إلا منافع البضع

مانع العارية وتوعده رسول الله صلى الله عليه وسلم بما ذكره في خبره ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا أديت زكاة مالك فقد قضيت ما عليك) رواه ابن المنذر وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (ليس في المال حق سوى الزكاة) وفي حديث الإعرابي الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم ماذا فرض الله علي من الصدقة؟ أو قال الزكاة، قال هل علي غيرها؟ قال (لا، إلا أن تتطوع شيئاً) أو كما قال والآية فسرها ابن عمر والحسن بالزكاة وكذلك زيد بن أسلم وقال عكرمة إذا جمع ثلاثتها فله الويل إذا سها من الصلاة وراءى ومنع الماعون. (فصل) ولا تجوز إلا من جائز التصرف لأنه تصرف في المال أشبه البيع وتنعقد بكل لفظ أو فعل يدل عليها كقوله أعرتك هذا، أو يدفع اليه شيئاً ويقول أبحتك الانتفاع به أو خذ هذا فانتفع به أو يقول أعرني هذا أو أعطنيه أركبه أو أحمل عليه فيسلمه إليه وأشباه هذا لأنه إباحة للتصرف فصح بالقول والفعل الدال عليه كإباحة الطعام بقوله وتقديمه إلى الضيف. (مسألة) (وهي هبة منفعه تجوز في كل المنافع إلا منافع البضع) تجوز إعارة كل عين ينتفع بها منفعة مباحة مع بقائها على الدوام كالدور والعيبد والجواري والدواب والثياب والحلي للبس والفحل للضراب والكلب للصيد وغير ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم استعار ادراعا وذكر إعارة دلوها وفلها وذكر ابن مسعود عارية القدر والميزان فثبت الحكم في هذه الأشياء

مسألة: ولا تجوز إعارة العبد المسلم لكافر

وما عداها يقاس عليها إذا كان في معناها ولأن ما جاز للمالك استيفاؤه من المنافع ملك إباحته إذا لم يمنع منه مانع كالثياب ويجوز إستعارة الدراهم والدنانير للوزن فإن استعارها لينفقها فهو قرض وهذا قول أصحاب الرأي، وقيل لا يجوز ذلك ولا تكون العارية في الدنانير وليس له أن يشتري بها شيئاً ولنا أن هذا معنى القرض فانعقد القرض به كما لو صرح به فأما منافع البضع فلا تستباح بالبذل ولا بالإباحة إجماعاً وإنما يباح بأحد شيئين الزوجية وملك اليمين قال الله سبحانه (والذين هم لفروجهم حافظهون * الاعلى أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين * فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون) ولأن منافع البضع لو ابيجت بالبذل والعارية لم يحرم الزنا لأن الزانية تبذل نفعها له والزاني مثلها (مسألة) (ولا تجوز إعارة العبد المسلم لكافر) لأنه لا يجوز تمكينه من استخدامه فلم تجز عاريته لذلك ولا تجوز إعارة الصيد لمحرم لأنه لا يجوز له إمساكه (مسألة) (ويكره إعارة الأمة الشابة لرجل غير محرمها) إن كان يخلو بها وينظر إليها لأنه لا يؤمن عليها فإن كانت شوهاء أو كبيرة فلا بأس لأنها لا يشتهى مثلها وتجوز إعارتها لامرأة ولذي محرمها لعدم ذلك، ولا تجوز إعارة العين لنفع محرم كاعارة الدر لمن يشرب فيها الخمر أو يبيعه أو يعصي الله تعالى فيها أو لااعارة عبد للزمر أو لسقيه الخمر أو يحملها إليه أو يعصرها ونحو ذلك لأنه إعانة على المحرم (مسألة) (واستعارة والديه للخدمة) لأنه يكره استخدامهما فكر استعارتهما لذلك

مسألة: وللمعير الرجوع فيها متى شاء ما لم يأذن في شغلها بشيء يستضر المستعير برجوعه

(مسألة) (وللمعير الرجوع فيها متى شاء ما لم يأذن في شغلها بشئ يستضر المستعير برجوعه) تجوز العارية مطلقة ومؤقتة لأنها إباحة فأشبهت إباحة الطعام وللمعير الرجوع فيها متى شاء سواء كانت مطلقة أو مؤقتة وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وقال مالك إن كانت مؤقتة فليس له الرجوع قبل الوقت وإن لم يوقت له مدة لزمه تركه مدة ينتفع بها في مثلها لأن المعير قد ملكه المنفعة مدة وصارت العين في يده بعقد مباح فلم يملك الرجوع فيها بغير رضى المالك كالعبد الموصى بخدمته والمستأجر ولنا أن المافع المستقبلة لم تحصل في يده فلم يملكها بالإعارة كما لو لم تحصل العين في يده ولأن المنافع إنما تستوفى شيئاً فشيئاً فكلما استوفى منفعة فقد قبضها والذي لم يستوفه لم يقبضه فجاز الرجوع فيه كالهبة قبل القبض، وأما العبد الموصى بخدمته فلموصي الرجوع ولم يلمك الورثة الرجوع لأن التبرع من غيرهم وأما المستأجر فهو مملوك بعقد معاوضة فيلزم بخلاف مسئلتنا، ويجوز للمستعير الرد متى شاء بغير خلاف نعلمه لأنه إباحة فكان لمن أبيح له تركه كالباحة الطعام (مسألة) (فإن أذن له في شغله بشئ يستضر المستعير برجوعه فيه لم يجز له الرجوع) لما فيه من اضرار بالمستعير مثل أن يعيره سفينة لحمل متاعه أو لوحا يرقع به سفينة فرقعها به ولحج في البحر لم يجز الرجوع ما دامت في لجة البحر لذلك وله الرجوع قبل دخولها في البحر وبعد الخروج منه لعدم الضرر (مسألة) (وإن أعاره أرضا للدفن لم يرجع حتى يبلى الميت)

مسألة: وإن أعاره أرضا للدفن لم يرجع حتى يبلى الميت

وله الرجوع فيها قبل الدفن وليس له الرجوع بعد الدفن حتى يصير الميت رميا قاله ابن البنا (مسألة) (وإن أعاره حائط ليضع عليه أطراف خشبه لم يرجع مادام عليه) إذا أعاره حائطاً ليضع عليه أطراف خشبه جاز كما تجوز إعارة الأرض للغراس والبناء وله الرجوع قل الوضع وبعده ما لم بين عليه لانه لاضرر عليه فيه فإن بنى عليه لم يجز الرجوع لما في ذلك من هدم البناء وإن قال أنا أدفع إليك ما ينقص بالقطع لم يلزم المستعير ذلك لأنه إذا قلعه انقلع ما في ملك المستعير منه ولا يجب على المستعير قلع شئ من ملكه بضمان القيمة (مسألة) (وإن سقط عنه لهدم أو غيره لم يملك رده) سواء بنى الحائط بآلة أو بغيرها لأن العارية لا تلزم وإنما امتنع الرجوع قبل انهدامه لما فيه من الضرر بالمستعير بإزالة المأذون في وضعه وقد زال ذلك بإنهدامه وسواء زال الخشب عنه بذلك أو أزاله المستعير باختياره وكذلك لو زال الخشب والحائط بحاله (مسألة) (وإن أعاره أرضاً للزرع لم يرجع إلى الحصاد إلا أن يكون مما يحصد قصلا فيحصده) إذا أعاره أرضاً للزرع فله الرجوع ما لم يزرع فإذا زرع لم يملك الرجوع فيها الى أن ينتهي الزرع فإن بذل المعير له قيمة الزرع ليمكله فلم يكن له ذلك نص عليه أحمد لأن له وقتاً ينتهي إليه فإن كان مما يحصد قصيلا فله الرجوع في وقت إمكان حصاده لعدم الضرر فيه

مسألة: وإن أعاره أرضا للزرع لم يرجع إلى الحصاد إلا أن يكون مما يحصد قصيلا فيحصده

(مسألة) (وإن أعارها للغراس والبناء شرط عليه القطع في وقت أو عند رجوعه ثم رجع لزمه القلع) لقول النبي صلى الله عليه وسلم (المؤمنون على شروطهم) حديث صحيح ولأن العارية مقيدة غير مطلقة فلم تتناول ما عدا المقيد لأن المستعير دخل في العارية راضيا با لتزام الضرر الداخل عليه بالقطع وليس على صاحب الأرض ضمان نقصه ولا نعلم في هذا خلافاً فأما تسوية الحفر فإن كانت مشروطة عليه لزمه لما ذكرنا وإلا لم يلزمه لأنه رضي بضرر القطع من الحفر ونحوه بشرط القلع (مسألة) (وإن لم يشترط لم يلزمه إلا أن يضمن له المعير النقص) فإذا لم يشترط المعير القلع لم يلزم المستعير القلع لما فيه من الضرر عليه فإن ضمن له النقص لزمه لأنه رجوع في العارية من غير إضرار فإن قلع فعليه تسوية الأرض وكذلك إن اختار أخذ بنائه وغراسه فإنه يملكه فملك نقله لأن القلع باختياره لو امتنع منه لم يجبر عليه قلعه لاستخلاص ملكه من ملك غيره فلزمته التسوية كالشفيع إذا أخذ غرسه وقال القاضي لا يلزمه ذلك لأن المعير رضي بذلك حيث أعاره مع علمه بأن له قلع غرسه الذي لا يمكن إلا بالحفر (مسألة) (فإن أبى القلع في الحال التي لا يجبر عليه فيها فبذل له المعير قيمة الغراس والبناء ليملكه أجبر المستعير عليه) كالشفيع مع المشتري والمؤجر مع المستأجر فإن قال المستعير أنا أدفع قيمة الأرض لتصير لي لم يلزم المعير لأن الغراس والبناء تابع والأرض أصل ولذلك يتبعها الغراس والبناء في البيع ولا تتبعهما وبهذا كله قال الشافعي وقال أبو حنيفة ومالك يطالب المستعير بالقلع من غير ضمان إلا أن يكون أعاره مدة معلومة فرجع

مسألة: وإن لم يشترط لم يلزمه إلا أن يضمن له المعير النقص

قبل انقضائها لأن المعير لم يغره فكان عليه القطع كما لو شرط عليه ولنا أنه بنى وغرس بإذن المعير من غير شرط القطع فلم يلزمه القلع من غير ضمان كما لو طالبه قبل انقضاء الوقت وقولهم لم يغره ممنوع فإن الغراس والبناء يراد للتبقية وتقدير المدة ينصرف إلى ابتدائه كأنه قال لا تغرس بعد هذه المدة (مسألة) (فإن امتنع المعير من دفع القيمة وارش النقص وامتنع المستعير من القلع ودفع الأجر لم يقلع) لأن العارية تقتضي الإنتفاع بغير ضمان والإذن فيما يبقى على الدوام وتضر إزالته رضى بالإبقاء ولأن قول النبي صلى الله عليه وسلم (ليس لعرق ظالم حق) مفهومه أن العرق الذي ليس بظالم له حق فبعد ذلك ان اتفقا على البيع بيعت الأرض بغراسها وبنائها ودفع مالى كل واحد منهما قدر حقه فيقال كم قيمة الأرض بلا غراس ولابناء فإذا قيل عشرة قلنا وكم تساوي مغروسة مبنية فإن قالوا خمسة عشر فيكون للمعير ثلثا الثمن وللمستعير ثلثه (مسألة) (وإن أبيا البيع ترك بحاله) وقلنا لهما انصرفا فلا حكم لكما عندنا (مسألة) (وللمعير النصرف في أرضه على وجه لا يضر بالشجر) وجملته أن للمعير التصرف في أرضه (مسألة) ودخولها والإنتفاع بها كيف شاء بما لا يضر بالغراس والبناء ولا ينتفع بهما، وللمتسعير الدخول للسقي والإصلاح وأخذ الثمرة وليس. له الدخول لغير حاجة من التفرج ونحوه لأنه قد رجع في الإذن له

مسألة: وإن أبيا البيع ترك بحاله

ولأن الإذن في الغرس إذن فيما يعود بصلاحه ولكل واحد منهما بيع ما يختص به مع الملك ومنفرداً فيقوم المشتري مقام البائع، وقال بعض الشافعية ليس للمستعير البيع لأن ملكه في الشجر والبناء غير مستقر لأن للمير أخذه منه متى شاء بقيمته قلنا عدم استقراره لا يمنع بيعه بدليل الشقص المشفوع والصداق قبل الدخول (مسألة) (ولم يذكر أصحابنا أجرة من حين الرجوع في هذه المسائل) إلا فيما إذا استعار أرضاً فزرعها ورجع المعير فيها قبل كمال الزرع فعليه أجر مثلها من حين الرجوع لأن الأصل جواز الرجوع وإنما منع القلع لما فيه من الضرر ففي دفع الأجر جمع بين الحقين فيخرج في سائر السمائل مثل هذا، وفيه وجه آخر انه لا يجب الأجر في شئ من المواضع لأن حكم العارية باق فيه لكونها صارت لازمة للضرر اللاحق بفسخها والإعارة تقتضي الإنتفاع (مسألة) (وإن غرس أو بنى بعد الرجوع أو بعد الوقت فهو غاصب يأتي حكمه) العارية تنقسم قسمين مطلقة ومؤقتة تبيح الإنتفاع ما لم ينقضي الوقت لأنه استباح ذلك بالإذن ففيها عدا محل الإذن يببقى على أصل المنع فإن كان المعار أرضاً لم يكن له أن يغرس ولا يبني ولا يزرع بعد الوقت أو الرجوع فإن فعل شيئاً من ذلك فهو غاصب يأتي حكمه في باب لغصب

مسألة: وإن غرس أو بنى بعد الرجوع أو بعد الوقت فهو غاصب يأتي حكمه

(فصل) يجوز أن يستعير دابة ليركبها إلى موضع معلوم لأن إجارتها جائزة والإعارة أوسع لجوازها فيما لا تجوز إجارته كالكلب للصيد، فإن استعارها إلى موضع فجاوزه فقد تعدى وعليه أجر المثل للزائد خاصة وان اختلفا فقالا لمالك أعرتكها إلى فرسخ وقال المستعير إلى فرسخين فالقول قول المالك وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي وقال مالك إن كان يشبه ما قال المستعير فالقول قوله وعليه الضمان. ولنا أن المالك مدعى عليه فكان القول قوله لقول النبي صلى الله عليه وسلم (ولكن اليمين على المدعى عليه) (مسألة) (وإن حمل السيل بذراً إلى أرض فنبت فيها فهو لصاحبه) ولا يجبر على قعله وقال أصحاب الشافعي يجبر عليه في أحد الوجهين إذا طالبه رب الأرض لأن ملكه حصل في ملك غيره بغير إذنه فأشبه مالو انتشرت أغصان شجرته في هواء ملك غيره ولنا أن قلعه إتلاف للمال عنى مالكه ولم يوجد منه تفريط ولا يدوم ضرره فلا يجبر على ذلك كما لو حصلت دابته في دار غيره على وجه لا يمكن خروجها إلا بقلع الباب أو قتلها فانهلا يجبر على قتلها، ويفارق أغصان الشجرة فنه يدوم ضرره ولا يعرف قدر ما يشغل في الهواء فيؤدي أجره إذا ثبت هذا فإنه يقر في الأرض إلى حين حصاده بأجر مثله وقال القاضي لا أجر عليه لأنه حصل في أرض غيره بغير تفريطه أشبه ما إذا باتت دابته في أرض إنسان بغير تفريطه والأول أولى لأن إلزامه

مسألة: وإن حمل السيل بذرا إلى أرض فنبت فيها فهو لصاحبه

تبقية زرع ما أذن فيه في أرضه بغير أجر ولا انتفاع إضرار به وشغل لملكه بغير اختياره فلم يجز كما لو أراد إبقاء البهيمة في دار غيره عاماً، ويفارق مبيتها لأن ذلك لا يجبر المالك عليه ولا يمنع من إخراجها فإذا تركها اختياراً منه كان راضياً به بخلاف مسئلتنا ويكون الزرع لمالك البذر لأنه عين ماله ويحتمل أن لصاحب الأرض أخذه بقيمته كزرع الغاصب على ما نذكره والأول أولى لأنه بغير عدوان وقد أمكن جبر حق مالك الأرض بدفع الأجر إليه، وإن احب مالكه قعله فله ذلك وعليه تسوية الحفر وما نقصت لأنه أدخل النقص على ملك غيره لا ستصلاح ملكه (مسألة) (وإن حمل السيل نوى غرس رجل فنبت في أرض غيره كالزيتون ونحوه فهو لمالك النوى) لأنه من نماء ملكه فهو كالزرع ويجبر على قلعه ههنا لأن ضرره يدوم فهو كأغصان الشجرة المنتشرة في هواء ملك غيره، وهل يكون كغرس الشفع أو كغرس الغاصب؟ على وجهين (أحدهما) يكون كغرس الغاصب لأنه حصل في ملك غيره بغير إذنه (الثاني) كغرس الشفيع لأنه حصل في ملك غيره بغير تفريط منه ولا عدوان. (فصل) وإن حمل السيل ارضا بشجرها فنبتت في أرض آخركما كانت فهي لمالكها يجبر على إزالتها كما ذكرنا وفي كل ذلك إذا ترك صاحب الأرض المنتقلة أو الشجر أو الزرع ذلك لصاحب الأرض التي انتقل إليها لم يلزمه نقله ولا أجره ولا غيره لأنه حصل بغير تفريطه ولا عدوانه وكانت الخيرة

مسألة: وإن حمل السيل نوى غرس رجل فنبت في أرض غيره كالزيتون ونحوه فهو لمالك النوى

إلى صاحب الأرض المشغولة به إن شاء أخذه لنفسه وإن شاء قلعه. (فصل) قال رضي الله عنه (وحكم المستعير في استيفاء المنفعة حكم المستأجر) لأنه ملك التصرف بقول المالك وإذنه فأشبه المستأجر لأنه ملكه بإذنه فوجب أن يملك ما يقتضيه الاذن كالمتسأجر، فعلى هذا إن أعاره للغراس والبناء فله أن يزرع ما شاء وإن استعارها للزرع لم يغرس ولم بين وإن استعارها للغرس أو البناء ملك المأذن له فيه منها دون الآخر لأن ضررهما مختلف، وكذلك إن استعارها لزرع الحنطة فله زرع الشعير وقد ذكرنا ذلك مفصلا في الإجارة وكذلك إن أذن له في زرع مرة لم يكن له أن يزرع أكثر منها وإن أذن له في غرس شجرة فانقلعت لم يملك غرس أخرى لأن الاذن اختص بشئ لم يجاوزه. (فصل) ومن استعار شيئاً فله استيفاء منفعته بنفسه وبوكيله لأن وكيله نائب عنه ويده كيده، وليس له أن يؤجره إلا أن يأذن فيه لأنه لم يملك المنافع فلم يكن له أن يملكها ولا نعلم في هذا خلافاً ولا خلاف بينهم أن المستعير لا يملك العين وأجمعوا على ان للمستعير استعمال المعار فيما أذن له فيه (فصل) وليس له أن يرهنه بغير إذن مالكه، وله ذلك باذنه بشروط ذكرناها في باب الرهن ولا يصير المعير ضامناً للدين وقال الشافعي يصير ضامناً في رقبة عبده في أحد قوليه لأن العارية ما يستحق به منعفة العين والمنفعة ههنا للمالك فدل على أنه ضمان

مسألة: والعارية مضمونة بقيمتها يوم التلف وإن شرط نفي ضمانها سواء تعدى المستعير فيها أو لم يتعد

ولنا إنه أعاره ليقضي منه حاجته فلم يكن ضامناً كسائر العواري وإنما يستحق بالعارية النفع المأذون فيه وما عداه من النفع فهو لمالك العين. (مسألة) (والعارية مضمونة بقيمتها يوم التلف وإن شرط نفي ضمانها سواء تعدى المستعير فيها أولم يتعد) روى ذلك عن ابن عباس وأبي هريرة وهو قول الشافعي واسحاق، وقال الحسن والنخعي والشعبي وعمر بن عبد العزيز والثوري وأبو حنيفة ومالك والاوزاعي وابن شبرمة: هي أمانة لا يجب ضمانها إلا بالتعدي لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس على المستعير غير المغل ضمان) ولأنه قبضها بإذن مالكها فكانت أمانة كالوديعة، قالوا وقول النبي صلى الله عليه وسلم (العارية مؤداة) يدل على أنه أمانة لقول الله تعالى (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) . ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث صفوان بل عارية مضمونة، وروى الحسن عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (على اليد ما أخذت حتى تؤديه) رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن غريب ولأنه أخذ ملك غيره لنفع نفعه منفرداً بنفعه من غير استحقاق ولا إذن في الإتلاف فكان مضموناً كالمغصوب والمأخوذ على وجه السوم وحديثهم يرويه عمر بن عبد الجبار عن عبيد بن حسان عن عمرو بن شعيب وعمر وعيبد ضعيفان قاله الدار قطعي ويحتمل أنه أراد ضمان المنافع والأجر وقياسهم منقوض بالمقبوض على وجه السوم.

(فصل) وإن شرط نفي الضمان لم يسقط وبه قال الشافعي وقال أبو حفص العكبري يسقط قال أبو الخطاب أو ما إليه أحمد وبه قال قتادة والعنبري لأنه لو أذن في إتلافها لم يجب ضمانها فكذلك إذا أسقط عنه ضمانها وقيل بل مذهب قتادة والعنبري أنها لا تضمن إلا أن يشترط ضمانها فيجب لقول النبي صلى الله عليه وسلم لصفوان (بل عارية مضمونة) ولنا أن كل عقد اقتضى الضمان لم يغيره الشرط كالمقبوض ببيع صحيح أو فاسد وما اقتضى الأمانة فكذلك كالوديعة والشركة والمضاربة والذي كان من النبي صلى الله عليه وسلم إخبار بصفة العارية وحكمها، وفارق ما إذا إذن في الإتلاف فإن الإتلاف فعل يصح فيه الإذن ويسقط حكمه إذ لا ينعقد موجباً للضمان مع الإذن فيه وإسقاط الضمان ههنا نفي للحكم مع وجود سببه وليس ذلك للمالك ولا يملك الإذن فيه (فصل) وتضمن بقيمتها يوم التلف إلا على الوجه الذي يجب فيه ضمان الأجزاء التالفة بالإنتفاع المأذون فيه فإنه يضمنها بقيمتها قبل تلف أجزائها إن كانت قيمتها حينئذ أكثر وإن كانت أقل ضمنها بقيمتها يوم تلفها على الوجهين جميعاً ويضمنها بمثلها إن كانت مثلية (مسألة) (وكل ما كان أمانة لا يصير مضموناً بشرطه لأن مقتضى العقد كونه أمانة فإذا شرط ضمانه فقد التزم ضمان ما لم يوجد سبب ضمانه فلم يلزمه كما لو اشترط ضمان الوديعة أو ضمان مال في يد

مسألة: وكل ما كان أمانة لا يصير مضمونا بشرطه لأن مقتضى العقد كونه أمانة فإذا شرط ضمانه فقد التزم ضمان ما لم يوجد سبب ضمانه فلم يلزمه كما لو اشترط ضمان الوديعة

مالكه وما كان مضموناً لا ينتفي ضمانه بشرطه لأن مقتضى العقد الضمان فإذا شرط نفي ضمانه لا ينتفي مع وجود سببه كما لو اشترط نفي ضمان ما يتعدى فيه وعن أحمد أنه ذكر له ذلك فقال المؤمنون على شروطهم وهذا يدل على نفي الضمان بشرطه والأول ظاهر المذهب لما ذكرناه (مسألة) (وإن تلفت أجزاؤها بالإستعمال كخمل المنشفة فعلى وجهين) وجملة ذلك أن المستعير إذا انتفع بالعارية ثم ردها على صفتها فلا شئ عليه لأن المنافع مأذون في إتلافها فلا يجب عوضها وان تلف شئ من أجزائها التي لا تذهب بالإستعمال ضمنه لأن ما تضمن جملته تضمن أجزاؤه كالمغصوب فأما أجزاؤها التي تذهب بالإستعمال كخمل المنشفة والقطيفة ففيه وجهان (أحدهما) يجب ضمانه لأنه أجزاء عين مضمونة فوجب ضمانها كالمغصوب ولأنها أجزاء يجب ضمانها لو تلفت العين قبل استعمالها فتضمن إذا تلفت وحدها كالأجزاء التي لا تتلف بالاستعمال (والثاني) لا يضمنها وبه قال الشافعي لأن الاذن في الاستعمال تضمنه فلا يجب ضمانه كالمنافع وكمالو أذن في إتلافها صريحا وفارق ما إذا تلفت العين قبل استعمالها لأنه لا يمكن تمييزها من العين ولأنه إنما أذن في إتلافها على وجه الانتفاع فإذا تلفت قبل ذلك فقد فاتت على غير الوجه الذي أذن فيه فضمنها كما لو أجر العين المستعارة فإنه يضمن منافعها فإن قلنا لا يضمن الأجزاء فتلفت العين بعد ذهابها بالإستعمال قومت حال التلف لأن الأجزاء التالفة تلفت غير مضمونة لكونها مأذوناً في إتلافها فلا يجز تقويمها عليه وإن قلنا تضمن الأجزاء قومت العين قبل

مسألة: وليس للمستعير أن يعير

تلف أجزائها فإن تلفت الأجزاء باستعمال غير مأذون فيه كمن استعار ثوبا ليلبسه فحمل فيه تراباً فإنه يضمن نقصه ومنافعه لأنه تلف بتعديه وإن تلفت بغير تعد منه ولا استعمال كتلفها بمرور الزمان الطويل عليها ووقوع نار فيها ضمن ما تلف بالنار ونحوها لأنه تلف لم يتضمنه الاستعمال المأذون فيه فهو كتلفها بفعل لم يأذن فيه وما تلف بطول الزمان كالذي تلف بالاستعمال لأنه تلف بالإمساك المأذون فيه فأشبه تلفه بالفعل المأذون فيه (فصل) ولا يجب ضمان ولد العارية في أحد الوجهين لأنه لم يدخل في الإعارة فلم يدخل في الضمان ولا فائدة للمستعير فيه أشبه الوديعة ويضمن في الآخر لأنه ولد عين مضمونة أشبه ولد المغصوبة والأول أصح فإن ولد المغصوبة لا يضمن إذا لم يكن مغصوباً وكذلك العارية إذا لم يؤخذ مع أمه (مسألة) (وليس للمستعير أن يعير) وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشافعي وفي الآخر له ذلك وهو قول أبي حنيفة لأنه يملكه على حسب ما ملكه فجاز كإجارة المستأجر ويحتمل أن يكون مذهب لاحمد في العارية المؤقتة بناء على كونه إذا أعاره أرضه سنة ليبني فيها لم يحل الرجوع قبل السنة لأنه قد ملك المنفعة فجازت له إعارتها كالمتسأجر بعقد لازم وحكاه صاحب المجرد قولا لاحمد، وقال أصحاب الرأي إذا استعار ثوباً ليلبسه فأعطاه غيره فلبسه فهو ضامن وإن لم يسم من يلبسه فلا ضمان عليه وقال مالك إذا لم يعمل بها إلا الذي أعيرها فلا ضمان عليه ولنا أن العارية إباحة المنفعة فلا يجوز أن يبيحها غيره كإباحة الطعام وفارق الإجارة فإنه ملك

مسألة: وإن تلفت عند الثاني فللمالك تضمين أيهما شاء

الانتفاع على كل وجه فملك أن يملكها وفي العارية لم يملكها إنما ملك استيفاءها على وجه ما أذن فيه فأشبه من أبيح له أكل الطعام. فعلى هذا إن أعار فللمالك الرجوع بأجر المثل وله أن يطالب من شاء منهما لأن الأول سلط غيره على أخذ مال غيره بغير إذنه والثاني استوفاه بغير إذنه فإن ضمن الأول رجع على الثاني لأن الإستيفاء حصل منه فاستقر الضمان عله وإن ضمن الثاني لم يرجع على الأول إلا أن يكون الثاني لم يعلم بحقيقة الحال فيحتمل أن يستقر الضمان على الأول لأنه غر الثاني ودفع إليه العين على أنه يستوفي منافعها بغير عوض (مسألة) (وإن تلفت عند الثاني فللمالك تضمين أيهما شاء) لما ذكرنا ويستقر الضمان على الثاني بكل حال لأنه قبضها على أنها مضمونة عليه فإن ضمن الأول رجع الأول على الثاني ولا يرجع الثاني إن ضمنه على أحد (مسألة) (وعلى المستعير مؤنة رد العارية) لقول النبي صلى الله عليه وسلم (العارية مؤداة) وقوله (على اليد ما أخذت حتى ترده) قال الترمذي هذا حديث حسن، ويجب ردها إلى المعير أو الوكيل في قبضها ويبرأ بذلك من ضمانها وإن ردها الى المكان الذي أخذها منه أو الى ملك صاحبها لم يبرأ من ضمانها وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة يبرأ لأنها صارت كالمقبوضة فإن رد العواري في العادة يكون إلى أملاك أربابها فيكون مأذوناً فيه عادة

مسألة: وعلى المستعير مؤنة رد العارية

ولنا أنه لم يردها إلى مالكها ولا نائبه فيها فلم يبرأ منها كما لو دفعها إلى أجنبي وما ذكره يبطل بالسارق إذا رد المسروق إلى الحرز ولا نسلم أن العادة ما ذكر (مسألة) (وإن رد الدابة إلى إصطبل المالك أو غلامه لم يبرأ إلا بردها إلى من جرت عادته بجريان ذلك على يده كالسائس ونحوه) قد ذكرنا في المسألة قبلها الاردها الى المكان الذي أخذها منه، وإن ردها إلى زوجته المتصرفة في ماله أو رد الدابة إلى سائسها فقال القاضي يبرأ في قياس المذهب لأن أحمد قال في الوديعة اذا سلمها إلى امرأته لم يضمها لأنه مأذون في ذلك أشبه مالو أذن فيه نطقاً (فصل) ومن استعار شيئا فانتع به ثم ظهر مستخقا فلما لكنه أجر مثله يطالب به من شاء منهما فإن ضمن المستعير رجع على المعير بما غرم لأنه غره بذلك وغرمه لأنه دخل عن أنه لا أجرة عليه وإن ضمن المعير لم يرجع على أحد لأن الضمان استقر عليه قال أحمد في قصار دفع ثوباً إلى غير صاحبه فلبسه فالضمان على القصار دون اللابس وسنذكره في الغصب إن شاء الله تعالى. (فصل) وإن اختلفا فقال أجرتك قال بل أعرتي عقيب العقد والبهيمة قائمة فالقول قول الراكب إذا اختلف رب الدابة والراكب فقال الراكب هي عارية وقال المالك أكريتكها

مسألة: وإن كان بعد مضي مدة لها أجرة فالقول قول المالك فيما مضى من المدة دون ما بقي منها

وكانت الدابة باقية لم تنقص وكان الإختلاف عقيب العقد فالقول قول الراكب مع يمينه لأن الأصل براءة ذمته منها لأن الأصل عدم عقد الإجارة ويرد الدابة إلى مالكها وكذلك إذا ادعى المالك أنها عارية وقال الراكب قد اكريتنيها فالقول قول المالك مع يمينه لما ذكرنا (مسألة) (وإن كان بعد مضي مدة لها أجرة فالقول قول المالك فيما مضى من المدة دون ما بقي منها) حكي ذلك عن مالك وقال أصحاب الرأي القول قول الراكب وهو منصوص الشافعي لأنهما اتفقا على تلف المنافع على ملك الراكب وادعى المالك عوضاً لها والأصل عدم وجوبه وبراءة ذمة الراكب منه. ولنا أنهما اختللفا في كيفية انتقال المنافع إلى ملك الراكب فكان القول قول المالك كما لو اختلفا في عين ققال المالك بعتكها وقال الآخر وهبتنيها ولأن المنافع تجري مجرى الأعيان في الملك والعقد عليها ولو اختلفا في الأعيان كان القول قول المالك كذا ههنا وما ذكروه يبطل بهذه المسألة ولأنهما اتفقا على أن المنافع لا تنتقل الى الراكب إلا بنقل المالك لها فيكون القول قول في كيفية الإنتقال كالأعيان فيحلف المالك ويستحق الأجر (مسألة) (وهل يستحق أجر المثل أو المدعي إذا زاد عليها؟ على وجهين) (أحدهما) أجر المثل لأنهما لو اتفقا على وجوبه واختفافي قدره وجب أجر المثل فمع الإختلاف في أصله أولى (والثاني) المسمى لأنه وجب بقول المالك ويمينه فوجب ما حلف عليه كالأصل والأول أصح لأن الإجارة لا تثبت بدعوى المالك بغير بينة وإنما يستحق بدل النفعة وهو أجر المثل وقيل يلزمه أقل الأمرين لأنه إن كان المسمى أقل ققد رضي به وإن كان أكثر فليس له إلا أجر المثل لأن الإجارة لم تثبت وإنما يكون القول قول المالك إذا اختلفا في أثناء المدة فيها مصى منها وأما فيما قي فالقول قول المستعير لأن ما بقي بمنزلة ما لو اختلفا

مسألة: وهل يستحق أجر المثل أو المدعي إذا زاد عليها؟ على وجهين

عقيب العقد وإن ادعى المالك في هذه الصورة أنها عارية وادعى الآخر بأجرة فهو يدعي استحقاق المنافع ويعترف بالأجر للمالك والمالك ينكر ذلك كله فالقول قوله مع يمينه فيحلف ويأخذ بهيمته (مسألة) (وإن اختلفا بعد تلف الدابة فقال المالك أعرتك وقال الراكب بل أجرتني فالقول قول المالك إذا كان قبل مضي مدة لها أجرة) سواء ادعى الإجارة أو العارية لأنه إن ادعى الإجارة فهو معترف للراكب ببراءة ذمته من ضمانها فيقبل إقراره على نفسه، وإن ادعى الإعارة فهو يدعي قيمتها والقول قوله لأنهما اختلفا في صفة القبض والأصل فيما يقبضه الانساب من مال غيره الضمان لقول النبي صلى الله وسلم (على اليد ما أخذت حتى ترده) حديث حسن وإذا حلف المالك إستحق القيمة والقول في قدرها قول الراكب مع يمينه لأنه منكر للزيادة المختلف فيها والأصل عدما، وإن اختلفا في ذلك بعد مضي مدة لها أجرة والبهمية تالفة وكان الأجر بقدر قيمتها أو كان ما يدعيه المالك أقل مما يعترف به الراكب فالقول قول المالك بغير يمين سواء ادعى الإجارة أو الاعارة إذا لا فائدة في اليمين على شئ يعرف له به خصمه ويحتمل أن لا يأخذه إلا بيمين لأنه يدعي شيئاً لا يصدق فيه ويعترف له خصمه بما لا يدعيه فيحلف على ما يدعيه وإن كان ما يدعيه المالك أكثر بأن تكون قيمة الدابة

مسألة: وإن اختلفا بعد تلف الدابة فقال المالك: أعرتك وقال الراكب: بل أجرتني فالقول قول المالك إذا كان قبل مضي مدة لها أجرة

أكثر من أجرها فادعى المالك أنها عارية لتجب له القيمة وأنكر استحقاق الاخر ادعى الراكب إنها مكتراة أو كان الكراء أكثر من قيمتها فادعى المالك أنه أجرها ليجب له الكراء وادعى الراكب أنها عارية فالقمول قول المالك في الصورتين لما قدمنا فإذا حلف إستحق ما حلف عليه ومذهب الشافعي في هذا كله نحو ما ذكرنا (مسألة) (وإن قال أجرتني أو أعرتني قال بل غصبتني فالقول قول المالك وقبل قول الغاصب) إذا كان الاختلاف عقيب العقد والدابة قائمة لم تنقص فلا معنى للإختلاف ويأخذ المالك دابته وكذلك إن كانت الدابة تالفة وادعى الراكب العارية لأن القيمة تجب على المستعير كوجوبها على الغاصب، وإن كان الاختلاف بعد مضي مدة لها أجرة فالاختلاف في وجوبه والقول قول المالك وهذا ظاهر قول الشافعي ونقل المزني عنه أن القول قول الراكب وذكره بعض أصحابنا لأن المالك يدعي عليه عوضا الأصل براءة ذمته منه ولأن الظاهر من اليد أنها لحق فكان القول قول صاحبها ولنا ما قدمنا في المسألة التي قبلها بل هذا أولى لانهما ثم اتفقا على أن المنافع ملك الراكب وههنا لم يتفقا على ذلك فإن المالك ينكر إنتقال الملك فيها إلى الراكب والراكب يدعيه والقول قول المنكر لأن الأصل عدم الإنتقال فيحلف ويستحق الأجر، فإن قال المالك غصبتها وقال الراكب أجرتنيها فالاختلاف ههنا في وجوب القيمة لأن الأجر يجب في الموضعين إلا أن يختلف المسمى وأجر المثل فالقول قول المالك مع يمينه في وجوب القيمة فإن كانت الدابة تالفة عقيب أخذها حلف وأخذ قيمتها وإن كانت قد بقيت مدة لمثلها أجر والمسمى بقدر أجر المثل أخذه المالك لا تفاقهما على استحقاقه وكذلك إن كان أجر المثل دون المسمى وفي اليمين وجهان وان كان زائداً عن المسمى لم يستحقه إلا باليمين وجهاً واحداً والله أعلم

كتاب الغصب

كتاب الغصب وهو الاستيلاء على مال الغير قهراً بغير حق، وهو محرم بالكتاب والسنة والإجماع: أما الكتاب فقول تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) وقوله تعالى (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلو افريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون) وأما السنة فروى جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته يوم النحر (ان دماء كم وأموالكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا) رواه مسلم وغيره، وعن سعيد ابن زيد قال مسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (من أخذ شبراً من الأرض ظلما طوقه من سبع أرضين) متفق عليه، وورى أبو حرة الرقاشي عن عمه وعمرو بن يثربي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه) رواه الجوزجاني، وأجمع المسلمون على تحريم الغصب في الجملة وإنما اختلفوا في فروع منه نذكرها إن شاء الله تعالى (مسألة) (وتضمن أم الولد والعقار بالغصب) وهو قول الشافعي وأبي يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة لا يضمن لأن أم الولد لا تجري مجرى المال بدليل أنه لا يتعلق بها حق الغير فأشبهت الحر ولنا أنها تضمن بالقيمة فضمنت بالغصب كالقن ولأنها مملوكة أشبهت المدبرة وفارقت الحرة فإنها ليست مملوكة ولا تضمن بالقيمة

مسألة: ويضمن العقار بالغصب ويتصور غصب الأراضي والدور ويجب ضمانه على غاصبه

(مسألة) (ويضمن العقار بالغصب ويتصور غصب الأراضي والدور ويجب ضمانه على عاصبه) هذا ظاهر مذهب أحمد وهو المنصوص عند أصحابه وبه قال مالك والشافعي ومحمد بن الحسن وروى ابن منصور عن أحمد فيمن غصب أرضاً فزرعها ثم أصابها غرق من الغاصب غرم قيمة الأرض وإن كان شيئاً من السماء لم يكن عليه شئ فظاهر هذا أنها لا تضمن بالغصب وقال أبو حنيفة وأبو يوسف لا يتصور غصبها ولا تضمن بالغصب فإن أتلفها ضمنها بالإتلاف لأنه لم يوجد فيها النقول والتحويل فلم تزيضمنها كما لو حال بينه وبين متاعه فتلف المتاع ولأن الغصب إثبات اليد على المال عدواناً على وجه ول به يد المالك ولا يمكن ذلك في العقار ولنا قوله عليه السلام (من ظلم شبراً من الأرض طوقه يوم القيمة من سبع أرضين) متفق على معناه وفي لفظ (من غصب شبراً من الأرض) فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه يغصب ويظلم فيه ولأن ما ضمن في البيع وجب ضمانه في الغصب كالمنقول ولأنه يمكن الاستيلاء عليه على وجه يحول بينه وبين مالكه مثل أن يسكن الدار ويمنع مالكها من دخولها فأشبه مالو أخذ الدابة والمتاع، وأما إذا حال بينه وبين متاعه واستولى على ماله فنظيره ههنا أن يحبس المالك ولا يستولي على داره، وأما ما تلف من الأرض بفعله أو بسبب فعله كهدم حيطانها وتغريقها أو كشط ترابها وإلقاء الحجارة فيها أو نقص يحصل بغراسه أو بنائه فيضمنه بغير خلاف بين العلماء لأن هذا إتلاف والعقار يضمن بالإتلاف من غير خلاف. (فصل) ولا يحصل الغصب من غير استيلاء فلو دخل أرض إنسان أو داره لم يضمنها بدخوله سواء دخلها بإذنه أو غير إذنه وسواء كان صاحبها فيها أولم يكن وقال أصحاب الشافعي إن دخلها بغير

مسألة: وإن غصب كلبا فيه نفع أو خمر ذمي لزمه ردهما

اذنه ولم صاحبها فيها ضمنها سواء قصد ذلك أو ظن أنها داره أو دار أذن له في دخولها لأن يد الداخل تثبت عليها بذلك فيصير غاصباً فإن الغصب إثبات اليد العادية وهذا قد تثبت يده بدليل أنهما لو تنازعا في الدار ولا بينة حكم بها لمن هو فيها دون الخارج منها ولنا أنه غير مستول عليها فلم يضنمها كما لو دخلها بإذنه أو دخل صحراة له ولأنه إنما يضمن بالغصبب ما يضمنه في العارية وهذا لا تثبت به العارية ولا يجب به الضمان فيها فكذلك لا يثبت به الغصب إذا كان بغير إذن. (مسألة) (وإن غصب كلباً فيه نفع أو خمر ذمي لزمه ردهما) إذا غصب كلباً يجوز اقتناؤه وجب رده لأنه يجوز الإنتفاع به وإقتناؤه فأشبه المال، وإن أتلفه لم يغرمه وفيه اختلاف ذكر في البيع وهو مبني على جواز بيعه، وإن حبسه مدة لم يلزمه أجر لأنه لا يجوز وإن غصب خمر ذمي لزمه ردها لأنه يقر على شربها فإن أتلفها لم يلزمه قيمتها سواء أتلفه مسلم أو ذمي وسواء كان المسلم أو ذمي نص عليه أحمد في رواية أبي الحارث في الرجل يهريق مسكراً لمسلم أو لذمي فلا ضمان عليه وكذلك الخنزير وبهذا قال الشافعي، وقال أبو حنيفة ومالك يجب ضمان الخمر والخنزير إذا أتلفهما على ذمي قال أبو حنيفة إن كان مسلماً بالقيمة وإن كان ذمياً بالمثل لأن عقد الذمة إذا عصم عينا قومها كنفس الذمي وقد عصم خمر الذمي بديل أن المسلم يمنع من إتلافها فيجب أن يقومها ولأنها مال لهم يتمولونها لما روي عن عمر رضي الله عنه إن عامله كتب إليه: إن أهل الذمة يمرون بالعاشر ومعهم الخمور فكتب اليه عمر ولوهم بيعها وخذوا منهم عشر ثمنها فإذا كانت مالاً لهم وجب ضمانها كسائر أموالهم

ولنا ماروى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ألا إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام) متفق عليه وما حرم بيعه لالحرمته لم تجب قيمته كاليمتة ولأن ما لم يكن مضموناً في حق المسلم لا يكون مضموناً في حق الذمي كالمرتد، ولأنها غير متقومة فلا تضمن كالميتة، ودليل أنها غير متقومة أنهغا غير متقومة في حق المسلم فكذلك في حق الذمي فان تحريهما ثبت في حقهما وخطاب النواهي يتوجه إليها فما ثبت في حق أحدهما ثبت في حق الآخر ولا نسلم أنها معصومة بل متى أظهرت حلت إراقتها ثم لو عصمها ما لزم تقومها فإن نساء أهل الحرب وصبيانهم معصومون غير متقومين وقولهم إنها مال عندهم ينتقض بالعبد المرتد فإنه مال عندهم، فأما حديث عمر فمحمول على أنه أراد ترك التعرض لهم وإنما أمر بأخذ عشر أثمانها لأنهم إذا تبايعوا وتقابضوا حكمنا بالمالك ولم نتقضه وتسميتها أثماناً مجاز كما سمى الله تعالى ثمن يوسف ثمناً فقال (وشروه بثمن جنس) (فصل) فإن غصب من مسلم خمراً حرم ردها ووجبت إراقتها لأن أبا طلحة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أيتام ورثوا خمراً فأمره بأراقتها، وإن أتلفها أو تلفت عنده لم يجب ضمانها لما روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه) ولأن ما حرم الانتفاع به لم يجب ضمانه كالميتة والدم، فإن أمسكها حتى صارت خلا لزمه ردها لأنها صارت خلاعلى حكم ملكه فلزمه ردها فإن تلفت ضمنها له لأنها مال المغصوب منه تلف في يد الغاصب، فإن أراقها

مسألة: وإن غصب جلد ميتة فهل يجب رده؟ على وجهين

فجمعها اسنان فتخلت عنده رد الخل لأنه أخذها بعد إتلافها وزوال اليد عنها (مسألة) (وإن غصب جلد ميتة فهل يجب رده؟ على وجهين) بناء على طهارته بالدباغ فمن قال بطهارته أوجب رده لأنه يمكن إصلاحه فهو كالثوب النجس ومن قال لا يطهر لم يجب رده لأنه لا سبيل إلى إصلاحه وإن أتلفه أو أتلف ميتة بجلدها لم يضمن لأنه لا قيمة له بدليل أنه لا يحل بيعه (مسألة) (وإن دبغه وقلنا بطهارته يلزمه رده كالخمر إذا تخللت ويحتمل أن لا يجب رده) لأنه صار مالاً بفعله بخلاف الخمر وإن قلنا لا يظهر لم يجب رده لأنه لا يباح الإنتفاع به ويحتمل أن يجب رده إذا قلنا يباح الانتفاح به في اليابسات لأنه نجس يباح الإنتفاع به أشبه الكلب وكذلك قبل الدباغ (مسألة) (وإن استولى على حرلم يضمنه بذلك) لا يثبت الغصب فيما ليس بمال كالحر فإنه لا يضمن بالغصب إنما يضمن بالإتلاف فإن حبس حرافمات عنده لم يضمنه لأنه ليس بمال إلا أن يكون صغيراً ففيه وجهان (أحدهما) لا يضمنه لأنه حر أشبه الكبير وهذا مذهب الشافعي (والثاني) يضمنه لأنه يمكن الإستيلاء عليه من غير ممانعة منه أشبه العبد الصغير، فإن قلنا لا يضمنه فهل يضمن ثيابه وحليه؟ على وجهين (أحدهما) لا يضمنه لأنه تبع له وهو تحت يده أشبه ثياب الكبير (والثاني) يضمنه لأنه استولى عليه أشبه مالو كان منفرداً (مسألة) (وإن استعمل الحر كرما فعليه أجرته (لأنه استوفى منافعه وهي متقومة فلزمه ضمانها

مسألة: وإن استعمل الحر كرها فعليه أجرته

كمنافع العبد، وإن حبسه مدة لمثلها أجرة ففيه وجهان (أحدهما) يلزمه أجرتك المدة لأنه فوت منفعتبه وهي مال يجوز أخذ العوض عنها فضمنت بالغصب كمنافع العبد (والثاني) لا يلزمه أجرتك المدة لأنها تابعة لما لا يصح غصبه فأشبهت ثيابه إذا بليت عليه وأطرافه ولأنها تلفت تحت يديه فلم يجب ضمانها كنما ذكرنا لو منعه العمل من غير حبس لم يضمن منافعه وجها واحدا لأنه لو فعل ذلك بالعبد لم يضمن منافعه فالحر أولى ولو حبس الحر وعليه ثباب لم يلزمه ضمانها لأنها تابعة لما لم تثبت اليد عليه في الغصب وهذا كله مذهب الشافعي (فصل) ويلزمه رد المغصوب إن قدر على رده وإن غرم عليه أضعاف قيمته إذا كان باقياً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (على ايد ما أخذت حتى ترده) رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي وقال حديث حسن وروى عبد الله بن السائب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا يأخذ أحدكم متاع صاحبه لاعباً جاداً ومن أخذ عصا أخيه فليردها) رواه أبو داود يعني أنه يقصد المزح مع صاحبه بأخذ متاعه وهو جاد في إدخال الغم والغيظ عليه ولأنه أزال يد المالك عن ملكه بغير حق فلزمته إعادتها، وأجمع العلماء على وجوب رد المغصوب إذا كان بحاله لم يتغير ولم يشتغل بغيره (فصل) فإن غصب شيئاً فبعد لزم رده وإن عرم عليه أضعاف قيمته لأنه جنى بتبعيده فكان ضرر ذلك عليه فإن قال الغاصب خذ مني أجر رده وتسلمه مني ههنا أو بذل له أكثر من قيمته ولا يسترده لم يلزم المالك قبول ذلك لأنها معاوضة فلا يجبر عليها كالبيع، وإن قال المالك دعه لي في مكانه الذي نقلته

مسألة: وإن خلطه بما يتميز منه لزمه تخليصه ورده

إليه لم يملك الغاصب رده لأنه أسقط عنه حقاً فسقط وإن لم يقبله كما لو أبرأه من دينه وإن قال رده لي إلى بعض الطريق لزمه لأنه يلزمه جميع المسافة فلزمه بعضها المطلوب وسقط عنه ما أسقطه كما لو أسقط عنه بعض دينه وإن طلب منه حمله الى مكان آخر في غير طريق الرد لم يلزم الغاصب ذلك سواء كان أقرب الى المكان الذي يلزم رده إليه أولاً لأنه معاوضة، وإن قال دعه في مكانه وأعطني أجر رده لم يلزمه ذلك ومهما اتفقا عليه من ذلك جاز لأن الحق لهما لا يخرج عنهما (مسألة) (وإن خلطه بما يتميز منه لزمه تخليصه ورده) مثل أن يخلط حنطة بشعير أو سمسم أو صغار الحب بكباره أو زبيباً أسود بأحمر لما ذكرنا وأجر المميز عليه كأجر رده إذا بعده وإن أمكن تمييز بعضه وجب تمييز ما أمكن منه وإن لم يمكن تميز شئ منه فسنذكره إن شاء الله تعالى (مسألة) (وإن بنى عليه لزمه رده إلا أن يكون قد بلي) إذا غصب شيئاً فشغله بملكه كحجر نبي عليه أو خيط خاط به ثوبه أو نحوه فإن بلي الخيط أو انكسر الحجر أو كان مكانه خشبة فتلفت لم يجب رده ووجبت قيمته لانه صارها لكا فوجبت قيمته كما لو تلف، وإن كان باقياً بحاله لزمه رده وإن انتقض البناء وتفصل الثوب وبهذا قال مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة لا يجب أداء الخشبة والحجر لأنه صار تابعاً لملكه يستضر بقلعه فلم يجب رده كما لو غصب خيطاً فخاط به جرح عبده ولنا أنه مغصوب أمكن رده ويجوز له فيجوز كما لو بعد العين ولا يشبه الخيط الذي يخاف على العبد من قلعه لأنه لا يجوز له رده لما في ضمنه من تلف الآدمي ولأن حاجته إلى ذلك تبيح أخذه ابتداء بخلاف البناء

مسألة: وإن بنى عليه لزمه رده إلا أن يكون قد بلي

(مسألة) (وإن سمر بالمسامير بابالزمه قلعها وردها) لما ذكرنا من الحديث (فصل) وإن غصب فصيلاً فأدخله داره فكبر ولم يخرج من الباب أو خشبة وأدخلها دار ثم بنى الباب ضيقاً لا يخرج منه إلا بنقضه وجب نقضه ورد الفصيل والخشبة كما ينقض البناء لرد الساجة فإن كان حصوله في الدار بغير تفريط من صاحب الدار نقص الباب وضمانه على صاحب الفصيل لأنه لتخليص ماله من غير تفريط من صاحب الدار، وأما الخشبة فإن كان كسرها أكثر ضرراً من نقض الباب فهي كالفصيل وإن كان أقل كسرت ويحتمل في الفصيل مثل هذا متى كان ذبحه أقل ضرراً ذبح وأخرج لحماً لأنه في معنى الخشبة، وإن كان حصوله في الدار بعدوان من صاحبه كرجل غصب داراً وأدخلها فصيلاً أو خشبة أو تعدى على إنسان فأدخل داره فرسا ونحوها كسرت الخشبة وذبح الحيوان وإن زاد ضرره على نقض البناء لان سبب هذا الضرر عدوانه فيكون عينه، ولو باع داراً فيها خوابي لا تخرج إلا بنقض الباب أو خزائن أو حيوان وكان نقض الباب أقل ضرراً من بقاء ذلك في الدار أو تفصيله أو ذبح الحيوان نقض وكان إصلاحه على البائع لأنه لتخليص ماله، وإن كان أكثر ضرراً لم ينقض لأنه لا فائدة فيه ويصطلحان على ذلك أما بأن يشتريه مشتري الدار أو غير ذلك (فصل) وإن غصب جوهرة فابتلعتها بهيمة فقال أصحابنا حكمها حكم الخيط الذي خاط به جرحها على ما نذكره، قال شيخنا ويحتمل أن الجوهرة متى كانت أكثر قيمة من الحيوان ذبح وردت إلى مالكها وضمان الحيوان على الغاصب إلا أن يكون الحيوان آدمياً ويفارق الخيط فإنه في الغالب أقل قيمة من

الحيوان والجوهرة أكثر قيمة ففي ذبح اليحوان رعاية حق المالك برد عين إليه ورعاية حق الغاصب بتقليل الضمان عليه، وإن ابتلعت شاة رجل جوهرة آخر غير مغصوبة ولم يكن إخراجها إلا بذبح الشاة ذبحت إذا كان ضرر ذبحها أقل وضمان نقصها على صاحب الجوهرة لأنه لتخليص ماله فإن كان التفريط من صاحب الشاة بكون يده عليها فلا شئ على صاحب الجوهرة لأن التفريط من غيره فكان الضرر على المفرط. (فصل) وإن أدخلت رأسها في قمقم ولم يمكن إخراجه إلا بذبحها أو كسر القمقم وكان ضرر ذبحها أقل ذبحت وإن كان كسر القمقم أقل كسر، فإن كان التفريط من صاحب الشاة فالضمان عليه وإن كان من صاحب القمقم بأن وضعه في الطريق فالضمان عليه وإن لم يكن منهما تفريط فالضمان على صاحب الشاة، وإن كسر القمقم لأنه كسر لتخليص شاته وإذا ذبحت الشاة فالضمان على صاحب القمقم لأنه لتخليص ماله فإن قال من عليه الضمان منهما أنا أتلف مالي ولا أغرم شيئاً للآخر فله ذلك لأن إتلاف مال الآخر إنما كان لحقه وسلامة ماله وتخليصه فإذا رضي بتلفه لم يجز إتلاف غيره، وإن قال لا أتلف مالي ولا أغرم شيئاً لم نمكنه من إتلاف مال صاحبه لكن صاحب القمقم لا يجبر على شئ لانه لاحرمة له فلا يجبر صاحبه على تخليصه، وأما صاحب الشاة فلا يحل له تركها لما فيه من تعذيب الحيوان فيقال له اما ان تذبح الشاة لتريحهما من العذاب وأما أن تعرم القمقم لصاحبه إذا كان كسره أقل ضرراً لأن ذلك من ضرورة إبقائها أو تخليصها من العذاب فلزم كعلفها، فإن كان الحيوان غير مأكول احتمل أن

يكون حمه حكم المأكول فيما ذكرنا، واحتمل ان يكسر القمقم وهو قول أصحابنا لأنه لانفع في ذبحه ولا هو مشروع وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذبح الحيوان لغير مأكلة، ويحتمل أن يكون كالمأكول في أنه متى كان قتله أقل ضرراً أو كانت الجناية من صاحبه قتل لأن حرمته معارضة بحرمة مال الآدمي الذي يتلف والنهي عن ذبحه معارض بالنهي عن إضاعة المال، وفي كسر القمقم مع كثرة قيمته إضاعة المال. (فصل) وإن غصب ديناراً فوقع في محبرته أو أخذ دينار غيره فسهى فوقع في محبرته كسرت ورد الدينار كا ينقض البناء لرد الخشبة وكذلك إن كان درهما أو أقل وإن وقع من غير فعله كسرت لرد الدينار إن أحب صاحبه والضمان عليه لتخيص ماله، وإن غصب ديناراً فوقع في محبرة آخر بفعل الغاصب أو بغير فعله كسرت لرده وعلى الغاصب ضمان المحبرة لأنه السبب في كسرها وإن كان كسرها أكثر ضرراً من تبقيته الواقع فيها ضمنه الغاصب ولم يكسر، وإن رمى إنسان ديناره في محبرة غيره عدواناً فأبى صاحب المحبرة كسرها لم يجبر عليه لأن صاحبه تعدى برميه فيها فلم يجبر صاحبها على إتلاف ماله لإزالة ضرر عدوانه عن نفسه وعلى الغصب نقص المحبرة بوقوع الدينار فيها ويحتمل أن يجبر على كسرها لردعين مال الغاصب ويضمن الغاصب قيمتها كما لو غرص في أرض غيره ملك حفر الأرض بغير إذن المالك لاخذ غرسه يضمن نقصها بالحفر يضمن نقصها بالحفر وعلى الوجهين لو كسرها الغاصب قهراً لم يلزمه أكثر من قيمتها (مسألة) (وإن زرع الأرض وردها بعد أخذ الزرع فعليه أجرنها)

مسألة: وإن أدركها ربها والزرع قائم خير بين تركه إلى الحصاد بأجرة مثله وبين أخذه بعوضه وهل ذلك قيمته أو نفقته؟ على وجهين

إذا غصب أرضاً فزرعها وردها بعد حصاد الزرع فهو للغاصب لا نعلم فيه خلافاً لأنه نماء ماله وعليه أجر المثل إلى وقت التسليم وضمان النقص ولو لم يزرعها فنقصت لترك الزراعة كأراضي البصرة أو نقصت لغير ذلك ضمن نقصها لما نذكره فيما إذا غرسها أو بنى فيها (مسألة) (وإن أدركها ربها وازرع قائم خير بين تركه إلى الحصاد بأجرة مثله وبين أخذه بعوضه وهل ذلك قيمته أو نفقته؟ على وجهين) قوله أدركها والزرع قائم يعني استرجعها من الغاصب وقدر على أخذها منه متى أدركها ربها والزرع قائم لم يملك إجبار الغاصب على قلع الزرع وخير المالك بين أن يقر الزرع في الأرض إلى الحصاد ويأخذ من الغاصب أجرة الأرض وأرش نقصها وبين أن يدفع إليه نفقته ويكون له الزرع وهذا قول أبي عبيد وقال أكثر الفقهاء يملك إجبار الغاصب على قلعه لقوله عليه الصلاة والسلام ((ليس لعرق ظالم حق) لأنه زرع في أرض غيره ظلماً أشبه الغرس ولنا ما روى رافع بن خدبج قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من زرع في أرض قوم بغير إذنهم فليس له من الزرع شئ وعليه نفقته) رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح فيه دليل على أن الغاصب لا يجبر على القلع لأنه ملك للمغصوب منه ولأنه أمكن رد المغصوب إلى مالكه من غير إتلاف مال الغاصب على قرب من الزمان فلم يجز إتلافه كما لو غصب سفينة فحمل فيها ماله وأدخلها البحر أو غصب لوحا فرقع به سفينة فإنه لا يجبر على رد المغصوب في اللجة ينتظر حتى ترمي صيانة للمال عن

التلف كذا هذا، وفارق الشجر لأن مدته تتطاول ولا يعلم متى ينقطع من الأرض فانتظاره يؤدي إلى ترك رد الأصل بالكلية، وحديثهم ورد في الغرس وحديثنا في الرزع فيجمع بين الحديثين ويعمل بكل واحد منهما في موضعه وهو أولى من إبطال أحدهما. إذا ثبت هذا فمتى رضي المالك بترك الزرع للغاصب ويأخذ منه أجر الأرض فله ذلك لأنه شغل المغصوب بماله فملك صاحبه أخذ أجره كما لو ترك في الدار طعاماً يحتاج في نقله إلى مدة وإن أحب أخذ الزرع فله ذلك كما يستحق الشفيع أخذ شجر المشتري بقيمته، وفيما يرد على الغاصب روايتان: إحداهما) قيمة الزرع لأنه بدل عن الزرع فيقدر بقيمته كما لو أتلفه ولأن الزرع للغاصب إلى حين نتزاعه منه بدليل أنه لو أخذه قبل انتزاع المالك كان ملكاً له يأخذه فيكون أخذ المالك له تملكاً له إلا أن يعوضه فيجب ان يكون بقيمته كما لو أخذ الشقص المشفوع، فعلى هذا يجب على الغاصب أجر الأرض إلى حين تسليم الزرع لأن الرزع كان محكوماً له به وقد شغل به أرض غيره (والرواية الثانية) يرد على الغاصب ما أنفق من البذر ومؤنة الزرع في الحرث والسقي وغيره وهذا الذي ذكره القاضي وهو ظاهر كلام الخرقي وظاهر الحديث لقوله (عليه نفقته) وقيمة الشئ لا تسمى نفقة له والحديث مبني على هذه المسألة فإن أحمد إنما ذهب إلى هذا الحكم استحساناً على خلاف القياس فإن القياس إن الزرع لصاحب البذر لأنه نماء ماله فأشبه ما لو غصب دجاجة فحضنت بيضاً له كان الماء له وقد صرح به أحمد فقال هذا شئ لا يوافق القياس استحسن أن يدفع إليه نفقته للأثر ولذلك جعلناه للغاصب إذا أخذت منه الأرض بعد أخذه الزرع وإذا كان العمل بالحديث فيجب أن يتبع مدلوله ويحتمل أن يكون الزرع للغاصب وعليه الاجرة كما إذا رجع المستعير

(فصل) فإن كان مما تبقى أصوله في الأرض ويجز مرة بعد أخرى كالرطبة احتمل أن يكون حكمه ما ذكرنا لدخوله في عموم الزرع لأنه ليس له فرع قوي أشبه الحنطة والشعير واحتمل أن حكمه حكم الغرس لبقاء أصله وتكرر أخذه ولأن القياس يقتضي أن يثبت لكل زرع مثل حكم الغرس وإنما ترك فيما تقل مدته للأثر ففيما عداه يبقى على قضية القياس (فصل) فإن غصب أرضاً فغرسها فأثمرت فأدركها ربها بعد أخذ الغاصب ثمرتها في له فإن أدركها والثمرة فيها فكذلك لأنها ثمرة شجرة فكانت له كما لو كانت في أرضه ولأنها نماء أصل محكوم به للغاصب فكان له كأغصانها وورقها ولبن الشاة ونسلها، وقال القاضي هي لمالك الأرض إن أدركها قى الغراس لأن أحمد قال في رواية عي بن سعيد إذا غصب أرضاً فغرسها فالنماء لمالك الأرض قال القاضي وعليه من انفقة ما أنفقه الغارس من مؤنة الثمرة لأن الثمرة في معنى الزرع فكان لصاحب الأرض إذا أدركه قائماً فيها كالزرع قال شيخنا والأول أصح لأن أحمد قد صرح بأن أخذ رب الارض الزرع شئ لا يوافق القياس وإنما صار إليه للأثر فيختص الحكم به ولا يتعدى إلى غيره، ولأن الثمرة تفارق الزرع من وجهين (أحدهما) إن الزرع نماء الأرض فكان لصاحبها والثمرة نماء الشجر فكانت لصاحبه الثاني أنه يرد عوض الزرع إذا أخذه مثل البذر الذي نبت منه الزرع مع ما أنفق عليه ولا يمكنه مثل ذلك في الثمرة. (فصل) وإن غصب شجراً فأثمر فالثمر لصاحب الشجر بغير خلاف نعلمه لأنه نماء ملكه ولأن الشجر عين ملكه نمى وزاد فأشبه مالو طالت أغصانه، ويرد الثمر إن كان باقيا وبدله إن تلف وإن كان رطباً فصار تمراً أو عنبا فصا رزبيبا فعليه رده وإرش نقصه إن نقص ولا شئ له بعلمه فيه ولا

مسألة: وإن غرس أو بنى أخذ بقلع غرسه وبنائه وتسوية الأرض وأرش نقصها وأجرتها

أجرة عليه للشجر لأن أجرتها لا تجوز في العقود فكذلك في الغصب ولأن نفع الشجر تربية الثمر وإخراجه وقد عادت هذه المنافع إلى المالك، ولو كانت ماشية فعليه ضمان ولدها إن ولدت عنده وضمان لبنها مثله لأنه من ذوات الأمثال ويضمن اربارها وأشعارها بمثله كالقطن، وفي ضمان زوائد الغصب المنفصلة اختلاف نذكره فيما يأتي (مسألة) (وإن غرس أو بنى أخذ بقلع غرسه وبنائه وتسوية الأرض وأرش نقصها وأجرتها) متى غرس في أرض غيره بغير إذنه أو بنى فيها وطلب صاحب الأرض قلع غراسه وبنائه لزم الغاصب ذلك ولا نعلم فيه خلافا لما روى سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ليس لعرق ظالم حق) رواه الترمذي وقال حديث حسن رووى أبو داود وابو عبيد في الحديث أنه قال فلقد أخبرني الذي حدثني هذا الحديث أن رجلاً غرس في أرض رجل من الأنصار من بني بياضة فاختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقضى للرجل بأرضه وقضى للآخر أن ينزع نخله قال فلقد رأيثها يضرب في أصولها بالفؤس وإنها لنخل عم ولأنه شغل ملك غيره بملكه الذي لاحرمة له في نفسه بغير إذنه فلزمه تفريغه كما لو جعل فيه قماشاً، وإذا قلعها لزمه تسوية الحفر ورد الأرض الى ما كانت عليه لأنه ضرر حصل في ملك غيره بفعله فلزمته إزالته

(فصل) فإن أراد صاحب الأرض أخذ الشجرة والبناء بغير عوض لم يكن له ذلك لأنه عين مال الغاصب فلم يملك صاحب الأرض أخذه كما لو وضع فيها أثاثاً أو حيواناً، وإن طلب أخذه بقيمته وأبى مالكه إلا القلع فله ذلك لأنها ملكه فملك نقله ولا يجبر على أخذ القيمة لأنه معاوضة فلم يجبر عليها وإن اتفقا على تعويضه عنه جاز لانه الحق لهما فجاز ما اتفقا عليه، وإن وهب الغاصب الغراس والبناء لمالك الأرض ليتخلص من قلعه فقبله المالك جاز وإن أبى قبوله وكان في قلعه غرض صحيح لم يجبر على قبوله وإن لم يكن فيه غرض صحيح احتمل أن يجبر على قبوله لأن فيه رفع الخصومة من غير غرض يفوت ويحتمل أن لا يجبر لأن فيه إجباراً على عقد يعتبر الرضى فيه، وإن غصب أرضاً وغراساً من رجل واحد فغرسه فيها فالكل لمالك الأرض فإن طالبه المالك بقعله وله في فعله غرض أجبر على قلعه لأنه فوت عليه غرضاً مقصوداً بالأرض فأخذ بإعادتها الى ما كانت وعليه تسوية الأرض ونقصها ونقص الغراس لأنه نقص حصل في يد الغصب اشبه مالو غصب طعاماً فتلف بعضه وإن لم يكن في قلعه غرض صحيح لم يجبر على قلعه لأنه سفه فلا يجبر عليه وقيل يجبر لأن المالك محكم في ملكه والغاصب غير محكم فإن أراد الغاصب قلعه ومنعه المالك لم يملك قلعه لأن الجميع ملك للمغصوب منه فلم يملك غيره التصرف فيه بغير إذنه.

(فصل) والحكم فيما إذا بنى في الأرض كالحكم فيما إذا غرس فيها في هذا التفصيل جميعه الا انه يتخرج أنه إذا بذل مالك الأرض القيمة لصاحب البناء أجبر على قبولها إذا لم يكن في النقض غرض صحيح لأن النقض سفه والأول أصح لما روى الخلال بإسناده عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من بنى في رباع قوم بإذنهم فله القيمة ومن بنى بغير إذنهم فله النقض) ولأن ذلك معاوضة فلا يجبر عليها وإذا كانت الآلة من تراب الأرض وأحجارها فليس للغاصب النقض على ما ذكرنا في الغرس (فصل) وإن غصب أرضاً فكشط ترابها لزمه رده وفرشه على ما كان إن طالبه المالك وكان فيه غرض وإن لم يكن فيه غرض فهل يجبر على فرشه يحتمل وجهين وإن منعه المالك فرشه أورده وطلب الغاصب ذلك وكان في رده غرض من إزالة ضرر أو ضمان فله فرشه ورده وعليه أجر مثلها مدة شغلها وأجر نقصها، وإن أخذ تراب أرض فضربه لبنا رده ولا شئ له إلا أن يجعل فيه تبناله فله أن يحله ويأخذ تبنه، فإن كان لا يحصل منه شئ ففيه وجهان بناء على كشط التزويق إذا لم يكن له قيمة وسنذكره، وإن طالبه المالك بحله لزمه ذلك إذا كان فيه غرض فإن لم يكن فيه غرض فعلى وجهين فإن جعله آجراً أو فخاراً لزمه رده ولا أجر له لعمله وليس له كسره ولا للمالك إجباره عليه لأنه سفه وإتلاف للمال وإضاعة وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال

(فصل) وعليه ضمان نقص الأرض إن نقصت بالغرس والبناء وهكذا كل عين مغصوبة على الغاصب ضمان نقصها إذا كان نقصاً مستقراً كإناء تكسر وطعام سوس وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة إذا شق لرجل ثوبا شقا قليلاً أخذ أرشه وإن كثر فصاحبه بالخيار بين تسليمه وأخذ قيمته وبين إمساكه مع الارش وروى عن أحمد كلام يحتمل هذا فإنه قال في رواية موسى بن سعيد إن شاء شق الثوب وإن شاء مثله يعني والله أعلم أن شاء أخذ أرش الشق ووجهه أن الجناية أتلفت معظم نفعه فكانت له المطالبة بقيمته كما لو قتل شاة له، وحكى أصحاب مالك عنه إذا جنى على عين فأتلف غرض صاحبها فيها كان المجني عليه بالخياران شاء رجع بما نقصت وإن شاء سلمها وأخذ قيمتها، ولعل ما يحكى عنه من قطع ذنب حمار القاضي ينبني على ذلك لأنه أتلف غرضه به فإنه لا يركبه في العادة وحجتهم أنه أتلف المنفعة المقصودة من السلعة فلزمته قيمتها كما لو أتلفها ولنا أنها جناية على مال أرشها دون قيمته فلم يملك المطالبة بجميع قيمته كما لو ان الشق يسيراً ولأنها جناية نقص بها القيمة أشبه مالو لم يتلف غرض صاحبها وفي الشاة أتلف جميعها لأن الإعتبار بالمجني عليه لا بغرض صاحبه لأنه إن لم يصلح لصاحبه صلح لغيره. وعليه أجر الأرض منذ غصبها إلى وقت تسليمه وهكذا كل ماله أجر فعلى الغاصب أجر مثله سواء استوفى المنافع أو تلفت تحت يده لأنها

تلفت في يده العادية فكان عليه عوضها كالأعيان، وفيه اختلاف نذكره فيما يأتي إن شاء الله تعالى وإن غصب أرضاً فبناها داراً فإن كانت آلات بنائها من مال الغاصب فعليه أجر الأرض دون بنائها لأنه إنما غصب الأرض والبناء له فلم يلزمه أجز ماله وإن بناها بتراب منها وآلات المغضوب منه فعليه أجرها مبنية لان الداركلها ملك للمغصوب منه وإنما للغاصب فيها أثر الفعل فلا يكون في مقابلته أجر لأنه وقع عدواناً. (فصل) وإن غصب درار فنقضها ولم يبنها فعليه أجر دار إلى حين نقضها وأجرها مهدومة من حين نقضها إلى حين ردها لأن البناء انهدم وتلف فلم يجب أجره مع تلفه، وإن نقضها ثم بناها بآلة من عنده فالحكم كذلك، وإن بناها بآلتها أو آلة من ترابها أو ملك المغصوب منه فعليه أجرها عرصة منذ نقضها إلى أن بناها وأجرها داراً فيما قبل ذلك وبعده لأن البناء للمالك، وحكمها في نقض بنائها الذي بناه الغاصب حكم مالو غصبها عرصة فبناها، وإن كان الغاصب باعها فبناها المشتري أو نقضها ثم بناها لم يختلف الحكم وللمالك مطالبة من شاء منهما والرجوع عليه فإن رجع عليه الغاصب رجع الغاصب على المشتري بقيمة ما اتلف من الأعيان لأن المشتري دخل على أنه مضمون عليه بالعوض فاستقر الضمان عليه، وإن رجع المالك على المشتري رجع المشتري على الغاصب في نقص التالف ولم يرجع بقيمة ما تلف وهل يرجع كل واحد منها على صاحبه بالأجر؟ على روايتين وليس له مطالبة

مسألة: وإن غصب لوحا فرقع به سفينة لم يقلع حتى ترسي إذا كانت السفينة يخاف غرقها بقلع اللوح لم يقلع حتى تخرج إلى الساحل

المشتري من الأجر إلا بأجرة مدة مقامها في يديه لأن يده إنما تثبت حينئذ (مسألة) (وإن غصب لوحا فرقع به سفينة لم يقلع حتى ترسي إذا كانت السفينة بخاف غرقها بقلع اللوح لم يقطع حتى تخرج إلى الساحل، وإن كان في أعلاها لا تغرق بقلعه لزمه قلعه ولصاحب اللوح طلب قيمته فإذا أمكن رد اللوح استرجعه ورد القيمة كما لو غصب عبداً فأبق وقال أبو الخطاب إن كان فيها حيوان له حرمة أو مال لغير الغاصب لم يقلع كالخيط وإن كان فيها مال للغاصب أولا مال فيها فكذلك أحد الوجهين والثاني يقلع في الحال لأنه أمكن رد المغصوب فلزمه وإن أفضى الى تلف مال الغاصب كرد الساجة المبني عليها ولأصحاب الشافعي وجهان كهذين ولنا أنه أمكن رد المغصوب من غير إتلاف فلم يجز مع الإتلاف كما لو كان فيها مال غيره وفارق الساجة في البناء لأنه لا يمكن ردها من غير إتلاف (مسألة) (وان غصب خيطاً فخاط به جرح حيوان وخيف عليه من قلعه فعليه قيمته إلا أن يكون الحيوان مأكولا للغاصب فهل يلزمه رده ويذبح الحيوان؟ على وجهين) هذه المسألة لا تخلو من ثلاثة أقسام (أحدها) أن يخيط به جرح حيوان لا حرمة له كالمرتد والخنزير والكلب والعقور فيجب رده لأنه يتضمن تفويت ذي حرمة أشبه مالو خاط به ثوبا (الثاني) أن يخيط به جرح حيوان محترم لا يحل أكله كالآدمي فان خيف من نزعه الهلاك أو أبطأ برؤه فلا يجب لأن الحيوان آكد حرمة

مسألة: فإن مات الحيوان لزمه رده إلا أن يكون آدميا معصوما لأن غير الآدمي لا حرمة له بعد الموت

من غير المال ولهذا جاز له أخذ مال غيره لحفظ حيانه وإتلاف المال لتبقيته وهو ما يأكله وكذلك الدواب التي لا يؤكل لحمها كالبغل والحمار الأهلي (الثالث) أن يخيط به جرح حيوان مأكول فإن كان ملكاً لغير الغاصب وخيف تلفه بقلعه لم يقطع لأن فيه إضراراً بصاحبه ولا يزال الضرر بالضرر ولا يجب إتلاف مال من لم يجن صيانة لمال آخر وإن كان للغاصب فقال القاضي يجب رده لأنه يمكن ذبح الحيوان والإنتفاع بلحمه وذلك جائز وإن حصل فيه نقص على الغاصب فليس ذلك بمانع من وجوب رد المغصوب كنقض البناء وقال أبو الخطاب فيه وجهان أحدهما هذا (والثاني) لا يجب قعله لان لليحوان حرمة في نفسه وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذبح الحيوان لغير مأكلة ولأصحاب الشافعي وجهان كهذين قال شيخنا ويحتمل أن يفرق بين ما يعد للأكل من الحيوان كبهيمة الأنعام والدجاج وبين مالا يعدله كالخيل وما يقصد صوته ومن الطير فيجب ذبح الأول إذا توقف رد الخيط عليه ولا يجب ذبح الثاني لأنه إتلاف له فجرى مجرى مالا يؤكل لحمه ومتى أمكن رد الخيط من غير تلف الحيوان أو بعض أعضائه أو ضرر كثير وجب رده (مسألة) (فإن مات الحيوان لزمه رده إلا أن يكون آدمياً معصوما لأن غير الآدمي لا حرمة له بعد الموت وحرمة الآدمي باقية ولهذا قال عليه الصلاة والسلام كسر عظم الميت ككسره وهو حي) فعلى هذا يرد قيمته.

مسألة: وإن غصب جارحا فصاد أو شبكة أو شركا فأمسك شيئا أو فرسا فصاد عليه أو غنم فهو لمالكه

(مسألة) (وان غصب جارحاً فصاد أو شبكة أو شركاً فامسك شيئا غاو فرساً فصاد عليه أو أو غنم فهو لمالكه) كما لو غصب عبداً فصاد فان الصيد لسيد العبد ويحتمل أنه للغاصب لأن الصائد والجارحة آلة ولهذا اكتفى بتسميته عند إرسال الجارح وفيما إذا غصب فرساً أو سهماً أو شبكة فصاد به وجه آخر أنه للغاصب لأن الصيد حصل بفعله وهذه آلات فأشبه مالو ذبح بسكين غيره فان قلنا هو للغاصب فعليه أجرة ذلك كله مدة مقامه في يده إن كان له أجر وإن قلنا هو للمالك لم يكن له أجر في مدة اصطياده في أحد الوجهين لأن منافعه في هذه المدة عادة إلى المالك فلم يستحق عوضها على غيره كما لو زرع أرض إنسان فأخذ المالك الزرع بنفقته والثاني عليه أجر المثل لأنه استوفى منافعه أشبه مالو لم يصد، ولو غصب عبداً فصاد أو كسب فالكسب للسيد وفي وجوب أجرة العبد على الغاصب في مدة كسبه وصيده الوجهان وإن غصب منجلاً فقطع به خشباً أو حشيشاً فهو للغاصب لأن هذه آلة فهو كالحبل يربط به. (مسألة) (وإن غصب ثوباً فقصره أو غزلاً فنسجه أو فضة أو حديداً فضربه أو خشباً فنجره أو شاة فذبحها وشواها رد ذلك بزيادته وأرش نقصه) ولا شئ له هذا ظاهر المذهب وهو قول الشافعي وقال أبو حنيفة في هذه المسائل ينقطع حق صاحبها عنها إلا أن الغاصب لا يجوز له التصرف فيها إلا بالصدقة إلا أن يدفع قيمته فيملكها ويتصرف

فيها كيف شاء وروى محمد بن الحكم عن أحمد ما يدل على أن الغاصب يملكها بالقيمة إلا أنه قول قديم رجع عنه فإن محمداً مات قبل أبي عبد الله بنحو من عشرين سنة واحتجوا بما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم زار قوماً من الأنصار في دارهم فقدموا إليه شاة مشوية فتناول منها لقمة فجعل يلوكها ولا يسيغها فقال (إن هذه الشاة لتخبرني أنها أخذت بغير حق) قالو نعم يا رسول الله طلبنا في السوق فلم نجد فأخذنا شاة لبعض جيراننا ونحن نرضيهم من ثمنها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أطعموها الأسرى) رواه أبو داود بنحو من هذا وهذا يدل على أن حق أصحابها انقطع عنها لولا ذلك لامر يردها عليهم ولنا أن عين مال المغصوب منه قائمة فلزم ردها إليه كما لو ذبح الشاة ولم يشوها ولأنه لو فعله بملكه لم يزل عنه فكذلك إذا فعله يملك غيره كذبح الشاة وضرب النقرة دراهم ولأنه لا يزيل الملك إذا كان بغير فعل آدمي فلم يزله إذا فعله آدمي كالذي ذكرناه وأما الخبر فليس بمعروف كما رووه في رواية أبي داود ونحن نرضيهم عنها. إذا ثبت هذا فإنه لا شئ للغاصب بعمله سواء زادت العين أولم تزدوهذا مذهب الشافعي وعنه يكون شريكا بالزيادة ذكرها أبو الخطاب لأنها حصلت بمنافعه والمنافع أجريت مجرى الأعيان أشبه مالو غصب ثوباً فصبغه والمذهب الأول ذكره أبو بكر والقاضي لأن الغاصب عمل

في ملك غيره بغير إذنه فلم يستحق لذلك عوضاً كما لو أغلى زيتاً فزادت قيمته أو بنى حائطاً لغيره أو زرع حنطة إنسان في أرضه فأما صبغ الثوب فإن الصبغ عين مال لا يزول ملك صاحبه عنه بجعله مع ملك غيره وهذا حجة عليه لأنه إذا لم يزل ملكه عن صبغه بجعله في ملك غيره وجعله كالصفة فلأن لا يزول ملك غيره بعلمه فيه أولى فإن احتج بأن من زرع في أرض غيره ترد عليه نفقته قلنا الزرع ملك للغاصب لأنه عين ماله ونفقته عليه تز داد به قيمته فإذا أخذه مالك الأرض احتسب بما أنفق على ملكه وفي مسئلتنا عمله في ملك المغصوب منه بغير إذنه فكان لاغياً على أننا نقول إنما تجب قيمة الزرع على إحدى الروايتين وقال أبو بكر يملكه وعليه قيمته لما روى محمد بن الحكم ووجهه كما ذكرنا والصحيح الأول (فصل) فإن نقصت العين دون القيمة رد الموجود وقيمة النقص وان نقصت اليعن القيمة ضمنهما معا كالزيت إذا أغلاه وهكذا القول في كل ما تصرف فيه كنقرة ضربها دراهم أو حلياً أو طيناً جعله لبناً أو عزلا نسجه أو ثوبا قصره لأنه نقص بفعل غير مأذون فيه أشبه مالو أتلف بعضه وإن جعل فيه شيئاً من عين ماله مثل أن سمر الدفوف بمساميره فله قلعها ويضمن ما نقصت الدفوف، وإن كانت المسامير من الخشبة المغصوبة أو مال المغصوب منه فلا شئ للغاصب وليس له قلعها إلا أن يأمره

مسألة: وإن غصب أرضا فحفر فيها بئرا ووضع ترابها في أرض مالكها لم يملك طمها إذا أبرأها المالك من ضمان ما يتلف بها في أحد الوجهين

المالك فيلزمه، وإن كانت المسامير للغاصب فوهبها للمالك لم يجبر على قبلوها في أقوى الوجهين وان استأجر الغاصب على عمل شئ من هذا الذي ذكرناه فالأجر عليه والحكم في زيادته ونقصه كما لو فعل ذلك بنفسه وللمالك تضمين النقص من شاء منهما فإن غرم الغاصب لم يرجع على أحد إذا لم يعلم الأجير الحال وإن ضمن الأجير رجع على الغاصب لأنه أتلف مال غيره بغير إذنه عالماً بالحال، وإن ضمن الغاصب رجع على الأجير لأن النقص حصل منه فاستقر الضمان عليه وإن استعان بمن فعل ذلك فهو كالأجير. (مسألة) (وان غصب أرضاً فحفر فيها بئراً ووضع ترابها في أرض مالكها لم يملك طمها إذا أبرأه المالك من ضمان ما يتلف بها في أحد الوجهين) إذا طمه المالك بطمها لزمه لأنه يضر بالأرض ولأن التراب ملكه نقله من موضعه فلزمه رده كتراب الأرض وكذلك لو حفر فيها نهراً أو حفر بئراً في ملك رجل بغير إذنه، وإن أراد الغاصب طمها فمنعه المالك نظرنا فإن كان له غرض في طمها بأن يسقط عنه ضمان ما يقع فيها أو يكون قد نقل ترابها إلى ملكه أو ملك غيره أو طريق يحتاج إلى تفريغه فله ذلك لما فيه من الغرض وبه قال الشافعي وإن لم يكن له غرض مثل أن يكون قد وضع التراب في ملك المغصوب وأبرأه من ضمان ما يتلف بها لم يكن له طمها في أحد الوجهين لأنه إتلاف لا نفع فيه فلم يكن له فعله كما لو غصب نقرة فطبعها دراهم ثم

مسألة: وإن غصب حبا فزرعه أو نوى فصار غرسا أو بيضا فصار فراخا رده ولا شيء للغاصب

أراد ردها نقرة وبهذا قال أبو حنيفة والمزني وبعض الشافعية وقال بعضهم له طمها وهو الوجه الثاني لنا لأنه لا يبرأ من الضمان بإبراء المالك لكونه أبرأ مما لم يجب بعد وهو أيضاً إبراء من حق غيره وهو الواقع فيها ولنا أن الضمان إنما يلزمه لوجود التعدي فإذا رضي صاحب الأرض زال التعدي فزال الضمان وليس هذا إبراء مما يجب إنما هو إسقاط التعدي برضاه به وهكذا ينبغي أن يكون الحكم إذا لم يتلفظ بالإبراء لكن منعه من طمها لأنه يتضمن رضاه بذلك (مسألة) (وإن غصب حبا فزرعه أو نوى فصار غرساً أو بيضاً فصار فراخاً رده ولا شئ للغاصب لأنه عين مال المغصوب منه ويتخرج أن يملكه الغاصب كما إذا قصر الثوب أو ضرب الفضة لكونه غيره بفعله فالتغيير في البيضة أعظم فإنه استحال بزوال اسمه، فعلى هذا يتخرج أيضاً أن يكون شريكا بالزيادة كالمسألة الأولى (فصل) وإن غصب دجاجة فباضت عنده ثم حضنت بيضها فصار فراخا فهما لما لكها ولا شئ للغاصب في علفها. قال أحمد في طيرة جاءت إلى دراه قوم فأفرخت عندهم يردها وفراخها إلى أصحاب الطيرة ولا شئ للغاصب فيما عمل وإن غصب شاة فأنزا عليها فحله فالولد لصاحب الشاة لأنه من نمائها وإن غصب فحلا فانراه عل شاته فالولد لصاحب الشاة لانه يتبع الامام ولا أجرة له لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن عسب الفحل، وإن نقصه الضراب ضمنه وإن نقص المغصوب لزمه ضمان نقصه بقيمته رقيقاً

مسألة: وإن غضبه وجني عليه ضمنه بأكثر الأمرين

كان أو غيره وبه قال الشافعي وعن أحمد في العبد رواية أخرى أنه يضمن بما يضمن به في الإتلاف فيجب في يده نصف قيمته وفي موضحته نصف عشر قيمته وهو قول بعض أصحاب الشافعي لأنه ضمان لأبعاض العبد فكان مقدراً من قيمته كأرش الجناية ولنا أنه ضمان مال من غير جناية فكان الواجب ما نقص كالبهيمة وكنقص الثوب يحققه أن القصد بالضمان جبر حق المالك بإيجاب قدر المفوت عليه وقدر النقص هو الجابر ولأنه لو فات الجميع لو جبت قيمته فإذا فات منه شئ وجب قدره من القيمة كغير الحيوان وضمان الجناية على أطراف العبد معدول به عن القياس للإلحاق بالجناية على الحر والواجب ههنا ضمان اليد وهي لا تثبت على الحر فوجب البقاء فيه على موجب الأصل وإلحاقه بسائر الأموال المغصوبة على أن في الجناية على العبد رواية أنه يضمن بما نقص فتنفض الروايتان والتفريع على الأول، ويتخرج أن يضمنه بأكثر الامريين منهما لأن سبب كل واحد منهما قد وجد، فأما إن كان النقص في الرقيق مما لا مقدر فيه كنقصه لكبر أو مرض أو شجه دون الموضحة فعليه ما نقص مع الرد لا غير لا نعلم فيه خلافاً فإن كان العبد أمرد فنبتت ليحته فنقصت قيمته وجب ضمان نقصه وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا يجب ضمانه لأن الفائت لا يقصد قصداً صحيحاً أشبه الصناعة المحرمة، ولنا أنه نقص في القبمة بتغير صفة فيضمنه كبقية الصور

مسألة: وإن جنى عليه غير الغاصب فله تضمين الغاصب أكثر الأمرين ويرجع الغاصب على الجاني بأرش الجناية وله تضمين الجاني أرش الجناية وتضمين الغاصب ما بقي من النقص

(مسألة) (وان غصبه وجني عليه ضمنه بأكثر الأمرين) وجملة ذلك أنه إذا غصب عبداً وجني عليه جناية مقدرة الدية فعلى قولنا ضمان الغصب ضمان الجناية يكون الواجب أرش الجناية كما لو جنى عليه من غير غصب ونقصته الجناية أقل من ذلك أو اكثر وإن قلنا ضمان الغصب غير ضمان الجناية وهو الصحيح فعليه أكثر الأمرين من أرش النقنص أو دية ذلك العضو لأن سبب كل واحد منهما وجد فوجب أكثرهما ودخل الآخر فيه فإن الجناية واليد وجدا جميعاً فلو غصب وقيمته ألف فزادت قيمته إلى ألفين ثم قطع يده فنقص ألفا لزمه ألف ورد العبد لأن زيادة السوق إذا تلفت العين مضمونة ويد العبد كنصفه فكان يقطع يده فوت نصفه وإن نقص ألفاً وخمسمائة وقلنا الواجب ما نقص فعليه ألف وخمسمائة ويرد العبد وإن قلنا ضمان الجناية فعليه ألف ويرد العبد حسب وإن نقص خمسمائة فعليه رد العبد وهل يلزمه ألف أو خمسمائة؟ على وجهين. (مسألة) (وإن جنى عليه غير الغاصب فله تضمين الغاصب أكثر الأمرين ويرجع الغاصب على الجاني بأرش الجناية وله تضمين الجاني أرش الجناية وتضمين الغاصب ما بقي من النقص) إذا غصب عبداً فقطع آخر يده فللمالك تضمين من شاء منهما لأن الجاني قطع يده والغاصب حصل النقص

مسألة: وإن غصب عبدا فخصاه لزمه رده ورد قيمته

في يده فإن ضمن الجاني ضمنه نصف الفيمة لا غير ولم يرجع على أحد لأنه لم يضمنه أكثر مما وجب عليه ويضمن الغاصب ما زاد على نصف القيمة إن نقص أكثر من النصف ولا يرجع على أحد وإن قلنا ضمان الغصب ضمان الجناية أو لم ينقص اكثر من نصف قيمته لم يضمن الغاصب ههنا شيئاً وإن اختار تضمين الغاصب وقلنا إن ضمان الغصب كضمان الجناية ضمنه نصف القيمة ورجع بها الغاصب على الجاني لأن التلف حصل بفعله فاستقر الضمان عليه، وإن قلنا أن ضمان الغصب بما نقص فلرب العبد تضمينه بأكثر الأمرين لأن ما وجد في يده فهو في حكمه الموجود منه ثم يرجع الغاصب على الجاني بنصف القيمة لأنها أرش جنايته فلا يجب عليه أكثر منها (مسألة) (وإن غصب عبداً فخصاه لزمه رده ورد قيمته) إذا غصب عبداً فقطع خصييه أو يديه أو ذكره أو لسانه أو ما تجب فيه الدية من الحر لزمه رده ورد قيمته كلها نص عليه وبه قال مالك والشافعي، وقال الثوري وأبو حنيفة يخير المالك بين أن يصبر ولا شئ له وبين أخذ قيمته ويملكه الجاني لأنه ضمان مال فلا يبقى ملك صاحبه عليه مع ضمانه كسائر الأموال ولنا أن المتلف البعض فلا يقف ضمانه على زوال الملك كقطع ذكر المدبر ولأن المضمون التالف فلا يزول الملك عن غيره بضمانه كما لو قطع تسع أصابع، وبهذا ينفصل عما ذكروه فإن الضمان في مقابلة

مسألة: وإن نقصت قيمة العين لتغير الأسعار لم يضمن نص عليه

التالف لا في مقابلة الجملة، فإن ذهبت هذه الأعضاء بغير جناية فهل يضمنها ضمان الإتلاف أو ما نقص؟ على روايتين مضى ذكرهما، وعن أحمد رواية أخرى أن عين الدابة تضمن بربع قيمتها من الخيل والبغال والحمير فإنه قال في رواية أبي الحارث في رجل فقأ عين دابة عليه ربع قيمتها قيل له فقأ العينين؟ قال إذا كانت واحدة فقال عمر ربع القيمة وأما العينان فما سمعت فيهما شيئاً قيل له فإن كان بعيراً أو بقرة أو شاة؟ فقال هذا غير الدابة هذا ينتفع بلحمه ينظر ما نقصها، وهذا يدل على أن أحمد إنما أو جب مقدراً في العين الواحدة من الدابة وهي الغرس والبغل والحمار خاصة للأثر الوارد فيه وما عدا هذا يرجع إلى القياس. واحتج أصحابنا لهذه الرواية بما روى زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في عين الدابة بربع قيمتها وروي عن عمر رضي الله عنه أنه كتب إلى شربح لما كتب إليه يسأله عن عين الدابة: إنا كنا نزلها منزلة الآدمي إلا أنه أجمع رأينا أن قيمتها ربع الثمن. وهذا إجماع يقدم على القياس ذكر هذين أبو الخطاب في رءوس المسائل، وقال أبو حنيفة إذا قلع عيني بهيمة ينتفع بها من وجهين كالدابة والبعير والبقرة وجب نصف قيمتها وفي إحداهما ربع قيمتها لقول عمر أجمع رأينا على أن قيمتها ربع الثمن، والمذهب إن قدر الأرش ما نقص من القيمة كسائر الأعيان فأما حديث زيد بن ثابت فلا أصل له ولو كان صحيحاً لما احتج أحمد وغيره بحديث عمر وتركوه وأما قول عمر فمحمول على أن ذلك كان قدر نقصها كما روي عنه أنه قضى في العين الفائمة بخمسين ديناراً

مسألة: وإن نقصت القيمة لمرض أو غيره ثم عادت ببرئه لم يلزمه شيء إلا رده

(مسألة) (وإن نقصت قيمة العين لتغير الأسعار لم يضمن نص عليه) وهو قول جمهور العلماء وحكي عن أبي ثور أنه يضمنه لأنه يضمنه إذا تلفت العين فلزمه إذا ردها كالسمن وذكره ابن أبي موسى رواية عن احمد ولنا أنه رد العين بحالها لم تنقص منها عين ولا صفة فلم يلزمه شئ كما لو لم تنقص ولانسلم أنه يضمنها مع تلف العين وإن سلمنا فلأنه وجبت قيمة العين أكثر ما كانت قيمتها فدخلت في التقويم بخلاف ما إذا ردها فإن القيمة لا تجب ويخالف السمن فإنه من عين المغصوب والعلم بالصناعة صفة فيها وههنا لم تذهب عين ولا صفة ولأنه لا حق للمغصوب منه في القيمة مع بقاء العين وإنما حقه في العين وهي باقية كما كانت ولأن الغاصب يضمن ما غصبه والقيمة لا تدخل في الغصب بخلاف زيادة العين فإنها مغصوبة وقد ذهبت (مسألة) وإن نقصت القيمة لمرض أو غيره ثم عادت ببرئه لم يلزمه شئ الارده) إذا مرض المغصوب ثم برئ أو ابيضت عينه ثم زال بياضها أو غصب جارية حسناء فسمنت سمناً نقصها ثم خف سمنها فعاد حسنها وقيمتها ردها ولا شئ عليه لأنه لم يذهب ماله قيمة والعيب الذي أوجب الضمان زال في يديه، وكذلك لو حملت فنقصت ثم وضعت فزال نقصها لم يضمن شيا فإن رد المغصوب ناقصاً بمرض أو عيب أو سمن مفرط أو حمل فعليه أرش نفصه فإن زال عيبه في يد مالكه لم يلزمه رد ما أخذ لأنه استقر ضمانه برد المغصوب وكذلك إن أخذ المغصوب دون أرشه ثم زال العيب قبل أخذ أرشه لم يسقط ضمانه لذلك (مسألة) وإن زادت القيمة لسمن أو غيره ثم نقصت ضمن الزيادة) إذا زادت قيمة المغصوب في يد

الغاصب لسمن أو تعلم صنعة مثل ما إذا غصب عبداً أو أمة وقيمته مائة فزاد بتعليمه أو في بدنه حتى صارت قيمته مائتين ثم نقص بنقصان بدنه أو نيسان ما علم حتى صارت قيمته مائة لزمه رده ويأخذ من الغاصب مائة وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة ومالك لا يجب عليه عوض الزيادة إلا أن يطالب بردها زائدة فلا يردها لأنه رد العين كما أخذها فلم يضمن نقص قيمتها كنقص سعرها، وذكر ابن أبي موسى في الإرشاد رواية أن المغصوب إذا زادت قيمته بسمن أو تعلم صنعة ثم نقصت بزوال ذلك فلا ضمان عليه إذا رده بعينه ولنا أنها زيادة في نفس المغصوب فلزم الغاصب ضمانها كما لو طالبه بردها فلم يفعل ولأنها زادت على ملك المغصوب منه فلزمه ضمانها كما لو كانت موجودة حال الغصب، وفارق زيادة السعر لأنها لو كانت موجودة حال الغصب لم يضمنها والصناعة وإن لم تكن من عين المغصوب فهي صفة فيه ولذلك يضمنها إذا طولب برد العين وهي موجودة فلم يردها، اجريناها هي والتعليم مجرى السمن الذي هو عين لأنها صفة تتبع العين، واجر ينا الزيادة الحادثة في يد الغاصب مجرى الزيادة الموجودة حال الغصب لأنها زيادة في العين المملوكة للمغصوب منه فتكون مملوكة له لأنها تابعة للعين، فأما إن غصب العين سمينة أو ذات صناعة فهزلت أو نسيت فنقصت قيمتها فعليه ضمان نقصها لا نعلم فيه خلافا لانها نقصت عن حال غصبها نقصاً أثر في قيمتها فوجب ضمانها كما لو ذهب بعض أعضائها (فصل) إذا غصبها وقيمتها مائة فسمنت فبلغت قيمتها الفاثم تعلمت صناعة فبلغت ألفين ثم هزلت ونسيت

مسألة: فإن عاد مثل الزيادة الأولى من جنسها مثل إن كانت قيمتها مائة فسمنت فبلغت ألفا ثم هزلت فعادت إلى مائة ثم سمنت فعادت إلى ألف ففيه وجهان

فعادت إلى مائة ردها ورد ألفا وثمانمائة لأنها نقصت بالهزال تسعمائة وبالنسيان تسعمائة وإن سمنت فبلغت ألفا ثم هزلت فعادت إلى مائة ثم تعلمت فعادت إلى ألف ردها وتسعمائة لأن زوال الزيادة الأولى أو جب الضمان ثم حدثت زيادة أخرى من وجه آخر على ملك المغصوب منه فلا ينجبر ملك الإنسان بملكه (مسألة) (فإن عاد مثل الزيادة الأولى من جنسها مثل ان كانت قيمتها مائة فسمنت فبلغت الفاثم هزلت فعادت إلى مائة صم سمنت فعادت إلى ألف ففيه وجهان) (أحدهما) يردها زائدة ويضمن نقص الزيادة الاولى كما لو كانا من جنسين لأن الزيادة الثانية غير الأولى، فعلى هذا إن هزلت مرة ثانية فعادت إلى مائة ضمن النقصين بألف وثمانمائة (والثاني) إذا ردها سمينة فلا شيء عليه لأن ما ذهب عاد فهي كما لو مرضت فنقصت ثم برئت فعادت القيمة أو نسيت صناعة ثم تعلمتها أو أبق عبد ثم عاد وفارق ما إذا زادت من جهة أخرى لأنه لم يعد ما ذهب وهذا الوجه أقيس لما ذكرنا من الشواهد فعلى هنا لو سمنت بعد الهزال ولم تبلغ قيتهما إلى ما بلغت بالسمن الأول أو زادت عليه ضمن أكثر الزيادتين وتدخل فيها الأخرى وعلى الوجه الأول يضمنهما جميعاً، فأما إن زادت بالتعليم أو الصناعة ثم نسبت ثم تعلمت ما نسيته فعادت القيمة الأولى لم يضمن النقص الأول لأن العلم الثاني هو الأول فقد

مسألة: وإن كانت من غير جنس الأولى لم يسقط ضمانها

عاد ما ذهب، وإن تعلمت علماً آخر أو صناعة أخرى فهو كعود السمن فيه وجهان ذكره القاضي وهو مذهب الشافعي، وقال أبو الخطاب متى زادت ثم نقصت ثم زادت مثل الزيادة الأولى ففي ذلك وجهان سواء كانا من جنس كالسمن مرتين أو من جنسين كالسمن والتعلم والأول أولى (مسألة) (وإن كانت من غير جنس الأولى لم يسقط ضمانها) قد ذكرناه في المسألة قبلها (مسألة) (وإن غصب عبداً مفرطاً في السمن فهزل فزادت قيمته أو لم ينقص رده ولا شئ عليه) لأن الشرع إنما أوجب في هذا ما نقص من القيمة ولم يقدر بدله ولم تنقص القيمة فلم يجب شئ (فصل) فإن نقصت عين المغصوب دون قيمته لم يخل من ثلاثة أقسام (أحدها) أن يكون الذاهب مقدر البدل كعبد خصاه وزيت أغلاه ونقرة ضربها دراهم فنقصت عينها دون قيمتها فإنه يجب ضمان النقص فيضمن العبد بقيمته ونقص الزيت والنقرة بمثلها مع رد الباقي منهما لأن الناقص من العين له بدل مقدر فلزم ما يقدر به كما لو اذهب الكل (الثاني) أن لا يكون مقدراً كهزال العبد إذا لم تنقص قيمته وقد ذكرناه (الثالث) أن يكون النقص مقدر البدل لكن الذاهب منه أجزاء غير مقصودة كعصير أغلاه فذهبت مائيته وانعقدت اجزاؤه فقصت عينه دون قيمته فلا شئ فيه في أحد الوجهين سوى رده لأن النار إنما أذهبت مائيته التي يقصد إذهابها ولهذا تزداد حلاوته وتكثر قيمته فهو كسمن العبد الذي لا تنقص به قيمته إذا ذهب (والثاني) يجب ضمانه لأنه مقدر البدل فأشبه الزيت إذا أغلاه، ان نقصت العين والقيمة جميعاً وجب في الزيت وشبهه ضمان النقصين جميعاً لأن كل واحد منهما مضموناً منفرداً فكذلك إذا اجتمعا

مسألة: وإن نقص المغصوب نقصا غير مستقر كحنطة ابتلت وعفنت وخشي فسادها فعليه ضمان ما نقصه

وذلك مثل رطل زيت قيمته درهم فأغلاه فنقص ثلثه وصار قيمة الباقي درهم فعليه ثلث رطل وسدس درهم وإن كان قيمة الباقي ثلثي درهم فليس عليه أكثر من ثلث رطل لأن قيمة الباقي لم تنقص وإن خصى العبد فنقصت قيمته فليس عليه أكثر من ضمان خصييه لأن ذلك بمنزلة مالو فقأ عينه (مسألة) (وإن نقص المغصوب نقصاً غير مستقر كخطة ابتلت وعفنت وخشي فسادها فعليه ضمان نقصه) وقال القاضي عليه بدله لان لا يعلم قدر نقصه وهذا منصوص الشافعي وله قول آخر انه يضمن نقصه وكلما نقص شئ ضمنه لأنه يستند إلى السبب الموجود في يد الغاصب فكان كالموجود في يده وقال أبو الخطاب يتخير صاحبه بين أخذ بدله وبين تركه حتى يستقر فساده ويأخذ أرش نقصه وهو الذي ذكره شيخنا في الكتاب المشروح، وقال أبو حنيفة يتخير بين أخذه ولا شئ له أو تسليمه إلى الغاصب ويأخذ قيمته لأنه لو ضمن النقص مع أخذه لحصل له مثل كيله وزيادة وهذا لا يجوز كما لو باع قفيزاً جيداً بقفيز ردئ ولنا أن عين ماله باقية وإنما حدث فيه نقص فوجب فيه ما نقص كما لو كان عبداً فمرض، وقد وافق بعض أصحاب الشافعي على هذا في العفن وقال بضمن ما نقص قولا واحداً ولا يضمن ما تولد فيه لأنه ليس من فعله وهذا الفرق لا يصح لأن البلل قد يكون من غير فعله أيضاً وقد يكون العفن بسبب منه ثم إن ما وجد في يد العاصب فهو مضمون عليه لوجوده في يده فلا فرق، وقول أبي حنيفة لا يصح

مسألة: وإن جنى المغصوب فعليه أرش جنايته سواء جنى على سيده أو غيره

لأن الطعام عين ماله وليس ببدل عنه وقال شيخنا: وقول أبي الخطاب لا بأس به والله أعلم (مسألة) (وإن جنى المغصوب فعليه أرش جنايته سواء جنى على سيده أو غيره) إذا جنى العبد المغصوب فجنايته مضمونة على الغاصب لأنه نقص في العبد الجاني لكون الجناية تتعلق برقبته فكان مضموناً على الغاصب كسائر نقصه وسواء في ذلك ما يوجب القصاص أو المال ولا يلزمه أكثر من النقص الذي لحق العبد وكذلك إن جنى على سيده لأنها من جملة جناياته فكان مضموناً كالجناية على الا جني (فصل) ويضمنه بأقل الأمرين من قيمته أو أرش جنايته كما يفديه سيده، وإن جني على ما دون النفس مثل ان قطع يداً فقطعت يده قصاصاً فعلى الغاصب ما نقص العبد بذلك دون أرش اليد لأن اليد ذهبت بسبب غيره مضمون فأشبه مالو سقطت، وإن عفي عنه على مال تعلق أرش اليد برقبته وعلى الغاصب أقل الأمرين من قيمته أو أرش اليد، فإن زادت جناية العبد على قيمته ثم مات فعلى الغاصب يدفعها إلى سيده فإذا أخذها تعلق أرش الجناية بها لأنها كانت متعلقة بالعبد فتعلقت ببدله كما أن الرهن إذا أتلفه متلف وجبت قيمته وتعلق الرهن بها، فإذا أخذ ولي الجناية القيمة من المالك رجع المالك على الغاصب بقيمته مرة أخرى لأن القيمة التي أخذها استحقت بسبب كان في يد الغاصب فكان من ضمانه، ولو كان العبد وديعة فجنبي جناية استغرقت قيمته ثم أن المودع قتله بعدها

مسألة: وجنايته على الغاصب وعلى ماله هدر

فعليه قيمته وتعلق بها أرش الجناية فإذا أخذها ولي الجناية لم يرجع على المودع لأنه جنبى وهو غير مضمون عليه ولو جنى العبد في يد سيده جناية تستغرق قيمته بيع في الجنايتين وقسم ثمنه بينهما ورجع صاحب العبد على الغاصب بما أخذه الثاني منهما لأن الجناية كانت في يده وكان للمجني عليه أولاً أن يأخذه دون الثاني لأن الذي يأخذه المالك من الغاصب هو عوض ما أخذه المجني عليه ثانياً فلا يتعلق به حقه ويتعلق به حق الأول لأنه بدل عن قيمة الجاني لا يزاحم فيه، وإن مات هذا العبد في يد الغاصب فعليه قيمته تقسيم بينهما ويرجع المالك على الغاصب بنصف القيمة لأنه ضامن للجناية الثانية ويكون للمجني عليه أولاً أن يأخذه لما ذكرنا (مسألة) (وجنايته على الغاصب وعلى ماله هدر) لأنه إذا جنى على أجنبي وجب أرشه على الغاصب فلو وجب له شئ لوجب على نفسه فكان هدراً (مسألة) (ويضمن زوائد الغصب كالولد والثمرة إذا تلفت أو نقصت كالأصل سواء كان منفرداً أو مع أصله مثل ثمرة الشجرو ولد الحيوان) وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة ومالك لا يجب ضمان زوائد الغصب إلا أن يطالب بها فيمنع من أدائها لأنها غير مغصوبة فلا يجب ضمانها كالوديعة ودليل عدم الغصب أنه فعل محرم، بثبوت يده على هذه الزوائد وإثبات يده على الأم محظور لا يصح لأنه بإمساك الأم تسبب إلى إثبات يده

مسألة: فإن خلط المغصوب بماله على وجه لا يتميز منه مثل أن خلط حنطة أو زيتا بمثله لزمه مثله منه في أحد الوجهين وفي الآخر يلزمه مثله من حيث شاء

(مسألة) (فان خلط المغصوب بماله على وجه لا يتميز منه مثل أن خلط حنطة أو زيتا بمثله لزمه مثله منه في أحد الوجهين وفي الآخر يلزمه مثله من حيث شاء) إذا خلط المغصوب بماله بحيث لا يتميز منه كزيت بزيت أو دقيق بمثله أو دراهم أو دنانير بمثلها فقال ابن حامد يلزمه مثل المغصوب منه وهو ظاهر كلام أحمد لأنه لا نص على أن يكون شريكاً له إذا خلطه بغير جنسه فيكون تنبيها على ما إذا خلطه بجنسه وهو قول بعض الشافعية إلا في الدقيق فإنه تجب قيمته لأنه عندهم ليس بمثلي وقال القاضي قياس المذهب أنه يلزمه مثله من حيث شاء الغاصب لأنه تعذر عليه رد عين ماله بالخلط أشبه مالو تلف لأنه لا يتميز له شئ من ماله ولنا أنه قدر على دفع بعض ماله إليه مع رد المثل في الباقي فلم يتنقل إلى المثل في الجميع كما لو غصب صاعاً فتلف بعضه وذلك لأنه إذا دفع إليه منه فقد دفع إليه بعض ماله وبدل الباقي فكان أولى من دفعه من غيره (مسألة) (وإن خلطه بدونه أو خير منه أو بغير جنسه فله مثله في قياس التي قبلها) وظاهر كلام أحمد أنهما شريكان بقدر ملكيهما فإنه قال في رواية أبي الحارث في رجل له رطل زيت وآخر له رطل شيرج اختلطا يباع الدهن كله ويعطي كل واحد منهما قدر حصته وذلك أننا إذا فعلنا ذلك أو صلنا إلى كل واحد منهما يدل عين ماله، وإن نقص المغصوب عن قيمته منفرداً فعلى الغاصب

ضمان النقص لأنه حصل بفعله، وقال القاضي قياس المذهب أن يلزم الغاصب مثله لأنه صار بالخلط مستهلكاً ولذلك لو اشترى زيتاً فخلطه بزيته ثم أفلس صار البائع كبعض الغرماء لأنه تعذر عليه الوصول إلى عين ماله فكان له بدله كما لو كان تالفاً ويحتمل أن يحمل كلام أحمد على ما إذا اختلطا من غير غصب. أما المغصوب فقد وجد من الغاصب ما منع المالك أخذ حقه من المثليات متميزاً فلزمه مله كما لو أتلفه. (فصل) إلا أنه إذا خلطه يخير منه وبذل لصاحبه مثل حقه منه لزمه قبوله لأنه أوصل إليه بعض حقه بعينه وتبرع بالزيادة في مثل الباقي، وإن خلطه بأدنى منه فرضي المالك بأخذ قدر حقه منه لزم الغاصب بذله لأنه أمكنه رد بعض المغصوب ورد مثل الباقي من غير ضرر وقيل لا يلزم الغاصب ذلك لأن حقه انتقل إلى الذمة فلم يجبر على عين ماله، وإن بذله للمغصوب منه فأباه لم يجبر على قبوله لأنه إن كان دون حقه من الردئ أو دون حقه من الجيد لم يجز لأنه رباً لكونه يأخذ الزيادة في القدر عوضاً عن الجودة وإن كان بالعكس فرضي بأخذ دون حقه من الردئ أو سمح الغاصب بدفع أكثر من حقه من الجيد جاز لأنه لا مقابل للزيادة وإنما هي تبرع مجرد، وإن خلطه بغير جنسه فتراضيا على أن يأخذا كثر من قدر حقه أو أقل جاز لانه بماله من غير جنس فلاتحرم الزيادة بينهما (فصل) وان خاله بما لا قيمة له كزيت خلطه بماء أو لبن شابه بماء فإن أمكن تخليصه خاصه ورده

مسألة: وإن غصب ثوبا فصبغه أو سويقا فلته بزيت وكان الصبغ والزيت من مال الغاصب فإن نقصت قيمتهما أو قيمة أحدهما ضمن الغاصب النقص

ورد نقصه وإن لم يكن تخليصه أو كان ذلك يفسده لزمه مثله لأنه صار كالهالك وإن كان يفسده رده ورد نقصه وان احتج في تخليصه إلى غرامة لزم الغصب ذلك لأنه سببه ولأصحاب الشافعي في هذه الفصول نحو ما ذكرنا. (مسألة) (وان غصب ثوباً فصبغه أو سويقاً فلته بزيت وكان الصبغ والزيت من مال الغاصب فإن نقصت قيمتهما أو قيمة أحدهما ضمن لغاصب النقص) لأنه بتعديه إلا أن ينقص لتغير الأسعار فلا يضمن لما ذكرنا من قبل (مسألة) (وإن لم تنقص ولم تزد مثل إن كانت قيمة كل منهما خمسة فصارت قيمتهما عشرة فهما شريكان) لأن الصبغ والزيت عين مال له قيمة فإن تراضيا بتركه لهما جاز وإن باعه فثمنه بينهما نصفين (مسألة) (وإن زادت قيمتهما مثل إن كانت قيمة كل واحد منهما خمسة فصارت قيمتهما عشرين فإن كان ذلك لزيادة الثياب في السوق كانت الزيادة لصاحب الثوب وإن كانت لزيادة الصبغ فهي لصاحب الصبغ وإن كانت لزيادتهما معاً فهي بينهما على قدر زيادة كل واحد منهما) فإن تساويا في الزيادة في السوق تساوا صاحباها فيها وإن زاد أحدهما ثمانية والآخر اثنين فهي بينهما كذلك، وإن زاد ابا لعمل فالزيادة بينهما لأن عمل الغاصب زاد به في الثوب والصبغ وما علمه في المغصوب للمغصوب منه إذا كان أثراً وزيادة مال الغاصب له

مسألة: وإن أراد أحدهما قلع الصبغ لم يجبر الآخر عليه ويحتمل أن يجبر إذا ضمن له الغاصب النقص

(مسألة) (وإن أراد أحدهما قلع الصبغ لم يجبر الآخر عليه ويحتمل أن يجبر إذا ضمن له الغاصب النقص) إذا أراد الغاصب قطع الصبغ فقال أصحابنا له ذلك سواء أضر بالثوب أو لم يضر ويضمن نقص الثوب إن نقص وبهذا قال الشافعي لأنه عين ماله فملك أخذه كما لو غرس في أرض غيره، ولم يفرق أصحابنا بين ما يهلك صبغه بالقلع وبين مالا يهلك قال شيخنا وينبغي أن ما يهلك بالقلع لا يملك قلعه لأنه سفه وظاهر كلام الخرقي أنه لا يملك قلعه إذا تضرر به الثوب لأنه قال في المشتري إذا بنى أو غرس في الأرض المشفوعة فله أخذه إذا لم يكن في أخذه ضرر، وقال أبو حنيفة ليس له أخذه لأن فيه إضراراً بالثوب المغصوب فلم يمكن منه كقطع خرقة منه، وفارق قلع الغرس لأن الضرر قليل ويحصل به نفع قلع العروق من الأرض وإن اختار المغصوب منه قلع الصبغ ففيه وجهان (أحدهما) يملك إجبار الغاصب عليه كما يملك إجباره على قلع شجرة من أرضه وذلك لأنه شغل ملكه بملكه على وجه أمكن تخليصه فلزمه تخليصه وإن استضر الغاصب كقلع الشجر وعلى الغاصب ضمان نقص الثوب وأجر بالاستخراج وقد أمكن وصول الحق إلى مستحقه بدونه بالبيع فلم يجبر على قلع كقلع الزرع من الأرض، وفارق الشجر فإنه لا يتلف بالقلع قفال القاضي هذا ظاهر كلام أحمد ولعله أخذ ذلك من قول

مسألة: وإن وهب الغاصب الصبغ للمالك أو وهبه تزويق الدار ونحوها فهل يلزمه قبوله؟ على وجهين

أحمد في الزرع وهذا مخالف للزرع لأن له غاية ينتهي إليها ولصاحب الأرض أخذه بنفقته فلا يمتنع عليه اتسرجاع أرضه في الحال بخلاف الصبغ فإنه لا نهاية له إلا تلف الثوب فهو أشبه بالشجة في الأرض ولا يختص وجوب القلع في الشجر بما لا يتلف فإنه يجبر على قلع ما يتلف وما لا يتلف ولأصحاب الشافعي وجهان كهذين. (فصل) وإن بذل رب الثوب قيمة الصبغ للغاصب ليملكه لم يجبر على قبوله لأنه إجبار على بيع ماله فلم يجبر عليه كما لو بذل له قيمة الغراس ويحتمل أن يجبر على ذلك إذا لم يقلعه قياساً على الشجر والبناء في الأرض المشفوعة والعارية وفي الأرض المغصوبة إذا لم يقله الغاصب ولأنه أمر يرتفع به النزاع ويتخلص به أحدهما من صاحبه من غير ضرر فأجبر عليه كما ذكرنا، وإن بذل الغصب قيمة الثوب لصاحبه ليملكه لم يجبر على ذلك كما لو بذل صاحب الغرس قيمة الأرض لما لكها في هذه المواضع (مسألة) (وإن وهب الغاصب الصبغ للمالك أو وهبه تزويق الدار ونحوها فهل يلزه قبوله؟ على وجهين) (أحدهما) يلزمه لأن الصبغ صار من صفات العين فهو كزيادة الصفة في المسلم فيه وهذا ظاهر كلام الخرقي لأنه قال في الصداق إذا كان ثوباً فصبغته فبذلت له نصفه مضبوغا لزمه قبوله (والثاني) لا يجبر لأنها أعيان متميزة فأشبهت الغراس، وإن أراد المالك بيع الثوب وأبي الغاصب فله بيعه لأنه ملكه فلا يملك الغاصب منعه من بيع ملكه بعدوانه وإن أراد الغاصب بيعه لم يجبر المالك

مسألة: وإن غصب ثوبا وصبغا فصبغه به رده وأرش نقصه ولا شيء في زيادته

على بيعه لأنه منه فلم يستحق إزالة ملك صاحب الثوب عنه بعدوانه ويحتمل أن يجبر ليصل الغاصب إلى ثمن صبغه. (مسألة) (وان غصب صبغاً فصبغ به ثوباً أو زيتاً فلت به سويقاً احتمل أن يكون كذلك كما إذا غصب ثوباً فصبغه حكمه كحكمه إذا كان الثوب والسويق للغاصب لأنه خلط المغصوب بماله ويحتمل أن يلزمه قيمته أو مثه إن كان مثلياً لأن المغصوب الصبغ وقد تفرق في الثوب وتلف يخلاف المسألة المتقدمة. (مسألة) (وان غصب ثوباً وصبغاً فصبغه به رده وإرش نقصه ولا شئ في زيادته) إذا غصب ثوباً وصبغاً من واحد فصبغه به فلم تزد قيمتهما ولم تنقص أو زادت القيمة ردهما ولا شئ عليه وليس للغاصب شئ في الزيادة لأنه إنما له في الصبغ أثر لا عين وإن نقص لزمه ضمان النقص لأنه بتعديه إلا أن ينقص لتغير الأسعار (فصل) وإن غصب ثوب رجل وضبغ آخر فصبغه به فإن كانت القيمتان بحالهما فهما شريكان بقدر ماليهما وإن زادت فالزيادة لهما وإن نقصت بالصبغ فالضمان على الغاصب ويكون النقص من صاحب الصبغ لأنه تبدد في الثوب ويرجع بها على الغاصب، وإن نقص لنقص سعر الثياب أو الصبغ أو لنقص سعرهما لم يضمنه الغاصب وكان نقص كل واحد منهما من صاحبه، وإن أراد صاحب الصبغ قلمه أو أراد

مسألة: وإن ولدت فالولد رقيق للسيد لأنه من نمائها وأجزائها ولا يلحق نسبه بالواطئ لأنه من زنا وضعته حيا وجب رده معها كزوائد الغصب وإن أسقطته ميتا لم يضمن لأننا لا نعلم حياته قبل هذا

ذلك صاحب الثوب فالحكم فيه كما لو صبغه الغاصب بصبغ من عنده على ما مر بيانه والحكم فيما إذا غصب سويقاً فلته بزيت أو عسلاً ونشأ فعقده حلواء حكم مالو غصب ثوباً فصبغه على ما ذكر فيه (فصل) (وإن وطئ الجارية فعليه الحد والمهر وأرش البكارة) إذا غصب جارية فوطئها فهو زان لأنها ليست زوجته ولا مك يمين وعليه حد الزنا إن كان عالماً بالتحريم وعليه مهر مثلها مكرهة كانت أو مطاوعة وقال الشافعي لامهر للمطاوعة لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن مهر البغي: ولنا أن المهر حق للسيد فلم يسقط بمطاوعتها كما لو أذنت في قطع يدها ولأنه حق للسيد يجب مع الإكراه فيجب مع المطاوعة كأجر منافعها والخبر محمول على الحرة، ويجب أرش بكارتها لأنها بدل جزء منها ويحتمل أن لا يجب لأنه يدخل في مهر الكبر ولهذا يزيد على مهر الثيب عادة لأجل ما يتضمنه من تفويت البكارة ووجه الأول أن كل واحد منهما يضمن منفرداً بدليل أنه لو وطئها ثيباً وجب مهرها وإذا أفضاها بإصبعه وجب أرش بكارتها فكذلك وجب أن يضمنهما إذا اجتمعا وعنه لا يلزمه مهر الثيب لأنه لم ينقصها ولم يؤلهما أشبه مالو قبلها والأول أولى (مسألة) (وإن ولدت فالولد رقيق للسيد لأنه من نمائها وأجزائها ولا يلحق نسبه بالواطئ لأنه من زنا وإن وضعته حيا وجب رده معها كزاوئد الغصب وإن أسقطته ميتاً لم يضمن لأنا لا نعلم

مسألة: ويضمن نقص الولادة ولا ينجز بزيادتها بالولد

حياته قبل هذا هذا، قول القاضي وهو ظاهر مذهب الشافعي عند أصحابه وقال القاضي أبو الحسين يجب ضمانه يقيمته لو كان حياً نص عليه الشافعي لأنه يضمنه لو سقط بضربة وما يضمن بالإتلاف يضمنه الغاصب إذا تلف في يده كأجرة الأرض، قال شيخنا والأولى إن شاء الله أنه يضمنه بعشر قيمة أمه لأنه الذي يضمنه به في الجناية وان وضعته حياثم مات ضمنه بقيمته (مسألة) (ويضمن نقص الولادة ولا ينجبر بزادتها بالولد) وهذا مذهب الشافعي وقال أبو حنيفة ينجبر نقصها بولدها. ولنا أن ولدها ملك للمصغوب منه فلا ينجبر به نقص حصل بجناية الغاصب كالنقص الحاصل بغير الولادة وان ضرب العاصب بطنها فألقت الجنين ميتاً فعليه عشر قيمة أمه وإن فعله أجنبي ففيه مثل ذلك وللمالك تضمين أيهما شاء ويستقر الضمان على الضارب لأن الإتلاف وجد منه، وإن ماتت الجارية فعليه قيمتها أكثر ما كانت ويدخل في ذلك أرش بكارتها ونقص ولادتها ولا يدخل فيه ضمان ولدها ولامهر مثلها، ولا فرق في هذه الأحوال بين المكرهة والمطاوعة لأنها حقوق لسيدها ولا تسقط بمطاوعتها وقد ذكرنا الخلاف في مهر المطاوعة، فاما حقوقا لله تعالى من الحد والتعزير فإن كانت مطاوعة عالمة بالتحريم فعليها الحد إذا كانت من أهله والافلا (فصل) فإن كان الغاصب جاهلاً بتحريم ذلك لقرب عهده بالإسلام أو ناشئاً بيادية بعيدة يخفى

مسألة: وإن باعها أو وهبها لعالم بالغصب فوطئها فللمالك تضمين أيهما شاء نقصها ومهرها وأجرتها وقيمة ولدها إن تلف فإن ضمن الغاصب رجع على الآخر ولا يرجع الآخر عليه

عليه مثل هذا أو اعتقدها أمته فأخذها ثم بان أنها غيرها فلا حد عليه لأن الحدود تدرأ بالشبهات وعليه المهر وأرش البكارة وإن حملت فالولد حر لاعتقاده أنها ملكة ويحلقه النسب لمكان الشبهة وإن وضعته ميتاً لم يضمنه لأنه لم يعلم حياته ولأنه لم يحل بينه وبينه وإنما وجب تقويمه لا جل الحيلولة وإن وضعته حيا فعليه قيمته يوم انفصاله لأنه فوت عليه رقه باعتقاده ولا يمكن تقويمه حملاً فقوم عليه عند انفصاله لانه أول حال إمكان تقويمه ولأنه وقت الحيلولة بينه وبين سيده، وإن ضرب الغاصب بطنها فألقت جنبنا ميتاً فعليه غرة قيمتها خمس من الإبل موروثة عنه لا يرث الضارب منها شيئاً لأنه أتلف جنبنا حراً وعليه للسيد عشر قيمة أمه لأن الإسقاط لما يعقب الضرب ينسب إليه لأن الظاهر حصوله به وضمانه للسيد ضمان المماليك ولهذا لو وضعته حياً قومناه مملوكا، وان ضربه أجبني فعليه غرة دية الجنين الحر لأنه محكوم بحريته وتكون مورثة عنه وعلى الغاصب عشر قيمة أمه لأنه يضمنه ضمان المماليك وقد فوت رقه على السيد وحصل التلف في يديه، والحكم في المهر والأرش والأجر ونقص الولادة وقيمتها إن تلفت على ما ذكرنا إن كانا عاليمن لأن هذه حقوق الآدميين فلا تسقط بالجهل والخطأ كالدية (مسألة) (وإن باعها أو وهبها لعالم بالغصب فوطئها فللمالك تضمين أيهما شاء نقصها ومهرها وأجرتها وقيمة ولدها إن تلف فإن ضمن الغاصب رجع على الآخر ولا يرجع الآخر عليه)

مسألة: وإن لم يعلما بالغصب فضمنهما رجعا على الغاصب

تصرف الغاصب في العين المضمونة فاسد لأنه تصرف في مال الغير بغير إذنه وفيه اختلاف نذكره إن شاء الله تعالى، فإذا باع الجارية المغصوبة أو وهبها لعالم بالنصب فوطئها فللمالك تضمين الغاصب لأنه السبب في إيصالها إلى المشتري وله تضمين المشتري والمتهب لأنه المتلف ويستقر الضمان على المشتري لأن كل واحد منهما غاصب لأن الغصب الاستيلاء على مال الغير قهراً بغير حق وقد وجد منهما ولأن كل واحد منهما يلزم ردها إذا كانت في يده لأن يده عليها بغير حق وقد قال عليه الصلاة والسلام (على اليد ما أخذت حتى تؤدي) ويلزم المشتري كل ما يلزم الغاصب من النقص والمهر وغيره لأنه غاصب وقد ذكرنا دليله في المسألة قبلها إلا أن المالك إن ضمن الغاصب رجع على المشتري والمتهب ولا يرجع الآخر على الغاصب بما ضمنه لأنه المتلف فاستقر الضمان عليه (مسألة) (وإن لم يعلما بالغصب فضمنهما رجعا على الغاصب) إذا باع الغاصب الجارية فبيعه فاسد لما ذكرنا وفيه رواية أخرى أنه يصح ويقف على إجازة المالك وفيه رواية ثالثة أن البيع يصح لما نذكره والتفريع على الرواية الأولى، والحكم في وطئ المشتري كالحكم في وطئ الغاصب إلا أن المشتري إذا ادعى الجهالة قبل منه بخلاف الغاصب فإنه لا يقبل منه إلا بالشرط الذي ذكرناه ويجب رد الجارية إلى سيدها وللمالك مطالبة أيهما شاء بردها لأن الغاصب أخذها بغير حق والمشتري أخذ مال غيره بغير حق

مسألة: ويفديه بمثله في صفاته تقريبا

أيضاً فيدخل في عموم قوله عليه السلام (على اليد ما أخذت حتى تؤدي) وهذا لا خلاف فيه بحمدالله ويلزم المشتري المهر لأنه وطئ جارية غيره بغير نكاح وعليه أرش البكارة ونقص الولادة كالغاصب ويلزم ذلك مع الجهل لأن الإتلاف لا يعذر فيه بالجهل والنسيان (مسألة) (وإن ولدت منه فالولد حر) لأنه اعتقد أنه يطأ مملوكته فمنع ذلك انخلاق الولد رقيقاً ويلحقه النسب وعليه فداؤهم لأنه فوت رقهم على السيد باعتقاده حل الوطئ هذا الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب، وقد نقل ابن منصور عن أحمد أن المشتري لا يلزمه فداء أولاده وليس للسيد بدلهم لأنهم كانوا في حال العلوق أحراراً ولم تكن لهم قيمة حينئذ قال الخلال أحسبه قولاً لأبي عبد الله أول والذي أذهب إليه أنه يفديهم وقد نقله ابن منصور أيضاً وجعفر به محمد وهو قول أبي حنيفة والشافعي ويفديهم ببدلهم يوم الوضع وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة يجب يوم المطالبة لأن ولد المغصوب لا يضمنه عنده إلا بالمنع وقيل المطالبة لم يحصل منع فلم تجب وقد ذكرنا فيما مضى أنه يحدث مضمونا عليه وقوم يوم وضعه لأنه أول حال أمكن تقويمه (مسألة) (ويفديه بمثله في صفاته تقريباً) هذا ظاهر قول الخرقي لأنهم أحرار والحر لا يضمن بقيمته وقال أبو بكر يفديهم بثهلهم في القيمة وعن أحمد رواية ثالثة أنه يفديهم بقيمتهم حكاها أبو الخطاب وهو قول أبي حنيفة والشافعي وهي أصح إن شاء الله تعالى لأن الحيوان ليس بمثلي فيضمن بقيمته كسائر

وإن تلفت فعليه قيمتها لمالكها كما يلزمه نقصها ولا يرجع بها على الغاصب إن كان مشتريا

المتقومات ولأنه لو أتلفه ضمنه بقيمته كذلك هذا (مسألة) (ويرجع بذلك على الغاصب) يعني بالمهر وما فدى به الأولاد لأن المشتري دخل على أن يسلم له الأولاد وأن يتمكن من الوطئ بغير عوض فإذا لم يسلم له ذلك فقد غره البائع فيرجع به عليه وإن كانت الجارية باقية ردها إلى سيدها ولا يرجع بيدلها لأنها ملك المغصوب منه رجعت عليه لكنه يرجع على الغاصب بالثمن الذي أخذه منه لقوله عليه السلام (على اليد ما أخذت حتى تؤدي) (مسألة) (وإن تلفت فعليه قيمتها لمالكها كما يلزمه نقصها ولا يرجع بها على الغاصب إن كان مشترياً) لأن المشتري دخل مع الغاصب على أن يكون ضامناً لذلك بالثمن فإذا ضمنه القيمة لم يرجع بها لكنه يرجع بالثمن لأن البيع باطل فلم يدخل الثمن في ملك الغاصب كما لو وجد العين باقية فأخذها المالك فإنه يرجع بالثمن، فأما المتهب فيرجع بالقيمة على الغاصب لأنه دخل مع الغاصب على أن يسلم له العين فينبغي أن يرجع بما غرم من قيمتها على الغاصب كقيمة الاولاد (مسألة) (وعنه أن ما حصلت له منفعة كالأجرة والمهر وأرش البكارة لا يرجع به) وجملة ذلك أن المالك إذا رجع على المشتري فأراد المشتري الرجوع على الغاصب فهو على ثلاثة أضرب: ضرب لا يرجع به وهو قيمتها إن تلفت في يده وأرش بكارتها، وفيه رواية أخرى أنه يرجع به كالمهر وبدل جزء من أجزائها لأنه دخل مع الغاصب على أن يكون ضامناً لذلك بالثمن فإذا ضمنه لم يرجع به، وضرب يرجع

فإن ضمن الغاصب رجع على المشتري بما لا يرجع به عليه كما لو رجع به على المشتري لا يرجع به المشتري على الغاصب

به وهو بدل الولد إذا ولدت منه لأنه دخل معه في العقد على أن لا يكون الولد مضموناً ولم يحصل من جهته إتلاف وإنما الشرع أتلفه بحكم بيع الغاصب منه وكذلك نقص الولادة، وضرب اختلف فيه وهو مهر مثلها وأجر نفعها وفيه روايتان (إحداهما) يرجع به وهو قول الخرقي لأنه دخل العقد على أن يتلفه بغير عوض فإذا غرمه رجع به كبدل الولد ونقص الولادة (والثانية) لا يرجع به وهو اختيار أبي بكر وقول أبي حنيفة لأنه غرم ما استوفى بدله فلا يرجع كقيمة الجارية وبدل أجزائها وللشافعي قولان كالروايتين (مسألة) (فإن ضمن الغاصب رجع على المشتري بما لا يرجع به عليه كما لو رجع به على المشتري لا يرجع به المشتري على الغاصب) إذا رجع به المالك على الغاصب رجع الغاصب به على المشتري وكل مالو رجع به على المشتري رجع به المشتري على الغاصب إذا غرمه الغاصب لم يرجع به على المشتري لأنه الضمان استقر على الغاصب فإن ردها حاملاً فماتت من الوضع فهي مضمونة على الواطئ لأن التلف بسبب من جهته (مسألة) (فإن ولدت من زوج فمات الولد ضمنه بقيمته) إذا اشترى الجارية المغصوبة من لا يعلم بذلك فزوجها لغير عالم بالغصب فولدت من الزوج فهو مملوك لأنه من زوائدها ونمائها فيكون مضموناً على من هو في يده بقيمته إذا تلف لأنه مال وليس بمثلي، وهل يرجع يها على الغاصب؟ على روايتين على ما ذكرنا فيما إذا ضمن المشتري ما حصل به نفع ووجه الروايتين ما سبق (فصل) إذا وهب المغصوب لعالم بالغصب استقر الضمان عليه ولا يرجع به على أحد لأنه غاصب

وإن أغارها فتلفت عند المستعير استقر ضمان قيمتها عليه وضمان الأجر على الغاصب

ولم يغره أحد وإن لم يعلم فلصاحبه تضمين أيهما شاء ويرجع المتهب على الواهب بقيمة العين والأجر لأنه غيره وقال أبو حنيفة أيهما ضمن لم يرجع على الآخر ولنا أن المتهب دخل على أن يسلم له العين فيجب أن يرجع بما غرم من قيمتها كقيمة الأولاد فإنه وافقنا على الرجوع بها فأما الأجر والمهر وأرش البكارة ففيه وجهان مبنيان على الروايتين في المشتري (مسألة) (وإن أعارها فتلفت عند المستعير استقر ضمان قيمتها عليه وضمان الأجر على الغاصب) فإن ضمن المستعير مع علمه بالغصب لم يرجع على أحد وإن ضمن الغاصب رجع على المستعير وإن لم يكن علم بالغصب فضمنه لم يرجع بقيمة العين لأنه قبضها على أنها مضمونة عليه، وفي الرجوع بالأجر وجهان (أحدهما) يرجع لأنه دخل على أن المنافع غير مضمونة عليه (والثاني) لا يرجع به لأنه انتفع بها فقد استوفى بدل ما غرم وكذلك الحكم فيما تلف من الأجزاء بالاستعمال إذا كانت العين وقت القبض أكثر قيمة من يوم التلف فضمن الأكثر فينبغي أن يرجع بما بين القيمتين لأنه دخل على أنه لم يضمنه ولم يستوف بدله فإن ردها المستعير على الغاصب لم يسقط عنه الضمان لانه فوت الملك على مالكه بتسليمه إلى غير مستحقه ويستقر الضمان على الغاصب إن حصل التلف في يده وكذلك الحكم في المودع (مسألة) (وإن اشترى أرضاً فغرسها أو بنى فيها فخرجت مستحقة وقلع غرسه وبناءه رجع المشتري على البائع بما غرمه) ذكره القاضي في القسمة لأنه ببيعه إياها غره وأوهمه أنها ملكه وكان ذلك سبيا

وإن أطعمه لمالكه ولم يعلم لم يبرأ نص عليه

في بنائه وغرسه فرجع عليه بما غرمه عليها كرجوعه بما أعطاه من ثمنها (مسألة) (وإن أطعم المغصوب لعالم بالغصب استقر الضمان عليه) لكونه أتلف مال غيره بغير إذنه عالماً من غير تعرير وللمالك تضمين الغاصب لأنه حال بينه وبين ماله والآكل لأنه أتلف مال غيره بغير إذنه وقبضه من يد ضامنه بغير إذن مالكه فإن ضمن الغاصب رجع على الآكل وإن ضمن الآكل لم يرجع على أحد (مسألة) (وإن لم يعلم وقال له الغاصب كله فإنه طعامي استقر الضمان على الغاصب) لاعتراف، بأن الضمان باق عليه وإن لم يلزم الآكل شئ ولأنه غر الآكل (مسألة) (وإن لم يقل ففي أيهما يستقر عليه الضمان؟ وجهان) أحدهما يستقر الضمان على الآكل وهو قول أبي حنيفة والشافعي في الجديد لأنه ضمن فلم يرجع به على أحد والثاني يستقر على الغاصب لأنه غر الآكل وأطعمه على أنه لا يضمنه وهذا ظاهر كلام الخرقي وأيهما استقر عليه الضمان فغرم لم يرجع على أحد وإن غرم صاحبه رجع عليه (مسألة) (إن أطعمه لمالكه ولم يعلم لم يبرأ نص عليه) إذا أطعم المغصوب لمالكه فأكله عالماً أنه طعامه برئ الغاصب وإن لم يعلم وقال له كله فإنه طعامي استقر الضمان على الغاصب لما ذكرنا وإن كانت له بينة بأنه طعام المغصوب منه، وإن لم يقبل ذلك بل قدمه إليه وقال كله فظاهر كلام أحمد أنه لا يبرأ

وإن رهنه عند مالكه أو أودعه إياه أو أجره أو استأجره على قصارته أو خياطته ولم يعلم لم يبرأ من الضمان

لأنه قال في رواية الأثرم في رجل له قبل رجل تبعه فأوصلها إليه على سبيل صدقة أو هدية فلم يعلم فقال كيف هذا؟ هذا يرى أنه هدية يقول له هذا لك عندي، وهذا يدل على أنه لا يبرأ ههنا فيأكل المالك طعامه بطريق الأولى لأنه ثم رد إليه يده وسلطانه وههنا بالتقديم إليه لم يعد إليه اليد والسلطان فإنه لا يتمكن من التصرف فيه بكل ما يريد من أخذه وبيعه والصدقة به فلم يبرأ به الغاصب كما لو علفه لدوابه ويتخرج أن يبرأ بناء على ما إذا أطعمه لأجنبي فإنه يستقر الضمان على الآكل في إحدى الروايتين فكذلك ههنا وهذا مذب أبي حنيفة (فصل) وإن وهب المغصوب لمالكه أو أهداء إليه برئ في الصحيح لأنه سلمه اليه تسليماً تاماً وزالت يد الغاصب وكلام أحمد في رواية الأثرم محمول على ما إذا أعطاه عوض حقه على سبيل الهبة فأخذه المالك على هذا الوجه لا على سبيل العوض فلم تثبت المعاوضة ومسئلتنا فيما إذا رد عليه عين ماله وأعاد يده التي أزالها وإن باعه إياه وسلمه إليه برئ من الضمان لأنه قبضه بالإبتياع وهو موجب للضمان وكذلك إن أقرضه إياه لما ذكرنا (مسألة) (وإن رهنه عند مالكه أو أودعه إياه أو أجره أو استأجره على قصارته أو خياطته ولم يعلم لم يبرأ من الضمان) لأنه لم يعد إليه سلطانه إنما قبضه على أنه أمانة، وقال بعض أصححابنا يبرأ رده إلى يده

وإن اشترى عبدا فأعتقه فادعى رجل أن البائع غصبه فصدقه أحدهما لم يقبل على الآخر وإن صدقاه مع العبد لم يبطل العتق ويستقر الضمان على المشتري ويحتمل أن يبطل العتق إذا صدقوه كلهم

وسلطانه وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشافعي والأول أولى فإنه لو أباحه أكله فأكله لم يبرأ فههنا أولى. (مسألة) (وإن أعاره إياه برئ علم أو لم يعلم) لأن العارية توجب الضمان على المستعير فلو وجب الضمان على الغاصب رجع به على المستعير ولا فائدة في وجوب شئ عليه يرجع به على من وجب له (مسألة) (وإن اشترى عبداً فأعتقه فادعى رجل أن البائع غصبه فصدقه أحدهما لم يقبل على الآخر وإن صدقاه مع العبد لم يبطل العتق ويستقر الضمان على المشتري ويحتمل أن يبطل العتق إذا صدقوه كلهم) إذا اقام المدعي بينة بما ادعاه بطل البيع والعتق ويرجع المشتري على البائع بالثمن وإن صدقه البائع أو المشتري لم يقبل قول أحدهما على الآخر لأنه لا يقبل إقراره في حق غيره وإن صدقاه جميعاً لم يبطل العتق وكان العبد حراً لأنه قد تعلق به حق لغيرهما فإن وافقهما العبد فقال القاضي لا يقبل أيضاً لأن الحرية حق يتعلق بها حق لله تعالى ولهذا لو شهد شاهدان بالعتق مع اتفاق السيد والعبد علياالرق قبلت شهادتهما، ولو قال رجل أنا حرثم أقر بالرق لم يقبل إقراره وهذا مذهب الشافعي ويحتمل أن يبطل العتق إذا اتفق عليه كلهم ويعود العبد إلى المدعي لأنه مجهول النسب أقر بالرق لمن

يدعيه فصح كما لو لم يعتقه المشتري، ومتى حكمنا بالحرية فللمالك تضمين أيهما شاء قيمته يوم عتقه فإن ضمن البائع رجع على المشتري لأنه أتلفه وإن ضمن المشتري لم يرجع على البائع إلا بالثمن لأن التلف حصل منه فاستقر الضمان عليه وإن مات العبد فخالف مالا فهو للمدعي لإتفاقهم على أنه له وإنما لم يرد العبد إليه لتعلق حق الحرية به إلا أن يخلف وارثاً فيأخذه وليس عليه ولاء لأن أحداً لا يدعيه وإن صدق المشتري البائع وحده رجع عليه بقيمته ولم يرجع المشتري بالثمن وبقية الأقسام على ما نذكر في الفصل بعده (فصل) وإن كان المشتري لم يعتقه وأقام المدعي بينة بما ادعاه انتقض البيع ورجع المشتري على البائع بالثمن وكذلك إذا أقرا بذلك وإن أقر أحدهما لم يقبل على الآخر فإن كان المقر البائع لزمته القيمة للمدعي لأنه حال بينه وبين ملكه ويقر العبد في يد المشتري لأنه ملكه في الظاهر وللبائع إحلافه إن كان البائع لم يقبض الثمن فليس له مطالبة المشتري لأنه لا يدعيه ويحتمل أن يملك مطالبته بأقل الأمرين من الثمن أو قيمة العبد لأنه يدعي القيمة على المشتري والمشتري يقر له بالثمن فقد اتفقا على استحقاق أقل الأمرين فوجب ولا يضر اختلافهما في السبب بعد اتفاقهما على حكمه كما لو قال لي عليك ألف من ثمن مبيع فقال بل ألف من قرض وإن كان قد قبض الثمن فليس للمشتري استرجاعه لأنه لا يدعيه ومتى عاد العبد إلى البائع بفسخ أو غيره لزمه رده إلى مدعيه وله استرجاع ما أخذ منه

وإن أعوز المثل فعليه قيمة مثله يوم إعوازه

وإن كان إقرار البائع في مدة الخيار انفسخ البيع لانه يملك فسخه فقبل إقراره بما يفسخه وإن كان المقر المشتري وحده لزمه رد العيب ولم يقبل إقراره على البائع ولا يملك الرجوع عليه بالثمن إن كان قبضه وعليه دفعه إليه إن لم يكن قبضه فإن أقام المشتري بينه بما أقر به قبلت وله الرجوع بالثمن وإن كان البائع المقر فأقام بينة فان كان في حال البيع قال بعتك عبدي هذا أو ملكي لم تقبل بينته لأنه تكذبها وإن لم يكن قال ذلك قبلت لأنه يبيع ملكه وغيره، وإن أقام المدعى البينة سمعت ولا تقبل شهادة البائع له لأنه يجربها إلى نفسه نفعاً وإن أنكراه جميعاً فله إحلافهما قال أحمد في رجل يجد سرقته عند إنسان بعينها قال هو ملكه يأخذه أذهب إلى حديث سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم (من وجد متاعه عند رجل فهو أحق به ويتبع المتباع من باعه) رواه هشيم عن موسى بن السائب عن قتادة عن الحسن عن سمرة وموسى بن السائب ثقة (فصل) قال رضي الله عنه (وإن أتلف المغصوب ضمنه بمثله إن كان مكيلا أو موزونا) متى تلف المغصوب في يد الغاصب لزمه رد بدله لقوله تعالى (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) ولأنه لما تعذر رد العين لزمه رد ما يقوم مقامها فإن كان المتلف مثلياً كالمكيل والموزون مكيلا أو موزونا وجب المثل قال ابن عبد البركل مطعوم من مأكول أو مشروب فمجمع على أنه يجب على مستهلكه مثله لا قيمته ولأن المثل أقرب إليه من القيمة فهو ممائل له من طريق الصورة والمشاهدة

وإن لم يكن مثليا ضمنه قول باقي الجماعة

كالنص والمعنى والقيمة مماثلة من طريق الظن والإجتهاد فقدم ما طريقه المشاهدة كالنص لما كان طريقه الإدراك بالسماع كان أولى من القياس لأن طريقه الظن والاجتهاد (مسألة) (وإن أعوز المثل فعليه قيمة مثله يوم إعوازه) وقال القاضي تجب قيمته يوم قبض البدل لانه الواجب المثل إلى حين قبض البدل بدليل أنه لو وجد المثل بعد إعوازه لكان الواجب هو دون القيمة، وقال أبو حنيفة ومالك وأكثر أصحاب الشافعي تجب قيمته يوم المحاكمة لأن القيمة لم تنتقل إلى ذمته الاحين حكم بها الحاكم ولنا أن القيمة وجبت في الذمة حين انقطاع المثل فاعتبرت القيمة حنيئذ لتلف المتقوم ودليل وجوبها حينئذ أنه يستحق طلبها واستيفاء ها ويجب على الغاصب أداؤها ولا ينفي وجوب المثل لأنه معجوز عنه والتكليف يستدعي الوسع ولأنه لا يستحق طلب المثل ولا استيفاء ولا يجب على الآخر أداؤه فلم يكن واجباً كحالة المحاكمة، وأما إذا قدر على المثل بعد فقده فإنه يعود وجوبه لأنه الأصل قدر عليه قبل أداء البدل فأشبه القدرة على الماء بعد التيمم ولهذا لو قدر عليه بعد المحاكمة وقبل الإستيفاء استحق المالك طلبه وأخذه وعنه تلزمه قيمته يوم تلفه لأن القيمة نما ثبتت في الذمة حين التلف لأنه قبل التلف يجب رده فإذا تلف وجبت قيمته يوم تلفه كغير المثلي (مسألة) (وإن لم يكن مثليا ضمنه قول باقي الجماعة)

وحكي عن العنبري أنه يجب في كل شئ مثله لما روت جسرة بنت دجاجة عز عائشة رضي الله عنها قالت ما رأيت صانعاً مثل حفصة صنعت طعاماً فبعثت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذني الافكل فكسرت الإناء فقلت يا رسول الله ما كفارة ما صنعت فقال (إنا مثل الإناء وطعام مثل الطعام) رواه أبو داود وعن أنس أن احد نساء النبي صلى الله عليه وسلم كسرت قصعة الأخرى فدفع النبي صلى الله عليه وسلم قصعة الكاسرة إلى رسول صاحبة المكسورة وحبس المكسورة في بيته رواه الترمذي بنحوه وقال حسن صحيح ولنا ما روى عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من أعتق شركاله في عبد قوم عليه قيمة العدل) متفق عليه فأمر بالتقويم في حصة الشريك لأنها متلفة بالعتق ولم يأمر بالمثل والحديث محمول على أنه جوز ذلك بالتراضي وعلم أنها ترضى به ولأن هذه الأشياء لا تتساوى أجزاؤها وتخلف صفلتها فالقيمة فيها أعدل وأقرب إليها فكانت أولى ويكون ذلك يوم تلفه لما ذكرنا ويكون في بلده من نقده لأنه موضع الضمان يعني يضمنه في البلد الذي غصبه فيه من نقده، ويتخرج أن يضمنه بقيمته يوم غصبه وهو قول أبي حنيفة ومالك وروى عن أحمد لانه قوته عليه بغصبه فكان عليه قيمة ما فوت عليه حين فوته وقد روي عن أحمد في رجل أخذ من رجل أرطالاً من كذا وكذا أعطاه على السعريوم أخذه لا يوم محاسبته ولذلك روي عنه في حوائج البقال عليه القيمة يوم الأخذ وهذا يدل على أن القيمة تعتبر يوم الغصب والأولى أولى. قال شيخنا ويمكن التفريق بين هذا وبين الغصب من قبل أن ما أخذه ههنا بإذن مالكه

ملكه وحل له التصرف فيه فثبتت قيمته يوم ملكه ولم يعتبر ما ثبت في ذمته بتغير قيمة ما أخذه لأنه ملكه والمغصوب ملك المغصوب منه والواجب رده لا قيمته، وإنما تثبت قيمته في الذمة يوم تلفه أو انقطاع مثله فاعتبرت القيمة حينئذ وتغيرت بتغيره قبل ذلك، فأما إن كان المغصوب باقياً وتعذر رده فأوجبنا رد قيمته فإنه يطالبه بها يوم قبضها لأن القيمة لم تثبت في الذمة قبل ذلك ولهذا يتخير بين أخذها والمطالبة بها وبين الصبر إلى وقت إمكان الرد ومطالبة الغاصب بالسعي في رده وإنما يأخذ القيمة لأجل الحيلولة بينه وبينه فيعتبر ما يقوم مقامه لأن ملكه لم يزل عنه بخلاف غيره (فصل) وقد قال الخرقي فيمن غصب جارية حاملاً فولدت في يديه ثم مات الولد أخذها سيدها وقيمة ولدها أكثر ما كانت قيمته، فحمل القاضي قول الخرقي على ما إذا اختلفت القيمة لتغير الأسعار وهو مذهب الشافعي، فعلى هذا إذا تلف المغصوب لزم الغاصب قيمته أكثر ما كانت من يوم الغصب إلى يوم التلف لأن أكثر القيمتين فيه للمغصوب منه فإذا تعذر ردها ضمنه كقيمته يوم التلف، إنما سقطت القيمة مع رد العين، والمذهب أن زيادة القيمة بتغير الأسعار غير مضمونة على الغاصب وقد ذكرنا ذلك، وعلى هذا فكلام الخرقي محمول على ما إذا اختلف القيمة لمعنى في المغصوب من كبر وصغر وسمن وهزال ونسيان ونحو ذلك فالواجب القيمة أكثر ما كانت لانهما مغصوبة في الحال التي زادت فيها والزيادة لما لكها مضمونة على الغاصب على ما قدرناه بدليل أنه لورد العين ناقصة لزمه أرش نقصها

فإن كان مصوغا أو تبرا تخالف قيمته وزنه قومه بغير جنسه

وهو بدل الزيادة فإذا ضمن الزيادة مع بقائها ضمنها عند تلفها بخلاف زيادة القيمة لتغير الأسعار فإنها لا تضمن مع ردها فكذلك مع تلفها، وقولهم انها انما سقطت مع رد العين لا يصح لأنها لو وجبت ما سقطت بالرد كزيادة السمن قال القاضي ولم أجد عن أحمد رواية بأنها تضمن بأكثر القيمتين لتغير الأسعار فعلى هذا تضمن بقيمتها يوم التلف وقد روي عن أحمد أنها تضمن بقيمتها يوم الغصب إلا أن الخلال قال جبن أحمد عنه كأنه رجع إلى القول الأول وقد ذكرناه (مسألة) (فإن كان مصوغاً أو تبراً تخالف قيمته وزنه قومه بغير جنسه) متى كان المصاغ تزيد قيمته على وزنه أو تنقص والصناعة مباحة كحلي السناء وجب ضمانه بقيمته لكن يقومه بغير جنسه فيقوم الذهب بالفضة والفضة بالذهب لئلا يفضي ذلك إلى الربا، وقال القاضي يجوز تقويمه بجنسه لأن ذلك قيمته والصنعة لها قيمة بدليل أنه لو استأجره لعملها جاز، ولو كسر الحلي وجب عليه أرش ذلك ويخالف البيع لأن الصنعة لا يقابلها العوض في العقود ويقابلها في الإتلاف ألا ترى أنها لا تنفرد بالعقد وتنفرد بضمانها في الإتلاف؟ قال بعض أصحاب الشافعي هذا مذهب الشافعي وذكر بعضهم مثل القول الأول وهو الذي ذكره أبو الخطاب لأن القيمة مأخوذة على سبيل العوض فالزيادة ربا كالبيع وكالنقص، وقد قال أحمد في روااية ابن منصور إذا كسر الحلي يصلحه أحب إلي قال القاضي هذا محمول على أنهما تراضيا بذلك لا على طريق الوجوب، فإن كانت الصناعة محرمة كالأواني وحلي الرجال المحرم

فإن كان محلى بالنقدين معا قومه بما شاء منهما

لم يجز ضمانه بأكثر من وزنه وجهاد واحداً لأن الصناعة لا قيمة لها شرعا (مسألة) (فإن كان محلى بالنقدين معاقومه بما شاء منهما) للحاجة وأعطاه بقيمته عوضاً لئلا يفضي إلى الربا ولا يمكن تقويمه إلا بأحدهما لأنهما قيم الأموال فدعت الحاجة إلى تقويمهما بأحدهما وليس أحدهما بأولى من الآخر فكانت الخيرة إليه في تقويمه بما شاه منهما، والدليل على أنه لا يمكن تقويمه إلا بأحد النقدين أنه لا يمكن تقويمه بكل واحد منهما منفرداً لعدم معرفة ما فيه منه ولأن قيمة الحلية قد تنقص بالتحلية بها وقد تزيد ولا يمكن إفرادها بالبيع ولا بغيره من التصرفات وإنما يقوم المحلى كالسيف بأن يقال كم قيمة هذا؟ ولو بيع ماكان الثمن إلا عوضاً له لأن الحلية صارت فصة له وزينة فيه فكانت القيمة فيه موصوفا بهذا الصفة كقيمته في بيعه والله أعلم. (فصل) وقد ذكرنا أن ما تتماثل أجزاؤه وتنقارب كالأثمان والحبوب والأدهان يضمن بمثله وهذا لا خلاف فيه، فأما سائر المكيل والموزون فظاهر كلام أحمد أنه يضمنه بمثله أيضاً فإنه قال في رواية حرب ما كان من الدراهم والدنانير وما يكال ويوزن فظاهرة وجوب المثل في كل مكيل وموزون إلا أن يكون مما فيه صناعة مباحة كمعمول الحديد والنحاس والرصاص والصوف والشعر العزول فإنه يضمن بقيمته لأن الصناعة تؤثر في قيمته وهي مختلفة فالقيمة فيه أحصر فأشبه غير المكيل والموزون

وإن تلف بعض المغصوب فنقصت قيمة باقيه كزوجي خف تلف أحدهما فعليه رد الباقي وقيمة التالف وأرش النقص وقيل لا يلزمه أرش النقص

وذكر القاضي أن النقرة والسبيكة من الأثمان والعنب والرطب والكمثري إنما يضمن بقيمته، وظاهر كلام أحمد يدل على ما قلنا وإنما خرج منه ما فيه الصناعة لما ذكرنا ويحتمل أن تضمن النقرة بقيمتها لتعذر وجود مثله إلا بكسر النقود المضروبة وسبكها وفيه إتلاف (مسألة) (وإن تلف بعض المغصوب فنقصت قيمة باقيه كزوجي خف تلف أحدهما فعليه رد الباقي وقيمة التالف وأرش النقص وقيل لا يلزم أرش النقص) إذا غصب شيئين ينقصهما التفريق كزوجي خف أو مصراعي باب فتلف أحدهما رد الباقي وقيمة التلف وأرش نقصهما فإذا كانت قيمتهما ستة دراهم، فصارت قيمة الباقي بعد التلف درهمين رده وأربعة دراهم وفيه وجه آخر أنه لا يلزمه إلا قيمة التالف مع رد الباقي وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي لأنه لم يتلف غيره ولأن نقص الباقي نقص قيمة فلا يضمنه كالنقص لتغير الأسعار. ولنا أنه نقص حصل بجنايته فلزمه ضمانة كما لو غصب ثوباً فشقه ثم تلف أحد الشقين فإنه يلزمه رد الباقي وقيمة التالف وأرش النقص إن نقص بخلاف نقص السعر فإنه لم يذهب من المغصوب عين ولا معنى وههنا فوت معنى وهو إمكان الانتفاع به وهذا هو الموجب لنقص قيمته وهو حاصل من جهة الغاصب فينبغي أن يضمنه كما لو فوت بصره أو سمعه أو علقه أو فك تركيب باب ونحوه

(فصل) وإن غصب ثوباً فلبسه فأبلاه فنقص نصف قيمته ثم غلت الثياب فعادت قيمته كما كانت مثل إن غصب ثوباً قيمته عشرة فنقصه لبسه حتى صارت قيمته خمسة ثم زادت قيمته فصارت عشرة رده وإرش نقصه لأن ما تلف قبل غلاء الثوب ثبتت قيمته، في الذمة فلا يتغير ذلك بغلاء الثوب ولا رخصه وكذلك لو رخصت الثياب فارت قيمته ثلاثة لم يلزم الغاصب إلا خمسة مع رد الثوب ولو تلف الثوب كله وقيمته عشرة ثم غلت الثياب فصارت قيمته عشرين لم يضمن إلا عشرة لأنها تثبت في الذمة عشرة فلا تزاد بغلاء الثياب ولا تنقص برخصها (فصل) فإن غصب ثوباً أو زلياً فذهب بعض أجزائه كخمل المنشفة فعليه أرش نقصه، وإن أقام عنده مدة لمثلها أجرة لزمته أجرته سواء استمعله أو تركه، ولو اجتمعا مثل إن أقام عنده مدة وذهب بعض أجزائه فعليه ضمانهما معاً الأجرة وأرش النقص سواء كان ذهاب الأجزاء بالإستعمال كثوب ينقصه النسر نقص بنشره وبقي عنده مدة ضمن الأجر والنقص، وإن كان النقص بالاستمال كثوب لبسه فأبلاه فكذلك يضمنهما معاً في أحد الوجهين والثاني يجب أكثر الأمرين من الأجر أو أرش النقص لأن ما نقص من الاجزاء في مقابلة الأجر ولذلك لا يضمن المستأجر تلك الأجزاء ويتخرج لنا مثل ذلك. ولنا أن كل واحد منهما ينفرد بالإيجاب عن صاحبه فاذا إجتمعا وجباً كما لو أقام في يده مدة ثم

وإن غصب عبدا فأبق أو فرسا فشرد أو شيئا تعذر رده مع بقائه ضمن قيمته فإن قدر عليه بعد رده وأخذ القيمة

تف والأجرة تجب في مقابلة من المنافع لا في مقابلة الأجزاء ولذلك يجب الأجر وإن لم تفقت الأجزاء، وإن لم يكن للمغصوب أجرة كثوب غير مخيط فليس على الغاصب الاضمان نقصه (فصل) وإن نقص المغصوب عندا لغاصب ثم باعه فتلف عند المشتري فله تضمين من شاء منهما إذا لم يكن النقص لتغير الأسعار وقد ذكرناه، فإن ضمن الغاصب ضمنه فيمته أكثر ما كانت من حين الغصب إلى حين التلف لأنه في ضمانه من حين غصبه إلى يوم تلفه وإن ضمن المشتري ضمنه قيمته أكثر ما كانت من حين قبضه إلى يوم تلفه لأن ما قبل القبض لم يدخل في ضمانه، وإن كانت له أجرة فله الرجوع على الغاصب بجمعيها وعلى المشتري بأجر مقامه في يده وبالباقي على الغاصب وقد مر الكلام في رجوع كل واحد منهما على صاحبه (مسألة) (وان غصب عبداً فأبق أو فرساً فشرد أو شيئاً تعذر رده مع بقائه ضمن قيمته فإن قدر عليه بعد رده وأخذ القيمة) وجملته أن من غصب شيئاً فعجز عن رده مع بقائه كعبد آبق فللمغصوب منه المطالبة ببدله فإذا أخذه ملكه ولم يلمك الغاصب العين المغصوبة بل متى قدر عليه لزمه رده ويسترد بدلها الذي أداه وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة ومالك يتخير المالك بين الصبر إلى إمكان ردها فيستردها وبين تضمينه إياها فيزول ملكه عنها وتصير ملكاً للغاصب لا يلزمه ردها إلا أن يكون دفع دون قيمتها فهو له مع

وإن غصب عصيرا فتخمر فعليه مثله

يمينه لأن المالك ملك البدل فلا يبقى ملكه على المبدل كالبيع ولأنه تضمين فيما ينقل الملك فيه ففقله كما لو خلط زيته بزيته. ولنا أن المغصوب لا يصح ملكه بالبيع ههنا فلا يصح بالتضمين كالتالف ولأنه ضمن ما تعذر عليه رده بخر وجه عن يده فلا يملكه بذلك كما لو كان المغصوب مدبراً وليس هذا جميعا بين البدل والمبدل لأنه ملك القيمة لأجل الحيلولة لا على سبيل العوض ولهذا إذا رد المغصوب إليه رد القيمة عليه ولا يثبه الزيت لأنه يجوز بيعه ولأن حق صاحبه إنقطع عنه لتعذر رده. إذا ثبت ذلك فإنه إذا قدر على المغصوب رده ونماءه المنفصل والمتصل وأجر مثله إلى حين دفع بدله، ويجب على المالك ردما أخذه بدلاً عنه إلى الغاصب لأنه أخذه بالحيلولة وقد زالت فيجب رد ما أخذ من أجلها إن كان باقيا بعينه ورد زيادته المتصلة لأنها تتبع في الفسوخ وهذا فسخ ولا يلزم منه رد زيادته المنفصلة لأنها وجدت في ملكه ولا تتبع في الفسوخ فأشبهت زيادة المبيع المردود بعيب، وإن كان البدل تالفاً فعليه مثله أو قيمته إن لم يكن من ذوات الأمثال. (مسألة) (وان غصب عصيراً فتخمر فعليه مثله) لأنه تلف في يده فإن صار خلا وجب رده وما نقص من قيمة العصير ويسترجع ما أداه من بدله وقال بعض أصحاب الشافعي يرد الخل ولا يسترجع البدل لان العصير تلف بتخمره فوجب ضمانه فإن

عاد خلا كان كما لو هزلت الجارية السمينة ثم عاد سنمها فإنه يردها وأرش نقصها ولنا أن الخل عن العصير تغير صفته وقد رده فكان له استرجاع ما أداه بدلاً عنه كما لو غصبه فغصبه منه غاصب ثم رده عليه وكما لو غصب حملاً فصار كبشاً، وأما السمن الأول فلنا فيه منع وإن سلمنا فالثاني غير الأول بخلاف مسئلتنا (فصل) إذا غصب أثماناً فطالبه مالكها بها في بلد آخر وجب ردها إليه لأن الأثمان قيم الأموال فلا يضر إختلاف قيمتها، وإن كان المغصوب من المتقومات لزم دفع قيمته في بلد الغصب وإن كان من المثليات وقيمته في البلدين واحدة أو هي أقل في البلد الذي لقيه فيه فله مطالبته بمثله لأنه لا ضرر على الغاصب فيه، وإن كانت أكثر فليس له المثل لأنا لا نكلفه النقل إلى غير البلد الذي غصب فيه وله المطالبة بقيمته في بلد الغصب، وفي جميع ذلك متى قدر على المغصوب أو المثل في بلد الغصب رده وأخذ القيمة كما لو غصب عبداً فأبق. (فصل) قال رضي الله عنه (فإن كانت للمغصوب أجرة فعلى الغاصب أجرة مثله مدة مقامه في يده سواء استوفى المنافع أو تركها تذهب) هذا المعروف في المذهب نص عليه أحمد في رواية الأثرم وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا يضمن المنافع وهو الذي نصره أصحاب مالك وقد روى محمد بن الحكم عن أحمد فيمن غصب داراً فسكنها عشرين سنة لا أجترئ أن أقول عليه سكنى ما سكن وهذا يدل على

وإن تلف المغصوب فعليه أجرته إلى وقت تلفه

توقفه عن إيجاب الأجر إلا أن أبا بكر قال هذا قول قديم لأن محمد بن الحكم مات قبل أبي عبد الله بعشرين سنة. واحتج من لم يوجب الأجر بقول النبي صلى الله عليه وسلم (الخراج بالضمان) وضمانها على الغاصب ولأنه استوفى منفعته بغير عقد ولا شبهة ملك أشبه مالو زنا بامرأة مطاوعة ولنا أن كل ما ضمنه بالإتلاف في العقد الفاسد جاز أن يضمنه بمجرد الإتلاف كالأعيان ولأنه أتلف متقوماً فوجب ضمانه كالأعيان أو نقول مال متقوم مغصوب فوجب ضمانه كالعين وأما الخبر فوارد في البيع ولا يدخل فيه الغاصب لأنه لا يجوز له الانتفاع بالمغصوب بالإجماع ولا يشبه الزنا لأنها رضيت بإتلاف منافعها بغير عوض ولا عقد يقتضي العوض فكان بمنزلة من أعاره داراً، ولو أكرهها عليه لزمه مهرها، والخلاف فيما له منافع تستباح بعقد الإجارة كالعقار والثياب والدواب ونحوها فأما الغنم والشجر والطير ونوحها فلا شئ فيها لأنها لا منافع لها يستحق بها عوض، ولو غصب جارية ولم يطأها ومضى عليها زمن يمكن الوطئ فيه لم يضمن مهرها لأن منافع البضع لا تتلف إلا بالإستيفاء بخلاف غيرها ولأنها لا تقدر بزمن فيتلفها مضي الزمن بخلاف المنفعة، ولو أطرق الفحل لم يضمن منفعته لانه لاعوض له لكن عليه ضمان نقصه (مسألة) (وإن تلف المغصوب فعليه أجرته إلى وقت تلفه) لأنه بعد التلف لم تبقن له منفعة لم يجب ضمانها كما لو أتلفه من غير غصب

وإن اتجر بالدراهم فالربح لمالكها

(مسألة) (وان غصب شيئاً فعجز عن رده فأدى قيمته فعليه أجرته إلى وقت أداء القيمة) لأن منافعه إلى وقت أداء القيمة ممولكة لصاحبه فلزمه ضمانها وهل يلزم أجرة من حين دفع بدله إلى رده؟ فيه وجهان أصحهما لا يلزمه لأن إستحق الإنتفاع ببدله انلذي أقيم مقامه فلم يستحق الإنتفاع به وبما قام مقامه والثاني له الأجر لأن العين باقيه على ملكه والمنفعة له (فصل) وتصرفات الغاصب الحكمية كالحج وسائر العبادات والعقود كالبيع والنكاح ونحوها باطلة في إحدى الروايتين والأخرى صحيحة) تصرفات الغاصب كتصرف الفضولي وفيه روايتان أظهرهما بطلانها والثانية صحتها ووقوفها على إجازة المالك وذكر شيخنا في الكتاب المشروح رواية أنها تقع صحيحة وذكره أبو الخطاب وسواء في ذلك العبادات كالطهارة والصلاة والزكاة والحج والعقود كالبيع والإجارة والنكاح وهذا ينبغي أن يتقيد في العقود بما لم يبطله المال، فأما ما إختار المالك إبطاله وأخذ المعقود عليه فلا نعلم فيه خلافاً وأما ما لم يدركه المالك فوجه التصحيح فيه أن الغاصب تطول مدته وتكثر تصرفاته ففي القضاء ببطلانها ضرر كثير وربما عاد الضرر على المالك فإن الحكم بصحتها يقتضي كون الربح للمالك والعوض نمائه وزيادته له الحكم ببطلانها يمنع ذلك (مسألة) (وإن اتجر بالدراهم فالربح لمالكها) إذا غصب أثماناً فاتجر بها أو عروضاً فباعها وأتجر بثمنها فقال أصحابنا الربح للمالك والسلع

وإن إشترى في ذمته ثم نقدها احتمل أن يكون الربح للغاصب

المشتراة له وقال الشريف أبو جعفر وأبو الخطاب إن كان الشراء بعين المال فالربح للمالك لأنه نماء ملكه قال الشريف وعن أحمد أنه يتصدق وبه لو قوع الخلاف فيه (مسألة) (وإن إشترى في ذمته ثم تقدها احتمل أن يكون الربح للغاصب) وكذلك ذكره أبو الخطاب وهو قول أبي حنيفة وأحد قولي الشافعي لأنه اشترى لنفسه في ذمته فكان الشراء له والربح له، وعليه بدل المغصوب وهذا قياس قول الخرقي وذكر ذلك عن أحمد واحتمل أن يكون للمالك لأنه نماء ملكه أشبه مالو اشترى بعين المال وهذا المشهور في المذهب وقال صاحب المحرر إذا اشترى في ذمته بنية نقدها لئلا بتخذ ذلك طريقاً إلى غصب مال الغير والتجارة به وإن خسر فهو على الغاصب لأنه نقص حصل في المغصوب، وادفع المال إلى من يضارب به فالحكم في الربح على ما ذكرنا وليس على المالك من أجر العامل شئ لأنه لم يأذن له في العمل في ماله وإن كان المضارب عالماً بالغاصب فلا أجر له لأنه متعد بالعمل ولم يغره أحد وإن لم يعلم فعلى الغاصب أجر مثله لأنه استعمله عملا بعوض لم يحصل له فلزمه أجره كالعقد الفاسد (فصل) وإن أجر الغاصب المغصوب فالإجارة باطلة في إحدى الروايات كالبيع وللمالك تضمين أيهما شاء أجر المثل فإن ضمن المستأجر لم يرجع بذلك لأنه دخل في العقد على أنه يضمن المنفعة

وإن اختلفا في قيمة المغصوب أو قدره أو صناعة فيه فالقول قول الغاصب

ويسقط عنه في العقد وإن كان دفعه إلى الغاصب رجع به وإن تلفت العين في يد المستأجر فلمالكها تضمين من شاء منهما قيمتها فإن ضمن المستأجر رجع بذلك على الغارم لأنه دخل معه على أنه لا يضمن العين ولم يحصل بدل في مقابلة ما غرم، وإن كان عالماً بالغصب لم يرجع على الغاصب لأنه دخل على بصيرة وحصل التلف في يده فاستقر الضمان عليه فإن ضمن الغاصب الأجر والقيمة رجع بالاجر على المستأجر علم أو لم يعلم ويرجع بالقيمة إن كان المستأجر علم بالغصب وهذا قول الشافعي ومحمد بن الحسن في هذا الفصل وحكي عن أبي حنيفة أن الأجر اللغاصب دون صاحب الدار وهو فاسد لأن الأجر عوض المنافع المملوكة لرب الدار فلم يملكها الغاصب كعوض الاجزاء (مسألة) (وإن اختلفا في قيمة المغصوب أو قدره أو صناعة فيه فالقول قول الغاصب) إذا اختلف المالك والغاصب في قيمة المغصوب ولا بينة فالقول قول الغاصب لأن الأصل براءة ذمته فلا يلزمه ما لم يقم عليه حجة كما لو ادعى عليه دينا فأقر ببعضه وكذلك إن اختلفا في قدره فقال غصبتني مائة قال بل خمسين لما ذكرنا وكذلك إن قال المالك كان كاتباً أو له صناعة فأنكر الغاصب فالقول قوله لذلك فإن شهدت البينة بالصفة ثبتت (مسألة) (وإن اختلفا في رده أو عيب فيه فالقول قول المالك) لأن الأصل عدم الرد وبقاؤه في يد الغاصب وإن قال الغاصب كانت فيه سلعة أو أصبغ زائدة أو عيب

وإن بقيت في يده غصوب لا يعلم أربابها تصدق بها عنهم بشرط الضمان كاللقطة

وأنكر المالك فالقول قوله لأن الأصل عدم ذلك، وإن إختلفا بعد زيادة قيمة المغصوب في وقت الزيادة فقال المالك زادت قبل تلفه وقال الغاصب بعد تلفه فالقول قول الغاصب لأن الأصل براءة ذمته وإن شاهدنا العبد معيباً فقال الغاصب كان معيبا قبل غصبه وقال المالك تعيب عندك فالقول قول الغاصب لأنه غارم ولأن الظاهر أن صفة العبد لم تتغير، ويتخرج أن القول قول المالك كما إذا إختلف البائع والمشتري في العيب هل كان عند البائع أو حدث عند المشتري؟ فإن فيه رواية أن القول قول البائع كذلك هذا، وإن غصبه خمراً فقال المالك تخلل عندك وأنكر الغاصب فالقول قوله لأن الأصل عدم تغيره وبراءة ذمة الغاصب، وإن اختلفا في تلفه فالقول قول الغاصب إذا ادعى التلف لأنه أعلم بذلك ويتعذر إقامة البينة عليه فإذا حلف فللمالك المطالبة ببدله لأنه تعذر رد العين فلزم بدلها كما لو غصب عبداً فأبق وقيل ليس له المطالبة بالبدل لأنه لا يدعيه، وإن قال غصبت مني حديثاً قال بل عتيقاً فالقول قول الغاصب لأن الأصل عدم وجوب الحديث وللمالك المطالبة بالعتيق لأنه دون حقه، وإن اختلفا في الثياب التي على العبد فهي للغاصب لأنها في يده فكان القول قوله فيها ولم يثبت أنها كانت لمالك العبد (مسألة) (وان بقيت في يده غصوب لا يعلم أربابها تصدق بها عنهم بشرط الضمان كاللقطة) لأنه عاجز عن ردها على أصحابها فإذا تصدق بها عنهم كان ثوباها لا ربابها فيسقط ذلك إثم غصبها ولأن قضاء الحقوق في الآخرة بالحسنات وحمل السيئات فإذا طلب منه عوض الغصب أحالهم بثواب الصدقة

وإن فتح قفصا عن طائر فطار أو حل قيد عبده أو رباط فرسه فذهبت ضمنه

وعنه في اللقطة لا تجوز الصدقة بها فيخرج هنا له دفعه فلى هذا له دفعه إلى نائب الإمام كالضوال (فصل) قال رضي الله عنه (ومن أتلف مالاً محترماً لغيره ضمنه إذا كان بغير إذنه لا نعلم في ذلك خلافاً) لأنه فوته عليه فوجب عليه ضمانة كما لو غصبه فتلف عنده (مسالة) (وإن فتح قفصا عطائر فطار أو حل قيد عبده أو رباط فرسه فذهبت ضمنه) وبه قال ملك وقال أبو حنيفة والشافعي لا ضمان عليه إلا أن يكون أهاجهما حتى ذهبا وقال أصحاب الشافعي ان وقفا عبد الحل والفتح ثم ذهبا لم يضمنهما وان ذهبا عقيب ذلك ففيه قولان واحتجابان لهما اختبارا وقد وجدت منهما المباشرة ومن الفاتح سبب غير ملجئ فإذا اجتمعا لم يتعلق الضمان بالسبب كما لو حفر بئراً فجاء عبد لإنسان فرمى نفسه فيها ولنا أنه ذهب بسبب فعله فلزمه الضمان كما لو نفره أو ذهب عقيب فتحه وحله والمباشرة إنما حصلت ممن لا يمكن إحالة الحكم عليه فيسقط كما لو نفر الطائر وأهاج الدابة وأشلى كلباً على صبي فقتله أو أطلق ناراً في متاع إنسان فإن للنار فعلاً لكن لما لم يكن إحالة الحكم عليها كان وجوده كعدمه ولأن الطائر وسائر الصيد من طبعه النفور وإنما يبقى بالمانع فإذا أزيل المانع ذهب بطبعه فكان ضمانه على من أزال المانع كمن قطع علاقة قنديل فوقع فانكسر وهكذا لو حل قيد عبد فذهب أو أسير فأفلس لأنه تلف بسبب فلعه فأما إن فتح القفص وحل الفرس فبقيا واقفين فجاء إنسان فنفرهما فذهبا

وإن ربط دابة في طريق فأتلفت أو اقتنى كلبا عقورا فعقر أو خرق ثوبا ضمن

فالضمان على منفرهما لأن سببه أخص فاختص الضمان به كالدافع مع الحافر، وإن وقع طائر انسان على جدارفنفره إنسان فطار لم يضمنه لأن تنفيره لم يكن سبب فواته فإنه كان ممتنعاً قبل ذلك، وإن رماه فقلته ضمنه وإن كان في داره لأنه كان يمكنه تنفيره بغيره قتله وكذلك لو مر طائر في هواء داره فرماه فقتله مضنه لأنه لا يملك منع الطائر من هواء الدار فهو كما لو رماه في هواء دار غيره (مسألة) (وإن حل وكاء زق مائع أو جامد فأذابته الشمس أو بقي بعد حله فألقته الربح فاندفق ضمنه) إذا حل وكاء زق مائع فاندفق أو كان جامداً فذاب بشمس أو سقط بريح أو زلزلة ضمنه سواء خرج في الحال أو قليلة أو خرج منه شئ بل أسلفه فسقط أو ثقل أحد جانبيه فلم يزل يميل قليلاً قليلاً حتى سقط لأنه تلف بسبب فعله وقال القاضي لا يضمن إذا سقط بريح أو زلزلة ويضمن فيها سوى ذلك وبه قال أصحاب الشافعي، ولهم فيما إذا ذاب بالتسس وجهان قالوا لأن فعله غير ملجئ والمعنى الحادث مباشرة فلم يتعلق الضمان بفعله كما لو دفعه إنسان ولنا أن فعله سبب تلفه ولم يتخلل بينهما ما يمكن إحالة الحكم عليه فوجب عليه الضمان كما لو خرج عقيب فعله أو مال قليلاً قليلاً وكما لو جرح إنساناً فأصابه الحر أو البرد فسرت الجناية فإنه يضمن وأما إذا دفعه إنسان فإن المتخلل بينهما مباشرة من يمكن الإحالة عليه بخلاف مسئلتنا (مسألة) (وإن ربط دابة في طريق فأتلفت أو اقتنى كلبا عقوررا فعقر أو خرق ثوباً ضمن) إذا أوقف الدابة في طريق ضيق ضمن ما جنت بيد أو رجل أو فم لأنه متعد بوففها فيه وإن كان الطريق واسعاً ضمن في إحدى الروايتين وهو مذهب الشافعي لأن انتفاعه بالطريق مشروط بالسلامة ولذلك لو ترك في الطريق طينا فرلق به إنسان ضمنه والثانية لا يضمن لأنه غير متعد بوقفها في الطريق

وإن أجج نارا في ملكه أو سقى فتعدى إلى ملك غيره فأتلفه ضمن إذا كان قد أسرف فيه أو فرط وإلا فلا

الواسع فلم يضمن كما لو وقفها في موات وفارق الطين فإنه متعد بتركه في الطريق وأما الكلب فيلزمه ضمان ما أتلف لأنه تعدى بذلك فلزمه الضمان كما لو بنى في الطريق دكانا (مسألة) (إلا أن يكون دخل منزله بغير إذنه لأنه متعد بالدخول فقد تسبب الى إتلاف نفسه بجنايته، وإن دخل بإذن المالك فعليه ضمانه لأنه تسبب إلى إتلافه فإن أتلف الكلب بغير العقر مثل إن ولغ في إناء إنسان أو بال لم يضمنه لأن هذا لا يختص الكلب العقور قال القاضي وإن اقتنى سنوراً يأكل أفراخ الناس ضمن ما أتلفه كالكلب العقور، ولافرق بين الليل والنهار فإن لم تكن له عادة بذلك لم يضمن صاحبه جنايته كالكلب الذي ليس بعقورولو أن الكلب العقور أو السنور حصل عند إنسان من غير اقتنائه ولا اختياره فأفسد لم يضمنه لأنه لم يحصل الإتلاف بتسببه فإن اقتنى حماماً أو غيره من الطير فأرسله نهاراً فلقط حباً لم يضمنه لأن العادة ارساله (مسألة) (وقيل في الكلب روايتان في الجملة (إحداهما) يضمن سواء كان في منزل صاحبه أو خارجاً وسواء دخل بإذن صاحب المنزل أو بغير إذنه لأن اقتناءه الكلب العقور سبب للعقر وأذى الناس فضمن صاحبه كمن ربط دابة في طريق ضيق (والثانية) لا يضمن لقوله عليه الصلاة والسلام (جرح العجماء جبار) ولأنه اتلف من غير أن تكون يد صاحبه عليه أشبه سائر البهائم (مسألة) (وإن أجج ناراً في ملكه أو سقى أرضه فتعدى إلى ملك غيره فأتلفه ضمن إذا كان قد أسرف فيه أو فرط وإلا فلا) وجملته أنه إذا فعل ذلك لم يضمن إذا كان ما جرت به العادة من غير تفريط لان غير متعد ولأنها سراية فعل مباح فلا يضمن كسراية القود، وفارق من حل وكاء زق فاندفق لأنه متعد بحله ولأن الغالب خروج المائع من الزق المفتوح بخلاف هذا، فإن كان بتفريط منه أو إسراف بأن أجج ناراً تسري

وإن حفر في فنائه بئرا لنفسه ضمن ما تلف به والفناء ما كان خارج الدار قريبا منها

في العادة لكثرتها أو في ريح شديدة تحملها أو فتح ماء كثيراً يتعدى أو فتح الماء في أرض غيره أو أوقد في دار غيره ضمن ما تلف به وإن سرى إلى غير الدار التي أوقد فيها والأرض التي فتح الماء فيها لأنها سراية عدوان أشبهت سراية الجرح الذي تعدى به ولذلك إن يبست النار أغصان شجرة غيره يضمن لأن ذلك لا يكون إلا من نار كثيرة إلا أن تكون الأغصان في هوائه فلا يضمن لأن دخولها إليه غير مستحق فلا يمنع من التصرف في داره لحرمتها ومذهب الشافعي كما ذكرنا في هذا الفصل. (فصل) وإن ألقت الريح إلى داره ثوب غيره لزمه حفظه لأنه أمانة حصلت تحت يده أشبهت اللقطة فإن لم يعرف صاحبه فهو لقطه يثبت فيها أحكامها وإن عرف صاحبه لزمه إعلامه فان لم يفعل ضمنه لأنه أمسك مال غيره بغير إذنه من غيرت عريف فهو كالغاصب، وإن سقط طائر في داره لم يلزمه حفظه ولا إعلام صاحبه لأنه محفوظ بنفسه إلا أن يكون غير ممتنع فهو كالثوب وإن دخل برجه فأغلق عليه الباب ناوياً إمساكه لنفسه ضمنه لأنه أمسك مال غيره لنفسه فهو كالغاصب وإلا فلا ضمان عليه لأنه يتصرف في برجه كيف شاء فلا يضمن مال غيره بتلفه ضمناً لتصرفه الذي لم يتعد فيه (مسألة) (وإن حفر في فنائه بئراً لنفسه ضمن ما تلف به، والفناما كان خارج الدار قريباً منها) إذا حفر في الطريق بئراً لنفسه ضمن ما تلف بها سواء حفرها بإذن الإمام أو بغير إذنه وسواء كان فيها ضرر أولا وقال أصحاب الشافعي إن حفرها بإذن الإمام لم يضمن لأن للإمام أن يأذن في الانتفاع بما لا ضرر فيه بدليل أنه يجوز أن يأذن في العقود فيه ويقطعه لمن يبيع فيه ولنا أنه تلف بحفر حفرة في مكان مشترك بغير إذن أهله لغير مصلحتهم فضمن كما لو لم يأذن فيه الإمام ولا نسلم أن للإمام الإذن في هذا وإنما جاز الإذن في العقود لأنه لا يدوم ويمكن إزالته في الحال اشبه العقود في المسجد ولأن العقود حائز من غير إذن الإمام بخلاف الحفر

وإن حفرها في سابلة لنفع المسلمين لم يضمن في أصح الروايتين

(مسألة) (وإن حفرها في سابلة لنفع المسلمين لم يضمن في أصح الروايتين) مثل أن يحفرها لينزل فيها ماء المطر أو ليشرب منه المارة ونحو هذا فلا يضمن لأنه محسن بفعله غير متعد أشبه باسط الحصير في المسجد، وقال بعض أصحابنا لا يضمن إذا كان بإذن الامام وإن كان بغير إذنه لم يضمن في إحدى الروايتين فإن أحمد قال في رواية إسحاق بن إبراهيم إذا أحدث بئراً لماء المطر فيه نفع للمسلمين أرجو أن لا يضمن والثانية يضمن أومأ إليه أحمد لأنه اقتات على الإمام ولم يذكر القاضي سوى هذه الرواية، والصحيح الأول لأن هذا مما تدعو الحاجة إليه ويشق استئذان الإمام فيه وتعم البلوى به ففي وجوب الإستئذان فيه تفويت لهذه المصلحة العامة لأنه لا يكاد يوجد من يتحمل كلفة الإستئذان والحفر معاً فتضيع هذه المصلحة فوجب سقوط الإستئذان كما في سائر المصالح العامة من بسط حصير في المسجد أو وضع سراج أو رم شعث وأشباه ذلك وحكم البناء في الطريق حكم الحفر فيها على ما ذكرنا من التفصبل والخلاف وهو أنه متى بنى بناء يضر لكونه في طريق ضيق أو واسع الا أنه يضر بالمارة أو بناه لنفسه ضمن ما تلف به وساء في ذلك كله إذن الإمام وعدم الإذن قال شيخنا ويحتمل أن يعتبر إذن الإمام في البناء لنفع المسلمين دون الحفر لأن الحفر تدعو الحاجة إليه لنفع الطريق وإصلاحها وإزالة الطين والماء منها بخلاف البناء فجرى حفرها مجرى تبقيتها وحفر هدفة منها وقلع حجر يضر بالمارة ووضع الحصى في حفرة فيها ليسهلها، ويملكها بإزالة الطين ونحوه منها تسقيف ساقية فيها ووضع حجر في طين فيها ليطأ الناس عليها فهذا كله مباح لا يضمن ما تلف به لا نعلم فيه خلافاً وكذلك ينبغي أن يكون في بناء القناطر ويحتمل أن يعتبر إذن الإمام فيها لأن مصلحته لاتعم بخلاف غيره قال بعض أصحابنا في حفر البئر ينبغي أن يتقيد سقوط الضمان إذا حفرها في مكان مائل عن القارعة وجعل عليه حاجزاء يعلم به ليتوقى (فصل) وان حفر العبد بسرا في ملك إنسان بغير إذنه أو في طريق يتضرر به ثم أعتق ثم تلف بها شئ ضمنه العبد وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة الضمان على السيد لأن الجناية بالحفر

وإن بسط في مسجد حصيرا أو علق فيه قنديلا أو سقفه أو نصب عليه بابا أو جعل فيه رفا لينتفع به الناس فتلف به شيء فلا ضمان عليه

في حال رقه فكان ضمان جنايته حيئنذ على سيده ولا يزال ذلك بعتقه كما لو جرح في حال رقه ثم سرى جرحه بعد عتقه ولنا أن التلف الموجب للضمان وجد بعد العتق فكان الضمان عليه كما لو اشترى سيفاً في حال رقه ثم قتل به بعد عتقه وفارق ما قاسوا عليه لأن الإتلاف الموجب للضمان وجد حال رقه وههنا حصل بعد عتقه وكذلك القول في نصيب حجر أو غيره من الأسباب التي يجب بها الضمان (مسألة) (وإن بسط في مسجد حصيراً أو علق فيه قنديلاً أو سقفه أو نصب عليه باباً أو جعل فيه رقا لينتفع به الناس فتلف به شئ فلا ضمان عليه) وقال أصحاب الشافعي إن فعل شيئاً من ذلك بغير إذن الإمام ضمن في أحد الوجهين وقال أبو حنيفة يضمن اذالم يأذن فيه الجيران ولنا أن هذا فعل أحسن به ولم يتعد فيه فلم يضمن ما تلف به كما لو أذن فيه الإمام والجيران ولأنه فعل ما يتنفع به المسلمون غالباً فلم يضمن كمن مهد الطريق ولأن هذا مأذون فيه عرفاً لأن العادة جارية بالتبرع به من غير استئذان فلم يضمن فاعله كالمأذون فيه نطلقا (مسألة) (وإن جلس في مسجد أو طريق واسع فعثر به حيوان فتلف لم يضمن في أحد الوجهين) لأنه جلس في مكان له الجلوس فيه من غير تعد على أحد، وفي الآخر يضمن لأن الطريق إنما جعلت للمرور فيها لا الجلوس، والمسجد للصلاة وذكر الله تعالى والأول أولى لأنه فعل فلا مباحاً، وقولهم أن الطريق إنما جعلت للمرور ممنوع فإن الطريق الواسع يجلس فيه عادة وكذلك المسجد جعل للصلاة وإنتظارها والإعتكاف فيه في جميع الأوقات وبعضها لا تباح الصلاة فيه ولأن انتظار الصلاة والإعتكاف قربة فلم يتعلق به الضمان كالصلاة والله أعلم (مسألة) (وإن أخرج جناحاً أو ميزاباً إلى الطريق فسقط على شئ فأتلفه ضمن) وجملة ذلك أنه إذا أخرج إلى الطريق النافذ جناحاً أو ساباطاً فسقط أو شئ منه على شئ فأتلفه ضمنه المخرج وقال

وإن مال حائطه فلم يهدمه حتى أتلف شيئا لم يضمنه نص عليه وأومأ في موضع أنه إن تقدم إليه لنقضه وأشهد عليه فلم يفعل ضمن

أصحاب الشافعي إن وقعت خشبة ليست مركبة على حائط وجب نصف الضمان لأنه تلف بما وضعه على ملكه وملك غيره فيقسم الضمان عليهما. ولنا أنه تلف بما أخرجه إلى هوا الطريق فكما لو بني حائطه مائلاً إلى الطريق أو كما لو لم تكن الخشبة الساقطة موضوعة على الحائط ولأنه إخراج يضمن به البعض فضمن به الكل كالذي ذكرنا ولأنه تلف بعدوانه فضمنه كما لو وضع البناء على أرض الطريق والدليل على عدوانه وجوب ضمان البعض لأنه لو كان مباحاً لم يضمن به كسائر المباحات، ولأن هذه خشبة لو سقط الخارج مها حسب فأتلف شيئاً ضمنه فيجب أن يضمن ما أتلف جميعها كسائر المواضع التي يجب الضمان فيها ولا ننا لم نعلم موضعاً يجب الضمان كله ببعض الخشبة ونصفه بجميعها، وإن كان إخراج الجناح الى درب غير نافذ بغير إذن أهله ضمن ما تلف به وإن كان بإذنهم فلا ضمان عليه لأنه غير متعد فيه (فصل) وإن أخرج ميزاباً إلى الطريق النافذ فسقط على إنسان أو شئ فأتلفه ضمن وبهذا قال أبو حنيفة وحكي عن مالك انه لا يضمن ما اتلفه لأنه غير متعد بإخراجه فلم يضمن ما تلف به كما لو أخرجه إلى ملكه وقال الشافعي إن سقط كله فلعيه نصف الضمان لأنه تلف بماوضعه على ملكه وملك غيره وان انقصف الميزاب فسقط منه الخارج حسب ضمن الجميع لأنه كله في غير ملكه ولنا ما سبق في الجناح ولا نسلم أن إخراجه مباح بل هو محرم لأنه أخرج إلى هواء ملك غيره شيئاً يضربه أشبه ما أخرجه إلى ملك آدمي معين بغير إذنه، فأما إن أخرجه إلى ملك آدمي معين بغير إذنه فهو متعد ويضمن ما تلف به لا نعلم في ذلك خلافاً (مسألة) (وإن مال حائطه فلم يهدمه حتى أتلف شيئاً لم يضمنه نص عليه وأومأ في موضع أنه إن تقدم إليه لنقضه وأشهد عليه فلم يفعل ضمن) إذا كان في ملكه حائط متسو أو مائل إلى ملكه أو بناء كذلك فسقط من غير إستهدام ولا ميل فلا ضمان على صاحبه فيما تلف به لأنه لم يتعد ببنائه ولا حصل منه تفريط بابقائه وإن مال قبل وقوعه إلى ملكه ولم يتجاوزه فلا ضمان عليه أيضا لانه بمنزلة بناءئه مائلاً في ملكه وإن مال قبل وقوعه إلى هواء الطريق أو إلى ملك إنسان أو ملك مشترك بينه وبين غيره وكان بحيث لا يمكنه نقضه فلا ضمان عليه لأنه لم يتعد ببنائه ولا فرط في ترك نقضه لعجزه عنه أشبه مالو سقط من غير ميل، فإن أمكنه نقضه ولم

ينقضه ولم يطالب بذلك لم يضمن في المنصوص عن أحمد وهو الظاهر عن الشافعي ونحوه قول الحسن والنخعي والثوري وأصحاب الررأي لأنه بناه في ملكه والميل حادث بغير فعله أشبه مالو وقع ميله، وذكر بعض أصحابنا فيه وجهاً آخر أن عليه الضمان وهو قول ابن أبي ليلى وأبي ثور وإسحاق لأنه متعد بتركه مائلاً فضمن ما تلف به كما لو بناه مائلاً إلى ذلك إبتداء ولانه لو طولب بنقضه فلم يفعل ضمن ما تلف به ولو لم يكن موجباً للضمان لم يضمن بالمطالبة كما لو لم يكن مائلا أو كان مائلاً إلى ملكه، وأما إن طولب بنقضه فلم يفعل فقد توقف أحمد عن الجواب فيها وقال أصحابنا يضمن وقد أومأ إليه أحمد وهو مذهب مالك ونحو قال الحسن والنخعي والثوري، وقال أبو حنيفة الإستحسان أن يضمن لأن حق الجواز للمسلمين وميل الحائط يمنعهم ذلك فكان لهم المطالبة بإزالته فإذا لم يزله ضمن كما لو وضع شيئاً على حائط نفسه فسقط في ملك غيره فطولب برفعه فلم يفعل حتى عثر به إنسان، وفيه وجه آخر لا ضمان عليه قال أبو حنيفة وهو القياس لأنه بناه في ملكه ولم يسقط بفعله فأشبه مالو لم يطالب بنقضه أو سقط قبل ميله أولم يمكنه نقضه، ولأنه لو وجب الضمان به لم تشترط المطالبة به كما لو بناه مائلاً إلى غير ملكه فإن قلنا عليه الضمان إذا طولب فإن المطالبة من كل مسلم أو ذمي توجب المضان إذا كان ميله إلى الطريق لأن لكل واحد منهم حق المرور فكانت له المطالبة كما لو مال الحائط إلى ملك جماعة فإن لكل واحد منهم المطالبة وإذا طالب واحد فاستأجله صاحب الحائط أو أجله الإمام لم يسقط عنه الضمان لأن الحق لجميع المسلمين فلا يملك الواحد منهم إسقاطه وإن كانت المطالبة لمستأجر الدار ومرتهنيها ومستعيرها ومستودعها فلا ضمان عليهم لأنهم لا يملكون القبض وليس الحائط ملكها لهم وإن طولب المالك في هذه الحال فلم يمكنه استرجاع الدار ونقض الحائط فلا ضمان عليه لعدم تفريطه وإن أمكنه استرجاعها كالمعير والمودع والراهن إذا أمكنه فكاك الرهن فم يفعل ضمن لأنه أمكنه النقض، وإن كان

المالك محجوراً عليه لسفه أو صغر أو جنون فطولب هو لم يلزمه الضمان لأنه ليس أهلاً للمطالبة وإن طولب وليه أو وصيه فلم ينقضه فالضمان على المالك لأن سبب الضمان ماله فكان الضمان عليه دون التصرف كالوكيل مع الموكل وإن كان الملك مشتركاً بين جماعة فولب أحدهم بنقضه احتمل وجهين أحدهما لا يلزمه شئ لأنه لا يمكنه نقضه بدون إذنهم فهو كالعاجز والثاني يلزمه بحصته لأنه يتمكن من النقض بمطالبته شركاءه وإلزامهم النقض فصار بذلك مفرطاً فإن كان ميل الحائط إلى ملك آدمي معين أما واحد أو جماعة فالحكم على ما ذكرنا إلا أن المطالبة تكون للمالك أو ساكن الملك الذي مال إليه دون غيره، وإن كان لجماعة فأيهم طالب وجب النقض بمطالبته كما لو طالب واحد بنقض المائل إلى الطريق إلا أنه متى طولب إلا أنه متى طولب ثم أجله صاحب الملك أو إبرأه منه أو فعل ذلك ساكن الدار التي مال إليها جاز لأن الحق له وهو يملك إسقاطه، وإن مال إلى درب غير نافذ فالحق لأهل الدرب والمطالبة لهم لأن الملك لهم يلزم النقض بمطالبة أحدهم ولا يبرأ بإبرائه وتأجيله إلا أن يرضي بذلك جميعهم لأن الحق للجميع. (فصل) وإن لم يمل الحائط لكن تشقق فإن لم يخش سقوطه لكون سقوطه بالطول لم يجب نقضه وحكمه حكم الصحيح قياساً عليه وإن خيف وقوعه لكونه مشقوقاً بالعرض فحكمه حكم المائل لأنه يخاف منه التلف أشبه المائل (فصل) ولو بنى في ملكه حائط مائلاً إلى الطريق أو إلى ملك غيره فتلف به شئ أو سقط على شئ أتلفه ضمن لتعديه فإنه ليس له النباء في هواء ملك غيره أو هواء مشترك ولأنه يعرضه للوقوع على غيره في غير ملكه أشبه مالو نصب فيه منجلاً يصيد به وهذا مذهب الشافعي ولا نعلم فيه مخالفاً (فصل) إذا تقدم إلى صاحب الحائط المائل بنقضه فباعه مائلاً فسقط على شئ فتلف به فلا

وما أتلفت البهيمة فلا ضمان على صاحبها إلا أن تكون في يد إنسان كالراكب والسائق والقائد قد يضمن ما جنت يدها أو فمها دون ما جنت رجلها

ضمان على بائعه لأنه ليس بملكه ولا على المشتري لأنه لم يطالب بنقضه وكذلك إن وهبه واقبضه وإن قلنا بلزوم الهبة زال الضمان عنه بمجرد العقد، وإذا وجب الضمان عنه وكان التلف به آدمياً فالدية على عاقلته فإن أنكرت العاقلة كون الحائط لصاحبهم لم يلزمهم إلا أن يثبت ذلك ببينة لأن الأصل عدم الوجوب عليهم فلا يجب بالشك وإن إعترف صاحب الحائط فالضمان عليه دونهم لأن العاقلة لاتحمل الإعتراف وكذلك إن أنكروا مطالبته بنقضه فالحكم على ما ذكرنا وإن كان الحائط في يد صاحبهم وهو ساكن في الدارلم يثبت بذلك الوجوب عليهم لأن دلالة ذلك على الملك من جهة الظاهر والظاهر لا تثبت به الحقوق وإنما ترجح به الدعوى (مسألة) (وما أتلفت البهية فلا ضمان على صاحبها إلا أن تكون في يد إنسان كالراكب والسائق والقائد قد يضمن ما جنت يدها أو فمها دون ما جنت رجلها) إذا أتلف البهيمة شيئاً فلا ضمان على صاحبها إذا لم تكن يد أحد عليه القول النبي صلى الله عليه وسلم (العجماء جرحها جبار) يعني هدرا فأما إن كانت يد صاحبها عليها كالراكب والسائق القائد فانه يضمن وهذا قول شريح وأبي حنيفة والشافعي وقال مالك لا ضمان عليه لما ذكرنا من الحديث ولأنه جناية بهبمة فلم يضمنها كما لو لم تكن ييده عليها ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (والرجل جبار) رواه سعيد بإسناده عن الهزبل بن شرحبيل عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وتخصيص الرجل بكونه جباراً دليل على وجوب الضمان في جناية غيرها ولأنه يمكنه حفظها من الجناية إذا كان راكبها أو يده عليها بخلاف من لا يدله عليه وحديثه محمول على من لا يدله عليها (فصل) ولا يضمن ما جنت برجلها وبه قال أبو حنيفة وعن أحمد رواية أخرى أنه يضمنها وهو قول شريح والشافعي لأنه من جناية بهيمة يده عليها فضمنه كجناية يدها

ويضمن ما أفسدت من الزرع والشجر ليلا ولا يضمن ما أفسدت من ذلك نهارا

ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (الرجل جبار) ولأنه لا يملك حفظ رجلها عن الجناية فلم يضمنها كما لو لم يكن يده، عليها فأما إن كانت جنايتها بفعله مثل أن كبحها أو ضربها في وجهها ونحو ذلك فإنه يضمن جناية رجلها لأنه السبب في جنايتها فكان عليه ضمانها ولو كان السبب غيره مثل أن نخسها أو نفرها فالضمان على من فعل ذلك دون راكبها وسائقها وقائدها لأنه السبب في جنايتها (فصل) فإن كان على الدابة راكبان فالضمان على الأول منهما لأنه المتصرف فيها القادر على كفها إلا أن يكون الأول منهما صغيراً أو مريضاً ونحوهما ويكون الثاني هو المتولي لتدبيرها فيكون الضمان عليه فإن كان مع الدابة قائد وسائق فالضمان عليهما لأن كل واحد منهما لو انفرد ضمن فإذا اجتمعا ضمنا، وإن كان معهما أو مع أحدهما راكب فالضمان عليهم جميعاً في أحد الوجهين لذلك والثاني الضمان على الراكب لأنه أقوى يداً وتصرفاً، ويحتمل أن يكون على القائد لانه لاحكم للراكب معه (فصل) والجمل المقطور على الجمل الذي عليه راكب يضمن جنايته لأنه في حكم القائد فأما الجمل المقطور على الجمل الثاني فينبغي أن لا يضمن جنايته إلا أن يكون له سائق لأن الراكب الأول لا يمكنه حفظه عن الجناية، ولو كان مع الدابة ولدها لم يضمن جنايته لأنه لا يمكنه حفظه وذكر ابن أبي موسى في الإرشاد أنه يضمن قال لأنه يمكنه ضبطه بالشد (مسألة) (ويضمن ما افسدت من الزرع والشجر ليلاً ولا يضمن ما افسدت من ذلك نهاراً) يعني إذا لم تكن يد أحد عليها وهذا قول مالك والشافعي وأكثر فقهاء الحجاز وقال الليث يضمن مالكها ما أفسدته ليلا ونهارا بأقل الأمرين من قيمتها أو قدر ما أتلفته كالعبد إذا جنبى، وقال أبو حنيفة لا ضمان عليه بحال لقول النبي صلى الله عليه وسلم (العجماء جرحها جبار) يعني هدراو لانها أفسدت وليست يده عليها فلم يضمن كالنهار أو كما لو أتلفت غير الزرع ولنا ما روى مالك عن الزهري عن حزام بن سعيد بن محيصة أن ناقة للبراء دخلت حائط قوم فأفسدت فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم: على أهل الأموال حفظها بالنهار وما أفسدت بالليل فهو مضمون عليهم. قال ابن عبد البر إن كان هذا مرسلاً فهو مشهور حدث به الائمة الثقاة وتلقاه فقهاء الحجاز بالقبول ولأن العادة من أهل المواشي إرسالها في النهار للرعي وحفظها ليلاً وعادة أهل الحوائط حفظها نهاراً دون الليل فإذا ذهبت ليلاً كان التفريط من أهلها بتركهم حفظها في وقت عادة الحفظ

ومن صال عليه آدمي أو غيره فقتله دفعا عن نفسه لم يضمنه لأنه قتله بالدفع الجائز فلم يجب ضمانه فإن كان الصائل بهيمة فلم يمكنه دفعها إلا بقلتها جاز له قتلها إجماعا ولا يضمنها إذا كانت لغيره

وإن تلفت نهاراً كان التفريط من أهل الزرع فكان عليهم وقد فرق النبي صلى الله عليه وسلم بينهما وقضى على كل إنسان بالحفظ في وقت عادته فصل) قال بعض أصحابنا انما يضمن مالكها ما أتلفته ليلاً إذا فرط بإرسالها ليلاً أنهارا اولم يضمها بالليل أو ضمها بحيث يمكنها الخروج أما إذا ضمها فأخرجها غيره بغير إذنه أو فتح عليها بابها فالضمان على مخرجها أو فاتح بابها لأنه المتلف قال القاضي هذه المسألة عندي محمولة على موضع فيه مزارع ومراعي أما القرى العامرة التي لامرعى على فيها الابين قراحين (1) كساقية وطريق وطرف زرع فليس لصاحبها إرسالها بغير حافظ عن الزرع فإن فعل فعليه الضمان لتفريطه وهذا قول بعض أصحاب الشافعي. (فصل) فإن أتلفت البهيمة غير الزرع والشجر لم يضمن مالكها ما أتلفته ليلاً كان أو نهاراً ما لم تكن يده عليها، وحكي عن شريح أنه قضى في شاة وقعت في غزل حائك ليلاً بالضمان على صاحبها وقرأ (إذ نفشت فيه غنم القوم) قال والنفش لا يكون إلا بالليل وعن الثوري يضمن وإن كان نهاراً لنفريطه بإرسالها. ولنا قول النبي صلى الله عليه (العجماء جرحها جبار) متفق عليه أي هدر وأما الآية فالنفش هو الرعي بالليل وكان هذا في الحرث الذي تفسده البهائم بالرعي طبعاً وتدعوها نفسها إلى أكله بخلاف غيره فلا يصح قياس غير عليه (فصل) إذا استعار بهيمة فأتلفت شيئاً وهي في يد المستعير فضمانه عليه سواء كان المتلف لمالكها أو لغيره لأن ضمانه يجب باليد واليد للمستعير، وإن كانت البهيمة في يد الراعي فأتلفت زرعاً أو شجراً فالضمان على الراعي دون المالك لأن إتلاف ذلك في النهار لا يضمن إلا بثبوت اليد عليها واليد للراعي دون المالك فضمن كالمستعير، وإن كان الزرع للمالك وكان ليلاً ضمن أيضاً لأن ضمان اليد أقوى بدليل أنه يضمن في الليل والنهار جميعا (مسألة) (ومن صال عليه آدمي أو غيره فقتله دفعاً عن نفسه لم يضمنه لأنه قتله بالدفع الجائز فلم يجب ضمانه فإن كان الصائل بهيمة فلم يمكنه دفعها إلا بقتلها جاز له قتلها إجماعاً ولا يضمنها إذا كانت لغيره وهذا قول مالك والشافعي واسحاق وقال أبو حنيفة يضمنها لأنه أتلف مال غيره لا حياء نفسه فضمنه كالمضطر إذا أكل طعام غيره وكذلك الخلاف في غير المكلف من الآدمين كالصبي والمجنون يجوز قتله ويضمنه لأنه لا يملك إباحة نفسه ولذلك لو ارتد لم يقتل ولنا أنه قتله بالدفع الجائز فلم يضمنه كالعبد ولأنه حيوان جاز إتلافه فلم يضمنه كالآدمي المكلف ولانه

_ (1) كذا في الاصل

وإن اصطدمت سفينتان فغرقتا ضمن كل واحد منهم سفينة الآخر وما فيها

قتله لدفع شره فاشبه وذلك أنه إذا قتله لدفع شره كان الصائل هو القاتل لنفسه فأشبه مالو نصب حربة في طريقه فقذف نفسه عليها فمات بها وفارق المضطر فإن الطعام لم يلجئه إلى إتلافه ولم يصدر منه ما يزيل عصمته ولهذا لو قتله لصياله لم يضمنه ولو قتله ليأكله في المخمصة وجب عليه الضمان وغير المكلف كالمكلف في هذا وقولهم لا يملك إباحة نفسه قلنا: والمكلف لا يملك إباحة نفسه ولو قال أبحت دمي لم يبح مع أنه إذا صال فقد أبيح دمه بفعله فلم يضمنه كالمكلف (مسألة) (وإن اصطدمت سفينتان فغرقتا ضمن كل واحد منهما سفينة الآخر وما فيها) إذا اصطدمت سفينتان متساويتان كاللتين في بحر أو ماء واقف فإن كان القيمان مفرطين ضمن كل واحد منهما سفينة الآخر بما فيها من نفس ومال كالفارسين إذا تصادما وإن لم يكونا مفرطين فلا ضمان عليهما، وقال الشافعي: يضمن في أحد الوجهين لأنهما في أيديهما فضمنا كما لو إصطدما فارسان لغلبة الفرسين لهما ولنا أن الملاحين لا يسيران السفينتين بفعلهما ولا يمكنهما ضبطهما في الغالب ولا الإحتراز من ذلك فأشبه الصاعقة إذا نزلت فاحرقت سفينة ويخالف الفرسين فإنه يمكن ضبطهما والإحتراز من طردهما وإن كان أحدهما مفرطاً وحده ضمن وحده، وإن اختلفا في تفريط القيم ولا بينة فالقول قوله مع يمينه لأن الأصل عدمه وهو أمين أشبه المودع وعند الشافعي أنهما إذا كانا مفرطين فعلى كل واحد من القيمين ضمان نصف سفينته ونصف سفينة صاحبه وقال مثل ذلك في الفارسين وسنذكره إن شاء الله تعالى والتفريط أن يكون قادراً على ضبطها أوردها عن الأخرى فلم يفعل أو أمكنه أن يعد لها إلى ناحية أخرى فلم يفعل أو لم يكمل آلتها من الرجال والحبال وغيرهما (مسألة) (وإن كانت إحداهما منحدرة فعلى صاحبها ضمان المصعدة إلا أن يكون عليه ريح فلم يقدر على ضبطها) متى كان قيم المنحدرة مفرطاً فعليه ضمان المصعدة لانها تنحط عليها من علو فيكون ذلك سبباً لغرقها فتزل المنحدرة بمنزلة السائر والمصعدة منزلة الواقف إذا اصطدما، وإن غرقتا جميعاً فلا شئ على المصعد وعلى المنحدر قيمة المصعدة أو أرش ما تقصت إن لم تتلف كلها إلا أن يكون التفريط من المصعد بأن يمكنه العدول بسفينته والمنحدر غير قادر ولا مفرط فيكون الضمان على المصعد، وإن لم يكن من واحد منهما تفريط لكن هاجت ريح أو كان الماء شديد الجرية فلم يمكنه ضبطها فلا ضمان عليه لأنه لايدخل في وسعه (ولا يكلف الله لفسا إلا وسعها) فإن كانت إحدى السفينتين واقفة

وإن كسر مزمارا أو طنبورا أو صليبا لم يضمنه

والاخرى سائرة فلا شئ على الواقفة وعلى السائرة ضمان الوافقة إن كان القيم مفرطاً، فلا ضمان عليه إذا لم يفرط على ما ذكرنا. (فصل) فإن خيف على السفينة الغرق فألقى بعض الركبان متاعه لتخف وتسلم من الغرق لم يضمنه أحد لأنه أتلف متاع نفسه بأختياره لصلاحه وصلاح غيره، وإن ألقى متاع غيره بغير إذنه ضمنه وحده وإن قال لغيره إلق متاعك فقبل منه لم يضمنه لأنه لم يلتزم ضمانه، وإن قال إلقه وأنا ضامن له أو علي قيمته لزم ضمانه لأنه أتلف ماله بعوض لمصحلة فوجب له العوض على من التزمه كما لو قال أعتق عبدك وعلي ثمنه. وإن قال إلقه وعلي وعلى ركاب السفينة ضمانه فألقاه ففيه وجهان (أحدهما) يلزمه ضمانه وحده ذكره أبو بكر وهو نص الشافعي لأنه التزم ضمان جميعه فلزمه ما إلتزمه، وقال القاضي إن كان ضمان إشتراك مثل أن يقول نحن نضمن لك أوقال على كل واحد منا ضمان قسطه أو ربع متاعك لم يلزمه إلا ما يخصه من الضمان وهذا قول بعض أصحاب الشافعي لأنه لم يضمن إلا حصته وإنما أخبر عن الباقين بالضمان فسكتوا وسكوتهم ليس بضمان، وإن الترم ضمان الجميع وأخبر عن كل واحد منهم بمثل ذلك لزمه ضمان الكل لأنه ضمن الكل، وإن قال إلقه على أن أضمنه لكل أنا وركبان السفينة فقد أذنوا لي في ذلك فأنكروا الإذن فهو ضامن للجميع وإن قال إلقي متاعي وتضمنه؟ فقال نعم ضمنه له وان قال ألق متاعك وعلي ضمان نصفه وعلى أخي ضمان ما بقي فألقاه فعليه ضمان النصف وحده ولا شئ على الآخر لأنه لم يضمن والله أعلم. (فصل) إذا خرق سفينة فغرقت بما فيها وكان عمداً وهو مما يغرقها غالباً ويهلك من فيها لكونهم في اللجة أو لعدم معرفتهم بالسياحة فعليه القصاص إن قتل من يجب القصاص بقتله وعليه ضمان السفينة بما قفيها من مال ونفس وإن كان خطأ فعليه ضمان العبيد ودية الأحرار على عاقلته وإن كان عمد خطأ مثل إن أخذ السفينة ليصلح موضعاً فقلع لوحا أو يصلح مسماراً فنقب موضعاً فهو عمدا لخطأ ذكره القاضي وهو مذهب الشافعي، والصحيح أن هذا خطأ محض لأنه قصد فعلا مباحاً فأفضى إلى التلف لما لم يرده فأشبه مالو رمى صيداً فأصاب آدميا فقتله ولكن إن قصد قلع اللوح في موضع الغالب أنه لا يتلفها فأتلفها فهو عمد الخطأ فيه ما فيه (مسألة) (وإن كسر مزماراً أو طنبوراً أو صليباً لم يضمنه) وقال الشافعي إن كان ذلك إذا فصل يصلح لنفع مباح وإذا كسر لم يصلح لزمه ما بين قيمته مفصلاً ومكسوراً لأنه أتلف بالكسر ماله قيمة، وإن كان لا يصلح لمنفعة مباحة لم يضمن، وقال أبو حنيفة يضمن.

وإن كسر آنية ذهب أو فضة لم يضمنها

ولنا أنه لا يحل بيعه فلم يضمنه كالميتة والدليل على أنه لا يحل بيعه قول النبي صلى الله عليه وسلم (إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام) متفق عليه، وقال عليه الصلاة والسلام (بعثت بمحق القينات والمعازف) (مسألة) (وان كسر آنية ذهب أو فضة لم يضمنها) وحكى أبو الخطاب رواية أخرى عن أحمد أنه يضمن فان منها نقل عنه فيمن هشم على غيره ابريق فضة عليه قيمته يصوغه كما كان، فقيل له أليس قد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن اتخاذها فسكت، والصحيح أنه لا يضمن نص عليه في رواية المروذي فيمن كسر إبريق فضة لا ضمان عليه لأنه أتلف ما ليس بمباح فلم يضمنه كالميتة، ورواية منها تدل على أنه رجع عن قوله ذلك لكونه سكت حين ذكرا لسائل النهي عن وليس في رواية منها أنه قال يصوغه ولا تحل صناعته فكيف تجب؟ (مسألة) (وان كسر إناء خمر لم يضمنه في أصح الروايتين) لما روي عن ابن عمر قال أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم إن آنية بمدية وهي الشفرة فأتيته بها فأرسل بها فأرهفت ثم أعطانيها وقال (إغد علي بها) ففعلت فخرج بأصحابه إلى أسواق المدينة وفيها زفاق الخمر قد جلبت من الشام فأخذ المدية مني فشق ما كان من تلك الزقاق بحضرته كلها وأمر أصحابه الذين كانوا معه أن يمضوا معي ويعاونوني وأمرني أن آتي الأسواق كلها فلا أجد فيها زق خمر الاشققته رواه أحمد، وروى عن أنس قال كنت أسقي أبا طلحة وأبي بن كعب وأبا عبيدة شراباً من فضيخ فأنانا آت فقال أن الخمر قد حرمت فقال أبو طلحة قم يا أنس إلى هذه الدنان فاكسرها وهذا يدل على سقوط حرمتها وإباحة إتلافها فلا يضمنها كسائر المباحات (والثانية) يضمنها إذا كان ينتفع بها في غيره لأنها مال يمكن الانتفاع به ويحل بيعه فيضمنها كما لو لم يكن فيها خمرولان جعل الخمر فيها لا يفتضي سقوط ضمانها كالبيت الذي جعل مخزمنا للخمر (فصل) إذا غصب أرضاً فحكمها في جواز دخول غيره إليها حكمها قبل الغصب فإن كانت محوطة كالدار والبستان المحوط عليه لم يجز دخولها لغير مالكها إلا بإذنه لأن ملك مالكها لم يزل عنها فلم يجز دخولها بغير إذنه كما لو كانت في يده. قال أحمد: في الضيعة تصير غيضة فيها سمك لا يصيد فيها أحد إلا بإذنهم، وإن كانت صحراء جاز الدخول فيها ورعي حشيشها. قال أحمد: لا بأس برعي الكلأ في الأرض المغصوبة وذلك لأن الكلأ لا يملك بملك الأرض ويتخرج في كل واحدة من الصورتين مثل حكم الأخرى قياساً لها عليها ونقل عنه المرذوي في دار طوابيقها غصب لا يدخل على والدية لأن دخوله عليهما تصرف في الطوابيق المغصوبة ونقل عنه الفضل بن عبد الصمد

باب الشفعة

في رجل له إخوة في أرض غصب يزورهم ويراودهم على الخروج فإن أجابوه وإلا لم يقم معهم ولا يدع زيارتهم يعني يزورهم يأتي باب دارهم ويتعرف أخبارهم ويسلم عليهم ويكلمهم ولا يدخل إليهم ونقل المرذوي عنه أكره المشي على العبارة التي بجري فيها الماء وذلك لأن العبارة وضعت لعبور الماء لا للمشي عليها، قال أحمد لا يدفن في الأرض المغصوبة لما في ذلك من التصرف في أرضهم بغير إذنهم وقال أحمد فيمن إبتاع طعاماً من موضع غصب ثم علم رجع إلى الموضع الذي أخذه منه فرده وروي عنه أنه قال يطرحه يعني على من إبتاعه منه وذلك لأن قعوده فيه حرام منهي عنه فكان البيع فيه محرما ولان الشراء ممن يقعد في الموضع المحرم يحملهم على العقود والبيع فيه وترك الشراء منهم يمنعهم القعود فقال لا يبتاع من الخانات التي في الطرق إلا أن لا يجد غيره كان بمنزلة المضطر، وقال في السلطان إذا بنى داراً وجمع الناس إليها أكره الشراء منها. قال شيخنا وهذا على سيبل الورع إن شاء الله تعالى لما فيه من الإعانة على فعل المحرم والظاهر صحة البيع لأنه إذا صحت الصلاة في الدار المغصوبة في رواية وهي عبادة فما ليس بعبادة أولى وقال فيمن غصب ضيعه وغصبت من الغاصب وأراد الثاني ردها جمع بينهما يعني بين مالكها والغاصب الأول وإن مات بعضهم جمع ورثته إنما قال هذا احتياطاً خوف التبعة من الغاصب الأول لأنه ربما طالب ربها فادعاها ملسكا باليد وإلا فالواجب ردها على مالكها وقد صرح بهذا في رواية عبد الله في رجل استودع رجلاً ألفاً فجاء رجل إلى المستودع فقال إن فلاناً غصبني الألف الذي استودعكه وصح ذلك عند المستودع فإن لم يخف التبعة وهو أن يرجعوا به عليه دفعه إليه باب الشفعة وهي استحقاق الإنسان إنتزاع حصة شريكه من يد مشتريها وهي ثابتة بالسنة والإجماع أما السنة فما روى جابر قال قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة متفق عليه ولمسلم قال قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل ما لم يقسم ربعة أو حائط لا يحل له أن يبيع حتى يستأذن شريكه فإن شاء أخذ وإن شاء ترك فإن باع ولم يستأذنه فهو أحق به وللبخاري: إنما جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة، وأما الإجماع

ولا يحل الإحتيال على إسقاطها فإن فعل لم يسقط

فقال ابن المنذر أجمع أهل العلم على إثبات الشفعة للشريك الذي لم يقاسم فيما بيع من أرض أو دار أو حائط والمعنى في ذلك أن أحد الشريكين إذا أراد أن يبيع نصيبه وتمكن من بيعه لشريكه وتخليصه مما كان بصدده من توقع الخلاص والإستخلاص فالذي يقتضيه حسن العشرة أن يبيعه منه ليصل إلى غرضه من بيع نصيبه وتخليص شريكه من الضرر فإذا لم يفعل ذلك وباعه لأجنبي سلط الشرع الشريك على صرف ذلك إلى نفسه. قال شيخنا ولا نعلم احدا خالف هذا إلا الأصم فإنه قال لا تثبت الشفعة فإن في ذلك إضراراً بأرباب الأملاك فإن المشتري إذا علم أنه يؤخذ منه إذا اشتراه لم يبتعه ويتقاعد الشريك عن الشراء فيستضر المالك وهذا الذي ذكره ليس بشئ لمخالفته الأحاديث الصحيحة والإجماع المنعقد قبله، والجواب عما ذكره من وجهين (أحدهما) أنا نشاهد الشركاء يبيعون ولا يعدم من يشتري منهم غير شركائهم ولم يمنعهم إستحقاق الشفعة من الشراء (الثاني) أنه يمكنه إذا لحقته بذلك مشقة أن يقاسم فتسقط الشفعة، وإشتقاقها من الشفع وهو الزوج فإن الشفيع كان نصيبه منفرداً في ملكه فبالشفعة يضم المبيع إلى ملكه فيشفعه به وقيل إشتقاقها من الزيادة لأن الشفيع يزيد المبيع في ملكه (مسألة) ولا يحل الإحتيال على إسقاطها فإن فعل لم يسقط نص عليه أحمد في رواية اسماعيل بن سعيد وقد سأله عن الحيلة في إبطال الشفعة فقال لا يجوز شئ من الحيل في ذلك ولا في إبطال حق مسلم

وبهذا قال أبو أيوب وأبو خيثمة وابن أبي شيبة وأبو إسحاق الجوزجاني، وقال عبد الله بن عمر من يخدع الله يخدعه، ومعنى الحيلة أن يظهرو افي البيع شيئاً لا يؤخذ بالشفعة معه ويتواطئون في الباطن على خلافه مثل أن يشتري شيئاً يساوي عشرة دنانير بألف درهم ثم يقضيه عنها عشرة دنانير أو يشتريه بمائة دينار ويقضيه عنها مائة درهم أو يشتري البائع من المشتري عبداً قيمته مائة بألف في ذمته ثم يبيعه الشقص بالألف أو يشتري شقصاً بألف ثم يبرئه البائع من تسعمائة أو يشتري جزءاً من الشقص بمائة ثم يهب له البائع باقيه أو يهب الشقص للمشتري ويهب المشتري له الثمن أو يعقد البيع بثمن مجهول المقدار كحفنة قراضة أو جوهرة معينه أو سلعة غير موصوفة أو بمائة درهم ولؤلؤة وأشباء هذا فإن وقع ذلك من غير تحيل سقطت الشفعة، وإن تحيلا به على إسقاط الشفعة لم تسقط ويأخذ الشفيع الشقص في الصورة الأولى بعشرة دنانير أو قيمتها من الدراهم وفي الثانية بمائة درهم أو قيمتها ذهباً وفي الثالثة بقيمة العبد المبيع وفي الرابعة بالباقي بعد الإبراء وفي الخامسة يأخذ الجزء المبيع من الشقص بقسطه من الثمن ويحتمل أن يأخذ الشقص كله بجميع الثمن لأنه إنما وهبه بقية الشقص عوضاً عن الثمن الذي اشترى به جزءاً من الشقص وفي السادسة يأخذ بالثمن الموهوب وفي سائر الصور المجهول ثمنها يأخذه بمثل الثمن أو قيمته إن لم يكن مثلياً إذا كان الثمن موجوداً فإن لم يوجد دفع إليه قيمة الشقص لأن الأغلب وقوع العقد على الأشياء بقيمتها وقال أصحاب الرأي والشافعي يجوز ذلك كله وتسقط به الشفعة لأنه لم يأخذ بما وقع البيع به فلم يجز كما لو يكن حيلة

ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (من أدخل فرساً بين فرسين ولا يأمن أن يسبق فليس بقماروان أمن أن يسبق فهو قمار) رواه أبو داود وغيره فجعل إدخال الفرس المحل قماراً في الموضع الذي يقصد به إباحة إخراج كل واحد من المتسابقين جعلا مع عدم معنى المحال فيه وهو كونه بحال يحتمل أن يأخذ سبقهما وهذا يل على إبطال كل حيلة لم يقصد بها الااباحة المحرم مع عدم المعنى فيها فاستدل أصحابنا بما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا ترتكبوا ما إرتكب اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل) وقال النبي صلى الله عليه وسلم (لعن الله اليهود إن الله لما حرم عليهم شحومها جملوه ثم باعوه وأكلوا ثمنه) متفق عليه ولأن الله تعالى ذم المخادعين له بقوله (يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون) والحيل مخادعة وقد مسخ الله تعالى الذين إعتدوا في السبت قردة بحيلهم فإنه روي عنهم أنهم كانوا ينصبون شباكهم يوم الجمعة ومنهم من يحفر جباباً ويرسل الماء إليها يوم الجمعة فإذا جاءت الحيتان يوم السبت وقعت في الشباك والجباب فيدعوها إلى ليلة الاحد فيأخذونها ويقولون ما إصطدنا يوم السبت شيئاً فمسخهم الله تعالى بحيلتهم وقال تعالى (فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها وموعظة للمتقين) قيل يعني به أمة محمد صلى الله عليه وسلم أي ليتعظ بذلك أمة محمد صلى الله عليه وسلم فيجتنبوا مثل فعل المعتدين ولان الحية خديعة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لا تحل الخديعة لمسلم ولان الشفعة وجعت لدفع للضرر فلو سقطت بالتحيل للحق الضرر فلم تسقط كما لو أسقطها المشتري عنه بالوقف

ولا تثبت إلا بشروط خمسة أحدها أن يكون مبيعا فلا شفعة فيما انتقل بغير عوض بحال

والبيع، وفارق ما لم يقصد به التحيل لأنه لا خداع فيه ولا قصد به إبطال حق والأعمال بالنيات، فإن اختلفا هل وقع شئ من هذا حيلة أو لا فالقول قول المشتري مع يمينه لأنه أعلم بنيته وحاله، إذا ثبت هذا فإن الغرر في الصورتين الأوليين على المشتري لشرائه ما يساوي عشرة بمائة وما يساوي مائة درهم بمائة دينار وأشهد على نفسه أن عليه ألفاً فربما طالبه بها فلزمه في ظاهر الحكم، وفي الثالثة الغرر على البائع لأنه اشترى عبداً يساوي مائة بألف، وفي الرابعة الغرر على المشتري لأنه اشترى شقصاً قيمته مائة بألف وكذلك في الخامسة لأنه اشترى بعض الشقص بثمن جميعه، وفي السادسة على البادئ منهما بالهبة لأنه قد لا يهب له الآخر شيئاً فإن خالف أحدهما ما تواطآ عليه فطالب صاحبه بما أظهره لزمه في ظاهر الحكم لأنه عقد البيع مع صاحبه بذلك مختاراً فأما ما بينه وبين الله تعالى فلا يحل لمن غرصاحبه الأخذ بخلاف ما تواطأ عليه لأن صاحبه إنما رضي بالعقد للتواطؤ فمع فواته لا يتحقق الرضى به (مسألة) (ولا تثبت إلا بشروط خمسة أحدها أن يكون مبيعاً فلا شفعة فيما انتقل بغير عوض بحال) كالهبة بغير ثواب والصدقة والوصية والأرث فلا شفعة فيه في قول الأكثرين منهم مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحاب الرأي إلا أنه حكي عن مالك رواية أخرى أن الشفعة تجب في المنتقل بهبة أو صدقة ويأخذه الشفيع بقيمته وحكي عن ابن أبي ليلى لأن الشفعة تثبت لازالة ضرر الشركة وهو موجود في الشركة كيفما كان ولأن الضرر اللاحق بالمتهب دون ضرر المشتري لان إقدام المشتري على

ولا تجب فيما عوضه غير المال كالصداق وعوض الخلع والصلح عن دم العمد في أحد الوجهين

شراء الشقص وبذل ماله دليل حاجته إليه فانتزاعه منه أعظم ضرراً من أخذه ممن لم يوجد منه دليل الحاجة إليه ولنا أنه انتقل بغير عوض أشبه الميراث ولأن محل الوفاق هو البيع والخبر ورد فيه وليس غيره في معناه لأن الشفيع يأخذه ومن المشتري بمثل السبب الذي انتقل اليه به ولا يمكن هذا في غيره ولأن الشفيع يأخذ الشقص بثمنه لا يقيمته وفي غيره يأخذه بقيمته فافترقا (مسألة) (ولا تجب فيما عوضه غير المال كالصداق وعوض الخلع والصلح عن دم العمد في أحد الوجهين) والمستقل بعوض على ضربين أحدهما ما عوضه المال كالبيع ففيه الشفعة بغير خلاف وكذلك كل ما جرى مجراه كالصلح بمعنى البيع والصلح عن الجناية الموجبة للمال والهبة والمشروط فيها ثواب معلوم لأن ذلك بيع يثبت فيه أحكام البيع وهذا منها وبه يقول مالك والشافعي وأصحاب الرأي إلا أن أبا حنيفة وأصحابه قالوا لا تثبت الشفعة في الهبة المشروط فيها ثواب حتى يتقابضا لأن الهبة لا تثبت إلا بالقبض فأشبهت البيع بشرط الخيار. ولنا أنه تملكها بعوض هو مال فلم يفتقر إلى القبض في إستحقاق الشفعة كالبيع ولا يصح ما قالوه من إعتبار لفظ الهبة لأن العوض صرف اللفظ عن مقتضاه وجعله عبارة عن البيع خاصة عندهم فإنه ينعقد بها النكاح الذي لا تصح الهبة فيه بالإتفاق (الضرب الثاني) ما إنتقل بعوض غير المال نحو أن

يجعل الشقص مهراً أو عوضاً في الخلع أوفي الصلح عن دم العمد فلا شقعة فيه في ظاهر كلام الخرقي لأنه لم يتعرض في جميع مسائله لغير البيع اختاره أبو بكر وبه قال الحسن الشعبي وأبو ثور وأصحاب الرأي حكاه عنهم ابن المنذر واختاره، ووقال ابن حامد تجب فيه الشفعة وبه قال ابن شبرمة والحارث العكلي ومالك وابن أبي ليلى والشافعي لأنه عقار مملوك بعقد معاوضة أشبه البيع. ووجه الأول أنه مملوك بغير مال أشبه الموهوب والموروث ولأنه يمتنع أخذه بمهر المثل لاننا لو أوجبنا مهر المثل لقومنا البضع على الأجانب وأضررنا بالشفيع لأن مهر المثل يتفاوت مع المسمى لتسامح الناس فيه في العادة ويمتنع أخذه بالقيمة لأنها ليست عوض الشقص فلا يجوز الاخذ بها كالموروث فيتعذر أخذه، وفارق البيع فإنه أمكن الأخذ بعوضه، فإن قلنا يؤخذ بالشفعة فطلق الزوج قبل الدخول بعد عفو الشفيع رجع بنصف ما أصدقها لأنه موجود في يدها يصفته وإن طلق بعد أخذ الشفيع رجع بنصف قيمته لأن ملكها زال عنه فهو كما لو باعته وإن طلق عقبل علم الشفيع ثم علم ففيه وجهان (أحدهما) يقدم حق الشفيع لأنه ثبت بالنكاح السابق علي الطلاق فهو أسبق (والثاني) حق الزوج مقدم لأنه ثبت بالنص والإجماع والشفعة ههنا لانص فيها ولا إجماع. فأما إن عفا الشفيع ثم طلق الزوج فرجع في نصف الشقص لم يستحق الشفيع الأخذ منه لأنه عاد إلى المالك لزوال العقد فلم يستحق به الشفيع كالرد بالعيب وكذلك كل فسخ يرجع به الشقص إلى العاقد كرده بعيب أو مقايلة أو اختلاف المتبايعين أورده لغبن

الثاني أن يكون شقصا مشاعا من عقار فيقسم فأما المقسوم المحدود فلا شفعة لمجاوره فيه

وقد ذكرنا في الإقالة رواية أخرى أنها بيع فثبت فيها الشفعة وهو قول أبي حنيفة، فعلى هذا لو لم يعلم الشفيع حتى تقايلا فله أن يأخذ من أيهما شاء، وان عفا عن الشفعة في البيع ثقايلا فله الأخذ بها (فصل) فإذا جنى جنايتين عمداً وخطأ فصالحه منهما على شقص فالشفعة في نصف الشقص دون باقيه وبه قال أبو يوسف ومحمد وهذا على الرواية التي نقول فيها إن موجب العمد القصاص عينا وإن قلنا موجبه أحد شيئين وجبت الشفعة في الجميع، وقال أبو حنيفة لا شفعة في الجميع لأن الأخذ بها تبعيض للصفقة على المشتري ولنا أن ما قابل الخطأ عوض عن مال فوجبت فيه الشفعة كما لو انفرد ولأن الصفقة جمعت ما يجب فيه وما لا يجب فوجبت فيما يجب دون الآخر كما لو اشترى شقصا وسفيا، وبهذا الأصل يبطل ما ذكره قال شيخنا وقول أبي حنيفة أقيس لأن في الشفعة تبعيض الشقص على المشتري وربما لا يبقى منه إلا مالا نفع فيه فأشبه مالو أراد أخذ بعضه مع عفو صاحبه بخلاف مسألة الشقص والسيف وأما إذا قلنا إن الواجب أحد شيئين فباختياره الصلح سقط القصاص وتعينت الدية فكان الجميع عوضاً عن مال. (مسألة) (الثاني أن يكون شقصاً مشاعاً من عقار فيقسم فأما المقسوم المحدود فلا شفعة لمجاوره فيه)

وبه قال وعمر بن عبد العزيز وابن المسيب وسليمان بن يسار والزهري ويحيى الانصاري وأبو الزناد وربيعة ومالك والاوزاعي والشافعي واسحاق وأبو ثور وابن المنذر وقال ابن شبرمة والثوري وابن أبي ليلى واصحاب الرأي الشفعة بالشركة ثم بالشركة في الطريق ثم بالجواز، قال أبو حنيفة يقدم الشريك فإن لم يكن وكان الطريق مشتركاً كالدرب لا ينفذ تثبت الشفعة لجميع أهل الدرب الأقرب فالأقرب فإن لم يأخذوا ثبتت للملاصق من درب آخر خاصة وقال العنبري وسوار تثبت بالشركة في الملك وبالشركة في الطريق واحتجوا بما روي أبو رافع قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الجار أحق بصقبه) رواه البخاري وأبو داود وروى الحسن عن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (جاز الدار أحق بالدار) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح وروى الترمذي في حديث جابر (الجار أحق بشفعته بداره ينتظر به إذا كان غائباً إذا كان طريقهما واحدا) وقال حديث حسن ولأنه إيصال ملك يدوم ويتأبد فثبتت الشفعة به كالشركة. ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (الشفعة فيما لم يقسم فإذا وتعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة) رواه البخاري وروي ابن جريج عن الزهري عن سعيد بن المسيب أو عن أبي سلعة أو أو عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا قسمت الأرض وحدت فلا شفعة فيها) رواه أبو داود ولأن الشفعة تبتت في موضع الوفاق على خلاف الأصل لمعنى معدوم في محل النزاع

فلا تثبت فيه، وبيان إنتفاء المعنى هو أن الشريك ربما دخل عليه شريك فيتأذى به فتدعوه الحاجة إلى مقاسمته أو يطلب الداخل المقاسمة فيدخل الضرر على الشريك بنقص قيمة ملكه وما يحتاج إلى إحداثه من المرافق، وهذا لا يوجد في المقسوم، فأما حديث أبي رافع فليس بصريح في الشفعة فإن الصقب القرب يقال بالسين والصاد قال الشاعر * كوفيه نازح محلتها لا أمم دارها ولا صقب * فيحتمل أنه أراد بإحسان جاره وصلته وعيادته ونحو ذلك، وخبرنا صحيح صريح فيقدم وبقية الأحاديث في أسانيدها مقال فحديث سمرة يرويه عن الحسن ولم يسمع منه إلا حديث العقيقة قاله أصحاب الحديث قال إبن المنذر الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث جابر الذي رويناه وما عداه من الأحاديث فيها مقال، على أنه يحتمل أنه أراد بالجار الشريك فإنه جار أيضاً وتسمى الضرتان جارتين لا شتراكهما في الزوج، قال حمل بن مالك: كنت بين جارتين لي فضربت إحداهما الاخرى بمسطح فقتلها وجنينها، وهذا يمكن في تأويل حديث أبي رافع أيضاً. إذا ثبت هذا فلا فرق بين كون الطريق مفردة أو مشتركة، قال أحمد في رواية ابن القاسم في رجل له أرض تشرب هي وأرض غيره من نهر واحد فلا شفعة له من أجل الشرب إذا وقعت الحدود فلا شفعة. وقال في رواية أبي طالب وعبد الله ومثنى قيمن لا يرى الشفعة بالجوار وقدم إلى الحاكم فأنكر لم يحلف إنما هو اختيار وقد اختلف الناس فيه،

قال القاضي إنما قال هذا لأن يمين المنكر ههنا على اقطع والبت ومسائل الإجتهاد مظنونة فلا يقطع ببطلان مذهب المخالف ويمكن أن يحمل كلام أحمد ههنا على الورع لاعلى التحريم لأنه لم يحكم ببطلان مذهب المخالف ويجور المشترى الإمتناع به من تسليم المبيع فيما بينه وبنى الله تعالى (فصل) ولا تثبت الشفعة فيما لا تجب قسمته كالحمام الصغير والبئر والطرق الضيقة والرحى الصغيرة والعضادة والعراص الضيقة في إحدى الروايتين عن أحمد وبه قال يحيى الانصاري وسعيد وربيعة والشافعي. والثانية فيها الشفعة وهو قول أبي حنيفة والثوري وابن شريح، وعن مالك كالروايتين لقوله صلى الله عليه وسلم (الشفعة فيما لم يقسم) وسائر النصوص العامة ولأن الشفعة تثبت لإزالة ضرر المشاركة، والضرر في هذا النوع أكثر لأنه يتأبد ضرره والأول ظاهر المذهب لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا شفعة في فناء ولا طريق ولا منقبة) والمقنبة الطريق الضيق، رواه أبو الخطاب في رءوس المسائل وروي عن عثمان رضي الله عنه أنه قال: لا شفعة في بئر ولا فحل، ولأن إثبات الشفعة في هذا يضر بالبائع لأنه لا يمكنه أن يتخلص من إثبات الشفعة في نصيبه بالقسمة وقد يمتنع المشتري لأجل الشفيع فيتضرر البائع وقد يمتنع البيع فتسقط الشفعة فيؤدي إثباتها إلى نفيها ويمكن أن يقال أن الشفعة إنما تثبت لدفع الضرر الذي يلحقه بالمقاسمة لما يحتاج إليه من إحداث المرافق الخاصة ولا يوجد هذا فيما لا ينقسم، قولهم أن الضرر ههنا أكثر لتأبده قلنا إلا أن الضرر في محل الوفاق من

ولا تجب فيما ليس بعقار كالشجر والحيوان والبناء المفرد في إحدى الروايتين إلا أن الغراس والبناء تبعا للأرض ولا يؤخذ الزرع والثمرة تبعا في أحد الوجهين

غير جنس هذا الضررو هو ضرر الحاجة إلى إحداث المرافق الخاصة فلا يمكن التعدية وفي الشفعة ههنا ضرر غير موجود في محل الوفاق وهو ما ذكرناه فتعذر الإلحاق، فأما ما أمكن قسمته مما ذكرنا كالحمام الكبير الواسع بحيث إذا قسم لا يستضر بالقسمة وأمكن الإنتفاع به حماماً فإن الشفعة تجب فيه وكذلك البئر والدور والعضائد متى أمكن أن يحصل من ذلك شيئان كالبئر يقسم بئرين يرتقى الماء منهما وجبت الشفعة أيضاً لأنه يمكن القسمة وهكذا الحرى إن كان لها حصن يمكن قسمته بحيث يحصل الحجران في أحد القسمين أو كان فيها أربعة أحجار دائرة يمكن أن يفرد كل واحد منهما بحجرين وجبت الشفعة وإن لم يكن إلا أن يحصل لكل واحد منهما مالا يتمكن به من إبقائها رحى لم تجب الشفعة فأما الطريق فإن الدار إذا بيعت ولها طريق في شارع أو درب نافذ فلا شفعة في الدار ولا الطريق لأنه لا شركة لأحد في ذلك وإن كان الطريق في درب غير نافذ ولا طريق، للدارسوى ذلك الطريق فلا شعفة أيضاً لأن إثبات ذلك يضر بالمشتري لأن الدار تبقى بلا طريق، وإن كان للدرب باب آخر يستطرق منه أو كان لها موضع يفتح منه باب لها إلى الطريق النافذ نظرنا في الطريق المبيع مع الدار فإن كان ممرا لاتمكن قسمته فلا شفعة فيه وإن كان يمكن قسمته وجبت الشفعة فيه لأنه أرض مشتركة تحتمل القسمة فوجبت فيما الشفعة كغير الطريق ويحتمل أن لا تجب الشفعة فيها بحال

لأن الضرر يلحق المشتري بتحويل الطريق الى مكان آخر مع ما في الأخذ بالشفعة من تفريق صفقته وأخذ بعض المبيع من العقار دون بعض فلم يجزكما لو كان الشريك في الطريق شريكاً في الدار فأراد أخذ الطريق وحدها، والقول في دهليز الدار وصحنه كالقول في الطريق المملوك، وإن كان نصيب المشتري من الطريق أكثر من حاجته فذكر القاضي أن الشفعة تجب في الزائد بكل حال لوجود المقتضي وعدم المانع، والصحيح أنه لا شفعة فيه لأن في ثبوتها تبعيض صفقة المشتري ولا يخلو من الضرر (مسألة) (ولا تجب فيما ليس بعقار كالشجر والحيوان والبناء المفرد في إحدى الروايتين إلا أن الغراس والبناء يؤخذ تبعاً للأرض ولا يؤخذ الزرع والثمرة تبعاً في أحد الوجهين) وجملة ذلك أن من شروط وجوب الشفعة أن يكون المبيع أرضاً لأنها التي تبقى على الدوام ويدوم ضررها وغيرها ينقسم قسمين (أحدهما) تثبت فيه الشفعة تبعاً للأرض وهو البناء والغراس يباع مع الأرض فإنه يؤخذ بالشفعة تبعاً بغير خلاف في المذهب ولا نعرف فيه بين من أثبت الشفعة خلافاً، وقد دل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم وقضاؤه بالشفعة في كل شرك لم يقسم ربعة أو حائط وهذا يدخل فيه البناء والأشجار (القسم الثاني) مالا تثبت فيه الشفعة تبعاً ولا مفرداً وهو الزرع والثمرة الظاهرة ويباع مع الأرض فلا يؤخذ بالشفعة مع الأصل وهو قول الشافعي، وقال أبو حنيفة ومالك يؤخذ بالشفعة مع أصوله، وقد ذكر أصحابنا وجهاً مثل قولهما لأنه متصل بما فيه الشفعة فثبتت فيه الشفعة تبعاً كالبناء والغراس

ولنا أنه لا يدخل في البيع تبعاً فلا يؤخذ بالشفعة كقماش الدار وعكسه البتاء والغراس، يحقق ذلك أن الشفعة بيع في الحقيقة لكن الشارع جعل له سلطان الأخذ بغير رضى المشتري، فإن بيع الشجر وفيه ثمرة غير ظاهرة كالطلع غير المؤبر دخل في الشفعة لأنها تبع في البيع فأشبهت الغراس في الأرض فإن بيع ذلك مفرداً فلا شفعة فيه سواء كان ممن ينقل كالحيوان والثياب والسفن والحجارة والزرع والثمار أولاً ينقل كالبناء والغراس إذا بيع مفرداً وبهذا قال الشافعي وأصحاب الرأي وروي عن الحسن والثوري والاوزاعي والعنبري وقتادة وربيعة واسحاق لا شفعة في المنقولات، واختلف فيه عن عطاء ومالك فقالا مرة كذلك ومرة قالا الشفعة في كل شئ حتى في الثوب، قال ابن أبي موسى وقد روي عن أبي عبد الله رواية أخرى أن الشفعة واجبة فيما لا ينقسم كالحجر والسيف والحيوان وما في معنى ذلك قال أبو الخطاب وعن أحمد أن الشفعة تجب في البناء والغراس وإن بيع منفرداً وهو قول مالك لعموم قوله عليه السلام (الشفعة فيما لم يقسم) ولأن الشفعة وجبت لدفع الضرر والضرر فيما لا ينقسم أبلغ منه فيما ينقسم وقد روى ابن أبي مليكة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (الشفعة في كل شئ) ولنا أن قول النبي صلى الله عليه وسلم (الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة) لا يتناول إلا ما ذكرناه وانما أراد مالا ينقسم من الأرض لقوله (فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق)

ولأن هذا مما لا ينافى ضرره على الدوام فلم تجب فيه الشفعة كصبرة الطعام وحديث ابن أبي مليكة مرسل ولم يرو في الكتب الموثوق بها والحكم في الغراف والدولاب والناعورة كالحكم في البناء، فأما إن بيعت الشجرة مع قرارها من الأرض مفردة عما يتخلها من الأرض فحكمها حكم مالا ينقسم من العقار فيه من الخلاف ما ذكرناه لأنه مما لا ينقسم ويحتمل أن لا تجب الشفعة فيها بحال لأن القرار تابع لها فإذا لم تجب الشفعة فيها مفردة لم تجب في تبعها وإن بيعت حصة من علودار مشترك وكان السقف الذي تحته لصاحب السفل فلا شفعة في العلو لأنه بناء مفردوان كان لصاحب العلو فكذلك لأنه بناء مفرد لانه لا ارض له فهو كما لو لم يكن السقف له ويحتمل ثبوت الشفعة فيه لأن له قراراً أشبه السفل (فصل) الشرط الثالث المطالبة بها على الفور ساعة يعلم نص عليه، وقال القاضي له طلبها في المجلس وإن طال فإن أخر الطلب سقطت شفعته) ظاهر المذهب أن حق الشفعة على الفور إن طالب بها ساعة يعلم بالبيع والابطلت نص عليه أحمد في رواية أبي طالب فقال الشفعة بالمواثبة ساعة يعلم وهو قول ابن شبرمة والبتي والاوزاعي وابي حنيفة والعنبري والشافعي في جديد قوله وعن أحمد رواية ثانية أن الشفعة على التراخي لا تسقط ما لم يوجد منه ما يدل على الرضى بعفو أو مطالبة بقسمه ونحوه وهو قول مالك وقول الشافعي إلا أن مالكاً قال تنقطع بمضي سنة وعنه بمضي مدة يعلم أنه تارك لها لأن هذا الخيار لا ضرر في تراخيه فلم يسقط بالتأخير كحق القصاص، وبيان عدم الضرر أن النفع للمشتري بإستغلال المبيع فإن أحدث فيه عمارة من بناء أو غراس

فله قيمته وحكي عن ابن أبي ليلى والثوري أن الخيار مقدر بثلاثة أيام وهو أحد أقوال الشافعي لأن الثلاث حدبها خيار الشرط فصلحت حداً لهذا الخيار ولنا ماروى ابن السلماني عن أبيه عن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الشفعة كحل العقال) رواه ابن ماجه وفي لفظ (الشفعة كنشطة العقال قيدت ثبت وإن تركت فاللوم على من تركها) وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((الشفعة لمن واثبها) رواه الفقهاء في كتبهم ولأنه خيار لدفع الضرر عن المال فكان على الفور كخيار الرد بالعيب لأن إثباته على التراخي يضر المشتري لكونه لا يستقر ملكه على المبيع ويمنعه من التصرف بعمارة خشية أخذه منه ولا يندفع عنه الضرر بدفع قيمته لأن خسارتها في الغالب أكثر من قيمتها مع تعب قبله وبدنه فيها، والتحديد بثلاثة أيام تحكم لا دليل عليه، والأصل المقيس عليه ممنوع ثم هو باطل بخيار الرد العيب. إذا تقرر هذا فقال ابن حامد يتقدر الخيار بالمجلس وهو قول القاضي وبه قال أبو حنيفة فمتى طالب في مجلس العلم ثبتت الشفعة وإن طال لأن المجلس كله في حكم حالة العقد بدليل أن القبض فيه لما يشترط فيه القبض كالقبض حالة العقد، وظاهر كلام أحمد انه لا يتقدر بالمجلس بل متى طالب عقيب عمله وإلا بطلت شفعته وهو ظاهر كلام الخرقي وقول الشافعي في الجديد لما ذكرنا من الخبر والمعنى، وما ذكروه يبطل بخيار الرد بالعيب، فعلى هذا متى أخر المطالبة عن وقت العلم لغير عذر بطلت شفعته وإن أخرها لعذر مثل أن أن لا يعلم أو يعلم ليلاً فيؤخر إلى الصبح أو لشدة جوع أو عطش حتى يأكل ويشرب أو أخرها لطهارة أو إغلاق

إلا أن يعلم وهو غائب فيشهد على الطلب ثم إن أخر الطلب بعد الإشهاد مع إمكانه أو ترك الإشهاد أو لم يشهد لكن سار في طلبها فعلى وجهين

باب أو ليخرج من الحمام أو ليؤذن ويقيم ويأتي بالصلاة وسنتها أو ليشهدها في جماعة يخاف فوتها لم تبطل شفعته لأن العادة تقديم هذه الحوائج على غيرها فلا يكون الإشتغال بها رضي بترك الشفعة إلا أن يكون المشتري حاضراً عنده في هذه الأحوال فيمكنه مطالبته من غير اشتغاله عن اشتغاله فإن شفعته تبطل بتركه المطالبة لأن هذا لا يشغله عنها ولا تشغله المطالبة عنه فأما مع غيبته فلافان العادة تقديم هذه الأشياء فلم يلزمه تأخيرها كما لو أمكنه أن يسرع في مشيه ويحرك دابته فلم يفعل ومضى على حب عادته لم تسقط شفعته لأنه طلب بحكم العادة، وإذا فرغ من حوائجه من مضى على حسب عادته إلى المشتري فاذالقيه بدأه بالسلام لأن ذلك الشنة لأن في الحديث (من بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه ثم يطالب فإن قال بعد السلام بارك الله لك في صفقة يمينك أو دعا له بالمغفرة ونحو ذلك لم تبطل شفعته لأن ذلك يتصل بالسلام فهو من جملته والدعاء له بالبركة في الصفقة دعاء لنفسه لأن الشقص يرجع إليه فلان يكون ذلك رضا فإن إشتغل بكلام آخر أو سكت لغير حاجة بطلت شفعته لما قدمنا (مسألة) (إلا أن يعلم وهو غائب فيشهد على الطلب ثم إن أخر الطلب بعد الإشهاد مع إمكانه أو ترك الإشهاد أو لم يشهد لكن سار في طلبها فعلى وجهين) متى عليم الغائب بالبيع وقدر على الإشهاد على المطالبة فلم يفعل بطلت شفعته سواء قدر على التوكيل أو عجز عنه أو سار عقيب العلم أو أقام هذا ظاهر كلام أحمد في رواية أبي طالب وهو ظاهر قول الخرقي وهو وجه

للشافعي والوجه الآخر لا يحتاج إلى الإشهاد لأنه إذا ثبت عذره فالظاهر إنه ترك الشفعة لذلك فقبل قوله فيه ولنا أنه قد يترك الطلب للعذر وقد يتركه لغير وقد يسير لطلب الشفعة ويسير لغيره وقد قدر على أن يبين ذلك بالإشهاد فإذا لم يفعل سقطت شفعته كتارك الطلب مع الحضور وقال القاضي إن سار عقيب علمه إلى البلد الذي فيه المشتري من غيره إشهاد احتمل أن لا تبطل شفعته لأن ظاهر سيره أنه للطلب وهو قل أصحاب الرأي والعنبري وقول للشافعي وقال أصحاب الرأي له من الأجل بعد العلم قدر السيرفان مضى الأجل قبل أن يطلب أو يبعث بطلت شفعته وقال العنبري له مسافة الطريق ذاهباً وجائياً لأن عذره في ترك الطلب ظاهر لم يحتچ معه إلى الشهادة وقد ذكر نا وجه القول الأول (فصل) فإن أخر الطلب بعد الإشهاد مع إمكانه فظاهر كلام الخرقي إن الشفعة بحالها وقال القاضي تبطل. إذا قدر على المسير وأخره وإن لم يقدر على المسير وقدر على التوكيل في طلبها فلم يفعل بطلت أيضاً لأنه تارك للطلب بها مع قدرته عليه فسقطت كالحاضر أو كما لو لم يشهد وهذا مذهب الشافعي، إلا أن لهم فيما إذا قدر على التوكيل فلم يفعل وجهين (أحدهما) لا تبطل شفعته لأن له غرضاً في المطالبة بنفسه لكونه أقوم بذلك أو يخاف الضرر من جهة وكيله بأن يقر عليه برشوة أو غير ذلك فيلزمه إقراره فكان معذوراً ولنا أن عليه في السفر ضرراً لإلتزامه كلفته وقد يكون له حوائج وتجارة ينقطع عنها وتضيع بغيبته

فإن ترك الطلب والإشهاد لعجزه عنهما كالمريض والمحبوس ومن لا يجد من يشهده لم تبطل شفعته

والتوكيل إن كان بجعل لزمه غرم وإن كان بغير جعل ففيه منه ويخاف الضرر من جهته فأكتفي بالإشهاد فأما أن ترك السفر لعجزه عنه أو لضرر يلحقه فيه لم تبطل شفعته وجهاً واحداً لأنه معذور كمن لم يعلم (فصل) تجب الشفعة للغائب في قول الأكثرين منهم مالك والثوري والاوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي وروي عن النخعي ليس للغائب شفعة وبه قال الحارث العكلي والبتي إلا للغائب القريب لأن إثباتها يضر بالمشتري ويمنع استقرار ملكه وتصرفه على حسب اختياره خوفاً من أخذه فلم يثبت كما لا يثبت للحاضر على التراخي ولنا عموم قوله عليه السلام (الشفعة فيما لم يقسم) وسائر الأحاديث ولأن الشفعة حق مالي وجد سببه بالنسبة إلى الغائب فيثبت له كالإرث ولأنه شريك لم يعلم بالبيع فتثبت له الشفعة عند علمه كالحاضر إذا كتم عنه البيع والغائب غيبة قريبة وضرر المشتري يندفع بإيجاب الثمن له كما في الصور المذكورة. إذا ثبت هذا ولم يعلم بالبيع إلا عند قدومه فله المطالبة وإن طالت غيبته لأنه خيار ثبت لازالة والضرر عن المال فتراخي الزمان قبل العلم به لا يسقطه كالرد بالعيب ومتى علم فحكمه في المطالبة حكم الحاضر في أنه ان طالب على الفور استحق والابطلت شفعته، وحكم المريض والمحبوس ومن لم يعلم بالبيع حكم الغائب لما ذكرنا (مسألة) (فإن ترك الطلب والإشهاد لعجزه عنهما كالمريض والمحبوس ومن لا يجد من يشهده لم تبطل شفعته) أما إذا كان مرضه لا يمنع المطالبة كالصداع اليسير والألم القليل فهو كالصحيح، وإن كان المرض

يمنع المطالبة كالحمى وأشباهها فهو كالغائب في الإشهاد والتوكيل، وأما المحبوس فإن كان حبس ظلماً أو بدين لا يمكنه أداؤه فهو كالمريض وإن كان محبوساً بحق يلزمه أداؤه وهو قادر عليه فهو كالمطلق إن لم يبادر إلى المطالبة ولم يوكل بطلت شفعته (فصل) فإن عجز عن الإشهاد في سفره لم تبطل شفعته بغير خلاف لأنه معذور في تركه فأشبه ما لو ترك الطلب لعذر أو لعدم العلم، ومتى قدر على الإشهاد فأخره كان كتأخير الطلب بالشفعة إن كان لعذر لم تسقط الشفعة وإن كان لغير عذر سقطت لأن الإشهاد قائم مقام الطلب ونائب عنه فيعتبر له ما يعتبر للطلب، ومن لم يقدر الاعلى إشهاد من لا تقبل شهادته كالمرأة والفاسق فترك الإشهاد لم تسقط شفعته بتركه لأن قولهم غير مقبول فلم تزم شهادتهم كالا طفال والمجانين، وإن لم يجد من يشهده إلا من لا يقدم معه إلى موضع المطالبة قلم يشهد فالأولى أن شفعته لا تبطل لأن إشهاده لا يفيد فأشبه إشهاد من لا تقبل شهادته، وإن لم يجد الامستوري الحال فلم يشهدهما احتمل أن تبطل لأن شهادتهما يمكن إثباتها بالتزكية فأشبها العدلين، ويحتمل أن لا تبطل لأنه يحتاج في إثبات شهادتهما إلى كلفة كثيرة وقد لا يقدر على ذلك فلا تقبل شهادتهما فإن أشهدهما لم تبطل شفعته سواء قبلت شهادتهما أو لم تقبل لأنه لا يمكنه أكثر من ذلك فأشبه العاجز عن الإشهاد وكذلك إن لم يقدر إلا على إشهاد واحد فأشهده أو ترك اشهاده

أو لإظهارهم زيادة في الثمن أو نقصا في المبيع أو أن المشتري غيره أو أخبره من لا يقبل خبره فلم يصدقه أو قال للمشتري بعني ما اشتريت أو صالحني سقطت شفعته

(مسألة) (أو لإظهارهم زيادة في الثمن أو نقصاً في المبيع أو أن المشتري غيره أو أخبره من لا يقبل خبره فلم يصدقه أو قال للمشتري بعني ما اشتريت أو صالحني سقطت شفعته) إذا أظهر المشتري أن الثمن أكثر مما وقع عليه العقد فترك الشفيع الشفعة لم تبطل بذلك وبه قال الشافعي وأصصحاب الرأي ومالك إلا أنه قال بعد أن يحلف ما سلمت الشفعة إلا لمكان الثمن الكثيرو قال ابن أبي ليلى لاشفعة له لأنه سلم ورضي ولنا أنه تركها للعذر فإنه لا يرضاه بالثمن الكثير ويرضاه بالقليل وقد يعجز عن الكثير فلم تسقط بذلك كما لو تركها لعدم العلم وكذلك ان ظهر أن المبيع سهام قليلة فبانت كثيرة لأنه قد يرغب في الكثير دون القليل وكذلك إن كان بالعكس لأنه قد يقدر على ثمن القليل دون الكثير أو إنهما تبايعا بدنانير فبانت بدراهم أو بالعكس وبه قال الشافعي وزفر، وقال أبو حنيفة وصاحباه إن كان قيمتهما سواء سقطت الشفعة لانهما كالحنس الواحد ولنا أنهما جنسان أشبها الثياب والحيوان ولأنه قد يملك النقد الذي وقع به البيع دون ما أظهره فيتركه لعدم ملكه له وكذلك إن أظهر أنه اشتراه بنقد فبان أنه اشتراه بعرض أو بالعكس أو بنوع من العروض فبان أنه بغيره أو أظهر أنه اشتراه له فبان أن اشتراه لغيره أو بالعكس أو أنه اشتراه لإنسان فبان أنه اشتراه لغيره لأنه قد يرضى بشركة إنسان دون غيره وقد يحابي إنساناً أو يخافه

فيترك لذلك وكذلك إن أظهر أنه اشترى الكل بثمن فبان أنه اشترى نصفه بنصفه أو أنه اشترى نصفه بثمن فبان أنه اشترى جميعه بضعفه أو أنه اشترى الشقص وحده فبان أنه اشتراه هو وغيره وأو بالعكس لم تسقط الشفعة في جميع ذلك لأنه قد يكون له غرض فيما أبطنه دون ما أظهره فيترك لذلك فلم تسقط شفعته كما لو أظهر أنه اشتراه بثمن فبان أقل منه. فأما إن أظهر أنه اشتراه بثمن فبان أنه اشتراه بأكثر أو أنه اشترى الكل بثمن فبان أنه اشترى به بعضه سقطت شفعته لأن الضرر فيما أبطنه أكثر فإذا لم يرض بالثمن القليل مع قلة ضرره فبالكثير أولى (فصل) فان أخبره بالبيع مخبر فصدقة ولم يطالب بالشفعة بطلت شفعته سواء كان المخبر ممن يقبل خبره أولا لأن العلم قد يحصل بخبر من لا يقبل خبره لقرائن دالة على صدقة وإن قال لم أصدقه وكان المخبر ممن يحكم بشهادته كرجلين عدلين بطلت شفعته لأن قولهم حجة تثبت بها الحقوق، وإن كان ممن لا يعمل بقوله كالفاسق والصبي لم تبطل وحكي عن أبي يوسف أنها تسقط لأنه خبر يعمل به في الشرع في الاذن في دخول الدار وشبهه فسقطت كخبر العدل ولنا أنه خبر لا يقبل في الشرع اشبه قول الطفل والمجنون، وإن أخبره رجل عدل أو مستور الحال سقطت شفعته، ويحتمل أن لا يستقط يروى هذا عن أبي حنيفة وزفر لأن الواحد لا تقوم به البينة.

وإن قال الشفيع للمشتري بعني ما اشتريت أو قاسمني بطلت شفعته

ولنا أنه خبر لا تعتبر فيه الشهادة فقبل من العدل كالرواية والفتيا وسائر الأخبار الدينية، وفارق الشهادة فإنه يحتاط لها باللفظ والمجلس وحضور المدعي عليه وإنكاره ولأن الشهادة يعارضها إنكار المنكر وتوجب الحق عليه بخلاف هذا الخبر، والمرأة كالرجل في ذلك والعبد كالحر وقال القاضي هما كالفاسق والصبي وهذا مذهب الشافعي لأن قولهما لا يثبت به حق ولنا أن هذا خبر وليس بشهادة فاستوى فيه الرجل والمرأة والعبد والحر كالرواية والأخبار الدينية والعبد من أهل الشهادة فيما عدا الحدود والقصاص وهذا مما عداهما فأشبه الحر (مسألة) (وإن قال الشفيع للمشتري بعني ما اشتريت أو قاسمني بطلت شفعته) لأنه يدل على رضاه يشرائه وتركه الشفعة وإن قال صالحني على مال سقطت أيضاً وهو قول أبي الخطاب وقال القاضي لا تسقط لأنه لم يرض بإسقاطها وإنما رضي بالمعاوضة ولم تثبت العاوضة فبقيت الشفعة ولنا أنه رضي بتركها وطلب عوضها فثبت الترك المرضي به ولم يثبت العوض كما لو قال بعني فلم يبيعه ولأن ترك المطالبة بها كاف في سقوطها فمع طلب عوضها أولى ولا صحاب الشافعي وجهان كهذين فان صالحه عنه بعوض لم يصح وبه قال أبوحنية والشافعي وقال مالك يصح لأنه عوض عن إزالة ملك فجاز كأخذ العوض عن تمليك المرأة أمرها

وإن دل في البيع لم تبطل شفعته

ولنا أنه خيار لا يسقط إلى فلم يجز أخذ العوض عنه كخيار الشرط وبه يبطل ما قاله وأما الخلع فهو عما ملكه بعوض وههنا بخلافه (فصل) وإن لقيه الشفيع في غير بلده فلم يطالبه قال إنما تركت المطالبة لا طالبة في البلد الذي فيه البيع أو المبيع أو لا آخذ الشقص في موضع الشفعة سقطت شفعته لأن ذلك ليس بعذر في ترك المطالبة فإنها لا تقف على تسليم الشقص ولا حضور البلد الذي هو فيه، وإن قال نسيت فلم أذكر المطالبة أو نسيت البيع سقطت شفعته لأنه خيار على الفور فإذا أخره نسياناً بطل كالرد بالعيب وكما لو أمكنت المعتقة زوجها من وطئها نسياناً ويحتمل أن لا تسقط المطالبة لأنه تركها لعذر فأشبه مالو تركها لعدم علمه بها وإن تركها جهلا لاستحقاقه لها إذا كان مثله يجهل ذلك بطلت كالرد بالعيب ويحتمل أن لا تبطل كما إذا ادعت المعتقة الجهل بملك الفسخ (مسألة) (وإن دل في البيع لم تبطل شفعته) لأن ذلك لا يدل على الرضى بإسقاطها بل لعله أراد البيع ليأخذ بالشفعة (مسألة) (وإن توكل الشفيع في البيع لم تسقط شفعته بذلك سواء توكل للبائع أو للمشتري) ذكره الشريف وأبو الخطاب وهو ظاهر مذهب الشافعي، وقال القاضي وبعض الشافعية إن كان وكيل البائع فلا شفعة له لانه تحلقه التهمة في البيع لكونه يقصد تقليل الثمن ليأخذ به بخلاف المشتري وقال

وإن جعل له الخيار فاختار إمضاء البيع فهو على شفعته

أصحاب الرأى لاشفعة لوكيل المشتري بناء على أصلهم أن الملك ينتقل إلى الوكيل فلا يستحق على نفسه ولنا أنه وكيل فلا تسقط شفعته كالأجر ولا نسلم أن الملك ينتقل إلى الوكيل بل ينتقل إلى الموكل ثم لو انتقل إلى الوكيل لما ثبت في ملكه إنما ينتقل في الحال إلى الموكل فلا يكون الأخذ من نفسه ولا الا ستحقاق عليها وأم التهمة فلا تؤثر لأن الموكل وكله من علمه بثبوت شفعه راضياً بتصرفه فلم يؤثر كما لو وكله في الشراء من نفسه، وفعلى هذا لو قال لشريكه بع نصف نصبي مع نصف نصيبك ففعل ثبتت الشفعة لكل واحد منهما في المبيع من نصيب صاحبه وعند القاضي تثبت في نصيب الوكيل دون نصيب الموكل (مسألة) (وإن جعل له الخيار فاختار إمضاء البيع فهو على شفعته) إذا شرط للشفيع الخيار فاختار امضاء العقد أو ضمن العهدة للمشتري فالشفعة بحالها وبه قال الشافعي وقال أصحاب الرأي تسقط لأن العقد تم به فأشبه البائع إذا باع بعض نصيب نفسه ولنا أن هذا سبب سبق وجوب الشفعة فلم تسقط به الشفعة كالإذن في البيع والعفو عن الشفعة قبل تمام البيع وما ذكروه لا يصح فإن البيع لا يقف على الضمان ويبطل بما إذا كان المشتري شريكاً فإن البيع تم به وثبتت له الشفعة بقدر نصيبه (مسألة) (وإن أسقط شفعته قبل البيع لم تسقط ويحتمل أن تسقط) ادا عفا الشفيع عن الشفعة قبل البيع فقال قد أذنت في البيع أو أسقطت شفعتي أو ما أشبه ذلك

وإن أسقط شفعته فقبل البيع لم تسقط ويحتمل أن تسقط

لم تسقط وله المطالبة بها في ظاهر المذهب وبه قال مالك والشافعي والبتى وأصحاب الرأي، وعن أحمد ما يدل على أن الشفعة تسقط بذلك فإن اسماعيل بن سعيد قال قلت لأحمد ما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم (من كان بينه وبين أخيه ربعة فأراد بيعها فليعرضها عليه) وقد جاء في بعض الحديث (لا يحل له إلا أن يعرضها عليه إذا كانت الشفعة ثابتة) فقال ما هو بيعيد من أن يكون على ذلك وإن لا تكون له شفعة وهذا قول الحكم والثوري وابي خيثمة وطائفة من أهل الحديث، قال إبن المنذر وقد اختلف فيه عن أحمد فقال مرة تبطل شفعته وقال مرة لا تبطل، واحتجوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم (من كان له شركة في أرض ربعة أو حائط فلا يحل له أن يبيع حتى يستأدن شريكه فإن شاء أخذ وإن شاء ترك) ومحال أن يقول النبي صلى الله عليه وسلم (وإن شاء ترك) فلا يكون لتركه معنى ولأن مفهوم قوله (فإن باع ولم يؤذنه فهو أحق به) إنه إذا باعه بإذنه لاحق له ولأن الشفعة ثبتت في موضع الإتفاق على خلاف الأصل لكونه يأخذ ملك المشتري بغير رضاه ويجبره على المعاوضة به لدخوله مع البائع في العقد الذي أساء فيه بإدخاله الضرر على شريكه وتركه الإحسان إليه في عوضه عليه وهذا المعنى معدوم ههنا فإنه قد عرضه عليه، وامتناعه من أخذه دليل على عدم الضرر في حقه ببيعه فان كان فيه ضرر فهو أدخله على نفسه فلا يستحق الشفعة كما لو أخر المطالبة بعد البيع. ووجه الأول أنه إسقاط حق قبل وجوبه فلم يصح كما لو أبرأه مما يجب له أو لو أسقطت المرأة صداقها قبل التزويج، وأما الخبر فيحتمل أنه أراد العرض عليه ليبتاع ذلك إن أراد فتخف عليه المؤنة

ويكتفي أخذ المشتري الشقص لا اسقاط حقه من شفعته (مسألة) وإن ترك الولي شفعة للصبي فيها حظ له لم تسقط وله الأخذ بها إذا كبر وان تركها لعدم الخط فيها سقطت ذكره ابن حامد وقال القاضي يحتمل أن لا تسقط) إذا بيع في شركة الصغير شقص ثبتت له الشفعة في قول عامة الفقهاء منهم الحسن وعطاء ومالك والاوزاعي والشافعي وسوار والعنبري وأصحاب الرأي وقال ابن أبي ليلى لا شفعة له وروي ذلك عن النخعي والحارث العكلي لأن الصبي لا يمكنه الأخذ ولا يمكن انتظاره حتى يبلغ لما فيه من الإضرار بالمشتري، وليس للولي الأخذ لأن من لا يملك العفو لا يملك الأخذ كالأجنبي ولنا عموم الأحاديث ولأنه خيار جعل لإزالة الضرر عن المال فثبت في حق الصبي كخيار الرد بالعيب، قولهم لا يمكن الأخذ ممنوع فإن الولي يأخذ بها كما يرد بالعيب، قولهم لا يمكنه العفو يبطل بالوكيل فيها وبالرد بالعيب فإن ولي الصبي لا يمكنه العفو ويمكنه الرد ولأن في الأخذ تحصيلا للملك للصبي ونظراً له وفي العفو تضييع وتفريط في حقه ولا يلزم من ملك ما فيه الحظ ملك ما فيه تضبيع ولأن العفو إسقاط لحقه والأخذ استيفاء له ولا يلزم من ملك الولي استيفاء حق المولي عليه ملك إسقاطه بدليل سائر حقوقه وديونه، فإن لم يأخذ الولي أنتظر بلوغ الصبي كما ينتظر قدوم الغائب، وبه يبطل ما ذكروه من الضرر في الإنتظار. إذا ثبت هذا فإن الصغير إذا كبر فله الأخذ بها في ظاهر قول الخرقي سواء عفا

عنها الولي أولم يعف وسواء كان الخط في الأخذ بها أو في تركها وهو ظاهر كلام أحمد في رواية ابن منصور وهذا قول الأوزاعي وزفر ومحمد بن الحسن وحكاه بعض أصحاب الشافعي عنه لأن المستحق للشفعة يملك الأخذ بها سواء كان له الحظ فيها أولم يمكن فلم تسقط بترك غيره كالغائب إذا ترك وكيله الأخذ بها، وقال ابن حامدا تركها المولى لحظ الصبي أو لأنه ليس للصبي ما يأخذها به سقطت وهو ظاهر مذهب الشافعي لأن الولي فعل ماله فعله فلم يجز للصبي نقضه كالرد العيب ولأنه فعل ما للصبي فيه حظ فصح كالأخذ مع الحظ، وإن تركها لغير ذلك لم تسقط، وقال أبو حنيفة تسقط بعفو الولي عنها في الحالين لأن من ملك الأخذ بها ملك العفو عنها كالمالك، وخالفه صاحباه في هذا لأنه اسقط حقاً للمولي عليه ولا حظ له في إسقاطه فلم يصح كالإبراء وخيار الرد بالعيب، ولا يصح قياس الولي على المالك لأن للمالك التبرع والإبراء وما لا حظ له فيه بخلاف الولي (فصل) فأما الولي فإن كان للصبي حظ في الأخذ بها مثل أن يكون الشراء رخيصاً أو بثمن المثل وللصبي ما يشتري به العقار لزم وليه الأخذ بالشفعة لأن عليه الإحتياط له والاخذ بما فيه الحظ فإذا أخذ بها ثبت الملك للصبي ولم يملك نقضه بعد البلوغ في قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي، وقال الأوزاعي ليس للولي الأخذ بها لأنه لا يملك العفو عنها ولا يملك الأخذ بها كالأجنبي وإنما يأخذ بها الصبي إذا كبر، وهذا لا يصح لأنه خيار جعل لإزالة الضرر عن المال فملكه الولي كالرد بالعيب

وقد ذكرنا فساد قياسه فيما مضى، فإن تركها الولي مع الحظ للصبي الأخذ بها إذا كبر ولا يلزم الولي غرم لذلك لأنه لم يفوت شيئاً من ماله وإنما ترك تحصيل ماله الحظ فيه فأشبه مالو ترك شراء العقار له مع الخط في شرائه وإن كان الحظ في تركها مثل أن يكون المشتري قد غبن أو كان في الاحذ بها يحتاج إلى أن يستقرض ويرهن مال الصبي له الأخذ لأنه لا يملك فعل مالا حظ للصبي فيه، وفان أخذ لم يصح في إحدى الروايتين ويكون باقياً على ملك المشتري لأنه اشترى له ما لا يملك شراءه فلم يصح كما لو اشترى بزيادة كثيرة على ثمن المثل أو اشترى معيباً يعلم عيبه، ولا يملك الولي المبيع لأن الشفعة تؤخذ بحق الشركة ولا شركة للولي ولذلك لو أراد الأخذ لنفسه لم يصح فأشبه مالو تزوج لغيره بغير إذنه فإنه يقع باطلاً ولا يصح لواحد منهما كذا ههنا وهذا مذهب الشافعي (والثانية) يصح الأخذ للصبي لأنه اشترى له ما يندفع عنه الضرر به فصح كما لو اشترى معيباً لا يعلم عيبه والحظ يختلف ويخفي فقد يكون له حظ في الأخذ بأكثر من ثمن المثل لزيادة قيمة ملكه والشقص الذي يشتريه بزوال الشركة أو لأن الضرر الذي يندفع بأخذه كثير فلا يمكن اعتبار الحظ بنفسه لخفائه ولا بكثرة الثمن لما ذكرناه فسقط اعتباره وصح البيع (فصل) وإذا باع وصي الأيتام فباع لأحدهم نصيباً في شركة الآخر فله الأخذ للآخر بالشفعة لأنه

كالشراء له، وإن كان الوصي شريكاً لمن باع عليه فليس له الأخذ للتهمة في البيع ولأنه بمنزلة من يشتري لنفسه من مال يتيمه، ولو باع الوصي نصيبه كان له الأخذ لليتيم بالشفعة مع الحظ لليتيم لأن التهمة منتفية فإنه لا يقدر على الزيادة في ثمنه لكون المشتري لا يوافقه ولأن الثمن حاصل له من المشتري كحصوله من اليتيم بخلاف بيعه مال اليتيم فإنه يمكنه تقليل الثمن ليأخذ الشقص به، فإن رفع الأمر إلى الحاكم فباع عليه فللوصي الأخذ حينئذ لعدم التهمة، فإن كان مكان الوصي أب فباع شقص ولده فله الأخذ بالشفعة لأن له أن يشتري من نفسه مال ولده لعدم التهمة، وإن بيع شقص في شركة حمل لم يكن لوليه الأخذ له بالشفعة لأنه لا يمكن تمليكه بغير الوصية فإذا ولد الحمل ثم كبر فله الأخذ بالشفعة كالصبي إذا كبر (فصل) وإذا عفا ولي الصبي عن شفعته التي له فيها حظ ثم أراد الأخذ بها فله ذلك في قياس المذهب لأنها لم تسقط بإسقاطه ولذلك ملك الصبي الأخذ بها إذا كبر ولو سقطت لم يملك الأخذ بها، ويحتمل أن لا يملك الأخذ بها لأن ذلك يؤدي إلى ثبوت حق الشفعة على التراخي وذلك على خلاف الخبر والمعنى ويخالف أخذ الصبي بها إذا كبر لأن الحق يتجدد له عند كبره فلا يملك تأخيره حينئذ وكذلك أخذ الغائب بها إذا اقدم، فأما إن تركها لعدم الحظ فيها ثم أراد الا خذ بها والأمر بحاله لم يملك ذلك كمالم يملكه ابتداء، وإن صار فيها حظ أو كان معسراً عند البيع فأيسر بعد ذلك انبنى ذلك على سقوطها بذلك فان قلنالا تسقط وللصبي الأخذ بها إذا كبر فحكمها حكم ما فيه الحظ وإن قلنا تسقط فليس له الأخذ بها بحال لأنها قد سقطت مطلقاً فهو كما لو عفا الكبير عن شفعته

(فصل) والحكم في المجنون المطبق كالحكم في الصبي سواء لأنه محجور عليه لحظه وكذلك السفيه فاما المغمى عليه فحكمه الغائب لان لا ولاية عليه وكذلك المحبوس، فعلى هذا ننتظر إفاقته وأما مفلس فله الأخذ بالشفعة والعفو عنها وليس لغرمائه الا خذ بها لأنها معاوضة فلا يجبر عليها كسائر المعاوضات وليس لهم إجباره على العفو لأنه إسقاط حق فلا يجبر، وسواء كان له حظ في الأخذ بها أو لم يكن لأنه يأخذ في ذمته وليس بمحجور عليه في ذمته لكن لهم منعه من دفع ماله في ثمنها لتعلق حقوقهم بماله فاشبه مالو إشترى في ذمته شقصاً غير هذا، ومتى ملك الشقص المأخوذ بالشفعة تعلقت حقوق الغرماء به سواء أخذه برضاهم أو بغيره لأنه مال له فأشبه مالوا كتسبه. وأما المكاتب فله الأخذ والترك وليس لسيده الاعتراض عليه لأن التصرف يقع له دون سيده، وكذلك المأذون له في التجارة من العبيد له الأخذ بالشفعة لأنه مأذون له في الشراء وان عفاعنها لم ينفذ عفوه لأن الملك للسيد ولم يأذن في إبطال حقوقه، فإن أسقطها السيد سقطت ولم يكن للعبد أن يأخذ لأن للسيد الحجر عليه ولأن الحق قد أسقطه مستحقه فسقط بإسقاطه (فصل) (الشرط الرابع) أن يأخذ جميع المبيع فإن طلب أخذ البعض سقطت شفعته وبه قال محمد بن الحسن وبعض أصحاب الشافعي وقال أبو يوسف لا تسقط لأن طلبه لبعضها طلب لجميعها لكونه لا يتبعض ولا يجوز أخذ بعضها

وإن كانا شفيعين فالشفعة بينهما على قدر ملكهما وعنه على عدد الرؤوس

ولنا أنه تارك لطلب بعضها فتسقط ويسقط باقيها لأنها لاتتبعض، ولا يصح ما ذكره فإن طلب بعضها ليس بطلب جميعها ومالا يتبعض لا يثبت حتى يثت السبب في جميعه كالنكاح بخلاف السقوط فإن الجميع يسقط بوجود السبب في بعضه كالطلاق (فصل) فإن أخذ الشقص بثمن مغصوب ففيه وجهان (أحدهما) لا تسقط شفعته لأنه بالعقد استحق الشقص بمثل ثمنه في الذمة فإذا عينه فيمالا يملكه سقط التعيين وبقي الإستحقاق في الذمة أشبه مالو أخر الثمن أو ما لو اشترى شيأ آخر ونقد فيه ثمناً مغصوباً (والثاني) يسقط لأن أخذه للشقص بمالا يصح أخذه به ترك له وإعراض عنه فسقطت الشفعة كما لو ترك الطلب بها (مسألة) (وإن كانا شفيعين فالشفعة بينهما على قدر ملكهما وعنه على عدد الرؤوس) ظاهر المذهب أن الشقص المشفوع إذا أخذه الشفعاء قسم بينهم على قدر أملاكهم اختاره أبو بكر وروي ذلك عن الحسن وابن سيرين وعطاء وبه قال مالك وسوار والعنبري واسحاق وأبو عبيد وهو أحد قولي الشافعي، وعن أحمد رواية ثانية أنه يقسم بينهم على عدد الرؤوس اختارها ابن عقيل وروي ذلك عن النخعي والشعبي وهو قول ابن أبي ليلى وابن شبرمة والثوري وأصحاب الرأي لأن كل واحد منهم لو انفرد لا يستحق الجميع فإذا اجتمعوا تساووا كالبنين في الميراث وكالمعتقين في سراية العتق ولنا أنه حق يستفاد بسبب الملك فكان على قدر الأملاك كالغلة ودليلهم ينتقض بالإبن والأب أو

الجد وبالفرسان والرجالة في الغنيمة وبأصحاب الديون والوصايا إذا نقص ماله عن دين أحدهم أو الثلث عن وصية أحدهم، وأما الإعتاق فلنا فيه منع وإن سلم فلأنه إتلاف والإتلاف يستوي فيه القليل والكثير كالنجاسة تلقي في مائع، وأما البنون فإنهم تساووا في السبب وهو النبوة فتساووا في الإرث بها فنظيره في مسئلتنا تساوي الشفعاء في سهامهم، فإذا كانت دار بين ثلاثة لأحدهم النصف وللأخر الثلث وللآخر السدس فباع أحدهم فعلى هذا ينظر مخرج سهام الشركاء كلهم فيأخذ منهم سهام الشفعاء فإذا علمت عدتها قسمت السهم المشفوع عليها ويصير العقار بين الشفعاء على تلك العدة كما يفعل في مسائل الرد ففي هذه المسألة مخرج سهام الشركاء ستة فإذا باع صاحب النصف فسهام الشفعاء ثلاثة لصاحب الثلث سهمان وللآخر سهم فالشفعة بينهم على ثلاثة ويصير العقر بينهم أثلاثاً لصاحب الثلث ثلثاه وللآخر ثلثه وإن باع صاحب الثلث كانت بين الآخرين أرباعاً لصاحب النصف ثلاثة أرباعها وللآخر ربعها وإن باع صاحب السدس كانت بين الآخرين أخماساً لصاحب النصف ثلاثة أخماسه وللآخر خمساه هذا على ظاهر المذهب، وعلى الرواية الثانية ينقسم الشقص المشفوع بين الآخرين نصفين فإذا باع صاحب النصف قسم النصف بين الآخرين لكل واحد الربع فيصير لصاحب الثلث ثلث وربع وللآخر ربع وسدس وإن باع صاحب الثلث صار لصاحب النصف الثلثان وللآخر الثلث وإن باع صاحب السدس فلصاحب النصف ثلث وربع ولصاحب الثلث ربع وسدس

فإن ترك أحدهما شفعته لم يكن للآخر إلا أن يأخذ الكل أو يترك

(مسألة) (فإن ترك أحدهما شفعته لم يكن للآخر إلا أن يأخذ الكل أو يترك) وجملة ذلك أنه إذا كان الشقص بين شفعاء فترك بعضهم فليس للباقين إلا أخذ الجميع أو ترك الجميع قال إبن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على هذا وهو قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي لأن في أخذ البعض أضراراً بالمشتري بتبعيض الصفقة عليه ولا يزال الضرر بالضرر، ولأن الشفعة إنما تثبت على خلاف الأصل دفعاً لضرر الشريك الداخل خوفاً من سوء المشاركة ومؤنة القسمة فإذا أخذ بعض الشقص لم يندفع عنه الضرر فلم يتحقق المعنى المجوز لمخالفة الأصل فلا تثبت، وإن وهب بعض الشركاء نصيبه من الشفعة لبعض الشركاء أو لغيره لم يصح لأن ذلك عفو وليس بهبة فلم يصح لغير من هو عليه كالعفو عن القصاص (فصل) فإن كان الشفعاء غائبين لم تسقط الشفعة لموضع العذر فإذا قدم أحدهم فليس له إلا أن يأخذ الكل أو يترك لأنا لا نعلم اليوم مطالباً سواه ولأن في أخذ البعض تبعيضاً لصفقة المشتري فلم يجز ذلك كما لو لم يكن معه غيره، ولا يجوز تأخير حقه إلى أن يقدم شركاؤه لأن في التأخير ضرراً بالمشتري فإذا أخذ الجميع ثم حضر آخر قاسمه إن شاء أو عفا فيبقى للاول لأن المطالبة إنما وجدت منهما فإن قاسمه ثم حضر الثالث قاسمهما إن أحب أو عفافيبقى للأولين، فإن نما الشقص في يد الأول نماء منفصلاً لم يشاركه فيه واحد منهما لأنه انفصل في ملكه أشبه مالو انفصل في يد المشتري قبل الأخذ بالشفعة

وكذلك إذا أخذ الثاني فنما في يده منفصلاً لم يشاركه الثالث فيه، فإن خرج الشقص مستحقاً فالعهدة على المشتري يرجع الثلاثة عليه ولا يرجع أحدهم على الآخر فإن الأخذ وإن كان من الأول فهو بمنزلة النائب عن المشتري في الدفع إليهما والنائب عنهما في دفع الثمن إليه لأن الشفعة مستحقة عليه لهم هذا ظاهر مذهب الشافعي، وإن امتنع الأول من المطالبة حتى يحضر صاحباه أو قال آخذ قدر حقي ففيه وجهان (أحدهما) يبطل حقه لأنه قدر على أخذ الكل وتركه فأشبه المفرد (والثاني) لا تبطل لأنه تركه لعذر وهو خوف قدوم الغائب فينزعه منه والترك لعذر لا يسقط الشفعة بدليل ما لو أظهر المشتري ثمناً كثيراً فترك لذلك فبان خلافه، وإن ترك الأول شفعته توفرت الشفعة على صاحبيه وإذا قدم الاول منهما فله أخذ الجميع على ما ذكرنا في الأول، فإن أخذ الأول بها ثم رد ما أخذه بعيب فكذلك وبهذا قال الشافعي وحكي عن محمد بن الحسن أنها لا تتوفر عليهما وليس لهما أخذ نصيب الأول لأنه لم يعف وإنما رد نصيبه بالعيب فأشبه مالو رجع إلى المشتري ببيع أو هبة ولنا أن الشفيع فسخ ملكه ورجع إلى المشتري بالسبب الأول فكان لشريكه أخذه كما لو عفا ويفارق عودة بسبب آخر لأنه عاد غير الملك الاول الذي تعلقت به الشفعة (فصل) وإذا حضر الثاني بعد أخذ الأول فأخذ نصف الشقص منه واقتسما ثم قدم الثالث وطالب بالشفعة وأخذ بها بطلت القسمة لأن هذا الثالث إذا أخذ بالشفعة فهو كأنه مشارك حال القسمة لثبوت

حقه، ولهذا لو باع المشتري ثم قدم الشفيع كان له إبطال البيع، فإن قيل وكيف تصح القسمة وشريكهما الثالث غائب؟ قلنا يحتمل أن يكون وكل في القسمة قبل البيع أو قبل عمله به أو يكون الشريكان رفعا ذلك إلى الحاكم وطالباه بالقسمة عن الغائب فقاسمهما وبقي الغائب على شفعته، فإن قيل وكيف تصح مقاسمتهما للشقص وحق الثالث ثابت فيه؟ قلنا ثبوت حق الشفعة لايمنع التصرف لأنه لا يصح بيعه وهبته وغيرهما ويملك الفسع إبطاله كذا ههنا. إذا ثبت هذا فإن الثالث إذا قدم فوجد أحد شريكيه غائباً أخذ من الحاضر ثلث ما في يده لأنه قدر ما يستحقه ثم إن حكم له القاضي على الغائب أخذ ثلث ما في يده أيضاً وإن لم يقض انتظر الغائب حتى يقدم لأن موضع عذر (فصل) إذا أخذ الأول الشقص كله بالشفعة فقدم الثاني فقال لا آخذ منك نصفه بل اقتصر على قذر نصيبي وهو الثلث فله ذلك لأنه اقتصر على بعض حقه وليس فيه ببعض الصفقة على المشتري فجاز كترك الكل، فإذا قدم الثالث فله أن يأخذ من الثاني ثلث ما في يده فيضيفه إلى ما في يد الأول ويقسمانه نصفين فتصح قسمة الشقص من ثمانية عشر سهما لأن الثالث أخذ حقه من الثاني ثلث الثلث ومخرجه تسعة فيضمه إلى الثلثين وهي ستة صارت سبعة ثم قسما السبعة نصفين لا تنقسم فاضرب اثنين في تسعة يكن ثمانية عشر للثاني أربعة ولكل واحد من شريكيه سبعة، وإنما كان كذلك لأن الثاني ترك سدساً كان له أخذه وحقه منه ثلثاه وهو السبع فيوفر ذلك على شريكيه في الشفعة، فللأول والثالث أن يقولا نحن سواء في الاستحقاق ولم يترك واحد منا شيئاً من حقه فنجمع ما معنا فنقسمه فيكون على ما ذكرنا، وإن قال الثاني أنا آخذ الربع فله ذلك لما ذكرنا في التي قبلها، فإذا قدم الثالث أخذ منه

وإن كان المشتري شريكا فالشفعة بينه وبين الآخر

نصف سدس وهو ثلث في يده فضمنه إلى ثلاثة الأرباع وهي تسعة يصير الجميع عشرة فيقسمانها لكل واحد منهما خمسة وللثاني سهمان وتصح من اثني عشر (مسألة) (وإن كان المشتري شريكاً فالشفعة بينه وبين الآخر) وللآخر الأخذ بقدر نصيبه وبه قال أبو حنيفة والشافعي وحكي عن الحسن والشعبي والبتي لا شفعة للآخر لأنها تثبت لدفع ضرر الشريك الداخل وهذا شركته متقدمة فلا ضرر في شرائه، وحكي ابن الصباغ عنهم أن الشفعة كلها لغير المشتري ولا شئ للمشتري فيها لأنها تستحق عليه فلا يستحقها على نفسه ولنا أنهما تساويا في الشركة فتساويا في الشفعة كما لو اشترى أجنبي بل المشتري أولى لأنه قد ملك الشقص المشفوع من غير نظر إلى المشتري وقد حصل شراؤه والثاني لا يصح أيضا لا نالا نقول أنه يأخذ من نفسه بالشفعة وإنما يمنع الشريك أن يأخذ قدر حقه بالشفعة فيبقى على ملكه ثم لا يمتنع أن يستحق الإنسان على نفسه لأجل تعلق حق الغير به الا ترى أن العبد المرهون إذا جنى على عبد آخر لسيده ثبت للسيد على عبده أرش الجناية لأجل تعلق حق المرتهن ولو لم يكن رهناً ما تعلق به، إذا ثبت هذا فإن لشريك المشتري أخذ بقدر نصيبه لا غير أو العفو (مسألة) (وإن ترك المشتري شفعته ليوجب الكل على شريكه لم يكن له ذلك) إذا قال المشتري قد أسقطت شفعتي فخذ الكل أو أترك لم يلزمه ذلك ولم يصح إسقاط المشتري

وإذا كانت دار بين اثنين فباع أحدهما نصيبه لأجنبي صفقتين ثم علم الشريك فله أن يأخذ بالبيعين وله أن يأخذ بأحدهما فإن أخذ بالثاني شاركه المشتري في شفعته في أحد الوجهين وإن أخذ بالأول لم يشاركه وإن أخذ بهما جميعا لم يشاركه في شفعة الأول وهل يشاركه في شف

لأن ملكه إستقر على قدر حقه فجرى مجرى الشفيعين إذا أخذا بالشفعة ثم عفاأحدهما عن حقه ولذلك لو حضر أحد الشفيعين فأخذ جميع الشقص بالشفعة ثم حضر الآخر فله أخذ النصف من ذلك فإن قال الأول خذ الكل أودع فإني قد أسقطت شفعتي لم يكن له ذلك، فإن قيل هذا تبعيض للصفقة على المشتري قلنا هذا تبعيض اقتضاه دخوله في العقد فصار كالرضى منه به كما قلنا في الشفيع الحاضر إذا أخذ جميع الشقص وكما لو اشترى شقصاً وسيفاً (مسألة) (وإذا كانت دار بين اثنين فباع أحدهما نصيبه لأجنبي صفقتين ثم علم الشريك فله أن يأخذ بالبيعين وله أن يأخذ بأحدهما، فإن أخذ بالثاني شاركه المشتري في شفعته في أحد الوجهين وإن أخذ بالأول لم يشاركه وإن أخذ بهما جميعاً لم يشاركه في شفعة الأول، وهل يشاركه في شفعة الثاني؟ على وجهين) وجملة ذلك أن الشريك إذا باع بعض الشقص لاجنبي ثم باعه باقيه في صفقة أخرى ثم على الشفيع فله أخذ المبيع الأول والثاني وله أخذ أحدهما، فإن أخذ الأول لم يشاركه في شفعته أحد، وإن أخذ بالثاني فهل يشاركه المشتري في شفعته بنصيبه الأول؟ فيه ثلاثة أوجه (أحدها) يشاركه فيها وهو مذهب أبي حنيفة وبعض أصحاب الشافعي لأنه شريك في وقت البيع الثاني بملكه الذي إشتراه أولاً (والثاني) لا يشاركه لأن ملكه على الأول لم يستقر لكون الشفيع يملك أخذه (والثالث) إن عفا الشفيع عن

الأول شاركه في الثاني وإن أخذ بهما جميعاً لم يشاركه وهذا مذهب الشافعي لأنه إذا عفا عنه إستقر ملكه بخلاف ما إذا أخذ، فإن قلنا يشاركه في الشفعة ففي قدر ما يستحق وجهان أحدهما ثلثه والثاني نصفه بناء على الروايتين في قسم الشفعة على قدر الأملاك أو عدد الرؤوس فإذا قلنا يشاركه فعفا له عن الأول صار له ثلث العقار في أحد الوجهين وفي الآخر ثلاثة أثمانه وباقيه لشريكه وإن لم يعف عن الأول فله نصف سدسه في أحد الوجهين وفي الآخر ثمنه والباقي لشريكه، وإن باعه الشريك الشقص في ثلاث صفقات متساوية فحكمه حكم مالو باعه لثلاثة أنفس على ما نذكره ويستحق ما يستحقون وللشفيع ههنا مثل ماله مع الثلاثة والله أعلم (فصل) وإن كانت دار بين ثلاثة فوكل أحدهم شريكه في بيع نصيبه مع نصيبه فباعهما لرجل واحد فلشريكهما الشفعة فيهما، وهل له أخذ أحذ النصيبين دون الآخر؟ فيه وجهان (أحدهما) له ذلك لأن المالك اثنان فيما بيعان فكان له أخذ نصيب أحدهما كما لو توليا العقد (والثاني) ليس له ذلك لأن الصفقة واحدة وفي أخذ أحدهما تبعيض الصفقة على المشتري فلم يجز كما لو كانا لرجل واحد، وان وكل رجل رجلاً في شراء نصف نصيب أحد الشركاء فاشترى الشقص كله لنفسه ولموكله فلشريكه أخذ نصيب أحدهما لأنهما مشتريان أشبه مالو وليا العقد، والفرق بين هذه الصورة

وإن اشترى إثنان حق واحد فللشفيع أخذ حق أحدهما

والتي قبلها أن أخذ أحد النصيبين لا يفضي إلى تبعيض الصفقة على المشتري ولأنه قد يرضى شركة أحد المشتريين دون الآخر بخلاف التي قبلها فإن المشتري واحد (مسألة) (وإن اشترى إثنان حق واحد فللشفيع أخذ حق أحدهما) وبه قال مالك والشافعي وأبو حنيفة في إحدى الروايتين عنه وقال في الأخرى يجوز له ذلك بعد القبض ولايجوز قبله لأنه قبل القبض يبعض صفقة البائع ولنا أنهما مشتريان فجاز للشفيع أخذ نصيب أحدهما كما بعد القبض وما ذكروه ممنوع على أن المشتري الآخر يأخذ نصيبه فلا يكون تبعيضاً فإن باع إثنان من إثنين فهي أربعة عقود وللشفيع أخذ الكل أو ما شاء منها (فصل) وإذا باع شقصاً لثلاثة دفعة واحدة فلشريكه أن يأخذ من الثلاثة وله أن يأخذ بمن أحدهم وله أن يأخذ من إثنين دون الثالث لأن كل عقد منها منفرد فلا يتوقف الأخذ به على الأخذ بما في العقد الآخر كما لو كانت متفرقة وإذا أخذ نصيب أحدهم لم يكن اللاخرين مشاركته في الشفعة لأن ملكهما لم يسبق ملك من أخذ نصيبه ولا يستحق الشفعة إلا بملك سابق، فأما إن باع نصيبه لثلاثة في ثلاثة عقود متفرقة ثم على الشفيع فله أيضاً أن يأخذ الثلاثة وله أن يأخذ ما شاء منها فإن أخذ نصيب الأول لم يكن للآخرين مشاركته في شفعته لأنهما لم يكن لهما ملك حين بيعه وإن أخذ

نصيب الثاني وحده لم يملك الثالث مشاركته لذلك ويشاركه الأول في شفعته لأن ملكه سابق لشراء الثاني فهو شريك في إستحقاقها حال شرائه ويحتمل أن لا يشاركه لأن ملكه حال شراء الثاني يستحق أخذه بالشفعة فلا يكون سبباً في إستحقاقها، وإن أخذ من الثالث وعفا عن الأولين ففي مشاركتهما له وجهان، وإن أخذ من الثلاثة ففيه وجهان (أحدهما) لا يشاركه واحد منهم لأن املاكهم قد استحقاقها بالشفعة فلا يستحق عليه بها شفعة (والثاني) يشاركه الثاني في شفعة الثالث وهو قول أبي حنيفة وبعض أصحاب الشافعي لأنه كان مالكا ملكا صحيحا شراء الثالث ولذلك إستحق مشاركته إذا عفا عن شفعته فكذلك اذالم يعف لا إنما إستحق الشفعة بالملك الذي صار به شريكاً لا بالعفو عنه ولذلك قلنا في الشفيع إذا لم يعلم بالشفعة حتى باع نصيبه إن له أخذ نصيب المشتري الأول وللمشتري الأول أخذ نصيب المشتري الثاني، وعلى هذا يشاركه الأول في شفعة الثاني والثالث جميعا. قعلى هذا إذا كانت دار بين اثنين نصفين فباع أحدهما نصيبه لثلاثة في ثلاثة عقود في كل عقد سدساً فللشفيع السدس الأول وثلاثة أرباع الثاني وثلاثة أخماس الثالث وللمشتري الأول ربع السدس الثاني وخمس الثالث وللمشتري

وإن اشترى واحد حق إثنين أو اشترى شقصين من دارين صفقة واحدة فللشفيع أخذ أحدهما على أصح الوجهين

الثاني خمس الثالث فتصح المسألة من مائة وعشرين سهماً للشفيع الأول مائة وسبعة أسهم وللثاني تسعة وللثالث أربعة، وإن قلنا إن الشفعة على عدد الرؤوس فللمشتري الأول نصف السدس الثاني وثلث الثالث وللثاني ثلث الثالث وهو نصف التسع فتصح من ستة وثلاثين فلشفيع تسعة وعشرون وللثاني خمسة وللثالث سهمان (فصل) دار بين أربعة أرباعاً باع ثلاثة منهم في عقود متفرقة ولم يعلم شريكهم ولا بعضهم ببعض فلذي لم يبع الشفعة في الجميع، وهل يستحق البائع الثاني والثالث الشفعة فيما باعه البائع الأول؟ على وجهين، وكذلك هل يستحق الثالث الشفعة فيما باعه الأول والثاني؟ على وجهين وهل يستحق مشتري الربع الأول الشفعة فيما باعه الثاني والثالث؟ أو هل يستحق الثاني شفعة الثالث على ثلاثة أوجه (أحدها) يستحقان لأنهما مالكان حال البيع (والثاني) لا حق لهما لأن ملكهما متزلزل يستحق أخذه بالشفعة فلا تثبت به (والثالث) إن عفا عنهما أخذ وإلا فلا فإذا قلنا يشترك الجميع فللذي لم يبع ثلث كل ربع لان له شريكين فصار له الربع مضموما إلى ملكه فكمل له النصف للبائع الثالث والمشتري الأول الثلث لكل واحد منهما سدس لأنه شريك في شفعة مبيعين وللبائع الثاني والمشتري الثاني السدس لكل واحد منهما نصفه لأنه شريك في شفعة بيع واحد وتصح من اثني عشر (مسألة) (وإن اشترى واحد حق إثنين أو اشترى شقصين من دارين صفقة واحدة فللشفيع

أخذا أحدهما على أصح الوجهين) إذا اشترى رجل من رجلين شقصا صفقة واحدة فللشفيع أخذ نصيب أحدهما دون الآخر وبه قال الشافعي وحكي عن القاضي أنه لا يملك ذلك وهو قول أبي حنيفة ومالك لئلا تتبعض صفقة المشتري ولنا أن عقد الإثنين مع واحد عقدان لأنه مشترمن كل واحد منهما ملكه بثمن مفرد فكان للشفيع أخذه كما لو أفرده بعقد وبهذا ينفصل عما ذكروه، وأما إذا باع شقصين من أرضين صفقة واحدة لرجل واحد وكان الشريك في أحدهما غير الشريك في الآخر فلهما أن يأخذا ويقسما الثمن على قدر القيمتين، وإن أخذ أحدهما دون الآخر جازو يأخذ الشقص الذي في شركته بحصته من الثمن، ويتخرج أن لا شفعة له لأن فيه تبعيض الصفقة على المشتري وذلك ضرر به وليس له أخذهما معاً لأن أحدهما لا شركة له فيه ولا هو تابع لما فيه الشفعة فجرى مجرى الشقص والسيف على ما نذكره، وإن كان الشريك فيهما واحدا فله أخذهما وتركهما لأنه شريك فيهما وله أخذ أحدهما دون الآخر وهو منصوص الشافعي، وفيه وجه آخر أنه لا يملك ذلك، ومتى أختاره سقطت الشفعة فيهما لأنه أمكنه أخذ المبيع كله فلم يملك أخذ بعضنه كما لو كان شقصاً واحداً ذكره أبو الخطاب وبعض الشافعية ولنا أنه يستحق كل واحد منهما بسبب غير الآخر فجرى مجرى الشريكين ولأنه لو جرى مجرى

وإن تلف بعض المبيع فله أخذ الباقي بحصته من الثمن وقال ابن حامد إن كان تلفه بفعل الله تعالى فليس له أخذه إلا بجميع الثمن

الشقص الواحد لوجب إذا كانا شريكين فترك أحدهما شفعته أن يكون للآخر أخذ الكل والأمر بخلافه (مسألة) (وإن باع شقفصا وسيفاً فللشفيع أخذ الشقص بحصته من الثمن ويحتمل أن لا يجوز) إذا باع شقصا مشفوا ومعه مالاً شفعة فيه كالسيف والثوب في عقد واحد ثبتت الشفعة في الشقص بحصته من الثمن دون ما معه فيقوم كل واحد منهما ويقسم الثمن على قدر قيمتهما فما يخص الشقص بأخذ به الشفيع وبه قال أبو حنيفة والشافعي، ويحتمل أن لا يجب لئلا تتبعض شفعة المشتري وفي ذلك إضرار به أشبه مالو أراد أخذ بعض الشقص وقال مالك تثبت الشفعة فيهما لذلك ولنا أن السيف لا شفعة فيه ولا هو تابع لما فيه الشفعة فلم يؤخذ بالشفعة كما لو أفرده والضرر اللاحق بالمشتري هو ألحقه بنفسه لجمعه في العقد بين ما تثبت فيه الشفعة وما لا تثبت ولأن في الأخذ بالكل أضراراً بالمشتري أيضاً لأنه ربما كان غرضه في ابقاء السيف له ففي أخذه منه إضرار به من غير سبب يقتضيه (مسألة) (وإن تلف بعض المبيع فله أخذ الباقي بحصته من الثمن وقال ابن حامد إن كان تلفه بفعل الله تعالى فليس له أخذه إلا بجميع الثمن) إذا تلف الشقص أو بعضه في يد المشتري فهو من ضمانه لأنه ملكه تلف في يده، فإن أراد

الشغيغ الأخذ إذا تلف بعضه أخذ الموجود بحصته من الثمن سواء كان التلف بفعل الله تعلى أو بفعل آدمي وسواء تلف بإختيار المشتري كنقضه البناء أو بغير اختياره مثل أن انهدم، ثم إن كانت الأبعاض موجودة أخذها مع العرصة بالحصة وإن كانت معدومة أخذ العوض وما بقي من البناء، وهذا ظاهر كلام أحمد في رواية ابن القاسم وهو قول الثوري والعنبري وأبي يوسف وقول للشافعي، وقال ابن حامد إن كان التلف بعفل آدمي كما ذكرنا وإن كان بفعل الله تعالى كانهدام البناء بنفسه أو حريق أو غرق فليس للشغيع أخذ الباقي إلا بكل الثمن أو يترك وهو قول أبي حنيفة وقول للشافعي لأنه متى كان النقص بفعل آدمي رجع بدله إلى المشتري فلا يتضرر ومتى كان بغير ذلك لم يرجع إليه شئ فيكون الأخذ منه إضراراً به والضرر لا يزال بالضرر. ولنا أنه تعذر على الشفيع أخذ الجميع وقدر على أخذ البعض فكان له بالحصة كما لو تلف بفعل سواء وكما لو كان له شفيع آخر، أو نقول أخذ بعض ما دخل معه في العقد فأخذه بالحصة كما لو كان معه سيف، وأما الضرر فإنما حصل بالتلف ولا صنع للشفيع فيه والذي يأخذه الشفيع يؤدي ثمنه فلا يتضرر المشتري بأخذه وإنما قلنا يأخذ الأبعاض وإن كانت منفصلة لأن استحقاقه كان حال عقد البيع وفي تلك الحال كان متصلاً اتصالاً ليس مآله إلى الانفصال وانفصاله بعد ذلك لا يسقط حق الشفعة، ويفارق الثمرة غير المؤبرة إذا أبرت فإن مآلها إلى الإنفصال والظهور فإذا ظهر فقد انفصلت فلم تدخل في الشفعة، وإن نقصت القيمة مع بقاء صورة المبيع مثل إن أنشق الحائط واستهدم

ولا شفعة بشركة الوقف في أحد الوجهين

البناء وشعث الشجر وبارت الأرض فليس له إلا أن يأخذ بجميع الثمن أو يترك لأن هذه المعاني لا يقابلها الثمن بخلاف الأعيان، ولهذا لو بنى المشتري أعطاه الشفيع قيمة بنائه، ولو زاد المبيع زيادة متصلة دخلت في الشفعة. (فصل) (الشرط الخامس أن يكون للشفيع ملك سابق) لأن الشفعة إنما ثبتت للشريك لدفع الضرر عنه وإذا لم يكن له ملك سابق فلا ضرر عليه فلا تثبت له الشفعة (مسألة) (فإن اشترى إثنان دارا صفقة واحدة فلا شفعة لأحدهما على صاحبه) لأنه لا مزية لأحدهما على صاحبه لتساويهما. (مسألة) (فإن ادعى كل واحد منهما السبق فتحالفا أو تعارضت بينتا هما فلا شفعة لهما) إذا كانت دار بين رجلين فادعى كل واحد منهما على صاحبه أنه يستحق ما في يده بالشفعة سئلا متى ملكتماها؟ فإن قالا ملكناها دفعة واحدة فلا شفعة لأحدهما على الآخر لأن الشفعة إنما ثبتت بملك سابق في ملك متجدد بعده وإن قال كل واحد منهما ملكي سابق ولأحدهما بينة بما ادعاه قضي له وإن كان لكل واحدم منهما بينة قدم أسبقهما تاريخاً فإن شهدت بينة كل واحد منهما بسبق ملكه وتجدد ملك صاحبه تعارضتا، وإن لم يكن لواحد منهما بينة سمعنا دعوى السابق وسألنا خصمه فإن أنكر فالقول

قوله مع يمينه فإن حلف سقطت دعوى الأول ثم نسمع دعوى الثاني على الأول فإن أنكر وحلف سقطت دعواهما جميعاً وإن ادعى الأول فنكل الثاني عن اليمين قضينا عليه ولم نسمع دعواه لأن خصمه قد استحق ملكه وإن حلف الثاني ونكل الأول قضينا عليه (مسألة) (ولا شفعة بشركة الوقف في أحد الوجهين) ذكره القاضيان ابن أبي موسى وأبو يعلى وهو ظاهر مذهب الشافعي لأنه لا يؤخذ بالشفعة فلا تجب به كالمجاور وما لا ينقسم ولأننا إن قلنا هو غير مملوك فالموقوف عليه غير مالك وإن قلنا هو مملوك فملكه غير تام لأنه لا يبيح إباحة التصرف في الرقبة فلا يملك به ملكاً تاماً، وقال أبو الخطاب إن قلنا هو مملوك وجبت به الشفعة لأنه مملوك بيع في شركته شقص فوجبت به الشفعة كالطلق ولأن الضرر يندفع عنه بالشفعة فوجبت فيه كوجوبها في الطلق وإنما لم يستحق بالشفعة لأن الأخذ بها بيع وهو مما لا يجوز بيعه (فصل) وإن تصرف المشتري في المبيع قبل الطلب بوقف أو هبة سقطت الشفعة نص عليه في رواية علي بن سعيد وبكر بن محمد وحكي ذلك عن الماسرجسي في الوقف لأن الشفعة إنما تثبت في المملوك وقد خرج بهذا عن كونه مملوكاً قال ابن أبي موسى من اشترى داراً فجعلها مسجداً فقد استهلكها

وإن باع فله الأخذ بأي البيعين شاء فإن أخذ بالأول رجع الثاني على الأول

ولا شفعة فيها ولأن في الشفعة ههنا إضراراً بالموهوب له والموقوف عليه لأن ملكه يزول عنه بغير عوض ويزال الضرر بالضرر بخلاف البيع فإنه إذا فسخ البيع الثاني رجع المشتري الثاني بالثمن الذي أخذ منه فلا يلحقه ضرر، ولأن ثبوت الشفعة ههنا يوجب رد العوض إلى غير المالك وسلبه عن المالك وفي ذلك ضرر فيكون منفياً، وقال أبو بكر للشفيع فسخ ذلك وأخذه بالثمن الذي وقع به البيع وهذا قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي لأن الشفيع يملك فسخ البيع الثاني والثالث مع إمكان الأخذ بهما فلأن يملك فسخ عقد لا يمكنه الأخذ به أولى، ولأن حق الشفيع أسبق وجنبته أقوى فلم يملك المشتري تصرفا يبطل حقه ولا يمتنع أن يبطل الوقف لأجل حق الغير كما لو وقف المريض أملاكه وعليه دين فإنه إذا مات رد الوقف إلى الغرماء والورثة فيما زاد على ثلثه بل لهم إبطال العتق والوقف أولى، فإذا قلنا بثبوت الشفعة أخذ الشفيع الشقص ممن هو في يده ويفسخ عقده ويدفع الثمن إلى المشتري وحكي عن مالك أنه يكون للموهوب له لأنه يأخذ ملكه. ولنا أن الشفيع يبطل الهبة ويأخذ الشقص بحكم العقد الأول ولو لم يكن وهب كان الثمن له فكذلك بعد الهبة المفسوخة (مسألة) (وإن باع فله الأخذ بأي البيعين شاء فإن أخذ بالأول رجع الثاني على الأول) إذا تصرف المشتري في المبيع قبل أخذ الشفيع أو قبل علمه صح تصرفه لأنه ملكه وصح قبضه

وإن فسخ العقد بعيب أو إقالة أو تحالف فللشفيع أخذه ويأخذه في التحالف بما حلف عليه البائع

له ولم يبق إلا أن الشفيع ملك أن يتملكه عليه وذلك لا يمنع من تصرفه كما لو كان أحد العوضين في البيع معيناً لم يمنع التصرف في الآخر، والموهوب له يجوز له التصرف في الهبة وإن كان الواصب ممن له الرجوع فيه مفتى تصرف فيه تصرفاً تجب به الشفعة كالبيع فللشفيع الخيار إن شاء فسخ البيع الثاني وأخذه بالبيع الأول بثمنه لأن الشفعة وجبت له قبل تصرف المشتري وإن شاء أمضى تصرفه وأخذ بالشفعة من المشتري الثاني لأنه شفيع في العقدين فكان له الأخذ بأيهما شاء، وإن تبايع ذلك ثلاثة فله أن يأخذ بالبيع الأول وينفسخ العقدان الآخران وله أن يأخذه بالثاني وينفسخ الثالث وحده وله ان يأخذه بالثلث ولا ينفسخ شئ من العقود، فإذا أخذه من الثالث دفع إليه الثمن الذي اشترى به ورجع الثالث عليه بما أعطاه لأنه قد انفسخ عقده وأخذ الشقص منه فرجع بثمنه على الثاني لأنه أخذه منه وإن أخذ بالبيع الأول دفع إلى المشتري الأول الثمن الذي اشترى به وانفسخ عقد الآخرين ورجع الثالث على الثاني بما أعطاه والثاني على الأول بما أعطاه، فإن كان الأول اشتراه بعشرة ثم اشتراه الثاني بعشرين ثم اشتراه الثالث بثلاثين فأخذه بالبيع الأول دفع إلى الأول عشرة وأخذ الأول من الثاني عشرين وأخذ الثالث من الثاني ثلاثين لأن الشقص إنما يؤخذ من الثالث لكونه في يده وقد انفسخ عقده فيرجع بثمنه الذي ورثه ولا نعلم في هذا خلافا، وبه يقول مالك والشافعي والعنبري وأصحاب الرأي وما كان في معنى البيع مما تجب به الشفعة فهو كالبيع على ما ذكرنا وإن كان مما لا تجب به الشفعة فو كالهبة والوقف على ما ذكرنا من الخلاف فيه والله أعلم

(مسألة) (وإن فسخ العقد بعيب أو إقالة أو تحالف فللشفيع أخذه ويأخذه في التحالف بما حلف عليه البائع) إذا رد المشتري الشقص بعيب أو قايل البائع فللشفيع فسخ الإقالة والرد والأخذ بالشفعة لأن حقه سابق عليهما ولا يمكنه الأخذ معهما فان تحالفها على الثمن وفسخا البيع فللشفيع أن يأخذ الشقص بما حلف على البائع لأن البائع مقر بالبيع الثمن الذي حلف عليه ومقر للشفيع بإستحقاق الشفعة بذلك فإذا بطل حق المشتري بإنكاره لم يبطل حق الشفيع بذلك وله أن يبطل فسخهما ويأخذه لأن حقه أسبق (فصل) وإن اشترى شقصاً بعبد ثم وجد بائع الشقص بالعبد عيباً فله رد العبد وإسترجاع الشقص ويقدم على حق الشفيع لأن في تقديم حق الشفيع إضراراً بالبائع بإسقاط حقه من الفسخ الذي استحقه والشفعة ثبتت لإزالة الضرر فلا تثبت على وجه يحصل به الضرر فإن الضرر لا يزال بالضرر وقال أصحاب الشافعي يقدم حق الشفيع في أحد الوجهين لأن حقه أسبق فوجب تقديمه كما لو وجد المشتري بالشقص عيباً فرده ولنا أن في الشفعة إبطال حق البائع وحقه أسبق لأنه استند إلى وجود العيب وهو موجود حال البيع والشفعة ثبتت بالبيع فكان حق البائع سابقاً وفي الشفعة إبطاله فلم تثبت، وينارق ما إذا كان

الشقص معيباً فإن حق المشتري إنما هو في استرجاع الثمن قد تحصل له من الشفيع فلا فائدة في الرد وفي مسئلتنا حق البائع في استرجاع الشقص ولا يحتمل ذلك مع الأخذ بالشعفة فافترقا، فإن لم يرد البائع العبد المعيب حتى أخذ الشفيع كان له رد العبد ولم يملك استرجاع المبيع لان الشفيع ملكب بالأخذ فلم يملك البائع إبطال ملكه كما لو باعه المشتري لاجني فإن الشفعة بيع في الحقيقة ولكن يرجع بقيمة الشقص لأنه بمنزلة التالف والمشتري قد أخذ من الشفيع قيمة العبد فهل يتراجعان؟ فيه وجهان (أحدهما) لا يتراجعان لأن الشفيع أخذ بالثمن الذي وقع عليه العقد وهو قيمة العبد صحيحا لاعيب فيه بدليل أن البائع إذا علم بالعيب ملك رده ويحتمل أن يأخذه بقيمته معيباً لأنه إنما أعطى عبداً معيباً فلا يأخذ قيمة غير ما أعطي (والثاني) يتراجعان لأن الشفيع إنما يأخذ بالثمن الذي استقر عليه العقد والذي استقر عليه العقد قيمة الشقص فإذا قلنا يتراجعان فأيهما كان ما دفعه أكثر رجع بالفضل على صاحبه، وإن لم يرد البائع العبدو لكن أخذ أرشه لم يرجع المشتري على الشفيع بشئ لأنه إنما دفع إليه قيمة العبد غير معيب وإن أدى قيمته معيباً رجع المشتري عليه بما أدى من أرشه وإن عفا عنه ولم يأخذ أرشاً لم يرجع الشفيع عليه بشئ لأن البيع لازم من جهة المشتري لا يملك فسخه فاشبه مالو حط عنه بعض الثمن بعد لزوم العقد، وإن عاد الشقص إلى المشتري ببيع أو هبة أو إرث أو غيره فليس للشفيع أخذه بالبيع الأول لأن ملك المشتري زال عنه وإنقطع حقه منه وإنتقل حقه إلى

القيمة فإذا أخذها لم يبق له حق بخلاف مالو غصب شيئاً لم يقدر على رده فأدى قيمته ثم قدر عليه فإنه يرده لأن ملك المغصوب منه لم يزل عنه (فصل) ولو كان ثمن الشقص مكيلا أو موزونا فتلف قبل قبضه بطل البيع وبطلت الشفعة لأنه تعذر التسليم فتعذر إمضاء العقد فلم تثبت الشفعة كما لو فسخ البيع في مدة الخيار بخلاف الإقالة والرد بالعيب وإن كان الشفيع قد أخذ الشقص فهو كما لو أخذه في المسألة التي قبلها لان لمشتري النقص التصرف فيه قبل نقبيض ثمنه فأشبه مالو أشتراه منه أجنبي (فصل) فإن اشترى شقصا بعبد أو ثمن معين فخرج مستحقاً فالبيع باطل ولا شفعة فيه لأنها إنما تثبت في عقد ينقل الملك إلى المشتري وهو العقد الصحيح فأما الباطل فوجوده كعدمه فإن كان الشفيع قد أخذ بالشفعة لزمه رد ما أخذ على البائع ولا يثبت ذلك إلا ببينة أو اقرارا من الشفيع والمتبايعين وإن أقر المتبايعان وأنكر الشفيع لم يقبل قولهما عليه وله الأخذ بالشفعة ويرد العبد إلى صاحبه ويرجع البائع على المشتري بقيمة الشقص وإن أقر الشفيع أو المشتري دون البائع لم تثبت الشفعة ويجب على المشتري رد قيمة العبد على صاحبه ويبقى الشقص معه يزعم أنه للبائع والبائع ينكره ويدعي عليه وجوب رد العبد والمشتري ينكره فيشتري الشقص منه ويتبار آن، وإن أقر الشفيع والبائع وأنكر المشتري وجب على البائع رد العبد لعى صاحبه ولم تثبت الشفعة ولم يملك البائع مطالبة المشتري بشئ لأن البيع صحيح في الظاهر وقد أدى ثمنه الذي هو ملكه في الظاهر، ان أقر الشفيع وحده

وإن أجره المشتري أخذه الشفيع وله الأجرة من يوم أخذه

لم تثبت الشفعة ولا يثبت شئ من أحكام البطلان في حق المتبايعين، فأما إن اشترى الشقص بثمن في في الذمة ثم نقد الثمن فبان مستحقاً كانت الشفعة واجبة لأن البيع صحيح، فإن تعذر قبض الثمن من المشتري لإعسار أو غيره فللبائع فسخ البيع ويقدم حق الشفيع لأن بالأخذ بها يحصل للمشتري ما يؤديه ثمناً فتزول عسرته ويحصل الجمع بين الحقين فكان أولى (فصل) واذا وجبت الشفعة وقضى القاضي بها والشقص في يد البائع ودفع الثمن إلى المشتري فقال البائع للثفيع أقلني فأقاله لم تصح الإقالة لأنها تصح بين المتبايعين وليس بين الشفيع والبائع بيع وإنما هو مشتر من المشتري فإن باعه إياه صح لأن العقار يجوز التصرف فيه قبل قبضه (مسألة) (وإن أجره المشتري أخذه الشفيع وله الأجرة من يوم أخذه) لأنه صار ملكه بأخذه. (مسألة) (وإن استغله المشتري فالغلة له) لانها نماء ملكه (مسألة) (وإن أخذه الشفيع وفيه زرع أو ثمرة ظاهرة فهي للمشتري مبقاة إلى الحصاد والجذاذ) إذا زرع المشتري الأرض فللشفيع الأخذ بالشفعة ويبقى زرع المشتري إلى الحصاد لأن ضرره لا يتباقي ولا أجرة عليه لانه زرعه في ملكه ولأن الشفيع إشترى الأرض وفيها زرع للبائع فكان له مبقى إلى الحصاد بلا أجرة كغير المشفوع وإن كان في الشجر ثمر ظاهر أثمر في ملك المشتري فهو له مبقى إلى الجذاذ كالزرع

وإن قاسم المشتري وكيل الشفيع أو قاسم الشفيع لكونه أظهر له زيادة في الثمن أو نحوه وغرس أو بنى فللشفيع أن يدفع إليه قيمة الغراس والبناء ويمكله أو يقلعه ويضمن النقص فإن اختار الشفيع أخذه واختار المشتري قلعه فله ذلك إذا لم يكن فيه ضرر

(فصل) وإذا نمى المبيع في يد المشتري لم يخل من حالين أحدهما) أن يكون نماء منتصلا كالشجر إذا كبر أو ثمرة غير ظاهرة فأن الشفيع يأخذه بزيادته لأنها زيادة غير متميزة فتبعت الأصل كما لو رد بعيب أو خيار أو إقالة، فإن قيل فلم لا يرجع الزوج في نصفه زائداً إذا طلق قبل الدخول؟ قلنا لأن الزوج يقدر على الرجوع بالسيمة إذا فاته الرجوع في العين وفي مسئلتنا إذا لم يرجع في الشقص سقط حقه من الشفعة فلم يسقط حقه من الأصل لأجل ما حدث من البائع وإذا أخذ الأصل تبعه نماؤه المتصل كما ذكرنا في الفسوخ كلها (الحال الثاني) أن تكون الزيادة مننفصلة كالغلة والأجرة والطلع المؤبرو الثمرة الظاهرة فهي للمشتري لأنها حدثت في ملكه وتكون مبقاة في رءوس النخل إلى الجذاذ لأن أخذ الشفيع من يشتري شراء ثان فيكون حكمه حكم مالو اشترى برضاه وإن اشتراه وفيه طلع غيره مؤبر فأبرأ ثم أخذه الشفيع أخذ الأصل دون الثمرة ويأخذ الأرض والنخيل بحصتهما من الثمن كما لو كما لو كان المبيع شقصا (مسألة) وإن قاسم المشتري وكيل الشفيع أو قاسم الشفيع لكونه أظهر له زيادة في الثمن أو نحوه وغرس أو بنى فللشفيع أن يدفع إليه قيمة الغراس والبناء ويملكه أو يقلعه ويضمن النقص فإن اختار الشفيع أخذه واختار المشتري قلعه فله ذلك إذا لم يكن فيه ضرر بالقلع) وجملة ذلك أنه يتصور بناء المشتري وغرسه في الشقص المشفوع على وجه مباح في مسائل (منها)

أن يظهر المشتري أنه اشتراه بأكثر من ثمنه أو أنه وهب له أو غير ذلك مما يمنع الشفيع من الأخذ بها فيتركها ويقاسمه ثم يبني المشتري ويغرس فيه (ومنها) أن يكون غائبا فيقاسمه وكيله أو صغيراً فيقاسمه وليه أو نحو ذلك ثم يقدم الغائب أو يبلغ الصبي فيأخذ بالشفعة، وكذلك إن كان غائباً أو صغيراً فطالب المشتري الحاكم بالقسمة فقاسم ثم قدم الغائب وبلغ الصبي فيأخذ بالشفعة بعد غرس المشتري وبنائه فإن للمشتري قلع غرسه وبنائه إن اختار ذلك لأنه ملكه فإذا قلعه فلليس عليه تسوية الحفر ولا نقص الأرض ذكره القاضي وهو قول الشافعي لأنه غرس وبنى في ملكه وما حدث من النقص إنما حدث في ملكه وذلك مما لا يقابله ثمن، وظاهر كلام الخرقي أن عليه ضمان النقص الحاصل بالقلع لأنه اشترط في قلع الغرس والبناء عدم الضرر وذلك لأنه نقص دخل على ملك غيره لأجل تخليص ملكه فلزمه ضمانة كما لو كسر مجبرء غيره لا خراج ديناره منها، قولهم أن النقص حصل في ملكه ليس كذلك فإن النقص الحاصل بالقلع إنما حصل في ملك الشفيع فأما نقص الأرض الحاصل بالغرس والبناء فلا يضمنه لما ذكروه، فإن لم يختر المشتري القلع فللشفيع الخيار بين ثلاثة أشياء: ترك الشفعة وبين دفع قيمة الغراس والبناء فيملكه مع الأرض وبين قلع الغراس والبناء وبضمن له ما نقص بالقلع. وبهذا قال الشعبي والاوزاعي وابن أبي ليلى ومالك والليث والشافعي والبتي وسوار واسحاق، وقال حماد بن أبي سليمان والثوري وأصحاب الرأي يكلف المشتري القلع ولا شئ له لأنه بنى فيما استحق عليه أخذه فأشبه الغاصب ولأنه بنى في حق غيره بغير إذنه فأشبه مالو كانت مستحقة

فإن باع الشفيع ملكه قبل العلم لم تسقط شفعته في أحد الوجهين وللمشتري الشفعة فيما باعه في أصح الوجهين

ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (لا ضرر ولا إضرار) ولا يزول الضرر عنهما إلا بذلك ولأنه بنى في ملكه الذي ملك بيعه فلم يكلف قلعه مع الإضرار كما لو لم يكن مشفوعاً، وفارق ما قاسوا عليه فإنه بنى في غير ملكه، ولأنه عرق ظالم وليس لعرق ظالم حق. إذا ثبت هذا فإنه لا يمكن إيجاب قيمته مستحقاً للبقاء في الأرض لأنه لا يستحق ذلك، ولا قيمته مقلوعاً لأنه لو وجبت قيمته مقلوعا لوجب قلعة ولم يضمن شيئاً ولأنه قد يكون مما لا قيمة له إذا قلعه، ولم يذكر أضحابنا كيفية وجوب القيمة فالظاهر أن الأرض تقوم مغروسة مبنية ثم تقوم خالية منها فيكون ما بينهما قيمة الغرس والبناء فيدفعه الشفيع إلى المشتري إن أحب أو ما نقص مننه إن اختار القلع لأن ذلك هو الذي زاد بالغرس والبناء، ويحتمل أن يقوم والبناء مستحق للترك بالأجرة أو لأخذه بالقيمة إذا امتنعا من قلعة، فإن كان للغرس وقت يقلع فيه فيكون له قيمة وإن قلع قبله لم يكن له قيمة أو تكون قيمته قليلة فاختار الشفيع قلعه قبل وقته فله ذلك لأنه يضمن النقص فينجبر به ضرر المشتري سواء كثر النقص أو قل ويعود ضرر كثرة النقص على الشفيع وقد رضي بتحمله، وإن غرس أو بنى مع الشفيع أو وكيله في المشاع ثم أخذه الشفيع فالحكم في أخذ نصيبه من ذلك كالحكم في أخذ جميعه بعد المقاسمة (مسألة) (فإن باع الشفيع ملكه قبل العلم لم تسقط شفعته في أحد الوجهين وللمشتري الشفعة فيما باعه الشفيع في أصح الوجهين)

وجملة ذلك أن الشفيع إذا باع ملكه عالماً بالحال سقطت شفعته لأنه لم يبق له ملك يستحق به، ولانه الشفعة تثبت لإزالة الضرر الحاصل بالشركة، وقد زال ذلك بييعه، وإن باع بعضه ففيه وجهان (أحدهما) تسقط أيضاً لأنها استحقت بجميعه، وإذا باع بعضه سقط ما تعلق بذلك من الشفعة فسقط باقيها لأنها لا تتبعض فيسقط جميعها بسقوط بعضها كالرق والنكاح وكما لو عفا عن بعضها (والثاني) لا تسقط لأنه قد بقي من نصيبه ما يستحق به الشفعة في جميع المبيع لو انفرد، وفكذلك إذا بقي، وللمشتري الأول الشفعة على الثاني في المسألة الأولى، وفي الثانية إذا قلنا بسقوط شفعة البائع الأول لأنه شريك في المبيع، وإن قلنا لا تسقط شفعة البائع فله أخذ الشقص من المشتري الأول، وهل للمشتري الأول شفعة على المشتري الثاني؟ فيه وجهان (أحدهما) له الشفعة لأنه شريك فإن الملك ثابت له يملك التصرف فيه بجميع التصرفات ويستحق نماء وفوائده، واستحقاق الشفعة به من فوائده (والثاني) لا شفعة له لأن ملكه يؤخذ بها فلا تؤخد الشفعة به ولان ملكه متزلزل ضعيف فلا يستحق الشفعة به لضعفه، قاغل شيخنا والأول أقيس فإن استحقاق أخذه منه لا يمنع أن يستحق به الشفعة كالصداق قبل الدخول والشقص الموهوب للولي. فعلى هذا للمشتري الأول الشفعة على المشتري الثاني سواء أخذ منه المبيع بالشفعة أو لم يؤخذ، وللبائع الثاني إذا باع بعض الشقص الأخذ من المشتري الأول في أحد الوجهين، فأما إن باع الشفيع ملكه قبل علمه بالبيع الأول فقال القاضي تسقط شفعته

وإن ماتت بطلت شفعته إلا أن يموت بعد طلبها فتكون لوارثه

أيضاً لما ذكرناه وهو مذهب الشافعي ولأنه زال السبب الذي يستحق به الشفعة وهو الملك الذي يخاف الضرر بسببه فصار كمن اشترى معيباً لا يعلم عيبه حتى زال أو حتى باعه. فعلى هذا حكمه حكم مالو باع مع علمه سواء فيما إذا باع جميعه أو بعضه، وقال أبو الخطاب لا تسقط شفعته لأنها ثبتت له ولم يوجد منه رضي بتركها ولا ما يدل على إسقاطها والأصل بقاؤها بخلاف ما إذا علم فإن بيعه دليل على رضاه بتركها. فعلى هذا للبائع الثاني أخذ الشقص من المشتري الأول فإن عفا عنه فللمشتري الأول أخذ الشقص من المشتري الثاني، وإن أخذ منه فهل للمشتري الأول الأخذ من الثاني؟ على وجهين (أولاهما أن له الأخذ لأن ملكه كان ثابتاً حال البيع ولم يوجد منه ما يمنع ذلك (مسألة) (وإن مات بطلت شفعته إلا أن يموت بعد طلبها فتكون لوارثه) وجملة ذلك أن الشفيع إذا مات قبل الأخذ بالشفعة فإن كان قبل الطلب بها سقطت ولا تنقل إلى الورثة، قال أحمد الموت يبطل به ثلاثة أشياء الشفعة والحد إذا مات المقذوف والخيار إذا مات الذي اشترط الخيار، لم يكن للورثة هذه الثلاثة أيضاً إنما هي بالطلب فإذا لم يطلب فليس تجب إلا أن يشهد أني على حقي من كذا وكذا وإني قد طلبته فإن مات بعده كان لوارثه الطلب به، وروي سقوط الشفعة بالموت عن الحسن وابن سيرين والشعي والنخعي وبه قال الثوري واسحاق وأصحاب الرأي وقال مالك والشافعي والعنبري يورث، قال أبو الخطاب ويتخرج لنا مثل ذلك لأنه خيار ثابت لدفع الضرر عن المال فيورث كخيار الرد بالعيب

ولنا أنه حق فسخ ثبت لا لفوات جزء فلم يورث كالرجوع في الهبة ولأنه نوع خيار جعل للتمليك أشبه خيار القبول فأما خيار الرد بالعيب فانه لا ستدارك جزء فات من المبيع (فصل) فإن مات بعد طلب الشفعة انتقل حق المطالبة بالشفعة إلى الورثة قولاً واحداً ذكره أبو الخطاب، وقد ذكرنا نص أحمد عليه لأن الحق يتقرر بالطلب ولذلك لا يسقط بتأخير الحق بعده وقبله يسقط، وقال القاضي يصير الشقص ملكاً للشفيع بنفس المطالبة والأول أصح فإنه لو صار ملكاً للشفيع لم يصح العفو عن الشفعة بعد طلبها كما لا يصح العفو عنها بعد الأخذ بها. فإذا ثبت هذا فإن الحق ينتقل إلى جميع الورثة على قدر ارثهم لأنه حق مالي موروث فينتقل إلى الجميع كسائر الحقوق المالية وسواء قلنا الشفعة على قدر الأملاك أو على عدد الرؤوس لأن هذا ينتقل إليهم من موروثهم فإن ترك بعض الورثة حقه توفر الحق على باقي الورثة ولم يكن لهم إلا أن يأخذوا الكل أو يتركوا كالشفعاء إذا عفا بعضهم عن شفعته لأنا لو جوزنا أخذ بعض الشقص لتشقص المبيع وتبعضت الصفقة على المشتري وهذا ضرر في حقه (فصل) وان أشهد الشفيع على مطالبته بها للعذر ثم مات لم تبطل وللورثة المطالبة بها نص عليه أحمد لأن الإشهاد على الطلب عند العجز عنه يقوم مقامه فلم تسقط الشفعة بالموت بعده كنفس الطلب

(فصل) وإذا بيع شقص له شفيعان فعفاعنها أحدهما وطالب بها الآخر ثم مات الطالب فورثه العافي فله أخذ الشقص بها لأنه وارث لشفيع مطالب بالشفعة فملك الأخذ بها كالأجنبي وكذلك لو قذف رجل أمهما وهي ميتة فعفا أحدهما وطلب الآخر ثم مات الطالب فورثه العافي ثبت له استيفاؤه بالنيابة عن أخيه الميت إذا قلنا بوجوب الحد بقذفها (فصل) ولو مات مفلس وله شقص فباع شريكه كان لورثته الشفعة وهذا مذهب الشافعي، وقال أبو حنيفة لا شفعة لهم لأن الحق النتقل إلى الغرماء ولنا أنه بيع في شركة ما خلفه موروثهم شقص فكان لهم المطالبة بشفعته كغير المفلس، ولا نسلم أن التركة انتقلت إلى الغرماء بل هي للورثة بدليل أنها لو نمت أو زاد ثمنا لحسب على الغرماء في قضاء ديونهم، وإنما تعلق حقهم به فلم يمنع ذلك من الشفعة كما لو كان لرجل شقص مرهون فباع شريكه فإنه يستحق الشقعة به، ولو كانت للميت دار فبيع بعضها في قضاء دينه لم يكن للورثة شفعة لأن البيع يقع لهم فلا يستحقون الشفعة على أنفسهم ولو كان الورث شريكا للمورث فباع نصيب الموروث في دينه فلا شفعة أيضا لانه نصيب الموروث انتقل بموته إلى الوارث فإذا بيع فقد بيع ملكه فلا يستحق الشفعة على نفسه (فصل) ولو اشترى شقصا مشفوعاً ووصى به ثم مات فللشفيع أخذه بالشفعة لأن حقه أسبق

من حق الموصى له فإذا أخذه دفع الثمن إلى الورثة وبطلت الوصية لأن الموصى به ذهب فبطلت الوصية به كما لو تلف، ولا يستحق الموصى له بدله لأنه لم يوص له إلا بالشقص، وقد فات بأخذه، ولو وصى رجل لانسان بتقص ثم مات فبيع في شركته شقص قبل قبول الموصى له فالشفعة للورثة في الصحيح لأن الموصى به لا يصير للموصى له إلا بعد القبول ولم يوجد فيكون باقياً على ملك الورثة، ويحتمل أن يكون للموصى له إذا قلنا إن الملك ينقل إليه بمجرد الموت فإذا قبل الوصية استحق المطالبة لأننا تبينا أن الملك كان له فكان المبيع في شركته، ولا يستحق المطالبة قبل القبول لأنا لا نعلم أن الملك له قبل القبول لأنا لا نعلم أن الملك له قبل القبول وإنما يتبين ذلك بقبوله فإن قبل تبينا انه كانله وإن رد تبينا أنه كان للورثة ولا يستحق الورثة المطالبة أيضاً لذلك ويحتمل أن لهم المطالبة لأن الأصل عدم القبول وبقاء الحق لهم، ويفارق الموصى له من وجهين (أحدهما) أن الأصل عدم القبول منه (والثاني) أنه يمكنه أن يقبل ثم يطالب بخلاف الوارث فإنه لا سبيل له إلى فعل ما يعلم به ثبوت الملك له أو لغيره فإذا طالبوا ثم قبل الوصي الوصية كانت الشفعة له ويفتقر إلى الطلب منه لان الطلب الاول يتبين نه من غير المستحق، وإن قلنا بالرواية الأولى فطالب الورثة بالشفعة فلهم الأخذ بها وإذا قبل الوصي أخذ الشقص الموصى به دون الشقص المشفوع لأن الشقص الموصى به إنما انتقل إليه بعد الأخذ بشفعته فأشبه ما لو أخذ بها الموصى في حياته، وإن لم يطالبوا بالشفعة حتى قبل الموصى له فلا شفعة له لأن البيع وقع قبل ثبوت الملك له وحصول شركته وفي ثبوتها للورثة وجهان بناء على مالو باع الشفيع نصيبه قبل علمه ببيع شريكه

(فصل) ولو اشترى رجل شقصاً ثم ارتد فقتل أو مات فللشفيع أخذه بالشقعة لأنها وجبت بالشراء وانتقاله إلى المسلمين بقتله أو موته لا يمنع الشفعة كما لو مات على الإسلام فورثه ورثته أو صار ماله لبيت المال لعدم ورثته والمطالب بالشفعة وكيل بيت المال (فصل) وإذا اشترى المرتد شقصا فتصرفه موقوف فإن قتل على ردته أو مات عليها تبينا أن شراءه باطل ولا شفعة فيه وإن أسلم تبينا صحته وثبوت الشفعة فيه، وقال أبو بكر تصرفه غير صحيح في الحالين لأن ملكه يزول بردنه فإذا أسلم عاد اليه تمليكا مستأنفا، وقال الشافعي وأبو يوسف تصرفه صحيح في الحالين وتجب الشفعة فيه، ومبنى الشفعة ههنا على صحة تصرف المرتد ويذكر في غير هذا الموضع، وإن بيع شقص في شركة المرتد وكان المشتري كافراً فأخذه بالشفعة انبنى على ذلك أيضاً لأن اخذ بالشفعة شراء للشقص من المشتري فأشبه شراءه لغيره، فإن ارتد الشفيع المسلم وقتل بالردة أو مات عليها انتقل ماله إلى المسلمين، فان كان طالب بالشفعة انتقلت أيضاً إلى المسلمين ينظر فيها الإمام أو نائبه وإن قتل أو مات قبل طلبها بطلت شفعته كما لو مات على إسلامه، ولو مات الشفيع المسلم ولم يحلف وارثاً سوى بيت المال انتقل نصيبه إلى المسلمين إن مات بعد الطلب والافلا (فصل) قال رحمه الله (ويأخذ الشفيع بالثمن الذي وقع عليه العقد فإن عجز عنه أو عن بعضه سقطت شفعته) وجملة ذلك أن الشفيع يأخذ الشقص من المشتري بالثمن الذي استقر عليه العقد لما روي في

حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (هو أحق به بالثمن) رواه الجوزجاني في كتابه ولأن الشفيع إنما استحق الشقص بالبيع فكان مستحقاً له بالثمن كالمشتري فإن قيل أن الشفيع إستحق أخذه بغير رضا مالكه فينبغي أن يأخذ بقيمته كالمضطر يأخذ طعام غيره، قلنا المضطر استحق أخذه بسبب حاجة خاصة فكان المرجع في بدله إلى قيمته والشفيع استحقه لا جل البيع ولهذا لو انتقل بهبة أو ميراث لم يستحق الشفعة وإذا استحق ذلك بالبيع وجب أن يكون بالعوض الثابت بالبيع. إذا ثبت هذا فإننا نتظر في الثمن فإن كان دراهم أو دنانير أعطاه الشفيع مثله (فصل) ولا يأخذ بالشفعة من لا يقدر على الثمن لأن في أخذه بدون دفع الثمن أضراراً بالمشتري ولا يزال الضرر بالضرر، فإن أحضر رهناً أو ضميناً لم يلزم المشتري قبوله لأن عليه ضرراً في تأخير الثمن فلم يلزم المشتري ذلك كما لو أراد تأخير ثمن حال، وإن بذل عوضاً عن الثمن لم يلزمه قبوله لأنها معاوضة فلم يجبر عليها، وإذا أخذ بالشفعة لم يلزم المشتري تسليم الشقص حتى يقبض الثمن فإن كان موجوداً سلمه وإن تعذر في الحال فقال أحمد في رواية حرب ينظر الشفيع يوماً أو يومين بقدر ما يرى الحاكم فإذا كان أكثر فلا وهذا قول مالك، وقال ابن شبرمة وأصحاب الشافعي نيظر ثلاثاً لأنها آخر حد القلة فإن أحضر الثمن والافسخ عليه، وقال أبو حنيفة وأصحاب لا يأخذ بالشفعة ولا

وما يزاد في ثمن أو يحط منه في مدة الخيار يلحق به وما بعد ذلك لا يحلق به

يقتضي القاضي بها حتى يحضر الثمن لأن الشفيع يأخذ الشقص بغير احتيار المشتري فلا يستحق ذلك إلا بإحضار عوضه كتسليم المبيع ولنا أنه تملك للمبيع بعوض فلا يفف على إحضار العوض كالبيع، وأما التسليم في البيع فالتسليم في الشفعة مثله وكون الاخذ بغير اختيار المشتري يدل على قوته فلا يمنع من اعتباره في الصحة، ومتى أجلناه مدة فأحضر الثمن فيها والافسخ الحاكم الأخذ ورده إلى المشتري، وكذا لو هرب لشفيع بعد الأخذ قال شيخنا والأولى إن للمشتري الفسخ من غير حاكم لأنه فات شرط الأخذ ولأنه تعذر على البائع الوصول إلى الثمن فملك الفسخ كغير من أخذت الشفعة منه، وكما لو أفلس الشفيع والشفعة لا تقف على حكم الحاكم فلا يقف فسخ الأخذ بها على الحاكم كفسخ غيرها من البيوع وكالرد بالعيب ولأن وقف ذلك على الحاكم يفضي إلى الضرر بالمشتري لأنه قد يتعذر عليه إثبات ما يدعيه وقد يصعب عليه حضور مجلس الحاكم لبعده أو غير ذلك فلا يشرع فيها ما يفضي إلى الضرر، ولأنه لو وقف الأمر على الحاكم لم يملك الاخذ الابعد احضار الثمن لئلا يفضي إلى هذا الضرر، وإن أفلس الشفيع خير المشتري بين الفسخ وبين أن يضرب مع الغرماء بالثمن كالبائع إذا أفلس المشتري (مسألة) (وما يزاد في ثمن أو يحط منه في مدة الخيار يلحق به وما بعد ذلك لا يلحق به) قد ذكرنا أن الشفيع إنما يستحق الشقص بالثمن الذي استقر عليه العقد فلو تبايعا بقدر ثم غيراه

وإن كان مؤجلا أخذ الشفيع بالأجل إن كان مليئا وإلا أقام كفيلا مليئا وأخذه به

في زمن الخيار بزيادة أو نقص ثبت ذلك التغيير في حق الشفيع لأن حق الشفيع إنما يثبت إذا تم العقد وإنما يستحق بالثمن الذي هو ثابت حال استحقاقه ولأن زمن الخيار بمنزلة حالة العقد والتعيير يلحق بالعقد فيه لأنهما على اختيارهما فيه كما لو كانا في حال العقد، فأما إذا انقضى الخيار وانبرم العقد فزادا أو نقصا لم يلحق بالعقد لأن الزيادة بعده هبة تعتبر لها شروط الهبة والنقص إبراء مبتدأ، ولا يثبت ذلك في حق الشفيع وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة يثبت النقص في حق الشفيع دون الزيادة وإن كانا عنده ملحقان بالعقد لأن الزيادة تضر بالشفيع فلم يملكاها بخلاف النقص، وقال مالك إن بقي ما يكون ثمناً أخذ به وإن حظ الأكثر أخذه بجميع الثمن الأول. ولنا أن ذلك يعتبر بعد استقرار العبد فلم يثبت في حق الشفيع كالزيادة ولأن الشفيع استحق الأخذ بالثمن الأول قبل التغيير فلم يؤثر التغيير بعد ذلك فيه كالزيادة وما ذكروه من العذدر لا يصح لأن ذلك لو لحق العقد لزم الشفيع وإن أضر به كالزيادة في مدة الخيار ولأنه حط بعد لزوم العقد فأشبه حط الجميع أو الأكثر عند مالك (مسألة) (وإن كان مؤجلا أخذه الشفيع بالأجل إن كان مليئاً وإلا أقام كفيلا مليئاً وأخذه به) وبهذا قال مالك وعبد الملك وإسحاق، وقال الثوري لا يأخذها إلا بالنقد حالا، وقال أبو حنيفة لا يأخذ إلا بثمن حال أو ينتظر مضي الأجل ثم يأخذ، وعن الشافعي كمذهبنا ومذهب أبي حنيفة

وإن اختلفا في قدر الثمن فالقول قول المشتري إلا أن تكون للشفيع بينة

لأنه لا يمكنه أخذه بالمؤجل لأنه يقضي إلى أن يلزم المشتري قبول ذمة الشفيع والذمم لا تتماثل وإنما يأخذ بمثله ولا يلزمه أن يأخذ بمثله حالا لئلا يلزمه أكثر مما يلزم المشتري ولا بسلعة بمثل الثمن إلى الأجل لأنه انما يأخذه بمثل الثمن أو القيمة والسلعة ليست واحداً منهما فلم يبق إلا التخيير ولنا أن الشفيع تابع للمشتري في قدر الثمن وصفته والتأجيل من صفاته ولأن في الحلول زيادة على التأجيل فلم يلزم الشفيع كزيادة القدر، وما ذكروه من اختلاف الذمم فأنا لا نوجبها حتى توجد الملاءة في الشفيع أو في الضامن بحيث ينحفظ المال فلا يضر اختلافهما فيها وراء ذلك، كما لو اشترى الشقص بسلعة وجبت قيمتها ولا يضر اختلافهما، ومتى أخذه الشفيع بالأجل فمات الشفيع أو المشتري وقننا يحل الدين بالموت حل الدين على الميت منهما دون صاحبه لأن سبب حلوله الموت فاختص بمن وجد في حقه (مسألة) (وإن كان الثمن عرضاً أعطاه مثله إن كان ذا مثل وإلا أعطاه قيمته) أما إذا كان من المثليات كالحبوب والأدهان فهو كالأثمان قياساً عليها فيعطيه الشفيع مثلها مثلها هكذا ذكره أصحابنا وهو قول أصحاب الرأي وأصحاب الشافعي لأن هذا مثل من طريق الصورة والقيمة فكان أولى من الممائل في إحداهما ولأن الواجب بذل الثمن فكان مثله كبدل العرض والمتلف وإن كان

مما لا مثل له كالثياب والحيوان فإن الشفيع يستحق الشقس بقيمة الثمن وهذا قول: أكثر أهل العلم وبه يقول أصحاب الرأي والشافعي وحكي عن الحسن وسوار أن الشفعة لا تجب ههنا لأنها تجب بمثل الثمن وهذا لا مثل له فتعذر الأخذ فلم يجب كما لو جهل الثمن ولنا أنه أحد نوعي الثمن فجاز أن تثبت به الشفعة في المبيع كالمثلى وما ذكروه لا يصح لان الثمل يكون من طريق الصورة ومن طريق القيمة كبدل المتلف (فصل) وإن كان الثمن تجب قيمته فإنها تعتبر وقت البيع لأنه وقت الاستحقاق والاعتبار بعد ذلك بالزايدة والنقص في القيمة، وإن كان فيه خيار اعتبرت القيمة حين انقضاء الخيار واستقرار العقد لأنه حين استحقاق الشفعة وبه قال الشافعي، وحكي عن مالك أنه يأخذه بقيمته يوم المحاكمة وليس بصحيح لأن وقت الإستحقاق وقت العقد وما زاد بعد ذلك حصل في ملك البائع فلا يكون للمشتري وما نقص فمن مال البائع فلا ينقص حق المشتري (مسألة) (وإن اختلفا في قدر الثمن فالقول قول المشتري إلا أن تكون للشفيع بينة) اذ اختلف الشفيع والمشتري في الثمن فقال المشتري اشتريته بمائة فقال الشفيع بل بخمسين فاقول قول المشتري لأنه العاقد فهو أعرف بالثمن ولأن الشقص ملكه فلا ينزع عنه بالدعوى بغير بينة وبهذا قال الشافعي، قان قيل فهلا قلتم القول قول الشفيع لأنه غارم ومنكر للزيادة فهو كالغاصب

وإن قال المشتري اشتريته بألف وأقام البائع بينة أنه باعه فللشفيع بألفين أخذه بألف فإن قال المشتري غلطت فهل يقبل قوله مع يمينه على وجهين

والمتلف والضامن نصيب شريكه إذا أعتق؟ قلنا الشفيع ليس بغارم لأنه لا شئ عليه وإنما يريد أن يملك الشقص بثمنه بخلاف الغاصب والمتلف والمعتق، فأما إن كان للشفيع بينة حكم له بها وكذلك إن كان للمشتري بينة حكم بها واستغنى عن يمينه ويثبت ذلك بشاهد ويمين وشهادة رجل وامرأتين، ولا تقبل شهادة البائع لأنه إذا شهد للشفيع كان متهماً لأنه يطلب تقليل الثمن خوفاً من الدرك عليه، فإن أقام كل واحد منهما بينة احتمل تعارضهما لأنهما يتنازعان فيما وقع عليه العقد فيصيران كمن لابينة لهما، وذكر الشريف أن بينة الشفيع تقدم لأنها خارجة ويقتضيه قول الخرقي لأن بينة الخارج عنده تقدم على بينة الداخل والشفيع خارج وهو قول أبي حنيفة وقال صاحباه تقدم بنية المشتري لأنها ترجح بقول المشتري فإنه مقدم على قول الشفيع، ويخالف الخارج والداخل لأن بينة الداخل يجوز أن تكون مستندة إلى يده وفي مسئلتنا البينة تشهد على نفس العقد كشهادة بينة الشفيع ولنا أنهما بينتان تعارضتا فقدمت بينة من لا يقبل قوله عند عدمها كالداخل والخارج ويحتمل أن يقرع بينهما لأنهما يتنازعان في العقد ولا يدلهما عليه فصار كالمتنازعين عينا في يد غيرهما (فصل) فإن قال المشتري لا أعلم قدر الثمن فالقول قوله لأن ما يدعيه ممكن يجوز أن يكون اشتراه جزافاً أو بثمن نسي قدره ويحلف فإذا حلف سقطت الشفعة لأنها لا تستحق بغير بدل

ولا يمكن أن يدفع إليه مالا يدعيه فإن ادعى أنك فعلت ذلك تحليلا على إسقاط الشفعة حلف على نفي ذلك (فصل) فان اشترى شقصا بعرض واختلفا في قيمته فإن كان موجوداً عرضناه على المقومين وإن تعذر إحضاره فالقول قول المشتري كما لو اختلفا في قدره فإن ادعى جهل قيمته فهو على ما ذكرنا فيما إذا ادعى جهل ثمنه وإن اختلفا في الغراس والبناء في الشقص فقال المشتري أنا أحدثته فأنكر فالقول قول المشتري لأنه ملكه والشفيع يريد تملكه عليه فكان القول قول المالك (مسألة) (وإن قال المشتري اشتريته بألف وأقام البائع بينة أنه باعه بألفين فللشفيع أخذه بألف فإن قال المشتري غلطت فهل يقبل قوله مع يمينه؟ على وجهين) وجملة ذلك أن للشفيع أن يأخذه بما قال المشتري لأن المشتري مقر له باستحقاقه بألف ويدعي أن البائع ظلمه وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة أن حكم الحاكم بألفين أخذه الشفيع بهما لأن الحاكم إذا حكم عليه بالبينة بطل قوله وثبت ما حكم به ولنا أن المشتري يقر بأن هذه البينة كاذبة وأنه ظلم بألف فلم يحكم له به وإنما حكم بها للبائع لأنه لا يكذبها فإن قال المشتري صدقت البينة وكنت أنا كاذباً أو ناسياً ففيه وجهان (أحدهما) لا يقبل رجوعه لأنه رجوع عن إقرار تعلق به حق آدمي غيره فاشبه مالو أقر له بدين (والثاني) يقبل

وإن ادعى أنك اشتريته بألف قال بل اتهبته أو ورثته فالقول قوله مع يمينه فإن نكل أو قامت للشفيع بينه فله أخذه ويقال للمشتري إما أن تقبل الثمن أو تبرئ منه

قوله وقال القاضي هو قياس المذهب عندي كما لو أخبر في المرابحة بثمن ثم قال غلطت والثمن أكثر قبل قوله مع يمينه بل ههنا أولى لأنه قد قامت البينة بكذبة وحكم الحاكم بخلاف قوله فقبل رجوعه عن الكذب، وإن لم تكن للبائع بينة فتحالفا فللشفيع أخذه بما حلف عليه البائع، فإن أراد أخذه بما حلف عليه المشتري لم يكن له ذلك لأن للبائع فسخ البيع وأخذه بما قال المشتري يمنع ذلك، ولأنه يفضي إلى إلزام العقد بما حلف عليه المشتري ولا يملك ذلك، فإن رضي المشتري بأخذه بما قال البائع جاز وملك الشفيع أخذه بالثمن الذي حلف عليه المشتري لأن حق البائع من الفسخ قد زال فإن عاد المشتري فصدق البائع وقال الثمن ألفان وكنت غالطاً فهل للشفيع أخذه بالثمن الذي حلف عليه؟ فيه وجهان كما لو قامت به بينة (فصل) ولو اشترى شقصاً له شفيعان فادعى على أحد الشفيعين أنه عفا عن الشفعة وشهد له بذلك الشفيع الآخر قبل عفوه عن شفعته لم تقبل شهادته لأنه يجر إلى نفسه نفعاً وهو توفر الشفعة عليه فإذا ردت شهادته ثم عفا عن الشفعة ثم أعاد تلك الشهادة لم تقبل لأنها ردت للتهمة فلم تقبل بعد زوالها كشهادة الفاسق إذا ردت ثم تاب وأعادها لم تقبل، ولو لم يشهد حتى عفا قبلت شهادته لعدم التهمة ويحلف المشتري مع شهادته ولو لم تكن بينة فالقول قول المنكر مع يمينه وإن كانت الدعوى على

الشفيعين معاً فحلفا ثبتت الشفعة وإن حلف أحدهما ونكل الآخر نظرنا في الحالف فإن صدق شريكه في الشفعة في أنه لم يعف لم يحتج إلى يمين وكانت الشفعة بينهما لأن الحق له فإن الشفعة تتوفر عليه إذا سقطت شفعة شريكه وإن ادعى أنه عفا فنكل قضي له بالشفعة كلها وسواء ورثا الشفعة أو كانا شريكين، فإن شهد أجنبي بعفو أحد الشفيعين واحتيج إلى يمين معه قبل عفو الآخر حلف وأخذ الكل بالشفعة وإن كان بعده حلف المشتري وسقطت الشفعةء وإن كانوا ثلاثة شفعاء فشهد اثنان منهم على الثالث بالعفو بعد عفوهما قبلت وإن شهدا قبله ردت، وإن شهدا بعد عفو أحدهماو قبل عفو الآخر ردت شهادة غير العافي وقبلت شهادة العافي وإن شهد البائع بعفو الشفيع عن شفعته بعد قبض الثمن قبلت شهادته، وإن كان قبله قبلت شهادة قبلت في أحد الوجهين لأنهما سواء عنده (والثاني) لا تقبل لأنه يحتمل أن يكون قصد ذلك ليسهل استيفاء الثمن لأن المشتري يأخذ الشقص من الشفيع فيسهل عليه وفاؤه أو يتعذر على المشتري الوفاء لفلسه فيستحق استرجاع المبيع، وإن شهد لمكاتبه بعفو شفعته أو شهد بشراء شئ لمكاتبه فيه شفعة لم تقبل لأن المكاتب عبده فلا تقبل شهادته له كمدبره ولأن ما يحصل للمكاتب ينتفع به السيد لأنه إن عجز صار له وإن لم يعجز سهل عليه وفاؤه وإن شهد على مكانبه بشئ من ذلك قبلت شهادته لأنه غير متهم فأشبه الشهادة على ولده (مسألة) (وإن ادعى أنك اشتريته بألف قال بل اتهبته أو ورثته فالقول قوله مع يمينه فإن نكل

أو قامت للشفيع بينه فله أخذه ويقال للمشتري إما أن تقبل الثمن أو تبرئ منه) وجملة ذلك أنه إذا ادعى الشفيع على بعض الشركاء أنك اشتريت نصيبك فلي أخذه بالشفعة فانه يحتاج الى تحرير دعواه فيحدد المكان الذي فيه الشقص ويذكر ققدر الشقص والثمن ويدعي الشفعة فيه فإذا ادعى سئل المدعى عليه فإن أقر لزمه وإن أنكر وقال إنما اتهبته أو ورثته فلا شفعة لك فيه فالقول قول من ينفيه كما لو ادعى عليه نصيبه من غير شفعة فإن حلف برئ وإن نكل قضي عليه وإن قال لا يستحق علي شفعة فالقول قوله مع يمينه ويكون يمينه على حسب قوله في الإنكار وإذا نكل وقضي عليه بالشفعة عرض عليه الثمن فإذا أخذه دفع إليه، وإن قال لا أستحقه ففيه ثلاثة أوجه (أحدها) يقر في يد الشفيع إلى أن يدعيه المشتري فيدفع إليه كما لو أقر له بدار فأنكرها (والثاني) يأخذه الحاكم فيحفظه لصاحبه إلى أن يدعيه، ومتى ادعاه المشتري دفع إليه (والثالث) يقال له إما أن تقبضه وإما أن تبرئ منه كسيد المكاتب إذا جاءه المكاتب بمال الكتابة فادعى أنه حرام احتاره القاضي، وهذا يفارق المكاتب لأن سيده يطالبه بالوفاء من غير هذا الذي أتاه به فلا يلزمه ذلك بمجرد دعوى سيده تحريم ما أتاه به وهذا لا يطالب الشفيع بشئ فلا ينبغي أن يكلف الإبراء مما يدعيه والوجه الأول أولى إن شاء الله تعالى

(فصل) فإن قال اشتريته لفلان وكان حاضراً استدعاه الحاكم وسأله فإن صدقه كان الشراء له والشفعة عليه، وإن قال هذا ملكي ولم أشتره انتقلت الخصومة اليه وإن كذبه حكم بالشراء لمن اشتراه وأخذه منه بالشفعة وإن كان المقر له غائباً أخذه الحاكم ودفعه إلى الشفيع وكان الغائب على حجته إذا قدم لأننا لو وقفنا الأمر في الشفعة إلى حضور المقر له كان في ذلك إسقاط الشفعة لأن كل مشتر يدعي أنه لغائب، وإن قال اشتريته لإبني الطفل أو لهذا الطفل وله عليه ولاية لم تثبت الشفعة في أحد الوجهين لأن الملك ثبت للطفل ولا تجب الشفعة باقرار الولي عليه لأنه إيجاب حق في مال صغير باقرار وليه (والثاني) تثبت لأنه يملك الشراء له فصح إقراره فيه كما يصح إقراره بعيب في مبيعه، فأما إن ادعى عليه شفعة في شقص فقال هذا لفلان الغائب أولفلان الطفل ثم أقر بشرائه له لم تثبت فيه الشفعة إلا أن تثبت ببينة أو يقدم الغائب ويبلغ الطفل فيطالبهما بها لأن الملك ثبت لهما بإقراره به وإقراره بالشراء بعد ذك اقرار في ملك غيره فلا يقبل بخلاف ما إذا أقر بالشراء ابتداء لأن الملك ثبت لهما بذلك الإقرار المثبت للشفعة فثبتا جميعاً وإن لم يذكر سبب الملك لم يسأله الحاكم عنه ولم يطالب ببيانه لأنه لو صرح بالشراء لم تثبت به شفعة فلا فائدة في الكشف عنه ومذهب الشافعي في هذا الفصل كله كمذهبنا. (فصل) وإذا كانت دار بين حاضر وغائب فادعى الحاضر على من في يده نصيب الغائب أنه اشتراه

منه وأنه يستحقه بالشفعة فصدقة فللشفيع أخذه بالشفعة لأن من في يده العين يصدق في تصرفه فيما في يده، وبهذا قال أبو حنيفة وأصحابه ولأصحاب الشافعي في ذلك وجهان (أحدهما) ليس له أخذه لأن هذا إقرار على غيره ولنا أنه أقر بما في يده فقبل اقراره كما لو أقر بأصل ملكه، وهكذا لو ادعى عليه أنك بعت نصيب الغائب بإذنه وأقر له الوكيل كان كإقرار البائع بالبيع فإذا قدم الغائب فأنكر البيع أو الإذن في البيع فالقول قوله مع يمينه وينتزع الشقص ويطالب بأجرته من شاء منهما ويستقر الضمان على الشفيع لأن المنافع تلفت تحت يده، فإن طالب الوكيل رجع عل الشفيع وإن طالب الشفيع لم يرجع على أحد وإن ادعى على الوكيل إنك اشتريت الشقص الذي في يدك فأنكر وقال إنما أنا وكيل فيه أو مستودع له فالقول قوله مع يمينه وإن كان للمدعي بينة حكم بها وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي مع أن أبا حنيفة لا يرى القضاء على الغائب لأن القضاء ههنا على الحاضر لوجوب الشفعة عليه واستحقاقه إنتزاع الشقص من يده فحصل القضاء على الغائب ضمناً، فإن لم تكن بينة وطلب الشفيع بينه ونكل الوكيل عنها احتمل أن يقضي عليه لأنه لو أقر لقضي عليه فكذلك إذا نكل واحتمل أن لا يقضي عليه لأنه قضاء على الغائب

وإن كان عوضا في الخلع والصداق والصلح عن دم العمد وقلنا: بوجوب الشفعة فيه فقال القاضي: يأخذه بقيمته

بغير بينة ولا إقرار من الشقص في يده (فصل) وإذا ادعى على رجل شفعة في شقص اشتراه فقال ليس له ملك في شركتي فعلى الشفيع إقامة البينة بالشركة وبه قال أبو حنيفة ومحمد والشافعي، وقال أبو يوسف إذا كان في يده استحق الشفعة به لأن الظاهر من اليد الملك ولنا إن الملك لا يثبت بمجرد اليد وإذا لم يثبت الملك الذي يستحق به الشفعة لم تثبت ومجرد الظاهر لا يكفي كما لو ادعى ولد أمة في يده فإن ادعى أن المدعي عليه يعلم أنه شريك فعلى المشتري اليمين أنه لا يعلم ذلك لا نها يمين على نفي فعل الغير فمكانت على العلم كاليمين على نفي دين الميت فإذا حلف سقطت دعواه وإن نكل قضى عله (فصل) إذا ادعى على شريكه أنك اشتريت نصيبك من عمرو فلي شفعته فصدقه عمرو وأنكر الشريك وقال بل ورثته من أبي فأقام المدعي بينة أنه كان ملك عمر ولم تثبت الشفعة بذلك وقال محمد تثبت ويقال له اما ان تدفعه وتأخذ الثمن وإما أن ترده إلى البائع فيأخذه الشفيع لأنهما شهدا بالملك لعمرو فكأنهما شهدا بالبيع ولنا أنهما لم يشهدا بالبيع وإقرار عمرو على المنكر بالبيع لا يقبل لأنه إقرار على غيره فلا يقبل في حقه ولا تقبل شهادته عليه وليست الشفعة من حقوق العقد فيقبل فيها قول البائع فصار بمنزلة مالو

حلف أني ما اشتريت الدار فقال من كانت الدارملكه أنا بعته إياها لم يقبل عليه في الحنث ولا يلزم إذا أقر البائع بالبيع والشقص في يده وأنكر المشتري الشراء لأن الذي في يده الدار مقربها للشفيع ولا منازع له فيها سواه وههنا من الدار في يده يدعيها لنفسه والمقر بالبيع لا شئ في يده ولا يقدر على تقسيم الشقص فافترقا (مسألة) (وإن كان عوضاً في الخلع والصداق والصلح عن دم العمد وقلنا بوجوب الشفعة فيه فقال القاضي يأخذه بقيمته) قال وهو قياس قول ابن حامد وهو قول مالك وابن شبرمة وابن أبي ليلى لأنه ملك الشقص القابل للشفعة ببدل ليس له مثل فوجب الرجوع الى قيمته في الأخذ بالشفعة كما لو باعه بسلعة لامثل لها ولا ننا لو أوجبنا مهر المثل لا فضى إلى تقويم البضع على الأجانب وأضر بالشفيع لأن المهر يتفاوت مع المسمى لتسامح الناس فيه في العادة بخلاف البيع وقال غير القاضي يأخذه بالدية ومهر المثل وحكاه الشريف أبو جعفر عن ابن حامد وهو قول العكلي والشافعي لأنه ملك الشقص ببدل ليس له مثل فيجب الرجوع إلى قيمة البدل إذا لم يكن نقداً ولا مثلياً وعوض الشقص هو البضع وقيمة البضع مهر المثل.

(فصل) قال الشيخ رحمه الله تعالى (ولا شفعة في بيع الخيار قبل انقضائه نص عليه ويحتمل أن تجب) لا تثبت الشفعة في بيع الخيار قبل انقضائه سواء كان الخيار لهما أو لأحدهما وحده أيهما كان، وقال أبو الخطاب يتخرج أن تثبت الشفعة لأن الملك انتقل فثبتت الشفعة في مدة الخيار كما بعد إنقضائه، وقال أبو حنيفة إن كان الخيار للبائع أو لهما لم تثبت الشفعة حتى يتقضي لأن في الأخذ بها اسقاط حق البائع من الفسخ وإلزام البيع في حقه بغير رضاه ولأن الشفيع إنما يأخذ من المشتري ولم ينتقل الملك إليه وإن كان الخيار للمشتري فقد انتقل الملك إليه ولا حق لغيره فيه والشفيع يملك أخذه بعد لزوم البيع واستقرار الملك فلأن يملك ذلك قبل لزومه أولى وغاية ما يقدر ثبوت الخيار له وذلك الا يمنع الأخذ بالشفعة كما لو وجد به عيبا وللشافعي قولان كالمذهبين ولنا أنه مبيع فيه الخيار فلم تثبت الشفعة كما لو كان للبائع وذلك لأن الأخذ بالشفعة يلزم المشتري بالعقد بغير رضاه ويوجب العهدة عليه ويفوت حقه من الرجوع في عين الثمن فلم يجز كما لو كان الخيار للبائع فإننا إنما منعنا من الشفعة لما فيه من إبطال خيار البائع وتفويت حق الرجوع في عين ماله وهما في نظر الشرع على السواء، وفارق الرد بالعيب فإنه إنما تثبت لا ستدارك الظلامة وذلك يزول بأخذ الشفيع فإن باع الشفيع حصته في مدة الخيار عالماً ببيع الأول سقطت شفعته وقد ذكرنا ذلك فيما مضى

(فصل) وبيع المريض كبيع الصحيح في الصحة وثبوت الشفعة وسائر الأحكام إذا باع بثمن المثل سواء كان لوارث أو غير وارث وبهذا قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة لا يصح بيع المريض مرض الموت لوارثه لأنه محجور عليه في حقه فلم يصح بيعه كالصبي ولنا أنه إنما حجر عليه في التبرع في حقه فلم يمنع الصحة فيما سواه كالأجنبي إذا لم يزد على التبرع بالثلث وذلك لأن الحجر في شئ لا يمنع صحة غيره كما أن الحجر على المرتهن في الرهن لا يمنع التصرف في غيره والحجر على المفلس في ماله لا يمنع التصرف في ذمته، فإما بيعه بالمحاباة فلا يخلو إما أن يكون لوارث أو لغيره فإن كان لوارث بطلت المحاباة لأنها في المرض بمنزلة محاباة الوصية في الوصية لوارث لا تجوز ويبطل البيع في قدر المحاباة من المبيع وهل يصح فيما عداه؟ فيه ثلاثة أوجه (أحدها) لا يصح لأن المشتري أبرأ الضامن في كل المبيع فلم يصح في بعضه كما لو قال بعتك هذا الثوب بعشرة فقال قبلت البيع في نصفه أو قال قبلته بخمسة أو قبلت نصفه بخمسة ولأنه لا يمكن تصحيح البيع على الوجه الذي تواجبا عليه فلم يصح لتفريق الصفقة (الثاني) أن يبطل البيع في قدر المحاباة ويصح فيما يقابل الثمن المسمى وللمشتري الخيار بين الأخذ والفسخ لأن الصفقة تفرقت عليه وللشفيع أخذ ما صح فيه البيع وإنما قلنا بالصحة لأن البطلان إنما جاء من المحاباة فاختص بما قابلها (الثالث) أنه يصح في الجميع ويفف على إجازة الورثة لأن الوصية للوارث صحيحة في أصح الروايتين وتقف على إجازة الورثة فكذلك

المحاباة له فإن أجازوا المحاباة صح البيع في الجميع ولا خيار للمشتري ويملك الشفيع الأخذ به لأنه يأخذ بالثمن، وإن ردوا بطل البيع في قدر المحاباة وصح فيما بقي ولا يملك الشفيع الأخذ قبل إجازة الورثة وردهم لأن حقهم متعلق بالبيع فلم يملك إبطاله وله أخذ ما صح البيع فيه فإن اختار المشتري الرد في هذه الصورة وفي التي قبلها واختار الشفيع الأخذ بالشفعة قدم الشفيع لأنه لا ضرر على المشتري وجرى مجرى المعيب إذا رضيه الشفيع بعيبه (فصل) إذا كان المشتري أجنبياً والشفيع أجنبي فن لم تزد المحاباة على الثلث صح البيع وللشفيع الأخذ بذلك الثمن لأن البيع حصل به فلا يمنع منها كون المبيع مسترخصاً فإن زادت على الثلث فالحكم فيه حكم أصل المحاباة في حق الوارث وإن كان الشفيع وارثًا ففيه وجهان (أحدهما) له الأخذ بالشفعة لأن المحاباة وقعت لغيره فلم يمنع منها تمكن الوارث من أخذها كما لو وهب غريم وارثه مالاً فأخذه الوارث (والثاني) يصح البيع ولا تجب الشفعة وهو قول أصحاب أبي حنيفة لأننا لو أثبتناها جعلنا للموروث سبيلاً إلى إثبات حق لوارثه في المحاباة، ويفارق الهبة لغريم الوارث لأن استحقاق الوارث الأخذ بدينه لامن جهة الهبة وهذا استحاقه بالبيع الحاصل من موروثه فافترقا. ولأصحاب الشافعي في هذا خمسة أوجه وجهان كهذين (والثالث) أن البيع باطل من أصله لا فضائه إلى إيصال المحاباة إلى الوارث

وإن أقر البائع بالبيع وأنكر المشتري فهل تجب الشفعة؟ على وجهين أحدهما

وهذا فاسد لأن الشفعة فرع للبيع ولا يبطل الأصل فرعه وعلى الوجه الأول ما حصلت للوارث المحاباة إنما حصلت لغيره ووصلت إليه بجبهة الأخذ من المشتري فأشبه هبة غريم الوارث (الوجه الرابع) أن للشفيع أن يأخذ بقدر ما عدا المحاباة بجميع الثمن بمنزلة هبة المقابل للمحاباة لأن المحاباة بالنصف مثلاً هبة للنصف وهذا لا يصح لأنه لو كان بمنزلة هبة النصف ما كان للشفيع الأجنبي أخذ الكل لأن الموهوب لا شفعة فيه (الخامس) أن البيع يبطل في قدر المحاباة وهو فاسد لأنها محاباة لأجنبي بما دون الثلث فلا يبطل كما لو لم يكن الشقص مشفوعاً (فصل) ويملك الشفيع الشقص بأخذه وبكل لفظ يدل على أخذه بأن يقول قد أخذته بالثمن أو تملكته بالثمن ونحو ذلك إذ كان الشقص والثمن معلومين ولا يفتقر إلى حكم حاكم وبهذا قال الشافعي، وقال القاضي وابو الخطاب يملكه بالمطالبة لأن البيع السابق سبب فإذا انضمت إليه المطالبة كان كالإيجاب في البيع إذا نضم إليه القبول، وقال أبو حنيفة لا يحصل إلا بحكم حاكم لأنه نقل للملك عن مالكه إلى غيره قهراً فاقتقر إلى حكم حاكم كأخذ دينه ولنا أنه حق ثبت بالنص والإجماع فلم يفتقر إلى حكم حاكم كالرد بالعيب وبهذا ينتقض ما ذكروه ويأخذ الزوج نصف الصداق بالطلاق قبل الدخول ولأنه مال يتملكه قهراً فملكه بالأخذ كالغنائم والمباحات، ومكله باللفظ الدال على الأخذ لأنه بيع في الحقيقة لكن الشفيع يستقل به فاستقل باللفظ الدال عليه، وقولهم يملك المطالبة بمجردها لا يصح لأنه لو ملك بها لما سقطت الشفعة بالعفو بعد

المطالبة ولوجب إذا كان له شفيعان فطلبا الشفعة ثم ترك أحدهما أن يكون للآخر أخذ قدر نصيبه ولا يملك أخذ نصيب صاحبه. إذ ثبت هذا فإنه إذا قال قد أخذت الشقص بالثمن الذي ثم عليه العقد وهو عالم بقدره وبالمبيع صح الأخذ وملك الشقص ولا خيار له ولا للمشتري لأن الشقص يؤخذ قهراً والمقهور لا خيارن له والآخذ قهراً لا خيار له أيضاً كمسترجع المبيع لعيب في ثمنه أو الثمن لعيب في الميبع وإن كان الثمن مجهولاً أو الشقص لم يملكه بذلك لأنه بيع في الحقيقة فيعتبر العلم بالعوض كسائر البيوع وله المطالبة بالشفعة ثم يتعرف مقدار الثمن من المشتري أو من غيره والمبيع فيأخذه بثمنه ويحتمل أن له الأخذ مع جهالة الشقص بناء على بيع الغائب (مسألة) (وإن أقر البائع بالبيع وأنكر المشتري فهل تجب الشفعة؟ على وجهين (أحدهما) تجب الشفعة وهو قول أبي حنيفة والمزني (والثاني) لا تجب ونصره الشريف أبو جعفر في مسائله وهو قول مالك وابن شريح لأن الشفعة فرع للبيع ولم يثبت فلا يثبت فرعه ولأن الشفيع إنما يأخذ الشقص من المشتري وإذا أنكر البيع لم يمكن الأخذ منه، ووجه الأول أن البائع أقر بحقين حق للشفيع وحق للمشتري فإذا سقط حق المشتري بإنكاره ثبت حق الشفيع كما لو أقر بدار لرجلين فأنكر أحدهما ولأنه أقر للشفيع أنه مستحق لأخذ هذه الدار والشفيع يدعي ذلك فوجب قبوله كما لو أقر أنها ملكه، فعلى هذا يقبض الشفيع من البائع ويسلم إليه الثمن ويكون درك الشفيع على البائع لأن القبض منه ولم يثبت

وعهدة الشفيع على المشتري وعهدة المشتري على البائع

الشراء في حق المشتري وليس للشفيع ولا للبائع محاكمة المشتري ليثبت البيع في حقه وتكون العهدة عليه لأن مقصود البائع الثمن وقد حصل من الشفيع ومقصود الشفيع أخذ الشقص وضمان العهدة وقد حصل من البائع فلا فائدة في المحاكمة، فان قيل أليس لو ادعى على رجل ديناً فقال آخر أنا أدفع إليك الدين الذي تدعيه ولا تخاصمه لا يلزمه قبوله فهلا قلتم ههنا كذلك؟ قلنا في الدين عليه منة في قبوله من غير غريمه وههنا بخلافه، ولأن البائع يدعي أن الثمن الذي يدفعه الشفيع حق للمشتري عوضاً عن هذا البيع فصار كالنائب عن المشتري في دفع الثمن، والبائع كالنائب عنه في دفع الشقص بخلاف الدين فلن كان البائع مقرار بقبض الثمن من المشتري بقي الثمن الذي على الشفيع لا يدعيه أحد لأن البائع يقول هو للمشتري والمشتري يقول لا أستحقه ففيه ثلاثة أوجه (أحدها) أن يقال للمشتري إما أن تقبضه وإما أن تبرئ منه (والثاني) يأخذه الحاكم عنده (والثالث) يبقى في ذمة الشفيع وفي جميع ذلك متى ادعاه البائع أو المشتري دفع إليه لأنه لأحدهما، وإن تداعياء جميعاً فأقر المشتري بالبيع وأنكر البائع أنه ما قبض منه شيئاً فهو للمشتري لأن البائع قد أقر له به ولأن البائع إذ أنكر القبض لم يكن مدعياً لهذا الثمن لأن البائع لا يستحق علي الشفيع ثمنا إنما يستحقه على المشتري وقد أقر بالقبض منه وأما المشتري فإنه يدعيه وقد أقر له باستحقاقه فوجب دفع إليه (مسألة) (وعهدة الشفيع على المشتري وعهدة المشتري على البائع)

إذا أخذ الشفيع الشقص فظهر مستحقاً فرجوعه بالثمن على المشتري ويرجع المشتري على البائع وإن وجده معيباً فله رده على المشتري أو أخذ أرشه منه والمشتري يرد على البائع أو بأخذ الأرش منه سواء قبض الشقص من المشتري أو من البائع وبه قال الشافعي، وقال ابن أبي ليلى وتبقى عهدة الشفيع على البائع لأن الحق ثبت له بإيجاب البائع فكان رجوعه عليه كالمشتري، وقال أبو حنيفة إن أخذ، من المشتري فالعهدة عليه وإن أخذه من البائع فالعهدة عليه لأن الشفيع إذا أخذه من البائع تعذر قبض المشتري فينفسخ البيع بين البائع والمشتري فكأن الشفيع أخذه من البائع مالكاً من جهته فكانت عهدته عليه ولنا أن الشفعة مستحقة بعد الشراء وحصول الملك للمشتري ثم يزول الملك من المشتري إلى الشقص بالثمن فكانت العدة عليه كما لو أخذه منه ببيع ولأنه ملكه من جهة المشتري بالثمن فملك رده عليه بالعيب كالمشتري في البيع الأول، وقياسه على المشتري في جعل عهدته على البائع لا يصح لأن المشتري ملكه من البائع بخلاف الشفيع، وأما إذا أخذه من البائع فالبائع نائب عن المشتري في التسليم المستحق عليه ولو انفسخ العقد بين المشتري والبائع بطلت الشفعة لأنها استحقت به (فصل) وحكم الشفيع في الرد بالعيب حكم المشتري من المشتري فإن علم المشتري بالعيب ولم يعلم الشفى فللشفيع رده على المشتري أو أخذ أرشه منه وليس للمشترى شئ ويحتمل أن لا يملك الشفيع

وإن أبى المشتري قبض المبيع أجبره الحاكم عليه ثم يأخذه الشفيع منه قاله القاضي

أخذ الأرش لأن الشفيع يأخذ بالثمن الذي استقر عليه العقد فإذا أخذ الارش فما أخذه بالثمن الذي استقر على المشتري وإن علم الشفيع وحده فليس لواحد منهما رد ولا أرش لأن الشفيع أخذه عالما بعيبه فلم يثبت له رد ولا أرش كالمشتري إذا علم العيب والمشتري قد استغنى عن الرد لزوال ملكه عن المبيع وحصول الثمن له من الشفيع ولم يملك الأرش لأنه استدرك ظلامته ورجع إليه جميع الثمن فأشبه ما لورده على البائع ويحتمل أن يملك أخذ الأرش لأنه بدل عن الجزء الفائت من المبيع فلم يسقط بزوال ملكه عن المبيع كما لو اشترى قفيزين فتلف أحدهما وأخذ الآخر فعلى هذا ما يأخذه من الأرش يسقط عن الشفيع من الثمن بقدره لأن الشقص يجب عليه بالثمن الذي استقر عليه العقد فأشبه مالو أخذ الأرش قبل أخذ الشفيع منه وإن علما جميعاً فليس لواحد منهما رد ولارش لأن كل واحد منهما دخل على بصيرة ورضي ببذل الثمن فيه بهذه الصفة، وإن لم يعلما فللشفيع رده على المشتري وللمشتري رده على البائع فإن لم يرلد الشفيع فلا رد للمشتري لما ذكرنا أولا، وإن أخذ الشفيع أرشه من المشتري فللمشتري أخذه من البائع وإن لم يأخذ منه فلا شئ للمشتري ويحتمل أن يملك أخذه على الوجه الذي ذكرناه فإذا آخذه فإن كان الشفيع لم يسقطه عن المشتري سقط عنه من الثمن بقدرة لأنه الثمن الذي استقر عليه البيع وسكوته لا يسقط حقه، وان أسقطه عن المشتري نوفر عليه كما لو زاده على الثمن باختياره، فأما إن اشتراه بالبراءة من كل عيب فالصحيح في المذهب أنه لا يبرأ وحكمه حكم مالو لم يشترط وفيه رواية

ولا شفعة لكافر على مسلم

أخرى أنه يبرأ إلا أن يكون البائع علم بالعيب فدلسه واشترط البراءة، فعلى هذه الرواية إن علم الشفيع باشتراط البراءة فحكمه حكم المشتري لأنه دخل على شرائه فصار كمشتريين اشترطا البراءة وإن لم يعلم ذلك فحكمه حكم مالو علمه المشتري دون الشفيع (مسألة) (وإن أبى المشتري قبض المبيع أجبره الحاكم عليه ثم يأخذه الشفيع منه قاله القاضي قال وليس له أخذه من البائع وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشافعي لأن الشفيع يشتري الشقص من المشتري فلا يأخذه من غيره، وبنوا ذلك على أن البيع لا يتم إلا بالقبض فإذا فات القبض بطل العقد وسقطت الشفعة وقال أبو الخطاب قياس المذهب أن يأخذه الشفيع من يد البائع ويكون كأخذه من المشتري وهو قول أبي حنيفة لأن العقد يلزم في بيع العقار قبل قبضه ويدخل المبيع في ملك المشتري وضمانه ويجوز له التصرف فيه بنفس العقد فصار كما لو قبضه المشتري والله أعلم (مسألة) (ولو ورث إثنان شقصاً عن أبيهما فباع أحدهما نعيبه فالشفعة بين أخيه وشريك أبيه) وبه قال أبو حنيفة والشافعي في الجديد وقال في القديم الأخ أحق بالشفعة وبه قال مالك لأن أخاه أخص بشركته من شريك أبيه لاشتراكهما في سبب المالك ولنا أنهما شريكان حال ثبوت الشفعة فكانت بينهما كما لو ملكوا كلهم بسبب واحد ولأن الشفعة ثبتت لدفع ضرر الشريك الداخل على شركائه بسنبب شركته وهو موجود في حق الكل وما ذكروه لاأصل

له ولم يثبت اعتبار الشرع له في موضع والإعتبار بالشركة لا بسببها وهكذا لو اشترى رجل نصف دار ثم اشترى إثنان نصفها الآخر أو ورثاه أو اتهباه أو وصل إليهما بسبب من أسباب الملك فباع أحدهما نصيبه، أو ورث ثلاثة دارا فباع أحدهم نصيبه من إثنين ثم باع أحد الشريكين نصيبه فالشفعة بين جميع الشركاء وكذلك لو مات رجل وخلف ابنين وأختين فباعت إحدى البنتين نصيبها أو إحدى الأختين فالشفعة بين جميع الشركاء، ولو مات رجل وترك ثلاث بنين وأرضاً فمات أحدهم عن ابنين فباع أحد العمين نصيبه فالشفعة بنى أخيه وابي أخيه، ولو خلف ابنين أو وصى بثلثه لا ثنين فباع أحد الشريكين الوصيين أو أحد الإبنين فالشفعة بين شركائه كلهم ولمخالفينا في هذه المسائل اختلاف يطول ذكره (مسألة) (ولا شفعة لكافر على مسلم) روى ذلك عن الحسن والشعبي ويقال الثوري ومالك والشافعي وأصحاب الرأي وجماعة من أهل العلم تجب له الشفعة لعموم قوله عليه السلام (لا يحل له أن يبيع حتى يستأذن شريكه وان باع ولم يؤذنه فهو أحق به) ولأنه خيار ثابت لدفع الضرر بالشراء فاستوى فيه المسلم والكافر كالرد بالعيب ولنا ما ورى الدارقطني في كتاب العلل بإسناده عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا شفعة لنصراني) وهذا يخص عموم ما احتجوا به ولأنه معنى يختص العقار فأشبه الإستعلاء في البنيان يحققه أن الشفعة إنما تثبت للمسلم دفعاً للضرر عن ملكه وقدم دفع ضرره على دفع ضرر المشتري ولا يلزم من تقديم دفع ضرر

المسلم على المسلم تقديم دفع اضرر الذمي فإن حق المسلم أرجح ورعايته أولى ولأن ثبوت الشفعة في محل الإجماع على خلاف الأصل رعاية لحق الشريك المسلم وليس الذمي في معنى المسلم فيبقى فيه على مقتضى الأصل وتثبت الشفعة للمسلم على الذمي لعموم الأدلة ولأنها إذا تثبت للمسلم على المسلم مع عظم حرمته فلان تثبت على الذمي مع دناءته أولى (فصل) وتثبت للذمي على الذمي لعموم الاخبار ولأنهما تساويا في الدين فتثبت لأحدهما على الآخر كالمسلمين ولا نعلم في هذا خلافا نبايعوا بخمر أو خنزير وأخذ الشفيع بذلك لم ينقض ما فعلوه، وإن جرى التقابض بين المتبايعين دون الشفيع وترافعوا إلينا لم نحكم له بالشفعة وبه قال الشافعي وقال أبو الخطاب إن تبايعوا بخمر وقلنا هي مال لهم حكمنا لهلهم بالشفعة وقال أبو حنيفة تثبت الشفعة إذا كان الثمن خمراً لأنها مال لهم فاشبه مالو تبايعوا بدراهم لكن إن كان الشفيع ذمياً أخذه بمثله وان كان مسلما أخذه بقيمة الخمر ولنا أنه عقد بخمر فلم تثبت فيه الشفعة كما لو كان بين مسلمين ولأنه عقد بثمن محرم أشبه البيع بالخنزير والميتة، ولا نسلم أن الخمر مال لهم فإن الله تعالى حرمه كما حرم الخنزير واعتقادهم حله لا يجعله مالا كالخنزير، وإنما لم ينتقض عقد هم إذا تقابضوا لأننا لا نتعرض لما فعواه مما يعتقدونه في دينهم ما لم يتحاكموا إلينا قبل تمامه ولو تحاكموا إلينا قبل التقابض لفسخناه. فأما أهل البدع فتثبت الشفعة لمن حكمنا بإسلامه منهم كالفاسق بالأفعال لعموم الأدلة التي ذكرناها، وروى حرب عن أحمد أنه سئل عن أصحاب البدع هل لهم شفعة؟ وذكر

وهل تجب الشفعة للمضارب على رب المال ولرب المال على المضارب فيما يشتريه من مال المضاربة؟ على وجهين

له عن ابن ادريس أنه قال ليس للرافضة شفعة فضحك، وقال أراد أن يخرجهم من الإسلام فظاهر هذا أنه أثبت لهم الشفعة، وهذا محمول على غير الغلاة منهم فأما الغلاة كالعتقد أن جبريل غلط في الرسالة فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإنما أرسل إلى علي ونحوه ومن حكم بكفره من الدعاة إلى القول بخلق القرآن فلا شفعة له لأن الشفعة إذا لم تثبت للذمي الذي يقر على كفره فغيره أولى (فصل) وتثبت الشفعة للبدوي على القروي وللقروي على البدوي في قول أكثر أهل العلم، وقال الشعبي والبتي لا شفعة لمن لم يسكن المصر وعموم الادلة واشتراكها في المعنى المقتضي لوجوب الشفعة يدل على ثبوتها لهم (فصل) قال أحمد في رواية حنبل لا نرى في أرض السواد شفعة لأن عمر رضي الله عنه وقفها على المسلمين فلا يجوز بيعها والشفعة إنما تكون في البيع وكذلك الحكم في سائر الأرض التي وقفها عمر وهي التي فتحت عنوة في زمنه ولم يقسمها كأرض الشام ومصر وكذلك كل أرض فتحت عنوة ولم تقسم بين الغانمين الا أن يحكم ببيعها حاكم أو يفعله الإمام أو نائبه فان فعل ذلك ثبتت فيه الشفعة لأنه فصل مختلف فيه ومتى حكم الحاكم في المختلف فيه بشئ نفذ حكمه (مسألة) (وهل تجب الشفعة للمضارب على رب المال ولرب المال على المضارب فيما يشتريه من مال المضاربة؟ على وجهين)

إذا بيع شقص في شركة مال المضاربة فللعامل الأخذ بها إذا كان الحظ فيها، فإن تركها فلرب المال الأخذ لأن مال المضاربة ملكه ولا ينفذ عفو العامل لأن الملك لغيره فلم ينفذ عفوه كالمأذون له، فإن اشترى المضارب بمال المضاربة شقصا في شركة رب المال فهل لرب المال فيه شفعة؟ على وجهين مبنيين على شراء رب المال من مال المضاربة وقد ذكرناهما، وإن كان المضارب شفيعة ولا ربح في المال فله الأخذ بها لأن الملك لغيره، وإن كان فيه ربح وقلنا لا يملك بالظهور فكذلك، وإن قلنا يملك بالظهور ففيه وجهان كرب المال ومذهب الشافعي في هذا كله على ما ذكرنا، فان باع المضارب شقصاً في شركته لم يكن له أخذه بالشفعة لأنه متهم فأشبه شراءه من نفسه (فصل) إذا كانت دار بين ثلاثة فقارض واحد منهم أحد شريكيه بألف فاشترى به نصف نصيب الثالث لم تثبت فيه شفعة في أحد الوجهين لأن أحد الشريكين رب المال والآخر العامل فهما كالشريكين في المتاع فلا يستحق أحدهما على الآخر شفعة، وإن باع الثالث باقي نصيبه لا جنبي كانت الشفعة مستحقة يبنهم أخماساً لرب المال خمساها وللعامل مثله ولرب المضاربة خمسها بالسدس الذي له فيجعل مال المضاربة كشريك آخر لأن حكمه متميز عن مال كل واحد منهما (فصل) فإن كانت الدار بين ثلاثة أثلاثا فاشترى أجنبي نصيب أحدهم فطالبه أحد الشريكين بالشفعة فقال إنما اشتريته لشريكك لم تؤثر هذه الدعوى في قدر ما يستحق من الشفعة فإن الشفعة بين

الشريكين نصفين سواء اشتراها الأجنبي لنفسه أو للشريك الآخر، وإن ترك المطالب بالشفعة حقه منها بناء على هذا القول ثم تبين كذبه فلم تسقط شفعته، وإن أخذ نصف المبيع كذلك ثم تبين كذب المشتري وعفا الشريك عن شفعته فله أخذ نصيبه من الشفعة لأن اقتصاره على أخذ النصف انبنى على خبر المشتري فلم يؤثر في إسقاط الشفعة واستحق أخذ الباقي لعفو شريكه عنه، وإن امتنع من أخذ الباقي سقطت شفعته كلهما لأنه لا يملك تبعيض صفقة المشتري ويحتمل أن لا يسقط حقه من النصف الذي أخذه ولا يبطل أخذه له لأن المشتري أقر بما تضمن استحقاقه لذلك فلا يبطل برجوعه عن إقراره، وإن أنكر الشريك كون الشراء له وعفا عن شفعته وأصر المشتري على الإقرار للشريك به فللشفيع أخذ اكل لأنه لا منازع له في استحقاقه وله الاقتصار علين النصف لاقرار المشتري له باستحقاق ذلك (فصل) فإن قال أحد الشريكين للمشتري شراؤك باطل وقال الآخر هو صحيح فالشفعة كلها للمعترف بالصحة، وكذلك إن قال ما اشتريته إنما اتهبته وصدقه الآخران اشتراه فالشفعة لمصدق بالشراء لأن شريكه مسقط لحقه باعترافه أنه لا بيع أو لا بيع صحيح، ولو احتال المشتري على إسقاط الشفعة بحيلة لا نسقطها فقال أحد الشفيعين قد سقطت الشفعة توفرت على الآخر لاعتراف صاحبه بسقوطها، ولو توكل أحد التفيعين في البيع أو الشراء أو ضمن عهدة المبيع أو عفا عن الشفعة قبل

البيع وقال لاشفعة لي لذلك توفرت على الآخر، وإن اعتقد أن له شفعة وطالب بها فارتفعا إلى حاكم فحكم بأنه لاشفعة له توفرت على الآخر لأنها سقطت بحكم الحاكم فأشبه مالو سقطت بإسقاط المستحق (فصل) إذا ادعى رجل على آخر ثلث دار فأنكره ثم صالحه عن دعواه بثلث دار أخرى صح ووجبت الشفعة في الثلث المصالح به لأن المدعي يزعم أنه محق في دعواه وأن ما أخذه عوض عن الثلث الذى ادعاه فلزمه حكم دعواه ووجبت الشفعة، ولا شفعة على المنكر في الثلث المصالح عنه لأنه يزعم أنه على ملكه لم يزل وإنما دفع ثلث داره إلى المدعي اكتفاء لشرء ودفعا لضرر الخصومة واليمين عن نفسه فلم تلزمه فيه شفعة، وإن قال المنكر للمدعي خذ الثلث الذي تدعيه بثلث دارك ففعل فلا شفعة على المدعي فيما أخذه وعلى المنكر الشفعة في الثلث الذي يأخذه لأنه يزعم أنه أخذه عوضاً عن ملكه الثابت له وقال أصحاب الشافعي تجب الشفعة في الثلث الذي أخذه المدعي أيضاً لأنها معاوضة من الجانبين بشقصين فوجبت الشفعة فيهما كما لو كانت بين مقرين ولنا أن المدعي يزعم أن ما أخذه كان ملكاً له قبل الصلح ولم يتجدد له عليه ملك وإنما استنقذه بصلحه فلم تجب فيه شفعة كما لو أقر له به (فصل) إذا كانت دار بين ثلاثة أثلاثاً فاشترى أحدهم نصيب أحد شريكيه ثم باعه لأجنبي ثم علم شريكه فله أن يأخذ بالعقدين وله الأخذ بأحدهما لأنه شريك فيهما فإن أخذ بالعقد الثاني أخذ جميع ما في يد مشتريه لانه لا شريك له في شفعته وإن أخذ العقد الأول ولم يأخذ بالثاني أخذ نصف المبيع

وهو السدس لأن المشتري شريكه في شفعته، ويأخذ نصفه من المشتري الأول ونصفه من المشتري الثاني لأن شريكه لما اشترى الثلث كان بينهما نصفين لكل واحد منهما السدس فإذا باع الثلث من جميع ما في يده وفي يده ثلثان فقد باع نصف ما في يده والشفيع يستحق ربع ما في يده وهو السدس فصار منقسما في يديهما نصفين فيأخذ من كل واحد منهما نصفه وهو نصف السدس ويدفع ثمنه إلى الأول ويرجع المشتري الثاني على الأول بربع الثمن الذي اشترى به وتكون المسألة من اثنى عشرثم ترجع إلى أربعة للشفيع نصف الدار ولكل واحد من الآخرين الربع، وإن أخذ بالعقدين أخذ جميع ما في يد الثاني وربع ما في يد الأول فصار له ثلاثة أرباع الدار ولشريكه الربع ويدفع الى الأول نصف الثمن الأول ويدفع إلى الثاني ثلاثة أربع الثمن الثاني ويرجع الثاني على الأول بربع الثمن الثاني لانه يأخذ الثمن الأول ويدفع إلى الثاني ثلاثة أرباع الثمن الثاني ويرجع الثاني على الأول بربع الثمن الثاني لأنه يأخذ نصف ما اشتراه الأول وهو اسدس فيدفع إليه نصف الثمن لذلك، وقد صار نصف هذا النصف في يد الثاني وهو ربع ما في يده فيأخذه منه ويرجع الثاني على الأول بثمنه وبقي المأخوذ من الثاني ثلاثة أرباع ما اشتراه فأخذها منه ودفع إليه ثلاثة أرباع الثمن، وإن كان المشتري الثاني هو البائع الأول فالحكم على ما ذكرنالا يختلف، وإن كانت الدار بين الثلاثة أرباعا لأحدهم نصفها وللآخرين نصفها بينهما فاشترى صاحب النصف من أحد شريكيه ربعه ثم باع ربعاً مما في يده لا جنبي ثم علم شريكه فأخذ بالبيع الثاني أخذ جميعه ودفع إلى المشتري ثمنه وإن أخذ بالبيع الأول وحده أخذ ثلث المبيع وهو

نصف سدس لأن المبيع كله ربغ فثلثه نصف سدس ويأخذ ثلثيه من المشتري الأول وثلثه من الثاني ومخرج ذلك من ستة ثلاثين النصف ثمانية عشر ولكل واحد منهما تسعة فلما اشترى صاحب النصف تسعة كانت شفعتها بينه وبين شريكه الذي لم يبع أثلاثاً لشريكه ثلثها ثلاثة، فلما باع صاحب النصف ثلث ما في يده حصل في المبيع من الثلاثة ثلثها وهو سهم بقي في يد البائع منها سهمان فيرد الثلاثة إلى الشريك يصير في يده اثنا عشروهي الثلث ويبقى في يد المشتري الثاني ثمانية وهي تسعان وفي يد صاحب النصف ستة عشر وهي أربعة أتساع ويدفع الشريك الثمن إلى المشتري الأول ويرجع المشتري الثاني عليه بتسع الثمن الذي اشترى به لأنه قد أخذ منه تسع مبيعه، وإن أخذ بالعقدين أخذ من من الثاني جميع ما في يده وأخذ من الأول نصف التسع وهي سهمان من ستة وثلاثين فيصير في يده عشرون سهماو هي خمسة أتساع ويبقى في يد الأول ستة عشر سهما وهي أربعة أتساع ويدفع إليه ثلث الثمن الأول ويدفع إلى الثاني ثمانية أتساع الثمن الثاني ويرجع الثاني على الأول بتسع الثمن الثاني (فصل) إذا كانت دار بين ثلاثة لزيد نصفها ولعمر وثلثها ولكبر سدسها فاشترى بكر من زيد ثلث الدار ثم باع عمراً سدسها ولم يعلم عمرو بشرائه للثلث ثم علم فله المطالبة بحقه من شفعة الثلث وهو ثلثاه وهو تسعاً الدار فيأخذ من بكر ثلثي ذلك وقد حصل ثلثه الباقي في يده بشرائه للسدس فيفسخ بيعه في ويأخذه بشفعة البيع الأول ويبققى من بيعه خمسة أتساعه لزيد ثلث شفعته فتقسم بينهما أثلاثاً وتصح المسألة من مائة واثنبين وستين سهماً الثلث المبيع أربعة وخسمون لعمرو ثلثاها بشفعته ستة وثلاثون سهما يأخذ ثلثها من بكر وهي أربعة وعشرون سهماً وثلثها في يده إثنا عشر سهماً والسدس الذي

اشتراه سبعة وعشرون سهماً قد أخذ منها إثنا عشر بالشفعة بقي منها خمسة عشر له ثلثاها عشرة ويأخذ منها زيد خمسة فحصل لزيد إثنان وثلاثون سهما ولكبر ثلاثون سهما ولعمرو مائة سهم وذلك نصف الدار وتسعها ونصف تسع تسعها، ويدفع بكر إلى عمر وثلثي الثمن في البيع الأول وعلى زيد خمسة أتساع الثمن الثاني بينهما أثلاثاً، فإن عفا عمرو عن شفعة الثلث فشفعة السدس الذي اشتراه بينه وبين زيد أثلاثاً، ويحصل لعمرو أربعة أتساع الدار ولزيد تسعاها ولبكر ثلثها وتصح من تسعة، وإن باع بكر السدس لأجنبي فهو كبيعة إياه لعمرو إلا أن لعمرو العفو عن شفعته في السدس بخلاف ما إذا كان هو المشتري فإنه لا يصح عفو عن نصيبه منها، وإن باع بكر الثلث لأجنبي فلعمرو ثلثا شفعة المبيع الأول وهو التسعان يأخذ ثلثهما من بكر وثلثيهما من المشتري الثاني وذلك تسع وثلث تسع يبقى في يد الثاني سدس وسدس تسع وهو عشرة من أربعة وخمسين بين عمرو وزيد أثلاثاً، وتصح أيضاً من مائة واثنين وستين ويدفع عمرو إلى بكر ثلثي ثمن مبيعه ويدفع هو وز يد إلى المشتري الثاني ثمن خمسة أتساع مبيعه بينهما أثلاثًا، ويرجع المشتري الثاني على بكر بثمن أربعة أتساع مبيعه، وإن لم يعلم عمرو حتى باع مما في يديه سدساً لم تبطل شفعته في أحد الوجوه وله أن يأخذ بها كما لو لم يبع شيئاً (والثاني) تبطل شفعته كلها (والثالث) تبطل في قدر ما باع وتبقى فيما لم يبع وقد ذكرنا توجيه هذه، والوجوه فأما

شفعة ما باعه ففيها ثلاثة أوجه (أحدها) أنها بين المشتري الثاني وزيد وبكر أرباعاً للمشتري نصفها ولكل واحد منهم ربعها على قدر أملاكهم حين بيعه (والثاني) أنها بين زيد وبكر على أربعة عشر سهما زيد تسعة ولبكر خمسة لأن لزيد السدس ولبكر سدس يستحق منه أربعة أتساعه بالشفعة فيبقى معه خمسة أتساع السدس ملكه مستقر عليها فأضفناها إلى سدس زيد وقسمنا الشفعة على ذلك ولم نعط المشتري الثاني ولا بكراً بالسهام المستحقة بالشفعة شيئاً لأن الملك عليها غير مستقر (والثالث) إن عفا لهم عن التفعة إستحقوا بها وإن أخذت بالشفعة لم يستحقوا بها شيئاً وان عفا عن بعضهم دون بعض استحق المعفو عنه، بسهامه دون غير المعفو عنه وما بطلت الشفعة فيه ببيع عمرو فهو بمنزلة المعفو عنه فيخرج في قدره وجهان، ولو استقصينا فروع هذه المسألة على سبيل البسط لطال وخرج إلى الأملال (فصل) إذا كانت دار بين أربعة أرباعاً فاشترى اثنان منهم نصيب أحدهم إستحق الرابع الشفعة عليهما واستحق كل واحد من المشتريين الشفعة على صاحبه فإن طالب كل واحد منهم بشفعته قسم المبيع بينهم أثلاثاً وصارت الدار ببنهم كذلك، وإن عفا الرابع وحده قسم المبيع بين المشتريين نصفين وكذلك إن عفا الجميع عن شفعتهم فيصير لهما ثلاثة أرباع الدار وللرابع الربع بحاله وإن طالب الرابع وحده أخذ منهما نصف المبيع لأن كل واحد منهما له من الملك مثل ما للمطالب فشفعة مبيعه بينه وبين شفعيه نصفين فيحصل للرابع ثلاثة أثمان الدار وباقيها بينهما نصفين، وتصح من ستة عشر، وإن طالب الرابع وحده أحدهما دون الآخر قاسمه الثمن نصفين فيحصل للمعفو عنه ثلاثة أثمان والباقي بين الرابع والآخر نصفين وتصح من ستة عشر، وإن عفا أحد المشترين ولم يعف الآخر ولا الرابع قسم مبيع المعفو عنه بينه وبين الرابع نصفين ومبيع الآخر بينهم أثلاثاً فيحصل للذي لم يعف عنه ربع

باب المساقاة

وثلث ثمن وذلك سدس وثمن والباقي بين الآخرين نصفين وتصح من ثمانية وأربعين، وإن عفا الرابع عن أحدهما ولم يعف أحدهما عن صاحبه أخذ ممن لم يعف عنه ثلث الثمن والباقي بينهما نصفين ويكون الرابع كالعافي في التي قبلها وتصح أيضاً من ثمانية وأربعين، وإن عفا الرابع وأحدهما عن الآخر ولم يعف الآخر فلغير العافي ربع وسدس والباقي بين العافيين نصفين لكل واحد منهما سدس وثمن وتصح من أربعة وعشرين وما يفرع من المسائل فهو على مساق ما ذكرناه باب المساقاة وهي أن يدفع إنسان شجرة إلى آخر ليقوم بسقيه وعمل سائر ما يحتاج إليه يجزء معلوم له من الثمرة، وسميت مساقاة لأنها مفاعلة من السقي لأن أهل الحجاز أكثر حاجتهم إلى السقي لكونهما يسقون من الآبار، فسميت بذلك والأصل في جوازها السنة والإجماع أما السنة فما روى عبد الله بن عمر قال عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع متفق عليه، وأما الإجماع فقال أبو جعفر علي بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعن آبائه عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل خيبر بالشطر ثم أبو بكر ثم عمر وعثمان وعلي ثم أهلوهم إلى اليوم يعطون الثلث والربع وهذا عمل به الخلفاء الراشدون مدة خلافتهم واشتهر ذلك ولم ينكره منكر فكان إجماعاً

(مسألة) (تجوز المساقاة في ثمر النخل وفي كل شجر له ثمر مأكول ببعض ثمرته) هذا قول الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم وبه قال سعيد بن المسيب وسالم ومالك والثوري والاوزاعي وأبو يوسف ومحمد واسحاق وأبو ثور، وقال داود لا تجوز إلا في تمر النخل لأن الخبر إنما ورد بها فيه، وقال الشافعي لا تجوز إلا في النخل والكرم لأن الزكاة تجب في ثمرتهما، وفي سائر الشجر قولان (أحدهما) لا تجوز فيه لأن الزكاة لا تجب في نمائها فأشبه مالا ثمرة له، وقال أبو حنيفة، وزفر لا تجوز بحال لأنها إجارة بثمرة لم تخلق أو إجارة بثمرة مجهولة أشبه إجارته بثمرة غير الشجر الذي يسقيه ولنا ما ذكرنا من الحديث والاجماع ولا يجوز التعويل على ما خالفهما فإن قيل راوي حديث خيبر ابن عمر وقد رجع عنه فقال. كنا نخابر أربعين سنة حتى حدثنا رافع بن خديج أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المخابرة ولا ينعقد الاجماع مع مخالفته، ويدل على نسخ حديث ابن عمر أيضاً رجوعه عن العمل به إلى حديث رافع، قلنا لا يجوز حمل حديث رافع على ما يخالف الإجماع ولا حديث ابن عمر لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل يعامل أهل خيبر حتى مات ثم عمل به الخلفاء بعده ثم من بعدهم فكيف يتصور نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن شئ ثم يخالفه؟ أم كيف يعمل ذلك في عصر الخلفاء ولم يخبرهم من سمع النهي وهو حاضر معهم وعالم يفعلهم؟ فلو صح خبر رافع لوجب حمله على ما يوافق السنة والإجماع، على أنه قد روي في تفسير خبر

رافع عنه ما يدل على صحة قولنا فروى البخاري بإسناده عنه قال كنا نكري الأرض بالناحية منها تسمى لسيد الأرض فربما يصاب ذلك وتسلم الأرض وربما تصاب الأرض ويسلم ذلك فنهينا فأما الذهب والورق فلم يكن يومئذ، وروي تفسيره أيضا بشئ غير هذا من أنواع الفساد وهو مضطرب جداً، قال الأثرم سمعت أبا عبد الله يسئل عن حديث رافع نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المزارعة فقال رافع يروى عنه في هذا ضروب وكأنه يريد أن اختلاف الرويات عنه يوهن حديثه، وقال طاوس إن أعلمهم يعني ابن عباس أخبرني أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينه عنه ولكن قال (لأن يمنح أحدكم أخاه أرضه خير من أن يأخذ عليها خراجاً معلوماً) رواه البخاري ومسلم وأنكر زيد بن ثابت حديث رافع، عليه فكيف يجوز نسخ أمر فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مات وهو يفعله ثم أجمع عليه خلفاؤه وأصحابه بعده؟ ولا يجوز العمل به ولو لم يخالفه غيره ورجوع ابن عمر إليه يحتمل أنه رجع عن شئ من المعاملات الفاسدة التي فسرها رافع في حديثه، وأما غير ابن عمر فقد أنكر على رافع ولم يقبل حديثه وحمله على أنه غلط في روايته، والمعنى يدل على ذلك فإن كثيراً من أهل النخيل والشجر يعجزون عن عمارته وسقيه ولا يمكنهم الإستئجار عليه وكثير من الناس لا شجر لهم ويحتاجون إلى الثمر ففي تجويز المساقاة دفع الحاجتين وتحصيل لمصلحة الفئين

وتصح بلفظ المساقاة

فجاز كالمصاربة بالأثمان، فأما قياسهم فيبطل بالمضاربة فإنه يعمل في المال بنمائه وهو معدوم مجهول وقد جاز بالإجماع وهذا في معناه، ثم إن الشارع قد جوز العقد في الإجارة على المنافع المعدومة للحاجة فلم لا يجوز على الثمرة المعدومة للحاجة؟ مع أن القياس إنما يكون في إلحاق المسكوت عنه بالمنصوص عليه أو الجمع عليه، فأما في إبطال نص وخرق إجماع بقياس نص آخر فلا سبيل إليه، وأما تخصيص ذلك بالنخل أو به وبالكرم فيخالف عموم قوله عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من زرع أو ثمر وهذا عام في كل ثمر ولا تكاد بلد ذات أشجار تخلو من شجر غير النخل وقد جاء في لفظ بعض الأخبار أن النبي صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج من النخل والشجر رواه الدارقطني ولأنه شجر يثمر كل حول فأشبه النخل والكرم ولأن الحاجة تدعو إلى المساقاة عليه كالنخل وأكثر لكثرته فأشبه النخل ووجوب الزكاة ليس من العلة المجوزة للمساقاة ولا أثر فيها وإنما العلة ما ذكرناه (فصل) فأما مالا ثمر له كالصفصاف والجوز أو له ثمر غير مقصود كالصنوبر والارز فلاتجوز المساقاة عليه وبه قال مالك والشافعي ولا نعلم فيه خلافاً لأنه غير منصوص عليه ولا في معنى المنصوص ولأن المساقاة إنما تجوز بجزء من الثمرة وهذا لا ثمرة له إلا أن يكون مما يقصد ورقة أو زهرة كالتوت

وهل تصح على ثمرة موجودة

والورد فالقياس يقتضي جواز المساقاة عليه لأنه في معنى الثمر لكونه مما يتكرر كل عام ويمكن أخذه والمساقاة عليه بجزء منه فيثبت له حكمه (مسألة) (وتصح بلفظ المساقاة) لأنه موضوعها حقيقة وبلفظ المعاملة لقوله في الحديث عامل أهل خيبر على شطر ما يخرج منها، وتصح بكل ما يؤدي معناها من الألفاظ نحو فالحتك واعمل في بستاني هذا حتى تكمل ثمرته وما أشبهه لأن القصد المعني فإذا أتى بأي لفظ دل عليه صح كالبيع (مسألة) (وتصح بلفظ الإجارة في أحد الوجهين) لأنه مؤد للمعنى فصح به العقد كسائر الألفاظ المتفق عليها والثاني لا تصح وهو اختيار أبي الخطاب لأن الإجارة يشترط لها كون العوض معلوماً وتكون لازمه والمساقاة بخلافه والأول أقيس لما ذكرنا (مسألة) (وقد نص أحمد في رواية جماعة فيمن قال أجرتك هذه الأرض بثلث مايخرج منها أنه يصح وهذه مزارعة بلفظ الإجارة ذكره أبو الخطاب) فمعنى قوله أجرتك هذه الأرض بثلث أي زارعتك عليها بثلث عبر عن المزاعة بالإجارة على سبيل المجاز كما يعبر عن الشجاع بالأسد، فعلى هذا يكون نهيه عليه السلام عنها بثلث أو ربع إنما ينصرف إلى الإجارة الحقيقة لاعن المزارعة وقال أكثر أصحابنا هي إجارة لأنها مذكورة بلفظها فتكون إجارة حقيقة وتصح بعض الخارج من الأرض كما تصح بالدراهم قال شيخنا والأول أقيس وأصح لما سبق

وإن ساقاه على شجرة بغرسه ويعمل عليه حتى يثمر بجزء من الثمرة صح

(مسألة) (وهل تصح على ثمرة موجودة، على روايتين (إحداهما تجوز اختارها أبو بكر وهو قول مالك وأبي يوسف ومحمد وأبي ثور وأحد قولي الشافعي لانها إذا جازت مع كثرة الغرر فيها فمع وجودها وقلة الغرر فيها أولى وإنما تصح إذا بقي من العمل ما تزيد به الثمرة كالتأبير والسقي وإصلاح الثمرة فإن ببقي مالا تزيد به الثمرة كالجذاذ ونحوه لم يجز بغير خلاف (والثانية) لا يجوز وهو القول الثاني للشافعي لأنه ليس بمنصوص عليه ولا في معنى المنصوص فإن النبي صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر على الشطر مما يخرج من زرع أو ثمر، ولأن هذا يفضي إلى أن يستحق بالعقد عوضاً موجوداً ينتقل الملك فيه عن رب المال إلى المساقي فلم يصح كما لو بدا صلاح الثمرة ولأنه عقد على العمل في المال ببعض نمائه فلم يجز بعد ظهور النماء كالمضاربة ولأن هذا يجعل إجارة بمعلوم ومجهول فلم يصح كما لو استأجره على العمل بذلك، وقولهم إنهما أقل غررا قلنا قلة الغرر ليس من المقتضي للجواز ولا كثرته الموجودة في محل النص مانعة منه فلا تؤثر قلته شيئاً، والشرع ورد به على وجه لا يستحق العامل فيه عوضاً موجوداً ولا ينتقل إليه من ملك رب المال شئ وإنما يحدث النماء الموجود على ملكهما على ما شرطاه فلم تجز مخالفة هذا الموضوع ولا إثبات عقد ليس في معناه الحاقاً به كما لو بدا صلاح الثمرة وكالمضاربة بعدن ظهور الربح، ومن نصر الوجه الأول قال نص النبي صلى الله عليه وسلم على المساقاة على الثمرة المعدومة بجزء منها نبيه على جوازها على الموجودة لما

ذكرنا، ولا يصح القياس على المضاربة إذا ظهر الربح لأنها لا تحتاج إلى عمل وههنا يحتاج إليه فلا يصح القياس، ونظير ذلك المساقاة على الثمرة بعد بدو صلاحها فإنه لا يصح بغير خلاف علمناه لكون العمل لا يزيد في الثمرة بخلاف الرواية الأولى فإن العمل يزيد فيها فافترقا (فصل) وإذا ساقاه على ودي النخل أو صغار الشجر إلى مدة يحمل فيها غالباً بجزء من الثمرة صح لأنه ليس فيه أكثر من أن عمل العامل يكثر وذلك لا يمنع الصحة كما لو جعل له سهم من ألف، وفيه الأقسام التي نذكرها في كبار النخل والشجر فإن قلنا المساقاة عقد جائز لم يحتج إلى ذكر مدة وان قلناهو لازم اشترط ذكر المدة وسنذكره (مسألة) (وإن ساقاه على شجر بغرسه ويعمل عليه حتى يثمر بجزء من الثمرة صح) والحكم فيه كالحكم فيما إذا ساقاه على صغار الشجر على ما بينته قال أحمد في رواية المروذي فيمن قال لرجل اغرس في أرضي هذه شجراً أو نخلاً فما كان من غلة فلك بعملك كذا وكذا سهماً من كذا وكذا فأجازه، واحتج بحديث خيبر في الزرع والنخل لكن يشترط أن يكون الغرس من رب الأرض كما يشترط في المزارعة كون البذر من رب الأرض، فإن كان من العامل خرج على الروايتين في المزارعة إذا شرط البذر من العامل، وقال القاضي المعاملة باطلة وصاحب الأرض بالخيار بين تكليفه قلعها ويضمن له نقصها وبين تركها في أرضه ويدفع إليه قيمتها كالمشتري إذا غرس في الأرض ثم جاء الشفيع

فاخذها وإن اختار العامل قلع شجره فله ذلك سواء بذلك بذل له القيمة أو لم يبذلها لأنه ملكه فلم يمنع من تحويله وإن اتفقا على إبقاء الغرس ودفع أجر الأرض جاز (فصل) ولو دفع أرضه إلى رجل يغرسها على أن الشجر بينهما لم يجر ويحتمل الجواز بناء على المزارعة فإن المزارع يبذر الأرض فتكون بينه وبين صاحب الأرض وهذا نظيره، فأما إن دفعها على أن الأرض والشجر بينهما فذلك فاسد وجهاً واحداً وبه قال مالك والشافعي وأبو يوسف ومحمد ولا نعلم فيه مخالفاً لأنه يشترط اشتراكهما في الأصل ففسد كما لو دفع إليه الشجر أو النخيل ليكون الأصل والثمرة بينهما أو شرط في المزارعة كون الأرض والزرع بينهما (فصل) ومن شرط صحة المساقاة تقدير نصيب العامل بجزء معلوم من الثمرة كالثلث والربح لحديث ابن عمر في خيبر وسواء قل الجزء أو كثر فلو جعل للعامل جزءاً من مائة جزء أو جعل الجزء لنفسه والباقي للعامل جاز إذا لم يفعل ذلك حيلة، فإن عقد على جزء مبهم كالسهم والجزء والنصيب لم يجز لأنه إذا لم يكن معلوماً لم يمكن القسمة بينهما ولو جعل له آصعا معلومة أو جعل مع الجزء المعلوم آصعاً لم يجز لأنه ربما لم يحصل ذلك أو لم يحصل غيره فيستضر رب الشجر أو يكثر الحاصل فيتضرر العامل وكذلك إن شرط له ثمر شجر بعينه لأنه قد لا يحمل وقد لا يحمل غيرها ولهذه العلة نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن المزارعة التي يجعل فيها لرب الأرض مكاناً معيناً وللعامل مكانا معينا قال رافع كنا نكتري الأرض على أن لنا

هذه ولهم هذه فربما أخرجت هذه ولم تخرج هذه فنهانا عن ذلك، فأما الذهب والورق فلم ينهنا متفق عليه، فمتى شرط شيئاً من هذه الشروط الفاسدة فسدت المسافاة، والثمرة كلها لرب المال لأنها نماء ملكه وللعامل أجر مثله كالمضاربة الفاسدة (فصل) ولا يحتاج أن يشرط لرب المال لأنه يأخذ بماله لا بالشرط فإذا قال ساقيتك على أن لك ثلث الثمرة صح والباقي لرب المال، وإن قال على أن لي ثلث الثمرة فقال ابن حامد يصح وقيل لا يصح وقد ذكرنا تعليل ذلك في المضاربة، وإن اختلفا في الجزء المشروط فهو للعامل لأنه إنما يستحق بالشرط كما ذكرنا، وفان اختلفا في قدر المشروط للعامل فقال ابن حامد القول قول رب المال وقال مالك القول قول العامل إذا ادعى ما يشبه لأنه أقوى سبباً لتسلمه الحائط والعمل، وقد ذكرنا في المضارب رواية أن القول قول إذا ادعى أجر المثل فيخرج ههنا مثله وقال الشافعي يتحالفان وكذلك إن اختلفا فيما تتاولته المساقاة من الشجر ولنا أن رب المال منكر للزيادة التي ادعاها العامل فكان القول قوله فإن كان مع أحدهما بينة حكم بها وإن كان مع كل واحد منهما بينة انبنى على بينة الداخل والخارج فإن كان الشجر لا ثنين فصدق أحدهما العامل وكذبه الآخر أخذ نصيبه مما يدعيه من مال المصدق وإن شهد على المنكر قبلت شهادته إذا كان عدلاً لأنه لا يجر إلى نفسه نفعاً ولا يدفع عنها ضرراً ويحلف مع شاهده وإن لم يكن عدلاً

والمساقاة عقد جائز في ظاهر كلامه

كانت شهادته كعدمه ولو كانا عاملين ورب المال واحداً فشهد أحدهما على صاحبه قبلت شهادته لما ذكرنا (فصل) وإذا كان في البستان شجر من أجناس كالتين والزيتون والكرم فشرط للعامل من كل جنس قدراً كنصف ثمر التين وثلث الزيتون وربع الكرم، أو كان فيه أنواع من جنس فشرط من كل نوع قدراً وهما يعرفان قدر كل نوع صح لأن ذلك كثلاثة بساتين ساقاة على كل بستان بقدر مخالف للقدر المشروط من الآخر، وإن لم يعلما قدره أو أحدهما لم يجز للجهالة، ولو قال ساقيتك على هذين البساتين بالنصف من هذا والثلث من هذا صح لأنها صفقة واحدة جمعت عوضين فصار كقوله بعتك داري هاتين هذه بألف وهذه بمائة، وإن قال بالنصف من أحدهما والثلث من الآخر ولم يعينه لم يصح الجهالة لأنه لا يعلم الذي يستحق نصفه، لو ساقاه على بستان واحد نصفه هذا بالنصف ونصفه هذا بالثلث وهما متميزان صح لأنهما كبستانين (فصل) فإن كان البستان لإثنين فساقيا عاملاً واحداً على أن له نصف نصيب أحدهما وثلث نصيب الآخر والعامل عامل ما لكل واحد منهما جاز لأن عقد الواحد مع الإثنين عقدان، ولو أفرد كل واحد منهما بعقد كان له أن يشرط ما اتفقا عليه وإن جهل نصيب كل واحد منهما لم يجز لأنه غرر فأنه قد يقل نصيب من شرط له النصف فيقل حظه، وقد يكثر فيتوفر حظه، فأما إن شرطا قدراً واحداً من مالهما جاز وإن لم يعلم قدر مالكل واحد منهما لأنها جهالة لا غرر فيها ولا ضرر فهو كا لو قالا بعناك

دارنا هذه بألف ولم يعلم نصيب كل واحد منهما جاز لأنه أي نصيب كان فقد علم عوضه وعلم جملة المبيع فصح كذلك ههنا، ولو ساقى واحد إثنين جاز ويجوز أن يشرط لهما التساوي في النصيب وان يشرط لأحدهما أكثر من الآخر (فصل) ولو ساقاه ثلاث سنين على أن له في الأولى النصف وفي الثانية الثلث وفي الثالثة الربع جاز لأنه قدر ماله في كل سنة معلوم فصح كما لو شرط له من كل نوع قدراً (فصل) ولا تصح المساقاة إلا على شجر معلوم بالرؤية أو بالصفة التي لا يختلف معها كالبيع وإن ساقاه على بستان لم يره ولم يوصف له لم يصح لأنه عقد على مجهول أشبه البيع وإن ساقاه على أحد هذين الحائطين لم يصح لأنها معاوضة يختلف العوض فيها باختلاف الأعيان فلم يجز على غير معين كالبيع. (فصل) وتصح على البعل كما تصح على السقي وبه قال مالك ولا نعلم فيه خلافاً عند من يجوز المساقاة لأن الحاجة تدعوا إلى المعاملة في ذلك كدعائها إلى المعاملة في غيره فيقاس عليه (مسألة) (والمساقاة عقد جائز في ظاهر كلامه) وكذلك المزارعة أو ما إليه أحمد في رواية الاثرم قد سئل عن الاكار يخرج من غير أن يخرجه صاحب الضيعة فلم يمنعه من ذلك ذكره ابن حامد وهو قول بعض أصحاب الحديث، وقال بعض أصحابنا

فإن قلنا هي عقد لازم تصح إلا على مدة معلومة

هو لازم وهو قول أكثر الفقهاء لأنه عقد معاوضة فكان لازما كالإجارة لأنه لو كان جائزاً كان لرب المال فسخه إذا ظهرت الثمرة فيسقط سهم العامل فيتضرر ولنا ما روى مسلم عن ابن عمر أن اليهود سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرهم بخيبر على أن يعملوها ويكون لرسول الله صلى الله عليه وسلم شطر ما يخرج منها من زرع أو ثمر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (نقر كم على ذلك ما شئنا) ولو كان لازماً لم يجز بغير تقدير مدة ولا أن يجعل الخيرة إليه في مدة إقرارهم، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لو قدر لهم مدة لنقل لأن هذا مما يحتاج إليه فلا يجوز الإخلال بنقله وعمر رضي الله عنه إجلاهم من أرض الحجاز وأخرجهم من خيبر ولو كانت لهم مدة مقدرة لم يجز إخراجهم فيها ولأنه عقد على جزء من نماء المال فكان جائزاً كالمضاربة، وفارق الإجارة لأنها بيع فكانت لازمه كبيع الأعيان ولأن عوضها معلوم أشبهت البيع وقياسهم ينتقض بالمضاربة وهي أشبه بالمساقاة من الإجارة فقياسها عليها أولى وقولهم إنه يفضي الى أن رب المال يفسخ بعد إدراك الثمرة قلنا إذا ظهرت الثمرة ظهرت على ملكيهما فلا يسقط حق العامل منها بفسخ ولاغيره كما إذا فسخ المضارب بعد ظهور الربح، فعلى هذا لا يفتقر إلى ذكر مدة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يضرب لأهل خيبر مدة معلومة ولا خلفاؤه حين عاملوهم، ولأنه عقد جائز فلم يفتقر إلى ضرب مدة كالمضاربة وسائر العقود الجائزة، ومتى فسخ أحدهما بعد ظهور الثمرة فهي بينهما على ما شرطاه وعلى العامل تمام العمل كما يلزم المضارب بيع العروض إذا فسخت المضاربة بعد

فإن شرطا مدة لا تكمل فيها لم يصح

ظهور الربح وإن فسخ العامل قبل ذلك فلا شئ له لأنه رضي بإسقاط حقه فهو كعامل المضاربة إذا فسخ قبل ظهور الربح وعامل الجعالة إذا فسخ قبل اتمام عمله، فان فسخ رب المال قبل ظهور الثمرة فعليه أجر المثل للعامل لأنه منعه إتمام عمله الذي يستحق به العوض فأشبه مالو فسخ الجاعل قبل إتمام عمل الجعالة وفارق رب المال في المضاربة إذا فسخها قبل ظهور الربح لأن عمل هذا مفض إلى ظهور الثمرة غالباً فلولا السفخ لظهرت الثمرة فملك نصيبه منها وقد قطع ذلك بفسخه فأشبه فسخ الجعالة بخلاف المضاربة فإنه لا يعلم إفضاؤها إلى الربح ولأن الثمرة إذا ظهرت في الشجر كان العمل عليها في الإبتداء من أسباب ظهورها والربح إذا ظهر في المضاربة قد لا يكون للعمل الأول فيه أثر أصلا (مسألة) (فان قلناهي عقد لازم فلا تصح إلا على مدة معلومة) وهذا قول الشافعي وقال أبو ثور تصح وتقع على سنة واحدة وأجازه بعض الكوفبين استحساناً ولأنه لما شرط له جزءاً من الثمرة كان ذلك دليلاً على إرادة مدة تحصل فيها الثمرة ولنا أنه عقد لازم فوجب تقديره بمدة معلومة كالإجارة ولأن المساقاة أشبه بالإجارة لأنها تقتضي العمل على العين مع بقائها ولأنها إذا وقعت مطلقة لم يمكن حملها على إطلاقها مع لزومها لأنها تفضي إلى أن العامل يستبد بالشجر كل مدته فيصير كالمالك ولا يمكن تقديره بالسنة لأنه تحكم وقد تكمل الثمرة في أقل من السنة فعلى هذا لاتتقدر أكثر المدة بل يجوز ما يتفقان عليه من المدة التي يبقى الشجر فيها وإن طالت وقيل لا يجوز

وإن شرطا مدة قد تكمل فيها الثمرة وقد لا تكمل ففي صحة المساقاة وجهان

أكثر من ثلاثين سنة وهذا تحكم وتوقيت لا يصار إليه إلا بنص أو إجماع فأما أقل المدة فتقدر بمدة تكمل فيها الثمرة ولا يجوز على أقل منها لأن المقصود اشتراكهما في الثمرة ولا يوجد في أقل من هذه المدة (مسألة) (فإن شرطا مدة لا تكمل فيها لم يصح) لذلك فإذا عمل فيها فظهرت الثمرة فيها ولم تكمل فله أجرة مثله في أحد الوجهين وفي الآخر لا شئ له لأنه رضي بالعمل بغير عوض فهو كالمتبرع والأول أصح لأن هذا لم يرض إلا بعوض وهو جزء من الثمرة وذلك الجزء موجود لكن لا يمكن تسليمه إليه فلما تعذر دفع العوض الذي اتفقا عليه كان له أجر مثله كما في الإجارة الفاسدة بخلاف المتبرع فإنه رضي بغير شئ، وإن لم تظهر الثمرة فلا شئ له في أصح الوجهين لأنه رضي بالعمل بغير عوض (فصل) فإن ساقاه إلى مدة تكمل فيها الثمرة غالباً فلم تحمل تلك السنة فلا شئ للعامل لأنه عقد صحيح لم يظهر فيه النماء أشبه المضاربة إذا لم يربح فيها وإن ظهرت الثمرة ولم تكمل فله نصيبه منها وعليه إتمام العمل فيها كما لو انفسخت قبل كمالها (مسألة) (وإن شرطا مدة قد تكمل فيها الثمرة وقد لا تكمل ففي صحة المساقاة وجهان) (أحدهما) تصح لان الشجر يحتمل أن يحمل ويحتمل أن لا يحمل والمساقاة جائزة فيه (والثاني) لا يصح لأنه عقد على معدوم ليس الغالب وجوده فلم يصح كالسلم في مثل ذلك ولأن ذلك غرر أمكن

وإن مات العامل تمم الوارث فإن لم يكن له وارث أقام الحاكم مقامه من تركته

التحرز منه فلم يجز العقد معه كما لو شرط ثمرة نخلة بعينها، وفارق ما إذا شرط مدة تكمل فيها الثمرة فإن الغالب أن الشجر يحمل وإحتمال ان لا يحمل نادر لم يمكن التحرز عنه، فإن قلنا العقد صحيح فله حصته من الثمر فإن لم يحمل فلا شئ له وإن قلنا هو فاسد استحق أجر المثل سواء حمل أو لم يحمل لأنه لم يرض بغير عوض ولم يسلم له العوض فاستحق أجر المثل بخلاف مااذا شرطا مدة لا يحمل في مثلها، وفيه وجه آخر أنه لا شئ له كما لو اشترطاه مدة لا يحمل فيها الشجر غالباً ومتى خرجت الثمرة قبل انقضاء المدة فله حقه منها إذا قلنا بصحة العقد وإن خرجت بعدها فلا شئ له فيها ومذهب الشافعي في هذا قريب مما ذكرنا (مسالة) (وإن مات العامل تم الوارث فإن لم يكن له وارث أقام الحاكم مقامه من تركته) وجملة ذلك إنا قد ذكرنا أن ظاهر المذهب أن المساقاة عقد جائز لا يفتقر إلى ذكر مدة لأن ابقاء ها إليهما وفسخها جائز لكل واحد منهما فلم تحتج الى مدة، فإن قدرها بمدة، جاز لأنه لا ضرر في ذلك وقد يناه في المضاربة والمساقاة مثلها، فعلى هذا تنفسخ بموت كل واحد منهما وجنونه والحجر عليه للسفه كالمضاربة ويكون الحكم فيها كما لو فسخها أحدهما، فأما إن قلنا بلزومها لم ينفسخ العقد ويقوم الوارث مقام الميت منهما لأنه عقد لارم أشبه الاجارة، فانه كان الميت العامل فأبى وارثه القيام مقامه لم يجبر لأن الوارث لا يلزمه من الحقوق التى على مورته إلا ما أمكن دفعه من تركته والعمل ليس مما يمكن فيه ذلك

فإن فسخ بعد ظهور الثمرة فهي بينهما فإن فسخ قبل ظهورها فهل للعامل أجرة؟ على وجهين

فعلى هذا يستأجر الحاكم من التركة من يعمل فإن لم يكن له تركة أو تعذر الاستجار فلرب المال الفسخ لأنه تعذر استيفاء المعقود عليه فثبت الفسخ كما لو تعذر ثمن المبيع قبل قبضه (مسألة) (فإن فسخ بعد ظهور الثمرة فهي بينهما فإن فسخ قبل ظهورها فهل للعامل أجرة؟ على وجهين) أما إذا فسخ بعد ظهور الثمرة فهي بينهما كما إذا انفسخت المضاربة بعد ظهور الربح، فعلى هذا يباع من نصيب العامل ما يحتاج إليه لأجر ما بقي من العمل واستؤجر من يعمل ذلك وإن إحتيج إلى بيع الجميع بيع ثم لا يخلو إما أن يكون قد بد اصلاح الثمرة أو لافان كان قد بداصلاحها خير المالك بين البيع والشراء فإن اشترى نصيب العامل جاز وإن اختار بيع نصبيبه باعه وباع الحاكم نصيب العامل وإن أبى البيع والشراء باع الحاكم نصيب العامل وحده وما بقي على العامل يستأجر من يعمله والباقي لورثته، وإن كانت لم يبد صلاحها خير المالك أيضاً فإن ببع لا جنبي لم يجز إلا بشرط القطع، ولا يجوز بيع نصيب العامل وحده لأنه لا يمكن قطعه إلا بقطع نصيب المالك ولا يجوز ذلك إلا بإذنه وهل يجوز شراء المالك لها؟ على وجهين (أحدهما) لا يجوز كالأجنبي (والثاني) يجوز كما إذا بع نخلاً مؤبراً جاز للمشتري أن يبتاع الثمرة التي للبائع من غير شرط القطع وهكذا الحكم إذا انفسخت المساقاة بموت العامل إذا قلنا بجوازها وأبى الوارث العلم، فأما إن فسخ قبل ظهور الثمرة فللعامل الاجر في أحد الوجهين لأنه عمل بعوض لم يصح له فكانت له الأجرة

وكذلك إن هرب العامل ولم يوجد له ما ينفق عليها فهو كما لو مات

كما لو فسخ بغير عذر (والثاني) لا شئ له لأن الفسخ مستند إلى موته ولا صنع لرب المال فيه أشبه إذا فسخ العامل قبل ظهور الثمرة (مسألة) (وكذلك إن هرب العامل ولم يوجد له ما ينفق عليها فهو كما لو مات) إن كان العقد جائزاً فلرب الأرض الفسخ وإن قلنا بلزومه فوجد الحاكم له مالا أو أمكنه الإقتراض عليه من بيت المال أو غيره فعل وإن لم يمكنه ووجد من يعمل بأجرة مؤجلة إلى وقت إدراك الثمرة فعل فإن تعذر ذلك فلرب المال الفسخ لما ذكرنا، وأما الميت فلا يقترض عليه لأنه لا ذمة له والأولى في هذه الصورة أن لا يكون للعامل أجرة لأنه ترك العمل إختياراً منه فلم يكن له أجره كما لو ترك العمل من غير هرب مع القدرة عليه (مسألة) (فإن عمل فيها رب المال بإذن حاكم أو إشهاد رجع به وإلا فلا) قد ذكرنا أن لرب المال الفسخ فإن اختار البقاء على المساقاة لم تنفسخ إذا قلنا بلزومها ويستأذن الحاكم في الإنفاق على الثمرة ويرجع بما أنفق فإن عجز عن إستئذان الحاكم فأفق بنية الرجوع وأشهد على الإنفاق بشرط الرجوع رجع بما أنفق وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشافعي لأنه مضطر، وإن أمكنه استئذان الحاكم وأنفق بنية الرجوع ولم يستأذنه فهل يرجع بذلك؟ على وجهين بناء على ما إذا قضى دينه بغير إذنه، فإن تبرع بالإنفاق لم يرجع كما لو تبرع بالصدقة والحكم فيما إذا أنفق على الثمرة بعد فسخ العقد إذا تعذر بيعها كالحكم ههنا سواء

وعلى رب المال ما فيه حفظ الأصل من شد الحيطان وأجر الأنهار وحفر البئر والدولاب وما يديره

(فصل) قال رحمه الله (ويلزم العامل ما فيه صلاح الثمرة وزيادتها من السقي والحرث والزبار والتفليح والتشميس وإصلاح طرق الماء وموضع الشمس) وجملة ذلك أنه يلزم العامل بإطلاق عقد المساقاة ما فيه صلاح الثمرة وزيادتها من حرث الأرض تحت الشجرة والبقر التي تحرث وآلة الحرث وسقي الشجر وإستقاء الماء وإصلاح طرق الماء وقطع الحشيش المضر والشوك وقطع الشجر اليابس وزبار الكرم وقطع ما يتحاج إلى قطعه وتسوية الثمرة وإصلاح الأجاحين وهي الحفر التي يجتمع فيها الماء على أصول التحل وإدارة الدولاب وحفظ الثمر في الشجر وبعده حتى يقسم، وإن كان مما يشمس فعليه تشميسه لأن إطلاق عقد المساقاة يقتضي ذلك فإن موضوعها على أن العمل من العامل (مسألة) (وعلى رب المال ما فيه حفظ الأصل من شد الحيطان وأجر الأنهار وحفر البئر والدولاب وما يدبره) وكذلك شراء ما يلقح به إذا أطلقا العقد وإن شرطا ذلك كان تأكيداً وقيل ما يتكرر كل عام فهو على العامل ومالا فلا، قال شيخنا وهذا صحيح إلا في شراء ما يلقح به فإنه على رب المال وإن تكرر لأن هذا ليس من العمل، فأما البقرة التي تدير الدولاب فقال أصحابنا هي على رب المال لأنها ليست من العمل أشبه ما يلقح به، قال شيخنا والأولى أنها على العامل لأنها تراد للعمل أشبهت بقر الحرث ولأن

إستقاء الماء على العامل إذا لم يحتج إلى بهيمة فكان عليه وإن احتاج إليها كغيره من الأعمال وقال بعض أصحاب الشافعي ما يتعلق بالأصول والثمرة معا ككسح النهر هو على من شرط عليه منهما وإن أهمل شرط ذلك على أحدهما لم تصح المساقاة وقد ذكرنا ما يدل على أنه من العامل، فأما تسميد الأرض بالزبل إذا احتاجت إليه فتحصيله على رب المال لأنه ليس من العمل أشبه ما يلقح به وتفريقه في الأرض على العامل كالتلقيح. (فصل) فإن شرطا على أحدهما شيئاً مما يلزم الآخر فقال القاضي وابو الخطاب لا يجوز ذلك فعلى هذا تفسد المساقاة وهو مذهب الشافعي لأنه شرط يخالف مقتضى العقد فأفسده كالمضاربة إذا شرط العمل فيها على رب المال، وقد روي عن أحمد ما يدل على صحة ذلك فإنه ذكر أن الجذاذ عليهما فإن شرطه على العامل جاز لأنه شرط لا يخل بمصلحة العقد ولا مفسدة فيه فصح كتأجيل الثمن في البيع وشرط الرهن والضمين والخيار فيه لكن يشترط أن يكون ما يلزم كل واحد منهما من العمل معلوماً لئلا يفضي إلى التنازع فيختل العمل، وإن لا يكون على رب المال أكثر العمل ولا نصفه لأن العامل إنما يستحق بعمله فإذا لم يعمل أكثر العمل كان وجود عمله كعدمه فلا يستحق شيئاً (فصل) فإن شرط أن يعمل معه غلمان رب المال فهو كعمل رب المال فأن يد الغلام كيد مولاه وقال أبو الخطاب فيه وجهان أحدهما كما ذكرنا والثاني يجوز لأن غلمانه ماله فجاز أن يجعل تبعاً لماله كثور

الدولاب وكما يجوز في القراض أن يدفع إلى العامل بهيمة يحمل عليها، وأما رب المال لا يجوز جعله تبعاً وهذا قول مالك والشافعي ومحمد بن الحسن، فإذا شرط غلماناً يعملون معه فنفقتهم على ما يشترطان عليه فإن أطلقا فهي على رب المال وبهذا قال الشافعي وقال مالك نفقتهم على المساقي ولا ينبغي أن يشرطها على رب المال لأن العمل على المساقي فمؤنة من يعمله عليه كمؤنة غلمانه ولنا أنه مملوك رب المال فكانت نفقته عليه عند الإطلاق كما لو أجرة فإن شرطها على العامل جاز ولا يشترط تقديرها وبه قال الشافعي وقال محمد بن الحسن يشترط لأنه إشترط عليه مالا يلزمه فوجب أن يكون معلوماً كسائر الشروط ولنا أنه لو وجب تقديرها لوجب ذكر صفاتها ولا يجب ذلك فلم يجب تقدبرها ولابد من معرفة الغلمان المشروط عملهم برؤية أو صفة تحصل بها معرفتهم كما في عقد الإجارة (فصل) فإن شرط العامل أن أجر الأجراء الذين يحتاج الى الاستعانة بهم من الثمرة وقدر الأجرة لم يصح لأن العمل عليه فإذا شرط أجرة من المال لم يصح كما لو شرط لنفسه أجر عمله وكذلك إن لم يقدره لذلك لأنه مجهول، ويفارق هذا ما إذا شرط المضارب أجر من يحتاج إليهم من الحمالين ونحوهم لأن ذلك لا يلزم العامل فكان على المال ولو شرط أجرما يلزمه عمله بنفسه لم يصح (مسألة) (وحكم العامل حكم المضارب فيما يقبل قوله فيه وفيما يرد)

وحكم العامل حكم المضارب فيما يقبل قوله فيه وفيما يرد

لأن رب المال ائتمنه فأشبه المضارب فإن إتهم حلف وإن ثبتت خيانته ضم إليه من اشاء ربه كالوصي إذا ثبتت خيانته فإن لم يمكن حفظه استؤجر من ماله من يعمل عمله، وبهذا قال الشافعي وقال أصحاب مالك لا يقام غيره مقامه بل يحفظ منه لأن فسقه لا يمنع استيفاء المنافع المقصودة منه فأشبه ما لو فسق بغير الخيانة ولنا أنه تعذر استيفاء المنافع المقصودة منه فاستوفيت بغيره كما لو هرب ولانسلم إمكان استيفاء المنافع منه لأنه لا يؤمن من تركها ولا يوثق منه بفعلها ولا نقول إن له فسخ المساقاة وإنما نقول لما لم يمكن حفظها من خيانتك أقم غيرك يعمل ذلك وارفع يدك عنها لأن الأمانة قد تعذرت في حقك فلا يلزم رب المال أئتمانك وفارق فسقه بغير الخيانة فإنه لا ضرر على رب المال فيها وههنا يفوت ماله، فإن عجز عن العمل لضعفه مع أماننه ضم إليه غيره ولا تنزع يده لأن العمل مستحق عليه ولا ضرر في بقاء يده عليه وإن عجز بالكلية أقام مقامه من يعمل والأجرة عليه في الموضعين لأن عليه تمام العمل وهذا من تمامه (فصل) ويملك العامل حصته من الثمرة بظهورها فلو تلفت كلها إلا واحدة كانت بينهما وهذا أحد قولي الشافعي والثاني يملكه بالمقاسمة كالمضارب ولنا أن الشرط صحيح فيثبت مقتضاه كسائر الشروط الصحيحة ومقتضاه كون الثمرة بينهما على كل حال، وأما القراض فنقول إنه يملك الربح بالظهور كمسئلتنا وإن سلم فالفرق بينهما أن الربح وقاية

لرأس المال فلم يملك حتى سلم رأس المال لربه وهذا ليس بوقاية لشئ فإنه لو تلفت الأصول كلها كان الثمر بينهما. إذا ثبت ذلك فإنه يلزم كل واحد منهما زكاة حصته إذا بلغت نصاباً نص عليه أحمد في المزارعة فإن لم تبلغ نصاباً الا بجمعهما لم تجب الاعلى قولنا أن الخلطة تؤثرفي غير السائمة، فيبدأ بإخراج الزكاة ثم يقسمان ما بقي فإن بلغت حصة أحدهما نصاباً دون الآخر فعلى من بلغت حصته نصاباً الزكاة وحده يخرجها بعد المقاسمة إلا أن يكون لمن لم تبلغ حصته نصاباً ما يتم به النصاب من موضع آخر فيجب عليهما جميعاً، وإن كان أحدهما لا زكاة عليه كالمكاتب والذمي فعلى الآخر زكاة حصته إن بلغت نصاباً وبهذا كله قال مالك والشافعي وقال الليث إن كان شريكه نصرانياً أعلمه أن الزكاة مؤداة في الحائط ثم يقاسمه بعد الزكاة ما بقي ولنا أن النصراني لا زكاة عليه فلم يخرج من حصته شئ كما لو انفرد بها وقد روى أبو داود سنته عن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث عبد الله بن رواحة فخيرض النخيل حين يطيب قبل أن يؤكل ثم يخبر يهود خيبر أيأخذونه بذلك الخرص أم يدفعونه إليهم بذلك الخرص؟ لكي تحصى الزكاة قبل أن تؤكل الثمار ويفترق قال جابر خرصها ابن رواحة أربعين ألف وسق وزعم أن اليهود لما خيرهم ابن رواحة أخذوا الثمر وعليهم عشرون ألف وسق (فصل) وإن ساقاة على أرض خراجيه فالخراج على رب المال لأنه يجب على الرقبة بدنه أليل

تجب سواء أثمرت الشجرة أو لم تثمر ولأن الخراج يجب أجرة للأرض فكان على رب الأرض كما لو اسنأجر أرضا وزارع غيره فيها وبه قال الشافعي، وقد نقل أحمد في الذي يتقبل الأرض البيضاء لعمل عليها وهي من أرض السواد يقبلها من السلطان فعلى من تقبلها أن يؤدي وظيفة عمر رضي الله عنه ويؤدي العشر بعد وظيفة عمر وهذا معناه والله أعلم إذا دفع السلطان أرض الخراج إلى رجل يعملها ويؤدي خراجها فأنه يبدأ بخراجها ثم يزكي ما بقي كما ذكر الخراقي في باب الزكاة ولا تنافي بين ذلك وبين ما ذكرناه ههنا (فصل) ولا يجوز أن يجعل له فضل دراهم زائدة على ما شرط له من الثمرة بغير خلاف لأنه ربما يحدث من النماء بقدر تلك الدراهم فيضر برب المال ولذلك معنا من إشتراط أقفزة معلومة فإن جعل له ثمرة سنة غير السنة التي ساقاه عليها فيها أو ثمر شجر غير الشجر الذي ساقاه عليه لم يجز وكذلك لو شرط عليه في غير الشجر الذي ساقاه عليه أو عملا في السنة فهذا يفسد العقد سواء جعل ذلك كله حقه أو بعضه أو جميع العمل أو بعضه لأنه يخالف موضع المساقاة إذ موضوعها أن يعمل في شجر معين بجزء مشاع من ثمرته في ذلك الوقت الذي يستحق عليه فيه العمل (فصل) إذا ساقاه رجلاً أو زارعة فعامل العامل غيره على الأرض أو الشجر لم يجز وبه قال أبو يوسف وأبو ثور وأجازه مالك إذا جاء برجل أمين

ولنا أنه عامل في المال بجزء من نمائه فلم يجز أن يعامل غيره فيه كالمضارب ولأنه إنما أذن له في العمل فيه فلم يجز أن يأذن لغيره كالوكيل، فأما إن استأجر أرضاً فإنه يزارع غيره فيها لأن منافعها صارت مستحقة له فملك المزارعة فيها كالمالك والأجرة على المستأجر دون المزارع كما ذكرنا في الخراج وكذلك يجوز لمن في يده أرض خراجية أن يزارع فيها لأنها كالمستأجرة وللموقوف عليه أن يزارع في الوقف ويساقي على شجره لأنه أما مالك لرقبة ذلك أو بمنزلة المالك ولا نعلم فيه خلافا عند من أجاز المساقاة والمزارعة (فصل) وإن ساقاه على شجرفبان مستحقاً بعد العمل أخذه وبه وثمرته لأنه عين ماله ولاحق للعامل في ثمرته ولانه عمل فيها بغير إذن مالكها ولا أجرة له لذلك وله على الغاصب أجر مثله لأنه غره واستعمله فأشبه مالو غصب نقرة واستأجر من ضربها دراهم، وإن شمس الثمرة فلم تنقص أخذهما ربها وإن نقصت فله أرش نقصها ويرجع به على من شاء منهما ويستقر الضمان على الغاصب، وان استحقت بعد أن اقتسماها وأكلاها فللمالك تضمين من شاء منهما فإن ضمن الغاصب فله تضمينه الكل وله تضمينه قدر نصيبه وتضمين العامل قدر نصيبه لأن الغاصب سبب يد العامل فلزمه ضمان الجميع فإن ضمنه الكل رجع على العامل بقدر نصيبه لأن التلف حصل في يده فاستقر الضمان عليه ويرجع العامل على الغاصب بأجر مثله ويحتمل أن لا يرجع الغاصب على العامل بشئ لأنه غره فلم يرجع عليه كما لو أطعم إنساناً

وإن شرط إن سقى سيحا فله الربع وإن سقى بكلفة فله النصف أو إن زرعها شعيرا فله الربع وإن زرعها حنطة فله النصف لم يصح في أحد الوجهين

شيئاً وقال كله فإنه طعامي ثم تبين أنه مغصوب، وإن ضمن العامل احتمل أنه لا يضمنه إلا نصيبه خاصة لأنه ما قبض الثمرة كلها وإنما كان مراعياً لها وحافظاً فلا يلزمه ضمانها ما لم يقبضها ويحتمل أن يضمنه الكل لانه يده ثبتت على الكل مشاهدة بغير حق فإن ضمنه الكل رجع على الغاصب ببدل نصيبه منها وأجر مثله، وإن ضمن كل واحد منهما ما صار إليه رجع العامل على الغاصب بأجر مثله لا غير وإن تلفت الثمرة في شجرها أو بعد الجذاذ قبل القسمة فمن جعل العامل قابضاً لها بثبوت يده على حائطها قال يلزمه ضمانها ومن قال لا يكون قابضاً إلا بأخذ نصيبه منها قال لا يلزمه الضمان ويكون على الغاصب (مسألة) (وإن شرط إن سقى سيحاً فله الربع وإن سقى بكلفة فله النصف أو إن زرعها شعيراً فله الربع وإن زرعها حنطة فله النصف لم يصح في أحد الوجهين) لأن العمل مجهول والنصيب مجهول وهو في معنى يعتين في بيعه (والثاني) يصح بناء على قوله في الإجارة إن خطته روميا فلك درهم وإن خطته فارسيا فلك نصف درهم فإنه ثصح في المنصوص عنه وهذا مثله، فأما إن قال ما زرعتها من شئ فلي نصفه صح لأن النبي صلى الله عليه وسلم ساقى أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من زرع أو ثمر ولو جعل له في المزارعة ثلث الحنطة ونصف الشعير وثلثي الباقلا وبينا قدر ما يزرع من كل واحد من هذه الأنواع أما بتقدير البذر أو تقدير المكان وتعيينه مثل أن يقول

ولو قال ساقيتك هذا البستان بالنصف على أن أساقيك الآخر بالربع لم يصح وجها واحدا

تزرع هذا المكان قحما وهذا شعيراً أو تزرع مدين حنطة ومدي شعير جاز لأن كل واحد من هذه طريق إلى العلم فاكتفى به (مسألة) (وإن قال ما زرعت من شعير فلي ربعه وما زرعت من حنطة فلي نصفه لم يصح) لأن ما يزرعه من كل واحد منهما مجهول القدر فهو كما لو شرطه له في المساقاة ثلث هذا النوع ونصف النوع الآخر وهو جاهل بما فيه منهما (مسألة) (ولو قال سافيتك هذا البستان بالنصف على أن أساقيك الآخر بالربع لم يصح وجهاً واحداً) لأنه يشرط عقداً في عقد فصار في معنى قوله بعتك هذا على أن تبيعني هذا وتشتري منى هذا وإنما فسد لمعنيين (أحدهما) أنه شرط في العقد عقداً آخر والنفع الحاصل بذلك مجهول فكأنه شرط العوض في مقابلة معلوم ومجهول (الثاني) أن العقد الآخر لا يلزم بالشرط فيسقط الشرط وإذا سقط وجب رد الجزء الذي تركه من العوض لا جله وذلك مجهول فيصير الكل مجهولا (فصل) ولو قال لك الخمسان إن كانت عليك خسارة وإن لم يكن عليك خسارة فلك الربع لم يصح نص عليه أحمد وقال هذا شرطان في شرط وكرهه، قال شيخنا ويخرج فيها مثل ما إذا شرط إن سقى سيحاً له الربع وإن سقى بكلفة فله النصف

(فصل) وان ساقى أحد الشريكين شريكه وجعل له من الثمر أكثر من نصيبه مثل أن يكون الأصل بينهما نصفين فجعل له ثلثي الثمرة صح وكان السدس حصته من المساقاة فصار كأنه قال ساقيتك على نصيبي بالثلث وإن جعل الثمرة بينهما نصفين أو جعل للعامل الثلث فهي مساقاة فاسدة لأن العامل يستحق نصفها بملكه فلم يجعل له في مقابلة عمله شيئاً وإذا شرط له الثلث فقد شرط أن غير العامل يأخذ من نصيب العامل ثلثه ويستعمله بلا عوض فلا يصح فإذا عمل في الشجر بناء على هذا كانت الثمرة بينهما بحكم الملك ولا يستحق العامل بعمله شيئاً لأنه تبرع به لرضاه بالعمل بغير عوض فاشبه مالو قال له أنا أعمل فيه بغير شئ وذكر أصحابنا وجهاً آخر أنه يستحق أجر المثل لأن المساقاة تقتضي عوضاً فلم تسقط برضاه بإسقاطه كالنكاح إذا لم يسلم له المسمى يجب فيه مهر المثل ولنا أنه عمل في مال غيره متبرعاً فلم يستحق عوضاً كما لو لم يعقد المساقاة ويفارق النكاح من وجهين (أحدهما) أن عقد النكاح صحيح فوجب به العوض لصحته وهذا فاسد لا يوجب شيئاً (والثاني) أن الابضاع لاتستباح بالبذل والإباحة والعمل ههنا يستباح بذلك، ولأن المهر في النكاح لا يخلو من أن يكون واجباً بالعقد أو بالإصابة أو بهما فإن وجب بالعقد لم يصح قياس هذا عليه لوجهين (أحدهما) أن النكاح صحيح وهذا فاسد (والثاني) أن العقد ههنا لو أوجب لا وجب قبل العمل ولا خلاف أن هذا لا يوجب قبل العمل شيئاً وإن وجب بالإصابة لم يصح القياس عليه أيضاً لوجهين (أحدهما) أن الاصابة لاتستباح بالإباحة والبذل بخلاف العمل (والثاني) أن الإصابة لو خلت من العقد لأوجبت وهذا بخلافه وإن وجب بهما امتنع القياس عليه أيضاً لهذه الوجوه كلها، فأما إن ساقى أحدهما شريكه على أن يعملا معاً فالمساقاة فاسدة والثمرة بينهما على قدر ملكيهما ويتقاصان العمل إن تساويا فيه، وإن كان لأحدهما فضل نظرت فإن كان قد شرط له فضل في مقابلة عمله استحق ما فضل له من أجر المثل وإن لم يشرط فليس له شئ الاعلى الوجه اذي ذكره أصحابنا وتكلمنا عليه

فصل في المزارعة

فصل في المزارعة (مسألة) (تجوز المزارعة بجزء معلوم يجعل للعامل من الزرع في قول أكثر أهل العلم قال البخاري قال أبو جعفر ما بالمدينة أهل بيت إلا ويزرعون على الثلث والربع وزارع علي وسعد وابن مسعود وعمر بن عبد العزيز والقاسم وعروة وآل أبي بكر وآل علي وابن سيرين، وهو قول سعيد بن المسيب وطاوس وعبد الرحمن

ابن الاسود وموسى بن طلحة والزهري وعبد الرحمن بن أبى ليلى وابنه وأبي يوسف ومحمد وروي ذلك عن معاذ والحسن وعبد الرحمن بن مرثد، قال البخاري وعامل عمر الناس على أنه ان جاء عمر بالبذر من عنده فله الشطر وإن جاءوا بالبذر فلهم كذا وكذا. وكرهها عكرمة ومجاهد والنخعي ومالك وأبو حنيفة وروي عن ابن عباس الأمران جميعاً، وأجازها الشافعي في الأرض بين النخل إذا كان بياض الأرض أقل فإن كان أكثر فعلى وجهين، ومنهما في الأرض البيضاء لما روى رافع بن خديج قال كنا نخابر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر أن بعض عمومته أتاه فقال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمر كان لنا نافعاً وطواعية رسول الله صلى الله عليه وسلم أنفع قلنا ما ذاك؟ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من كانت له أرض فليزرعها ولا يكريها بثلث ولا بربع ولا بطعام مسمى) وعن ابن عمر قال ما كنا نرى بالمزارعة بأساً حتى سمعت رافع بن خديج يقول نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها وقال جابر نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المخابرة، وهذه كلها أحاديث صحاح متفق عليها والمخابرة المزارعة واشتقاقها من الخبار وهي الأرض اللينة والخبير الأكار وقيل المخابرة معاملة أهل خيبر وقد جاء حديث جابر مفسراً فروى البخاري عن جابر قال كانوا يزرعونها بالثلث والربع والنصف فقال النبي صلى الله عليه وسلم (من كانت له أرض فلبزرعها أو لمينحها فان لم يفعل فليمسك أرضه) وروي تفسيرها عن زيد بن ثابت فروى أبو داود بإسناده عن زيد بن ثابت قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المخابرة قلت وما المخابرة؟ قال ((أن يأخذ الأرض بنصف أو ثلث أو ربع) ولنا ما روى ابن عمر قال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من زرع أو ثمر متفق عليه، وقد روى ذلك عن ابن عباس وجابر بن عبد الله وقال أبو جعفر عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل خبير بالشطر ثم أبو بكر ثم عمر وعثمان وعلي ثم أهلوهم إلى اليوم يعطون الثلث والربع وهذا صحيح مشهور عمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مات ثم خلفاؤه الراشدون حتى ما تواثم أهلوهم ثم من بعدهم لم يبق بالمدينة أهل بيت إلا عمل به وعمل به أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعده

فروى البخاري عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من زرع أو ثمر فكان يعطي أزواجه مائة وسق ثمانون وسقاً تمراً وعشرون وسقاً شعيراً فقسم عمر خيبر فخير أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقطع لهن من الماء والأرض أو يمضي لهن الأوسق فمنهن من اختار الأرض ومنهن من اختار الوسق فكانت عائشة إختارت الأرض، فإن قيل حديث خيبر منسوخ بخبر رافع قلنا مثل هذا لا يجوز أن ينسخ لان التسخ إنما يكون في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاما شئ عمل به إلى أن مات ثم عمل به خلفاؤه بعده وأجمعت الصحابة رضي الله عنهم عليه وعملوا به ولم يخالف فيه منهم أحد فكيف يجوز نسخه ومتى نسخ؟ فإن كان نسخ في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف عمل به بعد نسخه؟ وكيف خفي نسخه فلم يبلغ خلفاءه مع اشتهار قصة خيبر وعملهم فيها؟ وأبن كان راوي النسخ حتى لم يذكره ولم يخبرهم به فأما ما احتجوا به فالجواب عن حديث رافع من أربعة أوجه (أحدها) أنه قد فسر المنهي عنه في حديثه بما لا يختلف في فساده فإنه قال كنا من أكثر الأنصار حقلا فكنا فكري الأرض على أن لنا هذه، ولهم هذه فربما أخرجت هذه ولم تخرج هذه فنهانا عن ذلك فأما الذهب والورق فلم ينهنا متفق عليه وفي لفظ فأما بشئ معلوم مضمون فلا بأس، وهذا خارج عن محل الخلاف فلا دليل فيه عليه ولا تعارض بين الحديثين (والثاني) أن خبره ورد في الكراء بثلث أو ربع والنزاع في المزارعة

ولم يدل حديثه عليها أصلاً وحديثه الذي فيه المزارعة يحمل على الكراء أيضاً لأن القصة واحدة أتت بألفاظ مختلفة فيجب تفسير أحد اللفظين بما يوافق الآخر (الثالث) أن أحاديث رافع مضطربة جداً مختلفة اختلافاً كثيرا يوجب ترك العمل بها لو انفردت فكيف تقدم على مثل حديثنا، قال الامام أحمد حديث رافع ألوان وقال ابن المنذر قد جاءت الأخبار عن رافع بعلل تدل على أن النهي كان لذلك (منها) الذي ذكرنا (ومنها) خمس أخرى وقد أنكره فقيهان من فقهاء الصحابة زيد بن ثابت وابن عباس، قال زيد أنا أعلم بذلك منه وإنما سمع النبي صلى الله عليه وسلم الرجلين قد اقتتلا فقال (إن كان هذا شأنكم فلا تكرو المزارع) رواه أبو داود، وروي البخاري عن عمرو ابن دينار قال قلت لطاوس لو تركت المخابرة فإنهم يزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنها قال إن أعلمهم يعني ابن عباس أخبرني أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينه عنها ولكن قال (أن يمنع أحدكم خير له من أن يأخذ عليها خراجاً معلوماً) ثم أن أحاديث رافع منها ما يخالف الإجماع وهو النهي عن كراء المزارع على الإطلاق ومنها مالا يختلف في فساده كما قد بينا، وتارة يحدث عن بعض عمومته وتارة عن سماعة وتارة عن ظهير بن رافع وإذا كانت أخبار رافع هكذا وجب إطراحها واستعمال الأخبار الواردة في شأن خيبر الجارية مجرى التواتر التي لا اختلاف فيها وقد عمل بها الخلفاء الراشدون وغيرهم فلا معنى لتركها بمثل هذه الأحاديث والجواب الرابع أنه لو قدر صحة خبر رافع وامتنع تأويله وتعذر الجمع وجب حمله على أنه منسوخ

لأنه لا بد من نسخ أحد الخبرين ويستحيل القول بنسخ خبر خيبر لكونه معمولاً به من جهة النبي صلى الله عليه وسلم الى حين موته ثم من بعده إلى عصر التابعين فمتى كان نسخه؟ فأما حديث جابر في النهي عن المخابرة فيجب حمله على أحد الوجوه التي حمل عليها خبر رافع فإنه قد روي حديث خيبر أيضاً فيجب الجمع بين حديثيه مهما أمكن ثم لو حمل على المزارعة لكان منسوخاً بقصة خيبر لا ستحالة نسخها كما ذكرنا وكذلك القول في حديث زيد بن ثابت، فإن قال أصحاب الشافعي تحمل أحاديثكم على الأرض التي بين النخيل وأحاديث النهي على الأرض البيضاء جمعاً بينهما قلنا هذا بعيد لوجوه خمسة (أحدهما) أنه يبعد أن تكون بلدة كبيرة يأني منها أربعون ألف وسق ليس فيها أرض بيضاء ويبعد أن يكون قد عاملهم على بعض الأرض دون بعض فينقل الرواة كلهم القصة على العموم من غير تفصيل مع الحاجة إليه (الثاني) أن ما يذكرونه من التأويل لا دليل عليه وما ذكرناه دلت عليه بعض الروايات وفسره رواية بما ذكرناه، وليس معهم سوى الجمع بين الأحاديث والجمع بينهما بحمل بعضها على ما فسره رواية به أولى من التحكم بما لادليل عليه (الثالث) أن قولهم يفضي إلى تقييد كل واحد من الحديثين وما ذكرناه حمل لأحدهما على بعض محتملاته لاغير (الرابع) أن فيما ذكرناه موافقة عمل الخلفاء الراشدين وأهليهم وفقهاء الصحابة وهم أعلم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته ومعانيها فكان أولى من قول من خالفهم (الخامس) أن ما ذهبنا إليه مجمع عليه على ما رواه أبو جعفر رحمه الله عليه وما روي في مخالفته فقد بينا فساده فيكون هذا إجماع من الصحابة رضي الله عنهم

فإن كان في الأرض شجر فزارعه الأرض وساقاه على الشجر صح

فلا يسوع لأحد خلافه والقياس يقتضيه فإن الأرض عين تنمى بالعمل فجازت المعاملة عليها ببعض نمائها كالمال في المضاربة والنخل في المساقاة، ولأنه أرض فجازت المزارعة عليها كالأرض بين النخل، ولأن الحاجة داعية إلى المزارعة لأن أصحاب الأرض لا يقدرون على زرعها والعمل عليها والأكرة يحتاجون إلى الزرع ولا أرض لهم فاقتضت الحكمة جواز المزارعة كما قلنا في المضاربة والمساقاة بل ههنا آكد لأن الحاجة إلى الزرع آكد منها إلى غيره لكونه قوتاً ولأن الأرض لا يفتفع بها إلا بالعمل فيها بخلاف المال والله أعلم (مسألة) (فان كان في الأرض شجر فزارعه الأرض وساقاه على الشجر صح) سواء قل بياض الأرض أو كثر نص عليه أحمد وقال قد دفع النبي صلى الله عليه وسلم خيبر على هذا وبهذا قال كل من أجاز المزارعة في الأرض المفردة، فإذا قال ساقيتك على الشجر وزارعتك على الأرض بالنصف جاز وكذلك إن قال عاملتك على النصف لأن المعاملة تشملهما، وإن قال زارعتك الأرض بالنصف وساقيتك على الشجر بالربع جاز كما يجوز أن يساقيه على أنواع من الشجر ويجعل له في كل نوع قدراً، وإن قال ساقيتك على الأرض والشجر بالنصف جاز لان المزارعة مساقاة من حيث إنها تحتاج الى السقي، وقال أصحاب الشافعي لا يصح لأن المساقاة لا نتناول الأرض فصح في النخل وحده وقيل ينبني على تفريق الصفقة

ولا يشترط كون البذر من رب الأرض وظاهر المذهب اشتراطه

ولنا أنه عبر عن عقد بلفظ عقد يشاركه في المعنى المشهور به في الإشتقاق فصح كما لو عقد بلفظ البيع في السلم، وهكذا إن قال في الأرض البيضاء ساقيتك على هذه الأرض بنصف ما يزرع فيها، فإن قال ساقيتك على الشجر بالنصف ولم يذكر الأرض لم تدخل في العقد، وليس للعامل أن يزرع وبه قال الشافعي، وقال مالك وأبو يوسف: الداخل زرع البياض، فإن تشارطا أن ذلك بينهما فهو جائز، وإن اشترط صاحب الأرض أنه يزرع البياضن لم يصح لأن الداخل يسقي لرب الأرض فتلك زيادة ازدادها عليه ولنا أن هذا لم يتناوله العقد فلم يدخل فيه كما لو كانت أرضاً منفردة (فصل) وإن زارعه أرضاً فيها شجرات يسيرة لم يجز أن يشترط العامل ثمرتها وبه قال الشافعي وابن المنذر وأجازه مالك اذا كان الشجر يقدر الثلث أو أقل لأنه يسير فيدخل تبعاً، ولنا أنه اشترط الثمرة كلها فلم يجز كما لو كان الشجر أكثر من الثلث (فصل) وإن أجره بياض الأرض وساقاه على الشجر الذي فيها جاز لأنهما عقدان يجوز افراد كل واحد منهما فجاز الجمع بينهما كالبيع والإجارة، وقيل لا يجوز بناء على الوجه الذي لا يجوز الجمع بينهما في الأصل والأول أولى إلا أن يفعلا ذلك حيلة على شراء الثمرة قبل وجودها أو قبل بدو صلاحها فلا يجوز سواء جمعا بين العقدين أو عقدا أحدهما بعد الآخر لما ذكرنا في إبطال الحيل (مسألة) (ولا يشترط كون البذر من رب الأرض وظاهر المذهب اشتراطه) اختلفت الرواية عن أحمد في هذه المسألة فروى عنه اشتراط كون البذر من رب الأرض نص

عليه في رواية جماعة وهو اختيار الخرقي وعامة الأصحاب وهو قول ابن سيرين والشافعي واسحاق لأنه عقد يشترك رب المال والعامل في نمائه فوجب أن يكون رأس المال كله من عند أحدهما كالمساقاة والمضاربة، وروي عنه ما يذل على أن البذر يجوز أن يكون من العامل فإنه قال في رواية منها في الرجل يكون له الأرض فيها نخل وشجر يدفعها إلى قوم يزرعون الأرض ويقومون على الشجر على أنه له النصف ولهم النصف فلا بأس بذلك فدفع النبي صلى الله عليه وسلم خيبر على هذا، فأجاز دفع الأرض ليزرعها من غير ذكر البذر، فعلى هذا أيهما أخرج البذر جاز، روي نحو ذلك عن عمر رضي الله عنه وهو قول أبي يوسف وطائفة من أهل الحديث وهو أصح إن شاء الله تعالى وروي عن سعد وابن مسعود وابن عمر أن البذر من العامل، ولعلهم أرادوايه أنه يجوز أن يكون من العامل فيكون كقول عمر ولا يكون قولاً ثالثاً، والدليل على ذلك قول ابن عمر دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يهود خيبر نخل خيبر وأرضها على أن يعملوها من أموالهم ولرسول الله صلى الله عليه وسلم شطر ثمرها وفي لفظ على أن يعملوها ويزرعوها ولهم شطر ما يخرج منها فجعل عملها من أموالهم وزرعها عليهم ولم يذكر شيئاً آخر وظاهره أن البذر من أهل خيبر، والأصل المعمول به في المزارعة قصة خيبر ولم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم إن البذر على المسلمين ولو كان شرطا لما أخل بذكره ولو فعله النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لنقل ولم يجز ترك نقله ولأن عمر رضي الله عنه فعل الأمرين جميعاً فروي البخاري عنه أنه عامل الناس على

أنه إن جاء عمر بالبذر من عنده فله الشطر وان جاء وابالبذر فلهم كذا، وظاهر هذا أن ذلك اشتهر فلم ينكر فكان اجماعا، فإن قيل هذا بمنزلة بيعتين في بيعه فكيف يفعله عمر؟ قلنا يحمل على أنه فعل ذلك ليخيرهم في أي العقدين شاءوا فمن اختار عقداً عقده معه معيناً كما لو قال في البيع إن شئت بعتك بعشرة صحاح وإن شئت بأحد عشر مكسرة فاختار أحدهما فعقد البيع عليه معيناً، ويجوز أن يكون مجيئه بالبذر أو شروعه في العمل بغير بذر مع إقرار عمر له على ذلك وعمله به جرى مجرى العقد، ولهذا روي عن أحمد صحة الإجارة فيما إذا قال إن خطته روميا فلك درهم وإن خطته فارسيا فلك نصف درهم، وما ذكره أصحابنا من القياس يخالف ظاهر النص والإجماع الذي ذكرنا هما فكيف يعمل به؟ ثم هو منتقض بما إذا اشترك مالان ببدن صاحب أحدهما (فصل) فإن كان البذر منهما نصفين وشرطا أن الزرع بينهما نصفان فهو بينهما سواء قلنا بصحة المزارعة أو فسادها لأنها إن كانت صحيحة فالزرع بينهما على ما شرطاه وإن كانت فاسدة فلكل واحد منهما بقدر بذره لكن إن حكمنا بصحتها لم يرجع أحدهما على صاحبه بشئ وان وإن قلنا من شرط صحتها أن يكون البذر من رب الأرض فهي فاسدة فعلى العامل نصف أجر الأرض وله على رب الأرض نصف أجر عمله فيتقاصان بقدر الأقل منهما ويرجع أحدهما على صاحبه بالفضل، وإن شرطا التفاضل في الرزع وقلنا بصحتها فالزرع بينهما على ما شرطاه ولا تراجع وإن قلنا بفسادها فالزرع بينهما

فإن شرط أن يأخذ رب الأرض مثل بذره ويقتسما الباقي لم يصح

على قدر البذر ويتراجعان كما ذكرنا وكذلك إن تفاضلا في البذر وشرطا التساوي في الزرع أو شرطا لأحدهما أكثر من قدر بذره أو أقل (فصل) فإن قال صاحب الأرض أجرتك نصف أرضي بنصف البذر ونصف منفعتك ومنفعة بقرك وآلتك وأخرج المزارع البذر كله لم يصح لأن المنفعة غير معلومة وكذلك لو جعلها أجرة لأرض أخرى أو داراً لم يجز والزرع كله للمزارع وعليه أجر مثل الأرض فإن أمكن علم المنفعة وضبطها بما لا يختلف معه ومعرفة البذز جاز كان الزرع بينهما ويحتمل أن لا يصح لأن البذر عوض في الإجارة فيشترط قبضه كما لو كان مبيعاً وما حصل فيه قبض وإن قال أجرتك نصف أرضي بنصف منفعتك ومنفعة بقرك وآلتك وأخرجا البذر فهي كالتي قبلها إلا أن الزرع يكون بنهما على كل حال (مسألة) (فإن شرط أن يأخذ رب الأرض مثل بذره ويقتسما الباقي لم يصح) لأنه كأنه اشترط لنفسه قفزاناً معلومة وهو شرط فاسد تفسديه المزارعة لأن الأرض ربما لا تخرج إلا تلك القفزان فيختص رب المال بها وربما لا تخرجه وموضوع المرزاعة على اشتراكهما في الزرع (مسألة) (وكذلك لو شرطا لأحدهما دراهم معلومة أو زرع ناحية معينة أو شرط لأحدهما ما على الجداول إما منفرداً أو مع نصيبه فهو فاسد بإجماع العلماء) لأن الخبر صحيح في النهي عنه غير معارض ولا منسوخ ولأنه ربما تلف ما عين لأحدهما دون الآخر فينفرد أحدهما بالغلة دون صاحبه

وحكم المزارعة حكم المساقاة

(مسألة) (ومتى فسد فالزرع لصاحب البذر) لأنه عين ماله ينقلب من حال إلى حال وينمي فهو كصغار الشجر إذا غرس فطال وعليه إجرة صاحبه فإن كان البذر من العامل فعليه إجرة الأرض لأن ربها إنما بذلها بعوض لم يسلم له فرجع إلى عوض منافعها الفائتة بزرعها على الزرع وإن فسدت والبذر من رب الأرض فالزرع له لما ذكرنا وعليه مثل أجر العامل لذلك وإن كان منهما فالزرع بينهما على قدر البذر ويتراجعان بما يفضل لأحدهما على ما ذكرنا (مسألة) وحكم المزارعة حكم المساقاة) فيما ذكرنا من الجواز واللزوم وأنها لا تجوز إلا بجزء للعامل من الزرع وما يلزم العامل ورب الأرض وغير ذلك من أحكامها لأنها معاملة على الأرض ببعض نمائها (مسألة) (والحصاد على العامل نص عليه وكذلك الجذاذ وعنه أن الجذاذ عليهما) الجذاذ والحصاد واللقاط على العامل نص عليه أحمد في الحصاد وهو مذهب الشافعي لأنه من العمل فكان على العمل كالتشميس، وروى عن أحمد في الجذاذ أنه إذا شرط على العامل فجائز لأن العمل عليه وإن لم يشرطه فعلى رب المال بحصة ما يصير إليه وعلى العامل بحصة ما يصير إليه فجعل الجذاذ

وإن قال أنا أزرع الأرض بذري وعواملي وتسقيها بمائك والزرع بيننا ففيها روايتان

عليهما وأجاز إشتراطه على العامل وهو قول بعض الشافعية، وقال محمد بن الحسن تفسد المساقاة بشرطه على العامل لأنه شرط ينافي مقتضى العقد، وإحتج من جعله عليهما بأنه بعد تكامل الثمرة وإنقضاء المعاملة فأشبه نقله إلى منزلة ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم دفع خيبر إلى يهود خيبر على أن يعملوها من أموالهم ولأن هذا من العمل أشبه التشميس وبه يبطل ما ذكروه، وفارق النقل إلى المنزل فأنه يكون بعد القسمة وزوال العقد فأشبه المخزن (فصل) وإن دفع رجل بذره إلى صاحب الأرض ليرزعه في أرضه ويكون ما يخرج بينهما فهو فاسد لأن البذر ليس من رب الأرض ولا من العامل ويكون الزرع لمالك البذر وعليه أجر الأرض والعمل ويتخرج أن تنبني صحته على إحدى الروايتين كالمسألة التي بعدها (مسألة) وإن قال أنا أزرع الأرض بذري وعواملي وتسفيها بمائك والزرع بيننا ففيها روايتان (إحداهما) لا تصح إختارها القاضي لأن موضوع المزراعة على أن من تكون أحدهما اقترض من الآخر العمل وصاحب الماء ليس منه أرض ولا عمل بذر ولأن الماء لا يباع ولا يستأجر فكيف تصح المزارعة به؟ (والثانية) تصح اختارها أبو بكر ونقلها عن أحمد يعقوب بن بختان وحرب لأن الماء أحد ما يحتاج إليه في الزرع فجاز أن يكون من أحدهما كالأرض والعمل والأول أصح لأن هذا ليس بمنصوص عليه ولا هو في معنى المنصوص

(فصل) وإن اشترك ثلاثة من أحدهم الأرض ومن الآخر البذر ومن الآخر البقر والعمل على أن ما رزق الله تعالى بينهم فعملوا فهذا عقد فاسد نص عليه أحمد في رواية أبي داود ومنها واحمد ابن القاسم، وذكر حديث مجاهد في أربعة اشتركوا في زرع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحدهم علي الفدان وقال الآخر قبلي الأرض وقال الآخر قبلي البذر وقال الا خر قبلي العمل فجعل النبي صلى الله عليه وسلم الزرع لصاحب البذر وألغى صاحب الأرض وجعل لصاحب العمل كل يوم درهماً ولصاحب الفدان شيئاً معلوماً، فقال أحمد لا يصح والعمل على غيره وذكر هذا الحديث سعيد بن منصور عن الوليد ابن مسلم عن الأوزاعي عن واصل بن أبي جميل عن مجاهد وقال في آخره فحدثبت به مكحو لا فقال ما يسرني بهذا الحديث وصيفا، وحكم هذه المسألة حكم المسألة التي ذكرنا ها في أول الفصل وهما فاسدتان لأن موضوع المزارعة على أن البذر من رب الأرض أو من العامل وليس هو واحد منهما، وليست شركة لأن الشركة تكون بالأثمان فإن كانت بالعروض اعتبر كونها معلومة ولم يوجد شئ من ذلك ههنا، ولا هي إجارة لأن الإجارة تفتقر إلى مدة معلومة وعوض معلوم وبهذا قال مالك والشافعي وأصحاب الرأي. فعلى هذا يكون الزرع لصاحب البذر لأنه نماء ماله ولصاحبيه عليه أجر مثلهما لأنهما دخلا على أن يسلم لهما المسمى فإذا لم يسلم عاد إلى بدله وبهذا قال الشافعي وأبو ثور، وقال أصحاب الرأي يتصدق بالفضل والصحيح أن النماء لصاحب البذر لا تلزمه الصدقة به كسائر ماله

وإن زارع شريكه في نصيبه صح

(فصل) فإن كانت الأرض لثلاثة فاشتركوا على أن يزرعوها ببذرهم ودوابهم وأعوانهم على أن ما أخرج الله بينهم على قدر مالهم جاز وبه قال مالك والشافعي وابن المنذر ولا نعلم فيه خلافا لأن أحدهم لا يفضل صاحبه بشئ فصل فان زارع رجلاً أو آجره أرضه فزرعها وسقط منن الحب شئ فنبت في تلك الأرض عاماً آخر فهو لصاحب الأرض نص عليه أحمد في رواية أبي داود ومحمد بن الحارث، وقال الشافعي هو هو لصاحب الحب لأنه عين ماله فهو كما لو بذره قصداً ولنا أن صاحب الحب أسقط حقه منه بحكم العرف وزال ملكه عنه لأن العادة ترك ذلك لمن يأخذه ولهذا أبيح له التقاطه ورعيه ولا نعلم خلافاً في إباحة التقاط ما خلفه الحصادون من سنبل وحب وغيرهما فجرى ذلك مجرى نبذه على سيبل الترك له وصار كالشئ التافه يسقط منه الثمرة والقمة ونحوهما والنوى لو التقطه إنسان فغرسه كان له دون من سقط منه كذا هذا (مسألة) (وإن زارع شريكه في نصيبه صح) إذا جعل له في الزرع أكثر من نصيبه مثل أن تكون الأرض بينهما نصفين فجعل للعامل الثلثين صح وكان السدس حصته من المزارعة فصار كأنه قال زارعتك على نصيبي بالثلث فصح كما لو زارع

فصل في إجارة الأرض

أجنبياً، وفيه وجه آخر أنه لا يصح لأن النصف للمزارع ولا يصح إن يزارع الإنسان لنفسه فإذا فسد في نصيبه فسد في الجميع كما لو جمع في البيع بين ما يصح ومالا يصح والأول أصح إن شاء الله تعالى وقد ذكرنا في المساقاة نحو هذا (فصل في إجارة الأرض) تجوز إجارتها بالذهب والفضة وسائر العروض غير المطعوم في قول عامة أهل العلم، قال أحمد: قلما إختلفوا في الذهب والورق، وقال ابن المنذر: اجمع عوام أهل العلم على أن إكتراء الأرض وقتاً معلوماً جائز بالذهب والفضة. وروي هذا القول عن سعد ورافع بن خديج وابن عمر وابن عباس وبه قال سعيد بن المسيب وعروة والقاسم ومالك والليث والشافعي واسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي أروي عن طاوس والحسن كراهة ذلك لما روى رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء المزارع متفق عليه. ولنا أن رافعاً قال أما بالذهب والورق فلم ينهنا يعني النبي صلى الله عليه وسلم متفق عليه ولمسلم (اما بشئ معلوم مضمون فلا بأس) وعن حنظلة بن قيس أنه سأل رافع بن خديج عن كراء الأرض فقال نهى رسول

الله صلى الله عليه وسلم عن كراء الأرض فقلت بالذهب والفضة؟ قال إنما نهى عنها ببعض ما يخرج منها أما بالذهب والفضة فلا بأس متفق عليه، وعن سعد قال: كنا نكري الأرض بما على السواقي وما سعد بالماء منها فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك وأمرنا أن نكربها بذهب أو فضة. رواه أبو داود، ولأنها عين يمكن استيفاء المنفعة المباحة منها مع بقائها فجازت إجارتها بالأثمان ونحوها كالدور، والحكم في العروض كالحكم في الأثمان. وأما حديثهم فقد فسره الراري بما ذكرنا عنه فلا يجوز الاحتجاج به على غيره وحديثنا مفسر لحديثهم فان راويهما واحد وقد رواه عاماً وخاصاً فيحمل العام على الخاص مع موافقة الخاص لسائر الأحاديث والقياس وقول أكثر أهل العلم فأما إجارتها بطعام فتقسم ثلاثة أقسام (أحدها) أن يؤجرها بطعام معلوم غير الخارج منها فيجوز نص عليه أحمد في رواية الحسن بن ثواب وهو قول أكثر أهل العلم منهم سعيد بن جبير وعكرمة والنخعي والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي، ومنع منه مالك حتى منع إجارتها باللبن والعسل، وقد روي عن أحمد أنه قال ربما تهيبته، قال القاضي هذا من أحمد على سبيل الورع ومذهبه الجواز، وإحتج مالك بما روى رافع بن خديج عن بعض عمومته قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من كانت له أرض

فلا يكريها بطعام مسمى) رواه أبو داود وابن ماجه. وروى ظهير بن رافع قال: دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (ما تصنعون بمحاقلكم؟) قلت نؤاجرها على الربع أو على الأوسق من التمر أو الشعير قال (لا تفعلوا أزرعوها أو أمسكوها) متفق عليه. وروى أبو سعيد قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة والمحاقلة إستكراء الأرض بالحنطة ولنا قول رافع فاما بشئ معلوم مضمون فلا بأس به ولأنه عوض معلوم مضمون لا يتخذ وسيلة إلى الربا فجازت إجارتها بها كالأثمان وحديث رافع وظهير قد سبق الكلام عليه في المزارعة على انه يحتمل النهي عن إجارتها بذلك إذا كان خارجاً منها، ويحتمل النهي عنه إذا أجرها بالربع والأوسق وحديث أبي سعيد يحتمل المنع من كرائها بالحنطة إذا أكتراها لزرع الحنطة (القسم الثاني) إجارتها بطعام معلوم من جنس ما يزرع فيها كإجارتها بقفزان حنطة ليزرعها فقال أبو الخطاب فيها روايتان (إحداهما) المنع وهي التي ذكرها القاضي مذهبا وهي قوال مالك لما ذكرنا من الأحاديث ولأنه ذريعة إلى المزارعة عليها بشئ معلوم من الخارج منها لأنه يجعل مكان قوله زارعتك أجرتك فتصير

مالك بما روى رافع بن خديج عن بعض عمومته قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من كانت له أرض

فلا يكريها بطعام مسمى) رواه أبو داود وابن ماجه. وروى ظهير بن رافع قال: دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (ما تصنعون بمحاقلكم؟) قلت نؤاجرها على الربع أو على الأوسق من التمر أو الشعير قال (لا تفعلوا أزرعوها أو أمسكوها) متفق عليه. وروى أبو سعيد قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة والمحاقلة إستكراء الأرض بالحنطة ولنا قول رافع فاما بشئ معلوم مضمون فلا بأس به ولأنه عوض معلوم مضمون لا يتخذ وسيلة إلى الربا فجازت إجارتها بها كالأثمان وحديث رافع وظهير قد سبق الكلام عليه في المزارعة على انه يحتمل النهي عن إجارتها بذلك إذا كان خارجاً منها، ويحتمل النهي عنه إذا أجرها بالربع والأوسق وحديث أبي سعيد يحتمل المنع من كرائها بالحنطة إذا أكتراها لزرع الحنطة (القسم الثاني) إجارتها بطعام معلوم من جنس ما يزرع فيها كإجارتها بقفزان حنطة ليزرعها فقال أبو الخطاب فيها روايتان (إحداهما) المنع وهي التي ذكرها القاضي مذهبا وهي قوال مالك لما ذكرنا من الأحاديث ولأنه ذريعة إلى المزارعة عليها بشئ معلوم من الخارج منها لأنه يجعل مكان قوله زارعتك أجرتك فتصير

مزارعة بلفظ الإجارة والذرائع معتبرة (والثانية) جواز ذلك اختارها أبو الخطاب وهو قول أبي حنيفة والشافعي لما ذكرنا في القسم الأول ولأن ما جازت إجارته بغير المطعوم جازت به كالدور (القسم الثالث) إجارتها بجزء مشاع مما يخرج منها كنصف وثلث فالمنصوص عن أحمد جوازه وهو قول أكثر الأصحاب، واختار أبو الخطاب أنها لا تصح وهو قول أبي حنيفة والشافعي وهو الصحيح إن شاء الله تعالى لما تقدم من الأحاديث في النهي من غير معارض لها، ولأنها إجارة بعوض مجهول فلم تصح كإجارتها بثلث ما يخرج من أرض أخرى، فأما نص أحمد في الجواز فيتعين حمله على المزارعة بلفظ الإجارة فيكون حكمها حكم المزراعة فيما ذكرنا من أحكامها، ذكرناه في المساقاة (تم بحمد الله وعونه الجزء الخامس. )

بسم الله الرحمن الرحيم (باب الإجارة) والأصل في جوازها الكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب فقوله تعالى (فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن) وقال تعالى قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين * قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج) وروى ابن ماجة في سننه عن عتبة بن الندر قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ (طس) حتى إذا بلغ قصة موصى قال " إن موسى عليه السلام أجر نفسه ثماني حجج أو عشراً على عفة فرجه وطعام بطنه " وقال الله تعالى (قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا) وهذا يدل على جواز أخذ الأجرة على إقامة الجدار وأما السنة فثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر استأجرا رجلا من بني الديل هادياً خريتاً. وروي البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " قال الله عزوجل ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل

أعطى بى ثمن غدر، ورجل باع حراً فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يوفه أجره " وأجمع أهل العلم في كل عصر على جواز الإجارة إلا ما يحكى عن عبد الرحمن بن الأصم أنه قال: لا يجوز ذلك لأنه غرر يعني أنه يعقد على منافع لم تخلق. وهذا غلط لا يمنع انعقاد الإجماع الذي سبق في الأعصار وسائر الأمصار. والعبرة أيضا دالة عليها فإن الحاجة إلى المنافع كالحاجة إلى الأعيان فلما جاز العقد على الأعيان وجب أن تجوز الإجارة على المنافع، ولا تخقى حاجة النا س إلى ذلك فإنه ليس لكل أحد دار يملكها ولا يقدر كل مسافر على بعير أو دابة يملكها ولا يلزم أصحاب الأملاك إسكانهم وحملهم تطوعا، وكذلك أصحاب الصنائع يعملون بأجر ولا يمكن كل أحد عمل ذلك ولا يجد متطوعا به، فلابد من الإجارة لذلك بل ذلك مما جعله الله تعالى طريقا إلى الرزق حتى إن أكثر المكاسب بالصنائع، وما ذكره من الغرر لا يلتفت إليه مع ما ذكرنا من الحاجة فإن العقد على المنافع لا يمكن بعد وجودها لأنها تتلف بمضي الأوقات فاحتيج إلى العقد عليها قبل وجودها كالسلم في الأعيان. واشتقاق الإجارة من الأجر وهو العوض، قال الله تعالى (قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا) ومنه سمي الثواب أجراً لأن الله تعالى يعوض العبد به على طاعته، أو صبره على مصيبته * (مسألة) * (وهي عقد على المنافع تنعقد بلفظ الإجارة والكراء وما في معناهما، وفي لفظ البيع وجهان) الإجارة عقد على المنافع في قول أكثر العلماء منهم أبو حنيفة ومالك وأكثر الشافعية، وذكر

بعضهم أن المعقود عليه العين لأنها الموجودة والعقد يضاف إليها فيقول أجرتك داري ولنا أن المعقود على المستوفى بالعقد وذلك هو المنافع دون الأعيان ولان الأجر في مقابلة المنفعة وبهذا يضمن دون العين وما كان العوض في مقابلته فهو المعقود عليه وإنما أضيف العقد إلى العين لأنها محل المنفعة، وكما يضاف عقد المساقاة إلى البستان والمعقود عليه الثمرة، ولو قال أجرتك منفعة داري جاز (فصل) وهي نوع من البيع لأنها تمليك من كل واحد منهما لصاحبه فهي بيع المنافع والمنافع كالأعيان لأنها يصح تمليكها في الحياة وبعد الموت وتضمن باليد والإتلاف وتكون عوضا عينا ودينا وإنما اختصت باسم كالصرف والسلم مع كونه بيعا، فعلى هذا تنعقد بلفظ الإجارة والكراء لأنهما موضوعان لها، وكذلك كل ما يؤدي معناهما لحصول المقصود به، وهل تنعقد بلفظ البيع؟ فيه وجهان [أحدهما] تنعقد به لأنها بيع فانعقدت بلفظه كالصرف [والثاني] لا تنعقد به لأن فيها معنى خاصا فافتقرت إلى لفظ يدل على ذلك المعنى، ولأن الإجارة تضاف إلى العين التي يضاف إليها البيع إضافة واحدة فاحتيج إلى لفظ يعرف ويفرق بينهما كالعقود المتباينة. ولأنها عقد يخالف البيع في الحكم والاسم أشبه النكاح (فصل) ولا تصح إلا من جائز التصرف لأنه عقد تمليك في الحياة أشبه البيع

بسم الله الرحمن الرحيم. باب الإجارة

* (مسألة) * (ولا تصح إلا بشروط ثلاثة (أحدها) معرفة المنفعة إما بالعرف كسكنى الدار شهراً وخدمة العبد سنة وإما بالوصف كحمل زبرة حديد وزنها كذا إلى موضع معين أو بناء حائط يذكر طوله وعرضه وسمكه وآلته) وجملة ذلك أنه لابد من معرفة المنفعة في الإجارة لأنها المقعود عليها فاشترط العلم بها كالمبيع فإن معرفته شرط في صحة البيع فكذلك معرفة المنفعة في الاجارة فإن بيع المجهول لا يصح إجماعاً، فإن كان لها عرف كسكنى الدار شهراً لم يحتج إلى ذكرها لأنه لا يكتري إلا لذلك فاستغني عن ذكرها كالبيع بثمن مطلق في موضع فيه نقد معروف، وخدمة العبد سنة كسكنى الدار لأنها معلومة بالعرف، وأما إن اكترى لحمل زبرة حديد إلى موضع معين فلابد من ذكر الوزن ههنا والمكان الذي تحمل إليه لأن المنفعة إنما تعرف بذلك * (مسألة) * (أو بناء حائط بذكر طوله وعرضه وسمكه وآلته وإجارة أرض معينة لزرع كذا أو غرس أو بناء معلوم) وجملة ذلك أنه يجوز الاستئجار للبناء ويقدر بالزمان والعمل، فإن قدر بالعمل فلابد من معرفة موضعه لأنه يختلف بقرب الماء وسهولة التراب ولابد من ذكر طوله وعرضه وسمكه وآلة البناء من طين أو لبن أو آجر أو حجارة أو شيد أو غير ذلك. قال ابن أبي موسى: وإذا استأجره لبناء ألف لبنة

مسألة: وهي عقد على المنافع تنعقد بلفظ الإجارة والكراء وما في معناهما، وفي لفظ البيع وجهان

في جدار أو استأجره يبني له فيه يوما فعمل ما استؤجر عليه ثم سقط الحائط فله أجره لأنه وفى العمل فإن قال ارفع لي هذا الحائط عشرة أذرع فرفع بعضه فسقط فعليه إعادة ما سقط وإتمام ما وقعت عليه الإجارة من الذرع، هذا إذا لم يكن سقوطه في الأول لأمر من جهة العامل فأما إن فرط أو بناه محلولا أو نحو ذلك فسقط فعليه إعادته وغرامة ما تلف به (فصل) ويجوز الاستئجار لتطيبن السطوح والحيطان وتجصيصها ولا يجوز على عمل معين لأن الطين يختلف في الرقة والغلط، والأرض تختلف منها العالي والنازل، وكذلك الحيطان فلذلك لم يجز إلا على مدة (فصل) وإذا استأجر داراً جاز إطلاق العقد ولم يحتج إلى ذكر السكنى ولا صفتها لما ذكرنا، وهذا مذهب الشافعي وأصحاب الرأي. وقال أبو ثور لا يجوز حتى يقول أبيت تحتها أنا وعيالي لأن السكنى تختلف، ولو اكتراها ليسكنها فتزوج امرأة لم يكن له أن يسكنها معه ولنا أن الدار لا تكترى إلا للسكنى فاستغني عن ذكره كإطلاق الثمن في بلد فيه نقد معروف والتفاوت في السكنى يسير فلم يحتج إلى ضبطه لما ذكرنا. وما ذكروه لا يصح فإن الضرر لا يكاد يختلف بكثرة من يسكن وقلتهم ولا يمكن ضبط ذلك فاجتزئ فيه بالعرف كما في دخول الحمام وشبهه، ولو اشترط ما ذكره لوجب أن يذكر عدد السكان وأن لا يبيت عنده ضيف ولا غير من ذكره ولكان ينبغي أن يعلم صفة الساكن كما يعلم ذلك فيها إذا اكترى للركوب

(فصل) قد ذكرنا أنه يجوز الاستئجار للخدمة كل شهر بشئ معلوم وسواء كان الأجير رجلاً أو امرأة حرا أو عبدا وبهذا قال الشافعي وابو حنيفة وابو ثور لانه يجوز النيابة فيه ولا يختص فاعله بكونه من أهل القربة. قال أحمد أجير المشاهرة يشهد الأعياد والجمعة وإن لم يشترط ذلك، قيل له فيتطوع بالركعتين قال ما لم يضر صاحبه، وإنما أباح ذلك لأن أوقات الصلاة مستثناة من الخدمة ولهذا وقعت مستثناة في حق المعتكف لترك معتكفه لها، وقال ابن المبارك لا بأس أو يصلي الأجير ركعات من السنة وقال أبو ثور وابن المنذر ليس له منعه منها، قال أحمد يجوز أن يستأجر الأمة والحرة للخدمة ولكن يصرف وجهه عن النظر ليست الأمة مثل الحرة ولا يخلو معها في بيت ولا ينظر إليها متجردة ولا إلى شعرها إنما قال ذلك لأن حكم النظر بعد الإجارة كحكمه قبلها وفرق بين الحرة والأمة لأنهما يختلفان قبل الإجارة فكذلك بعدها (فصل) إذا استأجر أرضاً احتاج إلى ذكر ما تكترى له من غراس أو بناء أو زرع لأنها تكترى لذلك كله وضرره يختلف فوجب بيانه، وفي إجارة الأرض للزرع اختلاف ذكرناه في باب المساقاة (فصل) ويجوز الاستئجار لضرب اللبن لما ذكرنا ويكون على مدة أو عمل فإن قدره بالعمل احتاج إلى تعيين عدده وذكر قالبه وموضع الضرب لأن الأرض تختلف باختلافه لكون التراب في بعض الأماكن أسهل والماء أقرب فإن كان هناك قالب معروف لا يختلف جاز كما إذا كان المكيال معروفا، وإن قدره بالطول

مسألة: ولا تصح إلا بشروط ثلاثة

والعرض والسمك جاز ولا يكتفى بمشاهدة قالب الضرب إذا لم يكن معروفا لان فيه غرار وقد يتلف القالب فلا يصح كما لو اسلم في مكيال بعينه * (مسألة) * (وإن استأجر للركوب ذكر المركوب فرساً أو بعيراً أو نحوه) لأن منافعها تختلف وتشترط معرفته برؤية أو صفة لأنه يصح بيعه بهما وذكر المهمليج والقطوف لأن سيرهما يختلف ومعرفة ما يركب به من سرج أو غيره لأنه يختلف بالركوب والراكب ولا يحتاج إلى ذكر الذكورة والأنوثة لأن التفاوت بينهما يسير وقال القاضي يفتقر لتفاوتهما ولابد من معرفة الراكب برؤية أو صفة ذكره الخرقي وقال الشريف لا يجزئ فيه إلا بالرؤية لأن الصفة لا تأتي عليه ولابد من معرفة المحامل والأوطئة والأغطية والمعاليق كالقدر والسطحة ونحوهما إما برؤية أو صفة أو وزن * (مسألة) * (فإن كان للحمل لم يحتج إلى ذكره) لعدم الغرض في معرفته فإن اتفق وجود غرض في الحمولة مثل أن يكون المحمول شيأ تضره كثرة الحركة كالفاكهة والزجاج أو كون الطريق مما يعسر على بعضها دون بعض فينبغي أن يذكره في الإجارة ذكره شيخنا، وتشترط معرفة المتاع برؤية أو صفة ويذكر جنسه من حديد أو قطن أو نحوه لأن ضرره يختلف وقدره بالوزن إن كان موزونا أو بالكيل إن كان مكيلاً لأن البيع يصح بكلا الأمرين، ويحصل بالمشاهدة لأنها من أعلى طرق العلم وبالصفة إذا ذكر القدر والجنس، وذكر ابن عقيل أنه إذا قال أجرتكها لتحمل عليها

ثلثمائة رطل مما شئت جاز وملك ذلك لكن لا يحمله حملا يضر بالحيوان فلو أراد حمل حديد أو زئبق ينبغي أن يفرقه على ظهر الحيوان فلا يجتمع في موضع واحد من ظهره ولا يجعله في وعاء يموج فيه فيكد البهيمة ويتعبها وإن اكترى ظهرا للحمل موصوفا بجنس فأراد حمله على غير ذلك الجنس وكان الطالب لذلك المستأجر لم يقبل منه لأنه لا يملك المطالبة بما لم ينعقد عليه، ان طلبه المؤجر وكان يقوت به غرض المستأجر مثل أن يكون غرضه الاستعجال في السير أو أن لا ينقطع عن القافلة فيتعين الخيل أو البغال أو يكون غرضه السكون لكون المحمول مما يضره الهز أو قوتها وصبرها لطول الطريف وثقل الحمولة فيعين الإبل لم يجز العدول عنه لأنه يفوت غرض المستأجر فلم يجز ذلك كما في المركوب، وإن لم يفوت غرضا جاز كما يجوز لمن اكترى على حمل شئ حمل مثله، فإن اكترى بهيمة لحمل ما شاء لم يصح لأنه يدخل فيه ما يقتل البهيمة وكذلك إن شرط طاقتها لأنه لا ضابط له * (فصل) * قال رضي الله عنه (الثاني معرفة الأجرة بما يحصل به معرفة الثمن قياسا عليه ولا نعلم في ذلك خلافا وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من استأجر أجيراً فليعلمه أجره " ويعتبر العلم بالرؤية أو بالصفة كالبيع، فإن كان العوض معلوما بالمشاهدة دون القدر كالصبرة جاز في أحد الوجهين كالثمن في البيع والثاني لا يجوز لأنه قد ينفسخ العقد بعد تلف الصبرة فلا يدرى بكم يرجع فاشترط معرفة قدره كعوض السلم والأول أولى لما ذكرنا، وما قاسوا عليه ممنوع ثم الفرق بينهما أن المنفعة ههنا أجريت مجرى الأعيان

لأنها متعلقة بعين حاضرة والسلم يتعلق بمعدوم فافترقا وللشافعي نحو ما ذكرنا في هذا الفصل (فصل) وكل ما جاز أن يكون ثمناً في البيع جاز عوضا في الإجارة لأنه عقد معاوضة أشبه البيع (1) * (مسألة) * (يجوز أن يستأجر الأجير بطعامه وكسوته وكذلك الظئر) اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله فمن استأجر أجيراً بطعامه وكسوته أو جعل له أجراً وشرط طعامه وكسوته فروي عنه جواز ذلك وهو مذهب مالك وإسحاق، وروي عن أبي بكر وعمر وأبي موسى رضي الله عنهم أنهم استأجروا الأجراء بطعامهم وكسوتهم. وروي عنه أن ذلك جائز في الظئر دون غيرها. اختاره القاضي وهو مذهب أبي حنيفة لأن ذلك مجهول وإنما جاز في الظئر لقول الله تعالى (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف) أوجب لهن النفقة والكسوة على الرضاع ولم يفرق بين المطلقة وغيرها بل في الآية قرينة تدل على طلاقها لأن الزوجة تجب نفقتها وكسوتها بالزوجية وإن لم ترضع، ولأن الله تعالى قال (وعلى الوارث مثل ذلك) والوارث ليس بزوج. ولأن المنفعة في الرضاع والحضانة غير معلومة فجاز أن يكون عوضها كذلك. وروي عنه رواية ثالثة أن ذلك لا يجوز بحال في الظئر ولا في غيرها وبه قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد وأبو ثور وابن المنذر لأن ذلك يختلف اختلافا كثيرا متبايناً فيكون مجهولاً والأجر من شرطه أن يكون معلوما ولنا ما روى ابن ماجة عن عتبة بن الندر قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ (طس) حتى إذا

_ (1) هذا الفصل بنصه مكرر مع ما ينافي له في صحيفة 17 ولا معنى لذكره ههنا

مسألة: وإن استأجر للركوب ذكر المركوب فرسا أو بعيرا أو نحوه

بلغ قسة موسى عليه السلام قال " إن موسى آجر نفسه ثماني سنين أو عشراً على عفة فرجه وطعام بطنه " وشرع من قبلنا شرع لنا ما لم يثبت نسخه. وعن أبي هريرة أنه قال كنت أجيراً لابنة غزوان بطعام بطني وعقبة رجلي أحطب لهم إذا نزلوا وأحدوا بهم إذا ركبوا. رواه الاثرم وابن ماجة، ولأنه فعل من ذكرنا من الصحابة فلم ينكر فكان اجماعا، ولأنه قد ثبت في الظئر في الآية فيثبت في غيرها بالقياس عليها، ولأنه عوض منفعة فقام العرف فيه مقام التسمية كنفقة الزوجة، ولأن للكسوة عرفاً وهي كسوة الزوجات وللإطعام عرف وهو الاطعام في الكفارات فجاز إطلاقه كنقد البلد. ونخص أبا حنيفة بأن ما جاز عوضا في الرضاع جاز في الخدمة كالأثمان إذا ثبت هذا وتشاحا في قدر الطعام والكسوة رجع في القوت إلى الإطعام في الكفارة وفي الملبوس إلى أقل ملبوس مثله لأن الإطلاق فيه يجزئ فيه أقل ما يتناوله اللفظ كالوصية. ويحتمل أن يحمل على الملبوس في الكفارة كالمطعوم. قال أحمد إذا تشاحا في الطعام حكم به بمد كل يوم ذهب به إلى ظاهر ما أمر الله من إطعام المساكين ففسرت ذلك السنة بأنه مد لكل مسكين، ولأن الإطعام مطلق في الموضعين فما فسر به أحدهما يفسر به الآخر، وليس له إطعام الأجير إلا ما يوافقه من الأغذية لأن عليه ضرراً ولا يمكنه استيفاء الواجب له منه (فصل) فإن شرط الأجير كسوة ونفقة معلومة موصوفة كصفتها في السلم جاز عند الجميع وإن لم يشرط

مسألة: فإن كان للحمل لم يحتج إلى ذكره

طعاماً ولا كسوة فنفقته وكسوته على نفسه وكذلك الظئر، قال إبن المنذر لا أعلم عن أحد خلافاً فيما ذكرت وإن شرط للأجير طعام غيره وكسوته موصوفاً جاز لأنه معلوم فهو كما لو شرط دراهم معلومة ويكون ذلك للأجير إن شاء أطعمه وإن شاء تركه، وإن لم يكن موصوفاً لم يجز لأن ذلك مجهول احتمل فيما إذا شرطه للأجير للحاجة إليه وجري العادة به فلا يلزم احتمالها مع عدم ذلك ولو استأجر دابة بعلفها أو بأجر مسمى وعلفها لم يجز لأنه مجهول ولا عرف له يرجع إليه ولا نعلم احدا قال بجوازه إلا أن يشترطه موصوفاً فيجوز (فصل) فإن استغنى الأجير عن طعام المستأجر بطعام نفسه أو غيره أو عجز عن الأكل بمرض أو غيره لم تسقط نفقته وكان له المطالبة بها لأنه عوض فلا يسقط بالغنى عنه كالدراهم، وإن احتاج الى دواء لمرضه لم يلزم المستأجر لأنه لم يشترط له إلا طعام الأصحاء لكن يلزمه بقدر طعام الصحيح لأن ما زاد على ذلك لم يقع العقد عليه فلم يلزم كالزائد في القدر (فصل) فإن قبض الأجير طعامه فأحب أن يستفضل بعضه لنفسه وكان المستأجر دفع إليه أكثر من الواجب له ليأكل منه قدر حاجته ويفضل الباقي أو كان في تركه لأكله كله ضرر على المستأجر بأن يضعف عن العمل أو يقل لان الظئر منع منه لأنه في الصورة الأولى لم يملكه وإنما أباحه قدر حاجته وفي الثانية على المستأجر ضرر بتفويت بعض منفعته عليه فمنع منه كالجمال إذا امتنع من علف الجمال وإن دفع إليه قدر الواجب فقط أو أكثر منه فملكه إياه ولم يكن في تفضيله لبعضه ضرر بالمستأجر جاز لأنه ضرر لاحق فيه

على المستأجر أشبه الدراهم (فصل) فإن قدم إليه طعاماً ما فنهب أو تلف قبل أكله وكان على مائدة لا يخصه فيها بطعامه فهو من ضمان المستأجر لكونه لم يسلم إليه وإن خصه بذلك وسلمه إليه فهو من مال الأجير لأنه يسلم عوضه على وجه التمليك أشبه البيع (فصل) قال أحمد في رواية مهنا لا بأس ان يحصد الزرع ويصرم النخل بسدس ما يخرج منه وهو أحب إلي من المقاطعة إنما جاز ههنا لأنه معلوم بالمشاهدة وهي أعلى طرق العلم ومن علم شيئا علم جزأه المشاع فيكون أجراً معلوماً. واختاره على المقاطعة مع وجودها لأنه ربما يخرج من الزرع مثل الذي قاطع عليه وههنا هو أقل منه يقيناً (فصل) يجوز استئجار الظئر بطعامها وكسوتها وفيه خلاف ذكرناه. وقد أجمع أهل العلم على استئجار الظئر وهي المرضعة لقول الله تعالى [فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن] واسترضع النبي صلى الله عليه وسلم لولده إبراهيم. ولأن الحاجة تدعو إليه أكثر من الحاجة الى غيره فإن الطفل في العادة إنما يعيش بالرضاع وقد يتعذر رضاعه من أمه فجاز ذلك كالإجارة في سائر المنافع، فإن استأجرها للرضاع دون الحضانة أو للحضانة دون الرضاع أو لهما جاز، وإن أطلق العقد على الرضاع دخلت فيه الحضانة في أحد الوجهين وهو قول أصحاب الرأي لأن العرف جار بأن المرضعة تحضن الصبي فحمل الإطلاق عليه

مسألة: يجوز أن يستأجر الأجير بطعامه وكسوته وكذلك الظئر

[الثاني] لا تدخل وهو قول أبي ثور وابن المنذر لأن العقد ما تناولها ولأصحاب الشافعي كهذين الوجهين، والحضانة تربية الصبي وحفظه وجعله في سريره وربطه ودهنه وكحله وتنظيفه وغسل خرقه أشباه ذلك واشتقاقه من الحضن وهو ما تحت الإبط وما يليه وسميت التربية حضانة تجوزا من حضانة الطير لبيضه وفراخه لأنه يجعلها تحت جناحه فسميت تربية الصبي بذلك أخذاً من فعل الطائر (فصل) ولهذا العقد أربعة شروط أحدها العلم بمدة الرضاعة لأنه لا يمكن تقديره إلا بها لأن السقي والعمل فيها يختلف (الثاني) معرفة الصبي بالمشاهدة لأن الرضاع يختلف بكبر الصبي وصغره وتهمته وقناعته وقال القاضي يعرف بالصفة كالراكب (الثالث) موضع الرضاع لأنه يختلف فيشق عليها في بيته ويسهل في بيتها (الرابع) معرفة العوض لما ذكرنا (فصل) والمعقود عليه في الرضاع خدمة الصبي وحمله ووضع الثدي في فيه واللبن تبع كالصبغ في إجارة الصباغ وماء البئر في الدار لأن اللبن عين فلا يعقد عليه في الإجارة كلبن غير الآدمي، وقيل هو اللبن قال القاضي وهو أشبه لأنه المقصود دون الخدمة ولهذا لو أرضعته ولم تخدمه استحقت الأجرة ولو خدمته ولم ترضعه لم تستحق شيئاً ولأن الله تعالى قال (فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن) فجعل الأجر مرتباً على الرضاع فيدل على أنه المعقود عليه ولأن العقد لو كان على الخدمة لما لزمها سقيه لبنها وإنما جاز العقد عليه مع كونه عيناً رخصة لأن غيره لا يقول مقامه ولا ضرورة تدعوا إلى استيفائه وإنما جاز في الآدميين

دون سائر الحيوان للضرورة إلى حفظ الآدمي والحاجة إلى بقائه (فصل) وعلى المرضعة أن تأكل وتشرب ما يدر لبنها ويصلح به وللمكتري مطالبتها بذلك لأنه من تمام التمكين من الرضاع وفي تركه إضرار بالصبي فإن لم ترضعه لكن سقته لبن الغنم أو أطعمته فلا أجر لها لأنها لم توف المعقود عليه أشبه ما لو استأجرها لخياطة ثوب فلم تخطه فإن دفعته إلى خادمها فأرضعته فكذلك وبه قال أبو ثور وقال أصحاب لها أجرها لأن رضاعه حصل بفعلها ولنا أنها لم ترضعه أشبه ما لو سقته لبن الغنم فإن قالت أرضعته فأنكر المسترضع فالقول قولها لأنها مؤتمنة * (مسألة) * (ويستحب أن تعطى عند الفطام عبداً أو وليدة إذا كان المسترضع موسراً) لما روى أبو داود بإسناده عن هشام بن عروة عن أبيه عن حجاج بن حجاج الأسلمي عن أبيه قال قلت يا رسول الله ما يهب عني مذمة الرضاع قال " الغرة أو الأمة " قال الترمذي حسن صحيح المذمة بكسر الذال من الذمام وبفتحها من الذم قال ابن عقيل إنما خص الرقبة بالمجازاة دون غيرها لأن فعلها من الرضاعة والحضانة سبب حياة الولد وبقائه وحفظ رقبته فاستحب جعل الجزاء هبتها رقبة للتناسب بين النعمة والشكر ولهذا جعل الله تعالى المرضعة أماً فقال سبحانه (وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم) وقال النبي صلى الله عليه وسلم لا يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكاً فيعتقه " وإن كانت المرضعة مملوكة استحب إعتاقها لأنه يحصل أخص الرقاب بها لها وتحصل به المجازاة التي جعلها النبي صلى الله عليه وسلم مجازاة للوالد من النسب

(فصل) ويجوز للرجل أن يؤجر أمته ومدبرته وأم ولده والمعلق عتقها بصفة والمأذون لها في التجارة للإرضاع لأنه عقد على منفعتها أشبه إجارتها للخدمة وليس لواحدة منهن إجارة نفسها لأن منفعتها لسيدها فان كان لها ولد لم يجز إجارتها للإرضاع إلا أن يكون فيها فضل عن ريه لأن الحق لولدها ليس لسيدها إلا الفاضل عنه فإن كانت مزوجة لم تجز إجارتها لذلك إلا بإذن الزوج لأنه يفوت حقه لاشتغالها عنه بالرضاع والحضانة فإن أجرها للرضاع ثم زوجها صح النكاح ولا تنفسخ الإجارة وللزوج الاستمتاع بها وقت فراغها من الرضاع والحضانة وقال مالك ليس لزوجها وطؤها الا برضى المستأجر لأنه ينقص اللبن وقد يقطعه ولنا أن وطئ الزوج مستحق فلا يسقط لأمر مشكوك فيه، وليس للسيد إجارة مكاتبته لأن منافعها لها ولذلك لا يمكن تزويجها ولا وطؤها ولا إجارتها لغير الرضاع ولها أن تؤجر نفسها لأنه من الاكتساب * (مسألة) * (وإن دفع ثوبه إلى خياط أو قصار ليعملاه ولهما عادة بأجرة صح ولهما ذلك وإن لم يعقدا عقد إجارة وكذلك دخول الحمام والركوب في سفينة الملاح) إذا دفع ثوبه الى خياط ليخيطه أو قصار ليقصره من غير عقد ولا شرط ولا تعريض بأجر مثل أن يقول خذ هذا فاعمله وأنا أعلم أنك إنما تعمله بأجر وكان الخياط والقصار منتصبين لذلك ففعلا ذلك فلهما الأجر وقال أصحاب الشافعي لا أجر لهما لأنهما فعلا ذلك من غير عوض جعل لهما أشبه ما لو تبرعا بعمله

ولنا أن العرف الجاري بذلك يقوم مقام القول فصار كنقد البلد وكما لو دخل حماما أو جلس في سفينة ملاح ولأن شاهد الحال يقتضيه فصار كالتعريض فأما إن لم يكونا منتصبين لذلك لم يستحقا أجرا إلا بعقد أو شرط العو ض أو تعريض به لأنه لم يجر عرف يقوم مقام العقد فهو كما لو تبرع به أو عمله بغير إذن مالكه وكذلك لو دفع ثوبه إلى رجل ليبيعه وكان منتصبا يبيع للناس بأجر مثله فهو كالقصار والخياط فيما ذكرنا له الأجر نص عليه أحمد، وإن لم يكن كذلك فلا شئ له لما تقدم، ومتى دفع ثوبه الى أحد هؤلاء ولم يقاطعه على أجر فله أجر المثل لأن الثياب يختلف أجرها ولم يعين شيأ فجرى مجرى الإجارة الفاسدة، فإن تلف الثوب من حرزه أو بغير فعله فلا ضمان عليه لأن ما لا يضمن في العقد الصحيح لا يضمن في الفاسد (فصل) إذا استأجر رجلا ليحمل له كتابا إلى مكة أو غيرها إلى إنسان فحمله فوجد المحمول إليه غائباً فرده استحق الأجر لحمله في الذهاب والرد لأنه حمله في الذهاب بإذن صاحبه صريحا وفي الرد تضمنا لأن تقدير كلامه وإن لم تجد صاحبه فرده إذ ليس سوى رده إلا تضييعه وقد علم أنه لا يرضى تضييعه فتعين رده * (مسألة) * (ويجوز إجارة دار بسكنى دار وخدمة عبد وتزويج امرأة) وجملة ذلك أن كل ما جاز أن يكون ثمنا في البيع جاز عوضا في الإجارة لأنه عقد معاوضة أشبه البيع فعلى هذا يجوز أن يكون العوض عينا أو منفعة أخرى سواء كان الجنس واحدا كمنفعة دار بمنفعة أخرى ومختلفة كمنفعة دار بمنفعة عبد قال أحمد لا بأس أن يكتري بطعام موصوف معلوم وبه قال الشافعي قال

الله تعالى إخبارا عن شعيب أنه قال (إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج) فجعل النكاح عوض الإجارة، وقال أبو حنيفة فيما حكى عنه لا تجوز إجارة دار بسكنى أخرى ولا يجوز إلا أن يختلف جنس المنفعة كسكنى دار بمنفعة بهيمة لأن الجنس الواحد عنده يحرم النساء فيه، وكره الثوري الإجارة بطعام موصوف والصحيح جوازه وهو قول إسحاق وأصحاب الرأي وقياس قول الشافعي لأنه عوض يجوز في البيع فجاز في الإجارة كالذهب والفضة وما قاله أبو حنيفة لا يصح لأن المنافع في الإجارة ليست في تقدير النسيئة ولو كانت نسيئة ما جاز في جنسين لأنه يكون بيع دين بدين * (مسألة) * (وتجوز إجارة الحلي بأجرة من جنسه وقيل لا يصح) تجوز إجارة الحلي نص عليه أحمد في رواية ابنه عبد الله وبه قال الثوري والشافعي واسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي وروى عن أحمد أنه قال في إجارة الحلي ما أدري ما هو؟ قال القاضي هذا محمول على إجارته بأجرة من جنسه فأما بغير جنسه فلا بأس لتصريح أحمد بجوازه وقال مالك في إجارة الحلي والثياب هو من المشتبهات ولعله يذهب إلى أن المقصود بذلك الزينة وليس ذلك من المقاصد الأصلية ومن منع ذلك بأجر من جنسه احتج بأنها تحتك بالاستعمال فيذهب منه أجزاء وان كانت بسيرة فيحصل الأجر في مقابلتها ومقابلة الانتفاع بها فيفضي إلى بيع ذهب بذهب وشئ آخر ولنا أنها عين ينتفع بها منفعة مباحة مقصودة مع بقاء عينها فأشبهت سائر ما يجوز إجارته والزينة من

المقاصد الأصلية فإن الله تعالى امتن بها علينا بقوله (لتركبوها وزينة) وقوله (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده) وأباح الله تعالى من التحلي واللباس ما حرم على الرجال لحاجتهن إلى التزين للأزواج وأسقط الزكاة عن حليهن معونة لهن على اقتنائه، وما ذكروه من نقصها بالاحتكاك لا يصح لأن ذلك يسير لا يقابل بعوض ولا يكاد يظهر في وزن ولو ظهر فالأجر في مقابلة الانتفاع لا في مقابلة الأجزاء لأن الأجر في الإجارة إنما هو عوض المنفعة كما في سائر المواضع ولو كان في مقابلة الجزء الذاهب لما جاز إجارة أحد النقدين بالآخر لإفضائه إلى التفرق في معاوضة أحدهما بالآخر قبل القبض (فصل) ولو استأجر من يسلخ له بهيمة بجلدها لم يجز لأنه لا يعلم هل يخرج الجلد سليماً أو لا وهل هو ثخين أو رقيق؟ ولأنه لا يجوز أن يكون عوضاً في البيع فلا يجوز أن يكون عوضاً في الإجارة كسائر المجهولات فإن سلخه بذلك فله أجر مثله وإن استأجره لطرح ميتة بجلدها فهو أبلغ في الفساد لأن جلد الميتة نجس لا يجوز بيعه وقد خرج بموته عن كونه ملكا وله أجر مثل إن فعل (فصل) ولو استأجر راعياً لغنم بثلث درها وصوفها وشعرها ونسلها أو نصفه أو جميعه لم يجز نص عليه أحمد في رواية سعيد بن محمد النسائي لأن الأجر غير معلوم ولا يصلح عوضاً في البيع، قال اسمعيل بن سعيد سألت أحمد عن الرجل يدفع البقرة إلى الرجل على أن يعلفها ويحفظها وولدها بينهما فقال أكره ذلك وبه قال أبو أيوب وأبو خيثمة ولا أعلم فيه مخالفاً لأن العوض معدوم مجهول لا يدرى ايو جدام لا، والأصل عدمه

مسألة: ويستحب كان تعطى عند الفطام عبدا أو وليدة إذا كان المسترضع موسرا

ولا يصلح أن يكون ثمنا، فإن قيل فقد جوزتم دفع الدابة إلى من يعمل عليها بنصف مغلها قلنا إنما جاز ثم تشبيهاً بالمضاربة ولأنها عين تنمى بالعمل فجاز اشتراط جزء من النماء كالمضاربة والمساقاة وفي مسئلتنا لا يمكن ذلك لأن النماء الحاصل في الغنم لا يقف حصوله على عمله فيها فلم يمكن إلحاقه بذلك، وذكر صاحب المحرر رواية أخرى أنه يجوز بناء على ما إذا دفع دابته أو عبده يجزء من كسبه والأول ظاهر المذهب لما ذكرنا من الفرق، وعلى قياس ذلك إذا دفع نحله إلى من يقوم عليه بجزء من عسله وشمعه يخرج على الروايتين فإن اكتراه على رعيها مدة معلومة بجزء معلوم منها صح لأن العمل والمدة والأجر معلوم فصح كما لو جعل الأجر دراهم ويكون النماء الحاصل بينهما بحكم الملك لأنه ملك الجزء المجعول له منها في الحال فكان له نماؤه كما لو اشتراه * (مسألة) * وإن قال إن خطت الثوب اليوم فلك درهم وإن خطته غدا فلك نصف درهم فهل يصح؟ على روايتين) (إحداهما) لا يصح وله أجر المثل نقلها أبو الحارث عن أحمد وهو مذهب ملك والثوري والشافعي واسحاق وابو ثور لأنه عقد واحد اختلف فيه العوض بالتقديم والتأخير فلم يصح كما لو قال بعتك بدرهم نقدا وبدرهمين نسيئة (والثانية) يصح وهو قول الحارث العكلي وأبي يوسف ومحمد لأنه سمى لكل عمل عوضا معلوما فصح كما لو قال كل دلو بتمرة، وقال أبو حنيفة إن خاطه اليوم فله درهم وإن خاطه غدا لم يزد على درهمين وقد ينقص عن نصف درهم لأن المؤجر قد جعل له نصف درهم فلا ينقص منه وقد رضي في أكثر العمل

بدرهم فلا يزاد عليه وهذا لا يصح لأنه إن صح العقد فله المسمى وإن فسد فوجوده كعدمه فيجب أجر المثل كسائر العقود الفاسدة * (مسألة) * (وإن قال إن خطته روميا فلك درهم، وإن خطته فارسيا فلك نصف درهم فهل يصح؟ على وجهين) بناء على التي قبلها والخلاف فيها كالتي قبلها إلا أن أبا حنيفة وافق صاحبيه في الصحة ههنا ولنا أنه عقد معاوضة لم يتعين فيه العوض ولا المعوض فلم يصح كما لو قال بعتك هذا بدرهم أو هذا بدرهمين، وفارق هذا كل دلو بتمرة من وجهين (أحدهما) أن العمل الثاني ينضم إلى العمل الأول ولكل واحد منهما عوض مقدر فأشبه ما لو قال بعتك هذه الصبرة كل قفيز بدرهم وههنا الخياطة واحدة يشرط فيها عوضا إن وجدت على صفة وعوضا إن وجدت على أخرى أشبه ما لو باعه بعشرة صحاح أو إحدى عشرة مكسرة (والثاني) أنه وقف الإجارة على شرط بقوله إن خطته كذا فلك كذا وإن خطته كذا فلك كذا بخلاف قوله كل دلو بتمرة (فصل) نقل مهنا عن أحمد فيمن استأجر من جمال إلى مصر بأربعين دينارا فإن نزل دمشق فكراؤه ثلاثون فإن نزل الرقة فكراؤه عشرون، فقال إن اكترى إلى الرقة بعشرة واكترى إلى دمشق بعشرة وإلى مصر بعشرة جاز ولم يكن للجمال أن يرجع فظاهر هذا أنه لم يحكم بصحة العقد الأول

مسألة: وإن دفع ثوبه إلى خياط أو قصار ليعملاه ولهما عادة بأجرة صح ولهما ذلك، وإن لم يعقدا عقد إجارة، وكذلك دخول الحمام والركوب في سفينة الملاح

لأنه في معنى بيعتين في بيعة لكونه خيره بين ثلاثة عقود، ويتخرج فيه أن يصح بناء على المسئلتين قبل هذا، ونقل عن أحمد في رجل استأجر رجلا يحمل له كتابا إلى الكوفة وقال إن أوصلت الكتاب يوم كذا فلك عشرون وإن تأخرت بعد ذلك بيوم فلك عشرة فالإجارة فاسدة وله أجر مثله مثل الذي قبله * (مسألة) * (وإن أكراه دابة وقال إن رددتها اليوم فكراؤها خمسة وإن رددتها غذا فكراؤها عشرة فقال أحمد لا بأس به نقل عبد الله فيمن اكترى دابة وقال إن رددتها غدا فكراؤها عشرة، وإن رددتها اليوم فكراؤها خمسة لا بأس به، وهذه الرواية تدل على صحة الإجارة والظاهر عن أحمد برواية الجماعة فيما ذكرنا فساد العقد على قياس بيعتين في بيعه، وقال القاضي يصح في اليوم الأول دون الثاني وقياس حديث علي والأنصاري صحته فإن عليا أجر نفسه ليهودي يستقي له كل دلو بتمرة وكذلك الأنصاري وسنذكره * (مسألة) * (وإن أكراه دابة عشرة أيام بعشرة دراهم فما زاد فله بكل يوم درهم فقال أحمد في رواية أبي الحارث هو جائز) ونقل ابن منصور عنه فيمن اكترى دابة من مكة إلى جدة بكذا فإن ذهب إلى عرفات بكذا فلا بأس، ونقل عبد الله عنه لو قال اكتريتها بعشرة فما حبسها فعليه في كل يوم عشرة أنه يجوز وهذه الروايات تدل على أن مذهبه أنه متى قدر لكل عمل معلوم أجراً معلوما صح، وتأول القاضي هذا كله على أنه يصح في الأول ويفسد في الثاني لأن مدته

مسألة: ويجوز إجارة دار بسكنى دار وخدمة عبد وتزويج امرأة

غير معلومة فلم يصح العقد فيه كما لو قال استأجرتك لتحمل لي هذه الصبرة وهي عشرة أقفزة بدرهم وما زاد فبحساب ذلك. قال شيخنا: والظاهر عن أحمد خلاف هذا فإن قوله فهو جائز عاد إلى جميع ما قبله وذلك قوله لا بأس، ولأن لكل عمل عوضا معلوما فيصح كما لو استقى له كل دلو بتمرة وقد ثبت الأصل بالخبر الوارد فيه ومسائل الصبرة لا نص فيها عن الإمام وقياس نصوصه صحة الإجارة وإن سلم فسادها فلان القفزان التي شرط عملها غير معلومة بتعيين ولا صفة وهي مختلفة فلم يصح العقد لجهالتها بخلاف الأيام فإنها معلومة * (مسألة) * (ونص أحمد على أنه لا يجوز أن يكتري لمدة غزاته) وهذا قول أكثر أهل العلم منهم الاوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي، وقال مالك قد عرف وجه ذلك وأرجو أن يكون خفيفا ولنا أن المدة مجهولة والعمل مجهول فلم يجز كما لو اكتراها لمدة سفره في تجارته ولأن مدة الغزاة تطول وتقصر ولا حد لها تعرف به والعمل فيها يقل ويكثر ونهاية سفرهم تقرب وتبعد فلم يجز التقدير بها كغيرها من الأسفار المجهولة فان فعل ذلك فله أجر المثل كالإجارات الفاسدة * (مسألة) * (وإن سمى لكل يوم شيئا معلوما فجائز)

مسألة: وتجوز إجارة الحلي بأجرة من جنسه وقيل لا يصح

وقال الشافعي لا يصح لأن مدة الإجارة مجهولة. ولنا أن علياً رضي الله عنه أجر نفسه كل دلو بتمرة وكذلك الأنصاري فلم ينكره النبي صلى الله عليه وسلم ولأن كل يوم معلوم مدت وأجره فصح كما لو أجره شهراً كل يوم بدرهم أو استأجره لنقل صبرة معلومة كل قفيز بدرهم. إذا ثبت هذا فلا بد من تعيين ما يستأجر له من ركوب أو حمل معلوم، ويستحق الأجر المسمى لكل يوم سواء أقامت أو سارت لأن المنافع ذهبت في مدته أشبه ما لو اكترى دارا وغلقها ولم يسكنها * (مسألة) * (وإن أكراه كل شهر بدرهم أو كل دلو بتمرة فالمنصوص عن أحمد أنه يصح وكلما دخل شهر لزمهما حكم الإجارة ولكل واحد منهما الفسخ عند انقضاء كل شهر، وقال أبو بكر وابن حامد لا يصح) اختلف أصحابنا في ذلك فقال القاضي يصح ونص عليه أحمد في رواية ابن منصور وهو اختيار الخرقي لأن الشهر الأول تلزم الإجارة فيه بإطلاق العقد لأنه معلوم يلي العقد وأجره معلوم وما بعده من الشهور يلزم العقد فيه بالتلبس به وهو السكنى في الدار إن أجره دارا لأنه مجهول حال العقد فإذا تلبس به تعين الدخول فيه فصح بالعقد الأول، وإن لم تتلبس به أو فسخ العقد عند انقضاء الأول انفسخ وكذلك حكم كل شهر يأتي وهذا مذهب ابي ثور وأصحاب الرأي، وحكي عن مالك نحو هذا إلا أن الإجارة لا تكون لازمة عنده لأن المنافع مقدرة بتقدير الأجر فلا يحتاج إلى ذكر المدة إلا في اللزوم واختار أبو بكر عبد العزيز وابن حامد وابن عقيل أن العقد لا يصح وهو قال الثوري والصحيح

من قولي الشافعي لأن كل اسم للعدد فإذا لم يقدره كان مجهولا فيكون فاسداً كقوله أجرتك أشهرا وحمل أبو بكر وابن حامد كلام أحمد على أنه وقع على أشهر معينة، ووجه الأول أن عليا استقى لرجل من اليهود كل دلو بتمرة وجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأكل منه قال كنت أدلو الدلو بتمرة واشترطها جلدة وعن رجل من الانصار أنه قال ليهودي أسقي نخلك؟ قال نعم كل دلو بتمرة فاشترط الأنصاري أن لا يأخذه خدرة ولا تارزة ولا حشفة ولا يأخذ إلا جلدة فاستقى بنحو من صاعين فجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم. رواهما ابن ماجة وهو نظير مسألة إجارة الدار، ونص في المسألة الأخرى، ولأن شروعه في كل شهر مع ما تقدم العقد من الاتفاق على تقدير أجره والرضى ببذله به جرى مجرى ابتداء العقد عليه وصار كالبيع بالمعاطاة إذا وجد من المساومة مادل على التراضي بها. فعلى هذا متى ترك التلبس به في شهر لم تلزم الإجارة فيه لعدم العقد وكذلك إن فسخ وليس بفسح في الحقيقة لأن العقد الثاني ما ثبت والقياس يقتضي عدم الصحة لأن العقد تناول جميع الأشهر وذلك مجهول ثم لا وجه لاعتبار الشروع في الشهر الذي يلي الأول مع كون الشهور كلها داخلة في اللفظ، فأما أبو حنيفة فذهب إلى أنهما إذا تلبسا بالشهر الثاني فقد اتصل القبض بالعقد الفاسد، قال شيخنا ولا يصح هذا العذر لأن العقد الفاسد في الأعيان لا يلزم بالقبض ولا يضمن بالمسمى تم ثم لم يحصل القبض ههنا إلا فيما استوفاه وقول مالك لا يصح لأن الإجارة من العقود اللازمة فلا يجوز أن تكون جائزة

مسألة: وإن قال إن خطت الثوب اليوم فلك درهم وإن خطته غدا فلك نصف درهم فهل يصح؟ على روايتين

(فصل) إذا قال أجرتك داري عشرين شهرا كل شهر بدرهم جاز بغير خلاف لأن المدة معلومة والأجر معلوم وليس لواحد منهما فسخ بحال لأنها مدة واحدة فأشبه ما لو قال أجرتك عشرين شهراً بعشرين درهما، فإن قال أجرتكها شهرا بدرهم وما زاد فبحساب ذلك صح في الشهر الأول لأنه أفرده بالعقد وبطل في الزائد لأنه مجهول، ويحتمل أن يصح في كل شهر تلبس به كما لو قال أجرتكها كل شهر بدرهم لأن معناهما واحد، ولو قال أجرتكها هذا الشهر بدرهم وكل شهر بعد ذلك بدرهم أو بدرهمين صح في الأول وفيما بعده وجهان لما ذكرنا (فصل) في مسائل الصبرة وهي عشر مسائل (إحداها) أن يقول استأجرتك لحمل هذه الصبرة إلى مصر بعشرة فهي صحيحة بغير خلاف نعلمه لأن الصبرة معلومة بالمشاهدة فجاز الاستئجار عليها كما لو علم كيلها (الثانية) قال استأجرتك لتحملها كل قفيز بدرهم فيصح وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة يصح في قفيز ويبطل فيما زاد، ومبني الخلاف على الخلاف في بيعها وقد ذكرناه (الثالثة) قال لتحملها لي نفيرا بدرهم وما زاد فبحساب ذلك فيجوز كما لو قال كل قفيز بدرهم وكذلك كل لفظ يدل على إرادة حمل جميعها كقوله لتحمل قفيزاً منها بدرهم وسائرها أو باقيها بحساب ذلك أو قال وما زاد بحساب ذلك يريد باقيها كله إذا فهما ذلك من اللفظ لدلالته عندهما عليه أو لقرينة صرفت إليه (الرابعة) قال لتحمل قفيزاً منها بدرهم وما زاد فبحساب ذلك يريد مهما حملته من باقيها فلا يصح ذكره القاضي وهو مذهب الشافعي لأن المعقود عليه بعضها وهو مجهول. ويحتمل أن يصح لأنه في معنى كل دلو بتمرة (الخامسة) قال لتنقل لي منها كل

مسألة: وإن قال إن خطته روميا فلك درهم، وإن خطته فارسيا فلك نصف درهم فهل يصح؟ على وجهين

قفيز بدرهم فهي كالرابعة سواء (السادسة) قال لتحمل لي منها قفيزاً بدرهم على أن تحمل الباقي بحساب ذلك فلا يصح لأنه في معنى بيعتين في بيعه. ويحتمل أن يصح لأن معناه لتحمل لي كل قفيز منها بدرهم (السابعة) قال لتحمل لي هذه الصبرة كل قفيز بدرهم وتنقل لي صبرة أخرى في البيت بحساب ذلك، فإن كانا يعلمان الصبرة التي في البيت بالمشاهدة صح فيهما لأنهما كالصبرة الواحدة وإن جهل أحدهما صح في الأولى وبطل في الثانية لأنهما عقدان أحدهما على معلوم والثاني على مجهول فصح في المعلوم وبطل في المجهول كما لو قال بعتك عبدي هذا بعشرة وعبدي الذي في البيت بعشرة [الثامنة] قال لتحمل لي هذه الصبرة والتي في البيت بعشرة فإن كانا يعلمان التي في البيت صح فيهما وإن جهلاها بطل فيهما لأنه عقد واحد بعوض واحد على معلوم ومجهول بخلاف التي قبلها، فإن كانا يعلمان التي في البيت لكنها مغصوبة أو امتنع تصحيح العقد فيها لمانع اختص بها بطل العقد فيها، وفي صحته في الأخرى وجهان بناء على تفريق الصفقة إلا أنها إن كانت قفزانها معلومة أو قدر إحداهما معلوم من الأخرى فالأولى صحته لان قسط لاجر فيها معلوم، وإن لم يكن كذلك فالأولى بطلانه لجهالة العوض فيها (التاسعة) قال لتحمل لي هذه الصبرة وهي عشرة أقفزة بدرهم فإن زادت على ذلك فالزائد بحساب ذلك صح في العشرة لأنها معلومة ولم يصح في الزيادة لأنها مشكوك فيها ولا يجوز العقد على ما يشك فيه (العاشرة) قال لتحمل لي هذه الصبرة كل قفيز بدرهم فإن قدم لي طعام فحملته فبحساب ذلك صح أيضا في الصبرة وفسد في الزيادة لما ذكرنا

مسألة: وإن أكراه دابة وقال إن رددتها اليوم فكراؤها خمسة، وإن رددتها غدا فكراؤها عشرة، فقال أحمد: لا بأس به

* (فصل) * قال المصنف رحمه الله [الثالث أن تكون المنفعة مباحة مقصودة فلا يجوز على الزنا والزمر والغناء ولا إجارة دار ليجعلها كنيسة أو بيت نار، أو لبيع الخمر أو القمار] وجملة ذلك أن من شرط صحة الإجارة أن تكون المنفعة مباحة فإن كانت محرمة كالزنا والزمر والنوح والغناء لم يجز الاستئجار لفعله وبه قال مالك والشافعي وأبو حنيفة وصاحباه وأبو ثور، وكره ذلك الشعبي والنخعي لأنه محرم فلم يجز الاستئجار عليه كإجارة الأمة للزنا. قال إبن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على إبطال إجارة النائحة والمغنية (فصل) ولا يجوز استئجار كاتب ليكتب له غناء أو نوحا، وقال أبو حنيفة يجوز. ولنا أنه انتفاع بمحرم اشبه ما ذكرنا، ولا يجوز الاستئجار على كتب شعر محرم ولا بدعة ولا شئ محرم لذلك (فصل) ولا تجوز إجارة داره لمن يتخذها كنيسة أو بعية أو لبيع الخمر أو القمار وبه قال الجماعة، وقال أبو حنيفة إن كان بيتك في السواد فلا بأس وخالفه صاحباه، واختلف أصحابه في تأويل قوله ولنا أنه فعل محرم فلم تجز الإجارة عليه كإجارة عبده للفجور، ولو اكترى ذمي من مسلم داراً فأراد بيع الخمر فيها فلصاحب الدار منعه، وبذلك قال الثوري. وقال أبو حنيفة إن كان بيتك في السواد والجبل فله أن يفعل ما يشاء. ولنا أنه محرم جاز المنع منه في المصر فجاز في السواد كقتل النفس المحرمة

مسألة: وإن أكراه دابة عشرة أيام بعشرة دراهم فما زاد فله بكل يوم درهم، فقال أحمد: في رواية أبي الحارث هو جائز

* (مسألة) * (ولا يجوز الاستئجار على حمل الميتة والخمر وعنه يصح للحر أكل أجرته) لا يجوز الاستئجار على حمل الخمر لمن يشتريها أو يأكل الميتة ولا على حمل خنزير لذلك، وبه قال أبو يوسف ومحمد والشافعي. وقال أبو حنيفة يجوز لأن العمل لا يتعين عليه بدليل أنه لو حمله مثله جاز لأنه لو قصد إراقته أو طرح الميتة جاز. وقد روي عن أحمد فيمن حمل خنزيراً لذمية أو خمراً لنصراني أكره أكل كرائه ولكن يقضى للحمال بالكراء فإذا كان لمسلم فهو أشد. قال القاضي: هذا محمول على أنه استأجره ليريقها فأما للشرب فمحظور لا يحل أخذ الأجر عليه قال شيخنا: وهذا تأويل بعيد لقوله: أكره أكل كراة وإذا كان لمسلم فهو أشد والمذهب خلاف هذه الرواية لأنه استئجار لفعل محرم فلم يصح كالزنا؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ صلى الله عليه وسلم؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ والمحمولة إليه. وقول أبي حنيفة لا يتعين يبطل بما لو إستأجر أرضا ليتخذها مسجدا، فأما حمل الخمر لإراقتها والميتة لطرحها والاستئجار لكسح الكنيف فجائر لأن ذلك مباح، وقد استأجر النبي صلى الله عليه وسلم أبا طيبة فحجمه. وقال أحمد في رواية ابن منصور فيمن يؤاجر نفسه لنظارة كرم نصراني: يكره ذلك لأن الأصل في ذلك راجع إلى الخمر (فصل) قد ذكرنا أن الاستئجار لكسح الكنيف جائز إلا أنه يكره له أكل أجرته كأجرة الحجام بل هذا أولى. وقد روى سعيد بن منصور أن رجلا حج وأتى ابن عباس فقال له إني رجل أكنس فما ترى في مكسبي؟ قال أي شئ تكنس؟ قال العذرة، قال: ومنه حججت ومنه تزوجت؟ قال نعم. قال أنت خبيث وحجك خبيث وما تزوجت خبيث. ونحو هذا. ولأن فيه دناءة فكره

مسألة: ونص أحمد على أنه لا يجوز أن يكتري لمدة غزاته

كالحجامة. وإنما قلنا بجواز الإجارة عليه لدعو الحاجة إليه ولا يندفع ذلك إلا بالإباحة فجاز كالحجامة (فصل) ويشترط أن تكون المنفعة مقصودة فلا يجوز استئجار شمع ليتجمل به وبرده ولا طعام ليتجمل به على مائدته ثم يرده ولا النقود ليتجمل بها الدكان لأنها لم تخلق لذلك ولا تراد له فبذل العوض فيه سفه وأخذه من أكل المال بالباطل، وكذلك استئجار ثوب ليوضع على سرير الميت لما ذكرنا * (فصل) * (قال الشيخ رحمه الله) والإجارة على ضربين (أحدهما) إجارة عين. فتجوز إجارة كل عين يمكن استيفاء المنفعة المباحة منها مع بقائها) كالأرض والدار والعبد والبهيمة والثياب والفساطيط والحبال والخيام والمحامل والسرج واللجام والسيف والرمح وأشباه ذلك. وقد ذكرنا بعض ذلك في مواضعه * (مسألة) * (ويجوز له استئجار حائط ليضع عليه أطراف خشبه) إذا كان الخشب معلوماً والمدة معلومة وبه قال الشافعي. وقال أبو حنيفة لا يجوز. ولنا أن هذه منفعة مقصودة مقدور على تسليمها واستيفائها فجازت الإجارة عليها كاستئجار السطح للنوم عليه * (مسألة) * (ويجوز استئجار حيوان ليصيد به إلا الكلب) يجوز استئجار الفهد والبازي والصقر ونحوه للصيد في مدة معلومة لأن فيه نفعاً مباحا تجوز إعارته فجازت إجارته له كالدابة، فأما إجارة سباع البهائم والطير التي لا تصلح للصيد فلا تجوز إجارتها لأنه لا نفع فيها وكذلك إجارة الكلب والخنزير لأنه لا يجوز بيعه. ويتخرج جواز إجارة الكلب الذي يباح اقتناؤه لأن فيه نفعا مباحا تجوز إعارته له فجاز إجارته له كغيره. ولأصحاب الشافعي وجهان كهذين

* (مسألة) * (ويجوز استئجار كتاب ليقرأ فيه إلا المصحف في أحد الوجهين) تجوز إجارة كتب العلم التي يجوز بيعها للانتفاع بها من القراءة فيها والنسخ منها والرواية وغير ذلك من الانتفاع المقصود المحتاج إليه. وهذا مذهب الشافعي، ومقتضى قول أبي حنيفة أنه لا تجوز إجارتها لأنه علل منع إجارة المصحف بأنه ليس في ذلك أكثر من النظر إليه ولا تجوز الإجارة لمثل ذلك كما يجوز أن يستأجر سقفا لينظر إلى عمله ولنا أن فيه نفعاً مباحا يحتاج إليه تجوز الإعارة له فجازت الإجارة له كسائر المنافع. وفارق النظر إلى السقف فإنه لا حاجة إليه ولا جرت العادة بالإعارة من أجله، وتجوز إجارة كتاب فيه خط حسن ينقل منه ويكتب عليه على قياس ذلك (فصل) وفي اجارة المصحف وجهل [أحدهما] لا يصح إجارته لأنه لا يصح بيعه إجلالا لكتاب الله تعالى وكلامه عن المعاوضة به وابتذاله بالثمن في البيع والاجرة في الإجارة [والثاني] يصح وهو مذهب الشافعي لأنه انتفاع مباح تجوز الإعارة من أجله فجازت إجارته كسائر الكتب، ولا يلزم من عدم جواز البيع عدم جواز الإجارة كالحر (فصل) والذي يحرم بيعه تحرم إجارته إلا الحر والوقف وأم الولد فإنه يجوز إجارتها وإن حرم بيعها، وما عدا ذلك لا تجوز إجارته، وسنذكر ذلك إن شاء الله تعالى

* (مسألة) * (ويجوز استئجار النقد للتحلي والوزن لا غير) إذا كان في مدة معلومة وبه قال أبو حنيفة وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي والوجه الآخر أنه لا تجوز إجارتها لأن هذه المنفعة ليست المقصود منها ولذلك لا نضمن منفعتها بعصبها فاشبهت الشمع ولنا أنها عين أمكن الانتفاع بها مع بقاء عينها منفعة مباحة فاشبهت الحلي، وفارق الشمع فإنه لا ينتفع به إلا بما يتلف عينه * (مسألة) * (فإن أطلق الإجارة لم يصح في أحد الوجهين ويصح في الآخر وينتفع بها في ذلك) وهذا اختيار أبي الخطاب لأن منفعتها في الإجارة متعينة في التحلي والوزن وهما متقاربان فوجب أن نحمل الإجارة عند الإطلاق عليهما كاستئجار الدار مطلقا فإنه يتناول السكنى ووضع المتاع فيها، فعلى هذا ينتفع بها فيما شاء منهما، وقال القاضي لا تصح الإجارة وتكون قرضاً وهذا مذهب أبي حنيفة لأن الإجارة تقتضي الانتفاع والانتفاع المعتاد بالدراهم والدنانير إنما هو بأعيانها فإذا أطلق الانتفاع حمل على الانتفاع المعتاد، وقال أصحاب الشافعي لا تصح الإجارة ولا تكون قرضا لأن التحلي ينقصها والوزن لا ينقصها فقد اختلفت جهة الانتفاع فلم يجز إطلاقها، ولا يجوز أن يعبر بها عن القرض لأن القرض تمليك للعين والإجارة تمليك المنفعة تقتضي الانتفاع مع بقاء العين فلم يجز التعبير بأحدهما عن الآخر، ولأن التسمية والالفاظ تؤخذ نقلا ولم يعهد في اللسان التعبير بالإجارة عن القرض، قال شيخنا وقول أبي الخطاب أصح

إن شاء الله تعالى لأن العقد متى أمكن حمله على الصحة كان أولى من إفساده وقد أمكن حملها على إجارتها للجهة التي تجوز إجارتها فيها، وقول القاضي لا يصح لما ذكرنا، وما ذكر أصحاب الشافعي من نقص العين بالاستعمال في التحلي فبعيد فإن ذلك يسير لا أثر له فوجوده كعدمه (فصل) ويجوز أن يستأجر نخلا ليجفف عليه الثياب ويبسطها عليه ليستظل بظلها ولأصحاب الشافعي في ذلك وجهان لما ذكروه في الأثمان ولنا أنها لو كانت مقطوعة لجاز استئجارها لذلك فكذلك النابتة وذلك لأن الانتفاع يحصل بهما على السواء في الحالتين فما جاز في إحداهما يجوز في الأخرى ولأنها شجرة فجاز استئجارها لذلك كالمقطوعة ولأنها منفعة مقصودة يمكن استيفاؤها مع بقاء العين فجاز العقد عليها كما لو كانت مقطوعة (فصل) ويجوز استئجار ما يبقى من الطيب والصندل وقطع الكافور والند لشمه للمرضى وغيرهم مدة ثم يرده لأنها منفعة أشبهت الوزن والتحلي مع أنه لا ينفك من أخلاق وبلى (فصل) يجوز استئجار دار يتخذها مسجدا يصلي فيه وبه قال مالك والشافعي وقال أبو حنيفة لا يجوز لأن فعل الصلاة لا يجوز استحقاقه بعقد الإجارة بحال فلا تجوز الإجارة لذلك ولنا أن هذه منفعة مباحة يمكن استيفاؤها من العين مع بقائها فجاز استئجار العين لها كالسكنى ويفارق الصلاة فإنها لا تدخل النيابة فيها بخلاف المسجد * (مسألة) * (ويجوز استئجار ولده لخدمته وامرأته لرضاع ولده وحضانته)

يجوز استئجار ولده لخدمته كالأجنبي واستئجار أمه وأخته وابنته لرضاع ولده وكذلك سائر أقاربه بغير خلاف كالأجانب، فأما استئجار امرأته لرضاع ولده منها فيجوز في الصحيح من المذهب قال الخرقي إن أرادت الأم أن ترضع ولدها بأجرة مثلها فهي أحق به من غيرها سواء كانت في جبال الزوج أو مطلقة وقال القاضي لا يجوز وتأول كلام الخرقي على أنها في حبال زوج آخر وهو قول أصحاب الرأي وحكى عن الشافعي لأنه قد استحق حبسها والاستمتاع بها بعوض فلا يجوز أن يلزمه آخر لذلك ولنا أن كل عقد يصح أن تعقده مع غير الزوج يصح أن تعقده معه كالبيع ولأن منافعها في الرضاع والحضانة غير مستحقة للزوج بدليل أنه لا يملك إجبارها على ذلك ويجوز أن تأخذ عليها العوض من غيره فجاز لها أخذه منه كثمن مالها، قولهم أنها استحقت عوض الحبس والاستمتاع قلنا هذا غير الحضانة واستحقاق منفعة من وجه لا يمنع استحقاق منفعة سواها بعوض آخر كما لو استأجرها ثم تزوجها، وتأويل القاضي كلام الخرقي يخالف الظاهر من وجهين (أحدهما) أن الألف واللام في الزوج للمعهود وهو أبو الطفل (الثاني) أنها إذا كانت في حبال زوج آخر لا تكون أحق به بل يسقط حقها من الحضانة ثم ليس لها أن ترضع إلا بإذن زوجها ففسد التأويل * (مسألة) * (ولا تصح الإجارة إلا بشروط خمسة أحدها أن يعقد على نفع العين دون أجزائها)

لأن الإجارة بيع المنافع فأما الأجزاء فلا تدخل في الإجارة فلا يصح إجارة الطعام للأكل ولا الشمع ليشعله لأن هذا لا ينتفع به إلا بإتلاف عينه فلم يجز كما لو استأجر ديناراً لينفقه، فإن استأجر شمعة ليسرجها ويرد بقيتها وثمن ما ذهب وأجر الباقي فهو فاسد لأنه يشمل بيعا وإجارة وما وقع عليه البيع مجهول وإذا جهل البيع جهل المستأجر أيضا فيفسد العقدان * (مسألة) * (ولا يجوز استئجار حيوان ليأخذ لبنه) كاستئجار الإبل والبقر والغنم ليأخذ لبنها أو ليسترضعها لسخالها ونحوها ولا ليأخذ صوفها وشعرها ووبرها ولا استئجار شجرة ليأخذ ثمرتها أو شيئاً من عينها لما ذكرناه * (مسألة) * (إلا في الظئر ونفع البئر يدخل تبعا) أما الظئر فقد سبق ذكرها، وأما نفع البئر فقال ابن عقيل يجوز استئجار البئر ليستقي منه أياما معلومة ودلاء معلومة لأن هواء البئر وعمقها فيه نوع انتفاع بمرور الدلو فهى، فأما الماء فيؤخذ على أصل الإباحة (فصل) ولا يجوز استئجار الفحل الضرب وهو ظاهر مذهب الشافعي وأصحاب الرأي

مسألة: ولا يجوز الاستئجار على حمل الميتة والخمر وعنه يصح للحر أكل أجرته

وخرج أبو الخطاب وجهاً في جوازه بناء على إجارة الظئر للرضاع لأن الحاجة تدعو إليه وهو قول الحسن وابن سيرين ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن عسب الفحل متفق عليه ولأن المقصود الماء الذي يخلق منه الولد فيكون عقد الإجارة لاستيفاء عين فهو كإجارة الغنم لأخذ لبنها، ولأن الماء محرم لا قيمة له فلم يجز أخذ العوض عنه كالميتة، فأما من أجازه فينبغي أن يوقع العقد على العمل ويقدره بمرة أو مرتين، وقيل يقدره بالمدة وهو بعيد فإن من أراد إطراق فرسه مرة فقدره بمدة تزيد على قدر الفعل لم يكن استيعابها به وربما لا يحصل الفعل في المدة ويتعذر ضبط مقدار الفعل فيتعين التقدير بالفعل إلا أن يكتري فحلا لإطراق ماشية كثيرة كتيس يتركه في غنمه فإنه إنما يكتريه مدة معلومة. والمذهب أنه لا يجوز إجارته لما ذكرنا فإن احتاج إلى ذلك ولم يجد من يطرق له جاز له أن يبذل الكراء، وليس للمطرق أخذه لأن ذلك بذل مال لتحصيل منفعة مباحة تدعو الحاجة إليها فجاز كشراء الأسير ورشوة الظالم ليدفع ظلمه، وإن أطرق إنسان فحله بغير إجارة ولا شرط فأهديت له هدية أو أكرم بكرامة لذلك فلا بأس لأنه فعل معروفا فجازت مجازاته عليه كما لو أهدى هدية فجوزي عليها * (مسألة) * (الثاني معرفة العين برؤية أو صفة في أحد الوجهين ويصح في الآخر بدونه وللمستأجر خيار الرؤية)

يشترط معرفة العين المستأجرة بالمشاهدة إن كانت لا تنضبط بالصفات، أو بالصفة إن كانت تنضبط قياساً على البيع، وفيه وجه آخر أنه لا يشترط ويثبت للمستأجر خيار الرؤية وهو قول أصحاب الرأي، والخلاف ههنا مبني على الخلاف في البيع، وقد ذكرناه والمشهور الأول. فعلى هذا إذا كانت مما لا ينضبط بالصفة كالدور والحمام فلابد من رؤيتها كالبيع لأن الغرض يختلف بصغرها وكبرها ومرافقها ومشاهدة قدر الحمام ليعلم كبرها من صغرها ومعرفة مائه ومشاهدة الإيوان ومطرح الرماد وموضع الزبل ومصرف ماء الحمام، فمتى أخل بهذا أو بعضه لم يصح للجهالة بما يختلف به الغرض، وقد كره أحمد كراء الحمام لأنه يدخله من يكشف عورته فيه قال ابن حامد هو على طريق كراهة التنزيه دون التحريم فأما العقد فصحيح في قول أكثر أهل العلم، قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن كراء الحمام جائز إذا حدده وذكر جميع آلته شهوراً مسماة وهذا قول مالك والشافعي وأبي ثور وأصحاب الرأي لأن المكتري إنما يأخذ الأجر عوضا عن دخول الحمام والاغتسال بمائه وأحوال المسلمين محمولة على السلامة وإن وقع من بعضهم فعل ما لا يجوز لم يحرم الأجر المأخوذ منه كما لو اكترى دارا ليسكنها فشرب فيها خمراً * (مسألة) * (الثالث القدرة على التسليم فلا تصح إجارة الآبق والشارد والمغصوب من غير غاصبه إذا لم يقدر على أخذه منه) لأنه لا يمكن تسليم المعقود عليه فلم تصح إجارته كبيعه * (مسألة) * (ولا تجوز إجارة المشاع مفرداً لغير شريكه وعنه ما يدل على الجواز

مسألة: ويجوز له استئجار حائط ليضع عليه أطراف خشبه

قال أصحابنا لا تجوز إجارة المشاع لغير الشريك إلا أن يؤجر الشريكان معا وهذا قول أبي حنيفة وزفر لأنه لا يقدر على تسليمه فلم تصح إجارته كالمغصوب، يحقق ذلك أنه لا يقدر على تسليمه إلا بتسليم نصيب الشريك ولا ولاية له على مال شريكه، واختار أبو حفص العكبري جوازه، وقد أومأء إليه أحمد وهو قول مالك والشافعي وأبي يوسف ومحمد لأنه معلوم يجوز بيعه فجازت إجارته كالمفرد ولأنه عقد في ملكه يجوز مع شريكه فجاز مع غيره كالبيع، ومن نصر الأول فرق بين محل النزاع وبين ما إذا أجره الشريكان أو أجره لشريكه فإنه يمكن التسليم إلى المستأجر فأشبه إجارة المغصوب من غاصبه دون غيره، وإن كانت لواحد فأجر نصفها صح لأنه يمكنه تسليمه ثم إن أجر نصفها الآخر للمستأجر الأول صح لإمكان تسليمه إليه، وإن أجره لغيره ففيه وجهان كالمسألة التي قبلها لأنه لا يمكنه تسليم ما أجره إليه، وإن أجر الدار لاثنين لكل واحد منهما نصفها فكذلك لأنه لا يمكنه تسليم نصيب كل واحد إليه (فصل) ولا تجوز إجارة المسلم للذمي لخدمته نص عليه أحمد في رواية الأثرم فقال إن أجر نفسه من الذي في خدمته لم يجز، وإن كان في عمل شئ جاز وهذا أحد قولي الشافعي، وقال في الآخر تجوز لأنه يجوز له إجارة نفسه في غير الخدمة فجاز فيها كإجارته من المسلم ولنا أنه عقد يتضمن حبس المسلم عند الكافر وإذلاله له واستخدامه أشبه البيع، يحققه أن عقد

الإجارة للخدمة يتعين فيها حبسه مدة الإجارة واستخدامه، والبيع لا يتعين فيه ذلك فإذا منع فالمنع من الإجارة أولى، فأما إن أجر نفسه منه في عمل معين في الذمة كخياطة ثوب جاز بغير خلاف نعلمه لأن علياً رضي الله عنه أجر نفسه من يهودي يستقي له كل دلو بتمرة وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فلم ينكره، وكذلك الأنصاري ولأنه عقد معاوضة لا يتضمن إذلال المسلم ولا استخدامه فأشبه مبايعته فإن آجر نفسه منه لغير الخدمة مدة معلومة جاز أيضا في ظاهر كلام أحمد لقوله: وإن كان في عمل شئ جاز ونقل عنه أحمد بن سعيد لا بأس ان يؤجر نفسه من الذمي وهذا مطلق في نوعي الإجارة، وذكر بعض أصحابنا أن ظاهر كلام أحمد منع ذلك وأشار إلى ما رواه الأثرم واحتج بأنه عقد يتضمن حبس المسلم أشبه البيع، والصحيح ما ذكرنا فإن كلام أحمد يدل على خلاف ما قاله، وإنه خص المنع بالإجارة للخدمة وأجاز إجارته للعمل وهذا إجارة للعمل، ويفارق البيع فإن فيه إثبات الملك على المسلم ويفارق إجارته للخدمة لتضمنها الإذلال (فصل) نقل إبراهيم الحربي أنه سئل عن الرجل يكتري الديك ليوقظه لوقت الصلاة لا يجوز لأن ذلك يقف على فعل الديك، ولا يمكن استخراج ذلك منه بضرب ولا غيره وقد يصيح وقد لا يصيح وربما صاح بعد الوقت * (مسألة) * (الشرط الرابع اشتمال العين على المنفعة)

مسألة: ويجوز استئجار النقد للتحلي والوزن لا غير

فلا يجوز استئجار بهيمة زمنة للحمل ولا أرض لا تنبت الزرع لأن الإجارة عقد على المنفعة ولا يمكن تسليم هذه المنفعة من هذه العين فلا تجوز إجارتها كالعبد الآبق * (مسألة) * (الخامس كون المنفعة مملوكة للمؤجر أو مأذونا له فيها) لأنه تصرف فيما لا يملكه ولا أذن فيه مالكه فلم يجز كبيعه، ويحتمل أن يجوز ويقف على إجازة المالك بناء على بيع العين بغير إذن مالكها * (مسألة) * (يجوز للمستأجر إجارة العين لمن يقوم مقامه من المؤجر وغيره) يجوز للمستأجر إجارة العين المستأجرة إذا قبضها نص عليه أحمد وهو قول سعيد بن المسيب وابن سبرين ومجاهد وعكرمة وأبي سلمة بن عبد الرحمن والنخعي والشعبي والثوري والشافعي وأصحاب الرأي، وذكر القاضي فيه رواية أخرى أنه لا يجوز لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ربح ما لم يضمن والمنافع لم تدخل في ضمانه، ولأنه عقد على ما لم يدخل في ضمانه فلم يجز كبيع المكيل والموزون قبل قبضه، والأول أصح لأن قبض العين قام مقام قبض المنافع بدليل أنه يجوز التصرف فيها فجاز العقد عليها كبيع الثمرة على الشجرة وبهذا الأصل يبطل قياس الرواية الأخرى. إذا ثبت هذا فإنه لا تجوز إجارته إلا لمن يقوم مقامه أو دونه في الضرر لأن هذه المنفعة صارت مملوكة له فله أن يستوفيها بنفسه وبنائه، والمستأجرة لا يجوز إجارتها لمن هو أكثر ضرراً منه ولا لمن يخالف ضرره ضرره لما نذكره

(فصل) فأما إجارتها قبل قبضها فتجوز من غير المؤجر في أحد الوجهين وهو قول بعض الشافعية لأن قبض العين لا ينتقل به الضمان إليه فلم يقف جواز التصرف عليه، والثاني لا يجوز وهو قول أبي حنيفة، والمشهور من قولي الشافعي لأن المنافع مملوكة بعقد معاوضة فاعتبر في جواز العقد عليها القبض كالأعيان، وأما إجارتها للمؤجر قبل القبض فإذا قلنا لا يجوز من غير المؤجر ففيها ههنا وجهان (أحدهما) لا يجوز كغيره (والثاني) يجوز لأن القبض لا يتعذر عليه بخلاف الأجنبي وأصلهما بيع الطعام قبل قبضه وهل يصح من بائعه؟ على روايتين وتجوز إجارتها من المؤجر بعد قبضها وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة لا يجوز لأنه يؤدي إلى تناقض الأحكام لأن التسليم مستحق من المكري فإذا اكتراها صار مستحقاً له فيصير مستحقا لما يستحق عليه وهو تناقض ولنا أن كل عقد جاز مع الأجنبي جاز مع العاقد كالبيع وما ذكروه لا يصح لأن التسليم قد حصل وهذا المستحق له تسليم آخر ثم يبطل بالبيع فإنه يستحق عليه تسليم العين، فإذا اشتراها استحق تسليمها فإن قبل التسليم ههنا مستحق في جميع المدة قلنا المستحق تسليم العين، وقد حصل وليس عليه تسليم آخر غير أن العين من ضمان المؤجر فإذا تعذرت المنافع بتلف الدار أو غصبها رجع عليها لأنها تعذرت بسبب كان في ضمانه

مسألة: ويجوز استئجار ولده لخدمته وامرأته لرضاع ولده وحضانته

* (مسألة) * (وتجوز إجارتها بمثل الأجرة وزيادة، وعنه لا تجوز بزيادة، وعنه إن جدد فيها عمارة جازت الزيادة وإلا فلا) إذا قلنا بجواز إجارة العين المستأجرة جازت بمثل الأجرة وزيادة نص عليه أحمد، وروي عن عطاء والحسن والزهري وبه قال الشافعي وأبو ثور وابن المنذر، وعن أحمد لا تجوز بزيادة تروى كراهة ذلك عن ابن المسيب وأبي سلمة وابن سيرين ومجاهد وعكرمة والنخعي وعنه إن جدد فيها عمارة جازت الزيادة وإلا فلا فإن فعل تصدق بالزيادة روى ذلك عن الشعبي وبه قال الثوري وأبو حنيفة لأنه يربح بذلك فيما لم يضمن، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ربح ما لم يضمن ولأنه يربح فيما لم يضمن فلم يجز كما لو ربح في الطعام قبل قبضه ويخالف ما إذا عمل فيها فإن الربح في مقابلة العمل، وعن أحمد رواية أخرى أن أذن له المالك في الزيادة جاز وإلا لم يجز ولنا أنه عقد يجوز برأس المال فجاز بزيادة كبيع المبيع بعد قبضه وكما لو أحدث فيها عمارة لا يقابلها جزء من الأجر، وأما الخبر فإن المنافع قد دخلت في ضمانه من وجه بدليل أنها لو فاتت من غير استيفائه كانت من ضمانه، والقياس على بيع الطعام قبل قبضه لا يصح فإنه لا يجوز وإن لم يربح فيه، وتعليلهم بأن الربح في مقابلة عمله ملغي بما إذا كنس الدار ونظفها فإن ذلك يزيد في أجرها عادة والله أعلم

مسألة: ولا تصح الإجارة إلا بشروط خمسة أحدها أن يعقد على نفع العين دون أجزائها

(فصل) وسئل أحمد عن الرجل يتقبل العمل من الأعمال فيقبله بأقل من ذلك أيجوز له الفضل؟ قال ما أدري هي مسألة فيها بعض الشئ، قلت أليس كان الخياط أسهل عندك إذا قطع الثوب أو غيره إذا عمل في العمل شيئا؟ قال إذا عمل فهو أسهل. قال النخعي لا بأس ان يتقبل الخياط الثياب بأجر معلوم ثم يقبلها بعد ذلك بعد أن يعين فيها أو يقطع أو يعطيه سلوكا أو إبراً فإن لم يعين فيها بشئ فلا يأخذن فضلا. وهذا يحتمل أن يكون النخعي قاله بناء على مذهبه في أن من استأجر شيئاً لا يؤجره بزيادة، وقياس المذهب جواز ذلك سواء أعان فيها بشئ أو لم يعن لأنه إذا جاز أن يقبله بمثل الأجر الأول جاز بزيادة عليه كالبيع وكإجارة العين * (مسألة) * (وللمستعير إجارتها إذا أذن له المعير مدة بعينها) لأنه لو أذن له في بيعها جاز فكذلك إذا أذن له في إجارتها ولأن الحق له فجاز باذنه ولابد من تعيين المدة في الإذن لأن الإجارة عقد لازم لا تجوز إلا مدة معينة * (مسألة) * (وتجوز إجارة الوقف) لأن منافعه مملوكة للموقوف عليه فجاز إجارتها كالمستأجر * (مسألة) * (فإن مات المؤجر فانتقل إلى من بعده لم تفسخ الإجارة في أحد الوجهين) وللثاني حصته من الأجر لأنه أجر ملكه في زمن ولايته فلم تبطل بموته كما لو أجر ملكه الطلق

مسألة: إلا في الظئر ونفع البئر يدخل تبعا

(والثاني) تنفسخ الإجارة فيما بقي من المدة لأنا تبينا أنه أجر ملكه وملك غيره فصح في ملكه دون ملك غيره كما لو أجر دارين إحداهما له والأخرى لغيره بخلاف الطلق فإن المالك يملك من جهة الموروث فلا يملك إلا ما خلفه، وما تصرف فيه في حياته لا ينتقل الى الوارث والمنافع التي أجرها قد خرت عن ملكه بالإجارة فلا تنتقل الى الوارث، والبطن الثاني في الوقف يملكون من جهة الواقف فما حدث فيها بعد البطن الأول كان ملكا لهم فقد صادف تصرف المؤجر في ملكهم من غير إذنهم ولا ولاية له عليهم ويتخرج أن تبطل الإجارة كلها بناء على تفريق الصفقة وهذا التفصيل مذهب الشافعي فعلى هذا إن كان المؤجر قبض الأجر كله وقلنا تنفسخ الإجارة فلمن انتقل إليه الوقف أخذه ويرجع المستأجر على ورثة المؤجر بحصة الباقي من الأجر. وإن قلنا لا تنفسخ رجع من انتقل إليه الوقف على التركة بحصته * (مسألة) * (وإن أجر الولي اليتيم أو ماله مدة فبلغ في أثنائها فليس له فسخ الإجارة ذكره أبو الخطاب) لأنه عقد لازم عقده بحق الولاية فلم يبطل بالبلوغ كما لو باع داره أو زوجه، ويحتمل أن تبطل الاجارة فيما يعد البلوغ لزوال الولاية لما ذكرنا في إجارة الوقف. ويحتمل أنه إذا أجره مدة يتحقق فيها بلوغه وهو أن يؤجر ابن أربع عشرة سنتين فيبطل في السادس عشر لأننا نتيقن أنه أجره فيها بعد بلوغه، وهل يصح في الخامس عشر؟ على وجهين بناء على تفريق الصفقة، وإن لم يتحقق فيها بلوغه

مسألة: الثاني معرفة العين برؤية أو صفة في أحد الوجهين ويصح في الآخر بدونه، وللمستأجر خيار الرؤية

كالذي أجره الخامس عشر وحده فبلغ في أثنائه فيكون فيه ما ذكرنا في صدر الفصل، لأنا لو قلنا يلزم الصبي بعقد الولي مدة يتحقق فيها بلوغه أفضى إلى أن يعقد على منافعه طول عمره وإلى أن يتصرف فيه في غير زمن ولايته عليه، ولا يشبه النكاح لأنه لا يمكن تقدير مدته فإنه إنما يعقد للأبد، وبهذا قال الشافعي، وقال أبو حنيفة إذا بلغ لصبي فله الخيار لأنه عقد على منافعه في حال لا يملك التصرف في نفسه فإذا ملك ثبت له الخبيار كالأمة إذا عتقت تحت زوج ولنا أنه عقد لازم عقد عليه قبل أن يملك التصرف فإذا ملكه لم يثبت له الخيار كالأب إذا زوج ولده والأمة إنما ثبت لها الخيار إذا عتقت تحت عبد لأجل العيب لا لما ذكره، بدليل أنها لو عتقت تحت حر لم يثبت لها الخيار، إن مات الولي المؤجر للصبي أو ماله أو عزل وانتقلت الولاية إلى غيره لم يبطل عقده لأنه تصرف وهو من أهل التصرف في محل ولايته فلم يبطل تصرفه بموته أو عزله كما لو مات ناظر الوقف أو عزل أو مات الحاكم بعد تصرفه فيما له النظر فيه، ويفارق ما لو أجر الموقوف عليه الوقف مدة ثم مات في أثنائها لأنه أجر ملك غيره بغير إذنه في مدة لا ولاية له فيها، وههنا إنما يثبت للوالي الثاني التصرف فيما لم يتصرف فيه الاولى وهذا العقد قد تصرف فيه الأول فلم يثبت للثاني ولاية على ما تناوله الخبر * (مسألة) * (فإن أجر السيد عبده مدة ثم أعتقه في أثنائها صح العتق) ولم يبطل عقد الإجارة في قياس المذهب ولا يرجع العبد على مولاه بشئ. وهذا أحد قولي

مسألة: الثالث القدرة على التسليم، فلا تصح إجارة الآبق، والشارد، والمغصوب، من غير غاصبه إذا لم يقدر على أخذه منه

الشافعي، وقال في القديم يرجع على مولاه بأجر المثل لانه المنافع تستوفى منه بسبب كان من جهة السيد فرجع عليه كما لو أكرهه بعد عتقه على ذلك العمل ولنا أنها منفعة استحقت بالعقد قبل العتق فلم يرجع ببدلها كما لو زوج أمته ثم أعتقها بعد دخول الزوج بها فإن ما يستوفيه السيد لا يرجع به عليه. ويخالف المكره فإنه تعدى بذلك، وقال أبو حنيفة للعبد الخيار في الفسخ أو الإمضاء كالصبي إذا بلغ للمعنى الذي ذكره. ثم ولنا أنه عقد لازم على ما يملك فلم ينفسخ بالعتق ولا يزول ملكه عنه كما لو زوج أمته ثم باعها إذا ثبت هذا فإن نفقة العبد إذا لم تكن مشروطة على المستأجر فهي على معتقه لأنه كالباقي في ملكه لكونه يملك عوض نفعه، ولأن العبد عاجز عن نفقته لأنه مشغول بالإجارة ولم تجب على المستأجر لأنه استحق منفعته بعوض غير نفقته لم يبق إلا أنها على المولى، ويتخرج أن تنفسخ الإجارة كالصبي والله أعلم * (فصل) * قال رحمه الله (وإجارة العين تنقسم إلى قسمين (أحدهما) أن تكون على مدة كإجارة الدار شهراً والأرض عاما والعبد للخدمة أو للرعي مدة معلومة ويسمى الأجير فيها الأجير الخاص) تكون في الآدمي وغيره، فأما غير الآدمي فمثل إجارة الدار شهراً والأرض عاما. وأما إجارة الآدمي فمثل أن يستأجر رجلا يبني معه يوما أو يخيط له شهراً فهذا يسمى الأجير الخاص لأن المستأجر يختص بمنفعته في مدة الإجارة لا يشاركه فيها غيره * (مسألة) * (ويشترط أن تكون المدة معلومة يغلب على الظن بقاء العين فيها وإن طالت)

أما ضبطها بالشهر والسنة فلا نعلم فيه خلافاً وإنما اشترط العلم بالمدة لأنها هي الضابطة فاشترط معرفتها كعدد المكيلات فيما بيع بالكيل، فإن قدر المدة بسنة مطلقة حمل على السنة الهلالية لأنها المعهودة قال الله تعالى (يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج) فوجب أن يحمل العقد عليه، فإن قال هلالية كان توكيداً، وإن قال عددية أو سنة بالأيام فهي ثلثمائة وستون يوماً لأن الشهر العددي ثلاثون يوما. وإن استأجر سنة هلالية في أولها عد اثني عشر شهرا بالأهلة سواء كان الشهر تاما أو ناقصاً لأن الشهر الهلالي ما بين هلالين ينقص مرة ويزيد أخرى. وكذلك إن كان العقد على أشهر دون السنة، وإن جعلا المدة سنة رومية أو شمسية أو فارسية أو قبطية وهما يعلمانها جاز وهي ثلثمائة وخمسة وستون يوما وربع يوم وإن جهلا ذلك أو أحدهما لم يصح (فصل) فإن أجره إلى العيد انصرف إلى الذي يليه وتعلق بأول جزء منه لأنه جعل غاية فتنتهي مدة الإجارة بأوله. وقال القاضي: لابد من تعيين العيد فطراً أو أضحى من هذه السنة أو من سنة كذا. وكذلك الحكم إن علقه بشهر يقع اسمه على شهرين كجمادى وربيع يجب على قوله ان يذكر الأول أو الثاني من سنة كذا. وإن علقه بشهر مفرد كرجب فلابد أن يبينه من أي سنة، وإن علقه بيوم بينه من أي أسبوع، وإن علقه بعيد من أعياد الكفار وهما يعلمانه صح وإلا لم يصح (فصل) ولا تتقدر أكثر مدة الإجارة بل يجوز أجرة العين مدة يغلب على الظن بقاء العين فيها

مسألة: الشرط الرابع اشتمال العين على المنفعة

وإن طالت. وهذا قول عامة أهل العلم، غير أن أصحاب الشافعي اختلفوا في مذهبه فمنهم من قال له قولان (أحدهما) كما ذكرنا وهو الصحيح (والثاني) لا يجوز أكثر من سنة لأن الحاجة لا تدعو إلى أكثر منها ومنهم من قال له قول ثالث أنها لا تجوز أكثر من ثلاثين سنة. وحكى القاضي في كتاب الخلاف عن ابن حامد أن أصحابنا اختلفوا في مدة الإجارة فمنهم من قال لا تجوز أكثر من سنة. واختاره ومنهم من قال إلى ثلاثين سنة لأن الغالب أن الأعيان لا تبقى أكثر منها وتتغير الأسعار والأجر ولنا قوله تعالى إخبارا عن شعيب عليه السلام أنه قال (على أن تأجرني ثماني حجج) وشرع من قبلنا شرع لنا ما لم يقم على نسخه دليل. ولأن ما جاز العقد عليه سنة جاز أكثر منها كالبيع والنكاح والمساقاة والتقدير بسنة وثلاثين تحكم لا دليل عليه وليس هو بأولى من التقدير بزيادة عليه أو نقصان منه (فصل) إذا استأجر سنين لم يحتج إلى تقسيط الأجر على كل سنة في ظاهر كلام أحمد كما لو استأجر سنة لم يحتج إلى تقسيط أجر كل شهر بالاتفاق، وكذلك لا يفتقر إلى تقسيط أجر كل يوم إذا استأجر شهراً، ولأن المنفعة كالأعيان في البيع، ولو اشتملت الصفقة على أعيان لم يلزمه تقدير ثمن كل عين كذلك، ههنا وقال الشافعي في أحد قوليه يفتقر إلى تقسيط أجر كل سنة لأن المنافع تختلف باختلاف السنين فلا يأمن ان ينفسخ العقد فلا يعلم بم يرجع وهذا يبطل بالشهور فإنه لا يفتقر الى تقسيط الأجر على كل شهر مع الاحتمال الذي ذكروه

مسألة: يجوز للمستأجر إجارة العين لمن يقوم مقامه من المؤجر وغيره

* (مسألة) * (ولا يشترط أن تلي العقد فلو أجره سنة خمس في سنة أربع صح) سواء كانت العين مشغولة وقت العقد أو لم تكن وكذلك إن أجره شهر رجب في المحرم وبه قال أبو حنيفة وقال الشافعي لا يصح إلا أن يستأجرها من هي في إجارة، ففيه قولان لأنه عقد على ما يمكن تسليمه في الحال فأشبه إجارة العين المغصوبة قال ولا يجوز أن يكتري بعيراً بعينه إلا عند خروجه لذلك ولنا أنها مدة يجوز العقد عليها مع غيرها فجاز العقد عليها مفردة مع عموم الناس كالتي تلي العقد وإنما تشترط القدرة على التسليم عند وجوبه كالسلم فانه لا يشترط وجود القدرة عليه حين العقد، ولا فرق بين كونها مشغولة أو غير مشغولة لما ذكرناه، وما ذكره يبطل بما إذا أجرها من المكتري فان يصح مع ما ذكروه. إذا ثبت هذا فإن الإجارة إن كانت على مدة تلي العقد لم يحتج الى ذكر ابتدائها من حين العقد وإن كانت لا تليه فلابد من ذكره لأنها أحد طرفي العقد فاحتيج إلى معرفته كالانتهاء، وإن أطلق فقال أجرتك سنة أو شهراً صح وكان ابتداؤها من حين العقد وهو قول أبي حنيفة ومالك وقال الشافعي وبعض أصحابنا لا يصح حتى يسمي الشهر ويذكر أي سنة هي قال أحمد في رواية إسماعيل ابن سعيد إذا استأجر أجيراً شهراً فلا يجوز حتى يسمي الشهر ولنا قول الله تعالى حكاية عن شعيب عليه السلام قال (على أن تأجرني ثماني حجج) لم يذكر ابتداءها ولأنه تقدير بمدة ليس فيها قربة فإذا أطلقها وجب أن تلي السبب كمدة السلم والايلاء وتفارق النذر فإنه قربة

مسألة: وتجوز إجارتها بمثل الأجرة وزيادة، وعنه لا تجوز بزيادة، وعنه إن جدد فيها عمارة جازت الزيادة وإلا فلا

(فصل) إذا تمت الإجارة وكانت على مدة ملك المستأجر المنافع المعقود عليها إلى المدة وتحدث على ملكه وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة تحدث على ملك المؤجر ولا يملكها المستأجر بالعقد لأنها معدومة فلا تكون مملوكة كالولد والتمرة ولنا أن الملك عبارة عن حكم يحصل به تصرف مخصوص وقد ثبت ان المنفعة المستقبلة كان لمالك العين أن يتصرف فيها كتصرفه في العين فلما أجرها كان المستأجر مالكا للتصرف فيها كما كان يملكه المؤجر فثبت أنها كانت مملوكة لمالك العين ثم انتقلت إلى المستأجر بخلاف الولد والتمرة فإن المستأجر لا يملك التصرف فيها قولهم إن المنفعة معدومة قلنا هي مقدرة الوجود لأنها جعلت موردا للفعل والقدر لا يرد إلا على موجود * (مسألة) * (وإذا أجره في أثناء شهر سنة استوفى شهراً بالعدد وسائرها بالأهلة) لأنه تعذر إتمامه بالهلال فتممناه بالعدد وأمكن استيفاء ما عداه بالهلال فوجب ذلك لأنه الأصل وعنه يستوفي الجميع بالعدد لأنها مدة يستوفى بعضها بالعدد فوجب استيفاء جميعها به كما لو كانت المدة شهراً واحداً ولأن الشهر الأول ينبغي أن يكمل من الشهر الذي يليه فيحصل ابتداء الشهر الثاني في أثنائه وكذلك كل شهر يأتي بعده ولابي حنيفة والشافعي كالروايتين، وكذلك الحكم في كل ما يعتبر فيه الأشهر كعدة الوفاة وشهري صيام الكفارة

(فصل) ومن اكترى دابة إلى العشاء فآخر المدة غروب الشمس وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة وأبو ثور آخرها زوال الشمس لأن العشاء آخر النهار وآخره النصف الآخر من الزوال وكذلك جاء في حديث ذي اليدين عن أبي هريرة قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاة العشي يعني الظهر أو العصر هكذا تفسيره ولنا قوله تعالى (من بعد صلاة العشاء) يعني العتمة وقال النبي صلى الله عليه وسلم " لولا أن أشق على أمتي لأخرت العشاء إلى ثلث الليل " وإنما تعلق الحكم بغروب الشمس لأن هذه الصلاة تسمى العشاء الآخرة فيدل على أن الأولى المغرب وهو في العرف كذلك فوجب أن يتعلق الحكم به لأن المدة إذا جعلت إلى وقت تعلقت بأوله كما لو جعلتا إلى الليل، وما ذكروه لا يصح لأن لفظ العشي غير لفظ العشاء فلا يجوز الاحتجاج بأحدهما على الآخر حتى يقوم دليل على أن معنى اللفظين واحد ثم لو ثبت أن معناهما واحد غير أن أهل العرف لا يعرفون غير ما ذكرنا، فإن اكتراها إلى الليل فهو إلى أوله وكذلك إن اكتراها إلى النهار فهو إلى أوله، ويتخرج أن يدخل الليل في المدة الأولى والنهار في الثانية لما ذكرنا في مدة الخيار، وإن اكتراها نهاراً فهو إلى غروب الشمس وإن اكتراها ليلة فهي إلى طلوع الفجر في قول الجميع لأن الله تعالى قال في ليلة القدر (سلام هي حتى مطلع الفجر) وقال (أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم) ثم قال (فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا

مسألة: وللمستعير إجارتها إذا أذن له المعير مدة بعينها

واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل) (فصل) وإن اكترى فسطاطا إلى مكة ولم يقل متى اخرج فالكراء فاسد وبه قال أبو ثور وهو قياس قول الشافعي وقال أصحاب الرأي يجوز استحسانا بخلاف القياس ولنا أنها مدة غير معلومة الابتداء فلم يجز كما لو قال أجرتك داري من حين يخرج الحاج إلى رأس السنة وقد اعترفوا بمخالفته الدليل وما ادعوه دليلا تمنع كونه دليلا (القسم الثاني) إجارتها العمل معلوم كإجارة الدابة للركوب إلى موضع معين أو بقر لحرث مكان أو دياس زرع واستئجار عبد ليدله على طريق أو رحى لطحن قفزان معلومة فيشترط معرفة العمل وضبطه بما لا يختلف لأن الإجارة عقد معاوضة فوجب أن يكون العوض فيها معلوما لئلا يفضي إلى الاختلاف والتنازع كقولنا في البيع، والعلم بمقدار المنفعة إما أن يحصل بتقدير المدة كما ذكرنا في إجارة الدار وخدمة العبد مدة معلومة وإما بتقدير العمل ووصف ما يعمله وضبطه بما لا يختلف فيه كالمبيعات (فصل) يجوز أن يكتري بقرا لحرث مكان لأن البقر خلقت للحرث ولذلك وقال النبي صلى الله عليه وسلم " بينما رجل يسوق بقرة أراد أن يركبها فقالت إني لم أخلق لهذا إنما خلقت للحرث " متفق عليه، ويحتاج إلى معرفة الأرض وتقدير العمل، فأما الأرض فلا تعرف إلا بالمشاهدة فإنها تختلف فتكون صلبة تتعب

مسألة: وإن أجر الولي اليتيم أو ماله مدة فبلغ في أثنائها فليس له فسخ الإجارة. ذكره أبو الخطاب

البقر والحراث وتكون فيها حجارة تتعلق فيها السكة وتكون رخوة يسهل حرثها، ولا تنضبط بالصفة فتحتاج إلى الرؤية. وأما تقدير العمل فيجوز بأحد شيئين إما بالمدة كيوم وإما بمعرفة الأرض كهذه القطعة أو من ههنا إلى ههنا أو بالمساحة كجريب أو جريبين أو كذا ذراعا في كذا كل ذلك جائز لحصول العلم به فان قدره بالمدة فلابد من معرفة البقر التي يعمل عليها لأن الغرض يختلف باختلافها بالقوة والضعف ويجوز أن يستأجر البقر مفردة ليتولى رب الأرض الحرث بها ويجوز أن يستأجرها مع صاحبها ويجوز استئجارها بآلتها وبدونها وتكون الآلة من عند صاحب الأرض ويجوز استئجار البقر وغيرها لدواس الزرع لأنها منفعة مباحة مقصودة أشبهت الحرث ويجوز على مدة أو زرع معين أو موصوف كما ذكرنا في الحرث، ومتى كان على مدة احتيج إلى معرفة الحيوان لأن الغرض يختلف به فمنه ما روثه ظاهر ومنه نجس، ولا يحتاج إلى معرفة عين الحيوان ويجوز أن يستأجر الحيوان بآلته وغيرها مع صاحبه ومنفرداً كما ذكرنا في الحرث (فصل) ويجوز استئجار غنم لتدوس له طينا أو زرعا ولأصحاب الشافعي فيه وجه أنه لا يجوز لأنها منفعة غير مقصودة من هذا الحيوان. ولنا أنها منفعة مباحة يمكن استيفاؤها أشبهت سائر المنافع المباحة وكالتي قبلها (فصل) وإن اكترى حيوانا لعمل لم يخلق له كمن استأجر البقر للركوب أو الحمل أو الإبل

والحمير للحرث جاز لأنها منفعة مقصودة أمكن استيفاؤها من الحيوان لم يرد الشرع بتحريمها فجاز كالتي خلقت له، ولأن مقتضى الملك جواز التصرف بكل ما تصلح له العين المملوكة ويمكن تحصيلها منها ولا يمتنع ذلك إلا بمعارض راجح أو ما ورد بتحريمه نص أو قياس صحيح أو رجحان مضرة على منفعة ولم يوجد شئ منها، كثير من الناس يحملون على البقر ويركبونها وفي بعض البلاد يحرث على الإبل والبغال والحمير فيكون معنى خلقها للحرث إن شاء الله تعالى أنه معظم نفعها ولا يمنع ذلك الانتفاع بها في شئ آخر كما أن الخيل خلقت للركوب والزينة ويباح أكلها، واللؤلؤ خلف للحلية ويجوز استعماله في الأدوية وغيرها (فصل) ويجوز استئجار بهيمة لإدارة الرحى ويفتقر لشيئين معرفة الحجر بالمشاهدة أو الصفة لأن عمل البهيمة يختلف فيه بثقله وخفته فيحتاج صاحبها إلى معرفته (الثاني) تقدير العمل بالزمان كيوم أو يومين أو بالطعام فيقول قفيزاً أو قفيزين وذكر جنس المطحون إن كان يختلف لأن منه ما يسهل طحنه ومنه ما يشق، وإن اكتراها لإدارة دولاب فلابد من مشاهدته ومشاهدة دلائه لاختلافها وتقدير ذلك بالزمان أو ملء، هذا الحوض، وكذلك إن اكتراها للسقي بالغرب فلابد من معرفته ولأنه يختلف بكبره وصغره، ويقدر بالزمان أو الغروب أو بملء بركة، يجوز تقدير ذلك بسقي أرض لأن ذلك يختلف فقد تكون الأرض شديدة العطش لا يرويها القليل وتكون قريبة العهد بالماء فيرويها

مسألة: فإن أجر السيد عبده مدة ثم أعتقه في أثنائها صح العتق

اليسير، وإن قدره بسقي ماشية احتمل أن لا يجوز لذلك ويحتمل الجواز لأن شربها يتقارب في الغالب ويجوز استئجار دابة ليستقي عليها ماء، ولابد من معرفة الآلة التي يسقي فيها من راوية أو قرب أو جرار إما بالرؤية والماء بالصفة، ويقدر العمل بالزمان أو بالعدد أو بملء شئ معين، فإن قدره بعدد المرات احتاج إلى معرفة المكان الذي يستقي منه والذي يذهب إليه لأن ذلك يختلف بالقرب والبعد والسهولة والحزونة، وإن قدره إلى شئ معين احتاج إلى معرفته ومعرفة ما يستقي منه، ويجوز أن يكتري البهيمة بآلتها وبدونها مع صاحبها ووحدها، فإن اكتراها لبل تراب معروف جاز لأنه يعلم بالعرف وكل موضع وقع العقد على مدة فلابد من معرفة الظهر الذي يعمل عليه لأن الغرض يختلف باختلافها في القوة والضعف وإن وقع على عمل معين لم يحتج إلى ذلك لأنه لا يختلف ويحتمل أن يحتاج إلى ذلك في استقاء الما عليه لأن منه ما روثه وجسمه طاهر كالخيل والبقر ومنه ما روثه نجس وفي جسمه اختلاف كالبغال فربما نجس يد المستقي أو دلوه فيتنجس الماء به فيختلف الغرض بذلك فاحتيج إلى معرفته * (مسألة) * (يجوز استئجار رجل ليدله على طريق) لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر استأجرا عبد الله بن الأريقط هاديا خريتا وهو الماهر بالهداية ليدلهما على الطريق إلى المدينة

مسألة: ويشترط أن تكون المدة معلومة يغلب على الظن بقاء العين فيها وإن طالت

* (مسألة) * (ويصح استئجار رحى لطحن قفزان معلومة) ويحتاج إلى معرفة جنس المطحون براً أو شعيراً أو ذرة أو غيره لأن ذلك يختلف فمنه ما يسهل طحنه ومنه ما يعسر فاحتيج إلى معرفته لتزول الجهالة (فصل) يجوز استئجار كيال أو وزان لعمل معلوم أو في مدة معلومة وبه قال مالك والثوري والشافعي وأصحاب الرأي لا نعلم فيه خلافاً، وقد روي في حديث سويد بن قيس أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشترى رجل منا سراويل وثم رجل يزن بأجر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " زن وأرجح " رواه أبو داود (فصل) ويجوز استئجار رجل ليلازم غريما تستحق ملازمته وقد روي عن أحمد أنه كره ذلك وقال: غير هذا أعجب إلي وإنما كرهه لأنه يؤول إلى الخصومة وفيه تضييق على المسلم ولا يأمن أن يكون ظالما فيساعده على ظلمه وروي عنه أنه قال لا بأس به لأن الظاهر أنه بحق فإن الحاكم في الظاهر لا يحكم إلا بحق ولهذا أجزنا للموكل فعله (فصل) ويجوز الاستئجار لحفر الآبار والأنهار والقني لأنها منفعة معلومة يجوز التطوع بها فجاز الاستئجار عليها كالخدمة ولابد من تقدير العمل بمدة أو عمل معين فإن قدره بمدة نحو أن يستأجره شهرا ليحفر له بئراً أو نهراً لم يحتج إلى معرفة القدر وعليه الحفر في ذلك الشهر قليلا حفر أو كثير

قال شيخنا ويفتقر إلى معرفة الأرض التي يحفر فيها وقال بعض أصحابنا لا يحتاج إلى ذلك لأن الغرض لا يختلف بذلك والأول أولى إن شاء الله تعالى لأن الأرض الصلبة يشق حفرها واللينة يسهل، وإن قدره بالعمل فلابد من معرفة الموضع بالمشاهدة لكونها تختلف بالسهولة والصلابة وذلك لا ينضبط بالصفة، ويعرف دور البئر وعمقها وطول النهر وعرضه وعمقه لأن العمل يختلف بذلك، وإذا حفر بئراً فعليه شيل التراب لأنه لا يمكنه الحفر إلا بذلك فقد تضمنه العقد، فإن تهور تراب من جانبيها أو سقطت فيه بهيمة أو نحو ذلك لم يلزمه شيله وكان على صاحب البئر لأنه سقط فيها من ملكه ولا يتضمن عقد الإجارة رفعه، وإن وصل إلى صخرة أو جماد يمنع الحفر لم يلزمه حفره لأن ذلك مخالف لما شاهده من الأرض وإنما اعتبرت مشاهدة الأرض لأنها تختلف فإذا ظهر فيها ما يخالف المشاهدة كان له الخيار في الفسخ فإن فسخ كان له الأجر بحصة ما عمل فيقسط الأجر على ما بقي وما عمل، فيقال كم أجر ما عمل وكم أجر ما بقي؟ فيقسط الأجر المسمى عليهما ولا يجوز تقسيطه على عدد الأذرع، لأن أعلى البئر يسهل نقل التراب منه وأسفله يشق ذلك فيه، وإن نبع منه ما منعه من الحفر فهو كالصخرة على ما ذكرنا (فصل) ويجوز استئجار ناسخ ينسخ له كتباً من الفقه والحديث والشعر المباح وسجلات نص عليه في رواية مثنى ابن جامع، وسأله عن كتابة الحديث بالأجر فلم ير به بأسا، ولابد من التقدير بالمدة

مسألة: ولا يشترط أن تلي العقد، فلو أجره سنة خمس في سنة أربع صح

أو العمل فإن قدره بالعمل ذكر عدد الورق وقدره وعدد السطور في كل ورقة وقدر الحواشي ودقة القلم وغلظ فإن عرف الخط بالمشاهدة جاز وإن أمكن ضبطه بالصفة ضبطه والا فلابد من المشاهدة لأن الأجر يختلف باختلافه، ويجوز تقدير الأجر بأجزاء الفرع وبأجزاء الأصل، وإن قاطعه على نسخ الأصل بأجر واحد جاز فان أخطأ بالشئ اليسير عفي عنه لأنه لا يمكن التحرز منه، وإن كان كثيراً بحيث يخرج عن العادة فهو عيب يرد به، قال ابن عقيل ليس له محادثة غيره حال النسخ ولا التشاغل بما يشغل سره ويوجب غلطه ولا لغير تحديثه وشغله، وكذلك الأعمال التي تختل بشغل السر والقلب كالقصارة والنساجة ونحوهما، ويجوز أن يستأجر على نسخ مصحف في قول أكثر أهل العلم، منهم جابر بن زيد ومالك بن دينار وبه قال أبو حنيفة والشافعي وابو ثور وابن المنذر، وقال ابن سيرين لا بأس ان يستأجر الرجل شهراً ويستكتبه مصحفا، وكره علقمة كناية المصحف بالأجر ولعله يرى ذلك مما يختص كون فاعله من أهل القربة فكره الأجر عليه كالصلاة ولنا أنه فعل مباح يجوز أن ينوب فيه الغير عن الغير فجاز أخذ الأجرة عليه ككتابة الحديث، وقد جاء في الخبر " أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله " (فصل) يجوز أن يستأجر لحصاد زرعه لا نعلم فيه خلافا وكان إبراهيم بن أدهم يؤجر نفسه لحصاد الزرع، ويجوز تقديره بمدة وبعمل مثل أن يقاطعه على حصاد زرع معين، ويجوز أن يستأجر رجلا لسقي

زرعه وتنقيته ودياسه ونقله إلى موضع معين، ويجوز أن يستأجر رجلا يحتطب له لأنه عمل مباح تدخله النيابة أشبه حصاد الزرع. قال أحمد في رجل استأجر أجيراً على أن يحتطب له على حمارين كل يوم فكان الرجل ينقل عليهما وعلى حمير لرجل آخر ويأخذ منه الأجرة فإن كان يدخل عليه ضرر يرجع عليه بالقيمة، وظاهر هذا أن المستأجر يرجع على الأجير بقيمة ما استضر باشتغاله عن عمله لقوله إن كان يدخل عليه ضرر رجع بالقيمة فاعتبر الضرر. وظاهر هذا أنه إذا لم يستضر لا يرجع بشئ لأنه اكتراه لعمل فوفاه على التمام فلم يلزمه شئ كما لو استأجره بعمل فكان يقرأ القرآن في حال عمله فإن ضر المستأجر رجع عليه بقيمة ما فوت عليه. ويحتمل أنه أراد أنه يرجع عليه بقيمة ما عمله لغيره لأنه صرف منافعه المعقود عليها إلى عمل غير المستأجر فكان عليه قيمتها كما لو عمل لنفسه. وقال القاضي معناه أنه يرجع عليه بالأجر الذي أخذه من الآخر لأن منافعها في هذه المدة مملوكة لغيره فما حصل في مقابلتها يكون الذي استأجره (فصل) يجوز الاستئجار لاستيفاء القصاص في النفس وما دونها، وبه قال مالك والشافعي وأبو ثور، وقال أبو حنيفة لا يجوز في النفس لأن عدد الضربات يختلف وموضع الضربات غير متعين إذ يمكن أن يضرب مما يلي الرأس ومما يلي الكتف فكان مجهولا ولنا أنه حق يجوز التوكيل في استيفائه لا يختص فاعله أن يكون من أهل القربة فجاز الاستئجار

مسألة: وإذا أجره في أثناء شهر سنة استوفى شهرا بالعدد وسائرها بالأهلة

عليه كالقصاص في الطرف. وقوله إن عدد الضربات يختلف وهو مجهول يبطل بخياطه الثوب فإن عدد الغرزات مجهول، وقوله إن محله غير متعين، قلنا هو متقارب فلا يمنع ذلك صحته كموضع الخياطة من حاشية الثوب (فصل) ويجوز أن يستأجر سمساراً يشتري له ثيابا، ورخص فيه ابن سيرين وعطاء والنخعي، وكرهه الثوري وحماد ولنا أنها منفعة مباحة تجوز النيابة فيها فجاز الاستئجار عليها كالبناء، وتجوز على مدة معلومة مثل أن يستأجره عشرة أيام يشتري له فيها لأن المدة معلومة والعمل معلوم فأشبه الخياط والقصار، وإن عين العمل دون الزمان فجعل له من كل ألف درهم شيئا معلوما صح أيضا، وإن قال كلما اشتريت ثوباً فلك درهم أجراً وكانت الثياب معلومة بصفة أو مقدرة بثمن جاز، وإن لم تكن كذلك فظاهر كلام أحمد أنه لا يجوز لأن الثياب تختلف باختلاف أثمانها والأجر يختلف باختلافها فإن اشترى فله أجر مثله، وهذا قول أبي ثور وابن المنذر لأنه عمل عملا بعوض لم يسلم له فكان له أجر المثل كسائر الإجارات الفاسدة (فصل) وإن استأجره ليبيع له ثيابا بعينها صح وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة لا يصح لأن ذلك يتعذر عليه فأشبه ضراب الفحل وحمل الحجر الكبير ولنا أنه عمل مباح معلوم تجوز النيابة فيه فجاز الاستئجار عليه كشراء الثياب، ولأنه يجوز الاستئجار

عليه مقدراً بزمن فجاز مقدراً بالعمل كالخياطة وقولهم أنه يتعذر ممنوع فإن الثياب لا تنفك عن راغب فيها ولذلك صحت المضاربة ولا تكون إلا بالبيع والشراء بخلاف ما قاسوا عليه فإنه يتعذر، وإن استأجره على شراء ثياب معينة من رجل معين احتمل أن لا يصح لأنه قد يتعذر لامتناع صاحبها من البيع فيتعذر تحصيل العمل بحكم الظاهر بخلاف البيع ويحتمل أن يصح لأنه ممكن في الجملة فإن حصل من ذلك شئ استحق الأجر وإلا بطلت الإجارة كما لو لم يعين البائع ولا المشتري * (فصل) * قال الشيخ رحمه الله (الضرب الثاني عقد على منفعة في الذمة مضبوطة بصفات السلم كخياطة ثوب وبناء دار وحمل إلى موضع معين ولا يكون الأجير فيها إلا آدمياً جائز التصرف، ويسمى الأجير المشترك) يجوز للآدمي أن يؤجر نفسه بغير خلاف وقد أجر موسى عليه السلام نفسه لرعاية الغنم، واستأجر النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه رجلا ليدلهما على الطريق ولأنه يجوز الانتفاع به مع بقاء عينه أشبه الدور، ثم إن إجارته تقع على مدة بعينها وعمل بعينه كإجارة موسى عليه السلام نفسه للرعي، وتقع على عمل موصوف في الذمة كالسلم، ومتى كان على عمل موصوف في الذمة لم يكن الأجير فيها إلا آدمياً جائز التصرف لأن الذمة لا تكون لغير الآدمي ولا تثبت المعاوضة لعمل في الذمة لغير جائز التصرف، ولابد أن يكون العمل الذي يتعلق بالذمة مضبوطا بصفات السلم ليحصل العلم به

ويسمى الأجير فيها الأجير المشترك مثل الخياط الذي يتقبل الخياطة لجماعة وكذلك القصار ومن في معناه فتكون منفعة مشتركة بينهم * (مسألة) * (ولا يجوز الجمع بين تقدير المدة والعمل كقوله استأجرتك لتخيط لي هذا الثوب في يوم، وعنه يجوز) لا يجوز الجمع بين تقدير المدة والعمل كقوله استأجرتك لتخيط لي هذا الثوب في يوم أو تبني هذه الدار في شهر وهو قول أبي حنيفة والشافعي لأن الجمع بينهما بزبد الإجارة غرراً لا حاجة إليه لأنه قد يفرغ من العمل قبل انقضاء المدة فإن استعمل في بقية المدة فقد زاد على ما وقع عليه العقد وإن لم يعمل كان تاركا للعمل في بعض المدة، فهذا غرر قد أمكن التحرز منه ولم يوجد مثله في محل الوفاق فلم يجز العقد معه، وروى عن أحمد فيمن اكترى دابة إلى موضع على أن يدخله في ثلاث فدخله في ست قال قد أضربه فقيل يرجع عليه بالقيمة؟ قالا لا ويصالحه، وهذا يدل على جواز تقديرهما جميعا وهو قول أبي يوسف ومحمد لأن الإجارة معقودة على العمل فالمدة إنما ذكرت للتعجيل فلا تمنع ذلك، فعلى هذا إذا تم العمل قبل انقضاء المدة لم يلزمه العمل في بقيتها لأنه وفى ما عليه قبل مدته فلم يلزمه شئ آخر كما لو قضى الدين قبل أجله، وإن مضت المدة قبل العمل فللمستأجر فسخ الإجارة لأن الأجير لم يف له بشرطه، فإن رضي بالبقاء عليه لم يملك الأجير الفسخ لأن الإخلال بالشرط منه فلا يكون ذلك وسيلة

له إلى الفسخ كما لو تعذر المسلم فيه في وقته لم يملك المسلم إليه الفسخ وملكه المسلم، فإن اختار إمضاء العقد طالبه بالعمل لا غير كالمسلم إذا صبر عند تعذر المسلم فيه إلى حين وجوده لم يكن له أكثر من المسلم فيه وإن فسخ العقد قبل العمل سقط الأجر والعمل، وإن كان بعد عمل بعضه فله أجر المثل لأن العقد قد انفسخ فسقط المسمى ورجع إلى أجر المثل * (مسألة) * (ولا تجوز الإجارة على عمل يختص فاعله أن يكون من أهل القربة كالحج والأذان، وعنه تجوز) معنى قوله يختص فاعله أن يكون من أهل القربة أنه يكون مسلما، وقد اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في الاستئجار على عمل يختص فاعله أن يكون مسلما كالإمامة والحج والأذان وتعليم القرآن فروي عنه أنها لا تصح وبه قال عطاء والضحاك بن قيس وأبو حنيفة والزهري، وكره إسحاق تعليم القرآن بأجر، قال عبد الله بن شقيق: هذه الزغفان التي يأخذها المسلمون من السحت، وكره أجر المعلم مع الشرط الحسن وابن سيرين وطاوس والشعبي والنخعي، وعن أحمد رواية أخرى أنه يجوز حكاها أبو الخطاب، ونقل أبو طالب عن أحمد أنه قال: التعليم أحب إلي من أن يتوكل لهؤلاء السلاطين، ومن أن يتوكل لرجل من عامة الناس في ضيعة، ومن أن يستدين ويتجر لعله لا يقدر على الوفاء فيلقى الله بأمانات الناس التعليم أحب إلى، وهذا يدل على أن منعه منه في موضع منعه للكراهة لا للتحريم

وممن أجاز ذلك مالك والشافعي، ورخص في أجور المعلمين أبو قلابة وأبو ثور وابن المنذر لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوج رجلاً بما معه من القرآن متفق عليه، فإذا جاز تعليم القرآن عوضاً في النكاح وقام مقام المهر جاز أخذ الأجرة عليه في الإجارة. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله " حديث صحيح، وفي حديث أبي سعيد أن رجلا رقى رجلا بفاتحة الكتاب على جعل فبرأ وأخذ أصحابه الجعل فأتوا به النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه وسألوه فقال " لعمري لمن أكل برقية باطل لقد أكلت برقية حق، كلوا واضربوا لي معكم بسهم " حديث صحيح. وإذا جاز أخذ الجعل جاز أخذ الأجر لأنه في معناه، ولأنه يجوز أخذ الرزق عليه من بيت المال فجاز أخذ الأجر عليه كبناء المساجد ولأن الحاجة تدعو إلى الاستنابة في الحج عمن وجب عليه وعجز عن فعله ولا يكاد يوجد متبرع بذلك فيحتاچ إلى بذل الأجر فيه ووجه الرواية الأولى ما روى عثمان بن أبي العاص قال إن آخر ما عهد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجراً. قال الترمذي هذا حديث حسن. وروي عبادة بن الصامت قال

علمت أناسا من أهل الصفة القرآن والكتابة فأهدى إلي رجل منهم قوسا قال قلت قوس وليست بمال قال قلت أتقلدها في سبيل الله وذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقص عليه القصة قال إن سرك أن يقلدك الله قوسا من نار فاقبلها " وعن أبي بن كعب أنه علم رجلا سورة من القرآن فأهدى له خميصة أو ثوبا فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال " لو أنك لبستها أو أخذتها ألبسك الله مكانها ثوبا من نار " وعن أبي قال: كنت أختلف إلى رجل مسن قد أصابته علة قد احتبس في بيته أقرئه القرآن فكان عند فراغه مما أقرئه يقول لجارية له هلمي طعام أخي فيؤتى بطعام لا آكل مثله بالمدينة فحاك في نفسي منه شئ فذكرته للنبي صلى الله عليه وسلم فقال " إن كان ذاك الطعام طعامه وطعام أهله فكل منه، وإن كان يتحفك به فلا تأكله " وعن عبد الرحمن بن شبل الأنصاري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " اقرءوا القرآن ولا تغلوا فيه ولا تجفوا عنه ولا تأكلوا به ولا تستكتروا به " روى هذه الأحاديث كلها الأثرم في سننه، ولأن من شرط صحة هذه الأفعال كونها قربة إلى الله تعالى فلم يجز أخذ الأجر عليها كما لو إستأجر قوما يصلون خلفه الجمعة أو التراويح. فاما الاخد على الرقية فإن أحمد اختار جوازه وقال لا بأس، وذكر حديث أبي سعيد، والفرق بينه وبين ما اختلف فيه أن الرقية نوع مداواة والمأخوذ عليها جعل والمداواة يباح أخذ الأجر عليها والجعالة أوسع من الإجارة ولهذا تجوز مع جهالة العمل والمدة وقوله عليه السلام " أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله " يعني الجعل أيضاً في الرقية لأنه ذكر ذلك في سياق خبر

مسألة: يجوز استئجار رجل ليدله على طريق

الرقية، وأما جعل تعليم القرآن صداقا فعنه فيه اختلاف، وليس في الخبر تصريح بأن التعليم صداق إنما قال " زوجتكها بما معك من القرآن " فيحتمل أنه زوجها إياه بغير صداق إكراما له كما زوج أبا طلحة أم سليم على إسلامه ونقل عنه جوازه، والفرق بين المهر والأجر أن المهر ليس بعوض محض وإنما وجب نحلة ووصلة ولهذا جاز خلو العقد عن تسميته وصح مع فساده بخلاف الأجر في غيره (فصل) فأما الرزق من بيت المال فيجوز على ما يتعدى نفعه من هذه الأمور لأن بيت المال من مصالح المسلمين فإذا كان بذله لمن يتعدى نفعه إلى المسلمين محتاجا إليه كان من المصالح وكان له أخذه لأنه من أهله وجرى مجرى الوقف على من يقوم بهذه المصالح بخلاف الأجر (فصل) فإن أعطى المعلم شيئا من غير شرط جاز في ظاهر كلام أحمد فإنه قال في رواية أيوب ابن سافري لا يطلب ولا يشارط فإن أعطي شيئا أخذه، وقال في رواية أحمد بن سعيد أكره أجر المعلم إذا شرط، وقال إذا كان المعلم لا يشارط ولا يطلب من أحد شيئاً إن أتاه شئ قبله كأنه يراه أهون، وكرهه طائفة من أهل العلم لما تقدم من حديث الفرس والخميصة التي أعطيها أبي وعبادة من غير شرط، ولأن ذلك قربة فلم يجز أخذ العوض عنه بشرط ولا بغيره كالصلاة والصيام ووجه الأول قول النبي صلى الله عليه وسلم " ما أتاك من هذا المال من غير مسألة ولا إشراف نفس فخذه وتموله فإنه رزق ساقه الله إليك " وقد أرخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في أكل طعام الذي كان يعلمه إذا كان طعامه وطعام أهله ولأنه إذا

كان بغير شرط كان هبة مجردة فجاز كما لو لم يعلمه شيئاً، فأما حديث القوس والخميصة فقضيتان في عين فيحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم علم أنهما فعلا ذلك خالصا فكره أخذ العوض عنه من غير الله تعالى، ويحتمل غير ذلك، فأما ان أعطى المعلم أجراً على تعليم الخط وحفظه جاز نص عليه أحمد فقال: إن كان المعطي ينوي أنه يعطيه لحفظ الصبي وتعليمه فأرجو إذا كان كذا ولأن هذا مما يجوز أخذ الأجر عليه مفرداً فجاز مع غيره كسائر ما يجوز الاستئجار عليه وهكذا لو كان إمام المسجد قيما يكنسه ويسرج قناديله ويغلق بابه ويفتحه فأخذ أجراً على خدمته، أو كان النائب في الحج يخدم المستنيب له في طريق الحج وليشد له ويحج عن قريبه فدفع إليه أجراً لخدمته جاز ذلك انشاء الله تعالى (فصل) فأما ما لا يختص فاعله أن يكون من أهل القربة كتعليم الخط والحساب والشعر وشبهه وبناء المساجد والقناطر فيجوز أخذ الأجرة عليه لأنه يقع تارة قربة وتارة غير قربة فلم يمنع من الاستئجار لفعله كغرس الأشجار وبناء البيوت وكذلك في تعليم الفقه والحديث ذكره شيخنا، وذكر القاضي في الخلاف أنهما من القسم الأول، والأولى ما ذكره شيخنا لكون فاعله لا يختص أن يكون من أهل القربة، وأما ما لا يتعدى نفعه فاعله من العبادات المحضة كالصيام وصلاة الإنسان لنفسه وحجه عن نفسه، وأداء زكاة نفسه فلا يجوز أخذ الأجرة عليه بغير خلاف لأن الأجر عوض للانتفاع ولم يحصل لغيره ههنا انتفاع فأشبه إجارة الأعيان التي لا نفع فيها

* (مسألة) * وإن استأجر من بحجمه صح، ويكره للحر أكل أجرته ويطعمه الرقيق والبهائم، وقال القاضي لا يصح) يجوز أن يستأجر حجاما ليحجمه وأجره مباح اختاره أبو الخطاب وهو قول ابن عباس قال أنا آكله وبه قال عكرمة والقاسم ومحمد بن علي بن الحسين وربيعة ويحيي الانصاري ومالك والشافعي وأصحاب الرأي، وقال القاضي لا يجوز وذكر أن أحمد نص عليه قال وإن أعطي شيئا من غير عقد ولا شرط فله أخذه وبصرفه في علف دابته وطعم عبيده ومؤنة صناعته ولا يحل أكله وممن كره كسب الحجام عثمان وأبو هريرة والحسن والنخعي لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " كسب الحجام خبيث " متفق عليه وقال أطعمه ناضحك ورقيقك ولنا ما روى ابن عباس قال: احتجم النبي صلى الله عليه وسلم وأعطى الحجام أجره ولو علمه حراما لم يعطه متفق عليه، وفي لفظ ولو علمه خبيثا لم يعطه ولأنها منفعة مباحة لا يختص فاعلها أن يكون من أهل القربة فجاز الاستئجار عليها كالختان ولأن بالناس حاجة إليها ولا يجد كل أحد متبرعا بها فجاز الاستئجار عليها كالرضاع ولأن قول النبي صلى الله عليه وسلم في كسب الحجام " أطعمه رقيقك " دليل على إباحته إذ غير جائز أن يطعم رقيقه ما يحرم أكله فإن الرقيق آدمي يحرم عليه أكل ما حرم على الحر وتخصيص ذلك بما

أعطيه من غير استئجار تحكم لا دليل عليه، فعلى هذا تسمية كسبه خبيثا لا يلزم منه التحريم فقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم الثوم والبصل خبيثين مع إباحتهما وإنما كره النبي صلى الله عليه وسلم ذلك للحر تنزيها له لدناءة صناعته وليس عن أحمد نص في تحريم كسب الحجام ولا استئجاره عليها وإنما قال نحن نعطيه كما أعطى النبي صلى الله عليه وسلم ونقول له كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن أكله نهاه، وقال " أعلفه الناضح والرقيق " هذا معنى كلامه في جميع الروايات وليس هذا صريحاً في تحريمه بل فيه دليل على إباحته كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم على ما بينا، فإن إعطاءه للحجام دليل إباحته إذ لا يعطيه ما يحرم عليه وهو عليه السلام يعلم الناس وينهاهم عن المحرمات فكيف يعطيهم إياها؟ فعلى هذا يكون نهيه عليه السلام عن أكله نهي كراهة لا نهي تحريم وكذلك قول الإمام أحمد فإنه لم يخرج عن قول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله بل قصد اتباعه، وكذلك سائر من كرهه من الأئمة يتعين حمل قولهم على الكراهة فلا يكون في المسألة قائل بالتحريم. إذا ثبت هذا فإنه يكره للحر أكل أجرة الحجام ويكره تعلم صناعة الحجامة وإجارة نفسه لها لما ذكرنا من الأخبار ولأن فيها دناءة فكره الدخول فيها كالكسح، وفيما ذكرناه إن شاء الله جمع بين الأخبار وتوفيق بين الأدلة الدالة عليها فعلى هذا يطعمه الرقيق والبهائم كما جاء في الأخبار الصحيحة والله أعلم (فصل) فأما استئجار الحجام لغير الحجامة كالفصد وحلق الشعر وتقصيره والختان وقطع شئ من الجسد للحاجة إليه فجائز لأن قول النبي صلى الله عليه وسلم " كسب الحجام خبيث " يريد بالحجامة كما نهى عن مهر البغي

أي في البغاء، ولذلك لو كسب في بضاعة أخرى لم يكن خبيثا بغير خلاف وهذا النهي يخالف القياس فيختص بالمحل الذي ورد فيه ولأن هذه الأمور تدعو الحاجة إليها، ولا تحريم فيها فجازت الإجارة فيها كسائر المنافع المباحة (فصل) ويجوز أن يستأجر كحالا ليكحل عينه لأنه عمل جائز ويمكن تسليمه ويقدر على ذلك بالمدة لأن العمل غير مضبوط ويحتاج إلى بيان عدد ما يكحله في كل يوم مرة أو مرتين فإن قدرها بالبرء فقال القضي لا يجوز لأنه غير معلوم، وقال ابن أبي موسى لا بأس بمشارطة الطبيب على البرء، لأن أبا سعيد حين رقى الرجل شارطه على البرء، قال شيخنا والصحيح إن شاء الله جواز ذلك لكي يكون جعالة لا إجارة فإن الإجارة لابد فيها من مدة معلومة أو عمل معلوم والجعالة تجوز على عمل مجهول كرد اللقطة والآبق وحديث أبي سعيد في الرقية إنما كان جعالة فيجوز ههنا مثله. إذا ثبت هذا فإن الكحل إن كان من العليل جاز لأن آلات العمل تكون من المستأجر كاللبن في البناء والطين والآجر ونحوها وإن شرطه على الكحال جاز، وقال القاضي يحتمل أن لا يجوز لأن الأعيان لا تملك بعقد الإجارة فلا يصح اشتراطه على العامل كلبن الحائط ولنا أن العادة جارية به ويشق على العامل تحصيله وقد يعجز عنه بالكلية فجاز ذلك كالصبغ من الصباغ والحبر والأقلام من الوراق وما ذكره ينتقض بهذين الأصلين، وفارق لبن الحائط لأن العادة تحصيل

المستأجر إياه ولا يشق ذلك بخلاف مسئلتنا، وقال أصحاب مالك يجوز أن يستأجر من يبني له جداراً والآجر من عنده لأنه اشترى ما تتم به الصنعة التي عقد عليها فإذا كان معروفا جاز كما لو استأجره ليصبغ له ثوبا والصبغ من عنده ولنا أن عقد الإجارة عقد على المنفعة فإذا شرط بيع العين صار كبيعتين في بيعة ويفارق الصبغ من حيث إن الحاجة داعية إليه، لأن تحصيل الصبغ يشق على صاحب الثوب وقد يكون الصبغ لا يحصل إلا في خنب يحتاج إلى مؤنة كثيرة لا يحتاج إليها في صبغ هذا الثوب فجاز لمسيس الحاجة إليه بخلاف مسئلتنا (فصل) فإن استأجره مدة فكحله فيها فلم تبرأ عينه استحق الأجر وبه قال الجماعة، وحكي عن مالك انه لا يستحق أجراً حتى تبرأ عينه ولم يحك ذلك أصحابه وهو فاسد لأن المستأجر قد وفى العمل الذي وقع العقد عليه فوجب له الأجر وإن لم يحصل الغرض كما لو استأجره لبناء حائط يوما أو لخياطة قميص فلم يتمه فيه فإن برأت عينه في أثناء المدة انفسخت الإجارة فيما بقي من المدة لتعذر العمل فهو كما لو حجز عنه أمر غالب وكذلك لو مات فإن امتنع عن الاكتحال مع بقاء المرض استحق الكحال الأجر بمضي المدة كما لو استأجره يوما للبناء فلم يستعمله فيه، فأما إن شارطه على البرء فهي جعالة لا يستحق شيئاً حتى يوجد البرء سواء وجد قريباً أو بعيداً فإن برئ بغير كحله أو تعذر الكحل

مسألة: ولا يجوز الجمع بين تقدير المدة والعمل كقوله استأجرتك لتخيط لي هذا الثوب في يوم، وعنه يجوز

لموته أو غير ذلك من الموانع التي من جهة المستأجر فله أجر مثله كما لو عمل العامل في الجعالة ثم فسخ العقد فإن امتنع لأمر من جهة الكحال أو غير المستأجر فلا شئ له وإن فسخ الجاعل الجعالة بعد عمل الكحال فعليه أجر عمله وإن فسخ الكحال فلا شئ له على ما يذكر في باب الجعالة إن شاء الله تعالى (فصل) ويصح أن يستأجر طبيبا لمداواته والكلام فيه كالكلام في الكحال سواء لأنه لا يجوز اشتراط الدواء على الطبيب لأنه إنما جاز في الكحال على خلاف الأصل للحاجة إليه وجري العادة به ولم يوجد ذلك المنع ههنا فيثبت الحكم فيه على وفق الأصل (فصل) ويجوز أن يستأجر من يقلع ضرسه لأنها منفعة مباحة مقصودة فجاز ذلك عليها كالختان فإن أخطأ فقلع غير ما أمر بقلعه ضمنه لأنه من جنايته وإن برأ الضرس قبل قلعه انفسخت الإجارة لأن قلعه لا يجوز وإن لم يبرأ لكن امتنع المستأجر من قلعه لم يجبر عليه لأن إتلاف جزء الآدمي محرم في الأصل وإنما أبيح إذا صار بقاؤه ضرراً وذلك مفوض إلى كل إنسان في نفسه إذا كان أهلا لذلك فصاحب الضرس أعلم بمضرته ونفعه وقدر ألمه * (فصل) * قال رضي الله عنه (وللمستأجر استيفاء المنفعة بنفسه وبمثله فإذا اكترى داراً للسكنى فله أن يسكنها مثله لأنه لم يزد على استيفاء حقه ولأنه حقه فجاز أن يستوفيه بنفسه وبوكيله إذا كان مثله في الضرر أو دونه كقبض المبيع واستيفاء الدين ويضع فيه ما جرت عادة الساكن به من الرحل

والطعام ويخزن فيه الثياب وغيرها مما لا يضر بها ولا يسكنها من يضر بها كالقصارين والحدادين ولا يجعل فيها الدواب لأنها تروث فيها وتفسدها، ولا يجعل فيها السرجين ولا رحى ولا ما يضر بها ولا شيئا ثقيلا فوق سقف لأنه يثقله وقد يكسر خشبه فإن شرط ذلك جاز وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه مخالفاً ولا يملك فعل ما يضر بها لأنه فوق المعقود عليه فلم يكن له فعله كما لو اشترى شيئا لم يملك أخذ أكثر منه فان جعل الدار مخزنا للطعام فقال أصحابنا يجوز ذلك لأنه يجوز أن يجعلها مخزنا لغيره ويحتمل أن لا يجوز لأنه يفضي إلى تخريق الفأر أرضها وحيطانها وذلك ضرر لا يرضى به صاحب الدار (فصل) وإن اكترى ظهرا ليركبه فله أن يركبه مثله ومن هو أخف منه ولا يركبه من هو أثقل منه لأن العقد اقتضى استيفاء منفعة مقدرة بذلك الراكب فكان له أن يستوفي ذلك بنفسه ونائبه وله استيفاء أقل منه لأنه بعض حقه وليس له استيفاء أكثر منه لأنه أكثر مما عقد عليه ولا يشترط التساوي في الطول والقصر ولا المعرفة بالركوب، وقال القاضي يشترط أن يكون مثله في هذه الأوصاف كلها لأن قلة المعرفة بالركوب يثقل على المركوب ويضر به قال الشاعر لم يركبوا الخيل إلا بعدما كبروا * فهم ثقال على أكفالها عنف

مسألة: ولا تجوز الإجارة على عمل يختص فاعله أن يكون من أهل القربة كالحج والأذان، وعنه تجوز

ولنا أن التفاوت في هذه الأمور مع التساوي في الثقل يسير فعفي عنه ولهذا لا يشترط ذكره في الإجارة ولو اعتبر ذلك لاشتترطت معرفته في الإجارة كالثقل والخفة (فصل) فإن شرط أن لا يستوفي المنفعة بمثله ولا بمن دونه فقياس قول أصحابنا صحة العقد وبطلان الشرط فإنهم قالوا فيمن شرط أن يزرع في الأرض حنطة ولا يزرع غيرها يبطل الشرط ويصح العقد، يحتمل أن يصح الشرط وهو أحد الوجهين للشافعية لأن المستأجر يملك المنافع من جهة المؤجر فلا يملك ما لم يرض به ولأنه قد يكون له غرض في تخصيصه باستيفاء هذه المنفعة وقالوا في الوجه الآخر يبطل الشرط لأنه ينافي موجب العقد إذ موجبه ملك المنفعة والتسليط على استيفائها بنفسه ونائبه واستيفاء بعضها بنفسه وبعضها بنائبه والشرط ينافي ذلك فكان باطلا ولا يبطل به العقد في أصح الوجهين لأنه لا يؤثر في حق المؤجر نفعاً ولا ضراً فألغي وبطل العقد على مقتضاه والآخر يبطله لأنه ينافي مقتضاه أشبه ما لو شرط أن لا يستوفي المنافع * (مسألة) * (وله استيفاء المنفعة وما دونها في الضرر من جنسها) قال أحمد إذا استأجر دابة ليحمل عليها تمراً فحمل عليها حنطة أرجو أن لا يكون به بأس إذا كان الوزن واحداً وإن كانت المنفعة التي يستوفيها أكثر ضرراً أو مخالفة للمعقود عليها في الضرر لم يجز لأنه يستوفي أكثر من حقه أو غير ما يستحقه

* (مسألة) * (فإذا استأجر أرضا لزرع الحنطة فله زرع الشعير ونحوه وليس له زرع الدخن ونحوه ولا يملك الغرس ولا البناء ولو اكتراها لأحدهما لم يملك الآخر) وجملة ذلك أن إجارة الأرض صحيحة وقد ذكرناه ولا يصح حتى يرى الأرض لأن المنفعة تختلف باختلافها ولا تعرف إلا بالرؤية لكونها لا تنضبط بالصفة ولا يصح حتى يذكر ما يكتري له من زرع أو غرس أو بناء لأن الأرض تصلح لذلك كله وتأثيره في الأرض يختلف فوجب بيانه فإن قال أجرتكها لتزرعها أو تغرسها لم يصح لأنه لم يعين أحدهما لأنه أشبه ما لو قال بعتك أحد هذين العبدين، فإن قال لتزرعها ما شئت وتغرسها ما شئت صح وهذا منصوص الشافعي وخالفه أكثر أصحابه فقالوا لا يجوز لأنه لا يدري كم يزرع ويغرس وقال بعضهم يصح ويزرع نصفها ويغرس نصفها ولنا أن العقد اقتضى إباحة هذين الشيئين فصح كما لو قال لتزرعها ما شئت ولأن اختلاف الجنسين كاختلاف النوعين، وقوله لتزرعها ما شئت إذن في نوعين وأنواع وقد صح فكذلك في الجنسين وله أن يغرسها كلها وأن يزرعها كلها كما لو أذن له في أنواع الزرع كله كان له زرعها نوعا واحداً وزرعها جميعها من نوعين وكذلك ههنا (فصل) فإن أكراها للزرع وحده ففيه أربع مسائل (إحداهن) أكراها للزرع مطلقا أو قال لتزرع ما شئت فيصح وله زرع ما شاء وهذا مذهب الشافعي وحكي عن ابن سريج أنه لا يصح

حتى يبين الزرع لأن ضرره يختلف فلم بصح بدون البيان كما لو لم يذكر ما يكتري له من زرع أو غرس أو بناء ولنا أنه يجوز استئجارها لأكثر الزرع ضرراً ويباح له جميع الأنواع لأنها دونه فإذا عمم أو أطلق تناول الأكثر وكان له ما دونه، ويخالف الأجناس المختلفة فإنه لا يدخل بعضها في بعض، فإن قيل فلو اكترى دابة للركوب لوجب تعيين الراكب قلنا لأن إجارة المركوب لأكثر الركاب ضررا لا تجوز بخلاف المزروع ولأن للحيوان حرمة في نفسه فلم يجز إطلاق ذلك فيه بخلاف الأرض، فإن قيل فلو استأجر داراً للسكنى مطلقا لم يجز أن يسكنها من يضر بها كالقصار والحداد فلم قلتم إنه يزرعها ما يضر بها؟ قلنا السكنى لا تقتضي ضرراً فلذلك منع من إسكان من يضر بها لأن العقد لم يقتضه والزرع يقتضي الضرر فإذا أطلق كان راضيا بأكثره فلهذا جاز، وليس له أن يغرس في هذه الأرض ولا يبني لأن ضرره أكثر من المعقود عليه (المسألة الثانية) أكراها لزرع حنطة أو نوع بعينه فإن له زرع ما عينه وما ضرره كضرره أو دونه ولا يتعين ما عينه في قول عامة أهل العلم إلا أهل الظاهر فإنهم قالوا لا يجوز له زرع غير ما عينه حتى لو وصف الحنطة بأنها سمراء لم يجز أن يزرع بيضاء لأنه عينه بالعقد فلم يجز العدول عنه كما لو عين المركوب أو عين الدراهم في الثمن ولنا أن المعقود عليه منفعة الأرض دون القمح ولهذا يستقر عليه الأجر بمضي المدة إذا تسلم الأرض ولم يزرعها وإنما ذكر القمح لتقدر به المنفعة فلم يتعين كما لو استأجر دارا ليسكنها فله أن

يسكنها غيره، وفارق المركوب والدراهم في الثمن فإنه معقود عليهما فتعينا والمعقود عليه ههنا منفة مقدرة وقد تعينت أيضا ولم يتعين ما قدرت به كما لا يتعين المكيال والميزان في المكيل والموزون، فعلى هذا يجوز له زرع القمح والشعير والباقلا لأنه أقل ضررا وليس له زرع الدخن والذرة والقطن لأنه إما أن يكون أكثر ضرراً فيأخذ فوق حقه أو يكون ضرره مخالفاً لضرر القمح فيأخذ ما لم يتناوله العقد ولا شيئاً من جنسه (المسألة الثالثة) قال ازرعها حنطة وما ضرره كضررها أو دونه فهذه كالتي قبلها إلا أنه لا مخالف فيها لأنه شرط ما اقتضاه الإطلاق وبين ذلك بصريح نصه فزال الإشكال (المسألة الرابعة) قال ازرعها حنطة ولا تزرع غيرها فذكر القاضي أن الشرط باطل لمنافاته مقتضى العقد لأنه يقتضي استيفاء المنفعة كيف شاء فلم يصح الشرط كما لو شرط عليه استيفاء المبيع بنفسه والعقد صحيح لأنه لا ضرر فيه ولا غرض لأحد المتعاقدين لأن ما ضرره مثله لا يختلف في غرض المؤجر فلم يؤثر في العقد فأشبه شرط استيفاء المبيع أو الثمن بنفسه وقد ذكرنا فيما إذا اشترط مكتري الدار أن لا يسكنها غيره وجها في صحة الشرط ووجها في فساد العقد فيخرج ههنا مثله (فصل) فإن أكراها للغراس ففيه ما ذكرنا من المسائل إلا أن يزرعها لأن ضرر الزرع أقل من ضرر الغراس وهو من جنسه لأن كل واحد منهما يضر بباطن الأرض وليس له البناء لأن ضرره مخالف لضرره فإنه يضر بظاهر الأرض وإن اكتراها للزرع لم يملك الغراس ولا البناء لأن ضرر الغرس أكثر

وضرر البناء مخالف لضرره، وإن اكتراها للبناء لم يكن له الغرس ولا الزرع لأن ضررهما يخالف ضرره (فصل) ولا تخلو الأرض من قسمين (أحدهما) أن يكون لها ماء دائم إما من نهر لم تجر العادة بانقطاعه أو لا ينقطع إلا مدة لا تؤثر في الزرع أو من عين تنبع أو بركة من مياه الأمطار يجتمع فيها الماء ثم تسقى به أو من بئر يقوم بكفايتها أو ما يشرب بعروقه لنداوة الأرض وقرب الماء الذي تحت الأرض فهذا كله دائم ويصح استئجاره للغرس والزرع وكذلك الأرض التي تشرب من مياه الأمطار ويكتفي بالمعتاد منها لأن ذلك بحكم العادة لا تنقطع إلا نادرا فهي كسائر الصور المذكورة (والثاني) أن لا يكون لها ماء دائم وهي نوعان (أحدهما) ما يشرب من زيادة معتادة تأتي وقت الحاجة كأرض مصر الشاربة من زيادة النيل وما يشرب من زيادة الفرات وأشباه وأرض البصرة الشاربة من المد والجزر وأرض دمشق الشاربة من زيادة برد أو ما يشرب من الأودية الجارية من ماء المطر فتصح إجارتها قبل وجود الماء الذي تسقى به وبعده وحكي ابن الصباغ ذلك مذهباً للشافعي وقال أصحابه إن أكراها بعد الزيادة صح ولا تصح قبلها لأنها معدومة لا يعلم هل يقدر عليها أو لا ولنا أن هذا معتادا لظاهر وجوده فجازت إجارة الأرض الشاربة منه كالشاربة من مياه الأمطار ولأن ظن القدرة على التسليم في وقته يكفي في صحة العقد كالسلم في الفاكهة إلى أوانها (النوع الثاني) أن يكون مجئ الماء نادرا أو غير ظاهر كالأرض التي لا يكفيها إلا المطر الشديد الكثير الذي يدر

مسألة: وإن استأجر من يحجمه صح، ويكره للحر أكل أجرته ويطعمه الرقيق والبهائم، وقال القاضي: لا يصح

وجوده أو يكون شربها من فيض ماء وجوده نادر أو من زيادة نادرة في نهر أو عين غالبة فهذه أن أجرها بعد وجود ما يسقيها به صح لأنه أمكن الانتفاع بها وزرعها فجازت إجارتها كذات الماء الدائم، وإن أجرها قبله لم يصح لأنه يتعذر الزرع غالبا أو يتعذر المعقود عليه في الظاهر فلم تصح إجارتها كالآبق والمغصوب، وإن اكتراها على أنها لا ماء لها جاز لأنه يتمكن من الانتفاع بها بالنزول فيها ووضع رحله وجمع الحطب فيها وله أن يزرعها رجاء الماء وإن حصل له ماء قبل زرعها فله زرعها لأن ذلك من منافعها الممكن استيفاؤها، وليس له أن يبني ولا يغرس لأن ذلك يراد للتأبيد وتقدير الإجارة بمدة يقتضي تفريغها عند انقضائها، فإن قيل فلو استأجرها للغراس والبناء صح مع تقدير المدة؟ قلنا التصريح بالبناء والغراس صرف التقدير عن مقتضاه بظاهره في التفريغ عند انقضاء المدة إلا أن يشترط قلع ذلك عند انقضاء المدة فيصرف الغراس والبناء عما يراد له بظاهره بخلاف مسئلتنا، وإن أطلق إجارة هذه الأرض مع العلم بحالها وعدم مائها صح لأنهما دخلا في العقد على أنها لا ماء لها فأشبه ما لو شرطاه، وإن لم يعلم عدم مائها أو ظن المكتري أنه يمكن تحصيل ماء لها بوجه من الوجوه لم يصح العقد لأنه ربما دخل في العقد بناء على أن المالك يحصل لها ماء وأنه يكتريها للزراعة مع تعذرها وقيل لا يصح العقد على الإطلاق وإن علم حالها لأن إطلاق كراء الأرض يقتضي الزراعة والأولى صحته لأن العلم بالحال يقوم مقام الاشتراط كالعلم بالعيب يقوم مقام شرطه، ومتى كان لها ماء غير

دائم أو الظاهر انقطاعه قبل الزرع أو لا يكفي الزرع فهي كالتي لا ماء لها ومذهب الشافعي في هذا كله كما ذكرنا (فصل) وإن اكترى أرضا غارقة بالماء لا يمكن زرعها قبل انحساره عنها وقد ينحسر ولا ينحسر فالعقد باطل لان لانتفاع بها في الحال غير ممكن ولا يزول المانع غالبا، وإن كان ينحسر عنها وقت الحاجة إلى الزراعة كأرض مصر في وقت مد النيل صح لأن المقصود يتحقق بحكم العادة المستمرة، فإن كانت الزراعة فيها ممكنة ويخاف غرقها والعادة غرقها لم تجز إجارتها لأنها في حكم الغارقة بحكم العادة المستمرة (فصل) ومتى زرع فغرق الزرع أو هلك بحريق أو جراد أو برد أو غيره فلا ضمان على المؤجر ولا خيار للمكتري نص عليه أحمد ولا نعلم فيه خلافا وهو مذهب الشافعي، لأن التالف غير المعقود عليه وإنما تلف مال المكتري فيه فأشبه من اكترى دكانا فاحترق متاعه فيه ثم ان أمكن المكتري الانتفاع بالاض بغير الزرع أو بالزرع في بقية المدة فله ذلك، وان تعذر ذلك لزمه الأجر لأن تعذره لفوات وقت الزراعة بسبب غير مضمون على المؤجر لا لمعنى في العين، وإن تعذر الزرع بسبب غرق الأرض وانقطاع مائها فللمستأجر الخيار لأنه لمعنى في العين، وإن تلف الزرع بذلك فليس على المؤجر ضمانه لأنه لم يتلف بمباشرة ولا سبب، وإن قل الماء بحيث لا يكفي الزرع فله الفسخ لأنه عيب فإن كان ذلك بعد الزرع فله الفسخ أيضا ويبقى الزرع في الأرض إلى أن يستحصد وعليه من المسمى بحصته إلى

حين الفسخ وأجر المثل لما بقي من المدة لأرض لها مثل ذلك الماء وكذلك إن انقطع الماء بالكلية أو حدث بها عيب من غرق يهلك به بعض الزرع أو تسوء حالته به * (مسألة) * (وإن اكترى دابة للركوب أو الحمل لم يملك الآخر، وإن اكتراها لحمل الحديد أو القطن لم يملك الآخر) إذا اكترى دابة للركوب لم يملك الحمل عليها لأن الراكب يعين الظهر بحركته، وإن اكتراها ليحمل عليها فليس له ركوبها لأن الراكب يقعد في موضع واحد فيشتد على الظهر والمتاع يتفرق على جنبيها، وإن اكتراها ليركبها عريا لم يجز أن يركب بسرج لأنه يحمل عليه أكثر مما عقد عليه، وإن اكتراها ليركبها بسرج فليس له ركوبها عريا لأن الركوب بغير سرج يحمى به الظهر فربما عقرها، وإن اكتراها ليركب بسرج لم يجز أن يركب بأثقل منه فإن اكترى حماراً بسرج لم يجز أن يركبه بسرج البرذون إن كان أثقل من سرجه، وإن اكترى دابة بسرج فركبها بأثقل منه أو أضر منه لم يجز، وإن كان أخف أو أقل ضرراً فلا بأس، وإن اكترى دابة ليحمل عليها حديداً لم يحمل عليها قطنا لأنه يتجافى وتهب فيه الربح فيتعب الظهر، وإن اكتراها لحمل القطن فليس له حمل الحديد لأنه يجتمع في موضع واحد فيثقل عليه والقطن يتفرق ويكثر ضرره ومتى فعل ما ليس له فعله كان ضامنا وعليه أجر المثل وهذا كله مذهب الشافعي وأبي ثور

(فصل) وإن اكترى دابة ليركبها في مسافة معينة معلومة أو يحمل عليها فيها فأراد العدول بها إلى ناحية أخرى مثلها في القدر وهي أضر منها أو يخالف ضررها ضررها بأن تكون إحداهما أخوف والأخرى أخشن لم يجز وإن كانت مثلها في السهولة والحزونة والأمن أو التي يعدل إليها أقل ضرراً فذكر القاضي أنه يجوز وهو قول أصحاب الشافعي لان المسافة عينت ليستوفي بها المنفعة ويعلم قدرها بها فلم تتعين كنوع المحمول والراكب قال شيخنا ويقوى عندي أنه متى كان للمكتري غرض في تلك الجهة المعينة لم يجز العدول إلى غيرها مثل من يكري جماله إلى مكة ليحج معها فلا يجوز له أن يذهب بها إلى غيرها، ولو أكراها إلى بغداد لكون أهله بها أو ببلد العراق فليس له الذهاب إلى مصر، ولو أكرى جماله جملة إلى بلد لم يجز التفريق بينها بالسفر ببعضها إلى جهة وبباقيها إلى غيرها وذلك لأنه عين المسافة لغرض في فواته ضرر فلم يجز تفويته كما في حق المكتري فإنه لو أراد حمله إلى غير المكان الذي اكترى إليه لم يجز وكما لو عين طريقا سهلا أو آمنا فأراد سلوك ما يخالفه في ذلك (فصل) إذا اكترى قميصاً ليلبسه جاز لأن الانتفاع به ممكن مع بقاء عينه ويجوز بيعه أشبه العقار ولابد من تقدير المنفعة بالمدة فإن كانت العادة في بلده نزع ثيابهم عند نوم الليل فعليه نزعه لان الإطلاق يحمل على العادة وله لبسه فيما سوى ذلك ولا يلزمه نزعه إذا نام نهاراً لأنه العرف ويلبس القميص على ما جرت العادت به لا أن يتزر به لأنه يعتمد عليه فيشقه، وفي اللبس لا يعتمد ويجوز

الارتداء به لأنه أخف من اللبس ومن ملك شيئاً ملك ما هو أخف منه وقيل لا يجوز لأنه استعمال له بما لا تجري العادة به في القميص أشبه الاتزار به والله أعلم * (مسألة) * (وإن فعل ما ليس له فعله فعليه أجر المثل) لأنه استوفى منفعة غير التي عقد عليها لا يجوز له استيفاؤها فلزمه أجر المثل كالغاصب * (مسألة) * (وإن اكتراها لحمولة شئ فزاده أو إلى موضع فجاوزه فعليه الأجرة المذكورة وأجرة المثل للزائد، وقال أبو بكر عليه أجرة المثل للجميع) وجملة ذلك أن من اكترى دابة لحمولة شئ فزاد عليه كمن اكترى لحمل قفيزين فحمل ثلاثة أو إلى موضع فجاوزه مثل أن يكتريها من دمشق إلى القدس فيركبها إلى مصر وجب عليه الأجر المسمى وأجر المثل لما زاد وضمانها إن تلفت وهذا مذهب الشافعي ونص عليه أحمد فيما إذا استأجرها إلى موضع فجاوزه وإليه ذهب ابن شبرمة والحكم، والظاهر من قول الفقهاء السبعة، وقال الثوري وأبو حنيفة لا أجر عليه لما زاد لأن منافع الغصب غير مضمونة عندهما، وحكي عن مالك أنه إذا تجاوز بها إلى مسافة بعيدة خير صاحبها بين أجر المثل وبين المطالبة بقيمتها يوم التعدي لأنه متعدى بإمساكها فكان لصاحبها تضمينها إياه ولنا أن العين باقية بحالها يمكن أخذها فلم تجب قيمتها كما لو كانت المسافة قريبة وما ذكروه تحكم

لا دليل عليه ولا نظير له فلا يجوز المصير إليه وسيأتي الكلام مع أبي حنيفة في باب الغصب إن شاء الله وحكى القاضي أن قول أبي بكر فيما إذا اكترى لحمولة شئ فزاد عليه وجوب أجر المثل للجميع آخذاً من قوله فيمن استأجر أرضاً ليزرعها شعيراً فزرعها حنطة أن عليه أجر المثل للجميع لأنه عدل عن المعقود عليه إلى غيره فأشبه ما لو إستأجر أرضا فزرع أخرى فجمع القاضي بين مسألة الخرقي ومسألة أبي بكر وقال ينقل قول كل واحد من إحدى المسئلتين إلى الأخرى لتساويهما في أن الزيادة لا تتميز فيكون في المسئلتين وجهان، وليس الأمر كذلك فإن بين المسئلتين فرقا ظاهراً فإن الذي حصل التعدي فيه في الحمل متميز عن المعقود عليه وهو القفيز الزائد بخلاف الزرع، ولأنه في مسألة الحمل استوفى المنفعة المعقود عليها وزاد وفي الزرع لم يزرع ما وقع العقد عليه ولهذا علله أبو بكر بأنه عدل عن المعقود عليه ولا يصح هذا القول في مسألة الحمل فإنه قد حمل المعقود عليه وزاد عليه بل إلحاق هذه المسألة بما إذا اكترى إلى مسافة فزاد عليها أشد وشبهها بها أشد لأنه في مسألة الحمل متعد بالزيادة وحدها وفي مسألة الزرع متعد بالزرع كله فأشبه الغاصب (فصل) فأما مسألة الزرع فيما إذا اكترى لزرع الشعير فزرع حنطة فقد نص أحمد في رواية عبد الله فقال: ينظر ما يدخل على الأرض من النقصان ما بين الحنطة والشعير فيعطى رب الأرض فجعل هذه المسألة كمسئلتي الخرقي في إيجاب المسمى وأجر المثل المزائد ووجهه أنه لما عين الشعير لم يتعين

ولم يتعلق العقد بعينه كما سبق ذكره ولهذا قلنا له زرع مثله وما هو دونه في الضرر فإذا زرع حنطة فقد استوفى حقه وزيادة أشبه ما لو اكتراها إلى موضع فجاوزه، وقد ذكرنا قول أبي بكر أن له أجر المثل لأنه عدل عن المعقود فإن الحنطة ليست بشعير وزيادة، وإن قلنا إنه قد استوفى المعقود عليه وزبادة غير أن الزبادة ليست متميزة عن المعقود عليه بخلاف مسئلتي الخرقي، وقال الشافعي المكري مخير بين أخذ الكراء وما نقصت الأرض عما ينقصها الشعير وبين أخذ كراء مثلها للجميع لأن هذه المسألة أخذت شبهاً من أصلين (أحدهما) إذا ركب دابة فجاوز بها المسافة المشترطة لكونه استوفى المعقود عليه وزيادة (والثاني) إذا استأجر أرضا فزرع غيرها لأنه زرع متعديا فلهذا خيره بينهما ولأنه وجد سبب يقتضي كل واحد من الحكمين وتعذر الجمع بينهما فكان له أوفرهما وفوض اختياره إلى المستحق كقتل العمد، والأولى إن شاء الله قول أبي بكر فإن هذا متعد بالزرع كله فكان عليه أجر المثل كالغاصب ولهذا ملك رب الأرض منعه من زرعه ويملك أخذه بنفقته إذا زرعه، ويفارق من زاد على حقه زيادة متميزة في كونه لم يتعد بالجميع إنما تعدى بالزبادة فقط ولهذا لا يملك المكري منعه من الجميع، ونظير هاتين المسئلتين من اكترى غرفة ليجعل فيها أقفزة حنطة فجعل أكثر منها ومن اكتراها ليجعل فيها قنطار قطن فجعل فيها قنطار حديد ففي الأولى له المسمى وأجر الزيادة، وفي الثانية يخرج فيها من الخلاف كقولنا في مسألة الزرع وحكم المستأجر الذي يزرع أضر مما اكترى له

مسألة: وله استيفاء المنفعة وما دونها في الضرر من جنسها

حكم الغاصب لرب الأرض منعه في الابتداء لما يلحقه من الضرر فإن زرع فرب الأرض مخير بين ترك الزرع بالأجر وبين أخذه ودفع النفقة، وإن لم يعلم حتى أخذ المستأجر زرعه فله الأجر على ما نذكر في الغصب (فصل) وإن اكترى دابة إلى مسافة فسلك أشق منها فهي كمسألة الزرع يخرج فيها وجهان وقياس منصوص أحمد أن له الأجر المسمى وزيادة لكون المسافة لا تتعين على قول اصحابنا وقياس قول أبي بكر أن له أجر المثل لأن الزيادة غير متميزة ولأنه متعد بالجميع بدليل أن لرب الدابة منعه من سلوك تلك الطريق كلها بخلاف من سلك تلك الطريق وجاوزها فإنه إنما يمنعه الزيادة لا غير، وإن اكترى لحمل قطن فحمل بوزنه حديداً أو بالعكس فعليه أجر المثل لأن ضرر أحدهما مخالف لضرر الآخر فلم يتحقق كون المحمول مشتملا على المستحق بعقد الإجارة وزيادة عليه بخلاف ما قبلها من المسائل وسائر مسائل العدوان يقاس على ما ذكرنا من المسائل ما كان متميزاً وما لم يكن متميزاً فتلحق كل مسألة بنظيرتها (فصل) وإن اكتراه لحمل قفيزين فحملهما فوجدهما ثلاثة فإن كان المكتري تولى الكيل ولم يعلم المكري بذلك فهو كمن اكترى لحمولة شئ فزاد عليه وإن كان المكري تولى كيله وتعبيته ولم يعلم المكتري فهو غاصب لا أجر له في حمله الزائد وإن تلفت دابته فلا ضمان لها لأنها تلفت بعدوان صاحبها

وحكمه في ضمان الطعام حكم من غصب طعام غيره، وإن تولى ذلك أجنبي ولم يعلما فهو متعد عليهما عليه لصاحب الدابة الأجر ويتعلق به ضمانها وعليه لصاحب الطعام ضمان طعامه وسواء كاله أحدهما ووضعه الآخر على ظهر الدابة أو كان الذي كاله وعبأه وضعه على ظهرها، وقال أصحاب الشافعي في أحد الوجهين إذا كاله المكتري ووضعه المكري على ظهر البهيمة لا ضمان على المكتري لأن المكري مفرط في حمله ولنا أن التدليس من المكتري إذ أخبره بكيلها بخلاف ما هو به فلزمه الضمان كما لو أمر أجنبيا بتحميلها، فأما إن كالها المكتري ووضعها المكري على الدابة عالما بكيلها لم يضمن المكتري الدابة إذا تلفت لأنه فعل ذلك من غير تدليس ولا تغرير وله أجر القفيز الزائد في أحد الوجهين لأنهما اتفقا على حمله على سبيل الإجارة فجرى مجرى المعاطاة في البيع ودخول الحمام من غير تقدير أجر (والثاني) لا أجر له لأن المكتري لم يجعل له على ذلك أجراً، وإن كاله المكري وحمله المكتري على الدابة عالما بذلك من غير أن يأمره بحمله فعليه أجر القفيز الزائد وإن أمره بحمله ففي وجوب الأجر وجهان كما لو حمله المكري عليها لأنه إذا أمر به كان كفعله، وإن كاله أحدهما وحمله أجنبي فهو كما لو حمله الذي كاله وإن كان بأمر الآخر فهو كما لو حمله الآخر وإن حمله بغير أمرهما فهو كما لو كاله ثم حمله * (مسألة) * (وإن تلفت ضمنها إلا أن تكون في يد صاحبها فيضمن نصف قيمتها في أحد الوجهين) إذا تلفت الدابة التي تعدى فيها إما بزيادة على الحمل أو زيادة على المسافة ضمنها بقيمتها سواء

تلفت في الزبادة أو بعد ردها إلى المسافة وسواء كان صاحبها مع المكتري أو لم يكن هذا ظاهر كلام الخرقي والفقهاء السبعة إذا تلفت حال التعدي، وقال القاضي إن كان المكتري نزل عنها وسلمها إلى صاحبها ليمسكها أو يسقيها فتلفت فلا ضمان على المكتري وإن هلكت والمكتري راكب عليها أو حمله عليها ضمنها، وقال أبو الخطاب إن كانت يد صاحبها عليها احتمل أن يلزم المكتري جميع قيمتها واحتمل أن يلزمه النصف، وقال أصحاب الشافعي إن لم يكن صاحبها معها لزم المكتري جميع القيمة وإن كان معها فتلفت في يد صاحبها لم يضمنها المكتري لأنها تلفت في يد صاحبها أشبه ما لو تلفت بعد مدة التعدي، وإن تلفت تحت الراكب ففيه قولان (أحدهما) يلزمه نصف القيمة لأنها تلفت بفعل مضمون أشبه ما لو تلفت بجراحته وجراحة مالكها (والثاني) تقسط القيمة على المسافتين فما قابل مسافة الإجارة سقط ووجب الباقي ونحو هذا قول أبي حنيفة فإنه قال فيمن اكترى جملا لحمل تسعة فحمل عشرة فتلف فعلى المكتري عشر قيمته، قال شيخنا وموضع الخلاف في لزوم كمال القيمة إذا كان صاحبها مع راكبها أو تلفت في يد صاحبها، فأما إن تلفت حال التعدي ولم يكن صاحبها مع راكبها فلا خلاف في ضمانها بكمال قيمتها لأنها تلفت في يد عادية فوجب ضمانها كالمغصوب، وكذلك إذا تلفت تحت الراكب أو تحت حمله وصاحبها معها لأن اليد للراكب وصاحب الحمل بدليل ما لو تنازعا دابة أحدهما راكبها أو له عليها حمل والآخر آخذ بزمامها كانت لصاحب الحمل والراكب ولأن الراكب متعد

بالزيادة وسكوت صاحبها لا يسقط الضمان كمن خرق ثياب انسان وهو ساكت ولأنها إن تلفت بسبب تعبها فالضمان على المتعدي كمن ألقى حجراً في سفينة موقرة فغرقها، فأما إن تلفت في يد صاحبها بعد نزول الراكب عنها وكان تلفها بسبب تعبها بالحمل والسير فهو كتلفها تحت الحمل والراكب، وإن كان بسبب آخر من افراس سبع أو سقوط في هوة فلا ضمان فيها لأنها لم تتلف في يد عادية ولا بسبب عدوان، وقولهم تلفت بفعل مضمون وغير مضمون أشبه ما لو تلفت بجراحين يبطل بما إذا قطع السارق ثم قطع آخر يده عدوانا فمات منهما، وفارق ما لو جرح نفسه وجرحه غيره لأن الفعلين عدوان فقسم الضمان عليهما (فصل) ولا يسقط الضمان بردها إلى المسافة وبه قال أبو حنيفة وأبو يوسف والشافعي وقال محمد يسقط كما لو تعدى في الوديعة ثم ردها ولنا أنها يد صارت ضامنة فلا يزول الضمان عنها إلا بإذن جديد ولم يوجد والأصل ممنوع إلا أن يردها إلى مالكها أو يجدد لها إذنا * (فصل) * قال الشيخ رحمه الله (ويلزم المؤجر كل ما يتمكن به من النفع كزمام الجمل ورحله وحزامه والشد عليه وشد الأحمال والمحامل والرفع والحط ولزوم البعير لينزل لصلاة الفرض ومفاتيح الدار وعمارتها وكل ما جرت عادته به

يلزم المكري كل ما جرت العادة أن يوطئ به للركوب من الحداجة للجمل والقتب وما يتمكن به الراكب من النفع كزمام الجمل والبرة التي في أنفه إن كانت العادة جارية بها والسرج واللجام للفرس والبردعة والأكاف للبغل والحمار على ما يقتضيه العرف يحمل الإطلاق عليه، وما زاد على ذلك من المحمل والمحارة والحبل الذي يشد به بين المحملين على المكتري لأنه من مصلحة الحمل وكذلك الوطاء الذي يشد فوق الحداجة تحت المحمل وعلى المكري رفع المحمل وحطه وشده على الحمل ورفع الأحمال وشدها وحطها لأن هذا هو العرف وبه يتمكن من الركوب، ويلزمه القائد والسائق هذا إذا كان الكراء على أن يذهب مع المكتري، فإن كان على أن يتسلم الراكب البهيمة ليركبها بنفسه فكل ذلك عليه لأن الذي على المكري تسليم البهيمة وقد سلمها، فأما الدليل فهو على المكتري لأن ذلك خارج عن البهيمة المكتراة وآلتها فأشبه الزاد وقيل إن كان اكترى منه بهيمة بعينها فأجرة الدليل على المكتري لأن الذي عليه تسليم الظهر وقد سلمه، وإن كانت الإجارة على حمله إلى مكان معين في الذمة فهو على المكتري لأنه من مؤنة إيصاله إليه وتحصيله فيه، فإن كان الراكب ممن لا يقدر على الركوب والبعير قائم كالمرأة والشيخ والضعيف والسمين فعلى الجمال أن يبرك الجمل لركوبه ونزوله لأنه لا يتمكن منها إلا به وإن كان ممن يمكنه الركوب والنزول مع قيام البعير لم يلزم الجمال أن يبرك الجمل لإمكان استيفاء المعقود عليها، فإن كان قويا حال العقد فتجدد له الضعف أو بالعكس فالاعتبار بحال الركوب لأن العقد اقتضى ركوبه بحسب العادة، ويلزم الجمال أن يقف البعير لينزل لصلاة الفرض وقضاء حاجة الإنسان والطهارة ويدع البعير واقفا حتى يفعل ذلك لأنه لا يمكنه فعل شئ من هذا على ظهر البعير، وما يمكنه فعله عليه

من الأكل والشرب وصلاة النافلة لا يلزمه أن يقفه له من أجله فإن أراد المكتري إتمام الصلاة وطالبه الجمال بقصرها لم يلزمه ذلك بل تكون خفيفة في تمام (فصل) إذا اكترى ظهرا في طريق العادة فيه النزول والمشي عند اقتراب المنزل والراكب امرأة أو ضعيف لم يلزمه ذلك لأنه اكترى جميع الطريق كالمتاع، وإن كان جلداً قويا احتمل أن لا يلزمه أيضاً لأنه عقد على جميع الطريق ولم تجر له عادة بالمشي فلزم حمله في جميع الطريق أشبه الضعيف ويحتمل أن يلزمه لأنه متعارف والمتعارف كالمشروط (فصل) فإن كان المكتري داراً أو حماما فعلى المكري ما يتمكن به من الانتفاع كتسليم مفاتيح الدار والحمام لأن عليه التمكين من الانتفاع وتسليم مفاتيحها تمكين من الانتفاع، فإن ضاعت أو تلفت بغير تفريط المستأجر فعلى المؤجر بدلها لكونها أمانة في يد المستأجر فأشبه حيطان الدار وأبوابها وإن سقط حائط أو خشبة أو انكسرت فعليه إبدالها وبناء الحائط، وعليه تبليط الحمام وعمل الأبواب والبرك ومجرى الماء لأن بذلك يحصل الانتفاع ويتمكن منه وما كان لاستيفاء المنافع كالحبل والدلو والبركة فعلى المكتري فأما التحسين والتزويق فلا يلزم واحدا منهما لأن الانتفاع ممكن بدونه * (مسألة) * (فأما تفريغ البالوعة والكنيف فيلزم المستأجر إذا سلمها فارغة) إن احتيج إلى تفريغ البالوعة والكنيف عند الكراء فعلى المكري لأنه مما يتمكن به من الانتفاع

وإن امتلأت بفعل المستأجر فتفريغها عليه وهذا قول الشافعي، وقال أبو ثور هو على رب الدار لأن به يتمكن من الانتفاع أشبه ما لو اكتراها وهي ملأى، وقال أبو حنيفة القياس أنه على المكتري والاستحسان أنه على رب الدار لأن ذلك عادة الناس ولنا أن ذلك حصل بفعل المكتري فكان عليه تنظيفه كما لو طرح فيها قماشا، والقول في تفريغ جية الحمام التي هي مصرف مائه كالقول في بالوعة الدار، وإن انقضت الإجارة وفي الدار زبل أو قمامة من فعل الساكن فعليه نقله وهذا قول الشافعي وأبي ثور وأصحاب الرأي (فصل) فإن شرط على مكتري الحمام أو غيره أن مدة تعطيله عليه لم يصح لأنه لا يجوز أن يؤجر مدة لا يمكنه الانتفاع في بعضها ولا يجوز أن يشرط أن يستوفي بقدرها عند انقضاء مدته لأنه يؤدي إلى أن يكون انتهاء مدة الإجارة مجهولا فإن أطلق وتعطل فهو عيب حادث والمكتري بالخيار بين الإمساك بكل الأجر وبين الفسخ ويتخرج أن له أرش العيب، كالمبيع المعيب فإن لم يعلم بالعيب حتى انقضت مدة الإجارة فعليه جميع الأجر لأنه استوفى المعقود عليه فأشبه ما لو علم العيب بعد العقد فرضيه ويتخرج أن له أرش العيب كما لو اشترى معيبا فلم يعلم عيبه حتى تلف في يده أو أكله (فصل) وإن شرط على المكتري النفقة الواجبة على المكري كعمارة الحمام فالشرط فاسد لأن العين ملك للمؤجر فنفقتها عليه، فإن أنفق بناء على هذا الشرط احتسب به على المكتري لأنه أنفقه

مسألة: وإن اكترى دابة للركوب أو الحمل لم يملك الآخر، وإن اكتراها لحمل الحديد أو القطن لم يملك الآخر

على ملكه بشرط العوض فإن اختلفا في قدر ما أنفق ولا بينة فالقول قول المكري لأنه منكر فإن لم يشرط لكن أذن له في الإنفاق ليحتسب له به من الأجر ففعل ثم اختلفا فالقول قول المكري أيضاً، وإن أنفق من غير إذنه لم يرجع بشئ لأنه أنفق على ماله بغير إذنه نفقة غير واجبة على المالك أشبه ما لو عمر له داراً أخرى (فصل) ولا خلاف بين أهل العلم في جواز كراء الإبل وغيرها من الدواب إلى مكة وغيرها قال الله تعالى (والخيل والبغال والحمير لتركبوها) ولم يفرق بين المملوكة والمستأجرة، وروي عن ابن عباس في قوله تعالى (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم) أن يحج ويكري ونحوه عن ابن عمر ولأن بالناس حاجة إليه، وقد فرض الله تعالى الحج على الناس وليس لكل أحد بهيمة يملكها ولا يحسن القيام بها والشد عليها فدعت الحاجة إلى استئجارها فجاز ذلك دفعا للحاجة. إذا ثبت هذا فمن شرط صحة العقد معرفة المتعاقدين المعقود عليه لأنه عقد معاوضة أشبه البيع فأما الجمال فيحتاج إلى معرفة الراكبين بالرؤية أو بالصفة من المعرفة بالصفة تقوم مقام الرؤية إذا وصفهما بالطول والقصر والهزال والسمن والصغر والكبر والذكورية والأنوثية، وقال الشريف أبو جعفر وأبو الخطاب لا يكفي في ذلك الصفة لأنه يختلف بثقله وخفته وسكونه وحركته ولا ينضبط بالوصف فيجب تعيينه وهذا مذهب الشافعي ولهم في المحمل وجه أنه لا يكتفى فيه بالصفة ويجب تعيينه

ولنا أنه عقد معاوضة مضاف إلى حيوان فاكتفي فيه بالصفة كالبيع وكالمركوب في الإجارة ولأنه لو لم يكتف فيه بالصفة لما جاز للراكب أن يقيم غيره مقامه لأنه إنما يعلم كونه مثله لتساويهما في الصفات فما لا تأتي عليه الصفات لا يعلم تساويهما فيه ولأن الوصف يكتفى به في البيع فاكتفي به في الإجارة كالرؤية والتفاوت بعد ذكر الصفات يسير تجري المسامحة فيه كالمسلم فيه ويحتاج إلى معرفة الآلة التي يركبان فيها من محمل ومحارة وقتب وغير ذلك، وهل يكون مغطى أو مكشوفاً؟ فإن كان مغطى احتاج إلى معرفة الغطاء ويحتاج إلى معرفة الوطاء ومعرفة المعاليق التي معه من قربة وسطيحة وقدر وسفرة ونحوها وذكر سائر ما يحمل معه وبه قال الشافعي وأبو ثور وابن المنذر إلا أن الشافعي قال: يجوز إطلاق غطاء المحمل لأنه لا يختلف اختلافا كثيرا متباينا، وحكي عنه في المعاليق قول أنه يجوز إطلاقها ويحمل على العرف وحكي عن مالك أنه يجوز إطلاق الراكبين لأن أجسام الناس متقاربة في الغالب، وقال أبو حنيفة إذا قال في المحمل رجلان وما يصلحهما من الوطاء والدثر جاز استحسانا لأن ذلك يتقارب في العادة فحمل على العادة كالمعاليق، وقال القاضي في غطاء المحمل كقول الشافعي ولنا أن هذا يختلف ويتباين كثيراً فاشترطت معرفته كالطعام الذي يحمله معه وقول مالك إن أجسام الناس متقاربة لا يصح فإن منهم الكبير والصغير والطويل والقصير والسمين والهزيل والذكر والأنثى ويختلفون بذلك ويتباينون كثيراً ويتفاوتون أيضاً في المعاليق منهم من يكثر الزاد والحوائج

مسألة: وإن فعل ما ليس له فعله فعليه أجر المثل

ومنهم من يقنع باليسير ولا عرف له يرجع إليه فاشترطت معرفته كالمحمل والأوطئة، وكذلك غطاء المحمل من الناس من يختار الواسع النقيل الذي يشد على المحمل في الهواء ومنهم من يقنع بالضيق الخفيف فتجب معرفته كسائر ما ذكرنا، فإن رأى الراكبين أو وصفا له وذكر الباقي بأرطال معلومة جاز ذكره الخرقي، وأما الراكب فيحتاج إلى معرفة الدابة التي يركب عليها لأن الغرض يختلف بذلك ويحصل بالرؤية لأنها أعلى طرق العلم إلا أن يكون مما يحتاج إلى معرفة صفة المشي كالرهوال وغيره، وإما أن يجربه فيعلم ذلك برؤيته ويحصل بالصفة فإذا وجدت اكتفي بها لأنه يمكن ضبطه بالصفة فجاز العقد عليه كالبيع، فإذا استأجر بالصفة للركوب احتاج إلى ذكر الجنس فرسا أو بعيراً أو بغلا أو حماراً أو النوع فيقول في الإبل بختي أو عرابي وفي الخيل عرابي أو برذون وفي الحمير مصري أو شامي وإن كان في النوع ما يختلف كالمهملج من الخيل والقطوف احتيج إلى ذكره لأن الغرض يختلف به، وقد ذكرنا ذلك والخلاف فيه، قال شيخنا ومتى كان الكراء إلى مكة فالصحيح أنه لا يحتاج إلى ذكر الجنس ولا النوع لأن العادة أن الذي يحمل عليه في طريق مكة الجمال العراب دون البخاتي (فصل) إذا كان الكراء إلى مكة أو طريق لا يكون السير فيه إلى اختيار المتكاريين فلا وجه لذكر تقدير السير فيه لأن ذلك ليس إليهما ولا مقدور عليه لهما وإن كان في طريق السير فيه إليهما استحب ذكر قدر السير في كل يوم فإن أطلق وللطريق منازل معروفة جاز لأنه معلوم بالعرف، ومتى

اختلفا في ذلك وفي وقت السير ليلاً أو نهاراً أو في موضع المنزل إما في داخل البلد أو. خارج منه حملا على العرف كما لو أطلقا الثمن في بلد فيه نقد معروف، وإن لم يكن للطريق عرف فقال القاضي لا يصح كما لو أطلقا الثمن في بلد لا عرف فيه، والأولى أن هذا ليس بشرط لأنه لو كان شرطا لما صح العقد بدونه في الطريق المخوف لأنه لم تجر العادة بتقدير السير في الطريق فإن اختلفا رجع إلى العرف في غير ملك الطريق (فصل) فإن شرط حمل زاد مقدر كمائة رطل وشرط أنه يبدل منها ما نقص بالأكل أو غيره فله ذلك وان شرط أن ما نقص بالأكل لا يبدله فليس له إبداله فإن ذهب بغير الأكل كسرقة أو سقوط فله إبداله لأن ذلك لم يدخل في شرطه، وإن أطلق العقد فله إبدال ما ذهب بسرقة أو سقوط أو أكل غير معتاد بغير خلاف وإن نقص بالأكل المضاد فله إبداله أيضا لأنه استحق حمل مقدار معلوم فملك إبدال ما نقص منه كما لو نقص بسرقة ويحتمل أن لا يملك ذلك لأن العرف جار بأن الزاد ينقص ولا يبدل فحمل العقد عليه عند الإطلاق وصار كالمصرح به، وقال الشافعي القياس أن له إبداله ولو قيل ليس له إبداله كان مذهبا لأن العادة أن الزاد لا يبقى جميع المسافة ولذلك يقل أجره عن أجر المتاع (فصل) إذا اكترى جملا ليحج عليه فله الركوب عليه إلى مكة ومن مكة إلى عرفة والخروج

عليه إلى منى لأن ذلك من تمام الحج، وقيل ليس له الركوب إلى منى لأنه بعد التحلل من الحج، والأولى أن له ذلك لأنه من تمام الحج وتوابعه ولذلك وجب على من وجب عليه دون غيره فدخل في قول الله تعالى (ولله على الناس حج البيت) ولو اكترى إلى مكة فقط فليس له الركوب إلى الحج لأنها زيادة ويحتمل أن له ذلك لأن الكراء إلى مكة عبارة عن الكراء للحج لكونها لا يكترى إليها إلا للحج غالبا فكان بمنزلة المكتري للحج (فصل) قال أصحابنا يصح كراء العقبة وهو مذهب الشافعي، ومعناها الركوب في بعض الطريق يركب شيئاً ويمشي شيئاً لأنه إذا جاز اكتراؤها في الجميع جاز في البعض ولابد من العلم بها إما بالفراسخ وإما بالزمان مثل أن يركب ليلا ويمشي نهاراً ويعتبر في هذا زمان السير دون زمان النزول، وإن شرط إن يركب يوما ويمشي يوما جاز فإن أطلق احتمل الجواز وإحتمال أن لا يصح لأنه يختلف وليس له ضابط فيكون مجهولا، وإن اتفقا على أن يركب ثلاثة أيام ويمشي ثلاثة أو ما زاد ونقص جاز وإن اختلفا لم يجبر الممتنع منهما لأن فيه ضرراً على كل واحد منهما الماشي لدوام المشي عليه والدابة لدوام الركوب عليها لأنه إذا ركب بعد شدة التعب كان أثقل على البعير، وإن اكترى اثنان جملا يتعاقبان عليه جاز ويكون كراؤه كل الطريق والاستيفاء بينهما على ما يتفقان عليه، وإن تشاحا قسم بينهما لكل

واحد منهما فراسخ معلومة أو لأحدهما بالليل وللآخر بالنهار، وإن كان لذلك عرف رجع إليه وإن اختلفا في البادئ منهما أقرع، ويحتمل أن لا يصح كراؤها إلا أن يتفقا على ركوب معلوم لكل واحد منهما لأنه عقد على مجهول بالنسبة إلى كل واحد منهما فلم يصح كما لو اشتريا عبدين على أن لكل واحد منهما عبداً معينا منهما * (فصل) * قال الشيخ رحمه الله (والإجارة عقد لازم من الطرفين ليس لأحدهما فسخها) وبه قال مالك والشافعي وأصحاب الراي لأنها عقد معاوضة فكانت لازمة كالبيع ولأنها نوع من البيع وإنما اختصت باسم كالصرف والسلم لا أن يجد العين معيبة عيباً لم يكن علم به فله الفسخ بغير خلاف نعلمه قال ابن المنذر إذا اكترى دابة بعينها فوجدها جموحا أو عضوضا أو نفوراً أو بها عيب غير ذلك مما يفسد ركوبها فللمكتري الخيار إن شاء ردها وفسخ الإجارة، وإن شاء أخذها وهذا قول الثوري وأصحاب الرأي لأنه عيب في المعقود عليه فأثبت الخيار كالعيب في بيوع الأعيان، والعيب الذي يرد به ما تنقص به المنفعة كتعثر الظهر في المشي والعرج يتأخر به عن القافلة وربض البهيمة بالحمل وكونها جموحا أو عضوضا ونحو ذلك، وفي المكترى للخدمة ضعف البصر والجنون والجذام والبرص، وفي الدار انهدام الحائط والخوف من سقوطها وانقطاع الماء من بئرها أو تغيره بحيث يمنع الشرب والوضوء

وأشباه ذلك من النقائص، فإن رضي بالمقام ولم يفسخ لزمه جميع الأجرة لأنه رضي به ناقصا أشبه ما لو رضي بالمبيع معيبا، وإن اختلفا في الموجود هل هو عيب أو لا؟ رجع فيه الى أهل الخبرة مثل أن تكون الدابة خشنة المشي أو أنها تتعب راكبها لكونها لا تركب كثيراً فإن قالوا هو عيب فله الفسخ وإلا فلا هذا إذا كان العقد تعلق بعينها فإن كانت موصوفة في الذمة لم ينفسخ العقد وعلى المكري إبدالها كالمسلم فيه إذا وجده معيبا أو على غير صفته فإن عجز عن إبدالها أو امتنع منه ولم يمكن إجباره فللمكتري الفسخ أيضا * (مسألة) * (وان بدا له قبل تقضي المدة فعليه الأجرة) قد ذكرنا أن الإجارة عقد لازم يقتضي تمليك المؤجر الأجر والمستأجر المنافع فإذا فسخ المستأجر الإجارة قبل انقضاء مدتها وترك الانتفاع اختياراً منه لم تنفسخ الإجارة وتلزمه الأجرة ولا يزول ملكه عن المنافع كما لو اشترى شيئاً وقبضه ثم تركه: قال الأثرم قلت لأبي عبد الله رجل اكترى بعيراً فلما قدم المدينة قال له فاسخني؟ قال ليس ذلك له قد لزمه الكراء قلت فإن مرض المستكري بالمدينة؟ فلم يجعل له فسخاً لأنه عقد لازم من الطرفين فلم يملك أحد المتعاقدين فسخه، وإن فسخه لم يسقط العوض الواجب كالبيع (فصل) قد ذكرنا أن المستأجر يملك المنافع بالعقد كما يملك المشتري المبيع بالبيع ويزول ملك المؤجر عنها كما يزول ملك البائع عن المبيع فلا يجوز له التصرف فيها لأنها صارت مملوكة لغيره فإن

مسألة: وإن تلفت ضمنها إلا أن تكون في يد صاحبها فيضمن نصف قيمتها في أحد الوجهين

تصرف فيها وكان ذلك في حال يد المستأجر قبل تقضي المدة مثل أن يكتري داراً سنة فيسكنها شهراً ويتركها فيسكنها المالك بقية السنة أو يؤجرها لغيره احتمل أن ينفسخ العقد فيما استوفاه المالك لأنه تصرف فيه قبل قبض المكتري له أشبه ما لو أتلف المكيل قبل تسليمه وسلم باقيه، فإن تصرف في بعض المدة دون بعض انفسخ العقد في قدر ما تصرف فيه خاصة، وعلى المستأجر أجر ما بقي فإن سكن المستأجر شهراً وسكن المالك عشرة أشهر لزم المستأجر أجر شهرين، وإن سكنها شهراً وسكن المالك شهرين ثم تركها فعلى المستأجر أجر عشرة أشهر واحتمل أن يلزم المستأجر أجر جميع المدة وله على المالك أجر المثل لما سكن أو تصرف فيه يسقط ذلك مما على المستأجر من الأجر ويلزمه الباقي لأنه تصرف فيما ملكه المستأجر عليه بغير إذنه أشبه ما لو تصرف في المبيع بعد قبض المشتري إياه وقبض الدار ههنا قام مقام قبض المنافع بدليل أنه يملك التصرف في المنافع بالسكنى والإجارة وغيرها، فعلى هذا لو كان أجر المثل الواجب على المالك بقدر الأجر المسمى في العقد لم يجب على المستأجر شئ، وإن فضلت منه فضلة لزم المالك أداؤها إلى المستأجر، والأول أولى وهو ظاهر مذهب الشافعي وان تصرف المال قبل تسليمه العين أو امتنع من تسليمها حتى انقضت مدة الإجارة انفسخت الإجارة وجهاً واحداً لأن العاقد أتلف المعقود عليه قبل تسليمه فانفسخ العقد كما لو باعه طعاما فأتلفه قبل تسليمه، وإن سلمها إليه في أثناء المدة انفسخت فيما مضى، ويجب أجر الباقي بالحصة كالمبيع إذا سلم بعضه وأتلف بعضاً

* (مسألة) * (وإن حوله المالك قبل تقضيها فليس له أجر لما سكن نص عليه ويحتمل أن له من الأجرة بقسطه) إذا استأجر مدة فسكنه بعضها ثم أخرجه المالك ومنعه تمام السكنى فلا شئ له من الأجر نص عليه أحمد وذكره الخرقي ويحتمل أن له من الأجر بقسطه وهو قول أكثر الفقهاء لأنه استوفى ملك غيره على وجه المعاوضة فلزمه عوضه كالمبيع إذا استوفى بعضه ومنعه المالك بقيته ولنا أنه لم يسلم إليه ما تناوله عقد الإجارة فلم يستحق شيئاً كما لو استأجره لحمل كتاب إلى بلد فحمله بعض الطريق أو ليحفر له عشرين ذراعا فحفر له عشرا وامتنع من حفر الباقي وقياس الإجارة على الإجارة أولى من قياسها على البيع، والحكم فيمن اكترى دابة فامتنع المكتري من تسليمها في بعض المدة أو أجر نفسه أو عبده للخدمة مدة وامتنع من إتمامها أو أجر نفسه لبناء حائط أو خياطة أو حفر بئر أو حمل شئ إلى مكان وامتنع من إتمام العمل مع القدرة عليه كالحكم في العقار يمتنع من تسليمه وإنه لا يستحق شيئاً لما ذكرنا * (مسألة) * (وإن هرب الأجير حتى انقضت المدة انفسخت الإجارة، وان إن كانت على عمل خير للمستأجر بين الصبر والفسخ)

وجملة ذلك أنه إذا هرب الأجير أو شردت الدابة أو أخذ المؤجر العين وهرب بها أو منعه استيفاء المنفعة منها من غير هرب لم تنفسخ الإجارة لكن يثبت للمستأجر خيار الفسخ فإن انفسخ فلا كلام، وإن لم يفسخ وكانت الإجارة على مدة انفسخت بمضي المدة يوما فيوما فإن عادت العين في أثناء المدة استوفى ما بقي منها، وإن انقضت المدة انفسخت الإجارة لفوات المعقود عليه وإن كانت الإجارة على موصوف في الذمة كخياطة ثوب أو بناء حائط أو حمل إلى موضع معين استؤجر من ماله من يعمله كما لو أسلم إليه في شئ فهرب بيع من ماله فإن تعذر فللمستأجر الفسخ فإن لم يفسخ وصبر إلى أن يقدر عليه فله مطالبته بالعمل لأن ما في الذمة لا يفوت بهربه، وكل موضع امتنع الأجير من العمل فيه أو منع المؤجر المستأجر من الانتفاع إذا كان بعد عمل البعض فلا أجر له فيه على ما سبق إلا أن يرد العين قبل انقضاء المدة أو يتم العمل إن لم يكن على مدة قبل فسخ المستأجر فيكون له أجر ما عمل فأما إن شردت الدابة أو تعذر استيفاء المنفعة بغير فعل المؤجر فله من الأجر بقدر ما استوفى بكل حال * (مسألة) * (فإن هرب الجمال أو مات وترك الجمال أنفق عليها الحاكم من مال الجمال أو أذن للمستأجر في الإنفاق فإذا قدم باعها ووفى المنفق وحفظ باقي ثمنها لصاحبه) إذا هرب الجمال في بعض الطريق أو قبل الدخول فيها لم يخل من حالين (أحدهما) أن يهرب بجماله فان لم يجد المستأجر حاكما أو وجد حاكما لم يمكن إثبات الحال عنده أو أمكن ولم يحصل

له ما يستوفي به حقه منه فللمستأجر الفسخ لأنه تعذر عليه قبض المعقود عليه أشبه ما إذا أفلس المشتري فإن فسخ العقد وكان الجمال قد قبض الأجر كان ديناً في ذمته وإن اختار المقام على العقد وكانت الإجارة على عمل في الذمة فله ذلك، ومتى قدر على الجمال طالبه به وإن كان العقد على مدة انقضت في هربه انفسخت الإجارة وإن أمكن إثبات الحال عند الحاكم وكان العقد على موصوف غير معين لم ينفسخ العقد ويرفع الأمر إلى الحاكم ويثبت عنده حاله فإن وجد الحاكم للجمال مالا اكترى به وإن لم يجد له مالاً وأمكنه أن يقترض عليه ما يكتري له به فعل فإن دفع الحاكم المال إلى المكتري ليكتري به لنفسه جاز في ظاهر كلام أحمد، وإن كان القرض من المكتري جاز وصار ديناً في ذمة الجمال وإن كان العقد على معين لم يجز إبداله ولا اكتراء غيره لأن العقد تعلق بعينه فيخير المكتري بين الفسخ أو الصبر إلى أن يقدر عليه فيطالبه بالعلم (الحال الثاني) إذا هرب وترك جماله فإن المكتري يرفع الأمر إلى الحاكم فإن وجد للجمال مالا استأجر به من يقوم مقامه في الإنفاق على الجمال والشد عليها وفعل ما يلزم الجمال فان لم يجد له غير الجمال وكان فيها فضلة عن الكراء باع بقدر ذلك وإن لم يكن فيها فضل أو لم يكن بيعه افترض عليه الحاكم كما ذكرنا، وإن أدان من المكتري وأنفق جاز، وإن أذن للمكتري في الأنفاق من ماله بالمعروف ليكون دينا على الجمال جاز لأنه موضع حاجة فإذا رجع واختلفا فيما أنفق وكان الحاكم قدر النفقة قبل قول

المكتري في ذلك دون ما زاد، وإن لم يقدر له قبل قوله في قدر النفقة بالمعروف لأنه أمين فأشبه الوصي إذا ادعى النفقة على الأيتام بالمعروف وما زاد لا يرجع به لأنه متطوع به، وإذا وصل المكتري رفع الأمر إلى الحاكم فيفعل ما يرى الحظ فيه من بيع الجمال فيوفي عن الجمال ما لزمه من الدين للمكتري أو لغيره ويحفظ باقي الثمن له وإن رأى بيع بعضها وحفظ باقيها والإنفاق على الباقي من ثمن ما باع جاز، وإن لم يجد حاكما أو عجز عن استئذانه فله أن ينفق عليها ويقيم مقام الجمال فيما يلزمه ولا يرجع بذلك إن فعله متبرعا وإن نوى الرجوع وأشهد على ذلك رجع به لأنه حال ضرورة وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشافعي، وإن لم يشهد ونوى الرجوع ففي الرجوع وجهان (أحدهما) يرجع به لأن ترك الجمال مع العلم بأنها لابد لها من نفقة إذن في الإنفاق (والثاني) لا يرجع به لأنه يثبت لنفسه حقا على غيره وكذلك إن لم يشهده وأنفق محتسبا بالرجوع، قال شيخنا وقياس المذهب أن له الرجوع كقولنا يرجع بما أنفق على الآبق وعلى عيال الغائب وزوجاته والدابة المرهونة، فإن قدر على استئدان الحاكم فأنفق من غير استئذانه وأشهد على ذلك ففي رجوعه وجهان أيضا، وحكم موت الجمال حكم هربه وقال أبو بكر مذهب احمد ان الموت لا يفسخ الإجارة وله أن يركبها ولا يسرف في علفها ولا يقصر ويرجع بذلك في مال المتوفى، فإن لم يكن في يد المستأجر ما ينفق لم يجز أن يبيع منها شيئاً لأن البيع إنما يجوز من المالك أو نائبه أو ممن لا ولاية عليه

مسألة: فأما تفريغ البالوعة والكنيف فيلزم المستأجر إذا سلمها فارغة

* (مسألة) * (وتنفسخ الإجارة بتلف العين المعقود عليها) وجملته أن من استأجر عينا مدة فحيل بينه وبين الانتفاع بها لم يخل من أقسام [أحدها] أن تتلف العين كدابة تنفق أو عبد يموت فتلك على ثلاثة أضرب [أحدها] أن تتلف قبل قبضها فإن الإجارة تنفسخ بغير خلاف نعلمه لأن المعقود عليه تلف قبل قبضه فأشبه ما لو تلف الطعام المبيع قبل قبضه [الثاني] أن تتلف عقيب قبضها فإن الإجارة تنفسخ أيضا ويسقط الأجر في قول عامة الفقهاء الا ابا ثور حكي عنه أنه قال يستقر الأجر لأن المعقود عليه تلف بعد قبضه أشبه المبيع. وهذا غلط لأن المعقود عليه المنافع وقبضها باستيفائها أو التمكن من استيفائها ولم يحصل ذلك فأشبه تلفها قبل قبض العين [الثالث] أن تتلف بعد مضي شئ من المدة فإن الإجارة تنفسخ فيما بقي من المدة دون ما مضى ويكون للمؤجر من الأجر بقدر ما استوفى من المنفعة، قال أحمد في رواية ابراهيم بن الحارث: إذا اكترى بعيراً بعينه فنفق يعطيه بحساب ما ركب وذلك لما ذكرنا من أن المعقود عليه المنافع وقد تلف بعضها قبل قبضه فبطل العقد فيها تلف دون ما قبض كما لو اشترى صبرتين فقبض إحداهما وتلفت الأخرى قبل قبضها، ثم ننظر فإن كان أجر المدة متساويا فعليه بقدر ما مضى إن كان قد مضى النصف فعليه نصف الأجر وإن كان قد مضى الثلث فعليه الثلث كما يقسم الثمن على المبيع المتساوي، وإن كان مختلفاً كدار أجرها في الشتاء أكثر من أجرها في الصيف وأرض أجرها في الصيف أكثر من الشتاء،

أو دار لها موسم كدور مكة رجع في تقويمه الى أهل الخبرة ويسقط الأجر المسمى على حسب قيمة المنفعة كقسمة الثمن على الأعيان المختلفة في البيع، وكذلك لو كان الأجر على قطع مسافة كبعير استأجره على حمل شئ إلى مكان معين وكانت متساوية الأجزاء أو مختلفة وهذا ظاهر مذهب الشافعي * (مسألة) * (وموت الصبي المرتضع) إذا مات الصبي المرتضع انفسخ العقد لأنه يتعذر استيفاء المعقود عليه لأنه لا يمكن إقامة غيره مقامه لاختلاف الصبيان في الرضاع واختلاف اللبن باختلافهم فإنه قد يدر على أحد الولدين دون الآخر وهذا منصوص الشافعي، وإذا انفسخ العقد عقيبه بطلت الإجارة من أصلها ورجع المستأجر بالأجر كله وإن كان في أثناء المدة رجع بحصة ما بقي وتنفسخ الإجارة بموت المرضعة لفوات المنفعة بهلاك محلها، وحكي عن أبي بكر أنها لا تنفسخ ويجب في مالها أجر من ترضعه تمام الوقت لأنه كالدين ولنا أنه هلك المعقود عليه أشبه ما لو هلكت البهيمة المستأجرة. * (مسألة) * (وموت الراكب إذا لم يكن له من يقوم مقامه في استيفاء المنفعة) إذا مات المكتري ولم يكن له وارث يقوم مقامه في استيفاء المنفعة أو كان غائباً كمن يموت في طريق مكة ويخلف جمله الذي اكتراه وليس له عليه شئ يحمله ولا وارث له حاضر يقوم مقامه فظاهر كلام أحمد أن الإجارة تنفسخ فيما بقي

من المدة لأنه قد جاء أمر غالب يمنع المستأجر منفعة العين فأشبه ما لو غصبت ولان بقاء القعد ضرر في حق المكري والمكتري لأن المكتري يجب عليه الكراء من غير نفع والمكري يمتنع عليه التصرف في ماله مع ظهور امتناع الكراء عليه، وقد نقل عن أحمد في رجل اكترى بعيرا فمات المكتري في بعض الطريق فإن رجع البعير خاليا فعليه بقدر ما وجب له، وإن كان عليه ثقله ووطاؤه فله الكراء إلى الموضع، وظاهر هذا أنه حكم بفسخ العقد فيما بقي من المدة إذا مات المستأجر ولم يبق له به انتفاع لأنه تعذر استيفاء المنفعة بأمر من الله تعالى فأشبه ما لو اكترى من يقلع له ضرسه فبرأ أو انقلع قبل قلعه أو اكترى كحالا ليكحل عينه فبرأت أو ذهبت، ويجب أن يقدر أنه لم يكن ثم من ورثته من يقوم مقامه في الانتفاع لأن الوارث يقوم مقام الموروث وتأولها القاضي على أن المكري قبض البعير ومنع الورثة الانتفاع ولولا ذلك لما انفسخ العقد لأنه لا ينفسخ بعذر في المستأجر مع سلامة المعقود عليه كما لو حبس مستأجر الدار ومنع من سكناها، ولا يصح هذا لأنه لو منع الوارث الانتفاع لما استحق شيئاً من الأجر، ويفارق هذا ما لو حبس المستأجر لأن المعقود عليه انتفاعه وهذا لم يؤبس منه بالحبس لأنه يمكن خروجه في كل وقت من الحبس وانتفاعه ويمكن أن يستنيب من يستوفي المنفعة له إما بأجره أو غيره بخلاف الميت فإنه قد فات انتفاعه بنفسه ونائبه اشبه ما ذكرنا من الصور

* (مسألة) * (وانقلاع الضرس الذي اكترى لقلعه أو برؤه) وكذلك إن اكترى كحالا ليكحل عينه فبرأت أو ذهبت انفسخ العقد لأنه تعذر استيفاء المعقود عليه أشبه ما لو تعذر بالموت * (مسألة) * (فإن اكترى داراً فانهدمت أو أرضاً للزرع فانقطع ماؤها انفسخت الإجارة فيما بقي من المدة في أحد الوجهين وفي الآخر يثبت للمستأجر خيار الفسخ) وجملة ذلك أنه إذا حدث في العين المكتراة ما يمنع نفعها كدار انهدمت أو أرض غرقت أو انقطع ماؤها فهذه ينطر فيها فإن لم يبق فيها نفع أصلا فهي كالتالفة سواء، وإن بقي فيها نفع غير ما استأجرها له مثل أن يمكن الانتفاع بعرصة الدار أو الأرض لوضع حطب فيها أو وضع خيمة في الأرض الذي استأجرها للزرع أو صيد السمك من الأرض التي غرقت انفسخت الإجارة أيضا لأن المنفعة التي وقع العقد عليها تلفت فانفسخت الإجارة كما لو استأجر دابة ليركبها فزمنت بحيث لا تصلح إلا لتدور في الرحى. وقال القاضي في الأرض التي انقطع ماؤها لا تنفسخ الإجارة فيها وهو منصوص الشافعي، لأن المنفعة لم تبطل جملة لأنه يمكن الانتفاع بعرصة الأرض بنصب خيمة أو جمع حطب فيها فأشبه ما لو نقص نفعها مع بقائه، فعلى هذا يخير المستأجر بين الفسخ والإمضاء، فإن فسخ فحكمه حكم العبد إذا مات، وإن اختار إمضاء العقد فعليه جميع الأجرة لأن ذلك عيب فإذا

رضي به سقط حكمه فإن لم يختر الفسخ ولا الإمضاء إما لجهله بأن له الفسخ أو لغير ذلك فله الفسخ بعد ذلك والأول أصح لأن بقاء غير المعقود عليه لا يمنع انفساخ العقد بتلف المعقود عليه كالأعيان في البيع، ولو كان النفع الباقي في العين مما لا يباح استيفاؤه بالعقد كدابة استأجرها للركوب فصارت لا تصلح إلا للحمل أو بالعكس انفسخ العقد وجهاً واحداً لأن المنفعة الباقية لا يملك استيفاءها مع سلامتها فلا يملكها مع تعيبها كبيعها، فأما إن أمكن الانتفاع بالعين وفيما اكتراها له على نعت من القصور مثل أن يمكنه زرع الأرض بغير ماء أو كان الماء منحسراً عن الأرض التى عرفت على وجه يمنع بعض الزراعة أو يسوء الزرع أو كان يمكنه سكنى ساحة الدار إما في خيمة أو غيرها لم تنفسخ الإجارة لأن المنفعة المعقود عليها لم تزل بالكلية فأشبه ما لو تعيبت وللمستأجر خيار الفسخ على ما ذكرنا إلا في الدار إذا انهدمت ففيها وجهان (أحدهما) لا تنفسخ الإجارة (والثاني) تنفسخ لأنه زال اسمها بهدمها وذهبت المنفعة التي تقصد منها ولذلك لا يستأجر أحد عرصة دار ليسكنها فأما إن كان الحادث في العين لا يضرها كغرق الأرض بما ينحسر عن قريب بحيث لا يمنع الزرع ولا يضره وانقطاع الماء عنها إذا ساق المؤجر إليها ماء من مكان آخر أو كان انقطاعه في زمن لا يحتاج إليه فيه فليس للمستأجر الفسخ لأن هذا ليس بعيب، وإن حدث الغرق المضر أو انقطاع الماء أو الهدم ببعض العين المستأجرة فلذلك البعض حكم نفسه في الفسخ أو ثبوت الخيار وللمكتري الخيار في بقية

العين لأن الصفقة تبعضت عليه فإن اختار الإمساك أمسك بالحصة من الأجر كما إذا تلف أحد القفيزين من الطعام في يد البائع * (مسألة) * (ولا تنفسخ بموت المكتري أو المكري) وهذا قول مالك والشافعي وإسحاق والتي وأبي ثور وابن المنذر، وقال الثوري وأصحاب الرأي والليث تنفسخ لاجارة بموت أحدهما لأن استيفاء المنفعة يتعذر بالموت لأنه استحق بالعقد استيفاءها على ملك المؤجر فإذا مات زال ملكه عن العين فانتقلت إلى ورثته فالمنافع تحدث على ملك الوارث فلا يستحق المستأجر استيفاءها لأنه ما عقد مع الوارث، وإذا مات المستأجر لم يمكن إيجاب الأجر في تركته ولنا أنه عقد لازم فلم ينفسخ بموت العاقد مع سلامة المعقود عليه كما لو زوج أمته ثم مات، وما ذكروه لا يصح لأنا قد بينا أن المستأجر قد ملك المنافع، وإن الأجرة قد ملكت عليه كاملة في وقت العقد على ما نذكره، ويلزمهم ما لو زوج أمته ثم مات ولو صح ما ذكروه لكن وجوب الأجر ههنا بسبب من المستأجر فوجب في تركته بعد موته كما لو حفر بئراً فوقع فيها شئ بعد موته ضمنه في ماله لأن سبب ذلك كان منه في حياته كذا ههنا * (مسألة) * (ولا تنفسخ بعذر لأحدهما مثل أن يكتري للحج فتضيع نفقته أو دكانا فيحترق متاعه) وبهذا قال مالك والشافعي وأبو ثور، وقال أبو حنيفة وأصحابه يجوز للمكتري فسخها لعذر

في نفسه مثل أن يكتري جملا ليحج عليه فيمرض فلا يتمكن من الخروج أو تضيع نفقته، أو يكتري دكاناً للبز فيحترق متاعه وما أشبه هذا لأن هذا العذر يتعذر معه استيفاء المنفعة المعقود عليها فملك به الفسخ كما لو استأجر عبداً فأبق ولنا أنه عقد لا يجوز فسخه لغير عذر فلم يجز لعذر في غير المعقود عليه كالبيع ولأنه لو جاز فسخه لعذر المكتري لجاز لعذر المكري تسوية بين المتعاقدين ودفعاً للضرر عن كل واحد منهما ولم يجز ثم فلا يجرز ههنا، ويفارق الإباق فإنه عذر في المعقود عليه * (مسألة) * (وإن غصبت العين خير المستأجر بين الفسخ والإمضاء ومطالبة الغاصب بأجرة المثل) إذا غصبت العين المستأجرة فللمستأجر الفسخ لأن فيه تأخر حقه فإن فسخ فالحكم كما لو انفسخ العقد بتلف العين وإن لم يفسخ حتى انقضت مدة لاجارة فله الخيار بين الفسخ والرجوع بالمسمى وبين البقاء على العقد ومطالبة الغاصب بأجر المثل لأن المعقود عليه لم يفت مطلقاً بل الى بدل وهو القيمة فأشبه ما لو أتلف الثمرة لمبيعة آدمي قبل قطعها، ويتخرج افساخ العقد بكل حال على الرواية التي تقول إن منافع الغصب لا تضمن وهو قول أصحاب الرأي ولأصحاب الشافعي في ذلك اختلاف فإن ردت العين في أثناء المدة ولم يكن فسخ استوفى ما بقي منها ويكون فيما مضى من المدة

مخيراً كما ذكرنا، وإن كانت الإجارة على عمل كخياطة ثوب أو حمل شئ إلى موضع معين فغصب جمله الذي يحمل عليه أو عبده الذي يخيط له لم ينفسخ العقد، وللمستأجر مطالبة الأجير بعوض المغصوب وإقامة من يعمل العمل لأن العقد على ما في الذمة كما لو وجد بالمسلم فيه عيبا فرده فإن تعذر البدل ثبت للمستأجر الخيار بين الفسخ والصبر إلى أن يقدر على العين المغصوبة فيستوفي منها (فصل) فإن حدث خوف عام يمنع من سكنى المكان الذي فيه العين المستأجرة أو يحصر البلد فيمتنع خروج المستأجر إلى الأرض المستأجرة للزرع ونحو ذلك ثبت للمستأجر خيار الفسخ لأنه أمر غالب يمنع من استيفاء المنفعة فأثبت الخيار كغصب العين، ولو اكترى دابة ليركبها أو يحمل عليها إلى موضع معين فانقطعت الطريق إليها لخوف حادث أو اكترى إلى مكة فلم يحج الناس ذلك العام من تلك الطريق ملك كل واحد منهما فسخ الإجارة، وإن اختار ابقاها إلى حين إمكان استيفاء المنفعة جاز لأن الحق لهما، فأما إن كان الخوف خاصا بالمستأجر كمن خاف وحده لقرب أعدائه من الموضع المستأجر أو خلوهم في طريقه لم يملك الفسخ لأنه عذر يختص به لا يمنع استيفاء المنفعة بالكلية أشبه مرضه، وكذلك لو حبس أو مرض لأنه ترك استيفاء المنفعة لمعنى من جهته فلم يمنع ذلك وجوب أجرها عليه كما لو تركها اختياراً. قال الخرقي: فإن جاء أمر غالب يحجر المستأجر عن منفعة ما وقع عليه العقد لزمه من الأجرة بقدر مدة انتفاعه وقد شرحناه

مسألة: وإن بدا له قبل تقضي المدة فعليه الأجرة

* (مسألة) * (ومن استؤجر لعمل شئ فمرض أقيم مقامه من يعمله والأجرة عليه) لا خلاف بين أهل العلم في جواز استئجار الآدمي، وقد أجر موسى عليه السلام نفسه لرعيه الغنم واستأجر النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رجلا ليدلهما على الطريق، ولأنه يجوز الانتفاع به مع بقاء عينه فجازت إجارته كالدور. ثم إجارته تنقسم قسمين (أحدهما) استئجاره مدة بعينها لعمل معين كإجارة موسى عليه السلام نفسه ثماني حجج لرعي الغنم (والثاني) استئجاره على معنى في الذمة كاستئجار النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رجلا ليدلهما على الطريق، واستئجار رجل لخياطة قميص أو بناء حائط، ويتنوع ذلك بنوعين (أحدهما) أن تقع الإجارة على عين كإجارة عبده لرعاية الغنم أو ولده لعمل معين (والثاني) أن تقع على عمل في الذمة كخياطة قميص وبناء حائط. فمتى كانت على عمل في ذمته فمرض وجب عليه أن يقيم مقامه من يعمله لأنه حق وجب في ذمته فوجب عليه إيفاؤه كالمسلم، فيه ولا يلزم المستأجر إنظاره لأن العقد بإطلاقه يقتضي التعجيل وفي التأخير إضرار به، فأما إن كانت الإجارة على عينه في مدة أو غيرها فمرض لم يقم غيره مقامه لأن الإجارة وقعت على عمله بعينه لا على شئ في ذمته وعمل غيره ليس بمعقود عليه فأشبه ما لو اشترى معينا لم يجز أن يدفع إليه غيره ولا يبدله له بخلاف ما لو وقع في الذمة فإنه يجوز إبدال المعيب ولا ينفسخ العقد بتلف ما يسلمه والمبيع المعين بخلافه فكذلك الإجارة فإن كانت الإجارة على عمل في الذمة لكن لا يقوم غير الأجير مقامه كالنسخ فإنه يختلف القصد فيه باختلاف الخطوط لم يكلف إقامة

غيره مقامه ولا يلزم المستأجر قبول ذلك إن بذله الأجير لأن العوض لا يحصل من غير الناسخ كحصوله منه فأشبه ما لو أسلم إليه في نوع فسلم إليه غيره وكذلك كل ما يختلف باختلاف الأعيان * (مسألة) * (وإن وجد العين معيبة فله الفسخ) كما لو وجد المبيع معيبا وقد ذكرناه، وإن حدث بها عيب فله الفسح وأجرة ما مضى لأن البائع لا يحصل قبضها إلا بالاستيفاء فهي كالمكيل يتعيب قبل قبضه فإن بادر المكري إلى إزالة العيب من غير ضرر يلحق المستأجر كدار تشعثت فأصلحها، ولا خيار للمستأجر لعدم الضرر وإلا فله الفسخ، وإن سكنها مع عيبها فعليه الأجرة علم أو لم يعلم لأنه استوفى جميع المعقود عليه معيبا فلزمه البدل كالمبيع المعيب إذا رضيه * (مسألة) * (ويجوز بيع العين المستأجرة ولا تنفسخ الإجارة إلا أن يشتريها المستأجر فتنفسخ في إحدى الروايتين) يصح بيع العين المستأجرة نص عليه أحمد سواء باعها للمستأجر أو لغيره وهو أحد قولي الشافعي وقال في الآخر إن باعها لغير المستأجر لم يصح لأن يد المستأجر تمنع التسليم إلى المشتري فمنعت الصحة كما في بيع المغصوب ولنا أن الإجارة عقد على المنافع فلم تمنع الصحة كبيع الأمة إذا زوجها، قولهم يد المستأجر تمنع

مسألة: وإن حوله المالك قبل تقضيها فليس له أجر لما سكن نص عليه ويحتمل أن له من الأجرة بقسطه

التسليم لا يصح لأن يد المستأجر إنما هي على المنافع والبيع على الرقبة فلا يمنع ثبوت اليد على أحدهما تسليم الآخر كما لو باع الأمة المزوجة ولأنها منعت التسليم في الحال فلا تمنع في الوقت الذي يجب التسليم فيه وهو عند انقضاء الإجارة ويكفي القدرة على التسليم حينئذ كالمسلم فيه وقال أبو حنيفة البيع موقوف على إجازة المستأجر فإن أجازه جائز وبطلت الإجارة وإن رده بطل ولنا أن البيع على غير المعقود عليه في الإجارة فلم تعتبر إجازته كبيع الأمة المزوجة. إذا ثبت هذا فإن المشتري يملك المبيع مسلوب المنفعة إلى حين انقضاء الإجارة ولا يستحق تسليم العين إلا حينئذ لأن تسليم العين إنما يراد لاستيفاء نفعها وإنما يستحق نفعها إذا انقضت الإجارة فهو كمن اشترى عينا في مكان بعيد لا يستحق تسليمها إلا بعد مضي مدة يمكن إحضارها فيه وكالمسلم إلى وقت لا يستحق تسليم المسلم فيه إلا في وقته، فإن لم يعلم المشتري بالإجارة خير بين الفسخ وإمضاء البيع بكل الثمن لأن ذلك عيب ونقص (فصل) ويصح بيعها للمستأجر لأنه إذا صح بيعها لغيره فله أولى لأن العين في يده وهل تبطل الإجارة؟ فيه وجهان (أحدهما) لا تبطل لأنه ملك المنفعة ثم ملك الرقبة المسلوبة بعقد آخر فلم يتنافيا كما يملك الثمرة بعقد ثم يملك الأصل بعقد آخر، ولو أجر الموصى له بالمنفعة مالك الرقبة صحت الإجارة فدل على أن ملك المنفعة لا ينافي العقد على الرقبة ولذلك لو استأجر المالك العين المستأجرة من مستأجرها جاز، فعلى هذا يكون الأجر باقيا على المشتري وعليه الثمن ويجتمعان للبائع كما لو كان المشتري غيره

مسألة: فإن هرب الجمال أو مات وترك الجمال أنفق عليها الحاكم من مال الجمال أو أذن للمستأجر في الإنفاق فإذا قدم باعها ووفى المنفق وحفظ باقي ثمنها لصاحبه

(والثاني) تبطل الإجارة فيما بقي من المدة لأنه عقد على منفعة العين فبطل بملك العاقد الرقبة كما لو تزوج أمة ثم اشتراها بطل نكاحه ولأن ملك الرقبة يمنع ابتداء الإجارة فمنع استدامتها كالنكاح، فعلى هذا يسقط عن المشتري الأجر فيما بقي من مدة الإجارة كما لو بطلت الإجارة بتلف العين وإن كان المؤجر قد قبض الأجر كله حسبه عليه من الثمن إن كان من جنس الثمن (فصل) فإن رد المستأجر العين المستأجرة فالحكم فيه كما لو اشتراها في بطلان الإجارة وبقائها فلو استأجر إنسان من أبيه داراً ثم مات الأب وخلف ابنين (أحدهما) المستأجر فالدار بينهما نصفين والمستأجر أحق بمنفعتها لأن النصف الذي لأخيه الإجارة باقية فيه والنصف الذي ورثه يستحقه إما بحكم الملك أو بحكم الإجارة وما عليه من الأجرة بينهما نصفين، فان كان أبوه قد قبض الأجر لم يرجع على أخيه بشئ منه ولا على تركة أبيه ويكون ما خلفه أبوه بينهما نصفين لأنه لو رجع بشئ أفضى إلى أن يكون قد ورث النصف بمنفعته وورث أخوه نصفا مسلوب المنفعة والله سبحانه قد سوى بينهما في الميراث ولأنه لو رجع بنصف أجر النصف الذي انتقضت الإجارة فيه لوجب أن يرجع أخوه بنصف المنفعة التي بطلت الإجارة فيها إذ لا يمكن أن يجمع له بين المنفعة وأخذ عوضها من غيره (فصل) فإن اشترى المستأجر العين فوجدها معيبة فردها فإن قلنا لا تنفسخ الإجارة بالبيع فهي باقية بعد رد العين كما كانت قبل البيع، وإن قلنا قد انفسخت فالحكم فيها كما لو انفسخت بتلف العين

فإن كان المشتري أجنبياً فرد المستأجر الإجارة لعيب فينبغي أن تعود المنفعة إلى البائع لأنه يستحق عوضها على المستأجر وإذا سقط العوض عاد إليه المعوض، ولأن المشتري ملك العين مسلوبة المنفعة مدة الإجارة فلا يرجع إليه ما لم يملكه، وقال بعض أصحاب الشافعي يرجع إلى المشتري لأن المنفعة تابعة للرقبة وإنما استحقت بعقد الإجارة فإذا زالت عادت إليه كما لو اشترى أمة مزوجة فطلقها الزوج قال شيخنا ولا يصح هذا القياس لأن منفعة البضع قد استقر عوضها للبائع بمجرد دخول الزوج بها ولا ينقسم العوض على المدة ولهذا لا يرجع الزوج بشئ من الصداق فيما إذا انفسخ النكاح أو وقع الطلاق بخلاف الأجر في الاجارة فإن المؤجر يستحق الأجر في مقابلة المنفعة مقسوما على مدتها فإذا كان له عوض المنفعة المستقبلة فزال بالفسخ رجع اليه بعوضها وهو المنفعة، ولأن منفعة البضع لا يجوز أن تملك بغير ملك الرقبة أو النكاح فلو رجعت إلى البائع لملكت بغيرهما ولأنها مما لا يجوز الزوج نقلها إلى غيره ولا المعاوضة عنها ومنفعة البدن بخلافها (فصل) وإذا وقعت الإجارة على عين كمن استأجر عبداً للخدمة أو للرعي فتلف انفسخ العقد وقد ذكرناه وإن خرجت العين مستحقة تبينا أن العقد باطل وإن وجد بها عيباً فردها انفسخ العقد أيضا ولم يملك إبدالها لأن العقد على معين فتثبت هذه الأحكام كمن اشترى عينا، وإن وقعت على عين موصوفة في الذمة انعكست هذه الأحكام فمن سلم إليه عينا فتلفت أو خرجت مغصوبة أو وجد بها عيباً فردها لم تنفسخ الإجارة

ولزم المؤجر إبدالها لأن المعقود عليه غير هذه العين وهذه بدل عنه فلم يؤثر ذلك في إبطال العقد كما لو اشترى بثمن في الذمة على ما قرر في موضعه، فإن قيل فقد قلتم فيمن اكترى جملا ليركبه جاز أن يركبه من هو مثله ولو اكترى أرضا لزرع شئ بعينه جاز له زرع ما هو مثله أو دونه في الضرر فلم قلتم إذا اكترى جملا بعينه لا يجوز أن يبدله؟ قلنا: المعقود عليه منفعة العين فلم يجز أن يدفع إليه غير المعقود عليه كما لو اشترى عيناً لا يجوز أن يأخذ غيرها والراكب غير معقود عليه إنما هو مستوف للمنفعة وإنما يشترط معرفته ان تقدر به المنفعة لا لكونه معقوداً عليه وكذلك الزرع في الأرض فإنما يعين ليعرف به قدر المنفعة المستوفاة فيجوز الاستيفاء بغيرها كما لو وكل المشتري غيره في استيفاء المبيع ألا ترى أنه لو تلف البعير أو الأرض انفسخت الإجارة ولو مات الراكب أو تلف البذر لم تنفسخ وجاز أن يقوم غيره مقامه فافترقا. * (فصل) * قال الشيخ رضي الله عنه (ولا ضمان على الأجير الخاص وهو الذي يسلم نفسه إلى المستأجر فيما تلف في يده إلا أن يتعدى) وجملته أن الأجير على ضربين خاص ومشترك: فالخاص الذي يقع العقد عليه في مدة معلومة يستحق المستأجر نفعه في جميعها كمن استؤجر لخدمة أو خياطة أو رعاية شهراً أو سنة، سمي خاصاً لأن المستأجر يختص بنفعه في تلك المدة دون سائر الناس والمشترك الذي يقع العقد معه على عمل معين

مسألة: وتفسخ الإجارة بتلف العين المعقود عليها

كخياطة ثوب أو بناء حائط وحمل شئ إلى مكان معين أو على عمل في مدة لا يستحق جميع نفعه فيها كالكحال والطبيب سمي مشتركا لأنه يتقبل أعمالا لاثنين أو أكثر في وقت واحد ويعمل لهم فيشتركون في منفعته فسمي مشتركا لاشتراكهم في منفعته، فأما الأجير الخاص فلا ضمان عليه ما لم يتعد قال أحمد في رواية مهنا في رجل أمر غلامه يكيل لرجل بزراً فسقط الرطل من يده فانكسر لا ضمان عليه، فقيل أليس هو بمنزلة القصار؟ قال لا القصار مشترك قيل فرجل اكترى رجلا يستقي ماء فكسر الجرة؟ فقال لا ضمان عليه قيل له فإن اكترى رجلا يحرث له على بقرة فكسر الذي يحرث به؟ قال لا ضمان عليه وهذا مذهب مالك وأبي حنيفة وأصحابه وظاهر مذهب الشافعي وله قول آخر أن جميع الأجراء يضمنون وروى في مسنده أن عليا كان يضمن الأجراء ويقول لا يصلح للناس إلا هذا ولنا أن عمله غير مضمون عليه فلم يضمن ما تلف به كالقصاص وقطع يد السارق وخبر علي مرسل والصحيح فيه أنه كان يضمن الصباغ والصواغ وإن روي مطلقاً حمل على هذا فإن المطلق يحمل على المقيد ولأن الأجير الخاص نائب عن المالك في صرف منافعه إلى ما أمره به فلم يضمن من غير تعد كالوكيل والمضارب. فأما ما لف بتعديه فعليه ضمانه مثل الخباز الذي يسرف في الوقود أو يلزقه قبل وقته أو يتركه بعد وقته حتى يحترق لأنه تلف بتعديه فضمن كغير الأجير (فصل) وإن استأجر الأجير المشترك أجيراً خاصا كالخياط في دكان يستأجر أجيراً مدة يستعمله

مسألة: وموت الصبي المرتضع

فيها فيقبل صاحب الدكان خياطة ثوب ودفعه إلى أجير فخرقه أو أفسده لم يضمنه لأنه أجير خاص ويضمنه صاحب الدكان لأنه أجير مشترك * (مسألة) * (ويضمن الأجير المشترك ما جنت يده من تخريق الثوب وغلطه في تفصيله) قد ذكرنا أن الأجير المشترك هو الصانع الذي لا يختص المستأجر بنفعه فيضمن ما جنت يده كالحائك إذا أفسد حياكته فهو ضامن لما أفسد نص عليه أحمد في رواية ابن منصور والقصار ضامن لما يتخرق من دقه أو مده أو عصره أو بسطه والطباخ ضامن لما أفسد من طبيخه والخباز ضامن لما أفسد من خبزه والحمال يضمن لما يسقط من حمله عن دابته أو تلف من عثرته والجمال يضمن ما تلف بقود وسوقه وانقطاع حبله الذي يشد به حمله والملاح يضمن ما تلف من مده أو جذفه أو ما يعالج به السفينة، روى ذلك عن عمر وعلي وعبد الله بن عتبة وشريح والحسن والحكم، وهو قول أبي حنيفة ومالك وأحد قولي الشافعي وقال في الآخر لا يضمن ما لم بتعد قال الربيع هذا مذهب الشافعي وإن لم يبح به يروي ذلك عن عطاء وطاوس وزفر ولأنها عين مقبوضة بعقد الإجارة فلم تصر مضمونة كالعين المستأجرة ولنا ما روى جعفر بن محمد عن أبيه عن على أنه كان يضمن الصباغ والصواغ وقال لا يصلح الناس إلا على ذلك وروى الشافعي باسناده عن علي أنه كان يضمن الأجراء ويقول لا يصلح الناس إلا هذا

مسألة: وموت الراكب إذا لم يكن له من يقوم مقامه في استيفاء المنفعة

ولأن عمل الأجير المشترك مضمون عليه فما تولد منه يجب أن يكون مضموناً كالعدوان بقطع عضو بخلاف الأجير الخاص والدليل على ان عمله مضمون عليه أنه لا يستحق العوض إلا بالعمل وأن الثوب لو تلف في حرزه بعد عمله لم يكن له أجر فيما عمل فيه وكان ذهاب عمله. من ضمانه بخلاف الخاص فإنه إذا أمكن المستأجر من استعماله استحق العوض بمضي المدة وإن لم يعمل وما عمل فيه من شئ فتلف من حرزه لم يسقط أجره بتلفه (فصل) ذكر القاضي أن الأجير المشترك إنما يضمن إذا كان يعمل في ملك نفسه كالخباز يخبز في تنوره والقصار والخياط في دكانيهما قال ولو دعا الرجل خبازا فخبز له في داره أو خياطاً أو قصارا ليقصر ويخيط عنده لا ضمان عليه فيما أتلف ما لم يفرط لأنه سلم نفسه إلى المستأجر فصار كالأجير الخاص ولو كان صاحب المتاع مع الملاح في السفينة أو راكبا على الدابة فوق حمله فعطب الحمل لا ضمان على الملاح والمكاري لأن يد صاحب المتاع لم تزل، ولو كان رب المتاع والجمال راكبين على الحمل فتلف حمله لم يضمن الجمال لأن رب المتاع لم يسلمه إليه ومذهب مالك والشافعي نحو هذا قال أصحاب الشافعي لو كان العمل في دكان الأجير والمستأجر حاضر أو اكتراه ليعمل له شيئا وهو معه لم يضمن لأن يده عليه فلم يضمن من غير جناية ويجب له أجر عمله لأن يده عليه فكلما عمل شيئاً صار مسلماً إليه، وظاهر كلام الخرقي أنه لا فرق بين كونه في ملك نفسه أو ملك مستأجره أو كان صاحب العمل

مسألة: وانقلاع الضرس الذي اكترى لقلعه أو برؤه

حاضراً عنده أو غائباً أو كونه مع الملاح أو الجمال أو لا ولذلك قال ابن عقيل ما تلف بجناية الملاح بجذفه أو بجناية المكاري بشده المتاع ونحوه فهو مضمون عليه سواء كان صاحب المتاع معه أو لم يكن لأن وجوب الضمان عليه لجناية يده فلا فرق بين حضور المالك وغيبته كالعدوان، ولأن جناية الجمال والملاح إذا كان صاحب المتاع راكباً معه تعم المتاع وصاحبه وتفريطه يعمهما فلم يسقط ذلك الضمان كما لو رمى انسانا متترسا فكسر ترسه وقتله، ولأن الطبيب والختان إذا جنت يداهما ضمنا مع حضور المطبب والمختون، وقد ذكر القاضي أنه لو كان حمالا يحمل على رأسه ورب المتاع معه فعثر فسقط المتاع فتلف ضمن وإن سرق لم يضمن لأنه في العثار تلف بجنايته والسرقة ليست من جنايته ورب المال لم يحل بينه وبينه وهذا يقتضي أن تلفه بجنايته مضمون عليه سواء حضر رب الما أو غاب بل وجوب الضمان في محل النزاع أولى لأن الفعل في ذلك المكان مقصود لفاعله والسقطة من الحمال غير مقصودة له فإذا وجب الضمان ههنا فثم أولى (فصل) وذكر القاضي أنه إذا كان المستأجر على حمله عبيداً صغاراً أو كباراً فلا ضمان على المكاري فيما تلف من سوقه وقوده إذ لا يضمن بني آدم من جهة الإجارة لأنه عقد على منفعة، والاولى وجوب الضمان لأن الضمان ههنا من جهة الجناية فوجب أن يعم بني آدم وغيرهم كسائر الحيوانات وما ذكره ينتقض بجناية الطبيب والخاتن

* (مسألة) * (ولا ضمان عليه فيما تلف من حرزه أو بغير فعله ولا أجرة له فيما عمل فيه وعنه يضمن) اختلفت الرواية عن أحمد في الأجير المشترك إذا تلفت العين من حرزه من غير تعد منه ولا تفريط فروي عنه لا يضمن في رواية ابن منصور وهو قول طاوس وعطئ وأبي حنيفة وزفر وقول للشافعي، وروى عن أحمد أن كان هلاكه بما يستطاع ضمنه وإن كان غرقاً أو عدواً غالبا فلا ضمان عليه قال أحمد في رواية أبي طالب إذا جنت يده أو ضاع من بين متاعه ضمنه وإن كان عدواً أو غرقا فلا ضمان ونحو هذا قال أبو يوسف، والصحيح في المذهب الأول وهذه الرواية تحتمل أنه إنما أوجب عليه الضمان إذا تلف من بين متاعه خاصة لأنه يتهم ولهذا قال في الوديعة في رواية أنه يضمن إذا ذهبت من بين ماله فأما في غير ذلك فلا ضمان عليه لأن تخصيصه التضمين بما إذا أتلف من بين ماله يدل على أنه لا يضمن إذا تلف مع متاعه، ولأنه إذا لم يكن منه تفريط ولا عدوان لم يجب عليه الضمان كما لو تلف بأمر غالب، وقال مالك وابن أبي ليلى يضمن بكل حال لقول النبي صلى الله عليه وسلم " على اليد ما أخذت حتى تؤديه " ولأنه قبض العين لمنفعة نفسه من غير استحقاق فلزمه ضمانها كالمستعير ولنا أنها عين مقبوضة بعقد الإجارة لم يتلفها بفعله فلم يضمنها كالعين المستأجرة ولأنه قبضها بإذن مالكها لنفع يعود إليهما فلم يضمنها كالمضارب والشريك والمستأجر ويخالف العارية فإنه ينفرد بنفعها والخبر مخصوص بما ذكرنا من الأصول فنخص محل النزاع بالقياس عليها. إذا ثبت هذا

مسألة: ولا تنفسخ بموت المكتري أو المكري

فإنه لا أجر له فيما عمل فيها لأنه لم يسلم عمله إلى المستأجر فلم يستحق عوضه كالمبيع من الطعام إذا تلف في يد البائع قبل تسليمه * (مسألة) * (ولا ضمان على حجام ولا ختان ولا نزاع ولا طبيب إذا علم منهم حذق ولم تجن أيديهم) وجملة ذلك أن هؤلاء إذا فعلوا ما أمروا به لم يضمنوا بشرطين (أحدهما) أن يكونوا ذوي حذق في صناعتهم لأنه إذا لم يكن كذلك لم تحل له مباشرة القطع فإذا قطع مع هذا كان فعلاً محرماً فضمن سرايته كالقطع ابتداء، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " من تطبب بغير علم فهو ضامن " رواه أبو داود (والثاني) أن لا تجني أيديهم فيتجاوزوا ما ينبغي أن يقطع. فإذا وجد هذان الشرطان لم يضمنوا لأنهم قطعوا قطعاً مأذوناً فيه فلم يضمنوا سرايته كقطع الإمام يد السارق، فأما إن كان حاذقاً وجنت يده مثل أن يجاوز قطع الختان إلى الحشفة أو الى بعضها أو يقطع في غير محل القطع أو قطع سلعة من إنسان فتجاوز بها موضع القطع أو يقطع بآلة كالة يكثر ألمها أو في وقت لا يصلح القطع فيه وأشباه هذا ضمن فيه كله لأنه إتلاف لا يختلف ضمانه بالعمد والخطأ فأشبه إتلاف المال ولأنه فعل محرم فيضمن سرايته كالقطع ابتداءً، وكذلك الحكم في النزاع والقاطع في القصاص وقاطع يد السارق وهذا مذهب الشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه خلافاً (فصل) فإن ختن صبياً بغير إذن وليه أو قطع سلعة من إنسان بغير إذنه أو من صبي بغير

مسألة: ولا تنفسخ بعذر لأحدهما مثل أن يكتري للحج فتضيع نفقته أو دكانا فيحترق متاعه

إذن وليه فسرت جنايته ضمن لأنه قطع غير مأذون فيه وان فعل ذلك الحاكم أو وليه أو فعله من أذنا له لم يضمن لأنه مأذون فيه شرعاً * (مسألة) * (ولا ضمان على الراعي إذا لم يتعد) يصح استئجار الراعي بغير خلاف علمناه وقد أجر موسى عليه السلام نفسه لرعاية الغنم. إذا ثبت ذلك فإنه لا يضمن ما تلف من الماشية إذا لم يتعد أو يفرط في حفظها لا نعلم فيه خلافاً إلا ما روي عن الشعبي أنه كان يضمن الراعي ولنا أنه مؤتمن على حفظها فلم يضمن من غير تعد ولا تفريط كالمودع ولأنه قبض العين بحكم الإجارة فلم يضمنها من غير تعد كالعين المستأجرة، فأما ما تلف بتعديه فيضمنه بغير خلاف مثل أن ينام عن الماشية أو يغفل عنها أو يتركها تتباعد عنه أو تغيب عن نظره وحفظه أو يسرف في ضربها أو يضربها في غير موضع الضرب أو من غير حاجة إليه أو يسلك بها موضعاً تتعرض فيه للتلف وأشباه هذا مما يعد تفريطا وتعديا فتتلف به فيضمنها لأنها تلفت بعدوانه فضمنها كالمودع إذا تعدى، فإن اختلفا في التعدي وعدمه فالقول قول الراعي لأنه أمين وإن فعل فعلا اختلفا في كونه تعدياً رجع الى أهل الخبرة، ولو جاء بجلد شاة وقال ماتت قبل قوله ولم يضمن وعن أحمد أنه لا يقبل قوله ويضمن والصحيح الأول لأن الأمناء يقبل قولهم كالمودع، ولأنه يتعذر عليه إقامة البينة في الغالب أشبه المودع وكذلك إذا ادعى موتها ولم يأت بجلدها

مسألة: وإن غصبت العين خير المستأجر بين الفسخ والإمضاء ومطالبة الغاصب بأجرة المثل

(فصل) ولا يصح العقد في الرعي إلا على مدة معلومة لأن العمل لا ينحصر، ويجوز العقد على رعي ماشية معينة وعلى جنس في الذمة فإن عقد على معينة كمائة شاة معينة فذكر أصحابنا أنه يتعلق بأعيانها كما لو استأجره لخياطة ثوب بعينه فلا يجوز إبداله، ويبطل العقد بتلفها فإن تلف بعضها بطل العقد فيه وله أجر ما بقي بالحصة، وإن ولدت لم يكن عليه رعي سخالها لأنها زيادة لا يتناولها العقد ويحتمل أن لا يتعلق بأعيانها لأنها ليست المعقود عليها إنما لتستوفى المنفعة بها فأشبه ما لو استأجر ظهراً ليركبه فله أن يركب غيره مكانه، ولو استأجر دارا ليسكنها فله أن يسكنها مثله وإنما المعقود عليه منفعة الراعي ولهذا تجب له الأجرة إذا سلم نفسه وإن لم يرع، ويفارق الثوب في الخياطة لأن الثياب في مظنة الاختلاف في سهولة خياطتها ومشقتها بخلاف الرعي. فعلى هذا له إبدالها بمثلها وإن تلف بعضها لم ينفسخ العقد فيه وكان له إبداله. (فصل) فإن وقع العقد على موصوف في الذمة فلابد من ذكر جنس الحيوان ونوعه إبلا أو بقراً أو غنما أو ضأنا أو معزاً وإن أطلق ذكر البقر والإبل لم يتناول الجواميس والبخاتي لأن إطلاق الاسم لا يتناولها عرفا إلا أن يقع العقد في مكان يتناولها الاسم فيحتاج إلى ذكر نوع ما يرعاه منها كالغنم لأن كل نوع له أثر في إتعاب الراعي ويذكر الكبر والصغر فيقول كباراً او صغاراً أو عجاجيل أو فصلانا إلا أن يكون ثم قرينة أو عرف صارف إلى بعضها فيكتفي بذلك، ومتى عقد على عدد موصرف كالمائة لم يجب عليه رعي زيادة من سخالها ولا من غيرها، وإن أطلق ولم يذكر

مسألة: ومن استؤجر لعمل شيء فمرض أقيم مقامه من يعمله والأجرة عليه

عدداً لم يجز وهذا ظاهر مذهب الشافعي، وقال القاضي يصح ويحمل على ما جرت به العادة كالمائة من الغنم ونحوها، وهو قول بعض أصحاب الشافعي، والأول أصح لأن العادة في ذلك تختلف وتتباين كثيراً والعمل يختلف باختلافه * (مسألة) * (وإذا حبس الصانع الثوب على أجرته فتلف ضمنه) لأنه لم يرهنه عنده ولا أذن له في إمساكه فلزمه الضمان كالغاصب * (مسألة) * (فإن أتلف الثوب بعد عمله خير المالك بين تضمينه إياه غير معمول ولا أجرة له وبين تضمينه إياه معمولا ويدفع إليه الأجرة) وكذلك لو وجب عليه ضمان المتاع المحمول فصاحبه مخير بين تضمينه قيمته في الموضع الذي سلمه إليه ولا أجرة له، وبين تضمينه إياه في الموضع الذي أفسده ويعطيه الأجرة إلى ذلك المكان، وإنما كان كذلك لأنه إذا أحب تضمينه معمولا أو في المكان الذي أفسده فيه فله ذلك لأنه ملكه في ذلك الموضع على تلك الصفة فملك المطالبة بعوضه حينئذ، وإن أحب تضمينه قبل ذلك فلأن أجر العمل لا يلزمه قبل تسليمه وما سلم إليه فلا يلزمه (فصل) إذا أخطأ القصار فدفع الثوب إلى غير مالكه فعليه ضمانه لأنه فوته على مالكه قال أحمد يغرم القصار ولا يسع المدفوع إليه لبسه إذا علم أنه ليس بثوبه ويرده إلى القصار ويطالبه بثوبه فإن لم

مسألة: وإن وجد العين معيبة فله الفسخ

يعلم القابض حتى قطعه ولبسه ثم علم رده مقطوعا وضمن أرش القطع وله مطالبته بثوبه إن كان موجوداً وإن هلك عند القصار ضمنه في إحدى الروايتين لأنه أمسكه بغير إذن صاحبه بعد طلبه فضمنه كما لو علم (والثانية) لا يضمنه لأنه لا يمكنه رده فأشبه ما لو عجز عن دفعه لمرض (فصل) والعين المستأجرة أمانة في يد المستأجر إن تلفت بغير تفريط لم يضمنها قال الأثرم سمعت أبا عبد الله يسئل عن الذين يكرون الخيمة إلى مكة فتذهب من المكتري بسرق هل يضمن قال أرجو أن لا يضمن وكيف يضمن؟ إذا ذهب لا يضمن ولا نعلم في هذا خلافاً لأنه قبض العين لاستيفاء منفعة يستحقها منها فكانت أمانة كما لو قبض لعبد الموصى له بخدمته سنة أو قبض الزوج امرأته الأمة ويخالف العارية فانه لا يستحق منفعتها وإذا انقضت المدة فعليه رفع يده عنها وليس عليه الرد أومأ إليه في رواية ابن منصور قيل له إذا اكترى دابة أو استعار أو استودع فليس عليه أن يحملها فقال أحمد من استعار شيئا فعليه رده من حيث أخذه فأوجب الرد في العارية ولم يوجبه في الإجارة والوديعة ووجه ذلك أنه عقد لا يقتضي الضمان فلا يقتضي رده ومؤنته كالوديعة بخلاف العارية فإن ضمانها يجب فكذلك ردها. وعلى هذا متى انقضت المدة كانت العين في يده أمانة كالوديعة إن تلفت من غير تفريط فلا ضمان عليه وهو قول بعض الشافعية، وقال بعضهم يضمن لأنه بعد انقضاء الإجارة غير مأذون له في إمساكه أشبه العارية المؤقتة بعد وقتها

مسألة: وإن قال: أذنت لي في تفصيله قباء قال: بل قميصا فالقول قول الخياط نص عليه

ولنا أنها أمانة أشبهت الوديعة ولأنه لو وجب ضمانها لوجب ردها، أما العارية فإنها مضمونة بكل حال بخلاف مسئلتنا ولأنه يجب ردها ومتى طلبها صاحبها وجب تسليمها إليه فإن امتنع من ذلك لغير عذر صارت مضمونة كالمغصوبة (فصل) فإن شرط المؤجر على المستأجر ضمان العين فالشرط فاسد لأنه ينافي مقتضى العقد وتفسد به الإجارة في أحد الوجهين بناء على الشروط الفاسدة في البيع قال أحمد فيما إذا اشترط ضمان العين الكراء والضمان مكروه، روى الأثرم بإسناده عن ابن عمر قال لا يصلح الكراء بالضمان، وعن فقهاء المدينة أنهم كانوا يقولون لا يكري بضمان إلا أنه من شرط على كري ألا ينزل بمتاعه بطن واد ولا يسير به ليلا مع أشباه هذه الشروط فتعدى ذلك فتلف شئ مما حمل في ذلك التعدي فهو ضامن فأما غير ذلك فلا يصح شرط الضمان فيه، وإن شرطه لم يصح لأن ما لا يجب ضمانه لا يصير مضموناً بالشرط وعن أحمد أنه سئل عن ذلك فقال: المسلمون على شروطهم وهذا يدل على وجوب الضمان بشرطه وسنذكر ذلك في العارية فأما إن أكراه عينا وشرط أن لا يسير بها في الليل أو وقت القائلة أو لا يتأخر بها عن القافلة أو لا يجعل سيره في آخرها وأشباه هذا مما فيه غرض مخالف ضمن لأنه متعد لشرط كريه فضمن ما تلف به كما لو شرط عليه ألا يحمل إلا قفيزاً فحمل قفيزين، وحكم الإجارة الفاسدة حكم الصحيحة في أنه لا يضمن إذا تلفت العين من غير تفريط ولا تعد لأنه عقد لا يقتضي

الضمان صحيحه فلا يقتضيه فاسده كالوكالة وحكم كل عقد فاسد في وجوب الضمان وعدمه حكم صحيحه فما وجب الضمان في صحيحه وجب في فاسده ومالا فلا * (مسألة) * (إذا ضرب المستأجر الدابة بقدر العادة أو كبحها أو الرائض الدابة لم يضمن) وجملة ذلك أن للمستأجر ضرب الدابة بما جرت به العادة ويكبحها باللجام للاستصلاح ويحثها على السير ليلحق القافلة فقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم نخس بعير جار وضربه وكان ابو بكر رضي الله عنه يحرش بعيره بمحجنه، وللرائض ضرب الدابة للتأدب وترتيب المشي والعد واليسير * (مسألة) * (وكذلك المعلم إذا ضرب الصبي للتأديب) قال الأثرم سئل أحمد عن ضرب المعلم الصبيان قال على قدر ذنوبهم ويتوقى بجهده الضرب، وإذا كان صغيراً لا يعقل فلا يضربه ومتى ضرب من هؤلاء كلهم الضرب المأذون فيه لم يضمن ما تلف في الدابة وبهذا قال مالك والشافعي واسحاق وأبو ثور وأبو يوسف ومحمد، وقال الثوري وأبو حنيفة يضمن لأنه تلف بجنايته فضمن كغير المستأجر، وكذلك قال الشافعي في المعلم يضرب الصبي لأنه يمكنه تأديبه بغير الضرب ولنا أنه تلف من فعل مستحق فلم يضمن كما لو تلف تحت الحمل ولأن الضرب معنى تضمنه الإجارة فإذا تلف منه لم يضمن كالركوب وفارق غير المستأجر لأنه متعد، وقول الشافعي يمكن التأديب بغير

الضرب لا يصح فإن العادة خلافه ولو أمكن التأديب بغير الضرب لما جاز الضرب إذ فيه إيلام لا حاجة إليه فإن أسرف في هذا كله أو زاد على ما يحصل الغنى به أو ضرب من لا عقل له من الصبيان فعليه الضمان لأنه متعد حصل التلف بعدوانه، وحكم ضرب الرجل امرأته في النشوز على ما ذكرنا قياسا على الصبي * (مسألة) * (وإن قال أذنت لي في تفصيله قباء قال بل قميصا فالقول قول الخياط نص عليه) إذا اختلف المؤجر والمستأجر فقال أذنت لي في قطعه قميص امرأة قال أذنت لك في قطعه قميص رجل أو قال أذنت لي في قطعه قميصا قال بل قباء أو قال الصباغ أمرتني بصبغه أحمر قال بل أسود فالقول قول الخياط والصباغ نص عليه أحمد في رواية ابن منصور وهذا قول ابن أبي ليلى وقال مالك وابو حنيفة وابو ثور القول قول صاحب الثوب واختلف أصحاب الشافعي فمنهم من قال له قولان كالمذهبين ومنهم من قال له قول ثالث إنهما يتحالفان كالمتبايعين يختلفان في الثمن ومنهم من قال الصحيح أن القول قول رب الثوب لأنهما اختلفا في صفة إذنه والقول قوله في أصل الإذن فكذلك في صفته ولأن الأصل عدم الإذن المختلف فيه فالقول قول من ينفيه ولنا أنهما اتفقا على الإذن واختلفا في صفته فكان القول قول المأذون له كالمضارب إذا قال: أذنت لي في البيع نساء فأنكره ولأنهما اتفقا على ملك الخياط القطع والصباغ الصبغ والظاهر أنه فعل ما ملكه واختلفا في لزوم الغرم له والأصل عدمه فعلى هذا يحلف الخياط والصباغ: لقد أذنت لي

في قطعه قباء وصبغه أحمر، ويسقط عنه الغرم ويستحق أجر المثل لأنه ثبت وجود فعله المأذون فيه بعوض ولا يستحق المسمى لأن المسمى ثبت بقوله ودعواه فلا يجب بيمينه، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لو يعطى الناس بدعواهم لادعى قوم دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه " أخرجه مسلم فأما المسمى في العقد فإنما يعترف رب الثوب بتسميته أجرا لقطعه قميصا أو صبغه أسود، وأما من قال القول قول رب الثوب فإنه يحلف بالله ما أذنت في قطعه قباء ولا صبغه أحمر ويسقط عنه المسمى ولا يجب للخياط والصباغ أجر لأنهما فعلا غير ما أذن لهما فيه، وذكر ابن أبي موسى رواية أخرى عن أحمد أن صاحب الثوب إذا لم يكن ممن يلبس الأقبية والسواد فالقول قوله وعلى الصانع غرم ما نقص بالقطع وضمان ما أفسد ولا أجر له لأن قرينة حال رب الثوب تدل على صدقه فترجح دعواه بها كما لو اختلف الزوجان في متاع البيت رجحنا دعوى كل واحد منهما فيما يصلح له ولو اختلف صانعان في الآلة التي في دكانهما رجحنا قول كل واحد منهما في آلة صناعته فعلى هذا يحلف رب الثوب ما أذنت لك في قطعه قباء ويكفي هذا لأنه ينتفي به الإذن فيصير قاطعا لغير ما أذن فيه فإذا كان القباء مخيطا بخيوط لمالكه لم يملك الخياط فتقه وكان لمالكه أخذه مخيطا بلا عوض لأنه عمل في ملك غيره عملا مجرداً عن عين مملوكة له فلم يكن له إزالته كما لو نقل ملك غيره من موضع إلى موضع لم يكن له رده إذا رضي صاحبه بتركه فيه وإن كانت الخيوط للخياط فله نزعها لأنها عين ماله ولا يلزمه

أخذ قيمتها لأنها ملكه ولا يتلف بأخذها ماله حرمة فإن اتفقا على تعويضه عنها جاز لأن الحق لهما وإن قال رب الثوب أنا أشد في كل خيط خيطا حتى إذا سلمه عاد خيط رب الثوب في مكانه لم يلزم الخياط الإجابة إلى ذلك لأنه انتفاع بملكه وحكم الصباغ في قلع الصبغ إن اختاره وفي غير ذلك من أحكامه حكم صبغ الصباغ على ما يأتي في بابه قال شيخنا " والذي يقوى عندي أن القول قول رب الثوب لما ذكرنا في دليلهم وما قاسوا عليه فيما إذا قال المضارب أذنت لي في البيع نساء فأنكر رب المال أن القول قول المشارب ممنوع (فصل) إذا دفع إلى خياط ثوبا فقال: إن كان يقطع قميصا فاقطعه، فقال: هو يقطع وقطعه، فلم يكف ضمنه، أو قال انظر هذا يكفيني قميصا؟ قال نعم، قال اقطعه فقطعه فلم يكفه، لم يضمن وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي، وقال أبو ثور لا ضمان عليه في المسئلتين لأنه لو كان غره في الأولى لكان قد غره في الثانية. ولنا أنه إنما أذن له في الأولى بشرط كفايته فقطعه بدون شرطه، وفي الثانية أذن له من غير شرط فافترقا ولم يجب عليه الضمان في الأولى لتغريره بل لعدم الإذن في قطعه لأن إذنه مقيد بشرط كفايته فلا يكون إذناً في غير ما وجد فيه الشرط بخلاف الثانية. (فصل) فإن أمره أن يقطع الثوب قميص رجل فقطعه قميص امرأة فعليه غرم ما بين قيمته صحيحا

ومقطوعا لأن هذا قطع غير مأذون فيه فأشبه ما لو قطعه من غير إذن وقيل يغرم ما بين قميص رجل وقميص امرأة لأنه مأذون في قميص في الجملة والأول أصح لأن المأذون فيه قميص موصوف بصفة فإذا قطع قميصا غيره لم يكن فاعلا لما أذن فيه فكان متعديا بابتداء القطع ولذلك لا يستحق على القطع أجراً ولو فعل ما أمر به لاستحق أجره (فصل) إذا دفع إلى حائك غزلا فقال انسجه لي عشرة أذرع في عرض ذراع فنسجه زائداً على ما قدر له في الطول والعرض فلا أجر له في الزيادة لأنه غير مأمور بها وعليه ضمان ما نقص الغزل المنسوج فيها فأما ما عدا الزائد فينظر فيه فإن كان جاءه زائدا في الطول وحده ولم ينقص الأصل بالزيادة فله ما سمى له من الأجر كما لو استأجره أن يضرب له مائة لبنة فضرب له مائتين وإن جاء به زائداً في العرض وحده أو فيهما ففيه وجهان (أحدهما) لا أجر له لأنه مخالف لأمر المستأجر فلم يستحق شيئاً كما لو استأجره على بناء حائط عرض ذراع فبناه عرض ذراعين (والثاني) له المسمى لأنه زاد على ما أمره به فأشبه زيادة الطول ومن قال بالوجه الأول فرق بين الطول والعرض بأنه يمكن قطع الزائد في الطول ويبقى الثوب على ما أراد ولا يمكن ذلك في العرض فأما إن جاء به ناقصاً في الطول والعرض أو في أحدهما ففيه أيضاً وجهان (أحدهما) لا أجر له وعليه ضمان نقص الغزل لأنه مخالف لما أمر به فأشبه ما لو استأجره على بناء حائط عرض ذراع فبناه عرض نصف ذراع (والثاني) له بحصته

مسألة: ويضمن الأجير المشترك ما جنت يده من تخريق الثوب وغلطه في تفصيله

من المسمى كمن استؤجر على ضرب لبن فضرب بعضه ويحتمل أنه إن جاء به ناقصاً في العرض فلا شئ له وإن كان ناقصاً في الطول فله بحصته من المسمى لما ذكرنا من الفرق بين الطول والعرض وإن جاء به زائداً في أحدهما ناقصاً في الآخر فلا أجر له في الزائد وهو في الناقص على ما ذكرنا من التفصيل فيه. وقال محمد بن الحسن في الموضعين يتخير صاحب الثوب بين دفع الثوب إلى النساج ومطالبته بثمن غزله وبين أن يأخذه ويدفع إليه المسمى في الزائد وبحصة المنسوج في الناقص لأن غرضه لم يسلم له لأنه ينتفع بالطويل ما لا ينتفع بالقصير وينتفع بالقصير ما لا ينتفع بالطويل فكأنه أتلف عليه غزله ولنا أنه وجد عين ماله فلم يكن له مطالبته بعوض كما لو جاء به زائدا في الطول وحده فأما إن أثرت الزيادة أو النقص في الأصل مثل أن يأمره بنسج عشرة أذرع ليكون الثوب صفيقا فنسجه خمسة عشر فصار خفيفا أو بالعكس فلا أجر له بحال وعليه ضمان نسج الغرل لأنه لم يأت بشئ مما أمر به (فصل) إذا اختلف المتكاريان في قدر الأجر فقال أجرتنيها سنة بدينار قال بل بدينارين تخالفا ويبدأ بيمين الآجر نص عليه أحمد وهو قول الشافعي لأن الإجارة نوع من البيع فإذا تحالفا قبل مضي شئ من المدة فسخا العقد ورجع كل واحد منهما في ماله وإن رضي أحدهما بما حلف عليه الآخر أقر العقد وإن فسخا العقد بعد المدة أو شئ منها سقط المسمى ووجب أجر المثل كما لو اختلفا في المبيع

بعد تلفه وهذا قول الشافعي وبه قال أبو حنيفة إن لم يكن عمل العمل وإن كان عمله فالقول قول المستأجر فيما بينا وبين أجر مثله، وقال أبو ثور القول قول المستأجر لأنه منكر للزيادة في الاحر والقول قول المنكر ولنا أن الإجارة نوع من البيع فيتحالفان عند اختلافهما في عرضها كالبيع وكما قبل أن يعمل العمل عند أبي حنيفة، وقال ابن أبي موسى القول قول المالك لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا اختلفا المتبايعان فالقول ما قال البائع " وهذا يحتمل أن يتناول ما إذا اختلفا في المدة وأما إذا اختلفا في العوض فالصحيح أنهما يتحالفان لما ذكرناه (فصل) فإن اختلفا في المدة فقال أجرتكها سنة بدينار فقال بل سنتين بدينارين فالقول قول المالك لأنه منكر للزيادة فكان القول قوله فيما أنكره كما لو قال بعتك هذا العبد بمائة فقال بل هذين العبدين بمائتين، وإن قال أجرتكها سنة بدينار فقال بل سنتين بدينار فههنا قد اختلفا في قدر العوض والمدة فيتحالفان لأنه لم يوجد الاتفاق منهما على مدة بعوض فصار كما لو اختلفا في العوض مع اتفاق المدة وإن قال المالك أجرتكها سنة بدينار فقال الساكن بل استأجرتني على حفظها بدينار، فقال أحمد القول قول رب الدار إلا أن تكون للساكن بينة وذلك لأن سكنى الدار قد وجد من الساكن واستيفاء منفعتها وهي ملك صاحبها والقول قوله في ملكه والأصل عدم استئجاره للساكن في الحفظ فكان القول قول من ينفيه ويجب على الساكن أجر المثل

(فصل) فإن اختلفا في التعدي في العين المستأجرة فالقول قول المستأجر لأنه أمين فأشبه المودع ولأن الأصل عدم العدوان والبراءة من الضمان وإن ادعى أن العبد أبق من يده وأن الدابة شردت أو نفقت وأنكر المؤجر فالقول قول المستأجر لما ذكرنا ولا أجر عليه إذا حلف أنه ما انتفع بها لأن الأصل عدم الانتفاع وعنه القول قول المؤجر لأن الأصل السلامة فأما إن ادعى أن العبد مرض في يده فإن جاء به صحيحاً فالقول قول المالك سواء وافقه العبد أو خالفه نص عليه أحمد وإن جاء به مريضاً فالقول قول المستأجر وهذا قول أبي حنيفة لأنه إذا جاء به صحيحا فقد ادعى ما يخالف الأصل وليس معه دليل عليه وإن جاء به مريضا فقد وجد ما يخالف الأصل يقينا فكان القول قوله في مدة المرض لأنه أعلم بذلك لكونه في يده وكذلك لو ادعى إباقه في حال إباقه ونقل إسحاق بن منصور عن أحمد أنه يقبل قوله في إباق العبد دون مرضه، وبه قال الثوري واسحاق قال أبو بكر وبالأول أقول لأنهما سواء في تفويت منفعته فكانا سواء في دعوى ذلك وإن هلكت العين فاختلفا في وقت هلاكها أو أبق العبد أو مرض واختلفا في وقت ذلك فالقول قول المستأجر لأن الأصل عدم العمل ولأن ذلك حصل في يده وهو أعلم به * (فصل) * قال المصنف رحمه الله (وتجب الأجرة بنفس العقد إلا أن يتفقا على تأخيرها) متى أطلق العقد في الإجارة ملك المؤجر الأجرة بنفس العقد كما يملك البائع الثمن بالبيع

مسألة: ولا ضمان عليه فيما تلف من حرزه أو بغير فعله ولا أجرة له فيما عمل فيه وعنه يضمن

وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا يملكها ولا يستحق المطالبة بها إلا يوماً بيوم إلا أن يشترط تعجيلها قال أبو حنيفة إلا أن تكون معينة كالثوب والدار والعبد لأن الله تعالى قال (فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن) أمر بإيتائهن بعد الرضاع وقال النبي صلى الله عليه وسلم " يقول الله عزوجل ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة رجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يوفه أجره " فتوعده على الامتناع من دفع الأجر بعد العمل دل على أنها حالة الوجوب وروي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال " أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه " رواه ابن ماجه ولأنه عوض لم يملك معوضه فلم يجب تسليمه كالعوض في العقد الفاسد فإن المنافع معدومة لم تلك ولو ملكت فلم يتسلمها لأنه يتسلمها شيئا فشيئا فلا يجب عليه العوض مع تعذر التسليم في العقد ولنا أنه عوض أطلق ذكره في عقد معاوضة فيستحق بمطلق العقد كالثمن والصداق أو نقول عوض في عقد يتعجل بالشرط فوجب أن يتعجل بمطلق العقد كالذي ذكرنا فأما الآية فيحتمل أنه أراد الإيتاء عند الشروع في الإرضاع أو تسليم نفسها كقوله تعالى (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله) أي إذا أردت القراءة ولأن هذا تمثيل بدليل الخطاب ولا يقولون به وكذلك الحديث يحققه أن الأمر بالإيتاء في وقت لا يمنع وجوبه قبله كقوله تعالى (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن) والصداق يجب قبل الاستمتاع وهذا هو الجواب عن الحديث ويدل عليه أنه إنما توعد على ترك الإيفاء بعد الفراغ من العمل وقد

مسألة: ولا ضمان على حجام ولا ختان ولا نزاع ولا طبيب إذا علم منهم حذق ولم تجن أيديهم

قلتم يجب الأجر شيئاً فشيئاً ويحتمل أنه توعده على ترك الوفاء في الوقت الذي تتوجه المطالبة فيه عادة جواب آخر أن الآية والأخبار إنما وردت فيمن استؤجر على عمل فأما إن وقعت الإجارة فيه على مدة فلا تعرض لها به * (مسألة) * (ولا يجب تسليم أجرة العمل في الذمة حتى يتسلمه) إذا استؤجر على عمل فإن الأجر يملك بالعقد أيضاً لكن لا يستحق تسليمه إلا عند تسليم العمل وقال ابن أبي موسى من استؤجر لعمل معلوم استحق الأجر عند إيفاء العمل، وإن استؤجر كل يوم بأجر معلوم فله أجر كل يوم عند تمامه، وقال أبو الخطاب الأجر يملك بالعقد ويستحق التسليم ويستقر بمضي المدة وإنما توقف استحقاق تسليمه على العمل لأنه عوض فلا يستحق تسليمه إلا مع تسليم المعوض كالصداق والثمن في البيع وفارق الإجارة على الأعيان لأن تسليمها أجري مجرى تسليم نفعها ومتى كانت على منفعة في الذمة لم يحصل تسليم المنفعة ولا ما يقوم مقامها فتوقف استحقاق تسليم الأجر على تسليم العمل وقولهم لم يملك المنافع قد سبق الجواب عنه فإن قيل فإن المؤجر إذا قبض الأجر انتفع به كله بخلاف المستأجر فإنه لا يحصل له استيفاء المنفعة كلها قلنا لا يمنع هذا كما لو شرط التعجيل وكانت الأجرة عينا فأما إن شرط التأجيل في الأجر فهو على ما شرط وإن شرط منجما يوماً يوماً أو شهراً شهراً فهو على ما شرطاه لأن إجارة العين كبيعها وبيعها يصح بثمن حال ومؤجل كذلك إجارتها، وفيه وجه آخر أن الإجارة على المنفعة في الذمة لا يجوز تأجيل عوضها كالسلم

(فصل) إذا استوفى المستأجر المنافع استقر الأجر لأنه قبض المعقود عليه فاستقر عليه البدل كما لو قبض المبيع وإن تسلم العين المستأجرة ومضت المدة لا مانع له من الانتفاع استقرت الأجرة أيضاً وإن لم ينتفع لأن المعقود عليه تلف تحت يده وهي حقه فاستقر عليه بدلها كثمن المبيع إذا تلف في يد البائع فإن كانت الإجارة على عمل فسلم المعقود عليه ومضت مدة يمكن استيفاء المنفعة فيها مثل أن يكتري دابة ليركبها إلى حمص فقبضها ومضت مدة يمكن ركوبها فيها فقال أصحابنا يستقر عليه الأجر وهو مذهب الشافعي لأن المنافع تلفت تحت يده باختياره فاستقر الضمان عليه كما لو تلفت العين في يد المشتري وكما لو كانت الإجارة على مدة فمضت وقال أبو حنيفة لا يستقر الأجر عليه حتى يستوفي المنفعة لأنه عقد على المنفعة غير مؤقتة بزمن فلم يستقر بدلها قبل استيفائها كالأجر في الأجير المشترك وإن بذل تسليم العين فلم يأخذها المستأجر حتى انقضت المدة استقر الأجر عليه لأن المنافع تلفت باختياره في مدة الإجارة فاستقر عليه الأجر كما لو كانت في يده وإن بذل تسليم العين وكانت الإجارة على عمل فقال أصحابنا إذا مضت مدة يمكن الاستيفاء فيها استقر عليه الأجر وبهذا قال الشافعي لأن المنافع تلفت باختياره وقال أبو حنيفة لا أجر عليه قال شيخنا وهو الصحيح عندي لأنه عقد على ما في الذمة فلم يستقر عوضه ببذل التسليم كالمسلم فيه ولأنه عقد على منفعة غير مؤقتة بزمن فلم يستقر عوضها بالبذل كالصداق إذا بذلت تسليم نفسها وامتنع الزوج من أخذها

مسألة: ولا ضمان على الراعي إذا لم يتعد

* (مسألة) * (وإذا انقضت الإجارة وفي الأرض غراس أو بناء لم يشترط قلعه عند انقضاء الأجل فللمالك أخذه بالقيمة وتركه بالأجرة أو قلعه وضمان نقصه وإن اشترط القلع لزمه ذلك ولا يلزمه تسويق الأرض إلا بشرط) إذا استأجر أرضا للغراس أو للبناء سنة صح لأنه يمكنه تسليم منفعتها المباحة المقصودة فأشبهت سائر المنافع وسواء شرط قلع الغراس والبناء عند انقضاء المدة أو أطلق وله أن يغرس قبل انقضاء المدة فإذا انقضت لم يكن له أن يغرس ولا أن يبني لزوال عقده فإذا انقضت السنة وكان قد شرط القطع عند انقضائها لزمه ذلك وفاء بموجب شرطه وليس على صاحب الأرض غرامة نقصه ولا على المستأجر تسوية الحفر وإصلاح الأرض لأنهما دخلا على هذا لرضاهما بالقلع واشتراطهما عليه وإن اتفقا على إبقائه بأجرة أو غيرها جاز إذا شرطا مدة معلومة وكذلك لو اكترى الأرض سنة بعد سنة كلما انقضى عقد جدد آخر، وإن أطلق العقد فللمكتري القلع لأنه ملكه فله أخذه كطعامه في الدار التي باعها وإذا قلع فعليه تسوية الحفر لأنه نقص دخل على ملك غيره بغير إذنه وهكذا إن قلعه قبل انقضاء المدة هاهنا وفي التي قبلها لأن القلع قبل الوقت لم يأذن فيه المالك ولأنه تصرف في

الأرض تصرفا نقصها لم يقتضه عقد الإجارة وإن أبى القلع لم يجبر عليه إلا أن يضمن له المالك النقص فيخير حينئذ وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة ومالك عليه القلع من غير ضمان النقص له لأن تقدير المدة في الإجارة يقتضي التفريغ عند انقضائها كما لو استأجرها للزرع ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " ليس لعرق ظالم حق " مفهومه أن غير الظالم له حق وهذا غير ظالم ولأنه غرس بإذن المالك ولم يشرط قلعه فلم يجبر على القلع من غير ضمان النقص كما لو استعار منه أرضا للغرس مدة فرجع قبل انقضائها ويخالف الزرع فإنه لا يقتضي التأبيد فإن قيل فإن كان إطلاق العقد في الغراس يقتضي التأبيد فشرط القلع ينافي مقتضى العقد فينبغي أن يفسده قلنا إنما اقتضى التأبيد من حيث إن العادة في الغراس التبقية فإذا أطلقه حمل على العادة وإذا شرط خلافه جاز كما إذا باع بغير نقد البلد أو شرط في الإجارة سيراً يخالف العادة إذا ثبت هذا فإن رب الأرض يخير بين ثلاثة أشياء (أحدها) أن يدفع قيمة الغراس والبناء فيملكه مع أرضه لأن الضرر يزول عنهما به أشبه الشفيع في غراس المشتري (الثاني) أن يقلع الغراس والبناء ويضمن أرش نقصه لذلك (الثالث) أن يقر الغراس والبناء ويأخذ منه أجر المثل، وبهذا قال الشافعي لأن الضرر يزول عنهما بذك وقال

مسألة: وإذا حبس الصانع الثوب على أجرته فتلف ضمنه

مالك يتخير بين دفع قيمته فيملكه وبين مطالبته بالقلع من غير ضمان وبين تركه فيكونان شريكين والأول أصح فإن اتفقا على بيع الغرس والبناء للمالك جاز وإن باعهما صاحبهما لغير مالك الارض جاز ومشتريهما يقوم مقام البائع فيهما وقال أصحاب الشافعي في أحد الوجهين: ليس له بيعهما لغير مالك الأرض لأن ملكه ضعيف بدليل أن لصاحب الأرض تملكه عليه بالقيمة بغير رضاه ولنا أنه ملك له يجوز بيعه لمالك الأرض فجاز لغيره كالشقص المشفوع وبهذا يبطل ما ذكروه فإن للشفيع تملك الشقص بغير رضى المشتري ويجوز بيعه لغيره (فصل) فإن شرط في العقد تبقية الغراس فذكر القاضي أنه صحيح وحكمه حكم ما لو أطلق العقد سواء وهو قول أصحاب الشافعي، ويحتمل أن يبطل العقد لأنه شرط ما ينافي مقتضى العقد فلم يصح كما لو شرط ذلك في الزرع االذي لا يكمل قبل انقضاء المدة ولأن الشرط باطل بدليل أنه لا يجب الوفاء به وهو مؤثر فأبطله كشرط تبقية الزرع بعد مدة الإجارة * (مسألة) * (وإن كان فيها زرع بقاؤه بتفريط المستأجر فللمالك أخذه بالقيمة وتركه بالأجرة وإن كان بغير تفريط لزم تركه بالأجرة)

إذا استأجر أرضا للزراعة مدة فانقضت وفيها زرع لم يبلغ حصاده لم يخل من حالين (أحدهما) أن يكون لتفريط المستأجر مثل أن يزرع زرعاً لم تجر العادة بكماله قبل انقضاء المدة فحكمه حكم زرع الغاصب، يخير المالك بين أخذه بالقيمة أو تركه بالأجرة لما زاد على المدة لأنه أبقى زرعه في أرض غيره بعدوانه وإن اختار المستأجر قطع زرعه في الحال وتفريغ الأرض فله ذلك لأنه يزيل الضرر ويسلم الأرض على الوجه الذي اقتضاه العقد، وذكر القاضي أن على المستأجر نقل الزرع وتفريغ الأرض وإن اتفقا على تركه بعوض أو غيره جاز وهذا مذهب الشافعي بناء على قوله في الغاصب وقياس المذهب ما ذكرناه (الحال الثاني) أن يكون بقاؤه بغير تفريطه مثل أن يزرع زرعاً ينتهي في المدة عادة فأبطأ لبرد أو غيره فيلزم المؤجر تركه بالأجرة إلى أن ينتهي وله المسمى وأجر المثل لما زاد وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشافعي (والوجه الثاني) يلزمه نقله لأن المدة ضربت لنقل الزرع فلزم العمل بموجبه وقد وجه منه تفريط لأنه كان يمكنه أن يستظهر في المدة فلم يفعل ولنا أن الزرع حصل في أرض غيره بإذنه من غير تفريط فله تركه كما لو أعاره أرضاً فزرعها ثم رجع المالك قبل كمال الزرع وقولهم إنه مفرط لا يصح لأن هذه المدة التي جرت العادة بكمال الزرع فيها

وفي زيادة المدة تفويت زيادة الأجر بغير فائدة وتضييع زيادة متيقنة لتحصيل شئ متوهم على خلاف العادة هو التفريط فلم يكن تركه تفريطا ومتى أراد المستأجر زرع شئ لا يدرك مثله في مدة الإجارة فللمالك منعه لأنه سبب لوجود زرعه في أرضه بغير حق، فإن زرع لم يملك مطالبته بقلعه قبل المدة لأنه في أرض يملك نفعها ولأنه لا يملك ذلك بعد المدة فقبلها أولى، ومن أوجب عليه قطعه بعد المدة قال إذا لم يكن بد من المطالبة بالنقل فليكن عند المدة التي يستحق تسليمها إلى المؤجر فارغة (فصل) إذا اكترى الأرض لزرع مدة لا يكمل فيها مثل أن اكترى خمسة أشهر لزرع لا يكمل إلا في ستة نظرنا فإن شرط تفريغها عند انقضاء المدة ونقله عنها صح لأنه لا يفضي إلى الزيادة على مدته وقد يكون له غرض في ذلك لأخذه إياه قصيلا أو غيره ويلزمه ما التزم، وإن أطلق العقد ولم يشرط شيئاً احتمل أن يصح لأن الانتفاع في هذه المدة ممكن واحتمل أنه امكن أن ينتفع بالأرض في زرع ضرره كضرر الزرع المشروط ودونه مثل أن يزرعها شعيراً يأخذه قصيلا صح لأن الانتفاع بها في بعض ما اقتضاه العقد ممكن وإن لم يكن كذلك لم يصح لأنه اكترى للزرع مالا ينتفع بالزرع فيه فأشبه إجارة السبخة له، فإن قلنا يصح فإذا انقضت المدة ففيه وجهان: أحدهما حكمه حكم زرع المستأجر لما لا تكمل مدته لأنه ههنا مفرط واحتمل أن يلزم المكري تركه لأن التفريط منه حيث أكراه مدة لزرع لا يكمل فيها، وإن شرط تبقيته حتى يكمل فالعقد فاسد لأنه جمع بين متضادين فإن تقدير المدة

مسألة: وكذلك المعلم إذا ضرب الصبي للتأديب

يقتضي النقل فيها وشرط التبقية يخالفه ولأن مدة التبقية مجهولة فإن زرع لم يطالب بنقله كالتي تقدمت * (مسألة) * (وإذا تسلم العين بالإجارة الفاسدة فعليه أجرة المثل سكن أو لم يسكن) إذا قبض العين في الإجارة الفاسدة ومضت المدة أو مدة يمكن استيفاء المنفعة فيها أو لا يمكن ففيه روايتان: إحداهما عليه أجرة المثل لمدة بقائها في يده وهذا مذهب الشافعي لأن المنافع تلفت تحت يده بعوض لم يسلم له فرجع إلى قيمتها كما لو استوفاها (والثانية) لا شئ له وهو قول أبي حنيفة لأنه عقد فاسد على منافع لم يستوفها فم يلزمه عوضه كالنكاح الفاسد. فأما إن بذل له التسليم في الإجارة الفاسدة فلم يتسلمها فلا أجر عليه لأن المنافع لم تتلف تحت يده ولا في ملكه، وإن استوفى المنفعة في العقد الفاسد فعليه أحر المثل وبه قال مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة يجب أقل الأمرين من المسمى أو أجر المثل بناء منه على أن المنافع لا تضمن إلا بالعقد. ولنا أن ما ضمن بالمسمى في العقد الصحيح وجب ضمانه بجميع القيمة في الفاسد كالأعيان وما ذكروه غير مسلم * (مسألة) * (إذا اكترى بدراهم وأعطاه عنها دنانير ثم انفسخ العقد رجع المستأجر بالدراهم) لأن العقد إذا انفسخ رجع كل واحد من المتعاقدين في العوض الذي بذله وعوض العقد هو الدراهم فكان الرجوع بها والدنانير إنما أخذها المؤجر بعقد آخر سوى الإجارة ولم ينفسخ فأشبه ما إذا قبض الدراهم ثم صرفها بالدنانير.

باب إحياء الموات وهي الارض الداثرة التي لا يعلم أنها ملكت والموات الأرض الدارسة تسمى ميتة ومواتاً وموتانا بفتح الميم والواو والموتان بضم الميم وسكون الواو الموت الذريع ورحل موتان القلب بفتح الميم وسكون الواو يعني عمي القلب لا يفهم والأصل في إحياء الموات ما روى جابر رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من أحيا أرضاً ميتة فهي له " قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح وروى سعيد ابن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من أحيا أرضاً ميتة فهي له " قال الترمذي هذا حديث حسن وروي مالك في موطئه وأبو داود في سننه عن عائشة مثله قال ابن عبد البر وهو مسند صحيح متلقى بالقبول عند ففهاء المدينة وغيرهم وروى أبو عبيد في الأموال عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من أحيا أرضاً ليست لأحد فهو أحق بها " قال عروة وقضى بذلك عمر بن الخطاب في خلافته وعامة فقهاء الأمصار على أن الموات يملك بالأحياء وإن اختلفوا في شروطه * (مسألة) * (فإن كان فيها آثار الملك ولا يعلم لها مالك ففيه روايتان) وجملة ذلك أن الموات قسمان (أحدهما) ما لم يجر عليه ملك لأحد ولم يوجد فيه أثر عمارة فهذا يملك بالإحياء بغير خلاف بين القائلين بالإحياء لأن الأخبار المروية متناولة له (القسم الثاني) ما جرى

عليه ملك وهو ثلاثة أنواع (أحدهما) ماله مالك معين وهو ضربان (احدهما) ما ملك بشراء أو عطية فهذا لا يملك بالأحياء بغير خلاف قال ابن عبد البر أجمع العلماء أن ما عرف بملك مالك غير منقطع أنه لا يجوز إحياؤه لأحد غير أربابه (الثاني) ما ملك بالإحياء ثم ترك حتى دثر وعاد مواتا فهو كالذي قبله سواء وقال مالك تملك لعموم قوله " من أحيا أرضاً ميتة فهي له " ولأن أصل هذه الأرض مباح فإذا تركت حتى تصير مواتا عادت إلى الإباحة كمن أخذ ماء من نهر ثم رده فيه ولنا أن هذه أرض يعرف مالكها فلم تملك بالأحياء كالتي ملكت بشراء أو عطية والخبر مقيد بغير المملوك بقوله في الرواية الأخرى " من أحيا أرضاً ميتة ليست لأحد " وقوله " من غير حق مسلم " وهذا يوجب تقييد مطلق حديثه وقال هشام بن عروة في تفسير قوله عليه السلام " ليس لعرق ظالم حق " الظالم أن يأتي الرجل الأرض الميتة لغيره فيغرس فيها رواه سعيد بن منصور وفي سننه ثم الحديث مخصوص بما ملك بشراء أو عطية فقيس عليه محل النزاع ولأن سائر الأموال لا يزول الملك عنها بالترك بدليل سائر الأملاك إذا تركت حتى تشعثت وما ذكروه يبطل بالموات إذا أحياه إنسان ثم باعه فتركه المشتري حتى عاد مواتا وباللقطة إذا ملكها ثم ضاعت منه ويخالف ماء النهر فإنه استهلك (النوع الثاني) ما يوجد فيه آثار ملك قديم جاهلي كآثار الروم ومساكن ثمود ونحوهم فهذا يملك بالأحياء في أظهر الروايتين لما ذكرنا من الأحاديث ولأن ذلك الملك لا حرمة له لما روى طاوس عن

النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " عادي الأرض لله ولرسوله ثم هي لكم بعد " رواه سعيد في سننه وأبو عبيد في الأموال وقال عادي الأرض التي كان بها ساكن في آباد الدهر فاقرضوا فلم يبق منهم أنيس وإنما نسبها إلى عاد لأنهم كانوا مع تقدمهم ذوي قوة وبطش وآثار كثيرة فينسب كل أثر قديم إليهم والرواية الثانية لا تملك لأنها إما لمسلم أو ذمي أو بيت المال أشبه ما لو تعين مالكه قال شيخنا ويحتمل أن كل ما فيه أثر الملك ولم يعلم زواله قبل الإسلام أنه لا يملك لأنه يحتمل أن المسلمين أخذوه عامراً فاستحقوه فصار موقوفا بوقف عمر له فلم يملك كما لو علم مالكه (النوع الثالث) ما جرى عليه الملك في الإسلام لمسلم أو ذمي غير معين فظاهر كلام الخرقي أنه لا يملك بالإحياء وهو إحدى الروايتين عن أحمد نقلها عنه أبو داود وأبو الحرث لما روى كثير بن عبد الله بن عوف عن أبيه عن جده قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " من أحيا أرضاً مواتا في غير حق مسلم فهي له " فقيده بكونه في غير حق مسلم ولأن هذه الأرض لها مالك فلم يجز إحياؤها كما لو كان معينا فإن مالكها إن كان له ورثة فهي لهم وإن لم يكن له ورثة ورثه المسلمون (والثانية) أنها تملك بالإحياء نقلها صالح وغيره وهي مذهب أبي حنيفة ومالك لعموم الأخبار ولأنها أرض موات لا حق فيها لقوم بأعيانهم أشبهت ما لم يجر عليه ملك مالك ولأنها إن كانت في دار الإسلام فهي كلقطة دار الإسلام وإن كانت في دار الكفر فهي كالركاز * (مسألة) * (ومن أحيا أرضاً ميتة فهي له للأخبار التي رويناها مسلما كان أو كافراً في دار الإسلام وغيرها)

لعموم الأخبار ولأن عامر دار الحرب إنما يملك بالقهر والغلبة كسائر أموالهم فأما ما عرف أنه كان مملوكاً في دار الحرب ولم يعلم له مالك معين فهو على الروايتين فإن قيل هذا ملك كافر غير محترم فأشبه ديار عاد وقد دل عليه قوله عليه السلام " عادي الأرض لله ولرسوله ثم هي لكم بعد " ولأن الركاز من أموالهم ويملكه واجده فهذا أولى قلنا قوله " عادي الأرض " يعني ما تقدم ملكه ومضت عليه الأزمان وما كان كذلك فلا حكم لمالكه فأما ما قرب ملكه فيحتمل أن له مالكا باقيا وإن لم يتعين فلهذا قلنا لا يملك على إحدى الروايتين وأما الركاز فإنه ينقل ويحول وهذا يخالف الأرض بدليل أن لقطة دار الإسلام تملك بعد التعريف بخلاف الأرض (فصل) ولا فرق بين المسلم والذمي في الإحياء نص عليه أحمد وبه قال أبو حنيفة وقال مالك لا يملك الذمي بالإحياء في دار الإسلام قال القاضي وهذا مذهب جماعة من أصحابنا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " موتان الأرض لله ولرسوله ثم هي لكم مني " فجمع المرتان ثم جعله للمسلمين ولأن موتان الأرض من حقوقها والدار للمسلمين فكان مواتها لهم كمرافق المملوك ولنا عموم قوله عليه السلام " من أحيا أرضاً ميتة فهي له " ولأن هذه جهة من جهات التمليك فاشترك فيها المسلم والذمي كسائر جهاته وحديثهم لا نعرفه إنما نعرف قوله " عادي الأرض لله ورسوله ثم هي لكم بعد ومن أحيا مواتا من الأرض فله رقبتها " هكذا روى سعيد بن منصور وهو مرسل ورواه طاوس

عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم لا يمتنع أن يريد بقوله " هي لكم " أي لأهل دار الإسلام والذي من أهل الدار تجري عليه أحكامها وقولهم إنها من حقوق دار الإسلام قلنا هو من أهل الدار فيملكها كما يملكها بالشراء ولأنه يملك مباحاتها من الحشيش والحطب والصيود والركاز والمعدن واللقطة وهي من مرافق دار الإسلام فكذلك الموات * (مسألة) * (ويملكه بإذن الإمام وغير إذنه) وجملة ذلك أن إحياء الموات لا يفتقر إلى إذن الإمام وبهذا قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة يفتقر إلى إذنه لأن للإمام مدخلا في النظر في ذلك بدليل من تحجر موانا فلم يحيه فإنه يطالبه بالإحياء أو الترك فافتقر إلى إذنه كمال بيت المال ولنا عموم قوله عليه السلام " من أحيا أرضاً ميتة فهي له " ولأن هذه عين مباحة فلا يفتقر تملكها إلى إذن الإمام كأخذ الحشيش والحطب ونظر الإمام في ذلك لا يدل على اعتبار إذنه الا ترى أن من وقف في مشرعة طالبه الإمام أن يأخذ حاجته وينصرف ولم يفتقر ذلك لى إذنه وأما مال بيت المال فهو مملوك للمسلمين وللإمام تعيين مصارفه وترتيبها فافتقر إلى إذنه بخلاف مسئلتا فإن هذا مباح فمن سبق إليه كان أحق الناس به كسائر المباحات * (مسألة) * (إلا ما أحياه مسلم من أرض الكفار التي صولحوا عليها)

وجملة ذلك أن جميع البلاد فيما ذكرنا سواء المفتوح عنوة كأرض الشام والعراق وما أسلم أهله عليه كالمدينة، وما صولح أهله على أن الأرض للمسلمين كأرض خيبر إلا الذي صولح أهله على أن الأرض لهم ولنا الخراج عنها فان أصحابنا قالوا لو دخل إليها مسلم فأحيا فيها مواتا لم يملكه لأنهم صولحوا في بلادهم فلا يجوز التعرض لشئ منها عامراً كان أو مواتا لأن الموات تابع للبلد فإذا لم يملك عليهم البلد لم يملك مواته ويفارق دار الحرب حيث يملك مواتها لأن دار الحرب على أصل الإباحة وهذه صالحناهم على تركها لهم ويحتمل أن يملكها من أحياها لعموم الخبر، ولأنها من مباحات دارهم فجاز أن يملكها من وجد منه سبب تملكها كالحشيش والحطب وقد روي عن أحمد أنه ليس في السواد موات يعني سواد العراق قال القاضي هو محمول على العامر، ويحتمل أن أحمد قال ذلك لكون السواد كان معموراً كله في زمن عمر بن الخطاب حين أخذه المسلمون من الكفار حتى بلغنا أن رجلا سأل أن يعطى خربة فلم يجدوا له خربة فقال أردت أن أعلمكم كيف أخذتموها منا وإذا لم يكن فيها موات حين ملكها المسلمون لم يصر فيها موات بعده لأن ما دثر من أملاك المسلمين لم يصر مواتا على إحدى الروايتين * (مسألة) * (وما قرب من العامر وتعلق بمصالحه لا يملك بالإحياء فإن لم يتعلق بمصالحه فعلى روايتين)

كل ما تعلق بمصالح العامر من طرقه ومسيل مائه ومطرح قمامته ولقى ترابه وآلاته لا يجوز إحياؤه بغير خلاف في المذهب وكذلك ما تعلق بمصالح القرية كفنائها ومرعى ماشيتها ومحتطبها وطرقها ومسيل مائها لا يملك بالأحياء لا نعلم فيه أيضاً خلافا بين أهل العلم وكذلك حريم البئر والنهر والعين وكل مملوك لا يجوز إحياء ما تعلق بمصالح لقوله عليه السلام " من أحيا أرضاً ميتة في غير حق مسلم فهي له " مفهومه أن ما تعلق به حق مسلم لا يملك بالإحياء ولأنه تابع للمملوك ولو جوزنا إحياءه لبطل الملك في العامر على أهله، وذكر القاضي أن هذه المرافق لا يملكها المحيي بالإحياء لكن هو أحق بها من غيره لأن الإحياء الذي هو سبب الملك لم يوجد فيها: وقال الشافعي تملك بذلك وهو ظاهر قول الخرقي في حريم البئر لأنه مكان استحقه بالإحياء فملكه كالمحيي، ولأن معنى الملك موجود فيه لأنه يدخل مع الدار في البيع ويختص به صاحبها، فأما ما قرب من العامر ولم يتعلق بمصالحه فيجوز احياؤ في إحدى الروايتين. قال أحمد في رواية أبي الصقر في رجلين أحييا قطعتين من موات وبقيت بينهما رقعة فجاء رجل ليحييها فليس لهما منعه، وقال في جبانة بين قريتين: من أحياها فهي له وهذا مذهب الشافعي لعموم قوله عليه السلام " من أحيا أرضاً ميتة فهي له " ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع بلال بن الحارث العقيق وهو يعلم أنه من عمارة المدينة، ولأنه موات لم تتعلق به مصلحة العامر فجاز إحياؤه كالبعيد (والثانية) لا يجوز إحياؤه وبه قال أبو حنيفة والليث لأنه في مظنة تعلق المصلحة به فإنه يحتمل

أن يحتاج إلى فتح باب في حائطه إلى فنائه ويجعله طريقا أو يخرب حائطه فيجعل آلات البناء في فنائه وغير ذلك فلم يجز تفويت ذلك عليه بخلاف البعيد. إذا ثبت هذا فإنما يرجع في القريب والبعيد إلى العرف، وقال الليث حده غلوة وهو خمس خمس الفرسخ، وقال أبو حنيفة حد البعيد هو الذي إذا وقف الرجل في أدناه فصاح بأعلى صوته لم يسمع أدنى أهل المصر إليه (والثاني) أن التحديد لا يعرف إلا بالتوقيف ولا يعرف بالرأي والتحكم ولم يرد من الشرع تحديد له فوجب أن يرجع في ذلك إلى العرف كالقبض والإحراز فقول من حدد بهذا تحكم بغير دليل وليس ذلك بأولى من تحديده بشئ آخر كميل أو نصف ميل وهذا التحديد الذي ذكره والله أعلم يختص بما قرب من المصر أو القرية، ولا يجوز أن يكون حداً لكل ما قرب من عامر لأنه يفضي إلى أن من أحيا أرضاً في موات حرم إحياء شئ من ذلك الموات على غيره ما لم يخرج عن ذلك الحد * (مسألة) * (ولا تملك المعادن الظاهرة كالملح والقار، والكحل والجص، والنفظ بالإحياء وليس للإمام اقطاعه) وجملة ذلك أن المعادن الظاهرة وهي التي يوصل إلى ما فيها من غير مؤنة ينتابها الناس وينتفعون بها كالملح والماء والكبريت والقير والموميا والنفط والكحل والبرام والياقوت ومقاطع الطين وأشباه ذلك لا يملك بالإحياء ولا يجوز اقطاعه لأحد من الناس ولا احتجاره دون المسلمين لأن فيه ضرراً

بالمسلمين وتضييقا عليهم، ولما روى أبو عبيد وأبو داود والترمذي بإسنادهم عن أبيض بن حمال أنه استقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم الملح الذي بمأرب فلما ولى قيل يا رسول الله أتدري ما أقطعت له إنما أقطعته الماء العد فرجعه منه، قال قلت يارسول الله ما يحمى لي من الأراك؟ قال " ما لم تنله أخفاف الإبل " وهو حديث غريب ورواه سعيد قال حدثني اسماعيل بن عياش عن عمرو بن قيس المأربي عن أبيه عن أبيض بن حمال المأربي قال: استقطعت رسول الله صلى الله عليه وسلم معدن الملح بمأرب فاقطعنيه فقيل يا رسول الله أنه بمنزلة الماء العد يعني أنه لا ينقطع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فلا إذن " ولأن هذا يتعلق به مصالح المسلمين العامة فلم يجز إحياؤه ولا اقطاعه كمشارع الماء وطرقات المسلمين. قال ابن عقيل هذا من مواد الله الكريم وفيض جوده الذي لا غناء عنه، ولو ملكه أحد بالاحتجار ملك منعه فضاق على الناس، فإن أخذ العوض عنه أعلاه فخرج عن الوضع الذي وضعه الله به من تعميم ذوي الحوائج من غير كلفة وهذا مذهب الشافعي ولا أعلم فيه مخالفا (فصل) فأما المعادن الباطنة وهي التي لا يوصل إليها إلا بالعمل والمؤنة كمعادن الذهب والفضة والحديد والنحاس والرصاص والبلور والفيروزج فإن كانت ظاهرة لم تملك أيضا بالإحياء لما ذكرنا في التي قبلها، وإن لم تكن ظاهرة فحفرها إنسان وأظهرها لم يملكها بذلك في ظاهر المذهب وظاهر مذهب

مسألة: ولا يجب تسليم أجرة العمل في الذمة حتى يتسلمه

الشافعي ويحتمل أن يملكها بذلك وهو قول للشافعي لأنه موات لا ينتفع به إلا بالعمل والمؤنة فملك الإحياء كالأرض ولأنه بإظهاره تهيأ للانتفاع به من غير حاجة إلى تكرار ذلك العمل فأشبه الأرض إذا أحياها بماء أو حاطها ووجه الأول أن الإحياء الذي يملك به هو العمارة التي يتهيأ بها المحيي للانتفاع من غير تكرار عمل وهذا حفر وتخريبه يحتاج إلى تكرار عند كل انتفاع، فإن قيل فلو احتفر بئراً ملكها وملك حريمها قلنا البئر تهيأت للانتفاع بها من غير تجديد حفر ولا عمارة وهذه المعادن تحتاج عند كل انتفاع إلى عمل وعمارة فافترقا، قال أصحابنا وليس للإمام اقطاعها لأنها لا تملك بالإحياء والصحيح جواز ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع بلال بن الحارث معادن القبلية جلسيها وغوريها. رواه أبو داود وغيره * (مسألة) * (فإن كان بقرب الساحل موضع) إذا حصل فيه الماء صار ملحا ملك بالإحياء وللإمام اقطاعه لا يضيق على المسلمين بإحداثه بل يحدث نفعه بفعله فلم يمنع منه كبقية الموات وإحياء هذا تهيئته لما يصلح له من حفر ترابه وتمهيده وفتح قناة إليه تصب الماء فيه لأنه يتهيأ بهذا للانتفاع به * (مسألة) * (وإذا ملك المحيي ملك ما فيه من المعادن الباطنة كمعادن الذهب والفضة) إذا ملك الأرض بالإحياء فظهر فيها معدن جامد ملكه ظاهراً كان أو باطنا لأنه ملك الأرض

بجميع أجزائها وطبقاتها وهذا منها ويفارق الكنز فإنه مودع فيها وليس من أجزائها ويفارق ما إذا كان ظاهراً قبل احيائها لأنه قطع على المسلمين نفعاً كان واصلا إليهم ومنعهم انتفاعا كان لهم وههنا لم يقطع عنهم شيئا لأنه إنما ظهر بإظهاره، ولو تحجر الأرض أو أقطعها فظهر فيها المعدن قبل إحيائها كان له إحياؤها ويملكها بما فيها لأنه صار أحق بتحجره واقطاعه فلم يمنع من إتمام حقه * (مسألة) * (وإن ظهر فيه عين ماء أو معدن جار أو كلأ أو شجر فهو أحق به لأنه في ملكه) ويملكه في إحدى الروايتين لأنه خارج من أرضه أشبه المعادن الجامدة والزرع (والثانية) لا يملكه وهي أصح لقول النبي صلى الله عليه وسلم " الناس شركاء في ثلاث: في الماء والكلأ والنار " رواه الخلال ولأنها ليست من أجزاء الأرض فلم يملكها بملك الأرض كالكنز * (مسألة) * (ويلزمه بذل ما فضل من مائه لبهائم غيره) لما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من منع فضل الماء ليمنع به فضل الكلأ منعه الله فضل رحمته " وهل يلزمه بذله لزرع غيره؟ على روايتين (إحداهما) لا يلزمه لأن الزرع لا حرمة له في نفسه (والثانية) يلزمه لما روي إياس بن عبد أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع فضل الماء وعن بهنسة عن أبيها أنه قال يا نبي الله ما الشئ الذي لا يحل منعه؟ قال " الماء " رواه أبو داود (فصل) ولو شرع إنسان في حفر معدن ولم يصل إلى النيل صار أحق به كالمتحجر الشارع في

مسألة: وإذا انقضت الإجارة وفي الأرض غراس أو بناء لم يشترط قلعه عند انقضاء الأجل فللمالك أخذه بالقيمة وتركه بالأجرة أو قلعه وضمان نقصه، وإن اشترط القلع لزمه ذلك ولا يلزمه تسوية الأرض إلا بشرط

الإحياء فإذا وصل الى النيل صار أحق بالأخذ منه ما دام مقيما على الأخذ منه وهل يملكه بذلك؟ فيه ما قد ذكرنا من قبل فإن حفر آخر من ناحية أخرى لم يكن له منعه وإذا وصل إلى ذلك العرق لم يكن له منعه سواء قلنا إن المعدن يملك بحفره أو لم نقل لأنه إن ملكه فإنما يملك المكان الذي حفره. وأما العرق الذي في الأرض فلا يملكه بذلك ومن وصل إليه من جهة أخرى فله أخذه، ولو ظهر في ملكه معدن بحيث يخرج النيل عن أرضه فحفر انسان من خارح أرضه كان له أن يأخذ ما خرج عن أرضه منه لأنه لم يملكه إنما ملك ما هو من أجزاء أرضه وليس لأحد أن يأخذ ما كان داخلا في أرضه من أجزاء الأرض الباطنة كما لا يملك أخذ أجزائها الظاهرة، ولو حفر كافر في دار الحرب معدنا فوصل إلى النيل ثم فتحها المسلمون عنوة لم يصر غنيمة وكان وجود عمله وعدمه واحداً لأن عامره لم يملك بذلك ولو ملكه فإن الارض تصير كلها وقفا للمسلمين وهذا ينصرف إلى مصلحة من مصالحهم فتعين لها كما لو ظهر بفعل الله تعالى (فصل) ومن ملك معدنا فعمل فيه غيره بغير إذنه فما حصله منه فهو لمالكه ولا أجر للغاصب على عمله لأنه عمل في ملك غيره بغير إذنه فهو كما لو حصد زرع غيره، وإن قال مالكه اعمل فيه ولك ما يخرج منه فله ذلك وليس لصاحب المعدن فيه شئ لأنه إباحة من مالكه فملك ما أخذه كما لو أباحه الأخذ من بستانه، وإن قال اعمل فيه على أن ما رزق الله من نيل كان بيننا نصفين فعمل ففيه وجهان

(أحدهما) يجوز وما يأخذه يكون بينهما كما لو قال احصد هذا الزرع بنصفه أو ثلثه ولأنها عين تنمى بالعمل عليها فصح العمل فيها ببعضه كالمضاربة في الأثمان (والثاني) لا يصح لأن ما يحصل منه مجهول ولأنه لا يصح أن يكون إجارة لأن العوض مجهول والعمل مجهول ولا جعالة لأن العوض مجهول ولا مضاربة لأن المضاربة إنما تصح بالأثمان على أن يرد رأس المال ويكون له حصة من الربح وليس ذلك ههنا وفارق حصاد الزرع بنصفه أو جزء منه لأن الزرع معلوم بالمشاهدة وما علم جميعه علم جزؤه بخلاف هذا، وإن قال اعمل فيه كذا ولك ما يحصل منه بشرط أن تعطيني ألفاً أو شيئا معلوما لم يصح لأنه بيع لمجهول ولا يصح إن يكون معلوما كالمضاربة لما ذكرنا ولأن المضاربة تكون بجزء من النماء لا دراهم معلومة، قال أحمد إذا أخذ معدنا من قوم على أن يعمره ويعمل فيه ويعطيهم ألفي من أو ألف من صفر فذلك مكروه ولم يرخص فيه (فصل) إذا استأجر رجلا ليحفر له عشرة أذرع في دور كذا بدينار صح لأنها إجارة معلومة وإن ظهر عرق ذهب فقال استأجرتك لتخرجه بدينار لم يصح لأن العمل مجهول، وإن قال إن استخرجته فلك دينار صح وتكون جعالة لأن الجعالة تصح على عمل مجهول إذا كان العوض معلوما (فصل) وما نضب عنه الماء من الجزائر لم يملك بالإحياء. قال أحمد في رواية العباس بن موسى إذا نضب الماء عن جزيرة إلى فناء رجل لم يبن فيها لأن فيه ضرراً وهو أن الماء يرجع يعني أنه

يرجع إلى ذلك المكان فإذا وجده مبنياً رجع إلى الجانب الآخر فأضر بأهله ولأن الجزائر منبت الكلأ والحطب فجرى مجرى المعادن الظاهرة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " لا حمى إلا في الاراك " قال أحمد في رواية حرب يروى عن عمر أنه أباح الجزائر يعني أباح ما ينبت في الجزائر من النبات وقال إذا نضب الفرات عن شئ ثم نبت فيه نبات فجاء رجل يمنع الناس منه فليس له ذلك فأما إن غلب الماء على ملك إنسان ثم عاد فنضب عنه فله أخذه ولا يزول ملكه بغلبة الماء عليه فإن كان ما نضب عنه الماء لا ينتفع به أحد فعمره رجل عمارة لا ترد الماء مثل أن يجعله مزرعة فهو أحق به من غيره لأنه متحجر لما ليس للمسلم فيه حق فأشبه التحجر في الموات * (فصل) * قال رحمه الله (وإحياء الأرض أن يحوزها بحائط أو يجري لها) ظاهر كلامه ههنا أن تحويط الأرض إحياء لها سواء أرادها للبناء أو للزرع أو حظيرة للغنم أو الخشب وهو ظاهر كلام الخرقي نص عليه أحمد في رواية علي بن سعيد فقال الإحياء أن يحوط عليها حائطاً أو يحفر فيها بئراً أو نهراً ولا يعتبر في ذلك تسقيف وذلك لما روى الحسن عن سمرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من أحاط حائطا على أرض فهي له " رواه أبودواد والإمام أحمد في مسنده وروي عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله ولأن الحائط حاجر منيع فكان إحياء أشبه ما لو جعلها حظيرة للغنم ويبين هذا أن القصد - لا اعتبار به بدليل ما لو أرادها حظيرة للغنم كما لو جعلها حظيرة للغنم فبناها بجص وآجر وقسمها بيوتاً فإنه يملكها وهذا لا يصنع للغنم مثله ولابد أن يكون الحائط منيعاً يمنع

مسألة: وإن كان فيها زرع بقاؤه بتفريط المستأجر فللمالك أخذه بالقيمة وتركه بالأجرة وإن كان بغير تفريط لزم تركه بالأجرة

ما وراءه ويكون مما جرت العادة بمثله ويختلف باختلاف البلدان فإن كان ممن جرت عادتهم بالبناء بالحجر وحده كأهل حوران أو بالطين كأهل الغوطة بدمشق أو بالخشب أو القصب كأهل الغور كان ذلك إحياء وإن بناه بأقوى مما جرت به عادتهم كان أولى، وقال القاضي في صفة الإحياء روايتان (إحداهما) ما ذكرنا (والثانية) الإحياء ما تعارفه الناس إحياء لأن الشرع ورد بتعليق الملك عليه ولم يبينه ولا ذكر كيفيته فيجب الرجوع فيه إلى ما كان إحياء في العرف كما انه لما ورد باعتبار القبض والحرز ولم يبين كيفيته كان المرجع فيه الى العرف ولأن الشارع لو علق الحكم على مسمى باسم لتعلق بمسماه عند أهل اللسان فلذلك يتعلق الحكم بالمسمى إحياء عند أهل العرف ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلق الحكم على ما ليس إلى معرفته طريق فلما لم يبينه تعين العرف طريقاً لمعرفته إذ ليس له طريق سواه إذا ثبت هذا فان الارض تحيا دارا للسكنى وحظيرة ومزرعة، فإحياء كل واحدة من ذلك بما تتهيأ به للانتفاع الذي أريدت له، فأما الدار فبأن يبني حيطانها بما جرت به العادة ويسقفها لأنها لا تصلح للسكنى إلا بذلك، والحظيرة إحياؤها بحائط جرت به العادة لمثلها، وليس من شرطها التسقيف لأن العادة لم تجر به وسواء أرادها حظيرة للماشية أو للخشب أو للحطب أو نحو ذلك فإن جعل عليها خندقا لم يكن إحياء لأنه ليس بحائط ولا عمارة إنما هو حفر تخريب ووكذلك إن حاطها بشوك وشبهه لا يكون

إحياء ويكون تحجراً لأن المسافر قد ينزل منزلا ويحوط على رحله بنحو من ذلك ولو نزل منزلا فنصب فيه بيت شعر أو خيمة لم يكن إحياء. وإن أرادها للزراعة فبأن يهيئها لامكان الزرع فيها فإن كانت لا تزرع الا بالماء فبأن يسوق إليها ماء من نهر أو بئر وإن كان المانع من زرعها كثرة الأحجار كأرض الحجاز فإحياؤها بقلع أحجارها وتنقيتها حتى تصلح للزرع وإن كانت غياضاً أو أشجاراً كأرض الشعرى فبأن يقلع أشجارها ويزيل عروقها المانعة من الزرع، وإن كانت مما لا يمكن زرعه إلا بحبس الماء عنه كأرض البطائح فإحياؤها بسد الماء عنها وجعلها بحال يمكن زرعها لأن بذلك يمكن الانتفاع بها فيما أرادها له من غير حاجة إلى تكرار ذلك في كل عام فكان إحياء كسوق الماء إلى أرض لا ماء لها ولا يعتبر في إحياء الأرض حرثها ولا زرعها لأن ذلك مما يتكرر كلما أراد الانتفاع بها فلم يعتبر في الإحياء كسقيها وكالسكنى في البيوت ولا يحصل الإحياء بذلك إذا فعله بمجرده لما ذكرنا، ولا يعتبر في إحياء الأرض للسكنى نصب الأبواب على البيوت وبه قال الشافعي فيما ذكرنا في الرواية الثانية إلا أن له وجهاً في أن حرثها وزرعها إحياء لها وأن ذلك معتبر في إحيائها لا يتم بدونه وكذلك نصب الأبواب على البيوت لأنه مما جرت العادة به أشبه السقف ولا يصح هذا لما ذكرنا ولأن السكنى ممكنة بدون نصب الأبواب فأشبه تطيين سطوحها وتبيضها * (مسألة) * (وإن حفر بئراً عادية ملك حريمها خمسين ذراعا وإن لم تكن عادية فحريمها خمسة وعشرون) البئر العادية بتشديد الياء القديمة منسوبة إلى عاد ولم يرد عاداً بعينها لكن لما كانت عاد

مسألة: إذا تسلم العين بالإجارة الفاسدة فعليه أجرة سكن أو لم يسكن

في الزمن الأول وكانت لها آثار في الأرض نسب إليها كل قديم، فكل من سبق إلى بئر عادية كان أحق بها لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو له " وله حريمها خمسون ذراعا من كل جانب، وإن حفر بئرا في موات للتمليك فله حريمها خمسة وعشرون ذراعا من كل جانب نص أحمد على هذا في رواية حرب وعبد الله واختاره أكثر أصحابنا، وقال القاضي وابو الخطاب ليس هذا على طريق التحديد بل حريمها في الحقيقة ما يحتاج إليه في ترقية مائها منها فإن كان بدولاب فقدر مد الثور أو غيره وإن كان بساقية فبقدر طول البئر لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " حريم البئر مد رشائها " أخرجه ابن ماجة ولأنه المكان الذي تمشي إليه البهيمة، وإن كان يستقي منها بيده فبقدر ما يحتاج إليه الواقف عندها، وإن كان المستخرج عينا فحريمها القدر الذي يحتاج إليه صاحبها للانتفاع ولا يستضر بأخذه منه ولو كان ألف ذراع، وحريم النهر من جانبيه ما يحتاج إليه لطرح كرايته بحكم العرف وذلك أن هذا إنما ثبت للحاجة فينبغي أن تراعى فيه الحاجة دون غيرها، وقال أبو حنيفة حريم البئر أربعون ذراعا وحريم العين خمسمائة ذراع لأن أبا هريرة روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " حريم البئر أربعون ذراعاً لاعطان الابل والغنم " وعن الشعبي مثله رواه أبو عبيد. ولنا ما روى أن الدارقطني والخلال بإسنادهما عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه قال " حريم البئر البدي خمس وعشرون ذراعا وحريم البئر العادي خمسون ذراعا " وهذا نص وروى أبو عبيد بإسناده

باب إحياء الموات

عن يحي بن سعيد الأنصاري أنه قال السنة في حريم القليب العادي خمسون ذراعا والبدي خمس وعشرون ذراعا وبإسناده عن سعيد بن المسيب قال حريم البئر البدي خمس وعشرون ذراعا من نواحيها كلها وحريم بئر الزرع ثلثمائة ذراع من نواحيها كلها وحريم البئر العادي خمسون ذراعا من نواحيها كلها، ولأنه معنى يملك به الموات فلا يقف على قدر الحاجة كالحائط ولأن الحاجة إلى البئر لا تنحصر في ترقية الماء فانه يحتاج الى ما حوله عطنا لا بله وموقفا للدوابه وغنمه وموضعاً يجعل فيه أحواضاً يسقي منها ماشيته وموقفاً لدابته التي يستقي عليها وأشباه ذلك فلم يختص الحريم بما يحتاج إليه في ترقية الماء فأما حديث أبي حنيفة فحديثنا أصح منه ورواهما أبو هريرة فيدل على ضعفه * (مسألة) * (وقيل حريمها قدر مد رشائها من كل جانب) لما ذكرنا من الحديث إذا ثبت ذلك فإن ظاهر كلامه في هذا الكتاب وظاهر كلام الخرقي أنه يملك حريم البئر ونقل عن الشافعي وقال القاضي بل يكون أحق به * (مسألة) * (وقيل إحياء الأرض ما عد إحياء وهو عمارتها بما تتهيأ به لما يراد منها) وقد ذكرنا ذلك وقيل ما يتكرر كل عام كالسقي والحرث فليس بإحياء وما لا يتكرر فهو إحياء لأن العرف أن حرث الأرض مرة ليس بإحياء وأن عمل الحائط عليها ونحوه احياء وللشافعي وجه في أن الزرع والحرث إحياء وقد ذكرناه، فإن كانت كثيرة الدغل والحشيش كالمروج التي لا يمكن زرعها إلا بتكرار حرثها وتنقية دغلها وحشيشها المانع من زرعها كان إحياء على قياس ما ذكرنا أولا

(فصل) ولابد ان يكون البئر فيها ماء فإن لم تصل إلى الماء فهو كالمتحجر الشارع في الإحياء على ما نذكره، وقوله ومن حفر بئراً عادية يحمل على البئر التي انطمت وذهب ماؤها فجدد حفرها وعمارتها أو انقطع ماؤها فاستخرجه ليكون ذلك إحياء لها فأما البئر التي لها ماء ينتفع به المسلمون فليس لأحد احتجاره ومنعه لأنه بمنزلة المعادن الظاهرة التي يرتفق بها الناس وهكذا العيون النابعة ليس لأحد أن يختص بها ولو حفر رجل بئراً للمسلمين ينتفعون بها أو ينتفع بها مدة إقامته عندها ثم يتركها لم يملكها وكان له الانتفاع بها فإذا تركها كانت للمسلمين كلهم كالمعادن الظاهرة وهو أحق بها ما دام مقيما عندها لأنه سابق إليها فهو كالمتحجر الشارع في الإحياء (فصل) وإذا كان لإنسان شجرة في موات فله حريمها قدر ما تمد إليه أغصانها حواليها وفي النخلة مد جريدها لما روى أبو سعيد قال اختصم إلى النبي صلى الله عليه وسلم في حريم نخلة فأمر بجريدة من جرائدها فذرعت فكانت سبعة أذرع أو خسمة أذرع فقضى بذلك رواه أبو داود، وإن غرس شجرة في موات فهي له وحريمها وإن سبق إلى شجر مباح كالزيتون والخروب فسقاه وأصحه فهو له كالمتحجر الشارع في الإحياء فإن طعمه ملكه بذلك وحريمه لأنه تهيأ للانتفاع به لما يراد منه فهو

كسوق المال إلى الارض الوات ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به " (فصل) ومن كانت له بئر فيها ماء فحفر آخر قريباً منها بئراً ينسرق إليها ماء البئر الاولى فليس له ذلك سواء كان محتفر الثانية في ملكه مثل رجلين متجاورين في دارين حفر أحدهما في داره بئراً ثم الآخر بئراً أعمق منها فسرى إليها ماء الأولى أو كانتا في موات فسبق أحدهما فحفر بئراً ثم جاء آخر فحفر قريباً منها بئراً يجتذب ماء الاولى، ووافق الشافعي في هذه الصورة الثانية لأنه ليس له أن يبتدئ ملكه على وجه يضر بالمالك قبله، وقال في الأولى له ذلك لأنه تصرف مباح في ملكه فجاز له فعله كتعلية داره وهكذا الخلاف في كل ما يحدثه الجار مما يضر بجاره مثل أن يجعل داره مدبغة أو حماما يضر بعقار جاره بحمي ناره ورماده ودخانه أو يحفر في أصل حائطه حشا يتأذى جاره برائحته وغيرها أو يجعل داره مخبزاً في وسط العطارين ونحوه مما يؤذي جاره وقال الشافعي له ذلك كله وروي ذلك عن أحمد وهو قول بعض الحنفية لأنه تصرف مباح في ملكه أشبه بناءه ونقضه ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " لا ضرر ولا اضرار " ولأنه إحداث ضرر بجاره فلم يجز كالدق الذي يهز الحيطان ويخربها وكإلقاء السماد والتراب في أصل حائطه على وجه يضر به ولو كان

مسألة: ومن أحيا أرضا ميتة فهي له للأخبار التي رويناها مسلما كان أو كافرا في دار الإسلام وغيرها.

لرجل مصنع فأراد جاره غرس شجر مما تسري عروقه فتشق حائط مصنع جاره وتتلفه لم يملك ذلك وكان لجاره منعه وقلعها إن غرسها، ولو كان هذا الذي حصل منه الضرر سابقاً مثل من له في ملكه مدبغة أو مقصرة فأحيا إنسان إلى جانبه مواتاً وبناه داراً فتضرر بذلك لم يلزمه إزالة الضرر بغير خلاف نعلمه لأنه لم يحدث ضرراً * (مسألة) * (ومن تحجر مواتا لم يملكه وهو أحق به وورثته من بعده ومن ينقله إليه وليس له بيعه وقيل له ذلك) تحجر الموات المشروع في إحيائه مثل أن يدير حول الأرض تراباً أو أحجاراً أو حاطها بجدار صغير لم يملكها بذلك لأن الملك بالإحياء وليس هذا إحياء لكن يصير أحق الناس به لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به " رواه أبو داود، فإن مات فوارثه أحق به لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " من ترك حقاً أو مالا فهو لورثته " فإن نقله إلى غيره صار الثاني أحق به لأن صاحبه أقامه مقامه، وليس له بيعه فإن باعه لم يصح لأنه لا يملكه فلم يملك بيعه كحق الشفعة قبل الأخذ به وكمن سبق إلى معدن أو مباح قبل أخذه وقيل له بيعه لأنه أحق به * (مسألة) * (فإن لم يتم إحياءه قيل له إما أن تحييه وإما أن تتركه) إذا طالت المدة بعد التحجر ولم يحييه فينبغي أن يقول السلطان إما أن تحييه أو تتركه ليحييه غيرك لأنه ضيق على الناس في حق مشترك

مسألة: ويملكه بإذن الإمام وغير إذنه

بينهم فلم يمكن من ذلك كما لو وقف في طريق ضيق أو مشرعة ماء أو معدن لا ينتفع به ولا يدع غيره * (مسألة) * (فإن طلب الإمهال أمهل مدة قريبة) كالشهرين والثلاثة ونحوها لأنه يسير فإن بادر غيره فأحياه في مدة المهلة أو قبل ذلك ملكه بالإحياء في أحد الوجهين لأن الإحياء يملك به والتحجر لا يملك به فيثبت الملك بما يملك به دون ما لا يملك به كمن سبق إلى معدن أو مشرعة فجاء غيره فأزاله وأخذ ولعموم الحديث في الإحياء (والثاني) لا يملكه لأن مفهوم قوله عليه الصلاة والسلام " من أحيا أرضاً ميتة في غير حق مسلم فهي له " أنها لا تكون له إذا كان لمسلم فيها حق وكذلك قوله " من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به " وروى سعيد في سننه أن عمر قال من كانت له أرض - يعني من تحجر أرضاً - فعطلها ثلاث سنين فجاء قوم يعمرونها فهم أحق بها وهذا يدل على أن من عمرها قبل ثلاث سنين لا يملكها ولأن الثاني أحيا في حق غيره فلم يملكه كما لو أحيا ما تتعلق به مصالح ملك غيره ولأن حق المتحجر أسبق فكان أولى كحق الشفيع يقدم على شراء المشتري (فصل) فإن ضربت للمتحجر مدة فانقضت المدة ولم يعمر فلغيره أن يعمره ويملكه لأن المدة ضربت له لينقطع حقه بمضيها وسواء أذن له السلطان في عمارتها أو لم يأذن، وإن لم يكن للمتحجر عذر في ترك العمارة قيل له إما أن تعمر وإما أن ترفع يدك فإن لم يعمرها كان لغيره عمارتها، فإن لم يقل له شئ واستمر تعطيلها فقد ذكرنا حديث عمر في المسألة قبلها ومذهب الشافعي في هذا الفصل والمسألة قبلها على نحو ما ذكرنا

مسألة: إلا ما أحياه مسلم من أرض الكافر التي صولحوا عليها

(فصل) وللإمام إقطاع موات لمن يحييه ولا يملك بالإقطاع بل يصير كالمتحجر الشارع في الإحياء على ما ذكرنا، ولا ينبغي أن يقطع إلا ما قدر على إحيائه لأن اقطاعه أكثر منه إدخال ضرر على المسلمين بلا فائدة فيه فإن فعل ثم تبين عجزه عن إحيائه استرجعه منه كما استرجع عمر رضي الله عنه من بلال ابن الحارث ما عجز عن عمارته من العقيق الذي أقطعه النبي صلى الله عليه وسلم فروي أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع بلال بن الحارث العقيق أجمع وأن عمر قال لبلال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقطعك لتحجبه عن الناس إنما أقطعك لتعمر فخذ منها ما قدرت على عمارته ورد الباقي رواه أبو عبيد في الأموال، وذكر سعيد في سننه عن عبد العزيز بن محمد عن ربيعة قال سمعت الحارث بن بلال بن الحارث يقول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطع بلال بن الحارث العقيق فلما ولي عمر قال ما أقطعته لتحجبه فأقطعه الناس، وروى علقمة بن وائل عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطعه أرضا بحضر موت قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح، قال سعيد ثنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن عمرو ابن شعيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطع ناساً من جهينة أو مزينة أرضا فعطلوها فجاء قوم فاحيوها فخاصمهم الذين أقطعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمر بن الخطاب فقال عمر لو كانت قطيعة مني أو من أبي بكر لم أردها ولكنها قطيعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنا أردها

مسألة: وما قرب من العامر وتعلق بمصالحه لا يملك بالإحياء فإن لم يتعلق بمصالحه فعلى روايتين

(فصل) وقد روى وائل بن حجر أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطعه أرضاً فأرسل معاوية أن أعطه إياه أو أعلمه إياه. حديث صحيح، وأقطع الزبير حضر فرسه فأجرى فرسه حتى قام ورمى بسوطه فقال " أعطوه من حيث وقع السوط " رواه سعيد وأبو داود، وذكر البخاري عن أنس قال دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصار ليقطع لهم بالبحرين فقالوا يا رسول الله إن فعلت فاكتب لإخواننا من قريش بمثلها، وروي أن أبا بكر أقطع طلحة بن عبيد الله أرضاً، وأقطع عثمان خمسة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبير وسعداً وابن مسعود وأسامة بن زيد وخباب بن الأرت وروي عن نافع أبي عبد الله أنه قال لعمران قبلنا أرضاً بالبصرة ليست من أرض الخراج ولا تضر بأحد من المسلمين فان رأيت أن تقطعنيها اتخذ فيها قصيلا لخيلي قال فكتب عمر إلى أبي موسى إن كانت كما يقول فاقطعها إياه. روى هذه الآثار كلها أبو عبيد في الأموال. إذا ثبت هذا فإن من أقطعه الإمام شيئاً من الموات لم يملكه بذلك لكن يصير أحق به كالمتحجر الشارع في الإحياء على ما ذكرنا من حديث بلال بن الحارث حيث استرجع منه عمر ما عجز عن إحيائه، ولو ملكه لم يجز استرجاعه ورد عمر أيضاً قطيعة أبي بكر لعيينة بن حصن فسأل عيينه بن حصن أبا بكر أن يجدد له كتاباً فقال والله لا أجدد شيئاً رده عمر رواه أبو عبيد. فعلى هذا يكون المقطع أحق بها من سائر الناس وأولى بإحيائه وحكمه حكم المتحجر الشارع سواء وقد مر ذكره ومذهب الشافعي على نحو ما ذكرنا * (مسألة) * (وله إقطاع الجلوس في الطرق الواسعة ورحاب المساجد ما لم يضيق على الناس) القطائع ضربان (أحدهما) إقطاع موات لمن يحييه وقد ذكرناه (والثاني) إقطاع إرفاق وذلك كإقطاع مقاعد الأسواق والطرق الواسعة ورحاب المساجد فللإمام اقطاعها لمن يجلس فيها لأن له في ذلك اجتهاداً

من حيث أنه لا يجوز الجلوس إلا فيما لا يضر بالمارة فكان للإمام أن يجلس فيها من لا يرى أنه يتضرر بجلوسه، ولا يملكها المقطع بذلك بل يكون أحق بالجلوس فيها من غيره بمنزلة السابق إليها من غير إقطاع إلا في أن السابق إذا نقل متاعه عنها فلغيره الجلوس فيها لأن استحقاقه لها بسبقه إليها ومقامه فيها فإذا انتقل عنها زال استحقاقه لزوال المعنى الذي استحق به وهذا استحق بإقطاع الإمام فلا يزول حقه بنقل متاعه ولا لغيره الجلوس فيه، وحكمه في التظليل على نفسه بما ليس بيتاً ومنعه من البناء ومنعه إذا طال مقامه حكم السابق على ما نذكره * (مسألة) * فإن لم يقطعها فلمن يسبق إليها الجلوس فيها ويكون أحق بها ما لم ينقل قماشه عنها) ما كان من الشوارع والطرقات والرحاب بين العمران فليس لأحد إحياؤه سواء كان واسعاً أو ضيقاً وسواء ضيق على الناس بذلك أو لم يضيق لأن ذلك يشترك فيه المسلمون وتتعلق به مصلحتهم أشبه مساجدهم ويجوز الإرتفاق بالقعود في الواسع من ذلك للبيع والشراء على وجه لا يضيق على أحد ولا يضر بالمارة لاتفاق أهل الأمصار في جميع الأعصار على إقرار الناس على ذلك من غير إنكار، ولأنه ارتفاق بمباح من غير إضرار فلم يمنع منه كالاجتياز قال أحمد في السابق إلى دكاكين السوق غدوة فهو له إلى الليل وكان هذا في سوق المدينة فيما مضى وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " منى مناخ من سبق " وله أن يظلل على نفسه بما لا ضرر فيه من بارية وكساء ونحوه لأن الحاجة تدعو إليه من غير مضرة فيه، وليس له أن يبني دكة ولا غيرها لأنه يضيق على الناس وتعثر به المارة بالليل والضرير في الليل والنهار وتبقى على الدوام وربما ادعى ملكه بذلك والسابق أحق به ما كان فيه فإن قام وترك متاعه فيه لم يجز لغيره إزالته لأن يد الأول

مسألة: ولا تملك المعادن الظاهرة كالملح والقار، والكحل والجص، والنفط بالإحياء وليس للإمام اقطاعه

عليه وإن نقل متاعه كان لغيره أن يقعد فيه لأن يده قد زالت * (مسألة) * (فإن طال مقامه منع في أحد الوجهين) لأنه يصير كالملك ويختص بنفع يساويه غيره في استحقاقه (والثاني) لا يمنع لأنه سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم * (مسألة) * (وإن سبق اثنان إليه احتمل أن يقرع بينهما واحتمل أن يقدم الإمام من يرى منهما فإن كان الجالس يضيق على المارة لم يحل له الجلوس فيه وليس للإمام تمكينه بعوض ولا غيره) قال احمد ما كان ينبغي لنا أن نشتري من هؤلاء الذين يبيعون على الطريق قال القاضي هذا محمول على أن الطريق ضيق أو يكون يؤذي المارة لما تقدم وقال لا يعجبني الطحن في العروب إذا كانت في طريق الناس وهي السفن التي يطحن فيها في الماء الجاري إنما كره ذلك لتضييقها طريق السفن المارة في الماء قال أحمد ربما غرقت السفن فأرى للرجل أن يتوقى الشراء مما يطحن بها (فصل) وإن سبق إلى معدن فهو أحق بما ينال منه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به " وسواء كان المعدن ظاهراً أو باطناً إذا كان في موات فإن أخذ قدر حاجته وأراد الإقامة فيه بحيث يمنع غيره منع من ذلك لأنه يضيق على الناس بما لا نفع فيه له أشبه ما لو وقف في مشرعة الماء لغير حاجة * (مسألة) * (وهل يمنع إذا طال مقامه للأخذ؟ على وجهين) (أحدهما) يمنع لأنه يصير كالمتملك والآخر لا يمنع لإطلاق الحديث، وإن استبق إليه اثنان أو أكثر وضاق المكان عنهما أقرع بينهما لأنه لا مزية لأحدهما على الآخر ويحتمل أن يقسم بينهما لأنه يمكن قسمته وقد

تساويا فقسم بينهما كما لو تداعيا عيناً في أيديهما ولا بينة لأحدهما ويحتمل أن يقدم الإمام من يرى منهما لأن له نظراً وذكر القاضي وجها رابعاً وهو أن الإمام ينصب من يقسم بينهما وهذا التفصيل مذهب الشافعي * (مسألة) * (ومن سبق إلى مباح كصيد أو عنبر وحطب وثمر ولقطة ولقيط وما ينبذه الناس رغبة عنه أو يضيع منهم مما لا تتبعه النفس وما يسقط من البلح وسائر المباحات فهو أحق به بإذن الإمام وغير إذنه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به " وإن سبق إليه اثنان قسم بينهما لأن قسمته ممكنة فلا يؤخر حق أحدهما لأنه لا مزية لأحدهما على الآخر، وإن سبق إلى موات أو بئر عادية فهو أحق بها لما ذكرنا * (مسألة) * (وإذا كان الماء في نهر غير مملوك كمياه الأمطار فلمن في أعلاه أن يسقي ويحبس الماء حتى يصل إلى الكعب ثم يرسل إلى من يليه) وجملة ذلك أنه لا يخلو الماء من حالين إما أن يكون جارياً أو واقفاً والجاري ضربان (أحدهما) أن يكون في نهر غير مملوك وهو قسمان [أحدهما] أن يكون نهراً عظيماً كالنيل والفرات الذي لا يستضر أحد بالسقي منهما فهذا لا تزاحم فيه ولكل أحد أن يسقي منها متى شاء وكيف شاء [القسم الثاني] أن يكون نهراً صغيراً يزدحم الناس فيه ويتشاحون في مائه أو سيل يتشاح فيه أهل الأرضين الشاربة منه فيبدأ بمن في أول النهر فيسقي ويحبس الماء حتى يبلغ الكعب ثم يرسل إلى الذي يليه فيصنع كذلك وعلى هذا حتى تنتهي الأراضي كلها فإن لم يفضل عن الأول شئ أو عن

مسألة: فإن كان بقرب الساحل موضع

الثاني أو عمن يليهما فلا شئ للباقين لأنهم ليس لهم إلا ما فضل فهم كالعصبة في الميراث وهذا قول فقهاء المدينة ومالك والشافعي ولا نعلم فيه مخالفاً لما روى عبد الله بن الزبير أن رجلا من الأنصار خاصم الزبير في شراج الحرة التي يسقون بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم " اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك " فغضب الأنصاري فقال يا رسول الله إن كان ابن عمنك؟ فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال " يا زبير اسق ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر " فقال الزبير فوالله إني لأحسب هذه الآية نزلت فيه (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم) متفق عليه، وذكر عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال نظرنا في قول النبي صلى الله عليه وسلم " ثم احبس حتى يبلغ الجدر " وكان ذلك إلى الكعبين، قال أبو عبيد: الشراج جمع شرج والشرج نهر صغير والحرة أرض ملتبسة بحجارة سود، والجدر الجدار وإنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم الزبير أن يسقي ثم يرسل تسهيلاً على غيره فلما قال الأنصاري ما قال استوفى النبي صلى الله عليه وسلم للزبير حقه وروى مالك في الموطأ عن عبد الله بن أبي بكر بن عمر بن حزم أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في سيل مهزوز ومذينيب " يمسك حتى يبلغ الكعبين ثم يرسل الأعلى على الأسفل " قال ابن عبد البر: هذا حديث مدني مشهور عند أهل المدينة يعملون به عندهم. قال عبد الملك بن حبيب: مهزوز ومذينيب واديان من أودية المدينة يسيلان بالمطر يتنافس أهل الحوائط في سيلهما وروى أبو داود بإسناده عن ثعلبة بن أبي مالك أنه سمع كبراءهم يذكرون أن رجلا من قريش كان له سهم في بني قريظة فخاصم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مهزوز السيل الذي يقتسمون ماءه فقضى بينهم

مسألة: وإن ظهر فيه عين ماء أو معدن جار أو كلأ أو شجر فهو أحق به لأنه في ملكه

رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الماء إلى الكعبين لا يحبس الأعلى على الأسفل، ولأن من أرضه قريبة من رأس النهر سبق إلى المكان فكان أولى به كالسابق إلى المشرعة فإن كانت أرض صاحب الأعلى مختلفة منها عالية ومنها مستفلة سقى كل واحدة منها على حدتها، فإن استوى اثنان في القرب من أول النهر اقتسما الماء بينهما إن أمكن وإلا أقرع بينهما فقدم من تقع له القرعة فإن كان الماء لا يفضل عن أحدهما سقى من تقع له القرعة بقدر حقه من الماء ثم تركه للآخر، وليس له السقي بجميع الماء لمساواة الآخر له في استحقاق الماء وإنما القرعة للتقديم في استيفاء الحق لا في أصل الحق بخلاف الأعلى مع الأسفل فإنه ليس للأسفل حق إلا في الفاضل عن الأعلى فإن كانت أرض إحداهما أكبر من أرض الآخر قسم الماء بينهما على قدر الارض لان الزائد من أرض أحدهما مساو في القرب فاستحق جزءاً من الماء كما لو كان لثالث * (مسالة) * (فإن أراد إنسان إحياء أرض ليسقيها من ماء النهر جاز ما لم يضر بأهل الأرض الشاربة منه) إذا كان لجماعة رسم شرب من نهر غير مملوك أو سيل فجاء إنسان ليحيي مواتا أقرب من رأس النهر من أرضهم لم يكن له أن يسقي قبلهم لأنهم أسبق إلى النهر منه ولأن من ملك أرضاً ملكها بحقوقها ومرافقها ولا يملك غيره إبطال حقوقها وهذا من حقوقها، وهل لهم منعه من إحياء ذلك الموات؟ فيه وجهان (أحدهما) ليس لهم منعه لأن حقهم في النهر لا في الموات (والثاني) لهم منعه لئلا يصير ذلك ذريعة إلى منعهم حقهم من السقي لتقديمه عليهم في القرب إذا طال الزمان وجهل الحال، فإذا قلنا ليس لهم منعه فسيق إلى مسيل ماء أو نهر غير مملوك فأحيا في أسفله مواتاً ثم أحيا آخر فوقه ثم أحيا ثالث فوق الثاني كان للأسفل السقي أولاً ثم الثاني ثم الثالث، ويقدم السبق إلى الأحياء على السبق إلى أول النهر لما ذكرنا

(فصل) الضرب الثاني الجاري في نهر مملوك وهو قسمان (أحدهما) أن يكون الماء مباح الأصل مثل أن يحفر إنسان نهراً صغيراً يتصل بنهر كبير مباح فما لم يتصل الحفر لا يملكه وإنما هو تحجر وشروع في الإحياء فإذا اتصل الحفر ملكه لأن الملك بالإحياء أن تنتهي العمارة إلى قصدها بحيث يتكرر الانتفاع بها على صورتها وهذا كذلك وسواء أجرى فيه الماء أو لم يجره لأن الاحياء يحصل بهيئته للانتفاع به دون حصول المنفعة فيصير مالكاً لقرار النهر وحافتيه، وهواؤه حق له وكذلك حريمه وهو ملقى الطين من جوانبه، وعند القاضي أن ذلك غير مملوك لصاحب النهر وإنما هو حق من حقوق الملك، وظاهر قول الخرقي أنه مملوك لغير صاحبه قياساً على قوله في حريم البئر أنه يملكه. إذا تقرر ذلك فكان النهر لجماعة فهو بينهم على حسب العمل والنفقة لأنه إنما ملك بالعمارة والعمارة بالنفقة، فإن كفى جميعهم فلا كلام وإن لم يكفهم فتراضوا على قسمته بالمهايأة أو غيرها جاز لأن حقهم لا يخرج عنهم، وأن تشاحوا فيه قسمه الحاكم بينهم على قدر أملاكهم لأن كل واحد منهم يملك من النهر بقدر ذلك فتؤخذ خشبة أو حجر مستوي الطرفين والوسط فتوضع على موضع مستو من الأرض في مصدم الماء فيه حزوز أو ثقوب متساوية في السعة على قدر حقوقهم من كل حز أو ثقب ساقية مفردة لكل واحد منهم فإذا حصل الماء في ساقيته انفرد به فإن كانت أملاكهم مختلفة قسم على قدر ذلك، فإذا كان لأحدهم نصفه وللثاني ثلثه وللثالث سدسه جعل فيه ستة ثقوب: لصحاب النصف ثلاثة نصب في ساقيته ولصاحب الثلث اثنان ولصاحب

قسدس واحد، فإن كان لواحد الخمسان والباقي لاثنين على السواء جعل عشرة ثقوب: لصاحب الخمسين أربعة نصب في ساقيته ولكل واحد من الآخرين ثلاثة، فإن كان النهر لعشرة - لخمسة منهم أراض الريبة من أول النهر ولخمسة أراض بعيدة جعل لأصحاب القريبة خمسة ثقوب لكل واحد ثقب وجعل للباقين خمسة تجري في النهر حتى تصل إلى أرضهم، ثم تقسم بينهم قسمة أخرى فإن أراد أحدهم أن يجري ماءه في ساقية غيره ليقاسمه في موضع آخر لم يجز بغير رضاه لأنه يتصرف في ساقيته ويخرب حابتيها بغير إذنه ويخلط حقه بحق غيره على وجه لا يتميز فلم يجز ذلك، ويجئ على قولنا إن الماء لا يملك أن حكم الماء في هذا النهر حكمه في نهر غير مملوك وإن الاسبق أحق بالسقي ثم الذي يليه على ما ذكرنا، ومذهب الشافعي في هذا الفصل كله على نحو ما ذكرنا (فصل) وإذا حصل نصيب إنسان في ساقية فله أن يسقي به ما شاء من الأرض سواء كان لها رسم شرب من هذا النهر أو لم يكن، وله أن يعطيه من يسقي به، وقال القاضي وأصحاب الشافعي ليس له سقي أرض ليس لها رسم شرب من هذا الماء لأن ذلك دال على أن لها قسما من هذا الماء فربما جعل سقيها منه دليلاً على استحقاقها لذلك فيستضر الشركاء ويصير هذا كما لو كان له دار بابها في درب لا ينفذ ودار بابها في درب آخر ظهرها ملاصق لظهر داره الأولى فأراد تنفيذ إحداهما إلى الأخرى لم يجز لأنه يجعل لنفسه استطراقاً من كل واحدة من الدارين ولنا أن هذا ماء انفرد باستحقاقه فكان له أن يسقي منه ما شاء كما لو انفرد به من أصله ولا نسلم

ما ذكره في الدارين وإن سلمنا فالفرق بينهما أن كل دار يخرج منها إلى درب مشترك لأن الظاهر أن لكل دار سكاناً فيجعل لسكان كل واحدة منهما استطراقاً إلى درب غير نافذ لم يكن لهم حق في استطراقه وههنا إنما يسقي من ساقيته المفردة التي لا يشاركه غيره فيها، فلو صار لتلك الأرض رسم من الشرب من ساقيته لم يتضرر بذلك أحد، ولو كان يسقي من هذا النهر بدولاب فأحب أن يسقي بذلك الماء أرضاً لا رسم لها في الشرب من ذلك النهر فالحكم في ذلك على ما ذكرنا من الخلاف، وإن كان الدولاب يغرف من نهر غير مملوك جاز أن يسقى بنصيبه من الماء أرضاً لا رسم لها في الشرب منه بغير خلاف نعلمه فان ضاق الماء قدم الأسبق فالأسبق على ما مضى (فصل) ولكل واحد منهم أن يتصرف في ساقيته المختصة به بما أحب من إجراء ماء غير هذا الماء فيها أو عمل رحى عليها أو دولاب أو عبارة وهي خشبة تمد على طرفي النهر أو قنطرة يعبر فيها الماء أو غير ذلك من التصرفات لأنها ملكه ولا حق فيها لغيره فأما النهر المشترك فليس لواحد منهم أن يتصرف فيه بشئ من ذلك لأنه تصرف في النهر المشترك أو في حريمه بغير إذن شركائه وقال القاضي في العبارة هذا ينبني على الروايتين فيمن أراد أن يجري ماءه في أرض غيره والصحيح أنه

لا يجوز ههنا ولا يصح قياس هذا على إجراء الماء في أرض غيره لأن إجراء الماء في أرض ينفع صاحبها لأنه يسقي عروق شجره ويشربه أولاً وآخراً وهذا لا ينفع النهر بل ربما أفسد حافته ولا يسقي له شيئاً، ولو أراد أحد الشركاء أن يأخذ من النهر قبل قسمته شيئاً يسقي به أرضاً في أول النهر أو في غيره أو أراد إنسان غيرهم ذلك لم يجز لأنهم صاروا أحق بالماء الخاص في نهرهم من غيرهم ولأن الأخذ من الماء ربما احتاج إلى تصرف في حافة النهر المملوك لغيره أو المشترك بينه وبين غيره، ولو فاض ماء هذا النهر إلى أرض إنسان فهو مباح كالطائر يعشش في ملك إنسان ومذهب الشافعي في ذلك على نحو ما ذكرنا. (فصل) وإن قسموا ماء النهر المشترك بالمهايأة جاز إذا تراضوا به وكان حق كل واحد منهم معلوماً مثل أن يجعلوا لكل حصة يوماً وليلة، وإن قسموا النهار فجعلوا لواحد من طلوع الشمس إلى الزوال وللآخر من الزوال إلى الغروب ونحو ذلك جاز، وإن قسموه ساعات وأمكن ضبط ذلك بشئ معلوم جاز فإذا حصل الماء لأحدهم في نوبته فأراد أن يسقي به أرضاً ليس لها رسم شرب من هذا أو بؤثر به إنسانا أو يقرضه إياه على وجه لا يتصرف في حافة النهر جاز وعلى قول القاضي وأصحاب الشافعي ينبغي أن لا يجوز لما تقدم، وإن أراد صاحب النوبة أن يجري مع مائه ماء له آخر يسقي

به أرضه التي لها رسم شرب من النهر أو أرضاً له أخرى أو سأله إنسان أن يجري له ماء مع مائه في هذا النهر ليقاسمه إياه في موضع آخر على وجه لا يضر بالنهر ولا بأحد جاز ذلك في قياس قول أصحابنا فإنهم قالوا فيمن استأجر أرضاً جاز أن يجري فيها ماء في نهر محفور إذا كان فيها ولأنه مستحق لنفع النهر في نوبته بإجراء الماء فأشبه ما لو استأجرها لذلك. (فصل) القسم الثاني أن يكون منبع الماء مملوكاً مثل أن اشترك جماعة في استنباط عين وإجرائها فإنهم يملكونها أيضاً لأن ذلك إحياء لها، ويشتركون فيها وفي ساقيتها على حسب ما أنفقوا عليها وعملوا فيها كما ذكرنا في النهر في القسم الذي قبله إلا أن الماء غير مملوك ثم لأنه مباح دخل ملكه فأشبه ما لو دخل بستانه صيد، وههنا يخرج على روايتين أصحهما أنه غير مملوك أيضاً وقد ذكرنا ذلك في كتاب البيع وعلى كل حال فلكل أحد أن يستقي من الماء الجاري لشربه ووضوئه وغسله وغسل ثيابه وينتفع به في أشباه ذلك مما لا يؤثر فيه من غير إذنه إذا لم يدخل إليه في مكان محوط عليه ولا يحصل لصاحبه المنع من ذلك لما روى أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ثلاثة لا ينظر الله إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم رجل كان يفضل ماء بالطريق فمنعه ابن السبيل " رواه البخاري وعن بهيسة عن أبيها أنه قال يا نبي الله ما الشئ الذي لا يحل منعه؟ قال الماء قال يا نبي الله ما الشئ الذي لا يحل منعه؟ قال

مسألة: وإن حفر بئرا عادية ملك حريمها خمسين ذراعا وإن لم تكن عادية فحريمها خمسة وعشرون

" الملح " قال يا نبي الله ما الشئ الذي لا يحل منعه؟ قال " أن تفعل الخير خير لك " رواه أبو داود ولأن ذلك لا يؤثر في العادة وهو فاضل عن حاجة صاحب النهر، وأما ما يؤثر كسقي الماشية الكثيرة فإن فضل عن حاجته لزمه بذله وإلا لم يلزمه وقد ذكرناه (فصل) إذا كان النهر أو الساقية مشتركاً بين جماعة فأرادوا إكراءه أو سد بثق فيه أو إصلاح حائطه أو شئ منه كان ذلك عليهم على حسب ملكهم فيه فإن كان بعضهم أدنى إلى أوله من بعض اشترك الكل في إصلاحه وإكرائه إلى أن يصلوا إلى الأول ثم لا شئ على الأول ويشترك الباقون حتى يصلوا الى الثاني ثم يشترك من بعده كذلك كلما انتهى العمل إلى موضع واحد منهم لم يكن عليه فيما بعده شئ وبهذا قال الشافعي وحكي عن أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد يشترك جميعهم في إكرائه كله لأنهم ينتفعون بجميعه فإن ما جاوز الأول مصب لمائه وإن لم يسق أرضه ولنا أن الأول إنما ينتفع بالماء الذي في موضع شربه وما بعده إنما يختص بالانتفاع به من دونه فلا يشاركهم في مؤنته كما لا يشاركهم في نفعه فإن كان يفضل عن جميعهم منه ما يحتاج إلى مصرف فمؤنته على جميعهم لاشتراكهم في الحاجة إليه والانتفاع به فكانت مؤنته عليهم كلهم كأوله

مسألة: وقيل: حريمها قدر مد رشائها من كل جانب

* (مسألة) * (وللإمام أن يحمي أرضا من الموات ترعى فيها دواب المسلمين التي يقوم بحفظها ما لم يضيق على الناس، ولا يجوز ذلك لغيره) معنى الحمى أن يحمي أرضا يمنع الناس رعى جشيشها ليختص بها وكانت العرب في الجاهلية تعرف ذلك فكان منهم من إذا انتجع بلداً أقام كلبا على نشز ثم استعواه ووقف له من كل ناحية من يسمع صوته بالعواء فحيث انتهى صوته حماه من كل ناحية لنفسه ويرعى مع الناس فيما سواه فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه لما فيه من التضييق على الناس ومنعهم من الانتفاع بشئ لهم فيه حق فروى الصعب بن جثامة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " لا حمى إلا لله ولرسوله " رواه أبو داود وقال عليه الصلاة والسلام " الناس شركاء في ثلاث في الماء والنار والكلأ " رواه الخلال فليس لأحد من الناس أن يحمي سوى الأئمة لما ذكرنا من الخبر والمعنى، فأما النبي صلى الله عليه وسلم فقد كان له أن يحمي لنفسه وللمسلمين لقوله " لا حمى إلا لله ولرسوله " ولم يحم لنفسه شيئا وإنما حمى للمسلمين فروى ابن عمر قال حمى النبي صلى الله عليه وسلم النقيع لخيل المسلمين رواه أبو عبيد والنقيع بالنون موضع ينتقع فيه الماء فيكثر فيه الخصب لمكان الماء الذي يصير فيه، وأما سائر أئمة المسلمين فليس لهم أن يحموا لأنفسهم شيئاً ولكن لهم أن يحموا مواضع لترعى فيها خيل المجاهدين ونعم الجزية وإبل الصدقة وضوال

مسألة: وقيل: إحياء الأرض ما عد إحياء وهو عمارتها بما تتهيأ به لما يراد منها

الناس التي يقوم الإمام بحفظها وماشية الضعيف من الناس على وجه لا يستضر به من سواه من الناس وبهذا قال أبو حنيفة ومالك والشافعي في صحيح قوليه، وقال في الآخر ليس لغير النبي صلى الله عليه وسلم إن يحمي لقوله " لا حمى إلا لله ولرسوله " ووجه الأول أن عمر وعثمان حميا واشتهر ذلك في الصحابة فلم ينكر عليهما فكان إجماعا فروى أبو عبيد باسناده عن عامر بن عبد الله بن الزبير أحسبه عن أبيه قال أتى أعرابي عمر فقال يا أمير المؤمنين بلادنا قاتلنا عليها في الجاهلية وأسلمنا عليها في الإسلام علام؟ تحميها قال فأطرق عمر وجعل ينفخ ويفتل شاربه وكان إذا كربه أمر فتل شاربه ونفخ فلما رأى الأعرابي ما به جعل يردد ذلك فقال عمر المال مال الله والعباد عباد الله والله لولا ما أحمل عليه في سبيل الله ما حميت من الأرض شبراً في شبر. قال خالك بلغني أنه كان يحمل في كل عام على أربعين ألفاً من الظهر، وعن أسلم قال سمعت عمر يقول لهني حين استعمله على حمى الربذة يا هني اضمم جناحك عن الناس واتق دعوة المظلوم فإنها مجابة وأدخل رب الصريمة والغنيمة ودعني من نعم ابن عوف ونعم ابن عفان فإنهما إن هلكت ماشيتهما رجعا إلى نخل وزرع وإن هذا المسكين إن هلكت ماشيته جاء يصرخ يا أمير المؤمنين فالكلأ أهون علي أم غرم الذهب والورق إنها أرضهم قاتلوا عليها في الجاهلية وأسلموا عليها في الإسلام وإنهم ليرون أنا نظلمهم ولولا النعم التي نحمل عليها في سبيل الله

لما حميت على الناس من بلادهم شيئاً أبداً وهذا اجماع؟؟؟؟؟؟ ولأن ما كان لمصالح المسلمين قامت الأئمة فيه مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " ما أطعم الله لنبي طعمة إلا جعلها طعمة من بعده " والخبر مخصوص وما حماه لنفسه يفارق حمى النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه لأن صلاحة يعود إلى صلاح المسلمين وماله كان يرده على المسلمين، وليس لهم أن يحموا إلا قدراً لا يضيق عن المسلمين ويضر بهم لأنه إنما جاز لما فيه من المصلحة لما يحمى وليس من المصلحة إدخال الضرر على أكثر الناس * (مسألة) * (وما حماه النبي صلى الله عليه وسلم فليس لأحد نقضه ولا تغييره مع بقاء الحاجة إليه) لأن ما حكم به النبي صلى الله عليه وسلم نص لا يجوز نقضه بالاجتهاد ومن أحيا منه شيئاً لم يملكه وإن زالت الحاجة إليه ففيه وجهان أصحهما أنه لا يجوز نقضه لما ذكرنا، فأما ما حماه غيره من الأئمة فغيره هو أو غيره من الأئمة جاز، وإن أحياه إنسان ملكه في أحد الوجهين لأن حمى الأئمة اجتهاد وملك الارض بالاسياء نص والنص يقدم على الاجتهاد والوجه الآخر لا يملكه لأن اجتهاد الامام لا يجوز نقضه كما لا يجوز نقض حكمه والأول أولى لأن الاجتهاد في حماء في تلك المدة دون غيره ولهذا ملك الحامي نقضه ومذهب الشافعي في هذا على نحو ما ذكرنا

مسألة: ومن تحجر مواتا لم يملكه وهو أحق به وورثته من بعده ومن ينقله إليه وليس له بيعه وقيل: له ذلك

كتاب الوقف وهو تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة وهو مستحب، والأصل فيه ما روى عبد الله بن عمر قال أصاب عمر أرضاً بخير فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يستأمره فيها فقال يا رسول الله إني أصبت أرضا بخيبر لم أصب قط مالا أنفس عندي منه فما تأمرني فيه؟ قال " إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها غير أنه لا يباع أصلها ولا يبتاع ولا يوهب ولا يورث " قال فتصدق بها عمر في الفقراء وذوي القربى والرقاب وابن السبيل والضيف لا جناح على من وليها أن يأكل منها أو يطعم صديقاً بالمعروف غير متأثل فيه أو غير متمول فيه متفق عليه وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به من بعده أو ولده صالح يدعو له " قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح ورواه مسلم (فصل) والقول بصحة الوقف قول أكثر أهل العلم من السلف ومن بعدهم، قال جابر لم يكن أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذو مقدرة إلا وقف ولم يره شريح وقال لا حبس عن فرائض الله قال أحمد هذا مذهب أهل الكوفة وحديث ابن عمر حجة على من خالفه وهو صريح في الحكم مع صحته وقول جابر نقل للإجماع فلا يلتفت الى خلاف ذلك

مسألة: فإن لم يتم إحياءه قيل له: إما أن تحييه وإما أن تتركه

* (مسألة) * وفيه روايتان إحداهما أنه يحصل بالقول والفعل الدال عليه مثل أن يبني مسجداً ويأذن للناس في الصلاة فيه أو يجعل أرضه مقبرة ويأذن لهم في الدفن فيها أو سقاية ويشرعها لهم) ظاهر المذهب أن الوقف يحصل بالفعل مع القرائن الدالة عليه التي ذكرناها قال أحمد في رواية أبي داود وأبي طالب فيمن أدخل بيتاً في المسجد وأذن فيه: لم يرجع فيه وكذلك إذا اتخذ المقابر وأذن للناس والسقاية فليس له الرجوع هذا قول أبي حنيفة، الرواية الأخرى لا يصح إلا بالقول ذكرها القاضي وهو مذهب الشافعي وأخذه القاضي من قول أحمد إذ سأله الأثرم عن رجل أحاط حائط على أرض ليجعلها مقبرة ونوى بقلبه ثم بدا له العود فقال إن كان جعلها لله فلا يرجع قال شيخنا وهذا لا ينافي الرواية الأولى فإنه إن أراد بقوله إن كان جعلها لله أي نوى بتحويطها جعلها لله فهذا تأكيد للرواية الأولى وزيادة عليها إذ منعه من الرجوع بمجرد التحويط مع النية وإن أراد بقوله جعلها لله أي اقترنت بفعله قرائن دالة على إرادة ذلك مع إذنه للناس في الدفن فيها فهو الرواية الأولى بعينها وإن أراد إذا وقفها بقوله فيدل بمفهومه على أن الوقف لا يحصل بمجرد التحويط والنية وهذا لا ينافي الرواية الأولى لأنه في الأولى انضم إلى فعله، إذنه للناس في الدفن ولم يوجد ههنا فلا تنافي بينهما ولم يعلم مراده من هذه الاحتمالات فانتفت هذه الرواية وصار المذهب رواية واحدة واحتجوا بأن هذا تحبيس على وجه القربة فوجب أن لا يصح بدون اللفظ كالوقف على الفقراء

مسألة: فإن طلب الإمهال أمهل مدة قريبة

ولنا أن العرف جار بذلك وفيه دلالة على الوقف فجاز أن يثبت به كالقول وجرى مجرى من قدم إلى ضيفه طعاماً كان إذناً في أكله ومن ملأ خابية ماء على الطريق كان تسبيلا له ومن نثر نثاراً كان إذناً في أخذه كذلك دخول الحمام واستعمال مائه من غير إذن مباح بدلالة الحال وقد ذكرنا في البيع أنه يصح بالمعاطاة وكذلك الهبة والهدية لدلالة الحال كذلك هذا وأما الوقف على المساكين فلم تجر به عادة بغير لفظ ولو كان شئ جرت به العادة أو دلت الحال عليه كان كمسئلتنا * (مسألة) * وصريحه وقفت وسبلت وحبست فمتى أتي بواحدة منها صار وقفاً من غير انضمام أمر زائد لأن هذه الألفاظ ثبت لها عرف الاستعمال بين الناس وانضم إلى ذلك عرف الشرع بقول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر " إن شئت حبست أصلها وسلبت ثمرتها " فصارت هذه الألفاظ في الوقف كلفظ التطليق في الطلاق والكناية تصدقت وحرمت وأبدت فليست صريحة لأن لفظة الصدقة والتحريم مشتركة فإن الصدقة تستعمل في الزكاة والهبات والتحريم يستعمل في الظهار والإيمان ويكون تحريماً على نفسه وعلى غيره، والتأبيد يحتمل تأبيد التحريم وتأييد الوقف فلم يثبت لهذه الألفاظ عرف الاستعمال فلا يصح الوقف بمجردها ككنايات الظاهر فإذا انضم إليها أحد ثلاثة أشياء حصل الوقف بها (أحدها) أن ينوي الوقف فيكون على ما نوى إلا أن النية تجعله وقفاً في الباطن دون الظاهر لعدم الاطلاع عليها فإن اعترف بما نواه لزم في الحكم لظهوره، وإن قال ما أردت الوقف فالقول قوله لأنه أعلم بما نوى

(الثاني) أن يضيف إليها لفظة تخلصها من الألفاظ الخمسة فيقول صدقة موقوفة أو محبسة أو مسبلة أو مؤبدة أو محرمة أو يقول هذه محرمة موقوفة أو محتبسة أو مسبلة أو مؤبدة (الثالث) : أن يصفها بصفات الوقف فيقول صدقة لا تباع ولا توهب ولا تورث لأن هذه القرينة تزيل الاشتراك. * (مسألة) * (ولا يصح الوقف إلا بشروط أربعة: (أحدها) أن يكون في عين يجوز بيعها ويمكن الانتفاع بها دائما مع بقاء عينها كالحيوان والعقار والأثاث والسلاح) وجملة ذلك أن الذي يصح وقفه ما جاز بيعه مع بقاء عينه وكان أصلاً يبقى بقاء متصلاً كالعقار والحيوان والسلاح والأثاث وأشباه ذلك قال أحمد في رواية الأثرم إنما الوقف في الدور والأرضين على ما وقف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال فيمن وقف خمس نخلات على مسجد: لا بأس به، وهذا قول الشافعي، وقال أبو يوسف لا يجوز وقف الحيوان ولا الرقيق ولا العروض إلا الكراع والسلاح والغلمان والبقر والآلة في الأرض الموقوفة تبعاً لها لأن هذا حيوان لا يقاتل عليه فلم يجز وقفه كما لو كان الوقف إلى مدة، وعن مالك في الكراع والسلاح روايتان ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أما خالد فإنه قد احتبس أدراعه واعتاده في سبيل الله " متفق

عليه وفي رواية أعتده أخرجه البخاري قال الخطابي الاعتاد ما يعده الرجل من مركوب وسلاح وآلة الجهاد، وروي أن أم معقل جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن أبا معقل جعل ناصحه في سبيل الله وإني أريد الحج أفأركبه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اركبيه فإن الحج والعمرة من سبيل الله " ولأنه يحصل فيه تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة فصح وقفه كالعقار والفرس الحبيس أو نقول يصح وقفه مع غيره فصح وحده كالعقار (فصل) قال أحمد رحمه الله في رجل له دار في الربض أو قطيعة فأراد التنزه منها قال يقفها وقال القطائع ترجع إلى الأصل أراد جعلها للمساكين فظاهر هذا إباحة وقف السواد وهو في الأصل وقف ومعناه أن وقفها يطابق الأصل لا أنها تصير بهذا القول وقفاً * (مسألة) * (ويصح وقف المشاع وبهذا قال مالك والشافعي وأبو يوسف، وقال محمد بن الحسن لا يصح وبناه على أصله في أن القبض شرط وهو لا يصح في المشاع ولنا أن في حديث عمر أنه أصاب مائة سهم من خيبر فاستأذن النبي صلى الله عليه وسلم فيها فأذن له في وقفها وهذا صفة المشاع ولأنه عقد يجوز على بعض الجملة مقرراً فجاز عليه مشاعا كالبيع ولأن الوقف تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة وهذا يحصل في المشاع كحصوله في المقرر ولا نسلم اعتبار القبض وان سلمها

مسألة: وله إقطاع الجلوس في الطرق الواسعة ورحاب المساجد ما لم يضيق على الناس

(فصل) وإن وقف داره على جهتين مختلفتين مثل أن يقفها على أولاده وعلى المساكين نصفين أو أثلاثاً أو كيفما كان جاز وسواء جعل مآل الموقوف على أولاده على المساكين أو على جهة سواهم لأنه إذا جاز وقف الجزء مفرداً جاز وقف الجزئين، وإن أطلق الوقف فقال وقفت داري هذه على أولادي وعلى المساكين فهي بينهما نصفين لأن إطلاق الإضافة إليهما يقتضي التسوية بين الجهتين ولا تتحقق إلا بالتنصيف وإن قال وقفتها على زيد وعمرو والمساكين فهي بينهم أثلاثاً * (مسألة) * (ويصح وقف الحلي على اللبس والعارية) لأن ذلك نفع مباح مقصود يجوز أخذ الأجرة عليه فصح الوقف عليه كوقف السلاح في سبيل الله ولما روى نافع قال ابتاعت حفصة حلياً بعشرين ألفاً فحبسته على نساء آل الخطاب فكانت لا تخرج زكاته رواه الخلال باسناده ولأنه عين يمكن الانتفاع بها مع بقائها دائما فصح وقفها كالعقار وهو قول الشافعي وروى عن أحمد أنه لا يصح وقفها عليه وأنكر الحديث عن حفصة في وقفه ووجه هذه الرواية إن التحلي ليس هو المقصود الأصلي من الأثمان فلم يصح وقفها عليه كما لو وقف الدنانير والدراهم والمذهب الأول لما ذكرنا، والتحلي من المقاصد المهمة والعادة جارية به وقد اعتبره الشرع في إسقاط الزكاة عن متخذه وجوز إجارته لذلك ويفارق الدراهم والدنانير فإن العادة لم تجر بالتحلي بها ولا اعتبر الشرع ذلك في إسقاط زكاة ولا ضمان نفعه في الغصب بخلاف مسئلتنا

مسألة: فإن طال مقامه منع في أحد الوجهين

* (مسألة) * (ولا يصح الوقف في الذمة كعبد ودار وسلاح غير معين) لأن الوقف إبطال لمعنى الملك فيه فلم يصح في غير معين كالعتق * (مسألة) * (ولا يصح في غير معين كأحد هذين العبدين) لأنه انقل للملك على وجه القربة فلم يصح في غير معين كالهبة * (مسألة) * (ولا يصح وقف ما لا يجوز بيعه كأم الولد والكلب والمرهون وكذلك الخنزير وسائر سباع البهائم التي لا تصلح للصيد وجوارح الطير التي لا يصاد بها) لأنه نقل للملك فيها في الحياة فلم يجز كالبيع ولأن الوقف تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة وما لا منفعة فيه مباحة فلا يحصل فيه تسبيل المنفعة والكلب أبيح الانتفاع به على خلاف الأصل للضرورة فلم يجز التوسع فيها، والمرهون في وقفه إبطال حق المرتهن منه فلم يجز ابطاله ولا يصح وقف الحمل المنفرد لأنه لا يجوز بيعه. (فصل) ولا يصح وقف ما لا ينتفع به مع بقائه دائماً كالأثمان والطعوم والرياحين) ما لا يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه كالدراهم والدنانير والمشروب وأشباهه من الرياحين لا يجوز وفقه في قول عامة الفقهاء وأهل العلم إلا شيئاً حكى عن مالك والاوزاعي في وقف الطعام أنه يجوز ولم يحكه أصحاب مالك وليس بصحيح لأن الوقف تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة وما لا ينتفع به إلا بالإتلاف لا يصح ذلك

مسألة: وهل يمنع إذا طال مقامه للأخذ؟ على وجهين

فيه وقيل في الدراهم والدنانير يصح وقفها عند من أجاز إجارتها ولا يصح لأن تلك المنفعة ليست المقصود الذي خلقت له الأثمان ولهذا لا تضمن في الغصب فلم يجز الوقف له كوقف الشجر على نشر الثياب والغنم على دوس الطين والشمع ليتجعل به ولذلك لا يصح وقف الشمع للإشعال لأنه يتلف بالانتفاع به فهو كالمأكول (الثاني) أن يكون على بر كالمساكين والمساجد والقناطر والأقارب مسلمين كانوا أو من أهل الذمة. وجملة ذلك أن الوقف لا يصح إلا على بر أو معروف لولده وأقاربه والمساجد والقناطر وكتب الفقه والعلم والقرآن والسقايات والمقابر وسبيل الله وإصلاح الطرق ونحو ذلك من القرب ويصح على أهل الذمة لأنهم يملكون ملكا محترما وتجوز الصدقة عليهم قال الله تعالى (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم) وإذا جازت الصدقة عليهم جاز الوقف عليهم كالمسلمين، وروي أن صفية زوج النبي صلى الله عليه وسلم وقفت على أخ لها يهودي ولأن من جاز أن يقف عليه الذمي جاز أن يقف المسلم عليه كالمسلم ولو وقف على من ينزل كنائسهم وبيعهم من المارة والمجتازين من أهل الذمة وغيرهم صح لأن الوقف عليهم لا على الموضع * (مسألة) * (ولا يصح على الكنائس وبيوت النار والبيع وكتب التوراة والإنجيل) لأن ذلك معصية فإن هذه المواضع بنيت للكفر وكتبهم مبدلة منسوخة ولذلك غضب النبي صلى الله عليه وسلم على عمر حين رأى معه صحيفة فيها شئ من التوراة وقال " أفي شك أنت يا ابن الخطاب؟ ألم آت بها بيضاء نقية؟ لو كان أخي موسى حياً لما وسعه إلا اتباعي " ولولا أن ذلك معصية ما غضب منه. وحكم

مسألة: ومن سبق إلى مباح كصيد أو عنبر وحطب وثمر ولقطة ولقيط وما ينبذه الناس رغبة عنه أو يضيع منهم مما لا تتبعه النفس وما يسقط من البلح وسائر المباحات فهو أحق به بإذن الإمام وغير إذنه لقول رسول اله صلى الله عليه وسلم: "من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم ف

الوقف على قناديل البيعة وفرشها ومن يخدمها ومن يعمرها كالوقف عليها لأنه يراد لتعظيمها والمسلم والذمي في ذلك سواء، قال أحمد في نصارى وقفوا على البيعة ضياعاً وماتوا ولهم أبناء نصارى فأسلموا والضياع بيد النصارى فلهم أخذها وللمسلمين عونهم حتى يستخرجوها من أيديهم وهذا مذهب الشافعي قال شيخنا ولا نعلم فيه مخالفاً لأن ما لا يصح من المسلم الوقف عليه لا يصح وقف الذي كغير المعين فإن قيل فقد قلتم إن أهل الكتاب إذا عقدوا عقوداً فاسدة وتقابضوا ثم أسلموا وترافعوا إلينا لم ننقض ما فعلوه فكيف أجزتم الرجوع فيما وقفوه على كنائسهم؟ قلنا الوقف ليس بعقد معاوضة إنما هو إزالة ملك في الموقوف على وجه القربة فإذا لم يقع صحيحاً لم يزل الملك بحاله كالعتق، وقد روي عن أحمد رحمه الله فيمن أشهد في وصيته أن غلامه فلانا يخدم البيعة خمس سنين ثم هو حر ثم مات مولاه وخدم سنة ثم أسلم ما عليه؟ قال هو حر ويرجع على الغلام بأجر خدمة مبلغ أربع سنين، وروي عنه قال هو حر ساعة مات مولاه لأن هذه معصية وهذه الرواية أصح وأوفق لأصوله، ويحتمل أن قوله يرجع عليه بخدمة أربع سنين لم يكن لصحة الوظيفة بل لأنه إنما أعتقه بعوض يعتقدان صحته فإذا تعذر العوض بإسلامه كان عليه ما يقوم مقامه كما لو تزوج الذمي ذمية على ذلك ثم أسلم فانه يجب عليه المهر كذا ههنا يجب عليه العوض والأول أولى

* (مسألة) * (ولا يصح الوقف على حربي ولا مرتد) لأن أموالهم مباحة في الأصل تجوز إزالتها فما يتجدد لهم أولى والوقف يجب أن يكون لازما لأنه تحبيس الأصل * (مسألة) * (ولا يصح على نفسه في إحدى الروايتين، فإن وقف على غيره واستثنى الأكل منه مدة حياته صح) اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله فيمن وقف على نفسه ثم على المساكين أو على ولده فقال في رواية أبي طالب وقد سئل عن هذا فقال لا أعرف الوقف إلا ما أخرجه لله تعالى أو في سبيله فإذا وقفه عليه حتى يموت فلا أعرفه، فعلى هذه الرواية يكون الوقف عليه باطلا وهل يبطل على من بعده؟ على وجهين بناء على الوقف المنقطع الابتداء وهذا مذهب الشافعي لأن الوقف تمليك للرقبة أو للمنفعة ولا يجوز أن يملك الإنسان نفسه من نفسه كما لو يجوز أن يبيع ماله من نفسه ولأن الوقف على نفسه إنما حاصله منع نفسه من التصرف في رقبة الملك فلم يصح ذلك كما لو أفرده بأن يقول لا أبيع هذا ولا أهبه ولا أورثه، ونقل جماعة أن الوقف صحيح اختاره ابن أبي موسى. قال ابن عقيل وهو أصح وهو قول ابن أبي ليلى وابن شبرمة وأبي يوسف وابن شريح لما نذكره في المسألة بعدها ولأنه يصح أن يقف وقفاً عاماً فينتفع به كذلك إذا خص نفسه بانتفاعه والأول أقيس (فصل) ومن وقف وقفاً صحيحاً على إنسان فقد صارت منافعه جميعها للموقوف عليه وزال ملكه

مسألة: فإن أراد إنسان إحياء أرض ليسقيها من ماء النهر جاز ما لم يضر بأهل الأرض الشاربة منه

عن الوقف وملك منافعه فلم يجز أن ينتفع بشئ منها فأما إن وقف شيئاً للمسلمين دخل في جملتهم مثل أن يقف مسجداً فله إن يصلي فيه أو مقبرة فله الدفن فيها أو بئر للمسليمن فله أن يسقي منها أو سقاية أو شيئاً يعم المسلمين فكيون كأحدهم لا نعلم في ذلك خلافا وقد روي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه سبل بئر رومة وكان دلوه فيها كدلاء المسلمين * (مسألة) * (وإن وقف على غيره واستثنى الأكل منه مدة حياته صح) إذا وقف وقفاً على غيره وشرط أن ينفق منه على نفسه صح الوقف والشرط نص عليه أحمد قال الأثرم قيل لأبي عبد الله اشترط في الوقف أني أنفق على نفسي وأهلي؟ قال نعم واحتج قال سمعت ابن عيينة عن ابن طاوس عن أبيه عن حجر المدري أن في صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأكل أهله منها بالمعروف غير المنكر قال القاضي يصح الوقف رواية واحدة لأن أحمد نص عليها في رواية جماعة وبذلك قال ابن أبي ليلى وابن شبرمة وأبو يوسف والزبيري وابن شريح وقال مالك والشافعي ومحمد بن الحسن لا يصح الوقف لأنه إزالة الملك فلم يجز اشتراط نفعه لنفسه كالبيع والهبة وكما لو أعتق عبداً واشترط أن يخدمه ولأن ما ينفقه على نفسه مجهول فلم يصح اشتراطه كما لو باع شيئاً واشترط أن ينتفع به. ولنا أن الخبر الذي ذكره الإمام أحمد ولأن عمر رضي الله عنه لما وقف قال لا بأس على من

وليها أن يأكل منها أو يطعم صديقا غير متمول منه وكان الوقف في يده إلى أن مات ولأنه إذا وقف وقفاً عاما كالمساجد والسقايات والمقابر كان له الانتفاع به وكذلك ههنا ولا فرق بين أن يشترط لنفسه الانتفاع به مدة حياته أو مدة معلومة معينة وسواء قدر ما يأكل منه أو أطلقه فإن عمر لم يقدر ما يأكله الوالي ويطعم إلا بقوله بالمعروف وفي حديث صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه شرط أن يأكل أهله منها بالمعروف غير المنكر إلا أنه إذا شرط أن ينتفع بها مدة معينة فمات فيها فينبغي أن يكون ذلك لورثته كما لو باع داراً واشترط أن يسكنها سنة فمات في أثنائها (فصل) ويصح أن يشترط أن يأكل منها أهله لأن النبي صلى الله عليه شرط ذلك في صدقته وإن شرط أن يأكل منه من وليه ويطعم صديقا صح لأن عمر شرط ذلك في صدقته التي استأمر فيها رسول الله عليه وسلم فإن وليها الواقف كان له أن يأكل ويطعم صديقا لأن عمر ولي صدقته وإن وليها أحد من أهله فله ذلك لأن حفصة بنت عمر كانت تلي صدقته بعد موته ثم وليها بعدها عبد الله بن عمر (فصل) فإن اشترط أن يبيعه متى شاء أو يهبه أو يرجع فيه بطل الوقف والشرط لا نعلم في بطلان الشرط خلافاً لأنه ينافي مقتضى الوقف ويحتمل أن يبطل الشرط ويصح الوقف بناء على الشروط الفاسدة في البيع وإن شرط الخيار في الوقف فسد نص عليه أحمد وبه قال الشافعي وقال أبو يوسف في رواية عنه يصح لأن الوقف تمليك المنافع فجاز شرط الخيار فيه كالإجارة

ولنا أنه شرط ينافي مقتضى العقد فلم يصح كما لو شرط أن له بيعه متى شاء ولأنه إزالة ملك لله تعالى فلم يصح شرط الخيار فيه كالعتق ولأنه ليس بعقد معاوضة فلم يصح اشتراط الخيار فيه كالهبة بخلاف الإجارة فإنها عقد معاوضة وههنا لو ثبت الخيار لثبت مع ثبوت حكم الوقف فافترقا (فصل) وإن شرط في الوقف إن يخرج من شاء من أهل الوقف ويدخل من شاء من غيرهم لم يصح لأنه شرط ينافي مقتضى الوقف فأفسده كما لو شرط أن لا ينتفع به فأما إن شرط للناظر أن يعطي من يشاء من أهل الوقف ويمنع من يشاء جاز لأن ذلك ليس باخراج للموقوف عليه من الوقف وإنما علق استحقاق الوقف بصفة فكأنه جعل له حقاً في الوقف إذا اتصف بإرادة الناظر عطيته ولم يجعل له حقاً إذا انتفت تلك الصفة فيه فأشبه ما لو وقفه على المشتغلين بالعلم من ولده فإنه يستحق منهم من اشتغل دون من لم يشتغل فمتى ترك المشتغل الاشتغال زال استحقاقه فإن عاد إليه عاد استحقاقه * (فصل) * إذا جعل علو داره مسجداً دون أسفلها أو أسفلها دون علوها صح وقال أبو حنيفة لا يصح لأن المسجد يتبعه هواؤه ولنا أنه يصح بيعها كذلك فصح وقفها كالدار جميعها ولأنه تصرف يزيل الملك الى من يثبت له حق الاستقرار والتصرف فجاز فيما ذكرنا كالبيع * (فصل) * فإن جعل وسط داره مسجداً ولم يذكر الاستطراق صح وقال أبو حنيفة لا يصح حتى يذكر الاستطراق

ولنا أنه عقد يبيح الانتفاع من ضرورته الاستطراق فصح وإن لم يذكره كما لو أجر بيتاً من داره * (مسألة) * (الثالث أن يقفه على معين يملك ولا يصح على مجهول كرجل ومسجد) لأنه تمليك أشبه البيع ولأن الوقف تمليك للعين أو للمنفعة فلا يصح على غير معين كالإجارة * (مسألة) * (ولا يصح على حيوان لا يملك كالعبد القن وأم الولد والمدبر والميت والحمل والملك والبهيمة والجن) قال أحمد فيمن وقف على مماليكه لا يصح الوقف حتى يعتقهم وذلك لأن الوقف تمليك فلا يصح على من لا يملك فإن قيل فقد جوزتم الوقف على المساجد والسقايات وأشباهها وهي لا تملك قلنا الوقف هناك على المسلمين إلا أنه عين في نفع خاص لهم فإن قيل فينبغي أن يصح الوقف على الكنائس ويكون الوقف على أهل الذمة والوقف عليهم جائز قلنا على الجهة التي عين صرف الوقف فيها ليست نفعاً بل هي معصية محرمة يزدادون بها عقابا وإثماً بخلاف المساجد فإن قيل فلم لا يصح الوقف على العبد إذا قلنا أنه يملك بالتمليك؟ قلنا لأن الوقف يقتضي تحبيس الأصل والعبد لا يملك ملكا لازما ولا يصح على المكاتب وإن كان يملك لأن ملكه غير مستقر * (مسألة) * (الرابع أن يقف ناجزاً فإذا علقه على شرط لم يصح إلا أن يقول هو وقف بعد

موتي فيصح في قول الخرقي وعند أبي الخطاب لا يصح) لا يصح تعليق ابتداء الوقف على شرط في الحياة مثل أن يقول إذا جاء رأس الشهر قداري وقف أو فرسي حبيس أو إذا ولد لي ولد أو إذا قدم غائب ونحو ذلك ولا نعلم في هذا خلافاً لأنه نقل للملك فيما لم يبن على التغليب والسراية فلم يجز تعليقه على شرط في الحياة كالهبة (فصل) فأما إذا قال هو وقف بعد موتي فظاهر كلام الخرقي أنه يصح ويعتبر من الثلث كسائر الوصايا وهو ظاهر كلام أحمد وقال القاضي لا يصح هذا لأنه تعليق للوقف على شرط فلم يصح كما لو علقه على شرط في حياته وحمل كلام الخرقي علي أنه قال قفوا بعد موتي فتكون وصية بالوقف لا اياقفا ولنا على صحة الوقف المعلق بالموت ما احتح به أحمد أن عمرا وصى فكان في وصيته هذا ما أوصى به عبد الله عمر أمير المؤمنين إن حدث به حدث ان ثمنا صدقة والعبد الذي فيه والسهم الذي بخيبر ورقيقه الذي فيه والمائة وسق الذي أطعمني محمد صلى الله عليه وسلم تليه حفصة ما عاشت ثم يليه ذو الرأي من أهله لا يباع ولا يشترى ينفقه حيث يرى من السائل والمحروم وذوي القربى ولا حرج على من وليه إن أكل أو اشترى رقيقاً رواه أبو داود بنحو من هذا وهذا نص في مسئلتنا ووقفه هذا كان بأمر النبي صلى الله عليه وسلم ولأنه اشتهر في الصحابة ولم ينكر فكان أجماعاً ولأن هذا تبرع معلق بالموت فصح كالهبة والصدقة المطلقة أو نقول صدقة معلقة بالموت فأشبهت غير الوقف وفارق هذا التعليق على شرط في الحياة

بدليل الصدقة المطلقة أو الهبة وغيرهما وذلك لأن هذا وصية والوصية أوسع من التصرف في الحياة بدليل جوازها بالمجهول والمعدوم وللمجهول وللحمل وغير ذلك وبهذا يبين فساد قياس من قاس على هذا الشرط بقية الشروط وسوى المتأخرون من أصحابنا بين تعليقه بالموت وتعليقه بشرط في الحياة ولا يصح لما ذكرنا من الفرق بينهما (فصل) ولا يشترط القبول إلا أن يكون على آدمي معين ففيه وجهان أحدهما يشترط فإن لم يقبل أو رده بطل في حقه دون من بعده وصار كما لو وقف على من لا يجوز ثم على من يجوز يصرف في الحال إلى من بعده وجملة ذلك أن الوقف إذا كان على غير معين كالمساكين أو من لا يتصور منه القبول كالمساجد والقناطر لم يفتقر إلى القبول ون كان على آدمي معين ففيه وجهان أحدهما لا يشترط اختاره القاضي لأنه أحد نوعي الوقف فلم يشترط له القبول كالنوع الآخر ولأنه إزالة ملك تمنع البيع والهبة والميراث فلم يعتبر فيه قبول كالعتق والثاني يشترط لأنه تبرع لآدمي معين فكان من شرطه القبول كالهبة والوصية يحققه أن الوصية إذا كانت لآدمي معين وقفت على قبوله وإن كانت لغير معين كالمساكين أو لمسجد أو نحوه لم تفتقر إلى قبول كذا هاهنا والأول أولى والفرق بينه وبين الهبة والوصية أو الوقف لا يختص المعين بل يتعلق به حق من يأتي من البطون في المستقبل فيكون الوقف على جميعهم إلا أنه مرتب فصار بمنزلة الوقف

على الفقراء الذي لا يبطل برد واحد منهم ولا يقف على قبوله والوصية للمعين بخلافه وهذا مذهب الشافعي وإذا قلنا لا يفتقر إلى القبول لم يبطل بالرد كالعتق وإن قلنا يفتقر إلى القبول فرده بطل في حقه دون من بعده وصار كالوقف المنقطع الابتداء يخرج في صحته في حق من سواه وبطلانه وجهان بناء على تفريق الصفقة * (فصل) * إذا وقف على من لا يجوز ثم على من يجوز فهو وقف منقطع الابتداء كالوقف على عبده وأم ولده أو مجهول فإن لم يذكر له مآلا فالوقف باطل وكذلك إن جعل له مآلا لا يجوز الوقف عليه لأنه أخل بأحد شرطي الوقف فبطل كما لو وقف ما لا يجوز وقفه، وإن جعل له مآلا يجوز الوقف عليه كمن يقف على عبده ثم على المساكين ففي صحته وجهان بناء على تفريق الصفقة، وللشافعي قولان كالوجهين، فإذا قلنا يصح وهو قول القاضي وكان من لا يجوز الوقف عليه لا يمكن اعتبار انقراضه كالميت والمجهول والكنائس صرف في الحال إلى من يجوز الوقف عليه لأننا لما صححنا الوقف مع ذكر ما لا يجوز الوقف عليه فقد ألغيناه لتعذر التصحيح مع اعتباره، وإن كان من لا يجوز الوقف عليه يمكن اعتبار انقراضه كأم ولده وعبد معين فكذلك ذكره أبو الخطاب وفيه وجه آخر أنه يصرف في الحال إلى مصرف الوقف المنقطع إلى أن ينقرض من لا يجوز الوقف عليه فإذا انقرض صرف إلى من يجوز ذكره القاضي وابن عقيل لأن الواقف إنما جعله وقفاً على من يجوز بشرط انقراض هذا فلا يثبت بدونه، ويفارق ما لا يمكن اعتبار انقراضه لتعذر اعتباره ولأصحاب الشافعي وجهان كهذين * (فصل) * فإن كان الوقف صحيح الطرفين منقطع الوسط كمن وقف على ولده ثم على عبيده ثم على

مسألة: وللإمام أن يحمي أرضا من الموات ترعى فيها دواب المسلمين التي يقوم بحفظها ما لم يضيق على الناس، ولا يجوز ذلك لغيره

المساكين خرج في صحة الوقف وجهان على ما نذكره في الوقف المنقطع الانتهاء، ثم ينظر فيما لا يجوز الوقف عليه فإن لم يمكن اعتبار انقراضه ألغيناه إذا قلنا بالصحة وإن أمكن اعتبار انقراضه فهل يعتبر أو يلغى؟ على وجهين كما تقدم، فإن كان منقطع الطرفين صحيح الوسط كمن وقف على عبده ثم على أولاده ثم على الكنيسة خرج في صحته أيضاً وجهان ومصرفه بعد من يجوز الوقف عليه إلى مصرف الوقف المنقطع * (مسألة) * (وإن وقف على جهة تنقطع ولم يذكر له مآلاً أو وقف على من يجوز ثم على من لا يجوز أو قال وقفت وسكت انصرف بعد انقراض من يجوز الوقف عليه إلى ورثة الواقف وقفاً عليهم في إحدى الروايتين، والأخرى إلى أقرب عصبته وهل يختص به فقراءهم؟ على وجهين، وقال القاضي في موضع يكون وقفاً على المساكين) وجملة ذلك أن الوقف الذي لا اختلاف في صحته عند القائلين بصحة الوقف ما كان معلوم الابتداء والانتهاء غير منقطع مثل أن يجعل على المساكين أو طائفة لا يجوز بحكم العادة انقراضهم، وإن كان معلوم الانتهاء مثل أن يقف على قوم يجوز انقراضهم بحكم العادة ولم يجعل آخره للمساكين ولا لجهة غير منقطعة فهو صحيح أيضاً وبه قال مالك وابو يوسف والشافعي في أحد قوليه، وقال محمد بن الحسن لا يصح وهو القول الثاني للشافعي لأن الوقف مقتضاه التأبيد فإذا كان منقطعاً صار وقفاً على مجهول فلم يصح كما لو وقف على مجهول في الابتداء

ولنا أنه تصرف معلوم المصرف فصح كما لو صرح بمصرفه المتصل ولأن الإطلاق إذا كان له عرف حمل عليه كنقد البلد وعرف الصرف ههنا أولى الجهات به فكأنه عينهم. إذا ثبت هذا فإنه ينصرف عند انقراض الموقوف عليهم إلى أقارب الواقف وبه قال الشافعي إلا أنه قال يكون وقفاً على أقرب الناس إلى الواقف الذكر والأنثى فيه سواء، وعن أحمد أنه يصرف إلى المساكين اختاره القاضي والشريف أبو جعفر لأنهم مصرف الصدقات وحقوق الله تعالى من الكفارات ونحوها فإذا وجدت صدقة غير معينة الصرف انصرفت إليهم كما لو نذر صدقة مطلقة، وعن أحمد رواية ثالثة انه يجعل في بيت مال المسلمين لأنه مال لا مستحق له فأشبه مال من لا وارث له وقال أبو يوسف يرجع إلى الواقف وإلى ورثته إلا أن يقول صدقة موقوفة ينقق منها على فلان وفلان فإذا انقرض المسمى كانت على الفقراء والمساكين لأنه جعلها صدقة على مسمى فلا تكون على غيره، ويفارق ما إذا كان ينفق منها على فلان وفلان فإنه جعل الصدقة مطلقة. ولنا أنه أزال ملكه لله تعالى فلم يجز أن يرجع إليه كما لو أعتق عبداً، والدليل على صرفه إلى أقارب الواقف أنهم أولى الناس بصدقته لقول النبي صلى الله عليه وسلم " صدقتك على غير ذي رحمك صدقة وصدقتك على ذي رحمك صدقة وصلة " وقال " إنك إن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس " ولأنهم أولى الناس بصدقاته النوافل والمفروضات فكذلك صدقته المنقولة. إذا ثبت فإنه يكون

للفقراء منهم والأغنياء في إحدى الروايتين عن أحمد وهو ظاهر كلام الخرقي لأن الوقف لا يخص الفقراء ولأنه لو وقف على أولاده تناول الأغنياء والفقراء كذا ههنا، وفيه وجه آخر إنه يختص الفقراء منهم لأنهم أهل الصدقات دون الأغنياء ولأننا خصصنا الأقارب بالوقف لكونهم أولى الناس بالصدقة وأولى الناس بالصدقة الفقراء دون الاغيناء، واختلفت الرواية فيمن يستحق الوقف من أقرباء الواقف ففي إحدى الروايتين يختص بالورثة منهم لأنهم الذين صرف الله إليهم ماله بعد موته واستغنائه عنه فكذلك يصرف إليهم من ماله ما لم يذكر له مصرفا، فعلى هذا يكون بينهم على حسب ميراثهم ويكون وقفاً عليهم نص عليه أحمد وذكره القاضي لأن الوقف يقتضي التأبيد، وإنما صرفناه إلى هؤلاء لأنهم أحق الناس بصدقته فيصرف إليهم مع بقائه صدقة ويحتمل أن يصرف إليهم على سبيل الإرث على ما ذكره الخرقي ويبطل الوقف فيه كقول أبي يوسف والرواية الثانية يكون وقفاً على أقرب غصبة الواقف دون بقية الوراث ودون البعيد من العصبات فيقدم الأقرب فالأقرب على حسب استحقاقهم لولاء الموالي لانهم خصوصا بالعقل عنه وبميراث مواليه فخصوا بهذا أيضاً، قال شيخنا وهذا لا يقوى عندي فإن استحقاقهم لهذا دون غيرهم من الناس لا يكون إلا بدليل من نص أو إجماع ولا نعلم فيه نصاً ولا إجماعاً ولا يصح قياسه على ميراث ولاء الموالي لأن علته لا تتحقق ههنا، وأقرب الأقوال فيه صرفه إلى المساكين لأنهم مصارف مال الله وحقوقه فان كان في أقارب الواقف مساكين كانوا أولى

مسألة: وما حماه النبي صلى الله عليه وسلم فليس لأحد نقضه ولا تغييره مع بقاء الحاجة إليه

به لا على سبيل الوجوب كما أنهم أولى بزكاته وصلاته مع جواز الصرف إلى غيرهم ولانا إذا صرفناه إلى أقاربه على سبيل التعيين فهي أيضاً جهة منقطعة فلا يتحقق اتصاله إلا بصرفه إلى المساكين فإن لم يكن للواقف أقارب أو كان له أقارب فانقرضوا صرف إلى الفقراء أو المساكين وقفاً عليهم لأن القصد به الثواب الجاري عليه على وجه الدوام، وإنما قدمنا الأقارب على المساكين لكونهم أولى فإذا لم يكونوا فالمساكين أهل لذلك فصرف إليهم إلا على قول من قال إنه يصرف إلى ورثة الواقف ملكاً لهم فإنه يصرف عند عدمهم الى بيت المال لأنه بطل الوقف فيه بانقطاعه فصار ميراثاً لا وارث له فكان بيت المال أولى به (فصل) وإن وقف على من يجوز ثم على من لا يجوز كمن وقف على أولاده ثم على البيع صح الوقف أيضاً ويرجع بعد انقراض من يجوز الوقف عليه إلى من يصرف إليه الوقف المنقطع كالمسألة قبلها لأن ذكر من لا يجوز الوقف عليه وعدمه واحد ويحتمل أن لا يصبح الوقف لأنه جمع بين ما يجوز وما لا يجوز فأشبه تفريق الصفقة (فصل) فإن قال وقفت هذا وسكت أو قال صدقة موقوفة ولم يذكر سبيله فلا نص فيه وقال ابن حامد يصح الوقف قال القاضي هو قياس قول أحمد فإنه قال في النذر المطلق ينعقد موجباً لكفارة اليمين وهو قول مالك والشافعي في أحد قوليه لأنه إزالة ملك على وجه القربة فوجب أن يصح

كتاب الوقف

مطلقاً كالأضحية والوصية، ولو قال وصيت بثلث مالي صح وإذا صح صرف إلى مصارف الوقف المنقطع عند انقراض الموقوف عليه كما ذكرنا * (مسالة) * (وإن قال وقفت داري سنة أو إلى يوم يقدم الحاج لم يصح في أحد الوجهين) لأن مقتضى الوقف التأبيد وهذا ينافيه (والوجه الآخر) يصح لأنه منقطع الانتهاء فهو كما لو وقف على منقطع الانتهاء فإن قلنا يصح فهو كمنقطع الانتهاء يصرف إلى مصرف الوقف المنقطع الانتهاء (فصل) فإن قال هذا وقف على ولدي سنة ثم على المساكين صح وكذلك إن قال وقف على ولدي مدة حياتي ثم هو بعد موتي للمساكين صح لأنه وقف متصل الابتداء والانتهاء، وإن قال وقف على المساكين ثم على أولادي صح ويكون وقفاً على المساكين ويلغو قوله على أولادي لأن المساكين لا انقراض لهم * (مسألة) * (ولا يشترط اخراح الوقف عن يده في إحدى الروايتين) ظاهر المذهب أن الوقف يزول به ملك الواقف ويلزم بمجرد اللفظ لأن الوقف يحصل به وعن أحمد أنه لا يلزم الا بالقبض وإخراج الوقف عن يده فإنه قال الوقف المعروف أن يخرجه من يده إلى غيره يوكل فيه من يقوم به اختاره ابن أبي موسى وهو قول محمد بن الحسن لأنه تبرع بما لم يخرجه عن المالية فلم يلزمه بمجرده كالهبة والوصية

مسألة: وفيه روايتان إحداهما أنه يحصل بالقول والفعل الدال عليه مثل أن يبني مسجدا ويأذن للناس في الصلاة فيه أو يجعل أرضه مقبرة ويأذن لهم في الدفن فيها أو سقاية ويشرعها لهم

ولنا ما رويناه من حديث عمر ولأنه تبرع يمنع البيع والهبة والميراث فيلزم بمجرده كالعتق، ويفارق الهبة فإنها تمليك مطلق والوقف تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة فهو بالعتق أشبه وإلحاقه به أولى. * (فصل) * قال رضي الله عنه (ويملك الموقوف عليه الوقف وعنه لا يملكه) ظاهر المذهب أن الملك ينتقل في الموقوف إلى الموقوف عليه قال أحمد إذا وقف داره على ولد أخيه صارت لهم وهذا يدل على أنهم ملكوه وروى عن أحمد أنه لا يملك فإن جماعة نقلوا عنه فيمن وقف على ورثته في مرضه يجوز لأنه لا يباع ولا يورث ولا يصير ملكاً للورثة وإنما ينتفعون بغلتها وهذا يدل بظاهره على أنهم لا يملكون، ويحتمل أن يريد بقوله لا يملكون أي لا يملكون التصرف في الرقبة فإن فائدة الملك وآثاره ثابتة في الوقف وعن الشافعي من الاختلاف نحو ما حكيناه وقال أبو حنيفة لا ينتقل الملك في الوقف اللازم بل يكون حق الله تعالى لأنه إزالة ملك عن العين والمنفعة على وجه القربة بتمليك المنفعة فانتقل إلى الله تعالى كالعتق ولنا أنه سبب يزيل ملك الواقف وجه إلى من يصح تمليكه على وجه لم يخرج المال عن ماليته فوجب أن ينقل الملك إليه كالهبة والبيع ولأنه لو كان تمليك المنفعة المجردة لم يلزم كالعارية والسكنى ولم يزل ملك الواقف عنه كالعارية، ويفارق العتق فإنه أخرجه عن المالية وامتناع التصرف في الرقبة لا يمنع الملك كأم الولد

مسألة: وصريحه وقفت وسبلت وحبست فمتى أتى بواحدة منها صار وقفا من غير انضمام أمر زائد

* (مسألة) * (ويملك صوفه ولبنه وثمرته ونفعه) لأنه نماء ملكه ولا نعلم في ذلك خلافاً * (مسألة) * (وليس له وطئ الجارية فإن فعل فلا حد عليه ولا مهر) لا يجوز للموقوف عليه وطئ الأمة الموقوفة لأنا لا نأمن حبلها فتنقص أو تتلف او تخرج من الوقف بكونها أم ولد ولأن ملكه ناقص فإن وطئ فلا حد عليه للشبهة ولا مهر عليه لأنه لو وجب لوجب له ولا يجب للإنسان شئ على نفسه * (مسألة) * (وإن ولدت فالولد حر) لأنه من وطئ شبهة وعليه قيمته يوم الوضع يشترى بها عبد مكانه لأنه فوت رقه وتصير أم ولد له لأنه أحبلها بحر في ملكه فإذا مات عتقت وتجب قيمتها في تركته لأنه أتلفها على من بعده من البطون فيشتري بها جارية تكون وقفاً مكانها، وإن قلنا لا يملكها الموقوف عليه لم تصر أم ولد له بذلك لأنها أجنبية * (مسألة) * (فإن أعتقها لم ينفذ عتقه) لأنه يتعلق به حق غيره ولأن الوقف لازم فلا يمكن من إبطاله فإن كان نصف العبد وقفاً ونصفه طلقاً فأعتق صاحب الطلق لم يسر عتقه إلى الوقف لأنه إذا لم يعتق بالمباشرة فبالسراية أولى * (مسألة) * (وإن وطئها أجنبي بشبهة فالولد حر)

مسألة: ولا يصح الوقف إلا بشروط أربعة: أحدها: أن يكون في عين يجوز بيعها ويمكن الانتفاع بها دائما مع بقاء عينها كالحيوان والعقار والأثاث والسلاح

لاعتقاده أنه يطأ في ملكه وإن كان الواطئ عبداً وعليه المهر لأهل الوقف لأنه وطئ جاريتهم في غير ملك أشبه الأمة المطلقة، وتجب قيمته لأنه كان من سبيله أن يكون مملوكاً فمنعه اعتقاد الحرية من الرق فوجبت قيمته يشتري بها عبداً يكون وقفاً وتعتبر قيمته يوم تضعه حياً لأنه لا يمكن تقويمه قبل ذلك وإن وطئها مكرهة أو طاوعته فعليه الحد إذا انتفت الشبهة والمهر لأهل الوقف لأنه وطئ جارية غيره ويكون ولدها وقفاً معها لأنه تبع لها * (مسألة) * (وإن تلفت فعليه قيمتها يشتري بها مثلها) سواء أتلفها أجنبي أو الواقف كما لو اتلف غير الوقف، وإن أتلفه الموقوف عليه فعليه قيمته أيضاً يشتري بها مثله يقوم مقامه لأنه لا يملك التصرف في رقبته إنما له نفعه ويحتمل أن يملك الموقوف عليه قيمة الولد فيما إذا وطئها أجنبي بشبهة فأتت بولد ولا يلزمه قيمته إن أولدها لذلك * (مسألة) * (وله تزويج الأمة وأخذ مهرها وولدها وقف معها ويحتمل أن يملكه) يجوز للموقوف عليه تزويج الأمة الموقوفة لأنه عقد على منفعتها أشبه الإجارة ولأن الموقوف عليه لا يملك استيفاء هذه المنفعة فلا يتضرر بتمليك غيره إياها والمهر للموقوف عليه لأنه بدل نفعها أشبه الأجرة، ويحتمل أن لا يجوز تزويجها لأنه عقد على منفعتها في العمر فيفضى إلى تفويت منفعتها في حق البطن الثاني، ولأن النكاح يتعلق به حقوق من وجوب تمكين الزوج من استمتاعها ومبيتها عنده فتفوت خدمتها في الليل على البطن الثاني فإن طلبت التزويج وجب تزويجها لأنه حق لها طلبته فنعينت

مسألة: ويصح وقف المشاع وبهذا قال مالك والشافعي وأبو يوسف، وقال محمد بن الحسن لا يصح وبناه على أصله في أن القبض شرط وهو لا يصح في المشاع

الإجابة إليه وما فات من الحق به يفوت تبعاً لإبقائها حقها فلا يكون مانعاً من تزويجها كغير الموقوفة إذا طلبت ذلك وإذا زوجها فولدت من الزوج فولدها وقف معها لأن ولد كل ذات رحم حكمه حكمها كأم الولد والمكاتبة ويحتمل أن يملك الموقوف عليه ولدها لأنه من نمائها * (مسألة) * (وإن جنى الوقف خطأ فالأرش على الموقوف عليه ويحتمل أن يكون في كسبه) إذا جنى الوقف جناية موجبة للمال لم يتعلق أرشها برقبته لأنه لا يمكن بيعها ويجب أرشها على الموقوف عليه لأنه ملكه تعذر تعلق أرشه برقبته فكان على مالكه كجناية أم الولد ولا يلزمه أكثر من قيمته كأم الولد، فإن قلنا أن الوقف لا يملك فالارش في كسبه لأنه تعذر تعلقه برقبته لكونها لا تباع وبالموقوف عليه لأنه لا يملكه فكان في كسبه كالحر، ويحتمل أن يكون في بيت المال كأرش جناية الحر المعسر. قال شيخنا: وهذا احتمال ضعيف فإن الجناية إنما تكون في بيت المال في صورة تحملها العاقلة عند عدمها وجناية العبد لا تحملها العاقلة، وإن كان الوقف على المساكين فينبغي أن يكون الارض في كسبه لأنه ليس له مستحق معين يمكن إيجاب الأرش عليه ولا يمكن تعلقه برقبته فتعين في كسبه، ويحتمل أن يكون في بيت المال، وان جنى جناية توجب القصاص وجب سواء كانت على الموقوف عليه أو على

مسألة: ويصح وقف الحلي على اللبس والعارية

غيره، فإن قتل بطل الوقف فيه وإن قطع كان باقيه وقفاً كما لو تلف بفعل الله تعالى (فصل) وإن جني على الوقف جناية موجبة للمال وجب لأن ماليته لم تبطل ولو بطلت ماليته لم يبطل ارش الجناية عليه فإن الحر يجب ارش الجناية عليه فإن قتل وجبت قيمته وليس للموقوف عليه العفو عنها لأنه لا يختص بها ويشترى مثل المجني عليه يكون وقفاً، وقال بعض الشافعية يختص الموقوف عليه بالقيمة إن قلنا إنه يملك الموقوف لأنها بدل ملكه ولنا أنه ملك لا يختص به فلم يختص ببدله كالعبد المشترك والمرهون، وبيان عدم الاختصاص ظاهر فإنه يتعلق به حق البطن الثاني فلم يجز ابطاله ولا نعلم قدر ما يستحق هذا منه فيعفو عنه فلم يصح العفو عن شئ منه كما لو أتلف رجل رهناً أخذت منه قيمته فجعلت رهناً ولم يصح عفو واحد منهما عنه، وإن كانت الجناية عمداً محضاً من مكافئ له فالظاهر أنه لا يجب القصاص لأنه محل لا يختص الموقوف عليه فلم يجز أن يقتص من قاتله كالعبد المشترك، وقال بعض أصحاب الشافعي يكون ذلك إلى الامام فإن قطعت يد العبد أو بعض أطرافه فله استيفاء القصاص لأنه حق لا يشاركه فيه غيره، وإن كان القطع لا يوجب القصاص أو يوجبه فعفا عنه وجب نصف قيمته، فإن أمكن أن يشترى بها عبد كامل وإلا اشتري شقص من عبد * (مسألة) * (وإذا وقف على ثلاثة ثم على المساكين فمن مات منهم رجع نصيبه إلى الآخرين فإذا ماتا رجع إلى المساكين) لأنه جعله لهم مشروطاً بانقراض الثلاثة فوجب اتباع شرطه في ذلك

مسألة: ولا يصح الوقف في الذمة كعبد ودار وسلاح غير معين

كسائر شروطه وكما لو وقف على ولده ثم على المساكين فإنه لا يصرف إلى المساكين شئ من الوقف إلا بعد انقراض الولد كذا ههنا * (فصل) * قال رضي الله عنه (ويرجع إلى شرط الواقف في قسمه على الموقوف عليهم في التقديم والتأخير والجمع والترتيب والتسوية والتفضيل وإخراج من شاء بصفة وإدخاله بصفة وفي الناظر فيه والإيقاف عليه وسائر أحواله لأنه ثبت بوقفه فوجب أن يتبع فيه شرطه ولأن ابتداء الوقف مفوض إليه فكذلك تفضيله وترتيبه، وكذلك إن شرط إخراج بعضهم بصفة ورده بصفة مثل أن يقول من تزوج منهم فله ومن فرق فلا شئ له أو عكس ذلك أو من حفظ القرآن فله ومن نسيه فلا شئ له، أو من اشتغل بالعلم فله ومن تركه فلا شئ له أو من كان على مذهب كذا فله ومن خرج منه فلا شئ له، وكذلك إن وقف على أولاده على أن للأنثى سهماً وللذكر سهمين أو على حسب ميراثهم أو بالعكس أو على أن للكبير ضعف ما للصغير أو للفقير ضعف ما للغني أو عكس ذلك أو عين بالتفضيل واحداً معيناً أو ولده أو ما أشبه هذا فهو على ما قال لما ذكرنا فكل هذا صحيح وهو على ما شرط، وقد روى هشام بن عروة أن الزبير جعل دوره صدقة على بنيه لا تباع ولا توهب وأن للمردودة من بناته أن تسكن غير مضرة ولا مضر بها فإن استغنت بزوج فلا حق لها في الوقف وليس هذا تعليقاً للوقف بصفة بل وقف مطلق والاستحقاق له بصفة وكل هذا مذهب الشافعي ولا نعلم فيه خلافا

مسألة: ولا يصح على الكنائس وبيوت النار والبيع وكتب التوراة والإنجيل

* (مسألة) * (فإن لم يشرط ناظراً فالنظر للموقوف عليه وقيل للحاكم ينفق عليه من غلته) النظر في الموقف لمن شرطه الواقف لأن عمر رضي الله عنه جعل وقفه إلى حفصة تليه ما عاشت ثم يليه ذو الرأي من أهلها، ولأن مصرف الوقف يتبع فيه شرط الواقف فكذلك النظر فإن جعل النظر لنفسه جاز وإن جعله إلى غيره صح، فإن لم يجعله إلى أحد أو جعله لإنسان فمات فالنظر للموقوف عليه لأنه ملكه يختص بنفعه فكان نظره إليه كملكه المطلق، ويحتمل أن ينظر فيه الحاكم اختاره ابن أبي موسى قال شيخنا ويحتمل أن يكون ذلك مبنياً على أن الملك فيه هل ينتقل إلى الموقوف عليه أو إلى الله تعالى فان قلنا هو للموقوف عليه فالنظر له فيه لأنه يملك عينه ونفعه، وإن قلنا هو لله تعالى فالحاكم يتولاه ويصرفه إلى مصارفه لأنه مال الله فكان النظر فيه إلى حاكم المسلمين كالوقف على المساكين. فأما الوقف على المساكين والمساجد ونحوها أو على من لا يمكن حصرهم واستيعابهم فالنظر فيه إلى الحاكم لأنه ليس له مالك معين ينظر فيه وللحاكم أن يستنيب فيه لأن الحاكم لا يمكنه تولي النظر بنفسه (فصل) ومتى كان النظر للموقوف عليه إما بجعل الواقف النظر له أو لكونه أحق بذلك عند عدم ناظر سواه أو كان واحداً مكلفاً رشيداً فهو أحق بذلك رجلا كان أو امرأة عدلاً أو فاسقاً لأنه ينظر لنفسه فكان له ذلك في هذه الأحوال كملكه المطلق ويحتمل أن يضم إلى الفاسق أمين حفظا لأصل الوقف عن البيع والتضييع، وإن كان الوقف لجماعة رشيدين فالنظر للجميع لكل إنسان في حصته

فان كان الموقوف عليه صغيراً أو مجنوناً أو سفيهاً قام وليه في النظر مقامه كملكه المطلق، وإن كان النظر لغير الموقوف عليه بتولية الواقف أو الحاكم أو لبعض الموقوف عليهم لم يجز أن يكون إلا أميناً فإن لم يكن أميناً لم تصح ولايته إن كانت من الحاكم وأزيلت يده، وإن ولاه الواقف وهو فاسق أو كان عدلاً ففسق ضم إليه أمين لحفظ الوقف ولم تزل يده لأنه أمكن الجمع بين الحقين، ويحتمل أن لا تصح تولية الفاسق وينعزل إذا فسق لأنها ولاية على حق غيره فنافاها الفسق كما لو ولاه الحاكم وكما لو لم يكن حفظ الوقف منه مع بقاء ولايته فإن يده تزال لأن مراعاة حفظ الوقف أهم من إبقاء ولاية الفاسق عليه (فصل) ونفقة الوقف من حيث شرط الواقف لأنه لما اتبع شرطه في مصرفه وجب اتباعه في نفقته فإن لم يكن شرطه فمن غلته لأن الوقف اقتضى تحبيس أصله وتسبيل نفعه ولا يحصل ذلك إلا بالإنفاق عليه فهو من ضرورته، وكذك عمارة الوقف قياساً على نفقته فإن تعطلت منافع الحيوان الموقوف فنفقته على الموقوف عليه لأنه ملكه ويحتمل وجوبها في بيت المال ويجوز بيعه على ما نذكره * (مسألة) * (وإن وقف على ولده ثم على المساكين فهو لولده الذكور والإناث والحبالى بالسوية) وكذلك إن قال وقفت على أولادي أو على ولد فلان لانه شرك بينهم وإطلاق التشريك يقتضي التسوية كما لو أقر لهم بشئ وكولد الأم في الميراث حين شرك الله تعالى بينهم فيه فقال (فهم شركاء في الثلث) تساووا فيه ولم يفضل بعضهم على بعض وليس كذك في ميراث ولد الأبوين وولد الأب

مسألة: ولا يصح الوقف على حربي ولا مرتد

فإن الله تعالى قال (فان كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين) ولا نعلم في هذا خلافاً * (مسألة) * (ولا يدخل فيه ولد البنات وهل يدخل فيه ولد البنين؟ على روايتين) اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في ذلك فروي عنه ما يدل عى انه يكون وفقا على أولاده وأولاد بنيه الذكور والإناث ما لم تكن قرينة تصرفه عن ذلك دون أولاد البنات. قال المروذي: قلت لأبي عبد الله ما تقول في رجل وقف ضيعة على ولده فمات الأولاد وتركوا النسوة حوامل؟ فقال كل ما كان من أولاد الذكور بنات كن أو بنين فالضيعة موقوفة عليهم وما كان من أولاد البنات فليس لهم فيه شئ لأنهم من رجل آخر، ووجه ذلك أن الله تعالى لما قال (يوصيكم الله في أولادكم) دخل فيه ولد البنين وإن سفلوا، ولما قال (ولأبويه لكل واحد منهما السدس إن كان له ولد) تناول ولد البنين فالمطلق من كلام الآدمي إذا خلا عن قرينة ينبغي أن يحمل على المطلق من كلام الله تعالى ويفسر بما يفسر به ولأن ولد الولد ولد بدليل قوله تعالى (يا بني آدم، ويا بني إسرائيل) وقال النبي صلى الله عليه وسلم " ارموا يا بني إسماعيل فإن أباكم كان رامياً " وقال " نحن بنو النضر بن كنانة " ولأنه لو وقف على ولد فلان وهم قبيلة دخل فيه ولد البنين فكذلك اذا لم يكونوا قبيلة (والرواية الثانية) لا يدخل فيه ولد الولد بحال وسواء في ذلك ولد البنين وولد البنات اختاره القاضي وأصحابه لأن الولد حقيقة وعرفاً إنما هو ولده لصلبه وإنما سمي ولد الولد ولداً مجازاً ولهذا يصح نفيه فيقال ما هذا ولدي

مسألة: وإن وقف على غيره واستثنى الأكل منه مدة حياته صح

إنما هو ولد ولدي. فأما ولد البنات فلا يدخلون بغير خلاف لأنهم لم يدخلوا في قوله تعالى (يوصيكم الله في أولادكم) قال الشاعر: بنونا بنو أبنائنا وبناتنا * بنوهن أبناء الرجال الأباعد (فصل) فإن قال على ولد ولدي لصلبي فهو آكد في اختصاصه بالولد دون ولد الولد، وإن قال على ولدي وولد ولدي ثم على المساكين دخل فيه البطن الأول والثاني ولم يدخل فيه البطن الثالث وإن قال على ولدي وولد ولدي ولد ولد ولدي دخل فيه ثلاثة بطون دون من بعدهم، وموضع الخلاف المطلق، فأما مع وجود دلالة تصرف إلى أحد المحملين فإنه يصرف إليه بغير خلاف، مثل أن يقول على ولد فلان وهم قبيلة ليس فيهم ولد من صلبه أو قال ويفضل الولد الأكبر أو الأفضل أو الأعلم على غيرهم أو قال فإذا خلت الأرض من عقبي عاد إلى المساكين أو قال على ولد ولدي غير ولد البنات أو غير ولد فلان أو قال يفضل البطن الأعلى على الثاني أو قال الأعلى فالأعلى وأشباه ذلك فهذا يصرف لفظه إلى جميع نسله وعقبته، فإن اقترنت به قرينة تقتضي تخصيص أولاده لصلبه بالوقف مثل أن يقول على ولدي لصلبي أو الذين يلونني ونحو هذا فإنه يختص بالبطن الأول دون غيرهم، وإذا قلنا بتعميمهم إما بالقرينة وإما لقولنا إن المطلق يقتضي التعميم ولم يكن في لفظه ما يقتضي تشريكاً ولا ترتيباً احتمل أن يكون بين الجميع على التشريك لأنهم دخلوا في اللفظ دخولاً واحداً فوجب أن يشتركوا

فيه كما لو أقر لهم بدين، ويحتمل أن يكون على الترتيب على حسب الترتيب في الميراث، وهذا ظاهر كلام أحمد لقوله فيمن وقف على ولد علي بن إسماعيل ولم يقل إن مات ولد علي بن إسماعيل دفع إلى ولد ولده فمات ولد علي بن إسماعيل وترك ولداً فقال إن مات ولد علي بن إسماعيل: دفع إلى ولده أيضاً لأن هذا من ولد علي بن إسماعيل فجعله لولد من مات من ولد علي بن إسماعيل عند موت أبيه وذلك لأن ولد البنين لما دخلوا في قول الله تعالى (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) لم يستحق ولد البنين شيئاً مع وجود آبائهم واستحقوا عند فقدهم كذا ههنا فأما إن وصى لولد فلان وهم قبيلة فلا ترتيب ويستحق الأعلى والأسفل على كل حال (فصل) وإن رتب فقال وقفت هذا على ولدي وولد ولدي ما تناسلوا وتعاقبوا الأعلى فالأعلى والأقرب فالأقرب أو الأول فالأول أو البطن الأول ثم البطن الثاني أو على أولادي ثم على أولاد أولادي أو على أولادي فإذا انقرضوا فعلى أولاد أولادي فعلى هذا الترتيب لا يستحق البطن الثاني شيئا حتي ينقرض البطن الأول كله ومتى بقي واحد من البطن الأول كان الجميع له لأن الوقف ثبت بقوله فيتبع مقتضى كلامه وإن قال على أولادي وأولادهم ما تعاقبوا وتناسلوا على أنه من مات منهم عن ولد كان ما كان جارياً عليه جارياً على ولده كان دليلاً على الترتيب لأنه لو اقتضى التشريك لا اقتضى

التسوية ولو جعلنا لولد الولد سهماً مثل سهم أبيه ثم دفعنا إليه سهم أبيه صار له سهمان ولغيره سهم وهذا ينافي التسوية ولأنه يفضي إلى تفضيل ولد الابن على الابن والظاهر من إرادة الواقف خلاف هذا فإذا ثبت الترتيب فإنه يترتب بين كل والد وولده وإذا مات عن ولد انتقل إلى ولد سهمه سواء بقي من البطن الأول أحد أو لم يبق (فصل) وإن رتب بعضهم دون بعض فقال وقفت على ولدي وولد ولدي ثم على أولادهم أو على أولادي ثم على أولاد أولادي وأولادهم ما تناسلوا وتعاقبوا أو قال على أولادي وأولاد أولادي ثم على أولادهم وأولاد أولادهم ما تناسلوا فهو على ما قال من شرك بينهم بالواو المقتضية للجمع والتشريك ويرتب من رتبه بحرف الترتيب ففي المسألة الأولى يشترك الولد وولد الولد فإذا انقرضوا صار لمن بعدهم وفي الثانية يختص به الولد فإذا انقرضوا صار مشتركاً بين من بعدهما وفي الثالثة يشترك فيه البطنان الأولان دون غيرهم فإذا انقرضوا اشترك فيه من بعدهم (فصل) فإن قال وقفت على أولادي ثم على أولاد أولادي على أنه من مات من أولادي عن ولد فنصيبه لولده أو فنصيبه لإخوته أو لولد ولده أو لولد أخيه أو لأخواته أو لولد أخواته فهو على ما شرطه، وان قال: ومن مات منهم عن ولد فنصيبه لولده ومن مات منهم عن غير ولد فنصيبه لأهل الوقف وكان له ثلاثة بنين فمات أحدهم عن ابنين انتقل نصيبه إليهما ثم مات الثاني عن

مسألة: ولا يصح على حيوان لا يملك كالعبد القن وأم الولد والمدبر والميت والحمل والملك والبهيمة والجن

غير ولد فنصيبه لأخيه وابني أخيه بالتسوية لأنهم أهل الوقف فإن مات أحد ابني الابن عن غير ولد انتقل نصيبه إلى أخيه وعمه لأنهما أهل الوقف، ولو مات أحد البنين الثلاثة عن غير ولد وخلف أخويه وابني أخ له فنصيبه لأخويه دون ابني أخيه لأنهما ليسا من أهل الوقف ما دام أبوهما حيا فادا مات أبوهما صار نصيبه لهما فإذا مات الثالث كان نصيبه لابني أخيه بالتسوية إن لم يخلف ولداً فإن خلف ابناً واحداً فله نصيب أبيه وهو النصف ولابني عمه النصف بينهما نصفين، وإن قال: من مات منهم عن غير ولد كان ما كان جارياً عليه جارياً على من هو في درجته وكان الوقف مرتباً بطناً بعد بطن كان نصيب الميت عن غير ولد لأهل البطن الذي هو منه وإن كان مشتركاً بين البطون كلها احتمل أن يكون نصيبه بين جميع أهل الوقف لأنهم في استحقاق الوقف سواء فكانوا في درجته من هذه الجهة ولأننا لو صرفنا نصيبه إلى بعضهم أفضى إلى تفضيل بعضهم على بعض والتشريك يقتضي التسوية فعلى هذا يكون وجود هذا الشرط كعدمه لأنه لو سكت عنه كان الحكم كذلك ويحتمل أن يعود نصيبه إلى سائر البطن الذي هو منه لأنهم في درجته في القرب إلى الحد الذي يجمعهم ويستوي في ذلك إخوته وبنو عمه وبنو عم أبيه لأنهم سواء في القرب ولأننا لو شركنا بين أهل الوقف كلهم في نصيبه لم يكن في هذا الشرط فائدة والظاهر أنه قصد سبباً يفيد فعلى هذا إن لم يكن في درجته أحد بطل هذا الشرط وكان الحكم فيه كما لو لم يذكره وإن كان الوقف على البطن الأول على أنه من مات منهم عن ولد انتقل نصيبه إلى ولده ومن مات عن غير ولد انتقل نصيبه إلى من في درجته ففيه ثلاثة أوجه:

مسألة: الرابع أن يقف ناجزا فإذا علقه على شرط لم يصح إلا أن يقول هو وقف بعد موتي فيصح في قول الخرقي وعند أبي الخطاب لا يصح

(أحدهما) أن يكون نصيبه بين أهل الوقف كلهم يتساوون فيه سواء كانوا من بطن واحد أو من بطون وسواء تساوت أنصباؤهم في الوقف أو اختلفت لما ذكرنا من قبل (والثاني) أن يكون لأهل بطنه سواء كانوا من أهل الوقف أو لم يكونوا مثل أن يكون البطن الأول ثلاثة فمات أحدهم عن ابن ثم مات الثاني عن ابنين فمات أحد الابنين وترك أخاه وابن عمه وعمه وابناً لعمه الحي فكيون نصيبه بين أخيه وابني عمه (والثالث) أن يكون لأهل بطنه من أهل الوقف فيكون على هذا لأخيه وابن عمه الذي مات أبوه، فان كان في درجته في النسب من ليس من أهل الاستحقاق بحال كرجل له أربعة بنين وقف على ثلاثة منهم على هذا الوجه المذكور وترك الرابع فمات أحد الثلاثة عن غير ولد لم يكن للرابع فيه شئ لأنه ليس من أهل الاستحقاق فأشبه ابن عمهم (فصل) وإن وقف على بنيه وهم ثلاثة على أن من مات من فلان وفلان وأولادهم عن ولد فنصيبه لولده وإن مات فلان فنصيبه لأهل الوقف فهو على ما شرط، وكذلك إن كان بنون وبنات فقال: من مات من الذكور فنصيبه لولده، ومن مات من البنات فنصيبها لأهل الوقف فهو على ما قال، وإن قال على أولادي على أن يصرف إلى البنات منه ألف والباقي للبنين لم يستحق البنون شيئاً حتى يستوفي البنات الألف لأنه جعل للبنات مسمى وجعل للبنين الفاضل عنه والحكم فيه على ما قال لأنه

جعل البنات كذوي الفروض وجعل البنين كالعصبات الذين لا يستحقون إلا ما فضل عن ذوي الفروض (فصل) فإن كان له ثلاثة بنين فقال وقفت على ولدي فلان وفلان وعلى ولد ولدي كان الوقف على الابنين المسمين وعلى أولادهما وأولاد الثالث ولا شئ للثالث، وقال القاضي يدخل الثالث في الوقف وذكر أن أحمد قال في رجل قال: وقفت هذه الضيعة على ولدي فلان وفلان وعلى ولد ولدي وله ولد غير هؤلاء قال يشتركون في الوقف واحتج القاضي بأن قوله ولدي يستغرق الجنس فيعم الجميع وقوله فلان وفلان تأكيد لبعضهم ولا يوجب إخراج بقيتهم كالعطف في قوله (من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال) ولنا أنه أبدل بعض الولد من اللفظ المتناول للجميع فاختض بالبعض المبدل كما لو قال علي ولدي فلان وذلك لأن بدل البعض يوجب اختصاص الحكم به كقول الله تعالى (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) لما خص المستطيع بالذكر اختص الوجوب به، ولو قال ضربت زيداً رأسه أو رأيت زيداً وجهه اختص الضرب بالرأس والرؤية بالوجه، ومنه قول القائل: طرحت الثياب بعضها فوق بعض، فإن الفوقية تختص بالبعض مع عموم اللفظ الأول كذا ههنا وفارق العطف فإن عطف الخاص على العام يقتضي تأكيده لا تخصيصه وكلام أحمد: هم شركاء يحتمل إن يعود إلى أولاد أولاده أي يشترك أولاد الموقوف عليهما وأولاد غيرهم لعموم لفظ الواقف فيهم ويتعين حمل كلامه عليه لقيام

الدليل عليه، ولو قال علي ولدي فلان وفلان ثم على المساكين خرج فيه من الخلاف مثل ما ذكرنا قال شيخنا ويحتمل أن يدخل في الوقف ولد ولده لأننا قد ذكرنا من قبل أن ظاهر كلام أحمد أن قوله وقفت على ولد ولدي يتناول نسله وعاقبته كلها (فصل) ومن وقف على أولاده أو أولاد غيره وله حمل لم يستحق شيئاً قبل انفصاله لأنه لم تثبت له أحكام الدنيا قبل انفصاله، وقال أحمد في رواية جعفر بن محمد فيمن وقف نخلا على قوم ما توالدوا ثم ولد مولود: فإن كانت النخل قد أبرت فليس له فيه شئ وهي للأول، وإن لم تكن قد أبرت فهو مفهم، وإنما قال ذلك لأنها قبل التأبير تتبع الأصل في البيع وهذا الموجود يستحق نصيبه من الأصل فتتبعه حصته من الثمرة كما لو اشترى ذلك النصيب من الأصل وبعد التأبير لا تتبع الأصل ويستحقها من كان له الأصل فكانت للأول لأن الأصل كان كله له فاستحق ثمرته كما لو باع هذا النصيب منها ولم يستحق المولود منها شيئاً كالمشتري وهكذا الحكم في سائر الثمر الظاهر على الشجر لا يستحق المولود منها شيئاً ويستحق مما ظهر بعد ولادته، وإن كان الوقف أرضاً فيها زرع يستحقه البائع فهو للأول، وإن كان مما يستحقه المشتري فللمولود حصته منه لأن المولود يتجدد استحقاقه للأصل كتجدد ملك المشتري فيه * (مسألة) * (وإن وقف على عقبه أو ولد ولده أو ذريته أو نسله دخل فيه ولد البنين بغير خلاف علمناه)

وأما ولد البنات فقال الخرقي لا يدخلون فيه وقد قال أحمد فيمن وقف على ولده: ما كان من ولد البنات فليس لهم فيه شئ فهذا النص يحتمل أن يعدى إلى هذه المسألة ويحتمل أن يكون مقصوداً فيمن وقف على ولده ولم يذكر ولد ولده وممن قال لا يدخل ولد البنات في الوقف الذي على أولاده وأولاد أولاده مالك ومحمد بن الحسن، وكذلك إذا قال على ذريته ونسله وروى عن أحمد أنهم يدخلون في الوصية وذهب إليه بعض أصحابنا وهذا مثله وقال أبو بكر وابن حامد يدخل فيه ولد البنات وهو مذهب الشافعي وأبي يوسف لأن البنات أولاده فأولادهن أولاد أولاده حقيقة فيجب أن يدخلوا في اللفظ لتناوله لهم بدليل قوله تعالى (ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمان) إلى قوله (وعيسى) وهو ولد بنته فجعله من ذريته ولذلك ذكر الله تعالى قصة إبراهيم وعيسى وموسى وإسماعيل وإدريس ثم قال (أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل) وعيسى معهم ولما قال الله تعالى (وحلائل أبنائكم) دخل في التحريم حلائل أبناء البنات وقال النبي صلى الله عليه وسلم للحسن " إن ابني هذا سيد " ووجه الرواية الأولى أنهم لم يدخلوا في قول الله تعالى (يوصيكم الله في أولادكم) ولأنه لو وقف على ولد فلان وقد صاروا قبيلة دخل فيه ولد البنين دون ولد البنات وكذلك قبل أن يصيروا قبيلة لأن ولد البنات منسوبون إلى آبائهم دون أمهاتهم قال الشاعر بنونا بنو أبنائنا وبناتنا * بنوهن أبناء الرجال الأباعد

مسألة: وإن وقف على جهة تنقطع ولم يذكر له مآلا أو وقف على من يجوز ثم على من لا يجوز أو قال: وقفت وسكت انصرف بعد انقراض من يجوز الوقف عليه إلى ورثة الواقف وقفا عليهم في إحدى الروايتين، والأخرى إلى أقرب عصبته وهل يختص به فقراءهم؟ على وجهين، وقال القاض

وقولهم انهم أولاده أولاده حقيقة قلنا لأنهم ينتسبون إلى الواقف عرفاً وكذلك لو قال أولاد أولادي المنتسبين إلي لم يدخلوا في الوقف ولأن ولد الهاشمية من غير الهاشمي ليس بهاشمي ولا ينتسب إلى أبيها وأما عيسى عليه السلام فلم يكن له نسب ينسب إليه فنسب إلى الله وقول النبي صلى الله عليه وسلم للحسن " إن ابني هذا سيد مجاز بالاتفاق " بدليل قول الله تعالى (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله) والقول بأنهم يدخلون يصح وأقوى دليلاً لأنهم أولاد أولاده حقيقة فأما قياسهم على ما إذا كانوا قبيلة فيفارق ما إذا وقف على ولد فلان وليسوا قبيلة لأنه لو وقف على بني فلان وهم قبيلة دخل فيه البنات بخلاف ما إذا وقف على بني إنسان حي أو ميت وليسوا قبيلة وقياسهم على ما إذا قال وقفت على ولد ولدي المنتسبين إلي لا يصح لأنهم خرجوا من الوقف لكونهم لا ينتسبون وباقي الأدلة ضعيفة جداً * (مسألة) * (فإن قال على ولد ولدي لصلبي أو المنتسبين إلي لم يدخل ولد البنات) والخلاف إنما هو إذا لم يوجد ما يدل على تعيين أحد الأمرين فأما إن وجد ما يصرف اللفظ إلى أحدهما انصرف إليه فلو قال على أولادي وأولاد أولادي على أن لولد البنات سهماً ولولد البنين سهمين أو قال فإذا خلت الأرض ممن يرجع نسبه إلي من قبل أب أو أم كان للمساكين أو كان البطن الأول من أولاده الموقوف عليهم كلهم بنات ونحو هذا ما يدل على إرادة ولد البنات بالوقف دخلوا في الوقف وإن قال على أولادي وأولاد أولادي المنتسبين أو غير ذوي الأرحام أو نحو ذلك لم يدخل

فيه ولد البنات وإن قال على ولدي فلان وفلانة وفلانة وأولادهم دخل فيه ولد البنات وكذلك إن قال على أن من مات منهم عن ولد فنصيبه لولده وإن قال الهاشمي وقفت على أولادي وأولاد أولادي الهاشمين لم يدخل في الوقف من أولاد بناته من كان غير هاشمي فأما من كان هاشمياً من غير أولاد بنيه فهل يدخلون؟ على وجهين (أولهما) أنهم يدخلون لأنه اجتمع فيهم الصفتان جميعاً كونهم من أولاد أولاده وكونهم هاشميين (والثاني) لا يدخلون لأنهم لم يدخلوا في مطلق أولاد أولاده فأشبه ما لو لم يقل الهاشمين وإن قال على أولادي وأولاد أولادي ممن ينتسب إلى قبيلتي فكذلك (فصل) والمستحب أن يقسم الوقف على أولاده على حسب قسمة الله تعالى الميراث بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين وقال القاضي المستحب التسوية بين الذكر والأنثى لأن القصد القربة على وجه الدوام وقد استووا في القرابة ولنا أنه إيصال للمال إليهم فينبغي أن يكون بينهم على حسب الميراث كالعطية ولأن الذكر في مظنة الحاجة أكثر من الأنثى لأن كل واحد منهما في العادة يتزوج ويكون له الولد فالذكر تجب عليه نفقة امرأته وأولاده والمرأة ينفق عليها زوجها ولا تلزمها نفقة أولادها وقد فضل الله تعالى االذكر على الأنثى في الميراث على وفق هذا المعنى فيصح تعليله به ويتعدى إلى الوقف والعطايا والصلات وما ذكره

القاضي لا أصل له وهو ملغي بالميراث والعطية وإن خالف فسوى بين الذكر والأنثى أو فضلها عليه أو فضل بعض البنين أو بعض البنات على بعض أو خص بعضهم بالوقف دون بعض فقال أحمد في رواية محمد بن الحكم إن كان على طريق الأثرة فأكرهه، وان كان على أن بعضهم له عيال وبه حاجة يعني فلا بأس به. ووجه ذلك أن الزبير خص المردودة من بناته دون المستغنية منهن بصدقته وعلى قياس قول أحمد لو خص المشتغلين بالعلم من أولاده بوقفه تحريضاً لهم على طلبه، أو ذا الدين دون الفساق أو المريض أو من له فضيلة من أجل فضيلته فلا بأس وقد دل على ذلك أن أبا بكر رضي الله عنه نحل عائشة جذاذ عشرين وسقا دون بسائر ولده وحديث عمر أنه كتب (بسم الله الرحمن الرحيم) هذا ما أوصى به عبد الله عمر أمير المؤمنين إن حدث به حدث أن ثمغا وصرمة بن الأكوع لعبد الذي فيه والمائة سهم التي بخيبر ورقيقه الذي فيه الذي أطعمه محمد صلى الله عليه وسلم بالواد تليه حفصة ما عاشت ثم يليه ذو الرأي من أهلها ان لا يباع ولا يشترى ينفقه حيث رأى من السائل والمحروم وذوي القربى لا حرج على من وليه إن أكل أو أكل أو اشترى رقيقاً منه رواه أبو داود فيه دليل على تخصيص حفصة دون إخوتها وأخواتها * (مسألة) * (وإن وقف على بنيه أو بني فلان فهو للذكور خاصة دون الأناثي والخناثى عند المجهور) وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي وقال الحسن واسحق وأبو ثور هو للذكر والأنثى جميعاً لأنه لو وقف على

بني فلان أو أوصى لهم وهم قبيلة دخل فيه الذكر والأنثى وقال الثوري إن كانوا ذكوراً وإناثاً فهو بينهم وإن كن بنات لا ذكر معهن فلا شئ لهن لأنه متى اجتمع الذكور والإناث غلب لفظ التذكير ودخل فيه الإناث كلفظ المسلمين ولنا أن لفظ البنين يختص الذكور قال الله تعالى (أصطفى البنات على البنين) وقال تعالى (أم اتخذ مما يخلق بنات وأصفاكم بالبنين؟) وقال تعالى (زين الله للناس حب الشهوات من النساء والبنين) وقال تعالى (المال والبنون زينة الحياة الدنيا) وقد أخبر أنهم لا يشتهون البنات فقال (ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون) وإنما دخلوا في الاسم إذا صاروا قبيلة لأن الاسم نقل فيهم عن الحقيقة إلى العرف ولهذا تقول المرأة أنا من بني فلان إذا انتسبت إلى القبيلة ولا تقول ذلك إذا انتسبت إلى أبيها، فاما ان رقف على بناته أو وصى لهن دخل فيه البنات دون غيرهن ولا يدخل فيهن الخنثى المشكل لأنه لا يعلم كونه أنثى لا نعلم في ذلك خلافا * (مسألة) * إلا أن يكونوا قبيلة فيدخل فيه النساء دون أولادهن من غيرهم أما إذا وقف على بني فلان أو ولد فلان وهم قبيلة كبني هاشم وتميم فإنه يدخل فيه الذكر والأنثى والخنثى ويدخل ولد الرجل معه ولا يدخل فيه ولد بناتهم من غيرهم لأن اسم القبيلة يشتمل ذكرها وأنثاها قال الله تعالى (يا بني آدم - ولقد كرمنا بني آدم) يريد الجميع وروي أن جواري بني النجار ولمن نحن جوار من بني النجار يا حبذا محمد من جار ويقال امرأة من بني هاشم ولا يدخل ولد البنات فيهم لأنهم لا ينتسبون إلى القبيلة.

مسألة: وإن قال وقفت داري سنة أو إلى يوم يقدم الحاج لم يصح في أحد الوجهين

* (مسألة) * (وإن وقف على قرابته أو قرابة فلان فهو للذكر والأنثى من أولاده وأولاد أبيه وجده وجد أبيه لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجاوز بني هاشم بسهم ذوي القربى) وجملة ذلك أن الرجل إذا وقف على قرابته أو قرابة فلان صرف الوقف إلى الذكر والأنثى من أولاده وأولاد أبيه وجده وجد أبيه ويستوي فيه الذكر والأنثى ولا ينصرف إلى من هو أبعد منهم شئ لأن الله تعالى لما قال (ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى) يعني قربى النبي صلى الله عليه وسلم أعطى النبي صلى الله عليه وسلم أولاده وأولاد عبد المطلب وأولاد هاشم ذكرهم وأنثاهم ولم يعط من هو أبعد منهم كبني عبد شمس وبني نوفل شيئاً إلا أنه أعطى بني المطلب بن عبد مناف وعلل عطيتهم بأنهم لم يفارقوا بني هاشم في جاهلية ولا إسلام ولم يعط قرابة أمه وهم بنو زهرة شيئاً ولم يعط منهم إلا مسلماً فحمل مطلق كلام الوقف على ما حمل عليه المطلق من كلام الله تعالى وفسر بما فسر به ويسوي بين قريبهم وبعيدهم وذكرهم وأنثاهم لأن اللفظ يشملهم وبين الكبير والصغير والغني والفقير لذلك ولا يدخل فيه الكفار لأنهم لم يدخلوا في المستحق من قربى النبي صلى الله عليه وسلم وهذا اختيار الخرقي وقد نقل عبد الله وصالح عن أبيهما رواية أخرى أنه يصرف إلى قرابة أمة إن كان يصلهم في حياته كإخوته من أمه وأخواله وخالاته، وإن كان لا يصلهم في حياته لم يعطوا شيئاً لأن صلته إياهم في حياته قرينة دالة على إرادتهم بصلته هذه

وعنه رواية ثالثة أنه يجاوز بها أربعة آباء ذكرها ابن أبي موسى في الارشاد وهي تدل على أن لفطه لا يتقيد بالقيد الذي ذكرناه فعلى هذا يعطي كل من يعرف بقرابته من قبل أبيه وأمه الذين ينتسبون الى الأب الأدنى، وهذا مذهب الشافعي لأنهم قرابة فيتناولهم الاسم ويدخلون في عمومه وإعطاء النبي صلى الله عليه وسلم بعض قرابته تخصيصاً لا يمنع من العمل بالعموم في غير هذا الموضع وقال أبو حنيفة قرابته كل ذي رحم محرم فيعطى من أدناهم اثنان فصاعداً فإذا كان له عم وخالان أعطى عمه النصف وخاليه النصف. هكذا روي عنه فيما إذا أوصى لقرابته. وقال قتادة: للأعمام الثلثان وللأخوال الثلث وهو قول الحسن، قال ويزاد الأقرب بعض الزيادة، وقال مالك يقسم على الأقرب فالأقرب بالاجتهاد ولنا أن هذا له عرف في الشرع وهو ما ذكرناه فيجب حمله عليه وتقديمه على العرف اللغوي كالوضوء والصلاة والصوم والحج ولا وجه لتخصيصه بذي الرحم المحرم فإن اسم القرابة يقع على غيرهم عرفاً وشرعاً وقد يحرم على الرجل ربيبته وأمهات نسائه ولا قرابة لهم وتحل له ابنة عمه وخاله وهن من أقاربه وما ذكروه من التفضيل لا يقتضيه اللفظ ولا يدل عليه دليل فالمصير إليه تحكم. فأما إن كان في لفظه ما يدل على إرادة قرابة أمه كقوله وتفضل قرابتي من جهة أبي على قرابتي من جهة أمي أو قوله إلا ابن خالتي فلاناً أو نحو ذلك أو قرينة تخرج بعضهم عمل بما دلت عليه القرينة لأنها تصرف اللفظ عن ظاهره إلى غيره

مسألة: ويملك صوفه ولبنه وثمرته ونفعه

* (مسألة) * (وأهل بيته بمنزلة قرابته وقال الخرقى بعطى من قبل أبيه وأمه) المنصوص عن أحمد رحمه الله أن أهل بيته بمنزلة قرابته فإنه قال في رواية عبد الله إذا أوصى بثلث ماله لأهل بيته فهو بمثابة قوله لقرابتي، وحكاه ابن المنذر عن احمد وقال أحمد قال النبي صلى الله عليه وسلم " لا تحل الصدقة لي ولأهل بيتي " فجعل سهم ذوي القربى لهم عوضاً عن الصدقة التي حرمت عليهم فكان ذوي القربى الذين سماهم الله تعالى هم أهل بيته الذين حرمت عليهم الصدقة وذكر حديث زيد بن أرقم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أذكركم الله في أهل بيتي " قال قلنا من أهل بيته نساؤه؟ قال لا أصله وعشيرته الذين حرمت عليهم الصدقة بعده آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس قال القاضي قال ثعلب أهل البيت عند العرب آباء الرجل وأولادهم كالأجداد والأعمام وأولادهم ويستوي فيه الذكور والإناث وذكر القاضي أن أولاد الرجل لا يدخلون في اسم القرابة وإلا أهل بيته وليس هذا بشئ فإن ولد النبي صلى الله عليه وسلم من أهل بيته وأقاربه الذين حرموا الصدقة وأعطوا من سهم ذي القربى وهم أقرب أقاربه فكيف لا يكونون من أقاربه؟ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة وولديها وزوجها " اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً " ولو وقف على أقارب رجل أو وصى لأقاربه دخل فيه وولده بغير خلاف علمناه والخرقي قد عدهم في القربة بقوله لا يجاوز به أربعة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجاوز بني هاشم بسهم ذوي

مسألة: فإن أعتقها لم ينفذ عتقه

القربى فجعل؟؟؟؟؟ الأب الرابع ولا يكون رابعاً إلا أن يعد النبي صلى الله عليه وسلم أبا لأن هاشماً إنما هو رابع النبي صلى الله عليه وسلم ووجه قول الخرقي أن أمه من أهل بيته فكذلك أقاربها من أولادها وأبويها وإخوتها وأخواتها * (مسألة) * (وقومه ونسباؤه كقرابته لأن قوم الرجل قبيلته وهم نسباؤه) قال الشاعر: فقلت لها أما رفيقي فقومه تميم * وأما أسرتي فيمان وقال أبو بكر هو بمثابة أهل بيته لأن أهل بيته أقاربه وأقاربه قومه ونسباؤه وقال القاضي إذا قال لرحمي أو لأرحامي أو لنسبائي أو لمناسبي صرف إلى قرابته من قبل أبيه وأمه ويتعدى ولد الأب الخامس فعلى هذا يصرف إلى كل من يرث بفرض أو تعصيب أو بالرحم في حال من الأحوال قال شيخنا وقول أبي بكر في المناسبين أولى من قول القاضي لأن ذلك في العرف على من كان من العشيرة التي ينتسبان إليها وإذا كان كل واحد منهما ينتسب إلى قبيلة غير قبيلة صاحبه فليس بمناسب له. (فصل) وآله مثل قرابته فإن في بعض ألفاظ حديث زيد بن أرقم من آل رسول صلى الله عليه وسلم؟ قال أصله وعشيرته الذين حرموا الصدقة بعده آل علي وآل عباس وآل جعفر وآل عقيل والأصل في آل أهل فقلبت الهاء همزة كما قالو هرقت الماء وأرقته ومدت لئلا يحتمع همزتان

مسألة: وله تزويج الأمة وأخذ مهرها وولدها وقف معها ويحتمل أن يملكه

* (مسألة) * (والعترة هم العشيرة الأدنون في عرف الناس وولده الذكور والإناث وإن سفلوا فسره ابن قتيبة وقد توقف أحمد في ذلك وقال ثعلب وابن الأعرابي العترة الأولاد وأولاد الأولاد ولم يدخلا في ذلك العشيرة والأول أصح وأشهر في عرف الناس ووجه الأول قول أبي بكر رضي الله عنه في محفل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نحن عترة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيضته التي تفقأت عنه فلم ينكره أحد وهم أهل اللسان فلا يعول على ما خالفه * (مسألة) * (وذوو رحمه كل قرابة له من جهة الآباء والأمهات) قال القاضي ينصرف إلى قرابته من جهة أبيه وأمه ويتعدى ولد الأب الخامس وقد ذكرنا ذلك في مسألة القوم والنسباء * (مسألة) * (والأيامى والعزاب من لا زوج له من الرجال والنساء) ذكره أصحابنا قال شيخنا ويحتمل أن يختص اسم الأيامى النساء اللاتي لا أزواج لمن قال الله تعالى (وأنكحوا الأيامى منكم) وفي الحديث " أعوذ بالله من بوار الأيم " ووجه الأول ما روى سعيد بن المسيب أنه قال: آمت حفصة بنت عمر من زوجها وأم عثمان من رقية قال الشاعر: فإن تنكحي انكح وإن تتأيمي * وإن كنت أفتى منك أنايم وقول شيخنا أولى لأن العرف يختص النساء بهذا الاسم والحكم للاسم العرفي ولأن قول النبي

مسألة: وإن جنى الوقف خطأ فالأرش على الموقوف عليه ويحتمل أن يكون في كسبه

صلى الله عليه وسلم " أعوذ بالله من بوار الأيم " إنما أراد به النساء وأما العزاب فهم الذين لا أزواج لهم من الرجال والنساء يقال رجل عزب وامرأة عزبة قاله ثعلب وإنما سمي عزباً لانفراده ويحتمل أن يختص الأيامى بالنساء والعزاب بالرجال ولذلك يقال امرأة أيم بغير هاء ولا يقال أيمة ولو كان الرجل مشاركاً لها لقيل أيم وأيمة مثل قائم وقائمة ولأن العرف أن العزب يختص بالرجل * (مسألة) * (فأما الأرامل فهن النساء اللاتي فارقهن أزواجهن بموت أو غيره قال أحمد في رواية حرب وقد سئل عن رجل وصى لأرامل بني فلان فقال قد اختلف الناس فيها فقال قوم للرجال والنساء والذي يعرف من كلام الناس أن الأرامل النساء وقال الشعبي واسحق هو للرجال والنساء وأنشد هذي الأرامل قد قضيت حاجتها * فمن لحاجة هذا الأرمل الذكر؟ وقال آخر أحب أن أصطاد ضباً سحبلا * رعى الربيع والشتاء أرملا ووجه الأول أن المعروف من كلام الناس أنه للنساء فلا يحمل اللفظ إلا عليه ولأن الأرامل جمع أرملة فلا يكون جمعاً للذكر لأن ما يختلف لفظ الذكر والأنثى في واحده يختلف في جمعه وقد أنكر ابن الأنباري على قائل القول الأول وخطأه فيه والشعر الذي احتج به حجة عليه فإنه لو كان لفظ

مسألة: وإذا وقف على ثلاثة ثم على المساكين فمن مات منهم رجع نصيبه إلى الآخرين فإذا ماتا رجع إلى المساكين

الأرامل يشمل الذكر والأنثى لقال حاجتهم إذ لا خلاف بين أهل اللسان في أن اللفظ متى كان للذكر والأنثى ثم رد عليه ضمير غلب فيه لفظ التذكير وضميره فلما رد الضمير على الإناث علم أنه موضع لهن على الانفراد وسمى نفسه أرملاً تجوزاً وتشبيهاً بهن ولذلك وصف نفسه بأنه ذكر وكذلك الشعر الآخر ويدل على إرادة المجاز أن اللفظ عند إطلاقه لا يفهم منه إلا النساء ولا يسمى به في العرف غيرهن وهذا دليل على أنه لم يوضع لغيرهن، ثم لو ثبت أنه في الحقيقة للنساء والرجال لكن أهل العرف قد خصوا به النساء وتركت الحقيقة حتى صارت مهجورة لا تفهم من لفظ المتكلم ولا يتعلق بها حكم كسائر الألفاظ العرفية (فصل) وإن وقف على أخواته فهو للإناث خاصة وإن وقف على إخوته دخل فيه الذكر والأنثى جميعاً لأن الله تعالى قال (وإن كانوا إخوة رجالا ونساء) وقال (فإن كان له إخوة فلأمه السدس) وأجمع العلماء على حجبها بالذكر والأنثى وإن قال لعمومته فالظاهر أنه مثل الإخوة لا يشمل الذكر والأنثى لأنهم إخوة أبيه وإن قال لبني إخوته أو لبني عمه فهو للذكور دون الإناث اذا لم يكونوا قبيلة والفرق بينهما أن الإخوة والعمومة ليس لهما لفظ موضوع يشمل الذكر والأنثى سوى هذا اللفظ وبنو الإخوة والعم لهم لفظ يشمل الجميع وهو لفظ الأولاد فإذا عدل عن اللفظ العام إلى لفظ البنين دل على إرادة الذكور ولأن لفظ العمومة أشبه بلفظ الإخوة ولفظ بني الإخوة والعم يشبه بني فلان وقد دللنا عليهما والحكم في تناول اللفظ للبعيد من العمومة وبني العم والإخوة حكم ما ذكرنا في ولد الولد مع القرينة وعدمها في المسائل المتقدمة

* (مسألة) * (وإن وقف على أهل قريته أو قرابته لم يدخل فيهم من يخالف دينه وفيه وجه آخر أن المسلم يدخل فيه وإن كان الواقف كافراً) وجملة ذلك أن الإنسان إذا وقف على أهل قريته أو قرابته أو أتى بلفظ عام يدحل فيه المسلمون والكفار والواقف مسلم فهو للمسلمين خاصة ولا شي للكفار وقال الشافعي يدخل فيه الكفار، لأن اللفظ يتناولهم بعمومه ولنا أن الله تعالى قال (يوصيكم الله في أولادكم) فلم يدخل فيه الكفار إذا كان الميت مسلماً وإذا لم يدخلوا في لفظ القرآن مع عمومه لم يدخلوا في لفظ الواقف ولأن ظاهر حاله لا يريد الكفار لما بينه وبينهم من عداوة الدين وعدم الوصلة المانع من الميراث ووجوب النفقة ولذلك خرجوا من عموم اللفظ في الأولاد والإخوة والأزواج وسائر الألفاظ العامة في الميراث فكذا ههنا، فإن صرح بهم دخلوا لأن إخراجهم بترك به صريح انقال وهو أقوى من قرينة الحال، وإن وقف عليهم وأهل القرية كلهم كفار أو وقف على قرابته وكلهم كفار دخلوا لأنه لا يمكن تخصيصهم إذ في إخراجهم رفع اللفظ بالكلية، فإن كان فيها مسلم واحد والباقي كفار دخلوا أيضاً لأن إخراجهم ههنا بالتخصيص بعيد وفيه مخالفة الظاهر من وجهين (أحدهما) مخالفة لفظ العموم (والثاني) حمل اللفظ الدال على الجمع على المفرد، وإن كان الأكثر كفارا فهو للمسين في ظاهر كلام الخرقي لأنه أمكن حمل اللفظ عليهم وصرفه إليهم والتخصيص يصح وإن كان بإخراج الأكثر ويحتمل أن يدخل الكفار في الوصية لأن التخصيص في مثل هذا بعيد فإن تخصيص الصورة النادرة قريب وتخصيص الأكثر بعيد يحتاج إلى دليل قوي

مسألة: فإن لم يشرط ناظرا فالنظر للموقوف عليه وقيل للحاكم ينفق عليه من غلته

والحكم في سائر ألفاظ العموم كالإخوة والأعمام وبني عمه واليتامى والمساكين كالحكم في أهل قريته فأما إن كان الواقف كافراً فإنه يتناول أهل دينه لأن لفظه يتناولهم والقرينة تدل على إرادتهم فأشبه وقف المسلم يتناول أهل دينه، وهل يدخل فيه المسلمون؟ ينظر فإن وجدت قرينة دالة على دخولهم مثل أن لا يكون في القرية إلا مسلمون دخلوا وكذلك إن لم يكن فيها إلا كافر واحد وباقي أهلها مسلمون وإن انتفت القرائن ففي دخولهم وجهان (أحدهما) لا يدخلون كما لو لم يدخل الكفار في وقف المسلم (والثاني) يدخلون لأن عموم اللفظ يتناولهم وهم أحق بوصيته من غيرهم فلا يصرف اللفظ عن مقتضاه ومن هو أحق بحكمه إلى غيره، فان كان في القرية كافر من غير أهل دين الواقف لم يدخل لأن قرينة، الحال تخرجه ولم يوجد فيه ما وجد في المسلم من الأولى فبقي خارجاً بحاله ويحتمل أن لا يخرج بناء على توريث. الكفار بعضهم من بعض مع اختلاف دينهم * (مسألة) * (وإن وقف على مواليه وله موال من فوق وموال من أسفل تناول جميعهم، وقال ابن حامد يختص الموالي من فوق) إذا وقف على مواليه وله موال من فوق حسب وهم معتقوه اختص الوقف بهم لأن الاسم يتناولهم وقد تعينوا بوجودهم دون غيرهم، وإن لم يكن له الاموال من أسفل فهو لهم لذلك وإن

مسألة: وإن وقف على ولده ثم على المساكين فهو لولده الذكور والإناث والحبالى بالسوية

اجتمعوا فهو لهم جميعا يستوون فيه لأن الاسم يشملهم جميعاً، وقال أصحاب الرأي الوصية باطلة لأنها لغير معين وقال أبو ثور يقرع بينهما لأن أحدهما ليس بأولى من الآخر وقال ابن القاسم هو للموالي من أسفل، ولأصحاب الشافعي أربعة أوجه كقولنا وكقول أصحاب الرأي (والثالث) هو للموالي من فوق لأنهم أقوى لكونهم عصبته ويرثونه بخلاف عتقائه وهو قول ابن حامد (والرابع) يقف الأمر حتى يصطلحوا ولنا أن الاسم يتناول الجميع فدخلوا فيه كما لو وقف على إخوته وقولهم أنها لغير معين غير صحيح فإن التعميم يحصل مع التعين ولذلك لو حلف لا كلمت مولاي حنث بكلام أيهم كان وقولهم أن المولى من فوق أقوى قلنا مع شمول الاسم لهم يدخل فيه الأقوى والأضعف كإخوته ولا يدخل فيه ولد العم ولا المساكين ولا الحليف ولا غير من ذكرنا لأن الاسم إن تناولهم حقيقة لم يتناولهم عرفاً والأسماء العرفية تقدم على الحقيقة ولا يستحق مولى الله مع وجود مواليه وقال زفر يستحق ولنا أن مولى الله ليس بمولى له حقيقة إذا كان له مولى سواه فإن لم يكن له مولى فقال الشريف أبو جعفر إذا وصى لمواليه وليس له مولى فهو لمولى الله وقال أبو يوسف ومحمد لا شئ له لأنه ليس بمولى، واحتج الشريف بأن الاسم يتناولهم مجازاً فإذا تعذرت الحقيقة وجب صرف الاسم إلى المجاز والعمل به تصحيحاً لكلام المكلف عند إمكان تصحيحه ولأن الظاهر إرادته المجاز لكونه محملاً صحيحاً وإرادة الصحيح أغلب من إرادة الفاسد فإن كان له موالي أب حين الوقف ثم انقرض مواليه

مسألة: ولا يدخل فيه ولد البنات وهل يدخل فيه ولد البنين؟ على روايتين

لم يكن الموالى الأب على مقتضى ما ذكرناه لأن الاسم يتناول غيرهم فلا يعود إليهم إلا بعقد ولم يوجد ولا يشبه هذا قوله أوصيت لأقرب الناس إلي وله ابن وابن ابن فمات الابن حيث يستحق ابن الابن وإن كان لا يستحق في حياة الابن شيئاً لأن الوصية ههنا الموصوف وجدت الصفة في ابن الابن كوجودها في الابن حقيقة، وفي المولى يقع الإسم على مولى نفسه حقيقة وعلى مولى الله مجازاً فمع وجودهما جميعاً لا يحمل اللفظ إلا على الحقيقة وهذه الصفة لا توجد في مولى الله * (مسألة) * (وإن وقف على جماعة يمكن حصرهم واستيعابهم وجب تعميمهم والتسوية بينهم) لأن اللفظ يقتضي ذلك، وقد أمكن الوفاء به فوجب العمل بمقضاه كقوله سبحانه (فهم شركاء في الثلث) فإنه يجب تعميم الإخوة من الأم والتسوية بينهم، ولأن اللفظ يقتضي التسوية أشبه ما لو أقر لهم * (مسألة) * (فإن لم يمكن حصرهم كالمساكين والقبيلة الكثيرة كبني هاشم وبني تميم صح الوقف عليهم) وكذلك يصح الوقف على المسلمين كلهم وعلى أهل إقليم ومدينة كالشام ودمشق، ويجوز للرجل أن يقف على عشريته وأهل مدينته، وقال الشافعي في أحد قوليه لا يصح الوقف على من لا يمكن استيعابهم وحصرهم في غير المساكين ونحوهم لأنه تصرف في حق الآدمي فلم يصح مع الجهالة كما لو قال وقفت على قوم ولنا أن من صح الوقف عليهم إذا كانوا محصورين صح، وإن لم يحصوا كالفقراء وقياسهم يبطل بالوقف على المساكين

(فصل) ولا يجب تعميمهم إجماعاً لأنه غير ممكن ويجوز تفضيل بعضهم على بعض لأن من جاز حرمانه جاز تفضيل غيره عليه ويجوز الاقتصار على واحد منهم ويحتمل أن لا يجرئه أقل من ثلاثة وهو مذهب الشافعي ووجه القول قد ذكر في الزكاة والأول ظاهر المذهب (فصل) فإن كان الوقف في ابتدائه على من يمكن استيعابه فصار مما لا يمكن استيعابه كرجل وقف على ولده وولد ولده وعقبه ونسله فصاروا قبيلة كثيرة تخرج عن الحصر مثل وقف علي رضي الله عنه على ولده ونسله فإنه يجب تعمم من أمكن منهم والتسوية بينهم لأن التعميم كان واجباً وكذلك التسوية فإذا تعذر وجب منه ما أمكن كالواجب الذي يعجز عن بعضه، ولأن الواقف ههنا أراد التعميم والتسوية لإمكانه وصلاح لفظه لذلك فيجب العمل بما أمكن بخلاف ما إذا كانوا حال الوقف ممن لا يمكن ذلك فيهم * (مسألة) * (ولا يعطى كل واحد أكثر من القدر الذي يعطى من الزكاة يعني إذا كان الوقف على صنف من أصناف الزكاة) وجملة ذلك أن من وقف على سبيل الله أو ابن السبيل أو الرقاب أو الغارمين - فهم الذين يستحقون السهم من الصدقات - لا يدخل معهم غيرهم لأن المطلق من كلام الآدميين يحمل على المعهود

في الشرع فينظر من كان يستحق السهم من الصدقات فالوقف مصروف إليه وقد مضى شرح ذلك في الزكاة فإن وقف على الأصناف الثمانية الذين يأخذون الصدقات صرف إليهم ويعطي كل واحد منهم من الوقف مثل القدر الذي يعطى من الزكاة لا يزاد عليه وقد ذكرنا ذلك، وقد اختلف في العقد الذي يحصل به الغنى فقال أحمد في رواية علي بن سعيد في الرجل يعطى من الوقف خمسين درهماً فقال إن كان الواقف ذكر في كتابه المساكين فهو مثل الزكاة وإن كان متطوعاً أعطى من شاء وكيف شاء فقد نص على إلحاقه بالزكاة فيكون الخلاف فيه كالخلاف في الزكاة، واختار أبو الخطاب وابن عقيل زيادة المسكين على خمسين درهماً لأن لفظ أحمد لا تقييد فيه. قال أبو الخطاب وفي المسألة وجهان وجههما ما سبق (فصل) فإن وقف على الأصناف كلها أو على صنفين أو أكثر فهل يجوز الاقتصار على صنف واحد أو يجب إعطاء بعض كل صنف؟ فيه وجهان بناء على الزكاة * (مسألة) * (والوصية كالوقف في هذا التفصيل لأن مبناها على لفظ الموصي أشبهت الوقف) (فصل) والوقف عقد لازم لا يجوز فسخه بإقالة ولا غيرها ويلزم بمجرد القول لأنه تبرع يمنع البيع والهبة والميراث فلزم بمجرده كالعتق وعنه لا يلزم الا بالقبض وإخراج الوقف عن يده اختاره ابن أبي موسى كالهبة والصحيح الأول وقد ذكرناه، وذهب أبو حنيفة إلى أن الوقف لا يلزم بمجرده وللواقف الرجوع فيه الا إن يوصي به بعد موته فيلزم أو يحكم بلزومه حاكم وحكاه بعضهم عن علي

وابن مسعود وابن عباس وخالف أبا حنيفة صاحباه فقالا كقول سائر أهل العلم واحتج بعضهم بما روي أن عبد الله بن زيد صاحب الأذان جعل حائطه صدقة وجعله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء أبواه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا يا رسول الله لم يكن لنا عيش إلا هذا الحائط فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ماتا فورثهما رواه المحاملي في أماليه ولأنه إخراج ماله على وجه القربة من ملكه فلا يلزم بمجرد القول كالصدقة، قلنا هذا القول يخالف السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجماع الصحابة رضي الله عنهم فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر في وقفه " لا يباع أصلها ولا يبتاع ولا يوهب ولا يورث " قال الترمذي العمل على هذا الحديث عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم، لا نعلم بين المتقدمين منهم في ذلك اختلافاً، قال الحميدي تصدق أبو بكر بداره على ولده وعمر بزيعه عند المروة على ولده وعثمان برومة وتصدق علي بأرضه بينبع وتصدق الزبير بداره بمكة وداره بمصر وأمواله بالمدينة على ولده وتصدق سعد بداره بالمدينة وداره بمصر على ولده، وعمرو بن العاص بالوهط وداره بمكة على ولده وحكيم ابن حزام بدره بمكة والمدينة على ولده فذلك كله إلى اليوم، وقال جابر لم يكن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم له مقدرة إلا وقف وهذا إجماع منهم فإن الذي قدر على الوقف منهم وقف واشتهر ذلك فلم ينكره أحد فكان ذلك إجماعاً ولأنه إزالة ملك يلزم بالوصية فإذا نجزه في حال الحياة لزم من غير حكم كالعتق، وحديث عبد الله بن زيد إن ثبت فليس فيه ذكر الوقف، والظاهر أنه جعله صدقة غير

موقوف استناب فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى والديه أحق الناس بصرفها إليهما ولهذا لم يردها إليه إنما دفعها إليهما ويحتمل أن الحائط كان لهما وكان هو يتصرف فيه بحكم النيابة عنهما فتصرف بهذا التصرف بغير اذنها فلم ينفذاه وأتيا النبي صلى الله عليه وسلم فرده إليهما والقياس على الصدقة لا يصح لأنها تلزم في الحياة بغير حكم حاكم وإنما يفتقر الى القبض والوقف لا يفتقر إليه فافترقا * (مسألة) * (ولا يجوز بيعه إلا أن تتعطل منافعه فيباع ويصرف ثمنه في مثله وكذلك الفرس الحبيس إذا لم يصلح للغزو بيع واشتري بثمنه ما يصلح للجهاد وكذلك المسجد إذا لم ينتفع به في موضعه وعنه لا تباع المساجد لكن تنقل آلتها إلى مسجد آخر) وجملة ذلك أنه لا يجوز بيع الوقف ولا هبته لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عمر " غير أنه لا يباع أصلها ولا يبتاع ولا يوهب ولا يورث " فإن تعطلت منافعه بالكلية كدار انهدمت أو أرض خربت وعادت مواتاً لا يمكن عمارتها أو مسجد انتقل أهل القرية عنه وصار في موضع لا يصلى فيه أو ضاق بأهله ولم يمكن توسيعه في موضعه فإن أمكن بيع بعضه ليعمر به بقيته جاز بيع البعض وإن لم يمكن الانتفاع بشئ منه بيع جميعه قال أحمد في رواية أبي داود إذا كان في المسجد خشبتان لهما قيمة جاز بيعهما وصرف ثمنهما عليه وقال في رواية صالح يحول المسجد خوفاً من اللصوص وإذا كان موضعه قذراً قال القاضي يعني إذا كان ذلك يمنع الصلاة فيه ونص على جواز بيع عرصته في رواية عبد الله وتكون الشهادة في ذلك على الإمام. قال أبو بكر وقد روي علي بن سعيد أن المساجد لا تباع وإنما تنقل آلتها قال وبالقول الأول أقول لإجماعهم على بيع الفرس الحبيس يعني الموقوفة على الغزو إذا كبرت فلم تصلح للغزو وأمكن الانتفاع بها في شئ آخر مثل أن تدور في الرحا أو يحمل عليها تراب أو تكون الرغبة في نتاجها أو حصاناً يتخذ للطراق فإنه يجوز بيعها ويشترى بثمنها ما يصلح للغزو نص عليه أحمد وقال محمد بن الحسن إذا خرب المسجد

والوقف عاد إلى ملك واقفه لأن الوقف إنما هو تسبيل المنفعة فإذا زالت منفعته زال حق الموقوف عليه منه فزال ملكه عنه وقال مالك والشافعي لا يجوز بيع شئ من ذلك لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يباع أصلها ولا يبتاع ولا يوهب ولا يورث " ولأن ما لا يجوز بيعه مع بقاء منافعه لا يجوز مع تعطلها كالمعتق والمسجد أشبه الأشياء بالمعتق ولنا ما روى أن عمر رضي الله عنه كتب إلى سعد لما بلغه أنه قد نقب بيت المال الذي بالكوفة أن انقل المسجد الذي بالتمارين واجعل بيت المال في قبلة المسجد فإنه لن يزال في المسجد مصل وكان هذا بمشهد من الصحابة ولم يظهر خلافه فكان أجماعاً ولأن فيما ذكرناه استبقاء للوقف بمعناه عند تعذر إبقائه بصورته فوجب ذلك كما لو استولد الجارية الموقوفة أو قبلها أو قبلها غيره قال ابن عقيل الوقف مؤبد فإذا لم يمكن تأبيده على وجه تخصيصه استبقينا الغرض وهو الانتفاع على الدوام في عين أخرى وإيصال الأبدال جرى مجرى الأعيان وجمودنا على العين مع تعطلها تضييع للغرض ويقرب هذا من الهدي إذا عطب فإنه يذبح في الحال وإن كان يختص بالموضع، فلما تعذر تحصيل الغرض بالكلية استوفي منه ما أمكن وترك مراعاة المحل الخاص عند تعذره لأن مراعاته مع تعذره تفضي إلى فوات الانتفاع به بالكلية وهكذا الوقف المعطل المنافع. ولنا على محمد بن الحسن أنه إزالة ملك على وجه القربة فلا يعود إلى مالكه باخنلاله وذهاب منافعه كالعتق * (مسألة) * (ويجوز بيع بعض آلته وصرفها في عمارته) كما يجوز بيع الفرس الحبيس عند تعذر الانتفاع به وصرف ثمنه فيما يقوم مقامه ولأنه إذا جاز بيع الجميع عند الحاجة إلى بيعه فبيع بعضه مع بقاء البعض أولى. (فصل) واذا بيع الوقف فأي شئ اشترى بثمنه مما يرد على أهل الوقف جاز، وإن كان من غير جنسه في ظاهر كلام الخرقي لكن تكون المنفعة مصروفة إلى المصلحة التي كانت الأولى تصرف

فيها لأنه لا يجوز تغيير المصرف مع إمكان المحافظة عليه كما لا يجوز تغيير الوقف بالبيع مع إمكان الانتفاع به (فصل) فإن لم يكف ثمن الفرس الحبيس لشراء فرس أخرى أعين به في شراء حبيس يكون بعض الثمن نص عليه أحمد لأن المقصود استيفاء منفعة الوقف الممكن استيفاؤها وصيانتها عن الضياع ولا سبيل إلى ذلك إلا بهذه الطريق (فصل) فإن لم تتعطل منفعة الوقف بالكلية لكن قلت وكان غيره أنفع منه وأكثر رداً على أهل الوقف لم يجز بيعه لأن الأصل تحريم البيع وإنما أبيح للضرورة صيانة لمقصود الوقف عن الضياع مع إمكان تحصيله ومع الانتفاع ما يضيع المقصود وإن قل اللهم إلا أن يبلغ في قلة النفع إلى حد لا يعد نفعاً فيكون وجوده كالعدم (فصل) قال أحمد في رواية أبي داود في مسجد أراد أهله رفعه من الأرض ويجعل تحته سقاية وحوانيت فامتنع بعضهم من ذلك ينظر إلى قول أكثرهم واختلف أصحابنا في تأويل كلام أحمد فذهب ابن حامد إلى أن هذا مسجد أراد أهله انشاءه ابتداءا واختلفوا كيف يعمل، وسماه مسجداً قبل بنائه تجوزا لأن مآله إليه، أما بعد بنائه لا يجوز جعله سقاية ولا حوانيت وذهب القاضي إلى ظاهر اللفظ وهو أنه كان مسجداً فأراد أهله رفعه وجعل ما تحته سقاية لحاجتهم إلى ذلك والأول أصح وأولى، وإن خالف الظاهر فإن المسجد لا يجوز نقله وإبداله وبيع ساحته وجعلها سقاية وحوانيت إلا عند تعذر الانتفاع به والحاجة إلى سقاية وحوانيت لا تعطل نفع المسجد فلا يجوز صرفه في ذلك ولو جاز جعل أسفل المسجد سقاية وحوانيت لهذه الحاجة لجاز تخريب المسجد وجعله سقاية وحوانيت ويجعل بدله مسجداً في موضع آخر، وقال أحمد في رواية بكر بن محمد عن أبيه في مسجد ليس بحصين من الكلاب وله منارة فرخص في نقضها وبناء حائط المسجد بها للمصلحة * (مسألة) * (وما فضل من حصره وزيته عن حاجته جاز صرفه إلى مسجد آخر والصدقة به على فقراء المسلمين) وكذلك إن فضل من قصبه أو شئ من نقضه، قال أحمد في مسجد يبنى فيبقى من خشبه أو قصبه أو شئ من نقضه قال يعان به في مسجد آخر أو كما قال، وقال المروذي: سألت أبا عبد الله عن بواري المسجد إذا فضل منه الشئ أو الخشبة قال يتصدق به، وأرى أنه قد احتج بكسوة البيت إذا تخرقت

تصدق بها، وقال في موضع آخر قد كان شيبة يتصدق بخلقان الكعبة. وروى الخلال بإسناده عن علقمة عن أمه أن شيبة بن عثمان الحجبي جاء إلى عائشة رضي الله عنها فقال يا أم المؤمنين إن ثياب الكعبة تكثر عليها فننزعها فنحفر لها آباراً فندفنها فيها حتى لا تلبسها الحائض والجنب قالت عائشة بئس ما ضعت ولم تصب إن ثياب الكعبة إذا نزعت لم يضرها من لبسها من حائض أو جنب ولكن لو بعتها وجعلت ثمنها في سبيل الله والمساكين. فقال فكان شيبة يبعث بها إلى اليمن فتباع فيضع ثمنها حيث أمرته عائشة، وهذه قضية مثلها ينتشر ولم تنكر فتكون إجماعاً ولأنه مال الله تعالى لم يبق له مصرف فصرف إلى المساكين كالوقف المنقطع * (مسألة) * (ولا يجوز غرس شجرة في المسجد) نص عليه أحمد فقال إن كانت غرست النخلة بعد أن صار مسجداً فهذه غرست بغير حق فلا أحب الأكل منها، ولو قلعها الإمام لجاز، وذلك لأن المسجد لم يبن لهذا إنما بني لذكر الله والصلاة وقواءة القرآن ولأن الشجرة تؤذي المسجد وتمنع المصلين من الصلاة في موضعها ويسقط ورقها في المسجد وثمرها ويسقط عليها الطير وتبول في المسجد وربما اجتمع الصبيان في المسجد من أجلها ورموها بالحجارة ليسقط ثمرها * (مسألة) * (فإن كانت مغروسة جاز الأكل منها) يعني إذا كانت الشجرة في أرض فجعلها صاحبها مسجداً والشجرة فيها فلا بأس، قال أحمد في موضع لا بأس يعني أن يبيعها من الجيران، وقال في رواية أبي طالب في النفقة لا تباع وتجعل للمسلمين وأهل الدرب يأكلونها وذلك والله أعلم، لأن صاحب الأرض لما جعلها مسجداً والشجرة فيها فقد وقف الأرض والشجرة معاً ولم يعين مصرفها فصارت كالوقف المطلق الذي لم يعين له مصرف. وقد ذكرنا أنه للمساكين في بعض الروايات. فأما إن قال صاحبها هذه وقف على المسجد فينبغي أن تباع ثمرتها وتصرف إليه كما لو وقفها على المسجد وهي في غيره. وقال أبو الخطاب عندي أن السجد إذا احتاج إلى ثمن ثمرة الشجرة بيعت وصرفت في عمارته، وقال أحمد يأكلها الجيران محمول على أنهم يعمرونه فان استعنى المسجد عنها فلا بأس بالأكل منها والله سبحانه وتعالى أعلم

مسألة: وإن وقف على عقبه أو ولد ولده أو ذريته أو نسله دخل فيه ولد البنين بغير خلاف علمناه

باب الهبة والعطية وهي تمليك في الحياة بغير عوض، الهبة والعطية والهبة والصدقا معانيهما متقاربة وهي تمليك في الحياة بغير عوض، واسم الهبة والعطية شامل لجميعها، فأما الصدقة والهدية فهما متتغايران وإن دخلا في مسمى الهبة والعطية فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، وقال في اللحم الذي تصدق به على بربرة " هو عليها صدقة ولنا هدية " فالظاهر أن من أعطى شيئاً ينوي به التقرب إلى الله تعالى للمحتاج فهو صدقة، ومن دفع إلى إنسان شيئاً للتقرب إليه والمحبة له فهو هدية وجميع ذلك مندوب إليه فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال " تهادوا تحابوا " وأما الصدقة فما ورد في فضلها كثير، وقد قال الله تعالى (أن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتؤها الفقراء فهو خير لكم ويكفر عنكم من سيأتكم * (مسألة) * (فإن شرط فيها عوضاً معلوماً صارت بيعاً وعنه يغلب فيها حكم الهبة) وجملة ذلك أن الهبة المطلقة لا تقتضي ثواباً سواء كانت لمثله أو دونه أو أعلى منه وبه قال أبو حنيفة وقال الشافعي كقولنا فيما إذا كانت لمثله أو دونه وإن كانت لأعلى منه اقتضت الثواب في أحد القولين وهو قول مالك لقول عمر رضي الله عنه من وهب هبة أراد بها الثواب فهو على هبته يرجع فيها إذا لم يرض منها

مسألة: فإن قال على ولد ولدي لصلبي أو المنتسبين إلي لم يدخل ولد البنات

ولنا أنها عطية على وجه التيرع فلم تقتض ثواباً كهة المنل والوصية، وقول عمر قد خالفه ابنه وابن عباس فلا يبقى حجة فإن عوضه عن الهبة كانت هبة مبتدأة لا عوضاً أيهما أصاب عيباً لم يكن له الرد وإن خرجت مستحقة أخذها صاحبها ولم يرجع الموهوب له ببدلها، فإن شرط في الهبة ثواباً معلوماً صح نص عليه، لأنه تمليك بعوض معلوم فهو كالهبة وحكمها حكم البيع في ثبوت الخيار والشفعة وبه قال أصحاب الرأي ولأصحاب الشافعي قول أنها لا تصح لأنه شرط في الهبة ما ينافي مقتضاها. ولنا أنه تمليك بعوض فصح كما لو قال ملكتك هذا بدرهم فإنه لو أطلق التمليك كان هبة فإذا ذكر العوض صار بيعاً وفيه رواية أخرى ذكرها أبو الخطاب أنه يغلب عليها حكم الهبة فلا تثبت فيها أحكام البيع المختصة به * (مسألة) * (وإن شرط ثواباً مجهولاً لم تصح الهبة) وحكمها حكم البيع اللفاسد لأنه عوض مجهول في معاوضة فلم يصح كالبيع ويردها الموهوب له بزيادتها المتصلة والمنفصلة لأنه نماء ملك الواهب، وإن كانت تالفة رد قيمتها وهذا قول الشافعي وأبي ثور وعنه أنه قال يرضيه بشي وظاهر كلام أحمد أنها تصح فإذا أعطاه عنها عوضاً رضيه لزم العقد بذلك، قال أحمد في رواية محمد ابن الحكم إذا قال الواهب هذا لك على أن تثيبني فله أن يرجع إذا لم يثيه لأنه شرط، وقال في رواية اسماعيل بن سعيد إذا وهب له على وجه الإثابة فلا يجوز إلا أن يثيبه منها فعلى هذا عليه أن

يعطيه حتى يرضيه، فان لم يفعل فللواهب الرجوع فيها أو عوضها إن كانت تالفة لأنه عقد معاوضة فاسد فلزم ضمان العين إذا تلفت كالبيع الفاسد ويحتمل أن يعطيه قدر قيمتها والأول أصح لأن هذا بيع فيعتبر له التراضي إلا أنه بيع بالمعاطاة فإذا عوضه عوضاً رضيه حصل البيع بما حصل من المعاطاة مع التراضي بها وإن لم يحصل التراضي لم يصح لعدم العقد فإنه لم يوجد الإيجاب والقبول ولا المعاطاة ولا التراضي والأصل في هذا قول عمر رضي الله عنه: من أوهب هبة أراد بها الثواب فهو على هبته يرجع فيها ما لم يرض منها، وروي معنى ذلك عن علي وفضالة بن عبيد ومالك بن أنس وهو قول الشافعي على القول الذي يرى أن الهبة المطلقة تقتضي ثواباً، وقد روى أبو هريرة أن أعرابياً وهب النبي صلى الله عليه وسلم ناقة فأعطاء ثلاثاً فأبى فزاده ثلاثاً فلما كملت تسعاً قال رضيت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " لقد هممت أن لا أتهب إلا من قرشي أو أنصاري أو ثقفي أو دوسي " من المسند، فإن تغيرت العين الموهوبة بزيادة أو نقصان أو لم يثبه منها فقال أحمد لا أرى عليه نقصان ما نقصه عنده إذا رده إلى صاحبه إلا أن يكون ثوباً لبسه أو جارية استخدمها، فأما غير ذلك إذا نقص فلا شئ عليه فكان عندي مثل الرهن الزيادة والنقصان لصاحبه * (مسألة) * (وتحصل الهبة بما يتعارفه الناس هبة من الإيجاب والقبول والمعاطاة المقترنة بما يدل عليها) فالإيجاب أن يقول وهبتك أو أهديت إليك أو ملكتك أو هذا لك ونحوه من الألفاظ

الدالة على هذا المعنى، والقبول أن يقول قبلت أو رضيت أو نحو هذا، وتصح بالمعاطاة المقترنة بما يدل عليهما وإن لم يحصل إيجاب أو قبول، ذكر القاضي وابو الخطاب إن الهبة والعطية لابد فيها من الإيجاب والقبول، ولا تصح بدونه سواء وجد القبض أو لم يوجد وهو قول أكثر أصحاب الشافعي لأنه عقد تمليك فافتقر إلى الإيجاب والقبول كالنكاح، والصحيح أن المعاطاة والأفعال الدالة على الإيجاب والقبول كافية ولا يحتاج إلى لفظ اختاره ابن عقيل فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يهدي ويهدى إليه ويعطي ويعطى ويفرق الصدقات ويأمر سعاته بأخذها وتفريقها وكان أصحابه يفعلون ذلك ولم ينقل عنهم في ذلك إيجاب ولا قبول ولا أمر به ولا تعليمه لأحد ولو كان ذلك شرطاً لنقل عنهم نقلاً مشتهراً، وقد كان ابن عمر على بعير لعمر فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر " بعنيه " فقال هو لك يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " هو لك يا عبد الله بن عمر فاصنع به ما شئت " ولم ينقل قبول النبي صلى الله عليه وسلم من عمر ولا قبول ابن عمر من النبي صلى الله عليه وسلم ولو كان شرطاً لفعله النبي وعلمه ابن عمر ولم يكن ليأمره أن يصنع به ما شاء قبل أن يقبله، وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أتي بطعام سأل عنه فإن قالوا صدقة قال لأصحابه " كلوا " ولم يأكل وإن قالوا هدية ضرب بيده فأكل معهم، ولا خلاف بين العلماء فيما علمنا في أن تقديم الطعام بين يدي الضيفان والإذن في أكله ان ذلك لا يحتاج إلى إيجاب ولا قبول ولأنه وجد ما يدل على التراضي بنقل الملك فاكتفى به كما لو وجد الإيجاب والقبول، قال ابن عقيل إنما يشترط الإيجاب مع الإطلاق وعدم العرف القائم من المعطي والمعطى لأنه إذا لم يكن عرف يدل

مسألة: وإن وقف على بنيه أو بني فلان فهو للذكور خاصة دون الأناثي والخناثى عند الجمهور

على الرضي فلابد من قول دال عليه، أما مع قرائن الاحوال والدلال فلا وجه لتوقفه على اللفظ، ألا ترى أنا اكتفينا بالمعاطاة في البيع واكتفينا بدلالة الحال في دخول الحمام وهو إجارة وبيع أعيان فإذا اكتفينا في المعاوضات مع تأكدها بدلالة الحال فإنها تنقل الملك من الجانبين فلأن نكتفي بها في الهبة أولى. وأما النكاح فإنه يشترط فيه ما لا يشترط في غيره من الإشهاد ولا يقع إلا قليلاً فلا يشق اشتراط الإيجاب والقبول فيه بخلاف الهبة والله سبحانه وتعالى أعلم * (مسألة) * (وتلزم بالقبض وعنه تلزم في غير المكيل والموزون بمجرد الهبة) أما الميكل والموزون الذي لا يتميز إلا بالكيل والوزن فلا تلزم الهبة فيه إلا بالقبض وعلى قياس ذلك المعدود والمذروع، وهو قول أكثر الفقهاء منهم النخعي والثوري والحسن بن صالح وأبو حنيفة والشافعي وقال مالك وأبو ثور تلزم بمجرد العقد لعموم قوله عليه السلام " العائد في هبته كالعائد في قيئه " ولأنه إزالة ملك بغير عوض فلزم بمجرد العقد كالوقف والعتق ولأنه تبرع فلا يعتبر فيه القبض كالوصية والوقف ولنا إجماع الصحابة رضي الله عنهم فإنه مروي عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ولم نعرف لهما في الصحابة مخالفاً، وقد روى عروة عن عائشة رضي الله عنها أن أبا بكر رضي الله عنه نحلها جذاذ عشرين وسقاً من ماله بالعالية فلما مرض قال: يا بنية ما أحد أحب غنىً منك بعدي ولا أحد أعز علي فقراً منك وكنت نحلتك جذاذ عشرين وسقا ووددت أنك حزتيه أو قبضتيه، وهو اليوم مال الوارث أخواك وأختاك فاقتسموا على كتاب الله عزوجل، رواه مالك في موطئه. وروى ابن عيينة عن

مسألة: وإن وقف على قرابته أو قرابة فلان فهو للذكر والأنثى من أولاده وأولاد أبيه وجده وجد أبيه لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجاوز بني هاشم بسهم ذوي القربى

الزهري عن عروة عن عبد الرحمن بن عبد القاري أن عمر بن الخطاب قال: ما بال قوم ينحلون أولادهم فإذا مات أحدهم قال مالي وفي يدي فإذا مات هو قال قد كنت نحلت ولدي، لانحلة لانحلة يحوزها الولد دون الوالد، فإن مات ورثه قال المروذي اتفق أبو بكر وعمر وعثمان وعلي على أن الهبة لا تجوز إلا مقبوضة ولأنها هبة غير مقبوضة فلم تلزم كما لو مات الواهب قبل أن يقبض فإن مالكاً يقول لا يلزم الورثة التسليم والخبر محمول على المقبوض ولا يصح القياس على الوقف والوصية والعتق لأن الوقف إخراج ملك إلى الله تعالى فخالف التمليكات والوصية تلزم في حق الوارث والعتق إسقاط حق وليس بتمليك ولان الوقف والعنق لا يكون في محل النزاع لأن النزاع في المكيل والموزون (فصل) وفي غير المكيل والموزون روايتان (إحداهما) ان حكمه حكم المكيل والموزون في أنه لا يلزم إلا بالقبض وهو قول أكثر أهل العلم، قال المروذي: اتفق أبو بكر وعمر وعثمان وعلي على أن الهبة لا تجوز إلا مقبوضة روى ذلك عن النخعي والثوري والعنبري والحسن بن صالح والشافعي وأصحاب الرأي لما ذكرنا في المكيل والموزون (والثانية) أنها تلزم بمجرد العقد وثبت الملك في الموهوب فيه قبل قبضه فروي عن علي وابن مسعود رضي الله عنهما أنهما قالا الهبة جائزة إذا كانت معلومة قبضت أو لم تقبض وهو قول مالك وأبي ثور لأن الهبة أحد نوعي التمليك فكان منها ما لا يلزم قبل القبض ومنها ما يلزم قبله كالبيع فإن منه ما لا يلزم إلا بقبض وهو الصرف وبيع الربويات ومنه

ما يلزم قبله وهو ما عدا ذلك، فأما حديث أبي بكر في هبته لعائشة فإن جذاذ عشرين وسقا يحتمل أنه أراد به عشرين وسقاً مجذوذة فيكون مكيلاً غير معين وهذا لابد فيه من القبض، وإن أراد نخلاً بجذ عشرين وسقاً فهو أيضاً غير معين فلا تصح الهبة فيه قبل تعيينه فيكون معناه وعدتك بالنحلة، وقول عمر أراد به النهي عن التحيل بنحلة الوالد ولده نحلة موقوفة على الموت فيظهر أني نحلت ولدي شيئاً ويمسكه في يده يستغله فإذا مات أخذه ولده بحكم النحلة التي أظهرها، وإن مات ولده أمسكه ولم يعط ورثته شيئاً وهذا على هذا الوجه محرم فنهاهم عن هذا حتى يحوزها الولد دون والده، فإن مات ورثها ورثته كسائر ماله، وإذا كان المقصود هذا اختص بهبة الولد وشبهه، على أنه قد روي عن علي وابن مسعود خلاف ذلك فتعارضت أقوالهم (فصل) قوله في المكيل والموزون أن الهبة لا تلزم فيه إلا بالقبض محمول على عمومه في كل ما يكال ويوزن وخصه أصحابنا المتأخرون بما ليس بمتعين منه كقفيز من صبرة ورطل من دن وقد ذكرنا ذلك في البيع ورجحنا العموم * (مسألة) * (ولا يصح القبض إلا بإذن الواهب إلا ما كان في يد المتهب فيكفي مضي زمن يتأتى قبضه فيه وعنه لا يصح حتى يأذن في القبض

مسألة: وأهل بيته بمنزلة قرابته وقال الخرقي: يعطى من قبل أبيه وأمه

إذا قلنا إن الهبة لا تلزم الا بالقبض لم يصح القبض إلا بإذن الواهب لأنه قبض غير مستحق عليه ولأنه أمر تلزم به الهبة فلم يصح إلا بإذن الواهب كأصل العقد لأن قبضه مستدام فأغنى عنه الابتداء كما لو باعه سلعة في يده وهو الصحيح إن شاء الله تعالى، فأما ما كان في يد المتهب كالوديعة والمغصوب فظاهر كلام أحمد أنها تلزم من غير قبض ولا مضي مدة يتأتى فيها القبض فإنه قال في رواية ابن منصور إذا وهب امرأته شيئاً ولم تقبضه فليس بينه وبينها خيار هي معه في البيت فظاهر هذا أنه لم يعتبر قبضاً ولا مضي مدة يتأتى فيها لكونها معه في البيت فيدها على ما فيه لأن قبضه مستدام أغنى عن الابتداء كما لو باعه سلعة في يده وهو الصحيح إن شاء الله تعالى. قال القاضي لابد من مضي مدة يتأتى القبض فيها، وهل يفتقر إلى أذن في القبض؟ فيه روايتان (إحداهما) يفتقر كغير المقبوض (والثانية) لا يفتقر لأنه مقبوض فلا معنى لتجديد الإذن فيه وقد ذكرنا ذلك في الرهن ومذهب الشافعي في الاختلاف في اعتبار الإذن واعتبار مضي مدة يتأتى القبض فيها كمذهبنا (فصل) والواهب بالخيار قبل القبض إن شاء أقبضها وإن شاء رجع فيها فإن قبضها المتهب بغير إذن الواهب لم يصح القبض ولم تتم الهبة وحكي عن أبي حنيفة أنه إذا قبضها في المجلس صح وإن لم يأذن له لأن الهبة قامت مقام الإذن في القبض لكونها دالة على رضاه بالتمليك الذي لا يتم إلا بالقبض

مسألة: وقومه ونسباؤه كقرابته لأن قوم الرجل قبيلته وهم نسباؤه

ولنا أنه قبض الهبة بغير إذن الواهب فلم يصح كما بعد المجلس وكما لو نهاه ولأن التسليم غير مستحق على الواهب فلم يصح التسليم إلا بإذنه كما لو أخذ المشتري المبيع من البائع قبل قبض ثمنه، ولا يصح جعل الهبة إذناً في القبض كما بعد المجلس ويحتمل أنه إذا قبضها بحضرة الواهب أن يقوم ذلك مقام الإذن كما جعلنا أخذ المتهب لها بإذن الواهب دليلاً على القبول فإن أذن الواهب في القبض ثم رجع عن الإذن أو رجع في الهبة صح رجوعه لأن ذلك ليس بقبض وإن رجع بعد القبض لم يصح رجوعه لأن الهبة تمت * (مسألة) * (فإن مات الواهب قام وارثه مقامه في الإذن والرجوع) وجملة ذلك أنه إذا مات الواهب أو المتهب قبل القبض بطلت الهبة سواء كان قبل الإذن في القبض أو بعده ذكره القاضي في موت الواهب لأنه عقد جائز فبطل بموت أحد المتعاقدين كالوكالة قال أحمد في رواية أبي طالب وأبي الحارث في رجل أهدى هدية فلم تصل إلى المهدي إليه حتى مات فإنها تعود إلى صاحبها ما لم يقبضها وروى بإسناده عن أم كلثوم بنت أبي سلمى قالت لما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة قال لها " إني أهديت إلى النجاشي حلة وأواقي مسك ولا أرى النجاشي إلا قد مات ولا أرى هديتي إلا مردودة علي فإن ردت فهي لك " فكان كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وردت عليه هديته فأعطى كل امرأة من نسائه أوقية مسك وأعطى أم سلمة بقية المسك والحلة وإن

مسألة: والعترة هم العشيرة الأدنون في عرف الناس وولده الذكور والإناث وإن سفلوا

مات المهدي قبل أن تصل إلى المهدى إليه رجعت إلى ورثة المهدي وليس للرسول حملها إلى المهدي إليه إلا أن يأذن الوارث والهبة كالهدية، وقال أبو الخصاب قام وارثه مقامه في الإذن في القبض والفسخ وهذا يدل على أن الهبة لم تنفسخ بموته وهو قول أكثر أصحاب الشافعي لأنه عقد مآله إلى اللزوم فلم ينفسخ بالموت كالبيع في مدة الخيار وكذلك يخرج فيما إذا مات الموهوب له بعد القبول وإن مات أحدهما قبل القبول أو ما يقوم مقامه بطلت وجهاً واحداً لأن العقد لم يتم فهو كما لو مات المشتري بعد الإيجاب وقبل القبول فإن قلنا أن الهبة لا تبطل فمات أحدهما بعد الإذن في القبض بطل الإذن لأن الميت إن كان هو الواهب فقد انتقل حقه في الرجوع في الهبة إلى وارثه وإن كان المتهب فلم يوجد الإذن لوارثه فلم يملك القبض بغير إذن والله أعلم * (مسألة) * (وإن أبرأ الغريم غريمه من دينه أو وهبه له أو أحله منه برئ وإن رد ذلك ولم يقبله) لأنه إسقاط فلم يفتقر إلى القبول كإسقاط القصاص والشفعة وحد القذف وكالعتق والطلاق وكذلك إن قال تصدقت به عليك فإن القرآن ورد في الإبراء بلفظ الصدقة قال الله تعالى (ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا) وإن قال عفوت لك عنه صح قال الله تعالى (إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح) يريد به الإبراء من الصداق، فإن قال أسقطته عنك صح لأنه أتى بحقيقة اللفظ وكذلك إن قال ملكتك لأنه بمنزلة هبته إياه فإن وهب الدين لغير من هو في ذمته لم يصح قياساً على البيع

مسألة: فأما الأرامل فهن النساء اللاتي فارقهن أزواجهن بموت أو غيره

ويحتمل أن يصح لأنه لا غرر فيها على المتهب ولا الواهب فصح كهبة الأعيان (فصل) وتصح البراءة من المجهول إذا لم يكن لهما سبيل إلى معرفته وقال أبو حنيفة تصح مطلقاً وقال الشافعي لا تصح إلا أنه إذا أراد ذلك فقال أبرأتك من درهم إلى ألف لأن الجهالة إنما منعت لأجل الغرر فإذا رضي بالجملة فقد زال الغرر وصحت البراءة ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجلين اختصما إليه في مواريث درست " اقتسما وتوخيا ثم استهما ثم تحالا " رواه أبو داود ولأنه إسقاط فصح في المجهول كالطلاق والعتاق وكما لو قال من درهم الى ألف، ولأن الحاجة داعية إلى تبرئة الذمة ولا سبيل إلى العلم بما فيها فلو وقفت صحة البراءة على العلم لكان سداً لباب عفو الإنسان عن أخيه المسلم وتبرئة ذمته فلم يجز ذلك كالمنع من العتق، فأما إن كان من عليه الحق يعلمه ويكتمه المستحق خوفاً من أنه إذا علمه لم يسمح بإبرائه منه فينبغي أن لا تصح البراءة فيه لأن فيه تغريراً بالمبرئ وقد أمكن التحرز منه، وقال أصحابنا لو أبرأه من مائة وهو يعتقد أنه لا شئ عليه وكان له عليه مائة ففي صحة البراءة وجهان (أحدهما) صحتها لأنها صادفت ملكه فأسقطته كما لو علمها (والثاني) لا يصح لأنه ابرأه مما لا يعتقد أنه عليه فلم يكن ذلك إبراء في الحقيقة، وأصل الوجهين ما لو باع ما لا كان لموروثه يعتقد أنه باق لموروثه وكان موروثه قد مات وانتقل ملكه إليه فهل يصح؟ فيه وجهان وللشافعي قولان في البيع وفي صحة الإبراء وجهان

(فصل) فإن كان الموهوب له طفلاً أو مجنوناً لم يصح قبضه ولا قبوله لأنه من غير أهل التصرف ويقبض له أبوه إن كان أميناً لأنه أشفق عليه وأقرب إليه، فإن لم يكن له أب قبض له وصي إليه لأن الأب أقامه مقام نفسه فجرى مجرى وكيله، وإن كان الأب غير مأمون أو كان مجنوناً أو كان لا وصي له قبل الحاكم، ولا يلي ماله غير هؤلاء الثلاثة وأمين الحاكم يقوم مقامه وكذلك وكيل الأب الأمين ووصيه يقوم كل واحد منهما مقام الصبي والمجنون في القبول والقبض إن احتيج إليه لأنه قبول لما للصبي أو المجنون فيه حظ فكان إلى الولي كالبيع والشراء ولا يصح القبض من غير هؤلاء قال أحمد في رواية صالح في صبي وهبت له هبة أو تصدق عليه بصدقة فقبضت الأم ذلك وأبوه حاضر فقال لا أعرف للأم قبضاً ولا يكون إلا للأب، وقال عثمان رضي الله عنه أحق من يحوز للصبي أبوه وهذا مذهب الشافعي لا أعلم فيه خلافاً لأن القبض إنما يكون من المتهب أو نائبه والولي نائب بالشرع فصح قبضه له، أما غيره فلا نيابة له، قال شيخنا ويحتمل أن يصح القبول والقبض من غيرهم عند عدمهم لأن الحاجة داعية إلى ذلك فإن الصبي قد يكون في مكان لا حاكم فيه وليس له أب ولا وصي ويكون

مسألة: وإن وقف على أهل قريته أو قرابته لم يدخل فيهم من يخالف دينه وفيه وجه آخر أن المسلم يدخل فيه وإن كان الواقف كافرا

فقيراً لا غنى به عن الصدقات فإن لم يصح قبض غيرهم له انسد باب وصولها إليه فيضيع ويهلك ومراعاة حفظه عن الهلاك أولى من مراعاة الولاية، فعلى هذا للأم القبض له وكل من يليه من أقاربه وغيرهم (فصل) فإن كان الصبي مميزاً فحكمه حكم الطفل في قيام وليه مقامه لأن الولاية لا تزول عنه قبل البلوغ إلا أنه إذا قبل لنفسه وقبض لها صح لأنه من أهل التصرف فإنه يصح بيعه وشراؤه بإذن الولي فههنا أولى، ولا يحتاج إلى إذن الولي ههنا لأنه مصلحة لا ضرر فيه فصح من غير إذن وليه كوصيته وكسبه المباحات، ويحتمل أن يقف صحة القبض منه على إذن وليه دون القبول لأن القبض يحصل به مستولياً على المال فلا يؤمن تضييعه له وتفريطه فيه فيتعين حفظه عن ذلك بتوقفه على إذن وليه كقبضه أوديغته بخلاف القبول فإنه يحصل له به الملك من غير ضرر فجاز من غير إذن كاحتشاشه واصطياده. (فصل) فإن وهب الأب لولده الصغير شيئاً قام مقامه في القبض والقبول إن احتيج إليه قال إبن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على ان الرجل اذا وهب لولده الطفل داراً بعينها أو عبداً بعينه وقبضه له من نفسه وأشهد عليه أن الهبة تامة، هذا قول مالك والثوري والشافعي وأصحاب الرأي وروي معنى ذلك عن شريح وعمر بن عبد العزيز، فإن كان الموهوب مما يفتقر إلى قبض اكتفى

بقوله قد وهبت هذا لابني وقبضته له لأنه يغني عن القبول كما ذكرنا ولا يكفي قوله قد قبلته لأن القبول لا يغني ن القبض، وإن كان مما لا يفتقر اكتفى بقوله قد وهبت هذا لابني ولا يحتاج إلى ذكر قبض ولا قبول، قال إبن المنذر أجمع الفقهاء على أن هبة الأب لولده الصغير في حجره لا يحتاج إلى قبض وإن الإشهاد فيها يغني عن القبض وإن وليها أبوه لما رواه مالك عن الزهري عن ابن المسيب أن عثمان قال من نحل ولداً له صغيراً لم يبلغ أن يحوز نحلة فأعلن ذلك وأشهد على نفسه فهي جائزة وإن وليها أبوه، وقال القاضي لابد في هبة الولد من أن يقول قبلته وهذا مذهب الشافعي لأن الهبة عندهم لا تصح إلا بالإيجاب والقبول وقد ذكرنا من قبل أن قرائن الأحوال ودلالتها تغني عن لفظ القبول ولا أدل على القبول من كون القابل هو الواهب فاعتبار لفظ لا يفيد معنى من غير ورود الشرع به تحكم لا معنى له مع مخالفته لظاهر حال أمر النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته، وليس هذا مذهبا لاحمد فقد قال في رواية حرب في رجل أشهد بسهم من ضيعته وهي معروفة لابنه وليس له ولد غيره فقال أحب أن يقول عند الإشهاد قد قبضته له قال له فإن سها قال إذا كان مفرزاً رجوت فقد ذكر أحمد أنه يكتفي بقوله قد قبضته له وأن يرجو أن يكتفي مع التمييز بالإشهاد فحسب وهذا موافق للإجماع المذكور عن سائر العلماء، وقال بعض أصحابنا يكتفى بأحد لفظين إما أن يقول قد قبلته أو قد قبضت لأن القبول يغني عن القبض وظاهر كلام أحمد ما ذكرناه ولا فرق بين الأثمان وغيرها فيما

مسألة: وإن وقف على مواليه وله موال من فوق وموال من أسفل تناول جميعهم، وقال ابن حامد: يختص الموالي من فوق

ذكرنا وبه قال أبو حنيفة والشافعي وقال مالك إن وهب له مالاً يعرف بعينه كالأثمان لم يجز إلا أن يضعها على يد غيره لأن الأب قد يتلف ذلك أو يتلف بغير سببه فلا يمكن أن يشهد على شئ بعينه فلا ينفع القبض شيئاً ولنا أن ذلك مما يصح هبته فإذا وهبه لابنه الصغير وقرضه له صح كالعروض (فصل) فإن كان الواهب للصبي غير الأب من أوليائه فقال أصحابنا لابد أن يوكل من يقبل للصبي ويقبض له ليكون الإيجاب منه والقبول والقبض من غيره كما في البيع بخلاف الأب فإنه يجوز أن يوجب ويقبل ويقبض لكونه يجوز أن يبيع لنفسه، قال شيخنا والصحيح عندي أن الأب وغيره في هذا سواء لأنه عقد يجوز أن يصدر منه ومن وكيله فجاز أن يتولى طرفيه كالأب. وفارق البيع فإنه يجوز أن يوكل من يشتري له ولأن البيع عقد معاوضة ومرابحة فيتهم في عقده لنفسه والهبة محض مصلحة لا تهمة فيها وهو ولي فجاز أن يتولى طرفي العقد كالأب، ولأن البيع إنما منع منه لما يأخذه من العوض لنفسه من مال الصبي وهو ههنا يعطي ولا يأخذ فلا وجه لمنعه من ذلك وتوقيفه على توكيل غيره ولأننا قد ذكرنا أنه يستغنى بالإيجاب والإشهاد عن القبض والقبول فلا حاجة الى التوكيل فيهما مع غناه عنهما

(فصل) فأما الهبة من الصبي لغيره فلا تصح سواء أذن فيها الولي أو لم يأذن لأنه محجور عليه لحظ نفسه فلا يصح تبرعه كالسفيه، فأما العبد فلا يجوز أن يهب إلا بإذن سيده لأنه مال لسيده وماله مال لسيده فلا يجوز له إزالة ملك سيده عنه بغير إذنه كالأجنبي وقد ذكرنا في جواز الصدقة من قوته بالرغيف ونحوه رواية أن ذلك جائز وذكرنا دليله في الحجر وللعبد أن يقبل الهدية والهبة بغير إذن سيده نص عليه أحمد لأنه تحصيل للمال للسيد فلم يعتبر إذنه فيه كالالتقاط والاصطياد ونحوه: (فصل) والقبض في الهبة كالقبض في البيع وقد ذكرنا ذلك والاختلاف فيه في كتاب البيع وهذا مقيس عليه * (مسألة) * (وتصح هبة المشاع وبه قال مالك والشافعي وسواء في ذلك ما أمكن قسمته أو لم يمكن وقال أصحاب الرأي لا تصح هبة المشاع الذي يمكن قسمته لأن القبض شرط في الهبة ووجوب القسمة يمنع صحة القبض وتمامه وتصح هبة ما لا يمكن قسمته لعدم ذلك فيه فإن وهب واحد اثنين شيئاً مما ينقسم لم يجز عند أبي حنيفة وجاز عند صاحبيه وإن وهب اثنان اثنين شيئاً مما ينقسم لم يصح في قياس قولهم لأن كل واحد من المتهبين قد وهب له جزء مشاع

مسألة: فإن لم يمكن حصرهم كالمساكين والقبيلة الكثيرة كبني هاشم وبني تميم صح الوقف عليهم

ولنا أن وفد هوازن لما جاءوا يطلبون من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرد عليهم ما غنمه منهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم " رواه البخاري وهو هبة مشاع وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وقد جاء رجل ومعه كبة من شعر فقال أخذت هذه من الغنم لأصلح بها برذعة لي فقال النبي صلى الله عليه وسلم " ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لك " وروى عمير بن سلمة الضمري قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتينا الروحاء فرأينا حمار وحش معقوراً فأردنا أخذه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " دعوه فإنه يوشك أن يجئ صاحبه " فجاء رجل من بهز وهو الذي عقره فقال يا رسول الله شأنكم بالحمار فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقسم بين الناس رواه الإمام أحمد والنسائي ولأنه يجوز بيعه فجازت هبته كالذي لا ينقسم، وقولهم إن وجوب القسمة يمنع صحة القبض لا يصح لأنه لا يمنع صحته في البيع فكذا ههنا، ومتى كانت الهبة لاثنين فقبضاه بإذنه ثبت ملكهما فيه وإن قبضه أحدهما ثبت الملك في نصيبه دون صاحبه * (مسألة) * (وتصح هبة ما يجوز بيعه لأنه تمليك في الحياة فصح كالبيع وتصح هبة الكلب وما يباح الانتفاع به من النجاسات لأنه تبرع فجاز في ذلك كالوصية، ومتى قلنا إن القبض شرط في الهبة

لم تصح الهبة فيما لا يمكن تسليمه كالعبد الآبق والجمل الشارد والمغصوب لغير غاصبه ممن لا يقدر على أخذه منه وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي لأنه عقد يفتقر الى القبض أشبه البيع فإن وهب المغصوب لغاصبه أو لمن يتمكن من أخذه منه صح لإمكان قبضه، وليس لغير الغاصب القبض إلا بإذن الواهب فإن وكل المالك الغاصب في تقبيضه صح وإن وكل المتهب الغاصب في القبض له فقبل في زمن يمكن قبضه فيه صار مقبوضاً وملكه المتهب وبرئ الغاصب من ضمانه وإن قلنا القبض ليس شرطاً في الهبة فما لا يعتبر فيه القبض من ذلك يحتمل أن لا يعتبر في صحة هبته القدرة على التسليم وهو قول أبي ثور لأنه تمليك بلا عوض أشبه الوصية ويحتمل أن لا تصح هبته لأنه لا يصح بيعه أشبه الحمل في البطن وكذلك يخرج في هبة الطير في الهواء أو السمك في الماء إذا كان مملوكاً * (مسألة) * (ولا تصح هبة المجهول كالحمل في البطن واللبن في الضرع) وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وأبو ثور لأنه مجهول معجوز عن تسليمه فلم تصح هبته كما لا يصح بيعه وفي الصوف على الظهر وجهان بناء على صحة بيعه، ومتى أذن له في جز الصوف وحلب الشاة كان إباحة وإن وهب دهن سمسمه قبل عصره أو زيت زيتونه أو جفته لم يصح وبهذا قال الثوري والشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم لهم مخالفاً، ولا تصح هبة المعدوم كالذي تحمل أمته أو شجرته لأن الهبة عقد تمليك في الحياة فلم تصح في هذا كله كالبيع (فصل) قد ذكرنا أن هبة المجهول لا تصح نص عليه أحمد في رواية أبي داود وحرب وبه قال الشافعي، قال شيخنا ويحتمل أن الجهل إذا كان من الواهب منع الصحة لأنه غرر في حقه وإن كان من الموهوب له لم يمنعها لأنه لا غرر في حقه فلم يعتبر في حقه العلم بما يوهب له كالوصية، وقال مالك: تصح هبة المجهول لأنه تبرع فصح في المجهول كالنذر والوصية

مسألة: ولا يعطى كل واحد أكثر من القدر الذي يعطى من الزكاة يعني إذا كان الوقف على صنف من أصناف الزكاة

ولنا أنه عقد تمليك لا يصح تعليقه بالشروط فلم يصح في المجهول كالبيع بخلاف النذر والوصية فأما ما لا يقدر على تسليمه فتصح هبته في أحد الاحتمالين إذا قلنا إن القبض ليس بشرط في صحة الهبة وقد ذكرناه. * (مسألة) * (ولا يجوز تعليقها على شرط ولا شرط ما ينافي مقتضاها نحو أن لا يبيعها ولا يهبها) لا يصح تعليق الهبة على شرط لأنها تمليك لعين في الحياة فلم يجز تعليقها على شرط كالبيع، فإن علقها على شرط كقول النبي صلى الله عليه وسلم لأم سلمة " إن رجعت هديتنا إلى النجاشي فهي لك " كان وعداً لا هبة ومتى شرط شرطاً ينافي مقتضاها نحو أن لا يبيعها ولا يهبها أو بشرط أن يبيعه أو يهبه أو أن يهب فلاناً شيئاً لم يصح الشرط رواية واحدة، وفي صحة الهبة وجهان بناء على الشروط الفاسدة في البيع. * (مسألة) * (ولا توقيتها كقوله وهبتك هذا سنة) إذا وقت الهبة كقوله وهبتك هذا سنة ثم يعود إلى لم يصح لأنه عقد تمليك لعين فلم تصح مؤقتاً كالبيع (فصل) وإن وهب أمة واستثنى ما في بطنها صح في قياس قول أحمد فيمن أعتق أمة واستثنى ما في بطنها لأنه تبرع بالأم واستثنى ما في بطنها أشبه العتق، وبه يقول في العتق النخعي واسحاق وأبو ثور، ويتخرج أن لا يصح كما لو باع أمة واستثنى ما في بطنها، وقد ذكرناه في البيع، وقال أصحاب الرأي تصح الهبة ويبطل الاستثناء، ولنا أنه لم يهب الولد فلم يملكه الموهوب له كالمنفصل وكالموصى به. * (مسألة) * (إلا في العمرى والرقبى وهو أن يقول أعمرتك هذه الدار أو أرقبتكها أو جعلتها لك عمرك أو حياتك فإنه يصح وتكون للمعمر ولورثته من بعده) العمرى والرقبى نوعان من أنواع الهبة يفتقران إلى ما يفتقر إليه سائر الهبات من الإيجاب والقبول والقبض أو ما يقوم مقام ذلك عند من اعتبره، وصورة العمرى أن يقول أعمرتك داري هذه أو هي لك عمرك أو ما عشت أو مدة حياتك أو ما حييت أو نحو هذا، سميت عمرى لتقييدها بالعمر، والرقبى

مسألة: والوصية كالوقف في هذا التفصيل لأن مبناها على لفظ الموصي أشبهت الوقف

أن يقول أرقبتك هذه الدار أو هي لك حياتك على إنك إن مت قبلي عادت إلي وإن مت قبلك فهي لك ولعقبك فكأنه يقول هي لآخرنا موتاً، ولذلك سميت رقبى لأن كل واحد منهما يرقب موت صاحبه، وهما جائزان في قول أكثر أهل العلم، وحكي عن بعضهم أنها لا تصح لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا تعمروا ولا ترقبوا " ولنا ما روى جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " العمرى جائزة لأهلها والرقبى جائزة لأهلها " رواه أبو داود والترمذي، وقال حديث حسن، فأما النهي فإنما ورد على وجه الإعلام لهم أنكم إن أعمرتم أو أرقبتم يعد للمعمر والمرقب ولم يعد اليكم منه شئ، وسياق الحديث يدل عليه فإنه قال " فمن أعمر عمرى فهي للذي أعمرها حياً وميتاً وعقبه " ولو أريد به حقيقة النهي لم يمنع ذلك صحتها فإن النهي إنما يمنع صحة ما يفيد المنهي عنه فائدة، أما إذا كان صحة المنهي ضرراً على مرتكبه لم يمنع صحته كالطلاق في زمن الحيض، وصحة العمرى ضرر على المعمر فإن ملكه يزول بغير عوض. إذا ثبت ذلك فإن العمرى تنقل الملك إلى المعمر، وبهذا قال جابر بن عبد الله وابن عمر وابن عباس وشريح ومجاهد وطاوس والثوري والشافعي وأصحاب الرأي، وروي ذلك عن علي، وقال مالك والليث: العمرى تمليك المنافع لا تملك بها رقبة المعمر بحال ويكون للمعمر السكنى فيه فإن مات عادت إلى المعمر وإن قال له ولعقبه كان سكناها لهم فإذا انقرضوا عادت إلى المعمر، واحتجا بما روي يحيى بن سعيد عن عبد الرحمن بن القاسم قال سمعت مكحولاً يسأل القاسم بن محمد عن العمرى ما يقول الناس فيها فقال القاسم ما أدركت الناس إلا على شروطهم في أموالهم وما أعطوا، وقال ابراهيم الحربي عن ابن الأعرابي لم يختلف العرب في العمرى والرقبى والافقار والمنحة والعارية والكسنى والإطراق أنها على ملك أربابها ومنافعها لمن جعلت له ولأن التمليك لا يتأقت كما لو باعه إلى مدة فإذا كان لا يتأقت حمل قوله على تمليك المنافع لأنه يصح توقيته ولنا ما روى جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " امسكوا عليكم أموالكم ولا تفسدوها

مسألة: ولا يجوز بيعه إلا أن تتعطل منافعه فيباع ويصرف ثمنه في مثله، وكذلك الفرس الحبيس إذا لم يصلح للغزو بيع واشتري بثمنه ما يصلح للجهاد، وكذلك المسجد إذا لم ينتفع به في موضعه، وعنه لا تباع المساجد لكن تنقل آلتها إلى مسجد آخر

فإنه من أعمر عمرى فهي للذي أعمرها حياً وميتاً ولعقبه " رواه المسلم وفي لفظ قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرى لمن وهبت له متفق عليه، وروى ابن ماجة عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا رقبى، فمن أرقب شيئاً فهو له حياته وموته " وعن زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل العمرى للوارث وقد روى مالك حديث العمرى في موطئه وهو صحيح رواه جابر وابن عمر وابن عباس ومعاوية وزيد بن ثابت وأبو هريرة، وقول القاسم لا يقبل في مخالفة من سمينا من الصحابة والتابعين فكيف يقبل في مخالفة سيد المرسلين، ولا يصح دعوى إجماع أهل المدينة لكثرة من قال بها منهم وقضى بها طارق بالمدينة بأمر عبد الملك بن مروان وقول ابن الأعرابي أنها عند العرب تمليك المنافع لا يضر إذا نقلها الشرع إلى تمليك الرقبة كما نقل الصلاة من الدعاء إلى الأفعال المنظومة ونقل الظهار والإيلاء من الطلاق إلى أحكام مخصوصة، قولهم أن التمليك لا يتأقت قلنا فلذلك أبطل الشرع تأقيتها وجعلها تمليكاً مطلقاً فإن قال في العمرى أنها للمعمر وعقبه كان توكيداً لحكمها وتكون للمعمر ولورثته وهو قول جميع القائلين بها * (مسألة) * (وإن شرط رجوعها إلى المعمر عند موته أو قال هي لآخرنا موتاً صح الشرط وعنه لا يصح وتكون للمعمر ولورثته من بعده) أما إذا شرط رجوعها إلى المعمر عند موته أو قال هي لآخرنا موتاً أو إذا مت عادت إلي إن كنت حياً أو إلى ورثتي ففيه روايتان (إحداهما) صحة العقد والشرط ومتى مات المعمر رجعت إلى المعمر، وبه قال القاسم بن محمد ويزيد بن قسيط والزهري وأبو سلمة بن عبد الرحمن وابن أبي ذئب ومالك وأبو ثور وداود وهو أحد قولي الشافعي لما روى جابر قال إنما العمرى التي أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول هي لك ولعقبك فلما إذا قال هي لك ما عشت فإنها ترجع إلى صاحبها متفق عليه، وروى مالك في موطئه عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " أيما رجل أعمر عمرى له ولعقبه فإنها للذي أعطيها لا ترجع إلى من أعطاها " لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث ولقول النبي صلى الله عليه وسلم " المؤمنون على شروطهم وقال القاسم بن محمد: ما أدركت الناس إلا على شروطهم في أموالهم.

(والثانية) أنها تكون للمعمر أيضاً ولورثته ويبطل الشرط وهو قول الشافعي في الجديد وأبي حنيفة، قال شيخنا وهو ظاهر المذهب نص عليه أحمد في رواية أبي طالب للأحاديث المطلقة التي ذكرناها ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا رقبى، فمن أرقب شيئاً فهو له حياته وموته "، قال مجاهد والرقبى هو أن يقول هي للآخر مني ومنك موتاً قال مجاهد سميت بذلك لأن كل واحد منهما يرقب موت صاحبه، وروى الإمام أحمد بإسناده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا عمرى ولا رقبى، فمن أعمر شيئاً أو أرقبه فهو له حياته وموته " وهذا صريح في إبطال الشرط لأن الرقبى يشترط فيها عودها إلى المرقب إن مات الآخر قبله فأما حديثهم الذي احتجوا به فمن قول جابر نفسه وإنما نقل لفظ النبي صلى الله عليه وسلم قال " امسكوا عليكم أموالكم ولا تفسدوها، فإنه من أعمر عمرى فهي للذي أعمرها حياً وميتاً ولعقبه " ولأننا لو أجزنا هذا الشرط كانت هبة مؤقتة والهبة لا يجوز فيها التأقيت وإنما لم يفسدها الشرط لأنه ليس بشرط على المعمر وإنما شرط ذلك على ورثته ومتى لم يكن الشرط مع المعقود معه لم يؤثر فيه ولنا قوله في الحديث الآخر لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث فهذه الزيادة من كلام أبي سلمة بن عبد الرحمن كذلك رواه ابن أبي ذئب، وفصل هذه الزيادة فقال عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قضى فيمن أعمر عمرى له ولعقبه فهي له بتلة لا يجوز للمعطي فيها شرط ولا مثنوية قال أبو سلمة لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث (فصل) والرقبى كالعمرى قال أحمد هي أن يقول هي لك حياتك فإذا مت فهي لفلان أو هي راجعة إلي وهي كالعمرى فيما إذا شرط عودها إلى المعمر قال علي رضي الله عنه العمرى والرقبى سواء وقال طاوس من أرقب شيئاً فهو سبيل الميراث وقال الزهري الرقبى وصية يعني أن معناها إذا مت فهذا لك وقال الحسن ومالك وأبو حنيفة الرقبى باطلة لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز العمرى وأبطل الرقبى لأن

مسألة: ويجوز بيع بعض آلته وصرفها في عمارته

معناها أنها للآخر منا وهذا تمليك معلق بخطر ولا يجوز تعليق التمليك بالخطر ولنا ما ذكرنا من الأحاديث وحديثهم لا نعرفه ولا نسلم أن معناها ما ذكروه بل معناها أنها لك حياتك فإن مت رجعت إلي فتكون كالعمرى سواء لأنه زاد شرطها لورثة المرقب إن مات المرقب قبله وهذا يبين تأكيدها على العمرى (فصل) وتصح العمرى في الحيوان والثياب لأنها نوع هبة فصحت في ذلك كسائر الهبات وقد روي عن أحمد في الرجل يعمر الجارية أنه قال لا أرى له وطأها قال القاضي لم يتوقف أحمد في وطئ الجارية لعدم الملك فيها لكن على طريق الورع لكون الوطئ استباحة فرج وقد اختلف في العمرى فجعلها بعضهم تمليك المنافع فلم ير له وطأها لهذا ولو وطئها جاز (فصل) وقد ذكرنا أنه لو وقت الهبة في غير العمرى والرقبى كقوله (وهبتك هذا سنة) أو إلى أن يقدم الحاج أو إلى أن يبلغ ولدي أو مدة حياة فلان ونحو هذا لم يصح لأنها تمليك للرقبة فلم تصح موقنة كالبيع وتفارق العمرى والرقبى لأن الإنسان إنما يملك الشئ عمره فإذا ملكه عمره فقد وقته بما هو موقت به في الحقيقة فصار ذلك كالمطلق (فصل) فأما إن قال سكناها لك عمرك فله أخذها في أي وقت أحب وكذلك إن قال اسكنها أو أسكنتكها عمرك أو نحو ذلك فليس هذا عقداً لازماً لأنه في التحقيق هبة المنافع والمنافع إنما تستوفى بمضي الزمان شيئاً فشيئاً فلا تلزم الا في قدر ما قبضه منها واستوفاه بالسكنى فعلى هذا للمسكن الرجوع متى شاء وتبطل بموت من مات منهما وبه قال أكثر أهل العلم منهم الشعبى والنخعي والثوري والشافعي واسحاق وأصحاب الرأي وقال الحسن وعطاء وقتادة هي كالعمرى يثبت فيها مثل حكمها وحكي عن الشعبي أنه قال إذا قال هي لك اسكن حتى تموت فهي له حياته وموته، وإن قال داري هذه اسكنها حتى تموت فإنها ترجع إلى صاحبها لأنه إذا قال لك فقد جعل له رقبتها فتكون عمرى، وإذا قال اسكن داري هذه فإنما جعل له نفعها دون رقبتها فتكون عارية

ولنا أن هذا إباحة المنافع فلم يقع لازماً كالعارية وفارق العمرى فإنها هبة الرقبة فأما قوله هذه لك اسكنها حتى تموت فإنه يحتمل لك سكناها حتى تموت وتفسيرها بذلك دليل على أنه أراد السكنى فأشبه ما لو قال هذه لك سكناها وإذا احتمل أنه يريد به الرقبة واحتمل أن يريد السكنى فلا نزيل ملكه بالاحتمال. (فصل) إذا وهب هبة فاسدة أو باع بيعاً فاسداً ثم وهب تلك العين أو باعها بعقد صحيح مع علمه بفساد الأول صح العقد الثاني لأنه تصرف في ملكه، عالماً بأنه ملكه، وإن اعتقد صحة العقد الأول ففي الثاني وجهان (أحدهما) صحته لأنه تصرف صادف ملكه وتم بشروطه فصح كما لو علم فساد الأول (والثاني) لا يصح لأنه تصرف تصرفاً يعتقد فساده ففسد كما لو صلى يعتقد أنه محدث فبان متطهراً وهكذا لو تصرف في عين يعتقد أنها لأبيه فبان انه قد مات وملكها الوارث أو غصب عيناً فباعها يعتقدها مغصوبة فبان أنها ملكه فعلى الوجهين. قال القاضي: أصل الوجيهن من باشر امرأة بالطلاق يعتقدها أجنبية فبانت امرأته أو باشر بالعتق من يعتقدها حرة فبانت أمته ففي وقوع الطلاق والحرية روايتان وللشافعية في هذه المسألة وجهان كما حكينا والله أعلم * (فصل) * قال الشيخ رضي الله عنه (والمشروع في عطية الأولاد القسمة بينهم على قدر ميراثهم) ولا خلاف بين أهل العلم في استحباب التسوية بينهم وكراهية التفضيل قال ابراهيم كانوا يستحبون التسوية بينهم حتى في القبل، إذا ثبت هذا فالتسوية المستحبة أن يقسم بينهم على حسب قسمة الله تعالى الميراث للذكر مثل حظ الأنثيين، وبه قال عطاء وشريح واسحاق ومحمد بن الحسن قال شريح لرجل قسم ماله بين ولده: ارددهم إلى سهام الله وفرائضه وقال عطاء ما كانوا يقسمون إلا على كتاب الله تعالى، وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي وابن المبارك يعطى الأنثى مثل ما يعطى الذكر لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبشير بن سعد " سو بينهم " وعلل ذلك بقوله " أيسرك ان يستوا في برك " فقال نعم قال " فسو بينهم " والبنت كالابن في استحقاق برها فكذلك في عطيتها وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

مسألة: وما فضل من حصره وزيته عن حاجته جاز صرفه إلى مسجد آخر والصدقة به على فقراء المسلمين

" سووا بين أولادكم في العطية ولو كنت مؤثراً أحداً لا ترث النساء على الرجال " رواه سعيد في سننه ولأنها عطية في الحياة فاستوى فيها الذكر والأنثى كالنفقة والكسوة ولنا أن الله تعالى قسم بينهم فجعل للذكر مثل حظ الأنثيين وأولى ما اقتدى به قسمة الله تعالى ولأن العطية في الحياة إحدى حالتي العطية فيجعل للذكر منها مثل حظ الأنثيين كحالة الموت يعني الميراث يحققه أن العطية استعجال لما يكون بعد الموت فينبغي ان تكون على حسبه كما أن معجل الزكاة قبل وجوبها يؤديها على صفة أدائها بعد وجوبها وكذلك الكفارات المعجلة ولأن الذكر أحوج من الأنثى من قبل أنهما إذا تزوجا جميعاً فالصداق والنفقة ونفقة الأولاد على الذكر، والأنثى لها ذلك فكان أولى بالتفضيل لزيادة حاجته وقد قسم الله الميراث ففضل الذكر مقروناً بهذا المعنى فيعلل به ويتعدى ذلك إلى العطية في الحياة وحديث بشير قضية عين وحكاية حال لا عموم لها إنما يثبت حكمها في مثلها ولا نعلم حال أولاد بشير هل كان فيهم أنثى أو لا؟ ولعل النبي صلى الله عليه وسلم قد علم أنه ليس له إلا ولد ذكر ثم تحمل التسوية على القسمة على كتاب الله تعالى ويحتمل أنه أراد التسوية في أصل العطاء لا في صفته فإن التسوية لا تقتضي التسوية من كل وجه وكذلك الحديث الآخر ودليل ذلك قول عطاء: ما كانوا يقسمون إلا على كتاب الله تعالى وهذا خبر عن جميعهم على أن الصحيح في خبر ابن عباس أنه مرسل * (مسألة) * (فإن خص بعضهم أو فضله فعليه التسوية بالرجوع أو إعطاء الآخر حتى يستووا) قد ذكرنا أن المشروع أن يسوي بين أولاده في العطية على قدر ميراثهم فإن خص بعضهم بعطيته أو فاضل بينهم أثم إذا لم يختص بمعنى يبيح التفضيل ووجب عليه التسوية إما برد ما فضل به البعض أو إعطاء الآخر حتى يتم نصيبه قال طاوس لا يجوز ذلك ولا رغيف محترق، وبه قال ابن المبارك وروي معناه عن مجاهد وعروة وكان الحسن يكرهه ويخيره في القضاء وقال مالك والليث والثوري والشافعي وأصحاب الرأي يجوز ذلك وروي معنى ذلك عن شريح وجابر بن زيد والحسن بن صالح لأن أبا بكر

مسألة: ولا يجوز غرس شجرة في المسجد

رضي الله عنه نحل عائشة ابنته جداد عشرين وسقا دون سائر ولده واحتج الشافعي بقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث النعمان بن بشير " أشهد على هذا غيري " فأمره بتأكيدها دون الرجوع فيها ولأنها عطية تلزم بموت الأب فكانت جائزة كما لو سوي بينهم ولنا ما روى النعمان بن بشير قال تصدق علي أبي ببعض ماله فسالت أمي عمرة بنت رواحة لا أرضى حتى تشهد عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء بي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشهده على صدقتي فقال " أكل ولدك أعطيت مثله " قال لا قال " فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم " قال فرجع أبي فرد تلك الصدقة وفي لفظ قال " فاردده " وفي لفظ " لا تشهدني على جور " وفي لفظ " فلا تشهدني إذاً " وفي لفظ " فاشهد على هذا غيري " وفي لفظ " سو بينهم " متفق عليه وفيه دليل على التحريم لأنه اسماه جوراً وأمره برده وامتنع من الشهادة عليه والجور حرام والأمر يقتضي الوجوب ولأن تفضيل بعضهم يورث بينهم العداوة والبغضاء وقطيعة الرحم فمنع منه كترويج المرأة على عمتها وخالتها وقول أبي بكر لا يعارض قول النبي صلى الله عليه وسلم ولا يحتج به معه ويحتمل أن أبا بكر رضي الله عنه خصها لحاجتها وعجزها عن الكسب والسبب مع اختصاصها بفضلها وكونها أم المؤمنين وغير ذلك من فضائلها ويحتمل أن يكون نحلها ونحل غيرها من ولده أو نحلها وهو يريد أن ينحل غيرها فأدركه الموت قبل ذلك ويتعين حمل حديثه على أحد هذه الوجوه لأن حمله على مثل محل النزاع منهي عنه وأقل أحواله الكراهة والظاهر من حال أبي بكر رضي الله عنه اجتناب المكروهات وقول النبي صلى الله عليه وسلم " فأشهد على هذا غيري " ليس بأمر لأن أدنى أحوال الأمر الاستحباب والندب ولا خلاف في كراهة هذا وكيف يجوز أن يأمره بتأكيده مع أمره برده وتسميته إياه جوراً وحمل الحديث على هذا حمل لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم على التناقض ولو أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإشهاد غيره لامتثل بشير أمره ولم يرده وإنما هو تهديد له فيفيد ما أفاده النهي عن إتمامه

(فصل) فأما إن خص بعضهم لمعنى يقتضيه تخصيصه من حاجة أو زمانة أو عمى أو كثرة عائلة أو لاشتغاله بالعلم أو صرف عطيته عن بعض ولده لفسقه أو بدعته ولكونه يعصي الله تعالى بما يأخذه فقد روي عن أحمد ما يدل على جواز ذلك فإنه قال في تخصيص بعضهم بالوقف لا بأس إذا كان لحاجة وأكرهه إذا كان على سبيل الأثرة والعطية في معناه ويحتمل ظاهر لفظه المنع من التفضيل على كال حال لكون النبي صلى الله عليه وسلم لم يستفصل بشيراً في عطيته قال شيخنا والأول أولى إن شاء الله لحديث أبي بكر ولأن بعضهم اختص بمعنى يقتضي العطية فجاز أن يختص بها كما لو اختص بالقرابة وحديث بشير قضية في عين لا عموم لها وترك النبي صلى الله عليه وسلم الاستفصال يجوز أن يكون لعلمه بالحال فإن قيل لو علم الحال لما قال " ألك ولد غيره؟ " قلنا يجوز أن يكون السؤال ههنا لبيان العلة كما قال عليه الصلاة والسلام الذي سأله عن بيع الرطب بالتمر " أينقص الرطب إذا يبس قال نعم " قال " فلا إذاً " وقد علم أن الرطب ينقص لكن نبه السائل بهذا على علة المنع والله أعلم (فصل) والأم في المنع من المفاضلة بين أولادها كالأب لقول النبي صلى الله عليه وسلم " اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم " ولأنها أحد الوالدين أشبهت الأب ولأن ما يحصل بتخصيص الأب بعض ولده من الحسد والتباغض يوجد مثله في تخصيص الأم فيثبت لها مثل حكمه في ذلك * (مسألة) * (وإن مات قبل ذلك ثبت للمعطى وعنه لا يثبت وللباقين الرجوع اختاره أبو عبد الله بن بطة) إذا فاضل بين ولده في العطايا أو خص بعضهم بعطية ثم مات قبل أن يسترده ثبت ذلك للموهوب له ولزم وليس لبقية الورثة الرجوع هذا المنصوص عن أحمد في رواية محمد بن الحكم والميموني واختاره الخلال وصاحبه أبو بكر وبه قال مالك والشافعي وأصحاب الرأي وأكثر أهل العلم وهو الذي ذكره الخرقي، وفيه رواية أخرى أن لباقي الورثة أن يرتجعوا ما وهبه اختاره أبو عبد الله بن بطة وأبو حفص العكبريان وهو قول عروة بن الزبير واسحاق قال أحمد: عروة قد روى الأحاديث الثلاثة حديث

باب الهبة والعطية

عائشة وحديث عمر وحديث عثمان وتركها وذهب إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم " يرد في حياة الرجل وبعد موته " وهو قول إسحاق إلا أنه قال إذا مات الرجل فهو ميراث بينهم لا يسع أن يننفع أحد بما أعطى دون إخوته وأخواته لأن النبي صلى الله عليه وسلم سمى ذلك جوراً بقوله لبشير " لا نشهدني على جور " والجور لا يحل للفاعل فعله ولا للمعطى تناوله والموت لا يغيره عن كونه جوراً حراماً فيجب رده ولأن أبا بكر وعمر أمرا قيس بن سعد يرد قسمة أبيه حين ولد له ولد لم يكن علم به ولا أعطاه شيئاً وكان ذلك بعد موت سعد فروى سعيد باسناده من طريقين أن سعد بن عبادة قسم ماله بين أولاده وخرج إلى الشام فمات بها ثم ولد له بعد ذلك ولد فمشى أبو بكر وعمر رضي الله عنهما إلى قيس بن سعد فقالا إن سعد قسم ماله ولم يدر ما يكون وإنا نرى أن ترد هذه القسمة فقال لم أكن لأغير شيئاً صنعه سعد ولكن نصيبي له وهذا معنى الخبر، ووجه الرواية الأولى قول أبي بكر لعائشة رضي الله عنهما لما نحلها نحلاً وددت أنك كنت حزتيه فيدل على أنها لو كانت حازته لم يكن لهم الرجوع وقال عمر لا نحلة إلا نحلة يحوزها الولد دون الوالد ولأنها عطية لولده فلزمت بالموت كما لو انفرد ولأنه حق للأب يتعلق بمال الولد فسقط بموته كالأخذ من ماله (فصل) وليس عليه التسوية بين سائر أقاربه ولا إعطاؤهم على قد ميراثهم سواء كانوا من جهة واحدة كاخوة وأخوات وني عم أو من جهات كبنات وأخوات وغيرهم وقال أبو الخطاب المشروع في عطية سائر الأقارب أن يعطيهم على قدر ميراثهم كالأولاد فإن خالف فعليه أن يرجع أو يعمهم بالنحلة لأنهم في معنى الأولاد فثبت فيهم حكمهم ولنا أنها عطية لغير الأولاد في صحته فلم تجب عليه التسوية كما لو كانوا غير وارثين ولأن الأصل إباحة الإنسان التصرف في ماله كيف شاء وإنما وجبت التسوية بين الأولاد للخبر وليس غيرهم في معناهم لأنهم استووا في بر والدهم فاستوا في عطيته وبهذا علل النبي صلى الله عليه وسلم حين قال لبشير " أيسرك

مسألة: وإن شرط ثوابا مجهولا لم تصح الهبة

أن يستوا في برك " قال نعم قال " فسو بينهم " ولم يوجد هذا في غيرهم ولأن للوالد الرجوع فيما أعطى ولده فيمكنه أن يسوي بينهم في الرجوع بما أعطاه لبعضهم ولا يمكن ذلك في غيرهم ولأن الأولاد لشدة محبة الوالد لهم وصرفه ماله إليهم عادة يتنافسون في ذلك ويشتد عليهم تفضيل بعضهم ولا يساويهم في ذلك غيرهم فلا يصح قياسه عليهم ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قد علم أن لبشير زوجة ولم يأمره بإعطائها شيئاً حين أمره بالتسوية بين أولاده ولم يسأله هل لك وارث غير ولدك؟ (فصل) فإن أعطى أحدا بنيه في صحته والآخر في مرضه فقد توقف أحمد فيه فانه سئل عمن زوج ابنه فأعطى عنه الصداق ثم مرض الأب وله ابن آخر هل يعطيه في مرضه كما أعطى الآخر في صحته؟ فقال لو كان أعطاه في صحته فيحتمل وجهين (أحدهما) لا يصح لأن عطيته في مرضه كوصية له ولو وصى له لم يصح فكذلك إذا أعطاه (والثاني) يصح وهو الصحيح إن شا الله تعالى لأن التسوية بينهما واجبة ولا طريق لها في هذا الموضع إلا بعطية الآخر فتكون واجبة فصح كقضاء دينه (فصل) قال أحمد أحب إلي أن لا يقسم ماله ويدعه إلى فرائض الله تعالى لعله أن يولد له فإن أعطى ولده ماله ثم ولد له ولد فأعجب إلى أن يرجع فيسوي بينهم بعني يرجع في الجميع أو يرجع في بعض ما أعطى كل واحد منهم ليدفعه إلى هذا الولد الحادث ليساوي إخوته فإن أعطى ولده ثم مات ثم ولد له ولد استحب للمعطي أن يساوي المولود الحادث بعد أبيه (1) * (مسألة) * (فإن سوى بينهم في الوقف أو وقف ثلثه في مرضه على بعضهم جاز نص عليه وقياس المذهب أن لا يجوز) إذا سوى بين أولاده في الوقف الذكر والاثى جاز ذكره القاضي وقال هو المستحب لأن القصد القربة على وجه الدوام وقد استووا في القرابة وقال شيخنا المستحب أن يقسم الوقف على أولاده

_ (1) قال الشيخ رحمه الله هذه المسألة مذكورة في الوقف فلا حاجة الى اعادتها

مسألة: وتحصل الهبة بما يتعارفه الناس هبة من الإيجاب والقبول والمعاطاة المقترنة بما يدل عليها

كقسمة الميراث للذكر مثل حظ الأنثيين كما قسم الله تعالى بينهم الميراث لانه إيصال المال إليهم فينبغي أن يكون بينهم على حسب الميراث كالوصية ولأن الذكر في مظنة الحاجة أكثر من الأنثى لأن الذكر تجب عليه نفقة زوجته وأولاده والمرأة ينفق عليها زوجها ولا تلزمها نفقة ولدها إذا كان لهم أب وقد فضل الله سبحانه الذكر على الأنثى في الميراث على وفق هذا المعنى فيصح تعليله به فينبغي أن يتعدى إلى الوقف وما ذكره القاضي لا أصل له وهو ملغي بالميراث فإن خالف فسوى بين الذكر والأنثى أو فضلها عليه أو فضل بعض البنين على بعض في الوقف أو بعض البنات أو خص بعضهم بالوقف فقد روي عن أحمد في رواية محمد بن الحكم: إن كان على طريق الأثرة فأكرهه وان كان على أن بعضهم له عيال وبه حاجة فلا بأس به وذلك لان الزببر خص المردودة من بناته دون المستغنية منهن بصدقته (1) (فصل) وأما إذا وقف ثلثه في مرضه على بعض ورثته فقد اختلفت الرواية عن احمد في ذلك فروي عنه عدم الحواز فإن فعل وقف على إجازة الورثة فإنه قال في رواية إسحاق بن إبراهيم فيمن وصى لأولاد بنته بأرض توقف عليهم فقال إن لم يرثوه فجائز فظاهر هذا أنه لا يجوز الوقف عليهم في المرض اختاره أبو حفص العكبري وابن عقيل وإليه ذهب الشافعي (والثانية) يجوز أن يقف عليهم ثلثه كالأجانب فإنه قال في رواية جماعة منهم الميموني يجوز للرحل أن يقف في مرضه على ورثته فقيل له أليس تذهب إلى أنه لا وصية لوارث؟ فقال نعم والوقف غير الوصية ولأنه لا يباع ولا يورث ولا يصير ملكاً للورثة بل ينتفعون بغلتها وقال في رواية أحمد بن الحسن أنه صرح في مسئلته بوقف ثلثه على بعض ورثته دون بعض فقال جائز قال الخبري وأجاز هذا الأكثرون واحتج أحمد بحديث عمر رضي الله عنه أنه قال: هذا ما أوصى به عبد الله عمر أمير المومنين إن حدث به حدث

_ (1) قد ذكرنا ذلك في الوقف

مسألة: وتلزم بالقبض وعنه تلزم في غير المكيل والموزون بمجرد الهبة

أن ثمغا صدقة والعبد الذي فيه والسهم الذي بخيبر ورقيقه الذي فيه والمائة وسق الذي أطعمني محمد صلى الله عليه وسلم تليه حفصة ما عاشت ثم يليه ذو الرأي من أهله لا يباع ولا يشترى ينفقه حيث يرى من السائل والمحروم وذوي القربى، ولا حرج على من وليه إن أكل أو اشترى رقيقاً رواه أبو داود بنحو من هذا فالحجة فيه أنه جعل حفصة تلي وقفه وتأكل منه وتشتري رقيقاً، قال الميموني قلت لاحمد إنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم عمر بالإيقاف وليس في الحديث الوارث، قال فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أمره وهوذا قد وقفها على ورثته وحبس الأصل عليهم جميعاً ولأن الوقف ليس في معنى المال لأنه لا يجوز التصرف فيه فهو كعتق الوارث ولنا أنه تخصيص لبعض الورثة بماله في مرضه فمنع منه كالهبات ولأن كل من لا تجوز له الوصية بالعين لا تجوز له بالمنفعة كالأجنبي فيما زاد على الثلث، وأما خبر عمر فإنه لم يخص بعض الورثة بوقفه والنزاع إنما هو في تخصيص بعضهم وأما جعل الولاية إلى حفصة فليس ذلك وقفاً عليها فلا يكون ذلك وارداً في محل النزاع وكونه انتفاعاً بالغلة لا يقتضي جواز التحصيص بدليل ما لو وصى لوارثه بمنفعة عبد لم يجز، ويحتمل أن يحمل كلام أحمد في رواية الجماعة على أنه وقف على جميع الورثة ليكون على وفق حديث عمر وعلى وفق الدليل الذي ذكرناه والله أعلم (فصل) فإن وقف داره وهي تخرج من ثلثه بين ابنه وبنته نصفين في مرض موته صح على رواية الجماعة ولزم لأنه لما كان يجوز تخصيص البنت بوقف الدار كلها فنصفها أولى وعلى الرواية التي نصرناها إن أجازه الابن جاز وإن رده بطل الوقف فيما زاد على نصيب الابن وهو السدس ويرجع إلى الابن ملكاً فيكون له النصف وقفاً والسدس ملكا طقا والثلث جميعه للبنت وقفاً، ويحتمل أن يبطل الوقف في نصف ما وقف على البنت وهو المربع ويبقى ثلاثة أرباع الدار وقفاً نصفها للابن وربعها للبنت والربع الذي بطل الوقف فيه بينهما أثلاثاً، وتصح المسألة من اثني عشر للابن ستة أسهم وقفاً وسهمان ملكاً

وللبنت ثلاثة أسهم وقفاً وسهم ملكاً، ولو وقفها على ابنه وزوجته نصفين وهي تخرج من ثلثه فرد الابن صح الوقف على الابن في نصفها وعلى المرأة في ثمنها، وللابن إبطال الوقف في ثلاثة أثمانها وترجع إليه ملكاً على الوجه الأول، وعلى الوجه الثاني يصح الوقف على الابن في نصفها وهو أربعة أسباع نصيبه ويرجع إليه باقي نصيبه ملكاً، ويصح الوقف في أربعة أسباع الثمن الذي للمرأة وباقيه يكون لها ملكاً فاضرب سبعة في ثمانية تكن ستة وخمسين للابن ثمانية وعشرون وقفاً وإحدى وعشرون ملكاً وللمرأة أربعة أسهم وقفاً وثلاثة ملكاً وهكذا ذكر أصحاب الشافعي، فأما إن كانت الدار جميع ملكه فوقفها كلها فعلى ما اخترناه الحكم فيها كما لو كانت تخرج من الثلث فإن الورث في جميع المال كالأجنبي في الزائد عن الثلث، وأما على ما رواه الجماعة فإن الوقف يلزم في الثلث من غير اختيار الورثة وما زاد فلهما إبطال الوقف فيه وللابن إبطال التسوية فإن اختار إبطال التسوية دون إبطال الوقف خرج فيه وجهان (أحدهما) أنه يبطل الوقف في التسع ويرجع إليه ملكاً فيصير له النصف وقفاً والتسع ملكاً وللبنت الثلث وقفاً ونصف التسع ملكاً لئلا تزداد البيت على الابن في الوقف، وتصح المسألة في هذا الوجه من ثمانية عشر للابن تسعة وقفاً وسهمان ملكاً وللبنت ستة وقفاً وسهم ملكاً، وقال أبو الخطاب له إبطال الوقف في الربع كله ويصير له النصف وقفاً والسدس ملكاً ويكون للبنت الربع وقفاً ونصف السدس ملكاً كما لو كانت الدار تخرج من الثلث وتصح من اثني عشر * (مسألة) * (ولا يجوز لواهب أن يرجع في الهبة) لا يختلف المذهب أن غير الأب والأم لا يجوز له الرجوع في الهبة والهدية وبه قال الشافعي، وقال النخعي والثوري وإسحق وأصحاب الرأي: من وهب لغير ذي رحم فله الرجوع ما لم يثب عليها ومن وهب لذي رحم فليس له الرجوع، وروي ذلك عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما روى أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الرجل أحق بهبته ما لم يثب منها " رواه ابن ماجه لقول عمر رضي الله عنه: من وهب هبة يرى أنه أراد بها صلة الرحم أو على وجه صدقة فإنه لا يرجع فيها، ومن وهب هبة أراد بها الثواب فهو على هبته يرجع فيها ما لم يرض منها رواه مالك في الموطأ ولأنه لم يحصل عنها عوض فجاز له الرجوع فيها كالعارية

مسألة: ولا يصح القبض إلا بإذن الواهب إلا ما كان في يد المتهب فيكفي مضي زمن يتأتى قبضه فيه وعنه لا يصح حتى يأذن في القبض

ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " العائد في هبته كالعائد في قيئه وفي لفظ " كالكلب يعود في قيئه " وفي رواية " ليس لنا مثل السوء العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه " متفق عليه، وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي الله صلى الله عليه وسلم قال " لا يرجع واهب في هبته إلا الوالد من ولده " ولأنه واهب لا ولاية له في المال فلم يرجع في هبته لذي الرحم المحرم وأحاديثنا أصح من حديثهم وأول، وقول عمر قد روي عن ابنه وابن عباس خلافه، وأما العارية فهي هبة المنافع ولم يحصل القبض فيها فإن قبضها باستيفائها فنظير مسئلتنا ما استوفى من منافع العارية فإنه لا يجوز الرجوع فيها وقياسهم منقرض بهة الأجنبي فإن فيها ثواباً وقد جوزوا فيها الرجوع فحصل الاتفاق على أن ما وهب الإنسان لذوي رحمه المحرم غير الوالدين لا رجوع فيها وكذلك ما وهب الزوج امرأته والخلاف فيما عدا هذا فعندنا لا يرجع إلا الوالد وعندهم لا يرجع إلا الأجنبي (فصل) فأما الأب فله الرجوع فيما وهب لولده في ظاهر المذهب سواء قصد برجوعه التسوية بين أولاده أولا وبه قال مالك والشافعي والاوزاعي وإسحق وأبو ثور، وعن أحمد رواية أخرى ليس له الرجوع وبها قال أصحاب الرأي والثوري وللعنبري لقول النبي صلى الله عليه وسلم " العائد في هبته كالعائد في قيئه " متفق عليه، ولما ذكرنا من حديث عمر ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم لقيس بن سعد " فاردده " وروي " فأرجعه " رواه كذلك عن مالك عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن النعمان فأمره بالرحوع في هبته وأقل أحوال الأمر الجواز، وقد امتثل بشير بن سعد ذلك فرجع في هبته لولده، ألا تراه قال في الحديث: فرجع أبي فرد تلك الصدقة؟ فإن قيل يحمل الحديث على أنه لم يكن أعطاه شيئاً قلنا هذا يخالف ظاهر الحديث لقوله تصدق أبي علي بصدقة، وقول بشير إني نحلت ابني غلاماً يدل على أنه كان قد أعطاه وقول النبي صلى الله عليه وسلمه " فاردده " وروى طاوس عن ابن عمر وابن عباس يرفعان الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال

مسألة: فإن مات الواهب قام وارثه مقامه في الإذن والرجوع

" ليس لأحد أن يعطي عطية فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده " رواه الترمذي وقال حديث حسن وهذا يخص عموم ما رووه وقياسهم منقرض بهبة الأجنبي فإن فيها أجراً وثواباً فإن النبي صلى الله عليه وسلم ندب إليها وعندهم له الرجوع فيها والصدقة على الولد كمسئلتنا، وقد دل حديث النعمان بن بشير على جواز الرجوع في الصدقة قول تصدق علي أبي بصدقة (فصل) فأما الأم فظاهر كلام أحمد أنه ليس لها الرجوع، قال الأثرم: قلت لأبي عبد الله الرجوع للمرأة فيما أعطت ولدها كالرجل؟ قال ليس هي عندي كالرجل لأن للأب أن يأخذ من مال ولده والأم لا تأخذ وذكر حديث عائشة " أطيب ما أكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه " أي كأنه الرجل، ولا يصح قياس الأم على الأب لأن للاب ولاية على ولده ويحوز جميع المال في الميراث بخلاف الأم، ويحتمل أن لها الرجوع وهو ظاهر كلام الخرقي فإنه قال: وإذا فاضل بين أولاده أمر برده فيدخل فيه الأم وهذا مذهب الشافعي لأنها داخلة في قوله إلا الولد فيما يعطي ولده ولأنها دخلت في قول النبي صلى الله عليه وسلم " سووا بين أولادكم " فينبغي أن يتمكن من الرجوع في الهبة ولأنه طريق إلى التسوية وربما لا يكون لها طريق غيره إذا لم يمكن أعطت الآخر كما أعطت لاول لأنها ساوت الأب في تحريم تفضيل بعض ولدها ينبغي أن تساويه في التمكن من الرجوع فيما فضلته به تخليصاً لها من الاثم وإزلة التفضيل المحرم كالأب وهذا الصحيح إن شاء الله تعالى، وقال مالك للأم الرجوع فيما وهبت ولدها ما كان أبوه حيا فإن كان ميتاً فلا رجوع لها لأنها هبة ليتيم وهبة اليتيم لازمة كصدقة التطوع، ومن مذهبه أنه لا يرجع في صدقة التطوع (فصل) وحكم الصدقة حكم الهبة فيما ذكرنا وهو مذهب الشافعي، وفرق مالك وأصحاب الرأي بينهما فلم يجيزوا الرجوع في الصدقة بحال واحتجوا بحديث عمر: من وهب هبة أراد بها صلة الرحم أو على وجه صدقة فإنه لا يرجع

مسألة: وإن أبرأ الغريم غريمه من دينه أو وهبه له أو أحله منه برئ، وإن رد ذلك ولم يقبله

ولنا حديث النعمان فإنه قال: تصدق أبي علي بصدقة فرجع أبي فرد تلك الصدقة، وأيضاً قول النبي صلى الله عليه وسلم " إلا الوالد فيما يعطي ولده " وهذا يقدم على قول عمر ثم هو خاص في الولد، وحديث عمر فيجب تقديم الخاص عليه (فصل) وللرجوع في هبة الولد شروط أربعة (أحدها) أن يبقى ملك الابن فيها فإن خرجت عن ملكه ببيع أو هبة أو وقف أو غير ذلك لم يكن له الرجوع فيها لأنه إبطال لملك غير الولد فأشبه غير الموهوب للولد (الثاني) أن تكون العين باقية في تصرف الولد يلك التصرف في رقبتها فإن استولد الأمة لم يملك الرجوع لأن الملك فيها لا يجوز نقله إلى غير سيدها وكذلك إن أفلس وحجر عليه أو رهن العين لأنه يفضي إلى إبطال حق غير الولد فإن زال المانع من التصرف فله الرجوع لأن ملك الابن لم يزل وإن اطرأ معنى قطع التصرف مع بقاء الملك فمنع لرجوع فإذا زال زال المنع والصحيح في التدبير أنه لا يمنع الرجوع فإن قلنا يمنع البيع منع الرجوع كالاستيلاد، وكل تصرف لا يمنع الابن التصرف في الرقبة كالوصية والهبة قبل القبض فيما يفتقر إليه والوطئ والتزويج والإجارة والمزارعة عليها وجعلها مضاربة أو في عقد شركة فكل ذلك لا يمنع الرجوع لأنه لا يمنع تصرف الابن في رقبتها وكذلك تعليق العتق بصفة وإذا رجع وكان التصرف لازماً كالإجارة والتزويج والكتابة فهو باق بحاله لأن الابن لا يملك إبطاله وأما التدبير والمعلق عتقه بصفة فلا يبقى حكمها في حق الأب ومتى عاد إلى الابن عاد حكمها والبيع الذي للابن فيه خيار إما بالشرط أو عيب في الثمن أو غير ذلك فيمنع الرجوع لأن الرجوع يتضمن فسخ ملك الابن في عوض المبيع ولم يثبت ذلك من جهته (فصل) فإن تعلق بها رغبة لغير الولد مثل أن يهب ولده شيئاً فيرغب الناس في معاملته ويداينونه أو في مناكحته فيزوجوه أو يهب بنته فتتزوج لذلك فعن أحمد روايتان (أولاهما ليس له الرجوع قال أحمد في رواية أبي الحارث في الرجل يهب ابنه مالاً فله الرجوع إلا أن يكون غر به قوماً فإن غر به

فليس له الرجوع، وهذا مذهب مالك لأنه تعلق بها حق غير الابن ففي الرجوع إبطال حقه وقد قال عليه الصلاة والسلام " لا ضرر ولا اضرار " وفي الرجوع ضرر ولأن في هذا تحيلاً على إلحاق الضرر بالمسلمين ولا يجوز ذلك (والثانية) له الرجوع لعموم الخبر ولأن حق المتزوج والغريم لم يتعلق بعين هذا المال فلم يمنع الرجوع فيه وإن داينه الناس فأفلس ولم يحجر عليه فعلى الروايتين * (مسألة) * (وإن نقصت العين أو زادت زيادة مفصلة لم تمنع الرجوع والزيادة للابن ويحتمل أنها للأب وهل تمنع المتصلة الرجوع؟ على روايتين) أما الزيادة المنفصلة كالولد وثمرة الشجرة وكسب العبد فلا تمنع الرجوع بغير خلاف نعلمه والزيادة للولد لأنها حادثة في ملكه ولا تتبع في الفسوخ فلا تتبع ههنا، ويحتمل أنها للأب ذكره القاضي كالرد بالعيب، فإن كانت لزيادة ولد أمة لا يجوز التفريق بينه وبين أمه منع الرجوع لأنه يلزم منه التفريق بينه وبين أمه وهو محرم إلا أن نقول أن الزيادة المنفصلة للأب فلا تمنع الرجوع لأنه يرجع فيهما جميعاً أو يرجع في الأم ويتملك الولد من مال ولده (فصل) فإن تلف بعض العين أو نقصت قيمتها لم يمنع الرجوع فيها ولا ضمان على الابن فيما تلف منها لأنه تلف على ملكه سواء تلف بفعل الابن أو بغير فعله وإن جنى العبد جناية تعلق أرشها برقبته فهو كنقصانه بذهاب بعض أجزائه وللأب الرجوع فيه فإن رجع فيه ضمن أرش الجناية وإن جني على العبد فرجع الأب فيه فأرش الجناية عليه للابن لأنه بمنزلة الزيادة المنفصلة فإن قيل فلو أراد الأب الرجوع في الرهن وعليه فككه لم يملك ذلك فكيف يملك الرجوع في العبد الجاني إذا أدى أرش الجناية؟ قلنا الرهن يمنع التصرف في العين بخلاف الجناية ولأن فك الرهن فسخ لعقد عقده الموهوب له وههنا لم يتعلق الحق به من جهة العقد فافترقا (فصل) فأما الزيادة المتصلة كالسمن والكبر وتعلم صنعة إذا زادت بها القيمة فعن أحمد فيها روايتان

(إحداهما) لا تمنع الرجوع وهو مذهب الشافعي لأنها زيادة في الموهوب فلم تمنع الرجوع كالزيادة قبل القبض والمنفصلة (والثانية) تمنع وهو مذهب أبي حنيفة لأن الزيادة للموهوب له لكونها نماء ملكه ولم تنتقل إليه من جهة أبيه فلم يملك الرجوع فيها كالمنفصلة وإذا امتنع الرجوع فيها امتنع الرجوع في الأصل لئلا يفضي إلى سوء المشاركة وضرر التشقيص ولأنه فسخ استرجاع المال يفسخ عقد لغير عيب في عوضه فمنعه الزيادة المتصلة كاسترجاع الصداق بفسخ النكاح أو نصفه بالطلاق ورجوع البائع في المبيع لفلس المشتري وفارق الرد بالعيب من جهة أن الرد من المشتري وقد رضي ببذل الزيادة وإن فرض الكلام فيما إذا باع عرضاً بعرض فراد أحدهما ووجد المشتري بالآخر عيباً قلنا بائع المعيب سلط المشتري على الفسخ ببيعه المعيب فكان الفسخ وجد منه ولهذا قلنا فيما إذا فسخ لزوج النكاح لعيب المرأة قبل الدخول سقط صداقها كما لو فسخته وعلى هذا لا فرق بين الزيادة في العين كالسمن والطول ونحوهما أو في المعاني كتعلم صناعة أو كتابة أو قران أو علم أو إسلام أو قضاء دين عنه وبهذا قال محمد بن الحسن وقال أبو حنيفة الزيادة بتعلم القرآن وقضاء دين عنه لا تمنع الرجوع ولنا أنها زيادة لها مقابل من الثمن فمنعت الرجوع كالسمن وتعلم صنعة وإن زاد ببرئه من مرض أو صمم منع الرجوع كسائر الزيادات وإن كانت زيادة العين أو التعلم لا تزيد في قيمته شيئاً أو تنقص منها لم تمنع الرجوع لأنه ليس بزيادة في المالية (فصل) فإن قصر العين أو فصلها فهي زيادة متصلة هل تمنع الرجوع اولا؟ مبني على الروايتين في السمن قال شيخنا ويحتمل أن تمنع هذه الزيادة الرجوع بكل حال لأنها حاصلة بفعل الابن فجرت مجرى العين الحاصلة بفعله بخلاف السمن فإنه يحتمل أن يكون للأب فلا يمنع الرجوع لأنه نماء العين فيكون نابعا لها وإن وهبه حاملاً فولدت في يد الابن فهي زيادة متصلة في الولد ويحتمل أن يكون الولد زيادة منفصلة إذا قلنا الحمل لا حكم له وإن وهبه حاملاً ثم رجع فيها حاملاً جاز إذا لم تزد قيمتها

وإن زادت قيمتها فهي زيادة متصلة، وإن وهب حائلاً فحملت فهي زيادة منفصلة وله الرجوع فيها دون حملها وإن قلنا أن الحمل لا حكم له فزادت به قيمتها فهي زيادة متصلة وإن لم تزد جاز الرجوع فيها وإن وهبه نخلاً فحملت فهي قبل التأبير زيادة متصلة وبعده زيادة منفصلة * (مسألة) * (وإن باعه المتهب ثم رجع إليه بفسخ أو إقالة فهل له الرجوع؟ على وجهين) إذا خرجت العين عن ملك الابن ببيع أو هبة ثم عادت إليه بسبب كبيع أو هبة أو وصية أو إرث أو نحوه لم يملك الأب الرجوع فيها لأنها عادت بملك جديد لم يستفده من قبل أبيه فلا يملك فسخه وإزالته كالذي لم يكن موهوباً وإن عادت إليه بفسخ العيب أو إقالة أو فلس المشتري ففيها وجهان (أحدهما) يملك الرجوع لأن السبب المزيل ارتفع وعاد الملك بالسبب الأول فأشبه ما لو فسخ البيع بالخيار (والثاني) لا يملك الرجوع لأن الملك عاد إليه بعد استقرار ملك من انتقل إليه عليه أشبه ما لو عاد إليه بالهبة فأما إن عاد إليه بخيار الشرط أو خيار المجلس فله الرجوع لأن الملك لم يستقر عليه. * (مسألة) * (وإن وهبه المتهب لابنه لم يملك أبوه الرجوع إلا أن يرجع هو) لأن رجوعه إبطال لملك غير ابنه فإن رجع الابن في هبته احتمل أن يملك الأب الرجوع في هبته لأنه فسخ هبته برجوعه فعاد إليه الملك بالسبب الأول ويحتمل أن لا يملك الأب الرجوع لأنه رجع إلى ابنه بعد استقرار ملك غيره عليه فأشبه ما لو وهبه ابن الابن لابنه. * (مسألة) * (وإن كاتبه أو رهنه لم يملك أبوه الرجوع إلا أن ينفك الرهن وينفسخ) أما إذا رهنه الابن فليس للأب الرجوع قبل انفكاك الرهن لأن في ذلك إبطال حق غير الولد فإن انفك الرهن فله الرجوع لزوال المانع ولأنه عاد إلى صحة تصرف الابن فيه أشبه غير المرهون وحكم الكتابة كذلك عند من لا يرى بيع المكاتب وهو مذهب الشافعي وجماعة غيره فأما من أجاز بيع المكاتب فحكمه عنده كالعين المستأجرة والمزوج على ما ذكرناه

مسألة: وتصح هبة المشاع وبه قال مالك والشافعي وسواء في ذلك ما أمكن قسمته أو لم يمكن

(فصل) والرجوع في الهبة أن يقول قد رجعت فيها أو ارتجعتها أو رددتها أو نحو ذلك من الألفاظ الدالة على الرجوع ولا يفتقر إلى حكم حاكم، وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا يصح الرجوع إلا بقضاء قاض لأن ملك الموهوب له مستقر ولنا أنه خيار في فسخ عقد فلم يفتقر إلى قضاء كالفسخ بخيار الشرط فإن أخذ ما وهبه لولده ونوى به الرجوع كان رجوعاً والقول قوله في نيته لأن ذلك لا يعلم إلا منه، فإن مات الأب ولم يعلم هل نوى الرجوع أو لا؟ ولم توجد قرينة تدل على الرجوع لم نحكم بأنه رجوع لأن الأخذ يحتمل الرجوع وغيره، فلا نزيل حكماً يقينياً بأمر مشكوك فيه فإن اقترنت به قرائن دالة على الرجوع كان رجوعاً في أحد الوجهين اختاره ابن عقيل لأننا اكتفينا في العقد بدلالة الحال في الفسخ ولأن لفظ الرجوع إنما كان رجوعاً لدلالته عليه فكذلك كل ما دل عليه، والآخر لا يكون رجوعاً، وهو مذهب الشافعي لأن الملك ثابت للموهوب له يقيناً فلا يزول إلا بالصريح، قال شيخنا ويمكن أن ينبني هذا على نفس العقد فمن أوجب الإيجاب والقبول فيه لم يكتف ههنا إلا بلفظ يقتضي زواله، ومن اكتفى في العقد بالمعاطاة الدالة على الرضى به فههنا أولى، فإن نوى الرجوع من غير فعل ولا قول لم يحصل الرجوع وجهاً واحداً لأنه إثباتا لملك على مال مملوك لغيره فلم يحصل بمجرد النية كسائر العقود، وإن علق الرجوع بشرط فقال إذا جاء رأس الشهر فقد رجعت في الهبة لم يصح لأن الفسخ للعقد لا يقف على شرط لا يقف العقد عليه * (مسألة) * (وعن أحمد في المرأة تهب زوجها مهرها إن كان سألها ذلك رده إليها رضيت أو كرهت لأنها لا تهبه له إلا مخافة غضبه أو إضرار بها بأن يتزوج عليها) اختلفت الرواية عن أحمد في هبة المرأة زوجها، فعنه لا رجوع لها، وهذا ظاهر كلام الخرقي واختيار أبي بكر، وبه قال عمر بن عبد العزيز والنخعي وربيعة ومالك والثوري والشافعي وأبي ثور

مسألة: وتصح هبة ما يجوز بيعه لأنه تمليك في الحياة فصح كالبيع وتصح هبة الكلب وما يباح الانتفاع به من النجاسات

وأصحاب الرأي وعطاء وقتاده لقول الله تعالى (إلا أن يعفون) وقال تعالى (فإن طبن لكم عن شئ منه نفسا) الآية، وعموم الأحاديث وعنه رواية ثانية لها الرجوع. قال الأثرم سمعت احمد يسئل عن المرأة تهب ثم ترجع فرأيته يجعل النساء غير الرجال ثم ذكر الحديث " إنما يرجع في المواهب النساء وشرار الناس " وذكر حديث عمر: إن النساء يعطين أزواجهن رغبة ورهبة فأيما امرأة أعطت زوجها شيئاً ثم أرادت أن تعتصره فهي أحق، رواه الأثرم، وهذا قول شريح والشعبي وحكاه الزهري عن القضاة. وعنه رواية ثالثة نقلها عنه أبو طالب: إذا وهبت له مهرها فإن كان سألها ذلك رده إليها رضيت أو كرهت لأنها لا تهب إلا مخافة غضبه أو إضرار بأن يتزوج عليها، وإن لم يكن سألها وترغب به فهو جائز فظاهر هذه الرواية أنه متى كانت مع الهبة قرينة من مسألته لها أو غضب عليها أو ما يدل على خوفها منه فلها الرجوع لأن شاهد الحال يدل على أنها لم تطب به نفساً وإنما أباحه الله تعالى عند طيب نفسها بقوله تعالى (فإن طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا فيكون فيها ثلاث روايات (إحداها) ليس لها الرجوع كالأجنبي (والثانية) لها الرجوع مطلقاً لحديث عمر (والثالثة) التفصيل الذي ذكرناه. * (فصل) * (قال رضي الله عنه) وللأب أن يأخذ من مال ولده ما شاء ويتملكه مع حاجته وعدمها في صغره وكبره ما لم تتعلق حاجة الابن به) إنما يجوز ذلك بشرطين (أحدهما) أن لا يجحف بالابن ولا يضر به ولا يأخذ شيئاً تعلقت به حاجته (الثاني) أن لا يأخذ من مال ولد فيعطيه الآخر نص عليه أحمد في رواية اسماعيل بن سعيد لأنه ممنوع من تخصيص بعض ولده بالعطية من مال نفسه فلأن يمنع من تخصيصه بما أخذه من مال ولده الآخر أولى وقد روي أن مسروقاً زوج ابنته بصداق، عشرة آلاف فأخذها فأنفقها في

مسألة: ولا تصح هبة المجهول كالحمل في البطن واللبن في الضرع

سبيل الله وقال للزوج جهز امرأتك وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي ليس له أن يأخذ من مال ولده إلا بقدر حاجته لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا " متفق عيه وروى الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " كل أحد أحق بكسبه من ولده ووالده والناس أجمعين " رواه سعيد في سننه، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفسه " رواه الدارقطني ولأن لك لابن تام على مال نفسه فلم يجز انتزاعه منه كالذي تعلقت به حاجته ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " إن أطيب ما أكلتم من كسبكم وإن أولادكم من كسبكم " أخرجه سعيد والترمذي وقال حديث حسن، وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن أبي احتاج مالي فقال " أنت ومالك لأبيك " رواه الطبراني في معجمه مطولاً، ورواه ابن ماجة وروي أبو داود نحوه ورواه غيره وزاد " وإن أولادكم من أطيب كسبكم فكلوا من أموالهم " وروى محمد بن المنكدر والمطلب بن حنطب قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن لي مالاً وعيالاً ولأبي مال وعيال وأبي يريد أن يأخذ مالي فقال النبي صلى الله عليه وسلم " أنت ومالك لأبيك " رواه سعيد في سننه ولأن الله تعالى جعل الولد موهوباً لأبيه فقال (ووهبنا له إسحاق ويعقوب) وقال (ووهبنا له يحيى) وقال زكريا (هب لي من لدنك وليا) وقال براهيم (الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق) وما كان موهوباً له كان له أخذ ماله كعبده قال سفيان بن عيينة في قوله تعالى (ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم) ثم ذكر بيوت سائر القرابات إلا الأولاد لم يذكرهم لأنهم دخلوا في قوله من بيوتكم فلما كانت بيوت أولادهم كبيوتهم لم يذكر بيوت أولادهم ولأن الرجل يلي مال ولده من غير تولية فكان له التصرف فيه كمال نفسه، وأما أحاديثهم فأحاديثنا تخصها وتفسرها فإن النبي صلى الله عليه وسلم جعل مال الابن مالاً لأبيه بقوله " أنت ومالك لأبيك " ولا تنافي بينهما وقوله عليه السلام " أحق به من والده وولده " الحديث مرسل ثم هو يدل على ترجيح حقه على حق

مسألة: ولا توقيتها كقوله وهبتك هذا سنة

أبيه لا على نفي الحق بالكلية والولد أحق من الوالد فيما تعلقت به حاجته. * (مسألة) * (فإن تصرف فيه قبل تملكه ببيع أو عتق أو إبراء من دين لم يصح تصرفه فيه) نص عليه أحمد قال لا يجوز عتق الأب لعبد ابنه ما لم يقبضه، فعلى هذا لا يصح إبراؤه من دينه ولا هبته لماله ولا بيعه له لأن ملك الابن تام على مال نفسه يصح تصرفه فيه، وذكر ابن أبي موسى في الإرشاد قال إذا وهب الابن من ماله شيئاً فليس لأبيه الاعتراض عليه إلا أن يكون للولد عقار يكفيه ويكفي أباه ولا مال له غيره ولا مال لأبيه فإن أحمد قال إن اعترض عليه الوالد رأيت أن يرده الحاكم على الأب ولا يبقى فقيراً لا حيلة له، ويحل له وطئ جواريه ولو كان الملك مشتركاً لم يحل له الوطئ كما لا يحل وطئ الجارية المشتركة وإنما للاب انزاعه منه كالعين التي وهبها إياه فقبل انتزاعها لا يصح تصرفه لأنه تصرف في ملك غيره بغير ولاية، وإن كان الابن صغيراً لم يصح أيضاً لأنه لا يملك التصرف بما لا حظ للصغير فيه وليس من الحظ إسقاط دينه وعتق عبده وهبة ماله قال أحمد بين الرجل وبين ولده ربا لما ذكرنا من أن ملك الابن على ماله تام * (مسألة) * (وإن وطئ جارية ابنه فأحبلها صارت أم ولد له وولده حر لا تلزمه قيمته ولا حد عليه ولا مهر وفي التعزير وجهان) قال أحمد لا يطأ جارية الابن إلا أن يقبضها يعني يتملكها لأنه إذا وطئها قبل تملكها فقد وطئها وليست زوجة ولا ملك يمين فإن تملكها لم يحل له وطؤها حتى يستبرئها لأنه ابتداء ملك فوجب الاستبراء فيه كما لو اشتراها، فإن كان الابن قد وطئها لم تحل له بحال فإن وطئها قبل تملكها ولم يكن الابن وطئها كان محرماً من وجهين (أحدهما) أنه وطئها قبل تملكها (والثاني) أنه وطئها قبل استبرائها وإن كان الابن وطئها حرمت بوجه ثالث وهو أنها صارت بمنزلة حليلة ابنه فإن فعل فلا حد عليه لشبهة الملك فإن النبي صلى الله عليه وسلم أضاف مال الولد إلى أبيه فقال " أنت ومالك لأبيك "

وإن ولدت منه صارت أم ولد له وولده حر لانه من وطئ سقط فيه الحد للشبهة وليس للابن مطالبته بشئ من قيمتها ولا قيمة ولدها ولا مهر ويجب تعزيره في أحد الوجهين لأنه وطئ وطأً محرما أشبه وطئ الجارية المشتركة. والثاني لا يعزر لأنه لا يقتص منه بالجناية على ولده فلا يعزر بالتصرف في ماله، والأول أولى لأن التعزير ههنا حق لله تعالى بخلاف الجناية على ولده لأنها حق للولد (فصل) وليس لغير الأب الأخذ من مال غيره بغير إذنه للأحاديث التي ذكرناها لأن الخبر ورد في الأب بدليل قوله عليه السلام " أنت ومالك لأبيك " ولا يصح قياس غيره عليه لأن للاب ولاية على ولده وماله إذا كان صغيراً وله شفقة تامة وحق متأكد، ولا يسقط ميراثه بحال والأم لا تأخذ لأنها لا ولاية لها والجد أيضاً لا يلي على مال ولد ابنه وشفقته قاصرة عن شفقة الأب ويحجب به في الميراث وفي ولاية النكاح، وغيرهما من الاقارب والاحانب ليس لهم الأخذ بطريق التنبيه لأنه إذا امتنع الأخذ في حق الأم والجد مع مشاركتهما للأب في بعض المعاني فغيرهما ممن لا يشارك في ذلك أولى ويحتمل أن يجوز للأم لدخول ولدها في قول الله تعالى (وأولادكم) * (مسألة) * (وليس للابن مطالبة أبيه بدين ولا قيمة متلف ولا أرش جناية ولا غير ذلك) وبه قال الزبير بن بكار ومقتضى قول سفيان بن عيينة وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي له ذلك لأنه دين ثابت فجازت المطالبة به كغيره ولنا أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بأبيه يقتضيه ديناً عليه فقال " أنت ومالك لأبيك " رواه الخلال باسناده وروى الزبير بن بكار في الموفقيات أن رجلاً استقرض من أبيه مالاً فحبسه فأطال حبسه فاستعدى عليه الابن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وذكر قصته في شعر فأجابه أبوه بشعر أيضاً فقال علي رضي الله عنه

مسألة: وإن شرط رجوعها إلى المعمر عند موته أو قال هي لآخرنا موتا صح الشرط وعنه لا يصح وتكون للمعمر ولورثته من بعده

قد سمع القاضي ومن ربى الفهم * المال للشيخ جزاء بالنعم يأكله برغم أنف من رغم * من قال قولاً غير ذا فقد ظلم وجار في الحكم وبئس ما جرم قال الزبير إلى هذا نذهب ولأن المال أحد نوعي الحقوق فلم يملك مطالبة أبيه به كحقوق الأبدان ويفارق الأب غيره بما يثبت له من الحق على ولده فإن مات الابن فانتقل الدين إلى ورثته لم يملكوا مطالبة الأب لأن موروثهم لم يكن له المطالبة فهم أولى، فإن مات الأب فقيل يرجع الابن في تركته بدينه لأن دينه عليه لم يسقط عن الأب وإنما تأخرت المطالبة وعن أحمد إذا مات الأب بطل دين الابن وقال فيمن أخذ من مهر ابنته شيئاً فأنفقه ليس عليه شئ ولا يؤخذ من بعده وما أصابت من المهر من شئ بعينه أخذته وتأول أصحابنا كلام أحمد على أنه أخذه على سبيل التمليك لأن أخذه له وإنفاقه دليل على قصد التمليك فيثبت الملك له بذلك الأخذ والله أعلم * (مسألة) * (والهدية والصدقة نوعان من الهبة) والعطية تشمل الكل وكذلك النحلة ومعانيها كلها متقاربة إلا أنه في الغالب من أعطى شيئاً ينوي به التقرب إلى الله تعالى للمحتاجين سمي صدقة وإن دفع إلى غير محتاج للتقرب والمحبة فهي هبة، ومن بعث على هذا إلى إنسان مع غيره سمي هدية وكل ذلك مستحب مندوب إليه وأحكام ذلك أحكام الهبة ويشترط لها ما يشترط من الشروط على ما سبق. * (فصل) * في عطية المريض قال الشيخ رحمه الله (أما المريض غير مرض الموت أو مرضاً غير مخوف كالرمد ووجع الضرس والصداع ونحوه فعطاياه كعطايا الصحيح سواء تصح من جميع ماله) وجملة ذلك أن عطايا المريض إذا برأ من مرضه أو كان مرضاً غير مخوف كالذي ذكره وكذلك ما في معناه كالجرب والحمى اليسيرة ساعة أو نحوها والإسهال اليسير من غير دم فعطاياه مثل عطايا الصحيح لأنه لا يخاف منه في العادة

* (مسألة) * (وإن كان مرض الموت المخوف كالبرسام وهو بخار يرتقي إلى الرأس ويؤثر في الدماغ فيختل عقل صاحبه، وذات الجنب وهو قرح بباطن الجنب ووجع القلب والرئة فإنها لا تسكن حركتها فلا يندمل جرحها والرعاف الدائم فإنه يصفي الدم فيذهب القوة والقولنج وهو أن ينعقد الطعام في بعض الأعضاء ولا ينزل عنه فهذه مخوفة، وإن لم يكن معها حمى وهي مع الحمى أشد خوفاً وإن ثار الدم واجتمع في عضو كان مخوفاً لأنه من الحرارة المفرطة، وإن هاجت به الصفراء فهي مخوفة لأنها تورث يبوسة وكذلك البلغم إذا هاج لأنه من شدة البرودة وقد تغلب على الحرارة الغريزية فتطفيها، والطاعون مخوف لأنه من شدة الحرارة إلا أنه يكون في جميع البدن، وأما الإسهال فإن كان متحرقاً لا يمكنه إمساكه فهو مخوف وإن كان ساعة لأن من لحقه ذلك أسرع في هلاكه، وإن كان يجري تارة وينقطع أخرى فإن كان يوماً أو يومين فليس بمخوف لأن ذلك قد يكون من فضلة الطعام. إلا أن يكون معه زحير أو تقطيع كأن يخرج متقطعاً فإنه يكون مخوفاً لأن ذلك يضعف وإن دام الإسهال فهو مخوف سواء كان معه ذلك أو لم يكن، وكذلك الفالج في ابتدائه والسل في انتهائه والحمى المطبقة، وما أشكل من ذلك رجع فيه إلى قول عدلين من الأطباء لأنهم أهل الخبرة بذلك ولا يقبل قول واحد لأنه يتعلق به حق الوارث والمعطي، وقياس قول الخرقي أنه يقبل قول واحد عدل إذا لم يقدر على طبيبين. فهذا الضرب وما أشبهه عطاياه صحيحة لأن عمر رضي الله عنه أوصى حين جرح فسقاه الطبيب لبناً فخرج من جرحه فقال له الطبيب أعهد إلى الناس فعهد إليهم ووصى فاتفق الصحابة على قبول عهده ووصيته وكذلك ابو بكر رضي الله عنه عهد إلى عمر حين اشتد مرضه فنفذ عهده. (فصل) فإن كان المريض يتحقق تعجيل موته فإن كان عقله قد اختل مثل من ذبح أو أبينت حشوته فلا حكم لكلامه ولا لعطيته وإن كان ثابت العقل كمن خرقت حشوته واشتد مرضه ولم يتغير عقله صح تصرفه وعطيته لما ذكرنا من حديث عمر وكذلك علي رضي الله عنهما بعد ضرب ابن

ملجم وصى وأمر ونهى ولم يختلف في صحة ذلك * (مسألة) * (فعطاياه كالوصية في أنها لا تصح لوارث ولا لأجنبي بزيادة على الثلث إلا بإجازة الورثة كالهبة والعتق والكتابة والمحاباة) وجملة ذلك أن التبرعات المنجزة كالعتق والمحاباة والهبة المقبوضة والصدقة والوقف والإبراء من الدين والعفو عن الجناية الموجبة للمال والكتابة إذا كانت في الصحة فهي من رأس المال لا نعلم في هذا خلافاً، وإن كانت في مرض مخوف اتصل به الموت فهي من ثلث المال في قول الجمهور وحكي عن أهل الظاهر في الهبة المقبوضة أنها من رأس المال ولنا ما روى أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله تصدق عليكم عند وفاتكم بثلث أموالكم زيادة لكم في أعمالكم رواه ابن ماجه وهذا يدل بمفهومه على أنه ليس له أكثر من الثلث، وروى عمران بن حصين أن رجلاً أعتق ستة أعبد له في مرضه لا مال له غيرهم فاستدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فجزأهم ثلاثة أجزاء وأقرع بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة رواه مسلم وإذا لم ينفذ العتق مع سرايته فغيره أولى ولأن هذه الحال الظاهر منها الموت فكانت عطيته فيها في حق ورثته لا يتجاوز الثلث كالوصية (فصل) وحكم العطايا في مرض الموت حكم الوصية في خمسة أشياء (أحدها) أن يقف نفوذها على خروجها من الثلث وإجازة الورثة (الثاني) أنها لا تصح للوارث إلا بإجازة الورثة (الثالث) أن فضيلتها ناقصة عن فضيلة الصدقة في الصحة لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن أفضل الصدقة قال " أن تصدق وأنت صحيح شحيح تأمل الغنى وتخشى الفقر ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا وقد كان لفلان " متفق عليه (الرابع) أن العطايا تتزاحم في الثلث إذا وقعت دفعة واحدة كتزاحم الوصايا فيه (الخامس) أن خروجها من الثلث يعتبر حال الموت لا قبله ولا بعده

* (مسألة) * (فأما الأمراض الممتدة كالجذام وحمى الربع والسل في ابتدائه والفالج في دوامه فإن صار صاحبها صاحب فراش فهي مخوفة وإلا فلا) قال القاضي إذا كان يذهب ويجئ فعطاياه من جميع المال هذا تحقيق المذهب وقد روي حرب عن أحمد في وصية المجذوم والمفلوج من الثلث وهو محمول على أنه صار صاحب فراش وبه يقول الاوزاعي والثوري ومالك وأبو حنيفة وأصحابه وأبو، ثور وذكر أبو بكر وجهاً آخر أن عطايا هؤلاء من المال كله وهو مذهب الشافعي لأنه لا يخاف تعجيل الموت فيه وإن كان لا يبرأ منه فهو كالهرم. ولنا أنه مريض صاحب فراش يخشى التلف أشبه صاحب الحمى الدائمة وأما الهرم فإن صار صاحب فراش فهو كمسئلتنا * (مسألة) * (ومن كان بين الصفين عند التحام الحرب أو في؟؟؟؟ البحر عند هيجانه أو وقع الطاعون ببلده أو قدم ليقتص منه والحامل عند المخاض فهو كالمريض) وجملة ذلك أن الخوف يحصل في هذه المواضع الخمسة المذكورة فيقوم مقام المرض (أحدها) إذا التحم الحرب واختلطت الطائفتان للقتال وكانت كل واحدة منهما مكافئة للأخرى أو مقهورة فأما القاهرة منهما بعد ظهورها فليست خائفة وكذلك إذا لم يختلطوا بل كانت كل واحدة منهما متميزة سواء كان بينهما رمي السهام أو لم يكن فليست حالة خوف، ولا فرق بين كون الطائفتين متفقتين في الدين أو لا وبه مالك والثوري والاوزاعي ونحوه عن مكحول وعن الشافعي قولان (أحدهما) كقول الجماعة (والثاني) ليس بخوف لأنه ليس بمرض ولنا أن توقع التلف ههنا كتوقع المرض أو أكثر فوجب أن يلحق به ولأن المرض إنما جعل مخوفاً لخوف صاحبه التلف وهذا كذلك قال أحمد إذا حضر القتال كان عتقه من الثلث وعنه إذا التحم الحرب فوصيته من المال كله لكن يقف الزائد عن الثلث على إجازة الورثة فإن حكم وصية الصحيح وخائف التلف واحد فيحتمل أن يجعل هذا رواية ثانية وسمى العطية وصية تجوز لكونها في حكم الوصية ويحتمل أن يحمل على حقيقته في صحة الوصية من المال كله (الثانية) إذا قدم ليقتل فهي حالة خوف سواء أريد قتله

للقصاص أو لغيره، وللشافعي فيه قولان أحدهما مخوف والثاني إن جرح فهو مخوف وإلا فلا لأنه صحيح البدن والظاهر العفو عنه. ولنا أن التهديد بالقتل جعل إكراهاً يمنع وقوع الطلاق وصحة البيع ويبيح كثيراً من المحرمات ولولا الخوف لم تثبت هذه الأحكام، وإذا حكم للمريض وحاضر الحرب بالخوف مع ظهور السلامة وبعد وجود التلف فمع ظهور التلف وقربه أولى، ولا عبرة بصحة البدن فإن المرض لم يكن مثبتاً لهذا الحكم لعينه بل لخوف إفضائه إلى التلف فيثبت الحكم ههنا بطريق التنبيه لظهور التلف (الثالثة) إذا ركب البحر فإن كان ساكناً فليس بمخوف وإن اضطرب وهبت الريح العاصف فهو مخوف، وقد وصفهم الله تعالى بشدة الخوف فقال تعالى (هو الذي يسيركم في البر والبحر) الآية إلى قوله (جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم) (الرابع) الأسير والمحبوس إذا كان من عادتهم القتل فهو خائف عطيته من الثلث وإلا فلا وهذا قول أبي حنيفة ومالك وابن أبي ليلى وأحد، قولي الشافعي وقال الحسن لما حبس الحجاج إياس بن معاوية ليس له من ماله إلا الثلث وقال أبو بكر عطية الأسير من الثلث ولم يفرق وبه قال الزهري والثوري واسحاق وحكاه ابن المنذر عن أحمد وتأول القاضي ما روي وهو على ما ذكرناه من التفصيل ابتداء وقال الشعبي ومالك الغازي عطيته من الثلث وقال مسروق إذا وضع رجله في الغرز وقال الأوزاعي المحصور في سبيل الله والمحبوس ينتظر القتل هو في ثلثه والصحيح إن شاء الله ما ذكرناه من التفصيل لأن مجرد الحبس والأسر من غير خوف القتل ليس بمرض ولا هو في معنى المرض في الخوف فلم يجز إلحاقه به وإذا كان المريض الذي لا يخاف التلف عطيته من رأس ماله فغيره أولى (الخامسة) إذا وقع الطاعون ببلده فعن أحمد أنه مخوف ويحتمل أنه ليس بمخوف فإنه ليس بمريض وإنما يخاف المرض (فصل) وكذلك الحامل عند المخاض لأنه يحصل لها ألم شديد يخاف منه التلف أشبهت سائر أصحاب الأمراض المخوفة وما قبل ذلك فلا ألم بها فلا يكون مخوفاً، وقال الخرقي وكذلك الحامل إذا صار لها ستة أشهر يعني عطيتها من الثلث وبه قال مالك وقال إسحاق إذا ثقلت لا يجوز لها إلا الثلث ولم

مسألة: فإن خص بعضهم أو فضله فعليه التسوية بالرجوع أو إعطاء الآخر حتى يستووا

يحد حداً وحكاه ابن المنذر عن احمد وقال سعيد بن المسيب وعطاء وقتادة عطية الحامل من الثلث وقال أبو الخطاب عطيتها من المال كله ما لم يضر بها المخاض فإذا ضر بها المخاض فعطيتها من الثلث وبه قال النخعي ومكحول ويحيى الانصاري والاوزاعي والثوري والعنبري وابن المنذر وهو ظاهر مذهب الشافعي لأنها لا تخاف إلا إذا ضر بها الطلق فأشبهت صاحب الأمراض الممتدة قبل أن يصير صاحب فراش وقال الحسن والزهري عطيتها كعطية الصحيح وهو القول الثاني للشافعي لأن الغالب سلامتها ووجه قول الخرقي أن ستة الأشهر وقت يمكن الولادة فيه وهو من أسباب التلف، والصحيح إن شاء الله تعالى ما ذكرناه من أنه إذا ضر بها الطلق كان مخوفاً بخلاف ما قبل ذلك لأنه لا ألم بها واحتمال وجوده خلاف العادة فلا يثبت الحكم باحتماله البعيد مع عدمه كالصحيح وقيل عن أحمد ما يدل على أن عطايا هؤلاء من المال كله لأنه لا مرض بهم وقد ذكرنا الخلاف في ذلك (فصل) فأما بعد الولادة فإن بقيت المشيمة معها فهو مخوف وإن مات الولد معها فهو مخوف لأنه يصعب خروجه فإن وضعت الولد وخرجت المشيمة فحصل ثم ورم أو ضربان شديد فهو مخوف وإن لم يكن شئ من ذلك فقد روي عن أحمد في النفساء إن كانت ترمي الدم فعطيتها من الثلث فيحتمل أنه أراد بذلك إذا كان معه ألم للزومه ذلك في الغالب ويحتمل أن يحمل على ظاهره فإنها إذا كانت ترمي الدم كانت كالمريض وحكمها بعد السقط مثل حكمها بعد الولد التام فإن أسقطت مضغة أو علقة فلا حكم لها إلا أن يكون ثم مرض أو ألم وهذا كله مذهب الشافعي إلا أن مجرد الدم عنده ليس بمخوف (فصل) وما لزم المريض في مرضه من حق لا يمكنه دفعه وإسقاطه كأرش جنايته وجناية عبده وما عاوض عليه بثمن المثل وما يتغابن الناس بمثله فهو من رأس المال لا نعلم فيه خلافاً وهو قول الشافعي وأصحاب الرأي وكذلك النكاح بمهر المثل يجوز من رأس المال لأنه صرف ماله في حاجة

نفسه فقدم بذلك على وارثه وكذلك لو اشترى أمة للاستمتاع بها كثيرة الثمن بثمن مثلها أو اشترى من الأطعمة التي لا يأكل مثله مثلها جاز وصح شراؤه له لأنه صرف ماله في حاجته وان كان عليه دين أو مات وعليه دين قدم بذلك على وارثه لقول الله تعالى (من بعد وصية يوصى بها أو دين) (فصل) فأما إن قضى المريض بعض غرمائه ووفت تركته بسائر الديون صح قضاؤه ولم يكن لسائر الغرماء الإعتراض عليه، وإن لم يف بها ففيه وجهان (أحدهما) أن لسائر الغرماء الرجوع عليه ومشاركته فيما أخذه وهو قول أبي حنيفة لأن حقهم تعلق بماله بمرض فمنع تصرفه فيه بما ينقص ديونهم كتبرعه ولأنه لو وصى بقضاء بعض ديونه لم يجز فكذلك إذا قضاها (والثاني) لا يملكون الاعتراض عليه ولا مشاركته وهو قياس قول أحمد ومنصوص الشافعي لأنه أدى واجباً عليه فصح كما لو اشترى شيئاً فأدى ثمنه أو باع بعض ماله وسلمه ويفارق الوصية فإنه لو اشترى ثياباً مثمنة صح ولو وصى بتكفينه بثياب مثمنة لم يصح يحقق هذا أن إيفاء ثمن المبيع قضاء لبعض غرمائه وقد صح عقيب البيع فكذلك إذا تراخى إذ لا أثر لتراخيه (فصل) وإذا تبرع المريض أو أعتق ثم أقر بدين لم يبطل تبرعه نص عليه أحمد فيمن أعتق عبده في مرضه ثم أقر بدين عتق العبد ولم يرد إلى الرق لأن الحق ثبت بالتبرع في الظاهر فلم يقبل إقراره فيما يبطل به حق غيره * (مسألة) * (وإن لم يف الثلث بالتبرعات المنجزة بدئ بالأول فالأول سواء كان الأول عتقاً أو غيره) وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة الجميع سواء إذا كانت من جنس واحد وإن كانت من أجناس وكانت المحاباة متقدمة قدمت وإن تأخرت سوي بينها وبين العتق وإنما كان كذلك لأن المحاباة حق آدمي على وجه المعاوضة فقدمت إذا تقدمت كقضاء الدين وإذا تساوى جنسها سوى بينها لأنها عطايا من جنس واحد تعتبر من الثلث فسوى بينها كالوصية وقال أبو يوسف ومحمد يقدم العتق تقدم أو تأخر

مسألة: وإن مات قبل ذلك ثبت للمعطى وعنه لا يثبت وللباقين الرجوع اختاره أبو عبد الله بن بطة

ولنا أنهما عطيتان منجزتان فكانت أولاهما أولى كما لو كانت الأولى محاباة عند أبي حنيفة أو عتقاً عند صاحبه ولأن العطية المنجزة لازمة في حق المعطي فإذا كانت خارجة من الثلث لزمت في حق الورثة فلو شاركتها الثانية لمنع ذلك لزومها في حق المعطي لأنه يملك الرجوع في بعضها بعطية أخرى بخلاف الوصايا فإنها غير لازمة في حقه وإنما تلزم بالموت في حال واحدة فاستويا لاستوائهما في حال لزومها بخلاف المنجزتين وما قاله في المحاباة لا يصح فإنها بمنزلة الهبة ولو كانت بمنزلة المعاوضة أو الدين لما كانت من الثلث * (مسألة) * (وإن تساوت قسم بين الجميع بالحصص وعنه يقدم العتق) أما إذا وقعت دفعة واحدة بأن وكل جماعة في هذه التبرعات فأوقعوها دفعة واحدة فإن كانت كلها عتقاً أقرعنا بينهم فكملنا العتق في بعضهم وإن لم يكن فيها عتق قسمنا الثلث بينهم على قدر عطاياهم لأنهم تساووا في الاستحقاق فقسم بينهم على قدر حقوقهم كغرماء المفلس وإنما خولف هذا الأصل في العتق لحديث عمران بن حصين وسنذكر ذلك في موضعه، وإن كان فيها عتق وغيره ففيه روايتان (إحداهما) يقدم العتق لتأكده (والثانية) يسوى بين الكل لأنها حقوق تساوت في استحقاقها فتساوت في تنفيذها كنما لو كات من جنس واحد لأن استحقاقها حصل في حال واحدة (فصل) إذا قال المريض إذا أعتقت سعداً فسعيد حر ثم أعتق سعداً عتق سعيد أن خرج من الثلث وإن لم يخرج من الثلث إلا أحدهما عتق سعد وحده ولم يقرع بينهما لوجهين (أحدهما) أن سعداً سبق بالعتق (والثاني) أن عتقه شرط لعتق سعيد فلو رق بعضه فات إعتاق سعيد أيضاً لفوات شرطه وإن بقي من الثلث ما يعتق به بعض سعيد عتق تمام الثلث منه، وإن قال إن أعتقت سعداً فسعيد وعمرو حران ثم أعتق سعداً ولم يخرج من الثلث إلا أحدهم عتق سعد وحده لما ذكرنا وإن خرج من الثلث اثنان أو واحد وبعض آخر عتق سعد وأقرع بين سعيد وعمرو فيما بقي من الثلث لأن عتقهما في حال

واحدة وليس عتق أحدهما شرطاً في عتق الآخر، ولو خرج من الثلث اثنان وبعض الثالث أقرعنا بينهما لتكميل الحرية في أحدهما وحصول التشقيص في الآخر وإن قال إن أعتقت سعداً فسعيد حر أو فسعيد وعمرو حران في حال إعتاقي سعداً فالحكم سواء لا يختلف لأن عتق سعد شرط لعتقهما فلو رق بعضه لفات شرط عتقهما فوجب تقديمه فان كان الشرط في الصحة والإعتاق في المرض فالحكم على ما ذكرناه (فصل) فإن قال ان تزوجت فعبدي حر فتزوج في مرضه بأكثر من مهر المثل فالزيادة محاباة تعتبر من الثلث فان لم يخرج من الثلث إلا المحاباة أو العبد قدمت المحاباة لأنها وجبت قبل العتق لكون التزويج شرطاً في العتق فقد سبقت العتق ويحتمل أن يتساويا لأن التزويج سبب لثبوت المحاباة وشرط للعتق فلا يسبق وجود أحدهما صاحبه فيكونان سواء، ثم هل يقدم العتق على المحاباة؟ على روايتين وهذا فيما إذا ثبتت المحاباة بأن لا ترث المرأة الزوج إما لوجود مانع من الإرث أو لمفارقته إياها في حياته إما بموتها أو طلاقها أو نحوه، فأما إن ورثته تبينا أن المحاباة لا تثبت لها إلا بإجازة الورثة فينبغي أن يقدم العتق عليها لأنه لازم غير موقوف على الإجازة فيكون متقدماً وإن قال أنت حر في حال تزويجي فتزوج بأكثر من مهر المثل فعلى القول الأول يتساويان لأن التزويج جعل حالة لإيقاع العتق كما في عتق سعد وسعيد وبطلان المحاباة لا يبطل التزويج ولا يؤثر فيه وعلى الاحتمال المذكور يكون العتق سابقاً لأن المحاباة إنما تثبت بتمام التزويج والعتق قبل تمامه فيكون سابقاً على المحاباة فيتقدم لهذا المعنى سيما إذا تأكد بقوته. وكونه غير وارث (فصل) إذا أعتق المريض شقصاً من عبد ثم أعتق شقصا من آخر ولم يخرج من الثلث إلا العبد الاول عتق وحده لأنه يعتق حين تلفظه بإعتاق بعضه وإن خرج الأول وبعض الثاني عتق ذلك وإن أعتق الشقصين معاً فلم يخرج من الثلث إلا الشقصان عتقاً ورق باقي العبدين وإن لم يخرج إلا أحدهما أقرع بينهما وإن خرج الشقصان وباقئ أحد العبدين ففيه وجهان (أحدهما) تكميل العتق من أحدهما

مسألة: فإن سوى بينهم في الوقف أو وقف ثلثه في مرضه على بعضهم جاز نص عليه وقياس المذهب أن لا يجوز

بالقرعة بينهما كما لو أعتق العبدين فلم يخرج من الثلث إلا أحدهما (والثاني) يقسم ما بقي من الثلث بينهما بغير قرعة لأنه أوقع عتقاً مشقصاً فلم يكمله بخلاف ما لو أعتق العبدين ولهذا إذا لم يخرج من الثلث إلا الشقصان أعتقناهما بغير قرعة ولم نكمله من أحدهما ولو وصى بإعتاق النصيبين وإن يكمل عتقهما من تلثه ولم يخرج من الثلث إلا النصيبان وقيمة باقي أحدهما أقرعنا بينهما فمن خرجت قرعته كمل العتق فيه لأن الموصي أوصى بتكميل العتق فجرى مجرى إعتاقهما بخلاف التي قبلها * (مسألة) * (وأما معاوضة المريض بثمن المثل فتصح من رأس المال وإن كانت مع وارث) لأنه ليس بوصية لأن الوصية تبرع وليس هذا تبرعاً فاستوى فيه الوارث وغيره ويحتمل أن لا يصح لوارث لأنه خصه بعين المال أشبه ما لو حاباه * (مسألة) * (وإن حابى وارثه فقال القاضي يبطل في قدر ما حاباه ويصح فيما عداه) مثل أن يبيع شيئاً بنصف ثمنه فله نصفه بجميع الثمن لأنه تبرع له بنصف الثمن فبطل التصرف فيما تبرع له به وللمشتري الخيار لأن الصفقة تبعضت في حقه * (مسألة) * (فإن كان له شفيع فله أخذه فإن أخذه فلا خيار للمشتري) لزوال الضرر عنه لأنه لو فسخ البيع رجع بالثمن وقد حصل له الثمن من الشفيع (فصل) فإن باع أجنبياً وحاباه لم يمنع ذلك صحة العقد عند الجمهور وقال أهل الظاهر يبطل العقد. ولنا عموم قوله تعالى (وأحل الله البيع ولأنه تصرف صدر من أهله في محله فصح كغير المريض فعلى هذا لو باع عبداً لا يملك غيره قيمته ثلاثون بعشرة فقد حابى المشتري بثلثي ماله وليس له المحاباة بأكثر من الثلث فإن أجاز الورثة ذلك لزم البيع وإن ردوا فاختار المشترى فسخ البيع فله ذلك لأن الصفقة تبعضت في حقه فإن اختار إمضاء البيع فقال شيخنا عندي أنه يأخذ نصف المبيع بنصف

الثمن ويفسخ البيع في الباقي وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشافعي والوجه الثاني أنه يأخذ ثلثي المبيع بالثمن كله والى هذا أشار القاضي في نحو هذه المسألة لأنه يستحق الثلث بالمحاباة والثلث الآخر بالثمن وقال أهل العراق يقال له إن شئت أديت عشرة أخرى وأخذت المبيع وإن شئت فسخت ولا شئ لك وعند مالك له أن يفسخ ويأخذ ثلث المبيع بالمحاباة ويسميه أصحابه خلع الثلث ولنا أن ما ذكرناه مقابلة بعض المبيع بقسطه من الثمن عند تعذر أخذ جميعه بجميعه فصح ذلك كما لو اشترى سلعتين بثمن فانفسخ البيع في إحداهما لعيب أو غيره أو كما لو اشترى شقصاً وسيفاً فأخذ الشفيع الشقص أو كما لو اشترى قفيزاً يساوي ثلثين بقفيز قيمته عشرة، وأما الوجه الثاني الذي اختاره القاضي فلا يصح لأنه أوجب له المبيع بثمن فيأخذ بعضه بالثمن كله فلا يصح كما لو قال بعتك هذا بمائة فقال قد قبلت نصفه بها ولأنه إذا فسخ البيع في بعضه وجب أن يفسخه بقدره من ثمنه ولا يجوز فسخ البيع فيه مع بقاء ثمنه كما لا يجوز فسخ البيع في الجميع مع بقاء ثمنه، وأما قول أهل العراق فإن فيه إجباراً للورثة على المعاوضة على غير الوجه الذي عاوض موروثهم، وأما قول مالك فلا يصح لأنه ذا فسخ البيع لم يستحق شيئاً لأن المحاباة إنما حصلت في ضمن البيع فإذا بطل البيع بطلت كما لو وصى لرجل بعينه أن يحج عنه بمائة وأجر المثل خمسون فطلب الخمسين الفاضلة بدون الحج. وإن اشترى عبداً يساوي عشرة بثلاثين فإنه يأخذ نصفها بنصفها وإن باع العبد الذي يساوي ثلاثين بخمسة عشر جاز البيع في ثلثيه بثلثي الثمن في قول شيخنا وعلى قول القاضي للمشتري خمسة أسداسه بكل الثمن، وطريق هذا أن ينسب الثمن وثلث المبيع إلى قيمته فيصح البيع في مقدار تلك النسبة وهو خمسة أسداسه وعلى الوجه الأول يسقط الثمن من قيمة المبيع وينسب الثلث إلى الباقي فيصح البيع في

قدر تلك النسبة وهو ثلثاه بثلثي الثمن فإن خلف البائع عشرة أخرى فعلى الوجه الأول يصح في ثمانية أتساعه بثمانية أتساع الثمن وعلى الوجه الثاني يأخذ المشتري نصفه وأربعة أتساعه بجميع الثمن * (مسألة) * (وإن باع المريض أجنبياً وحاباه وكان شفيعه وارثاً فله الأخذ بالشفعة) لأن المحاباة لغيره يعني إذا باع شقصاً تجب فيه الشفعة لأن المحاباة إنما وقعت للأجنبي فأشبه ما لو وصى لغريم وارثه ويحتمل أن لا يملك الوارث الشفعة ههنا لإفضائه إلى جعل سبيل للإنسان إلى إثبات حق وارثه في المحاباة وقد ذكرنا ذلك والخلاف فيه في الشفعة * (مسألة) * (ويعتبر الثلث عند الموت لأنه وقت لزوم الوصية واستحقاقها وتثبت له ولاية القبول والرد فلو أعتق عبداً لا يملك غيره ثم ملك مالاً يخرج من ثلثه تبيناً أنه عتق كله لخروجه من الثلث عند الموت وإن صار عليه دين يستغرقه لم يعتق منه شئ لأن الدين يقدم على الوصية لما روي عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالدين قبل الوصية ويحتمل أن يعتق ثلثه لأن تصرف المريض في الثلث كتصرف الصحيح في الجميع * (فصل) * قال الشيخ رضي الله عنه (وتفارق العطية الوصية في أربعة أشياء (أحدها) أنه يبدأ بالأول فالأول منها والوصايا سوى بين المتقدم والمتأخر منها) أما العطايا فقد ذكرنا حكمها والخلاف فيها، وأما الوصايا فإنها تبرع بعد الموت فتؤخذ دفعة واحدة ولذلك استوى فيها المتقدم والمتأخر، (الثاني) أنه لا يجوز الرجوع في العطية بخلاف الوصية لأن العطية تقع لازمة في حق المعطي تنتقل إلى المعطى في الحياة إذا اتصل بها القبول والقبض وإن كثرت فلم يكن له الرجوع فيها كالهبة وإنما منع المريض من التبرع بزيادة على الثلث لحق الورثة لا لحقه فلم يملك إجازتها ولا ردها بخلاف الوصية لأن التبرع بها مشروط بالموت ففيما قبل الموت لم يوجد التبرع ولا العطية فهي كالهبة قبل القبول،

مسألة: ولا يجوز لواهب أن يرجع في الهبة

(الثالث) أنه يعتبر قبوله للعطية عند وجودها ويفتقر إلى شروط الهبة المذكورة لأنها هبة منجزة فاعتبر لها القبول عند وجودها كعطية الصحيح بخلاف الوصية فإنه لا حكم لقبولها ولا ردها إلا بعد الموت على ما يأتي (فصل) والعطية تقدم على الوصية وهو قول الشافعي وجمهور العلماء وبه قال أبو حنيفة وأبو يوسف وزفر إلا في العتق فإنه حكي عنهم تقديمه لأن العتق يتعلق به حق الله تعالى ويسري وينفذ في ملك الغير فيجب تقديمه. ولنا أن العطية لازمة في حق المريض فقدمت على الوصية كعطية الصحة أو فقدمت على العتق كعطية الصحة (الرابع) أن الملك يثبت في العطية من حينها ويكون مراعى فاذا خرج من الثلث عند الموت تبينا أن الملك كان ثابتاً من حينه لأن العطية في المرض تمليك في الحال لأنها إن كانت هبة فمقتضاها تمليكه الموهوب في الحال ولهذا يعتبر قبولها في المجلس كما لو كانت في الصحة، وكذلك إن كانت محاباة أو إعتاقاً وأما كونها مراعاة فلأنا لا نعلم هل هذا مرض الموت أو لا ولا نعلم هل يستفيد مالا أو يتلف شئ من ماله أو لا فتوقفنا لنعلم عاقبة أمره فنعمل عليها فإذا انكشف الحال علمنا حينئذ ما ثبت حال العقد، ومثل ذلك ما لو أسلم أحد الزوجين بعد الدخول فإنا لا ندري هل يسلم الثاني أم لا فنقف الأمر حتى تنقضي العدة فإن أسلم الآخر في العدة تبينا أن النكاح كان صحيحاً باقياً وإن انقضت العدة قبل إسلامه تبينا أن النكاح انفسخ من حين اختلف دينهما * (مسألة) * (فلو أعتق في مرضه عبداً أو وهبه لإنسان ثم كسب في حياة سيده شيئاً ثم مات سيده فخرج من الثلث كان كسبه له إن كان معتقاً وللموهوب إن كان موهوباً، وإن خرج بعضه فلهما من كسبه بقدر ذلك) إذا أعتق عبداً لا مال له سواه فكسب مثل قيمته قبل موت سيده فللعبد من كسبه بقدر ما عتق منه وباقيه لسيده فيزداد به مال السيد وتزداد الحرية لذلك ويزداد حقه من كسبه فينقص به حق السيد من الكسب وينقص بذلك قدر المعتق منه فيدخل الدور فيستخرج ذلك بالجبر فيقال عتقق من العبد شئ وله من كسبه شئ لأن كسبه مثله وللورثة من العبد شيئان لأن لهم مثلي ما عتق منه وقد عتق منه شئ ولا يحسب على العبد ما حصل له من كسبه لأن استحقه بجزئه الحر لا من جهة سيده فصار للعبد شيئان

وللورثة شيئان من العبد وكسبه فيقسم العبد وكسبه نصفين فيعتق منه نصفه وله نصف كسبه وللورثة نصفهما، وإن كسب مثلي قيمته فله من كسبه شيئان صار له ثلاثة أشياء ولهم شيئان فيقسم العبد وكسبه أخماساً يعتق منه ثلاثة أخماس وله ثلاثة أخماس كسبه وللورثة خمساه وخمسا كسبه وإن كسب ثلاثة أمثال قيمته فله من كسبه ثلاثة أشياء مع ما عتق منه وللورثة شيئان فيعتق منه ثلثاه وله ثلثا كسبه وللورثة ثلثهما، وإن كسب نصف قيمته عتق منه شئ وله من كسبه نصف شئ ولهم شيئان فالجميع ثلاثة أشياء ونصف شئ فإذا بسطها إنصافاً صارت سبعة فله ثلاثة أسباعها فيعتق منه ثلاثة أسباعه وله ثلاثة أسباع كسبه والباقي للورثة وذلك مثلا ما عتق منه * (مسألة) * (وإن كان موهوباً لإنسان فللموهوب له من العبد بقدر ما عتق منه وله من كسبه بقدر ذلك) فإن كانت قيمته مائة فكسب تسعة فاجعل له من كل دينار شيئاً فقد عتق منه مائة وله من كسبه تسعة أشياء ولهم مائتا شئ فيعتق منه مائة جزء وتسعة أجزاء من ثلثمائة وتسعة وله من كسبه مثل ذلك ولهم مائتا جزء من كسبه، فإن كان على السيد دين يستغرق قيمته وقيمة كسبه صرفا في الدين ولم يعتق منه شئ لأن الدين مقدم على التبرع وإن لم يستغرق فقيمته وقيمة كسبه صرف من العبد وكسبه ما يقضي به الدين وما بقي منهما يقسم على ما يمل في العبد الكامل وكسبه، فعلى هذا لو كان على الميت دين بقيمة العبد صرف فيه نصف العبد ونصف كسبه وقسم النصف الباقي بين الورثة والعتق نصفين وكذلك بقية الكسب، فإن كسب العبد مثل قيمته وللسيد مال بقدر الكسب قسمت العبد ومثل قيمته على الأشياء الأربعة لكل شئ ثلاثة أرباع فيعتق من العبد ثلاثة أرباعه وله ثلاثة أرباع كسبه (فصل) وإن أعتق عبداً قيمته عشرون ثم أعتق عبداً قيمته عشرة فكسب كل واحد منهما مثل قيمته أكملت الحرية في العبد الأول فيعتق منه شئ وله من كسبه شئ وللورثة شيئان ويقسم العبدان وكسبهما على الأشياء الأربعة لكل شئ خمسة عشر فيعتق منه بقدر ذلك وهو ثلاثة أرباعه وله ثلاثة أرباع كسبه والباقي للورثة، وإن بدأ بعتق الأدنى عتق كله وأخذ كسبه ويستحق الورثة من العبد الآخر وكسبه مثلي العبد الذي عتق وهو نصفه ونصف كسبه ويبقى نصفه ونصف كسبه

بينهما نصفين فيعتق ربعه وله ربع كسبه ويرق ثلاثة أرباعه ويتبعه ثلاثة أرباع كسبه وذلك مثلا ما عتق منهما، وإن أعتق العبدين دفعة واحدة أقرعنا بينهما فمن خرجت له قرعة الحرية فهو كما لو بدا بإعتاقه (فصل) فإن اعتق ثلاثة أعبد قيمتهم سواء وعليه دين بقدر قيمة أحدهم وكسب أحدهم مثل قيمته أقرعنا بينهم لإخراج الدين، فإن وقعت على غير المكتسب عتق كله والمكتسب وماله للورثة وإن وقعت قرعة الحرية على المكتسب عتق منه ثلاثة أرباعه وله ثلاثة أرباع كسبه وباقيه وباقي كسبه والعبد الآخر للورثة كما قلنا فيما اذا كان للسيد مال بقدر قيمته، ولو وقعت قرعة الدين ابتداء على المكتسب لقضينا الدين بنصفه ونصف كسبه ثم أقرعنا؟ ين باقيه وبين العبدين الآخرين في الحرية فإن وقعت على غيره عتق كله وللورثة ما بقي، فإن وقعت على المكتسب عتق باقيه وأخذنا باقي كسبه ثم يقرع بين العبدين لإتمام الثلث فمن وقعت عليه القرعة عتق ثلثه ويبقى ثلثاه والعبد الآخر للورثة (فصل) رجل أعتق عبدين متساويي القيمة بكلمة واحدة لا مال له غيرهما ثم مات أحدهما في حياته أقرع بين الحي والميت، فإن وقعت على الميت فالحي رقيق وتبين أن الميت نصفه حر لأن مع الورثة مثلي نصفه، وإن وقعت على الحي عتق ثلثه ولا يحسب المي؟؟؟؟ على الورثة لأنه لم يصل إليهم (فصل) رجل أعتق عبداً لا مال له سواء قيمته عشرة فمات قبل سيده وخلف عشرين فهي لسيده بالولاء وتبين أنه مات حراً، وكذلك إن خلف أربعين وبنتاً وإن خلف عشرة عتق منه شئ وله من كسبه شئ ولسيده شيئان وقد حصل في يد سيده عشرة تعدل ستين فتبين أن نصفه حر وباقيه رقيق والعشرة يستحقها السيد نصفها بحكم الرق ونصفها بالولاء، فإن خلف العبد ابناً فله من رقبته شئ ومن كسبه شئ لابنه بالميراث ولسيده شيئان فتقسم العشرة على ثلاثة للابن ثلثها وللسيد ثلثاها ونتبين أنه عتق من العبد ثثه، وإن خلف بنتاً فلها نصف شئ وللسيد شيئان فصارت العشرة على خمسة، للبنت خمسها وللسيد أربعة أخماسها تعدل ستين فتبين أن خمسي العبد مات حراً، وإن خلف العبد عشرين وابناً فله من كسبه شيئان يكونان لابنه ولسيده شيئان فصارت العشرون بين السيد وبين ابنه نصفين وتبين أنه عتق منه نصفه فإن مات الابن قبل موت السيد كان ابن معتقه

ورثه السيد لأننا تبينا أن أباه مات حراً لكون السيد ملك عشرين وهي مثلا قيمته فعتق وجر ولاء ابنه إلى سيده فورثه، وإن لم يكن الابن ابن معتقه لم ينجر ولاؤه ولم يرثه سيد أبيه، وكذلك الحكم لو خلف هذا الابن عشرين ولم يخلف أبوه شيئاً أو ملك السيد عشرين من أي جهة كانت وإن لم يملك عشرين لم ينجر ولاء الابن إليه لأن الأب لم يعتق، وإن عتق بعضه جر من ولاء ابنه بقدره، فلو خلف الابن عشرة وملك السيد خمسة فإنك تقول عتق من العبد شئ ويجر من ولاء ابنه مثل ذلك ويحصل له من ميراثه شئ مع خمسة وهما يعدلان شيئين وباقي العشرة لمولى أمه فيقسم بين السيد وبين مولى الأم نصفين ونتبين أنه قد عتق من العبد نصفه ويحصل للسيد خمسة من ميراث ابنه وكانت له خمسة وذلك مثلا ما عتق من العبد، فإن مات الابن في حياة أبيه قبل موت سيده وخلف مالاً وحكمنا بعتق الأب أو عتق بعضه ورث مال أبيه ان كان حرا أو بقدر ما فيه من الحرية إن كان بعضه حراً ولم يرث سيده منه شيئاً، وفي هذه المسائل خلا ف تركنا ذكره مخافة التطويل * (مسألة) * (وإن اعتق جارية لا مال له غيرها ثم وطئها ومهر مثلها نصف قيمتها فهو كما لو كسبت نصف قيمتها) يعتق منها ثلاثة أسباعها وقد ذكرناه * (فصل) * وإن وهبها مريضاً آخر لا مال له غيرها ثم وهبها الثاني للأول وماتا جميعاً فنقول صحت هبة الاول في شئ وعاد إليه بالهبة الثانية ثلثه بقي لورثة الثاني ثلثا شئ ولورثة الأول شيئان فاضر بها في ثلثه لزوال الكسر يكن ثمانية أشياء تعدل الأمة الموهوبة فلورثة الواهب الأول ثلاثة أرباعها ستة ولورثة الثاني ربعها شيئان وإن شئت قلت المسألة من ثلاثة لأن الهبة صحت في ثلث المال وهبة الناني صحت في ثلث الثلث فتكون من ثلاثة اضر بها في أصل المسألة تكن تسعة أسقط السهم الذي صحت فيه الهبة الثانية لأننا لو رددناه على الأول لوجب رده على جميع السهام الباقية إذ يلزم من زيادة الباقي للواهب الأول زيادة الجزء الذي صحت فيه الهبة الأولى فيسقط كما يسقط الباقي في مسألة الرد إذ العلة في إسقاطه ثم إننا لو رددناه لرددناه على جميع السهام بالسوية فإذا أسقطنا ذكره عاد على جميع السهام كذلك ههنا إذا أسقطنا هذا السهم بقيت المسألة من ثمانية كما ذكرنا

مسألة: وإن نقصت العين أو زادت زيادة مفصلة لم تمنع الرجوع والزيادة للابن ويحتمل أنها للأب وهل تمنع المتصلة الرجوع؟ على روايتين

(فصول في هبة المريض) رجل وهب أخاه مائة لا يملك غيرها فقبضها ثم مات وخلف بنتاً فقد صحت الهبة في شئ والباقي للواهب ورجع إليه بالميراث نصف الشئ الذي جازت الهبة فيه صار معه مائة إلا نصف شئ يعدل شيئين فالشئ خمسا ذلك رجع إلى الواهب نصفها عشرون صار معه ثمانون وبقي لورثة الموهوب له عشرون وطريقها بالباب أن يأخذ عدداً لثلثه نصف وهو ستة فيأخذ ثلثه اثنين ويلغى نصفه سهماً يبقى سهم فهو للموهوب له ويبقى للواهب أربعة فتقسم المائة بينهما على خمسة والسهم الذي أسقطته لا يذكر لأنه يرجع على جميع السهام الباقية بالتسوية فيجب إطراحه كالسهام الفاضلة عن الفروض في مسألة الرد ولو ترك ابنتين ضربت ثلاثة في ثلاثة صارت تسعة وأسقطت منهما سهماً يبقى سهمان فهي التي تبقى لورثة الموهوب له وتبقى ستة للواهب وهي مثلاً ما جازت الهبة فيه وإن خلف امرأة وبنتا فمسئلتها من ثمانية نضربها في ثلاثة تكن أربعة وعشرين يسقط منهما الثلاثة التي ورثها الواهب يبقى أحد وعشرون فهي المال ويأخذ ثلث الأربعة والعشرين وهي ثمانية يلغى منها الثلاثة يبقى خمسة في الباقية لورثة الموهوب له والباقي للواهب فتقسم المائة على هذه السهام (فصل) وإن وهب رجلاً جارية فقبضها الموهوب له ووطئها ومهرها ثلث قيمتها ثم مات الواهب ولا شئ له سواها وقيمتها ثلاثون ومهرها عشرة فقد صحت الهبة في شئ وسقط عنه من مهرها ثلث شئ وبقي للواهب أربعون إلا شيئاً وثلثاً يعدل شيئين أجبر وقائل يخرچ الشئ خمس ذلك وعشرة وهو اثنا عشر وذلك خمسا الجارية فقد صحت الهبة فيه ويبقى للوارث ثلاثة أخماسها وله على الموهوب له ثلاثة أخماس مهرها وهو ستة ولو كان الواطئ أجنبياً فكذلك ويكون عليه مهرها ثلاثة أخماسه للواهب وخمساه للموهوب له إلا أن تعود الهبة فيما زاد على الثلث منها موقوف على حصول المهر من الوطئ فان لم يحصل منه شئ لم تزد الهبة على ثلثها وكلما حصل من شئ نفذت الهبة في الزيادة بقدر

ثلثه فإن وطئها الواهب فعليها من عقرها بقدر ما جازت الهبة فيه وهو ثلث شئ يبقى معه ثلاثون إلا شيئاً وثلثاً يعدل شيئين فالشئ تسعة وهو خمس الجارية وعشرها وسبعة أعشارها لورثة الواطئ وعليه عقر الذي جازت الهبة فيه ئلاثة فإن أخذ من الجارية بقدرها صار له خمساها (فصل) وإن وهب مريض عبداً لا يملك غيره فقتل العبد الواهب قيل للموهوب له اما ان تفديه وإما أن تسلمه فإن اختار تسلميه سلمه كله نصفه بالجناية ونصفه لانتقاص الهبة وذلك لأن العبد كله قد صار إلى ورثة الواهب وهو مثلا نصفه فتبين أن الهبة جازت في نصفه فإن اختار فداه ففيه روايتان إحداهما يفديه بأقل الأمرين من قيمة نصيبه فيه اوراش جنايته والأخرى يفديه بقدر ذلك من أرش جنايته بالغة ما بلغت فإن كانت قيمته دية فإنك تقول صحت الهبة في شئ ويدفع إليهم نصف العبد وقيمة نصفه وذلك يعدل شيئين فتبين ان الشي نصف العبد وإن كانت قيمته ديتين واختار دفعه فإن الهبة تجوز في شئ ويدفع إليهم نصفه يبقى معهم عبد الا نصف شئ يعدل شيئين فالشئ خمساه ويرد إليهم ثلاثة أخماسه لانتقاض الهبة وخمساً من أجل جنايته فيصير لهم أربعة أخماسه وذلك مثلا ما جازت الهبة فيه وإن اختار فداءه فداه بخمسي الدية أو أقل وقلنا يفديه بأرش جنايته نفذت الهبة في جميعه لأن أرشها أكثر من مثلي قيمته وإن كانت قيمته ثلاثة اخماس الدية فاختار فداءه بالدية فقد صحت الهبة في شئ ويفديه بشئ وثلثين فصار مع الورثة عبد وثلثا شئ يعدل شيئين فالشئ يعدل ثلاثة أرباع فتصح الهبة في ثلاثة أرباع العبد ويرجع إلى الواهب ربعه مائة وخمسون وثلاثة أرباع الدية سبعمائة وخمسون صار الجميع تسعمائة وهو مثلا ما صحت الهبة فيه فإن ترك الواهب مائة دينار فاضممها إلى قيمة العبد فإن اختار دفع العبد دفع ثلثه وربعة وذلك قدر نصف جميع المال بالجناية وباقيه لانتقاص الهبة فيصير للورثة العبد والمائة وذلك ما جازت الهبة فيه وإن اختار الفداء فقد علمت أنه يفدي ثلاثة أرباعه إذا لم يترك شيئاً فزد على ذلك ثلاثة أرباع المائة يصر ذلك سبعة أثمان العبد فيفديه سبعة أثمان الدية (فصل) في إعتاق المريض: مريض أعتق عبداً لا مال سواه قيمته مائة فقطع أصبع سيده خطأ فإنه يعتق نصفه وعليه نصف قيمته ويصير للسيد نصفه ونصف قيمته وذلك مثلا ما عتق منه وأوجبنا

مسألة: وإن باعه المتهب ثم رجع إليه بفسخ أو إقالة فهل له الرجوع؟ على وجهين

نصف قيمته عليه لأن عليه من أرش جنايته بقدر ما عتق منه وحسابها أن تقول عتق منه شئ وعليه شئ للسيد فصار مع السيد عبد إلا شيئا وشئ يعدل شيئين فأسقط بشئ بقي ما معه من العبيد يعدل شيئاً مثل ما عتق منه، وإن كانت قيمة العبد مائتين عتق خمساه لأنه يعتق منه شئ وعليه نصف شئ للسيد فصار للسيد نصف شئ وبقية العبد تعدل شيئين فتكون بقية العبد تعدل شيئاً ونصفاً وهو ثلاثة أخماسه والشئ الذي عتق خمساه، وإن كانت قيمته خمسين أو أقل عتق كله لأنه يلزمه مائة وهي مثلاه أو أكثر، وإن كانت قيمته شيئين قلنا عتق منه شئ وعليه شئ وثلثا شئ للسيد مع بقية العبد تعدل شيئين فبقية العبد إذا ثلث شئ فيعتق منه ثلاثة أرباعه وعلى هذا القياس الا أن ما زاد من العتق على الثلث ينبغي أن يقف على أداء ما يقابله من القيمة كما إذا ما دبر عبداً وله دين في ذمة غريم له فكلما اقتضي من القيمة شيئاً عتق من الموقوف بقدر ثلثه (فصل) فإن أعتق عبدين دفعة واحدة قيمة أحدهما مائة والآخر مائة وخمسون فجنى الأدنى على الا رفع جناية نقصته ثلث قيمته وأرشها كذلك في جناية السيد ثم مات أقرعنا بين العبدين فإن وقعت على الجاني عتق منه أربعة أخماسه وعليه من أرش الجناية مثل ذلك وبقي لورثة سيده خمسه وأرش جنايته والعبد الآخر وذلك مائة وستون وهو مثلا ما عتق منه وحسابها أن تقول عتق منه شئ وعليه نصف شئ لأن جنايته بقدر نصف قيمته بقي للسيد نصف شئ وبقية العبد تعدل شيئين فعلمت أن بقية العبدين تعدل شيئاً ونصفاً فإذا أضفت إلى ذلك الشئ الذي عتق صارا جميعاً يعدلان شيئين ونصفا، فالشئ الكامل خمساهما وذلك أربعة أخماس أحدهما، وإن وقعت قرعة الحرية على المجني عليه عتق ثلثه وله ثلث أرش جنايته يتعلق برقبة الجاني وذلك تسع الدية لأن الجناية على من ثلثه حر تضمن بقدر ما فيه من الحرية والرق، والواجب من الأرش يستغرق قيمة الجاني فيستحقه بها ولا يبقى لسيده مال سواه فيعتق ثلثه ويرق ثلثاه فإن أعتق عبدين قيمة أحدهما خمسون والآخر قيمته ثلاثون فجنى الأدنى على الا رفع فنقصه حتى صارت قيمته أربعين أقرعنا بينهما فإن خرجت القرعة للأدنى عتق منه شئ وعليه ثلث شئ فبعد الجبر تبين أن العبدين شيئان وثلثان فالشئ ثلاثة أثمانهما وقيمتهما

مسألة: وإن كاتبه أو رهنه لم يملك أبوه الرجوع إلا أن ينفك الرهن وينفسخ

سبعون فثلاثة أثمانهما ستة وعشرون وربع وهي من الأدنى نصفه وربعه وثمنه، وإن وقعت على الآخر عتق ثلثه وحقه من الجناية أكثر من قيمة الجاني فيأخذه بها أو يفديه المعتق وقد ثبتت فروع كثيرة وفيما ذكرنا ما يستدل به على غيره إن شاء الله تعالى وكل موضع زاد المعتق على ثلث العبدين من أجل وجوب الأرش للسيد تكون الزيادة موقوفة على أداء الأرش كما ذكرنا من قبل والله أعلم * (مسألة) * (وإن باع مريض قفيزاً لا يملك غيره يساوي ثلاثين بقفيز يساوي عشرة وهما جنس واحد فيحتاج إلى تصحيح البيع في جزء منه مع التخلص من الربا لكونه يحرم التفاضل بينهما فالطريق في ذلك إن يسقط قيمة الردئ من قيمة الجيد ثم ينسب الثلث الى ما بقي وهو عشرة من عشرين وذلك نصفها فيصح البيع في نصف الجيد بنصف الردئ ويبطل فيما بقي) وطريق الجبر أن تقول يصح البيع في شئ من الا رفع بشئ من الأدنى وقيمته ثلث شئ فتكون المحاباة بثلثي شئ ألقها من الا رفع يبق قفيز إلا ثلثي شئ يعدل مثلي المحاباة وذلك شئ وثلث فإذا جبر به عدل شيئين والشئ نصف القفيز فإن كانت قيمة الأدنى خمسة عشر فإذا أسقطت قيمة الردئ من قيمة الجيد يبقى خمسة عشر إذا نسبت إليهما الثلث يكن ثلثيها فيصح البيع في ثلثي الجيد بثلثي الردئ فحصلت المحاباة بعشرة وذلك ثلث المال. فإن كان الأدنى يساوي عشرين صحت في جميع الجيد بجميع الردئ * (مسألة) * (وإن أصدق امرأة عشرة في مرضه لا مال له غيرها) وصداق مثلها خمسة ثم ماتت قبله ومات بعدها ولا مال لها سوى ما أصدقها دخلها الدور فنقول لها خمسة بالصداق وشئ بالمحاباة ويبقى لورثة الزوج خمسة الأشياء ورجع إليهم بموتها نصف ذلك وهو اثنان ونصف ونصف شي صار لهم سبعة ونصف إلا نصف شئ يعدل شيئين أجبرها بنصف شئ وقابل فزد على الشيئين نصف شئ يبقى سبعة ونصف تعدل شيئين ونصفاً فالشئ ثلاثة فلورثته ستة ولورثتها أربعة لأنها كان لها خمسة وشئ وذلك ثمانية رجع إلى ورثته نصفها وهي أربعة صار لهم ستة ولورثتها أربعة على ما ذكرنا فإن ترك الزوج خمسة أخرى قلت يبقى مع ورثة الزوج اثنا عشر ونصف إلا نصف شئ تعدل شيئين فالشئ خمسة فجازت لها المحاباة جميعها ورجع جميع ما حاباها به إلى ورثة

مسألة: وعن أحمد في المرأة تهب زوجها مهرها إن كان سألها ذلك رده إليها رضيت أو كرهت لأنها لا تهبه له إلا مخافة غضبه أو إضرار بها بأن يتزوج عليها

الزوج وبقي لورثتها صداق مثلها فإن كان للمرأة خمسة ولم يكن للزوج شئ قلت يبقى مع ورثة الزوج عشرة إلا نصف شئ يعدل شيئين فالشئ أربعة فيكون لها بالصداق تسعة مع خمستها أربعة عشر رجع إلى ورثة الزوج نصفها مع الدينار الذي بقي لهم صار لهم ثمانية ولورثتها سبعة، وإن كان عليها دين ثلاثة قلت يبقى مع ورثة الزوج ستة إلا نصف شئ يعدل شيئين فالشئ ديناران وخمسان والباب في هذا أن ينظر ما بقي في يد ورثة الزوج فخمساه هو الشئ الذي صحت المحاباة فيه وذلك لأنه بعد الجبر يعدل شيئين ونصفا، والشئ هو خمساها، وإن شئت أسقطت خمسة وأخذت نصف ما بقي * (مسألة) * (وإن مات قبلها ورثته وسقطت المحاباة) لأن حكمها في المرض حكم الوصية في أنها لا تصح لوارث وعنه تعتبر المحاباة من الثلث لأنها محاباة لمن تجوز له الصدقة عليه فاعتبرت من الثلث كمحاباة الأجنبي إلا أن أبا بكر قال هذا قول قديم رجع عنه (فصل) قال الشيخ رضي الله عنه ولو ملك ابن عمه فأقر في مرضه أنه أعتقه في صحته وهو وارثه عتق ولم يرث ذكره أبو الخطاب لأنه لو ورثه كان إقراره لوارث فيبطل عتقه لأنه مرتب على صحة الإقرار ولا يصح الإقرار للوارث وإذا بطل عتقه سقط الإرث فعلى هذا نثبت الحرية ولا يرث لأن توريثه يفضي الى اسقاط توريثه ويحتمل أن يرث لأنه حين الإقرار لم يكن وارثاً فوجب أن يرث كما لو لم يصر وارثاً وعلى قياس ذلك لو اشترى دار حمه المحرم في مرضه وهو وارثه أو وصي له به أو وهب له فقبله في مرضه فالحكم في ذلك كالمسألة قبلها سواء لما ذكرنا وذكر شيخنا أنه إذا ملكه بغير عوض كالهبة والميراث أنه يعتق ويرث المريض إذا مات وبه قال مالك وأكثر أصحاب الشافعي وقال بعضهم يعتق ولا يرث كما قال أبو الخطاب لأن عتقه وصية فلا تجتمع مع الميراث وهذا لا يصح لأنه لو كان وصية لاعتبر من الثلث كما لو اشتراه وجعل أهل العراق عتق الموهوب وصية يعتبر خروجه من الثلث، وإن خرج من الثلث عتق وورث، وإن لم يخرج من الثلث سعى في قيمة باقيه ولم يرث في قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد يحتسب بقيمته من ميراثه فإن فضل من قيمته شئ سعى فيه

ولنا أن الوصية هي التبرع بعطية أو إتلاف أو السبب إلى ذلك ولم يوجد واحد منهما لأن العتق ليس من فعله ولا يقف على اختياره، وقبول الهبة ليس بعطية ولا إتلاف لماله إنما هو تحصيل لشئ يتلف بتحصيله فأشبه قبوله لشئ لا يمكنه حفظه أو لما يتلف ببقائه في وقت لا يمكنه التصرف فيه وفارق الشراء فإنه تضييع لماله في ثمنه قال القاضي هذا المذكور قياس قول أحمد لأنه قال في مواضع إذا وقف في مرضه على ورثته صح ولم تكن وصية لأن الوقف ليس بمال لأنه لا يباع ولا يورث قال الخبري هذا قول أحمد وابن الماجشون وأهل البصرة ولم يذكر فيه عن أحمد خلافه فأما إن اشترى من يعتق عليه فقال القاضي إن حمله الثلث عتق وورثه وهذا قول مالك وأبي حنيفة، وإن لم يخرج من الثلث عتق منه بقدر الثلث ويرث بقدر ما فيه من الحرية وباقيه على الرق فإن كان الوارث ممن يعتق عليه إذا ملكه عتق عليه إذا ورثه، وقال أبو يوسف ومحمد لا وصية لوارث ويحتسب بقيمته من ميراثه وإن فضل من قيمته شئ سعى فيه، وقال بعض أصحاب مالك يعتق من رأس المال ويرث كالموهوب والموروث وهو قياس قول أحمد لكونه لم يجعل الوقف وصية وأجازه للوارث فهذا أولى لأن العبد لا يملك رقبته فيجعل ذلك وصية له ولا يجوز ان يجعل الثمن وصية له لأنه لم يصل إليه ولا وصية للبائع لأنه قد عاوض عنه وإنما هو كبناء مسجد وقنطرة في أنه ليس بوصية لمن ينتفع به فلا يمنعه ذلك الميراث واختلف أصحاب الشافعي في قياس قوله فقال بعضهم إذا حمله الثلث عتق وورث لأن عتقه ليس بوصية له على ما ذكرنا، وقيل يعتق ولا يرث لأنه لو ورث لصارت وصية لوارثه فتبطل وصيته ويبطل عتقه وارثه فيفضي توريثه إلى إبطال توريثه فكان إبطال توريثه أولى، وقيل على مذهبه شراؤه باطل لأن ثمنه وصية والوصية يقف خروجها من الثلث أو إجازة الورثة، والبيع عنده لا يجوز أن يكون موقوفاً، ومن مسائل ذلك مريض وهب له ابنه فقبله وقيمته مائة وخلف مائتي درهم وابنا آخر فإنه يعتق وله مائة ولأخيه مائة وهذا قول أبي حنيفة ومالك والشافعي، وقيل على قول الشافعي لا يرث والمئتان كلها للابن الآخر، وقال أبو يوسف ومحمد يرث نصف نفسه ونصف المائتين ويحتسب بقيمة نصفه الباقي من ميراثه، وإن كانت قيمته مائتين وبقية التركة مائة عتق من رأس المال والمائة

مسألة: فإن تصرف فيه قبل تملكه ببيع أو عتق أو إبراء من دين لم يصح تصرفه فيه

بينه وبين أخيه وبهذا قال مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة يعتق منه نصفه لأنه قدر ثلث التركة ويسعى في قيمة باقيه ولا يرث لأن المستسعى عنده كالعبد لا يرث إلا في أربعة مواضع الرجل يعتق أمته على أن تتزوجه، والمرأة تعتق عبدها على أن يتزوجها فيأبيان ذلك، والعبد المرهون يعتقه سيده والمشترى للعبد نصفه قبل قبضه وهما معسران ففي هذه المواضع يسعى كل واحد في قيمته وهو حر يرث وقال أبو يوسف ومحمد يرث نصف التركة وذلك ثلاثة أرباع رقبته ويسعى في ربع قيمته لأخيه فإن وهب له ثلاث أخوات متفرقات لا مال له سواهن ولا وارث عتقن من رأس المال وهذا قول مالك وإن كان اشتراهن فكذلك فيما ذكره الخبري عن أحمد وهو قول ابن الماجشون وأهل البصرة وبعض أصحاب مالك وعلى قول القاضي يعتق ثلثهن في أحد الوجهين وهو قول مالك وفي الآخر يعنقن كلهن لكون وصية من لا وارث له جائزة في جميع ماله في أصح الروايتين، وإن ترك مالا يخرجن من ثلثه عتقن وورثن، وقال أبو حنيفة إذا اشتراهن أو وهبن له ولا مال له سواهن ولا وارث عتقن وتسعى كل واحدة من الأخت للأب والأخت من الأم في نصف قيمتها للأخت للأبوين وإنما لم يرثا لانهما لو ورثتا لكان لهما خمس وذلك رقبة وخمس بينهما نصفين فكان يبقى عليهما سعاية وإذا بقيت عليهما سعاية لم يرثا وكانت لهما الوصية وهي رقبة بينهما نصفين وأما الأخت للأبوين فإذا ورثت عتقت لأن لها ثلاثة أخماس الرقاب وذلك أكثر من قيمتها فورثت وبطلت وصيتها وقال أبو يوسف ومحمد يعتقن وتسعى كل واحدة من الأخت للأب والأخت للأم للأخت من الأبوين في خمسي قيمتها لأن كل واحدة ترث ثلاثة أخماس رقبة وعلى قول الشافعي لا يعتقن (فصل) وإذا اشترى المريض أباه بألف لا مال له سواه ثم مات وخلف ابناً فعلى القول الذي حكاه الخبري يعتق كله على المريض وله ولاؤه وعلى قول القاضي يعتق ثلثه بالوصية ويعتق الباقي على الابن لأنه جده ويكون ثلث ولائه للمشتري وثلثاه لابنه، وهذا قول مالك وقيل هو مذهب للشافعي، وقال أبوحينفة يعتق ثلثه بالوصية ويسعى للابن في قيمة ثلثيه وقال أبو يوسف ومحمد يعتق سدسه لأنه ورثه ويسعى في خمسة أسداس قيمته للابن ولا وصية له وقيل على قول الشافعي ينفسخ البيع إلا أن يجيز الابن عتقه وقيل ينفسخ في ثلثيه ويعتق ثلثه وللبائع الخيار لتفريق الصفقة عليه وقيل لا خيار له لأنه متلف فإن ترك ألفين سواه عتق كله وورث سدس الألفين والباقي للابن، وبهذا قال مالك

مسألة: وإن وطئ جارية ابنه فأحبلها صارت أم ولد له وولده حر لا تلزمه قيمته ولا حد عليه ولا مهر وفي التعزير وجهان

وأبو حنيفة وقيل نحوه قول الشافعي وقيل على قوله يعتق ولا يرث وقيل شراؤه مفسوخ وقال أبو يوسف ومحمد يرث الأب سدس التركة وخمسمائة يحتسب بها من رقبته ويسعى في نصف قيمته ولا وصية له فإن اشترى ابنه بألف لا يملك غيره ومات وخلف أباه عتق كله بالشراء في الوجه الأول وفي الثاني يعتق ثلثه بالوصية وثلثاه على جده عند الموت وولاؤه بينهما أثلاثاً، وبهذا قال مالك وقول الشافعي فيه على ما ذكرنا في مسألة الأب، وقال أبو حنيفة يعتق ثلثه بالوصية ويسعى في قيمة ثلثيه للأب ولا يرث، وقال أبو يوسف ومحمد يرث خمسة أسداسه ويسعى في قيمة سدسه فإن ترك ألفين سواه عتق كله وورث خمسة أسداس الألفين وللأب السدس، وبهذا قال مالك وأبو حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد للأب سدس التركة خمسمائة وباقيها للابن يعتق منها ويأخذ ألفاً وخمسمائة وإن خرج مالا يخرج المبيع من ثلثه فعلى الوجه الأول يعتق كله ويرث منه كأنه حر الأصل على الوجه الثاني يعتق منه بقدر ثلث التركة ويرث بقدر ما فيه من الحرية فإن لم يخلف المشتري إلا أخاً حراً ولم يترك مالاً عتق من رأس المال على الوجه الأول ويعتق ثلثه على الثاني ويرث الأخ ثلثيه ثم يعتق عليه وقال أبو حنيفة يعتق ثلثه ويسعى لعمه في قيمة ثلثيه وقال أبو يوسف ومحمد يعتق كله ولا سعاية وإن خلف ألفين سواه عتق وورث الألفين ولا شئ للأخ في الأقوال إلا فيما قيل على قول الشافعي أنه يعتق ولا يرث وقيل شراؤه باطل فإن اشترى ابنه بألف لا يملك غيره وقيمته ثلثا الألف وخلف ابناً آخر فعلى الوجه الأول يعتق من رأس المال ويستقر ملك البائع على قدر قيمته من الثمن وله ثلث الباقي لأن المشتري حاباه ولم يبق من التركة سواه فيكون له ثلثه وهي تسع ألف ويرد التسعين فتكون بين الاثنين، وعلى الوجه الثاني يعتق ثلثه ويرث أخوه ثلثيه ويعتق عليه وللبائع ثلث المحاباة ويرد ثلثيها فيكون ميراثاً، وقال أبو حنيفة الثلث للبائع ويسعى المشتري في قيمته لأخيه وقال أبو يوسف ومحمد يسعى في نصف رقبته ويرث نصفها وقال الشافعي المحاباة مقدمة لتقدمها ويرث الابن الحر أخاه فيملكه وقيل يفسخ البيع في ثلثيه ويعتق ثلثه ولا تقدم المحاباة لأن في تقديمها تقرير ملك الأب على ولده وقيل يفسخ البيع في جميعه فإن كانت قيمته ثلاثة آلاف فعلى الوجه الأول يعتق من رأس المال وتنفذ

مسألة: وليس للابن مطالبة أبيه بدين ولا قيمة متلف ولا أرش جناية ولا غير ذلك

المحاباة في ثلث الباقي وهو تسعا الألف ويرد البائع أربعة أتساع الألف فتكون بين الابنين وعلى الوجه الآخر يحتمل وجهين (احدهما) يقدم العتق على المحاباة فيعتق جميعه ويرد البائع ثلثي الألف فيكون بينهما (والثاني) يعتق ثلثه ويكون للبائع تسعا ألف ويرد أربعة أتساعها كما قلنا في الوجه الأول، وقال أبو حنيفة للبائع بالمحاباة الثلث ويرد الثلث ويسعى الابن في قيمته لأخيه في قول أبي يوسف ومحمد يرد البائع ثلث الألف فيكون ذلك مع المشتري للابن الحر وقيل غير ذلك وإن اشتراه بألف لا يملك غيره وقيمته ثلاثة آلاف فمن أعتقه من رأس المال جعله حراً ومن جعل ذلك وصية أعتق ثلثه بالشراء ويعتق باقيه على أخيه إلا في قول الشافعي ومن وافقه فإن الحر يملك بقية أخيه فيملك من رقبته قدر ثلثي الثمن وذلك تسعا رقبته لأنه يجعل ثمنه من الثلث دون قيمته وقيل يفسخ البيع في ثلثيه وقيل في جميعه، وقال أبو حنيفة يسعى لأخيه في قيمة ثلثيه وقال أبو يوسف ومحمد يسعى له في نصف قيمته فإن ترك ألفين سواه عتق كله لأن التركة هي الثمن مع الألفين والثمن يخرج من الثلث فيعتق ويرث نصف الألفين وهو قول للشافعي وقيل يعتق ولا يرث وعند أبي حنيفة وأصحابه التركة قيمته مع الألفين وذلك خمسة آلاف فعلى قول أبي حنيفة يعتق منه قدر ثلث ذلك وهو ألف وثلثا الف ويسعى لأخيه في ألف وثلث ألف وفي قول صاحبيه يعتق منه نصف ذلك وهو خمسة أسداسه ويسعى لأخيه في خمسمائة والألفان لأخيه في قولهم جميعاً (فصل) ولو اشترى المريض ابني عم له بألف لا يملك غيره وقيمة كل واحد منهما ألف فأعتق أحدهما ثم وهبه أخاه ثم مات وخلفهما وخلف مولاه فإن قياس قول القاضي أن شاء الله أنه يعتق ثلثا المعتق إلا أن يجيز المولى عتق جميعه ثم يرث بثلثيه ثلثي بقية التركة فيعتق منه ثمانية أتساعه يبقى تسعة وثلث أخيه للمولى ويحتمل أن يعتق كله ويرت أخاه فيعتقان جميعاً لانه يصير بالاعتاق وارثاً لثلثي التركة

مسألة: والهدية والصدقة نوعان من الهبة

فتنفذ إجازته في إعتاق باقيه فتكمل له الحرية ثم يكمل له الميراث وفي قياس قول أبي الخطاب يعتق ثلثاه ولا يرث لأنه لو ورث لكان إعتاقه وصية له فيبطل إعتاقه ثم يبطل إرثه فيؤدي توريثه إلى إبطال توريثه وهذا قول الشافعي ويبقى ثلثه وابن العم الآخر للمولى وقال أبو حنيفة يعتق ثلثا المعتق ويسعى في قيمة ثلثه ولا يرث، وقال أبو يوسف ومحمد يعتق كله ويعتق عليه أخوه بالهبة ويكون أحق بالميراث من المولى فإن كان للميت مال سواهما أخذا ذلك المال بالميراث ويغرم المعتق لأخيه الموهوب نصف قيمة نفسه ونصف قيمة أخيه لأن عتق الأول وصية ولا وصية لوارث وقد صار وارثاً مع أخيه فورث نصف قيمة رقبته ونصف قيمة أخيه وورث أخوه الباقي وكان أخوه الموهوب له هبة من المريض له فيعتق بقرابته له ولم يعتق من المريض فلم يكن عتقه وصية بل استهلكها بالعتق الذي جرى فيها فيغرم الأول نصف قيمته ونصف قيمة أخيه لأخيه وأما قول أبي حنيفة فإن كان الميت لم يدع وارثاً غيرهما عتق وغرم الأول لأخيه نصف قيمة أخيه ولم يغرم له نصف قيمه نفسه لأنه إذا لم يدع وارثاً جازت وصيته لأنهما لا يرثان ولا يعتقان حتى تجوز وصية الأول لأنه متى بقيت عليه سعاية لم يرث واحد منهما ولم يعتق فلابد من أن تنفذ للمعتق وصية ليصير حراً فيعتق أخوه بعتقه وقد جازت له الوصية في جميع رقبته لأن الميت إذا لم يدع وارثاً جازت وصيته بجميع ماله ويرثان جميعاً ويرجع الثاني على الأول بنصف قيمته لأنه يقول قد صرت أنا وأنت وارثين فلا تأخذ من الميراث شيئاً دوني وقد كانت رقبتي لك وصية فعتقت من قبلك فاضمن لي نصف رقبتي فإن كان معسراً أو هناك مال غيرهما أخذ الثاني نصفه ثم أخذ من النصف الثاني نصف قيمة نفسه وكان ما بقي ميراثاً لأخيه الأول * (مسألة) * (ولو أعتق أمته وتزوجها في مرضه فنقل المروذي عن أحمد أنها ترث اختاره القاضي، وقال الشافعي لا ترث لان ترويثها يفضي إلى ابطال عتقها لأنه وصية وإبطال عتقها يبطل توريثها. ولنا أن العتق في هذه الحال وصية بما لا يلحقه الفسخ فيجب تصحيحه للوارث كالعفو عن العمد في مرضه فإنه لا يسقط ميراثه ولا تبطل الوصية

مسألة: فعطاياه كالوصية في أنها لا تصح لوارث ولا لأجنبي بزيادة على الثلث إلا بإجازة الورثة كالهبة والعتق والكتابة والمحاباة

* (مسألة) * (ولو أعتقها وقيمتها مائة ثم تزوجها وأصدقها مائتين لا مال له سواهما وهما مهر مثلها ثم مات صح العتق ولم تستحق الصداق لئلا يفضي إلى بطلان عتقها ثم يبطل صداقها وقال القاضي تستحق المائتين وتعتق) لأن العتق وصيه لها وهي غير وارثة والصداق استحقته بعقد المعاوضة وهي تنفذ من رأس المال فهو كما لو تزوج أجنبية وأصدقها المائتين وقال أصحاب الشافعي يسقط مهرها ولا ترث لكونها لا تخرج من الثلث وسقوط العتق في بعضها يبطل مهرها ويسقط نكاحها فأسقطنا المهر والميراث وأنفذنا العتق والنكاح قال شيخنا وهذا أولى من القول بصحة العتق والصداق جميعاً لأنه يفضي إلى القول بصحة العتق في مرض الموت من جميع المال ولا خلاف في فساد ذلك ولو أصدق المائتين أجنبية صح وبطل العتق في ثلثي الأمة لأن الخروج من الثلث معتبر بحالة الموت وحالة الموت لم يبق له مال وهكذا لو تلفت المائتان قبل موته لم ينفذ من عتق الامة إلا الثلث وإذا بطل بعض عتقها بذهاب المائتين إلى غيرها فأولى أن يبطل بذهابها إليها وبطلان عتقها يبطل نكاحها فالقول بسقوط المهر وحده أولى * (مسألة) * (وإن تبرع بالثلث ثم اشترى أباه من الثلثين وله ابن فعلى قول من قال: ليس الشراء بوصية يعتق الأب وينفذ من التبرع قدر ثلث المال حال الموت وما بقي فللأب سدسه وباقيه للابن وعلى قول القاضي ومن جعله وصية لا يعتق الأب لأن تبرع المريض إنما ينفذ في الثلث ويقدم الاول فالال وإذا قدم التبرع لم يبق من الثلث شئ ويرثه الابن فيعتق عليه ولا يرث لأنه إنما عتق بعد الموت وإن وهب له أبوه عتق وورث لأن الهبة ليست بوصية وكذلك إن ورثه وإن اشترى أباه ثم أعتقه لم يعتق على قول القاضي لأنه إذا لم يعتق بالملك وهو أقوى من الإعتاق بالقول بدليل نفوذه في حق الصبي والمجنون فأولى أن لا ينفذ بالقول والله سبحانه وتعالى أعلم فصول في تصرف المريض (فصل) إذا أعتق أمة لا يملك غيرها ثم تزوجها فالنكاح صحيح في الظاهر فإذا مات ولم يملك شيئاً آخر تبين أن نكاحها باطل ويسقط مهرها إن كان لم يدخل بها وهذا قول أبي حنيفة والشافعي ويعتق منها ثلثها ويرق ثلثاها فإن كان قد دخل بها ومهرها نصف قيمتها عتق منها ثلاثة أسباعها ويرق أربعة أسباعها وحساب ذلك أن تقول عتق منها شئ ولها بصداقها نصف شئ وللورثة شيئان فيجمع

مسألة: فأما الأمراض الممتدة كالجذام وحمى الربع والسل في ابتدائه والفالج في دوامه فإن صار صاحبها صاحب فراش فهي مخوفة وإلا فلا

ذلك فيكون ثلاثة أشياء ونصفا نبسطها فتكون سبعة لها منها ثلاثة ولهم أربعة ولا شئ للميت سواها فنجعل لنفسها منها ثلاثة أسباعها يكون حراً والباقي للورثة وإن أحب لورثة أن يدفعوا إليها حصتها من مهرها وهو سبعاه ويعق منها سبعاها ويسترقوا خمسة أسباعها فلهم ذلك وهذا مذهب الشافعي وقال أبو حنيفة يحسب مهرها من قيمتها ولها ثلث الباقي ويسعى فيما بقي وهو ثلث قيمتها فإن كان يملك مع الجارية قدر نصف قيمتها ولم يدخل بها عتق منها نصفها ورق نصفها لأن نصفها هو ثلث المال وإن دخل بها عتق منها ثلاثة أسباعها ولها ثلاثة أسباع مهرها وإنما قل العتق فيها لأنها لما أخذت ثلاثة أسباع مهرها نقص المال به فيعتق منها ثلث الباقي وهو ثلاثة أسباعها وطريق حسابها أن تقول عتق منها شئ ولها بمهرها نصف شئ وللورثة شيئان يعدل ذلك الجارية ونصف قيمتها فالشئ سبعاها وسبعا نصف قيمتها وهو ثلاثة أسباعها وهو الذي عتق منها ويأخذ نصف ذلك من المال بمهرها وهو ثلاثة أسباعه فإن كان يملك معها مثل قيمتها ولم يدخل بها عتق ثلثاها ورق ثلثها وبطل نكاحها وإن كان دخل بها عتق أربعة أسباعها ولها أربعة أسباع مهرها ويبقى للورثة ثلاثة أسباعها وخمسة أسباع قيمتها وهو يعدل مثلي ما عتق منها وحسابها أن تجعل السبعة الأشياء معادلة لها ولقيمتها فيعتق منها بقدر سبعي الجميع وهو أربعة أسباعها وتستحق سبع الجميع بمهرها وهو أربعة أسباع مهرها فإن كان يملك معها مثلي قيمتها عتقت كلها وصح نكاحها لأنها تخرج من الثلث إن أسقطت مهرها وإن أبت أن تسقطه لم ينفذ عتقها وبطل نكاحها فإن كان لم يدخل بها فينبغي أن يقضي بعتقها ونكاحها ولا مهر لها لأن إيجابه يفضي إلى إسقاطه وإسقاط عتقها ونكاحها فإسقاطه وحده أولى وإن كان دخل بها عملنا فيها على ما تقدم فيعتق ستة أسباعها ولها ستة أسباع مهرها ويبطل عتق سبعها ونكاحها ولو أعتقها ولم يتزوجها ووطئها كان العمل فيها في هذه المواضع كما لو تزوجها وهذا مذهب الشافعي وذكر القاضي في هذه المسألة التي قبل الأخيرة ما يقتضي صحة نكاحها وعتقها مع وجوب مهرها فيما إذا عتق في مرضه أمة قيمتها مائة وأصدقها مائتين لا مال له سواهما وهو مهر مثلها وهو مذكور في هذا الباب وقال أبو حنيفة فيما إذا ترك مثلي قيمتها وكان مهرها نصف قيمتها تعطى مهرها وثلث الباقي يحسب ذلك من قيمتها وهو نصفها وثلثها فيعتق ذلك وتسعى في سدسها الباقي ويبطل نكاحها فإن خلف أربعة أمثال قيمتها صح عتقها ونكاحها وصداقها في قول الجميع لأن ذك يخرج من الثلث وترث من الباقي في قول أصحابنا وهو

مسألة: ومن كان بين الصفين عند التحام الحرب أو في لجة البحر عند هيجانه أو وقع الطاعون ببلده أو قدم ليقتص منه والحامل عند المخاض فهو كالمريض

قول أبي حنيفة وقال الشافعي لا ترث وهو مقتضى قول الخرقي لأنها لو ورثت لكان عتقها وصية لوارث واعتبار الوصية بالموت (فصل) ولو أن امرأة مريضة أعتقت عبداً قيمته عشرة وتزوجها بعشرة في ذمته ثم ماتت وخلفت مائة اقتضي قول اصحابنا إن تضم العشرة التي في ذمته إلى المائة فيكون ذلك هو التركة وترث نصف ذلك ويبقى للورثة خسمة وخمسون وهذا مذهب أبي حنيفة وقال صاحباه يحسب عليه قيمته أيضاً ويضم إلى التركة ويبقى للورثة ستون وقال الشافعي لا ترث شيئاً وعليه أداء العشرة التي في ذمته لئلا يكون إعتاقه وصية لوارث وهذا مقتضى قول الخرقي إن شاء الله تعالى (فصل) فأما إن أعتق أمته في صحته ثم تزوجها في مرضه صح وورثته بغير خلاف علمناه فأما إن أعتقها في مرضه ثم تزوجها وكانت تخرج من ثلثه عتقت وورثت في اختيار أصحابنا وقول أبي حنيفة ونقله المروذي عن أحمد كما لو كان عتقها في صحته وقال الشافعي لا ترث وقد ذكرناه

باب اللقطة وهي المال الضائع من ربه يلتقطه غيره قال الخليل بن أحمد اللقطة بفتح القاف اسم للملتقط لان ما جاه على فعلة فهو اسم لفاعل كالصحلة والصرعة، واللقطة بسكون القاف المال الملقوط مثل الصحلة الذي يصحل منه والهزأة الذي يهزأ به، وقال الاصمعي وابن الاعرابي والفراء هي بفتح القاف اسم المال المقوط أيضاً والأصل فيها ما روى زيد بن خالد الجهني قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لقطة الذهب والورق فقال " اعرف وكاها وعفاصها ثم عرفها سنة فإن لم تعرف فاستنفقها ولتكن وديعة عندك فإن جاء طالبها يوماً من الدهر فادفعها إليه " وسأله عن ضالة الإبل فقال " مالك ولها دعها فإن معها حذاءها وسقاءها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يجدها ربها " وسأله عن الشاة فقال " خذها فانا هي لك أو لأخيك أو للذئب " متفق عليه الوكاء الخيط الذي يشد به المال في الخرقة، والعفاص الوعاء الذي هي فيه من خرقة أو قرطاس أو غيره، قاله أبو عبيد والأصل في العفاص أنه الجلد الذي يلبسه رأس القارورة، وقوله " معها حذاءها " يعني خفها لأنه لقوته وصلابته يجري مجرى الحذاء وسقاؤها بطنها تأخذ فيه ماء كثيراً فيبقى معها يمنعها العطش والضالة، اسم للحيوان خاصة دون سائر اللقطة والجمع ضوال ويقال لها أيضاً الهوامي والهوامل.

* (مسألة) * (وتنقسم ثلاثة أقسام (أحدها) : مالا تتبعه الهمة كالسوط والشع والرغيف فيملكه بأخذه بلا تعريف) لما روى جابر قال رخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في العصا والسوط والحبل وأشباهه يلتقطه الرجل فينتفع به رواه أبو داود وكذلك التمرة والكسرة والخرقة ومالا خطر له يجرز الانتفاع به من غير تعريف لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على واجد التمرة حيث أكلها بل قال له " لو لم تأتها لاتتك " ورأى النبي صلى الله عليه وسلم تمرة فقال " لولا أني أخشى أن تكون من الصدقة لأكلتها " ولا نعلم خلافاً بين أهل العلم في إباحة اليسير والانتفاع به روى ذلك عن عمر وعلي وابن عمر وعائشة وبه قال عطاء وجابر بن زيد وطاووس والنخعي ويحيى بن أبي كثير ومالك والشافعي وأصحاب الرأي قال شيخنا وليس عن احمد تحديد اليسير الذي يباح، وروى عن أحمد أبو بكر بن صدقة إذا أخذ درهماً عرفه سنة وقال في رواية عبد الله ما كان نحو التمرة والكسرة والخرقة ومالا خطر له فلا بأس، ونحو ذلك قول الشافعي وذكر القاضي ذلك في كتاب الخلاف ويحتمل أن لا يجب تعريف ما لا يقطع به السارق وهو ربع دينار عند مالك وعشرة دراهم عند أبي حنيفة لأن ما دون ذلك تافه فلا يجب تعريفه كالكسرة والتمرة بدليل قول عائشة رضي الله عنها كانوا لا يقطعون في الشئ

مسألة: وإن لم يف الثلث بالتبرعات المنجزة بدئ بالأول فالأول سواء كان الأول عتقا أو غيره

التافه وروي عن علي رضي الله عنه أنه وجد ديناراً فتصرف فيه، وروى الجوزجاني عن سلمى بنت كعب قالت وجدت خاتماً من ذهب في طريق مكة فسألت عائشة عنه فقالت تمتعي به، ورخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحبل في حديث جابر وقد تكون قيمته دراهم، وعن سويد بن غفلة قال خرجت مع سلمان بن ربيعة وزيدان بن صوحان حتى إذا كنا بالعذيب التقطت سوطاً فقال لي ألقه فأبيت فلما قدمنا المدينة أتيت أبي بن كعب فذكرت ذلك له فقال أصبت قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح وللشافعية ثلاثة أوجه كالمذاهب الثلاثة ولنا على إبطال تحديده بما ذكره عموم حديث زيد بن خالد في كل لقطة فيجب إبقاؤه على عمومه إلا ما خرج منه لدليل ولم يرد بما ذكروه نص ولا هو في معنى ما ورد به النص ولأن التحديد لا يعلم بالقياس وإنما يؤخذ من نص أو إجماع وليس فيما ذكروه نص ولا إجماع فأما حديث علي فهو ضعيف رواه أبو داود وقال طرقه كلها مضطربة ثم هو مخالف لمذهبهم ولسائر المذاهب فتعين حمله على وجه من الوجوه غير اللقطة إما لكونه مضطراً إليه أو غير ذلك وحديث عائشة قضية في عين لا يدري كم قدر الخاتم؟ ثم هو قول صحابي وهم لا يرون ذلك حجة وسائر الأحاديث ليس فيها تقدير لكن يباح ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم ورخص فيه من السوط والعصا والحبل وما قيمته كقيمة ذلك (فصل) والذي يجوز التقاطه والانتفاع به من غير تعريف كالكسرة والتمرة والعصا ونحو ذلك

مسألة: وإن تساوت قسم بين الجميع بالحصص وعنه يقدم العتق

إذا التقطه إنسان وانتفع به وتلف فلا ضمان فيه ذكره صاحب المستوعب وكذلك ما قيمته كقيمة ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم رخص فيه ولم يذكر عليه ضماناً ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة وكذلك يخرج في السوط والحبل وشبهه المذكور في حديث جابر وقدره الشيخ أبو الفرج بما دون القيراط ولا يصح تحديده لما ذكرناه وذكره القاضي أنه لا يجب تعريف الدافق * (القسم الثاني) * (الضوال التي تمتنع من صغار السباع كالإبل والبقر والخيل والبغال والظباء والطير والفهود ونحوها لا يجوز التقاطها) كل حيوان يقوى على الامتناع من صغار السباع وورود الماء لا يجوز التقاطه سواء كان لكبر جثته كالإبل والخيل أو لطيرانه كالطيور كلها أو لعدوه كالظباء أو أنيابه كالكلاب والفهود قال عمر رضي الله عنه من أخذ الضالة فهو ضال أي مخطئ وبهذا قال الشافعي وابو عبيد، وقال مالك والليث في ضالة الإبل من وجدها في الصحراء لا يقر بها ورواه المزني عن الشافعي وكان الزهري يقول من وجد بدنة فليعرفها فان لم يجد صاحبها فلينحرها قبل أن تنقضي الأيام الثلاثة وقال أبو حنيفة يباح التقاطها لأنها لقطة أشبهت الغنم ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عنها " مالك ولها دعها فإن معها حذاءها وسقاءها ترد الما وتأكل الشجر حتى يجدها ربها وسئل صلى الله عليه وسلم فقيل يا رسول الله إنا نجد هوامي الإبل فقال " ضالة المسلم حرق النار " وعن جرير بن عبد الله أنه أمر بطرد بقرة لحقت ببقره حتى توارت وقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول

" لا يؤرى الضالة لا ضال " رواه ابودواد بمعناه وقياسهم يعارض صريح النص وكيف يجوز ترك نص النبي صلى الله عليه وسلم وصريح قوله بقياس نصه في موضع آخر؟ على أن الإبل تفارق الغنم لضعفها وقلة صبرها عن الماء والخوف عليها من الذئب (فصل) فإن كانت الصيود مستوحشة إذا تركت رجعت إلى الصحراء وعجز عنها صاحبها جاز التقاطها لأن تركها أضيع لها من سائر الأموال والمقصود حفظها لصاحبها لا حفظها؟ ي نفسها ولو كان المقصود حفظها في نفسها لما جاز التقاط الأثمان فإن الدنيار دينار حيث كان (فصل) والبقر كالإبل نص عليه أحمد وهو قول الشافعي وابي عبيد وحكي عن مالك أن البقرة كالشاة ولنا خبر جرير فإنه طرد البقرة ولم يأخذها ولأنها تمتنع من صغار السباع وتجزئ في الأضحية عن سبعة فأشبهت الإبل، وكذلك الحكم في الخيل والبغال، فأما الحمر فجعلها أصحابنا من هذا الفسم الذي لا يجوز التقاطه لكبر أجسامها فأشبهت الخيل والبغال، قال شيخنا والأولى إلحاقها بالشاة لأن النبي صلى الله عليه وسلم علل الإبل بأن معها سقاءها يريد شدة صبرها عن الماء لكثرة ما توعي في بطونها منه وقوتها على وروده وفي إباحته ضالة الغنم بأنها معرضة لأخذ الذئب إياها بقوله " هي لك أو لأخيك أو للذئب " والحمر مساوية للشاة في علتها فإنها لا تمتنع من الذئب وتفارق الإبل في علتها لكونها لا صبر لها عن الماء ولهذا يضرب المثل بقلة صبرها عن الماء فيقال ما بقي من مدته إلا ظمأ حمار والحاق الشئ بما ساواه في علة الحكم وفارقه في الصورة أولى من الحاقه بما قاربه في الصورة وفارقه في العلة

مسألة: وأما معاوضة المريض بثمن المثل فتصح من رأس المال وإن كانت مع وارث

(فصل) فأما غير الحيوان فما كان منه ينحفظ بنفسه كأحجار الطواحين والكبير من الخشب وقدور النحاس فهو كالإبل في تحريم أخذه بل أولى منه لأن الإبل معرضة للتلف في الجملة بالأسد وبالجوع والعطش وغير ذلك وهذه بخلاف ذلك ولأن هذه لا تكاد تضيع عن صاحبها ولا تبرح من مكانها بخلاف الحيوان فإذا حرم أخذ الحيوان فهذه أولى (فصل) فان أخذ الحيوان الذي لا يجوز أخذه على سبيل الالتقاط ضمنه إماماً كان أو غيره لأنه أخذ ملك غيره بغير إذنه ولا إذن الشارع له فهو كالغاصب، فإن رده إلى موضعه لم يبرأ من الضمان وبهذا قال الشافعي وقال مالك يبرأ لأن عمر رضي الله عنه قال أرسله إلى الموضع الذي أصبته فيه وجرير طرد البقرة التي لحقت ببقره ولنا أن ما لزمه ضمانه لا يزول عنه إلا برده إلى صاحبه أو نائبه كالمسروق والمغصوب وأما حديث جرير فإنه لم يأخذ البقرة إنما لحقت بالبقر فطردها فأشبه ما لو دخلت داره فأخرجها وأما عمر فهو كان الإمام فأمره بردها إلى مكانها كأخذها، فعلى هذا متى لم يأخذها بحيث نثبت يده عليها لا يلزمه ضمانها سواء طردها أو لم يطردها فإن دفعها إلى نائب الإمام زال عنه الضمان لأن له نظراً في ضوال الناس بدليل أن له أخذها فكان نائباً عن أصحابها فيها

مسألة: فإن كان له شفيع فله أخذه فإن أخذه فلا خيار للمشتري

(فصل) وللإمام أو نائبه أخذ الضالة ليحفظها لصاحبها لأن عمر رضي الله عنه حمى موضعاً يقال له النقيع لخيل المجاهدين والضوال ولأن للإمام نظراً في حفظ مال الغائب وفي أخذ هذه حفظ لها عن الهلاك ولا يلزمه تعريفها لأن عمر رضي الله عنه لم يكن يعرف الضوال ولأنه إذا عرف ذلك فمن كانت له ضالة فانه يجئ إلى موضع الضوال فإذا عرف ضالته أقام البينة عليها وأخذها، ولا يكتفى فيها بالصفة لأنها ظاهرة بين الناس فيعرف صفاتها من رآها من غير أهلها فلم تكن الصفة دليلاً على ملكه لها ولأن الضالة كانت ظاهرة للناس حين كانت في يد مالكها فلا يختص هو بمعرفة صفاتها دون غيرها فلم يكن ذلك دليلاً ويمكنه إقامة البينة عليها لظهورها للناس ومعرفة خلطائه وجيرانه تملكه إياها (فصل) وإن أخذها غير الإمام أو نائبه ليحفظها لصاحبها لم يجز له ذلك ولزمه ضمانها لأنه لا ولاية له على صاحبها، وهذا ظاهر مذهب الشافعي ولأصحابه وجه أن له أخذها لحفظها كالإمام أو نائبه ولا يصح القياس على الإمام لأن له ولاية وهذا لا ولاية له، فإن وجدها في موضع يخاف عليها به كأرض مسبعة يغلب على الظن أن الأسد يفترسها إن تركت به أو قريباً من دار الحرب يخاف عليها من أهلها أو بموضع يستحل أهله أموال المسلمين أو في برية لا ماء بها ولا مرعى فالأولى جواز أخذها للحفظ ولا ضمان على آخذها لأن فيه إنقاذها من الهلاك فأشبه تخليصها من غرق أو

مسألة: وإن باع المريض أجنبيا وحاباه وكان شفيعه وارثا فله الأخذ بالشفعة

حريق وإذا أخذها سلمها إلى نائب الإمام وبرئ من ضمانها ولا يملكها بالتعريف لأن الشرع لم يرد بذلك فيها. (فصل) ويسم الإمام ما يحصل عنده من الضوال بأنها ضالة ويشهد عليها ثم إن كان له حمى ترعى فيه تركها فيه إن رأى ذلك وإن رأى المصلحة في بيعها أو لم يكن له حمى باعها بعد أن يحليها ويحفظ صفاتها ويحفظ ثمنها لصاحبها فإن ذلك أحفظ لها لأن تركها يفضي إلى أن تأكل جميع ثمنها (فصل) ومن ترك دابة بمهلكة فأخذها إنسان فأطعمها وسقاها وخلصها ملكها وبه قال الليث والحسن بن صالح واسحاق إلا أن يكون تركها لترجع إليه أو ضلت منه وقال مالك هي لمالكها ويغرم ما أنفق عليها وقال الشافعي وابن المنذر هي لمالكها والآخر متبرع بالنفقة لا يرجع بشئ لأنه ملك غيره فلم يملكه بغير عوض من غير رضاه كما لو كانت في غير مهلكة ولا يملك الرجوع بما أنفق لأنه أنفق على مال غيره بغير إذنه فلم يرجع به كما لو بنى داره. ولنا ما روى الشعبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من وجد دابة قد عجز عنها أهلها فسيبوها فأخذها فأحياها فهي له، قال عبد الله بن عبد الرحمن فقلت - يعني للشعبي - من حدثك بهذا؟ قال غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه أبو داود، وفي لفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من ترك دابة بمهلكة فأحياها رجل فهي لمن أحياها " ولأن في الحكم بملكها إحياؤها وإنقاذها من

الهلاك ومحافظة على حرمة الحيوان وفي القول بأنها لا تملك تضييع لذلك كله من غير مصلحة تحصل ولأنه نبذ رغبة عنه وعجز عن أخذه فملكه آخذه كالساقط من السبيل وسائر ما ينتبذه الناس رغبة عنه، فأما أن ترك متاعاً فخلصه إنسان لم يملكه لأنه لا حرمة له في نفسه ولا يخشى عليه التلف كالخشية على الحيوان فإن الحيوان يموت إذا لم يطعم ويسقى وتأكله السباع والمتاع يبقى حتى يرجع إليه صاحبه وإن كان المتروك عبداً لم يأخذه لأن العبد في العادة يمكنه التخلص إلى الأماكن التي يعيش بها بخلاف البهيمة، وله أخذ العبد والمتاع ليخلصه لصاحبه وله أجر مثله في تخليص المتاع نص عليه، وكذلك العبد على قياسه، قال القاضي يحب أن يحمل قوله في وجوب الأجر على أنه جعل له ذلك أو أمره به فأما إن لم يجعل له شيئا فلا شئ له لأنه عمل في مال غيره بغير جعل فلم يستحق شيئاً كالملتقط وهذا خلاف ظاهر كلام أحمد فإنه لو جعل له جعلاً لاستحقه ولم يجعل له أجر المثل، ويفارق هذا الملتقط فإنه لم يخلص اللقطة من الهلاك، ولو تركها أمكن أن يرجع صاحبها فيطلبها في مكانها فيجدها وههنا ان لم بخ؟ جه هذا ضاع وهلك ولم يرجع إليه صاحبه ففي جعل الأجر فيه حفظ الامول من الهلاك من غيره مضرة فجاز كالجعل في الآبق ولأن اللفطة جعل فيها الشاع ما يحث على أخذها وهو ملكها ان لم يج؟؟ صا؟؟ ها فاكتفي به عن الأجر فينبغي أن يشرع في هذا ما يحث على تخليصه يطريق الأولى وليس إلا الأجر كرد الآبق

مسألة: فلو أعتق في مرضه عبدا أو وهبه لإنسان ثم كسب في حياة سيده شيئا ثم مات سيده فخرج من الثلث كان كسبه له إن كان معتقا وللموهوب إن كان موهوبا، وإن خرج بعضه فلهما من كسبه بقدر ذلك

(فصل) فأما ما لقاه ركاب البحر فيه خوفا من الغرق فلم أعلم لأصحابنا فيه قولا سوى عموم قولهم الذي ذكرناه ويحتمل أن يملك هذا من أخذه وهو قول الليث وبه قال الحسن فيما أخرجه، قال وما نضب عنه الماء فهو لأهله، وقال ابن المنذر يرده على أصحابه ولا شئ له ويقتضيه قول الشافعي والقاضي لما تقدم في الفصل قبله ويقتضي قول الإمام أبي عبد الله أن لمن أنقذه أجر مثله لما ذكرنا، قال شيخنا ووجه ما ذكرنا من الاحتمال أن هذا مال ألقاه أصحابه فيما يتلف ببقائه فيه اختياراً منهم فملكه من أخذه كالذي ألقوه رغبه عنه، ولأن فيما ذكروه تحقيقاً لإتلافه فلم يجز كمباشرته بالإتلاف، فأما إن انكسرت السفينة فأخرجه قوم فقال مالك يأخذ أصحاب المتاع متاعهم ولا شئ للذين أصابوه وهذا قول الشافعي وابن المنذر والقاضي. وعلى قياس نص أحمد يكون لمستخرجه ههنا أجر المثل لأن ذلك وسيلة إلى تخليصه وحفظه لصاحبه وصيانته عن الغرق فإن الغواص إذا علم أنه يدفع إليه الأجر بادر إلى التخليص ليخلصه، وإن علم أنه يؤخذ منه بغير شئ لم يخاطر بنفسه في استخراجه فينبغي أن يقضى له بالأجر كجعل رد الآبق (فصل) ذكر القاضي فيما إذا التقط عبداً صغيراً أو جارية إن قياس المذهب أنه لا يملك بالتعريف وقال الشافعي يملك العبد دون الجارية ولأن التمليك بالتعريف عنده افتراض والجارية عنده لا تملك بالقرض. قال شيخنا وهذه المسألة فيما نظر فان اللفيط محكوم بحريته، وإن كان ممن يعبر عن نفسه

مسألة: وإن كان موهوبا لإنسان فللموهوب له من العبد بقدر ما عتق منه وله من كسبه بقدر ذلك

فأقر بأنه مملوك لم يقبل إقراره لأن الطفل لا قول له ولو اعتبر قوله في ذلك لاعتبر في تعريفه لسيده * (الثالث) * سائر الأموال كالأثمان والمتاع والغنم والفصلان والعجاجيل وإلا فلا فيجوز التقاطها لمن بقصد تعريفها وتملكها بعده لحديث زيد بن خالد في لقطة الذهب والورق وقوله في الشاة " خذها فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب " ثبت في الذهب والفضة وقسنا عليه المتاع وقسنا على الشاة كل حيوان لا يمتنع بنفسه من صغار السباع وهي الثعلب وابن آوى والذئب وولد الأسد ونحوها ومنه الدجاج والأوز ونحوها يجوز التقاطها، وروى عن أحمد رواية أخرى ليس لغير الإمام التقاطها يعني الشاة ونحوها من الحيوان، وقال الليث بن سعد لا أختار أن يقر بها إلا أن يحرزها لصاحبها لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يؤوي الضالة إلا ضال " ولأنه حيوان أشبه الإبل ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم في الشاة " خذها فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب " متفق عليه ولأنه يخشى عليه التلف والضياع أشبه لقطة غير الحيوان وحديثنا أخص من حديثهم فنخصه به ولو قدر التعارض قدم حديثنا لأنه أصح ولا يصح قياسه على الإبل فإن النبي صلى الله عليه وسلم علل منع التقاطها بأن معها حذاءها وسقاءها وهذا معدوم في الغنم، ثم قد فرق النبي صلى الله عليه وسلم بينهما في خبر واحد فلا يجوز الجمع بين ما فرق الشارع بينهما ولا قياس ما أمن بالتقاطه على ما منع منه (فصل) ولا فرق بين أن يجدها بمصر أو مهلكة وقال مالك وابو عبيد وابن المنذر في الشاة

وجد في الصحراء اذبحها وكلها وفي المصر ضمها حتى يجدها صاحبها لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " هي لك أو لأخيك أو للذئب " ولا يكون الذئب في المصر ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بأخذها ولم يفرق ولم يستقصل ولو افترق الحال لاستفصل ولأنها لقطة فاستوى فيها المصري وغيره كسائر اللقطات، وقولهم لا يكون الذئب في المصر قلنا كونها للذئب في الصحراء لا يمنع كونها لغيره في المصر، ومتى عرفها حولا ملكها، وذكر القاضي وابو الخطاب عن أحمد رواية أنه لا يملكها ولعلها الرواية التي منع من التقاطها فيها ولنا قوله عليه السلام " هي لك " أضافها إليه بلام التمليك ولأن التقاطها مباح فملكت بالتعريف كالأثمان، وقد حكاه ابن المنذر اجماعا * (مسألة) * (فمن لا يأمن نفسه عليها ليس له أخذها فإن أخذها لزمه ضمانها ولا يملكها وإن عرفها) إذا التقط لقطة عازماً على تملكها بغير تعريف فقد فعل محرما ولا يحل له أخذها بهذه النية فإن أخذها لزمه ضمانها سواء تلفت بتفريط أو بغير تفريط، ولا يملكها وإن عرفها لأنه أخذ مال غيره على وجه ليس له أخذه فهو كالغاصب نص عليه أحمد، ويحتمل أن يملكها لأن ملكها بالتعريف والالتقاط وقد وجدا فيملكها بذلك كالاصطياد والاحتشاش إذا دخل ملك غيره بغير إذنه فاصطاد أو احتش

مسألة: وإن أعتق جارية لا مال له غيرها ثم وطئها ومهر مثلها نصف قيمتها فهو كما لو كسبت نصف قيمتها

منه ملك الصيد والحشيش وإن كان دخوله محرما كذا ههنا، ولأن عموم النص يتناول هذا الملتقط فيثبت حكمة فيه ولأنا لو اعتبرنا نية لتعريف وقت الالتقاط لافترق الحال بين العدل والفاسق والصبي والسفيه لأن الغالب على هؤلاء الالتقاط للتمليك لا للتعريف * (مسألة) * (ومن أمن نفسه عليها وقوي على تعريفها فله أخذها) لما ذكرنا والأفضل تركها قاله أحمد روي معنى ذلك عن ابن عباس وابن عمر وبه قال جابر بن زيد والربيع بن خثم وعطاء، وقال أبو الخطاب إذا وجدها بمضيعة وأمن نفسه عليها فالأفضل أخذها وهذا قول للشافعي وعنه أنه يجب أخذها لقول الله تعالى (والمؤمنون بعضهم أولياء بعض) وإذا كان وليه وجب عليه حفظ ماله كولي اليتيم، وممن رأى أخذها سعيد بن المسيب والحسن بن صالح وأبو حنيفة وأخذها أبي بن كعب وسويد بن غفلة وقال مالك إن كان شيئاً له بال يأخذه أحب إلي ويعرفه ولأن فيه حفظ مال المسلم عليه فكان أولى من تضييعه كتخليصه من الغرق ولنا قول ابن عمر وابن عباس ولا يعرف لهما مخالف في الصحابه ولأنه يعرض نفسه لأكل الحرام وتضييع الواجب من تعريفها وأداء الأمانة فيها فكان تركه أولى وأسلم كولاية مال اليتيم وما ذكروه يبطل بالضوال فإنه لا يجوز أخذها مع ما ذكروه وكذلك ولاية مال الأيتام * (مسألة) * (ومتى أخذها ثم ردها إلى موضعها ضمنها)

فصول في هبة المريض

روى ذلك عن طاوس وبه قال الشافعي، وقال مالك لا ضمان عليه لأنه روي عن عمر أنه قال لرجل وجد بعيراً أرسله حيث وجدته رواه الأثرم ولما روي عن جرير بن عبد الله أنه رأى في بقره بقرة قد لحقت بها فأمر بها فطردت حتى توارت ولنا أنها أمانة حصلت في يده لزمه حفظها وتركها تضييعها فأما حديث عمر فهو في الضالة التي لا يحل أخذها، فإذا أخذه احتمل أن له رده إلى مكانه ولا ضمان عليه لهذا الآثار ولأنه كان واجباً عليه تركه في مكانه ابتداء فكان له ذلك بعد أخذه ويحتمل أن لا يبرأ من ضمانه برده لأنه دخل في ضمانه فلم يبرأ برده إلى مكانه كالمسروق وما يجوز التقاطه، فعلى هذا لا يبرأ إلا برده إلى الامام أو نائبه وأما عمر فهو كان الإمام فإذا أمر برده فهو كأخذه منه وحديث جرير لا حجة فيه لأنه لم يأخذ البقرة ولا أخذها غلامه إنما لحقت بالبقر من غير فعله ولا اختياره ولذلك يلزمه ضمانها إذا فرط فيها لأنها أمانة فهي كالوديعة. (فصل) فإن ضاعت اللقطة من ملتقطها في حول التعريف بغير تفريط فلا ضمان عليه لأنها أمانة في يده فهي كالوديعة، فإن التقطها آخر فعلم أنها ضاعت من الأول فعليه ردها إليه لأنه قد ثبت له حق التمول وولاية التعريف والحفظ فلا يزول بالضياع فإن لم يعلم الثاني بالحال حتى عرفها حولاً ملكها لأن سبب الملك وجد منه من غير عدوان فثبت الملك به كالأول ولا يملك الأول انتزاعها منه لأن الملك

مقدم على حق التملك فإذا جاء صاحبها أخذها من الثاني وليس له مطالبة الأول لأنه لم يفرط، وان علم الثاني بالاول فردها إليه فأبى اخذها وقال عرفها انت فعرفها ملكها أيضا لان الاول ترك حقه فسقط، وإن قال عرفها ويكون ملكها لي ففعل فهو نائبه في التعريف ويملكها الاول لأنه وكله في التعريف فصح كما لو كانت في يد الاول، وإن قال عرفها وتكون بيننا ففعل صح أيضا وكانت بينهما لأنه اسقط حقه من نصفها ووكله في الباقي، وإن قصد الثاني بالتعريف تملكها لنفسه دون الاول احتمل وحيهن (أحدهما) يملكها الثاني لأن سبب الملك وجد منه فملكها كما لو أذن له الاول في تعريفها لنفسه (والثاني) لا يملكها لأن ولاية التعريف للاول أشبه ما لو غصبها من الملتقط غاصب فعرفها وكذلك الحكم اذا علم الثاني بالاول فعرفها ولم يعلمه بهاء ويشبه هذا من تحجر مواتا إذا سبقه غيره إلى ما حجره فأحياه بغير إذنه، فأما إن غصبها غاصب من الملتقط فعرفها لم يملكها وجهاً واحداً لأنه تعدى بأخذها ولم يوجد منه سبب تملكها فان الالتقاط من جملة السبب ولم يوجد منه، ويفارق هذا إذا التقطها ثان فانه وجد منه الالتقاط والتعريف (فصل) ومن اصطاد سمكة من البحر فوجد فيها درة أو عنبرة أو شيئا مما يكون في البحر فهو للصياد لأن ذلك يكون في البحر، قال الله تعالى (وتستخرجون حلية تلبسونها) ولأن الأصل عدم ملكها لغيره، فان باعها الصياد ولم يعلم فوجده المشتري في بطنها فهو للصياد نص عليه أحمد لأنه إذا لم

يعلم به فما باعه ولا رضي بزوال ملكه عنه فأشبه من باع داراً له مال مدفون فيها، فإن وجد دراهم أو دنانير فهي لقطة لأن ذلك لا يخلق في البحر ولا يكون إلا للآدمي فكان لقطة كما لو وجده في البحر وكذلك الحكم في الدرة والعنبرة إذا كان فيها أثر لآدمي كالمثقوبة والمتصلة بذهب أو فضة أو غيرهما أو كانت العنبرة تفاحة ونحو ذلك مما لا يخلق عليه في البحر تكون لقطة لأنها لم تقع في البحر حتى تثبت اليد عليها فهي كالدينار فمنى وجدها الصياد فعليه تعريفها لأنه ملتقطها، وإن وجدها المشتري فالتعريف عليه لأنه واجدها ولا حاجة الى البداية بالبائع فإنه لا يحتمل أن تكون المسكة ابتلعت ذلك بعد اصطيادها وملك الصياد لها فاستوى هو وغيره، فأما إن اشترى شاة ووجد في بطنها درة أو عنبرة أو دنانير أو دراهم فهو لقطة يعرفها ويبدأ بالبائع لأنه يحتمل أن تكون ابتلعتها من ملكه فيبدأ به كقولنا فيمن اشترى داراً فوجد فيها مالاً مدفوناً، وإن اصطاد السمكة من غير البحر كالنهر والعين فحكمها حكم الشاة في أن ما وجد في بطنها من ذلك فهو لقطة لأن ذلك لا يكون إلا في البحر عادة، ويحتمل أن النهر إذا كان متصلاً بالبحر فهو كما لو صادها منه لأنها قد تبتلع ذلك في البحر ثم تخرج إلى النهر وإن لم يكن متصلاً به فهو لقطة ويحتمل أن يكون للصياد لقول الله تعالى (ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها) (فصل) وإن وجد عنبرة على الساحل فهي له لأنه يمكن أن البحر ألقاها والأصل عدم الملك

فيها فكانت مباحة لآخذها كالصيد، وقد روى سعيد عن إسماعيل بن عياش عن معاوية بن عمرو الصدري قال ألقى بحر عدن عنبرة مثل البعير فأخذها ناس بعدن فكتب إلى عمر بن عبد العزيز فكتب إلينا أن خذوا منها الخمس وادفعوا إليهم سائرها وإن باعوكموها فاشتروها فأردنا أن نزنها فلم نجد ميزاناً يخرجها فقطعناها ثنتين ووزناها فوجدناها ستمائة رطل فأخذنا خمسها ودفعنا سائرها إليهم ثم اشتريناها بخمسة آلاف دينار وبعثنا بها الى عمر فلم يلبث إلا قليلاً حتى باعها بثلاثة وثلاثين ألف دينار (فصل) وإن صاد غزالا فوجده مخضوبا أو في عنقه خرزا أو في أذنه قرط ونحو ذلك مما يدل على ثبوت اليد عليه فهو لقطة لأن ذلك يدل على أنه كان مملوكاً، قال أحمد فيمن ألقى شبكة في البحر فوقعت فيها سمكة فجذبت الشبكة فمرت بها في البحر فصادها رجل فإن السمكة له والشبكة يعرفها ويدفعها إلى صاحبها فجعل الشبكة لقطة لأنها مملوكة لآدمي والسمكة لمن صادها لأنها كانت مباحة ولم يملكها صاحب الشبكة لكون شبكته لم تثبتها فبقيت على الإباحة، وهكذا لو نصب فخاً أو شركاً فوقع فيه صيد من صيود البر فأخذه وذهب به فصاده آخر فهو لمن صاده ويرد الآلة إلى صاحبها فإن لم يعرف صاحبها فهي لقطة، وقال أحمد في رجل انتهى إلى شرك فيه حمار وحش أو ظبي قد شارف الموت فخلصه وذبحه فهو لصاحب الحبالة وما كان من الصيد في الحبالة فهو لمن نصبها، وإن كان بازياً أو

مسألة: وإن باع مريض قفيزا لا يملك غيره يساوي ثلاثين بقفيز يساوي عشرة

صقراً أو عقاباً وسئل عن بازي أو صقر أو كلب معلم أو فهد ذهب عن صاحبه فدعاه فلم يجبه ومر في الأرض حتى أتى لذلك أيام فأتى قرية فسقط على حائط فدعاه رجل فأجابه قال يرده على صاحبه، قيل له فإن دعاه فلم يجبه فنصب له شركاً فصاده به؟ قال يرده على صاحبه فجعله لصاحبه لأنه قد ملكه أفلم يزل ملكه عنه بذهابه، والسمكة في الشبكة لم يكن ملكها ولا حازها، وكذلك جعل ما وقع في الحبالة من الصقر والعقاب لصاحب الحبالة ولم يجعله ههنا لمن وقع في شركه لأن هذا فيما علم أنه قد كان مملوكاً لإنسان فذهب وإنما يعلم هذا بالخبر أو بوجود ما يدل على الملك فيه كوجود السير في رجله أو آثار التعليم مثل استجابته للذي يدعوه ونحو ذلك فإن لم يوجد ما يدل على أنه مملوك فهو لمن صاده ولان الأصل إباحته وعدم الملك فيه (فصل) ومن أخذت ثيابه في الحمام ووجد بدلها أو أخذ مداسه وترك له بدله لم يملكه بذلك قال أحمد فيمن سرقت ثيابه ووجد غيرها لم يأخذها فإن أخذها عرفها سنة ثم تصدق بها إنما قال ذلك لأن أخذ الثياب لم يقع بينه وبين مالكها معاوضة تقتضي زوال ملكه عن ثيابه فإذا أخذها قد أخذ مال غيره ولا يعرف صاحبه فيعرفه ويتصدق به كالصدقة باللقطة، قال شيخنا ويحتمل أن ينظر في هذا فإن كانت ثم قرينة تدل على السرقة بأن تكون ثيابه أو مداسه خيراً من المتروك له وكانت مما لا يشتبه على الآخذ بثيابه ومداسه فلا حاجة الى التعريف لأن التعريف إنما جعل على المال الضائع من ربه ليعلم به ويأخذه، وتارك هذا عالم به راض ببذله عوضاً عما أخذه ولا يعترف أنه له فلا يحصل من

مسألة: وإن مات قبلها ورثته وسقطت المحاباة

تعريفه فائدة فإذاً ليس بمنصوص عليه ولا هو في معنى المنصوص، وفيما يصنع به ثلاثة أوجه (أحدها) يتصدق بها على ما ذكرنا (والثاني) أنه يباح له أخذها لأن صاحبها في الظاهر تركها له بادلاً إياها عوضاً عما أخذه فصار كالمبيح له أخذها بلسانه فصار كمن قهر إنساناً على أخذ ثوبه ودفع إليه درهماً (والثالث) يرفعها إلى الحاكم ليبيعها ويدفع إليه ثمنها عوضاً عن ماله، والوجه الثاني أقرب إلى الرفق بالناس لأن فيه نفعاً لمن سرقت ثيابه بحصول عوض عنها ونفعاً للسارق بالتخفيف عنه من الإثم وحفظاً لهذه الثياب المتروكة من الضياع، وقد أباح بعض أهل العلم فيمن له على إنسان حق من دين أو غصب أن يأخذ من ماله بقدر حقه إذا عجز عن استيفائه بغير ذلك فههنا مع رضا من عليه الحق بأخذه أولى، وإن كانت ثم قرينة دالة على أن الآخذ للثياب إنما أخذها ظناً منه أنها ثيابه مثل أن تكون المتروكة مثل المأخوذة أو خيراً منها وهي مما تشتبه بها فينبغي أن يعرفها ههنا لأن صاحبها لم يتركها عمداً فهي بمنزلة الضائعة، والظاهر أنه إذا علم بها أخذها ورد ما كان أخذه فتصير كاللقطة في المعنى، وبعد التعريف إذا لم تعرف ففيها الأوجه الثلاثة المذكورة لا أننا إذا قلنا يأخذها أو يبيعها الحاكم ويدفع إليه ثمنها فإنما يأخذ بقدر قيمة ثيابه من غير زيادة لأن الزائد فاضل عما يستحقه ولم يرض صاحبها بتركها عوضاً عما أخذه فإنه لم يأخذ غيرها اختياراً منه لتركها ولا رضي بالمعارضة بها وإذا قلنا إنه يدفعها إلى الحاكم ليبيعها ويدفع إليه ثمنها فله أن يشتريها بثمن في ذمته ويسقط عنه من ثمنها ما قابل ثيابه ويتصدق بالباقي

(فصل) نقل الفضل ابن زياد عن أحمد إذا تنازع صاحب الدار والساكن في دفن في الدار فقال كل منهما أنا دفنته يبين كل واحد منهما ما الذي دفن فكل من أصاب الوصف فهو له وذلك لأن ما يوجد من الدفن في الأرض مما عليه علامة المسلمين فهو لقطة واللقطة تستحق بوصفها ولأن المصيب للوصف في الظاهر هو من كان ذلك في يده فكان أحق به كما لو تنازعه أجنبيان فوصفه أحدهما (فصل) ومن وجد لقطة في دار الحرب فكان في جيش فقال أحمد يعرفها سنة في دار الإسلام ثم يطرحها في المقسم إنما عرفها في دار الإسلام لأن أموال أهل الحرب مباحة ويجوز أن تكون لمسلم وقد لا يمكنه المقام في دار الحرب لتعريفها ومعناه والله أعلم أنه يتم التعريف في دار الإسلام فأما ابتداء التعريف فيكون الجيش الذي هو فيه لأنه يحتمل أن تكون لأحدهم فإذا قفل أتم التعريف في دار الإسلام فأما إن دخل دارهم بأمان فينبغي أن يعرفها في دارهم لأن أموالهم محرمة عليه فإذا لم تعرف ملكها كما يملكها في دار الإسلام وإن كان في الجيش طرحها في المقسم بعد التعريف لأنه وصل إليها بقوة الجيش فأشبهت مباحات دار الحرب إذا أخذ منها شيئاً فإن دخل إليهم متلصصاً فوجد لقطة عرفها في دار الإسلام لأن أموالهم مباحة له ثم يكون حكمها حكم غنيمته ويحتمل أن تكون غنيمة له لا تحتاج إلى تعريف لان الظاهر انما أموالهم وأموالهم غنيمة والله أعلم

* (مسألة) * وهي على ثلاثة أضرب (حيوان) فيخير بين أكله في الحال وعليه قيمته وبين بيعه وحفظ ثمنه وبين تركه والإنفاق عليه من ماله وهل يرجع به؟ على وجهين وجملة ذلك أن ملتقط الشاة وما كان مثلها مما يباح أكله يتخير ملتقطها بين ثلاثة أشياء (أحدها) أكلها في الحال وبه قال مالك وابو حنيفة والشافعي وغيرهم قال ابن عبد البر اجمعوا على أن ضالة الغنم في الموضع المخوف عليها له أكلها لقول النبي صلى الله عليه وسلم " هي لك أو لأخيك أو للذئب " جعلها له في الحال وسوى بينه وبين الذئب والذئب لا يؤخر أكلها ولأن في أكلها في الحال إغناء عن الإنفاق عليها وحراسته لماليتها على صاحبها إذا جاء فإنه يأخذ قيمتها بكمالها وفي إبقائها تضييع للمال بالإنفاق عليها والغرامة في علفها فكان أكلها أولى وإذا أراد أكلها حفظ صفتها فمتى جاء صاحبها غرمها له في قول عامة أهل العلم وقال مالك كلها ولا غرم عليك لصاحبها ولا تعريف لها القول رسول الله صلى الله عليه وسلم " هي لك " ولم يوجب فيها تعريفاً ولا غرماً ولأنه سوى بينه وبين الذئب والذئب لا يعرف ولا يغرم قال ابن عبد البر لم يوافق مالكاً أحد من العلماء على قوله وقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله ابن عمر " ورد على أخيك ضالته " دليل على أن الشاة على ملك صاحبها ولأنها لقطة لها قيمة وتتبعها النفس فتجب غرامتها لصاحبها إذا جاء كغيرها ولأنها ملك لصاحبها فلم يجز تملكها عليه بغير عوض من غير رضاه كما لو كانت بين البنيان ولأنها عين يجب ردها مع بقائها فوجب غرمها إذا أتلفها كلقطة الذهب وكون النبي صلى الله عليه وسلم قال " هي لك " لا يمنع وجوب غرامتها فإنه قد أذن في لقطة

الذهب والورق بعد تعريفها في أكلها وإنفاقها وقال " هي كسائر مالك " ثم أجمعنا على وجوب غرامتها كذلك الشاة ولا فرق في إباحة أكلها بين وجدانها في الصحراء أو في المصر وقال مالك وابو عبيد وابن المنذر وأصحاب الشافعي ليس له أكلها في المصر لأنه يمكن بيعها بخلاف الصحراء ولنا أن ما جاز أكله في الصحراء جاز في المصر كسائر المأكولات ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال هي لك ولم يستفصل ولان أكلها مطل بما ذكرنا من الاستغناء عن الإنفاق عليها وهذا في المصر أشد منه في الصحراء (الثاني) تركها والإنفاق عليها من ماله ولا يتملكها فإن تركها ولم ينفق عليها ضمنها لأنه فرط فيها وإن أنفق عليها متبرعا لم يرجع على صاحبها فإن أنفق بنية الرجوع على صاحبها وأشهد على ذلك رجع عليه بما أنفق في إحدى الروايتن نص عليه أحمد في رواية المروذي في طيرة أفرخت عند قوم فقضى أن الفراخ لصاحب الطيرة ويرجع بالعلف إذا لم يكن متطوعاً وقضى عمر بن عبد العزيز فيمن وجد ضالة فأنفق عليها فجاء ربها فإنه يغرم له ما أنفق وذلك أنه أنفق على اللقطة لحفظها فكان من مال صاحبها كمؤنة تجفيف الرطب والعنب، (والثانية) لا يرجع بشئ وهو قول الشعبي والشافعي ولم يعجب الشعبي قضاء عمر بن عبد العزيز لأنه أنفق على مال غيره بغير إذنه فلم يرجع به كما لو بنى داره ويفارق العنب والرطب فإنه قد يكون تجفيفه والإنفاق عليه أحظ لصاحبه لأن النفقة عليه لا تتكرر والحيوان يتكرر الإنفاق عليه فربما استغرق ثمنه فكان بيعه وأكله أحظ فلذلك لم يرجع

المنفق عليها بما أنفق (الثالث) بيعها وحفظ ثمنها لصاحبها وله أن يتولى ذلك بنفسه وقال بعض أصحاب الشافعي يبيعها بإذن الإمام ولنا أنه إذا جاز له أكلها من غير إذن فبيعها أولى ولم يذكر أصحابنا لها تعريفاً في هذه المواضع وهو قول مالك لقول النبي صلى الله عليه وسلم " خذها فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب " ولم يأمر بتعريفها كما أمر في لقطة الذهب والورق ولنا أنها لقطة لها خطر فوجب تعريفها كالمطعوم الكثير وإنما ترك ذكر تعريفها لأنه ذكرها بعد بيان التعريف فيما سواها فاستغنى بذلك عن ذكره فيها ولا يلزم من جواز التصرف فيها في الحول سقوط تعريفها كالمطعوم وإذا أراد بيعها أو أكلها لزمه حفظ صفتها لحديث زيد بن خالد وسنذكره إن شاء الله (فصل) وإذا أكلها ثبتت قيمتها في ذمته ولا يلزمه عزلها لعدم الفائدة فيه فإنها لا تنقل من الذمة في المال المعزول ولو عزل شيئاً ثم أفلس كان صاحب اللقطة أسوة الغرماء ولم يختص بالمال المعزول فأما إن باعها وحفظ ثمنها وجاء صاحبها أخذه ولم يشاركه فيه أحد من الغرماء لأنه عين ماله ولا شئ للمفلس فيه فهو كالوديعة * (مسألة) * (الثاني) ما يخشى فساده فيخير بين بيعه وأكله إن كان مما لا يمكن تجفيفه كالفاكهة التي لا تجفف والطبيخ والبطيخ والخضروات فهو مخير بين أكله وبيعه وحفظ ثمنه ولا يجوز إبقاؤه لأنه يتلف

فإن تركه حتى تلف ضمنه لأنه فرط في حفظه فهو كالوديعة فإن أكله ثبتت القيمة في ذمته على ما ذكرنا في الشاة وهذا ظاهر مذهب الشافعي وله أن يتولى بيعه بنفسه وقال أصحاب الشافعي ليس له بيعه إلا بإذن الحاكم فإن عجز عنه جاز البيع بنفسه لأنه حال ضرورة فأما مع القدرة على استئذانه فلا يجوز من غير إذنه لأنه مال معصوم لا ولاية عليه فلم يجز لغير الحاكم بيعه كغير الملتقط ولنا أنه مال أبيح للملتقط أكله فأبيح له بيعه كماله ومتى أراد بيعه أو أكله حفظ صفاته ثم عرفه عاماً على ما نذكره فإن تلف الثمن قبل تملكه من غير تفريط أو نقص أو تلفت العين أو نقصت من غير تفريط فلا ضمان عليه وإن تلف أو نقص بتفريطه أو تلفت اللقطة بتفريطه فعليه ضمانه وكذلك إن تلف بعد تملكه أو نقص وإن كان مما يمكن تجفيفه كالعنب والرطب فينظر ما فيه الحظ لمالكه فان كان في التجفيف فعله ولم يكن له إلا ذلك لأنه مال غيره فلزمه ما فيه الحظ لصاحبه كولي اليتيم * (مسألة) * (وغرامة التجفيف منه وله بيع بعضه في ذلك) لأنه موضع حاجة فإن أنفق من ماله رجع به لأن النفقة ههنا لا تكرر بخلاف نفقة الحيوان فإنها تكرر فربما استوعبت قيمته فلا يكون لصاحبها حظ في إمساكها إلا بإسقاط النفقة وإن كان الحظ في بيعه باعه وحفظ ثمنه كالطعام الرطب فإن تعذر بيعه ولم يمكن تجفيفه تعين أكله كالطبيخ وإن كان أكله أنفع لصاحبه فله أكله أيضاً قال شيخنا ويقتضي قول اصحابنا إن العروض لا تملك بالتعريف وأن هذا كله لا يجوز له أكله لكن يخير بين

مسألة: ولو أعتق أمته وتزوجها في مرضه فنقل المروذي عن أحمد أنها ترث اختاره القاضي، وقال الشافعي لا ترث لأن توريثها يفضي إلى إبطال عتقها، لأنه وصية وإبطال عتقها يبطل توريثها

الصدقة به وبين بيعه وقد قال أحمد فيمن وجد في منزله طعاماً لا يعرفه: يعرفه ما لم يخش فساده فإن خشي فساده تصدق به فإن جاء صاحبه غرمه وكذلك قال مالك وأصحاب الرأي في لقطة ما لا يبقى سنة يتصدق به وقال الثوري يبيعه ويتصدق بثمه ولنا على جواز أكله قول النبي صلى الله عليه وسلم في ضالة الغنم " خذها فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب " وهذا تجويز للأكل فإذا جاز أكل ما هو محفوظ بنفسه فما يفسد ببقائه أولى وعن أحمد أنه يبيع اليسير ويرفع الكثير إلى الحاكم لأن الكثير مال لغيره لم يأذن له في بيعه فيكون أمره إلى الحاكم وأما اليسير فتدخله المسامحة ويشق رفعه إلى السلطان وربما تضيع عند السلطان * (مسألة) * (الثالث) سائر المال فيلزمه حفظه ويعرف الجميع بالنداء عليه في مجامع الناس كالأسواق وأبواب المساجد في أوقات الصلوات حولاً كاملاً من ضاع منه شئ أو نفقة وأجرة المتادي عليه) وجملة ذلك أن في التعريف فصولاً ستة في وجوبه وقدره وزمانه ومكانه ومن يتولاه وكيفيته أما وجوبه فهو واجب على كل ملتقط سواء أراد تملكها أو حفظها لصاحبها إلا في اليسير الذي لا تتبعه النفس وقد ذكرناه وقال الشافعي لا يجب على من أراد حفظها لصاحبها ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به زيد بن خالد وأبي بن كعب ولم يفرق ولأن حفظها لصاحبها إنما فائدته إيصالها إليه وطريقه التعريف إما بقاؤها في يد الملتقط من غير وصولها إلى صاحبها فهو وهلاكها سيان ولأن إمساكها

مسألة: وإن تبرع بالثلث ثم اشترى أباه من الثلثين وله ابن

من غير تعريف تضييع لها عن صاحبها فلم يجز كردها إلى موضعها أو إلقائها في غيره ولأنه لو لم يجب التعريف لما جاز الالتقاط لأن بقاءها في مكانها إذا أقرب إلى وصولها إلى صاحبها إما أن يطلبها في الموضع الذي ضاعت منه فيجدها وإما بأن يأخذها من يعرفها واخذ لها يفوت الأمرين فيحرم فلما جاز الالتقاط لزم وجوب التعريف كيلا يحصل هذا الضرر ولأن التعريف واجب على من أراد تملكها وكذلك من أراد حفظها فإن التملك غير واجب فلا تجب الوسيلة إليه فيلزم أن يكون الوجوب في المحل المتفق عليه لصيانتها عن الضياع عن صاحبها وهذا موجود في محل النزاع (الفصل) الثاني في قدر التعريف وذلك سنة روى ذلك عن عمر وعلي وابن عباس وبه قال سعيد بن المسيب والشعبي ومالك والشافعي وأصحاب الرأي وروي عن عمر رواية أخرى يعرفها ثلاثة أشهر وعنه ثلاثة أعوام لأن أبي ابن كعب روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بتعريف مائة الدنيار ثلاثة أعوام وقال أبو أيوب الهاشمي ما دون الخمسين درهماً يعرفها ثلاثة أيام إلى سبعة أيام وقال الحسن بن صالح ما دون عشرة دراهم يعرفها ثلاثة أيام وقال الثوري في الدرهم يعرفه أربعة ايام وقال اسحق ما دون الدنيار يعرفه جمعة أو نحوها وروى أبو إسحق الجوزجاني بإسناده عن يعلى بن أمية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من التقط درهماً أو حبلاً أو شبه ذلك فليعرفه ثلاثة أيام فإن كان فوق ذلك فليعرفه سبعة أيام ولنا حديث زيد بن خالد الصحيح فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بعام واحد ولأن السنة لا تتأخر عنها

القوافل ويمضي فيها الزمان الذي تقصد فيه البلاد من الحر والبرد والاعتدال فصلحت قدراً كمدة أجل العنين فأما حديث أبي فقد قال الراوي لا أدري ثلاثة أعوام أو عام واحد قال أبو داود شك الراوي في ذلك وحديث يعلى لم يقل به قائل على وجهه وحديث زيد وأبي أصح منه وأولى إذا ثبت هذا فإنه يجب أن تكون هذه السنة تلي الالتقاط وتكون متوالية لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بتعريفها حين سئل عنها والأمر يقتضي الفور ولأن القصد بالتعريف وصول الخبر إلى صاحبها وذلك يحصل بالتعريف عقيب ضياعها متوالياً لأن صاحبها في الغالب إنما يطلبها عقيب ضياعها فيجب تخصيص التعريف به (الفصل الثالث) في زمانه وهو النهار دون الليل لأن النهار مجمع الناس وملتقاهم بخلاف الليل ويكون ذلك في اليوم الذي وجدها والأسبوع لأن الطلب فيه أكثر ولا يجب فيما بعد ذلك متوالياً وقد روى الجوزجاني بإسناده عن معاوية بن عبد الله بن بدر الجهني قال نزلنا مناخ ركب فوجدت خرقة فيها قريب من مائة دينار فجئت بها الى عمر فقال عرفها ثلاثة أيام على باب المسجد ثم أمسكها حتى قرن السنة ولا يقدمن ركب إلا أنشدتها وقلت الذهب بطريق الشام ثم شأنك بها (الفصل الرابع) في مكانه وهو الأسواق وأبواب المساجد والجوامع في الوقت الذي يجتمعون فيه كأدبار الصلوات في المساجد وكذلك في مجامع الناس لأن المقصود إشاعة ذكرها وإظهارها ليظهر عليها صاحبها فيجب تحري مجامع الناس ولا ينشدها في المسجد ولأن المسجد لم يبن لهذا وروى

أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من سمع رجلاً ينشد ضالته في المسجد فليقل لا ردها الله عليك فإن المساجد لم تبن لهذا " وأمر عمر واجد اللقطة بتعريفها على باب المسجد (الفصل الخامس) في كيفية تعريفها فيذكر جنسها لا غير فيقول من ضاع منه ذهب أو فضة أو أو دراهم أو دنانير أو ثياب ونحو ذلك لقول عمر رضي الله عنه لواجد الذهب قل الذهب بطريق الشام ولا تصفها لأنه لو وصفها لعلم صفتها من يسمعها فلا تبقى صفتها دليلاً على ملكها لمشاركة من يسمعه للمالك في ذلك ولأنه لا يأمن أن يدعيها من سمع صفتها ويذكر صفتها التي يجب دفعها به فيأخذها فتفوت على مالكها (الفصل السادس) فيمن يتولى تعريفها وللملتقط تولي ذلك بنفسه وأن يستنيب فيه فإن وجد متبرعا بذلك وإلا استأجر والأجرة على الملتقط وبهذا قال الشافعي وأصحاب الرأي واختار أبو الخطاب أنه إن قصد حفظها لمالكها دون تملكها رجع بالأجرة عليه وكذلك قال ابن عقيل فيما لا يملك بالتعريف لأنه من مؤنة إيصالها إلى مالكها فكان على مالكها كمؤنة تجفيفها وأجرة مخزنها ولنا أن هذا أجر واجب على المعرف ولأنه لو وليه بنفسه لم يكن له أجر على صاحبها فكذلك

باب اللقطة

إذا استأجر عليه ولأنه سبب لملكها فكان على الملتقط كما لو قصد تملكها، وقال مالك إن أعطى منها شيئاً لمن عرفها فلا غرم عليه كما لو دفع منها شيئاً لمن حفظها وقد ذكرنا الدليل على ذلك (فصل) إذا أخر التعريف عن الحول الأول مع إمكانه أثم لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به فيه والأمر يقتضي الوجوب وقال في حديث عياض ابن حمار " لا تكتم ولا تغيب " ولأن ذلك وسيلة الى أن لا يعرف صاحبها لأن الظاهر أنه بعد الحول يسلو عنها وييأس فيترك طلبها ويسقط التعريف بتأخيره عن الحول الأول في المنصوص عن أحمد لأن حكمة التعريف لا تحصل بعده فإن تركه في بعض الحول عرف بقيته ويتخرج أن لا يسقط التعريف بتأخيره لأنه واجب فلا يسقط بتأخيره عن وقته كالعبادات وسائر الواجبات ولأن التعريف في الحول الثاني يحصل به المقصود على نعت من القصور فيجب الإتيان به لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم " فعلى هذا إذا أخر التعريف بعض الحول أتى بالتعريف في بقيته وأتمه من الحول الثاني وعلى كلا القولين لا يملكها بالتعريف فيما عد الحول الأول لأن شرط الملك التعريف فيه ولم يوجد ولذلك لو ترك التعريف في بعض الحول الأول لا يملكها بالتعريف بعده لأن الشرط لم يكمل وعدم بعض الشرط كعدم جميعه كما لو اختل بعض الطهارة في الصلاة فأما أن ترك التعريف في الحول الأول لعجزه عنه كالمريض والمحبوس أو لنسيان ونحوه ففيه وجهان (أحدهما) حكمه

مسألة: وتنقسم ثلاثة أقسام أحدها: ما لا تتبعه الهمة كالسوط والشسع والرغيف فيملكه بأخذه بلا تعريف

حكم من تركه لغير عذر لأن تعريفه في الحول الأول سبب الملك والحكم ينتفي لانتقا سببه سواء انتفى لعذر أو لغيره والثاني يملكها بالتعريف في الحول الثاني لأنه لم يؤخره عن وقت إمكانه أشبه تعريفها في الحول الأول * (مسألة) * فإن لم تعرف دخلت في ملكه بعد الحول حكماً كالميراث نص عليه أحمد في رواية الجماعة وهو ظاهر كلام الخرقي لقوله وإلا كانت كسائر ماله وعند أبي الخطاب لا تدخل ملكه حتى يختار واختلف أصحاب الشافعي فقال بعضهم كقولنا وقال قوم يملكها بالنية ومنهم من قال يملكها بتموله اخترت ملكها ومنهم من قال لا يملكها إلا بقوله والتصرف فيها لأن هذا تملك بعوض فلم يحصل إلا باختيار التملك كالقرض ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " فإن جاء صاحبها وإلا فهي كسائر مالك " وقوله " فاستنفقها " ولو وقف ملكها على تملكها لبينه له ولم يجوز له التصرف قبله وفي لفظ " كلها " وهذه الألفاظ كلها تدل على ما قلنا ولأن الالتقاط والتعريف سبب للتملك فإذا ثم وجب أن يثبت به الملك حكماً كالإحياء والاصطياد ولأنه سبب يملك به فلم يقف الملك بعده على قوله ولا اختياره كسائر الأسباب وذلك لأن المكلف ليس إليه

إلا مباشرة الأسباب فإذا انى بها ثيت الحكم قهراً وجبراً من الله عزوجل غير موقوف على اختيار المكلف فأما الاقتراض فهو السبب في نفسه فلم يثبت الملك بدونه فعلى هذا لو التقطها اثنان فعرفاها حولاً ملكاها جميعاً فإن قلنا يقف الملك على الاختيار فاختار أحدهما دون الآخر ملك المختار نصفها وحده (فصل) فإن رأياها معاً فأخذها أحدهما وحده أو رآها أحدهما فأعمل بها صاحبه فأخذها فهي لآخذها لأن استحقاقها بالأخذ لا بالرؤية كالاصطياد وإن قال أحدهما لصاحبه هاتها فأخذها لنفسه فهي له دون الآمر وإن أخذها الآمر فهي له كما لو وكله في الاصطياد له (فصل) ومتى عرف اللقطة حولاً فلم تعرف ملكها غنياً كان أو فقيراً روى ذلك عن عمرو ابن مسعود وعائشة رضي الله عنهم وبه قال عطاء والشافعي واسحق وابن المنذر وروي عن علي وابن عباس والشعبي والنخعي وطاوس وعكرمة نحو ذلك، وقال مالك والحسن بن صالح والثوري وأصحاب الرأي: يتصدق بها فإذا جاء صاحبها خير بين الأجر والغرم لما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن اللقطة فقال " عرفها حولاً " وروي ثلاثة أحوال " فإن جاء ربها وإلا تصدق بها فإذا جاء ربها فرضي بالأجر وإلا غرمها " ولأنها مال لمعصوم لم يرض بزوال ملكه عنها ولا يوجد منه سبب يقتضي ذلك فلم يزل ملكه عنه كغيرها قالوا وليس له أن يتملكها إلا أن أبا حنيفة قال له ذلك ان كان فقيراً من غير ذوي القربى

لما روى عياض بن حمار المجاشعي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من وجد لقطة فليشهد عليها ذا عدل أو ذوي عدل ولا يكتم ولا يغيب فإن وجد صاحبها فليردها عليه وإلا فهي مال الله يؤتيه من يشاء " رواه النسائي قالوا وما يضاف إلى الله تعالى إنما يتملكه من يستحق الصدقة ونقل حنبل عن أحمد مثل هذا القول فأنكره الخلال وقال ليس هذا مذهبا لاحمد ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث زيد بن خالد " فإن لم تعرف فاستنفقها " وفي لفظ " وإلا فهي كسائر مالك " وفي لفظ " ثم كلها " وفي لفظ " فانتفع بها " وفي لفظ " فشأنك بها " في حديث أبي بن كعب وفي لفظ " فاستمتع بها " وهو حديث صحيح ولأن من ملك بالقرض ملك اللقطة كالفقير ومن جاز له الالتقاط ملك به بعد التعريف كالفقير وحديثهم عن أبي هريرة لم يثبت ولا نقل في كتاب يعتمد عليه ولا به ودعواهم في حديث عياض أن ما يضاف إلى الله تعالى لا يتملكه إلا من يستحق الص؟؟؟؟؟

لها وبطلانها ظاهر فإن الأشياء كلها تضاف إلى الله تعالى خلقاً وملكاً قال الله تعالى (وآتوهم من مال الله الذي آتاكم) * (مسألة) * (وعن أحمد لا يملك إلا الأثمان وهو ظاهر المذهب وهل له الصدقة بغيرها؟ على روايتين) كلما جاز التقاطه ملك بالتعريف عند تمامه أثماناً كان أو غيرها وهو ظاهر كلام الخرقي ونقل ذلك عن أحمد فروى عنه محمد بن الحكم في الصياد يقع في شبكته الكيس أو النحاس يعرفه سنة فإن جاء صاحبها وإلا فهو كسائر ماله وهذا نص في النحاس وقال ابن أبي موسى هل حكم العروض في التعريف وجواز التصرف بعد ذلك حكم الأثمان؟ على روايتين أظهرهما أنها كالأثمان قال شيخنا ولا أعلم بين أكثر أهل العلم فرقاً بين الأثمان والعروض في ذلك وقال أكثر أصحابنا لا تملك العروض بالتعريف قال القاضي نص عليه أحمد في رواية الجماعة واختلفوا فيما يصنع بها فقال أبو بكر وابن عقيل يعرفها أبداً وقال القاضي هو بالخيار بين أن يقيم على تعريفها حتى يجئ صاحبها وبين دفعها إلى الحاكم ليرى رأيه فيها وهل له بيعها بعد الحول والصدقة بها؟ على روايتين (إحداهما) يجوز كما تجوز الصدقة بالغصوب التي لا يعرف أربابها (والثانية) لا يجوز لأنه يحتمل أن يظهر صاحبها فيأخذها وقال الخلال كل من روي عن أحمد روي عنه أنه يعرفه سنة ويتصدق به والذي روي عنه أنه يعرفها أبداً

قول قديم رجع عنه واحتجوا بأنه قد روي عن ابن عمر وابن عباس وابن مسعود مثل قولهم ولأنها لقطة لا تملك في الحرم فلا تملك في غيره كالإبل ولأن الخبر ورد في الأثمان وغيرها لا يساويها لعدم الغرض المتعلق بعينها فمثلها لا يقوم مقامها من كل وجه ولنا عموم الأحاديث في اللقطة فإن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن اللقطة فقال " عرفها سنة " ثم قال في آخره " فشأنك بها - أو - فانتفع بها " وفي حديث عياض بن حمار " من وجد لقطة " وهو لفظ عام وقد روى الجوزجاني والاثرم في كتابيهما ثنا أبو نعيم ثنا هشام بن سعد قال حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله كيف ترى في متاع يوجد في الطريق المعتاد أو في قرية مسكونة؟ قال " عرفه سنة فإن جاء صاحبه وإلا فشأنك به " ورويا أن سفيان بن عبد الله وجد عيبة فأتى بها عمر بن الخطاب فقال عرفها سنة فإن عرفت وإلا فهي لك زاد الجوزجاني فلم تعرف فلقيه بها العام فذكرها له فقال عمر هي لك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بذلك ورواه النسائي وهذا نص في غير الأثمان وروى الجوزجاني بإسناده عن الحر بن الصباح قال كنت عند ابن عمر بمكة إذ جاءه رجل فقال إني وجدت هذا البرد وقد نشدته وعرفته فلم يعرفه أحد وهذا يوم التروية يوم

يتفرق الناس فقال إن شئت قومته قيمة عدل ولبسته وكنت له ضامناً متى جاء صاحبه دفعت إليه ثمنه وإن لم يجئ له طالب فهو لك إن شئت ولأن ما جاز التقاطه ملك بالتعريف كالأثمان وما حكوه عن الصحابة إن صح فقد حكينا عن عمر وابنه خلافه وقولهم إنها لقطة لا تملك في الحرم ممنوع ثم هو منقوض بالأثمان وقياسها على الإبل لا يصح لأن معها حذاءها وسقاءها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يأتيها ربها ولا يوجد ذلك في غيرها ولأن الإبل لا يجوز التقاطها فلا تملك وههنا يجوز التقاطها فملك به كالأثمان وقولهم إن النص خاص في الأثمان قلنا بل هو عام في كل لقطة فيجب العمل بعمومه وإن ورد فيها نص خاص فقد روي خبر عام فيعمل بها ثم قد رويناه في العوض فيجب العمل به كما وجب العمل بالخاص في الأثمان ثم لو اختص الخبر بالأثمان لوجب أن يقاس عليها ما في معناها كسائر النصوص التي عقل في معناها ووجد غيرها وههنا قد وجد المعنى فيجب قياسه على المنصوص عليه بل المعنى ههنا آكد فيثبت الحكم فيه بطريق البينة، بيانه أن الأثمان لا تتلف بمضي الزمان عليها وانتظار صاحبها بها أبداً والعروض تتلف بذلك ففي النداء عليها دائماً هلاكها وضياع ماليتها على صاحبها وملتقطها وسائر الناس وفي إباحة الانتفاع بها وملكها بعد التعريف حفظ لماليتها علي صاحبا بدفع

قيمتها إليه ونفع لغيره فيجب ذلك لنهي النبي صلى الله عليه وسلم ولما فيه من المصلحة والحفظ لمال المسلم عليه ولأن في إثبات الملك حثاً على التقاطها وحفظها وتعريفها لكونه وسيلة إلى الملك المقصود للآدمي وفي نفي ملكها تضييع لها لما في التقاطها من الخطر والمشقة والكلف من غير نفع يصل إليه فيؤدي الى أن لا يلتقطها أحد فتضيع وما ذكره في الفرق ملغي في الشاة فقد ثبت الملك فيها مع هذا الفرق ثم يمكننا أن نقيس على الشاة فلا يحصل هذا الفرق بين الفرع والأصل ثم نقلب دليلهم فنقول لقطة لا تملك في الحرم فما أبيح التقاطه منها ملك إذا كان في الحل وما لا يباح لا يملك كالإبل * (مسألة) * (وعن أحمد أن لقطة الحرم لا تملك بحال) المشهور عن أحمد وفي المذهب أن لقطة الحرم والحل سواء وهو ظاهر كلام الخرقي روى ذلك عن ابن عمر وابن عباس وعائشة وابن المسيب وهو مذهب مالك وابي حنيفة وروى عن أحمد أنه لا يجوز التقاط لقطة الحرم للتمليك ويجوز لحفظها لصاحبها فإن التقطها عرفا أبداً حتى يأتي صاحبها وهو قول عبد الرحمن بن مهدي وأبو عبيد وعن الشافعي

كالمذهبين لقول النبي صلى الله عليه وسلم في مكة " لا تحل ساقطتها إلا لمنشد " متفق عليه والمنشد المعرف قاله أبو عبيد والناشد الطالب وينشد * إصاخة الناشد للمنشد * فيكون معناه لا تحل لقطة مكة إلا لمن يعرفها لأنها خصت بهذا من بين سائر البلدان وروى أبو داود بإسناده أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لقطة الحاج قال ابن وهب يعني يتركها حتى يجدها صاحبها، ووجه الرواية الأولى عموم الأحاديث، ولأنه أحد الحرمين أشبه حرم المدينة ولأنها أمانة فلم يختلف حكمها بالحل والحرم كالوديعة وقول النبي صلى الله عليه وسلم " إلا لمنشد " يحتمل أنه يريد إلا لمن عرفها عاماً وتخصيصها بذلك لتأكيدها لقوله عليه السلام " ضالة المؤمن حرق النار " وضالة الذمي مقيسة عليها والله أعلم (فصل) ولا يجوز له التصرف في اللقطة حتى يعرف وعاءها ووكاءها وقدرها وجنسها وصفتها، ويستحب ذلك عند وجدانها والإشهاد عليها لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث زيد " اعرف وكاها وعفاصها " وقال في حديث أبي بن كعب " اعرف عفاصها ووكاءها وعددها ثم عرفها سنة " وفي لفظ عن أبي ابن كعب أنه قال وجدت مائة دينار فأتيت بها النبي صلى الله عليه وسلم فقال " عرفها حولاً " " فعرفها حولاً فلم تعرف فرجعت اليه فقال اعرف " عدتها ووعاءها ووكاءها واخلطها بمالك فإن جاء

ربها فأدها إليه " ففي هذا الحديث أمره بمعرفة صفاتها بعد التعريف وفي غيره أمره بمعرفتها بعين التقاطها قبل تعريفها وهو الأولى ليحصل عنده علم ذلك فمتى جاء صاحبها فنعتها غلب على ظنه صدقه فدفعها إليه وإن أخر معرفة ذلك إلى حين مجئ باغيها جاز لأن المقصود يحصل حينئذ فإن لم يجئ طالبها فأراد التصرف فيها بعد الحول لم يجز له حتى يعرف صفاتها لأن عينها تنعدم بالتصرف فلا يبقى له سبيل إلى معرفة صفاتها إذا جاء طالبها ولذلك إن خلطها بماله على وجه لا تتميز منه فيكون أمر النبي صلى الله عليه وسلم لابي بمعرفة صفاتها عند خلطها بماله أمر إيجاب مضيق وأمره لزيد بن خالد بمعرفة ذلك حين الالتقاط أمر استحباب، قال القاضي ينبغي أن يعرف جنسها ونوعها وإن كانت ثياباً عرف لفافتها وجنسها ويعرف قدرها بالكيل أو الوزن أو العدد أو الذرع ويعرف العقد عليها هل هو عقد واحد أو أكثر؟ أنشوطة أو غيرها؟ ويعرف صمام القارورة الذي يدخل رأسها وعفاصها الذي يلبسه ويستحب أن شهد عليها حين يجدها، قال أحمد لا أحب أن يمسها حتى يشهد عليها. فظاهر هذا أنه مستحب غير واجب وأنه لا ضمان عليه إذا لم يشهد وهو قول مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة يضمنها إذا لم يشهد عليها لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من وجد لقطة فليشهد ذا عدل أو ذوي عدل " وهذا أمر يقتضي الوجوب ولأنه إذا لم يشهد كان الظاهر أنه أخذها لنفسه ولنا خبر زيد بن خالد وأبي بن كعب فإنه أمرهما بالتعريف دون الإشهاد ولو كان واجباً لبينه

فإنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة سيما وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن حكم اللقطة فلم يكن ليخل بذكر الواجب فيها فيتعين حمل الأمر في حديث عياض على الاستحباب ولأنه أخذ أمانة فلم يفتقر إلى الإشهاد كالوديعة، والمعنى الذي ذكروه غير صحيح فإنه إذا حفظها وعرفها لم يأخذها لنفسه وفائدة الإشهاد صيانة نفسه من الطمع فيها وحفظها من ورثته ان مات ومن غرمائه إن أفلس وإذا أشهد عليها لم يذكر للشهود صفاتها كما قلنا في التعريف لكن يذكر للشهود ما يذكره في التعريف من الجنس والنوع. قال أحمد في رواية صالح وقد سأله إذا أشهد عليها هل يبين كم هي؟ قال لا، ولكن يقول قد أصبت لقطة، ويستحب أن يكتب صفاتها ليكون أثبت له مخافة أن ينساها إن اقتصر على حفظها بقلبه فإن الإنسان عرضة النسيان * (مسألة) * (فمتى جاء طالبها فوصفها لزم دفعها إليه بنمائها المتصل وزيادتها المنفصلة لمالكها قبل الحلول ولو أخذها بعده في أصح الوجهين) إذا جاء طالب اللقطة فوصفها وجب دفعها إليه بغير بينة سواء غلب على ظنه صدقه أو لم يغلب. وبهذا قال مالك وأبو عبيد وداود وابن المنذر، وقال أبو حنيفة والشافعي لا يجبر على ذلك إلا ببينة

ويجوز له دفعها إليه اذا غلب على ظنه صدقه، وقال أصحاب الرأي إن شاء دفعها إليه وأخذ كفيلاً بذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " البينة على المدعي " ولأن صفة المدعي لا يستحق بها كالمغصوب ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " فإن جاءك أحد يخبرك بعددها ووعائها ووكائها فادفعها إليه " وظاهر الأمر الوجوب، وفي حديث زيد " اعرف وكاءها وعفاصها ثم عرفها سنة فإن لم تعرف فاستنفقها وإن جاء طالبها يوماً من الدهر فأدها إليه " يعني إذا ذكر صفاتها لأن ذلك هو المذكور في صدر الحديث ولم يذكر البينة ولو كانت شرطاً للدفع لذكرها لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة ولأن إقامة البينة على اللقطة تتعذر لأنها إنما تسقط حال الغفلة فتوقف دفعها على البينة منع لوصولها إلى صاحبها أبداً وهذا يفوت مقصود الالتقاط ويفضي إلى تفويت أموال الناس وما هذا سبيله يسقط اعتبار البينة فيه كالإنفاق على اليتيم، والجمع بين هذا القول وبين تفصيل الالتقاط على تركه متناقض لأن الالتقاط حينئذ يكون تضييعاً لمال المسلم وإتعاباً لنفسه بالتعريف الذي لا يفيد والمخاطرة بدينه يتركه

الواجب من تعريفها وما هذا سبيله يجب أن يكون حراماً فكيف يكون فاضلاً، وعلى هذا نقول لو لم يجب دفعها بالصفة لم يجز التقاطها لما ذكرناه، وقول النبي صلى الله عليه وسلم " البينة على المدعي " يعني إذا كان ثم منكر لقوله في سياقه " واليمين على من أنكر " ولا منكر ههنا على أن البينة تختلف وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم بينة مدعي اللقطة وصفها فإذا وصفها فقد أقام بينته وقياس اللقطة على المغصوب غير صحيح فإن النزاع ثم في كونه مغصوباً والأصل عدمه وقول المنكر يعارض دعواه فاحتيج إلى البينة وههنا قد ثبت كون هذا المال لقطة وإن له صاحباً غير من هو في يده ولا مدعي له إلا الواصف وقد يرجح صدقه فينبغي أن يدفع إليه. (فصل) ويدفعها إليه بزيادتها المتصلة والمنفصلة إذا كان قبل الحول لأنها ملكها فإن وجدها زائدة بعد الحول أخذها بزيادتها المتصلة لأنها تتبع في الرد بالعيب والإقالة فتبعت ههنا وإن حدث بعد الحول لها نماء منفصل فهو للملتقط لأنه نماء ملكه متميز لا يتبع في الفسوخ فكان له كنماء المبيع إذا رد بعيب

مسألة: فمن لا يأمن نفسه عليها ليس له أخذها فإن أخذها لزمه ضمانها ولا يملكها وإن عرفها

وذكر أبو الخطاب فيه وجهاً آخر أنه يكون لصاحب اللقطة بناء على المفلس إذا استرجعت منه العين بعد أن زادت زيادة متميزة والولد إذا استرجع أبوه ما وهبه له بعد زيادته المنفصلة والصحيح أن الزيادة للملتقط لما ذكرناه وكذلك الصحيح في الموضعين اللذين ذكرهما أن الزيادة لمن حدثت في ملكه ثم الفرق بينهما أنه في مسئلتنا يضمن النقص فتكون الزيادة له ليكون الخراج بالضمان وثم لا ضمان عليه فأمكن أن لا يكون الخراج ومتى اختلفا في القيمة أو المثل فالقول قول الملتقط مع يمينه إذا كانت اللقطة قد استهلكت في يد الملتقط لأنه غارم * (مسألة) * (وإن تلفت أو نقصت قبل الحول لم يضمنها وبعده يضمنها) لأنها أمانة في يده إلا أن تكون تلفت أو نقصت بتفريطه كالوديعة وإن أتلفها الملتقط أو تلفت بتفريطه ضمنها بمثلها إن كانت من ذوات الأمثال أو بقيمتها إن لم تكن مثلية، قال شيخنا لا أعلم فيه خلافاً

مسألة: ومن أمن نفسه عليها وقوي على تعريفها فله أخذها

وإن تلفت بعد الحول ثبت في ذمته مثلها أو قيمتها بكل حال لأنها دخلت في ملكه وتلفت من ماله وسواء فرط أو لم يفرط وإن وجد العين ناقصة بعد الحول أخذ العين وأرش النقص لأن جميعها مضمون إذا تلف فكذلك أرش نقصها، وهذا قول أكثر العلماء الذين حكموا بملكه لها بمضي حول التعريف، فأما من قال لا يملكها إلا باختياره لم يضمنه إياها حتى يتملكها وحكمها قبل ذلك كحكمها قبل مضي حول التعريف، ومن قال لا يملك اللقطة بحال لم يضمنه إياها وبهذا قال الحسن والنخعي وأبو مجلز والحارث العكلي ومالك وأبو يوسف قالوا لا يضمن، وإن ضاعت بعد الحول وقد ذكرنا فيما تقدم دليل دخولها في ملكه وقال داود إذا تملك العين وأتلفها لم يضمنها وحكى ابن أبي موسى عن أحمد أنه لوح إلى مثل هذا القول لحديث عياض عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه قال " فإن جاء ربها وإلا فهو مال الله يؤتيه من يشاء " وقوله في حديث أبي بن كعب " فإن جاء من يعرفها وإلا فهي كسبيل مالك " وفي حديث زيد " فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها " وروي " فهي لك " ولم يأمره برد بدلها.

ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " فإن لم تعرف فاستنفقها ولتكن وديعة عندك فإن جاء طالبها يوماً من الدهر فادفعها إليه " قال الأثرم قال أحمد أذهب الى حديث الضحاك بن عثمان جوده ولم يروه أحد مثل ما رواه إن جاء صاحبها بعد سنة وقد أنفقها ردها إليه ولأنها عين يلزمه ردها لو كانت باقية فيلزمه ضمانها إذا أتلفها كما قبل الحول ولأنه مال معصوم فلم يجز إسقاط حقه منه مطلقاً كما لو اضطر إلى مال غيره (فصل) فإن وجد العين بعد خروجها من ملك الملتقط ببيع أو هبة أو نحوهما لم يكن له أخذها وله أخذ بدلها لأن تصرف الملتقط وقع صحيحاً لأنه ملكها فإن صادفها وقد عادت إلى الملتقط بفسخ أو شراء أو غير ذلك فله أخذها لأنه وجد عين ماله في يد ملتقطه فكان له أخذها كالزوج إذا طلق

قبل الدخول فوجد الصداق قد رجع إلى المرأة وسائر الرجوع ههنا كحكم رجوع الزوج على ما نذكره إن شاء الله تعالى. * (مسألة) * (وإن وصفها اثنان قسمت بينهما في أحد الوجهين ذكره أبو الخطاب) لأنهما تساويا فيما يستحق به الدفع فتساويا فيها كما لو كانت في أيديهما، والوجه الثاني أنه يقرع بينهما فمن وقعت له القرعة حلف وسلمت إليه ذكره القاضي وهكذا إن أقاما بينتين وهذا الوجه أشبه بأصولنا فيما إذا تداعيا عينا في يد غيرهما ولأنهما تداعيا عيناً في يد غيرهما وتساويا في البينة أو عدمها فتكون لمن وقعت له القرعة كما لو ادعيا وديعة في يد إنسان فقال هي لأحدكما لا أعرف عينه، وفارق ما إذا كانت في أيديهما لأن يد كل واحد منهما على نصفه فرجح قوله فيه

* (مسألة) * (فإن أقام آخر بينة أنها له قدم لأن البينة أقوى من الوصف فإن كان الواصف قد أخذها ردت إلى صاحب البينة لأننا تبينا أنها له، فإن كانت قد هلكت فلصاحبها تضمين من شاء من الواصف والدافع وبه قال أبو حنيفة والشافعي، ويتخرج أن لا يلزم الملتقط شئ إذا قلنا بوجوب الدفع عليه لأنه فعل ما أمر به ولم يفرط وهو أمين فلم يضمن كما لو دفعها بأمر الحاكم ولأنه إذا كان الدفع واجباً عليه يأثم بتركه فكأنه دفع بغير اختياره فلم يضمن كما لو أخذت منه كرهاً، ووجه الأول أنه دفع مال غيره إلى غير مستحقه اختياراً منه فضمنه كما لو دفع الوديعة إلى غير مالكها اذا غلب على ظنه أنه مالكها. * (مسألة) * (إلا أن يدفعها بحكم الحاكم فلا يملك صاحبها مطالبته) لأنها مأخوذة منه على سبيل القهر فلم يضمنها كما لو غصبها غاصب ومتى ضمن الواصف لم يرجع على أحد لأن العدوان منه والتلف عنده وإن ضمن الدافع رجع على الواصف لأنه كان سبب تغريمه إلا أن يكون الملتقط قد أقر للواصف

أنها له فإنه لا يرجع عليه لأنه أقر أنه مالكها ومستحقها وأن صاحب البينة ظلمه بتضمينه فلا يرجع على غير ظالمه، وإن كانت اللقطة قد تلفت عند الملتقط فضمنه إياها رجع على الواصف بما غرمه وليس لمالكها تضمين الواصف لأن الذي قبضه إنما هو مال الملتقط لا مال صاحب اللقطة بخلاف ما إذا سلم العين فأما إن وصفها إنسان فأخذها ثم جاء آخر فوصفها وادعاها لم يستحق شيئاً لأن الأول استحقها لوصفه إياها وعدم المنازع فيها وثبتت يده عليها ولم يوجد ما يقتضي انتزاعها منه فوجب إبقاؤها في يده كسائر ماله. (فصل) ولو جاء مدعي اللقطة فلم يصفها ولا أقام بينة أنها له لم يجز دفعها إليه سواء غلب على ظنه صدقه أو كذبه لأنها أمانة فلم يجز دفعها إلى من لم يثبت أنه صاحبها كالوديعة، فإن دفعها فجاء آخر فوصفها أو أقام بها بينة لزم الدافع غرامتها له لأنه فوتها على مالكها بتفريطه وله الرجوع على مدعيها لأنه أخذ مال غيره ولصاحبها تضمين آخذها فإذا ضمنه لم يرجع على أحد وإن لم يأت أحد يدعيها

فللملتقط مطالبة آخذها لأنه لا يأمن مجئ صاحبها فيغرمه إياها ولأنها أمانة في يده فملك الأخذ من غاصبها كالوديعة. (فصل) فإن كان الملتقط قد مات واللقطة موجودة قام وارثه مقامه في تعريفها أو إتمامه إن مات قبل إتمام الحول ويملكها بعد إتمام التعريف وإن مات بعد تمام الحول ورثها الوارث كسائر أموال الميت، ومتى جاء صاحبها أخذها من الوارث كما يأخذها من الموروث وإن كانت معدومة العين فصاحبها غريم للميت بمثلها إن كانت من ذوات الأمثال أو بقيمتها إن لم تكن كذلك فيأخذ ذلك من تركته إن اتسعت لذلك فإن ضاقت التركة زاحم الغرماء ببدلها سواء تلفت بعد الحول بفعله أو بغير فعله لأنها قد دخلت في ملكه بمضي الحول، وإن علم أنها تلفت قبل الحول بغير تفريط فلا ضمان عليه ولا شئ لصاحبها لأنها أمانة في يده تلفت بغير تفريط فلم يضمنها كالوديعة وكذلك إن تلفت بعد الحول قبل تملكها بغير تفريط عند من يرى أنها لا تدخل في ملكه حتى يتملكها أو أنها لا تملك بحال وقد

مضى الكلام في ذلك، فأما ان لم يعلم تلفها ولا وجدت في تركته فظاهر كلام الخرقي أنه غريم بها سواء كان قبل الحول أو بعده ويحتمل أن لا يلزم الملتقط شئ ويسقط حق صاحبها لأن الأصل براءة ذمة الملتقط منها لأنه يحتمل أن تكون قد تلفت بغير تفريط فلا تشتغل ذمته بالشك ويحتمل أنه إن كان الموت قبل الحول فلا شئ عليه لأنها كانت أمانة عنده ولم تعلم خيانته فيها والأصل براءة ذمته منها وإن مات بعد الحول فهي في تركته لأن الأصل بقاؤها إلى ما بعد الحول ودخولها في ملكه ووجوب بدلها عليه. فإن قيل فقد قلتم أن صاحبها لو جاء بعد بيع الملتقط إياها أو هبته لم يكن له إلا بدلها فلم قلتم أنها إذا انتقلت إلى الوارث يملك صاحبها أخذها؟ قلنا لأن الوارث خليفة الموروث وإنما ثبت له الملك فيها على الوجه الذي كان ثابتاً لموروثه وملك موروثه فيها كان مراعى مشروطاً بعدم مجئ صاحبها فكذلك ملك وارثه بخلاف ملك المشتري والمتهب فإنهما يملكان ملكا مستقراً

مسألة: وهي على ثلاثة أضرب

* (فصل) * قال رحمه الله (ولا فرق بين كون الملتقط غنياً أو فقيراً مسلماً أو كافراً عدلاً أو فاسقاً يأمن نفسه عليها وقيل يضم إلى الفاسق أمين في تعريفها وحفظها) إذا التقط الغني لقطة وعرفها حولاً ملكها كالفقير روي نحو ذلك عن عمر وابن مسعود وعائشة وعلي وابن عباس وعطاء والشعبى والنخعي وطاوس وعكرمة وبه قال الشافعي وإسحاق وابن المنذر وقال أبو حنيفة ليس له أن يتملكها إلا أن يكون فقيراً من غير ذوي القربى لما روى عياض بن حمار المجاشعي أن النبي صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم قال " من وجد لقطة فليشهد عليها ذا عدل أو ذوي عدل ولا يكتم ولا يغيب فإن وجد صاحبها فليردها عليه وإلا فهي مال الله يؤتيه من يشاء " رواه النسائي، قالوا وما يضاف إلى الله تعالى إنما يتملكه من يستحق الصدقة ونقل حنبل عن أحمد مثل هذا القول وأنكره الخلال وقال ليس هذا مذهبا لاحمد ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث زيد بن خالد " فإن لم تعرف فاستنفقها - وفي لفظ - فشأنك بها - وفي لفظ - وإلا فهي كسبيل مالك " ولأن من ملك بالقرض ملك اللقطة كالفقير ومن جاز له الالتقاط

ملك به بعد التعريف كالفقير ودعواهم في حديث عياض أن ما يضاف إلى الله تعالى لا يتملكه إلا من يستحق الصدقة لا دليل عليه وبطلانها ظاهر فإن الأشياء كلها تضاف إلى الله تعالى ملكاً وخلقاً قال الله تعالى (وآتوهم من مال الله الذي آتاكم) (فصل) ويملك الذمي بالالتقاط كالمسلم وقال بعض أصحاب الشافعي ليس له الالتقاط في دار الإسلام لأنه ليس من أهل الأمانة ولنا أنه نوع اكتساب فكان من أهله كالاحتشاش والاحتطاب وما ذكروه يبطل بالصبي والمجنون فإنه يصح التقاطهما مع عدم الأمانة ومتى عرف اللقطة حولا ملكها كالسلم، وإن علم بها الحاكم أقرها في يده وضم إليه مشرفاً عدلاً يشرف عليه ويعرفها لأننا لا نأمن الكافر على تعريفها ولا نأمن أن نحل في التعريف بشئ من الواجب عليه فيه وأجر المشرف عليه فإذا تم حول التعريف ملكها الملتقط ويحتمل أن تنزع من يد الذمي وتوضع على يدي عدل لأنه غير مأمون عليها

(فصل) ويصح التقاط الفاسق لأنها جهة من جهات الكسب فصح التقاطه كالعدل ولأنه إذا صح التقاط الكافر فالمسلم أولى إلا أن الأولى له ألا يأخذها لأنه يعرض نفسه للأمانة وليس من أهلها وإذا التقطها فعرفها حولاً ملكها كالعدل، وإن علم الحاكم أو السلطان بها أقرها في يده وضم إليه مشرفاً يشرف عليه ويتولى تعريفها كما قلنا في الذمي وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وقال في الآخر ينزعها من يده ويدعها في يد عدل ولنا أن من خلي بينه وبين الوديعة لم تزل يده عن اللقطة كالعدل والحفظ يحصل بضم المشرف إليه فأما إن لم يكن المشرف حفظها منه انتزعت من يده وتركت في يد العدل فإذا عرفها ملكها الملتقط لوجود سبب الملك منه * (مسألة) * (وإن وجدها صبي أو سفيه قام وليه بتعريفها فإذا عرفها فهي لواجدها) وجملة ذلك أن الصبي والسفيه والمجنون إذا التقط أحدهم لقطة ثبتت يده عليها لعموم الأخبار ولأنه نوع تكسب فصح منه كالاصطياد والاحتطاب فإن تلفت في يده بغير تفريط فلا ضمان عليه وإن تلفت بتفريطه ضمنها في ماله وإذا علم بها وليه لزمه أخذها منه لأنه ليس من أهل الحفظ والأمانة فإن تركها في يده ضمنها لأنه يلزمه حفظ ما يتعلق به حق الصبي وهذا يتلف به حقه فإذا تركها في يده كان مضيعاً لها، ويعرفها الولي إذا أخذها لأن واجدها ليس من أهل التعريف فإذا انقضت مدة

التعريف دخلت في ملك واجدها لأن سبب التملك تم بشرطه فثبت الملك له كما لو اصطاد صيداً وهذا مذهب الشافعي إلا أن أصحابه قالوا إذا انقضت مدة التعريف فكان الصبي والمجنون بحيث يستقرض لهما يملكه لهما وإلا فلا وقال بعضهم يتملكه لهم بكل حال لأن الظاهر عدم ظهور صاحبه فيكون تملكه مصلحة له. ولنا عموم الأخبار ولو جرى هذا مجرى الاقتراض لما صح التقاط صبي لا يجوز الاقتراض له لأنه يكون تبرعاً بحفظ مال غيره من غير فائدة (فصل) قال أحمد في رواية العباس بن موسى في غلام له عشر سنين التقط لقطة ثم كبر فإن وجد صاحبها دفعها إليه وإلا تصدق بها قد مضى أجل التعريف فيما تقدم من السنين ولم ير عليه استقبال أجل التعريف قال وقد كنت سمعته قبل هذا أو بعده يقول في انقضاء أجل التعريف إذا لم يجد صاحبها أيتصدق بمال الغير؟ وهذه المسألة قد مضى نحوها فيما إذا لم يعرف الملتقط اللقطة في حولها الأول فإنه لا يملكها وإن عرفها فيما بعد ذلك لكون التعريف بعده لا يفيد ظاهراً لكون صاحبها ييأس منها ويترك طلبها، وهذه المسألة تدل على أنه إذا ترك التعريف لعذر فهو كتركه لغير عذر لكون الصبي من أهل العذر وقد ذكرنا فيه وجهين فيما تقدم، وقال أحمد في غلام لم يبلغ أصاب عشرة دنانير فذهب بها إلى

مسألة: الثاني: ما يخشى فساده

منزله فضاعت فلما بلغ أراد ردها فلم يعرف صاحبها تصدق بها فان لم يجد عشرة وكان يجحف به تصدق قليلاً قليلاً قال القاضي هذا محمول على أنها تلفت بتفريط الصبي وهو أنه لم يعلم وليه حتى يقوم بتعريفها * (مسألة) * (وإن التقطها عبد فلسيده أخذها منه وتركها معه يتولى تعريفها إن كان عدلاً فإن لم يأمن العبد سيده عليها لزمه سترها عنه فإن أتلفها قبل الحول فهي في رقبته وإن أتلفها بعده فهي في ذمته) يصح التقاط العبد بغير إذن سيده وبه قال أبو حنيفة والشافعي في أحد قوليه وقال في الآخر لا يصح التقاطه لأن اللقطة في الحول الأول أمانة وولاية وفي الثاني تملك والعبد ليس من أهل الولايات ولا التملك. ولنا عموم الخبر ولأن الالتقاط سبب يملك به الصبي ويصح منه فصح من العبد كالاصطياد والاحتطاب ولأن من جاز له قبول الوديعة صح منه الالتقاط كالحر قولهم أن العبد ليس من أهل الولايات والأمانات يبطل بالصبي والمجنون فإنهما أدنى حالاً منه في هذا، وقولهم أن العبد لا يملك ممنوع وان سلما فإنه يتملك لسيده كما يحصل بسائر الاكتسابات ولأن الالتقاط تخليص مال من الهلاك فجاز من العبد بغير إذن سيده كإنقاذ المال الغريق والمغصوب. إذا ثبت هذا فإن اللقطة تكون أمانة في يد العبد إن تلفت بغير تفريط في حول التعريف لم يضمن فإن عرفها صح تعريفه لأن له قولاً

مسألة: وغرامة التجفيف منه وله بيع بعضه في ذلك

صحيحاً فصح تعريفه كالحر فإذا تم حول التعريف ملكها سيده لأن الالتقاط كسب العبد وكسبه لسيده فإن علم السيد بلقطة عبده كان له انتزاعها منه لأنها من كسب العبد وللسيد انتزاع كسبه من يده فإن انتزعها بعد أن عرفها العبد ملكها وإن كان لم يعرفها عرفها سيده حولاً وإن كان العبد عرفها بعض الحول عرفها السيد تمامه وللسيد إقرارها في يد العبد إن كان أميناً ويكون مستعيناً بعبده في حفظها كما يستعين به في حفظ ماله، فإن كان العبد غير أمين كان السيد مفرطاً بإقرارها في يده ولزمه ضمانها كما لو أخذها من يده وردها لأن يد العبد كيده وما يستحق بها لسيده وإن أعتق العبد بعد الالتقاط فله انتزاع اللقطة من يده لأنها من كسبه وإكسابه لسيده، ومتى علم العبد أن سيده غير مأمون عليها لزمه سترها عنه ويسلمها إلى الحاكم ليعرفها ثم يدفعها إلى سيده بشرط الضمان، فإن أتلفها العبد في الحول الأول فهي في رقبته كجناياته وكذلك إن تلفت بتفريطه وإن أتلفها بعده فهي في ذمته إن قلنا إن العبد يملكها بعد التعريف وإن قلنا لا يملكها فهو كما لو أتلفها في حول التعريف ويصح أن ينبني ذلك على استدانة العبد هل تتعلق برقبته أو ذمته؟ على روايتين وقد مر ذكره في الحجر * (مسألة) * (والمكاتب كالحر في اللقطة) لأن المال له في الحال واكتسابه له دون سيده وهي من اكتسابه فإن عجز عاد عبدا وصار حكمه في لقطته حكم العبد، وأم الولد والمدبر والمعلق عتقه بصفة كالقن ومن بعضه حر إذا التقط لقطة فهي بينه وبين سيده إذا لم يكن بينهما مهايأة كالحرين إذا

مسألة: الثالث: سائر المال فيلزمه حفظه

التقطا لقطة وإن كان بينهما مهايأة لم تدخل في المهايأة في أحد الوجهين لأنها كسب نادر لا يعلم وجوده ولا يظن فلم يدخل في المهايأة كالإرث. فعلى هذا يكون بينهما والثاني يدخل في المهايأة لأنها من كسبه أشبهت سائر أكسابه فيكون لمن يوجد في يومه وكذلك الحكم في الهدية والوصية وسائر الأكساب النادرة فيها الوجهان، فإن كان العبد بين اثنين شركة فلقطته بينهما على ما ذكرنا فيمن بعضه حر والله أعلم.

باب اللقيط وهو الطفل المنبوذ اللقيط بمعنى الملقوط كالقتيل والجريح والتقاطه واجب لقول الله تعالى (وتعاونوا على البر والتقوى) ولأن فيه إحياء نفسه فكان واجباً كإطعامه إذا اضطر وإنجائه من الغرق، وهو من فروض الكفايات اذا قام به من يكفي سقط عن الباقين، وان تركه الجماعة أثموا كلهم إذا تركوه مع إمكان أخذه، وقد روي عن سنين أبي جميلة قال: وجدت ملقوطاً فأتيت به عمر رضي الله عنه فقال عريفي يا أمير المؤمنين إنه رجل صالح، فقال عمر: أكذلك هو؟ قال نعم قال: فاذهب فهو حر ولك ولاؤه وعلينا نفقته، رواه سعيد عن سفيان عن الزهري سمع سنيناً أبا جميلة بهذا وقال وعلينا رضاعه. * (مسألة) * (وهو حر) اللقيط حر في قول عامة أهل العلم إلا النخعي قال إبن المنذر اجمع عوام أهل العلم على أن اللقيط حر، روي هذا القول عن عمر وعلي رضي الله عنهما، وبه قال عمر بن عبد العزيز والشعبي والحكم وحماد ومالك والثوري والشافعي واسحاق وأصحاب الرأي ومن تبعهم وقال النخعي: إن التقطه للحسبة فهو حر وإن كان أراد أن يسترقه فذلك له، وهذا قول شذ فيه عن الخلفاء والعلماء ولا يصح في النظر فان الأصل في الآدميين الحرية فإن الله تعالى خلق آدم وذريته أحراراً وإنما الرق لعارض فاذا لم يعلم ذلك العارض فله حكم الأصل

* (مسألة) * (ينفق عليه من بيت المال إن لم يوجد معه ما ينفق عليه) إذا لم يوجد مع اللقيط شئ لم يلزم الملتقط الإنفاق عليه في قول عامة أهل العلم قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن نفقة اللقيط غير واجبة على الملنقط، كوجوب نفقة الولد، وذلك لأن أسباب وجوب النفقة من القرابة والزوجية والملك والولاء منفية فالالتقاط إنما هو تخليص له من الهلاك وتبرع بحفظه فلا يوجب ذلك النفقة كما لو فعله بغير اللقيط، تجب نفقته في بيت المال لقول عمر رضي الله عنه في حديث أبي جميلة: اذهب فهو حر ولك ولاؤه، وعلينا نفقته، وفي رواية: من بيت المال ولأن بيت المال وإرثه وماله مصروف إليه فكانت نفقته عليه كقرابته ومولاه. فإن تعذر الإنفاق عليه من بيت المال لسكونه لا مال فيه أو كان في مكان لا إمام فيه أو لم يعط شيئاً فعلى من علم حاله من المسلمين الإنفاق عليه لقول الله تعالى (وتعاونوا على البر والتقوى) ولأن في ترك الإنفاق عليه هلاكه، وحفظه من ذلك واجب كإنقاذه من الغرق وهو فرض كفاية، ومن أنفق عليه متبرعا فلا شئ له سواء كان الملتقط أو غيره، وإن لم يتبرع أحد بالإنفاق عليه فأنفق عليه الملتقط أو غيره محتسباً بالرجوع عليه إذا أيسر وكان ذلك بأمر الحاكم لزم اللقيط ذلك إذا كانت النفقة قصداً بالمعروف وبهذا قال الثوري وأصحاب الرأي والشافعي، فإن أنفق بغير أمر الحاكم محتسباً بالرجوع

عليه فقال أحمد تؤدى النفقة من بيت المال، وقال شريح والنخعي يرجع عليه بالنفقة إذا أشهد عليه يحلف ما أنفق احتساباً فإن حلف استسعى، وقال الشعبي ومالك والثوري والاوزاعي وأبو حنيفة ومحمد بن الحسن والشافعي وابن المنذر لا يرجع بشئ لأنه انفق عليه من غير إذنه ولا إذن وليه ولا إذن الحاكم فلم يرجع بشئ كما لو تبرع به. ولنا أنه أداء مال وجب على غيره فكان له الرجوع على من كان الوجوب عليه كالضامن إذا قضى عن المضمون عنه. * (مسألة) * (ويحكم بإسلامه إلا أن يوجد في بلد الكفار ولا مسلم فيه فيكون كافراً فان كان فيه مسلم فعلى وجهين) . إذا وجد اللقيط في دار الإسلام فهو محكوم بإسلامه وإن كان فيها أهل الذمة تغليباً للإسلام ولظاهر الدار ولأن الإسلام يعلو ولا يعلى ودار الإسلام قسمان: (أحدهما) ما اختطه المسلمون كبغداد والبصرة فلقيطها محكوم بإسلامه على ما ذكرنا (الثاني) دار فتحها المسلمون كمدائن الشام فهذه إن كان فيها مسلم حكم بإسلام لقيطها لأنه يحتمل أن يكون لذلك المسلم تغليباً للإسلام وإن لم يكن فيها مسلم بل كان أهلها أهل ذمة حكم بكفره لأن تغليب حكم الإسلام إنما يكون مع الاحتمال. فأما بلد الكفار فضربان أحدهما بلد كان للمسلمين فغلب الكفار عليه كالساحل

فهذا كالقسم الذي قبله وإن كان فيه مسلم حكم بإسلام لقيطه وإن لم يكن فيه مسلم فهو كافر، وقال القاضي يحكم باسلامه أيضاً لأنه يحتمل أن يكون فيه مؤمن يكتم إيمانه بخلاف الذي قبله فإنه لا حاجة به إلى كتم إيمانه في دار الإسلام (الثاني) دار لم تكن للمسلمين أصلاً كبلاد الهند والروم فإن لم يكن فيها مسلم فلقيطها كافر لأن الدار لهم وأهلها منهم، وإن كان فيها مسلمون كالتجار وغيرهم ففيه وجهان (أحدهما) يحكم بإسلامه تغليباً للإسلام والثاني يحكم بكفره تغليببا للدار والأكثر وهذا التفصيل مذهب الشافعي وقال ابن المنذر أجمع عوام أهل العلم على أن الطفل إذا وجد في بلاد المسلمين ميتاً في أي مكان وجد أنه يجب غسله ودفنه في مقابر المسلمين وقد منعوا أن يدفن أطفال المشركين في مقابر المسلمين قال وإذا وجد لقيط في قرية ليس فيها إلا مشرك فهو على ظاهر ما حكموا به أنه كافر هذا قول الشافعي وأصحاب الرأي. * (مسألة) * (وما وجد معه من فراش تحته أو ثياب أو مال في جيبه أو تحت فراشه أو حيوان مشدود بثيابه فهو له، وإن كان مدفوناً تحته أو مطروحاً قريباً منه فعلى وجهين) وجملة ذلك أن ما وجد مع اللقيط فهو له ينفق عليه منه وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي لأن الطفل يملك وله يد صحيحة بدليل أنه يرث ويوررث ويصح أن يشتري له وليه ويبيع ومن له ملك

مسألة: فإن لم تعرف دخلت في ملكه بعد الحول

صحيح فله يد صحيحة كالبلغ. إذا ثبت هذا فكل ما كان متصلاً به أو متعلقاً بمنفعته فهو تحت يده ويثبت بذلك ملكاً له في الظاهر، فمن ذلك ما كان لابساً له أو مشدوداً في ملبوسه أو في يديه أو تحته أو مجعولاً فيه كالسرير والسفط وما فيه من فرش أو دراهم والثياب التي تحته والتي عليه، وإن كان مشدوداً على دابة أو كانت مشدودة في ثيابه أو كان في خيمة أو دار فهي له وأما المنفصل عنه فإن كان بعيداً منه فليس في يده، وإن كان قريباً منه كثوب موضوع إلى جانبه ففيه وجهان (أحدهما) ليس له ذلك لأنه منفصل عنه فهو كالبعيد (والثاني) هو له ولأن الظاهر أنه ترك له فهو كالذي تحته ولأن القريب من البالغ يكون في يده، الا ترى أن الرجل يقعد في السوق ومتاعه بقربه ويحكم بأنه في يده والحمال إذا جلس للاستراحة ترك حمله قريباً منه وهذا أصح، فأما المدفون تحته فقال ابن عقيل أن كان الحفر طرياً فهو له وإلا فلا لأن الظاهر أنه إذا كان طرياً فواضع اللقيط حفره وإذا لم يكن طرياً كان مدفوناً قبل وضعه وقيل ليس هو له بحال لأنه بموضع لا يستحقه إذا لم يكن الحفر طرياً فلم يكن له إذا كان طرياً كالبعيد منه، ولأن الظاهر أنه لو كان له لشده واضعه في ثيابه ليعلم به ولم يتركه في مكان لا يطلع عليه وكان ما حكمنا بأنه ليس له فحكمه حكم اللقطة أو الركاز * (مسألة) * (وأولى الناس بحضانته واجده إن كان أميناً لأن عمر رضي الله عنه أقر اللقيط في يد أبي جميلة حين قال عريفه إنه رجل صالح ولأنه سبق إليه فكان أولى به لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من

سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به " وهل يجب الإشهاد عليه؟ فيه وجهان (أحدهما) لا يجب كما لا يجب الإشهاد في اللقطة (والثاني) يجب لأن القصد بالإشهاد حفظ النسب والحرية فاختص بوجوب الشهادة كالنكاح، وفارق اللقطة فإن المقصود منها حفظ المال فلم يجب الإشهاد فيها كالبيع * (مسألة) * (وله الإنفاق عليه مما وجد معه بغير إذن حاكم، وعنه ما يدل على أنه لا ينفق عليه إلا بإذنه) وجملة ذلك أنه ينفق على اللقيط مما وجد معه وما حكم له به فان كان فيه كفايته لم تجب نفقته على أحد لأنه ذو مال فأشبه غيره من الناس ولملتقطه الإنفاق عليه منه بغير إذن الحاكم ذكره ابن حامد لأنه وليه فلم يعتبر في الإنفاق عليه إذن الحاكم كولي اليتيم ولأن هذا من الأمر بالمعروف فاستوى فيه الإمام وغيره كتبديد الخمر، وروى أبو الحارث عن أحمد في رجل أودع رجلاً مالاً وغاب وطالت غيبته وله ولد ولا نفقة له هل ينفق عليهم هذا المستودع من مال الغائب فقال تقوم امرأته إلى الحاكم حتى يأمره بالإنفاق عليهم فلم يجعل له الإنفاق من غير إذن الحاكم فقال بعض أصحابنا هذا مثله والصحيح أن هذا مخالف له من وجهين (أحدهما) أن الملتقط له ولاية على اللقيط وعلى ماله فإن له ولاية أخذه وحفظه (والثاني) أنه ينفق على اللقيط من ماله وهذا بخلافه ولأن الإنفاق على الصبي من مال الله مشروط بكون الصبي محتاجاً إلى ذلك لعدم ماله وعدم نفقة تركها أبوه برسمه وذلك لا يقيل

فيه قول المدوع فاحتيج إلى إثبات ذلك عند الحاكم ولا كذلك في مسئلتنا فلا يلزم من وجوب استئذان الحاكم ثم وجوبه في اللقيط، ومتى لم يجد حاكماً فله الإنفاق بكل حال لأنه حال ضرورة وقال الشافعي ليس له أن ينفق بغير إذن حاكم في موضع يجد حاكماً وإن أنفق ضمنه بمنزلة ما لو كان لأبي الصغير وديعة عند إنسان فأنفق عليه منها وذلك لأنه لا ولاية له على ماله وإنما له حق الحضانة فان لم يجد حاكماً ففي جواز الإنفاق وجهان ولنا ما ذكرناه ابتداء ولا نسلم أنه لا ولاية له على ماله فإنا قد بينا أن له أخذه وحفظه وهو أولى الناس، به وذكرنا الفرق بين اللقيط وبين ما قاسوا عليه. إذا ثبت هذا فالمستحب أن يستأذن الحاكم في موضع يجد حاكماً لأنه أبعد من التهمة وأقطع للظنة وفيه خروج من الخلاف وحفظ لماله من أن يرجع عليه بما أنفق وينبغي أن ينفق، عليه بالمعروف كما ذكرنا في ولي اليتيم فإن بلغ اللقيط واختلفا في قدر ما أنفق وفي التفريط في الإنفاق فالقول قول المنفق لأنه أمين فكان القول قوله في ذلك كولي اليتيم. * (مسألة) * (فإن كان الملتقط فاسقاً لم تقر في يده وهو قول الشافعي) لأن حفظه للولاية عليه ولا ولاية لفاسق وظاهر كلام الخرقي أنه يقر في يده لقوله وإن لم يكن من وجد اللقيط أميناً منع من السفر به لئلا يدعي رقه، فعلى قوله ينبغي أن يجب الإشهاد عليه ويضم إليه من يشرف عليه لأننا إذا

مسألة: وعن أحمد لا يملك إلا الأثمان وهو ظاهر المذهب وهل له الصدقة بغيرها؟ على روايتين

ضمنا إليه في اللقطة من يشرف عليه فههنا أولى قال القاضي والمذهب أنه ينزع من يده، ويفارق اللقطة من ثلاثة أوجه (أحدها) أن في اللقطة معنى الكسب وليس ههنا إلا الولاية (الثاني) أن اللقطة لو انزعناها منه رددناها إليه بعد الحول فلذلك احتطنا عليها مع بقائها في يده وههنا لا يرد إليه بعد الانتزاع منه بحال فكان الانتزاع أحفظ (والثالث) أن المقصود ثم حفظ المال ويمكن الاحتياط عليه بأن يستظهر عليه في التعريف أو ينصب الحاكم من يعرفها وههنا المقصود حفظ الحرية والنسب ولا سبيل إلى الاستظهار عليه لأنه قد يدعي رقه في بعض البلدان أو في بعض الزمان ولأن اللقطة إنما يحتاج إلى حفظها والاحتياط عليها عاماً واحداً وهذا يحتاج إلى الاحتياط عليه في جميع زمانه وقد ذكرنا أن ظاهر قول الخرقي أنه لا ينزع منه لأنه قد ثبتت له الولاية بالتقاطه إياه وسبقه إليه وأمكن حفظه في يديه بالإشهاد عليه وضم أمين يشارفه إليه ويشيع أمره فيظهر أنه لقيط فينحفظ بذلك من غير زوال ولايته جمعاً بين الحقين كاللقطة وكما لو كان الوصي خائناً، قال شيخنا وما ذكره القاضي من الترجيح للقطة يمكن معارضته بأن اللقيط ظاهر مكشوف لا تخفى الخيانة فيه بخلاف اللقطة فإنها خفية تتطرق إليها الخيانة ولا يعلم بها ويمكن أخذ بعضها وتنقيصها وإبدالها بخلاف اللقيط، ولأن المال محل الخيانة والنفوس إلى أخذه داعية بخلاف النفوس فعلى هذا متى أراد هذا الملتقط السفر باللقيط منع منه لأنه يبعده ممن عرف حاله فلا يؤمن أن يدعي رقه ويبيعه

(فصل) فإن كان الملتقط مستور الحال لم تعرف منه حقيقة العدالة ولا خيانة أقر اللقيط في يديه لأن حكمه حكم العدل في لقطة المال والولاية في النكاح والشهادة فيه وفي أكثر الأحكام لأن الأصل في المسلم العدالة ولذلك قال عمر رضي الله عنه المسلمون عدول بعضهم على بعض فإن أراد السفر بلقيطه ففيه وجهان (أحدهما) لا يقر في يديه وهو مذهب الشافعي لأنه لم تتحقق أمانته فلا تؤمن الخيانة منه فيه (والثاني) يقر في يديه لأنه يقر في يديه في الحضر من غير مشرف يضم إليه فأشبه العدل ولأن الظاهر الستر والصيانة، فأما من عرفت عدالته وظهرت أمانته فيقر اللقيط في يده حضراً وسفراً لأنه مأمون إذا كان سفره لغير النقلة * (مسألة) * (فإن كان الملتقط رقيقاً لم يقر في يده) وجملته أنه ليس للعبد التقاط الطفل المنبوذ إذا وجد من يلتقطه سواه لأن منافعه مملوكة لسيده فلا يذهبها في غير نفعه إلا بإذنه ولأنه لا يثبت على اللقيط إلا الولاية ولا ولاية لعبد فإن التقطه لم يقر في يده إلا بإذن السيد فإن أذن له أقر في يده لأنه استعان به في ذلك فصار كما لو التقطه سيده وسلمه إليه، قال ابن عقيل إذا أذن له السيد لم يكن له الرجوع بعد ذلك وصار كما لو التقطه السيد والحكم في الأمة كالحكم في العبد، فأما إن لم يجد أحداً يلتقطه سواه وجب التقاطه لأنه تخليص له

من الهلاك فهو كتخليصه من الغرق، والمدبر وأم الولد والمعلق عتقه بصفة كالقن وكذلك المكاتب لأنه ليس له التبرع بماله ولا بمنافعه إلا أن يأذن له سيده في ذلك * (مسألة) * (أو كافراً واللقيط مسلم) ليس للكافر التقاط من حكم بإسلامه لأنه لا ولاية لكافر على مسلم ولأنه لا يؤمن أن يعلمه الكفر بل الظاهر أنه يربيه على دينه وينشأ على ذلك كولده فإن التقطه لم يقر في يده فإن كان الطفل محكوماً بكفره فله التقاطه لأن الذين كفروا بعضهم أولياء بعض * (مسألة) * (أو بدوياً ينتقل في المواضع ففيه وجهان) (أحدهما) أنه يقر في يده لأن الظاهر أنه ابن بدوبين وإقراره في يد ملتقطه أرجى لكشف نسبه (والثاني) يؤخذ منه فيدفع إلى صاحب قرية لأنه أرفه له وأخف عليه * (مسألة) * (وإن وجده في الحضر وأراد نقله إلى البادية لم يقر في يده لوجهين) (أحدهما) أن مقامه في الحضر أصل له في دينه ودنياه وأرفه له (والثاني) أنه إذا وجد في الحضر فالظاهر أنه ولد فيه فبقاؤه فيه أرجى لكشف نسبه وظهور أهله واعترافهم به * (مسألة) * (وإن التقطه في البادية مقيم في حلة أقر في يده لأنه ينقله من أرض البؤس والشقاء إلى الرفاهية والدعة والدين

* (مسألة) * (وإن التقطه في الحضر من يريد نقله الى بلد آخر للإقامة فيه لم يجز في أحد الوجهين) لأن بقاءه في بلده أرجى لكشف نسبه فلم يقر في يده قياساً على المنتقل به إلى البادية (والثاني) يقر في يده والبلد الثاني كالأول في الرفاهية فيقر في يده كالمنتقل من أحد جانبي البلد إلى الجانب الآخر وفارق المنتقل به إلى البادية لأنه يضر به بتفويت الرفاهية عليه * (مسألة) * (وإن التقطه اثنان قدم الموسر على المعسر والحاضر على المسافر فإن استويا وتشاحا أقرع بينهما) إذا التقطه اثنان وتناولاه تناولاً واحداً لم يخل من ثلاثة أقسام (أحدها) أن يكون أحدهما ممن يقر في يده كالمسلم العدل الحر والآخر لا يقر في يديه كالكافر إذا كان الملتقط التقطه وحده ولأن الشريك لو التقطه وحده لم يسلم إليه فإذا شاركه من هو من أهل الالتقاط كان أولى باالتسليم إليه وإقراره في يده (والثاني) أن يكونا جميعاً ممن لا يقر في يدي واحد منهما فإنه ينزع منهما ويسلم إلى غيرهما (الثالث) أن يكون كل واحد منهما ممن يقر في يده لو انفرد إلا أن أحدهما أحظ للقيط من الآخر بأن يكون أحدهما موسراً والآخر معسراً فالموسر أحق لأن ذلك أحظ للطفل وكذلك إن كان أحدهما مقيماً والآخر مسافراً لأنه أرفق بالطفل (فصل) وإن التقط مسلم وكافر طفلاً محكوماً بكفره فالمسلم أحق وقال أصحابنا وأصحاب الشافعي

مسألة: وعن أحمد أن لقطة الحرم لا تملك بحال

هما سواء لأن للكافر ولاية على الكافر ويقر في يده إذا انفرد بالتقاطه فساوى المسلم في ذلك ولنا أن دفعه إلى المسلم أحظ له لأنه يصير مسلماً فيسعد في الدنيا والآخرة وينجو من النار ويتخلص من الجزية والصغار، فالترجيح بهذا أولى من الترجيح باليسار الذي إنما يتعلق به توسعة عليه في الإنفاق وقد يكون الموسر بخيلاً فلا تحصل التوسعة فإن تعارض الترجيحان فكان المسلم فقيراً والكافر موسراً فالمسلم أولى لأن النفع الحاصل له بإسلامه أعظم من النفع الحاصل له بيساره مع كفره وعندهم يقدم الكافر وعلى قياس قولهم في تقديم الموسر ينبغي أن يقدم الجواد على البخيل لأن حظ الطفل عنده أكثر من الجهة التي يحصل له الحظ فيها باليسار، فإن تساويا وتشاحا أقرع ببنهما وإذا تساويا في الأوصاف التي تقتضي تقديم أحدهما على الآخر فرضي أحدهما بتسليمه إلى صاحبه جاز لأن الحق له فلا يمنع من الإيثار به وإن تشاحا أقرع بينهما لقوله تعالى (وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم) ولأنه لا يمكن كونه عندهما في حالة واحدة وإن تهايآه يوماً ويوماً أو أكثر أضر بالطفل لاختلاف الأغذية عليه والأنس والألف ولا يمكن دفعه إلى أحدهما من غير قرعة لأن حقهما متساو فتقديم أحدهما بغير قرعة تحكم لا يجوز فتعين الإقراع بينهما كما يقرع بين الشركاء في تعيين السهام في القسمة وبين النساء في البداية بالقسمة وبين العبيد في الإعتاق والرجل والمرأة سواء ولا

ترجح المرأة ههنا كما ترجح في حضانة ولدها على أبيه لأنها رجحت ثم لشفقتها على ولدها وتوليها لحضانته بنفسها والأب يحضنه بأجنبية فكانت أمه أحظ له وأرفق به أما ههنا فهي أجنبية من اللقيط والرجل يحضنه بأجنبية فاستوتا، ومذهب الشافعي على ما ذكرنا فإن كان أحدهما مستور الحال والآخر ظاهر العدالة احتمل ترجيح ظاهر العدالة لأن المانع من الالتقاط منتف في حقه بغير شك والآخر مشكوك فيه فيكون الحظ للطفل في تسليمه إليه أتم ويحتمل أن يتساويا لأن احتمال وجود المانع لا يؤثر في المنع فلا يؤثر في الترجيح (فصل) فإن رأياه جميعاً فسبق إليه أحدهما فأخذه أو وضع يده عليه فهو أحق به لقوله عليه السلام " من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به " فإن رآه أحدهما قبل صاحبه فسبق إلى أخذه الآخر فالسابق إلى أخذه أحق لأن الالتقاط هو الأخذ دون الرؤية فإن قال أحدهما لصاحبه ناولنيه فأخذه الآخر نظرنا إلى نيته فإن نوى أخذه لنفسه فهو أحق به كما لو لم يأمره الآخر بمناولته إياه وإن نوى مناولته فهو للآخر لأنه فعل ذلك بنية النيابة عنه فأشبه ما لو توكل له في تحصيل مباح * (مسألة) * (فإن اختلفا في الملتقط منهما قدم من له بينة) لأنها أقوى فإن كان لكل واحد منهما بينة قدم أسبقهما تاريخاً لأن الثاني إنما أخذ ما قد ثبت الحق فيه لغيره فإن استوى تاريخهما أو اطلقتا أو أرخت إحداهما وأطلقت الأخرى تعارضتا وهل

يسقطان أو يستعملان؟ فيه وجهان (أحدهما) يسقطان فيصيران كمن لا بينة لهما (والثاني) يستعملان ويقرع بينهما فمن قرع صاحبه فهو أولى، ونذكر ذلك في بابه إن شاء الله تعالى فإن كان اللقيط في يد أحدهما فهل تقدم بينته أو تقدم بينة الخارج فيه وجهان مبنيان على الروايتين في دعوى المال * (مسألة) * (فإن لم يكن لهما بينة قدم صاحب اليد فيكون القول قوله مع يمينه أنه التقطه) ذكره أبو الخطاب وهو قول الشافعي وقال القاضي قياس المذهب أنه لا يحلف كما في الطلاق والنكاح ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " لو يعطى الناس بدعواهم لادعى قوم دماء قوم وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه " رواه مسلم * (مسألة) * (فإن كان في أيديهما أقرع بينهما فيسلم إلى من تقع له القرعة مع يمينه) وعلى قول القاضي لا يشرع اليمين ههنا ويسلم إليه بمجرد وقوع القرعة له * (مسألة) * (فإن لم يكن لهما يد فوصفه أحدهما قدم) نحو أن يقول في ظهره شامة أو بجسده علامة فيقدم بذلك ذكره أبو الخطاب وهو قول أبي حنيفة وقال الشافعي لا يقدم بالصفة كما لو وصف المدعي المدعى فإن دعواه لا تقدم بذلك ولنا أن هـ؟ انوع من اللقطة فقدم بوصفها كلقطة المال ولأن ذلك يدل على قوة يده فكان

مسألة: فمتى جاء صاحبها فوصفها لزم دفعها إليه بنمائها المتصل وزيادتها المنفصلة لمالكها قبل الحول ولو أخذها بعده في أصح الوجهين

مقدماً بها، وقياس اللقيط على اللقطة أولى من قياسه على غيرها لأن اللقيط لقطة، وإن لم يصفه أحدهما فقال القاضي وابو الخطاب يسلمه الحاكم إلى من يرى منهما أو من غيرهما لأنه لا حق لهما قال شيخنا والأولى أن يقرع بينهما كما لو كان في أيديهما لأنهما تنازعا حقاً في يد غيرهما أشبه ما لو تنازعا وديعة عند غيرهما * (فصل) * قال رحمه الله (وميراث اللقيط وديته إن قتل لبيت المال إن لم يخلف وارثاً، ولا ولاء عليه) وإنما يرثه المسلمون لأنهم خولوا كل مال لا مالك له ولأنهم يرثون مال من لا وارث له غير اللقيط فكذلك اللقيط وهو قول مالك والشافعي وأكثر أهل العلم، وقال شريح واسحاق عليه الولاء لملتقطه لقول عمر رضي الله عنه لأبي جميلة في لقيطه هو حر ولك ولاؤه ولما روى واثلة بن الاسقع قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " المرأة تحوز ثلاث مواريث عتيقها ولقيطها وولدها الذي لاعنت عليه " أخرجه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " إنما الولاء لمن أعتق " ولأنه لم يثبت عليه رق ولا على آبائه فلم يثبت عليه ولاء كمعروف النسب ولأنه لا ولاء عليه ان كان ابن حرين، وإن كان ابن معتقين فلا يكون عليه ولاء لغير معتقهما وحديث واثلة لا يثبت قاله ابن المنذر وقال في خبر عمر أبو جميلة رجل مجهول لا تقوم بحديثه حجة، ويحتمل أن يكون عمر رضي الله عنه عنى بقوله لك ولاؤه ولاية القيام به وحفظه ولذلك ذكره عقيب قول عريفه إنه رجل صالح وهذا يقتضي تفويض الولاية إليه لكونه مأموناً عليه دون الميراث

إذا ثبت هذا فحكم اللقيط في الميراث حكم من عرف نسبه وانقرض أهله يدفع الى بيت المال إذا لم يكن له وارث فإن كانت له زوجة فلها الربع والباقي لبيت المال كمن عرف نسبه والله أعلم فإن قتل خطأ فالدية لبيت المال لأن حكمها حكم الميراث وهو لبيت المال كذلك الدية * (مسألة) * (وإن قتل عمداً فوليه الإمام إن شاء اقتص وإن شاء أخذ الدية) أي ذلك فعل جاز إذا رآه أصلح وبه قال أبو حنيفة والشافعي وابن المنذر إلا أن أبا حنيفة يخيره بين القصاص والمصالحة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " فالسلطان ولي من لا ولي له " ومتى عفا على مال أو صالح عليه كان لبيت المال كجناية الخطأ الموجبة للمال. * (مسألة) * (وان قطع طرفه عمداً انتظر بلوغه إلا أن يكون فقيراً مجنوناً فللإمام العفو على مال ينفقه عليه) إذا جنى على اللقيط جناية فيما دون النفس توجب المال قبل بلوغه فلوليه أخذ الأرش وإن كانت موجبة للقصاص وله مال يكفيه وقف الأمر على بلوغه ليقتص أو يعفو سواء كان عاقلاً أو معتوهاً وكذلك إن لم يكن له مال وكان عاقلاً وإن كان معتوهاً فللإمام العفو على مال ينفق عليه لأن المعتوه ليست له حال معلومة تنتظر لأن ذلك قد يدوم به بخلاف العاقل فإن له حالة تنتظر ويحبس الجاني في الحال التي ينتظر بلوغه حتى يبلغ ويستوفي لنفسه وهذا مذهب الشافعي وقد روي عن أحمد أن

مسألة: وإن تلفت أو نقصت قبل الحول لم يضمنها وبعده يضمنها

للإمام استيفاء القصاص له قبل بلوغه وهو مذهب أبي حنيفة لأنه أحد نوعي القصاص فكان للإمام استيفاؤه عن اللقيط كالنفس ولنا أنه قصاص لم يتحتم استيفاؤه فوقف على من هو له كما لو كان بالغاً غائباً، وفارق القصاص في النفس لأن القصاص ليس هو له بل هو لوارثه والإمام المتولي له (فصل) إذا جنى اللقيط جناية تحملها العاقلة فهي على بيت المال لأن ميراثه له ونفقته عليه وان جنى جناية لا تحملها العاقلة فحكمه فيها حكم غير اللقيط إن كانت توجب القصاص وهو بالغ عاقل اقتص منه وإن كانت موجبة للمال وله مال استوفي منه وإلا كان في ذمته حتى يوسر وإن قذف اللقيط بعد بلوغه محصناً حد ثمانين لأنه حر * (مسألة) * وإن ادعى الجاني عليه أو قاذفه رقه وكذبه اللقيط بعد بلوغه فالقول قول اللقيط) إذا قذف اللقيط قاذف وهو محصن فعليه الحد فإن ادعى القاذف رقه فصدقه اللقيط سقط الحد لإقرار المستحق بسقوطه وإن ادعى أنه عبد فصدقه وجب على القاذف التعزير لقذفه من ليس بمحصن وإن كذبه اللقيط فالقول قوله لأنه محكوم بحريته فقوله موافق للظاهر ولذلك أوجبنا عليه حد الحر إذا كان قاذفاً، وإن ادعى الجاني رقه وكذبه اللقيط وادعى الحرية أوجبنا له القصاص وإن كان الجاني

حراً لما ذكرنا، قال شيخنا ويحتمل أن يكون القول قول القاذف لأنه يحتمل صحة قوله بأن يكون ابن أمة فيكون ذلك شبهة والحد يندرئ بالشبهات، وفارق القصاص له إذا ادعى الجاني عليه أنه عبد لأن القصاص ليس بحد وإنما وجب حقاً لآدمي ولذلك جازت المصالحة عنه وأخذ بدله بخلاف حد القذف وإن قلنا أن القذف حق لآدمي فهو كالقصاص ويخرج من هذا أن اللقيط إذا كان قاذفاً فادعى أنه عبد ليجب عليه حد العبد قبل منه لذلك والأول أصح لأن من كان محكوماً بحريته لا يسقط الحد عن قاذفه باحتمال رقه بدليل مجهول النسب ولو سقط لهذا الاحتمال لسقط وإن لم يدع القاذف رقه لأنه موجود وإن لم يدعه. * (مسألة) * (وإذا ادعى إنسان أنه مملوكه لم يقبل إلا ببينة تشهد أن أمته ولدته في ملكه ويحتمل أن لا يعتبر قولها في ملكه) وجملة ذلك أنه إذا ادعى رق اللقيط مدع سمعت دعواه لأنها ممكنة وإن كانت مخالفة لظاهر الدار فإن لم يكن له بينة فلا شئ له لأنها دعوى تخالف الظاهر، وتفارق دعوى النسب من وجهين (أحدهما) إن دعوى النسب لا تخالف الظاهر ودعوى الرق تخالفه (والثاني) أن دعوى النسب يثبت بها حقاً للقيط ودعوى الرق يثبت بها حقاً عليه فلم تقبل بمجردها كما لو ادعى رق غير اللقيط فإن لم يكن له بينة سقطت الدعوى وإن كانت له بينة فشسهدت بالملك أو باليد لم يقبل فيه إلا شهادة رجلين أو رجل

مسألة: وإن وصفها اثنان قسمت بينهما في أحد الوجهين ذكره أبو الخطاب

وامرأتين وإن شهدت بالولادة قبل فيه رجل واحد وامرأة واحدة لأنه مما لا يطلع عليه الرجال ومتى شهدت البينة باليد فإن كانت للملتقط لم يثبت بها ملك لأننا عرفنا سبب يده وإن كانت لأجنبي حكم له باليد والقول قوله مع يمينه في الملك، وإن شهدت بالملك فقالت نشهد أنه عبده أو مملوكه حكم بها وإن لم تذكر سبب الملك كما لو شهدت بملك دار أو ثوب فإن شهدت بأن أمته ولدته في ملكه حكم له به لأن أمته لا تلد في ملكه إلا ملكه وإن شهد أنه ابن أمته أو أن أمته ولدته ولم يقل في ملكه احتمل أن يثبت له الملك بذلك كقولها في ملكه لأن أمته ملكه فنماؤها ملكه كسمنها واحتمل أن لا يثبت به الملك لأنه يجوز أن تلده قبل ملكه إياها فلا يكون له وهو ابن أمته (فصل) فإن كانت الدعوى بعد بلوغ اللقيط كلف إجابته فإن أنكر ولا بينة للمدعي لم تقبل دعواه وإن كانت له بينة حكم بها فإن كان اللقيط قد تصرف قبل ذلك ببيع أو شراء نقضت تصرفاته لأن تصرفه كان بغير إذن مالكه. * (مسألة) * (وإن أقر بالرق بعد بلوغه لم يقبل وعنه يقبل وقال القاضي يقبل فيما عليه رواية واحدة وهل يقبل في غيره؟ على روايتين) إذا ادعى إنسان رق اللقيط بعد بلوغه فصدقه وكان قد اعترف بالحرية لنفسه قبل ذلك لم يقبل إقراره بالرق لأنه اعترف بالحرية وهي حق لله تعالى فلا يقبل رجوعه في إبطالها، وإن لم يكن اعترف

مسألة: إلا أن يدفعها بحكم الحاكم فلا يملك صاحبها مطالبته

بالحرية احتمل وجهين (أحدهما) يقبل وهو قول أصحاب الرأي لأنه مجهول الحال أقر بالرق فقبل كما لو قدم رجلان من دار الحرب فأقر أحدهما للآخر بالرق وكإقراره بالحد والقصاص في نفسه فإنه يقبل وإن تضمن فوات نفسه ويحتمل أن لا يقبل قال شيخنا وهو الصحيح لأنه يبطل به حق الله تعالى في الحرية المحكوم بها فلم يصح كما لو أقر بالحرية قبل ذلك ولأن الطفل المنبوذ لا يعلم رق نفسه ولا حريتها ولم يتجدد له حال يعرف به رق نفسه لأنه في تلك الحال ممن لا يعقل ولم يتجدد له رق بعد التقاطه فكان إقراره باطلاً وهذا قول ابن القاسم وابن المنذر وللشافعي وجهان كما ذكرنا فإن قلنا يقبل إقراره صارت أحكامه أحكام العبيد فيما عليه خاصة وهذا الذي قاله القاضي، وبه قال أبو حنيفة والمزني وهو أحد قولي الشافعي لأنه أقر بما يوجب حقاً عليه وحقاً له فوجب أن يثبت ما عليه دون ما له كما لو قال لفلان علي ألف ولي عنده رهن وفيه وجه آخر أنه يقبل إقراره في الجميع وهو القول الثاني للشافعي لأنه يثبت ما عليه فيثبت ماله كالبينة ولأن هذه الأحكام تبع للرق فإذا ثبت الأصل بقوله ثبت التبع كما لو شهدت امرأة بالولادة ثبتت وثبت النسب تبعاً لها (فصل) فأما إن أقر بالرق ابتداء الانسان فصدقه فهو كما لو أقر به جواباً وإن كذبه بطل إقراره فإن أقر به بعد ذلك لرجل آخر جاز، وقال بعض أصحابنا يتوجه أن لا يسمع إقراره الثاني لأن إقراره الأول يتضمن الاعتراف بنفي مالك له سوى المقر له فإذا بطل إقراره برد المقر له بقي الاعتراف بنفي مالك له غيره فلم يقبل إقراره بما نفاه كما لو أقر بالحرية ثم أقر بعد ذلك بالرق

ولنا أنه إقرار لم يقبله المقر له فلم يمنع إقراره ثانياً كما لو اقر له بثوب ثم أقر به لآخر بعد رد الأول وفارق الإقرار بالحرية فإن الإقرار بها لم يبطل ولم يرد (فصل) فإذا قبلنا إقراره بالرق بعد نكاحه وهو ذكر وكان قبل الدخول فسد النكاح في حقه لأنه عبد تزوج بغير إذن مواليه ولها عليه نصف المهر لأنه حق عليه فلم يسقط بقوله وإن كان بعد الدخول فسد نكاحه وليه المهر كله لما ذكرنا لأن الزوج يملك الطلاق فإذا أقر به قبل وولده حر تابع لأمه وإن كان متزوجاً بأمة فولده لسيدها ويتعلق المهر برقبته لأن ذلك من جناياته يفديه سيده أو يسلمه وإن كان في يده كسب استوفي المهر منه لأنه لم يثبت إقراره به لسيده بالنسبة إلى امرأته ولا ينقطع حقها منه بإقراره، وإن قلنا يقبل قوله في جميع الأحكام فالنكاح فاسد لكونه تزوج بغير إذن سيده ويفرق بينهما ولا مهر لها عليه إن لم يكن دخل بها، وإن كان دخل بها فلها عليه المهر المسمى في إحدى الروايتين والأخرى خمساه (فصل) وإن كان اللقيط أنثى وقلنا يقبل فيما عليه خاصة فالنكاح صحيح في حقه فإن كان قبل الدخول فلا مهر لها لإقرارها بفساد نكاحها أو أنها أمة تزوجت بغير إذن سيدها والنكاح الفاسد لا يجب المهر فيه إلا بالدخول وإن كان دخل بها لم يسقط مهرها ولسيدها الأقل من المسمى أو مهر المثل لأن المسمى إن كان أقل فالزوج ينكر وجوب الزيادة عليه وقولها غير مقبول في حقه وإن كان الأقل مهر المثل فهي وسيدها يقران بفساد النكاح وإن الواجب مهر المثل فلا يجب أكثر منه إلا

على الرواية التي يجب فيها المسمى في النكاح الفاسد فيجب ههنا قل أو كثر لإقرار الزوج بوجوبه، وأما الأولاد فأحرار لا تحب قيمتهم لأنها لو وجبت لوجبت بقولها ولا يجب بقولها حق على غيرها ولا يثبت الرق في حق أولادها بقولها فأما إبقاء النكاح فيقال للزوج قد ثبت أنها أمة ولدها رقيق لسيدها فإن اخترت المقام على ذلك فأقم وإن شئت ففارقها وسواء كان ممن يجوز له نكاح الإماء أو لم يكن لأننا لو اعتبرنا ذلك وأفسدنا نكاحه لكان إفساداً للعقد جميعه بقولها لأن شروط نكاح الأمة لا تعتبر في استدامة العقد إنما تعتبر في ابتدائه فإن قيل فقد قبلتم قولها في أنها أمة في المستقبل وفيه ضرر على الزوج قلنا لم يقبل قولها في إيجاب حق لم يدخل في العقد عليه فأما الحكم في المستقبل فيمكن إبقاء حقه وحق من ثبت له الرق عليها بأن يطلقها فلا يلزمه ما لم يدخل عليه أو يقيم على نكاحها فلا يسقط حق سيدها فإن طلقها اعتدت عدة الحرة لأن عدة الطلاق حق للزوج بدليل أنها لا تجب إلا بالدخول وسببها النكاح السابق فلا يقبل قولها في تنقيصها وإن مات اعتدت عدة الأمة لأن المغلب فيها حق الله تعالى بدليل وجوبها قبل الدخول فقبل قولها فيها وإن قلنا بقبول قولها في جميع الاحكام فهي أمة تزوجت بغير إذن سيدها فنكاحها فاسد ويفرق بينهما ولا مهر لها إن كان قبل الدخول وإن كان دخل بها وجب لها مهر أمة تزوجت بغير إذن سيدها على ما ذكر في موضعه، وهل يجب مهر المثل أو المسمى؟ فيه روايتان، وتعتد حيضتين لأنه وطئ في نكاح فاسد وأولاده أحرار

لاعتقاده حريتها فهو مغرور عليه قيمتهم يوم الوضع وإن مات فليس عليها عدة الوفاة. (فصل) فإن كان قد تصرف ببيع أو شراء فتصرفه صحيح وما عليه من الحقوق والأثمان يؤدى مما في يده وما بقي ففي ذمته لأن معامله لا يقر برقه وان قلنا بقبوله إقراره في جميع الاحكام فسدت عقوده كلها ووجب رد الأعيان إلى أربابها إن كانت باقية وإن كانت تالفة وجبت قيمتها في رقبته أو في ذمته على ما ذكرنا في استدانة العبد لأنه ثبت برضى صاحبه (فصل) فإن كان قد جنى جناية موجبة للقصاص فعليه القود حراً كان المجني عليه أو عبداً لأن إقراره بالرق يقتضي وجوب القود عليه فيما إذا كان المجني عليه عبداً أو حراً فقبل إقراره فيه وإن كانت الجناية خطأ تعلق أرشها برقبته لان ذك مضر به فإن كان أرشها أكثر من قيمته وكان في يده مال استوفي منه، وإن كان مما تحمله العاقلة لم يقبل قوله في إسقاط الزيادة لان ذك يضر بالمجني عليه فلا يقبل قوله فيه وقيل تجب الزيادة في بيت المال لأن ذلك كان واجباً للمجني عليه فلا يقبل قوله في إسقاطه وإن جنى عليه جناية موجبة للقود وكان الجاني حراً سقط لأن الحر لا يقاد بالعبد وقد أقر المجني عليه بما يسقط القصاص وإن كانت موجبة للمال تقل بالرق وجب أقل الأمرين وإن كان مساوياً للواجب قبل الإقرار وجب ويدفع الواجب إلى سيده وإن كان الواجب يكثر لكونه قيمته عبداً أكثر من ديته حراً لم يجب إلا أرش الجناية على الحر وإن قلنا يقبل قوله في جميع الأحكام وجب

أرش الجناية على العبد وإن كان الأرش تحمله العاقلة إذا كان حراً سقط عن العاقلة ولم يجب على الجاني لأن إقراره بالرق يتضمن إقراره بالسقوط عن العاقلة ولم يقبل إقراره على الجاني فسقط، وقيل لا يتحول عن العاقلة وعلى قول من قال: يقبل إقراره في الأحكام كلها يوجب الأرش على الجاني والله أعلم * (مسألة) * (وإن قال إني كافر لم يقبل قوله وحكمه حكم المرتد، وقيل يقبل إلا أن يكون قد نطق بالإسلام وهو لا يعقله) وجملة ذلك إنا في الموضع الذي حكمنا بإسلام اللقيط إنما ذلك ظاهراً لا يقيناً لاحتمال أن يكون ولد كافرين ولهذا لو أقام كافر بينة انه ولده ولد على فراشه حكمنا له به وسنذكر ذلك، ومتى بلغ اللقيط حداً يصح فيه إسلامه وردته فوصف الإسلام فهو مسلم سواء كان ممن حكم بإسلامه أو كفره ولا يقبل إقراره بالكفر بعد ذلك لأنه إنكار بعد إقراره فلا يقبل كغيره وإن وصف الكفر وهو ممن حكم بإسلامه بالدار فهو مرتد لا يقر على كفره، وبهذا قال أبو حنيفة، وذكر القاضي وجهاً أنه يقر على كفره، وهو منصوص الشافعي لأن قوله أقوى من ظاهر الدار وهذا وجه بعيد لأن دليل الإسلام وجد عرياً عن المعارض فثبت حكمه واستقر فلا تجوز إزالة حكمه كما لو كان ابن مسلم ولأن قوله لا دلالة فيه أصلاً لأنه لا يعرف في الحال من كان أبوه ولا ما كان دينه؟ وإنما يقول هذا من تلقاء نفسه فعلى هذا إذا بلغ استتيب ثلاثاً فإن تاب وإلا قتل فأما على قولهم فقال القاضي إن وصف

مسألة: وإن وجدها صبي أو سفيه قام وليه بتعريفها فإذا عرفها فهي لواجدها

كفراً يقر عليه بالجزية عقدت له الذمة، فإن امتنع من التزامها ووصف كفراً لا يقر أهله ألحق بمأمنه، قال شيخنا وهذا بعيد جداً فإن هذا اللقيط لا يخلو إما أن يكون ابن حربي فهو حاصل في أيدي المسلمين بغير عهد ولا عقد فيكون لواجده ويصير مسلما باسلام سابيه، أو يكون ابن ذميين أو أحدهما ذمي فلا يقر على الانتقال إلى غير دين أهل الكتاب، أو يكون ابن مسلم أو مسلمين فيكون مسلماً، وقد قال أحمد في أمة نصرانية ولدت من فجور، ولدها مسلم لأن أبويه يهودانه وينصرانه وهذا ليس معه إلا أمه، وإذا لم يكن لهذا الولد حال يحتمل أن يقر فيها على دين لا يقر أهله عليه فكيف يرد إليه دار الحرب؟ * (فصل) * قال الشيخ رحمه الله (وإن أقر إنسان أنه ولده الحق به مسلما كان أو كافراً رجلاً أو امرأة حياً كان اللقيط أو ميتاً) وجملة ذلك أنه إذا ادعى مدع نسب اللقيط لم يخل من قسمين (أحدهما) أن يدعيه واحد ينفرد بدعوته فإن كان المدعى حراً مسلماً لحقه نسبه إذا أمكن أن يكون منه بغير خلاف بين أهل العلم، لأن الإقرار محض يقع للطفل لإيصال نسبه ولا ضرر على غيره فيه فقبل كما لو أقر له بمال فإن كان المقر به ملتقطه أقر في يده، وإن كان غيره فله أن ينزعه من الملتقط لأنه قد ثبت أنه أبوه فيكون أحق به كما لو قامت به بينة.

(فصل) فإن كان المدعي عبداً ألحق به لأن لمائه حرمة فلحق به نسبه كالحر وهذا قول الشافعي وغيره غير أنه لا تثبت له حضانة لأنه مشغول بخدمة سيده ولا تجب عليه نفقته لأنه لا مال له ولا تجب على سيده لأن الطفل محكوم بحريته فعلى هذا تكون نفقته في بيت المال (فصل) فإن كان المدعي ذمياً لحق به لأنه أقوى من العبد في ثبوت الفراش فان يثبت له النكاح والوطئ في الملك وقال أبو ثور لا يلحق به لأنه محكوم بإسلامه ولنا أنه أقر بنسب مجهول النسب يمكن أن يكون منه وليس في إقراره إضرار لغيره فيثبت إقراره كالمسلم. * (مسألة) * ولا يتبع الكافر في دينه إلا أن يقيم بينة أنه ولد على فراشه) وجملة ذلك أنه يتبع الكافر في النسب لا في الدين ولا حق له في حضانته ولا يسلم إليه لأنه لا ولاية للكافر على المسلم وقال الشافعي في أحد قوليه يتبعه في دينه لأن كل ما لحق به بنسبه لحقه به في دينه كالبينة إلا أنه يحال بينه وبينه ولنا أن هذا محكوم بإسلامه فلا يقبل قول الذمي في كفره كما لو كان معروف النسب ولأنها دعوى تخالف الظاهر فلم تقبل بمجردها كدعوى رقه، ولأنه لو تبعه في دينه لم يقبل إقراره بنسبه لأنه يكون إضراراً به فلا يقبل كدعوى الرق، أما مجرد النسب بدون إتباعه في الدين فمصلحة عارية

مسألة: وإن التقطها عبد فلسيده أخذها منه وتركها معه يتولى تعريفها إن كان عدلا فإن لم يأمن العبد سيده عليها لزمه سترها عنه فإن أتلفها قبل الحول فهي في رقبته وإن أتلفها بعده فهي في ذمته

عن الضرر فقبل قوله فيه ولا يجوز قبوله فيما هو أعظم الضرر والخزي في الدنيا والآخرة، فإن أقام بينة أنه ولد على فراشه لحق به نسباً وديناً كذلك ذكره ههنا وهو قول بعض أصحابنا لأنه ثبت أنه ابنه ببينة، وقياس المذهب أنه لا يلحقه في الدين إلا أن تشهد البينة أنه ولد كافرين حيين لأن الطفل يحكم بإسلامه بإسلام أحد أبويه أو موته (فصل) فإن كان المدعي امراة فروي عن أحمد أن دعوتها تقبل ويلحقها نسبه لأنها أحد الابوبن أشبهت الأب، ولأنه يمكن كونه منها كما يمكن أن يكون من الرجل بل أكثر لأنها تأتي به من زوج ووطئ شبهة ويلحقها ولدها من الزنا دون الرجل، وقد روي في قصة داود وسليمان عليهما السلام حين تحاكم إليهما امرأتان كان لهما ابنان فذهب الذئب بأحدهما فادعت كل واحدة منهما أن الباقي ابنها فحكم به داود للكبرى وحكم به سليمان للصغرى بمجرد الدعوى منهما، وهذا قول بعض أصحاب الشافعي، فعلى هذه الرواية يلحق بها دون زوجها لأنه لا يجوز أن يلحقه نسب ولد لم يقر به، ولذلك إذا ادعى الرجل نسبه لم يلحق بزوجته، فإن قيل الرجل يمكن أن يكون له ولد من امرأة أخرى ومن أمته والمرأة لا يحل لها نكاح غير زوجها ولا يحل لغيره وطؤها قلنا يمكن أن تلد من وطئ شبهة أو غيره، وإن كان الولد يحتمل أن يكون موجوداً قبل تزوجها بهذا الزوج أمكن أن يكون من زوج آخر، فإن قيل إنما قبل الإقرار بالنسب من الزوج لما فيه من المصلحة ودفع العار عن الصبي وصيانته عن النسبة

إلى كونه ولد زنا ولا يحصل هذا بإلحاق نسبه بالمرأة بل في إلحاق نسبه بها دون زوجها يطرق العار إليه وإليها قلنا بل قبلنا دعواه لأنه يدعي حقاً لا منازع له فيه ولا مضرة فيه على أحد فقبل قوله فيه كدعوى المال وهذا متحقق في دعوى المرأة، وروى عن أحمد أنها إن كانت ذات زوج لم يثبت النسب بدعوتها لإفضائه إلى إلحاق النسب بزوجها بغير إقراره ولا رضائه أو إلى أن امرأته وطئت بزنا أو شبهة وفي ذلك ضرر عليه فلا يقبل قولها فيما يلحق الضرر به وإن لم يكن لها زوج قبلت دعوتها لعدم الضرر، وهذا قول بعض أصحاب الشافعي أيضاً، وروى عن أحمد رواية ثالثة نقلها الكوسنج عن أحمد في امرأة ادعت ولداً إن كان لها إخوة أو نسب معروف فلا تصدق إلا ببينة وإن لم يكن لها دافع لم يخل بينهما وبينه لأنه إذا كان لها أهل وناس معروف لم تخف ولادتها عليهم ويتضررون بإلحاق النسب بها لما فيه من تعييرهم بولادتها من غير زوجها وليس كذلك إذا لم يكن لها أهل قال شيخنا ويحتمل أن لا يثبت النسب بدعوتها بحال وهذا قول الثوري والشافعي وأبي ثور وأصحاب الرأي قال إبن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن النسب لا يثبت بدعوة المرأة لأنها يمكنها إقامة البينة على الولادة فلا يقبل قولها بمجرده كما لو علق زوجها طلاقها بولادتها ولنا أنها أحد الوالدين أشبهت الأب وإمكان البينة لا يمنع قبول القول كالرجل فان يمكنه إقامة

مسألة: والمكاتب كالحر في اللقطة

البينة ان هذا ولد على فراشه وإن كان المدعي أمة أي كالحرة إلا أنا إذا قبلنا دعوتها في نسبه لم نقبل قولها في رقه لأننا لا نقبل الدعوى فيما يضره كما لم نقبل الدعوى في كفره إذا ادعى نسبه كافر * (مسألة) * (فإن ادعان اثنان أو أكثر لأحدهما بينة قدم بها فإن استووا في بينة أو عدمها عرض معهما على القافة أو مع أقاربهما إن ماتا) الكلام في ذلك في فصول (أحدها) أنه إذا ادعاه مسلم وكافر وحر وعبد فهما سواء وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة المسلم أولى من الذمي والحر أولى من العبد لأن على اللقيط ضرراً في إلحاقه بالعبد والذمي فيكون إلحاقه بالحر المسلم أولى كما لو تنازعوا في الحضانة ولنا أن كل واحد لو انفرد صحت دعوته فإذا تنازعوا تساووا في الدعوى كالأحرار المسلمين وما ذكروه من الضرر لا يتحقق فإننا لا نحكم برقه ولا كفره ولا يشبه النسب الحضانة بدليل أننا نقدم في الحضانة الموسر والحضري ولا نقدمهما في دعوى النسب ولأن الحضانة انما يراعي فيهما حق الطفل حسب وههنا ينبغي أن يراعى حق المدعي أيضاً قال إبن المنذر إذا كان عند امرأته أمة في أيديهما صبي فادعى رجل من العرب امرأته عربية أنه ابنه من امرأته وأقام العبد بينة بدعواه فهو ابنه في قول أبي ثور وغيره وقال أصحاب الرأي يقضى به للعربي للعتق الذي يدخل فيه وكذلك إن كان المدعي من الموالي عندهم قال شيخنا وهذا غير صحيح لأن العرب وغيرهم في أحكام الله تعالى ولحوق النسب بهم سواء.

باب اللقيط

(الفصل الثاني) أنه إذا ادعاه اثنان أو أكثر وكان لأحدهما بينة فهو ابنه وإن أقام كل واحد منهم بينة تعارضت وسقطت لأنه لا يمكن استعمالها ههنا لأن استعمالها في المال إما بقسمته بين المتنازعين ولا يمكن ههنا أو بالقرعة لا يثبت بها النسب فإن قيل إنما يثبت ههنا بالبينة لا بالقرعة وإنما القرعة مرجحة قلنا فيلزم أنه إذا اشترك رجلان في وطئ امرأة وأتت بولد أن يقرع بينهما ويكون لحوقه بالوطئ لا بالقرعة (الفصل الثالث) أنه إذا لم تكن بينة أو تعارضت بينتان وسقطتا أري القافة معهما أو مع عصبتهما عند فقدهما فنلحقه بمن ألحقته به منهما هذا قول أنس وعطاء والاوزاعي والليث والشافعي وأبي وقال أصحاب الرأي لا حكم للقافة ويلحق بالمدعيين جميعاً لأن الحكم بالقيافة مبني على الشبه والظن والتخمين فان اشبه يوجد بين الأجانب وينتفي بين الأقارب ولهذا روي عن النبي صلى الله عليه وسلم إن رجلاً أتاه فقال يا رسول الله إن امرأتي ولدت غلاماً أسود فقال " هل لك من ابل؟ قال نعم - قال - فما الوانها؟ قال حمر - قال فيها من أورق؟ قال - نعم - قال أين أتاها ذلك؟ قال لعل عرقاً نزع قال - وهذا لعل عرقاً نزع " متفق عليه قالوا ولو كان الشبه كافياً لاكتفي به في ولد الملاعنة وفيها إذا أقر أحد الورثة بأخ فأنكره الباقون. ولنا ما روى عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها مسروراً تبرق

مسألة: ينفق عليه من بيت المال إن ليم يوجد معه ما ينفق عليه

أسارير وجهه فقال " ألم تري أن محرزاً نظر آنفاً إلى زيد وأسامة وقد غطيا رؤوسهما وبدت أقدامهما فقال إن هذه الأقدام بعضها من بعض؟ " متفق عليه فلولا جواز الاعتماد على القيافة لما سر به النبي صلى الله عليه وسلم ولا اعتمد عليه ولأن عمر رضي الله عنه قضى به بحضرة الصحابة فلم ينكره منكر فكان إجماعاً ويدل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم في ولد الملاعنة " انظروها فإن جاءت به حمش الساقين كأنه وحرة فلا أراه إلا قد كذب عليها وإن جاءت به جعداً جمالياً سابغ الإليتين خدلج الساقين فهو الذي رميت به " فأتت به على النعت المكروه فقال النبي صلى الله عليه وسلم " لولا الأيمان لكان لي ولها شأن " فحكم به النبي صلى الله عليه وسلم الذي أشبهه منهما وقوله " لولا الأيمان لكان لي ولها شأن يدل على أنه لم يمنعه من العمل بالشبه إلا الإيمان فإذا انتفى المانع يجب العمل به لوجود مقتضيه وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم في ابن أمة زمعة حين رأى به شبهاً بيناً بعتبة بن أبي وقاص احتجبي منه يا سودة فعمل بالشبه في حجب سودة فإن قيل فالحديثان حجة عليكم إذ لم يحكم النبي صلى الله عليه وسلم بالشبه فيهما بل ألحق الولد بزمعة وقال لعبد بن زمعة " هو لك يا عبد بن زمعة الولد للفراش وللعاهر الحجر " ولم يعمل بشبه ولد الملاعنة في اقامة الحد عليها لشبهه بالمقذوف قلنا إنما لم يعمل به في ابن أمة زمعة لأن الفراش أقوى وترك العمل بالبينة لمعارضة ما هو أقوى منها لا يوجب الإعراض

مسألة: ويحكم بإسلامه إلا أن يوجد في بلد الكفار ولا مسلم فيه فيكون كافرا فإن كان فيه مسلم فعلى وجهين

عنها إذا خلت عن المعارض ولذلك ترك إقامة الحد عليها من أجل إيمانها بدليل قوله " لولا الأيمان لكان لي ولها شأن " على أن ضعف الشبه عن إقامة الحد لا يوجب ضعفه عن إلحاق النسب، فإن الحد في الزنا لا يثبت إلا بأقوى البينات وأكثرها عدداً وأقوى الاقرار حتى يعبر فيه تكراره أربع مرات وتدرأ بالشبهات، والنسب يثبت بشهادة امرأة على الولادة ويثبت بمجرد الدعوى مع ظهور انتفائه حتى لو أن امرأة أتت بولد وزوجها غائب منذ عشرين سنة لحقه ولدها فكيف يجنح إلى نفيه بعدم إقامة الحد؟ ولأنه حكم بظن غالب ورأي راجح ممن هو من أهل الخبرة فجاز كقول المقومين وقولهم أن الشبه يجوز وجوده وعدمه قلنا الظاهر وجوده ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم حين قالت أم سلمة أو ترى ذلك المرأة؟ قال " فمن أين يكون الشبه، والحديث الذي احتجوا به حجة عليهم لأن إنكار الرجل ولده لمخالقة لونه لونه وعزمه على نفيه لذلك يدل على أن العادة خلافه وإن في طباع الناس إنكاره فإن ذلك إنما يوجد نادراً وإنما الحقه النبي صلى الله عليه وسلم به لوجود الفراش وتجوز مخالفة الظاهر للدليل ولا يجوز تركه لغير دليل ولأن ضعفه عن نفي النسب لا يلزم منه ضعفه عن إثباته، فإن النسب يحتاط له لاثباته ويثبت بأدنى دليل ويلزم من ذلك التشديد في نفيه وإنه لا ينتفي إلا بأقوى الأدلة كما أن الحد لما انتفى بالشبهة لم يثبت إلا بأقوى دليل فلا يلزم حينئذ من المنع من نفيه بالشبه في الخبر المذكور أن لا يثبت به

مسألة: وما وجد معه من فراش تحته أو ثياب أو مال في جيبه أو تحت فراشه أو حيوان مشدود بثيابه فهو له، وإن كان مدفونا تحته أو مطروحا قريبا منه فعلى وجهين

النسب في مسئلتنا، فإن قيل فههنا إذا عملتم بالقيافة فقد نفيم النسب عمن لم تلحقه القافة به قلنا إنما انتسب ههنا لعدم دليله لأنه لم يوجد إلا مجرد الدعوى وقد عارضها مثلها فسقط حكمها وكان الشبه مرجحاً لأحدهما فانتفت دلالة الأخرى فلزم انتفاء النسب لانتفاء دليله، وتقديم اللعان عليه لا يمنع العمل به عند عدمه كاليد تقدم عليها البينة ويعمل بها عند عدمها. (فصل) والقافة قوم يعرفون الأنساب بالشبه ولا يختص ذلك بقبيلة معينة بل من عرف منه المعرفة بذلك وتكررت منه الإصابة فهو قائف، وقيل أكثر ما يكون في بني مدلج رهط محرز الذي رأى أسامة وزيداً قد غطيا رؤوسهما وبدت أقدامهما فقال إن هذه الأقدام بعضها من بعض، وكان إياس بن معاوية المزني قائفاً وكذلك قيل في شريح * (مسألة) * (فإن ألحقته بأحدهما لحق به ليرجح جانبه وإن ألحقته بهما لحق بهما وكان ابنها يرثهما ميراث ابن ويرثانه جميعاً ميراث أب واحد) يروي ذلك عن عمر وعلي رضي الله عنهما، وهو قول أبي ثور وقال أصحاب الرأي يلحق بهما بمجرد الدعوى، وقال الشافعي لا يلحق بأكثر من واحد فإن ألحقته بهما سقط قولهما ولم يحكم به واحتج برواية عن عمر رضي الله عنه أن القافة قالت اشتركا فيه، فقال عمر وال أيهما شئت ولأنه لا يتصور كونه من رجلين فإذا ألحقته القافة بهما تبينا كذبهما فسقط قولهما كما لو ألحقته بأمين ولأن المتداعيين

مسألة: وأولى الناس بحضانته واجده إن كان أمينا

لو اتفقا على ذلك لم يثبت، ولو ادعاه كل واحد منهما وأقام بينة سقطتا، ولو جاز أن يلحق بهما لثبت باتفاقهما وألحق بهما عند تعارض بينتهما ولنا ما روى سعيد في سننه ثنا سفيان عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار عن عمر في امرأة وطئها رجلان في طهر فقال الافئف قد اشتركا فيه جميعاً فجعله بينهما، وبإسناده عن الشعبي قال وعلي يقول هو ابنهما وهما أبواه يرثهما ويرثانه، رواه الزبير بن بكار بإسناده عن عمر، وقال الإمام أحمد حديث قتادة عن سعيد عن عمر جعله بينهما، وقال قابوس عن أبيه عن علي جعله بينهما، وروى الأثرم باسناده عن سعيد بن المسيب في رجلين اشتركا في طهر امرأة فحملت فولدت غلاماً يشبههما فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب فدعى القافة فنظروا فقالوا نراه يشبههما فألحقه بهما وجعله يرثهما ويرثانه، قال سعيد عصبته الباقي منهما وما ذكروه عن عمر لا نعلم صحته وإن صح فيحتمل أنه ترك قولهما لأمر آخر إما لعدم ثقتها وإما لأنه ظهر له من قولهما واختلافه ما يوجب تركه فلا ينحصر المانع من قبول قولهما أنهما اشتركا فيه. قال أحمد إذا ألحقته القافة بهما ورثهما وورثاه، فإن مات أحدهما فهو للباقي منهما ونسبه من الأول قائم لا يزيله شئ، ومعنى قوله هو للباقي منهما والله أعلم أنه يرثه ميراث أب كامل كما أن الجدة إذا انفردت أخذت ما تأخذه الجدات، والزوجة تأخذ وحدها ما يأخذه جميع الزوجات.

مسألة: وله الإنفاق عليه مما وجد معه بغير إذن حاكم، وعنه ما يدل على أنه لا ينفق عليه إلا بإذنه

* (مسألة) *) ولا يلحق بأكثر من أم واحدة) إذا ادعت امرأتان نسب اللقيط فهو مبني على قبول دعوتهما، وقد ذكرنا ذلك، وإن كانت إحداهما ممن تقبل دعوتها دون الأخرى فهو ابنها كالمنفردة، وإن كانتا ممن لا تقبل دعوتهما فوجودها كعدمها وإن كانتا جميعاً ممن تقبل دعوتهما فهما في إثباته بالبينة وكونه يرى القافة عند عدمها أو تعارضهما كالرجلين) . قال أحمد في رواية بكر بن محمد في يهودية ومسلمة ولدتا فادعت اليهودية ولد المسلمة فتوقف فقيل يرى القافة فقال ما أحسنه، ولأن الشبه يوجد بينهما وبين ابنها كوجوده بين الرجل وابنه بل أكثر لاختصاصها بحمله وتعذيته، والكافرة والمسلمة، والحرة والأمة، في الدعوة واحدة كقولنا في الرجال، وهذا قول أصحاب الشافعي على الوجه الذي يقولون بقبول دعوتها، إذا ثبت ذلك فإنه لا يلحق بأكثر من أم واحدة، فإن ألحقته القافة بأمين سقط قولهما لأننا لا نعلم خصأه قطعاً، وقال أصحاب الرأي يلحق بهما بمجرد الدعوى لأن الأم أحد الأبوين فجاز أن يلحق باثنتين كالآباء ولنا أن هذا محال يقيناً فلم يجز الحكم به كما لو كان أكبر منهما أو مثلهما بخلاف الرجلين فإن كونه منهما ممكن فإنه يجوز اجتماع نطفتي الرجلين في رحم امرأة فيمكن أن يخلق منهما ولدكما يخلق من نطفة الرجل وامرأة ولذلك فال القائف لعمر قد اشتركا فيه ولا يلزم من إلحاقه بمن يتصور كونه منه إلحاقه بمن يستحيل ذلك منه كما لا يلزم من إلحاقه بمن يولد مثله لمثله إلحاقه بأصغر منه

مسألة: فإن كان الملتقط فاسقا لم تقر في يده وهو قول الشافعي

(فصل) فإن ادعى نسبه رجل وامرأة فلا تنافي بينهما لإمكان كونه منهما بنكاح كان بينهما أو وطئ شبهة فيلحق بهما جميعاً ويكون ابنهما بمجرد دعوتهما كما لو انفرد كل واحد منهما بالدعوة وإن قال الرجل هذا ابني من زوجتي وادعت زوجته ذلك وادعته امرأة أخرى فهو ابن الرجل وترجح زوجته على الأخرى لأن زوجها أبوه فالظاهر أنها أمه، ويحتمل أن يستاويا لأن كل واحدة منهما لو انفردت ألحق بها فإذا اجتمعتا تساوتا (فصل) ولو ولدت امرأتان ابناً وبنتاً فادعت كل واحدة منهما أن الابن ولدها احتمل وجهين (أحدهما) أن يرى المرأتان القافة مع الولدين فيلحق كل منهما بمن ألحقته به كما لو لم يكن لهما ولد آخر. (والثاني) يعرض لبنهما على أهل الطب والمعرفة فإن لبن الذكر يخالف لبن الأنثى في طبعه وزنته وقد قيل لبن الابن ثقيل ولبن البنت خفيف فيعتبران بطباعهما ووزنهما وما يختلفان به عند أهل المعرفة فمن كان لبنها لبن فهو ولدها والبنت للأخرى، فإن لم يوجد قافة اعتبر باللبن خاصة فأما إن تنازعا أحد الوالدين وهما ذكران أو ابنتان عرضوا على القافة كما ذكرنا فيما تقدم (فصل) فإن ادعى اللقيط رجلان فقال أحدهما هو ابني وقال الآخر هو ابنتي فإن كان ابناً فهو لمدعيه وإن كان بنتاً فهي لمدعيها لأن كل واحد منهما لا يستحق غير ما ادعاه فإن كان خنثى مشكلاً أري القافة لأنه ليس قوله كل واحد منهما أولى من الآخر، فإن أقام كل واحد منهما بينة بما ادعاه فالحكم فيها كالحكم فيما لو انفرد كل واحد منهما بالدعوى لأن بينة الكاذب منهما كاذبة فوجودها كعدمها والأخرى صادقة فيتعين الحكم بها

* (مسألة) * (فإن ادعاه أكثر من اثنين فألحقته بهم لحق وإن كثروا) وقد نص أحمد في رواية مهنا أنه يلحق بثلاثة، ومقتضى هذا أنه يلحق بمن ألحقته القافة وإن كثروا، وقال ابن حامد لا يلحق بأكثر من اثنين وهو قول أبي يوسف لأننا صرنا إلى ذلك للأثر فيقتصر عليه وقال القاضي: لا يلحق بأكثر من ثلاثة وهو قول محمد بن الحسن وروي ذلك عن أبي يوسف أيضاً ولنا أن المعنى الذي لأجله ألحق باثنين موجود فيما زاد عليه فيقاس عليه، وإذا جاز أن يخلق من اثنين جاز أن يخلق من أكثر منهما، وقولهم: إن إلحاقه باثنين على خلاف الأصل ممنوع وإن سلمناه لكنه ثبت لمعنى موجود في غيره فيجب تعدية الحكم به كما أن إباحة أكل الميتة عند المخمصة أبيح على خلاف الأصل ولا يمنع من أن يقاس على ذلك مال الغير والصيد الحرمي وغيرهما من المحرمات لوجود المعنى وهو إبقاء النفس وتخليصها من الهلاك، وأما قول من قال يجوز إلحاقه بثلاثة ولا يزاد عليه فتحكم فإنه لم يقتصر على المنصوص عليه ولا عدى الحكم إلى ما في معناه ولا نعلم في الثلاثة معنى خاصاً يقتضي إلحاق النسب بهم دون ما زاد عليهم فلم يجز الاقتصار عليه بالتحكم * (مسألة) * (فإن نفته القافة عنهم أو أشكل عليهم أو لم يوجد قافة ضاع نسبه في أحد الوجهين وفي الآخر يترك حتى يبلغ فينتسب إلى من شاء أومأ إليه أحمد) وجملة ذلك أنه إذا ادعاه أكثر من واحد وأري القافة فنفته عنهم أو لم يوجد قافة أو تعارضت أقوالهم أو لم يوجد من يوثق بقوله لم يرجح أحدهم بذكر علامة في جسده لأن ذك لا يرجح به في سائر الدعاوي سوى الالتقاط في المال واللقيط ليس بمال، فعلى هذا يضيع نسيه، هذا قول أبي بكر لأنه

مسألة: فإن كان الملتقط رقيقا لم يقر في يده

لا دليل لأحدهم أشبه من لم يدع أحد نسبه، وقال ابن حامد نتركه حتى يبلغ فينتسب إلى من شاء منهم قال القاضي وقد أومأ أحمد إلى هذا في رجلين وقعا على امرأة في طهر واحد إلى أن الابن يخير أيهما أحب وهو قول الشافعي في الجديد وقال في القديم حتى يميز لقول عمر: وال أيهما شئت ولأن الإنسان يميل طبعه إلى قريبه دون غيره ولأنه مجهول النسب أقر به من هو من أهل الإقرار فثبت نسبه كما لو انفرد، وقال أصحاب الرأي: يلحق بالمدعيين بمجرد الدعوى لأن كل واحد منهم لو انفرد سمعت دعواه فإذا اجتمعا وأمكن العمل بهما وجب كما لو اقر له بمال ولنا أن دعواهما تعارضت ولا حجة لواحد منهما فلم يثبت كما لو ادعى رقه وليس هو في أيديهما قال شيخنا وقول أبي بكر أقرب لما ذكرنا وقولهم يميل طبعه إلى قرابته قلنا انما يميل إلى قرابته بعد معرفة أنه قرابته فالمعرفة بذلك سبب الميل فلا يثبت قبله ولو سلم ذلك فإنه يميل أيضاً إلى من أحسن إليه فإن القلوب جبلت على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها وقد يميل إليه لإساءة الآخر إليه وقد يميل إلى أحسنهما خلقاً وأعظمهما قدراً أو جاهاً أو مالاً فلا يبقى للميل أثر في الدلالة على النسب، ولا خلاف بين أصحابنا في أنه لا يثبت نسبه بالانتساب قبل البلوغ، قولهم أنه صدق المقر بنسبة قلنا لا يحل له تصديقه فإن النبي صلى الله عليه وسلم لعن من ادعى إلى غير أبيه وهذا يعلم أنه أبوه فلا نأمن أن يكون ملعوناً بتصديقه، ويفارق ما إذا انفرد فإن المنفرد يثبت النسب بقوله من غير تصديق، وقول عمر رضي الله عنه وال أيهما شئت لم يثبت ولو ثبت لم يكن فيه حجة لأنه إنما أمره بالموالاة لا بالانتساب وعلى قول من جعل له الانتساب إلى أحدهما إذا انتسب إلى أحدهما ثم عاد فانتسب إلى الآخر أو نفى نسبه من الأول ولم

مسألة: أو كافرا واللقيط مسلم

ينتسب إلى أحد لم يقبل منه لأنه قد ثبت نسبه فلا يقبل رجوعه عنه كما لو ادعى منفرد نسبه ثم أنكره ويفارق الصبي الذي يخير بين أبويه فيختار أحدهما ثم يرد إلى الآخر إذا اختاره فإنه لا حكم لقول الصبي وإنما تبع اختياره وشهوته فهو كما لو اشتهى طعاماً في يوم وغيره في يوم آخر، فأما إن قامت للآخر بينة بنسبه عمل بها لأنها تبطل قول القافة الذي هو مقدم على الانتساب فأولى أن تبطل الانتساب وإن وجدت قافة بعد انتسابه فألحقته بغير من انتسب إليه بطل انتسابه لأنه أقوى فبطل به الانتساب كالبينة مع القافة * (مسألة) * وكذلك الحكم إن وطئ امرأة اثنان بشبهة أو جارية مشتركة بينهما في طهر واحد أو وطئت زوجة رجل أو أم ولده بشبهة وأتت بولد يمكن أن يكون منه فادعى الزوج أنه من الواطئ أري القافة معهما) كاللقيط فألحق بمن ألحقوه به منهما سواء ادعياه أو جحداه أو أحدهما وقد ثبت الافتراش ذكره القاضي وشرط أبو الخطاب في وطئ الزوجة أن يدعي الزوج أنه من الشبهة ذكره في المحرر وكذلك إن تزوجها كل واحد منهما تزويجاً فاسداً وكان نكاح أحدهما صحيحاً والآخر فاسداً مثل أن يطلق امرأته فينكحها غيره في عدتها ويطؤها أو يبيع أمة فيطؤها المشتري قبل استبرائها وتأتي بولد يمكن أن يكون منهما فإنه يرى القافة معما فبأيهما ألحقوه لحق، والخلاف فيه كالخلاف في اللقيط على ما ذكرنا * (مسألة) * (ولا يقبل قول القائف إلا أن يكون ذكراً عدلاً مجرباً في الإصابة) وفي اعتبار حريته وجهان من المحرر قول القافة قوم يعرفون الأنساب بالشبه ولا يختص ذلك بقبيلة، وقد قيل أكثر ما يكون ذلك في بني مدلج رهط محرز المدلجي وكان إياس بن معاوية المزني قائفاً ولا يقبل قول القائف إلا أن يكون ذكراً عدلاً مجرباً في الإصابة لأن قوله حكم فاعتبرت له هذه الشروط، قال القاضي في معرفة القائف بالتجربة هو أن يترك الصبي مع عشرة رجال غير من يدعيه ويرى إياهم فإن ألحقه بواحد منهم سقط قوله لتبين خطئه وإن لم يلحقه بواحد منهم أريناه إياه مع عشرين منهم مدعيه فان ألحقه به لحق، ولو اعتبر بأن يرى صبياً معروف النسب مع قوم فيه أبوه أو أخوه فإذا ألحقه بقريبه عرفت إصابته وإن ألحقه بغيره سقط قوله جاز وهذه التجربة عند عرضه على القائف للاحتياط في معرفة إصابته ولو لم يجربه بعد أن يكون مشهوراً بالإصابة وصحة المعرفة في مرات كثيرة جاز، فقد روي أن رجلاً شريفاً شك في ولده من جاريته وأبى أن يستلحقه فمر به إياس بن معاوية في المكتب ولا يعرفه فقال له ادع لي أباك فقال له المعلم ومن أبو هذا؟ قال فلان، قال من أين علمت أنه أبوه؟ قال هو أشبه به من الغراب بالغراب فقام المعلم مسروراً إلى أبيه فأعلمه بقول إياس فخرج

مسألة: وإن التقطه في الحضر من يريد نقله إلى بلد آخر للإقامة فيه لم يجز في أحد الوجهين

الرجل وسأل إياساً من أين علمت أن هذا ولدي؟ فقال سبحان الله وهل يخفى ذلك على أحد أنه لأشبه بك من الغراب بالغراب فسر الرجل واستلحق ولده (فصل) نقل عن أحمد أنه لا يقبل إلا قول اثنين من القافة ولفظ الشهادة منهما فروى عنه الأثرم أنه قيل له إذا قال أحد القافة هو لهذا وقال الآخر هو لهذا قال لا يقبل قول واحد حتى يجتمع اثنان فيكونان شاهدين فإذا شهد اثنان من القافة أنه لهذا فهو لهذا لأنه قول يثبت به النسب أشبه الشهادة ولأنه حكم بالشبه في الخلقة فاعتبر فيه اثنان كالحكم بالمثل في جزاء الصيد، وقال القاضي يقبل قول الواحد لانه حكم ويكتفي في الحكم قول واحد وحمل كلام أحمد على ما إذا تعارض قول القائفين فقال إذا خالف القائف غيره تعارضا وسقطا، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم اكتفى بقول محرز وحده فإن قال اثنان قولاً وخالفهما واحد فقولهما أولى لأنه أقوى من قول واحد، وإن عارض قول اثنين قول اثنين سقط قول الجميع، فإن عارض قول اثنين قول ثلاثة أو أكثر لم يرجح وسقط الجميع كما لو كانت إحدى البينتين اثنين والأخرى ثلاثة فأما إن ألحقته القافة بواحد فجاءت قافة أخرى فألحقته بآخر كان للأول لأن قول القائف جرى مجرى حكم الحاكم إذا حكم حكماً لم ينتقض بمخالفة غيره ولذلك لو ألحقته بواحد ثم عادت فألحقته بغيره كذلك، وإن أقام الآخر بينة أنه ولده حكم له وسقط قول القائف لأنه بدل فسقط بوجود الأصل كالتيمم مع الماء (فصل) وإذا ألحقته القافة بكافر أو رقيق لم يحكم بكفره ولا رقه لأن الحرية والإسلام ثبتا له بظاهر الدار فلا يزول ذلك بمجرد الشبه والظن كما لم يزل ذلك بمجرد الدعوى من المنفرد لها وإنما قبلنا قول القافة في النسب للحاجة إلى إثباته ولكونه غير مخالف للظاهر ولهذا اكتفينا فيه بمجرد الدعوى من المنفرد ولا حاجة الى إثبات رقه وكفره وإثباتهما يخالف الظاهر (فصل) لو ادعى نسب اللقيط إنسان فألحق نسبه به لانفراده بالدعوى ثم جاء آخر فادعاه لم يزل نسبه عن الأول لأنه حكم له به فلا يزول بمجرد الدعوى فان ألحقته به القافة لحق به وانقطع عن الأول لأنها بينة في إلحاق النسب فيزول بها الحكم الثابت بمجرد الدعوى كالشهادة

كتاب الوصايا (وهي الأمر بالتصرف بعد الموت) الوصايا جمع وصية مثل العطايا جمع عطية والوصية بالمال هي المتبرع به بعد المو ت، وقال أبو الخطاب هو التبرع بمال يقف نفوذه على خروجه من الثلث، فعلى قوله تكون العطية في مرض الموت وصية، والصحيح أنها ليست وصية لأنها تخالفها في الاسم والحكم في أشياء ذكرناها في عطية المريض، والأصل فيها الكتاب والسنة والإجماع أما الكتاب فقوله سبحانه (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية) وقوله (من بعد وصية يوصى بها أو دين) وأما السنة فروى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني عام حجة الوداع من وجع اشتد بي فقلت يا رسول الله قد بلغ بي من الوجع ما ترى وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال " لا " قلت فبالشطر يا رسول الله؟ قال لا قلت فبالثلث؟ قال " الثلث والثلث كثير إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس " متفق عليه وعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ما حق امرئ مسلم له ما يوصي ففيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده "

مسألة: فإن اختلفا في الملتقط منهما قدم من له بينة

متفق عليه وعن أبي أمامة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث " رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح وعن علي رضي الله عنه قال انكم تقرؤن هذه الآية (من بعد وصية يوصى بها أو دين) وأن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالدين قبل الوصية رواه الترمذي وأجمع العلما في جميع الامصار والأعصار على جواز الوصية (فصل) ولا تجب إلا على من عليه دين أو عنده وديعة أو عليه واجب يوصي بالخروج منه لأن الله تعالى أوجب أداء الأمانات إلى أهلها وطريقه الوصية فتكون واجبة عليه، فأما الوصية ببعض ماله فليست واجبة عند الجمهور يروي ذلك عن الشعبي والنخعي والثوري ومالك وأصحاب الرأي والشافعي وغيرهم، قال ابن عبد البر اجمعوا على أن الوصية غير واجبة إلا على من عليه حق بغير بينة أو أمانة بغير إشهاد إلا طائفة شذت فأوجبتها فروي عن الزهري أنه قال: جعل الله الوصية حقاً مما قل أو كثر، وقيل لأبي مجلز على كل ميت وصية؟ قال إن ترك خيرا وقال أبو بكر عبد العزيز هي واجبة للأقربين الذين لا يرثون وبه قال داود وحكي ذلك عن مسروق وطاوس واياس وقتادة وابن جرير واحتجوا بالآية وبخبر ابن عمر فقالوا تستحب الوصية للوالدين والأقربين الوارثين وبقيت فيمن لا يرث من الأقربين

مسألة: فإن لم يكن لهما بينة قدم صاحب اليد فيكون القول قوله مع يمينه أنه التقطه

ولنا أن أكثر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يوصوا ولم ينقل لذلك نكير ولو كانت واجبة لم يخلوا بذلك ولنقل عنهم نقلاً ظاهراً ولأنها عطية لا تجب في الحياة فلم تجب بعد الموت كعطية الأجانب فأما الآية فقال ابن عباس نسخها قول سبحانه (للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون) الآية وقال ابن عمر نسختها آية الميراث وبه قال عكرمة ومجاهد ومالك والشافعي وذهب جماعة ممن يرى نسخ القرآن بالنسبة إلى أنها نسخت بقول النبي صلى الله عليه وسلم " إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث " وحديث ابن عمر محمول على من عليه واجب أو عنده وديعة * (مسألة) * (وتصح من البالغ الرشيد) عدلاً كان أو فاسقاً رجلاً أو امرأة مسلماً أو كافراً لأن هبتهم صحيحة فالوصية أولى * (مسألة) * (وتصح من السفيه في أصح الوجهين) المحجور عليه للسفه تصح وصيته في قياس قول أحمد قال الخبري وهو قول الأكثرين وفيه وجه آخر أنها لا نصح حكاه أبو الخطاب لأنه محجور عليه في تصرفانه فلم تصح منه كالهبة ولنا أنه عاقل مكلف فصحت وصيته كالرشيد ولأن وصيته محض مصلحة من غير ضرر لأنه

إن عاش لم يذهب من ماله شئ وإن مات فهو محتاج إلى الثواب فصحت وصيته كعباداته (فصل) وتصح من الصبي العاقل إذا جاوز العشر ولا تصح ممن له دون السبع وفيما بينهما روايتان المنصوص من أحمد صحة وصية الصبي العاقل إذا جاوز العشر رواه عنه صالح وحنبل قال أبو بكر لا يختلف المذهب أن من له عشر سنين تصح وصيته ومن له دون السبع لا تصح وصيته وفيما بين السبع والعشر روايتان وقال ابن أبي موسى لا تصح وصية الغلام لدون العشر ولا الجارية لدون تسع قولاً واحداً وما زاد على العشر فيصح على المنصوص وفيه وجه آخر لا تصح حتى يبلغ وقال القاضي وابو الخطاب تصح وصية الصبي إذا عقل وقد روي عن عمر رضي الله عنه أنه أجاز وصية الصبي وهو قول عمر بن عبد العزيز وشريح وعطاء والزهري وإياس وعبد الله بن عتبة والشعبي والنخعي ومالك واسحاق، قال إسحاق إذا بلغ اثنتي عشرة، وحكاه ابن المنذر عن أحمد وعن ابن عباس لا تصح

مسألة: وإن قتل عمدا فوليه الإمام إن شاء اقتص وإن شاء أخذ الدية

وصيته حتى يبلغ وبه قال الحسن ومجاهد وأصحاب الرأي وللشافعي قولان كالمذهبين ولأنه تبرع بالمال فلا يصح من الصبي كالهبة والعتق ولنا ما روى أن صبياً من غسان له عشر سنين وصى لأخوال له فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأجاز وصيته رواه سعيد، وروى مالك في موطئه عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه أن عمرو بن سليم أخبره أنه قيل لعمر بن الخطاب إن ههنا غلاماً يفاعاً لم يحتلم وورثته بالشام وهو ذو مال وليس له ههنا لا ابنة عم فقال عمر فليوص لها فأوصى بمال يقال له بئر خشم قال عمرو بن سليم فبعث ذلك المال بثلاثين ألفاً وابنة عمه التي أوصى لها هي أم عمر بن سليم قال أبو بكر وكان الغلام بن عشر أو اثنتي عشرة سنة وهذه قضية انتشرت ولم تنكر ولأنه تصرف محض نفع للصبي فصح منه كالإسلام والصلاة وذلك لأن الوصية صدقة يحصل ثوابها له بعد غناه عن ملكه فلا يلحقه ضرر في عاجل دنياه ولا أخراه بخلاف الهبة والمعتق المنجز فإنه يفوت من ماله ما يحتاج اليه وإذا ردت رجعت إليه وههنا لا يرجع إليه بالرد والطفل لا عقل له ولا تصح عباداته ولا إسلامه وأما من له فوق السبع ولم يبلغ العشر فقد ذكرنا فيه روايتين (إحداهما) تصح وصيته وهو ظاهر قول القاضي وأبي الخطاب لأنه عاقل يصح إسلامه

مسألة: وإن ادعى الجاني عليه أو قاذفه رقه وكذبه اللقيط بعد بلوغه فالقول قول اللقيط

يؤمر بالصلاة وتصح منه أشبه من جاوز العشر (والثانية) لا تصح كمن له دون السبع والأول أقيس والله أعلم قال الخرقي ومن جاوز العشر فوصيته جائزة إذا وافق الحق يريد إذا وصى وصية يصح مثلها من البالغ صحت منه ومالا فلا قال شريح وعبد الله بن عتبة وهما قاضيان من أصاب الحق أجزنا وصيته * (مسألة) * (ولا تصح من غير عاقل كالطفل والمجنون والمبرسم، وفي السكران وجهان) أما الطفل ومن له دون سبع سنين والمجنون والمبرسم فلا وصية لهم في قول الأكثرين منهم حميد بن عبد الرحمن ومالك والاوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي ومن تبعهم قال شيخنا ولا نعلم احداً خالفهم إلا إياس بن معاوتة فإنه قال في الصبي والمجنون إذا وافقت وصيتهما الحق جازت وليس بصحيح فإنه لا حكم لكلامهما ولا تصح عبداتهما ولا شئ من تصرفاتهما فكذلك الوصية بل أولى فإنه إذا لم يصح إسلامه وصلاته التي هي محض نفع لا ضرر فيها فأولى أن لا يصح بذله لمال يتضرر به وارثه فأما من يفيق في الأحيان فإذا أوصى حال جنونه لم يصح، وإن أوصى حال إفاقته صحت وصيته لأنه بمنزلة العقلاء في شهادته ووجوب العبادات عليه فكذلك وصيته ولا تصح وصية السكران في أصح الوجهين وفيه وجه آخر أنها تصح بناء على

مسألة: وإذا ادعى إنسان أنه مملوكه لم يقبل إلا ببينة تشهد أن أمته ولدته في ملكه ويحتمل أن لا يعتبر قولها في ملكه

طلاقه والأول أصح لأنه غير عاقل أشبه المجنون وطلاقه انا أوقعه من أوقعه تغليظاً عليه لارتكابه المعصية فلا يتعدى هذا إلى وصيته فإنه لا ضرر عليه فيها إنما الضرر على وارثه فأما الضعيف في عقله فإن منع ذلك رشده في ماله فهو كالسفيه وإلا فهو كالعاقل والله أعلم * (مسألة) * (وتصح وصية الأخرس بالإشارة ولا تصح ممن اعتقل لسانه بها ويحتمل أن تصح) إذا فهمت إشارة الأخرس صحت وصيته بها لأنها أقيمت مقام نطقه في طلاقه ولعانه وغيرهما فإن لم تفهم إشارته فلا حكم لهاربه قال أبو حنيفة والشافعي وغيرهما فأما الناطق إذا اعتقل لسانه فعرضت عليه وصيته فاشار بها رفعت إشارته فلا تصح وصيته إذا لم يكن مأيوساً من نطقه ذكره القاضي وابن عقيل وبه قال الثوري والاوزاعي وأبو حنيفة ويحتمل أن يصح وهو قول الشافعي وابن المنذر لأنه غير قادر على الكلام أشبه الأخرس واحتج ابن المنذر بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى وهو قاعد فأشار إليهم فقعدوا رواه البخاري وخرجه ابن عقيل وجهاً إذا اتصل باعتقال لسانه الموت ولنا أنه غير مأيوس من نطقه فلم تصح وصيته بالإشارة كالقادر على الكلام والخبر لا يلزم فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان قادراً على الكلام ولا خلاف في أن إشارة القادر لا تصح بها وصيته ولا إقراره وفارق الأخرس فإنه مأيوس من نطقه

مسألة: وإن أقر بالرق بعد بلوغه لم يقبل وعنه يقبل وقال القاضي: يقبل فيما عليه رواية واحدة وهل يقبل في غيره؟ على روايتين

(فصل) وإن وصى عبد أو مكاتب أو أم ولد وصية ثم ماتوا على الرق فلا وصية لهم لأنه لا مال لهم وإن عتقوا ثم ماتوا ولم يغيروا وصيتهم صحت لأن لهم قولاً صحيحاً وأهلية تامة وفارقوا الحر بأنهم لا مال لهم والوصية تصح مع عدم المال كما لو وصى الفقير ولا شئ له ثم استغنى وإن قال أحدهم متى عتقت ثم مت فثلثي لفلان وصية فعتق ثم مات صحت وصيته وبه قال أبو يوسف ومحمد وأبو ثور ولا أعلم عن غيرهم خلافهم * (مسألة) * (وإن وجدت وصيته بخطه صحت وعنه لا تصح حتى يشهد عليها) نقل إسحاق بن إبراهيم عن أحمد أنه قال من مات فوجدت وصيته مكتوبة عند رأسه ولم يشهد عليها وعرف خطه وكان مشهور الخط يقبل ما فيها ووجه ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم " ما حق امرئ مسلم له شئ يوصي فيه ببيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده ولم يذكر شهادة " ولأن الوصية يتسامح فيها ويصح تعليقها على الخطر والغرر وتصح للحمل وبالحمل وبما لا يقدر على تسليمه فجاز أن يتسامح فيها بقبول الخط كرواية الحديث وكما لو كتب الطلاق ولم يلفظ به وعن أحمد ما يدل على أنه لا يقبل الخط في الوصية ولا يشهد على الوصية المختومة حتى يسمعها الشهود منه أو تقرأ عليه فيقر بما فيه

وبهذا قال الحسن وأبو قلابة والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي، لأن الحكم لا يجوز برؤية خط الشاهد بالشهادة فكذا ههنا وأبلغ من هذا أن الحاكم لو رأى حكمه خطه تحت ختمه ولم يذكر أنه حكم به أو رأى الشاهد شهادته بخطه ولم يذكر الشهادة لم يجز للحاكم إنفاذ الحكم بما وجده ولا للشاهد الشهادة بما رأى خطه به فههنا أولى، وإن كتب وصيته وقال اشهدوا علي بما في هذه الورقة أو قال هذه وصيتي فاشهدوا علي بها فقد حكي عن أحمد أن الرجل إذا كتب وصيته وختم عليها وقال للشهود اشهدوا علي بما في هذا الكتاب لا يجوز حتى يسمعوا منه ما فيه أو يقرأ عليه فيقر بما فيه وهو قول من سمينا في المسألة الأولى ويحتمل جوازه على ما نقله عن أحمد إسحاق بن إبراهيم في المسألة قبلها وذكره الخرقي، وممن قال ذلك عبد الملك بن يعلى ومكحول ونمير بن ابراهيم ومالك والليث والاوزاعي ومحمد بن مسلمة وأبو عبيد واسحاق وروي عن سالم بن عبد الله وقتادة وسوار بن عبد الله بن الحسن ومعاذ بن معاذ العنبريين وهو مذهب فقهاء أهل البصرة وقضاتهم واحتج أبو عبيد بكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عماله وأمرائه في أمر ولايته وأحكامه وسننه ثم ما عمل به الخلفاء الراشدون المهديون بعده من كتبهم إلى ولاتهم بالأحكام التي فيها الدماء والفروج والأموال

مختومة لا يعلم حاملها ما فيها وأمضوها على وجهها وذكر استخلاف سليمان بن عبد الملك عمر بن عبد العزيز بكتاب كتبه وختم عليه، ولا نعلم احدا أنكر ذلك مع شهريه وانتشاره في علماء العصر فيكون إجماعاً، ووجه القول الأول أنه كتاب لا يعلم الشاهد ما فيه فلم يجز أن يشهد عليه ككتاب القاضي إلى القاضي والأولى الجواز إن شاء الله تعالى لظهور دليله والاصل لنافيه منع (فصل) وأما إذا ثبتت الوصية بشهادة أو إقرار الورثة به فإنه يثبت حكمه ويعمل به ما لم يعلم رجوعه عنه وإن تطاولت مدته وتغيرت أحوال الموصي مثل أن يوصي في مرض فيبرأ منه ثم يموت بعد أو بقتل لأن الأصل بقاؤه فلا يزول حكمه بمجرد الاحتمال والشك كسائر الأحكام (فصل) ويستحب أن يكتب الموصي وصيته وبشهد عليها لأنه أحوط لها وأحفظ لما فيها وقد ذكرنا حديث ابن عمر وروى أنس رضي الله عنه قال كانوا يكتبون في صدور وصاياهم بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصى به فلان أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور وأوصى من ترك من أهله أن يتقوا الله ويصلحوا ذات بينهم ويطيعوا الله ورسوله إن كانوا مؤمنين وأوصاهم بما أوصى به إبراهيم بنيه ويعقوب (يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون) أخرجه سعيد عن فضيل بن عياض

عن هشام بن حسان عن ابن سيرين عن أنس، وروي عن ابن مسعود أنه كتب في وصيته بسم الله الرحمن الرحيم هذا ذكر ما أوصى به عبد الله بن مسعود إن حدث بي حادث الموت من مرضه هذا أن مرجع وصيتي إلى الله تعالى ثم إلى الزبير بن العوام وابنه عبد الله وأنهما في حل وبل مما وليا وقضيا وأنه لا يزوج امرأة من بنات عبد الله ألا بإذنهما، وروى ابن عبد قال كان في وصيته أبي الدرداء بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصى أبو الدرداء أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله وأن الجنة حق والنار حق وأن الله يبعث من في القبور وأنه يؤمن بالله ويكفر بالطاغوت على ذلك يحيى ويموت إن شاء الله وأوصى فيما رزقه الله بكذا وكذا وأن هذه وصيته إذ لم يغيرها. * (فصل) * قال رحمه الله (والوصية مستحبة لمن ترك خيراً وهو المال الكثير بخمس ماله وتكره لغيره إن كان له ورثة) وجملة ذلك أن الوصية مستحبة لمن ترك خيراً لقول الله تعالى (كتب عليكم إذا حضر أحدكم المو ت إن ترك خيرا) الوصية فنسخ الوجوب وبقي الاستحباب في حق من لا يرث، وروى ابن عمر

قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا ابن آدم جعلت لك نصيباً من مالك حين أخذت بكظمك لا طهرك وأزكيك " وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ان الله تصدق عليكم عند وفاتكم بثلث أموالكم " رواهما ابن ماجة، وقال الشعبي من أوصى بوصية فلم يجر ولم يحف كان له من الأجر مثل ما لو أعطاه وهو صحيح، فأما الفقير الذي له ورثة محتاجون فلا يستحب له أن يوصي لأن الله تعالى قال في الوصية إن ترك خيرا وقال النبي صلى الله عليه وسلم لسعد " إنك إن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس " وقال ابدأ بنفسك ثم بمن تعول وقال علي رضي الله عنه لرجل أراد أن يوصي إنك لم تدع طائلاً إنما تركت شيئاً يسيراً فدعه لورثتك، وروي عنه أنه قال في أربعمائة دينار ليس فيها فضل عن الوراث وروي عن عائشة رضي الله عنها أن رجلاً قال لها لي ثلاثة آلاف درهم وأربعة أولاد أفأوصي؟ فقالت اجعل الثلاثة للأربعة وعن ابن عباس قال من ترك سبعمائة درهم ليس عليه وصية وقال عروة دخل علي على صديق له يعوده فقال الرجل إني أريد أن أوصي فقال له على أن الله تعالى يقول إن ترك خيرا وإنك إنما تدع شيئاً يسيراً فدعه لورثتك، واختلف أهل العلم في القدر الذي

مسألة: وإن قال إني كافر لم يقبل قوله وحكمه حكم المرتد، وقيل يقبل إلا أن يكون قد نطق بالإسلام وهو لا يعقله

لا نستحب الوصية لمالكه فروي عن أحمد إذا ترك دون الألف لا تستحب له الوصية وعن علي أربعمائة دينار وعن ابن عباس إذا ترك الميت سبعمائة درهم فلا يوصي وقال من ترك ستين ديناراً ما ترك خيراً وقال طاوس الخير ثمانون ديناراً، وقال النخعي ألف إلى خمسمائة وقال أبو حنيفة القليل أن يصيب أقل الورثة سهماً خمسون درهماً، قال شيخنا والذي يقوى عندي أنه متى كان المتروك لا يفضل عن غنى الورثة لم تستحب الوصية لأن النبي صلى الله عليه وسلم علل المنع من الوصية بقوله " إنك إن تترك ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة، ولأن إعطاء القريب المحتاج خير من إعطاء الأجنبي فمتى لم يبلغ الميراث غناءهم كان تركه لهم كعطيتهم إياه فيكون أفضل من الوصية به لغيرهم. فعلى هذا تختلف الحال باختلاف الورثة في كثرتهم وقلتهم وغنائهم وحاجتهم فلا يتقيد بقدر من المال وقد قال الشعبي ما من مال أعظم أجراً من مال يتركه الرجل لولده يغنيهم به عن الناس (فصل) والأولى ان لا يستوعب الثلث بالوصية وإن كان غنياً لقول النبي صلى الله عليه وسلم " والثلث كثير " قال ابن عباس لو أن الناس نقصوا من الثلث فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال " الثلث كثير " متفق عليه وقال القاضي وابو الخطاب إن كان غنياً استحب الوصية بالثلث

ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لسعد " والثلث كثير " مع إخباره إياه بكثرة ماله وقلة عياله فإنه قال في الحديث: إن لي مالاً كثيراً ولا يرثني إلا ابنتي. وروى سعيد ثنا خالد بن عبد الله ثنا عطاء بن الساثب عن أبي عبد الرحمن السلمي عن سعد بن مالك قال مرضت مرضاً فعادني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي " أوصيت؟ " فقلت نعم أوصيت بمالي كله للفقراء وفي سبيل الله فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم " أوص بالعشر؟ فقلت يا رسول الله مالي كثير وورثتي أغنياء فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يناقصني وأناقصه حتى قال " أوص بالثلث والثلث كثير " قال أبو عبد الرحمن لم يكن منا من يبلغ في وصيته الثلث حتى ينقص منه شيئاً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " الثلث والثلث كثير " إذا ثبت هذا فالأفضل للغني الوصية بالخمس روي نحو هذا عن أبي بكر الصديق وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما وهو ظاهر قول السلف وعلماء أهل البصرة، ويروى عن عمر رضي الله عنه أنه جاءه شيخ فقال يا أمير المؤمنين أنا شيخ كبير ومالي كثير ويرثني أعراب موالي كلالة منزوح بينهم أفأوصي بمالي كله؟ قال لا فلم يزل يحطه حتى بلغ العشر وقال إسحاق السنة الربع إلا أن يكون الرجل يعرف في ماله حرمة شبهات أو غيرها فله استيعاب الثلث

مسألة: ولا يتبع الكافر في دينه إلا أن يقيم بينة أنه ولد على فراشه

ولنا أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه أوصى بالخمس وقال رضيت بما رضي الله به لنفسه يريد قوله تعالى (واعلموا انما غنتم من شئ فأن لله خمسه) وروي أن أبا بكر وعلياً رضي الله عنهما أوصيا بالخمس، وعن علي رضي الله عنه أنه قال لأن أوصي بالخمس أحب إلي من أن أوصي بالربع وعن إبراهيم قال كانوا يقولون صاحب الربع أفضل من صاحب الثلث وصاحب الخمس أفضل من صاحب الربع وعن الشعبي قال كان الخمس أحب إليهم من الثلث فهو منتهى الجامح، وعن العلاء بن زياد قال أوصى أبي أن أسأل العلماء أي الوصية أعدل فما تتابعوا عليه فهو وصية فتتابعوا على الخمس. (فصل) والأفضل أن يجعل وصيته لأقاربه الذين لا يرثون إذا كانوا فقراء في قول عامة أهل العلم قال ابن عبد البر لا خلاف بين العلماء علمت في ذلك إذا كانوا ذوي حاجة وذك لأن الله تعالى كتب الوصية للوالدين والأقربين فخرج منه الوارثون بقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا وصية لوارث " وبقي سائر الأقارب على الوصية لهم وأقل ذلك الاستحباب، وقد قال الله تعالى (وآت ذا القربى حقه) وقال تعالى (وآتى المال على حبه ذوي القربى) فبدأ بهم ولأن الصدقة عليهم في الحياة أفضل فكذلك بعد

الموت فإن أوصى لغيرهم وتركهم صحت وصيته في قول أكثر أهل العلم منهم سالم وسليمان بن يسار وعطاء ومالك والثوري والاوزاعي وأصحاب الرأي والشافعي واسحاق وحكي عن طاوس والضحاك وعبد الملك بن يعلى أنهم قالوا ينزع عنهم ويرد إلى قرابته، وعن سعيد بن المسيب والحسن وجابر بن زيد للذي أوصى له ثلث الثلث والباقي يرد إلى قرابة الموصي لأنه لو أوصى بماله كله لجاز منه الثلث والباقي يرد على الورثة وأقاربه الذين لا يرثونه في استحقاق الوصية كالورثة في اسحقاق المال كله. ولنا ما روى عمران بن حصين أن رجلاً أعتق في مرضه ستة أعبد لم يكن له مال غيرهم فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فدعاهم فجزأهم ثلاثة أجزاء ثم أقرع بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة فأجاز العتق في ثلثه لغير أقاربه ولأنها عطية فجازت لغير أقاربه كالعطية في الحياة * (مسألة) * (فأما من لا وارث له فتجوز وصيته بجميع ماله وعنه لا يجوز إلا الثلث) اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله فيمن لم يخلف من وراثه عصبة ولا ذا فرض فروي عنه أن وصيته جائزة بكل ماله ثبت ذلك عن ابن مسعود وبه قال عبيدة السلماني ومسروق واسحاق وأهل العراق والرواية الأخرى لا يجوز إلا الثلث وبه قال مالك والاوزاعي وابن شبرمة والشافعي والعنبري

مسألة: فإن ادعاه اثنان أو أكثر لأحدهما بينة قدم بها فإن استووا في بينة أو عدمها عرض معهما على القافة أو مع أقاربهما إن ماتا

لأن له من يعقل عنه فلم تنفذ وصيته في أكثر من الثلث كما لو ترك وارثاً ولأن المسلمين يرثونه وهو بيت المال. ولنا أن المنع من الزيادة على الثلث إنما كان لتعلق حق الورثة به بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم " إنك إن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس " وههنا لا وارث له يتعلق حقه بماله فأشبه حال الصحة ولانه لم ينعق بماله حق وارث ولا غريم أشبه حال الصحة والثلث (فصل) وإن خلف ذا فرض لا يرث جميع المال كبنت أو أم لم تكن له الوصية بأكثر من الثلث لأن سعداً قال للنبي صلى الله عليه وسلم لا يرثني إلا ابنة فمنعه النبي صلى الله عليه وسلم من الزيادة على الثلث، ولأنها تستحق جميع المال بالفرض والرد فأشبه العصبة وإن كان للميتة زوج أو كان للرجل امرأة فكذلك لأن الوصية تنقص حقه لأنه إنما يستحق فرضه بعد الوصية لقول الله تعالى (من بعد وصية يوصى بها أو دين) وقيل تبطل في قدر فرضه من الثلثين فإذا كان للميتة زوج فله الثلث وإن كان للميت امرأة فلها السدس وهو ربع الباقي بعد الثلث والباقي للموصى له وهذا أولى إن شاء الله تعالى لأن الثلث ليس للوارث فيه أمر إنما إجازته ورده في الثلثين ولم ينقص عليه منهما شئ فأما ذوو

الأرحام فظاهر كلام الخرقي أنه لا يمنع الوصية بجميع المال لأنه قال ومن أوصى بجميع ماله ولا عصبة له ولا مولى فجائز وذلك لأن ذا الرحم إرثه كالفضلة والصلة ولذلك لا يصرف إليه شئ إلا عند عدم الرد والمولى، ولا تجب نفقتهم في الصحيح ويحتمل كلام شيخنا في الكتاب المشروح أنه لا تنفذ وصيته فيما زاد على الثلث لأن له وارثاً فيدخل في معنى قوله عليه السلام " إنك إن تترك ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس " ولأنهم ورثة يستحقون ماله بعد موته فأشبهوا ذوي الفروض والعصبات وتقديم غيرهم عليهم لا يمنع مساواتهم لهم في مسئلتنا كذوي الفروض الذين يحجب بعضهم بعضاً (فصل) فإن خلف ذا فرض لا يرث المال كله بفرضه أو قال أوصيت لفلان بثلثي على أنه لا ينقص ذا الفرض شيئاً من فرضه أو خلف امرأة وقال أوصيت لك بما فضل من المال عن فرضها صح في المسألة الأولى لأن ذا الفرض يرث المال كله لولا الوصية فلا فرق في الوصية بين أن يجعلها من رأس المال أو يجعلها من الزائد على الفرض، فأما المسألة الثانية فتنبني على الوصية بجميع المال فإن قلنا تصح ثم صحت ههنا لأن الباقي عن فرض الزوجة مال لا وارث له فصحت الوصية به كما لو لم تكن زوجة وإن قلنا لا تصح ثم فههنا مثله لأن بيت المال جعل كالوارث فصار كأنه ذو ورثة يستغرقون

المال إذا عين الوصية من نصيب العصبة منهم، فعلى هذا يعطى الموصى له الثلث من رأس المال ويسقط تخصيصه. * (مسألة) * (ولا يجوز لمن له وارث بزيادة على الثلث لأجنبي ولا لوارثه بشئ إلا بإجازة الورثة) وجملة ذلك أن الوصية لغير الوارث تلزم في الثلث من غير إجازة وما زاد على الثلث يقف على إجازة الورثة فإن أجازوه جاز وإن ردوه بطل في قول أكثر العلماء لقول النبي صلى الله عليه وسلم لسعد حين قال أوصي بمالي كله؟ قال " لا - الحديث إلى أن قال - فبالثلث والثلث كثير " وقوله عليه السلام " إن الله تصدق عليكم بثلث أموالكم عند مماتكم " يدل على أنه لا شئ له في الزائد عليه وحديث عمران ابن حصين في المملوكين السنة الذين أعتقهم المريض ولم يكن له مال سواهم. فجزأهم النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أجزاء فأعتق اثنين وأرث أربعة وقال له قولاً شديداً يدل على أنه لا يصح تصرفه فيها زاد على الثلث إذا لم تجز الورثة وتجوز بإجازتهم لأن الحق لهم وقد قيل إن الوصية بما زاد على الثلث باطلة كما يذكر فيما إذا أوصى للوارث، وحكم الوصية للوارث كالحكم في الوصية لغيره بالزيادة على الثلث في أنها تبطل بالرد بغير خلاف بين العلماء، قال إبن المنذر وابن عبد البر أجمع أهل العلم على هذا

وجاءت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فروى أبو أمامة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث " رواه أبو داود وابن ماجة والترمذي ولأن النبي صلى الله عليه وسلم منع من تفضيل بعض ولده عنى بعض في حال الصحة مع إمكان تلافي العدل بينهم بإعطاء الذي لم يعطه فيما بعد ذلك لما فيه من إيقاع العدواة والحسد بينهم ففي حال موته وتعلق الحقوق به وتعذر تلافي العدل بينهم أولى وأحرى فإن أجازها باقي الورثة جازت في قول الجمهور من أهل العلم وقال بعض أصحابنا الوصية باطلة وإن أجازها الورثة إلا أن يعطوه عطية مبتدأة أخذاً من ظاهر قول أحمد رحمه اله في رواية حنبل لا وصية لوارث وهذا قول المزني وأهل الظاهر وقول للشافعي واحتجوا بظاهر قول النبي صلى الله عليه وسلم " لا وصية لوارث " وظاهر مذهب أحمد والشافعي أن الوصية صحيحة في نفسها لأنه تصرف صدر من أهله في محله فصح كما لو وصى لاجنبي والخبر قد روي فيه " إلا أن يجيز الورثة " والاستثناء من النفي إثبات فيكون ذلك دليلاً

على صحة الوصية عند الإجازة ولو خلا من الاستثناء جاز أن يكون معناه لا وصية نافذة أو لازمة أو ما أشبه هذا أو يقدر فيه لا وصية لوارث عند عدم الإجازة من غيره من الورثة، وفائدة الخلاف أن الوصية إذا كانت صحيحة فإجازة الورثة تنفيذ وإجازة محضة يكفي فيها قول الوارث أجزت وإن كانت باطلة كانت الإجازة هبة مبتدأة وسنذكر ذلك إن شاء الله تعالى (فصل) وإن أسقط عن وارثه ديناً أو وصى بقضاء دينه أو أسقطت المرأة صداقها عن زوجها أو عفى عن جناية موجبها المال فهي كالوصية له وإن عفي عن القصاص وقلنا الواجب القصاص عيناً سقط إلى غير بدل وإن قلنا الواجب أحد شيئين سقط القصاص ووجب المال وإن عفي عن حد القذف سقط مطلقاً، وإن وصى لغريم وارثه صحت الوصية وكذلك إن وهب له وبهذا قال الشافعي وأبو حنيفة وقال أبو يوسف هي وصية للوارث لأن الوارث ينتفع بهذه الوصية ويستوفى دينه منها ولنا أنه وصى لأجنبي فصح كما لو وصى لمن عادته الإحسان إلى وارثه، وإن وصى لولد وارثه صح فإن كان يقصد بذلك نفع الوارث لم يجز فيما بينه وبين الله تعالى قال طاوس في قوله تعالى فمن خاف من موص جنفاً أو إثماً قال أن يوصي لولد ابنته وهو يريد ابنته رواه سعيد وقال ابن عباس الجنف في الوصية والإضرار فيها من الكبائر

مسألة: فإن ألحقته بأحدهما لحق به ليرجح جانبه وإن ألحقته بهما لحق بهما وكان ابنه يرثهما ميراث ابن ويرثانه جميعا ميراث أب واحد

* (مسألة) * (فإن وصى لكل وارث بمعين قدر نصيبه كرجل خلف ابناً وبنتاً وعبداً قيمته مائة وأمة قيمتها خمسون فوصى للابن بالعبد وللبنت بالأمة صحت الوصية في أحد الوجهين) لأن حق الوارث في القدر لا في العين بدليل ما لو عاوض المريض بعض ورثته أو أجنبياً بجميع ماله فإنه يصح إذا كان بثمن المثل وإن تضمن فوات عين المال (والثاني) يقف على إجازة الورثة لأن في الأعيان غرضاً صحيحاً فكما لا يجوز إبطال حق الوارث من قدر حقه لا يجوز من عينه * (مسألة) * (وإن لم يف الثلث بالوصايا تحاصوا فيه وادخل النقص على كل واحد بقدر وصيته وعنه يقدم العتق) إذا خلت الوصايا من العتق وتجاوزت الثلث فرد الورثة الزيادة فإن الثلث يقسم بين الموصى لهم على قدر وصاياهم ويدخل النقص على كل واحد منهم بقدر ماله في الوصية كمسائل العول إذا زادت الفروض عن المال فلو وصى لرجل بثلث ماله ولآخر بمائة ولآخر بمعين قيمته خمسون ووصى بفداء أسير بثلاثين ولعمارة مسجد بعشرين وثلث ماله مائة جمعت الوصايا كلها فبلغت ثلاثمائة ونسبت منها الثلث فكان

مسألة: ولا يلحق بأكثر من أم واحدة

ثلثها فيعطى كل واحد منهم ثلث وصيته فلصاحب الثلث ثلث المائة وكذلك صاحب المائة ولصاحب الخمسين سدسها ولفداء الأسير عشرة ولعمارة المسجد ستة وثلثان وإن كان فيها عتق ففيها روايتان (إحداهما) أن الثلث يقسم بين الوصايا والعتق كما لو لم يكن فيها عتق وهذا قول ابن سيرين والشعبي وأبي ثور لأنهم تساووا في سبب الاستحقاق فتساووا فيه كسائر الوصايا (والروية الثانية) يقدم العتق وما فضل منه يقسم بين سائر الوصايا على قدر وصاياهم روى ذلك عن عمر وبه قال شريح ومسروق وعطاء الخراساني وقتادة والزهري ومالك والثوري واسحاق لأن فيه حقاً لله وللآدمي فكان آكد ولأنه لا يلحقه فسخ ويلحق غيره ولأنه أقوى بدليل سرايته ونفوذ من الراهن والمفلس وروي عن الحسن والشافعي كالروايتين (فصل) والعطايا المعلقة بالمو ت كقوله إذا مت فأعطوا فلاناً كذا أو اعتقوا فلاناً ونحوه وصايا حكمها حكم غيرها من الوصايا في مقدمها ومؤخرها والخلاف في تقديم العتق منها لأنها تلزم بالموت فتتساوى كلها.

(فصل) إذا أوصى بعتق عبده لزم الوارث إعتاقه ويجبره الحاكم عليه إن أبى لأنه حق واجب عليه فأجبر عليه كتنفيذ الوصية بالعطية وإن أعتقه الوارث أو الحاكم فهو حر من حين أعتقه لأنه حنيئذ عتق وولاؤه للموصي لأنه السبب وهؤلاء نواب عنه ولهذا لزمهم إعتاقه فإن كانت الوصية بعتقه إلى غير الوارث كان الإعتاق اليه لأنه نائب الموصي في إعتاقه فلم يملك ذلك غيره إذا لم يمتنع كالوكيل في الحياة: * (مسألة) * (وإن أجاز الورثة الوصية جازت) لأن الحق لهم وإن ردوها بطلت بغير خلاف لأن الحق لهم فجاز بإجازتهم وبطل بردهم واجازتهم تنفيد في الصحيح من المذاهب لأن ظاهر المذهب أن الوصية للوارث وللأجنبي بالزيادة على الثلث صحيحة موقوفة على إجازة الورثة فعلى هذا تكون اجازته تنفيذاً وإجازة محضة يكفي فيها قول الوارث أجزت أو أمضيت أو نفذت فإذا قال ذلك لزمت الوصية ولا خلاف في تسميتها إجازة فعلى هذا لا تفتقر إلى شروط الهبة ولا تثبت فيها أحكام الهبة لأنها ليست هبة وقال بعض أصحابنا الوصية باطلة فعلى هذا تكون هبة تفتقر إلى شروط الهبة وتثبت فيها أحكامها فلو كان المجيز أباً للمجاز له لم يكن له الرجوع

مسألة: فإن ادعاه أكثر من اثنين فألحقته بهم لحق وإن كثروا

فيه إذا قلنا إنها إجازة مجردة وإن قلنا هي هبة مبتدأة فله الرجوع ولو أعتق عبدًا لا مال له سواه في مرضه أو وصى بعتقه فأعتقوه بوصيته نفذ العتق في ثلثه ووقف عتق باقيه على إجازة الورثة فإن أجازوه عتق جميعه واختص عصبات الميت بولائه كله على قولنا بصحة إعتاقه ووصيته وكذلك لو تبرع بثلث ماله في مرضه ثم أعتق أو وصى بالإعتاق فالحكم فيه على ما ذكرنا وإن قلنا الوصية باطلة والإجازة عطية مبتدأة اختص عصبات الميت بثلث ولائه وكان ثلثاه لجميع الورثة بينهم على قدر ميراثهم لأنهم باشروه بالإعتاق ولو تزوج رجل ابنة عمه فأوصت له بوصية أو أعطته في مرض موتها ثم ماتت وخلفته وأباه فأجاز أبوه وصيته وعطيته ثم أراد الرجوع فليس له ذلك إن قلنا هي تنفيذ وله الرجوع إن قلنا هي هبة مبتدأة ولو وقف في مرضه على ورثته فأجازوا الوقف صح إن قلنا إجازتهم تنفيذ وإن قلنا هي عطية مبتدأة انبنى على صحة وقف الإنسان على نفسه على ما ذكر من الخلاف فيه (فصل) ولا فرق في الوصية بين المرض والصحة وقد روى حنبل عن أحمد أنه قال إن وصى في المرض فهو من الثلث وإن كان صحيحاً فله أن يوصي بما شاء قال القاضي يريد بذلك العطية أما الوصية فهي عطية بعد الموت فلا يجوز منها إلا الثلث على كل حال

مسألة: فإن نفته القافة عنهم أو أشكل عليهم أو لم يوجد قافة ضاع نسبه في أحد الوجهين وفي الآخر يترك حتى يبلغ فينتسب إلى من شاء أومأ إليه أحمد

* (مسألة) * (ومن أوصى له وهو في الظاهر وارث فصار عند الموت غير وارث صحت الوصية، وإن أوصى له وهو غير وارث فصار عند الموت وارثاً بطلت لأن اعتبار الوصية بالموت) لا نعلم خلافاً بين أهل العلم في أن اعتبار الوصية بالموت، فلو وصى لثلاثة إخوة له مفترقين ولا ولد له ومات ولم يولد لم تصح الوصية لغير الأخ من الأب إلا بإجازة الورثة، وإن ولد له ابن صحت الوصية للجميع من غير إجازة إذا لم تتجاوز الثلث، وإن ولد له بنت جازت الوصية لغير الأخ من الأبوين فيكون لهما ثلثا الموصى به بينهما، ولا يجوز للأخ من الأبوين لأنه وارث، وبهذا يقول الشافعي وأبو ثور وابن المنذر وأصحاب الرأي، ولا نعلم عن غيرهم خلاف ذلك ولو وصى لهم وله ابن فمات ابنه قبل موته لم تجز الوصية لأخيه من أبويه ولا لأخيه من أمه وجازت لأخيه من أبيه، وإن مات الأخ من الأبوين قبل موته لم تجز الوصية للأخ من الأب أيضاً لأنه صار وارثاً (فصل) ولو وصى لامرأة أجنبية وأوصت له ثم تزوجها لم تجز وصيتها إلا بإجازة الورثة وإن أوصى أحدهما للآخر ثم طلقها جازت الوصية لأنه صار غير وارث إلا أنه إن طلقها في مرض موته

فقياس المذهب أنها لا تعطى أكثر من ميراثها لأنه يتهم أنه طلقها ليوصل إليها ماله بالوصية فلم ينفذ لها ذلك كما لو طلقها في مرض موته وأوصى لها بأكثر من ميراثها * (مسألة) * (ولا تصح إجازتهم وردهم إلا بعد موت الموصي وما قبل ذلك لا عبرة به) فلو أجازوا قبل ذلك ثم ردوا أو أذنوا لموروثهم بالوصية في حياته بجميع المال أو بالوصية لبعض الورثة ثم بدا لهم فردوا بعد وفاته فلهم الرد سواء كانت الإجازة في صحة الموصي أو مرضه نص عليه أحمد في رواية أبي طالب وروي ذلك عن ابن مسعود وهو قول شريح وطاوس والحكم والثوري والحسن ابن صالح والشافعي وأبي ثور وابن المنذر وأبي حنيفة وأصحابه وقال الحسن وعطاء وحماد بن أبي سليمان وعبد الملك بن يعلى والزهري وربيعة والاوزاعي وابن أبي ليلى ذلك جائز عليهم لأن الحق للورثة فإذا رضوا بتركه سقط حقهم كما لو رضي المشتري بالعيب وقال مالك إن أذنوا له في صحته فلهم أن يرجعوا وإن كان ذلك في مرضه وحين يحجب عن ماله فكذلك جائز عليهم ولنا أنهم أسقطوا حقوقهم فيما لم يملكوه فلم يلزمهم كالمرأة إذا أصدقت صداقها قبل النكاح أو أسقط الشفيع حقه من الشفعة قبل البيع ولأنها حالة لا يصح فيها ردهم للوصية فلم تصح فيها إجازتهم كما قبل الوصية.

مسألة: وكذلك الحكم إن وطئ امرأة اثنان بشبهة

* (مسألة) * (ومن أجاز الوصية ثم قال إنما أجزت لأني ظننت المال قليلاً فالقول قوله مع يمينه وله الرجوع بما زاد على ما ظنه في أظهر الوجهين إلا أن تقوم به بينة) وجملة ذلك أنه إذا وصى بزيادة على الثلث فأجاز الوارث الوصية ثم قال إنما أجزتها ظناً أن المال قليل فبان كثيراً فإن كانت للموصى له بينة تشهد باعترافه بقدر المال أو كان المال ظاهراً لا يخفي عليه لم يقبل قوله إذا قلنا الإجازة تنفيذ فإن قلنا هي هبة مبتدأة فله الرجوع فيما يجوز الرجوع في الهبة في مثله وإن لم تشهد بينة باعترافه ولم يكن المال ظاهراً فالقول قوله مع يمينه لأن الإجازة تنزلت منزلة الإبراء فلا تصح في المجهول فالقول قوله في الجهل به مع يمينه لأن الأصل عدم العلم فإذا وصى بنصف ماله فأجازه الوارث وكان المال ستة آلاف فقال ظننته ثلاثة آلاف فله الرجوع بخمسائة لأنه رضي بإجازة الوصية على أن الزائد على الثلث خمسمائة فكانت ألفاً فيرجع بخمسائة فيحصل للموصى له ألفان وخمسمائة

مسألة: ولا يقبل قول القائف إلا أن يكون ذكرا عدلا مجربا في الإصابة

وفيه وجه آخر أنه لا يقبل قوله لأنه أجاز عقداً له الخيار في فسخه فبطل خياره كما لو أجاز البيع من له الخيار في فسخه بعيب أو خيار أو أقر بدين ثم قال غلطت * (مسألة) * (وإن كان المجاز عيناً أو فرساً يزيد على الثلث فأجاز الوصية بها ثم قال ظننت باقي المال كثيراً تخرج الوصية من ثلثه فبان قليلاً أو ظهر عليه دين لم اعلمه تبطلل الوصية) لأن العبد معلوم لا جهالة فيه، وفيه وجه آخر أنه يملك الفسخ لأنه قد يسمح بذلك ظناً منه أن يبقى له من المال ما يكفيه فإذا بأن خلاف ذلك لحقه الضرر في الإجازة فملك الرجوع كالمسألة التي قبلها (فصل) ولا تصح الإجازة إلا من جائز التصرف ولا تصح من الصبي والمجنون والمحجور عليه للسفه لأنها تبرع بالمال فلم تصح منهم كالهبة، فأما المحجور عليه لفلس فتصح منه إن قلنا هي تنفيذ وإن قلنا هي هبة لم تصح منه لأنه ليس له هبة ماله * (مسألة) * (ولا يثبت الملك للموصى له إلا بالقبول بعد الموت فأما رده وقبوله قبل ذلك فلا عبرة به) يشترط لثبوت الملك للموصى له شرطان (أحدهما) القبول إذا كانت لمعين يمكن القبول منه في قول جمهور الفقهاء لأنها تمليك مال لمن هو من أهل الملك متعين فاعتبر قبوله كالهبة والبيع قال أحمد الهبة

والوصية واحد فإن كانت لغير معنى كالفقراء والمساكين أو لمن لا يمكن حصرهم كبني تميم أو على مصلحة كمسجد أو حج لم يفتقر إلى قبول ولزمت بمجرد الموت لأن اعتبار القول من جميعهم متعذر فسقط اعتباره كالوقف عليهم ولا يتعين واحد منهم فيكتفي بقبوله ولذلك لو كان منهم ذو رحم من الموصى به مثل أن يوصي بعبد للفقراء وأبوه فقير لم يعتق عليه ولأن الملك لا يثبت للموصى لهم بدليل ما ذكرنا من المسألة وإنما يثبت لك واحد منهم بالقبض فيقوم قبضه مقام قبوله أما الآدمي المعين فيثبت له الملك فعيتبر قبوله لكن لا يتعين القبول باللفظ بل يحصل بما قام مقامه من الأخذ والفعل الدال على الرضى كقولنا في الهبة والبيع ويجوز القبول على الفور والتراخي (الثاني) أن يقبل بعد موت الموصي لأنه قبل ذلك لم يثبت له حق ولذلك لم يصح رده * (مسألة) * (وإن مات الموصى له قبل موت الموصي بطلت الوصية) هذا قول أكثر أهل العلم روي ذلك عن علي رضي الله عنه وبه قال الزهري وحماد بن أبي سليمان وربيعة ومالك والشافعي وأصحاب الرأي وقال الحسن تكون لولد الموصى له وقال عطاء إذا علم المريض بموت الموصى له ولم يحدث فيما أوصى به شيئاً فهو لوارث الموصى له لأنه مات بعد عقد الوصية فيقوم الوارث مقامه كما لو مات بعد موت الموصي وقبل القبول

كتاب الوصايا

ولنا أنها عطية صادقت المعطى ميتاً فلم تصح كما لو وهب ميتاً وذلك لأن الوصية عطية بعد الموت وإذا مات قبل القبول بطلت الوصية أيضاً وإن سلمنا صحتها فإن العطية صادفت حيا بخلاف مسئلتنا. * (مسألة) * (وإن ردها بعد موته بطلت أيضاً) لا يخلو رد الوصية من أربعة أحوال (أحدها) أن يردها قبل موت الموصي فلا يصح الرد لأن الوصية لم تقع بعد أشبه رد المبيع قبل إيجاب البيع ولأنه ليس بمحل للقبول فلا يكون محلاً للرد كما قبل الوصية (الثاني) أن يردها بعد الموت وقبل القبول فيصح الرد وتبطل الوصية لا نعلم فيه خلافا لأنه اسقط حقه في حال يملك قبوله وأخذه فأشبه عفو الشفيع عن الشفعة بعد البيع (الثالث) أن يرد بعد القبول والقبض فلا يصح الرد لأن ملكه قد استقر عليه فأشبه رده لسائر ملكه إلا أن يرضي الورثة بذلك فتكون هبة منه لهم تفتقر إلى شروط الهبة (الرابع) أن يرد بعد القبول وقبل القبض فينظر فإن كان الموصى به مكيلا أو موزونا صح الرد لأنه لا يستقر ملكه عليه قبل قبضه فأشبه رده قبل القبول وإن كان غير ذلك لم يصح لأن ملكه قد استقر عليه فهو كالمقبوض ويحتمل أن يصح الرد بناء على أن القبض معتبر فيه، ولأصحاب الشافعي في هذه الحال وجهان

(أحدهما) يصح الرد في الجميع فلا فرق بين المكيل والموزون وغيرهما وهو المنصوص عن الشافعي لأنهم لما ملكوا الرد من غير قبول ملكوا الرد من غير قبض ولأن ملك الوصي لم يستقر عليه قبل القبض فصح رده كما قبل القبول (والثاني) لا يصح الرد لأن الملك يحصل بالقول من غير قبض (فصل) وكل موضع صح الرد فيه فإن الوصية تبطل بالرد ويرجع الموصى به إلى التركة فيكون الجميع للوارث لأن الأصل ثبوت الحق لهم وإنما خرج بالوصية فإذا بطلت رجع إلى ما كان عليه كأن الوصية لم توجد ولو عين بالرد واحداً فقصد تخصيصه بالمردود لم يكن له ذلك وكان لجميعهم لأن رده امتناع من تملكه فبقي على ما كان عليه ولأنه لا يملك دفعه إلى أجنبي فلم يملك دفعه إلى وار ث يخصه به. وكل موضع امتنع الرد لاستقرار ملكه عليه فله أن يخص به بعض الورثة لأنه ابتداء هبة ولأنه يملك دفعه إلى أجنبي فملك دفعه إلى الوراث فلو قال رددت هذه الوصية لفلان قيل له ما أرددت بقولك لفلان؟ فإن قال أردت تمليكه إياها وتخصيصه بها فقبلها اختص بها وإن قال أردت ردها إلى جميعهم ليرضى فلان عادت إلى الجميع إنما قبلوها فإن قبلها بعضهم دون بعض فمن قبل حصته منها (فصل) ويحصل الرد بقوله رددت الوصية وقوله ما أقبلها وما أدى هذا المعنى قال أحمد إذا

وصى لرجل بألف فقال لا أقبلها فهي لورثة الموصى له * (مسألة) * (وإن مات بعده وقبل الرد والقبول قام وارثه مقامه ذكره الخرقي وقال القاضي يبطل على قياس قوله) إذا مات الموصى له بعد موت الموصي وقبل الرد والقبول قام وارثه مقامه في القبول والرد كذلك ذكره الخرقي لأنه حق يثبت للموروث فثبت للوارث بعد موته لقوله عليه الصلاة والسلام " من ترك حقاً فلورثته " وكخيار الرد بالعيب وقال أبو عبد الله بن حامد تبطل الوصية لأنه عقد يفتقر إلى القبول فإذا مات من له القبول قبل القبول بطل العقد كالهبة قال القاضي هو قياس المذهب لأنه خيار لا يعتاض عنه فبطل كخيار المجلس والشرط وخيار الأخذ بالشفعة، وقال أصحاب الرأي تلزم الوصية في حق الوارث وتدخل في ملكه حكماً بغير قبول لأن الوصية قد لزمت من جهة الموصي وإنما الخيار للموصى له فإذا مات بطل خياره ودخل في ملكه كما لو اشترى شيئاً على أن الخيار له فمات بعد انقضائه ولنا على أن الوصية لا تبطل بموت الوصي أنها عقد لازم من أحد الطرفين فلم يبطل بموت من له الخيار كعقد الرهن والبيع إذا شرط فيه الخيار لأحدهما ولأنه عقد لا يبطل بموت الموجب له فلا يبطل

مسألة: وتصح من السفيه في أصح الوجهين

يموت الآخر كالذي ذكرنا، ويفارق الهبة والبيع قبل القبول من الوجهين الذين ذكرناهما وهو أنه جائز من الطرفين ويبطل بموت الموجب له ولا يصح قياسه على الخيارات لأن ثم يبطل الخيار ويلزم العقد فنظيره في مسئلتنا قول أصحاب الرأي ولنا على إبطال قولهم أنه عقد يفتقر إلى قبول التملك فلم يلزم قبل القبول كالبيع والهبة إذا ثبت هذا فان الوراث يقوم مقام الموصى له في الرد والقبول لأن كل حق مات عنه المستحق فلم يبطل بالموت قام الوارث فيه مقامه فإن رد الوارث الوصية بطلت وإن قبلها صحت وإن كان الوراث جماعة اعتبر القبول والرد من جميعهم فإن رد بعضهم وقبل بعض ثبت الملك لمن قبل في حصته وبطلت الوصية في حق من رد فإن كان منهم من ليس له التصرف قام وليه مقامه في ذلك وليس له أن يفعل إلا ما للمولى عليه فيه الحظ فإن فعل غيره لم يصح، فإذا كان الحظ في قبولها لم يصح الرد وكان له قبولها بعد ذلك وإن كان الحظ في ردها لم يصح قبوله لها لأن الولي لا يملك التصرف في حق المولي عليه بغير ماله الحظ فيه فلو وصى لصبي بذي رحم يعتق بمكله له وكان على الصبي ضرر في ذلك بأن تلزمه نفقة الموصى به لكونه فقيراً لا كسب له والمولى عليه موسر لم يكن له قبول الوصية وإن لم يكن عليه ضرر لكون

الموصى به ذا كسب أو لكون المولى عليه فقيراً لا تلزمه نفقته تعين القبول لأن في ذلك نفعاً للمولى عليه لعتق قرابته من غير ضرر يعود عليه فتعين ذلك والله أعلم * (مسألة) * (وإن قبلها بعد الموت ثبت الملك حين القبول في الصحيح من المذهب) وهو قول مالك وأهل العراق وروي عن الشافعي وفيه وجه آخر ذكره أبو الخطاب أنه إذا قبل تبينا أن الملك ثبت حين موت الموصي وهو ظاهر مذهب الشافعي لأن ما وجب انتقاله بالقبول وجب انتقاله من جهة الموجب عند الإيجاب كالهبة والبيع ولأنه لا يجوز ان يثبت الملك فيه للوارث لأن الله تعالى قال (من بعد وصية يوصى بها أو دين) والإرث بعد الوصية ولا يبقى للميت لأنه صار جماداً لا يملك شيئاً وللشافعي قول ثالث غير مشهور أن الوصية تملك بالموت ويحكم بذلك قبل القبول لما ذكرنا ولنا أنه تمليك عين لمعين يفتقر إلى القبول فلم يسبق الملك القبول كسائر العقود ولأن القبول من تمام السبب والحكم لا يتقدم سببه ولأن القبول لا يخلو من أن يكون شرطاً أو جزءاً من السبب والحكم لا يتقدم سببه ولا شرطه ولأن الملك في الماضي لا يجوز تعليقه بشرط مستقبل، فإن قيل فلو قال لامرأته أنت طالق قبل موتي بشهر ثم مات تبينا وقوع الطلاق قبل موته بشهر، قلنا ليس هذا شرطاً في وقوع الطلاق وإنما نتبين الوقت الذي يقع فيه الطلاق ولو قال إذا مت فأنت طالق قبله

مسألة: ولا تصح من غير عاقل كالطفل والمجنون والمبرسم، وفي السكران وجهان

بشهر لم يصح، وأما انتقاله من جهة الموجب في سائر العقود فإنه لا ينتقل إلا بعد القبول فهو كمسئلتنا غير أن ما بين الإيجاب والقبول ثم يسير لا يظهر له أثر بخلاف مسئلتنا، قولهم إن الملك لا يثبت للوارث ممنوع فإن الملك ينتقل الى الوراث بحكم الأصل إلا أن يمنع منه مانع فأما قول الله تعالى (من بعد وصية يوصى بها أو دين) قلنا المراد به الوصية المقبولة بدليل أنه لو لم يقبل لكان ملكاً للوارث وقبل قبولها فليست مقبولة ويحتمل أن يكون المراد بقوله (فلكم الربع من بعد وصية يوصى بها) أي لكم ذلك مستقر ولا يمنع هذا ثبوت الملك غير مستقر ولهذا لا يمنع الدين ثبوت الملك في التركة وهو آكد من الوصية وإن سلمنا أن الملك لا يبقى للوارث فإنه يبقى ملكاً للميت كما إذا كان عليه دين، وقولهم لا يبقى له ملك ممنوع فإنه يبقى ملكه فيما يحتاج إليه من مؤنة تجهيزه ودفنه وقضاء ديونه ويجوز أن يتجدد له ملك في ديته إذا قتل وفيما إذا نصب شبكة فوقع فيها صيد بعد موته بحيث تقضى ديونه وننفذ وصاياه ويجهز إن كان قبل تجهيزه فهذا يبقى على ملكه لتعذر انتقاله إلى الوارث من أجل الوصية وامتناع انتقاله إلى الوصي قبل تمام السبب فإن رد الموصى له أو قبل انتقل حينئذ فإن قلنا بالأول وإنه ينتقل إلى الوارث فإنه يثبت له الملك على وجه لا يفيد إباحة التصرف كثبوته في العين المرهونة

مسألة: وتصح وصية الأخرس بالإشارة ولا تصح ممن اعتقل لسانه بها ويحتمل أن تصح

فلو باع الموصى به أو رهنه أو أعتقه أو تصرف بغير ذلك لم ينفذ شئ من تصرفاته ولو كان الوارث ابناً للموصي به مثل أن تملك امرأة زوجها الذي لها منه ابن فتوصي به لأجنبي فإذا ماتت انتقل الملك فيه إلى ابنه حين القبول ولا يعتق عليه * (مسألة) * (فما حصل من كسب أو نماء منفصل في الموصى به بعد موت الموصي وقبل القبول كالولد والثمرة والكسب فهو للورثة على الوجه الأول) لأنه ملكهم فإن كان متصلاً تبعها لأنه يتبع في العقود والفسوخ * (مسألة) * (وإن كانت الوصية بأمة فوطئها الوراث قبل القبول فأولدها صارت أم ولد له وولدها حر لأنه وطئها في ملكه) وعليه قيمتها للوصي إذا قبلها لأنه فوتها عليه ولا مهر عليه ولا تلزمه قيمة الولد لذلك، فإن قيل فكيف قضيتم بعتقها ههنا وهي لا تعتق بإعتاقه؟ قلنا الاستيلاد أقوى ولذلك يصح من المجنون والراهن والأب والشريك المعسر وإن لم ينفذ إعتاقهم، وعلى الوجه الآخر يكون ولده رقيقاً والأمة باقية على الرق فإن وطئها الموصى له قبل ذلك كان قبولاً لها ويثبت الملك له به لأنه لا يجوز إلا في الملك

فإقدامه عليه دليل على اختياره الملك فأشبه ما لو وطئ من له الرجعة زوجته الرجعية أو وطئ من له الخيار في البيع الأمة المبيعة أو وطئ من له خيار فسخ النكاح امرأته * (مسألة) * (وإن وصى له بزوجته فأولدها بعد موت الموصي وقبل القبول فولده رقيق للوارث) وعلى الوجه الآخر يكون حر الأصل ولا ولاء عليه وأمه أم ولد لأنها علقت منه بحر في ملكه * (مسألة) * (وإن وصى له بأبيه فمات قبل القبول فقبل ابنه عتق الموصى به ولم يرث شيئاً) وجملة ذلك أنه إذا وصى له بأبيه فمات الموصى له بعد موت الموصي وقبل الرد والقبول فلوارثه قبولها على قول الخرقي وهو الصحيح إن شاء الله تعالى فإن قبلها ابنه صح وعتق عليه الجد ولم يرث من ابنه شيئاً لأن حريته إنما حدثت حين القبول بعد أن صار الميراث لغيره وعلى الوجه الآخر نثبت حريته من حين موت الموصي ويرث من ابنه السدس وقال بعض أصحاب الشافعي لا يرث أيضاً لأنه لو ورث لاعتبر قبوله ولا يجوز اعتبار قبوله قبل الحكم بحريته وإذا لم يجز اعتباره لم يعتق فيؤدي توريثه إلى إبطال توريثه وهذا فاسد فإنه لو أقر جميع الورثة بمشارك لهم في الميراث ثبت نسبه وورث مع أنه يخرج المقرون به عن كونهم جميع الورثة ومن

مسألة: وإن وجدت وصيته بخطه صحت وعنه لا تصح حتى يشهد عليها

فروع ذلك أنه لو مات الموصى له فقبل وارثه لثبت الملك للوارث القابل ابتداء من جهة الموصي لا من جهة موروثه ولم يثبت للموصى له شئ فحينئذ لا تقضى ديونه ولا ننفذ وصاياه ولا يعتق من يعتق عليه فإن كان منهم من يعتق على الوراث عتق عليه وكان ولاؤه له دون الموصى له وعلى الوجه الآخر نتبين أن الملك كان ثابتاً للموصى له وإن انتقل منه إلى وارثه فتنعكس هذه الأحكام فتقضى ديونه وننفذ وصاياه ويعتق من يعتق عليه وله ولاؤه يختص به الذكور من ورثته ويحتمل أن يثبت الملك من حين الموت فتنعكس هذه الأحكام وقد ذكرناه (فصل) وتصح الوصية مطلقة ومقيدة فالمطلقة أن يقول إن مت فثلثي للمساكين أو لزيد والمقيدة أن يقول إن مت في مرضي هذا أو في هذه البلدة أو في سفري هذا فثلثي للمساكين فإن برأ من مرضه أو قدم من سفره أو خرج من البلدة ثم مات بطلت الوصية المقيدة دون المطلقة قال أحمد فيمن وصى وصية إن مات من مرضه هذا أو من سفره هذا ولم يغير وصيته ثم مات بعد ذلك فليس له وصية وبهذا قال الحسن والثوري والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي وقال مالك إن قال قولاً ولم يكتب كتاباً فهو كذلك وإن كتب كتاباً ثم صح من مرضه وأقر الكتاب فالوصية بحالها ما لم ينقضها.

ولنا أنها وصية بشرط لم يوجد شرطها فبطلت كما لو لم يكتب كتاباً أو كما لو وصى لقوم فماتوا قبله ولأنه قيد وصيته بقيد فلا تتعداه كما ذكرناه وإن قال لأحد عبديه أنت حر بعد موتي وقال للآخر أنت حر إن مت من مرضي هذا فمات من مرضه فالعبدان سواء في التدبير وإن برأ من مرضه ذلك بطل تدبير المقيد وبقي تدبير المطلق بحاله، ولو وصى لرجل بثلثه وقال إن مت قبلي فهو لعمرو صحت وصيته على حسب ما شرطه وكذلك سائر الشروط فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال " المسلمون على شروطهم " (فصل) قال رضي الله عنه (ويجوز الرجوع في الوصية) اتفق أهل العلم على أن للموصي أن يرجع في كل ما وصى به وفي بعضه إلا الوصية بالإعتاق فقد اختلف فيها فالاكثرن على جواز الرجوع فيها أيضاً روى ذلك عن عمر رضي الله عنه أنه قال يغير الرجل ما شاء من وصيته وبه قال عطاء وجابر بن زيد والزهري وقنادة ومالك والشافعي وأحمد واسحاق وأبو ثور وقال الشعبي وابن سيرين وابن شبرمة والنخعي يغير ما شاء منها إلا العتق لأنه إعتاق بعد الموت فلم يملك تغييره كالتدبير

ولنا أنها وصية فملك الرجوع عنها ولأنها عطية تنجز بالموت فجاز له الرجوع عنها قبل تنجيزها كهبة ما يفتقر إلى القبض قبل قبضه، وأما التدبير فلنا فيه منع وإن سلم فإن الوصية تفارق التدبير فإنه تعليق على شرط فلم يملك تغييره كتعليته على صفة في الحياة * (مسألة) * (فإذا قال قدر رجعت في وصيتي أو أبطلتها أو نحو ذلك كقوله غيرتها بطلت) لأنه صريح في الرجوع وإن قال في الموصى به هو لورثتي أو في ميراثي فهو رجوع لأن ذلك ينافي كونه وصية * (مسألة) * (وإن قال ما أوصيت به لفلان فهو لفلان كان رجوعاً) وبه قال الشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه مخالفاً لأنه صرح بالرجوع عن الأول بذكره أن ما أوصى به مردود إلى الثاني أشبه ما لو قال رجعت عن وصيتي لفلان وأوصيت بها لفلان * (مسألة) * (وإن وصى به لآخر ولم يقل ذلك فهو بينهما) إذا وصى لإنسان بمعين من ماله ثم وصى به لآخر أو وصى لرجل بثلثه ثم وصى لآخر بثلثه أو وصى بجميع ماله لرجل ثم وصى به لآخر فهو بينهما وليس ذلك رجوعاً

في الوصية الأولى وبه قال ربيعة ومالك والثوري والشافعي واسحاق وابن المنذر وأصحاب الرأي وقال جابر بن زيد والحسن وعطاء وطاوس وداود وصيته للأخير منهما لأنه وصى للثاني بما وصى به للأول فكان رجوعاً كما لو قال ما وصيت به لفلان فهو لفلان ولأن الثانية تنافي الأولى فإذا أتى بها كان رجوعاً كما لو قال هذا لورثتي ولنا أنه وصى بها لهما فاستويا فيها كما لو قال وصيت لكما بهذه العين وما قاسوا عليه صرح فيه بالرجوع عن وصيته للأول وفي مسئلتنا يحتمل أنه قصد التشريك فلم تبطل وصية الآخر بالشك (فصل) إذا وصى بعبد لرجل ثم وصى لآخر بثلثه فهو بينهما أرباعاً وعلى قول الآخرين ينبغي أن يكون للثاني ثلثه كاملاً وإن وصى بعبده لاثنين فرد أحدهما وصيته فللآخر نصفه وإن وصى لاثنين بثلثي ماله فرد الورثة ذلك ورد أحد الوصيين وصيته فللآخر الثلث كاملاً لأنه وصى له به منفرداً وزالت المزاحمة فكمل له كما لو انفرد به (فصل) إذا أقر الوارث أن أباه وصى بالثلث لرجل وأقام آخر شاهدين أنه أوصى له بالثلث، فرد الوارث الوصيين وكان الوارث رجلاً عدلاً وشهد بالوصية حلف معه الموصى له واشتركا في

الثلث، وبهذا قال أبو ثور، وهو قياس قول الشافعي، وقال أصحاب الرأي لا يشاركه المقر له بناء منهم على أن الشاهد واليمين ليس بحجة شرعية، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بشاهد ويمين رواه مسلم، وإن كان المقر ليس بعدل أو كان امرأة فالثلث لمن شهدت له البينة، لأن وصيته ثابتة ولم تثبت وصية الآخر وإن لم يكن لواحد منهما بينة فأقر الوراث أنه أقر لفلان بالثلث أو بهذا العبد، أو أقر لآخر به بكلام متصل فالمقر به بينهما، وبهذا قال أبو ثور وأصحاب الرأي، ولا نعلم فيه مخالفاً وإن أقر به لواحد ثم أقر به لآخر في مجلس آخر لم يقبل إقراره لأنه ثبت للأول بإقراره فلا يقبل قوله فيما ينقص به حق الأول إلا أن يكون عدلاً فيشهد بذلك ويحلف معه المقر له فيشاركه كما لو ثبت للأول ببينة، وإن أقر للثاني في المجلس بكلام منفصل ففيه وجهان (أحدهما) لا يقبل لأن حق الأول ثبت في الجميع فأشبه ما لو أقر له في مجلس آخر (والثاني) يقبل لأن المجلس الواحد كالحال الواحدة. * (مسألة) * (وإن باعه أو وهبه أو رهنه كان رجوعاً) إذا وهب الموصى به أو تصدق به أو أكله أو أطعمه أو أتلفه أو كان ثوباً ففصله ولبسه

أو جارية فأحبلها أو ما أشبه ذلك فهو رجوع. قال إبن المنذر أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم أنه إذا أوصى لرجل بطعام فأكله أو بشئ فأتلفه أو وهبه أو تصدق به أو بجارية فأحبلها أو أولدها فإنه يكون رجوعاً، وكذلك إن باعها، وحكي عن أصحاب الرأي إن بيعه ليس برجوع لأنه أخذ بدله بخلاف الهبة. ولنا أنه أزال ملكه عنه، فكان رجوعاً كما لو وهبه وإن عرضه على البيع أو وصى ببيعه أو أوجب الهبة فلم يقبلها الموهوب له كان رجوعاً لأنه يدل على اختياره للرجوع ووصيته ببيعه أو إعتاقه رجوع لكونه وصى بما ينافي الوصية الأولى وإن رهنه كان رجوعاً لأنه علق به حقاً يجوز بيعه، فكان أعظم من عرضه على البيع، وفيه وجه آخر أنه ليس برجوع، وهو وجه لأصحاب الشافعي لأنه لا يزيل الملك أشبه إجارته * (مسألة) * (وإن كاتبه أو دبره أو جحد الوصية فعلى وجهين) (أحدهما) يكون رجوعاً لأن الكتابة بيع والتدبير أقوى من الوصية لأنه ينتجز بالموت فسبق أخذ الموصى له وجحد الوصية رجوع لأنه لا يدل على الرجوع ولأن جحده يدل على أنه لا يريد إيصاله إلى الموصى له.

و (الثاني) لا يكون رجوعاً لآل الكتابة والتدبير لا يخرج بهما عن ملكه ولأن الوصية عقد فلا تبطل بالجحود كسائر العقود وهو رواية عن أبي حنيفة. * (مسألة) * (وإن خلطه بغيره على وجه لا يتميز منه كان رجوعاً) لأنه يتعذر تسليمه فيدل على رجوعه، وإن خلطه بما يتميز منه لم يكن رجوعاً، لأنه لا يمنع التسليم وإن أزال اسمه فطحن الحنطة أو عجن الدقيق أو خبز الحنطة أو جعل الخبز فتيتاً فهو رجوع لأنه أزال اسمه وذكره القاضي لأنه أزال اسمه وعرضه للاستعمال، وذلك دليل على رجوعه وبهذا قال الشافعي، وعلى قياس ذلك إذا نجر الخشبة باباً ونحوه لأنه أزال اسمه فهو في معناه، وإن كان قطناً أو كتاناً فغزله، أو غزلاً فنسجه، أو ثوباً فقطعه، أو بقرة فضربها، أو شاة فذبحها كان رجوعاً، وبه قال أصحاب الرأي والشافعي في ظاهر مذهبه، واختار أبو الخطاب أنه ليس برجوع وهو قول أبو ثور لأنه لا يزيل اسمه ولنا أنه عرضه للاستعمال فكان رجوعاً لأن فعله يدل على الرجوع، وقولهم انه لا يزيل اسمه لا يصح فإن الثوب لا يسمى غزلاً، والغزل لا يسمى كتاناً. (فصل) وإن حدث بالموصى به ما يزيل اسمه من فعل الموصي مثل أن سقط الحب في الأرض

فصار زرعاً أو انهدمت الدار فصارت فضاء في حياة الموصي بطلت الوصية بها لأن الباقي لا يتناوله الإسم وهو اختيار القاضي وذكر أبو الخطاب في الدار إذا انهدمت وزال اسمها وجهاً أنه لا يكون رجوعاً لأن الموصي لم يقصد ذلك والأول أولى وإن كان انهدام الدار لا يزيل اسمها سلمت إليه. * (مسألة) * (وان زاد في الدار عمارة أو انهدام بعضها فهل يستحقه الموصى له؟ على وجهين: (أحدهما) : لا يستحقه لأن الزيادة لم تتناولها الوصية والأنقاض لا تدخل في مسمى الدار وإنما يتبع الدار في الوصية وما يتبعها في البيع. و (الوجه الآخر) : يدخلان في الوصية لأن الزيادة تابعة للموصى به فأشبه سمن العبد وتعليمه والمنهدم قد دخل في الوصية فتبقى الوصية ببقائه. * (مسألة) * (وإن وصى له بقفيز من صبرة ثم خلط الصبرة بأخرى لم يكن رجوعاً سواء خلطها بمثلها أو خير منها أو دونها لأنه كان مشاعاً وبقي مشاعاً وقيل أن خلطه بخير منه كان رجوعاً لأنه لا يمكنه تسليم الموصى به إلا بتسليم خير منه ولا يجب على الوارث تسليم خير منه فصار متعذر التسليم بخلاف ما إذا خلطه بمثله أو دونه. (فصل) نقل الحسن بن ثواب عن أحمد في رجل قال هذا ثلثي لفلان ويعطي فلان منه مائة

مسألة: فأما من لا وارث له فتجوز وصيته بجميع ماله وعنه لا يجوز إلا الثلث

في كل شهر الى أن يموت فهو للآخر منهما ويعطى هذا مائة في كل شهر فإن مات وفضل شئ رد إلى صاحب الثلث فحكم بصحة الوصية وإنفاذها على ما أمر به الموصى. * (مسألة) * (وإن وصى لرجل بشئ ثم قال إن قدم فلان فهو له، فقدم في حياة الموصي فهو له لأنه جعله له بشرط قدومه وقد وجد الشرط، وإن قدم بعد موت الموصي فهو للأول في أحد الوجهين، لأنه لما مات قبل قدومه انتقل إلى الأول لعدم الشرط في الثاني وقدم وقدم الثاني بعد ملك الأول له وانقطاع حق الموصي منه فيبقى للأول، ذكره القاضي، وفي الوجه الثاني هو للقادم لأنه مشروط له بقدومه فأشبه ما لو قال إن حملت نخلتي بعد موتي فهو لفلان، فحملت بعد موته فإنه يستحق حملها، بعد ملك الورثة لأصلها. (فصل) إذا أوصى بأمة لزوجها الحر فقبلها انفسخ النكاح، لأن النكاح لا يجتمع مع ملك اليمين وظاهر المذهب أن الموصى له إنما ملك الموصى به بالقبول فحينئذ ينفسخ النكاح، وفيه وجه آخر أنه إذا قبل تبينا أن الملك كان ثابتاً من حين موت الموصي فتبين أن النكاح انفسخ من حين موت الموصي فإن أتت بولد لم يخل من ثلاثة أحوال.

(أحدها) أن تكون حاملاً حين الوصية ويعمل ذلك بأن تأتي به لأقل من ستة أشهر منذ أوصى فالصحيح أنه يكون موصى به معها لأن للحمل حكماً ولهذا تصح الوصية به وله وإذا صحت الوصية به منفرداً صحت به مع أمه فيصير كما لو كان منفصلاً فأوصى بهما جميعاً وفيه آخر لا حكم للحمل فلا يدخل في الوصية وإنما يثبت له الحكم عند انفصاله كأنه حدث حينئذ فعلى هذا إن انفصل في حياة الموصي فهو كسائر كسبها، وإن انفصل بعد موته وقبل القبول فهو للورثة على ظاهر المذهب وإن انفصل بعده فهو للموصي. (الحال الثاني) أن تحمل به بعد الوصية ويعلم ذلك بأن تضعه بعد ستة أشهر من حين أوصى لأنها ولدته لمدة الحمل بعد الوصية فيحتمل أنها حملته بعدها فلم تتناوله والأصل عدم الحمل حال الوصية فلا نثبته بالشك فيكون مملوكاً للموصي إن ولدته في حياته وإن ولدته بعده وقلنا للحمل حكم فكذلك وإن قلنا لا حكم له فهو للورثة إن ولدته قبل القبول ولأبيه إن ولدته بعده وكل موضع كان الولد للموصى له فإنه يعتق عليه بأنه ابنه وعليه ولاء لأبيه لأنه عتق عليه بالقرابة وأمه أمة ينفسخ نكاحها بالملك ولا تصير أم ولد لأنها لم تعلق منه بحر في ملكه

مسألة: ولا يجوز لمن له وارث بزيادة على الثلث لأجنبي ولا لوارثه بشيء إلا بإجازة الورثة

(الحال الثالث) أن تحمل بعد موت الموصي وقبل القبول ويعلم ذلك بأن تضعه لأكثر من ستة أشهر من حين الموت فإن وضعته قبل القبول فهو للوارث في ظاهر المذهب لأن الملك إنما يثبت للموصى له بعد القبول وعلى الوجه الآخر يكون للموصي له، وإن وضعته بعد القبول فكذلك لأن الظاهر أن للحمل حكماً فيكون حادثاً على ملك الوارث وعلى الوجه الآخر يكون للموصي له فعلى هذا يكون حراً لا ولاء عليه لأنها أم ولد لكونها علقت منه بحر في ملكه فهو كما لو حملت به بعد القبول ومذهب الشافعي في هذا الفصل قريب مما قلناه، وقال أبو حنيفة إذا وضعته بعد موت الموصي دخل في الوصية بكل حال لأنها تستقر بالموت وتلزم فوجب أن تسري إلى الولد كالاستيلاد ولنا أنها زيادة منفصلة حادثة بعد عقد الوصية فلا تدخل فيها كالكسب وكما لو وصى بعتق جارية فولدت ويفارق الاستيلاد لأن له تغليباً وسراية وهذا التفريع فيما إذا خرجت من الثلث وإن لم تخرج من الثلث ملك منها بقدر الثلث وانفسخ النكاح لأن ملك بعضها يفسخ النكاح كملك جميعها وكل موضع يكون الولد لابيه فان يكون له منه ههنا بقدر ما ملك من أمه ويسري العتق إلى باقيه إن كان موسراً وإن كان معسراً فقد عتق منه ما ملك وحده وكل موضع قلنا تكون أم ولد فإنها تصير أم ولد ههنا

سواء كان موسراً أو معسراً على قول الخرقي كما إذا استولد الأمة المشتركة وقال القاضي يصير منها أم ولد بقدر ما ملك منها وهذا مذهب الشافعي والله أعلم (فصل) قال رضي الله عنه (وتخرج الواجبات من رأس المال أوصى بها أو لم يوص كقضاء الدين والحج والزكاة) لأن حق الورثة بعد اداء الدين لقوله سبحانه (من بعد وصية يوصى بها أو دين) وقال علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بدأ بالدين قبل الوصية رواه الترمذي والواجب لحق الله سبحانه بمنزلة الدين لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " دين الله أحق أن يقضى " فإن وصى معها بتبرع اعتبر الثلث من الباقي فيخرج الواجب أولا من رأس المال ثم يخرج ثلث الباقي كمن تكون تركته أربعين فيوصي بثلث ماله وعليه دين عشرة فتخرج العشرة أولا وتدفع إلى الموصى له بالثلث عشرة وهي ثلث الباقي بعد الدين * (مسألة) * (وإن قال أخرجوا الواجب من ثلثي أخرج من الثلث وتمم من رأس المال على ما قال الموصي كأنه قصد إرفاق ورثته بذلك فإن كان معها وصية بتبرع فقال القاضي يبدأ بالواجب فإن فضل عنه من الثلث شئ فهو لصاحب التبرع وإن لم يفضل منه شئ سقط وذلك لأن الدين تجب

البداءة به قبل الميراث والتبرع فإذا عينه في الثلث وجب البداية به وما فضل للتبرع فإن لم يفضل شئ سقط لأنه لم يوص له بشئ إلا أن يجيز الورثة فيعطى ما أوصى له به وقال أبو الخطاب يزاحم به أصحاب الوصايا فيحتمل ما قاله القاضي ويحتمل أن يقسم الثلث بين الواجب والتبرع بالحصة فما بقي من الواجب تمم من الثلثين فيدخله الدور ويحتاج إلى العمل بطريق الخبر فلو كان المال ثلاثين فالواجب عشرة والوصية عشرة فاجعل تتمة الواجب شيئاً يبقى ثلاثون إلا شيئاً فثلثه عشرة إلا ثلث شئ اقسمها بين الواجب والتبرع يحصل للواجب خمسة إلا سدس شئ فإذا أضفت إليها الشئ الذي هو تتمة الواجب كان عشرة فأجبر الخمسة من الشئ بسدسه يبقى خمسة أسداس شئ تعدل خمسة فتبين ان الشئ ستة وللوصي الآجر وهو صاحب التبرع أربعة (فصل) فإن كان عليه دين خمسة أيضاً عزلت تتمة الواجب شئ وتتمة الدين نصف شئ بقي ثلث المال عشرة إلا نصف شئ فاقسمه بين الوصايا فيحصل للواجب أربعة الا خمس شئ اضمم إليها تتمته يصير شيئاً وأربعة الا خمس شئ تصير عشرة وبعد الجبر تصير أربعة أخماس تعدل ستة فرد على الستة ربعها تكن سبعة ونصفها تعدل شيئاً فالشئ سبعة ونصف ونصف الشئ ثلاثة ونصف وربع

مسألة: وإن لم يف الثلث بالوصايا تحاصوا فيه وادخل النقص على كل واحد بقدر وصيته وعنه يقدم العتق

وبقية المال ثمانية عشر وثلاثة أرباع ثلثها ستة وربع للدين خمسها أحد وربع إذا ضمت إليه تتمته كمل خمسة وللواجب اثنان ونصف يكمل بتتمته وللصدقة اثنان ونصف، وفي عملها طريق آخر وهو أن يقسم الثلث بكماله بين الوصايا بالقسط ثم ما بقي من الواجب أخذته من الورثة وصاحب التبرع بالقسط ففي المسألة الأولى يحصل للواجب خمسة يبقى له خمسة يأخذ من صاحب التبرع ديناراً ومن الورثة أربعة وفي المسألة الثانية حصل للواجب أربعة وبقي له ستة وحصل للدين دينار وبقي له ثلاثة فيأخذان ما بقي لهما وذلك تسعة من الورثة نصفها وثلثها وذلك سبعة ونصف ومن صاحب التبرع سدسها دينار ونصفها للواجب منها ثلثاها وللدين ثلثها فإن أوصى بالواجب وأطلق فهو من رأس المال فيبدأ بإخراجه قبل التبرعات والميراث فإن كانت وصية ثم بتبرع فلصاحبها ثلث الباقي وهذا قول أكثر أصحاب الشافعي وذهب بعضهم إلى أن الواجب من الثلث كالقسم الذي قبله لأنه إنما يملك الوصية بالثلث. ولنا أن الواجب من رأس المال وليس في وصيته ما يقتضي تغييره فيبقى على ما كان عليه كما لو لم يوص به وقولهم لا يملك الوصية إلا بالثلث قلنا في التبرع وأما في الواجبات فلا ينحصر في الئلث

ولا يتقيد به فإن أوصى بالواجب وقرن به الوصية بتبرع مثل أن يقول حجوا عني وأدوا ديني وتصدقوا عني ففيه وجهان (أصحهما) أن الواجب من رأس المال لأن الاقتران في اللفظ لا يدل على الاقتران في الحكم ولا في كيفيته ولذلك قال الله تعالى (كلوا من ثمره إذا اثمر وآتو حقه يوم حصاده) والأكل لا يجب والإيتاء يجب ولأنه ههنا قد عطف غير الواجب عليه فكما لم يستويا في الوجوب لا يلزم استواءهما في محل الإخراج (والثاني) أنه من الثلث لأنه قرن به ما مخرجه من الثلث والله سبحانه وتعالى أعلم. (باب الموصى له) تصح الوصية لكل من يصح تمليكه من مسلم وذمي وحربي ومرتد، أما صحة الوصية للمسلم والذمي فلا نعلم فيه خلافاً وبه قال شريح والشعبي والثوري والشافعي واسحاق وأصحاب الرأي قال محمد بن الحنفية في قوله تعالى (إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفاً) هو وصية المسلم لليهودي والنصراني ولأن الهبة تصح له فصحت الوصية كالمسلم وتصح وصية الذمي للمسلم لأنه إذا صحت وصية المسلم للذمي

مسألة: وإن أجاز الورثة الوصية جازت

فوصية الذمي للمسلم أولى وحكم وصية الذمي حكم وصية المسلم فيما ذكرنا، وتصح الوصية للحربي وإن كان في دار الحرب نص عليه أحمد وبه قال مالك وأكثر أصحاب الشافعي، وقال بعضهم لا تصح وهو قول أبي حنيفة لأن الله تعالى قال (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم) الآية إلى قوله (إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم) الآية فدل على أن من قاتلنا لا يحل بره ولنا أنه تصح هبة فصحت الوصية له كالذمي وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى عمر حلة من حرير فقال يا رسول الله كسوتنيها وقد قلت في حلة عطارد ما قلت فقال " إني لم أعطكها لتلبسها " فكساها عمر خاله مشركاً بمكة وعن أسماء بنت أبي بكر قالت أتتني أمي وهي راغبة تعني عن الإسلام فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله أتتني أمي وهي راغبة أفأصلها؟ قال " نعم " وهذان فيهما صلة أهل الحرب وبرهم والآية حجة لنا فيمن لم يقاتل فأما المقاتل فإنما نهى عن توليه لا عن بره ولا الوصية له وإن احتج بالمفهوم فهو لا يراه حجة ثم قد حصل الإجماع على صحة الهبة للحربي والوصية في معناها.

* (مسألة) * (وتصح للمرتد كما تصح الهبة له) ذكره أبو الخطاب وقال ابن أبي موسى لا تصح لأن ملكه غير مستقر ولا يرث ولا يورث فهو كالميت ولأن ملكه يزول عن ماله بردته في قول أبي بكر وجماعة فلا يثبت له الملك بالوصية * (مسألة) * (وتصح لمكاتبه ومدبره وأم ولده) تصح الوصية للمكاتب سواء كان مكاتبه أو مكاتب وارثه أو مكاتب أجنبي سواء وصى له يجزء شائع أو معين لأن ورثته لا يستحقون المكاتب ولا يملكون ماله ولأنه يملك المال بالعقود فصحت الوصية له كالحر، فإن قال ضعوا عن مكاتبي بعض كتابته أو بعض ما عليه وضعوا ما شاؤا وإن قال ضعوا عنه نجماً من نجومه فلهم أن يضعو اي نجم شاؤا وسواء كانت نجومه متفقة أو مختلفة لتناول اللفظ له فإن قال ضعوا عنه أي نجم شاء رجع إلى مشيئته لأن سيده جعل المشيئة إليه وإن قال ضعوا عنه أكثر نجومه وضعوا عنه أكثرها مالاً لأنه أكبرها قدراً، وإن قال ضعوا عنه أكثر نجومه وضعوا عنه أكثر من نصفها لان اكثر الشئ يزيد على نصفه فإن كانت نجومه خمسة وضعوا ثلاثة وإن كانت ستة وضعوا أربعة ويحتمل أن يصرف إلى واحد منها أكثرها مالاً فإن كانت نجومه سواء تعين القول الأول فإن قال ضعوا عنه أوسط نجومه ولم يكن فيها إلا وسط واحد تعين مثل أن تكون نجومه متساوية القدر والأجل وعددها مفرد فيتعين الأوسط في العدد فإن كانت خمسة تعين الثالث، وإن كانت

مسألة: ومن أوصى له وهو في الظاهر وارث فصار عند الموت غير وارث صحت الوصية، وإن أوصى له وهو غير وارث فصار عند الموت وارثا بطلت لأن اعتبار الوصية بالموت

سبعة فالرابع فإن كان عددها مزدوجاً وهي مختلفة المقدار فبعضها مائة وبعضها مائتان وبعضها ثلاثمائة فأوسطها المائتان فيتعين وإن كانت متساوية القدر مختلفة الأجل مثل أن يكون اثنان إلى شهر شهر وواحد إلى شهرين وواحد الى ثلاثة أشهر تعنيت الوصية في الذي إلى شهرين، وإن اتفقت هذه المعاني في واحد تعين، وإن كان لها أوسط في القدر وأوسط في الأجل وأوسط في العدد يخالف بعضها بعضاً رجع إلى قول الورثة، وإن اختلفت الورثة والمكاتب في إرادة الموصي منها فالقول قول الورثة مع أيمانهم أنهم لا يعلمون ما أراد، ومتى كان العدد وتراً فأوسطه واحد وإن كانت شفعاً كأربعة فأوسطه اثنان وهكذا القول فيما اذا أوصى بأوسط نجومه، وإن قال ضعوا عنه ما يخف أو ما يثقل أو ما يكثر رجع إلى تقدير الورثة لان كل شئ يخف إلى حيث ما هو أثقل منه، ويثقل إلى حيث ما هو أخف منه،

مسألة: ولا تصح إجازتهم وردهم إلا بعد موت الموصي وما قبل ذلك لا عبرة به

كما قال أصحابنا فيما إذا أقر بمال عظيم أو كثير أو ثقيل أو خفيف، وإن قال ضعوا عنه أكثر ما عليه وضع عنه النصف وأدنى زيادة وإن قال ضعوا عنه أكثر ما عليه ومثل نصفه فذلك ثلاثة أرباع وأدنى زيادة وإن قال ضعوا أكثر ما عليه ومثله فذلك الكتابة كلها وزيادة عليها فيصح في الكتابة ويبطل في الزيادة لعدم محلها وإن قال ضعوا عنه ما شاء فشاء وضع كل ما عليه وضع لتناوله اللفظ فإن قال ضعوا عنه ما شاء من مال الكتابة لم يضعوا عنه الكل، لأن من للتبعيض ومذهب الشافعي على نحو ما ذكرنا في هذا الفصل.

مسألة: ومن أجاز الوصية ثم قال إنما أجزت لأني ظننت المال قليلا فالقول قوله مع يمينه وله الرجوع بما زاد على ما ظنه في أظهر الوجهين إلا أن تقوم به بينة

* (مسألة) * (وتصح الوصية لمدبره) لأنه يصير حراً حين لزوم الوصية فصحت الوصية له كأم الولد فان لم يخرج من الثلث هو والوصية جميعاً قدم عتقه على الوصية لأنه أنفع له، وقال القاضي يعتق بعضه ويملك من الوصية بقدر ما عتق منه. ولنا أنه وصى لعبده وصية صحيحة فيقدم عتقه على ما يحصل له من المال كما لو وصى لعبده القن بمشاع من ماله. * (مسألة) * (وتصح الوصية لأم ولده لأنها حرة حين لزوم الوصية) وقد روى ذلك عن عمر رضي الله عنه انه أوصى لأمهات أولاده بأربعة آلاف أربعة آلاف، رواه سعيد وروي ذلك عن عمران بن حصين، وبه قال ميمون بن مهران، والزهري، ويحيى الانصاري، ومالك، والشافعي، واسحق.

مسألة: وإن كان المجاز عينا أو فرسا يزيد على الثلث فأجاز الوصية بها ثم قال ظننت باقي المال كثيرا تخرج الوصية من ثلثه فبان قليلا أو ظهر عليه دين لم أعلمه تبطل الوصية

* (مسألة) * (وتصح لعبد غيره) وتكون الوصية لسيده والقبول من العبد لأن العقد مضاف إليه أشبه ما لو وهبه شيئاً فإذا قبل نثبت لسيده لأنه من كسب عبده وكسب العبد للسيد ولا يفتقر في القبول إلى إذن السيد لأنه كسب من غير إذن سيده كالاحتطاب وهذا قول أهل العراق والشافعي ولأصحابه وجه آخر أنه يفتقر إلى إذن السيد لأنه تصرف العبد فهو كبيعه وشرائه ولنا أنه تحصيل مال بغير عوض فلم يفتقر إلى إذنه كقبول الهبة وتحصيل المباح (فصل) وإن وصى لعبد وارثه فهي كالوصية لوارثه تقف على إجازة الورثة وبه قال الشافعي وأبو حنيفة، وقال مالك إن كان يسيراً جاز لأن العبد يملك وإنما لسيده أخذه من يده فإذا أوصى له بشئ يسير علم أنه قصد بذلك العبد دون سيده.

مسألة: وإن مات الموصى له قبل موت الموصي بطلت الوصية

ولنا أنها وصية لعبد وارثه أشبه الوصية بالكثير وما ذكره من ملك العبد ممنوع لا اعتبار به فإنه مع هذا القصد يستحق سيده أخذه فهو كالكثير. (فصل) وإذا وصى بعتق أمته على أن لا تتزوج ثم مات فقالت لا أتزوج عتقت فإن تزوجت بعد ذلك لم يبطل عتقها وهذا مذهب الأوزاعي والليث وأبي ثور وابن المنذر وأصحاب الرأي لأن العتق إذا وقع لم يمكن رفعه فإن وصى لأم ولده بألف على أن لا تتزوج أو على أن تبيت مع ولده ففعلت وأخذت الألف ثم تزوجت أو تركت ولده ففيها وجهان (أحدهما) تبطل وصيتها لأنه فات الشرط ففاتت الوصية، وفارق العتق فإنه لا يمكن رفعه (والثاني) لا تبطل وصيتها وهو قول أصحاب الرأي لأن وصيتها صحت فلم تبطل بمخالفة ما شرط عليها كالأولى * (مسألة) * (وتصح لعبده بمشاع كثلثه فإن خرج العبد من الوصية عتق واستحق باقيه وإن لم يخرج من الثلث عتق منه بقدر الثلث) وبهذا قال الحسن وابن سيرين وأبو حنيفة إلا أنهم قالوا إن لم يخرج من الثلث سعى في قيمة باقيه

مسألة: وإن ردها بعد موته بطلت أيضا

وقال الشافعي الوصية باطلة إلا أن يوصي بعتقه لأنه أوصى لمال يصير للورثة فلم يصح كما لو وصى له بمعين. ولنا أن الجزء الشائع يتناول نفسه أو بعضها لأنه من جملة الثلث الشائع والوصية له بنفسه تصح ويعتق وما فضل استحقه لأنه يصير حراً فملك الوصية فيصير كأنه قال أعتقوا عبدي من ثلثي وأعطوه ما فضل منه، وفارق ما إذا وصى له بمعين لأنه لا يتناول شيئاً منه على أن لنا في الأصل المقيس عليه منعاً. * (مسألة) * (وإن وصى له بمعين كثوب أو دار أو مائة لم تصح الوصية في قول الأكثرين منهم الثوري وأصحاب الرأي والشافعي واسحاق وذكر ابن أبي موسى رواية عن احمد أنها تصح وهو قول مالك وأبي ثور وقال الحسن وابن سيرين إن شاء الورثة أجازوا وإن شاءوا ردوا ولنا أن العبد يصير ملكاً للورثة فما وصى به له فهو لهم فكأنه أوصى لورثته بما يرثونه فلا فائدة فيه، وفارق ما إذا وصى له بمشاع لما ذكرناه. * (مسألة) * (وتصح الوصية للحمل إذا علم أنه كان موجوداً حين الوصية بأن تضعه لأقل من ستة أشهر إن كانت ذات زوج أو سيد يطؤها أو لأقل من أربع سنين إن لم يكن كذلك في أحد الوجهين) وفي الآخر لأقل من سنتين لا نعلم في صحة الوصية للحمل خلافاً وبه قال الثوري والشافعي واسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي

وذلك لأن الوصية جرت مجرى الميراث من حيث كونها انتقال المال من الإنسان بعد موته إلى الموصى له بغير عوض كانتقاله إلى وارثه، وقد سمى الله تعالى الميراث وصية بقوله سبحانه (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الاثنين) وقال سبحانه (فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار وصية من الله) والحمل يرث فتصح الوصية له ولأن الوصية أوسع من الميراث لأنها تصح للمخالف في الدين والعبد بخلاف الميراث فإذا ورث الحمل فالوصية له أولى ولأن الوصية تتعلق بخطر وغرر فصحت للحمل كالعتق فإن انفصل الحمل ميتاً بطلت الوصية لأنه لا يرث ولأنه يحتمل أن لا يكون حياً حين الوصية فلا تثبت له الوصية والميراث بالشك، وسواء مات لعارض من ضرب البطن أو شرب دواء أو غيره لما بينا من أنه لا يرث وإن وضعته حياً صحت الوصية له إذا حكمنا بوجوده حال الوصية بأن تأتي به لأقل من ستة أشهر ان كانت المرأة فراشاً لزوج أو سيد يطؤها فإنا نعلم وجوده حين الوصية فإن أتت به لأكثر منها لم تصح الوصية لاحتمال حدوثه بعد الوصية، وإن كانت بائناً فأتت به لأكثر من أربع سنين من حين الفرقة وأكثر من ستة أشهر من حين الوصية لم تصح الوصية له وإن أتت به لأقل من ذلك صحت الوصية لأن الولد يعلم وجوده إذا كان لستة أشهر ويحكم بوجوده إذا أتت به لأقل من أربع سنين من حين

مسألة: وإن مات بعده وقبل الرد والقبول قام وارثه مقامه ذكره الخرقي، وقال القاضي يبطل على قياس قوله

الفرقة وهذا مذهب الشافعي، وإن وصى لحمل امرأة من زوجها أو سيدها صحت الوصية له مع اشتراط إلحاقه به، فإن كان منفياً باللعان أو دعوى الاستبراء لم تصح الوصية له لعدم نسبه المشترط في الوصية فإن كانت المرأة فراشاً لزوج أو سيد إلا أنه لا يطؤها لكونه غائباً في بلد بعيد أو مريضاً مرضاً يمنع الوطئ أو كان أسيراً أو محبوساً أو علم الورثة أنه لم يطأها أو أقروا بذلك فإن أصحابنا لم يفرقوا بين هذه الصور وبين ما إذا كان يطؤها لأنهما لم يفترقا في لحوق النسب بالزوج والسيد فكانت في حكم من يطؤها، قال شيخنا ويحتمل أنها متى أتت به في هذه الحال أو لوقت يغلب على الظن أنه كان موجوداً حال الوصية مثل أن تضعه لأقل من غالب مدة الحمل أو تكون أمارات الحمل ظاهرة أو أتت به على وجه يغلب على الظن أنه كان موجوداً بأمارات الحمل بحيث يحكم لها بكونه حاملاً صحت الوصية له لأنه يثبت له أحكام الحمل في غير هذا الحكم وقد انتفت أسباب حدوثه ظاهراً فنبغى أن تثبت له الوصية، والحكم بإلحاقه بالزوج والسيد في تلك الصور إنما كان احتياطاً للنسب فإنه يلحق بمجرد الاحتمال وإن كان بعيداً، ولا يلزم من إثبات النسب بمطلق الاحتمال نفي استحقاق الوصية فإنه لا يحتاط لإبطال الوصية كما يحتاط لإثبات النسب فلا يلزم إلحاق ما لا يحتاط له بما يحتاط له مع ظهور ما يثبته

ويصححه، وفيه وجه آخر أنه إذا أتت به لأكثر من سنتين إذا كانت بائناً لا تثبت له الوصية بناء على أن أكثر مدة الحمل سنتان * (مسألة) * (وإن وصى لما تحمل هذه المرأة لم يصح) وقال بعض أصحاب الشافعي تصح كما تصح الوصية بما تحمل هذه الجارية ولنا أن الوصية تمليك فلا تصح للمعدوم بخلاف الموصى به فإنه يملك فلم يعتبر وجوده ولأن الوصية جرت مجرى الميراث ولو مات إنسان لم يرثه من الحمل إلا من كان موجوداً كذلك الوصية، ولو تجدد للميت مال بعد موته بأن يسقط في شبكته صيد لورثه ورثته ولذلك قضينا بثبوت الإرث في ديته وهي تتجدد بعد موته فجاز أن تملك بالوصية. فإن قيل فلو وقف على من يحدث من ولده أو ولد فلان صح فالوصية أولى لأنها تصح بالمعدوم والمجهول بخلاف الوقف، قلنا الوصية أجريت مجرى الميراث ولا يحصل الميراث إلا لموجود فكذلك الوصية، والوقف يراد للدوام فمن ضرورته إثباته للمعدوم. (فصل) وإذا وصى لحمل امرأة فولدت ذكراً وانثى فالوصية لهما بالسوية لأن ذلك عطية وهبة فأشبه ما لو وهبهما شيئاً بعد ولادتهما، وإن فاضل بينهما فهو على ما قال كالوقف وإن قال إن كان في

مسألة: وإن قبلها بعد الموت ثبت الملك حين القبول في الصحيح من المذهب

بطنها غلام فله ديناران وإن كانت فيه جارية فلها دينار فولدت غلاماً وجارية فلكل منهما ما وصى له به لأن الشرط وجد فيه، وإن ولدت أحدهما منفرداً فله وصيته، ولو قال إن كان حملها أو إن كان ما في بطنها غلاماً فله ديناران وإن كانت جارية فلها دينار فولدت أحدهما منفرداً فله وصيته، وإن ولدت غلاماً وجارية فلا شئ لهما لأن أحدهما ليس هو جميع الحمل ولا كل ما في البطن، وبه قال أصحاب الرأي والشافعي وأبو ثور. * (مسألة) * (وان قتل الوصي الموصي بطلت الوصية وإن جرحه ثم أوصى له فمات من الجرح لم تبطل في ظاهر كلامه وقال أصحابنا في الوصية للقاتل روايتان) اختلف أصحابنا في الوصية للقاتل على ثلاثة أوجه، فقال ابن حامد تجوز الوصية له واحتج بقول أحمد فيمن جرح رجلاً خطأ فعفا المجروح فقال أحمد تعتبر من الثلث قال وهذه وصية لقاتل وهو قول مالك وأبي ثور وابن المنذر وأظهر قولي الشافعي لأن الهبة له تصح فصحت الوصية له كالذمي وقال أبو بكر لا تصح الوصية له فإن أحمد قد نص على أن المدبر إذا قتل سيده بطل تدبيره والتدبير وصية وهذا قول الثوري وأصحاب الرأي لأن القتل يمنع الميراث الذي هو آكد من الوصية، فالوصية

أولى، ولأن الوصية أجريت مجرى الميراث فمنعها ما يمنعه وقال أبو الخطاب إن وصى له بعد جرحه صح وإن وصى له قبل ثم طرأ القتل على الوصية أبطلها جمعها بين نصي أحمد في الموضعين، وهو قول الحسن بن صالح وهذا قول حسن، لأن الوصية بعد الجرح صدرت من أهلها في محلها لم يطرأ عليه ما يبطلها بخلاف ما إذا تقدمت فإن القتل طرأ عليها فأبطلها فإنه يبطل ما هو آكد منها، يحققه أن القتل إنما يمنع الميراث لكونه بالقتل استعجل الميراث الذي انعقد سببه فعورض بنقيض قصده وهو منع الميراث دفعاً لمفسدة قتل الموروثين ولذلك بطل التدبير بالقتل قبل الطارئ عليه أيضاً وهذا المعنى متتحقق في القتل الطارئ على الوصية فإنه ربما استعجلها بقتله وفارق القتل قبل الوصية لأنه لم يقصد به استعجال مال لعدم انعقاد سببه والموصي راض بالوصية له بعد ما صدر منه في حقه وعلى هذا لا فرق بين الخطأ والعمد كما لا تفترق الحال بذلك في الميراث. * (مسألة) * (وإن وصى لصنف من أصناف الزكاة أو لجميع الأصناف صح) لأنهم من أبواب البر فصحت لهم كغيرهم ويعطي كل واحد منهم القدر الذي يعطاه من الزكاة قياساً عليها، لأن المطلق من كلام الآدمي يحمل على المطلق من كلام الله تعالى ولما أطلق الله تعالى أعطاهم من الزكاة حمل على ذلك كذلك هذا

مسألة: فما حصل من كسب أو نماء منفصل في الموصى به بعد موت الموصي وقبل القبول كالولد والثمرة والكسب فهو للورثة على الوجه الأول

قال شيخنا وإذا وصى لأصناف الزكاة المذكورين في القرآن فهم الذين يستحقون الزكاة وينبغي أن يجعل لكل صنف ثمن الوصية، كما لو وصى لثمان قبائل، والفرق بين هذا وبين الزكاة حيث يجوز الاقتصار على صنف واحد أن آية الزكاة أريد بها بيان من يجوز الدفع إليه والوصية أريد بها بيان من يجب الدفع إليه، ويجوز الاقتصار من كل صنف على واحد في ظاهر المذهب لأنه لا يمكن استيعابهم وحكي هذا عن أصحاب الرأي وعن محمد بن الحسن أنه قال لا يجوز الدفع إلى أقل من اثنين، وعن أحمد رواية ثانية أنه لا يجوز الدفع إلى أقل من ثلاثة من كل صنف حكاها أبو الخطاب وهو مذهب الشافعي وقد ذكرنا ذلك وأدلته في الزكاة ولا يجوز الصرف إلا إلى المستحق من أهل بلده كما ذكرنا في الزكاة (فصل) وإذا أوصى للفقراء وحدهم دخل فيه المساكين وكذلك إن أوصى للمساكين دخل فيهم الفقراء لأنهم صنف واحد في غير الزكاة إلا أن يذكر الصنفين جميعاً فيدل ذلك على أنه أراد المغايرة بينهما، ويستحب تعميم من أمكن منهم والدفع إليهم على قدر الحاجة والبداءة بأقارب الموصي كما ذكرنا في الزكاة. * (مسألة) * (وإن وصى لكتب القرآن أو العلم أو لمسجد أو لفرس حبيس ينفق عليه صح لأن ذلك قربة يصح بذل المال فيه، فصحت الوصية له كالوصية للفقراء فإن مات الفرس رد الموصى به

مسألة: وإن وصى له بزوجته فأولدها بعد موت الموصي وقبل القبول فولده رقيق للوارث

أو باقيه إلى الورثة لأنه عين للوصية جهة فإذا فاتت عادت إلى الورثة كما لو وصى أن يشترى عبد زيد فيعتق فمات العبد أو لم يبعه سيده أو تعذر شراؤه، وإن أنفق بعض الدراهم ثم مات الفرس بطلت الوصية في الباقي كما لو وصى بشراء عبدين معينين فاشترى أحدهما ومات الآخر قبل شرائه قال الأثرم سمعت أبا عبد الله يسئل عن رجل أوصى بألف درهم في السبيل أيجعل في الحج منها؟ قال لا، إنما يعرف الناس السبيل الغزو. (فصل) إذا قال يخدم عبدي فلان سنة ثم هو حر صحت الوصية فإن قال الموصى له بالخدمة لا أقبل الوصية أو قال قد وهبت الخدمة لم يعتق في الحال وبهذا قال الشافعي، وقال مالك إن وهب الخدمة للعبد عتق في الحال. ولنا أنه أوقع العتق بعد مضي السنة فلم يقع قبله كما لو رد الوصية (فصل) وإن وصى أن يشترى عبد زيد بخمسمائة فيعتق فلم يبعه سيده فالخمسائة للورثة وكذلك إن امتنع عن بيعه بالخمسمائة أو تعذر شراؤه بموته أو لعجز الثلث عن ثمنه فالثمن للورثة لأن الوصية بطلت

لتعذر العمل بها فأشبه ما لو وصى لرجل فمات قبل موت الموصي أو بعده ولم يدع وارثاً ولا يلزم الورثة شراء عبد آخر لأن الوصية لمعين فلا تصرف إلى غيره فإن اشتروه بأقل من ذلك فالباقي للورثة وقال الثوري يدفع جميع الثمن إلى سيد العبد لأنه قصد إرفاقه بالثمن ومحاباته فأشبه ما لو قال بيعوه عبدي بخمسمائة وقيمته أكثر منها وكما لو وصى أن يحج عنه فلان بخمسمائة وهي أكثر من أجر المثل وقال إسحاق يجعل بقية الثمن في العتق كما لو وصى أن يحج عنه بخمسمائة رد ما فضل في الحج ولنا أنه أمر بشرائه بخمسمائة فكان ما فضل من الثمن راجعاً إليه كما لو وكل في شرائه في حياته وفارق ما إذا أوصى أن يحج عنه رجل بخمسمائة لأن القصد ثم إرفاق الذي يحج بالفضلة، وفي مسئلتنا المقصود العتق، ويفارق ما إذا أوصى أن يحج عنه بخمسمائة لغير معين لأن الوصية ثم للحج مطلقاً فتصرف جميعها فيه وههنا لمعين فلا تتعداه، وقوله أنه قصد إرفاق زيد ومحاباته به قلنا إن كان ثم قرينة تدل على ذلك إما لكون البائع صديقه أو ذا حاجة أو من أهل الفضل الذين يقصدون بهذا أو كان يعلم حصول العبد بدون الخمسمائة لقلة قيمته فنه يدفع جميع الثمن إلى زيد كما لو صرح بذلك فقال ادفعوا إليه جميعها

وإن بذله بدونها وإن عدمت هذه القرائن فالظاهر أنه إنما قصد العتق وقد حصل فكان الثمن عائداً إلى الورثة كما لو أمره بالشراء في حياته قال شيخنا وهذا الصحيح إن شاء الله تعالى (فصل) ولو وصى أن يشترى عبد بألف فيعتق عنه فلم يخرح من ثلثه اشتري عبد بالثلث وبه قال الشافعي، وقال أبوحينفة تبطل الوصية لأنه أمر بشراء عبد بألف فلا يجوز للمأمور الشراء بدونه كالوكيل. ولنا أنها وصية يجب تنفيذها إذا احتملها الثلث فإذا لم يحملها وجب تنفيذها فيما حمله كما لو وصى بعتق عبد فلم يحمله الثلث، وفارق الوكالة فإنه لو وكله في إعتاق عبد لم يملك إعتاق بعضه، ولو وصى إليه بإعتاق عبد أعتق منه ما يحتمله الثلث فإن حمله الثلث فاشتراه وأعتقه ثم ظهر على الميت دين يستغرق المال فالوصية باطلة ويرد العبد إلى الرق إن كان اشتراه بعين المال لأننا تبينا أن الشراء باطل لكونه اشتري بمال مستحق للغرماء بغير إذنهم وإن كان اشتراه في الذمة صح الشراء ونفذ العتق وعلى المشتري غرامة ثمنه لا يرجع به على أحد لأن البائع ما غره إنما غره الموصي ولا تركه له فيرجع عليها وهذا ظاهر مذهب الشافعي ويحتمل أن يشارك الغرماء في التركة ويضر ب معهم بقدر دينه لأن الدين غرمه بتغرير الموصي فيرجع به عليه فإذا كان ميتاً لزمه في تركته كأرش جنايته

مسألة: فإذا قال قد رجعت في وصيتي أو أبطلتها أو نحو ذلك كقوله غيرتها بطلت

(فصل) وإن وصى بشراء عين وأطلق أو ببيع عبده وأطلق فالوصية باطلة لأن الوصية لا بد لها من مستحق ولا مستحق ههنا فإن وصى ببيعه بشرط العتق صحت الوصية وبيع كذلك لأن في البيع نفعاً للعبد بالعتق فإن لم يوجد من يشتريه كذلك بطلت الوصية لتعذرها كما لو وصى بشراء عبد يعتق فلم يبعه سيده، وإن وصى ببيعه لرجل بعينه بثمن معلوم بيع لأنه قصد إرفاقه بذلك في الغالب وإن لم يسم ثمناً بيع بقيمته وتصح الوصية لكونه قصد إيصال العبد المعين إلى رجل بعينه فيحتمل أن يتعلق الغرض بإرفاق العبد بإيصاله إلى من هو معروف بحسن الملك وإعتاق الرقاب ويحتمل أن يريد إرفاق المشتري لمعنى يحصل له من العبد فإن تعذر بيعه لذلك الرجل أو أبى أن يشتريه بالثمن أو بقيمته إن لم يعين الثمن بطلت الوصية * (مسألة) * (وإن وصى في أبواب البر فقال شيخنا يصرف في القرب كلها) لأن اللفظ للعموم فيجب حمله على عمومه ولا يجوز تخصيص العموم بغير دليل، وقيل عن أحمد تصرف في أربع جهات في الأقارب والمساكين والحج والجهاد، وعنه فداء الأسرى مكان الحج لأن الصدقة على الأقارب صدقة وصلة والمساكين مصارف الصدقات والزكاة والحج والجهاد من أكبر

مسألة: وإن وصى به لآخر ولم يقل ذلك فهو بينهما

شعائر الإسلام وفداء الأسرى من أعظم القربات، وقد نقل المروذي عن أحمد فيمن أوصى بثلثه في أبواب البر يجزأ ثلاثة أجزاء جزءاً في الجهاد وجزءاً يتصدق به في أقاربه وجزءاً في الحج وقال في رواية أبي داود الغزو يبدأ به وحكي عنه أنه جعل جزءاً في فداء الأسرى، قال شيخنا وهذا والله أعلم ليس على سبيل اللزوم والتحديد بل يجوز صرفه في جهات البر كلها لأن اللفظ للعموم فيجب حمله على عمومه ولأنه ربما كان غير هذه الجهات أحوج من بعضها وأحق فقد تدعو الحاجة إلى تكفين ميت وإصلاح طريق وإعتاق رقبة وقضاء دين وإغاثة ملهوف أكثر من دعائها إلى حج من لا يجب عليه الحج فيكلف وجوب ما لم يكن عليه واجباً وتعباً كان الله تعالى قد أراحه منه من غير مصلحة تعود على أحد من خلق الله تعالى فتقديم هذا على ما مصلحته ظاهرة والحاجة إليه داعية بغير دليل تحكم لا معنى له (فصل) وإن قال ضع ثلثي حيث أراك الله فله صرفه في أي جهة من جهات القرب رأى وضعه فيها عملاً بمقتضى وصيته وذكر القاضي أنه يجب صرفه إلى الفقراء والمساكين، والأفضل صرفه إلى فقراء أقاربه فان لم يجد فإلى محارمه من الرضاع فإن لم يكن فإلى جيرانه وقال أصحاب الشافعي يجب ذلك لأنه رده إلى اجتهاده فيما فيه الحظ وهذا أحظ ولنا أنه قد يرى غير هذا أهم منه وأصلح فلا يجوز تقييده بالتحكم ونقل أبو داود عن أحمد

أنه سئل عن رجل أوصى بثلثه في المساكين وله أقارب محاويج فلم يوص لهم بشئ ولم يرثوا فإنه يبدأ بهم فإنهم أحق قال وسئل عن النصراني يوصي بثلثه للفقراء من المسلمين أيعطى إخوته وهم فقراء؟ قال نعم هم أحق يعطون خمسين درهماً لا يزادون على ذلك يعني لا يزاد كل واحد منهم على ذلك لأنه القدر الذي يحصل به الغنى * (مسألة) * (وإن وصى أن يحج عنه بألف صرف في حجة بعد أخرى حتى ينفذ) إذا أوصى أن يحج عنه بقدر من المال صرف جميع ذلك في الحج إذا حمله الثلث لأنه وصى به في جهة قربة فوجب صرفه فيها كما لو وصى في سبيل الله تعالى وليس للوصي أن يصرف إلى من يحج أكثر من نفقة المثل لأنه أطلق له التصرف في المعاوضة فاقتضى عوض المثل كالتوكيل في البيع ثم لا يخلو إما أن يكون بقدر نفقة المثل لحجة واحدة فيصرف فيها أو ناقصاً فيحج به من حيث يبلغ في ظاهر نصوص أحمد فإنه قال في رواية حنبل في رجل أوصى أن يحج ولا تبلغ النفقة فقال يحج عنه من حيث تبلغ النفقة للراكب من أهل مدينته وهذا قول العنبري وقال القاضي يعان به في الحج وهو قول سوار القاضي حكاه عنه العنبري وعن أحمد أنه مخير في ذلك فإنه قال في

مسألة: وإن باعه أو وهبه أو رهنه كان رجوعا

رواية أبي داود في امرأة أوصت بحج لا يجب عليها: أرى أن يؤخذ ثلث مالها فيعان به في الحج أو يحج به من حيث يبلغ فإن كان يفضل عن الحجة دفع في حجة ثانية وثالثة إلى أن ينفذ أو يبقى مالاً يبلغ حجة فيحج به من حيث يبلغ أو يعان به في الحج على ما ذكرنا من الخلاف فيه ولا يستنيب في الحج مع الإمكان إلا من بلد المحجوج عنه لأنه نائب عن الميت وقائم مقامه فينوب عنه من موضع لو حج المنوب عنه لحج منه فإن كان الموصى به لا يحمله الثلث لم يخل من أن يكون الحج فرضاً أو تطوعاً فإن كان فرضاً أخذ أكثر الأمرين من الثلث أو القدر الكافي الحج الفرض إن كان قد أوصى بالثلث فإن كان الثلث أكثر أخذ ثم يصرف منه في الفرض قدر ما يكفيه ثم يحج بالباقي تطوعاً حتى ينفذ كما ذكرنا من قبل، وان كان الثلث أقل تمم قدر ما يكفي الحج من رأس المال وبهذا قال عطاء وطاوس والحسن وسعيد بن المسيب والزهري والشافعي واسحاق قال سعيد بن المسيب والحسن كل واجب من رأس المال، وقال ابن سيرين والنخعي والشعبي وحماد بن أبي سليمان والثوري وأبو حنيفة وداود ابن أبي هند إن وصى بالحج من ثلثه وإلا فليس على ورثته شئ فعلي قولهم إن لم يف الثلث بالموصى به وإلا لم يزد على الثلث لأن الحج عبادة فلا يلزم الوارث كالصلاة

مسألة: وإن خلطه بغيره على وجه لا يتميز منه كان رجوعا

ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " لو كان على أبيك دين أكنت قاضيه؟ " قال نعم قال " فدين الله أحق أن يقضى " والدين من رأس المال فما هو أحق منه أولى ولأنه واجب فكان من رأس المال كدين الآدمي وإن كان تطوعاً أخذ الثلث لا غير إذا لم يجز الورثة ويحج به على ما ذكرنا * (مسألة) * (وإن وصى أن يحج عنه حجة بألف دفع الكل إلى من يحج) إذا وصى أن يحج عنه حجة واحدة بقدر من المال وكان فيه فضل عما يحج به فهو لمن يحج لأنه قصد إرفاقه بذلك فكأنه صرح فقال حجوا عني حجة واحدة بألف وما فضل منها فهو لمن يحج * (مسألة) * (فإن عينه في الوصية فقال يحج عني فلان بألف صرف ذلك إليه وإن لم يعين فللموصى إليه صرفه إلى من شاء) لأنه فوض إليه الاجتهاد إلا أنه لا يملك صرفها إلى وارث إذا كان فيها فضل إلا بإذن الورثة وإن لم يكن فيها فضل جاز لأنه لا محاباة فيها ثم ينظر فإن كان الحج الموصى به تطوعاً اعتبر من الثلث وإن كان واجباً فالزائد عن نفقة المثل معتبر من الثلث وإن لم يف الموصى به بالحج أتم من رأس المال وفيه من الخلاف ما ذكرنا

مسألة: وإن زاد في الدار عمارة أو انهدم بعضها فهل يستحقه الموصى له؟ على وجهين

* (مسألة) * (فإن أبى الحج وقال اصرفوا لي الفضل لم يعطه وبطلت الوصية في حقه) إذا قال المعين ذلك بطل التعيين ويحج عنه بأقل ما يمكن إنسان ثقة سواه ويصرف الباقي اللى الورثة ويحتمل أن تبطل الوصية إن كان الحج تطوعاً لأنه عين لها جهة فإذا لم يقللها بطلت كما لو قال بيعوا عبدي لفلان بمائة فأبى شراءه والظاهر أنها لا تبطل لأنه قصد القربة والتعيين فإذا بطل التعيين لم تبطل القربة كما لو قال بيعوا عبدي لفلان وتصدقوا بثمنه فلم يقبل فلان فإنه يباع من غيره ويتصدق بثمنه فإن قال المعين اصرفوا لي الفضل عن نفقة الحج لأنه موصى لي به لم يصرف إليه شئ لأنه إنما أوصى له بالزيادة بشرط أن يحج فإذا لم يوجد الشرط لم يستحق شيئاً (فصل) فإذا قال حجوا عني حجة ولم يذكر قدراً من المال فإنه لا يدفع إلى من يحج إلا قدر نفقة المثل لما ذكرنا والباقي للورثة وهذا ينبني على أنه يجوز الاستئجار عليه إنما ينوب عنه نائب فما ينفق عليه فيما يحتاج إليه فهو من مال الموصي وما بقي للورثة فإن تلف المال في الطريق فهو من مال الموصي وليس على النائب إتمام الحج وإن قلنا يجوز الاستئجار على الحج فلا يستأجر إلا ثقة بأقل ما

مسألة: وإن وصى لرجل بشيء ثم قال إن قدم فلان فهو له، فقدم في حياة الموصي فهو له

يمكن وما فضل فهو للأجير لأنه ملك ما أعطي بعقد الإجارة وإن تلف المال في الطريق بعد قبض الأجير له فهو من ماله ويلزمه إتمام الحج، وإن قال حجوا عني ولم يقل حجة واحدة لم يحج عنه إلا حجة ولأنه أقل ما يقع عليه الاسم فإن عين مع هذا فقال يحج عني فلان دفع إليه بقدر نفقته من بلده إذا خرج من الثلث فإن أبى الحج إلا بزيادة تصرف إليه فينبغي أن يصرف إليه أقل قدر يمكن أن يحج به غيره فإن أبى الحج وكان واجباً استنيب غيره بأقل ما يمكن استنابته والله أعلم (فصل) وإن وصى أن يحج عنه زيد بمائة ولعمرو بتمام الثلث ولسعد بثلث ما له فأجاز الورثة أمضيت على ما قال الموصي فإن لم يفضل عن المائة شئ فلا شئ لعمرو لأنه إنما وصى له بالفضل ولا فضل وإن رد الورثة قسم الثلث بينهم نصفين لسعد السدس ولزيد مائة وما فضل من الثلث فلعمرو فإن لم يفضل منه شئ فلا شئ لعمر ولانه إنما وصى له بالزيادة ولا زيادة ولا تمتنع المزاحمة به ولا يعطى شيئاً كولد الأب مع ولد الأبوين في مزاحمة الجد ويحتمل أنه متى كان في الثلث فضل عن المائة أن يرد كل واحد إلى نصف وصيته لأن زيداً إنما استحق المائة بالإجازة فمع الرد يدخل عليه من النقص بقدر وصيته كسائر الوصايا

(فصل) وإن وصى لزيد بعبد بعينه ولعمرو ببقية الثلث قوم العبد يوم موت الموصي لأنه حال نفوذ الوصية ودفع إلى زيد ودفع إلى بقية الثلث إلى عمرو فإن لم يبق من الثلث شئ بطلت وصية عمرو، وإن مات العبد بعد موت الموصي قومنا التركة حال موت الموصي بدون العبد ثم نقوم العبد لو كان حياً فإن بقي من الثلث بعد قيمته شئ فهو لعمرو وإلا بطلت وصيته، لو قال لأحد عبديه أنت مدبر ثم قال لآخر أنت مدبر في زيادة الثلث عن قيمة الأول ثم بطل تدبير الأول بموته فهي كالتي قبلها على ما ذكرنا أو رجوعه فيه أو خروجه مستحقاً أو غير ذلك * (مسألة) * (وإن وصى لأهل سكته فهو لأهل دربه) لأن السكة الطريق والدرب مضاف إليه * (مسألة) * (وإن وصى لجيرانه تناول أربعين داراً من كل جانب) نص عليه أحمد وبه وقال الاوزاعي والشافعي وقال أبو حنيفة الجار الملاصق لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " الجار أحق بصقبه " يعني الشفعة وإنما يثبت للملاصق ولأن الجار مشتق من المجاورة وقال قتادة الجار الدار والداران وروي عن علي عليه السلام في قول النبي صلى الله عليه وسلم لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد قال من سمع النداء وقال سعيد بن عمرو بن جعدة من سمع الإقامة وقال أبو يوسف الجيران أهل المحلة أن جمعهم مسجد فإن تفرق أهل المحلة في مسجدين صغيرين متقاربين فالجميع جيران وإن كانا عظيمين فكل أهل مسجد جيران وأما الأمصار التي فيها القبائل فالجوار على الأفخاذ

ولنا ما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " الجار أربعون داراً هكذا وهكذا وهكذا وهكذا " وهذا نص لا يجوز العدول عنه إن صح وإن لم يثبت الخبر فالجار هو المقارب ويرجع في ذلك إلى العرف وقال أبو بكر مستدار أربعين داراً من كل جانب والحديث يحتمله * (مسألة) * (وإن وصى لأقرب قرابته أو لأقرب الناس إليه أو أقربهم به رحماً لم يدفع بنفسه من غير واسطة والأخ والجد سواء) لأن كل واحد يدلي إلى الأبعد مع وجود الأقرب فإن كان له أب وابن فهما سواء، لأن كل واحد منهما يدلي بالأب من غير واسطة ويحتمل تقديم الابن على الأب لأنه يسقط تعصيبه والأولى أولى لأن إسقاط تعصيبه لا يمنع مساواته في القرب ولا كونه أقرب مه بدليل أن ابن الابن يسقط تعصيبه مع بعده ويحتمل تقديم الأخ على الجد لأن الأخ يدلي ببنوة الأب والجد يدلي بالأبوة فهما كالأب والابن والأول أولى ولا يصح قياس الأخ على الابن لأنه لا يسقط تعصيب الجد بخلاف الابن ويقدم الابن على الجد والأب على ابن الابن وقال أصحاب الشافعي يقدم ابن الابن على الأب في وجه لأنه يسقط تعصيبه ولنا أن الأب يدلي بنفسه ويلي ابنه من غير حاجز ولا يسقط ميراثه بحال بخلاف ابن الابن والأب والأم سواء وكذلك الابن والبنت والجد أبو الأب وأبو الأم وأم الأب وأم الأم كلهم سواء

هكذا ذكره شيخنا ويحتمل تقديم أبي الأب على أب الام لأنه يسقطه ثم بعد الأولاد أولاد البنين وإن سفلوا الأقرب فالأقرب الذكور والإناث وفي أولاد البنات وجهان بناء على دخولهم في الوقف ثم من بعد الولد الأجداد الاقرب منهم فالأقرب لأنهم العمود الثاني ثم الأخوة والأخوات ثم ولدهم وان سفلوا ولا شئ لولد الأخوات إذا قلنا لا يدخل ولد البنات * (مسألة) * (والأخ من الأب والأخ من الأم سواء والأخ من الأبوين أحق منهما) الأخ من الأب والأخ من الأم سواء لأنهما على درجة واحدة وكذلك ولداهما والأخ من الأبوين أحق منهما لأن له قرابتين فهو أقرب ممن له قرابة واحدة (فصل) والأخ للأب أولى من ابن الأخ من الأبوين كما في الميراث ثم بعدهم الأعمام ثم بنوهم وإن سفلوا ويستوي العم من الأب والعم من الأم وعلى الاحتمال الذي ذكرناه في تقديم أبي الأب على أبي الأم تقديم العم من الأب على العم من الأم وكذلك أبناؤهما وعلى هذا الترتيب ذكره القاضي وهو مذهب الشافعي إلا أنه يرى دخول ولد البنات والأخوات والأخوال والخالات وهذا القول يخرج

مسألة: وإن قال أخرجوا الواجب من ثلثي أخرج من الثلث وتمم من رأس المال

على مذهب أحمد على الرواية التي تجعل القرابة فيها كل من يقع عليه اسم القرابة فأما على الرواية التي تقول إن اسم القرابة يختص من كان من اولاد الآباء وهي التي اختارها الخرقي فلا تدخل فيه الأم ولا أقاربها لأن من لم يكن من القرابة لم يكن من أقرب القرابة فعلى هذا تتناول الوصية من كان أقرب من أولاد الموصي وأولاد آبائه إلى أربعة آباء ولا تعدوهم فإن وصى لجماعة من أقرب الناس إليه أعطي ثلاثة من أقرب الناس إليه فإن وجد أكثر من ثلاثة في درجة واحدة كاخوة فالوصية لجميعهم لأن بعضهم ليس بأولى من بعض والاسم يشملهم وإن لم يوجد ثلاثة في درجة واحدة كملت من الثانية فان كان في الدرجة الثانية جماعة سوي بينهم لما ذكرنا في الدرجة الأولى، وإن لم يكمل من الثانية فمن الثالثة فإذا وجد ابن وأخ وعم فالوصية بينهم أثلاثاً وكذلك إن كان ابن وإخوان وإن كان ابن وثلاثة اخوة دخل جميعهم في الوصية وينبغي أن يكون للابن ثلث الوصية ولهم ثلثاها فإن كان الابن وارثاً سقط حقه من الوصية إن لم يجز له والباقي للاخوة وإن وصى لعصبته فهو لمن يرثه بالتعصيب في الجملة سواء كان من يرث في الحال أو يكن ويسوي بين قريبهم وبعيدهم لشمول اللفظ لهم ولا خلاف في أنهم لا يكونون من جهة الأم بحال * (فصل) * قال الشيخ رضي الله عنه (ولا تصح الوصية لكنيسة ولا بيت نار ولا لعمارتهما والإنفاق

عليهما وبهذا قال الشافعي وابو ثور وسواء كان الموصي مسلماً أو ذمياً وقال أصحاب الرأي تصح وأجاز أبو حنيفة الوصية بأرضه تبنى كنيسة وخالفه صاحباه وأجاز أصحاب الرأي إن يوصي بشراء خمر أو خنازير ويتصدق بها على أهل الذمة ولنا أن هذه الأفعال محرمة وفعلها معصية فلم تصح الوصية بها كما لو وصى بعبده أو مته للفجور ولأنها لا تجوز في الحياة فلا يجوز في الممات * (مسألة) * (وإن وصى لكتب التوراة والإنجيل لم تصح) لأنها كتب منسوخة وفيها تبدليل والاشتغال بها غير جائز وقد غضب النبي صلى الله عليه وسلم حين رأى مع عمر شيئاً مكتوباً من التوراة وذكر القاضي أنه لو أوصى لحصر البيع وقناديلها وما شاكل ذلك ولم يقصد إعظامها بذلك صحت الوصية لأن الوصية لأهل الذمة فإن النفع يعود إليهم والوصية لهم صحيحة والصحيح أن الوصية لا تصح بهذا لأن ذلك إنما هو إعانة لهم على معصيتهم وتعظيم لكنائسهم ونقل عن أحمد ما يدل على صحة الوصية من الذمي بخدمة الكنيسة والأول أولى وأصح وإن وصى ببناء بيت ليسكنه المجتازون من أهل الذمة وأهل الحرب صح لأن بناء مساكنهم ليس بمعصية

باب الموصى له

(فصل) ولا تصح الوصية لكافر بمصحف ولا عبد مسلم لأنه لا يجوز هبتهما له ولا بيعهما منه وإن وصى له بعبد كافر فأسلم قبل موت الموصي بطلت الوصية وإن أسلم بعد الموت وقبل القبول وقلنا إن الملك إنما ثبت حين القبول بطلت لأنه لا يجوز أن يبتدئ الملك على مسلم وإن قلنا يثبت الملك بالموت قبل القبول فالوصية صحيحة لأنا نتبين أنه أسلم بعد أن ملكه ويحتمل أن لا يصح أيضاً لأنه يأتي بسبب لولاه لم يثبت الملك فمنع منه كابتداء الملك * (مسألة) * (ولا تصح لملك ولا لبهيمة ولا لجني) لأنه تمليك فلم يصح لهم كالهبة ولا تصح لميت لذلك وبه قال أبو حنيفة والشافعي وقال مالك إن علم أنه ميت صحت الوصية وهي لورثته بعد قضاء ديونه وتنفيذ وصاياه لأن الغرض نفعه بها فأشبه ما لو كان حياً. ولنا أنه أوصى لمن لا تصح الوصية له لو لم يعلم حاله فلا تصح إذا علم حاله كالبهيمة وفارق الحي فإن الوصية تصح له في الحالين ولأنه عقد يفتقر إلى القبول فلم يصح للميت كالهبة * (مسألة) * (وإن وصى لحي وميت يعلم موته فالكل للحي ويحتمل أن لا يكون له إلا النصف وإن لم يعلم فللحي نصف الموصى به

إذا وصى بثلثه أو بمائة لحي وميت فللحي نصف الوصية سواء علم موته أو لم يعلم، وهذا قول أبي حنيفة واسحق والبصريين وقال الثوري وأبو يوسف ومحمد إذا قال هذه المائة لفلان وفلان الميت فهي للحي منهما، وإن قال بين فلان وفلان فوافقنا الثوري على أن نصفها للحي وعن الشافعي كالمذهبين وقال أبو الخطاب عندي إذا علمه ميتاً فالكل للحي وإن لم يعلمه ميتاً فللحي النصف وقد نقل عن أحمد ما يدل على هذا القول فإنه قال في رواية ابن القاسم إذا وصى لفلان وفلان بمائة فبان أحدهما ميتاً فللحي خمسون، فقيل له أليس إذا قال ثلثي لفلان وللحائط أليس كله لفلان؟ قال وأي شئ يشبه هذا الحائط له ملك؟ فعلى هذا متى شرك بين من تصح الوصية له وبين من لا تصح مثل أن يوصي لفلان وللملك أو الحائط أو لفلان وللميت فالموصى به كله لمن تصح الوصية له إذا كان عالماً بالحال لأنه إذا أشرك بينهما في هذه الحال علم أنه قصد بالوصية كلها من تصح الوصية له وإن لم يعلم بالحال فلمن تصح الوصية له نصفها لأنه قصد إيصال نصفها إليه وإلى الآخر النصف ظنا منه أن الوصية له صحيحة فإذا بطلت الوصية في حق أحدهما صحت في حق الآخر بقسطه كتفريق

مسألة: وتصح للمرتد كما تصح الهبة له

الصفقة ووجه القول الأول أنه جعل الوصية لاثنين فلم يستحق أحدهما جميعها كما لو كانا ممن تصح الوصية لهما فمات أحدهما أو كما لو لم يعلم الحال، فأما إن وصى لاثنين حيين فمات أحدهما فللآخر نصف الوصية لا نعلم في هذا خلافا ومثله لو بطلت الوصية في حق أحدهما لرده لها أو لخروجه عن أن يكون من أهلها ولو قال أوصيت لكل واحد من فلان وفلان بنصف الثلث أو بنصف المائة أو بخمسين لم يستحق أحدهما أكثر من نصف الوصية سواء كان شريكه حياً أو ميتاً لأنه عين وصيته في النصف فلم يكن له حق فيما سواه. * (مسألة) * (فإن وصى لوارثه وأجنبي بثلثه فأجاز سائر الورثة وصية الواراث فالثلث بينهما نصفين) وإن وصى لكل واحد منهما بمعين قيمتهما الثلث فأجاز سائر الورثة وصية الوارث جازت الوصيتان

لهما وإن ردوا بطلت وصية الوارث في المسئلتين وللأجنبي السدس في الأولى والمعين الموصى له به في الثانية وهذا قول مالك والشافعي وأبي ثور وأصحاب الرأي وغيرهم * (مسألة) * (وإن وصى لهما بثلثي ماله وأجاز الورثة لهما جازت وإن عينوا نصيب الوارث بالرد وحده فللأجنبي الثلث كاملاً) لأنهم خصوا الوارث بالإبطال فالثلث كله للأجنبي وسقطت وصية الوراث فصار كأنه لم يوص له وإن أبطلوا الزائد عن الثلث من غير تعيين نصيب أحدهما فالثلث الباقي بين الوصيين لكل واحد منهما السدس وهذا الذي ذكره القاضي هو قول مالك والشافعي لأن الوارث يزاحم الأجنبي إذا أجاز الورثة الوصيتين فيكون لكل واحد منهما الثلث فإذا أبطلوا نصفهما بالرد كان البطلان راجعاً إليهما وما بقي منهما بينهما كما لو تلف ذلك بغير الرد، اختار أبو الخطاب أن الثلث جميعه للأجنبي وحكي نحوه عن أبي حنيفة لأنهم لا يقدرون على إبطال الثلث فما دون إذا كان لأجنبي ولو جعلنا الوصية بينهما لملكوا إبطال ما زاد على السدس فإن صرح الورثة بذلك فقالوا أجزنا الثلث لكما ورددنا ما زاد عليه من وصيتكما أو قالوا رددنا من وصية كل واحد منكما نصفها وبقينا له نصفها كان ذلك آكد

مسألة: وتصح الوصية لمدبره

في جعل السدس لكل واحد منهما لتصريحهم به وإن قالوا أجزنا وصية الوارث كلها ورددنا وصية الأجنبي فهو على ما قالوا لأن لهم أن يجيزوا لهما وإن يردوا عليهما فكان لهم أن يجيزوا لأحدهما ويردوا على الآخر، وإن أجازوا للأجنبي جميع وصيته وردوا على الوارث نصف وصيته جاز كما قلنا وإن أرادوا أن ينقصوا الأجنبي عن نصف وصيته لم يملكوا ذلك سواء أجازوا للوارث أو ردوا عليه فإن ردوا جميع وصية الوارث ونصف وصية الأجنبي فعلى قول القاضي لهم ذلك لأن لهم أن يجيزوا الثلث لهما فيشتركان فيه ويكون لكل واحد منهما نصفه ثم إذا رجعوا فيما للوارث لم يزد الأجنبي على ما كان له في حالة الإجازة للوارث وعلى قول أبي الخطاب يتوفر الثلث كله للأجنبي لأنه إنما ينقص منه بمزاحمة الوارث فإذا زالت المزاحمة وجب توفير الثلث عليه لأنه قد أوصى له به * (مسألة) * (ولو وصى بماله لابنيه وأجنبي فردوا وصية الوارث فهو على ما قال وإن أجازوا للوارث فالثلث بينهما) لأن الوصية تتعلق بالشرط ولو قال أوصيت لفلان بثلثي فإن مات قبلي فهو لفلان صح فإن وصى لوارثه فأجاز بعض باقي الوثة الوصية دون البعض نفذ في نصيب من أجاز وحده وإن أجازوا بعض الوصية دون بعض نفذت فيما أجازوا دون ما لم يجيزوا وإن أجاز بعضهم بعض الوصية وأجاز بعضهم جميعها أو ردوها فهو على ما فعلوا من ذلك فلو خلف ثلاثة بنين وعبدا لا يملك غيره فوصى به لأحدهم أو وهبه إياه في مرض موته فأجاز له أخواه فهو له وإن أجاز أحدهما وحده فله ثلثاه وإن أجاز له نصف العبد فله نصفه ولهما نصفه وإن أجاز أحدهما له نصف نصيبه ورد الآخر فله النصف الثلث بنصيبه والسدس من نصيب المجيز، وإن أجاز كل واحد منهما له نصف نصيبه كمل له الثلثان وإن أجاز له

مسألة: وتصح لعبد غيره

أحدهما نصف نصيبه والآخر ثلثه أو باع نصيبه كمل له ثلاثة أرباع العبد وإن وصى بالعبد لاثنين منهما فللثالث أن يجيز لهما أو يرد عليهما أو يجيز لهما بعض وصيتهما إن شاء متساوياً وإن شاء متفاضلاً أو يرد على أحدهما ويجيز للآخر وصيته كلها أو بعضها أو يجيز لأحدهما جميع وصيته وللآخر بعضها فكل ذلك جائز لأن الحق له فكيفما شاء فعل فيه * (مسألة) * (وإن وصى لزيد والفقراء والمساكين بثلثه فلزيد التسع) وبهذا قال أبو حنيفة ومحمد، وعن محمد لزيد الخمس وللفقراء الخمسان وللمساكين الخمسان لأن أقل الجمع اثنان ولأصحاب الشافعي وجهان (أحدهما) كقولنا (والثاني) له السبع لأن أقل الجمع ثلاثة فإذا انضم إليهم صاروا سبعة ولنا أنه وصى لثلاث جهات فوجب أن يقسم بينهم بالسوية كما لو وصى لزيد وعمرو وخالد وإن كان زيد مسكيناً لم يدفع إليه من سهم المساكين شئ وبه قال الحسن واسحاق لأن عطفهم عليه يدل على المغايرة بينهم إذ الظاهر بين المعطوف والمعطوف عليه المغايرة ولأن تجويز ذلك يفضي إلى تجويز دفع نصيب المساكين كله إليه ولفظه يقتضي خلاف ذلك فأما إن كانت الوصية لقوم يمكن استيعابهم وحصرهم مثل أن يقول هذا لزيد واخوته فهي كالتي قبلها ويحتمل أن يكون كأحدهم لأنه شرك بينه وبينهم على وجه لا يجوز الإخلال ببعضهم فتتساووا فيه كما لو قال هذا لكم

مسألة: وتصح لعبده بمشاع كثلثه فإن خرج العبد من الوصية عتق واستحق باقيه، وإن لم يخرج من الثلث عتق منه بقدر الثلث

باب الموصي به تصح الوصية بما لا يقدر على تسليمه كالآبق والشارد والطير في الهواء والحمل في البطن واللبن في الضرع لأن الوصية إذا صحت بالمعدوم فبغيره أولى ولأنها أجريت مجرى الميراث وهذا يورث فيوصى به فإن قدر عليه أخذه وسلمه إذا خرج من الثلث وللوصي السعي في تحصيله فإن قدر عليه أخذه إذا خرج من الثلث. (فصل) وتصح بالحمل إذا كان مملوكاً بأن يكون رقيقاً أو حمل بهيمة مملوكة لأن الغرر والخطر لا يمنع صحة الوصية فجرى مجرى إعتاق الحمل فإن انفصل ميتاً بطلت الوصية وإن خرج حياً وعلمنا وجوده حال الوصية أو حكمنا بوجوده صحت الوصية وإن لم يكن كذلك لم يصح لجواز حدوثه * (مسألة) * (وتصح بالمعدوم) فلو قال أوصيت لك بما تحمل جاريتي هذه أو ناقتي هذا أو نخلتي هذه صح لما ذكرنا من صحتها مع الغرر سواء وصى بما تحمله أبداً أو مدة بيعها لأن المعدوم يجوز أن يملك بالسلم والمساقاة فجاز أن يملك بالوصية فإن حصل منه شئ وإلا بطلت وصيته لأن الموصى به عدم فبطلت الوصية به كالموهوب إذا عدم لأن الوصية كالهبة وإن وصى له بمائة لا يملكها صح فإن قدر عليه عند الموت أو على شئ منها وإلا بطلت لما ذكرنا في المسألة قبلها * (مسألة) * (وتصح بما فيه نفع مباح من غير المال كالكلب والزيت النجس

مسألة: وإن وصى له بمعين كثوب أو دار أو مائة لم تصح الوصية في قول الأكثرين منهم

تصح الوصية بالكلب المباح اقتناؤه ككلب الصيد والماشية والحرب لأن فيه نفعاً مباحاً وتقر اليد عليه والوصية تبرع فصحت في المال وفي غير المال كالهبة، وإن كان مما لا يباح اقتناؤه لم تصح الوصية به سواء قال كلباً من كلابي أو من مالي لأنه لا يصح شراء الكلب لأنه لا قيمة له بخلاف ما إذا أوصى له بشاة ولا شاة له فإنه يمكن تحصيلها بالشراء فإن كان له كلب ولا مال له سواه فله ثلثه وإن كان له مال سواه فقد قيل للموصى له جميع الكلب وإن قل المال لأن قليل المال خير من الكلب لكونه لا قيمة له وقيل للموصى له به ثلثه وإن كثر المال لأن موضوع الوصية على أن يسلم ثلثا التركة للورثة وليس في التركة شئ من جنس الموصى به (فصل) وإن وصى لرجل بكلابه ولآخر بثلث ماله فلموصى له بالثلث الثلث وللموصى له بالكلاب ثلثها وجها واجها واحداً لأن ما حصل الورثة من ثلثي المال قد جازت الوصية فيما يقابله من حق الموصي له وهو الثلث فلا يحسب عليهم في حق الكلاب ولو وصى بثلث ماله ولم يوص بالكلاب دفع إليه ثلث المال ولم يحتسب بالكلاب على الورثة لأنها ليست بمال وإذا قسمت الكلاب بين الوارث والموصى له أو بين اثنين موصى لهما بها قسمت على عددها لأنها لا قيمة لها فإن تشاحوا في بعضها فينبغي أن يقرع بينهم وإن وصى له بكلاب وله كلاب يباح اتخاذها ككلاب الصيد والماشية والحرث فله واحد منها بالقرعة أو ما أحب الورثة على الرواية الأخرى وإن كان له كلب يباح اتخاذه وكلب هراس فله الكلب المباح ومذهب الشافعي في هذا الفصل على ما ذكرنا إلا أنه يجعل للموصى له بكلب ما أحب الورثة دفعه إليه ولا تصح الوصية بالجر والصغير في أحد الوجهين وتصح في الآخر بناء على جواز اقتنائه وتربيته للصيد وقد سبق ذلك في كتاب البيع

مسألة: وتصح الوصية للحمل إذا علم أنه كان موجودا حين الوصية بأن تضعه لأقل من ستة أشهر إن كانت ذات زوج أو سيد يطؤها أو لأقل من أربع سنين إن لم يكن كذلك في أحد الوجهين

(فصل) فأما الزيت النجس فإن قلنا بجواز الاستصباح به فهو كالكلب الذي يباح اتخاذه وإن قلنا لا يجوز لم تصح الوصية لأنه ليس فيه نفع مباح أشبه الخنزير (فصل) ولا تصح الوصية بالخنزير ولا بشئ من السباع التي لا تصلح للصيد كالأسد والذئب لأنها لا منفعة فيها ولا تصح بشئ ليس فيه منفعة مباحة من غيرها كالخمر والميتة ونحوهما لأن الوصية تمليك فلا تصح بذلك كالهبة ولأن ذلك محرم فلا تصح الوصية به كالخنرير * (مسألة) * (وتصح الوصية بالمجهول كعبد وشاة لأن الوصية تصح بالمعدوم فالمجهول بطريق الأولى ولأن المجهول ينتقل إلى الوراث فصحت الوصية به كالمعلوم ويعطيه الورثة ما شاءوا مما يقع عليه الاسم لأنه اليقين كما لو أقر له بعبد فإن لم يكن له عبيد اشترى له ما سمى عبداً وإن كان له عبيد أعطاه الورثة ما شاءوا لما ذكرنا وقال القاضي يعطيه الورثة ما شاءوا من ذكر أو أنثى قال شيخنا والصحيح عندي أنه لا يستحق إلا ذكراً فإن الله تعالى قرق بين العبيد والإماء بقوله سبحانه (وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم) والمعطوف يغاير المعطوف عليه ظاهراً ولأنه في العرف كذلك فإنه لا يفهم من إطلاق اسم العبد إلا الذكر فإنه لو وكله في شراء عبد لم يكن له شراء أمة وإن وصى له بأمة لم يكن له أن يعطيه إلا أنثى وليس له أن يعطيه خنثى مشكلاً لأنه لا يعلم كونه

ذكراً ولا أنثى وإن وصى له بواحد من رقيقه أو برأس مما ملكت يمينه دخل في وصيته الذكر والأنثى والخنثى. * (مسألة) * (فإن اختلف الاسم بالحقيقة والعرف كالشاة في العرف اسم للأنثى والبعير والثور اسم المذكر غلب العرف) في اختيار شيخنا لأن الظاهر أن المتكلم إنما يتكلم بعرفه ولا يريد إلا ما يفهمه أهل بلده وقال أصحابنا تغلب الحقيقة ولهذا يحمل عليه كلام الله تعالى وكلام رسوله. فعلى هذا إذا أوصى له بشاة يتناول الضأن والمعز قال أصحابنا ويتناول الصغيرة والكبيرة والأنثى لأن اسم الشاة يتناول جميع ذلك بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم " في أربعين شاة شاة " يريد الذكور والإناث والصغار والكبار وقال شيخنا لا يتناول إلا أنثى كبيرة إلا أن يكون في عرفهم في بلد يتناول ذلك، فأما من لا يتناول عرفهم إلا الإناث فإن وصيته لا نتناول إلا ما يسمى في عرفهم لما ذكرنا، والكبش الذكر الكبير من الضأن والتيس لا يقع إلا على الذكر الكبير من المعز فإن وصى بعشرة من الغنم تناول عشرة من الذكور والإناث والصغار والكبار (فصل) وإن وصى بجمل فهو الذكر وإن وصى بناقة فهي الأنثى وإن قال عشرة من إبلي وقع على الذكر والأنثى جميعاً ويحتمل أنه إن قال عشرة بالهاء فهي للذكور وإن قال عشر فهو للإناث وكذلك الغنم لأن العدد في العشرة من الثلاثة إلى العشرة للذكور بالها وللمؤنث بغيرها قال الله تعالى (سخرها

مسألة: وإن وصى لما تحمل هذه المرأة لم يصح

عليهم سبع ليال وثمانية أيام) وإن وصى ببعير ففيه وجهان (أحدهما) هو للذكر وحده لأنه في العرف اسم له (والثاني) هو للذكر والأنثى لأنه يتناولهما جميعاً في لسان العرب فيقول حلبت البعير يريد الناقة، والجمل في لسانهم كالرجل من بني آدم والناقة كالمرأة والبكرة كالفتاة وكذلك القلوص والبعير كالانسان وإن وصى له بثور فهو ذكر وإن وصى ببقرة فهي أنثى * (مسألة) * (والدابة اسم للذكر والأنثى من الخيل والبغال والحمير) لأن الاسم في العرف يقع على جميع ذلك فإن قرن به ما يصرفه إلى أحدها كقوله دابة يقاتل عليها انصر ف إلى الخيل وإن قال دابة ينتفع بظهرها ونسلها خرج منه البغال وخرج منه الذكر وإن وصى له بحمار فهو ذكر والاتان أنثى وإن وصى بحصان فهو ذكر والفرس يتناول الذكر والأنثى * (مسألة) * (وإن وصى له بغير معين كعبد من عبيده صح ويعطيه الورثة ما شاءوا) الوصية بغير معين كعبد من عبيده وشاة من غنمه صحيحة وقد ذكرنا صحة الوصية بالمجهول فيما مضى وبه يقول مالك والشافعي واسحاق، واختلفت الرواية فيما يستحقه الموصى له فروي أنه يستحق أحدهم بالقرعة اختارها الخرقي ونقل ابن منصور أنه يعطى أخسهم يعني يعطيه الورثة ما أحبوا وهو قول الشافعي وقال مالك قولاً يقتضي أنه إذا وصى بعبد وله ثلاثة أعبد فله ثلثهم وإن كانوا أربعة فله ربعهم فإنه قال إذا وصى بعشر من ابله وهي مائة يعطى عشرها والنخل والرقيق والدواب على ذلك والصحيح إن

شاء الله تعالى أنه يعطى عشرة بالعدد لأنه الذي تناوله لفظه ولفظه هو المقتضى فلا يعدل عنه لكن يعطى واحداً بالقرعة لأنه يستحق واحداً غير معين وليس واحد بأولى من واحد فوجب المصير إلى القرعة كما لو اعتق واحداً منهم وعلى ما نقله ابن منصور يعطيه الورثة ما شاءوا من صحيح أو معيب جيد أو ردئ لأنه يتناوله اسم العبد فأجزأ كما لو وصى له بعبد ولم يضفه الى عبيده * (مسألة) * (وإن لم يكن له عبيد لم تصح الوصية في أحد الوجهين) لأنه أوصى له بلا شئ فهو كما لو قال أوصيت لك بما في كيسي ولا شئ فيه أو بداري ولا دار له وهذا أحد الوجهين، فإن اشترى قبل موته عبيداً احتمل أن لا تصح الوصية لأنها وقعت باطلة فهو كما لو قال أوصيت لك بما في كيسي ولا شئ فيه ثم جعل في كيسه شيئا، ولأن الوصية تقتضي عبداً من الموجودين حال الوصية، وقد روى ابن منصور عن أحمد فيمن قال في مرضه أعطوا فلاناً من كيسي مائة درهم فلم يوجد في كيسه شئ يعطى مائة درهم فلم يبطل الوصية لانه قصد اعطاء مائة درهم وظنها في الكيس فإذا لم يكن له في الكيس أعطي من غيره فكذلك يخرج في الوصية بعبد من عبيده إذا لم يكن له عبيد يشتري له عبد ويعطاه وهذا الوجه الثاني ووجهه أنه لما تعذرت الصفة بقي أصل الوصية فأشبه ما لو وصى له بألف لا يملكه ثم ملكه * (مسألة) * (فإن كان عبيد فماتوا إلا واحداً تعينت الوصية فيه وكذلك لان لم يكن له إلا عبد واحد لتعذر تسليم الباقي، وإن تلف رقيقه جميعهم قبل موت الموصي بطلت الوصية لأنها إنما تلزم بالموت ولا عبيد له حينئذ، وإن تلفوا بعد موته بغير تفريط من الورثة بطلت أيضاً لأن التركة عند الورثة غير مضمونة لأنها حصلت في أيديهم بغير فعلهم، وإن قتلهم قاتل فللموصي له قيمة أحدهم مبنياً على

مسألة: وإن قتل الوصي الموصي بطلت الوصية، وإن جرحه ثم أوصى له فمات من الجرح لم تبطل في ظاهر كلامه وقال أصحابنا في الوصية للقاتل روايتان

الروايتين فيمن يستحقه منهم في الحياة إما قيمة أحدهم بالقرعة أو قيمة من يختاره الورثة لأنه بدل عما وجب له. * (مسألة) * (وإن وصى له بقوس وله أقواس للرمى والبندق والندف فله قوس النشاب لأنه أظهرها إلا أن يقترن به قرينة تصرفه إلى غيره وعند أبي الخطاب له أحدهم بالقرعة كالوصية بعبد من عبيده) إذا وصى له بقوس صحت الوصية لأن فيه منفعة مباحة سواء كان قوس نشاب وهو الفارسي أو نبل وهو العربي أو قوس يمجرى أو قوس جرح أو ندف أو بندق فإن لم يكن له إلا قوس واحد من هذه القسي تعينت الوصية فيه وإن كانت له جميعها وكان في لفظه أو حاله قرينة تصرفه إلى أحدهما انصرف إليه مثل أن يقول قوس يندف به أو يتعيش به أو نحو ذلك فهذا يصرفه إلى قوس الندف وإن قال قوس يغزو به خرج منه قوس الندف والبندق، وإن كان الموصي له ندافا لا عادة له بالرمى أو بندقانياً لا عادة له بالرمي بشئ سواه أو يرمي بقوس غيره ولا يرمي بسواه انصرفت الوصية إلى القوس الذي يستعمله عادة لأن ظاهر حال الموصي أنه قصد نفعه بما جرت عادته بالانتفاع به فإن انتفت القرائن فاختار أبو الخطاب أنه يأخذ أحدها بالقرعة كالوصية بعبد من عبيده أو يعطيه الورثة ما يختارونه لأن اللفظ يتناول جميعها قال شيخنا والصحيح أن وصيته لا تتناول قوس الندف، ولا البندق ولا العربية في بلد لا عادة لهم بالرمي بها، وهذا مذهب الشافعي، إلا أنه لم يذكر العربية،

مسألة: وإن وصى لصنف من أصناف الزكاة أو لجميع الأصناف صح

ويكون له واحد مما عدا هذه لأن هذه لا يطلق عليها اسم القوس في العادة من غير أهلها حتى يضيفها فيقول قوس القطن أو الندف أو البندق، وأما لعربية فلا يتعارفها غير طائفة من العرب فلا يخطر ببال الموصي غالباً ويعطى القوس معمولة لأنها لا تسمى قوساً إلا كذلك، ولا يستحق وترها لأن الإسم يقع عليها دونه، وفيه وجه آخر أنه يعطاها بوترها لأنها لا ينتفع بها إلا به فكان كجزء من أجزائها. * (مسألة) * (وإن وصى له بطبل حرب صحت الوصية به لأن فيه منفعة مباحة، وإن كان بطبل لهو لا يصلح إلا للهو لم تصح لعدم المنفعة المباحة، فإن كان إذا فصل صلح للحرب لم تصح الوصية به أيضاً لان منفعة في الحال معدومة، فإن كان يصلح لهما صحت الوصية به لأن المنفعة به قائمة، وإن وصى له بطبل وأطلق وله طبلان تصح الوصية بأحدهما دون الآخر انصرفت الوصية إلى الطبل المباح فإن كان له طبول تصح الوصية بجميعها فله أحدها بالقرعة أو ما شاء الورثة على اختلاف الروايتين. وإن وصى بدف صحت الوصية به لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أعلنوا النكاح واضربوا عليه بالدف " ولا تصح الوصية بمزمار ولا طنبور ولا عود لهو لأنها محرمة وسواء كانت فيها الأوتار أو لم تكن لأنها مهيأة لفعل المعصية فأشبه ما لو كانت فيه الأوتار. * (مسألة) * (وتنفذ الوصية فيما علم من ماله أو لم يعلم) وقال مالك لا تنفذ الا فيما علم، وحكي ذلك عن أبان بن عثمان وعمر بن عبد العزيز وربيعة ومالك

مسألة: وإن وصى لكتب القرآن أو العلم أو لمسجد أو لفرس حبيس ينفق عليه صح لأن ذلك قربة يصح بذل المال فيه

إلا في المدبر فإنه يدخل في كل شئ. ولنا أنه من ماله فدخل في وصيته كالمعلوم ولأن الوصية بجزء من ماله لفظ عام فيدخل فيه ما لم يعلم به من ماله كما لو نذر الصدقة بثلثه * (مسألة) * (وإن وصى بثلثه فاستحدث مالاً دخل ثلثه في الوصية) في قول أكثر أهل العلم ولا فرق عندهم بين التلاد والمستفاد في أنه يعتبر ثلث الجميع وممن قال ذلك النخعي والاوزاعي ومالك والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي لأنه من ماله يرثه ورثته وتقضى منه ديونه أشبه ما ملكه قبل الوصية ولما ذكرنا في التي قبلها. * (مسألة) * (وإن قتل وأخذت ديته فهل تدخل الدية في الوصية ? على روايتين) (إحداهما) تدخل قال مهنا روي عن أحمد فيمن أوصى بثلث ماله أو جزء مشاع فقتل الموصي وأخذت ديته فقال يستحق منها، وروي عن علي رضي الله عنه في دية الخطأ مثل ذلك، وهو قول الحسن ومالك (والثانية) لا تدخل في وصيته نقلها ابن منصور وروي ذلك عن مكحول وشريك وأبي ثور وداود وهو قول إسحاق، وقال مالك في دية العمد لأن الدية انما تجب للورثة بعد موت الموصي لأن سببها الموت فلا يجوز وجوبها قبله لأن الحكم لا يتقدم سببه ولا يجوز أن يجب للميت بعد موته لأنه بالموت تزول أملاكه الثابتة له فيكف يتجدد له ملك فلا تدخل في الوصية لأن الميت إنما

يوصي بجزء من ماله لا بمال ورثته، ووجه الرواية الأولى إن الدية تجب للميت لأنها بدل نفسه ونفسه له فكذلك بدلها، ولأن بدل أطرافه في حياته له فكذلك بدل نفسه بعد موته، ولذلك تقضى منها ديونه ويجهز منها إن كان قبل تجهيزه، وإنما يجوز ورثته من أملاكه ما استغنى عنه فأما ما تعلقت به حاجته فلا ولأنه يجوز أن يتجدد له ملك بعد الموت كمن نصب شبكة فسقط فيها شئ بعد موته فإنه يملكه بحيث تقضى منه ديونه ويجهز فكذلك ديته لأن تنفيذ وصيته من حاجته فأشبه قضاء دينه. * (مسألة) * (فإن وصى بمعين بقدر نصف الدية فهل الدية على الورثة من الثلثين؟ على وجهين) بناء على الروايتين فعلى الرواية الأولى تحسب الدية من ماله فإن كانت وصيته بقدر نصف الدية أو أقل منه نفذت الوصية وإلا أخرج منه قدر ثلثها. وعلى الرواية الثانية لا تحسب الدية وتخرج الوصية من تلاد ماله دون ديته بناء على أن الدية ليست من ماله. * (فصل) * قال الشيخ رضي الله عنه (وتصح الوصية بالمنفعة المفردة وتصح بخدمة عبد ومنفعة أمة وغلة دار وبثمرة بستان أو شجرة سواء وصى بذلك مدة معلومة أو بجميع الثمرة والمنفعة في الزمان كله وهذا قول الجمهور منهم مالك والثوري والشافعي وأصحاب الرأي وقال ابن أبي ليلى لا تصح الوصية بالمنفعة المفردة لأنها معدومة. ولنا أنه يصح تمليكها بعقد المعاوضة فتصح الوصية بها كالأعيان ويعتبر خروج ذلك من ثلث المال

نص عليه أحمد في سكنى الدار وهو قول من قال بصحة الوصية بها، وإن لم تخرج من الثلث أجيز منها بقدر الثلث، وقال مالك إذا وصى بخدمة عبده سنة فلم تخرج من الثلث فالورثة بالخيار بين تسليم خدمته سنة وبين المال، وقال أصحاب الرأي وأبو ثور إذا وصى بخدمة عبده سنة فإن العبد يخدم الموصى له يوماً والورثة يومين حتى يستكمل الموصى له سنة فإن أراد الورثة بيع العبد بيع على هذا ولنا أنها وصية صحيحة فوجب تنفيذها على صفتها إذا أخرجت من الثلث أو بقدر ما خرج من الثلث منها كسائر الوصايا أو كالأعيان إذا ثبت هذا وأريد تقويمها وكانت الوصية مقيدة بمدة قوم الموصى بمنفعته مسلوب المنفعة تلك المدة ثم تقوم المنفعة في تلك المدة فينظر كم قيمتها (فصل) فإن أراد الموصى له بمنفعة العبد أو الدار إجارة العبد أو الدار في المدة التي أوصى له بنفعها فله ذلك، وبهذا قال الشافعي، وقال أبو حنيفة لا تجوز إجارة المنفعة المستحقة بالوصية لأنه أوصى له باستيفائه. ولنا أنها منفعة يملكها ملكاً تاماً فملك أخذ العوض عنها بالأعيان كما لو ملكها بالإجارة وإن أراد الموصى له إخراج العبد عن البلد فله ذلك وبه قال أبو ثور، وقال أصحاب الرأي لا يخرجه إلا أن يسكون أهله في غير البلد فيخرجه إلى أهله.

ولنا أنه مالك لنفعه فملك إخراجه كالمستأجر. * (مسألة) * (إذا أوصى بمنافع عبده أو أمته أبداً أو مدة بعينها فللورثة عتقها لأنها مملوكة لهم ومنفعتها باقية للموصي له ولا يرجع على المعتق بشئ وإن أعتقه صاحب المنفعة لم يعتق لأن العتق للرقبة وهو لا يملكها فإن وهب صاحب المنفعة منافعه للعبد أو أسقطها عنه فللورثة الانتفاع به لأن ما يوهب للعبد يكون لسيده. (فصل) ولهم بيعها وتباع مسلوبة المنفعة ويقوم المشتري مقام البائع فيما له وعليه وقيل لا يجوز بيعها لأن ما لا نفع فيه لا يصح بيعه كالحشرات والميتات وقيل يجوز بيعها لمالك منفعتها دون غيره لأن مالك منفعتها يجتمع له الرقبة والمنفعة فينتفع بذلك بخلاف غيره ولذلك جاز بيع الثمرة قبل بدو صلاحها لصاحب الشجرة دون غيره وكذلك بيع الزرع لصاحب الأرض، ووجه الأول أنها أمة مملوكة تصح الوصية بها فصح بيعها لغيره ولأنه يمكنه إعتاقها وتحصيل ولائها وثواب عتقها بخلاف الحشرات. * (مسألة) * (ولهم ولاية تزويجها لأنهم يملكون رقبتها) وليس لهم ذلك إلا بإذن صاحب المنفعة وليس لواحد منهما تزويجها منفرداً لأن مالك المنفعة لا يملك رقبتها وصاحب المنفعة يتضرر به فان انفقا على ذلك جاز لأن الحق لهما وكذلك لو طت

مسألة: وإن وصى في أبواب البر فقال شيخنا يصرف في القرب كلها

التزويج وجب ترويجها عند طلبها لأنه لحقها وحقها في ذلك مقدم عليهما لأنها لو طلبته من سيدها الذي يملك رقبتها ومنفعتها لزمه ذلك وقدم حقها على حقه ووليها في الموضعين مالك الرقبة لأنه مالكها. * (مسألة) * (ومهرها ههنا وفي كل موضع واجب للورثة) في اختار شيخنا لأن منافع البضع لا تصح الوصية بها مفردة ولا مع غيرها، ولا يجوز نقلها مفردة عن الرقبة بعد التزويج وإنما هي تابعة للرقبة فتكون لصاحبها وعند أصحابنا المهر للموصى له بالمنفعة لأنه من منافعها. * (مسألة) * (وإن وطئت بشبهة فالولد حر لأن وطئ الشبهة يكون الولد حرا لاعتقاد الواطئ أنه يطأ في ملك فهو كوطئ المغرور بأمة وتجب قيمته يوم وضعه لصاحب الرقبة في أحد الوجهين وفي الآخر يشتري بها ما يقوم مقامها ويجب على الواطئ لأنه الذي فوت رقه وإنما اعتبرت قيمته يوم الوضع لأن مقتضى الدليل أن تجب قيمته حين العلوق لأنه وقت نفويت الحرية فلما يكن ذلك قومناه في أول حال الامكان وذلك حالة وضعه وهي للورثة ولا شئ للوصي فيها لأنه إنما وصى له بنفع الام وليس الولد من المنافع ولا وصى له بمنفعته فلا يستحقه. * (مسألة) * وإن قتلت فللورثة قيمتها في أحد الوجهين) لأنهم مالكوها لأن القيمة بدل الرقبة فتكون لصاحبها وتبطل الوصية بالمنفعة كما تبطل الإجارة وفي الوجه الآخر يشتري بها ما يقوم مقامها لأن كل حق تعلق بالعين تعلق ببدلها إذا لم يبطل استحاقها ويفارق الزوجة والعين المستأجرة لأن الاستحقاق يبطل بتلفهما

مسألة: وإن وصى أن يحج عنه بألف صرف في حجة بعد أخرى حتى ينفذ

* (مسألة) * (وللوصي استخدامها وإجارتها وإعارتها) لأن الوصية له بنفعها وهذا منه * (مسألة) * (وليس لواحد منهما وطؤها) لأن صاحب المنفعة لا يملك رقبتها ولا هو زوجها ولا يباح وطئ بغيرهما لقول الله تعالى (إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم) وصاحب الرقبة لا يملكها ملكاً تاماً ولا يأمن أن تحمل منه فربما أفضى إلى هلاكها وأيهما وطئها فلا حد عليه لانه وطئ بشبهة لوجود الملك لكل واحد منهما وولده حر لأنه من وطئ شبهة فإن كان الواطئ صاحب المنفعة لم تصر أم ولد له لأنه لا يملكها وعليه قيمة ولدها يوم وضعه وحكمها على ما ذكرنا فيما إذا وطئها أجنبي بشبهة وإن كان الواطئ مالك الرقبة صارت ام ولدله لأنها علقت منه بحر في ملكه وفي وجوب قيمته عليه الوجهان، وأما المهر فإن كان الواطئ ملك الرقبة فلا مهر عليه في اختيار شيخنا وله المهر على صاحب المنفعة إن كان هو الواطئ وعند أصحابنا وأصحاب الشافعي ينعكس الحال وقد تقدم تعليل ذلك ويحتمل أن يجب الحد على صاحب المنفعة إذا وطئ لأنه لا يملك إلا المنفعة فوجب عليه الحد كالمستأجر وعلى هذا يكون ولده مملوكاً * (مسألة) * (وإن ولدت من زوج أو زنا فحكمه حكمها) لأن الولد يتبع الأم في حكمها كولد المكاتبة والمدبرة ويحتمل أن يكون لمالك الرقبة لأن ذلك ليس من النفع الموصى به ولا هو من الرقبة الموصى بنفعها

* (مسألة) * (وفي نفقتها ثلاثة أوجه) (أحدها) تجب على مالك الرقبة وهو الذي ذكره الشريف أبو جعفر مذهباً لأحمد وبه قال أبو ثور وهو ظاهر مذهب الشافعي لأن النفقة على الرقبة فكانت على صاحبها كنفقة العبد المستأجر وكما لو لم يكن له منفعة قال الشريف ولأن الفطرة تلزمه والفطرة تتبع النفقة ووجوب التابع على إنسان دليل على وجوب المتبوع عليه (والثاني) تجب على صاحب المنفعة وهو قول الاصطخري وأصحاب الراي وهو أصح إن شاء الله تعالى لأنه يملك نفعها على التأبيد فكانت النفقة عليه كالزوج ولأن نفعه له فكان عليه ضرره وكالمالك لهما جميعاً يحققه أن إيجاب النفقة على من لا نفع له ضرر مجرد فيصير معنى الوصية أوصيت لك بنفع أمتي وأبقيت على ورثتي ضررها والشرع ينفي هذا بقوله " لا ضرر ولا اضرار " ولذلك جعل الخراج بالضمان ليكون ضرره على من له نفعه وفارق المستأجر فإن نفعه في الحقيقة للمؤجر لأنه يأخذ الأجر عوضا عن المنافع (والثالث) أنها تجب في كسبه وهذا راجع إلى إيجابها على صاحب المنفعة لأن كسبه من منافعه فإذا صرفت في نفقته فقد صرفت المنفعة الموصى بها بها إلى النفقة فصار كما لو صرف إليه شيئاً من ماله سواء فإن لم يكن لها كسب فقيل تجب نفقتها في بيت المال لأن مالك الرقبة لا ينتفع بها وصاحب المنفعة لا يملك الرقبة فلا يلزمه إجبارها وكذلك سائر الحيوانات الموصى بمنفعتها قياساً على الأمة.

مسألة: وإن وصى أن يحج عنه بألف دفع الكل إلى من يحج

* (مسألة) * (وفي اعتبارها من الثلث وجهان) (أحدهما) يعتبر جميعها من الثلث يعني تقوم بمنفعتها ويعتبر خروج ثمنها من الثلث لأن أمة لا منفعة فيها لا قيمة لها غالباً (والثاني) تقوم بمنفعتها ثم تقوم مسلوبة المنفعة فيعتبر ما بينهما فإذا كان قيمتها بمنفعتها مائة وقيمتها مسلوبة المنفعة عشر علمنا أن قيمة المنفعة تسعون. * (مسألة) * (وإن وصى لرجل برقبتها ولآخر بمنفعتها صح) وصاحب الرقبة كالوارث فيما ذكرنا (فصل) وإذا وصى بثمرة شجرة مدة أو بماء تثمر أبداً صح ولا يملك واحد من الموصى له والوارث إجبار الآخر على سقيها لأنه لا يجبر على سقي ملكه ولا سقي ملك غيره فإن أراد أحدهما سقيها بحيث لا يضر بصاحبه لم يملك الأخر منعه فإن يبست الشجرة فحطبها للوارث وإن وصى له بثمرتها مدة بعينها فلم تحمل في تلك المدة فلا شئ للموصى له وان قال لك ثمرتها أول عام تثمر صح وله ثمرتها في ذلك العام وكذلك إذا وصى له بما تحمل أمته أو شاته وإن وصى لرجل بشجرة ولآخر بثمرتها صح وقام صاحب الرقبة مقام الوراث فيما له وإن وصى له بلبن شاته وصوفها صح كما تصح الوصية بثمرة الشجرة وإن أوصى بلبنها أو صوفها صح ويقوم الموصى به دون العين (فصل) وإذا وصى لرجل بحب زرعه ولآخر بتبنه صح والنفقة بينهما لأن كل واحد منهما تعلق حقه بالزرع فإن امتنع أحدهما من الإنفاق فهما بمنزلة الشريكين أصل الزرع إذا امتنع أحدهما من

مسألة: فإن عينه في الوصية فقال يحج عني فلان بألف صرف ذلك إليه، وإن لم يعين فللموصى إليه صرفه إلى من شاء

سقيه والإنفاق عليه فيخرج في ذلك وجهان (أحدهما) يجبر على الإنفاق عليه هذا قول أبي بكر لأن في ترك الإنفاق ضرراً عليهما وإضاعة للمال وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " لا ضرر ولا إضرار " ونهى عن إضاعة المال (والثاني) لا يجبر على الإنفاق على ما نصيبه ولا على مال غيره إذا كان كل واحد منهما منفرداً فكذلك إذا اجتمعها واصل الوجهين إذا استهدم الحائط المشترك فدعا أحد الشريكين الآخر إلى مباناته فامتنع وينبغي أن تكون النفقة عليهما على قدر قيمة كل واحد منهما كما لو كانا مشتركين في أصل الزرع (فصل) وإن أوصى لرجل بخاتم ولآخر بفصه صح وليس لواحد منهما الانتفاع به إلا بإذن الآخر وأيهما طلب قلع الفص من الخاتم أجيب إليه وأجبر الآخر عليه وان انفقا على بيعه واصطلحا على لبسه جاز لأن الحق لهما (فصل) فإن وصى لرجل بدينار من غلة داره وغلتها ديناران صح فإن أراد الورثة بيع نصفها وترك النصف الذي أجره دينار فله منعهم منه لا يجوز أن ينقص أجره عن الدنيا وإن كانت الدار لا يخرج من الثلث فلهم بيع ما زاد عليه خاصة وترك الباقي فإن كان عليه دينار أو أقل فهو للموصى له وإن زادت فله دينار والباقي للورثة. * (مسألة) * تصح الوصية بالمكاتب إذا قلنا يصح بيعه)

لأنه مملوك يصح بيعه فصحت الوصية به كالقن ويقوم من انتقل إليه مقام السيد في الأداء إليه وإن عجز عاد رقيقاً له وان عتق فالولاء له كالمشتري فإن عجز في حياة الموصي لم تبطل الوصية لأن رقه لا ينافيها وإن أدى بطلت فإن قال إن عجز ورق فهو لك بعد موتي فعجز في حياة الموصي صحت الوصية وإن عجز بعد موته بطلت كما لو قال لعبده إن دخلت الدار فأنت حر بعد موتي فلم يدخلها حتى مات سيده وإن قال إن عجز بعد موتي فهو لك ففيه وجهان نذكرهما في العتق فيما إذا قال إن دخلت الدار بعد موتي فأنت حر * (مسألة) * وإن وصى له بمال الكتابة أو ينجم منها صح لأنها تصح بما ليس بمستقر كما تصح بما لا يملكه في الحال كحمل الجارية وللموصى له أن يستوفي المال عند حلوله وله ان يبرئ منه ويعتق بأحدهما والولاء لسيده لأنه المنعم عليه فإن عجز وأراد الوارث تعجيزه وأراد الوصي أنظاره فالقول قول الوارث لأن حق الوصي في المال إذا كان العقد قائماً وحق الوارث متعلق به إذا عجز يوده في الرق وليس للوصي إبطال حق الوارث من تعجيزه وكذلك إن أراد الوارث أنظاره وأراد الوصي تعجيزه فالحكم للوارث ولا حق للوصي في ذلك ولا نفع له لأن حقه يسقط به ومتى عجز عاد عبدا للوارث وإن وصى بما يعجله المكاتب صح فإن عجل شيئاً فهو للوصي وإن لم يعجل شيئاً حتى حلت نجومه بطلت الوصية

مسألة: وإن وصى لأهل سكته فهو لأهل دربه

* (مسألة) * (وإن وصى لرجل برقبته ولآخر بما عليه صح فإن أدى إلى صاحب المال أو إبرأه منه عتق وبطلت وصيته صاحب الرقبة) قاله أصحابنا ويحتمل أن لا تبطل ويكون الولاء له لأنه أقامه مقام نفسه ولو لم يوص بها كان الولاء له فإذا أوصى بها كان الولاء للموصى له وكما لو وصى له بالمكاتب مطلقاً لأن الولاء يستفاد من الوصية بالرقبة دون الوصية بالمال وإن عجز فسخ صاحب الرقبة كتابته وكان رقيقاً له وبطلت وصية صاحب المال وان كان صاحب المال قبض من مال الكتابة شيئاً فهو له فإن اختلفا في فسخ الكتابة بعد العجز قد قول صاحب الرقبة لأنه يقوم مقام الورثة على ما ذكرنا (فصل) فإن كانت الكتابة فاسدة فوصى لرجل بما في ذمة المكاتب لم يصح لأنه لا شئ في ذمته فإن قال أوصيت لك بما أقبضه من مال الكتابة صح لأن الكتابة الفاسدة يؤدي منها المال كما يؤدى في الصحيحة وإن وصى برقبة المكاتب فيها صح لأنها تصح في المكاتبة الصحيحة ففي الفاسدة أولى والله أعلم (فصل) وإذا قال اشتروا بثلثي رقاباً فأعتقوهم لم يجز صرفه إلى المكاتبين لأنه أوصى بالشراء لا بالدفع إليهم فإن اتسع الثلث لم يجز أن يشتري أقل منها لأنها أقل الجمع فإن قدر أن يشتري أكثر من ثلاثة بثمن ثلاثة غالية كان أولى وأفضل لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من أعتق امرأ مسلماً أعتق الله بكل عضو منه عضواً منه من النار " ولأنه يفرج عن نفس زائدة فكان أفضل من عدم ذلك وإن أمكن

مسألة: وإن وصى لجيرانه تناول أربعين دارا من كل جانب

شراء ثلاثة رخيصة وحصة من الرابعة بثمن ثلاثة غالية فالثلاثة أفضل لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن أفضل الرقاب قال " أغلاها ثمناً وأنفسها عند أهلها " والقصد من العتق تكميل الأحكام من الولاية والجمعة والحج والجهاد وسائر الأحكام التي تختلف بالرق والحرية ولا يحصل ذلك إلا بإعتاق جميعه، وهذا التفصيل والله أعلم من النبي صلى الله عليه وسلم إنما يكون مع التساوي في المصلحة، فأما إن ترجح بعضهم بدين وعفة وصلاح ومصلحة له في العتق بأن يكون مضروراً بالرق وله صلاح في العتق وغيره له مصلحة في الرق ولا مصلحة في العتق بل ربما تضرر به من فوات نفقته وكفايته ومصالحه وعجزه بعد العتق عن عن الكسب وخروجه عن الصيانة والحفظ فإن إعتاق من كثرت المصحلة في إعتاقه أفضل وأولى وإن قلت قيمته ولا يسوغ إعتاق من في إعتاقه مفسدة لأن مقصود الموصي تحصيل الثواب والأجر ولا أجر في إعتاق هذا، ولا يجوز أن يعتق إلا رقبة مسلمة فإن الله تعالى لما قال (فتحرير رقبة) فلم يتناول إلا المسلمة ومطلق كلام الآدمي محمول على مطلق كلام الله تعالى ولا يجوز إعتاق معيبة عيباً يمنع من الاجزاء في الكفارة والله أعلم * (فصل) * قال الشيخ رضي الله عنه (ومن أوصى له بشئ بعينه فتلف قبل موت الموصي أو بعده بطلت الوصية) كذلك حكاه ابن المنذر فقال أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم على أن الرجل إذا أوصى له بشئ فهلك الشئ ان لا شئ له في سائر مال الميت وذلك لأن الموصى له إنما يستحق بالوصية لا غير وقد تعلقت بمعين فإذا ذهب ذهب حقه كما لو تلف في يده والتركة في يد الورثة غير مضمونة عليهم لأنها حصلت في أيديهم بغير فعلهم ولا تفريطهم فلا يضمنوا شيئاً * (مسألة) * (ولو تلف المال كله غيره بعد موت الموصي فهو للموصي له)

مسألة: وإن وصى لأقرب قرابته أو لأقرب الناس إليه أو أقربهم به رحما لم يدفع بنفسه من غير واسطة والأخ والجد سواء

لأن حقوق الورثة لم تتعلق به لتعينه للموصى له ولذلك يملك أخذه بغير رضاهم وأذنهم فكان حقه فيه دون سائر المال فحقوقهم في سائر المال دونه فأيهما تلف حقه لم يشارك الآخر في حقه كما لو كان التلف بعد أن أخذه الموصى له وكالورثة إذا اقتسموا ثم تلف نصيب أحدهم قال أحمد فيمن خلف مائتي دينار وعبداً قيمته مائة ووصي لرجل بالعبد فسرقت الدنانير بعد الموت فالعبد للموصى له به * (مسألة) * (وإن لم يأخذه زماناً قوم وقت الموت لا وقت الأخذ) وذلك لأن الاعتبار في قيمة الوصية وخروجها من الثلث وعدم خروجها بحالة الموت لأنها حال لزوم الوصية فتعتبر قيمة المال فيها وهذا قول الشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه خلافا فينظر كم كان الموصى به وقت الموت فإن كان ثلث التركة أو دونه نفذت الوصية واستحقه الموصى له كله فإن زادت قيمته حتى صار معادلاً لسائر الاموال أو أكثر منه أو هلك المال كله سواه فهو للموصي له ولا شئ للورثة فيه فإن كان حين الموت زائداً عن الثلث فللموصى له منه قدر ثلث المال فان كان نصف المال فللموصى له ثلثاه وإن كان ثلثيه فللموصى له نصفه وإن كان نصف المال وثلثه فللموصى له خمساه فإن نقص بعد ذلك أو زاد أو نقص سائر المال أو زاد فليس للموصى له سوى ما كان حين الموت فلو وصى بعبد قيمته مائة وله مائتان فزادت قيمته بعد الموت حتى صار يساوي مائتين فهو للموصى له كله وإن كانت قيمته حين الموت مائتين فللموصى له ثلثاه لأنهما ثلث المال فإن نقصت قيمته بعد الموت حتى صار يساوي مائة لم يزد حق الموصى له عن ثلثيه شيئا إلا أن يجيز الورثة وإن كانت قيمته أربعمائة فللموصى له نصفه لا يزداد حقه عن ذلك سواء نقص العبد أو زاد * (مسألة) * (فإن لم يكن له سوى المعين إلا مال غائب أو دين في ذمة موسر أو معسر فللموصى له ثلث الموصى به وكلما اقتضي من الدين شئ أو حضر من الغائب ملك من الموصى به قدر ثلثه حتى يكمله كله)

مسألة: والأخ من الأب والأخ من الأم سواء والأخ من الأبوين أحق منهما

وجملة ذلك أن من أوصى بمعين حاضر وسائر ماله دين أو غائب فليس للوصي أخذ المعين قبل قدوم الغائب وقبض الدين لأنه ربما تلف فلا تنفذ الوصية في المعين كله ويأخذ الوصي من المعين ثلثه وهو ظاهر كلام الخرقي ذكره في المدبر وقيل لا يدفع اليه شئ لأن الورثة شركاؤه في التركة فلا يحصل له شئ ما لم يحصل الورثة مثلاه ولم يحصل لهم شئ وهذا وجه لأصحاب الشافعي، والصحيح الأول لأن حقه في الثلث مستقر فوجب تسليمه إليه لعدم الفائدة في وقفه كما لو لم يخلف غير المعين ولأنه لو تلف سائر المال لوجب تسليم ثلث المعين إلى الوصي وليس تلف المال سبباً لاستحقاق الوصية وتسليمها ولا يمتنع نفوذ الوصية في الثلث المستقر وإن لم ينتفع الورثة بشئ كما لو أبرأ معسراً من دين عليه وقال مالك يخير الورثة بين دفع العين الموصى بها وبين جعل وصيته ثلث المال لأن الموصي كان له أن يوصي بثلث ماله فعدل إلى المعين وليس له ذلك لأنه بؤدي إلى أن يأخذ الموصى له المعين فينفرد بالتركة على تقدير تلف الباقي قبل وصوله إلى الورثة فيقال للورثة أن رضيتم بذلك وإلا فعودوا إلى ما كان له أن يوصي به وهو الثلث ولنا أنه أوصى بما لا يزيد على الثلث لأجنبي فوقع لازماً كما لو وصى له بمشاع وما قاله لا يصح لأن جعل حقه في قدر الثلث إشاعة وإبطال لما عينه فلا يجوز إسقاط ما عينه الموصي للموصى له ونقل حقه إلى ما لم يوص به كما لو وصى له بمشاع لم يجز نقله إلى معين، وكما لو كان المال كله

حاضراً أو غائباً. إذا ثبت هذا فإن للموصى له ثلث العين الحاضرة وكلما اقتضى من دينه شئ أو حضر من الغائب شئ فللموصى له بقدر ثلثه من الموصى به كذلك حتى يكمل للموصى له الثلث أو يأخذ المعين كله، فلو خلف تسعة عيناً وعشرين ديناراً وابناً ووصى بالتسعة لرجل فللوصي ثلثها ثلاثة وكلما اقتضي من الدين شئ فللوصي ثلثه فإذا اقتضى ثلثه فله من التسعة واحد حتى يقتضي ثمنانية عشر فتكمل له التسعة فإن جحد الغريم أو مات أو يئس من استيفاء الدين أخذ الورثة الستة الباقية من العين ولو كان الدين تسعة فإن الابن يأخذ ثلث العين ويأخذ الوصي ثلثها ويبقى ثلثها موقوفاً كلما استوفي من الدين شئ فللوصي من العين قدر ثلثه فإذا استوفى الدين كله كمل للموصى له ستة وهي ثلث الجميع، وإن كانت الوصية بنصف العين أخذ الوصي ثلثها، وأخذ الابن نصفها وبقي سدسها موقوفاً، فمتى اقتضي من الدين مثليه كملت وصيته. * (مسألة) * (وكذلك الحكم في المدبر) في أنه يعتق في الحال ثلثه وكلما اقتضي من الدين شئ أو حضر من الغائب شئ عتق منه بقدر ثلثه حتى يعتق جميعا أن خرج من الثلث. (فصل) فإن كان الدين مثل العين فوصى لرجل بثلثه فلا شئ له قبل استيفائه فكلما اقتضي منه شئ فله ثلثه وللابن ثلثاه وهذا أحد قولي الشافعي، وقال في الآخر هو أحق بما يخرج من الدين حتى يستوفي وصيته، وهذا قول أهل العراق لأن ذلك يخرج من ثلث المال الحاضر.

مسألة: وإن وصى لكتب التوراة والإنجيل لم تصح

ولنا أن الورثة شركاؤه في الدين وليس له معهم شركة في العين فلا يختص بما يخرج منه دونهم، كما لو كان شريكه في الدين وصياً أخر، وكما لو وصى لرجل بالعين ولآخر بالدين فالمنفرد بوصية الدين لا يختص بما خرج منه دون صاحبه كذا ههنا. (فصل) ولو وصى لرجل بثلث ماله وله مائتان ديناً وعبد يساوي مائة ووصى لآخر بثلث العبد اقتسما ثلث العبد نصفين وكلما اقتضي من الدين شئ فللموصى له بثلث المال ربعه، وله وللآخر من العبد بقدر ربع ما استوفى بينهما نصفين فإذا استوفي الدين كله كمل للوصيين نصف العبد ولصاحب الثلث ربع المائتين وذلك هو ثلث المال، وإن استوفي الدين قبل القسمة قسما بينهما كذلك للموصى له ثلث العبد ربعه، لأن للوصيين أربعة أتساع المال والجائز منهما ثلث المال وهو ثلاثة أتساع وذلك ثلاثة أرباع وصيتهما، فرددنا كل واحد منهما إلى ثلاثة أرباع وصيته وهي ربع المال كله لصاحب ثلثه وربع العبد لصاحب ثلثه، وفي المسألة أقوال سوى ما قلناه تركناها لطولها، وهذا أسدها إن شاء الله لأننا أدخلنا النقص على كل واحد منهما بقدر ماله في الوصية وكملنا لهما الثلث فإن أجيز لهما أخذ كل واحد منهما ما بقي من وصيته وهو ربعها فيكمل ثلث المال لصاحبه وثلث العبد للآخر. (فصل) وإن خلف ابنين وترك عشرة عينا وعشرة ديناً على أحد ابنيه وهو معسر ووصى لأجنبي بثلث ماله فإن الوصي والابن الذي لا دين عليه يقتسمان العشرة العين نصفين ويسقط عن المدين ثلثا

مسألة: ولا تصح لملك ولا لبهيمة ولا لجني

دينه ويبقى لهما عليه ثلثه، فإن كانت الوصية بالربع قسمت العشرة العين بينهما أخماساً للوصي خمساها أربعة وللابن ستة وسقط عن المدين ثلاثة أرباع دينه وبقي عليه ربعه فإذا استوفى قسم بينهما أخماساً كما قسمت العين لأن الوصية بالربع وهو ثمنان ويبقى ستة أثمان لكل ابن ثلاثة أثمان فصار نصيب الوصي والابن الذي لا دين عليه خمسة أثمان للابن ثلاثة وللوصي سهمان فلذلك قسمنا العين وما حصل لهما من الدين أخماساً وسقط عن المدين ثلاثة أرباع ما عليه لأن له ثلاثة أثمان وهي ثلاثة أرباع النصف الذي عليه. (فصل) ونماء العين الموصى بها إن كان متصلاً تبعها وهو للموصى له، وإن كان منفصلاً في حياة الموصي فهو له يكون ميراثاً وإن حدث بعد الموت قبل القبول فهو للورثة في ظاهر المذهب وقيل للوصي وقد ذكرناه. * (مسألة) * (وإن وصى له بثلث عبد فاستحق ثلثاه فله الثلث الباقي وإن وصى له بثلث ثلاثة أعبد فاستحق اثنان منهم أو ماتا فله ثلث الباقي) إذا وصى له بمعين فاستحق بعضه فله ما بقي منه إن حمله الثلث فإذا وصى له بثلث عبد أو دار فاستحق الثلثان منه فالثلث الباقي للموصى له وهو قول الشافعي وأصحاب الرأي لأن الباقي كله موصى به وقد خرج من الثلث فاستحقه الموصى له كما لو كان شيئاً معيناً وإن وصى له بثلث ثلاثة أعبد فهلك عبدان أو استحقا فليس له إلا ثلث الباقي

وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي لأنه لم يوص له من الباقي بأكثر من ثلثه وقد شرك بينه وبين ورثته في استحقاقه. * (مسألة) * (وإن وصى له بعبد لا يملك غيره قيمته مائة ولآخر بثلث ماله وملكه غير العبد مائتان فأجاز الورثة فاللموصى له بالثلث ثلث المائتين وربع العبد وللموصى له بالعبد ثلاثة أرباعه وإن ردوا فقال الخرقي للموصى له بالثلث سدس المائتين وسدس العبد وللموصى له بالعبد نصفه قال شيخنا وعندي أنه يقسم الثلث بينهما على حسب مالهما في حال الإجازة لصاحب الثلث خمس المائتين وعشر العبد ونصف عشره ولصاحب العبد ربعه وخمسه) وجملة ذلك أنه إذا أوصى لرجل من ماله ولآخر بجز؟ مشاع منه كثلثه فأجيز لهما انفرد صاحب المشاع بوصيته من غير المعين ثم شارك صاحب المعين فيه فيقسم بينهما على قدر حقيهما ما فيه ويدخل النقص على كل واحد منهما بقدر ماله في الوصية كمسائل العول وكما لو وصى لرجل بماله ولآخر بجزء منه فأما في حال الرد فإن كانت وصيتهما لا تجاوز الثلث مثل أن يوصي لرجل بسدس ماله ولآخر بمعين قيمته سدس المال فهي كحالة الإجازة سواء إذ لا أثر للرد وإن جاوزت الثلث رددنا وصيتهما إلى الثلث وقسمناه بينهما على قدر وصيتيهما إلا أن صاحب المعين يأخذ نصيبه من المعين والآخر يأخذ حقه من جميع المال هذا قول الخرقي وسائر الأصحاب ويقوى عندي أنهما في حال الرد يقتسمان الثلث على حسب مالهما في حال الإجازة وهذا

مسألة: وإن وصى لهما بثلثي ماله وأجاز الورثة لهما جازت وإن عينوا نصيب الوارث بالرد وحده فللأجنبي الثلث كاملا

قول ابن أبي ليلى وقال أبو حنيفة ومالك في الرد يأخذ صاحب المعين نصيبه منه ويضم الآخر سهامه إلى سهام الورثة ويقتسمون الباقي على خمسة في مثل مسألة الخرقي لأن له السدس وللورثة أربعة أسداس وهو مثل قول الخرقي إلا أن الخرقي يعطيه السدس من جميع المال وعندهما أنه يأخذ خمس المائتين وعشر العبد واتفقوا على أن كل واحد من الوصيين يرجع إلى نصف وصيته لأن كل واحد منهما قد أوصى له بثلث المال وقد رجعت الوصيتان إلى الثلث وهو نصف الوصيتين فيرجع كل واحد إلى نصف وصيته ويدخل النقص على كل واحد منهما بقدر ماله في الوصية، وفي قول الخرقي يأخذ سدس الجميع لأنه وصى له بثلث الجميع، وأما في قول شيخنا فإن وصية صاحب العبد دون وصية صاحب الثلث لأنه وصى له بشئ شرك معه غيره فيه وصاحب السدس أفرد بشئ لم يشاركه فيه غيره فوجب أن يقسم بينهما الثلث حالة الرد على حسب مالهما في حال الإجازة كما في سائر الوصايا ففي هذه المسألة لصاحب الثلث ثلث المائتين ستة وستون وثلثان لا يزاحمه الاخر فيها ويشتركان في العبد لهذا ثلثه وللآخر جميعه فابسطه من جنس الكسر وهو الثلث يصر العبد ثلاثة واضمم إليها الثلث الذي للآخر يصر أربعة ثم اقسم العبد على أربعة أسهم يصر الثلث ربعاً كما في مسائل العول وفي حالة الرد ترد وصيتهما إلى ثلث المال وهو نصف وصيتيهما فيرجع كل واحد إلى نصف وصيته فيرجع صاحب الثلث إلى سدس الجميع ويرجع صاحب العبد إلى نصفه، وفي قول شيخنا تضرب مخرج الثلث في مخرج الربع

يكن اثني عشر ثم في ثلاثة تكن ستة وثلاثين فلصاحب الثلث ثلث المائتين وهو ثمانية وربع العبد وهو ثلاثة أسهم صار له أحد عشر ولصاحب العبد ثلاثة أرباعه وذلك تسعة فبضمها إلى صاحب الثلث تصير عشرين سهماً ففي حال الرد يجعل الثلث عشرين سهماً والمال كله ستون فلصاحب العبد تسعة من العبد وهو ربعه وخمسه ولصاحب الثلث ثمانية من المائتين وهي خمسها وثلثه من العبد وذلك عشرة ونصف عشرة * (مسألة) * (وإن كانت الوصية بالنصف مكان الثلث فله في حال الإجازة مائة وثلث العبد ولصاحب العبد ثلثاه. وفي الرد لصاحب النصف خمس المائتين وخمس العبد ولصاحب العبد خمساه هذا قول أبي الخطاب وهو قياس قول الخرقي وعلى اختيار شيخنا لصاحب النصف ربع المائتين وسدس العبد ولصاحب العبد ثلثه والطريق فيها أن ينسب الثلث إلى ما حصل لهما في حال الإجازة ثم يعطى كل واحد مما حصل له في الإجازة مثل نسبة الثلث إليه وعلى قول الخرقي ينسب الثلث إلى وصيتيهما جميعاً ثم يعطي كل واحد في الرد مثل الخارج بالنسبة وبيانه في هذه المسألة أن نسبة الثلث إلى وصيتيهما بالخمسين لأن النصف والثلث خمسة من ستة فالثلث خمساها فلصاحب العبد خمسا العبد لأنه وصيته ولصاحب النصف الخمس لأنه خمسا وصيته وعلى اختيار شيخنا قد حصل لهما في الإجازة الثلثان ونسبة الثلث إليهما بالنصف

مسألة: ولو وصى بماله لابنيه وأجنبي فردوا وصية الوارث فهو على ما قال، وإن أجازوا للوارث فالثلث بينهما

فلكل واحد منهما مما حصل في الإجازة نصفه وقد كان لصاحب النصف من المائتين نصفها فله ربعها وكان له من العبد ثلثه فصار له سدسه وكان لصاحب العبد ثلثاه فصار له ثلثه (فصل) فإن كانت المسألة بحالها وملكه غير العبد ثلاثمائة ففي الاجازة لصاحب النصف مائة وخمسون وثلث العبد ولصاحب العبد ثلثاه وفي الرد لصاحب النصف تسعا المال كله ولصاحب العبد أربعة أتساعه على الوجه الأول وعلى اختيار شيخنا لصاحب العبد ثلثه وخمس تسعه وللآخر تسعه وثلث خمسه ومن المال ثمانون وهو ربعها وسدس عشرها وإن وصى لرجل بجميع ماله ولآخر بالعبد ففي الإجازة لصاحب العبد نصفه والباقي كله للآخر وفي الرد يقسم الثلث بينهما على خمسة لصاحب العبد خمسه وهو ربع العبد وسدس عشره وللآخر أربعة أخماسه فله من العبد مثل ما حصل لصاحبه ومن كل مائة مثل وهو ثمانون. (فصل) فلو خلف عبداً قيمته مائة ومائتين ووصى لرجل بمائة وبالعبد كله ووصى بالعبد لآخر ففي حال الإجازة يقسم العبد بينهما نصفين وينفرد صاحب المائة بنصف الباقي وفي الرد للمولى له بالعبد ثلثه وللآخر ثلث وثلث المائة وعلى الوجه الآخر لصاحب العبد ربعه وللآخر ربعه ونصف المائة يرجع كل واحد منهما إلى نصف نصيبه فإن لم تزد الوصيتان على الثلث كرجل خلف خمسمائة وعبداً قيمته مائة ووصى بسدس ماله لرجل ولآخر بالعبد فلا أثر للرد ههنا ويأخذ صاحب المشاع سدس

مسألة: وإن وصى لزيد والفقراء والمساكين بثلثه فلزيد التسع

المال وسبع العبد وللآخر ستة أسباعه فإن وصى لصاحب المشاع بخمس المال فله مائة وسدس العبد ولساحب العبد خمسة أسداسه ولا اثر للرد أيضاً لأن الوصيتين لا تزيد على ثلث المال. * (مسألة) * وإن وصى لرجل بثلث ماله ولآخر بمائة ولثالث بتمام الثلث على المائة فلم يزد الثلث على المائة وذلك إذا كان المال ثلاثمائة بطلت وصية صاحب التمام) لأنه لم يوص له بشئ أشبه ما لو أوصى له بداره وليس له دار ويقسم الثلث في حال الرد بين الوصيين على قدر وصيتهما، وإن زاد الثلث على المائة بأن يكون المال ستمائة فأجاز وانفذت الوصية على ما قال الموصي فيأخذ صاحب الثلث مائتين وكل واحد من الوصيين مائة، وإن ردوا ففيه وجهان (أحدهما) يرد كل واحد منهم إلى نصف وصيته لأن الوصايا رجعت إلى نصفها فيدخل النقص على كل واحد بقدر ماله في الوصية كسائر الوصايا، وهذا اختيار شيخنا. (والثاني) لا شئ لصاحب التمام حتى تكمل المائة لصاحبها ثم يكون الثلث بين الوصيين الآخرين نصفين فلا يحصل لصاحب التمام إذا كان المال ستماثة شئ، اختاره القاضي لأنه إنما يستحق بعد تمام المائة لصاحبها، ولم يفضل ههنا له شئ قال ويجوز أن يزاحم به ولا يعطى شيئا كولد الأب مع ولد الأبوين في مزاحمة الجد يزاحم الجد بالأخ من الأب ولا يعطيه شيئاً، فإن كان المال تسعمائة ورد الورثة فعلى الوجه الأول لصاحب الثلث مائة وخمسون ولصاحب المائة خمسون ولصاحب التمام مائة لأن الوصية كانت بالثلثين فرجعت إلى الثلث فرددنا كل واحد منهم إلى نصف وصيته، وعلى الوجه

باب الموصى به

الثاني لصاحب المائة مائة لا ينقص منها شئ ولصاحب التمام خمسون وهذا اختيار القاضي. (فصل) فإن ترك ستمائة ووصى لأجنبي بمائة ولآخر بتمام الثلث فلكل واحد منهما مائة، وإن رد الأول وصيته فللآخر مائة، وإن وصى للأول بثمانين وللآخر باقي الثلث فلا شئ للثاني، سواء رد الأول وصيته أو أجازها، وهذا قياس قول الشافعي وأهل البصرة، وقال أهل العراق إن رد الأول فللثاني مائتان في المسئلتين. ولنا أن المائة ليست باقي الثلث ولا تتمته فلا يكون موصى بها للثاني كما لو قتل الأول ولو وصى لوارث بثلثه ولآخر بتمام الثلث، فلا شئ للثاني، وعلى قول أهل العراق له الثلث كاملاً. باب الوصية بالانصباء والأجزاء إذا وصى لرجل بمثل نصيب وارث معين فله مثل نصيبه مضموماً إلى المسألة ومزاداً عليها، هذا قول الجمهور، وبه قال أبو حنيفة والشافعي، وقال مالك وابن أبي ليلى وزفر وداود: يعطى مثل نصيب المعين، أو مثل نصيب أحدهم إن كانوا يتساوون من أصل المال غير مزيد ويقسم الباقي بين الورثة لأن نصيب الوارث قبل الوصية من أصل المال فلو أوصى بمثل نصيب ابنه وله ابن واحد فالوصية بجميع المال، وإن كان له ابنان فالوصية بالنصف، وإن كانوا ثلاثة فله الثلث، وقال مالك إن كانوا يتفاضلون نظر إلى عدد رؤوسهم فأعطي سهماً من عددهم لأنه لا يمكن اعتبار أنصبائهم لتفاضلهم فاعتبر عدد رؤوسهم.

مسألة: وتصح بما فيه نفع مباح من غير المال كالكلب والزيت النجس

ولنا أنه جعل وارثه أصلاً وقاعدة حمل عليه نصيب الموصى له وجعل مثلاً له، وهذا يفضي إلى أن لا يزاد أحدهما على صاحبه، ومتى أعطي من أصل المال فما أعطي مثل نصيبه ولا حصلت التسوية به والعبارة تقتضي التسوية. * (مسألة) * (فإذا وصى له بمثل نصيب ابنه، وله ابنان، فله الثلث وإن كانوا ثلاثة فله الربع وإن كان معهم بنت فله التسعان لأن المسألة من سبعة لكل ابن سهمان ويزاد عليها مثل نصيب ابن، سهمان، فتصير تسعة فالاثنان منها تسعاها. * (مسألة) * (وإن وصى بنصيب ابنه فكذلك في أحد الوجهين) تصح الوصية وتكون كما لو وصى بمثل نصيب ابن، وهذا قول مالك وأهل المدينة واللؤلؤي وأهل البصرة وابن أبي ليلى وزفر وداود، والوجه الثاني: لا تصح الوصية، وهو الذي ذكره القاضي، وهو قول أصحاب الشافعي وأبي حنيفة وصاحبيه، لأنه أوصى بما هو حق للابن فلم يصح كما لو قال بدار ابني، وبما يأخذه ابني، ووجه الأول أنه أمكن تصحيح وصيته بحمل لفظه على مجازه فصح كما لو طلق بلفظ الكناية أو أعتق وبيان إمكان التصحيح أنه أمكن حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، أي بمثل نصيب ابني ولأنه لو أوصى بجميع ماله صح وإن تضمن ذلك الوصية بنصيب ورثته كلهم * (مسألة) * (وإن وصى بضعف نصيب ابنه أو ضعفيه فله مثله مرتين وإن وصى بثلاثة أضعافه فله ثلاثة أمثاله) .

قال شيخنا هذا الصحيح عندي، وقال أصحابنا ضعفاه ثلاثة أمثاله وثلاثة أضعافه أربعة أمثاله، كلما زاد ضعفاً زاد مرة واحدة) إذا وصى بضعف نصيب ابنه فله مثلا نصيبه، وبه قال الشافعي، وقال أبو عبيد القاسم بن سلام الضعف المثل لقول الله تعالى (يضاعف لها العذاب ضعفين) أي مثلين، وقوله (فآتت أكلها ضعفين) أي مثلين، وإذا كان الضعفان مثلين فالضعف مثل. ولنا على أن الضعف مثلان قوله تعالى (إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات) وقال (فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا) ، وقال (وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون) ويروى عن عمر أنه أضعف الزكاة على نصارى بني تغلب فكان يأخذ من الثمانين عشرة، وقال لحذيفة وعثمان بن حنيفة لعلكما حملتما الأرض ما لا تطيق، فقال عثمان لو أضعفت عليها لاحتملت، قال الأزهري الضعف المثل فما فوقه، فأما قوله إن الضعفين المثلان فقد روى ابن الأنباري عن هشام ابن معاوية النحوي قال العرب تتكلم بالضعف مثنى فتقول إن أعطيتني درهماً فلك ضعفاه، أي مثلاه، وإفراده لا بأس به إلا أن التثنية أحسن يعني أن المفرد والمثنى في هذا بمعنى واحد وكلاهما يراد به المثلان وإذا استعملوه على هذا الوجه وجب اتباعهم وإن خالفنا القياس. (فصل) وإن وصى له بضعفيه فله مثله مرتين وإن قال ثلاثة أضعافه فله ثلاثة أمثاله، هذا الصحيح عندي، وهو قول أبي عبيد، وقال أصحابنا ضعفاه ثلاثة أمثاله وثلاثة أضعافه أربعة أمثاله وعلى هذا كلما زاد ضعفاً زاد مرة واحدة، وهو قول الشافعي، واحتجوا بقول أبي عبيدة مسعر بن المثنى ضعف الشئ هو ومثله وضعفاه: هو ومثلاه وثلاثة أضعافه أربعة أمثاله، وقال أبو ثور ضعفاه

مسألة: وتصح الوصية بالمجهول كعبد وشاة لأن الوصية تصح بالمعدوم فالمجهول بطريق الأولى،

أربعة أمثاله وثلاثة أضعافه ستة أمثاله لأنه قد ثبت أن ضعف الشئ مثلاه فتثنيته مثلا مفرده. ولنا قول الله (فآتت أكلها ضعفين) قال عكرمة: تحمل في كل عام مرتين، قال عطاء أثمرت في سنة مثل ثمرة غيرها سنتين، ولا خلاف بين المفسرين فيما علمنا في تفسير قوله تعالى: (يضاعف لها العذاب ضعفين) إن المراد به مرتين، وقد دل عليه قوله تعالى (نؤتها أجرها مرتين ومحال أن يجعل أجرها على العمل الصالح مرتين وعذابها على الفاحشة ثلاث مرات فإن الله تعالى إنما يريد تضعيف الحسنات على السيئات هذا المعهود من كره وفضله، وأما قول أبي عبيدة فقد خالفه فيه غيره وأنكر قوله قال ابن عرفة لا أحب قول أبي عبيدة في (يضاعف لها العذاب ضعفين) لأن الله تعالى قال في آية أخرى (نؤتها أجرها مرتين) فأعلم أن لها من هذا حظين ومن هذا حظين وقد نقل هشام بن معاوية النحوي عن العرب أنهم ينطقون بالضعف مثنى ومفرداً بمعنى واحد وموافقة العرب على لسانهم مع ما دل عليه كلام الله تعالى العزيز وأقوال المفسرين من التابعين وغيرهم أولى من قول أبي عبيدة المخالف لذلك كله مع مخالفة القياس ونسبة الخطأ إليه أولى من تخطئه ما ذكرناه وأما قول أبي ثور فظاهر الفساد، لما فيه من مخالفة الكتاب والعرب وأقوال المفسرين من التابعين وغيرهم، وأهل العربية، فلا يجوز التمسك بمجرد القياس المخالف للنقل، فقد شذ من العربية كلمات تؤخذ نقلاً بغير قياس.

(فصل) ولو وصى بمثل نصيب له كمن يوصي بمثل نصيب ابنه وهو لا يرث لرقه أو كونه مخالفاً لدينه أو بنصيب أخيه وهو محجوب عن ميراثه فلا شئ للوصي لأنه لا نصيب له فمثله لا شئ * (مسألة) * (وإذا وصى له بمثل نصيب أحد ورثته ولم يسمه كان له مثل ما لأقلهم نصيباً) فلو كانوا ابناً وأربع زوجات صحت من اثنين وثلاثين سهماً لكل امرأة سهم وللموصى له سهم يزاد عليها فتصح من ثلاثة وثلاثين سهماً للموصي سهم ولكل امرأة سهم والباقي للابن. وجملة ذلك أنه إذا وصى بمثل نصيب أحدهم غير مسمى فإن كان الورثة يتساوون في الميراث كالبنين فله مثل نصيب أحدهم مزاداً على الفريضة ويجعل كواحد منهم زاد فيهم وإن كانوا يتفاضلون كهذه، المسألة فله مثل اقلهم ميرانا يزاد على فريضتهم هذا قول الجمهور وبه قال أبو حنيفة والشافعي، وقال مالك إن كانو يتفاضلون نظر إلى عدد رؤوسهم فأعطي سهماً من عددهم لأنه لا يمكن اعتبار أنصبائهم لتفاضلهم فاعتبر عدد رؤوسهم ولنا أن اليقين أن يعطي الوصي مثل أقلهم نصيباً وما زاد مشكوك فيه فلا يثبت مع الشك وقوله يعطى سهماً من عددهم مخالف لما يقتضيه لفظ الموصي لأنه ليس بنصيب أحد ورثته ولفظه إنما اقتضى نصيب أحدهم وتفاضلهم لا يمنع كون نصيب الأقل نصيب أحدهم فيصرفه إلى الوصي عملاً بمقتضى وصيته وذلك أولى من اختراع شئ لا يقتضيه قول الموصي أصلاً وقوله تعذر العمل بقول الموصي ممنوع فقد أمكن العمل به بما قلناه ثم لو تعذر العلم به لم يجز أن يجب في ماله حق لم يأذن فيه ولم يأمر به ولو قال أوصيت بمثل نصيب أقلهم ميراثاً كان كما لو أطلق وكان ذلك تأكيداً وإن قال أوصيت بمثل

مسألة: والدابة اسم للذكر والأنثى من الخيل والبغال والحمير

نصيب أكثرهم ميراثاً فله ذلك مضافاً إلى المسألة ثماينة وعشرون تضم إلى المسألة فتكون ستين سهماً. * (مسألة) * (ولو وصى له بمثل نصيب وارث لو كان فله مثل ماله لو كانت الوصية وهو موجود فقدر الوارث موجوداً وانظر ما للموصى له مع وجوده فهو له مع عدمه) فإن خلف ابنين ووصى بمثل نصيب ثالث لو كان فللموصى له الربع وإن خلف ثلاثة بنين فله الخمس وإن وصى بمثل نصيب خامس لو كان فللموصى له السدس وعلى هذا أبداً، فلو خلفت امرأة زوجاً وأختاً وأوصت بمثل نصيب أم لو كانت فللموصى له الخمس لان للام الربع لو كانت فيجعل له سهم مضاف إلى أربعة يكن خمساً فقس على ذلك. * (مسألة) * (فإن خلف أربعة بنين فأوصى بمثل نصيب خاسم لو كان إلا مثل نصيب سادس لو كان فقد أوصى له بالخمس إلا السدس بعد الوصية فله سهم يزاد على ثلاثين وتصح من اثنين وستين له سهمان ولكل ابن خمسة عشر) لأنه استثنى السدس من الخمس. فطريقها أن تضرب مخرج أحدهما في مخرج الآخر تكن ثلاثين خمسها ستة وسدسها خمسة فإذا استثنيت الخمسة من الستة بقي سهم للموصى له فزده على الثلاثين تصر واحداً وثلاثين فأعط الموصى له سهماً يبقى ثلاثون على أربعة لا تنقسم وتوافق بالنصف فزدها إلى خمسة عشر واضربها في أربعة تكن ستين زد عليها سهمين للموصى له ولكل ابن خمسة عشر. وطريقها بالجبر أن تجعل المال أربعة وشيئاً تدفع الشئ إلى الموصى له يبقى أربعة

مسألة: وإن لم يكن له عبيد لم تصح الوصية في أحد الوجهين

تقسمها على خمسة يخرج أربعة أخماس وتقسمها على ستة يخرج ثلثان فتسقط الثلثين من أربعة الأخماس يبقى سهمان من خمسة عشر ثم تضر ب الأربعة الأسهم في الخمسة عشر لأنها مخرج الثلث تكن ستين تزيد عليها السهمين فهي للموصى له ولكل ابن خمسة عشر فقد حصل له خمس الستين إلا سدسها الخمس اثنا عشر والسدس عشرة (فصل) وإذا خلف بنتاً وحدها ووصى بمثل نصيبها فهو كما لو وصى بنصيب ابن عند من يرى الرد لأنه يأخذ المال كله بالفرض والرد، ومن لا يرى الرد يقتضي قوله أن يكون له الثلث ولها نصف الباقي وما بقي لبيت المال، وعلى قول مالك ومن وافقه للموصى له النصف في حال الإجازة ولها نصف الباقي وما بقي لبيت المال، فإن خلف ابنتين ووصى بمثل نصيب إحداهما فهي من ثلاثة عندنا ويقتضي قول من لا يرى الرد أنها من أربعة لبيت المال الربع ولكل واحد منهم الربع وعلى قول مالك الثلث للموصى له وللبنتين ثلثا ما بقي والباقي لبيت المال وتصح من تسعة. فإن خلف جدة وحدها وأوصى بمثل نصيبها فقياس قولنا أن المال بينهما نصفين وعلى قول من لا يرى الرد هي من سبعة لكل واحد منهما السبع والباقي لبيت المال وقياس قول مالك للموصى له السدس وللجدة سدس ما بقي والباقي لبيت المال. (فصل) إذا خلف ثلاثة بنين ووصى لثلاثة بمثل أنصبائهم فالمال بينهم على ستة إن أجازوا وإن

مسألة: وإن وصى له بقوس للرمى والبندق والندف فله قوس النشاب لأنه أظهرها إلا أن يقترن به قرينة تصرفه إلى غيره وعند أبي الخطاب له أحدهم بالقرعة كالوصية بعبد من عبيده

ردوا فمن تسعة للموصى لهم الثلث ثلاثة والباقي بين البنين على ثلاثة فإن أجازوا لواحد وردوا على اتنين فللمردود عليهما التسعان اللذان كانا لهما في حال الرد عليهم، وفي المجاز له وجهان أحدهما له السدس الذي كان له في حال الإجازة للجميع وهذا قول أبي يوسف وابن شريح فتأخذ السدس والتسعين من مخرجهما وهي ثمانية عشر بين البنين على ثلاثة لا تصح فتضرب عددهم في ثمانية عشر تكن أربعة وخمسين للمجاز له السدس تسعة ولكل واحد من صاحبيه ستة ولكل ابن أحد عشر (والوجه الثاني) أن تضم المجاز له إلى البنين وتقسم الباقي بعد التسعين عليهم وهم أربعة لا تنقسم فتضرب في تسعة تكن ستة وثلاثين فإن أجاز الورثة بعد ذلك للآخرين أتموا لكل واحد منهم تمام سدس المال فيصير المال بينهم أسداساً على الوجه الأول، وعلى الوجه الآخر يضمون ما حصل لهم وهو أحد وعشرون من ستة وثلاثين إلى ما حصل لهما وهو ثمانية ثم يقتسمونه بينهم على خمسة لا تصح فتضرب خمسة في ستة وثلاثين تكن مائة وثمانين ومنها تصح، فإن أجاز أحد البنين لهم ورد الآخر ان عليهم فللمجيز السدس وهو ثلاثة من ثمانية عشر وللذين لم يجيزا أربعة اتساعه ثمانية يبقى سبعة بين الموصى لهم على ثلاثة نضربها في ثمنانية عشر تكن أربعة وخمسين فإن أجاز واحد لواحد دفع إليه ثلث ما في يده من الفضل وهو ثلث سهم من ثمانية عشر فاضربها في ثلاثة تكن أربعة وخسمين والله أعلم

مسألة: وإن وصى له بطبل حرب صحت الوصية به لأن فيه منفعة مباحة،

(فصل) في الوصية بالأجزاء إذا وصى له بجزء وحظ أو نصيب أو شئ فللورثة أن يعطوه ما شاءوا لا نعلم فيه خلافاً وهو قول الشافعي وأبي حنيفة وابن المنذر وغيرهم لأن كل ما يعطونه جزء وشئ وحظ ونصيب وكذلك إن قال أعطوا فلاناً من مالي أو ارزقوه لأن ذلك لاحد له في الشرع ولا في اللغة فكان على إطلاقه * (مسألة) * (وإن وصى له بسهم ففيه ثلاث روايات (إحداها) له له السدس بمنزلة سدس المفروض إن لم تكمل فروض المسألة أو كانوا عصبة أعطي سدساً كاملاً وإن كملت فروضها أعيلت به وإن عالت أعيل معها (والثانية) له سهم مما تصح منه المسألة ما لم تزد على السدس (والثالثة) له مثل نصيب أقل الورثة ما لم يزد على السدس اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله فيمن أوصى بسهم من ماله فروي عنه أن للموصى له السدس روى ذلك علي وابن مسعود رضي الله عنهما وبه قال الحسن وأياس بن معاوية والثوري (والرواية الثانية) أنه يعطى سهماً مما تصح منه الفريضة فينظركم سهماً صحت منه الفريضة فيزاد عليها مثل سهم من سهامها للموصى له وهذا قول شريح، قال ترفع السهام فيكون للموصى له سهم قال القاضي هذا ما لم يزد على السدس فإن زاد السهم على السدس فله السدس لأنه متحقق، ووجه ذلك أن قوله سهماً ينصرف إلى سهام فريضته لأن وصيته منها فينصرف السهم إليها فكان واحداً من سهامها كما لو قال فريضتي كذا وكذا سهماً لك منها سهم (والثالثة) له سهم من سهام أقل الورثة اختارها الخلال وصاحبه قال أحمد في رواية أبي طالب والاثرم إذا أوصى له بسهم من ماله يعطى سهماً من الفريضة قيل أنصيب رجل أو نصيب امرأة؟ فقال أقل ما يكون من السهام قال القاضي ما لم يزد على السدس وهذا قول أبي حنيفة وقال صاحباه إلا أن يزيد على الثلث فيعطى الثلث، ووجه هذا القول إن سهام الورثة أنصباؤهم فيكون له

مسألة: وتنفذ الوصية فيما علم من ماله أو لم يعلم

أقلها لأنه اليقين، فإذا زاد على السدس دفع إليه السدس لأنه أقل سهم يرثه ذو قرابة وقال أبو ثور يعطى سهماً من أربعة وعشرين لأنها أكثر أصول الفرائض فالسهم منها أقل السهام، وقال الشافعي وابن المنذر يعطيه الورثة ما شاؤا لأن ذلك يقع عليه اسم السهم فأشبه ما لو وصى له بجزء أو حظ وقال عطاء وعكرمة لا شئ له ولنا ما روى ابن مسعود أن رجلاً أوصى لرجل بسهم من المال فأ عطاه النبي صلى الله عليه وسلم السدس ولأن السهم في كلام العرب السدس قاله إياس بن معاوية فتنصرف الوصية إليه كما لو لفظ به ولأنه قول علي وابن مسعود ولا مخالف لهما في الصحابة. إذا ثبت هذا فإن السدس الذي يستحقه الموصى له يكون بمنزلة سدس مفروض فإن كانت المسألة كاملة الفروض أعيلت به وإن كانت عائلة زاد عولها به وإن كانت فيها رد أو كانوا عصبة أعطي سدساً كاملاً قال أحمد في رواية ابن منصور وحرب إذا أوصى لرجل بسهم من ماله يعطى السدس إلا أن تعول الفريضة فيعطى سهماً مع العول فكأن معنى الوصية أوصيت لك بسهم من يرث السدس فإن وصى له بسهم في مسألة فيها زوج وأخت كان له السبع كما لو كان معها جدة على الروايات الثلاث وكذلك لو كان في المسألة أم وثلاث أخوات متفرقات فإن كان معهم زوج فالمسألة من تسعة وللموصى له العشر

مسألة: وإن وصى بثلثه فاستحدث مالا دخل ثلثه في الوصية

وإن كان الورثة ثلاث أخوات مفترقات فللموصى له السدس على الروايات الثلاث وإن كانوا زوجاً وأبوين وابنتين فالمسألة من خمسة عشر وتعول بسدس آخر إلى سبعة عشر وكذلك على قول الخلال لأن أقل سهام الورثة سدس وعلى الرواية الأخرى يكون للوصي سهم واحد يزاد على المسألة فتصير ستة عشر، وإن كانوا زوجة وأبوين وابناً فالفريضة من أربعة وعشرين وتعول بالسدس الموصى به إلى ثمانية وعشرين، وعلى الرواية الثانية يزاد عليها سهم واحد للموصى له فتكون من خمسة وعشرين وعلى الرواية الثالثة التي اختارها الخلال يزاد عليها مثل سهم الزوجة ثلاثة فتكون من سبعة وعشرين وإن كانوا خمسة بنين فللموصى السدس كاملاً وتصح من ستة على الروايات الثلاث فإن كان معهم زوجة صحت الفريضة من أربعين فتزيد عليها سهماً للوصي على إحدى الروايات فتصير أحداً وأربعين وعلى قول الخلال تزيد مثل نصيب الزوجة فتصير خمسة وأربعين وعلى الرواية الأولى تزيد عليها مثل سدسها ولا سدس لها صحيحاً فتضربها في ستة ثم تزيد عليها سدسها تكون مائتين وثمانين للوصي أربعون وللزوجة ثلاثون ولكل ابن اثنان وأربعون وترجع بالاختصار إلى مائة وأربعين. والذي يقتصيه القياس فيما إذا وصى بسهم من ماله أنه ان صح أن السهم في لسان العرب السدس أو صح الحديث المذكور فهو كما لو وصى له بسدس ماله وإلا فهو كما لو وصى له بجزء من ماله على ما اختاره الشافعي وابن المنذر أن الورثة يعطونه ما شاؤا. والأولى أنه إن ثبت أن السهم في كلام العرب يراد به السدس فالحكم في ذلك كما لو وصى له بالسدس سواء وإن لم يثبت ذلك أعطي مثل سهم أقل الورثة وهو اختيار الخلال وإحدى الروايات عن أحمد رحمه الله (فصل) فلو خلف أبوين وابنتين ووصى لرجل بسدس ماله ولآخر بسهم منه جعلت ذا السهم كأحد الابوين وأعطبت صاحب السدس سدساً كاملاً وقسمت الباقي بين الورثة والوصي على سبعة

مسألة: فإن وصى بمعين بقدر نصف الدية فهل الدية على الورثة من الثلثين؟ على وجهين

فتصح من اثنين وأربعين لصاحب السدس سبعة ولصاحب السهم خمسة على الروايات الثلاث ويحتمل أن يعطى الموصى له بالسهم السبع كاملاً كما لو أوصى له به من غير وصية أخرى فيكون له ستة ويبقى تسعة وعشرون على ستة لا تنقسم فتضربها في اثنين وأربعين تكن ماثتين واثنين وخمسين * (مسألة) * (وإن وصى بجزء معلوم كثلث أو ربع أخذته من مخرجه فدفعته إليه وقسمت الباقي على مسألة ما لورثة إلا أن يزيد على الثلث ولا يجيزوا له فنفرض له الثلث وتقسم الثلثين عليها) فإن لم تنقسم ضربت المسألة أو وفقها في مخرج الوصية فما بلغ فمنه تصح * (مسألة) * وإن وصى بجزأين أو أكثر أخذتها من مخرجها وقسمت الباقي على المسألة فإن زادث على الثلث وردوا جعلت السهام الحاصلة للأوصياء ثلث المال وقسمت الثلثين على الورثة فإذا وصى لرجل بثلث ماله ولآخر بربعه وخلف ابنين أخذت الثلث والربع من مخرجهما سبعة من اثني عشر يبقى للابنين خمسة ان اجاز أو ان ردا جعلت السبعة ثلث المال فتكون المسألة من أحد وعشرين للوصيين الثلث سبعة ولصاحب الثلث أربعة ولصاحب الربع ثلاثة ولكل واحد من الابنين سبعة فإن أجازا لأحدهما دون الآخر أو أجاز أحدهما لهما دون الآخر أو أجاز كل واحد من الابنين لو احد فاضرب وفق مسألة الإجازة وهي ثمانية في مسألة الرد تكن مائة وثمانية وستين الذي أجيز له سهمه من مسألة مضروب في وفق مسألة الرد وللمردود عليه سهمه من مسألة الرد مضروب في وفق مسألة الإجازة والباقي للورثة وللذي أجاز لهما سهم من مسألة الإجازة في

وفق مسألة الرد وللآخر سهم من مسألة الرد في وفق مسألة الإجازة والباقي بين الوصيين على سبعة وبيان ذلك أن مسألة الإجازة من اثني عشر لأنها مخرج الثلث والربع لصاحب الثلث أربعة ولصاحب الربع ثلاثة يبقى خمسة للابنين لا تصح عليهما تضرب اثنين في أصله تكن أربعة وعشرين للموصى لهما سبعة في اثنين أربعة عشر لصاحب الثلث ثمانية ولصاحب الربع ستة يبقى عشرة للابنين لكل واحد خمسة، ومسألة الرد من أحد وعشرين لأن ثلثها سبعة للموصى لهما ويبقى أربعة عشر للابنين بينهما نصفين، فإن أجازا لأحدهما دون الآخر أو أجاز أحد الابنين لهما دون الآخر أو أجاز كل واحد لواحد فوافق بين مسألة الإجازة ومسألة الرد وهما متفقان بالاثلاث فاضرب ثلث إحداهما في جميع الأخرى تكن مائة وثمانية وستين كما ذكر، فإن كانت الإجازة لصاحب الثلث وحده فسهمه من مسألة الإجازة ثمانية مضروب في وفق مسألة الرد وهي سبعة ستة وخمسون لصاحب الربع نصيبه من مسألة الرد ثلاثة في وفق مسألة الإجازة ثمانية تكن أربعة وعشرين صار المجموع للوصيين ثمانين سهماً والباقي بين الابنين وهو ثمانية وثمانون لكل ابن أربعة وأربعون سهماً، وإن أجازا لصاحب الربع وحده أخذت سهمه من مسألة الإجازة ستة من أربعة وعشرين فتضربها في وفق مسألة الرد وهو سبعة تكن اثنين وأربعين تدفعها إليه ولصاحب الثلث سهمه من مسألة الرد أربعة تضربها في وفق مسألة الإجازة وهو ثمانية تكن اثنين وثلاثين فصار المجموع أربعة وسبعين يبفى أربعة وتسعون للابنين، فإن أجاز أحد الابنين لهما ورد الآخر فللذي أجاز سهمه من مسألة الإجازة خمسة مضروب في وفق مسألة الرد سبعة تكن خمسة وثلاثين وللذي رد سهمه من مسألة الرد سبعة مضروب في وفق مسألة الإجازة وهو ثمانية ستة وخمسون تضمها إلى خمسة وثلاثين تكن إحدى وتسعين يبقى للوصيين سبعة وسبعون

مسألة: إذا أوصى بمنافع عبده أو أمته أبدا أو مدة بعينها فللورثة عتقها لأنها مملوكة لهم ومنفعتها باقية للموصى له ولا يرجع على المعتق بشيء،

بينهما على سبعة لصاحب الثلث أربعة أربعون ولصاحب الربع ثلاثة وثلاثون فإن أجاز كل واحد منهما لواحد فإن صاحب الثلث إذا أجاز له الابنان كان له ستة وحمسون وإذا ردا عليه كان له اثنان وثلاثون فقد نقصه ردهما أربعة وعشرين فينقصه رد أحدهما نصف ذلك أثني عشر يبقى له أربعة وأربعون وصاحب الربع إذا أجازا له كان له اثنان وأربعون وإن ردا عليه كان له أربعة وعشرون فقد نقصه ردهما ثمانية عشر فينقصه رد أحدهما نصفها يبقى له ثلاثة وثلاثون وأما الاثنان فالذي أجاز لصاحب الثلث إذا أجاز لهما كان له خمسة وثلاثون وإذا رد عليهما كان له ستة وخمسون فتنقصه الإجازة لهما أحداً وعشرين لصاحب الثلث منها اثنا عشر يبقى له أربعة وأربعون والذي أجاز لصاحب الربع إذا أجاز لهما كان له خمسة وثلاثون وإذا رد عليهما كان له ستة وخمسون فقد نقصته الا جازة أحداً وعشرين منها تسعة لصاحب الربع بقي له سبعة وأربعون وللوصيين سبعة وسبعون لصاحب الثلث أربعة وأربعون ولصاحب الربع ثلثة وثلاثون فصار المجموع لهما وللابنين مائة وثمانية وستين (فصل) إذا وصى لرجل بنصف ماله ولآخر بربعه فأجاز الورثة فلصاحب النصف نصف المال والربع للآخر وإن ردوا قسمت الثلث بين الوصيين على قدر سهامهما لصاحب النصف ثلثاه وللآخر ثلثه وقسمت الثلثين على الورثة هذا قول الجمهور منهم الحسن والنخعي ومالك وابن أبي ليلى والثوري

مسألة: ومهرها ههنا وفي كل موضع واجب للورثة

والشافعي واسحاق وأبو يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة وأبو ثور وابن المنذر لا يضرب الموصى له بزيادة على الثلث في حال الرد بأكثر من الثلث لأن ما زاد على الثلث باطل فكيف يضرب به؟ ولنا أنه فاضل بينهما في الوصية فوجبت المفاضلة بينهما في حال الرد كما لو وصى بالثلث والربع أو بمائة ومائتين وماله أربعمائة وبهذا يبطل ما ذكروه ولأنها وصية صحيحة ضاق عنها الثلث فقسم بينهم على قدر الوصايا كالثلث والربع ودعوى بطلان الوصية فيما زاد على الثلث ممنوع وقد ذكرنا ما يدل على صحتها فيما مضى فعلى قولنا في هذه المسألة فللموصى لهما ثلاثة أرباع إن أجاز الورثة ويبقى للورثة الربع، وإن ردوا فالثلث بين الوصيين على ثلاثة والمسألة كلها من تسعة وإن أجازوا لأحدهما دون صاحبه ضربت مسألة الرد في مسألة الاجازة واعطيت المجاز له سهمه من مسألة الإجازة في مسألة الرد والمردود عليه سهمه من مسألة الرد مضروباً في مسألة الإجازة فإن أجاز بعض الورثة لهما ورد الباقون عليهما أعطيت للمجيز سهمه من مسألة الإجازة في مسألة الرد ومن لم يجز سهمه من مسألة الرد في مسألة الإجازة وقسمت الباقي بين الوصيين على ثلاثة فان اتفقت المسئلتان ضربت وفق إحداهما في الأخرى ومن له سهم من احدى المسئلتين مضروب في وفق الأخرى، وإن دخلت احدى المسئلتين في الأخرى اجتزأت بأكثرهما فتقول في هذه المسألة إذا كان أماً وثلاث أخوات متفرقات فأجازوا فالمسألة من أربعة للوصيين ثلاثة ويبقى سهم على ستة تضربها في أربعة تكن أربعة

مسألة: وإن قتلت فللورثة قيمتها في أحد الوجهين

وعشرين وإن ردوا فللوصيين الثلث ثلاثة من تسعة يبقى ستة على المسألة وهي ستة فتصح من تسعة، وإن أجازوا لصاحب النصف وحده ضربت وفق التسعة في أربعة وعشرين تكن اثنين وسبعين لصاحب النصف اثنا عشر في ثلاثة ستة وثلاثون وللآخر سهم في ثمانية يبقى ثمانية وعشرون للورثة وإن أجازت الأم لهما ورد الباقون عليهما أعطيت الأم سهماً في ثلاثة وللباقين خمسة أسهم في ثمانية فالجميع ثلاثة وأربعون يبقى تسعة وعشرون بين الوصيين على ثلاثة وإن أجازت الأخت من الأبوين وحدها فلها تسعة ولباقي الورثة أربعة وعشرون يبقى تسعة وثلاثون لهما على ثلاثة لصاحب النصف ستة وعشرون ولصاحب الربع ثلاثة عشر * (فصل) * قال الشيخ رضي الله عنه (فإن زادت الوصايا على المال عملت فيها عملك في مسائل العول فتجعل وصاياهم كالفروض التي فرض الله تعالى للورثة) إذا زادت على المال وإن ردوا قسمت الثلث بينهم على تلك السهام فإذا وصى بنصف وثلث وربع وسدس أخذتها من مخرجها اثني عشر وعالت إلى خمسة عشر وقسمت المال بينهم كذلك إن أجيز لهم والثلث إن رد عليهم فتصح في حال الإجازة من خمسة عشر وفي الرد من خمسة وأربعين هذا قول النخعي ومالك والشافعي، قال سعيد بن منصور ثنا أبو معاوية ثنا أبو عاصم الثقفي قال: قال لي إبراهيم النخعي ما تقول في رجل أوصى بنصف ماله وثلث ماله وربع ماله؟ قلت لا يجوز قال فإنهم قد أجازوا قلت لاأدري؟ قال امسك

مسألة: وللوصي استخدامها وإجارتها وإعارتها لأن الوصية له بنفعها وهذا منه

اثني عشر فأخرج نصفها ستة وثلثها أربعة وربعها ثلاثة فاقسم المال على ثلاثة عشر لصاحب النصف ستة ولصاحب الثلث أربعة ولصاحب الربع ثلاثة وكان أبو حنيفة يقول يأخذ أكثرهم وصية ما يفضل به على من دونه ثم يقسمون الباقي إن أجازوا وفي الرد لا يضرب لأحد بأكثر بالثلث وإن نقص بعضهم عن عن الثلث أخذ أكثر ما يفضل به على من دونه ومثال ذلك رجل أوصى بثلثي ماله ونصفه وثلثه فالمال بينهم على تسعة في الإجازة والثلث بينهم كذلك في الرد كمسألة فيها زوج وأختان لأب وأختان لأم وقال أبو حنيفة صاحب الثلثين يفضلهما بسدس فيأخذه وهو وصاحب النصف يفضلان صاحب الثلث بسدس فيأخذانه بينهما نصفين ويقتسمون الباقي بينهم أثلاثاً وتصح من ستة وثلاثين لصاحب الثلثين سبعة عشر ولصاحب النصف أحد عشر ولصاحب الثلث ثمانية وإن ردوا قسم بينهم على ثلاثة ولو أوصى لرجل بجميع ماله ولآخر بثلثه فالمال بينهما على أربعة إن أجازوا والثلث بينهما كذلك في حال الرد وعند أبي حنيفة إن أجازوا فلصاحب المال الثلثان ينفرد بهما ويقاسم صاحب الثلث فيحصل له خمسة أسداس ولصاحب الثلث السدس وإن ردوا اقتسما الثلث نصفين فلا يحصل لصاحب الثلث إلا السدس في حال الإجازة والرد جميعاً ولو جعل مكان الثلث سدساً لكان لصاحب المال خمسة أسداسه في الإجازة ويقاسم صاحب السدس فيأخذ نصفه ويبقى لصاحب السدس سهم من اثني عشر وفي الرد يقتسمان الثلث بينهما أثلاثاً فيحصل لصاحب السدس التسع سهم من تسعة وذلك أكثر مما حصل له

مسألة: وإن ولدت من زوج أو زنا فحكمه حكمها

في حال الإجازة وهذا دليل على فساد هذا القول لزيادة سهم الموصى له في الرد على حال الإجازة ومتى كان للوصي حق في حال الرد لا ينبغي أن يتمكن الوارث من تغييره ولا تنقيصه ولا أخذه منه ولا صرفه إلى غيره مع أن ما ذهب إليه الجمهور نظيره مسائل العول في الفرائض والديون وما ذكره لا نظير له مع أن فرص الله تعالى للوارث آكد من فرض الموصي ووصيته ثم أن صاحب الفضل المفروض لا ينفرد بفضله فكذا في الوصايا * (مسألة) * (وإن وصى لرجل بجميع ماله ولآخر بنصفه وخلف ابنين فالمال بينهما على ثلاثة إن أجيز لهما والثلث على ثلاثة إن رد عليهما) إنما كان كذلك لأنك إذا بسطت المال من جنس الكسر كان نصفين فإذا ضممت إليهما النصف الآخر صارت ثلاثة فيقسم المال على ثلاثة ويصير النصف ثلثا كمسألة فيها زوج وأم وثلاث أخوات متفرقات وإن ردوا فالثلث بينهما على ثلاثة * (مسألة) * (فإن أجازوا لصاحب النصف وحده فلصاحب المال التسعان ولصاحب النصف النصف في أحد الوجهين) لأنه موصى له به وإنما منعه أخذه في حال الإجازة لهما مزاحمة صاحبه فإذا زالت مزاحمته أخذ جميع وصيته (والثاني) ليس له إلا الثلث الذي كان له في حال الإجازة لهما لأن ما زاد على ذلك إنما كان حقاً لصاحب المال أخذه الورثة منه بالرد فيأخذه الابنان، وإن أجازا لصاحب الكل وحده فله ثمانية أتساع

مسألة: وفي اعتبارها من الثلث وجهان

على الوجه الأول والتسع للآخر وعلى الوجه الثاني ليس إلا الثلثان اللذان كانا له في حال الإجازة لهما ويبقى التسعان للورثة * (مسألة) * (فإن أجاز أحد الابنين لهما دون الآخر فسهمه بينهما على ثلاثة ولا شئ للمجيز وللابن الآخر الثلث والثلثان بين الوصيين على ثلاثة فإن أجاز أحدهما لصاحب المال وحده فللآخر التسع وللابن الآخر الثلث والباقي لصاحب المال في أحد الوجهين) وفي الآخر له أربعة أتساع والتسع الباقي للمجيز وإن أجاز لصاحب النصف وحده دفع إليه نصف ما يتم به النصف وهو تسع ونصف سدس في أحد الوجهين وهو ثلث ما في يده وربعه وفي الآخر يدفع التسع وهو ثلث ما في يده فيصير له تسعان ولصاحب المال تسعان وللمجيز تسعان والثلث للذي لم يجز وتصح من تسعة وعلى الوجه الأول تصح من ستة وثلاثين للذي لم يجز اثنا عشر وللمجيز خمسة ولصاحب النصف أحد عشر ولصاحب المال ثمانية وذلك لأن مسألة الرد من تسعة ولصاحب النصف منها سهم فلو أجاز له الابنان كان له تمام النصف ثلاثة ونصف فإذا أجاز له أحدهما لزمه نصف ذلك وهو سهم ونصف وربع فتضرب مخرج الربع في تسعه تكن ستة وثلاثين (فصل) في الجمع بين الوصية بالانصياء والأجزاء، إذا خلف ابنين ووصى لرجل بثلث ماله ولآخر بمثل نصيب ابن ففيها وجهان (أحدهما) لصاحب النصيب ثلث المال في حال الإجازة كما لو لم يكن معه

وصي آخر وهذا قول يحيى بن آدم وعند الرد يقسم الثلث بين الوصيين نصفين لأنه وصى لهما بثلثي ماله وقد رجعت وصيتهما بالرد إلى نصفها وتصح من ستة (والوجه الثاني) يحصل لصاحب النصيب مثل ما يحصل للابن وهو ثلث الباقي وذلك التسعان عند الإجازة لأن للموصى له بالثلث ثلث المال ويبقى سهمان بين الموصى له بالنصيب وبين الابنين على ثلاثة لا تصح تضربها في ثلاثة لكن تسعة لصاحب الثلث ثلاثة ويبقى ستة لكل ابن سهمان وللموصى له بالنصيب سهمان وهي التسعان وفي الرد يقسم الثلث بينهما على الخمسة التي كانت لهما في حال الإجازة لصاحب الثلث ثلاثة ولصاحب النصيب سهمان: * (مسألة) * (وإن كان الجزء الموصى به النصف خرج فيها وجه ثالث) وهو أن يكون لصاحب النصيب في حال الإجازة ثلث الثلثين وفي الرد يقسم الثلث بينهما على ثلاثة عشر سهماً لصاحب النصف تسعة ولصاحب النصيب أربعة وإنما كان كذلك لأن الورثة لا يلزمهم إجازة أكثر من ثلث المال فإذا جازوا أكثر من ذلك حسب من نصيبهم لأنهم تبرعوا به ويبقى نصيب الموصى له بالنصيب على حاله كأنه لم يخرج من المال إلا الثلث فيبقى الثلثان بينه وبين الابنين على ثلاثة لأن له مثل نصيب ابن فتجعل المسألة من ثمانية عشر لأنها أقل عدد له نصف ولثلثه ثلث لصاحب النصف تسعة لأنه مجاز له ويعطى الموصى له بالنصيب ثلث الثلثين أربعة صار الجميع ثلاثة عشر يبقى

مسألة: تصح الوصية بالمكاتب إذا قلنا يصح بيعه

خمسة للابنين لا تصح عليهما فتضرب عددها في ثمانية عشر تكن ستة وثلاثين للموصى لهما ستة وعشرون لصاحب النصف ثمانية عشر وللآخر ثمانية يبقى عشرة للابنين بينهما نصفين وإن ردوا قسم الثلث بينهما على ثلاثة عشر فتصح من تسعة وثلاثين ثلاثة عشر للوصيين وللابنين ستة وعشرون (فصل) فإن كان الجزء الموصى به الثلثين فعلى الوجه الأول للموصى له بالنصيب الثلث في حال الإجازة وتصح من ثلاثة وفي الرد يقسم الثلث بينهما على ثلاثة وتصح من تسعة وعلى الوجه الثاني للموصى له بالنصيب التسع وللآخر الثلثان في حال الإجازة وتصح من تسعة أيضاً وفي الرد يقسم الثلث بينهما على سبعة وتصح من أحد وعشرين، وفي الوجه الثالث لصاحب النصيب ثلث الثلثين وللآخر الثلثان وأصلها من تسعة وتصح من ثمانية عشر في الإجازة لصاحب الثلثين اثنا عشر وللآخر أربعة يبقى سهمان للابنين وفي الرد يقسم الثلث بينهما على ستة عشر وتصح من ثمانية وأربعين (فصل) فإن كان الموصى به جميع المال فعلى الوجه الأول يقسم المال بينهما على أربعة في حال الاجازة لصصاحب المال ثلاثة ولصاحب النصيب سهم كما لو وصى بماله كله وبثلثه، وفي الرد يقسم الثلث بينهما على أربعة، وعلى الوجه الثاني لا يحصل لصاحب النصيب شئ لأنه إنما يحصل له مثل ابن والابن لا يحصل له شئ وهذا ما يوهن هذا الوجه لأنه لا يطرد ويكون الكل لصاحب المال في حال الإجازة وفي الرد يأخذ صاحب المال الثلث ويبقى الثلثان بين صاحب النصيب وبين الابنين على ثلاثة وتصح من تسعة، وعلى الوجه الثالث لصاحب النصيب ثلث الثلثين اثنان من تسعة ولصاحب المال

مسألة: وإن وصى له بمال الكتابة أو ينجم منها صح

تسعة فتصح من أحد عشر في حال الإجازة وفي الرد من ثلاثة وثلاثين لصاحب المال تسعة ولصاحب النصيب اثنان ولكل ابن أحد عشر * (مسألة) * (إذا وصى لرجل بمثل نصيب أحد ابنيه ولآخر بثلث باقي المال فعلى الوجه الأول لصاحب النصيب ثلث المال وللآخر ثلث باقي المال تسعان والباقي للابنين وتصح من تسعة) وعلى الوجه الثاني يدخلها الدور لكونه إنما يحصل لصاحب النصيب مثل ما يحصل للابن وهو لا يعلم ثلث الباقي حتى يعلم نصيب الابن ولا يعلم نصيب الابن حتى يعلم ثلث الباقي فيخرجه ويقسم الباقي على الابنين وصاحب النصيب والتفريع على هذا الوجه. ولعملها طرق (أحدها) أن تجعل المال ثلاثة أسهم ونصيباً وإنما جعلته ثلاثة أسهم ليكون للباقي بعد النصيب ثلث فيدفع النصيب إلى الموصى له به وإلى الآخر ثلث الباقي سهما يبقى سهمان لكل ابن سهم وذلك هو النصيب فصحت من أربعة (والطريق الثاني) طريق الجبر فتأخذ مالاً وتلقي منه نصيباً ويبقى مال إلا نصيباً تدفع إلى الوصي الآخر ثلثه وهو ثلث مال إلا ثلث نصيب يبقى ثلثا مال إلا ثلثي نصيب يعدل نصيبين أجبر ثلثي المال بثلثي نصيب ورد على النصيبين مثل ذلك يبقى ثلثا مال تعدل نصيبين وثلثين أبسط الكل أثلاثاً من جنس الكسر واقلب وحول فاجعل النصيب اثنين والمال ثمانية ويرجع بالا ختصار إلى أربعة (والطريق الثالث) الطريق المنكوس وهي أن تقول للابنين سهمان وهو مال ذهب ثلثه فزد عليه مثل

مسألة: وإن وصى لرجل برقبته ولآخر بما عليه صح فإن أدى إلى صاحب المال أو أبرأه منه عتق وبطلت وصيته إلى صاحب الرقبة

نصفه سهماً يصر ثلاثة ثم زد عليه مثل نصيب ابن تصر أربعة وإن شئت ضربت ثلاثة مخرج الثلث في ثلاثة وهي عدد البنين مع الوصي تكن تسعة أنقص منها واحداً يبقى ثمانية تصح ومنها تصح وتسمى طريق الباب وتعمل بها ما يرد عليك من هذه المسائل * (مسألة) * (وإن كانت وصية الثاني بثلث ما يبقى من النصف فعلى الوجه الأول تصح من ثمانية عشر لصاحب النصيب الثلث ستة وللآخر ثلث ما يبقى من النصف سهم يبقى أحد عشر للابنين) وتصح من ستة وثلاثين لصاحب النصيب اثنا عشر وللآخر سهمان ولكل ابن أحد عشر سهماً في حال الإجازة وفي الرد، وتصح من أحد وعشرين للأول ستة أسهم وللآخر سهم ولكل ابن سبعة وعلى الوجه الثاني يجعل المال ستة أسهم ونصيبين يدفع النصيب إلى الموصى له به وإلى الآخر ثلث باقي النصف سهماً وإلى أحد الابنين نصيباً يبقى خمسة للابن الآخر فالنصيب خمسة والمال ستة عشر للموصى له بثلث باقي النصف سهم يبقى خمسة عشر للموصى له بالنصيب خمسة ولكل ابن خمسة وبالجبر تأخذ مالاً وتلقي منه نصيباً يبقى مال إلا نصيباً تلقي منه ثلث باقي النصف يبقى خمسة أسداس مال إلا ثلثي نصيب تعدل نصيبين أجبرها بثلثي نصيب وزد على النصيين مثلها يبقى خمسة أسداس مال تعدل نصيبين وثلثين أبسط الكل أسداساً واقلب وحول واجعل أجزاء المال النصيب وأجزاء النصيب المال يصر النصيب خمسة والمال ستة عشر وإن شئت

أخذت نصف مال ألقيت منه نصيباً يبقى نصف مال إلا نصيبا ألق ثلثه يبقى ثلث مال إلا ثلثي نصيب ضمه إلى نصف المال يصر خمسة أسداس إلا ثلثي نصيب تعدل نصيين اجبر وقابل يصر خمسة أسداس مال تعدل نصيبين وثلثين أبسط الكل أسداساً من جنس الكسر واقلب يكن المال ستة عشر والنصيب خمسة كما سبق (فصل) إذا خلف ثلاثة بنين ووصى لرجل بمثل نصيب أحدهم ولآخر بنصف باقي المال ففيها ثلاثة أوجه (أحدها) أن يعطى صاحب النصيب مثل نصيب الوارث إذا لم يكن ثم وصية أخرى (والثاني) أن يعطى نصيبه من ثلث المال (والثالث) أن يعطى مثل نصيب ابن بعد أخذ صاحب النصف وصيته وعلى هذا الوجه يدخلها الدور والتفريح عليه ولعملها طرق: (أحدها) أن تأخذ مخرج النصف فتسقط منه سهماً يبقى سهم فهو النصيب ثم تزيد على عدد البنين واحداً يصر أربعة فتضربها في المخرج تكن ثمانية تنقصها سهماً يبقى سبعة فهي المال للموصى له بالنصيب سهم وللآخر نصف الباقي وهو ثلاثة ولكل ابن سهم. * (طريق آخر) * أن تزيد سهام البنين نصف سهم وتضربها في المخرج تكن سبعة * (طريق ثالث) * يسمى المنكوس أن تأخذ سهام البنين وهي ثلاثة فتقول هذا بقية مال ذهب نصفه فإذا أردت تكميله زدت عليه مثله ثم زد عليه مثل نصيب ابن تكن سبعة

مسألة: ولو تلف المال كله غيره بعد موت الموصي فهو للموصى له

* (طريق رابع) وهو أن تجعل المال سهمين ونصيباً وتدفع النصيب إلى صاحبه وإلى الآخر سهماً يبقى سهم للبنين يعدل ثلاثة أنصباء فالمال كله سبعة، وبالجبر تأخذ مالاً وتلقي منه نصيباً يبقى مال إلا نصيباً وتدفع نصف الباقي إلى الوصي الآخر يبقى نصف مال الانصف نصيب تعدل ثلاثة أنصباء فأجبره بنصف نصيب وزده على الثلاثة يبقى نصف كامل يعدل ثلاثة ونصفاً فالمال كله سبعة (فصل) فإن كانت الوصية الثانية بنصف ما يبقى من الثلث أخذت مخرج النصف والثلث من ستة نقصت منها واحداً يبقى خمسة فهي النصيب ثم تزيد واحداً على سهام البنين وتضربها في المخرج تكن أربعة وعشرين تنقصها ثلاثة يبقى أحد وعشرون فهو المال تدفع إلى صاحب النصيب خمسة يبقى من الثلث سهمان تدفع منها سهماً إلى الوصي الآخر يبقى خمسة عشر لكل ابن خمسة وبالطريق الثاني تزيد على سهام البنين نصفا وتضربها في المخرج يكن أحداً وعشرين. وبالثالث تعمل كما عملت في الأولى فإذا بلغت سبعة ضربتها في ثلاثة من أجل الوصية الثانية بنصف الثلث وبالرابع تجعل الثلث سهمين ونصيباً تدفع النصيب إلى الموصى له به وإلى الآخر سهماً يبقى من المال خمسة أسهم ونصيبان تدفع النصيبين إلى اثنين يبقى خمسة للثالث فهي النصيب فإذا بسطتها كانت إحدى وعشرين وبالجبر تأخذ مالاً تلقي من ثلثه نصيباً وتدفع إلى الأخ نصف باقي الثلث يبقى من المال خمسة أسداسه إلا نصف

مسألة: وإن لم يأخذه زمانا قوم وقت الموت لا وقت الأخذ

نصيب أجبره بنصف نصيب وزده على سهام البنين تصر ثلاثة ونصفاً تعدل خمسة أسداس اقلب وحول يكن النصيب خمسة وكل ستة والمال أحداً عشرين (فصل) فإن أوصى لثالث بربع المال فخذ المخارج وهي اثنان ثلاثة وأربعة واضرب بعضها في بعض تكن أربعة وعشرين وزد على عدد البنين واحداً واضربها في أربعة وعشرين تكن ستة وتسعين انقص منها ضرب نصف سهم في أربعة وعشرون وذلك اثنا عشر يبقى أربعة وثمانون وهي المال ثم انظر الأربعة والعشرين فانقص منها سدسها لأجل الوصية الثانية وربعها لأجل الوصية الثالثة يبقى أربعة عشر وهي النصيب فادفعها إلى الموصى له بالنصيب ثم ادفع إلى الثاني نصف ما يبقى من الثلث وهو سبعة وإلى الثالث ربع المال أحداً وعشرين يبقى اثنان وأربعون لكل ابن أربعة عشر. وبالطريق الثاني تزيد على عدد البنين نصف سهم وتضرب ثلاثة ونصفاً في أربعة وعشرين تكن أربعة وثمانين وبالطريق الثالث تعمل في هذه كما عملت في التي قبلها فإذا بلغت أحداً وعشرين ضربتها في أربعة من أجل الربع تكن أربعة وثمانين. وبطريق النصيب تفرض المال ستة أسهم وثلاثة أنصبا تدفع نصيباً إلى صاحب النصيب وإلى الآخر سهماً وإلى صاحب الربع سهماً ونصفاً وثلاثة أرباع نصيب يبقى من المال نصيب وربع وثلاثة أسهم ونصف للورثة تعدل ثلاثة أنصباء فأسقط نصيباً وربعاً بمثلها يبقى ثلاثة أسهم ونصف تعدل نصيباً وثلاثة أرباع فالنصيب إذاً سهمان فأبسط الثلاثة الأنصباء تكن ستة فصار المال اثنا عشر ومنها تصح لصاحب النصيب سهمان وللآخر نصف باقي الثلث سهم ولصاحب الربع

مسألة: فإن لم يكن له سوى المعين إلا مال غائب أو دين في ذمة موسر أو معسر فللموصى له ثلث الموصى به وكلما اقتضى من الدين شيء أو حضر من الغائب ملك من الموصى به قدر ثلثه حتى يكمله كله

ثلاثة يبقى ستة للبنين لكل ابن سهمان وهذا أخصر وأحسن. وبالجبر تأخذ مالاً تدفع منه نصيباً يبقى مال إلا نصيباً تدفع نصف باقي ثلثه وهو سدس إلا نصف نصيب يبقى من المال خمسة أسداس إلا نصف نصيب تدفع منها ربع المال يبقى ثلث المال وربعه إلا نصف نصيب تعدل ثلاثة أنصباء اجبر وقابل واقلب وحول يكن النصيب سبعة والمال اثنين وأربعين فتضربها في اثنين ليزول الكسر تصر أربعة وثمانين. (فصل) فإن كانت الوصية الثالثة بربع ما بقي من المال بعد الوصيتين الأوليين فاعملها بطريق النصيب كما ذكرنا يبقى معك ثلاثة أسهم وثلاثة أرباع سهم تعدل نصيباً ونصفاً ابسطها أرباعاً تكن السهام خمسة عشر والأنصباء ستة توافقهما وتردهما إلى وفقهما تصر خمسة أسهم تعدل نصيبين اقلب واجعل النصيب خمسة والسهم اثنين وابسط ما معك يصر سبعة وعشرين فادفع خمسة إلى صاحب النصيب وإلى الآخر

نصف باقي الثلث سهمين وإلى الثالث ربع الباقي خمسة يبقى خمسة عشر لكل ابن خمسة وهذه الطريق أخصر. وإن عملت بالطريق الثاني أخذت أربعة وعشرين فنقصت سدسها وربع الباقي يبقى خمسة عشر فهي النصيب ثم زدت على عدد البنين سهماً ونقصت نصفه وربع ما بقي منه يبقى ثلاثة أثمان زدها على سهام البنين تكن ثلاثة أثمان تضربها في أربعة وعشرين تكن أحداً وثمانين ومنها تصح وبالجبر يفضي إلى ذلك أيضا * (مسألة) * (وإن خلف أماً وبنتاً وأختاً وأوصى بمثل نصيب الأم وسبع ما بقي ولآخر بمثل نصيب الأخت وربع ما بقي ولآخر بمثل نصيب البنت وثلث ما بقي فاعملها بالمنكوس فقل مسألة الورثة من ستة وهي بقية مال ذهب ثلثه فزد عليه نصفه ثلاثة يكن تسعة ومثل نصيب البنت ثلاثة تكن اثني عشر وهي بقية مال ذهب ربعه فزد عليه ثلثه أربعة صار ستة عشر ومثل نصيب الأخت اثنين تكن ثمانية عشر وهي بقية مال ذهب سبعه فزد عليه سدسه ثلاثة يكن أحداً وعشرين ومثل نصيب الأم سهماً يكن

مسألة: وكذلك الحكم في المدبر

اثنين وعشرين ومنها تصح تدفع إلى الموصى له بمثل نصيب الأم سهماً وسبع الباقي ثلاثة يبقى ثمانية عشر تدفع إلى الموصى بمثل الأخت سهمين وربع الباقي فيحصل له ستة ويبقى اثنا عشر، تدفع إلى الموصى له بمثل نصيب البنت ثلاثة يبقى تسعة تدفع إليه ثلثها ثلاثة يصر له ستة ويبقى ستة للورثة، هذا في حال الإجازة، وفي الرد تجعل الثلث ستة عشر فتصح من ثمانية وأربعين للموصى له بمثل نصيب الأم أربعة ولكل واحد من الوصيين الآخرين ستة وللورثة اثنان وثلاثون لا تنقسم على مسئلتهم وتوافقها بالإنصاف فتضرب وفق أحدهما في الأخرى تكن مائة وأربعة وأربعين (فصل) فإن خلفت امرأة زوجاً وأماً وأختاً لأب وأوصت بمثل نصيب الأم وثلث ما بقي ولآخر بمثل نصيب الزوج ونصف ما بقي فمسألة الورثة من ثمانية وهي مال ذهب نصفه فزد عليه مثله يكن ستة عشر ومثل نصيب الزوج ثلاثة تصر تسعة عشر وهو بقية مال ذهب ثلثه فزد عليه

نصفه صار ثمانية وعشرين نصفا فرد عليه مثل نصيب الأخت سهمين يكن ثلاثين ونصفاً ابسطها من جنس الكسر تكن أحداً وستين للموصى له بمثل نصيب الأم أربعة بقي سبعة وخمسون ادفع إليه ثلثها تسعة عشر بقي ثمانية وثلاثون ادفع إلى الموصى له بمثل نصيب الزوج ستة يبقى اثنان وثلاثون ادفع إليه نصفها ستة عشر يبقى ستة عشر للورثة، للزوج ستة وللأم أربعة وللأخت ستة هذا في حال الإجازة وفي الرد تجعل السهام الحاصلة للأوصياء وهي خمسة وأربعون ثلث المال فتكون المسألة جميعها من خمسة وثلاثين. * (مسألة) * (إذا خلف ثلاث بنين ووصى بمثل نصيب أحدهم الاربع المال فخذ مخرج الكسر أربعة وزد عليها تكن خمسة فهو النصيب وزد على عدد البنين واحداً واضربه في مخرج الكسر يكن ستة عشر تدفع إلى الموصى له بالنصيب خمسة ويستثنى من ربع المال أربعة أقسام يبقى له سهم ولكل ابن خمسة)

وإن شئت خصصت كل ابن بربع وقسمت الربع الباقي بينهم وبينه على أربعة فإن قال الأربع الباقي بعد النصيب فزد على سهام البنين سهماً وربعاً واضربه في أربعة يكن سبعة عشر للوصي سهمان ولكل ابن خمسة وبالجبر تأخذ مالاً وتدفع منه نصيباً إلى الوصي ويستثنى منه ربع الباقي وهو ربع مالا إلا ربع نصيب صار معك ما وربع إلا نصيباً وربعاً يعدل انصباء البنين وهو ثلاثة أجبر وقابل يخرج النصيب خمسة والمال سبعة عشر * (مسألة) * (فإن قال إلا ربع الباقي بعد الوصية جعلت المخرج ثلاثة وزدت عليه واحداً صار أربعة فهو النصيب وتزيد على عدد البنين سهماً وتضربه في ثلاثة يكن ثلاثة عشر فهو المال) وإن شئت قلت المال كله ثلاثة أنصباء ووصية الوصية هي نصيب الأربع الباقي بعدها وذلك ثلاثة أرباع نصيب فبقي

مسألة: وإن وصى له بثلث عبد فاستحق ثلثاه فله الثلث الباقي وإن وصى له بثلث ثلاثة أعبد فاستحق اثنان منهم أو ماتا لفه ثلث الباقي

ربع نصيب فهو الوصية وبين أن المال كله ثلاثة وربع أبسطها تكن ثلاثة عشر ولهذه المسائل طرق سوى ما ذكرنا. (فصل) فإن قال أوصيت لك بمثل نصيب أحد بني إلا ثلث ما يبقى من الثلث فخذ مخرج ثلث الثلث وهو تسعة زد عليها سهماً تكن عشرة فهي النصيب وزد على أنصباء البنين سهماً وثلثاً واضرب ذلك في تسعة يكن تسعة وثلاثين ادفع عشرة إلى الوصي واستثن منه ثلث بقية الثلث سهماً يبقى له تسعة ولكل ابن عشرة وإن قال إلا ثلث ما يبقى من الثلث بعد الوصية جعلت المال ستة وزدت عليه سهماً صار سبعة فهذا هو النصيب وزدت على انصياء البنين سهماً ونصفاً وضربته في ستة يصر سبعة وعشرين ودفعت إلى الوصي سبعة وأخذت منه نصف بقية الثلث سهماً بقي معه ستة وبقي أحد وعشرون لكل ابن سبعة وإنما كان كذلك لان الثالث بعد الوصية هو النصف بعد النصيب ومتى أطلق الاستثناء

مسألة: وإن وصى له بعبد لا يملكه غيره قيمته مائة ولآخر بثلث ماله وملكه غير العبد مائتان فأجاز الورثة فللموصى له بالثلث ثلث المائتين وربع العبد وللموصى له بالعبد ثلاثة أرباعه، وإن ردوا، فقال الخرقي للموصى له بالثلث سدس المائتين وسدس العبد وللموصى له با

فلم يقبل بعد النصيب ولا الوصية فعند الجمهور يحمل على ما بعد النصيب وعند محمد بن الحسن والبصريين يكون بعد الوصية (فصل) فان قالا إلا خمس ما يبقى من المال بعد النصيب ولآخر بثلث ما يبقى من المال بعد وصية الأول فخذ المخرج خمسة وزد عليها خمسها تكن ستة أنقص ثلثها من أجل الوصية بالثلث يبقى أربعة فهي النصيب ثم خذ سهماً وزد عليه خمسها وانقص من ذلك ثلثه يبقى أربعة أخماس زدها على أنصباء البنين واضربها في خمسة تصر تسعة عشر فهي المال ادفع إلى الأول أربعة واستثن منه خمس الباقي ثلاثة يبقى معه سهم وادفع إلى الآخر ثلث الباقي ستة يبقى اثنا عشر لكل ابن أربعة وبالجبر خذ مالا وألق منه نصيباً واسترجع منه خمس الباقي يصر مال وخمس إلا نصيباً وخمساً ألق ثلث ذلك بقي أربعة أخماس مال إلا أربعة أخماس نصيب يعدل ثلاثة أنصباء اجبر وقابل وأبسط

يكن المال تسعة عشر والنصيب أربعة، وإن شئت قلت أنصباء البنين ثلاثة وهي بقية مال ذهب ثلثه فزد عليه نصفه يصر أربعة أنصباء ونصفاً ووصية والوصية هي نصيب إلا خمس الباقي وهو نصف نصيب وخمس نصيب وخمس وصيته يبقى خمس نصيب وعشر نصيب إلا خمس وصية أجبر وقابل وأبسط تصر ثلاثة من النصيب تعدل اثني عشر سهما من الوصية وهي لا تنفق بالأثلاث فردها إلى وقفها تصر سهماً تعدل أربعة والوصية سهم والنصيب أربعة فابسطها تكن تسعة عشر فإن كان الاستثناء بعد الوصية قلت المال أربعة أسهم ونصف ووصية وهي نصيب إلا خمس الباقي وهي تسعة أعشار نصيب يبقى عشر نصيب فهو الوصية فابسط الكل أعشاراً تكن الأنصباء خمسة وأربعين والوصية سهم وإن كان استثنى خمس المال كله فالوصية عشر نصيب إلا خمس وصية أجبر يصر العشر يعدل وصية وخمساً أبسط يصر النصيب ستين والوصية خمسة والمال كله مائتان وخمسة وسبعون ألق منها ستين واسترجع منه خمس المال وهي خمسة وخمسون يبقى له خمسة وللآخر ثلث الباقي تسعون ويبقى مائة وثمانون لكل

مسألة: وإن كانت الوصية بالنصف مكان الثلث فله في حال الإجازة مائة وثلث العبد ولصاحب العبد ثلثاه

ابن ستون ويرجع بالاختصار إلى خمسها وذلك خمسة وخمسون للوصي الأول سهم وللثاني ثمانية عشر ولكل ابن اثنا عشر وبالجبر تأخذ ما لا تلقي منه نصيباً وتزيد على المال خمسة يصر مالا وخمساً إلا نصيبا ألق ثلث ذلك يبقى أربعة أخماس مال إلا ثلثي نصيب تعدل ثلاثة أجبر وقابل وأبسط يكن المال ثمانية عشر وثلثا اضربها في ثلاثة ليزول الكسر تصير خمسة وخمسين وإن كان استثنى الخمس كله وأوصى بالثلث كله فخذ مخرج الكسرين خمسة عشر وزد عليها خمسها ثم انقص ثلث المال كله يبقى ثلاثة عشر فهي النصيب وزد على أنصباء البنين سهماً واضربه في المال يكن ستين وهي المال وان كان استثنى خمس الباقي وأوصى بثلث المال كله فالعمل كذلك إلا أنك تزيد على سهام البنين سهماً وخمساً وتضربها تكن ثلاثة وستين فإن كان استثنى خمس ما بقي من الثلث زدت على الخمسة عشر سهماً واحداً فصار ستة عشر ثم نقصت ثلث المال كله بقي أحد عشر فهي النصيب ثم زدت على سهام البنين سهماً وخمساً وضربتها في خمسة عشر تكن ثلاثة وستين تدفع إلى الوصي الأول أحد عشر وتستثني منه خمس بقية الثلث سهمين يبقى

معه تسعة وتدفع إلى صاحب الثلث أحداً وعشرين يبقى ثلاثة وثلاثون لكل ابن أحد عشر فإن كانت الوصية الثانية بثلث باقي المال زدت على الخمسة عشر واحداً نقصت ثلث الستة عشر ولا ثلث لها فاضربها في ثلاثة تكن ثمانية وأربعين انقص منها ثلثها يبقى اثنان وثلاثون فهي النصيب وخذ سهماً وزد عليه خمسه ثم انقص ثلث ذلك من أجل الوصية بثلث الباقي يبقى أربعة أخماس زدها على سهام الورثة واضربها في خمسة وأربعين تكن مائة وأحداً وسبعين ومنها تصح (فصل) إذا وصى لرجل بمثل نصيب أحد بنيه وهم ثلاثة ولآخر بثلث ما يبقى من الثلث ولآخر بدرهم فاجعل المال تسعة دراهم وثلاثة أنصباء فادفع إلى الوصي الأول نصيباً وإلى الثاني والثالث درهمين بقي سبعة ونصيبان ادفع نصيبين إلى ابنين يبقى سبعة للابن الثالث فالنصيب سبعة والمال ثلاثون فإن كانت الوصية الثالثة بدرهمين فالنصيب ستة والمال سبعة وعشرون (فصل) إذا وصى لعمه بثلث ماله ولخاله بعشره فردت وصيتهما فتحاصا الثلث وأصاب الخال

مسألة: وإن وصى لرجل بثلث ماله ولآخر بمائة ولثالث بتمام الثلث على المائة فلم يزد الثلث على المائة وذلك إذا كان المال ثلاثمائة بطلت وصية صاحب التمام

ستة فاضربها في وصيته وذلك عشرة تكن ستين واقسمه على الفاضل بينهما يخرج بالقسم خمسة عشر فهي الثلث وإن شئت قلت قد أصاب الخال ثلاثة أخماس وصيته يجب أن يصيب العم كذلك فيبقى من الثلث خمساه وهي تعدل ما أصاب الخال فزد على ما أصاب الخال مثل نصفه وهو ثلاثة يصر تسعة وهو الذي أصاب العم، وإن قال أصاب العم الربع فقد أصابه ثلاثة أرباع وصيته وبقي من الثلث نصف سدس يعدل ثلاثة أرباع وصية الخال وذلك سبعة ونصف وللعم ثلاثة أمثالها اثنان وعشرون ونصف والمال كله تسعون وإن قال أصاب الخال خمس المال فقد بقي من الثلث خمساه للعم فيكون الحاصل للخال خمسا وصيته أيضاً وذلك أربعة دنانير ووصية وللعم مثل ثلثيها ديناران وثلثان والثلث كله ستة وثلثان والمال عشرون فإن كان معهما وصية بسدس المال فأصاب الخال ستة فهي ثلاثة أخماس وصيته ولكل واحد من الآخرين ثلاثة أخماس وصيته وذلك تسعة أعشار الثلث يبقى منه عشر

يعدل ما حصل للعم وهو ستة فالثلث ستون، وإن أصاب صاحب السدس عشر المال فقد أصاب صاحب الثلث خمسة يبقى من الثلث أيضاً عشره فهو نصيب الخال وذلك ثلاثة أخماس وصيته ستة فيكون الثلث ستين كما ذكرنا (فصل) إذا خلف ثلاثة بنين ووصى لعمه بمثل أحدهم إلا ثلث وصية خاله ولخاله بمثل نصيب أحدهم الاربع وصية عمه فاضرب مخرج الثلث في مخرج الربع تكن اثني عشر أنقصها سهماً يبقى أحد عشر فهي نصيب ابن أنقصها سهمين يبقى تسعة فهي وصية الخال، وإن نقصتها ثلاثة فهي ثمانية فهي وصية العم، وبالجبر تجعل مع العم أربعة دراهم ومع الخال ثلاثة دنانير ثم تزيد على الدراهم ديناراً وعلى الدنانير درهماً يبلغ كل واحد منهما نصيباً أجبر وقابل وأسقط المشترك يبقى معك ديناران تعدل ثلاثة دراهم فاقلب وحول تصر الدراهم ثمانية والدنانير تسعة كما قلنا، وإن وصى لعمه بعشرة إلا

باب الوصية بالانصباء والأجزاء

وصية ربع خاله ولخاله بعشرة إلا خمس وصية عمه فاضرب مخرج الربع في مخرج الخمس تكن عشرين أنقصها سهماً تكن تسعة عشر فهي المقسوم عليه ثم اجعل مع الخال أربعة وانقصها سهماً يبقى ثلاثة أضربها في العشرة ثم فيما مع العم وهو خمسة تكن مائة وخمسين اقسمها على تسعة عشر تخرج سبعة وسبعة عشر جزءاً من تسعة عشر فهي وصية عمه واجعل مع العم خمسة وانقصها سهماً واضربها في عشرة ثم في أربعة تكن مائة وستين واقسمها تكن ثمانية وثمانية أجزاء فهي وصية خاله (طريق آخر) تنقص من العشرة ربعها وتضرب الباقي في العشرين ثم تقسهما على تسعة عشر وتنقص منها خمسها وتضرب الباقي في عشرين وتقسمها وبالجبر تجعل وصية الخال شيئاً ووصية العم عشرة إلا ربع شئ فخذ خمسها فزده على الشئ وهي سهمان إلا نصف عشر شئ تعدل عشرة فأسقط المشترك من الجانبين تصر ثمانية وثمانية أجزاء من تسعة عشر إذا أسقطت ربعها من العشرة بقيت سبعة وسبعة عشر جزءاً، وإن وصى لعمه بعشرة إلا نصف وصية خاله ولخاله بعشرة إلا ثلث

مسألة: فإذا وصى له بمثل نصيب ابنه، وله ابنان، فله الثلث وإن كانوا ثلاثة الربع وإن كان معهم بنت فله التسعان لأن المسألة من سبعة لكل ابن سهمان ويزاد عليها مثل نصيب ابن، سهمان، فتصير تسعة فالاثنان منها تسعاها

وصية جده ولجده بعشرة إلا ربع وصية عمه فوصية عمه ستة وخمسان وصية خاله سبعة وخمس ووصية جده ثمانية وخمسان، وبابها أن تضرب المخارج بعضها في بعض فتضرب اثنين في أربعة في ثلاثة تكن أربعة وعشرين تزيدها واحداً تكن خمسة وعشرين فهذا هو المقسوم عليه ثم تنقص من الاثنين واحداً وتضرب واحداً في ثلاثة ثم تزيدها واحداً وتضربها في أربعة تكن ستة عشر ثم اضربها في عشرة تكن مائة وستين واقسمها على خمسة وعشرين يخرج بالقسم ستة وخمسان فهي وصية العم وانقص الثلاثة واحدا يبق اثنان اضربها في الأربعة تكن ثمانية زدها واحداً واضربها في اثنين في عشرة تكن مائة وثمانين اقسمها على خمسة وعشرين تخرج بالقسم سبعة وخمس وهي وصية الخال ثم انقص من الأربعة واحداً واضرب ثلاثة في اثنين ثم زدها واحداً تكن سبعة اضربها في ثلاثة ثم في عشرة تكن مائتين وعشرة مقسومة على خمسة وعشرين تخرج بالقسم ثمانية وخمسان وهي وصية الجد.

مسألة: وإن وصى بضعف نصيب ابنه أو ضعفيه فله مثله مرتين وإن وصى بثلاثة أضعافه فله ثلاثة أمثاله

(طريق آخر) تجعل مع العم أربعة أشياء ومع الخال دينارين ومع الجد ثلاثة دراهم ثم تضم إلى ما مع العم ديناراً وإلى ما مع الخال درهماً وتقابل ما مع أحدهما بما مع الآخر وتسقط المشترك فيصير أربعة أشياء تعدل ديناراً ودرهماً فأسقط لفظة الأشياء واجعل مكانها ديناراً ودرهماً ثم قابل ما مع الخال بما مع الجد بعد الزيادة وهو ديناران ودرهم مع الخال لثلاثة دراهم وربع درهم وربع دينار مع الجد فإذا أسقطت المشترك بقي درهمان وربع معادلة لدينار وثلاثة أرباع فأبسط الكل أرباعاً يصر سبعة أرباع من الدينار تعدل تسعة من الدراهم فاقلب واجعل الدرهم سبعة والدينار تسعة ثم ارجع إلى ما فرضت فتجد مع العم درهماً وديناراً ستة عشر ومع الخال ثمانية عشر ومع الجد أحد وعشرون والعشرة الكاملة خمس وعشرون والستة عشر منها ستة وخمسان والثمانية عشر سبعة وخمس والأحد وعشرون ثمانية وخمسان، فإن كان معهم أخ ووصية الجد عشرة إلا ربع ما مع الأخ ووصية الأخ عشرة إلا خمس ما مع العم فهذه الطريق تجعل مع العم خمسة أشياء ومع الخال دينارين

ومع الجد ثلاثة دراهم ومع الآخر أربعة أفلس ثم تقابل ما مع العم بما مع الخال كما ذكرنا وتجعل الأشياء ديناراً ودرهماً ثم تقابل ما مع الخال بما مع الجد فتجعل الدينارين درهمين وفلساً ثم تقابل ما مع الجد بما مع الأخ فتخرج الفلس ستة وعشرين والدرهم أحداً وثلاثين الدينار أربعة وأربعين فتبين مع العم خمسة وسبعين ومع الخال ثمانية وثمانين وثمانين ومع الجد ثلاثة وتسعين ومع الأخ مائة وأربعة إذا زدت على ما مع كل واحد ما استثنيته منه صار معه مائة وتسعة عشر وهي العشرة الكاملة فصارت وصية العم ستة وستة وثلاثين جزءاً ووصية الخال سبعة وسبعة وأربعين جزءاً ووصية الجد سبعة وسبعة وتسعين جزءاً ووصية الأخ ثمانية وثمانين جزءاً وبطريق الباب تضرب المخارج بعضها في بعض تكن مائة وعشرين تنقصها واحداً يبقى مائة وتسعة عشر فهو المقسوم عليه وتنقص الاثنين واحداً وتضربه في ثلاثة تزيدها واحداً وتضربها في أربعة تكن ستة عشر تنقصها واحداً وتضربها في خمسة تكن خمسة وسبعين فهذه وصية العم تضربها في عشرة ثم

مسألة: وإذا وصى له بمثل نصيب أحد ورثته ولم يسمه كان له مثل ما لأقلهم نصيبا

تقسمها على تسعة عشر تكن ستة وستة وثلاثين جزءاً ثم تنقص الثلاثة واحداً وتضربها في أربعة وتزيدها واحداً وتضربها في خمسة تكن خمسة وأربعين تنقصها واحد وتضربها في اثنين تكن ثمانية وثمانين فهذه وصية الخال ثم تنقص الأربعة واحداً وتضربها في خمسة تكن خمسة عشر تزيدها واحداً وتضربها في اثنين تكن اثنين وثلاثين تنقصها واحداً وتضربها في ثلاثة تكن ثلاثة وتسعين فهذه وصية الجد، ثم تنقص الخمسة واحداً وتضربها في اثنين تكن ثمانية تزيدها واحداً وتضربها في ثلاثة تكن سبعة وعشرين تنقصها واحداً وتضربها في أربعة تكن مائة وأربعة وهي وصية الأخ، وفي كل ذلك تضرب العدد الذي مع كل واحد منهم في عشرة وتقسمه على تسعة عشر فالخارج بالقسم هو وصيته. (فصل) فإن وصى لعمه بعشرة ونصف وصية خاله ولخاله بعشرة وثلث وصية عمه كانت وصية العم ثمانية عشر ووصية الخال ستة عشر، وبابها أن تضرب أحد المخرجين في الآخر وتنقصه واحداً فهو المقسوم عليه وتزيد مخرج النصف واحداً وتضربه في مخرج الثلث وتضربه في عشرة يكن تسعين مقسومة

على خمسة تكن ثمانية عشر ثم تزيد مخرج الثلث واحداً وتضربه في مخرج النصف ثم في عشرة تكن ثمانين مقسومة على خمسة فإن كان معهما آخر ووصى للخال بعشرة وثلث وصيته ووصى له بعشرة وربع وصية العم ضربت المخارج ونقصتها واحداً تكن ثلاثة وعشرين فهي المقسوم عليه ثم تزيد الاثنين واحداً وتضربها في ثلاثة تكن تسعة فزدها واحداً واضربها في أربعة تكن أربعين ثم في عشرة ثم اقسمها تخرج سبعة عشر وتسعة أجزاء فهي وصية العم ثم تصنع في الباقين كما ذكرنا فتكون وصية الخال أربعة عشر وثمانية عشر جزءاً وصية الثالث أربعة عشر وثمانية أجزاء، وإن شئت بعد ما عملت وصية العم فاضرب الزائد من وصيته في اثنين فهي وصية الخال واضرب الزائد عن العشرة من وصية الخال في ثلاثة فهي وصية العم، ومتى عرفت ما مع الواحد منهم أمكنك معرفة ما مع الآخرين والله أعلم. وهذا القدر من هذا الفن يكفي فإن الحاجة إليه قليلة وفروعه كثيرة طويلة وغيرها أهم منها والله تعالى المسئول أن يوفقنا لما يرضيه وهو حسبنا ونعم الوكيل.

مسألة: ولو وصى له بمثل نصيب وارث لو كان فله مثل ماله لو كانت الوصية وهو موجود فقدر الوارث موجودا وانظر ما للموصى له مع وجوده فهو له مع عدمه

باب الموصى إليه * (تصح وصية المسلم إلى كل مسمل عاقل عدل، وإن كان عبداً أو مراهقاً أو امرأة أو أم ولد) * تصح الوصية إلى الرجل العاقل المسلم الحر العدل إجماعاً فأما العبد فتصح الوصية إليه قال ابن حامد سواء كان عبد نفسه أو عبد غيره وبه قال مالك، وقال النخعي والاوزاعي وابن شبرمة تصح الوصية إلى عبده ولا تصح إلى عبد غيره، وقال أبو حنيفة تصح الوصية إلى عبد نفسه إذا لم يكن في ورثته رشيد وقال أبو يوسف ومحمد والشافعي لا تصح الوصية إلى عبد بحال لأنه لا يكون ولياً على ابنه بالنسب فلا يجوز أن يلي الوصية كالمجنون ولنا أنه تصح استنابته في الحياة فصح أن يوصي إليه كالحر وقياسهم يبطل بالمرأة والخلاف في المكاتب والمدبر والمعتق بعضه كالخلاف في العبد القن، وأما الصبي المميز فقال القاضي قياس المذهب

صحة الوصية لأن أحمد قد نص على صحة وكالته وعلى هذا يعتبر أن يكون قد جاوز العشر، وقال شيخنا لا أعلم فيه نصاً عن أحمد فيحتمل أنه لا تصح الوصية إليه لأنه ليس من أهل الشهادة والإقرار ولا يصح تصرفه إلا بإذن هو مولى عليه فلم يكن من أهل الولاية كالطفل وهذا مذهب الشافعي، وهو الصحيح إن شاء الله تعالى (فصل) وتصح الوصية الى المرأة في قول أكثر أهل العلم، روي ذلك عن شريح وبه قال. مالك والثوري والاوزاعي والحسن بن صالح واسحاق والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي ولم يجزه عطاء لأنها لا تكون قاضية فلا تكون وصية كالمجنون ولنا ما روى عن عمر رضي الله عنه أنه أوصى إلى حفصة ولأنها من أهل الشهادة أشبهت الرجل ويخالف القضاء فإنه يعتبر له الكمال في الخلقة والاجتهاد بخلاف الوصية وتصح الوصية إلى أم الولد، ذكره الحرقي ونص عليه أحمد لأنها تكون حرة من أصل المال عند نفوذ الوصية.

* (مسألة) * (ولا تصح إلى غيرهم كالطفل والمجنون ولا وصية المسلم إلى كافر بغير خلاف تعلمه) لأن المجنون والطفل ليسا أهلاً للتصرف في أموالهما فلا يليان على غيرهما والكافر ليس من أهل الولاية على المسلم ولأنه ليس من أهل الشهادة والعدالة أشبه المجنون، وأما الفاسق فقد روي عن أحمد أن الوصية إليه لا تصح، وهو قول مالك والشافعي، وعن أحمد ما يدل على صحة الوصية إليه فإنه قال في رواية ابن منصور إذا كان متهماً لم تخرج عن يده، وقال الخرقي إذا كان خائنا ضمن إليه أمين، وهذا يدل على صحة الوصية إليه ويضم الحاكم إليه أميناً، وقال أبو حنيفة تصح الوصية إليه وينفذ تصرفه وعلى الحاكم عزله لأنه بالغ عاقل فصحت الوصية إليه كالعدل ولنا أنه لا يجوز إفراده بالوصية فلم تجز الوصية إليه كالمجنون، وعلى أبي حنيفة أنه لا يجوز إقراره على الوصية فأشبه ما ذكرنا * (مسألة) * (وان كانوا على غير هذه الصفات ثم وجدت عند الموت فهل تصح؟ على وجهين)

يعتبر وجود هذه الشروط في الوصي حال العقد والموت في أحد الوجهين، وفي الآخر تعتبر حالة الموت حسب كالوصية له ولأن شروط الشهادة تعتبر عند أدائها لا عند تحملها كذلك ههنا، وهو قول بعض أصحاب الشافعي. ولنا أنها شروط العقد فتعتبر حال وجوده كسائر العقود فأما الوصية له فهي صحيحة، وإن كان وارثاً وإنما يعتبر عدم الإرث وخروجها من الثلث للنفوذ واللزوم فاعتبرت حالة اللزوم بخلاف مسئلتنا فإنها شروط لصحة العقد فاعتبرت حالة العقد ولا ينفع وجودها بعده (فصل) وتصح الوصية إلى الاعمى، قال أصحاب الشافعي فيه وجه أن الوصية لا تصح إليه بناء منهم على أنه لا يصح بيعه ولا شراؤه فلا يوجد فيه معنى الولاية، وهذا لا يسلم له مع أنه يمكنه التوكيل في ذلك وهو من أهل الشهادة، والولاية في النكاح، والولاية على أولاده الصغار، فصحت لوصية إليه كالبصير.

مسألة: وإن وصى له بسهم ففيه ثلاثة روايات

* (مسألة) * (وإذا أوصى إلى رجل وبعده إلا آخر فهما وصيان إلا أن يقول قد أخرجت الأول) ونظير ذلك ما إذا أوصى لرجل بمعين من ماله ثم وصى به لآخر، أو وصى بجميع ماله لرجل ثم وصى به لآخر فإنه يكون بينهما وقد ذكرنا ذلك، فكذلك إذا أوصى إلى رجل ثم وصى إلى آخر فإنهما يصيران وصيين، وكما لو وصى إليهما جميعاً في حال واحدة وإن قال قد أخرجت الأول بطلت وصيته لأنه صرح بعزله فانعزل كما لو وكله ثم عزله. * (مسألة) * (وليس لأحدهما الانفراد بالتصرف إلا أن يجعل ذلك إليه) وجملة ذلك أن يجوز أن يوصي إلى رجلين معاً في شئ واحد ويجعل لكل واحد منهما التصرف منفرداً فيقول أوصيت إلى كل واحد منكما وجعلت له أن ينفرد بالتصرف فإن هذا يقتضي تصرف كل واحد منهما على الانفراد، وله أن يوصي إليهما ليتصرفا مجتمعين فلا يجوز لأحدهما الانفراد بالتصرف لأنه لم يجعل ذلك إليه ولم يرض بنظره وحده ولا نعلم خلافاً في هانين الصورتين، فإن أطلق فقال

أوصيت إليكما في كذا فليس لأحدهما الانفراد بالتصرف وبه قال مالك والشافعي، وقال أبو يوسف له ذلك لأن الصوية والولاية لا تتبعض فملك كل واحد منهما الانفراد بها كالأخوين في تزويج أختهما وقال أبو حنيفة ومحمد يستحسن على خلاف القياس فيبيح أن ينفرد كل واحد منهما بسبعة أشياء: كفن الميت، وقضاء دينه، وإنفاذ وصيته، ورد الوديعة بعينها، وشراء ما لابد للصغير منه من الكسوة، والطعام، وقبول الهبة له، والخصومة عن الميت فيما يدعى له وعليه، لأن هذه يشق الاجتماع عليها ويضر تأخيرها فجاز الانفراد بها. ولنا أنه شرك بينهما في النظر فلم يكن لأحدهما الانفراد كالوكيلين وما قاله أبو يوسف نقول به فإنه جعل الولاية إليهما باجتماعهما فليست ستبعضه كما لو وكل وكيلين أو صرح للوصيين بأن لا يتصرفا إلا مجتمعين وببطل ما قاله بهاتين الصورتين وبهما يبطل ما قاله أبو حنيفة أيضاً ومتى تعذر اجتماعهما قام الحاكم أميناً مقام الغائب

(فصل) إذا قال أوصيت إلى زيد فإن مات فقد اوصيت إلى عمر وصح ذلك رواية واحدة ويكون كل واحد منهما وصياً إلى ان عمراً وصي بعد زيد لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في جيش مؤتة " أميركم زيد فإن قتل فأميركم جعفر فإن قتل فأميركم عبد الله بن رواحة " والوصية في معنى التأمير وكذلك إن قال أوصيت إليك فإذا كبر ابني كان وصيي صح لذلك وإذا كبر ابنه صار وصيه ومثله لو قال أوصيت إليك فإذا ناب ابني من فسقه أو قدم من غيبته أو صح من مرضه أو اشتغل بالعلم أو صالح أمه أو رشد فهو وصيي صحت الوصية إليه ويصير وصياً عند وجود هذه الشروط * (مسألة) * (وإن مات أحدهما أقام الحاكم مقامه أميناً) قد ذكرنا أن الوصية تجوز إلى اثنين وأنه متى أوصى إليهما مطلقاً فليس لأحدهما الانفراد بالتصرف فإن مات أحدهما أو جن أو وجد منه ما يوجب عزله أقام الحاكم مقامه أميناً لأن الموصي لم يرض بنظر هذا الباقي وحده، وإن أراد الحاكم أن يكتفي بالباقي منهما لم يجز له ذلك، وذكر أصحاب الشافعي

وجها في جوازه لأن النظر لو كان للحاكم بموت الموصي من غير وصية كان له رده إلى واحد كذلك ههنا فيكون ناظراً بالوصية من الموصي والأمانة من جهة الحاكم ولنا أن الموصي لم يرض بتصرف هذا وحده فوجب ضم غيره إليه لأن الوصية مقدمة على نظر الحاكم واجتهاده فإن تغيرت حالهما جميعاً بموت أو غيره فللحاكم أن ينصب مكانهما، وهل له نصب واحد؟ فيه وجهان (أحدهما) له ذلك لأنه لما عدم الوصيان صار الأمر إلى الحاكم بمنزلة من لم يوص ولو لم يوص لاكتفى بواحد كذا ههنا، ويفارق ما إذا كان أحدهما حياً لأن الموصي بين أنه لا يرضى بهذا وحده بخلاف ما إذا ماتا معاً (والثاني) لا يجوز لأن الموصي لم يرض بواحد فلم يكتف به كما لو كان أحدهما حياً فأما إن جعل لكل واحد منهما التصرف منفرداً فمات أحدهما أو خرج من الوصية لم يكن للحاكم أن يقيم مقامه أميناً لأن الباقي منهما له النظر بالوصية فلا حاجة الى غيره وإن ماتا معاً أو خرجا عن الوصية

مسألة: وإن وصى بجزء معلوم كثلث أو ربع أخذته من مخرجه فدفعته إليه وقسمت الباقي على مسألة الورثة إلا أن يزيد على الثلث ولا يجيزوا له فتفرض له الثلث وتقسم الثلثين عليها

فللحاكم ان يقيم واحداً فإن تغيرت حال أحد الوصيين تغيراً لا يزيله عن الوصية كالعجز عنها لضعف أو علة أو نحو ذلك أو كانا ممن لكل واحد منها التصرف منفرداً فليس للحاكم أن يضم اليهما أميناً لأن الباقي منهما يكفي، إلا أن يكون الباقي منهما يعجز عن التصرف وحده لكثرة العمل ونحوه فله أن يقيم أميناً، وإن كانا ممن ليس لأحدهما التصرف منفرداً فعلى الحاكم أن يقيم مقام من ضعف منهما أميناً يتصرف معه على كل حال فيصيرون ثلاثة الوصيان والأمين * (مسألة) * (وكذلك إن فسق وعنه يضم اليه أمين) قد ذكرنا الاختلاف في صحة الوصية إلى الفاسق وإن كلام الخرقي يدل على صحة الوصية إليه ويضم إليه أمين وكذلك إن كان عدلاً ففسق ونقل ابن منصور عن أحمد نحو ذلك فقال إذا كان الوصي متهماً لم يخرج عن يده ونقل المروذي عن أحمد فيمن وصى إلى رجلين ليس أحدهما بموضع الوصية فقال للآخر أعطني لا يعطيه شيئاً ليس هذا بموضع للوصية فقيل له أليس المريض قد رضي به؟ فقال وإن

رضي به فظاهر هذا إبطال الوصية إليه وحمل القاضي كلام الخرقي وكلام أحمد على إبقائه في الوصية على أن جنايته طرأت بعد الموت. فأما إن كانت جنايته موجودة حال الوصية إليه لم يصح لأنه لا يجوز تولية الخائن على يتيم في حياته فكذلك بعد موته ولأن الوصية ولاية وأمانة والفاسق ليس من أهلهما فعلى هذا إذا كان الوصي فاسقاً فحكمه حكم من لا وصي له وينظر في ماله الحاكم وإن طرأ فسقه بعد الوصية زالت ولايته وأقام الحاكم مقام أميناً هذا اختيار القاضي وهو قول الثوري والشافعي واسحاق وعلى قول الخرقي لا تزول ولايته ويضم اليه أمين ينظر معه روى ذلك عن الحسن وابن سيرين لأنه أمكن حفظ المال بالأمين وتحصيل نظر الموصي بإبقائه في الوصية فيكون جمعاً بين الحقين فأما إن لم يمكن حفظ المال بالأمين تعين إزالة يد الفاسق الخائن وقطع تصرفه لأن حفظ المال على اليتيم أولى من رعاية قول الموصي الفاسد وأما التفريق بين الفسق الطارئ والمقارن فإن الشروط تعتبر في الدوام كاعتبارها في الابتداء سيما إذا كانت لمعنى

يحتاج إليه في الدوام وإذا لم يكن بد من التفريق فاعتبار العدالة في الدوام أولى من قبل أن الفسق إذا كان موجوداً حال الوصية فقد رضي به الموصي مع علمه بحاله وأوصى إليه راضياً بتصرفه مع فسقه فيشعر ذلك بأنه علم أن عنده من الشفقة على اليتيم ما يمنعه من التفريط فيه وخيانته في ماله بخلاف ما إذا طرأ الفسق فإنه لم يرض به على تلك الحال والاعتبار برضائه ألا ترى أنه إذا وصى إلى واحد جاز له التصرف وحده ولو وصى إلى اثنين لم يجز للواحد التصرف (فصل) إذا تغيرت حال الموصى إليه بموت أو فسق أو جنون أو سفه فقد ذكرنا حكمه، فإن تغيرت حاله قبل الموت وبعد الوصية ثم عاد فكان عند الموت جامعاً لشروط الوصية صحت الوصية إليه لأن الشروط موجودة حال العقد والموت صحت الوصية كما لو لم تتغير حاله ويحتمل أن تبطل لأن كل حالة منها حالة للقبول والرد فاعتبرت الشروط فيها فأما إن زالت بعد الموت فانعزل ثم عاد فكمل الشروط لم تعد وصية لأنها زالت فلا تعود إلا بعقد جديد

(فصل) فأما العدل الذي يعجز عن النظر لعلة أو ضعف فإن الوصية تصح إليه ويضم الحاكم إليه أميناً ولا يزيل يده عن المال ولا نظره لأن الضعيف أهل للولاية والأمانة فصحت الوصية إليه وهكذا إن كان قوياً فحدث فيه ضعف أو علة ضم الحاكم إليه يداً أخرى ويكون الاول الوصي دون الثاني وهذا معاون لأن ولاية الحاكم إنما تكون عند عدم الموصى إليه وهذا قول الشافعي وأبي يوسف وما نعلم فيه مخالفاً * (مسألة) * (ويصح قبوله للوصية ورده في حياة الموصي) لأنه أذن في التصرف فصح قبوله بعد العقد كالتوكيل بخلاف الوصية له فإنها تمليك في وقت فلم صح القبول قبل الوقت ويجوز تأخير القبول إلى ما بعد الموت لأنها نوع وصية فصح قبولها بعد الموت كالوصية له ومتى قتل صار وصياً * (مسألة) * (وله عزل نفسه متى شاء) مع القدرة والعجز في حياة الموصي وبعد موته في حضوره وغيبته وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة لا يجوز له ذلك بعد الموت ولا يجوز في حياته إلا بحضرته لأنه غره بالتزام وصيته ومنعه بذلك الايصاء إلى غيره وعن أحمد أنه لا يجوز له عزل نفسه بعد الموت ذكره

ابن أبي موسى في الإرشاد لما ذكرنا: ولنا أنه متصرف بالآن فكان له عزل نفسه كالوكيل * (مسألة) * (وللموصي عزله متى شاء) لأنه متصرف بإذنه فكان له عزله كالموكل له عزل وكيله متى شاء * (مسألة) * (وليس للوصي أن يوصي إلا أن يجعل ذلك إليه وعنه له ذلك) وجملة ذلك أنه إذ أوصى إلى رجل وأذن له في الايصاء لمن شاء نحو أن يقول أذنت لك إلى أن توصي إلى من شئت أو كل من أوصيت إليه فقد أوصيت إليه أو فهو وصيي صح وبه قال أكثر أهل العلم وحكي عن الشافعي في أحد قوليه أنه قال ليس له أن يوصي لأنه يلي بتوليه فلا يصح أن يوصي كالوكيل ولنا أنه مأذون له في الاذن في التصرف فجاز له أن يأذن لغيره كالوكيل إذا أمر بالتوكيل فالوكيل حجة عليه من الوجه الذي ذكرناه فإن وصى إليه وأطلق فلم يأذن له ولم ينهه عنه ففيه روايتان (إحداهما) له أن يوصي إلى غيره وهو قول مالك وابى حنيفة وابي يوصف لأن الأب أقامه مقام نفسه فكان له الوصية كالأب والثاني ليس له ذلك اختاره أبو بكر وهو مذهب الشافعي واسحاق وهو الظاهر من قول الخرقي

لقوله ذلك في التوكيل لأنه تصرف بتوليه فلم يكن له ذلك التفويض كالوكيل ويخالف الأب لانه يلي بغير تولية (فصل) ويجوز أن يجعل للوصي جعلاً لأنها بمنزلة الوكالة والوكالة تجوز بجعل فكذلك الوصية، ونقل إسحاق بن إبراهيم في الرجل يوصي إلى الرجل ويجعل له دراهما مسماة فلا بأس ومقاسمة الوصي الموصى له جائزة على الورثة لأنه نائب عنهم ومقاسمته للورثة على اللموصى له لا تجوز لأنه ليس نائباً عنه (فصل) إذا اختلف الوصيان عند من يجعل المال منهما لم يجعل عند واحد منهما ولم يقسم بينهما وجعل في مكان تحت أيديهما جميعاً لأن الموصي لم يأمن أحدهما على حفظه ولا التصرف فيه وقال مالك يجعل عند أعدلهما وقال أصحاب الرأي يقسم بينهما وهو المنصوص عن الشافعي إلا أن أصحابه اختلفوا في مراده بكلامه فقال بعضهم إنما أراد إذا كان كل واحد موصى إليه منفرداً وقال بعضهم بل هو عام فيهما. ولنا أن حفظ المال من جملة الموصى به فلم يجز لأحدهما الانفراد به كالتصرف ولأنه لو جاز لكل

واحد منهما أن ينفرد بحفظ بعضه لجاز له أن ينفرد بالتصرف في بعضه * (مسألة) * (ولا تصح الوصية إلا في معلوم يملك الموصي فعله كقضاء الدين وتفريق الوصية والنظر في أمر الأطفال) لأن الوصي يتصرف بالإذن فلم يجز إلا في معلوم يملك الموضي فعله كالوكالة فيجوز أن يوصي إليه بقضاء ديونه واقتضائها ورد الودائع واستردادها لأنه يملك ذلك فملكه وصية فأما النظر لورثته في أموالهم فإن كان ذا ولاية عليهم كأولاده الصغار والمجانين ومن لم يؤنس رشده فله أن يوصي إلى من ينظر لهم في أموالهم بحفظها ويتصرف لهم فيها بما لهم الحظ فيه، فأما من لا ولاية له عليهم كالعقلاء الراشدين وغير أولاده من الأخوة والأعمام وسائر من عدا الأولاد فلا تصح الوصية عليهم لأنه لا ولاية للموصي عليهم في الحياة فلا يكون ذلك لنائبه بعد الممات ولا نعلم في هذا كله خلافاً وبه يقول أبو حنيفة والشافعي ومالك إلا أن أبا حنيفة والشافعي قالا للجد ولاية على ابن ابنه وإن سفل لأن له ولادة وتعصيباً فأشبه الأب ولأصحاب الشافعي في الأم عند عدم الأب والجد وجهان (أحدهما) لها ولاية لأنها أحد الأبوين فأشبهت الاب

مسألة: وإن وصى لرجل بجميع ماله ولآخر بنصفه وخلف ابنين فالمال بينهما على ثلاثة إن أجيز لهما والثل على ثلاثة إن رد عليهما

ولنا أن الجد يدلي بواسطة أشبه الأخ والعم بخلاف الأب فإنه يدلي بنفسه ويحجب الجد ويخالفه في منزلته وحجبه فلا يصح إلحاقه به ولا قياسه عليه وأما المرأة فلا تلي لأنها قاصرة لا تلي النكاح بحال ولا تلي مال غيرها كالعبد * (مسألة) * (وإذا وصى إليه في شئ لم يصر وصياً في غيره) يجوز أن يوصي إلى رجل بشئ دون شئ مثل أن يوصي إليه بتفريق ثلثه دون غيره أو بقضاء ديونه أو بالنظر في امر أطفاله حسب فلا يكون له غير ما جعل إليه ويجوز أن يوصي إلى إنسان بتفريق وصيته وإلى آخر بقضاء ديونه وإلى آخر بالنظر في امر أطفاله فيكون لكل واحد ما جعل إليه دون غيره ومتى أوصى إليه بشئ لم يصر وصياً في غيره، بهذا قال الشافعي، وقال أبو حنيفة يكون وصياً في كل ما يملكه الموصي لأن هذه ولاية تنتقل من الأب بموته فلا تتبعض كولاية الجد ولنا أنه استفاد التصرف بالاذن من جهة الآدمي فكان مقصوراً على ما أذن فيه كالوكيل وولاية الجد ممنوعة ثم تلك ولاية استفادها بقرابته وهي لا تتبعض والاذن يتبعض فافترقا

مسألة: فإن أجاز أحد الابنين لهما دون الآخر فسهمه بينهما على ثلاثة ولا شيء للمجيز وللابن الآخر الثلث والثلثان بين الوصيين على ثلاثة فإن أجاز أحدهما لصاحب المال وحده فللآخر التسع وللابن الآخر الثلث والباقي لصاحب المال في أحد الوجهين

(فصل) ولا بأس بالدخول في الوصية فإن الصحابة رضي الله عنهم كان بعضهم يوصي إلى بعض فيقبلون الوصية فروي عن أبي عبيدة أنه لما عبر الفرات أوصى إلى عمر وأوصى إلى الزبير ستة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عثمان وابن مسعود والمقداد وعبد الرحمن بن عوف ومطيع بن الأسود وآخر وروي عن بن عمر أنه كان وصياً لرجل وفي وصية ابن مسعود: أن حدث بي حادث الموت من مرضي هذا أن مرجع وصيتي إلى الله عزوجل ثم إلى الزبير بن العوام وابن عبد الله ولأنها وكالة وأمانة فأشبهت الوديعة والوكالة في الحياة وقياس مذهب احمد ان ترك الدخول ففيها أولى لما فيها من الخطر وهو لا يعدل بالسلامة شيئاً ولذلك يرى ترك الالتقاط وترك الإحرام قبل الميقات أفضل طلباً للسلامة واجتناباً للخطر وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي ذر " إني أراك ضعيفا واني أحب لك ما أحب لنفسي فلا تأمرن على اثنين ولا تولين مال يتيم " أخرجه مسلم (فصل) فإن مات رجل لا وصي له ولا حاكم في بلده فظاهر كلام أحمد رحمه الله أنه يجوز لرجل

من المسلمين أن يتولى أمره ويبيع ما دعت الحاجة إلى بيعه فإن صالحاً نقل عنه في رجل بأرض عرية لا قاضي بها مات وخلف جواري ومالاً أترى لرجل من المسلمين بيع ذلك؟ فقال أما المنافع والحيوان فإن اضطروا إلى بيعه ولم يكن قاض فلا باس وأما الجواري فأحب أن يتولى بيعهن حاكم من الحكام وإنما توقف عن بيع الإماء على طريق الاختيار احتياطاً لأن بيعهن يتضمن إباحة فرج وأجاز بيع ذلك لأنه موضع ضرورة * (مسألة) * (وإذا أوصى إليه بتفرقة ثلثه فأبى الورثة إخراج ثلث ما في أيديهم ففيه روايتان) (إحداهما) يخرج الثلث كله مما في يده نقلها أبو طالب لأن حق الموصى له متعلق بإجزاء التركة فجاز أن يدفع إليه مما في يده كما يدفع إلى بعض الورثة (والأخرى) يدفع إليه ثلث ما في يده ولا يعطيهم شيئاً مما في يده حتى يخرجوا ثلث ما في أيديهم نقلها أبو الحارث لأن صاحب الدين إذا كان في يده مال لم يملك استيفاءه مما في يده كذا ههنا ويمكن حمل الروايتين على اختلاف حالين فالرواية

مسألة: وإن كان الجزء الموصى به النصف خرج فيها وجه ثالث

الأولى محمولة على ما إذا كان المال جنساً واحداً فللوصي أن يخرج الثلث كله مما في يده لأنه لا فائدة في انتظار إخراجهم مما في أيديهم مع اتحاد الجنس (والرواية الثانية) محمولة على ما إذا كان المال أجناساً فإن الوصية تتعلق بثلث كل جنس فليس له أن يخرج عوضاً عن ثلث ما في أيديهم مما في يده لأنه معاوضة لا تجوز إلا برضاهم والله أعلم * (مسألة) * (وإن أوصاه بقضاء دين معين فأبى الورثة ذلك قضاه بغير علمهم) لأنه واجب سواء رضوا به أو أبوه فإذا أبوه قضاه كما لو وصى لرجل بمعين يخرج من الثلث فلم يقبلوا الوصية فإنه يدفع إليه وصيته بغير رضاهم ولا يعتبر علمهم كذا ههنا وعن أحمد فيمن عليه دين لميت وعلى الميت دين أنه يقضي دين الميت إن لم يخف بيعه يعني إذا خاف أن يطلبه الورثة بما عليه وينكروا الدين الذي على موروثهم فلا يقضيه لأنه لا يأمن رجوعهم عليه وإن لم يخف ذلك قضى دين الميت الذي عليه بدين الميت الذي له لما فيه من تبرئة ذمته وذمة الميت

(فصل) إذا علم الموصى إليه أن على الميت ديناً إما بوصية الميت أو غيرها فقال أحمد لا يقضيه إلا ببيته قيل له فإن كان ابن الميت يصدقه قال يكون ذلك في حصة من أقر بدر حصته، وقال في من استودع رجلاً ألف درهم فقال إن أنا مت فادفعها إلى ابني الكبير وله ابنان أو قال ادفعها إلى أجنبي فقال إن دفعها إلى أحد الابنين ضمن للآخر قدر حصته وإن دفعها إلى الآخر ضمن ولعل هذا من أحمد فيما إذا لم يصدق الورثة الوصي ولم يقروا فلم يقبل قوله عليهم وليس له الدفع بغير إذنهم لأن قوله أقر عندي وأذن لي إثبات ولائه فلا يقبل قوله فيه ولا شهادته لأنه يشهد لنفسه بالولاية وقد نقل أبو داود في رجل أوصى أن لفلان على كذا فينبغي للوصي أن ينفذه ولا يحل له لا إن لم ينفذه فهذه المسألة محمولة على أن الورثة يصدقون الوصي أو المدعي أو له بينة بذلك جمعاً بيئن الروايتين وموافقة الدليل قيل لأحمد فإن علم الموصى إليه لرجل حقاً على الميت فجاء الغريم يطالب الوصي وقدمه إلى القاضي ليستحلفه أن مالي في يديك حق فقال لا يحلف ويعلم القاضي بالقضية فإن أعطاه القاضي

مسألة: إذا وصى لرجل بمثل نصيب أحد ابنيه ولآخر بثلث باقي المال فعلى الوجه الأول لصاحب النصيب ثلث المال وللآخر ثلث باقي المال تسعان والباقي للابنين وتصح من تسعة

فهو أعلم فإن ادعى رجلاً ديناً على الميت وأقام بينة فهل يجوز للوصي قبولها وقضاء الدين بها من غير حضور حاكم؟ فكلام أحمد يدل على روايتين (إحداهما) لا يجوز الدفع إليه بدعواه إلا أن تقوم بينة فظاهر هذا أنه جوز الدفع بالبينة من غير حكم حاكم لأن البينة حجة له وقال في موضع آخر إلا أن تثبت بينة عند الحاكم بذلك فإما أن صدقهم الورثة قبل لأنه إقرار منهم على أنفسهم * (مسألة) * (وتصح وصية الكافر إلى المسلم إذا لم تكن تركته خمراً أو خنزيراً لان المسلم مقبول الشهادة عليه وعلى غيره فأما وصية الكافر إلى الكافر العدل في دينه ففيها وجهان (أحدهما) تصح الوصية إليه وهو قول أصحاب الرأي لأنه يلي بالنسب فيلي بالوصية كالمسلم والثاني لا يصح وهو قول أبي ثور لأنه فاسق فلم تصح الوصية إليه كفاسق المسلمين ولأصحاب الشافعي وجهان كهذين فإن لم يكن الكافر عدلاً في دينه لم تصح الوصية إليه لأن عدم العدالة في المسلم تمنع صحة الوصية إليه فالكافر أولى * (مسألة) * (إذا قال ضع ثلثي حيث شئت أو أعطه من شئت لم يجز له اخذه ولا دفعه إلى ولده ولا والده) قال أحمد إذا كان في يده مال للمساكين وأبواب البر وهو محاتج إليه فلا يأكل منه شيئاً إنما أمر بتنفيذه، وبهذا قال مالك والشافعي، وقال أبو ثور وأصحاب الرأي إذا قال الموصي جعلت لك ولده ولا والده) قال أحمد إذا كان في يده مال للمساكين وأبواب البر وهو محاتج إليه فلا يأكل منه شيئاً إنما أمر بتنفيذه، وبهذا قال مالك والشافعي، وقال أبو ثور وأصحاب الرأي إذا قال الموصي جعلت لك أن تضع ثلثي حيث شئت أو حيث رأيت فله أخذه لنفسه وولده ويحتمل أن يجوز ذلك عندنا أيضاً لأن لفظ الموصي يتناوله ويحتمل أن ينظر إلى قرائن الأحوال فإن دلت على أنه أراد أخذه منه مثل أن يكون من جملة المستحقين الذين يصرف إليهم ذلك أو عادته الأخذ من مثله فله الأخذ منه وإلا فلا،

مسألة: وإن كانت وصية الثاني بثلث ما يبقى من النصف فعلى الوجه الأول تصح من ثمانية عشر لصاحب النصيب الثلث ستة وللآخر ثلث ما يبقى من النصف سهم يبقى أحد عشر للابنين

ويحتمل أن له إعطاء ولده وسائر أقاربه إذا كانوا مستحقين دون نفسه لأنه مأمور بالتفريق وقد فرق فيمن يستحق فأشبه الدفع إلى الأجنبي. ولنا أنه تمليك ملكه بالإذن فلا يجوز أن يكون قابلاً كما لو وكله في بيع سلعة لم يجز بيعها من نفسه * (مسألة) * (وإن دعت الحاجة الى بيع بعض العقار لقضاء دين الميت أو حاجة الصغار وفي بيع بعضه نقص فله البيع على الكبار والصغار) وقال أبو حنيفة وابن أبي ليلى يجوز البيع على الصغار والكبار فيما لابد منه وكذلك إن كان جميعهم كباراً وهناك دين أو وصية وقيل لا يملك أن يبيع إلا ما يخص الصغار ويقدر الدين والوصية ولنا أنه وصي يملك بيع بعض التركة فملك بيع جميعها كما لو كان جميع الورثة صغاراً وكان الدين يستغرق التركة ولأن الوصي قائم مقام الأب وللأب أن يبيع الجميع ولأنه لما جاز بيعها في الدين المستغرق جاز بيعها فيما لا يستغرق كالعين المرهونة ولأن في بيع البعض نقصاً على الصغار قيتعين بيع الجميع دفعاً للضرر عنهم ويحتمل أن لا يجوز البيع على الكبار، وبه قال الشافعي، وهو أقيس إن شاء الله تعالى لأنه لا يجب على الإنسان بيع ملكه ليزداد ثمن ملك غيره كما لو كان شريكهم غير وارث، وهذا اختيار شيخنا، وهو الصحيح والله سبحانه وتعالى أعلم. * (تم بحمد الله وعونه الجزء السادس من كتابي المغني والشرح الكبير) * * (ويليه بمشيئة الله وتوفيقه الجزء السابع منهما وأوله (كتاب الفرائض)) *

بسم الله الرحمن الرحيم (كتاب الفرائض) وهي قسمة المواريث روى أبو داود باسناده عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " العلم ثلاثة وما سوى ذلك فهو فضل: آية محكمة وسنة قائمة وفريضة عادلة " وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " تعلموا الفرائض وعلموه فانه نصف العلم وهو ينسى وهو أول شئ ينزع من أمتي " أخرجه ابن ماجة ويروى عن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " تعلموا الفرائض وعلموه الناس فإني امرؤ مقبوض وان العلم سيقبض حتى يختلف الرجلان في الفريضة فلا يجدان من يفصل بينهما " وروى سعيد عن جرير بن عبد الحميد عن الأعمش عن إبراهيم قال قال عمر تعلموا الفرائض فإنها من دينكم وعن جرير عن عاصم الأحول عن مورق العجلي قال قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه تعلموا الفرائض واللحن والسنة كما تعلمون القرآن وقال ثنا أبو الأحوص ثنا أبو إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله قال من تعلم القرآن فليتعلم

كتاب الفرائض

الفرائض وروى جابر بن عبد الله قال جاءت امرأة سعد بن الربيع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بابنتيها من سعد فقالت يا رسول الله هاتان ابنتا سعد بن الربيع قتل أبوهما معك في أحد شهيدا وان عمهما أخذ مالهما ولا ينكحان إلا ولهما مال فنزلت آية الميراث فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمهما قال " أعط ابنتي سعد الثلثين وأمهما الثمن وما بقي فهو لك " رواه الإمام أحمد في مسنده ورواه الترمذي وأبو داود (مسألة) (وأسباب التوارث ثلاثة رحم ونكاح وولاء لا غير) لأن الشرع ورد بالتوارث بها بقوله تعالى (وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) وقوله سبحانه (يوصيكم الله في أولادكم) وقوله (ولكم نصف ما ترك أزواجكم ولهن - الربع مما تركتم) الآية وقول النبي صلى الله عليه وسلم " إنما الولاء لمن أعتق " وعنه أنها تثبت بالموالاة والمعاقدة لقول الله تعالى (والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم) والموالاة كالمعاقدة وبإسلامه على يديه روى ذلك عن عمر رضي الله عنه لما روى راشد بن سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من أسلم على يديه رجل فهو مولاه ويرثه ويدي عنه " رواه سعيد وروى أبو أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من أسلم على يده رجل فهو مولاه يرثه ويدي عنه " وعن تميم الداري أنه قال يا رسول الله ما السنة في الرجل يسلم على يدي الرجل من المسلمين؟ فقال " هو أولى الناس بمحياه ومماته " رواه سعيد في سننه ورواه الترمذي وقال لا أظنه متصلاً

مسألة: وأسباب التوارث ثلاثة: رحم، ونكاح، وولاء لا غير

ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " إنما الولاء لمن أعتق " فأما أحاديثهم فحديث راشد مرسل وحديث أبي امامة فيه معاوية الصدفي وهو ضعيف، وحديث تميم ليس بصريح في الميراث وقيل يثبت بكونهما من أهل الديوان ولا عمل عليه، وهذا كان في بدء الاسلام ثم نسخ بقوله تعالى (وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) (فصل) إذا مات الإنسان بدئ بتكفينه وتجهيزه مقدماً على ما سواه كما يقدم المفلس بنفقته على ما سواه، ثم تقضى ديونه لقوله سبحانه (من بعد وصية يوصى بها أو دين) قال علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى أن الدين قبل الوصية ولأن الدين تستغرقه حاجته فقدم كمؤنة تجهيزه ثم تنفذ وصيته للآية ثم ما بقي قسم على الورثة للآيات الثلاث المذكورة في سورة النساء (مسألة) (والمجمع على توريثهم من الذكور عشرة: الابن وابنه وان نزل والأب وأبوه وان علا والأخ من كل جهة وابن الأخ من الأم والعم وابنه كذلك والزوج ومولى النعمة، ومن النساء سبع: البنت وبنت الابن والأم والجدة والأخت والمرأة ومولاة النعمة) أكثر هؤلاء ثبت توريثهم بالكتاب والسنة، فالابن والبنت ثبت ميراثهما بقوله تعالى (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين ويدخل في ذلك ولدا لابن والأبوان بقوله تعالى (ولأبويه لكل واحد منهما السدس

مسألة: والمجمع على توريثهم من الذكور عشرة: الابن وابنه وان نزل، والأب وأبوه وان علا، والأخ من كل جهة، وابن الأخ من الأم، والعم وابنه كذلك، والزوج ومولى النعمة، ومن النساء سبع: البنت وبنت الابن والأم والجدة والأخت والمرأة ومولاة النعمة

والجد يحتمل أن يتناوله هذا النص كما دخل ولد الابن في عموم أولادكم، والأخ والأخت من الأبوين أو الأب ثبت ارثهما بقوله سبحانه (وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد) والأخ والأخت من الأم ثبت ارثهما بقوله تعالى (وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس وأما ابن الأخ للأبوين أو للأب والعم وابنه وعم الأب وابنه فثبت ميراثهم بقول النبي صلى الله عليه وسلم " ما أبقت الفروض فلأولى رجل ذكر " ولم يدخل فيهم ولد الأم ولا العم للأم ولا ابنه ولا الخال ولا أبو الأم لأنهم ليسوا من العصبات. وأما المولى المعتق والمولاة فثبت ارثهما بقوله عليه الصلاة والسلام " إنما الولاء لمن أعتق " والجدة أطعمها رسول الله صلى الله عليه وسلم السدس، والزوج ثبت ارثه بقوله تعالى (ولكم نصف ما ترك أزواجكم) والزوج بقوله تعالى (ولهن الربع مما تركتم) الآية، وجميعهم ذووا فرض وعصبة فالذكور كلهم عصبات الا الزوج والأخ من الأم والأب والجد مع الابن، والاناث كلهن إذا انفردن عن اخوتهن ذوات فروض إلا المعتقة وإلا الأخوات مع البنات. ومن لا يسقط بحال خسمة: الزوجان والأبوان وولد الصلب لأنهم يمتون بأنفسهم من غير واسطة بينهم وبين الميت يحجبهم، ومن سواهم من الوارث انما يمت بواسطة سواه فيسقط بمن هو أولى بالميت منه (مسألة) (والوارث ثلاثة ذوو فرض وعصبات وذوو رحم. )

باب ميراث ذوي الفروض وهم عشرة الزوجان والأبوان والجد والجدة والبنت وبنت الابن والأخت من كل جهة والأخ من الأم فللزوج النصف إذا لم يكن للميتة ولد ولا ولد ابن والربع إذا كان معه أحدهما، وللزوجة الربع مع عدم الولد وولد الابن والثمن مع أحدهما، وهذا إجماع من أهل العلم لقول الله تعالى (ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين) وولد الابن ولد بدليل قوله تعالى يا بني آدم ويابني إسرائيل وإنما جعل لجماعة الزوجات مثل الواحدة لأنه لو جعل لكل واحدة الربع وهن أربع لأخذن جميع المال وزاد فرضهن على فرض الزوج، ومثل هذا في الجدات للجماعة مثل ما للواحدة لأنه لو أخذت كل واحدة السدس لأخذن النصف إذا كن ثلاثة وزدن على ميراث الجد. فأما سائر أصحاب الفروض كالبنات وبنات الابن والأخوات المتفرقات كلهن فان لكل جماعة منهن مثل ما للابنتين على ما يذكر في موضعه وزدن على فرض الواحدة لأن الذكر الذي يرث في درجتهن لا فرض له الا ولد الأم فإن ذكرهم وانثاهم سواء لأنهم يرثون بالرحم وقرابة الأم المجردة.

مسألة: والوارث ثلاثة ذوو فرض وعصبات وذوو رحم. باب ميراث ذوي الفروض

(فصل) قال رضي الله عنه (وللأب ثلاثة أحوال حال يرث فيها بالفرض المجرد وهي مع ذكور الولد أو ولد الابن ويرث السدس والباقي للابن ومن معه) لا نعلم في هذا خلافاً لقول الله تعالى (ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد) (وحال) يرث فيها بالتعصيب المجرد وهي مع عدم الولد وولد الابن فيأخذ المال ان انفرد، وإن كان معه ذو فرض غير الولد كزوج أو أم أو جدة فلذي الفرض فرضه وباقي المال له لقول الله تعالى (فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث أضاف الميراث اليهما ثم جعل للأم الثلث فكان الباقي للأب ثم قال (فإن كان له إخوة فلأمه السدس) فجعل للأم مع الاخوة السدس ولم يقطع إضافة الميراث إلى الأبوين ولا ذكر للاخوة ميراثا فكان الباقي كله للأب (الحال الثالث) يجتمع له الفرض والتعصيب وهي مع اناث الولد أو ولد الابن فيأخذ السدس لقوله تعالى (ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد) ولهذا كان للأم السدس مع البنت اجماعاً ثم يأخذ ما بقي بالتعصيب لما روى ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر " متفق عليه والأب أولى رجل بعد الابن وابنه وهذا كله مجمع عليه ليس فيه خلاف نعلمه (فصل) (قال وللجد ثلاثة أحوال الأب الثلاثة إلا أنه يسقط بالأب لا يدلي به ويسقط عن رتبة الأب في زوج وأبوين وامرأة وأبوين فيفرض للأم فيهما ثلث جميع المال وله حال رابع مع الاخوة

والأخوات من الأبوين والأب فانه يقاسمهم كأخ إلا أن يكون الثلث خيراً له فيأخذه والباقي لهم، فإن كان معهم ذو فرض أخذ فرضه ثم للجد الا حظ من المقاسمة كأخ أو ثلث الباقي أو سدس جميع المال وسوف نذكر الاختلاف فيه إن شاء الله تعالى، فروى أبو داود بإسناده عن عمران بن حصين أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن ابن ابني مات فمالي من ميراثه؟ قال لك السدس فلما أدبر دعاه فقال إن لك سدساً آخر فلما أدبر دعاه فقال إن لك السدس الآخر طعمة " قال قتادة فلا ندري مع أي شئ ورثه قال قتادة أقل شئ ورث الجد السدس وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال أيكم يعلم ما ورث رسول الله صلى الله عليه وسلم الجد؟ فقال معقل بن يسار أنا ورثه رسول الله صلى الله عليه وسلم السدس قال مع من؟ قال لا أدري قال لادريت فما يغني إذا رواه سعيد في سننه. قال أبو بكر بن المنذر أجمع أهل العلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن الجد أبا الأب لا يحجبه عن الميراث غير الأب. وانزلوا الجد في الحجب والميراث منزلة الأب في جميع المواضع إلا في ثلاثة أشياء (أحدها) زوج وأبوان (والثانية) زوجة وأبوان للأم ثلث الباقي فيهما مع الأب وثلث جميع المال مع الجد (والثالثة) اختلفوا في الجد مع الاخوة والأخوات للأبوين أو للأب ولا خلاف بينهم في إسقاط بني الاخوة وولد الأم ذكرهم وأنثاهم، فذهب الصديق رضي الله عنه الى ان الجد يسقط جميع الاخوة والأخوات من جميع الجهات كما يسقطهم الأب وبه قال ابن عباس وابن الزبير وروي ذلك عن عثمان وعائشة وأبي بن كعب وأبي الدرداء ومعاذ بن جبل وأبي موسى وأبي هريرة رضي الله عنهم، وحكي أيضاً عن عمران بن حصين وجابر بن عبد الله وابي

الطفيل وعبادة بن الصامت وعطاء وطاوس وجابر بن زيد وبه قال قتادة واسحاق وابو ثور ونعيم ابن حماد وأبو حنيفة والمزني وابن شريح وابن اللبان وداود وابن المنذر وكان علي بن أبي طالب وابن مسعود وزيد بن ثابت يورثونهم معه ولا يحجبونهم به وبه قال مالك والاوزاعي والشافعي وأبو يوسف ومحمد لان الاخ ذك يعصب أخته فلم يسقطه الجد كالابن ولأن ميراثهم ثبت بالكتاب فلا يحجبون إلا بنص أو إجماع أو قياس وما وجد شئ من ذلك فلا يحجبون ولأنهم تساووا في سبب الاستحقاق فيتساوون فيه، فان الأخ والجد يدليان بالأب الجد أبوه والأخ ابنه وقرابة البنوة لا تنقص عن قرابة الأبوة بل ربما كانت أقوى منها، فإن الابن يسقط تعصيب الأب ولذلك مثله علي رضي الله عنه بشجرة انبتت غصناً فانفرق منه غصنان كل منهما أقرب منه إلى أصل الشجرة، ومثله زيد بواد خرج منه نهر وانفرق منه جد ولأن كل واحد منهما إلى الآخر أقرب منه إلى الوادي، واحتج من ذهب مذهب أبي بكر رضي الله عنه بقول النبي صلى الله عليه وسلم " ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر " متفق عليه والجد أولى من الاخ بدليل المعنى والحكم، أما المعنى فإن له قرابة إيلاد وبعضية كالأب وأما الحكم فإن الفروض إذا ازدحمت سقط الأخ دونه ولا يسقطه أحد إلا الأب، والأخ والأخوات يسقطون بثلاثة، ويجمع له بين الفرض والتعصيب كالأب وهم ينفردون بواحد منهما، ويسقط ولد الأم،

وولد الأب يسقطون بهم بالاجماع إذا استغرقت الفروض المال وكانوا عصبة. وكذلك ولد الأبوين في المشركة عند الأكثرين ولأنه لا يقتل بقتل ابن ابنه ولا يحد بقذفه ولا يقطع بسرقة ماله وتجب عليه نفقته ويمنع من دفع زكاته إليه كالأب سواء فدل ذلك على قربه، فإن قيل فالحديث حجة في تقديم الأخوات لأن فروضهن في كتاب الله تعالى فيجب أن تلحق بهن فروضهن ويكون للجد ما بقي، فالجواب أن هذا الخبر حجة في الذكور المنفردين وفي الذكور مع الإناث أو نقول هو حجة في الجميع، ولا فرض لولد الأب مع الجد لأنهم كلالة، والكلالة اسم للوارث مع عدم الولد والوالد فلا يكون لهم معه إذاً فرض. حجة أخرى قالوا الجد أب فيحجب ولد الأب كالأب الحقيقي، ودليل كونه أبا قوله تعالى (ملة أبيكم إبراهيم) وقول يوسف (واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق) وقوله (كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق) وقال النبي صلى الله عليه وسلم " ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان رامياً " وقال " سام أبو العرب وحام أبو الحبش " وقال " نحن بنو النضر بن كنانة لا نقفوا أمنا ولا ننتفي من أبينا وقال الشاعر أنا بني نهشل لا ندعي لأب * * * * عنه ولا هو بالأبناء يشرينا فوجب أن يحجب الاخوة كالأب الحقيقي يحقق هذا أن ابن الابن وإن سفل يقوم مقام ابنه في الحجب كذلك أبو الأب يقوم مقام ابنه ولذلك قال ابن عباس ألا يتقي الله زيد؟ يجعل ابن الابن

ابناً ولا يجعل أبا الأب أبا ولأن بينهما إيلاداً وبعضية وجزئية وهو يساوي الأب في أكثر أحكامه فيساويه في هذا الحجب، يحققه أن أبا الأب وان علا يسقط بني الاخوة ولو كانت قرابة الأخ والجد واحدة لوجب أن يكون أبو الجد مساوياً لبني الأخ لتساوي درجة من أدليا به ولا تفريع على هذا القول لوضوحه. (فصل) واختلف القائلون بتوريثهم معه في كيفية توريثهم، فكان علي رضي الله عنه يفرض للأخوات فروضهن والباقي للجد إلا أن ينقصه ذلك من السدس فيفرضه له، فإن كانت أخت لأبوين واخوة لأب فرض للأخت النصف وقاسم الجد الاخوة فيما بقي إلا أن تنقصه المقاسمة من السدس فيفرضه له فان كان الأخوة كلهم عصبة قاسمهم الجد إلا السدس فإن اجتمع ولد الأب وولد الأبوين مع الجد سقط ولد الأب ولم يدخلوا في المقاسمة ولا يعتد بهم، وإن انفرد ولد الأب قاموا مقام ولد الأبوين مع الجد، وصنع ابن مسعود في الجد مع الأخوات كصنع علي وقاسم به الاخوة إلى الثلث فإن كان أصحاب الفرائض أعطي أصحاب الفرائض فرائضهم ثم صنع صنيع زيد في اعطاء الأحظ من المقاسمة أو ثلث الباقي أو سدس جميع المال، وعلي يقاسم به بعد أصحاب الفرائض إلا أن يكون أصحاب الفرائض بنتاً أو بنات فلا يزيد الجد على الثلث ولا يقسام به، وقال بقول علي الشعبي والنخعي والمغيرة ابن مقسم وابن أبي ليلى والحسن بن صالح وذهب إلى قول ابن مسعود مسروق وعلقمة وشريح، فأما مذهب زيد فهو الذي ذكره شيخنا في الكتاب المشروح وذكره الخرقي وسنشرحه إن

شاء الله تعالى وإليه ذهب أحمد وبه قال أهل المدينة والشام والثوري والاوزاعي والنخعي والحجاج بن ارطاة ومالك والشافعي وأبو يوسف ومحمد بن الحسن وأبو عبيد وأكثر أهل العلم. فمذهب زيد في الجد مع الاخوة والأخوات للأبوين أو للأب أنه يقاسمهم كأخ إلا أن يكون ثلث المال أحظ له، فإن نقصته المقاسمة عن الثلث فله الثلث والباقي لهم، فعلى هذا إذا كان معه اخوان أو أربع أخوات أو أخ وأختان فالثلث والمقاسمة سواء، فإن نقصوا عن ذلك فالمقاسمة أحظ له فقاسم به لا غير وإن زادوا فأعطه الثلث، فإن كان معهم ذو فرض أخذ فرضه وكان للجد الأحظ من المقاسمة كأخ أو ثلث الباقي أو سدس جميع المال، أما كونه لا ينقص عن سدس جميع المال فلأنه لا ينقص عن ذلك مع الولد الذي هو أقوى فمع غيرهم أولى، وأما إعطاؤه ثلث الباقي إذا كان أحظ فلأن له الثلث مع عدم الفروض فما أخذ بالفروض كأنه معدوم قد ذهب من المال فصار ثلث الباقي بمنزلة ثلث جميع المال وأما المقاسمة فهي له مع عدم الفروض فكذلك مع وجودها، فعلى هذا متى زاد الاخوة عن اثنين أو من يعدلهم من الاناث فلا حظ له في المقاسمة وان نقصوا عن ذلك فلا حظ له في ثلث الباقي ومتى زادت الفروض عن النصف فلا حظ له في ثلث الباقي، وإن نقصت عن النصف فلا حظ له في السدس وإن كان الفرض النصف فقط استوى السدس وثلث الباقي، وإن كان الاخوة اثنين والفرض النصف استوى المقاسمة وثلث الباقي وسدس جميع المال

(فصل) ولا ينقص الجد عن سدس المال أو تسميته إذا زادت السهام، هذا قول عامة أهل العلم إلا أنه روي عن الشعبي أنه قال إن ابن عباس كتب إلى علي في ستة اخوة وجد فكتب إليه اجعل الجد سابعهم وامح كتابي هذا وروي عنه في سبعة إخوة وجد أن الجد ثامنهم وحكي عن عمران بن حصين والشعبي المقاسمة إلى نصف سدس المال ولنا أن الجد لا ينقص عن السدس مع البنين وهم أقوى ميراثاً من الاخوة فانهم يسقطون بهم فلأن لا ينقص عنه مع الاخوة أولى ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أطعم الجد السدس فلا ينبغي أن ينقص منه، وقولنا أو تسميته إذا زادت السهام هو إذا عالت المسألة فإنه يسمى له السدس وهو ناقص عن السدس فإذا كان زوج وأم وابنتان وجد له السدس ونعطيه سهمين من خمسة عشر وهما ثلثا الخمس (مسألة) (فإن لم يفضل عن الغرض إلا السدس فهو له ويسقط من معه من الاخوة والأخوات كأم وابنتين وجد وأخت أو أخ) فإن للأم السدس وللابنتين الثلثان يبقى السدس للجد ويسقط الاخوة إلا في الأكدرية وهي زوج وأم وأخت وجد فإن للزوج النصف وللأم الثلث وللأخت النصف وللجد السدس ثم يقسم

مسألة: فإن لم يفضل عن الفرض إلا السدس فهو له، ويسقط من معه من الاخوة والأخوات كأم وابنتين وجد وأخت أو أخ

سدس الجد ونصف الأخت بينهما على ثلاثة وتصح من سبعة وعشرين: للزوج تسعة وللأم ستة وللجد ثمانية وللأخت أربعة ولا يعول من مسائل الجد غيرها، ولا يفرض لأخت مع جد إلا في هذه المسألة وتسمى الاكدرية سميت بذلك لتكديرها أصول زيد في الجد فإنه أعالها ولا عول عنده في مسائل الجد وفرض للأخت معه ولا يفرض لأخت مع جد، وجمع سهامه وسهامها فقسمها بينهما ولا نظير لذلك، وقيل سميت أكدرية لأن عبد الملك بن مروان سأل عنها رجلا اسمه الأكدر فأفتى فيها على مذهب زيد وأخطأ فيها فنسبت إليه، واختلف أهل العلم فيها فمذهب أبي بكر الصديق وموافقيه اسقاط الأخت ويجعل للزوج النصف وللأم الثلث والباقي للجد، وقال عمر وابن مسعود للزوج النصف وللأخت النصف وللجد السدس وللأم السدس وعالت إلى ثمانية وجعلوا للأم السدس لكيلا يفضلوها على الجد، وقال علي وزيد للزوج النصف وللأخت النصف وللأم الثلث وللجد السدس وأعالاها إلى تسعة ولم يحجبا الأم عن الثلث لأن الله تعالى إنما حجبها بالولد والاخوة وليس ههنا ولد ولا اخوة، ثم أن عمر وعلياً وابن مسعود ابقوا النصف للأخت والسدس للجد وزيد ضم نصفها إلى سدس الجد فقسمه بينهما لأنها لا تستحق معه إلا بحكم المقاسمة، وإنما حمل زيداً على إعالة المسألة ههنا أنه لو لم يفرض للأخت لسقطت وليس في الفريصة من يسقطها وقد روي عن قبيصة بن ذؤيب أنه قال ما قال ذلك زيد وإنما قاس أصحابه على أصوله ولم يبين هو شيئاً، فإن قيل فالأخت مع الجد عصبة والعصبة تسقط باستكمال الفروض قلنا إنما يعصبها الجد وليس بعصبة مع هؤلاء بل يفرض له ولو كان مكان الأخت أخ لسقط لأنه عصبة في نفسه ولو كان مع الأخت أخت أخرى أو أخ أو أكثر من ذلك لانحجبت الأم إلى

السدس وبقي لهما السدس فأخذوه ولم تعل المسألة، وأصل المسألة في الأكدرية ستة عالت إلى تسعة وسهام الأخت والجد أربعة بينهما على ثلاثة لا تصح فتضرب ثلاثة في تسعة تكن سبعة وعشرين ثم كل من له شئ من أصل المسألة مضروب في الثلاثة التي ضربتها في المسألة للزوج في ثلاثة تسعة وللأم اثنان في ثلاثة ستة يبقى اثنا عشر بين الجد والأخت على ثلاثة للجد ثمانية وللاخت أربعة، ويعايابها فيقال أربعة ورثوا مالا فأخذ أحدهم ثلثه والثاني ثلث ما بقي والثالث ثلث ما بقي والرابع ما بقي، ويقال امرأة جاءت قوما فقالت إني حامل فإن ولدت ذكراً فلا شئ له وإن ولدت أنثى فلها تسع المال وثلث تسعه، وإن ولدت ولدين فلهما السدس ويقال أيضاً إن ولدت ذكراً فلي ثلث المال وإن ولدت أنثى فلي تسعاه وإن ولدت ولدين فلي سدسه وأنشد شيخنا في ذلك لنفسه ماذا تقولون في ميراث أربعة * * * * أصاب أكبرهم جزءاً من المال ونصف ذلك للثاني ونصفهما * * * * لثالث ترب للخير فعال ونصف ذلك مجموعاً لرابعهم * * * * فخبروني فهذي جملة الحال أكبرهم الجد له ثمانية ونصفها للأخت أربعة ونصفهما ستة للأم صارت ثمانية عشر ونصف الجميع للزوج وذلك تسعة

(فصل) زوجة وأم وأخت وجد للزوجة الربع وللأم الثلث والباقي بين الأخت والجد على ثلاثة أصلها من اثني عشر للزوجة ثلاثة وللأم أربعة يبقى خمسة بين الجد والأخت على ثلاثة، وتصح من ستة وثلاثين، فإن كان مكان الأخت أخ فالباقي بينهما نصفين وتصح من أربعة وعشرين، وان كانا اختين قاسمهما وتصح من ثمانية وأربعين فإن كان أخ وأخت أو ثلاث أخوات حجبوا الأم إلى السدس وقسموا الباقي بينهم على خمسة وصحت من ستين، فإن زادوا على ذلك استوى ثلث الباقي والمقاسمة فافرض له ثلث الباقي واضرب المسألة في ثلاثة تكن ستة وثلاثين ويبقى له ولهم أحد وعشرون يأخذ ثلثلها سبعة والباقي لهم، فإن لم تصح عليهم ضربتهم ووفقهم في سته وثلاين فما بلغ فمنه تصح فإن كانوا من جهتين اختص بالباقي ولد الأبوين (فصل) زوجة وأخت وجد وجدة فهي كالتي قبلها في فروعها إلا في أن للجدة السدس مع الأخت الواحدة والأخ الواحد، فإن كانوا أكثر من واحد فحكم الجدة والأم واحد، وإن لم يكن معهم جدة فهي من أربعة للزوجة الربع ويبقى ثلاثة للجد سهمان وللأخت سهم فان كان معها أخت أخرى فالباقي بينهم على أربعة وتصح من ستة عشر وإن كان مكانها أخ صحت من ثمانية فإن كان أخ وأخت أو ثلاث أخوات فالباقي بينهم على خمسة وتصح من عشرين وإن زادوا على هذه فاعطه ثلث الباقي سهما واقسم الثاني على الباقين، فإن كانوا من الجهتين فلا شئ لولد الأب لأن الباقي بعد نصيب الجد لا يزيد على النصف وهو أقل فرض لولد الأبوين

(مسألة) (فإن لم يكن في الأكدرية زوج فهي أم وأخت) وجد للأم الثلث والباقي بين الجد والأخت على ثلاثة وتصح من تسعة للأم ثلاثة وللجد أربعة وللأخت سهمان وإنما سميت الخرقا لكثرة اختلاف الصحابة فيها فكأن الافوال خرقتها قيل فيها سبعة أقوال قول الصديق وموافقيه للأم الثلث وللجد الباقي، وقول زيد وموافقيه للأم الثلث والباقي بين الجد والأخت على ثلاثة وقول علي للأخت النصف وللأم الثلث وللجد السدس، وعن عبد الله للأخت النصف وللأم ثلث ما بقي وللجد الباقي وعن ابن مسعود للأم السدس والباقي للجد وهو مثل القول الأول في المغني وعن ابن مسعود أيضاً للأخت النصف والباقي بين الأم والجد نصفين فتكون من أربعة وهي إحدى مربعات ابن مسعود وقال عثمان المال بينهم أثلاثاً لكل واحد منهم ثلث وهي مثلثة عثمان وتسمى المسبعة لأن فيها سبعة أقوال ومسدسة لأن معنى الأقوال يرجع إلى ستة وسأل الحجاج الشعبي عنها فقال قد اختلف خمسة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر له عثمان وعلياً وابن مسعود وزيداً وابن عباس رضي الله عنهم (مسألة) (وولد الأب كولد الأبوين في مقاسمة الجد) إذا انفردوا لأنهم شاركوهم في بنوة الأب التي ساووا بها الجد فإذا اجتمعوا عاد ولد الأبوين الجد

مسألة: فإن لم يكن في الأكدرية زوج فهي أم وأخت وجد

بولد الأب ثم أخذوا ما حصل لهم هذا مذهب زيد وأما علي وابن مسعود فإنهما يقاسمان به ولد الأبوين ويسقطان ولد الأب ولا يعتدان به لأنه محجوب فلا يعتد به كولد الأم فإذا كان جد وأخ من أب وأم وأخ لأب قسما المال في هذه المسألة بينهما نصفين وزيد يجعلها من ثلاثة للجد سهم ولكل أخ سهم ثم يرجع الأخ من الأب والأم على ما في يد أخيه لأبيه فيأخذه وإن شئت فرضت للجد ثلث المال والباقي للأخ من الأبوين ومتى زاد الأخوة على اثنين فرضت للجد الثلث والباقي لولد الأبوين ووجه مذهب زيد أن الجد والد فإذا حجبه إخوان وارثان جاز أن يحجبه أخ وارث وأخ غير وارث كالأم ولأن ولد الأب يحجبونه إذا انفردوا فيحجبونه مع غيرهم كالأم ويفارق ولد الأم فإن الجد يحجبهم فلا ينبغي أن يحجبوه بخلاف ولد الأب فإن الجد لا يحجبهم فجاز أن يحجبوه إذا احجبهم غيره كما يحجبون الأم إن كانوا محجوبين بالأب وأما الأخ من الأبوين فإنه أقوى تعصيباً من الأخ من الأب فلا يرث معه شيئاً كما لو انفرد عن الجد فيأخذ ميراثه كما لو اجتمع ابن وابن ابن فإنه يحجبه ويأخذ ميراثه فان قبل فالجد يحجب ولد الأم ولا يأخذ ميراثهم والأخوة يحجبون الأم وإن لم يأخذوا ميراثها قلنا الجد وولد الأم يختلف سبب استحقاقهم للميراث وكذلك سائر من يحجب ولا يأخذ ميراث المحجوب وههنا سبب استحقاق الأخوة للميراث الأخوة والعصوبة فأيهما قوي حجب الآخر وأخذ ميراثه وقد مثلت هذه المسألة بمسألة في الوصايا وهي إذا وصى لرجل يثلث ماله ولآخر بمائة ولثالث بتمام الثلث على المائة وكان ثلث المال مائتين فإن الموصى

مسألة: وولد الأب كولد الأبوين في مقاسمة الجد

له بالمائة يزاحم صاحب الثلث بصاحب التمام في حال الرد فيقاسمه الثلث نصفين ثم يختص صاحب المائة بها ولا يحصل لصاحب التمام شئ (مسألة) (إلا أن يكون ولد الأبوين أختاً واحدة فتأخذ تمام النصف وما فضل فهو لهم ولا يتفق هذا في مسألة فيها فرض غير السدس لأن أدنى ما يأخذ الجد الثلث من الباقي والأخت النصف فالباقي بعدهما هو السدس فإذا كان جد وأخت من أبوين وأخت من أب فالمال بينهم على أربعة للجد سهمان ولكل أخت سهم ثم رجعت الأخت من الأبوين على أختها لأبيها فأخذت ما في يدها جميعه لتستكمل النصف لأن المقاسمة ههنا أحظ للجد من ثلث المال فان كان معهم أخ من أب فللجد الثلث وللأخت النصف يبقى للأخ وأخته السدس بينهما على ثلاثة وتصح من ثمانية عشر وتستوي ههنا المقاسمة وثلث المال (مسألة) (فإن كان معهم أم فلها السدس وللجد ثلث الباقي ولا ثلث له فتضربها في ثلاثة تكن ثمانية عشر للأم ثلثه وللجد ثلث الباقي خمسة وللأخت للأبوين تسعة يبقى للأخ وأخته سهم وتصح من اربعة وخسمين وتسمى مختصرة زيد)

مسألة: إلا أن يكون ولد الأبوين أختا واحدة فتأخذ تمام النصف، وما فضل فهو لهم ولا يتفق هذا في مسألة فيها فرض غير السدس

لأن ثلث الباقي والمقاسمة في هذه المسألة سواء فإن أعطيت الجد ثلث الباقي صحت من أربعة وخمسين على ما ذكرنا وإن قاسم الاخوة أعطيت الأم السدس سهما يبقى خمسة مقسومة على الجد والأخ وأختين على ستة فتضربها في أصل المسألة تكن ستة وثلاثين للأم ستة وللجد عشرة وللأخت للابوبن ثمانية عشر يبقى سهمان على الأخ من الأب وأخته لا يصح فإذا ضرب ثلاثة في ستة وثلاثين تكن مائة وثمانية ويرجع بالاختصار إلى نصفها أربعة وخمسين لأنها تتفق بالنصف فلهذا سميت مختصرة زيد ولو كان معهم أخ آخر من أب صحت من تسعين وتسمى تسعية زيد لأنا ندفع إلى الأم ثلاثة وإلى الجد ثلث الباقي خمسة وإلى الأخت للأبوين تسعة يبقى سهم لأولاد الأب على خمسة لا تصح عليهم إذ ضربتها في ثمانية عشر تكن تسعين وهذا التفريع كله على مذهب زيد لكونه يورث الاخوة مع الجد (فصل) أم أو جدة وأختان وجد المقاسمة خير للجد ويبقى خمسة على أربعة وتصح من أربعة وعشرين أم وأخ واخت وجد تصح من ستة للجد سهمان أم وأخوان أو أخ وأختان أو أربع أخوات

مسألة: فإن كان معهم أم فلها السدس وللجد ثلث الباقي ولا ثلث له، فتضربها في ثلاثة تكن ثمانية عشر للأم ثلثه وللجد ثلث الباقي خمسة وللأخت للأبوين تسعة يبقى للأخ وأخته سهم، وتصح من أربعة وخمسين وتسمى مختصرة زيد

وجد المقاسمة وثلث الباقي سواء فإن زادوا على ذلك فرض للجد ثلث الباقي وصحت من ثمانية عشر للأم ثلاثة وللجد خمسة يبقى عشرة للاخوة والأخوات فتصح عليهم، بنت وأخت وجد للبنت النصف وما بقي بين الأخت والجد على ثلاثة أسهم للجد سهمان وللأخت سهم لأن المقاسمة ههنا أحظ له وفي قوله رضي الله عنه للبنت النصف وللجد السدس والباقي للأخت وعند ابن مسعود الباقي بين الجد والأخت نصفين لأن كل واحد منهما إذا انفرد أخذ المال بالتعصيب فإذا اجتمعا اقتسما كما لو كان مكانها أخ وأما علي فبني على أصله في أن الأخوات لا يقاسمن الجد وانما يفرض لهن فلم يفرض لها ههنا لأن الأخت مع البنت عصبة وأعطي الجد السدس كما لو انفرد معها وجعل الباقي لها ولنا أن لجد يقاسم الأخت فيأخذ مثليها إذا كان معها أخ فكذلك إذا انفردت وهذه إحدى مربعات ابن مسعود (فصل) بنت وأخ وجد للبنت النصف والباقي بين الأخ والجد نصفين وإن كان معه أخته فالباقي بينهم على خمسة وإن كان أخوان أو أخ وأختان أو أربع أخوات استوى ثلث الباقي والسدس والمقاسمة فإن زادوا فلا حظ له في المقاسمة ويأخذ السدس والباقي لهم فإن كانوا من الجهتين فليس لولد الاب

شئ والباقي لولد الأبوين بنت وأختان وجد الباقي بين الجد والأختين على أربعة وتصح من ثمانية فإن كن ثلاث أخوات فالباقي بينهم على خمسة فإن كن أكثر من أربع فله الثلث أو سدس الباقي والباقي لهن (فصل) بنتان أو أكثر أو بنت وبنت ابن وأخت وجد للبنتين الثلثان والباقي بين الجد والأخت على ثلاثة وتصح من تسعة وإن كان مكانها أخ فالباقي بينهما نصفين وتصح من ستة وإن كان مكانه أختان صحت من اثني عشر ويستوي في هاتين المسئلتين السدس والمقاسمة فإن زادوا عن أخ أو عن أختين فرضت للجد السدس وكان الباقي لهم فإن كان معهم أم أو جدة فللجد السدس ولا شئ للاخوة والأخوات (فصل) زوج وأخت وجد للزوج النصف والباقي بينهما على ثلاثة وعند علي وابن مسعود للأخت النصف وللجد السدس وعالت إلى سبعة وإن كان مع الأخت أخرى فالباقي بينهم على أربعة وعندهما لهما الثلثان وتعول إلى ثمانية وإن كان مكانهما أخ فالباقي بينهما نصفين وان كان أخ وأخت أو ثلاث أخوات قاسمهم الجد وإن كان أخوان أو من يعدلهما استوى السدس والمقاسمة فإن زادوا فرضت له السدس والباقي لهم فإن كان زوج وبنت وأخت وجد فللزوج الربع وللبنت النصف والباقي بينهما على

ثلاثة ويستوي السدس ههنا والمقاسمة فإن زادوا على أخت فرضت للجد السدس والباقي لهم وإن كان مع الزوج بنتان أو بنت وبنت ابن أو بنت وأم أو جدة سقط الاخوة والاخوات وفرضت للجد السدس وعالت إلى ثلاثة عشر (فصل) زوجة وبنت وأخت وجد الباقي بين الجد والأخت على ثلاثة وتصح من ثمانية فإن كان مكان الأخت أخ أو أختان فالباقي بينهم نصفين وتصح مع الأخ من ستة عشر ومع الأختين من اثنين وثلاثين وإن زادوا فرض للجد السدس وانتقلت المسألة إلى أربعة وعشرين ثم تصح على المنكسر عليهم وإن كان مع الزوجة ابنتان أو أكثر أو بنت وبنت ابن أو بنت وأم وجدة فرضت للجد السدس ويبقى للإخوة والأخوات سهم من أربعة وعشرين (فصل) قال رضي الله عنه وللأم أربعة أحوال (حال) لها السدس وهي مع وجود الولد وولد الابن أو اثنين من الأخوة والأخوات (وحال) لها الثلث وهي مع عدم هؤلاء (وحال) لها ثلث ما بقي وهي زوج وأبوان وامرأة وأبوان لها ثلث الباقي بعد فرض الزوجين (وحال) رابع وهي إذا لم يكن لولدها أب لكونه ولد زنا أو منتفياً بلعان فإنه ينقطع بعصبته من جهة من نفاه فلا ذ يرثه هو ولا أحد من عصباته،

وجملته أن الأم لها الأربعة الأحوال المذكورة أما استحقاقها الثلث مع عدم الولد وولد الابن والاثنين من الاخوة والأخوات من أي الجهات كانوا فلا نعلم في ذلك خلافا بين أهل العلم، وقد دل عليه قوله تعالى (فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث) وأما استحقاقها السدس إذا كان للميت ولد أو ولد ابن أو ابنين من الأخوات فهو قول الجمهور، وقال ابن عباس لا يحجب الأم عن الثلث إلى السدس من الاخوة والأخوات إلا ثلاثة، وحكي ذلك عن معاذ لقول الله تعالى (فإن كان له إخوة فلأمه السدس) وأقل الجمع ثلاثة وروي أن ابن عباس قال لعثمان رضي الله عنهما ليس الأخوان إخوة في لسان قومك فلم تحجب بهما الأم؟ فقال لا أستطيع أن أرد شيئاً كان قبلي ومضى في البلدان وتوارث الناس به ولنا قول عثمان هذا فإنه يدل على الاجماع ثم هو قبل مخالفة ابن عباس ولأن كل حجب تعلق بعدد كان أوله اثنين كحجب البنات بنات الابن والأخوات من الابوين الأخوات من الأب والأخوة يستعمل في الاثنين قال الله تعالى (فان كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين) وهذا

الحكم ثابت في أخ وأخت ومن أهل اللغة من يجعل الاثنين جمعاً حقيقة ومنهم من يستعمله مجازاً فيصرف إليه بالدليل ولا فرق في حجبها بين الذكر والأنثى لقوله تعالى (إخوة) وهذا يقع على الجميع لقوله تعالى (وإن كانوا إخوة رجالا ونساء) ففسرهم بالرجال والنساء، وأما استحقاقها ثلث الباقي في زوج وأبوين وامرأة وأبوين فهاتان المسئلتان تسمى العمريتين لأن عمر رضي الله عنه قضى بذلك فاتبعه عثمان وزيد بن ثابت وابن مسعود وروي ذلك عن علي، وبه قال الحسن والثوري ومالك والشافعي وأصحاب الرأي وجعل ابن عباس ثلث المال كله للأم في المسئلتين لأن الله تعالى فرض لها الثلث عند عدم الولد والاخوة وليس ههنا ولد ولا اخوة ويروى ذلك عن علي ويروى عن شريح ذلك في زوج وأبوين، وقال ابن سيرين كقول الجماعة في زوج وأبوين وكقول ابن عباس في امرأة وأبوين وبه قال أبو ثور لأننا لو فرضنا للأم ثلث المال في زوج وأبوين لفضلناها على الأب ولا يجوز ذلك وفي

مسألة الزوجة لا يؤدي إلى ذلك واحتج ابن عباس بعموم قوله تعالى (فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث) وقوله عليه السلام " ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر " والأب ههنا عصبة فيكون له ما فضل عن ذوي الفروض كما لو كان مكانة جد قال شيخنا: والحجة معه لولا انعقاد الاجماع من الصحابة على مخالفته ولأن الفريضة إذا جمعت أبوين وذا فرض كان للأم ثلث الباقي كما لو كان معهم بنت ويخالف الأب الجد لأن الأب في درجتها والجد أعلى منها، وما ذهب إليه ابن سيرين تفريق في موضع أجمع الصحابة على التسوية فيه ثم أنه مع الزوج يأخذ مثل ما أخذت الأم، كذلك مع المرأة قياساً عليه، فأما الحال الرابع وهي إذا كان ولدها منفياً بلعان فإن الرجل إذا لاعن امرأته وانتفى منه ولدها وفرق الحاكم بينهما انتفى ولدها عنه وانقطع تعصيبه من جهة الملاعن فلم يرثه هو ولا أحد من عصباته وترث أمه وذوو الفروض منه فروضهم وينقطع التوارث بين الزوجين لا نعلم بين أهل العلم في هذه المسألة خلافاً فأما إن مات أحدهم قبل تمام

اللعان بين الزوجين ورثه الآخر في قول الجمهور، وقال الشافعي إذا أكمل الزوج لعانه لم يتوارثا وقال مالك إن مات الزوج بعد لعانه فإن لاعنت المرأة لم ترث ولم تحد، وإن لم تلاعن ورثت وحدت وإن ماتت هي بعد لعان الزوج ورثها في قول جميعهم إلا الشافعي فإن تم اللعان بينهما فمات أحدهما قبل تفريق الحاكم بينهما لم يتوارثا في إحدى الروايتين، وهو قول مالك وزفر، وروي نحو ذلك عن الزهري وربيعة والاوزاعي وداود لأن اللعان يقتضي التحريم المؤبد فلم يعتبر في حصول الفرقة به التفريق بينهما كالرضاع (والثانية) يتوارثان ما لم يفرق الحاكم وهو قول أبي حنيفة وصاحبيه لأن النبي النبي صلى الله عليه وسلم فرق بين المتلاعنين، ولو حصل التفريق باللعان لم يحتج إلى تفريقه وإن فرق الحاكم بينهما قبل تمام اللعان لم تقع الفرقة ولم ينقطع التوارث في قول الجمهور، وقال أبو حنيفة وصاحباه أن فرق بينهما بعد أن تلاعنا ثلاثاً وقعت الفرقة وانقطع التوارث لأنه وجد منهما معظم اللعان وإن فرق بينهما قبل ذلك لم ينقطع التوارث ولم تقع الفرقة.

ولنا أنه تفريق قبل تمام اللعان أشبه التفريق قبل الثلاث وهذا الخلاف في توارث الزوجين، فأما الولد فالصحيح أنه ينتفي عن الملاعن إذا تم اللعان بينهما من غير اعتبار تفريق الحاكم لأن انتفاءه بنفيه لا بقول الحاكم فرقت بينكما فإن لم يذكره في اللعان لم ينتف عن الملاعن ولم ينقطع التوارث بينهما، وقال أبو بكر ينتفي بزوال الفراش لأن النبي صلى الله عليه وسلم نفى الولد عن الملاعن وألحقه بأمه ولم يذكره الرجل في لعانه، يحقق ذلك أن الولد كان حملا في البطن فقال النبي صلى الله عليه وسلم " انظروها فإن جاءت به أحيمر كأنه وحرة حمش الساقين فلا أراه إلا قد كذب عليها، وإن جاءت به جعدا جماليا خدلج الساقين سابغ الاليتين فهو للذي رميت به " فأتت به على النعت المكروه. (مسألة) (وعصبته عصبة أمه وعنه أنها هي عصبته) اختلف أهل العلم في ميراث الولد المنفي باللعان فروي عن أحمد فيه روايتان. (إحداهما) : أن عصبته عصبة أمه، نقلها الأثرم، وحنبل يروي ذلك عن علي وابن عباس وابن عمر، وبه قال الحسن

وابن سيرين وجابر بن زيد وعطاء والشعبي والنخعي والحكم وحماد والثوري والحسن ابن صالح إلا أن علياً يجعل ذا السهم من ذوي الأرحام أحق ممن لا سهم له وقدم الرد على غيره. (والرواية الثانية) : أن الأم عصبته فإن لم تكن فعصبتها عصبته، نقلها أبو الحارث ومهنا، وهذا قول ابن مسعود، وروي عن علي ومكحول والشعبي لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل ميراث ابن الملاعنة لأمه ولورثتها من بعدها ورواه أيضاً مكحول عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا وروى واثلة بن الأسقع عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " تحوز المرأة ثلث مواريث عتيقها ولقيطها وولدها الذي لاعنت عليه " وعن عبد الله بن عبيد بن عمير قال: كتبت إلى صديق لي من أهل المدينة من بني زريق أسأله عن ولد الملاعنة لمن قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فكتب إلي إني سألت فأخبرت أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى به لأمه هي بمنزلة أبيه وأمه رواهن أبو داود ولأنها قامت مقام أمه وأبيه في انتسابه إليها فقامت مقامهما في حيازة ميراثه ولأن عصبات الأم أدلوا بها

مسألة: وعصبته عصبة أمه وعنه أنها هي عصبته

فلم يرثوا معها كأقارب الأب معه وكان زيد بن ثابت يورث من ابن الملاعنة كما يورث من غير ابن الملاعنة ولم يجعلها عصبة ابنها ولا عصبتها عصبته، فإن كانت أمة مولاة لقوم جعل الباقي من ميراثها لمولاها فإن لم تكن مولاة جعل لبيت المال، وعن ابن عباس نحوه وبه قال سعيد بن المسيب وعروة وسليمان ابن يسار وعمر بن عبد العزيز والزهري وربيعة وأبو الزناد ومالك وأهل المدينة والشافعي وأبو حنيفة وصاحباه وأهل البصرة إلا أن أبا حنيفة وأهل البصرة جعلوا الرد وذوي الأرحام أحق من بيت المال لأن الميراث إنما يثبت بالنص ولا نص في توريث الأم أكثر من الثلث ولا في توريث أخ من أم أكثر من السدس ولا في توريث أبي الأم وأشباهه من عصبات الأم ولا قياس أيضاً فلا وجه لإثباته ووجه الرواية الأولى قول النبي صلى الله عليه وسلم " ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر " وأولى الرجال به أقارب أمه وعن عمر رضي عنه أنه ألحق ولد الملاعنة بعصبة أمه وعن علي رضي الله عنه أنه لما رجم المرأة دعا أولياءها فقال: هذا ابنكم ترثونه ولا يرثكم وان جنى جناية فعليكم، حكاه الإمام أحمد عنه ولأن الأم لو كانت عصبة كأبيه لحجبت إخوته ولأن مولاها مولى أولادها فيجب ان يكون عصبتها عصبته كالأب (مسألة) (فإذا خلف أما وخالا فللأم الثلث بلا خلاف والباقي للخال)

لأنه عصبة أمه، وعلى الرواية الأخرى الكل للأم وهذا قول علي وابن مسعود وأبي حنيفة وموافقيه إلا أن ابن مسعود يعطيها إياه لكونها عصبته والباقون بالرد وعن زيد الباقي لبيت المال فإن كان معها أخ لأم فله السدس والباقي له إن قلنا إنه العصبة على الرواية الأولى وعلى الأخرى الكل للام ولا شئ للخال على الروايتين، فإن كان معهما مولى أم فلا شئ له عندنا وقال زيد ومن وافقه وأبو حنيفة الباقي له وإن لم يكن لأمه عصبة إلا مولاها فالباقي له إذا قلنا عصبتها عصبته وعلى الرواية الأخرى هو للأم وهو قول ابن مسعود لأنها عصبة ابنها (فصل) فإن لم يخلف إلا أمه فلها الثلث فرضاً والباقي بالرد وهو قول علي وسائر من يرى الرد وفي الرواية الأخرى لها الباقي بالتعصيب فإن كان مع الأم عصبة لها فهل يكون الباقي لها أو له على روايتين ذكرناهما فان كان لها عصبات فهو لأقربهم منها على الرواية الأولى فإذا كان معها أبوها وأخوها فهو لأبيها فإن كان مكان الأب جد فهو بين أخيها وجدها نصفين فإن كان معهم ابنها وهو اخوه لامه فلا شئ لأخيها ويكون لأمه الثلث ولأخيه السدس ولأخيه الباقي أو ابن أخيه وإن خلف أمه وأخاه وأخته فلكل واحد منهم السدس والباقي لأخيه دون أخته وإن خلف ابن أخيه وبنت أخيه أو خاله

مسألة: فإذا خلف أما وخالا فللأم الثلث بلا خلاف والباقي للخال

وخالته فالباقي للذكر وإن خلف أخته وابن أخته فلأخته السدس والباقي لابن أخته وعلى الرواية الأخرى الكل للأم في هذا الموضع (فصل) ابن ملاعنة مات وترك بنتاً وبنت ابن ومولى أمه الباقي لمولى الأم في قول الجمهور وقال ابن مسعود الرد أولى من المولى فإن كان معهم أم فلها السدس وفي الباقي روايتان (إحداهما) للمولى وهو قول الأكثرين (والثانية) للأم وهو قول ابن مسعود فإن لم يكن معهم مولى فالباقي مردود عليهم في إحدى الروايتين والأخرى هو للأم فإن كان معهم أخ فلا شئ له بالفرض وله الباقي في رواية والأخرى هو للأم، بنت وأخ أو ابن أخ أو خال أو أبو أم أو غيرهم من العصبات للبنت النصف والباقي للعصبة في قول العبادلة وإن كان معها أخ أو أخت أو ابن أخ وأخته أو خال وخالة فالباقي للذكر وحده في قولهم وقال أبو حنيفة وأصحابه المال للبنت بالفرض والرد ورووا ذلك عن علي عليه السلام أنه جعل ذا السهم أحق ممن لا سهم له وأنه ورث ابن ملاعنة ذوي أرحامه كما يرثون من غيره قال ابن اللبان وليس هذا محفوظاً عن علي إنما المشهور عنه قوله لأولياء المرجومة عن ابنها: هذا ابنكم ترثونه ولا يرثكم فإن جنى جناية فعليكم وفسر القاضي قول أحمد إن لم يكن أم فعصبتها عصبته بتقديم الرد على عصبة الأم كقوله في أخت وابن أخ المال كله للأخت قال شيخنا وهذا تفسير للكلام يضد ما يقتضيه وحمل للفظ على خلاف ظاهره وإنما هذه الرواية كمذهب ابن مسعود ورواية الشعبي

عن علي وعبد الله أنهما قالا عصبة ابن الملاعنة أمه ترث ماله أجمع فإن لم يكن أم فعصبتها عصبته: امرأة وجدة وأختان وابن أخ للمرأة الربع وللجدة السدس وللأختين الثلث والباقي لابن الأخ في الروايتين جميعاً، وقال أبو حنيفة الباقي يرد على الأختين والجدة وهو قول القاضي في الرواية الثانية: أبو أم وبنت وابن أخ وبنت أخ الباقي لابن الأخ وحده ويحتمل يكون لأب الأم سدس باقي المال وخمسة أسداسه لابن الأخ، وقال أبو حنيفة المال بين أبي الأم والبنت على أربعة بالفرض والرد (فصل) فإن لم يترك ابن الملاعنة ذا سهم فالمال لعصبة أمه في قول الجماعة وقد روى ذلك عن علي وقال أبو حنيفة وأصحابه هو بين ذوي الأرحام كميراث غيره، ورووه عن علي وذلك مثل خال وخالة وابن أخ وأخته المال للذكر وفي قول أبي حنيفة هو بينهما في المسئلتين نصفين خالة لأب وأم وخال لأب المال للخال وقال أبو حنيفة هو للخالة: خالة وبنت بنت المال بينهما على أربعة، وإذا لم يخلف ابن الملاعنة إلا ذا رحم فحكمهم في ميراثه كحكمهم في ميراث غيره على ما نذكره (فصل) وإذا قسم ميراث ابن الملاعنة ثم أكذب الملاعن نفسه لحقه الولد ونقصت القسمة، وقال أبو حنيفة لا يلحقه النسب بعد موته إلا أن يكونا توأمين مات أحدهما وأكذب نفسه والأخ باق فيلحقه نسب الباقي والميت معا وقد مضى الكلام معه في غير هذا الموضع (فصل) ولو كان المنفي باللعان توأمين ولهما أخ آخر من الزوج لم ينفه فمات أحد التوأمين فميراث توأمه منه كميراث الآخر في قول الجمهور وقال مالك يرثه توأمه كميراث أخ لأبوين لأنه أخوه لأبويه بدليل أن

الزوج لو أقر بأحدهما لحقه الآخر وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشافعي ولنا أنهما توأمان لم يثبت لهما أب ينتسبان إليه فأشبها توأمي الزانية ولا خلاف في توأمي الزانية وفارق هذا ما إذا استلحق أحدهما لأنه ثبت باستلحاقه أنه أبوهما (فصل) قولهم أن الأم عصبة ولدها أو أن عصبتها عصبته إنما هو في الميراث خاصة كقولنا في الأخوات مع البنات. فعلى هذا لا يعقلون عنه ولا تثبت لهم ولاية التزويج ولا غيره هذا قول الأكثرين وقد روي عن علي رضي الله عنه أنه قال لأولياء المرجومة في ولدها هذا ابنكم ترثونه ولا يرثكم وإن جنى فعليكم وروى هذا عن عبد الله وإبراهيم ولنا أنهم إنما ينتسبون إليه بقرابة الأم فلم يعقلوا عنه ولم تثبت لهم ولاية التزويج كما لو علم أبوه ولا يلزم من التعصيب في الميراث التعصيب في العقل والتزويج بدليل الأخوات مع البنات، فأما إن أعتق ابن الملاعنة عبداً ثم مات ثم مات المولى وخلف أم مولاه وأخا مولاه احتمل أن يثبت لهما الارث بالولاء لأن التعصيب ثابت وحكي ذلك عن أبي يوسف، وهل يكون للأم أو للأخ؟ على الروايتين، ويحتمل أن لا يثبت لهما ميراث لأن النساء لا يرثن من الولاء إلا ما أعتقن أو أعتق من اعتقن فكذلك من يدلي بهن وما ذكرناه للاحتمال الأول يبطل بالأخوات مع البنات ومن عصبهن أخوهن من الإناث (مسألة) (واذا مات ابن الملاعن وخلف أمه وجدته فلأمه الثلث والباقي للجدة على إحدى

الروايتين وهذه جدة ورثت مع أم أكثر منها) إذا مات ابن ابن الملاعنة وخلف أمه وأم أبيه فلأمه الثلث والباقي لها بالرد وهذا قول علي وعلى الرواية الأخرى الباقي لأم أبيه لأنها عصبة أبيه وهذا قول ابن مسعود، ويعايابها فيقال: جدة ورثت مع أم أكثر منها وإن خلف جدتيه فالمال بينهما بالفرض والرد على قول علي وفي قول ابن مسعود لهما السدس فرضا بينهما وباقي المال لأم أبيه: أم أم وخال أب، لأم الأم السدس وفي الباقي قولان (أحدهما) أنه لها بالرد (والثاني) لخال الأب وفي قول علي الكل للجدة: خال وعم وخال اب وابوام أب المال للعم لأنه ابن الملاعنة فإن لم يكن عم فلأبي أم الأب لأنه أبوها فإن لم يكن فلخال الأب فإن لم يكن فللخال لأنه ذو رحمه: بنت وعم للبنت النصف والباقي للعم وفي قول علي الكل للبنت لأنه يقدم الرد على توريث عصبة أمه: بنت وأم وخال المال بين البنت والأم على أربعة بالفرض والرد ولا شئ للخال لأنه ليس بعصبة الملاعنة، ولو كان بدل الخال خال أب كان الباقي له لأنه عصبة الملاعنة، فأما ابن ابن ابن الملاعنة فإذا خلف عمه وعم أبيه فالمال لعمه لأنه عصبته وهذا ينبغي أن يكون إجماعا، وقد قال بعض الناس يحتمل أن يكون عم الأب أولى لأنه ابن الملاعنة وهذا غلط بين لأن العصبات إنما يعتبر أقربهم من الميت لا من آبائه، وإن خلف ثلاث جدات متحاذيات فالسدس بينهن والباقي يرد عليهن في إحدى الروايتين وهو قول علي وفي الثانية لأم أبي أبيه وهو قول ابن مسعود وإن خلف انه وجدته وجدة أبيه فلأمه الثلث

مسألة: وإذا مات ابن الملاعن وخلف أمه وجدته فلأمه الثلث والباقي للجدة على إحدى الروايتين، وهذه جدة ورثت مع أم أكثر منها

ولا شئ لجدته وفي الباقي روايتان (إحداهما) يرد على الأم (والثانية) لجدة أبيه، وإن خلف خاله وخال أبيه وخال جده فالمال لحال جده فإن لم يكن فلخاله ولا شئ لخال أبيه، فأما ولد بنت الملاعنة فليست الملاعنة عصبة لهم في قول الجميع لأن لهم نسباً معروفاً من جهة أبيهم وهو زوج بنت الملاعنة ولو أعتقت بنت الملاعنة عبداً ثم مات المولى وخلفت أم مولاته ورثة مال المولى لأنها عصبة لبنتها والبنت عصبة لمولاها في أحد الوجهين وقد ذكرناهما في ابن الملاعنة (فصل) والحكم في ميراث ولد الزنا في جميع ما ذكرنا كالحكم في ولد الملاعنة على ذكرنا من الأقوال والاختلاف إلا أن الحسن بن صالح قال عصبة ولد الزنا سائر المسلمين لأن أمه ليست فراشاً بخلاف ولد الملاعنة، والجمهور على التسوية بينهما لانقطاع نسب كل واحد منهما من أبيه إلا أن ولد الملاعنة يلحق الملاعن إذا استلحقه وولد الزنا لا يلحق الزاني في قول الجمهور، وقال الحسن وابن سيرين يلحق الواطئ إذا أقيم عليه الحد ويرثه وقال إبراهيم يلحقه إذا جلد الحد أو ملك الموطوءة وقال إسحاق يلحقه وذكر عن عروة وسليمان بن يسار نحوه وروى علي بن عاصم عن أبي حنيفة أنه قال لا أرى بأساً إذا زنى الرجل بالمرأة فحملت منه أن يتزوجها مع حملها ويستر عليها والولد والد له وأجمعوا على أنه إذا ولد على فراش رجل فادعاه أنه لا يلحقه وإنما الخلاف فيما إذا ولد على غير فراش ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (الولد للفراش وللعاهر الحجر) ولأنه لا يلحق به إذا لم يستلحقه

فلم يلحق به بحال كما لو كانت أمه فراشاً أو كما لو لم يجلد الحد عند من اعتبره والله أعلم (فصل) قال رحمه الله (وللجدات السدس واحدة كانت أو أكثر إذا تحاذين) قال إبن المنذر أجمع أهل العلم على أن للجدة السدس إذا لم تكن أم للميت وحكى غيره رواية شاذة عن ابن عباس أنها بمنزلة الأم لأنها تدلي بها فقامت مقامها عند عدمها كالجد يقوم مقام الأب ولنا ما روى قبيصة بن ذؤيب قال جاءت الجدة إلى أبي بكر تطلب ميراثها فقال مالك في كتاب الله شئ وما أعلم لك في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن شيئا ارجعي حتى أسأل الناس فقال المغيرة بن شعبة حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاها السدس فقال هل معك غيرك؟ فشهد له محمد ابن مسلمة فامضاه لها ابو بكر رضي الله عنه، فلما كان عمر رضي الله عنه جاءت الجدة الأخرى فقال مالك في كتاب الله شئ وما كان القضاء الذي قضى به إلا في غيرك وما أنا بزائد في الفرائض شيئاً ولكن هو ذاك السدس فإن اجتمعتما فهو لكما وأيكما خلت به فهو لها، رواه مالك في الموطأ والترمذي وقال حديث حسن صحيح، وأما الجد فلا يقوم مقام الأب في جميع أحواله على ما ذكرناه وأجمع أهل العلم على أن الأم تحجب الجدات من جميع الجهات، وعن بريدة أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل للجدة السدس إذا لم يكن دونها أم رواه أبو داود وهذا يدل على أنها لا ترث معها شيئاً، ولأن الجدة تدلي بالأم فسقطت بها كسقوط الجد بالأب وابن الابن به فأما أم الأب فإنها إنما ترث ميراث

أم لأنها أم ولذلك ترث وابنها حي ولو كان ميراثها من جهته ما ورثت مع وجوده (فصل) ولا يزيد ميراثهن على السدس فرضاً وإن كثرن أجمع على هذا أهل العلم لما روينا من الخبر فإن عمر شرك بينهما وروي ذلك عن أبي بكر رضي الله عنه فروي سعيد بإسناده عن القاسم بن محمد قال جاءت الجدتان إلى أبي بكر رضي الله عنه فأعطى أم الأم الميراث دون أم الأب فقال له عبد الرحمن بن سهل بن حارثة وكان شهد بدراً يا خليفة رسول الله أعطيت التي إن ماتت لم يرثها ومنعت التي لو ماتت ورثها فجعل أبو بكر السدس بينهما، ولأنهن ذوات عدد لا يشاركهن ذكر فاستوى كثيرهن وواحدتهن كالزوجات وإنما يشتركن في السدس إذا تحاذين لتساويهن في الدرجة (فصل) ولا خلاف بين أهل العلم في توريث جدتين أم الأم وأم الأب وكذلك إن علتا وكانتا في القرب سواء كأم أم أم وأم أم أب وحكي عن داود أنه لا يورث أم أم الأب شيئاً لأنه لا يرثها فلا ترثه ولأنها غير مذكورة في الخبر ولنا ما روى سعيد عن ابن عيينة عن منصور عن إبراهيم أن النبي صلى الله عليه وسلم ورث ثلاث جدات ثنتين من قبل الأب وواحدة من قبل الأم وأخرجه أبو عبيد والدارقطني ومن ضرورته أن تكون منهن أم أم الأب أو من هي أعلى منها، وما ذكره داود فهو قياس وهو لا يقول بالقياس ثم هو باطل بأم الأم فإنها ترثه ولا يرثها وقوله ليست مذكورة في الخبر قلنا وكذلك أم أم الأم. واختلفوا

في توريث ما زاد على الجدتين فذهب أبو عبد الله إلى توريث ثلاث جدات من غير زيادة عليهن روى ذلك عن علي وزيد بن ثابت وابن مسعود رضي الله عنه وروى نحوه عن مسروق والحسن وقتادة وبه قال الأوزاعي واسحاق وروي عن سعد بن أبي وقاص ما يدل على أنه لا يورث أكثر من جدتين وحكي أيضاً عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وسليمان بن يسار وطلحة بن عبيد الله ابن عوف وربيعة وابن هرمز ومالك وابن أبي ذئب وأبي ثور وداود وقاله الشافعي في القديم وحكي عن الزهري أنه قال لا نعلم ورث في الاسلام الا جدتين، وحكي عن سعد بن أبي وقاص أنه أوتر بركعة فعابه ابن مسعود فقال سعد أتعيبني وأنت تورث ثلاث جدات وروي عن ابن عباس أنه ورث الجدات وإن كثرن إذا كن في درجة واحدة إلا من أدلت بأب غير وارث كأم أبي الأم قال ابن سراقة وبهذا قال عامة الصحابة إلا شاذاً وإليه ذهب الحسن وابن سيرين والثوري وأبو حنيفة وأصحابه وهو رواية المزني عن الشافعي وهو ظاهر كلام الخرقي فإنه سمى ثلاث جدات متحاذيات ثم قال وإن كثرن فعلى ذلك ويحتمل قول الخرقي وأن كثرن لا يرث إلا ثلاث جدات وهن المتحاذيات المذكورات بعد كما روي عن أحمد رحمه الله. واحتجوا بأن الزائدة جدة أدلت بوارث فوجب أن ترث كإحدى الثلاث. ولنا حديث سعيد الذي ذكرناه وروى سعيد أيضاً عن إبراهيم أنهم كانوا يورثون من الجدات

ثلاثة ثنتين من قبل الأب وواحدة من قبل الأم وهذا يدل على التحديد بثلاث وأنه لا يرث أكثر منهن (مسألة) (فإن كان بعضهن أقرب من بعض فالميراث لأقربهن وعنه أن القربى من جهة الأب لا تحجب البعدى من جهة الأم) أما إذا كانت إحدى الجدتين أم الأخرى فلا خلاف بين أهل العلم في أن الميراث للقربى وتسقط البعدى بها، وإن كانتا من جهتين والقربى من جهة الأم فالميراث لها وتحجب البعدى في قول عامتهم إلا ما روي عن ابن مسعود ويحيى بن آدم وشريك أن الميراث بينهما وعن ابن مسعود أن كاننا من جهتين فهما سواء وإن كانتا من جهة واحدة فهو للقربى يريد أن الجدتين إذا كانتا من جهة الأب إحداهما أم الأب والأخرى أم الجد سقطت أم الجد بأم الأب وسائر أهل العلم على أن القربى من جهة الأم تحجب البعدى من جهة الأب، فأما القربى من جهة الأب فهل تحجب البعدى من جهة الأم؟ فيه روايتان (إحداهما) أنها تحجبها ويكون الميراث للقربى وهذا قول علي عليه السلام وإحدى الروايتين عن زيد وبه قول أبو حنيفة وأصحابه وهو قول أهل العراق وهو قول الشافعي (والرواية الثانية) هو بينهما وهي الرواية الثابتة عن زيد وبه قال مالك والاوزاعي وهو أحد قولي الشافعي لأن الأب الذي تدلي به الجدة لا يحجب الجدة من قبل الأم فالتي تدلي به أولى أن لا يحجبها وبهذا فارقتها القربى من قبل الأم فإنها تدلي بالأم وهي تحجب جميع الجدات ولنا أنها جدة قربى فتحجب البعدى كالتي من قبل الأم ولأن الجدات أمهات يرثن ميراثاً واحداً

مسألة: فإن كان بعضهن أقرب من بعض فالميراث لأقربهن، وعنه أن القربى من جهة الأب لا تحجب البعدى من جهة الأم

من جهة واحدة فإذا اجتمعن فالميراث لأقربهن كالآباء والأبناء والأخوة وكل قبيل إذا اجتموا فالميراث للأقرب وقولهم أن الأب لا يسقطها قلنا لأنهن لا يرثن ميراثه وإنما يرثن ميراث الأمهات لكونهن أمهات ولذلك أسقطتهن الأم والله أعلم (مسائل) (من ذلك أم أم وأم أم أب فالمال للأولى إلا في قول ابن مسعود هو بينهما، أم أب وأم أم أم المال للأخرى في إحدى الروايتين وهو قول الخرقي وفي الأخرى هو بينهما، أم أب وأم أم وأم جد المال للأوليين في قول الجميع إلا شريك ومن وافقه هو بينهن أم أب وأم أم وأم أم أم وأم أبي أب هو للأوليين في قول الجميع (مسألة) (ولا يرث أكثر من ثلاث جدات أم الأم وأم الأب وأم الجد ومن كان من أمهاتهن وإن علت درجتهن) فلهن السدس إذا تحاذين في الدرجة لما روى سعيد بإسناده عن إبراهيم أن النبي صلى الله عليه وسلم ورث ثلاث جدات ثنتين من قبل الأب وواحدة من قبل الأم وقال إبراهيم كانوا يورثون ثلاث جدات وهذا يدل على أنه لا يرث أكثر من ثلاث وفي ذلك اختلاف ذكرناه فأما أم أبي الأم فلا ترث لأنها تدلي بغير وارث وكذلك كل جدة تدلي بغير وارث وهذا إجماع من أهل العلم إلا ما حكي عن بن عباس وجابر بن زيد ومجاهد وابن سيرين أنهم قالوا ترث وهو قول شاذ لا نعلم اليوم به قائلاً لأنها تدلي بغير وارث فلم ترث كالأجانب وأما أم أبي الجد ومن أدلت بأكثر من ثلاثة آباء وهؤلاء الجدات المختلف فيهن وقد ذكرنا ذلك

مسألة: ولا يرث أكثر من ثلاث جدات أم الأم وأم الأب وأم الجد ومن كان من أمهاتهن وإن علت درجتهن

(أمثلة ذلك) ذلك أم أم، وأم أب السدس بينهما إجماعاً) أم أم أم، وأم أم أب وأم أبي أب وأم أبي أم السدس للثلاث الأول إلا عند مالك وموافقيه فإنه للأوليين، وعند داود هو للأولى وحدها ولا ترث الرابعة إلا في القول الشاذ عن ابن عباس وموافقيه، أم أم أم أم، وأم أم أم أب، وأم أم أبي أب، وأم أبي أبي أب، وأم أم أبي أم وأم أبي أم أم، وأم أبي أبي أم، وأم أبي أم أب، السدس للأولى عند داود، وللأوليين عند مالك وموافقيه، وللثلاث الأول عند أحمد وموافقيه، وللأربع الأول عند أبي حنيفة وموافقيه وتسقط الابع الباقيات إلا في الرواية الشاذة، وفي الجملة لا يرث من قبل الأم إلا واحدة، ولا من قبل الأب إلا اثنتان، وهما اللتان جاء ذكرهما في الخبر إلا عند أبي حنيفة وموافقيه فإنهما كلما علون درجة ازداد في عددهن من قبل الأب واحدة. (مسألة) (والجدات المتحاذيات أم أم أم، وأم أم أب، وأم أبي أب، وإن كثرن فعلى ذلك) يعني بالتحاذيات المتساويات في الدرجة بحيث لا تكون واحدة أعلى من الأخرى ولا أنزل منها لأن الجدات إنما يرثن كلهن إذا كن في درجة واحدة ومتى كان بعضهن أقرب من بعض فالميراث لأقربهن، وفيه اختلاف ذكرناه فإذا قيل نزل جدتين وارثتين على أقرب المنازل فهما أم أم، وأم أب، وإن قيل نزل ثلاثاً فهن أم أم أم، وأم أم أب، وأم أبي أب، واحدة من قبل الأم واثنتان من قبل الأب وفي درجتهما أخرى من قبل الأم غير وارثة وهي أم أبي أم ولا يرث أبداً من قبل الأم إلا

مسألة: والجدات المتحاذيات أم أم أم وأم أم أب وأم أبي أب، وإن كثرن فعلى ذلك

واحدة وهي التي كل نسبها أمهات لا أب فيهن فاحفظ ذلك فإن قيل نزل أربعاً فهن أم أم أم أم، وأم أم أم أب، وأم أم أبي أب، وفي درجتهن أربع غير وارثات، وقد ذكرناهن فيما قبل إلا أن أحمد لا يورث أكثر من ثلاث جدات وهن الثلاث الأول، ومن قال بتوريث زيادة على الثلاث ورث في الدرجة الرابعة أربعاً، وفي الخامسة خمساً، وفي السادسة ستاً، وهو قول أبي حنيفة وموافقيه، فإذا أردت تنزيل الجدات الوارثات وغيرهن فاعلم أن للميت في الدرجة الأولى جدتين: أم أمه، وأم أبيه، وفي الثانية أربع لأن لكل واحد من أبويه جدتين فهما أربع بالنسبة إليه. وفي الثالثة ثمان لأن لكل واحد من أبويه أربعاً على هذا الوجه يكون لولدهما ثمان وعلى هذا كلما علون تضاعف عددهن ولا يرث منهن عند أحمد إلا ثلاث. (مسألة) (وترث الجدة وابنها حي وعنه لا ترث) وجملته أن الجدة من قبل الأب إذا كان ابنها حياً وارثاً فإن عمر وابن مسعود وأبا موسى وعمران ابن حصين وأبا الطفيل رضي الله عنهم ورثوها مع ابنها، وبه قال شريح والحسن وابن سيرين وجابر ابن زيد والعنبري وإسحاق وابن المنذر، وهو ظاهر مذهب أحمد وقال زيد بن ثابت لا ترث وروي ذلك عن عثمان وعلي رضي الله عنهما، وبه قال مالك والثوري والاوزاعي وسعيد بن عبد العزيز والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي، وهو رواية عن احمد رواه عنه جماعة من أصحابه ولا خلاف في توريثها مع ابنها إذا كان عماً أو عم أب لأنها لا تدلي به واحتج من أسقطها بابنها بأنها تدلي به ولا ترث معه كالجد مع الأب وأم الأم مع الأم

مسألة: وترث الجدة وابنها حي وعنه لا ترث

ولنا ما روى ابن مسعود رضي الله عنه قال أول جدة أطعمها رسول الله صلى الله عليه وسلم السدس أم أب مع ابنها وابنها حي، أخرجه الترمذي ورواه سعيد بن منصور إلا أن لفظه أطعمت السدس أم أب مع ابنها وقال ابن سيرين أول جدة أطعمها رسول الله صلى الله عليه وسلم السدس أم أب مع ابنها ولأن الجدات أمهات يرثن ميراث الأم لا ميراث الأب فلا يحجبن به كأمهات الأم (مسائل) (أم أب وأب السدس لها والباقي للأب وعلى القول الآخر الكل له دونها) أم أم وأم أب السدس بينهما على القول الأول وعلى الثاني السدس لأم الأم والباقي للأب وقيل لأم الأم نصف السدس والباقي للأب لأن الأب لو عدم لم يكن لأم الأم إلا نصف السدس فلا يكون لها مع وجوده إلا ما يكون لها مع عدمه والأول أصح لأن الأخوة مع الأبوين يحجبون الأم عن نصف ميراثها ولا يأخذون ما حجبوها عنه بل يتوفر ذلك على الأب كذا ههنا ثلاث جدات متحاذيات وأب السدس بينهن على القول الأول ولأم الأم على القول الثاني وعلى الثالث لأم الأم ثلث السدس والباقي للأب فإن كان مع المتحاذيات جد لم يحجب إلا مع أب، وأم أب، وأم أم أم السدس لأم الأب ومن حجب الجدة بابنها أسقط أم الأب ثم اختلف القائلون بذلك فقيل السدس كله لأم أم الأم لأن التي تحجبها أو تزاحمها قد سقط حكمها فصارت كالمعدومة وقيل بل لها نصف السدس على قول زيد لأنه

يورث البعدى من جهة الأم مع القربى من جهة الأب فكان لها نصف السدس وقيل لا شئ لها لأنها انحجبت بأم الأب ثم انحجبت أم الأب بالأب فصار المال كله للأب. (مسألة) (فان اجتمعت جدة ذات قرابتين مع أخرى فقياس قول أحمد أن السدس بينهما أثلاثاً لذات القرابتين ثلثاه وللأخرى ثلثه) كذلك قال أبو الحسن التميمي وابو عبد الله الوني ولعلهما أخذا ذلك من قوله في توريث المجوس بجميع قراباتهم وهذا قول يحيى بن آدم والحسن بن صالح ومحمد ابن الحسن والحسن بن زياد وزفر وشريك وقال الثوري والشافعي وأبو يوسف السدس بينهما نصفين وهو قياس قول مالك لأن القرابتين اذا كانا من جهة واحدة لم ترث بهما جميعاً كالأخ من الأب والأم ولنا أنها شخص ذو قرابتين ترث بكل واحدة منهما منفردة لا ترجح بهما على غيرها فوجب أن ترث بكل واحد منهما كابن العم اذا كان أخاً لأم أو زوجاً وفارق الأخ من الأبوين فإنه يرجح بقرابتيه على الأخ من الأب ولا يجمع بالترجيح بين القرابة الزائدة والتوريث بهما فإذا وجد أحدهما انتفى الآخر ولا ينبغي أن يخل بهما جميعا بل إذا انتفى احدهما وجد الآخر وههنا قد انتفى الترجيح فيثبت التوريث وصورة ذلك أن يتزوج ابن ابن المرأة بنت بنتها فيولد لهما ولد فتكون المرأة أم أم أمه وهي أم أبي أبيه وان يتزوج ابن بنتها بنت بنتها فهي أم أم أمه أو أم أم أبيه فإن أدلت الجدة بثلاث

مسألة: فإن اجتمعت جدة ذات قرابتين مع أخرى، فقياس قول أحمد أن السدس بينهما أثلاثا لذات القرابتين ثلثاه وللأخرى ثلثه

جهات ترث بها لم يمكن أن يجمع معها جدة أخرى وارثة عند من لا يورث أكثر من ثلاث. (فصل) قال رحمه الله (وللبنت الواحدة النصف) لا خلاف في ذلك بين علماء المسلمين لقول الله تعالى فإن كانت واحدة فلها النصف ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في بنت وبنت ابن وأخت أن للبنت النصف ولبنت الابن السدس وما بقي فللأخت وإن كانتا ابنتين فصاعدا فلهما الثلثان، أجمع أهل العلم على أن فرض البنتين الثلثان إلا رواية شذت عن ابن عباس أن فرضهما النصف لقول الله تعالى (فان كن نسا فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك) فمفهومه أن ما دون الثلث ليس لهما الثلثان والصحيح قول الجماعة فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأخي سعد بن الربيع " أعط ابنتي سعد الثلثين " وقال الله تعالى في الأخوات (فإن كانتا ثنتين فلهما الثلثان مما ترك وهذا تنبيه على أن للبنتين الثلثين لأنهما أقرب ولأن كل من يرث منهم الواحد النصف فللإثنين منهما الثلثان كالأختين من الأبوين أو من الأب وكل عدد يختلف فرض أحدهم وجماعتهم فللاثنين منهم مثل فرض الجماعة كولد الأم فأما الثلاث من البنات فما زاد فلا خلاف في أن فرضهن الثلثان وأنه ثابت بقول الله تعالى (فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك) واختلفت فيما ثبت به فرض الاثنتين فقيل بهذه الآية والتقدير فإن كن اثنتين وفوق صلة كقوله تعالى (فاضربوا فوق الأعناق) أي اضربوا الأعناق وقيل معناه فإن كن نساء اثنتين فما فوق وقد دل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم حين نزلت هذه الآية لأجل

سعد بن الربيع " أعط ابنتي سعد الثلثين " وهذا من النبي صلى الله عليه وسلم تفسير للآية وبيان لمعناها والفظ إذا فسر كان الحكم ثابتاً بالمفسر لا بالتفسير ويدل على ذلك أيضاً أن سبب نزول الآية قصة ابنتي سعد بن الربيع وسؤال أمهما عن شأنهما في ميراث أبيهما وقيل ثبت بهذه السنة الثابتة وقيل بل ثبت بالتنبيه الذي ذكرناه وقيل بل ثبت بالإجماع وقيل بالقياس وفي الجملة فهذا حكم قد أجمع عليه وتواترت عليه الأدلة التي ذكرناها فلا يضرنا أيها أثبته (مسألة) (وبنات الابن بمنزلة البنات إذا لم يكن بنات) أجمع أهل العلم على أن بنات الابن بمنزلة البناث عند عدمهن في ارثهن وحجبهن لمن يحجبه البنات وفي جعل الأخوات معهن عصبات إلا ما روي عن ابن عباس أنه كان لا يورث الاخوت مع البنات وفي أنهن إذا استكملن الثلثين سقط من أسفل منهن من بنات ابن الابن وغير ذلك والأصل في ذلك قول الله تعالى (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف) وولد البنين أولاد لقوله تعالى (يا بني آدم) يخاطب بذلك أمة محمد صلى الله عليه وسلم وقال (يا بني إسرائيل) يخاطب بذلك من في عصر النبي صلى الله عليه وسلم منهم. وقال الشاعر: بنونا بنو أبنائنا وبناتنا * * * * بنوهن أبناء الرجال الأجانب

مسألة: وبنات الابن بمنزلة البنات إذا لم يكن بنات

(مسألة) (فإن كانت بنت وبنات ابن فللبنت النصف ولبنات الابن واحدة كانت أو أكثر من ذلك السدس تكملة الثلثين إلا أن يكون معهن ذكر فيعصبهن فيما بقي للذكر مثل حظ الأنثيين) أما استحقاق البنت الواحدة النصف فلا خلاف فيه، وقد ذكرناه فإن كان معها بنت ابن أو أكثر فلها النصف ولبنات الابن السدس تكملة الثلثين وهذا مجمع عليه أيضاً، وقد دل عليه قوله تعالى (فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف) ففرض للبنات كلهن الثلثين وبنات الصلب وبنات الابن كلهن نساء من الأولاد فكان لهن الثلثان بفرض الكتاب لا يزدن عليه واختصت بنت الصلب بالنصف لأنه مفروض لها والاسم يتناولها حقيقة فبقي السدس لبنات الابن وهو تمام الثلثين ولهذا قال الفقهاء لهن السدس تكملة الثلثين قد روى هزيل بن شرحبيل الأودي قال سئل أبو موسى عن ابنة وابنة ابن وأخت فقال للابنة النصف وما بقي فللأخت فأتى ابن مسعود فأخبره بقول أبي موسى فقال لقد ضللت إذا وما أنا من المهتدين ولكن أقضي فيها بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم للابنة النصف ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين وما بقي فللأخت فأتينا أبا موسى فأخبرناه بقول ابن مسعود فقال لا تسألوني عن شئ مادام هذا الحبر فيكم متفق عليه بنحو هذا المعنى (فصل) فإذا كان مع بنات الابن ذكر في درجتهن فإنه يعصبهن فيما بقي للذكر مثل حظ الأنثيين

مسألة: فإن كانت بنت وبنات ابن، فللبنت النصف ولبنات الابن واحدة كانت أو أكثر من ذلك السدس تكملة الثلثين، إلا أن يكون معهن ذكر فيعصبهن فيما بقي للذكر مثل حظ الأنثيين

في قول جمهور الفقهاء من الصحابة ومن بعدهم إلا ابن مسعود ومن تابعه فإنه خالف الصحابة فيها وهذه المسألة انفرد بها عن الصحابة فقال لبنات الابن الا ضربهن من المقاسمة أو السدس فإن كان السدس أقل مما يحصل لهن بالمقاسمة فرضه لهن وأعطى الباقي للذكر، وإن كان الحاصل لهن بالمقاسمة أقل قاسم بهن وبنى ذلك على أصله في أن بنت الابن لا يعصبها أخوها إذا استكمل البنات الثلثين إلا أنه ناقص في المقاسمة إذا كانت أضر بهن وكان ينبغي أن يعطيهن السدس على كل حال ولنا قول الله تعالى (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) ولأنه يقاسمهما لو لم يكن غيرهما فقاسمهما مع بنت الصلب كما لو كانت المقاسمة أضربهن ولا يصح أصله الذي بنى عليه كما قدمنا (مسألة) (وإن استكمل البنات الثلثين سقط بنات الابن إلا أن يكون معهن أو أنزل منهن ذكر فيعصبهن فيما بقي) أجمع أهل العلم على ذلك لأن الله تعالى لم يفرض للأولاد إذا كانوا نساء إلا الثلثين قليلات كن أو كثيرات وهؤلاء لم يخرجن عن كونهن نساء من الأولاد وقد ذهب الثلثان لولد الصلب فلم يبق لهن شئ ولا يمكن أن يشاركن بنات الصلب لأنهن دون درجتهن فإن كان مع بنات الابن ابن في درجتهن كأخيهن أو ابن عمهن أو أنزل منهن كابن أخيهن أو ابن ابن عمهن أو ابن ابن ابن عمهن عصبهن في الباقي فجعل بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين وهذا قول عامة العلماء يروي ذلك عن علي وزيد وعائشة

مسألة: وإن استكمل البنات الثلثين سقط بنات الابن، إلا أن يكون معهن أو أنزل منهن ذكر فيعصبهن فيما بقي

رضي الله عنهم، وبه قال مالك والثوري والشافعي واسحاق وأصحاب الرأي وبه قال سائر الفقهاء إلا ابن مسعود ومن تبعه فإنه خالف الصحابة في ست مسائل من الفرائض هذه احداهن فجعل الباقي للذكر دون أخواته وهو قول أبي ثور لأن النساء من الأولاد لا يرثن أكثر من الثلثين بدليل ما لو انفردن وتوريثهن ههنا يفضي إلى توريثهن أكثر من ذلك ولنا قول الله تعالى (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) وهؤلاء يدخلون في عموم هذا اللفظ بدليل تناوله لهم لو لم يكن بنات وعدم البنات لا يوجب لهم هذا الاسم ولأن كل ذكر وأنثى يقتسمان المال إذا لم يكن معهم ذو فرض يجب أن يقتسما الفاضل عنه كأولاد الصلب والاخوة مع الأخوات وما ذكروه فهو في الاستحقاق للفرض فأما في مسئلتنا فإنما يستحقون بالتعصيب فكان معتبراً بأولاد الصلب والاخوة والأخوات ثم يبطل ما ذكروه بما إذا خلف ابنا وست بنات فانهن يأخذن ثلاثة أرباع المال، وإن كن ثمانياً أخذن أربعة أخماسه وإن كن عشراً أخذت خمسة أسداسه وكلما زدن في العدد زاد استحقاقهن (فصل) وحكم بنات ابن الابن مع بنات الابن حكم بنات الابن مع بنات الصلب في جميع ما ذكرنا في هاتين المسئلتين وفي أنه متى استكمل من فوق السفلى الثلثين سقطت إذا لم يكن لها من يعصبها سواء كمل الثلثان لمن في درجة واحدة أو للعليا والتي تليها، وكذلك كل من نزلت درجته مع من هو أعلى منه. (فصل) وفروض الأخوات من الأبوين كفرض البنات سواء إلا أنه لا يعصبهن إلا أخوهن

يعني أن للواحدة من الأخوات للأبوين النصف وللأختين فما زاد الثلثان، فإن كانت الأخت لأبوين وأخت أو أخوات لأب فلهن باقي الثلثين وذلك السدس تكملة الثلثين كبنات الابن مع البنات فيما ذكرنا، وإن لم يكن للميت أخوات لأبوين وكان له أخوات لأب فلهن حكمهن للواحدة النصف وللأختين فما زاد الثلثان وهذا لا خلاف فيه بين أهل العلم، فإن استكمل الأخوات للأبوين الثلثين سقط الأخوات للأب إلا أن يكون معهن أخوهن فيعصبهن فيما بقي للذكر مثل حظ الأنثيين وخالف ابن مسعود في ذلك ومن تبعه من سائر الصحابة والفقهاء فقال إذا استكمل الأخوات للأبوين الثلثين فالباقي للذكور من ولد الأب دون الإناث فإن كانت أخت لأبوين واخوة وأخوات لأب جعل للإناث من ولد الاب الا ضربهن من المقاسمة أو السدس وجعل الباقي للذكور كما فعل في ولد الابن مع البنات وقد ذكرناه وأما فرض الثلثين للأختين فصاعدا والنصف للواحدة المفردة فثابت بقول الله تعالى (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك) وهو يرثها إن لم يكن لها ولد فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك) والمراد بهذه الآية ولد الأبوين وولد الأب بإجماع أهل العلم، وعن جابر قال: قالت يا رسول الله كيف أصنع في مالي ولي أخوات؟ قال فنزلت آية الميراث (يستفتونك قل الله يفتيكم) الآية رواه أبو داود وروي أن جابراً اشتكى وعنده سبع أخوات فقال النبي صلى الله عليه وسلم " قد أنزل الله عزوجل في أخواتك فبين لهن الثلثين وما زاد على الاثنتين في حكمهما " لأنه إذا كان للأختين الثلثان فالثلاث أختان فصاعدا وأما سقوط الأخوات من الأب باستكمال ولد الأبوين الثلثين فلأن الله تعالى إنما فرض للأخوات الثلثين فإذا أخذه ولد الأبوين لم يبق مما فرضه

الله للاخوات شئ يستحقه ولد الأب فإن كانت واحدة من أبوين فلها النصف بنص الكتاب وما بقي من الثلثين المفروضة للأخوات سدس يكمل به الثلثان فيكون للأخوات للأب ولذلك قال الفقهاء لهن السدس تكملة الثلثين فإن كان ولد الأب ذكوراً وإناثاً فالباقي بينهم لقول الله تعالى (وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين) ولا يفارق ولد الأب مع ولد الأبوين ولد الابن مع ولد الصلب إلا في أن بنت الابن يعصبها ابن أخيها وهو أنزل منها وابن عمها والأخت من الأب لا يعصبها إلا أخوها فلو استكمل الأخوات من الابوين اثنتين وثم الأخوات لأب وابن أخ لهن لم يكن للأخوات للاب شئ وكان الباقي لابن الأخ لأن ابن الابن وإن نزل ابن وابن الأخ ليس بأخ (مسألة) (والأخوات مع البنات عصبة يرثن ما فضل كالأخوة وليست لهن معهن فريضة مسماة) المراد بالأخوات ههنا الأخوات من الأبوين أو من الأب لأن ولد الأم يسقطن بالولد وولد الابن وسنذكر ذلك إن شاء الله تعالى وهذا قول عامة أهل العلم يروي ذلك عن عمر وعلي وزيد وابن مسعود ومعاذ وعائشة رضي الله عنهم وإليه ذهب عامة الفقهاء إلا ابن عباس ومن تابعه فإنه روي عنه أنه لا يجعل الأخوات مع البنات عصبة وقال في بنت وأخت للبنت النصف ولا شئ للأخت فقيل له ان عمر قضى بخلاف ذلك جعل للأخت النصف فقال ابن عباس أنتم أعلم أم الله؟ يريد قوله سبحانه وتعالى (إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك) فإنما جعل لها الميراث بشرط عدم الولد والحق فيما ذهب إليه الجمهور فإن ابن مسعود قال في بنت وبنت ابن وأخت لأقضين فيها بقضاء

مسألة: والأخوات مع البنات عصبة يرثن ما فضل كالأخوة، وليست لهن معهن فريضة مسماة

رسول الله صلى الله عليه وسلم للبنت النصف ولبنت الابن السدس وما بقي فللأخت رواه البخاري وغيره واحتجاج ابن عباس لا يدل على ما ذهب إليه بل يدل على أن الأخت لا يفرض لها النصف مع الولد ونحن نقول به فان ما يأخذه مع البنت ليس بفرض وإنما هو بالتعصيب كميراث الأخ وقد وافق ابن عباس على ثبوت ميراث الأخ مع الولد مع قوله تعالى (وهو يرثها إن لم يكن لها ولد) وعلى قياس قوله ينبغي أن يسقط الأخ لاشتراطه في توريثه منها عدم الولد وهو خلاف الاجماع. ثم أن النبي صلى الله عليه وسلم هو المبين لكلام الله تعالى وقد جعل للأخت مع البنت وبنت الابن الباقي عن فرضهما وهو الثلث ولو كان ابنتان وبنت ابن سقطت بنت الابن وكان للأخت الباقي وهو الثلث فإن كان معهم أم فلها السدس ويبقى للأخت السدس فإن كان بدل الأم زوج فالمسألة من اثني عشر للزوج الربع وللبنتين الثلثان وبقي للأخت نصف السدس فإن كان معهم أم عالت إلى ثلاثة عشر وسقطت الأخت (فصل) وللواحد من ولد الأم السدس ذكراً كان أو أنثى فإن كانا اثنين فصاعداً فلهم الثلث بينهم بالسوية أما استحقاق الواحد من ولد الأم السدس فلا خلاف فيه ذكراً كان أو أنثى لقول الله تعالى (وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث) يعني ولد الأم بإجماع أهل العلم وفي قراءة سعد وعبد الله (وله أخ أو أخت من أم) وأما التسوية بين ولد الأم فلا نعلم فيه خلافاً إلا رواية شذت عن ابن عباس أنه فضل الذكر على الأنثى لقول الله (فهم شركاء في الثلث) وقال في آية أخرى (وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين) ولنا قول الله تعالى (وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس) فسوى بين الذكر والأنثى

وقوله (فهم شركاء في الثلث) من غير تفضيل يقضي التسوية بينهم كما لو وصى لهم بشئ أو أقر لهم به، وأما الآية الأخرى فالمراد بها ولد الأبوين وولد الأب بدليل أنه جعل للواحدة النصف وللاثنين الثلثين وجعل الأخ يرث أخاه الكل وهذا مجمع عليه فلا عبرة بقول شاذ (فصل) في الحجب قال رحمه الله (يسقط الجد بالأب وكل جد بمن هو أقرب منه) قال إبن المنذر أجمع أهل العلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن الجد أبا الأب لا يحجبه عن الميراث غير الأب وكذلك كل جد يسقط بمن هو أقرب منه لأنه يدلي به فهو كإسقاط الجد بالأب وتسقط الجدات بالأم. قال إبن المنذر أجمع أهل العلم على أن للجدة السدس إذا لم يكن للميت أم ولأنهن أمهات فسقطن بالأم كما يسقط الأب الجد ويسقط ولد الابن بالابن لأنه إن كان أباه فهو يدلي وإن كان عمه فهو أقرب منه فسقط به كما يسقط الجد بالأب وإن كان عمه فهو أقرب منه لقوله عليه الصلاة والسلام " ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر " (مسألة) (ويسقط ولد الأبوين بثلاثة بالابن وابنه والأب) أجمع أهل العلم على ذلك بحمد الله ذكره ابن المنذر وغيره والأصل في هذا قوله تعالى (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن

مسألة: ويسقط ولد الأبوين بثلاثة بالابن وابنه والأب

لها ولد) الآية والمراد بذلك الاخوة والأخوات من الأبوين أو من الأب بغير خلاف بين أهل العلم وقد دل ذلك على قوله تعالى (وهو يرثها إن لم يكن لها ولد) وهذا حكم العصبة فاقتضت الآية أنهم لا يرثون مع الولد والوالد لأن الكلالة من لا ولد له ولا والد خرج من ذلك البنات والأم لقيام الدليل على ميراثهم معهما بقي فيما عداهما على ظاهره فيسقط ولد الأبوين ذكرهم وأنثاهم بالثلاثة المذكورين وإن نزل ولد الابن وهم الأب لأنهم يدلون به والابن لأنهم يأخذون الفاضل عن فرض البنات والابن لا يفضل عنه شئ، وكذلك ابن الابن وإن نزل لأنه ابن ويسقط ولد الأب بهؤلاء الثلاثة وبالأخ من الأبوين لما روى علي رضي الله عنه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالدين قبل الوصية وأن أعيان بني الأم يتوارثون دون بني الغلات يرث الرجل أخاه لأبيه وأمه دون أخيه لأبيه. أخرجه الترمذي (مسألة) (ويسقط ولد الأم بأربعة بالولد ذكراً كان أو أنثى وولد الابن والأب والجد) أجمع على هذا أهل العلم فلا نعلم احدا خالف فيه إلا رواية واحدة شذت عن ابن عباس في أبوين وأخوين لأم للأم الثلث وللأخوين الثلث وقيل عنه لهما ثلث الباقي وهذا بعيد جداً فإنه يسقط الاخوة كلهم بالجد فكيف يورثهم مع الأب؟ ولا خلاف بين سائر أهل العلم في أن ولد الأم يسقطون بالجد فكيف يورثون مع الأب؟ والأصل في هذه الجملة قول الله تعالى (وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث) والمراد بهذه

مسألة: ويسقط ولد الأم بأربعة بالولد ذكرا كان أو أنثى وولد الابن والأب والجد

الآية الأخ والأخت من الأم بإجماع أهل العلم. وفي قراءة سعد بن أبي وقاص (وله أخ أو أخت من أم) والكلالة في قول الجمهور من ليس له ولد ولا والد فشرط توريثهم عدم الولد والوالد والولد يشتمل على الذكر والأنثى والوالد يشمل الأب والجد وولد الابن ولد (فصل) واختلف أهل العلم في الكلالة فقيل الكلالة اسم للورثة ما عدا الوالدين والمولودين نص عليه أحمد وروي عن أبي بكر رضي الله عنه انه قال الكلالة من عدا الوالد والولد واحتج من ذهب إلى هذا بقول الفرزدق في بني أمية: ورثتم قناة المجد لان عن كلالة * * * * عن ابني مناف عبد شمس وهاشم واشتقاقه من الاكليل الذي يحيط بالرأس ولا يعلو عليه فكان الورثة ما عدا الولد والوالد وقد أحاطوا بالميت من حوله لا من طرفيه أعلاه وأسفله كإحاطة الاكليل بالرأس فأما الولد والوالد فهما طرفا الرجل فإذا ذهبا كان بقية النسب كلالة قال الشاعر: فكيف بأطرافي إذا ما شتمتني؟ * * * * وما بعد شتم الوالدين صلوح وقالت طائفة الكلالة الميت نفسه الذي لا ولد له ولا والد يروي ذلك عن عمر وعلي وابن مسعود وقيل الكلالة قرابة الأم واحتجوا ببيت الفرزدق الذي أنشدناه عنى إنكم ورثتم الملك عن آبائكم لا عن أمهاتكم ويروى عن الزهري أنه قال الميت الذي لا ولد له ولا والد كلالة ويسمى وارثة كلالة

والآيتان في سورة النساء المراد بالكلالة فيهما الميت ولا خلاف في أن اسم الكلالة يقع على الاخوة من الجهات كلها وقد دل على صحة ذلك قول جابر يا رسول الله كيف الميراث؟ إنما يرثني كلالة فجعل الوارث هو الكلالة ولم يكن لجابر يومئذ ولد ولا والد، وممن ذهب إلى أنه يشترط في الكلالة عدم الولد والوالد زيد وابن عباس وجابر بن زيد والحسن وقتادة والنخعي وأهل المدينة والبصرة والكوفة ويروى عن ابن عباس أنه قال الكلالة من لا ولد له، ويروى ذلك عن عمر والصحيح عنهما قول الجماعة (باب العصبات) العصبة الوارث بغير تقدير وإذا كان معه ذو فرض أخذ ما فضل عنه قل أو كثر وإن انفرد أخد المال كله وإن استغرقت الفروض المال سقط، وهم كل ذكر من الأقارب ليس بينه وبين الميت أنثى وهم عشرة: الابن وابنه والاب وأبوه الاخ وابنه إلا من الأم، والعم وابنه كذلك ومولى النعمة ومولاة النعمة، وأحقهم بالميراث أقربهم ويسقط من بعد لقول النبي صلى الله عليه وسلم " ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر " متفق عليه وأخرجه الترمذي. وفي رواية " ما أبقت الفروض فلأولى رجل ذكر "

باب العصبات

وأقربهم الابن ثم ابنه وإن نزل لأن الله سبحانه قال (يوصيكم الله في أولادكم) والعرب تبدأ بالأهم فالأهم، ثم الأب لأن سائر العصبات يدلون به، ثم الجد أبو الأب وإن علا لأنه أب ما لم يكن أخوة لأب أو لأبوين فإن اجتمعوا فلهم فصل مفرد قد ذكرناه وذكرنا اختلاف أهل العلم في ذلك وفي كيفية توريثهم، معه ثم بنو الأب وهم الأخوة، ثم بنوهم وإن نزلوا، ثم بنو الجد وهم الأعمام وإن نزلوا ثم أعمام الأب ثم أبناؤهم ثم أعمام الجد ثم أبناؤهم كذلك أبداً لا يرث بنو أب أعلى مع بني أب أقرب منهم وإن نزلت درجتهم لما ذكرنا من الحديث، وأولى ولد كل أب أقربهم إليه فإن استووا فأولاهم من كان لأبوين لما ذكرنا من حديث علي رضي الله عنه وهذا كله مجمع عليه. (مسألة) (فإذا انقرض العصبة من النصب ورث المولى المعتق ثم عصباته الأقرب فالأقرب) لقوله عليه الصلاة والسلام " إنما الولاء لمن أعتق " وسنذكره في بابه إن شاء الله تعالى (مسألة) (وأربعة من الذكور يعصبون أخواتهم فيمنعونهن الفرض ويقتسمون ما ورثوا للذكر مثل حظ الأنثيين وهم الابن وابنه والأخ من الأبوين والأخ من الأب ومن عداهم من العصبات) ينفرد الذكور بالميراث دون الإناث وهم بنو الأخوة والأعمام وبنوهم وذلك لقول الله تعالى (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) فهذه الآية تناولت الأولاد وأولاد الابن وقال تعالى (فإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين) فتناولت ولد الأبوين وولد الأب

مسألة: فإذا انقرض العصبة من النسب ورث المولى المعتق، ثم عصباته الأقرب فالأقرب

وإنما اشتركوا لأن الرجال والنساء كلهم وارث فلو فرض للنساء فرض أفضى الى تفضيل الأنثى على الذكر أو مساواتها إياه أو اسقاط بالكلية فكانت المقاسمة أولى وأعدل، وسائر العصبات ليس أخواتهم من اهل الميراث فإنهن لسن بذوات فرض ولا يرثن منفردات فلا يرثن مع أخوتهن شيئاً وهذا لا خلاف فيه بحمد الله ومنه (مسألة) (وابن ابن الابن يعصب من بازائه من أخواته وبنات عمه وبنات عم أبيه على كل حال إذا لم يكن لهن فرض ويسقط من هو أنزل منه كبناته وبنات أخيه وبنات ابن عمه وكلما نزلت درجته زاد فيمن يعصبه قبيل آخر) فلو خلف الميت خمس بنات ابن بعضهن أنزل من بعض لا ذكر معهن وعصبة كان للعليا النصف وللثانية السدس وسقط سائرهن والباقي للعصبة وإن كان مع العليا أخوها أو ابن عمها فالمال بينهما على ثلاثة وسقط سائرهن، وإن كان مع الثانية عصبة كان للعليا النصف والباقي بينه وبين الثانية على ثلاثة وإن كان مع الثالثة فللعليا النصف وللثانية السدس والباقي بينه وبين الثالثة وإن كان مع الربعة فللعليا النصف وللثانية السدس والباقي بينه وبين الثالثة والرابعة على أربعة، وإن كان مع الخامسة فالباقي بعد فرض الاولى والثانية بينه وبين الثالثة والرابعة والخامسة على خمسة وتصح من ثلاثين، وإن كان أنزل من الخامسة فكذلك قال شيخنا ولا أعلم في هذا خلافاً بين القائلين بتوريث بنات الابن مع بني الابن بعد استكمال الثلثين

مسألة: وابن ابن الابن يعصب من بازائه من أخواته وبنات عمه وبنات عم أبيه على كل حال إذا لم يكن لهن فرض، ويسقط من هو أنزل منه كبناته وبنات أخيه وبنات ابن عمه، وكلما نزلت درجته زاد فيمن يعصبه قبيل الآخر

(مسألة) (ومتى كان بعض بني الأعمام زوجا أو أخا لأم أخذ فرضه وشارك الباقين في تعصيبهم) وجملة ذلك أنه إذا كان ابنا عم أحدهما أخ لأم فللأخ للأم السدس والباقي بينهما نصفين هذا قول جمهور الفقهاء. يروى عن عمر رضي الله عنه ما يدل على ذلك ويروى ذلك عن علي وزيد وابن عباس وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي ومن تبعهم، وقال ابن مسعود المال للذي هو أخ من أم، وبه قال شريح والحسن وابن سيرين وعطاء والنخعي وابو ثور لأنهما استويا في قرابة الأب وفضله هذا بأم فصارا كأخوين أو عمين أحدهما لأبوين والآخر لأب ولأن ابن العم لأبوين يسقط ابن العم للأب كذلك هذا فإذا كان قربه بكونه من ولد الجدة قدمه فكونه من ولد الأم أولى ولنا أن الإخوة من الأم يفرض له بها إذا لم يرث بالتعصيب وهو إذا كان معه أخ من أبوين أو من أب أو عم وما يفرض له به لا يرجح به كما لو كان أحدهما زوجا، ويفارق الأخ من الأبوين والعم وابن العم اذا كانا من أبوين فإنه لا يفرض له بقرابة أمه شئ فرجح به ولا يجتمع في إحدى القرابتين ترجيح وفرض (فصل) فإن كان معهما أخ لأب فللأخ من الأم السدس والباقي للأخ من الأب وكذلك إن كان معهما أخ لأبوين فإن كان ابن عم لأبوين وابن عم هو اخ لأم فعلى قول الجمهور للأخ السدس والباقي للآخر وعلى قول ابن مسعود المال كله لابن العم الذي هو أخ لأم

مسألة: ومتى كان بعض بني الأعمام زوجا أو أخا لأم أخذ فرضه وشارك الباقين في تعصيبهم

(فصل) فإن كان ابنا عم أحدهما أخ لأم وبنت أو بنت ابن فللبنت أو بنت الابن النصف والباقي بينهما نصفين وسقطت الإخوة من الأم بالبنت ولو كان الذي ليس بأخ ابن عم من أبوين أخذ الباقي كله لذلك وعلى قول ابن مسعود الباقي للأخ في المسئلتين بدليل أن الأخ من الأبوين يتقدم على الأخ من الأب بقرابة الأم، وإن كان في الفريضة بنت تحجب قرابة الأم وحكي عن سعيد بن جبير أن الباقي لابن العم الذي ليس بأخ وإن كان من أب لأنه يرث بالقرابتين ميراثاً واحداً فإذا كان في الفريضة من يحجب أحدهما سقط ميراثه كما لو استغرقت الفروض المال سقط الأخ من الأبوين ولم يرث بقرابة الأم بدليل المسألة المشركة ولنا على ابن مسعود أن الثلث يسقط الميراث بقرابة الأم فيبقى التعصيب منفرداً فيرث به وفارق ولد الأبوين فان قرابة لام ثم يرجح بها ولا يفرض لها فلا تؤثر فيها بحجبها وفي مسئلتنا يفرض له بها فإذا كان في الفريضة من يحجبها سقطت ولأنه لو كان مع ابن العم الذي هو أخ أخ من أب وبنت لحجبت البنت قرابة الأم ولم ترث بها شيئاً وكان للبنت النصف والباقي للأخ من الأب ولولا البنت لورث بكونه أخا من أم السدس وإذا حجبته البنت مع الأخ من الأب وجب أن تحجبه في كل حال لأن الحجب بها لا بالأخ من الأب وما ذكره سعيد بن جبير ينتقض بالأخ من الأبوين مع البنت وبابن العم إذا كان زوجا ومعه من يحجب بني العم، ولا نسلم أنه يرث ميراثاً واحداً بل يرث بقرابتيه ميراثين كشخصين فصار كابن العم الذي هو زوج، وفارق الأخ من الأبوين فإنه لا يرث إلا ميراثاً واحداً فإن قرابة الأم لا يرث بها منفردة

(فصل) فحصل خلاف ابن مسعود في مسائل ست هذه الواحدة (والثانية) في بنات وبنات ابن وابن ابن الباقي عنده لابن الابن دون أخواته (الثالثة) في أخوات لأبوين وأخ وأخوات لأب الباقي عنده للأخ دون أخواته (الرابعة) بنت وابن ابن وبنات ابن لبنات الابن الأضر بهن من السدس أو المقاسمة (الخامسة) أخت لأبوين وأخ وأخوات لأب للأخوات عنده الأضر بهن من ذلك (السادسة) كان يحجب الزوجين والأم بالكفار والعبيد والقاتلين ولا يورثهم (فصل) ابن ابن عم هو اخ لأم وابن ابن عم آخر للأخ السدس والباقي بينهما وعند ابن مسعود الكل للأخ وسقط الآخر فإن كان أحدهما ابن أخ لأم فلا شئ له بقرابة الأخوة لأن ابن الأخ للأم من ذوي الأرحام، وإن كان عمان أحدهما خال لأم لم يرجح بخؤولته، وقيل على قياس قول ابن مسعود وجهان (أحدهما) لا يرجح بها (والثاني) يرجح بها على العم الذي هو من أب فيأخذ المال لأنه ابن الجد والجدة والآخر ابن الجد لا غير، وإن كان العم الآخر من أبوين فالمال بينهما لأن كل واحد منهما يدلي بجده وهما ابنا الجد وهكذا القول في ابني عم أحدهما خال أو ابني ابني عم أحدهما خال فأما على قول عامة الصحابة فلا أثر لهذا عندهم (فصل) ابنا عم أحدهما زوج للزوج النصف والباقي بينهما نصفين عند الجميع فإن كان الآخر أخا لأم فللزوج النصف وللأخ السدس والباقي بينهما أصلها من ستة للزوج أربعة وللأخ اثنان

وترجع بالاختصار إلى ثلاثة وعند ابن مسعود الباقي للأخ فتكون من اثنين لكل واحد منهما سهم ثلاثة بني عم أحدهم زوج والآخر أخ لأم للزوج النصف وللأخ السدس والباقي بينهم على ثلاثة أصلها من ستة تضرب فيها الثلاثة تكن ثمانية عشر للزوج تسعة وللأخ ثلاثة يبقى ستة بينهم على ثلاثة فيحصل للزوج أحد عشر وهي النصف والتسع وللاخ خمسة وهي السدس والتسع وللثالث التسع سهمان، فإن كان الزوج ابن عم من أبوين فالباقي له، وإن كان هو والثالث من أبوين فالثلث الباقي بينهما، وتصح من ستة للزوج الثلثان ولكل واحد من الاخوين سدس وعند ابن مسعود أن الباقي بعد فرض الزوج للذي هو أخ من أم (فصل) أخوان من أم أحدهما ابن عم فالثلث بينهما والباقي لابن العم وتصح من ستة لابن العم خمسة وللآخر سهم، ولا خلاف في هذه المسألة فان كانوا ثلاثة إخوة أحدهم ابن عم فالثلث بينهم على ثلاثة والباقي لابن العم وتصح من تسعة، وإن كان اثنان منهم ابني عم فالباقي بعد الثلث بينهما وتصح من تسعة (فصل) ثلاثة إخوة لام أحدهم ابن عم وثلاثة بني عم أحدهم أخ لأم فاضمم واحداً من كل عدد إلى العدد الآخر يصر معك أربعة بني عم وأربعة اخوة فهم ستة في العدد، وفي الأحوال ثمانية ثم اجعل الثلث للاخوة على أربعة والثلثين لبني العم على أربعة فتصح من اثني عشر لكل أخ مفرد

سهم ولكل ابن عم مفرد سهمان ولكل ابن عم هو أخ ثلاثة فيحصل لهما النصف وللأربعة الباقين النصف، وعلى قول عبد الله للأخوة الثلث والباقي لابني العم الذين هما أخوان (مسألة) (وإذا اجتمع ذو فرض وعصبة بدئ بذي الفرض فأخذ فرضه وما بقي للعصبة) لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " ألحقوا الفرائض بأهلها فما أبقت الفروض فلأولى رجل ذكر " (مسألة) (وإن استغرقت الفروض المال فلا شئ للعصبة) كزوج وأم وإخوة لأم وإخوة لأبوين أو لأب فللزوج النصف وللأم السدس وللأخوة للأم الثلث وسقط سائرهم وإلى هذا ذهب أحمد رحمه الله فأسقط الأخوة من الأبوين لأنهم عصبة، وقد تم المال بالفروض ويروى هذا القول عن علي وابن مسعود وأبي بن كعب وابن عباس وأبي موسى رضي الله عنهم، وبه قال الشعبي والعنبري وشريك وأبو حنيفة وأصحابه ويحيى بن آدم ونعيم بن حماد وابو ثور وابن المنذر ويروى عن عمر وعثمان وزيد بن ثابت رضي الله عنهم أنهم شركوا بين ولد الأبوين وولد الأم في الثلث فقسموه بينهم بالسوية للذكر مثل حظ الأنثيين وبه قال مالك والشافعي وإسحاق لأنهم ساووا ولد الأم في القرابة التي يرثون بها فيجب أن يساووهم في الميراث فإنهم جميعاً من ولد الأم، وقرابتهم من جهة الأب إن لم تزدهم قرباً واستحقاقاً فلم تسقطهم، ولهذا قال بعض ولد الأبوين أو بعض الصحابة لعمر وقد أسقطهم هب أن أباهم كان حماراً فما زادهم ذلك إلا قرباً فشرك

مسألة: وإذا اجتمع ذو فرض وعصبة بدئ بذي الفرض فأخذ فرضه وما بقي للعصبة

بينهم، وحرر بعض أصحاب الشافعي فيها قياسا فقال فريضة جمعت ولد الأب والأم وولد الأم وهم من أهل الميراث فإذا ورث ولد الأم وجب أن يرث ولد الأب والأم كما لو لم يكن فيها زوج ولنا قول الله تعالى، وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث، ولا خلاف في أن المراد بهذه الآية ولد الأم على الخصوص فمن شرك بينهم فلم يعط كل واحد منهما السدس وهو مخالفة لظاهر القرآن ويلزم منه مخالفة ظاهر الآية الأخرى وهي قوله (فان كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين) يراد بهذه الآية سائر الإخوة والأخوات وهم يسوون بين ذكرهم وأنثاهم وقوله عليه الصلاة والسلام " ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر " ومن شرك فلم يلحق الفرائض بأهلها، ومن جهة المعنى أن ولد الأبوين عصبة لا فرض لهم وقد نم المال بالفروض فوجب أن يسقطوا كما لو كان مكان ولد الأم ابنتان وقد انعقد الإجماع على أنه لو كان في هذه المسألة واحد من ولد الأم ومائة من ولد الأبوين لاختص الواحد من ولد الأم بالثلث وللمائة السدس الباقي لكل واحد منهم عشر عشره فإذا جاز أن ينقص ولد أبوين عن ولد الأم هذا النقص كله فلم لا يجوز اسقاطهم بالاثنين، وقولهم تساووا في قرابة الأم قلنا فلم لم يساووهم في الميراث في هذه المسألة وعلى أنا نقول ان ساووهم في قرابة الأم فقد

فارقوهم بكونهم عصبة من غير ذوي الفروض وهذا الذي افترقوا فيه هو المقتضي لتقديم ولد الأم وتأخير ولد الأبوين فإن الشرع ورد بتقديم ذي الفرض وتأخير العصبة ولذلك يقدم ولد الأم على ولد الأبوين في المسألة المذكورة وشبهها وهلا إذا تساووا في قرابة الأم شاركوا الأخ من الأم في سدسه فاقتسموه بينهم ولأنه لو كانت قرابة الأم مستقلة بالميراث مع قرابة الأب لوجب أن يجتمع لهم الفرض والتعصيب كقولنا في أخ من أم هو ابن عم ولوجب أن يشاركوا ولد الأم في الثلث في كل موضع وينفردوا بالتعصيب فيما بقي، ولا خلاف في أنهم لا يشاركونهم في غير هذا الموضع، ويلزمهم أن ايقولوا في زوج وأخت لأبوين وأخت لأب معها أخوها إنه يسقط الأخ وترث أخته السدس لأن قرابتها مع وجوده كقرابتها مع عدمه وهو لا يحجبها فهلا عدوه حماراً وورثوا أخته ما كانت ترث عند عدمه؟ وما ذكروه من القياس طردي لا معنى تحته، قال العنبري القياس ما قال علي والاستحسان ما قال عمر قال الخبري وهذه وساطة مليحة وعبارة صحيحة وهو كمال قال ألا إن الاستحسان المجرد ليس بحجة فإنه وضع للشرع بالرأي والتحكم من غير دليل ولا يجوز الحكم به مع عدم المعارض فكيف وهو في مسئلتنا يخالف ظاهر القرآن والسنة والقياس؟ قال شيخنا ومن العجب ذهاب الشافعي إليه ههنا مع تخطئة الذاهبين إليه في غير هذا الموضع، وقوله من استحسن فقد شرع ولا أظنه اعتمد في هذا إلا لموافقة زيد بن ثابت فإنه اتبعه في جميع الفرائض وموافقة كتاب الله تعالى وسنة رسوله أولى

(فصل) ولو كان مكان ولد الأبوين في هذه المسألة عصبة من ولد الاب سقطوا ولم يورثهم أحد من أهل العلم فيما علمنا لأنهم لم يشاركوا ولد الأم في قرابة الأم (فصل) وتسمى هذه المسألة المشركة والحمارية إذا كان فيها إخوة لأبوين وكذلك كل مسألة اجتمع فيها زوج وأم أو جدة وابنان فصاعداً من ولد الأم وعصبة من ولد الأبوين وإنما سميت المشركة لأن بعض أهل العلم شرك فيها بين ولد الأبوين وولد الأم في فرض ولد الأم فقسمه بينهم بالسوية وتسمى الحمارية لأنه يروى أن عمر رضي الله عنه أسقط ولد الأبوين فقال بعضهم يا أمير المؤمنين هب أن أبانا كان حماراً أليست أمنا واحدة؟ فشرك بينهم وقيل قال ذلك بعض الصحابة فسميت الحمارية لذلك والله أعلم (فصل) إذا قيل امرأة خلفت أما وابني عم أحدهما زوج والآخر أخ لأم وثلاثة إخوة مفترقين قيل هذه المشركة: للزوج النصف وللأم السدس وللأخوين من الأم الثلث وسقط الأخوان من الأبوين أو الأب، ومن شرك جعل للأخ من الأبوين التسع ولكل واحد من الاخوين للأم تسعا ومن مسائل ذلك زوج وأم وأختان لأم وأخ لأبوين تصح من ستة ومن شرك فهي من ثمانية عشر: زوج وجدة وأخ وأخت لأم وأخ وأخت لأبوين كالتي قبلها، ومن شرك فمن اثني عشر زوج وأم وأخوان وأختان لأم وأخوان وثلاث أخوات لأب وأم من اثني عشر ومن شرك فمن أربعة وخمسين (مسألة) (ولو كان مكانهم أخوات لأبوين أو لأب عالت إلى عشرة وسميت ذات الفروخ)

يعني إذا كان مع الزوج والأم والأخوة من الأم أخوات أو أختين لأبوين أو لأب عالت إلى عشرة لأن أصلها من ستة للزوج النصف ثلاثة وللأم السدس سهم وللأخوة للأم الثلث سهمان وللأخوات الثلثان أربعة فتصير عشرة وسميت ذات الفروخ لأنها عالت بثلثيها وهي أكثر ما تعول إليه الفرائض شبهت الأربعة الزائدة بالفروخ والستة بالأم وتسمى الشريحية لأن رجلاً أتى شريحا وهو قاض بالبصرة فقال له ما نصيب الزوج من زوجته؟ فقال النصف مع غير الولد والربع مع الولد فقال إن امرأتي ماتت وخلفتني وأمها وأختيها لأمها وأختيها لأبيها وأمها فقال لك إذا ثلاثة من عشرة فخرج الرجل من عنده وهو يقول لم أر كقاضيكم قلت له ما يصيب الزوج؟ قال النصف أو الربع فلما شرحت له قضيتي لم يعطني ذلك ولا هذا فكان شريح يقول إذا لقيه إنك تراني حاكماً ظالماً وأراك فاسقاً فاجراً لأنك تكتم القصة وتشيع الفاحشة (فصل) ومعنى العول ازدحام الفرائض بحيث لا يتسع لها المال كهذه المسألة فيدخل النقص عليهم كلهم ويقسم المال بينهم على قدر فروضهم كما يقسم مال المفلس بين غرمائه بالحصص لضيق ماله عن وفائهم ومال الميت بين أرباب الديون إذا لم يف بها والثلث بين أرباب الوصايا إذا عجز، وهذا قول عامة الصحابة ومن معهم من العلماء يروي ذلك عن عمر وعلي والعباس وابن مسعود وزيد وبه قال مالك في أهل المدينة والثوري في أهل العراق والشافعي وأصحابه ونعيم بن حماد وأبو ثور وسائر أهل العلم إلا أن ابن عباس وطائفة شذت يقل عددها فنقل ذلك عن محمد بن الحنفية ومحمد بن علي

مسألة: ولو كان مكانهم أخوات لأبوين أو لأب عالت إلى عشرة وسميت ذات الفروخ

ابن الحسين وعطاء وداود فإنهم قالوا لا تعول المسائل فروي عن ابن عباس أنه قال في زوج وأخت وأم من شاء باهلته أن المسائل لا تعول أن الذي أحصى رمل عالج عدداً أعدل من أن يجعل في مال نصفا ونصفا وثلثاً هذان نصفان ذهبا بالمال فأين موضع الثلث؟ فسميت هذه مسائل المباهلة لذلك وهي أول مسألة عائلة حدثت في زمن عمر رضي الله عنه فجمع الصحابة للمشورة فيها فقال العباس رضي الله عنه أرى أن يقسم المال بينهم على قدر سهامهم فأخذ به عمر واتبعه الناس على ذلك حتى خالفهم ابن عباس فروى الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال لقيت زفر بن أوس البصري فقال قضي إلى عبد الله بن عباس فتحدت عنده فأتيناه فتحدثنا عنده فكان من حديثه أن قال سبحان الذي أحصى رمل عالج عدداً ثم يجعل في مال نصفا ونصفا وثلثا ذهب النصفان بالمال فأين موضع الثلث وثم والله لو قدموا من قدمه الله وأخروا من أخره الله ما عالت فريضة أبداً، فقال زفر فمن الذي قدمه ومن الذي أخره الله؟ فقال الذي أهبطه من فرض إلى فرض فذلك الذي قدمه والذي أهبطه من فرض الى ما بقي فذلك الذي أخره الله، فقال زفر فمن أول من أعال الفرائض؟ قال عمر بن الخطاب فقلت إلا أشرت عليه فقال هبته وكان امرأ مهيبا. قوله من أهبطه الله من فريضة إلى فريضة فذلك الذي قدمه الله يريد أن الزوجين والأم لكل واحد منهم فرض ثم يحجب إلى فرض آخر لا ينقص منه وأما من أهبطه من فرض الى ما بقي يريد البنات والأخوات فإنهن يفرض لهن فإذا كان معهن أخوتهن ورثوا بالتعصيب فكان لهم ما بقي قل أو كثر فكان مذهبه أن الفروض إذا ازدحمت رد النقص على البنات والأخوات ولنا أن كل واحد من هؤلاء لو انفرد أخذ فرضه فإذا ازدحموا وجب أن يقتسموا على قدر

الحقوق كأصحاب الديون والوصايا، ولأن الله تعالى فرض للأخت النصف كما فرض للزوج النصف وفرض للأختين الثلثين كما فرض للأختين للأم الثلث فلا يجوز اسقاط فرض بعضهم مع نص الله تعالى عليه بالرأي والتحكم، ولا يمكن الوفاء بها فوجب أن يتساووا في النقص على قدر الحقوق كالوصايا والديون ويلزم ابن عباس على قوله مسألة فيها زوج وأم وأخوان من أم فإن حجب الأم إلى السدس خالف مذهبه في حجب الأم بأقل من ثلاثة من الأخوة وإن نقص الأخوين من الأم رد النقص على من لم يهبطه الله من فرض الى ما بقي وإن أعال المسألة رجع إلى قول الجماعة وترك مذهبه ولا نعلم اليوم قائلاً بمذهب ابن عباس ولا نعلم خلافاً بين فقهاء العصر في القول بالعول بحمد الله ومنه (فصل) حصل خلاف ابن عباس للصحابة في خمس مسائل اشتهر قوله فيها (إحداها) زوج وأبوان (والثانية) امرأة وأبوان للأم ثلث الباقي عندهم وجعل هو لها ثلث المال منها (الثالثة) لا يحجب الأم إلا بثلاثة إخوة (الرابعة) لم يجعل الأخوات مع البنات عصبة (الخامسة) لم يعل المسائل فهذه الخمس صحت الرواية عنه فيها واشتهر القول عنه بها وشذت عنه رويات سوى هذه ذكرنا بعضها فيما مضى.

(باب أصول المسائل) معنى أصول المسائل المخارج التي تخرج منها فروضها (مسألة) (الفروض ستة ذكرها الله تعالى في كتابه وهي نوعان النصف والربع والثمن والثلثان والثلث والسدس) ومخارج هذه الفروض مفردة خمسة لأن الثلث والثلثين مخرجهما واحد وهي تخرج من سبعة أصول أربعة لا تعول وثلاثة تعول لأن كل مسألة فيها فرض مفرد فأصلها من مخرجه وإن اجتمع معه فرض من نوعه فأصلها من مخرج أقلهما لأن مخرج الكثير داخل في مخرج الصغير فالنصف وحده من اثنين والثلث وحده أو مع الثلثين من ثلاثة والربع وحده أو مع النصف من أربعة والثمن وحده أو مع النصف من ثمانية فهذه التي لا تعول لأن العول فرع ازدحام الفروض ولا يوجد ذلك ههنا، وأما التي تعول فهي التي يجتمع فيها فروض أو فرضان من نوعين فإذا اجتمع مع النصف السدس أو الثلث أو الثلثان فأصلها من ستة لا ن مخرج النصف من اثنين ومخرج الثلث من ثلاثة إذا ضربت أحدهما في الآخر كانت ستة وذلك أصل المسألة وهي مخرج السدس، ويدخل العول في هذا الأصل فتعول إلى سبعة وإلى ثمانية وإلى تسعة وإلى عشرة وهو أكثرها عولا. والعول زيادة في السهام ونقصان في أنصباء الورثة.

باب أصول المسائل

وأمثلة ذلك زوج وأم وأخت لأم أصلها من ستة ومنها تصح: زوج وأم وأخوان من أم: بنت وأم عم، ثلاث أخوات مفترقات وعصبة، أبوان وابنتان، العول زوج وأختان لأبوين أو لأب أو احداهما من أبوين والأخرى من أب أو أم أو أخت من أب وأخت من أم، أصلها من ستة وتعول إلى سبعة: زوج وأخت وجدة أو أخ لأم، ست أخوات مفترقات وأم: عول ثمانية زوج وأخت وأم للزوج النصف وللأخت النصف وللأم الثلث تعول إلى ثمانية وهي مسألة المباهلة فإن كان معهم أخت أخرى من أي جهة كانت أو أخ من أم فهي ثمانية أيضاً. عول تسعة زوج وست أخوات مفترقات تعول إلى تسعة وتسمى الغراء، وكذلك زوج وأم وثلاث أخوات مفترقات. عول عشرة زوج وأم وست اخوات مفترقات للزوج النصف وللأم السدس وللأختين للأم الثلث وللأختين للأبوين الثلثان وسقطت الأختان للأب ومتى عالت المسألة إلى تسعة أو عشرة لم يكن الميت إلا امرأة لانها لابد فيها من زوج ولا يمكن أن تعول المسالة إلى أكثر من هذا، وطريق العمل في العول أن تأخذ الفروض من أصل المسألة وتضم بعضها إلى بعض فما بلغت السهام فإليه تنتهي (مسألة) قال (وإن اجتمع مع الربع أحد الثلاثة فهي من اثني عشر وتعول على الأفراد إلى سبعة عشر ولا تعول إلى أكثر من ذلك) إنما كان أصل هذه المسألة من اثني عشر لأن مخرج الربع أربعة ومخرج الثلث ثلاثة ولا موافقة

مسألة: قال: وإن اجتمع مع الرجل أحد الثلاثة، فهي من اثني عشر وتعول على الأفراد إلى سبعة عشر، ولا تعول إلى أكثر من ذلك

بين المخرجين فإذا ضربت أحدهما في الآخر كان اثني عشر فإن كان مع الربع سدس فبين الستة والأربعة موافقة بالإنصاف فإذا ضربت وفق أحدهما في الآخر كان اثني عشر ولابد في هذا الأصل من أحد الزوجين لأنه لا بد فيها من ربع ولا يكون فرضا لغيرهما وأمثلة ذلك زوج وأبوان وخمس بنين، للزوج الربع ثلاثة وللأبوين السدسان أربعة يبقى خمسة لكل ابن سهم، زوج وابنتان وأخت أو عصبة امرأة وأختان لأبوين أو لأب أو أختان لام وعصبة امرأة وأخوان لأم وسبعة أخوة لأب العول زوج وابنتان وأم تعول إلى ثلاثة عشر امرأة وثلاث أخوات مفترقات، زوج وأبوان وابنتان تعول إلى خمسة عشر، امرأة وأختان من أب وأختان من أم، امرأة وأم وأختان لأبوين أو لأب وأختان لأم تعول إلى سبعة عشر ثلاث نسوة وجدتان وأربع أخوات لأم وثمان لأب أو لأبوين تعول إلى سبعة عشر ويحصل لكل واحدة منهن سهم وتسمى أم الأرامل ويعايابها فيقال سبعة عشر امرأة من جهات مختلفة اقتسمن مال ميت بالسوية لكل امرأة منهن سهم وهي هذه ولا يعول هذا الأصل إلى أكثر من هذه ولا يمكن أن يكمل هذا الأصل بفروض من غير عصبة ولا عول ولا يمكن أن تعول إلا على الأفراد لأن فيها فرضاً يباين سائر فروضها وهو

الربع فإنه ثلاثة وهو فرد وسائر فروضها أزواج فالنصف ستة والثلث أربعة والثلثان ثمانية والسدس اثنان ومتى عالت إلى سبعة عشر لم يكن الميت فيها إلا رجلا (مسألة) (وإن اجتمع مع الثمن سدس أو ثلثان فأصلها من أربعة وعشرين وتعول إلى سبعة وعشرين ولا تعول إلى أكثر منها إنما كان أصلها من أربعة وعشرين لانك تضرب مخرج الثمن في مخرج الثلثين أو في وفق مخرج السدس فتكون أربعة وعشرين ولم يذكر الثلث مع الثمن لأنه لا يجتمع معه لأن الثمن لا يكون إلا للزوجة مع الولد ولا يكون الثلث في مسألة فيها ولد لأنه لا يكون إلا لولد الأم والولد يسقطهم أو للأم بشرط عدم الولد (مسائل ذلك) (امرأة وأبوان وبنت أو بنون وبنات امرأة وابنتان وأم وعصبة ثلاث نسوة وأربع جدات وست عشرة بنتا وأخت امرأة وبنت وبنت ابن وجدة وعم العول امرأة وأبوان وابنتان تعول إلى سبعة وعشرين وتسمى البخيلة لأنها أقل الأصول عولاً لم تعل إلا بثمنها وتسمى المنبرية لأن علياً رضي الله عنه سئل عنها على المنبر فقال صار ثمنها تسعا ومضى في خطبته يعني أن المرأة كان لها الثمن ثلاثة من أربعة وعشرين صار لها بالعول ثلاثة من سبعة وعشرين وهي التسع ولا يكون الميت في هذا الأصل إلا رجلاً (فصل) ولا يمكن أن يعول هذا الأصل إلى أكثر من هذا إلا على قول ابن مسعود فإنه يحجب

مسألة: وإن اجتمع مع الثمن سدس أو ثلثان فأصلها من أربعة وعشرين، وتعول إلى سبعة وعشرين ولا تعول إلى أكثر منها

الزوجين بالولد الكافر والقاتل والرقيق ولا يورثه فعلى قوله إذا كانت امرأة وأم وست أخوات مفترقات وولد كافر فللأخوات الثلث والثلثان وللأم والمرأة السدس والثمن سبعة فتعول إلى أحد وثلاثين. (والمسائل) (على ثلاثة أضرب عادلة وعائلة ورد، ذكرنا العادلة وهي التي يستوي مالها وفروضها والعائلة هي التي تزيد فروضها عن مالها والرد هي التي يفضل مالها عن فروضها ولا عصبة فيها وهي التي نذكرها في هذا الفصل. (فصل في الرد) إذا لم تستوعب الفروض المال ولم يكن عصبة رد الفاضل على ذوي الفروض بقدر فروضهم إلا الزوج والزوجة. وجملة ذلك أن الميت إذا لم يخلف وارثاً إلا ذوي فروض كالبنات والأخوات والجدات فإن الفاضل عن ذوي الفروض يرد عليهم على قدر فروضهم إلا الزوج والزوجة يروي ذلك عن عمر وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم وحكي ذلك عن الحسن وابن سيرين وشريح وعطاء ومجاهد والثوري وأبي حنيفة وأصحابه قال ابن سراقة وعليه العمل اليوم في الأمصار إلا أنه يروي عن ابن مسعود أنه كان لا يرد على بنت ابن مع بنت ولا على أخت من أب مع أخت من أبوين ولا على جدة مع ذي سهم وروى

ابن منصور عن أحمد أنه كان لا يرد على ولد الأم مع الأم ولا على الجدة مع ذي سهم والقول الأول أظهر في المذهب وأصح وبه قال عامة أهل الرد لأنهم تساووا في السهام فيجب أن يتساووا فيما يفرع عليها ولأن الفريضة لو عالت لدخل النقص على الجميع فالرد ينبغي أن ينالهم أيضاً وأما الزوجان فلا يرد عليهما باتفاق من أهل العلم إلا أنه يروى عن عثمان رضي الله عنه انه رد على زوج ولعله كان عصبة او ذا رحم فأعطاه لذلك وأعطاه من بيت المال لا على سبيل الرد وسبب ذلك إن شاء الله تعالى ان أهل الرد كلهم من ذوي الأرحام فيدخلون في قوله تعالى (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض) في كتاب الله والزوجان خارجان من ذلك وذهب زيد بن ثابت إلى أن الفاضل عن ذوي الفروض لبيت المال ولا يرد على أحد فوق فرضه وبه قال مالك والاوزاعي والشافعي لأن الله تعالى قال في الأخت فلها نصف ما ترك ومن رد عليها جعل لها الكل ولأنها ذات فرض مسمى فلا تزاد عليه كالزوج ولنا قول الله تعالى (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) وقد ترجحوا بالقرب إلى الميت فيكونون أولى من بيت المال لأنه لسائر المسلمين وذوو الرحم أحق من الأجانب عملا بالنص وقال النبي صلى الله عليه وسلم " من ترك مالا فلورثته ومن ترك كلا فإلي - وفي لفظ - من ترك ديناً فإلي ومن ترك مالاً فللوارث " متفق عليه وهذا عام في جميع المال وروى واثلة ابن الأسقع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " تحوز المرأة ثلاث مواريث لقيطها وعتيقها وولدها الذي لاعنت عليه رواه ابن ماجه فجعل لها ميراث ولدها المنفي باللعان خرج من

ذلك ميراث غيرها من ذوي الفروض بالإجماع بقي الباقي على مقتضى العموم ولانها من وراثة بالرحم فكانت أحق بالمال من بيت المال كعصباته فأما قوله تعالى (فلها نصف ما ترك) فلا ينفي أن يكون لها زيادة عليه بسبب آخر كقوله تعالى (ولأبويه لكل واحد منهما السدس إن كان له ولد) لا ينفي أن يكون للأب السدس وما فضل عن البنت بجهة التعصيب وقوله (ولكن نصف ما ترك أزواجكم) لم ينف أن يكون للزوج ما فضل إذا كان ابن عم أو مولى وكذلك الأخ من الأم إذا كان ابن عم والبنت وغيرها من ذوي الفروض إذا كانت معتقة كذا ههنا تستحق النصف بالقرض والباقي بالرد وأما الزوجان فليسا من ذوي الأرحام. (مسألة) (فإن كان المردود عليه واحداً أخذ المال كله بالفرض والرد كأم أو جده أو بنت أو أخت وإن كانوا جماعة من جنس واحد كبنات أو أخوات أو جدات اقتسموه كالعصبة من البنين والإخوة وسائر العصبات فإن انكسر عليهم ضربت عددهم في مسألة الرد (مسألة) (وإن اختلفت أجناسهم فخذ عدد سهامهم من أصل ستة فاجعله أصل مسئلتهم إنما كان كذلك لأن الفروض كلها تخرج من أصل الستة إلا الربع والثمن وليسا لغير الزوجين وليسا من أهل الرد وينحصر ذلك في أربعة أصول (أحدها) أصل اثنين كجدة وأخ من أم للجدة السدس وللأخ السدس أصلها اثنان ثم يقسم المال عليهما فيصير لكل واحد منهما نصف المال أصل ثلاثة أم وأخ من أم، أم وأخوان لأم للأم السدس وللأخوين الثلث بينهما

مسألة: وإن اختلفت أجناسهم فخذ عدد سهامهم من أصل ستة فاجعله أصل مسألتهم

(أصل) أربعة أخت لأبوين وأخت لأب أو لأم أو أخ، لأم أو جدة بنت وأم أو جدة بنت وبنت ابن (أصل) خمسة ثلاث أخوات مفترقات للأخت للأبوين النصف ولكل واحدة من الآخرتين السدس، أم وأخت لأبوين أو لأب، أم وأخت لأبوين وأخت لأب أو لأم بنتان وجدة لا تزيد على هذا أبداً لأنها لو زادت سدساً آخر لكمل المال ولم يبق منه شئ يرد (مسألة) (فإن انكسر على فريق منهم ضربته في عدد سهامهم لأنه اصل مسئلتهم وإنما كان عدد سهامهم اصل مسئلتهم كما صارت السهام في العول هي المسألة التي يضرب فيها العدد بيان ذلك في أصل اثنين أربع جدات وأخ من أم للجدات سهم لا ينقسم عليهن فتضرب عددهن في أصل المسألة تكن ثمانية للأخ من الأم أربعة ولكل واحدة من الجدات سهم (أصل) ثلاثة أم وثلاثة اخوة من أم للأخوة سهمان لا تصح عليهما اضرب عددهم في أصل المسألة تصر تسعة ومنها تصح (أصل) أربعة أخت لأبوين وأربع أخوات لأب تضرب عددهن في أصل المسألة وهو أربعة تكن ستة عشر ومنها تصح. (أصل) خمسة أم وأخت لأبوين وأربع أخوات لأب لهن سهم لا يصح عليهن تضرب عددهن في خمسة تكن عشرين ومنها تصح وسنذكره في باب تصحيح المسائل مفصلا

مسألة: فإن انكسر على فريق منهم ضربته في عدد سهامهم لأنه أصل مسألتهم

(مسألة) (فإن كان معهم أحد الزوجين أعطيته فرضه من اصل مسئلته وقسمت الباقي على مسألة الرد وهي فريضة أهل الرد وهو ينقسم إذا كانت زوجة ومسألة الرد من ثلاثة كامرأة وأم وأخ لأم أو أم وأخوين لأم فللمرأة الربع سهم من أربعة يبقى ثلاثة على فريضة أهل الرد وهي ثلاثة وتصح المسئلتان من أربعة، فإن انكسر على عدد منهم كأربع زوجات وأم وأخ لأم، ضربت أربعة في مسألة الزوجة تكن ستة عشر ومنها تصح فإن لم تنقسم فأصل مسألة الزوج على مسألة الرد لم يمكن أن يوافقها لأنه إن كانت مسألة الزوج من اثنين فالباقي بعد نصيبه سهم لا يوافق شيئاً وان كانت من أربعة فالباقي بعد ميراثه ثلاثة ومن ضرورة كون للزوج الربع أن يكون للميتة ولد، ولا يمكن أن تكون مسألة الرد مع الولد من ثلاثة وإن كان الزوج امرأة فالباقي بعد الثمن سبعة ولا توافق السبعة عدداً أقل منها ولا يمكن أن تكون مسألة الرد سبعة أبداً لأن مسألة الرد لا تزيد على خمسة أبداً، إذا ثبت هذا فاضرب فريضة أهل الرد في فريضة أحد الزوجين فما بلغ فإليه تنتقل المسألة فإذا أردت القسمة فلأحد الزوجين فريضة الرد ولكل واحد من أهل الرد سهامه من مسئلته مضروب في الفاضل عن فريضة الزوج فما بلغ فهو له إن كان واحداً وإن كانوا جماعة قسمته عليهم فإن لم ينقسم ضربته أو وفقته فيما انتقلت إليه المسألة وتصحح على ما نذكره في باب التصحيح وينحصر ذلك في خمسة أصول. (أحدها) : زوج وجدة وأخ لأم للزوج النصف أصلها من اثنين له سهم يبقى سهم على مسألة

مسألة: فإن كان معهم أحد الزوجين أعطيته فرضه من أصل مسألته وقسمت الباقي على مسألة الرد وهي فريضة أهل الرد، وهو ينقسم إذا كانت زوجة

الرد وهي اثنان أيضاً فاضرب اثنين في اثنين تكن أربعة ولا يقع الكسر في هذا الأصل إلا على حين واحد وهو الجدات (الأصل الثاني) : زوجة وجدة وأخ لأم مسألة الزوجة من أربعة ثم تنتقل إلى ثمانية ولا يكون الكسر إلا على الجدات أيضاً. (الأصل الثالث) زوج وبنت وبنت ابن، مسألة الزوج من أربعة ثم تنتقل إلى ستة عشر وكذلك زوجة وأخت لأبوين وأخت لأب، أو أخت لأم، أو جده، أو جدات، ومثلها زوجة وأخت لأب وأخت لأم أو جدة. (الأصل الرابع) زوجة وبنت وبنت ابن أو أم أو جدة، مسألة الزوجة من ثمانية ثم تنتقل إلى اثنين وثلاثين. (الأصل الخامس) زوجة وبنت وبنت ابن وجدة، أو ابنتان وأم، أصلها من ثمانية ثم تنتقل إلى أربعين وفي جميع ذلك إذا انكسرت سهام فريق منهم عليهم ضربته فيما انتقلت إليه المسألة. ومثال ذلك أربع زوجات وإحدى وعشرون بنتاً واربع عشر جدة، مسألة الزوجات من ثمانية، فتضرب فيها فريضة الرد وهي خمسة تكن أربعين للزوجات فريضة أهل الرد خمسة لا تصح عليهن ولا توافق يبقى خمسة وثلاثون للجدات خمسها سبعة على أربع عشرة توافق بالاسباع فرجعن إلى اثنين ويبقى

للبنات ثمانية وعشرون توافق بالاسباع أيضاً فيرجعن إلى ثلاث والابنتان يدخلن في عدد الزوجات فتضرب ثلاثة في أربعة تكن اثني عشر ثم في أربعين تكن أربعمائة وثمانين. (فصل) ومتى كان مع أحد الزوجين واحد منفرد ممن يرد عليه فإنه يأخذ الفاضل عن الزوج ولا تنتقل المسألة كزوجة وبنت للزوجة الثمن والباقي للبنت بالفرض والرد وإن كان معه فريق واحد من أهل الرد كالبنات أو الأخوات قسمت الفاضل عليهم كالعصبة فإن انكسر عليهم ضربت عددهم في مسألة الزوج والله أعلم باب تصحيح المسائل إذا لم ينقسم سهم فريق من الورثة عليهم قسمة صحيحة فاضرب عددهم في أصل المسألة وعولها إن كانت عائلة ثم يصير لكل واحد من الفريق مثل ما كان لجماعتهم إلا أن يوافق عددهم سهامهم بنصف أو ثلث أو غير ذلك من الأجزاء فيجزيك ضرب وفق عددهم في أصل المسألة وعولها إن كانت عائلة فما بلغ فمنه تصح ثم يصير لكل واحد من الفريق وفق ما كان لجماعتهم، فإذا أردت القسمة فكل من له شئ من أصل المسألة مضروب في العدد الذي ضربته في المسألة وهو الذي يسمى جزء السهم فما بلغ فهو له إن كان واحداً وإن كانوا جماعة قسمته عليهم. مثاله زوج وأم وثلاثة إخوة أصلها من ستة للزوج النصف ثلاثة وللأم السدس سهم يبقى للأخوة سهمان لا تنقسم عليهم ولا توافقهم فاضرب عددهم وهو

باب تصحيح المسائل

ثلاثة في أصل المسألة وهو ستة تكن ثمانية عشر سهماً للزوج ثلاثة في ثلاثة تسعة وللأم سهم في ثلاثة ثلاثة وللأخوة سهمان في ثلاثة ستة لكل واحد سهمان وهو ما كان لجماعتهم فإن كان الاخوة أربعة فان سهامهم توافقهم بالنصف فتضرب نصفهم وهو اثنان في المسألة تكن اثني عشر فإذا أردت القسمة ضربت سهام كل وارث في وفق عددهم وهو اثنان (مسألة) (وإن انكسر على فريقين أو أكثر لم يخل من أربعة اقسام (أحدها) أن يكونا متماثلين كثلاثة وثلاثة فيجزيك ضرب أحدهما في المسألة وطريق قسمتها مثل طريق القسمة فيما إذا كان الكسر على فريق واحد سواء. مثاله ثلاثة إخوة لأم وثلاثة لأب لولد الأم الثلث والباقي لولد الأب أصلها من ثلاثة لولد الأم سهم على ثلاثة لا ينقسم ولولد الأب اثنان على ثلاثة لا ينقسم ولا يوافق فتضرب أحد العددين وهو ثلاثة في أصل المسألة تكن تسعة لولد الأم سهم في ثلاثة بثلاثة لكل واحد سهم ولولد الأب اثنان في ثلاثة ستة لكل واحد سهمان مثل ما كان لجماعتهم ولو كان ولد الأب ستة وافقت سهامهم بالنصف فرجع عددهم إلى ثلاثة وكان العمل فيها كما ذكرنا سواء (القسم الثاني) أن يكون العددان متناسبين وهو أن ينتسب إلى الآخر بجزء من أجزائه كنصفه أو ثلثه أو نحو ذلك فيجزيك ضرب الأكثر منها في المسألة وعولها.

مسألة: وإن انكسر على فريقين أو أكثر لم يخل من أربعة أقسام

مثاله جدتان وأربعة إخوة لأب للجدتين السدس وللأخوة ما بقي أصلها من ستة وعددهم لا يوافق سهامهم وعدد الجدات نصف عدد الاخوة فاجتز بالأكثر وهو أربعة واضربه في أصل المسألة تكن أربعة وعشرين للجدات سهم في أربعة وللأخوة خمسة في أربعة وعشرين لكل واحد خمسة ولو كان عدد الاخوة عشرين لوافقتهم سهامهم بالأخماس فيرجع عددهم إلى أربعة والعمل على ما ذكرنا (القسم الثالث) : أن يكون العددان متباينين لا يماثل أحدهما صاحبه ولا يناسبه ولا يوافقه فتضرب أحدهما في جميع الآخر فما بلغ فهو جزء السهم فاضربه في المسألة فما بلغ فمنه تصح ثم كل من له شئ من أصل المسألة مضروب في جزء السهم. مثاله أم وثلاثة إخوة لأم وأربعة لأب أصلها من ستة لولد الأم سهمان لا يوافقهم ولولد الأب ثلاثة لا توافقهم والعددان متباينان فاضرب أحدهما في الآخر تكن اثني عشر ثم في أصل المسألة تكن اثنين وسبعين ومنها تصح للأم سهم في اثني عشر ولولد الأم سهمان في اثني عشر أربعة وعشرون لكل واحد ثمانية ولولد الأب ثلاثة في اثني عشر ستة وثلاثون لكل واحد تسعة إن وافق أحد العددين سهامه دون الآخر أخذت وفق الموافق وضربته فيما لم يوافق وعملت على ما ذكرنا. وإن وافقا جميعاً سهامهما رددتهما إلى وفقهما وعملت في الوفقين عملك بالعددين الأصليين (فصل) فإن أردت أن تعرف ما لأحدهم قبل التصحيح فاضرب سهام فريقه في الفريق الآخر فما خرج فهو له فإذا أردت أن تعلم ما لكل واحد من ولد الأم فلفريقه من أصل المسألة سهمان اضربهما في عدد الفريق الآخر وهو أربعة تكن ثمانية فهي لكل واحد من ولد الأم ولفريق ولد الأب ثلاثة اضربها في عدد ولد الأم تكن تسعة فهي لكل واحد منهم.

(القسم الرابع) أن يكون العددان متفقين بنصف أو ثلث أو ربع أو غير ذلك من الأجزاء فإنك ترد أحد العددين إلى وفقه ثم تضربه في جميع الأجزاء فما بلغ ضربته في المسألة. ومثال ذلك زوج وست جدات وتسعة أخوة فيتفقان بالثلث فترد الجدات إلى ثلثهن اثنين وتضربها في عدد الاخوة تكن ثمانية عشر ثم تضرب ذلك في أصل المسألة تكن مائة وثمانية ومنها تصح (فصل) فإن كان الكسر على ثلاثة أحياز نظرت فإن كانت متماثلة كثلاث جدات وثلاث بنات وثلاثة أعمام ضربت أحدها في المسألة فما بلغ فمنه تصح المسألة ولكل واحد منهم بعد التصحيح مثل ما كان لجماعتهم وإن كانت متناسبة كجدتين وخمس بنات وعشرة أعمام اجتزأت بأكثرها وهي العشرة فضربتها في المسألة تكن ستين ومنها تصح، وإن كانت متباينة مثل أن يكون الأعمام في هذه المسألة ثلاثة ضربت بعضها في بعض تكن ثلاثين ثم ضربتها في المسألة تكن مائة وثمانين وإن كانت متوافقة كست جدات وتسع بنات وخمسة عشر عما ضربت وفق عدد منها في جميع الأجزاء فما بلغ وافقت بينه وبين الثالث وضربت وفقه في جميع الثالث فما بلغ ضربته في أصل المسألة ومنها تصح وإن تماثل اثنان منها وباينهما الثالث أو وافقهما ضربت أحد المتماثلين في الثالث أو في وفقه إن وافق فما بلغ ضربته في المسألة وإن تناسب اثنان وباينهما الثالث ضربت أكثرهما في جميع الثالث أو في وفقه إن كان موافقاً

ثم في المسألة وإن توافق اثنان وباينهما الثالث ضربت وفق أحدهما في جميع الآخر ثم في الثالث وإن تباين اثنان ووافقهما الثالث كأربعة أعمام وست جدات وتسع بنات أجزاك ضرب أحد المتبانيين في الآخر ثم تضربه في المسألة ويسمى هذا الموقوف المقيد لأنك إذا رددت وقف أحدهما لم تقف إلا الستة ولو وقفت غيرها مثل ان تقف التسعة وترد الستة إلى اثنين لدخلا في الأربعة وأجزاك ضرب الأربعة في التسعة ولو وقفت الأربعة رددت الستة إلى ثلاثة ودخلت في التسعة وأجزاك ضرب الأربعة في التسعة فأما إن كانت الأعداد الثلاثة متوافقة فإنه يسمى الموقوف المطلق وفي عملها طريقان (احدهما) ما ذكرنا من قبل وهو طريق الكوفيين (والثاني) طريق البصريين وهو أن تقف أحد الثلاثة وتوافق بينه وبين الآخرين وتردهما إلى وفقهما ثم تنظر في الوقفين فإن كانا متماثلين ضربت أحدهما في الموقوف وإن كانا متناسبين ضربت أكثرهما وان كانا متبانيين ضربت أحدهما في الآخر ثم في الموقوف وإن كانا متوافقين ضربت وفق أحدهما في جميع الآخر ثم في الموقوف فما بلغ ضربته في المسألة ومثال ذلك عشر جدات واثنا عشر عما وخمس عشرة بنتاً فقف العشرة توافقها الاثنا عشر بالنصف فتر جع إلى ستة وافقها الخمس عشرة بالأخماس فترجع إلى ثلاثة وهي داخلة في الستة فتضرب الستة في العشرة تكن ستين ثم في المسألة تكن ثلاثمائة وستين وإن وقفت الاثني عشر رجعت العشرة إلى نصفها خمسة والخمس عشرة إلى ثلثها خمسة وهما متماثلان فتضرب الخمسة في الاثني عشر ستين وإن وقفت الخمس عشرة رجعت العشرة إلى اثنين والاثنا عشر إلى أربعة ودخل الاثنان في الأربعة فتضربها في الخمس عشرة ثم في المسألة

(فصل) في معرفة الموافقة والمناسبة والمباينة الطريق في ذلك إن تلقي أقل العددين من أكثرهما مرة بعد أخرى فإن فني به فالعددان متناسبان وإن لم يفن ولكن بقيت منه بقية ألقيتها من العدد الأقل فإن بقيت منه بقية ألقيتها من البقية الأولى ولا تزال كذلك تلقي كل بقية من التي قبلها حتى تصل إلى عدد يفنى الملقى منه غير الواحد فأي بقية فني بها غير الواحد فالموافقة بين العدديين بجزء تلك البقية إن كانت اثنين فبالإنصاف وإن كانت ثلاثة فبالأثلاث وإن كانت أربعة فبالأرباع وإن كانت أحد عشر أو اثني عشر أو ثلاثة عشر فنحو ذلك وإن بقي واحد فالعددان متباينان ومما يدلك على تناسب العددين أنك إذا زدت على الأقل مثله أبداً ساوى الأكثر ومتى قسمت الأكثر على الأقل انقسم قسمة صحيحة ومتى نسبت الأقل إلى الأكثر انتسب إليه بجزء واحد ولا يكون ذلك إلا في المنتصف فما دونه باب المناسخات ومعناها أن يموت بعض ورثة الميت قبل قسم تركته ولها ثلاثة أحوال (أحدها) أن يكون ورثة الثاني يربونه على حسب ميراثهم من الأول مثل أن يكونوا عصبة لهما فاقسم المال بين من بقي منهم ولا تنظر إلى الميت الأول.

مثال ذلك أربع بنين وثلاث بنات ماتت بنت ثم ابن ثم بنت أخرى ثم ابن آخر وبقي ابنان وبنت فاقسم المسألة على خمسة ولا يحتاج إلى عمل مسائل وكذلك نقول في أبوين وزوجة وابنين وبنتين ماتت بنت ثم ماتت الزوجة ثم مات ابن ثم مات الأب ثم الأم فقد صارت المواريث كلها بين الابن والبنت الباقيين أثلاثاً واستغنيت عن عمل المسائل وبها اختصرت المسائل بعد التصحيح بالموافقة بين السهام فإذا صححت المسألة نظرت فيها فإن كان لجميعها كسر يتفق فيه جميع السهام رددت المسألة إلى ذلك الكسر ورددت سهام كل وارث إليه ليكون أسهل في العمل مثاله زوجة وابن وبنت ماتت البنت تصح المسئلتان من اثنين وسبعين للزوجة بحقها ستة عشر وللابن ستة وخمسون تنفق سهامهما بالأثمان فتردها إلى ثمنها تسعة للزوجة سهمان وللابن سبعة (الحال الثاني) أن يكون ما بعد الميت الأول من الموتى لا يرث بعضهم بعضاً كاخوة خلف كل واحد منهم بنته فاجعل مسائلهم كعدد انكسرت عليهم سهامهم وصحح على ما ذكرنا في باب التصحيح مثال ذلك رجل توفي وترك أربعة بنين فمات أحدهم عن اثنين والثاني عن ثلاثة والثالث عن أربعة والرابع عن ستة فالمسألة الأولى من أربعة ومسألة الابن الأول من اثنين ومسألة الثاني من ثلاثة ومسألة الثالث من أربعة ومسألة الرابع من ستة فاجعلها كأعداد أربعة فالاثنان تدخل في الأربعة والثلاثة في الستة والأربعة توافق الستة بالإنصاف فتضرب نصف إحداهما في الأخرى تكن اثني عشر

باب المناسخات

ثم تضربها في المسألة الأولى تكن ثمانية وأربعين لورثة كل ابن اثنا عشر فلكل واحد من بني الأول ستة ولكل واحد من بني الثاني أربعة ولكل واحد من بني الثالث ثلاثة ولكل واحد من بني الرابع سهمان (الحال الثالث) ما عدا ذلك وهي ثلاثة أقسام (أحدها) أن تقسم سهام الميت الثاني على مسألة الثاني (الثاني) أن لا ينقسم عليها بل يوافقها (الثالث) لا ينقسم عليها ولا يوافقها فالطريق في ذلك إن تصحح مسألة الأول ثم انظر ما صار للثاني منها فاقسمه على مسئلته بعد أن تصححها فإن انقسم صحت المسئلتان مما صحت منه الأولى كرجل خلف امرأة وبنتا وأخا ثم ماتت البنت وخلفت زوجاً وبنتاً وعما فإن لها من المسألة الأولى أربعة ومسئلتها من أربعة فصحت المسئلتان من ثمانية وصار للأخ أربعة من أخيه ثلاثة ومن بنت أخيه سهم ومن ذلك أم وعم مات العم وخلف بنته وعصبة المسألة الأولى من ثلاثة والثانية من اثنين فصحت المسئلتان من ثلاثة. ثلاث أخوات مفترقات ماتت الأخت من الأبوين وخلفت ابنتين ومن خلفت تصح المسئلتان من خمسة. بنت وبنت ابن وأخ ماتت البنت وتركت ابنتين وعمها صحت المسئلتان من ستة وصار للأخ ثلاثة. زوج وجدة وابنتا ابن من ثلاثة عشر ماتت إحداهما عن أربعة وتركت زوجاً وبنتاً وأختها صحت المسئلتان من ثلاثة عشر وصار للأخ خمسة. زوجة وأم وابن ماتت الأم وتركت زوجاً وبنتاً وابن ابن من أربعة وعشرين. زوجة وأم وعم مات العم وترك ثلاث بنين وبنتاً من اثني عشر تصح المسئلتان

(القسم الثاني) أن توافق سهام الميت الثاني مسئلتة فالطريق فيها أن تضرب وفق مسئلته في الأولى ثم كل من له شئ من المسألة الأولى مضروب في وفق الثانية ومن له شئ من المسألة الثانية مضروب في وفق سهام الميت الثاني كرجل خلف امرأة وبنتا وأخا ثم ماتت البنت وخلفت زوجاً وبنتاً وأمها وهي الزوجة وعماً فإن المسألة من ثمانية للبنت النصف أربعة ومسئلتها من اثني عشر توافق سهامها. بالربع فتضرب ثلاثة في ثمانية أربعة وعشرون فكل من له شئ من ثمانية مضروب في ثلاثة وهو وفق المسألة الثانية ومن له شئ من الثانية مضروب في وفق سهام الميت الثاني وهو سهم ومن ذلك أم وابنان وبنت مات أحد الابنين وخلف من خلف الأولى من ستة للابن منها سهمان وقد خلف جدته وأخاه وأخته فمسئلته من ثمانية عشر توافق سهميه بالنصف فاضرب نصف مسئلته تسعة في الأولى وهي ستة تكن أربعة وخمسين للأم من الأولى سهم في تسعة وفق الثانية ولها من الثانية ثلاثة في سهم صار لها اثنا عشر وللابن الباقي سهمان في تسعة ثمانية عشر ومن الثانية عشرة في سهم صار له ثمانية وعشرون ولأخيه أربعة عشر. (القسم الثالث) أن لا ينقسم سهام الثاني على مسئلته ولا يوافقها فالطريق فيها أن تضرب المسألة الثانية في الأولى ثم كل من له شئ من المسألة الأولى مضروب في الثانية ومن له شئ من الثانية مضروب في سهام الميت الثاني.

مثاله رجل خلف امرأة وبنتا وأخا فهي من ثمانية للبنت أربعة ثم ماتت البنت وتركت زوجا وأما وابنتين فان مسئلتها تعول إلى ثلاثة عشر لا تنقسم عليها سهامها ولا توافقها فإذا ضربت المسألة الأولى وهي ثمانية في الثانية وهي ثلاثة عشر كانت مائة وأربعة فكل من له شئ من الأولى مضروب في ثلاثة عشر ومن له شئ من ثلاثة عشر مضروب في أربعة ومثل ذلك زوج وأم وست أخوات مفترقات ماتت إحدى الأختين من الأم وخلفت من خلفت فالأولى من عشرة والثانية من ستة لأنها خلفت أماً وأختاً لأبوين وأختين من أم تضربها في الأولى تكن ستين ومنها تصح (فصل) وربما اختلف الحكم بكون الميت الأول رجلاً أو امرأة فيحتاج إلى السوأل عن ذلك مثال ذلك إذا قيل أبوان وابنتان لم تنقسم التركة حتى ماتت إحدى البنتين إن كان الميت الأول رجلاً فالأب جد وارث في الثانية لانه أبوأب وتصح المسئلتان من أربعة وخمسين وإن كان الميت الأول امرأة فالأب أبو الأم في الثانية لا يرث لأنه من ذوي الأرحام وتصح المسئلتان من اثني عشر وتسمى المأمونية لأن المأمون سأل عنها يحيى بن أكثم حين أراد توليته القضاء ليختبر فهمه فقال يا أمير المؤمنين من الميت الأول فعلم أنه فهمها (مسألة) (فإن مات ثالث جمعت سهامه مما صحت منه الأوليان وعملت فيها عملك في مسألة الثاني مع الأول وكذلك تصنع في الرابع ومن بعده)

ومثال ذلك زوجة وأم وثلاث أخوات مفترقات. المسألة الأولى، من خمسة عشر، ماتت الأخت من الأبوين وخلفت زوجا ومن خلفت فمسئلتها من ثمانية وسهامها ستة يتفقان بالنصف فتضرب نصف مسئلتها في الأولى تكن ستين ثم ماتت الأم وخلفت زوجاً وأختاً وبنتها وهي الأخت من الأم، مسئلتها من أربعة ولها من المسئلتين أحد عشر سهماً لا توافق مسئلتها تضرب مسئلتها في الأوليين تكن مائتين وأربعين ومنها تصح الثلاث. ومثال الأربعة زوجة وأبوان وابنتان، لم يقسموا حتى مات الأب وخلف أخا لأب وأم، ومن خلف ثم ماتت الأم وخلفت أماً وعماً ومن خلفت ثم ماتت إحدى البنتين وخلفت زوجا ومن خلفت تصح الأولى من سبعة وعشرين، والثانية من أربعة وعشرين، توافق تركة الأب بالأرباع ثم ماتت الأم عن سبعة وعشرين وخلفت أما وبنتي ابن وعما فمسئلتها من ستة وتركتها توافقها بالاثلاث ثم ماتت إحدى البنتين عن مائة وثلاثين وتركت زوجا وأما وأختا فمسئلتها من ثمانية وتركتها توافقها بالإنصاف فتصح المسائل الأربع من ألف ومائتين وستة وتسعين للزوجة من الأولى والرابعة مائتان وأربعة وسبعون وللبنت الباقية من المسائل الأربع سبعمائة وخمسة عشر، ولأخي الميت الباقي أربعون، ولأم الثالثة ستة وثلاثون، ولعمها كذلك، ولزوج الرابعة مائة وخمسة وتسعون، زوج، وأم، وست أخوات

مسألة: فإن مات ثالث جمعت سهامه مما صحت منه الأوليان، وعملت فيها عملك في مسألة الثاني مع الأول، وكذلك تصنع في الرابع ومن بعده

مفترقات، ماتت الأم وتركت أبويها ومن خلفت، ثم ماتت أخت من أب وأم وتركت زوجاً وجدة ومن خلفت ثم ماتت أخت من أم وخلفت زوجاً وجدة ومن خلفت الأولى عشرة والثانية من ستة فتصير الاثنتان من ستين والثالثة من عشرين وماتت عن ثلاثة عشر لا توافق فتضرب عشرين في ستين تكن ألفاً ومائتين والرابعة من ثمانية وماتت عن مائة وستة وستين توافقها بالإنصاف فتضرب أربعة في ألف ومائتين تكن أربعة آلاف وثمان مائة. (باب قسم التركات) إذا خلف تركة معلومة فأمكنك نسبة نصيب كل وارث من المسألة فاعطه مثل تلك النسبة من التركة، مثال ذلك زوج وأبوان وابنتان المسألة من خمسة عشر والتركة أربعون ديناراً، فللزوج ثلاثة وهي خمس المسألة فله خمس التركة ثمانية دنانير ولكل واحد من الأبوين ثلثا خمس المسألة فله ثلثا الثمانية وذلك خمسة دنانير وثلث دينار ولكل واحدة من البنتين مثل ما للأبوين كليهما وذلك عشرة وثلثان وإن شئت قسمت التركة على المسألة وضربت الخارج بالقسم في نصيب كل وارث فما بلغ فهو نصيبه فإذا قسمت التركة على المسألة ههنا كان الخارج بالقسم دينارين وثلثين إذا ضربتها في نصيب الزوج وهو ثلاثة كان ثمانية دنانير وإذا ضربتها في نصيب كل واحد من الأبوين كانت خمسة وثلثا

وإذ اضربتها في نصيب كل واحدة من البنتين كانت عشرة دنانير وثلثين، وإن شئت ضربت نصيب كل وارث في التركة وقسمته على المسألة فما خرج فهو نصيبه ففي هذه المسألة إذا ضربت نصيب الزوج وهو ثلاثة في التركة كان مائة وعشرين إذا قسمتها على المسألة وهي خمسة عشر خرج بالقسم ثمانية وإذا ضربت نصيب أحد الأبوين في التركة كان ثمانين فإذا قسمتها على المسألة خرج خمسة وثلث وإذا ضربت نصيب كل واحدة من البنتين في التركة كانت مائة وستين إذا قسمتها على المسألة خرج بالقسم عشرة وثلثان كما ذكرنا (فصل) فإن كانت المسألة من الأعداد الصم لم يمكن العمل بالطريق الأول لأنه لا نسبة فيها فاعمل بالطريقين الآخرين. مثال ذلك زوج وأم وابنتان، والتركة خمسون ديناراً، المسألة من ثلاثة عشر إذا قسمت عليها التركة خرج بالقسم لكل سهم ثلاثة دنانير وأحد عشر جزءاً من ثلاثة عشر جزءاً من دينار، تضرب في ذلك سهام الزوج وهي ثلاثة يجتمع له أحد عشر ديناراً وسبعة أجزاء وتضرب نصيب الا تكن سبعة وتسعة أجزاء ولكل بنت ضعف ذلك وإن ضربت سهام كل وارث في الخمسى وقسمتها على على المسألة خرج ما قلنا. (مسألة) وإن شئت في مسائل المناسخات قسمت التركة على المسألة الأولى ثم أخذت نصيب

باب قسم التركات

الثاني فقسمته على مسئلته وكذلك الثالث فإن كان بين التركة والمسألة موافقة رددتهما إلى وفقهما وقسمت وفق التركة على وفق المسألة واعمل على ما ذكرنا. مثال زوجة وأم وثلاث أخوات مفترقات، المسألة من خمسة عشر والتركة عشرون ديناراً، ماتت الأم وخلفت أبوين ومن خلفت المسألة الأولى من خمسة عشر، والثانية من ستة للأم من الأولى سهمان لا تنقسم على الثانية وتوافقها بالنصف فتضرب نصف الستة في المسألة الأولى تكن خمسة وأربعين، فإن شئت نسبت نصيب كل وارث من المسألة وأعطيته من التركة مثل تلك النسبة فللمرأة تسعة وهي خمس المسألة، فلها خمس التركة أربعة دنانير وللأخت من الأم ثمانية، وهي ثمانية أتساع الخمس، فلها من التركة ثمانية أتساع خمسها، وهو ثلاثة دنانير، وخمسة أتساع دينار وللأخت من الأبوين عشرون وهي أربعة أتساع المسألة، فلها أربعة أتساع التركة وهي ثمانية دنانير وثمانية أتساع دينار، وللأخت من الأب ستة وهي تسع المسألة وخمس تسعها فلها من التركة ديناران وثلثان، وإن شئت قسمت العشرين على خمسة وأربعين وضربت الخارج بالقسم في نصيب كل وارث فيخرج ما ذكرناه وإن شئت ضربت سهام كل وارث في التركة وقسمت ما بلغ على المسألة فما خرج فهو نصيبه ان شئت وافقت بين التركة والمسألة وهي توافقها بالأخماس فترد المسألة إلى تسعة والتركة إلى أربعة وتضرب سهام كل وارث في أربعة وتقسمه على تسعة يخرج ما ذكرناه. (مسألة) (وإن أردت القسمة على قراريط الدينار فاجعل عدد القراريط كالتركة المعلومة

مسألة: وإن شئت في مسائل المناسخات قسمت التركة على المسألة الأولى، ثم أخذت نصيب الثاني فقسمته على مسألته، وكذلك الثالث فإن كان بين التركة والمسألة موافقة رددتهما إلى وفقهما وقسمت وفق التركة على وفق المسألة واعمل على ما ذكرنا

واعمل على ما قلنا، وقراريط الدينار في عرف بلدنا أربعة وعشرون قيراطاً فإن كانت السهام كثيرة وأردت أن تعلم سهم القيراط فانظر ما يتركب منه العدد فإنه لابد أن يتركب من ضرب عدد في عدد فانسب أحد العددين إلى أربعة وعشرين فإن كان أقل منها فخذ من العدد الآخر مثل تلك النسبة، فما كان فهو لكل قيراط وإن كان أكثر من أربعة وعشرين قسمته عليها فما خرج بالقسم فاضربه في العدد الآخر فما بلغ فهو نصيب القيراط ومثال ذلك ستمائة أردت قسمتها على القراريط فهي متركبة من ضرب عشرين في ثلاثين وانسب العشرين إلى أربعة وعشرين تكن نصفها وثلثها فخذ نصف الثلاثين وثلثها خمسة وعشرون فهي سهم القيراط وإن قسمت الثلاثين على أربعة وعشرين خرج بالقسم سهم وربع فاضربها في العشرين تكن خمسة وعشرين وهي سهم القيراط فإذا عرفت سهم القيراط فانظر كل من له سهام فأعطه بكل سهم من سهام القيراط قيراطاً فإن بقي له من السهام ما لا يبلغ قيراطاً فانسبه إلى سهام القيراط وأعطه منه مثل تلك النسبة فان كان في سهام القيراط كسر بسطتها من جنس الكسر ثم كل من له سهام بعدد مبلغ السهام فله بعدد مخرج الكسر قراريط وتضرب بقية سهامه في مخرج الكسر وتنسبها منها مثال ذلك زوج وأبوان وابنتان ماتت الأم وخلفت أما وزوجاً وأختاً من أبوين وأختين من أب وأختين من أم فالأولى من خمسة عشر والثانية من عشرين فتضرب وفق إحداهما في الأخرى تكن

مسألة: وإن أردت القسمة على قراريط الدينار، فاجعل عدد القراريط كالتركة المعلومة واعمل على ما قلنا. وقراريط الدينار في عرف بلدنا أربعة وعشرون قيراطا، فإن كانت السهام كثيرة وأردت أن تعلم سهم القيراط، فانظر ما يتركب منه العدد، فإنه لا بد أن يتركب من ضرب

مائة وخمسين وسهم القيراط ربع أبسطها أربعا تكن خمسة وعشرين فهذه سهام القيراط فللبنت من الأولى أربعة في عشرة أربعون فلها بخمسة وعشرين أربعة قراريط يبقى خمسة عشر اضربها في مخرج الكسر تكن ستين واقسمها على خمسة وعشرين تكن اثنين وخمسين فصار لها ستة وخمسان وللأب من الأولى والثانية ستة وعشرون فله بخمسة وعشرين أربعة وأبسط السهم الباقي أرباعاً يكن أربعة أخماس خمس ولزوج الأولى ثلاثون فله بخمسة وعشرين سهماً أربعة قراريط وأبسط الخمسة الباقية تكن عشرين وهي أربعة أخماس قيراط ولأم الثانية سهمان أبسطها أرباعاً تكن خمس قيراط وثلاثة أخماس قيراط وكذلك لكل أخت من أم وللأختين للأب مثل ذلك وللأخت للأبوين ستة أبسطها أرباعاً تكن أربعة أخماس قيراط (مسألة) (وإن كانت التركة سهاماً من عقار كثلث وربع ونحو ذلك) فإن شئت أن تجعلها من قراريط الدينار وتقسمها على ما قلنا وإن شئت وافقت بينها وبين المسألة وضربت المسألة أو وفقها في مخرج سهام العقارا وفي وفقها فما كان فانسبه من المبلغ فما خرج فهو نصيبه إذا كانت التركة ربع دار وثلثها جمعتها من مخرجها قراريط فكانت أربعة عشر قيراطاً وجعلتها [كأنها دنانير وعملت على ما سبق وإن شئت أخذتها من مخرجها وقسمتها على المسألة فإن انقسمت بغير ضرب. مثال ذلك زوج وأم وثلاث أخوات مفترقات والتركة ربع دار وخمسها المسألة من تسعة

ومخرج سهام العقار عشرون الموروث منها تسعة منقسمة على المسألة للزوج منها ثلاثة وهي عشر الدار ونصف عشرها وللأخت من الأبوين مثل ذلك ولكل واحدة من الباقيات نصف عشر فإن لم تنقسم لكن وافقت السهام الموروثة المسألة رددت المسألة إلى وفقها ثم ضربته في مخرج سهام العقار ثم كل من له شئ من المسألة مضروب في وفق السهام الموروثة من العقار مثاله زوج وأبوان وابنتان والتركة ربع دار وخسمها المسألة من خسمة عشر توافق السهام الموروثة من العقار بالثلث لأنها تسعة فترد المسألة إلى ثلثها خمسة ثم تضربها في مخرج سهام العقار وهي عشرون تكن مائة فللزوج من المسألة ثلاثة في وفق سهام العقار ثلاثة تسعة من مائة وهو نصف عشر الدار وخمس خمسها ولكل واحد من الأبوين سهمان في ثلاثة سنة وهي ثلاثة أخماس عشر الدار ولكل بنت ضعف ذلك وهو عشر وخمس عشر، وإن لم توافق السهام الموروثة المسألة ضربت المسألة جميعها في مخرج سهام العقار ثم كل من له شئ من المسألة مضروب في السهام الموروثة من العقار فما بلغ فانسبه من مبلغ سهام العقار وإن شئت نسبت سهام كل وارث من المسألة فما بلغ أعطيته منها بقدر نسبة السهام الموروثة إلى سهام العقار فتقول في هذه المسألة للزوج من المسألة الخمس فله خمس التركة وكذلك تفعل في بقية الورثة على ما سبق

مسألة: وإن كانت التركة سهاما، من عقار كثلث وربع ونحو ذلك

(فصل) في المجهولات زوج وأم وأختان لأب وأم أخذ الزوج بميراثه خمسة وأربعين ديناراً كم جميع التركة؟ فالطريق في ذلك إن تقسم الدنانير التي أخذها على سهامه تخرج خمسة عشر فاضربها في سهام المسألة وهي ثمانية تكن مائة وعشرين وهي التركة وإن شئت ضربت ما أخذ في سهام المسألة تكن ثلاثمائة وستين وقسمت ذلك على سهامه فما خرج فهو التركة وإن شئت قلت سهام من بقي مثل سهامه مرة وثلاثين فيجب ان يكون الباقي خمسة وسبعين زوج وأم وست أخوات مفترقات والتركة ستة وخمسون ديناراً وثوب أخذ الزوج بميراثه الثوب كم قيمته؟ فالطريق أن تقسم العين على سهام من بقي من الورثة تخرج ثمانية تضربها في سهام الزوج تكن أربعة وعشرين وإن شئت قلت سهام الزوج من سهام الباقي ثلاثة أسباعها فخذ ثلاثة أسباع العين تكن ما ذكرنا وبالجبر تجعل قيمة الثوب شيئاً فإذا أخذه الزوج بثلاثة أسهم وجب أن يأخذ باقي الورثة سبعة أسهم شيئين وثلثا وذلك يعدل العين فالشئ ثلاثة أسباعها في ثلاثة أسباع العين تكن أربعة وعشرين وإن بسطت الشيئين والثلث أثلاثاً كانت سبعة وقسمت عليها العين يخرج الشئ أربعة وعشرين زوج وأم وست أخوات مفترقات والتركة خمسة وثلاثون ديناراً وثوب أخذت إحدى الأختين للأب والأم الثوب وثلاثة دنانير فألق ما أخذت من العين فاقسم الباقي على سهام باقي الورثة وهي ثمانية يخرج بالقسم أربعة دناينر وهي نصيب السهم فلاختين بسهمين ثمانية دنانير فإذا ألقيت منها ثلاثة دنانير بقي خمسة وهي قيمة الثوب والتركة جميعها أربعون ديناراً أو بالجبر تجعل قيمة الثوب شيئاً

فتقول إذا أخذت الأخت بسهمين ثوباً وثلاثة دنانير وجب أن يأخذ بقية الورثة أربعة أشياء واثني عشر ديناراً وذلك يعدل ما حصل لهم وهو اثنان وثلاثون ديناراً فألق اثني عشر بمثلها يبقى أربعة أشياء تعدل عشرين ديناراً فقيمة الثوب خمسة دنانير كما قلنا فإن كانت المسألة بحالها والتركة ثلاثون ديناراً وعبدان متساويا القيمة أخذت إحدى الأختين للأبوين أحد العبدين فأسقط سهمها من المسألة وأسقط بمثلها العبد الآخر يبقى ستة تقسم العين عليها يخرج للسهم خمسة فقيمة العبد عشرة وبالجبر تجعل قيمة كل عبد شيئاً فإذا أخذت بسهمين شيئاً وجب أن يكون لباقي الوثة أربعة أشياء وذلك يعدل ما معهم وهو شئ وثلاثون ديناراً فألق المشترك يعدل الشئ عشرة كما قلنا (باب ذوي الأرحام) وهم كل قرابة ليست بذي فرض ولا عصبة وهم أحد عشر صنفاً ولد البنات وولد الأخوات وبنات الاخوة وبنات الأعمام وبنو الإخوة من الأم والعم من الأم والعمات والأخوال والخالات وأبوالام وكل جدة أدلت بأب بين أمين أو بأب أعلى من الجد ومن أدلى بهم فهم يسمون ذوي الأرحام وكان أبو عبد الله يورثهم إذا لم يكن ذو فرض ولا عصبة إلا الزوج والزوجة روي هذا القول عن عمر وعلي وعبد الله وأبي عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل وأبي الدرداء رضي الله عنهم وبه قال شريح وعمر

ابن عبد العزيز وعطاء وطاوس وعلقمة ومسروق وأهل الكوفة وكان زيد لا يورثهم ويجعل الباقي لبيت المال وبه قال مالك والاوزاعي والشافعي وأبو ثور وداود وابن جرير لأن عطاء بن يسار روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب إلى قباء يستخير الله في العمة والخالة فأنزل الله عزوجل أن لا ميراث لهما رواه سعيد في سننه ولأن العمة وبنت الأخ لا ترثان مع اخوتهما فلا ترثان منفردتين كالأجنبيات وذلك لأن انضمام الأخ إليهما يؤكدهما ويقويهما بدليل أن بنات الابن والأخوات من الأب يعصبهن أخوهن فيما بقي بعد ميراث البنات والأخوات من الأبوين ولا يرثن منفردات فإذا لم يرث هاتان مع أخيهما فمع عدمه أولى ولأن المواريث إنما ثبتت نصاً ولا نص في هؤلاء ولنا قول الله تعالى (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) أي أحق بالتوارث في حكم الله قال أهل العلم كان التوارث في ابتداء الإسلام بالحلف فكان الرجل يقول للرجل دمي دمك، ومالي مالك، تنصرني وأنصرك، وترثني وأرثك، فيتعاقدان الحلف بينهما على ذلك فيتوارثان به دون القرابة وذلك قوله تعالى (والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم) ثم نسخ ذلك وصار التوارث بالإسلام والهجرة فإذا كان له ولد ولم يهاجر ورثه المهاجرون دونه، وذلك قوله عزوجل (والذين آمنوا ولم يهاجروا مالكم من ولايتهم من شئ حتى يهاجروا) ثم نسخ ذلك بقوله تعالى (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض) في كتاب الله.

باب ذوي الأرحام

وروى الإمام أحمد باسناده عن سهل بن حنيف ان رجلاً رمى رجلاً بسهم فقتله ولم يترك إلا خالا فكتب فيه أبو عبيدة الى عمر فكتب إليه عمر: أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " الخال وارث من لا وارث له ". قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح، وروى المقدام عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه قال " الخال وارث من لا وارث له يعقل عنه ويرثه " أخرجه أبو داود وفي لفظ مولى من لا مولى له، يعقل عنه ويفك عانيه، فإن قيل المراد به أن من ليس له إلا خال فلا وارث له، كما يقال الجوع زاد من لا زاد له، والماء طيب من لا طيب له، والصبر حيلة من لا حيلة له، أو أنه أراد بالخال السلطان قلنا هذا فاسد لوجوه ثلاثة. (أحدها) : أنه قال يرث ماله وفي لفظ يرثه (والثاني) : أن الصحابة فهموا ذلك، فكتب عمر هذا جواباً لأبي عبيدة حين سأله عن ميراث الخال وهم أحق بالفهم والصواب من غيرهم (والثالث) أنه سماه وارثاً، والأصل الحقيقة وقولهم إن هذا يستعمل للنفي قلنا والإثبات كقولهم يا عماد من لا عماد له، يا سند من لا سند له، يا ذخر من لا ذخر له. وروى سعيد بإسناده عن واسع بن حيان قال: توفي ثابت بن الدحداحة ولم يدع وارثاً ولا عصبة فرفع شأنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدفع رسول الله صلى الله عليه وسلم ماله إلى ابن أخته أبي لبابة بن عبد المنذر،

ورواه أبو عبيدة في الأموال إلا أنه قال لم يخلف إلا ابنة أخ له، فقضى النبي صلى الله عليه وسلم بميراثه لابنة أخيه ولأنه ذو قرابة فيرث كذوي الفروض، وذلك لأنه ساوى الناس في الاسلام، وزاد عليهم بالقرابة، فكان أولى منهم، ولهذا كان أحق في الحياة بصدقته وصلته، وبعد الموت بوصيته، فأشبه ذوي الفروض والعصبات المحجوبين إذا لم يكن من يحجبهم وحديثهم مرسل ثم يحتمل أنه لا ميراث لهما مع ذوي الفروض والعصبات، ولذلك سمي الحال وارث من لا وارث له، أي لا يرث إلا عند عدم الوارث وقولهم لا يرثان مع إخوتهما قلنا لأنهما أقوى منهما وقولهم إن الميراث إنما ثبت نصاً قلنا قد ذكرنا نصوصاً ثم التعليل واجب مهما أمكن وقد أمكن ههنا فلا يصار إلى التعبد المحض. (فصل) والرد يقدم على ميراث ذوي الأرحام فمتى خلف البيت عصبة أو ذا فرض من أقاربه أخذ جميع التركة، هذا قول عامة من ورث ذوي الأرحام قال الخبري لم يختلفوا أن الرد أولى منهم إلا ما روي عن سعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز أنهما ورثا الحال مع البنت فيحتمل أنهما ورثاه لكونه عصبة أو مولى لئلا يخالف الاجماع، وقول النبي صلى الله عليه وسلم " الخال وارث من لا وارث له " ومن مسائل ذلك أبو أم وجدة، المال للجدة، بنت ابن وبنت بنت ابن ابن أخ وابن أخت عم وعمة بني اخوة مفترقين لا شئ لذوي الرحم في جميع ذلك (فصل) وكذلك المولى المعتق وعصباته يقدمون على ذوي الأرحام، وهو قول عامة من ورثهم

من الصحابة وغيرهم وقول من لا يورثهم أيضاً، وروي عن ابن مسعود تقديمهم على المولى، وبه قال ابنه أبو عبيدة، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وعلقمة، والأسود، وعبيدة، ومسروق، وجابر ابن زيد، والشعبي، والنخعي، والقاسم بن عبد الرحمن، وعمر بن عبد العزيز، وميمون بن مهران، والأول أصح، لقوله عليه الصلاة والسلام " الخال وارث من لا وارث له " والمولى وارث ولأن المولى يعقل وينصر أشبه العصبة من النسب. (مسألة) (ويورثون بالتنزيل فيجعل كل وارث بمنزلة من أدلى به) فيجعل ولد البنات والأخوات كأمهاتهم، وبنات الاخوة، والأعمام، وولد الإخوة من الأم كآبائهم، والأخوال، والخالات، وأبو الأم كالأم، والعمات، والعم من الأم كالأب، وعنه كالعم ثم تجعل نصيب كل وارث لمن أدلى به مذهب أبي عبد الله رحمه الله في توريث ذوي الأرحام مذهب أهل التنزيل وهو أن ينزل كل واحد منهم منزلة من يمت به من الورثة فتجعل له نصيبه فإن بعدوا نزلوا درجة درجة حتى يصلوا إلى من

مسألة: ويورثون بالتنزيل، فيجعل كل وارث بمنزلة من أدلى به، فيجعل ولد البنات والأخوات كأمهاتهم، وبنات الاخوة والأعمام. وولد الاخوة من الأم كآبائهم، والأخوال. والخالات وأبو الأم كالأم والعمات والعم من الأم كالأب، وعنه كالعم، ثم تجعل نصيب كل وارث لمن أدل

يمتون به فيأخذون ميراثه فإن كان واحداً أخذ المال كله وإن كانوا جماعة قسمت المال بين من يمتون به فما حصل لكل واحد جعل لمن أمت به فإن بقي من سهام المسألة شئ رد عليهم على قدر سهامهم، هذا قول علقمة ومسروق والشعبي والنخعي وحماد ونعيم وشريك وابن أبي ليلى والثوري وسائر من من ورثهم غير أهل القرابة، وروي عن علي وعبد الله رضي الله عنهما أنهما نزلا بنت البنت منزلة البنت وبنت الأخ منزلة الأخ، وبنت الأخت منزلة الأخت، والعمة منزلة الأب، والخالة منزلة الأم. وروي ذلك عن عمر رضي الله عنه في العمة والخالة. وعن علي انه نزل العمة بمنزلة العم. وروي ذلك عن علقمة ومسروق، وهي الرواية الثانية عن احمد وعن الثوري وأبي عبيد، أنهما نزلاها منزلة الجد مع ولد الاخوة والأخوات ونزلها آخرون منزلة الجدة وإنما صار هذا الاختلاف في العمة لادلائها بأربع جهات وارثات، فالأب والعم أخواها، والجد والجدة أبواها، ونزل قوم الخالة جدة لأن الجدة أمها. والصحيح من ذلك تنزيل العمة أبا، والخالة أما، لوجوه ثلاثة. (أحدها) : ما روى الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " العمة بمنزلة الأب إذا لم يكن بينهما أب، والخالة بمنزلة الأم إذا لم يكن بينهما أم " رواه الإمام أحمد. (والثاني) : أنه قول عمر وعلي وعبد الله في الصحيح عنهم ولا مخالف لهم في الصحابة. (الثالث) : أن الأب أقوى جهات العمة والأم أقوى جهات الخالة فتعين تنزيلهما بهما دون غيرهما

كبنت الأخ وبنت العم فإنهما ينزلان بمنزلة أبويهما دون إخوتهما ولأنه إذا اجتمع لهما قرابات ولم يمكن توريثهما بجميعها ورثناهما بأقواها كالمجوس عند من لا يورثهم بجميع قراباتهم وكالأخ من الأبوين فإنا نورثه بالتعصيب وهي جهة أبيه دون قرابة أمه، وأما أبو حنيفة وأصحابه فإنهم ورثوهم على ترتيب العصبات، فجعلوا أولاهم من كان من ولد الميت وإن سفلوا ثم أبويه أو أحدهما وإن سفلوا ثم ولد أبوي أبويه وإن سفلوا كذلك أبداً لا يرث بنو أب أعلى وهناك بنو أب أقرب منه وإن نزلت درجتهم، وعن أبي حنيفة أنه جعل أبا الأم وإن علا أولى من ولد البنات ويسمى مذهبهم مذهب أهل القرابة ولنا أنهم فرع في الميراث على غيرهم فوجب إلحاقهم بمن هم فرع له وقد ثبت ان ولد الميت من الإناث لا يسقط ولد أبيه فأولى أن لا يسقطهم ولده (مسائل ذلك) بنت بنت وبنت بنت ابن، المال بينهما على أربعة فإن كان معهما بنت أخ فالباقي لها وتصح من ستة فإن كان معهما خالة فلبنت البنت النصف ولبنت بنت الابن السدس تكملة الثلثين، وللخالة السدس، والباقي لبنت الأخ، فإن كان مكان الخالة عمة حجبت بنت الأخ وأخذت الباقي لأن العمة كالاب فتسقطمن هو بمنزلة الأخ ومن نزلها عماً جعل الباقي لبنت الأخ وأسقط بها العمة ومن نزلها جدا قاسم بها ابنة الأخ الثلث الباقي بينهما نصفين ومن نزلها جدة جعل لها السدس ولبنت الأخ الباقي

وفي قول أهل القرابة لا ترث بنت الأخ مع بنت البنت ولا مع بنت بنت الابن شيئاً. (مسألة) (فإن أدلى جماعة منهم بواحد واستوت منازلهم فنصيبه بينهم بالسوية ذكرهم وأنثاهم سواء، وعنه للذكر مثل حظ الأنثيين الا ولد الأم وقال الخرقي يسوي بينهم إلا الخال والخالة) اختلفت الرواية عن أحمد في توريث الذكور والإناث من ذوي الأرحام إذا كانوا من أب واحد وأم واحدة فنقل الأثرم وحنبل وإبراهيم بن الحارث في الخال والخالة يعطون بالسوية في جميع ذوي الأرحام اختاره أبو بكر وهو مذهب أبي عبيد واسحاق ونعيم بن حماد لأنهم لا يرثون بالرحم المجرد فاستوى ذكرهم وأنثاهم كولد الأم، ونقل يعقوب بن بختان إذا ترك ولد خالة خالته اجعله بمنزلة الأخ والأخت للذكر مثل حظ الأنثيين وكذلك ولد العم والعمة ونقل عنه المروذي فيمن ترك خاله وخالته للخال الثلثان وللخالة الثلث فظاهر هذا التفضيل وهو قول أهل العراق وعامة المنزلين لأن ميراثهم معتبر بغيرهم فلا يجوز حملهم على ذوي الفروض لأنهم يأخذون المال كله ولا على العصبة البعيد لأن ذكرهم ينفرد بالميراث دون الإناث فوجب اعتبارهم بالقريب من العصاب والإخوة والأخوات ويجاب عن هذا بأنهم معتبرون بولد الأم وإنما يأخذون كل المال بالفرض والرد واتفق الجميع على التسوية بين ولد الأم لأن أباهم يسوي ذكرهم وأنثاهم إلا في قول من أمات السبب فإن عنده للذكر مثل حظ الأنثيين فأما الذي نقل عنه الخرقي أنه يسوي بين الجميع إلا الخال والخالة قال شيخنا

مسألة: فإن أدلى جماعة منهم بواحد واستوت منازلهم، فنصيبه بينهم بالسوية ذكرهم وأنثاهم سواء، وعنه للذكر مثل حظ الأنثيين إلا ولد الأم، وقال الخرقي يسوي بينهم إلا الخال والخالة

فلا أعلم موافقاً على هذا القول ولا علمت وجهه والخلاف إنما هو في ذكر وأنثى أبوهما وأمهما واحد فأما إذا اختلف آباؤهم وأمهاتهم كالأخوال والخالات المفترقين والعمات المفترقات أو إذا أدلى كل واحد منهم بغير من أدلى به الآخر كابن بنت وبنت بنت أخرى فلذلك موضع يذكر فيه إن شاء الله تعالى (مسائل ذلك) ابن أخت معه أخته وابن بنت معه أخته المال بينهما نصفين عند من سوى وعند أهل القرابة وسائر المنزلين المال بينهما على ثلاثة: ابنان وابنتا أخت لابوبن وثلاث بني وثلاث بنات أخت لأب وأربع بني وأربع بنات أخت لأم أصل المسألة من خمسة للأخت من الأبوين ثلاثة بين ولدها على أربعة وللأخت من الأب سهم بين ولدها على ستة وللأخت من الأم سهم بين ولدها على ثمانية والأربعة داخلة فيها والستة توافقها بالنصف فتضرب نصفها في ثمانية تكن أربعة وعشرين ثم في خمسة تكن مائة وعشرين ومن فضل أبقى ولد الأم بحالهم وجعل ولد الأخت من الأبوين ستة توافقهم سهامهم بالثلث فيرجعون إلى اثنين فيدخلان في الثمانية وولد الأخت من الأب تسعة تضربها في ثمانية تكن اثنين وسبعين ثم في خمسة تكن ثلاثمائة وستين، وإن كانوا أولاد عمات أو خالات مفترقات فكذلك وإن كانوا أولاد بنات أو أولاد أخوات من أبوين أو من أب فهي من اثنين وسبعين عند من سوى ومن مائة وثمانية عند من فضل وقول أهل العراق هي من سبعة وعشرين كأولاد البنين (فصل) إذا كان معك أولاد بنات أو أخوات قسمت المال بين أمهاتهن على عددهن فما أصاب

كل واحدة منهن فهو لولدها بالسوية عند من سوى وعند من فضل جعله بينهم على حسب ميراثهم واختلف أصحاب أبي حنيفة فذهب أبو يوسف إلى قسم المال على عددهم دون مراعاة أمهاتهم إذا استووا ممن يدلون به من الآباء والأمهات إلى بنات الميت للذكر مثل حظ الأنثيين كأولاد البنين، وجعل محمد بن الحسن من أدلى بابن ابنا وإن كانت أنثى ومن أدلى ببنت بنتا وإن كان ذكراً وجعل المدلى بهم بعدد المدلين ثم قسم بينهم على عددهم فما أصاب ولد الابن قسمه بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين وما أصاب ولد الأنثى قسمه بينهم كذلك (مسائل) من ذلك بنت ابن بنت وابن بنت بنت قول من سوى المال بينهما نصفين وقول من فضل إن كانا من ولد بنين فكذلك وإن كانا من ولد بنت واحدة فالمال بين ابنها وبنتها للابن ثلثاه ولبنتها ثلثه فما أصاب ابنها فهو لبنته وما أصاب بنتها فهو لابنها فيصير للبنت سهمان وللابن سهم وكذلك قول محمد وقول أبي يوسف للابن سهمان وللبنت سهم كابن الميت وبنته: ابنا بنت بنت وابن ابن بنت قول من سوى لابن ابن البنت النصف والباقي بين الباقين على ثلاثة سواء كانوا من ولد بنت أو من ولد بنين وقول المفضلين إن كانوا من ولد بنتين فلابن ابن البنت النصف والنصف الآخر بين الباقين على خمسة وإن كانوا من ولد بنت فلابن ابن البنت الثلثان والثلث الباقي للباقين على خمسة لأن المال كان للبنت الأولى فقسم بين ابنها وبنتها أثلاثاً للابن سهمان فهما لابنه وللبنت سهم فهو لولدها قول محمد يقسم بينهم على

خمسة لابن الابن سهمان لأنه يدلي بابن وللباقين ثلاثة لأنهم يدلون بأنثى وقول أبي يوسف يقسم بينهم على سبعة لكل ابن سهمان وللبنت سهم. ابنا بنت بنت وبنتا ابن بنت قول من سوى المال بينهم على أربعة بكل حال قول المفضلين إن كانوا من ولد بنتين فكذلك وإن كانوا من ولد واحدة فلابنها الثلثان بين ابنتيه ولابنتها الثلث بين ابنيها قول أبي يوسف المال بينهم على ستة لكل ذكر سهمان ولكل أنثى سهم قول محمد لكل ذكر سهم ولكل أنثى سهمان. ابنا وابنتا ابن أخت وثلاثة بني وثلاث بنات بنت أخت قول من سوى النصف بين الأولين على أربعة والنصف الثاني بين الآخرين على ستة وتصح من أربعة وعشرين. قول من فضل إن كانوا من ولد واحدة فللأولين الثلثان سهم على ستة وللآخرين الثلث سهم على تسعة وتصح من أربعة وخمسين، وإن كانوا من ولد ابنتين صحت من ستة وثلاثين، قول أبي يوسف للذكر مثل حظ الأنثيين وتصح من خمسة عشر وقول محمد ولد ابن الأخت بمنزلة أربعة ذكور وولد بنت الأخت كست إناث فيقسم المال بينهم على أربعة عشر فلولد ابن الاخت منها ثمانية أسهم بينهم على ستة وللآخرين ستة بينهم على تسعة وتصح من اثنين وأربعين وترجع بالاختصار إلى أحد وعشرين: ابنتا أخ وابن وابنة أخت لابنتي الأخ الثلثان في قول المنزلين جميعهم وقول محمد والثلث لولدي الأخت بينهما بالسوية عند من سوى ومن فضل جعله بينهما أثلاثاً وهو قول محمد وقال أبو يوسف لابن الأخت سهمان ولكل واحد من الباقين سهم وتصح من خمسة

(فصل) بنت بنت وبنت بنت ابن هي من أربعة عند المنزلين جميعهم وعند أهل القرابة أيضاً هو لبنت البنت لأنها أقرب فإن كان معهما بنتا بنت ابن أخرى فكأنهم بنتا ابن وبنت فمسئلتهم من ثمانية وتصح ستة عشر: ابن بنت ابن وبنت ابن بنت المال للابن لأنه أقرب إلى الوارث وهذا قول عامة من ورثهم إلا ما حكي عن ابن سالم أنه ينزل البعيد حتى يلحق بوارثه فيكون المال بينهما على أربعة للبنت ثلاثة وللابن سهم كبنت وبنت ابن بنت بنت ابن وبنت بنت ابن ابن وبنتا بنت ابن ابن آخر للأولى ثلاثة أرباع المال والربع الباقي بين الباقيات على أربعة فتضربها في أصل المسألة تكن من ستة عشر: ابن وبنت بنت وثلاث بنات بنت وابنا بنت ابن لا شئ لهذين في قول الجميع لأن أمهما تسقط باستكمال البنات الثلثين ويكون النصف بين الابن وأخته على اثنين والنصف الآخر على ثلاث، وتصح من اثني عشر عند من سوى ومن فضل جعلها بينهم على ستة وهو قول أهل القرابة أيضاً. بنت بنت بنت وبنت ابن بنت أخرى وبنت بنت ابن ابن المال لهذه إلا في قول أهل القرابة فإنه للأوليين، وقول من أمات السبب ورث البعيد مع القريب المال بين بنت ابن بنت وبنت بنت ابن ابن على أربعة وتسقط الأخرى لأن هذه وارثة الابن في أول درجة: بنت بنت وبنت بنت بنت أخرى وبنت بنت ابن المال بين الأولى والأخيرة على أربعة عند المنزلين وقال اهل القرابة وهو للأولى قول ابن سالم هو للأوليين وتسقط الثالثة (مسألة) (وإذا كان ابن وبنت أخت وبنت أخت أخرى فلبنت الأخت وحدها النصف وللأخرى وأخيها النصف بينهما)

لا خلاف بين المنزلين في أن لولد كل أخت ميراثها وهو النصف فمن سوى جعل النصف بين الأخت وأخته نصفين والنصف الآخر لبنت الأخرى وتصح من أربعة، ومن فضل جعل النصف بينهما على ثلاثة وتصح من ستة وقال أبو يوسف للابن النصف ولكل بنت الربع وتصح من أربعة وقال محمد لولد الأخت الأولى الثلثان بينهما على ثلاثة وللأخرى الثلث وتصح من تسعة وإذا انفرد ولد كل أخ أو أخت فالعمل فيه على ما ذكرنا في أولاد البنات، ومتى كان الأخوات والاخوة من ولد الأم فاتفق الجميع على التسوية بين ذكرهم وأنثاهم إلا الثوري ومن أمات السبب: ثلاث بنات أخ وثلاثة بني أخت إن كانا من أم فالمال بينهم على عددهم وإن كانا من أب أو من أبوين فلبنات الأخ الثلثان ولبني الأخت الثلث وتصح من تسعة عند المنزلين ومحمد وفي قول أبي يوسف يجعل لبني الأخت الثلثين ولبنات الأخ الثلث: ابن وبنت أخت لأبوين وابن أخت لأم هي من أربعة عند من فضل وعند من سوى تصح من ثمانية، قول محمد كأنهما أختان من أبوين وأخت من أم وتصح من خمسة عشر فإن كان ولد الأم أيضاً ابنا وابنة صحت عند جميعهم من ثمانية إلا الثوري فإنه يجعل للذكر من ولد الأم مثل حظ الأنثيين فتصح عنده من اثني عشر وعند محمد هي من ثمانية عشر: ابنا أخت لأبوين وابن وابنة أخت لأب وابنا أخت أخرى لأب من ثمانية في قول عامتهم وتصح من اثنين وثلاثين عند من سوى، وعند من فضل من ثمانية وأربعين، وقول محمد يسقط ولد الأب ويتفق قوله وقول أبي يوسف في أن المال لابن

الأخت من الأبوين: ابن أخت لأبوين وابن وابنة أخت لأم وابنا وابنتا أخت أخرى لأم قول المنزلين من عشرين الثوري من ثلاثين محمد من ستين (فصل) ثلاث بنات ثلاث أخوات مفترقات مذهب أحمد وسائر المنزلين أن المال يقسم بين الأخوات على قدر سهامهن فما أصاب كل أخت فهو لولدها والمال في هذه المسألة بين الاخوات على على خمسة فيكون بين اولاد هن كذلك، والحكم في ثلاث بنات عمات مفترقات كذلك لأنهن أخوات الأب فميراثه بينهن على خمسة، وكذلك ثلاث خالات مفترقات لأنهن أخوات الأم وقدم أهل القرابة من كان لأب وأم من جميعهم ثم من كان لأب ثم من كان لأم إلا محمد بن الحسن فإنه قسم ميراث أولاد الأخوات على أعدادهم وأقامهم مقام أمهاتهم كأنهم أخوات (مسائل) من ذلك ست بنات ثلاث أخوات مفترقات المال بين الأخوات على خمسة فما أصاب كل واحدة فهو لبنيها وتصح من عشرة وعند أبي يوسف المال كله لولد الأبوين وعند محمد لهما الثلثان ولولد الأم الثلث وتصح من ستة: ست بنات ست أخوات مفترقات لبنتي الأختين من الأبوين الثلثان ولولد الأم الثلث وتصح من ستة هذا قول محمد. ابن أخت لأبوين وابن وابنة أخت لأب وابنا وابنتا أخت أخرى لأب وثلاثة بني وثلاث بنات أخت لأم هي من مائة وعشرين عند من سوى ومن ستين عند من فضل ومن أربعة وخمسين عند محمد، فإن كان معهم أربعة بني وأربع بنات أخت أخرى لأم

صحت من مائة وأربعة وأربعين عند المنزلين كلهم، قول محمد كأنهم أخت لأبوين وست أخوات لأب وأربع عشرة أختاً لأم سهم ولد الأب بينهم على تسعة فتصح من ثلثمائة وثمانية وسبعين، فإن كان ولد الأخت من الأبوين ابناً وبنتاً صحت كذلك عند المنزلين وعند محمد كأنهما أختان لأبوين فيسقط ولد الأب وتصح من مائة وستة وعشرين والقول في العمات المفترقات والخالات المفترقات وأولادهن كالقول في ولد الأخوات المفترقات (فصل) فإن كن ثلاث بنات ثلاث إخوة مفترقين فلبنت الأخ من الأم السدس والباقي لبنت الأخ من الأبوين هذا قول جميع المنزلين لأن الاخوة المفترقين يسقط ولد الأب منهم ولد الأبوين وللأخ للأم السدس والباقي كله للأخ للأبوين، ثم ما صار لكل أخ فهو لولده وكذلك الحكم في الأخوال المفترقين لأنهم إخوة الأم (مسائل) من ذلك ست بنات ستة إخوة مفترقين لولد الأم الثلث والباقي لولد الأبوين: ست بنات ثلاثة إخوة مفترقين لولد الأم السدس والباقي لولد الأبوين قول محمد لولد الأم الثلث: بنت أخ لأبوين وابن أخ لأم وبنت أخ آخر لام، ابن وبنت بنت أخ لأب وابنا وابنتا ابن أخ لأم وثلاث بني

وثلاث بنات بنت أخ لأم تصح من اثنين وسبعين عند المنزلين، فإن كان مكان الأخ من أب أخت كانت من ستين فإن كان معهم ابن بنت أخت من أبوين عادت إلى اثنين وسبعين (فصل) بنت أخ لأم وبنت ابن أخ لأب للأولى السدس والباقي للثانية عند المنزلين وفي القرابة هي للأولى لأنها أقرب إلى الميت. بنت بنت أخ لأبوين وبنت ابن اخ لابوبن المال لهذه في قول الجميع: بنت ابن أخ لأم وبنت بنت أخ لأبوين وابن بنت اخ لاب الاولى السدس والباقي للثانية، وقال أبو يوسف الكل للثانية: بنت أخ لأم وبنت بنت أخ لأب المال للأولى إلا في قول الثوري وابن سالم وضرار للأولى السدس والباقي للثانية لأنهم يورثون البعيد مع القريب، وإن كانا من جهة واحدة: ابن وبنت أخت لأبوين وبنتا أخ لأب وثلاثة بني أخت لاب وخمس بني أخت لأم وعشر بنات أخ لأم أصلها من ثمانية عشر وتصح من خمسمائة وأربعين في قول المنزلين النصف من ذلك بين ولدي الأخت للأبوين بالسوية عند من سوى وأثلاثاً عند من فضل ولولد الأم الثلث وهو مائة وثمانون لولد الأخ تسعون ولولد الأخت تسعون ولولد الأب تسعون ولولد الأخ ستون ولولد الأخت ثلاثون: ثلاث بنات إخوة مفترقين وثلاث بنات أخوات مفترقات لولدي الأم الثلث بينهما بالسوية والباقي لولدي الأبوين لبنت الأخ ثلثاه ولبنت الأخت ثلثه وإن كان معهم ثلاث بني أخوال مفترقين فلهم السدس لأبن الخال من الأم سدسه

وباقيه لابن الخال من الأبوين ويبقى النصف لبنت الأخ من الأبوين ثلثاه ولبنت الأخت ثلثه وتصح من ستة وثلاثين. (مسألة) (وإن اختلفت منازلهم من المدلى به جعلته كالميت وقسمت نصيبه بينهم على ذلك كثلاث خالات مفترقات وثلاث عمات مفترقات فالثلث بين الخالات على خمسة والثلثان بين العمات كذلك فاجتز بإحداهما واضربها في ثلاثة تكن خمسة عشر للخالة التي من قبل الأب والأم ثلاثة أسهم وللخالة التي من قبل الأب سهم وللتي من قبل الأم سهم وللعمة التي من قبل الأب والأم ستة أسهم وللتي من قبل الأب سهمان وللتي من قبل الأم سهمان، إنما كان كذلك لأن الخالات بمنزلة الأم والعمات بمنزلة الأب فكأن الميت خلف أباه وأمه فلأمه الثلث والباقي للأب فما صار للأم بين أخواتها على خمسة لأنهن أخوات لها، مفترقات فيقسم نصيبها بينهن بالفرض والرد على خمسة كما يقسم مال الميت بين أخواته المفترقات، وما صار للأب قسم بين أخواته على خمسة فصار الكسر في الموضعين على خمسة وإحداهما تجزئ عن الأخرى لأنهما عددان متماثلان، فتضرب إحداهما في أصل المسألة وهي ثلاثة تكن خمسة عشر، فللخالات سهم في خمسة مقسومة بينهن كما ذكر وللعمات سهمان في خمسة مقسومة بينهن على خمسة كما ذكر وهذا قول عامة المنزلين وعند أهل القرابة للعمة من الأبوين الثلثان وللخالة من الأبوين

الثلث وسقط سائرهن، وقال نعيم واسحاق الخالا ت كلهن سواء فيكون نصيبهن بينهن على ثلاثة وكذلك نصيب العمات بينهن على ثلاثة يتساوين فيه فتكون هذه المسألة من تسعة، فإن كان مع الخالات خال من أم ومع العمات عم من أم فسهم كل واحد من الفريقين بينهم على ستة وتصح من ثمانية عشر عند المنزلين (مسألة) (فإن خلف ثلاثة أخوال مفترقين فللخال من الأم السدس والباقي للخال من الأبوين) كما لو خلف ثلاثة إخوة مفترقين ويسقط الخال من الأب كما يسقط الأخ من الأب في الاخوة المفترقين بالأخ من الأبوين، وكذلك ثلاثة أخوال، مفترقين مع ثلاث خالات مفترقات كثلاث بنات إخوة مفترقين مع ثلاث بنات أخوات مفترقات كما ذكر (مسألة) (فإن كان معهم أبو أم أسقطهم) كما يسقط الأب الاخوة وأولادهم (فصل) ثلاثة أخوال مفترقين معهم أخواتهم وعم وعمة من أم الثلث بين الأخوال والخالات على ستة للخال والخالة من الأم الثلث بينهما بالسوية وثلثاه للخال والخالة من الأبوين بينهما على ثلاثة عند من فضل وهو قول أكثر المنزلين وإحدى الروايتين عند أحمد وذكرها الخرقي في الخال والخالة خاصة والرواية الأخرى هو بينهما على السوية، والثلثان بين العم والعمة بالسوية: ثلاث عمات وثلاث بنات عم، وثلاث خالات، وثلاثة بني خال، الميراث للعمات والخالا ت وسقط الباقون ويكون للخالات الثلث والباقي للعمات، فإن كان معهم ثلاث بنات إخوة فللخالات السدس والباقي للعمات لأنهن بمنزلة الأب

مسألة: فإن خلف ثلاثة أخوال مفترقين، فللخال من الأم السدس والباقي للخال من الأبوين

فيسقط منهن بنات الاخوة لأنهن بمنزلة الاخوة ويحتمل أن يجعل أولاد الاخوة والأخوات من جهة الأبوة فيقدم ولد الأبوين وولد الأب على العمات لأنهن أولاد بنيه والعمات أخواته، ووجه هذا الاحتمال أننا إذا جعلنا الاخوة جهة والأبوة جهة أخرى مع ما تقرر من أصلنا أن البعيد والقريب اذا كانا من جهتين نزل البعيد حتى يلحق بوارثه سواء سقط به القريب أو لا لزم منه سقوط بنات الاخوة ببنات العم من الأم لأنهن من جهة الأب ويلزم من هذا أن يسقطن ببنات العمات وبنات الأعمام كلهم، فأما إن كان مكان العمات والخالات بناتهن فللخالات السدس بين بناتهن على خمسة والباقي لبنات الاخوة لبنت الأخ من الأم السدس والباقي لبنت الأخ من الأبوين، وتصح المسألة من ثلاثين فإن لم يكن بنات اخوة من أبوين ولا من أب فالباقي لبنت العم من الأبوين. (فصل) خالة وابن عمة للخالة الثلث والباقي لابن عمته، وهذا قول الثوري ومن ورث البعيد مع القريب، وفي قول أكثر المنزلين وأهل القرابة: المال للخالة لأنها أقرب وكذلك إن كان مكان الخالة خال عمة وابن خال معه أخته الثلث بين ابن الخال وأخته بالسوية إن كان أبوهما خالا من أم وإن كان من أب أو من أبوين ففيه روايتان (إحداهما) هو بينهما بالسوية ايضاً (والثانية) على ثلاثة والباقي للعمة وعند أكثر الفرضيين المال للعمة: بنت عم وابن عمة وبنت خال وابن خالة الثلث بين بنت الخال وابن الخالة بالسوية إن كانا من أم وإن كانا من أبوين أو من أب فهل هو بالسوية أو على ثلاثة؟

فيه روايتان. وإن كان ابن الخالة من أم والخال من أب فلابن الخالة سدس الثالث والباقي لبنت الخال وإن كانت بنت الخال من أم وابن الخالة من أب فالثلث بينهما على أربعة والباقي لابن العمة وعند أكثر المنزلين المال كله لبنت العم لانه أسبق إلى الوارث: خالة وبنت عم ثلث وثلثان وعند أهل القرابة هو للخالة: عمة وبنت عم من نزل العمة أبا جعل المال لها ومن نزلها عماً جعله بينهما نصفين وكذلك من أمات السبب: بنت ابن عم لأب وبنت عمة لأبوين المال لبنت ابن العم: ابن خال من أم وبنت خالة من أب وبنت عم من أم وابن عمة من أب الثلث من أربعة والثلثان من أربعة أيضاً وتصح من اثني عشر وفي القرابة الثلث لبنت الخالة والثلثان لابن العمة وتصح من ثلاثة. (فصل) خالة وخال وابوام المال لأبي الأم فإن كان معهم ابنة عم أو عمة فالثلث لأبي الأم والباقي لابنة العم أو العمة فإن كان مكان أبي الأم أمه فلا شئ لها لأن الخالة أسبق إلى الوارث والجهة واحدة: خالة وأبو أم أم، المال للخالة، لأنها بمنزلة الأم وهي تسقط أم الأم: ابن خال وابن أخ من أم، المال بينهما على ثلاثة كأنهما أم وأخ من أم وعند المنزلين هو لابن الأخ فإن كان معهما ابن أخت من أب فالمال بينهم على خمسة لابن الأخت ثلاثة أخماسه ولكل واحد منهما الخمس، فإن كان معهم بنت أخ من أبوين فلها النصف ولكل واحد من الباقين السدس. وعند المنزلين لا شئ لابن الخال، والمال بين الباقين على خمسة: خال، وابن ابن أخت لأم، المال بينهما على ثلاثة، وعند المنزلين هو للخال

بنت بنت أخت لأبوين، وابن ابن أخ لأم، وبنت ابن أخ لأب وبنت خالة، لهذه السدس، والباقي لبنت ابن الأخ. وعند المنزلين المال كله لها (فصل) عمة وابنة أخ، المال للعمة عند من نزلها أباً ولابنة الأخ عند من نزلها عما، وبينهما عند من نزلها جداً. بنت عم وبنت عمة وبنت أخ من أم وبنت أخ من أب، لبنت الأخ من الأم السدس، والباقي لبنت الأخ من الأب، فإن لم يكن بنت أخ من أب فالباقي لبنت العم، ويجئ على قول من نزل البعيد حتى يلحق بوارثه وجعل الأبوة جهة والأخوة جهة أن يسقط أولاد الأخوة فإن جعل الأبوة جهة والعمومة جهة أخرى أسقط بنت العم ببنت العمة، وقيل إن هذا قول ابن سالم وهو بعيد. بنت عم وبنت خال وبنت أخ من أب لبنت الخال الثلث والباقي لبنت الأخ وعند أكثر المنزلين الكل لبنت الأخ. ثلاث بنات أخوات مفترقات وثلاث بنات عمات مفترقات السدس الباقي بين بنات العمات على خمسة وتصح من ثلاثين فإن كان معهم خال أو خالة أو واحد من أولادهما فله السدس ولا شئ لولد العمات إلا على قول ابن سالم وأصحابه فإنه يورثهم ويسقط ولد الأخوات ويقتضيه قول أبي الخطاب. خالة وعمة وست بنات ثلاث أخوات مفترقات، للخالة السدس والباقي للعمة ومن نزلها عماً فلبنتي الأخت من الأبوين النصف ولبنتي الأخت من الأب السدس ولبنتي الأخت من الأم السدس فإن كن بنات ست أخوات مفترقات عالت على هذا إلى سبعة

(مسألة) وإن خلف ثلاث بنات عمومة مفترقين فالمال لبنت العم من الأبوين وحدها) أكثر أهل التنزيل على هذا وهو قول أهل القرابة، وقال الثوري المال بين بنت العم من الأبوين وبنت العم من الأم على أربعة وقال أبو عبيد لبنت العم من الأم السدس والباقي لبنت العم من الأبوين كبنات الاخوة. قال شيخنا ولا يصح شئ من هذا لأنهن بمنزلة آبائهن، ولو كان آباؤهن أحياء لكان المال للعم من الأبوين، وفارق بنات الاخوة لأن آباءهن يكون المال بينهم على ستة ويرث الأخ من الأم مع الأخ من الأبوين بخلاف العمومة، وقيل على قياس قول محمد بن سالم المال لبنت العم من الأم لأنها بعد درجتين بمنزلة الأب فيسقط به العم. قال الخبري وليس بشي، وقد ذكر أبو الخطاب قولا من رأيه يفضي إلى هذا فإنه ذكر أن الأبوة جهة والعمومة جهة أخرى، وأن البعيد والقريب من ذوي الأرحام اذا كانا من جهتين نزل البعيد حتى يلحق بوارثه سواء سقط به القريب أو لا، فيلزم على هذا أن تنزل بنت العم من الأم حتى تلحق بالأب فيسقط بها بنتا العمين الآخرين. وأظن أبا الخطاب لو علم إفضاء هذا القول إلى هذا لم يذهب إليه لما فيه من مخالفة الإجماع ومقتضى الدليل وإسقاط القوي بالضعيف والقريب بالبعيد. قال شيخنا ولا يختلف المذهب أن الحكم في هذه المسألة على ما ذكرنا أولاً (ومن مسائل ذلك) بنت عم لأبوين وبنت عم لأب، المال للأولى. بنت عم لأب وبنت عم لأم كذلك

مسألة: وإن خلف ثلاث بنات عمومة مفترقين فالمال لبنت العم من الأبوين وحدها

بنت عم لأب وبنت ابن عم لأبوين كذلك: بنت ابن عم لأب وبنت عم لأم المال للأولى عند المنزلين، وللثانية عند أهل القرابة لأنها أقرب. بنت عم لأم وبنت بنت عم لأبوين المال للأولى في قولهم جميعاً. بنت عم وابن عمة المال لبنت العم عند الجمهور. وحكي عن الثوري أن لبنت العم سهمين ولابن العمة سهم. بنت بنت عم وبنت ابن عم. المال لهذه عند الجمهور، وقول ابن سالم هو للاولى. بنت عمة من أبوين وبنت عم من أم، لبنت العم السدس، ولبنت العمة النصف ويرد عليهما الباقي فيكون بينهما على أربعة. ثلاث بنات عمات مفترقات وبنت عم من أم المال بينهن على ستة فإن كان معهن بنت عم من أبوين أو أب ورثت المال دونهن (مسألة) (فإن أدلى جماعة منهم بجماعة قسمت المال بين المدلى بهم كأنهم أحياء فما صار لكل وارث فهو لمن أدلى به) إذا لم يسبق بعضهم بعضا فإن سبق بعضهم بعضا فالسابق إلى الوارث أولى كبنت بنت بنت وبنت أخ لأم المال لبنت بنت البنت لأن جدتها تسقط الأخ من الأم، ومن ورث الأقرب جعله لبنت الأخ والقول الاولى أولى، وإن كانوا من جهتين نزل البعيد حتى يلحق بوارثه فيأخذ نصيبه سواء سقط

مسألة: فإن أدلى جماعة منهم بجماعة، قسمت المال بين المدلى بهم كأنهم أحياء، فما صار لكل وارث فهو لمن أدلى به

القريب أو لم يسقط إذا كانوا من جهة واحدة كخالة وأم أبي أم الميراث للخالة لانها تلقى لام بأولى درجة، وإن أسقط بعضهم بعضاً كأبي الأم والأخوال فأسقط الأخوال لأن الأب يسقط الاخوة والأخوات. ونقل عن أحمد جماعة من أصحابه في خالة وبنت خالة وبنت ابن عم للخالة الثلث ولابنة ابن العم الثلثان ولا تعطى بنت الخالة شيئاً ونقل حنبل عنه أنه قال: قال سفيان قولا حسناً إذا كانت خالة وبنت ابن عم تعطى الخالة الثلث وبنت ابن العم الثلثين وظاهر هذا يدل على ما قلناه وهو قول الثوري ومحمد بن سالم والحسن بن صالح وقال ضرار بن صرد إن كان البعيد إذا نزل أسقط القريب فالقريب أولى وإن لم يكن يسقطه نزل البعيد حتى نلحقه بالوارث، وقال سائر المنزلين الأسبق إلى الوارث أولى بكل حال ولم يختلفوا فيما علمت في تقديم الأسبق اذا كانا من جهة واحدة إلا نعيماً ومحمد بن سالم فإنهما قالا في عمة وبنت عمة المال بينها نصفين. (فصل) فإن انفرد واحد من ذوي الأرحام أخذ المال كله في قول جميع من ورثهم فإن كانوا جماعة فأدلوا بشخص واحد كخالة وأم أبي أم وابن خال فالمال للخالة لأنها تلقى الأم بأول درجة وهذا قول عامة المنزلين إلا أنه حكي عن النخعي وشريك ويحيى بن آدم في قرابة الأم خاصة أنهم أماتوا الأم وجعلوا نصيبها لورثتها، ويسمى قولهم قول من أمات السبب واستعمله بعض الفرضيين في جميع ذوي

الأرحام فعلى قولهم يكون للخالة نصف ميراث الأم لأنها أخت، لأم أبي الأم السدس لأنها جدة والباقي لابن الخال لأنه ابن أخ. ولنا أن الميراث من الميت لا من سببه ولذلك ورثنا أم أم الأم دون ابن عم الأم بغير خلاف أيضاً في أبي أم أم وابن عم أبي أم إن المال للجد لأنه أقرب، ولو كانت الأم الميتة كان وارثها ابن عم أمها دون أبي أمها. خالة وأم أبي أم وعم أم المال للخالة وعندهم للخالة النصف وللجدة السدس والباقي للعم، فإن لم يكن فيها عم أم فالمال بين الخالة وأم أبي الأم على أربعة، فإن لم يكن فيها جدة فالمال بين الخالة وعمها نصفين. ابن خالة وابن عم أم المال لابن الخالة وعندهم لابن عم الأم (مسألة) (والجهات أربع الأبوة والأمومة والبنوة والأخوة) قال شيخنا لم أعلم أحداً من أصحابنا ولا من غيرهم عد الجهات وبينها إلا أبا الخطاب فانه عدها خمس جهات الأبوة والامومة والبنوة الاخوة والعمومة، وهذا يفضيى إلى أن بنت العم من الأم وبنت العمة تسقط بنت العم من الأبوين. قال شيخنا ولم أعلم أحداً قال به وقد ذكر شيخنا في المغنى أنه قياس قول محمد بن سالم لأنها تعد درجتين بمنزلة الأب والأب يسقط العم، وكذلك بنت العم من جهة الأب وبنت العم من جهة العم، والصواب إذاً أن تكون الجهات أربعا الأبوة والأمومة والبنوة والأخوة، إلا أنا إذا جعلنا الاخوة جهة أفضى إلى إسقاط بنت الأخ وبنات الاخوات وبنوهن ببنات الأعمام والعمات وهو بعيد أيضاً لأن الأخ يسقط

مسألة: والجهات أربع: الأبوة، والأمومة، والبنوة، والأخوة

العم فعلى هذا ينبغي أن تكون الجهات ثلاثة الأبوة والأمومة والبنوة وهو الذي اختاره شيخنا أخيراً ذكره في كتاب العمدة، فعلى هذا يرث أسبقهم إلى الوارث وهو أولى إن شاء الله تعالى (مسائل) من هذا بنت بنت بنت وبنت بنت بنت بنت وبنت أخ، المال بين الأولى والثالثة وسقطت الثانية إلا عند محمد بن سالم ونعيم فإنها تشاركهما، ومن ورث الأقرب جعله لبنت الأخ لأنها أسبق وعند أهل القرابة هو للأولى وحدها لأنها من ولد الميت وهي أقرب من الثانية. ان خال وبنت عم ثلث وثلثان ومن ورث الأسبق جعله لبنت العم فإن كان معهما بنت عمة فلا شئ لها لأن بنت العم أسبق إلى الوارث منهما وهما من جهة واحدة، وإن كان معهم عمة سقطت بنت العم لأن العمة بمنزلة الأب وبنت العم بمنزلة العم. بنت بنت بنت وبنت بنت ابن المال للثانية عند الجميع إلا ابن سالم ونعيم. بنت بنت بنت وابن أخ لأم المال للأولى، ومن ورث الأقرب جعله لابن الأخ وهو قول ضرار لأن البعيد إذا نزل أسقط القريب. بنت بنت وبنت بنت ابن المال بينهما على أربعة عند جميع المنزلين وعند أهل القرابة هو لبنت البنت لأنها أقرب. ابن بنت بنت وبنت أخ هو بينهما ومن ورث الأقرب جعله لبنت الأخ وعند أهل القرابة هو لابن بنت البنت. ابن بنت وابن ابن ابن أخت لأبوين المال بينهما وعند من ورث الأقرب وأهل القرابة هو للأول. بنت أخ وبنت عم أو بنت عمة المال لبنت الأخ، وقياس قول أحمد في توريث القريب مع البعيد إن كانا من جهتين أن يكون لبنت العم والعمة لأنها من جهة الأب وذلك قول ضرار

أيضاً. ابن أخت وابن عم لأم الميراث بينهما ومن ورث الأقرب جعله لابن الأخت وهو قول أهل القرابة لأنها من ولد أبوي الميت ولأن العم للأم من ولد أبوي أبويه. بنت عم وبنت عم أب هو للأولى عند الجميع إلا ابن سالم ونعيم. بنت بنت بنت وأم أبي أم المال بينهما على أربعة. بنت بنت بنت وابوام أب مثلها عندنا وعند من ورث الأقرب جعله للثاني. بنت بنت بنت ابن وعمة أو خالة. للأولى النصف في الأولى ومع الخالة لها ثلاثة أرباع المال وعند من ورث الأقرب الكل للعمة أو للخالة (فصل) في عمات الأبوين وأخوالهما وخالاتهما، مذهبنا تقديم الأسبق إلى الوارث إن كانا من جهة واحدة وتنزيل البعيد حتى يلحق بوارثه إن كانا من جهتين. ثم يجعل لمن أدلى به ما كان له وأكثر المنزلين يعطون الميراث للأسبق بكل حال، والمشهور عند أهل العراق أن نصيب الأم بين خالها وخالتها وعمها وعمتها على ثلاثة ونصيب الأب بين عماته وخالاته كذلك (ومن مسائل ذلك) ثلاث خالات أم مفترقات وثلاثة أعمام أم مفترقين وثلاث خالات أب مفترقات فخالات الأم بمنزلة أم الأم وخالات الأب بمنزلة أم الأب فيكون المال بين هاتين الجدتين نصفين ونصيب كل واحدة منهما بين أخواتها على خمسة ويسقط أعمام الأم لأنهم بمنزلة أبي الام وهو غير وارث فإن كان معهم عمات أب فلخالات الأب والأم السدس بينهما والباقي لعمات الأب لأنهن بمنزلة الجد. عمة أب وعمة أم لعمة الأم الثلث والباقي لعمة الأب هذا قياس المذهب وهو قول أهل العراق

وقال القاضي المال لعمة الأب لأنها أسبق لكونها أخت الجد وهو وارث وهذا قول أكثر المنزلين لأنهم يورثون الأسبق بكل حال. خالة أم وعمة أب للخالة السدس والباقي للعمة لأنها كجد وجدة وكذلك القول في خالة أب وعمته. خالة أم وخالة أم أب المال لخالة الأم لأنهما بمنزلة أم أم وأم أم أب. خال أب وعم أم المال للخال لأنه بمنزلة جدة. والجدات بمنزلة الأمهات. بنت خال أم وبنت عم أب لبنت الخال السدس ولبنت العم ما بقي ومن ورث الأسبق جعل الكل لبنت العم. ابوابي ام وابوام أب المال لأبي أم الأب فإن كان معهما ابوام أم فهو بينهما نصفين لأنهما بمنزلة جدتين متحاذيتين ابوام ابي ام وابوابي أم أم المال للثاني لأنه أسبق فإن كان معهما ابوام أبي أب فالمال له لأنه بأول درجة يلقى الوارث. أب وأم أبي أم لأم أبي الأم الثلث والباقي للأب فإن كان معهما ابوام أم فالمال له لأنه يدلي بوارث فإن كان معهم ابوام أب فالمال بين هذا والذي قبله نصفين (مسألة) (ومن أمت بقرابتين ورث بهما باجماع من المورثين) إلا شيئاً يحكى عن أبي يوسف أنهم لا يرثون إلا بقرابة واحدة، ولا يصح عنه ولا هو صحيح في نفسه لأنه شخص له جهتان لا يرجح بهما فورث بهما كالزوج إذا كان ابن عم وابن العم اذا كان أخاً لأم، وحساب ذلك أن تجعل ذا القرابتين كشخصين فتقول في ابن بنت بنت هو ابن ابن بنت أخرى وبنت بنت بنت أخرى للابن الثلثان وللبنت الثلث فإن كانت أمهما واحدة فله ثلاثة أرباع المال عند من سوى ولأخته الربع ومن فضل جعل له النصف

مسألة: وإن مات على ردته فماله فيء، وعنه أنه لورثته من المسلمين، وعنه أنه لورثته من أهل الدين الذي اختاره

والثلث ولأخته السدس وهذا قول أكثر المنزلين وقول أبي حنيفة ومحمد وقياس قول أبي يوسف له أربعة أخماس ولأخته الخمس. بنتا أخت من أم إحداهما بنت أخ من أب وبنت أخت من أبوين هي من اثني عشر ستة لبنت الأخت من الأبوين وأربعة لذات القرابتين من جهة أبيها ولها سهم من جهة أمها وللاخرى سهم. عمتان من أب إحداهما خالة من أم وخالة من أبوين هي من اثني عشر أيضاً لذات القرابتين خمسة وللعمة الأخرى أربعة وللخالة من الأبوين ثلاثة فإن كان معهما عم من أم وهو خال من أب صحت من تسعين. ابن وبنت ابن عمة من أم البنت هي بنت عم من أم والعم هو خال من أب. ابن وبنت ابن خال من أب الابن هو ابن بنت خال آخر من أب والخالات عمان من أم هي من ثمانية عشر (مسألة) (فإن اتفق معهم أحد الزوجين أعطيته فرضه غير محجوب ولا معاول) قال شيخنا لا أعلم خلافا عمن ورثهم أنهم يرثون مع أحد الزوجين ما فضل ميراثه من غير حجب ولا معاولة لأن الله سبحانه فرض للزوج والزوجة ونص عليهما فلا يحجبان بذوي الأرحام وهم غير منصوص عليهم وقسمت المال بينهم كما لو انفردوا وروي ذلك عن إمامنا وبه قال أبو عبيد ومحمد بن الحسن واللؤلؤي وعامة من ورثهم ويحتمل أن يقسم الباقي عن فرض الزوج كما يقسم بين من أدلوا به مع أحد الزوجين على الحجب والعول فيفرض

مسألة: فإن اتفق معهم أحد الزوجين، أعطيته فرضه غير محجوب ولا معاول

للزوج سهمه كاملاً من غير حجب ولا عول ثم يقسم الباقي بينهم على قدر سهامهم وهذا قول يحيى بن آدم وضرار: وإنما يقع الخلاف في مسألة فيها من يدلي بذي فرض ومن بدلي بعصبة فأما إن أدلى جميعهم بذي فرض أو عصبة فلا خلاف فيه، فنقول في زوج وبنت بنت وبنت أخت لأبوين أو لأب للزوج النصف والباقي بينهما نصفين وتصح من أربعة على القول الأول وعلى الثاني من ستة للزوج ثلاثة ولبنت البنت سهمان ولبنت الأخت سهم زوجة وابنتا ابنتين وابنتا أختين للزوجة الربع ولبنتي البنتين ثلثا الباقي وهو النصف ولبنتي الأختين الباقي وهو الربع وتصح من ثمانية وعلى قول يحيى وضرار تفرض المسألة من ثمانية للزوجة الثمن وللبنتين الثلثان وليس لها ثلثان فتضربها في ثلاثة تكن أربعة وعشرين للزوجة الثمن ولبنتي البنتين الثلثان ستة عشر والباقي لبنتي الاختين وهو خمسة، ثم تعطي الزوجة الربع وتقسم الباقي على أحد وعشرين للبنتين ستة عشر ولبنتي الأختين خمسة، والأحد وعشرون ثلاثة أرباع فكملها بأن تزيد عليها ثلثها تكن ثمانية وعشرين للزوجة سبعة وللبنتين ستة عشر يبقى خمسة لا تنقسم على بنتي الأختين فتضربها في اثنين تكن سنة وخمسين ومنها تصح. زوج وبنت بنت وخالة وبنت عم للزوج النصف والباقي بين ذوي الأرحام على ستة لبنت البنت ثلاثة وللخالة سهم ويبقى لبنت العم سهمان وتصح من اثني عشر، وفي قول يحيى وضرار تفرض المسألة من اثني عشر للزوج ثلاثة وللبنت ستة وللأم سهمان يبقى للعم سهم ثم يعطى الزوج النصف ويجمع سهام الباقين وهي تسعة لهم النصف فتصح من ثمانية عشر، فإن كان مكان لزوج امرأة فعلى القول الأول للمرأة الربع والباقي بين ذوي

الأرحام على ستة وهي توافق باقي مسألة الزوجة بأثلاث فتردها إلى اثنين وتضربها في أربعة تكن ثمانية للمرأة سهمان ولبنت البنت نصف الباقي ثلاثة وللخالة سهم ولبنت العم سهمان، وعلى قول يحيى تفرضها من أربعة وعشرين لذوي الأرحام منها أحد وعشرون ثم تفرض للمرأة الربع من أربعة لها سهم ولهم ثلاثة توافق سهامهم بالثلث فتضرب ثلثها في أربعة تكن ثمانية وعشرين ومنها تصح. امرأة وثلاث بنات ثلاث إخوة مفترقين. امرأة وبنت بنت وثلاث خالات مفترقات وثلاث عمات مفترقات (مسألة) (ولا يعول من مسائل ذوي الأرحام إلا مسألة واحدة وشبهها) وهي خالة أو غيرها ممن يقوم مقام الأم أو الجدة وست بنات ست أخوات مفترقات أو من يقوم مقامهن ممن يأخذ المال بالفرض فإنها من ستة للخالة السدس ولبنتي الأختين من الأم الثلث ولبنتي الأختين من الأبوين الثلثان أربعة تعول إلى سبعة لأن العول الزائذ على هذا لا يكون إلا لأحد الزوجين وليس ذلك في ذوي الأرحام

مسألة: ولا يعول من مسائل ذوي الأرحام إلا مسألة واحدة وشبهها

(باب ميراث الحمل) (إذا مات عن حمل يرثه وطالب بقية الورثة بالقسمة وقفت له نصيب ذكرين إن كان نصيبهما أكثر وإلا وقفت له نصيب ابنتين) وجملة ذلك أن الإنسان إذا مات عن حمل يرثه وقف الأمر حتى يتبين فإن طالب الورثة بالقسمة لم يعطوا كل المال بغير خلاف بين العلماء إلا ما حكي عن داود، والصحيح عنه مثل قول الجماعة ولكن يدفع إلى من لا ينقصه كمال ميراثه وإلى من ينقصه أقل ميراثه ولا تدفع إلى من يسقطه شيئاً، فأما من يشاركه فأكثر أهل العلم قالوا يوقف للحمل شئ ويدفع إلى شركائه الباقي وبهذا قال أبو حنيفة وأصحابه والليث وشريك ويحيى بن آدم وهو رواية الربيع عن الشافعي والمشهور عنه أنه لا يدفع إلى شركائه شئ لأن الحمل لا حد له ولا نعلم كم يترك له وقد حكى الماوردي قال: أخبرني رجل من أهل اليمن ورد طالبا للعلم وكان من اهل الدين والفضل أن امرأة ولدت باليمن شيئاً كالكرش فظن أن لا ولد فيه فألقي على قارعة الطريق فلما طلعت الشمس وحمي بها تحرك فأخذ وشق فخرج منه سبعة أولاد ذكور وعاشوا جميعاً وكانوا خلفا سوياً إلا أنه كان في أعضادهم قصر قال وصارعني أحدهم فصرعني فكنت أعير به فيقال صرعك سبع رجل

باب ميراث الحمل

قال شيخنا وقد أخبرني من أثق به سنة ثمان وستمائة أو سنة تسع عن ضرير بدمشق أنه قال: ولدت امرأتي في هذه الأيام سبعة في بطن واحد ذكوراً وإناثاً، قال وكان بدمشق أم ولد لبعض كبرائها فتزوجت بعده من كان يقرأ عليها وكانت تلد ثلاثة في كل بطن، وقال غير الشافعي هذا نادر لا يعول عليه فلا يجوز منع الميراث من أجله كما لو لم يظهر بالمرأة حمل. (فصل) واختلف القائلون بالوقف فيما يوقف فعن أحمد أنه يوقف نصيب ذكرين إن كان ميراثهما أكثر أو نصيب أنثيين إن كان أكثر وهذا قول محمد بن الحسن واللؤلؤي وقال شريك يوقف نصيب أربعة فإني رأيت بني إسماعيل أربعة ولدوا في بطن واحد محمد وعمر وعلي قال يحيى وأظن الرابع إسماعيل وروى ابن المنذر هذا القول عن أبي حنيفة ورواه الربيع عن الشافعي، وقال الليث وأبو يوسف يوقف نصيب غلام ويؤخذ ضمين من الورثة ولنا أن ولادة التوأمين كثير معتاد فلم يجز قسم نصيبهما كالواحد وما زاد عليها نادر فلم يوقف له شئ كالخامس والسادس (مسألة) (فإذا وضع الحمل دفعت إليه نصيبه ورددت الباقي إلى مستحقه، وإن كان يرث الموقوف كله أخذه، وإن أعوز شيئاً رجع على من هو في بدء)

مسألة: فإذا وضع الحمل دفعت إليه نصيبه، ورددت الباقي إلى مستحقه، وإن كان يرث الموقوف كله أخذه، وإن أعوز شيئا رجع على من هو في يده

(مسائل من ذلك) امرأة حامل وبنت للمرأة الثمن، وللبنت خمس الباقي وفي قول شريك تسعة وفي قول أبي يوسف ثلثه بضمين، ولا يدفع إليها شئ في المشهور عن الشافعي، فإن كان مكان البنت ابن دفع إليه ثلث الباقي أو خمسه أو نصفه على اختلاف الأقوال، ومتى زادت الفروض على ثلث المال فميراث الإناث أكثر، فإذا خلف أبوين وامرأة حاملا فللمرأة ثلاثة من سبعة وعشرين وللأبوين ثمانية منها ويوقف ستة عشر ويستوي ههنا قول من وقف نصيب اثنين وقول من وقف بين أربعة وقول أبي يوسف تعطى المرأة ثمناً كاملا والأبوان ثلثاً كاملاً ويؤخذ منهم ضمين، فإن كان معهم بنت دفع إليها ثلاثة عشر من مائة وعشرين وفي قول شريك ثلاثة عشر من مائتين وستة عشر، وفي قول أبي يوسف ثلاثة عشر من اثنين وسبعين، ويؤخذ من الكل ضمين من البنت لاحتمال أن يولد أكثر من واحد ومن الباقين لاحتمال أن تعول المسألة، وعلى قولنا يوافق بين سبعة وعشرين وبين مائة وعشرين بأثلاث ويضرب ثلث إحداهما في الأخرى تكن ألفاً وثمانين للبنت ثلاثة عشر في تسعة، مائة وسبعة عشر، وللأبوين والمرأة أحد عشر في أربعين وما بقي فهو موقوف زوج وأم حامل من الأب المسألة من ثمانية، للزوج ثلاثة، وللأم سهم ويقف أربعة وقال أبو يوسف ندفع إلى الأم سهمين ونقف ثلاثة ونأخذ منها ضميناً، هكذا حكى عنه الخبري وإن كان في المسألة من يسقط بولد الأبوين كعصبة أو أحد من ولد الأب لم يعط شيئاً ولو كان في هذه المسألة جد فللزوج الثلث، وللأم السدس، وللجد السدس، والباقي موقوف، وقال

أبو حنيفة: للزوج النصف، وللأم السدس، وللجد السدس، ويقف السدس بين الجد والام ولا شئ للحمل لأن الجد يسقطه، وأبو يوسف يجعلها من سبعة وعشرين ويقف أربعة أسهم. وحكي عن شريك أنه كان يقول تعول على الجد فيقف ههنا نصيب الإناث فتكون عنده من تسعة تقف منها أربعة ولو لم يكن فيها زوج كان للأم السدس، وللجد ثلث الباقي، ويقف عشرة من ثمانية عشر وعند أبي حنيفة للجد الثلثان، وللأم السدس، ويوقف السدس بينهما، قول أبي يوسف يقف الثلث ويعطي كل واحد منهما ثلثاً ويؤخذ منهما ضمين، ومتى خلف ورثة وأما تحت الزوج فينبغي للزوج الامساك عن وطئها ليعلم أحامل هي أم لا؟ كذا يروي عن علي وعمر بن عبد العزيز والشعبي والنخعي وقتادة في آخرين فإن وطئها قبل استبرائها فأتت بولد لأقل من ستة أشهر ورث لأنا نعلم أنها كانت حاملاً به وإن ولدته لأكثر من ذلك لم يرث إلا أن يقر الورثة أنها كانت حاملاً يوم موت ولدها. (فصل) قال الشيخ رحمه الله (وإذا استهل المولود صارخاً ورث وورث وفي معناه العطاس والتنفس والارتضاع وما يدل على الحياة، فأما الحركة والاختلاج فلا يدل على الحياة) وجملة ذلك أن الحمل لا يرث إلا بشرطين (أحدهما) أنه كان موجوداً حال الموت وبعلم ذلك بأن تأتي به لأقل من ستة أشهر فإن أتت به لأكثر من ذلك وكان لها زوج أو سيد يطؤها لم يرث إلا أن يقر الورثة أنه كان موجوداً حال الموت وإن كانت لا توطأ لعدم الزوج أو السيد أو لغيبتهما

أو اجتنابهما الوطئ عجزاً أو قصداً أو غيره ورث ما لم يجاوز أكثر مدة الحمل وهي أربع سنين في إحدى الروايتين، وفي الأخرى سنتان (الشرط الثاني) أن تضعه حيا فإن وضعته ميتاً لم يرث في قول الجميع واختلف فيما يثبت به الميراث من الحياة فأتفقوا على أنه إذا استهل صارخاً ورث وورث، لما روى أبو داود بإسناده عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا استهل المولود ورث، وروى ابن ماجة عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله واختلفوا فيما سوى الاستهلال فقالت طائفة لا يرث حتى يستهل ولا يقوم غيره مقامه، ثم اختلفوا في الاستهلال ما هو؟ فقالت طائفة لا يرث حتى يستهل صارخاً، والمشهور عن أحمد أنه لا يرث حتى يستهل، روى ذلك عن ابن عباس والحسن بن علي وأبي هريرة وجابر وسعيد بن المسيب وعطاء وشريح والحسن وابن سيرين والنخعي والشعبي وربيعة ويحيى ابن سعيد وأبي سلمة بن عبد الرحمن ومالك وأبي عبيد واسحاق لأن مفهوم قوله عليه الصلاة والسلام " إذا استهل المولود ورث " أنه لا يرث بغير الاستهلال، وفي لفظ ذكره ابن سراقة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الصبي المنفوس " إذا وقع صارخاً فاستهل ورث وتمت ديته وسمي وصلي عليه وإن وقع حياً ولم يستهل صارخا لم تتم دينه وفيه غرة عبد أو أمة على العاقلة " وإنما سمي الصراخ من الصبي استهلالا تجوزاً، والأصل فيه أن الناس إذا رأوا الهلال صاحوا عند رؤيته واجتمعوا فأراه بعضهم بعضا فسمي الصوت عند استهلال الهلال استهلالا ثم سمي الصوت من الصبي المولود استهلالاً

لأنه صوت عند وجود شئ يجتمع له ويفرح به. وروى يوسف بن موسى عن أحمد أنه قال: يرث السقط ويورث إذا استهل، فقيل له ما الاستهلال؟ قال إذا صاح أو عطس أو بكى، فعلى هذا كل صوت يوجد منه تعلم به حياته فهو استهلال، وهذا قول الزهري والقاسم بن محمد لأنه صوت علمت به حياته فأشبه الصراخ وعن أحمد رواية ثالثة إذا علمت حياته بصوت أو حركة أو رضاع أو غيره ورث وثبت له أحكام الحياة وبهذا قال الثوري والاوزاعي والشافعي وأبو حنيفة وأصحابه، فأما الحركة والاختلاج فلا تدل على الحياة، فإن اللحم يختلج إذا خرج من مكان ضيق فتضامت أجزاؤه ثم خرج إلى مكان فسيح فإنه يتحرك وإن لم تكن فيه حياة، ثم إن كانت فيه حياة فلا يعلم كونها مستقرة لاحتمال أن تكون كحركة المذبوح فإن الحيوانات تتحرك بعد الذبح حركة شديدة وهي في حكم الميت. (مسألة) (وإن خرج بعضه فاستهل ثم انفصل ميتاً لم يرث) وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة وأصحابه إن خرج أكثره فاستهل ثم مات ورث، لقوله عليه الصلاة والسلام " إذا استهل المولود ورث " ولنا أنه لم يخرج جميعه فأشبه ما لو مات قبل خروج أكثره وعنه يرث الحديث المذكور ولأنه قد علمت حياته، والأولى ظاهر المذهب لأنه لم نثبت له أحكام الدنيا وهو حي أشبه ما لو مات في بطن أمه

مسألة: وإن خرج بعضه فاستهل ثم انفصل ميتا لم يرث

(مسألة) (وإن ولدت توأمين فاستهل أحدهما وأشكل، اقرع بينهما، فمن خرج سهمه فهو المستهل) إذا أشكل أحد التوأمين أيهما المستهل، فإن كانا ذكرين أو أنثيين أو ذكر وأنثى لا يختلف ميراثهما فلا فرق بينهما، وإن كان ذكراً وأنثى يختلف ميراثهما فقال القاضي من أصحابنا من قال يقرع بينهما فمن خرجت له القرعة فهو المستهل كما لو طلق إحدى نسائه فلم تعلم بعينها ثم مات، وكذلك النسوة إذا أراد السفر بإحداهن أو البداية بالقسم لها فإنه يقرع بينهن، وقال الخبري ليس في هذا عن السلف نص، وقال الفرضيون تعمل المسألة على الحالتين ويعطى كل وارث اليقين ويوقف الباقي حتى يصطلحوا عليه ويحتمل أن يقسم بينهم على حسب الاحتمال. ومن مسائل ذلك رجل خلف أمه وأخاه وأم ولد حاملاً منه فولدت توأمين ذكراً وأنثى فاستهل أحدهما ولم يعلم بعينه فقل إن كان الابن المستهل فللأم السدس والباقي له ترث أمه ثلثه والباقي لعمه فاضرب ثلاثة في ستة تكن ثمانية عشر، لأم الميت ثلاثة، ولأم الولد خمسة، وللعم عشرة، وإن كانت البنت المستهل فالمسألة من ستة وتموت البنت عن ثلاثة، لأمها سهم، ولعمها سهمان والستة تدخل في ثمانية عشر، فمن له شئ من ثمانية عشر مضروب في واحد ومن له شئ من ستة مضروب في ثلاثة فسدس الأم لا يتغير، وللعم من الستة أربعة في ثلاثة اثنا عشر وله من الثمانية عشر عشرة في واحد، فهذا اليقين فيأخذه، ولأم الولد خمسة في سهم، وسهم في ثلاثة، فيأخذها ويقف سهمين بين الأخ

مسألة: وإن ولدت توأمين فاستهل أحدهما وأشكل، أقرع بينهما، فمن خرج سهمه فهو المستهل

وأم الولد حتى يصطلحا عليهما، ويحتمل أن يقسم بينهما. امرأة حامل وعم ولدت المرأة ابناً وبنتاً فاستهل أحدهما ولم يعلم فالمسئلتان من أربعة وعشرين إذا أعطيت كل واحد أقل نصيبه بقيت ثلاثة موقوفة فإن كان معهما بنت فكل واحدة من المسئلتين من اثنين وسبعين والموقوف اثنا عشر امرأة وعم وأم حامل من الأب ولدت المرأة ابناً وبنتاً فاستهل أحدهما ولم يعلم فإن كان المستهل الأخ فهي من ستة وثلاثين فإن كانت الأخت فهي من ثلاثة عشر والمسئلتان متباينتان فاضرب إحداهما في الأخرى تكن أربعمائة وثمانية وستين وكل من له شئ من احدى المسئلتين مضروب في الأخرى فيدفع إلى كل واحد أقل النصيبين يبقى أربعة عشر منها تسعة بين المرأة والعم، وخمسة بين الأم والعم، فإن كانت المرأة والأم حاملين فوضعتا معا فاستهل أحدهما فكل واحدة منهما ترجع إلى ستة وثلاثين فيعطى كل وارث أقل النصيبين ويبقى أحد عشر سهماً، أربعة موقوفة بين الزوجة والأم وسبعة بين الأم والعم (فصل) إذا ولدت الحامل توأمين فسمع الاستهلال من أحدهما ثم سمع مرة أخرى فلم يدر أهو من الأول أو من الثاني؟ فيحتمل أن يثبت الميراث لمن علم استهلاله دون من شككنا فيه، لأن الأصل عدم استهلاله فعلى هذا الاحتمال أن علم المستهل بعينه فهو الوارث وحده وإن جهل كان كما لو استهل واحد منهما لا بعينه، وقال الفرضيون تعمل على الأحوال فيعطى كل وارث اليقين ويوقف الباقي

من مسائل ذلك أم حامل وأخت لأب وعم ولدت الأم بنتين فاستهلت إحداهما ثم سمع الاستهلال مرة أخرى فلم يدر أهل استهلت الأخرى أو تكرر من واحدة؟ فقل إن كان منهما جميعاً فقد ماتتا عن أربعة من ستة ولا يعلم أولهما موتاً فحكمهما حكم الغرقي فمن ذهب إلى أنه لا ترث إحداهما من الأخرى قال قد خلفا أماً وأختاً وعماً فتصح من ثمانية عشر وإن كان الاستهلال من واحدة فقد ماتت عن ثلاثة من ستة فتصح من اثني عشر وبينهما موافقة بالسدس فتصير من ستة وثلاثين للام واثنا عشر وللأخت كذلك وللعم تسعة وتقف ثلاثة تدعي الأم منها سهمين والعم سهما وتدعيها الأخت كلها فيكون سهمان بينهما وبين الأم وسهم بينها وبين العم زوج وجد وأم حامل ولدت ابناً وبنتاً فاستهل أحدهما ثم سمع الاستهلال مرة أخرى فلم يدر ممن هو؟ فإن كان الاستهلال تكرر من البنت فهي الأكدرية وماتت عن أربعة بين أمها وجدها فتصح من أحد وثمانين وإن تكرر من الأخ لم يرث شيئاً والمسألة من ستة للجد منها سهم وإن كان منهما فللأم السدس وللزوج النصف وللجد السدس ولهما السدس على ثلاثة فتصح من ثمانية عشر والثلاثة التي لهما بين الجد والأم على ثلاثة فصار للأم أربعة وللجد خمسة والثمانية عشر توافق أحدا وثمانين بالاتساع فتصير مائة واثنين وستين للزوج حقه من الأكدرية أربعة وخمسون وللأم تسعا المال من مسألة استهلالهما معا ستة وثلاثون وللجد السدس من مسألة استهلال الأخ وحده سبعة وعشرون يبقى خمسة وأربعون يدعي منها الزوج سبعة وعشرين والأم ثمانية عشر ويدعي منها

الجد سبعة وثلاثين وتقول الثمانية الفاضلة للأم فيحتمل أن تدفع إليها لأن الزوج والجد يقران لها بها. (فصل) وربما كان الحمل لا يرث إلا أن يكون ذكراً مثل أن يكون من جد الميت أو عمه أو أخيه مثال ذلك بنت عم وعم وامرأة أخ حامل للبنت النصف والباقي موقوف في قولهم جميعاً أم وعم وامرأة جد حامل للأم الثلث وللعم تسعان أم وبنت وامرأة أخ وامرأة عم حاملان للأم السدس وللبنت النصف ويوقف ثلث فإن ولدت امرأة العم ابناً لم يعط شيئاً لجواز أن تلد الأخرى ابنا وإن ولدت امرأة الأخ أولا ابنا أخذ الموقوف (فصل) وربما كان الحمل لا يرث إلا أن يكون أنثى مثاله زوج وأخت لأبوين وامرأة أب حامل يوقف سهم من سبعة فإن ولدت أنثى أو إناثاً أخذته وإن ولدت ذكراً أو ذكرين أو ذكراً وأنثى اقتسمه الزوج والأخت وكذلك إن تركت أختاً لأب لم يدفع اليها شئ لجواز أن تلد ذكراً فيسقطهما زوج وأبوان وبنت وامرأة ابن حامل تقف سهمين من خمسة عشر فإن ولدت أنثى أو إناثاً أخذتهما وإلا رجعت على الورثة فقسمته بينهم على ثلاثة عشر ورجعت المسألة إلى ذلك وكذلك إن كان معهم بنت ابن جد وأم حامل من الأب من ثمانية عشر تأخذ الأم ثلاثة والجد خمسة ويوقف عشرة فإن ولدت ذكرين فالعشرة لهما وإن ولدت انثيين

فلهما من العشرة سبعة ونصف وللجد اثنان ونصف وإن ولدت ذكراً وأنثى أخذ الجد من العشرة سهماً وللذكر ستة وللأنثى ثلاثة وإن ولدت أنثى أخذ الجد من العشرة ثلاثة والأنثى أربعة وللأم ثلاثة وإن ولدت ذكراً أخذت الأم ثلاثة وأخذ الجد سهماً والاخ ما بقي وإن لم تلد شيئاً أخذت الأم ثلاثة والجد ما بقي وإن كان معهم زوج فهي من ستة للزوج ثلاثة وللأم سهم وللجد سهم ويوقف سهم وإن ولدت ذكرين فالسهم لهما وتصح من اثني عشر وكذا إن ولدت ابنتين وإن ولدت ذكراً فالسهم للأم وتصح من ستة وإن ولدت أنثى فهي الأكدرية وإن ولدت ذكراً وأنثى فالسهم الباقي بينهما على ثلاثة وتصح من ثمانية عشر وإن لم تلد شيئاً أخذت الأم السهم باب ميراث المفقود وهو نوعان أحدهما من انقطع خبره لغيبة ظاهرها السلامة كالتاجر والسائح وطالب العلم ولم يعلم خبره ففيه روايتان إحداهما ينتظر به تمام تسعين سنة مع سنه يوم فقد وهذا قول عبد الملك ابن الماجشون لأن الغالب أنه لا يعيش أكثر من هذا والرواية الثانية لا يقسم ماله ولا تتزوج امرأته حتى يعلم موته أو تمضي عليه مدة لا يعيش في مثلها وذلك مردود إلى اجتهاد الحاكم وهذا قول الشافعي ومحمد

باب ميراث المفقود

ابن الحسن وهو المشهور عن مالك وأبي حنيفة وأبي يوسف لأن الأصل حياته والتقدير لا يضاف إليه إلا بالتوفيق ولا توفيق ههنا فوجب التوقف عنه وقال عبد الله بن الحكم لينتظر به تمام سبعين سنة مع سنه يوم فقد ولعله يحتج بقول النبي صلى الله عليه وسلم " أعمار أمتي ما بين الستين والسبعين " أو كما قال ولأن الغالب أن لا يعيش أكثر من هذا فأشبه التسعين وقال الحسن ابن زياد ينتظر به تمام مائة وعشرين سنة وهو قول ابن عقيل فلو فقد وهو ابن ستين سنة وله مال لم يقسم حتى تمضي عليه ستون سنة أخرى فيقسم ماله حينئذ بين ورثته إن كانوا أحياء وإن مات بعض ورثته قبل مضي مائة وعشرين وخلف ورثة لم يكن له شئ من مال المفقود وكان ماله للأحياء من ورثته ويوقف للمفقود حصة من مال موروثه الذي مات في مدة الانتظار فإن مضت المدة ولم يعلم خبر المفقود رد الموقوف إلى ورثة موروث المفقود ولم يكن لورثة المفقود قال اللؤلؤي وهذا قول أبي يوسف وحكى الخبري عن اللؤلؤي أنه قال وهو الصحيح عندي والذي ذكرناه هو الذي حكاه ابن اللبان عن اللؤلوي فقال لو ماتت امرأة المفقود قبل تمام مائة وعشرين سنة بيوم أو بعد فقده بيوم أو تمت مائة وعشرون سنة لم يورث منه شئ ولم يورث منها لأنا لا نعلم أيهما مات أولا وهذا قياس قول من قال في الغرقى أنه لا يرث أحدهم من صاحبه ويرث كل واحد من الأحياء من ورثته قال القاضي هذا قياس قول أحمد واتفق الفقهاء على أنه لا يرث المفقود إلا الأحياء من ورثته يوم قسم ماله لا من مات قبل ذلك ولو بيوم، واختلفوا في

من مات وفي ورثته مفقود فمذهب أحمد وأكثر الفقهاء أنه يعطي كل وارث من ورثته اليقين ويوقف الباقي حتى يتبين أمره أو تمضي مدة الانتظار فتعمل المسألة على أنه حي ثم على أنه ميت وتضرب إحداهما في الأخرى إن تباينتا أو في وفقها إن اتفقتا وتجتزئ بإحداهما إن تماثلتا وبأكثرهما إن تناسبتا وتعطي كل واحد أقل النصيبين ومن لا يرث إلا من إحداهما لا تعطيه شيئاً وتوقف الباقي (النوع الثاني) أن يكون الغالب من حاله الهلاك كالذي يفقد من بين أهله كمن يخرج الى الصلاة أو في حاجة قريبة فلا يعود أو في مفازة مهلكة كالحجاز أو بين الصفين حال الحرب أو في البحر إذا غرقت سفينته ولا يعلم له خبر فهذا ينتظر به أربع سنين لأنها أكثر مدة الحمل فانه لم يظهر له خبر قسم ماله واعتدت امرأته عدة الوفاة وحلت للأزواج نص عليه أحمد وهذا اختيار أبي بكر وذكر القاضي انه لا يقسم ماله حتى تمضي عدة الوفاة بعد الأربع سنين لأنه الوقت الذي يباح لامرأته التزويج فيه والأول أصح لأن العدة إنما تكون بعد الوفاة فإذا حكم بوفاته فلا وجه للوقوف عن قسم ماله وقد روي عن أحمد رحمه الله التوقف عن أمره وقال قد هبت الجواب فيها وكأني أحب السلامة والمذهب الأول ولم يفرق سائر أهل العلم بين هذه الصورة وبين سائر صور الفقدان فيما علمنا إلا أن مالكا والشافعي في القديم وافقا في الزوجة أنها تتزوج خاصة والأظهر من مذهبه مثل قول الباقين

فأما ماله فاتفقوا على أنه لا يقسم حتى تمضي مدة لا يعيش في مثلها وقد ذكرنا الاختلاف في ذلك في النوع الأول لأنه مفقود لا يتحقق موته أشبه التاجر والسائح ولنا اتفاق الصحابة رضي الله عنهم على تزويج امرأته على ما نذكره في العدد إن شاء الله تعالى وإذا ثبت ذلك في النكاح مع الاحتياط للإبضاع ففي المال أولى ولأن الظاهر هلاكه فأشبه ما لو مضت مدة لا يعيش في مثلها. (مسألة) (وإن مات للمفقود من يرثه قبل الحكم بوفاته وقف للمفقود نصيبه من ميراثه ودفع إلى كل وارث اليقين فإن كان حياً أخذ ميراثه ورد الفضل إلى أهله وإن علم أنه مات بعد موت موروثه دفع نصيبه مع ماله إلى ورثته وإن علم أنه كان ميتاً حين موت موروثه رد الموقوف إلى ورثة الأول وإن مضت المدة ولم يعلم خبره رد أيضاً إلى ورثة الأول لأنه مشكوك في حياته حين موت موروثه فلا نورثه مع الشك كالجنين الذي سقط ميتاً هذا الذي ذكره شيخنا في المغني وذكر في هذا الكتاب المشروح وفي الكافي أنه يقسم على ورثة المفقود لأنه محكوم بحياته فعلى هذا يكون في المسألة روايتان وإن علمنا أن المفقود مات ولم ندر متى مات رد الموقوف له إلى ورثة الأول لأنه مشكوك في حياته فلا نورثه مع الشك واتفق الفقهاء على أنه لا يرث المفقود إلا الأحياء من ورثته وقد مضى ذكره

مسألة: وإن مات للمفقود من يرثه قبل الحكم بوفاته، وقف للمفقود نصيبه من ميراثه ودفع إلى كل وارث اليقين

(مسألة) (ولباقي الورثة أن يصطلحوا على ما زاد عن نصيبه فيقتسموه) اختاره ابن اللبان لأنه لا يخرج عنهم وأنكر ذلك الوني وقال لا فائدة في أن ينقص بعض الورثة عما يستحقه في مسألة الحياة وهي متيقنة ثم يقال له لك أن تصالح على بعضه بل إن جاز ذلك فالأولى أن تقسم المسألة على تقدير الحياة ويقف نصيب المفقود لا غير قال شيخنا والأول أصح إن شاء الله تعالى فإن الزائد عن نصيب المفقود من الموقوف مشكوك في مستحقه ويقين الحياة متعارض بظهور الموت فينبغي أن يوقف كالزائد عن اليقين في مسائل الحمل والاستهلال فعلى هذا يجوز للورثة الموجودين الصلح عليه لأنه حقهم لا يخرج عنهم وإباحة الصلح عليه لا تمنع وجوب وقفه كما تقدم في نظائره ووجوب وقفه لا يمنع الصلح عليه كذلك ولأن تجويز أخذ الإنسان حق غيره برضاه وصلحه لا يلزم منه جواز أخذه بغير إذنه وظاهر قول الوني هذا أنه يقسم المسألة على أنه حي ويقف نصيب المفقود لا غير وقال بعض أصحاب الشافعي يقسم المال على الموجودين لأنهم متحققون والمفقود مشكوك فيه فلا يورث مع الشك وقال محمد بن الحسن القول قول من المال في يده فلو مات رجل وخلف ابنتيه وابن ابن أبوه مفقود والمال في أيدي البنتين فاختصموا إلى القاضي: فإنه لا ينبغي للقاضي أن يحول المال عن موضعه ولا يقف منه شيئاً سواء اعترف البنتان بفقده أو ادعيا موته وإن كان المال في يد ابن المفقود لم نعط الابنتين إلا النصف أقل ما يكون لهما فإن كان المال في يد أجنبي فأقر بأن الابن

مفقود وقف له النصف على يديه وإن قال قد مات المفقود لزمه دفع الثلثين إلى البنتين ويوقف الثلث إلا أن يقر ابن الابن بموت أبيه فيدفع إليه الباقي والجمهور على القول الأول مسائل ذلك زوج وأم وأخت وجد وأخ مفقود مسألة الموت من سبعة وعشرين لأنها الأكدرية ومسألة الحياة من ثمانية عشر وهما يتفقان بالاتساع فتضرب تسع إحداهما في الأخرى تكن أربعة وخمسين للزوج النصف من مسألة الحياة والثلث من مسألة الموت فيعطى الثلث وللأم التسعان من مسألة الموت والسدس من مسألة الحياة فتعطى السدس وللجد ستة عشر سهما من مسألة الموت وتسعة من مسألة الحياة فيأخذ التسعة وللأخت ثمانية من مسألة الموت وثلاثة من مسألة الحياة فتأخذ ثلاثة ويبقى خمسة عشر موقوفة إن بان الأخ حيا أخذ ستة وأخذ الزوج تسعة وإن بان ميتاً أو مضت المدة قبل قدومه أخذت الأم ثلاثة والأخت خمسة والجد سبعة هذا على الرواية التي تقول إن الموقوف للمفقود يرد إلى ورثة الأول واختار الخبري أن المدة إذا مضت ولم يتبين أمره أنه يقسم نصيبه من الموقوف على ورثته وهو ستة يبقى تسعة وهي الرواية الثانية لأنه كان محكوماً بحياته لأنها اليقين وإنما حكمنا بموته بمضي المدة ووجه الأولى أنه مال موقوف لمن ينتظر ممن لا نعلم حاله فإذا لم تتبين حياته لم يكن لورثته كالموقوف للحمل وللورثة أن يصطلحوا على التسعة قبل مضي المدة، زوج وأبوان وابنتان

مفقودتان مسألة حياتهما من خمسة عشر وفي حياة إحداهما من ثلاثة عشر وفي موتهما من ستة فتضرب ثلث الستة وهي اثنان في خمسة عشر ثم في ثلاثة عشر تكن ثلاثمائة وتسعين ثم تعطي الزوج والأبوين حقوقهم من مسألة الحياة مضروباً في اثنين ثم في ثلاثة عشر ويقف الباقي وإن كان في المسألة ثلاثة مفقودون لهم أربع مسائل فإن كانوا أربعة عملت لهم خمس مسائل وعلى هذا فإن كان المفقود يحجب ولا يرث كزوج وأخت لأبوين وأخت لأب وأخ لها مفقود وقفت السبع بينهما وبين الزوج والأخت من الأبوين وقيل لا يوقف ههنا شئ وتعطى الأخت من الأب السبع لأنها لا تحجب بالشك كما لا تورث بالشك والأول أصح لأن دفع السبع إليها توريث بالشك وليس في الوقف حجب يقينا إنما هو توقف عن صرف المال إلى إحدى الجهتين المشكوك فيهما ويعارض قول هذا القائل قول من قال إن اليقين حياته فيعمل على أنه حي ويدفع المال إلى الزوج والأخت والأبوين والتوسط بما ذكرناه أولى (فصل) والأسير كالمفقود إذا انقطع خبره وإن علمت حياته ورث في قول الجمهور وحكي عن سعيد بن المسيب والنخعي وقتادة أنه لا يرث لأنه عبد والصحيح الأول لأن الكفار لا يملكون الأحرار والله سبحانه وتعالى أعلم

باب ميراث الخنثى وهو الذي له ذكر وفرج امرأة أو ثقب في مكان الفرج يخرج منه البول وينقسم إلى مشكل وغير مشكل فمن تثبت فيه علامات الرجال أو النساء فيعلم أنه رجل أو امرأة فليس بمشكل وإنما هو رجل فيه خلقة زائدة أو امرأة فيها خلقة زائدة وحكمه في ارثه وسائر أحكامه حكم ما ظهرت علاماته فيه والذي لا علامة فيه مشكل (مسألة) ويعتبر بمباله في قول من بلغنا قوله من أهل العلم قال إبن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الخنثى يورث من حيث يبول إن بال من حيث يبول الرجل فهو رجل وإن بال من حيث تبول المرأة فهو امرأة روى ذلك عن علي ومعاوية وسعيد بن المسيب وجابر بن زيد وأهل الكوفة وسائر أهل العلم وقال بن اللبان روى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن مولود له قبل وذكر من أين يورث قال " من حيث يبول " وروي أنه عليه الصلاة والسلام أني بخنثى من الأنصار فقال " ورثوه من أول ما يبول منه " ولان خروج البول أعم العلامات لوجودها من الصغير والكبير وسائر العلامات إنما توجد بعد الكبر مثل نبات اللحية وخروج المني والحيض وتفلك الثدي والحبل (فصل) فإن بال منهما جميعاً اعتبر بأسبقهما نص عليه أحمد وروي ذلك عن سعيد بن المسيب وبه

باب ميراث الخنثى

قال الجمهور فإن خرجا معاً اعتبر أكثرهما قال أحمد في رواية إسحاق بن إبراهيم يورث من المكان الذي يبول منه أكثر وحكي هذا عن الأوزاعي وصاحبي أبي حنيفة ووقف في ذلك أبو حنيفة ولم يعتبره أصحاب الشافعي في أحد الوجهين وقال قوم إذا خرجا معاً اعتبر بآخرهما انقطاعاً فإن انقطعا معاً اعتبر أكثرهما وقيل الاعتبار بالكثرة ولنا أنها مزية لاحدى العلامتين فيعتبر بها كالسبق فإن استويا فهو حينئذ مشكل (مسألة) (فإن مات له من يرثه وكان يرجى انكشاف حاله وهو الصغير فإن احتيج إلى قسم الميراث أعطي هو ومن معه اليقين ووقف الباقي في قول الجمهور حتى يبلغ فيظهر فيه علامات الرجال من نبات لحيته وخروج المني من ذكره وكونه مني رجل أو علامات النساء من الحيض والحمل وتفلك الثديين نص عليه أحمد في رواية الميموني وحكي عن علي والحسن أنهما قالا تعد أضلاعه فإن أضلاع المرأة أكثر من أضلاع الرجل بضلع قال ابن اللبان ولو صح هذا لما أشكل حاله ولا احتيج إلى مراعاة البول وقال جابر بن زيد يوقف إلى جانب الحائط فإن بال عليه فهو رجل وإن شلشل بين فخذيه فهو امرأة وليس على هذا تعويل والصحيح ما ذكرناه إن شاء الله تعالى أنه يوقف أمره ما دام صغيرا فإن احتيج إلى قسم الميراث أعطي هو ومن معه اليقين ووقف الباقي إلى حين بلوغه فتعمل المسألة على أنه ذكر ثم على أنه أنثى وتدفع إلى كل وارث أقل النصيبين ويقف الباقي حتى يبلغ فإن مات قبل بلوغه

مسألة: فإن مات له من يرثه، وكان يرجى انكشاف حاله وهو الصغير

أو بلغ مشكلا ورث نصف ميراث ذكر ونصف ميراث أنثى نص عليه أحمد وهو قول ابن عباس والشعبي وابن أبي ليلى وأهل المدينة ومكة والثوري واللؤلؤ وشريك والحسن بن صالح وأبي يوسف ويحيى بن آدم وضرار بن صرد ونعيم بن حماد وورثه أبو حنيفة بأسوأ حالاته والباقي لسائر الورثة وأعطاه الشافعي ومن معه اليقين ووقف الباقي حتى يتبين أمره أو يصطلحوا وبه قال أبو ثور وداود وابن جرير ورثه بعض أهل البصرة على الدعوى فيما بقي بعد اليقين وبعضهم بالدعوى من أصل المال وفيه أقوال شاذة سوى هذه. ولنا قول ابن عباس ولم يعرف له في الصحابة منكر ولأن حالتيه تساويا فوجبت التسوية بين حكمهما كما لو تداعا نفسان داراً بأيديهما ولا بينة لهما وليس توريثه بأسوإ أحواله بأولى من توريث من معه بذلك فتخصيصه بهذا الحكم لا دليل عليه ولا سبيل إلى الوقف لأنه لا غاية له تنتظر وفيه تضييع للمال مع يقين استحقاقهم له (مسألة) (فإذا كان ابن وبنت وولد خنثى جعلت للبنت أقل عدد له نصف وهو سهمان وللذكر أربعة وللخنثى ثلاثة فيكون معه نصف ميراث ذكر ونصف ميراث أنثى وهذا قول الثوري واللؤلؤي في هذه المسألة وفي كل مسألة فيها ولد إذا كان فيهم خنثى قال شيخنا وهذا قول لا بأس به وذهب أكثر من ورثه نصف ميراث ذكر ونصف ميراث أنثى فتعمل المسألة على أنه ذكر ثم على أنه أنثى

مسألة: فإذا كان ابن وبنت وولد خنثى

وتضرب إحداهما في الأخرى إن تباينتا أو في وفقها إن اتفقتا ويجتزئ باحداهما ان ثماثلتا وبأكثرهما إن تناسبتا وتضربها في اثنين ثم تجمع ما لكل واحد منهما إن تماثلتا وتضرب ما لكل واحد من إحداهما في الأخرى إن تباينتا أو في وفقها إن اتفقتا، وهذا اختيار أصحابنا ويسمى مذهب المنزلين، وقول الثوري يوافق قول أصحابنا في بعض المواضع ويخالفه في بعضها، وبيان اختلافهما أننا نجعل المسألة المذكورة على قول الثوري من تسعة للخنثى الثلث وهو ثلاثة، وعلى قول اصحابنا مسألة الذكورية من خمسة والأنوثية من أربعة ولا موافقة بينهما تضرب إحداهما في الأخرى تكن عشرين ثم في اثنين تكن أربعين، للبنت سهم في خمسة وسهم في أربعة تسعة، وللذكر ثمانية عشر وللخنثى سهم في خمسة وسهمان في أربعة ثلاثة عشر وهي دون ثلث الأربعين، وقوله من ورثه بالدعوى فيما بقي بعد اليقين يوافق قول المنزلين في أكثر المواضع فإنه يقول في هذه المسألة للذكر الخمسان بيقين وذلك ستة عشر من أربعين وهو يدعي النصف عشرين وللبنت الخمس بيقين ثمانية وهي تدعي الربع وللخنثى الربع بيقين وهو يدعي الخمسين ستة عشر، والمختلف فيه ستة أسهم يدعيها الخنثى كلها فتعطيه نصفها ثلاثة مع العشرة التي معه صار له ثلاثة عشر والابن يدعي أربعة فتعطيه نصفها اثنين صار له ثمانية عشر والبنت تدعي سهمين فيدفع إليها سهما صار لها تسعة ومن ورثه بالدعوى من أصل المال فعلى قولهم يكون الميراث في هذه المسألة من ثلاثة وعشرين لأن المدعى ههنا

نصف وربع وخمسان ومخرجها عشرون يعطي الابن عشرة وللبنت خمسة والخنثى ثمانية فتكون ثلاثة وعشرين فإن لم يكن في المسألة بنت ففي قول الثوري هي من سبعة وكذلك قول من ورثهما بالدعوى من أصل المال، وفي التنزيل من اثني عشر للابن سبعة وللخنثى خمسة وهو قول من ورثه بالدعوى فيما عدا اليقين وإن كانت بنت ولد خنثى ولا عصبة معهما فهي من خمسة في قول الثوري ومن اثني عشر في التنزيل، وإن كان معهما عصبة فهي من ستة للخنثى ثلاثة وللبنت سهمان وللعصبة سهم في الأقوال الثلاثة فإن كان معهما أم وعصبة فهي من ستة وثلاثين للأم ستة وللخنثى ستة عشر وللبنت أحد عشر وللعصبة ثلاثة وقياس قول الثوري أن يكون للخنثى والبنت ثلاثة أرباع المال بينهما على خمسة وللأم السدس ويبقى نصف السدس للعصبة وتصح من ستين للام عشرة وللعصبة خمسة وللبنت ثمانية عشر وللخنثى سبعة وعشرون فإن كان ولد خنثى وعصبة فللخنثى ثلاثة أرباع المال والباقي للعصبة إلا في قول من ورثهما بالدعوى من أصل المال فإنه يجعل المال بينهم أثلاثاً لأن الخنثى يدعي المال كله والعصبة تدعي نصفه فتضيف النصف إلى الكل فيكون ثلاثة أنصاف لكل نصف ثلث بنت وولد ابن خنثى وعم هي في التنزيل من اثني عشر وترجع بالاختصار إلى ستة للبنت النصف وللخنثى الثلث وللعم السدس (فصل) فإن كان الخنثى يرث في حال دون حال كزوج وأخت لأبوين وولد أب خنثى فمقتضى

قول الثوري أن يجعل للخنثى نصف ما يرثه في حال إرثه وهو نصف سهم فضمه إلى سهام الباقين وهي ستة نبسطها أنصافا ليزول الكسر فتصير ثلاثة عشر له منها سهم والباقي بين الزوج والأخت نصفين وقد عمل أبو الخطاب هذه المسألة على هذا في كتاب الهداية، وأما التنزيل فيصح من ثمانية وعشرين للخنثى سهمان وهي نصف سبع ولكل واحد من الآخرين ثلاثة عشر وإن كان زوج وأم وأخوان من أم وولد أب خنثى فله في حال الأنوثية ثلاثة من تسعة فاجعل له نصفها مضموماً إلى سهام باقي المسألة ثم ابسطها تكن خمسة عشر له منها ثلاثة وهي الخمس وفي التنزيل له ستة من ستة وثلاثين وهي السدس، وإن كانت بنت وبنت ابن وولد أخ خنثى وعم فهي من ستة للبنت النصف ولبنت الابن السدس وللخنثى السدس وللعم ما بقي على القولين جميعاً (فصل) قال الخبري اعلم أن الذين يكونون خناثى من الورثة ستة. الولد وولد الابن والأخ وولده والعم وولده فأما الزوجان والأبوان والجدان فلا يتصور ذلك فيهم. فالخلاف يقع في ثلاثة لا غير الولد وولد الابن والأخ فأما الثلاثة الأخر فليس للإناث منهم ميراث فيكون للخنثى منهم نصف ميراث ذكر بلا خلاف (مسألة) (فإن كانا خنثيين أو أكثر نزلتهم بعدد أحوالهم في أحد الوجهين فتجعل للاثنين أربعة أحوال وللثلاثة ثمانية وللأربعة ستة عشر وللخمسة اثنين وثلاثين حالا ثم تجمع ما لهم في الأحوال كلها

مسألة: فإن كانا خنثيين أو أكثر نزلتهم بعدد أحوالهم في أحد الوجهين

فتقسمه على عدد أحوالهم فما خرج بالقسم فهو لهم إن كانوا من جهة واحدة وإن كانوا من جهات جمعت ما لكل واحد منهم في الأحوال وقسمته على عدد الأحوال كلها فالخارج بالقسم هو نصيبه. هذا قول ابن أبي ليلى وضرار ويحيى بن آدم، وقول محمد بن الحسن على قياس قول الشعبي والوجه الآخر أنهم ينزلون حالين مرة ذكوراً ومرة إناثاً كما يصنع في الواحد وهو قول أبي يوسف واختاره أبو الخطاب والأول أولى لأنه يعطى كل واحد يحسب ما فيه من الاحتمال فيعدل بينهم، وفي الوجه الآخر يعطى بعض الاحتمالات دون بعض وهذا تحكم لا دليل عليه، وبيان ذلك في ولد خنثى وولد أخ خنثى وعم إن كانا ذكرين فالمال للولد، وإن كانا أنثيين فللبنت النصف والباقي للعم فهي من أربعة عند من نزلهم حالين للولد ثلاثة أرباع المال وللعم ربعه، ومن نزلهم أحوالاً زاد حالين آخرين، هو أن يكون الولد وحده ذكراً وولد الأخ وحده ذكراً فتكون المسألة من ثمانية للولد المال في حالين والنصف في حالين فله ربع ذلك وهو ثلاثة أرباع المال ولولد الأخ نصف المال في حاله فله ربعه وهو الثمن وللعم مثل ذلك وهذا أعدل، ومن قال بالدعوى فيما زاد على اليقين قال للولد النصف يقينا والنصف الآخر يتداعونه فيكون بينهم أثلاثاً، وتصح من ستة وكذلك الحكم في أخ خنثى وولد أخ، وفي كل عصبتين يحجب أحدهما الآخر ولا يرث المحجوب شيئاً إذا كان أنثى ولو خلف بنتا وولد أم خنثى وولد ابن خنثى وعصبة فمن نزلهما حالين جعلها من ستة الولد الخنثى ثلاثة وللبنت

سهمان والباقي للعم، ومن نزلهما أربعة أحوال جعلها من اثني عشر وجعل لولد الابن نصف السدس وللعم مثليه، وهذا أعدل الطريقين لما في الطريق الآخر من إسقاط ولد الابن مع أن احتمال توريثه كاحتمال توريث العم وهكذا تصنع في الثلاثة وما زاد ويكفي هذا القدر من هذا الباب فإنه نادر قل ما يحتاج إليه واجتماع خنثيين وأكثر نادر النادر ولم يسمع بوجوده فلا حاجة الى التطويل فيه (فصل) قال شيخنا (وقد وجدنا في عصرنا شيئاً شبيها لما يذكره القرضيون ولم يسمعوا به فإنا وجدنا شخصين ليس لهما في قبلها مخرج ولا ذكر والا فرج أما أحدهما فذكروا أنه ليس له في قبله إلا لحمة نابته كالربوة ويرشح البول منها رشحا على الدوام وأرسل إلينا يسألنا عن الصلاة والتحرز من النجاسة في ستة عشر وستمائة، الثاني ليس له إلا مخرج واحد فيما بين المخرجين منه يتغوط ومنه يبول وسألت من أخبرني عنه عن زيه فأخبرني أنه يلبس لباس النساء ويخالطهن ويغزل معهن ويعد نفسه امرأة، قال وحدثت أن في بلاد العجم شخصا ليس له مخرج أصلا لا قبل ولا دبر وإنما يتقايأ ما يأكله ويشربه فهذا وما أشبهه في معنى الخنثى لكنه لا يمكن اعتباره بمباله فإن لم يكن له علامة أخرى فهو مشكل ينبغي أن يثبت له حكمه في ميراثه وأحكامه كلها والله أعلم

(باب ميراث الغرقى ومن عمي موتهم) إذا مات متوارثان كالغرقى والهدمى وجهل أولهما موتا واختلفت وراثهما في السابق منهما فقد نقل عن أحمد رحمه الله في امرأة وابنها ماتا فقال زوجها ماتت فورثناها ثم مات ابني فورثته، وقال أخوها مات ابنها فورثته ثم ماتت فورثناها أنه يحلف كل واحد منهما على إبطال دعوى صاحبه ويكون ميراث الابن لأبيه وميراث المرأة لأخيها وزوجها نصفين ذكرها الخرقي، وهذا يدل على أن ميراث كل ميت يقسم على الأحياء من ورثته دون من مات معه روى ذلك عن أبي بكر الصديق وزيد وابن عباس والحسن بن علي رضي الله عنهم، وبه قال عمر بن عبد العزيز وأبو الزناد والزهري والاوزاعي ومالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابه وروي ذلك عن عمر والحسن البصري وراشد بن سعد وحكيم ابن عمير وعبد الرحمن بن عوف فيحتمل أن يكون ما روي عن أحمد في المسألة التي ذكرها الخرقي أن يجعل هذا رواية عنه في جميع مسائل الباب، ويحتمل أن يكون هذا قوله فيما إذا ادعى وارث كل ميت أن موروثه كان آخرهما موتا فأما مع الجهل فيورث كل واحد منهما من الآخر لأن مع التداعي يتوجه اليمين على المدعي عليه فيحلف على إبطال دعوى صاحبه ويتوفر الميراث له كما في سائر الحقوق بخلاف ما إذا اتفقوا على الجهل فلا يتوجه اليمين لأن اليمين لا يشرع في موضع اتفقوا على الجهل به،

باب ميراث الغرقى ومن عمي موتهم

وظاهر المذهب أن كل واحد منهما يرث صاحبه من تلاد ماله دون ما ورثه من الميت معه فيقدر أحدهما مات أولا ويورث الآخر منه ثم يقسم ما ورثه على الأحياء من ورثته ثم يصنع بالثاني كذلك قال أحمد أذهب إلى قول عمر وعلي وشريح وابراهيم والشعبي هذا قول من ذكره الإمام أحمد وهو قول إياس بن عبد الله المزني وعطاء والحسن وحميد الاعرج وعبد الله بن عتبة وابن أبي ليلى والحسن بن صالح وشريك ويحيى بن آدم واسحاق وحكي ذلك عن ابن مسعود. قال الشعبي وقع الطاعون بالشام عام عمواس فجعل أهل البيت يموتون عن آخرهم فكتب في ذلك الى عمر رضي الله عنه فكتب عمر: أن ورثوا بعضهم من بعض، ووجه الرواية الأولى ما روى سعيد قال ثنا اسماعيل بن عياش عن يحيى بن سعيد أن قتلى اليمامة وقتلى صفين والحرة لم يورث بعضهم من بعض ورثوا عصبتهم الأحياء وقال ثنا عبد العزيز بن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه أن أم كلثوم بنت علي توفيت هي وابنها زيد ابن عمر فالتقت الصيحتان في الطريق فلم يدر أيهما مات قبل صاحبه فلم ترثه ولم يرثها، وأن أهل صفين وأهل الحرة لم يتوارثوا، ولأن شرط التوارث حياة الوارث بعد موت الموروث وليس بمعلوم فلا يثبت التوريث مع الشك في شرطه ولأنه مشكوك في حياته حين موت مورثه فلم يرثه كالحمل إذا وضعته ميتا ولأن توريث كل واحد منهما خطأ قطعا لأنه لا يخلو من أن يكون موتهما معا أو يسبق أحدهما به وتوريث السابق بالموت والميت معه خطأ يقينا مخالف للإجماع فكيف يعمل به؟ فإن قيل ففي

قطع التوريث قطع توريث المسبوق بالموت وهو خطأ أيضا قلنا هذا غير متيقن لأنه يحتمل موتهما معاً فلا يكون منهما مسبوق، وقد احتج أصحابنا لتلك الرواية بما روى اياس ابن عبد الله المزني أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن قوم وقع عليهم بيت فقال يرث بعضهم بعضاً، قال شيخنا والصحيح أن هذا إنما هو عن إياس نفسه وأنه هو المسؤول وليس برواية عن النبي صلى الله عليه وسلم هكذا رواه سعيد في سننه وحكاه الإمام أحمد وقال أبو ثور وابن شريح وطائفة من البصريين يعطى كل وارث اليقين ويوقف المشكوك فيه حتى يتبين الأمر أو يصطلحوا وقال الخبري هذا هو الحكم فيما إذا علم صوت أحدهما قبل الآخر ولم يذكر فيه خلافاً (مسألة) قال (فلو غرق أخوان أحدهما مولى زيد والآخر مولى عمرو فمن لم يورث أحدهما من صاحبه جعل ميراث كل واحد لمولاه وهو أحسن) ومن ورث أحدهما من الآخر جعل ما لكل واحد منهما لمولى الآخر ومن قال بالوقف وقف مالهما، وإن ادعى كل واحد منهما أن مولاه آخرهما مرتا حلف كل واحد منهما على إبطال دعوى لآخر وأخذ مال مولاه على ما ذكره الخرقي، وإن كان لهما أخت فمن ورث كل أحد منهما من صاحبه جعل لهما الثلثين من مال كل واحد منهما والنصف على القول الثاني، وإن خلف كل واحد منهما بنتا وزوجه فمن لم يورث بعضهم من بعض صححها من ثمانية لامرأته الثمن ولابنته النصف والباقي لمولاه ومن ورثهم جعل الباقي لأخيه ثم قسمه بين ورثة أخيه على ثمانية ثم ضربها في الثمانية الأولى فصحت من

مسألة: قال: فلو غرق أخوان أحدهما مولى زيد والآخر مولى عمرو، فمن لم يورث أحدهما من صاحبه جعل ميراث كل واحد لمولاه وهو أحسن

أربعة وستين لامرأته ثمانية لابنته اثنان وثلاثون ولامرأة أخيه ثمن الباقي ثلاثة ولابنته اثنا عشر ولمولاه الباقي تسعة: أخ وأخت غرقا ولهما أم وعم وزوجان فمن ور ث كل واحد منهما من صاحبه جعل ميراث الأخ بين امرأته وأمه وأخته على ثلاثة عشر فما أصاب الأخت منها فهو بين زوجها وأمها وأمها وعمها على ستة فصحت المسئلتان من ثلاثة عشر لأمرأة لأخ ثلاثة ولزوج لاخت ثلاثة وللأم أربعة بميراثها من الأخ واثنان بميراثها من الأخت وللعم سهم وميراث الأخت بين زوجها وأمها وأخيها على ستة لأخيها سهم بين امرأته وأمه وعمه على اثني عشر تضربها في الأولى تكن اثنين وسبعين والضرر في هذا القول على من يرث من أحد الميتين دون الآخر والنفع لم يرث منهما ثلاثة إخوة لأبوين غرقوا ولهم أم وعصبة فقدر موت أحدهم أولا فلأمه السدس والباقي لأخويه فتصح من اثني عشر لكل واحد من اخوته خمسة بين أمه وعصبته على ثلاثة فتضربها في الأولى تكن ستة وثلاثين للأم من ميراث الأول ستة ومما ورثة كل واحد من الأخوين خمسة فصار لها ستة عشر والباقي للعصبة ولها من ميراث كل واحد من الأخوين مثل ذلك ذكر هذه المسألة أبو بكر. ثلاثة إخوة مفترقين غرقوا وخلف كل واحد منهم أخته لأبويه فقدر موت الأخ من الأبوين أولا عن أخته من أبويه وإخوته من أبيه وإخوته من أمه فصحت مسئلته من ثمانية عشر لأخيه من أمه منها ثلاثة بين أخته من أبويه وأخته من أمه على أربعة وأصاب الأخ منها اثنان بين أخيه من أبويه وأخيه من أبيه على أربعة فتجتزئ بإحداهما وتضربها في الأخرى تكن اثنين وسبعين ثم قدر موت الأخ من الأم عن أخت لأبوين وأخ

وأخت من أم فمسئلته من خمسة، مات أخوه لأمه عن ثلاث أخوات مفترقات وهي من خمسة أيضاً تضربها في الأولى تكن خمسة وعشرين ثم قدر موت الأخ من الأب عن أخته لأبويه وأخ وأخت لأبيه فهي من ستة ثم مات أخوه لأبيه عن ثلاث أخوات مفترقات فهي من خمسة تضربها في الأولى تكن ثلاثين فإن خلف بنتا وأخوين فلم يقتسموا التركة حتى غرق الأخوان وخلف أحدهما زوجة وبنتا وعماً وخلف الآخر ابنين وابنتين الأولى من أربعة مات أحدهما عن سهم ومسئلته من ثمانية لأخيه منها ثلاثة بين أولاده على ستة رجعوا إلى اثنين تضربها في ثمانية تكن ستة عشر وفريضة لآخر من ستة يتفقان بالنصف فاضرب نصف إحداهما في الأخرى تكن ثمانية وأربعين ثم في أربعة تكن مائة واثنين وتسعين للبنت نصفها ولأولاد الأخ عن أبيهم ربعها وعن عمهم ثمانية عشر اجتمع لهم ستة وستون ولامرأة الأخ ستة ولبنته أربعة وعشرون (فصل) وإن علم أنهما ماتا معاً في حال واحدة لم يرث أحدهما صاحبه وورث كل واحد الأحياء من ورثته لأن توريثه مشروط بحياته بعده وقد علم انتفاء ذلك وإن علم أن أحدهما مات قبل صاحبه بعينه ثم أشكل أعطى كل وارث اليقين ووقف الباقي حتى يتبين الأمر أو يصطلحوا قال القاضي وقياس المذهب أن يقسم على سبيل ميراث الغرقى الذين جهل حالهم والله أعلم. (باب ميراث أهل الملل) (لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم) أجمع أهل العلم على أن الكافر لا يرث المسلم وقال جمهور الصحابة والفقهاء لا يرث المسلم الكافر روى ذلك عن ابي بكر وعمر وعثمان وعلي وأسامة بن زيد وجابر بن

باب ميراث أهل الملل

عبد الله رضي الله عنهم، وبه قال عمرو بن عثمان وعروة والزهري وعطاء وطاوس والحسن وعمر بن عبد العزيز وعمرو بن دينار والثوري وأبو حنيفة وأصحابه ومالك والشافعي وعامة الفقهاء وعليه العمل وروي عن عمر ومعاذ ومعاوية رضي الله عنهم أنهم ورثوا المسلم من الكافر ولم يورثوا الكافر من المسلم فحكي ذلك عن محمد بن الحنفية وعلي بن الحسين وسعيد بن المسيب ومسروق وعبد الله بن معقل والشعبي والنخعي ويحيى بن يعمر واسحاق وليس بموثوق به عنهم فإن أحمد قال: ليس بين الناس اختلاف في أن المسلم لا يرث الكافر، وروي أن يحيى بن يعمر احتج لقوله فقال: حدثني أبو الأسود أن معاذاً حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " الإسلام يزيد ولا ينقص " ولأنا ننكح نساءهم ولا ينكحون نساءنا فكذلك نرثهم ولا يرثونا ولنا ما روى أسامة بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا يرث الكافر المسلم ولا المسلم الكافر " متفق عليه ولأن الولاية منقطعة بين المسلم والكافر فلم يرثه كما لا يرث الكافر المسلم، فاما حديثهم فيحتمل أنه أراد أن الإسلام يزيد بمن يسلم وبما يفتح من البلاد لأهل الإسلام ولا ينقص بمن يرتد لقلة من يرتد وكثرة من يسلم وعلى أن حديثهم مجمل وحديثنا مفسر وحديثنا أصح فيتعين تقديمه " والصحيح أنه قال لا ترث أهل الملل ولا يرثوننا " وقال في عمة الأشعث " يرثها أهل دينها " (مسألة) (إلا أن يسلم قبل قسم الميراث فيرثه وعنه لا يرث) اختلفت الرواية فيمن أسلم قبل قسم ميراث موروثه المسلم فنقل الاثرم ومحمد بن الحكم أنه يرث وروي نحو هذا عن عمرو وعثمان والحسن بن علي وابن مسعود رضي الله عنهم، وبه قال جابر بن زيد

مسألة: إلا أن يسلم قبل قسم الميراث فيرثه، وعنه لا يرث

والحسن ومكحول وقتادة وحميد وأياس بن معاوية واسحاق فعلى هذا إن أسلم قبل قسم بعض المال ورث مما بقي وبه قال الحسن ونقل أبو طالب فيمن أسلم بعد الموت: لا يرث قد وجبت المواريث لأهلها وهو المشهور عن علي رضي الله عنه وبه قال سعيد بن المسيب وعطاء وطاوس والزهري وسليمان ابن يسار والنخعي والحكم وأبو الزناد وابو حنيفة ومالك والشافعي وأكثر أهل العلم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يرث الكافر المسلم " ولأن الملك قد انتقل بالموت إلى المسلمين فلم يشاركهم من أسلم كما لو اقتسموا ولأن المانع من الإرث متحقق حال وجود الموت فلم يرث كما لو كان رقيقاً فأعتق ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " من أسلم على شئ فهو له " رواه سعيد من طريقين عن عروة وابن أبي مليكة عن النبي صلى الله عليه وسلم وروي أبو داود بإسناده عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كل قسم قسم في الجاهلية فهو على ما قسم وكل قسم أدركه الإسلام فإنه على قسم الإسلام " وروى ابن عبد البر في التمهيد بإسناده عن زيد بن قتادة العنبري أن إنسانا من أهله مات على غير الإسلام فورثته أختي دوني وكانت على دينه ثم أن جدي أسلم وشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم حنينا فتوفي فلبثت سنة وكان ترك ميراثا ثم أن أختي أسلمت فخاصمتني في الميراث إلى عثمان فحدثه ابن أرقم أن عمر رضي الله عنهم قضى أنه من أسلم على ميراث قبل أن يقسم فله نصيبه فقضى به عثمان فذهبت بذلك لاول وشاركتني في هذا

وهذه قصة اشتهرت فلم تنكر فكانت إجماعاً ولأنه لو تجدد له صيد بعد موته وقع في شبكته التي نصبها في حياته ثبت له الملك فيه ولو وقع إنسان في بئر حفرها لتعلق ضمانه بتركته بعد موته فجاز أن يتجدد حق من أسلم من ورثته ترغيباً في الإسلام وحثا عليه فأما إذا قسمت التركة وتعين حق كل وارث ثم أسلم فلا شئ له فان كان الوارث واحداً فمتى تصرف في التركة واحتازها كان كقسمها. (مسألة) وإن عتق عبد بعد موت موروثه وقبل القسم لم يرث وجها واحداً) نص عليه أحمد في رواية محمد بن الحكم وفرق بين الإسلام والعتق وعلى هذا جمهور الفقهاء من الصحابة ومن بعدهم، وروي عن ابن مسعود أنه سئل عن رجل مات وترك أباه عبداً فأعتق قبل أن يقسم ميراثه فقال له ميراثه، وحكي عن مكحول وقتادة أنهما ورثا من أعتق قبل القسمة لأن المانع من الميراث زال قبل القسمة أشبه ما لو أسلم وقال أبو الحسن التميمي يخرج على قول من ورث المسلم أن يورث العبد إذا اعتق وليس بصحيح فإن الإسلام قربة وهو أعظم الطاعات والقرب ورد الشرع بالاليف عليها فورد الشرع بتوريثه ترغيباً له في الاسلام وحثا عليه والعتق لا صنع له فيه ولا يحمد عليه فلم يصح قيامه عليه ولولا ما ورد من الأثر في توريث من أسلم لكان النظر يقتضي أن لا يرث من لم يكن من أهل الميراث حين الموت لأن الملك ينتقل به إلى الورثة فيستحقونه فلا يبقى لمن حدث شئ وإنما خالفناه في الإسلام للأثر وليس في العتق أثر يجب التسليم له ولا هو في معنى ما فيه الأثر

مسألة: وإن عتق عبد بعد موت موروثه، وقبل القسم لم يرث وجها واحدا

(فصل) ولو ملك ابن عمه فدبره فعتق بموته لم يرث لأنه رقيق حين الموت فإن قال أنت حر في آخر حياتي عتق وورث لأنه حر حين الموت، ويحتمل أن لا يرث لان عنقه وصية له فيفضي إلى الوصية للوارث: (مسألة) (ويرث أهل الذمة بعضهم بعضاً إن اتفقت أديانهم) وجملة ذلك أن الكفار يتوارثون إذا كان دينهم واحداً الا نعلم بين أهل العلم فيه خلافاً، ولا فرق في ذلك بين أهل الذمة وغيرهم من الكفار لأن قول النبي صلى الله عليه وسلم " لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم " دليل على أن بعضهم يرث بعضا، وقول النبي صلى الله عليه وسلم " وهل ترك لنا عقيل من دار " دليل على أن عقيلا ورث أبا طالب دون جعفر وعلي لأنهما كانا مسلمين، وكان عقيل على دين أبيه مقيما بمكة فكذلك لما قيل للنبي صلى الله عليه وسلم أين تنزل غداً؟ قال " وهل ترك لنا عقيل من رباع " وقال عمر في عمة الأشعث بن قيس يرثها أهل دينها (مسألة) (وهم ثلاث ملل اليهودية والنصرانية ودين سائرهم) اختلفت الراوية عن أحمد رحمه الله في ذلك فروى عنه حرب أن الكفر كله ملة واحدة اختارها الخلال، وبه قال حماد وابن شبرمة وأبو حنيفة والشافعي وداود لأن توريث الآباء من الأبناء والأبناء من الآباء مذكور في كتاب الله تعالى ذكراً عاماً فلا يترك إلا فيما استثناه الشرع وما لم يستثنه يبقى على العموم ولأن قول الله تعالى (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض) عام في جميعهم، وروى عن

مسألة: ويرث أهل الذمة بعضهم بعضا إن اتفقت أديانهم

أحمد أن الكفر ملل مختلفة اختاره أبو بكر وهو قول كثير من أهل العلم لأن قول النبي صلى الله عليه وسلم " لا يتوارث أهل ملتين شتى " ينفي توارثهما ويخص عموم الكتاب ولم نسمع عن أحمد تصريحاً بذكر أقسام الملل، وقال القاضي الكفر ثلاث ملل اليهودية والنصرانية ودين من عداهم لأن من عداهم يجمعهم أنه لا كتاب لهم وهذا قول شريح وعطاء وعمر بن عبد العزيز والضحاك والحكم والثوري والليث وشريك ومغيرة الضبي وابن أبي ليلى والحسن بن صالح ووكيع وروي ذلك عن مالك وعن النخعي والثوري القولان معاً وما روي عن أحمد أنه قال الكفر ملل مختلفة ويحتمل ان أن يكون مللا كثيرة تزيد على ثلاث فتكون المجوسية ملة وعبدة الأوثان ملة وعباد الشمس ملة فلا يرث بعضهم بعضاً يروي ذلك عن علي وبه قال الزهري وربيعة وطائفة من أهل المدينة وأهل البصرة واسحاق وهو أصح الأقوال إن شاء الله اختاره شيخنا لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا يتوارث أهل ملتين شتى " روه أبو داود ولأن كل فريقين منهم لا موالاة بينهم ولا اتفاق في دين فلم يرث بعضهم بعضاً كالمسلمين والكفار والعمومات في التوريث مخصوصة فيخص منها محل النزاع بالخبر والقياس ولأن مخالفينا قطعوا التوريث بين أهل الحرب وأهل دار الإسلام فمع اختلافهم في الملة أولى وقول من خص الملة بعدم الكتاب لا يصح لأنه وصف عدمي لا يقتضي حكما ولا جمعاً ثم لابد لهذا الضابط من دليل يدل على اعتباره، وقد افترق حكمهم فإن المجوس يقرون بالجزية وغيرهم لا يقرون بها وهم مختلفون في معبوداتهم ومعتقداتهم وآرائهم يستحل بعضهم دماء بعض ويكفر بعضهم بعضا فكانوا مللا كاليهود والنصارى ولأنه قد روى الشعبي عن علي رضي الله عنه أنه جعل الكفر مللا مختلفة ولم نعرف له مخالفاً في الصحابة فيكون إجماعاً

(مسألة) (وإن اختلفت أديانهم لم يتوارثوا) لما روى عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يتوارث أهل ملتين شتى " رواه أبو داود، وعنه يتوارثون لأن مفهوم قوله عليه السلام " لا يرث الكافر المسلم " يدل على أنهم يتوارثون، وهذا يجئ على قولنا إن الكفر ملة واحدة على ما تقدم وهو قول أبي حنيفة والشافعي. (مسألة) (ولا يرث حربي ذمياً، ولا ذمي حربياً) ذكره القاضي لأن الموالاة منقطعة بينهم ويحتمل أن يتوارثا لأنهم من أهل ملة واحدة. قال شيخنا قياس المذهب عندي أن الملة الواحدة يتوارثون وإن اختلفت ديارهم لأن العمومات من النصوص يقتضي توريثهم ولم يرد بتخصيصهم نص ولا إجماع ولا يصح فيهم قياس فيجب العمل بعمومها، ومفهوم قوله عليه السلام " لا يتوارث أهل ملتين شتى " أن أهل الملة الواحدة يتوارثون وضبطه التوريث بالملة والكفر الاسلام دليل على أن الاعتبار به دون غيره ولأن مقتضى التوريث موجود فيجب العمل به ما لم يقم دليل على تحقق المانع وقد نص أحمد في رواية الأثرم فيمن دخل إلينا بأمان فقتل، أنه يبعث بديته إلى ملكهم حتى يدفعها إلى ورثته، وروي ان عمر وبن أمية الضمري كان مع أهل بئر معونة فسلم ورجع إلى المدينة فوجد رجلين في طريقه من الحي الذين قتلوهم وكانا أتيا النبي صلى الله عليه وسلم في أمانه ولم يعلم عمرو فقتلهما فوداهما النبي صلى الله عليه وسلم ولا شك أنه بعث بديتهما إلى أهلهما.

مسألة: وإن اختلف أديانهم لم يتوارثوا

(فصل) فأما المستأمن فيرثه أهل الحرب وأهل دار الاسلام، وبهذا قال الشافعي، قال القاضي ويرث أهل الحرب بعضيم بعضاً سواء اتفقت ديارهم أو اختلفت، وقال أبو حنيفة إذا اختلفت ديارهم بحيث كان لكل طائفة ملك، ويرى بعضهم قتل بعض لم يتوارثا لأنه لا موالاة بينهم فجعلوا اتفاق الدار واختلافها ضابطاً للتوريث وعدمه ولا يعلم في هذا حجة من كتاب ولا سنة مع مخالفته لعموم النصوص المقتضي للتوريث ولم يعتبروا الدين في اتفاقه ولا اختلافه، مع ورود الخبر فيه وصحت العبرة بها فإن المسلمين يرث بعضهم بعضاً وإن اختلفت الداربهم فكذلك الكفار (مسألة) (والمرتد لا يرث أحداً إلا أن يسلم قبل قسم الميراث) لا نعلم خلافاً بين أهل العلم أن المرتد لا يرث أحداً، وهذا قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي وذلك أنه لا يرث المسلم لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا يرث الكافر المسلم، ولا المسلم الكافر " ولا يرث الكافر لأنه يخالفه في حكم الدين لأنه لا يقر على كفره فلم يثبت له حكم الدين الذي انتقل إليه ولهذا ولا تحل ذبيحته ولا نكاح نسائهم وإن انتقلوا إلى دين أهل الكتاب، ولأن المرتد تزول

مسألة: والمرتد لا يرث أحدا إلا أن يسلم قبل قسم الميراث

أملاكه الثابتة له أو استقرارها فلأن لا يثبت له ملك أولى ولو ارتد متوارثان فمات أحدهما لم يرثه الآخر لأن المرتد لا يرث ولا يورث، فإن أسلم قبل قسم الميراث ورث، لما ذكرنا من الحديث وقد ذكرناه والخلاف فيه (فصل) (والزنديق كالمرتد فيما ذكرنا) . والزنديق الذي يظهر الإسلام ويستسر الكفر وهو الذي كان يسمى منافقاً، في عصر النبي صلى الله عليه وسلم، ويسمى اليوم زنديقاً، قال أحمد: مال الزنديق في بيت المال. (مسألة) (وإن مات على ردته فماله فئ، وعنه انه لورثته من السلمين، وعنه انه لورثته من أهل الدين الذي اختاره) اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في مال المرتد اذا مات أو قتل على ردته فروي عنه أنه يكون فيئا في بيت مال المسلمين. قال القاضي وهو الصحيح في المذهب، وبه قال ابن عباس وربيعة ومالك وابن أبي ليلى والشافعي وأبو ثور وابن المنذر وعن أحمد ما يدل على أنه لورثته من المسلمين يروي ذلك عن أبي بكر الصديق وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم، وبه قال سعيد بن المسيب وجابر بن زيد والحسن وعمر بن عبد العزيز وعطاء والشعبى والحكم والاوزاعي والثوري وابن شبرمة وأهل العراق واسحاق إلا أن الثوري وأبا حنيفة واللؤلؤي واسحاق

قالوا ما اكتسبه في ردته يكون فيئاً ولم يفرق أصحابنا بين تلاد ماله وطارقه ووجه ذلك أنه قول الخليفتين الراشدين فإنه يروى عن زيد بن ثابت قال: بعثني أبو بكر عند رجوعه إلى أهل الردة أن اقسم مالهم بين ورثتهم المسلمين، ولأن ردته ينتقل بها ماله فوجب أن ينتقل إلى ورثته من المسلمين كما لو انتقل بالموت. وروي عنه رواية ثالثة أنه يكون لأهل الدين الذي اختاره إن كان منهم من يرثه وإلا فهو فئ وبه قال داود. وروي ذلك عن علقمة وسعيد بن أبي عروبة لأنه كافر فورثه أهل دينه كالحربي وسائر الكفار والمشهور الأول لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم " وقوله " لا يتوارث أهل ملتين شتى " ولأنه كافر فلا يرثه المسلم، كالكافر الاصلي ولأن ماله مال مرتد فأشبه الذي كسبه في ردته ولا يمكن جعله لأهل دينه لأنه لا يرثهم فلا يرثونه كغيرهم من أهل الأديان ولأنه يخالفهم في حكمهم فإنه لا يقر على ما انتقل إليه ولا تؤكل ذبيحته ولا يحل نكاحه إن كان امرأة فأشبه الحربي مع الذمي فإن قيل إذا جعلتموه فيئا فقد ورثتموه للمسلمين قلنا لا يأخذونه ميراثاً بل يأخذونه فيئاً كما يأخذ مال الذمي الذي لم يخلف وارثاً وكالعشور (فصل) وقد ذكرنا أن الزنديق كالمرتد لا يرث ولا يورث وقال مالك في الزنديق الذي

يتهم بذمي ورثته عند موته: ماله لورثته من المسلمين مثل من يرتد إذا حضره الموت، قال: وترثه زوجته سواء انقضت عدتها أو لم تنقض، كالذي يطلقها زوجها في مرض موته ليحرمها الميراث لأنه فار من ميراث انعقد بسبب ميراثه فورثه كالمطلق في مرض الموت. ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " لا يرث المسلم الكافر " قال شيخنا وقياس المذهب أن أحد الزوجين إذا ارتد في مرض موته ورثه الآخر لأنه فعل ما يفسخ النكاح في مرض موته أشبه الطلاق، وفعل المرأة ما يفسخ نكاحها لا يسقط ميراث زوجها ويخرج في ميراث سائر الورثة مثل ما في الزوجين فيكون مثل مذهب مالك، وقال أبو يوسف إذا ارتدت المريضة فماتت في عدتها أو لحقت بدار الحرب ورثها زوجها. وروى اللؤلؤي عن أبي حنيفة إذا ارتد الرجل فقتل على ردته أو لحق بدار الحرب بانت منه امرأته، فإن كانت مدخولا بها ورثته في عدتها وإن كانت غير مدخول بها بانت ولم ترثه وإن ارتدت المرأة في غير مرض فماتت لم يرثها زوجها لأنها عندهم لا تقتل فلم تكن فارة من ميراثه بخلاف الرجل (فصل) (وارتداد الزوجين معاً كارتداد أحدهما في فسخ نكاحهما وعدم ميراث أحدهما من الآخر سواء لحقا بدار الحرب أو أقاما بدار الاسلام) . وبه قال مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة إذا ارتدا معا لم ينفسخ النكاح ولم يتوارثا. ولنا أنهما مرتدان فلم يتوارثا كما لو كانا في دار الإسلام ولو ارتدا جميعاً ولهما أولاد صغار لم يتبعوهم

في ردتهم ولم يرثوا منهم شيئاً ولم يجز استرقاقهم سواء ألحقوهم بدار الحرب أولا، وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة وأصحابه من ألحقوه بدار الحرب منهم يصير مرتداً يجوز سبيه ومن لم يلحقوه بدار الحرب فهو في حكم الإسلام فأما من ولد بعد الردة بستة أشهر فذكر الخرقي ما يدل على أنه يجوز استرقاقه وهو قول أبي حنيفة، وأحد قولي الشافعي، والقول الثاني لا يسبون وهو منصوص الشافعي (فصل) قال الشيخ رضي الله عنه (وإن أسلم المجوس أو تحاكموا إلينا ورثوا بجميع قراباتهم إن أمكن ذلك) . نص عليه أحمد وهو قول عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس وزيد في الصحيح عنه، وبه قال الثوري والنخعي وقتادة وابن أبي ليلى وأبو حنيفة وأصحابه ويحيى بن آدم واسحاق وداود والشافعي في أحد قوليه واختاره بن اللبان. وعن زيد أنه ورثه بأقوى القرابتين وهي التي لا تسقط بحال، وبه قال الحسن والزهري والاوزاعي ومالك والليث وحماد، وهو الصحيح عن الشافعي وعن عمر بن عبد العزيز ومكحول والشعبي القولان جميعاً واحتجوا بأنهما قرابتان لا يورث بهما في الإسلام فلا يورث بهما في غيره كما لو أسقطت إحداهما الأخرى. ولنا أن الله تعالى فرض للأم الثلث وللأخت النصف فإذا كانت الأم أختاً وجب إعطاؤها ما فرض الله تعالى لها في الاثنين كالشخصين ولأنهما قرابتان ترث بكل واحدة منهما منفردة لا تحجب إحداهما الأخرى ولا يرجح بها فترث بهما مجتمعتين كزوج هو ابن عم، أو ابن عم هو اخ لأم ولذوي الأرحام

المدلين بقرابتين وقياسهم فاسد لأن القرابتين في الأصل تسقط إحداهما الأخرى إذا كانا في شخصين فكذلك إذا كانا في شخص واحد وقولهم لا يورث بهما في الإسلام ممنوع فانه إذا وجد ذلك من وطئ شبهة في الإسلام ورث بهما ثم إن امتناع الإرث بهما في الإسلام لعدم وجودهما فلو تصور وجودهما ورث بهما بدليل أنه قد ورث بنظيرهما في ابن عم هو زوج أو أخ من أم قال ابن اللبان واعتبارهم عندي فاسد من قبل أن الجدة تكون أختاً لأب فإن ورثوها بكونها جدة لكون الابن يسقط الأخت دونها لزمهم توريثها لكونها أختاً لكون الأم تسقط الجدة دونها وخالفوا نص الكتاب في فرض الأخت وورثوا الجدة التي لا نص للكتاب في فرضها وهو مختلف فيهم فمنهم من قال هو طعمة وليس بفرض مسمى ويلزمهم أن الميت إذا خلف أمه وأم أم هي أخت أن لا يؤتوها شيئاً لأن الجدودة محجوبة وهي أقوى القرابتين وجعلوا الاخوة تارة أقوى وتارة أضعف وإن قالوا أقوى القرابتين الاخوة لأن ميراثها أوفر لزمهم في أم هي أخت جعل الاخوة أقوى من جهة الأمومة ويلزمهم في إسقاط مع الابن والأخ من الأبوين ما لزم القائلين بتقديم الجدودة مع الأم فإن قالوا توريثها بالقرابتين يفضي إلى حجب الأم بنفسها إذا كانت أختاً وللميت أخت أخرى قلنا وما المانع من هذا فإن الله تعالى حجب الأم بالأختين بقوله فإن كان له إخوة فلأمه السدس من غير تقييد بغيرها ثم هم حجبوها عن ميراث الأخت بنفسها فقد دخلوا فيما أنكروه بل هو أعظم لأنهم فروا من حجب التنقيص إلى حجب الإسقاط فأسقطوا الفرض الذي هو أوكد بالكلية محافظة على بعض الغرض الأدنى وخالفوا مدلول أربعة نصوص من كتاب الله تعالى لأنهم أعطوا الأم الثلث وإنما فرض الله تعالى لها مع الأختين السدس والثاني أن الله تعالى

إنما فرض لكل واحدة من الأختين ثلثا فأعطوا إحداهما النصف كاملا، والثالث أن الله تعالى فرض للأختين الثلثين وهاتان أختان فلم يجعلوا لهما الثلثين الرابع أن مقتضى الآية أن يكون لكل واحدة من الأختين الثلث وهذه أخت فلم يعطوها بكونها اخنا شيئاً هذا كله معنى كلام ابن اللبان (فصل) والمسائل التي يجتمع فيها قرابتان ويصح الارث بهما ست إحداهن في الذكور وهو عم هو اخ لأم وخمس في الإناث وهي بنت هي أخت أو بنت ابن وأم هي أخت وأم أم هي أخت لأب وأم أب هي أخت لأم فمن ورثهم بأقوى القرابتين ورثهم بالبنوة والأمومة دون الأخوة وبنوة الابن واختلفوا في الجدة إذا كانت أختاً فمنهم من قال الجدودة أقوى لأنها جهة ولادة لا تسقط بالولد ومنهم من قال الأخوة أقوى لأنها أكثر ميراثاً وقال ابن شريح وغيره هو الصحيح ومن ورث بأقوى القرابتين لم يحجب الأم بأخوة نفسها إلا ما حكاه سحنون عن مالك أنه حجبها بذلك والصحيح عنه الأول ومن ورث بالقرابتين حجبها بذلك ومتى كانت البنت أختاً والميت رجل فهي أخت لأم ومتى كان امرأة فهي أخت لأب فإن قيل أم هي أخت لأم أو أم أم هي أخت لأم أو أم أب هي أخت لأب فهو محال (مسألة) إذا خلف أمه وهي أخته من أبيه وعما فمن ورثها بقرابتين جعل لها الثلث بكونها أما والنصف بكونها أختاً لأب والباقي للعم فان كان معها أخت أخرى لم ترث بكونها أما إلا السدس لأنها انحجبت بنفسها وبالأخت الأخرى ومن ورثها بأقوى القرابتين ورثها الثلث بكونها أما ولم يحجبها بنفسها (مسألة) (ولا يرثون بنكاح ذوات المحارم ولا بنكاح لا يقرون عليه، لو أسلموا) المجوس ومن جرى مجراهم ممن ينكح ذوات المحارم إذا أسلموا وتحاكموا إلينا. قال شيخنا لا نعلم خلافاً

مسألة: إذا خلف أمه وهي أخته من أبيه وعما

في أنهم لا يرثون بنكاح ذوات المحارم فأما غيره من الأنكحة فكل نكاح اعتقدوا صحته وأقروا عليه بعد إسلامهم توارثوا به سواء وجد بشروطه المعتبرة في نكاح المسلمين أولا وما لا يقرون عليه بعد إسلامهم لا يتوارثون به والمجوس وغيرهم في هذا سواء فلو طلق الكافر امرأته ثم نكحها ثم أسلما لم يقرا عليه وإن مات أحدهما لم يرثه الآخر وكذلك إن مات أحدهما قبل إسلامهما لم يتوارثا في قول الجميع وأصل الاختلاف في الميراث الاختلاف فيما يقران عليه أن أسلما أو تحاكما إلينا ونذكر ذلك في نكاح الكفار إن شاء الله تعالى (فصل) وإذا مات ذمي لا وارث له كان ماله فيئا وكذلك ما فضل من ماله عن وارثه كمن ليس له وارث إلا أحد الزوجين لأنه مال ليس له مستحق معين فكان فيئا كمال الميت المسلم الذي هو كذلك مسائل من هذا الباب مجوسي تزوج ابنته فأولدها بنتا ثم مات عنهما فلهما الثلثان لأنهما ابنتان ولا ترث الكبرى بالزوجية في قول الجميع فإن ماتت الكبرى بعده فقد تركت بنتاً هي أخت لأب فلها النصف بالبنوة والباقي بالاخوة وإن ماتت الصغرى أولا فقد تركت أما هي أخت لأب فلها النصف والثلث بالقرابتين ومن ورث بأقوى القرابتين لم يورثها بالاخوة شيئاً في المسئلتين وقال بن شريح يحتمل قول الشافعي توريثها بالقرابتين في المسألة الأولى لأنه لم يمنع توريث الشخص بفرض وتعصيب لتوريثه ابن العم إذا كان زوجا أو أخا لأم وإنما منع الارث بفرضين فإن كان المجوسي أولدها بنتين ثم مات وماتت الكبرى بعده فقد تركت بنتين هما أختان لأب وإن لم تمت الكبرى بل ماتت إحدى الصغيرتين فقد تركت أختاً لأبوين وأما هي أخت لأب فلأمها السدس بكونها أما والسدس بكونها أختا لأب

مسألة: ولا يرثون بنكاح ذوات المحارم، ولا بنكاح لا يقرون عليه، لو أسلموا

وانحجبت بنفسها وأختها عن السدس وللأخت النصف على القول الآخر لها الثلث بالأمومة ولا شئ لها بالأخوة ولا تنحجب بها وللأخت النصف فقد استوى الحكم في القولين وإن اختلف طريقهما وعلى ما حكاه سحنون لها السدس وتنحجب بنفسها وأختها وإن أولدها المجوسي ابناً وبنتاً ثم مات وماتت الصغرى بعده فقد خلفت أما هي أخت لأب وأخا لأب وأم فلأمها السدس والباقي للأخ ولا شئ للأم بالاخوة لأن الأخ للأبوين يحجبها وعلى القول الآخر للأم الثلث كاملا إذا تزوج المجوسي أمه فأولدها بنتاً ثم مات فلأمه السدس ولأبنته النصف ولا ترث أمه بالزوجية ولا ابنته بكونها أختاً لأم شيئاً وإن ماتت الكبرى بعده فقد خلفت بنتاً هي بنت ابن فلها الثلثان بالقرابتين وعلى القول الآخر لها النصف وإن ماتت الصغرى بعده فقد تركت أما هي أم أب فلها الثلث بالأمومة لا غير على القولين جميعا وإن تزوج ابنته فأولدها بنتا ثم تزوج الصغرى فأولدها بنتا ثم مات وماتت الكبرى بعده فقد تركت أختيها لأبيها إحداهما بنتها والأخرى بنت بنتها فلبنتها النصف والباقي بينهما وعلى القول الآخر لبنتها النصف والباقي للصغرى وإن ماتت الوسطى بعده فقد تركت أختيها إحداهما أمها والأخرى بنتها فلأمها السدس ولبنتها النصف والباقي بينهما وعلى القول الآخر الباقي للعصبة وإن ماتت الصغرى بعد فقد خلفت أختيها إحداهما أمها والأخرى جدتها فلأمها السدس والثلثان بينهما وقد انحجبت الأم بنفسها وبأمها عن السدس وعلى القول الآخر من جعل الاخوة أقوى فللكبرى النصف وللوسطى الثلث والباقي للعصبة ومن جعل الجدودة أقوى لم يورث الكبرى شيئاً لأنها لا ترث بالاخوة لكونها ضعيفة ولا بالجدودة لكونها محجوبة بالأمومة وإن ماتت الصغرى بعد الوسطى فقد خلفت جدة هي أخت لأب فلها الثلثان

بالقرابتين ومن ورث بإحداهما فلها السدس عند قوم وعند ابن شريح ومن وافقه لها النصف وهي اختيار الخبري، مجوسي تزوج أمه فأولدها بنتا ثم تزوج بنته فأولدها ابنا ثم تزوج الابن جدته فأولدها بنتا ثم مات المجوسي ثم ماتت أمه فقد خلفت بنتاً هي بنت ابن وبنتاً أخرى هي بنت ابن ابن وخلفت ابن ابن هو زوجها فلابنتيها الثلثان والباقي بين الكبرى وابنها على ثلاثة وتصح من تسعة للكبرى أربعة وللصغرى ثلاثة وللذكر سهمان وعلى القول الآخر الباقي للذكر وحده فإن ماتت بعده بنته فإن الكبرى جدتها أم أبيها وهي أختها من أمها فلها السدسان بالقرابتين وفي الثاني لها سدس بإحداهما (فصل) وإن وطئ مسلم بعض محارمه بشبهة أو اشتراها وهو لا يعرفها فوطئها وولدت له واتفق مثل هذه لإنسان فالحكم فيها مثل هذا سواء (فصل) في التزويج في المرض والصحة، حكم النكاح في الصحة، والمرض سواء في صحة العقد وتوريث كل واحد منهما من صاحبه في قول الجمهور وبه قال أبو حنيفة والشافعي وقال مالك أي الزوجين كان مريضاً مرضاً مخوفاً حال عقد النكاح فالنكاح فاسد لا يتوارثان به إلا أن يصيبها فيكون لها المسمى في ثلاثة مقدما على الوصية وعن الزهري ويحيى بن سعيد مثله واختلف أصحاب مالك في نكاح من لا يرث كالأمة والذمية فقال بعضهم يصح لأنه لا يتهم بقصد توريثها ومنهم من أبطله لجواز أن تكون وارثة وقال ربيعة وابن أبي ليلى الصداق والميراث من الثلث وقال الأوزاعي النكاح صحيح ولا ميراث بينهما وعن القاسم بن محمد والحسن أن قصد الإضرار بورثته فالنكاح باطل وإلا فهو صحيح

ولنا أنه عقد معاوضة يصح في الصحة فصح في المرض كالبيع ولأنه نكاح صدر من أهله في في محله بشرطه فصح كحال الصحة وقد روينا أن عبد الرحمن بن أم الحكم تزوج في مرضه ثلاث نسوة أصدق كل واحدة ألفاً ليضيق بهن على امرأته ويشركنها في ميراثها فأجيز ذلك وإذا ثبت صحة النكاح ثبت الميراث بعموم الآية (فصل) ولا فرق في ميراث الزوجين بين ما قبل الدخول وبعده لعموم الآية ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في بروع بنت واشق أن لها الميراث وكان زوجها مات عنها قبل الدخول بها ولم يكن فرض لها صداقا ولأن النكاح صحيح ثابت فيورث به كما بعد الدخول (فصل) فأما النكاح الفاسد فلا يثبت به التوارث بين الزوجين لأنه ليس بنكاح شرعي ومتى اشتبه من نكاحها فاسد بمن نكاحها صحيح فالمنصوص عن أحمد أنه قال فيمن تزوج أختين لا يدري أيهما تزوج أول؟ أنه يفرق بينهما وتوقف عن أن يقول في الصداق شيئاً قال أبو بكر يتوجه على قوله أن يقرع بينهما فعلى هذا الوجه يقرع بينهما في الميراث إذا مات عنهما وعن النخعي والشعبي ما يدل على أن الميراث يقسم بينهن على حسب الدعاوى والتنزيل كميراث الخناثى وهو قول أبي حنيفة وأصحابه وقال الشافعي يوقف المشكوك فيه من ذلك حتى يصطلحن عليه أو يتبين الأمر فلو تزوج امرأة في عقد وأربعاً في عقد ثم مات وخلف أخا ولم يعلم أي العقدين سبق ففي قول أبي حنيفة كل واحدة تدعي مهراً كاملاً ينكره الأخ فيعطي كل واحدة نصف مهر ويؤخذ ربع الباقي تدعيه الواحدة والأربع فيقسم نصفه للواحدة ونصفه للأربع وعند الشافعي أكثر ما يجب عليه أربعة مهور فيأخذ

ذلك يوقف منها مهر بين النساء الخمس ويبقى ثلاثة تدعي الواحدة ربعها ميراثاً ويدعي الأخ ثلاثة أرباعها فيوقف منها ثلاثة أرباع مهر بين النساء الخمس وباقيها وهو مهران وربع بين الأربع والأخ ثم يؤخذ ربع ما بقي فيوقف بين النساء الخمس والباقي للأخ (فصل) فإن تزوج امرأة في عقد واثنتين في عقد وثلاثاً في عقد ولم يعلم السابق فالواحدة نكاحها صحيح فلها مهرها ويبقى الشك في الخمس، فعلى قول أهل العراق لهن مهران بيقين والثالث لهن في حال دون حال فيكون لهن نصفه ثم يقسم ذلك بينهن لكل واحدة نصف مهر ثم يؤخذ ربع الباقي لهن ميراثاً فللواحدة ربعه يقيناً وتدعي نصف سدسه فتعطى نصفه فيصير لها من الربع سدسه وثمنه وذلك سبعة من أربعة وعشرين والاثنتان يدعيان ثلثيه وهو ستة عشر سهما فيعطين نصفه وهو ثمانية أسهم والثلاث يدعين ثلاثة أرباعه وهو ثمانية عشر سهما فيعطين تسعه وهذا قول محمد بن الحسن، وعلى قول أبي حنيفة وأبي يوسف تقسم السبعة بين الثلاث والاثنتين نصفين فيصير الربع من ثمانية وأربعين ثم تضرب الاثنين في الثلاث ثم في ثمانية وأربعين تكن مائتين وثمانية وثمانين فهذا ربع المال، وعند الشافعي تعطى الواحدة مهرها ويوقف ثلاثة مهور مهران منها بين الخمس ومهر تدعي الواحدة والاثنتان ربعه ميراثا وتدعيه الثلاث مهراً وثلاثة أرباعه يدعيه الأخ ميراثا وتدعيه الثلاث مهراً ويؤخذ ربع ما بقي فيدفع ربعه إلى الواحدة ونصف سدسه بين الواحدة والثلاث موقوف وثلثاه بين الثلاث والاثنتين موقوف فإن طلبت واحدة من الخمس شيئاً من الميراث الموقوف لم يدفع اليها شئ وكذلك إن طلبه أحد الفريقين لا يدفع اليه شئ وإن طلب واحدة من الثلاث وواحدة من الاثنتين دفع إليهما ربع الميراث وإن طلبه واحدة

من الاثنتين واثنتان من الثلاث أو الثلاث كلهن دفع اليهن ثلاثه وإن عين الزوج المنكوحات أولا قبل تعيينه وثبت، وإن وطئ واحدة منهن لم يكن ذلك تعييناً لها وهذا قول الشافعي، وللموطوءة الأقل من المسمى أو مهر المثل ويكون الفضل بينهما موقوفاً وعلى قول أهل العراق يكون تعييناً، فإذا كانت الموطوءة من الاثنتين صح نكاحها وبطل نكاح الثلاث، وان كانت من الثلاث بطل نكاح الاثنتين وإن وطئ واحدة من الاثنتين وواحدة من الثلاث صح نكاح الفريق المبدوء بوطئ واحدة منه وللموطوءة التي لم يصح نكاحها مهر مثلها، فإن أشكل أيضاً أخذ منه اليقين وهو مهران مسميان ومهر مثل ويبقى مهر مسمى تدعيه النسوة وينكره الأخ فيقسم بينهما فيحصل للنسوة مهر مثل ومسميان ونصف منها مهر مسمى ومهر مثل يقسم بين الموطوءتين نصفين ويبقى مسمى ونصف بين الثلاث الباقيات لكل واحدة نصف مسمى والميراث على ما تقدم، وعند الشافعي لا حكم للوطئ في التعيين وهل يقوم تعيين الوارث مقام تعيين الزوج فيه قولان فعلى قوله يؤخذ مسمى ومهر مثل للموطوءتين تعطى كل الأقل من المسمى أو مهر المثل ويقف الفضل بينهما ويبقى مسميان ونصف يقف أحدهما بين الثلاث اللاتي لم يوطأن وآخر بين الثلاث والاثنتين، والميراث على ما تقدم، وحكي عن الشعبي والنخعي فيمن له أربع نسوة أبت طلاق إحداهن ثم نكح خامسة ومات ولم يدر أيتهن طلق فللخامسة ربع الميراث وللأربع ثلاثة أرباعه بينهن وهذا مذهب أبي حنيفة إذا كان نكاح الخامسة بعد انقضاء عدة المطلقة، ولو أنه قال بعد نكاح الخامسة إحدى نسائي طالق ثم نكح سادسة ثم مات قبل أن يبين فللسادسة ربع الميراث وللخامسة ربع ثلاثة الأرباع

الباقية وما بقي بين الأربع الأول أرباعاً وفي قول الشافعي ما أشكل من ذلك موقوف على ما تقدم (باب ميراث المطلقة) (إذا طلقها في صحته أو مرض غير مخوف طلاقا بائناً قطع التوارث بينهما) وجملة ذلك أن الرجل إذا طلق امرأته في صحته طلاقا بائناً أو رجعياً فبانت بانقضاء عدتها لم يتوارثا إجماعا لزوال الزوجية التي هي سبب الميراث وكذلك إن طلقها في مرض غير مخوف لأن حكم الطلاق فيه حكم الطلاق في الصحة، فإن طلقها في المرض المخوف فصح من مرضه ذلك ومات بعده لم ترثه في قول الجمهور وروي عن النخعي والشعبي والثوري وزفر أنها ترثه لأنه طلاق في مرض مخوف قصد به الفرار من الميراث فلم يمنعه كما لو لم يصح ولنا أن هذه بائن بطلاق في غير مرض الموت فلم ترثه كالمطلقة في الصحة ولأن حكم هذا المرض حكم الصحة في العطايا والعتاق والاقرار فكذلك في الطلاق وما ذكروه يبطل بما إذا قصد الفرار في الصحة (مسألة) (وإن كان الطلاق رجعياً لم يقطعه مادامت في العدة) سواء كان في المرض أو الصحة بغير خلاف نعلمه روى ذلك عن ابي بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم وذلك لأن الرجعية زوجة يلحقها طلاقه وظهاره وإيلاؤه ويملك إمساكها بالرجعة بغير رضاها ولا ولي ولا شهود ولا صداق جديد

باب ميراث المطلقة

(مسألة) (وإن طلقها في مرض الموت المخوف طلاقاً لا يتهم فيه بأن سألته الطلاق أو علق طلاقها على فعل لها منه بد ففعلته أو علقه على شرط في الصحة فوجد في المرض أو طلق من لا يرث كالأمة والذمية فعتقت وأسلمت فهو كطلاق الصحيح في أصح الروايتين) إذا سألته الطلاق في مرضه فأجابها فقال القاضي فيه روايتان (إحداهما) لا ترثه لأنه ليس بفار (والثانية) ترثه لأنه طلقها في مرضه وهو قول مالك، وكذلك الحكم اذا خالعها أو علق الطلاق على مشيئتها فشاءت أو على فعل من جهتها لها منه بد ففعلته أو خيرها فاختارت نفسها، والصحيح في هذا كله أنها لا ترثه لأنه لا فرار منه وهذا قول أبي حنيفة والشافعي فان لم تعلم بتعليق طلاقها ففعلت ما علق عليه ورثته لأنها معذورة فيه، ولو سألته طلقة فطلقها ثلاثاً ورثته لأنه أبانها بما لم تطلبه منه فإن علق طلاقها على شرط في الصحة فوجد في المرض كقدوم زيد ومجئ زيد وصلاتها الفرض بانت ولم ترثه وذكر القاضي رواية أخرى أنها ترث وهو قول مالك لأن الطلاق وقع في المرض والأول أصح (مسألة) (فإن طلق الزوج المسلم امرأته الذمية أو الأمة في المرض طلاقاً بائناً ثم أسلمت الذمية وعتقت الأمة ثم مات في عدتهما لم يرثاه لأنه لم يكن عند الطلاق فاراً) وفيه رواية أخرى أنها ترث لأنه طلاق في مرض الموت فورثته كغيرها هكذا ذكره شيخنا في الكتاب المشروح ولم يذكر في المغني والكافي هذه الرواية الأخيرة (فصل) فإن قال لهما أنتما طالقتان غداً فعتقت الأمة وأسلمت الذمية لم يرثاه لأنه غير فار (مسألة) (وإن قال سيد الأمة أنت حرة غداً فطلقها اليوم وهو يعلم بقول السيد ورثته) لأنه فار وإن لم يعلم لم ترثه لعدم الفرار وبه قال أبو حنيفة والشافعي ولم أعلم فيه مخالفاً

مسألة: فإن طلق الزوج المسلم امرأته الذمية أو الأمة في المرض طلاقا بائنا ثم أسلمت الذمية وعتقت الأمة ثم مات في عدتهما لم يرثاه لأنه لم يكن عند الطلاق فارا

(فصل) إذا قال لامرأته في صحته إذا مرضت فأنت طالق فحكمه حكم طلاق المريض سواء وإن أقر في مرضه أنه كان طلقها في صحته ثلاثا لم يقبل إقراره عليها وكان حكمه حكم طلاقه في مرضه وبه قال مالك وابو حنيفة ويقبل عند الشافعي ولنا أنه أقر بما يبطل به حق غيره فلم يقبل كما لو أقر بمالها (مسألة) (وإن كان متهماً بقصد حرمانها الميراث مثل أن طلقها ابتداء أو علقه على فعل لابد لها منه كالصلاة ونحوها ففعلته أو قال للأمة أو ذمية إذا أسلمت أو عتقت فأنت طالق أو علم أن سيد الأمة قال لها أنت حرة غداً فطلقها اليوم ورثته مادامت في العدة ولم يرثها) وجملته أنه إذا طلقها في المرض المخوف طلاقاً بائناً ثم مات من مرضه ذلك في عدتها ورثته ولم يرثها إن ماتت يروى هذا عن علي وعمر وعثمان، وبه قال شريح وعروة والحسن والشعبي والنخعي والثوري وأبو حنيفة في أهل العراق ومالك في أهل المدينة وابن أبي ليلى وهو قول الشافعي القديم، وروي عن عبد الله بن الزبير لا ترث مبتوتة ويروى ذلك عن علي وعبد الرحمن بن عوف وهو قول الشافعي الجديد لأنها بائن فلا ترث كالبائن في الصحة أو كما لو كان الطلاق باختيارها ولأن أسباب الميراث محصورة في رحم ونكاح وولاء وليس لها شئ من هذه الأسباب ولنا أن عثمان رضي الله عنه ورث تماضر بنت الأصبغ الكلبية من عبد الرحمن بن عوف وكان طلقها في مرضه فبتها واشتهر ذلك في الصحابة فلم ينكر فكان إجماعاً ولم يثبت عن علي وعبد الرحمن خلاف هذا بل قد روى عروة أن عمر قال لعبد الرحمن ان مت فلاورثتها منك قال قد علمت ذلك، وما روي عن ابن

مسألة: وإن كان متهما بقصد حرمانها الميراث مثل أن طلقها ابتداء أو علقه على فعل لا بد لها منه كالصلاة ونحوها ففعلته أو قال للأمة أو ذمية إذا أسلمت أو عتقت فأنت طالق أو علم أن سيد الأمة قال لها أنت حرة غدا فطلقها اليوم ورثته ما دامت في العدة ولم يرثها

الزبير ان صح فهو مسبوق بالاجماع ولانه قصد قصد فاسداً في الميراث فعورض بنقيض قصده كالقاتل القاصد استعجال الميراث يعاقب بحرمانه (مسألة) (وإن علق طلاقها على فعل لابد لها منه كالصلاة المكتوبة والصيام الواجب ففعلته فحكمه حكم طلاقه ابتداء) في قول الجميع وكذلك لو علقه على كلامها لأبويها ولأحدهما (مسألة) (وهل ترثه بعد العدة أو ترثه المطلقة قبل الدخول؟ على روايتين) المشهور عن أحمد رحمه الله أنها ترثه في العدة وبعدها ما لم تتزوج قال أبو بكر لا يختلف قول أبي عبد الله في المدخول بها أنها ترثه في العدة وبعدها ما لم تتزوج روى ذلك عن الحسن وهو قول البتي وحميد وابن أبي ليلى وبعض البصريين وأصحاب الحسن ومالك في أهل المدينة، وذكر عن ابي ابن كعب لما روى أبو سلمة بن عبد الرحمن أن أباه طلق أمه وهو مريض فمات فورثته بعد انقضاء العدة ولأن سبب توريثها فراره من ميراثها وهذا المعنى لا يزول بانقضاء العدة، وفيه رواية أخرى أنها لا ترث بعد العدة وهذا قول عروة وأبي حنيفة وأصحابه وقول الشافعي القديم لأنها تباح لزوج آخر فلم ترثه كما لو كان في الصحة ولأن توريثها بعد العدة يفضي إلى توريث أكثر من أربع نسوة فلم يجز كما لو تزوجت، والمطلقة قبل الدخول في مرضه المخوف فيها روايتان كالتي انقضت عدتها إذا كانت كل واحدة منهما لا عدة لها (مسألة) (وإن تزوجت في عدتها لم ترثه سواء كانت في الزوجية أو بانت من الزوج الثاني

مسألة: وإن علق طلاقها على فعل لا بد لها منه كالصلاة المكتوبة والصيام الواجب ففعلته فحكمه حكم طلاقه ابتداء

هذا قول أكثر أهل العلم، وقال مالك في أهل المدينة ترثه لما ذكرنا للرواية الأولى في المسألة قبلها ولأنها شخص يرث مع انتفاء الزوجية فورث معها كسائر الوارثين ولنا أن هذه وارثة من زوج فلا ترث زوجا سواء كسائر الزوجات ولأن التوريث في حكم النكاح فلا يجوز اجتماعه مع نكاح آخر كالعدة ولأنها فعلت باختيارها ما ينافي نكاح الأول فأشبه ما لو كان فسخ النكاح من قبلها وهكذا لو ارتدت في عدتها ولم تسلم أو فعلت ما ينافي نكاح الأول (فصل) اذا طلق امرأته ثلاثا قبل الدخول في المرض فقال أبو بكر فيها أربع روايات (إحداهن) لها الصداق كاملاً والميراث وعليها العدة اختارها أبو بكر وهو قول الحسن وعطاء وأبي عبيد لأن الميراث ثبت للمدخول بها لفراره منه وهذا فار، وإذا ثبت الميراث ثبت وجوب تكميل الصداق، قال شيخنا وينبغي أن تكون العدة عدة الوفاة لأنا جعلناها في حكم من توفي عنها وهي زوجة ولأن الطلاق لا يوجب عدة على غير المدخول بها (الثانية) لها الميراث والصداق ولا عدة عليها وهو قول عطاء لأن العدة حق عليها فلا تجب بفراره (والثالثة) لها الميراث ونصف الصداق وعليها العدة وهذا قول مالك في رواية أبي عبيد عنه لأن من ترث يجب أن تعتد ولا يكمل الصداق لقول الله تعالى (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم فلا يجوز مخالفة ذلك (والرابعة) لا ترث ولا عدة عليها ولها نصف الصداق وهو قول جابر بن زيد والنخعي وأبي حنيفة والشافعي وأكثر أهل العلم قال أحمد قال جابر بن زيد لا ميراث لها ولا عدة عليها، وقال الحسن ترث قال أحمد أذهب إلى قول جابر لأن الله سبحانه نص على تنصيف الصداق ونفي العدة عن المطلقة قبل الدخول بقوله سبحانه

(وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم) وقال تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها) ولا يجوز مخالفة نص الكتاب بالرأي والتحكم، وأما الميراث فإنها ليست بزوجته ولا معتدة من نكاح أشبهت المطلقة في الصحة فإن خلا بها وقال لم أطأها وصدقته فلها الميراث وعليها العدة للوفاة ويكمل لها الصداق لأن الخلوة تكفي في ثبوت هذه الأحكام وهذا قول أبي حنيفة (فصل) ولو طلق المدخول بها طلاقا رجعيا ثم مرض في عدتها ومات بعد انقضائها لم ترثه لأنه طلاق صحة فإن طلقها واحدة في صحته وأبانها في مرضه ثم مات بعد انقضاء عدتها فحكمها حكم ما لو ابتدأ طلاقها في مرضه لأنه فر من ميراثها وإن طلقها واحدة في صحته وأخرى في مرضه ولم يبنها حتى بانت بانقضاء عدتها لم ترث لأن طلاق المرض لم يقطع ميراثها ولم يؤثر في بينونتها (فصل) وإذا طلقها ثلاثاً في مرضه فارتدت ثم أسلمت ثم مات في عدتها ففيه وجهان (أحدهما) ترثه وهو قول مالك لأنها مطلقة في المرض أشبه ما لو لم ترتد (والثاني) لا ترثه وهو قول أبي حنيفة والشافعي لأنها فعلت ما ينافي النكاح أشبه ما لو تزوجت، ولو كان هو المرتد ثم اسلم ومات ورثته وبه قال أبو حنيفة وأصحابه، وقال الشافعي لا ترثه ولنا أنها مطلقة في المرض لم تفعل ما ينافي نكاحها مات زوجها في عدتها أشبه ما لو لم ترتد ولو ارتد أحد الزوجين بعد الدخول ثم عاد إلى الإسلام قبل انقضاء العدة ورثه الآخر لأن النكاح باق، وإن

انقضت العدة قبل رجوعه انفسخ النكاح ولم يرث أحدهما الآخر، وإن قلنا أن الفرقة تتعجل عند اختلاف الدين لم يرث أحدهما الآخر ويتخرج أن يرثه الآخر إذا كان ذلك في مرض موته لأنه تحصل به البينونة أشبه الطلاق وهو قول مالك وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا ارتدت المرأة ثم ماتت في عدتها ورثها الزوج (فصل) فإن علق طلاقها على فعل نفسه وفعله في المرض ورثته لأنه أوقع الطلاق بها في المرض أشبه ما لو كان التعليق في المرض وإن قال في الصحة أنت طالق إن لم أضرب غلامي فلم يضربه حتى مات ورثته ولا يرثها إن ماتت وإن مات الغلام والزوج مريض طلقت وكان كتعليقه على مجئ زيد على ما ذكرنا وكذلك إن قال إن لم أوفك مهرك فأنت طالق فإن ادعى أنه وفاها مهرها فأنكرته صدق الزوج في ثوريثه منها لأن الأصل بقاء النكاح ولم يصدق في براءته منه لأن الأصل بقاؤه في ذمته ولو قال لهافي الصحة أنت طالق إن لم أتزوج عليك فكذلك نص عليه أحمد وهو قول الحسن ولو قذف المريض امرأته ثم لاعنها في مرضه فبانت منه ثم مات في مرضه ورثته وإن ماتت لم يرثها وإن قذفها في صحته ثم لاعنها في مرضه ثم مات فيه لم ترثه نص عليه أحمد وهو قول الشافعي واللؤلؤي وذكر القاضي رواية أخرى أنها ترث وهو قول أبي يوسف وإن آلى منها ثم صح ثم نكس في مرضه فبانت منه بالإيلاء لم ترثه (مسألة) (وإن أكره الابن امرأة أبيه في مرض أبيه على ما يفسخ نكاحها لم يقطع ميراثها

مسألة: وإن أكره الابن امرأة أبيه في مرض أبيه على ما يفسخ نكاحها لم يقطع ميراثها

إلا أن يكون له امرأة سواها إذا استكره الابن امرأة أبيه على ما يفسخ نكاحها من وطئ أو غيره في مرض أبيه فمات أبوه من مرضه ذلك ورثته ولم يرثها إن ماتت وهو قول أبي حنيفة وأصحابه فإن طاوعته على ذلك لم ترث لأنها مشاركة له فيما يفسخ نكاحها أشبه ما لو خالعته وسواء كان للميت بنون سوى هذا الابن أو لم يكن فإن انتفت التهمة عنه بأن لا يكون وارثا كالكافر والقاتل والرقيق أو كان ابنا من الرضاعة أو ابن ابن محجوب بابن الميت أو بأبوين وابنتين أو كان للميت امرأة أخرى تحوز ميراث الزوجات لم ترث لانتفاء التهمة ولو صار ابن الابن وارثا بعد ذلك لم ترث لانتفاء التهمة حال الوطئ ولو كان وارثا حين الوطئ فعاد محجوباً عن الميراث ورثت لوجود التهمة حين الوطئ ولو كان للمريض امرأتان فاستكره ابنه إحداهما لم ترث لانتفاء التهمة لكون ميراثها لا يرجع إليه وإن استكره الثانية بعدها ورثت الثانية لأنه متهم في حقها ولو استكرههما معادفعة واحدة ورثتا معاً وهذا كله قول أبي حنيفة وأصحابه وأما الشافعي فلا يرى فسخ النكاح بالوطئ الحرام وكذا الحكم فيما إذا وطئ المريض من ينفسخ نكاحه بوطئها كأم امرأته فإن امرأته تبين منه وترثه إذا مات في مرضه وسواء طاوعته الموطوءة أو لا لأن مطاوعتها ليس للمرأة فيه فعل يسقط به ميراثها فإن كان زائل العقل حين الوطئ لم ترث امرأته منه شيئاً لأنه ليس له قصد صحيح فلا يكون فاراً من ميراثها وكذلك لو وطئ بنت امرأته كرها لها وهو زائل العقل فإن كان صبياً عاقلا ورثت لأن له قصداً صحيحاً وقال أبو حنيفة هو كالمجنون لأن قوله لا عبرة به وللشافعي فيما إذا وطئ الصبي بنت امرأته وأمها قولان أحدهما لا ينفسخ به نكاح امرأته لأنه لا يحرم والثاني تبين امرأته فلا ترثه ولا يرثها وفي القبلة والمباشرة دون

الفرج روايتان إحداهما تنشر الحرمة وهو قول أبي حنيفة وأصحابه لأنها مباشرة تحرم في غير النكاح والملك أشبهت الوط والثانية لا تنشره لأنه ليس بسبب للبعضية فلا ينشر الحرمة كالنظرة والخلوة وخرج أصحابنا في النظر إلى الفرج والخلوة لشهوة وجها أنه ينشر الحرمة والصحيح أنها لا تنشر (مسألة) (وإن فعلت المرأة في مرض موتها ما يفسخ نكاحها لم يسقط ميراث زوجها وذلك بأن ترضع امرأة زوجها الصغيرة أو زوجها الصغير أو ارتدت فإن زوجها يرثها ولا ترثه وبهذا قال أبو حنيفة، وقال الشافعي لا يرثها ولنا أنها أحد الزوجين فرمن ميراث الآخر فأشبه الرجل (فصل) وإن أعتقت فاختارت نفسها أو كان الزوج عنينا فأجل سنة فلم يصبها حتى مرضت في آخر الحول فاختارت فرقته وفرق بينهما لم يتوارثا في قولهم أجمعين ذكره ابن اللبان في كتابه وذكر القاضي في المعتقة إذا اختارت نفسها في مرضها لم يرثها لأن فسخ النكاح في هذين الموضعين لدفع الضرر لا للفرارمن الميراث وإن قبلت ابن زوجها بالشهوة خرج فيه وجهان أحدهما ينفسخ نكاحها ويرثها إذا كانت مريضة وماتت في عدتها وهذا قول أبي حنيفة وأصحابه والثاني لا ينفسخ النكاح به وهو قول الشافعي ولو أن رجلاً زوج ابنة أخيه صغيرة ثم بلغت ففسخت النكاح في مرضها لم يرثها الزوج بغير خلاف علمناه لأن النكاح من أصله فاسد في صحيح المذهب وهو قول الشافعي وروي عن أحمد ما يدل على صحته ولها الخيار وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه لأن الفسخ لإزالة الضرر لا من أجل الفرار كما لو فسخت المعتقة نكاحها (مسألة) (وإن خلف زوجات نكاح بعضهن فاسد أقرع بينهن فمن أصابتها القرعة فلا ميراث لها)

مسألة: وإن فعلت المرأة في مرض موتها ما يفسخ نكاحها لم يسقط ميراث زوجها وذلك بأن ترضع امرأة زوجها الصغيرة أو زوجها الصغير أو ارتدت فإن زوجها يرثها ولا ترثه

قد ذكرنا أن النكاح الفاسد لا يثبت به التوارث بين الزوجين لأنه ليس بنكاح شرعي فإذا اشتبه من نكاحها فاسد بمن نكاحها صحيح فقد روي عن أحمد ما يدل على أنه يقرع بينهما في الميراث إذا مات عنهما ذكره أبو بكر فمن خرجت لها القرعة فلا ميراث لها وكذلك لو طلق واحدة من نسائه وأنسيها لأنه اشتبه المستحق بغيره فوجب المصير إلى القرعة كما لو اعتق في مرضه عبيداً فلم يخرج من الثلث إلا أحدهم يروي ذلك عن علي رضي الله عنه وقد ذكرنا ذلك فيما قبل هذا الباب والاختلاف فيه والتفريع عليه (مسألة) (إذا طلق أربع نسوة في مرضه فانقضت عدتهن ثم تزوج أربعا سواهن فالميراث للزوجات وعنه أنه بين الثمان) وجملة ذلك أن المريض إذا طلق امرأته ثم نكح أخرى ثم مات لم يخل من حالين أحدهما أن يموت في عدة المطلقة فترثاه جميعاً وهذا قول أبي حنيفة وأهل العراق وأحد قولي الشافعي والقول الآخر لا ترث المبتوتة فيكون الميراث كله للثانية وقال مالك الميراث كله للمطلقة لأن نكاح المريض عنده غير صحيح وذكره بعض أصحابنا وجها في المذهب لأنها ترث منه ما كانت ترث قبل طلاقها وهو جميع الميراث فكذلك بعده وليس هذا صحيحاً فإنها إنما ترث ما كانت ترث لو لم يطلقها ولو تزوج عليها ولم يطلقها لم ترث إلا نصف ميراث الزوجات فكذلك إذا طلقها فعلى هذا لو تزوج ثلاثا في مرضه فليس للمطلقه الاربع ميراث لزوجات ولكل واحدة من الزوجات ربعه (الحال الثاني) أن يموت بعد انقضاء عدة المطلقة فيكون الميراث كله للزوجات في إحدى الروايتين وهو قول الشافعي وأبي حنيفة وأصحابه وفي الرواية الأخرى الميراث للأربع كما لو مات في عدة المطلقة

مسألة: إذا طلق أربع نسوة في مرضه فانقضت عدتهن ثم تزوج أربعا سواهن فالميراث للزوجات وعنه أنه بين الثمان

وعند مالك الميراث كله للمطلقة فإن كان له أربع نسوة فطلق إحداهن ثلاثا في مرضه ثم نكح أخرى في عدة المطلقة أو طلق امرأة واحدة ونكح أختها في عدتها ومات في عدتها فالنكاح باطل والميراث بين المطلقة وباقي الزوجات الأوائل وهذا قول أبي حنيفة ومالك وقال الشافعي النكاح صحيح والميراث للجديدة مع باقي المنكوحات دون المطلقة ويجئ على قوله القديم وجهان (أحدهما) أن يكون الميراث بين المطلقة وباقي الزوجات كقول الجمهور ولا شئ للمنكوحة (والثاني) أن يكون بينهن على خمسة لكل واحدة خمسة فان مات بعد انقضاء عدة المطلقة ففي ميراثها روايتان أحديهما لا ميراث لها فيكون الميراث لباقي الزوجات وهو قول أبي حنيفة وأهل العراق والثانية ترث معهن ولا شئ للمنكوحة وعند الشافعي الميراث للمنكوحات ولا شئ للمطلقة فإن تزوج الخامسة بعد انقضاء عدة المطلقة صح نكاحها وهل ترث المطلقة؟ على روايتين (أحديهما) لا ترث وهو ظاهر كلام أحمد لأنه قال يلزم من قال يصح النكاح في العدة أن يرث ثمان نسوة وأن ترثه أختان فيكون مسلم يرثه ثمان أو اختان وتوريث المطلقات بعد العدة يلزم من هذا أو حرمان الزوجات المنصوص على ميراثهن فيكون منكراً له غير قائل به فعلى هذا يكون الميراث للزوجات دون المطلقة والرواية الثانية ترث المطلقة فيخرج فيه وجهان (أحدهما) يكون الميراث بين الخمس، و (الثاني) يكون للمطلقة والمنكوحات الأوائل دون الجديدة لأن المريض ممنوع من أن يحرمهن ميراثهن بالطلاق فكذلك يمنع من تنقيصهن منه. قال شيخنا وكلا الوجهين بعيد، أما أحدهما فيرده نص الكتاب على توريث الزوجات فلا تجوز مخالفته بغير نص ولا إجماع ولا قياس على صورة مخصوصة من النص في معناه، وأما الآخر

فلان الله لم يبح نكاح أكثر من أربع ولا الجمع بين الأختين فلا يجوز أن يجتمعن في ميراثه بالزوجية وعلى هذا لو طلق أربعاً في مرضه وانقضت عدتهن ونكح أربعاً سواهن ثم مات من مرضه فعلى القول الأول وهو المختار يرثه المنكوحات خاصة، وعلى الثاني يكون فيه وجهان. (أحدهما) : أنه بين الثماني. و (الثاني) . أن الميراث كله للمطلقات، وهو قول مالك لأن نكاح المتجددات غير صحيح عنده، وإن صح من مرضه ثم تزوج أربعاً في صحته ثم مات فالميراث لهن في قول الجمهور ولا شئ للمطلقات إلا في قول مالك ومن وافقه وكذلك إن تزوجت المطلقات لم يرثن إلا في قول مالك ومن وافقه. (فصل) ولو طلق أربعاً بعد دخوله بهن في مرضه وقال قد أخبرني بانقضاء عدتهن وكذبنه فله أن ينكح أربعاً سواهن إذا كان ذلك في مدة يمكن انقضاء العدة فيها ولا يقبل قوله عليهن في حرمان الميراث. وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف واللؤلؤي إذا كان بعد أربعة أشهر وقال زفر لا يجوز له التزويج أيضاً، والأول أصح لأن هذا الحكم فيما بينه وبين الله تعالى لا حق لهن فيه فقبل قوله فيه فعلى هذا إن تزوج أربعاً في عقد واحد ثم مات ورثه المطلقات دون المنكوحات إلا أن يمتن قبله فيكون الميراث للمنكوحات وإن أقررن بانقضاء عدتهن وقلنا لا ميراث لهن بعد انقضاء العدة فالميراث للمنكوحات أيضاً، وإن مات منهن ثلاث فالميراث للباقية، وإن ماتت منهن واحدة ومن المنكوحات واحدة أو اثنتان أو مات من المطلقات اثنتان ومن المنكوحات واحدة فالميراث لباقي المطلقات وإن مات من المطلقات واحدة ومن المنكوحات ثلاثة أو من المطلقات اثنتان ومن المنكوحات اثنتان أو

من المطلقات ثلاث ومن المنكوحات واحدة فالميراث بين البواقي من المطلقات والنمكوحات معاً لأنه لو استأنف العقد على الباقيات من الجميع جاز وكان صحيحاً فإن تزوج المنكوحات في أربع عقود فمات من المطلقات واحدة ورث مكانها الأولى من المنكوحات وإن مات اثنتان ورثت الأولى والثانية وإن مات ثلاث ورثت الأولى والثانية والثالثة من المنكوحات مع من بقي من المطلقات وهذا على قياس قول أبي حنيفة وأبي يوسف واللؤلؤي فأما زفر فلا يرى صحة نكاح المنكوحات حتى يصدقه المطلقات، وأما الشافعي فيباح عنده التزويج في عدة المطلقات فعلى قوله إذا طلق أربعا ونكح أربعاً في عقد أو عقود ثم مات من مرضه فالميراث للمنكوحات وعلى قوله القديم يخرج فيه وجهان: (أحدهما) أن الميراث بين الثمان. وعلى الثاني هو للمطلقات خاصة، وإن مات بعض المطلقات أو انقضت عدتهن فللمنكوحات ميراث الميتات وإن ماتت واحدة فللزوجات ربع ميراث النساء وإن مات اثنتان فللزوجات نصف الميراث، وإن مات ثلاث فلهن ثلاثة أرباعه إن كان نكاحهن في عقد واحد وإن كان في عقود متفرقة فإذا ماتت من المطلقات واحدة فميراثها للأولى من المنكوحات، وميراث الثانية للثانية وميراث الثالثة للثالثة (فصل) إذا قال الرجل لنسائه إحداكن طالق يعني واحدة بعينها طلقت وحدها ويرجع إلى تعيينه ويؤخذ بنفقهن كلهن إلى أن يعين، وإن كان الطلاق بائناً منع منهن إلى أن يعين فإن قال أردت هذه طلقت وحدها وإن قال لم أرد هؤلاء الثلاث طلقت الرابعة فان عاد فقال أخطأت إنما أردت هذه طلقت الأخرى، وإن متن، أو إحداهن، قبل أن يبين رجع إلى قوله فمن أقر بطلاقها حرمناه

ميراثها وأحلفناه لورثة من لم يعينها، وهذا قول الشافعي وإن لم يعين بذلك واحدة بعينها أو مات قبل التعيين أخرجت بالقرعة وكذلك إن طلق واحدة من نسائه بعينها وأنسيها فماتت أخرجت بالقرعة فمن تقع عليها القرعة فلا ميراث لها. روى ذلك عن علي رضي الله عنه وهو قول أبي ثور، وروي عطاء عن ابن عباس أن رجلاً سأله فقال إن لي ثلاث نسوة وإني طلقت إحداهن فبتت طلاقها فقال ابن عباس أن كنت نويت واحدة بعينها ثم أنسيتها فقد اشتركن في الطلاق وإن لم تكن واحدة بعينها طلق أيتهن شئت. وقال الشافعي وأهل العراق يرجع إلى تعيينه في المسائل كلها فإن وطئ إحداهن كان تعييناً لها بالنكاح في قول أهل العراق وبعض أصحاب الشافعي، وقول الشافعي لا يكون تعييناً فإن مات قبل أن تتبين فالميراث بينهن كلهن في قول أهل العراق، وقال مالك يطلقن كلهن ولا ميراث لهن، وقال الشافعي يوقف ميراثهن وإن كان الطلاق قبل الدخول دفع إلى كل واحدة نصف مهر ووقف الباقي من مهورهن، وقال داود يبطل حكم طلاقهن لموضع الجهالة ولكل واحدة مهر كامل والميراث بينهن وإن متن قبله طلقت الأخيرة في قول أهل العراق وقال الشافعي يرجع إلى تعيينه على ما ذكرنا. ولنا قول عمر رضي الله عنه ولا يعارضه قول ابن عباس لأن ابن عباس يعتر ف لعلي بتقديم قوله فإنه قال إذا ثبت لنا عن علي قول لم نعده إلى غيره وقال ما علمي إلى علم علي إلا كالقرارة إلى المتعنخر ولأنه إزالة ملك عن الآدمي فتستعمل فيه القرعة عند الاشتباه كالعتق وقد ثبت هذا في العتق بخبر عمر ان بن حصين ولأن الحقوق تساوت على وجه تعذر تعيين المستحق فيه من غير قرعة فينبغي أن تستعمل

فيه القرعة كالسفر والقسمة بين النساء، فأما قسم الميراث بين الجميع ففيه دفع إلى إحداهن مالا تستحقه وتنقيص بعضهن حقاً يقينا والوقف الى غير غاية تضييع لحقوقهن وحرمان الجميع منع الحق عن صاحبه يقيناً. (فصل) ولو كان له امرأتان فطلق إحداهما ثم ماتت إحداهما ثم مات اقرع بينهما فمن وقعت عليها قرعة الطلاق لم يرثها إن كانت الميتة ولم ترثه إن كانت الأخرى، وفي قول أهل العراق يرث الأولى ولا ترثه الاخرى، وللشافعي قولان أحدهما يرجع إلى تعيين الوارث فإن قال طلق الميتة لم يرثها، وورثته الحية وإن قال طلق الحية حلف على ذلك وأخذ ميراث الميتة ولم تورث الحية، والقول الثاني يوقف من مال الميتة ميراث الزوج ومن مال الزوج ميراث الحية، وإن كان له امرأتان قد دخل بإحداهما دون الأخرى فطلق إحداهما لا بعينها فمن خرجت لها القرعة فلها حكم الطلاق وللأخرى حكم الزوجية. وقال أهل العراق للمدخول بها ثلاثة أرباع الميراث إن مات في عدتها وللأخرى ربعه لأن للمدخول بها نصفه بيقين والنصف الآخر يتداعيانه فيكون بينهما وفي قول الشافعي النصف للمدخول بها والباقي موقوف. وإن كانتا مدخولا بهما فقال في مرضه أردت هذه ثم مات في عدتها لم يقبل قوله لأن الاقرار بالطلاق في المرض كالطلاق فيه، وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف، وقال زفر يقبل قوله والميراث للاخرى، وهو قياس قول الشافعي، ولو كان للمريض امرأة أخرى سوى هاتين فلها نصف الميراث وللاثنتين نصفه، وعند الشافعي يوقف نصفه.

(فصل) ولو كان له أربع نسوة فطلق إحداهن غير معينة ثم نكح خامسة بعد انقضاء عدتها ثم مات ولم يبين فللخامسة ربع الميراث والمهر ويقرع بين الأربع، وقال أهل العراق لهن ثلاثة أرباع الميراث بينهن، وإن كن غير مدخول بهن فلهن ثلاثة مهور ونصف، وفي قول الشافعي يوقف ثلاثة أرباع الميراث ومهر ونصف بين الأربع فإن جاءت واحدة تطلب ميراثها لم تعط شيئاً، وإن طلبه اثنتان دفع إليهما ربع الميراث وإن طلبه ثلاث دفع إليهن نصفه وإن طلبه الأربع دفع إليهن، ولو قال بعد نكاح الخامسة إحداكن طالق فعلى قولهم للخامسة ربع الميراث لأنها شريكة ثلاث وباقيه بين الأربع كالأولى وللخامسة سبعة أثمان مهر لأن الطلاق نقصها وثلثا معها نصف مهر ويبقى للأربع ثلاثة مهور وثمن بينهن في قول أهل العراق، فإن تزوج بعد ذلك سادسة فلها ربع الميراث ومهر كامل وللخامسة ربع ما بقي وسبعة أثمان مهر وللأربع ربع ما بقي وثلاثة مهور وثمن ويكون الربع مقسوما على أربعة وستين، فإن قال بعد ذلك إحداكن طالق لم يختلف الميراث ولكن تختلف المهور فللسادسة سبعة أثمان مهر وللخامسة خمسة وعشرون جزءاً من اثنين وثلاثين جزءاً من مهر ويبقى للأربع مهران وسبعة وعشرون جزءاً من مهر وعند الشافعي يوقف ربع الميراث بين الست وربع آخر بين الخمس وباقيه بين الأربع ويوقف نصف مهر بين الست ونصف بين الخمس ونصف بين الأربع ويدفع إلى كل واحدة نصيب (فصل) في الاشتراك في الطهر إذا وطئ رجلان امرأة في طهر واحد وطأ يلحق النسب من مثله فأتت بولد يمكن أن يكون منهما كأن يطأ الشريكان جاريتهما المشتركة أو يطأ الانسان جاريته ثم

يبيعها قبل أن يستبرئها فيطؤها المشتري قبل استبرائها، أو يطؤها رجلان بشبهة، أو يطلق رجل امرأته فيتزوجها رجل في عدتها ويطؤها، أو يطأ إنسان جارية آخر أو امرأته بشبهة في الطهر الذي وطئها سيدها أو زوجها فيه ثم تأتي بولد يمكن أن يكون منهما فإنه يرى القافة معهما وهذا قول عطاء ومالك والليث والاوزاعي والشافعي، فإن ألحقته بأحدهما لحق به وإن نفته عن أحدهما لحق الآخر، وسواء ادعياه أو لم يدعياه أو ادعاه أحدهما وأنكره الآخر، وإن ألحقته القافة بهما لحق بهما وكان ابنهما وهذا قول الأوزاعي والثوري وأبي ثور ورواه بعض أصحاب مالك عنه وعن مالك لا يرى ولد الحرة للقافة بل يكون لصاحب الفراش الصحيح دون الواطئ بشبهة، وقال الشافعي لا يلحق بأكثر من واحد وإن ألحقته القافة بأكثر من واحد كان بمنزلة ما لم يوجد قافة، ومتى لم يوجد قافة أو أشكل عليها أو اختلف القائفان في نسبه فقال أبو بكر يضيع نسبه ولا حكم لاختياره ويبقى على الجهالة أبداً وهو قول مالك وقال ابن حامد يترك حتى يبلغ فينتسب إلى أحدهما وهو قول الشافعي في الجديد وقال في القديم يترك حتى يميز وذلك لسبع او ثمان فينتسب إلى أحدهما ونفقته عليهما إلى أن ينتسب إلى أحدهما فيرجع الآخر عليه بما أنفق، وإذا ادعى اللقيط اثنان أري القافة معهما وإن مات الولد المدعى في هذه المواضع قبل أن يرى القافة وله ولد أري ولده القافة مع المدعين ولو مات الرجلان أري القافة مع عصبتهما، فإن ادعاه أكثر من اثنين فألحقته القافة بهم لحق ونص أحمد على أنه يلحق بثلاثة ومقتضى هذا أنه يلحق بهم وإن كثروا وقال القاضي لا يلحق بأكثر من ثلاثة وهو قول محمد بن الحسن وروي عن أبي ثور وأبي يوسف وقال ابن حامد لا يلحق بأكثر من اثنين وروي أيضاً عن أبي يوسف

وقال أبو حنيفة وأصحابه وشريك ويحيى بن آدم لا حكم للقافة بل إذا سبق أحدهما بالدعوى فهو ابنه فإن ادعياه معاً فهو ابنهما وكذلك إن كثر الواطئون وادعوه معا فإنه يكون لهم جميعاً وروي أيضاً عن علي رضي الله عنه أنه قضى في ذلك بالقرعة مع اليمين وبه قال ابن أبي ليلى واسحاق وعن أحمد نحوه إذا عدمت القافة وقد ذكرنا أكثر هذه المسائل مشروحة مدلولا عليها في باب اللقيط والغرض ههنا ذكر ميراث المدعي والتوريث منه وبيان مسائله (مسألة) (إذا ألحق باثنين فمات وترك أما حرة فلها الثلث والباقي لهما وإن كان لكل واحد منهما ابن سواه أو لأحدهما ابنان فلأمه السدس وإن مات أحد الأبوين وله ابن آخر فماله بينهما نصفين فإن مات الغلام بعد ذلك فلأمه السدس والباقي للباقي من أبويه ولا شئ لاخوته لأنهما محجوبان بالأب الباقي، فإن مات الغلام وترك ابنا فللباقي من الأبوين السدس والباقي لابنه وإن مات قبل أبويه وترك ابناً فلهما جميعاً السدس والباقي لابنه، فإن كان لكل واحد منهما أبوان ثم ماتا ثم مات الغلام وله جدة أم أم وابن فلأم أمه نصف السدس ولأمي المدعيين نصفه كأنهما جدة واحدة وللجدين السدس والباقي للابن فإن لم يكن ابن فللجدين الثلث لأنهما بمنزلة جد واحد والباقي للأخوين وعند أبي حنيفة الباقي كله للجدين لأن الجد يسقط الاخوة، وإن كان المدعيان أخوين والمدعى جارية فماتا وخلفا أباها فلها من مال كل واحد نصفه والباقي للأب فإن مات الأب بعد ذلك فلها النصف لأنها بنت ابن وحكى الخبري عن أحمد وزفر وابن أبي زائدة أن لها الثلثين لأنها بنت ابنته فلها ميراث بنتي ابن، وإن كان المدعي ابنا فمات أبواه ولأحدهما بنت ثم مات أبوهما فميراثه بين الغلام

مسألة: إذا ألحق باثنين فمات وترك أما حرة فلها الثلث والباقي لهما، وإن كان لكل واحد منهما ابن سواه أو لأحدهما ابنان فلأمه السدس، وإن مات أحد الأبوين وله ابن آخر فماله بينهما نصفين

والبنت على ثلاثة وعلى القول الآخر على خمسة لأن الغلام يضرب بنصيب ابني ابن، فإن كان لكل واحد منهما بنت فللغلام من مال كل واحد منهما ثلثاه وله من مال جده نصفه وعلى القول الآخر له ثلثاه ولهما سدساه، وإن كان المدعيان رجلا وعمة والمدعى جارية فماتا وخلفا أبويهما ثم مات أبو الأصغر فلها النصف والباقي لأبي العم لأنه أبوه، وإذا مات أبو العم فلها النصف من ماله أيضاً وعلى القول الآخر لها الثلثان لأنها بنت ابن وبنت ابن ابن، وإن كان المدعي رجلا وابنة فمات الابن فلها نصف ماله وإذا مات الأب فلها النصف أيضاً وعلى القول الآخر لها الثلثان، وقال أبو حنيفة إذا تداعى الأب وابنه قدم الأب ولم يكن للابن شئ وإن مات الأب أولا فماله بين أبيه وبينهما على ثلاثة وتأخذ نصف مال الأصغر لكونها بنته والباقي لكونها أخته وفي كل ذلك إذا لم يثبت نسب المدعى وقف نصيبه ودفع إلى كل وارث اليقين ووقف الباقي حتى يثبت نسبه أو يصطلحوا. (فصل) وإذا كان المدعون ثلاثة فمات أحدهم وترك ابنا والفا ثم مات الثاني وترك ابنا وألفين ثم مات الثالث وترك ابنا وعشرين ألفا ثم مات الغلام وترك أربعة آلاف وأماً حرة وقد ألحقته القافة بهم فقد ترك خمسة عشر ألفاً وخمسمائة فلأمه سدسها والباقي بين إخوته الثلاثة أثلاثاً، وإن كان موتهم قبل ثبوت نسبه دفع إلى الأم ثلث تركته وهو ألف وخمسمائة لأن أدنى الأحوال أن يكون ابن صاحب الألف فيرث منه خمسمائة وقد كان وقف له من مال كل واحد من المدعيين نصف ماله فيرد إلى ابن صاحب الألف وابن صاحب الألفين ما وقف من مال أبويهما لأنه إن لم يكن أخا لهما فذلك لهما من مال أبويهما وإن كان أخا أحدهما فهو يستحق ذلك وأكثر منه بإرثه منه ويرد على ابن الثالث تسعة

آلاف وثلث ألف ويبقى ثلثا ألف موقوفة بينه وبين الأم لأنه يحتمل أن يكون أخا فيكون قد مات عن أربعة عشر ألفاً لأمه ثلثها ويبقى من مال الابن ألفان وخمسمائة موقوفة يدعيها ابن صاحب الألف كلها ويدعي منها ابن صاحب الألفين ألفين وثلثا فيكون ذلك موقوفا بينهما وبين الأم وسدس الألف بين الأم وابن صاحب الألف، فإن ادعى أخوان ابنا ولهما أب فمات أحدهما وخلف بنتا ثم مات الآخر قبل ثبوت نسب المدعى وقف من مال الأول خمسة أتساعه منها تسعان بين الغلام والبنت وثلاثة أتساع بينه وبين الأب ويوقف من مال الثاني خمسة أسداس بينه وبين الأب، فإن مات الأب بعدهما وخلف بنتا فلها نصف ماله ونصف ما ورثه عن ابنته والباقي بين الغلام وبنت الابن لأنه ابن ابنه بيقين ويدفع إلى كل واحد منهم من الموقوف اليقين فنقدره مرة ابن صاحب البنت ومرة ابن الآخر وينظر ماله من كل واحد منهم في الحلين فيعطيه أقلهما، فللغلام في حال كل الموقوف من مال الثاني وخمس الموقوف من مال الأول وفي حال كل الموقوف من مال الأول وثلث الموقوف من مال الثاني فله أقلهما، ولبنت الميت الأول في حال النصف من مال أبيها وفي حال السدس من مال عمها. ولبنت الأب في حال نصف الموقوف من مال الثاني وفي حال ثلاثة أعشار من مال الأول فيدفع إليها أقلهما ويبقى باقي التركة موقوفا بينهم حتى يصطلحوا عليه، ومن الناس من يقسمه بينهم على حسب الدعاوى. فإن اختلفت أجناس التركة ولم يصر بعضها قصاصاً عن بعض قومت وعمل في قيمتها ما بينا في الدراهم ان تراضوا بذلك أو يبيع الحاكم عليهم ليصير الحق كله من جنس واحد لما فيه من الصلاح لهم ويوقف الفضل المشكوك فيه على الصلح

(فصل) ولو ادعى اثنان غلاما فألحقته القافة بهما، ثم مات أحدهما وترك ألفاً وعماً وبنتاً ثم مات الآخر وترك ألفين وابن ابن ثم مات الغلام وترك ثلاثة آلاف وأما كان للبنت من تركة أبيها ثلثها وللغلام ثلثاها وتركة الثاني كلها له لأنه ابنه فهو أحق من ابن الابن، ثم مات الغلام عن خمسة آلاف وثلثي ألف فلأمه ثلث ذلك ولأخته نصفه وباقيه لابن الابن لأنه ابن أخيه ولا شئ للعم، وإن لم يثبت نسبه فلابنه الأول ثلث الألف ويوقف ثلثاها وجميع تركة الثاني، فإذا مات الغلام فلأمه من تركته ألف وتسعا ألف لأن أقل أحواله أن يكون ابن الأول فيكون قد مات عن ثلاثة آلاف وثلثي ألف ويرد الموقوف من مال أبي البنت على البنت والعم فيصطلحان عليه لأنه لهما إما عن صاحبهما أو الغلام ويرد الموقوف من مال الثاني إلى ابن ابنه لأنه له إما عن جده وإما عن عمه وتعطى الأم من تركة الغلام ألفاً وتسعي ألف لأنها أقل مالها ويبقى ألف وسبعة أتساع ألف تدعي منها الأم أربعة أتساع ألف تمام ثلث خمسة آلاف ويدعي منها ابن الابن ألفاً وثلثا تمام ثلثي خمسة آلاف وتدعي البنت والعم جميع الباقي فيكون ذلك موقوفا بينهم حتى يصطلحوا، ولو كان المولود في يدي امرأتين وادعتاه معاً أري القافة معهما فإن ألحقته بإحداهما لحق بها وورثها وورثته في إحدى الروايات وإن ألحقته بهما أو نفته عنهما لم يلحق بواحدة منهما وإن قامت لكل واحدة منهما بينة تعارضتا ولم نسمع بينتيهما وبه قال أبو يوسف واللؤلؤي وقال أبوحينفة يثبت نسبه منهما ويرثاه ميراث أم واحدة كما يلحق برجلين ولنا أن إحدى البينتين كاذبة يقينا فلم تسمع كما لو علمت ومن ضرورة ردها ردهما لعدم العلم بعينها ولأن هذا محال فلم يثبت بينة ولا غيرها كما لو كان الولد أكبر منهما، ولو أن امرأة معها صبي ادعاه رجلان

كل واحد يزعم أنه ابنه منها وهي زوجته فكذبتهما لم يلحقهما وإن صدقت أحدهما لحقه كما لو كان بالغاً فادعياه فصدق أحدهما، ولو أن صبياً مع امرأة فقال زوجها هو ابني من غيرك فقالت بل هو ابني منك لحقهما جميعاً وقد ذكرنا لحاق النسب في هذه المسائل والاختلاف فيه وإنما ذكرناه ههنا لأجل الميراث لأنه مبني عليه والله سبحانه وتعالى أعلم (باب الاقرار بمشارك في الميراث) إذا أقر الورثة كلهم بوارث فصدقهم أو كان صغيراً أو مجنوناً ثبت نسبه وإرثه سواء كان الورثة جماعة أو واحداً ذكرا أو انثى وبهذا قال الشافعي وأبو يوسف وحكاه عن أبي حنيفة لأن الوارث يقوم مقام الميت في ميراثه وديونه والديون التي عليه وبيناته ودعاويه والأيمان التي له وعليه كذلك في النسب وقد روت عائشة أن سعد بن أبي وقاص اختصم هو وعبد بن زمعة في ابن أمة زمعة فقال سعد أصاني أخي عتبة إذا قدمت مكة أن أنظر إلى ابن زمعة واقبضه فإنه ابنه فقال عبد بن زمعة أخي وابن وليدة أبي ولد على فراشه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " هو لك يا عبد بن زمعة، الولد للفراش وللعاهر الحجر " فقضى به لعبد بن زمعة وقال " احتجي منه يا سودة " والمشهور عن أبي حنيفة أنه لا يثبت إلا بإقرار رجلين أو رجل وامرأتين وقال مالك لا يثبت إلا بإقرار اثنين لأنه يحمل النسب على غيره فاعتبر فيه العدد كالشهادة، والمشهور عن أبي يوسف أنه لا يثبت النسب إلا بإثنين ذكرين كانا أو أنثيين عدلين أو غير عدلين. ولنا أنه حق يثبت بالاقرار فلم يعتبر فيه العدد كالدين ولأنه قول لا تعتبر فيه العدالة فلا يعتبر فيه العدد كإقرار الموروث واعتباره بالشهادة لا يصح لأنه لا يعتبر فيه اللفظ ولا العدالة ويبطل بالاقرار بالدين

باب الاقرار بمشارك في الميراث

(فصل) في شروط الاقرار بالنسب لا يخلو إما أن يقر على نفسه خاصة أو عليه، على غيره فإن أقر على نفسه مثل أن يقر بولد اعتبر في ثبوت نسبه أربعة شروط (أحدها) أن يكون المقر به مجهول النسب فإن كان معروف النسب لم يصح لأنه يقطع نسبه الثابت من غيره، وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم من انتسب إلى غير أبيه (والثاني) أن لا ينازعه فيه منازع لأنه إذا نازعه فيه غيره تعارضا فلم يكن إلحاقه بأحدهما أولى من الآخر (الثالث) أن يمكن صدقه بأن يكون المقر به يحتمل أن يولد لمثله (الرابع) أن يكون ممن لا قول له كالصغير والمجنون أو يصدق المقر إن كان ذا قول وهو المكلف فإن كان غير مكلف لم يعتبر تصديقه فإن كبر وعقل فأنكر لم يسمع إنكاره لأن نسبه ثبت وجرى مجرى من ادعى ملك عبد صغير في يدهه وثبت بذلك ملكه فلما كبر جحد ذلك، ولو طلب إحلافه على ذلك لم يستحلف لأن الأب لو عاد فجحد النسب لم يقبل منه، وإن اعترف إنسان بأن هذا أبوه فهو كاعترافه بأنه ابنه. فأما إن كان اقرار عليه وعلى غيره كإقراره بأخ اعتبر مع الشروط الأربعة شرط خامس وهو كون المقر جميع الورثة، فإن كان المقر زوجاً أو زوجة ولا وارث معهما لم يثبت النسب بإقرارهما لأن المقر لا يرث المال كله فإن اعترف به الإمام معه ثبت النسب لأنه قائم مقام المسلمين في مشاركة الوارث وإن كان الوارث أما أو بنتاً أو أختاً أو ذا فرض يرث جميع المال بالفرض والرد ثبت النسب بقوله كالابن لأنه يرث المال كله وعند الشافعي لا يثبت بقوله نسب لأنه لا يرى الرد ويجعل الباقي لبيت المال، ولهم فيما إذا وافق الإمام في الاقرار وجهان وهذا من فروع الرد وقد ذكرناه، فإن كانت بنت وأخت أو أخت وزوج ثبت النسب بقولهما لأنهما يأخذان المال كله وإذا أقر بابن ابنه وابنه ميت اعتبرت فيه الشروط التي

تعتبر في الاقرار بالأخ وكذلك إن أقر بعم وهو ابن جده فعلى ما ذكرناه (فصل) وان كان أحد الولدين غير وارث لكونه رقيقاً أو مخالفاً لدين موروثه أو قاتلاً فلا عبرة به ويثبت النسب بقول الآخر وحده لأنه يجوز جميع الميراث ثم إن كان المقر به ير ث شارك المقر في الميراث وإن لم يكن وارثاً لوجود مانع فيه ثبت نسبه ولم يرث وسواء كان المقر مسلماً أو كافراً (مسألة) (وسواء كان المقر به يحجب المقر أو لا يحجبه كأخ يقر بابن للميت أو ابن ابن يقر بابن للميت أو أخ من أب يقر بأخ من أبوين فإنه يثبت نسبه بذلك ويرث ويسقط المقر) هذا اختيار ابن حامد والقاضي وابن شريح وقال أكثر أصحاب الشافعي يثبت نسب المقر به ولا يرث لأن توريثه يفضي الى اسقاط توريثه فسقطلانه لو ورث لخرج المقر عن كونه وارثاً فيبطل إقراره ويسقط نسب المقر به وتوريثه فيؤدي توريثه إلى إسقاط توريثه فأثبتنا النسب دون الميراث ولنا أنه ابن ثابت النسب لم يوجد في حقه مانع من الإرث فيدخل في عموم قوله تعالى (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) أو فيرث كما لو ثبت نسبه ببينة ولأن ثبوت النسب سبب للميراث فلا يجوز قطع حكمه عنه ولا توريث محجوب به مع وجوده وسلامته من الموانع، وما احتجوا به لا يصح لأنا انما نعتبر كون المقر وارثاً على تقدير عدم المقر به وخروجه عن الميراث بالاقرار لا يمنع صحته بدليل أن الابن إذا أقر بأخ فإنه يرث مع كونه يخرج باقرار عن أن يكون جميع الورثة. فإن قيل إنما يقبل إقراره إذا صدقه المقر به فصار إقراراً من جميع الورثة وإن كان المقر به طفلاً أو مجنوناً لم يعتبر قوله فقد أقر كل من يعتبر قوله، قلنا ومثله ههنا

مسألة: وسواء كان المقر به يحجب المقر أو لا يحجبه كأخ يقر بابن للميت أو ابن ابن يقر بابن للميت أو أخ من أب يقر بأخذ من أبوين فإنه يثبت نسبه بذلك ويرث ويسقط المقر

فإنه إن كان المقر به كبيراً فلابد من تصديقه فقد أقر به كل من يعتبر إقراره وان كان صغيرا غير معتبر القول لم يثبت النسب بقول الآخر كما لو كان اثنين أحدهما صغبر فأقر البالغ بأخ آخر لم يقبل ولم يقولوا به ولا يعتبر موافقته كذا ههنا، ولأنه لو كان في يد إنسان عبد محكوم له بملكه فأقر به لغيره ثبت للمقر له، وإن كان المقر يخرج بالاقرار عن كونه مالكا كذا ههنا (مسألة) (وإن أقر بعضهم لم يثبت نسبه إلا أن يشهد منهم عدلان أنه ولد على فراشه أو أن الميت أقر به) وجملته أنه إذا أقر أحد الوارثين بوارث مشارك لهم في الميراث لم يثبت النسب بالاجماع لأن النسب لا يتبعض فلا يمكن إثباته في حق المقر دون المنكر ولا إثباته في حقهما لأن أحدهما منكر فلا يقبل إقرار غيره عليه ولم توجد شهادة يثبت بها النسب، ولو كان المقر عدلان لأنه إقرار من بعض الورثة، وقال أبو حنيفة يثبت إذا كانا عدلين لأنهما بينة فهو كما لو شهدا به ولنا أنه إقرار من بعض الورثة فلم يثبت به النسب كالواحد، وفارق الشهادة لأنه يعتبر فيها العدالة والذكورية والاقرار يخلافه. فأما إن شهد به عدلان أو شهدا أنه ولد على فراشه أو أن الميت أقر به ثبت النسب وشاركهم في الإرث لأنهما لو شهدا على غير موروثهما قبل فكذلك إذا شهدا عليه (مسألة) (وعلى المقر أن يدفع إليه فضل ما في يده عن ميراثه) إذا أقر بعض الورثة ولم يثبت نسبه لزم المقر أن يدفع إليه فضل ما في يده كمن خلف ولدين فأقر أحدهما بأخ فله ثلث ما في يده وإن أقر بأخت دفع إليها خمس ما في يده عن ميراثه هذا قول مالك

مسألة: وإن أقر بعضهم لم يثبت نسبه إلا أن يشهد منهم عدلان أنه ولد على فراشه أو أن الميت أقر به

والاوزاعي والثوري وابن أبي ليلى والحسن بن صالح وشريك ويحيى بن آدم ووكيع واسحاق وأبي عبيد وأبي ثور وأهل البصرة، وقال النخعي وحماد وأبو حنيفة وأصحابه يقاسمه ما في يده لأنه يقول أنا وأنت سواء في ميراث أبينا وكأن ما أخذه المنكر تلف أو غصب فيستوي فيما بقي وقال الشافعي وداود لا يلزمه في الظاهر دفع شئ إليه، وهل يلزمه فيما بينه وبين الله تعالى؟ على قولين أصحهما لا يلزمه لأنه لا يرث من لا يثبت نسبه وإذا قلنا يلزمه ففي قدره وجهان ولنا على الشافعي أنه أقر بحق لمدعيه يمكن صدقه فيه ويد المقر عليه وهو متمكن من دفعه إليه فلزمه ذلك كما لو أقر له بمعين ولأنه إذا علم أن هذا أخوه وله ثلث التركة وتيقن استحقاقه لها وفي يده بعضه وصاحبه يطلبه لزمه دفعه إليه وحرم عليه منعه مه كما في سائر المواضع، وعدم ثبوت نسبه في الظاهر لا يمنع وجوب دفعه إليه كما لو غصبه شيئاً ولم يقم بينة بغصبه ولنا على أبي حنيفة أنه أقر له بالفاضل عن ميراثه فلم يلزمه أكثر مما أقر به كما لو أقر له بشئ معين ولأنه حق تعلق بمحل مشترك بإقرار أحد الشريكين فلم يلزمه أكثر من قسطه كما لو أقر أحد الشريكين بجناية على العبد ولأن التركة بينهم أثلاثاً فلا يستحق مما في يده إلا الثلث كما لو ثبت نسبه ببينة، ولأنه إقرار يتعلق بحصته وحصة أخيه فلا يلزمه أكثر مما يخصه كالإقرار بالوصية وكإقرار أحد الشريكين على مال الشركة بدين ولأنه لو شهد معه أجنبي بالنسب ثبت ولو لزمه أكثر من حصته لم تقبل شهادته لأنه يجربها نفعاً إلى نفسه لكونه يسقط بعض ما يستحق عليه. فعلى هذا إذا خلف اثنين فأقر أحدهما بأخ فللمقر له ثلث ما في يد المقر وهو سدس المال لأنه يقول نحن ثلاثة لكل واحد منا

الثلث وفي يدي النصف ففضل في يدي لك السدس فيدفعه إليه وهو ثلث ما في يده وفي قول أبي حنيفة يدفع إليه نصف ما في يده وهو الربع، وإن أقر بأخت دفع إليها خمس ما في يده لأنه يقول نحن أخوان وأخت فلك الخمس من جميع المال وهو خمس ما في يدي وخمس ما في يد أخي فيدفع إليها خمس ما في يده وفي قولهم يدفع إليها ثلث ما في يده، وفارق ما إذا غصب بعض التركة وهما اثنان لأن كل واحد منهما يستحق النصف من كل جزء من التركة وههنا يستحق الثلث فافترقا (فصل) إذا خلف ابناً واحداً فأقر بأخ من أبيه دفع إليه نصف ما في يده في قول الجميع فإن أقر بعده بآخر فاتفقا عليه دفعا إليه ثلث ما في أيدهما في قولهم جميعاً، فإن أنكر المقر به ثانياً المقر به أولا لم يثبت نسبه قال القاضي هذا مثل للعامة ادخلني أخرجك، وليس له أن يأخذ أكثر من ثلث ما في أيديهما لأنه لم يقر بأكثر منه. وقال الشافعي يلزم المقر أن يغرم له نصف التركة لأنه أتلفه عليه بإقراره الأول. قال شيخنا ويحتمل أن لا يبطل نسب الأول لأنه ثبت بقول من هو كل الورثة حال الاقرار وإن لم يصدق المقر به الأول بالثاني لم يثبت نسبه ويدفع إليه المقر ثلث ما بقي في يده لأنه الفضل الذي في يده، ويحتمل أن يلزمه ثلث جميع المال لأنه فوته عليه بدفع النصف إلى الأول وهو يقر أنه لا يستحق إلا الثلث، وسواء دفعه إليه بحكم حاكم أو بغير حكمه لأن إقراره علة حكم الحال وسواء علم بالحال عند إقراره بالأول أو لم يعلم لأن العمد والخطأ واحد في ضمان ما يتلف، وحكي نحو هذا من شريك ويحتمل أنه إن علم بالثاني حين أقر بالأول وعلم أنه إذا أقر به بعد الأول لا يقبل ضمن لأنه فوت حق غيره بتفريطه وإن لم يعلم لم يضمن لأنه لا يجب عليه الإقرار بالأول إذا علمه ولا يحوجه إلى

حاكم ومن فعل الواجب فقد أحسن وليس بخائن فلا يضمن وقيل هذا قياس قول الشافعي، وقال أبو حنيفة إن كان الدفع بحكم حاكم دفع إلى الثاني نصف ما بقي في يده لأن حكم الحاكم كالأخذ منه كرها وإن دفعه بغير حاكم دفع إلى الثاني ثلث جميع المال لأنه دفع إلى الأول ما ليس له تبرعا ولنا على الأول أنه أقر بما يجب عليه الإقرار به فلم يضمن ما تلف به كما لو قطع الإمام يد السارق فسرى إلى نفسه وإن أقر بعدهما بثالث فصدقاه ثبت نسبه وأخذ ربع ما في يد كل واحد منهم إذا كان مع كل واحد ثلث المال وإن كذباه لم يثبت نسبه وأخذ ربع ما في يد المقر به وفي ضمانه له ما زاد التفصيل في التي قبلها وعلى مثل قولنا قال ابن أبي ليلى وأهل المدينة وبعض أهل البصرة (مسألة) (فإن لم يكن في يد المقر فضل فلا شئ للمقر به) لأنه لم يقر له بشئ فإذا خلف أخا من أب وأخا من أم فأقرا بأخ من أبوين ثبت نسبه لأن كل الورثة أقروا به وبأخذ جميع ما في يد الأخ من الأب لانه يسقطه في الميراث، وإن أقر به الأخ من الأب وحده أخذ ما في يده لما ذكرنا ولم يثبت نسبه لأن الذي أقر به لا يرث المال كله، وإن أقر به الأخ من الأم وحده فلا شئ له لأنه ليس في يده فضل يقر له به وكذا إن أقر بأخ آخر من أمه لذلك فأما إن أقر بأخوين من أم فإنه يدفع إليهما ثلث ما في يده لأن في يده السدس فبإقراره اعترف أنه لا يستحق من الميراث إلا التسع فيبقى في يده نصف التسع وهو ثلث ما في يده، وقال أبو حنيفة في ثلاثة إخوة مفترقين إذا أقر الأخ من الأم بأخ من أم فله نصف ما في يده وإن أقر بأخ من أبوين فللمقر به خمسة أسباع ما في يده وعلى قولنا لا يأخذ منه شيئاً لأنه لا فضل في يده

مسألة: فإن لم يكن في يد المقر فضل فلا شيء للمقر به

(مسألة) (وطريق العمل فيها أن تضرب مسألة الاقرار في مسألة الإنكار وتدفع إلى المقر سهمه من مسألة الإقرار مضروباً في مسألة الإنكار) وللمنكر سهمه من مسألة الإنكار مضروب في مسألة الإقرار وما فضل فهو للمقر به فلو خلف ابنين فأقر أحدهما بأخوين فصدقه أخوه في أحدهما ثبت نسب المتفق عليه فصاروا ثلاثة ثم تضرب مسألة الاقرار في مسألة الإنكار تكن اثني عشر للمنكر سهم من الإنكار في الإقرار أربعة وللمقر سهم من الإقرار في الإنكار ثلاثة وللمتفق عليه إن صدق المقر مثل سهمه وإن أنكر مثل سهم المنكر وما فضل للمختلف فيه وهو سهمان في حال التصديق وسهم في حال الإنكار، وقال أبو الخطاب لا يأخذ المتفق عليه من المنكر في حال التصديق الأربع ما في يده وصححها من ثمانية للمنكر ثلاثة وللمختلف فيه سهم ولكل واحد من الأخوين سهمان. إذا خلف ابنين فأقر الأكبر بأخوين فصدقه الأصغر في أحدهما ثبت نسب المتفق عليه فصاروا ثلاثة، فمسألة الإنكار إذاً من ثلاثة ومسألة الإقرار من أربعة فتضرب إحداهما في الأخرى تكن اثني عشر للأصغر سهم من مسألة الإنكار في مسألة الإقرار أربعة وللأكبر سهم من مسألة الإقرار في مسألة الإنكار ثلاثة وللمتفق عليه إن أقر بصاحبه مثل سهم الأكبر، وإن أنكر مثل سهم الأصغر، وذكر أبو الخطاب إن المتفق عليه إن صدق بصحابة لم يأخذ من المنكر الأربع ما في يده لأنه لا يدعي أكثر منه ويأخذ هو والمختلف فيه من الأكبر نصف ما في يده فتصح من ثمانية للمنكر ثلاثة أثمان وللمقر سهمان وللمتفق عليه سهمان وللآخر سهم وذكر ابن اللبان أن هذا قياس قول مالك والشافعي، وفي هذا نظر لأن المنكر يقر أنه لا يستحق إلآ الثلث وقد حضر

مسألة: وطريق العمل فيها أن تضرب مسألة الاقرار في مسألة الإنكار وتدفع إلى المقر سهمه من مسألة الإقرار مضروبا في مسألة الإنكار

من يدعي الزيادة فوجب دفعها إليه ونظير هذا ما لو ادعى إنسان داراً في يد رجل فأقر بها لغيره فقال المقر له إنما هي لهذا المدعي فإنها تدفع إليه وقد رد الخبري على ابن اللبان هذا القول وقال على هذا يبقى مع المنكر ثلاثة أثمان وهو لا يدعي إلآ الثلث وقد حضر من يدعي هذه الزيادة ولا منازع له فيها فيجب دفعها إليه، قال والصحيح أن يضم المتفق عليه السدس الذي يأخذه من المقر به فيضمه إلى النصف الذي هو بيد المقر بهما فيقتسمانه أثلاثاً فتصح من تسعة، للمنكر ثلاثة، ولكل واحد من الأخوين سهمان، وهذا قول أبي يوسف إذا تصادقا. قال شيخنا ولا يستقيم هذا على قول من لا يلزم المقر أكثر من الفضل عن ميراثه لأن المقر بهما والمتفق عليه لا ينقص ميراثه عن الربع ولم يحصل له على هذا القول إلا التسعان وقيل يدفع الأكبر إليهما نصف ما في يده ويأخذ المتفق عليه من الأصغر ثلث ما في يده فيحصل للأصغر الثلث وللأكبر الربع، وللمتفق عليه السدس والثمن، وللمختلف فيه الثمن، وتصح من أربعة وعشرين: للأصغر ثمانية، وللمتفق عليه سبعة، وللاكبر ستة، وللمختلف فيه ثلاثة وفيها أقوال كثيرة سوى هذه والأول أصح إن شاء الله تعالى. (مسألة) (وإن خلف ابنا فأقر بأخوين بكلام متصل فتصادقا ثبت نسبهما فإن تجاحدا فكذلك في أقوى الوجهين لأن نسبهما ثبت بإقرار من هو كل الورثة قبلهما وفي الآخر لا يثبت لأن الاقرار بكل واحد منهما لم يصدر من كل الورثة ويدفع إلى كل واحد منهما ثلث ما في يده، فإن صدق

مسألة: وإن خلف ابنا فأقر بأخوين بكلام متصل فتصادقا ثبت نسبهما فإن تجاحدا فكذلك في أقوى الوجهين لأن نسبهما ثبت بإقرار من هو كل الورثة قبلهما وفي الآخر لا يثبت

صدق أحدهما بصاحبه وجحده الآخر ثبت نسب المتفق عليه وفي الآخر وجهان ويدفع إلى كل واحد منهما ثلث ما في يده، وإن كانا توأمين ثبت نسبهما ولم يلتفت إلى إنكار المنكر منهما سواء تجاحدا معاً أو جحد أحدهما صاحبه لأنا نعلم كذبهما فإنهما لا يفترقان، ومتى أقر الوارث بأحدهما ثبت نسب الآخر وإن أقر بنسب صغيرين دفعة واحدة ثبت نسبهما على الوجه الذي يثبت به نسب الكبيرين المتجاحدين، وهل يثبت على الوجه الآخر؟ فيه احتمالان (أحدهما) يثبت لأنه أقر به كل الورثة حين الاقرار ولم يجحده أحد فهو كالمنفرد (والثاني) لا يثبت لأن أحدهما وارث ولم يقر بالآخر فلم يتفق كل الورثة على الإقرار به فلم تعتبر موافقة الآخر كما لو كان صغيرين. (مسألة) (فإن أقر بأحدهما بعد الآخر أعطى الأول نصف ما في يده) بغير خلاف وثبت نسبه لأنه أقر به كل الورثة ويقف ثبوت نسب الباقي على تصديقه لأنه صار من الورثة، ويعطى الثاني ثلث ما بقي في يده لأنه الفضل فإنه يقول نحن ثلاثة (مسألة) (وإن أقر بعض الورثة بامرأة للميت لزمه من إرثها بقدر حصته) يعني يلزمه ما يفضل في يده لها عن حقه كما ذكرنا في الاقرار. (مسائل) من هذا الباب إذا خلف ثلاثة بنين فأقر أحدهم بأخ وأخت فصدقه أحد أخويه في الأخ والآخر في الأخت لم يثبت نسبهما ويدفع المقر بالأخ إليه ربع ما في يده ويدفع المقر بهما

مسألة: فإن أقر بأحدهما بعد الآخر أعطى الأول نصف ما في يده

إليهما ثلث ما في يده ويدفع المقر بالأخت إليها سبع ما في يده، فأصل المسألة ثلاثة أسهم، سهم المقر يقسم بينهما وبينه على تسعة، له ستة ولهما ثلاثة، وسهم المقر بالاخ بينهما على أربعة له ثلاثة ولاخيه سهم، وسهم المقر بالاخت بينه وبينها على سبعة، له ستة ولها سهم وكلها متباينة فاضرب أربعة في سبعة في تسعة ثم في أصل المسألة تكن سبعمائة وستة وخمسون، للمقر بهما ستة في أربعة في سبعة مائة وثمانية وستون، وللمقر بالأخت ستة في أربعة في تسعة مائتان وستة عشر، وللمقر بالأخ ثلاثة في سبعة في تسعة مائة تسعة وثمانون، وللأخ المقر به سهمان في أربعة في سبعة ستة وخمسون وسهم في سبعة في تسعة ثلاثة وستون فيجتمع له مائة وتسعة عشر، وللأخت سهم في أربعة في سبعة ثمانية وعشرون، وسهم في أربعة في تسعة ستة وثلاثون، يجتمع لها أربعة وستون، ولا فرق بين تصادقهما وتجاحدهما لأنه لا فضل في يد أحدهما على ميراثه، ولو كان في هذه المسألة ابن رابع لم يصدقه في واحد منهما كان أصل المسألة من أربعة أسهم: سهم على احد عشر وسهم على تسعة وسهم على خمسة وسهم ينفرد به الجاحد فتصح المسألة من ألف وتسعمائة وثمانين سهماً وطريق العمل فيها كالتي قبلها. (فصل) إذا خلف بنتاً وأختاً فأقرتا بصغيرة فقالت البنت هي أخت وقالت الأخت هي بنت فلها ثلث ما في يد الأخت لا غير. وهذا قول ابن أبي ليلى ولمحمد بن الحسن واللؤلؤي ويحيى بن آدم تخبيط كثير يطول ذكره وإن خلف امرأة وبنتاً وأختاً فأقررن بصغيرة فقالت المرأة هي امرأة وقالت البنت هي بنت وقالت الأخت هي أخت فقال الخبري تعطى ثلث المال لأنه أكثر ما يمكن أن يكون لها ويؤخذ من المقرات

على حسب إقرارهن وقد أقرت لها البنت بأربعة أسهم من أربعة وعشرين وأقرت لها الأخت بأربعة ونصف، وأقرت لها المرأة بسهم ونصف وذلك عشرة أسهم لها منها ثمانية وهي أربعة أخماسها فخذ لها من كل واحدة أربعة أخماس ما أقرت لها به واضرب المسألة في خمسة تكن مائة وعشرين ومنها تصح، فإذا بلغت الصغيرة فصدقت إحداهن أخذت منها تمام ما أقرت لها به وردت على الباقيتين ما أخذته مما لا تستحقه، وهذا قول أبي حنيفة. وقال ابن ليلى يؤخذ لها من كل واحدة ما أقرت لها به فإذا بلغت فصدقت احداهن أمكست ما أخذ لها منها وردت على الباقيتين الفضل الذي لا تستحقه عليها، وهذا القول أصوب إن شاء الله لأن فيه احتياطاً على حقها. ثلاثة اخوة لأب ادعت امرأة أنها أخت الميت لأبيه وأمه فصدقها الأكبر وقال الأوسط هي أخت لأم وقال الأصغر هي أخت لأب فإن الاكبر يدفع إليهما نصف ما في يده ويدفع إليها الأوسط سدس ما في يده ويدفع إليها الأصغر سبع ما في يده وتصح من مائة وستة وعشرين لان أصل مسئلتهم ثلاثة، فمسألة الأكبر من اثنين ومسألة الثاني من ستة والثالث من سبعة والاثنان تدخل في الستة فتضرب ستة في سبعة تكن اثنين وأربعين فهذا ما في يد كل واحد منهم فتأخذ من الأكبر نصفه أحداً وعشرين ومن الأوسط سدسه سبعة ومن الأصغر سبعه ستة صار لها أربعة وثلاثون وهذا قياس قول ابن أبي ليلى، وفي قول أبي حنيفة تأخذ سبع ما في يد الأصغر فيضم إلى نصف ما بيد أحدهما وتضيفه إلى ما بيد الآخر وتقاسم الأوسط على ثلاثة عشر له عشرة ولها ثلاثة فتضم الثلاثة إلى ما بيد

الأكبر وتقاسمه على ما بيده على أربعة لها ثلاثة وله سهم فاجعل ما في يد الأصغر أربعة عشر ليكون لسبعه نصف صحيح واضربها في ثلاثة عشر تكن مائة واثنين وثمانين فهذا ما بيد كل واحد منهم تأخذ من الأصغر سبعه وهو ستة وعشرون تضم إلى ما بيد كل واحد من اخوته ثلاثة عشر فيصير معه مائة وخمسة وتسعون وتأخذ من الأوسط منها ثلاثة من ثلاثة عشر وهي خمسة تضمها إلى ما بيده الاكبر يصر معه مائتان وأربعون فتأخذ ثلاثة أرباعها وهي مائة وثمانون ويبقى له ستون ويبقى للأوسط مائة وخمسون وللأصغر مائة وستة وخمسون وترجع بالاختصار إلى سدسها وهو أحد وتسعون (فصل) إذا خلف ابناً فأقر بأخ ثم جحده لم يقبل جحده ولزمه أن يدفع إليه نصف ما بيده، فإن أقر بعد جحده بآخر احتمل أن لا يلزمه له شئ لأنه لا فضل في يده عن ميراثه وهذا قول ابن أبي ليلى وإن كان لم يدفع الى الأول شيئاً لزمه أن يدفع إليه نصف ما بيده ولا يلزمه للآخر شئ لما ذكرنا ويحتمل أن يلزمه دفع النصف الباقي كله إلى الثاني لأنه فوته عليه وهو قول زفر وبعض البصريين ويحتمل أن يلزمه ثلث ما في يده للثاني لأنه الفضل الذي في يده على تقدير كونهم ثلاثة فيصير كما لو أقر بالثاني من غير جحد الأول، وهذا احد الوجود لأصحاب الشافعي، وقال أهل العراق إن كان دفع إلى الأول بقضاء دفع إلى الثاني نصف ما بقي في يده وإن كان دفعه بغير قضاء دفع إلى الثاني ثلث جميع المال، وإن خلف ابنين فأقر أحدهما بأخ ثم جحده ثم أقر بآخر لم يلزمه للثاني شئ لانه لافضل في يده وعلى الاحتمال الثاني يدفع إليه نصف ما بقي في يده وعلى الاحتمال الثالث يلزمه دفع ما بقي في يده ولا يثبت نسب واحد منهما في هذه الصورة ويثبت نسب المقر به الأول في المسألة الأولى دون الثاني

(فصل) إذا مات رجل وخلف ابنين فمات أحدهما وترك بنتا فأقر الباقي باخ له من أبيه ففي يده ثلاثة أرباع المال وهو يزعم أن له ربعاً وسدساً فيفضل في يده ثلث يرده على المقر به فإن أقرت به البنت وحدها ففي يدها الربع وهي تزعم أن لها السدس يفضل في يدها نصف السدس تدفعه إلى المقر له وهذا قول ابن أبي ليلى، وقال أبو حنيفة إن أقر الأخ دفع إليه نصف ما في يده وإن أقرت البنت دفعت إليه خمسة أسباع ما في يدها لانها تزعم أن له ربعاً وسدساً وذلك خمسة من اثني عشر ولها السدس وهو سهمان فيصير الجميع سبعة لها منها سهمان وله خمسة. بنتان وعم ماتت إحداهما وخلفت ابنا وبنتا فأقرت البنت بخالة ففريضة الانكار من تسعة وفريضة الإقرار من سبعة وعشرين لها منها سهمان وفي يدها ثلاثة فيدفع إليها سهما، وإن أقر بها الابن دفع إليها سهمين، وإن أقرت بها البنت الباقية دفعت إليها التسع وإن أقر بها العم لم يدفع اليها شيئاً، وإن أقر الابن بخال له فمسألة الاقرار من اثني عشر له منها سهمان وهما السدس يفضل في يده نصف تسع، وإن أقرت به أخته دفعت إليه ربع تسع، وإن أقرت به البنت الباقية فلها الربع وفي يدها الثلث فتدفع إليه نصف السدس، وإن أقر به العم دفع إليه جميع ما في يده. ابنان مات أحدهما عن بنت ثم أقر الباقي منهما بأم لأبيه ففريضة الإنكار من أربعة للمقر منها ثلاثة أرباعها وفريضة الإقرار من اثنين وسبعين للمقر منهما أربعون يفضل في يده أربعة عشر سهما يدفعها إلى المرأة التي اقر بها وترجع بالاختصار إلى ستة وثلاثين للمقر منها عشرون وللبنت تسعة وللمقر لها سبعة، وإن أقرت بها البنت فلها من فريضة الإقرار خمسة عشر سهماً وفي يدها الربع وهو ثمانية عشر يفضل في يدها ثلاثة تدفعها إلى المقر لها، وإن أقر الابن بزوجة لأبيه وهي أم الميت الثاني فمسألة الاقرار من ستة وتسعين لها منها

ستة وخمسون وفي يده ثلاثة أرباع ففضل معه ستة عشر سهما يدفعها إلى المقر لها ويكون له ستة وخمسون ولها ستة عشر وللبنت أربعة وعشرون وترجع بالاختار إلى اثني عشر لأن سهامهم كلها تتفق بالاثمان فيكون للمقر سبعة وللمقر لها سهمان وللبنت ثلاثة، وما جاء من هذا الباب فهذا طريقه. أبوان وابنتان اقتسموا التركة ثم أقروا ببنت للميت فقالت قد استوفيت نصيبي من تركة أبي فالفريضة في الاقرار من ثمانية عشر للأبوين ستة ولكل بنت أربعة فأسقط منها نصيب البنت المقر بها يبقى أربعة عشر للأبوين منها ستة وإنما أخذا ثلث الأربعة عشر وذلك أربعة أسهم وثلثا سهم فيبقى لهما في يد البنتين سهم وثلث يأخذانها منهما فاضرب ثلاثة في أربعة عشر تكن اثنين وأربعين فقد أخذ الأبوان أربعة عشر وهما يستحقان ثمانية عشر يبقى لهما أربعة، يأخذانها منهما ويبقى للابنتين أربعة وعشرون، وإن قالت قد استوفيت نصف نصيبي فاسقط سهمين من ثمانية عشر يبقى ستة عشر قد أخذا ثلثها خمسة وثلثا وبقي لهما ثلثا سهم فإذا ضربتها في ثلاثة كانت ثمانية وأربعين قد أخذا منها ستة عشر يبقى لهما سهمان (مسألة) (إذا قال مات أبي وأنت أخي فقال هو أبي ولست بأخي لم يقبل إنكاره لأنه نسب الميت إليه بأنه أبوه وأقر بمشاركة المقر له في ميراثه بطريق الاخوة فلما أنكر اخوته لم يثبت إقراره به وبقيت دعواه أنه أبوه دونه غير مقبولة كما لو ادعى ذلك قبل الاقرار. فأما إن قال مات أبوك وأنا أخوك فقال لست بأخي فالمال للمقر له وذلك لأنه بدأ بالاقرار بأن هذا الميت أبوه فثبت ذلك له ثم ادعى مشاركته بعد ثبوت الأبوة للأول فإذا أنكر الأول اخوته لم تقبل دعوى هذا المقر (مسألة) (فإن قال ماتت زوجتي وأنت أخوها فقال لست بزوجها فهل يقبل إنكاره؟ على وجهين)

مسألة: إذا قال مات أبي وأنت أخي فقال هو أبي ولست بأخي لم يقبل إنكاره لأنه نسب الميت إليه بأنه أبوه وأقر بمشاركة المقر له في ميراثه بطريق الاخوة فلما أنكر اخوته لم يثبت إقراره به وبقيت دعواه أنه أبوه دونه غير مقبولة كما لو ادعى ذلك قبل الاقرار. فأما إ

وهذه المسألة تشبه الأولى من حيث أنه نسب الميتة إليه بالزوجية في ابتداء إقراره كما نسب الأبوة إليه في قوله مات ابي وتفارقها في أن الزوجية من شرطها الاشهاد، ويستحب الإعلان بها وإشهارها فلا تكاد تخفى ويمكن إقامة البينة عليها بخلاف النسب فإنه إنما يشهد عليه بالاستفاضة غالباً (فصل) إذا أقر من اعيلت له المسألة بمن يزيل العول كزوج وأختين أقرت إحداهما بأخ لها فاضرب مسألة الاقرار وهي ثمانية في مسألة الإنكار وهي سبعة تكن ستة وخمسين للمنكرة من مسألة الإنكار سهمان في مسألة الإقرار ستة عشر وللمقرة سهم من مسألة الإقرار في مسألة الإنكار سبعة يبقى في يدها تسعة، فإن أنكر الزوج دفعتها إلى أخيها المقر به وتعطي الزوج ثلاثة من مسألة الإنكار في مسألة الإقرار أربعة وعشرون، فإن أقر الزوج به فهو يدعي تمام النصف أربعة والأخ يدعي أربعة عشر تكن ثمانية عشر والسهام المقر بها تسعة فإذا قسمتها على الثمانية عشر فللزوج منها سهمان وللأخ سبعة فان اقرت الاختات به وأنكر الزوج دفع إلى كل أخت سبعة وإلى الأخ أربعة عشر يبقى أربعة يقران بها للزوج وهو ينكرها، ففي ذلك ثلاثة أوجه (أحدها) أن تقر في يد من هي في يده لأن إقراره بطل لعدم تصديق المقر له (والثاني) يصطلح عليها الزوج والأختان له نصفها ولهما نصفها لأنها لا تخرج عنهم ولا شئ فيها للأخ لأنه لا يحتمل أن يكون له فيها شئ بحال (الثالث) يؤخذ الى بيت المال لأنه مال لم يثبت له مالك، ومذهب أبي حنيفة في الصورة الأولى إن أنكر الزوج أخذت المقرة سهميها من سبعة فقسمتها بين أخيها وبنتها على ثلاثة فتضرب ثلاثة في سبعة تكن إحدى وعشرين لهما منها ستة لها سهمان ولأخيها أربعة وإن أقر الزوج ضم سهامه إلى سهمها تكن خمسة واقتسماها بينهم على سبعة للزوج أربعة وللأخ سهمان

مسألة: فإن كان معهم أختان من أم فمسألة الإنكار من تسعة ومسألة الإقرار من أربعة وعشرين وهما يتفقان بالإثلاث فإذا ضربت وفق إحداهما في الأخرى تكن اثنين وسبعين للزوج من مسألة الإنكار ثلاثة في وفق مسألة الإقرار أربعة وعشرون وللأختين من الأم سهمان في ثماني

وللأخت سهم واضرب سبعة في سبعة تكن تسعة وأربعين ومنها تصح للمنكرة سهمان في سبعة أربعة عشر وللزوج أربعة في خمسة وللأخ سهمان في خمسة وللمقرة سهم في خمسة (مسألة) (فإن كان معهم أختان من أم فمسألة الإنكار من تسعة ومسألة الإقرار من أربعة وعشرين وهما يتفقان بالإثلاث إذا ضربت وفق إحداهما في الأخرى تكن اثنين وسبعين للزوج من مسألة الإنكار ثلاثة في وفق مسألة الإقرار أربعة وعشرون وللأختين من الأم سهمان في ثمانية ستة عشر وللمنكرة كذلك وللمقرة سهم من مسألة الإقرار في وفق مسألة الإنكار ثلاثة يبقى في يدها ثلاثة عشر للأخ منها ستة ضعف سهمها يبقى سبعة أسهم لا يدعيها أحد ففيها الأوجه الثلاثة التي ذكرناها) (أحدها) تقر في يد المقرة (والثاني) تؤخذ الى بيت المال (والثالث) يقسم بين الزوج والمقرة والأختين من الأم على حسب ما يحتمل أنه لهم لأن هذا المال لا يخرج عنهم فإن المقرة إن كانت صادقة فهو للزوج والأختين من الأم وإن كذبت فهو لها وإن كان لهم لا يخرج عنهم قسم بينهم على قدر الاحتمال كما قسمنا الميراث بين الخنثى ومن معه على ذلك. فعلى هذا يكون للمقرة النصف وللزوج والأختين النصف بينهم على خمسة لأن هذا في حال للمقرة وفي حال لهما فقسم بينهم نصفين ثم جعل نصف الزوج والأختين بينهم على خمسة لأن له النصف ولهما الثلث وذلك خمسة من ستة فتقسم السبعة الأسهم بينهم على عشرة للمقرة خمسة وللزوج ثلاثة وللأختين سهمان، فإذا أردت تصحيح المسألة فاضرب المسألة وهي اثنان وسبعون في عشرة، ثم كل من له شئ من اثنين وسبعين مضروب في عشرة

ومن له شئ من عشرة مضروب في سبعة وإن صدقها الزوج فهو يدعي اثني عشر تمام النصف والأخ يدعي ستة تكن ثمانية عشر والثلاثة عشر لا تنقسم عليها ولا توافقها فاضرب المسألة في ثمانية عشر تكن ألفاً ومائتين وستة وتسعين ثم كل من له شئ من اثنين وسبعين مضروب في ثمانية عشر ومن له شئ من ثمانية عشر مضروب في ثلاثة عشر فللزوج أربعة وعشرون في ثمانية عشر أربعمائة واثنان وثلاثون وللأختين من الام مائتان ثمانية وثمانون وللمنكر كذلك وللمقرة ثلاثة في ثمانية عشر أربعة وخمسون وللأخ ستة في ثلاثة عشر ثمانية وسبعون وللزوج اثنا عشر في ثلاثة عشر مائة وستة وخمسون وترجع بالاختصار إلى مائتين وستة عشر لأن السهام كلها تتفق بالأسداس وعلى هذا تعمل ما ورد عليك من هذه المسائل إذا فهمتها إن شاء الله تعالى (فصل) امرأة وعم ووصى لرجل بثلث ماله فأقرت المرأة والعم أنه أخو الميت فصدقهما ثبت نسبه وأخذ ميراثه وإن أقرت المرأة وحدها فلم يصدقها المقر به لم يؤثر إقرارها شيئاً وإن صدقها الأخ وحده فللمرأة الربع بكماله إلا أن تجيز الوصية وللعم النصف ويبقى الربع يدفع إلى الوصي وإن صدقها العم ولم يصدقها الوصي فله الثلث وللمرأة الربع والباقي يقر به العم لمن لا يدعيه ففيه الأوجه الثلاثة التي ذكرناها وإن أقربه العم وحده فصدقه الموصى له أخذ ميراثه وهو ثلاثة أرباع وللمرأة السدس ويبقى نصف السدس فيحتمل أن يكون لها لأن الموصى له يعترف ببطلان الوصية أو وقوفها على إجازة

باب ميراث القاتل

المرأة ولم تجزها ويحتمل الأوجه الثلاثة وإن لم يصدقه أخذ الثلث بالوصية وأخذت المرأة السدس بالميراث ويبقى النصف في الأوجه الثلاثة والله سبحانه وتعالى أعلم باب ميراث القاتل (كل قتل مضمون بقصاص أو دية أو كفارة يمنع القاتل ميراث المقتول سواء كان القتل عمداً أو خطأ بمباشرة أو سبب صغيراً كان القاتل أو كبيراً أو مجنوناً) لا يرث قاتل العمد وقد أجمع عليه أهل العلم إلا ما حكي عن سعيد بن المسيب وابن جبير أنهما ورثاه وهو رأي الخوارج لأن آية الميراث تتناوله بعمومها فيجب العمل بها ولا تعويل على هذا القول لشذوذه وقيام الدليل على خلافه فإن عمر رضي الله عنه أعطى دية ابن قتادة المذحجي لأخيه دون أبيه وكان حذفه بسيف فقتله واشتهرت هذه القصة بين الصحابة فلم تنكر فكانت إجماعاً وقال عمر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " ليس لقاتل شئ " رواه مالك في موطئه والإمام أحمد بسنده وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه رواه ابن اللبان بإسناده ورواهما ابن عبد البر في كتابه وروى ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من قتل قتيلاً فانه لا يرثه وإن لم يكن له وارث غيره وإن كان والده أو ولده فليس لقاتل ميراث " رواه الإمام أحمد بإسناده ولأن توريث القاتل يفضي إلى تكثير القتل لأن الوارث ربما استعجل موت موروثه ليأخذ ماله كما فعل الإسرائيلي الذي قتل عمه فانزل الله تعالى فيه قصة البقرة ويقال ما ورث قاتل بعد عاميل وهو اسم القتيل فأما القتل خطأ فذهب كثير من أهل العلم إلى أن القاتل لا يرث أيضاً نص

مسألة: فأما ما لا يضمن بشيء من هذا القتل قصاصا أو حدا أو دفعا عن نفسه وقتل العادل الباغي والباغي العادل فلا يمنع، وعنه لا يرث العادل الباغي ولا الباغي العادل فيخرج منه أن كل قاتل لا يرث

عليه أحمد يروي ذلك عن عمر وعلي وزيد وابن مسعود وابن عباس وروي نحوه عن أبي بكر رضي الله عنهم وبه قال شريح وعروة وطاوس وجابر بن زيد والنخعي والثوري والشعبي وشريك والحسن ابن صالح ووكيع ويحيى بن آدم والشافعي وأصحاب الرأي وذهب قوم إلى أنه يرث من المال دون الدية روى ذلك عن سعيد بن المسيب وعمرو بن شعيب وعطاء والحسن ومجاهد والزهري ومكحول والاوزاعي وابن أبي ذئب وأبي ثور وابن المنذر وداود وروي نحوه عن علي لان ميراثه ثابت بالكتاب والسنة تخصص قاتل العمد بالإجماع فوجب البقاء على الظاهر فيما سواه ولنا الأحاديث المذكورة ولأن من لا يرث من الدية لا يرث من غيرها كقاتل العمد والمخالف في الدين، والعمومات مخصصة بما ذكرناه فعلى هذا القتل المانع من الميراث هو القتل بغير حق كالعمد وشبه العمد والخطأ وما أجري مجراه كالقتل بالسبب وقتل الصبي والمجنون والنائم وكل قتل مضمون بقصاص أو دية أو كفارة. (مسألة) (فأما ما لا يضمن بشئ من هذا القتل قصاصاً أو حداً أو دفعاً عن نفسه وقتل العادل الباغي والباغي العادل فلا يمنع وعنه لا يرث العادل الباغي ولا الباغي العادل فيخرج منه أن كل قاتل لا يرث) وجملة ذلك أن القتل المانع من الإرث ما كان مضموناً على ما ذكرنا فأما ما ليس بمضمون فلا يمنع الميراث كالقتل قصاصاً وحدا ودفعاً عن نفسه وقتل العادل الباغي أو من قصد مصلحة موليه بماله فعله من سقي دواء أو بط خراج فمات أو من أمره إنسان عاقل كبير ببط خراجه أو قطع سلعة منه فمات بذلك ورثه في ظاهر المذهب قال أحمد إذا قتل الباغي العادل في الحرب يرثه وعن أحمد أن العادل

إذا قتله الباغي في الحرب لا يرثه ونقل محمد بن الحكم عن أحمد في أربعة شهود شهدوا على أختهم بالزنا فرجمت فرجموا مع الناس يرثونها هم غير قتله وعن أحمد رواية أخرى تدل على أن القتل يمنع الميراث بكل حال فإنه قال في رواية ابنيه صالح وعبد الله لا يرث الباغي العادل ولا العادل الباغي وهذا يدل على أن القتل يمنع الميراث بكل حال وهو ظاهر مذهب الشافعي أخذاً بظاهر الحديث ولأنه قاتل فأشبه الصبي والمجنون وقال أبو حنيفة وصاحباه كل قتل لا يأثم فيه لا يمنع الميراث كقتل الصبي والمجنون والنائم والساقط على إنسان من غير اختيار منه وسائق الدابة وقائدها وراكبها إذا قتلت بيدها أو فيها فإنه يرثه لأنه قتل غير متهم فيه ولا إثم فيه أشبه القتل في الحد ولنا على أبي حنيفة وأصحابه عموم الأخبار خصصنا منها القتل الذي لا يضمن ففي ما عداه تبقى على مقتضاها ولأنه قتل مضمون فيمنع الميراث كالخطأ ولنا على الشافعي أنه فعل مأذون فيه فلم يمنع الميراث كما لو أطعمه أو سقاه باختياره فافصى إلى تلفه ولأنه حرم الميراث في محل الوفاق كيلا يفضي إلى اتحاد القتل المحرم وزجراً عن إعدام النفس المعصومة وفي مسئلتنا حرمان الميراث يمنع إقامة الحدود الواجبة واستيفاء الحقوق المشروعة ولا يفضي إلى إيجاد قتل محرم فهو ضد ما ثبت في الأصل ولا يصح القياس على قتل الصبي والمجنون لأنه قتل محرم وتفويت نفس معصومة والتوريث يفضي إليه بخلاف مسئلتنا إذا ثبت هذا فالمشارك في القتل في الميراث كالمنفرد لأنه يلزمه من الضمان بحسبه فلو شهد على موروثه مع جماعة ظلما فقتل لم يرثه وان شهد بحق ورثه لأنه غير مضمون

(فصل) أربعة أخوة قتل أكبرهم الثاني ثم قتل الثالث الأصغر سقط القصاص عن الأكبر لأن ميراث الثاني صار للثالث والأصغر نصفين فلما قتل الثالث الأصغر لم يرثه وورثه الأكبر فرجع إليه نصف دم نفسه وميراث الأصغر جميعه فسقط عنه القصاص لميراثه بعض دم نفسه وله القصاص على الثالث ويرثه في ظاهر المذهب فإن اقتص منه ورثه وورث إخوته الثلاثة ولو أن اثنين قتل أحدهما أحد أبويهما وهما زوجان ثم قتل الآخر أبا الآخر سقط القصاص عن الأول ووجب على القاتل الثاني لأن الأول لما قتل أباه ورث ماله ودمه أخوه وأمه فلما قتل الثاني أمه ورثها قاتل الأب فصار له من دم نفسه ثمنه فسقط القصاص عنه لذلك وله القصاص على الآخر فإن قتله ورثه في ظاهر المذهب وإن جرح أحدهما اباه والآخر أمه وما نافي حال واحدة ولا وارث لهما سواهما فلكل واحد منهما مال الذي لم يقتله ولكل واحد منهما القصاص على صاحبه ولذلك لو قتل كل واحد منهما أحد الأبوين ولم يكونا زوجين فلكل واحد منهما القصاص على أخيه إلا أنه لا يمكن أحدهما الاستيفاء إلا بإبطال حق الآخر فيسقطان وإن عفي أحدهما عن الآخر فللآخر قتل العافي ويرثه في الظاهر إن بادر أحدهما فقتل أخاه سقط القصاص عنه وورثه في الظاهر ويحتمل أن لا يرثه ويجب القصاص عليه لأن القصاصين لما تساويا وتعذر الجمع بين استيفائهما سقط فلم يبق لهما حكم فيكون المستوفي منهما متعديا باستيفائه فلا يرث أخاه ويجب القصاص عليه بقتله وإن أشكل كيفية موت الأبوين وادعى كل واحد منهما أن قتيله أولهما موتا خرج في توريثهما ما ذكرنا في الغرقى من توريث كل واحد من الميتين من الآخر ثم يرث كل واحد منهما بعض دم نفسه فيسقط القصاص عنهما ومن لا يرى ذلك

باب ميراث المعتق بعضه

فالجواب فيها كالتي قبلها ويحتمل أن يسقط القصاص بكل حال للشبهة والله أعلم ويكون لكل واحد منهما دية الآخر وماله باب ميراث المعتق بعضه لا يرث العبد ولا يورث سواء كان قنا أو مدبراً أو مكاتباً أو أم ولد. قال شيخنا لا أعلم خلافاً في أن العبد لا يرث إلا ما روي عن ابن مسعود في رجل مات وترك أبا مملوكاً يشتري من ماله ويعتق ويرث وقاله الحسن وحكي عن طاوس أن العبد يرث ويكون ما ورثه لسيده ككسبه وكما لو وصى له ولأنه تصح الوصية له فيرث كالحمل ولنا أن فيه نقصا منع كونه موروثا فمنع كونه وارثا كالمرتد ويفارق الوصية فإنها تصح لمولاه ولا ميراث له وقياسهم ينتقض بمختلفي الدين، وقول ابن مسعود لا يصح لأن الأب رقيق حين موت ابنه فلم يرثه كسائر الأقارب وذلك لأن الميراث صار لأهله بالموت فلم ينتقل عنهم إلى غيرهم وأجمعوا على ان المملوك لا يورث لأنه لا مال له فإنه لا يملك، ومن قال إنه يملك بالتمليك فملكه ناقص غير مستقر يزول إلى سيده بزوال ملكه عن رقبته بدليل قوله عليه الصلاة والسلام " من باع عبداً وله مال فماله للبائع إلا أن يشترط المبتاع " ولأن السيد أحق بمنافعه واكتسابه في حياته فكذلك بعد مماته وممن روي عنه أن العبد لا يرث ولا يورث ولا يحجب علي وزيد والثوري ومالك والشافعي وأصحاب الرأي، والأسير الذي عند الكفار يرث إذا علمت حياته في قول عامة الفقهاء إلا سعيد بن المسيب فإنه قال لا يرث لأنه عبد ولا يصح لأن الكفار لا يملكون الأحرار بالقهر وهو باق على حريته فيرث كالمطلق

(فصل) والمدبر وأم الولد كلفن لأنه رقيق بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم باع مدبراً، وأم الولد مملوكة يجوز لسيدها وطؤها بحكم الملك وإجارتها وحكمها حكم الأمة في جميع أحكامها إلا فيما ينقل الملك فيها أو يراد له كالرهن فأما المكاتب فإن لم يملك قدر ما عليه فهو عبد لا يرث ولا يورث، وإن ملك قدر ما يؤدي ففيه روايتان (إحداهما) أنه عبد ما بقي عليه درهم لا يرث ولا يورث روى ذلك عن عمر وزيد بن ثابت وابن عمر وعائشة وأم سلمة وعمر بن عبد العزيز والشافعي وأبي ثور وعن ابن المسيب وشريح والزهري نحوه لما روى أبو داود بإسناده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " المكاتب عبد ما بقي عليه درهم " وفي لفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أيما عبد كاتب على مائة أوقية فأداها إلا عشر أواق فهو عبد وأيما عبد كاتب على مائة دينار فأداها إلا عشرة دنانير فهو عبد " وعن محمد بن المنكدر وعبد الله مولى عفرة وعبد الله بن عبيدة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعتاب بن أسيد " من كاتب مكاتباً فهو أحق به حتى يقضي كتابته " وقال القاضي وابو الخطاب إذا أدى المكاتب ثلاثة أرباع كتابته وعجز عن الربع عتق لأن ذلك يجب إيتاؤه للمكاتب فلا يجوز إبقاؤه على الرق لعجزه عما يجب ورده إليه (والرواية الثانية) أنه إذا ملك ما يؤدي صار حراً يرث ويورث فإذا مات له من يرثه ورث، وإن مات فلسيده بقية كتابته والباقي لورثته لما روى أبو داود بإسناده عن أم سلمة قالت قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا كان لإحداكن مكاتب وكان عنده ما يؤدي فلتحتجب منه " وروى الحكم عن علي وابن مسعود وشريح يعطى سيده من تركته ما بقي من كتابته فإن فضل شئ كالورثة المكاتب وروي نحوه عن الزهري وبه قال سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن والنخعي

مسألة: فأما المعتق بعضه فما كسبه بجزئه الحر فهو لورثته ويرث ويحجب وقدر ما فيه من الحرية

والشعبي والحسن ومنصور ومالك وابو حنيفة إلا أن مالكا جعل من كان معه في كتابته أحق ممن لم يكن معه فإنه قال في مكاتب هلك وله أخ معه في الكتابة وله ابن قال ما فضل من كتابته لأخيه دون ابنه وجعله أبو حنيفة عبداً مادام حياً وإن مات أدى من تركته باقي كتابته والباقي لورثته، وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال على المنبر إنكم مكاتبون مكاتبين فأيهم أدى النصف فلا رق عليه وعن علي إذا أدى النصف فهو حر وعن عروة نحوه وعن الحسن إذا أدى الشطر فهو غريم، وعن ابن مسعود وشريح مثله وعن ابن مسعود إذا أدى ثلثاً أو ربعاً فهو غريم وعن ابن عباس إذا كتب الصحيفة فهو غريم وعن علي قال: تجري العتاقة في المكاتب في أول نجم يعني يعتق منه بقدر ما أدى وعنه أنه قال يرث ويحجب ويعتق منه بقدر ما أدى، وروى حماد بن سلمة عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اذا أصحاب المكاتب حداً أو ميراثاً ورث بحساب ما عتق منه وأقيم عليه الحد بحساب ما عتق منه، وفي رواية يؤدي المكاتب بقدر ما عتق منه دية الحر وقدر مارق منه دية العبد. قال يحيى بن أبي كثير وكان علي رضي الله عنه ومروان بن الحكم يقولان ذلك وقد روي حديث ابن عباس عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا والحديث الذي روياه لقولنا أصح ولا نعلم احدا من الفقهاء قال بهذا وما ذكرناه أولى إن شاء الله (مسألة) (فأما المعتق بعضه فما كسبه يجزئه الحر فهو لورثته ويرث ويحجب بقدر ما فيه من الحرية) وجملة ذلك أن المعتق بعضه إذا اكتسب مالا ثم مات وخلفه فإن كان قد كسبه يجزئه الحر مثل أن يكون قد هايأ سيده على منفعته فاكتسب في أيامه أو ورث شيئاً فإن الميراث إنما يستحقه بجزئه

الحر أو كان قد قاسم سيده في حياته فتركته كلها لورثته لا حق لمالك باقيه فيها، وقال قوم جميع ما خلفه بينه وبين سيده قال ابن اللبان هذا غلط لأن الشريك إذا أخذ حقه من كسبه لم يبق له حق في الباقي ولا سبيل له على ما كسبه بنصف الحر كما لو كان بين الشريكين فاقتسما كسبه لم يكن لأحدهما حق في حصة الآخر، والعبد يخلف أحد الشريكين فيما عتق منه فأما إن لم يكن كسبه بجزئه الحر خاصة ولا اقتسما كسبه فلمالك باقيه من تركته بقدر ملكه فيه والباقي لورثته فإن مات له من يرثه فإنه يرث ويورث ويحجب على قدر ما فيه من الحرية هذا قول علي وابن مسعود رضي الله عنهما وبه قال عثمان التيمي وحمزة الزيات وابن المبارك والمزني وأهل الظاهر، وقال زيد بن ثابت لا يرث ولا يورث وأحكامه أحكام العبد وبه قال مالك والشافعي في القديم وجعلا ماله لمالك باقيه قال ابن اللبان هذا غلط لأنه ليس لمالك باقيه على ما عتق منه ملك ولاولاء ولا هو ذو رحم قال ابن شريح يحتمل على قول الشافعي القديم أن يجعل في بيت المال لأنه لا حق له فيما كسبه يجزئه الحر، وقال الشافعي في الجديد ما كسبه يجزئه الحر لورثته ولا يرث هو ممن مات شيئاً وبه قال طاوس وعمرو بن دينار وأبو ثور وقال ابن عباس هو كالحر في جميع أحكامه في توريثه والإرث منه وغيرهما وبه قال الحسن وجابر بن زيد والشعبي والنخعي والحكم وحماد وابن أبي ليلى والثوري وأبو يوسف ومحمد واللؤلؤي ويحيى بن آدم وداود وقال أبو حنيفة إن كان الذي لم يعتق استسعى العبد فله من تركته سعاية وله نصف ولاية وإن كان غرم الشريك فولاؤه كله للذي أعتق بعضه

مسألة: وإن كان عصبتان نصف كل واحد منهما حر كالأخوين فهل تكمل الحرية فيهما؟ يحتمل وجهين، وإن كان أحدهما يحجب الآخر كابن وابن ابن فالصحيح أنها لا تكمل

ولنا ما روى عبد الله بن احمد ثنا الرملي عن يزيد بن هارون عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في العتيق بعتق بعضه " يرث ويورث على قدر ما عتق منه " ولأنه يجب أن يثبت لكل بعض حكمه كما لو كان الآخر مثله وقياساً لأحدهما على الآخر إذا ثبت هذا فالتفريع على قولنا لأن العمل على غيره واضح وكيفية توريثه أن يعطى من له فرض بقدر ما فيه من الحرية من فرضه وإن كان عصبة نظر ماله مع الحرية الكاملة فأعطي بقدر ما فيه منها فإذا خلف أماً وبنتاً نصفهما حر وأبا حرا فللبنت بنصف حريتها نصف ميراثها وهو الربع وللأم مع حريتها ورق البنت الثلث والسدس مع حرية البنت فقد حجبتها بحريتها عن السدس فبنصف حريتها تحجبها عن نصفه يبقى لها الربع لو كانت حرة فلها بنصف حريتها نصفه وهو الثمن والباقي للأب وإن شئت نزلتهم أحوالا كتنزيل الخناثى فنقول إن كانتا حرتين فالمسألة من ستة للبنت ثلاثة وللأم السدس سهم والباقي للأب، وإن كانا رقيقين فالمال للأب، وإن كانت البنت وحدها حرة فلها النصف والمسألة من اثنين وإن كانت الأم وحدها حرة فلها الثلث وهي من ثلاثة وكلها تدخل في الستة فتضربها في الأربعة الأحوال تكن أربعة وعشرين للبنت ستة وهي الربع لأن لها النصف في حالين وللأم الثمن وهو ثلاثة لأن لها السدس في حال والثلث في حال والباقي للأب ويرجع بالاختصار إلى ثمانية. (مسألة) (وإن كان عصبتان نصف كل واحد منهما حر كالأخوين فهل تكمل الحرية فيما؟ يحتمل وجهين، وإن كان أحدهما يحجب الآخر كابن وابن ابن فالصحيح انها لا تكمل) إذا كان عصبتان لا يحجب أحدهما الآخر كابنين نصفهما حر ففيه وجهان (أحدهما) تكمل الحرية فيهما بأن تضم الحرية من أحدهما إلى ما في الآخر منهما فإن كمل منهما

واحد ورثا جميعاً ميراث ابن حر لان نصفي شئ، شئ كامل، ثم يقسم ما ورثاه بينهما على قدر ما في كل واحد منهما فإذا كان ثلثا أحدهما وثلث الآخر كان ما ورثاه بينهما أثلاثاً فإن نقص ما فيهما من الحرية عن حر كامل ورثا بقدر ما فيهما وإن زاد على حر واحد وكان الحران فيهما سواء قسم ما يرثانه بينهما بالسوية، وإن اختلفا أعطي كل واحد منهما بقدر ما فيه قال الخبري قال الأكثرون هذا قياس قول علي رضي الله عنه (والوجه الثاني) لا تكمل الحرية فيهما لأنها لو كملت لم يظهر للرق أثر وكانا في ميراثهما كالحرين وإن كان أحدهما يحجب الآخر فقيل فيهما وجهان والصحيح أن الحرية لا تكمل ههنا لان الشئ لا يكمل بما يسقطه ولا يجمع بينه وبين ما ينافيه وورثهم بعضهم بالخطاب وتنزيل الأحوال وحجب بعضهم لبعض على مثال تنزيل الخناثى وهو قول أبي يوسف وقد ذكرناه. (مسائل) ذلك (ابن نصفه حر له نصف المال فإن كان معه ابن آخر نصفه حر فلهما المال في أحد الوجهين وفي الآخر لهما نصفه والباقي للعصبة أو لبيت المال إن لم يكن عصبة ويحتمل أن يكون لكل منهما ثلاثة أثمان المال لأنهما لو كانا حرين لكان لكل واحد منهما النصف ولو كانا رقيقين لم يكن لهما شئ ولو كان الاكبر وحده حراً كان له المال ولا شئ للأصغر، ولو كان الاصغر وحده حراً فكذلك، فلكل واحد منهما في الأحوال الأربعة مال ونصف فله ربع ذلك وهو ثلاثة أثمان فإن كان معهما ابن آخر ثلثه حر فعلى الوجه الأول يقسم المال بينهم على ثمانية كما تقسم مسألة المباهلة وعلى الثاني يقسم النصف بينهم على ثمانية، وفيه وجه آخر يقسم الثلث بينهم أثلاثاً ثم يقسم السدس بين

صاحبي النصفين نصفين وعلى تنزيل الأحوال يحتمل أن يكون لكل واحد ممن نصفه حر سدس المال وثمنه، ولمن ثلثه حر ثلثا ذلك وهو تسع المال ونصف سدسه لأن لكل واحد المال في حال ونصفه في حالين وثلثه في حال فيكون له مالان وثلث في ثمانية أحوال فيعطيه ثمن ذلك وهو سدس وثمن ويعطى من ثلثيه، وهو تسع المال ونصف سدسه ابن حر وابن نصفه حر المال بينهما على ثلاثة على الوجه الأول وعلى الثاني النصف بينهما نصفان والباقي للحر فيكون للحر ثلاثة أرباع وللآخر الربع ولو نزلتهما بالأحوال أفضى إلى هذا لأن للحر المال في حال والنصف في حال فلهما نصفهما وهو ثلاثة أرباع وللآخر نصفه في حال فله نصف ذلك وهو الربع ولو خاطبتهما لقلت للحر: لك المال، لو كان أخوك رقيقاً ونصفه لو كان حراً فقد حجبك بحريته عن النصف فبنصفها يحجبك عن الربع يبقى لك ثلاثة أرباع، ويقال للآخر لك النصف لو كنت حراً فإذا كان نصفك حراً فلك نصفه وهو الربع ابن ثلثاه حر وابن ثلثه حر على الأول المال بينهما أثلاثاً وعلى الثاني الثلث بينهما وللآخر ثلث فيكون له النصف وللآخر السدس وقيل الثلثان بينهما أثلاثاً فأنا بالخطاب نقول لمن ثلثاه حر لو كنت وحدك حراً كان لك المال، ولو كنتما حرين كان لك النصف فقد حجبك بحريته عن النصف فبثلثها يحجبك عن السدس يبقى لك خمسة أسداس لو كنت حراً فلك بثلثي حرية خمسة أتساع، ويقال للآخر يحجبك أخوك بثلثي حرية عن ثلثي النصف وهو الثلث يبقى لك الثلثان فله بثلث حريته ثلث ذلك وهو التسعان ويبقى التسعان لعصبته إن كان أو ذي رحم وإلا لبيت المال ابن حر وبنت نصفها حر للابن خمسة أسداس المال وللبنت سدسه في الخطاب والتنزيل جميعاً ومن جمع الحرية أفضى قوله إلى أن له

أربعة أخماس المال ولها الخمس فإن كانت البنت حر والابن نصفه حر وعصبة فللابن الثلث ولها ربع وسدس ومن جمع الحرية فيهما جعل المال بينهما نصفين، ابن وبنت نصفهما حر وعصبة فمن جمع الحرية فثلاثة أرباع المال بينهما على ثلاثة وقال بعض البصريين النصف بينهما على ثلاثة ومن ورث بالتنزيل والأحوال قال للابن المال في حال وثلثاه في حال فله ربع ذلك ربع وسدس وللبنت نصف ذلك ثمن ونصف سدس والباقي للعصبة، وإن شئت قلت إن قدرناهما حرين فهي من ثلاثة وإن قدرنا البنت وحدها حرة فهي من اثنين وإن قدرنا الابن وحده حراً فالمال له وإن قدرناهما رقيقين فالمال للعصبة فتضرب الاثنين في ثلاثة تكن ستة ثم في أربعة أحوال تكن أربعة وعشرين فللابن المال في حال ستة وثلثاه في حال أربعة صار له عشرة وللبنت النصف في حال خمسة وللعصبة المال في حال ونصفه في حال تسعة فإن لم تكن عصبة جعلت للبنت في حال حريتها المال كله بالفرض والرد فيكون لها مال وثلث فيجعل لها ربع ذلك وهو الثلث وإن كان معهما امرأة وأم حرتان كملت الحرية فيهما فحجبا الأم إلى السدس والمرأة إلى الثمن لأن كل واحد منهما لو انفرد لحجب نصف الحجب فإذا اجتمعا اجتمع الحجب ومن ورث بالأحوال والتنزيل قال للأم السدس في ثلاثة أحوال والربع في حال فلها ربع ذلك وهو سدس وثلث ثمن وللمرأة الثمن في ثلاثة أحوال والربع في حال فلها ربع ذلك وهو الثمن وربع الثمن وللابن الباقي في حال وثلثاه في حال فله ربعه وللبنت ثلث الباقي في حال والنصف في حال فلها ربعه وإن لم يكن في المسألة عصبة فللبنت بالفرض والرد أحد وعشرون من اثنين وثلاثين مكان النصف وللأم سبعة مكان سدس وتصح المسألة إذا لم يكن فيها رد بالبسط من مائتين

وثمانية وثمانين سهماً للأم منها ستون وللمرأة خمسة وأربعون وللابن خمسة وثلاثون وللبنت ثلاثة وخمسون والباقي للعصبة وقياس قول من جمع الحرية في الحجب أن يجمع الحرية في التوريث فيكون لهما ثلاثة أرباع الباقي وقال ابن اللبان لهما سبعة عشر من ثمانية وأربعين لأنهما لو كانا حرين لكان لهما سبعة عشر من أربعة وعشرين فيكون لهما بنصف حريتهما نصف ذلك وهذا غلط لأنه جعل حجب كل واحد منهما لصحابه بنصف حريته كحجبه إياه بجميعها ولو ضاع ذلك لكان لهما حال انفرادهما النصف بينهما من غير زيادة، ابن وأبوان نصف كل واحد منهما حر إن قدرناهم أحراراً فللابن الثلثان وإن قدرناه حراً وحده فله المال وإن قدرنا معه أحد الأبوين حراً فله خمسة أسداس فبجمع ذلك تجده ثلاثة أموال وثلثا فله ثمنها وهو ربع وسدس وللأب المال في حال وثلثاه في حال وسدساه في حالين فله ثمن ذلك ربع وللأم الثلث في حالين والسدس في حالين فلها الثمن والباقي للعصبة وإن عملتها بالبسط قلت إن قدرناهم أحراراً فهي من ستة وإن قدرنا الابن وحده حراً فهي من سهم وكذلك الأب وإن قدرنا الأم وحدها حرة وقدرناها مع حرية الأب فهي من ثلاثة وإن قدرنا الابن مع الأب أو مع الأم فهي من ستة وإن قدرناهم رقيقاً فالمال للعصبة وجميع المسائل تدخل في ستة فتضربها في الأحوال وهي ثمانية تكن ثمانية وأربعين للابن المال في حال ستة وثلثاه في حال أربعة وخمسة أسداسه في حالين عشرة فذلك عشرون سهما من ثمانية وأربعين وللأب المال في حال ستة وثلثاه في حال أربعة وسدساه في حالين

وذلك اثنا عشر وللأم الثلث في حالين والسدس في حالين وذلك ستة وهي الثمن وإن كان ثلث كل واحد منهما حرا زدت على الست نصفها تصر تسعة وتضربها في الثمانية تكن اثنين وسبعين فللابن عشرون من اثنين وسبعين وهي السدس والتسع وللأب اثنا عشر وهي السدس وللأم ستة وهي نصف السدس ولم تتغير سهامهم وإنما صارت منسوبة إلى اثنين وسبعين وإن كان ربع كل واحد منهم حرا زدت على الستة مثلها وقيل فيما إذا كان نصف كل واحد منهم حراً للأم الثمن وللأب الربع وللابن النصف ابن نصفه حر وأم حرة للأم الربع وللابن النصف وقيل له ثلاثة أثمان وهو نصف ما يبقى فإن كان بدل الأم أختاً حرة فلها النصف وقيل لها نصف الباقي لأن الابن يحجبها بنصفه عن نصف فرضها فإن كان نصفها حراً فلها الثمن على هذا القول وعلى الأول لها الربع فإن كان مع الابن أخت من أم أو أخ من أم فلكل واحد منهما نصف السدس وإن كان معه عصبة حر فله الباقي كله (فصل) ابن نصفه حر وابن ابن حر المال بينهما نصفين في قول الجميع إلا الثوري قال لابن الابن الربع لأنه محجوب بنصف الابن عن الربع فإن كان نصف الثاني حراً فله الربع وإن كان معهما ابن ابن ابن نصفه حر فله الثمن وقيل للأعلى النصف وللثاني النصف لأن فيهما حرية ابن وهذا قول أبي بكر وقال سفيان لا شئ للثاني والثالث لأن ما فيهما من الحرية محجوب بحرية الابن فإن كان معهم أخ

حر أو غيره من العصبات فله الباقي وإن كان نصفه حراً فله نصف ما بقي إلا على الوجهين الآخرين ابن نصفه حر وابن ابن ثلثه حر وأخ ثلاثة أرباعه حر للابن النصف وللثاني ثلث الباقي وهو السدس وللأخ ثلاثة أرباع الباقي وهو الربع وعلى القول الآخر للابن النصف ولابن الابن الثلث والباقي للأخ ثلاثة إخوة مفترقين نصف كل واحد حر للأخ من الأم نصف السدس وللأخ من الأبوين نصف الباقي وللأخ من الأب نصف الباقي وتصح من ثمانية وأربعين للأخ من الأم أربعة وللأخ من الأبوين اثنان وعشرون وللأخ من الأب أحد عشر وعلى القول الآخر للأخ من الأم نصف سدس وللأخ من الأبوين النصف وللأخ من الأب ما بقي فإن كان معهم بنت حرة فلها النصف ولا شئ للأخ من الأم وللأخ من الأبوين الربع وللأخ من الأب الثمن والباقي للعصبة وعلى القول الآخر الباقي للأخ من الأبوين وحده فإن كان نصف البنت حراً فلها الربع وللأخ من الأم ربع السدس وللأخ من الأبوين نصف الباقي وللأخ من الأب الباقي (فصل) بنت نصفها حر لها الربع والباقي للعصبة فإن لم يكن عصبة فلها النصف بالفرض والرد والباقي لذي الرحم فإن لم يكن فلبيت المال فإن كان معها أم حرة فلها الربع لأن البنت الحرة تحجبها عن السدس فنصفها يحجبها عن نصفه وإن كان معها امرأة فلها الثمن ونصف الثمن وإن كان معها أخ من أم فله نصف السدس فان كان معها بنت ابن فلها الثلث لأنها لو كانت كلها رقيقة لكان لبنت

الابن النصف ولو كانت حرة لكان لها السدس فقد حجبتها حريتها عن الثلث فنصفها يحجبها عن السدس وكل من ذكرنا إذا كان نصفه حرا فله نصف ماله في الحرية فإن كان ثلثه حراً فله ثلثه فان كان معها بنت أخرى حرة فلهما ربع المال وثلثه بينهما على ثلاثة عند من جمع الحرية فيهما لأن لهما بحرية نصفاً وبنصف حرية نصف كمال الثلثين وفي الخطاب والتنزيل للحرة ربع وسدس وللأخرى سدس لأن نصف إحداهما يحجب الأخرى الحرة عن نصف السدس فيبقى لها ربع وسدس والحرة تحجبها عن سدس كامل فيبقى لها سدس فإن كان نصفهما رقيقاً ومعهما عصبة فلهما ربع المال وسدسه بينهما

لأنهما لو كانتا حرتين لكان لهما الثلثان ولو كانت الكبرى وحدها حرة كان لها النصف وكذلك الصغرى ولو كانتا أمتين كان المال للعصبة فقد كان لهما مال وثلثان فلهما ربع ذلك وهو ربع وسدس. وطريقهما بالبسط أن تقول لو كانتا حرتين فالمسألة من ثلاثة ولو كانت الكبرى وحدها حرة فهي من اثنين وكذلك إذا كانت الصغرى وحدها حرة وإن كانتا أمتين فهي من سهم فتضرب اثنين في ثلاثة تكن ستة ثم في الأحوال الأربعة تكن أربعة وعشرين للكبرى نصف المال في حال ثلاثة وثلثه في حال سهمان صار لها خمسة من أربعة وعشرين وللأخرى مثل ذلك وللعبصة

المال في حال والنصف في حالين والثلث في حال وذلك أربعة عشر سهماً من أربعة وعشرين سهما ومن جمع الحرية فيهما جعل لهما النصف والباقي للعصبة فإذا لم تكن عصبة نزلتهما على تقدير الرد فيكون حكمهما حكم اثنين نصف كل واحد منهما حر على ما بيناه ثلاث بنات ابن متنازلات نصف كل واحدة حر وعصبة للأولى الربع وللثانية السدس لأنها لو كانت حرة كان لها الثلث وللثالثة نصف السدس في قول البصريين لأنك تقول للسفلى لو كانتا أمتين كان لك النصف ولو كانت إحداهما حرة كان لك

السدس فنصفهما ثلث فتحجبك العليا عن ربع والثانية عن نصف سدس فيبقى لك سدس لو كنت حرة فإذا كان نصفك حرا كان لك نصفه، وفي التنزيل للثالثة نصف الثمن وثلثه وذلك لأننا لو نزلنا كل واحدة حرة وحدها كان لها النصف، فهذه ثلاثة أحوال من اثنين اثنين، ولو كن إماء كان المال للعصبة ولو كن أحراراً كان للأولى النصف وللثانية السدس والثلث للعصبة، ولو كانت الأولى والثانية حرتين فكذلك ولو كانت الثانية والثالثة حرتين فللثانية النصف وللثالثة السدس والثلث للعصبة فهذه أربعة أحوال من ستة ستة، والمسائل كلها تدخل فيها فتضربها في ثمانية أحوال تكن ثمانية وأربعين للعليا النصف في أربعة

أحوال اثنا عشر وهي الربع وللثانية النصف في حالين والسدس في حالين وهي ثمانية وذلك هو السدس وللثالثة النصف في حال والسدس في حالين وهي خمسة وهي نصف الثمن وثلثه، وقال قوم تجمع الحرية فيهن فيكون منهن حرية ونصف لهن بها ثلث وربع للأولى والثانية ربعان وللثالثة نصف سدس فإن كان معهن رابعة كان لها نصف سدس آخر. ثلاث أخوات مفترقات نصف كل واحدة حر وأم حرة وعم للتي من قبل الأبوين الربع وللتي من قبل الأب السدس وللتي من قبل الأم نصف السدس وللأم الثلث لأنها لا تنحجب إلا باثنين من الاخوة والأخوات ولم تكمل الحرية اثنتين وللعم ما بقي، وهكذا لو كانت أخت حرة وأخرى نصفها حر وأم حرة فللأم الثلث لما ذكرناه قال الخبري للأم

مسألة: كل من أعتق عبدا أو عتق عليه برحم أو كتابة أو تدبير أو استيلاد أو وصية بعتقه فله عليه الولاء وعلى أولاده من زوجة معتقه أو من أمه وعلى معتقيه ومعتقي أولاده وأولادهم ومعتقهم أبدا ما تناسلوا

الربع وحجبها بالحر كما يحجب بنصف البنت، والفرق بينهما أن الحجب بالولد غير مقدر بل هو مطلق في الولد والجزء منه وفي الاخوة مقدر باثنين فلا يثبت بأقل منهما ولذلك لم يحجب بالواحد عن شئ أصلا وهذا قول ابن اللبان وحكى القول الأول عن الشعبي وقال هذا غلط، وفي الباب اختلاف كثير وفروع قلما تتفق وقل مسألة تجئ إلا ويمكن عملها بقياس ما ذكرنا (باب الولاء) الأصل فيه قوله تعالى (فإن لم تعلموا آباءهم فاخوانهم في الدين ومواليكم) يعني الأدعياء وقول النبي صلى الله عليه وسلم " إنما الولاء لمن أعتق " متفق عليه وعن ابن عمر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الولاء وهبته وقال عليه السلام " لعن الله من تولى غير مواليه " قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح وقال صلى الله عليه وسلم " مولى القوم منهم " حديث صحيح، وروى الخلال بإسناده عن ابن أبي أوفى قال قال لي النبي صلى الله عليه وسلم " الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب (مسألة) (كل من أعتق عبداً أو عتق عليه برحم أو كتابة أو تدبير أو استيلاد أو وصية

بعقته فله عليه الولاء وعلى أولاده من زوجة معتقه أو من أمه وعلى معتقيه ومعتقي أولاده وأولادهم ومعتقهم أبدا ما تناسلوا) أجمع أهل العلم على أن من أعتق عبداً أو عتق عليه ولم يعتقه سائبة ولا من زكاته أو نذره أو كفارته أن له عليه الولاء لقول النبي صلى الله عليه وسلم " الولاء لمن اعتق " متفق عليه (فصل) وإن أعتق حربي حربياً فله عليه الولاء لأن الولاء مشبه بالنسب والنسب ثابت بين أهل الحرب فكذلك الولاء وهذا قول عامة أهل العلم إلا أهل العراق فإنهم قالوا: العتق في دار الحرب والكتابة والتدبير لا يصح ولنا أن ملكهم ثابت بدليل قول الله تعالى (وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم) فنسبها إليهم فصح عتقهم كأهل الإسلام وإذا صح عتقهم ثبت الولاء لهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم " الولاء لمن اعتق " فإن جاءنا المعتق مسلماً فالولاء بحاله وإن سبي مولى النعمة لم يرث مادام عبداً فإن أعتق فعليه الولاء لمعتقه وله الولاء على عتيقه، وهل يثبت لمعتق السيد ولاء على معتقه؟ يحتمل أن يثبت لأنه مولى مولاه ويحتمل أن لا يثبت لأنه ما حصل منه إنعام عليه ولا سبب لذلك، فإن كان الذي اشتراه مولاه فأعتقه فكل واحد منهما مولى صاحبه يرثه بالولاء، وإن أسره مولاه فأعتقه فكذلك فإن أسره مولاه وأجنبي فأعتقاه فولاؤه بينهما نصفين فإذا مات بعده المعتق الأول فلشريكه نصف ماله لأنه مولى النصف مولاه على أحد الاحتمالين والآخر لا شئ له لأنه لم ينعم عليه، وإن سبي المعتق فاشتراه رجل فأعتقه بطل

ولاء الأول وصار الولاء للثاني وهو قول مالك والشافعي وقيل الولاء بينهما واختاره ابن المنذر لأنه ليس أحدهما أولى من الآخر وقيل الولاء للأول لأنه أسبق ولنا أن السبي يبطل ملك الحربي الأول فالولاء التابع له أولى ولأن الولاء بطل باسترقاقه فلم يعد بإعتاقه وإن أعتق ذمي عبداً كافراً فهرب إلى دار الحرب فاسترق فالحكم فيه كالحكم فيما إذا أعتقه الحربي سواء. وإن أعتق مسلم كافراً فهرب إلى دار الحرب ثم سباه المسلمون فذكر أبو بكر والقاضي أنه لا يجوز استرقاقه وهو قول الشافعي لأن في استرقاقه إبطال ولاء المسلم المعصوم قال ابن اللبان ولأن له أمانا بعتق المسلم إياه. قال شيخنا والصحيح إن شاء الله جواز استرقاقه لأنه كافر أصلي كتابي فجاز استرقاقه كمعتق الحربي وكغير المعتق، وقولهم في استرقاقه إبطال ولاء المسلم قلنا لا نسلم بل متى أعتق عاد الولاء للأول وإنما امتنع عمله في حال رقه لمانع وإن سلمنا أن فيه إبطال ولائه ولكن ذلك غير ممتنع كما لو قتل بكفره فإنه يبطل ولاؤه به فكذلك بالاسترقاق ولأن القرابة يبطل عملها بالاسترقاق فكذلك وقول ابن اللبان له أمان لا يصح فإنه لو كان له أمان لم يجز قتله ولا سبيه، فعلى هذا إن استرق احتمل أن يكون الولاء للثاني لأن الحكمين إذا تنافيا كان الثابت هو الآخر منهما كالناسخ والمنسوخ واحتمل أن

مسألة: أو عتق عليه برحم

يكون للأول لأن ولاءه ثبت وهو معصوم فلا يزول بالاستيلاء كحقيقة الملك ويحتمل أنه بينهما وأيهما مات كان للثاني وإن أعتق مسلم مسلماً أو أعتقه ذمي فارتد ولحق بدار الحرب فسبي لم يجز استرقاقه وإن اشتري فالشراء باطل ولا يقبل منه إلا التوبة أو القتل (مسألة) (أو عتق عليه برحم) يعني إذا ملكه فعتق عليه بالملك كان له ولاؤه لأنه يعتق من ماله بسبب فعله فكان ولاؤه له كما لو باشر عتقه وسواء ملكه بشراء أو هبة أو إرث أو غنيمة أو غيره لا نعلم بين أهل العلم فيه اختلافاً (أو كتابة أو تدبير) يعني إذا كاتبه فأدى إلى مكاتبه وعتق أو عتق بالتدبير فولاؤه لسيده في قول عامة الفقهاء وبه يقول الشافعي وأهل العراق. وحكى ابن سراقة عن عمرو بن دينار وأبي ثور أنه لا ولاء على المكاتب لأنه اشترى نفسه من سيده فلم يكن له عليه ولاء كما لو اشتراه أجنبي فأعتقه، وكان قتادة يقول من لم يشترط ولاء المكاتب فللمكاتب أن يوالي من يشاء وقال مكحول أما المكاتب إذا اشترط ولاءه مع رقبته فجائز ولنا أن السيد هو المعتق للمكاتب لأنه يبيعه بماله وماله وكسبه لسيده فجعل ذلك له ثم باعه به حتى عتق فكان هو المعتق وهو المعتق للمدبر أيضاً بلا إشكال وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " الولاء لمن اعتق " ويدل على ذلك أن المكاتبين يدعون موالي مكاتبيهم فيقال أبو سعيد مولى أبي أسيد وسيرين مولى أنس

مسألة: أو استيلاد أو وصية بعتقه

وسليمان بن يسار مولى ميمونة وكانوا مكاتبين، ويدل على ذلك حديث بريرة أنها جاءت إلى عائشة فقالت يا أم المؤمنين إني كاتبت أهلي على تسع أواق فأعينيني فقالت عائشة إن شاء واعددت لهم عدة واحدة ويكون ولاؤك لي فعلت، فأبوا أن يبيعوها إلا أن يكون الولاء لهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم " اشتريها واشترطي لهم الولاء " وهذا يدل على أن الولاء كان لهم لو لم تشترها منهم عائشة. (فصل) وإن اشتري العبد نفسه من سيده بعوض حال عتق والولاء لسيده لأنه يبيع ماله بماله فهو مثل المكاتب سواء والسيد هو المعتق لهما فكان الولاء له عليهما. (مسألة) (أو استيلاد أو وصية بعتقه) يعني إذا عتقت أم الولد بموت سيدها فولاؤها له يرثها اقرب عصبته وهذا قول عمر وعثمان رضي الله عنهما وبه قال عامة الفقهاء. وقال ابن مسعود تعتق من نصيب ابنها فيكون ولاؤها له، ونحوه عن ابن عباس وعن علي لا تعتعق ما لم يعتقها وله بيعها، وبه قال جابر بن زيد وأهل الظاهر، وعن ابن عباس نحوه ولذكر الدليل على ذلك موضع يذكر إن شاء الله تعالى في بابه، ولا خلاف بين القائلين بعتقها أن ولاءها لمن عتقت عليه. ومذهب الجمهور أنها تعتق بموت سيدها من رأس المال فيكون ولاؤها له لأنها عتقت بفعلها من ماله فكان ولاؤها له كما لو عتقت بقوله ويختص ولاؤها الذكور من عصبة السيد كالمدبر والمكاتب

مسألة: ويرث به عند عدم العصبة من النسب، فمتى كان للمعتق عصبة أو ذوو فروض تستحق فروضهم المال فلا شيء للمولى

(فصل) ومن أوصى أن يعتق عنه بعد موته فأعتق فالولاء له وكذلك إن أوصى به ولم يقل عني فأعتق كان الولاء له لأن الاعتاق عنه من ماله فإن أعتق عنه ما يجب عتقه ككفارة ونحوها ففيه اختلاف نذكره إن شاء الله تعالى. (فصل) ويثبت الولاء للمعتق على المعتق لما ذكرنا وعلى أولاده من زوجة معتقه أو من أمته لأنه ولي نعمتهم وعتقهم بسببه ولأنهم فرع والفرع يتبع أصله بشرط أن يكونوا من زوجة معتقه أو من أمته فإن كانت أمهم حرة الأصل فلا ولاء على ولدها لأنهم يتبعونها في الحرية والرق فيتبعونها في عدم الولاء إذ ليس عليها ولاء وكذلك إن كان أبوهم حر الأصل إذا لم يمسسهم رق، فإن كان قد ثبت ملك فأعتقوا فولاؤهم لمعتقهم للحديث وهو قوله عليه الصلاة والسلام " الولاء لمن اعتق " ويثبت الولاء للمعتق على معتقي معتقته، ومعتقي أولاده، ومعتقهم أبدا ما تناسلوا، لأنه ولي نعمتهم وبسببه عتقوا فأشبه ما لو باشرهم بالعتق. (مسألة) (ويرث به عند عدم العصبة من النسب، فمتى كان للمعتق عصبة أو ذوي فروض تستحق فروضهم المال فلا شئ للمولى) لا نعلم في هذا خلافاً فإن لم يكن له عصبة ولا ذو فرض يرث المال كله فهو للمولى وإن كان ذو الفرض لا يرث جميع المال فالباقي للمولى لما روى الحسن قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

مسألة: ثم يرث به عصباته الأقرب فالأقرب

" الميراث للعصبة فإن لم يكن عصبة فللمولى "، وعنه أن رجلاً أعتق عبداً فقال للنبي صلى الله عليه وسلم ما ترى في ماله؟ قال " إن مات ولم يدع وارثاً فهو لك " ولأن النسب أقوى من الولاء بدليل أنه يتعلق به التحريم والنفقة وسقوط القصاص ورد الشهادة ولا يتعلق ذلك بالولاء. (مسألة) (ثم يرث به عصباته الأقرب فالأقرب) وجملة ذلك أن العتيق إذا لم يخلف من نسبه من يرثه كان ماله لمولاه، فإن كان مولاه ميتاً فهو لأقرب عصبته سواء كان ولداً أو أخاً أو عماً أو أباً أو غيره من العصاب، وسواء كان المعتق ذكرا أو انثى فإن لم يكن له عصبة من أقاربه كان الميراث لمولاه ثم لعصباته الأقرب فالأقرب ثم لمولاه وكذلك أبداً. روي هذا عن عمر رضي الله عنه وبه قال الشعبي والزهري وقتادة ومالك والثوري والاوزاعي والشافعي وأبو حنيفة وصاحباه، وروي عن علي رضي الله عنه ما يدل على أن مذهبه في امرأة ماتت وخلفت ابنها وأخاها أو ابن أخيها أن ميراث مواليها لأخيها وابن أخيها دون ابنها، وروي عنه الرجوع إلى مثل قول الجماعة، فوري عن إبراهيم أنه قال اختصم علي والزبير في موالي صفية بنت عبد المطلب فقال علي: أنا أحق بهم أنا أرثهم وأعقل عنهم، وقال الزبير: هم موالي أمي وأنا أرثهم، فقضى عمر للزبير بالميراث والعقل على علي رواه سعيد ورواه أبو معاوية بن عبيدة الضبي عن ابراهيم وقال ثنا هشيم حدثنا الشيباني عن الشعبي قال قضى بولاء موالي صفية للزبير دون العباس وقضى في أم هاني بنت أبي

طالب لابنها جعدة بن هبيرة دون علي: وروى الإمام بإسناده عن زياد بن أبي مريم أن امرأة أعتقت عبداً لها ثم توفيت وتركت ابناً لها وأخاها ثم توفي مولاها من بعهدها فأتى أخو المرأة وابنها رسول الله صلى الله عليه وسلم في ميراثه فقال عليه السلام " ميراثه لابن المرأة " فقال أخوها يا رسول الله لو جر جريرة كانت علي ويكون ميراثه لهذا؟ قال " نعم " وروى بإسناده عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال المولى أخ في الدين ومولى نعمة يرثه أولى الناس بالمعتق. إذا ثبت هذا فإن المعتقة لو خلفت ابنها وأخاها أو ابن أخيها ثم مات مولاها فميراثه لابنها، وإن مات ابنها بعدها وقبل مولاها وترك عصبة كأعمامه وبني أعمامه ثم مات العبد وترك أخا مولاته وعصبة ابنها فميراثه لأخي مولاته لأنه أقرب عصبة المعتق فإن المرأة لو كانت هي الميتة لورثها أخوها وعصبتها، فإن انقرض عصبتها كان بيت المال أحق به من عصبة ابنها يروى هذا عن علي وبه قال أبان بن عثمان وقبيصة بن عثمان وعطاء وطاوس والزهري وقتادة ومالك والشافعي وأهل العراق، وروي عن علي رواية أخرى أنه لعصبة الابن وروي ذلك عن عمرو ابن عباس وسعيد بن المسيب وبه قال شريح، وهذا مبني على أن الولاء يورث كما يورث المال وقد روي عن أحمد نحو هذا، واحتجوا بأن عمرو بن شعيب روي عن أبيه عن جده أن رئاب بن حذيفة تزوج امرأة فولدت له ثلاثة غلمة فماتت أمهم فورثوا عنها ولاء مواليها وكان عمرو بن العاص عصبة بنيها فاخرجهم إلى الشام فماتوا فقدم عمرو بن العاص ومات مولاها وترك

مالا فخاصمه إخوتها الى عمر فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما أحرز الوالد والولد فهو لعصبته من كان " قال وكتب له كتاباً فيه شهادة عبد الرحمن بن عوف وزيد بن ثابت ورجل آخر فنحن فيه إلى الساعة رواه أبو داود وابن ماجة، والصحيح الأول فإن الولاء لا يورث على ما نذكره إن شاء الله تعالى، وإنما يورث به وهو باق للمعتق يرثه به أقرب عصباته ومن لم يكن من عصبة أمه لم يرث شيئاً وعصبة الابن غير عصبة أمه فلا يرث الأجانب منها بولائها دون عصباتها، وحديث عمرو بن شعيب غلط قال أحمد الناس يغلطون عمرو بن شعيب في هذا الحديث. فعلى هذا لا يرث المولى العتيق من أقارب معتقه إلا عصباته الاقرب منهم فالأقرب على ما ذكرنا في ترتيب العصبات، ولا يرث ذو فرض بفرضه ولا ذو رحم إلا أن يكون الأب والجد مع البنين والجد مع الإخوة على ما نذكره، فإن اجتمع لرجل منهم فرض وتعصيب كالأب والجد والزوج والأخ من الأم إذا كانا ابني عم ورث بما فيه من التعصيب دون الفرض فان كانا عصبات في درجة واحدة كالبنين وبنوهم والاخوة وبنيهم والأعمام وبنيهم اقتسموا الميراث بالسوية وهذا كله لا خلاف فيه سوى ما ذكرنا من الأقوال الشاذة (فصل) ويقدم المولى في الميراث على الرد وذوي الأرحام في قول جمهور العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم فإذا مات رجل فخلف بنته ومولاه فلبنته النصف والباقي لمولاه وإن خلف ذا رحم

مسألة: وعنه في المكاتب إذا أدى إلى الورثة أن ولاءه لهم

ومولاه فالمال لمولاه خاصة، وعن عمر وعلي يقدم الرد على المولى ولعلهم يحتجون بقول الله تعالى (واولوا الأرحام بعضهم أولى بعض في كتاب الله) ولنا حديث عبد الله بن شداد وحديث الحسن ولأنه عصبة يعقل عن مولاه فيقدم على الرد وذوي الرحم كابن العم (مسألة) (وعنه في المكاتب إذا أدى إلى الورثة أن ولاءه لهم) لأنه انتقل إليهم أشبه ما لو اشتروه وإن أدى إليهما فولاؤه بينهما لأنهما اشتركا في أدائه إليهما فاشتركا في استحقاق ولائه كالشريكين والرواية الأخرى ولاؤه للمكاتب لأن عتقه بكتابته وهي من سيده (مسألة) (ومن كان أحد أبويه الحرين حر الأصل فلا ولاء عليه) وجملته أنه إذا كان أحد الزوجين حر الأصل فلا ولاء على ولدهما سواء كان الآخر عربياً أو مولى لأن الأم إن كانت حرة الأصل فالولد يتبعها فيما إذا كان الأب رقيقاً في انتفاء الرق والولاء فلأن يتبعها في نفي الولاء وحده أولى وإن كان الأب حر الأصل فالولد يتبعه فيما إذا كان عليه ولاء بحيث يصير الولاء عليه لمولى أبيه فلأن يتبعه في سقوط الولاء عنه أولى وهذا قول أكثر أهل العلم، وقال أبو حنيفة إن كان الأب أعجمياً والأم مولاة ثبت الولاء على ولده وليس بصحيح لأنه حر الأصل فلم يثبت الولاء على ولده كما لو كان عربياً

وسواء كان مسلماً أو ذمياً أو حربياً مجهول النسب أو معلومه وهذا قول أبي يوسف ومالك وابن شريح وقال القاضي إن كان مجهول النسب ثبت الولاء على ولده لمولى الأم إن كانت مولاة قال ابن اللبان هذا ظاهر مذهب الشافعي، وقال الخبري هذا قول أبي حنيفة ومحمد واحمد لأن مقتضى ثبوته لمولى الأم موجود، وإنما امتنع في محل الوفاق لحرية الأب فإذا لم تكن معلومة فقد وقع الشك في المانع فيبقى على الأصل ولا يزول اليقين بالشك ولا يترك العمل بالمقتضي مع الشك في المانع ولنا أن الأب حر محكوم بحريته أشبه معروف النسب ولأن الأصل في الآدميين الحرية وعدم الولاء فلا يترك هذا الأصل بالوهم في حق الولد كما لم يترك في حق الأب، وقولهم مقتضى ثبوته لمولى الأم موجود ممنوع فإنه إنما يثبت لمولى الأم بشرط رق الأب وهذا الشرط منتف حكماً وظاهراً وإن سلمنا وجود المقتضى فقد ثبت المانع حكما فإن حرية الأب ثابتة حكماً فلا تعويل على ما قالوه، فأما إن كان الأب مولى والأم مجهولة النسب فلا ولاء عليه في قولنا، وقياس قول القاضي والشافعي ثبوت الولاء عليه لمولى أبيه لأنا شككنا في المانع من ثبوته ولنا ما ذكرناه في التي قبلها ولأن الأم لا تخلوا من أن تكون حرة الأصل فلا ولاء على ولدها أو أمة فيكون ولدها عبداً أو مولاة فيكون على ولدها الولاء لمولى أبيه، والاحتمال الأول راجح لوجهين أحدهما أنه محكوم به في الأم فيجب الحكم به في ولدها الثاني أنه معتضد بالأصل فإن الأصل الحرية ثم لو لم يترجح هذا الاحتمال لكان

مسألة: ومن أعتق سائبة في نذره أو زكاته أو كفارته ففيه روايتان إحداهما: له عليه الولاء والثانية لا ولاء عليه وما رجع من ميراثه رد في مثله يشتري به رقابا يعتقهم

الاحتمال الذي صاروا إليه معارض باحتمالين كل واحد منهما مساو له فنرجحه عليهما بحكم لا يجوز المصير إليه بغير دليل وهذا وارد عليهم في المسألة الأولى أيضاً (مسألة) (ومن أعتق سائبة في نذره أو زكاته أو كفارته ففيه روايتان (إحداهما) له عليه الولاء والثانية لا ولاء له عليه وما رجع من ميراثه رد في مثله يشتري به رقابا يعتقهم) قال أحمد في رواية عبد الله الرجل يعتق عبده سائبة هو الرجل يقول لعبده قد أعتقتك سائبة كأنه يجعله لله لا يكون ولاؤه له قد جعله لله وسلمه وعن أبي عمروا الشيباني عن ابن مسعود والسائبة يضع ماله حيث شاء وقال أحمد قال عمر قال الصدقة والسائبة ليومهما ومتى قال الرجل لعبده أعتقتك سائبة أو أعتقتك ولا ولاء لي عليك لم يكن له عليه ولاء فإن مات وخلف مالا ولم يدع ورثة اشتري بماله رقاب فأعتقوا في المنصوص عن أحمد وأعتق ابن عمر عبداً سائبة فمات فاشترى ابن عمر بماله رقاباً فأعتقهم والراية الثانية الولاء للمعتق وهو قول الشعبي والنخعي وابن سيرين وراشد بن سعد وضمرة ابن حبيب والشافعي وأهل العراق لقوله عليه الصلاة والسلام " الولاء لمن اعتق " وقوله " الولاء لحمة كلحمة النسب " ولعل أحمد ذهب إلى شراء الرقاب استحباباً لفعل ابن عمرو قال عمر بن عبد العزيز والزهري وأبو العالية ومكحول ومالك يجعل ولاؤه لجماعة المسلمين وعن عطاء قال إذا قال أنت حر سائبة يوالي من شاء، والقول بثبوت الولاء للمعتق أظهر للأحاديث ولان الولاء لحملة كلحمة النسب،

وكما لا يزول نسب إنسان ولا ولد عن فراش بشرطه لا يزول ولاء عن معتق ولذلك لما أراد أهل بريرة اشتراط ولائها على عائشة قال النبي صلى الله عليه وسلم " اشتريها واشترطي لهم الولاء فإنما الولاء لمن أعتق " يريد أن اشتراط تحويل الولاء عن المعتق لا يفيد شيئاً ولا يزيل الولاء. وروى مسلم بإسناده عن هزيل ابن شرحبيل قال جاء رجل إلى عبد الله فقال إني أعتقت عبداً لي وجعلته سائبة فمات وترك مالا ولم يدع وارثاً فقال عبد اله إن أهل الإسلام لا يسيبون وإن أهل الجاهلية كانوا يسيبون وأنت ولي نعمته فإن تأثمت وتخرجت عن شئ فنحن نقبله ونجعله في بيت المال وقال سعيد ثنا هشيم عن بسر عن عطاء أن طارق بن المرقع أعتق سوائب فماتوا فكتب إلى عمر رضي الله عنه فكتب عمر أن ادفع مال الرجل إلى مولاه فإن قبله ولاء فاشتر به رقاباً فأعتقهم عنه وثنا هشيم عن منصور أن عمر وابن مسعود قالا في ميراث السائبة هو للذي أعتقه قال شيخنا وهذا القول أصح في الأثر والنظر لما ذكرنا وفي المواضع التي جعل الصحابة ميراثه لبيت المال أو في مثله كان لتبرع المعتق وتورعه عن ميراثه كفعل ابن عمر في ميراث عتيقه وفعل ابن عمر وابن مسعود في الميراث الذي تورع سيده عن أخذ ماله وقد روي أن سالما مولى أبي حذيفة أعتقه لبني بنت يعار سائبة فقتل وترك ابنة فأعطاها عمر نصف ماله وجعل النصف في بيت المال وعلى القول المنصوص عن أحمد الذي ذكره الخرقي إذا خلف السائبة مالاً اشتري به رقاب فأعتقوا فإن رجع من ميراثه شئ اشتري به أيضاً رقاب

مسألة: ومن أعتق عبده عن حي بلا أمره أو عن ميت فالولاء للمعتق

فأعتقوا وإن خلف السائبة ذا فرض لا يستغرق ماله أخد فرضه واشتري بباقيه رقاب فأعتقوا ولا يرد على أهل الفرض. (فصل) فإن أعتق من زكاته وعن كفارته أو نذره فقال أحمد في الذي يعتق من زكاته إن ورث منه شيئاً جعله في مثله وقال هذا قول الحسن وبه قال إسحاق وعلى قياس ذلك العتق من الكفارة والنذر لأنه واجب عليه وقد روي عن أحمد أنه قال في الذي يعتق في الزكاة ولاؤه للذي جرى عتقه على يديه وقال العنبري ومالك ولاؤه لسائر المسلمين يجعل في بيت المال وقال أبو عبيد ولاؤه لصحاحب الصدقة وهو قول الجمهور في العتق في النذر والكفارة لقول النبي صلى عليه وسلم " إنما الولاء لمن اعتق " ولأن عائشة رضي الله عنها اشترت بريرة بشرط العتق فأعتقتها فكان ولاؤها لها وشرط العتق يوجبه ولأنه معتق عن نفسه فكان الولاء له لمن شرط عليه العتق فأعتق ولنا أن الذي أعتق من الزكاة أعتق من غير ماله فلم يكن الولاء له كما لو دفعها لى الساعي فاشترى بها وأعتق وكما لو دفع إلى المكاتب مالاً فأداه في كتابته وفارق الذي اشترط عليه العتق فإنه إنما أعتق ماله والعتق في الكفارة والنذر واجب عليه فأشبه العتق من الزكاة (مسألة) (ومن أعتق عبده عن حي بلا أمره أو عن ميت فالولاء للمعتق) هذا قول الثوري والاوزاعي وأبي حنيفة والشافعي وأبي يوسف وداود وروي عن ابن عباس

مسألة: وإن أعتقه عنه بأمره فالولاء للمعتق عنه

أن ولاءه للمعتق عنه وبه قال الحسن ومالك وأبو عبيد لأنه أعتقه عن غيره فكان الولاء للمعتق عنه كما لو أذن له. ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " الولاء لمن اعتق " ولأنه أعتق عبده من غير إذن غيره له فكان الولاء له كما لو لم يقصد شيئاً (مسألة) (وإن أعتقه عنه بأمره فالولاء للمعتق عنه) وهذا قول جميع من حكينا قوله في المسألة الأولى إلا أبا حنيفة ووافقه محمد بن الحسن وداود فقالوا الولاء للمعتق إلا أن يعتقه عنه بعوص فيكون له الولاء ويلزمه العوض ويصير كأنه اشتراه ثم وكله في اعتاقه أما إذا كان عن غير عوض فلا يصح تقدير البيع فيكون الولاء للمعتق لما ذكرنا من الحديث وعن أحمد مثل ذلك. ولنا أنه وكيل في الاعتاق فكان الولاء للمعتق عنه كما لو أخذ عوضا فإنه كما يجوز تقدير البيع فيما إذا أخذ عوضا يجوز تقدير الهبة إذا لم يأخذ عوضا فإن الهبة تجوز في العبد كما يجوز البيع والخبر مخصوص بما إذا أخذ عوضا وسائر الوكلاء فنقيس عليه محل النزاع (مسألة) (وإذا قال أعتق عبدك عني وعلي ثمنه ففعل فالثمن عليه والولاء للمعتق عنه)

مسألة: ولو قال أعتقه والثمن علي ففعل فالثمن عليه

قال شيخنا لا نعلم خلافاً في هذه المسألة وإن الولاء للمعتق عنه لكونه أعتقه عنه بعوض ويلزمه الثمن لأنه أعتقه عنه بشرط العوض فنقدر ابتياعه منه ثم توكيله في عتقه ليصح عتقه عنه فيكون الثمن عليه والولاء له كما لو ابتاعه منه ثم وكله في عتقه (مسألة) (ولو قال أعتقه والثمن علي ففعل فالثمن عليه) والولاء للمعتق إنما كان الثمن عليه لأنه جعل له جعلا على أعتاقه عبده فلزمه ذلك بالعمل كما لو قال من بنى لي هذا الحائط فله دينار فبناه إنسان استحق الدينار وإنما كان الولاء للمعتق لأنه لم يأمره بإعتاقه عنه ولا قصد به المعتق ذلك فلم يوجد ما يقتضي صرفه إليه فيبقى للمعتق عملاً بقوله عليه السلام " إنما الولاء لمن أعتق " (مسألة) (وإن قال الكافر لرجل أعتق عبدك المسلم عني وعلي ثمنه ففعل فهل يصح على وجهين) (أحدهما) لا يصح لأنه يلزم منه أن يتملك الكافر ولذلك لا يجوز لأنه إضرار بالمسلم (والثاني) يصح ويعتق لأنه إنما يتملكه زمناً يسيراً ولا يتسلمه فيتحمل هذا الضرر اليسير لأجل تحصيل الحرية للأبد (مسألة) (وإن اعتق عبداً يباينه في دينه فله ولاؤه وهل يرث به؟ على روايتين) (إحداهما) لا يرث لكن إن كان له عصبة على دين المعتق ورث فإن أسلم الكافر منهما ورث المعتق رواية واحدة إذا اختلف دين السيد وعتيقه فالولاء ثابت لا نعلم فيه خلافا لعموم قوله عليه السلام

مسألة: فإن كان السيد عصبة على دين المعتق ورثه دون سيده وقال داود لا يرث عصبته في حياته

الولاء لمن اعتتى " وقوله " الولاء لحمة كلحمة النسب " والنسب يثبت مع اختلاف الدين فكذلك الولاء ولأن الولاء إنما ثبت له عليه لإنعامه بإعتاقه وذلك ثابت مع اختلاف دينهما ويثبت الولاء للأنثى على الذكر وللذكر على الأنثى وكل معتق لعموم الخبر والمعنى ولحديث عبد الله بن شداد في بنت حمزة وقد ذكرناه وهل يرث السيد مولاه مع اختلاف الدين؟ على روايتين (إحداهما) يرثه يروي ذلك عن علي وعمر بن عبد العزيز وبه قال أهل الظاهر واحتج أحمد بقول علي الولاء شعبة من الرق وقال مالك يرث المسلم مولاه النصراني لأنه يصلح له ملكه ولا يرث النصراني مولاه المسلم لأنه لا يصلح له تملكه وجمهور الفقهاء على أنه لا يرثه مع اختلاف دينهما لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم " ولأنه ميراث فمنعه اختلاف الدين كميراث النسب ولأن اختلاف الدين مانع من الميراث بالنسب فمنع الميراث بالولاء كالقتل والرق يحققه أن الميراث بالنسب أقوى فإذا منع الأقوى فالأضعف أولى ولأن النبي صلى الله عليه وسلم ألحق الولاء بالنسب بقوله " الولاء لحمة كلحمة النسب " فكما يمنع اختلاف الدين التوارث مع صحة النسب وثبوته فكذلك يمنع مع صحة الولاء وثبوته. (مسألة) (فإن كان السيد عصبة على دين المعتق ورثه دون سيده وقال داود لا يرث عصبته في حياته) ولنا أنه بمنزلة ما لو كان الأقرب من العصبة مخالفاً لدين الميت والأبعد على دينه ورث البعيد

دون القريب فإن اجتمعا على الإسلام توارثا كالمتناسبين لزوال المانع (فصل) (قال الشيخ رحمه الله ولا يرث النساء من الولاء إلا ما أعتقن أو أعتق من اعتقن وكاتبن أو كاتب من كاتبن) وعنه في بنت المعتق ترث خاصة والأول أصح معنى قوله من الولاء أي بالولاء لأن الولاء لا يورث على ما نذكره ظاهر المذهب أن النساء لا يرثن بالولاء إلا ما أعتقن أو أعتق من أعتقن أوجر الولاء إليهن من أعتقن والكتابة كذلك فإنها إعتاق قال القاضي هذا ظاهر كلام أحمد والرواية التي ذكرها الخرقي في بنت المعتق ما وجدتها منصوصة عن أحمد وقد قال في رواية بن القاسم وقد سأله هل كان لحمزة أو لابنته؟ فقال لابنته فقد نص على أن ابنة حمزة ورثت بولاء نفسها لأنها هي المعتقة وهذا قول الجمهور وإليه ذهب مالك والشافعي وأهل العراق وداود والصحيح الأول لإجماع الصحابة ومن بعدهم عليه ولأن الولاء لحمة كلحمة النسب والمولى كالنسيب من الأخ والعم ونحوهما فولده من العتيق بمنزلة ولد أخيه وعمه ولا يرث منهم إلا الذكور خاصة فأما الرواية المذكورة في ميراث بنت المعتق التي ذكرها الخرقي فوجهها ما روى إبراهيم النخعي أن مولى لحمزة مات وخلف بنتاً فورث النبي صلى الله عليه وسلم بنته النصف وجعل لبنت حمزة النصف والصحيح أن المولى كان لبنت حمزة قال عبد الله بن شداد كان لبنت حمزة مولى أعتقته فمات وترك ابنته ومولاته

بنت حمزة فرفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطى ابنه النصف وأعطى مولاته بنت حمزة النصف قال عبد الله بن شداد أنا أعلم بها لأنها أختي من أمي أمنا سلمى رواه ابن اللبان بإسناده وقال هذا أصح ما روي إبراهيم ولأن البنت من النساء فلا ترث بالولاء كسائر النساء فأما توريث المرأة من معتقها فليس فيه اختلاف بين أهل العلم وقد دل عليه حديث عائشة حين أرادت شراء بريرة لتعتقها ويكون ولاؤها لها فأراد أهلها اشتراط ولائها فقال النبي صلى الله عليه وسلم " اشتريها واشترطي لهم الولاء فإنما الولاء لمن أعتق " متفق عليه وقال عليه الصلاة والسلام " تحوز المرأة ثلاث مواريث عتيقها ولقيطها وولدها الذي لا عنت عليه " قال الترمذي هذا حديث حسن ولأن المعتقة منعمة بالاعتاق كالرجل فوجب أن تساويه في الميراث وفي حديث بنت حمزة الذي ذكرناه تنصيص على توريث المعتقة وأما معتق أبيها فهو بمنزلة عمها أو عم أبيها فلا ترثه ويرثه أخوها كالنسب ومن مسائل ذلك رجل مات وخلف ابن معتقه الميراث لابن معتقه خاصة وعلى الرواية الأخرى يكون الملك بينهما أثلاثا فإن لم يخلف إلا بنت معتقه فلا شئ لها وماله لبيت المال وعلى الرواية الأخرى يكون الملك لها وإن خلف أخت معتقه فلا شئ لها رواية واحدة وكذلك إن خلف أم معتقه أو جدة معتقه أو غيرهما وإن خلف أخا معتقه وأخت معتقه فالميراث للأخ ولو خلف بنت معتقه وابن عم معتقه أو معتق معتقه أو ابن المعتق معتقه فالميراث له دون البنت إلا على الرواية الأخرى

فإن لها النصف والباقي للعصبة وإن خلف بنته ومعتقه فلبنته النصف والباقي لمعتقه كما في قضية مولى بنت حمزة حين مات وخلف بنته وبنت حمزة التي أعتقته فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم بنته النصف والباقي لبنت حمزة فإن خلف ذا فرض سوى البنت كالأم والجدة أو الأخت أو الأخ من الأم أو الزوج أو الزوجة أو من لا يستغرق فرضه المال أو مولاه أو مولاته فلذي الفرض فرضه والباقي لمولاه أو مولاته في قول جمهور العلماء رجل وابنته اعتقو عبداً ثم مات الأب وخلف ابنيه وبنته فماله بينهما أثلاثاً ثم مات العتيق فللبنت النصف لأنها مولاة نصفه والباقي لابن المعتق خاصة إلا على الرواية الضعيفة فإن الباقي يكون بينهما أثلاثاً فيصير للبنت الثلثان ولأخيها الثلث وإن ماتت البنت قبل العتيق وخلفت ابنا ثم مات العتيق فلإبنها النصف والباقي لأخيها ولو لم تخلف البنت إلا بنتاً كان الولاء كله لأخيها دون بنتها إلا على الرواية الأخرى فإن لبنتها النصف والباقي لأخيها وإن مات الابن قبل العتيق وخلف بنتا ثم مات العتيق وخلف معتقة نصفه وبنت أخيها فللمعتقة نصف ماله وباقيه لبيت المال وعلى الرواية الأخرى لها لنصف بإعتاقها ونصف الباقي بأنها بينت معتق النصف والباقي لعصبة أبيها ولو كانت البنت ماتت أيضاً قبل العتيق وخلفت ابنها ثم مات العتيق فلإبنها النصف ولا شئ لبنت أخيها، امرأة اعتقت أباها ثم أعتق أبوها عبداً ثم مات الأب ثم العبد فما لهما لها فإن كان أبوها خلف بنتاً أخرى معها فلهما ثلثا مال الأب بالنسب والباقي للمعتقة

مسألة: ولا يرث من الولاء ذو فرض إلا الأب والجد يرثان السدس مع الابن

بالولاء ومال العبد جميعه للمعتقة دون أختها ويتخرج على الرواية الأخرى أن يكون لهما ثلثا مال العبد أيضاً وباقيه للمعتقة ولو كان الأب خلف مع المعتقة ابناً فمال الأب بينها أثلاثاً بالبنوة ومال العبد كله للابن دون أخته المعتقة لأنه يرث بالنسب والنسب مقدم على الولاء، ولو خلف الأب أخاً أو عماً أو ابن عم مع البنت فللبنت نصف ميراث أبيها وباقيه لعصبته ومال العبد لعصبته ولا شئ لبنته فيه لأن العصبة من النسب مقدم على المعتق في الميراث إلا على رواية الخرقي فان ئللبنت نصف ميراث العبد لكونها بنت المعتق وباقيه لعصبته (مسألة) (ولا يرث من الولاء ذو فرض إلا الأب والجد يرثان السدس مع الابن) نص أحمد على هذا في رواية جماعة من أصحابه وكذلك قال في جد المعتق وابنه وقال ليس الجد والأخ والابن من الكبر في شئ يجر بهم على الميراث وهذا قول شريح والنخعي والاوزاعي والعنبري اسحاق وأبي يوسف وروي عن زيد أن المال للابن وبه قال سعيد بن المسيب وعطاء والشعبي والحسن والحكم وقتادة وحماد والزهري ومالك والثوري وأبو حنيفة ومحمد والشافعي وأكثر الفقهاء لأن الابن أقرب العصبة والأب والجد يرثان معه بالفرض ولا يرث بالولاء ذو فرض بحال ولنا أنه عصبة وارث فاستحق من الولاء كالأخوين ولا نسلم أن الابن أقرب من الأب بل هما في القرب سواء وكلاهما عصبة لا يسقط أحدهما صاحبه وإنما ينفاضلان في الميراث فكذلك في الإرث بالولاء

مسألة: والجد يرث الثلث مع الإخوة إن كان أحظ له إذا خلف المعتق أخاه وجده فالولاء بينهما نصفين

ولذلك يقدم الأب على الابن في الولاية والصلاة على الميت وغيرهما وحكم الأب مع ابن الابن وإن سفل وحكم الجد وإن علا مع الابن وابنه سواء (مسألة) والجد يرث الثلث مع الإخوة إن كان أحظ له إذا خلف المعتق أخاه وجده فالولاء بينهما نصفين وبه قال عطاء والليث ويحيى الأنصاري وهو قول للشافعي وقول الثوري وأبي يوسف ومحمد والذين جعلوا الجد أبا جعلوه أولى من الأخ وورثوه وجده وروي عن زيد أن المال للأخ وهو قول مالك والشافعي لأن الأخ ابن الأب والجد أبوه والابن أحق من الأب ولنا أنهما عصبتان يرثان المال نصفين فكان الولاء بينهما نصفين كالآخرين وإن ترك جد مولاه وابن أخي مولاه فالمال للجد في قول الجميع إلا مالكاً جعل الميراث لابن الأخ وإن سفل وقاله الشافعي أيضاً لأن ابن الابن يقدم على الأب وإن سفل وليس هذا صواباً فإن الجد يقدم على ابن الأخ في الميراث فكيف يقدم عليه ههنا؟ ولأن الجد أولى بالمعتق من ابن الأخ فيرث مولاه لقول النبي صلى الله عليه وسلم " المولى أخ في الدين وولي نعمة يرثه أولى الناس بالمعتق " والدليل على ان الجد أولى أنه يرث ابن ابنه دون ابن اللاخ فيكون أولى لقول النبي صلى الله عليه وسلم " ألحقوا الفرائض بأهلها فما أبقت الفروض فلأولى رجل ذكر " وفي لفظ " فلأولى عصبة ذكر " ولأن الجد أب فيقدم على ابن الأخ

كالأب الحقيقي فإن اجتمع اخوة وجد فميراث المولى بينهم كمال سيده إن زادوا على اثنين فللجد ثلث ماله لأنه أحظ له وإن اجتمع اخوة من أبوين وإخوة من أب عاد الأخوة من الأبوين الجد بالإخوة من الأب ثم يأخذ ولد الأبوين ما حصل لولد الأب كالميراث وقال ابن شريح يحتمل أنه بينهم على عددهم ولا يعاد ولد الأبوين الجد بولد الأب. ولنا أنه ميراث بين الجد والاخوة أشبه الميراث بالنسب فإن كان مع الاخوة أخوات لم يعتد بهن لأنهن لا يرثن منفردات فلا يعتد بهن كالاخوة من الأم وإن انفرد ولد الأب مع الجد فهم كولد الأبوين (فصل) فإن ترك جد مولاه وعم مولاه فهو للجد وكذلك إن ترك جد أبي مولاه أو جد جد مولاه وعم مولاه فهو للجد وبه يقول الثوري والاوزاعي وأهل العراق وقال الشافعي هو للعم وبنيه وإن سفلوا دون الأب وهو قياس قول مالك قال الشافعي ومن جعل الجد والأخ سواء فجد الأب والعم سواء وهو أولى من ابن العم ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " يرثه أولى الناس بالمعتق " فالجد أولى بالمعتق بدليل أنه أولى الناس بماله وولايته ويقدم في تزويجه والصلاة عليه وغير ذلك والعجب أن الشافعي رحمه الله تعالى ترك الجد أباً في ولاية المال والإجبار على النكاح ووافق غيره في وجوب الإنفاق عليه وله وعتقه على ابن ابنه وعتق ابن ابنه عليه وانتفاء القصاص عنه بقتل ابن ابنه والحد بقذفه وغير ذلك من أحكام الأب ثم جعل أبعد العصبات أولى منه بالولاء

مسألة: والولاء لا يورث وإنما يورث به

(مسألة) (والولاء لا يورث وإنما يورث به) وهذا قول الجمهور روي نحو ذلك عن عمر وعثمان وعلي وابن مسعود وابن عمر وأسامة بن زيد وأبي مسعود البدري وأبي ابن كعب وبه قال عطاء وطاوس وسالم والزهري والحسن وابن سيرين وقتادة والشعبي وابراهيم ومالك والشافعي وأهل العراق وداود وشذ شريح فجعله موروثاً كالمال لأنه روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال ما أحرزه الولد والوالد فهو لعصبته من كان ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " إنما الولاء لمن أعتق " وقوله " الولاء لحمة كلحمة النسب " والنسب يورث به ولا يورث فكذلك الولاء ولأن الولاء إنما يحصل بإنعام السيد على عبده بالعتق وهذا المعنى لا ينتقل عن المعتق فكذلك الولاء ورواه حنبل ومحمد بن الحكم عن أحمد وغلطهما أبو بكر وهو كما قال فإن الجماعة رووا عن أحمد مثل ما ذكرنا من قو الجمهور وقد روى سعيد بإسناده عن الزهري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " المولى أخ في الدين ومولى نعمة " وأولى الناس بميراثه أقربهم من المعتق " ولأنه قول من سمينا من الصحابة ولم يظهر عنهم خلافه ولا يصح قياسه على المال لأن الولاء لا يورث بدليل أنه لا يرث منه ذوو الفروض بخلاف المال فعلى هذا ينظر أقرب العصبات إلى المعتق يوم موت العتيق فيكون هو الوارث للمولى دون غيره كما أن السيد لو مات في تلك الحال ورثه وحده

مسألة: ولا يباع ولا يوهب

(مسألة) (ولا يباع ولا يوهب) لا يصح بيع الولاء ولا هبته ولا أن يأذن لمولاه فيوالي من شاء روى ذلك عن عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس وابن عمر وبه قال سعيد بن المسيب وطاوس وأياس بن معاوية والزهري ومالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابه وكره جابر بن عبد الله بيع الولاء وروى سعيد بإسناده عن عبيد الله أنه قال انما الولاء كالنسب فيبيع الرجل نسبه وقد روى سعيد بإسناده عن سفيان عن عمرو ابن دينار أن ميمونة وهبت ولاء سليمان بن يسار لابن عباس وكان مكاتبا وروي أن ميمونة وهبت مواليها للعباس وولاؤهم اليوم لهم وإن عروة ابتاع ولاء طهمان لورثة مصعب بن الزبير وقال ابن جريح قلت لعطاء أذنت لمولاي أن يوالي من شاء فيجوز؟ قال نعم ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الولاء وعن هبته وقال " الولاء لحمة كلحمة النسب " وقال لعن الله من تولى غير مواليه ولأنه معنى يورث به فلا ينتقل كالقرابة وفعل هؤلاء شاذ يخالف قول الجمهور وترده السنة فلا يعول عليه فعلى هذا لا ينتقل الولاء عن المعتق لموته ولا يرثه ورثته إنما يرثون المال به مع بقائه للمعتق وهذا قول الجمهور على ما ذكرنا (مسألة) (وهو للكبر فإذا مات المعتق وخلف عتيقه وابنين فمات أحد الابنين عن ابن ثم مات المولى فالميراث لابن معتقه

لأن الولاء للكبر ولو مات الابنان بعده وقبل العتيق وخلف أحدهما ابنا والآخر تسعة كان الولاء بينهم على عددهم لكل واحد عشرة وهذا قول أكثر أهل العلم قال أحمد روي هذا عن عمر وعثمان وعلي وزيد وابن مسعود وروى سعيد ثنا هشيم ثنا أشعث بن سوار عن الشعبي أن عمر وعلياً وابن مسعود وزيداً كانوا يجعلون الولاء للكبر وروي ذلك عن ابن عمر وأبي بن كعب وأبي مسعود البدري وأسامة بن زيد وبه قال عطاء وطاوس وسالم بن عبد الله والحسن وابن سيرين والشعبي والنخعي والزهري وقتادة ومالك والثوري والشافعي واسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي وداود كلهم قالوا الولاء للكبر وتفسيره أنه يرث المعتق من عصبات سيده أقربهم إليه وأولاهم بميراثه يوم موت العبد قال ابن سيرين إذا مات المعتق نظر إلى أقرب الناس إلى الذي أعتقه فيجعل ميراثه له وإذا مات السيد قبل مولاه لم ينتقل الولاء إلى عصبته لأن الولاء كالنسب لا ينتقل ولا يورث وإنما يورث به فهو باق للمعتق أبداً لا يزول عنه بدليل قوله عليه الصلاة والسلام الولاء لمن اعتق وقوله الولاء لحمة كلحمة النسب وإنما يرث عصبة السيد مال مولاه بولاء معتقه لا نفس الولاء ويتضح ذلك بالمسئلتين اللتين ذكرناهما ههنا وهما إذا مات رجل عن ابنين ومولى فمات أحد الابنين بعده عن ابن ثم مات المولى ورثه ابن معتقه دون ابن ابن معتقه لأن ابن المعتق أقرب عصبة سيده فلو مات السيد وخلف ابنه وابن ابنه ورثه ابنه دون ابن ابنه فكذلك إذا مات المولي والمسألة الأخرى إذا مات الابنان

مسألة: وإذا اشترى رجل وأخته أباهما أو أخاهما عتق عليهما بالملك ثم اشترى عبدا فأعتقه ثم مات العتيق ثم مات مولاه ورثه الرجل دون أخته

بعد السيد وقبل مولاه وخلف أحدهما ابنا والآخر تسعة ثم مات المولى كان ميراثه بينهم على عددهم لأن السيد لو مات كان ميراثه بينهم كذلك ولو كان الولاء موروثاً لاختلف الحكم في المسئلتين وكان الميراث في المسألة الأولى بين الابن وابن الابن نصفين لأن الابنين ورثوا الولاء عن أبيهما ثم ما صار إلى الابن الذي مات انتقل إلى ابنه وفي المسألة الثانية يصير لابن الابن المنفرد نصف الولاء بميراثه ذلك عن أبيه ولبني الابن الآخر النصف بينهم على عددهم وذهب شريح إلى أن الولاء موروث كالمال يورث عن المعتق فمن ملك شيئاً في حياته فهو لورثته وحكي ذلك عن عمر وعلي وابن عباس وابن المسيب وروى عن أحمد نحوه والمشهور عنه مثل قول الجمهور قال أبو الحارث سألت أبا عبد الله عن الولاء للكبر قال كذي روي عن عمر وعثمان وعلي وزيد وابن مسعود وقد ذكرنا ذلك عن شريح واجبنا عنه ولم يصح عن أحد من الصحابة خلاف هذا القول وإن لم يخلف عصبة من نسب مولاه فماله لمولى مولاه ثم لأقرب عصباته ثم لمولى مولى مولاه فإذا انقرض العصبات والموالي وعصباتهم فماله لبيت المال. (مسألة) (وإذا اشترى رجل وأخته أباهما أو أخاهما عتق عليهما بالملك ثم اشترى عبداً فأعتقه ثم مات العتيق ثم مات مولاه ورثه الرجل دون أخته) إذا اشترى رجل وأخته أباهما وأخاهما عتقا عليهما بالملك ثم اشترى عبداً فأعتقه ثم مات الاب أو

فميراثه بينهما أثلاثاً بالنسب فإذا مات العبد ورثه الرجل دون أخته لأنه ابن المعتق أو أخوه فورثه بالنسب وهي مولاة المعتق، وعصبة المعتق مقدم على مولاه، وعلى الرواية التي تقول إن بنت المعتق ترث إذا اشتريا أباهما يكون ميراث العبد بينهما أثلاثاً، فإن اشتريا أخاهما فعتق عليها ثم اشترى عبداً فأعتقه ومات الأخ المعتق قبل موت العبد وخلف ابنه ثم مات العبد فميراثه لابن أخيها دونها لأنه ابن أخي المعتق فإن لم يخلف الأخ إلا بنته فنصف مال العبد للأخت لأنها معتقة نصف معتقه ولا شئ لبنت الأخ رواية واحدة والباقي لبيت المال (فصل) إذا خلف الميت بنت مولاه ومولى أبيه فماله لبيت المال لأنه ثبت عليه الولاء من أجل مباشرته بالعتق ولم يثبت عليه بإعتاق أبيه، وإذا لم يكن لمولاه إلا بنت لم ترث لأنها ليست عصبة وإنما يرث عصبات المولى فإذا لم يكن له عصبة لم يرجع إلى معتق أبيه وكذلك إن كان له معتق أب ومعتق جد ولم يكن هو معتقاً فميراثه لمعتق أبيه إن كان ابن معتقه ثم لعصبة معتق أبيه ثم لمعتق معتق أبيه فإن لم يكن له أحد منهم فالبيت المال ولا يرجع إلى معتق جده، وإن كانت أمة حرة الأصل فلا ولاء عليه وليس لمعتق أبيه شئ (فصل) امرأة حرة لا ولاء عليها وأبواها رقيقان أعتق إنسان أباها ويتصور هذا في موضعين أحدهما أن يكونوا كفاراً فتسلم هي ويسبى أبواها فيسترقا والثاني أن يكون أبوها عبداً تزوج أمة على

أنها حرة فولدتها ثم ماتت وخلفت معتق أبيها لم يرثها لأنه إنما يرث بالولاء وهذه لا ولاء عليها وهكذا الحكم فيما إذا تزوج عبد حرة الأصل فأولدها ولداً ثم أعتق العبد ومات ثم مات الولد فلا ميراث لمعتق أبيه لأنه لا ولاء عليه، ولو كان ابنتان على هذه الصفة اشترت إحداهما أباها فعتق عليها فلها ولاؤه وليس لها ولاء على أختها فإذا مات أبوها فلهما الثلثان بالنسب ولها الباقي بالولاء فإذا ماتت أختها فلها نصف ميراثها بالنسب وباقيه لعصبتها فإن لم يكن لها عصبة فالباقي لأختها بالرد ولا ميراث لها منها بالولاء لأنها لا ولاء عليها (فصل) في جر الولاء: قال الشيخ رضي الله عنه (كل من باشر العتق أو عتق عليه لا ينتقل عنه الولاء بحال لقوله عليه الصلاة والسلام " إنما الولاء لمن أعتق " فأما ان تزوج العبد معتقة فأولدها فولدها منه أحرار وعليهم الولاء لمولى أمهم يعقل عنهم ويرثهم إذا ماتوا لكونه سبب الإنعام عليهم بعتق أمهم فصاروا لذلك أحراراً فإن أعتق العبد سيده ثبت له عليه الولاء وجر إليه ولاء أولاده عن مولى أمهم لأن الأب لو كان مملوكاً لم يكن يصلح وارثاً ولا ولياً في نكاح فكان ابنه كولد الملاعنة ينقطع نسبه عن أبيه فيثبت الولاء لمولى أمه وانتسب إليها فإذا أعتق العبد صلح للانتساب إليه وعاد وارثاً عاقلاً ولياً فعادت النسبة إليه وإلى مواليه بمنزلة ما لو استحق الملاعن ولده هذا قول جمهور الصحابة والعلماء يروى هذا عن عمر وعثمان وعلي والزبير وعبد الله وزيدبن ثابت ومروان وسعيد بن المسيب

والحسن وابن سيرين وعمر ابن عبد العزيز والنخعي وبه قال مالك والثوري والاوزاعي والليث وأبو حنيفة وأصحابه والشافعي واسحاق وأبو ثور ويروى عن رافع بن خديج أن الولاء لا ينجر من موالي الأم وبه قال مالك بن أوس بن الحدثان والزهري وميمون بن مهران وحميد بن عبد الرحمن وداود لأن الولاء لحمة كلحمة النسب والنسب لا يزول عمن ثبت له فكذلك الولاء وقد روي عن عثمان وزيد نحو هذا وأنكرهما ابن اللبان وقال مشهور عن عثمان أنه قضى بجر الولاء للزبير عن رافع بن خديج. ولنا أن الانتساب إلى الأب فكذلك الولاء ولذلك لو كانا حرين كان ولاء ولدهما لمولى أبيه فلما كان مملوكا كان الولاء لمولى الأم ضرورة فإذا أعتق الأب زالت الضرورة فعادت النسبة إليه والولاء إلى مواليه وروى عبد الرحمن عن الزبير أنه لما قدم خيبر رأى فتية لعساً فأعجبه ظرفهم وجمالهم فسأل عنهم فقيل موالي رافع بن خديج وابوهم مملوك لآل الحرقة فاشترى الزبير أباهم فأعتقه وقال لأولاده انتسبوا إلي فإن ولاءكم لي فقال رافع بن خديج الولاء لي فإنهم عتقوا بعتقي أمهم فاحتكموا الى عثمان فقضى بالولاء للزبير فاجتمعت الصحابة عليه، اللعس سواد في الشفتين تستحسنه العرب ومثله اللمى قال ذو الرمة لمياء في شفتيها حوة لعس * * * * وفي اللثات وفي أنيابها شنب

(فصل) وحكم المكاتب يتزوج في كتابته ثم يعتق حكم العبد القن في جر الولاء وكذلك المدبر والمعلق عتقه بصفة لأنهم عبيد فإن المكاتب عبد ما بقي عليه درهم (فصل) وإذا انجر الولاء إلى موالي الأب ثم انقرضوا عاد الولاء الى بيت المال ولم يعد الى موالي الأم بحال في قول أكثر أهل العلم، وحكي عن ابن عباس أنه يعود إلى موالي الأم والأول أصح لابن الولاء جرى مجرى الانتساب ولو انقرض الأب وآباؤه لم تعد النسبة إلى الأم كذلك الولاء إذا ثبت هذا فولدت بعد عتق الأب كان ولاء ولدها لموالي أبيه بلا خلاف فإن نفاه باللعان عاد ولاؤه إلى موالي الأم لأنا تبينا أنه لم يكن له أب ينتسب إليه فإن عاد فاستلحقه عاد الولاء إلى موالي الأب. (فصل) ولا ينجر الولاء إلا بشروط ثلاثة. (أحدها) أن يكون الأب عبداً حين الولادة فإن كان حراً وزوجته مولاة لم يخل إما أن يكون حر الأصل فلا ولاء على ولده بحال وإن كان مولى ثبت الولاء على ولده لمواليه أبداً ولا جر فيه (الثاني) أن تكون الأم مولاة فإن لم تكن كذلك لم يخل إما أن يكون حر الأصل فلا ولاء على ولدها بحال وهم أحرار بحريتها أو تكون أمة فولدها رقيق لسيدها فإن أعتقهم فولاؤهم له لا ينجر عنه بحال سواء أعتقهم بعد ولادتهم أو أعتق أمهم حاملا بهم فعتقوا بعتقها لأن الولاء ثبت بالعتق مباشرة فلا ينجر عن المعتق لقوله عليه الصلاة والسلام " إنما الولاء لمن أعتق " وإن أعتقها المولى

مسألة: وإن أعتق الجد لم يجر ولاءهم في أصح الروايتين وعنه يجره

فأتت بولد لدون ستة أشهر فقد مسه الرق وعتق بالمباشرة فلا ينجر ولاؤه وإن أتت به لأكثر من ستة أشهر مع بقاء الزوجية لم يحكم بمس الرق له وانجر ولاؤه لأنه يحتمل أن يكون حادثاً بعد العتق فلم يمسه الرق ولم يحكم برقه بالشك وإن كانت المرأة بائناً وأتت بولد لأربع سنين من حين الفرقة لم يلحق بالأب كان من نكاح أو سفاح عربياً كان الزوج أو أعجمياً وهذا قول عامة الفقهاء. وعن عمر إن كان زوجها عربياً فولده حر وعليه قيمته ولا ولاء عليه. وعن أحمد مثله وبه قال ابن المسيب والثوري والاوزاعي وأبو ثور والشافعي في القديم ثم رجع عنه والأول أولى لأن أمهم أمة فكانوا عبيداً كما لو كان أبوهم أعجمياً. (الثالث) أن يعتق العبد سيده فإن مات على الرق لم ينجر الولاء بحال وهذا لا خلاف فيه فإن اختلف سيد العبد ومولى الأم في العبد بعد موته فقال سيده مات حراً بعد جر الولاء وأنكر ذلك مولى الأم فالقول قول مولى الأم ذكره أبو بكر لأن الأصل بقاء الرق وهذا مذهب الشافعي. (مسألة) (وإن أعتق الجد لم يجر ولاءهم في أصح الروايتين وعنه يجره) قال أحمد رحمه الله الجد لا يجر الولاء ليس هو كالأب وبهذا قال أبو حنيفة وصاحباه وعن أحمد أنه يجره وبهذا قال شريح والشعبي والنخعي وأهل المدينة وابن أبي ليلى والحسن بن صالح وابن المبارك وأبو ثور وضرار بن صرد والشافعي في أحد قوليه فإن أعتق الأب بعد ذلك جره عن

موالي الجد إليه لأن الجد يقوم مقام الأب في التعصيب وأحكام النسب كذلك في جر الولاء وقال زفر إن كان الأب حياً لم يجر الجد الولاء وإن كان ميتاً جره وهو القول الثاني للشافعي ولنا أن الأصل بقاء الولاء لمستحقه وإنما خولف هذا الأصل للاتفاق على أنه ينجر بعتق الأب والجد لا يساويه بدليل أنه لو عتق الأب بعد الجد جره عن مولى الجد إليه ولأنه لو أسلم الجد لم يتبعه ولد ولده ولأن الجد يدلي بغيره ولا يستقر الولاء عليه فلم يجر الولاء كالأخ وكونه يقوم مقام الأب لا يلزم أن ينجر إليه الولاء كالأخ، وإن قلنا إنه ينجر فلا فرق بين القريب والبعيد لأن البعيد يقوم مقام القريب ويقتضي هذا أنه متى عتق البعيد فجر الولاء ثم عتق من هو أقرب منه جر الولاء اليه ثم إن عتق الأب جر الولاء لأن كل واحد يحجب من فوقه ويسقط تعصيبه وإرثه وولايته، ولو لم يعتق الجد لكن كان حراً وولده مملوك فتزوج مولاة قوم فاولدها أولاداً فولاؤهم لمولى أمهم وعند من يقول بجر الجد الولاء يكون لمولى الجد فإن لم يكن الجد مولى بل كان حرا الأصل فلا ولاء على ولد ابنه فإن أعتق أبوه بعد ذلك لم يعد على ولده ولاء لأن الحرية ثبتت له من غير ولاء فلم يتجدد عليه ولاء كالحر الأصلي (فصل) إذا تزوج معتق بمعتقة فأولدها ولدين فولاؤهما لمولى أبيهما فإن نفاهما باللعان عاد ولاؤهما إلى مولى أمهما فإن مات أحدهما فميراثه لأمه ومواليها فإن أكذب أبوهما نفسه لحقه نسبهما واسترجع الميراث من مولى الأم، ولو كان أبوهما عبداً أو لم ينفهما وورث موالي الأم الميت منهما ثم أعتق الأب

مسألة: وإن اشترى الابن أباه عتق عليه وله ولاؤه وولاء إخوته ويبقى ولاؤه لمولى أمه لأنه لا يجر ولاء نفسه

لم يجر الولاء إلى موالي الأب ولم يكن لهم ولا للأب استرجاع الميراث لأن الولاء إنما ثبت لهم عند إعتاق الأب ويفارق الأب إذا أكذب نفسه لأن النسب يثبت من حين خلف الولد. (مسألة) (وإن اشترى الابن أباه عتق عليه وله ولاؤه وولاء إخوته ويبقى ولاؤه لمولى أمه لأنه لا يجر ولاء نفسه) وهذا قول جمهور الفقهاء مالك في أهل المدينة، وابو حنيفة في أهل العراق والشافعي وشذ عمرو ابن دينار المدني فقال يجر ولاء نفسه فيصير حراً لا ولاء عليه، قال ابن شريح ويحتمله قول الشافعي ولا تعويل على هذا القول لشذوذه ولأنه يؤدي إلى أن يكون الولاء ثابتاً على أبويه دونه مع كونه مولوداً لهما في حال رقهما أو في حال ثبوت الولاء عليهما وليس لنا مثل هذا في الأصول ولا يمكن أن يكون مولى نفسه يعقل عنها ويرثها ويزوجها (مسألة) (وإن اشترى هذا الولد عبداً فأعتقه ثم اشترى العبد أبا معتقه فأعتقه فإنه يجر ولاء سيده) فيكون لهذا الولد على معتقه الولاء بإعتاقه إياه وللعتيق ولاء معتقه بولائه على أبيه فصار كل واحد منهما مولى الآخر، مثل ذلك لو أعتق الحربي عبداً فأسلم ثم أسر سيده فأعتقه صار كل واحد منهما مولى الآخر من فوق ومن أسفل ويرث كل واحد منهما الآخر بالولاء فإنه كما جاز أن يشتركا في النسب فيرث كل واحد منهما صاحبه كذلك الولاء (فصل) وإن تزوج ولد المعتقة معتقة وأولدها ولداً فاشترى جده عتق عليه وله ولاؤه ويجر إليه

ولاء أبيه وسائر أولاد جده وهم عمومته وعماته وولاء جميع معتقهم ويبقى ولاء المشتري لمولى أم أبيه وعلى قول عمرو بن دينار يبقى حراً لا ولاء عليه (فصل) وإن تزوج عبد بمعتقة فأولدها ولداً فتزوج الولد بمعتقة رجل فأولدها ولداً فولاء هذا الولد الآخر لمولى أم أبيه في أحد الوجهين لأن له الولاء على أبيه فكان له عليه كما لو كان مولى جده، ولأن الولاء الثابت على الأب يمنع ثبوت الولاء لمولى الأم (والوجه الثاني) ولاؤه لمولى أمه لأن الولاء الثابت على أبيه من جهة أمه ومثل ذلك ثابت في حق نفسه وما ثبت في حقه أولى مما ثبت في حق أبيه ألا ترى أنه لو كان له مولى ولأبيه مولى كان مولاه أحق به من موالي أبيه فإن كان له مولى أم ومولى أم أب ومولى أم جد وجد أبيه مملوك فعلى الوجه الأول يكون لمولى أم الجد وعلى الثاني يكون لمولى الأم. (فصل) ولو تزوج معتق بمعتقة فأولدها بنتا وتزوج عبد بمعتقة فأولدها ابنا فتزوج هذا الابن بنت المعتقين فأولدها ولداً فولاء هذا الولد لمولى أم أبيه لأن له الولاء على أبيه وإن تزوجت بنت المعتقين بمملوك فولاء ولدها لمولى أبيها لأن ولاءها له، فان كان أبوها ابن مملوك ومعتقة فالولاء لمولى أم أبي الأم على الوجه الأول لأن مولى أم أبي الأم يثبت له الولاء على أبي الأم فكان مقدماً على أمها وثبت له الولاء عليها

(مسألة) (وإذا ماتت امرأة وخلفت ابنها وعصبتها ومولاها فولاؤها لابنها وعقله على عصبتها لما روى إبراهيم قال اختصم علي والزبير في مولى صفية فقال علي مولى عمتي وأنا اعتقل عنه وقال الزبير مولى أمي وأنا أرثه فقضى عمر للزبير بالميراث وقضى على علي بالعقل ذكره الإمام أحمد ورواه سعيد في سننه وهي قصة مشهورة وعن الشعبي قال قضى بولاء صفية للزبير دون العباس وقضى بولاء أم هانئ لجعدة بن هبيرة دون علي، ولا يمتنع كون العقل على العصبة والميراث لغيرهم كما قضى النبي صلى الله عليه وسلم في ميراث التي قتلت هي وجنينها لابنها وعقلها على العصبة وقد روى زياد بن أبي مريم أن امرأة اعتقت عبداً ثم توفيت وتركت ابناً لها وأخاها ثم توفي مولاها من بعدها فأتى أخو المرأة وابنها رسول الله صلى الله عليه وسلم في ميراثه فقال عليه السلام " ميراثه لابن المرأة " فقال أخوها لو جر جريرة كانت علي ويكون ميراثه لهذا؟ قال " نعم " وإنما ذكرنا هذا الحكم فيما إذا كانت المعتقة امرأة لأن المرأة لا تعقل وابنها ليس من عشيرتها فلا يعقل عن معتقها ويعقل عنها عصباتها من عشيرتها ولأن الأخبار التي رويناها إنما وردت في المرأة. أما الرجل المعتق فإنه يعقل عنه معتقه لأنه عصبة من أهل العقل ويعقل ابنه وأبوه لأنهما من عصباته فلا يلحق ابنه في نفي العقل عنه بابن المرأة (فصل) فإن كان المولى حياً وهو رجل عاقل موسر فعليه من العقل وله الميراث لأنه عصبة معتقه

وإن كان صبياً أو معتوهاً فالعقل على عصباته والميراث له لأنه ليس من أهل العقل فأشبه ما لو جنوا جناية خطأ كان العقل على عصباتهم ولو جنبي عليهم كان الارش لهم (فصل) ولا يرث المولى من أسفل معتقه في قول عامة أهل العلم وحكي عن شريح وطاوس أنهما ورثاه لما روى سعيد عن سفيان عن عمرو بن دينار عن عوسجة عن ابن عباس أن رجلا توفي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس له وارث إلا غلام له هو أعتقه فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ميراثه رواه الترمذي وقال حديث حسن وروي عن عمر مثل هذا ووجه الأول قول النبي صلى الله عليه وسلم " إنما الولاء لمن أعتق " ولأنه لم ينعم عليه فلم يرثه كالأجنبي وإعطاء النبي صلى الله عليه وسلم له ميراثه قضية في عين تحتمل أنه كان وارثاً بغير جهة الإعتاق، ويكون فائدة الحديث أن اعتاقه إياه لم يمنعه ميراثه ويحتمل أنه أعطاه صلة وتفضلا وإذا ثبت أنه لا يرثه فلا يعقل عنه وقال الشافعي في القديم يعقل عنه لأن سيده أنعم عليه فجاز أن يغرم عنه ولنا أن العقل على العصبات وليس هو منهم وما ذكروه لا أصل له وينعكس بسائر العاقلة فإنه لم ينعم عليهم ويعقلون عنه وينتقض بما إذا قضى إنسان دين آخر فقد غرم عنه وأنعم عليه ولا يعقل عنه

(فصل في دور الولاء) قال الشيخ رضي الله عنه (إذا اشترى ابن وبنت أباهما عتق عليهما وصار ولاؤه بينهما نصفين وجر كل واحد نصف ولاء صاحبه ويبقى نصفه لمولى أمه) فإن مات الأب ورثاه أثلاثاً فإن ماتت البنت بعده ورثها أخوها بالنسب ثم إذا مات أخوها فميراثه لمواليه وهم أخته وموالي أمه فلموالي أمه النصف والنصف الآخر لموالي الأخت وهم أخوها وموالي أمها فلموالي الأم نصف ذلك وهو الربع ويبقى الربع وهو الجزء الدائر لأنه خرج من الأخ وعاد إليه ففيه وجهان (أحدهما) أنه لموالي الأم لأن مقتضى كونه دائراً أن يدور أبداً وفي كل دورة يصير لمولى الأم نصفه، ولا يزال كذلك حتى ينفد وهو قول الجمهور (والثاني) يجعل في بيت المال قال القاضي لانه مال لا مستحق له نعلمه وهذا قول محمد بن الحسن وقياس قول مالك والشافعي والأول أولى إن شاء الله تعالى.

(فصل) فإن كانت المسألة بحالها إلا أن مكاتب الابن بنت فاشترت أباها عتق عليها وجر إليها ولاء أختها فإذا مات الأب فلابنتيه الثلثان بالنسب والباقي لمعتقه بالولاء فإن ماتت التي لم تشتره بعد ذلك فمالها لأختها نصفه بالنسب ونصفه بأنها مولاة أبيها، ولو ماتت التي اشترته فلأختها النصف والباقي لموالي أمها فإن اشترت البنتان أباهما نصفين عتق عليهما وجر إلى كل واحدة نصف ولاء أختها فإذا مات الأب فماله بين بنتيه بالنسب والولاء فإن ماتت إحداهما بعد ذلك فلأختها النصف بالنسب ونصف الباقي بما جر الأب إليها من ولاء نصفها فصار لها ثلاثة أرباع مالها والربع الباقي لمولى أمها، فإن كانت إحداهما

ماتت قبل أبيها فمالها له ثم إذا مات الأب فللباقية نصف ميراث أبيها لكونها بنته ونصف الباقي وهو الربع لكونها مولاة نصفه يبقى الربع لموالي البنت التي ماتت قبله فنصفه لهذه البنت لأنها مولاة نصف أختها صار لها سبعة أثمان ميراثه ولمولى الأم الميتة الثمن فإن ماتت البنت الباقية بعد هما فمالها لمواليها نصفه لموالي أمها ونصفه لموالي أختها الميتة وهم أختها ومولى أمها فنصفه لمولى أمها وهو الربع والربع الباقي يرجع إلى هذه الميتة فهذا الجزء دائر لأنه خرج من هذه الميتة ثم دار إليها ففيه الوجهان اللذان ذكرناهما وهاتان المسئلتان أصل في دور الولاء وفيها أقوال شاذة سواهما وهذا أصح ما قيل فيها إن شاء الله تعالى

فإن اشترت الابنتان أباهما ثم اشترى أبوهما هو والكبرى جدهما ثم مات الأب فماله بينهم أثلاثاً ثم إذا مات الجد وخلف ابنتي ابنه فلهما الثلثان وللكبرى نصف الباقي لكونها مولاة نصفه يبقى السدس لموالي الأب لأنه مولى نصف الجد وهما ابنتاه فيحصل للكبرى ثلث المال وربعه وللصغرى ربعه وسدسه فإن كانت بحالها فاشترت الكبرى وأبوها أخاهما لأبيهما فالجواب فيها كالتي قبلها (فصل) فإن اشترى ثلاث بنات أمهاتهن معتقات أباهن أثلاثا عتق عليهن وجر إلى كل واحدة ثلث ولاء أختها فإن مات الأب كان ماله بينهن أثلاثاً بالنسب والولاء، فإن ماتت إحداهن بعده كان لأختيها الثلثان بالنسب وثلثا ما بقي بالولاء والباقي لموالي أمها وتصح من تسعة، ولو ماتت إحداهن ثم مات

الأب قسم ماله على سبعة وعشرين لهما الثلثان بالنسب وثلثا ما بقي بالولاء ويبقى التسع وهو حصة الميتة فلهما ثلثاه لأن لهما ثلثي ولائها ولموالي أمها السدس والسدس الباقي للميتة قبلها لأن لها ثلث ولائها أيضاً فيكون هذا السدس بين مولى أم الميتة الأولى والأختين على ثلاثة فاضرب ستة في ثلاثة تكن ثمانية عشر لموالي أم الميتة الأولى ثلاثة سهم للحية وسهم لموالي أمها وسهم يعود إلى الميتة الثانية لأن لها ثلث ولائها فهذا هو السهم الدائر لأنه خرج من الثانية إلى الأولى ثم رجع إليها

باب الوديعة

(باب الوديعة) والأصل فيها الكتاب والسنة والإجماع. أما الكتاب فقول الله تعالى (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) وقوله تعالى (فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي أوتمن أمانته) وأما السنة فقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك " رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن وروي عنه عليه الصلاة والسلام أنه كانت عنده ودائع فلما أراد الهجرة أودعها عند أم أيمن وأمر علياً أن يردها على أهلها، وأما الإجماع فأجمع علماء كل عصر على جواز الإيداع والاستيداع والعبرة تقتضيها لحاجة الناس إليها فإنه يتعذر على جميعهم حفظ أموالهم بأنفسهم

ويحتاجون إلى من يحفظها لهم والوديعة فعيلة من ودع الشئ إذا تركه أي هي متروكة عند المودع واشتقاقها من السكون يقال ودع يدع فكأنها ساكنة عند المودع مستقرة وقيل في مشتقة من الحفظ والدعة فكأنها في دعة عند المودع وقبولها مستحب لمن يعلم من نفسه الأمانة لأن فيه قضاء حاجة أخيه المؤمن ومعاونته وهي عقد جائز من الطرفين متى أراد المودع أخذ وديعته لزم المستودع ردها للآية وإن ردها المستودع على صاحبها لزمه القبول لأن المستودع متبرع بإمساكها فلا يلزمه التبرع في المستقبل (مسألة) (وهي أمانة لا ضمان عليه فيها إلا أن يتعدى وإن تلفت من بين ماله لم يضمن في أصح الروايتين) وجملة ذلك أن الوديعة أمانة إذا تلفت من غير تعد ولا تفريط من المودع فليس عليه

مسألة: وهي أمانة لا ضمان عليه فيها إلا أن يتعدى، وإن تلفت من بين ماله لم يضمن في أصح الروايتين

ضمان سواء ذهب معها شئ من مال المودع أو لم يذهب هذا قول أكثر أهل العلم روي ذلك عن أبي بكر وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم وبه قال شريح والنخعي ومالك وأبو الزناد والثوري والشافعي وأصحاب الرأي وعن أحمد رواية إن ذهبت الوديعة من بين ماله ضمنها لما روي عن عمر رضي الله عنه أنه ضمن أنس بن مالك وديعة ذهبت من بين ماله قال القاضي والأول أصح لأن الله تعالى سماها أمانة والضمان ينافي الأمانة وروى الدارقطني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ليس على المودع ضمان " ولأن المستودع إنما يحفظها لصاحبها متبرعا من غير نفع يرجع إليه فلو لزمه الضمان لامتنع الناس من الاستيداع وذلك مضر لما بيناه من الحاجة إليها وما روي عن عمر محمول على التفريط من أنس في حفظها فلا ينافي ما ذكرناه فإن تعدى المودع فيها

مسألة: ويلزمه حفظها في حرز مثلها

أو فرط في حفظها ضمنها بغير خلاف علمناه لأنه متلف لمال غيره فضمنه كما لو أتلفه من غير استيداع (فصل) فإن شرط المودع على المستودع ضمان الوديعة فقبله قال أنا ضامن لها لم يضمن قال أحمد في المودع إذا قال أنا ضامن فسرقت فلا شئ عليه وكذلك كل ما أصله الأمانة كالمضاربة ومال الشركة والرهن والوكالة وبه قال الثوري وإسحاق وابن المنذر وذلك لأنه شرط ضمان ما لم يوجد سبب ضمانه فلم يلزمه كما لو شرط ضمان ما يتلف في يد مالكه (مسألة) (ويلزمه حفظها في حرز مثلها) إذا أودع وديعة ولم يعين المودع له موضعا لها فإن المودع يلزمه حفظها في حرز مثلها كما يحفظ ماله وحرز مثلها يذكر في باب القطع في السرقة فإن لم يحفظها في حرز مثلها ضمنها لأنه فرط فيها فإن وضعها

في حرز مثلها ثم نقلها عنه إلى حرز مثلها لم يضمنها سواء نقلها إلى مثل الأول أو دونه لأن صاحبها رد حفظها إلى رأيه واجتهاده وأذن له في إحرازها بما شاء من إحراز مثلها ولهذا لو تركها في الثاني أو لا لم يضمنها فكذلك إذا نقلها إليه ولو كانت العين في بيت صاحبها فقال لرجل احفظها في موضعها فنقلها عنه من غير خوف ضمنها لأنه ليس بمودع إنما هو وكيل في حفظها وليس له إخراجها من ملك صاحبها ولا من موضع استأجره لها إلا أن يخاف عليها فعليه إخراجها لأنه مأمور بحفظها وقد تعين حفظها في إخراجها ويعلم إن صاحبها لو حضر في هذه المال أخرجها ولأنه مأمور بحفظها على صفة فإذا تعذرت الصفة لزمه حفظها بدونها كالمستودع إذا خاف عليها

مسألة: وإن عين صاحبها حرزا فجعلها في دونه ضمن

(مسألة) (وإن عين صاحبها حرزاً فجعلها في دونه ضمن) وجملة ذلك أن المودع إذا أمر المستودع يحفظها في مكان عينه فحفظها فيه ولم يخش عليها فلا ضمان عليه بغير خلاف لأنه ممتثل غير مفرط وإن أحرزها في دونه ضمن لأنه مخالف ولأن صاحبها لم يرضه (مسألة) (وإن أحرزها في مثله أو فوقه لم يضمن) وكذلك إن نقلها إلى مثل ذلك الحرز لغير حاجة هذا قول القاضي وهو مذهب الشافعي لأن تقييده بهذا الحرز يقتضي ما هو مثله كمن اكترى أرضا لزرع الحنطة فله زرعها وزرع مثلها في الضرر ولأن من رضي حرزاً رضي مثله أو فوقه وقيل يضمن ويحتمله كلام الخرقي لأن الامر بشئ يقتضي تعينه فلا يعدل عنه إلا بدليل وإن نقلها إلى أحرز منه فهو كما لو نقلها إلى مثله وإن فعله لحاجة لم يضمن لما نذكره

مسألة: وإن نهاه المالك عن إخراجها فأخرجها لغشيان شيء الغالب منه التوى لم يضمن، وإن تركها فتلفت ضمنها وإن أخرجها لغير خوف ضمن

(مسألة) وإن نهاه المالك عن إخراجها فاخرجها لغشيان شئ الغالب منه التوى لم يضمن وإن تركها فتلفت ضمنها وإن أخرجها لغير خوف ضمن) إذا نهاه المالك عن إخراجها من ذلك المكان فالحكم فيه حكم ما لو لم ينهه على ما ذكرنا من الخلاف فيه فإن اخرجها لشئ الغالب منه التوى مثل إن خاف عليها نهبا أو هلاكاً لم يضمنها لأنه غير مفرط في حفظها لأن حفظها نقلها وتركها تضييع لها وإن نقلها في هذه الحال إلى دون الحرز فإن أمكنه إحرازها في مثله أو أعلى منه ضمنها لتفريطه وإن لم يمكنه لم يضمن لأن إحرازها بذلك أحفظ لها وليس في وسعه سواه وإن تركها فتلفت ضمن سواء تلفت بالأمر المخوف أو بغيره لأنه مفرط في حفظها لأن حفظها في نقلها وتركها تضييع لها وفيه وجه آخر أنه لا يضمن لأنه امتثل أمر صاحبها أشبه ما لو قال لا يخرجها وإن خفت عليها فإن أخرجها لغير خوف ضمن سواء أخرجها

إلى مثل الحرز أو دونه أو فوقه لأنه خالف نص صاحبها لغير فائدة وهذا ظاهر كلام الشافعي وفيه قول آخر إنه لا يضمن كما لو لم يعين له حرزاً وقد ذكرناه وهو قول القاضي وقال أبو حنيفة إن نهاه عن نقلها من بيت فنقلها إلى بيت آخر من الدار لم يضمن لأن البيتين من دار واحدة حرز واحد وطريق أحدهما طريق الآخر فأشبه ما لو نقلها من زواية إلى زواية وإن نقلها من دار إلى دار أخرى ضمن ولنا أنه خالف أمر صاحبها بما لا مصلحة فيه فيضمن كما لو نقلها من دار إلى دار ولا يصح هذا الفرق لأن بيوت الدار تختلف فمنها ما هو أقرب إلى الطريق أو إلى الانهدام أو إلى موضع الوقود أو أسهل فتحاً أو أضعف حائطاً أو أسهل نقباً أو يكون المالك يسكن به أو غيره وأشباه هذا مما يؤثر في الحفظ أو في عدمه فلا يجوز تفويت غرض رب الوديعة من تعيينه من غير ضرورة

مسألة: فإن قال لا تخرجها وإن خفت عليها فاخرجها عند الخوف أو تركها لم يضمن

(مسألة) (فإن قال لا تخرجها وإن خفت عليها فاخرجها عند الخوف أو تركها لم يضمن) إذا أخرجها في هذه الحال من غير خوف ضمنها لأنه مخالف شرط صاحبها لغير حاجة وإن أخرجها عند خوفه عليها أو تركها لم يضمن إذا تلفت مع خوف الهلاك نص فيه وتصريح به فيكون مأذوناً في تركها في تلك الحال فلم يضمنها لامتثاله أمر صاحبها أشبه ما لو أذن له في إتلافها ولا يضمن إذا أخرجها لأنه زاده خيراً وحفظاً فلم يضمن كما لو أذن له في إتلافها فلم يفعل حتى تلفت (فصل) إذا أخرج الوديعة المنهي عن إخراجها فتلفت فادعى أنه أخرجها لغشيان نار أو سيل أو أمر ظاهر وأنكر صاحبها وجوده فعلى المستودع البينة أنه كان في ذلك الموضع ما ادعاه لأنه مما لا تتعذر إقامة البينة عليه لظهوره فإذا ثبت ذلك كان القول قوله في التلف مع يمينه ولا يحتاح إلى بينة لأنه تتعذر إقامة البينة فلم يطالب بها

كما لو ادعى تلفها بأمر خفي وهذا قول الشافعي والحكم في إخراجها من الخريطة والصندوق حكم اخراجها من البيت على ما ذكرنا من التفصيل (فصل) ولو أمره أن يجعلها في منزله فتركها في ثيابه وخرج بها ضمها لأن البيت أحرز لها وإن جاءه بها في السوق فقال احفظها في بيتك فقام بها في الحال فتلفت لم يضمن وإن تركها في دكانه أو ثيابه ولم يحملها إلى بيته مع إمكانه فتلفت ضمنها لأن بيته أحرز لها هكذا قال أصحابنا قال شيخنا ويحتمل أنه متى تركها عنده إلى وقت مضيه إلى منزله فيصطحبه معه لم يضمن لأن المودع عالم بهذه العادة راض بها ولو لم يرض بها لشرط عليه خلافها وأمره بتعجيل حملها فأما إن يقبلها بهذا الشرط أو يردها

مسألة: وإن أودعه بهيمة فلم يعلفها حتى ماتت ضمنها إلا أن ينهاه المالك عن علفها

(مسألة) (وإن أودعه بهيمة فلم يعلفها حتى ماتت ضمنها إلا أن ينهاه المالك عن علفها) إذا أودعه بهيمة ولم يأمره بعلفها لزمه ذلك وبه قال الشافعي ويحتمل أن لا يلزمه وبه قال أبو حنيفة لأنه استحفظه إياها ولم يأمره بعلفها والعلف على مالكها فإذا لم يعلفها كان هو المفرط

ولنا أنه لا يجوز إتلافها ولا التفريط فيها فإذا أمره بحفظها تضمن ذلك علفها وسقيها فإن ترك علفها حتى تلفت ضمنها لأنه مفرط فيها فإن أمره صاحبها بعلفها وسقيها لزمه ذلك لحرمة صاحبها لأنه أخذها منه على ذلك ولحرمة البهيمة فإن الحيوان يجب إحياؤه بالعلف والسقي ويحتمل أن لا يلزمه علفها إلا أن يقبل ذلك لأن هذا تبرع به فلا يلزمه بمجرد أمر صاحبها كغير الوديعة والأول أولى ثم ينظر فإن قدر المستودع على صاحبها أو وكيله طالبه بالإنفاق عليها أو يردها عليه أو يأذن وله في الإنفاق عليها ليرجع به فإن عجز عن صاحبها أو وكيله رفع الأمر إلى الحاكم فإن وجد لصاحبها مالا أنفق عليها منه وإن لم يجد مالا فعل ما يرى لصاحبها الحظ فيه من بيعها أو بيع بعضها أو إنفاقه عليها أو إجارتها أو الاستدانة على صاحبها ويدفع إلى المودع لينفقه عليها أو إلى غيره فينفق عليها إن رأى

ذلك ويجوز أن يأذن للمودع أن ينفق عليها من ماله ويكون قابضاً من نفسه لنفسه ويكل ذلك إلى اجتهاده في قدر ما ينفق ويرجع به على صاحبها فإن اختلفا في قدر النفقة قبل قول المودع إذا ادعى النفقة بالمعروف وإن ادعى زيادة لم يقبل وإن اختلفا في قدر المدة فالقول قول صاحبها لأن الأصل عدم ذلك وإن لم يقدر على الحاكم فأنفق عليها محتسباً بالرجوع على صاحبها وأشهد على الرجوع رجع بما أنفق لأنه مأذون فيه عرفاً ولا تفريط منه إذا لم يجد حاكماً وان فعل ذلك مع إمكان استئذان الحاكم من غير إذنه ففيه روايتان نص عليهما فيما إذا أنفق على البهيمة المرهونة من غير إذن الراهن (إحداهما) يرجع لأنه مأذون فيه عرفاً (والثانية) لا يرجع لأنه مفرط بترك استئذان الحاكم وإن أنفق من غير إشهاد مع العجز عن استئذان الحاكم أو مع إمكانه ففي الرجوع أيضاً وجهان وجههما ما ذكرنا ومتى

علف البهيمة أو سقاها في داره أو غيرها بنفسه أو أمر غلامه أو صاحبه ففعل ذلك كما يفعل في بهائمه على ما جرت به العادة فلا ضمان فيه لأن هذا مأذون فيه عرفاً لجريان العادة به فأشبه المصرح به (فصل) فإن نهاه المالك عن علفها وسقيها لم يجز له ترك علفها لأن للحيوان حرمة في نفسه يجب إحياؤه لحق الله تعالى فإن علفها وسقاها فهو كما لو لم ينهه وإن تركها حتى تلفت لم يضمنها وهو قول أكثر أصحاب الشافعي وقال بعضهم يضمن لأنه تعدى بترك علفها أشبه ما إذا لم ينهه وهو قول ابن المنذر لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال فيصير أمر مالكها وسكوته سواء ولنا أنه ممتثل قول صاحبها فلم يضمنها كما لو أمره بقتلها ففعل وكما لو قال لا تخرج الوديعة وإن خفت عليها فخاف عليها ولم يخرجها أو أمره بإلقائها في نار وبهذا ينتقض ما ذكروه ومنع ابن المنذر الحكم فيما إذا

مسألة: وإن قال اترك الوديعة في جيبك فتركها في كمه ضمن

أمره بإتلافها فأتلفها ولا يصح لأنه نائب صاحبها فلم يغرم كما لو استنابه في مباح والتحريم أثره في بقاء حق الله تعالى وهو الاثم أما حق الآدمي فلا يبقى مع إذنه في تفويته ولأنها لم تتلف بفعله وإنما تلفت بترك العلف المأذون فيه أشبه ما إذا نهاه عن إخراجها مع الخوف فلم يخرجها (مسألة) (وإن قال اترك الوديعة في جيبك فتركها في كمه ضمن) لأنه ربما نسي فسقط الشئ من كمه وكذلك إن تركها في يده لأن الجيب أحرز وإن قال اتركها في كمك فتركها في جيبه لم يضمن لأن الجيب أحرز على ما ذكرنا وإن قال اتركها في كمك فتركها في يده احتمل وجهين احداهما يضمن لأن سقوط الشئ من اليد مع النسيان أكثر من سقوطه من الكم (والثاني) لا يضمن لأن اليد لا ينبسط عليها الطرار بالبط بخلاف الكم ولأن كل واحد منهما أحرز من وجه فتساويا ولمن نصر الأول أن يقول متى كان كل واحد منهما أحرز من

وجه وجب أن يضمن لأنه فوت الوجه المأمور بالحفظ به وأتى بما لم يؤمر به فضمن لمخالفته وعلى هذا لو أمره بتركها في يده فجعلها في كمه ضمن كذلك وقال القاضي اليد أحرز عند المغالبة والكم أحرز عند عدم المغالبة فعلى هذا إن أمره بتركها في يده فشدها في كمه من غير حال المغالبة فلا ضمان عليه وان فعل ذلك عند المغالبة ضمن وإن أمره بحفظها مطلقاً فتركها في جيبه أو شدها في كمه لم يضمنها وإن تركها في كمه غير مشدودة وكانت خفيفة لا يشعر بها إذا سقطت ضمنها لأنه مفرط وإن كانت ثقيلة يشعر بها لم يضمنها لأن هذا عادة الناس في حفظ أموالهم وإن شدها على عضده لم يضمن لأن ذلك أحفظ لها وقال القاضي إن شدها من جانب الجيب لم يضمنها وإن شدها من الجانب الآخر ضمن لأن الطرار يقدر على بطها بخلاف ما إذا شدها مما يلي الجيب وهذا يبطل بما إذا تركها في جيبه أو ربطها في كمه فإن الطرار

يقدر على بطها ولا يضمن وليس امكان حرزها بأحفظ الحرزين مانعاً من إحرازها بما دونه إذا كان حرزاً لمثلها وشدها على العضد حرز لها كيفما كان لأن الناس يحرزون به أموالهم فأشبه شدها في الكم وتركها في الجيب لكن لو أمره بشدها مما يلي الجيب فشدها من الجانب الآخر ضمن وإن أمره بشدها مما يلي الجانب الآخر فشدها مما يلي الجيب لم يضمن لأنه أحرز وإن أمره بشدها على عضده مطلقاً أو أمره بحفظها معه فشدها من أي الجانبين كان لم يضمن لأنه ممتثل أمر مالكها محرز لها بحرز مثلها وإن شدها على وسطه فهو أحرز لها وكذلك إن تركها في بيته في حرزها (مسألة) وإن أمره أن يجعلها في صندوق وقال لا تقفل عليها ولا تنم فوقها فخالفه أو قال لا تقفل

مسألة: وإن أمره أن يجعلها في صندوق وقال لا تقفل عليها ولا تنم فوقها فخالفه أو قال لا تقفل عليها إلا قفلا واحدا فجعل عليها قفلين فلا ضمان عليه

عليها إلا قفلاً واحد فجعل عليها قفلين فلا ضمان عليه ذكره القاضي وهو ظاهر مذهب الشافعي وحكي عن مالك أنه يضمن لأنه خالف ربها في شئ له فيه غرض يتعلق بحفظها أشبه ما لو نهاه عن إخراجها عن منزله فأخرجها لغير حاجة وذلك لأن النوم عليها وترك قفلين وزيادة الاحتفاظ ينبه اللص عليها ويحثه على الجد في سرقتها والاحتيال لأخذها ولنا أن ذلك أحرز لها فلم يضمن بفعله كما لو أمره بتركها في صحن الدار فتركها في البيت وبهذا ينتقض ما ذكروه (فصل) وإن قال اجعلها في هذا البيت ولا تدخله أحداً فأدخل إليه قوماً فسرقها أحدهم ضمنها لأنها ذهبت بتعديه ومخالفته وسواء سرقها حال إدخالهم أو بعده لأنه ربما شاهد الوديعة في دخوله البيت وعلم موضعها وطريق الوصول إليها وإن سرقها من لم يدخل البيت فقال القاضي لا يضمن لأن فعله لم يكن

سبباً لإتلافها ويحتمل أن يضمن لأن الداخل ربما دل عليها من لم يدخلها ولأنها مخالفة توجب الضمان إذا كان سبباً لإتلافها فأوجبته وإن لم يكن سبباً كما لو نهاه عن اخراجها فأخرجها لغير حاجة، وإن قال ضع هذا الخاتم في الخنصر فوضعه في البنصر لم يضمن لأنها أغلظ وأحفظ له إلا أن لا يدخل فيها فيضعه في انملتها العليا أو ينكسر لغلظها عليه فيضمنه في الموضعين لأن مخالفته سبب لتلفه (مسألة) (وإن دفع الوديعة إلى من يحفظ ما له كزوجته أو عبده لم يضمن) نص على هذا أحمد وهو قول أبي حنيفة وقال الشافعي يضمن لأنه سلم الوديعة إلى من لم يرض به صاحبها فضمنها كما لو دفعها إلى أجنبي

مسألة: وإن دفع الوديعة إلى من يحفظ ماله كزوجته أو عبده لم يضمن

ولنا أنه حفظها بما يحفظ به ماله أشبه ما إذا حفظها بنفسه وكما لو دفع الماشية إلى الراعي أو البهيمة إلى غلامه ليسقيها، ويفارق الأجنبي فإن دفعها إليه لا يعد حفظاً منه (مسألة) (وإن دفعها إلى أجنبي أو حاكم ضمن وليس للمالك مطالبة الأجنبي وقال القاضي له ذلك) إذا دفع الوديعة إلى غيره لغير عذر فعليه الضمان بغير خلاف في المذهب إلا أن يدفعها إلى من جرت عادته بحفظ ماله وقد ذكرناه في المسألة قبلها وذكرنا الخلاف فيه، وقال شريح ومالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابه واسحاق متى دفعها إلى أجنبي أو حاكم ضمن، وقال ابن أبي ليلى لا ضمان عليه لأن عليه خفظها وإحرازها وقد أحرزها عند غيره وحفظها به ولأنه يحفظ ماله بإيداعه فإذا أودعها فقد حفظها بما يحفظ به ماله فلم يضمنها كما حفظها في حرزه

ولنا أنه خالف المودع فضمنها كما لو نهاه عن إيداعها فإنه أمره بحفظها بنفسه فلم يرض لها غيره فإن فعل فتلفت عند الثاني مع علمه بالحال فله تضمين أيهما شاء لأنهما متعديان، ويستقر ضمانها على الثاني لأن التلف حصل عنده وقد دخل على أنه يضمن وإن لم يعلم الحال فله تضمين الأول، وليس للأول الرجوع على الثاني لأنه دخل معه في العقد على أنه أمين لا ضمان عليه، وإن أحب المالك تضمين الثاني فليس له تضمينه في ظاهر كلام أحمد قاله القاضي لأن أحمد ذكر الضمان على الاول فقط وهذا مذهب أبي حنيفة لأنه قبض قبضاً موجباً للضمان على الأول فلم يوجب ضماناً آخر، ويفارق القبض من الغاصب فإنه لم يوجب الضمان على الغاصب إنما لزمه الضمان بالغصب. قال شيخنا ويحتمل أن له تضمين الثاني أيضاً وهو قول القاضي ومذهب الشافعي لأنه قبض مال غيره على وجه لم يكن له قبضه ولم يأذن له مالكه فيضمنه

مسألة: وإن أراد سفرا أو خاف عليها عند نفسه ردها إلى مالكها أو وكيله في قبضها إن قدر على ذلك

كالقابض من الغاصب، وذكر أحمد الضمان على الأول لا ينفي الضمان عن الثاني كما أن الضمان يلزم الغاصب ولا ينفي وجوبه على القابض منه، فعلى هذا يستقر الضمان على الأول فإن ضمنه لم يرجع على أحد وإن ضمن الثاني رجع على الأول وهذا القول أقرب الى الصواب وما ذكرنا للقول الأول لا أصل له ثم هو منتقض بما إذا دفع الوديعة إلى إنسان عارية أو هبة (مسألة) (وإن أراد سفراً أو خاف عليها عند ردها إلى مالكها أو وكيله في قبضها إن قدر على ذلك) ولم يجز له دفعها إلى الحاكم ولا الى غيره لأنه ليس للحاكم ولاية على الحاضر فإن فعل ضمنها لانه دفعها إلى غير مالكها بغير إذنه من غير عذر فضمنها كالصورة الأولى

مسألة: فإن لم يجده حملها معه إن كان أحفظ لها

(مسألة) (فإن لم يجده حملها معه إن كان أحفظ لها) إذا أراد السفر بها وقد نهاه صاحبها عنه ضمنها لمخالفته وإن لم ينهه لكن الطريق مخوف أو البلد الذي يسافر إليه مخوف ضمنها لأنه فرط في حفظها، وإن لم يكن كذلك فله السفر بها نص عليه أحمد سواء كان به ضرورة إلى السفر أو لم يكن وبهذا قال أبو حنيفة، وقال الشافعي إن سافر بها مع القدرة على صاحبها أو وكيله أو الحاكم أو أمين ضمنها لأنه سافر بها من غير ضرورة أشبه ما لو كان السفر مخوفاً ولنا أنه نقلها إلى موضع مأمون فلم يضمها كما لو نقلها إلى البلد ولأنه سافر بها سفراً غير مخوف أشبه ما لو لم يجد أحداً يدعها عنده. قال شيخنا ويقوى عندي أنه متى سافر بها مع القدرة على مالكها أو وكيله فيها بغير إذنه فهو مفرط عليه الضمان لأنه يفوت على صاحبها إمكان استرجاعها ويخاطر بها فإن النبي صلى

مسألة: فإن لم يجد صاحبها ولا وكيله فله دفعها إلى الحاكم سواء كان به ضرورة إلى السفر أو لم يكن

الله عليه وسلم قال " المسافر وماله على قلت ألا ما وقى الله " أي على هلاك ولا يلزم من الإذن في إمساكها على وجه لا يتضمن هذا الخطر ولا يفوت إمكان ردها على صاحبها الإذن فيما يتضمن ذلك فأما مع غيبة المالك ووكيله فله السفر بها إذا كان أحفظ لها لأنه موضع حاجة فيختار ما فيه الحظ وهذا الذي ذكره شيخنا في الكتاب المشروح. (مسألة) (فإن لم يجد صاحبها ولا وكيله فله دفعها إلى الحاكم سواء كان به ضرورة إلى السفر أو لم يكن) لأنه متبرع بإمساكها فلا يلزمه استدامته والحاكم يقوم مقام صاحبها عند غيبته فإن أودعها مع قدرته على الحاكم ضمنها لأن غير الحاكم لا ولاية له، ويحتمل أن يجوز له إيداعها لأنه قد يكون أحفظ لها وأحب إلى صاحبها وإن لم يقدر على الحاكم فأودعها ثقة لم يضمنها لأنه موضع حاجة، وذكر القاضي أن ظاهر كلام أحمد أنه

مسألة: فإن تعذر ذلك أودعها ثقة أو دفنها وأعلم بها ثقة يسكن تلك الدار فإن دفنها ولم يعلم بها أحدا أو أعلم بها من لا يسكن الدار ضمنها

يضمنها ثم تأول كلامه على أنه أودعها من غير حاجة أو مع قدرته على الحاكم (مسألة) (فإن تعذر ذلك أودعها ثقة أو دفنها وأعلم بها ثقة يسكن تلك الدار فإن دفنها ولم يعلم بها أحداً أو أعلم بها من لا يسكن الدار ضمنها) إذا دفنها في موضع وأعلم بها ثقة يده على الموضع وكانت مما لا يضرها الدفن فهو كإيداعها عنده، وإن لم يعلم بها أحداً ضمنها لأنه فرط في حفظها فإنه لا يأمن أن يموت في سفره فلا تصل إلى صاحبها وربما نسي مكانها أو أصابها آفة من هدم أو حرق أو غرق فتضيع، وإن أعلم بها غير ثقة ضمنها لأنه ربما أخذها وكذلك إن أعلم بها ثقة لا يدله على المكان لأنه لم يودعها إياه ولا يقدر على الاحتفاظ بها. (فصل) وإن حضره الموت فحكمه حكم السفر على ما مضى من أحكامه إلا في أخذها معه لأن كل واحد منهما سبب لخروجها عن يده

مسألة: وإن تعدى فيها فركب الدابة لغير نفعها ولبس الثوب أو أخذ الوديعة ليستعملها أو ليخزن فيها ثم ردها إلى موضعها بنية الأمانة ضمن لتعديه ولم يزل عنه الضمان بردها

(مسألة) (وإن تعدى فيها فركب الدابة لغير نفعها ولبس الثوب أو أخذ الوديعة ليستعملها أو ليخزن فيها ثم ردها إلى موضعها بنية الأمانة ضمن لتعديه ولم يزل عنه الضمان بردها) وهو قول الشافعي وقال أبو حنيفة يبرأ لأنه ممسك لها بإذن مالكها فأشبه ما قبل التعدي ولنا أنه ضمنها بعدوان فبطل الاستئمان كما لو جحدها ثم أقر بها وبهذا يبطل ما ذكره (مسألة) (فإن جحدها ثم أقر بها فتلفت ضمنها) لانه بجحدها خرج عن الاستئمان عليها فلم يزل عنه الضمان بالاقرار بها لأن يده صارت يد عدوان (مسألة) (فإن كسر ختم كيسها أو كانت مشدودة فحل الشد ضمن) سواء أخرج منها شيئاً أو لم يخرج لأنه هتك الحرز بفعل تعدى به فإن خرق الكيس فوق

مسألة: وإن خلطها بما لا تتميز منه ضمنها

الشد فعليه ضمان ما خرق خاصة لأنه ما هتك الحرز وقال أبو حنيفة إذا كسر ختم الكيس لم يلزمه ضمان الوديعة لأنه لم يتعد في غيره ولنا أنه هتك حرزها فضمنها إذا تلفت كما لو أودعه إياها في صندوق مقفل ففتحه وتركه مفتوحاً ولا نسلم أنه لم يتعد في غير الختم (مسألة) (وإن خلطها بما لا تتميز منه ضمنها) إذا خلطها بما لا تتميز منه من ماله أو من مال غيره ضمنها سواء خلطها بمثلها أو دونها أو أجود من جنسها أو من غير جنسها مثل إن يخلط الدراهم بدراهم أو دهنا بدهن كالزيت بالزيت أو السمن أو بغيره

وبهذا قال الشافعي وأصحاب الرأي وقال ابن القاسم إن خلط دراهم بدراهم على وجه الحرز لم يضمن وحكي عن مالك لا يضمن إلا أن تكون دونها لأنه لا يمكنه ردها إلا ناقصة ولنا أنه خلطها بماله خلطاً لا يتميز فوجب أن يضمنها كما لو خلطها بدونها ولأنه إذا خلطها بما لا يتميز فقد فوت على نفسه إمكان ردها فلزمه ضمانها كما لو ألقاها في لجة بحر فإن أمره صاحبها بخلطها بماله أو بغيره ففعل ذلك فلا ضمان عليه لأنه فعل ما أمر به فكان نائباً عن المالك فيه وقد نقل مهنا عن أحمد في رجل استودع عشرة دراهم واستودعه آخر عشرة وأمره أن يخلطها فخلطها فضاعت الدراهم فلا شئ عليه، فإن أمره أحدهما بخلط دراهمه ولم يأمره الآخر فعليه ضمان دراهم من لم يأمره دون الاخرى، وإن اختلطت هي بغير تفريط منه فلا ضمان عليه كما لو تلفت بغير تفريطه وإن خلطها عيره

مسألة: وإن خلطها بمتميز أو ركب الدابة ليسقيها لم يضمن أما إذا خلطها بما تتميز منه مثل أن خلط دراهم بدنانير لم يضمن

فالضمان على من خلطها لأن العدوان منه أشبه ما لو أتلفها (مسألة) (وإن خلطها بتمييز أو ركب الدابة ليسقيها لم يضمن أما إذا خلطها بما تتميز منه مثل أن خلط دراهم بدنانير لم يضمن) لأنها تتميز منها فلا يعجز بذلك عن ردها فلم يضمنها كما لو تركها في صندوق فيه أكياس له وبهذا قال الشافعي ومالك ولا نعلم فيه خلافاً وكذلك الحكم اذا خلط بيضاً بسود وقد حكي عن أحمد فيمن خلط دراهم بيضا بسود يضمنها ولعله قال ذلك لكونها تكتسب منها سواداً ويتغير لونها فتنقص قيمتها فإن لم يكن فيه ضرر فلا ضمان عليه وإن ركب الدابة ليسقيها أو يعلفها لم يضمن لأن ركوبها لذلك مأذون فيه عرفاً وشرعاً لأنه مأذون له في سقيها كما لو أذن له في علفها والعادة أن

مسألة: ومن أودع شيئا فأخذ بعضه ثم رده أو مثله فضاع الكل ضمنه وحده اختاره الخرقي وعنه يضمن الجميع

من يسقيها يركيها فالاذن في السقي إذن في الركوب المعتاد ولهذا لو قال لوكيله اسق الدابة فإنه يفهم منه اركبها له) (مسألة) (وإن أخذ درهما ثم رده فضاع الكل ضمنه وحده اختاره الخرقي وعنه يضمن الجميع وجملة ذلك أن من أودع شيئاً فأخذ بعضه لزمه ضمان ما أخذ لتعديه فإن رده أو مثله لم يزل عنه وبهذا قال الشافعي وقال مالك لا ضمان عليه إذا رده أو مثله وقال أصحاب الرأي إن لم ينفق ما أخذه ورده لم يضمن وإن أنفقه ثم رده أو مثله ضمن ولنا أن الضمان تعلق بذمته بالأخذ بدليل أنه لو تلف في يده قبل رده ضمنه فلا يزول إلا برده إلى صاحبه كالغصوب، فأما سائر الوديعة فينظر فيه فإن لم تكن الدراهم في كيس أو كانت في كيس غير مشدود أو كانت ثياباً فأخذ منها واحداً ثم رده بعينه لم يضمن غيره لأنه لم يتعد في غيره وكذلك

إن رد بدله متميزاً لما ذكرنا وإن لم يكن متميزاً فظاهر كلام الخرقي أنه لا يضمن غيره لأن التعدي اختص به فاختص الضمان به وخلط المردود بغيره لا يقضي ضمان الجميع لأنه يجب رده معها فلم يفوت على نفسه إمكان ردها بخلاف ما إذا خلطه بغيره، ولو أذن له صاحب الوديعة في الأخذ منها ولم يأمره برد بدله فأخذ ثم رد بدل ما أخذ فهو كرد بدل ما لم يؤذن في أخذه وقال القاضي يضمن الكل وهو قول الشافعي لأنه خلط الوديعة بما لا تتميز منه فضمن الكل كما لو خلطها بغير البدل، وقد ذكرنا فرقا بين البدل وغيره فلا يصح القياس، وإن كانت الدراهم في كيس مختوم أو مشدود فكسر الختم أو حل الشد ضمنها وقد ذكرناه (فصل) وإذا ضمن الوديعة بالاستعمال أو بالجحد ثم ردها إلى صاحبها زال عنه الضمان فإن ردها

مسألة: وإن أودعه صبي وديعة ضمنها ولم يبرأ إلا بالتسليم إلى وليه

صاحبها إليه فهو ابتداء استئمان وإن لم يردها إليه ولكن جدد له الاستئمان أو أبرأه من الضمان برئ في ظاهر المذهب لأن الضمان حقه فإذا أبرأه منه برئ كما لو أبرأه من دين في ذمته وإذا جدد له استئمانا فقد انتهى القبض المضمون به فزال الضمان وقد قال أصحابنا إذا رهن المغصوب عند الغاصب أو أودعه عنده زال عنه ضمان الغصب فههنا أولى (مسألة) (وإن أودعه صبي وديعة ضمنها ولم يبرأ إلا بالتسليم إلى وليه) وجملة ذلك أنه لا يصح الإيداع إلا من جائز التصرف فإن أودع طفل أو معتوه إنساناً وديعة ضمنها بقبضها لأنه أخذ ما له بغير إذن شرعي أشبه ما لو غصبه، ولا يزول الضمان عنه بردها إليه وإنما يزول بدفها إلى وليه الناظر في ماله، فإن كان الصبي مميزاً صح إيداعه لما أذن له في التصرف فيه لأنه كالبائع بالنسبة إلى ذلك فإن خاف أنه إذا لم يأخذه منه أتلفه لم يضمنه بأخذه لأنه قصد تخليصه من الهلاك فلم يضمنه كما لو وجده في سيل فأخرجه منه

مسألة: وإن أودع الصبي أو المعتوه وديعة فتلفت بتفريطه لم يضمن فإن أتلفها أو أكلها ضمنها في قول القاضي

(مسألة) (وإن أودع الصبي أو المعتوه وديعة فتلفت بتفريطه لم يضمن فإن أتلفها أو أكلها ضمنها في قول القاضي) وظاهر مذهب الشافعي، ومن أصحابنا من قال لا ضمان عليه وهو قول أبي حنيفة لأنه سلطه على إتلافها بدفعها إليه فلا يلزمه، ألا ترى أنه إذا دفع إلى صغير سكيناً فوقع عليها كان ضمانه على عاقلته ولنا أن ما ضمن بإتلافه قبل الإيداع ضمنه بعد الإيداع كالبالغ ولا يصح قولهم إنه سلطه على إتلافها وإنما استحفظه إياها، وفارق دفع السكين فإنه سبب للإتلاف ودفع الوديعة بخلافه (مسألة) (وإن أودع عبداً وديعة فأتلفها خرج على الوجهين في الصغير) إذا تلفت الوديعة فإن قلنا لا يضمن الصبي كانت في ذمته وإن قلنا يضمن كانت في رقبته

مسألة: وإن أودع عبدا وديعة فأتلفها خرج على الوجهين في الصغير

(فصل) وإذا أودعه شيئاً ثم سأله دفعه إليه في وقت أمكنه ذلك فلم يفعل حتى تلف ضمنه ولا نعلم خلافاً في وجوب رد الوديعة على مالكها إذا طلبها فأمكن أداؤها إليه بغير ضرورة وقد أمر الله تعالى بذلك فقال تعالى (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك " يعني عند طلبها ولأنها حق لمالكها لم يتعلق بها حق غيره فلزم أداؤها إليه كالمغصوب والدين الحال فإن امتنع من دفعها في هذه الحال فتلفت ضمنها لأنه صار غاصباً لأنه أمسك مال غيره بغير إذنه بفعل محرم أشبه الغاصب فأما إن طلبها في وقت لم يمكن دفعها لبعدها أو لمخافة في طريقها أو للعجز عن حملها أو غير ذلك لم يكن متعدياً بترك تسليمها لأن الله تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها فإن تلفت لم يضمنها لعدم عدوانه وإن قال أمهلوني حتى أقضي صلاتي أو آكل فإني جائع أو أنام فإني ناعس أو ينهضم عني الطعام فإني ممتلئ أمهل بقدر ذلك

(فصل) وليس على المستودع مؤنة الرد وحملها إلى ربها إذا كانت مما لحملها مؤنة قلت المؤنة أو كثرت لأنه قبض العين لمنفعة مالكها على الخصوص فلم تلزمه الغرامة عليها كما لو وكله في حفظها في ملك صاحبها وإنما عليه التمكين من أخذها، فإن سافر بها بغير إذن ربها ردها إلى بلدها لأنه بعدها بغير إذن ربها فلزمه ردها كالغاصب (فصل) إذا مات الرجل وثبت إن عنده وديعة لم توجد بعينها فهي دين عليه تغرم من تركته فإن كان عليه دين سواها فهما سواء إن وفت تركته بهما وإلا اقتسماها بالحصص وبه قال الشعبي والنخعي وداود وابن ابي هند ومالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابه واسحاق وروي ذلك عن شريح ومسروق وعطاء وطاوس والزهري وابي جعفر محمد بن علي وروي عن النخعي الأمانة قبل الدين وقال الحارث العكلي الدين قبل الأمانة

ولنا أنهما حقان وجبا في ذمته فتساويا كالدينين وسواء وجد في تركته من جنس الوديعة أو لم يوجد وهذا إذا أقر المودع أن عندي وديعة أو علي وديعة لفلان أم ثبتت بينة أنه مات وعنده وديعة فأما إن كانت عنده وديعة في حياته ولم توجد بعينها ولم يعلم هل هي باقية عنده أو تلفت؟ ففيه وجهان (أحدهما) وجوب ضمانها لأن الوديعة يجب ردها إلا أن يثبت سقوط الرد بالتلف من غير تعد ولم يثبت ذلك ولأن الجهل بعينها كالجهل بها وذلك لا يسقط الرد (والثاني) لا ضمان عليه لأن الوديعة أمانة والأصل عدم إتلافها والتعدي فيها فلم يجب ضمانها وهذا قول ابن أبي ليلى وأحد الوجهين لأصحاب الشافعي والأول ظاهر المذهب لأن الأصل وجود الرد فيبقى عليه ما لم يوجد ما يزيله (فصل) قال الشيخ رحمه الله والمودع أمين والقول قوله فيما يدعيه من رد أو تلف أو إذن في

دفعها إلى إنسان إذا ادعى المستودع تلف الوديعة فالقول قوله بغير خلاف قال إبن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن المودع إذا أحرز الوديعة ثم ذكر أنها ضاعت أن القول قوله وقال أكثرهم مع يمينه وإن ادعى ردها على صاحبها فالقول قوله مع يمينه وبه قال الثوري والشافعي واصحاب الرأي واسحاق وبه قال مالك إن كان دفعها إليه بغير بينة وإن كان أودعه إياها ببينة لم يقبل قوله في الرد إلا ببينة وحكاه القاضي أبو الحسين رواية عن أحمد ولنا أنه أمين لا منفعة له في قبضها فقبل قوله في الرد بغير بينة كما لو أودع بغير بينة وإن قال دفعتها إلى فلان بأمرك فأنكر مالكها الاذن في دفعها فالقول قول المودع نص عليه أحمد في رواية ابن منصور وهو قول ابن أبي ليلى وقال مالك والثوري والعنبري وأصحاب الرأي القول قول المالك لأن الأصل عدم الإذن وله تضمينه

ولنا أنه ادعى دفعاً يبرأ به من الوديعة فكان القول قوله كما لو ادعى ردها على مالكها ولو اعترف المالك بالاذن ولكن قال لم يدفعها فالقول قول المستودع أيضاً ثم ينظر في المدفوع إليه فإن أقر بالقبض وكان الدفع في دين فقد برئ الكل وإن أنكر فالقول قوله مع يمينه وقد ذكر أصحابنا أن الدافع يضمن لكونه قضى الدين بغير بينة ولا يجب اليمين على صاحب الوديعة لأن المودع مفرط لكونه أذن له في قضاء يبرئه من الحق ولم يبرأ بدفعه فكان ضامنا سواء صدقه أو كذبه وإن أمره بدفعه وديعة لم يحتج إلى بينة لأن المودع يقبل قوله في التلف والرد فلا فائدة في الإشهاد عليه فعلى هذا يحلف المودع ويبرأ ويحلف الآخر ويبرأ أيضاً ويكون ذهابها من مالكها وإن ادعى عليه خيانة أو تفريطاً فالقول قوله مع يمينه لأن الأصل عدم ذلك اشبه الوكيل

مسألة: وإن قال لم تودعني ثم أقر بها أو ثبتت ببينة ثم ادعى الرد أو التلف لم يقبل قوله وإن أقام بينة ويحتمل أن تقبل بينته

(مسألة) (وإن قال لم تودعني ثم أقر بها أو ثبتت ببينة ثم ادعى الرد أو التلف لم يقبل قوله وإن أقام بينة ويحتمل أن تقبل بينته) إذا ادعى على رجل وديعة فأنكر ثم ثبت أنه أودعه فقال أودعتني وهلكت من حرزي لم يقبل قوله وعليه ضمانها وبهذا قال مالك والشافعي واسحاق وأصحاب الرأي لأنه مكذب لإنكاره الأول ومعترف على نفسه بالكذب المنافي للأمانة وإن أقر صاحبها له بتلفها من حرزه قبل جحدها فلا ضمان عليه وإن أقر أنها تلفت بعد جحوده لم يسقط عنه الضمان لأنه خرج بجحوده عن الأمانة فصار ضامنا كمن طولب بالوديعة فامتنع من ردها وكذلك إن أقام بينة بتلفها بعد الجحود لذلك وإن شهدت بتلفها قبل الجحود من الحرز فهل تسمع بينته؟ فيه وجهان (أحدهما) لا تسمع لأنه مكذب لها بإنكاره الإيداع (والثاني) تسمع

مسألة: وإن قال ما لك عندي شيء قبل قوله في الرد والتلف

لأن صاحبها لو أقر بذلك سقط عنه فتسمع البينة به فإن شهدت بالتلف من الحوز ولم تعين الجحود ولا بعده واحتمل الأمرين لم يسقط الضمان لأن الأصل وجوبه فلا ينتفي بأمر متردد (مسألة) (وإن قال مالك عندي شئ قبل قوله في الرد والتلف) إذا قامت بينة بالابداع أو أقر به المودع بعد قوله مالك عندي شئ اولا حق لك علي ثم قال ضاعت من حرزي كان القول قوله مع يمينه ولا ضمان عليه لأن قوله لا ينافي ما شهدت به البينة ولا يكذبها فإن من تلفت الوديعة من حرزه بغير تفريطه لا شئ لمالكها عنده ولا يستحق عليه شيئاً (فصل) فإن نوى الخيانة في الوديعة بالجحود أو الاستعمال ولم يفعل ذلك لم يصر ضامناً لأنه لم

يحدث في الوديعة قولا ولا فعلا فلم يضمن كما لو لم ينو وقال ابن شريح يضمن لأنه أمسكها بنية الخيانة فضمنها كاللقطة بقصد التمليك ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم به أو تعمل به " ولأنه لم يخن فيها بقول ولا فعل فلم يضمنها كالذي لم ينو وفارق الملتقط بقصد التمليك فإنه عمل بها بأخذها ناوياً للخيانة فيها فوجب الضمان بفعله المنوي لا بمجرد النية ولو التقطها قاصداً لتعريفها ثم نوى بعد ذلك إمساكها لنفسه كانت كمسئلتنا وإن أخرجها بنية الاستعمال فلم يستعملها ضمنها وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا يضمنها إلا بالاستعمال لأنه لو أخرجها لنقلها لم يضمنها ولنا أنه تعدى بإخراجها أشبه ما لو استعملها بخلاف ما إذا نقلها

مسألة: وإن مات المودع فادعى وارثه التسليم لم يقبل إلا ببينة

(مسألة) (وإن مات المودع فادعى وارثه التسليم لم يقبل إلا ببينة) لأن صاحبها لم يأتمنه عليها فلا يقبل قوله عليه بخلاف المودع فإنه ائتمنه فقبل قوله بغير بينة (مسألة) (فإن تلفت عنده قبل إمكان ردها لم يضمنها)

لأنه لا تفريط منه ولا تعد وإن كان بعد الإمكان فتلفت ففيه وجهان (أحدهما) يضمنها لتأخر ردها مع إمكانه والآخر لا يضمنها لأنه غير متعد في إثبات يده عليها إنما حصلت في يده بغير فعله (فصل) إذا مات المودع وعنده وديعة معلومة بعينها فعلى وارثه تمكين صاحبها من أخذها فان لم

يفعل ضمن كالمودع فإن لم يعلم صاحبها بموت المودع فعلى الورثة إعلامه وليس لهم إمساكها قبل أن يعلم بها ربها لأنه لا يأتمنهم عليها وإنما حصل مال غيرهم بأيديهم بمنزلة من أطارت الريح إلى داره ثوباً وعلم به فعليه إعلام صاحبه به فإن أحرز ذلك مع الإمكان ضمن كذا هاهنا

(فصل) ولا تثبت الوديعة إلا بإقرار من الميت أو ورثته أو بينة وإن وجد عليها مكتوب وديعة لم يكن حجة عليهم لجواز أن يكون الوعاء كانت فيه وديعة قبل هذه أو كان وديعة لموروثهم عند غيره أو كانت وديعة فابتاعه اوكذلك لو وجد في رزمانج أبيه أن لفلان عندي وديعة كذا لم يلزمه بذلك لجواز أن يكون قد ردها ونسي الضرب على ما كتب أو غير ذلك وهذا قول أصحاب الشافعي وحكى القاضي

مسألة: وإن ادعى الوديعة اثنان فأقر بها لأحدهما فهي له مع يمينه

أبو الحسين أن المذهب وجوب الدفع إلى من هو مكتوب باسمه أومأ إليه أحمد كما لو وجد في رزمانج أبيه ديناً على غيره يخط أبيه كان له أن يعمل على خطه ويحلف على استحقاقه بالخط فإذا وجد ديناً عليه كان الوى وأحوط (مسألة) (وإن ادعى الوديعة اثنان فأقر بها لأحدهما فهي له مع يمينه) لأن يده دليل على ملكه بدليل

مسألة: وإن أقر بها لهما جميعا فهي بينهما

أنه لو ادعاها لنفسه كان القول قوله فكذلك إذا أقر بها لغيره ويلزمه أن يحلف للآخر لأنه منكر لحقه فإن حلف برئ وإن نكل لزمه أن يغرم له قيمتها لأنه فوقتها عليه وكذلك لو أقر لها بها بعد إن أقر بها للأول فإنها تسلم إلى الأول ويغرم قيمتها للثاني نص عليه أحمد (مسألة) (وإن أقر بها لهما جميعاً فهي بينهما) ويلزمه اليمين لكل واحد منهما في نصفها وإن قال لا أعرف

صاحبها فاعترفا له بجهله بعين المستحق لها فلا يمين عليه وإن ادعيا معرفته لزمته يمين واحدة أنه لا يعلم ذلك وقال أبو حنيفة يحلف يمينين كما لو انكرها ولنا أن الذي يدعي عليه أمر واحد وهو العلم بعين المالك فكفاه يمين واحدة كما لو ادعياها فأقر بها لأحدهما ويفارق ما إذا أنكرهما لأن كل واحد منهما يدعي عليه أنها له فهما دعويان فإن حلف

اقرع ب ينهما وسلمت إلى من تقع له القرعة وقال الشافعي يتحالفان ويوقف الشئ بينهما حتى يصطلحا وهذا قول ابن أبي ليلى لأنه لا يعلم المالك منهما وللشافعي قول آخر أنها تقسم بينهما كما لو أقر بها لهما وهذا الذي حكاه ابن المنذر عن ابن أبي ليلى وهو قول أبي حنيفة وصاحببه فيما حكي عنهم قالوا ويضمن المودع نصفها لكل واحد منهما لأنه فوت ما استودع بجهله

ولنا أنهما تساويا في الحق فيما ليس بأيديهما فوجب أن يقرع بينهما كالعبدين إذا أعتقهما في مرضه فلم يخرج من الثلث إلا أحدهما أو كما لو أراد السفر بإحدى نسائه، وقول أبي حنيفة لا يصح فإن

العين لم تتلف ولو تلف بغير تفريط منه فلا ضمان عليه وليس في جهله تفريط إذ ليس في وسعه أن لا ينسى ولا يجهل

مسألة: وإن أودعه اثنان مكيلا أو موزونا فطلب أحدهما نصيبه سلمه إليه

(مسألة) (ون اودعه الثنان مكيلا أو موزونا فطلب أحدهما نصيبه سلمه إليه) لأن قسمته ممكنة بغير غبن ولا ضرار واختاره أبو الخطاب وفيه وجه آخر أنه لا يجوز في غيبة الشريك الا أن يحكم بها حاكم قاله القاضي (مسألة) (وإن غصبت الوديعة فهل للمودع المطالبة بها؟ على وجهين) (أحدهما) له المطالبة بها لأنه

مأمور بحفظها وذلك من حفظها (والثاني) ليس له ذلك لأنه لم يؤمر به ولا ضمان على المودع سواء أخذت من يده قهراً أو أكره على تسليمها فسلمها بنفسه لأن الإكراه عذر له يبيح دفعها فلم يضمنها كما لو أخذت من يده قهراً والله سبحانه وتعالى أعلم

كتاب النكاح

(كتاب النكاح) النكاح في الشرع عقد التزويج فعند إطلاق لفظه ينصرف إليه ما لم يصرفه عنه دليل وقال القاضي الأشبه بأصلنا أنه حقيقة في العقد والوطئ جميعاً لقولنا بتحريم موطوأة الأب من غير تزويج استدلالاً بقوله تعالى (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء) وقيل بل هو حقيقة في الوطئ مجاز في العقد تقول العرب أنكحنا الفرى فسترى أي اضربنا فحل حمر الوحش أمه فسترى ما يتولد منهما يضرب مثلا للأمر يجتمعون عليه ثم يتفرقون عنه قال الشاعر: ومن أيم قد أنكحتنا رماحها * * * * وأخرى على خال وعم تلهف قال شيخنا والصحيح ما قلنا لأن الأشهر استعمال لفظة النكاح بإزاء العقد في الكتاب والسنة ولسان أهل العرف وقد قيل ليس في الكتاب لفظة نكاح بمعنى الوطئ إلا قوله (حتى تنكح زوجا غيره) ولأنه

يصح نفيه عن الوطئ لأنه يقال هذا سفاح وليس بنكاح وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " ولدت من نكاح لا من سفاح " ويقال عن السرية ليست بزوجة ولا منكوحة ولأن النكاح أحد اللفظين اللذين ينعقد بهما عقد النكاح فكان حقيقة فيه كاللفظ الآخر وما ذكره القاضي يفضي إلى كون اللفظ مشتركا وهو على خلاف الأصل وما ذكره الآخرون يدل على الاستعمال في الجملة والاستعمال فيما قلنا أكثر وأشهر ثم لو قدر كونه مجازاً في العقد لكان اسماً عرفياً يجب صرف اللفظ إليه عند الإطلاق لشهرته كسائر الأسماء العرفية (فصل) والأصل في مشروعيته الكتاب والسنة والإجماع أما الكتاب فقوله تعالى (فانكحوا ما طاب لكم من النساء) وقوله (وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم) وأما السنة فقول النبي صلى الله عليه وسلم " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء " متفق عليه وقال عليه السلام " إني أتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني " وقال سعد رد رسول الله صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون التبتل ولو أذن له لاختصينا متفق عليه والتبتل ترك النكاح. وأجمع المسلمون على أن النكاح مشروع

مسألة: والنكاح سنة لما ذكرنا من أدلة الكتاب والسنة وأدناها الاستحباب

(مسألة) (والنكاح سنة لما ذكرنا من أدلة الكتاب والسنة وأدناها الاستحباب) (مسألة) (والاشتغال به أفضل من التخلي لنوافل العبادة إلا أن يخاف على نفسه مواقعة المحظور بتركه فيجب) الناس في النكاح على ثلاثة أضرب (أحدها) من يخاف على نفسه مواقعة المحظور إن ترك النكاح فهذا يجب عليه في قول عامة الفقهاء لأنه يلزمه إعفاف نفسه وصرفها عن الحرام وطريقه النكاح (الثاني) من يستحب له وهو من له شهوة يأمن معها الوقوع في محظور فهذا الاشتغال به أفضل من التخلي لنوافل العبادة وهو قول أصحاب الرأي وظاهر أقوال الصحابة رضي الله عنهم وفعلهم قال ابن مسعود لو لم يبق من أجلي إلا عشرة أيام وأعلم أني أموت في آخرها يوما لي فيهن طول النكاح لتزوجت مخافة الفتنة، قال ابن عباس لسعيد بن جبير تزوج فإن خير هذه الأمة أكثرها نساء، وقال إبراهيم بن ميسرة قال لي طاوس لتنكحن أو لأقولن لك ما قال عمر لأبي الزوائد ما يمنعك عن النكاح إلا عجز أو فجور قال أحمد في رواية المروذي ليست العزبة من أمر الاسلام في شئ ومن دعا إلى غير التزويج فقد دعا إلى غير الإسلام ولو تزوج بشر كان قد تم أمره. وقال الشافعي التخلي لعبادة الله أفضل لأن الله تعالى مدح

يحيى عليه السلام بقوله تعالى (وسيدا وحصورا) والحصور الذي لا يأتي النساء فلو كان النكاح أفضل لما مدح بتركه وقال تعالى (زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين) وهذا في معرض الذم ولأنه عقد معاوضة فكان الاشتغال بالعبادة أفضل منه كالبيع ولنا ما تقدم من أمر الله ورسوله به وحثهما عليه وقوله عليه الصلاة والسلام " لكني أصوم وأفطر وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني " وقول سعد: لقد رد النبي صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون التبتل ولو أحله له لاختصينا متفق عليهما وعن أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بالباءة وينهى عن التبتل نهياً شديداً ويقول " تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة " رواه سعيد وهذا حث على النكاح شديد ووعيد على تركه يقربه إلى الوجوب والتخلي منه إلى التحريم، ولو كان التخلي أفضل لانعكست الأحكام ولأن النبي صلى الله وعليه وسلم تزوج وبالغ في العدد وفعل ذلك أصحابه ولا يشتغل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلا بالأفضل ولا يجتمع الصحابة على ترك الأفضل والاشتغال بالأدنى، ومن العجب أن من يفضل التخلي لم يفعله فكيف أجمعوا على النكاح في فعله وخالفوا في فضله فما كان فيهم من يتبع الأفضل عنده ويعمل

بالأولى ولأن مصالح النكاح أكثر فإنه يشتمل على تحصين الدين وإحرازه وتحصين المرأة وحفظها والقيام بها وايجاد النسل وتكثير الأمة وتحقيق مباهاة النبي صلى الله عليه وسلم وغير ذلك من المصالح الراجح أحدها على نقل العبادة فمجموعها أولى وقد روينا في أخبار المتقدمين أن قوماً ذكروا لنبي لهم فضل عابد لهم فقال أما أنه لتارك لشئ من السنة فبلغ العابد فأتى فسأله عن ذلك فقال إنك تركت التزويج فقال يا نبي الله وما هو إلا هذا؟ فلما رأى النبي احتقاره لذلك قال أرأيت لو ترك الناس كلهم التزويج من كان يقوم بالجهاد وينفي العدو أو يقوم بفرائض الله وحدوده وأما ما ذكر عن يحيى فهو شرعه وشرعنا بخلافه فهو أولى والبيع لا يشتمل على مصالح النكاح ولا يقاربها (القسم الثالث) من لا شهوة له أما لأنه لا شهوة له كالعنين أو ذهبت شهوته لمرض أو كبر ونحوه ففيه وجهان (أحدهما) يستحب له النكاح لما ذكرنا (والثاني) التخلي له أفضل فإنه لا يحصل مصالح النكاح ويمنع زوجته من التحصين بغيره ويضربها بحبسها عن نفسه ويعرض نفسه لواجبات وحقوق ولعله لا يقوم بها ويشتغل عن العلم والعبادة بما لا فائدة فيه والإخبار تحمل على من له شهوة لما فيها من القرائن الدالة عليها (فصل) وظاهر كلام أحمد أنه لا فرق بين القادر على الإنفاق والعاجز عنه فإنه قال ينبغي للرجل

مسألة: وعن أحمد أن النكاح واجب على الإطلاق

ان يتزوج فان كان عنده ما ينفق أنفق وإن لم يكن عنده صبر ولو تزوج بشر كان قدتم أمره واحتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبح وما عندهم شئ ويمسي وما عندهم شئ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم زوج رجلاً لم يقدر إلا على خاتم حديد ولا وجد إلا إزاره ولم يكن له رداء أخرجه البخاري قال أحمد في رجل قليل الكسب يضعف قبله عن العيال الله يرزقهم، التزويج أحصن له ربما أتى عليه وقت لا يمكن قلبه الصبر وهذا في حق من يمكنه التزويج فأما من لا يمكنه فقد قال الله تعالى (وليستعفف الذين لا يجدون نكاحاً حتى يغنيهم الله من فضله) (مسألة) (وعن أحمد أن النكاح واجب على الإطلاق) اختاره أبو بكر عبد العزيز وحكاه عن أحمد وحكي عن أحمد أنه يجب في العمر مرة للآية والخبر والمشهور في المذهب أنه ليس بواجب إلا أن يخاف على نفسه الوقوع في محضور بتركه فيلزمه إعفاف نفسه وهو قول أكثر الفقهاء لأن الله تعالى حين أمر به علقه على الاستطابة بقوله (فانكحوا ما طاب لكم من النساء) والواجب لا يقف على الاستطابة (وقال مثنى وثلاث ورباع) ولا يجب ذلك بالاتفاق فدل على أن المراد بالأمر الندب وكذلك الخبر يحمل على الندب أو على من يخشى على نفسه الوقوع في المحظور بترك النكاح قال القاضي وعلى هذا يحمل كلام أحمد وابي بكر في إيجاب النكاح والله أعلم

مسألة: ويستحب تخير ذات الدين الولود البكر الحسيبة الأجنبية

(مسألة) (ويستحب تخير ذات الدين الولود البكر الحسيبة الأجنبية) لقول النبي صلى الله عليه وسلم تنكح المرأة لما لها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظهر بذات الدين تربت يداك " متفق عليه والأولى ان لا يزيد على امرأة واحدة ذكره في المحرر لقول الله تعالى (فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة) ولقوله سبحانه (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم) ويختار الولود لما روى أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول تزوجوا الولود الودود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة رواه سعيد وروي معقل بن يسار قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني أصبت امرأة ذات حسب ومنصب إلا أنها لا تلد أفأتزوجها؟ فنهاه ثم أتاه الثانية فنهاه ثم أتاه الثالثة فقال " تزوجوا الولود الودود فإني مكاثر بكم " رواه النسائي وعن علي بن الحسين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " يا بني هاشم عليكم بنساء الأعاجم فالتمسوا أولادهن فإن في ارحامنهن البركة " قال ويختار البكر لقول النبي صلى الله عليه وسلم " أتزوجت يا جابر؟ " قال قلت نعم قال " بكراً أم ثيباً " قال قلت بل ثيباً قال " فهلا بكراً تلاعبها وتلاعبك " متفق عليه وعن عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " عليكم بالإبكار فإنهن أعذب أفواها وأنقى أرحاماً وأرضى باليسير "

وفي رواية " وأفتح أرحاما " رواه الإمام أحمد ويختار الحسيبة ليكون ولدها نجيبا فإنه ربما أشبه اهلها ونزع البهم وكان يقال إذا أردت أن تتزوج امرأة فانظر إلى أبيها وأخيها وعن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " تخيروا لنطفكم وانكحوا الأكفاء وانكحوا إليهم " ويختار الأجنبية فإن ولدها أنجب ولهذا يقال أغربوا لا تضووا يعني انكحوا الغراب كي لا تضعف أولادكم وقيل الغراب أنجب وبنات العم أصبر ولأنه لا يؤمن العداوة في النكاح وإفضاءه إلى الطلاق وإذا كان في قرابة أفضى إلى قطيعة الرحم المأمور بصلتها ويختار الجميلة لأنه أسكن لنفسه وأغض لبصره وأكمل لمودته ولذلك شرع النظر قبل النكاح وروي عن محمد بن أبي بكر بن عمرو بن حزم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " إنما النساء لعب فإذا اتخذ أحدكم لعبة فليستحسنها " وعن أبي هريرة قال قييا رسول الله أي النساء خير؟ قال " التي تسره إذا نظر وتطيعه إذا أمر ولا تخالفه في نفسها ولا في ماله بما يكره " رواه الإمام أحمد والنسائي وعن يحيى بن جعدة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " خير فائدة أفادها المرء المسلم بعد إسلامه امرأة جميلة تسره إذا نظر إليها وتطيعه إذا أمرها وتحفظه في غيبته في ماله ونفسها " رواه سعيد ويختار ذات العقل ويجتنب الحمقاء لأن النكاح يراد للعشرة ولا تصلح العشرة مع الحمقاء ولا يطيب العيش معها وربما تعدى معها ذلك إلى ولدها وقد قيل اجتنبوا الحمقاء فان ولدها صياع وصحبتها بلاء

مسألة: ويجوز لمن أراد خطبة امرأة النظر إلى وجهها في غير خلوة بها

(مسألة) (ويجوز لمن أراد خطبة امرأة النظر إلى وجهها من غير خلوه بها) وعنه له النظر إلى ما يظهر غالباً كالرقبة واليدين والقدمين قال شيخنا لا نعلم بين أهل العلم في إباحة النظر إلى المرأة لمن أراد نكاحها خلافاً لما روى جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل " فخطبت امرأة فكنت أتخبأ لها حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها فتزوجتها رواه أبو داود وفيه أحاديث كثيرة سوى هذا ولأن النكاح عقد يقتضي التمليك فكان للعاقد النظر إلى المعقود عليه كالأمة المستامة ولا بأس بالنظر إليها بإذنها وغير إذنها لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالنظر وأطلق ومن حديث جابر فكنت أتخبأ لها وفي حديث المغيرة ابن شعبة أنه استأذن أبوبها في النظر إليها فكرهاه فأذنت له المرأة رواه سعيد ولا تجوز الخلوة بها لأنها محرمة ولم يرد الشرع بغير النظر فبقيت على التحريم ولاته لا يؤمن مع الخلوة مواقعة المحظو فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يخلون رجل بامرأة فإن ثالثهما الشيطان " ولا ينظر إليها نظر تلذذ وشهوة ولا لربية قال أحمد في رواية صالح ينظر إلى الوجه ولا تكون على طريق لذة وله تكرار النظر إليها وتأمل محاسنها لأن المقصود إنما يحصل بذلك

(فصل) ولا خلاف بين أهل العلم في إباحة النظر إلى وجهها لأنه ليس بعورة وهو مجمع المحاسن وموضع النظر ولا يباح له النظر إلى ما يظهر عادة وحكي عن الأوزاعي أنه ينظر إلى مواضع اللحم وعن داود أنه ينظر إلى جميعها لظاهر قوله عليه السلام " انظر إليها " ولنا قوله تعالى (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) روي عن ابن عباس أنه قال هو الوجه وباطن الكف ولأن النظر أبيح للحاجة فيختص بما تدعوا الحاجة إليه والحديث مطلق ومن نظر إلى وجه إنسان سمي ناظراً إليه ومن رآه وعليه ثيابه سمي رائياً له قال الله تعالى (وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم) فأما ما يظهر غالباً سوى الوجه والكفين والقدمين ونحو ذاك مما تظهره المرأة في منزلها ففيه روايتان إحداهما لا يباح النظر إليه لأنه عورة فلم يبح النظر إليه كالذي لا يظهر فإن عبد الله روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " المرأة عورة " حديث حسن ولأن الحاجة تندفع بالنظر إلى الوجه فبقي ما عداه على التحريم والثانية له النظر الى ذلك قال أحمد في رواية حنبل لا بأس ان ينظر إليها عند الخطبة حاسرة وقال الشافعي ينظر إلى الوجه والكفين ووجه جواز النظر إلى ما يظهر غالباً أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أذن في النظر إليها من غير علمها علم أنه أذن في النظر إلى جميع ما يظهر غالباً إذ لا يمكن إفراد الوجه بالنظر مع مشاركة غيره له في الظهور ولأنه يظهر غالباً

مسألة: وله النظر إلى ذلك وإلى الرأس والساقين من الأمة المستامة ومن ذوات محارمه وعنه لا ينظر من ذوات محارمه إلا إلى الوجه والكفين

فأبيح النظر إليه كالوحه ولأنها امرأة أبيح له النظر إليها من الشارع فأبيح النظر منها إلى ذلك كذوات المحارم وقد روى سعيد عن سفيان عن عمرو بن دينار عن أبي جعفر قال خطب عمر بن الخطاب ابنة علي فذكر منها صغراً فقالوا له إثما ردك فعاوده فقال أرسل بها إليك تنظر إليها فرضيها فكشف عن ساقها فقالت أرسل لولا أنك أمير المؤمنين للطمت عينك (مسألة) (وله النظر إلى ذلك وإلى الرأس والساقين من الأمة المستامة ومن ذوات محارمه وعنه لا ينظر من ذوات محارمه إلا إلى الوجه والكفين) يجوز له النظر إلى ذلك من الأمة المستامة كما يجوز إلى من يريد خطبتها قياساً عليها بل الأمة المستامة أولى لأنها تراد للاستمتاع وغيره من التجارة فيها وحسنها يزيد في ثمنها فأما ذوات المحارم فيجوز النظر منهن إلى ما يظهر غالباً كالرقبة والرأس والكفين والقدمين ونحو ذلك وليس له النظر إلى مالا يظهر غالباً كالصدر والظهر ونحوهما قال الا ثرم سألت أبا عبد الله عن الرجل ينظر إلى شعر امرأة أبيه وصدرها قال لا ما يعجبني ثم قال أنا أكره أن ينظر من أمه وأخته إلى مثل هذا وإلى كل شئ لشهوة وذكر القاضي أن حكم الرجل مع ذوات محارمه حكم الرجل مع الرجل والمرأة مع المرأة وقال أبو بكر كراهية أحمد النظر إلى ساق أمه وصدرها

على التوقي لأنه يدعو إلى الشهوة يعني أنه يكره ولا يحرم ومنع الحسن والشعبي والضحاك النظر إلى شعر ذوات المحارم وهو إحدى الروايتين عن أحمد، بنت المهلب قالت قلت للحسن ينظر الرجل إلى قرط أخته أو إلى عنقها قال لا ولا كرامة وقال لو دخلت على أمي لقلت أيتها العجوز غطي شعرك والصحيح إباحة النظر إلى ما يظهر غالباً لقول الله تعالى (ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن) الآية وقالت سهلة بن سهيل يا رسول الله إنا كنا نرى سالماً ولداً فكان يأوي معي ومع أبي حذيفة في بيت واحد ويراني فضلاً وقد أنزل الله فيهم ما قد علمت فكيف ترى فيه؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم " أرضعيه " فأرضعته خمس رضعات فكان بمنزلة ولدها رواه مسلم بمعناه وأبو داود وهذا دليل على أنه كان ينظر منها إلى ما يظهر غالباً فإنها قالت يراني فضلا ومعناه في ثياب البذلة التي لا تستر أطرافهما قال امرؤ القيس فجئت وقد نضت لنوم ثيابها لدى الستر إلا لبسة المتفضل ومثل هذا يظهر منه الأطراف والشعر وكان يراها كذلك إذا اعتقدته ولداً ثم دلهم النبي صلى الله عليه وسلم على ما يستديمون به ما كانوا يعتقدونه ويفعلونه وروى الشافعي في مسنده عن زينب بنت أبي مسلمة أنها ارتضعت من أسماء امرأة قالت فكنت أراه أباً وكان يدخل علي وأنا امشط رأسي فيأخذ ببعض قرون رأسي ويقول أقبلي علي ولأن النحرز من هذا لا يمكن فأبيح كالوجه وما لا يظهر غالباً

لا يباح لأن الحاجة لا تدعو إليه ولا تؤمن معه الشهوة ومواقعة المحظور فحرم النظر إليه كما تحت السرة (فصل) وذوات محارمه كل من حرم نكاحها على التأبيد بنسب أو رضاع أو تحريم المصاهرة بسبب مباح لما ذكرنا من حديث سالم وزينب وعن عائشة أن أفلح أخا أبي القيس استأذن عليها بعد ما أنزل الحجاب فأبت أن تأذن له فقال النبي صلى الله عليه وسلم " ايذني له فإنه عمك تربت يمينك " وقد ذكر الله آباء بعولتهن كما ذكر آباء هن وأبناءهن في إبداء الزينة لهم، وتوقف أحمد عن النظر إلى شعر أم المرأة وبنتها لأنهما غير مذكورتين في الآية قال القاضي إنما حكى قول سعيد بن جبير ولم يأخذ به وقد صرح في رواية المروذي أنه محرم يجوز له المسافرة بها وقال في رواية أبي طالب ساعة يعقد عقدة النكاح تحرم عليه أم امرأته فله أن يرى شعرها ومحاسنها ليست مثل التي سرى بها لا يحل له أبداً أن ينظر إلى شعرها ولا إلى شئ من جسدها وهي حرام عليه (فصل) فأما أم المزني بها وابنتها فلا يحل له النظر إليهن وإن حرم نكاحهن لأن تحريمهن بسبب

مسألة: وللعبد النظر إليهما من مولاته

محرم فلم يفد اباحة النظر كالحرمة باللعان وكذلك بنت الموطوءة بشبهة وأمها ليست من ذوات محارمه وكذلك الكافر ليس بمحرم لقرابته المسلمة، وقال أحمد في يهودي أو نصراني أسلمت بنته لا يسافر بها ليس هو محرماً لها في السفر أما النظر فلا يجب عليها الحجاب منه لأن أبا سفيان أتى المدينة وهو مشرك فدخل على ابنته أم حبيبة فطوت فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم لئلا يجلس عليه ولم تحتجب منه ولا أمرها به رسول الله صلى الله عليه وسلم (مسألة) (وللعبد النظر إليهما من مولاته) يعني إلى الوجه والكفين لقول الله تعالى (أو ما ملكت أيمانهن) ولما روت ام سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " قال إذا كان لإحداكن مكاتب فملك ما يؤدي فلتحتجب منه " قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح، وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى فاطمة بعبد قد وهبه لها وعلى فاطمة ثوب إذا قنعت به رأسها لم يبلغ رجليها وإذا غطت به رجليها لم يبلغ رأسها فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تلقى قال " إنه ليس عليك بأس إنما هو أبوك ورواه أبو داود وأما النظر إلى شعرها فكرهه أبو غلامك "

مسألة: ولغير أولي الأربة من الرجال كالكبير والعنين ونحوهما النظر إلى ذلك وعنه لا يباح

عبد الله وسعيد بن المسيب وطاوس ومجاهد والحسن، وأباحه ابن عباس لما ذكرنا من الآية والخبرين ولأن الله تعالى قال (ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات - الى قوله - ليس عليكم لا عليهم جناح بعدهن طوافون عليكم بعضكم على بعض) ولأنه يشق التحرز منه فأبيح له ذلك كذوي المحارم وجعله بعض أصحابنا كالأجنبي، والصحيح ما قلنا إن شاء الله تعالى (مسألة) (ولغير أولي الأربة من الرجال كالكبير والعنين ونحوهما النظر إلى ذلك وعنه لا يباح) من لا شهوة له من الرجال كالمخنث ومن ذهبت شهوته لكبر وعنة أو مرض لا يرجى برؤه والشيخ الخصي فحكمه حكم ذي المحرم في النظر لقول الله تعالى (والتابعين غير أولي الإربة من الرجال) أي غير أولي الحاجة إلى النساء قاله ابن عباس وعنه هو المخنث الذي لا يقوم أربه وعن مجاهد وقتادة الذي لا أرب له في النساء، فإن كان المخنث ذا شهوة ويعرف أمر النساء فحكمه حكم غيره، لأن عائشة قالت دخل علي أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مخنث فكانوا يعدونه من غير أولي الأربة فدخل علينا النبي صلى الله عليه وسلم وهو ينعت امرأة أنها إذا أقبلت أقبلت بأربع وإذا أدبرت أدبرت بثمان فقال " لا أرى هذا يعلم ما ههنا لا يدخلن عليكم هذا " فحجبوه رواه أبو داود

مسألة: وللشاهد النظر إلى وجه المشهود عليها

وغيره قال ابن عبد البر ليس المخنث الذي تعرف فيه الفاحشة خاصة وإنما التخنيث شدة التأنيث في الخلقة حتى يشبه المرأة في اللين والكلام والنغمة والنظر والعقل، فإذا كان كذلك لم يكن له في النساء أرب وكان لا يفطن لأمور النساء فهو من غير أولي الإربة الذين لم يبح لهم الدخول على النساء الا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمنع ذاك المخنث من الدخول على النساء فلما سمعه يصف ابنه غيلان وفهم أمر النساء أمر بحجبه، وعنه لا يباح لأنه ذكر بالغ أجنبي فلم يبح له ذلك كالذي له أرب (مسألة) (وللشاهد النظر إلى وجه المشهود عليها) لتكون الشهادة واقعة على عينها قال أحمد لا يشهد على امرأة إلا أن يكون قد عرفها بعينها وكذلك من يقابل المرأة في بيع أو إجارة فله النظر إلى وجهها لعيرفها بعينها فيرجع عليها بالدرك وقد روي عن أحمد كراهة ذلك في حق الشابة دون العجوز ولعله كرهه من يخاف الفتنة أو يستغني عن المعاملة فأما مع الحاجة وعدم الشهودة فلا بأس (مسألة) (وللطيب النظر إلى ما تدعو الحاجة إلى نظره إليه من بدنها من العورة وغيرها فإنه موضع حاجة وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما حكم سعداً في بني قريظة كان يكشف عن

مسألة: فإن كان ذا شهوة فهو كذي المحرم

مؤتزرهم وعن عثمان أنه أتى بغلام قد سرق فقال " انظروا إلى مؤتزره " فلم يجدوه أنبت الشعر فلم يقطعه (مسألة) (وللصبي المميز غير ذي الشهوة النظر إلى المرأة إلى ما فوق السرة وتحت الركبة في إحدى الروايتين) لأن الله تعالى قال (ليس علكيم ولا عليهم جناح بعدهن طوافون عليكم بعضكم على بعض) وقال (إذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم) فدل على التفريق بين البالغ وغيره قال أبو عبد الله. حجم أبو طيبة أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وهو غلام، والرواية الأخرى حكمه حكم ذي المحرم في النظر إذا كان ذا شهوة لقول الله تعالى (أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء) قيل لأبي عبد الله متى تغطي المرأة رأسها من الغلام قال: إذا بلغ عشر سنين (مسألة) (فإن كان ذا شهوة فهو كذي المحرم) لقوله تعالى (وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم) الآية وعنه أنه كالأجنبي لأنه في معنى البالغ في الشهوة وهو المعنى المقتضي للحجاب وتحريم النظر ولقوله تعالى (أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء) فأما الغلام الطفل غير المميز فلا يجب الاستتار منه في شئ

مسألة: وللمرأة مع المرأة والرجل مع الرجل النظر إلى ما عدا ما بين السرة والركبة وعنه أن الكافرة مع المسلمة كالأجنبي

(مسألة) (وللمرأة مع المرأة والرجل مع الرجل النظر إلى ما عدا ما بين السرة والركبة وعنه أن الكافرة مع المسلمة كالأجنبي) يجوز للرجل مع الرجل النظر من صاحبه إلى ما ليس بعورة وفيها روايتان (إحداهما) ما بين السرة والركبة والأخرى الفرجان وقد ذكرناهما في باب ستر العورة ولا فرق بين الأمرد ذي اللحية إلا أن الأمرد إذا كان جميلاً يخاف الفتنة بالنظر إليه لم يجز تعمد النظر إليه، فقد روي عن الشعبي قال قدم وفد عبد القيس على النبي صلى الله عليه وسلم وفيهم غلام أمرد ظاهر الوضاءة فأجلسه النبي صلى الله عليه وسلم وراء ظهره رواه أبو حفص، قال المروذي سمعت أبا بكر الأعين يقول قدم علينا إنسان من خراسان صديق لأبي عبد الله ومعه غلام ابن أخت له وكان جيملا فمضى إلى أبي عبد الله فحدثه فلما قمنا جاء إلى الرجل وقال له من هذا الغلام منك؟ قال ابن أختي قال: إذا جئتني لا يكون معك والذي أرى لك أن لا يمشي معك في طريق. فأما الغلام قبل السبع فلا عورة له يحرم النظر إليها وقد روي عن ابن أبي ليلى قال كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم قال فجاء الحسن " فجعل يتمرغ عليه فرفع مقدم قميصه أراه قال فقبل استه " رواه أبو حفص

مسألة: ويباح للمرأة النظر من الرجل إلى غير العورة وعنه لا يباح

(فصل) وحكم المرأة مع المرأة والرجل مع الرجل سواء ولا فرق بين المسلمتين بين والمسلمة والكافرة كما لا فرق بين الرجلين المسلمين وبين المسلم والذمي في النظر، وقال أحمد ذهب بعض الناس إلى أنها لا تضع خمارها عند اليهودية والنصرانية وأما أنا فأذهب إلى أنها لا تنظر إلى الفرج ولا تقبلها حين تلد وعن أحمد رواية أخرى أن المسلمة لا تكشف قناعها عند الذمية ولا تدخل معها الحمام وهو قول مكحول وسليمان بن أبي موسى لقوله تعالى (أو نسائهن) والأول أولى لأن النساء من اليهوديات وغيرهن قد كن يدخلن على نساء النبي صلى الله عليه وسلم فلم يكن يحجبن ولا أمرن بحجاب وقد قالت عائشة جاءت يهودية تسألها فقالت أعاذك الله من عذاب القبر فسألت عائشة رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر الحديث، وقالت أسماء قدمت على أمي وهي راغبة يعني عن الإسلام فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أفأصلها؟ قال " نعم " ولأن الحجب بين الرجال والنساء لمعنى لا يوجد بين المسلمة والذمية فوجب أن لا يثبت الحجب بينهما كالمسلم مع الذمي ولأن الحجاب إما أن يجب بنص أو قياس ولم يوجد واحد منهما وأما قوله ((أو نسائهن) فيحتمل أن يكون أراد جملة النساء (مسألة) (ويباح للمرأة النظر من الرجل إلى غير العورة وعنه لا يباح)

وهذه أحدى الروايتين والأخرى لا يباح لها النظر من الرجل إلا إلى مثله ما ينظر إليه منها اختاره أبو بكر وهو أحد قولي الشافعي لما روى الزهري عن نبهان عن أم سلمة قالت كنت قاعدة عند النبي صلى الله عليه وسلم أنا وحفصة فاستأذن ابن أم مكتوم فقال النبي صلى الله عليه وسلم " احتجبن منه " فقلت يا رسول الله إنه ضرير لا يبصر قال " أفعميا وان أنتما لا تبصرانه؟ " رواه أبو داود وغيره ولأن الله تعالى أمر النساء بغض أبصارهن كما أمر الرجال به ولأنهن أحد نوعي الآدمين فحرم عليهن النظر إلى النوع الآخر قياساً على الرجال يحققه أن المعنى المرحم على الرجال خوف الفتنة وهذا في المرأة أبلغ لأنها أشد شهوة وأقل عقلاً فتسارع الفتنة إليها أكثر ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس " اعتدي في بيت ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك فلا يراك " وقالت عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه وأنا أنظر الى الحبشة يلعبون في المسجد متفق عليهما، ولما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من خطبة العيد مضى إلى النساء فذكرهن ومعه بلال فأمرهن بالصدقة ولأنهن لو منعن النظر لوجب على الرجال الحجاب كما وجب على النساء لئلا ينظرون إليهم فأما حديث نبهان فقال أحمد نبهان روى حديثين عجبيين هذا

مسألة: ويجوز النظر إلى الغلام لغير شهوة

الحديث والآخر " إذا كان لإحداكن مكاتب فلتحتجب منه " كأنه أشار إلى ضعف حديثه إذ لم يرو الاهذين الحديثين المخالفين للأصول وقال ابن عبد البر. نبهان مجهول لا يعرف إلا برواية الزهري عنه هذا الحديث وحديث فاطمة صحيح فالحجة به لازمة ثم يحتمل أن حديث نبهان خاص لأزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك قال أحمد وأبو داود قال الأثرم قلت لأبي عبد الله كان حديث نبهان لأزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة وحديث فاطمة لسائر الناس؟ قال نعم وإن قدر التعارض فتقديم الأحاديث الصحيحة أولى من الأخذ بحديث مفرد في إسناده مقال (مسألة) (ويجوز النظر إلى الغلام لغير شهوة) فأما النظر إليه لشهوة فلا يباح لانها تدعوا إلى الفتنة وقد ذكرنا ذلك (مسألة) (ولا يجوز النظر إلى أحد ممن ذكرنا لشهوة لما ذكرنا من خوف الفتنة) ومعنى الشهوة أنه يتلذذ بالنظر إليه والله أعلم (مسألة) (ولكل واحد من الزوجين النظر إلى جميع بدن الآخر ولمسه وكذلك السيد مع أمته) لما روى بهز بن حكيم قال قلت يارسول الله عوراتنا ما نأتي منها وما ندع؟ قال " احفظ عورتك الامن

زوجتك أو ما ملكت يمينك " رواه الترمذي وقال حديث حسن ولا فرق بين الفرج وغيره لعموم الحديث ولأن الفرج يباح الاستمتاع به فجاز النظر إليه ولمسه كبقية البدن وقيل يكره النظر إلى الفرج لقول عائشة ما رأيت فرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قط رواه ابن ماجه وفي لفظ قالت ما رأيته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا رآه مني قال أحمد في رواية جعفر بن محمد في المرأة تقعد بين يدي زوجها وفي بيتها مكشوفة في ثياب رقاق. فلا بأس به قلت تخرج من الدار إلى بيت مكشوفة الرأس وليس في الدار إلا هي وزوجها مرخص في ذلك (فصل) وحكم السيد حكم الزوج فيما ذكرنا وسواء في ذلك سريته وغيرها لأنه يباح له الاستمتاع بجيمع بدنها فأبيح له النظر إليه فأما ان زوج امته حرم عليه الاستمتاع بها والنظر منها إلى ما بين السرة والركبة لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا زوج أحدكم خادمه عبده أو أجيره فلا ينظر إلى ما دون السرة وفوق الركبة فإنه عورة " رواه أبو داود ومفهومه إباحة النظر إلى ما عداه وأما تحريم الاستمتاع بها فلا خلاف فيه فإنها قد صارت مباحة للزوج ولا تحل امرأة لرجلين فإن وطئها إثم وعليه التعزير لأنه فعل محرماً فإن أولدها فقال أحمد لا يلحقه

نسبه لانها فراش لغيره فلم يلحقه ولدها كالأجنبية قلت وقد ذكر في باب حكم أمهات الأولاد أنه يلحقه النسب لأنه وطئ سقط فيه الحد لشبهة الملك أشبه وطئ الجارية المرهونة (فصل) وأما نظر الرجل إلى الأجنبية من غير سبب فيحرم عليه النظر إلى جميعها في ظاهر كلام أحمد فإنه قال لا يأكل مع مطلقته هو أجنبي لا يحل له أن ينظر إليها كيف يأكل معها ينظر إلى كفها؟ لا يحل له ذلك وقال القاضي يحرم عليه النظر إلى ما عدا الوجه والكفين لأنه عورة ويباح له النظر إليهما مع الكراهة إذا أمن الفتنة ونظر بغير شهوة وهذا مذهب الشافعي لقول الله تعالى (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) قال ابن عباس الوجه والكفان وروت عائشة ان أسماء بنت أبي بكر دخلت علي رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثباب رقاق فأعرض عنها وقال يا أسماء " أن المرأة إذا بلغت المحيض لم تصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا " وأشار إلى وجهه وكفيه رواه أبو بكر وغيره ولأنه ليس بعورة فلم يحرم النظر إليه من غير ريبة كوجه الرجل ولنا قول الله تعالى (وإذا سألتموهن متاعا فاسئلوهن من وراء حجاب) وقول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا كان لاحدا كن مكاتب فملك ما يؤدي فلتحتجب منه " وكان الفضل ابن عباس رديف رسول الله

صلى الله عليه وسلم فجاءته الخثعمية تستفتيه وتنظر إليه فصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهه عنها، وعن جرير بن عبد الله قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجاءة فأمرني أن أصرف بصري حديث صحيح وعن علي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تتبع النظرة النظرة فإنما لك الأولى وليس لك الآخرة) رواهما أبو داود وفي إباحة النظر إلى المرأة إذا أراد تزويجها دليل على التحريم عند عدم ذلك إذ لو كان مباحاً على الإطلاق فما وجه التخصيص لهذه الحال وأما حديث أسماء إن صح فيحتمل أنه كان قبل نزول الحجاب فيحمل عليه (فصل) فأما العجوز التي لا تشتهى فلا بأس بالنظر إلى ما يظهر منها غالباً لقول الله تعالى (والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا) الآية قال ابن عباس في قوله تعالى (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم وقال للمؤمنات يغضضن من أبصارهن) نسخ واستثني من ذلك (القوعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا) الآية وفي معنى ذلك الشوهاء التي لا تشتهى (فصل) والأمة يباح النظر منها إلى ما يظهر غالباً كالوجه والرأس واليدين والساقين لأن عمر رضي الله عنه رأى أمة متكممة فضربها بالدرة وقال يالكاع تشتبهين بالحرائر وروي أبو حفص اسناده أن

عمر كان لا يدع أمة تقنع في خلافته وقال إنما القناع للحرائر ولو كان نظر ذلك منها محرماً لم يمنع من ستره بل أمر به وقد روي أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أخذ صفية قال الناس أجعلها أم المؤمنين أم أم ولد؟ فقالوا إن حجبها فهي أم المؤمنين وإن لم يحجبها فهي أم ولد فلما ركب وطأ لها خلفه ومد الحجاب بينه وبين الناس متفق عليه وهذا دليل على أن عدم حجب الإماء كان مستفيضاً بينهم مشهور اوا ن الحجب لغيرهن كان معلوماً وقال أصحاب الشافعي يباح النظر منها إلى ما ليس بعورة وهو ما فوق السرة وتحت الركبة وسوى بعض أصحاب الشافعي بين الحرة والأمة لقول الله تعالى (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) الآية ولأن العلة في تحريم النظر الخوف من الفتنة والفتنة المخوفة يستوي فيها الحرة والأمة فإن الحرية لا تؤثر في الأمر الطبيعي وقد ذكرنا ما يدل على التخصيص ويوجب الفرق بينهما وإن لم يفترقا فيما ذكروه افتراقا في الحرمة ومشقة السير لكن إن كانت المرأة جميلة يخاف الفتنة بها حرم النظر إليها كما يحرم إلى الغلام الذي لم تخش الفتنة بالنظر إليه قال أحمد في الأمة إذا كانت جميلة تنقب ولا ينظر إلى المملوكة كم من نظرة ألقت في قلب صاحبها البلابل (فصل) والطفلة التي لا تصلح للنكاح لا بأس بالنظر إليها قال أحمد في رواية الأثرم في الرجل

مسألة: ولا يجوز التصريح بخطبة المعتدة ولا التعريض بخطبة الرجعية

يأخذ الصغيرة فيضعها في حجره ويقبلها فإن كان يجد شهوة فلا وإن كان لغير شهوة فلا بأس وقد روى أبو بكر بإسناده عن عمر بن حفص المديني أن الزبير بن العوام أرسل بابنة له إلى عمر بن الخطاب مع مولاة له فأخذها عمر بيده وقال ابنة أبي عبد الله فتحركت الأجراس من رجلها فأخذها عمر فقطعها وقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " مع كل جرس شيطان " فأما إذا بلغت حداً يصلح للنكاح فإن عورتها مخالفة لعورة البالغة بدليل قوله عليه الصلاة والسلام " لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار " يدل على صحة صلاة من لم تحض مكشوفة فيحتمل أن يكون حكمها حكم ذوات المحارم كقولنا في الغلام المراهق مع النساء وقد روى أبو بكر عن ابن جريج قال قالت عائشة دخلت علي ابنة أخي فدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فأعرض فقلت يا رسول الله إنها ابنة أخي وجارية فقال " إذا عركت المرأة لم يجز لها أن تظهر إلا وجهها وما دون هذا " وقبض على ذراع نفسه فترك بين قبضتيه وبين الكف مثل قبضة أخرى أو نحوها احتج أحمد بهذا الحديث وتخصيص الحائض بهذا التحديد دليل على إباحة أكثر من ذلك في حق غيرها (مسألة) (ولا يجوز التصريح بخطبة المعتدة ولا التعريض بخطبة الرجعية)

مسألة: فأما الرجعية فلا يجوز لأحد التعريض لخطبتها ولا التصريح، لأنها في حكم الزوجات فهي كالتي في صلب نكاحه

أما التصريح بخطبة المعتدة فلا يجوز لأن قول الله تعالى (ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء) دليل على تحريم التصريح لأن التصريح لا يحتمل غير النكاح فلا يؤمن أن يحملها الحرص عليه على الأخبار بانقضاء عدتها قبل انقضائها والتعريض بخلافه (مسألة) (فأما الرجعية فلا يجوز لأحد التعريض لخطبتها ولا التصريح لأنها في حكم الزوجات فهي كالتي في صلب نكاحه) (مسألة) (ويجوز في عدة الوفاة وفي البائن بطلاق ثلاث) المعتدات على ثلاثة أضرب وحكمها حكم من هي في صلب النكاح وقد ذكرناها (الثاني) المعتدة من وفاة أو طلاق ثلاث أو فسح لتحريمها على زوجها كالفسخ برضاع أو لعان ونحوه مما لا يحل بعده لزوجها فهذه يجوز التعريض بخطبتها للآية ولما روت فاطمة بنت قيس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها لما طقلها زوجها ثلاثاً " إذا حللت فآذنيني " وفي لفظ " لا تسبقين بنفسك " وهذا تعريض لخطبتها في عدتها (مسألة) (وهل يجوز في عدة البائن بغير الثالث؟ على وجهين) هذا الضرب الثالث كالمختلفة والبائن بفسخ لعيب أو إعسار أو نحوه فلزوجها التصريح بخطبتها

مسألة: والتعريض قوله إني في مثلك لراغب ولا تفوتيني بنفسك وما أحوجني إلى مثلك

والتعريض لأنه مباح له نكاحها في عدتها فهو كغير المعتدة وهل يجوز لغيره التعريض بخطبتها؟ فيه وجهان وللشافعي فيه قولان (أحدهما) يجوز لعموم الآية ولأنها بائن أشبهت المطلقة ثلاثاً (والثاني) لا يجوز لأن الزوج يملك أن يستبيحها فهي كالرجعية والمرأة في الجواب كالرجل في الخطبة مما يحل ويحرم لأن الخطبة للعقد فلا يختلفان في حله وحرمته (مسألة) (والتعريض قوله إني في مثلك لراغب ولا تفوتيني بنفسك وما أحوجني إلى مثلك) وقال الزهري أنت مرغوب فيك وأنت جميلة وإذا حللت فآذنيني ونحو ذلك قال مجاهد مات رجل وكانت امرأته تشيع الجنازة فقال لها رجل لا تسبقينا بنفسك فقالت سبقك غيرك (مسألة) (وتجيبه المرأة ما يرغب عنك وإن قضى شئ كان وما أشبهه) (فصل) فأما التصريح فهو اللفظ الذي لا يحتمل غير النكاح نحو قوله زوجيني نفسك فإذا انقضت عدتك تزوجتك ويحتمل أن هذا معنى قوله تعالى (لا تواعدوهن سرا) فإن النكاح يسمى سراً قال الشاعر: فلم تطلبوا سرها للغنى * * ولن تسلموها لازهادها

مسألة: ولا يجوز للرجل أن يخطب على خطبة أخيه إن أجيب وإن رد حل وإن لم يعلم الحال فعلى وجهين

وقال الشافعي السر الجماع وأنشد لامرئ القيس ألا زعمت بسباسة القوم أنني * * كبرت وأن لا يحسن السر أمثالي ومواعدة السر أن يقول عندي جماع يرضيك فنهى عنه لما فيه من الهجر والفحش والدناءة والسخف (فصل) فإن صرح بالخطبة أو عرض في موضع يحرم التعريض ثم تزوجها بعد حلها صح نكاحه وقال مالك يطلقها تطليقة ثم يتزوجا ولا يصح هذا لأن هذا المحرم لم يقارن العقد فلم يؤثر فيه كما في النكاح الثاني أو كما لو رآها متجردة ثم تزجها (مسألة) (ولا يجوز للرجل أن يخطب على خطبة أخيه إن أجيب وإن رد حل وإن لم يعلم الحال فعلى وجهين) الخطبة بالكسر خطبة الرجل للمرأة ليتزوجها وبالضم حمد الله والتشهد ولا يخلو حال المخطوبة من ثلاثة أقسام (أحدها) أن تسكن إلى الخاطب لها فتجيبه أو تأذن لوليها في إجابته فهذه يحرم على غيره خطبتها لما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه " وعن أبي

هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك " متفق عليهما ولأن في ذلك إفساداً على الخاطب الأول وإيقاع العداوة بين الناس ولا نعلم في هذا خلافاً بين أهل العلم إلا أن قوماً حملوا النهي على الكراهة، والأول أولى (القسم الثاني) أن ترده لا تركن إليه فتجوز خطبتها لما روت فاطمة بنت قيس أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت أن معاوية وأبا جهم خطباها فقال النبي صلى الله عليه وسلم " أما معاوية فصعلوك لا مال له وأما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه، انكحي أسامة بن زيد " متفق عليه فخطبها النبي صلى الله عليه وسلم بعد إخبارها إياه بخطبة معاوية وأبي جهم لها ولأن تحريم خطبتها على هذا الوجه إضرار بها فإنه لا يشاء أحد أن يمنع المرأة إلا منعها بخطبة إياها وكذلك لو عرض لها في عدتها بالخطبة فقال لا تفوتيني بنفسك وأشباه هذا لم تحرم خطبتها لأن في قصة فاطمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا تفوتينا بنفسك " ولم يذكر خطبة أبي جهم ومعاوية لها وذكر ابن عبد البر أن ابن وهب روي بإسناده عن الحارث بن سعيد عن أبي رئاب أن عمر بن الخطاب خطب امرأة على جرير بن عبد الله وعلى مروان بن الحكم وعلى عبد اللبن عمر فدخل على المرأة وهي جالسة في بيتها فقال عمر: إن جرير بن عبد الله خطب وهو سيد أهل المشرق ومروان يخطب وهو سيد شباب قريش وعبد الله بن عمر وهو من قد علمتم وعمر بن الخطاب فكشفت المرأة الستر

فقالت أجاد أمير المؤمنين؟ فقال نعم فقالت قد أنكحت أمير المؤمنين فأنكحوه فهذا عمر قد خطب على واحد بعد واحد قبل أن يعلم ما تقول المرأة في الأول (القسم الثالث) أن يوجد من المرأة ما يدل على الرضى والسكون تعريضاً لا تصريحاً كقولها ما أنت الارضى وما عنك رغبة فهذه في حكم الأول لا تحل لغيره خطبتها هذا ظاهر كلام الخرقي وظاهر كلام أحمد فإنه قال إذا ركن بعضهم إلى بعض فلا يحل لأحد أن يخطب والركون يستدل عليه بالتعريض تارة وبالتصريح أخرى قال القاضي ظاهر كلام أحمد إباحة خطبتها وهو مذهب الشافعي في الجديد لحديث فاطمة حيث خطبها النبي صلى الله عليه وسلم وزعموا أن الظاهر من كلامها ركونها إلى أحدهما، واستدل القاضي بخطبته لها قبل سؤالها هل وجد منها ما يدل على الرضى أو لا ولنا عموم قوله عليه الصلاة والسلام " لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه " ولأنه وجد منها ما دل على الرضى فحرمت خطبتها كما لو صرحت، بذلك وأما حديث فاطمة فلا حجة لهم فيه فإن فيه ما يدل على أنها لم تركن إلى واحد منهما من وجهين (أحدهما) أن النبي صلى الله عليه وسلم قد كان قال لها " لا تسبقيني بنفسك " وفي رواية " إذا حللت فآذنيني " فلم تكن لتصاب بالإجابة قبل إذنه (الثاني)

مسألة: والتعويل في الإجابة والرد عليها إن لم تكن مجبرة وإن كانت مجبرة فعلى الولي

أنها ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم كالمستشيرة له فيهما أو في العدول عنهما وليس في الاستشارة دليل على أحد الأمرين ولا ميل إلى أحدهما على أنها إنما ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم لترجع إلى قوله ورأيه وقد أشار عليها بتركهما لما ذكر من عيبهما فجرى ذلك مجرى ردها لهما وتصريحها بمنعهما، ومن وجه آخر وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قد سبقهما بخطبتها تعريضاً بقوله لها ما ذكرنا فكانت خطبته لها مبنية على الخطبة السابقة بخلاف ما نحن فيه، فإن لم يعلم الحال فعلى وجهين (أحدهما) لا يجوز لعموم النهي (والثاني) يجوز لأن الأصل عدم الا جبة المحرمة (مسألة) (والتعويل في الإجابة والرد عليها إن لم تكن مجبرة وإن كانت مجبرة فعلى الولي) أما إذا لم تكن مجبرة فلأنها أحق بنفسها من وليها فإن أجاب هو ورغبت عن النكاح كان الأمر أمرها فإن أجاب وليها فرضيت فهو كإجابتها وإن سخطت فلا حكم لإجابته لأن الحق لها ولو أجاب الولي في حق المجبرة فكرهت المجاب واختارت غيره سقط حكم إجابة وليها لكون اختيارها مقدماً على اختياره وإن كرهته ولم تختر سواه فينبغي أن يسقط حكم الإجابة أيضاً لأنه قد أمر باستئمارها فلا ينبغي له أن يكرهها على من لا ترضاه، وإن أجابت ثم رجعت على الإجابة وسخطته زال حكم الإجابة لأن

لها الرجوع وكذلك إذا رجع الولي المجبر عن الإجابة زال حكمها لأن له النظر في أمر موليته ما لم يقع العقد، وإن لم ترجع هي ولا وليها لكن ترك الخاطب الخطبة وأذن فيها جازت خطبتها لما روي في حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى يأذن أو يترك رواه البخاري (فصل) وخطبة الرجل على خطبة غيره في موضع النهي محرمة قال أحمد: لا يحل لأحد أن يخطب في هذه الحال وقال أبو حفص العكبري هي مكروهة غير محرمة وهذا نهي تأديب ولنا ظاهر النهي فإن مقتضاه التحريم ولأنه نهي عن الإضرار بالآدمي المعصوم فكان على التحريم كالنهي عن أكل ماله فإن فعل فنكاحه صحيح نص عليه أحمد فقال لا نفرق بينهما وهذا مذهب الشافعي وروي عن مالك وداود أنه لا يصح وهو قياس قول أبي بكر لأنه قال في البيع على بيع أخيه هو باطل وهذا في معناه لأنه نكاح منهي عنه فكان باطلا كنكاح الشغار ولنا أن المحرم لم يقارن العقد فلم يؤثر كما لو صرح بالخطبة في العدة (فصل) ولا يكره للولي الرجوع إذا رأى المصلحة لها في ذلك لأن الحق لها وهو نائب عنها

في النظر لها فلم يكره له الرجوع إذا رأى المصلحة كما لو ساوم في بيع دارها ثم رأى المصلحة في تركها ولا يكره لها أيضاً الرجوع إذا كرهت الخاطب لأنه عقد عمر يدوم الضرر فيه فكان لها الاحتياط لنفسها والنظر في خطبتها وإن رجعا عن ذلك لغير غرض كره لما فيه من إخلاف الوعد والرجوع عن القول ولم يحرم لأن الحق بعد لم يلزمها كمن ساوم بسلعته ثم بدا له أن لا يبيعها (فصل) فإن كان الخاطب الأول ذمياً لم تحرم الخطبة على خطبته نص عليه أحمد فقال لا يخطب على خطبة أخيه ولا يساوم على سوم أخيه إنما هو للمسلمين، ولو خطب على خطبة يهودي أو نصراني أو ساوم على سومهم لم يكن داخلاً في ذلك لأنهم ليسوا بإخوة للمسلمين وقال ابن عبد البر لا يجوز أيضاً لأن هذا أخرج مخرج الغالب لا لتخصيص المسلم به ولنا ان لفظ النهي خاص في المسلمين وإلحاق غيره به إنما يصح إذا كان مثله وليس الذمي كالمسلم ولا حرمته كحرمته ولذلك لم تجب إجابتهم في دعوة الوليمة ونحوها، وقوله خرج مخرج الغالب قلنا متى كان في المخصوص معنى يصلح أن يعتبر في الحكم لم يجز حذفه ولا تعدية الحكم بدونه والإخوة الإسلامية لها تأثير في وجوب الاحترام وزيادة الاحتياط في رعاية حقوقه وحفظ قلبه واستيفاء مودته فلا يجوز حذف ذلك

مسألة: ويستحب عقد النكاح مساء يوم الجمعة

(مسألة) (ويتسحب عقد النكاح مساء يوم الجمعة) لأن جماعة من السلف استحبوا ذلك منهم ضمرة بن حبيب وراشد بن سعيد وحبيب بن عنية ولأنه يوم شريف ويوم عيد وفيه خلق آدم عليه السلام، والمساء أولى فإن أبا حفص روي بإسناده عن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " مسوا بالأملاك فإنه أعظم للبركة " ولأنه أقرب إلى مقصوده وأقل لانتظاره (مسألة) (ويستحب أن يخطب قبل العقد بخطبة ابن مسعود) خطبة العاقد أو غيره قبل الإيجاب والقبول مستحبة ثم يكون العقد بعد ذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم " كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أقطع " وقال " كل خطبة ليس فيها شهادة فيها شهادة فهي كاليد الجذماء " رواهما ابن المنذر، ويجزئ من ذلك ان يحمد الله تعالى ويتشهد يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويستحب أن يخطب بخطبة ابن مسعود التى قال علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد في الصلاة والتشهد في الحاجة قال التشهد الحمد لله نحمده ونستعينه ونعوذ بالله من شرور انفسنا من يهدي الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد ان لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ويقرأ ثلاث آيات (اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون * واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا * اتقوا

الله وقولوا قولا سديدا يصلح) الآية رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن، قال الخلال ثنا أبو سليمان أمام طرسوس قال كان أحمد بن حنبل إذا حضر عقد نكاح فلم يخطب فيه بخطبة ابن مسعود قام وتركهم وهذا كان من أبي عبد الله على طريق المبالغة باستحبابها لا على الإيجاب لها فإن حرب بن اسماعيل قال قلت لأحمد فيجب أن تكون خطبة النكاح مثل قول ابن مسعود فوسع في ذلك وقد روي عن ابن عمر أنه كان إذا دعى لتزويج قال لا تغصوا علينا الناس الحمد لله وصلى الله على محمد إن فلانا يخطب إليكم فإن أنكحتموه فالحمد لله وإن رددتموه فسبحان الله، والمستحب خطبة يخطبها الولي أو الزوج أو غيرهما فقال الشافعي المسنون خطبتان هذه التي ذكرناها في أوله وخطبة من الزوج قبل قبوله والمنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن السلف خطبة واحدة وهو أولى ما اتبع (فصل) وليست الخطبة واجبة عند أحد من أهل العلم إلا داود فإنه أوجبها لما ذكرناه ولنا أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم زوجنيها فقال رسول الله صلى الله عليه زوجتكها بما معك من القرآن متفق عليه ولم يذكر خطبة وخطب إلى ابن عمر مولاة له فما زاد على أن قال قد

مسألة: يستحب أن يقال للمتزوج بارك الله لكما وعليكما وجمع بينكما في خير وعافية

أنكحتك على ما أمر الله على إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان وقال جعفر بن محمد عن أبيه أن كان الحسين ليزوج بعض بنات الحسن وهو يتعرق العرق رواهما ابن المنذر وروى أبو داود باسناده عن رجل من بني سليم قال خطبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إمامة بنت عبدا لمطلب فأنكحني من غير أن يتشهد ولأنه عقد معاوضة فلم تجب فيه الخطبة كالبيع وما استدلوا به يدل على عدم الكمال بدون الخطبة لا على الوجوب (مسألة) (يستحب أن يقال للمتزوج بارك الله لكما وعليكما وجمع بينكما في خير وعافية) وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى على عبد الرحمن ابن عوف صفرة فقال " ماهذا؟ " قال إني تزوجت على وزن نواة قال " بارك الله لك أو لم ولو يشاة " متفق عليه قال بعض أهل العلم وزن نواة خمسة دراهم وذلك ثلاثة مثاقيل ونصف من الذهب وقال المبرد الصواب عند أهل العربية أن يقال نواة فحسب فإن النواة

مسألة: ويقول إذا زفت إليه اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه

عندهم اسم خمسة دراهم كما أن الأوقية أربعون درهما والنش عشرون (مسألة) (ويقول إذا زفت إليه اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه) لما روى صالح بن أحمد في مسائله عن أبيه ثنا داود عن أبي نضرة عن أبي أسعد مولى أبي أسيد قال تزوج فحضره عبد الله بن مسعود وابوذر وحذيفة وغيرهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فحضرت الصلاة فقدموه وهو مملوك فصلى بهم ثم قالوا له إذا دخلت على أهلك فصل ركعتين ثم خذ رأس أهلك فقل اللهم بارك لي في أهلي وبارك لأهلي في وارزقهم مني وارزقني منهم ثم شأنك وشأن أهلك وروى أبو داود بإسناده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه قال " إذ تزوج امرأة واشترى خادماً فليقل اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه وإذا اشترى بعيراً فليأخذ بذروة سنامه وليقل مثل ذلك (باب أركان النكاح وشروطه) أركانه الإيجاب والقبول فلا ينعقد إلا بلفظ النكاح والتزويج بالعربية لمن يحسنها وبمعناهما الخاص بكل لسان لم لا يحسنهما

وجملته أن النكاح ينعقد بلفظ النكاح والتزويج والجواب عنهما إجماعاً وهما اللذان ورد بهما نص الكتاب في قوله سبحانه (زوجناكها) وقوله (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء) وسواء اتفقا من الجانبين أو اختلفا مثل أن يقول زوجتك ابنتي فيقول قبلت هذا النكاح أو هذا التزويج ولا ينعقد بغير هذين اللفظين وبه قال عطاء وسعيد بن المسيب والزهري وربيعة والشافعي وقال الثوري والحسن ابن صالح وأبو حنيفة وأصحابه وأبو ثور وأبو عبيد ينعقد بلفظ الهبة والصدقة والبيع والتمليك وفي لفظ الإجارة عن أبي حنيفة روايتان وقال مالك ينعقد بذلك إذا ذكر المهر واحتجوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم زوج رجلاً امرأة فقال " ملكتكها بما معك من القرآن " رواه البخاري ولأنه لفظ ينعقد به تزويج النبي صلى الله عليه وسلم فانعقد به نكاح أمته كلفظ الإنكاح والتزويج ولأنه أمكن تصحيحه بمجازه فوجب تصحيحه كإيقاع الطلاق بالكنايات ولنا قوله تعالى (وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي - إلى قوله - خالصة لك من دون المؤمنين) فذكر ذلك خالصاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأنه لفظ ينعقد به غير النكاح فلم ينعقد به النكاح كلفظ الإجارة والإباحة والاحلال ولانه لبس بصريح في النكاح فلا ينعقد به كالذي ذكرنا وهذا لأن الشهادة شرط في النكاح والكتاية انما

تعمل بالنية ولا يمكن الشهادة على النية لعدم إطلاعهم عليها فيجب ان لا ينعقد وبهذا فارق بقية العقود والطلاق وأما الخبر فقد روي " زوجتكها وأنكحتكها وزوجناكها " من طرق صحيحة والقصة واحدة فالظاهر أن الراوي روى بالمعنى ظنا منه أن معناهما واحد فلا يكون حجة وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الالفا ظفلا حجة لهم فيه لأن النكاح انعقد بأحدها والباقي فضلة (فصل) ومن قدر على لفظ النكاح بالعربية لم يصح عقده بغيرها وهذا أحد أقوال الشافعي وعند أبي حنيفة ينعقد لأنه أتى بلفظه الخاص فانعقد به كما ينعقد بالعربية ولنا أنه عدل عن لفظ الإنكاح والتزويج مع القدرة عليه فلم يصح كلفظ الإحلال ولأن الشهادة شرط في النكاح وهي واقعة على اللفظ وغير هذا اللفظ ليس بموضوع للنكاح وإنما يصرف إليه بالنية ولا شهادة عليها فيخلو النكاح عن الشهادة وما قاله أبو حنيفة أقيس قياساً على سائر العقود وما ذكروه من تعذر الشهادة على غير العربية ملغي بما إذا لم يحسن العربية (فصل) فأما من لا يحسن العربية فيصح منه عقد النكاح بلسانه لأنه عاجز عما سواه فسقط عنه

مسألة: ولا يملك إجبار عبده الكبير إذا كان عاقلا

كالأخرس ويحتاج إلى أن يأتي بمعناهما الخاص بحيث يشتمل على معنى اللفظ العربي (مسألة) (فإن قدر على تعلمها بالعربية لم يلزمه ذلك) وفيه وجه ذكره أبو الخطاب أنه يلزمه لأن ما كانت العربية شرطاً فيه لزمه أن يتعلمها مع القدرة كالتكبير ولنا أن النكاح غير واجب فلم يجب تعلم أركانه بالعربية كالبيع بخلاف التكبير (مسألة) (والقبول أن يقول قبلت هذا النكاح أو ما يقوم مقامه في حق من لا يحسن) فإن كان أحد المتعاقدين يحسن العربية دون الآخر أتى الذي يحسن العربية بها والآخر يأتي بلسانه فإن كان أحدهما لا يحسن لسان الآخر احتاج أن يعلم أن اللفظة التي أتي بها صاحبه لفظة الإنكاح بأن يخبره بذلك ثقة يعرف اللسانين جميعاً (فصل) وأما الأخرس فإن فهمت إشارته صح نكاحه بها لأنه معنى لا يستفاد إلا من جهته فصح بإشارته كبيعه وطلاقه ولعانه وفي إشارة القادر على النطق وجهان ذكرهما في المجرد أولهما عدم الصحة للاستغناء عنها ان لم تفهم إشارته لم يصح منه كما لا يصح غيره من التصرفات القولية ولأن النكاح عقد

مسألة: فإن اقتصر على قوله قبلت بأن يقول الولي زوجتك ابنتي فيقول قبلك صح وانعقد النكاح

بين شخصين فلابد من فهم كل واحد منهما ما يصدر عن صاحبه ولو فهم ذلك صاحبه العاقد معه لم يصح حتى يفهم الشهود أيضاً لأن الشهادة شرط ولا يصح على ما لا يفهم قال أحمد لا يزوجه وليه يعني إذا كان بالغاً لأن الخرس لا يوجب الحجر كالصمم (مسألة) (فان اقتصر على قوله قبلت بأن يقول الولي زوجتك ابنتي فيقول قبلت صح وانعقد النكاح) وقال الشافعي في أحد قوليه لا ينعقد حتى يقول قبلت هذا النكاح أو هذا التزويج لأنه كناية في النكاح يفتقر إلى النية والاضمار فلم ينعقد به كلفظ الهبة والبيع ولنا أن القبول صريح في الجواب فانعقد به كما ينعقد به البيع وسائر العقود وقولهم يفتقر إلى النية ممنوع فإنه جواب لا ينصرف إلا إلى الذكور وكذلك إن قال الخاطب للولي أزوجت؟ قال نعم وللمتزوج أقبلت؟ قال نعم صح. ذكره الخرقي ويحتمل أن لا يصح لأن النكاح إنما يصح بلفظ الإنكاح والتزويج ولا نطق الولي بواحد منهما ولا نطق المتزوج بالقبول وقال الشافعي لا ينعقد حتى يقول معه زوجتك

مسألة: فإن تقدم القبول الإيجاب لم يصح

بنتي ويقول الزوج قبلت هذا التزويج لأن هذين ركنا العقد فلا ينعقد بدونهما ولنا أن نعم جواب لقوله زوجتك وقبلت والسؤال مضمر في الجواب معاد فيه فيكون معنى نعم من الولي زوجته ابنتي ومعنى نعم من المتزوج قبلت هذا التزويج ولا احتمال فيه فيجب أن ينعقد به ولذلك لما قال الله تعالى (هل وجدتم ما وعد ربكم حقا؟ قالوا نعم) كان إقراراً منهم بوجدان ذلك أنهم وجدوا ما وعدهم ربهم حقا، ولو قيل لرجل لي عليك الف درهم قال نعم كان إقراراً صريحاً لا يفتقر إلى نية ولا يرجع في ذلك إلى تفسيره وبمثله تقطع اليد في السرقة وهو حد يدرأ بالشبهات فوجب أن ينعقد به التزويج كما لو لفظ بذلك (مسألة) (فإن تقدم القبول الإيجاب لم يصح) سواء كان بلفظ الماضي مثل أن يقول تزوجت البنت فيقول زوجتك أو بلفظ الطلب كقوله زوجني ابنتك فيقول زوجتكها وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي يصح فيهما جميعاً لأنه قد وجد الإيجاب والقبول فصح كما لو تقدم الإيجاب ولنا أن القبول إنما يكون للإيجاب فمتى وجد قبله لم يكن قبولاً لعدم معناه فلم يصح كما لو تقدم

بلفظ الاستفهام ولأنه لو تأخر عن الإيجاب بلفظ الطلب لم يصح فإذا تقدم كان أولى لصيغة الاستفهام ولأنه لو أتى بالصيغة المشروعة متقدمة فقال قبلت هذا النكاح فقال الولي زوجتك ابنتي لم يصح فلأن لا يصح إذا أتى بغيرها أولى فإن قالوا يصح كالبيع والخلع قلنا البيع لا يشترط فيه صيغة الإيجاب بل يصح بالمعاطاة ولا يتعين فيه لفظ بل يصح بأي لفظ كان إذا أدى المعنى ولا يلزم الخلع لأنه يصح تعليقه على الشروط ويحتمل أن يصح إذا تقدم بلفظ الطلب لأن في حديث المرأة التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم فقامت طويلا فقال رجل يارسول الله زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة فقال النبي صلى الله عليه وسلم " زوجتكها بما معك من القرآن " وهو حديث صحيح رواه البخاري ولم ينقل أنه قال قبلت ولا ما يؤدي معناه والظاهر أنه لو وجد منه لفظ لنقل وعلى قياس ذلك إذا تقدم بلفظ الماضي (فصل) إذا عقد النكاح هزلاً أو تلجئة صح لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ثلاث هزلهن جد وجدهن جد الطلاق والنكاح والرجعة " رواه الترمذي، وعن الحسن قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من نكح لاعبا أو طلق لاعباً أو أعتق لاعباً جاز " وقال عمر أربع جائزات إذا تكلم بهن الطلاق والعتاق والنكاح والنذر، وقال علي أربع لا لعب فيهن الطلاق والعتاق والنكاح والنذر

مسألة: وإن تراخى القبول عن الإيجاب صح ما داما في المجلس ولم يتشاغلا عنه بغيره

(مسألة) (وإن تراخى القبول عن الإيجاب صح ماداما في المجلس ولم يتشاغلا عنه بغيره) لأن حكم المجلس حكم حالة العقد بدليل صحة القبض فيما يشترط القبض فيه وثبوت الخيار في عقود المعاوضات (مسألة) (فإن تفرقا قبله بطل الإيجاب) لأنه لا يوجد معناه فإن الإعراض قد وجد من جهته بالتفرق فلا يكون قبولا وكذلك إذا تشاغلا بما قطعه لأنه معرض عن العقد بالاشتغال عن قبوله، وعنه لا يبطل فإن أبا طالب نقل عن أحمد في رجل مشى إليه قوم فقالوا له زوج فلانا قال قد زوجته على ألف فرجعوا إلى الزوج فأخبروه فقال قد قبلت هل يكون هذا نكاحا؟ قال نعم. قال القاضي: هذا محمول على أنه وكل من قبل التزويج في المجلس، وقال أبو بكر مسألة أبي طالب تتوجه على قولين، واختار أنه لابد من القبول في المجلس وهو الصحيح إن شاء الله تعالى (فصل) فإن أوجب النكاح ثم زال عقله بجنون أو إغماء بطل حكم الإيجاب ولم ينعقد

بالقبول بعده لأنه ما لم يضامه القبول لم يكن عقداً فبطل بزوال العقل كالعقود الجائزة تبطل بالموت والجنون وهذا مذهب الشافعي وإن نام لم يبطل حكم الإيجاب لأنه لا يبطل العقود الجائزة فكذلك هذا (فصل) ولا يثبت الخيار في النكاح وسواء في ذلك خيار المجلس وخيار الشرط ولا نعلم احدا خالف في هذا لأن الحاجة غير داعية إليه فإنه لا يقع في الغالب إلا بعد روية وفكرة ومسألة كل واحد من الزوجين عن صاحبه والمعرفة بحاله بخلاف البيع الواقع في الأسواق من غير فكر ولا روية ولأن النكاح ليس بمعارضة محضا ولهذا لا يعتبر فيه العلم بالمعقود عليه برؤية ولا صفة ويصح من غير تسمية العوض ومع فساده ولأن ثبوت الخيار فيه يفضي الى فسخه بعد ابتذال المرأة وفي فسخه بعد العقد ضرر بالمرأة ولذلك أوجب الطلاق قبل الدخول نصف الصداق (فصل) قال رضي الله عنه (وشروطه خمسة (أحدها) تعيين لزوجين) لأن كل عاقد ومعقود عليه يجب تعيينهما كالمشتري والمبيع فإن كانت المرأة حاضرة فقال زوجتك هذه صح فإن الإشارة تكفي في التعيين فإن زاد على ذلك بنتي هذه أو هذه فلانة كان تأكيداً (مسألة) (فإن قال زوجتك بنتي وله بنات لم يصح حتى يشير إليها أو يسميها أو يصفها بما تتميز

مسألة: فإن قال زوجتك بنتي وله بنات لم يصح حتى يشير إليها أو يسميها أو يصفها بما تتميز به، وإن لم يكن له إلا ابنة واحدة صح

به، وإن لم يكن له إلا ابنة واحدة صح) إذا كانت المعقود عليها غائبة فقال زوجتك ابنتي وليس له سواها جاز فإن سماها كان تأكيداً فإن كان له أكثر من بنت واحدة فقال زوجتك ابنتي لم يصح حتى يضم إلى ذلك ما تتميز به من اسم أو صفة فيقول زوجتك ابنتي الكبرى أو الوسطى أو الصغرى فإن سماها مع ذلك كان تأكيداً، وإن قال زوجتك ابنتي عائشة أو فاطمة صح فإن كانت له ابنة واحدة اسمها فاطمة فقال زوجتك فاطمة لم يصح ولأن هذا الاسم مشترك بينها وبين سائر الفواطم حتى يقول مع ذلك بنتي، وقال بعض الشافعية يصح إذا نوياها جميعا، ولا يصح هذا لأن النكاح يعتبر فيه الشهادة على وجه يمكن أداؤها أداء يثبت به العقد وهذا متعذر في النية، ولذلك لو قال زوجتك بنتي وله بنات لم يصح حتى يميزها بلفظه ولو قال زوجتك فاطمة ابنة فلان احتاج أن يرفع في نسبها حتى يبلغ ما تتميز به عن النساء (فصل) فإن كانت له ابنتان كبرى اسمها عائشة وصغرى اسمها فاطمة فقال زوجتك ابنتي عائشة وقبل الزوج ذلك وهما ينويان الصغرى لم يصح ذكره أبو حفص، وقال القاضي يصح في التي نوياها وهذا غير صحيح لوجهين (أحدهما) أنهما لم يتلفظا بما يصح العقد بالشهادة عليه فأشبه ما لو

مسألة: وإن قال إن وضعت زوجتي ابنة فقد زوجتكها لم يصح

قال زوجتك عائشة فقط أو ما لو قال زوجتك ابنتي ولم يسمها وإذا لم يصح فيما إذا لم يسمها ففيما إذا سماها بغير اسمها أولى أن لا يصح (الثاني) أنه لا يصح النكاح حتى تذكر المرأة بما تتميز به ولم يوجد ذلك فإن اسم أختها لا يميزها بل يصرف العقد عنها، وإن كان الولي يريد الكبرى والزوج يقصد الصغرى لم يصح كما إذا خطب امرأة وتزوج غيرها لأن القبول انصرف الى غير من وجد الإيجاب فيه ويحتمل أن يصح إذا لم يتقدم ذلك ما يصرف القبول إلى الصغرى من خطبة ونحوها فإن العقد بلفظه متناول للكبرى ولم يوجد ما يصرفه عنها فصح كما لو نوياها، ولو نوى الولي الصغرى والزوج الكبرى أو نوى الولي الكبرى ولم يدر الزوج أيتهما هي فعلى الأول لا يصح التزويج لعدم النية منهما في التي تناولها لفظهما وعلى الاحتمال الذي ذكرناه يصح في المعينة باللفظ لما ذكرنا (فصل) فإن كان له ابنة واحدة فقال الرجل زوجتك ابنتي وسماها بغير اسمها فقال القاضي يصح وهو قول أصحاب الشافعي لأن قوله بنتي آكد من التسمية لأنها لا مشاركة فيها والاسم مشترك ولو قال زوجتك هذه وأشار إليها وسماها بغير اسمها صح على هذا التعليل (مسألة) (وإن قال إن وضعت زوجتي ابنة فقد زوجتكها لم يصح لأنه تعليق للنكاح على

شرط والنكاح لا يتعلق على شرط ولأن هذا مجرد وعد لا ينعقد به عقد وكذلك لو قال زوجتك حمل هذه المرأة لم يصح لأنها لم يثبت لها حكم البنات قبل الظهور في غير الإرث والوصية ولأنه لا يتحقق أن في البطن بنتاً فأشبه ما لو قال زوجتك من في هذه الدار وهما لا يعلمان ما فيها (فصل) فإن خطب امرأة فزوج بغيرها مثل أن يخطب الرجل امرأة بعينها فيجاب إلى ذلك ثم يوجب له النكاح في غيرها وهو يعتقد أنها التي خطبها فيقبل ولا ينعقد النكاح لأن القبول انصرف الى غير من وجد الإيجاب فيه فلم يصح كما لو ساومه بثوب وأوجب العقد في غيره بغير علم المشتري فلو علم الحال بعد ذلك فرضي لم يصح قال أحمد رجل خطب جارية فزوجوه أختها ثم علم بعد يفرق بينهما وبكون الصداق على وليها لأنه غره ويجهز إليه أختها التي خطبها بالصداق الأول فإن كانت تلك قد ولدت منه لحق به الولد قال شيخنا وقوله يجهز إليه أختها يعني والله أعلم بعقد جديد بعد انقضاء عدة هذه إن كان أصابها لأن العقد الذي عقده لم يصح في واحدة منهما لأن الإيجاب صدر في إحداهما أيهما كان جاز، وقال أحمد في رجل تزوج امرأة فأدخلت عليه أختها لها المهر بما أصاب منها ولأختها المهر قيل يلزمه مهران

مسألة: إلا الأب له تزويج أولاده الصغار والمجانين وبناته الأبكار بغير إذنهم

قال نعم ويرجع على وليها، هذه مثل التي بها برص أو جذام علي بقول ليس عليه غرم، وهذا ينبغي أن يكون في امرأة جاهلة بالحال أو بالتحريم اما إذا علمت أنها ليست زوجة وأنها محرمة عليه وأمكنته من نفسها فلا ينبغي أن يجب لها صداق لأنها زانية مطاوعة فأما إن جهل الحال فلها المهر ويرجع به على من غره وروي عن علي رضي الله عنه في رجلين تزوجا امرأتين فزفت كل امرأة الى زوج الأخرى لهما الصداق ويعتزل كل واحد منهما امرأته حتى تنقضي عدتها وبه قال النخعي والشافعي وأصحاب الرأي (فصل) قال رضي الله عنه (الثاني رضا الزوجين فإن لم يرضيا أو أحدهما لم يصح) رضا الزوجين أو من يقوم مقامهما شرط في صحة العقد لأن العقد لهما فاعتبر تراضيهما به كالبيع فإن لم يرضيا أو أحدهما لم يصح العقد لفوات شرطه (مسألة) (إلا الأب له تزويج أولاده الصغار والمجانين وبناته الأبكار بغير إذنهم) وأما الغلام العاقل فلا نعلم من أهل العلم في أن لأبيه تزويجه كذلك قال إبن المنذر وهذا قول الحسن والزهري وقتادة ومالك والثوري والاوزاعي واسحاق والشافعي وأصحاب الرأي ولما روي أن ابن عمر زوج ابنه وهو صغير فاختصموا إلى زيد فأجازاه جميعاً رواه الأثرم وأما الغلام المعتوه فلأبيه تزويجه وقال

الشافعي لا يجوز لأنه يلزمه بالتزويج حقوق من المهر والنفقة مع عدم حاجته فلم يجزله كغيره من الأولياء ولنا أنه غير بالغ فملك الأب تزويجه كالعاقل ولأنه إذا جاز تزويج العاقل مع أن له عند احتياجه إلى التزويج رأيا ونظراً لنفسه فلأن يجوز تزويج من لا يتوقع فيه ذلك أولى، ووصي الأب يقوم مقامه في ذلك كوكيله إذا قلنا بصحة الوصية في النكاح وفيه اختلاف نذكره إن شاء الله تعالى (فصل) وليس لغير الأب أو وصيه تزويج الغلام قبل بلوغه وقال القاضي في المجرد للحاكم تزويجه لأنه يلي ماله وقال الشافعي يملك ولي الصبي تزويجه ليألف حفظ فرجه عند بلوغه وليس بسديد فإن غير الأب لا يملك تزويج الجارية الصغيرة فالغلام أولى، وفارق لاب ووصيه فإن لهما تزويج الصغيرة وولاية الإجبار وسواء أذن الغلام في تزويجه أو لم يأذن لأنه لا آذن له (فصل) وللأب تزويج البالغ المعتوه في ظاهر كلام أحمد والخرقي مع ظهور إمارات الشهوة وعدمها، وقال القاضي إنما يجوز تزويجه إذا ظهرت منه أمارات الشهوة باتباع النساء ونحوه وهو مذهب الشافعي لأن في تزويجه مع عدم حاجته اضراراً به بإلزامه حقوقاً لا مصلحة له في إلزامها وقال أبو بكر

ليس للأب بحال لأنه رجل فلم يجز إجباره على النكاح كالعاقل وقال زفر إن طرأ عليه الجنون بعد البلوغ لم يجز وإن كان مستداما جاز ولنا أنه غير مكلف فجاز لأبيه تزويجه كالصغير فإنه إذا جاز تزويج الصغير مع عدم حاجته في الحال وتوقع نظره فعند الحاجة أولى ولنا على التسوية بين الطارئ والمستدام أنه معنى يثبت الولاية فاستوى طارئه ومستدامه كالرق ولأنه جنون يثبت الولاية على ماله فأثبتها عليه في نكاحه كالمستدام، فأما اعتبار الحاجة فلابد منها فإنه لا يجوز لوليه تزويجه إلا إذا رأى مصلحة فيه غير أن الحاجة لا تنحصر في قضاء الشهوة بل قد تكون حاجه إلى الإيواء والحفظ وربما كان دواء له يترجى به شفاؤه فجاز التزويج له كقضاء الشهوة (فصل) ومن يجن في الأحيان لا يجوز تزويجه إلا بإذنه لأن ذلك ممكن ومن أمكن أن يتزوج لنفسه لم تثبت الولاية عليه كالعاقل ولو زال عقله ببرسام أو مرض مرجو الزوال فهو كالعاقل فإن ذلك لا يثبت الولاية على ماله فعلى نفسه أولى وإن لم يرج زواله فهو داخل فيما ذكرناه (فصل) وليس لغير الأب ووصيه تزويج المعتوه البالغ وبه قال مالك وقال أبو عبد الله بن حامد للحاكم تزويجه إذا ظهر منه شهوة للنساء بأن يتبعهن وهذا مذهب الشافعي لأن ذلك من مصالحه وليس

له حال ينتظر فيها إذنه وسنذكر ذلك في تزويج المجنون وينبغي أن يجوز تزويجه إذا قال أهل الطب أن في ذلك ذهاب علته لأنه من أعظم مصالحه (فصل) وإذا زوج الصغير والمجنون فإنه يقبل لهما النكاح ولا يأذن لهما في قبوله لأنهما ليسا من أهل التصرفات فإن كان الغلام ابن عشر وهو مميز فقياس المذهب جواز تفويض القبول إليه حتى يتولاه بنفسه كما يفوض أمر المبيع إليه وإن تزوج له الولي جاز كما يجوز أن يبتاع له وهذا على الرواية التي تقول بصحة بيعه ووقوع طلاقه فإن قلنا لا يصح ذلك منه فهذا أولى (فصل) وذكر القاضي أنه لا يجوز أن يتزوج لهما بأكثر من مهر المثل لأنه معاوضة في حق الغير فلم تجز الزيادة فيها على عوض المثل كبيع ماله وهذا مذهب الشافعي وإذا قلنا إن للأب تزويج أمته بدون صداق مثلها فهذا مثله فإنه قد يرى المصلحة في ذلك فجاز له بذل المال فيه كما يجوز في مداواته بل الجواز هاهنا أولى فإن الغالب أن المرأة لا ترضى بتزويج المجنون إلا أن ترغب بزيادة على مهر مثلها فيتعذر الوصول بدون ذلك بخلاف المرأة وذكر القاضي في المجردان قياس المذهب أنه لا يتزوج

بأكثر من امرأة واحدة لعدم حاجته إلى زيادة عليها فيكون بذلا لماله فيما لا حاجة به إليه وذكر في الجامع أنه له تزويج ابنه الصغير بأربع لأنه قد يرى المصلحة فيه وليس له تزويجه معيبة عيباً يرد به النكاح فإن فيه ضرراً به وتفويت ماله فيما لا مصلحة له فيه فإن فعل خرج في صحة النكاح وجهان فإن قلنا يصح فهل للولي الفسخ في الحال؟ على وجهين يذكر توجيههما في تزويج الصغيرة بمعيب فإن لم يفسخ حتى بلغ الصبي أو عقل المجنون فلهما الفسخ وليس له تزويجه بأمة لأن إباحتها مشروطة بخوف العنت وهو معدوم في حق الصبي غير معلوم في حق المجنون (فصل) فأما الإناث فللأب تزويج ابنته البكر الصغيرة التي لم تبلغ تسع سنين بغير خلاف إذا وضعها في كفاءة قال إبن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن نكاح الأب ابنته الصغيرة جائز إذا زوجها من كفء يجوز له ذلك مع كراهتها وامتناعاه وقد دل على جواز تزويج الصغيرة قول الله تعالى (واللائي ييئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن) فجعل للائي لم يحضن عدة ثلاثة أشهر ولا تكون العدة ثلاثة أشهر إلا من طلاق في نكاح أو فسخ فدل ذلك على تزويج وتطلق ولا إذن لها يعتبر وقالت عائشة تزوجني النبي صلى الله عليه وسلم وأنا ابنة ست وبنابي وأنا ابنة تسع متفق عليه ومعلوم أنها لم تكن في تلك الحال ممن يعتبر إذنها وروى الأثرم أن قدامة ابن مظعون تزوج ابنة الزبير حين نفست فقيل له ابنة الزبير فقال إن مت ورثتني وإن

عشت كانت امرأتي وزوج علي ابنته أم كلثوم وهي صغيرة عمر بن الخطاب رضي الله عنهما (فصل) وفي البكر البالغة العاقلة روايتان (إحداهما) له إجبارها على النكاح وهو مذهب مالك وابن أبي ليلى والشافعي وإسحاق (والثانية) ليس له ذلك اختارها أبو بكر وهو مذهب الأوزاعي والثوري وأبي عبيد وأبي ثور وأصحاب الرأي وابن المنذر لما روى أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن " فقالوا يا رسول الله فكيف إذنها؟ قال " أن تسكت " متفق عليه وروى أبو داود وابن ماجة عن ابن عباس أن جارية بكرا أتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم ولأنها جائزة التصرف في مالها فلم يجز إجبارها كالثيب والرجل ووجه الأولى ما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأمر وإذنها صماتها " رواه أبو داود فلما قسم النساء قسمين وأثبت الحق لأحدهما دل على نفيه عن الآخر وهو البكر فيكون وليها أحق منها بها ودل الحديث على أن الاستئمار ههنا والاستئذان في حديثهم مستحب غير واجب كما روى ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أمروا النساء في بناتهن " رواه أبو داود وحديث التي خيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم مرسل ويحتمل

أنها التي زوجها أبوها من ابن أخيه ليرفع بها خسيسه فتخييرها لذلك ولأنه مما لا يشترط في نكاح الكبيرة كالنطق، وعن أحمد لا يجوز تزويج ابنة تسع سنين بغير إذنها اختلفت الرواية عن أحمد في الجارية إذا بلغت تسع سنين فالمشهور عنه أنها كمن لم يبلغ تسعاً نص عليه في رواية الأثرم وهو قول مالك والشافعي وأبي حنيفة وسائر الفقهاء قالوا حكم بنت تسع حكم بنت ثمان لأنها غير بالغة ولأن إذنها لا يعتبر في سائر التصرفات فكذلك في النكاح (والرواية الثانية) حكمها حكم البالغة نص عليه في رواية ابن منصور لمفهوم الآية ولدلالة الخبرين بعمومهما على أن اليتيمة تنكح بإذنها، وإن أبت فلا جواز عليها، وقد انتفى الإذن فيما دونها فيجب حمله على من بلغت تسعاً فعلى هذه الرواية يجوز لغير الأب تزويجها بإذنها وحكمها حكم البالغة في جواز إجبارها للأب فيه الروايتان، وقد روى الإمام أحمد بإسناده عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة ورواه القاضي بإسناده عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم ومعناه والله أعلم في حكم المرأة ولأنها بلغت سناً يمكن فيه حيضها وتحدث لها حاجة إلى النكاح فيباح تزويجها كالبالغة إذا زوجت وقد خطب عمر أم كلثوم

مسألة: وهل تزويج الثيب الصغيرة؟ على وجهين

بنت أبي بكر بعد موته إلى عائشة فأجابته وهي لدون عشر ولأنها إنما ولدت بعد موت أبيها وإنما كانت ولاية عمر عشر فكرهته الجارية فزوجها طلحة بن عبيد الله ولم ينكره منكر فدل ذلك على اتفاقهم على صحة تزويجها قبل بلوغها بولاية غير أبيها (مسألة) (وهل له تزويج الثيب الصغيرة؟ على وجهين) أما الثيب الكبيرة فلا يجوز للأب ولا لغيره تزويجها إلا بإذنها في قول عامة أهل العلم إلا الحسن فإنه قال له تزويجها وإن كرهت، والنخعي قال يزوج بنته إذا كانت في عياله فإن كانت بائنة في بيتها مع عيالها استأمرها قال اسماعيل بن إسحاق لا أعلم أحداً قال في الثيب بقول الحسن وهو قول شاذ خالف فيه أهل العلم والسنة الثابتة فإن الخنساء ابنة حذام الأنصارية روت أن أباها زوجها وهي ثيب فكرهت ذلك فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد نكاحه رواه البخاري وغيره. قال ابن عبد البر هذا الحديث

مجمع على صحته والقول به ولا نعلم مخالفا له إلا الحسن وكانت الخنساء من أهل قباء تحت أنيس بن قتادة فقتل عنها يوم أحد فزوجها أبوها رجلا من بني عمرو بن عوف فكرهته فشكت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد نكاحها ونكحت أبا لبابة بن عبد المنذر، ووروى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا تنكح الأيم حتى تستأمر " متفق عليه وقال الأيم أحق بنفسها من وليها " وروى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ليس للولي مع الثيب أمر " رواهما النسائي وابو داود ولأنها رشيدة عالمة بالمقصود من النكاح مختبرة فلم يجز إجبارها عليه كالرجل (فصل) فأما الثيب الصغيرة ففيها وجهان (أحدهما) لا يجوز تزويجها وهو ظاهر قول الخرقي واختيار ابن حامد وابن بطة والقاضي ومذهب الشافعي لعموم الأخبار ولأن الإجبار يختلف بالبكارة والثيوبة لا بالصغر والكبر كما اختلف في صفة الاذن ولأن في تأخيرها فائدة وهي أن تبلغ فتختار لنفسها ويعتبر إذنها بخلاف البكر (الوجه الثاني) أن لأبيها تزويجها ولا يستأمرها اختاره أبو بكر عبد العزيز وهو قول مالك وأبي حنيفة لأنها صغيرة فجاز إجبارها كالبكر والغلام يحقق ذلك أنها لا تزيد بالثيوبة على ما حصل للغلام بالذكورية. ثم الغلام يجبر إذا كان صغيراً فكذلك هذه،

مسألة: وللسيد تزويج إمائه الثيبات الإبكار وعبيده الصغار بغير إذنهم

والأخبار محمولة على الكبيرة فإنه جعلها أحق من وليها، والصغيرة لا حق لها ويتخرج وجه ثالث وهو ان ابنة تسع يزوجها وليها بإذنها، ومن دون ذلك على ما ذكرنا من الخلاف لما ذكرناه في البكر والله أعلم (مسألة) (وللسيد تزويج إمائه الثيبات والابكار وعبيده الصغار بغير إذنهم) لا نعلم خلافاً في السيد إذا زوج أمته بغير إذنها أنه يصح ثيباً كانت أو بكراً صغيرة او كبيرة وذلك لأن منافعها مملوكة له والنكاح عقد على منفعة فأشبه عقد الإجارة ولذلك ملك الاستماع بها ولهذا فارقت العبد ولأنه ينتفع بذلك لما يحصل له من مهرها وولدها وتسقط عنه نفقتها وكسوتها بخلاف العبد والمدبرة والمعلق عتقها بصفة وأم الولد كالأمة في إجبارها على النكاح وقال مالك في آخر أمره ليس له تزويج أم ولده بغير إذنها وكرهه ربيعة وللشافعي قولان وقد ذكرنا ذلك فيما مضى ولنا أنها مملوكته يملك الاستماع بها واجازتها فملك تزويجها كالقن إذا ملك أخته من الرضاع أو مجوسية فله تزويجها وإن كانتا محرمتين عليه لأن منافعهما ملكه وإنما حرمتا عليه لعارض فأما التي بعضها حر فلا يملك إجبارها لأنه لا يملك إجبار المكاتبة لأنها بمنزلة الخارجة عن ملكه ولذلك لا يملك إجبارها ولا تلزمه نفقتها ولا يصل إليه مهرها (فصل) إذا اشترى عبده المأذون له وركبته ديون ملك سيده تزويجها وبيعها وإعتاقها نص عليه

أحمد وذكره أبو بكر وقال وللسيد وطؤها وقال الشافعي ليس له شئ من ذلك لما فيه من الإضرار بالغرماء وأصل الخلاف ينبني على دين المأذون له في التجارة فعندنا يلزم العبيد فلا يلحق الغرماء ضرر ويتصرف السيد في الأمة فإن الدين ما تعلق بها وعنده أن الدين تعلق بالعبد وبما في يده فيلحقهم الضرر والكلام على هذا مذكور في موضعه (فصل) وليس للسيد إكراه أمته على التزويج بمعيب عيباً يرد به في النكاح لأنه يؤثر في الاستمتاع وذلك حق لها ولذلك ملكت الفسخ بالجب والعنة والامتناع من الفيئة دون السيد وفارق بيعها لمعيب لأنه لا يراد للاستمتاع ولهذا ملك شراء الأمة المحرمة عليه ولم تملك الفسخ لعيبه ولعنته ولا إيلائه فإن زوجها من معيب فهل يصح؟ على وجهين فإن قلنا يصح فلها الفسخ فإن كانت صغيرة فهل لها الفسخ في الحال أو ينتظر بلوغها؟ على وجهين ومذهب الشافعي هكذا في هذا الفصل كله (فصل) وللسيد تزويج عبده الصغير بغير إذنه في قول أكثر أهل العلم إلا أن بعض الشافعية قال فيه قولان وقال أبو الخطاب يحتمل أن لا يملك تزويجه ولنا أنه إذا ملك تزويج ابنه الصغير فعبده مع ملكه إياه وتمام ولايته عليه أولى وكذلك الحكم في عبده الصغير المجنون

(مسألة) (ولا يملك إجبار عبده الكبير إذا كان عاقلا) وبهذا قال الشافعي في أحد قوليه وقال مالك وأبو حنيفة له ذلك لقول الله تعالى (وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم) ولأنه يملك رقبته فملك إجباره على النكاح كالأمة ولأنه يملك إجارته فأشبه الأمة ولنا أنه مكلف يملك الطلاق فلا يجبر على النكاح كالحر ولأن النكاح خالص حقه ونفعه له فأشبه الحر والأمر بإنكاحه مختص بحال طلبه بدليل عطفه على الأيامى وإنما يزوجن عند الطلب ولأن مقتضى الأمر الوجوب وإنما يجب تزويجه عند طلبه وأما الأمة فإنه يملك منافع بضعها والاستمتاع بها بخلاف العبد، ويفارق النكاح الإجارة لأنها عقد على منافع بدنه وهو يملك استيفاءها ويحتمل مثل ذلك في الصغير أيضاً قياساً على الكبير ويقوى الاحتمال في حق المميز إذا قلنا بصحة طلاقه لأنه عاقل مميز يملك الطلاق أشبه البالغ (فصل) والمهر والنفقة على السيد سواء ضمنهما اولا وسواء باشر العقد بنفسه أو أذن لعبده فعقده مأذوناً له في التجارة أو محجوراً عليه نص عليه أحمد وعنه ما يدل على أن ذلك يتعلق بكسبه فإنه قال

نفقته من ضريبته وقيل إن كان بقيمة ضريبته أنفق عليها ولا يعطي المولى وإن لم يكن عنده ما ينفق سفرق بينهما وهذا قول الشافعي، وفائدة الخلاف أن من ألزم السيد المهر والنفقة أوجبهما عليه وإن لم يكن للعبد كسب وليس للمرأة الفسخ لعدم كسب العبد وللسيد استخدامه ومنعه الاكتساب ومن علقه بكسبه فلم يكن له كسب فللمرأة الفسخ وليس للسيد منعه من التكسب ولنا أنه حق تعلق بالعقد برضا سيده فتعلق بسيده وجاز بيعه فيه كما لو رهنه بدين، فعلى هذا لو باعه سيده أو أعتقه لم يسقط المهر عن السيد نص عليه، لأنه حق تعلق بذمته فلم يسقط ببيعه وعتقه كأرش جنايته فأما النفقة فإنها تتجدد فتكون في الزمن المستقبل على المشتري أو على العبد إذا عتق (فصل) ويجوز أن يتزوج السيد لعبده بإذنه وأن يأذن للعبد فيتزوج لنفسه لأنه مكلف يصح طلاقه فكان من أهل مباشرة العقد كالحر ويجوز أن يأذن له مطلقاً ومعيناً فإن عين له امرأة أو نساء بلد أو قبيلة أو حرة أو أمة فيتزوج غيرها لم يصح لأنه متصرف بالإذن فينفذ تصرفه فيما أذن له فيه كالوكيل، وإن أذن له مطلقاً فله أن يتزوج من شاء لكن إن تزوج امرأة من بلدة أخرى فلسيده منعه من الخروج إليها، وإن كانت في البلد فعلى سيده إرساله ليلا للاستمتاع وإن أحب سيده أن يسكنها في مسكن من داره فله ذلك إذا كان مسكن مثلها ولا يلزمه إرساله نهاراً لأنه يحتاج إلى استخدامه وليس

النهار محلا للاستمتاع غالباً ولسيده السفر به فإن حق امرأة العبد عليه لا يزيد على حق امرأة الحر والحر يملك السفر وإن كرهت امرأته كذا ههنا (فصل) وللسيد أن يعين له المهر وله أن يطلق فإن تزوج بما عينه أو دونه أو بمهر المثل عند الإطلاق أو دونه لزم المسمى وإن تزوج أكثر من ذلك لم تلزم الزيادة وهل يتعلق برقبة العبد أو ذمته يتبع بها بعد العتق؟ على روايتين على استدانة العبد المحجور عليه وقد ذكرنا ذلك في كتاب الحجر (فصل) وإذا تزوج أمة ثم اشتراها بإذن سيده لسيده لم يؤثر ذلك في نكاحه وإن اشتراها لنفسه وقلنا أنه لا يملك بالتمليك انفسخ النكاح كما لو اشترى الحر امرأة وله وطؤها يملك اليمين بإذن سيده فإن كان بعضه حراً فاشتراها في ذمته أو بما يختص بملكه انفسخ نكاحه لأنه ملكها وحلت له بملك يمينه وإن ملك بعضها انفسخ نكاحه ولم تحل له لأنه لا يملك جميعها وإن اشتراها بعين مال مشتركة بينه وبين سيده بغير إذنه وقلنا إنه لا تفرق الصفقة لم يصح البيع والنكاح بحاله وإن قلنا بتفريقها صح في قدر ماله وانفسخ النكاح لملكه بعضها

(فصل) وليس لسائر الأولياء تزويج كبيرة إلا بإذنها إلا المجنونة لهم تزويجها إذا ظهر لهم منها الميل إلى الرجال وليس لسائر الأولياء غير الأب تزويج كبيرة بغير إذنها جداً كان أو غيره وبه قال مالك وأبو عبيد والثوري وابن أبي ليلى وهو قول الشافعي إلا في الجد فإنه جعله كالأب فإن ولايته ولاية إيلاد فملك الإجبار كالأب ولنا ما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن " فقالوا يارسول الله فكيف إذنها؟ قال " أن تسكت " متفق عليه ولأن الجد قاصر عن الأب فلم يملك الإجبار كالعم ولأنه يدلي بغيره فأشبه سائر العصبات، وفارق الأب فإنه يدلي بغير واسطة ويسقط الجد ويحجب الأم عن ثلث المال إلى ثلث الباقي في زوج وأبوين أو امرأة وأبوين فأما المجنونة فلهم تزويجها إذا ظهر لهم منها الميل إلى الرجال ذكره أبو الخطاب وقال القاضي لا يزوجها إلا الحاكم لأنه الناظر لها في مالها دونهم فيجب أن يختص بالولاية ووجه الأول أن ولايتهم مقدمة على ولاية الحاكم لو كانت عاقلة فكذلك إذا كانت مجنونة وقال الشافعي لا يجوز تزويجها إلا أن يقول أهل الطلب إن علتها تزول بذلك

ولنا أنها محتاجة إليه لدفع ضرر الشهوة عنها وصيانتها عن الفجور وتحصيل النفقة والمهر فجاز تزويجها تحصيلا لهذه المصالح كغيرها (فصل) في تزويج المجنونة إن كانت ممن يجبر أو كانت عاقلة جاز تزويجها لمن يملك إجبارها لأنه إذا ملك إجبارها مع عقلها وامتناعها فمع عدمه أولى، وإن كانت ممن لا يجبر فهي ثلاثة أقسام (أحدها) أن يكون وليها الأب أو وصيه كالبنت الكبيرة فهذه يجوز لوليها تزويجها ذكره القاضي وهو ظاهر كلام الخرقي ولأنه جعل للأب تزويج المعتوه فالمرأة أولى وهذا قول الشافعي وابي حنيفة ومنع منه أبو بكر لأنها ولاية إجبار وليس على البنت ولاية إجبار والأول أصح فإن ولاية الإجبار إنما انتفت عن العاقلة بحصول المباشرة منها والخيرة وهذه بخلاف ذلك، وكذلك الحكم في البنت الصغيرة إذا قلنا بعدم الإجبار في حقها إذا كانت عاقلة (القسم الثاني) أن يكون وليها الحاكم وفيها وجهان أحدهما ليس له بحال لأن هذه ولاية إجبار فلا يثبت لغير الأب بحال عضلها والثاني له تزويجها إذا ظهر منها شهوة الرجال كبيرة كانت أو صغيرة وهو اختيار ابن حامد وأبي الخطاب وقول أبي حنيفة لأن لها حاجة إليه لدفع

ضرر الشهوة عنها وصيانتها عن الفجور وتحصيل المهر والنفقة والعفاف وصيانة العرض ولا سبيل إلى إذنها فأبيح تزويجها كالثيب مع أبيها وكذلك يبنغي أن يملك تزويجها إن قال أهل الطب علتها تزول بتزويجها لأن ذلك من أعظم مصالحها وقال الشافعي لا يملك تزويج صغيرة بحال ويملك تزويج الكبيرة إذا قال أهل الطب أن علتها تزول بتزويجها ولنا أن المعنى المبيح للتزويج وجد في حق الصغيرة فأبيح تزويجها كالكبيرة إذا أظهرت شهوة الرجال ففي تزويجها مصلحتها ودفع حاجتها، وتعرف شهوتها من كلامها من قرائن أحوالها كتتبعها الرجال وميلها إليهم وأشباه ذلك (القسم الثالث) من وليها غير الأب والحاكم فقال القاضي لا يزوجها إلا الحاكم فيكون حكمها حكم القسم الثاني على ما بينا وقال أبو الخطاب لهم تزويجها في الحال التي يملك الحاكم تزويج موليته فيها وهذا قول أبي حنيفة لأن ولايتهم مقدمة على ولاية الحاكم فقدموا عليه في التزويج كما لو كانت عاقلة، ووجه قول القاضي أن الحاكم هو الناظر في مالها دونهم فكان ولياً دونهم كتزويج أمتها ولأن هذا دفع حاجة ظاهرة فكانت إلى الحاكم كدفع حاجة الجوع والعري فإن كان وصياً في مالها لم يملك تزويجها لأنه لا ولاية له والحكم في تزويجها حكم من وليها غير الأب والحاكم كما ذكرناه

مسألة: وليس لهم تزويج صغيرة بحال

(مسألة) (وليس لهم تزويج صغيرة بحال) لما روي أن قدامة بن مظعون زوج ابنة أخيه من عبد الله بن عمر فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال " إنها يتيمة ولا تنكح إلا بإذنها " لا إذن لهؤلاء وعن أحمد أن لهم ذلك ولها الخيار إذا بلغت وهو قول الحسن وعمر بن عبد العزيز وعطاء وطاوس وقتادة وابن شبرمة والاوزاعي وأبي حنيفة وقال هؤلاء عن أبي حنيفة إذا زوج الصغيرين غير الأب فلهما الخيار إذا بلغا لقول الله تعالى (وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء) مفهومه أنه إذا لم يخف فله تزويج اليتيمة، واليتيمة التي لم تبلغ لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لايتم بعد احتلام " قال عروة سألت عائشة عن قول الله تعالى (وإن خفتم الا تقسطوا في اليتامى) قالت يا ابن أختي هذه اليتيمة تكون في حجر وليها يعجبه مالها وجمالها يريد أن يتزوجها بغير أن يقسط في صداقها فيعطيها مثل ما يعطيها غيره نهوا عن نكاحهن إلا أن يقسطوا فيهن ويبلغوا أعلى سنتهن في الصداق. متفق عليه وروت عائشة أن جارية بكرا زوجها أبوها وهي كارهة فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم الحديث مرسل (والثالثة) لهم تزويجها إذا بلغت تسع سنين

لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " تستأمر اليتيمة في نفسها فإن سكتت فهو إذنها وإن أبت فلا جواز عليها " رواه أبو داود وقد انتفى الإذن فيمن لم تبلغ تسع سنين فيجب حمله على من بلغت تسعاً. (فصل) ويستحب للأب استئذان ابنته البكر لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به ونهى عن الإنكاح بدونه، وأقل أحوال ذلك الاستحباب ولأن فيه تطييب قلبها وخروجاً من الخلاف وقالت عائشة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجارية ينكحها أهلها تستأمر أم لا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " نعم تستأمر " وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " استأمروا النساء في أبضاعهن فإن البكر تستحيي فتسكت فهو إذنها " متفق عليهما وروي عن عطاء قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يستأمر بناته إذا انكحهن قال كان يجلس عند خدر المخطوبة فيقول " إن فلاناً يذكر فلانة " فإن حركت الخدر لم يزوجها وإن سكتت زوجها. ويستحب استئدان المرأة في تزويج ابنتها لقول النبي صلى الله عليه وسلم " أمروا النساء في بناتهن " ولأنها تشاركه في النظر لبنتها وتحصيل المصلحة لها لشفقتها عليها وفي استئذانها تطييب قلبها وإرضاؤها فيكون أولى

مسألة: وإذن الثيب الكلام وإذن البكر الصمات

(مسألة) (وإذن الثيب الكلام وإذن البكر الصمات) أما الثيب فلا نعلم بين أهل العلم خلافاً في أن إذنها الكلام للخبر وإن اللسان هو المعبر عما في القلب وهو المعتبر في كل موضع يعتبر فيه الإذن غير أشياء يسيرة أقيم الصمت فيها مقامه لعارض، وأما البكر فاذنها صماتها في قول عامة أهل العلم منهم شريح والشعبي والنخعي والثوري والاوزاعي وابن شبرمة وابو حنيفة، ولا فرق بين كون الولي أبا أو غيره وقال أصحاب الشافعي في صمتها في حق غير الأب وجهان (أحدهما) لا يكون إذناً لأن الصمات عدم الاذن فلا يكون إذناً ولأنه محتمل للرضا وغيره فلا يكون إذناً كما في حق الثيب وإنما اكتفي به في حق الأب لأن رضاها غير معتبر، وهذا شذوذ عن أهل العلم وترك للسنة الصحيحة الصريحة يصان الشافعي عن إضافته إليه وجعله مذهباً له مع كونه من اتبع الناس لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يعرج منصف على هذا القول وقد تقدمت روايتنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن " فقالوا يا رسول الله فكيف إذنها؟ قال " أن تسكت " وفي رواية عن عائشة أنها قالت يارسول الله إن

البكر تستحي قال " رضاؤها صمتها " متفق عليه، وفي رواية " تستأمر اليتيمة في نفهسا فإن سكتت فهو إذنها " وهذا صريح في غير ذات الأب والأخبار في هذا كثيرة ولأن الحياء عقلة على لسانها يمنعها النطق بالاذن ولا تستحي من آبائها وامتناعها فإذا سكتت غلب على الظن أنه كرضاها فاكتفي به وما ذكروه يفضي إلى أن لا يكون صمتها إذناً في حق الأب أيضاً لأنهم جعلوا وجوده كعدمه فيكون إذا رداً على النبي صلى الله عليه وسلم بالكلية وإطراحاً للأخبار الصريحة الجلية وخرقاً لإجماع الأمة (فصل) فإن اذنت بالنطق فهو وابلغ وأتم، وإن ضحكت أو بكت فهو بمنزلة سكوتها، وقال أبو يوسف ومحمد إن بكت فليس بإذن لأنه يدل على الكراهة وليس بصمت فيدخل في عموم الحديث. ولنا ما روى أبو بكر باسناده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " تستأمر

مسألة: ولا فرق بين الثيوبة بوطء مباح أو محرم

اليتيمة فإن بكت أو سكتت فهو رضاها وإن أبت فلا جواز عليها " ولأنها غير ناطقة بالامتناع مع سماعها للاستئذان فكان إذنا منها كالصمات والضحك والبكاء يدل على فرط الحياء لا على الكراهة ولو كرهت لامتنعت فإنها لا تستحي من الامتناع والحديث يدل بصريحه على أن الصمت إذن وبمعناه على ما في معناه من الضحك والبكاء ولذلك أقمنا الضحك مقامه (مسألة) (ولا فرق بين الثيوبة بوطئ مباح أو محرم) وجملته أن الثيب المعتبر نطقها هي الموطوءة في القبل سواء كان الوطئ مباحاً أو محرماً وهذا مذهب الشافعي وقال مالك وابو حنيفة في المصابة بالفجور حكمها حكم البكر في إذنها وتزويجها لأن علة الاكتفاء بصمات البكر الحياء من الشئ ولا يزول إلا مباشرته وهذه لم تباشر الاذن في النكاح فبقي حياؤها منه بحاله. ولنا قوله عليه السلام " البكر تعرب عن نفسها " ولأن قوله عليه السلام " لا تنكح الأيم حتى تستأمر

مسألة: فأما زوال ابكارة بأصبع أو وثبة فلا يغير صفة الإذن

ولا تنكح البكر حتى تستأذن وإذنها أن تسكت " يدل على أنه لابد من نطق الثيب لانه قسم النساء قسمين فجعل السكوت إذناً لأحدهما فوجب أن يكون الآخر بخلافه وهذه ثيب فإن الثيب الموطوءة في القبل وهذه كذلك ولأنه لو وصى لثيب النساء دخلت في الوصية ولو وصى للأبكار لم تدخل ولو شرطها في التزويج أو الشراء فوجدها مصابة بالزنا ملك الفسخ، ولأنها موطوءة في القبل اشبهت الموطوءة بشبهة والتعليل بالحياء لا يصح فإنه أمر خفي لا يمكن اعتباره بنفسه وإنما يعتبر بمظنته وهي البكارة ثم هذا التعليل يفضي إلى ابطال منطوق الحديث فيكون باطلا في نفسه، ولا فرق بين المكرهة والمطاوعة، وعلى هذا ليس لأبيها إجبارها إذا كانت بالغة، وفي تزويجها إن كانت صغيرة وجهان قولهم إنها لم تباشر الإذن قلنا يبطل بالموطوءة بشبهة وبملك يمين والمزوجة وهي صغيرة. (مسألة) (فأما زوال البكارة بأصبع أو وثبة فلا يغير صفة الاذن)

إذا ذهبت بكارتها بغير الوطئ كالوثبة أو شدة حيضة أو أصبع أو عود فحكمها حكم الإبكار ذكره ابن حامد لأنها لم يجر المقصود ولا وجد وطؤها في القبل فاشبهت من لم تزل عذرتها وكذلك لو وطئت في الدبر لأنها غير موطوءة في القبل. (فصل) إذا اختلف الزوج والمرأة في إذنها قبل الدخول فالقول قولها في قول أكثر الفقهاء وقال زفر في الثيب كقول الجماعة وفي البكر القول قول الزوج لأن الأصل السكوت والكلام حادث والزوج يدعي الأصل والقول قوله. ولنا أنها منكرة للاذن والقول قول المنكر ولأنه يدعي أنها استؤذنت وسمعت فصمتت والأصل عدم ذلك وهذا جواب عن قوله، وإن اختلفا بعد الدخول فقال القاضي قول الزوج لأن التمكين من الوطئ دليل على الإذن وصحة البكارة فكان الظاهر معه، وهل تستحلف المرأة إذا قلنا القول قولها؟ قال القاضي: قياس المذهب أنه لا يمين عليها كما لو ادعى زوجيتها فأنكرته وبه قال أبو حنيفة والشافعي وأبو يوسف ومحمد تستحلف فإن نكلت فقال أبو يوسف ومحمد ثبت النكاح وقال الشافعي يستحلف الزوج ويثبت النكاح.

ولنا أنه اختلاف في زوجيته فلا يثبت بالنكول كما لو ادعى الزوج أصل التز ويج فأنكرته، فإن كانت المرأة ادعت أنها أذنت وأنكرته ورثة الزوج فالقول قولها لأنه اختلاف في أمر مختص بها صادر من جهتها فكان القول قولها فيه كما لو اختلفوا في نيتها فيما تعتبر فيه نيتها ولأنها تدعي صحة العقد وهم يدعون فساده فالظاهر معها (فصل) في المحجور عليه للسفه والكلام في نكاحه في ثلاثة أحوال: (أحدها) أن لوليه تزويجه إذا علم حاجته إلى النكاح لأنه نصب لمصالحه وهذا من مصالحه لأنه يصون به دينه وعرضه ونفسه. فإنه ربما تعرض بترك التزويج للاثم بالزنا الموجب الحد وهتك العرض، وسواء علم بحاجته بقوله أو بغير قوله وسواء كانت حاجته إلى الاستمتاع أو إلى الخدمة فيزوجه امرأة لتحل له لأنه يحتاج إلى الخلوة بها وإن لم يكن به حاجة إليه لم يجز تزويجه لأنه يلزمه بالنكاح حقوق من المهر والنفقة والعشرة والمبيت والسكنى فيكون تضييعاً لماله ونفسه في غير فائدة فلم يجز كتبذير ماله وإذا أراد تزويجه استأذنه في تزويجه فإن زوجه بغير إذنه فقال أصحابنا يصح لأنه عقد معاوضة فملكه الولي في حق المولي عليه كالبيع ولأنه محجور عليه أشبه

الصغير والمجنون، ويحتمل أن لا يملك تزويجه بغير اذنه لأنه يملك الطلاق فلم يجبر على النكاح كالرشيد والعبد الكبير وذلك لأن إجباره على النكاح مع ملك الطلاق مجرد اضرار فإنه يطلق فيلزمه الصداق مع فوات النكاح ولأنه قد يكون له غرض في امرأة ولا يكون له في أخرى فإذا أجبر على من يكرهها لم يحصل له المصلحة منها وفات عليه غرضه من الأخرى فيحصل مجرد ضرر مستغنى عنه وإنما جاز ذلك في حق المجنون والطفل لعدم إمكان الوصول إلى ذلك من قولهما ولا يتعذر ذلك ههنا فوجب أن لا يفوت ذلك عليه كالرشيد (الحال الثاني) أن للولي أن يأذن له في التزويج في الحال التي للولي تزويجه فيها وهي حالة الحاجة لأنه من أهل النكاح فإنه عاقل مكلف وكذلك يملك الطلاق والخلع فجاز أن يفوض إليه ذلك وهو مخير بين أن يعين له امرأة أو يأذن له مطلقاً أو قال بعض الشافعية يحتاج إلى التعيين له لئلا يتزوج شريفة يكثر مهرها ونفقتها فيتضرر بذلك ولنا أنه أذن في النكاح فجاز من غير تعيين كالإذن للعبد وبهذا يبطل ما ذكروه، ولا يتزوج إلا بمهر المثل فإن زاد على مهر المثل بطلت الزيادة لأنها محاباة بماله وهو لا يملكها وإن نقص عن مهر المثل جاز لأنه تزوج من غير خسران (الحال الثالث) إذا تزوج بغير إذن فقال أبو بكر يصح النكاح

أومأ إليه أحمد قال القاضي يعني إذا كان محتاجاً فإن عدمت الحاجة لم يجز لأنه إتلاف لماله في غير فائدة وقال أصحاب الشافعي إن أمكنه استئذان وليه لم يصح إلا بإذنه لأنه محجور عليه فلم يصح منه التصرف بغير إذنه كالعبد وإن طلب منه النكاح فأبى أن يزوجه ففيه وجهان ولنا أنه إذا احتاج إلى النكاح فحقه متعين فيه فصح استيفاؤه بنفسه كما لو استوفى دينه الحال عند امتناع وليه من استيفائه، فأما ان تزوج من غير حاجة لم يصح وإن وطئ فعليه مهر المثل للزوجة لأنه أتلف بضعها بشبهة فلزم عوض ما أتلف كإتلاف مالها (فصل) قال الشيخ رضي الله عنه (الثالث الولي فلا نكاح إلا بولي) فإن زوجت المرأة نفسها أو غيرها لم يصح ولا تملك توكيل غير وليها فإن فعلت لم يصح روي هذا عن عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس وأبي هريرة وعائشة رضي الله عنهم وإليه ذهب سعيد بن المسيب والحسن وعمر بن عبد العزيز وجابر بن زيد الثوري وابن أبي ليلى وابن شبرمة وابن المبارك وعبيد الله العنبري واسحاق وأبو عبيد، وروي عن ابن سيرين والقاسم بن محمد والحسن بن صالح وأبي يوسف لا يجوز لها ذلك بغير إذن الولي فإن فعلت كان موقوفاً على إجازته وقال أبو حنيفة لها أن تزوج نفسها وغيرها وتوكل في الإنكاح لأن الله تعالى قال (ولا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن) أضاف

النكاح إليهن ونهى عن منعهن ولأنه خالص حقها وهي من أهل المباشرة فصح منها كبيع أمتها ولأنها إذا ملكت بيع أمتها وهو تصرف في رتبتها وسائر منافعها ففي النكاح الذي هو عقد على بعض نفعها أولى. ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا نكاح إلا بولي " روته عائشة وأبو موسى وابن عباس قال المروذي سألت أحمد ويحيى عن حديث " لا نكاح إلا بولي " فقالا صحيح وروي عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل باطل باطل فإن أصابها فله المهر بما استحل من فرجها فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لاولي له " رواه الإمام أحمد وأبو داود وغيرهما فإن قيل فإن الزهري رواه وقد أنكره قال ابن جريح سألت الزهري عنه فلم يعرفه قلنا لم ينقل هذا عن ابن جريج غير ابن علية كذلك قال الامام أحمد ويحيى ولو لم يثبت هذا لم يكن فيه حجة لأنه قد نقله ثقاة عنه فلو نسيه الزهري لم يضره لأن النسيان لم يعصم منه إنسان قال النبي صلى الله عليه وسلم " نسي آدم فنسيت ذريته " ولأنها مولى عليها في النكاح فلا تليه كالصغيرة فأما

مسألة: وعن أحمد أن لها تزويج أمتها ومعتقتها

الآية فإن عضلها الامتناع من زواجها وهذا يدل على أن نكاحها إلى الولي وهذا يدل على أنها نزلت في شأن معقل بن يسار حين امتنع من التزويج فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم فزوجها وأضافه إليها لأنها تحل له إذا ثبت هذا فإنه لا يجوز لها تزويج (مسألة) (وعن أحمد أن لها تزويج أمتها ومعتقتها) وهذا يدل على أنه يصح اعتبارها في النكاح فيخرج منه أن لها تزويج نفسها بإذن وليها وغيرها بالوكالة وهو مذهب محمد بن الحسن وينبغي أن يكون قولا لابن سيرين ومن معه لأن قول النبي صلى الله عليه وسلم " أيما امرأة أنكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل " يدل بمفهومه على صحته بإذنه ولأنها إنما منعت الاستقلال بالنكاح لقصور عقلها فلا يؤمن انخداعها ووقوعه منها على وجه المفسدة وهذا مأمون فيما إذا أذن فيه وليها والمذهب الأول لعموم قوله " لا نكاح إلا بولي " وهذا يقدم على دليل الخطاب والتخصيص ههنا خرج مخرج الغالب فإن الغالب أنها لا تزوج نفسها إلا بغير إذن وليها والعلة في منعها صيانتها عن مباشرة ما يشعر بوقاحتها ورعونتها وميلها إلى الرجال وذلك ينافي حال أهل الصيانة والمروءة

مسألة: وأحق الناس بنكاح المرأة الحرة أبوها

(فصل) فإن حكم بصحة هذا العقد حاكم أو كان المتولي لعقده حاكماً لم يجز نقضه وكذلك سائر الانكحة الفاسدة وخرج القاضي وجها في هذا خاصة أنه ينقض وهو قول الاصطخري من أصحاب الشافعي لأنه خالف نصاً والأول أولى لأنها مسألة مختلف فيها ويسوغ فيها الإجتهاد فلم يجز نقض الحكم به كما لو حكم بالشفعة للجار وهذا النص متأول وفي صحته كلام وقد عارضته ظواهر (مسألة) (وأحق الناس بنكاح المرأة الحرة أبوها) إنما قيد المرأة بالحرة لأن الأمة لا ولاية لأبيها عليها بغير خلاف علمناه وأولى الناس بتزويجها أبوها لأنه لا ولاية لأحد معه وبهذا قال الشافعي وهو المشهور عن أبي حنيفة وقال مالك والعنبري وأبو يوسف وإسحاق وابن المنذر الابن أولى وهي رواية عن أبي حنيفة لأنه أولى منه بالميراث وأقوى تعصيباً لأنه يسقط تعصيب جده ولنا أن الولد موهوب لأبيه قال الله تعالى (ووهبنا له يحيى) وقال زكريا (رب هب لي من لدنك ذرية طيبة) وقال إبراهيم (الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق) وقال النبي صلى الله عليه وسلم " أنت ومالك لأبيك " وإثبات ولاية الموهوب له على الهبة أولى من العكس ولأن الأب

مسألة: ثم أبوه وإن علا

أكمل نظراً وأشد شفقة فوجب تقديمه في الولاية كتقديمه على الجد ولأن الأب يقوم على ولده في صغره وسفهه وجنونه فيليه في سائر ما تثبت الولاية عليه فيه بخلاف الابن ولذلك اختص بولاية المال وجاز له أن يشتري لها من ماله وله من مالها إذا كانت صغيرة بخلاف غيره ولأن الولاية احتكام وأحكام الأصل على فرعه أولى من العكس وفارق الميراث فإنه لا يعتبر له النظر ولهذا يرث الصبي والمجنون وليس فيه احتكام ولا ولاية على الموروث بخلاف ما نحن فيه (مسألة) (ثم أبوه وإن علا) يعني أن الجد أبا الأب وإن علت درجته أحق بالولاية من الابن وسائر الأولياء وهو قول الشافعي وعن أحمد رواية أخرى أن الابن مقدم على الجد وهو قول مالك ومن وافقه لما تقدم وعن أحمد رواية ثالثة أن الأخ يقدم على الجد لأن الجد يدلي بأبوة الأب والأخ يدلي بالبنوة والبنوة مقدمة وعنه رواية رابعة أن الأخ والجد سواء لاستوائهما في الميراث بالتعصيب واستواؤهما في القرابة يوجب استواءهما في الولاية كالأخوين ولأنهما عصبتان لا يسقط أحدهما الآخر فاستويا

مسألة: ثم ابنها ثم ابنه وإن سفل متى عدم الأب وآباؤه

في الولاية كالآخرين ولنا أن الجد له إيلاد وتعصيب فيقدم عليهما كالأب ولأن الابن والأخ يقادان بها والأخ يقطع بسرقة مالها بخلاف الجد والجد لا يسقط في الميراث إلا بالأب والأخ يسقط به وبالابن وابنه، وإذا ضاق المال وفي المسألة جد وأخ سقط الأخ وحده فوجب تقديمه عليهما كالأب وكتقديمه على العم وسائر العصبات إذا ثبت هذا فالجد وإن علا أولى من جميع العصبات غير الأب وأولى الأجداد أقربهم كالجد مع الأب (مسألة) (ثم ابنها ثم ابنه وإن سفل متى عدم الأب وآباؤه) وأولى الناس بتزويج المرأة ابنها ثم ابنه بعده وإن نزلت درجته الأقرب فالأقرب منهم وبه قال أصحاب الرأي وقال الشافعي لا ولاية للابن إلا أن يكون ابن عم أو مولى أو حاكماً فيلي بذلك لا بالنبوة لأنه ليس بمناسب لها ولا يلي نكاحها لحالها ولأن طبعه ينفر من تزويجها فلا ينظر لها ولنا ما روت ام سلمة أنها لما انقضت عدتها أرسل إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطبها فقالت يا رسول الله ليس أحد من أوليائي شاهداً قال " ليس من أوليائك شاهد ولا غائب يكره " ذلك فقالت قم يا عمر فزوج

مسألة: ثم أخويها لأبيها

فزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجه رواه النسائي قال الأثرم قلت لأبي عبد الله فحديث عمر بن أبي سلمة حين زوج النبي صلى الله عليه وسلم أمه أم سلمة أليس كان صغيراً؟ قال ومن يقول كان صغير اليس فيه بيان عدل من عصباتها فيثبت له ولاية تزويجها كأخيها وقولهم ليس بمناسب لها ممنوع وإن سلم فهو يبطل بالحاكم والمولى قولهم إن طبعه ينفر من تزويجها قلنا هذا معارض في الفرع ليس له أصل ثم يبطل بما إذا كان ابن عم أو مولى أو حاكما إذا ثبت هذا فإنه يقدم على الأخ ومن بعده بغير خلاف نعلمه عند من يقول بولايته لأنه أقوى منه تعصبا وقد استويا في عدم الإيلاد (مسألة) (ثم أخويها لأبيها) لا خلاف في تقديم الأخ بعد عمودي النسب لكونه أقرب العصبات بعدهم فإن ابن الأب أقواهم تعصيباً وأحقهم بالميراث واختلفت الرواية عن أحمد في الأخ للأب إذا اجتمعا فعنه إنهما سواء اختارها الخرقي وبه قال أبو ثور والشافعي في القديم لأنهما استويا في الادلاء بالجهة التي تستفاد بها العصوبة وهي جهة الأب فاستويا في الولاية كما لو كانا من أب وإنما رجح في المثيراث جهة الأم ولا مدخل لها في الولاية لم يرجح بها كالعمين أحدهما خال وابني عم أحدهما أخ من أم (والرواية الثانية) الأخ من

مسألة: وعنه تقديم الابن على الجد والتسوية بين الجد والاخوة وبين الأخ للأبوين والأخ للأب وقد ذكرناه

الأبوين أولى اختارها أبو بكر وهذا قول أبي حنيفة ومالك والشافعي وهو صحيح إنشاء الله تعالى لأنه حق يستفاد بالتعصيب فيقدم فيه الأخ من الأبوين كالميراث وكاستحقاق الميراث بالولاء فإنه لا مدخل للنساء فيه وقد قدم الأخ للأبوين فيه وبهذا يبطل ما ذكر في الرواية الأولى وهكذا الخلاف في بني الاخوة والاعمام وبنينهم وأما إذا كان ابنا عم لأب أحدهما أخ لأم فهما سواء لأنهما استويا في التعصيب والإرث به وقال القاضي فيهما من الخلاف مثل ما في ابن عم من الأبوين وابن عم من اب لأنه يرجح من جهة أمه وليس كذلك لأن جهة أمه يرث بها منفردة وما ورث بها منفرداً لم يرجح به وكذلك لم يرجح به في الميراث بالولاء ولا في غيره فعلى هذا إذا اجتمع ابن عم من أبوين وابن عم من اب هو أخ من أم فالولاية لابن العم من الأبوين عند من يرى تقديم ولد الأبوين (مسألة) (وعنه تقديم الابن على الجد والتسوية بين الجد والاخوة وبين الأخ للأبوين والأخ للأب وقد ذكرناه) (مسألة) (ثم بنوا الاخوة وإن سفلوا ثم العم ثم ابنه ثم الأقرب فالأقرب من العصبات على ترتيب الميراث)

مسألة: ثم المولى المنعم ثم عصباته من بعده الأقرب فالأقرب

وجملة ذلك أن الولاية بعد الاخوة تترتب على ترتيب الميراث بالتعصيب فأحقم بالميراث أحقهم بالولاية فبعد الاخوة بنوهم وإن سفلوا ثم بنوا الجد وهم أعمام الأب ثم بنوهم وإن سفلوا ثم بنو جد الجد ثم بنوهم وعلى هذا لا يلي بنو أب أعلى من بني أب أقرب منه وإن نزلت درجتهم وأولى ولد كل أب أقربهم إليه لأن مبنى الولاية على النظر والشفقة وذلك معتبر بمظنته وهي القرابة فأقربهم أشفقهم ولا نعلم في هذا خلافاً بين أهل العلم (فصل) ولا ولاية لغير العصبات من الأقارب كالأخ من الام والحال وعم الأم وأبي الأم ونحوهم نص عليه الامام أحمد في مواضع وهو قول الشافعي وإحدى الروايتين عن أبي حنيفة والثانية أن كل من يرث بفرض أو تعصيب يلي لأنه يرثها فوليها كعصباتها ولنا ما روى عن علي رضي الله عنه أنه إذا بلغ النساء نص الحقائق فالعصبة أولى يعني إذا أدركن رواه أبو عبيد في القريب ولأنه ليس من عصباتها أشبه الأجنبي (مسألة) (ثم المولى المنعم ثم عصباته من بعده الأقرب فالأقرب) ثم السلطان إذا لم يكن للمرأة عصبة من نسبها فوليها موليها يزوجها ولا نعلم خلافاً في أن العصبة

المناسبة أولى منه وذلك لأنه عصبة مولاته يرثها ويعقل عنها عند عدم عصباتها فكذلك يزوجها وقدم عليه المناسبون كما قدموا عليه في الإرث والعقل فإن عدم المولى أو لم يكن من أهل الولاية كالمرأة والطفل والكافر فعصباته الاقرب منهم فالأقرب على ترتيب الميراث ثم مولى المولى ثم عصباته من بعده كالميراث سواء فإن اجتمع ابن المعتق وأبوه فالابن أولى لأنه أحق بالميراث وأقوى بالتعصيب وإنما قدم الأب المناسب على الابن المناسب لزيادة شفقته وفضيلة ولادته وهذا معدوم في أب المعتق فيرجع فيه إلى الأصل ثم السلطان لا نعلم خلافاً بين أهل العلم في أن للسلطان ولاية تزويج المرأة عند عدم أوليائها أو عضلهم وبه يقول مالك والشافعي واسحاق وأبو عبيد وأصحاب الرأي والأصل فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم " فالسلطان ولي من لا ولي له " وروى أبو داود بإسناده عن أم حبيبة أن النجاشي زوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت عنده ولأن للسلطان ولاية عامة بدليل أنه يلي المال ويحفظ الضوال فكانت له الولاية في النكاح كالأب (فصل) والسلطان ههنا هو الإمام أو الحاكم أو من فوضا إليه ذلك واختلفت الرواية عن أحمد في

والي البلد فقال في موضع يزوج والي البلد وقال في الرستاق يكون فيه الوالي وليس فيه قاض قال يزوج إذا احتاط لها في المهر والكفء أرجو أن لا يكون به بأس لأنه ذو سلطان فيدخل في عموم الحديث وقال في موضع آخر في المرأة إذا لم يكن لها ولي فالسلطان المسلط على القاضي يقضي في الفروج والحدود والرجم وصاحب الشرطة إنما هو مسلط في الأدب والجناية وقال ما للوالي وذا؟ إنما هو إلى القاضي وتأول القاضي الرواية الأولى على أن الوالي أذن له في التزويج ويحتمل أنه جعل له ذلك إذا لم يكن في موضع ولايته قاض فكأنه قد فوض إليه النظر فيما يحتاج إليه في ولايته وهذا منها (فصل) إذا استولى أهل البغي على بلد جر حكم سلطانهم وقاضيهم في ذلك مجرى الإمام وقاضيه لأنه أجري مجراه في قبض الصدقات في الجزية والخراج فكذلك في هذا (فصل) واختلفت الرواية في المرأة تسلم على يد رجل فقال في موضع لا يكون ولياً لها ولا يزوج حتى يأتي السلطان لأنه ليس من عصبتها ولا يعقل عنها ولا يرثها فأشبه الأجنبي وقال في رواية حرب في امرأة أسلمت على يد رجل يزوجها هو وهو قول إسحاق وروي عن ابن سيرين أنه

لا يفعل ذلك حتى يأتي السلطان وعن الحسن أنه كان لا يرى بأساً في أن يزوجها نفسه وذلك لما روى أبو داود بإسناده عن تميم الداري أنه قال يا رسول الله ما السنة في الرجل يسلم على يد الرجل من المسلمين؟ قال " هو أولى الناس بمحياه ومماته " إلا أن هذا الحديث ضعفه أحمد وقال رواية ابن عبد العزيز يعني ابن عمر بن عبد العزيز وليس هو من أهل الحفظ والإتقان. (فصل) وإن لم يوجد للمرأة ولي ولا ذو سلطان فعن أحمد ما يدل على أنه يزوجها رجل عدل بإذنها فإنه قال في دهقان قرية يزوج من لا ولي لها إذا احتاط لها في الكفء والمهر إذا لم يكن في الرستاق قاض قال ابن عقيل أحد قوم من أصحابنا من هذه الرواية إن النكاح لا يقف على ولي قال وقال القاضي نصوص أحمد تمنع من ذلك قال شيخنا، والصحيح أن هذا من القول حال عدم الولي والسلطان لأنه شرط أن لا يكون في الرستاق قاض، وجهه أن اشتراط الولي ههنا يمنع النكاح بالكلية فلم يجز كاشتراط المناسب في حق من لا مناسب لها وروي عنه أنه لا يجوز النكاح إلا بولي لعموم الأخبار فيه

مسألة: وولي الأمة سيدها إذا كان من أهل ولاية التزويج

(مسألة) (وولي الأمة سيدها إذا كان من أهل ولاية التزويج) لا نعلم فيه خلافاً لأنه مالكها وله التصرف في رقبتها بالبيع ففي التزويج أولى ولا يزوجها إلا بإذنها (مسألة) (فإن كانت لامرأة فوليها ولي سيدتها وقد ذكرنا ذلك) اختلفت الرواية عن أحمد فيمن يزوج أمة المرأة فروي عنه أنه يلي نكاحها ولي سيدتها قال القاضي هذا هو الصحيح اختاره الخرقي وهو مذهب الشافعي لأن مقتضى الدليل كون الولاية لها فامتنعت في حقها لقصورها فثبتت لأوليائها كولاية نفسها ولأنهم يلونها لو عتقت ففي حال رقها أولى فإن كانت سيدتها رشيدة لم يجز تزويج أمتها إلا بإذنها لأنها مالها ولا يجوز التصرف في مال رشيد بغير إذنه وبغير نطقها بذلك وإن كانت بكراً لأن صماتها إنما اكتفي به في تزويج نفسها لحيائها ولا تستحي من تزويج غيرها وإن كانت صغيرة أو مجنونة أو سفيهة ولوليها ولاية على مالها فله تزويج أمتها إن كان الحظ في تزويجها وإلا لم يملك تزويجها وكذلك الحكم في أمة ابنه الصغير وقال بعض الشافعية ليس له تزويجها بحال لانه فيه الحظ لأن الكلام فيه فجاز كسائر التصرفات الجائزة وإهمال الحظر مرجوح بما فيه من تحصيل مهرها وولدها وكفاية مؤنتها وصيانتها عن الزنا الموجب للحد في حقها ونقص قيمتها

والمرجوح كالمعدوم فإن كان وليها في مالها غير ولي تزويجها فولاية تزويجها للولي في المال دون ولي التزويج لأنه المتصرف في المال وهي مال وروى عن أحمد رواية ثانية أن للمرأة أن تولي أمر أمتها رجلا لتزويجها نقلها عن أحمد جماعة لأن سبب الولاية الملك وقد تحقق في المرأة وامتنعت المباشرة لنقص الأنوثية فملكت التوكيل كالرجل والمريض والغائب ونقل عن أحمد كلام يحتمل رواية ثالثة وهو أن سيدها يزوجها فإنه قيل له تزوج أمتها؟ قال قد قيل ذلك هي مالها وهذا يحتمل أنه ذهب إليه وهو قول أبي حنيفة لأنها تملكها وولايتها تامة عليها فملكت تزويجها كالسيد ولأنها تملك بيعها وإجارتها فملكت تزويجها كسيدها ولأن الولاية إنما ثبتت على المرأة لتحصيل الكفاءة صيانة لحظ الأولياء في تحصيلها فلا تثبت عليها الولاية في أمتها لعدم اعتبار الكفاءة وعدم الحق للأولياء فيها ويحتمل أن أحمد قال هذا حكاية لمذهب غيره فإنه قال في سياقها أحب إلي أن تأمر زوجها لأن النساء لا يعقدن وقد روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا تنكح المرأة المرأة " وقالت عائشة

زوجوا فإن النساء لا يزوجن واعقدوا فإن النساء لا يعقدن ولأن المرأة لا تملك تزويج نفسها فغيرها أولى. (فصل) ويزوج عتيقتها من يزوج أمتها ذكره الخرقي وفيها روايتان (إحداهما) لمولاتها أن توكل رجلا في تزويجها لأنها عصبتها وترثها فأشبهت المعتق (والثانية) يزوجها ولي سيدتها وهي أصح لأن هذه ولاية لنكاح والمرأة ليست من أهل ذلك فيكون إلى عصبتها لأنهم الذين يعقلون عنها ويرثونها بالتعصيب عند عدم سيدتها فكانوا أولياءها كما لو تعذر على المعتق تزويج عتيقته، وقد ذكرنا أنه إذا انقرض العصبة من النسب ولي المولى المعتق ثم عصباته الأقرب فالأقرب كذا ههنا إلا أن الظاهر من كلام الخرقي ههنا تقديم أبي المعتقة على ابنها لأنه أولى بتزويجها وقد يزوج معتقتها من يزوج أمتها ويزوج أمتها من يزوجها، وقد ذكرنا أن ابن المعتقة أولى بتزويج عتيقتها من أبيها ويعتبر في ولايتها شرطان (أحدهما) عدم العصبة من النسب لأن المناسب أقرب من المعتق وأولى منه (الثاني) إذن المزوجة

لأنها حرة وليست له ولاية إجبار فإنه أبعد العصبات ولا يعتبر إذن مولاتها لأنه لا ولاية لها ولا ملك فاشبهت القريب الطفل إذا زوج البعيد (فصل) فإن كان للأمة مولى فهو وليها وإن كان لها موليان اشتركا في الولاية وليس الواحد منهما الاستقلال بها بغير إذن صاحبه لأنه لا يملك إلا بعضها وإن اشتجرا لم يكن للسلطان ولاية لأن تزويجها تصرف في المال بخلاف الحرة فإن نكاحها حق لها ونفعه عائد إليها ونكاح الأمة حق لسيدها نفعه عائد إليه فلم ينب السلطان عنه فيه فإن أعتقاها ولها عصبة مناسب فهو أولى منهما وإن لم يكن لها عصبة ولياها ولا يستقل أحدهما بالتزويج لأن ولايته على بعضها فإن اشتجرا أقام الحاكم مقام الممتنع منهما لأنها صارت حرة وصار نكاحها حقاً لها وإن كان المعتق أو المعتقة واحدا وله عصبتان كالابنين والأخوين

مسألة: ويشترط في الولي الحرية والذكورية واتفاق الدين والعقل

فلأحدهما الاستقلال بتزويجها كما يملك تزويج سيدتها. (مسألة) (ويشترط في الولي الحرية والذكورية واتفاق الدين والعقل) وجملته أنه يعتبر لثبوت الولاية ستة شروط العقل والحرية والإسلام إذا كانت المرأة مسلمة والذكورية والبلوغ، والعدالة على اختلاف نذكره فأما العقل فهو شرط بغير خلاف لأن الولاية إنما ثبتت نظراً للمولى عليه عند عجزه عن النظر لنفسه ومن لا عقل له لا يمكنه النظر ولا يلي نفسه فغيره أولى وسواء في هذا من لا عقل له لصغره أو من ذهب عقله بجنون أو كبر كالشيخ إذا أفند قال

القاضي والشيخ الذي قد كبير فلا يعرف موضع الحظ لها لا ولاية له، فأما الإغماء فلا يزيل الولاية لأنه يزول عن قريب فهو كالنوم، وكذلك لا تثبت الولاية عليه ويجوز على الأنبياء ومن كان يجن في الأحيان لم تزل ولايته لأنه لا يدوم زوال عقله فهو كالإغماء (الشرط الثاني) الحرية فلا ولاية لعبد في قول جماعة أهل العلم فإن العبد لاو لاية له على نفسه فعلى غيره أولى، وقال أصحاب الرأي يجوز أن يزوجها العبد بإذنها بناء منهم على أن المرأة تزوج نفسها وقد مضى الكلام في هذه المسألة. (الشرط الثالث) الإسلام فلا يثبت للكافر ولاية على مسلمة، وهو قول عامة أهل العلم قال ابن المنذر أجمع عامة من نحفظ عنه من أهل العلم على هذا، وفيه وجه أن الكافر يزوج أم ولده المسلمة وسوف نذكره إن شاء الله تعالى، قال أحمد بلغنا أن علياً أجاز نكاح أخ ورد نكاح الأب وكان نصرانياً (الشرط الرابع) الذكورية وهو شرط للولاية في قول الجميع لأنه يعتبر فيها الكمال والمرأة ناقصة قاصرة تثبت الولاية عليها لقصورها عن النظر لنفسها فلأن لا يثبت لها ولاية على غيرها أولى، وعن أحمد أنها تلي نكاح أمتها ومعتقتها وقد ذكرناه.

(الشرط الخامس) البلوغ وهو شرط في ظاهر المذهب قال أحمد لا يزوج الغلام حتى يحتلم ليس له أمر هذا قول الثوري والشافعي وإسحاق وابن المنذر وأبى ثور وروى عن أحمد أنه إذا بلغ عشرا زوج وتزوج وطلق وأجهزت وكالته في الطلاق ويحتمله كلام الخرقي لتخصيصه المسلوب الولاية بكونه طفلا، ووجه ذلك أنه يصح بيعه وطلاقه ووصيته فثبتت له الولاية كالبالغ، والأول اختيار أبي بكر وهو الصحيح لأن الولاية يعتبر لها كمال الحال لأنها تفيد التصرف في حق غيره واعتبرت نظراً له والصبي مولى عليه لقصوره فلا تثبت له الولاية كالمرأة والأصول المقيس عليها ممنوعة. (السادس) العدالة وفي كونها شرطا روايتان (إحداهما) هي شرط قال أحمد إذا كان القاضي مثل ابن الحلبي وابن الجعد استقبل النكاح، فظاهر هذا أنه أفسد النكاح لانتفاء عدالة المتولي له وهذا قول الشافعي لما روى عن ابن عباس أنه قال لا نكاح إلا بشاهدي عدل وولي مرشد. قال أحمد أصح شئ في هذا قول ابن عباس يعني وقد روى ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ولا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل وأيما امرأة أنكحها ولي مسخوط عليه فنكاحها باطل " وروى البرقاني باسناده عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا نكاح إلا بولي مرشد وشاهدي عدل " ولأنها ولاية نظر فلا يستبد بها الفاسق كولاية المال

مسألة: فإن كان الأقرب طفلا أو كافرا أو عبدا زوج الأبعد

(والرواية الأخرى) ليست شرطا، نقل مثنى ابن جامع أنه سأل أحمد إذا تزوج بولي وشهود غير عدول فلم ير أنه يفسد من النكاح شئ وهذا ظاهر كلام الخرقي لأنه ذكر الطفل والعبد والكافر ولم يذكر الفاسق وهو قول مالك وأبي حنيفة، وأحد قولي الشافعي لأنه يلي نكاح نفسه فثبتت له الولاية على غيره كالعدل ولأنه يثبت الولاية للقرابة وشرطها النظر وهذا قريب ناظر فيلي كالعدل (فصل) ولا يشترط أن يكون بصيراً لأن شعيباً زوج ابنته وهو أعمى ولأن المقصود في النكاح يعرف بالسماع والاستفاضة فلا يفتقر إلى النظر ولا يشترط النطق بل يجوز أن يلي الأخرس إذا فهمت اشارته لأنها تقوم مقام نطقه في سائر العقود والأحكام فكذلك النكاح (مسألة) (فإن كان الأقرب طفلا أو كافراً أو عبداً زوج الأبعد) لأن الولاية لا تثبت لطفل ولا عبد ولا كافر على مسلمة فعند ذلك يكون وجودهم كعدمهم فتثبت الولاية لمن أبعد منهم إذا كملت فيه الشروط كما لو ماتوا. (مسألة) (وإن عضل الأقرب زوج الأبعد وعنه يزوج الحاكم) العضل منع المرأة من التزويج بكفئها إذا طلبت ذلك ورغب كل واحد منهما في صاحبه،

فمتى وجد ذلك انتقلت الولاية إلى الأبعد نص عليه أحمد وعنه رواية أخرى تنتقل إلى السلطان وهو اختيار أبي بكر وذكر ذلك عن عثمان بن عفان وشريح وبه قال الشافعي لقول النبي صلى الله عليه وسلم " فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له " ولأن ذلك حق عليه امتنع من أدائه فقام الحاكم مقامه كما لو كان عليه دين فامتنع من قضائه ولنا أنه تعذر التزويج من جهة الأقرب فملكه الأبعد كما لو جن ولأنه يفسق بالعضل فنتنقل الولاية عنه كما لو شرب الخمر، فإن عضل الأولياء كلهم زوج الحاكم، والحديث حجة لنا لقوله " السلطان ولي من لاولي له " وهذه لها ولي ويمكن حمله على ما إذا عضل الكل فانه قوله " فإن اشتجروا " ضمير جمع يتناول الكل والولاية تخالف الدين من وجوه ثلاثة (أحدها) أنها حق للولي والدين عليه. (الثاني) أن الدين لا ينتقل عنه والولاية تنتقل عنه لعارض من جنون الولي وفسقه (الثالث) أن الدين لا تعتبر في بقائه العدالة والولاية يعتبر لها ذلك وقد زالت العدالة بما ذكرنا، فإن قيل لو زالت ولايته لما صح منه التزويج إذا أجاب إليه قلنا فسقه بامتناعه فإذا أجاب فقد نزع عن المعصية وراجع الحق

فزال فسقه فكذلك صح تزويجه، وقد روي عن معقل بن يسار قال: زوجت أختاً لي من رجل فطلقها حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها فقلت له زوجتك وأفرشتك وأكرمتك فطلقتها ثم جئت تخطبها لا والله لا تعود إليك أبداً وكان رجلا لا بأس به فكانت المرأة تريد أن ترجع إليه فأنزل الله هذه الآية (فلا تعظلوهن) فقلت الآن أفعل يا رسول الله قال " فزوجها إياه " رواه البخاري (فصل) وسواء طلبت التزويج بمهر مثلها أو دونه، وبه قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة له منعها من التزويج بدون مهر مثلها لأن عليهم في ذلك عاراً وفيه ضرر على نسائها لنقص مهر مثلهن ولنا أن المهر خالص حقها وعوض يختص بها فلم يكن لهم الاعتراض عليها فيه كثمن عبدها وأجر دارها، ولأنها لو أسقطته بعد وجوبه سقط كله فبعضه أولى ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل أراد أن يزوجه " التمس ولو خاتما من حديد " وقال لامرأة زوجت بنعلين " أرضيت من نفسك بنعلين؟ " قالت نعم: فأجازه النبي صلى الله عليه وسلم وقولهم فيه عار عليهم ليس كذلك فإن عمر قال لو كان مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله كان أولاكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني غلو الصداق فإن رغبت في رجل بعينه وهو كفء فأراد تزويجها لغيره من أكفائها وامتنع من تزويجها من الذي أرادته كان عاضلا لها فإن طلبت التزويج بغير كفء، فله منعها منه ولا يكون عاضلاً بذلك لأنها لو زوجت بغير كفئها كان له فسخ، النكاح فلأن يمنع منه ابتداء أولى

مسألة: وإن غاب غيبة منقطعة زوج الأبعد وهي ما لا تقطع إلا بكلفة ومشقة في ظاهر كلام أحمد وقال الخرقي ما لا يصل إليه الكتاب أو يصل فلا يجب عنه، وقال القاضي ما لا تقطعه القافلة في السنة إلا مرة، وقد قال أحمد إذا كان الأب بعيد السفر زوج الأبعد. قال أبو ال

(مسألة) (وإن غاب غيبة منقطعة زوج الا بعد وهي ما لا تقطع إلا بكلفة ومشقة في ظاهر كلام أحمد وقال الخرقي ما لا يصل إليه الكتاب أو يصل فلا يجب عنه وقال القاضي ما لا تقطعه القافلة في السنة إلا مرة، وقد قال أحمد إذا كان الأب بعيد السفر زوج الأبعد. قال أبو الخطاب فيحتمل أنه أراد بالسفر البعيد ما تقصر فيه الصلاة) الكلام في هذه المسألة من أمرين (أحدهما) أن الأقرب إذا غاب غيبة منقطعة زوج الأبعد دون الحاكم وبهذا قال أبو حنيفة وقال الشافعي يزوجها الحاكم لأنه تعذر الوصول إلى النكاح من الأقرب مع بقاء ولايته فيقوم الحاكم مقامه كما لو عضلها ولأن الأبعد محجوب بولاية الأقرب فلا يجوز له التزويج كما لو كان حاضراً، ودليل بقاء ولايته أنه لو زوج من حديث هو أو كل صح ولنا قوله عليه الصلاة والسلام " السلطان ولي من لاولي لها " وهذه لها ولي فلا يكون السلطان ولياً لها ولأن الأقرب تعذر حصول التزويج منه فتثبت الولاية لم يليه من العصبات كما لو جن أو مات ولأنها حالة يجوز فيها التزويج لغير الأقرب فكان ذلك للأبعد كالاصل وإذا عظلها فهي كمسئلتنا (الفصل الثاني) في الغيبة المنقطعة التي يجوز للأبعد التزويج في مثلها ففي قول الخرقي هي مالا

يصل إليه الكتاب أو يصل فلا يجيب عنه لأن مثل هذا يتعذر مراجعته بالكلية فتكون منقطعة أي تنقطع عن إمكان تزويجها، وقال القاضي يجب أن يكون حد المسافة أن لا تردد القوافل فيه في السنة إلا مرة لان الكفء ينتظر سنة ولا ينتظر أكثر منها فيلحق الضرر بترك تزويجها، وقد قال أحمد في موضع إذا كان الأب بعيد السفر زوج الأخ. يحتمل أنه أراد ما تقصر فيه الصلاة لأن ذلك هو السفر البعيد الذي علقت عليه الأحكام وذكر أبو بكر وجوهاً (أحدها) ما لا يقطع إلا بكلفة ومشقة لأن أحمد قال إذا لم يكن ولي حاضر من عصبتها كتب إليهم حتى يأذنوا إلا أن تكون غيبة منقطعة لا تدرك إلا بكلفة ومشقة فالسلطان ولي من لا ولي له، قال شيخنا وهذا القول إن شاء الله أقربها إلى الصواب فإن التحديدات بابها التوقيف ولا توقيف في هذه المسألة فترد إلى ما يتعارفه الناس بينهم مما لم تجر العادة بالانتظار فيه ويلحق المرأة الضرر بمنعها من التزويج في مثله فإنه يتعذر في ذلك الوصول إلى المصلحة من نظر الأقرب فيكون كالمعدوم والتحديد بالعام كثير فإن الضرر يلحق بالانتظار في مثل ذلك ويذهب الخاطب، ومن لا يصل منه كتاب أبعد ومن هو على مسافة لا تلحق المشقة بمكاتبته فكان التوسط أولى، واختلف

مسألة: ولا يلي كافر نكاح مسلمة بحال إلا إذا أسلمت أم ولده في وجه

أصحاب أبي حنيفة في الغيبة المنقطة فقال بعضهم كقول القاضي وبعضهم قال من الري إلى بغداد وقال بعضهم من الرقة إلى البصرة، وهذا القولان يشبهان قول أبي بكر، واختلاف أصحاب الشافعي في الغيبة التي بزوج فيها الحاكم فقال بعضهم مسافة القصر، وقال بعضهم الحاكم، وإن كان الولي قريباً وهو منصوص الشافعي، وظاهر كلام أحمد أنه إذا كانت الغيبة غير منقطعة أنه ينتظر ويراسل حتى يقدم أو يوكل (فصل) فإن كان القريب أسيراً أو محبوساً في مسافة قريبة لا يمكن مراجعته فهو كالبعيد فان البعدلم يعتبر لعينه بل لتعدر الوصول إلى التزويج بنظره وهذا موجود ههنا وكذلك إن كان غائباً لا يعلم أقريب هو أم بعيد أو علم أنه قريب ولم يعلم مكانه فهو كالبعيد (مسألة) (ولا يلي كافر نكاح مسلمة بحال إلا إذا أسلمت أم ولده في وجه) أما الكافر فليس له ولاية على مسلمة بحال وهو قول مالك والشافعي وأبي عبيد وأصحاب الرأي قال ابن المندر أجمع على هذا كل من تحفظ عنه من أهل العلم، وذكر شيخنا ههنا أن فيه وجها أن الكافر يلي نكاح أم ولده إذا أسلمت وذكره أبو الخطاب لأنها مملوكته فيلي نكاحها كالمسلم، ولأنه عقد

مسألة: ولا يلي مسلم نكاح كافرة إلا سيد الأمة وولي سيدها أو السلطان

عليها فيليه كإجارتها (والثاني) لا يليه لقول الله تعالى (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض) ولأنها مسلمة فلا يلي نكاحها كابنته فعلى هذا يزوجها الحاكم وهذا الوجه أولى لما ذكرنا من الإجماع (مسألة) (ولا يلي مسلم نكاح كافرة إلا سيد الأمة وولي سيدها أو السلطان لقول الله تعالى (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض) ولأن مختلفي الدين لا يرث أحدهما الآخر ولا يعقل عنه فلم يل عليه كما لو كان أحدهما رقيقاً فأما سيد الأمة الكافرة فله تزويجها الكافر لكونها لا تحل للمسلمين وكذلك سيد الأمة الكافرة يلي تزويجها لكافر لأنها ولاية بالملك فلم يمنعها كون سيد الأمة الكافرة مسلماً كسائر الولايات ولأن هذه تحتاج إلى التزويج ولا ولي لها غير سيدها. فأما السلطان فله الولاية على من لاولي لها من أهل الذمة لأن ولايته عامة على أهل دار الاسلام وهذه من أهل الدار فثبتت له الولاية عليها كالمسلمة وتثبت الولاية للكافر على أهل دينه على حسب ما ذكرنا في المسلمين وتعتبر فهم الشروط المعتبرة في المسلمين (مسألة) (ويلي الذمي نكاح موليته الذمية من الذمي لقوله تعالى (والذين كفروا بعضهم

مسألة: وإذا زوج الأبعد من غير عذر للأقرب أو زوج الأجنبي لم يصح، وعنه يصح ويقف على إجازة الولي

أولياء بعض (وهل يليه من مسلم؟ على وجهين) (أحدهما) يليه ذكره أبو الخطاب وهو قول أبي حنيفة لأنه وليها فصح تزويجه لها كما لو زوجها كافرا ولأنها امرأة لها ولي مناسب فلم يجز أن يليها غيره كما لو تزوجها ذمي (والثاني) لا يزوجها إلا الحاكم قاله القاضي لأن أحمد قال: لا يعقد يهودي ولا نصراني عقد نكاح لمسلم ولا مسلمة ووجهه أنه عقد يفتقر إلى شهادة مسلمين فلم يصح بولاية كافر كنكاح المسلمين والأول أصح والشاهدان يرادان لإثبات النكاح عند الحاكم بخلاف الولاية (مسألة) (وإذا زوج الأبعد من غير عذر للأقرب أو زوج الأجنبي لم يصح وعنه يصح ويقف على إجازة الولي) الكلام في هذه المسألة في فصلين (أحدهما) أنه إذا زوج الا بعد مع حضور الأقرب وإجابته إلى تزويجها من غير إذنه لم يصح وبهذا قال الشافعي وقال مالك يصح لأن هذا ولي فصح أن يزوجها بإذنها كالأقرب ولنا أن هذا مستحق بالتعصيب فلم يثبت للأبعد مع وجود الأقرب كالميراث وبهذا فارق القريب البعيد

(الفصل الثاني) إن هذا العقد يقع فاسدا على الإجازة ولا يصير بالإجازة صحيحاً وكذلك الحكم اذا زوج الأجنبي أو زوجت المرأة المعتبر إذنها بغير إذنها أو تزوج العبد بغير إذن سيده فالنكاح في هذا كله باطل في أصح الروايتين نص عليه أحمد في مواضع وهو قول الشافعي وأبي عبيد وأبى ثور وعن أحمد رواية أخرى انه يقف على الإجازة فإن أجازه جاز وإن لم يجزه فسد قال أحمد في صغير زوجه عمه فإن رضي به في وقت من الأوقات جاز وإن لم يرض فسخ وإذا زوجت اليتيمة فلها الخيار إذا بلغت وقال إذا تزوج العبد إذن سيده ثم علم السيد فإن شاء أن يطلق عليه فالطلاق بيد السيد فإن أذن في التزويج فالطلاق بيد العبد وهذا قول أصحاب الرأي في كل مسألة يعتبر فيها الإذن وروي ذلك في النكاح بغير ولي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعن القاسم بن محمد والحسن بن صالح واسحاق وأبي يوسف ومحمد لما روي أن جارية بكرا أتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة فحيرها النبي صلى الله عليه وسلم رواه أبو داود وابن ماجة وروي أن فتاة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إن أبي زوجني من ابن أخيه ليرفع بي خسيسة قال فجعل الأمر إليها فقالت قد أجزت ما صنع أبي ولكن أردت أن أعلم أن للنساء من الأمر شيئاً ولأنه عقد يقف على الفسخ

فوقف على الإجازة كالوصية ووجه الأولى قول النبي صلى الله عليه وسلم (أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل - وقال - إذا نكح العبد بغير إذن سيده فنكاحه باطل) رواه أبو داود وابن ماجة إلا أن أبا داود قال هو موقوف على ابن عمر ولأنه عقد لا تثبت فيه أحكامه من الطلاق والخلع واللعان والتوارث فلم ينعقد كنكاح المعتدة فأما حديث المرأة التي خيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مرسل عن عكرمة رواه الناس كذلك ولم يذكروا ابن عباس قاله أبو داود ثم يحتمل أن هذه المرأة هي التي قالت زوجني أبي من ابن أخيه ليرفع به خسيسته فتخييرها لتزويجها من غير كفئها وهذ ايثبت الخيار ولا يبطل النكاح والوصية يتراخى فيها القبول وتجوز بعد الموت فهي معدول بها عن سائر التصرفات ولا تفريع عليه هذه الرواية لوضوحها فأما عليا لرواية الأخرى فإن الشهادة تعتر في العقد لأنها شرط له فيعتبر وجودها معه كالقبول ولا تعتبر في الإجازة لأنها ليست بعقد ولأنها إذا وجدت أسند الملك إلى حالة العقد حتى لو كان في الصداق بما ملك من حين العقد لا من حين الإجازة وإن مات أحدهما قبل الإجازة لم يرثه الآخر لأنه عقد تلزمه إجازته فهو كالصحيح وإن كان مما لا يجزه لم يرثه (فصل) ومتى تزوجت المرأة بغير إذن وليها والأمة بغير إذن سيدها فقد ذكره أصحابنا من

الروايتين قال شيخنا والصحيح عندي أنه لا يدخل فيها لتصريح النبي صلى الله عليه وسلم فيه بالبطلان ولأن الإجازة إنما تكون العقد صدر من أهله في محله فأما ما لا يصدر من الأهل كالذي عقده المجنون أو الطفل فلم يقف على الإجازة وهذا عقد لم يصدر من أهله فإن المرأة ليست أهلا له بديل أنه لو أذن لها فيه لم يصح مع الاذن القارن فأن لا يصح بالإجازة المتأخرة أولى ولا تفريع على هذا القول وأما على القول الآخر فمتى توجت بغير إذن الولي فيرفع إلى الحاكم لم يملك إجازته والأمر فيه إلى الولي فمتى رده بطل لأن من وقف بالحكم على إجازته بطل برده كالرأة إذا زوجت بغير إذنها وفيه وجه آخر أنه إذا كان الزوج كفؤاً أمر الحاكم الولي بإجازته فان لم يفعل أجازه الحاكم لأنه لو امتنع صار عاضلا فانتقلت الولاية عنه إلى الحاكم في ابتداء العقد ومتى حصلت الإصابة قبل الإجازة ثم أجيز فالمهر واحداما المسمى وأما مهر المثل إن لم يكن مسمى فإن الإجازة مسندة إلى حالة العقد فيثبت الحل والملك من حين العقد كما ذكرنا في البيع ولذلك لم يجب الحد ومتى تزوجت الأمة بغير إذن سيدها ثم خرجت من ملكه قبل الإجازة إلى من تحل له انفسخ النكاح ولأنه قد طرأت استباحة صحيحة على موقوفة فأبطلتها لأنها أقوى فأزالت الأضعف كما لو طرأ ملك اليمين

على الملك النكاح وإن خرجت إلى من تحل له كالمرأة أو اثنتين فكذلك أيضاً لأن العقد إذا وقف على إجازة شخص لم يجز بإجازة غيره كما لو باع أمة غيره ثم باعها المالك فأجازها المشتري الثاني مع الأجنبي وفيه وجه آخر أنه يجوز بإجازة المالك الثاني لأنه يملك ابتداء العقد فملك إجازته كالأول ولا فرق بين أن يخرج ببيع أو هبة أو إرث أو غيره فأما إن أعتقها السيد احتمل أن يجوز النكاح لأنه إنما وقف لحق المولى فإذا أعتق سقط حقه فصح واحتمل أن لا يجوز لأن إبطال حق الولي ليس بإجازة ولأن حق المولى إن بطل من الملك لم يبطل من ولاية التزويج فإنه يليها بالولاء (فصل) وإذا تزوجت التي يعتبر إذنها بغير إذنها وقلنا يقف على إجازتها فإجازتها بالنطق أو ما يدل على الرضا من التميكن من الوطئ والمطالبة بالمهر أو النفقة ولا فرق في ذلك بين البكر والثيب لأن أدلة الرضا تقوم مقام النطق به ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لبريرة (إن وطئك زوجك فلا خيار لك) جعل تمكينها دليلا على إسقاط حقها والمطالبة بامهر أو النفقة والتمكين من الوطئ دليل على الرضا لأن ذلك من خصائص العقد الصحيح فوجوده من المرأة دليل رضاها به (مسألة) (ووكيل كل واحد من هؤلاء يقوم مقامه وإن كان حاضراً ووصيه في النكاح بمنزلته)

مسألة: ووكيل كل واحد من هؤلاء يقوم مقامه وإن كان حاضرا ووصيه في النكاح بمنزلته

يجوز التوكيل في النكاح سواء كان الولي حاضراً أو غائباً مجبراً أو غير مجبر لأنه روي أن النبي صلى الله عليه وسلم وكل أبا رافع في تزويجه ميمونة ووكل عمرو بن أمية الضمري في تزويجه أم حبيبة ولأنه عقد معاوضة فجاز التوكيل ولأصحاب الشافعي في توكيل غير الأب والجد وجهان (أحدهما) لا يجوز لأنه يلي بالاذن فلم يجز له التوكيل كالوكيل ولنا أنه بلي شرعاً فكان له التوكيل كالأب ولا يصح قولهم إن يلي بالاذن فإن ولايته ثابتة قبل إذنها وإنما إذنه شرط لصحة تصرفه فأشبه ولاية الحاكم عليها ولا خلاف في أن للحاكم أن يستنيب في التزويج من غير إذن المرأة ولأن المرأة لا ولاية لها على نفسها فكيف ثبتت الإنابة من قبها؟ (فصل) ويجوز التوكيل مطلقاً ومقيداً فالمقيد التوكيل في تزويج رجل بعينه والمطلق التوكيل في تزويج من يرضاه أو من شاء قال أحمد في رواية عبد الله في الرجل يولى على أخته وابنته تقول إذا وجدت من أرضاه فزوجه فتزوجيه جائز ومنع بعض الشافعية التوكيل المطلق ولا يصح فإنه روي أن رجلا من العرب ترك ابنته عند عمر وقال إذا وجدت لها كفؤاً فزوجه ولو بشراك نعله فزوجها عمر عثمان بن عفان فهي أم عمر بن عثمان واشتهر ذلك فلم ينكر ولأنه أذن في النكاح فجاز مطلقاً

كإذن المرأة أو عقد فجاز التوكيل فيه مطلقاً كالمبيع (فصل) ولا يعتبر في الوكالة إذن المرأة في التوكيل سواء كان الموكل أبا أو غيره ولا يفتقر إلى حضور شاهدين وقال بعض الشافعية لا يجوز لغير المجبر التوكيل إلا بإذن المرأة وخرجه القاضي على الروايتين في توكيل الوكيل من غير إذن الموكل وحكي عن الحسن بن صالح أنه لا يصح إلا بحضرة شاهدين لأنه يراد بحل الوطئ فافتقر إلى الشهادة كالنكاح ولنا أنه أذن من الولي في التزويج فلم يفتقر إلى إذن المرأة ولا إشهاد كإذن الحاكم وقد بينا أن الولي ليس بوكيل المرأة ولو كان وكيلها لتمكنت من عزله وهذا التوكيل لا يملك به البضع فلم يفتقر إلى إشهاد بخلاف النكاح ويبطل ما ذكره الحسن بن صالح بالتوكيل في شراء الإماء للتسري (فصل) ويثبت للوكيل ما يثبت للموكل فإن كان للمولى الإجبار ثبت ذلك لوكيله إن كانت ولايته ولاية مراجعة احتاج الوكيل إلى ما رجعة المرأة لأنه نائب فيثبت له مثل ما ثبتت للمنون عنه وكذلك الحكم في السلطان والحاكم يأذن لغيره في التزويج فيكون المأذون له قائماً مقامه (فصل) واختلفت الرواية عن أحمد هل تستفاد ولاية النكاح بالوصية؟ فروي أنها تستفاد بها اختارها الخرقي وهذا قول الحسن وحماد بن أبي سليمان ومالك وروي عنه لا تستفاد بالوصية وبه قال الثوري والشعبي والنخعي والحارث العكلي وأبو حنيفة والشافعي وابن المنذر ولأنها ولاية تنتقل إلى

غيره شرعاً فلم يجز أن يوصى بها كالحضانة ولأنه لا ضرر على الوصي في تضييعها ووضعها عند من لا يكافئها فلا تثبت له الولاية كالأجنبي ولأنها ولاية نكاح فلم تجز الوصية بها كولاية الحاكم وقال أبو عبد الله بن حامد إن كان لها عصبة لم تجز الوصية بنكاحها لأنه يسقط حقهم بوصيته وإن لم يكن عصبة جاز لعدم ذلك ولنا أنها ولاية للأب فجازت وصيته بها كولاية المال وما ذكروه يبطل بولاية المال ولأنه يجوز أن يستنيب فيها في حياته فيكون نائبه قائماً مقامه فجاز أن يستنيب فيها بعد موته كولاية المال فعلى هذا تجوز الوصية بالنكاح من كل ذي ولاية سواء كان مجبرا بالاب أو غير مجبر كالأخ ووصي كل ولي يقوم مقامه فإن كان الوي له الإجبار فكذلك لوصيه وإن كان يحتاج إلى إذنها فوصيه كذلك لأنه قائم مقامه فهو كالوكيل وقال مالك إن عين الأب الزوج ملك إجبارها صغيرة كانت أو كبيرة وإن لم يعين الزوج وكانت بنته كبيرة صحت الوصية فاعتبر إذنها وإن كانت صغيرة انتظرنا بلوغها فإذا أذنت جاز أن يزوجها بإذنها ولنا أن من ملك التزويج إذا عين له الزوج ملك مع الإطلاق كالوكيل ومتى زوج وصي الأب الصغيرة فبلغت فلا خيار لها لأن الوصي قائم مقام الموصي فلم يثبت في تزويجه خيار كالوكيل

مسألة: وإذا استوى الأولياء في الدرجة كالإخوة والأعمام وبنيهم صح التزويج من كل واحد منهم لأن سبب الولاية موجود في واحد منهم

(فصل) ومن لم نثبت له الولاية لا يصح توكيله لأن وكيله قائم مقامه فإن وكله الولي في تزويج موليته لم يصح لأنها ولاية ليس هو من أهلها ولأنه لما لم يملك تزويج مناسبة بولاية النسب فلأن لا يملك مناسبة غيره بالتوكيل أولى ويحتمل أن يصح توكيل العبد والفاسق والصبي المميز في العقد لأنهم من أهل اللفظ به وعباراتهم فيه صحيحة ولذلك صح قبولهم النكاح لأنفسهم وإنما سلبوا الولاية لأنه يعتبر لها الكمال ولا حاجة إليه في اللفظ وإن وكله الزوج في قبول النكاح صح وكذلك انه وكله الأب في قبول النكاح لابنه الصغير لأنه يصح قبولهم لأنفسهم فجاز أن ينوبوا فيه عن غيرهم كالبيع وقال بعض أصحابنا لا يصح لأنه أحد طرفي العقد أشبه الإيجاب والأول أولى (مسألة) (وإذا استوى الأولياء في الدرجة كالإخوة والأعمام وبنيهم صح التزويج من كل واحد منهم لأن سبب الولاية موجود في واحد منهم) (مسألة) (والأولى تقديم أكبرهم وافضلهم) لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما تقدم محيصة وحويصة وعبد الرحمن بن سهل فتكم عبد الرحمن بن سهل وكان أصغرهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم (كبر كبر) أي قدم الاكبر فتكم حويصة ولأنه أحوط للعقد في اجتماع شروطه والنظر في الحظ فإن تشاحوا أقرع بينهم لأنهم تساووا في الحق وتعذر الجمع فيقرع

مسألة: فإن سبق غير من وقعت له القرعة فزوج صح تزويجه في أقوى الوجهين إذا زوج كفؤا بإذن المرأة

بينهم كالمرأس وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه لتساوي حقوقهن كذا هذا (مسألة) (فإن سبق غير من وقعت له القرعة فزوج صح تزويجه في أقوى الوجهين إذا زوج كفؤاً بإذن المرأة) لأنه تزويج صدر من ولي كامل الولاية بإذن موليته فصح كما لو انفرد وإنما القرعة لإزالة المشاحنة وفيه وجه آخر أنه لا يصح ذكره أبو الخطاب فلم يصح تزويجه كالأبعد مع الأقرب (مسألة) (وإذا زوج الوليان اثنين ولم يعلم السابق منهما فسخ النكاحان) وجملة ذلك أن المرأة إذا كان لها وليان فأذنت لكل واحد منهما في تزويجها جاز سواء أذنت في رجل معين أو مطلقاً فإذا زوجها الوليان لرجلين وعلم السابق منهما فالنكاح له سواء دخل بها الثاني أو لم يدخل وهذا قول الحسن والزهري وقتادة وابن سيرين والاوزاعي والثوري والشافعي وأبى عبيد وأصحاب الرأي وبه قال عطاء ومالك ما لم يدخل بها الثاني فإن دخل بها الثاني صار أولى لقول عمر رضي الله عنه إذا أنكح الوليان فالأول أحق ما لم يدخل بها الثاني فإن دخل بها الثاني صار أولى ولأن الثاني اتصل بعقده القبض فكان أحق ولنا ما روى سمرة وعقبة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أيما امرأة زوجها وليان فهي للأول

أخرج حديث سمرة أبو داود والترمذي وأخرجه النسائي عنه وعن عقبة وروي نحو ذلك عن علي وشريح ولأن الثاني تزوج امرأة في عصمة زوج فكان باطلاً كما لو علم الحال ولأنه نكاح باطل لو عري عن الدخول فكان باطلا وإن دخل كنكاح المعتدة وأما حديث عمر فلم يصححه أصحاب الحديث وقد خالفه قول علي وجاء على خلاف قول النبي صلى الله عليه وسلم وما ذكروه من القبض لا معنى له فإن النكاح يصح بغير قبض مع أنه لا أصل له فيقاس عليه ثم يبطل كسائر الانكحة الفاسدة (فصل) فإن دخل بها الثاني وهو يعلم أنها ذات زوج فرق بينهما وكان لها عليه مهر مثلها ولم يصبها زوجها حتى تحيض ثلاث حيض بعد وطئها من الثاني فأما إن علم الحال قبل وطئ الثاني لها فانها تدفع إلى الأول ولا شئ عليا لثاني لأن عقده عقد باطل لا يوجب شيئاً فإن وطئها الثاني وهو لا يعلم فهو وطئ بشبهة يجب لها به المهر وترد إلى الأول ولا يحل له وطؤها حتى تنقضي عدتها وهو قول قتادة والشافعي وابن المنذر قال أحمد لها صداق بالمسيس وصداق من هذا ولا ترد الصداق الذي يوجد من الداخل بها على من دفعت إليه إلى فسخ لأنه باطل ولا يجب لها المهر إلا بالوطئ دون مجرد الدخول والوطئ دون الفرج لأنه نكاح باطل لا حكم له ويجب مهر المثل لأنه يجب بالإصابة لا بالتسمية وذكر أبو بكر أن الواجب المسمى قال القاضي هو قياس المذهب والأول هو الصحيح لما قلنا

مسألة: فإن جهل الأول منهما فسخ النكاحان

(مسألة) (فإن جهل الأول منهما فسخ النكاحان) ولا فرق بين أن لا يعلم كيفية وقوعها أو يعلم أن أحدهما قبل الآخر لا بعينه أو يعلمه بعينه ثم يشكل والحكم في جميعها واحد وهو أن يفسح الحاكم النكاحين جميع انص عليه أحمد في رواية الجماعة ثم يتزوج من شاه منهما أو من غيرهما وعن أحمد رواية أخرى أنه يقرع بينهما فمن وقعت له القرعة أمر صاحبه بالطلاق ثم يجدد القارع نكاحه لأنه إن كانت زوجته لم يضره تجديد النكاح وإن كانت زوجة الآخر بانت بالطلاق وصارت زوجة هذا بعقده الثاني لأن القرعة تدخل لتمييز الحقوق عند التساوي كالسفر بإحدى نسائه والبداية بالمبيت عند إحداهن وتعتبر الأنصباء في القسمة وقال الثوري وأبو ثور يخيرهما السلطان على أن يطلق كل واحد منهما طلقة فإن أبيا فرق بينهما وهو قريب من القول الأول لأنه تعذر إمضاء العقد الصحيح فوجب إزالة الضرر بالتفريق، وقال الشافعي وابن المنذر النكاح مفسوخ لأنه تعذر إمضاؤه ولا يصح هذا فإن العقد الصحيح لا يبطل بمجرد إشكاله كما لو اختلف المتبايعان في قدر الثمن إمضاؤه ولا يصح هذا فإن العقد الصحيح لا يبطل بمجرد إشكاله كما لو اختلف المتبايعان في قدر الثمن فإن العقد لا يزول إلا بفسخ كذاههنا، وروي عن شريح وعمر بن عبد العزيز وحماد بن أبي سليمان أنها تخير فأيهما اختارته فهو وجها وهذا فاسد فإن أحدهما ليس بزوج لها فلم تخير بينهما كما لو لم يعقد إلا أحدهما أو كما لو أشكل على الرجل امرأته في النساء أو على المرأة زوجها إلا أن يريدوا بقولهم إنها إذا اختارت أحدهما فرق بينهما وبين الآخر ثم عقد المختار نكاحها فهذا حسن فإنه

فإنه يستغنى بالتفريق بينهما وبين أحدهما عن التفريق بينها وبينهما جميعاً ويفسخ أحد النكاحين عن فسخهما فإن أبت أن تختار لم تجبر وكذلك ينبغي إذا قرع بينهما فوقعت القرعة لأحدهما لم تجبر على نكاحه لأنه لا يعلم فتيعين إذا فسخ النكاحين ولها أن تتزوج من شاءت منهما أو من غيرهما في الحال إن كان قبل الدخول وبعد انقضاء العدة إن كان دخل بها أحدهما. (فصل) فإن ادعى كل واحد منهما إنه السابق بالعقد ولا بينة لهما لم يقبل قولهما فإن أقرت المرأة لأحدهما لم يقبل إقرارها نص عليه أحمد، وقال أصحاب الشافعي يقبل كما لو أقرت ابتداء ولنا أن الخصم الزوج الآخر في ذلك فلم يقبل في إبطال حقه كما لو أقرت عليه بطلاق فإن ادعى الزوجان على المرأة أنها تعلم السابق منهما فانكرت لم تستحلف لذلك وقال أصحاب الشافعي تستحلف بناء منهم على أن إقرارها مقبول فإن فرق بينهما وبين أحدهما لاختيارها لصاحبه أو لوقوع القرعة له وأقرت لفه أن عقده سابق فينبغي أن يقبل اقرارهما لانهما على ذلك من غير خصم منازع فأشبه ما لو لم يكن صاحب عقد آخر (فصل) وإن علم أن العقدين وقعا لم يسبق أحدهما الآخر فهما باطلان لا حاجة إلى فسخهما لأنهما باطلان من أصلهما ولا مهر لها على واحد منهما ولا ميراث لها منهما ولا يرثها واحد منهما لذلك وإن لم يعلم

ذلك فسخ نكاحهما فروي عن أحمد أنه يجب لها نصف المهر ويقترعان عليه لأن عقد أحدهما صحيح وقد انفسخ بنكاحه قبل الدخول فوجب عليه نصف مهرها كما لو خالفها وقال أبو بكر لا مهر لها لأنهما مجبران على الصداق فلم يزلمهما مهر كما لو فسخ الحاكم نكاح رجل لعسرته أو غيبته وإن ماتت قبل الفسخ أو الطلاق فلأحدهما نصف ميراثها فيوقف الأمر حتى يصطلحا عليه وقيل يقر بينهما فمن خرجت له القرعة حلف أنه المستحق وورث وإن مات الزوجان فلها ربع ميراث أحدهما فإن كانت قد أقرت أن أحدهما سابق بالعقد فلا ميراث لها من الآخر وهي تدعي ميراث من أقرت له فإن كان أحدهما قد ادعى ذلك أيضاً دفع إليها ربع ميراثه وإن لم يكن ادعى ذلك وأنكر الورثة فالقول قولهم مع إيمانهم فإن نكلوا قضى عليهم وإن لم تكن المرأة أقرت بسبق أحدهما احتمل ان يحلف ورثة كل واحد منهما واحتمل أن يقرع بينهما فمن خرجت فلها ربع ميراثه وقد روى حنبل عن أحمد أنه سئل عن رجل له ثلاث بنات زوج إحداهن من رجل ثم مات الأب ولم يعلم أيتهن زوج يقرع بينهم فأيتهن أصابتها القرعة فهي زوجته وإن مات الزوج فهي التي ترثه (فصل) فإن ادعى كل واحد منهما إنه السابق فأقرت لأحدهما ثم فرق بينهما وقلنا بوجوب المهر وجب على المقر له دون صاحبه لاقراره لها به وإقرارها ببراءة صاحبه وإن ماتا ورثت المقر له دون صاحبه لذلك وإن ماتت هي قبلها احتمل أن يرثها المقر له كما ترثه واحتمل أن لا يقبل إقرارها له كما لم يقبله في نفسها وإن لم تقر لاحدهما الابعد موته فهو كما لو أقرت في حياته وليس لورثة

مسألة: وإذا زوج السيد عبده الصغير من أمته جاز أن يتولى طرفي العقد، لأنه ملك يحكم الملك لا بحكم الإذن في قولهم جميعا

واحد منهما الاننكار لاستحقاقها لأن موروثه قد أقر لها بدعوى صحة نكاحها وسبقه بالعقد عليها وإن لم تقر لواحد منهما أقرع بينهما وكان لها ميراث من تقع القرعة عليه وإن كان أحدهما قد أصلبها وكان هو المقر له أو كانت لم تقر لواحد منهما فلها فلها المسمى لأنه مقر لها به وهي لا تدعي سواه، وإن كانت مقرة للآخر فهي تدعي مهر المثل وهو يقر له بالمسمى فإن استويا أو اصطلحا فلا كلام، وإن كان مهر المثل أكثر حلف على الزائد وسقط وإن كان المسمى لها أكثر فهو مقر لها بالزيادة وهي تنكرها فلا تستحقها (مسألة) (وإذا زوج السيد عبده الصغير من أمته جاز أن يتولى طرفي العقد لانه ملك بحكم الملك لا بحكم الإذن في قولهم جميعاً. فإن كان مالكاً لأحد طرفي العقد فوكله ملك الطرف الآخر فيه أو وكله المولي في الإيجاب والزوج في القبول خرج فيه وجهان بناء على الروايتين اللتين نذكرهما في المسألة التي تليها لأنه ملك ذلك بالاذن وإن زوج ابنته الكبيرة عبده الصغير لم يجز ذلك إلا برضاها لأنه يكافئها ويخرج فيه أيضاً وجهان وإن زوجه ابنته الصغيرة لم يجز لأنه لا يجوز له تزويجها ممن لا يكافئها وعنه يجوز

مسألة: وكذلك ولي المرأة مثل ابن العم والمولى والحاكم إذا أذنت له في تزوجها، وعنه لا يجوز حتى توكل في أحد الطرفين

(مسألة) (وكذلك ولي المرأة مثل ابن العم والمولى والحاكم إذا أذنت له في تزوجها وعنه لا يجوز حتى توكل في أحد الطرفين) وجملة ذلك أن ولي المرأة التي يحل له نكاحها إذا أذنت له أن يتزوجها فله ذلك وهل له أن يلي طرفي العقد بنفسه؟ فيه روايتان (إحداهما) له ذلك وهو قول الحسن وابن سيرين وربيعة ومالك والثوري وأبي حنيفة واسحاق وأبي ثور وابن المنذر لما روى البخاري قال: قال عبد الرحمن بن عوف لأم حكيم امرأة قارض أتجعلين أمرك إلي؟ قالت نعم قال قد تزوجتك لأنه يملك الإيجاب والقبول فجاز أن يتولاهما كما لو زوج أمته عبده الصغير ولأنه عقد وجد فيه الإيجاب من ولي ثابت الولاية والقبول من زوج هو أهل للقبول فصح كما لو وجدا من رجلين، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أعتق صفية وجعل عتقها صداقها، فإن قيل فقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (كل نكاح لا يحضره أربعة فهو سفاح: زوج وولي وشاهدان) قلنا هذا لا تعرف صحته ولو صح كان مخصوصا بما إذا زوج السيد عبده الصغير أمته فيتعدى التخصيص إلى مح النزاع وهو يفتقر إلى ذكر الإيجاب والقول، وهل يكتفى بمجرد

الإيجاب؟ فيه وجهان (أحدهما) يحتاج أن يقول زوجت نفسي فلانة وقبلت هذا النكاح لأن ما افتقر إلى الإيجاب افتقر إلى القبول كسائر العقود (والثاني) يكفيه أن يقول زوجت نفسي فلانة أو تزوجت فلانة وهو قول مالك وأبي حنيفة لحديث عبد الرحمن بن عوف، ولأن إيجابه يتضمن القبول فأشبه إذا تقدم الاستدعاء ولهذه قلنا إذا قال لأمته أعتفتك وجعلت عتقك صداقك انعقد النكاح بمجرد هذا القول (والرواية الثانية) لا يجوز أن يتولى طرفي العقد ولكن يوكل رجلا يزوجه إياها بإذنها ذكرها الخرقي قال أحمد في رواية ابن منصور لا يزوج نفسه حتى يولي رجلا على حديث المغيرة بن شعبة وهو ما روى أبو داود بإسناده عن عبد الملك بن عميران المغيرة بن شعبة أمر رجلا يزوجه امرأة المغيرة أولى بها منه ولأنه عقد ملكه بالاذن فلم يجز أن يتولى طرفيه كالبيع ولهذا فارق ما إذا زوج أمته عبده الصغير وعلى هذه الرواية لو وكل من يقبل النكاح له وتولى هو الإيجاب جاز وقال الشافعي في ابن العم والمولى لا يزوجهما إلا الحاكم ولا يجوز أن يتولى طرفي العقد ولا أن يوكل من يزوجه لأن وكيله بمنزلته وهذا عقد ملكه بالإذن فلا يتولى طرفيه كالبيع ولا يجوز أن يزوجه من هو أبعد منه من أوليائهما لأنه لا ولاية لهم مع وجوده ولنا ما ذكرنا من فعل الصحابة ولم يظهر خلافه ولأن وكيله يجوز أن يلي العقد عليها لغيره

مسألة: وإن قال السيد لأمته أعتقتك وجعلت عتقك صداقك صح فإن طلقها قبل الدخول رجع عليها بنصف قيمتها وكذلك إن قال جعلت عتق أمتي صداقها

فصح أن يليه عليها له إذا كانت نحل له كالإمام إذا أراد أن يتزوج موليته ولأن هذه امرأة لها ولي حاضر غير عاضل فلم يليه الحاكم كما لو أراد أن يزوجها غيره، ومفهوم قوله عليه الصلاة والسلام (السلطان ولي من لا ولي له) أنه لا ولاية له على هذه والبيع ممنوع فإن الوكيل يجوز أن يشتري ما وكل في بيعه بإذن الموكل (فصل) فما إن أذنت له في تزويجها ولم تعين الزوج لم يجز أن يزوجها نفسه لأن إطلاق الإذن يقتضي تزويجها غيره ويجوز تزويجها لولده لأنه غيره فإن زوجها لابنه الكبير قبل لنفسه وإن زوجها لابنه الصغير فقيه الروايتان في تولي طرفي العقد فإن قلنا لا يتولاه فوكل رجل يزوجها لولده وقبل هو النكاح له افتقر إلى إذنها للوكيل على ما قدمنا في أن الوكيل لا يزوجها إلا بإذنها وإن وكل رجلا يقبل النكاح لولده وأوجب هو النكاح لم يحتج إلى إذنها لأنها قد أذنت له (مسألة) (وإن قال السيد لأمته أعتقتك وجعلت عتقك صداقك صح فإن طلقها قبل الدخول رجع عليها بنصف قيمتها وكذلك إن قال جعلت عتق أمتي صداقها) ظاهر المذهب أن الرجل إذا أعتق أمته وجعل عتقها صداقها فهو نكاح صحيح نص عليه أحمد في رواية جماعة روى ذلك عن علي رضي الله عنه وفعله أنس بن مالك وبه قال سعيد بن المسيب وأبو

سنة بن عبد الرحمن والحسن والزهري واسحاق (فصل) وعنه لا يصح حتى يستأنف نكاحها بإذنها فإن أبت فعليها قيمتها قال الأوزاعي يلزمها أن تتزوجه وروى المروذي عن أحمد إذا أعتق أمته وجعل عتقها صداقها يوكل رجلا يزوجه، فظاهر هذا أنه لم يحكم بصحة النكاح قال أبو الخطاب هي الصحيحة واختارها القاضي وابن عقيل وهو قول أبي حنيفة والشافعي ومالك لأنه لم يوجد إيجاب وقبول فلم يصح لعدم أركانه كما لو قال أعتقتك وسكت ولأنها بالعتق تملك نفسها فيجب أن يعتبر رضهاها كما لو فصل بينهما ولأن العتق يزيل ملكه عن الاستمتاع بحكم الملك فلا يجوز أن يستبيح الوطئ بنفس المسمى فإنه لو قال بعتك هذه الأمة على أن تزوجنيها بالثمن لم يصح ولنا ما روى أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتق صفية وجعل عتقها صداقها متفق عليه وفي لفظ أعتقها وتزوجها فقلت يا أبا حمزة وما أصدقها؟ قال نفسها عتقها وروى الأثرم باسناده عن صفية قالت أعتقني رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل عتقي صداقي وبإسناده عن علي رضي الله عنه أنه كان يقول إذا أعتق الرجل أم ولده فجعل عتقها صداقها فلا بأس بذلك. ومتى ثبت العتق صداقا ثبت النكاح لأن الصداق لا يتقدم النكاح ولو تأخر العتق عن النكاح لم يجز فدل على أنه انعقد بهذا اللفظ ولأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه استأنف عقداً ولو استأنفه لظهر ونقل كما نقل غيره ولأن من جاز له تزويج امرأة

لغيره من غير قرابة جاز له أن يتزوجها كالإمام وقولهم لم يوجد إيجاب ولا قبول عديم الأثر فإنه لو وجد لم يحكموا بصحته وعلي أنه إذا لم يوجد فقد وجد ما يدل عليه وهو جعل العتق صداقا فأشبه ما لو تزج امرأة هو وليها ولو قال الخاطب للولي أزوجت قال نعم صح عند أصحابنا وكما لو أتى بالكنايات عند أبي حنيفة ومن وافقه (فصل) ولا فرق بين أن يقول أعتقتك وجعلت عتقك صداقك وتزوجتك أولا يقول وتزوجتك وكذلك قوله وجعلت عتقك صداقك وجعلت صداقك عتقك كذلك ذكره الخرقي ونص أحمد في رواية صالح إذا قال جعلت عتقك صداقك أو صداقك عتقك كان ذلك جائزاً، ويشترط لصحة النكاح أن لا يكون بينهما فصل فلو قال أعتقتك وسكت سكوتاً يمكنه الكلام فيه أو تكلم بكلام أجنبي لم يصح الناح لأنها صارت بالعتق حرة فتحتاج إلى أن يتزوجها برضاها بعقد وصداق جديد ولابد من حضور شاهدين إذا قلنا باشتراطا الشهادة في النكاح نص على ذلك في رواية الجماعة لقوله لا نكاح إلا بولي وشاهدين. (فصل) وإذا قلنا بصحة النكاح فطلقها قبل الدخول رجع عليها بنصف قيمتها لأن الطلاق قبل

مسألة: وإن قال لأمته أعتقتك على أن تزوجيني نفسك ويكون عتقك صداقك أولم يقل ويكون عتقك فقبلت عتقت ولم يلزمها أن تزوجه نفسها

الدخول يوجب الرجوع في نصف ما فرض لها وقد فرض لها نفسها ولا سبيل إلى الرجوع في الرق بعد زواله فرجع بنصف قيمة نفسها وبهذا قال الحسن والحاكم وقال الأوزاعي يرجع بقيمتها ولنا أنه طلاق قبل الدخول فأوجب الرجوع بالنصف كسائر الطلاق وتعتبر القيمة حالة الإعتاق لأنها حالة الإتلاف فإن لم تكن قادرة على نصف القيمة فهل تستسعى فيها أو يكون ديناً تنظر به إلى حالة القدرة؟ على روايتين، وإن قلنا أن النكاح لا ينعقد بهذا القول فعليها قيمة نفسها لأنه أزال ملكه بعوض لم يسلم له فرجع إلى قمية المفوت كالبيع الفاسد وكذلك إن قلنا إن النكاح العقد به فارتدت قبله أو فعلت ما ينفسخ به نكاحها مثل أن أرضعت زوجة له صغيرة ونحو ذلك انفسخ نكاحها وعليها قيمة نفسها. (مسألة) (وإن قال لأمته أعتقتك على أن تزوجيني نفسك ويكون عتقك صداقك أو لم يقل ويكون عتقك فقبلت عتقك ولم يلزمها أن تزوجه نفسها) لأنه سلف في نكاح فلم يلزمها كما لو أسلف حرة ألفاً على أن يتزوجها ولانه اسقط حقه من الخيار قبل وجود سببه فلم يسقط كالشفيع يسقط شفعته قبل البيع ويلزمها قيمة نفسها أومأ إليه أحمد

في رواية عبد الله وهو مذهب الشافعي لأنه أزال ملكه منها بشرط عوض لم يسلم فاستحق الرجوع بقيمته كالبيع الفاسد إذا تلفت السلعة في يد المشتري والنكاح الفاسد إذا اتصل به الدخول ويحتمل أن لا يلزمها شئ بناء على ما إذا قال لعبده أعتقتك على أن تعطيني الفاً وهذا قول مالك وزفر لأن هذا ليس بلفظ شرط فأشبه ما لو قال أعتقتك وزوجيني نفسك. وتعتبر القيمة حال العتق ويطالبها في الحال إن كانت قادرة عليها وإن كانت معسرة فهل تنظر إلى الميسرة أو تجبر على الكسب؟ على وجهين أصلهما في المفلس هل يجبر على الكسب؟ على روايتين (فصل) وإن اتفق السيد والأمة على أن يعتقها وتزوجه نفسها فتزوجها على ذلك صح ولا مهر لها غير ما شرط من العتق وبه قال أبو يوسف وقال أبو حنيفة والشافعي لا يكون العتق صداقاً لكن إن تزوجها على القيمة التي له في ذمتها وهما يعلمان القيمة صح الصداق ولنا أن العتق صداقاً في حق النبي صلى الله عليه وسلم فيجز وفي حق أمته كالدراهم ولأنه يصلح عوضاً في البيع فإنه لو قال أعتق عبدك على ألف جاز فلأن يكون عوضاً في النكاح أولى فإن النكاح لا يقصد فيه العوض، وعلى هذا لو تزوجها على أن يعتق أباها صح نص عليه أحمد في رواية عبد الله

إذا ثبت هذا فإن العتق يصير صداقاً كما لو دفع إليها مالا ثم تزوجها عليه فإن بذلت له نفسها ليتزوجها فامتنع لم يجبر وكانت له القيمة لأنها إذا لم تجبر على تزويجه نفسها لم يجبر هو على قبولها وحكم المدبرة والمعلق عتقها بصفة وأم الولد حكم الأمة القن في جميع ما ذكرنا (فصل) ولا بأس أن يعتق الرجل الأمة ثم يتزوجها سواء أعتقها لوجه الله تعالى أو أعتقها ليتزوجها وكره أنس تزويج من أعتقها لوجه الله تعالى قال الأثرم قلت لأبي عبد الله روى شعبة عن قتادة عن أنس أنه كره أن يعتق الأمة ثم يتزوجها قال نعم ذاك إذا أعقها لله كره أن يرجع لي في شئ ولنا ما روى أوبو موسى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من كانت عنده جارية فعلمها وأحسن إليها ثم اعتقها وتزوجها فذلك له أجران) متفق عليه ولأنه إذا تزوجها فقد أحسن إليها بإعفافها وصيانتها فلم يكره ما لو زوجها غيره وليس في هذا رجوع فيما جعل الله فإنه إنما يتزوجها بصداقها فهو بمنزلة من اشترى منها شيئاً (فصل) وإذا قال أعتق عبدك على أن أزوجك ابنتي فأعتقه لم يلزمه أن يزوجه ابنته لأنه سلف في نكاح وعليه قيمة عبد وقال الشافعي في احد القولين لا يلزمه شئ لأنه لا فائدة له في العتق

ولنا أنه أزال ملكه عن عبده بعوض شرطه فلزمه عوضه كما لو قال أعتق عبدك عني وعلي ثمنه وكما لو قال طلق زجتك على ألف فطلقها أو ألق متاعك في البحر وعلي ثمنه وبهذه الأصول يبطل قولهم أنه لا فائدة له في العتق (فصل) قال رضي الله عنه (الرابع الشهادة فلا ينعقد إلا بشاهدين عدلين بالغين عاقلين وإن كانا ضريرين) المشهور عن أحمد أن الشهادة شرط لصحة النكاح روى ذلك عن عمر وعلي وهو قول ابن عباس وسعيد بن المسيب وجابر بن زيد والحسن والنخعي وقتادة والثوري والاوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي وعن أحمد أنه يصح بغير شهود فعله ابن عمر والحسن بن علي وابن الزبير وسالم وحمزة ابنا ابن عمر وبه قال عبد الله بن إدريس وعبد الرحمن بن مهدي ويزيد بن هارون والعنبري وأبو ثور وابن المنذر وهو قول الزهري ومالك إذا أعلنوه قال إبن المنذر لا يثبت في الشاهدين في النكاح خبر وقال ابن عبد البر وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا نكاح إلا بولي وشاهدين عدلين) من حديث ابن عباس وأبي هريرة وابن عمر ألا إن في نقلة ذلك ضعيفاً فلم أذكره قال إبن المنذر وقد

أعتق النبي صلى الله عليه وسلم صفية بنت حيي وتزوجها بغير شهود قال أنس بن مالك اشترى رسول الله صلى الله عليه وسلم جارية بسبعة أرؤس قال الناس ما ندري أتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم أم جعلها أم ولد فلما أراد أن يركب حجبها فعلموا أنه تزوجها متفق عليه قال فاستدلوا على تزويجها بالحجاب وقال يزيد بن هارون أمر الله بالإشهاد في البيع دون النكاح فاشترط أصحاب الرأي الشهادة في النكاح ولم يشترطوها في البيع، ووجه الأولى أنه قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا نكاح إلا بولي مرشد وشاهدي عدل) رواه الخلال باسناده وروى الدارقطني عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لابد في النكاح من أربعة الولي والزوج والشاهدين) ولأنه يتعلق به حق غير المتعاقدين وهو لولد فاشترطت الشهادة فيه لئلا يجحده أبوه فيضيع نسبه بخلاف البيع فأما نكاح النبي صلى الله عليه وسلم بغير ولي وشهود فمن خصائصه في النكاح فلا يلحق به غيره (فصل) ويشترط في الشهود الذكورية والعدالة والعقل والبلوغ والإسلام، فأما الذكورية فقال أحمد إذا تزوج بشهادة نسوة لم يجز ذلك لما روى أبو عبيد في الأموال عن الزهري قال مضت السنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا تجوز شهادة النساء في الحدود ولا في النكاح ولا في الطلاق ولأنه عقد ليس بمال ولا المقصود منه المال ويطلع عليه الرجال في غالب الأحوال فلم يثبت بشهادتهن

كالحدود (والثاني العدالة) ففي انعقاد النكاح بشهادة الفاسقين روايتان (إحداهما) لا ينعقد وهو مذهب الشافعي للخبر ولأن النكاح لا يثبت بشهادتهما فلم ينعقد بحضورهما كالمجنونين (والثانية) ينعقد بشهادتهما وهو قول أبي حنيفة لأنه تحمل فصحت من الفاسق كسائر التحملات، وعلى كلتا الروايتين لا تعتبر حقيقة العدالة بل ينعقد بشهادة مستوري الحال لأن النكاح يكون في القرى والبوادي وبين عامة الناس مما لا يعرف حقيقة العدالة فاعتبار ذلك يشق فاكتفى بظاهر الحال وكون الشاهد مستوراً لم يظهر فسقه فإن تبين بعد العقد أنه كان فاسقاً لم يؤثر في العقد لأن الشرط العدالة ظاهر وهو أن لا يكون ظاهر الفسق وقد تحقق ذلك وقيل تبين أن النكاح كان فاسداً لعدم الشرط ولا يصح لأنه لو كانت العدالة الباطنة شرطاً لوجب الكشف عنها لأنه مع الشك فيها يكون الشرط مشكوكاً فيه فلا ينعقد النكاح ولا تحل المرأة مع الشك في صحة نكاحها، وإن حدث الفسق فيهما لم يؤثر في صحة النكاح لأن الشرط إنما يعتبر حالة العقد ولو أقر رجل وامرأة أنهما نكحا بولي وشاهدي عدل قبل منهما وثبت النكاح بشهادتهما (الثالث العقل) فلا ينعقد بشهادة مجنونين ولا طفلين لأنهما ليسا من أهلا الشهادة ولا لهما قول يعتبر (الرابع البلوغ) فلا ينعقد بشهادة صبيين لأنهما ليسا من أهل الشهادة أشبها الطفل وعنه أنه ينعقد

بشهادة مراهقين عاقلين بناء على أنهما من أهل الشهادة (الخامس الإسلام) فلا ينعقد النكاح بشهادة كافرين سواء كان الزوجان مسلمين أن الزوج مسلماً وحده نص عليه أحمد وهو قول الشافعي وقال أبو حنيفة إذا كانت المرأة ذمية صح بشهادة ذميين ويتخرج لنا مثل ذلك بناء على الرواية التي تقول بقبول شهادة بعض أهل الذمة على بعض والأول أصح لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل) ولأنه نكاح مسلم فلم ينعقد بشهادة ذميين كنكاح المسلمين (فصل) وينعقد بشهادة ضريرين وللشافعية في ذلك وجهان ولنا انها شهادة على قول فقبلت من الضرير كالشهادة بالاستفاضة، ويعتبر أن يتيقن الصوت على وجه لا يشك فيهما كما يعلم ذلك من رآهما وينعقد بشهادة عبدين وقال أبو حنيفة والشافعي لا ينعقد والخلاف في ذلك مبني على الخلاف في قبول شهادتهما في سائر الحقوق وسنذكر ذلك في موضعهه إن شاء الله، (وعنه ينعقد بحضور فاسقين) وقد ذكرنا ذلك (ورجل وامرأتين) ظاهر المذهب أن النكح لا ينعقد برجل وامرأتين وهو قول النخعي والاوزاعي والشافعي وعن أحمد أنه قال إذا تزوج بشهادة نسوة لم يجز فإن كان معهن رجل فهو أهون فيحتمل أن هذا رواية أخرى في انعقاده بذلك وهو قول أصحاب

مسألة: وعند ينعقد بحضور مراهقين عاقلين

الرأي وروي عن الشعبي لأنه عقد معاوضة فانعقد بشهادتهن بالرجال كالبيع ولنا الخبر المذكور ولأنه عقد ليس المقصود منه المال ويحضره الرجال فلم يقبل فيه شهادة النساء كالحدود ولهذا فارق البيع (مسألة) (وعنه ينعقد بحضور مراهقين عاقلين) وقد ذكرناه (مسألة) (ولا ينعقد نكاح المسلم بشهادة ذميين ويتخرج أن ينعقد إذا كانت المرأة ذمية وقد ذكرنا ذلك) (مسألة) (ولا ينعقد بحضور أصمين ولا أخرسين) لأن الأصمين لا يسمعان والأخرسين يتعذر الأداء منهما، وفي انعقاده بشهادة أهل الصنائع الرديئة كالحجام ونحو وجهان بناء على قبول شهادتهم (مسألة) (وهل ينعقد بحضور عدوين أو ابني الزوجين أو أحدهما؟ على وجهين) أحدهما ينعقد اختاره أبو عبد الله بن بطة لعموم قوله (وشاهدي عدل) ولأنه ينعقد بهما نكاح غير هذا الزوج فانعقد بهما نكاحه كسائر العدول (والثاني) لا ينعقد لأن العدو لا تقبل شهادته على عدوه والابن لا تقبل

شهادته لوالده وعنه أن الشهادة ليست من شروط النكاح وقد ذكرنا الخلاف في ذلك والله أعلم (فصل) قال رحمه الله (الخامس) كون الرجل كفؤاً لها في إحدى الروايتين فلو رضيت المرأة والاولياء بغيره لم يصح) اختلفت الرواية عن أحمد في اشتراط الكفاءة لصحة النكاح فروي عنه أنها شراط فإنه قال إذا تزوج المولى العربية فرق بينهما وهذا قول سفيان قال أحمد في الرجل يشرب الشراب ما هو بكفء لها يفرق بينهما وقال لو كان المتزوج حائكاً فرقت بينهما لقول عمر رضي الله عنه لأمنعن تزويج ذوات الاحساب الامن الأكفاء رواه الخلال باسناده وعن أبي إسحاق الهمداني قال خرج سلمان وجرير في سفر فأقيمت الصلاة فقال جرير لسلمان تقدم فقال سلمان بل أنت تقدم فإنكم معشر العرب لا نتقدم في صلاتكم ولا تنكح نساءكم إن الله فضلكم علينا بمحمد صلى الله عليه وسلم وجعله فيكم ولأن التزويج مع فقد الكفاءة تصرف في حق من يحدث في الأولياء بغير إذنه فلم يصح كما لو زوجها بغير إذنها وقد روى الدارقطني عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((لا تنكحوهن إلا الأكفاء ولا يزوجهن إلا الأولياء) إلا أن ابن عبد البر قال: هذا ضعيف لا أصل له ولا يحتج بمثله، ولو رضيت المرأة والأولياء بغير كف لم يصح النكاح لفوات شرط وهذا اختيار الخرقي وإذا اقلنا باشتراطها فإنما يعتبر

وجودها حال العقد فإن عدمت بعده يبطل النكاح فإن كانت معدومة حال العقد فهو فاسد حكمه حكم العقود الفاسدة على ما نذكره إن شاء الله تعالى (والثانية) ليست شرطاً في النكاح وهي أصح، وهو قول أكثر أهل العلم روي نحوه عن عمر وابن مسعود وعمر بن عبد العزيز وعبيد بن عمير وحماد بن أبي سليمان وابى سبرين وابن عون ومالك والشافعي وأصحاب الرأي لقول الله تعالى (أن أكرمكم عند الله أتقاكم) وقالت عائشة أن أبا حذيفة ابن عتبة بن ربيعة تبنى سالماً وأنكحه ابنة أخيه هند ابنة الوليد بن عتبة وهو مولى لامرأة من الأنصار، أخرجه البخاري وأمر النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت قيس أن تنكح أسامة بن زيد مولاه فنكحها بأمره متفق عليه وزوج زيد بن حارثة ابنة عمه زينب بنت جحش الأسدية، وقال ابن مسعود لأخيه أنشدك الله أن لا تزوج إلا مسلماً وإن كان أحمر رومياً أو أسود حبشياً ولأن الكفاءة لا تخرج عن كونها حقاً للمرأة أو للاولياء أولهما فلم يشترط وجودها كالسلامة من العيوب وروي أن أبا هند حجم النبي صلى الله عليه وسلم في اليافوخ فقال النبي صلى الله عليه وسلم (يا بني بياضة أنكحوا أبا هند وأنكحوا إليه) رواه أبو داود إلا أن أحمد ضعفه وأنكره إنكاراً شديداً.

مسألة: لكن إن لم ترض المرأة والأولياء جميعهم فلمن لم يرض الفسخ

قال شيخنا والصحيح أنها غير مشروطة، وما روي فيها يدل على اعتبارها في الجملة ولا يلزم منه اشتراطها (مسألة) (لكن إن لم ترض المرأة والأولياء جميعهم فلمن لم يرض الفسخ) لأن للزوجة ولكل واحد من الأولياء فيها حقاً ومن لم يرض منهم فله الفسخ ولذلك لما زوج رجل ابنته من ابن أخيه ليرفع بها خسيسه جعل لها النبي صلى الله عليه وسلم الخيار فاختارت ما صنع أبوها ولو فقد الشرط لم يكن لها خيار. (فصل) وإذا قلنا ليست شرطا فرضيت المرأة والأولياء جميعهم صح النكاح، وإن لم يرض بعضهم فقد روي عن أحمد أن العقد يقع باطلا من أصله لأن الكفاءة حق الجميعهم والعاقد متصرف فيها بغير رضاهم فلم يصح كتصرف الفضولي وهذا أحد قولي الشافعي وظاهر المذهب أن العقد يقع صحيحاً ويثبت لمن لم يرض الفسخ لما ذكرنا من حديث المرأة التي رفعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن أبها زوجها بغير كف خيرها ولم يبطل النكاح من أصله ولأن العقد وقع بالاذن والنقص الموجود فيه لا يمنع صحته وانما يثت الخيار كالعيب من العنة وغيرها فعلى هذه الرواية يثبت الفسخ لمن لم يرض، وبهذا قال مالك والشافعي وقال أبو حنيفة إذا رضيت المرأة وبعض الأولياء

مسألة: فلو زوج الأب بغير كفء برضاها فللاخوة الفسخ

لم يكن لباقي الأولياء فسخ لأن هذا الحق لا يتجزأ وقد أسقط بعض الشركاء بعضه فسقط جميعه كالقصاص. ولنا أن كل واحد من الأولياء يعتبر رضاه فلم يسقط برضا غيره كالمرأة مع الولي. فأما القصاص فلا يثبت بكل واحد كاملا فإذا سقط بعضه تعذر استيفاؤه وههنا بخلافه ولأنه لو زوجها بدون مهر مثلها ملك الباقون عند غيرهم الاعتراض مع أنه خالص حقها فههنا مع أنه حق لهم أولى. (مسألة) (فلو زوج الاب بغير كفء برضاها فللاخوة الفسخ) نص عليه أحمد وقال مالك والشافعي ليس لهم فسخ إذا زوج الأقرب لأنه لا حق للأبعد معه فرضاها لا يعتبر كالأجنبي ولنا أنه ولي في حال يلحقه العار بعدم الكفاءة فملك الفسخ كالمتساويين (مسألة) (والكفاءة الدين والمنصب يعني بالمنصب النسب) اختلف الرواية عن أحمد في شرط الكفاءة فعنه أنها شرطان الدين والمنصب لا غير وعنه خمسة هذان والحرية والصناعة واليسار، وذكر القاضي في المجرد أن فقد هذه الثلاثة لا يبطل النكاح رواية واحدة إنما الروايتان في الشرطين الأولين قال ويتوجه أن المبطل عدم الكفاءة في النسب لا غير لأنه

نقص لازم وما عداه غير لازم ولا يتعدى نقصه إلى الولد وذكر في الجامع الروايتين في جميع الشروط وذكره أبو الخطاب أيضا وقال مالك الكفاءة في الدين لا غير قال ابن عبد البر هذا جملة مذهب مالك وأصحابه وعن الشافعي كقول مالك، وقول آخر أنها الخمسة التي ذكرناها والسلامة من العيوب الاربعة فتكون سنة وكذلك قول أبي حنيفة والثوري والحسن بن صالح إلا في الصنعة والسلامة من العيوب ولم يعتبر محمد بن الحسن الدين إلا أن يكون ممن يسكر ويخرج ويسخر منه الصبيان فلا يكون كفؤاً لأن الغالب على الحنث الفسق ولا يعد ذلك نقصاً، والدليل على اعتبار الدين قول الله تعالى (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون) ولأن الفاسق مرذول مردود الشهادة والرواية غير مأمون على النفس والمال مسلوب الولايات ناقص عند الله وعند خلقه قليل الحظ في الدنيا والآخرة فلا يجوز أن يكون كفؤاً لعفيفة ولا مساوياً لها لكن يكون كفؤا لمثله. فأما الفاسق من الحنث فهو ناقص عند أهل الدين والمروءات والدليل على اعتبار النسب في الكفاءة قول عمر لأمنعن تزويج ذوات الأحساب إلا من الأكفاء قال قلت وما الاكتفاء؟ قال في الحسب رواه أبو بكر عبد العزيز بإسناده ولأن العرب يعدون الكفاءة في النسب ويأنفون من نكاح الموالي ويرون ذلك نقصاً وعاراً فإذا أطلقت الكفاءة وجب حملها على المتعارف ولأن في فقد ذلك نقصاً وعاراً فوجب أن تعتبر في الكفاءة

مسألة: والعرب بعضهم لبعض أكفاء وسائر الناس بعضهم لبعض أكفاء وعنه لا تزوج قرشية لغير قرشي ولا هاشمية لغير هاشمي

كالدين، فعلى هذا لاتزوج العفيفة بفاجر لما ذكرنا ولا عربية بعجمي فلا يكون المولى ولا العجمي كفؤاً لعربية لما ذكرنا من قول عمر رضي الله عنه وقال سلمان لجرير معشر العرب لا تقدم في صلاتكم ولا تنكح نساءكم إن الله فضلكم علينا بمحمد صلى الله عليه وسلم وجعله فيكم (مسألة) (والعرب بعضهم لبعض أكفاء وسائر الناس بعضهم لبعض أكفاء وعنه لا تزوج قرشية لغير قرشي ولا هاشمية لغير هاشمي) اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في ذلك فروي عنه أن غير قريش لا يكافئها وغير بني هاشم لا يكافئهم، وهو قول بعض أصحاب الشافعي لما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم (إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريشاً من كنانة واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم) ولأن العرب فضلت الأمم برسول الله صلى الله عليه وسلم وقريش أخص به من سائر العرب وبنو هاشم أخص به من قريش ولذلك قال عثمان وجبير بن مطعم أن إخواننا من بني هاشم لا تنكر فضلهم علينا لمكانك الذي وضعك الله به منهم، وقال أبو حنيفة لا يكافي العجم العرب ولا العرب قريشاً وقريش كلهم أكفاء لأن ابن عباس قال قريش بعضهم لبعض أكفاء (والرواية الثانية) أن العرب بعضهم لبعض أكفاء والعجم بعضهم لبعض أكفاء لأن النبي صلى الله عليه وسلم زوج ابنته عثمان وزوج أبا العاص بن الربيع زينب وهما من بني عبد شمس وزوج علي عمر ابنته أم كلثوم وتزوج عبد الله بن عمرو بن عثمان فاطمة ابنة الحسين

مسألة: وعنه أن الحرية والصناعة واليسار من شروط الكفاءة فلا تزوج حرة بعبد ولا بنت بزاز بحجام ولا بنت بان بحائك ولا موسرة بمعسرة

ابن علي وتزوج مصعب بن الزبير أختها سكينة وتزوجها أيضاً عبد الله بن عثمان بن حكيم بن حزام وتزوج المقداد بن الأسود ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب وزوج ابو بكر رضي الله عنه أخته أم فروة الأشعث بن قيس وهما كنديان وتزوج أسامة بن زيد فاطمة بنت قيس الفهرية القرشية، ولأن العجم والموالي بعضهم لبعض أكفاء وإن تفاضلوا وشرف بعضهم على بعض فكذلك العرب وهذه الرواية الصحيحة إن شاء الله تعالى (مسألة) (وعنه أن الحرية والصناعة واليسار من شروط الكفاءة فلا تزوج حرة بعبد ولا بنت بزاز بحجام ولا بنت بان بحائك ولا موسرة بمعسرة) أما الحرية فالصحيح أنها من شروط الكفاءة فلا يكون العبد كفؤا الحرة لأن النبي صلى الله عليه وسلم خير بريرة حين عتقت تحت عبد فإذا ثبت الخيار بالحرية الطارئة فبالحرية المقارنة أولى ولأن نقص الرق كبير وضرره بين فإنه مشغول عن امرأته بحقوق سيده ولا ينفق نفقة الموسرين ولا ينفق على ولده وهو كالمعدوم بالنسبة إلى نفسه ولا يمنع صحة النكاح فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبريرة (لو راجعتيه) قالت يا رسول الله أتأمرني؟ قال (إنما أنا شفيع) قالت: فلا حاجة لي فيه رواه البخاري ومراجعتها إياه ابتداء نكاح فإن نكاحها قد انفسخ باختيارها ولا يشفع إليها النبي

صلى الله عليه وسلم في أن تنكح عبداً إلا والنكاح صحيح فأما اليسار ففيه روايتان (إحداهما) هو شرط لقول النبي صلى الله عليه وسلم (الحسب المال) وقال (إن أحساب الناس بينهم هذا المال) وقال لفاطمة بنت قيس حين أخبرته أن معاوية خطبها (أما معاوية فصعلوك لا مال له) ولأن على الموسرة ضرراً في إعسار زوجها لإخلاله بنفقتها ومؤونة أولاده ولهذا ملكت الفسخ بإخلاله بالنفقة فكذلك إذا كان مقارنا ولأن ذلك معدود نقصاً في عرف الناس يتفاضلون فيه كتفاضلهم في النسب وأبلغ قال نبيه بن الحجاج السهمي * سألتاني الطلاق ان وأتاني * قال مالي قد جئتماني بنكر * * ويكأن من له نسب يحبب * ومن يفتقر يعيش عيش ضر * فكان من شروط الكفاءة كالنسب (والثانية) ليس بشرط لأن الفقر شرف في الدين، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (اللهم أحيني مسكيناً وأمتني مسكيناً) وليس هو لازماً فأشبه العافية من من الرمض، واليسار المعتبر ما يقدر به على الأنفاق عليها حسب ما يجب لها ويمكنه أداء مهرها وأما الصناعة ففيها أيضاً روايتان (إحداهما) أنها شرط فمن كان من أهل الصنائع الدنيئة كالحائك والحجام والحارس والكساح والدباغ والقيم والحمامي والزبال فليس بكفء لبنات ذوي المرؤات كأصحاب

الصنائع الجليلة كالتجارة والبناية لأن ذلك نقص في عرف الناس فأشبه نقص النسب وقد جاء في حديث (العرب بعضهم لبعض أكفاء إلا حائكاً أو حجاما. ) قيل لاحمد وكيف تأخذ به وأنت تضعفه؟ قال العمل عليه يعني أنه ورد موافقاً لأهل العرف. وروي أن ذلك ليس بنقص ويروى نحو ذلك عن أبي حنيفة لأن ذلك ليس بنقص في الدين ولا هو لازماً فأشبه الضعف والمرض. قال بعضهم: * ألا إنما التقوى هي العزو الكرم * وحدبك للدنيا هو الذل والسقم * وليس على عبد تقي نقيصة * إذا حقق التقوى وإن حاك أو حجم * وأما السلامة من العيوب فليست من شروط الكفاءة فإنه لا خلاف أنه لا يبطل النكاح بها، ولكنها تثبت الخيار للمرأة دون الأولياء لأن ضرره يختص بها ولوليها معها من نكاح المجنون والأبرص والمجذوم وما عدا هذا فليس بمعتبر في الكفاءة (فصل) ومن أسلم أو أعتق من العبيد فهو كفء لمن له أبوان في الإسلام والحرية وقال أبو حنيفة ليس بكفء، ولا يصح ذلك لأن الصحابة أكثرهم أسلموا وكانوا أفضل الأمة فلا يجوز أن يقال أنهم غير أكفاء للتابعين

(فصل) وولد الزنا قد قيل انه كفء لذات نسب وعن أحمد أنه ذكر له أنه ينكح وينكح إليه فكأنه لم يجب ذلك لأن المرأة تعير به وهي وأولياؤها ويتعدى ذلك إلى ولدها وليس هو كفؤ للعربية بغير إشكال فيه لأنه أدنى حالا من المولى. (فصل) والموالي أكفاء بعضهم لبعض وكذلك العجم قال أحمد في رجل من بني هاشم له مولاة يتزوجها الخراساني وقول النبي صلى الله عليه وسلم ((مولى القوم منهم) هو في الصدقة فأما في النكاح فلا وذكر القاضي رواية عن أحمد أن مولى القوم يكافئهم لهذا الخبر ولأن النبي صلى الله عليه وسلم زوج زيداً وأسامة عربيتين ولأن موالي بني هاشم ساووهم في حرمان الصدقة فساووهم في الكفاءة، وهذا لا يصح فانه يوجب أن يكون الموالي أكفاءً للعرب فإن المولى إذا كان كفوأ لسيده كان كفؤا لمن يكافئه سيده فيبطل اعتبار المنصب ولهذا لا يساووهم في استحقاق الخمس ولا في الإمامة ولا في اشرف، وأما زيد وأسامة فقد استدل بنكاحهما عربيتين على أن فقد الكفاءة لا يبطل النكاح واعتذر أحمد عن تزويجهما بأنهما من كلب فهما عربيان وإنما طرأ عليهما رق فعلى هذا يكون حكم كل عربي الأصل كذلك. (فصل) فأما أهل البدع فإن أحمد قال في الرجل يزوج الجهمي يفرق بينهما وكذلك إذا زوج الواقفي إذا كان يخاصم ويدعو وإذا زوج أخته من هؤلاء اللفظية وقد كتب الحديث فهذا شر من جهمي يفرق بينهما وقال لا يزوج بنته من حروري مرق من الدين ولامن الرافضي ولا من القدري فإذا

باب المحرمات في النكاح

كان لا يدعو فلا بأس وقال من لم يربع بعلي في الخلافة فلاتنا كحوه ولا تكلموه قال القاضي المقلد منهم يصح تزويجه ومن كان داعية منهم فلا يصح تزويجه (فصل) وإنما تعتبر الكفاءة في الرجل دون المرأة فإن النبي صلى الله عليه وسلم لا مكافئ له وقد تزوج من أحياء العرب وتزوج صفية بنت حى وتسرى بالإماء، وقال (من كانت عنده جارية فعلمها وأحسن تعليمها وأحسن إليها ثم اعتقها وتزوجها فله أجران) متفق عليه ولأن الولد يشرف بشرف أبيه لا بأمه فلم يعتبر ذلك في الأم (باب المحرمات في النكاح) وهن ضرابان محرمات على الأبد وهن أربعة اقسام: (أحدها) المحرمات بالنسب وهن سبع ذكرهن سبحانه في قوله (حرمت عليك أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت) فأما الأمهات فهن كل من انتسبت إليها بولادة سواء وقع عليها اسم الأم حقيقة وهي التي ولدتك أو مجازا وهي التي ولدت من ولدتك وإن علت ومن ذلك جدتا أم أمك وأم أبيك وجدتا أمك وجدتا أبيك وجدات جداتك وجدات أجدادك وإن علون وارثات كن أو غير وارثات كلهن أمهات محرمات ذكر أبو هريرة هاجر أم إسماعيل فقال تلك أمكم يا بني ماء السماء

وفي الدعاء المأثور اللهم صل على أبينا آدم وأمنا حواء والبنات وهن كل انثى انتسب إليك بولادتك كابنة الصلب. وبنات البنين والبنات وإن نزلت درجتهن وارثات أو غير وارثات كلهن بنات محرمات لقوله تعالى (وبناتكم) فإن كل امرأة بنت آدم كما أن كل رجل ابن آدم قال الله تعالى (يا بني آدم) والأخوات من الجهات الثلاث من الأبوين أو من الأب أو من الأم لقول الله تعالى (وأخواتكم) ولا تفريع عليهن. والعمات أخوات الأب من الجهات الثلاث وأخوات الأجداد من قبل الأب ومن قبل الأم قريباً كان الجد أو بعيداً وارثاً أو غير وارث لقول الله تعالى (وعماتكم) والخالات أخوات الأم من الجهات الثلاث وأخوات الجدات وإن علون وقد ذكرنا أن كل جدة أم فكذلك كل أخت لجدة خالة محرمة لقول الله تعلاى (وخالاتكم) وبنات الأخ كل امرأة انتسبت إلى أخ بولادته فهي بنت أخ محرمة من أي جهة كان الأخ لقول الله تعالى (وبنات الأخ) وبنات الأخت كذلك أيضاً محرمات لقوله تعالى (وبنات الأخت) فهؤلاء المحرمات بالنسب (فصل) ولا فرق بين النسب الحاصل بنكاح أو ملك يمين أو وطئ شبهة أو حرام فتحرم عليه ابنته من الزنا لدخولها في عموم اللفظ ولأنها مخلوقة من مائه فحرمت كتحريم الزانية على ولدها وتحريم المنفية باللعان لأنها منفية ولاحتمال أن تكون ابنته وفيه اختلاف نذكره إن شاء الله تعالى

(القسم الثاني) المحرمات بالرضاع فيحرم به ما يحرم من النسب سواء والذي ذكره الله تعالى اثنتان بقوله الله تعالى (وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة) فالأمهات اللاتي أرضعنك وأمهاتهن وجداتهن وإن علت درجتهن على حسب ما ذكرناه في النسب محرمات بالآية، وأما الأخوات فهي كل امرأة أرضعتك أمها أو أرضعتها أمك أو أرضعتك وإياها امرأة واحدة أو ارتضعت أنت وهي من لبن رجل واحد كرجل له امرأتان لها منه لبن أرضعتك إحداهما وأرضعتها الأخرى فهي أختك محرمة عليك بالآية وكذلك كل امرأة حرمت عليك حرم مثلها من الرضاع كالعمة والخالة والبنت وبنت الأخ وبنت الأخت على ما ذكرنا لقول النبي صلى الله عليه وسلم (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) متفق عليه وفي رواية لمسلم (الرضاع يحرم ما تحرم الولادة) ولأن المهات والأخوات منصوص عليهن والباقيات يقسن عليهن ولا نعلم في هذا خلافا (القسم الثالث) تحريم المصاهرة وهن أربع: أمهات النساء فمن تزوج امرأة حرم عليه كل أم لها من نسب أو رضاع قريبة أو بعيدة بمجرد العقد نص عليه أحمد وهو قول أكثر أهل العلم منهم ابن مسعود وابن عمر وجابر وعمران بن حصين وكثير من التابعين وبه يقول مالك والشافعي وأصحاب الرأي وحكى عن علي رضي الله عنه أنها لا تحرم إلا بالدخول بابنتها كما لا تحرم ابنتها إلا بالدخول بها ولنا قول الله تعالى (وأمهات نسائكم) والمعقود عليها من نسائه فتدخل أمها في عموم الآية قال

ابن عباس أبهموا ما ابنهم القرآن يعني عمموا حكها في كال حال ولا تفصلوا بين المدخول بها وبين غيرها وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من تزوج امرأة فطلقها قبل أن يدخل بها لا بأس ان يتزوج ربيبته ولا يحل له أن يتزوج أمها) رواه أبو حفص بإسناده وقال زيد تحرم بالدخول أو بالموت لأنه يقوم مقام الدخول وقد ذكرنا ما يوجب التحريم مطلقاً سواء وجد الدخول أو الموت أو لم يوجد ولأنها حرمت بالمصاهرة بقول مبهم فحرمت بنفس العقد كحليلة الابن والأب (الثانية) حلائل الآباء يعني أزواجهم سميت امرأة الرجل حليلة لأنها محل إزار زوجها وهي محللة له فتحرم على الرجل امرأة أبيه وقريبا كان أو بعيداً وراثا أو غير وارث من نسب أو رضاع لقوله تعالى (ولا تنكحوا ما نكح آبأوكم من النساء) وقال البراء بن عازب لقيت خالي ومعه الراية قال أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم الى رجل تزوج امرأة أبيه من بعده أن أضر عنقه أو أقتله رواه النسائي وفي رواية لقيت عمي الحارث بن عمرو ومعه الراية وذكر الخبر رواه كذلك سعيد وغيره وسواء في هذا امرأة أبيه أو امرأة جده لأبيه وجده لأمه قرب أم بعد وليس في هذا بين أهل العلم اختلاف فيما علمنا وتحرم من وطئها أبوه بملك يمين أو شبهة كما يحرم عليه من وطئها في عقد نكاح قال إبن المنذر الملك في هذا والرضاع بمنزلة النسب وممن حفظنا ذلك عنه عطاء وطاوس والحسن وابن سيرين ومكحول وقتادة

مسألة: فإن متن قبل الدخول فهل تحرم بناتهن على روايتين

والثوري والاوزاعي وابو عبيد وأصحاب الرأي ولا تحفظ عن أحد خلافهم (الثالثة) حلائل الأبناء فتحرم على الرجل زوجة ابنه وابن ابنته من نسب أو رضاع قريباً كان أو بعيداً بمجردا العقد لقوله تعالى (وحلائل أبنائكم) ولا نعلم في هذه خلافاً، ولا تحرم بناتهن فيحل له نكاح ربيبة ابنه وأبيه لقوله تعالى (وأحل لكم ما وراء ذلكم) (الرباعة) بنات النساء اللاتي دخل بهن وهن الربائب فلا يحرمن إلا بالدخول بأمهاتهن وهن كل بنت للزوجة من نسب أو رضاع قريبة أو بعيدة وارثة أو غير وارثة على حسب ما ذكرنا في البنات فإذ دخل بالأم حرمت عليه سواء كانت في حجره أو لم تكن في حجره وهو قول داود لقوله تعالى (وربائبكم اللاتي في حجوركم) قال إبن المنذر وقد أجمع علماء الأمصار على خلاف هذا القول وذكرنا حديث عمرو بن شعيب في هذا وقال النبي صلى الله عليه وسلم (لا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن) ولأن التربية لا تأثير هلا في التحريم كسائر المحرمات، فأما لآية فلم تخرج مخرج الشرط وإنما وصفها بذلك تعريفاً لها بغالب حالها وما خرج مخرج الغالب لا يصح التمسك بمفهومه، وإن لم يدخل بالمرأة لم تحرم عليه بناتها في قول عامة علماء الأمصار إذا بانت من نكاحه (مسألة) (فإن متن قبل الدخول فهل تحرم بناتهن على روايتين) (إحداهما) تحرم ابنتها وبه قال زيد بن ثابت وهي اختيار أبي بكر ولأن الموت أقيم مقام الدخول في تكميل العدة والصداق فيقوم مقامه في تحريم الربيبة

مسألة: ويثبت تحريم المصاهرة بالوطء الحلال والحرام

(والثانية) لا تحرم وهو قول علي وعامة العلماء قال إبن المنذر اجمع عوام علماء الأمصار ان الرجل اذا تزوج المرأة ثم طلقها أو ماتت قبل أن يدخل بها حدل له أن يتزوج ابنتها كذلك قال مالك والثوري والاوزاعي والشافعي وأحمد واسحاق وأبو ثور ومن تبعهم لأن الله تعالى قال (فإن لم تكونوا دخلتم بهن فئز جناح عليكم) وهذا نص لا يترك بقياس ضعيف وقد ذكرنا حديث عمرو بن شعيب ولأنها فرقة قبل الدخول فلم تحرم الربيبة كفرقة الطلاق والموت لا يجري مجرى الدخول في الإحصان والإحلال وقيامه مقامه من وجه ليس بأولى من مفارقته إياه من وجه آخر ولو قام مقامه من كل وجه فلا يترك نص الله تعالى ولا نص رسوله لقاس ولا غيره، ذا ثبت هذا فإن الدخول بها وطوها كنى عنه بالدخول فإن خلا بها ولم يطأها لم تحرم ابنتها لأنها غير مدخول بها (مسألة) (ويثبت تحريم المصاهرة بالوطئ الحلال والحرام) فإذا زنى بامرأة حرمت على ابيه وانبه وحرمت عليه أمها وابنتها كما لو وطئها بشبهة أو حلالا ولو وطئ أم امرأته أو ابنتها حرمت عليه امرأته نص أحمد على هذا في رواية جماعة وروي نحو ذلك عن عمران بن حصين وبه قال الحسن وطاوس ومجاهد والشعبي والنخعي والثوري واسحاق وأصحاب الرأي وروي عن ابن عباس ان وطئ الحرام لا يحرم وبه قال سعيد بن المسيب ويحيى بن يعمر وعروة والزهري ومالك والشافعي وابو ثور وابن المنذر لما روى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا يحرم الحرام

الحلال) ولانه وطئ لا تصير به الموطوءة فراشا كوطئ الصغيرة ولنا قوله سبحانه (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء) والوطئ يسمى نكاحا قال الشاعر إذا زينت فأجد نكاحا فيدخل في عموم الآية وفي الآية قرينة تصرفه إلى الوطئ وهو قوله سبحانه (إنه كان فاحشة ومقنا وساء سبيلا) وهذا التغليظ إنما يكون في الوطئ وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا ينظر الله عزوجل إلى رجل نظر إلى فرج امرأة وابنتها) وروي الجوز جاني بإسناده عن وهب بن منبه قال ملعون من نظر امرأة وابنتها فذكرته لسعيد بن المسيب فأعجبه، ولأن ما تعلق من التحريم بالوطئ تعلق بالمحظور كوطئ الحائض ولأن النكاح عقد يفسده الوطئ بالشبهة فأفسهد الوطئ الحرام كالإحرام وحديثهم لا تعرف صحته وإنما هو من كلام ابن أشوع بعض قضاة العراق كذلك قال أحمد وقيل أنه من قول ابن عباس ووطئ الصغيرة ممنوع لم يبطل بوطئ الشبهة (فصل) والوطئ على ثلاثة أضرب: مباح وهو الوطئ من نكاح صحيح أو ملك ليمين فيتعلق به تحريم المصاهرة بالإجماع ويصير محرماً لمن حرمت عليه لأنها حرمت عليه على التأييد بسبب مباح أشبه النسب (الثاني) الوطئ بالشبهة وهو الوطئ في نكاح فاسد أو شراء فاسد أو وطئ امرأة ظنها امرأته أو أمته أو وطئ الأمة التي فيها شرك وأشباه ذلك فيتعلق به التحريم كتعلقه بالوطئ المباح إجماعاً قال إبن المنذر أجمع كل من تحفظ عنه من أهل العلم على أن الرجل إذا وطئ امرأة بنكاح فاسد

مسألة: فإن كانت الموطوءة ميتة أو صغيرة لا يوطأ مثلها فعلى وجهين

أو شراء فاسد أنها تحرم على أبيه وابنه وأجداده وولد ولده وهذا مذهب مالك والاوزاعي والشافعي واحمد واسحاق وأبي ثور وأصحاب الرأي لانه وطئ يلحق بها لنسب فأثبت التحريم كالوطئ المباح ولا يصير به الرجل محرماً لمن حرمت عليه ولا يباح له النظر الها بذلك والوطئ ليس بمباح والمحرمية تتعلق بكمال حرمة الوطئ لأنها إباحة ولأن الموطوءة لم يستبح النظر الهيا فلأن لا يستبيح النظر إلى غيرها أولى (الثالث) الحرام المحض وهو الزنا فيثبت به التحريم على الخلاف المذكور ولا تثبت به المحرمية ولا إباحة النظر لأنها إذا لم تثبت بوطئ الشبهة فبا لحرام المحض أولى ولا يثبت به النسب ولا يجب به المهر بالمطاوعة إذا كانت حرة (فصل) ويستوي في ذلك الوطئ في القبل والدبر لأنه يتعلق به التحريم إذا وجد في الزوجة والأمة فكذلك في الزنا (مسألة) (فإن كانت الموطؤة ميتة أو صغيرة لا يوطأ مثلها فعلى وجهين) أحدهما أن وطئ الميتة ينشر الحرمة لأنه معنى ينشر الحرمة المؤبدة فلم يختص بالحياة كالرضاع والثاني لا ينشرها وهو وقول أبي حنيفة والشافعي لأنه ليس بسبب للبضعية ولأن التحريم معلق باستيفاء منفعة الوطئ والموت يبطل المنافع وأما الرضاع فيحرم ما يصحل به من إنبات اللحم وإنشاز العظم وهذا يحصل من لبن الميتة، وفي وطئ الصغيرة أيضاً، وجهان (أحدهما) ينشروه وقول أبي يوسف

مسألة: وإن باشر امرأة أو نظر إلى فرجها أو خلا بها لشهوة فعلى روايتين

لانه وطئ لآدمية حية في القبل اشبه وطئ الكبير (والثاني) لا ينشرها وهو قول أبي حنيفة لأنه ليس بسبب للبضعية أشبه وطئ الميتة. (مسألة) (وإن باشرا امرأة أو نظر إلى فرجها أو خلا بها لشهوة فعلى روايتين) إذا باشر فيما دون الفرج لغير شهوة لم ينشر الحرمة بغير خلاف نعلمه وإن كان لشهوة وكان في أجنبية لينشر الحرمة أيضاً قال الجوزجاني سألت أحمد عن رجل نظر إلى أم امرأته من شهوة أو قبلها أو باشرها فقال أنا أقول لا يحرم شئ من ذلك إلا الجماع وكذلك نقل أحمد القاسم وإسحاق بن منصور وإن كانت المباشرة لامرأة محللة له كامرأته ومملوكته لم تحرم عليه ابنتها قال ابن عباس لا يحرم الربيبة إلا الجماع وبه قال طاوس وعمرو بن دينار لأن الله تعالى قال (فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم) وهذا ليس بدخلو فلا يترك النص الصريح من أجله. وأما تحريم أمها وتحريمها على أبي الرجل المباشر لها وابنه فإنها في النكاح تحرم بمجرد العقد قبل المباشرة ولا يظهر للمباشرة أثر، وأما الأمة فمتى باشرها دون الفرج لشهوة فهل يثبت تحريم المصاهرة؟ فيه روايتان (إحداهما) ينشرها روى ذلك عن ابن عمر وابن عمرو ومسروق وبه قال القاسم والحسن ومكحول والنخعي والشعبي ومالك والاوزاعي وابو حنيفة وعلي بن المديني وهو أحد قولي الشافعي لأنه نوع استمتاع فيتعلق به تحريم المصاهرة كالوطئ (والثانية) لا يثبت بها التحريم لأنها ملامسة ولا توجب الغسل فلم يثبت بها التحريم كما لو لم تكن شهوة ولأن ثبوت التحريم إما أن يكون بنص أو قياس على المنصوص ولا نص في هذا ولا

هو في معنى المنصوص عليه ولا المجمع عليه فإن الوطئ يتعلق به من الأحكام استقرار المهر والإحصان والاغتسال والعدة وإفساد الإحرام والصيام بخلاف اللمس وذكر أصحابنا الروايتين في جميع الصور من غير تفصيل قال شيخنا وهذا الذي ذكرنا أقرب للصواب إن شاء الله تعالى (فصل) ومن نظر إلى فرج امرأة لشهوة فهو كلمسها لشهوة فيه أيضاً روايتان (إحداهما) ينشر الحرمة في موضع ينشرها المس روي عن عمر وابن عمر وعامر بن زمعة وكان بدرياً وعبد الله بن عمرو فيمن يشتري الخادم ثم يجردها أو يقبلها لا يحل لأبيه وطؤها وهو قول القاسم والحسن ومجاهد ومكحول وحماد بن أبي سليمان وأبي حنيفة لما روى عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من نظر إلى فرج امرأة لم تحل له أمها وبنتها - وفي رواية - لا ينظر الله إلى رجل نظر إلى فرج امرأة وابنتها) والثانية لا يتعلق به التحريم وهو قول الشافعي وأكثر أهل العلم لقوله تعالى (وأحل لكم ما وراء ذلكم) ولأنه نظر من غير مباشرة فلم يوجب التحريم كالنظر إلى الوجه والخبر ضعيف قال الدارقطني: وقيل هو موقوف على ابن مسعود ثم يحتمل أنه كنى بذلك عن الوطئ وأما النظر إلى سائر البدن فلا ينشر حرمة وقال بعض أصحابنا لا فرق بين النظر إلى الفرج وسائر البدن لشهوة والصحيح خلاف هذا فإن غير الفرج لا يقاس عليه لما بينهما من الفرق ولا خلاف نعلمه في أن النظر إلى الوجه لا يثبت الحرمة فكذلك غيره ولا خلاف أيضاً

مسألة: ومن يلوط بغلام حرم على كل واحد منهما أم الآخر وابنته

في أن النظر إلى الوجه لا يثبت الحرمة فكذلك غيره ولا خلاف أيضاً أن النظر إذا وقع من غير شهوة لا ينشر الحرمة لأن اللمس الذي هو أبلغ منه لا يؤثر إذا لم يكن لشهوة فالنظر أولى وموضع الخلاف في اللمس والنظر فيمن بلغت تسع سنين فما زاد فأما الطفلة فلا يثبت فيها ذلك وقد روي عن أحمد في بنت سبع إذا قبلها حرمت أمها قال القاضي هذا عندي محمول على السن الذي توجد معه الشهوة (فصل) فإن نظرت المرأة إلى فرج رجل لشهوة فحكمه في التحريم حكم نظره إليها نص عليه أحمد لأنه معنى يوجب التحريم فاستوى فيه الرجل والمرأة كالجماع وكذلك ينبغي أن يكون حكم لمسها له وقبلتها إياه لشهوة لما ذكرنا (فصل) والصحيح أن الخلوة بالمرأة لا تنشر الحرمة وقد روي عن أحمد: إذا خلا بالمرأة وجب الصداق والعدة ولا يحل له أن يتزوج أمها وابنتها قال القاضي هذا محمول على أنه حصل مع الخلوة مباشرة فيخرج كلامه على إحدى الروايتين اللتين ذكرناهما فأما مع خلوه من ذلك فلا يؤثر في تحريم الربيببة لما في ذلك من مخالفة قوله تعالى (فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم) وأما الخلوة بأجنبية أو أمته فلا ينشر تحريماً لا نعلم في ذلك خلافاً (مسألة) (ومن يلوط بغلام حرم على كل واحد منهما أم الآخر وابنته) قاله بعض أصحابنا قال ونص عليه أحدم وهو قول الأوزاعي لأنه وطئ في الفرج فنشر الحرمة

كوطئ المرأة ولأنها بنت من وطئه أو أمه فحرمتا عليه كما لو كانت الموطوءة أنثى وقال أبو الخطاب يكون كالمباشرة فيما دون الفرج فيكون فيه الرايتان والصحيح أن هذا لا ينشر الحرمة فإن هؤلاء غير منصوص عليهن في التحريم فيدخل في عموم قوله تعالى (وأحل لكم ما وراء ذلكم) ولأنهن غير منصوص عليهن ولا هو في مععنى المنصوص عليه فوجب أن لا يثبت حكم التحريم فيهن فإن المنصوص عليهن في هذا حلائل الأبناء ومن نكحهن الآباء وأمهات النساء وبناتهن وليس هؤلاء منهن ولا في معناهن ولان الوطئ في المرأة يكون سبباً للبضعية ويوجب المهر ويلحق به النسب وتصير به المرأة فراشاً وتثبت أحكاماً لا يثبتها اللواط فلا يجوز إلحاقه بهن لعدم العلة وانقطاع الشبه ولذلك لو أرضع الرجل طفلا لم يثبت به حكم التحريم فههنا أولى وإن قدر بينهما شبه من وجه ضعيف فلا يجوز تخصيص عموم الكتاب به واطراح النص بمثله (فصل) ويحرم على الرجل نكاح ابنته من الزنا واخته وبنت انبه وبنت بنته وبنت أخيه وأخته من الزنا في قول عامة الفقهاء وقال مالك والشافعي في المشهور من مذهبه يجوز له لأنها أجنبية منه ولا تنسب إليه شرعاً ولا يجري التوارث بينهما ولا تعتق عليه إذا ملكها ولا يلزمه نفقتها فلم تحرم عليه كسائر الأجانب

ولنا قوله تعالى (حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم) وهذه بنته فإنها مخلوقة من مائه وهذه حقيقة لا تختلف بالحل والحرمة ومما يدل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم في امرأة هلال بن أمية انظروه (يعني ولدها - فإن جاءت به على صفة كذا فهو لشريك بن سحماء) يعني الزاني ولأنها مخلوقة من مائه فأشبهت المخلوقة من وطئ الشبهة ولأنها بضعة منه فلم تحل له كبنته من النكاح وتخلف بعض الأحكام لا ينفي كونها بنتاً كما لو تخلف لرق أو اختلاف دين إذا ثبت هذا فلا فرق بين علمه بكونها منه مثل أن يطأ امرأة في طهر لم يصبها فيه غيره ثم يحفظها حتى تضع أو يشترك جماعته في وطئ امرأة فتأتي بولد لا يعلم هل هو منه أو من غيره؟ فإنه يحرم على جميعهم لوجهين أحدهما أنها بنت موطوءتهم الثاني أنا نعلم أنها بنت بعضهم فتحرم على الجميع كما لو زوج الوليان ولم يعلم السابق منهما وتحرم على أولادهم لأنها ابنة بعضهم غير معلوم فإن ألحقتها القافة بأحدهم حلت لأولاد الباقين (القسم الرابع) الملاعنة تحرم على الملا عن على التأبيد أما إذ لم يكذب نفسه فلا نعلم أحداً قال بخلاف ذلك إلا قولاً شاذاً فإن كذب نفسه فالمشهور في المذهب أنها باقية على التحريم المؤبد وعن أحمد رواية شاذة أنها تحل له وتعود فراشاً له إذا لم يكن وجد منه ما يثبتها لانه رجع عن المعنى المحرم فزال التحريم ولذلك يحد ويلحقه نسب الولد وهذه الرواية شذبها حنبل عن أصحابه وتفرد بها

مسألة: ويحرم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها

والعمل على الرواية الأولى وهذا يذكر في باب اللعان مبسوطاً إن شاء الله تعالى. (فصل) قال الشيخ رحمه الله (الضرب الثاني المحرمات إلى آمد وهن نوعان) (أحدهما) المحرمات لاجل المع فيحرم الجمع بين الأختين سواء كانتا من نسب أو رضاع حرتين كانتا أو أمتين أو حرة وأمة من أبوين كانتا أو من أب أو أم وسواء في هذا ما قبل الدخول أو بعده لعموم قوله تعالى (وأن تجمعوا بين الأختين) (مسألة) (ويحرم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها) قال إبن المنذر أجمع أهل العلم على القول به وليس بحمد الله اختلاف إلا أن بعض أهل البدع ممن لا تعد مخالفته خلافاً وهم الرافضة، والخوارج لم يحرموا ذلك ولم يقولوا بالسنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي ما روى أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تجمعوا بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها) متفق عليه، وفي رواية أبي داود (لا تنكح المرأة على عمتها ولا العمة على بنت أختها ولا المرأة على خالتها ولا الخالة على بنت أختها، لا تنكح الكبرى على الصغرى ولا الصغرى على الكبرى) ولأن العلة في تحريم المع بين الأختين إيقاع العداوة بين الأقارب وإفضاؤه إلى قطيعة الرحم المحرم، فإن احتجوا بعموم قوله سبحانه (وأحل لكم ما وراء ذلكم) خصصناه بما رويناه وبلغنا أن رجلين من الخوارج أتيا عمر بن عبد العزيز فكان مما أنكر عليه رجم الزانينن والجمع

بين المرأة وعمتها وبنتها وبين خالتها، وقالا ليس هذا في كتاب الله تعالى، فقال لهما: كم فرض الله عليكم من الصلاة؟ قالا: خمس صلوات في اليوم والليلة. وسألهما عن عدد ركعاتها فأخبراه بذلك. وسألهما عن مقدار الزكاة ونصبها فأخبراه. فقال وأين تجدان ذلك في كتاب الله؟ قالا لا نجده في كتاب الله. قال فمن أين صرتما؟ فقالا فعله رسوله الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون بعده قال فكذلك هذا ولا فرق بين الحالة والعمة حقيقة أو مجازاً كعمات آبائها وخالاتهم، وعمات أمهاتها وخالاتهن وإن علت درجتهن من نسب كان ذلك أو رضاع وكل شخصين لا يجوز لأحدهما أن يتزوج الآخر لو كان أحدهما ذكراً والآخر أنثى لأجل القرابة لا يجوز الجمع بينهما لتأدية ذلك إلى قطع الرحم القريبة لما في الطباع من التنافس والغيرة من الضرائر، ولا يجوز الجمع بين المرأة وأمها في العقد لما ذكرناه ولأن الأم إلى بنتها أقرب من الأختين فإذا لم يجمع بنى الأختين فالمرأة وبنتها أولى (فصل) ولا يحرم الجمع بين ابنتي الخال في قول عامة أهل العم لعدم النص فيهما بالتحريم ودخولهما في عموم قوله تعالى (وأحل لكم ما وراء ذلكم) ولأن إحداهما تحل لها الأخرى لو كانت ذكراً وفي كراهة ذلك روايتان (إحداهما) يكره روى ذلك عن ابن مسعود وبه قال جابر ابن زيد وعطا والحسن وسعيد بن عبد العزيز، وروي أبو حفص بإسناده عن عيسى بن طلحة قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تزوج المرأة على ذي قرابتها مخافة القطيعة ولأنه مفض إلى قطيعة

مسألة: فإن جمع بينهما في عقد واحد لم يصح

الرحم المأمور بصلتها فأقل أحواله الكراهة (والأخرى) لا يكره وهو قول سليمان بن يسار والشعبي وحسن بن حسن والاوزاعي والشافعي واسحاق وأبي عبيد لأنهما ليست بينهما قرابة تحرم الجمع فلا يقتضي كراهة كسائر الأقارب (مسألة) (فإن جمع بينهما في عقد واحد لم يصح) إذا جمع بين الأختين في عقد واحد أو جمع بين المرأة وعمتها أو خالتها في عقد عليهما معاً لم يصح العقد في واحدة منهما لأنه لا يمكن تصحيحه فيهما ولا مزية لأحدهما على الأخرى فيبطل فيهما كما لو زوجت المرأة لرجلين وكذا لو تزوج خمساً في عقد واحد بطل في الجميع لذلك (مسألة) (وإن تزوجهما في عقدين أو تزوج إحداهما في عدة الأخرى سواء كانت باثنا أو رجعية فنكاح الثانية باطل. أما إذا تزجهما في عقدين وعلم الأولى فنكاحه صحيح لأنه لا جمع فيه ونكاح الثانية باطل لأن الجمع يحصل به وبالعقد على الأولى تحرم الثانية فلا يصح عقده عليها حتى تبين الأولى وتنقضي عدتها (فصل) (فإن لم يعلم أولاهما فعليه فرقتهما معاً) قال أحمد في رجل تزوج أختين لا يدري أيتهما تزوج أولا؟ يفرق بينه وبينهما لأن إحداهما محرمة عليه ونكاحها باطل ولا يعرف المحللة له فقد اشتبها عليه ونكاح إحداهما صحيح ولا يتيقن بينونتها منه

لا بطلاقهما جميعاً أو فسخ نكاحهما فوجب ذلك كما لو زوج الوليان ولم يعرف الأول منهما وإن أحب أن يفارق إحداهما ثم يجدد عقد الأخرى ويمسكها فلا بأس وسواء فعل ذلك بقرعة أو بغيرها ولا بخلو من ثلاثة أقسام: (أحدها) أن لا يكون دخل بواحدة منهما فله أن يعقد على إحداهما في الحال بعد فراق الأخرى (الثاني) إذا دخل بإحداهما فإن أراد نكاحها فارق التي لم يصبها بطلقة ثم ترك المصابة حتى تنقضي عدتها ثم نكحها لأنا لا نأمن ان تكون هي الثانية فيكون قد أصابها في نكاح فاسد فلهذا اعتبرنا انقضاء عدتها ويحتمل جواز العقد علهيا في الحال لأن النسب لاحق به فلا يصان ذلك عن مائه فإن أحب نكاح الأخرى فارق المصابة بطلقة ثم انتظرها حتى تقضي عدتها ثم تزوج أختها (القسم الثالث) إذا دخل بهما فليس له نكاح واحدة منهما حتى يفارق الأخرى وتنقضي عدتها من حين فارقها وتنقضي عدة الأخرى من حين أصابها، وإن ولدت إحداهما أو هما جميعاً فالنسب لإخوته لأنه إما من نكاح صحيح أو نكاح فاسد وكلاهما يلحق النسب فيه وإن لم يرد نكاح واحدة منهما فارقهما بطلقة طلقة (فصل) فأما المهر فإن لم يدخل بواحدة منهما فلإحداهما نصف المهر ولا نعلم من يستحقه منهما فيصطلحان عليه فإن لم يفعلا أقرع بينهما فكان لمن خرجت قرعتها مع يمينها وقال أبو بكر اختياري

مسألة: وإن اشترى أخت امرأته أو عمتها أو خالتها صح

أن يسقط المهر إذا كان مجبراً على الطلاق قبل الدخول فإن دخل بواحدة منهما أقرع بينهما فإن وقعت لغير المصابة فلها نصف المهر وللمصابة مهر المثل بما استحل من فرجها وإن وقعت على المصابة فلا شئ للأخرى وللمصابة المسمى جميعه وإن أصابهما فلا حداهما المسمى وللأخرى مهر المثل يقرع بينهما فيه إن قلنا الواجب في النكاح الفاسد مهر المثل وإن قلنا بوجوب المسمى فيه وجب ههنا لكل واحد منهما. (فصل) قال أحمد إذا تزوج امرأة ثم تزوج أختها ودخل بها اعتزل زوجته حتى تنقضي عدة الثانية إنما كان كذلك لأنه لو أراد العقد على أختها في الحال لم يجز له حتى تنقضي عدة الموطؤة فلذلك لا يجوز له وطئ امرأته حتى تنقضي عدة أختها التي اصلبها (مسألة) (وإن اشترى أخت امرأته أو عمتها أو خالتها صح) لأن الشراء يراد للاستمتاع ولغيره وكذلك صح شراء من لا تحل له كالمجوسية وأخته من الرضاع ولا يحل له وطؤها حتى يطلق امرأته وتنقضي عدتها لئلا يكون جامعاً بينهما في الفراش أو جامعاً ماءه في رحم أختين وذلك لا يحل لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجمع ماءه في رحم أختين

مسألة: وإن اشتراهن في عقد واحد صح لما ذكرنا

(مسألة) (وإن اشتراهن في عقد واحد صح لما ذكرنا) ولا نعلم حلافا في ذلك ولو اشترى جارية ووطئها حل له شراء أختها وعمتها وخالتها وقد ذكرناه كما لا يحل له شراء المعتدة والمزوجة مع أنها لا تحل له (مسألة) (وله وطئ إحداهما لأن الأخرى لم تصر فراشاً) وهذا قول أكثر أهل العلم وقال الحكم وحماد لا يقرب واحدة منهما وروي ذلك عن النخعي وذكره أبو الخطاب مذهبا لاحمد ولنا أنه لم يجمع بينهما في الفراش فلم يجز كما لو كان في ملكه إحداهما وحدها (فصل) وليس له الجمع بين الأختين من إمائه في الوطئ نص عليه أحمد في راية الجماعة وكرهه عمر وعثمان وعلي وعمار وابن عمرو ابن مسعود وممن قال بتحريمه عبد الله بن عتبة وجابر بن يزد وطاوس ومالك والازواعي وأبو حنيفة والشافعي وروي عن ابن عباس أنه قال أحلتهما آية وحرمتهما آية ولم أكن لأفعله وروي ذلك عن علي أيضاً يريد بالمحرمة قوله تعالى (وإن تجمعوا بين الأختين) وبالمحللة قوله تعالى (إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم) وروى ابن منصور عن احمد وأسأله عن الجمع بين الأختين المملوكتين أحرام هو؟ قال لا أقول حرام ولكن ينهى عنه وظاهر هذا أنه مكروه غير محرم وقال داود وأهل الظاهر لا يحرم استدلالا بالآية المحللة لأن حكم الحرائر في الوطئ مخالف لحكم الإماء ولهذا تحرم الزيادة على أربع في الحرائر وتباح في الإماء بغير حصر والمذهب تحريمه للآية

مسألة: وإن وطئ إحداهما فليس له وطئ الأخرى حتى يحرم الموطوءة على نفسه بإخراج عن ملكه أو تزويج

المحرمة فإنه يريد بها الوطئ والعقد جميعاً بدليل أن سائر المذكورات في الآية يحرم وطؤهن والعقد عليهن وآية الحل مخصوصة بالمحرمات جميعهن وهذا منهن ولأنها امرأة صارت فراشاً فحرمت أختها كالزوجة. (مسألة) (وإن وطئ إحداهما فليس له وطئ الأخرى حتى يحرم الموطوءة على نفسه بإخراج عن ملكه أو تزويج) هذا قول علي وابن عمر والحسن والاوزاعي واسحاق والشافعي فإن رهنها لم تحل له أختها لان منعه من وطئها لحق المرتهن لا لتحريهما ولهذا يحل له بإذن المرتهن فيه ولأنه يقدر على فكها متى شاء وسترجاعها إليه، وقال قتادة انا ستبرأها حلت له أختها لأنه قد زال فراشه ولهذا لو أتت بولد فنفاه بدعوى الاستبراء انتفى فأشبه ما لو زوجها. ولنا قول علي وابن عمر ولأنه لم يزل ملكه عنها ولا أحلها له فأشبه ما لو وطئت بشبهة فاستبرأها من ذلك الوطئ ولأن ذلك لا يمنعه وطأها فلا بأس من عوده إليها فيكون ذريعة إلى الجمع بينهما وإن حرم إحداهما فظاهر كلام الخرقي أنه لا تحل له الأخرى وهو مقتضى كلام شيخنا في الكتاب المشروح وقال أصحاب الشافعي تحل له الأخرى لأنها حرمت عليه بسبب لا يقدر على رفعه فأشبه التزويج ولنا أنه نشأ من إباحتها بما لا يقف على غيرهما (فصل) وإذا أخرجها من ملكه لم تحل له أختها حتى يستبرئ المخرجة وتعلم براءتها من الحمل

مسألة: فإن عادت إلى ملكه لم يطأ واحدة منهما حتى يحرم الأخرى

فإن كانت حاملاً منه لم تحل لم أختها حتى تضع حملها لأنه يكون جامعاً في رحم أختين فهو بمنزلة نكاح الأخت في عدة أختها (مسألة) (فإن عادت إلى ملكه لم يطأ واحدة منهما حتى يحرم الأخرى) متى زال ملكه عن المؤطوة زوالا أحل له أختها فوطئها ثم عادت الأولى إلى ملكه فليس له وطئ إحداهما حتى يحرم الأخرى بإخراج عن ملكه أو تزويج نص عليه أحمد وقال أصحاب الشافعي لا ترحم عليه واحدة منهما لأن الأولى لم تبق فراشاً فأشبه ما لو وطي أمة ثم اشترى أختها ولنا أن هذه صارت فراشاً وقد رجعت إليه التي كانت فراشاً فحرمت كل واحدة منهما بكون أختها فراشاً كما لو انفردت به فأما إذا وطئ أمة ثم اشترى أختها فإن المشتراه لم تكن فراشاً له لكن هي محرمة عليه باستفراش أختها ولو اخرج الموطؤة عن ملكه ثم عادت إليه قبل وطئ أختها فهي حلال وأختها محرمة عليه لأن أختها فراشه وقد روي عن أحمد أن الجمع بين الأختين في الوطئ بملك اليمين لا يحرم بل ينهى عنه فيكون مكروهاً وقد ذكرناه والمذهب أن ذلك حرام والله أعلم (فصل) فإن وطئ أمتيه الاثنتين معا فوطئ الثانية محرم ولاحد فيه لأنها ملكه ولأن في حلها

مسألة: وإن وطئ أمته ثم تزوج أختها لم يصح عند أبي بكر

حلها اختلافا وله سبيل إلى استباحتها بخلاف أخته من الرضاع المملوكة له ولا يحل له وطئ واحدة حتى يحرم الأخرى ويستبرئها وقال القاضي وأصحاب الشافعي الأولى باقية على الحل لان الوطئ الحرام لا يحرم الحلال إلا أن القاضي قال لا يطؤها حتى يستبرئ الثانية ولنا أن الثانية قد صارت فراشاً له يلحقه نسب ولدها فحرمت عليه أختها كما لو وطئها ابتداء وقولهم أن الحرام لا يحرم الحلال ليس بخبر صحيح وهو متروك بما لو وطئ الأولى في حيض أو نفاس أو حرام فان أختها تحرم عليه ويحرم عليه أمها وابنتها على التأبيد وكذلك لو وطئ بشبهة في هذه الحال ولو وطئ امرأته حرمت عليه ابنتها سواء وطئها حراماً أو حلالا (فصل) وحكم المباشرة من الإماء فيما دون الفرج والنظر إلى الفرج لشهوة فيما يرجع إلى تحريم الأخت كحكمه في تحريم الربيبة والصحيح أنها لا تحرم ولأن الحل ثابت بقوله تعالى (أو ما ملكت أيمانكم) ومخالفة ذلك إنما تثبت بقوله (وأن تجمعوا بين الأختين) والمراد به الجمع في العقد أو الوطئ ولم يوجد واحد منهما ولا في معناهما. (مسألة) (وإن وطئ أمته ثم تزوج أختها لم يصح عند أبي بكر) وقد سئل أحمد عن هذا فقال لا يجمع بين الأختين الأمتين فيحتمل أنه أراد أن النكاح لا يصح وهو إحدى الروايات عن مالك قال القاضي هو ظاهر كلام أحمد لأن النكاح تصير به المرأة فراشا

فلم يجز أن ترد على فراش الاخت كالوطئ ولأنه فعل في الأخت ما ينافي إباحة أختها فلم يجز كالوطئ وظاهر كلام أحمد أنه يصح ذكره أبو الخطاب ولا يطؤها حتى يحرم الموطؤة وهو مذهب أبي حنيفة لأنه سبب يستباح به الوطئ فجاز أن يرد على وطئ ولا يبيح كالشراء، وقال الشافعي يصح النكاح وتحل له المنكوحة وتحرم أختها لأن النكاح أقوى من الوطئ بملك اليمين فاذا اجتمعا وجب تقديم الأقوى ووجه الأولى ما ذكرناه ولأن وطئ مملوكته معنى يحرم أختها لعلة الجمع فمنع صحة النكاح كالزوجة ويفارق الشراء فإنه لا ينحصر في الوطئ ولهذا صح شراء الأختين ومن لا تحل له وقولهم النكاح أقوى من الوطئ ممنوع وإن سلم فالوطئ أسبق فيقدم ويمنع صحة ما طرأ عليه مما ينافيه كالعدة تمنع ابتداء نكاح الأخت وكذلك وطئ الأمة يحرم نكاح ابنتها وأمها ولأن هذا بممنزلة نكاح الأخت في عدة أختها لكونه لم يشتر الموطؤة فإن عادت إلى مكله لم يطأ واحدة منهما حتى يحرم الأخرى إذا قلنا بصحة النكاح لأن الأولى عادت إلى الفراش فاجتمعا فيه فلم يستبح واحدة منهما قبل إخراج الأخرى عن الفراش (فصل) فإن زوج الامة الموطؤة أو أخرجها عن ملكه فله نكاح أختها فإن عادت الأمة إلى ملكه فالزوجية بحالها وحلها باق لأن النكاح صحيح وه وأقوي ولا تحل الأمة وعنه أنه يبنغي أن يجرم إحداهما لأن أمته التي كانت فراشاً قد عادت إليه والمنكوحة مستفرشة فأشبه أمتيه اللتين وطئ إحداهما

مسألة: ولا بأس أن يجمع بين من كانت زوجة رجل وابنته من غيرها

بعد تزويج الأخرى ثم يطلقا لزوج أختها فإن تزوج امرأة ثم اشترى أختها صح الشراء ولم تحل له لأن النكاح كالوطئ فأشبه ما لو وطئ أمته ثم اشترى أختها فإن وطئ أمتيه حرمتا عليه حتى يستبرئ الأمة ثم تحل له زوجته دون امته لأن النكاح أقوى وأسبق وإنما وجب الاستبراء لئلا يكون جامعا جاه في رحم أختين ويحتمل أن تحرما عليه جمعيا حتى يحرم إحداها كالأمتين وحكم عمة المرأة وخالتها كأختها في تحريم الجمع بينهما في الوطئ والتفصيل فيها كالتفصيل في الأختين على ما ذكر (مسألة) (ولا بأس أن يجمع بين من كانت زوجة رجل وابنته من غيرها) هذا قول أكثر أهل العلم يرون الجمع بين المرأة وبينها في النكاح فعله عبد الله بن جعفر وعبد الله ابن صفوان بن أمية وهو قول سائر الفقهاء إلا الحسن وعكرمة وابن أبي ليلى فإنهم كرهوه لأن إحداهما لو كانت ذكراً حرمت عليه الأخرى فأشبه المرأة وعمتها ولنا قول الله تعالى (وأحل لكم) ما وراء ذلكم ولانها لا قرابة بينهما فاشبها الأجنبيتين ولأن الجمع حرم خوفا من قطيعة الرحم القريبة بين المتناسبين ولا قرابة بين هاتين، وبهذا يفارق ما ذكروه (فصل) ولو كان لرجل ابن من غير زوجته ولها بنت من غيره أو كان له بنت ولها ان جاز تزويج

أحدهما من الآخر في قول عامة الفقهاء وحكي عن طاوس كراهيته إذا كان ما ولدته المرأة بعد وط الزوج لها والأول أولى لعموم الآية والمعنى الذي ذكرناه فإنه ليس بينهما قرابة ولا سبب يقتضي التحريم وكونه أخا لأختها لم يرد الشرع بأنه سبب للتحريم فيبقى على الإباحة لعموم الآية ومتى ولدت المرأة من ذلك الرجل ولداً صار عماً لولديهما وخالا (فصل) إذا تزوج امرأة لم ترحم أمها ولا ابنتها على أبيه ولا ابنه فمتى تزوج امرأة وزوج أباه أمها جاز لعدم أسباب التحريم فإذا ولد لكل واحد ولد كان ولد الأب عم ولد الأم وولد الابن خال ولد الأب ويروى أن رجلا أنى عبد الملك بن مروان فقال يا أمير المؤمنين إني تزوجت امرأة وزوجت أبني امها فأخبرنا فقال عبد الملك إن أخبرتني بقرابة ولدك من ولد أبيك أخبرتك فقال الرجل: يا أمير المؤمنين هذا العريان ابن الهيثم الطي وليته قائم سيفك ان علم ذلك فلا تخبرني فقال العريان أحدهما عم الآخر والآخر خاله. (فصل) إذا تزوج رجل امرأة وزوج ابنه بنتها أو أمها فزفت امرأة كل واحد منهما إلى صاحبه فوطئها فان وطئ الأول يوجب عليه مهر مثلها لأنه وطئ شبهة ويفسخ به نكاحها من زوجها لانها صارت بالوطئ حليلة أبيه أو ابنه ويسقط به مهر الموطؤة عن زوجها لأن الفسخ من قبلها بتمكينها من وطئها ومطاوعتها عليه ولا شئ لزوجها على الواطي لأنه لا يلزمه شئ يرجع به ولأن المرأة مشاركة

مسألة: ولا يحل للحر أن يجمع بين أكثر من أربع ولا للعبد أن يتزوج أكثر من اثنتين فإن طلق إحداهن لم يتزوج أخرى حتى تنقضي عدتها

في إفساد نكاحها بالمطاوعة فلم يجب على زوجها شئ كما لو انفردت به ويحتمل أن يجب عليه لزوجها نصف مهر مثلها لأنه أفسد نكاحها قبل الدخول أشبه المرأة تفسد نكاحه بالرضاع وينفسخ نكاح الواطئ أيضاً لأن امرأته صارت أما للموطؤة ان بنتا لها ولها نصف المسمى فأما وطئ الثاني فيوجب مهر المثل للموطؤة خاصة فإن أشكل الأول انفسخ النكاحان ولكل واحدة مهر مثلها على واطئها ولا يثبت رجوع أحدهما على الآخر ويجب لامرأة كل واحد منهما على الآخر نصف المسمى ولا يسقط بالشك (مسألة) (ولا يحل للحران أن يجمع بين أكثر من أربع ولا للعبدان أن يتزوج أكثر من اثنتين فإن طلق إحداهن لم يتزوج أخرى حتى تنقضي عدتها) أجمع أهل العم على أن الحر لا يحل له أن يجمع بين أكثر من أربع زوجات لا نعلم أحدا منهم خالف في ذلك إلا شيئاً يحكى عن القاسم بن إبراهيم أنه أباح تسعاً لقول الله تعالى (مثنى وثلاث ورباع) والواو للجمع ولأن النبي صلى الله عليه وسلم مات عن تسع وهذا خرق للاجماع وترك للسنة فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لغيلان بن سلمة حين أسلم وتحته عشرة نسوة (أمسك أربعا وفارق سائرهن) وقال نوفل بن معاوية أسلمت وتحتي خمس نسوة فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم (فارق واحدة منهن) رواهما الشافعي في مسنده وإذا

منع من استدامة زيادة على أربع فالابتداء أولى والآية أريد بها التخيير بين اثنتين وثلاث وأربع كما قال (أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع) ولم يردان لكل ملك تسعة أجنحة ولو أراد ذلك لقال تسعة ولم يكن للتطويل معنى ومن قال غير ذلك فقد جهل اللغة العربية وأما النبي صلى الله عليه وسلم فمخوص بذلك ألا ترى أنه جمع بين أكثر من تسع (فصل) وليس للعبد أن يزيد على اثنتين ولا خلاف في جواز الجمع بين اثنتين له واختلفوا في إباحة الأربع له فمذهب أحمد أنه لا يباح له الاثنتان وهذا قول عمر بن الخطاب وعلي وعبد الرحمن ابن عوف رضي الله عنهم وبه قال عطاء والحسن والشعبي وقتادة والثوري والشافعي وأصحاب الرأي وقال القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله وطاوس ومجاهد ومالك وأبو ثور وداود له نكاح أربع لعموم الآية ولأن هذا طريقه اللذة والشهوة فساوى العبد فيه الحر كالمأكول ولنا أنه قول من سمينا من الصحابة ولم يرعف لهم مخالف في عصرهم فكان إجماعاً وقد روى ليث ابن أبي سليم عن الحكم بن عتبية قال أجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن العبد لا ينكح أكثر من اثنتين ويقوي هذا ما روي الإمام أحمد بإسناده عن محمد بن سيرين أن عمر سأل الناس كم يتزوج العبدء فقال عبد الرحمن بن عوف ثنتين وطلاقه ثنتين فدل هذا على أن ذلك كان بمحضر من الصحابة وغيرهم فلم ينكر وهذا محض عموم الآية على أن فيها ما يدل على إرادة الأحرار وهو قوله تعالى أو ما)

ملكت أيمانكم ويفارق النكاح المأكول فإنه مبني على التفضيل ولهذا فارق النبي صلى الله عليه وسلم فيه أمته ولأن فيه ملكاً والعبد ينقص في الملك عن الحر (فصل) إذا تزوج الرجل امرأة حرمت عليه أختها وعمتها وخالتها وبنت أختها وكذلك إذا تزوج الحر أربعاً حرمت الخامسة تحريم جمع وإن تزوج العبد اثنتين حرمت الثالثة تحريم جمع فإذا طلق زوجته طلاقا رجعياً فالتحريم باق بحاله في قولهم جميعاً وإن كان الطلاق بائناً أو فسخا فكذلك حتى تنقضي عدتها يروي ذلك عن علي وابن عباس وزيد بن ثابت وبه قال سعيد بن المسيب ومجاهد والنخعي والثوري وأصحاب الرأي وقال القاسم بن محمد وعروة وابن أبي ليلى ومالك والشافعي وأبو عبيد وابن المنذر له نكاح جميع من سمينا في تحريم وروي ذلك عن ثابت لأن المحرم الجمع بينهما في النكاح بدليل قوله تعالى (حرمت عليكم أمهاتكم) أي نكاحهن وقال (وأن تجمعوا بين الأختين) معطوفا عليه والبائن ليست في نكاحه ولأنها بائن فأشبهت المطلقة قبل الدخول بها ولنا قول علي وابن عباس وروي عن عبيدة السلماني أنه ما أجمعت الصحابة على شئ كإجماعهم على أربع قبل الظهر وأن لا تنكح المرأة في عدة أختها وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجمع ماءه في رحم أختين) وروي عن أبي الزناد قال كان للوليد بن عبد الملك أربع نسوة فطلق واحدة البتة وتزوج قبل أن تحل فعاب ذلك كثير من الفقهاء وليس كلهم عابه

قال سعيد بن منصور إذا عاب عليه سعيد بن المسيب فأي شئ يبقى؟ ولأنها محبوسة عن النكاح لحقه أشبه ما لو كان الطلاق رجعياً وفارق المطلقة قبل الدخول بها (فصل) ولو أسلم زوج المجوسية أو الوثنية أو انفسخ النكاح بين الزوجين يخلع أو رضاع أو فسخ بعيب أو إعسار أو غيره لم يكره له أن يتزوج أحداً ممن يحرم الجمع بينه وبين زوجته حتى تنقضي عدتها سواء قلنا تتعجل الفرقة اولم نقل فإن أسلمت زوجته فتزوج أختها في عدتها ثم أسلما اختار منهما واحدة كما لو تزوجهما معا وإن أسلم بعد انقضاء عدت الأولى بانت وثبت نكاح الثانية (فصل) إذا أعتق أم ولده أو أمة كان يصيبها فليس له أن يتزوج أختها حتى ينقضي استبراؤها نص عليه أحمد في أم الولد وقال أبو يوسف ومحمد بن الحسن يجوز لأنها ليست بزوجة ولا في عدة من نكاح ولنا أنها معتدة منه فلم يجز له نكاح أختها كالمعتدة من نكاح أو وطئ بشبهة ولأنه لا يأمن أن يكون ماؤه في رحمها فيكون داخلا في عموم من جمع ماءه في رحم أختين ولا يمنع من نكاح أربع سواها ومنعه زفر وهو غلط لأن ذلك جائز قبل إعتاقها فبعده أولى (فصل) ولا يمنع من نكاح أمة في عدة حرة بائن ومنعه أبو حنيفة كما يحرم عليه أن يتزوجها في صلب نكاحها. ولنا أنه عادم للطول خائف للعنت فأبيح له نكاحها لقول سبحانه (ومن لم يستطع منكم طولا أن

ينكح المحصنات المؤمنات) الآية ولا يسلم أنه لا يجوز في طلب نكاح الحرة بل يجوز إذا تحقق الشرطان (فصل) وإن زنى بامرأة فليس له أن يتزج أختها حتى تنقضي عدتها وحكم العدة من الزنا والعدة من وطئ الشبهة حكم العدة من النكاح على ما نذكره إن شاء الله تعالى فإن زنى بأخت امرأته فقال أحمد يمسك عن وطئ امرأته حتى تحيض ثلاث حيضات وعنه حيضة ويحتمل أن لا تحرم بذلك أختها ولا أربع سواها لأنها ليست منكوحة ومجرد الوطئ لا يمنع بدليل الوطئ في ملك اليمين فإنه لا يمنع أربعاً سواها (فصل) إذا ادعى رجل أن امرأته أخبرته بانقضاء عدتها مدة يجوز انقضاؤها فيها وكذبته أبيح له نكاح أختها وأربع سواها في الظاهر وأما في الباطن فيبنى على صدقه في ذلك لأنه حق فيما بينه وبين الله تعالى فيقبل قوله فيه ولا يصدق في نفي نفقتها وسكناها وتعين النسب لأنه حق لها ولودها فلا يقبل قوله فيه وبه قال الشافعي وغيره وقال زفر لا يصدق في شئ لأنه قول واحد لا يصدق في بعض حكمه فلا يصدق في البعض الآخر قياساً للبعض على البعض وذلك لأنه لا يمكن أن يكون القول الواحد صدقا كذبا ولنا أنه قول يتضمن إبطال حق لغيره وحقا له لا ضرر على غيره فيه فوجب أن يصدق في إحداهما دون الآخر كما لو اشتدي عبدا ثم أقران البائع كان أعتقه صدق في حريته ولم يصدق في الرجوع

مسألة: وتحرم الزانية حتى تتوب وتنقضي عدتها

بثمنه وكذلك لو أقر أن امرأته أخته من الرضاع قبل الدخول صدق في بينونتها وتحريمها عليه ولم يسقط مهرها إذا كذبته (فصل) قال الشيخ رضي الله عنه (النوع الثاني) محرمات لعارض بزول فيحرم عليه نكاح زوجة غيره بغير خلاف لقول الله تعالى (ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله) وتحرم المستبرئة منه لذلك ولأن تزويجها يفضي الى اختلاط المياه واشتباه الأنساب وسواء في ذلك المعتدة من وطئ مباح أو محرم أو من غير وطئ لأنه لا يؤمن أن تكون حاملاً فلو أبحنا تزويجها لاختلط نسب المتزوج بنسب الواطئ الأول ولا يجز نكاح المرتابة بعد العدة بالحل لذلك (مسألة) (وتحرم الزانية حتى تتوب وتنقضي عدتها) إذا زنت المرأة لا يحل نكاحها لمن لم يعلم ذلك ألا بشرطين (أحدهما) انقضاء عدتها بوضع الحمل من الزنا ولا يحل نكاحها قبل الوضع وبهذا قال مالك وأبو يوسف وهو إحدى الروايتين عن أبي حنيفة وقال في الأخرى يحل نكاحها ويصح وهو مذهب الشافعي لانه وطئ لا يلحق به النسب فلم يحرم النكاح كما لو لم تحمل ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسقى ماء زرع غيره يعني وطئ الحامل وقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا توطأ حامل حتى تضغ) حديث صحيح وهو عام وروي عن سعيد بن المسيب ان رجلا تزوج امرأة فلما أصابها وجدها حبلى فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم ففرق بينهما وجعل لها الصداق

وجلدها مائة رواه سعيد ورأى النبي صلى الله عليه وسلم امرأة على باب فسطاط فقال لعله يريد أن يلم بها قالوا نعم قال (لقد همت أن ألعنه لعنة تدخل معه قبره كيف يستخدمه وهو لا يحل له؟ أم كيف يورثه وهو لا يحل له؟) أخرجه مسلم ولأنها حامل من غيره فحرم عليه نكاحها كسائر الحوامل وإذا ثبت هذا لزمتها العدة وحرم النكاح فيها لأنها في الأصل لمعرفة براءة الرحم ولأنها قبل العدة يحتمل أن تكون حاملاً فلم يصح نكاحها كالموطؤة بشبهة وقال أبو حنيفة والشافعي لا عدة عليها لانه وطئ لا تصير به فراشا اشبه وطئ الصغير ولنا ما ذكرناه وإذا لم يصح نكاح الحامل فغيرها الولى ولان وطئ الحامل لا يفضي إلى اشتباه النسب وغيرها يحتمل أن يكون ولدها من الأول ويحتمل أن يكون من الثاني فيفضي إلى اشتباه الأنساب فكان التحريم أولى ولأنه وطئ في القبل فأوجب العدة كوطئ الشبهة ولا يسلم وطئ الصغير الذي يمكنه الوطئ (والشرط الثاني) أن تتوب من الزنا وبه قال قتادة واسحاق وأبو عبيد وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي لا يشترط ذلك لا روي أن عمر ضرب رجلا وامرأة في الزنا وحرص أن يجمع بينهما فأبى الرجل وروي ان رجلاً سأل ابن عباس عن نكاح الزانية فقال يجوز أرأيت لو سرق من كرم ثم ابتاعه أكان يجوز ولنا قول الله عزوجل وحرم ذلك على المؤمنين وهي قبل التوبة في حكم الزنا فإذا ثابت زال

ذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم (التائب من الذنب كمن لا ذنب له - وقوله - التوبة تمحوا الحوبة) وروي أن مرثد الغنوي دخل مكة فرأى امرأة فاجرة يقال لها عناق فدعته الين نفسها فلم يجبها فلما قدم المدينة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له انكح عناق؟ فلم يجبه فنزل قوله تعالى الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلي عليه الآية وقال لا تنكحها ولأنها لو كانت مقيمة على الزنا لا يأمن أن تلحق به ولداً من غيره وتفسد فراشه وأما حديث عمر فالظاهر انه استتا بهما وحديث ابن عباس ليس فيه بياين ولا تعرض له بمحل النزاع إذا ثبت هذا فعدة الزانية كعدة المطلقة لانه استبراء لحرة اشبه عدة المرطوة بشبهة وحكى ابن أبي موسى عن أحمد أنها تستبرأ بحيضة لأنه ليس من نكاح ولا شبهة نكاح فأشبه استبراء أم الولد إذا عتقت وأما التوبة فهي الاستغفار والندم والإقلاع عن الذنب كالتوبة من سائر الذنوب وروي عن ابن عمر أنه قيل له كيف تعرف توبتها؟ قال يريدها على ذلك فإن طاوعته فلم تتب وإن أبت فقد تابت فصار أحمد إلى قول ابن عمر اتباعا له قال شيخنا والصحيح الأول فإنه لا ينبغي لمسلم ان يدعوا امرأة إلى الزنا ويطلبه منها فإن طلبه منها إنما يكون في خلوة ولا تحل الخلوة بأجنبية ولو كان في تعليمها القرآن فكيف في مراردتها على الزنا؟ ثم لا يأمن أن أجابته إلى ذلك إن يعود إلى المعصية فلا يحل التعريض لمثل هذا ولأن التوبة من سائر الذنوب في حق سائر الناس إلى سائر الأحكام على غير هذا الوجه فكذلك هذا

(فصل) واذا وجد الشرطان حل نكاحها للزاني وغيره في قول أكثر أهل العلم منهم أبو بكر وعمر وابنه ابن عباس وجابر وسعيد بن المسيب وعطاء والحسن والزهري والثوري والشافعي وابن المنذر وأصحاب الرأي وقد روي عن ابن مسعود والبراء بن عازب وعائشة أنها لا تحل للزاني بحال قالوا لا يزالا زانيين ما اجتمعا لعموم الآية والخبر فيحتمل أنهم أرادوا بذلك ما كان قبل التوبة أو قبل استبرائها فيكون كقولنا، فأما تحريمها على الإطلاق فلا يصح لقول الله تعالى (وأحل لكم ما وراء ذلكم) ولأنها محللة لغير الزاني فحلت له كغيرها (فصل) فإن زنت امرأة رجل أو زنى زوجها لم يفسخ النكاح سواء كان قبل الدخول أو بعده في قول عامة أهل العلم منهم عطاء والنخعي والثوري والشافعي واسحاق وأصحاب الرأي وعن جابر بن عبد الله أن المرأة إذا زنت يفرق بينهما وليس لها شئ وكذلك روى عن الحسن وروي عن علي رضي الله عنه أنه فرق بين رجل وامرأته زنى قبل أن يدخل بها واحتج لهم بأنه لو قذفها ولاعنها بانت منه لتحققه الزنا عليها فدل على أن الزنا يبينها ولنا أن دعوى الزنا عليها لا يبينها ولو كان النكاح ينفسخ به لا نفسخ بمجرد دعواه كالرضاع ولأنها

معصية لا تخرج عن الإسلام فأشبهت السرقة، فأما اللعان فان يقضتي الفسخ بدون الزني بدليل أنها إذا لاعنته فقد قابلته فلم يثبت زناها ولذلك أوجب النبي صلى الله عليه وسلم الحد على من قذفها والفسخ واقع ولكن أحمد استحب للزوج مفارقة امرأته إذا زنت وقال لا أرى أن يمسك مثل هذه لأنه لا يؤمن أن تفسد فراشه وتلحق به ولداً ليس منه، قال إبن المنذر لعل من كره هذه المرأة إنما كرهها على غير وجه التحريم فيكون مثل قول أحمد ولا يطؤها حتى يستبرئها بثلاث حيض لما روى رويفع بن ثابت قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسقي ماء زرع غيره) يعني إتيان الحبالى ولأنها ربما تأتي بولد من الزنا فينسب إليه، والأولى أنه يكفي ان يستبري بحيضة واحدة لأنها تكفي في استبراء الإماء وفي أم الولد إذا عتقت بموت سيدها أو بإعتاقه فكفى ههنا ولأن المقصود مجرد الاستبراء وقد حصل بحيضة فاكتفى بها (فصل) إذا علم الرجل من أمته الفجور فقال أحمد لا يطؤها لعلها أن تلحق به ولداً ليس منه قال ابن مسعود أكره أن أطأ أمتي وقد بغت، وروى مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه كان ينهى أن يطأ الرجل أمته وفي بطنها ولد جنين لغيره قال ابن عبد البر هذا مجمع على تحريمه وكان ابن عباس يرخص في وطئ الأمة الفاجرة وروي ذلك عن سيعد بن المسيب ولعل من كره ذلك كرهه قبل الاستبراء إذا لم يحصنها ويمنعها من الفجور ومن اباحه إباحه بعدهما فيكون القولان متفقين والله أعلم.

مسألة: وتحرم المحرمة حتى تحل

(مسألة) (وتحرم مطلقته ثلاثاً حتى تنكح زوجا غيره) لقول الله تعالى (فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره) بعد قوله (الطلاق مرتان) وسنذكر هذا في باب الرجعة بأبسط من هذا إن شاء الله تعالى (مسألة) (وتحرم المحرمة حتى تحل) يحرم نكاح المحرمة ويحرم على المحرم أن يعقد النكاح في حال إحرامه فإن عقد أحد نكاحها لمحرم أو على محرمة أو عقد المحرم نكاحاً لنفسه أو لغيره لم يصح لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب) رواه مسلم وعنه أن عقد المحرم النكاح لغيره صحيح لأنه حرم عليه لكونه من دواعي الوطئ ولا يحصل ذلك بكونه وليا والأول أولى لعموم الخبر وقد ذكرنا هذه المسألة في الحج وذكرنا الاختلاف فيها (مسألة) (ولا يحل لمسلمة نكاح كافر بحال) لقول الله تعالى (ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا) ولقوله سبحانه (لا هن حل لهم) ولا نعلم خلافاً في ذلك. (مسألة) (ولا يحل لمسلم نكاح كافرة بحال إلا حرائر أهل الكتاب) ليس بين أهل العلم بحمد الله اختلاف في حل نساء أهل الكتاب للمسلم وممن روي عنه ذلك عمر وعثمان وطلحة وحذيفة وسلمان وجابر وغيرهم قال إبن المنذر لا يصح عن أحد من الأوائل أنه حرم ذلك، وروى الخلال بإسناده أن حذيفة وطلحة والجارود بن المعلى وأذينة العبدي تزوجوا نساء

من أهل الكتاب وبه قال سائر أهل العلم ولم ينقل تحريمه إلا عن الإمامية تمسكاً بقوله تعالى (ولا تنكحوا المشركات ولا تمسكوا بعصم الكوافر) ولنا قول الله تعالى (اليوم أحل لكم الطيبات - إلى قوله - والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن) وإجماع الصحابة. فأما قول سبحانه (ولا تنكحوا المشركات) فروي عن ابن عباس أنها نسخت بالآية التي في سورة المائدة وكذلك ينبغي أن يكون ذلك في الآية الأخرى لأنهما متقدمتان والآية التي في المائدة متأخرة عنها، وقال آخرون ليس هذا نسخاً فإن لفظة المشركين بإطلاقها لا تتناول أهل الكتاب بدليل قوله سبحانه (لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين) وقال (إن الذين كفروا من أهل الكتاب) وقال (لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا) وقال (ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين) وسائر آي القرآن تفصل بينهما فدل على أن لفظة المشركين بإطلاقها لا تتناول أهل الكتاب وهذا معنى قول سعيد بن جبير وقتادة ولأن ما احتجوا به عام في كل كافر وما بينا خاص في حل نساء أهل الكتاب والخاص يجب تقديمه إذا ثبت هذا فالأولى أن لا يتزوج كتابية لأن عمر قال للذين تزوجوا نساء أهل الكتاب طلقوهن ففعلوا إلا حذيفة فقال له عمر طلقها قال أتشهد أنها حرام؟ قال هي حرة طلقها قال تشهد أنها حرام قال هي حرة قال قد علمت أنها حرة ولكنها لي حلال فلما كان بعد طلقها فقيل له

ألا طلقتها حين أمرك عمر قال كرهت أن يرى الناس أني ركبت أمراً لا ينبغي لي، ولأنه ربما مال إليها قلبه ففتنته وربما كان بينهما ولد فيميل إليها (فصل) وأهل الكتاب الذين هذا حكمهم أهل التوراة والإنجيل قال الله تعالى (أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا) فإن أهل التوراة اليهود والسامرة وأهل الإنجيل النصارى ومن وافقهم من الار من وغيرهم، وأما الصابئون فاختلف فيهم السلف كثيراً فروي عن أحمد أنهم جنس من النصارى ونص عليه الشافعي وعلق القول فيهم في موضع آخر وعن أحمد قال بلغني أنهم يسبتون فهؤلاء إذا يشبهون اليهود والصحيح فيهم أنهم إن كانوا يوافقون اليهود أو النصارى في أصل دينهم ويخالفونهم في فروعه فهم ممن وافقوهم وإن خالفوهم في أصل الدين فليس هم منهم، فأما من سوى هؤلاء من الكفار مثل المتمسك بصحف إبراهيم وشيث وزبور داود فليسوا بأهل كتاب لا تحل مناكحتهم ولا ذبائحهم وهذا قول الشافعي وذكر القاضي فيه وجها آخر أنهم من أهل الكتاب تحل ذبائحم ونكاح نسائهم ويقرون بالجزية لأنهم تمسكوا بكتاب من كتاب الله فأشبهوا اليهود والنصارى ولنا قول الله تعالى (أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا) ولأن تلك الكتب كانت مواعظ وأمثالا فيها أحكام فلم يثبت لها حكم الكتب المشتملة على الأحكام (فصل) فأما المجوس فليس لهم كتاب ولا تحل ذبائحهم ولا نكاح نسائهم نص عليه أحمد وهو قول

عامة العلماء إلا ابا ثور فإنه أباح ذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم (سنوا بهم سنة أهل الكتاب) ولأنه يروى أن حذيفة تزوج مجوسية ولأنهم يقرون بالجزية فأشبهوا اليهود والنصارى ولنا قول الله تعالى (ولا تنكحوا المشتركات) وقوله (ولا تمسكوا بعصم الكوافر) فحص ذلك أهل الكتاب فمن عداه يبقى على العموم ولا يثبت أن للمجوس كتاباً وسئل أحمد أيصح أن للمجوس كتاباً فقال هذا باطل واستعظمه جداً ولو ثبت أن لهم كتاباً فقد بينا أن حكم أهل الكتاب لا يثبت بغير أهل الكتابين، وقوله عليه الصلاة والسلام (سنوا بهم سنة أهل الكتاب) دليل على أنه كتاب لهم وإنما أراد النبي صلى الله عليه وسلم في حقن دمائهم وإقرارهم بالجزية لا غير وذلك أنهم لما كانت لهم شبهة كتاب غلب ذلك في تحريم دمائهم فيجب أن يغلب حكم التحريم لنسائهم وذبائحم فأنا إذا غلبنا الشبهة في التحريم فتغليب الدليل الذي عارضته الشبهة في التحريم أولى، ولم يثبت أن حذيفة تزوج مجوسية وقال أبو وائل يقول تزوج بيهودية وهو أوثق ممن روي عنه أنه تزوج مجوسية وقال ابن سيرين كانت امرأة حذيفة نصرانية ومع تعاض الروايات لا يثبت حكم إحداهن إلا بترجيح ولو ثبت عن حذيفة لم يجز الاحتجاج به مع مخالفة الكتاب وقول سائر العلماء، أما إقرارهم بالجزية فلأننا غلبنا حكم التحريم لدمائهم فيجب أن نغلب حكم التحريم في ذبائحهم ونسائهم.

مسألة: فإن كان أحد أبويها غير كتابي أو كانت من نساء بني تغلب فهل تحل له؟ على روايتين

(مسألة) (فإن كان أحد أبويها غير كتابي أو كانت من نساء بني تغلب فهل تحل له؟ على روايتين) إذ كان أحد أبوي الكافرة كتابياً والآخر غير كتابي لم يحل نكاحها في إحدى الروايتين اختارها الخرقي سواء كان وثنياً أو مجوسياً أو مرتدا، وبهذا قال الشافعي فيما إذا كان الأب غير كتابي لأن الولد ينسب إلى أبيه ويشرف بشرفه وينسب إلى قبيلته وإن كانت الأم فله فيه قولان ولنا أنها غير متمحضة من أهل الكتاب أشبه ما لو كان أبوها وثنيا ولأنها متولدة بين من يحل ومن لا يحل فلم يحل كالسمع والبغل وفيه رواية ثانية أنها تحل بكل حال لدخولها في عموم الآية المبيحة ولأنها كتابية فأشبهت من أبواها كتابيان وعلى هذا فالحكم فيمن أبواها غير كتابين كالحكم فيمن أحد أبويها غير كتابي لأنها إذا حرمت بكون أحد أبويها وثنيا فلأن تحرم إذا كانا وثنين أولى وعلى الرواية التي تقول لا تحرم فهو متحقق وإن كان أبواها وثنيين اعتباراً بحال نفسها دون أبويها (فصل) فإن كانت من نساء بني تغلب ففيها أيضاً روايتان (إحداهما) تحل وهي أصح لدخولها في قوله تعالى (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وهم اليهود والنصارى) والثانية تحرم نساء بني تغلب لأنا لا نعلم دخولهم في دينهم قبل تبديل كتابهم (فصل) وسائر الكفار غير أهل الكتاب كمن عبد ما استحسن من الأصنام والأحجار والشجر

مسألة: وليس للمسلم وإن كان عبدا نكاح أمة كتابية وعنه يجوز

والحيوان فلا خلاف بين أهل العلم في تحريم نسائهم وذبائحهم وذلك لما ذكرنا من الآيتين وعدم المعارض لهما، والمرتدة يحرم نكاحها على أي دين كانت لأنه لم يثبت لها حكم أهل الدين الذي انتقات إليه بإقرارها عليه ففي حلها أولى (مسألة) (وليس للمسلم وإن كان عبداً نكاح أمة كتابية وعنه يجوز) ظاهر مذهب احمد ان ذلك لا يجوز رواه عنه جماعة، وهو قول الحسن والزهري ومكحول ومالك والشافعي والثوري والاوزاعي والليث واسحاق، وروي ذلك عن عمر وابن مسعود ومجاهد وقال أبو ميسرة وابو حنيفة يجوز للمسلم نكاحها لأنها تحل يملك اليمين فحلت بالنكاح كالمسلمة ونقل ذلك عن أحمد قال لا بأس بتزويجها إلا أن الخلال رد هذه الرواية وقال إنما توقف أحمد فيها ولم ينفد له قول ومذهبه أنها لا تحل لقول الله تعالى (فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات) فشرط في إباحة نكاحهن الإيمان ولم يوجد، وتفارق المسلمة لأنه لا يؤدي إلى استرقاق الكافر ولدها لأن الكافر لا يقر ملكه على مسلة والكافرة تكون ملكا لكافر ويقر ملكه عليها وولدها مملوك لسيدها ولأنه عقد اعتوره نقصان نقص الكفر والملك فإذا اجتمعا منعا كالمجوسية لما اجتمع فيها نقص الكفر وعدم الكتاب لم يبح نكاحها، ولا فرق بين الحر والعمد والعبد في تحريم نكاحها لعموم ما ذكرنا

مسألة: ولا يحل لحر نكاح أمة مسلمة إلا أن يخاف العنت ولا يجد طولا لنكاح حرة ولا ثمن أمة

من الدليل ولأن ما حرم على الحرد ذبحه من أجل دينه حرم على العبد كالمجوسية (مسألة) (ولا يحل لحر نكاح أمة مسلمة إلا أن يخاف العنت ولا يجد طولا لنكاح حرة ولا ثمن أمة) الكلام في هذا المسألة في فصلين (احداهما) أنه يحل له نكاح الأمة المسلمة إذا وجد فيه الشرطان: خوف العنث وعدم الطول وهذا قول عامة العلماء لا نعلم بينهم فيه اختلافا لقول الله سبحانه (ومن لم يستطع منكم طولا) الآية والصبر عنها مع ذلك خير وأفضل لقول الله تعالى (وإن تصبروا خير لكم) (الفصل الثاني) إذا عدم الشرطان أو أحدهما لم يحل نكاحها لحر روى ذلك عن جابر وابن عباس وبه قال عطاء وطاوس والزهري وعمرو بن دينار ومكحول ومالك والشافعي واسحاق، وقال مجاهد مما وسع الله على هذه الأمة نكاح الأمة وإن كان موسراً وبه قال أبو حنيفة إلا أن يكون تحته حرة لأن القدرة على النكاح لا تمنع من النكاح كما يمنعه وجود النكاح كنكاح الأخت والخامسة، وقال قتادة والثوري إذا خاف العنت حل له نكاح الأمة وإن وجد الطول لأن إباحتها لضرورة خوف العنت وقد وجدت ولا يندفع إلا بنكاح الأمة فأشبه عدم الطول ولنا قول الله سبحانه وتعالى (ومن سلم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات - إلى قوله - ذلك لمن خشي العنت) فشرط في نكاحها عدم استطاعة الطول

فلم يجز مع الاستطاعة لفوات شرطه وكالصوم في كفارة الظهار مع استطاعة الإعتاق، ولأن في تزويج الأمة ارقاق ولده مع الغنى عنه فلم يجز كما لوك ان تحته حرة، وقياسهم لا يصح لأن نكاح الخامسة والأخت إنما حرم لأجل الجمع وبالقدرة على الجمع لا يصير جامعا، والعلة ههنا هو الغنى عن ارقاق ولده وذلك يحصل بالقدرة على نكاح الحرة، وأما من يجد الطول ويخاف العنت فإن كان ذلك لكونه لا يجد الاحرة صغيرة أو غائبة أو مريضة لا يمكن وطؤها أو وجد مالا ولم يزوج لقصور نسبه فله نكاح الأمة نص عليه أحمد في الغائبة وهو ظاهر مذهب الشافعي وقال بعضهم لا يجوز لوجدان الطول ولنا أن هـ غير مستطيع للطول إلى حرة تعفه فأشبه من لا يجد شيئاً الا ترى أن الله سبحانه نزل ابن السبيل الذي له اليسار في بلده فقيرا لعدم قدرته عليه في الحال وإن كانت له حرة يتمكن من وطئها والعفة بها فليس بخائف العنت (فصل) فإن قدر على شراء أمة تعفه فهو كما لو وجد طول الحرة لا يحل له نكاح الأمة لأنه أمكنه صيانة ولده عن الرق فأشبه القادر على طول الحرة وكذلك إن قدر على تزويج كتابية تعفه وهذا ظاهر مذهب الشافعي وذكروا وجهاً آخر أنه لا يجوز لقول الله تعالى (ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات) وهذا غير مستطيع لذلك

ولنا قول الله تعالى (ذلك لمن خشي العنت منكم) وهذا غير خائف له لأنه قدر على صيانة ولده من الرق فلم يجز له ارقاقه كما لو قدر على نكاح مؤمنة (فصل) ومن كانت تحته حرة يمكن أن يستعف بها لم يجز له نكاح أمة لا نعلم في هذا خلافاً ولا فرق بين المسلمة والكتابية في ذلك لما ذكرنا من قبل (فصل) ومن لم يجد طولا لكن وجد من يقرضه ذلك لم يلزمه لأن عليه ضرراً في بقاء الدين في ذمته ولصاحبه مطالبته بقرضه وكذلك إن بذل له باذن أن يزنه عنه أو يهبه إياه لم يلزمه لما عليه من ضرر المنة في نكاح الأمة، فان لم يجد من يزوجه إلا بأكثر من مهر المثل وكان قادراً عليه ولا يجحف به لم يكن له نكاح الأمة، وقال أصحاب الشافعي له ذلك كما لو لم يجد الماء إلا بزيادة على ثمن المثل فله اليتيم. ولنا قول الله تعالى (ومن لم يستطع منكم طولا) وهذا مستطيع ولأنه قادر على نكاح حرة بما لا يضره فلم يجز له ارقاق ولده كما لو كان بمهر مثلها، وما ذكروه ممنوع ثم إن هذا مفارق لليتيم من وجهين (أحدهما) أن التيمم رخصة عامة وهذا أبيح للضرورة ومع القدرة على الحرة لا ضرورة (الثاني) أن التيمم يتكرر فإيجاب شرائه بزيادة على ثمن المثل يفضي إلى إجحاف به وهذا لا يتكرر فلا ضرر فيه (فصل) فإن كان في يده مال فذكر أنه معسر وإن المال لغيره فالقول قوله لأنه حكم بينه وبين

مسألة: فإن تزوجها وفيه الشرطان ثم أيسر أو نكح حرة فهل يبطل نكاح الأمة؟ على روايتين

الله سبحانه وتعالى فقبل قوله فيما كما لو ادعى مخافة العنت، ومتى تزوج الأمة ثم ذكر أنه كان موسراً حال النكاح فرق بينهما لأنه أقر بفساد نكاحه وهكذا إن أقر أنه لم يكن يخشى العنت فإن كان قبل الدخول فصدقه السيد فلا مهر وإن كذبه فله نصف المهر لأنه يدعي صحة النكاح والأصل معه وإن كان بعد الدخول فعليه المسمى جميعها، فإن كان مهر المثل أكثر من المسمى فعلى قول من أوجب مهر المثل في النكاح الفاسد يلزمه مهر لإقراره به وإن كان المسمى أكثر وجب وللسيد أن لا يصدقه فيما قال فيكون له من المهر ما يجب في النكاح الفاسد وهل ذلك المسمى أو مهر المثل؟ على روايتين (مسألة) (فإن تزوجها وفيه الشرطان ثم أيسر أو نكح حرة فهل يبطل نكاح الأمة؟ على روايتين) أما إذا أيسر فظاهر المذهب أنه لا ينفسخ نكاح الأمة وهو الذي ذكره الخرقي وهو مذهب الشافعي وفيه رواية أنه يفسد نكاح الأمة وهو قول المزني لأنه أبيح للحاجة فإن زالت الحاجة لم يجز استدامته كمن أبيح له أكل الميتة للضروة فإذا وجد الحلال لم يستدمه ولنا أن فقد الطول أحد شرطي إباحة نكاح الأمة فلم يعتبر استدامته لخوف العنت، ويفارق أكل الميتة فإن أكلها بعد القدرة ابتدأ الأكل وهذا لا يبتدئ النكاح إنما يستديمه والاستدامة للنكاح تخالف ابتداءه بدليل أن العدة والردة وأمن العنت يمنعن ابتداءه دون استدامته (فصل) فإن تزوج على الأمة حرة صح وفي بطلان نكاح الأمة روايتان

مسألة: وإن تزوج حرة وأمة فلم تعفه ولم يجد طولا لحرة أخرى فهل له نكاح أمة أخرى؟ على روايتين

(إحداهما) لا يبطل وهو قول سعيد بن المسيب وعطاء والشافعي وأصحاب الرأي وروي معنى ذلك عن علي رضي الله عنه. (والثانية) ينفسخ نكاح الأمة وهو قول ابن عباس ومسروق واسحاق والمزني، ووجه الروايتين ما تقدم في المسألة قبلها وقال النخعي إن كان له من الأمة ولد لم يفارقها وإلا فارقها ولا يصح لأن ما كان مبطلا للنكاح في غير ذات الولد أبطله في ذات الولد كسائر مبطلاته ولأن ولده منها مملوك لسيدها ونفقته عليه، وقد استدل على بقاء النكاح بما روي عن علي كرم الله وجهه أنه قال إذا تزوج الحرة على الأمة قسم للحرة ليلتين وللأمة ليلة ولأنه لو بطل بنكاح الحرة لبطل بالقدرة عليه فإن القدرة على المبدل كاستعماله بدليل الماء مع التراب (مسألة) (وإن تزوج حرة وأمة فلم تعفه ولم يجد طولا لحرة أخرى فهل له نكاح أمة أخرى؟ على روايين) اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في إباحة أكثر من أمة إذا لم تعفه فعنه أنه قال إذا خشي العنت تزوج أربعاً إذا لم يصبر كيف يصنع؟ وهذا قول الزهري والحارث العكلي وما لك وأصحاب الرأي وعنه أنه قال لا يعجبني أن يتزوج إلا أمة واحدة يذهب إلى حديث ابن عباس قال الحر لا يتزوج من الإماء إلا واحدة وقرأ (ذلك لمن خشي العنت منكم) وبه قال قتادة والشافعي وابن المنذر كان من له زوجة يمكنه وطؤها لا يخاف

مسألة: وهل له أن ينكحها على حرة على روايتين؟

العنت، ووجه الاولى قوله تعالى (ومن لم يستطع منكم طولا) الآية وهذا داخل في عمومها ولأنه عادم للطول خائف للعنت فجاز له نكاح أمة كالأولى، وقولهم لا يخشى العنت قلنا الكلام فيمن يخشاه وقول ابن عباس يحمل على من لم يخش العنت وكذلك الرواية الأخرى عن أحمد، فإن كان تحته حرة لم تنفه ففيها الروايتان أيضاً مثل نكاح الأمة ذكرهما أبو الخطاب إذا لم تعفه الأمة لما ذكرنا، فإن كانت الحرة تعفه فلا خلاف في تحريم نكاح الأمة خ الأخرى، فإن نكح أمتين في عقد وهو يتسعف بواحدة فنكاحهما باطل لأنه يبطل في إحداهما وليست بأولى من الأخرى فبطل كما لو جمع بين أختين (مسألة) (قال الخرقي وله أن يتزوج من الإماء أربعاً إذا كان الشرطان فيه قائمين) لما ذكرنا (مسألة) (وللعبد نكاح الأمة وإن فقد فيه الشرطان) لأنه مساولها فلم يعتبر فيه هذان الشرطان كالحر مع الحرة وله نكاح أمتين معا وواحدة بعد واحدة لأن خشية العنت غير مشوطة فيه (مسألة) (وهل له أن ينكحها على حرة على روايتين) (إحداهما) له ذلك وهو قول مالك والشافعي لأنها مساوية له فلم يشترط لصحة نكاحها عدم الحرة كالحر مع الحرة ولأنه لو اشترط عدم الحرة لاشترط عدم القدرة علهيا كما في حق الحر (والثانية) لا يجوز وهو قول أصحاب الرأي لأنه يروي عن سعيد بن المسيب أنه قال تنكح الحرة على الأمة ولا تنكح الأمة على الحرة ولأنه مالك لبضع حرة فلم يكن له أن يتزوج أمة كالحر

مسألة: وإن جمع بينهما في العقد جاز

(مسألة) (وإن جمع بينهما في العقد جاز) لأن كل واحدة منهما يجوز إفرادها في العقد فجاز الجمع بينهما كالأمتين هذا إذا قلنا ليست حرية الزوج شرطاً في نكاح الحرة، ويتخرج أن لا يجوز بناء على قوله لا يجوز نكاح الأمة على حرة ولأنه لا يجوز نكاح الأمة على الحرة فحرم عليه الجمع بينهما كالأختين (مسألة) (وليس للعبد نكاح سيدته) قال إبن المنذر أجمع أهل العلم على أن نكاح المرأة عبدها باطل لأن أحكام الملك والنكاح تتناقض إذ ملكها إياه يقتضي وجوب نفقته عليها وسفره بسفرها وطاعته إياها، ونكاحه إياها يوجب عكس ذلك فيتنافيان ولما روى الأثرم بإسناده عن أبي الزبير عن جابرانه سأله عن العبد ينكح سيدته فقال جاءت امرأة إلى عمر بن الخطاب ونحن بالجابية وقد نكحت عبدها فانتهرها عمر وهم أن يرجمها وقال لا يحل لك (مسألة) (وليس للحر أن يتزوج أمته) لأن ملك الرقبة يفيد ملك المنفعة وإباحة البضع فلا يجتمع معه عقد أضعف منه ولا يجوز، أن يتزوج أمة له فيها ملك ولا يتزوج مكاتبته لأنها مملوكته (مسألة) (ولا يجوز للحر أن يتزوج أمة ابنه لا ن له فيها شبهة ملك) وهذا قول أهل الحجاز وقال أهل العراق له ذلك لأنها ليست مملوكة له ولا تعتق بإعتاقه إياها

ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (أنت ومالك لأبيك) ولأنه لو ملك جزءاً من أمة لم يصح نكاحه لها فما هي مضافة بجملتها شرعاً أولى بالتحريم وكذلك لا يجوز للعبد نكاح أمة سيده وسيدته مع ما ذكرنا من الخلاف (فصل) ويجوز للعبد نكاح أمة ابنه لأن الرق قطع ولايته عن ابنه وماله وهذا لا يلي ماله ولا نكاحه ولا يرث أحدهما صاحبه فهو كالأجنبي منه (فصل) وللابن نكاح أمة أبيه لأنه لا ملك له فيها ولا شبهة ملك فأشبه الأجنبي وكذلك سائر القرابات ويجوز للرجل أن يزوج ابنته لمملوكه، وإذا مات الأب فورث أحد الزوجين صاحبه أو جزء أمنه انفسخ النكاح وكذلك أن ملكه أو جزءاً منه بغير الإرث لا نعلم فيه خلافا انلا ان الحسن فال إذا اشترى امرأته للعتق فاعتقها حين ملكها فهما على نكاحهما ولا يصح لأنهما متنافيان فلا يجتمعان قليلاً ولا كثيراً بمجرد الملك لها انفسخ نكاحها سابقاً على عتقها (فصل) وإن اشترى الحر زوجته أو جزءاً منها ملكه بغير الشراء انفسخ نكاحها وكذلك إن ملكت المرأة زوجها أو جزءاً منه ولا نعلم في ذلك اختلافاً لما ذكرناه، وإن اشتراها ابنه فعلى وجهين (إحداهما) ينفسخ النكاح لأن ملك الابن كملكه في إسقاط الحد وحرمة الاستيلاء فكان كملكه في إبطال النكاح (والثاني) لا يبطل لأنه لا يملكها بملك الابن فلم يبطل نكاحه كالأجنبي (فصل) وإذا ملكت المرأة زوجها أو بعضه فانفسخ نكاحها فليس ذلك طلاقاً فمتى أعتقته ثم

مسألة: ومن جمع بين محللة ومحرمة في عقد واحد فهل يصح فيمن تحل؟ على روايتين

تزوجها لم تحتسب بتطليقة وبهذا قال الحكم وحماد ومالك والشافعي وابن المنذر واسحاق وقال الحسن والزهري وقتادة والازواعي تحتسب هي بتطليقة ولا يصح لأنه لم يلفظ بطلاق صريح ولا كناية وإنما فسخ النكاح بوجود ما ينافيه فأشبه انفساخه بإسلام أحدهما (فصل) ولو ملك الرجل بعض زوجته انفسخ نكاحها وحرم وطؤها في قول عامة المفتين حتى يستخلصها فيحل له وطؤها بملك اليمين وروي عن قتادة أنه لم يزده ملكه فيها الاقربا وليس بصحيح لأن النكاح لا يبقى في بعضها وملكه لم يتم علهيا ولا يثبت الحل فيما لا يملكه ولا نكاح فيه (مسألة) (ومن جمع بين محللة ومحرمة في عقد واحد فهل يصح فيمن تحل؟ على روايتين) وإذا عقد النكاح على أخته وأجنبية معاً بأن يكون لرجل أخت وابنة عم إحداهما رضيعة للمتزوج فيقول له زوجتكهما فيقبل ذظلك فالمنصوص صحة نكاح الأجنبية فيما ذكره الخرقي ونص فيمن تزوج حرة وأمة أنه يثبت نكاح الحرة ويفارق الأمة وذكر شيخنا فيه روايتين إحداهما يفسد فيهما وهو أحد قولي الشافعي واختاره أبو بكر لأنه عقد واحد جمع حلالا وحراما فلم يصح كما لو جمع بين أختين والثانية يصح في الحرة وهو أظهر الروايتين وهو قول مالك والثوري وأصحاب الراي لأنها محل قابل

مسألة: وكل من حرم نكاحها حرم وطؤها بملك اليمين إلا إماء أهل الكتاب

للنكاح وأضيف إليها عقد صادر من أهله لم يجتمع معها فيه مثلها فصح كما لو انفردت به وفارق العقد على الأختين لأنه لا مزية لإحداهما على الأخرى وهاهنا قد تعينت التي بطل النكاح فيها فعلى هذا القول يكون لها من المسمى بقسط مهر مثلها منه وفيه وجه آخر أن لها نصف المسمى وأصل هذين الوجهين إذا تزوج امرأتين يجوز له نكاحهما بمهر واحد هل يكون بينهما على قدر صداقهما أو نصفين؟ على وجهين يأتي ذكر هما انشاء الله تعالى (فصل) ولو تزوج يهودية ومجوسية أو محللة أو محرمة في عقد واحد فسد في المجوسية والمحرمة وفي الأخرى وجهان وإن نكح أربع حرائر وأمة فسد في الأمة وفي الحرائر وجهان وإن نكح العبد حرتين وأمة بطل نكاح الجميع وإن تزوج امرأة وابنتها فسد فيهما لأن الجمع بينهما محرم فلا يصح فيهما كالأختين (مسألة) (وكل من حرم نكاحها حرم وطؤها بملك اليمين إلا إماء أهل الكتاب) الكلام في هذه المسألة في فصلين (أحدهما) إن أهل الكتاب حلال وهذا قول عامة أهل العلم إلا الحسن فإنه كرهه لأن الأمة الكتابية يحرم نكاحها فحرم التسري بها كالمجوسية ولنا قول الله تعالى (إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين) ولأنها ممن يحل نكاح حرائرهم فحل له التسري بها كالمسلمة فأما نكاحها فيحرم لأنه فيه ارقاق ولده وابقاءوه مع كافرة بخلاف

التسري (الفصل الثاني) إن من حرم نكاح حرائرهم من المجوسيات وسائر الكوافر سوى أهل أهل الكتاب لا يباح وطئ الإماء منهن بملك اليمين في قول أكثر أهل العلم منهم الزهري وسعيد بن جبير والاوزاعي والثوري وأبو حنيفة ومالك والشافعي قال ابن عبد البر على هذا جماعة فقهاء الأمصار وجمهور العلماء وما خالفه فشذوذ لا يعد خلافاً ولم يبلغنا إباحة ذلك إلا عن طاوس لقول تعالى (والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم) وقوله (والذينهم لفروجهم حافظون إلا على أزاجهم أو ما ملكت أيمانهم) الآية وروى أبو سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث يوم خيبر بعثها قبل أن طاس فأصابوا لهم سبايا فكان ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحرجون من غشيانهن من أجل أزواجهن من المشريكين فأنزل الله عزوجل في ذلك (والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم) قال فهن لهم حلال إذا انقضت عدتهن وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في سببا أو طاس (لا توطأ حامل حتى تضع ولا ذات حليل حتى تحيض حيضة) رواهما أبو داود وهذا صحيح وهم عبدة الأوثان وهذا ظاهر في إباحتهن ولأن الصحابة في عصر النبي صلى الله عليه وسلم كان أكثر سباياهم من كفار العرب وهم عبدة الأوثان فلم يكونوا يرون تحريمهن لذلك ولا نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم تحريمهن ولا أمر الصحابة باجتنابهن وقد دفع أبو بكر الى سلمة بن الاكوع امرأة من بعض السبي نفله إياها وأخد عمر وابنه من سبي هوازن وكذلك غيرهما من الصحابة وأم محمد بن الحنفية من سبى بني حنيفة وأخذ الصحابة سبايا فارس وهم

مجوس فلم يبلغنا أنهم اجتنبوهن وهذا ظاهر في إباحتهن لولا اتفاق سائر أهل العلم على خلافه وقد أجبت عن حديث أبي سعيد بأجوبة منها أنه يحتمل أنهن أسلمن كذلك روي عن أحمد حين سأله محمد بن الحكم قال قلت لأبي عبد الله أليس كانوا عبدة أوثان؟ قال لا أدري كانوا أسلموا أولا؟ وقال ابن عبد البر إباحة وطئهن منسوخة بقوله تعالى (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن) (فصل) قال رحمه الله ولا يحل نكاح خنثى مشكل حتى يتبين أمره نص عليه في رواية الميموني وذكره أبو إسحاق مذهبا للشافعي وذلك لأنه لم يتحقق وجود ما يبيح له النكاح فلم يصح له كما لو اشتبهت عليه أخته بنسوة ولأنه قد اشتبه المباح بالمحظور في حقه فحرم لما ذكرنا وقال الخرقي إذا قان أنا رجل لم يمنع من نكاح النساء ولم يكن له أن ينكح بغير ذلك بعد وإن قال أنا امرأة لم ينكح إلا رجلاً وذلك لأنه لا يخلو من أن يكون رجلاً أو امرأة قال الله تعالى (وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى) وقال تعالى (وبث منهما رجالاً كثيرا ونساء) وليس ثم خلق ثالث فإذا كان مشكلا لم يظهر فيه علامات الرجال ولا النساء فقد اختلف فيه أصحابنا واختار الخرقي أنه يرجع إلى قوله قال ذكر أنه رجل وانه بميل طبعه إلى نكاح النساء فله نكاحهن وإن ذكر أنه امرأة بميل إلى طبعه إلى

مسألة: فإن تزوج امرأة فقال أنا امرأة انفسخ نكاحه

الرجال زوج رجل لأنه معنى لا يتوصل إليه إلا من جهته وليس فيه إيجاب حق إلى غيره فقبل قوله فيه كما يقبل قول المرأة في حيضها وعدتها وقد يعرف نفسه بميل طبعه إلى أحد الصنفين وشهوته له فإن الله تعالى أجرى العادات في الحيوانات بميل الذكر إلى الأنثى وميلها إليه وهذا الميل أمر في النفس والشهوة ولا يطلع عليه غيره وقد تعذرت علينا معرفة علاماته الظاهرة فيرجع فيه إلى الأمور الباطنة فيما يختص هو بحكمه وأما الميراث والدية فإن أقر على نفسه بماه يقلل ميراثه أوديته قبل منه وإن ادعى ما بزيد ذلك لم يقبل لأنه متهم فيه فلا يقبل قوله على غيره وما كان من عباداته وسترته وغير ذلك فينبغي أن يقبل قوله فيه لأنه حكم بينه وبين الله تعالى قال القاضي ويقبل قوله في الإمامة وولاية النكاح وما لا يثبت حقا على غيره وإذا زوج امرأة ورجلا ثم عاد فقال خلاف قوله الأول لم يقبل قوله في التزويج بغير الجنس الذي زوجه أولا لأنه مكذب لنفسه ومدع ما يوجب الجمع بين تزويج الرجال والنساء (مسألة) (فإن تزوج امرأة فقال أنا امرأة انفسخ نكاحه) لإقراره ببطلانه ولزمه نصف المهر إن كان قبل الدخول وجميعه إن كان بعده ولا يحل له بعد ذلك أن ينكح لأنه أقر بقوله أنا رجل بتحريم الرجال وأقر بقوله أنا امرأة بتحريم النساء (مسألة) (وإن تزوج رجلاً ثم قال أنا رجل لم يقبل قوله في فسخ نكاحه) لأنه لا حق عليه

مسألة: فإن شرط أن لا يخرجها من دارها أو بلدها أو لا يتزوج عليها أو لا يتسرى فهو صحيح لازم فإن وفى به وإلا فلها الفسخ

فإذا أزال نكاحه فلا مهر له لانه يقرأنه لا يستحقه وسواء دخل أو لم يدخل ويحرم النكاح بعد ذلك لما ذكرنا. باب الشروط في النكاح وهي قسمان صحيح وفاسد فالصحيح نوعان (أحدهما) يقتضيه العقد كتسليم المرأة إليه وتمليكه من الاستمتاع بها فهذا لا يؤثر في العقد وجوده كعدمه (الثاني) شرط ما تنتفع به المرأة كزيادة على مهرها أو نقد معين فهو صحيح يجب الوفاء به كالثمن في المبيع (مسئللة) (فإن شرط أن لا يخرجها من دارها أو بلدها أو لا يتزوج عليها أو لا يتسرى فهو صحيح لام فإن وفى به وإلا فلها الفسخ) يروي ذلك عن عمر بن الخطاب وسعد بن أبي وقاص ومعاوية وعمرو بن العاص رضي الله عنهم وبه قال شريح وعمر بن عبد العزيز وجابر بن زيد وطاوس والاوزاعي واسحاق وأبطل هذه الشروط الزهري وقتادة وهشام بن عروة ومالك والليث والثوري والشافعي وابن المنذر وأصحاب الرأي وقال أبو حنيفة والشافعي يفسد المهر ولها مهر المثل واحتجوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم (كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط) وهذا ليس في كتاب الله لأن الشرع لا يقتضيه وبقول النبي

صلى الله عليه وسلم (المسلمون على شروطهم إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً) وهذا يحرم الحلال وهو التزويج والتسري والسفر ولأن هذا شرط ليس من مصلحة العقد ولا مقتضاه ولم بين على التغليب والسراية فكان فاسداً كما لو شرطت أن لا تسلم نفسها ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (إن أحق ما وفيتم به الشروط ما استحللتم به الفروج) رواه سعيد - وفي لفظ - (أن أحق الشروط أن توفوا بهاما استحللتم به الفروج)) متفق عليه وقول النبي صلى الله عليه وسلم (المسلمون على شروطهم) ولأنه قول من سمنيا من الصحابة ولا يعرف لهم مخالف في عصرهم فكان إجماعاً وروى الأثرم باسناده أن رجلاً تزوج امرأة وشرط لها دارها ثم أراد نقلها فخاصموه الى عمر فقال لها شرطها فقال الرجل إذاً يطلقننا فقال عمر مقاطع الحقوق عند الشروط ولأنه شرط له فيه منفعة ومقصود لا يمنع المقصود من النكاح فكان لازماً كما لو اشترطت زيادة في المهر أو غير نقد البلد وأما قوله صلى الله عليه وسلم (كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل) أي ليس في حكم الله وشرعه وهذا مشروع قد ذكرنا ما دل على مشروعيته وعلى من نفى ذلك الدليل وقولهم إن هذا يحرم الحلال قلنا لا يحرم حلالا وإنما يثبت للمرأة خيار الفسخ إن لم يف لها به وقولهم ليس من مصلحة العقد ممنوع فإنه من مصلحة المرأة وما كان من مصلحة العاقد كان من مصلحة عقده كاشتراط الرهن والضمين ثم يبطل بالزيادة على مهر

مسألة: وإن شرط لها طلاق ضرتها فقال أبو الخطاب هو صحيح

المثل وإذا ثبت أنه شرط لازم فلم يف به فلها الفسخ ولهذا قال عمر للذي قضى عليه بلزوم الشرط حين قال إذا يطلقننا مقاطع الحقوق عند الشروط ولم يلتفت إلى قوله ولأنه شرط لازم في عقد فيثبت حق الفسخ في ترك الوفاء به كالرهن في البيع (مسألة) (وإن شرط لها طلاق ضرتها فقال أبو الخطاب هو صحيح) لأنه شرط لا ينافي العقد ولها فيه فائدة فأشبه ما لو شرطت عليه أن لا يتزوج عليها قال شيخنا ولم أر هذا لغيره ويحتمل إنه باطل وهو الصحيح لما روى أبو هريرة قال نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تشرط المرأة طلاق أختها وفي لفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (تسأل المرأة طلاق أختها لتكفأ ما في صفحتها ولتنكح فإن لها ما قدر لها) رواهما البخاري والنهي يقتضي فساد المنهي عنه لانها شرطت عيه فسخ عقده وإبطال حقه وحق امرأته فلا يصح كما لو شرطت فسخ بيعه وعلى قياس هذا ما لو شرطت عليه ببيع (مسألة) قال رضي الله عنه (القسم الثاني فاسد وهو ثلاثة أنواع (أحدهما) ما يبطل النكاح وهو ثلاثة أشياء (أحدها) نكاح الشغار وهو أن يتزوجه وليته على أو يزوجه الآخر وليته ولا مهر بينهما) قيل إنما سمي هذا النكاح شغاراً لقبحه تشبيها برفع الكلب رجله ليبول في الفتح يقال شغر الكلب إذا رفع رجله ليبول وحكي عن الأصمعي أنه قال الشغار الرفع فكان كل واحد منهما رفع رجله للآخر

عما يريد ولا تختلف الرواية عن أحمد في أن نكاح الشغار فاسد رواه عنه جماعة قال أحمد وروي عن عمر وزيد بن ثابت أنهما فرق افيه وهو قول مالك والشافعي واسحاق وحكي عن عطاء وعمرو بن دينار ومكحول والزهري والثوري أنه يصح وتفسد التسمية ويجب مهر المثل لأن الفساد من قبل المهر لا يوجب فساد العقد كما لو تزوج على خمر أو خنزير وهذا كذلك ولنا ما روى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الشغار متفق عليه وروى أبو هريرة مثله أخرجه مسلم وروى الأثرم باسناده عن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا جلب ولا جنب ولا شغار في الاسلام) ولأنه جعل كل واحد من العقدين سلفاً في الآخر فلم يصح كما لو قال يعني ثوبك على أن أبيعك ثوبي قولهم أن فساده من قبل التسمية قلنا بل فساده من جهة أنه وقفه على شرط فاسد ولأنه شرط تمليك البضع لغير الزوج فانه جعل تزوجيه إياها مهر للأخرى فكأنه ملكه إياه بشرط انتزاعه منه إذا ثبت هذا فلا فرق بين أن يقول علي أن صداق كل واحدة منهما يضع الأخرى أو لم يقل ذلك وقال الشافعي هو أن يقول ذلك ولا يمسى لكل واحدة صداقاً لما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الشغار والشغار أن يقول الرجل للرجل زوجتك ابنتي على أن تزوجني ابنتك ويكون بضع كل واحدة منهما مهراً في الأخرى

ولنا ما روى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الشغار والشغار أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته وليس بينهما صداق هذا لفظ الحديث الصحيح المتفق عليه وفي حديث أبي هريرة والشغار أن يقول الرجل للرجل زوجني بنتك وأزوجك ابنتي وزوجني أختك وأزوجك أختي رواه مسلم وهذا يجب تقديمه لصحته وعلى أنه قد أمكن الجمع بينهما بأن يعمل بالجميع ويفسد النكاح بأي ذلك كان ولأنه إذا شرط في نكاح إحداهما تزويج الأخرى فقد جعل بضع كل واحدة منهما صداق الأخرى ففسد كما لو لفظ (فصل) فإن سميا مع ذلك مهراً فقال زوجتك ابنتي على أن تزوجني ابنتك ومهر كل واحدة منهما مائة أو مهر ابنتي مائة ومهر ابنتك خمسون أو أقل أو أكثر فالمنصوص عن أحمد صحته وهو قول الشافعي لما تقدم من حديث ابن عمر وكانه قد سمي صداقاً فصح كما لو لم يشرط ذلك وقال الخرقي لا يصح لحديث أبي هرريرة ولما روى أبو داود عن الأعرج أن العباس بن عبد الله ابن العباس أنكح عبد الرحمن بن الحكم ابنته وأنكحه عبد الرحمن ابنته وكانا جعلا صداقاً فكتب معاوية إلى مروان فأمره أن يفرق بينهما وقال في كتابه هذا الشغار الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأنه شرط نكاح إحداهما لنكاح الأخرى فلم يصح كما لو لم يسيميا صداقاً يحققه أن عدم التسمية ليس بمفسد للعقد بدليل

نكاح المفوضة فدل على أن المفسد هو الشرط وقد وجد ولأنه متلف في عقد فلم يصح كما لو قال بعتك ثوبي بعشرة على أن تبيعني ثوبك بعشرين وهذا لا اختلاف فيه إذا لم يصرح بالتشريك فأما إن قال زوجتك ابنتي على أن تزوجني ابنك ومهر كل واحدة منهما مائة وبضع الأخرى فالنكاح فاسد لأنه صرح بالتشريك فلم يصح العقد كما لم يذكر مسمى (فصل) ومتى قلنا بصحة العقد إذا سميا صداقاً ففيه وجهان (أحدهما) تفسد التسمية ويجب مهر المثل، هذا قول الشافعي لأن كل واحد منهما لم يرض بالمسمى إلا بشرط أن يتزوج مولية صاحبه فنقص المهر لهذا الشرط وهو باطل فإذا احتجنا إلى ضمان النقض صار المسمى مجهولاً فبطل (والوجه الثاني) ذكره القاضي في الجامع أنه يجب المسمى لأنه ذكر قدرا معلوما يحصح أن يكون مهراً فصح كما لو قال زوجتك على ألف على أن لي منها مائة (فصل) فإن سمى لأحدهما مهراً دون الأخرى فقال أبو بكر يفسد النكاح فيهما لأنه فسد في إحداهما ففسد في الأخرى والأولى أنه يفسد في التي لم يسم لها صداقاً لأن نكاحها خلا من صداق سوى نكاح الأخرى ويكون في التي سمى لها صداقاً روايتان فيه تسمية وشرطاً فأشبه ما لو سمى لكل واحدة منهما مهراً ذكره القاضي هكذا (فصل) فإن قال زوجتك جاريتي هذه على أن تزوجني ابنتك ويكون عتقها صداق لابنتك لم يصح تزويج الجارية في قياس المذهب لأنه لم يجعل لها صداقاً سوى تزويج ابنته وإذا زوجه ابنته على أن يجعل رقبة الجارية صداقاً لها صح لأن الجارية تصلح أن تكون صداقاً وإذا زوج عبده امرأة وجعل رقبته صداقا لها لم يصح الصداق لأن ملك المرأة زوجها مع صحة النكاح فيفسد الصداق ويصح

مسألة: فإن نوى ذلك من غير شرط لم يصح أيضا في ظاهر المذهب وقيل يكره ويصح

(النكاح ويجب مهر المثل (الثاني) نكاح المحلل وهو أن يتزوجها على أنه إذا أحلها طلقها، نكاح المحلل باطل حرام في قول عامة أهل العلم منهم الحسن والنخعي وقتادة ومالك والليث والثوري وابن المبارك والشافعي وسواء قال زوجتكها إلى أن تطأها أو شرط أنه إذ أحلها فلا نكاح بينهما أو إذا أحلها للأول طلقها وحكي عن أبي حنيفة أنه يصح النكاح يبطل الشرط وقال الشافعي في الصورتين الأولتين لا يصح (وفي الثالثة) على قولين: ولنا ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لعن الله المحلل والمحلل له) رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي قال حديث حسن صحيح والعمل عليه عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم عمر ابن الخطاب وعثمان وعبد الله بن عمر وهو قول الفقهاء من التابعين وروي ذلك عن علي وابن مسعود وابن عباس وقال ابن مسعود المحلل والمحلل له ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم وروى ابن ماجة عن عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ألا أخبركم بالتيس المستعار) قالوا بلى يا رسول لله قال (هو المحلل لعن الله المحلل والمحلل له) رواه الأثرم بإسناده عن قبيصة عن جابر قال سمعت عمر يخطب الناس وهو يقول والله لا أوتى بمحلل ولا محلل له إلا رجمتهما ولأنه نكاح إلى مدة أو فيه شرط يمنع بقاء فأشبه نكاح المتعة. (مسألة) (فإن نوى ذلك من غير شرط لم يصح أيضاً في ظاهر المذهب وقيل يكره ويصح)

إذا تواطأ عليه قبل العقد ولم يذكر هل نواه أو نوى المحلل من غير شرط؟ فالنكاح باطل أيضاً قال اسماعيل بن سعيد سألت أحمد عن الرجل يتزوج المرأة في نفسهه أن يحلها لزوجها الأول ولم تعلم المرأة بذلك قال هو محلل إذا أراد بذلك الإحلال وهو ملعون وهذا ظاهر قول الصحابة رضي الله عنهم فروى نافع عن ابن عمر أن رجلاً قال له امرأة تزوجتها أحلها لزوجها لم تأمرني ولم تعلم قال لا، نكاح رغبة أن أعجبتك أمسكتها وإن كرهتها فارقتها قال وإن كنا نعده على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سفاحاً وقال لا يزالا زانيين وإن مكثا عشرين سنة إذا علم أنه يريد أن يحلها، وهذا قول عثمان بن عفان رضي الله عنه وجاء رجل إلى ابن عباس فقال إن عمي طلق امرأته ثلاث أيحلها له رجل؟ قال من يخادع الله يخدعه، وهذا قول الحسن والنخعي والشعبي وقتادة بكر المزني والليث ومالك والثوري واسحاق وقال أبو حنيفة والشافعي العقد صحيح وذكر القاضي في صحته وجها مثل قولهما لأنه خلا عن شرط يفسده فأشبه ما لو نوى طلاقها لغير الإحلال أو ما لو نوت المرأة ذلك ولأن العقد إنما يبطل بما شرط لا بما قصد بدليل ما لو اشترى عبداً بشرط أن يبيعه لم يصح ولو نوى ذلك لم يبطل ولأنه قد روي عن عمر ما يدل على إجازته فروى أبو حفص بإسناده عن محمد بن سيرين قال قدم مكة رجل ومع أخوه له صغار وعليه إزار من بين يديه رقعة ومن خلفه رقعة فسأل عمر فلم يعطه شيئاً فبينما هو كذلك إذا نزع الشيطان بين رجل من قريش وبين امرأته فطلقها فقال لها هل لك أن تعطي ذا

الرقعتين شيئا ويحك لي؟ قالت نعم إن شئت فأخبروه بذلك قال نعم فتزوجها ودخل بها فلما أصبحت أدخلت إخوته الدار فجاء القرشي يحوم حول الدار ويقول يا ويله غلب علي امرأتي فأتى عمر فقال يا أمير المؤمنين غلبت علي امرأتي قال من غلبك؟ قال ذو الرقعتين قال ارسلو إليه فلما جاءه الرسول قالت له المرأة كيف موضعك من قومك؟ قال ليس بموضع بأس قالت إن أمير المؤمنين يقول لك طلق امرأتك فقل له لا والله لا أطلقها فإنه لا يكرهك فألبسته حلة فما رآه عمر من بعيد قال الحمد الله الذي رزق ذا الرقعتين فدخل عليه فقال أتطلق امراتك، قال لا والله لا أطلقها قال عمر لو طلقتها لاوجعت رأسك بالسوط ورواه سعيد عن هشيم عن يونس بن عبيد عن ابن سيرين نحواً من هذا وقال من أهل المدينة وهذا قد تقدم فيه الشرط على العقد ولم يربه عمر بأساً. ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (لعن الله المحلل والمحلل له) وقول من سمينا من الصحابة ولا مخالف لهم فيكون إجماعاً ولأنه قصد به التحليل فلم يصح كما لو شرطه أما حديث ذي الرقعتين فقال أحمد ليس له إسناد يعني أن ابن سيرين لم يذكر إسناده إلى عمر وقال أبو عبيد هو مرسل فأين هو من الذي سمعوه يخطب به على المنبر لا اوتي يمحلل ولا محلل له إلا رجمتهما؟ ولأنه ليس فيه ان ذا الرقعتين قصد التحليل ولا نواه وإذا كان كذلك لم يتناول محل النزاع (فصل) فإن شرط عليه أن يحلها قبل العقد فنوى بالعقد غير ما شرطوا عليه وقصد نكاح رغبه

صح العقد لأنه خلا عن نية التحليل وشرطه فصح كما لو لم يذكر ذلك وعلى هذا يحمل حديث ذي الرقعتين فإن قصدت المرأة أو وليها التحليل دون الزوج لم يؤثر ذلك في العقد وقال الحسن وابراهيم إذا هم أحد الثلاثة فسد النكاح قال أحمد كان الحسن وابراهيم والتابعون يشددون قال أحمد الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم (أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة) ونية المرأة ليس بشئ إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم (لعن الله المحلل والمحلل له) ولأن العقد إنما يبطل بنية الزوج لأنه الذي إليه المفارقة والإمساك أما المرأة فلا تملك رفع العقد فوجود نيتها وعدمها سواء وكذلك الزوج الأول لا يملك شيئاً من العقد ولا من رفعه فهو أجنبي كسائر الأجانب فإن قيل فكيف لعنه النبي صلى الله عليه وسلم؟ قيل إنما لعنه إذا رجع إليها بذلك التحليل لأنها لم تحل له فكان زانياً فاستحق اللعنة لذلك. (فصل) وإن اشترى عبداً فزوجها إياه ثم وهبها العبد أو بعضه لينفسخ النكاح يملكها لم يصح قال أحمد في رواية حنبل إذا طلقها ثلاثاً وأراد أن يراجعها فاشترى عبداً وزوجها إياه فهذا الذي نهى عنه عمر يؤذبان جميعاً وهذا فاسد ليس بكفء وهو شبيه المحلل وعلل أحمد فساده بشيئين (أحدهما) أنه شبه المحلل لأنه إنما زوجها إياه لتحل له (والثاني) كونه ليس بكفئ لها ويحتمل أن يصح النكاح إذا لم يقصد العبد التحليل لأن المعتبر في الفساد نية الزوج لانية غيره (فصل) ونكاح المحلل فاسد تثبت فيه أحكام العقود الفاسدة فإنه قن ولا يحصل به الإحصان

ولا الإباحة للزوج الأول كما لا يثبت في سائر العقود الفاسدة قيل فقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم محللا وسمى الزوج محللا له ولو لم يحصل الحل لم يكن محللا ولا محللا له قلنا سماه محللا لأنه قصد التحليل في موضع لا يحصل فيه الحل كما قال (ما آمن بالقرآن من استحل محارمه)) وقال الله تعالى (يحلونه عاما ويحرمونه عاماً) ولو كان محللا في الحقيقة والا آخر محللا له لم يكونا ملعونين (الثالث) نكاح المتعة وهو وأن يتزوجها إلى مدة مثل أن يقول زوجتك ابنتي شهراً أو سنه أو إلى انقضاه الموسم وقدوم الحاج وشبهه سواء كانت المدة معلومة أو مجهولة فهو باطل نص عليه أحمد فقال نكاح المتععة حرام وقال أبو بكر فيها رواية أخرى أنها مكروهة غير حرام لأن ابن منصور سأل أحمد عنها فقال تجتنبها أحب إلي قال فظاهر هذا الكراهة دون التحريم وغير أبي بكر من أصحابنا بمنع هذا ويقول المسألة رواية واحدة في تحريمها وهذا قول عامة الصحابة والفقهاء ومم روي عنه تحريمها عمر وعلي وبن مسعود وابن الزبير قال ابن عبد البر وعلى تحريم المتعة مالك وأهل المدينة وأبو حنيفة في أهل الكوفة والاوزاعي في أهل الشام والليث في أهل مصرو الشافعي وسائر أصحاب الآثرا وقال زفر يصح النكاح ويبطل الشرط وحكي عن ابن عباس انا جائزة وعليه أكثر أحصابه عطاء وطاوس وبه قال ابن جريج وحكي ذلك عن أبي سعيد الخدري وجابر وإليه ذهب الشبعة لأنه قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن فيها وروي ان عمر قال

متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إنا أنهي عنهما وأعاقب عليهما: متعة النساء ومتعة الحج ولأنه عقد على منفعة فجاز مؤقتا كالإجارة ولنا ما روى الربيع بن سبرة أنه قال أشهد على أبي أنه حدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى في حجة الوداع وفي لفظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم متعة النساء رواه أبو داود وفي لفظ رواه ابن ماجة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (يا أيها الناس إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع ألا وإن الله قد حرمها إلى يوم القيامة) وروى سبرة أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمتعة عام الفتح حين دخلنا مكة فلم تخرج حتى نهانا عنها رواه مسلم وروى علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن لحوم الخمر الأهلية متفق عليه رواه مالك في الموطأ وأخرجه الأئمة النسائي وغيره واختلف أهل العلم في الجمع بين هذين الخبرين فقال قوم في حديث علي تقديم وتأخير وتقديره أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر ونهى عن متعة النساء ولم يذكر ميقات النهي عنها وقد بينه الربيع بن سبرة في حديثه أنه كان في حجة الوداع حكاه الإمام أحمد عن قوم وذكره ابن عبد البر، قال الشافعي لا أعلم شيئاً أحله الله ثم حرمه ثم أحله ثم حرمه إلا المتعة، فحمل الأمر على ظاهره وأن النبي صلى الله عليه وسلم حرمها يوم خيبر ثم أحلها في

حجة الوداع ثلاثة أيام ثم حرمها ولأنه يتعلق به أحكام النكاح من الطلاق والظهار واللعان والتوارث فكان باطلاً كسائر الأنكحة الباطلة، أما قول ابن عباس فقد حكي عنه الرجوع فروى أبو بكر باسناده عن سعيد بن جبير قال قلت لابن عباس لقد أكثر الناس في المتعة حتى قال فيها الشاعر: * أقول وقد طال الثواء بنا معاً * يا صاح هل لك في فتيا ابن عباس * هل لك في رخصة الأطراف آنسة * تكون مثواك حتى مصدر الناس * فقام خطيباً فقال إن المتعة كالميتة والدم ولحم الخنزير وعن محمد بن كعب عن ابن عباس قال إنما كانت المتعة في أول الإسلام كان الرجل يقدم البلدة ليس فيها معرفة فيتزوج المرأة بقدر ما يدري أنه يقيم فتحفظ له متاعه وتصلح له شأنه حتى نزلت هذه الآية (إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم) قال ابن عباس فكل فرج سواهما حرام رواه الترمذي فأما إذن النبي صلى الله عليه وسلم فيها فقد ثبت نسخه وأما حديث عمر إن صح عنه فالظاهر أنه إنما قصد الإخبار عن تحريم النبي صلى الله عليه وسلم لها ونهيه عنها إذ لا يجوز أن ينهى عما كان النبي صلى الله عليه وسلم إباحه وبقي على إباحته (فصل) فإن تزوجها من غير شرط ألا إن في نيته طلاقها بعد شهر أو إذا انقضت حاجته فالنكاح صحيح في قول عامة أهل العلم إلا الأوزاعي قال هو نكاح متعة والصحيح أنه لا بأس به ولا تضر نيته وليس على الرجل أن ينوي حبس امرأته أن وافقته وإلا طلقها

مسألة: وكذلك إن شرط أن يطلقها في وقت بعينه

(مسألة) (وكذلك إن شرط أن يطلقها في وقت بعينه) فلا يصح النكاح سواء كان معلوماً أو مجهولا مثل أن يشرط عليه طلاقها إن قدم أبوها أو أخوها ويتخرج أن يصح النكاح ويبطل الشرط وهو قول أبي حنيفة وأظهر قولي الشافعي قاله في عامة كتبه لأن النكاح وقع مطلقا وإنما شرط على نفسه شرطا وذلك لا يؤثر فيه كما لو شرط أن لا يتزوج عليها ولا يسافر بها. ولنا أن هذا شرط مانع من بقاء النكاح فأشبه نكاح المتعة ولأنه شرط انتفاء النكاح في وقت بعينه أشبه نكاح المتعة ويفارق ما قاسوا عليه فإنه لم يشرط قطع النكاح (مسألة) (وأن علق ابتداءه على شرط كقوله زوجتك إذا جاء رأس الشهر أو إن رضيت أمها فهذا كله باطل من أصله) لأنه عقد معاوضة فلم يصح تعليقه على شرط مستقبل كالبيع ولأنه وقف النكاح على شرط ولا يجوز وقفه على شرط وهو قول الشافعي وعن مالك نحوه وذكر أبو الخطاب فيا إذا شرط إن رضيت أمها رواية ان النكاح صحيح لأنه يصح في الجهل بالعوض فلم يبطل بالشرط الفاسد كالعتق ويبطل الشرط والأول أصح لما ذكرنا (النوع الثاني) أن شرط أنه لا مهر لها ولا نفقة أو يقسم لها أكثر من امرأته الأخرى أو أقل فالشرط باطل ويصح النكاح وكذلك إن شرط أنه إن أصدقها رجع عليها

أو تشرط عليه أن لا يطأها أو يعزل عنها أو لا يكون عندها في الجمعة إلا ليلة أو شرط لها النهار دون الليل أو شرط على المرأة أن تنفق عليه أو تعطيه شيئاً فهذه الشروط كلها باطلة في نفسها لأنها تنافي مقتضاه وتتضمن إسقاط حقوق تجب بالعقد قبل انعقاده فلم يصح كما لو أسقط الشفيع شفعته قبل البيع، وفأما العقد في نفسه فهو صحيح لأن هذه الشروط تعود إلى معنى زائد في العقد لا يشترط ذكره ولا يضر الجهل به فلم يبطله كما لو شرط في العقد صداقاً محرماً ولأن النكاح يصح مع الجهل بالعوض فجاز أن ينعقد مع الشرط الفاسد كالعتاق وقد نص أحمد فيمن تزوج امرأة وشرط عليها أن يبيت عندها في كل جمعة ليلة ثم رجعت وقالت لا أرضى إلا ليلة وليلة فقال: لها أن تنزل إلا بطيب نفس منها فإن ذلك جائز وإن قالت لا أرضى إلا بالمقاسمة كان ذلك حقا لها تطالبه إن شاءت، ونقل عنه الأثرم في الرجل يتزوج المرأة ويشرط عليها أن يأتيها في الأيام يجوز الشرط وإن شاءت رجعت، وقال في الرجل يتزوج المرأة على أن تنفق عليه في كل شهر خمسة دراهم أو عشرة دراهم النكاح جائز ولها ان ترجعع في هذا الشرط ونقل عن أحمد كلام في بعض هذه الشروط يحتمل إبطال العقد فنقل عنه المروذي في النهاريات والليليات ليس هذا من نكاح أهل الإسلام وممن كره تزويج النهاريات حماد بن أبي سليمان وابن شبرمة، قال الثوري الشرط باطل وقال أصحاب الرأي إذا سألته أن يعدل لها عدل وكان الحسن وعطاء لا يريان بنكاح النهاريات بأساً وكان الحسن لا يرى بأساً أن يتزوجها ويجعل لها من الشهر أياماً معلومة. قال شيخنا ولعل كراهة من

كره ذلك راجعة إلى إبطال الشرط وإجازة من أجازه راجعة إلى أصل النكاح فتكون أقوالهم متفقة على صحة النكاح وإبطال الشرط كما قلنا والله أعلم. وقال القاضي إنما كره أحمد هذا النكاح لأنه يقع على السر وهو منهي عنه فإن شرط عليه ترك الوطئ احتمل أن يفسد العقد لأنه شرط ما ينافي المقصود من النكاح وهذا مذهب الشافعي، وكذلك إن شرط عليه أن لا نسلم إليه فهو بمنزلة من اشترى شيئاً على أن لا يقبضه، ان شرط عليها أن لا يطأ لم يفسد لان الوطئ حقه عليها، ويحتمل أن يفسد لأن لها فيه حقا ولذلك تملك مطالبته به إذا آلى والفسخ إذا تعذر بالجب والعنة (الثالث) أن يشرط الخيار إن جاءها بالمهر في وقت وإلا فلا نكاح بينهما فالشرط باطل وفي صحة النكاح روايتان (إحداهما) النكاح صحيح والشرط باطل وبه قال أبو ثور فيما إذا شرط الخيار وحكاه عن أبي حنيفة وزعم أن لا خلاف فيه، وقال ابن المنذر قال أحمد وإسحاق إذا تزوجها على أنه ان جاء ها بالمهر في وقت كذا وإلا فلا نكاح بينهما الشرط باطل والعقد جائز وهو قول عطاء والثوري وأبي حنيفة والاوزاعي وروي ذلك عن الزهري ولأن النكاح عقد لازم لا يدخله خيار لما في ذلك من المفسدة والضرر على الحرائر لكونها ترد بعد ابتدائها بعقد النكاح والشناعة عليها بأنها ردت رغبة عنها لدناءتها والشرط الآخر تعليق النكاح على شرط فهو معنى الخيار ويصخ النكاح لأن النكاح يصح في المجهول فلم يفسد بالشرط الفاسد كالعتق، وروى ابن منصور عن أحمد في هذا أن الشرط

والعقد جائزان لقول النبي صلى الله عليه وسلم " المسلمون على شروطهم " وذكر القاضي في كتابه الروايتين والوجهين، أما صحة العقد فلأن اللفظ الذي يقتضي الدوام قد وجد وإنما حصل الشرط في المهر فلم يؤثر في العقد، وأما المهر فإنها لما ملكت فسخ النكاح عند تعذر تسليم المهر جاز أن يشترط هذا المعنى في العقد ولا يؤثر فيه، والرواية الاخرى يعلل العقد في هذا كله لأن النكاح لا يكون إلا لازما وهذا يوجب جوازه ولأنه وقفه على شرط ولا يجوز وقفه على شرط كالبيع وهذا قول الشافعي ونحوه عن مالك وأبي عبيد (فصل) فإن شرط الخيار في الصداق خاصة لم يفسد النكاح لأن النكاح منفرد عن ذكر الصداق لا يفسد النكاح بفساده فلأن لا يفسد بشرط الخيار أولى بخلاف البيع فإنه إذا فسد أحد العوضين فسد الآخر، إذا ثبت هذا ففي الصداق ثلاثة أوجه (أحدها) يصح الصداق ويبطل شرط الخيار كما يفسد الشرط في النكاح ويسح النكاح (والثاني) يصح ويثبت الخيار فيه لأن عقد الصداق عقد منفرد يجري مجرى الإيمان ويثبت فيه الخيار كالبياعات (والثالث) يبطل الصداق لأنها لم ترض به فلم يزلمها كما لو لم توافقه على شئ. (فصل) قال الشيخ رحمه الله تعالى (فإن تزوجها على أنها مسلمة فبانت كتابية فله الخيار) لأنه نقص وضرر يتعدى إلى الولد فأشبه ما لو شرطها حرة فبانت أمة

مسألة: فإن شرطها كتابية فبانت مسلمة فلا خيار له

(مسألة) (فإن شرطها كتابية فبانت مسلمة فلا خيار له) لأنها زيادة، وقال أبو بكر له ذلك لأنه قد يكون له غرض في عدم وجوب العبادات عليها والأول أولى (فصل) فإن شرطها أمة فبانت حرة وكان له نكاح الإماء فلا خيار له لأن ولده يسلم من الرق ويتمكن من لاستمتاع بها ليلاً ونهاراً، وكذا لو شرطها ذات نسب فبانت أشرف منه أو على صفة دينه فبانت خيراً من شرطه لأنها زيادة (فصل) وإن شرطها بكراً فبانت ثيباً فعن أحمد كلام يحتمل أمرين (أحدهما) لا خيار له لأن النكاح لا يرد فيه بعيب سوى العيوب الثمانية ولا يثبت فيه الخيار فلا يرد بمخالفة الشرط (والثاني) له الخيار كما لو شرط الحرية، وكذلك لو شرطها حسناء فبانت شوهاء أو ذات نسب فبانت دونه أو بيضاء فبانت سوداء أو طويلة فبانت قصيرة خرج في ذلك كله وجهان ونحو هذا مذهب الشافعي وكذلك لو شرط نفي العيوب التي لا ينفسخ بها النكاح كالعمى والخرس والصمم ونحو فبان بخلاف ذلك ففيه وجهان. وممن ألزم لزوج من هذه صفتها الثوري والشافعي واسحاق وأصحاب الرأي حكاه ابن المنذر، وروى الزهري أن رجلا تزوج امرأة فلم يجدها عذراء وكانت الحيضة خرقت عذرتها فأرسلت إليه عائشة أن الحيضة تذهب بالعذرة، وعن الحسن والشعبي وابراهيم في الرجل إذ لم يجد امرأته عذرا ليس عليه شئ للعذرة أن الحيضة تذهب العذرة والوثبة والتعبيس والحمل الثقيل

مسألة: وإن تزوج أمة يظنها حرة أو على أنها حرة وولدت منه فالولد حر ويفديهم بمثلهم يوم ولادتهم ويرجع بذلك على من غره، ويفرق بينهما إن لم يكن ممن يجوز له نكاح الإماء، وإن كان ممن يجوز له نكاح الإماء فله الخيار، فإن رضي المقام معها فما ولدت بعد ذلك فهو ر

(فصل) إذا تزوج امرأة يظنها مسلمة فبانت كافرة فله الخيار وهذا قول الشافعي كما إذا شرط ذلك (مسألة) (وإن تزوج أمة يظنها حرة أو على أنها حرة وولدت منه فالولد حر ويفديهم بمثلهم يوم ولادتهم وبرجع بذلك على من غره، ويفرق بينهما إن لم يكن ممن يجوز له نكاح الإماء وإن كان ممن يجوز له نكاح الإماء فله الخيار فإن رضي المقام معها فما ولدت بعد ذلك فهو رقيق) الكلام في هذه المسألة في فصول (أحدها) أن النكاح لا يفسد بالغرور وهو قول أبي حنيفة، وقال الشافعي في أحد قوليه يفسد لأنه عقد على حرة ولم يوجد فأشبه ما لو قال بعتك هذا الفرش فإذا هو حمار ولنا أن المعقود عليه في النكاح الشخص دون الصفات فلا يؤثر عدمها في صحته كما لو قال زوجتك هذه الحسناء فإذا هي سوداء وكذا نقول في الأصل الذي ذكروه أن العقد صحيح لأن المعقود عليه العين المشار إليها، وإن سلمنا فالفرق بينهما من وجهين (أحدهما) أن ثم الفائت الذت فإن ذات الفرس غير ذات الحمار وههنا اختلفا في الصفات [والثاني] أن البيع يؤثر فيه فوات الصفات بدليل أنه يرد بفوات أي شئ كان فيه نفع منها والنكاح بخلافه (الفصل الثاني) إن أولاده منها أحرار بغير خلاف نعلمه لأنه اعتقد حريتها فكان ولده أحراراً كاعتقاده ما يقتضي حريتهم كما لو اشترى جارية يظنها ملكاً لبائعها فبانت مغصوبة بعد أن أولدها (الفصل الثالث) إن على الزوج فداء أولاده كذلك قضى عمر وعلي وابن عباس وهو قول

مالك والثوري والشافعي وأبي ثور وأصحاب الرأي وعن أحمد رواية أخرى ليس عليه فداؤهم لأن الولد ينعقد حر الأصل فلم يضمنه لسيده لأنه لم يملكه وعنه أنه يقال له افتداء أولاده وإلا فهم يتبعون الأم، فظاهر هذا أنه خيره بين فدائهم وبين تركهم رقيقا لانهم رقيق بحكم الأصل فلم يلزمه فداؤهم كما لو وطئها وهو يعلم رقها، قال الخلال اتفق عن أبي عبد الله أنه يفدي ولده وقاله إسحاق عنه في موضع أن الولد له وليس عليه أن يندبهم، وأحسبه قولا أولا لأبي عبد الله والصحيح أن عليه فداءهم لقضاء الصحابة به ولانه تماء الأمة المملوكة فسبيله أن يكون مملوكاً لمالكها وقد فوت رقه باعتقاد الحرية فلزما صمانهم كما لو فوت رقهم بفعله وفي فدائهم ثلاث مسائل (الأولى) في وقته وذلك حين وضع الولد قضى بذلك عمر وعلي وابن عباس وهو قول الشافعي، وقال أبو بكر والثوري وأصحاب الرأي يضمنهم بقيمتهم يوم الخصومة لأنه إنما يضمنهم بالمنع ولم يمنعهم الا حال للمخصومة ولنا أنه محكوم بحريته عند الوضع فوجب أن يضمنه حينئذ لأنه فات رقه من حينئذ ولأن القيمة التي تزيد بعد الوضع لم تكن مملوكة لمالك الأمة فلم يضمنها كما بعد الخصومة فإن قيل فقد كان محكوماً بحريته وهو جنين قلنانه لم يكن تضمينه حينئذ لعدم قيمته والاطلاع عليه أمكن تضمينه وهو حال الوضع

(المسألة الثانية) في صفة الفداء وفيها ثلاث روايات (إحداهن) بقيمتهم وهو أكثر الفقهاء لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من أعتق شقصاً من عبد قوم عليه نصيب شريكه " ولأن الحيوان من المقومات لا من ذوات الا مثل فيجب ضمانه بقيمته كما لو أتقه (والثانية) يضمنهم بمثلهم عبيداً الذكر بذكر والأنثى بأنثى لما روى سعيد بن المسيب قال: بعت جارية لرجل من العرب وانتمت إلى بعض العرب فتزوجها رجل من بني عذرة ثم أن سيدها دب واستاقها واستاق ولدها فاخصموا إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه على أهل القرى ومن لم يجد غرة ستين ديناراً ولأن ولد المغرور حر فلا يضمن بقيمته كسائر الأحرار فعلى هذه الرواية ينبغي أن ينظر إلى مثلهم في الصفات تقريبا لأن الحيوان ليس من ذوات الأمثال ويتمل أن يجب مثلهم في القيمة وهو قول أبي بكر (والثالثة) هو مخير بين فدائهم بمثلهم أو قيمتهم قال أحمد في رواية الميموني إما القيمة أو رأس برأس لأنهما جميعاً يرويان عن عمر ولكن لا أدري أي الإسنادين أقوى؟ وهذا اختيار أبي بكر قال في المقنع الفدية غرة بقدر القيمة أو القيمة وأيهما أعطى أجزأ ووجه ذلك أنه تردد بين الجنين الذي يضمن بغرة وبين إلحاقه بغرة من المضمونات فاقتضى التخيير بينهما والصحيح أنه يضمن بالقيمة كسائر المضمونات المتقومات وقول عمر قد اختلف عنه فيه قال أحمد في رواية أبي طالب وعليه قيمتهم مثل قول عمر فإذا تعارضت الروايات عنه وجب الرجوع إلى القياس

(المسألة الثالثة) فيمن يضمن منهم من ولد حيا في وقت يعيش لمثله سواء عاش أو مات بعد ذلك وقال مالك والثوري وأبو ثور وأصحاب الرأي لا ضمان على الأب لمن مات منهم قبل الخصومة وهذا يثبني على وقت وقد ذكرناه فأما السقط ومن ولد لوقت لا يعيش لمثله وهو دون ستة أشهر فلا ضمان له لأنه لا قيمة له. (فصل) في المهر ولا يخلو أن يكون ممن يجوز له نكاح الاماء أولا فإن كان ممن يجوز له ذلك وقد نكحها نكاحا صحيحا فلها المسمى فإن كان لم يدخل بها واختار الفسخ فلا مهر لها لأن الفسخ لعذر من جهتها فهي كالمعيبة يفسخ نكاحها وإن كان ممن لا يجوز لهم نكاح الإماء فالعقد فاسد من أصله ولا مهر فيه إن كان قبل الدخول فإن دخل بها فعليه مهرها وهل يجب المسمى أو مهر المثل؟ على روايتين يذكر ان في الواجب في النكاح الفاسد إن شاء الله تعالى وكذلك إن كان ممن يجوز له نكاح الإماء لكن تزوجها بغير إذن سيدها أو نحو ذلك مما يفسد به النكاح (الفصل الرابع) أنه يرجع بما غرمه على من غره من المهر وقيمة الأولاد وهو اختيار الخرقي ورواية عن أحمد قال ابن المنذر كذلك قضى عمر وعلي وابن عباس وبه قال الشافعي في القديم وفيه رواية أخرى لا يرجع بالمهر اختاره أبو بكر قال وهو قول علي وبه قال الثوري وأبو ثور وأصحاب الرأي والشافعي في الجديد لأنه وجب عليه في مقابلة نفع وصل إليه وهو الوطئ فلم يرجع به كما لو اشترى

مغصوباً فأكله بخلاف قيمة الولد فإنه لم يحصل في مقابلته عوض لأنها وجبت بحرية الولد وحرية الولد له لا لأبيه وقال القاضي إلا ظهر أنه لم يرجع بالمهر لأن أحمد قال كنت أذهب إلى حديث علي ثم إني هبته وكأني أميل الى حديث عمر يعني في الرجوع ولأن العاقد ضمن له سلامة الوطئ كما ضمن له سلامة الولد فكما يرجع عليه بقيمة الولد كذلك يرجع بالمهر قال وعلى هذا وكان الغرور من السيد عتقت وإن كان بلفظ غير هذا لم تثبت به الحرية فلا شئ له لأنه لا فائدة في أن يجب له ما يرجع به عليه وإن كان الغرور من وكيله رجع عليه في الحال وكذلك إن كان من أجنبي وإن كان منها فليس لها في الحال مال فيخرج فيها وجهان بناء على دين العبد بغير إذن سيده هل يتعلق برقبته أو بذمته يتبع به بعد العتق؟ قال القاضي فياس قول الخرقي أنه يتعلق بذمتها لأنه قال في الأمة إذا خالعت زوجها بإذن سيدها يتبعها به إذا عتقت كذا ههنا ويتبعها بجميعه وظاهر كلام أحمد أن الغرور إذا كان من الأمة لم يرجع على أحد فإنه قال إذا جاءت الأمة فقالت إني حرة فولت أمرها رجلا فزوجها على أنها حرة فالفداء على من غره يروى هذا عن علي وإبراهيم وحماد وكذلك قال الشعبي وإن قلنا يتعلق بها فالسيد مخير بين فدائها بقيمتها إن كانت أقل مما يرجع به عليها أو تسليمها فإن اختار فداءها بقيمتها سقط قدر ذلك عن الزوج فإنه لا فائدة في أن يوجبه عليه ثم يرده إليه وإن اختار تسليمها سلمها وأخذ ما وجب

له وقال القاضي إن الغرور الموجب للرجوع أن يكون اشتراط الحرية قارنا للعقد فيقول زوجتكها على أنها حرة وإن لم يكن كذلك لم يملك الفسخ وهذا مذهب الشافعي والصحيح خلاف هذا فإن الصحابة الذين قضوا بالرجوع لم يفرقوا بين أنواع الغرور ولم يستفصلوا والظاهر أن العقد لم يقع هكذا ولم تجربه العادة في العقود ولا يجوز قضاؤهم المطلق على صورة نادرة لم تنقل ولأن الغرر قد يكون من المرأة ولا لفظ لها في العقد ولأنه متى أخبره بحريتها أو أوهمه ذلك بقرائن تعلب على ظنه حريتها فنكحها على ذلك ورغب فيها وأصدقها صداق الحرائر ثم لزمه الغرم فقد استضر بناء على قول المخبر له والغار فتجب إزالة الضرر عنه بإثبات الرجوع على من غره وأضر به فعلى هذا إن كان الغرور من اثنين أو أكثر فالرجوع على جميعهم وإن كان الغرور منها ومن الوكيل فعلى كل واحد منهما نصفه (الفصل الخامس) أنه إن كان الزوج ممن يحرم عليه نكاح الإماء فإنه يفرق بينهما لأنا تبينا أن النكاح فاسد من أصله لعدم شرطه وهكذا إن كان تزوجها بغير إذن سيدها أو اختل شرط من شروط النكاح فهو فاسد يفرق بينهما والحكم في الرجوع على ما ذكرنا وإن كان ممن يجوز له نكاح الإماء وكانت الشرائط مجتمعة فالعقد صحيح وللزوج الخيار بين الفسخ والمقام على النكاح وهذا

معنى قول الخرقي وظاهر مذهب الشافعي وقال أبوحينفة لا خيار له لأن الكفاءة غير معتبرة في جانب المرأة ولأنه يملك الطلاق فيستغنى به عن الفسخ ولنا أنه عقد غرفيه أحد الزوجين بحرية الآخر فيثبت له الخيار كالآخر ولأن الكفاءة وإن لم تعتبر فإن عليه ضرراً في استرقاق ولده ورق امرأته وذلك أعظم من فقد الكفاءة فأما الطلاق فلا يندفع به الضرر فإنه يسقط نصف المسمى والفسخ يسقطه جميعه فإذا فسخ قبل الدخول فلا مهر لها وإن رضي بالمقام معها فله ذلك لأنه يحل له نكاح الإماء وما ولدت بعد ذلك فهو رقيق لسيدها لأن المانع من رقهم في الغرور اعتقاد الزوج حريتها وقد زال ذلك بالعلم ولو وطئها قبل العلم فعلقت منه ثم علم قبل الوضع فهو حر لأنه وطئها معتقداً حريتها (فصل) والحكم في المدبرة وأم الولد والمعتق نصفها كالأمة القن لأنها ناقصة بالرق إلا أن ولد أم الولد يقوم كأنه عبد له حكم أمه وكذلك من أعتق بعضها إلا أنه إذا فدى الولد لم يلزمه الافداء ما فيه من الرق لأن بقيته حر بحرية أمه لا باعتقاد الواطئ فإن كانت مكاتبة فكذلك إلا أن مهرها لها لأنه من كسبها وكسبها لها وتجب قيمة ولدها على الرواية المشهورة قال أبو بكر ويكون ذلك تستعين

به في كتابتها فإن كان الغرور منها فلا شئ لها إذ لا فائدة في إيجاب لها يرجع به عليها وإن كان الغرر من غيرها غرمه لها ورجع به على من غره (فصل) ولا يثبت أنها أمة بمجرد الدعوى ويثبت بالبينة فإن أقرت أنها أمة فقال أحمد في رواية أبي الحارث لا يستحقها بإقرارها لأن إقرارها يزيل النكاح عنها ويثبت حقاً على غيرها فلم يقبل كإقرارها بمال على غيرها وقال في رواية حنبل لا شئ حتى تثبت له أو تقر هي أنها أمته فظاهر هذا أنه يقبل إقرارها لأنها مقرة على نفسها بالرق أشبه غير المزوجة والأول أولى ولا نسلم أنه يقبل من غير ذات الزوج إقرارها بالرق بعد إقرارها بالحرية لأنها أقرت بما يتعلق به حق الله تعالى (فصل) فإن حملت المغرور بها فضربها ضارب فألقت جنيناً ميتاً فعلى الضارب غرة لأنه محكوم بحريته ويرثها ورثته فإن كان الضارب أباه لم يرثه ولا يجب بذل هذا الولد للسيد لأنه إنما يستحق بذل حي وهذا ميت ويحتمل أن يجب له عشر قيمة أمه لأن الواطئ فوت ذلك عليه باعتقاد الحرية ولولاه لوجب ذلك له (فصل) ويثبت له الخيار إذا ظنها حرة فبانت أمة كما إذا شرط ذلك وقال الشافعي لا خيار له ووافقاه فيما إذا ظن أنها مسلمة فبانت كافرة أنه يثبت له الخيار وقال بعضهم فيهما جميعاً قولان ولنا أن نقص الرق أعظم ضرراً فإنه يؤثر في رق ولده ومنع كما استمتاعه فكان له الخيار كما لو كانت كافرة

مسألة: وإن كان المغرور عبدا فولده أحرار ويفديهم إذا أعتق ويرجع به على من غره

(مسألة) (وإن كان المغرور عبداً فولده أحرار ويفديهم إذا أعتق ويرجع به على من غره) وذلك أن حكم العبد المغرور حكم الحرفي حرية أولاده، وقال أبو حنيفة ولده رقيق لأن أبويه رقيق ولا يصح ذلك لأنه وطئها معتقداً حريتها فأشبه الحر فإن هذا هو العلة المقتضية للحرية في محل الوفاق ولولا ذلك لكان رقيقاً فإن علة رق الولد رق الأم خاصة ولا عبرة بالأب بدليل ولد الحر من الأمة، وولد الحرة من العبد، وعلى العبد فداؤهم لأنه فوت رقهم باعتقاده وفعله ولا مال له في الحال فيخرج في ذلك وجهان (أحدهما) يتعلق برقبته كجنايته (والثاني) بذمته يتبع به بعد العتق وهو قول الخرقي فيكون بمنزلة الخلع من الأمة إذا بذلته بغير إذن سيدها وتفارق الاستدانة والجناية لأنه إذا استدان أتلف مال الغريم فكان جناية منه وههنا لم يجن في الأولاد جناية وإنما عتقوا من طريق الحكم وما حصل لهم منهم عوض فيكون ذلك في ذمته يتبع به بعد العتق ويرجع به حين يغرمه فإنه لا ينبغي أن يجب له بذل ما لم يثبت عليه وأما الحرية فتتعجل في الحال وإن قلنا إن الفداء يتعلق برقبته وجب في الحال ويرجع به سده في الحال ويثبت للعبد الخيار كثبوته للحر الذي يحل له نكاح الإماء لأن عليه ضرراً في رق ولده ونقصاً في استمتاعه فإنها لا تكون عنده ليلا ونهاراً ولم ترض به ويحتمل أن لا يثبت له خيار لأنه نقص صفة لا ينقص بها عن رتبته فأشبه ما لو شرط نسب امرأة فبانت بخلاف لأنها مساوية لنسبه بخلاف تغرير الحر وقال بعض الشافعية لا خيار له وقال بعضهم

مسألة: وإن تزوجت المرأة عبدا على أنه حر أو ظنته حرا فبان عبدا فلها الخيار

فيه قولان والأولى ما ذكرناه وإذا اختار الإقامة فالمهر واجب لا يرجع به على أحد وإن اختار الفسخ قبل الدخول فلا مهر وإن كان بعده والنكاح بإذن سيده فالمهر واجب عليه وفي الرجوع اختلاف ذكرناه فيما مضى وإن كان بغير إذنه فالنكاح فاسد فإن دخل بها ففي قدر ما يجب به وجهان (أحدهما) مهر المثل (والثاني) الخمسان وهل يرجع به؟ على وجهين (مسألة) (وإن تزوجت المرأة عبداً على أنه حر أو ظنته حراً فبان عبداً فلها الخيار) أما النكاح فهو صحيح وهو قول أبي حنيفة وأحد قولي الشافعي لأن اختلاف الصفة لا يمنع صحة العقد كما لو تزوج أمة على أنها حرة وهذا إذا كملت شروط النكاح وكان بإذن سيده وإن كانت المرأة حرة وقلنا الحرية ليست من شورط الكفاءة وإن فقد الكفاءة لا يبطل النكاح فهو صحيح ولأن للمرأة الخيار بين الفسخ والإمضاء فإن اختارت فلا وليائها الاعتراض عليها لعدم الكفاءة وإن كانت أمة فيبنغي أن يكون لها الخيار أيضاً لأنه لما ثبت الخيار للعبد إذا غرمن أمة ثبت للأمة إذا غرت بعبد وكل موضع حكمنا بفساد العقد به ففرق بينهما قبل الدخول فلا مهر لها وإن كان بعده فلها مهر المثل أو المسمى على ما قدمنا من الاختلاف وكل موضع فسخ النكاح مع القول بصحته قبل الدخول فلا شئ لها وإن كان بعده فلها المسمى لأنه فسخ طرأ على نكاح فأشبه الطلاق

(فصل) فإن غرها بنسب فبان بدونه وكان ذلك مخلا بالكفاءة وقلنا بصحة النكاح فلها الخيار فإن اختارت الإمضاء فلأوليائها الاعتراض عليها وإن لم تخل بالكفاءة فلا خيار لها لأن ذلك ليس بمعتبر في النكاح فأشبه ما لو شرطته فقيهاً فبان بخلافه وكذلك إن اشترطت غير النسب فإن كان مما يعتبر في الكفاءة فهو كما لو تبين أنه غير بمكافئ لها في النسب وإن لم يعتبر في الكفاءة كالفقه والجمال وأشباه ذلك فلا خيار لها لأن ذلك مما لا يؤثر في النكاح فلا يؤثر اشتراطه وذلك أنه إذا بان نسبه دون ما ذكره وجه في ثبوت الخيار لها وإن لم تخل بالكفاءة والأولى ما ذكرناه (فصل) قال الشيخ رضي الله عنه (وإن عتقت الأمة وزوجها حر فلا خيار لها في ظاهر المذهب) هذا قول ابن عمر وابن عباس وسعيد بن المسيب والحسن وعطاء وسليمان بن يسار وأبي قلابة وابن أبي ليلى ومالك والاوزاعي والشافعي واسحاق وقال طاوس وابن سيرين ومجاهد والنخعي وحماد ابن ابي سليمان والثوري وأصحاب الرأي لها الخيار لما روى الأسود عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم خير بريرة وكان زوجها حراً رواه النسائي ولأنها كملت بالحرية فكان لها الخيار كما لو كان زوجها عبداً وروى عن أحمد ذلك. ولنا أنها كافأت زوجها في الكمال فلم يثبت لها الخيار ما لو أسلمت الكتابية تحت المسلم فأما خبر الأسود عن عائشة فقد روى عنها القاسم بن محمد وعروة أن زوج بريرة كان عبداً وهما أخص بها

مسألة: وإن كان عبدا فلها الخيار في فسخ النكاح

من الأسود لأنهما ابن أخيها وابن أختها وقد روى الأسود عن إبراهيم عن عروة عن عائشة أن زوج بريرة كان عبداً فتعارضت روايتاه، وقال ابن عباس كان زوج بريرة عبداً أسود لبني المغيرة يقال له مغيث وراه البخاري وغيره وقالت صفية بنت أبي عبيد كان زوج بريرة عبداً قال أحمد هذا ابن عباس وعائشة قالا في زوج بريرة أنه عبد برواية علماء المدينة وعملهم وإذا روى أهل المدينة حديثاً وعملوا به فهو أصح شئ وإنما يصح حراً عن الأسود وحده فأما غير فليس بذلك قال والعقد صحيح فلا يفسخ بالمختلف فهى والحر فيه اختلاف والعبد لا اختلاف فيه، ويخالف الحر العبد لأن العبد ناقص فإذا كملت تحته تضررت ببقائها عنده بخلاف الحر (مسألة) (وإن كان عبداً فلها الخيار في فسخ النكاح) أجمع أهل العلم على هذا ذكره ابن المنذر وابن عبد البر وغيرهما والأصل فيه حديث بريرة قالت عائشة كاتبت بريرة فحيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم في زوجها وكان عبداً فاختارت نفسها قال عروة ولو كان حراً ما خيرها رواه مالك وابو داود والنسائي، ولأن عليها ضرراً في كونها حرة تحت العبد فكان لها الخيار كما لو تزوج حرة على أنه حر فبان عبداً فإن اختارت الفسخ فلها فراقه وإن رضيت المقام معه لم يكن لها فراقه بعد ذلك لأنها أسقطت حقها وهذا مما لا خلاف فيه بحمد الله

مسألة: ولها الفسخ بنفسها من غير حاكم

(مسألة) (ولها الفسخ بنفسها من غير حاكم) لأنه فسخ مجمع عليه غير مجتهد فيه فلا يفتقر إلى حكم حاكم كالرد بالعيب في المبيع بخلاف خيار العيب في النكاح فإنه مجتهد فيه فافتقر إلى حكم الحاكم كالفسخ للاعسار وروى الحسن عن عمرو بن أمية قال سمعت رجالا يتحدثون عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (إذا أعتقت الأمة فهي بالخيار ما ايطاها إن شاءت فارقت فإن وطئها فلا خيار لها) رواه الامام أحدم في السند (فصل) فإن اختارت الفراق كان فسخاً ليس بطلاق وبهذا قال أبو حنيفة والثوري والحسن بن صالح والشافعي وذهب مالك والاوزاعي والليث إلى أنه طلاق بائن، قال مالك إلا أن تطلق نفسها ثلاثا فتطلق ثلاثا، واحتج له بقصة زبراء حين طلقت نفسها ثلاثا فلم يبلغنا أن أحداً من الصحابة أنكر ذلك ولانهما تملك الفرق فملكت الطلاق كالرجل ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (الطلاق لمن أخذ بالساق) ولأنها فرقة من قبل الزوجة فكانت فسخا كما لو اختلف دينهما أو أرضعت من ينفسخ نكاح برضاعها، وفعل زبراء ليس بحجة ولم يثبت انتشاره في الصحابة، فعلى هذا لو قالت اخترت نفسي أو فسخت الناح انفسخ ولو قالت طلقت نفسي ونوت المفارقة كان كناية عن الفسخ لأنه يؤدي معناه فصلح كناية عنه كالكناية بالفسخ عن الطلاق (مسألة) (فإن أعتق قبل فسخها أو أمكنته من وطئها بطل خيارها) أما إذ أعتق الزوج قبل خيارها سقط لأن الخيار لدفع الضرر بالرق وقد زال بعتقه فسقط كالبيع

إذا زال عيبه وهذا أحد قولي الشافعي وإن وطئها بطل خيارها علمت بالخيار أو لم تعلم نص عليه أحمد واختاره الخرقي وروي ذلك عن عبد الله بن عمر وأخته حفصة ونافع والزهري وقتادة وحكاه بعض أهل العلم عن فقهاء الشيعة وذكر القاضي أن لها الخيار إذا لم تعلم فإن أصابها بعد علمها فلا خيار لها وهذا قول عطاء والحكم وحماد والثوري والاوزاعي والشافعي وإسحاق لأنها إذا أمكنت من وطئهها قبل علمها لم يوجد منها ما يدل على الرضى فهو كما لو لم تصب، ووجه الأول ما تقدم من حديث عمرو بن أمية، وروى مالك عن ابن شهاب عن عروة أن مولاة لبني عدي يقال لها زبراء أخبرته أنها كانت تحت عبد فعتقت قالت فأرسلت إلى حفصة فدعتي فقالت أن أمرك بيدك ما لم يمسك زوجك وإن مسك فليس لك من الامر شئ. فقلت هو الطلاق ثم الطلاق ففارقته ثلاثاً، وروى مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن لها الخيار ما لم يمسها، ولأنه خيار عيب فيسقط بالتصرف فيه مع الجهالة كخيار الرد بالعيب ولا تفريع على هذا القول. فأما على القول الآخر فإذا وطئها وادعت الجهالة بالعت وهي ممن يجوز خفاء ذلك عليها مثل أن يعتقها سيدها في بلد آخر فالقول قولها مع يمينها لأن الأصل عدم ذلك وإن كانت ممن لا يخفى عليها لكونهما في بلد واحد واشتهر ذلك لم يقبل قولها لأنه خلاف الظاهر وإن علمت العتق وادعت الجهالة بثبوت الخيار فالقول قولها لأن ذلك لا يعلمه إلا خواص الناس فالظاهر صدقها وللشافعي في قبول قولها قولان

مسألة: وخيار المعتقة على التراخي ما لم يوجد منها ما يدل على الرضى ولا يمنع الزوج وطأها

(مسألة) (وخيار المعتقة على التراخي ما لم يوجد منها ما يدل على الرضى ولا يمنع الزوج وطأها) وممن قال أنه على التراخي مالك والاوزاعي وروي ذلك عن عبد الله بن عمر وأخته حفصة وبه قال سليمان بن يسار ونافع والزهري وقتادة وقال أبو حنيفة وسائر العراقيين لها الخيار في مجلس العلم وللشافعي ثلاثة أقوال أطهرها كقولنا والثاني أنه على الفور كخيار الشفعة، والثالث أنه إلى ثلاثة أيام. ولنا ما روى الإمام أحمد بإسناده عن الحسن بن عمرو بن أمية قال سمعت رجالاً يحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (إذا أعتقت الأمة فهي بالخيار ما لم يطأها إن شاءت فارقته وإن وطئها فلا خيار لها) ورواه الاثرم أيضا. وروى أبو داود أن بريرة عتقت وهي عنده مغيب عبد لآل بني أحمد فحيرها النبي صلى الله عليه وسلم وقال لها (ان اقربك فلا خيار لك) ولأنه قول من سمينا من الصحابة قال ابن عبد البرلا أعلم لابن عمر وحفصة مخالفاً من الصحابة ولأن الحاجة داعية إلى ذلك فثبت الخيار كخيار القصاص أو خيار لدفع ضرر متحقق فأشبه ما قلنا (مسألة) (فإن كانت صغيرة أو مجنونة فلها الخيار إذا بلغت أو عقلت) ولا خيار لهما في الحال لأنه لا عقل لهما ولا قول معتبر ولا يملك وليهما الاختيار ععنهما ليس له هذا طريقه الشهوة فلا يدخل تحت الولاية كالاقتصاص فإذا بلغت الصغيرة وعقلت المجنونة فلهما الخيار حينئذ لكونهما صارا على صفة لكل منهما حكم وهكذا الحكم لو كان عند زوجيتهما عيث بوجب الفسخ

مسألة: وإن طلقت قبل اختيارها وقع الطلاق وبطل خيارها

فإن كان زوجاهما قد وطئاهما فظاهر كلام الخرقي أنه لا خيار لهما فإن مدة الخيار انقضت، وعلى قول القاضي وأصحابه لهما الخيار لأنه لا رأي لهما فلا يكون تمكينها من الوطئ دليلا على الرضى بخلاف الكبيرة العاقلة ولا يمنع زوجاهما من وطئهما (مسألة) (وإن طلقت قبل اختيارها وقع الطلاق وبطل خيارها) لأنه طلاق من زوج جائز التصرف في نكاح صحيح فيقدم كما لو لم يعتق، وقال القاضي طلاقه موقوف فإن اختارت الفسخ لم يقع لأنه يتضمن إبطال حقها من الخيار وإن لم تختر وقع، وللشافعي قولان كهذين الوجهين وبنوا عدم الوقوع على أن الفسخ أسند إلى حالة العتق فيكون الطلاق واقعاً في نكاح مفسوخ وكذلك إن طلق الصغيرة أو المجنونة بعد العتق ولنا أنه طلاق من زوج مكلف مختار في نكاح صحيح فوقع كما لو طلقها قبل عتقها أو كما لو لم يختر والفسخ إنما يوجب الفرقة من حينه لأنه سببها ولا يجوز تقديم الفرقة عليه إذا الحكم لا يتقدم سببه ولأن العدة تبدأ من حين الفسخ لا من حين العتق وما سبقه من الوطئ وطئ في نكاح صحيح يثبت به الاحصان والإحلال للزوج الأول، ولو كان الفسخ سابقاً لانعكست الحال قول القاضي أنه يبطل حقها من الفسخ غير صحيح فإن الطلاق يحصل به مقصود الفسخ مع وجوب نصف المهر وتقصير العدة

مسألة: وإن أعتقت الأمة الرجعية فلها الخيار

عليها فإن ابتداءها من حين طلاقه لا من حين فسخه ثم لو كان مبطلا لحقها لم يقع وإن لم يختر الفسخ كما لا يصح تصرف المشتري في المبيع في مدة الخيار سواء فسخ البائع أو لم يفسخ وهذا فيما إذا كان الطلاق باثنا فإن كان رجعيا لم يسقط خيارها على ما نذكر فيما بعد، فعلى قولهم إذا طلقت قبل الدخول ثم اختارت الفسخ سقط مهرها لأنها بانت بالفسخ وإن لم تفسخ فلها نصف الصداق لأنها بانت بالطلاق (مسألة) (وإن أعتقت الأمة الرجعية فها الخيار) لأن نكاحها باق يمكن فسخه ولها في الفسخ فائدة فإنها لا تأمن رجعته إذا لم تفسخ، فإن قيل فتفسخ حينئذ قلنا إذا تحتاج إلى عدة أخرى لانها معتده من الطلاق والفسخ لا ينافيها فهو كما لو طلقها طلقة أخرى وتبنى على عدة حرة لأنها عتقت في عدتها وهي رجعية (مسألة) (فإن اختارت المقام فهل يبطل خيارها؟ على وجهين) (أحدهما) لا يبطل وهو قول الشافعي لأنها جارية إلى بينوته (والثاني) يبطل اختيارها لأنها يصح فيها احتيار القسخ فصح اختيار المقام كصلب النكاح وهو اختيار شيخنا، وإن لم تختر شيئاً لم يبطل خيارها لأنه على التراخي ولأن سكوتها لا يدل على رضاها لأنه يحتمل أنه كان تحربا بها إلى بينونة اكتفاء منها بذلك فإن ارتجعها بلها الفسخ حينئذ وإن فسخت ثم عدد فزوجها بقيت معه بطلقة واحدة لأن طلاق العبد اثنتان وإن تزوجها بعد أن عتق رجعت معه على طلقتين لأنه صار حراً فملك ثلاث طلقات كسائر الأحرار

مسألة: وإن اختارت الفسخ قبل الدخول فلا مهر لها

(مسألة) (ومتى اختارت المعتقة الفسخ بعد الدخول فالمهر للسيد) وجملة ذلك أن المعتقة متى اختارت المقام مع زوجها قبل الدخول أو بعده فالمهر للسيد وكذلك إن اختارت القسخ بعد الدخول لأنه وجب بالعقد وإن اخارت المقام ولم يوجد له مسقط فاز فسخت بعد الدخول فقد استقر المهر بالدخول فلم يسقط بثي وهو للسيد في الحالين لأنه وجب بالعقد في ملكه والواجب المسمى في الحالين سواء كان الدخول قبل العتق او بعده وقال أصحاب الشافعي إن كان الدخول قبل العتق فكذلك وإن كان بعده فالو اجب مهر المثل ولنا أنه عقد صحيح فيه مسمى صحيح انصل به الدخول قبل الفسخ وأوجب المسمى كما لو لم يفسخ ولأنه لو وجب بالوطئ بعد الفسخ لكان المهر لها لأنها حرة حينئذ، قولهم إن الوطئ في نكاح فاسد غير صحيح لأنه كان صحيحاً ولم يوجد ما يفسده ويثبت فيه أحكام الوطئ في النكاح الصحيح من الا حلال للزوج الأول وكونه حلالاً (مسألة) (وإن اختارت الفسخ قبل الدخول فلا مهر لها) نص عليه أحمد وهو مذهب الشافعي وعن أحمد أن للسيد نصف المهر اختاره أبو بكر لأنه وجب للسيد فلا يسقط بفعل غيره

مسألة: وإن أعتق أحد الشريكين وهو معسر فلا خيار لها

ولنا أن الفرقة جاءت من قبلها فيسقط مهرها كما لو أسلمت أو ارتدت أو أرضعت من بفسخ نكاحها وقوله وجب للسيد قلنا لكن بواسطنها ولهذا سقط نصفه بفسخها وجميعه بإسلامها وردتها (فصل) ولو كانت مفوضة ففرض مهر المثل فهو للسيد أيضاً لأنه وجب بالعقد في ملكه لا بالفرض ولذلك لو مات أحدهما وجب والموت لا يوجب فدل على أنه وجب بالعقد وإن كان الفسخ قبل الدخول والفرض فلا شئ إلا على الرواية الأخرى ينبغي أن تجب المتعة لأنها تجب بالفرقة قبل الدخول في موضع لو كان مسمى وجب نصفه (مسألة) (وإن اعتق أحد الشريكين وهو معسر فلا خيار لها) وقال أبو بكر لها الخيار لأن عتق المعسر لا يسري بل يعتق منها ما أعتق وباقيها رقيق فلا تكمل حريتها فلا يثبت لها الخيار حينئذ وهذا قول الشافعي وعن أحمد أن لها الخيار حكاها أبو بكر واختارها لأنها أكمل منه فإنها ترث وتورث وتحجب بقدر ما فيها من الحرية، ووجه الرواية الأولى أنه لا نص في المعتق بعضها ولا هي في معنى الحرة الكاملة لأن الحرة كاملة الأحكام ولأن العقد صحيح فلا يفسخ بالمختلف فيه وهذه مختلف فيها وعن أحمد رضي الله عنه إذا عتقت وزوجها حر بهذه العلة فأما إن كان المعتق موسر اسرى إلى باقيها فعتقت كلها وثبت لها الخيار

(فصل) ولو زوج أمة قيمتها عشرة بصداق عشرين تم أعتقها في مرضه بعد الدخول بها ثم مات ولم يملك غيرها وغير مهرها بعد استيفائه عتقت لأنها تخرج من الثلث وإن لم يكن قبضه عتق في الحال ثلثها وفي الخيار لها وجهان، فكلما اقتضي من مهرها شيئاً عتق منها بقدر ثلثه فإذا استوفى كله عتقت كلها ولها الخيار حينئذ عند من لم يثبت لها اليخار قبل ذلك، فإن كان زوجها وطئها قبل استيفا. مهرها بطل خيارها عند من جعل لها الخيار حينئذ لانها أسقطنه بتمكينه من وطئها وعلى قول الخرقي لا يبطل لأنها مكنته منه قول ثبوت الخهيار لها فأشبه ما لو مكنت منه قبل عتقها فأما إن عتقت قبل الدخول بها فلا خيار لها على قول الخرقي لأن فسخها للنكاح سقط به صداقها فيعجز الثلث عن كمال قيمتها ورق ثلثاها ويسقط خياها فيقضي إثبات الخيار لها إلى إسقاطه فيسقط وهذا مذهب الشافعي وعند أبي بكر لها الخيار فعلى قول من أوجب لسيدها نصف المهر يعتق ثلثاها إذا استوفى وعلى قول من أسقط يعتق ثلثها (فصل) وإن أعتق زوج الأمة لم يثبت لها خيار لأن عدم الكمال في الزوجة لا يؤثر في النكاح ولذلك لا تعتبر الكفاءة إلا في الرجل دون المرأة، فلو تزوج امرأة مطلقا فبانت أمة لم يكن له الخيار ولو تزوجت المرأة رجلا مطلقا فبان عبداً فلها الخيار فكذلك في الاستدامة لكن إن أعتق ووجد طول الحرة فهل يبطل نكاحه؟ على وجهين مضى ذكرهما (فصل) إذا أعتقت الأمة فقالت لزوجها زدني في مهري ففعل فالزيادة لها دون سيدها سواء كان

مسألة: وإن عتق الزوجان معا فلا خيار لها وعنه ينفسخ نكاحهما

زوجها حرا أو عبدا وسواء عتق معها أو لقم يعتق نص عليه أحمد فيما إذا زوج عبده أو أمته ثم أعتقا جميعا فقالت الأمة زدني في مهري فالزيادة للأمة لا للسيد فقيل أرأيت إن كان الزوج لغير السيد لمن تكون الزيادة؟ قال للامة وعنى قياس هذا لو زوجها سيدها ثم باعها فزادها زوجها في مهرها فالزيادة للثاني وقال القاضي الزيادة لسيد المعتق في الموضعين على قياس المذهب لأن من أصلنا أن الزيادة في الصداق تلحق بالعقد الأول فيكون كالمذكور فيه، قال شيخنا والذي قلنا أصح لأن الملك في الزيادة حال وجودها بعد زوال ملك سيدها عنها فيكون لها كسبها والموهوب لها، وقولنا أن الزيادة تلحق بالعقد معناه أنها تلزم ويثبت الملك فيها ويصير الجميع صداقاً وليس معناه أنا تبينا أن الملك كان ثابتاً فيه وكان لسيدها فإن هذا محال لأن سبب ملك هذه الزيادة وجد بعد العتق فلا يجوز أن يتقدم الملك عليه لأنه يؤدي إلى تقدم الحكم قبل سببه ولو كان الملك ثابتاً للمعتق فيه حين التزويج لزمته زكاته وكان له نماؤه وهذا أظهر من أن نطيل فيه. (مسألة) (وإن عتق الزوجان معاً فلا خيار لها وعنه ينفسخ نكاحهما) اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في ذلك فالمشهور عنه أنه لا خيار لها والنكاح بحاله سواء أعتقهما واحد أو اثنان نص عليه أحمد وعنه لها الخيار لأنها كملت بالحرية تحت من لم يسبق لم حرية

فملكت الفسخ كما لو عتقت قبله، والأول أولى لأن حرية العبد لو طرأت بعد عتقها منع فإذا قارنت كان أولى أن يمنع كإسلام الزوجين، وعنه رواية ثالثة أن أعتقا انفسخ نكاحهما لأن العتق معنى يزيل الملك عنهما لا إلى مالك فجاز أن تقع به الفرقة كالموت ولأنه لا يمتنع أن لا تحصل الفرقة بوجوده من أحدهما أو تحصل بوجوده منهما كاللعان والإقالة في البيع. قال شيخنا: معناه والله أعلم أنه إذا وهب لعبده سرية وأذن له في التسري بها ثم أعتقهما جميعاً صارا حرين وخرجت عن ملكه فلم يكن له إصابتها إلا بنكاح جديد هكذا روى جماعة من أصحابه فيمن وهب عبده سرية أو اشترى له سرية ثم اعتقها لا يقربها إلا بنكاح جديد، واحتج أحمد بما روي عن نافع عن ابن عمر أن عبد الله كان له سريتان فأعتقهما وأعتقه فنهاه أن يقربهما إلا بنكاح جديد ولأنها بإعتاقها خرجت عن أن تكون مملوكة فلم يبح له التسري بها كالحرة الأصلية، وأما إذا كانت امرأة فعتقا لم ينفسخ نكاحه بذلك لأنه إذا لم ينفسخ بإعتاقها وحدها فلأن لا ينفسخ بإعتاقهما معاً أولى ويحتمل أن أحمد إنما أراد بقوله أنفسخ نكاحهما أن لها فسخ النكاح ويخرج هذا على الرواية التي تقول لها الفسخ إذا كان زوجها حراً فعتقت عنه (فصل) ويستحب لمن له عبد وأمة متزوجان فأراد عتقهما البداية بالرجل لئلا يثبت للمرأة خيار عليه فيفسخ نكاحه، وقد روى أبو داود والاثرم بإسنادهما عن عائشة أنه كان لها غلام وجارية فتزوجها فقالت للنبي صلى الله عليه وسلم إني أريد أن أعتقهما؟ فقال لها " ابدئي بالرجل قبل المرأة "

باب حكم العيوب في النكاح

وعن صفية بنت أبي عبيد أنها فعلت ذلك وقالت للرجل إني بدأت بعتقك لئلا يكون لها عليك خيار والله أعلم. (باب حكم العيوب في النكاح) (العيوب المثبتة للفسخ ثلاثة أقسام (أحدها) ما يختص بالرجال وهو شيئان (أحدهما) أن يكون الرجل مجبوباً قد قطع ذكره ولم يبق منه ما يمكن الجماع به) الكلام في العيوب المثبتة لفسخ النكاح للمرأة ووالرجل إذ اختار ذلك في أربعة فصول: (أحدها) أن خيار الفسخ يثبت لكل واحد من الزوجين للعيب يجده في الآخر في الجملة وروي ذلك عن عمر بن الخطاب وابنه وابن عباس رضي الله عنهم، وبه قال جابر بن زيد والشافعي واسحاق وروي عن علي لا ترد الحرة بعيب، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه إلا أن يكون الرجل مجبوبا أو عنينا فإن للمرأة الخيار فإن اختارت الفراق فرق الحاكم بينهما بطلقة ولا يكون فسخاً لأن وجود العيب لا يقتضي فسخ النكاح كالعمي والزمانة وسائرا لعويب ولنا أن المختلف فيه يمنع الوطئ فأثبت الخيار كالجب والعنة ولأن المرأة أحد العوضين في النكاح فجاز ردها بعيب كالصداق، أو أحد العوضين في عقد النكاح فجاز رده بالعيب أو أحد الزوجين فيثبت

له الخيار بالعيب في الآخر كالمرأة، فأما العمى والزمانة ونحوهما فلا يمنع المقصود بعقد النكاح وهو الوطئ بخلاف العيوب المختلف فيها، فان قيل فالجذام والجنون والبرص لا يمنع الوطئ قلنا بل يمنعه فإن ذلك يوجب نفرة تمنع من قربانه بالكلية ويخاف منه التعدي إلى نفسه ونسله والمجنون يخاف منه الجناية فصار كالمانع الحمي (الثاني) العيوب المجوزة للفسخ وهي ثمانية: اثنان يختصان الرجل وهما الجب والعنة وثلاثة تختص المرأة وهي الفتق والقرن والعفل وثلاثة يشترك فيها الزوجان وهي الجذام والجنون والبرص وهكذا ذكرها الخرقي، وقال القاضي: هي سبعة جعل القرن والعفل شيئاً واحداً وهو الرتق وذلك لحم ينبت في الفرج، حكي ذلك أهل الأدب وحكي نحوه عن ابي بكر وذكره أصحاب الشافعي وقال الشافعي القرن عظم في الفرج يمنع الوطئ وقال عن غيره لا يكون في الفرج عظم إنما هو لحم ينبت فيه وحكي عن أبي حفص أن العفل كالرغوة في الفرج يمنع لذة الوطئ، وقال أبو الخطاب الرتق أن يكون الفرج مسدوداً يعني ملتصفا لا يدخل الذكر فيه والقرن والعقل لحم ينبت في الفرج فيسده فهما في معنى الرتق إلا أنهما نوع آخر، وأما الفتق فهو انخراق ما بين السبيلين وقيل انخراق ما بين مخرج البول والمني وذكرها أصحاب الشافعي سبعة أسقطوا منها الفتق ومنهم من جعلها ستة وجعل القرن والعفل شيئاً

مسألة: فإن اختلفا في إمكان الجماع بما بقي من ذكره فالقول قول المرأة

واحداً وإنما اختص الفسخ بهذه العيوب لأنها تمنع الاستمتاع المقصود بالنكاح فإن الجذام والبرص يثيران نفرة في النفس تمنع قربانه ويخشى تعديه إلى النفس والنسل فيمنع الاستمتاع، والجنون يثير نفرة ويخشى ضرره والجب والرتق بتعذر معهما الوطئ والفتق يمنع لذة الوطئ وفائدته وكذلك العفل على قول من فسره بالرغوة (فصل) فإن اختلفا في وجود العيب كمن يجسده بياض يمكن أن يكون بهقاً أو برصاً واختلفا في كونه برصاً أو كانت به علامات الجذام من ذهاب شعر الحاجبين فاختلفا في كونه جذاماً فإن كانت للمدعي بينة من أهل الخبرة والثقة فيشهدان بما قال ثبت قوله والاحلف المنكر والقول لقول النبي صلى الله عليه وسلم (ولكن اليمين على المدعى عليه) وإن اختلفا في عيوب النساء أريت النساء الثقات ويقبل فيه قول امرأة واحدة فإن شهدت بما قال الزوج وإلا فالقول قول المرأة، وأما الجنون فإنه يثبت الخيار سواء كان مطبقا أو كان يجن في الأحيان لأن النفس لا تسكن إلى من هذه حاله إلا أن يكون مريضاً يغمى عليه ثم يزول فذلك مرض لا يثبت به خيار فإن زال المرض ودام الاغماء فهو كالمجنون يثبت به الخيار. (مسألة) (فإن اختلفا في إمكان الجماع بما بقي من ذكره فالقول قول المرأة)

لأنه يضعف بالقطع والاصل عدم الوطئ ويحتمل أن القول قوله كما لو ادعى الوطئ في العنة ولأن له ما يمكن الجماع بمثله فأشبه من له ذكر قصير (الثاني) أن يكون عنينا العنين هو العاجز عن إيلاج ذكره وهو مأخوذ من عن أي اعترض لأن ذكره يعن إذا أراد إيلاجه أي يعترض قيل لأنه يعن لقبل المرأة عن يمينه وشماله فلا يقصده فإذا كان الرجل كذلك فهو عيب به وتستحق به المرأة فسخ النكاح بعد أن يضرب له مدة يختبر فيها ويعلم حاله بها، وهذا قول عمر وعثمان وابن مسعود والمغيرة بن شعبة رضي الله عنهم وبه قال سعيد بن المسيب وعطاء وعمرو بن دينار والنخعي وقتادة وحماد بن أبي سليمان وعليه فتوى فقهاء الأمصار منهم مالك وأبو حنيفة وأصحابه والثوري والاوزاعي والشافعي واسحاق وأبو عبيد وشذ الحكم وداود فقالا لا يؤجل وهي امرأته وروي ذلك عن علي رضي الله عنه لان امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله: إن رفاعة طلقني فبت طلاقي فتزوجت بعبد الرحمن بن الزبير وإنما له مثل هدية الثوب فقال (تريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا حتى تذوقي عسيلته) ويذوق عسلتيك ولم يضرب له مدة ولنا ما روى أن عمر رضي الله عنه أجل العنين سنة وروى ذلك الدارقطني عن عمرو ابن مسعود والمغيرة بن شعبة ولا مخالف لهم ورواه أبو حفص عن علي ولأنه عيب يمنع الوطئ فأثبت الخيار كالجب في الرجل والرتق في المرأة فأما الخبر فلا حجة لهم فيه فإن المدة إنما تضرب له مع اعترافه

مسألة: فإن ادعت ذلك أجل سنة منذ ترافعه

وطلب المرأة ذلك ولم يوجد واحد منهما وقد روي أن الرجل وقال إني لأعركها عرك الأديم وقال بن عبد البر وقد صح أن ذلك كان بعد طلاقه فلا معنى لضرب المدة وصح ذلك في قول النبي صلى الله عليه وسلم (تريدين أن ترجعي إلى رفاعة) ولو كان قبل طلاقه لما كان ذلك إليها وقيل أنها ذكرت ضعفه وشبهته بهدبة الثوب مبالغة ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم (حتى تذوقي عسيلته) والعاجز عن الوطئ لا يحصل منه ذلك (مسألة) (فإن ادعت ذلك أجل سنة منذ ترافعه) وجملة ذلك أن المرأة إذا ادعت عجز زوجها عن وطئها لعنة سئل عن ذلك فإن أنكر وهي عذراء فالقول قولها وإن كانت ثيباً فالقول قوله مع يمينه في ظاهر المذهب لأن الأصل السلامة ولأن هذا أمر لا يعرف إلا من جهته وقال القاضي هل يستحلف؟ على وجهين بناء على دعوى الطلاق (مسألة) (فإن اعترف بذلك أو قامت بينة على إقراره به فأنكر فطلبت يمينه فنكل ثبت عجزه) ويؤجل سنة في قول عامة أهل العلم وعن الحارث بن ربيععة أنه أجل رجلا عشرة أشهر ولنا قول من سمينا من الصحابة ولأن هذا العجز قد يكون لعنة وقد يكون لمرض فضرب له سنة لتمر به الفصول الأربعة فإن كان من يبس زال في فصل الرطوبة وإن كان من رطوبة زال في فصل

مسألة: وإن اعترفت أنه وطئها مرة بطل كونه عنينا

اليبس وإن كان من برودة زال، في فصل الحرارة وإن كان من انحراف مزاج زال في فصل الاعتدال فإذا مضت الفصول الأربعة واختلفت عليه الأهوية فلم يزل علم أنه خلقة وحكي عن أبي عبيد أنه قال أهل الطب يقولون الداء لا يستجن في البدن أكثر من سنة ثم يظهر وابتداء السنة من يوم ترافعه قال ابن عبد البر على هذا جماعة القائلين بتأجيله قال معمر في حديث عمر يؤجل سنة من يوم ترافعه فإذا انضت المدة فلم يطأ فلها الخيار في فسخ النكاح (مسألة) (وأن اعترفت أنه وطئها مرة بطل كونه عنيناً) أكثر أهل العلم على هذا يقولون متى وطئ امرأته مرة ثم ادعت عجزه لم تسمع دعواها ولم تضرب له مدة منهم عطاء وطاوس والحسن ويحيى الانصاري والزهري وعمرو بن دينار وقتادة ومالك والاوزاعي والشافعي واسحاق وأبو عبيد وأصحاب الرأي وقال أبو ثور إذا عجز عن عن وطئها أجل له لأنه عجز عن وطئها فثبت حقها كما لو وجب بعد الوطئ ولنا أنه قد تحققت قدرته على الوطئ في هذا النكاح وزوال عنته فلم تضرب له مدة كما لو لم يكن لأن حقوق الزوجية من استقرار المهر والعدة ثبتت بوطئ واحد وقد وجد ما أوجبه فإنه يتحقق به العجز فافترقا (فصل) وإن علمت أن عجزه عن الوطئ لعارض من صغر أو مرض مرجوا لزوال لم تضرب له مدة لأن ذلك عارض يزول والعنة لا تزول لأنها جبلة وخلقة وإن كان لكبر أو مرض لا يرجى

مسألة: وإن وطئها في الدبر أو وطئ غيرها لم تزل العنة ويحتمل أن تزول

برؤه ضربت له المدة لأنه في معنى من خلق كذلك وإن كان لجب أو شلل ثبت الخيار في الحال لأن الوطئ مأيوس منه فلا معنى لانتظاره وإن كان قد بقي من الذكر ما يمكن الوطئ به أولا رجع الى أهل الخبرة في ذلك. (فصل) والوطئ الذي يخرج به من العنة هو تغيب الحشفة في الفرج لأن الأحكام المتعلقة بالوطئ تتعلق به فإن كان الذكر مقطوع الحشفة كفاه تغييب قدرا لحشفة من الباقي في أحد الوجهين ليكون ما يجري من المقطوع مثل ما يجري من الصحيح (والثاني) لا يخرج من العنة إلا بتغييب جميع الباقي لانه لاحد ههنا يمكن اعتباره فاعتبر تغييب جميعه لأنه المعنى الذي يتحقق به حصول حكم الوطئ وللشافعي قولان كهذين. (مسألة) (وإن وطئها في الدبر أو وطئ غيرها لم تزل العنة ويحتمل أن تزول) لأن الدبر ليس محلا للوطئ فأشبه الوطئ فيما دون الفرج ولذلك لا يتعلق به الإحلال للزوج الأول ولا الإحصان وإن وطئها في القبل حائضاً أو نفساء أو محرمة أو صائمة خرج عن العنة وذكر القاضي أن قياس المذهب أن لا يخرج عن العنة لنص أحمد على أنه لا تحصل به الإباحة للزوج الأول ولانه وطئ محرم أشبه الوطئ في الدبر

ولنا أنه وطئ في محل الوطئ فحرج به عن العنة كما لو وطئها وهي مريضة يضرها الوطئ ولأن العنة العجز عن الوطئ فلا يبقى مع وجود الوطئ لأن العجز ضد القدرة فلا يبقى مع وجود ضده وما ذكره غير صحيح لأن تلك الأحكام يجوز أن تبقى مع وجود سببها لمانع أو فوات شرط والعنة في نفسها أمر حقيقي لا يتصور بقاؤه مع انتفائه وأما الوطئ في الدبر فليس وطأ في محله بخلاف مسئلتنا وفيه قول أن العنة تزوجل به اختاره ابن عقيل لأنه أصعب فمن قدر عليه فهو على غيره أقدر (فصل) فإن وطئ امرأة لم يخرج به من العنة في حق غيرها واختار ابن عقيل أنه يخرج عن العنة في حق جميع النساء فلا تسمع دعواها عليه منها ولا من غيرها وهذا مقتضى قول أبي بكر وقول من قال إنه يختبر بتزويج امرأة أخرى ويحكى ذلك عن سمرة وعمر بن عبد العزيز قالوا لأن العنة خلقة وجبلة لا تتغير بغير النساء فإذا انتفت في حق امرأة لم تبق في حق غيرها ولنا أن حكم كل امرأة معتبر بنفسها ولذلك لو ثبتت عنته في حقهن فرضي بعضهن سقط حقها وحدها دون الباقيات ولأن الفسخ لدفع الضرر الحاصل بالعجز عن وطئها وهو ثابت في حقها لا يزول بوطئ غيرها وقوله كيف يصح العجز عن واحدة دون أخرى؟ قلنا قد تنهض شهوته في حق إحداهما لفرط حبه إياها وميله إليها واختصاصها بكمال ولوجه دون الأخرى فعلى هذا لو تزوج امرأة فأصابها ثم أبائها ثم تزجها فعن أحمد لها المطالبة لأنه إذا جاز أن يعن عن امرأة دون أخرى ففي

نكاح دون نكاح أولى ومقتضى قول أبي بكر ومن وافقه لا يصح هذا بلى متى وطئ امراة لم تثبت عنته أبداً. (فصل) وإن ادعى أنه وطئها وقالت أنها عذراء فشهدت بذلك امرأة ثقة فالقول قولها وإلا فالقول قوله. إذا ادعت المرأة عنة زوجها فادعى أنه وطئها وقالت أنها عذراء أريت النساء الثقات فإن شهدن بعذرتها فالقول قولها ويقبل في قاء عذترها شهادة امرأة واحدة كالرضاع ويؤجل الرجل وبهذا قال الثوري والشافعي واسحاق وأصحاب الرأي لأن الوطئ يزيل العذرة فوجودها يدل على عدم الوطئ فإن ادعى أن عذرتها عادت بعد الوطئ فالقول قولها لأن هذا بعيد جداً وإن كان متصوراً وهل تستتحلف المرأة؟ يحتمل وجهين (احدهما) تستحلف لإزالة هذا الاحتمال كما يستحلف سائر من قلنا القول قوله والآخر لا يستحلف لأن ما يبعد جدا لالتفات إليه كاحتمال كذب البينة العادلة وكذب المقر في إقراره وهل يقبل قول امرأة واحدة؟ على روايتين (إحداهما) تقبل شهادة واحدة كالرضاع (والثاني) لا يقبل فيه إلا اثنتان لأن ما يقبل فيه شهادة الرجال لا يقبل فيه إلا اثنان فالنساء أولى (فصل) وإن لم يشهد لها أحد فالقول قوله لأن الأصل السلامة في الرجال وعدم العيوب ودعواه تتضمن سلامة العقد وصحته ويسقط حكم قولها لتبين كذبها فإن ادعت أن عذرتها زالت بسبب أحد فالقول قوله لأن الأصل عدم الأسباب

مسألة: وإن كانت ثيبا فالقول لما ذكرنا

(مسألة) (وإن كانت ثيباً فالقول قوله لما ذكرنا) ولأن هذا يتعذر إقامة البينة عليه فقبل قوله فيه مع يمينه وبهذا قال الثوري والشافعي، وأصحاب الرأي وابن المنذر لأن هذا مما تتعذر إقامة البينة ويمينه أقوى فإن دعواه سلامة العقد وسلامة نفسه من العيوب والاصل السلامة فكان القول قوله كالمنكر في سائر الدعاوي وعليه اليمين عليه صحة ما قال وهذا قول من سمينا ههننا لأن قوله محتمل للكذب فقوينا قوله بيمينه كما في سائر الدعاوى التي يستحلف فيها فإن نكل قضي عليه بتكوله ويدل على وجوب اليمين قول النبي صلى الله عليه وسلم (ولكن اليمنى نعلي المدعى عليه) قال القاضي ويتخرج أن لا يستحلف على إنكاره دعوى الطلاق فإن فيها روايتين كذا ههنا والصحيح أنه يستحلف لدلالة الخبر والمعنى عليه وروى عن أحمد أن القول قولها مع يمينها حكاها القاضي في المجرد لأن الأصل عدم الإصابة فكان القول قولها لأنه موافق للأصل واليقين معها وقال الخرقي يخلو معها في بيت ويقال له اخرج ماءك على شئ فإن ادعت أنه ليس بمني جعل على النار فإن ذاب فهو مني وبطل قولها هكذا حكاه الخرقي عن أحمد فعلى هذا إن أخرج ماءه فالقول قوله لأن العنين يضعف عن الإنزال فإذا أنزل تبينا صدقه فيحكم به وهو مذهب عطاء فإن ادعت انه ليس يمني جعل على النار فإن ذاب فهو مني لأنه يشتبه ببياض البيض وذلك إذا وضع على النار يجتمع ويبس وهذا يذوب فيتميز بذلك أحدهما من الآخر فيختبر به وعلى هذا متى عجز عن إخراج مائه

فالقول قول المرأة لأن الظاهر معها وفي كل موضع حكمنا بوطئه بطل حكم عنته فان كان في ابتداء الأمر لم يضربه له مدة وإن كان بعد ضرب المدة انقطعت وإن كان بعد انقضائها لم يثبت له خيار وكل موضع حكمنا بعدم الوطئ منه حكمنا بعنته كما لو أقر بها واختار أبو بكر أنه يزوج امرأة لها حظ من الجمال ويعطى صداقها من بيت المال ويخلى وتسأل عنه ويؤخذ بما تقول فإن أخبرت بأنه يط كذبت الأولى والثانية بالخيار بين الإقامة والفسخ وإن كذبته فرق بينه وبينهما وصداق الثانية من ماله ههنا لما روي أن امرأة جاءت إلى سمرة فشكت إليه أنه لا يصل إليها زوجها فكتب إلى معاوية فكتب اليه إن زوجه امرأة ذات جمال يذكر عنها الصلاح وسق إليها من بيت المال عنه فإن أصابها فقد كذبت وإن لم يصبها ققد صدقت ففعل ذلك سمرة فجاءت المرأة فقالت ليس عنده شئ ففرق بينهما وقال الأوزاعي تشهده امرأتان ويترك بينهما ثوب ويجامع امرأته فإذا قام عنها نظرتا إلى فرجها فان كان فيه رطوبة الماء فقد صدق وإلا فلا وحكي عن مالك مثل ذلك إلا أنه اكتفى بواحدة والصحيح أن القول قوله لما ذكرنا وكذا لو ادعى الوطئ في الإيلاء واعتبار خروج الماء ضعيف لأنه قد يطأ ولا ينزل وقد ينزل من غير وطئ فإن ضعف الذكر لا يمنع سلامة الطهر ونزول الماء وقد يعجز السليم القادر عن الوطئ في بعض الأحوال وليس كل من عجز عن الوطئ في حال من الأحوال أو وقت من الأوقات

(فصل) يكون عنينا ولذك جعلنا مدته سنة وتزويجه بامرأة ثانية لا يصح لذلك أيضاً ولأنه قد يعن عن امرأة دون أخرى ولأن نكاح الثانية إن كان وقتا أو غير لازم فهو نكاح باطل والوطئ فيه حرام وإن كان صحيحاً لازماً ففيه إضرار بالثانية ولا ينبغي أن يقبل قولها لأنها تريد بذلك تخليص نفسها فهي متهمة فيه وليس بأحق أن يقبل قولها من الأولى ولأن الرجل لو أقر بالعجز عن الوطئ في يوم أو شهر لم تثبت عنته بذلك وأكثر ما في الذي ذكروه اان ثبت عجزه عن الوطئ في اليوم الذي اختبروه فيه وإذا لم يثبت حكم عنته بإقراره بعجزه فلأن لا يثبت بدعوى غيره ذلك عليه أولى (فصل) القسم الثاني يختص النساء وهو شيئان (الرتق) وهو كون الفرج مسدوداً لا مسلك للذكر فيه وكذلك القرن والعفل وهو لحم يحدث فيه يسده وقيل القرن عظم والعفل رغوة تحدث فيه تمنع لذة الوطئ (الثاني) الفتق وهو انخراق ما بين السبيلين وقيل انخراق ما بين مخرج البول والمني (فصل) قال رضي الله عنه (القسم الثالث) مشترك بينهما وهو الجذام والبرص والجنون وسواء كان مطبقا أو يجن في الأحيان فهذه الأقسام يثبت بها خيار الفسخ رواية واحدة لما سبق وقد ذكرنا دليل ذلك والخلاف فيه (فصل) واختلف أصحابنا في البخر وهو نتن في الفم وقال ابن حامد نتن في الفرج يثور عند

الوطئ واستطلاق البول والنجو والقروح السيالة في الفرج والخصاء وهو قطع الخصيتين والسل هو سل البيضتين والوجى وهو رضهما وفي كونه حنثي وفيما إذ وجد أحدهما بصاحبه عيبابه مثله أو حدث به العيب بعد العقد هل يثبت الخيار؟ على وجهين (أحدهما) لا يثبت الخيار وهو المفهوم من كلام الخرقي ثم ذكر العيوب التي تتبت الخيار في فسخ النكاح ولم يذكر شيئاً من هذه لأن ذلك لا يمنع من الاستمتاع ولا يخشى تعديه فلم يثبت به الخيار كالعمى والعرج ولأن ذلك إنما يثبت بنص أو إجماع أو قياس ولا نص فيها ولا إجماع ولا يصح قياسها على العيوب المثبتة للخيار لما بينهما من الفرق فان الوطئ مع هذه العيوب ممكن بل قد قيل أن الخصي أقدر على الجماع لأنه لا يعتبر بإنزال الماء والخنثى فيه خلقة زائدة لا تمنعه الجماع أشبه اليد الزائدة وإذا وجد أحدهما بصاحبه عيبا به مثله فلا خيار لأنهما متساويان فلا مزية لأحدهما على صاحبه والوجه (الثاني) له الخيار وقال أبو بكر وأبو حفص إذا كان أحدهما لا يستمسك بوله ولا خلاه فللآخر الخيار ويتخرج على ذلك من به الباسور القروح السيالة في الفرج ذكره أبو الخطاب لأنها تثير نقرة وتتعدى نجاستها وتسمى من لا يحبس نجوها الشريم ومن لا يحبس بولها الماشولة ومثلها من الرجال الأفين وقال أبو حفص والخصاء عيب يردبه وهو أحد قولي الشافعي لأن فيه نفصا وعارا ويمنع الوطئ أو يضعفه وقد روى أبو عبيد بإسناده عن سليمان بن يسار أن ابن سند تزوج امرأة وهو خصي فقال له عمر أعلمتها؟ قال لاقال أعلمها ثم خيرها وفي البخر وكون أحد الزوجين خنثى

غير مشكل وجهان (أحدهما) يثبت الخيار لأن فيه نفرة ونقصاً وعاراً والبخر نتن وقال ابن حامد نتن في الفرج يثور عند الوطئ وهذا إن أراد به أنه يسمى بخراً ويثبت الخيار والا فلا معنى له فإن نتن الفم يسمى بخرا ويمنع مقارنة صاحبه الا على كره وما عدا هذه من العيوب لا يثبت الخيار وجهاً واحداً كالقرع والعمى والعرج وقطع اليدين والرجلين لأنه لا يمنع الاستمتاع ولا يخشى تعديه ولا نعلم في هذا بين أهل العلم خلافاً إلا أن الحسن قال إذا وجد أحدهما الآخر عقيماً يخير وأحب أحمد أن يبين أمره وقال عسى امرأته تريد الولد وهذا في ابتداء النكاح فأما الفسخ فلا يثبت به ولو ثبت لذلك لثبت في الآيسة ولأن ضده يعلم فإن رجالا لا يولد لأحدهم وهو شاب. ثم يولد له ولد وهو شيخ ولا يتحقق ذلك منهما وأما سائر العيوب فلا يثبت بها فسخ عندهم والله أعلم وأما إذا وجد أحدهما بصاحبه عيبا به مثله ففيه وجه أن يثبت الخيار لوجود سببه كما لو غر عبد بأمة والان الإنسان قد يأنف من عيب غيره ولا يأئف من عيب نفسه (فصل) وأما إذا وجد أحدهما بصاحبه عيباً به عيب من غير جنسه كالأبرص يجد المرأة مجنونة أو مجذومة فلكل واحد منهما الخيار لوجود سببه إلا أن يجد المجبوب المرأة رتقاء فلا ينبغي أن يثبت لها خيار لأن عيبه ليس هو المانع لصاحبه من الاستمتاع وإنما امتنع لعيب نفسه (فصل) وإن حدث العيب بعد العقد فيه وجهان (أحدهما) يثبت الخيار وهو ظاهر قول الخرقي

مسألة: وإن علم بالعيب وقت العقد أو قال قد رضيت بها معيبة بعد العقد أو وجد منه دلالة على الرضا من وطء أو تمكين مع العلم بالعيب فلا خيار له لا نعلم فيه خلافا

لأنه قال فإن جب قبل الدخول فلها الخيار في وقتها لأنه عيب في النكاح يثبت الخيار مقارناً فأثبته كالإعسار والرق فإنه يثبت الخيار إذا قارن مثل أن تغز الأمة من عبد ويثبته إذا طرأت الحرية إذا عتقت الأمة تحت العبد ولأنه عقد على منفعة فحدوث العيب بها يثبت الخيار كالاجاة (والثاني) لا يثبت الخيار وهو قول أبي بكر وابن حامد ومذهب مالك لأنه عيب حدث بالمعقود عليه بعد لزوم العقد أشبه الحادث بالمبيع والصحيح الأول وهذا ينتقض بالعيب الحادث في الإجارة، وقال أصحاب الشافعي إن حدث بالزوج أثبت الخيار وإن حدث بالمرأة فكذلك في أحسد الوجهين ولا يثبته في الآخر لأن الرجل يمكنه طلاقها بخلاف المرأة. ولنا أنهما تساويا فيما إذا كان العيب سابقاً فتساويا فيه لا حقا كالمتبايعين (مسألة) (وإن علم بالعيب وقت العقد أو قال قد رضيت بها معيبة بعد العقد أو وجد منه دلالة على الرضى من وطئ أو تمكين مع العلم بالعيب فلا خيار له لا نعلم فيه خلافاً) لأنه رضي به فأشبه مشتري المعيب، وإن ظن العيب يسيراً فبان كثيراً كمن ظن البرص في قليل من جسدها فبان في كثير منه فلا خيار له أيضاً لأنه من جنس ما رضي به، وإن رضي بعيب فبان غيره فله الخيار لأنه وجد بها عيباً لم يرض به ولا يجنسه فيثبت له الخيار كالمبيع إذا رضي بعيب فيه فوجد به غيره وإن رضي بعيب فزاد بعدا لعقد كأن كان قليل من البرص فانبسط في جلدها فلا خيار له لأن رضاه به رضا بما يحدث منه

مسألة: فإن فسخ قبل الدخول فلا مهر، وإن فسخ بعده فعليه المهر المسمى وقيل عنه مهر المثل

(فصل) وخيار العيب ثابت على التراخي لا يسقط ما لم يوجد منه ما يدل على الرضي به من القول والاستمتاع به من الزوج أو التمكين من المرأة، هذا ظاهر كلام الخرقي لقوله فإن علمت أنه عنين فسكتت عن المطالبة ثم طالبت بعد فلها ذلك وذكر القاضي أنه على الفور وهو مذهب الشافعي فمتى أخر الفسخ مع العلم والإمكان بطل خياره لأنه خيار الرد بالعيب فكار على الفور كاد المبيع المعيب ولنا أنه خيار لدفع ضرر متحقق فكان على التراخي كخياء القصاص وخيار العيب في المبيع ممنوع ثم الفرق بينهما أن ضرره في المبيع غير متحقق لأنه قد يكون المقصود ماليته أو خدمته ويحصل ذلك مع عيبه وههنا المقصود الاستمتاع وذلك يفوت بعنته، وأما خيار الشفعة والمجلس فهو لدمع ضرر عبر متحقق (مسألة) (ولا يجوز الفسخ إلا بحكم حاكم لأنه مجتهد فيه فهو كفسخ العنة والفسخ للاعسار يالنفقة ويخالف خيار المعتقة لأنه متفق عليه) (مسألة) فإن فسخ قبل الدخول فلا مهر وإن فسخ بعده فعليه لمهر المسمى وقبل عنه مهر المثل) أما إذا فسخ قبل الدخول فلا مهر عليه سواء كان من الزوج أو من المرأة وهذا قال الشافعي لأن الفسخ إن ان منها فالفرقة من جهتها فيسقط مهرها كما لو فسخته برضاع زوجة له أخرى، وإن كان منه فإنما فسخ بعيب بها دلسته بالإخفاء فصار الفسخ كأنه منها فإن قيل فهلا جعلتم فسخها لعنته كأنه منه لحصوله بتد ليسه؟ قلنا العوض من الزوج في مقابلة منافعها فإذا اختارت فسخ العقد مع سلامة ما عقد

عليه رجع العوض إلى العاقد معها وليس من جهتها عوض في مقابلة منافع الزوج وإنما يثبت لها لأجل ضرر يلحقها لا لتعذر ما استحققت عليه في مقابلته عوضاً فافترقا (فصل) وإن كان الفسخ بعد الدخول فلها المهر لأنه يجب بالعقد ويستقر بالدخول فلم يسقط بحادث بعده ولذلك لا يسقط بردتها ولا بفسخ من جهتها ويجب المهر المسمى، وذكر القاضي في المجرد فيه روايتين (إحداهما يجب المسمى (والأخرى) مهر المثل بناء على الروايتين في العقد الفاسد، وقال الشافعي الواجب مهر المثل لأن الفسخ استند إلى العقد الفاسد ولنا أنها فرقة بعد الدخول في نكاح صحيح فيه مسمى صحيح فوجب المسمى كغير المعيبة كالمعتقة تحت عبد، والدليل على أن النكاح صحيح أنه وجد بشروطه وأركانه فكان صحيحاً كما لو لم يفسخه ولأنه لو لم يفسخه لكان صحيحاً فكذلك إذا فسخه كنكاح الأمة إذا عتقت تحت عبد ولانه تترتب عليه أحكام الصحة من ثبوت الإحصان والإباحة للزوج الأول وسائر أحكام الصحيح ولأنه لو كان فاسداً لما جاز بقاؤه وتعين نسخه وما ذكروه لا يصح فإن الفسخ يثبت حكمه من حينه غير سابق عليه وما وقع على صفة يستحيل أن يكون واقعاً على غيرها وكذلك لو فسخ البيع بعيب لم يصر العقد فاسداً ولا يكون النماء لغير المشتري، ولو كان المبيع أمة فوطئها لم يجب به مهرها فكذلك النكاح (مسألة) (ويرجع به على من غره من المرأة والولي وعنه لا يرجع)

مسألة: ويرجع به على من غره من المرأة والولي وعنه لا يرجع

المذهب أنه يرجع وهو الذي ذكره الخرقي، وقال أبو بكر فيه رواية أخرى أنه لا يرجع. قال شيخنا: والصحيح أن المذهب رواية واحدة أنه يرجع فإن أحمد قال كنت اذهب إلى قول علي فهبته فملت إلى قول عمر: إذا تزوجها فرأى جذاما أو برصا فإن لها صداقها بمسيسته إياها ووليها ضامن للصداق وهذا يدل على أنه يرجع إلى هذا القول وبه قال الزهري وقتادة ومالك والشافعي في القديم وروي عن علي أنه لا يرجع وبه قال أبو حنيفة والشافعي في الجديد لأنه ضمن ما استوفى بدله وهو الوطئ فلا يرجع به على غيره وكما لو كان المبيع معيناً فأكله ولنا ما روى مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال قال عمر بن الخطاب: أيما رجل تزوج امرأة بها جنون اوجذام أو برص فمسها فلها صداقها. وذلك لزوجها غرم على وليها ولأنه غرة في النكاح بما يثبت الخيار فكان المهر عليه كما لو غره بحرية أمة، ذا ثبت هذا فإن كان الولي علم غرم وإن لم يكن علم فالتغرير من المرأة فيرجع علهيا بجميع الصداق وإ اختلفوا في علم الولي فشهدت عليه بينة بالإقرار بالعلم وإلا فالقول قوله مع يمينه وقال الزهري وقتادة إن علم الولي غرم وإلا استحلف بالله أنه ما علم ثم هو على الزوج، وقال القاضي إن كان أبا أو جدا أو ممن يجوز له أن يراها فالتغرير من جهته علم أو لم يعلم وإن كان ممن لا يجوز له أن يراها كابن العم والمولى وعلم غرم، وإن أنكر ولم تفم البينة بإقراره فالقول قوله مع يمينه ويرجع على المرأة بجميع الصداق، وهذا قول مالك إلا أنه قال إذا

ردت المرأة ما أخذت ترك لها قدر ما تستحل به لئلا تصير كالموهوبة والشافعي قولان كقول مالك والقاضي ولنا على أن الولي إذا لم يعلم لا نعرم أن التغرير من غيره فلم يغرم كما لو كان ابن عم وعلى أنه يرجع بكل الصداق لأنه مغرور منها فرجع بكل الصداق كما لو غره الولي، وقولهم لا يخفى على من يراها لا يصح فإن عيب الفرج لاطلاع له عليها ولا يحل له رؤيتها وكذلك العيوب تحت الثياب فصار في هذا كمن لا يراها إلا في الجنون فإنه لا يكاد يخفى على من يراها إلا أن يكون غائبا وأما الرجوع بالمهر فإنه بسبب آخر فيكون بمنزلة ما لو وهبته إياه بخلاف الموهوبة (فصل) فإن طلقها قبل الدخول ثم علم أنه كان بها عيب فعليه نصف الصداق ولا يرجع به لأنه رضي بالتزامه فلم يرجع على أحد وإن ماتت أو مات قبل العلم بالعيب فلها الصداق كاملا ولا يرجع به على أحد لأن سبب الرجوع الفسخ ولم يوجد وههنا استقر الصداق بالموت ولا يرجع به (فصل) ولا سكنى لها ولا نفقة لأن ذلك إنما يجب لمن لزوجها عليه الرجعة وهذه تبين بالفسخ كما تبين بالثلاث وليس لزوجها عليه رجعة فلم يجب لها نفقة ولا سكنى لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس (النفقة والسكنى للمرأة إذا كان لزوحها عليها الرجعة) رواه النسائي، وهذا إذا كانت حائلاً فإن كانت حاملاً فلها النفقة لأنها بائن من نكاح صحيح وهي حامل فكانت لها النفقة كالمطلقة

مسألة: وليس له تزويج كبيرة بمعيب بغير رضاها

ثلاثا والمختلعة وفي السكنى روايتان، وقال القاضي لا نفقة لها وإن كانت حاملاً في أحد الوجهين لأنها بائن من نكاح فاسد وكذلك قال أصحاب الشافعي في أحد الوجهين وفي الآخر لها النفقة لأن النفقة للحمل والحمل لاحق به وبنوه على النكاح الفاسد وقد بينا صحته فيما مضى (فصل) قال الشيخ رضي الله عنه (وليس لولي صغيرة ولا مجنونة ولا سيد أمة تزويجها معيبا) لأنه ناظر لهم بما فيه الحظ، ولا حظ لهم في هذا العقد فإن زوجهن مع العلم بالعيب لم يصح النكاح وكذلك الحكم في الصغير لأنه عقد لهم عقداً لا يجوز عقده فلم يصح كما لو باع عقاره لغير غبطة ولا حاجة، وإن لم يعلم بالعيب صح كما لو اشترى لهم معيباً لا يعلم عيبه ويجب عليه الفسخ إذا علم لانع عليه النظر لهم فيه الحظ في الفسخ ويحتمل أن لا يصح النكاح لأنه زوجهم ممن لا يملك تزويجهم إياه فلم يصح كما لو زوجهم ممن يحرم عليهم (مسألة) (وليس له تزويج كبيرة بمعيب بغير رضاها) بغير خلاف نعلمه لأنها تملك الفسخ إذا علمت به بعد العقد فالامتناع أولى (مسألة) (فإن اختارات الكبيرة تزويج مجبوب أو عنين لم يملك منعها) لأن الحق لها في أحد الوجهين. والوجه الثاني له أن يمنعها

مسألة: فأما إن علمت العيب بعد العقد أو حدث به لم يملك إجبارها على الفسخ إذا رضيت

قال احمد ما يعجبني أن يزوجها بعنين وإن رضيت الساعة تكره إذا أدخلت عليه، لأن من شأنهن النكاح، ويعجبهن من ذلك ما يعحبنا وذلك لأن الضرر في هذا دائم، والرضى غير موثوق بدوامه ولا تتمكن من التخلص إذا كانت عالمة في ابتداء العقد وربما أفضى إلى الشقاق والعداوة فيتضرر وليها وأهلها فملك الولي منعها كما لو أرادت نكاح من ليس بكفء وقال القاضي: له منعها من نكاح المجنون، وليس له منعها من نكاح المجبوب والعنين لأن ضررهما عليها خاصة، وفي الأبرص والمجنون وجهان (أحدهما) لا يملك منعها لأن الحق لها والضرر عليها اشبه المجبوب والعنين و (الثاني) له منعها لأن عليه ضرراً فيه فإنه يتغير به ويخشى تعديه إلى الولد فأشبه التزويج بغير كف، وهذا مذهب الشافعي، والأولى أن له منعها لأن عليها فيه ضرراً دائماً وعاراً عليها وعلى أهلها فملك منعها منه كالتزويج بغير الكفء فأما ان اتفقا على ذلك ورضيا به جاز وصح النكاح لأن الحق لهما لا يخرج عنهما ويكره لهما ذلك لما ذكره أبو عبد الله من أنها وإن رضيت الآن تكره فيما بعد ويحتمل أن يملك سائر الأولياء الاعتراض عليها ومنعها من هذا التزويج لأن العار يلحق بهم وينالهم الضرر فأشبه ما لو زوجها بغير كفء (مسألة) (فأما إن علمت العيب بعد العقد أو حدث به لم يملك إجبارها على الفسخ إذا رضيت) لأن حق الولي في ابتداء العقد لا في دوامه ولهذا لو دعت وليها إلى تزويجها بعبد لم تلزمه إجابتها ولو أعتقت عبداً لم يملك إجبارها على الفسخ

باب نكاح الكفار. وحكمه حكم نكاح المسلمين فيما يجب بدون تحريم المحرمات

باب نكاح الكفار وحكه حكم نكاح المسلمين فيما يجب بدون تحريم المحرمات وجملة ذلك أن أنكحتهم يتعلق بها أحكام النكاح الصحيح من وقوع الطلاق والظهار والإيلاء ووجوب المهر والقسمة والإباحة للزوج الأول والإحصان وغير ذلك. وممن أجاز طلاق الكفار عطاء والشعبي والنخعي والزهري وحماد والثوري والاوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي ولم يجوزه الحسن وقتادة وربيعة ومالك. ولنا أنه طلاق من بالغ عاقل في نكاح صحيح فوقع كطلاق المسلم فإن قيل لا تسلم صحة أنكحتهم قلنا دليل ذلك أن الله تعالى أضاف النساء إليهم فقال (وامرأته حمالة الحطب) وقال (امرأة فرعون) وحقيقة الإضافة تقتضي زوجية صحيحة ولدت من نكاح لا من سفاح وإذا ثبتت صحتها ثبتت أحكامها كأنكحة المسلمين فعلى هذا إذا طلق الكافر ثلاثاً ثم تزوجها قبل زوج وإصابة ثم أسلما لم يقرا عليه وإن طلق امرأته أقل من ثلاث ثم أسلما فهي عنده على ما بقي من طلاقها وإن نكحها كتابي وأصابها حلت لمطلقها ثلاثا سواء كان المطلق مسلماً أو كافراً وإن ظاهر الذمي من امرأته

مسألة: ويقرون على الأنكحة المحرمة ما اعتقدوا حلها ولم يرتفعوا إلينا

ثم أسلما فعليه كفارة الظهار لقول الله تعالى (والذين يظاهرون من نسائهم) الآية. فإن آلى ثبت حكم الإيلاء لقوله تعالى (للذين يؤلون من نسائهم) ويحرم عليهم ما يحرم في النكاح على المسلمين على ما ذكرنا في باب المحرمات في النكاح (مسألة) (ويقرون على الأنكحة المحرمة ما اعتقد واحلها ولم يرتفعوا إلينا) إنما يقرون بهذين الشرطين (أحدهما) أن لا يترافعوا إلينا (الثاني) أن يعتقدوا إباحة ذلك في دينهم لأن ما لا يعتقدون حله ليس من دينهم فلا يقرون عليه كالزنا والسرقة، وقال االله تعالى (فان جاؤك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا) فيدل هذا على أنهم يخلون وأحكامهم إذا لم يجيئوا إلينا ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر ولم يتعرض عليهم في أنكحتهم منع علمه انهم يستبيحون نكاح محارمهم ولأنه أسلم خلق كثير في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فأقرهم على أنكحتهم ولم يكشف عن كيفيتها فإذا لم يرتفعوا لم نتعرض لهم لأنا صالحناهم على الإقرار على دينهم. وعن أحمد في مجوسي تزوج كتابة أو اشترى نصرانية قال يحال بينه وبينها قيل من يحول بينهما؟ قال الإمام قال أبو بكر لأن علينا ضرراً في ذلك بتحريم أولاد النصرانية علينا ويجئ على قوله في تزويج النصراني المجوسية فيخرج من هذا أنهم لا يقيمون على نكاح محرم وأن يحال بينهم وبين نكاح محارمهم فإن عمر كتب أن فرقوا بين كل ذي رحم من المجوس وقال أحمد في مجوسي ملك أمة نصرانية يحال بينه وبينها ويجبر على بيعها لها دين وله دين فإن ملك نصراني مجوسية فلا بأس أن يطألها وقال أبو بكر عبد العزيز لا يباح له وطؤها أيضاً لما ذكرناه من الضرر

مسألة: وإن أسلموا أو ترافعوا إلينا في ابتداء العقد لم نمضه إلا على الوجه الصحيح مثل أنكحة المسلمين بالولي والشهود والإيجاب والقبول

(مسألة) (وإن أسلموا أو ترافعوا إلينا في ابتداء العقد لم نمضه إلا على الوجه الصحيح مثل أنكحة المسلمين بالولي والشهود والإيجاب والقبول) لأنه لا حاجة إلى عقد يخالف ذلك قال الله تعالى (وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط) وإن كان في إثباته لا يتعرض في كيفية عقدهم ولا تعتبر له شروط أنكحة المسلمين من الولي والشهود وصيغة الإيجاب والقبول وأشباه ذلك بلا خلاف بين المسلمين قال ابن عبد البر أجمع العلماء على أن الزوجين إذا أسلما معافي حال واحدة ان لهما المقام على نكاحهما ما لم يكن بينهما نسب أو رضاع وقد أسلم خلق كثير في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلم نساؤهم فأقروا على أنكحتهم ولم يسألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن شروط النكاح ولا كيفيته وهذا أمر علم بالتواتر والضرورة فكان يقينا (مسألة) (لكن إن كانت المرأة في هذه الحال ممن لا يجوز ابتداء نكاحها كأحد المحرمات بالنسب أو السبب أو المعتدة أو المرتدة أو الوثنية والمجوسية والمطلقة ثلاثاً لم يقرا) لحديث عمر وإن تزوجها في العدة وأسلما بعد انقضائها أقرا لأنها مما يجوز ابتداء نكاحها وإن ترافعا إلينا في العدة فسخ نكاحهما لأنه لا يجوز ابتداء نكاحهما وإن كان بينهما نكاح متعة لم يقرا عليه لأنه إن كان بعد المدة لم يبق بينهما نكاح وإن كان في المدة فهما لا يعتقدان تأييده والنكاح عقد

مسألة: وإن قهر حربي حربية فوطئها أو طاوعته أو اعتقداه نكاحا ثم أسلما أقرا عليه

مؤبد إلا أن يعتقد فساد الشرط وحده وإن كان خيار مدة فأسلما فيها لم يقرا لذلك وإن كان بعدها أقرا لأنهما يعتقدان لزومه وكل ما اعتقدوه نكاحا فهو نكاح يقرون عليه ومالا فلا (مسألة) (وإن قهر حربي حربية فوطئها أو طاوعته أو اعتقداه نكاحا ثم أسلما أقرا عليه) لأنه نكاح لهم فيمن يجوز ابتداء نكاحها فأقرا عليه كالنكاح بلا ولي وان يعتقداه نكاحا لم يقرا عليه لأنه ليس من أنكحتهم. (مسألة) (وإذا كان المهر مسمى صحيحاً أو فاسداً قبضته استقر وإن كان فاسداً فلم تقبضه فرض لها مهر المثل) (إذا أسلم الكفار وترافعوا إلينا بعد العقد والقبض لم نتعرض لما فعلوه وما قبضت من المهر فقد نفذوا ليس لها غيره حلالا كان أو حراما بدليل قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا) فأمر بترك ما بقي من دون ما قبض وقال تعالى (فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله) ولأن التعرض للمقبوض بإبطاله يشق لتطاول الزمان وكثرة تصرفاتهم في الحرام ففيه تنفيرهم عن الإسلام فعفي عنه كما عفي عن ترك ما تركوه من الفرائض والواجبات ولأنهما تقابضا بحكم الشرك فبرئت ذمة من هو عليه منه كما لو تبايعا بيعاً فاسدا وتقابضا وإن لم يتقاضبها وكان المسمى حلالا وجب ما سميا لأنه مسمى صحيح في نكاح صحيح فوجب كتسمية المسلم وان ان حراما كالخمر والخنزير بطل ولم يحكم به لأن ما سمياه لا يجوز

إيجابه في الحكم ولا يجوز أن يكون صداقا لمسلمة ولا في نكاح مسلم ويجب مهر المثل إن كان قبل الدخول ونصفه أو وقعت الفرقة قبل الدخول وبهذا قال الشافعي وأبو يوسف وقال أبو حنيفة إن كان أصدقها خمراً أو خنزيراً معينين فليس لها إلا ذلك وإن كانا غير معينين فلها في الخمر القيمة وفي الخنزير مهر المثل استحسانا. ولنا أن الخمر لا قيمة له في الإسلام فكان الواجب مهر المثل كما لو أصدقها خنزيراً ولأنه محرم أشبه الخنزير (فصل) وإن قبضت بعض الحرام دون بعض سقط من المهر بقدر ما قبض ووجب بحضة ما بقي من مهر المثل فإن كان الصداق عشرة زقاق خمر متساوية فقبضت منها خمسة سقط نصف المهر ووجب لها نصف مهر المثل وإن كانت مختلفة اعتبر ذلك بالكيل في أحد الوجهين لأنه إذا وجب اعتباره اعتبر ذلك بالكيل فيا له مثل يتأنى الكيل فيه (والثاني) يقسم على عددها لأنه لا قيمة لها فاستوى كبيرها وصغيرها وإن أصدقها عشرة خنازير ففيه الوجهان (أحدهما) يقسم على عددها لما ذكرنا (والثاني) تعتبر قيمتها كأنها مما يجوز كما تقوم شجاع الحر كأنه عبد، وإن أصدقها كلبا وخنزيرين وثلاث زقاق خمر ففيه ثلاث أوجه (أحدها) يقسم على قدر قيمتها عندهم (والثاني يقسم على عدد الأجناس فيجعل لكل جنس ثلث المهر (والثالث) يقسم على العدد فلكل واحد سدس المهر وللكب سد

ولكل واحد من الخنزيرين والزقاق سدسه ومذهب الشافعي على نحو هذا (فصل) فإن نكحها نكاحا فاسدا وهوما لا يقرون عليه إذا أسلموا كنكاح ذوات الرحم فأسلما قبل الدخول أو ترافعوا إلينا فرق بينهما ولا مهر لها، قال أحمد في المجوسية تكون تحت أخيها أو أبيها فيطلقها أو يموت عنها فترتفع إلى المسلمين لا مهر لها وذلك لأنه نكاح باطل من أصله لا يقر عليه في الإسلام وجدت فيه الفرقة قبل الدخول، وأما إن دخل بها فهل يجب مهر المثل؟ يخرج على روايتين في المسلم إذا وطئ امرأة من محارمه بشبهة (فصل) إذا تزوج ذمي ذمية على أن لا صداق لها أو سكت عن ذكره فلها المطالبة بفرضه إن كان قبل الدخول وإن كان بعده فلها مهر المثل كما في نكاح المسلمين وبهذا قال الشافعي، وقال أبو حنيفة إن تزوجها على أنه لامهر لها فلا شئ لها وإن سكت عن ذكره فعنه روايتان (إحداهما لا مهر لها (والأخرى) مهر المثل، واحتج بأن المهر يجب لحق الله وحقها وقد أسقطت حقها والذي يطالب به حق الله تعالى ولنا أن هذا نكاح خلا عن تسمية فيجب للمرأة فيه مهر المثل كالمسلمة وإنما وجب المهر في حق المسلمة لئلا تصير كالموهوبة والمباحة وهذا يوجد في حق الذمي (فصل) قال الشيخ رضي الله عنه: إذا أسلم الزوجان معا أو أسلم زوج الكتابية فهما على نكاحهما سواء كان قبل الدخول أو بعده وليس بين أهل العلم في هذا اختلاف بحمد الله، وذكر ابن المنذر أنه إجماع من أهل العلم وذلك لأنه لم يوجد منهم اختلاف وقد روى أبو داود عن ابن عباس أن رجلا جاء مسلماً على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ثم جاءت امرأته بعده فقال يا رسول الله إنها كانت أسلمت

مسألة: فإن أسلمت الكتابية قبله وقبل الدخول تعجلت الفرقة سواء كان زوجها كتابيا أو غير كتابي إذ لا يجوز لكافر نكاح المسلمة

معي فردها عليه، ويعتبر تلفظهما بالإسلام دفعة واحدة لئلا يسبق أحدهما صاحبه فيفسد النكاح. ويحتمل أن يقف على المجلس كالقبض ونحوه فإن حكم المجلس كله حكم حالة العقد ولأنه يتعذر اتفاقهما على النطق بكلمة الإسلام دفعة واحدة فلو اعتبر ذلك لوقعت الفرقة بين كل مسلمين قبل الدخول إلا في النادر فيبطل الإجماع، وإذا أسلم زوج الكتابية قبل الدخول أو بعده أسلما معافا لنكاح باق بحاله سواء كان زوجها كتابياً أو غير كتابي لأن للمسلم ابتداء نكاح الكتابية فاستدامته أولى، ولا خلاف في هذا بين القائلين بجواز نكاح الكتابية للمسلم (مسألة) (فإن أسلمت الكتابية قبله وقبل الدخول تعجلت الفرقة سواء كان زوجها كتابياً أو غير كتابي إذ لا يجوز لكافر نكاح المسلمة) قال إبن المنذر أجمع على هذا كل من تحفظ عنه من أهل العلم (مسألة) (فان كات هي المسلمة فلا مهر لها، وإن كان هو المسلم قبلها فلها نصف المهر وعنه لا مهر لها) وجملة ذلك أن الفرقة إذا حصلت قبل الدخول بإسلام المرأة فلا شئ لها لأن الفرقة من جهتها وبهذا قال الحسن ومالك والزهري والاوزاعي وابن شبرمة والشافعي وعن أحمد رواية أخرى أن لها نصف المهر إذا كانت هي المسلمة اختارها أبو بكر وبه قال قتادة والثوري ويقتضيه قول أبي حنيفة لأن الفرقة حصلت من قبله بامتناعه من الإسلام وهي فعلت ما فرض الله عليها فكان لها نصف ما فرض

الله لها كما لو علق طلاقها على الصلاة فصلت، ونقل عن أحمد في مجوسي أسلم قبل أن يدخل بامرأته فلا شئ لها من الصداق لما ذكرنا، ووجه الأولى أن الفرقة حصلت باختلاف الدين وقد حصل بإسلامها فكانت الفرق حاصلة بفلها فلم يجب لها شئ كما لو ارتدت ويفارق تعليق الطلاف فإنه من جهة الزج ولهذا لو علقه على دخولها فدخلت وقعت الفرقة ولها نصف المهر، فأما إن حصلت الفرقة بإسلام الزوج فللمرأة نصف المسمى إن كانت التسمية صحيحة أو نصف مهر المثل إن كانت فاسدة مثل أن يصدقها خمراً أو خنزيراً لأن الفرقة حصلت بفعله وعنه لا مهر لها لأن الفرقة جاءت من قلها لكونها امتنعت من الدخول في الإسلام (فصل) إذا انفسخ النكاح بأحد الزوجين قبل الدخول مثل أن يسلم أحد الزوجين الوثنيين أو المجوسيين تعجلت الفرقة على ما ذكرنا ويكون ذلك فسخا لا طلاقاً وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا تتعجل الفرقة بل إن كان في دار الإسلام عرض على الآخر فإن أبى وقعت الفرقة حينئذ وإن كان في دار الحرب وقف ذلك على انقضاء عدتها فإن لم يسلم الآخر وقعت الفرقة فإن كان الاباء من الزوج كان طلاقا لأن الفرقة حصلت من قبله فكان طلاقا كما لو لفظ به وإن كان من المرأة كان فسخا لأن المرأة لا تملك الطلاق وقال مالك إن كانت هي المسلمة عرض عليه الإسلام فإن أسلم وإلا وقعت الفرقة وإن كان هو المسلم تعجلت الفرقة لقوله سبحانه (ولا تمسكوا بعصم الكوافر)

مسألة: وإن قالت أسلمت قبلي وأنكرها فالقول قولها

ولنا أنه اختلاف دين يمنع الاقرار على النكاح فإذا وجد قبل الدخول تعجلت الفرقة كالردة وعلى مالك كإسلام الزوج أو كما لو أتى الآخر للإسلام لأنه إن كان هو المسلم فليس له إمساك كافرة لقوله تعالى (ولا تمسكوا بعصم الكوافر) وإن كانت هي المسلمة فلا يجوز إبقاؤها في نكاح مشرك ولنا على أنها فرقة فسخ أنه فرقة باختلاف الدين فكانت فسخا كما لو أسلم الزوج وأبت المرأة ولأنها فرقة بغير لفظ فكانت فسخا كفرقة الرضاع (مسألة) (وإن قالت أسلمت قبلي وأنكرها فالقول قولها) لأن المهر وجب بالعقد والزوج يدعي ما يسقطه والأصل بقاؤه ولم يعارضه ظاهر فبقي وإن اتفقا على أن أحدهما قبل الآخر ولا يعلمان عينه فلها نصف الصداق ذكره أبو الخطاب لما ذكرنا وقال القاضي إن لم تكن قبضت فلا شئ لها لأنها تشك في استحقاقها فلا تستحق بالشك وإن كان بعد القبض لم يرجع عليها لأنه يشك في استحقاق الرجوع فلا يرجع مع الشك والأول أصح لأن اليقين لا يزول بالشك وكذلك إذا تيقن الطهارة وشك في الحدث أو تيقن الحدث وشك في الطهارة بني على اليقين وهذه كان صداقها واجباً وشكا في سقوطه فيبقى على الوجوب (مسألة) (وإن قال الزوج أسلمنا معا فنحن على النكاح فأنكرته فعلى وجهين)

مسألة: وإن أسلم أحدهما بعد الدخول وقف الأمر على انقضاء العدة، فإن أسلم الثاني قبل انقضائها فهما على نكاحهما وإلا تبينا أن الفرقة وقعت من حين أسلم الأول

قال القاضي القول قول المرأة لأن الظاهر معها إذا يبعد اتفاق الإسلام منهما دفعة واحدة والقول قول من الظاهر معه وكذلك كن القول قول صاحب اليد وفيه وجه آخر ذكره أبو الخطاب أن القول قول الزوج لأن الأصل بقاء النكاح والفسخ طائ عليه فكان القول قول من يوافق قوله الأصل كالمنكر والشافعي قولان كهذين الوجهين (فصل) فإن اختلفا بعد الدخول فقال الزوج أسلمنا معا أو أسلم الثاني منافى العدة فنحن على النكاح وتقول هي بل أسلم الثاني بعد العدة فانفسخ النكاح ففيه وجهان (أحدهما) القول قوله لأن الأصل بقاء النكاح (والثاني) القول قولها لأن الأصل عدم إسلام الثاني (مسألة) (وإن أسلم أحدهما بعد الدخول وقف الأمر على انقضاء العدة فإن أسلم الثاني قبل انقضائها فهما على نكاحهما وإلا تبينا أن الفرقة وقعت من حين أسلم الأول) روي عن أحمد رحمه الله في هذه المسألة روايتان (إحداهما) ان الأمر يقف على انقضاء العدة على اما ذكرنا وهذه الرواية التي ذكرها الخرقي فعلى هذا إذا لم يسلم الثاني في العدة لا يحتاج إلى استئناف العدة وهذا قول الزهري والليث والحسن بن صالح والاوزاعي والشافعي واسحاق ونحوه عن عبد الله بن عمر ومجاهد ومحمد بن الحسن (والثانية) تتعجل الفرقة كما قبل الدخول وهذا اختيار الخلال وصاحبه وقول الحسن وطاوس وعكرمة وقتادة والحكم وروي ذلك عن عمر بن عبد العزيز ونصره ابن المنذر

وقول أبي حنيفة ههنا كقوله فيما قبل الدخول إلا أن المرأة إذا كانت في دار الحرب فانقضت عدتها وحصلت الفرقة لزمها استئناف العدة وقال مالك إن أسلم الرجل قبل امرأته عرض عليها الإسلام فإن أسلمت وإلا وقعت الفرقة وإن كانت غائبة تعجلت الفرقة وإن أسلمت المرأة قبله وقف الأمر على انقضاء العدة واحتج بتعجيل الفرقة بقوله سبحانه (ولا تمسكوا بعصم الكوافر) ولأن ما يوجب فسخ النكاح لا يختلف بما قبل الدخول وبعده كالرضاع ولنا ما روى مالك في موطئه عن ابن شهاب كان بين إسلام صفوان بن أمية وامرأته بنت الوليد ابن المغيرة نحو من شهر أسلمت يوم الفتح وبقي صفوان حتى شهد حنينا والطائف وهو كافر ثم أسلم ولم يفرق النبي صلى الله عليه وسلم بينهما واستقرت عنده امرأته بذلك النكاح قال ابن عبد البر وشهرة هذا الحديث أقوى من إسناده وقال ابن شهاب أسلمت أم حكيم يوم الفتح وهرب زوجها عكرمة حتى أتى اليمن فارتحلت حتى قدمت عليه اليمن فدعته إلى الإسلام فأسلم وقدم فبايع فثبتا على نكاحهما وقا ابن شبرمة كان الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم الرجل قبل المرأة والمرأة قبل الرجل فأيهما أسلم قبل انقضاء عدة المرأة فهي امرأته فإن أسلم بعد العدة فلا نكاح بينهما ولأن أبا سفيان خرج فأسلم عام الفتح قبل دخول النبي صلى الله عليه وسلم مكة ولم تسلم هند امرأته حتى فتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة فثبتا على النكاح وأسلم حكيم بن حزام قبل امرأته وخرج أبو سفيان بن الحارث وعبد الله بن

أبي أمية عام الفتح فلقيا النبي صلى الله عليه وسلم بالأبواء فأسلما قبل نسائهما ولم يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم فرق بين أحد ممن أسلم وبين امراته ويبعد أن يتفق إسلامهما معا ويفارق ما قبل الدخول فإنه لا عدة لها فتتعجل البينونة كالمطلقة واحدة وههنا لها عدة فإذا انقضت تبينا وقوع الفرقة من حين أسلم الأول فلا يحتاج إلى عدة ثانية لأن اختلاف الدين سبب الفرقة نتحسب الفرقة منه كالطلاق فعلى هذه الرواية لو وطئها الزوج في عدتها ولم يسلم الثاني فيها فلها عليه المهر ويؤدب لأننا تبينا أنه وطئها بعد البينونة وانفساخ النكاح فيكون واطئا في غير ملك وإن أسلم فلا شئ لها لأننا تبينا أن النكاح لم ينفسخ وأنه وطئها في نكاحه فلم يكن عليه شئ (فصل) فان أسلم أحد الزوجين وتخلف الآخر حتى انقضت العدة انفسخ النكاح في قول عامة العلماء قال ابن عبد البر لم يختلف العلماء في هذه الأشياء روي عن النخعي شذ فيه عن جماعة العلماء فلم يتبعه عليه أحمد زعم أنها ترد إلى زوجها وإن طالت المدة لما روى ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد زينب على زوجها أبي العاص بنكاحها الأول رواه أبودادو واحتج به أحمد قيل له أليس يروى أنه ردها بنكاح مستأنف؟ قال ليس لذك أصل قيل كان بين إسلامها وردها إليه ثمان سنين ولنا قوله تعالى (لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن) وقوله تعالى (ولا تمسكوا بعصم الكوافر) والإجماع المنعقد على تحريم فروج المسلمات على الكفار وأما قصة أبي العاص مع امرأته فقال ابن

مسألة: فإن اختلفا في السابق منهما فقال الزوج أسلمت قبلك فلا نفقة لك وقالت المراة بل أنا المسلمة أولا فلي النفقة فالقول قولها في أحد الوجهين

عبد البر لا يخلو إما أن يكون قبل نزول تحريم المسلمات على الكفار فتكون منسوخة بما جاء بعدها أو تكون حاملا استمر حملها حتى أسلم زوجها أو مريضة لم تحض ثلاث حيضات حتى أسلم أو تكون ردت إليه بنكاح جديد فقد روى ابن أبي قتيبة في سننه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم ردها على أبي العاص بنكاح جديد رواه الترمذي وقال سمعت عبد بن حميد يقول سمعت يزيد بن هارون يقول حديث ابن عباس أجود اسناد أو العمل على حديث عمرو بن شعيب (مسألة) (فإن أسلمت قبله فلها نفقة العدة) لأنه يتمكن من الاستمتاع وإبقاء نكاحها بإسلامه معها فكانت لها النفقة كالرجعية وسواء أسلم في عدتها أو لم يسلم فإن قيل إذا لم يسلم تبينا أنها بائن باختلاف الدين فكيف تجب النفقة للبائن؟ قلنا لأنه كان يمكن الزوج تلافي نكاحها بل يجب عليه فكانت في معنى الرجعية وإن كان هو المسلم فلا نفقة لها لأنه لا سبيل إلى تلافي نكاحها واستبقائها فأشبهت البائن وسواء أسلمت معه أم لا (مسألة) (فإن اختلفا في السابق منهما فقال الزوج أسلمت قبلك فلا نفقة لك وقالت المراة بل أن المسلمة أولا فلي النفقة فالقول قولها في أحد الوجهين) لأن الأصل وجوب النفقة وهو يدعي سقوطها (والثاني) أن القول قوله لأن النفقة إنما تجب بالتمكين من الاستمتاع والأصل عدمه فإن قال أسلمت بعد شهرين من إسلامي فلا نفقة لك فيها وقالت

مسألة: وعنه أن الفرقة تتعجل باسلام أحدهما كما قبل الدخول وقد ذكرناه

بعد شهر فالقول قوله لأن الأصل عدم إسلامها في الشهر الثاني فإن ادعى هو بفسخ النكاح فأنكرته انفسخ النكاح لأنه يقر على نفسه بزوال نكاحه وسقوط حقه فأشبه ما لو ادعى أنها أخته من الرضاع فكذبته. (مسألة) (وعنه أن الفرقة تتعجل باسلام أحدهما كما قبل الدخول وقد ذكرناه) (مسألة) (فأما الصداق فواجب بكل حال) يعني إذا وقعت الفرقة بايسلام أحدهما بعد الدخول فإنه يجب لها المهر كاملا لأنه استقر بالدخول فلم يسقط بشئ فإن كان مسمى صحيحاً فهو لها لأن أنكحة الكفار صحيحة تثبت أحكام الصحة وإن كان محرما قبضته فليس لها غيره لأنا لا نتعرض إلى ما مضى من أحكامهم وإن لم يكن قبضته فلها مهر المثل لأن الخمر والخنزير لا يكون صداقا لمسلمة ولا في نكاح مسلم وقد صارت أحكامهم أحكام المسلمين (فصل) وسواء مما ذكرنا اتفق الداران أو اختلفتا وبه قال مالك والليث والاوزاعي والشافعي وقال أبو حنيفة إن أسلم أحدهما وهما في دار الحرب ودخلا دار الإسلام انفسخ النكاح ولو تزوج حربي حربية ثم دخلا دار الإسلام وعقد العهد انفسخ نكاحه لاختلاف الدارين ويقضتي مذهبه أن أحد الزوجين الذميين إذا دخل دار الحرب ناقضاً للعهد انفسخ نكاحه لأن الدار انعقدت بهما فعلا وحكما فوجب أن تقع الفرقة بينهما كما لو أسلمت في دار الإسلام قبل الدخول

ولنا أن أبا سفيان أسلم بمر الظهران وامرأته بمكة لم تسلم وهي دار حرب وأم حكيم أسلمت بمكة وهرب زوجها عكرمة إلى اليمن وامرأة صفوان بن أمية أسلمت يوم الفتح وهرب زوجها ثم أسلموا وأقروا على أنكحتهم مع اختلاف الدين والدار بهم، ولأنه عقد معاوضة فلم ينفسخ باختلاف الدار كالبيع، ويفارق ما قبل الدخول فإن القاطع للنكاح اختلاف الدين المانع من الاقرار على النكاح دون ما ذكروه، فعلى هذا لو تزوج مسلم مقيم بدار الإسلام حربية من أهل الكتاب صحح نكاحه وعندهم لا يصح ولنا قوله تعالى (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم) ولأنها امرأة يباح نكاحها إذا كانت في دار الإسلام فأبيح نكاحها في دار الحرب كالمسلمة (فصل) قال الشيخ رضي الله عنه (وإن ارتد أحد الزوجين قبل الدخول انفسخ النكاح ولا مهر ان كانت المرتدة، وإن كان هو المرتد فلها نصف المهر) إذا ارتد أحد الزوجين قبل الدخول انفسخ النكاح في قول عامة أهل العلم أنه حكي عن داود أنه لا ينفسخ بالردة لأن الأصل بقاء النكاح ولنا قول الله تعالى (ولا تمسكوا بعصم الكوافر) وقوله تعالى (فلا ترجعوهن إلى الكفار، لا هن حل

مسألة: وإن كانت الردة بعد الدخول فهل تتعجل الفرقة أو تقف على انقضاء العدة؟ على روايتين

لهم ولا هم يحلون لهن) ولأنه اختلاف دين يمنع الإصابة فوجب فسخ النكاح كما لو أسلمت تحت كافر ثم ننظر فإن كانت المرأة هي المرتدة فلا مهر لها لأن الفسخ من قبلها وإن كان الرجل هو المرتد فعليه نصف المهر لأن الفسخ من جهته فأشبه ما لو طلق وإن كانت التسمية فاسدة فعليه نصف مهر المثل (مسألة) (وإن كانت الردة بعد الدخول فهل تتعجل الفرقة أو تقف على انقضاء العدة؟ على روايتين) اختلف الرواية عن أحمد فيما إذا ارتد أحد الزوجين بعد الدخول حسب اختلافهما فيما إذا أسلم أحد الزوجين الكافرين ففي إحداهما تتعجل الفرقة وهو قول أبي حنيفة ومالك وروي ذلك عن الحسن وعمر بن عبد العزيز والثوري وزفر وأبي ثور وابن المنذر لأن ما أوجب فسخ النكاح استوى فيه ما قبل الدخول وبعده كالرضاع (والثانية) يقف على انقضاء العدة فإن أسلم المرتد قبل انقضائها فهما على النكاح وإن لم يسلم حتى انقضت بانت منذ اختلاف الدينين وهذا مذهب الشافعي لأن لفظه تقع به الفرقة فإذا وجد الدخول جازان يقف على انقضاء العدة كالطلاق الرجعي أو نقول اختلاف دين بعد الإصابة فلا يوجب فسخه في الحال كإسلام الحربية تحت الحربي، وقياسه على الاسلام أحد الزوجين أقرب من قياسه على الرضاع ولأن الرضاع تحرم به المرأة على التأبيد فلا فائدة في تأخير الفسخ إلى بعد انقضاء العدة (مسألة) (فإن كان هو المرتد فعليه نفقة العدة)

مسألة: فإن كان هو المرتد فعليه نفقة العدة

لأنه بسبيل إلى الاستمتاع بها بان يسلم ويمكنه تلافي نكاحها فكانت لها النفقة كزوج الرجعية وإن كانت هي المرتدة فلا نفقة لها لأنه لا سبيل للزوج إلى رجعتها وتلافي نكاحها فلم يكن لها نفقة كما بعد العدة (فصل) فإن ارتد الزوجان معاً فحكمهما حكم ما لو ارتد أحدهما إن كان قبل الدخول تعجلت الفرقة وإن كان بعده فهل تتعجل أو تقف على انقضاء العدة على روايتين وهذا مذهب الشافعي قال أحمد في رواية ابن منصور إذا ارتدا معا أو أحدهما ثم تابا أو تاب المرتد منهما فهو أحق بها ما لم تنقض العدة وقال أبو حنيفة لا ينفسخ النكاح استحسانا لأنه لم يختلف بهما الدين فأشبه ما لو أسلما ولنا أنها ردة طارئة على النكاح فوجب أن يتعلق بها فسخه كما لو ارتد أحدهما ولأن كل ما زال عنه ملك المرتد إذا ارتد وحده زال إذا ارتد غيره معه كما له وما ذكره يبطل بما إذا انتقل المسلم واليهودية إلى دين النصرانية فإن نكاحهما ينفسخ وقد انتقالا إلى دين واحد، وأما إذا أسلما فقد انتقلا إلى دين الحق ويقران عليه بخلاف الردة (فصل) وإذا ارتد أحد الزوجين أو ارتدا معا منع من وطئها في عدتها فإن وطئها في عدتها وقلنا إن الفرقة تعجلت فيكون عليه مهر مثلها وإن قلنا أن الفرقة تقف على انقضاء العدة فأسلم المرتد منهما أو أسلما جميعاً في عدتها وكانت الردة منها فلا مهر لها عليه بهذا الوطئ لأنا تبينا أن النكاح لم يزل وأنه وطئها وهي زوجته وإن ثبتا أو ثبت المرتد منهما على الردة حتى انقضت العدة فلها عليه مهر المثل لهذا الوطئ لأنه وطئ

مسألة: وإن انتقل أحد الكتابيين إلى دين لا يقر عليه فهو كردته

في غير نكاح بشبهة النكاح لأنا تبينا أن الفرقة وقعت منذ اختلف الدين وقد ذكرنا مثل ذلك فيما إذا أسلم أحد الزوجين قبل الدخول فوطئها في العدة لأنه مثله (فصل) إذا أسلم أحد الزوجين ثم ارتد نظرت فإن أسلم الآخر تبينا أن الفرقة وقعت من حين اختلف الدينان وعدتها من حين أسلم المسلم منهما، وإن أسلم الآخر منهما في العدة قبل ارتدادا الأول اعتبر ابتداء العدة من حخين ارتد لأن حكم اختلاف الدين بالإسلام الأول زال بإسلام الثاني في العدة ولو أسلم وتحته أكثر من أربع نسوة فأسلمن معه ثم ارتد لم يكن له أن يختار منهن لأنه لا يجوز أن يبتدئ العقد عليهن في هذه الحال وكذلك لو ارتددن دونه أو معه لم يكن له أن يختار منهن كذلك (فصل) إذا تزوج الكافر من لا يقر على نكاحها في الإسلام مثل أن جمع أختين أو بين عشر نسوة أو نكح معتدة أو مرتدة ثم طلقها ثلاثا ثم أسلما لم يكن له أن ينكحها لأننا أجرينا أحكامهم على الصحة فيما يعتقدونه في النكاح فكذلك في الطلاق ولهذا جاز له إمساك الثانية من الأختين والخامسة المعقود عليها آخرا (مسألة) (وإن انتقل أحد الكتابيين إلى دين لا يقر عليه فهو كردته) إذا انتقل الكتابي إلى غير دين أهل الكتاب من الكفر لم يقر عليه لا نعلم في هذا خلافاً لأنه انتقل إلى دين لا يقر أهله بالجزية كعبادة الأوثان وغيرها مما يستحسنه فالأصلي منهم لا يقر على دينه

فالمنتقل إليه أولى، وإن انتقل إلى المجوسية لم يقر أيضاً لأنه انتقل إلى دين أنقص من دينه فلم يقر عليه كالمسلم إذا أرتد، فأما إذا انتقل إلى دين آخر من دين أهل الكتاب كاليهودي يتنصر ففيه روايتان (إحداهما) لا يقر أيضاً لأنه انتقل إلى دين باطل قد أقر ببطلانه فلم يقر عليه كالمرتد (والثانية) يقرنص عليه أحمد وهو ظاهر كلام الخرقي واختاره الخلال وصاحبه وقول أبي حنيفة لأنه لا يخرج عن دين أهل الكتاب فأشبه غير المنتقل وللشافعي قولان كالروايتين، فأما المجوسي إذا انتقل إلى دين لا يقر أهله عليه لم يقر كأهل ذلك الدين وإن انتقل إلى دين أهل الكتاب خرج فيه الروايتان وسواء فيما ذكرنا الرجل والمرأة لعموم قوله عليه الصلاة والسلام (من بدل دينه فاقتلوه) ولعموم المعنى الذي ذكرناه فيهما جميعاً (فصل) وإن انتقل إلى دين غير أهل الكتاب لم يقبل منه إلا الإسلام في إحدى الروايات عن أحمد اختاره الخلال وهو أحد أقوال الشافعي لأن غير الإسلام باطلة قد أقر ببطلانها فلم يقر عليها كالمرتد وعنه رواية ثانية لا يقبل منه إلا الإسلام أو الذي كان عليه لأن دينه الأول قد أقررناه عليه مرة ولم ينتقل إلى خير منه فنقره عليه إن رجع عليه ولأنه منتقل من دين يقر أهله على لقوله تعالى (حتى يعطوا الجزية عن يدوهم صاغرون) وظاهر هذه الرواية إن الكتابي إذا انتقل إلى المجوسية أقر وقد ذكرنا في أعلى هذه الصفحة أنه لا يقر ولعله أراد بقوله إلى دين يقر عليه إذا كان دين أهل الكتاب

ليكون موافقاً لما ذكرناه أولا، وإن انتقل إلى أهل الكتاب وقلنا لا يقر ففيه روايتان إحداهما لا يقبل إلا الإسلام والأخرى لا يقبل إلا الإسلام أو الذي كان عليه (فصل) وإن قلنا لا يقر ففي صفة إجباره روايتان [إحداهما] أنه يقتل إن لم يرجع رجلا كان أو امرأة لعموم الحديث ولأنه ذمي نقض العهد فأشبه ما لو نقضه بتركه أداء الجزية ويستناب في أحد الوجهين لأنه يسترجع عن دين باطل أشبه المرتد والثاني لا يستتاب لانه كافرا أصلي أبيح قتله فأشبه لحربي، فعلى هذا إن بادر فأسلم أو رجع إلى ما يقر عليه عصم دمه وإلا قتل (والرواية الثانية) قال أحمد إذا دخل اليهودي في النصرانية رددته إلى اليهودية ولم أدعه فيما انتقل إليه فقيل له أتقتله؟ قال لا ولكن يضرب ويحبس، قال وإذا كان نصرانياً أو يهوديا؟ قال وإن كان يهوديا أو نصرانيا دخل في المجوسية كان أعلظ لأنه لا تؤكل ذبيحته ولا تنكح له امرأة ولا نتركه حتى يرد إليها، فقبل له تقتله إذا لم يرجع؟ قال إنه لأهل لذلك وهذا نص في أن الكتابي المنتقل إلى دين آخر من دين أهل الكتاب لا يقتل بل يكره بالضرب والحبس. (فصل) فإن تزوج مسلم ذمية فانتقلت إلى غير دين أهل الكتاب فهي كالمرتدة لأن غير أهل الكناب لا يحل نكاح نسائهم فإن كان قبل الدخول انفسخ نكاحها ولا مهر لها وإن كان بعده فهل يقف على انقضاء العدة أو ينفسخ في الحال على روايتين وكذلك إذا انتقلت إلى دين باطل أو إلى دين كانت تقر بطلانه فأشبهت المسلمة إذا تهودت أو تنصرت والله أعلم (فصل) قال الشيخ رحمه الله (وإن أسلم كافر وتحته أكثر من أربع نسوة اختار منهن أربعا وفارق سائرهن)

وجملة ذلك أن الكافر إذا أسلم ومعه أكثر من أربع نسوة فأسلمن في عدتهن أو كن كتابيات لم يكن له إمساكهن كلهن بغير خلاف نعلمه ولا يملك إمساك أكثر من أربع فإذا أحب ذلك اختار أربعا منهن وفارق سائرهن سواء تزوجهن في عقد واحد أو عقود وسواء اختار الأوائل أو الأواخر نص عليه أحمد وبه قال الحسن ومالك والليث والاوزاعي والثوري والشافعي واسحاق ومحمد بن الحسن وقال أبو حنيفة وأبو يوسف إن كان تزوجهن في عقد انفسخ نكاح جميعهن وإن كان في عقود فنكاح الأوائل صحيح ونكاح ما زاد على أربع باطل لأن العقد إذا تناول أكثر من أربع فتحريمه من طريق الجمع فلا يكون مخيراً فيه بعد الإسلام كما لو تزوجت المرأة زوجين في حال الكفر ثم أسلموا ولنا ما روى قيس بن الحارث قال أسلمت وتحتي ثمان نسوة فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك فقال (اختر منهن أربعاً) رواه الإمام أحمد وأبو داود، وروى محمد بن يزيد الثقفي أن غيلان بن سلمة أسلم وتحته عشر نسوة فأسلمن معه فأمره النبي صلى الله عليه وسلم إن يتخير منهن أربعاً، رواه الترمذي ورواه مالك في موطئه عن الزهري مرسلا ورواه الشافعي في مسنده عن ابى علية عن معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه إلا أنه غير محفوظ غلط فيه معمر وخالف فيه أصحاب الزهري. وكذلك قال الامام أحمد والترمذي وغيرهما ولأن كل عدد جاز له ابتداء العقد عليه جاز له إمساكه بنكاح مطلق في حال الشرك كما لو تزجهن بغير شهود، وأما إذا تزوجت زوجين فنكاح الثاني باطل لأنها ملكته ملك غيرها وإن جمعت بينهما لم يصح لأنها لم تملكه جميع بضعها ولأن ذلك ليس بشائع عند أحد من أهل الأديان ولأن المرأة ليس لها اختيار النكاح وفسخه بخلاف الرجل (فصل) ويجب عليه أن يختار أربعاً ويفارق سائرهن أو يفارق الجميع لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر فيسا وغيلان بالاختيار وأمره يقتضي الوجوب ولأن المسلم لا يجوز اقراره على أكثر من أربع فإن أبي

مسألة: وعليه نفقتهن إلى أن يختار

أجبر بالحبس والتعزير إلى أن يختار لأن هذا حق عليه يمكنه إبفاؤه وهو ممتنع منه فأجبر عليه كإيفاء الدين، وليس للحاكم أن يختار عنه كما يطلق على المولى إذا امتنع من الطلاق لأن الحق ههنا لغير معين وإنما تتعين الزوجات باختياره وشهوته، وذلك لا يعرفه الحاكم فينوب عنه فيه، فإن جن خلي حتى يعود عقله ثم يجبر على الاختيار (مسألة) (وعليه نفقتهن إلى أن يختار) لأنهن محبوسات عليه ولأنهن في حكم الزوجات أيهن اختار جاز (فصل) ولو زوج الكافر ابنه الصغير أكثر من أربع ثم أسلموا جميعاً لم يكن له الاختيار قبل بلوغه فإنه لا حكم لقوله وليس لأبيه الاختيار لأن ذلك حق يتعلق بالشهوة فلا يقوم غيره مقامه فيه فإذا بلغ الصبي كان له أن يختار حينئذ وعليه النفقة إلى أن يختار فإن مات الزوج لم يقم وارثه مقامه لما ذكرنا في الحاكم. (فصل) وصفة الاختيار أن يقول اخترت هؤلاء أو أمسكتهن أو اخترت حبسهن أو إمساكهن أو نكاحهن، أو أمسكت نكاحهن، أو أثبت نكاحهن، وإن قال لما زاد على الأربع: فسخت نكاحهن كان اختيار للأربع. (مسألة) (وإن طلق إحداهن كان اختيار لها) لأن الطلاق لا يكون إلا في زوجة، وإن قال فارقت هؤلاء أو اخترت فراق هؤلاء فإن لم ينو به الطلاق كان اختيار لغيرههن لقول النبي صلى الله عليه وسلم لغيلان (اختر منهن أربعا وفارق سائرهن) وهذا يقتضي أن يكون لفظ الفراق صريحاً وكذا في حديث فيروز الديلمي قال فعمدت إلى أقدمهن صحبة ففارقتها، وهذا الموضع اختص بهذه اللفظة فيجب أن يختصص فيه بالفسخ فإن نوبه الطلاق كان اختيار لهن دون غيرهن.

مسألة: وإن ظاهر أو آلى من إحداهن فهل يكون اختيارا لها؟ على وجهين

وذكر القاضي فيه عند الطلاق وجهين (أحدهما) أن يكون اختياراً للمفارقات لأن لفظ الفراق صريح في الطلاق والأول أولى. (مسألة) (وإن وطئ إحداهن كان اختياراً لها في قياس المذهب) لأنه لا يجوز إلا في ملك فيدل على الاختيار كوطئ الجارية المباعة بشرط الخيار (مسألة) (وإن طلق الجميع أقرع بينهن فأخرج أربعاً منهن بالقرعة فكن المختارات ووقع طلاقه بهن وانفسخ نكاح البواقي وله نكاح البواقي فإن كان الطلاق ثلاثاً فمتى انقضت عدتهن فله أن ينكح من الباقيات لأنهن لم يطلقن منه ولا تحل له المطلقات إلا بعد زوج وإصابة، ولو أسلم ثم طلق الجميع قبل إسلامهن ثم أسلمن في العدة أمر أن يختار أربعا منهن فإذا اختارهن تبينا أن طلاقه وقع بهن، لانهن زوجات وبعتددن من حين طلاقه وبان البواقي باختياره لغيرهن ولا يقع بهن طلاقه وله نكاح أربع منهن إذا انقضت عدة المطلقات لأن هؤلاء غير مطلقات، والفرق بينهما وبين التي قبلها إن طلاقهن قبل إسلامهن في زمن ليس له الاختيار فيه فإذا أسلمن تجدد له الاختيار حينئذ، وفي التي قبلها طلقهن وله اختيار، والطلاق يصلح اختيار وقد أوقعه في الجيمع وليس بعضهن أولى من بعض فصرن إلي القرعة لتساوي الحقوق. (مسألة) (وإن ظاهر أو آلى من إحداهن فهل يكون اختياراً لها؟ على وجهين) (أحدهما) لا يكون اختياراً لأنه يصح في غير زوجة (والثاني) يكون اختياراً لأن حكمه لا يثبت في غير زوجة وإن قذفها لم يكن اختياراً لها لأنه يقع في غير زوجة (فصل) وإن اختار منهن أربعاً وفارق البواقي فعدتهن من حين اختار لأنهن بن منه بالاختيار

مسألة: فإن مات فعلى الجميع عدة الوفاة

ويحتمل أن تكون عدتهن من حين أسلم لانهن بين بإسلامه وإنما يبين ذلك باختيار فيثبت حكمه من حين الإسلام كما إذا أسلم أحد الزوجين فلم يسلم الآخر حتى انقضت عدتهن وفرقتهن فسخ لأنها تثبت بإسلامه من غير لفظ فيهن وعدتهن كعدة المطلقات لأنها عدة من فسخ نكاحها وإن ماتت إحدى المختارات وبانت منه وانقضت عدتها فله أن ينكح واحدة من المفارقات وتكون عنده على طلاق ثلاث لأنه لم يطلقها قبل ذلك، وإن اختار أقل من أربع أو اختار ترك الجميع أمر بطلاق أربع أو تمام الأربع لأن الأربع زوجات لا يبن منه إلا بطلاق أو ما يقوم مقامه فإذا طلق أربعا منهن وقع طلاقه وانفسخ نكاح الباقيات لاختياره لهن وتكون عدة المطلقات من حين طلق وعدة الباقيات على الوجهين (مسألة) (فإن مات فعلى الجميع عدة الوفاة) هكذا ذكره في الكتاب المشروح والأولى أن من كانت منهن حاملا فعدتها بوضعه لأن ذلك تنقضي به العدة في كل حال ومن كانت آيسة أو صغيرة فعدتها عدة الوفاة لأنها أطول العدتين في حقها ومن كانت من ذوات القروء اعتدت أطول الأجلين من ثلاثة قروء وأربعة أشهر وعشر لتنقضي العدة بيقين لأن كل واحدة منهن يحتمل أن تكون مختارة أو مفارقة وعدة المختارة عدة الوفاة وعدة المفارقة ثلاثة قروء فأحببنا أطولهما لتنقضى العدة كما قلنا فيمن نسي صلاة لا يعلم عينها عليه خمس صلوات هذا الذي ذكره شيخنا في كتاب المغنى والكافي وهو مذهب الشافعي وهو الصحيح والقول الأول لا يصح (مسألة) (والميراث لأربع منهن بالقرعة في قياس المذهب) وعند الشافعي يوقف حتى يصطلحن وسنذكر هذا في غير هذا الموضع إن شاء الله تعالى، وإن اخترن الصلح جاز كيفما اصطلحن لأن الحق لهن

(فصل) وإذا أسلم قبلهن وقلنا تتعجل الفرقة باختلاف الدين فلا كلام وإن قلنا تقف على انقضاء العدة فلم يسلمن حتى انقضت عدتهن تبينا أنهن بن منذ اختلف الدينان فإن كان قد طلقهن قبل انقضاء عدتهن تبينا أن طلاقه لم يقع بهن وله نكاح أربع منهن إذا اسلمن وان كن وطئهن تبينا أنه وطئ غير نسائه وإن آلى منهن أو ظاهر أو قذف تبينا أن ذلك كان في غير زوجة وحكمه حكم ما لو خاطب بذلك أجنبية فإن أسلم بعضهن في العدة تبينا أنها زوجة فوقع طلاقه بها وكان وطؤها وطأ لمطلقته وإن كانت المطلقة غيرها فوطؤه لها وطئ لامرأته وكذلك إن كان وطؤه قبل طلاقها، ان طلق الجميع فأسلم أربع منهن أو أقل في عدتهن ولم يسلم البواقي تعينت الزوجية في المسلمات ووقع الطلاق بهن فإذا أسلم البواقي فله أن يتزوج منهن لأنه لم يقع طلاقه بهن (فصل) ولو أسلم وتحته ثمان نسوة فأسلم أربع منهن فله اختيارهن وله الوقوف إلى أن يسلم البواقي فإن مات اللائي أسلمن ثم أسلم الباقيات فله اختيار الميتات وله اختيار الباقيات وله اختيار بعض هؤلاء وبعض هؤلاء لأن الاختيار ليس بعقد وإنما هو تصحيح للعقد الأول فيهن والاعتبار في الاختيار بحال ثبوته وحال ثبوته كن أحياء، وإن أسلمت واحدة منهن وقال اخترتها جاز فإذا ختار أربعاً على هذا الوجه انفسخ نكاح البواقي وإن قال للمسلمة اخترت فسخ نكاحها لم يصح لأن الفسخ إنما يكون فيما زاد على الأربع والاختيار للأربع وهذه من جملة الأربع إلا أن يريد بالفسخ الطلاق فيقع لأنه كناية ويكون طلاقه لها اختيار لها، وإن قال اخترت فلانة قبل أن تسلم لم يصح لأنه ليس بوقت للاختيار لأنها جارية إلى بينونة فلا يصح امساكها وان فسخ نكاحها لم ينفسخ لانه المالم يجز الاختيار لم يجز الفسخ وإن نوى بالفسخ الطلاق أو قال أنت طالق فهو موقوف فإن أسلمت ولم يسلم زيادة على أربع أو أسلم زيادة خ فاختارها تبينا وقوع الطلاق بها وإلا فلا

(فصل) وإن قال كلما أسلمت واحدة اخترتها لم يصح لأن الاختيار لا يصح تعليقه على شرط ولا يصح في غير معين، وإن قال كلما أسلمت واحدة اخترت فسخ نكاحها لم يصح أيضاً لأن الفسخ لا يتعلق بالشرط ولا يملكه في واحدة حتى يزيد عدد المسلمات على الأربع، فان اراد به الطلاق فهو كما لو قال كلما أسلمت واحدة فهي طالق وفي ذلك وجهان (أحدهما) يصح لأن الطلاق يصح تعليقه بالشرط ويتضمن الاختيار لها، وكلما أسلمت واحدة كان اختياراً لها وتطلق بطلاقه (والثاني) لا يصح لأن الطلاق يتضمن الاختيار والاختيار لا يصح تعليقه بالشرط (فصل) إذا أسلم ثم أحرم بحج أو عمرة ثم أسلمن فله الاختيار لأن الاختيار استدامة للنكاح وتعيين للمنكوحة وليس ابتداء له، وقال القاضي ليس له اختيار وهو ظاهر مذهب الشافعي. ولنا أنه استدامة نكاح لا يشترط له رضي المرأة ولا ولي ولا شهود ولا يتجدد به مهر فجاز له في الإحرام كالرجعة. (فصل) فإن أسلمن معه ثم متن قبل اختياره فله أن يختار منهن أربعاً فيكون له ميراثهن، ولا يرث الباقيات لأنهن لسن بزوجات له وإن مات بعضهن فله الاختيار من الجميع فإن اختار الميتات فله ميراثهن لأنهن متن وهن نساؤه، وإن اختار غيرهن فلا ميراث له منهن لأنهن أجنبيات، وإن لم يسلم البواقي لزم النكاح في الميتات وله ميراثهن فإن وطئ الجميع قبل إسلامهن ثم أسلمن فاختار أربعا منهن فليس لهن الا المسمى لانهن زوجات ولسائرهن المسمى بالعقد الاول، ومهر المثل للوطئ الثاني لأنهن أجنبيات، وإن وطئهن بعد إسلامهن فالموطوءات أولا المختارات والبواقي أجنبيات والحكم في المهر على ما ذكرنا

(فصل) وإن أسلم وتحته أختان منهما واحدة. هذا قول الحسن والاوزاعي والشافعي واسحاق وأبي عبيد، وقال أبو حنيفة في هذه كقوله في عشرة نسوة ولنا ما روى الضحاك بن فيروز عن أبيه قال: قلت يا رسول الله إني أسلمت وتحتي أختان. قال (طلق أيتهما شئت) رواه أبو داود وابن ماجة وغيرهما ولأن أنكحة الكفار صحيحة وإنما حرم الجمع في الإسلام وقد أزاله فصح كما لو طلق إحداهما قبل إلا سلامه ثم أسلم والأخرى في حباله، وكذلك الحكم في المرأة وعمتها وخالتها لأن المعنى في الجميع واحد (فصل) ولو تزوج وثانية فأسلمت قبله ثم تزوج في شركه أختها ثم أسلما في عدة الأولى فله أن يختار منهما لأنه أسلم وتحته أختان، وإن أسلم هو قبلها لم يكن له أن يتزوج أختها في عدتها ولا أربعاً سواها فإن فعل لم يصح النكاح الثاني فإذا أسلمت الاولى في عدتها فنكاحها لازم لأنها انفردت به (فصل) وإذا تزوج أختين فدخل بهما ثم أسلم وأسلمتا معه فاختار إحداهما لم يطأها حتى تنقضي عدة الأخرى لئلا يكون واطئا لاحد الأختين في عدة الأخرى وكذلك إذا أسلم وتحته أكثر من أربع قد دخل بهن فأسلمن معه وكن ثمانيا فاختار أربعا منهن وفارق أربعا لم يطأ واحدة من المختارات حتى تنقضي عدة المفارقات لئلا يكون واطئا لأكثر من أربع، فإن كن خمسا ففارق احداهن فله وطئ ثلاث من المختارات ولا يطأ الرابعة حتى تنقضي عدة المفارقة، وإن كن ستا ففارق اثنتين فله وطئ اثنتين من المختارات وإن كن سبعا ففارق ثلاثا فله وطئ واحدة من المختارات ولا يطأ الباقيات حتى تنقضي عدة المفارقات فكلما انقضت عدة واحدة من المفارقات فله وطئ واحدة من المختارات هذا قياس المذهب

مسألة: وإن كانتا أما وبنتا ولم يدخل بالأم انفسخ نكاحها، وإن كان دخل بالأم فسد نكاحهما

(فصل) وان تزوج أختين في حال كفره فأسلم وأسلمتا معاً قبل الدخول فاختار إحداهما فلا مهر للأخرى لأنا تبينا أن الفرقة وقعت بإسلامهم جميعا فلا تستحق مهراً كما لو فسخ النكاح لعيب في إحداهما ولأنه نكاح لا يقر عليه في الإسلام فلا يجب به مهر إذا لم يدخل بها كما لو تزوج المجوسي أخته ثم أسلما قبل الدخول وهذا الحكم فيما زاد على الأربع إذا أسلموا جميعا قبل الدخول فاختار أربعا وانفسخ نكاح البواقى فلامهر لهن فيما ذكرنا والله أعلم (مسألة) (وإن كانتا أما وبنتا لم يدخل بالأم انفسخ نكاحها، وإن كان دخل بالأم فسد نكاحهما) أما إذا كان إسلامهم جميعاً قبل الدخول فإنه يفسد نكاح الأم ويثبت نكاح البنت وهذا أحد قولي الشافعي واختيار المزني، وقال في الآخر يختار أيتهما شاء لأن عقد الشرك إنما يثبت له حكم الصحة إذا ضم إليه الاختيار فإذا اختار الأم فكأنه لم يعقد على البنت ولنا قول الله تعالى (وأمهات نسائكم) وهذه أم زوجته فتدخل في عموم الآية ولأنها أم زوجته فتحرم عليه كما لو طلق ابنتها في حال شركه، ولأنه لو تزوج البنت وحدها ثم طلقها حرمت عليه أمها إذا أسلم فإذا لم يطلقها ويمسك بنكاحها أولى، وقولهم إنما يصح العقد بانضمام الاختيار إليه غير صحيح فإن أنكحة الكفار صحيحة تثبت لها أحكام الصحة وكذلك لو انفردت كان نكاحها صحيحا لازما من غير اختيار ولهذا فوض إليه الاختيار ههنا ولا يصح إن يختار من ليس نكاحها صحيحاً وإنما اختصت الام بفساد نكاحها لأنها تحرم بمجرد العقد على ابنتها على التأبيد فلم يكن له اختيارها والبنت لا تحرم قبل الدخول بأمها فتعين النكاح في أمها بخلاف الأختين (فصل) فإن كان دخل بالأم أو بهما حرم نكاحهما على التأبيد الأم لأنها أم زوجته والبنت لأنها ربيبة مدخول بأمها. قال إبن المنذر أجمع على هذا كل من تحفظ عنه من أهل العلم وهو قول الحسن

وعمر بن عبد العزيز وقتادة ومالك وأهل الحجاز والثوري وأهل العراق والشافعي ومن تبعهم فإن دخل بالبنت وحدها ثبت نكاحها وفسد نكاح أمها كما لو لم يدخل بهما، فإن لم يسلم معه إلا إحداهما كان الحكم كما لو أسلمتا معه معا، فإن كانت المسلمة هي الأم فهي محرمة عليه على كل حال، وإن كانت البنت ولم يكن دخل بأمها ثبت نكاحها وإن كان دخل بها فهي محرمة على التأبيد، وإن كان قد وطئ إحداهما حرمت الأخرى على التأبيد ولم تحرم الموطؤة، وإن لم يكن وطئ واحدة منهما فله وطئ أيتهما شاء فإذا وطئها حرمت الأخرى على التأبيد والله أعلم (فصل) وإذا أسلم عبد وتحته زوجتان قد دخل بهما وأسلمتا في العدة فهما زوجتاه وإن كن أكثر اختار منهم اثنتين لأنه حكم العبد فيما زاد على الأربع، فإذا أسلم وتحته زوجتان معه أو في عدتهما لزم نكاحه حرتين كانا أو أمتين أو حرة وأمة لأن له الجمع بينهما في ابتداء نكاحه فكذلك في اختياره وإن كن أكثر اختار منهم اثنتين بناء على ما مضى في الحر فلو كان تحته حرتان وأمتان فله أن يختار الحرتين أو الأمتين أو حرة أو أمة وليس للحرة إذا أسلمت معه الخيار في فراقه لأنها رضيت بنكاحه وهو عبد ولم يتجدد رقه بالإسلام ولا تجددت حريتها بذلك فلم يكن له اختيار كما لو تزوجت معيباً تعلم عيبه ثم أسلما. وذكر القاضي وجها أن لها الخيار لأن الرق عيب تجددت أحكامه بالإسلام فكأنه عيب حادث والأول أصح فإن الرق لم يزل عيباً ونقصا عن العقلاء ولم يتجدد نقصه بالإسلام فهو كسائر العيوب (فصل ولو أسلم وتحته أربع حرائر فأعتق ثم أسلمن في عدتهن أو أسلمن قبله ثم أعتق ثم أسلم ثبت نكاح الأربع لأنه ممن يجوز له الأربع في وقت اجتماع اسلامهم لأنه حر، فأما إن أسلموا كلهم ثم أعتق قبل أن يختار لم يكن له أن يختار الاثنين لأنه كان عبداً حين ثبت له الاختيار وهو حال اجتماعهم على الإسلام فتغير حاله بعد ذلك لا يغير الحكم كمن أسلم وتحته إماء فأسلمن معه ثم أيسر ولو أسلم معه اثنتان ثم أعتق ثم أسلم الباقيتان لم يختر إلا اثنتين لأنه ثبت له الاختيار بإسلام الأوليين (فصل) فإن تزوج أربعاً من الإماء فأسلمن وأعتقن قبل إسلامه فلهن فسخ النكاح لأنهن عتقن

تحت عبد وإنما ملكن الفسخ وإن كن جاريات إلى بينونة لأنه قد يسلم فيقطع جريانهن إلى البينونة فإذا فسخن ولم يسلم الزوج بن بالاختلاف الدين من حين أسلمن وتبين أن الفسخ لم يصح، وإن أسلم في العدة بن بفسخ النكاح وعليهن عدة الحرائر في الموضعين لأنهن ههنا وجبت عليهن العدة وهن حرائر وفي التي قبلها عتقن في أثناء العدة التي يمكن لزوج تلافي النكاح فيها فأشبهن الرجعية فإن أخرن الفسخ حتى اسلم لزوج فهن كالرجعية إذا عتقت وأخرت لنفسخ لأن تركهن الفسخ اعتماد على جريانهن إلى البينونة فلم يضتم الرضا بالنكاح، ولو أسلم قبلهن ثم أعتقن فاخترن الفسخ صح لأنهن إماء عتقن تحت عبد وهذا ظاهر مذهب الشافعي. وقال بعضهم لا خيار لهن لأنه لا حاجة بهن إلى الفسخ لكون يحصل بإقامتهن على الشرك بخلاف التي قبلها وليس بصحيح فإن السبب متحقق وقد يبدو لهن الإسلام وهو واجب عليهن، فإن قيل فإذا أسلمن اخترن الفسخ قلنا يتضررن بطول العدة فإن ابتداءها من حين الفسخ ولذلك ملكن الفسخ فيما إذا أسلمن وعتقن قبله، فأما إن اخترن المقام وقلن قد رضينا الزوج فذكر القاضي أنه يسقط خيارهن لأنها حالة صح فيها اختيار الفسخ فصح فيها اختيار الإقامة كحال اجتماعهم على الإسلام. وقال أصحاب الشافعي لا يسقط اختيارهن لأن اختيارهن للإقامة ضد الحالة التي هي عليها وهي جريانهن إلى البيونة فأشبه ما لو ارتدت الرجعية فراجعها الزوج حال ردتها وهذا يبطل بما إذا قال إذا جاء رأس الشهر فأنت طالق ثم عتقت فاختارت زوجها (فصل) قال الشيخ رضي الله عنه (فإن أسلم وتحته إماء فأسلمن معه وكان في حال اجتماعهم على الإسلام ممن تحل له الإماء فله الاختيار منهم وإلا فسد نكاحهن إذا ان في حال اجتماعهم على الإسلام عادماً للطول خائفا فله أن يختار منهن واحدة فإن

مسألة: فإن أسلم وهو موسر فلم يسلمن حتى أعسر فله الاختيار منهن، لأن شرائط النكاح تعتبر في وقت الاختيار

كانت لا تعفه فله أن يختار منهن من تعفه في إحدى الروايتين والأخرى لا يختار إلا واحدة وهو مذهب الشافعي وتوجيههما قد مضى ذكره وإن عدم فيه الشرطان انفسخ النكاح في الكل ولم يكن له خيار وبهذا قال الشافعي وقال أبو ثور له أن يختار منهن لأنه استدامة للعقد لا ابتداء له بدليل أنه لا يشرتط شروط العقد أشبه الرجعية ولنا أن هذه امرأة لا يجوز ابتداء العقد عليها حال الإسلام فلم يملك اختيارها كالمعتدة من غيره وذوات محارمه، وأما الرجعة فهي قطع جريان النكاح إلى البينونة وهذا إثبات النكاح في امرأة فإن كان دخل بهن ثم أسلم ثم أسلمن في عدتهن فالحكم كذلك وقال أبو بكر لا يجوز له ههنا اختيار بل بين بمجرد إسلامه لئلا يفضي إلى استدامة نكاح مسلم في أمة كافرة ولنا أن إسلامهن في العدة كإسلامهن معه وإن لم يسلمن إلا بعد العدة انفسخ نكاحهن إن كن كتابيات لأنه لا يجوز استدامة النكاح في أمة كتابية (مسألة) (فإن أسلم وهو موسر فلم يسلمن حتى أعسر فله الاختيار منهن لأن شرائط النكاح تعتبر في وقت الاختيار) وإن أسلم وهو معسر فلم يسلمن حتى أيسر فليس له الاختيار لذلك وإن أسلمت إحداهن وهو موسر ثم أسلم البواقي بعد إعساره لم يكن له أن يختار منهن شيئاً لان وقت الاختيار دخل بإسلام الأولى ألا ترى أنه إذا كان معسر كان له اختيارها فإذا كان موسراً ابطل اختياره، وإن أسلمت الأولى وهو معسر فلم يسلم البواقي حتى أيسر لزم نكاح الأولى ولم يكن له الاختيار من البواقي لأن الأولى اجتمعت معه في حال يجوز ابتداء نكاحها بخلاف البواقي، ولو أسلم وأسلمن معه وهو معسر فلم يختر حتى أيسر كان أن يختار لأن ثبوت حال الاختيار كان له ذلك فتغير حاله لا يسقط ما ثبت كما لو تزوج أو اختار ثم أيسر لم يحرم عليه استدامة النكاح

مسألة: وإن أسلمت إحداهن بعده ثم عتقت ثم أسلم البواقي فله الاختيار منهن

(مسألة) (وإن أسلمت إحداهن بعده ثم عتقت ثم أسلم البواقي فله الاختيار منهن لأن العبرة بحالة الاختيار وهي حالة اجتماعهم على الإسلام وحالة اجتماعهما على الإسلام كانت أمة، وإن عتقت إحداهن ثم أسلمت ثم أسلم البواقي لم يكن له أن يختار من الإماء لأنه ملك لعصمة حرة حين اجتماعهما على الإسلام (فصل) فان أسلم وأسلمت معه واحدة منهن وهو ممن يجوز له نكاح الإماء فله أن يختار من أسلمت معه لأن له أن يختارها لو أسلمن كلهن فكذلك إذا أسلمت وحدها وإن أحب انتظار البواقي جاز لأن له غرضا صحيحاً وهو أن يكون عنده من هي أبر عنده من هذه فإن انتظرهن فلم يسمن حتى انقضت عدتهن تبين أن نكاح هذه كان لازماً وبن البواقي منذ اختلف الدينان وإن أسلمن في العدة اختار منهن واحدة وانفسخ نكاح الباقيات من حين الاختيار وعددهن من حين الاختيار، وإن أسلم بعض دون بعض بن الللاتي لم يسلمن منذ اختلف الدينان والبواقي من حين اختياره، وإن اختار التي أسلمت معه حين أسلمت انقطعت عصمة البواقي وثبت نكاحها، فإن أسلم البواقي في عدة تبين أنهن بن منه باختياره وعدتهن من حينئذ، وإن لم يسلمن بن باختلاف الدين وعدتهن منه. وإن طلق التي أسلمت معه طلقت وكان اختيار لها وحكم ذلك حكم ما لو اختارها صريحاً لأن ايقا طلاقه عليها يتضمن اختيارها، فأما إن اختار فسخ نكاحها لم يكن له لأن الباقيات لم يسلمن معه فما زاد العدد على ماله إمساكه في هذه الحال لا ينفسخ نكاحها. ثم ننظر فإن لم يسلم البواقي لزمه نكاحها وإن أسلمن واختار منهن واحدة انفسخ نكاح الاولى معهن. فإن اختار الأولى التي فسخ نكاحها صح اختياره لها لأن فسخ لنكاحها ما صح وفيه وجه آخر ذكره القاضي أنه لا يصح اختياره لها لأن فسخ إنما لم يصح مع إقامة البواقي على

مسألة: وإن أسلم وتحته حرة وإماء فأسلمت الحرة في عدتها قبلهن أو بعدهن انفسخ نكاحهن

الكفر حتى تنقضي العدة لأنا تبينا أن نكاحها كان لازماً فإذا أسلمن لحق إسلامهن بتلك الحال فصار كأنهن أسلمن في ذلك الوقت فإذ فسخ نكاح إحداهن صح الفسخ ولم يكن له أن يختارها. وهذا يبطل بما لو فسخ نكاح إحداهن قبل إسلامها فإنه لا يصح ولا يجعل إسلامهن الموجود في الثاني كالموجود سابقاً كذلك ههنا. (مسألة) (وإن أسلم وتحته حرة وإماء فأسلمت الحرة في عدتها قبلهن أو بعدهن انفسخ نكاحهن) إذا أسلم وتحته حرة وإماء ففيه ثلاث مسائل (إحداهن) أسلم وأسلمن معه كلهن فانه يلزمه نكاح الحرة وبنفسخ نكاح الإماء لأنه قادر على الحرة فلا يختار أمة. وقال أبو ثور له أن يختار وقد مضى الكلام معه (الثانية) أسلمت الحرة معه دون الإماء فثبت نكاحها وانقطعت عصمة الإماء فإن لم يسلمن حتى انقضت عددهن بن باختلاف الدين وابتداء عددهن من حين أسلم، وإن أسلمن في عددهن بن من حين إسلام الحرة وعددهن من حين إسلامها. فإن ماتت الحرة بعد إسلامها لم يتغير الحكم بموثها لأن موتها بعد ثبوت نكاحها وانفساخ نكاح الإماء لا يؤثر في إباحتهن (الثالثة) أسلم الإماء دون الحرة وهو معسر فلا يخلو إما أن تنقضي عدتها قبل إسلامها فتبين باختلاف الدين وله أن يختار من الإماء لأنه لم يقدر على الحرة أو تسلم في عدتها فيثبت نكاحها ويبطل نكاح الإماء كما لو أسلمن دفعة واحدة ليس له أن يختار من الإماء قبل إسلامها وانقضاء عدتها لأنا لا نعلم أنها لا تسلم فإن طلق الحرة ثلاثاً قبل إسلامها ثم لم تسلم لم يقع الطلاق ولأنا تبينا أن النكاح

انفسخ باختلاف الدين وله الاختيار من الإماء، وإن أسلمت في عدتها بان أن نكاحها كان ثابتاً ووقع فيه الطلاق وبن الاماء بثبوت نكاحها قبل الطلاق (فصل) فان أسلم وتحته إماء وحرة فأسلمن ثم عتقن قبل إسلامها لم يكن له أن يختار منهن لأن نكاح الأمة لا يجوز لقادر على حرة وإنما يعتبر حالهن حال ثبوت الاختيار وهو حالة اجتماع إسلامه وإسلامهن ثم ينظر فإن لم تسلم الحرة فله الاختيار منهن ولا يختار إلا واحدة اعتباراً بحالة اجتماع إسلامه وإسلامهن، وإن أسلمت في عدتها ثبت نكاحهن وانقطعت عصمتهن فإن كان قد اختار واحدة من المعتقات في عدة الحرة ثم لم تسلم فلا عبرة باختياره لأن الاختيار لا يكون موقوفاً، فأما إن عتقن قبل أن يسلمن ثم أسلمن واجتمعن معه على الإسلام وهن حرائر فإن كان جميع الزوجات أربعا فما دون ثبت نكاحهن وإن كن زائدات على أربع فله أن يختار منهن أربعاً وتبطل عصمة الخامسة لأنهن صرن حرائر في حالة الاختيار وهي حالة اجتماع إسلامه وإسلامهن فصار حكمهن حكم الحرائر الأصليات وكما لو أعتقن قبل إسلامه وإسلامهن وإن أسلمن قبله ثم أعتقن ثم أسلم فكذلك ويكون الحكم في هذا كما لو أسلم وتحته خمس حرائر أو أكثر على ما مر تفصيله (فصل) ولو أسلم وتحته خمس حرائر فأسلم معه منهن اثنتان احتمل أن يجبر على اختيار إحداهما لأنه لا بد أن يلزمه نكاح واحدة منهما فلا معنى لاعتبار البواقي فإذا اختار واحدة ولم يسلم البواقي

مسألة: وإن أسلم عبد وتحته إماء فأسلمن معه ثم عتق فله أن يختار منهن

لزمه نكاح الثانية وكذلك إن لم يسلم من البواقي إلا اثنتان لزمه نكاح الأربع، وإن أسلم الجميع في العدة كلف أن يختار ثلاثاً مع التي اختارها أولا وينفسخ نكاح الباقية، وعلى هذا لو أسلم معه ثلاث كلف اختيار اثنتين، وإن أسلم معه أربع كلف اختيار ثلاث منهن إذ لا معنى لانتظاره الخامسة ونكاح ثلاثة منهن لازم على كل حال، ويحتمل أن لا يجبر على الاختيار لأنه إنما يكون عند زيادة العدد على أربع وما وجد ذلك، ولذلك لو أسلمت معه من الإماء لم يجبر على اختيارها كذا ههنا قال شيخنا وإسلامهن، وإن أسلمت في عدتها ثبت نكاحهن وانقطعت عصمتهن فإن كان قد اختار واحدة من المعتقات في عدة الحرة ثم لم تسلم فلا عبرة باختياره لأن الاختيار لا يكون موقوفاً، فأما إن عتقن قبل أن يسلمن ثم أسلمن واجتمعن معه على الإسلام وهن حرائر فإن كان جميع الزوجات أربعا فما دون ثبت نكاحهن وإن كن زائدات على أربع فله أن يختار منهن أربعاً وتبطل عصمة الخامسة لأنهن صرن حرائر في حالة الاختيار وهي حالة اجتماع إسلامه وإسلامهن فصار حكمهن حكم الحرائر الأصليات وكما لو أعتقن قبل إسلامه وإسلامهن وإن أسلمن قبله ثم أعتقن ثم أسلم فكذلك ويكون الحكم في هذا كما لو أسلم وتحته خمس حرائر أو أكثر على ما مر تفصيله (فصل) ولو أسلم وتحته خمس حرائر فأسلم معه منهن اثنتان احتمل أن يجبر على اختيار إحداهما لأنه لا بد أن يلزمه نكاح واحدة منهما فلا معنى لاعتبار البواقي فإذا اختار واحدة ولم يسلم البواقي

لزمه نكاح الثانية وكذلك إن لم يسلم من البواقي إلا اثنتان لزمه نكاح الأربع، وإن أسلم الجميع في العدة كلف أن يختار ثلاثاً مع التي اختارها أولا وينفسخ نكاح الباقية، وعلى هذا لو أسلم معه ثلاث كلف اختيار اثنتين، وإن أسلم معه أربع كلف اختيار ثلاث منهن إذ لا معنى لانتظاره الخامسة ونكاح ثلاثة منهن لازم على كل حال، ويحتمل أن لا يجبر على الاختيار لأنه إنما يكون عند زيادة العدد على أربع وما وجد ذلك، ولذلك لو أسلمت معه من الإماء لم يجبر على اختيارها كذا ههنا قال شيخنا والصحيح ههنا أنه يجبر على اختيارها لما ذكرنا من المعنى، وأما الأمة فقد يكون له غرض في اختيار غيرها بخلاف مسئلتنا. (مسألة) (وإن أسلم عبد وتحته اما فأسلمن معه ثم أعتق فله أن يختار منهن) لأنه حالة اجتماعهم على الإسلام كان عبداً يجوز له الاختيار من الإماء (مسألة) (وإن أسلم وأعتق ثم أسلمن فحكمه حكم الحر) لا يجوز أن يختار إلا بوجود الشرطين فيه لأنه حالة اجتماعهم في الإسلام كان حرا فيشرط في حقه ما يشترط في حق الحر (تم بحمد الله وعونه الجزء السابع..)

بسم الله الرحمن الرحيم * (كتاب الصداق) * وهو مشروع والأصل في مشروعية الكتاب والسنة والإجماع أما الكتاب فقوله تعالى (وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين) وقال تعالى (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) قال أبو عبيد يعني عن طيب نفس بالفريضة التي فرض الله تعالى وقيل النحلة الهبة والصداق في معناها لأن كل واحد من الزوجين يستمتع بصاحبه وجعل الصداق للمرأة كأنه عطية بغير عوض وقيل نحلة من الله تعالى للنساء وقال تعالى (فآتوهن أجورهن فريضة) وأما السنة فروى أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى على عبد الرحمن بن عوف ردع زعفران فقال النبي صلى الله عليه وسلم " مهيم؟ " فقال يا رسول الله تزوجت امرأة قال " ما أصدقتها؟ " قال وزن نواة من ذهب قال " بارك الله لك أو لم ولو بشاة " متفق عليه وأجمع المسلمون على مشروعية الصداق في النكاح. وللصداق تسعة أسماء:

كتاب الصداق

الصداق والصدقة والمهر والنحلة والأجر والفريضة والعلائق والعقر والحباء، روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " أدوا العلائق " قيل يا رسول الله وما العلائق؟ قال " ما تراضى به الأهلون " وقال عمر: لها عقر نسائها ويقال أصدقت المرأة ومهرتها ولا يقال أمرتها * (مسألة) * (ويستحب تخفيفه لما روت عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " أعظم النساء بركة أيسرهن مؤنة " رواه أبو حفص بإسناده عن أبي العجفاء قال قال عمر ألا لا تغلوا صداق النساء فإنه لو كان مكرمة في الدنيا وتقوى عند الله كان أولاكم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أصدقت امرأة من نسائه أكثر من اثنتي عشرة أوقية وإن الرجل ليغلو بصداق امرأته حتى يكون لها عداوة في قلبه وحتى يقول كلفت لكم علق القربة، أخرجه النسائي وأبو داود مختصرا وعن أبي سلمة قال سألت عائشة عن صداق النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: اثنتا عشرة أوقية ونش فقلت ما النش؟ قالت نصف أوقية أخرجاه أيضاً والأوقية أربعون درهما * (مسألة) * (ويستحب أن لا يعرى النكاح من تسميته) لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يزوج بناته وغيرهن ويتزوج فلم يكن يخلي ذلك من صداق وقال للذي زوجه الموهوبة " هل من شئ تصدقها؟ " قال لا أجد شيئاً قال " التمس ولو خاتما من حديد " فلم

مسألة: ويستحب تخفيفه

يجد شيئاً فزوجه إياها بما معه من القرآن متفق عليه ولأنه أقطع للنزاع والخلاف فيه وليس ذكره شرطاً بدليل قوله تعالى (ولا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة) وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوج رجلاً امرأة ولم يسم لها مهراً * (مسألة) * (ويستحب أن لا يزيد على صداق أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم وبناته وهو خمسمائة درهم) لما ذكرنا من حديث عائشة رضي الله عنها اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم * (مسألة) * (ولا يتقدر أقله ولا أكثره بل كل ما جاز أن يكون ثمنا جاز أن يكون صداقاً) وبهذا قال الحسن وعمرو بن دينار وابن أبي ليلى والاوزاعي والليث والشافعي واسحاق وأبو داود، وزوج سعيد بن المسيب ابنته بدرهمين وقال لو أصدقها سوطاً لحلت وعن سعيد بن جبير والنخعي وابن شبرمة ومالك وأبو حنيفة أنه مقدر الأقل، ثم اختلف فيه فقال مالك وأبو حنيفة أقله ما يقطع به السارق وقال ابن شبرمة خمسة دراهم وعن النخعي أربعون درهماً وعنه عشرون وعنه رطل من الذهب وعن سعيد بن جبير خمسون درهما، واحتج أبو حنيفة بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا مهر أقل من عشرة دراهم " ولأنه يستباح به عضو فكان مقدرا كالذي يقطع به السارق ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم للذي زوجه " هل عندك من شئ تصدقها " قال لا أجد قال " التمس ولو خاتما من حديد " متفق عليه وعن عامر بن ربيعة أن امرأة من بني فزارة تزوجت على نعلين فقال

مسألة: ويستحب أن لا يزيد على صداق أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم وبناته وهو خمسمائة درهم

رسول الله صلى الله عليه وسلم " أرضيت عن نفسك ومالك بنعلين؟ " قالت نعم فأجازه. أخرجه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح وعن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لو أن رجلاً أعطى امرأة صداقاً ملء يده طعاماً كانت حلالاً له " رواه الإمام أحمد في المسند وفي لفظ عن جابر قال كنا ننكح على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على القبضة من الطعام رواه الأثرم ولأن قول الله تعالى (وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم) يدخل فيه القليل والكثير ولأنه بدل منفعتها فجاز ما تراضيا عليه كالعشرة وكالاجرة وحديثهم غير صحيح رواه ميسرة بن عبيد وهو ضعيف عن الحجاج بن أرطاة وهو مدلس ورووه عن جابر وقد روينا عنه خلافة أو نحمله على مهر امرأة بعينها أو على الاستحباب وقياسهم لا يصح فإن النكاح استباحة الانتفاع بالجملة والقطع إتلاف عضو دون استباحته وهو عقوبة وحد وهذا عوض وقياسه على الأعواض أولى. فأما أكثره فلا توقيت فيه بإجماع أهل العلم قاله ابن عبد البر وقد قال الله تعالى (وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا) وروي أبو حفص بإسناده أن عمر أصدق أم كلثوم بنت على أربعين ألفاً وعن عمر رضي الله عنه أنه قال: خرجت وأنا أريد أن أنهى عن كثرة الصداق فذكرت هذه الآية (وآتيتم إحداهن قنطارا) قال أبو صالح القنطار مائة رطل وقال أبو سعيد ملء مسك ثور ذهبا وعن مجاهد سبعون ألف مثقال * (مسألة) * (كل ما جاز أن يكون ثمنا جاز أن يكون صداقاً من قليل وكثير وعين ودين ومعجل ومؤجل ومنفعة معلومة كرعاية غنمها مدة معلومة وخياطة ثوب ورد عبدها الآبق من موضع معين)

مسألة: كل ما جاز أن يكون ثمنا جاز أن يكون صداقا من قليل وكثير وعين ودين ومعجل ومؤجل ومنفعة معلومة كرعاية غنمها مدة وخياطة ثوب ورد عبدها الآبق من موضع معين

ومنافع الحر والعبد سواء فقد روى الدارقطني بإسناده قال قال رسول الله صلى الله عيله وسلم " أنكحوا الأيامى وأدوا العلائق " قيل وما العلائق يا رسول الله قال " ما تراضى عليه الأهلون ولو قضيباً من أراك " ورواه الجوزجاني وبهذا قال مالك والشافعي وقال أبو حنيفة منافع الحر لا يجوز أن تكون صداقاً لأنها ليست مالا وإنما قال الله تعالى (أن تبتغوا بأموالكم) ولنا قول الله تعالى (إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج) والحديث الذي ذكرناه ولأنها منفعة يجوز العوض عنها في الإجارة فجازت صداقاً كمنفعة العبد وقولهم ليست مالا ممنوع فإنها يجوز المعاوضة عنها وبها ثم إن لم تكن مالا فقد أجريت مجرى المال في هذا فكذلك في النكاح. * (مسألة) * (وإن كانت المنفعة مجهولة كرد عبدها أين كان وخدمتها فيما شاءت لم يصح لأنه عوض في عقد معاوضة فلم يصح مجهولا كالثمن في المبيع والاجرة في الإجارة * (مسألة) * (وكل ما يجوز أن يكون ثمنا في البيع كالمحرم والمعدوم والمجهول وما لا منفعة فيه ومالا يتم ملكه عليه كالمبيع من المكيل والموزون قبل قبضه، وما لا يقدر على تسليمه كالطير في الهواء والسمك في الماء وما لا يتمول عادة كقشرة جوزة وحبة حنطة لا يجوز أن يكون صداقاً) لأنه نقل الملك فيه بعوض فلم يجز فيه ما ذكرناه كالبيع. ويجب أن يكون له نصف يتمول عادة ويبذل

مسألة: وإن كانت المنفعة مجهولة كرد عبدها أين كان

العوض في مثله عرفاً لأن الطلاق يعرض فيه قبل الدخول فلا يبقى للمرأة إلا نصفه فيجب أن يبقى لها مال تنتفع به وتعتبر نصف القيمة لا نصف عين الصداق فإنه لو أصدقها عبداً جاز وإن لم تمكن قسمته (فصل) ولو نكحها على أن يحج بها لم تصح التسمية وبه قال الشافعي وقال النخعي والثوري ومالك والاوزاعي وأصحاب الرأي وأبو عبيد يصح ولنا أن الحملان مجهول لا يوقف له على حد فلا يصح كما لو أصدقها شيئاً (فصل) وإن أصدقها خياطة ثوب بعينه فهلك الثوب لم تفسد التسمية ولم يجب مهر المثل لأن تعذر ما أصدقها بعينه لا يوجب مهر المثل كما لو أصدقها قفيز حنطة فهلك قبل تسليمه ويجب عليه أجرة مثل خياطته لأن المعقود عليه العمل فيه تلف فوجب الرجوع الى عوض العمل كما لو اصدقها تعليم عبدها صناعة فمات قبل التعليم، وإن عجز عن خياطته مع بقاء الثوب لمرض أو نحوه فعليه أن يقيم مقامه من يخيطه وإن طلقها قبل خياطته وقبل الدخول فعليه خياطة نصفه إن أمكن معرفة نصفه وإن لم يمكن فعليه نصف أجرة خياطته إلا أن يبذل خياطة أكثر من نصفه بحيث يعلم أنه قد خاط النصف يقيناً وإن كان الطلاق بعد خياطته رجع عليها بنصف أجره وإن أصدقها تعليم صناعة أو تعليم عبدها صناعة صح لانه منفعة معلومة يجوز بذل العوض عنها فجاز جعلها صداقاً كخياطة ثوبها * (مسألة) * (وإن تزوجها على منافعه مدة معلومة فعلى روايتين)

(إحداهما) لا يصح وقد نقل مهنا عن أحمد إذا تزوجها على أن يخدمها سنة أو أكثر كيف يكون هذا؟ قيل له امرأة لها ضياع وأرضون لا تقدر على أن تعمرها قال لا يصلح هذا، ووجه هذه الرواية أنها ليست مالا فلا يصح أن يكون مهراً كرقبته ومنفعة البضع وهذا قول أبي حنيفة ولأن المرأة تستحق على الزوج خدمته بدليل أنه إذا لم يقم لها من يخدمها لزمه أن يتولى خدمتها فإذا كانت خدمته مستحقة لها لم يجز أن يأخذ عليها عوضاً (والثانية) يصح وهي أصح بدليل قصة موسى عليه السلام وقياساً على منفعة العبد وتأول أبو بكر رواية مهنا على ما إذا كانت الخدمة مجهولة، فإن كانت معلومة جاز وكذلك نقل أبو طالب عن أحمد التزويج على بناء الدار وخياطة الثوب جائز لأنه معلوم يجوز أخذ العوض عنه أشبه الأعيان وإن تزوجها على أن يأتيها بعبدها الآبق من مكان معلوم صح لذلك وإن أصدقها الاتيان به أين كان لم يصح لأنه مجهول * (مسألة) * (وكل موضع لا تصح التسمية يجب مهر المثل فإن أصدقها مالا يجوز أن يكون صداقاً كالخمر والخنزير وتعليم التوراة والإنجيل والمعدوم والآبق والطير في الهواء، والمجهول كعبد وثوب ودار لا يفسد به النكاح في الصحيح من المذهب) وعنه يفسد اختاره أبو بكر لأنه عقد معاوضة أشبه البيع ولنا أن فساد المسمى ليس اكثر من عدمه وعدمه لا يفسد العقد كذلك هذا، إذا ثبت هذا فإنه

مسألة: وإن تزوجها على منافعه مدة معلومة فعلى روايتين

يجب لها مهر المثل لأنها لم ترض ببدل ولم يسلم البدل وتعذر به العوض فوجب رد بدله كما لو باعه سلعة بخمر فتلفت عند المشتري. * (مسألة) * (وإن أصدقها تعليم أبواب من الفقه أو الحديث أو قصيدة من الشعر المباح صح) وكل ما يجوز أخذ الأجرة على تعليمه جاز وصحت التسمية لأنه يجوز أخذ الأجرة عليه فجاز صداقاً كمنافع الدار. * (مسألة) * (وإن كان لا يحفظها لم يصح ويحتمل أن يصح ويتعلمها ويعلمها) وجملته أنه ينظر في قوله فإن قال أحصل لك تعليم هذه الصورة صح لأن هذه منفعة في ذمته لا يختص بها فجاز أن يستأجر عليها من لا يحسنها كالخياطة إذا استأجر من يحصلها وإن قال على أن أعلمك فذكر القاضي في الجامع أنه لا يصح لأنه معين بفعله وهو لا يقدر عليه فأشبه ما لو استأجر من لا يحسن الخياطة ليخيط له، وذكر في المجرد أنه يحتمل الصحة لأن هذا يكون في ذمته فأشبه ما لو أصدقها مالا في ذمته لا يقدر عليه في الحال، فعلى هذا يتعلمها ثم يعلمها أو يقيم لها من يعلمها. (فصل) فإن جاءته بغيرها فقالت علمه السورة التي تريد تعليمي إياها لم يلزمه لا المستحق عليه العمل في عين لم يلزمه إيقاعه في غيرها كما لو استأجرته لخياطة ثوب فاتته بغيره فقالت خط هذا ولأن

مسألة: وإن أصدقها تعليم أبواب من الفقه أو الحديث أو قصيدة من الشعر المباح صح

المتعلمين يختلفون في التعليم اختلافاً كثيراً وقد يكون له غرض في تعليمها فلا يجبر على تعليم غيرها فإن أتاها بغيره يعلمها لم يلزمها قبول ذلك لأن المعلمين يختلفون في التعليم، وقد يكون لها غرض في التعليم منه لكونه زوجها، تحل له ويحل لها، ولأنه لما لم يلزمه تعليم غيرها لم يلزمها التعليم من غيره قياساً لأحدهما على الآخر. * (مسألة) * (فإن تعلمتها من غيره فعليه أجر تعليمها) وكذلك إن تعذر عليه تعليمها كما لو أصدقها خياطة ثوب فتعذر، فإن ادعى أنه علمها فأنكرته فالقول قولها لأن الأصل عدمه. وفيه وجه آخر أنهما إن اختلفا بعد أن تعلمتها فالقول قوله لأن الظاهر معه، وإن علمها السورة ثم أنسيتها فلا شئ عليه لأنه قد وفى لها بما شرط وإنما تلف الصداق بعد القبض وإن لقنها الجميع وكلما لقها شيئاً نسيته لم يعتد بذلك تعليماً لأن ذلك لا يعد تعليما في العرف ولو جاز ذلك لأفضى إلى أنه متى أقرأها بيتاً من الشعر أو مسألة من الفقه أو آية فقرأنها بلسانها من غير حفظ كان تلقيناً، ويحتمل أن يكون ذلك تلقيناً لأنه قد لقنها وحفظها فأما ما دون الآية فليس تلقينا وجهاً واحداً. * (مسألة) * (فإن طلقها قبل الدخول وقبل تعليمها ففيه وجهان) (أحدهما) عليه نصف أجرة تعليمها لأنها قد صارت أجنبية فلا يؤمن في تعليمها الفتنة.

مسألة: فإن تعلمتها من غيره فعليه أجر تعليمها

(والثاني) يباح له تعليمها من وراء حجاب من غير خلوه بها كما يجوز له سماع كلامها في المعاملات وإن كان الطلاق بعد الدخول ففي تعليمها الجميع وجهان، وإن طلقها قبل الدخول بعد تعليمها رجع عليها بنصف أجر التعليم لأن الطلاق قبل الدخول وقبل الرد فعليه نصف أجر الرد لأنه لا يمكنه نصف الرد فإن طلقها بعد الرد رجع عليها بنصف الاجرة. * (مسألة) * (وإن أصدقها تعليم شئ من القرآن معين لم يصح وعنه يصح) اختلف الرواية عن أحمد في جعل تعليم شئ من القرآن صداقا فقال في موضع أكرهه، وقال في موضع آخر لا بأس ان يتزوج الرجل المرأة على أن يعلمها سورة من القرآن أو على نعلين وهذا مذهب الشافعي، قال أبو بكر في المسألة قولان يعني روايتين قال واختياري أنه لا يجوز وهو مذهب مالك والليث وأبي حنيفة ومكحول واسحاق واحتج من أجازه بما روى سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءته امرأة فقالت إني وهبت نفسي لك فقامت طويلا فقال رجل يا رسول الله زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة فقال " هل عندك من شئ تصدقها؟ " فقال ما عندي إلا إزاري فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إزارك إن أعطيتها إياه جلست ولا إزار لك فالتمس شيئاً " قال لا أجد قال " التمس ولو خاتما من حديد " فالتمس فلم يجد شيئاً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " زوجتكها بما معك من القرآن " متفق عليه ولأنها منفعة معينه مباحة فجاز جعلها صداقا كتعليم قصيدة من الشعر المباح

مسألة: وإن أصدقها تعليم شيء من القرآن معين لم يصح وعنه يصح

ولنا أن الفروج لا تستباح الا بالأموال لقوله تعالى (أن تبتغوا بأموالكم) وقوله سبحانه (ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات) والطول المال وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوج رجلاً على سورة من القرآن ثم قال " لا يكون لأحد بعدك مهراً " رواه البخاري بإسناده ولأن تعليم القرآن لا يجوز أن يقع الا قربة لفاعله فلم يصح أن يكون صداقا كالصوم والصلاة وتعليم الإيمان، وأما حديث الموهوبة فقد قيل معناه أنكحتكها بما معك من القرآن أي زوجتكها لأنك من أهل القرآن كما زوج أبا طلحة على إسلامه، فروى ابن عبد البر بإسناده أن أبا طلحة أتى أم سليم يخطبها قبل أن يسلم فقالت أتزوج بك وأنت تعبد خشبة نحتها عبد بني فلان؟ إن أسلمت تزوجت بك قال فاسلم أبو طلحة فتزوجها على إسلامه، وليس في الحديث الصحيح ذكر التعليم ويحتمل أن يكون خاصاً لذلك الرجل كما روى البخاري (1) ولا تفريع على هذه الرواية، فأما على قولنا بالصحة فلابد من تعيين ما يعلمها إياه أما سورة أو سوراً أو آيات بعينها لأن السور تختلف وكذلك الآيات * (مسألة) * (ولا يحتاج إلى ذكر قراءة من وقال أبو الخطاب يحتاج إلى ذلك) لأن الأغراض تختلف فمنها صعب كقراء حمزة وسهل فاشبه تعيين الآيات ووجه الأول أن هذا اختلاف يسير وكل حرف ينوب مناب صاحبه ويقوم مقامه ولذلك لم يعين النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة قراءة وقد كانوا

_ (1) كذا وتقدم في المغنى أنه النجاد

يختلفون في القراءة أشد من اختلاف القراء اليوم فأشبه ما لو أصدقها قفيزاً من صبرة وللشافعي في هذا وجهان كهذين (فصل) ولو أصدق الكتابية تعليم سورة من القرآن لم يجز ولها مهر المثل وقال الشافعي يصح لقوله تعالى (حتى يسمع كلام الله) ولنا أن الجنب يمنع قراءة القرآن مع إيمانه واعتقاده أنه حق فالكافر أولى وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " لا تسافروا بالقرآن إلى أرض العدو مخافة أن تناله أيديهم " فالتحفظ أولى أن يمنع منه فأما الآية التي احتجوا بها فلا حجة لهم فيها فإن السماع غير الحفظ فإن أصدقها أو أصدق مسلمة تعليم شئ من التوراة لم يصح في المذهبين لأنه مبدل مغير ولو أصدق الكتابي الكتابية شيئاً من ذلك كان كما لو أصدقها محرماً * (مسألة) * (وإن تزوج نساءا بمهر واحد وخالعهن بعوض واحد صح ويقسم بينهن على قدر مهورهن في أحد الوجهين وفي الآخر يقسم بينهن بالسوية) وجملته أنه إذا تزوج أربع نسوة في عقد واحد بمهر واحد مثل أن يكون لهم ولي واحد كبنات الأعمام أو موليات لولي واحد ومن ليس لهن ولي فزوجهن الحاكم فالنكاح صحيح والمهر صحيح وبهذا قال أبو حنيفة وهو أشهر قولي الشافعي والقول الثاني أن المهر فاسد ويجب مهر المثل لأن ما يجب لكل واحدة منهن من المهر غير معلوم

مسألة: ولا يحتاج إلى ذكر قراءة من وقال أبو الخطاب يحتاج إلى ذلك

ولنا أن الغرض في الجملة معلوم فلا يفسد لجهالته في التفصيل كما لو اشترى أربعة أعبد من رجل بثمن واحد وكذلك الصبرة بثمن واحد وهو لا يعلم قدر كل قفيز منها. إذا ثبت هذا فإن المهر يقسم بينهن على قدر مهورهن في قول القاضي وابن حامد وهو قول أبي حنيفة وصاحبيه والشافعي وقال أبو بكر يقسم بينهن بالسوية لأنه أضافه إليهن إضافة واحدة فكان بينهن بالسوية كما لو وهبه لهن أو أقر به وكما لو اشترى جماعة ثوباً بأثمان مختلفة ثم باعوه مرابحة أو مساومة كان الثمن بينهم بالسوية وإن اختلفت رءوس أموالهم ولأن القول بالتقسيط يفضي إلى جهالة العوض لكل واحد منهن وذلك يفسده ولنا أن الصفقة اشتملت على شيئين مختلفي القيمة فوجب تقسيط العوض عليهما بالقيمة كما لو باع شقصا وسيفاً أو اشترى عبدين فوجد أحدهما حراً فإنه يرجع بقيمته من الثمن وكذلك نص فيمن تزوج على جاريتين فإذا إحداهما حرة أنه يرجع بقيمة الحرة وما ذكره من المسألة ممنوع وإن سلم فالقيمة ثم وأحدة بخلاف مسئتنا وأما الهبة والإقرار فليس فيهما قيمة يرجع إليها وتقسم الهبة عليها بخلاف مسئلتنا وأفضاؤه إلى جهالة لا يمنع الصحة إذا كان معلوم الجملة، ومثل هذه المسألة إذا خالع نساءه بعوض واحد فإنه يصح مع الخلاف فيه ويقسم العوض في الخلع على قدر مهورهن وعند أبي بكر يقسم بالسوية (فصل) فإن تزوج امرأتين بصداق واحد إحداهما ممن لا يصح العقد عليها لكونها محرمة عليه أو غير ذلك وقلنا بصحة النكاح في الاخرى فلها حصتها من المسمى وبه قال الشافعي على قول وأبو

يوسف وقال أبو حنيفة المسمى كله للتي يصح نكاحها لأن العقد الفاسد لا يتعلق به حكم بحال فصار كأنه تزوجها والحائط بالمسمى ولنا أنه عقد على عينين إحداهما لا يجوز العقد عليها فلزمه في الاخرى بحصتها كما لو باع عبده وأم ولده وما ذكره لا يصح فإن المرأة في مقابلة نكاحها مهر بخلاف الحائط (فصل) فإن جمع بين نكاح وبيع فقال زوجتك ابنتي وبعتك داري هذه بألف صح ويقسط الألف عليهما على قدر صداقها وقيمة الدار وإن قال زوجتك ابنتي واشتريت منك عبدك هذا بألف فقال بعتكه وقبلت النكاح صح ويسقط الألف على العبد ومهر مثلها وقال الشافعي في أحد قوليه لا يصح البيع والمهر لإفضائه إلى الجعالة ولنا أنهما عقدان يصح كل واحد منهما منفرداً فصح جمعهما كما لو باعه ثوبين وإن قال زوجتك ولك هذه الألف بألفين لم يصح لأنه كمدعجوة * (فصل) * قال رضي الله عنه (ويشترط أن يكون معلوما كالثمن فإن أصدقها داراً غير معينة أو دابة لم يصح) وهذا اخنيار أبي بكر ومذهب الشافعي وقال القاضي يصح مجهولاً ما لم تزد جهالته على مهر المثل لأن جعفر بن محمد نقل عن أحمد في رجل تزوج امرأة على ألف درهم وخادم فطلقها قبل أن يدخل

يقوم الخادم وسطاً على قدر ما يخدم مثلها ونحو هذا قول أبي حنيفة، فعلى هذا لو تزوجها على عبد أو أمة أو فرس أو بغل أو حيوان من جنس معلوم أو ثوب هروي أو مروي أو ما أشبهه مما يذكر جنسه فإنه يصح ولها القسط وكذلك قفيز حنطة وعشرة أرطال زيت فإن كانت الجهالة تزيد على جهالة مهر المثل كثوب أو دابة أو حيوان أو على حكمها أو حكمه أو حمكم أجنبي أو على حنطة أو شعير أو زيب أو على ما اكتسبه من العام لم يصح لأنه لا سبيل إلى معرفة الوسط فيتعذر تسليمه وفي الأول يصح لقول النبي صلى الله عليه وسلم " أدوا العلائق ما تراضى عليه الأهلون " وهذا قد تراضوا عليه ولأنه موضع يثبت فيه الحيوان في الذمة بدلاً عما ليس المقصود فيه المال فيثبت مطلقاً كالدية ولأن جهالة التسمية ههنا أقل من جهالة مهر المثل لأنه يعتبر بنسائها من تساويها في صفاتها وبلدها وزمانها ونسبها ولأنه لو تزوجهما على مهر المثل صح فههنا مع قلة الجهل أولى، ويفارق البيع فإنه لا يحتمل فيه الجهالة بحال وقال مالك يصح مجهولا لأنه ليس بأكثر من ترك ذكره وإن أصدقها عبداً مطلقاً لم يصح وهو قول أبي بكر، وقال القاضي يصح ولها الوسط وهو السندي كما لو أصدقها عبداً أو ثوباً وذكر جنسه لأن له وسطاً تعطاه المرأة. * (مسألة) * (وإن أصدقها عبداً من عبيده لم يصح) ذكره أبو بكر وقال أبو الخطاب يصح وقد روي صحته عن أحمد ولها احدهم بالقرعة وكذلك

مسألة: وإن أصدقها عبدا من عبيده لم يصح

يخرج إذا أصدقها دابة من دوابه أو قميصاً من قمصانه أو نحوه فإنه قد روي عن أحمد في رواية مهنا فيمن تزوج على عبد من عبيده جائز فإن كانوا عشرة عبيد تعطى من أوسطهم فإن تشاحا أقرع بينهم قلت: وتستقيم القرعة في هذا؟ قال نعم ووجه ذلك أن الجهالة في هذا يسيرة ويمكن التعيين بالقرعة بخلاف ما إذا أصدقها عبداً مطلقاً فإن الجهالة تكثر ولا تصح ولنا أن الصداق عوض في عقد معاوضة فلم يصح مجهولا كعوض البيع والإجارة ولأن المجهول لا يصلح عوضاً في البيع فلم يصح تسميته كالمحرم وكما لو زادت جهالته على مهر المثل وأما الخبر فالمراد به ما تراضوا عليه مما يصلح عوضاً بدليل سائر ما لا يصلح، وأما الدية فإنها تثبت بالشرع لا بالعقد وهي خارجة عن القياس في تقديرها ومن وجبت عليه فلا ينبغي أن تجعل أصلا، ثم ان الحيوان الثابت فيها موصوف بسنه مقدر بقيمته فكيف يقاس عليه العبد المطلق في الأمرين؟ ثم ليست عقداً وإنما الواجب فيها بدل متلف لا يعتبر فيه التراضي فهو كقيمة المتلفات فكيف يقاس عليها عوض في عقد يعتبر تراضيهما به؟ ثم إن قياس العوض في عقد معاوضة على عوض في معاوضة أخرى أصح وأولى من قياسه على بدل متلف، وأما مهر المثل فإنما يجب عند عدم التسمية الصحيحة كما تجب قيم المتلفات

وإن كانت تحتاج إلى نظر، ألا ترى أنا نصير إلى مهر المثل عند عدم التسمية ولا نصير إلى عبد مطلق ولو باع ثوباً بعبد مطلق فأتلفه المشتري فإنا نصير إلى تقويمه ولا نوجب العبد المطلق ثم لا نسلم أن جهالة المطلق من الجنس الواحد دون جهالة مهر المثل فإن العادة في القبائل والقرى أن يكون لنسائهم مهر لا يكاد يختلف الا بالبكارة والثيوبة فقط فيكون إذاً معلوماً والوسط من الجنس يبعد الوقوف عليه لكثرة أنواع الجنس واختلافها واختلاف الأعيان في النوع الواحد، وأما تخصيص التصحيح بعبد من عبيده فلا نظير له يقاس عليه ولا نعلم فيه نصاً يصار إليه فكيف يثبت الحكم فيه بالتحكم؟ وأما نصوص أحمد على الصحة فتأولها أبو بكر على أنه تزوجها على عبد معين ثم أشكل عليه، إذا ثبت هذا فإن لها مهر المثل في كل موضع حكمنا بفساد التسمية ومن قال بصحتها أوجب الوسط من المسمى والوسط من العبيد السندي لأن الأعلى التركي والرومي والأسفل الزنجي والحبشي والوسط السندي والمنصوري. (فصل) وإن تزوجها على عبد موصوف في الذمة صح لأنه يجوز أن يكون عوضاً في البيع فإن جاءها بقيمته لم يلزمها قبولها، وبهذا قال الشافعي وهو اختيار أبي الخطاب، وقال القاضي يلزمها ذلك قياساً على الابل في الدية ولنا أنها استحقت عليه عبداً بعقد معاوضة فلم يلزمها أخذ قيمته كالمسلم فيه ولأنه عبد وجب صداقا

فأشبه ما لو كان معيباً، وأما الدية فلا يلزمه أخذ قيمة الابل وإنما الأثمان أصل في الدية فيتخير بين أي الأصول شاء فيلزم الولي قبوله لا على طريق القيمة بخلاف مسئلتنا، ولأن الدية خارجة عن القياس فلا يناقض بها ولا يقاس عليها ثم قياس العوض على سائر الأعواض أولى من قياسه على عقود المعاوضات ثم ينتقض بالعبد المعين * (مسألة) * (وكذلك إن أصدقها عبداً مطلقاً فجاءها بقيمته أو خالعته على ذلك فجاءته بقيمته لم يلزمهما قبولها) وقال القاضي يلزمهما ذلك الحاقا بالدية وقد ذكرنا الفرق بينهما وإن الصحيح خلاف قوله (فصل) وإن تزوجها على أن يعتق أباها صح نص عليه أحمد فإن طلبت أكثر من قيمته أو تعذر عليه فلها قيمته وهذا قول الشعبي لما نذكره في الفصل الذي يليه فإن جاءها بقيمته مع إمكان شرائه لم يلزمها قبوله لما ذكرناه ولأنه يفوت عليها الغرض في عتق أبيها (فصل) فإن تزوجها على أن يشتري لها عبداً بعينه فلم يبعه سيد، أو طلب به أكثر من قيمته أو تعذر عليه فلها قيمته نص عليه أحمد في رواية الأثرم وقال الشافعي لا تصح التسمية ولها مهر المثل لأنه جعل ملك غيره عوضاً فلم يصح كالبيع ولنا أنه أصدقها تحصيل عبد معين فصح كما لو تزوجها على رد عبدها الآبق من مكان معلوم ولا

مسألة: وكذلك إن أصدقها عبدا مطلقا فجاءها بقيمته أو خالعته على ذلك فجاءته بقيمته لم يلزمهما قبولها

نسلم أنه جعل ملك غيره عوضاً وإنما العوض تحصيله وتمليكها إياه، إذا ثبت هذا فإنه إن قدر عليه بثمن مثله لزمه تحصيله ودفعه إليها وإن جاءها بقيمته لم يلزمها قبولها لأنه قدر على دفع صداقها إليها فلزمه كما لو أصدقها عبداً يملكه فإن تعذر عليه الوصول إليه لتكلفه أو غير ذلك أو طب به أكثر من قيمته فلها قيمته لأنه تعذر الوصول إلى قبض المسمى المتقدم فوجب قيمته كما لو تلف فإن كان الذي جعل لها مثلياً فلها مثله عند التعذر لأن المثل أقرب إليه * (مسألة) * (وإن أصدقها طلاق امرأة له أخرى لم يصح وعنه يصح فإن فات طلاقها بموتها فلمها مهرها في قياس المذهب) ظاهر المذهب أن المسمى ههنا لا يصح ولها مهر مثلها، وهذا اختيار أبي بكر وقول الفقهاء لأن هذا ليس بمال وقد قال الله تعالى (أن تبتغوا بأموالكم) ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا تسأل المرأة طلاق أختها لتكفي ما في صحيفتها ولتنكح فإن لها ما قدر لها " صحيح وروى عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا يحل لرجل أن ينكح امرأة بطلاق أخرى " ولأن هذا لا يصلح ثمنا في بيع ولا أجراً في إجارة فلم يصح صداقاً كالمنافع المحرمة، فعلى هذا يكون حكمه حكم ما لو أصدقها خمراً أو نحوه ويكون لها مهر المثل أو نصفه إن طلقها قبل الدخول أو المتعة عند من يوجبها في التسمية الفاسدة، وعن أحمد رواية أخرى أن التسمية صحيحة لأنه شرط فعل لها فيه نفع وفائدة لما يحصل لها من الراحة بطلاقها

مسألة: وإن أصدقها طلاق امرأة له أخرى لم يصح، وعنه يصح فإن فات طلاقها بموتها فلها مهرها في قياس المذهب

من مقاسمتها وضررها والغيرة منها فصح هذا كعتق أبيها وخياطة قميصها ولهذا صح بدل العوض في طلاقها بالخلع، فعلى هذا إن لم تطلق ضرتها فلها مثل صداق الضرة لأنه سمى لها صداقاً لم تصل إليه فكان لها قيمته كما لو أصدقها عبداً فخرج حراً، ويحتمل أن لها مهر مثلها لأن الطلاق لا قيمة له فإن جعل صداقها أن طلاق ضرتها إليها إلى سنة أو إلى وقت فجاء الوقت ولم تقض شيئاً رجع الأمر إليه فقد أسقطه أحمد لانه جعله لها إلى وقت فإذا مضى الوقت ولم تقض فيه شيئاً بطل تصيرفها كالوكيل وهل يسقط حقها من المهر؟ فيه وجهان ذكرهما أبو بكر (أحدهما) يسقط لأنها تركت ما شرط لها باختيارها فسقط حقها كما لو تزوجها على عبد فأعتقه (والثاني) لا يسقط لأنها أخرت استيفاء حقها فلم يسقط كما لو أخرت قبض دراهمها، وهل يرجع إلى مهر مثلها أو إلى مهر الأخرى؟ يحتمل وجهين (فصل) الزيادة في الصداق بعد العقد تلحق به نص عليها أحمد قال في الرجل يتزوج المرأة على مهر فلما رآها زادها في مهرها فهو جائز، فإن طلقها قبل الدخول بها فلها نصف الصداق الأول ونصف الزيادة وهذا قول أبي حنيفة، وقال الشافعي لا تلحق الزيادة في العقد فإن زادها فهي هبة تفتقر إلى شروط الهبة، فإن طلقها بعد هبتها لم يرجع بشئ من الزيادة، قال القاضي وعن أحمد مثل

ذلك فإنه قال: إذا زوج رجل أمته عبده ثم أعتقهما جميعا فقال الأمة زدني في مهري حتى أختارك فالزيادة للامة، ولو لحقت بالعقد كانت الزيادة للسيد قال شيخنا وليس هذا دليلاً على أن الزيادة لا تلحق بالعقد فإن معنى لحوق الزيادة بالعقد أنها تلزم ويثبت فيها أحكام الصداق من التنصيف بالطلاق قبل الدخول وغيره ولان معناه أن الملك يثبت فيها قبل وجودها وأنها تكون للسيد، وحجة الشافعي أن الزوج ملك البضع بالمسمى في العقد فلم يحصل بالزيادة شئ من المعقود عليه فلا يكون عوضاً في النكاح كما لو وهبها شيئاً ولأنها زيادة في عوض العقد بعد لزومه فلم تلحق به كما في البيع. ولنا قول الله تعالى (ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة) ولأن ما بعد العقد زمن لفرض المهر فكان حالة الزيادة كحالة العقد وبهذا فارق البيع والإجارة وقولهم أنه لا يملك شيئاً من المعقود عليه قلنا هذا يبطل بجميع الصداق فإن الملك ما حصل به ولهذا صح خلوه عنه وهذا ألزم عندهم فإنهم قالوا مهر المفوضة إنما وجب بفرضه لا بالعقد وقد ملك البضع بدونه، ثم أنه يجوز أن يستند ثبوت هذه الزيادة إلى حالة العقد فيكون كأنه ثبت بهما جميعاً كما قالوا في مهر المفوضة إذا فرضه وكما قلنا جميعاً فيما إذا فرض لها أكثر من مهر مثلها. إذا ثبت هذا فإن معنى لحوق الزيادة بالعقد أنه ثبت لها حكم المسمى في العقد في أنها تنصف بالطلاق قبل الدخول ولا تفتقر إلى شروط الهبة وليس معناه

أن الملك يثبت فيها من حين العقد ولا أنها تثبت لمن كان الصداق له لأن الملك لا يجوز تقديمه على سببه ولا وجوده في حال عدمه وإنما يثبت الملك بعد سببه من حينئذ وقال القاضي في الزيادة وجه آخر أنها تسقط بالطلاق قال شيخنا لا أعرف ذلك فإن من جعلها صداقا جعلها تستقر بالدخول وتتنصف بالطلاق قبله وتسقط كلها إذا جاء الفسخ من قبل المرأة ومن جعلها هبة لا تتنصف بطلاقها إلا أن تكون غير مقبوضة فإنها عدة غير لازمة فإن كان القاضي أراد ذلك فهذا وجه وإلا فلا * (مسألة) * (وإن تزوجها على ألف إن كان أبوها حيا وألفين إن كان ميتا لم تصح التسمية) ولها صداق نسائها نص عليه أحمد في رواية مهنا لأن حال الأب غير معلومة فيكون مجهولاً * (مسألة) * (وإن تزوجها على ألف إن لم يكن له زوجة وعلى ألفين إن كانت له زوجة لم تصح التسمية) في قياس التي قبلها وكذلك إذا تزوجها على ألف إن لم يخرجها من دارها ونص أحمد على صحة التسمية في هاتين المسئلتين قال أبو بكر في الجميع روايتان (إحداهما) لا يصح وهو اختيار أبي بكر لأن سبيله سبيل الشرطين فلم يجز كالبيع (والثانية) يصح لأن الألف معلوم وإنما جهل الثاني وهو معلوم على شرط فإن وجد الشرط كان زيادة في الصداق وهي جائزة والأولى أولى، والقول بأن هذا تعليق على شرط لا يصح لوجهين (أحدهما) أن الزيادة لا يصح تعليقها على شرط فلو قال إن مات أبوك فقد زدتك إلى صداقك ألفاً لم يصح ولم تلزم الزيادة عند موت

مسألة: وإن تزوجها على ألف إن كان أبوها حيا وألفين إن كان ميتا لم تصح التسمية

الأب (والثاني) أن الشرط ههنا لم يتجدد في قوله إن كان لي زوجة وإن كان أبوك ميتاً ولا الذي جعل الألف فيه معلوم الوجود ليكون الألف الثاني زيادة عليه، ويمكن الفرق بين المسألة التي نص أحمد على ابطال التسمية فيها وبين التي نص على الصحة فيها بأن الصفة التي جعل الزيادة فيها ليس للمرأة فيها غرض يصح بذل العوض فيه وهو كون أبيها ميتا بخلاف المسئلتين اللتين صحح التسمية فيها فان خلو المرأة من ضرة تعيرها وتقاسمها وتضيق عليها من أكبر أغراضها وكذلك اقرارها في دار لها بين أهلها وفي وطنها فلذلك خففت صداقها لتحصيل غرضها وثقلته عند فواته، فعلى هذا يمتنع قياس إحدى الصورتين على الاخرى ولا يكون في كل مسألة إلا رواية واحدة وهي الصحة في المسئلتين الآخرتين والبطلان في المسألة الأولى وما جاء من المسائل الحق ما أشبهها به * (مسألة) * (وإذا قال العبد لسيدته أعتقيني على أن أتزوجك فأعتقته على ذلك عتق ولم يلزمه شئ وكذلك إن قالت لعبدها أعتقتك على أن تتزوج بي لم يلزمه ذلك يعتق ولم يلزمه قيمة نفسه) لأنها اشترطت عليه شرطاً هو حق له فلم يلزمه كما لو شرطت عليه أن تهبه دنانير فيقبلها ولأن النكاح من الرجل لا عوض له بخلاف نكاح المرأة، وكذلك لو شرط السيد على أمته أن تزوجه نفسها لم يلزمه ذلك * (مسألة) * (وإذا فرض الصداق مؤجلا ولم يذكر محل الأجل صح ومحله الفرقة عند أصحابنا وعند أبي الخطاب لا يصح)

مسألة: وإذا قال العبد لسيدته أعتقيني على أن أتزوجك فأعتقته على ذلك عتق ولم يلزمه شيء، وكذلك إن قالت لعبدها أعتقتك على أن تتزوج بي لم يلزمه ذلك يعتق ولم يلزمه قيمة نفسه

يجوز أن يكون الصداق مؤجلاً ومعجلاً وبعضه معجلاً وبعضه مؤجلاً لأنه عقد في معاوضة فجاز ذلك فيه كالثمن ومتى أطلق اقتضى الحلول كما لو أطلق ذكر الثمن وإن شرطه مؤجلاً إلى وقت فهو إلى أجله وإن شرطه مؤجلاً ولم يذكر أجله فقال القاضي يصح ومحله الفرقة عند أصحابنا قال أحمد إذا زوج على العاجل والآجل لا يحل إلا بموت أو بفرقة وهذا قول النخعي والشعبي وقال الحسن وحماد بن أبي سليمان وأبو حنيفة والثوري وأبو عبيد يبطل الاجل ويكون حالاً وقال إياس بن معاوية لا يحل حتى تطلق أو يخرج من مصرها أو يتزوج وعن مكحول والاوزاعي يحل إلى سنة بعد الدخول بها واختار أبو الخطاب فساد المسمى ولها مهر المثل وهو قول الشافعي ولأنه عوض مجهول المحل ففسد كثمن المبيع ووجه الأول أن المطلق يحمل على الفرقة والعادة في الصداق الآجل ترك المطالبة به إلى حين الفرقة فحمل عليه فيصير حينئذ معلوما بذلك فأما إن جعل الأجل مدة معلومة كقدوم زيد ونحوه لم يصح للجهالة وإنما صح المطلق لأن أجله الفرقة بحكم العادة وقد صرفه ههنا عن العادة بذكر الأجل ولم يبينه فبقي مجهولا فيحتمل أن تبطل التسمية ويحتمل أن يبطل التأجيل ويحل * (فصل) * قال رضي الله عنه (وإن أصدقها خمراً أو خنزيراً أو مالاً مغصوباً صح النكاح ووجب مهر المثل نص عليه أحمد وبه قال عامة الفقهاء منهم الثوري والاوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي وحكي

مسألة: وإذا فرض الصداق مؤجلا ولم يذكر محل الأجل صح ومحله الفرقة عند أصحابنا وعند أبي الخطاب لا يصح

عن أبي عبيد أن النكاح فاسد اختاره أبو بكر عبد العزيز وروى عن أحمد نحو ذلك فإنه قال في رواية المروذي إذا تزوج على غير طيب فكرهه فقلت ترى استقبال النكاح فأعجبه وحكي عن مالك أنه يثبت إذا دخل بها وإن كان قبله فسخ قالوا لأنه نكاح جعل الصداق فيه محرماً فأشبه نكاح الشغار ولنا أنه نكاح لو كان عوضه صحيحاً كان صحيحاً فوجب أن يصح وإن كان فاسداً كما لو كان مجهولاً ولأنه عقد لا يبطل بجهالة العوض فلا يفسد بتحريمه كالخلع ولان فساد العوض لا يزيد على عدمه ولو عدم كان العقد صحيحاً فكذلك إذا فسد وكلام أحمد في رواية المروذي محمول على الاستحباب فإن مسألة المروذي في المال الذي ليس بطيب وذلك لا يفسد العقد بتسميته فيه وما حكى عن مالك لا يصح وما كان فاسداً قبل الدخول فهو بعده فاسد كنكاح ذوات المحارم فأما إذا فسد الطلاق لجهالته أو عدمه أو العجز عن تسليمه فالنكاح ثابت لا نعلم فيه اختلافاً (فصل) ويجب مهر المثل في قول أكثر أهل العلم منهم مالك والثوري، والشافعي وأبو ثور يبطلان التسمية ويرجع بالقيمة كلها في المسئلتين كما في تفريق الصفقة قلنا لأن القيمة بدل إنما يصار إليها عند العجز عن الأصل وههنا العبد المملوك مقدور عليه ولا عيب فيه وهو مستحق في العقد فلا يجوز الرجوع إلى بدله أما تفريق الصفقة فإنه إذا بطل العقد في الجميع صدنا إلى الثمن وليس هو بدلاً عن المبيع وإنما انفسخ العقد فرجع في رأس العقد وههنا لا ينفسخ العقد وإنما يرجع إلى قيمة الحر منهما

لتعذر تسليمه فلا وجه لإيجاب قيمته أما إذا كان نصفه حراً ففيه عيب فجاز رده بعيبه وقال أبو حنيفة إذا أصدقها عبدين فإذا أحدهما حر فلها العبد وحده صداقاً ولا شئ لها سواه ولنا أنه أصدقها حراً فلم تسقط تسميته إلى غير شئ كما لو كان منفرداً * (مسألة) * وإن وجدت به عيبا فلها الخيار بين أخذ أرشه أو رده وأخذ قيمته) وجملة ذلك أن الصداق إذا كان معينا فوجدت به عيباً فلها رده كالمبيع المعيب ولا نعلم في هذا خلافا إذا كان العيب كثيراً وإن كان يسيراً فحكي عن أبي حنيفة أنه لا يرد به ولنا أنه عيب يرد به المبيع فرد به الصداق كالكثير إذا رد به فلها قيمته ولا ينفسخ برده فيبقى سبب استحقاقه فتجب عليه قيمته كما لو غصبها إياه فأتلفه فإن كان الصداق مثلياً كالمكيل والموزون فردته فلها عليه مثله لأنه أقرب إليه فإن اختارت إمساك المعيب وأخذ أرشه فلها ذلك في قياس المذهب وإن حدث به عيب عندها ثم وجدت به عيباً خيرت بين أخذ أرشه ورده ورد أرش عيبه لأنه عوض في عقد معاوضة فيثبت فيه ذلك كالبيع، وسائر فروع الرد بالعيب ثبتت ههنا مثل ما تثبت في البيع والخلاف فيه كالبيع لما ذكرنا (فصل) فإن شرطت في الصداق صفة مقصودة كالكتابة والصناعة فبان بخلافها فلها الرد كما ترد في البيع وهكذا إن دلسه تدليسا يرد به المبيع كتحمير وجه الجارية وتسويد شعرها وتضمير الماء على الرحا وأشباه ذلك فلها الرد به وإن وجدت الشاة مصراة فلها ردها وترد صاعا من تمر قياساً على البيع ونقل مهنا عن أحمد فيمن تزوج امرأة على ألف ذراع فإذا هي تسعمائة هي بالخيار إن شاءت أخذت الدار وإن شاءت أخذت قيمة ألف ذراع والنكاح جائز وهذا فيما إذا أصدقها دارا بعينها على أنها ألف ذراع فخرجت تسعمائة فهذا كالعيب في ثبوت

مسألة: وإن وجدت به عيبا فلها الخيار بين أخذ أرشه أو رده وأخذ قيمته

الرد لانه شرطا شرطاً مقصوداً فبان بخلافه فأشبه ما لو شرط العبد كاتباً فبان بخلافه، وجوز أحمد الإمساك لأن المرأة رضيت بها ناقصة ولم يجعل لها مع الإمساك أرشاً لأن ذلك ليس بعيب، ويحتمل أن لها الرجوع بقيمة بعضها أو ردها وأخذ قيمتها (فصل) قال الشيخ رضي الله عنه (وإن تزوجها على ألف لها وألف لأبيها صح) وجملة ذلك أنه يجوز لأبي المرأة أن يشترط شيئاً من صداقها لنفسه وبهذا قال إسحاق. وقد روي عن مسروق انه كما زوج ابنته اشترط لنفسه عشرة آلاف فجعلها في الحج والمساكين ثم قال للزوج جهز امرأتك، وروي ذلك علي بن الحسين، وقال عطاء وطاوس وعكرمة وعمر بن عبد العزيز والثوري وأبو عبيد يكون ذلك كله للمرأة وقال الشافعي: إذا فعل ذلك فلها مهر المثل وتفسد التسمية لأنه نقص من صداقها لأجل هذا الشرط الفاسد لأن المهر لا يجب إلا للزوجة لكونه عوض بضعها فيبقى مجهولا لأننا نحتاج أن نضم إلى المهر ما قص منه لأجل هذا الشرط وذلك مجهول فيفسد ولنا قول الله تعالى في قصة شعيب عليه السلام (إني أريد أن أنكحت إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج) فجعل الصداق الإجارة على رعاية غنمه وهو شرط لنفسه ولان الموالد الأخذ من مال ولده بدليل قوله عليه الصلاة والسلام " أنت ومالك لأبيك " وقوله " إن أولادكم من أطيب

كسبكم فكلوا من أموالهم " خرجه أبو داود وأخرج نحوه الترمذي وقال هذا حديث حسن، فإذا شرط لنفسه شيئاً من الصداق يكون ذلك أخذاً من مال ابنته وله ذلك قولهم هو شرط فاسد ممنوع، قال القاضي ولو شرط جميع الصداق لنفسه صح بدليل قصة شعيب عليه السلام فانه شرط الجميع لنفسه * (مسألة) * (فإن طلقها قبل الدخول رجع عليها بالألف الذي قبضته ولم يكن على الاب شئ مما أخذ) لأن الطلاق قبل الدخول يوجب تنصيف الصداق والألفان جميع صداقها فرجع عليها بنصفها وهو ألف ولم يكن على الأب شئ لأنه أخذ من مال ابنته الفا فلا يجوز الرجوع عليه به وهذا فيما إذا كان قبضها الألفين، فإن طلقها قبل قبضها سقط عن الزوج ألف وبقي عليه ألف للزوجة يأخذ الاب منها ما شاء، وقال القاضي يكون بينهما نصفين، وقال نقله مهنا عن أحمد لأنه شرط لنفسه النصف ولم يحصل من الصداق إلا النصف، وليس هذا القول على سبيل الإيجاب فإن للأب أن يأخذ ما شاء ويترك ما شاء وإذا ملك الأخذ من غير شرط فكذلك إذا شرط (فصل) فإن شرط لنفسه جميع الصداق ثم طلق قبل الدخول يعد تسليم الصداق إليه رجع في نصف ما أعطى الأب لأنه الذي فرضه لها فيرجع في نصفه لقوله تعالى (فنصف ما فرضتم) ويحتمل أن يرجع عليها بنصفه ويكون ما أخذه الأب له لأننا قدرنا أن الجميع صار لها ثم أخذه الأب منها فتصير

مسألة: فإن طلقها قبل الدخول رجع عليها بالألف الذي قبضته ولم يكن على الأب شيء مما أخذ

كأنها قبضته ثم أخذه منها، وهكذا لو أصدقها ألفاً لها وألفاً لأبيها ثم ارتدت قبل الدخول فهل يرجع في الألف الذي قبضه الأب عليه أو عليها؟ على وجهين * (مسألة) * (وان فعل ذلك غير الأب فالكل لها دونه) إذا شرط ذلك غير الأب من الأولياء كالجد والأخ فالشرط باطلا نص عليه أحمد وجميع المسمى لها ذكره أبو حفص وهو قول من سمينا في أول المسألة، وقال الشافعي يجب مهر المثل وهكذا ذكر القاضي في المجرد لأن الشرط إذا بطل احتجنا أن ترد الى الصداق ما نقصت الزوجة لأجله ولا نعرف قدره فيصير الكل مجهولا فيفسد وإن أصدقها الفين على أن تعطي أخاها ألفاً فالصداق صحيح لأنه شرط لا يزاد في المهر من أجله ولا ينقص منه فلا يؤثر في المهر بخلاف التي قبلها ولنا أن ما اشترطه عوض في تزويجها فيكون صداقاً لها كما لو جعله لها وإذا كان صداقاً انتفت الجهالة وهكذا لو كان الأب هو المشترط لكان الجميع صداقاً وإنما هو أخذ من مال ابنته لأن له ذلك، ويشترط أن لا يكون مجحفا بمال ابنته فإن كان مجحفا بمالها لم يصح الشرط وكان الجميع لها كما لو إشترطه سائر الأولياء ذكره القاضي في المجرد * (مسألة) * (وللأب تزويج ابنته البكر بدون صداق مثلها وإن كرهت)

مسألة: وإن فعل ذلك غير الأب فالكل لها دونه

وجملة ذلك أن للاب تزويج المتعة بدون صداق مثلها بكراً كانت أو ثيباً صغيرة او كبيرة وبه قال أبو حنيفة ومالك، وقال الشافعي ليس له ذلك فإن فعله فلها مهر مثلها لأنه عقد معاوضة فلم يجز أن ينقص فيه عن قيمة المعوض كالبيع ولأنه تفريط في مالها وليس له ذلك ولنا أن عمر رضي الله عنه خطب الناس فقال ألا لا نقالوا في صداق النسا فما أصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم أحداً من نسائه ولا أحدا من بناته أكثر من اثنتي عشرة أوقية، وكان ذلك بمحضر من الصحابة ولم ينكروه فكان اتفاقا منهم على أن له أن يزوج بذلك وإن كان دون صداق المثل، وزوج سعيد بن المسيب ابنته بدرهمين وهو من أشرف قريش شرفاً وعلماً وديناً، ومن المعلوم أنه لم يكن مهر مثلها، ولأنه ليس المقصود من النكاح العوض وإنما المقصود السكن والأزواج ووضع المرأة في منصب عند من يكفلها ويصونها ويحسن عشرتها، والظاهر من الأب مع تمام شفقته وبلوغ نظره أنه لا ينقصها من صداقها إلا لتحصيل المعاني المقصودة بالنكاح فلا ينبغي أن يمنع من تحصيل المقصود بتفويت غيره، ويفارق سائر عقود المعاوضات فإن المقصود فيها العوض فلم يجز تفويته * (مسألة) * (وان فعل ذلك غيره بأختها صح) ولم يكن لغيره الاعتراض إذا كانت رشيدة لأن الحق لها وقد أسقطته فأشبه ما لو أذنت في بيع

مسألة: وللأب تزويج ابنته البكر بدون صداق مثلها وإن كرهت

سلعة لها بدون ثمن مثلها، وإن فعله بغير إذنها وجب مهر المثل لأنه قيمة بضعها وليس للولي نقصها منه فوجب مهر المثل والنكاح صحيح لأن فساد التسمية وعدمها لا يؤثر في النكاح (فصل) وتمام المهر على لزوج لأن التسمية فاسدة ههنا لكونها غير مأذون فيها شرعاً فوجب على الزوج مهر المثل كما لو زوجها لمحرم وعلى الولي ضمائه لأنه المفرط فكان عليه الضمان كما لو باع مالها بدون ثمن مثله، قال أحمد أخاف أن يكون ضامناً وليس الأب مثل الولي، ويحتمل أن لا يلزم الزوج إلا المسمى والباقي على الولي كالوكيل في البيع * (مسألة) * (وإن زوج ابنه الصغير بأكثر من مهر المثل صح ولزم ذمة الابن) وفيه اختلاف ذكرناه فيما مضى لأن العوض له فكان المعوض عليه كالكبير وكثمن المبيع * (مسألة) * (فإن كان معسراً فهل يضمنه الأب؟ يحتمل وجهين) ذكر شيخنا في كتاب المغني فيه روايتين مطلقاً (إحداهما) يضمنه نص عليه أحمد فقال تزويج الأب لابنه الطفل جائز ويضمن الأب المهر لأنه التزم العوض عنه فضمنه كما لو نطق بالضمان والاخرى لا يضمنه لأنه عقد معاوضة ناب فيه عن غيره فلم يضمن عوضه كثمن مبيعه وكالوكيل قال القاضي وهذا أصح. قال القاضي إنما الروايتان فيما إذا كان الابن معسرا. أما الموسر فلا يضمنه الأب رواية

مسألة: وإن فعل ذلك غيره بأختها صح

واحدة، فإن طلق قبل الدخول سقط نصف الصداق فإن كان ذلك بعد دفع الأب الصداق عنه رجع نصفه إلى الابن وليس للأب الرجوع فيه بمعنى الرجوع في الهبة لأن الابن ملكه بالطلاق عن غير أبيه فأشبه ما لو وهبه الأب أجنبياً ثم وهبه الأجنبي للابن، ويحتمل أن يرجع فيه لانه تبرع عن أبيه فلم يستقر الملك حتى استرجعه الابن وكذلك الحكم فيما لو قضى الصداق عن ابنه الكبير ثم طلق قبل الدخول فالحكم في الرجوع في جميعه كالحكم في الرجوع في نصفه بالطلاق * (مسألة) * (وللأب قبض صداق ابنته الصغيرة بغير إذنها) لأنه يلي مالها فكان له قبضه كثمن مبيعها، ولا يقبض صداق الثيب الكبيرة إلا بإذنها إذا كانت رشيدة لأنها المتصرفة في مالها فاعتبر اذنها في قبضه كثمن مبيعها وفي البكر البالغة العاقلة روايتان (أصحهما) أنه لا يقبضه إلا بإذنها إذا كانت رشيدة كالثيب (والثانية) له قبضه بغير إذنها لانه العادة ولانه يملك إجبارها على النكاح أشبهت الصغيرة وهو قول أبي حنيفة (فصل) قال الشيخ رضي الله عنه: وإن تزوج العبد بإذن سيده على صداق مسمى صح بغير خلاف نعلمه والمهر على سيده وكذلك النفقة ضمنها أو لم يضمنها وسواء كان مأذوناً له فط التجارة أو محجوراً عليه نص عليه أحمد وعنه ما يدل على أن ذلك يتعلق بكسبه فإنه قال نفقته من ضريبته، وقال إن كانت نفقته بقدر ضريبته أنفق عليها ولا يعطى الولي وإن لم يكن عنده ما ينفق فرق بينهما وهذا

مسألة: وللأب قبض صداق ابنه الصغيرة بغير إذنها

قول الشافعي لأنه لا يخلو إما أن يتعلق برقبة العبد أو بذمته أو كسبه أو ذمة السيد لا جائزاً أن يتعلق بذمة العبد يتبع به بعد العتق لأنه يستحق العوض في الحال معجلاً فلا يجوز تأخير العوض ولا جائز أن يتعلق برقبته لأنه وجب برضاء سيده أشبه ما لو اقترض برضائه ولا جائزاً أن يتعلق بذمة السيد لأنه إنما يتعلق بذمته ما ضمنه عن عبده ولم يضمن عنه المهر والنفقة ثبت تعلقه بكسبه ضرورة، وفائدة الخلاف أن من ألزم السيد المهر والنفقة أوجبهما عليه وإن لم يكن للعبد كسب وليس للسيد الفسخ لعدم كسب العبد وللسيد استخدامه ومنعه الاكتساب، ومن علقه بكسبه فللمرأة الفسخ إذا لم يكن له كسب وليس لسيده منعه من التكسب ولنا أنه حق تعلق بالعقد برضاء سيده فتعلق بسيده وجاز بيعه فيه كما لو أرهنه بدين، فعلى هذا أو باعه سيده أو أعتقه لم يسقط المهر عن السيد نص عليه لأنه حق تعلق بذمته فلم يسقط ببيعه وعتقه كأرش جنايته فأما النفقة فانها تجدد فتكون في الزمن المستقبل على المشتري وعلى العبد إذا عتق * (مسألة) * (وإن تزوج بغير إذن سيده لم يصح النكاح) أجمع العلماء على أن العبد ليس له أن ينكح بغير إذن السيد فإن فعل لم ينفذ نكاحه في قول الجميع قال إبن المنذر أجمعو على أن نكاحه باطل قال شيخنا الصواب ما قلنا إن شاء الله تعالى فإنهم اختلفوا في صحته فعن أحمد في ذلك روايتان (أظهرهما) إنه باطل وهو قول عثمان وابن عمر رضي الله عنهما وبه قال شريح وهو قول الشافعي، وعن أحمد أنه موقوف على إجازة السيد فإن أجازه وإلا بطل وهو قول أصحاب الرأي لأنه عقد يقف على الفسخ فوقف على الإجازة كالوصية

مسألة: وإن تزوج بغير إذن سيده لم يصح النكاح

ولنا ما روى جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أيما عبد تزوج بغير إذن مواليه فهو عاهر " رواه الاثرم والترمذي وقال حسن وأبو داود وابن ماجة وروى الخلال بإسناده عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أيما عبد تزوج بغير إذن مواليه فهو زان قال أحمد ذكرت هذا الحديث لأبي عبد الله فقال هذا حديث منكر رواه أبو داود وابن ماجة عن ابن عمر موقوفاً من قوله ولأنه عقد فقد شرطه فلم يصح كما لو تزوجها بغير شهود * (مسألة) * (فإن فارقها قبل الدخول فلا شئ عليه) لأنه عقد باطل فلا يوجب بمجرده شيئاً كالبيع الباطل وهكذا سائر الانكحة الفاسدة لا توجب بمجردها شيئاً فإن أصابها وجب لها المهر في الصحيح من المذهب رواه عن أحمد جماعة وروى عنه حنبل أنه لا مهر لها إذا تزوج العبد بغير إذن سيده وهذا يمكن حمله على ما قبل الدخول فيكون موافقا لرواية الجماعة ويمكن حمله على عمومه في عدم الصداق وهو قول ابن عمر ورواه الأثرم عن نافع قال كان إذا تزوج مملوك لابن عمر جلده الحد وقال للمرأة انك أبحت فرجك وأبطل صداقها ووجهه انه وطئ امرأة مطاوعة في غير نكاح صحيح فلم يجب به مهر كالمطاوعة على الزنا قال القاضي هذا إذا كانا عالمين بالتحريم فأما أن جهلت المرأة ذلك فلها المهر لأنه لا ينقص عن وطئ الشبهة ويمكن حمل هذه الرواية على انه لا مهر لها في الحال بل يجب في ذمة العبد يتعلق به بعد العتق وهو قول الشافعي الجديد

مسألة: فإن فارقها قبل الدخول فلا شيء عليه

لأن هذا حق لزم رضاء من له حق فكان محله الذمة كالدين والصحيح أن المهر واجب لقوله عليه الصلاة والسلام " أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل فإن أصابها فلها المهر بما استحل من فرجها " وهذا قد استحل فرجها فيكون مهرها عليه لأنه استوفى منافع البضع باسم النكاح فكان المهر واجباً كسائر الانكحة الفاسدة (فصل) ويتعلق المهر برقبته يباع فيه إلا أن يفديه السيد ويحتمل أن يتعلق بذمة العبد وقد ذكرناه وهذا أظهر لأن الوطئ اجري مجرى الجناية الموجبة للضمان بغير إذن المولى ولذلك وجب المهر ههنا وفي سائر الانكحة الفاسدة ولو لم تجر مجراها ما وجب شئ لانه برضي المستحق (فصل) والواجب مهر المثل وهو قول أكثر الفقهاء لانه وطئ يوجب المهر فأوجب مهر المثل بكماله كالنكاح بلا ولي وسائر الانكحة الفاسدة وعنه يجب خمساً المسمى اختارها الخرقي وعنه رواية ثالثة انها ان علمت انه عبد فلها خمسا المهر وإن لم تعلم فلها المهر في رقبة العبد ووجه قول الخرقي ما روى الإمام أحمد بإسناده عن خلاس إن غلاماً لأبي موسى تزوج بمولاة تيحان اليتمي بغير إذن مولاه فكتب أبو موسى في ذلك إلى عثمان بن عفان فكتب اليه إن فرق بينهما وخذ لها الخمسين من صداقها وكان صداقها خمسة أبعرة ولأن المهر أحد موجبي الوطئ فجاز أن ينقص العبد فيه عن الحر كالحد والواجب خمسا المسمى لانه صار فيه إلى قصة عثمان وظاهرها انه أوجب خمسي المسمى ولهذا

قال كان صداقها خمسة أبعرة ولأنه لو اعتبر مهر المثل أوجب جميعه كسائر قيم المتلفات وإلا وجبت القيمة وهي الأثمان دون الأبعرة ويحتمل أن يجب خمساً مهر المثل لأنه عوض عن جناية فكان المرجع فيه الى قيمة المحل كسائر أروش الجنايات وقيمة المحل مهر المثل (فصل) فإن كان الواجب زائداً على قيمة العبد لم تلزم السيد الزيادة لأن الواجب عليه ما يقابل قيمة العبد بدليل أنه لو سلم العبد لم يلزمه شئ فإذا أعطى القيمة فقد أعطى ما يقابل الرقبة فلم تلزمه زيادة عليه وإن كان الواجب أقل من قيمة العبد لم يلزمه أكثر من ذلك لأنه أرش الجناية فلا يجب عليه أكثر منها والخيرة في تسليم العبد وفدائه الى السيد وقد ذكرنا ذلك في غير هذا الموضع (فصل) وإن إذن السيد لعبده في التزويج بمعينة أو من بلد معين أو من جنس معين فنكح غير ذلك فنكاحه فاسد والحكم فيه كما ذكرنا وإن أذن له في تزويج صحيح فنكح نكاحاً فاسداً فكذلك لأنه غير مأذون له فيه وإن أذن له في النكاح وأطلق فنكح نكاحاً فاسداً احتمل أن يكون كذلك لأن الاذن في النكاح لا يتناول الفاسد واحتمل أن يتناوله إذنه لأن اللفظ بإطلاقه يتناوله وإن أذن له في نكاح فاسد وحصلت الإصابة فالمهر على سيدة لأنه بإذنه والله أعلم * (مسألة) * (وإن زوج السيد عبده أمته لم يحب مهر ذكره أبو بكر والقاضي)

لا يجب للسيد على عبده مال وقيل يجب الصداق على السيد ثم يسقط قاله أبو الخطاب قال يجب المسمى أو مهر المثل إن لم يكن مسمى كيلا يخلو النكاح عن مهر ثم يسقط لتعذر اثباته وقال أبو عبد الله إذا زوج عبده من أمته فأحب أن يكون بمهر وشهود، قيل فإن طلقها؟ قال يكون الصداق عليه إذا أعتق قيل فإن زوجها منه بغير مهر؟ قال قد اختلفوا فيه فذهب جابر الى أنه جائز لأن النكاح لا يخلو من مهر ولا يثبت للسيد على عبده مال فسقط * (مسألة) * (وإن زوج عبده حرة ثم باعها أياه بثمن في الذمة تحول صداقها أو نصفه إن كان قبل الدخول الى ثمنه) إذا اشترت الحرة زوجها أو ملكته انفسخ النكاح لأن ملك النكاح واليمين يتنافيان لاستحالة كون الشخص مالكاً لمالكه ولأن المرأة تقول أنفق علي لأني امرأتك وأنا اسافر بك لأنك عندي ويقول هو أنفقي علي لأني عبدك وأنا اسافر بك لانك امرأتي فيتنافا ذلك فثبت أقواهما وهو ملك اليمين وينفسخ النكاح ذنه أضعفهما ولها على سيده المهر إن كان بعد الدخول وعليها الثمن فإن كانا دينين من جنس تقاضا وتساقطا إن كانا متساويين وإن تفاضلا سقط الأقل منهما بمثله وبقي الفاضل وإن اختلف جنسهما لم يتساقطا وعلى كل واحد منهما تسليم ما عليه الى صاحبه وقال الشافعي في أحد قوليه يسقط مهرها لأنه دين في ذمة العبد فإذا ملكته لم يجز أن يثبت لها دين في ذمة عبدها كما لو اتلف

مسألة: وإن زوج السيد عبده أمته لم يجب مهر ذكره أبو بكر والقاضي

لها مالاً وهذا بناء منهم على أن المهر يتعلق بذمة العبد وقد بينا أنه يتعلق بذمة سيده فلا يؤثر ملك العبد في اسقاطه وذكر القاضي وجها أنه يسقط لان ثبوت الدين في ذمة السيد تبع لثبوته في ذمة العبد فإذا سقط من ذمة العبد سقط من ذمة السيد تبعاً كالدين الذي على الضامن إذا سقط من ذمة المضمون عنه ولا يعرف هذا في المذهب ولأنه ثبت في الذمتين جيعا احداهما تبع للاخرى بل المذهب أنه لا يسقط بعد الدخول حال فأما إن كان الشراء قبل الدخول سقط نصفه كما لو طلقها قبل الدخول بها وفي سقوط باقيه وجهان (أحدهما) لا يسقط لأن زوال الملك إنما هو بفعل البائع فالفسخ إذاً من جهته فلم يسقط جميع المهر (والثاني) يسقط لأن الفسخ إنما تم بشراء المرأة فأشبه الفسخ بالعيب في أحدهما وفسخها لاعساره وشراء الرجل امرأته فإن قلنا لا يسقط جميعه فالحكم في النصف الباقي كالحكم في جميعه إذا فسخ النكاح بعد الدخول على ما ذكرنا (فصل) فإن باعها إياه بالصداق صح نص عليه وذكره أبو بكر والقاضي ويرجع عليها بنصفه إن قلنا يسقط نصفه أو بجميعة إن قلنا يسقط جميعه ويحتمل أن لا يصح قبل الدخول لكون انفساخ النكاح جاء من قبلها فيبقى الشراء بغير عوض فلا يصح وهو قول أصحاب الشافعي لأن ثبوت البيع يقتضي نفيه فإن صحة البيع تقتضي فسخ النكاح وسقوط المهر يقتضي بطلان البيع لأنه عوض ولا يصح بغير عوض ووجهه الأول أنه يجوز أن يكون ثمناً لغير هذا العبد فجاز أن يكون ثمنا له كغيره من الديون وما سقط منه رجع عليها به

(فصل) قال رضي الله عنه وتملك المرأة الصداق المسمى بالعقد هذا قول عامة أهل العلم وحكي عن مالك أنها لا تملك إلا نصفه وعن أحمد ما يدل على ذلك وقال ابن عبد البر هذا موضع اختلف فيه السلف والآثار، وأما الفقهاء اليوم فعلى انها تملكه وقول النبي صلى الله عليه وسلم " إن أعطيتها إزارك جلست ولا إزار لك " دليل على أن الصداق كله للمرأة لا يبقى للرجل منه شئ ولأنه عقد يملك به العوض بالعقد فملك فيه العوض كاملاً كالبيع وسقوط نصفه بالطلاق لا يمنع وجوب جميعه بالعقد ألا ترى أنها لو ارتدت سقط جميعه وإن كانت قد ملكت نصفه * (مسألة) * فإن كان معيناً كالعبد والدار فلها التصرف فيه ونماؤه لها وزكاته ونقصه وضمانه عليها سواء قبضته أو لم تقبضه متصلاً كان النماء أو منفصلاً وعليها زكاته إذا حال عليها الحول نص عليه أحمد وإن تلف فهو من ضمانها، ولو زكته ثم طلقت قبل الدخول كان ضمان الزكاة كلها عليها لأنها قد ملكته أشبه ما لو ملكته بالبيع إلا أن يمنعها قبضه فيكون ضمانه عليه لأنه بمنزلة الغاصب فإن زاد فالزيادة لها وإن نقص فالنقص عليه ويكون الخيار بين أخذ نصفه ناقصاً وبين أخذ نصف قيمته أكثر ما كانت من يوم العقد الى حين القبض لأنه إذا زاد بعد العقد فالزيادة لها وإن نقص فالنقص عليه إلا أن تكون الزيادة لتغير السعر فقد ذكرناه في الغصب وعن أحمد فيمن تزوج على عبد ففقئت عينه. إن كانت قد قبضته فهو لها وإن لم تقبضه فهو على الزوج هكذا نقله مهنا فظاهر هذا أنه جعله قبل قبضه من

مسألة: فإن كان معينا كالعبد والدار فلها التصرف فيه ونماؤه لها وزكاته ونقصه وضمانه عليها سواء قبضته أو لم تقبضه متصلا كان النماء أو منفصلا وعليها زكاته إذا حال عليها الحول نص عليه أحمد

ضمان الزوج بكل حال سواء كان معينا أو لم يكن كغير المعين وهو مذهب الشافعي. * (مسألة) * (فإن كان غير معين كقفيز من صبرة لم يدخل في ضمانها ولم تملك التصرف فيه إلا بقبضه كالبيع) وجملة ذلك أن حكم الصداق حكم البيع في أن ما كان مكيلا أو موزونا لا يجوز لها التصرف فيه قبل قبضه وما عداه لا يحتاج إلى قبض ولها التصرف فيه قبل قبضه، وقال القاضي وأصحابه ما كان معينا فلها التصرف فيه وما لم يكن معينا كقفيز من صبرة ورطل من زيت لم تملك التصرف فيه حتى تقبضه كالبيع وقد ذكرنا في المبيع رواية أخرى أنها لا تملك التصرف في شئ من قبل قبضه وهذا مذهب الشافعي وهذا أصل ذكر في البيع وذكر القاضي في موضع آخر أن ما لم ينتقض العقد بهلاكه كالمهر وعوض الخلع يجوز التصرف فيه قبل قبضه كالوصية والميراث، وقد نص أحمد على هبة المرأة زوجها صداقها قبل قبضها وهو نوع تصرف وقياس المذهب أن ما جاز لها التصرف فيه فهو من ضمانها إن تلف أو نقص وما لا تصرف لها فيه فهو من ضمان الزوج إلا أن يمنعها من قبضه فيكون من ضمان الزوج بكل حال كالغاصب وقد ذكرنا ما رواه مهنا عن أحمد في العبد إذا فقئت عينه ان ضمانه على الزوج ما لم تكن قبضته وهذا كمذهب الشافعي

مسألة: فإن كان غير معين كقفيز من صبرة لم يدخل في ضمانها ولم تملك التصرف فيه إلا بقبضه كالبيع

(فصل) وكل موضع قلنا هو من ضمان الزوج قبل القبض إذا تلف قبل قبضه لم يبطل الصداق بتلفه ويضمنه بمثله إن كان مثلياً وبقيمته إن لم يكن مثلياً، وهذا قول أبي حنيفة والشافعي في القديم وقال في الجديد يرجع إلى مهر المثل لأن تلف العوض يوجب الرجوع الى المعوض فإذا تعذر رده رجع إلى قيمته كالمبيع ومهر المثل هو القيمة فوجب الرجوع إليه ولنا أن كل عين وجب تسليمها مع وجودها إذا تلفت مع بقاء سبب إستحقاقها فالواجب بدلها كالمغصوب والقرض والعارية وفارق المبيع إذا تلف فإن المبيع انفسخ وزال سبب الاستحقاق فإذا ثبت هذا فإن التالف في يد الزوج لا يخلو من أربعة أحوال (أحدها) أن يتلف بفعلها فيكون ذلك قبضا منها ويسقط عن الزوج ضمانه (الثاني) تلف بفعل الزوج فهو من ضمانه على كل حال ويضمنه لها بما ذكرناه (الثالث) أتلفه أجنبي فلها الخيار بين الرجوع على الأجنبي بضمانه وبين الرجوع على الزوج ويرجع الزوج على الأجنبي (الرابع) تلف بفعل الله تعالى فهو على ما ذكرنا من التفصيل في صدر المسألة * (مسألة) * (فإن قبضت صداقها ثم طلقها قبل الدخول رجع عليها بنصفه إن كان باقيا) لقول الله تعالى (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم) وليس في هذا اختلاف بحمد الله ويدخل في ملكه حكماً كالميراث هذا قياس المذهب ولا يفتقر إلى

مسألة: فإن قبضت صداقها ثم طلقها قبل الدخول رجع عليها بنصفه إن كان باقيا

اختياره وإرادته فما يحدث من النماء يكون بينهما وهو قول زفر وذكر القاضي احتمالا إنه لا يدخل في ملكه حتى يختار كالشفيع وهو قول أبي حنيفة وللشافعي قولان كالوجهين فعلى هذا ما ينمى قبل ذلك فهو لها وعلى القول الآخر يكون بينهما نصفين ولنا قول الله تعالى (فنصف ما فرضتم) أي لكم أولهن فاقتضى ذلك أن النصف لها والنصف له بمجرد الطلاق ولأن الطلاق سبب يملك به بغير عوض فلم يقف الملك على إرادته واختياره كالإرث ولأنه سبب لنقل الملك فيه فنقل الملك بمجرده كالبيع وسائر الأسباب ولا تلزم الشفعة فإن سبب الملك فيها الأخذ ومتى أخذ بها ثبت الملك من غير ارادة واختيار وقبل الأخذ ما وجد السبب وإنما استحق بمباشرة سبب الملك ومباشرة الأسباب موقوفة على اختياره كما أن الطلاق مفوض الى اختياره فالأخذ بالشفعة نظير الطلاق وثبوت الملك للأخذ بالشفعة نظير ثبوت الملك للمطلق فإن ثبوت الملك حكم لهما وثبوت أحكام الاسباب بعد مباشرتها لا يقف على اختيار أحد ولا إرادته (فصل) فإن زاد زيادة منفصلة رجع في نصف الأصل والزيادة لها وإن كانت متصلة فهي مخيرة بين دفع نصفه زائداً وبين دفع نصف قيمته يوم العقد وجملة ذلك أن الصداق إذا زاد بعد العقد لم يخل من أن تكون الزيادة غير متميزة كسمن العبد وكبره وتعلمه صناعة أو متميزة كالولد والكسب والثمرة فان كانت زيادة متميزة أخذت الزيادة ورجع

بنصف الأصل وإن كانت غير متميزة فالخيرة إليها إن شاءت دفعت إليه قيمته يوم العقد لأن الزيادة لها لا يلزمها بذلها ولا يمكنها دفع الأصل بدونها فصرنا إلى نصف القيمة وإن شاءت دفعت إليه نصفه زائداً فيلزمه قبوله لأنها دفعت إليه حقه وزيادته لا تضر ولا تتميز فإن كانت محجوراً عليها لم يكن له الرجوع إلا في نصف القيمة لأن الزيادة لها ولا يجوز لها ولا لوليها التبرع بشئ لا يجب عليها * (مسألة) * (وإن كان ناقصاً خير الزوج بين أخذ نصفه ناقصاً وبين أخذ القيمة يوم العقد) إذا نقص الصداق بعد العقد فهو من ضمانها وقد ذكرناه مفصلاً ولا يخلو من أن يكون النقص متميزاً أو غير متميز فإن كان متميزاً كعبدين تلف أحدهما فإنه يرجع بنصف الباقي ونصف قيمة التالف أو مثل نصف التالف إن كان من ذوات الأمثال وإن لم يكن متميزاً كأن شاب فصار شيخاً فنقصت قيمته أو نسي صناعة أو كتابة أو هزل فالخيار الى الزوج إن شاء رجع بنصف قيمته وقت ما أصدقها لأن ضمان النقص عليها فلا يلزمه أخذ نصفه لأنه دون حقه وإن شاء رجع بنصفه ناقصاً فتجبر المرأة على ذلك لأنه رضي أن يأخذ نصف حقه ناقصاً فإن اختار أن يأخذ أرش النقص مع هذا لم يكن له ذلك في ظاهر كلام الخرقي وهو قول أكثر الفقهاء، وقال القاضي القياس أن له ذلك كالمبيع يمسكه ويطالب بالأرش وبما ذكرناه كله قال أبو حنيفة والشافعي وقال محمد بن الحسن الزيادة غير المتميزة تابعة للعين فللزوج الرجوع فيها لأنها تتبع في الفسوخ فأشبهت زيادة السوق

مسألة: وإن كان ناقصا خير الزوج بين أخذ نصفه ناقصا وبين أخذ القيمة يوم العقد

ولنا أنها زيادة حديث في ملكها فلم تتنصف بالطلاق كالمميزة فأما زيادة السوق فليست ملكها وفارق نماء المبيع لأن سبب الفسخ العيب وهو سابق على الزيادة وسبب تنصيف المهر الطلاق وهو حادث بعدها ولأن الزوج يثبت حقه في نصف المفروض دون العين ولهذا لو وجدها ناقصة كان له الرجوع الى نصف بدلها بخلاف المبيع المعيب والمفروض لم يكن سميناً فلم يكن له أخذه والمبيع تعلق حقه بعينه فتبعه سمنه فأما إن نقص الصداق من وجه وزاد من وجه مثل أن يتعلم صناعة وينسى أخرى أو هزل وتعلم ثبت الخيار لكل واحد منهما وكان له الامتناع والرجوع الى القيمة فإن اتفقا على نصف العين جاز وإن امتنعت المرأة من بذلها فلها ذلك لأجل الزيادة وان امتنع هو من الرجوع في نصفها فله ذلك لأجل النقص وإذا امتنع أحدهما رجع في نصف قيمتها (فصل) فإن أصدقها شقصاً وقلنا للشفيع أحذه فأخذه ثم طلق الزوج رجع في نصف قيمته لزوال ملكها عنه فإن طلقها قبل الأخذ بالشفعة فطالب الشفيع قدم حقه في أحد الوجهين لأن حقه أسبق فإنه يثبت بالنكاح وحق الزوج ثابت بالطلاق ولان الزوج يرجع الى بدل وهو نصف القيمة وحق الشفيع إذا بطل فإلى غير بدل (والثاني) يقدم الزوج لأن حقه ثبت بنص القرآن والإجماع فكان آكد وحق الشفيع مختلف فيه فعلى هذا يكون للشفيع أخذ النصف الباقي بنصف ما كان يأخذ به الجميع * (مسألة) * (وإن كان تالفاً أو مستحقاً بدين أو شفعة فله نصف القيمة يوم العقد إلا أن يكون مثلياً فيرجع بنصف مثله)

وقال القاضي له القيمة أقل ما كانت من يوم العقد الى يوم القبض، قال شيخنا: هذا مبني على أن الصداق لا يدخل في ضمان المرأة إلا بقبضه وإن كان معيناً كالمبيع في رواية فعلى هذا إن كانت القيمة وقت العقد أقل لم يلزمها إلا نصفها لأن الزيادة بعد العقد لها لأنها نماء ملكها فأشبهت الزيادة بعد القبض وإن كانت القيمة وقت القبض أقل لم يلزمها أكثر من نصفها لأن ما نقص من القيمة من ضمانه تلزمه غرامته لها فكيف يجب له عليها؟ (فصل) فإن أصدقها نخلا حائلاً فأطلعت ثم طلقها قبل الدخول فله نصف قيمتها يوم العقد وليس له الرجوع في نصفها لانها زادت زيادة متصلة فهي كسمن الجارية وسواء كان الطلع مؤبراً أو غير مؤبر لأنه متصل بالأصل لا يجب فصله عنه في هذه الحال فأشبه السمن وتعلم الصناعة فإن بذلت له المرأة الرجوع فيها مع طلعها لزمه ذلك لأنها زيادة متصلة لا يجب فصلها، وإن قال اقطعي ثمرتك حتى أرجع في نصف الأصل لم يلزمها لأن العرف في هذه الثمرة أنها لا تؤخذ إلا بالجذاذ بدليل البيع ولأن حق الزوج انتقل الى القيمة فلم يعد الى العين إلا برضاهما فإن قالت المرأة اترك الرجوع حتى آخذ ثمرتي وترجع في نصف الأصل وأرجع في نصف الأصل وأمهلني حتى أقطع الثمرة أو قال الزوج أنا أصبر حتى إذا أخذت ثمرتك رجعت في الأصل، أو قال أنا أرجع في الأصل وأصبر حتى تجذي ثمرتك لم يلزم

مسألة: وإن كان تالفا أو مستحقا بدين أو شفعة فله نصف القيمة يوم العقد إلا أن يكون مثليا فيرجع بنصف مثله

أحدهما قبول قول الآخر لأن الحق انتقل الى القيمة فلم يعد الى العين إلا بتراضيهما ويحتمل أن يلزمها قبول ما عرض عليها لأن الضرر عليه فأشبه ما لو بذلت له نصفها مع طلعها وكما لو وجد العين ناقصة فرضي بها، وإن تراضيا على شئ من ذلك جاز والحكم في سائر الشجر كالحكم في النخل واخراج النور في الشجر بمنزلة الطلع الذي لم يؤبر. (فصل) فإن كانت أرضا فحرثتها فتلك زيادة محضة إن بذلتها له بزيادة لزمه قبولها كالزيادات المتصلة كلها وإن لم تبذلها دفعت نصف قيمتها، وإن زرعتها فحكمها حكم النخل إذا طلع إلا في موضع واحد وهو أنها إذا بذلت نصف الأرض مع نصف الزرع لم يلزمه قبوله بخلاف الطلع مع النخل والفرق بينهما من وجهين: (أحدهما) أن الثمرة لا تنقص بها الشجرة، والأرض تنقص بالزرع وتضعف. (الثاني) أن الثمرة متولدة من الشجر فهي تابعة له، والزرع ملكها أودعته في الأرض فلم يجبر على قبوله. وقال القاضي يجبر على قبوله كالطلع سواء، وقد ذكرنا ما يقتضي الفرق. ومسائل الغراس كمسائل الزرع فإن طلقها بعد الحصاد ولم تكن الأرض زادت ولا نقصت رجع في نصفها وإن نقصت الزرع أو زادت به رجع في نصف قيمتها إلا أن يرضي بأخذها ناقصة أو ترضى هي ببذلها زائدة. (فصل) فإن أصدقها خشباً فشقته أبواباً فزادت قيمته لم يكن له الرجوع في نصفه لزيادته ولا يلزمه قبول نصفه لأنه نقص من وجه فإنه لم يبق مستعداً لما كان يصلح له من التسقيف وغيره، وإن

أصدقها ذهباً أو فضة فصاغته حلياً فزادت قيمته فلها منعه من نصفه، وإن بذلت له النصف لزمه القبول لأن الذهب لا ينقص بالصياغة ولا يخرج عن كونه مستعداً لما كان يصلح له قبل صياغته وإن أصدقها دنانير أو دراهم أو حلياً فكسرته ثم صاغته على غير ما كان عليه لم يلزمه قبول نصفه لأنه نقص في يدها ولا يلزمها بذل نصفه لزيادة الصناعة التي أحدثتها فيه، وإن أعادت الدراهم والدنانير الى ما كانت عليه فله الرجوع في نصفها وليس له طلب قيمتها لأنها عادت الى ما كانت عليه من غير نقص ولا زيادة فأشبه ما لو أصدقها عبداً فمرض أو برئ، وإن صاغت الحلي على ما كان عليه ففيه وجهان. (أحدهما) له الرجوع كالدراهم إذا أعيدت (والثاني) ليس له الرجوع في نصفه لانها جددت فيه صناعة فأشبه ما لو صاغته على صفة أخرى ولو أصدقها جارية فهزلت ثم سمنت فعادت الى حالتها الاولى فهل يرجع في نصفها؟ على وجهين. * (مسألة) * (وإن نقص الصداق في يدها بعد الطلاق فهل تضمن بعضه؟ يحتمل وجهين) أما إن كانت منعته منه بعد طلبه فعليها الضمان لأنها غاصبة وإن تلف قبل مطالبته فقياس المذهب أنه لا ضمان عليها لأنه حصل في يدها بغير فعلها ولا عدوان من جهتها فلم تضمنه كالوديعة، وإن اختلفا في مطالبته لها فالقول قولها لأنها منكرة، وفيه وجه آخر: أن عليها الضمان لأنه حصل في يدها من من غير إذن الزوج لها في امساكه أشبهت الغاصب وهذا ظاهر قول أصحاب الشافعي قالوا لأنه

مسألة: وإن نقص الصداق في يدها بعد الطلاق فهل تضمن بعضه. يحتمل وجهين

حصل في يدها بحكم قطع العقد فأشبه البيع إذا ارتفع العقد بالفسخ والأول أولى لما ذكرناه وأما البيع فيحتمل أن يمنع وإن سلمنا فإن الفسخ إن كان منهما أو من المشتري فقد حصل منه التسبب الى جعل ملك غيره في يده، وفي مسئلتنا ليس من المرأة فعل وإنما حصل ذلك بفعل الزوج وحده فأشبه ما لو ألقى ثوبه في دارها بغير إذنها. * (مسألة) * (وإن قال الزوج نقص قبل الطلاق فعليك ضمانه وقالت بعده فالقول قولها مع يمينها) لأنه ادعى ما يوجب الضمان عليها وهي منكرة والقول قول المنكر. (فصل) إذا خالع امرأته بعد الدخول ثم تزوجها وطلقها قبل دخوله بها فلها في النكاح الثاني نصف الصداق المسمى فيه وبهذا قال الشافعي، وقال أبو حنيفة لها جميعه لأن حكم الوطئ موجود فيه بدليل أنها لو أتت بولد لزمه. ولنا قول الله تعالى (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم) ولأنه طلاق من نكاح صحيح لم يمسها فيه فوجب أن يتنصف المهر كما لو تزوجها بعد العدة وما ذكره غير صحيح فإن لحوق النسب لا يقف على الوطئ عنده فلا يقوم مقامه فأما إن كان لم يدخل بها في النكاح الأول فعليه نصف الصداق للنكاح الأول ونصف الصداق للنكاح الثاني بغير خلاف

مسألة: وإن قال الزوج نقص قبل الطلاق فعليك ضمانه وقالت بعده فالقول قولها مع يمينها

(فصل) إذا طلق المرأة قبل الدخول وقد تصرفت في الصداق بعقد من العقود لم يخل من ثلاثة أقسام (أحدها) ما يزيل الملك عن الرقبة كالبيع والهبة والعتق فهذا يمنع الرجوع به وله نصف القيمة لزوال ملكها وانقطاع تصرفها فإن عادت العين إليها قبل طلاقها ثم طلقها وهي في يدها بحالها فله الرجوع في نصفها لأنه وجدها بعينها فأشبه ما لو لم يخرجها ولا يلزم الوالد إذا وهب ولده شيئاً فخرج عن ملكه ثم عاد إليه حيث لا يملك الرجوع لأنا نمنع ذلك، وإن سلمنا فإن حق الوالد سقط بخروجه عن يد الولد بكل حال بدليل أنه لا يطالبه ببدله والزوج لم يسقط حقه بالكلية بل يرجع بنصف قيمته عند عدمه فإذا وجد كان الرجوع في نفسه أولى، وفي معنى هذه التصرفات الرهن فإنه لم يزل الملك عن الرقبة لكنه يراد للبيع المزيل للملك ولذلك لا يجوز رهن مالا يجوز بيعه ففي الرجوع في العين إبطال حق المرتهن من الوثيقة فلم يجز، وكذلك الكتابة فإنها تراد للعتق المزيل للملك وهي عقد لازم فجرت مجرى الرهن، ويحتمل أن لا يمنع الرجوع إذا قلنا يجوز بيع المكاتب كالتدبير فإن طلق الزوج قبل اقباض الهبة أو الرهن أو في مدة الخيار في البيع ففيه وجهان (أحدهما) لا تجبر على رد نصفه إليه لأنه عقد عقدته في ملكها فلم يملك إبطاله كاللازم ولأن ملكها قد زال فلم يملك الرجوع فيما ليس بمملوك لها (والثاني) تجبر على تسليم نصفه فإنها قادرة على ذلك ولا زيادة فيها وللشافعي قولان كهذين

الوجهين، فأما إن طلقها بعد تقبيض الهبة والرهن ولزوم البيع فلم يأخذ قيمة النصف حتى فسخ البيع والرهن والهبة لم يكن له الرجوع في نصفها لأن حقه ثبت في القيمة (الثاني) تصرف غير لازم لا ينقل الملك كالوصية والشركة والمضاربة فهذا لا يبطل الرجوع في نصفه ويكون وجوده بهذا التصرف كعدمه لأنه تصرف لم ينقل الملك ولم يمنع المالك من التصرف فلا يمنع من له الرجوع على المالك من الرجوع كالإيداع والعارية، فأما إن دبرته فظاهر المذهب أنه لا يمنع الرجوع لأنه لا يمنع البيع فلم يمنع الرجوع كالوصية، ولا يجبر على الرجوع في نصفه بل يخير بين ذلك وبين أخذ نصف قيمته ولان شركة من نصفه مدبر نقص ولا يؤمن أن يرفع الى حاكم حنفي فيحكم بعتقه، وإن كانت أمة فدبرتها فإن قلنا تباع في الدين فهي كالعبد، وإن قلنا لا تباع لم يجز الرجوع في نصفها (الثالث) تصرف لازم لا يراد لازالة الملك كالإجارة والتزويج فهو نقص فيخير الزوج بين أن يرجع في نصفه ناقصاً وبين الرجوع في نصف قيمته فإن رجع في نصف المستأجر صبر حتى تنفسخ الإجارة، فإن قيل فلم قلتم في الطلع الحادث في النخيل إذا قال أنا أصبر حتى تنتهي الثمرة لم يكن له ذلك؟ قلنا الفرق بينهما أن في تلك المسألة تكون المنة له فلا يلزمها قبول منته بخلاف مسئلتنا ولان ذلك يؤدي إلى التنازع في سقي الثمرة وجذاذها وقطعها لخوف العطش أو غيره بخلاف مسئلتنا (فصل) قد ذكرنا أن المهر إذا كان معيناً يدخل في ملك المرأة بمجرد العقد فإذا زاد فالزيادة

لها وإن نقص فعليها فإذا كانت غنماً فولدت فالأولاد زيادة منفصلة تنفرد المرأة بها لأنه نماء ملكها وترجع في نصف الأمهات إن لم تكن نقصت ولا زادت زيادة متصلة لأنه نصف ما فرض لها. وقد قال الله تعالى (فنصف ما فرضتم) فإن كانت نقصت بالولادة أو بغيرها فله الخيار بين أخذ نصفها ناقصاً لأنه رضي بدون حقه وبين أخذ نصف قيمتها وقت ما أصدقها لأن ضمان النقص عليها وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا يرجع في نصف الأصل وإنما يرجع في نصف القيمة لأنه لا يجوز فسخ العقد في الأصل دون النماء لأنه موجب للعقد فلم يجز رجوعه في الأصل بدونه. ولنا أن هذا نماء منفصل عن الصداق فلم يمنع رجوع الزوج كما لو انفصل قبل القبض، وما ذكروه لا يصح لأن الطلاق ليس برفع العقد ولا النماء من موجباته إنما هو من موجبات الملك، إذا ثبت هذا فلا فرق بين كون الولادة قبل تسليمه إليها أو بعده إلا أن يكون قد منعها قبضه فيكون النقص من ضمانه والزيادة لها فينفرد بالاولاد، وإن نقصت الأمهات خيرت بين أخذ نصفها ناقصة وبين أخذ نصف قيمتها أكثر ما كانت من يوم أصدقها الى يوم طلقها وإن أراد الزوج أخذ نصف قيمة الأمهات من المرأة لم يكن له. وقال أبو حنيفة إذا ولدت في يد الزوج ثم طلقها قبل الدخول رجع في نصف الأولاد أيضاً لأن الولد دخل في التسليم المستحق بالعقد لأن حق التسليم تعلق بالأم فسرى إلى الولد لحق الاستيلاد وما دخل في التسليم المستحق ينصف بالطلاق كالذي دخل في العقد

ولنا قول الله تعالى (فنصف ما فرضتم) وما فرض ههنا إلا الأمهات فلا يتنصف سواها ولأن الولد حدث في ملكها أشبه ما حدث في يدها، ولا يشبه حق التسليم حق الاستيلاد فإن حق الاستيلاد يسري وحق التسليم لا سراية له فإن تلف في يد الزوج وكانت المرأة قد طالبت به فمنعها ضمنه كالغاصب وإلا لم يضمنه لأنه تبع لأمه. (فصل) والحكم في الصداق إذا كان جارية كالحكم في الغنم إذا ولدت كان الولد لها كولد الغنم إلا أنه ليس له الرجوع في نصف الأصل لأنه يفضي إلى التفريق بين الأم وولدها في بعض وكما لا يجوز التفريق بينها وبين ولدها في جميع الزمان لا يجوز في بعضه فيرجع عليها في نصف قيمتها وقت من أصدقها لا غير. (فصل) فإن كان الصداق بهيمة حائلاً فحملت فالحمل فيها زيادة متصلة إن بذلتها له بزيادتها لزمه قبولها لأن الحمل في البهيمة لا يعد نقصا ولذلك لا يرد به المبيع، وإن كانت أمة فحملت فقد زادت من وجه لاجل ولدها ونقصت من وجه لأن الحمل في النساء نقص لخوف التلف عليها حين الولادة ولهذا يرد بها المبيع فحينئذ لا يلزمها بذلها لأجل الزيادة ولا يلزمه قبولها لاجل النقص وله نصف قيمتها وإن اتفقا على تنصيفها جاز، وإن أصدقها حاملاً فولدت فقد أصدقها عينين جارية وولدها وزاد الولد في ملكها فإن طلقها فرضيت ببذل النصف في الولد والام جميعاً أجبر على قبولها لأنها زيادة غير مميزة

وإن لم تبذله لم يجز له الرجوع في نصف الولد لزيادته ولا في نصف الأم لما فيه من التفرقة بينها وبين ولدها ويرجع بنصف قيمة الأم وفي نصف الولد وجهان (أحدهما) لا يستحق نصف قيمته لأنه حالة العقد لا قيمة له وحالة الانفصال قد زال في ملكها فلا يقوم الزوج بزيادته. ويفارق ولد المغرور فإن وقت الانفصال وقت الحيلولة ولهذا قوم بخلاف مسئلتنا (والثاني) له نصف قيمته لأنه أصدقها عينين فلا يرجع في إحداهما دون الأخرى ويقوم حالة الانفصال لأنها أول حالة إمكان تقويمه وفي المسألة وجه آخر وهو أن الحمل لا حكم له فيكون كأنه حادث (فصل) وإن أصدقها أرضاً فبنتها داراً أو ثوباً فصبغته ثم طلقها قبل الدخول رجع بنصف قيمته وقت ما أصدقها إلا أن يشاء أن يعطيها قيمة البناء والصبغ فيكون له النصف أو تشاء هي أن تعطيه زائداً فلا يكون لها غيره، وذكر الخرقي إنما كان له نصف القيمة لأنه قد صار في الأرض والثوب زيادة للمرأة وهي البناء والصبغ فإن دفعت إليه نصف الجميع زائداً فعليه قبوله لأنه حقه وزيادة وان بذل لها نصف قيمة البناء والغراس ليكون له النصف فقال الخرقي له ذلك قال القاضي هذا محمول على أنهما تراضيا بذلك لأنها لا تجبر على المعاوضة وهذه معاوضة، قال شيخنا والصحيح أنها تجبر لأن الأرض حصلت له وفيها بناء لغيره فإذا بذل القيمة لزم الآخر قبوله كالشفيع إذا أخذ الأرض بعد بناء المشتري فيها فبذل الشفيع قيمته لزم المشتري قبولها وكذلك إذا رجع المعير في أرضه وفيها بناء أو غراس للمستعير فبذل المعير قيمة ذلك لزم المستعير قبولها (فصل) فإن أصدقها نخلا حائلاً فأثمرت في يده فالثمرة لها لأنها نماء ملكها فان جدها بعد تناهيها

وجعلها في ظروف وألقى عليها صفراً من صفرها وهو سيلان الرطب بغير خلع وهذا يفعله أهل الحجاز لحفظ رطوبتها لم تخل من ثلاثة أحوال (أحدها) أن لا تنقص قيمة الثمرة والصفر بل كانا بحالهما أو زادا فانه بردهما عليها ولا شئ عليه (الثاني) أن تنقص قيمتهما وذلك على ضربين (أحدهما) أن يكون بعضهما متناهيا فإنه يدفعهما إليها وأرش نقصهما له لأنه تعدى ما فعله من ذلك (الضرب الثاني) أن لا يتناهى بل يتزايد ففيه وجهان (أحدهما) إنها تأخذ قيمتها لأنها كالمستهلكة (الثاني) هي مخيرة بين ذلك وبين تركها حتى يستقر بعضها وتأخذها وارشها كالمغصوب منه (الحال الثالث) أن لا تنقص قيمتها لكن ان أخرجها من ضروفها نقصت قيمتها فللزوج اخراجها وأخذ ضروفها إن كانت الضروف ملكه وإذا نقصت فالحكم على ما ذكرنا وإن قال الزوج أنا أعطيكها مع ضروفها فقال القاضي يلزمها قبولها لان ضروفها كالمتصلة بها التابعة لها ويحتمل أن لا يلزمها قبولها لان الضروف عين ماله فلا يلزمه قبولها كالمنفصلة عنها فإن كانت بحالها إلا أن الصفر المتروك على الثمرة ملك الزوج فإنه ينزع الصفر ويرد الثمرة، والحكم فيها إن نقصت أو لم تنقص كالتي قبلها، وإن قال أنا أسلمها مع الصفر والضروف فعلى الوجهين اللذين ذكرناهما وفي الموضع الذي حكمنا أن له زيادة إذا

قالت أنا أرد الثمرة وآخذ الأصل فلها ذلك في أحد الوجهين والآخر ليس لها ذلك مبنيان على تفريق الصفقة في البيع وقد ذكرنا ذلك في موضعه (فصل) إذا كان الصداق جارية فوطئها الزوج عالماً بزوال ملكه وتحريم الوطئ عليه فعليه الحد لأنه وطئ في غير ملك وعليه المهر لسيدتها اكرهها أو طاوعته لأن المهر لمولاتها فلا يسقط ببذلها ومطاوعتها كما لو بذلت يدها للقطع، وإن ولدت فالولد رقيق للمرأة وإن اعتقد أن ملكه لم يزل عن جميعها أو كان عالم بتحريمها عليه فلا حد عليه للشبهة وعليه المهر والولد حر لا حق به وعليه قيمته يوم ولادته ولا تصير أم ولد له وإن ملكها بعد ذلك لأنه لا ملك له فيها وتجبر المرأة بين أخذها في حال حملها وبين أخذ قيمتها لأنه نقصها بإحبالها، وهل لها الأرش بعد ذلك؟ يحتمل أن لها الأرش لأنها نقصت بعدوانه أشبه ما لو نقصها الغاصب بذلك وقال بعض أصحاب الشافعي في الأرش ههنا قولان وقال بعضهم ينبغي أن يكون لها المطالبة بالأرش قولا واحدا لا النقص حصل بفعله الذي تعدى به فهو كالغاصب وكما لو طالبته فمنع تسليمها وهذا أصح (فصل) وإن أصدق ذمي ذمية خمراً فتخللت في يدها ثم طلقها قبل دخوله بها احتمل أن لا يرجع عليها بشئ لأنها قد زادت في يدها بالتخليل والزيادة لها وإن أراد الرجوع بنصف قيمتها قبل التخلل فلا قيمة لها وإنما يرجع إذا زادت في نصف قيمتها أقل ما كانت من حين العقد الى حين

القبض وحينئذ لا قيمة لها وإن تخللت في يد الزوج ثم طلقها فلها نصفها لأن الزيادة لها ويحتمل أن يكون الخل له وعليه نصف مهر مثلها إذا ترافعا إلينا قبل القبض أو أسلما أو أحدهما (فصل) إذا تزوج امرأة فضمن أبوه نفقتها عشر سنين صح ذكره أبو بكر لأن أكثر ما فيه أنه ضمان مجهول أو ضمان ما لم يجب وكلاهما صحيح ولا فرق بين كون الزوج موسراً أو معسراً واختلف أصحاب الشافعي فمنهم من قال كقولنا ومنهم من قال لا يصح ضمان نفقة المعسر لأن غير المعسر يتغير حاله فيكون عليه نفقة الموسر أو المتوسط فيكون ضمان مجهول والمعسر معلوم ما عليه ومنهم من قال لا يصح أصلاً لأنه ضمان ما لم يجب ولنا أن الجهل لا يمنع صحة الضمان بدليل صحة ضمان نفقة المعسر مع احتمال أن يموت أحدهما فتسقط النفقة ومع ذلك صح الضمان فكذلك هذا * (مسألة) * (والزوج هو الذي بيده عقدة النكاح فإذا طلقها قبل الدخول فأيهما عفا لصاحبه عما وجب له من الامر وهو جائز الأمر في ماله برئ منه صاحبه وعنه أنه الأب فله أن يعفوا عن نصف صداق ابنته الصغيرة إذا طلقت قبل الدخول) اختلف أهل العلم في الذي بيده عقدة النكاح فظاهر مذهب أحمد أنه الزوج روى ذلك عن علي وابن عباس وجبير بن مطعم رضي الله عنهم وبه قال سعيد بن المسيب وشريح وسعيد بن جبير ونافع مولى

مسألة: والزوج هو الذي بيده عقدة النكاح فإذا طلقها قبل الدخول فأيهما عفا لصاحبه عما وجب له من الأمر وهو جائر الأمر في ماله برئ منه صاحبه، وعنه أنه الأب فله أن يعفو عن نصف صداق ابنته الصغيرة إذا طلقت قبل الدخول

ابن عمر ومجاهد وأياس بن معاوية وجابر بن زيد وابن سيرين والشعبي والثوري وأصحاب الرأي والشافعي في الجديد وعن أحمد أنه الولي إذا كان أباً الصغيرة وهو قول الشافعي القديم إذا كان أبا أو جداً وحكي عن ابن عباس وعلقمة والحسن وطاوس والزهري وربيعة ومالك أنه الولي لأن الولي بعد الطلاق هو الذي بيده عقدة النكاح لكونها قد خرجت عن يد الزوج ولأن الله تعالى ذكر عفو النساء عن نصيبهن فينبغي أن يكون عفو الذي بيده عقدة النكاح عنه ليكون المعفو عنه في الموضعين واحداً ولأن الله تعالى بدأ بخطاب الأزواج على المواجهة بقوله (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن) ثم قال (أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح) وهذا خطاب غير حاضر ولنا ما روى الدارقطني بإسناده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن البني صلى الله عليه وسلم أنه قال " ولي العقدة الزوج " ولأن الذي بيده عقدة النكاح بعد العقد هو الزوج فإنه يتمكن من قطعه وفسخه وإمساكه وليس للولي منه شئ ولأن الله تعالى قال (وأن تعفوا أقرب للتقوى) ولأن المهر مال للزوجة فلا يملك الولي هبته وإسقاطه كغيره من أموالها وحقوقها كسائر الأولياء ولا يمتنع العدول عن خطاب الحاضر الى الغائب كقوله تعالى (حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة) فعلى هذا متى طلق الزوج قبل الدخول ينصف المهر بينهما فان عفى الزوج لها عن النصف الذي له كمل لها الصداق جميعه وإن عفت المرأة عن الصف الذي لها منه وتركت

له جميع الصداق جاز إذا كان العافي منهما رشيداً جائز الأمر في ماله فإن كان صغيراً أو سفيهاً لم يصح عفوه لأنه ليس له التصرف في ماله بهبة ولا إسقاط ولا يصح عفو الولي عن الزوجة أبا كان أو غيره صغيرة كانت أو كبيرة نص عليه أحمد في رواية الجماعة روى عنه ابن منصور إذا طلق وهي بكر قبل أن يدخل بها فعفا أبوها أو زوجها ما أرى عفو الأب إلا جائزاً. قال ابو حفص ما أرى ما نقله ابن منصور إلا قولاً لأبي عبد الله قديماً فظاهر قول أبي حفص أن المسألة رواية واحدة، وان أبا عبد الله رجع عن قوله بجواز عفو الأب وهو الصحيح لأن مذهبه أن لا يجوز للأب إسقاط ديون ولده الصغير ولا إعتاق عبيده ولا تصرفه لهم إلا بما فيه مصلحتهم ولا حظ لها في هذا الإسقاط فلا يصح، وإن قلنا برواية ابن منصور لم يصح إلا بخمس شرائط (أحدها) أن يكون أباً لأنه الذي يلي مالها ولا يتهم عليها (الثاني) ان تكون صغيرة ليكون ولياً على مالها فإن الكبيرة تلي مال نفسها (الثالث) أن تكون بكراً لتكون غير متبذلة ولأنه لا يملك تزويج الثيب وإن كانت صغيرة إلا على بعض الوجوه فلا تكون ولايته عليه تامة (الرابع) أن تكون مطلقة لأنها قبل الطلاق معرضة لاتلاف البضع (والخامس) أن يكون قبل الدخول لأن ما بعده قد أتلف البضع فلا يعفو عن بدل متلف، ومذهب الشافعي على نحو هذا إلا أنه يجعل الجد كالأب (فصل) ولو ماتت امرأة الصغير أو السفيه أو المجنون على وجه يسقط صداقها عنهم مثل أن تفعل

امرأته ما يفسخ نكاحها برضاع من ينفسخ نكاحها برضاعه أو رده أو بصفة كطلاق من السفيه أو رضاع من أجنبية لم ينفسخ نكاحها برضاعه أو نحو ذلك ولم يكن لوليه العفو عن شئ من الصداق رواية واحدة وهذا قول الشافعي، والفرق بينهم وبين الصغيرة أن وليها أكسبها المهر بتزويجها وههنا لم يكسبه شيئاً إنما رجع المهر إليه بالفرقة (فصل) إذا عفت المرأة عن صداقها الذي لها على زوجها أو عن بعضه أو وهبته إياه بعد قبضه وهي جائزة الأمر في مالها جاز ذلك وصح بغير خلاف علمناه لقول الله تعالى (إلا أن يعفون) يعني الزوجات. وقال تعالى (فإن طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا) قال أحمد في رواية المروزي ليس بشئ قال الله تعالى (فكلوه هنيئا مريئا عنى المهر تهبه المرأة للزوج، وقال علقمة لامرأته هبي لي من الهنئ المرئ يعني من صداقها وهل لها أن ترجع فيما وهبت زوجها؟ فيه روايتان عن أحمد واختلاف من أهل العلم ذكرناه فيما مضى (فصل) إذا طلقت قبل الدخول وتنصف المهر بينهما لم يخل من أن يكون عينا أو ديناً فإن كان ديناً لم يخل إما أن يكون في ذمة الزوج لم يسلمه إليها أو في ذمتها بأن تكون قد قبضته وتصرفت فيه أو تلف في يدها وأيهما كان فإن للذي له الدين أن يعفو عن حقه منه بأن يقول عفوت عن حقي من الصداق أو أسقطته أو أبرأتك منه أو ملكتك إياه أو وهبتكه أو أحللتك منه أو أنت منه في حل أو

تركته لك أي ذلك سقط به المهر وبرئ منه الآخر، وإن لم يقبله لأنه إسقاط حق فلم يفتقر إلى قبول كإسقاط القصاص والشفعة والعتق والطلاق ولذلك صح إبراء الميت مع عدم القبول منه ولو رد ذلك لم يرتد وبرئ منه لما ذكرناه، وإن أحب العفو من الصداق في ذمته لم يصح العفو لأنه إن كان في ذمة الزوج فقد سقط عنه بالطلاق، وإن كان في ذمة الزوجة فلا يثبت في ذمتها الا النصف الذي يستحقه الزوج، وأما النصف الذي لها فهو حقها تصرفت فيه، وإنما يتجدد ملك الزوج للنصف بطلاقه فلا يثبت في ذمتها غيره وأيهما أراد تكميل الصداق لصاحبه فإنه يتجدد له هبه مبتدأة، وأما إن كان الصداق عينا في يد أحدهما فعفى الذي هو في يده للآخر فهو هبة له تصح بلفظ العفو والهبة والتمليك ولا تصح بلفظ الإبراء والإسقاط ويفتقر الى القبض فيما يشترط القبض فيه، وان عفى غير الذي هو في يده صح بهذه الألفاظ وافتقر الى مضي زمان يتأني القبض فيه إن كان الموهوب مما يفتقر الى القبض. وفيه اختلاف ذكرناه في الهبة (فصل) قال الشيخ رضي الله عنه وإذا أبرأت المرأة زوجها من صداقها أو وهبته له ثم طلقها قبل الدخول رجع عليها بنصفه وعنه لا يرجع بشئ، وإن ارتدت قبل الدخول فهل يرجع عليها بجميعه؟ على الروايتين إذا أصدق امرأته عينا فوهبتها له ثم طلقها قبل أن يدخل بها فعن أحمد فيه روايتان

(إحداهما) يرجع عليها بنصف قيمتها اختاره أبو بكر وهو أحد قولي الشافعي لأنها عادت إلى الزوج بعقد مستأنف فلا يمنع استحقاقها بالطلاق كما لو عادت إليه بالبيع أو وهبها لأجنبي ثم وهبها له (والرواية الثانية) لا يرجع عليها وهو قول مالك والمزني وأحد قولي الشافعي وقول أبي حنيفة إلا أن تزيد العين أو تنقض ثم تهبها له لأن الصداق عاد إليه فلو لم تهبه لم يرجع بشئ وعقد الهبة لا يقتضي ضماناً ولأن نصف الصداق تعجل إليه بالهبة فإن كان الصداق دينا فأبرأته منه فإن قلنا لا يرجع ثم فههنا أولى، وإن قلنا يرجع ثم خرج ههنا وجهان (أحدهما) لا يرجع لأن الابراء إسقاط حق وليس بتمليك كتمليك الأعيان ولهذا لا يفتقر الى قبول، ولو شهد شاهدان على رجل بدين فأبرأه مستحقه ثم رجع الشاهدان لم يغرما شيئاً، ولو كان قبضه منه ثم وهبه له ثم رجع الشاهدان غرما (والثاني) يرجع لأنه عاد إليه بغير الطلاق فهو كالعين والابراء بمنزلة الهبة ولهذا يصح بلفظها فإن قبضت الدين منه ثم وهبته له ثم طلقها فهو كهبة العين لأنه تعين بقبضه، وقال أبو حنيفة يرجع ههنا لأن الصداق قد استوفته كله ثم تصرفت فيه فوجب الرجوع عليها كما لو وهبته أجنبيا، ويحتمل أن لا يرجع لأنه عاد إليه ما أصدقها فأشبه ما لو كان عينا فقبضتها ثم وهبتها، وإن وهبته العين وأبرأته من

الدين ثم فسخت النكاح بفعل من جهتها كإسلامها أو ردتها أو رضاعها لمن يفسخ نكاحها إرضاعه ففي الرجوع عليها بجميع الصداق روايتان كما في الرجوع في النصف سواء (فصل) فإن أصدقها عبداً فوهبته ثم طلقها قبل الدخول انبنى ذلك على الروايتين فإن قلنا إذا وهبته الكل لم يرجع بشئ رجع ههنا في ربعه، وعلى الرواية الأخرى يرجع في النصف الباقي كله لأنه وجده بعينه وبهذا قال أبو يوسف ومحمد والمزني وقال أبو حنيفة لا يرجع بشي لأن النصف حصل في يده فقد استعجل حقه. وقال الشافعي في أحد أقواله كقولنا (والثاني) له نصف النصف الباقي ونصف قيمة الموهوب (والثالث) يتخير بين هذا وبين الرجوع بقيمة النصف. ولنا أنه وجد نصف ما أصدقها بعينه فأشبه ما لو لم تهبه شيئاً (فصل) وإن خالع امرأته بنصف صدقها قبل الدخول بها صح وصار الصداق كله له نصفه بالطلاق ونصفه بالخلع ويحتمل أن يصير له ثلاثة أرباعه لأنه إذا خالعها بنصفه مع علمه أن النصف يسقط عنه صار مخالفاً بنصف النصف الذي يبقى لها فيصير له النصف بالطلاق والربع بالخلع، وإن خالعها بنصف مثل الصداق في ذمتها صح وصار جميع الصداق له نصفه بالطلاق ونصفه بالمقاصة بما في ذمتها له عوض الخلع، ولو قالت اخلعني بما تسلم لي من صداقي فقد صح، وبرئ من جميع

الصداق وكذلك لو قالت اخلعني على أن لاتبعة عليك في المهر صح ويسقط جميعه عنه، وإن خالعته بمثل جميع الصداق في ذمتها صح ويرجع عليها بنصفه لأنه يسقط نصفه بالمقاصة بالنصف الذي لها عليه ويسقط عنه النصف يبقى له عليها النصف وإن خالعته بصداقها كله فكذلك في أحد الوجهين، وفي الآخر لا يرجع عليها بشئ لأنه لما خالعها به مع العلم بسقوط نصفه بالطلاق كان مخالعاً لها بنصفه ويسقط عنه بالطلاق نصفه ولا يبقى لها شئ (فصل) وإذا أبرأت المفوضة من المهر صح قبل الدخول وبعده وسواء في ذلك مفوضة البضع ومفوضة المهر وكذلك من سمي لها مهر فاسد كالمهر المجهول لأن المهر واجب في هذه المواضع وإنما جهل قدره والبراءة من المجهول صحيحة لأنها إسقاط فصحت في المجهول. وقال الشافعي لا تصح البراءة في شئ من هذا لأن المفوضة لم يجب لها مهر فلا يصح الإبراء مما لم يجب وغيرها مهرها مجهول والبراءة من المجهول لا تصح إلا أن تقول أبرأتك من درهم الى ألف فيبرأ من مهرها إذا كان دون الالف وسوف نذكر الدليل على وجوبه فيما يأتي فيصح الابراء منه كما لو قال أبرأتك من درهم إلى ألف فإذا أبرأت المفوضة ثم طلقت قبل الدخول فإن قلنا لا يرجع الى المسمى لها لم يرجع ههنا، وإن قلنا يرجع ثم احتمل أن لا يرجع ههنا لأن المهر كله سقط بالطلاق ووجبت المتعة بالطلاق ابتداء ويحتمل أن يرجع لأنه عاد إليه مهرها بسبب غير الطلاق وفيما يرجع به احتمالان (أحدهما) يرجع بنصف مهر المثل

لأنه الذي وجب بالعقد فهو نصف المفروض (والثاني) يرجع بنصف المتعة لانها التي تجب بالطلاق فأشبهت المسمى (فصل) فإن أبرأته المفوضة من نصف صداقها ثم طلقها قبل الدخول فلا متعة لها لأن المتعة قائمة مقام نصف الصداق وقد أبرأته منه فصار كما لو قبضته ويحتمل أن يجب لها نصف المتعة إذا قلنا إنه لا يرجع عليها بشئ إذا أبرأته من جميع صداقها. (فصل) إذا باع رجل عبدا بمائة ثم أبرأه البائع من الثمن أو قبضه ثم وهبه إياه ثم وجد المشتري بالعبد عيباً فهل له رد المبيع والمطالبة بالثمن أو أخذ أرش العيب مع إمساكه؟ على وجهين بناء على الروايتين في الصداق إذا وهبته المرأة لزوجها ثم طلقها قبل الدخول، وإن كانت بحالها فوهب المشتري العبد للبائع ثم أفلس المشتري والثمن في ذمته فللبائع أن يضرب بالثمن مع الغرماء وجهاً واحداً لأن الثمن ما عاد منه الى البائع وكذلك كان يجب أداؤه إليه قبل الفلس بخلاف التي قبلها، ولو كاتب عبداً ثم أسقط عنه مال الكتابة برئ وعتق ولم يرجع على سيده بالقدر الذي كان يجب على السيد أن يؤتيه إياه وكذلك لو أسقط عنه القدر الذي يلزمه إيتاؤه إياه واستوفى الباقي لم يلزمه أن يؤتيه شيئاً لان اسقاطه عنه يقوم مقام الإيتاء، وخرجه بعض أصحابنا على وجهين بناء على الروايتين في الصداق ولا يصح لأن المرأة أسقطت الصداق الواجب لها قبل وجود سبب استحقاق

الزوج عليها نصفه وههنا أسقط السيد عن المكاتب ما وجد بسبب ايتائه إياه فقام اسقاطه مقام ايتائه ولهذا لو قبضه السيد منه ثم آتاه إياه لم يرجع عليه بشئ، ولو قبضت المرأة صداقها أو وهبته لزوجها ثم طلقها قبل الدخول رجع عليها فافترقا. (فصل) ولا يبرأ الزوج من الصداق إلا بتسليمه الى من يتسلم مالها فإن كانت رشيدة لم يبرأ إلا بالتسليم إليها أو الى وكيلها ولا يبرأ بالتسليم الى أبيها ولا الى غيره بكراً كانت أو ثبيا قال أحمد إذا أخذ مهر ابنته فأنكرت فذلك لها ترجع على زوجها بالمهر ويرجع الزوج على أبيها فقيل له أليس قال النبي صلى الله عليه وسلم " أنت ومالك لأبيك " قال نعم ولكن هذا لم يأخذ منها إنما يأخذ من زوجها وهذا مذهب الشافعي، وقال أبو حنيفة له قبض صداق البكر دون الثيب لأن ذاك العادة ولأن البكر تستحي فقام أبوها مقامها كما قام مقامها في تزويجها. ولنا أنها رشيدة فلم يكن لغيرها قبض صداقها كالثيب أو عوض ملكته وهي رشيدة فلم يكن لغيرها قبضه بغير إذنها كثمن مبيعها، وإن كانت غير رشيدة سلمه الى وليها في مالها من أبيها أو وصية من الحاكم لأنه من جملة أموالها فهو كأجرة دارها.

مسألة: وكل فرقة جاءت من قبل الزوج قبل الدخول كطلاقه وخلعه وإسلامه وردته أو من أجنبي كالرضاع ونحوه يتنصف بها المهر بينهما

* (مسألة) * (وكل فرقة جاءت من قبل الزوج قبل الدخول كطلاقه وخلعه وإسلامه وردته أو من أجنبي كالرضاع ونحوه يتنصف بها المهر بينهما) لقول الله تعالى (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم) ثبت في الطلاق وقسنا عليه سائر ما استقل به الزوج، وأما فرقة الأجنبي كالرضاع ونحوه تسقط نصف المهر ويجب نصفه أو المتعة لغير من سمى لها ثم يرجع الزوج على من فسخ النكاح إذا جاء الفسخ من قبل أجنبي لأنه قرره عليه، وإن قتلت المرأة استقر المهر جميعه لأنها فرقة حصلت الموت واثبتها النكاح أشبه ما لو ماتت حنف أنفها سواء قتلها زوجها أو أجنبي أو قتلت نفسها أو قتل الأمة سيدها وإن طلق الحاكم على الزوج في الايلاء فهو كطلاقه لأنه قام مقامه في إيفاء الحق عند امتناعه منه * (مسألة) * (وكل فرقة جاءت من المرأة قبل الدخول كإسلامها أو ردتها أو رضاعها من ينفسخ النكاح برضاعه أو ارتضاعها وهي صغيرة أو فسخها لعنته واعساره أو فسخه لعيبها أو فسخها لعتقها تحت عبد فإنه يسقط به مهرها ولا تجب المتعة لأنها أتلفت العوض قبل تسليمه فسقط البدل كله كالبائع يتلف المبيع قبل تسليمه * (مسألة) * (وفرقة للعان تخرج على روايتين) [إحداهما] هي كطلاقه لأن سبب اللعان قذفه

مسألة: وكل فرقة جاءت من المرأة قبل الدخول كإسلامها أو ردتها أو رضاعها من ينفسخ النكاح برضاعه أو ارتضاعها وهي صغيرة أو فسخها لعنته واعساره أو فسخه لعيبها أو فسخها لعتقها تحت عبد فإنه يسقط به مهرها، ولا تجب المتعة لأنها أتلفت العوض قبل تسليمه فسقط ال

الصادر منه فأشبه الخلع (والثانية) يسقط به مهرها لأن الفسخ عقب لعانها فهو كفسخها لعيبه * (مسألة) * (وفي فرقة بيع الزوجة من الزوج وشرائها له وجهان) إذا اشترت المرأة زوجها ففيه وجهان [أحدهما] يتنصف به مهرها، لأن البيع الموجب للفسخ تم بالسيد وبالمرأة، فأشبه الخلع (والثاني) يسقط به المهر لأن الفسخ وجد عقيب قبولها فأشبه فسخها لعيبه وكذلك شراء الزوج امرأته وإن جعل لها الخيار فاختارت نفسها أو وكلها في الطلاق فطلقت نفسها فهو كطلاقه لا يسقط مهرها لأن المرأة وإن باشرت الطلاق فهي نائبة عنه ووكيلة عنه وفعل الوكيل كفعل الموكل فكأنه صدر عن مباشرته، وإن علق طلاقها على فعل من قبلها لم يسقط مهرها لأن السبب منه وجد وإنما هي حققت شرطه والحكم ينسب إلى صاحب السبب * (مسألة) * (وفرقة الموت يستقر بها المهر كله، كالدخول إذا كان المهر مسمى) وفي المفوضة اختلاف نذكره في مواضعه إن شاء الله تعالى ولو قتلت نفسها أو قتلها غيرها فهو كالموت حتف أنفها لأنها فرقة حصلت بانقضاء الاجل وأثبتها النكاح فهو كموتها حتف أنفها * (فصل) * قال رضي الله عنه (وإذا اختلف الزوجان في قدر الصداق فالقول قول الزوج مع يمينه وعنه القول قول من يدعي مهر المثل منهما) إذا اختلف الزوجان في قدر الصداق ولا بينة لهما فقد اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في ذلك فروي عنه أن القول قول الزوج بكل حال، وهذا قول الشعبي وابن أبي ليلى وابن شبرمة وأبي ثور

مسألة: وفي فرقة بيع من الزوج وشرائها له وجهان

وبه قال أبو يوسف إلا أن يدعي مستنكراً وهو أن يدعي مهراً لا يتزوج بمثله في العادة لأنه منكر للزيادة ومدعى عليه فيدخل في عموم قوله عليه الصلاة والسلام " ولكن اليمين على المدعي عليه " وروي عنه أن القول قول من يدعي مهر المثل فإذا ادعت المرأة مهر المثل أو أقل منه فالقول قولها وإن ادعى الزوج مهر المثل أو أكثر فالقول قوله وبهذا قال أبو حنيفة وهو الذي ذكره الخرقي وعن الحسن والنخعي وحماد بن أبي سليمان وأبي عبيد نحوه * (مسألة) * (فإن ادعى أقل منه وادعت أكثر منه رد إليه بلا يمين عند القاضي في الأحوال كلها لأن الظاهر قول من يدعي مهر المثل فكان القول قوله قياساً على المنكر في سائر الدعاوى وعلى المودع إذا ادعى التلف أو الرد، وقال أبو الخطاب تجب اليمين لأنه اختلاف فيما يجوز بذله فتشرع فيه اليمين كسائر الدعاوى في الأموال، وقال القاضي لا تشرع اليمين في الأحوال كلها لأنها دعوى في النكاح، والاولى أن يتحالفا فإن ما يقوله كل واحد منهما يحتمل الصحة فلا يعدل عنه إلا بيمين كسائر الدعاوى، ولأنهما تساويا في عدم الظهور فيشرع التحالف كما لو اختلف المتبايعان وهذا قول أبي حنيفة وقال الشافعي يتحالفان، فإن حلف أحدهما ونكل الآخر ثبت ما قاله وإن حلفا وجب مهر المثل وبه قال الثوري قياساً على المتبايعين إذا اختلفا في الثمن وقال مالك إن كان الاختلاف قبل الدخول تحالفا وفسخ النكاح وإن كان بعده فالقول قول الزوج وبناه على أصله في المبيع فإنه يفرض

مسألة: فإن ادعى أقل منه وادعت أكثر منه رد إليه بلا يمين عند القاضي في الأحوال كلها

في التحالف قبل القبض أو بعده لأنه إذا سلمت نفسها بغير إشهاد فقد رضيت بامانته، ووجه قول من لا يرى التحالف أنه عقد لا ينفسخ بالتحالف فلا يشرع فيه كالعفو عن دم العمد ولأن القول بالتحالف يفضي الى إيجاب أكثر مما يدعيه أو أقل مما يقر لها به فإنها إذا كان مهر مثلها مائة فادعت ثمانين وقال هو بل هو خمسون أوجب لها عشرين يتفقان على أنها غير واجبة ولو ادعت مائتين وقال هو بل مائة وخمسون ومهر مثلها مائة فقد أسقط خمسين يتفقان على وجوبها ولأن مهر المثل إن لم يوافق دعوى أحدهما لم يجز إيجابه لاتفاقهما على أنه غير ما أوجبه العقد وإن وافق قول أحدهما فلا حاجة في إيجابه الى يمين من ينفيه لأنها لا تؤثر في إيجابه، وفارق البيع فإنه ينفسخ بالتحالف ويرجع كل واحد منهما في ماله، وما ادعاه مالك من أنها استأمنته لا يصح فإنها لم تجعله أمينا ولو كان أميناً لها لوجب أن تكون أمينة حين لم يشهد عليها على أنه لا يلزم من الاختلاف عدم الإشهاد لأنه قد يكون بينهما بينة فيموت أو يغيب أو ينسى الشهادة. إذا ثبت هذا فكل من قلنا القول قوله فهو مع يمينه لأنه اختلاف فيما يجوز بذله فتشرع فيه ليمين كسائر الدعاوى لما ذكرنا من الحديث * (مسألة) * (وإن قال تزوجتك على هذا العبد قالت بل على هذه الأمة خرج على الروايتين) فإن كانت قيمة العبد مهر المثل أو أكثر وقيمة الأمة فوق ذلك حلف الزوج ووجب لها قيمة العبد لأن قوله يوافق الظاهر ولا يجب عين العبد لئلا يدخل في ملكها ما ننكره، وإن كانت قيمة الأمة مهر

مسألة: وإن قال تزوجتك على هذا العبد قالت بل على هذه الأمة خرج على الروايتين

المثل أو أقل وقيمة العبد أقل من ذلك فالقول قول الزوجة مع يمينها وهل تجب الأمة أو قيمتها؟ فيه وجهان (أحدهما) تجب عينها لأننا قبلنا قولها في القدر فكذلك في العين فأوجبناه وليس في ذلك إدخال ما تنكره في ملكها (والثاني) يجب لها قيمتها لأن قولها إنما وافق الظاهر في القدر لا في العين فأوجبنا لها ما وافق الظاهر فيه، وإن كان كل واحد منهما قدر مهر المثل أو كان العبد أقل من مهر المثل والأمة أكثر منه وجب مهر المثل بالتحالف وظاهر قول القاضي ومن وافقه إن اليمين لا تشرع في هذا كله والله أعلم (فصل) إذا أنكر الزوج صداق امرأته وادعت ذلك عليه فالقول قولها فيما يوافق مهر مثلها سواء ادعى أنه وفاها أو أبرأته منه أو قال لا تستحق علي شيئاً وسواء في ذلك ما قبل الدخول وبعده وبه قال سعيد بن جبير والشعبي وابن شبرمة وابن أبي ليلى والثوري والشافعي واسحاق وأصحاب الرأي، وحكى عن الفقهاء السبعة أنهم قالوا إن كان بعد الوفاة فالقول قول الزوج والدخول بالمرأة يقطع الصداق وبه قال مالك قال أصحابه إنما قال ذلك إذا كانت العادة تعجيل الصداق كما كان بالمدينة أو كان الخلاف فيما تعجل منه في العادة لأنها لا تسلم نفسها في العادة إلا بقبضه فكان الظاهر معه ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " اليمين على المدعى عليه " ولأنه ادعى تسليم الحق الذي عليه فلم يقبل بغير بينة كما لو ادعى تسليم الثمن أو كما قبل الدخول

(فصل) فإن دفع إليها ألفاً ثم اختلفا فقال دفعتها إليك صداقاً وقالت بل هبة فإن اختلفا ببينه فقالت قصدت الهبة فقال بل قصدت دفع الصداق فالقول قول الزوج بغير يمين لأنه أعلم ببينته ولا تطلع المرأة عليها، وإن اختلفا في لفظة فقالت قد قلت هذي هبة أو هدية فأنكرها فالقول قوله مع يمينه لأنها تدعي عليه عقداً على ملكه وهو ينكره فأشبه ما لو ادعت عليه بيع ملكه لها لكن إن كان المدفوع من غير جنس الواجب عليه كأن أصدقها دراهم فدفع إليها عرضاً ثم اختلفا وحلف أنه دفع إليها ذلك من صداقها فللمرأة رد العوض ومطالبته بصداقها قال أحمد في رواية الفضل بن زياد في رجل تزوج امرأة على صداق ألف فبعث إليها بقيمته متاعاً وثياباً ولم يخبرهم أنه من الصداق فلما دخل سألته الصداق فقال لها قد بعثت إليك بهذا المتاع واحتسبته من الصداق فقالت المرأة صداقي دراهم ترد الثياب والمتاع وترجع إليه بصداقها، فهذه الرواية إذا لم يخبرهم أنه صداق، فأما إذا ادعى أنها احتسبت به من الصداق وادعت المرأة أنه قال هي هبة فينبغي أن يحلف كل واحد منهما ويتراجعان بما لكل واحد منهما وحكي عن مالك أنه إن كان مما جرت العادة بهديته كالثوب والخاتم فالقول قولها لأن الظاهر معها وإلا فالقول قوله ولنا أنهما اختلفا في صفة انتقال ملكه فكان القول قول المالك كما لو قال أودعتك هذه العين قالت بل وهبتنيها.

(فصل) فإن مات الزوجان فاختلفت ورثتهما قام ورثة كل واحد منهما مقامه إلا أن من يحلف منهم على الاثبات يحلف على البت ومن يحلف على النفي يحلف على نفي العلم لأنه يحلف على نفي فعل الغير وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة إن مات أحد الزوجين فكذلك وإن مات الزوجان فادعى ورثة المرأة التسمية وأنكرها ورثة الزوج جملة لم يحكم عليهم بشئ قال أصحابه إنما قال ذلك إذا تقادم العهد لأنه تعذر الرجوع إلى مهر المثل لأنه تعتبر فيه الصفات والأوقات وقال محمد بن الحسن يقضي بمهر المثل وقال رفر بعشرة دراهم لأنه أقل الصداق. ولنا أن ما اختلف فيه المتعاقدان قام ورثتهما مقامهما كالمتبايعين وما ذكروه ليس بصحيح لأن الحق لا يسقط لتقادم العقد ولا يتعذر الرجوع في ذلك كقيم سائر المتلفات (فصل) فان اختلف الزوج وأبو الصغيرة والمجنونة قام الأب مقام الزوجة في اليمين لأنه يحلف على فعل نفسه ولأن قوله مقبول فيما اعترف به من الصداق فسمعت يمينه كالزوجة فان لم يحلف حتى بلغت وعقلت فاليمين عليها دونه لأن الحق لها وإنما يحلف هو لتعذر اليمين من جهتها فإذا أمكن في حقها صارت اليمين عليها كالوصي إذا بلغ الأطفال قبل يمينه فيها يحلف فيه فأما في البكر البالغة العاقلة فلا تسمع مخالفة الأب لأن قولها مقبول في الصداق والحق لها دونه وأما سائر الأولياء فليس لهم تزويج صغيرة إلا على رواية في بنت تسع وليس لهم أن يزوجوا بدون مهر المثل ولو زوجوها

بدون مهر المثل ثبت مهر المثل من غير يمين فادعى ادعى أنه زوجها بأكثر من مهر مثلها فاليمين على الزوج لأن القول قوله في قدر مهر المثل (فصل) إذا أنكر الزوج تسمية الصداق وادعى أنه تزوجها بغير صداق فإن كان بعد الدخول نظرنا فإن ادعت المرأة مهر المثل أو دونه وجب من غير يمين لأنها لو صدقته في ذلك لوجب مهر المثل فلا فائدة في الاختلاف وإن ادعت أقل من مهر المثل فهي مقرة بنقصها عما يجب لها بدعوى الزوج فيجب أن يقبل قولها بغير يمين وإن ادعت أكثر من مهر المثل لزمته اليمين على نفي ذلك ويجب لها مهر المثل وإن كان اختلافهما قبل الدخول انبنى على الروايتين فيما إذا اختلفا في قدر الصداق فإن قلنا القول قول الزوج فلها المتعة وإن قلنا القول قول من يدعي مهر المثل قبل قولها ما ادعت مهر المثل هذا إذا طلقها وإن لم يطلقها فرض لها مهر المثل على الروايتين وكل من قلنا القول قوله فعليه اليمين. * (مسألة) * وإن اختلفا في قبض الصداق فالقول قولها مع يمينها إذا لم تكن بينة) لأن الأصل عدمه وإن اختلفا فيما يستقر به فالقول قوله لأنه منكر والقول قول المنكر ولأن الاصل عدمه.

مسألة: وإن اختلفا في قبض الصداق فالقول قولها مع يمينها إذا لم تكن بينة

* (مسألة) * (وإن تزوجها على صداقين سر وعلانية أخذ بالعلانية وان كان انعقد بالسر في ظاهر كلام الخرقي وقال القاضي إن تصادقا على السر لم يكن لها غيره) ظاهر كلام أحمد أنه يؤخذ بالعلانية على ما رواه الأثرم وهو قول الشعبي وابن أبي ليلى والثوري وأبي عبيد وقال القاضي الواجب المهر الذي انعقد به النكاح سراً كان أو علانية وحمل كلام أحمد والخرقي على ان المرأة لم تفر بنكاح السر فثبت مهر العلانية لأنه الذي انعقد به النكاح وهذا قول سعيد بن عبد العزيز وأبي حنيفة والاوزاعي والشافعي ونحوه عن شريح والحسن والزهري والحكم بن عتيبة ومالك واسحاق لأن العلانية ليس بعقد ولا يتعلق به وجوب شئ ووجه قول الخرقي أنه إن كان مهر السر أكثر من العلانية وجب مهر السر لأنه وجب عليه بعقده ولم تسقطه العلانية فنفى وجوبه فأما ان اتفقا على أن المهر ألف وأنهما يعقدان العقد بألفين تجملاً ففعلا ذلك فالمهر ألفان لأنها تسمية صححيحة في عقد صحيح فوجب كما لو لم يتقدمها اتفاق على خلافها وهذا أيضاً قول القاضي ومذهب الشافعي ولا فرق فيما ذكرناه بين أن يكون السر من جنس العلانية نحو أن يكون السر ألفاً والعلانية الفين أو يكونا من جنسين مثل أن يكون السر مائة درهم والعلانية مائة دينار إذا قلنا إن الواجب مهر العلانية فيستحب للمرأة أن تفي الزوج بما وعدت به وشرطته من أنها لا تأخذ إلا مهر السر قال أحمد في رواية ابن منصور إذا زوج امرأة في السر بمهر وأعلنوا بمهر ينبغي لهم أن يفوا ويؤخذ بالعلانية فاستحب الوفاء

بالشرط لئلا يحصل منهم غرور ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " المؤمنون على شروطهم " وعلى قول القاضي إذا ادعى الزوج عقدا في السر انعقد به النكاح فيه مهر قليل فصدقته المرأة فليس لها سواه وإن أكذبته فالقول قولها لأنها منكرة. * (مسألة) * (وإن قال هو عقد واحد أسررته ثم أظهرته وقالت بل هو عقدان فالقول قولها مع يمينها لأن الظاهر أن الثاني عقد صحيح يفيد حكماً كالأول ولأن المهر في العقد الثاني إن كان دخل بها ونصف المهر في العقد الأول إن ادعى سقوط نصفه بالطلاق قبل الدخول وإن أصر على الإنكار سئلت المرأة فإن ادعت أنه دخل بها في النكاح الأول ثم طلقها طلاقاً بائناً ثم نكحها نكاحا ثانياً حلفت على ذلك واستحقت وإن أقرت بما يسقط نصف المهر أو جميعه لزمها ما أقرت به (فصل) إذا خلا الرجل بامرأته بعد العقد الصحيح استقر عليه مهرها ووجبت عليها العدة وإن لم يطأ روى ذلك عن الخلفاء الراشدين وزيد وابن عمر رضي الله عنهم وبه قال علي بن الحسين وعروة وعطاء والزهري والاوزاعي واسحاق وأصحاب الرأي وهو قول أصحاب الشافعي القديم قال شريح والشعبي وطاوس وابن سيرين والشافعي في الجديد لا يستقر إلا بالوطئ وحكي ذلك عن ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم وروي ذلك عن أحمد فري عنه يعقوب بن بختان أنه قال إذا أصدقته المرأة أنه لم يطأها لم يكمل لها الصداق وعليها العدة وذلك لقول الله تعالى (وإن طلقتموهن

مسألة: وإن قال هو عقد واحد أسررته ثم أظهرته وقالت بل هو عقدان فالقول قولها مع يمينها

من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم) وهذه قد طلقها قبل أن يمسها وقال الله تعالى (وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض؟) والافضاء الجماع، ولأنها مطلقة لم تمس أشبهت ما لم يخل بها. ولنا إجماع الصحابة فروى الإمام أحمد والاثرم بإسنادهما عن زرارة بن أوفى قال: قضى الخلفاء الراشدون المهديون أن من أغلق بابا أو أرخي ستراً فقد وجب المهر ووجبت العدة. ورواه أيضاً عن الأحنف عن عمر وعلي وعن سعيد بن المسيب وعن سعيد بن ثابت: عليها العدة ولها الصداق كلاملا. وهذه قضايا اشتهرت ولم يخالفهم أحد في عصرهم فكان إجماعاً، وما رواه عن ابن عباس: لا يصح، قال أحمد يرويه ليث وليس بالقوي وقد رواه حنظلة خلاف ما رواه ليث وحنظلة أقوى من ليث وحديث ابن مسعود منقطع قاله ابن المنذر ولأن التسليم المستحق وجد من جهتها فيستقر به البدل كما لو وطئها أو كما لو أجرت دارها أو سلمتها أو باعتها، وأما قوله تعالى (من قبل أن تمسوهن) فيحتمل أنه كنى بالسبب عن المسبب الذي هو الخلوة بدليل ما ذكرناه، وأما قوله (وقد أفضى بعضكم إلى بعض) فقد حكي عن الفراء أنه قال الإفضاء الخلوة دخل بها أو لم يدخل لأن الافضاء مأخوذ من الفضاء وهو الخالي فكأنه قال وقد خلا بعضكم إلى بعض (فصل) وحكم الخلوة حكم الوطئ في تكميل المهر ووجوب العدة وتحريم أختها وأربع سواها إذا

طلقها حتى تنقضي عدتها وثبوت الرجعة له عليها في عدتها، وقال الثوري وأبو حنيفة لا رجعة له عليها إذا أقر أنه لم يصبها ولنا قول الله تعالى (وبعولتهن أحق بردهن في ذلك) ولأنها معتدة من نكاح صحيح لم ينفسخ نكاحها وكمل عدد طلاقها ولا طلقها بعوض فكان له عليها الرجعة كما لو أصابها ولها عليه نفقة العدة والسكنى لأن ذلك لمن لزوجها عليها الرجعة وتفارق الخلوة الوطئ في أنها لا تثبت بها الإباحة للزوج المطلق ثلاثا لقول النبي صلى الله عليه وسلم لامرأة رفاعة القرظي " أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك " ولا يثبت بها الإحصان لأنه يعتبر لإيجاب الحد والحدود تدرأ بالشبهات ولا يجب الغسل لأنها ليست من موجبات الغسل إجماعاً ولا يخرج بها من العنة لأن العنة العجز عن الوطئ فلا تزول إلا بحقيقته ولا تحصل بها الفيئة لأنها الرجوع عما حلف عليه وإنما حلف على ترك الوطئ، ولأن حق المرأة لا يحصل إلا بيقين الوطئ ولا تفسد بها العبادات ولا تجب بها الكفارة، وأما تحريم الربيبة فعن أحمد أنه يحصل بالخلوة، وقال القاضي وابن عقيل لا تحرم، وحمل القاضي كلام أحمد على أنه حصل مع الخلوة نظر أو مباشرة فيخرج كلامه على إحدى الروايتين أن ذلك يحرم والصحيح أنها لا تحرم لقول الله تعالى (فإن لم تكونوا دخلتم بهن) والدخول كناية عن الوطئ والنص صريح في إباحتها بدونه فلا يجوز خلافه

(فصل) وسواء في ذلك الخلوة بها وهما محرمان أو صائمان أو حائض أو سالمان من الوطئ شرعي كالإحرام والصيام والحيض والنفاس أو حقيقي كالجب والعنة والرتق في المرأة فعنه أن الصداق يستقر بكل حال وبه قال عطاء وابن أبي ليلى والثوري لعموم ما ذكرناه من الإجماع وقال عمر في العنين يؤجل سنة فإن وطئها وإلا أخذت الصداق كاملاً وفرق بينهما وعليها العدة ولأن التسليم المستحق عليها قد وجد وإنما الحيض والاحرام والرتق من غير جهتها فلا يؤثر في المهر كما لا يؤثر في اسقاط النفقة وروي أنه لا يكمل الصداق وهو قول شريج وأبي ثور لأنه لم يتمكن من تسليمها فلم يجب عليه مهرها كما لو منعت نفسها منه يحققه أن المنع من التسليم لا فرق بين كونه من أجنبي أو من العاقد كالإجارة، وعنه رواية ثالثة إن كانا صائمين صوم رمضان لم يكمل الصداق وإن كان غيره كمل قال أبو داود سمعت أحمد وسئل عن رجل دخل على أهله وهما صائمان في غير شهر رمضان فأغلق الباب وأرخى الستر؟ قال وجب الصداق، قيل لاحمد فشهر رمضان؟ قال شهر رمضان خلاف لهذا، قيل له فكان مسافراً في رمضان؟ قال هذا مفطر يعني وجب الصداق وهذا يدل على أنه متى كان المانع متأكداً كالإحرام وصوم رمضان لم يكمل الصداق، وقال القاضي إن كان المانع لا يمنع دواعي الوطئ كالجب والعنة والرتق والمرض والحيض والنفاس وجب الصداق، وإن كان يمنع دواعية كالإحرام وصيام الفرض فعلى روايتين، وقال أبو حنيفة إن كان المانع من جهتها لم يستقر

الصداق، وإن كان من جهته صيام فرض أو إحرام لم يستقر الصداق أيضاً وإن كان حقاً ادعته كمل الصداق لأن المانع من جهته وذلك لا يمنع وجود التسليم المستحق منها فكمل حقها كما تلزم الصغير نفقة امرأته إذا أسلمت إليه (فصل) فإن خلا بها وهي صغيرة لا يمكن وطؤها أو كانت كبيرة فمنعته نفسها أو كان أعمى فلم يعلم بدخولها عليه لم يكمل صداقها نص عليه أحمد في المكفوف يتزوج المرأة فادخلت عليه فأرخى الستر وأغلق الباب فإن كان لا يعلم بدخولها عليه فلها نصف الصداق وأومأ الى أنها إذا نشزت عليه ومنعته نفسها لا يكمل صداقها. وذكره ابن حامد وذلك لأنه لم يوجد لتمكين من جهتها فأشبه ما لو لم يخل بها، وكذلك لو خلا بها وهو طفل لا يتمكن من الوطئ لم يكمل الصداق لأنه في معنى الصغيرة في عدم التمكن من الوط. (فصل) فإن استمتع بامرأته بمباشرة فيما دون الفرج من غير خلوة كالقبلة ونحوها فالنصوص عن أحمد أنه يكمل به الصداق فإنه إذا أخذها فشمها وقبض عليها من غير أن يخلو بها لها الصداق كاملاً إذا نال منها شيئاً لا يحل لغيره، وقال في رواية مهنا إذا تزوج امرأة ونظر إليها وهي عريانة تغتسل أوجب عليه المهر، ورواه عن ابراهيم إذا اطلع منها على ما يحرم على غيره فعليه المهر لأنه نوع استمتاع فهو كالقبلة قال القاضي يحتمل أن هذا ينبني على ثبوت تحريم المصاهرة بذلك وفيه روايتان فيكون في تكميل الصداق به وجهان:

(أحدهما) يكمل به الصداق لما روى الدارقطني عن محمد بن عبد الرحمن عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من كشف خمار امرأة ونظر إليها وجب الصداق دخل بها أو لم يدخل " ولأنه مسيس فيدخل في قوله (من قبل أن تمسوهن) ولأنه استمتاع بامرأته فكمل به الصداق كالوطئ، (والوجه الآخر) لا يكمل به الصداق وهو قول أكثر أهل العلم لأن قول الله تعالى (تمسوهن) إنما أريد به في الظاهر الجماع ومقتضى قوله (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن) أن لا يكمل الصداق لغير من وطئها ولا تجب عليها العدة، ترك عمومه فيمن دخل بها للإجماع الوارد عن الصحابة فيبقى فيما سواه على مقتضى العموم. * (فصل) * في المفوضة وهي على ضربين (تفويض البضع) وهو أن يزوج الأب ابنته البكر أو تأذن المرأة لوليها في تزويجها بغير مهر (والثاني) تفويض المهر وهو أن يتزوجها على ما شاءت أو شاء أو شاء أجنبي فالنكاح صحيح ويجب مهر المثل. يصح النكاح من غير تسمية صداق في قول عامة أهل العلم بدليل قوله تعالى (لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة) وروي عن ابن مسعود أنه سئل عن امرأة تزوجها رجل ولم يفرض لها صداقاً ولم يدخل بها حتى مات؟ فقال ابن مسعود لها صداق نسائها لا وكس ولا شطط

وعليها العدة ولها الميراث فقام معقل بن سنان الأشجعي فقال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بروع بنت واشق امرأة منا مثل ما قضيت. رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح، ولأن القصد من النكاح الوصلة والاستمتاع دون الصداق فصح من غير ذكره كالنفقة، وسواء تركا ذكر المهر أو شرطا نفيه مثل أن يقول زوجتك بغير مهر فيقبله كذلك، ولو قال زوجتك بغير مهر في الحال ولا في الثاني صح أيضاً وقال بعض الشافعية لا يصح في هذه الصورة لأنها تكون كالموهوبة وليس بصحيح فإنه يصح فيما إذا قال زوجتك بغير مهر فيصح ههنا لأن معناهما واحد فما صح في إحدى الصورتين المتساويتين صح في الاخرى وليس كالوهوبة لأن الشرط يفسد ويجب المهر، وقد ذكرنا أن المزوجة بغير مهر تسمى مفوضة بكسر الواو وفتحها فمن كسر أضاف الفعل على أنها فاعلة ومن فتح أضافة الى وليها ومعنى التفويض الاهمال كأنهما أهملت أمر المهر حيث لم تسمه. قال الشاعر: لا يصلح الناس فوضى لاسراء لهم * ولا سراة إذا جهالهم سادوا يعني مهملين والذي ذكره الخرقي تفوض البضع وهو الذي ينصرف إليه اطلاق التفويض (الضرب الثاني) تفويض المهر وهو أن يجعلا الصداق الى رأي أحدهما أو رأي أجنبي فيقول زوجتك على ما شئت أو على حكمك أو حكمها أو حكم أجنبي ونحوه فهذه لها مهر المثل في ظاهر كلام أحمد

لأنها لم تزوج نفسها إلا بصداق لكنه مجهول فسقط لجهالته ووجب مهر المثل والتفويض الصحيح أن تأذن المرأة الجائزة الأمر لوليها في تزويجها بغير مهر أو بتفويض قدره أو يزوجها أبوها كذلك، فأما إن زوجها غير أبيها ولم يذكر مهراً بغير إذنها في ذلك فإنه يجب مهر المثل، وقال الشافعي لا يكون التفويض إلا الصورة الأولى وقد مضى الكلام معه في أن للأب أن يزوج ابنته بدون صداق مثلها فلذلك يجوز تفويضه * (مسألة) * (ولها المطالبة بفرضه لأن النكاح لا يخلو من المهر فوجب لها المطالبة ببيان قدره) وبهذا قال الشافعي ولا نعلم فيه مخالفاً فإن اتفق الزوجان على فرضه جاز ما فرضاه قليلاً كان أو كثيراً سواء كانا عالمين بمهر المثل أو لا، وقال الشافعي في قوله لا يصح الفرض لغير مهر المثل إلا مع علمها بمهر المثل لأن ما فرضه بدل عن مهر المثل فيحتاج أن يكون المبدل معلوماً ولنا أنه إذا فرض لها كثيرا فقد بذل لها من ماله فوق ما يلزمه وإن رضيت باليسير فقد رضيت بدون ما يجب لها فلا يمنع من ذلك، قولهم أنه بدل لا يصح فإن البدل غير المبدل والمفروض إن كان ناقصاً فهو بعضه وإن كان أكثر فهو الواجب وزيادة ولا يصح جعله بدلاً، ولو كان بدلاً لما جاز مع العلم لانه يبدل ما فيه الربا بجنسه متفاضلاً وقد روى عقبة بن عامر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل " أترضى أني أزوجك فلانة؟ " قال: نعم، وقال للمرأة " أترضي أن أزوجك فلاناً؟ " قالت نعم، فزوج أحدهما بصاحبه فدخل عليها

مسألة: ولها المطالبة بفرضه لأن النكاح لا يخلو من المهر فوجب لها المطالبة ببيان قدره

ولم يفرض لها صداقاً فلما حضرته الوفاء قال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجني فلانة ولم يفرض لها صداقاً ولم أعطها شيئاً وإني قد أعطيتها عن صداقها سهمي الذي بخيبر فأخذت سهمه فباعته بمائة ألف، فأما ان تشاحا فيه ففرض لها مهر مثلها أو أكثر منه فليس لها المطالبة بسواه فإن لم ترض به لم يستقر لها حتى ترضاه فإن طلقها قبل الدخول فليس لها إلا المتعة لأنه لا يثبت لها بفرضه ما لم ترض به كحالة الابتداء، وإن فرض لها أقل من مهر المثل فلها المطالبة ولم يثبت لها بفرضه ما لم ترض به. فإن ارتفعا الى الحاكم فليس له أن يفرض لها إلا مهر المثل لأن الزيادة ميل عليه والنقصان ميل عليها. ولا يحل الميل ولأنه إنما يفرض له بدل البضع فيقدر بقدره كالسلعة إذا اتلفت يرجع الى تقويمها بقول أهل الخبرة، ويعتبر معرفة مهر المثل ليتوصل الى إمكان فرضه ومتى صح الفرض صار كالمسمى في العقد في أنه يتنصف بالطلاق ولا تجب المتعة معه ويلزمها ما فرضه الحاكم سواء رضيت به أو لم ترض كما يلزم ما حكم به. (فصل) وإن فرض لها أجنبي مهر مثلها فرضيته لم يصح وكان وجوده كعدمه لأنه ليس بزوج ولا حاكم فإن سلم إليها ما فرض لها فريضته احتمل أن يصح لما ذكرنا فيكون حكمها حكم من لم يفرض لها ويسترجع ما أعطاها لأن تصرفه ما صح ولا برئت به ذمة الزوج ويحتمل أن يصح لأنه يقوم مقامه في قضاء المسمى فيقوم مقامه في قضاء ما يوجبه العقد غير المسى. فعلى هذا إذا طلقت قبل الدخول

رجع نصفه إلى الزوج لأنه ملكه إياه حين قضى به ديناً عليه فيعود إليه كما لو دفعة هو. ولأصحاب الشافعي مثل هذين الوجهين ولهم وجه ثالث أنه يرجع بنصفه الى الأجنبي وذكره القاضي لنا وجهاً ثالثاً قال شيخنا وقد ذكرنا ما يدل على صحة ما قلناه ولو أن رجلاً قضى المسمى عن الزوج صح، ثم إن طلقها قبل الدخول رجع بنصفه إليه وإن فسخت نكاح نفسها بفعل من جهتها رجع جميعه إليه وعلى الوجه الآخر يرجع الى من قضاه. (فصل) ويجب المهر للمفوضة بالعقد وإنما يسقط الى المتعة بالطلاق وهذا مذهب أبي حنيفة، واختلف أصحاب الشافعي فمنهم من قال الصحيح أنه يجب بالعقد وقال بعضهم لا يجب بالعقد قولا واحداً ولا يجئ على أصل الشافعي غير هذا لأنه لو وجب بالعقد لتنصف بالطلاق كالمسمى في العقد ولنا أنها تملك المطالبة به فكان واجباً كالمسمى ولأنه لو لم يجب بالعقد لما استقر بالموت كما في العقد الفاسد ولأن النكاح لا يجوز أن يخلو عن المهر والقول بعدم وجوبه يفضي الى خلوه عنه وإلى أن النكاح انعقد صحيحاً وملك الزوج الوطئ ولا مهر فيه وإنما لم يتنصف لأن الله تعالى نقل غير المسمى لها بالطلاق الى المتعة كما نقل ما سمى لها إلى نصف المسمى لها، فعلى هذا لو فوض الرجل مهر أمته ثم أعتقها أو باعها ثم فرض لها المهر كان لمعتقها أو بائعها لأن المهر وجب بالعقد في ملكه، ولو فوضت المرأة نفسها ثم طالبت بفرض مهرها بعد بغير مهر مثلها أو دخل بها لوجب مهر مثلها حالة العقد لما ذكرناه

ووافق أصحاب الشافعي على ذلك لأن الوجوب يستند الى حالة العقد إلا في الأمة التي أعتقها أو باعها في أحد الوجهين (فصل) يجوز الدخول بالمرأة قبل إعطائها شيئاً سواء كانت مفوضة أو مسمى لها، وبه قال سعيد ابن المسيب والحسن والنخعي والثوري والشافعي وروي عن ابن عباس وابن عمر والزهري وقتادة ومالك لا يدخل بها حتى يعطيها شيئاً قال الزهري مضت السنة ان لا يدخل بها حتى يعطيها شيئاً قال ابن عباس يخلع إحدى نعليه ويلقيها إليها وروى أبو داود بإسناده عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عليا لما تزوج فاطمة أراد أن يدخل بها فمنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يعطيها شيئاً فقال يا رسول الله ليس لي شئ فقال " أعطها درعك، فأعطاها درعه ثم دخل بها ورواه ابن عباس أيضاً قال لما تزوج علي فاطمة قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " أعطها شيئاً " قال ما عندي قال " أعطها درعك الحطمية " رواه أبو داود والنسائي ولنا حديث عقبة بن عامر في الذي زوجه النبي صلى الله عليه وسلم ودخل بها ولم يعطها شيئاً وروت عائشة قالت أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أدخل امرأة على زوجها قبل أن يعطيها شيئاً رواه ابن ماجه ولأنه عوض في عقد معاوضة فلم يقف جواز تسليم المعوض على قبض شئ منه كالثمن في البيع والاجرة في الاجارة، وأما الأخبار فمحمولة على الاستحباب فإنه يستحب أن يعطيها قبل الدخول شيئاً موافقة

مسألة: وإن مات أحدهما قبل الإصابة وقبل الفرض ورثه صاحبه ولها مهر نسائها

للأخبار ولعادة الناس فيما بينهم ولتخرج المفوضة عن شبه الموهوبة وليكون ذلك أقطع للخصومة ويمكن حمل قول ابن عباس ومن وافقه على الاستحباب فلا يكون بين القولين فرق والله أعلم * (مسألة) * (وإن مات أحدهما قبل الإصابة وقبل الفرض ورثه صاحبه ولها مهر نسائها) إذا مات أحدهما قبل الإصابة وقبل الفرض فللآخر الميراث بغير خلاف فيه فإن الله تعالى فرض لكل واحد من الزوجين فرضا وعقد الزوجية ههنا صحيح ثابت فيورث به لدخوله في عموم النص (فصل) (ولها مهر نسائها وعنه أنه يتنصف بالموت إلا أن يكون قد فرضه لها) ظاهر المذهب أن لها مهر نسائها وهو الصحيح إن شاء الله تعالى وإليه ذهب ابن مسعود ابن شبرمة وابن أبي ليلى والثوري واسحاق. وروي عن علي وابن مسعود وابن عمر والزهري وربيعة ومالك والاوزاعي لا مهر لها لأنها فرقة وردت على تفويض صحيح قبل فرض ومسيس فلم يجب بها مهر كفرقة الطلاق وقال أبو حنيفة كقولنا في المسلمة وكقولهم في الذمية وعن أحمد رواية أخرى لا يكمل وتنصف إذا لم يكن فرضه لها لأن المفروض لها تخالف التي لم يفرض لها في الطلاق فجاز أن تخالفها بعد الموت وللشافعي قولان كالروايتين ولنا ما روى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قضى لامرأة لم يفرض لها زوجها صداقاً ولم

يدخل بها حتى مات فقال لها صداق نسائها لا وكس ولا شطط وعليها العدة ولها الميراث فقام معقل ابن سنان الأشجعي فقال قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بروع بنت واشق مثل ما قضيت قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح وهو نص في محل النزاع ولأن الموت معنى يكمل به المسمى فكمل به مهر المثل للمفوضة كالدخول، وقياس الموت على الطلاق لا يصح فإن الموت يتم به النكاح فيكمل به الصداق والطلاق يقطعه ويزيله قبل إتمامه وكذلك وجبت العدة بالموت قبل الدخول ولم تجب بالطلاق وكمل المسمى بالموت ولم يكمل بالطلاق فإنها زوجة مفارقة بالموت فكمل لها الصداق كالمسلمة أو كما لو سمى لها ولأن المسلمة والذمية لا يختلفان في الصداق في موضع فوجب أن لا يختلفا ههنا وإن كان قد فرضه لها لم يتنصف بالموت على الروايتين جميعاً * (مسألة) * (فإن طلقها قبل الدخول لم يكن لها عليه إلا المتعة) إذا طلقت المفوضة البضع قبل الدخول فليس لها إلا المتعة نص عليه أحمد في رواية جماعة وهو قول ابن عمر وابن عباس والحسن وعطاء وجابر بن زيد والشعبي والنخعي والزهري والثوري والشافعي وأبي عبيد وأصحاب الرأي وعن أحمد رواية أخرى أن لها نصف مهر مثلها لأنه نكاح صحيح يوجب مهر المثل بعد الدخول فيجوب نصفه بالطلاق قبل الدخول كما لو سمى لها محرما، وقال مالك والليث وابن أبي ليلى المتعة مستحبة غير واجبة لأن الله تعالى قال (حقا على المحسنين) فخصهم بها فيدل على أنها على سبيل الاحسان والتفضيل والإحسان ليس بواجب ولأنها لو كانت واجبة لم يخص المحسنين دون غيرهم

مسألة: فإن طلقها قبل الدخول لم يكن لها عليه إلا المتعة

ولنا قول الله تعالى (ومتعوهن على الموسع قدره) والأمر يقتضي الوجوب وقال تعالى (وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين) وقال تعالى (إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن) ولانه طلاق في نكاح يقتضي عوضاً فلم يعر عن العوض كما لو سمى مهراً وأداء الواجب من الإحسان فلا تعارض بينهما (فصل) فإن فرض لها بعد العقد ثم طلقها قبله فلها نصف ما فرض لها ولا متعة وهذا قول ابن عمر وعطاء والشعبي والنخعي والشافعي وأبي عبيد، وعن أحمد أن لها المتعة ويسقط المهر وهو قول أبي حنيفة لأنه نكاح عري عن تسمية فوجبت المتعة كما لو لم يفرض لها ولنا قوله تعالى (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم) ولأنه مفروض يستقر بالدخول فيتنصف بالطلاق قبله كالمسمى في العقد (فصل) والمتعة تجب على كل زوج لكل زوجة مفوضة طلقت قبل الدخول وسواء في ذلك الحر والعبد والحرة والامة والمسلم والذمي والمسلمة والذمية وحكي عن أبي حنيفة لا متعة للذمية وقال الأوزاعي إن كان الزوجان أو أحدهما رقيقاً فلا متعة ولنا عموم النص ولأنها قائمة مقام نصف المهر في حق من سمى فتجب لكل زوجة على كل زوج كنصف المسمى ولأن ما يجب من الفرض يستوي فيه المسلم والكافر والحر والعبد كالمهر (فصل) فأما المفوضة المهر وهي التي يزوجها على ما شاء أحدهما أو التي زوجها غير أبنها بغير

إذنها بغير صداق أو التي مهرها فاسد فإنه يجب لها مهر المثل ويتنصف بالطلاق قبل الدخول ولا متعة لها هذا ظاهر كلام الخرقي وهو مذهب الشافعي، وعن أحمد أن لها المتعة دون نصف المهر وهو الذي ذكره شيخنا في الكتاب كالمفوضة البضع وهو مذهب أبي حنيفة لأنه خلا عقدها عن تسمية صحيحة فأشبهت التي لم يسم لها شئ. ولنا أن هذه لها مهر واجب قبل الطلاق فوجب أن يتنصف كما لو سماه أو نقول لم ترض بغير صداق فلم تجب المتعة كالمسمى لها، وتفارق التي رضيت بغير عوض فإنها رضيت بغير صداق وعاد نصفها سليماً ففرضت المتعة بخلاف مسئلتنا (فصل) وكل فرقة يتنصف بها المسمى توجب المتعة إذا كانت مفوضة وما سقط به المسمى من الفرق كاختلاف الدين والفسخ بالرضاع ونحوه إذا جاء من قبلها لا يجب به متعة لأنها أقيمت مقام نصف المسمى فسقطت في كل موضع يسقط كما تسقط الابدال إذا سقط مبدلها (فصل) قال أبو داود سمعت أحمد سئل عن رجل تزوج امرأة ولم يكن فرض لها مهراً ثم وهب لها غلاماً ثم طلاقها قبل الدخول قال لها المتعة، وذلك لأن الهبة لا تنقص بها المتعة كما لا ينقص بها نصف المسمى وكان المتعة وانما تجب بالطلاق فلا يصح قضاؤها قبله ولأنها واجبة فلا نقص بالهبة كالمسمى * (مسالة) * (على الموسع قدره وعلى المقتر قدره، فأعلاها خادم وأدناها كسوة يجوز لها أن تصلي فيها) وجملة ذلك أن المتعة معتبرة بحال الزوج في يساره وإعساره نص عليه أحمد وهو وجه الاصحاب

مسالة: على الموسع قدره وعلى المقتر قدره، فأعلاها خادم وأدناها كسوة يجوز لها أن تصلي فيها

الشافعي والوجه الآخر هو معتبر بحال الزوجة لأن المهر معتبر بها كذلك؟؟؟؟؟ القائمة مقامه ومنهم من قال يجزئ في المتعة ما يقع عليه الاسم كما يجزئ في الصداق ذلك ولنا قول الله تعالى (ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره) وهذا نص في أنها معتبرة بحال الزوج ولأنها تختلف ولو أجزأ ما يقع عليه الاسم سقط الاختلاف، ولو اعتبر بحال المرأة لما كان على الموسع قدره وعلى المقتر قدره. إذا ثبت هذا فقد اختلفت الرواية عن أحمد فيها فروي عنه أعلاها خادم إذا كان موسراً وإن كان فقيراً متعها كسوتها درعاً وخماراً وثوباً تصلي فيه ونحو ذلك قال ابن عباس والزهري والحسن قال ابن عباس أعلى المتعة الخادم ثم دون ذلك النفقة ثم دون ذلك الكسوة ونحو ما ذكرنا في أدناها قال الثوري والاوزاعي وعطاء ومالك وأبو عبيد وأصحاب الرأي قالوا درع وخمار وملحفة * (مسألة) * (وعن أحمد يرجع في تقديرها إلى الحاكم) وهو أحد قولي الشافعي لأنه أمر لم يرد الشرع بتقديره وهو مما يحتاج إلى الاجتهاد فيجب الرجوع فيه إلى الحاكم كسائر المجتهدات وعنه يجب لها نصف مهر المثل ذكرها القاضي في المجرد فقال هي مقدرة بما يضاف مهر المثل لأنها بدل عنه فيجب أن تنقدر به، قال شيخنا وهذه الرواية تضعف لوجهين

مسألة: وعن أحمد في تقديرها إلى الحاكم

(أحدهما) أن نص الكتاب يقتضي تقديرها بحال الزوج وتقديرها بنصف المهر يوجب اعتبارها بحال المرأة لأن مهرها معتبر بها لا بزوجها (الثاني) أنا لو قدرناها بنصف مهر المثل لكانت نصف مهر المثل إذ ليس المهر معينا في ش؟؟، ووجه الرواية الأولى قول ابن عباس أعلى المتعة الخادم ثم دون ذلك الكسوة رواه أبو حفص اسناده وقدرها بكسوة يجوز لها الصلاة فيها لأن الكسوة الواجبة بمطلق الشرع تتقدر بذلك كالكسوة في الكفارة والسترة في الصلاة، وروى كنيف السلمي أن عبد الرحمن بن عوف طلق تماضر الكلبية فحملها بجارية سوداء يعني متعها قال إبراهيم العرب تسمي المتعة للتحميم وهذا فيما إذا تشاحا في قدرها فإن سمح لها بزيادة على الخادم أو رضيت بأقل من الكسوة جاز لأن الحق لهما وهو مما يجوز بذله فجاز ما اتفقا عليه كالصداق وقد روي عن الحسن بن علي أنه متع المرأة بعشرة آلاف درهم فقالت * متاع قليل من حبيب مفارق * * (مسألة) * (فان دخل بها استقر مهر المثل لأن الوطئ في نكاح من غير مهر خالص لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإن طلقها بعد ذلك فهل تجب المتعة؟ على روايتين أصحهما لا تجب) كل من وجب لها نصف المهر لم تجب لها متعة سواء كانت ممن سمى لها صداقاً أو لم يسم لها لكن فرض لها بعد العقد وبهذا قال أبو حنيفة فيمن سمى لها وهو قديم قولي الشافعي وروي عن أحمد لكل مطلقة متاع وروي ذلك عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه والحسن

مسألة: فإن دخل بها استقر مهر المثل لأن الوطء في نكاح من غير مهر خالص لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإن طلقها بعد ذلك فهل تجب المتعة؟ على روايتين أصحهما لا يجب

وسعيد بن جبير وأبي قلابة والزهري وقتادة والضحاك وأبي ثور لظاهر قوله تعالى (وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين) ولقوله سبحانه لنبيه عليه السلام (قل لأزواجك - إلى قوله - فتعالين أمتعكن) فعلى هذه الرواية لكل مطلقة متاع سواء كانت مفوضة أو سمى لها مدخولاً بها أو غيرها لما ذكرنا وظاهر المذهب أن المتعة لا تجب إلا المفوضة التي لم يدخل بها إذا طلقت قال أبو بكر كل من روي عن أبي عبد الله فيما أعلم روي عنه أنه لا بحكم بالمتعة إلا لمن سمي لها مهر إلا حنبلا روي عن أحمد أن لكل مطلقة متاعاً قال أبو بكر والعمل عليه عندي لولا تواتر الروايات عنه بخلافها ولنا قوله تعالى (ولا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره) الآية فخص الأولى بالمتعة والثانية بنصف المفروض مع تسلمه للنساء قسمين وإثباته لكل قسم حكماً فيدل ذلك على اختصاص كل قسم بحكمه وهذا يخص ما ذكروه ويحتمل أن يحمل الأمر بالمتاع في غير المفوضة على الاستحباب كدلالة الآيتين اللتين ذكرناهما على نفي وجوبها جمعاً بين دلالات الآيات والمعنى فإنه عوض واجب في عقد فإذا سمي فيه عوض صحيح لم يجب غير كسائر عقود المعاوضة ولأنها لا تجب لها المتعة قبل الفرقة ولا ما يقوم مقامها فلم يجب لها عند الفرقة كالمتوفى عنها زوجها (فصل) قد ذكرنا أن الزوج إذا طلق المسمى لها أو المفوضة المفروض لها بعد الدخول فلا

متعة لواحدة منهما على رواية حنبل وذكرنا قول من ذهب إليه فظاهر المذهب أنه لا متعة لواحدة منهما وهو قول أبي حنيفة وللشافعي قولان كالروايتين وقد ذكرنا ذلك. إذا هذا فإنه يستحب أن يمتعها نص عليه أحمد فقال أنا أوجبها على من لم يسم لها صداقاً فإن كان قد سمى لها صداقاً فلا أوجبها عليه واستحب أن يمتع وان سمى لها صداقاً، وإنما استحب ذلك لعموم النص الوارد فيها ودلالته على ايجابها وقول علي ومن سمينا من الأئمة بها فلما امتنع الوجوب لدلالة الآيتين المذكورتين على نفي الوجوب ودلالة المعنى المذكور عليه تعين حمل الأدلة الدالة عليها على الاستحباب أو على أنه أريد به الخصوص، وأما المتوفى عنها فلا متعة لها بالإجماع لأن النص العام لم يتناولها وإنما تناول المطلقات ولأنها أخذت العوض المسمى لها في عقد المعاوضة فلم يجب لها به سواه كما في سائر العقود * (فصل) * قال الشيخ رضي الله عنه (ومهر المثل معتبر بما يساويها من نساء عصباتها كأختها وعمتها وبنت أخيها وعمها) يعتبر جميع أقاربها كأمها وخالتها وقال مالك يعتبر بمن هي في مثل حمالها ومالها وشرفها ولا يختص باقربائها لأن الأغراض إنما تختلف بذلك دون الأقارب ولنا قوله في حديث ابن مسعود لها مهر نسائها ونساؤها أقاربها وما ذكره فنحن نشترطه ونشترط معه أن تكون من نساء أقاربها لأنها أقرب إليهن، وقوله إنما يختلف بهذه الأوصاف دون الأقارب لا يصح لأن المرأة تطلب لحسبها كما جاء في الأثر وحسبها يختص به أقاربها ويزداد المهر بذلك ويقل

وقد يكون الحي وأهل القرية لهم عادة في الصداق ورسم مقرر لا يشاركهم فيه غيرهم ولا يغيرونه بتغير الصفات فيعتبر ذلك دون سائر الصفات، واختلفت الرواية عن أحمد فيمن يعتبر من أقاربها فقال في رواية حنبل لها مهر مثلها من نسائها من قبل أبيها فاعتبر بنساء العصبات خاصة وهذا مذهب الشافعي وقال في رواية إسحاق بن هانئ لها مهر نسائها مثل أمها أو أختها أو عمتها أو بنت عمها اختاره أبو بكر وهذا مذهب أبي حنيفة وابن أبي ليلى لأنهن من نسائها والأولى أولى فإنه قد روي في قصة بروع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في تزويج بنت واشق بمثل مهر نساء قومها، ولأن شرف المرأة معتبر في مهرها وشرفا بنسبها وأمها وخالتها لا يساويانها في شرفها، وقد تكون أمها مولاة وهي شريفة، وقد تكون أمها قرشية وهي غير قرشية، وينبغي أن يكون الاقرب فالاقرب، فأقرب نساء عصباتها أخواتها لأبيها، ثم عماتها، ثم بنات عمها الأقرب فالأقرب * (مسألة) * (وتعتبر المساواة في المال والجمال والعقل والادب والسن والبكارة والثيوبة والبلد) وصراحة نسبها وكل ما يختلف لاجله الصداق وإنما اعتبرت هذه الصفات كلها لأن مهر المثل بدل متلف فاعتبرت الصفات المقصودة فيه فإن لم يكن في عصباتها من هو في مثل حالها فمن نساء أرحامها كأمها وجداتها وخالاتها وبناتهن. * (مسألة) * (فإن لم يوجد إلا دونها زيدت بقدر فضيلتها) لأن زيادة فضيلتها تقتضي زيادة في المهر فتقدرت الزيادة بقدر الفضيلة، وإن لم يوجد إلا فوقها نقصت بقدر نقصها كأرش العيب بقدر نقص المبيع (فصل) ويجب مهر المثل حالا لأنه بدل متلف فأشبه قيم المتلفات ولا يكون إلا من نقد البلد لما ذكرنا ولا تلزم الدية لأنها تختلف باختلاف صفات المتلف بل هي مقدرة بالشرع فكانت بحكم ما جعله من الحلول والتأجيل فلا يعتبر بها غيرها ولأنها عدل بها عن سائر الأبدال فيمن وجب عليه فكذلك في تأجيلها تخفيفاً عنه بخلاف غيرها

مسألة: فإن لم يوجد إلا دونها زيدت بقدر فضيلتها

* (مسألة) * (فإن كانت عادة نسائها تأجيل المهر فرض مؤجلاً في أحد الوجهين) لأنه مهر مثلها (والثاني) يفرض حالا لما ذكرنا وإن كان عادتهم التخفيف عن عشيرتهم دون غيرهم اعتبر ذلك وهذا مذهب الشافعي، فإن قيل فإذا كان مهر المثل بدل متلف يجب أن لا يختلف باختلاف المتلف كسائر المتلفات، قلنا النكاح يخالف سائر المتلفات فان سائر المتلفات المقصود بها المالية خاصة فلم تختلف باختلاف المتلفين والنكاح يقصد به أعيان الزوجين فاختلف باختلافهم ولأن سائر المتلفات لا تختلف باختلاف العوائد والمهر يختلف بالعادات، فإن المرأة إن كانت من قوم عادتهم تخفيف مهور نسائهم وجب مهر المرأة منهم خفيفاً، وإن كانت أفضل وأشرف من نساء عادتهم تثقيل المهر وعلى هذا متى كانت عادتهم التخفيف لمعنى مثل الشرف واليسار ونحو ذلك اعتبر جريا على عادتهم * (مسألة) * (فإن لم يكن لها أقارب اعتبر شبهها من أهل بلدها) فإن عدم ذلك اعتبرنا أقرب النساء شبهاً بها من أقرب البلاد إليها من غيرهم كما اعتبرنا قرابتها البعيد إذا لم يوجد القريب. * (فصل) * قال رضي الله عنه (فأما النكاح الفاسد فمتى إفترقا قبل الدخول بطلاق أو غيره فلا مهر) لأن المهر يجب بالعقد والعقد فاسد، فإن وجوده كالعدم ولأنه عقد فاسد فيخلو من العوض كالبيع الفاسد * (مسألة) * (فان دخل بها استقر المسمى وعنه يجب مهر المثل وهي أصح) المنصوص عن أحمد أن لها المسمى لأن في بعض ألفاظ حديث عائشة " ولها الذي أعطاها بما أصاب منها " قال القاضي حدثناه أبو بكر البرقاني وأبو محمد الخلال بإسناديهما، وقال أبو حنيفة الواجب الأقل من المسمى أو مهر المثل لأنها إن رضيت بدون مهر مثلها فليس لها أكثر منه كالعقد الصحيح وإن كان المسمى أكثر لم تجب الزيادة بعقد غير صحيح، والصحيح وجوب مهر المثل، أومأ إليه أحمد وهو ظاهر كلام الخرقي لقول النبي صلى الله عليه وسلم " فإن أصابها فلها المهر بما استحل من فرجها فجعل لها

مسألة: فإن كانت عادة نسائها تأجيل المهر فرض مؤجلا في أحد الوجهين

المهر بالاصابة، والاصابة إنما توجب مهر المثل ولأن العقد ليس بموجب بدليل الخبر وأنه لو طلقها قبل مسيسها لم يكن لها شئ وإذا لم يكن موجباً كان وجوده كعدمه وبقي الوطئ موجباً بمفرده فأوجب مهر المثل كوطئ الشبهة ولأن القسمة لو فسدت لوجب مهر المثل فإذا فسد العقد من أصله كان أولى، وقول أبي حنيفة أنها رضيت بدون صداقها إنما يصح إذا كان العقد هو الموجب، وقد بينا أنه إنما يجب بالاصابة فيوجب مهر المثل كاملا كوطئ الشبهة. * (مسألة) * (ولا يستقر بالخلوة) وهو قول أكثر أهل العلم، وقال أصحابنا يستقر قياساً على العقد الصحيح ونص عليه أحمد والأول أولى لأن الصداق لم يجب بالعقد وإنما أوجبه الوطئ ولم يوجد ولذلك لا يتنصف بالطلاق قبل الدخول فأشبه الخلوة بالأجنبية ولأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما جعل لها المهر بما استحل من فرجها ولم يوجد ذلك في الخلوة بغير إصابة وقد ذكرناه. (فصل) إذا تزوجت المرأة تزويجاً فاسداً لم يحل تزويجها لغير من تزوجها حتى يطلقها أو يفسخ نكاحها فإن امتنع من طلاقها فسخ الحاكم نكاحه نص عليه أحمد، وقال الشافعي لا حاجة إلى فسخ ولا طلاق لأنه نكاح غير منعقد أشبه النكاح في العدة ولنا أنه نكاح يسوغ فيه الاجتهاد فاحتيج في التفريق إلى إيقاع فرقة كالصحيح المختلف فيه ولأن تزويجها من غير فرقة يفضي إلى تسليط زوجين عليها كل واحد منهما يعتقد صحة نكاحه وفساد نكاح الآخر ويفارق النكاح الباطل من هذين الوجهين فعلى هذا متى تزوجت بآخر قبل

مسألة: ولا يستقر بالخلوة

التفريق لم يصح الثاني ولم يجز تزويجها حتى يطلق الأولان أو يفسخ نكاحهما ومتى كان التفريق قبل الدخول فلا مهر لأنه عقد فاسد لم يتصل به قبض فلم يجب به عوض كالبيع الفاسد وإن كان بعد الدخول فلها المهر لما ذكر وإن تكرر الوطئ لم يجب به أكثر من مهر واحد بدليل قوله عليه الصلاة السلام " فلها المهر بما استحل من فرجها " ولأنه إصابة في عقد أشبه الاصابة في العقد الصحيح * (مسألة) * (ويجب مهر المثل للموطوءة بشبهة والمكرهة على الزنا ولا يجب معه أرش البكارة ويحتمل أن يجب للمكرهة) وأما الموطوءة بشبهة فيجب لها مهر المثل بغير خلاف علمناه ويجب للمكرهة على الزنا في ظاهر المذهب، وعن أحمد لا يجب لها مهر إن كانت ثيبا اختاره أبو بكر ولا يجب معه أرش البكارة، وذكر القاضي أن أحمد ذكر في رواية أبي طالب في حق الأجنبية إذا أكرهها على الزنا فعليه المهر وأرش البكارة وهذا قول الشافعي، وقال أبو حنيفة لا مهر للمكرهة على الزنا. ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " فلها المهر بما استحل من فرجها " وهي حجة على أبي حنيفة فإن المكرهة مستحل لفرجها فإن الاستحلال الفعل في غير موضع الحل لقوله عليه السلام " ما آمن بالقرآن من استحل محارمه " وهو حجة أيضاً على من أوجب الارش لكونه أوجب المهر وحده من غير أرش ولأنه استوفى ما يجب بدله بالشبهة وفي العقد الفاسد فوجب بالتعدي كاتلاف المال وأكل طعام الغير ولنا أنه لا يجب الارش لانه وطئ ضمن بالمهر فلم يجب معه أرش كسائر الوطئ يحققه ان المهر بدل المنفعة المستوفاة بالوطئ وبدل المتلف لا يختلف بكونه في عقد فاسد وكونه تمحض عدوانا ولأن الأرش يدخل في المهر لكون الواجب لها مهر المثل ومهر البكر يزيد على مهر الثيب ببكارتها فكانت الزيادة في المهر مقابلة لما أتلف من البكارة ولا يجب عوضها مرة ثانية يحققه انه أخذ أرش البكارة مرة لم يجز أخذه

مسألة: ويجب مهر المثل للموطوءة بشبهة والمكرهة على الزنا ولا يجب معه أرش البكارة ويحتمل أن يجب للمكرهة

مرة أخرى فتصير كأنها معدومة ولا يجب لها إلا مهر ثيب ومهر الثيب مع أرش البكارة هو مهر البكر فلا تجوز الزيادة عليه (فصل) ولا فرق بين كون الموطوءة أجنبية أو من ذوات محارمه وهو اختيار أبي بكر ومذهب النخعي ومكحول وأبي حنيفة والشافعي وعن أحمد رواية أخرى أن النساء من ذوات محارمه لا مهر لهن وهو قول الشعبي لأن تحريمهن تحريم أصل فلا يجب به مهر كالواط وفارق من حرمت تحريم المصاهرة فإن تحريمها طال، وكذلك ينبني أن يكون الحكم فيمن حرمت بالرضاع لأنه طارئ وكذلك ينبغي أن يكون الحكم فيمن حرمت بالرضاع لأنه طارئ أيضاً، وعن أحمد رواية أخرى أن من تحرم ابنتها لا مهر لها كالام والبنت والأخت ومن تحل ابنتها كالعمة والخالة فلها المهر لأن تحريمها أخف. ولنا أن ما ضمن للأجنبي ضمن للمناسب كالمال ومهر الامة ولانه أتلف منفعة بضعها بالوطئ فلزمه مهرها كالاجنبية ولأنه محل مضمون على غيره فوجب عليه ضمانه كالمال وبهذا فارق اللواط فإنه غير مضمون على أحد (فصل) ولا يجب المهر بالوطئ في الدبر ولا اللواط لأن الشرع لم يرد ببدله ولا هو إتلاف لشئ فأشبه القبلة والوطئ دون الفرج، وقال في المحرر يجب بوطئ المرأة في الدبر كالوطئ في القبل والأول أولى لأنه ليس بسبب للبضعية أشبه اللواط، ولا يجب للمطاوعة على الزنا لأنها باذلة لما يجب بذله لها فلم يجب شئ كما لو أذنت له في قطع يدها فقطعها إلا أن تكون أمة فيكون المهر لسيدها ولا يسقط ببذلها لأن الحق لغيرها فأشبه ما لو بذلت قطع يدها (فصل) ومن طلق امرأته قبل الدخول طلقة وظن أنها لا تبين بها فوطئها لزمه مهر المثل ونصف المسمى، وقال مالك لا يلزمه إلا مهر واحد. ولنا أن المفروض تنصف بطلاقه بقوله سبحانه (فنصف ما فرضتم) ووطؤه بعد ذلك عري عن الفعل فوجب به مهر المثل كما لو علم أو كغيرها أو كما لو وطئها غيره فأما من نكاحها باطل بالاجماع

كالمزوجة والمعتدة إذا نكحها رجل فوطئها عالماً بالحال وتحريم الوطئ وهي مطاوعة عالمة فلا مهر لأنه زنا يوجب الحد وهي مطاوعة عليه وإن جهلت تحريم ذلك أو كونها في العدة فالمهر لها لانه وطئ شبهة وقد روى أبو داود بإسناده أن رجلاً يقال له نصر بن أكتم نكح امرأة فولدت لأربعة أشهر فجعل النبي صلى الله عليه وسلم لها الصداق بما استحل من فرجها وفي لفظ قال " الصداق بما استحللت من فرجها فإذا ولدت فاجلدوها " وروى سعيد في سننه عن عمران بن كثير أن عبيد الله بن الحر تزوج امرأة من قومه يقال لها الدرداء فانطلق عبيد الله فلحق بمعاوية ومات أبو الجارية فزوجها أهلها رجلا يقول له عكرمة فبلغ ذلك عبيد الله فقدم فخاصمهم إلى علي فقصوا عليه قصتهم فرد عليه المرأة وكانت حاملاً من عكرمة فوضعت على يد عدل فقالت المرأة لعلي أنا أحق بمالي أو عبيد الله؟ قال بل أنت أحق بمالك. قالت فاشهدوا أن ما كان لي عند عكرمة من صداق فهو له. فلما وضعت ما في بطنها ردها على عبيد الله بن الحر وألحق الولد بأبيه * (مسألة) * (وإذا دفع أجنبية فأذهب عذرتها فعليه أرش بكارتها) وقال القاضي يجب مهر المثل إذا دفع أجنبية فأذهب عذرتها أو فعل ذلك بأصبعه أو غيرها فعليه أرش بكارتها وهو مذهب الشافعي لأنه إتلاف حر لم يرد الشرع بتقدير عوضه فرجع في ديته إلى الحكومة كسائر ما لم يقدر ولأنه إذا لم يكمل به الصداق في حق الزوج ففي حق الأجنبي أولى وروى عن أحمد أن لها صداق نسائها اختاره القاضي وقال أحمد إن تزوج امرأة فدفعها هو وأخوه فأذهبا عذرتها ثم طلقها قبل الدخول فعلى الزوج نصف المهر وعلى الأخ نصفه روي عن علي وابنه الحسن وعبد الله بن معقل وعبد الملك بن مروان فروى سعيد ثنا هشيم ثنا مغيرة عن إبراهيم أن رجلاً كان عنده أجنبية فخافت امرأته أن يتزوجها فاستعانت نسوة فضبطنها لها فأفسدت عذرتها وقالت لزوجها إنها فجرت فأخبر علي رضي الله عنه بذلك فأرسل إلى امرأته والنسوة فلما أتينه لم يلبثن أن اعترفن فقال للحسن بن علي اقض فيها يا حسن فقال الحد على من قذفها والمهر عليها وعلى الممسكات فقال علي لو كلفت

مسألة: وإذا دفع أجنبية فأذهب عذرتها فعليه أرش بكارتها

الإبل طحناً لطحنت وما يطحن يومئذ بعير قال ثنا هشيم أنا إسماعيل بن سالم أخبرنا الشعبي أن جواري أربعا قالت احداهن هي رجل وقالت الأخرى هي امرأة وقالت الثالثة هي أبوالتي زعمت أنها رجل وقالت الرابعة هي أبوالتي زعمت أنها امرأة فخطبت التي زعمت أنها أبو الرجل التي زعمت أنها أبو المرأة فزوجوها إياها فعمدت إليها فافسدتها باصبعها فرفع ذلك إلى عبد الملك بن مروان فجعل الصداق بينهن أربعاً وألقي حصة التي أمكنت من نفسها فبلغ ذلك عبد الله بن معقل فقال لو وليت أنا لجعلت الصداق على التي أفسدت الجارية وحدها وهذه قصص نشرت ولم تنكر فكانت إجماعاً ولأن اتلاف العذرة مستحق بعقد النكاح فإذا أتلفه أجنبي وجب المهر كنفقة البضع والقول الأول هو القياس لولا ما روي عن الصحابة رضي الله عنهم وأرش البكارة ما بين مهر البكر والثيب والله أعلم * (مسألة) * (فان فعل ذلك الزوج ثم طلق قبل الدخول لم يكن لها عليه إلا نصف المسمى) وقال أبو يوسف ومحمد عليه الصداق كاملاً لأنه أذهب عذرتها في نكاح صحيح فأشبه ما لو أذهبها بالوطئ. ولنا قول الله تعالى (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم) وهذه مطلقة قبل المسيس فأشبه ما لو لم يدفعها ولأنه أتلف ما يستحق إتلافه بالعقد فلم يضمنه لغيره كما لو اتلف عذرة أمته ويتخرج أن يجب لها الصداق كاملاً فإن أحمد قال إذا فعل ذلك أجنبي عليه الصداق ففيما إذا فعله الزوج أولى فإن ما يجب به الصداق ابتداء أحق بتقدير الصداق وقد روي عن أحمد فيمن أخذ امرأته وقبض عليها أو نظر إليها وهي عريانة أن عليه الصداق كاملاً فهذا أولى * (مسألة) * (وللمرأة منع نفسها حتى تقبض مهرها إذا كان حالاً) قال إبن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن للمرأة أن تمتنع من دخول الزوج عليها حتى يعطيها مهرها فإن قال الزوج لا أسلم إليها الصداق حتى أسلمها أجبر على تسليم الصداق أولاً ثم تجبر

مسألة: فإن فعل ذلك الزوج ثم طلق قبل الدخول لم يكن لها عليه إلا نصف المسمى

هي على تسليم نفسها ومذهب الشافعي في هذا على نحو مذهبه في البيع ولنا أن في إجبارها على تسليم نفسها أولاً خطر إتلاف البضع والامتناع من بذل الصداق فلا يمكن الرجوع في البضع بخلاف المبيع الذي يجبر على تسليمه قبل تسليم ثمنه فإذا تقرر ذلك فلها النفقة إن امتنعت لذلك وإن كان معسراً بالصداق لأن امتناعها بحق فإن كان الصداق مؤجلا فليس لها منع نفسها قبل قبضه لأن رضاها بتأجيله رضى منها بتسليم نفسها قبل قبضه كالثمن المؤجل في البيع فإن حل المؤجل قبل تسليم نفسها لم يكن لها منع نفسها أيضا لأن التسليم قد وجب عليها واستقر قبل قبضه فلم يكن لها أن تمتنع منه فإن كان بعضه حالاً وبعضه مؤجلاً فلها منع نفسها قبل قبض العاجل دون الآجل فإن سلمت نفسها قبل قبضه ثم أرادت منع نفسها حتى تقبضه فهل لها ذلك؟ على وجهين وقد توقف أحمد رحمه الله عن الجواب في هذه المسألة وذهب أبو عبد الله بن بطة وأبو إسحاق بن شاقلا إلى أنها ليس لها ذلك وهو قول مالك والشافعي وأبو يوسف ومحمد لأن التسليم استقر به العوض برضى المسلم فلم يكن لها أن تمنع نفسها بعد ذلك كما لو سلم البائع المبيع وذهب أبو عبد الله بن حامد إلى أن لها ذلك وهو مذهب أبي حنيفة لأنه تسليم يوجبه عليها عقد النكاح فملكت أن تمتنع منه قبل قبض صداقها الأول فأما إن وطئها مكرهة لم يسقط حقها من الامتناع لأنه حصل بغير رضاها فهو كالمبيع إذا أخذه المشتري من البائع كرها فان أخذت الصداق فوجدت به عيباً فلها منع نفسها حتى يبذله أو يعطيها أرشه لأن صداقها صحيح وإن لم تعلم عيبه حتى سلمت نفسها خرج على وجهين فيما إذا سلمت نفسها قبل قبض صداقها نم بدا لها أن تمتنع والأولى ههنا أن لها الامتناع لأنها إنما سلمت نفسها ظناً أنها قد قبضت صداقها بخلاف المسألة المقيس عليها وكل موضع قلنا لها الامتناع من تسليم نفسها فلها السفر بغير إذن الزوج لأنه لم يثبت للزوج عليها حق الحبس فصارت كمن لا زوج لها، ولو بقي منه درهم كان كبقاء جميعه لأن كل من ثبت له الحبس بجميع البدل

ثبت له الحبس ببعضه كسائر الديون * (مسألة) * (وإن أعسر بالمهر قبل الدخول فلها الفسخ إذا كان حالاً) اختاره أبو بكر لأنه تعذر الوصول إلى عوض العقد قبل تسليم العوض فكان لها الفسخ كما لو أعسر المشتري بالثمن قبل تسليم المبيع وفيه وجه آخر ليس لها الفسخ اختاره ابن حامد قال شيخنا وهو الصحيح لأنه دين فلم ينفسخ بالاعسار به كالنفقة الماضية ولأنه لا نص فيه ولا يصح قياسه على الثمن في المبيع لأن الثمن كان مقصود البائع والعادة تعجيله والصداق فضلة ونحلة ليس هو المقصود في النكاح ولذلك لا يفسد النكاح بفساده ولا بترك ذكره والعادة تأخيره ولأن أكثر من يشتري بثمن حال يكون موسراً به وليس الأكثر أن من يتزوج بمهر يكون موسراً به وفيه وجه ثالث أنه ان أعسر قبل الدخول فلها الفسخ كما لو أفلس المشتري والمبيع بحاله فإن كان بعد الدخول لم يملك الفسخ لأن المعقود عليه قد استوفي فأشبه ما لو أفلس المشتري بعد تلف المبيع أو بعضه وللشافعي نحو هذه الوجوه وقيل إذا أعسر بعد الدخول انبنى على منع نفسها إن قلنا لها منع نفسها بالدخول فلها الفسخ كما قبل الدخول، وإن قلنا ليس لها منع نفسها فليس لها الفسخ كما لو أفلس بدين آخر * (مسألة) * (ولا يجوز الفسخ في ذلك كله إلا بحكم حاكم) لأنه فسخ يجتهد فيه مختلف فيه فأشبه الفسخ للعنة والفسخ للإعسار بالنفقة ولأنه لو فسخ بغير حكم اعتقدت أن النكاح انفسخ وأبيح لها أن تتزوج والزوج يعتقد أنها زوجته لم ينفسخ نكاحها فيصير للمرأة زوجان كل واحد يعتقد حلها له وتحريمها على الآخر وهذا لا يجوز في الإسلام وفيه وجه آخر أنه يجوز بغير حكم حاكم كخيار المعتقة تحت العبد والصحيح الأول ولا يصح قياسه على المعتقة لأن ذلك متفق عليه وهذا مختلف فيه

مسألة: وإن أعسر بالمهر قبل الدخول فلها الفسخ إذا كان حالا

* (باب الوليمة) * وهي اسم لدعوة العرس خاصة لا يقع هذا الاسم على غيره كذلك حكاه ابن عبد البر عن ثعلب وغيره من أهل اللغة وقال بعض أصحابنا وغيرهم إنها تقع على كل طعام لسرور حادث إلا أن استعمالها في طعام العرس أكثر وقول أهل اللغة أقوى لأنهم أهل اللسان وهم أعرف بموضوعات اللغة وأعلم بلسان العرب والعذيرة اسم لدعوة الختان وتسمى الاعذار والخرس والخرسة، عند الولادة والذكيرة دعوة البناء يقال ذكر وخرس مشدد والنقيعة عند قدوم الغائب يقال نقع مخفف والعقيقة الذبح لأجل الولد. قال الشاعر: كل الطعام تشتهي ربيعه * الخرس والاعذار والنقيعة والحذاق الطعام عند حذاق الصبي والمأدبة اسم لكل دعوة لسبب كانت أو لغير سبب والآدب صاحب المأدبة قال الشاعر: نحن في المشتاة ندعو الجفلى * لا يرى الآدب منا ينتقر والجفلى في الدعوة أن يعم الناس بدعوته والنقرى هو أن يخص قوما دون قوم * (مسألة) * (وهي مستحبة) لا خلاف بين أهل العلم في أن الوليمة في العرس سنة مشروعة لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بها

باب الوليمة

وفعلها فقال لعبد الرحمن بن عوف حين قال له تزوجت " أولم ولو بشاة " وقال أنس ما أولم رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة من نسائه ما أولم على زينب جعل يبعثني أدعو له الناس فاطعمهم لحماً وخبزأً حتى شبعوا وقال أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اصطفى صفية لنفسه فخرج بها حتى بلغ بها ثنية الصهباء فبنى بها ثم صنع حيساً في نطع صغير ثم قال " ائذن لمن حولك " فكانت وليمة رسول الله صلى الله عليه وسلم على صفية متفق عليهن ويستحب أن يولم بشاة لحديث عبد الرحمن بو عوف وقال أنس ما أولم النبي صلى الله عليه وسلم على شئ من نسائه ما أولم على زينب أولم بشاة لفظ البخاري فإن أولم بغير هذا جاز فقد أولم النبي صلى الله عليه وسلم على صفية بحيس وأولم على بعض نسائه بمدين من شعير (فصل) وليست واجبة في قول أكثر أهل العلم وقال بعض أصحاب الشافعي هي واجبة لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بها عبد الرحمن بن عوف ولأن الإجابة إليها واجبة ولنا أنها طعام لسرور حادث فأشبه سائر الأطعمة والخبر محمول على الاستحباب لما ذكرنا وكونه أمر بشاة ولا خلاف في أنها لا تجب وما ذكروه من المعنى لا أصل له ثم هو باطل بالسلام ليس هو بواجب واجابة المسلم واجبة. * (مسألة) * (والإجابة إليها واجبة إذا عينه الداعي المسلم في اليوم الأول)

مسألة: والإجابة إليها واجبة إذا عينه الداعي المسلم في اليوم الأول

قال ابن عبد البر لا خلاف في وجوب الإجابة إلى الوليمة لمن دعي إليها إذا لم يكن فيها لهو، وبه يقول مالك والشافعي والثوري والعنبري وأبو حنيفة وأصحابه ومن أصحاب الشافعي من قال هي من فروض الكفايات لأن الإجابة اكرام وموالاة فهي كرد السلام ولنا ما روى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها " وفي لفظ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أجيبوا هذه الدعوة إذا دعيتم إليها " وقال أبو هريرة شر الطعام الوليمة يدعى لها الأغنياء ويترك الفقراء ومن لم يجب فقد عصى الله ورسوله رواهن البخاري، وهذا عام في معنى قوله شر الطعام طعام الوليمة والله أعلم أي طعام اليمة التي يدعى لها الأغنياء ويترك الفقراء ولم يرد أن كل وليمة طعامها شر الطعام فإنه لو أراد ذلك لما أمر بها ولا ندب إليها ولا أمر بالإجابة إليها ولا فعلها ولأن الإجابة تجب بالدعوة فكل من دعى فقد وجب عليه الإجابة (فصل) وإنما تجب الإجابة على من عين بالدعوة بان يدعو رجلاً بعينه أو جماعة معينين * (مسألة) * (فإن دعا الجفلى كقوله يا أيها الناس تعالوا إلى الطعام أو يقول الرسول أمرت أن أدعو كل من لقيت أو شئت لم تجب الإجابة ولم تستحب لأنه لم يعين بالدعوة فلم تتعين عليه الإجابة ولأنه غير منصوص عليه ولا يحصل كسر قلب الداعي بترك إجابته وتجوز الإجابة بهذا لدخوله في عموم الدعاء.

مسألة: فإن دعا الجفلى كقوله يا أيها الناس تعالوا إلى الطعام أو يقول الرسول أمرت أن أدعو كل من لقيت أو شئت لم تجب الإجابة ولم تستحب لأنه لم يعين وبالدعوة فلم تتعين عليه الإجابة

* (مسألة) * (أو دعاه فيما بعد اليوم الأول) إذا صنعت الوليمة أكثر من يوم جاز فقد روي الخلاف بإسناده عن أبي أنه أعرس فدعا الانصار ثمانية أيام فمتى دعا فيما بعد اليوم الأول فان كان في اليوم الثاني استحبت الاجابة ولم تجب وفي اليوم الثالث لا تستحب. قال أحمد الاول يجب والثاني يستحب والثالث فلا وهكذا مذهب الشافعي، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " الوليمة أول يوم حق والثاني معروف والثالث رياء وسمعة " رواه أبو داود وابن ماجة وغيرهما وروي عن سعيد بن المسيب أنه دعي إلى وليمة عرس مرتين فأجاب فدعى لثالثة فحصب الرسول رواه الخلال. (فصل) فإن دعاه ذمي لم تجب الإجابة قال أصحابنا لأن الإجابة للمسلم للاكرام والموالاة وتأكيد المودة والاخاء فلا تجب على المسلم للذمي ولأنه لا يأمن اختلاط طعامهم بالحرام والنجاسة وتجوز إجابتهم لما روى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم دعاه يهودي إلى خبز شعير واهالة سنخة فأجابه ذكره الإمام أحمد في الزهد * (مسألة) * (وسائر الدعوات والإجابة إليها مستحبة غير واجبة لما فيها من إطعام الطعام

مسألة: وسائر الدعوات والإجابة إليها مستحبة غير واجبة لما فيها من إطعام الطعام وكذلك الإجابة إليها

وكذلك الإجابة إليها) وهذا قول مالك والشافعي وأبي حنيفة وقال العنبري تجب الإجابة إلى كل دعوة لما روى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إذا دعا أحدكم أخاه فليجب عرسا كان أو غير عرس " رواه أبو داود ولنا أن الصحيح من السنة إنما ورد في إجابة الداعي إلى الوليمة وهي الطعام في العرس خاصة كذلك قال الخليل وثعلب وغيرهما من أهل اللغة وقد صرح بذلك في بعض روايات ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " إذا دعي أحدكم إلى وليمة عرس فليجب " رواه ابن ماجه وقال عثمان بن أبي العاص كنا لا نأتي الختان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا ندعى إليه رواه الإمام أحمد في المسند ولأن التزويج يستحب إعلانه وكثرة الجمع فيه والتصويت والضرب بالدف بخلاف غيره، فأما الأمر بالإجابة إلى غيره فمحمول على الاستحباب بدليل أنه لم يخص به دعوة ذات سبب دون غيرها، وإجابة كل داع مستحبة لهذا الخبر، وقد روى البراء أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر باجابة الداعي متفق عليه ولأنه جبر قلب للداعي وتطييب قلبه وقد دعي أحمد إلى ختان فأجاب وأكل فأما غير دعوة العرس في حق فاعلها فليست لها فضيلة تختص بها لعدم ورود الشرع بها وهي بمنزلة الدعوة لغير سبب حادث فإذا قصد فاعلها شكر نعمة الله عليه وإطعام إخوانه وبذل طعامه فله أجر ذلك إن شاء الله تعالى

مسألة: وإذا حضر وهو صائم صوما واجبا لم يفطر وإن كان نفلا أو مفطرا استحب له الأكل وإن أحب دعا وانصرف

* (مسألة) * (وإذا حضر وهو صائم صوماً واجباً لم يفطر وإن كان نفلاً أو مفطراً استحب له الأكل وإن أحب دعا وانصرف) وجملة ذلك أن الواجب الإجابة إلى الدعوة لأنها الذي أمر به وتوعد على تركه أما الأكل فغير واجب صائماً كان أو مفطراً نص عليه أحمد لكن إن كان صومه واجباً أجاب ولم يفطر لأن الفطر محرم والأكل غير واجب وقد روى أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا دعي أحدكم فليجب فإن كان صائماً فليدع وإن كان مفطراً فليطعم " رواه أبو داود وفي رواية فليصل يعني يدعو، ودعي ابن عمر إلى وليمة فحضر ومد يده وقال بسم الله ثم قبض يده وقال كلوا فإني صائم وإن كان صائماً تطوعاً استحب له الأكل لأن له الخروج من الصوم ولأن فيه إدخال السرور على قلب أخيه المسلم وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في دعوة ومعه جماعة فاعتزل رجل من القوم ناحية فقال إني صائم فقال النبي صلى الله عليه وسلم " دعاكم أخوكم وتكلف لكم كل ثم صم يوما مكانه ان شئت وان أحب إتمام الصيام " جاز لما ذكرنا من حديث ابن عمر وفعله ولكن يدعو لهم ويبارك ويخبرهم بصيامه ليعلموا عذره فتزول عنه التهمة في ترك الأكل فقد روى أبو حفض باسناده عن عثمان بن عفان أنه أجاب عبد المغيرة وهو صائم فقال إني صائم

ولكن أحببت أن أجيب الداعي فادعو بالبركة وعن عبد الله قال إذا عرض على أحدكم الطعام وهو صائم فليقل إني صائم وإن كان مفطراً فالأولى له الأكل لأنه أبلغ في إكرام الداعي وجبر قلبه ولا يجب عليه الأكل وقال أصحاب الشافعي فيه وجه أنه يجب عليه الأكل لقول النبي صلى الله عليه وسلم " وإن كان مفطراً فليطعم " ولأن المقصود منه الأكل فكان واجباً كالإجابة ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا دعي أحدكم فليجب فإن شاء أكل وإن شاء ترك " حديث صحيح ولأنه لو وجب الأكل لوجب على المتطوع بالصوم فلما لم يلزمه الأكل لم يلزمه إذا كان مفطراً وقولهم المقصود الأكل قلنا بل المقصود الإجابة ولذلك وجبت على الصائم الذي لم يأكل * (مسألة) * (وإن دعاه اثنان أجاب أولهما) لأن إجابته وجبت حين دعاه فلم يزل الوجوب بدعاء الثاني ولم تجب إجابة الثاني لأنها غير ممكنة مع إجابة الأول فإن استويا أجاب أقربهما باباً لما روى أبو داود بإسناده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا اجتمع داعيان فأجب أقربهما باباً فإن أقربهما باباً أقربهما جواراً فإن سبق أحدهما فأجب الذي سبق " وروي البخاري عن عائشة قالت: قلت يا رسول الله إن لي جارين فإلى أيهما أهدي قال " إلى

مسألة: وإن دعاه اثنان أجاب أولهما

أقربهما منك باباً " ولأن هذا من أبواب البر فقدم بهذه المعاني فإن استويا أجاب أقربهما رحماً لما فيه من صلة الرحم فإن استويا أجاب أدناهما فإن استويا إجابة أقرع بينهما لأن القرعة تعين المستحق عند استواء الحقوق. * (مسألة) * (وإن علم أن في الدعوة منكراً كالزمر والخمر وأمكنه الإنكار حضر وأنكر وإلا لم يحضر) من يدعى إلى وليمة فيها معصية كالخمر والزمر والعود ونحوه فأمكنه إزالة المنكر لزمه الحضور والإنكار لأنه يؤدي فرضين إجابة أخيه المسلم وإزالة المنكر، وإن لم يقدر على الإنكار لم يحضر فإن لم يعلم بالمنكر حتى حضر أزاله فان لم يمكنه انصرف ونحو هذا قال الشافعي، وقال مالك أما اللهو الخفيف كالدف والكير فلا يرجع وقاله ابن القاسم وقال أصبغ يرجع وقال أبو حنيفة إذا وجد اللعب فلا بأس أن يقعد فيأكل، وقال محمد بن الحسن إن كان ممن يقتدى به فأحب إلي أن يخرج وقال الليث إذا كان فيها الضرب بالعود فلا ينبغي له أن يشهدها. والأصل في هذا ما روى سفينة أن رجلاً أضافه علي فصنع له طعاماً فقالت فاطمة لعلي لو دعونا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكل معنا فدعوه فجاء فوضع يده على عضادتي الباب فرأى قراما في ناحية البيت فرجع فقالت فاطمة لعلي الحقه فقال له ما رجعك يا رسول الله

مسألة: وإن علم أن في الدعوة منكرا كالزمر والخمر وأمكنه الإنكار حضر وأنكر وإلا لم يحضر

الله فقال إنه ليس لي أن أدخل بيتاً مزوقا حديث حسن وروي أبو حفص بإسناده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقعد على مائدة يدار عليها الخمر " وعن نافع قال كنت أسير مع عبد الله بن عمر فسمع زمارة راع فوضع أصبعيه في أذنيه ثم عدل عن الطريق ثم قال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع رواه أبو داود والخلال ولأنه يشاهد المنكر ويسمعه من غير حاجة إلى ذلك فمنع منه كما لو قدر على إزالته، ويفارق من له جار مقيم على المنكر والزمر حيث يباح له المقام فإن تلك حال حاجة لما في الخروج من المنزل من الضرر * (مسألة) * (وإن علم به فلم يره ولم يسمعه فله الجلوس والأكل نص عليه أحمد) وله الامتناع من الحضور في ظاهر كلامه فإنه سئل عن الرجل يدعى إلى الختان أو العرس وعنده المخنثون فيدعوه بعد ذلك بيوم أو ساعة وليس عنده أولئك فقال أرجو أن لا يأثم إن لم يجب وإن أجاب فارجو أن لا يكون آثما فاسقط الوجوب لإسقاط الداعي حرمة نفسه بإيجاد المنكر ولم يمنع الإجابة لكون المجيب لا يرى منكراً ولا يسمعه، وقال أحمد إنما تجب الإجابة إذا كان المكسب طيباً ولم ير منكراً، فعلى هذا لا تجب إجابة من طعامه من مكسب خبيث لأن إيجاده منكر والأكل منه منكر فهو أولى بالامتناع وإن حضر لم يأكل * (مسألة) * (وإن شاهد ستوراً معلقة فيها صور الحيوان لم يجلس إلى أن تزال وإن كانت مبسوطة أو على وسائد فلا بأس

مسألة: وإن شاهد ستورا معلقة فيها صور الحيوان لم يجلس إلى أن تزال وإن كانت مبسوطة أو على وسائد فلا بأس

إذا كانت صور الحيوان على الستور والحيطان ومالا يوطأ وأمكنه حطها أو قطع رؤوسها فعل وجلس وإن لم يمكن انصرف ولم يجلس وعلى هذا أكثر أهل العلم، قال ابن عبد البر هذا أعدل المذاهب وحكاه عن سعد ابن أبي وقاص وسالم وعروة وابن سيرين وعطاء وعكرمة بن خالد وسعيد بن جبير وهو مذهب الشافعي وكان أبو هريرة يكره التصاوير ما نصب منها وما بسط وكذلك مالك إلا أنه كان يكرهها تنزها ولا يراها محرمة ولعلهم يذهبون الى قول النبي صلى الله عليه وسلم " أن الملائكة لا تدخل ببتا فيه صورة " متفق عليه وروى عن ابن مسعود أنه دعي إلى طعام فلما قيل له إن في البيت صورة أبي أن يدهب حتى كسرت ولنا ما روت عائشة قالت قدم النبي صلى الله عليه وسلم من سفر وقد سترت لي سهوة بنمط فيه تصاوير فلما رآه قال " أتسترين الخدر بشئ فيه تصاوير؟ " فهتكه قالت فجعلت منه منتبذتين كأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم متكئاً على احداهما رواه ابن عبد البر، ولأنها إذا كانت تداس وتبتذل ولم تكن معززة معظمة فلا تشبه الاصنام التي تعبد وتتخذ آلهة فلا تكره وما رويناه أخص مما رووه وقد روي عن أبي طلحة أنه قيل له ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم " لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة " قال ألم تسمعه يقول " إلا رقما في ثوب " متفق عليه وهو محمول على ما ذكرناه من أن المباح ما كان مبسوطاً، والمكروه منه ما كان معلقا بدليل حديث عائشة

(فصل) فإن قطع رأس الصورة ذهبت الكراهة قال ابن عباس الصورة الرأس فإذا قطع الرأس فليس بصورة وحكي ذلك عن عكرمة وقد روي عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أتاني جبريل فقال أتيتك البارحة فلم يمنعني أن أكون دخلت إلا أنه كان على الباب تماثيل وكان في البيت ستر فيه تماثيل وكان في البيت كلب فمر برأس التماثيل التي على باب البيت فتقطع حتى تصير كهيئة الشرجة ومر بالستر فليقطع منه وسادتان نبوذتان يوطآن ومر بالكلب فليخرج ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن قطع منه ما لا تبقى الحياة بعد ذهابه كصدره أو بطنه أو جعل له رأس منفصل عن بدنه لم يدخل تحت النهي لأن الصورة لا تبقى بعد ذهابه فهو كقطع الرأس، وإن كان الذاهب يبقى الحيوان بعده كالعين واليد والرجل فهو صورة داخلة تحت النهي فان كان في ابتداء التصوير صورة بدن بلا رأس أو رأس بلا بدن أو جعل له رأس وسائر بدنه صورة غير حيوان لم يدخل في النهي لأنه ليس بصورة حيوان (فصل) وصنعة التصاوير محرمة على فاعلها لما روى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة يقال لهم أحيوا ما خلقتم " وعن مسروق قال دخلنا مع عبد الله بيتاً فيه تماثيل فقال لتمثال منها تمثال من هذا؟ قالوا تمثال من صنم قال عبد الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون " متفق عليهما والأمر بعمله محرم كعمله (فصل) فأما دخول منزل فيه صورة فليس بمحرم وإنما أبيح ترك إجابة الدعوة لاجله عقوبة

للداعي بإسقاط حرمته لاتخاذه المنكر في داره ولا يجب على من رآه في منزل الداعي الخروج في ظاهر كلام أحمد فإنه قال في رواية الفضل إذا رأى صوراً على الستر لم يكن رآها حين دخل قال هو أسهل من أن يكون على الجدار قيل له فإن لم يره إلا عند وضع الخوان بين أيديهم أيخرج؟ فقال لا تضيق علينا ولكن إذا رأى هذا وبخهم ونهاهم يعني لا يخرج وهذا مذهب مالك فإنه كان يكرهها تنزها ولا يراها محرمة، وقال أكثر أصحاب الشافعي إذا كانت الصور على الستور أو ما ليس بموطوء لم يجز له الدخول لأن الملائكة لا تدخله ولأنه لو لم يكن محرما لما جاز ترك الدعوة الواجبة لأجله ولنا ما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة فرأى فيها صورة إبراهيم وإسماعيل يستقسمان بالارلام فقال " قاتلهم الله لقد علموا أنهما ما استقسما بها قط " رواه أبو داود وما ذكرنا من خبر عبد الله أنه دخل بيتاً فيه تماثيل وفي شروط عمر رضي الله عنه على أهل الذمة أن يوسعوا أبواب كنائسهم وبيعهم ليدخلها المسلمون للمبيت بها والمارة بدوابهم، وروى ابن عائد في فتوح الشام أن النصارى صنعوا لعمر رضي الله عنه حين قدم الشام طعاماً فدعوه فقال أين هو؟ قالوا في الكنيسة فأبى أن يذهب وقال لعلي امض بالناس فليتغدوا فذهب علي بالناس فدخل الكنيسة وتغدى هو والمسلمون وجعل علي ينظر إلى

الصور وقال ما على أمير المؤمنين لو دخل وأكل وهذا اتفاق منهم على إباحة دخولها وفيها الصور لأن دخول الكنائس والبيع غير محرم فكذلك المنازل التي فيها الصور وكون الملائكة لا تدخله لا يوجب تحريم دخوله كما لو كان فيه كلب ولا يحرم صحبة رفقة فيها جرس مع إن الملائكة لا تصحبهم وإنما أبيح ترك الدعوة من أجله عقوبة لفاعله وزجراً له عن فعله * (مسألة) * (فإن سترت الحيطان بستور لا صور فيها أو فيها صور غير الحيوان فهل تباح؟ على روايتين) أما إذا استعمل ذلك لحاجة من وقاية حر أو برد فلا بأس به لأنه يستعمله لحاجة فأشبه الستر على الباب وإن كان لغير حاجة ففيه روايتان [إحداهما] هو مكروه غير محرم وهو عذر في ترك الإجابة إلى الدعوة بدليل ما روى سالم ابن عبد الله بن عمر قال أعرست في عهد أبي فآذن أبي الناس فكان فيمن آذن أبو أيوب وقد ستروا بيتي بخباء أخضر فأقبل أبو أيوب فاطلع فرأى البيت مستوراً بخباء أخضر فقال يا عبد الله أتسترون الجدر؟ فقال أبي واستحيا غلبتنا النساء يا أبا أيوب فقال من خشيت أن يغلبنه فلم أخش أن يغلبنك ثم قال لا أطعم لكم طعاماً ولا أدخل لكم بيتاً ثم خرج رواه الأثرم. قال القاضي وكلام أحمد يحتمل أمرين (أحدهما) الكراهة من غير تحريم لأن ابن عمر أقر على فعله ولأن كراهته لما فيه من الستر، وذلك لا يبلغ به التحريم كالزيادة في الملبوس والمأكول والطيب ويحتمل التحريم وهي الرواية الثانية

مسألة: فإن سترت الحيطان بستور لا صور فيها أو فيها صور غير الحيوان فهل تباح؟ على روايتين

لما روى الخلال باسناده عن علي بن الحسين قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تستر الجدر وروت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إن الله لم يأمرنا فيما رزقنا أن نستر الجدر " واختار شيخنا أن ستر الحيطان مكروه غير محرم وهو مذهب الشافعي إذ لم يثبت في تحريمه حديث وقد فعله ابن عمر وفعل في زمن الصحابة رضي الله عنهم ولو ثبت الحديث حمل عى الكراهة لما ذكرنا والله أعلم (فصل) سئل أحمد عن الستور فيها القرآن فقال لا ينبغي أن يكون شيئاً معلقاً فيه القرآن ليستهان به ويمسح قبل له فيقلع فكره أن يقلع القرآن، وقال إذا كان ستر فيه ذكر الله فلا بأس، وكره أن يشتري الثوب فيه ذكر الله مما يجلس عليه (فصل) قيل لأبي عبد الله الرجل يكتري بيتاً فيه تصاوير ترى أن يحكها قال نعم: قال المروذي قلت لأبي عبد الله دخلت حماما فرأيت صورة ترى أن أحك الرأس؟ قال نعم، إنما جاز ذلك لان اتخاذ الصورة منكر فجاز تغييرها كآلة اللهو والصليب والصنم ويتلف منها ما يخرجها عن حد الصورة كالرأس ونحوه لأن ذلك يكفي. قال أحمد ولا بأس باللعب ما لم تكن صورة لما روي عن عائشة قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ألعب باللعب فقال " ما هذا يا عائشة؟ " فقلت هذه خيل سليمان فجعل يضحك (فصل) واتخاذ آنية الذهب والفضة محرم فإذا رآه المدعو في منزل الداعي فهو منكر يخرج منه

أجله وكذلك ما كان من الفضة مستعملاً كالمكحلة ونحوه. قال الأثرم سئل أحمد إذا رأى حلقة مرآة فضة ورأس مكحلة يخرج من ذلك؟ فقال هذا تأويل تأولته. وأما الآنية نفسها فليس فيها شك، وقال مالا يستعمل فهو أسهل مثل الضبة في السكين والقدح وذلك لأن رؤية المنكر كسماعه فكما لا يجلس في موضع يسمع فيه صوت الزمر لا يجلس في موضع يرى فيه من يشرب الخمر وغيره من المنكر * (مسألة) * (ولا يباح الاكل لغير إذن) لأن أكل مال الغير بغير إذنه محرم والدعاء إلى الوليمة إذن في الدخول والأكل بدليل ما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا دعي أحدكم فأتى مع الرسول فذلك إذن له " رواه أبو داود، وقال عبد الله بن مسعود إذا دعيت فقد أذن لك، رواه الإمام أحمد بإسناده * (مسألة) * (والنثار والتقاطه مكروه وعنه لا يكره) اختلفت الرواية عن أحمد في النثار والتقاطه فروي أن ذلك مكروه في العرس وغيره، روى ذلك عن أبي مسعود البدري وعكرمة وابن سيرين وعطاء وعبد الله بن زيد الخطمي وطلحة وزبيد اليامي وبه قال مالك والشافعي وروى عن أحمد أنه ليس بمكروه اختارها أبو بكر وهو قول الحسن وقتادة والنخعي وأبي حنيفة وأبي عبيد وابن المنذر لما روى عبد الله بن قرط قال قرب إلى النبي صلى الله عليه وسلم خمس بدنات أو ست فطفقن

مسألة: والنثار والتقاطه مكروه وعنه لا يكره

يزدلفن إليه بأيتهن يبدأ فنحرها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال كلمة لم أسمعها فسألت من قرب منه فقال قال " من شاء اقتطع " رواه أبو داود. وهذا جار مجرى النثار. وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم دعي إلى وليمة رجل من الأنصار ثم أتوا بنهب فأنهب عليه. قال الراوي ونظرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يزاحم الناس أو نحو ذلك فقلت يا رسول الله أوما نهيتنا عن النهبة؟ قال " نهيتكم عن نهبة العساكر " ولأنه نوع إباحة فأشبه إباحة الطعام للضيفان ولنا ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا تحل النهبى والمسألة " ولأن فيه نهبا وتزاحماً وقتالاً وربما أخذه من يكره صاحب النثار أخذه لحرصه وشرهه ودناءة نفسه ويحرمه من يحب صاحبه لمروءته وصيانة نفسه وعرضه والغالب عليه هذا فان أهل المروءات يصونون أنفسهم عن مزاحمة سفلة الناس على شئ من الطعام أو غيره ولأن في هذا دناءة والله يجب معالى الامور ويكره سفسافها فأما خبر البدنات فيحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم علم أنه لا نهبة في ذلك لكثرة اللحم وقلة الآخذين أو فعل ذلك لاشتغاله بالمناسك عن تفريقها. وفي الجملة فالخلاف إنما هو في كراهية ذلك وأما الإباحة فلا خلاف فيها ولا في الالتقاط لأنه نوع إباحة لماله فأشبه سائر المباحات (فصل) فأما إن قسم على الحاضرين ما ينثر مثل اللوز والسكر وغيره فلا خلاف في أن ذلك حسن غير مكروه وقد روي عن أبي هريرة قال قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه تمراً فأعطى كل إنسان

سبع تمرات فأعطاني سبع تمرات إحداهن حشفة فلم يكن منهن تمرة أعجب إلي منها شدت في مضاغي رواه البخاري وكذلك إن وضعه بين أيديهم وإذن لهم في أخذه على وجه لا يقع تناهب فلا يكره أيضاً قال المروذي سألت أبا عبد الله عن الجوز ينثر فكرهه وقال يعطون يقسم عليهم وقال علي (1) بن محمد بن بحر سمعت حسن أم ولد أحمد بن حنبل تقول لما حذق ابني حسن قال لي مولاي حسن لا تنثروا عليه فاشترى تمراً وجوزاً فأرسله إلى المعلم، قالت وعملت أنا عصيدة وأطعمت الفقراء فقال أحسنت أحسنت وفرق أبو عبد الله على الصبيان الجوز خمسة خمسة * (مسألة) * (ومن حصل في حجره شئ فهو له غير مكروه) لأنه مباح حصل في حجره فملكه كما لو وثبت سمكة من البحر فوقعت في حجره وليس لأحد أن يأخذه لما ذكرناه وقال في المحرر يملكه مع القصد وبدون القصد وجهان * (مسألة) * (ويستحب إعلان النكاح والضرب عليه بالدف) وقال أحمد يستحب أن يظهر النكاح ويضرب عليه بالدف حتى يشتهر ويعرف قيل له ما الدف؟ قال هذا الدف، وقال لا بأس بالغزل في العرس كقول النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار أتيناكم أتيناكم * فحيونا نحييكم * ولولا الذهب الأحمر * ما حلت بواديكم ولولا الحبة السوداء * ما سمنت عذاريكم

_ (1) قد ذكره في المغني محمد بن علي

مسألة: ومن حصل في حجره شيء فهو له غير مكروه

لا على ما يصنع الناس اليوم ومن غير هذا الوجه " ولولا الحنطة الحمراء ما سمنت عذاريكم " وقال أحمد أيضاً يستحب ضرب الدف والصوت في الاملاك فقيل له ما الصوت؟ قال يتكلم ويتحدث ويظهر والأصل في هذا ما روى محمد بن حاطب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فصل ما بين الحلال والحرام الصوت والدف في النكاح " رواه النسائي وقال عليه الصلاة والسلام " أعلنوا النكاح " وفي لفظ " أظهروا النكاح " وكان يحب أن يضرب عليها بالدف وفي لفظ " فاضربوا عليه بالغربال " وعن عائشة أنها زوجت يتيمة رجلاً من الأنصار وكانت عائشة فيمن أهداها إلى زوجها قالت فلما رجعنا قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما قلتم يا عائشة؟ " قالت سلمنا ودعونا بالبركة ثم انصرفنا فقال " إن الأنصار قوم فيهم غزل ألا قلتم يا عائشة أتيناكم أتيناكم فحيانا وحياكم " روي هذا كله عن عبد الله بن ماجة في سننه وقال أحمد لا بأس بالدف في العرس والختان وأكره الطبل وهو المنكر وهو الكوبة التي نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم وإنما يستحب الضرب بالدف للنساء ذكره شيخنا رحمه الله (فصل) ولا بأس أن يخلط المسافرون أزوادهم ويأكلون جميعاً وإن أكل بعضهم أكثر من بعض فلا بأس وقد كان السلف يتناهدون في الغزو والحج ويفارق النثار فإنه يؤخذ بنهب وتسالب وتجاذب بخلاف هذا.

فصل في آداب الأكل

* (فصل في آداب الاكل) * يستحب غسل اليد قبل الطعام وبعده وان كان على وضوء قال المروذي رأيت أبا عبد الله يغسل يديه قبل الطعام وبعده وان كان على وضوء وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من أحب أن يكثر خير بيته فليتوضأ إذا حضر غداؤه وإذا رفع " رواه ابن ماجه وروى أبو بكر باسناده عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " الوضوء قبل الطعام ينفي الفقر وبعده ينفي اللمم " يعني به غسل اليدين وقال النبي صلى الله عليه وسلم " من نام وفي يده ربح غمر فأصابه شئ فلا يلومن إلا نفسه " رواه أبو داود ولا بأس بترك الوضوء لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من الغائط فأني بطعام فقال رجل يا رسول الله ألا آتيك بوضوء قال " ما أريد الصلاة " رواه ابن ماجه وعن جابر قال أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من شعب بالجبل وقد قضى حاجته وبين أيدينا تمر على ترس أو حجفة فدعوناه فأكل معنا وما مس ماء رواه أبو داود وروي عنه أنه كان يحتز من كتف شاة في يده فدعي إلى الصلاة فألقاها من يده ثم قام فصلى ولم يتوضأ رواه البخاري ولا بأس بتقطيع اللحم بالسكين قال أحمد: حديث لا تقطعوا اللحم بالسكين فانه من صنيع الأعاجم وانهشوه نهشا فانه أهناً وأمرأ قال ليس بصحيح واحتج بهذا الحديث الذي ذكرناه. (فصل) وتستحب التسمية عند الأكل وأن يأكل بيمينه مما يليه لما روى عمر بن أبي سلمة قال كنت يتيماً في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم يدي تطيش في الصفحة فقال النبي صلى الله عليه وسلم " يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك " متفق عليه وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا أكل أحدكم فليأكل

بيمينه فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله " رواه مسلم وعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إذا أكل أحدكم فليذكر الله فإن نسي أن يذكر اسم الله في أوله فليقل بسم الله أوله وآخره " وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً ورجل يأكل فلم يسم حتى لم يبق من طعامه إلا لقمة فلما رفعها إلى فيمن قال بسم الله فضحك النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال " ما زال الشيطان يأكل معه فلما ذكر الله قاءما في بطنه " رواهن أبو داود وعن عكراش بن ذؤيب قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم بجفنة كثيرة الثريد والودك فأقبلنا نأكل فخبطت يدي في نواحيها فقال " يا عكراش كل من موضع واحد فإنه طعام واحد " وأتينا بطبق فيه ألوان من الرطب فجالت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطبق وقال يا عكراش " كل من حيث شئت فإنه غير لون واحد " رواه ابن ماجه ولا يأكل من ذروه الثريد لما روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " إذا أكل أحدكم طعاماً فلا يأكل من أعلا الصحفة ولكن ليأكل من أسفلها فإن البركة تنزل من أعلاها " وفي حديث آخر " كلوا من جوانبها ودعوا ذروتها تبارك " رواهما ابن ماجة (فصل) ويستحب الأكل بالأصابع الثلاث ولا يمسح يده حق يلعقها قال مهنا سألت أبا عبد الله عن الأكل بيده كلها فذهب إلى ثلاث أصابع فذكرت له الحديث الذي يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يأكل بكفه كلها فلم يصححه ولم ير إلا ثلاث أصابع وقد روى كعب بن مالك قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يأكل بثلاث أصابع ولا يمسح يده حتى يلعقها رواه الخلال باسناده ويكره الأكل متكئاً لما روى أبو جحيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا آكل متكئا " رواه البخاري ولا يمسح يده بالمنديل حتى يلعقها لما روينا وروى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم " إذا أكل أحدكم طعاماً فلا يمسح يده حتى يلعقها " رواه أبو داود وعن نبيشة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من أكل في قصعة فلحسها استغفرت له القصعة " رواه الترمذي وعن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا وقعت اللقمة من يد أحدكم فليمسح ما عليها من الارض ليأكلها " رواهن ابن ماجة

(فصل) ويحمد الله إذا فرغ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " ان الله ليرضى من العبد أن يأكل الأكلة أو يشرب الشربة فيحمده عليها " رواه مسلم، وعن أبي سعيد قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أكل طعاما قال " الحمد الله الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين " رواه أبو داود، وعن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول إذا رفع طعامه " الحمد لله كثيراً مباركاً فيه غير مكفى ولا مودع ولا مستغنى عنه ربنا " وعن معاذ بن أنس الجهمي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من أكل طعاماً فقال الحمد لله الذي أطعمني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة غفر له ما تقدم من ذنبه " رواهن ابن ماجة وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل طعاماً هو وأبو بكر وعمر ثم قال " من قال في أوله بسم الله الله وبركة الله وفي آخره الحمد لله الذي أطعم وأروى وأنعم وأفضل " فقد أدى شكره " ويستحب الدعاء لصاحب الطعام لما روى جابر بن عبد الله قال صنع أبو الهيثم للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه طعاما فدعى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فلما فرغ قال " أثيبوا صاحبكم " قالوا يا رسول الله وما إثابته قال " إن الرجل إذا دخل بينه وأكل طعامه وشرب شرابه فدعوا له فذلك اثابته " وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء إلى سعد بن عبادة يعوده فجاء بخبز وزيت فأكل ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم " أفطر عندك الصائمون وأكل طعامكم الأبرار وصلت عليكم الملائكة " رواه أبو داود (فصل) ولا بأس بالجمع بين طعامين فإن عبد الله بن جعفر قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يأكل

القثاء بالرطب ويكره عيب الطعام لقول أبي هريرة ما عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاماً قط إذا اشتهى شيئاً أكله وإن لم يشتهه تركه متفق عليهما وإذا حضر فصادف قوماً يأكلون فدعوه لم يكره الأكل لما قدمنا من حديث جابر حين دعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكل معهم ولا يجوز له أن يتحين وقت أكلهم فيهجم عليهم ليطعم معهم لقول الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه) أي غير منتظرين بلوغ نضجه وعن أنس قال ما أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم على خوان ولا في سكرجة قال فعلام كنتم تأكلون؟ قال على السفر وقال ابن عباس لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفخ في طعام ولا شراب ولا يتنفس في الإناء وفي المتفق عليه من حديث أبي قتادة ولا يتنفس أحدكم في الاناء وعن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا وضعت المائدة فلا يقوم الرجل حتى ترفع المائدة ولا يرفع يده وإن شبع حتى يفرغ القوم وليقعد فإن الرجل يخجل جليسه فيقبض يده وعسى أن يكون له في الطعام حاجة " رواهن كلهن ابن ماجة (فصل) قال محمد بن يحيى قلت لأبي عبد الله الإناء يؤكل فيه ثم تغسل فيه اليد؟ قال لا بأس به. وقيل لأبي عبد الله ما تقول في غسل اليد بالنخالة؟ قال لا بأس به نحن نفعلة. واستدل الخطابي على جواز ذلك بما روى أبو داود بإسناده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أمر امرأة أن تجعل مع الماء ملحاً ثم تغتسل به الدم من حيضة، والملح طعام ففي معناه ما أشبه

باب عشرة النساء

* (باب عشرة النساء) * تلزم كل واحد من الزوجين معاشرة الآخر بالمعروف وأن لا يمطله بحقه ولا يظهر الكراهة لبذله لقول الله تعالى (وعاشروهن بالمعروف) وقال (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف) قال أبو زيد يتقون الله فيهن كما عليهن أن يتقين الله فيهم، وقال ابن عباس إني أحب أن أتزين للمرأة كما أحب أن تتزين لي لأن الله تعالى يقول (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف) وقال الضحاك في تفسيرها إذا أطعن الله وأطعن أزواجهن فعليه أن يحسن صحبتها ويكف عنها أذاه وينفق عليها من سعته، وقال بعض أهل العلم التماثل ههنا في تأدية كل واحد منهما ما عليه من الحق لصاحبه بالمعروف ولا يمطله به ولا يظهر الكراهة بل ببشر وطلاقة ولا يتبعه أذا ولا منه لأن هذا من المعروف الذي أمر الله تعالى به. ويستحب لكل واحد منهما تحسين الخلق لصاحبه والرفق به واحتمال أذاه لقول الله تعالى (وبالوالدين إحسانا وبذي القربى) إلى قوله (والصاحب بالجنب) قيل هو كل واحد من الزوجين. وقال النبي صلى الله عليه وسلم " استوصوا بالنساء خيراً فإنهن عوان عندكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله " رواه مسلم. وقال النبي صلى الله عليه وسلم " إن المرأة خلقت من ضلع أعوج لن تستقيم على طريقة فإن ذهبت تقيمها كسرتها وإن استمتعت بها استمتعت بها وفيها عوج " متفق عليه، وقال " خياركم خياركم لنسائهم " رواه ابن ماجه، وحق الزوج عليها أعظم من حقها عليه، قال الله تعالى (وللرجال عليهن درجة)

مسألة: وإذا تم العقد وجب تسليم المرأة في بيت الزوج إذا طلبها وكانت حرة يمكن الاستمتاع بها

وقال النبي صلى الله عليه وسلم " لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت النساء أن يسجدن لأزواجهن لما جعل الله لهم عليهن من الحق " رواه أبو داود، وقال " إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى ترجع " متفق عليه، وقال لامرأة " أذات زوج انت؟ " قالت نعم، قال " فإنه جنتك ونارك " وقال " لا يحل لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه ولا تأذن في بيته إلا بإذنه وما أنفقت من نفقة بغير إذنه فإنه يرد إليه شطره " رواه البخاري * (مسألة) * (وإذا تم العقد وجب تسليم المرأة في بيت الزوج إذا طلبها وكانت حرة يمكن الاستمتاع بها) لأن بالعقد يستحق الزوج تسليم المعوض كما تستحق المرأة تسليم العوض وكما تستحق المستأجرة تسليم العين المستأجرة وتستحق عليه الاجرة به، وقوله وكانت حرة لأن الأمة لا يجب تسليمها إلا بالليل على ما نذكره، ويشترط إمكان الاستمتاع بها فإن كانت صغيرة لا يجامع مثلها وذلك معتبر بحالها واحتمالها لذلك، قاله القاضي وذكر انهن يختلفن فقد تكون صغيرة السن تصلح وكبيرة لا تصلح، وحده أحمد رحمه الله بتسع سنين فقال في رواية أبي الحارث في الصغيرة يطلبها زوجها فإن أتى عليها تسع سنين دفعت إليه ليس لهم أن يحبسوها بعد التسع وذهب في ذلك إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم بنى بعائشة وهي بنت تسع سنين، قال القاضي هذا عندي ليس على طريق التحديد وإنما ذكره لأن

الغالب ان ابنة تسع يتمكن من الاستمتاع بها ومتى كانت لا تصلح للوطئ لا يجب على أهلها تسليمها إليه وإن ذكر أنه يحصنها ويربيها لأنه لا يملك الاستمتاع بها وليت له بمحل ولا يؤمن شره نفسه إلى مواقعتها فيفضها، وإن كانت مريضة مرضا مرجوا الزوال لم يلزمها تسليم قبل برئها لأنه مانع مرجو الزوال فهو كالصغر ولأن العادة لم تجر بتسليم المريضة إلى زوجها والتسليم في العقد يجب على حسب العرف فإن كان المرض غير مرجو الزوال لزم تسليمها إلى الزوج إذا طلبها ولزمه تسلمها إذا عرفت عليه لأنها ليست لها حالة يرجى زوال ذلك فيها، فلو لم تسلم نفسها لم يفد التزويج وله أن يستمتع بها فإن كانت نضوة الخلق وهو جسيم تخاف على نفسها الإفضاء من عظمه فلها منعه من جماعها وله الاستمتاع بها فيها دون لفرج وعليه النفقة ولا يثبت له خيار الفسخ لأن هذه يمكن الاستمتاع بها لغيره وإنما الامتناع لأمر من جهته وهو عظم خلقه بخلاف الرتقاء فإن طلب تسليمها إليه وهي حائض احتمل أن لا يجب ذلك كالمرض المرجو زواله، واحتمل وجوب التسليم لأنه يزول قريبا ولا يمنع من الاستمتاع بما دون الفرج * (مسألة) * (وإنما يجب تسليمها في بيت الزوج إذا لم تشترط دارها) وقد ذكرنا ذلك في بابه ويجب عليها تسليم نفسها في دارها (فصل) فإن كانت حرة لزم تسليمها ليلاً ونهاراً لأنه لا حق لغيره عليها * (مسألة) * (فإن سألت الانظار أنظرت مدة جرت العادة بإصلاحها أمرها فيها كاليومين والثلاثة)

مسألة: فإن سألت الانظار أنظرت مدة جرت العادة بإصلاحها أمرها فيها كاليومين والثلاثة

لأن ذلك يسير جرت العادة بمثله وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " لا تطرقوا اليساء ليلاً حتى تمتشط الشعثة وتستحد المغيبة " فمنع من الطروق وأمر بامهالها لتصلح أمرها مع تقدم صحبتها له فههنا أولى * (مسألة) * (وإن كانت أمة لم يجب تسليمها إلا بالليل) وللسيد استخدامها نهاراً وعليه إرسالها بالليل للاستمتاع بها لأنه زمانه وذلك لأن السيد يملك من أمته منفعتين الاستخدام والاستمتاع، فإذا عقد على احداهما لم يلزمه تسليمها إلا في زمن استطابتها كما لو أجرها للخدمة لم يلزمه تسليمها إلا في زمنها وهو النهار، فإن أراد الزوج السفر بها لم يملك ذلك لأنه يفوت خدمتها المستحقة لسيدها، وأن أراد السيد السفر بها فقد توقف أحمد عن ذلك فقال ما أدري؟ فيحتمل المنع منه لأنه يفوت حق الزوج منها فمنع منه كما لو أراد الزوج السفر بها ويحتمل أن له السفر بها لأنه مالك لرقبتها فهو كسيد العبد إذا زوجه (فصل) ويجوز للسيد بيعها لأن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لعائشة في شراء بريرة وهي ذات زوج ولا ينفسخ النكاح بذلك بدليل أن بيع بريرة لم يبطل نكاحها * (مسألة) * (وله الاستمتاع بها ما لم يشغلها عن الفرائض من غير إضرار بها) لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا باتت المرأة مهاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى ترجع "

مسألة: وله الاستمتاع بها ما لم يشغلها عن الفرائض من غير إضرار بها

متفق عليه، ولقول الله تعالى (وعاشروهن بالمعروف) وله السفر بها إلا أن تشترط بلدها لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسافر بنسائه، فإن اشترطت بلدها فلها شرطها لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إن أحق الشروط أن توفوا ما استحللتم به الفروج " * (مسألة) * (ولا يجوز وطؤها في الحيض إجماعاً) لقول الله تعالى (فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن) ولا يجوز وطؤها في الدبر في قول أكثر أهل العلم منهم علي وعبد الله وأبو الدرداء وابن عباس وعبد الله بن عمر وأبو هريرة رضي الله عنه وبه قال سعيد بن المسيب وأبو بكر بن عبد الرحمن ومجاهد وعكرمة والشافعي وأصحاب الرأي وابن المنذر ورويت إباحته عن عبد الله بن عمر وزيد بن أسلم ونافع ومالك، وروي عن مالك أنه قال ما رأيت أحداً اقتدى به في ديني يشك في أنه حلال وأهل العراق من أصحاب مالك ينكرون ذلك واحتج من أحله بقوله تعالى (نساؤكم حرث لكم فاتوا حرثكم أنى شئتم) وقوله سبحانه (والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم) الآية. ولنا ما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " أن الله لا يستحيي من الحق لا تأتوا النساء في أعجازهن " وعن أبي هريرة وابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا ينظر الله إلى رجل جامع امرأته في دبرها " رواهما ابن ماجة، وعن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم " من

مسألة: ولا يجوز وطؤها في الحيض إجماعا

أتى حائضاً أو امرأة في دبرها أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد " رواهن كلهن الأثرم، فأما الآية فروى جابر قال كان اليهود يقولون إذا جامع الرجل امرأته في فرجها من ورائها جاء الولد أحول فانزل الله تعالى (نساؤكم حرث لكم فاتوا حرثكم أنى شئتم) من بين يديها ومن خلفها غير أن لا يأتيها إلا في المأتى متفق عليه، وفي رواية " ائتها مقبلة ومدبرة إذا كان ذلك في الفرج " والآية الأخرى المراد بها ذلك (فصل) فإن وطئها في دبرها فلا حد عليه لأن في ذلك شبهة ويعزر لفعله المحرم وعليهما الغسل لأنه إيلاج فرج في فرج وحكمه حكم الوطئ في القبل في إفساد العبادات وتقرير المهر ووجوب العدة، فان كان الوطئ في أجنبية فعليه حد اللوطي ولا مهر عليه لأنه لم يفوت منفعة لها عوض في الشرع ولا يحصل بوطئ زوجته في الدبر احصان انما يحصل بالوطئ في الفرج لأنه وطئ كامل بخلاف هذا ولا الإحلال للزوج الأول لأن المرأة لا تذوق عسيلة الرجل ولا تحصل به الفيئة لأن الوطئ لحق المرأة وحقها الوطئ في القبل ولا يزول به الاكتفاء بصماتها في الاذن في النكاح لأن بكارة الأصل باقية (فصل) فأما التلذذ بين الأليتين من غير إيلاج فلا بأس به لأن السنة إنما وردت بتحريم الدبر فهو مخصوص بذلك ولأنه حرم لأجل الأذى وذلك مخصوص في الدبر فاختص التحريم به * (مسألة) * (ولا يعزل عن الحرة إلا بإذنها)

مسألة: ولا يعزل عن الحرة إلا بإذنها

معنى العزل أن ينزع إذا قرب الإنزال فينزل خارجاً من الفرج وهو مكروه، رويت كراهته عن عمر وعلي وابن عمر وابن مسعود، وروي عن أبي بكر الصديق أيضاً لأن فيه تقليل النسل وقطع اللذة عن الموطوءة، وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على تعاطي أسباب الولد فقال " تناكحوا تناسلوا تكثروا " وقال " سوداء ولود خير من حسناء عقيم " إلا أن يكون العزل لحاجة مثل أن يكون في دار الحرب فتدعو حاجته إلى الوطئ ذكر الخرقي في هذه: أو تكون زوجته أمة فيخشى الرق على ولده، أو تكون له أمة فيحتاج الى وطئها والى بيعها. فقد روي عن علي رضي الله عنه أنه كان يعزل عن إمائه فإن عزل من غير حاجة كره ولم يحرم وقد رويت الرخصة فيه عن علي وسعد بن أبي وقاص وأبي أيوب وزيد بن ثابت وجابر وابن عباس والحسن بن علي وخباب بن الأرت وسعيد بن المسيب وطاوس وعطاء والنخعي ومالك والشافعي وأصحاب الرأي. وروي أبو سعيد قال ذكر يعني العزل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال " فلم يفعل ذلك أحدكم؟ - ولم يقل فلا يفعل - فإنه ليس من نفس مخلوقة إلا الله خالقها " متفق عليه، وعنه إن رجلاً قال: يا رسول الله إن لي جارية وأنا أعزل عنها وأنا أكره أن تحمل وأنا أريد ما يريد الرجال وإن

اليهود تحدث أن العزل هي الموءدة الصغرى قال " كذبت يهود لو أراد الله أن يخلقه ما استطعت أن تصرفه " رواه أبو داود ولا يعزل عن زوجته الحرة إلا بإذنها قال القاضي ظاهر كلام أحمد وجوب استئذان الزوجة في العزل، ويحتمل أن يكون مستحباً، لأن حقها في الوطئ دون الإنزال بدليل أنه يخرج به من الفيئة والعنة، وللشافعية في ذلك وجهان، والأول أولى لما روي عن عمر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعزل عن الحرة إلا بإذنها، رواه الإمام أحمد في المسند وابن ماجة ولأن لها في الولد حقها وعليها في العزل ضرر فلم يجز إلا بإذنها. (فصل) والنساء ثلاثة أقسام إحداهن زوجته الحرة فلا يجوز العزل عنها إلا بإذنها في ظاهر المذهب وقد ذكرنا ذلك. (الثانية) : أمته فيجوز العزل عنها، نص عليه أحمد، وهو قول مالك وأبي حنيفة والشافعي وذلك لأنه لا حق لها في الوطئ ولا في الولد ولذلك لم تملك المطالبة بالقسم ولا الفيئة فلأن تملك المنع من العزل أولى. (الثالثة) زوجته الأمة فالأولى جواز العزل عنها بغير إذنها وهو قول الشافعي استدلالاً بمفهوم الحديث المذكور. وقال ابن عباس يستأذن الحرة، ولا يستأذن الأمة ولأن عليه ضرراً في إرقاق ولده بخلاف الحرة، ويحتمل أن لا يجوز إلا بإذنها لأنها زوجة تملك المطالبة بالوطئ في الفيئة والفسخ عند تعذره بالعنة فلم يجز

بغير إذنها كالحرة. وقال أصحابنا لا يجوز العزل عنها إلا بإذن سيدها لأن الولد له والأولى جوازه لأن تخصيص الحرة بالاستئذان دليل سقوطه في غيرها ولأن السيد لا حق له في الوطئ فلا يجب استئذانه في كيفيته ويحتمل أن يكون استئذانها مستحباً لأن حقها في الوطئ لا في الإنزال بدليل خروجه بذلك من الفيئة والعنة. * (مسألة) * (وله إجبارها على الغسل من الحيض والجنابة والنجاسة واجتناب المحرمات وأخذ الشعر الذي تعافه النفس إلا الذمية فله إجبارها على الغسل من الحيض والنفاس وفي سائر الأشياء روايتان) وجملة ذلك أن للزوج إجبار زوجته على الغسل من الحيض والنفاس مسلمة كانت أو ذمية حرة أو مملوكة لأنه يمنع الاستمتاع الذي هو حق له فملك إجبارها على إزالة ما يمنع حقه فإن احتاجت الى شراء الماء فثمنه عليه لانه لحقه، وله اجبار المسلمة البالغة على الغسل من الجنابة لأن الصلاة واجبة عليها ولا تتمكن منها إلا بالغسل. فإما الذمية ففيها روايتان. (أحديهما) له اجبارها عليه لأن كمال الاستمتاع يقف عليه فإن النفس تعاف من لا يغتسل من جنابة (والثانية) : ليس له إجبارها. وهو قول مالك والثوري فان الوطئ لا يقف عليه لاباحته بدونه، وللشافعي قولان كالروايتين، وفي إزالة الوسخ والدرن وفي تقليم الأظافر وجهان بناء على الروايتين في غسل الجنابة، ويستوي في هذا المسلمة والذمية لاستوائهما في حصول النفرة ممن ذلك حالها، وله إجبارها

مسألة: وله إجبارها على الغسل من الحيض والجنابة والنجاسة واجتناب المحرمات وأخذ الشعر الذي تعافه النفس إلا الذمية فله إجبارها على الغسل من الحيض والنفاس وفي سائر الأشياء روايتان

على إزالة شعر العانة إذا خرج عن العادة رواية واحدة ذكرها القاضي وكذلك الأظفار فإن طالا قليلا بحيث تعافه النفس ففيه وجهان، وهل له منعها من أكل ما له رائحة كريهة كالبصل والثوم والكرات؟ على وجهين (أحدهما) له منعها من ذلك لأنه يمنع القبلة وكمال الاستمتاع. (والثاني) ليس له ذلك لأنه لا يمنع الوطئ، وله منعها من السكر وإن كانت ذمية لأنه يمنع الاستمتاع بها ويزيل عقلها ولا يأمن أن تجني عليه فأما شرب ما لا يسكر فله منع المسلمة منه لانهما يعتقدان تحريمه، وليس له منع الذمية منه نص عليه أحمد لأنها تعتقد إباحته في دينها، وله إجبارها على غسل فيها منه لما فيه من الرائحة الكريهة فهو كالثوم، وهكذا الحكم لو تزوج مسلمة تعتقد حل يسير النبيذ ومذهب الشافعي على نحو من هذا كله. * (فصل) * قال الشيخ رضي الله عنه (ولها عليه أن يبيت عندها ليلة من كل أربع ليال إن كانت حرة) وجملة ذلك أن قسم الابتداء واجب ومعناه أنه إذا كانت له امرأة حرة لزمه المبيت عندها ليلة من كل أربع ليال ما لم يكن له عذر، وإن كان له نساء فلكل واحدة منهن ليلة من كل أربع، وبه قال الثوري وأبو ثور، وقال القاضي في المجرد لا يجب قسم الابتداء إلا إن كان بترك الوطئ مضرة فإن كان تركه غير مضر لم يلزمه قسم ولا وطئ لأن أحمد قال إذا وصل الرجل الى امرأته مرة بطل أن يكون عنينا أي لا يؤجل. وقال الشافعي لا يجب قسم الابتداء بحال لأن القسم لحقه فلم يجب عليه

ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو بن العاص " يا عبد الله ألم أخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل "؟ قلت بلى يا رسول الله قال فلا تفعل " صم وأفطر وقم ونم فإن لجسدك عليك حقاً وإن لعينك عليك حقا وإن لزوجك عليك حقاً " متفق عليه فأخبر أن للمرأة عليه حقاً وقد روى الشعبي أن كعب بن سوار كان جالساً عند عمر بن الخطاب فجاءت امرأة فقالت يا أمير المؤمنين ما رأيت رجلاً قط أفضل من زوجي والله أنه ليبيت ليله قائماً ويظل نهاره صائماً فاستغفر لها وأثنى عليها واستحيت المرأة وقامت راجعة فقال كعب يا أمير المؤمنين هلا أعديت المرأة على زوجها فجاء فقال لكعب اقض بينهما فإنك فهمت من أمرهما ما لم أفهم قال فإني أرى أنها امرأة عليها ثلاث نسوة وهي رابعتهن فأقضي له بثلاثة أيام ولياليهن يتعبد فيهن ولها يوم وليلة فقال عمر والله ما رأيك الأول بأعجب إلي من الآخر اذهب فأنت قاض على البصرة روى ذلك عن عمر بن شبة في كتاب قضاة البصرة من وجوه هذا أحدهما وفي لفظ قال عمر نعم القاضي أنت، وهذه قضية اشتهرت فلم تنكر فكانت إجماعاً ولأنه لو لم يكن حقا للمرأة لملك الزوج تخصيص إحدى زوجاته كالزيادة في النفقة على قدر الواجب. * (مسألة) * (وإن كانت أمة فمن ثمال ليال ليلة) هذا اختيار شيخنا قال أصحابنا من كل سبع لأن أكثر ما يمكن أن يجمع معها ثلاث حرائر ولها

مسألة: وإن كانت أمة فمن ثمان ليال ليلة

السابعة والاولى أولى ليكون على النصف مما للحرة فإن حق الحرة من كل ثمان ليلتان ولو كان للأمة ليلة من سبع لزاد على النصف ولم يكن للحرة ليلتان وللأمة ليلة ولأنه إذا كان تحته ثلاث حرائر وأمة فلم يرد أن يزيدهن على الواجب لهن فقسم بينهن سبعا فماذا نصنع في الليلة الثامنة إن أوجبنا عليه مبيتها عند حرة فقد زادها على ما يجب لها وإن باتها عند الأمة جعلها كالحرة ولا سبيل إليه وعلى ما اختاره شيخنا تكون هذه الليلة الثامنة له إن أحب انفرد فيها وإن أحب بات عند الأولى مستأنفاً للقسم وإن كان عنده حرة وأمة قسم لهن ثلاث ليال من ثمان وله الانفراد في خمس وإن كان تحته حرتان وأمة فلهن خمس وله ثلاث وإن كان حرتان وأمتان فلهن ست وله ليلتان وإن كانت أمة واحدة فلها ليلة وله سبع وعلى قول الأصحاب لها ليلة وله ست * (مسألة) * (وله الانفراد بنفسه فيما بقي وقد ذكرناه لأنه قد وفاهن حقهن فلم تجب عليه زيادة كما لو وفاهن حقهن من النفقة والكسوة والسكن) * (مسألة) * (وعليه أن يطأ في كل أربعة أشهر مرة)

مسألة: وله الانفراد بنفسه فيما بقي وقد ذكرناه لأنه قد وفاهن حقهن فلم تجب عليه زيادة كما لو وفاهن حقهن من النفقة والكسوة والسكن

الوطئ واجب على الرجل إذا لم يكن عذر وبه قال مالك وقال القاضي لا يجب إلا أن يتركه للاضرار وقال الشافعي لا يجب عليه لأنه حق له فلا يجب عليه كسائر حقوقه) ولنا ما تقدم في المسألة المتقدمة في أول الفصل ولأن في بعض الروايات حديث كعب حين قضى بين الرجل وامرأته قال إن لها عليك حقا بابعل تصيبها في أربع لمن عدل فأعطها ذاك ودع عنك العلل فاستحسن عمر قضاءه ورضيه ولأنه حق يجب بالاتفاق إذا حلف على تركه فيجب قبل أن يحلف كسائر الحقوق الواجبة يحقق هذا أنه لو لم يكن واجباً لم يصر باليمين على تركه واجبا كسائر مالا يجب ولأن النكاح شرع لمصلحة الزوجين ودفع الضرر عنهما وهو مفض إلى رفع ضرر الشهوة عن المرأة كالضائه الى رفع ذلك عن الرجل فيجب تعليله بذلك ويكونء الوط حقاً لهما جميعاً ولأنه لو لم يكن لهما فيه حق لما وجب استئذانها في العزل كالامة (فصل) ويجب في كل أربعة أشهر مرة نص عليه أحمد ووجه أن الله تعالى قدره باربعة أشهر في حق المولي فكذلك في حق غيره لأن اليمين لا توجب ما حلف على تركه فيدل على أنه واجب بدونها * (مسألة) * (فإن سافر عنها أكثر من ستة أشهر فطلبت قدومه لزمه ذلك إن لم يكن له عذر) وجملة ذلك أنه إذا سافر عن امرأته لعذر وحاجة سقط حقها من القسم والوطئ وإن طال سفره ولذلك لا يفسخ نكاح المفقود إذا ترك لامرأته نفقة وإن لم يكن له عذر مانع من الرجوع فإن أحمد

مسألة: فإن سافر عنها أكثر من ستة أشهر فطلبت قدومه لزمه ذلك إن لم يكن له عذر

رحمه الله ذهب الى توقيته بستة أشهر فإنه قيل له كم يغيب الرجل عن زوجته؟ قال ستة أشهر يكتب إليه فإن أبى أن يرجع فرق الحاكم بينهما وإنما صار الى تقديره بهذا لحديث عمر، رواه أبو حفص بإسناده عن زيد بن أسلم قال بينما عمر بن الخطاب يحرس بالمدينه فمر بامرأة وهي تقول: تطاول هذا الليل واسود جانبه * وطال على أن لا خليل ألاعبه ووالله لولا خشية الله وحده * لحرك من هذا السرير جوانبه فسأل عنها عمر فقيل له هذه فلانة زوجها غائب في سبيل الله فأرسل إليها امرأة تكون معها وبعث الى زوجها فأقفله ثم دخل على حفصة فقال يا بنية كم تصبر المرأة عن زوجها؟ فقالت سبحان الله مثلك يسأل مثلي عن هذا فقال لولا أني أريد النظر للمسلمين ما سألتك قالت خمسة أشهر أو ستة أشهر فوقت للناس في مغازيهم ستة أشهر يسيرون شهرا ويقيمون أربعة ويسيرون شهراً راجعين وسئل أحمد كم للرجل يغيب عن أهله؟ قال يروى ستة أشهر وقد يغيب الرجل أكثر من ذلك لأمر لا بد له * (مسألة) * (فإن أتى شيئاً من ذلك لم يكن ثم عذر فطلبت الفرقة فرق بينهما) قال أحمد في رواية ابن منصور في رجل تزوج امرأة ولم يدخل بها يقول غداً أدخل بها إلى شهر يجبر على الدخول قال أذهب الى أربعة أشهر إن دخل بها وإلا فرق بينهما فجعله أحمد كالمولي وقال أبو بكر بن جعفر لم يرو مسألة بن منصور غيره وفيها نظر وظاهر قول أصحابنا أنه لا يفرق بينهما لذلك

مسألة: فإن أتى شيئا من ذلك ولم يكن ثم عذر فطلبت الفرقة فرق بينهما

وهو قول أكثر الفقهاء لأنه لو ضربت له المدة لذلك وفرق بينهما لم يكن للأيلاء أثر ولا خلاف في اعتباره وقال بعض أصحابنا أن غاب أكثر من ذلك لغير عذر يراسله الحاكم فإن أبى أن يقدم فسخ نكاحه، وروي ذلك عن أحمد ومن قال لا يفسخ نكاحه إذا ترك الوطئ وهو حاضر فههنا أولى وفي جميع ذلك لا يجوز الفسخ عند من يراه إلا بحكم الحاكم لأنه مختلف فيه، وعن أحمد ما يدل على أن الوطئ غير واجب فيكون هذا كله غير واجب لأنه حق له فلم يجبر عليه كسائر حقوقه وهذا مذهب والأول أولى لما ذكرنا (فصل) سئل أحمد يؤجر الرجل أن يأتي أهله وليس له شهوة قال له إي والله يحتسب الولد فإن لم يرد الولد يقول هذه المرأة شابة لم لا يؤجر؟ وهذا صحيح وإن أبا ذر روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " مباضعتك أهلك صدقة " قلت يا رسول الله أنصيب شهوتنا ونؤجر؟ قال " أرأيت لو وضعه في غير حقه؟ ما كان عليه وزر " قال بلى قال " أفتحتسبون بالسيئة ولا تحتسبون بالخير؟ " ولانه وسيلة الى الولد وإعفاف نفسه وامرأته وغض بصره وسكون نفسه أو الى بعض ذلك * (مسألة) * (ويستحب أن يقول عند الجماع بسم الله اللهم جنبني الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتني) لقول الله تعالى (وقدموا لأنفسكم) قال عطاء هي التسمية عند الجماع، وروى ابن عباس قال:

مسألة: ويستحب أن يقول عند الجماع بسم الله اللهم جنبني الشيطان وجنب الشياطين ما رزقتني

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لو أن أحدكم حين يأتي أهله قال بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فولد بينهما ولد لم يضره الشيطان أبداً " متفق عليه (فصل) ويكره التجرد عند المجامعة لما روى عتبة بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا أتى أحدكم أهله فليستتر ولا يتجردان تجرد العيرين " رواه ابن ماجه وعن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء غطى رأسه وإذا أتى أهله غطى رأسه ولا يجامع بحيث يراهما أحد أو يسمع حسهما ولا يقبلها ويباشرها عند الناس قال احمد ما يعجبني إلا أن يكتم هذا كله وقال أحمد في الذي يجامع المرأة والأخرى تسمع قال كانوا يكرهون الوجس وهو الصوت الخفي ولا يتحدث بما كان بينه وبين أهله لما روي عن الحسن قال جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الرجال والنساء فأقبل على الرجال فقال " لعل أحدكم يحدث بما يصنع بأهله إذا خلا - ثم أقبل على النساء فقال - لعل إحداكن تحدث بما يصنع بها زوجها قال فقالت امرأة إنهم ليفعلون وإنا لنفعل فقال - لا تفعلوا فإنما مثلكم كمثل الشيطان لقي شيطانة فجامعها والناس ينظرون " وروى أبو داود عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله بمعناه ولا يستقبل القبلة حال الجماع لأن عمرو بن حزم وعطاء كرها ذلك. * (مسألة) * (ولا يكثر الكلام حال الوطئ) لما روى قبيصة بن ذؤيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا تكثروا الكلام عند مجامعة

النساء فإن منه يكون الخرس والفأفاء ولأنه يكره الكلام حالة البول وحال الجماع في معناه ويستحب أن يلاعب امرأته عند الجماع لتنهض شهوتها لتنال من لذة الجماع ما ناله، وقد روى عمر بن العزيز عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا تواقعها إلا وقد أتاها من الشهوة مثل ما أتاك لكيلا تسبقها بالفراغ " قلت وذلك إلي؟ قال " نعم إنك تقبلها وتغمزها وتلمسها فإذا رأيت أنه قد جاءها مثل ما جاءك واقعتها " * (مسألة) * (ولا ينزع إذا فرغ قبلها حتى تفرغ) لما روى أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا جامع الرجل أهله فليقصدها ثم إذا قضى الرجل حاجته فلا يعجلها حتى تقضي حاجتها " ولأن في ذلك ضرراً عليها ومنعاً لها من قضاء شهوتها ويستحب للمرأة أن تتخذ خرقة تناولها الزوج بعد فراغه يتمسح بها فإن عائشة قالت: ينبغي للمرأة إذا كانت عاقلة أن تتخذ خرقة فإذا جامعها زوجها ناولته فمسح عنه ثم تمسح عنها فيصليان في ثوبهما ذلك ما لم تصبه جنابة * (مسألة) * (ولا بأس أن يجمع بين وطئ نسائه وإمائه بغسل واحد) لما روى أنس قال سكبت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فاغتسل من نسائه غسلاً واحداً في ليلة واحدة ولأن حدث الجنابة لا يمنع الوطئ بديل إتمام الجماع ويستحب الوضوء عند معاودة الوطئ نص عليه

مسألة: ولا ينزع إذا فرغ قبلها حتى يفرغ

أحمد قال فإن لم يفعل فأرجو أن لا يكون به بأس ولأن الوضوء يزيده نظافة ونشاطة فاستحب وإن إغتسل بين كل وطئين فهو أفضل فإن أبا رافع روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف على نسائه جميعاً فاغتسل عند كل امرأة منهن غسلا فقلت يا رسول الله لو جعلته غسلا واحدا قال هذا أزكى وأطيب وأطهر رواه الإمام أحمد في المسند وروى هذه الأحاديث التي في آداب الجماع كلها أبو حفص العكبري وروى ابن بطة بإسناده عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا جامع الرجل من أول الليل ثم أراد أن يعود توضأ وضوءه للصلاة " (فصل) وليس للرجل أن يجمع بين امرأتيه في مسكن واحد إلا برضاهما صغيراً كان المسكن أو كبيراً لأن عليهما ضرراً لما بينهما من العداوة والغيرة فاجتماعهما يثير الخصومة والمقابلة وتسمع كل واحدة منهما حسه إذا أتى الأخرى أو ترى ذلك فإن رضيا بذلك جاز لأن الحق لهما فلهما المسامحة بتركه وكذلك إن رضيا بنومه بينهما في لحاف واحد فإن رضيا بأن يجامع إحداهما بحيث ثراه الأخرى لم يجز لأن فيه دناءة وسخفا وسقوط مروءة فلم يجز برضاهما وإن اسكنهما في دار واحدة كل واحدة منهما في بيت جاز إذا كان ذلك سكن مثلهما * (مسألة) * (ولا يجامع إحداهما بحيث تراه الأخرى أو غيرهما لأن فيه دناءة ولا يحدثها بما جرى بينهما ولا يحدث غيرها لما روي من حديث الحسن

(فصل) روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " تعجبون من سعد لأنا أغير منه والله أغير مني " وعن علي رضي الله عنه قال بلغني ان نساءكم يزاحمن العلوج في الأسواق أما تغارون انه لا خير فيمن لا يغار وقال محمد بن علي بن الحسين كان إبراهيم عليه السلام غيوراً وما من امرئ لا يغار إلا منكوس القلب. * (مسألة) * (وله منعها من الخروج من منزلها إلى مالها منه بد سواء ارادت زيارة والديها أو عيادتهما أو حضور جنازة أحدهما) قال أحمد في امرأة لها زوج وأم مريضة طاعة زوجها أوجب عليها من أمها إلا أن يأذن لها وقد روى ابن بطة في احكام النساء عن أنس أن رجلاً سافر ومنع زوجته الخروج فمرض أبوها فاستأذنت رسول الله صلى الله عيله وسلم في عيادة أبيها فقال لها رسول الله عليه وسلم " اتقي الله لا تخالفي زوجك " فأوحى الله إلى النبي صلى الله عليه وسلم " إني قد غفرت لها بطاعة زوجها ولأن طاعة الزوج واجبة والعيادة غير واجبة فلا يجوز ترك واجب لما ليس بواجب ولا يجوز لها الخروج إلا بإذنه * (مسألة) * (فإن مرض بعض محارمها أو مات استحب له أن يأذن لها في الخروج إليه) لما في ذلك من صلة الرحم وفي منعها منه قطيعة الرحم وحمل لزوجته على مخالفته وقد أمر الله تعالى

مسألة: ولا يجامع إحداهما بحيث تراه الأخرى أو غيرهما لأن فيه دناءة ولا يحدثها بما جرى بينهما ولا يحدث غيرها

بالمعاشرة بالمعروف وليس هذا من المعاشرة بالمعروف فإن كانت زوجته ذمية فله منعها من الخروج إلى الكنيسة ولأن ذلك ليس بطاعة ولا نفع فإن كانت مسلمة فقال القاضي له منعها من الخروج إلى المساجد وهو مذهب الشافعي وظاهر الحديث منعه من منعها وهو قوله عليه الصلاة والسلام " لا تمنعوا إماء الله مساجد الله " وروي أن ابن الزبير تزوج عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل فكانت تخرج الى المساجد وكان غيوراً فيقول لها لو صليت في بيتك فتقول لا أزال أخرج أو تمنعني فكره منعها لهذا وقال أحمد في الرجل تكون له المرأة والأمة النصرانية يشتري لها زناراً قال لا بل تخرج هي تشتري لنفسها فقيل له جاريته تعمل الزنانير؟ قال لا (فصل) وليس على المرأة خدمة زوجها في العجن والخبز والطبخ وأشباهه نص عليه أحمد وقال أبو بكر بن أبي شيبة وأبو إسحاق الجوزجاني عليها ذلك واحتجا بقصة علي وفاطمة فإن النبي صلى الله عليه وسلم قضى على ابنته فاطمة بخدمة البيت وعلى على ما كان خارجاً من البيت من عمل رواه الجوزجاني من طرق وقال الجوزجاني وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها " ولو أن رجلاً أمر امرأته أن تنقل من جبل أسود إلى جبل أحمر أو من جبل أحمر إلى جبل أسود كان عليها أن تفعل " ورواه باسناده قال فهذا طاعته فيما لا منفعة فيه

مسألة: فإن مرض بعض محارمها أو مات استحب له أن يأذن لها في الخروج إليه

فكيف بمؤنة معاشة؟ وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر نساءه بخدمته فقال " يا عائشة اسقينا يا عائشة أطعمينا يا عائشة هلمي الشفرة واشحذ بها بحجر " وروي أن فاطمة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكت إليه ما تلقى من الرحى وسألته خادماً يكفيها ذلك ولنا أن المعقود عليه من جهتها الاستمتاع فلا يلزمها غيره كسقي دوابه وحصاد زرعه فأما قسم النبي صلى الله عليه وسلم بين علي وفاطمة فعلى ما يليق بها من الاخلاق المرضية ومجرى العادة لا على سبيل الإيجاب كما قد روي عن أسماء بنت أبي بكر أنها كانت تقوم بغرس الزبير وتلتقط له النوى وتحمله على رأسها ولم يكن ذلك واجباً عليها وكذلك لا يجب على الزوج القيام بمصالح خارج البيت ولا الزيادة على ما يجب لها من النفقة والكسوة ولكن الاولى فعل ما جرت به العادة بقيامها به لأنه العادة ولا تصلح الحال إلا به ولا تنتظم المعيشة بدونه. * (مسألة) * (ولا تملك المرأة اجارة نفسها للرضاع والخدمة بغير إذن زوجها) أما إذا فعلت ذلك بإذنه جاز ولزم العقد لأن الحق لهما لا يخرج عنهما وإن كان بغير إذنه لم يصح لما يتضمن من تفويت حق زوجها وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي ويجوز في الآخر لأنه تناول محلا غير محل النكاح لكن للزوج فسخه لأنه يفوت به الاستمتاع ويختل ولنا أنه عقد يفوت به حق من ينسب له الحق بعقد سابق فلم يصح كإجارة المستأجر فأما إن أجرت

مسألة: ولا تملك المرأة إجازة نفسها للرضاع والخدمة بغير إذن زوجها

المرأة نفسها للرضاع ثم تزوجت صح العقد ولم يملك الزوج فسخ الإجارة ولا منعها من الرضاع حتى تنقضي المدة لأن منافعها ملكت بالعقد السابق على نكاحه فأشبه ما لو اشترى أمة مستأجرة وداراً مشغولة فإن نام الصبي واشتغل بغيرها فللزوج الاستمتاع وليس لولي الصبي منعها وبهذا قال الشافعي وقال مالك ليس له وطؤها إلا برضى الولي لأن ذلك ينفص اللبن ولنا أن وطئ الزوج مستحق بالعقد فلا يسقط بأمر مشكوك فيه كما لو أذن فيه الولي ولأنه يجوز له الوطئ مع إذن الولي فجاز مع عدمه لأنه ليس للولي الاذن فيما يضر بالصبي ويسقط حقوقه * (مسألة) * (وله أن يمنعها من رضاع ولدها إلا أن يضطر إليها ويخشى عليه) وجملته أن للزوج منع امرأته من رضاع ولدها من غيره ومن رضاع ولد غيرها إلا أن يضطر إليها لأن عقد النكاح يقتضي تمليك الزوج الاستمتاع في كل الزمان من كل الجهات سوى أوقات الصلوات والرضاع يفوت عليه الاستمتاع في بعض الأوقات فكان له المنع كالخروج من منزله فان اضطر الولد إليها بأن لا يوجد مرضعة سواها ولا يقبل الولد الارتضاع من غيرها وجب التمكين من إرضاعه لأنها حال ضرورة وحفظ لنفس ولدها فقدم على حق الزوج كتقديم المضطر على المالك إذا لم يكن بالمالك مثل ضرورته.

مسألة: وله أن يمنعها من رضاع ولدها إلا أن يضطر إليها ويخشى عليه

(فصل) فإن أرادت رضاع ولدها منه ففيه وجهان (أحدهما) أن له منعها من رضاعة ولفظ شيخنا في هذا الكتاب يقتضيه بعموم لفظه وهو قول الشافعي ولفظ الخرقي يقتضيه أيضاً لأنه يخل باستمتاعه منها فأشبه ما لو كان الولد من غيره وهذا ظاهر كلام القاضي (والثاني) ليس له منعها ويحتمله كلام الخرقي فإنه قال فإن أرادت رضاع ولدها بأجرة مثلها فهي أحق به من غيرها سواء كانت في حبال الزوج أو مطلقة وهكذا ذكره شيخنا في كتاب نفقة الأقارب في الكتاب المشروح لقول الله تعالى (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين) وهو خبر يراد به الأمر وهو عام في كل واحدة ولا يصح من أصحاب الشافعي حمله على المطلقات لأنه جعل لهن رزقهن وكسوتهن وهم لا يجيزون جعل ذلك أجراً لرضاع ولا غيره وقولنا فط الوجه الأول أنه يخل باستمتاعه قلنا لإيفاء حق عليه وليس ذلك ممتنعاً كما أن قضاء دينه بدفع ماله فيه واجب سيما إذا تعلق به حق الولد في كونه مع أمه وحق الأم في الجمع بينها وبين ولدها وهذا ظاهر كلام ابن أبي موسى * (فصل) * في القسم الأول قال رضي الله عنه (وعلى الرجل أن يساوي بين نسائه في القسم الأول) لا نعلم خلافاً بين أهل العلم في وجوب التسوية بين الزوجات في القسم قال الله تعالى (وعاشروهن بالمعروف) وليس مع الميل معروف وقال سبحانه (فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة) وروى أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من كانت له امرأتان إلى أحديهما جاء يوم القيامة

وشقه مائل " وعن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم بيننا فيعدل ثم يقول " اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما لا أملك " رواهما أبو داود * (مسألة) * (وعماد القسم الليل إلا لمن معيشته بالليل كالحارس) ولا خلاف في هذا وذلك لأن الليل لسكن والإيواء يأوي فيه الإنسان الى منزله ويسكن الى أهله وينام في فراشه مع زوجته عادة والنهار للمعاش والخروج والكسب والاشتغال قال الله تعالى (وجعل الليل سكنا) وقال سبحانه (وجعلنا الليل لباسا وجعلنا النهار معاشا) وقال تعالى (ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله) فعلى هذا يقسم الرجل بين نسائه ليلة ليلة ويكون في النهار في معاشه فيما شاء مما يباح له إلا أن يكون ممن معاشه بالليل كالحارس ومن أشبه فإنه يقسم بين نسائه بالنهار ويكون الليل في حقه كالنهار في حق غيره (فصل) والنهار يدخل في القسم تبعا لليل بدليل ما روي أن سودة وهبت يومها لعائشة متفق عليه وقالت عائشة قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي في يومي وإنما قبض صلى الله عليه وسلم نهاراً ويتبع اليوم الليلة الماضية لأن النهار تابع لليل ولهذا يكون أول الشهر الليل ولو نذر اعتكاف شهر دخل معتكفه قبل غروب شمس الشهر الذي قبله ويخرج منه بعد غروب شمس الشهر الذي قبله ويخرج منه من بعد

مسألة: وعماد القسم الليل إلا لمن معيشته بالليل كالحارس

غروب شمس آخر يوم منه فيبدأ بالليل وإن أحب أن يجعل النهار مضافاً الى الليل الذي يعقبه جاز لأن ذلك لا يتفاوت * (مسألة) * (وليس له البداءة بإحداهن ولا السفر إلا بقرعة) متى كان عنده نسوة لم يجز له أن يبتدئ بواحدة منهن إلا بقرعة لأن البداءة بها تفضيل لها والتسوية واجبة ولأنهن متساويات في الحق ولا يمكن الجمع بينهن فوجب المصير إلى القرعة لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد سفراً أفرع بين نسائه فمن خرجت لها القرعة خرج بها معه متفق عليه فالقرعه في السفر منصوص عليها وابتداء القسم مقيس عليه * (مسألة) * (إذا بات عندها بقرعة أو غيرها لزمه المبيت عند الثانية) لتعين حقها فإن كانتا اثنتين كفاه قرعة واحدة ويصير في الليلة الثانية الى الثانية بغير قرعة لأن حقها متعين فإن كن ثلاثاً أقرع في الليلة الثانية للبداءة باجدى الباقيتين فإن كن أربعاً أقرع في الليلة الثالثة ويصير في الليلة الى الرابعة بغير قرعة ولو أقرع في الليلة الاولى فجعل سهما للأولى وسهما للثانية وسهما للثالثة وسهما للرابعة ثم أخرجها عليهن مرة واحدة جاز وكانت لكل واحدة ما خرج لها * (مسألة) * (وليس عليه التسوية بينهن في الوطئ بل يستحب) ولا نعلم خلافاً بين أهل العلم في أنه لا تجب التسوية بين النساء في الجماع وهو مذهب الشافعي وذلك لأن الجماع طريقه الشهوة والميل ولا سبيل إلى التسوية بينهن في ذلك فإن قلبه قد يميل الى

مسألة: وليس له البداءة بإحداهن ولا السفر إلا بقرعة

إحداهما دون الأخرى قال الله تعالى (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم) قال عبيدة السلماني في الحب والجماع وإن أمكنت التسوية بينهما في الجماع كان أحسن وأولى فانه أبلغ في العدل وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقسم بينهن فيعدل ثم يقول " اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما لا أملك " وروي أنه كان يسوي بينهن حتى في القبلة ولا تجب التسوية بينهن في الاستمتاع بما دون الفرج من القبلة واللمس ونحوهما لأنه إذا لم تجب التسوية في الجماع ففي دواعيه أولى (فصل) وليس عليه التسوية بين نسائه في النفقة والكسوة إذا قام بالواجب لكل واحدة منهن قال أحمد في الرجل له امرأتان له ان يفضل إحداهما على الأخرى في النفقة والشهوات والسكنى إذا كانت الاخرى في كفاية ويشتري لهذه أرفع من ثوب هذه وتكون تلك في كفاية وهذا لأن التسوية في هذا كله تشق فلو وجبت لم يمكنه القيام بها إلا بحرج فسقط وجوبها كالتسوية في الوطئ * (مسألة) * (ويقسم لزوجته الأمة ليلة وللحرة ليلتين وإن كانت كتابية) وبهذا قال علي بن أبي طالب وسعيد بن المسيب ومسروق والشافعي واسحاق وأبو عبيد وذكر أبو عبيد أنه مذهب الثوري والاوزاعي واهل الرأي وقال مالك في إحدى الروايتين عنه يسوي بين الحرة والأمة في القسم لأنهما سواء في حقوق النكاح من النفقة والسكنى وقسم الابتداء فكذلك هذا ولنا ما روى عن علي رضي الله عنه أنه كان يقول إذا تزوج الحرة على الأمة قسم للأمة ليلة وللحرة

مسألة: وليس عليه التسوية بينهن في الوطء بل يستحب

ليلتين رواه الدارقطني واحتج به أحمد ولأن الحرة يجب تسليمها ليلا ونهارا فكان حظها الإيواء ويخالف النفقة والسكنى فانه مقدر بالحاجة وحاجتها كحاجة الحرة وأما قسم الابتداء فإنما شرع ليزول الاحتشام من كل واحد منهما من صاحبه ولا يختلفان في ذلك وفي مسئلتنا يقسم لهما ليتساوى حظهما (فصل) والمسلمة والكتابية سواء في القسم فلو كان له امرأتان أمة مسلمة وحرة كتابية قسم للأمة ليلة وللحرة ليلتين وإن كانتا جميعاً حرتين فليلة وليلة قال إبن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن القسم بين المسلمة والذمية سواء كذلك قال سعيد بن المسيب والحسن والشعي والنخعي والزهري والحكم وحماد ومالك والثوري والاوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي وذلك لأن القسم من حقوق الزوجية فاستوت فيه المسلمة والكتابية كالنفقة والسكنى ويفارق الأمة لأن الأمة لا يتم تسليمها ولا يحتمل لها الايواء التام بخلاف الكتابية (فصل) فإن أعتقت الأمة في ابتداء مدتها أضاف الى ليلتها ليلة أخرى لتساوي الحرة وإن كان بعد انقضاء مدتها استؤنف القسم متساوياً ولم يقض لها ما مضى لأن الحرية حصلت لها بعد استيفاء حقها وإن عتقت قسم للحرة ليلة لم يزدها على ذلك لأنهما تساويا فسوى بينهما (فصل) والحق في القسم للامة دون سيدها فلها أن تهب ليلتها لزوجها ولبعض ضرائرها كالحرة وليس لسيدها الاعتراض عليها ولا أن يهبه دونها لان الابواء والسكن حق لها دون سيدها فملكت

مسألة: ويقسم لزوجته الأمة ليلة وللحرة ليلتين وإن كانت كتابية

اسقاطه، وذكر القاضي أن قياس قول أحمد أنه يستأذن سيد الأمة في العزل عنها أن لا يجوز هبتها لحقها من القسم إلا باذنه، وهذا لا يصح لأن الوطئ لا يتناوله القسم فلم يكن للمولى فيه حق ولأن المطالبة بالفيئة للأمة دون سيدها وفسخ النكاح بالجب والعنة لها دون سيدها فلا وجه لإثبات الحق له ههنا (فصل) ويقسم المريض والمجبوب والعنين والخصي وبذلك قال الثوري والشافعي وأصحاب الرأي لأن القسم للأنس وذلك حاصل ممن لا توطأ وقد روت عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان في مرضه جعل يدور على نسائه ويقول " أين أنا غداً أين أنا غداً " رواه البخاري، فإن شق عليه ذلك استأذنهن في الكون عند إحداهن كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، قالت عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى النساء فاجتمعن قال " إني لا أستطيع أن أدور بينكن فإن رأيتن أن تأذن لي فأكون عند عائشة فعلتن " فأذن له رواه أبو داود. فإن لم يأذن له أقام عند احداهن بالقرعة أو اعتزلهن جميعاً إن أحب، فإن كان الزوج مجنونا لا يخاف منه طاف به الولى عليهن وإن كان يخاف منه فلا قسم عليه لأنه لا يحصل منه أنس ولا فائدة فإن لم يعدل الولي في القسم بينهن ثم أفاق المجنون فعليه أن يقضي للمظلومة لأنه حق ثبت في ذمة فلزمه إيفاؤه حال الافاقة كالمال * (مسألة) * (ويقسم للحائض والنفساء والمريضة والمعيبة والمحرمة والصغيرة الممكن وطؤها وكلهن

سواء في القسم) وبذلك قال مالك والشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم عن غيرهم خلافهم وكذلك التي ظاهر منها لأن القصد الايواء والسكن والأنس وهو حاصل لهن، فأما المجنونة فإن كانت لا يخاف منها فهي كالعاقلة، وإن خاف منها فلا قسم لها لأنه لا يأمنها على نفسه ولا يحصل لها أنس ولا بها * (مسألة) * (فان دخل في ليلتها الى غيرها لم يجز إلا لحاجة داعية فإن لم يلبث لم يقض وإن لبث أو جامع لزمه أن يقضي لها ذلك من حق الأخرى) وجملة ذلك أنه إذا دخل في زمنها الى ضرتها فإن كان ليلاً لم يجز إلا لضرورة مثل أن يكون منزولاً بها فيريد أن يحضرها أو توصي إليه أو ما لابد منه فإن فعل ولم يلبث أن خرج لم يقض وإن أقام وبرأت المرأة المريضة قضى للأخرى من ليلتها بقدر ما أقام عندها، وإن دخل لحاجة غير ضرورية أثم والحكم في القضاء كما لو دخل لضرورة لأنه لا فائدة في قضاء اليسير، وإن دخل عليها فجامعها في الزمن اليسير ففيه وجهان (أحدهما) لا يلزمه قضاؤه لان الوطئ لا يستحق في القسم والزمن اليسير لا يقضى (والثاني) يلزمه أن يقضيه وهو أن يدخل على المظلومة في ليلة المجامعة فيجامعها ليعدل بينهما وهذا هو الصحيح لأن اليسير مع الجماع أشق على ضرتها وأغبط لها من الكثير من غير جماع فكان وجوب قضائه أولى، فإما الدخول الى المرأة في يوم غيرها في النهار فيجوز للحاجة من دفع النفقة أو عيادة أو سؤال عن أمر يحتاج إلى معرفته أو زيارتها لعبد عهده بها فيجوز لذلك ولما روت عائشة قالت كان

مسألة: ويقسم للحائض والنفساء والمريضة والمعيبة والمحرمة والصغيرة الممكن وطؤها وكلهن سواء في القسم

رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل علي في يوم غيري فينال مني كل شئ إلا الجماع، وإذا دخل عليها لم يجامعها ولم يطل عندها لأن السكن يحصل بذلك وهي لا تستحقه، وفي الاستمتاع منها بما دون الفرج وجهان (أحدهما) يجوز لحديث عائشة (والثاني) لا يجوز لأنه يحصل به السكن فأشبه الجماع فإن أطال المقام عندها قضاه وإن جامعها في الزمن اليسير ففيه وجهان على ما ذكرنا ومذهب الشافعي على نحو ما ذكرنا إلا أنه لا يقضي إذا جامع في النهار. ولنا أنه زمن يقضيه إذا طال المقام فيقضيه إذا جامع كالليل (فصل) فإن خرج من عند بعض نسائه في زمانها فان كان في النهار أو أول الليل أو آخره الذي جرت العادة بالانتشار فيه والخروج الى الصلاة جاز فإن المسلمين يخرجون لصلاة العشاء ولصلاة الفجر قبل طلوعه، وأما النهار فهو للمعاش والانتشار، وإن خرج في غير ذلك ولم يلبث أن عاد لم يقض لها لأنه لا فائدة في قضاء ذلك وإن أقام قضاه لها سواء كانت إقامته لعذر من شغل أو حبس أو لغير عذر لأن حقها قد فات بغيبته عنها، وإن أحب أن يجعل قضاءه لذلك غيبته عن الأخرى مثل ما غاب عن هذه جاز لأن التسوية تحصل بذلك ولأنه إذا جاز له ترك الليلة بكمالها في حق كل واحدة منهما فبعضها أولى، ويستحب أن يقضي لها في مثل ذلك الوقت لأنه أبلغ في المماثلة والقضاء يعتبر فيه المماثلة كقضاء العبادات والحقوق، وإن قضاه من غيره من الليل مثل أن فاته في أول الليل فقضاه في

آخره أو بالعكس جاز في أحد الوجهين لأنه قد قضى بقدر ما فاته من الليل والآخر لا يجوز لعدم المماثلة. إذا ثبت هذا فإنه لا يمكن قضاؤه كله من ليلة الأخرى لئلا يفوت حق الأخرى فيحتاج الى قضاء، ولكن إما أن ينفرد بنفسه في ليلة فيقضي منها وأما أن يقسم ليلة بينهن ويفضل هذه بقدر ما فات من حقها وله أن يترك من ليلة كل واحدة مثل ما فات من ليلة هذه، وأما أن يقسم المتروك بينهما مثل أن يترك من ليلة احداهما ساعتين فيقضي لها من ليلة الأخرى ساعة فيصير الفائت على كل واحدة منهما ساعة (فصل) والأولى أن يكون لكل واحدة من نسائه مسكن يأتيها فيه لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقسم هكذا ولأنه أصون لهن واستر حتى لا يخرجن من بيوتهن، فإن اتخذ لنفسه منزلاً يدعو إليه كل واحدة منهن في ليلتها ويومها جاز ذلك لأن الرجل ينقل زوجته حيث شاء ومن امتنعت منهن من إجابته سقط حقها من القسم لنشوزها، وإن اختار أن يقصد بعضهن في منازلهن ويستدعي البعض كان له ذلك لأن له أن يسكن كل واحدة منهن حيث شاء، وإن حبس الزوج فأحب القسم بين نسائه بأن يستدعي كل واحدة في ليلتها فعليهن طاعته إن كان ذلك سكنى مثلهن وإن لم يكن لم يلزمهن إجابته لأن عليهن في ذلك ضرراً، وإن أطعنه لم يكن له أن يترك العدل بينهن ولا استدعاء بعضهن دون بعض كما في غير الحبس (فصل) ويقسم بين نسائه ليلة ليلة فإن أحب الزيادة على ذلك لم يجز إلا برضاهن، وقال القاضي

له أن يقسم ليلة ليلة وليلتين ليلتين وثلاثا ثلاثا ولا تجوز الزيادة على ذلك إلا برضاهن، والأولى مع هذه ليلة وهذه ليلة لأنه أقرب لعهدهن به، ويجوز الثلاث لأنها في حد القلة فهي كالليلة وهذا مذهب الشافعي ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قسم ليلة ليلة ولأن التسوية واجبة وإنما جوزنا البداية بواحدة لتعذر الجمع فإذا بات عند إحداهن ليلة بقيت الليلة الثانية حقاً للأخرى فلم يجز جعلها للأولى بغير رضاها ولانه تأخير لحقوق بعضهن فلم يجز بغير رضاهن كالزيادة على الثلاث ولأنه إذا كان له أربع نسوة فجعل لكل واحدة ثلاثا حصل تأخير الأخيرة في تسع ليال وذلك كثير فلم يجز كما لو كان له امرأتان فأراد أن يجعل لكل واحدة تسعا ولأن للتأخير عليها ضرر فان لم يفعل فلا يجوز مع إمكان التعجيل بغير رضا المستحق كتأخير الدين الحال، والتحديد بالثلاث تحكم لا يسمع من غير دليل وكونه في حد القلة لا يوجب جواز تأخير الحق كالديون الحالة وسائر الحقوق (فصل) فإن كانت امرأتاه في بلدين فعليه العدل بينهما لأنه اختار المباعدة بينهما فلا يسقط حقهما عنه بذلك فإما أن يمضي الى الغائبة في أيامها وإما أن يقدمها إليه فيجمع بينهما في بلد واحد فإن امتنعت من القدوم مع الامكان سقط حقها لنشوزها، وإن أحب القسم بينهما في بلديهما لم يمكن

أن يقسم ليلة وليلة فيجعل المدة بحسب ما يمكن كشهر وشهر أو أكثر أو أقل على حسب ما يمكنه وعلى حسب تقارب البلدين وتباعدهما (فصل) فإن قسم ثم جاء ليقسم للثانية فأغلقت الباب دونه أو منعته من الاستمتاع بها أو قالت لا تدخل علي ولا تبيت عندي أو ادعت الطلاق سقط حقها من القسم فإن عادت بعد ذلك إلى المطاوعة استأنف القسم بينهما ولم يقض للناشز لأنها اسقطت حق نفسها، فإن كان له أربع نسوة فأقام عند ثلاث منهن ثلاثين ليلة لزمه أن يقيم عند الرابعة عشراً لتساويهن فإن نشزت إحداهن عليه وظلم واحدة فلم يقسم لها ثلاثا وللناشز ليلة خمسة أدوار فيكمل للمظلومة خمس عشرة ليلة ويحصل للناشز خمسة ثم يستأنف القسم بين الجميع، فإن كان له ثلاث نسوة فقسم بين اثنتين ثلاثين ليلة وظلم الثالثة ثم تزوج جديدة ثم أراد أن يقضي للمظلومة فانه يخص الجديدة بسبع إن كانت بكراً وثلاث إن كانت ثيبا ثم يقسم بينها وبين المظلومة خمسة أدوار على ما قدمنا للمظلومة من كل دور ثلاثا وواحدة للجديدة * (مسألة) * (وإن أراد النقلة من بلد إلى بلد وأخذ إحداهن معه والأخرى مع غيره لم يجز إلا بقرعة) وجملة ذلك أن الزوج إذا أراد الانتقال بنسائه الى بلد آخر فأمكنه استصحاب الكل في سفره فعل وليس له إفراد إحداهن به لأن هذا السفر لا يختص بواحدة بل يحتاج إلى نقل جميعهن، فإن خص

إحداهن قضى للباقيات كالحاضر فان لم يمكنه الجمع أو شق عليه ذلك وبعث بهن جميعاً مع غيره ممن هو محرم لهن جاز ولا يقضي لأحد ولا يحتاج إلى قرعة لأنه سوى بينهن، وإن أراد افراد بعضهن بالسفر معه لم يجز إلا بقرعة فإذا وصل إلى البلد الذي انتقل إليه فأقامت معه فيه قضي للباقيات مدة كونها معه في البلد خاصة لأنه صار مقيماً وانقطع حكم السفر عنه * (مسألة) * (ومتى سافر بها بقرعة لم يقض وإن كان بغير قرعة لزمه القضاء للأخرى) وجملة ذلك أن الزوج إذا أراد سفراً فأحب حمل نسائه كلهن معه أو تركهن كلهن لم يحتج إلى قرعة، لأن القرعة لتعيين المخصوصة منهن بالسفر وههنا قد سوى، وإن أراد السفر ببعضهن لم يجز له ذلك إلا بقرعة، وهذا قول أكثر أهل العلم. وحكي عن مالك أن له ذلك كن غير قرعة وليس بصحيح فإن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه، متفق عليه ولأن في المسافرة ببعضهن من غير قرعة تفضيلاً لها وميلاً إليها فلم يجز بغير قرعة كالبداية بها في القسم، وإن أحب المسافرة بأكثر من واحدة أقرع أيضاً فقد روت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج أقرع بين نسائه، فصارت القرعة لعائشة وحفصة، رواه البخاري. ومتى سافر بأكثر من واحدة سوى بينهن كما يسوي بينهن في الحضر ولا يلزمه القضاء للحاضرات بعد

مسألة: ومتى سافر بها بقرعة لم يقض وإن كان بغير قرعة لزمه القضاء للأخرى

قدومه، وهذا قول أكثر أهل العلم. وحكي عن داود أنه يقضي لقول الله تعالى (فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة) ولنا أن عائشة لم تذكر قضاء في حديثها، ولأن هذه التي سافر بها يلحقها من مشقة السفر بإزاء ما حصل من السكن مثل ما يحصل في الحضر فلو قضى للحاضرات لكان قد مال على المسافرة كل الميل لكن إن كان مسافراً بإحداهن بغير قرعة أثم وقضى للبواقي بعد سفره وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة ومالك لا يقضي لأن قسم الحضر ليس بمثل قسم السفر فيتعذر القضاء. ولنا أنه خص بعضهن بمدة على وجه تلحقه التهمة فيه فلزمه القضاء كما لو كان حاضراً. إذا ثبت هذا فينبغي أن لا يلزمه قضاء المدة وإنما يقضي منها ما أقام منها بمبيت ونحوه فأما زمان السير فلم يحصل لها منه إلا المشقة والتعب فلو جعل للحاضرة في مقابلة ذلك مبيتاً عندها واستمتاعاً بها لمال كل الميل. (فصل) فإن خرجت القرعة لاحداهن لم يجب عليه السفر بها وله تركها والسفر وحده لأن القرعة لا توجب وإنما تعين من تستحق التقديم فإن أراد السفر بغيرها لم يجز لأنها تعينت بالقرعة فلم يجز العدول عنها الى غيرها وإن وهبت حقها من ذلك لغيرها جاز إذا رضي الزوج لأن الحق لها فيجوز هبتها له كما لو وهبت ليلتها في الحضر ولا يجوز بغير رضاه كما لو وهبت ليلتها في الحضر وإن وهبته للزوج أو للجميع جاز، وإن امتنعت من السفر معه سقط حقها إذا رضي الزوج، وإن أبى فله اكراهها على السفر معه لما ذكرنا، وإن رضي بذلك استأنف القرعة بين البواقي، وإن رضي الزوجات

كلهن بسفر واحدة معه من غير قرعة جاز لأن الحق لهن إلا أن لا يرضى الزوج ويريد غير من اتفقن عليها فيصار الى القرعة، ولا فرق في جميع ما ذكرنا بين السفر الطويل والقصير لعموم الخبر والمعنى. وذكر القاضي احتمالا أنه يقضي للبواقي في السفر القصير لأنه في حكم الإقامة وهو وجه لأصحاب الشافعي ولنا أنه سافر بها بقرعة فلم يقض كالطويل ولو كان في حكم الإقامة لم تجز المسافرة بإحداهن دون الأخرى كما لا يحوز إفراد إحداهن بالقسم دون غيرها، ومتى سافر بإحداهن بقرعة ثم بدا له بعد السفر نحو أن يسافر الى القدس ثم يبدو له فيمضي الى مصر فله استصحابها معه لأنه سفر واحد قد أقرع له فإن أقام في بلدة مدة احدى وعشرين صلاة فما دون لم يحتسب عليه بما لأنه في حكم السفر يجري عليه أحكامه وإن زاد على ذلك قضى الجميع مما أقامه لأنه خرج من حكم السفر وإن أجمع على المقام قضى ما أقامه وإن قل لأنه خرج عن حكم السفر ثم إذا خرج بعد ذلك إلى بلد، أو بلدة أخرى لم يقض ما سافره لأنه في حكم السفر الواحد وقر أقرع له * (مسألة) * (وإن امتنعت من السفر معه أو من المبيت عنده أو سافرت بغير اذنه سقط حقها من القسم) لا نعلم خلافاً في ذلك لأنها عاصية له بمنع نفسها منه فسقط حقها كالناشزة * (مسألة) * (وإن أشخصها هو فهي على حقها من ذلك)

مسألة: وإن امتنعت من السفر معه أو من المبيت عنده أو سافرت بغير إذن سقط حقها من القسم

نحو أن يبعثها في حاجته أو يأمرها بالنقلة من بلدها لم يسقط حقها من نفقة ولا قسم لأنها لم تفوت عليه التمكين، ولا فات من جهتها وإنما حصل بتفويته فلم يسقط حقها، كما لو اتلف المشتري المبيع لم يسقط حق البائع من تسليم ثمنه إليه، فعلى هذا يقضي لها بحسب ما أقام عند ضرتها، وإن سافرت معه فهي على حقها منهما جميعاً. * (مسألة) * (وإن سافرت لحاجتها بإذنه فعلى وجهين) إذا سافرت المرأة في حاجتها بإذن زوجها لتجارة لها أو زيارة أو حج تطوع أو عمرة لم يبق لها حق في نفقة ولا قسم في أحد الوجهين، هذا الذي ذكره الخرقي والقاضي، وقال أبو الخطاب فيه وجه آخر انها لا تسقط، وهو قول الشافعي لأنها سافرت بإذنه أشبه ما لو سافرت معه، ووجه الأول أن القسم للأنس والنفقة للتمكين من الاستمتاع، وقد تعذر ذلك بسبب من جهتها فسقط كما لو تعذر ذلك قبل دخوله بها، وفارق ما إذا سافرت معه لأنه لم يتعذر ذلك ويحتمل أن يسقط القسم وجهاً واحداً لأنه لو سافر عنها لسقط قسمها والتعذر من جهته فإذا تعذر من جهتها بسفر كان أولى ويكون في النفقة الوجهان * (مسألة) * (وللمرأة أن تهب حقها من القسم لبعض ضرائرها بإذنه أو له فيجعله لمن شاء منهن) لأن الحق لها وللزوج فإذا رضيت هي والزوج جاز لأن الحق لا يخرج عنهما فإن أبت الموهوبة

مسألة: وإن سافرت لحاجتها بإذنه فعلى وجهين

قبول الهبة لم يكن لها ذلك لأن حق الزوج في الاستمتاع ثابت في كل وقت انما منعته المزاحمة لحق صاحبتها فإذا زالت المزاحمة بهبتها ثبت حقه في الاستمتاع بها وإن كرهت لما لو كانت منفردة، وقد ثبت ان سودة وهبت يومها لعائشة فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم لعائشة يومها ويوم سودة، متفق عليه ونحو ذلك في جميع الزمان وفي بعضه فإن سودة وهبت يومها في جميع زمانها، وروى ابن ماجة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد على صفية بنت حيي في شئ فقالت صفية لعائشة هل لك أن ترضي عني رسول الله صلى الله عليه وسلم ولك يومي؟ فأخذت خماراً مصبوغاً بزعفران فرشته ليفوح ريحه ثم اختمرت به وقعدت إلى جنب النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إليك يا عائشة إنه ليس يومك " قالت ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، فأخبرته بالأمر فرضي عنها إذا ثبت هذا فإن وهبت ليلتها لجميع ضرائرها صار القسم بينهن كما لو طلق الواهبة وإن وهبتها للزوج فله جعلها لمن شاء لأنه لا ضرر على الباقيات في ذلك إن شاء جعله للجميع وإن شاء خص بها واحدة منهن وإن شاء جعل لبعضهن فيها أكثر من بعض، وإن وهبتها لواحدة كفعل سودة جاز ثم إن كانت تلي ليلة الموهوبة والى بينهما، وإن كانت لا تليها لم يجز له الموالاة بينهما إلا برضا الباقيات ويجعلها لها في الوقت الذي كان للواهبة لان الموهوبة قامت مقام الواهبة في ليلتها فلم يجز تغييرها عن موضعها

كما لو كانت باقية للواهبة ولأن في ذلك تأخيراً لحق غيرها وتغييراً لليلتها بغير رضاها فلم يجز، وكذلك الحكم اذا وهبتها الزوج فآثر بها امرأة منهن بعينها، وفيه وجه آخر أنه لا يجوز الموالاة بين الليلتين لعدم الفائدة في التفريق والأول أصح وقد ذكرنا فيه فائدة فلا يجوز اطراحها * (مسألة) * (فمتى رجعت في الهبة عاد حقها ولها ذلك في المستقبل لأنها هبة لم تقبض وليس لها الرجوع فيها مضى) لأنه بمنزلة المقبوض، ولو رجعت في بعض الليل كان على الزوج أن ينتقل إليها فإن لم يعلم حتى أتم الليلة لم يقض لها شيئاً لأن التفريط منها (فصل) فإن بذلت ليلتها بمال لم يصح لأن حقها في كون الزوج عندها وليس ذلك بمال فلا يجوز مقابلته بمال فإذا أخذت عليه مالاً لزمها رده وعليه أن يقضي لها لأنها تركته بشرط العوض ولم يسلم لها فإن كان عوضها غير المال مثل إرضاء زوجها عنها أو غيره جاز لأن عائشة أرضت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صفية وأخذت يومها وأخبرت بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينكره * (مسألة) * (ولا قسم عليه في ملك اليمين وله الاستمتاع بهن كيف شاء) ومن له نساء وإماء فله الدخول على الاماء كيف شاء والاستمتاع بهن إن شاء كالنساء، وإن شاء أقل وإن شاء أكثر، وإن شاء ساوى بين الاماء وإن شاء فضل، وإن شاء استمتع ببعضهن دون بعض، بدليل قول تعالى (فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم) وقد كان للنبي صلى الله عليه وسلم مارية القبطية وريحانة فلم يقسم لهما ولأن الأمة لا حق لها في الاستمتاع ولذلك لا يثبت لها الخيار بجب السيد ولاعنته ولا يضرب لها مدة الإيلاء * (مسألة) * (ويستحب التسوية بينهن لئلا يضر ببعضهن وأن لا يعضلهن إن لم يرد الاستمتاع بهن) إذا احتاجت الأمة الى النكاح وجب عليه إعفافها إما بوطئها أو تزويجها أو بيعها * (فصل) * قال رحمه الله (وإذا تزوج بكراً أقام عندها سبعاً ثم دار، وإن كانت ثيباً أقام عندها ثلاثاً ثم دار) متى تزوج صاحب النسوة امرأة جديدة قطع الدور وأقام عندها سبعاً إن كانت بكراً ولا يقضيها

مسألة: ولا قسم عليه في ملك اليمين وله الاستمتاع بهن كيف شاء

للباقيات، وإن كانت ثيباً أقام عندها ثلاثاً ولا يقضيها إلا أن تشاء هي أن يقيم عندها سبعاً فإنه يقيمها عندها ويقضي الجميع للباقيات. روى ذلك عن أنس وبه قال الشعبي والنخعي ومالك والشافعي وأبو عبيدة وابن المنذر. وروي عن سعيد بن المسيب والحسن وخلاس بن عمرو ونافع مولى ابن عمر: للبكر ثلاث وللثيب ليلتان ونحوه قال الأوزاعي، وقال الحكم وحماد وأصحاب الرأي: لا فضل للجديدة في القسم فإن أقام عندها قضاه للباقيات لأنه فضلها بمدة فوجب قضاؤها كما لو أقام عند الثيب سبعاً. ولنا ما روى أبو قلابة عن أنس قال من السنة إذا تزوج البكر على الثيب أقام عندها سبعاً وقسم، وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثاً ثم قسم، قال ابو قلابة ولو شئت لقلت إن أنساً رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم متفق عليه. وعن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تزوج أم سلمة أقام عندها ثلاثاً وقال " ليس بك على اهلك هو ان إن شئت سبعت لك، وإن سبعت لك سبعت لنسائي " رواه مسلم، وفي لفظ " وإن شئت ثلثت ثم درت " وفي لفظ رواه الدارقطني " إن شئت أقمت ثلاثاً خالصة لك وإن شئت سبعت لك ثم سبعت لنسائي " وهذا يمنع قياسهم ويقدم عليه قال ابن عبد البر الأحاديث المرفوعة في هذا الباب على ما قلناه، وليس مع ما خالفنا حديث مرفوع والحجة مع من أدلى بالسنة. (فصل) والأمة والحرة في هذا سواء ولأصحاب الشافعي في هذا ثلاثة أوجه (أحدها) كقولنا (والثاني) الأمة على النصف من الحرة كسائر القسم (والثالث) للبكر من الاماء أربع وللثيب ليلتان تكميلاً لبعض الليلة. ولنا عموم قوله عليه السلام " للبكر سبع وللثيب ثلاث " ولانه يراد للأنس وإزالة الاحتشام والأمة والحرة سواء في الاحتياج الى ذلك فاستويا فيه كالنفقة

* (مسألة) * (وإن زفت إليه امرأتان قدمت السابقة منهما ثم أقام عند الأخرى ثم دار وإن زفتا معا قدم إحداهما بالقرعة ثم أقام عند الأخرى) يكره أن تزف إليه امرأتان في ليلة واحدة أو في مدة عقد إحداهما لأنه لا يمكنه أن يوفيهما وتستضر التي لا يوفيها حقها، فإن دخلت إحداهما إليه قبل الأخرى بدأ بها فوفهاها حقها ثم عاد فوفى الثانية ثم ابتدأ القسم، وإن زفت الثانية في أثناء مدة العقد أتمه للأولى ثم قضى حق الثانية وإن دخلتا عليه جميعاً في مكان واحد أقرع بينهما وقدم من خرجت لها القرعة منهما ثم وفي للأخرى بعدها (فصل) وإذا كان عنده امرأتان فبات عند احداهما ليلة ثم تزوج ثالثة قبل ليلة الثانية قدم المزفوفة بلياليها لأن حقها آكد لأنه ثبت بالعقد وحق الثانية ثبت بفعله فإذا قضى حق الجديدة بدأ بالثانية فوفاها ليلتها ثم ثبت عند الجديدة ثم يبتدئ انقسم وذكر القاضي أنه إذا وفى الثانية ليلتها بات عند الجديدة نصف ليلة ثم يبتدئ القسم لأن الليلة التي يوفيها الثانية نصفها من حقها ونصفها من حق الأخرى فيثبت للجديدة في مقابلة ذلك نصف ليلة بازاء حصل لكل واحدة من ضرتها وعلى هذا القول يحتاج أن ينفرد بنفسه في نصف ليلة وفيه حرج فإنه ربما لا يجد مكاناً ينفرد فيه أو لا يقدر على الخروج إليه في نصف الليلة أو المجئ منه وفيما ذكرناه من البداية بها بعد الثانية وفاء حقها بدون هذا الحرج فيكون أولى إن شاء الله تعالى * (مسألة) * (وإن أراد السفر فخرجت القرعة لأحداهما سافر بها ودخل حق العقد في قسم السفر فإذا قدم بدأ بالأخرى فوفاها حق العقد) إذا تزوج امرأتين وعزم على السفر أقرع بينهما فسافر بالتي تخرج لها القرعة ويدخل حق العقد في قسم السفر فإذا قدم قضى للثانية حق العقد في أحد الوجهين لأنه حق وجب لها قبل سفره لم يؤده إليها فلزمه قضاؤه كما لو لم يسافر بالأخرى معه (والثاني) لا يقضيه لئلا يكون تفضيلاً لها على التي سافر بها لأنه لا يحصل للمسافرة من الإيواء والسكن والمبيت عندها مثل ما يحصل في الحضر فيكون ميلاً

مسألة: وإن زفت إليه امرأتان قدمت السابقة منهما ثم أقام عند الأخرى ثم دار، وإن زفتا معا قدم إحداهما بالقرعة ثم أقام عند الأخرى

فيتعذر قضاؤه فإن قدم من سفره قبل مضي مدة ينقضي فيها حق عقد الأولى أتمة في الحضر وقضى للحاضرة مثله وجهاً واحداً وفيما زاد الوجهان، ويحتمل في المسألة وجهاً ثالثاً وهو أن يستأنف حق العقد لكل واحدة منهما ولا يحتسب على المسافرة بمدة سفرها كما لا يحتسب به عليها فيما عدا حق العقد وهذا أقرب الى الصواب من إسقاط حق العقد الواجب بالشرع بغير مسقط (فصل) فإن كانت له امرأة فتزوج أخرى وأراد السفر بهما جميعاً قسم للجديدة سبعاً إن كانت بكراً وثلاثاً إن كانت ثيبا ثم يقسم بعد ذلك بينهما وبين القديمة وإن أراد السفر بإحداهما أقرع بينهما فإن خرجت قرعة الجديدة سافرت معه ودخل حق العقد لأنه سافر بعد وجوبه عليه * (مسألة) * (وإن طلق إحدى نسائه في ليلتها أتم لأنه فوت حقها الواجب لها فإن عادت إليه برجعة أو نكاح قضى لها لأنه قدر على إيفاء حقها فلزمه كالمعسر إذا أيسر بالدين * (مسألة) * (وله أن يخرج في نهار ليل القسم لمعاشه وقضاء حقوق الناس) لقوله تعالى (وجعلنا الليل لباسا وجعلنا النهار معاشا) وقال تعالى (وهو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله) أي لتسكنوا في الليل ولتبتغوا من فضله في النهار. وحكم السبعة والثلاثة التي يقيمها عند المزفوفة حكم سائر القسم فيما ذكرنا فإن تعذر عليه المقام عندها ليلاً لشغل أو حبس أو ترك ذلك لغير عذر قضاه لها وله الخروج الى صلاة الجماعة فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يترك الجماعة لذلك ويخرج لما لابد له منه فإن أطال قضاه ولا يقضي اليسير * (فصل في النشوز) * وهو معصيتها إياه فيما يجب عليها من طاعته مأخوذ من النشز وهو الارتفاع فكأنها أرتفعت وتعالت عما وجب عليها من طاعته * (مسألة) * (فمتى ظهرت منها إمارات النشوز بأن لا تحبيبه إلى الاستمتاع أو تحبيبه متبرمة ومتكرهة

مسألة: فمتى ظهرت منها إمارات النشوز بأن لا تجيبه إلى الاستمتاع أو تجيبه متبرمة ومتكرهة وعظها فإن أصرت هجرها في المضجع ما شاء

وعظها فإن أصرت هجرها في المضجع ما شاء، وفي الكلام ما دون ثلاثة أيام فإن أصرت فله أن يضربها ضرباً غير مبرح) متى ظهرت من المرأة امارات النشوز مثل أن تتثاقل وتدافع إذا دعاها ولا تصير إليه إلا بتكره ودمدمة فإنه يعظها فيخوفها الله سبحانه ويذكر ما أوجب الله له عليها من الحق والطاعة وما يلحقها من الاثم بالمخالفة والمعصية وما يسقط بذلك من النفقة والكسوة وما يباح له من هجرها وضربها لقول الله تعالى (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن) فإن أظهرت النشوز وهو أن تعصيه وتمتنع من فراشه او تخرج من منزله بغير إذنه فله أن يهجرها في المضجع ما شاء لقول الله تعالى (واهجروهن في المضاجع) قال ابن عباس لا تضاجعها في فراشك فأما الهجران في الكلام فلا يجوز أكثر من ثلاثة أيام لما روى أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه " لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام " وظاهر كلام الخرقي أنه ليس له ضربها في النشوز في أول مرة وقد روي عن أحمد إن عصت المرأة زوجها فله ضربها ضرباً غير مبرح ظاهر هذا إباحة ضربها لقول الله تعالى (واضربوهن) ولأنها صرحت بالمنع فكان له ضربها كما لو أصرت ولأن عقوبات المعاصي لا تختلف بالتكرار وعدمه كالحدود، ووجه قول الخرقي أن المقصود زجرها عن المعصية في المستقبل وما هذا سبيله يبدأ فيه بالأسهل فالأسهل كمن هجم عليه منزله فأراد إخراجه، وأما قوله (واللاتي تخافون نشوزهن) الآية ففيها اضمار تقديره واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن فإن نشزن فاهجروهن في المضاجع فإن اصررن فاضربوهن كما قال سبحانه (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض) والذي يدل على هذا أنه رتب هذه العقوبات على خوف النشوز ولا خلاف أنه لا يضر بها لخوف النشوز قبل اظهاره وللشافعي قولان كهذين فإذا لم ترتدع بالهجر والوعظ فله ضربها لقول الله تعالى (واضربوهن) وقال النبي صلى الله عليه

وسلم " إن لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه فإن فعلن فاضربوهن ضرباً غير مبرح " رواه مسلم ومعنى غير مبرح أي ليس بالشديد قال الخلال سألت أحمد بن يحيى عن قوله ضرباً غير مبرح قال غير شديد وعليه أن يجتنب الوجه المواضع المخوفة لأن المقصود التأديب لا الإتلاف وقد روى أبو داود عن حكيم بن معاوية القشيري عن أبيه قال قلت يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال " إن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت " وروى عبد الله بن زمعة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد ثم يضاجعها في آخر اليوم " ولا يزيد في ضربها على عشرة أصوات لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يجلد أحد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله " متفق عليه (فصل) وله تأديبها على ترك فرائض الله تعالى وقال في الرجل له امرأة لا تصلي يضربها ضربا رفيقا غير مبرح وقال علي في تفسير قوله تعالى (قوا أنفسكم وأهليكم نارا) قال علموهم أدبوهم وروى الحلال باسناده عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " رحم الله عبداً علق في بيته سوطاً يؤدب أهله " فإن لم تصلي فقد قال أحمد: أخشى أن لا يحل لرجل أن يقيم مع امرأة لا تصلي ولا تغتسل من الجنابة ولا تتعلم القرآن قال أحمد في الرجل يضرب امرأته لا ينبغي لأحد أن يسأله ولا أبوها لم يضربها؟ والأصل في هذا ما روى الأشعث عن عمر أنه قال يا أشعث احفظ عني شيئاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تسألن رجلاً فيما ضرب امرأته " رواه أبو داود لأنه قد يضربها لأجل الفراش فإن أخبر بذلك استحيا وإن أخبر بغيره كذب (فصل) وإن خافت المرأة نشوز زوجها واعراضه عنها لرغبته عنها لمرض بها أو كبر أو دمامة فلا بأس أن تضع عنه بعض حقوقها لتسترضيه بذلك لقوله تعالى (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا) وروي البخاري عن عائشة (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا) قالت هي المرأة تكون عند الرجل لا يستكثر منها فيريد طلاقها ويتزوج عليها تقول له امسكني ولا تطلقني ثم تزوج غيري فأنت في حل من النفقة علي والقسمة لي وعن عائشة أن سودة

بنت زمعة حين أسنت وفرقت أن يفارقها رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت يا رسول الله يومي لعائشة فقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم منها قالت ففي ذلك أنزل الله جل شأنه وفي أشباهها أراه قال (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا) رواه أبو داود ومتى صالحت على ترك شئ من قسمها أو نفقتها أو على ذلك كله جاز فإن رجعت فلها ذلك قال أحمد في الرجل يعيب على امرأته فيقول لها إن رضيت على هذا وإلا فأنت أعلم فتقول قد رضيت فهو جائز فإن شاءت رجعت * (مسألة) * (فإن ادعى كل واحد منهما ظلم صاحبه له اسكنهما الحاكم الى جانب ثقة يشرف عليهما ويلزمهما الانصاف) وجملة ذلك أن الزوجين إذا وقع بينهما شقاق نظر الحاكم فإن كان من المرأة فهو نشوز وقد ذكرناه وإن بان أنه من الرجل اسكنهما الى جنب ثقة يمنعه من الإضرار بها والتعدي عليها وكذلك إن بان من كل واحد منهما تعد او إدعى كل واحد منهما أن الآخر ظلمه اسكنهما الى جنب من يشرف عليهما ويلزمهما الإنصاف لأن ذلك طريق الإنصاف فتعين فعله كالحكم بالحق * (مسألة) * (فإن خرجا إلى الشقاق والعداوة بعث الحاكم حكمين حرين مسلمين عدلين) والأولى أن يكونا من أهلهما للآية بتوكيلهما ورضاهما فيكشفان عن حالهما ويفعلان ما يريانه من جمع بينهما أو تفريق بطلاق أو خلع فما فعلا من ذلك لزمهما والأصل في ذلك قوله سبحانه (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما) * (مسألة) * (فإن امتنعا من ذلك لم يجبرا عليه وعنه إن الزوج إن وكل في الطلاق بعوض أو وكلت المرأة في بذل العوض وإلا جعل الحاكم إليهما ذلك) اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في الحكمين ففي إحدى الروايتين عنه أنهما وكيلان لهما ولا يملكان التفريق إلا باذنهما وهذا مذهب عطاء وأحد قولي الشافعي، وحكي عن الحسن وأبي حنيفة لأن البضع حقه والمال حقها وهما رشيدان فلا يجوز لغيرهما التصرف فيه إلا بوكالة منهما أو ولاية عليهما (والثانية) أنهما حاكمان ولهما أن يفعلا ما يريان من جمع وتفريق بعوض وغير عوض ولا يحتاجان إلى توكيل الزوجين ولا رضاهما، روي نحو ذلك عن علي وابن عباس وأبي سلمة بن عبد الرحمن والشعبي

مسألة: فإن ادعى كل واحد منهما ظلم صاحبه له اسكنهما الحاكم الى جانب ثقة يشرف عليهما ويلزمهما الانصاف

والنخعي وسعيد بن جبير ومالك والاوزاعي وإسحاق وابن المنذر لقول الله تعالى (فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها فسماهما حكمين ولم يعتبر رضى الزوجين ثم قال (إن يريدا إصلاحا) فخاطب الحكمين، بذلك، وروى أبو بكر باسناده عن عبيدة السلماني أن رجلا وامرأة أتيا علياً مع كل واحد منهما فئام من الناس، فقال علي ابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها، فبعثوا حاكمين ثم قال علي للحاكمين هل تدريان ما عليكما، من الحق؟ عليكما، من الحق إن رأيتما أن تجمعا جمعتما وإن رأيتما أن تفرقا فرقتما، فقالت المرأة رضيت بكتاب الله على ولي. فقال الرجل أما الفرقة فلا، فقال علي كذبت حتى ترضى بما رضيت به وهذا يدل على أنه أجبره على ذلك، ويروى أن عقيلاً تزوج فاطمة بنت عقبة فتخاصما فجمعت ثيابها ومضت إلى عثمان فبعث حكماً من أهله عبد الله بن عباس وحكماً من أهلها معاوية، فقال ابن عباس لأفرقن بينهما، وقال معاوية ما كنت لافرق بين شخصين من بني عبد مناف، فلما بلغا الباب كانا قد أغلقا الباب واصطلحا، ولا يمتنع أن تثبت الولاية على الرشيد عند امتناعه من أداء الحق كما يقضى عنه الدين من ماله إذا امتنع ويطلق الحاكم على المولى إذا امتنع (فصل) ولا يكون الحكمان إلا عاقلين بالغين عدلين مسلمين لأن هذه من شروط العدالة سواء قلنا هما حكمان أو وكيلان لأن الوكيل إذا كان متعلقاً بنظر الحاكم لم يجز أن يكون إلا عدلاً كما لو نصب وكيلاً لصبي أو مفلس ويكونان ذكرين لأنه يفتقر الى الرأي والنظر، فقال القاضي ويشترط كونهما حرين وهو مذهب الشافعي لأن العبد عنده لا تقبل شهادته فتكون الحرية من شروط العدالة. قال شيخنا والأولى أن يقال ان كانا وكيلين لم تعتبر الحرية لأن توكيل العبد جائز وإن كانا حاكمين اعتبرت الحرية لأن الحاكم لا يجوز أن يكون عبداً ويعتبر أن يكونا عالمين بالجمع والتفريق لأنهما يتصرفان في ذلك فيعتبر علمهما به والأولى أن يكونا من أهلهما لأمر الله تعالى بذلك ولأنهما أشفق وأعلم بالحال فإن كانا من غير أهلهما جاز لأن القرابة ليست شرطاً في الحكم ولا الوكالة فكان الأمر بذلك إرشاداً واستحباباً، فإن قلنا هما وكيلان فلا يفعلان شيئاً حتى يأذن الرجل لوكيله فيما يراه من طلاق أو صلح أو تأذن المرأة لوكيلها في الخلع والصلح على ما يراه، فإن امتنعا من التوكيل لم يجبرا، وإن قلنا إنهما حكمان فإنهما يمضيان ما يريانه من طلاق وخلع فينفذ حكمهما عليه رضياه أو أبياه

* (مسألة) * (فإن غاب الزوجان أو أحدهما لم ينقطع نظر الحكمين على الرواية الأولى وينقطع على الثانية، وإن جنا انقطع نظرهما على الرواية الأولى ولم ينقطع على الثانية) إذ اغاب الزوجان أو أحدهما بعد بعث الحكمين جاز لهما امضاء رأيهما إن قلنا إنهما وكيلان لأن الوكالة لا تبطل بالغيبة، وإن قلنا إنهما حكمان لم يجز لهما امضاء الحكم لأن كل واحد من الزوجين محكوم له وعليه والقضاء للغائب لا يجوز إلا أن يكونا قد وكلاهما فيفعلان ذلك بحكم الوكيل لا بالحكم، وإن كان أحدهما قد وكل جاز لوكيله فعل ما وكله فيه مع غيبته، وإن جن أحدهما بطل حكم وكيله لأن الوكالة تبطل بجنون الموكل ولا تبطل إذا قلنا انهما حاكمان لأن الحاكم يحكم على المجنون. وذكر شيخنا في كتاب المغني أنه لا يجوز له الحكم أيضاً لأن من شرط ذلك بقاء الشقاق وحضور المتداعيين ولا يتحقق ذلك مع الجنون. (فصل) فإن شرط الحاكمان شرطاً أو شرطه الزوجان لم يلزم مثل أن يشرطا ترك بعض النفقة والقسم لم يلزم الوفاء به لأنه إذا لم يلزم برضى الموكلين فبرضى الوكيلين أولى، وإن أبرأ وكيل المرأة من الصداق أو دين لها لم يبرأ الزوج إلا في الخلع، وإن أبرأ وكيل الزوج من دين له أو من الرجل. إن لم ترض الزوجة لأنهما وكيلان فيما يتعلق بالإصلاح لا في إسقاط الحقوق

مسألة: فإن غاب الزوجان أو أحدهما لم ينقطع نظر الحكمين على الرواية الأولى وينقطع على الثانية، وإن جنا انقطع نظرهما على الرواية الأولى ولم ينقطع على الثانية

* (كتاب الخلع) * * (مسألة) * (وإذا كانت المرأة مبغضة للرجل وتخشى أن لا تقيم حدود الله في حقه فلا بأس أن تفتدي نفسها منه) وجملة ذلك أن المرأة إذا كرهت زوجها لخلقه أو خلقه أو دينه أو كبره أو ضعفه أو نحو ذلك (وخشيت أن لا تؤدي حق الله في طاعته جاز لها أن تخالعه على عوض تفتدي به نفسها منه لقول الله تعالى فان خفتم الا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به) وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى الصبح فوجد حبيبة بنت سهل عند بابه في الغلس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما شأنك؟ " قالت لا أنا ولا ثابت فلما جاء ثابت قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " هذه حبيبة بنت سهل فذكرت ما شاء الله أن تذكر وقالت حبيبة يا رسول الله كلما أعطاني عندي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لثابت ابن قيس " خذ منها " فأخذ منها وجلست في أهلها وهذا حديث صحيح ثابت الإسناد رواه الأئمة مالك واحمد وغيرهما وفي رواية للبخاري قال جاءت امرأة ثابت بن قيس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله ما أنقم على ثابت في دين ولا خلق إلا أني أخاف الكفر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أتردين عليه حديقته؟ " قالت نعم فردتها عليه وأمره ففارقها، وفي رواية فقال له " اقبل الحديقة

كتاب الخلع

وطلقها تطليقة ولأن حاجتها داعية الى فرقته ولا تصل إليها إلا ببذل العوض فأبيح لها ذلك كشراء المتاع وبهذا قال جميع الفقهاء بالشام والحجاز قال ابن عبد البر لا نعلم أحدا خالفه إلا بكر بن عبد الله المزني فإنه لم يجزه وزعم أن آية الخلع منسوخة بقوله سبحانه (وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج) الآية وروي عن بن سيرين وأبي قلابة أنه لا يحل الخلع حتى يجد على بطنها رجلاً لقول الله تعالى (ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) ولنا الآية التي تلونا والخبر ولأنه قول عمر وعثمان وعلي وغيرهم من الصحابة ولم يعرف لهم في عصرهم مخالف فيكون إجماعاً ودعوى النسخ لا تسمع حتى يثبت تعذر الجمع وأن الآية الناسخة متأخرة ولم يثبت شئ من ذلك إذا ثبت هذا فإنه يسمى خلعاً لأن المرأة ننخلع من لباس زوجها قال الله تعالى (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن) ويسمى افتداء لأنها تفتدي نفسها بما تبذله قال الله تعالى (فلا جناح عليهما فيما افتدت به) (فصل) ولا يفتقر الخلع إلى حاكم نص عليه أحمد فقال يجوز الخلع دون السلطان، وروى البخاري ذلك عن عمر وعثمان رضي الله عنهما وبه قال شريح والزهري ومالك والشافعي واسحاق وأصحاب الرأي وعن الحسن وابن سيرين لا يجوز إلا عند السلطان

ولنا قول عمر وعثمان ولانه معاوضة فلم يفتقر إلى السلطان كالبيع والنكاح ولأنه قطع عقد بالتراضي أشبه الاقالة: (فصل) ولا بأس به في الحيض والطهر الذي أصابها لأن المنع من الطلاق في الحيض لأجل الضرر الذي يلحقها بطول العدة والخلع لإزالة الضرر الذي يلحقها بسوء العشرة والمقام مع من تركهه وتبغضه وذلك أعظم من ضرر طول العدة فجاز دفع اعلاهما بأدناهما ولذلك لم يسأل النبي صلى الله عليه وسلم المختلعة عن حالها ولأن ضرر تطويل العدة عليها والخلع بسؤالها فيكون ذلك رضى منها به ودليلاً على رجحان مصلحتها فيه * (مسألة) * (وإن خالعته لغير ذلك كره ووقع الخلع وعنه لا يجوز) أي ان خالعته مع استقامة الحال كره لها ذلك ويصح الخلع في قول أكثر أهل العلم منهم أبو حنيفة والثوري ومالك والاوزاعي والشافعي وعن أحمد ما يدل على تحريمه فإنه قال الخلع مثل حديث سهلة تكره الرجل فتعطيه المهر فهذا الخلع وهذا يدل على أنه لا يكون الخلع صحيحاً إلا في هذه الحال وهذا قول ابن المنذر وداود قال إبن المنذر روي معنى ذلك عن ابن عباس وكثير من أهل العلم وذلك لأن

مسألة: وإن خالعته لغير ذلك كره ووقع الخلع وعنه لا يجوز

الله تعالى قال (ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا الا يقيما حدود الله) وهذا صريح في التحريم إذا لم يخافا الا يقيما حدود الله ثم قال (فإن خفتم الا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به) فدل بمفهومه على أن الجناح لا حق بهما فيما افتدت من غير خوف ثم غلظ بالوعيد فقال (تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون) ، وروى ثوبان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما باس فحرام عليها رائحة الجنة " رواه أبو داود وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " المختلعات والمتبرجات هن المنافقات " رواه أبو حفص وأحمد في المسند وذكره محتجاً به وهذا يدل على تحريم المخالعة من غير حاجة ولأنه اضرار واحتج من أجازه بقوله سبحانه (فإن طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا) قال إبن المنذر لا يلزم من الجواز في غير عقد الجواز في المعاوضة بدليل الربا حرمه الله في العقد وأجازه في الهبة قال شيخنا والحجة مع من حرمه وخصوص الآية في التحريم يجب تقديمها في عموم آية الجواز مع ما عضدها من الأخبار * (مسألة) * (فأما إن عضلها لتفدي نفسها منه ففعلت فالخلع باطل والعوض مردود والزوجية بحالها إلا أن يكون طلاقاً فيكون رجعياً) يعني بعضلها مضاراً بها بالضرب والتضييق عليها أو منعها حقوقها من النفقة والقسم ونحو ذلك لتفدي نفسها فإن فعلت فالخلع باطل والعوض مردود روي نحو ذلك عن ابن عباس وعطاء ومجاهد والشعبي

مسألة: فأما إن عضلها لتفدي نفسها منه ففعلت فالخلع باطل والعوض مردود والزوجية بحالها إلا أن يكون طلاقا فيكون رجعيا

والقاسم بن محمد وعروة وعمرو بن شعيب وحميد بن عبد الرحمن والزهري وبه قال مالك والنخعي والثوري والشافعي واسحاق وقال أبو حنيفة العقد صحيح والعوض لازم وهو آثم عاص ولنا قول الله تعالى (لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن) ولانه عوض أكرهت على بذله بغير حق فلم يستحق كالثمن في البيع والأجر في الإجارة وإذا لم يملك العوض وقلنا الخلع طلاق ووقع الطلاق بغير عوض فإن كان أقل من ثلاث فله رجعتها لأن الرجعة إنما سقطت بالعوض فإذا سقط العوض ثبتت الرجعة. وان قلنان هو فسخ ولم ينوبه الطلاق لم يقع شئ لأن الخلع بغير عوض لا يقع على إحدى الروايتين، وعلى الرواية الأخرى إنما رضي بالفسخ ههنا بالعوض فإذا لم يحصل العوض فقال مالك إن أخذ منها شيئاً على هذا الوجه رده ومضى الخلع عليه ويتخرج لنا مثل لك إذا قلنا يصح الخلع بغير عوض فأما إن ضربها على نشوزها أو منعها حقها لم يحرم خلعها لذلك لان لك لا يمنعهما أن لا يخافا الا يقيما حدود الله وفي بعض حديث حبيبة أنها كانت تحت ثابت بن قيس ضربها فكسر ضلعها فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فدعى النبي صلى الله عليه وسلم ثابتاً فقال " خذ بعض مالها وفارقها " فعل رواه أبو داود وهكذا لو ضربها ظلماً لسوء خلقه أو غيره لا يريد بذلك أن تفتدي نفسها لم يحرم عليه مخالعتها لأنه لم يعضلها ليذهب ببعض الذي آتاها ولكن عليه اثم الظلم (فصل) فإن أتت بفاحشة فعضلها لتفتدي نفسها منه ففعلت صح الخلع لقول الله تعالى (ولا تعضلوهن

لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) والاستثناء من النهي اباحة ولانها متى زنت لم يأمن أن تلحق به ولداً من غيره وتفسد فراشه فلا تقيم حدود الله في حقه فتدخل في قول الله تعالى (فإن خفتم الا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به) وهذا أحد قولي الشافعي والقول الآخر لا يجوز لأنه عوض أكرهت عليه أشبه ما لو لم تزن والعمل بالنص أولى * (مسألة) * ويصح الخلع من كل زوج يصح طلاقه مسلما كان أو ذميا لأنه إذا ملك الطلاق وهو مجرد إسقاط من غير تحصيل شئ فلأن يملكه محصلاً للعوض أولى * (مسألة) * فإن كان محجوراً عليه دفع المال إلى وليه لأن ولي المحجور عليه هو الذي يقبض حقوقه وأمواله وهذا من حقوقه * (مسألة) * (وإن كان عبداً دفع إلى سيده لأنه للسيد لكونه من اكتساب عبده واكتسابه له) وإن كان مكاتبا دفع العوض إليه لأنه يملك اكتسابه وهو الذي يتصرف لنفسه، وقال القاضي يصح القبض من كل من يصح خلعه فعلى قوله يصح قبض العبد والمحجور عليه لأن من صح خلعه صح قبضه للعوض كالمحجور عليه لفلس واحتج بقول أحمد ما ملكه العبد من خلع فهو لسيده وإن استهلكه لم يرجع على الواهب والمختلعة بشئ والمحجور عليه في معنى العبد والأولى أنه لا يجوز لأن العوض في

مسألة: فإن كان محجورا عليه دفع المال إلى وليه لأن ولي المحجور عليه هو الذي يقبض حقوقه وأمواله وهذا من حقوقه

الخلع لسيد العبد فلا يجوز دفعة الى غير من هو له من غير إذن مالكه والعوض في خلع المحجور عليه ملك له إلا أنه لا يجوز تسليمه إليه لأن الحجر أفاد منعه من التصرف وكلام أحمد محمول على ما أتلفه العقد قبل تسليمه على أن عدم الرجوع عليها لا يلزم منه جواز الدفع إليه فانه لو رجع عليها لرجعت على العبد وتعلق حقها برقبته وهي ملك لسيد فلا فائدة في الرجوع عليها بما يرجع به فيما له وإن سلمت العوض الى المحجور عليه لم يبرأ فإن أخذه الولي منه برئت وإن أتلفه أو تلف كان لوليه الرجوع عليها به * (مسألة) * وهل للأب خلع ابنته الصغير أو طلاقها؟ على روايتين) (إحداهما) له ذلك قال أحمد في رجلين زوج أحدهما ابنه بابنة الآخر وهما صغيران ثم إن الأبوين كرها هل لهما أن يفسخا؟ قال قد اختلف في ذلك وكأنه رآه قال أبو بكر لم يبلغني عن أبي عبد الله في هذه المسألة إلا هذه الرواية فيخرج على قولين (أحدهما) يملك ذلك وهو قول عطاء وقتادة لأنها ولاية يستفيد بها تمليك البضع فجاز أن يملك بها إزالته إذا لم يكن متهماً كالحاكم يملك الطلاق على الصغير والمجنون والاعسار وتزويج الصغير، والقول الآخر لا يملك ذلك وهو قول أبي حنيفة والشافعي ومالك لقول

مسألة: وهل للأب خلع ابنته الصغيرة أو طلاقها؟ على روايتين

النبي صلى الله عليه وسلم " إنما الطلاق لمن أخذ بالساق " رواه ابن ماجه وعن عمر أنه قال إنما الطلاق لم يحل له الفرج ولانه اسقاط لحقه فلم يملكه كالإبراء من الدين وإسقاط القصاص ولأن طريقه الشهوة فلم يدخل في الآية والقول في زوجة عبده الصغير كالقول في زوجة ابنه الصغير لأنه في معناه فأما غير الأب فليس تطليق امرأة المولى عليه سواء كان ممن يملك التزويج كوطئ الأب والحاكم على قول ابن حامد أو لا يملكه لا نعلم في هذا خلافاً * (مسألة) * (وليس له خلع ابنته الصغيرة بشئ من مالها) لأنه إنما ملك التصرف بمالها فيه الحظ وليس في هذا حظ بل فيه إسقاط نفقتها وكسوتها وبذل مالها ويحتمل أن يملك ذلك إذا رأى الحظ فيه فإنه يجوز أن يكون لها الحظ فيه بتخليصها ممن يتلف مالها وتخاف منه على نفسها وعقلها ولذلك لم يعد بذل المال في الخلع تبذيراً ولا سفها فيجوز له بذل مالها لتحصيل حظها وحظ نفسها ومالها كما يجوز له بذله في مداواتها وفكها من الأسر، وهذا مذهب مالك والاب وغيره من أوليائها في هذا سواء إذا خالعوا في حق المجنونه والمحجور عليها للسفه والصغر فأما ان خالع بشئ من ماله جاز لأنه يجوز من الأجنبي فمن الولي أولى * (مسألة) * (ويصح الخلع مع الزوجة) وقد ذكرناه ويصح مع الاجنبي بغير إذن المرأة مثل أن يقول الأجنبي للزوج طلق امرأتك بألف

مسألة: وليس له خلع ابنته الصغيرة بشيء من مالها

علي وهذا قول أكثر أهل العلم وقال أبو ثور لا يصح لأنه سفه فإنه يبذل عوضاً في مقابلة مالا منفعة له فيه فإن الملك لا يحصل له فأشبه ما لو قال بع عبدك لزيد بألف علي ولنا أنه بذل في اسقاط حق عن غيره فصح كما لو قال أعتق عبدك وعلي ثمنه ولأنه لو قال ألق متاعك في البحر وعلي ثمنه صح ولزمه ثمنه مع أنه لا يسقط حقاً عن أحد فهنا أولى ولانه حق على المرأة يجوز أن يسقطه عنها بعوض فجاز لغيرها كالدين وفارق البيع فإنه تمليك فلا يجوز بغير رضى من ثبت له الملك وإن قال طلق امرأتك بمهرها وأنا ضامن له صح ويرد عليه بمهرها. * (مسألة) * (ويصح بذل العوض فيه من كل جائز التصرف لأنه بذل عوض في عقد معاوضة أشبه البيع) (فصل) إذا قالت له امرأته طلقني وضرتي بألف وطلقها وقع الطلاق بهما بائناً واستحق الألف على باذلته لأن الخلع من الأجنبي جائز وإن طلق احداهما فقال القاضي تطلق طلاقاً بائنا وتلزم الباذلة بحصتها من الألف وهذا مذهب الشافعي إلا أن بعضهم قال يلزمها مهر مثل المطلقة. وقياس قول أصحابنا فيما إذا قالت طلقني ثلاثاً بألف فطلقها واحدة لم يلزمها شئ ووقعت بها التطليقة إنما لا يلزم الباذلة ههنا شئ لأنه لم يجبها الى ما سألت فلم يجب عليها ما بذلت ولأنه قد يكون غرضها في بينونتهما جميعاً منه فإذا طلق احداهما لم يحصل غرضها فلا يلزمها عوضها (فصل) فإن قالت طلقني بألف على أن تطلق ضرتي فالخلع صحيح والشرط والبذل لازم. قال الشافعي الشرط والعوض باطلان ويرجع إلى مهر المثل لأن الشرط سلف في الطلاق والعوض

مسألة: ويصح بذل العوض فيه من كل جائز التصرف لأنه بذل عوض في عقد معاوضة أشبه البيع

نقضه في مقابلة الشرط الباطل فيكون الباقي مجهولاً وقال أبو حنيفة الشرط باطل والعوض صحيح لأن العقد يستقل بذلك العوض. ولنا أنها بذلت عوضاً في طلاقها وطلاق ضرتها فصح كما لو قالت طلقني وضرتي بألف فإن لم يف لها بشرطها فعليه الأقل من المسمى أو الألف الذي شرطته ويحتمل ألا يستحق شيئاً من العوض لأنها إنما بذلته بشرط لم يوجد فلم يستحقه كما لو طلقها بغير عوض * (مسألة) * (فإن خالعته الأمة على شئ معلوم بغير إذن سيدها كان في ذمتها تتبع به بعد العتق) الخلع مع الأمة صحيح سواء كان بإذن سيدها أو بغير إذنه لا الخلع يصح مع الأجنبي فمع الزوجة أولى ويكون طلاقها على عوض بائناً والخلع معها كالخلع مع الحرة سواء فإن كان الخلع بغير إذن سيدها على شئ في ذمتها فانه يتبعها إذا عتقت لأنه رضي بذمتها وان كان على عين فقال الخرقي إنه يثبت في ذمتها مثله أو قيمته إن لم يكن مثلياً لأنها لا تملك العين وما في يدها من شئ فهو لسيدها فيلزمها كما لو خالعها على عبد فخرج حراً أو مستحقاً وقياس المذهب أنه لا شئ له لأنه إذا خالعها على عين وهو يعلم أنها أمة فقد علم أنها لا تملك العين فيكون راضياً بغير عوض فلا يكون له شئ كما لو قال خالعتك على هذا المغصوب أو هذا الحر وكذلك ذكر القاضي في المجرد فقال هو كالخلع على المغصوب لأنها لا تملكها وهذا قول مالك وقال الشافعي يرجع عليها بمهر المثل كقوله في الخلع على الحر والمغصوب

مسألة: فإن خالعته الأمة على شيء معلوم بغير إذن سيدها كان في ذمتها تتبع به بعد العتق

ويمكن حمل كلام الخرقي على أنها ذكرت لزوجها ان سيدها أذن لها في ذلك ولم تكن صادقة أو جهل أنها لا تملك العين أو يكون اختياره فيما إذا خالعها على مغصوب أنه يرجع عليها بقيمة ويكون الرجوع عليها في حال عتقها لأنه الوقت الذي يملك فيه كالمعسر يرجع عليه في حال يساره ويرجع بقيمته أو مثله لأنه مستحق بعد تسليمه مع بقاء سبب الاستحقاق فوجب الرجوع بمثله أو قيمته كالمغصوب (فصل) فإن كان الخلع بإذن السيد تعلق العوض بذمته في قياس المذهب كما لو أذن لعبده في أن يستدين ويحتمل أن يتعلق برقبة الأمة بناء على استئذانها بإذن سيدها وإن خالعته على معين بإذن السيد فيه ملكه وإن أذن في قدر من المال فخالعت بأكثر منه فالزيادة في ذمتها وإن أطلق الاذن اقتضى الخلع بالمسمى لها فإن خالعت به أو بما دونه لزم السيد وإن كان بأكثر منه تعلقت الزيادة بذمتها كما لو عين لها قدراً فخالعت بأكثر منه وإن كانت مأذوناً لها في التجارة سلمت العوض بما في يدها (فصل) والحكم في المكاتبة كالحكم في الأمة القن سواء لأنها لا تملك التصرف فيما في يدها بتبرع وما لا حظ فيه وبذل المال في الخلع لا فائدة فيه من حيث تحصيل المال بل فيه ضرر بسقوط نفقتها وبعض مهرها إن كانت غير مدخول بها وإذا كان الخلع بغير إذن السيد فالعوض في ذمتها يتبعها به بعد العتق وإن كان بإذن السيد سلمته بما في يدها وإن لم يكن في يدها شئ فهو على سيدها * (مسألة) * (وإن خالعته المحجور عليها لم يصح الخلع ووقع طلاقه رجعياً أما المحجور عليها للفلس فيصح خالعها وبذلها للعوض)

مسألة: وإن خالعته المحجور عليها لم يصح الخلع ووقع طلاقه رجعيا أما المحجور عليها للفلس فيصح خلعها وبذلها للعوض

لأن لها ذمة يصح تصرفها فيها ويرجعع عليها بالعوض إذا أيسرت وفك الحجر عنها وليس له مطالبتها في حال حجرها كما لو استدانت منه أو باعها شيئاً في ذمتها وأما المحجور عليها لسفه أو صغر أو جنون فلا يصح بذل العوض منها في الخلع لأنه تصرف في المال وليس هي من أهله وسواء أذن فيه الولي أو لم يأذن لأنه ليس له الاذن في التبرعات وهذا كالتبرع وفارق الأمة لأنها أهل للتصرف تصح منها الهبة وغيرها من التبرعات بإذن سيدها وتفارق المفلسة لأنها من أهل التصرف فإن خالع المحجور عليها بلفظ يكون طلاقاً فهو طلاق رجعي ولا يستحق عوضاً وإن لم يكن اللفظ مما يقع به الطلاق كان كالخلع بغير عوض. ويحتمل أن لا يقع الخلع ههنا لأنه إنما رضي به بعوض ولم يحصل له ولا أمكن الرجوع ببذله * (مسألة) * (والخلع طلاق بائن إلا أن يقع بلفظ الخلع أو الفسخ والمفاداة ولا ينوي به الطلاق فيكون فسخاً لا ينقص به عدد الطلاق في إحدى الروايتين (والأخرى) هو طلاق بائن بكل حال) اختلفت الرواية عن أحمد في الخلع إذا لم ينو به الطلاق فروي عنه أنه فسخ اختاره أبو بكر وروي ذلك عن ابن عباس وطاوس وعكرمة واسحاق وأبي ثور وهو أحد قولي الشافعي وروي عنه أنه طلقة بائنة بكل حال روى ذلك عن سعيد بن المسيب وعطاء والحسن وقبيصة وشريح ومجاهد وأبي سلمة بن عبد الرحمن والنخعي والزهري ومكحول وابن أبي نجيح ومالك والثوري الأوزاعي وأصحاب الرأي

مسألة: والخلع طلاق بائن إلا أن يقع بالخلع أو الفسخ والمفاداة ولا ينوي به الطلاق فينكون فسخا لا ينقص به عدد الطلاق في إحدى الروايتين والأخرى هو طلاق بائن بكل حال

وقد روي عن عثمان وعلي وابن مسعود لكن ضعف أحمد الحديث قال ليس لنا في الباب شئ أصح من حديث ابن عباس أنه فسخ، واحتج ابن عباس بقوله تعالى (الطلاق مرتان) ثم قال فلا جناح عليهما فيما افتدت به) ثم قال (فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فذكر تطليقتين والخلع وتطليقة بعدها فلو كان الخلع طلاقاً لكان رابعاً، ولأنه فرقة خلت عن صريح الطلاق ونيته فكان فسخاً كسائر الفسوخ، ووجه الرواية الثانية أنها بذلت العوض للفرقة والفرقة التي يملك الزوج إيقاعها هي الطلاق دون الفسخ فوجب أن يكون طلاقاً ولأنه أتى بكناية الطلاق قاصداً فراقها فكان طلاقاً كغير الخلع، وفائدة الخلاف أنا إذا قلنا انها طلقة فخالعها مرة حسبت طلقة فنقص بها عدد طلاقه وإن خالعها ثلاثاً لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره وإن قلنا هو فسخ لم تحرم عليه وإن خالعها مائة مرد، وهذا لخلاف فيما إذا خالعها بغير لفظ الطلاق ولم ينوه فأما إن بذلت العوض على فراقها فطلقها فهو طلاق لا اختلاف فيه وكذلك إن وقع بغير لفظ الطلاق مثل كنايات الطلاق أو لفظ الخلع أو المفاداة ونوى به الطلاق فهو طلاق أيضاً لأنه كناية نوى بها الطلاق فكانت طلاقاً كما لو كان بغير عوض، وإن لم ينو به الطلاق فهو الذي فيه الروايتان (فصل) والفاظ الخلع تنقسم إلى صريح وكناية فالصريح ثلاثة الفاظ: خالعتك لأنه ثبت له

مسألة: وإن طلق إحدى نسائه في ليلتها أثم لأنه فوت حقها الواجب لها فإن عادت إليه برجعة أو نكاح قضى لها لأنه قدر على إيفاء حقها فلزمه كالمعسر إذا أيسر بالدين

الفرق، والمفاداة لأنه ورد به في القرآن بقوله سبحانه (فلا جناح عليهما فيما افتدت به) وفسخت نكاحك لأنه حقيقة فيه فإذا أتى بأحد هذه الألفاظ وقع من غير نية، وما عدا هذه مثل باريتك وابنتك فهو كناية لأن الخلع أحد نوعي الفرقة فكان له صريح وكناية كالطلاق وهذا قول الشافعي إلا أن له في لفظ الفسخ وجهين فإذا طلبت وبذلت العوض فأجابها بصريح الخلع أو كنايته صح من غير نية لأن دلالة الحال من سؤال الخلع وبذل العوض صارفة إليه فأغنى من النية فيه، وإن لم تكن دلالة حالة فأتى بصريح الخلع وقع من غير نية سواء قلنا هو فسخ أو طلاق، ولا تقع الكناية إلا بنية ممن يلفظ به منهما ككنايات الطلاق مع صريحه (فصل) ولا يحصل الخلع بمجرد بذل المال وقبوله من غير لفظ من الزوج قال القاضي هذا الذي عليه شيوخنا البغداديون، وقد أومأ إليه أحمد، وذهب أبو حفص العكبري وابن شهاب الى وقوع الفرقة بقبول الزوج للعوض وأفنى بذلك ابن شهاب بعكبر واعترض عليه أبو الحسين بن هرمز واستفتى عليه من كان ببغداد من أصحابنا، فقال ابن شهاب المختلعة على وجهين مستبرئة ومفتدية فالمفتدية هي التي تقول لا أنا ولا أنت ولا أبرئك قسماً وأنا أفدي نفسي منك فإذا قبل الفدية وأخذ المال انفسخ النكاح لأن إسحاق بن منصور روي عن أحمد قال قلت لأحمد كيف الخلع؟ قال: إذا أخذ المال فهي فرقة، وقال إبراهيم النخعي أخذ المال تطليقة بائنة ونحو ذلك عن الحسن وعن علي رضي

الله عنه من قبل مالاً على فراق فهي تطليقة بائنة لا رجعة فيها، واحتج بقول النبي صلى الله عليه وسلم " أتردين عليه حديقته؟ " قالت نعم ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما وقال " خذ ما أعطيتها ولا تزدد " ولم يستدع منه لفظاً ولأن دلالة الحال تغني عن اللفظ بدليل ما لو دفع ثوبه الى قصار أو خياط معروفين بذلك فعملاه استحقا الأجر وإن لم يشترطا عوضا ولنا أن هذا أحد نوعي الخلع فلم يصح بدون لفظ كما لو سألته أن لا يطلقها بعوض ولأنه تصرف في البضع بعوض فلم يصح بدون اللفظ كالنكاح والطلاق ولأن أخذ المال قبض بعوض فلم يقم بمجرده مقام الإيجاب كقبض أحد العوضين في البيع ولأن الخلع إن كان طلاقاً فلا يقع بدون صريحه أو كنايته وإن كان فسخاً فهو أحد طرفي عقد النكاح، فيعتبر فيه اللفظ كابتداء العقد، فأما حديث جميلة فقد رواه البخاري " اقبل الحديقة وطلقها تطليقة " وهذا صريح في اعتبار اللفظ، وفي رواية فأمره ففارقها ومن لم يذكر الفرقة فإنما اقتصر على بعض القصة بدليل رواية من روى الفرقة والطلاق فإن القصة واحدة والزيادة من الثقة مقبولة ويدل على ذلك أنه قال ففرق النبي صلى الله عليه وسلم بينهما وقال " خذ ما أعطيتها " فجعل التفريق قبولاً لعوض ونسب التفريق إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يباشر التفريق فدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ولعل الراوي استغنى بذكر العوض عن ذكر اللفظ لأنه معلوم منه وعلى هذا يحمل كلام أحمد وغيره من الأئمة ولذلك لم يذكروا من جانبها لفظاً ولا دلالة حال ولابد منه اتفاقاً.

مسألة: ولا يقع بالعدة من الخلع طلاق ولو واجهها به

* (مسألة) * (ولا يقع بالعدة من الخلع طلاق ولو واجهها به) وجملة ذلك أن المختلعة لا يلحقها طلاق بحال وبه قال ابن عباس وابن الزبير وعكرمة وجابر بن زيد والحسن والشعبي ومالك والشافعي واسحاق وأبو ثور وحكي عن أبي حنيفة أنه يلحقها الطلاق الصريح المعين دون الكناية والطلاق المرسل وهو أنه يقول كل امرأة لي طالق وروي ذلك عن سعيد ابن المسيب وشريح وطاوس والنخعي والزهري والحكم وحماد والثوري لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " المختلعة يلحقها الطلاق ما دامت في العدة " ولنا أنه قول ابن عباس وابن الزبير ولا يعرف لها مخالف في عصرهما ولأنها لا تحل له إلا بنكاح جديد فلم يلحقها طلاقه كالمطلقة قبل الدخول والمنقضية عدتها ولأنه لا يملك بضعها فلم يلحق طلاقه كالأجنبية ولأنها لا يقع بها الطلاق المرسل ولا تطلق بالكناية فلم يلحقها الصريح كما قبل الدخول ولا فرق بين أن يواجهها به فيقول أنت طالق أو لا يواجهها به مثل أن يقول فلانه طالق وحديثهم لا يعرف له أصل ولا ذكره أهل السنن (فصل) ولا يثبت في الخلع رجعة سواء قلنا هو فسخ أو طلاق في قول أكثر أهل العلم منهم الحسن وعطاء وطاوس والنخعي والثوري والاوزاعي ومالك والشافعي واسحاق وحكي عن الزهري وسعيد بن المسيب أنهما قالا الزوج بالخيار بين إمساكه العوض ولا رجعة له وبين رده وله الرجعة

وقال أبو ثور إن كان الخلع بلفظ الطلاق فله الرجعة لأن الرجعة من حقوق الطلاق فلا تسقط بالعوض كالولاء مع العتق وأما قوله سبحانه وتعالى (فيما افتدت) وإنما يكون فداء إذا خرجت عن قبضته وسلطانه وإذا كانت له الرجعة فهي تحت حكمه ولأن القصد إزالة الضرر عن المرأة فلو جاز ارتجاعها لعاد الضرر وفارق الولاء فإن العتق لا ينفك منه والطلاق ينفك عن الرجعة فيما قبل الدخول وإذا أكمل العدد * (مسألة) * (وإن شرط الرجعة في الخلع لم يصح الشرط في أحد الوجهين وفي الآخر يصح الشرط ويبطل العوض) إذا شرط في الخلع الرجعة فقال ابن حامد يبطل الشرط ويصح الخلع، وهو قول أبي حنيفة وإحدى الروايتين عن مالك لأن الخلع لا يفسد بكون عوضه فاسداً فلا يفسد بالشرط الفاسد كالنكاح ولأنه لفظ يقتضي البينونة فإذا شرط الرجعة معه بطل الشرط كالطلاق الثلاث (والوجه الثاني) يصح ويبطل العوض فتثبت الرجعة وهو منصوص الشافعي لأن شرط العوض والرجعة يتنافيان فإذا شرطاهما سقطا وبقي مجرد الطلاق فتثبت الرجعة بالأصل لا بالشرط ولأنه شرط في العقد ما ينافي مقتضاه فأبطله، كما لو شرط أن لا يتصرف في المبيع، وإذا حكمنا بالصحة فقال القاضي يسقط المسمى في العوض لا به لم يرض به عوضاً حتى ضم إليه الشرط فإذا سقط الشرط وجب ضم النقصان الذي نقصه من أجله إليه فيصير مجهولاً فيسقط ويجب المسمى في العقد، ويحتمل أن يجب المسمى في الخلع لأنهما تراضيا به عوضاً فلم يجب غيره كما لو خلا عن شرط الرجعة

مسألة: وإن شرط الرجعة في الخلع لم يصح الشرط في أحد الوجهين وفي الآخر يصح الشرط ويبطل العوض

(فصل) نقل مهنا في رجل قالت له امرأته اجعل أمري بيدي فأعطيك عبدي هذا فقبض العبد وجعل أمرها بيدها وباع العبد قبل أن تقول المرأة شيئاً هو له إنما قالت اجعل أمري بيدي وأعطيك فقيل له متى شاءت تختار؟ قال نعم ما لم يطأها أو ينقض فجعل له الرجوع ما لم تطلق وإذا رجع فينبغي أن ترجع عليه بالعوض لانه استرجع ما جعل لها فتسترجع منه ما أعطته، ولو قال إذا جاء رأس الشهر فأمرك بيدك ملك إبطال هذه الصفة لأن هذا يجوز الرجوع فيه لو لم يكن معلقاً فمع التعليق أولى كالوكالة، قال أحمد ولو جعلت له امرأته ألف درهم على أن يخيرها فاختارت الزوج لا يرد عليها شيئاً، ووجهه أن الألف في مقابلة تمليكه إياها الخيار وقد فعل فاستحق الألف وليس الألف في مقابلة الفرقة (فصل) إذا قالت امرأته طلقني بدينار فطلقها ثم أرتدت لزمها الدينار ووقع الطلاق بائناً ولا تؤثر الردة لأنها وجدت بعد البينونة، وإن طلقها بعد ردتها قبل دخوله بها بانت بالردة ولم يقع الطلاق لأنه صادفها بائناً، فإن كان بعد الدخول وقلنا ان الردة ينفسخ بها النكاح في الحال فكذلك، وإن قلنا تقف على القضاء العدة كان الطلاق مراعى فإن أقامت على ردتها حتى انقضت عدتها تبينا أنها لم تكن زوجة حين طلقها فلم يقع ولا شئ له عليها، وإن عادت إلى الإسلام تبينا ان الطلاق صادف زوجة فوقع واستحق عليها العوض * (فصل) * قال الشيخ رحمه الله (ولا يصح الخلع إلا بعوض في إحدى الروايتين فإن خالعها بغير

أعوض لم يقع إلا أن يكون طلاقاً فيقع رجعياً، والأخرى يصح بغير عوض اختارها الخرقي اختلفت الرواية عن احمد في هذه المسألة فروى عنه ابنه عبد الله قال: قلت لأبي رجل علقت به امرأته تقول اخلعني قال قد خلعتك؟ قال يتزوج بها ويجدد نكاحاً جديداً وتكون عنده على شئ فظاهر هذا صحة الخلع بغير عوض وهو قول مالك لانه قطع للنكاح فصح من غير عوض كالطلاق، ولأن الأصل في مشروعية الخلع أن يوجد من المرأة رغبة عن زوجها أو حاجة الى فراقه فتسأله فراقها فإذا أجابها حصل المقصود من الخلع فيصح كما لو كان بعوض، قال أبو بكر لا خلاف عن أبي عبد الله أن الخلع ما كان من قبل النساء فإذا كان من قبل الرجال فلا نزاع في أنه طلاق يملك به الرجعة ولا يكون فسخاً (والرواية الثانية) لا يكون خلع إلا بعوض روى عنه مهنا إذا قال لها اخلعي نفسك فقالت خلعت نفسي لم يكن خلعا إلا على شئ إلا أن يكون نوى الطلاق فيكون ما نوى، فعلى هذه الرواية لا يصح الخلع إلا بعوض فإن تلفظ به بغير عوض ونوى الطلاق كان طلاقاً رجعياً لأنه يصلح كناية عن الطلاق، وإن لم ينو به الطلاق لم يكن شيئاً وهذا قول أبي حنيفة والشافعي لأن الخلع كان فسخاً فلا يملك الزوج فسخ النكاح إلا لعيبها ولذلك لو قال فسخت النكاح ولم ينو به الطلاق لم يقع شئ بخلاف ما إذا دخله العوض فإنه يصير معاوضة فلا يجتمع له العوض والمعوض، وإن قلنا الخلع طلاق فليس بصريح فيه اتفاقاً وإنما هو كناية والكناية لا يقع بها الطلاق إلا بنية أو بذل العوض فيقوم مقام

النية وما وجد احد منهما، ثم إن وقع الطلاق فإذا لم يكن بعوض لم يقتض البينونة إلا أن يكمل الثلاث (فصل) فإن قالت بعني عبدك هذا وطلقني بألف ففعل صح وكان ببعا وخلعا بعوض واحد لأنهما عقدان يصح افراد كل واحد منهما بعوض فصح جمعهما كبيع ثوبين وقد نص أحمد على الجمع بين بيع وصرف أنه يصح وهذا نظير لهذا وذكر أصحابنا فيه وجهاً آخر أنه لا يصح لأن أحكام العقدين تختلف والأول أصح لما ذكرنا وللشافعي قولان أيضاً، فعلى قولنا يتقسط الألف على الصداق المسمى وقيمة العبد فيكون عوض الخلع ما يخص المسمى وعوض العبد ما يخص قيمته حتى لو ردته بعيب رجعت بذلك، وإن وجدته حراً أو مغصوباً رجعت به لأن له عوضه، وإن كان مكان العبد شقص مشفوع ثبتت فيه الشفعة ويأخذه الشفيع حصة قيمته من الألف لأنها عوضه * (مسألة) * (ولا يستحب أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها فإن فعل كره وصح، وقال أبو بكر لا يجوز وبترك الزيادة) إذا تراضيا على الخلع بشئ صح وإن كان أكثر من الصداق وهذا قول أكثر أهل العلم. روي ذلك عن عثمان وابن عمر وابن عباس وعكرمة ومجاهد وقبيصة بن ذؤيب والنخعي ومالك والشافعي وأصحاب الرأي، ويروى عن ابن عباس وابن عمر أنهما قالا لو اختلعت امرأة من زوجها بميراثها

مسألة: ولا يستحب أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها فإن فعل كره وصح، وقال أبو بكر لا يجوز ويترك الزيادة

وعقاص رأسها كان ذلك جائزاً، وقال عطاء وطاوس والزهري وعمرو بن شعيب لا يأخذ أكثر مما أعطاها، وروي ذلك عن علي بإسناد منقطع واختاره أبو بكر فإن فعل رد الزيادة. وعن سعيد بن المسيب قال: ما أرى أن يأخذ كل مالها ولكن ليدع لها شيئأً، واحتجوا بما روي أن جميلة بنت سلول أتت النبي صلى الله عليه وسلم قالت: والله ما أعتب على ثابت في دين ولا خلق ولكن أكره الكفر في الإسلام لا أطيقه بغضاً، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم " أتردين عليه حديقته؟ " قالت نعم فأمره النبي صلى الله عليه وسلم إن يأخذ منها حديقته ولا يزداد. رواه ابن ماجه، ولأنه بدل في مقابلة فسخ فلم يزد على قدره في ابتداء العقد كالعوض في الإقالة. ولنا قول الله تعالى (فلا جناح عليهما فيما افتدت به) ولأنه قول من سمينا من الصحابة قالت الربيع بنت معوذ اختلعت من زوجي بما دون عقاص رأسي فأجاز ذلك علي رضي الله عنه ومثل هذا اشتهر ولم ينكر فيكون إجماعاً ولم يصح عن علي خلافه. إذا ثبت هذا فإنه لا يستحب له أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها، وبذلك قال سعيد بن المسيب والحسن والشعبي والحكم وحماد واسحاق وأبو عبيد وإن فعل جاز مع الكراهة ولم يكرهه أبو حنيفة ومالك والشافعي، قال مالك لم أزل أسمع إجازة الفداء بأكثر من الصداق

ولنا حديث جميلة وروي عن عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كره أن يأخذ من المختلعة أكثر مما أعطاها. رواه أبو حفص بإسناده وهو صريح في الحكم فنجمع بين الآية والخبر فنقول الآية دالة على الجواز والنهي عن الزيادة للكراهة * (مسألة) * (وإن خالعها على محرم كالخمر والحر فهو كالخلع بغير عوض إذا علما تحريمه) ولا يستحق شيئاً وبه قال مالك وابو حنيفة وقال الشافعي له عليها مهر المثل لأنه معاوضة بالبضع فإذا كان العوض محرماً وجب مهر المثل كالنكاح ولنا أن خروج البضع من ملك الزوج غير متقوم على ما أسلفنا فإذا رضي بغير عوض لم يكن له شئ كما لو طلقها أو علق طلاقها على فعل شئ ففعلته، وفارق النكاح فإن دخول البضع في ملك الزوج متقوم ولا يلزم إذا خلعها على عبد فبان حراً لأنه لم يرض بغير عوض متقوم فيرجع بحكم الغرور وههنا رضي بما لا قيمة له. إذا تقرر هذا فإن كان الخلع بلفظ الطلاق فهو طلاق رجعي لأنه خلا عن عوض، وإن كان بلفظ الخلع ولم ينو كنايات الخلع فكذلك إذا نوى الطلاق ولأن الكناية مع النية كالصريح، وإن كان بلفظ الخلع ولم ينو الطلاق انبنى على أصل هو أنه هل يصح الخلع بغير عوض؟ وفيه روايتان، فإن قلنا يصح صح ههنا، وإن قلنا لا يصح لم يصح ولم يقع شئ، فإن قال إن أعطيتني خمراً أو ميتتة فأنت طالق فأعطته ذلك طلقت ولا شئ عليها وعند الشافعي عليها مهر المثل كقوله في التي قبلها

مسألة: وإن أراد النقلة من بلد إلى بلد وأخذ إحداهن معه والأخرى مع غيره لم يجز إلا بقرعة

* (مسألة) * (وإن خالعها على عبد فبان حراً أو مستحقاً فله قيمته عليها، وإن بان معيباً فله أرشه أو قيمته ويرده) وجملة ذلك أن الرجل إذا خالع امرأته على عوض فبان غير ماله أو أنه ليس لها مثل أن يخالعها على عبد بعينه فبان حراً أو مغصوباً أو على خل فبان خمراً فالخلع صحيح في قول أكثر أهل العلم لأن الخلع معاوضة بالبضع فلا يفسد بفساد العوض كالنكاح ولكنه يرجع عليها بقيمته لو كان عبداً وبهذا قال أبو ثور وصاحبا أبي حنيفة، وإن خالعها على هذا الدن الخل فبان خمراً رجع عليهما بمثله خلاً لأن الخل من ذوات الأمثال وقد دخل على أن هذا المعين خل فكان له مثله، كما لو كان خلاً فتلف قبل قبضه، وقد قيل يرجع بقيمة مثل خلاً لأن الخمر ليس من ذوات الأمثال، والصحيح الأول لأنه إنما وجب عليه مثله لو كان خلاً كما تجب قيمة الحر بتقدير كونه عبداً فإن الحر لا قيمة له، وقال أبو حنيفة في المسألة كلها يرجع بالمسمى، وقال الشافعي يرجع بمهر المثل لأنه عقد على البضع بعوض فاسد فأشبه النكاح بخمر، وأحتج أبو حنيفة بأن خروج البضع لا قيمة له فإذا غرته رجع عليها بما أخذت ولنا أنها عين يجب تسليمها مع سلامتها وبقاء سبب الاستحقاق فوجب بذلها مقدرا بقيمتها أو مثلها كالمغصوب والمستعار، وإذا خالعها على عبد فخرج مغصوباً أو على أمة فخرجت أم ولد فقد سلمه أبو حنيفة ووافقنا فيه.

مسألة: وإن خالعها على عبد فبان حرا أو مستحقا فله قيمته عليها، وإن بان معيبا فله أرشه أو قيمته ويرده

(فصل) وإن ظهر معيباً فله الخيار بين أخذ أرشه ورده وأخذ قيمته لأنه عوض في معاوضة فيستحق فيه ذلك كالبيع والصداق فإن كان على معين كقولها اخلعني على هذا العبد فيقول خلعتك ثم يجد به عيباً لم يكن علم به فهذا يخير فيه بين أخذ أرشه أو رده وأخذ قيمته على ما ذكرنا، وإن قال إن أعطيتني هذا الثوب فأنت طالق فأعطته إياه طلقت وملكه. قال أصحابنا والحكم فيه كما لو خالعها عليه وهذا مذهب الشافعي إلا أنه لا يجعل له المطالبة بالأرش مع إمكان الرد، وهذا أصل ذكرناه في البيع وله قول انه إذا رده رجع مهر المثل، وهذا الأصل ذكر في الصداق * (مسألة) * (وإن خالعها على رضاع ولده عامين أو سكنى دار صح فإن مات الولد أو خربت الدار رجع بأجرة باقي المدة) أما إذا خالعها على سكنى دار معينة فلابد من تعيين المدة كالإجارة فإن خربت الدار رجع عليها بأجرة باقي المدة وتقدر بأجرة المثل وينفسخ العقد والإجارة إذا هلكت الدابة، وأما إذا خالعته على رضاع ولده مدة معلومة صح قل أو كثر وبهذا قال الشافعي لأن هذا إنما تصح المعاوضة عليه في غير الخلع ففي الخلع أولى فإن خالعته على رضاع ولده مطلقا ولم يذكر مدة صح أيضاً وينصرف الى ما بقي من الحولين نص عليه أحمد قيل له ويستقيم هذا الشرط رضاع ولدها ولا يقول ترضعه سنتين؟ قال نعم وقال أصحاب الشافعي لا يصح حتى يذكر مدة الرضاع كما لا تصح الإجارة حتى يذكر المدة

مسألة: وإن خالعها على رضاع ولده عامين أو سكنى دار صح فإن مات الولد أو خربت الدار رجع بأجرة باقي المدة

ولنا أن الله تعالى قيده بالحولين فقال تعالى (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين) وقال سبحانه (وفصاله في عامين) وقال (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) ولم يبين مدة الحمل والفصال ههنا فحمل على ما فصلته الآية الأخرى وجعل الفصال عامين والحمل ستة أشهر. وقال النبي صلى الله عليه وسلم " لا رضاع بعد فصال " يعني بعد العامين فيحمل المطلق من كلام الآدمي على المطلق من كلام الله تعالى، ولا يحتاج إلى وصف الرضاع لأن جنسه كاف كما لو ذكر جنس الخياطة في الاجارة. فإن ماتت المرضعة أو جف لبنها فعليها أجر المثل لما بقي من المدة، وإن مات الصبي فكذلك، وقال الشافعي في أحد قوليه لا ينفسخ ويأتيها بصبي ترضعه لأن الصبي مستوفى به لا معقوداً عليه فأشبه ما لو استأجر دابة ليركبها فمات ولنا أنه عقد على فعل في عين فينفسخ بتلفها كما لو ماتت الدابة المستأجرة ولأن ما يستوفيه من اللبن إنما يتقدر بحاجة الصبي وحاجات الصبيان لا تنضبط فلم يجز أن يقوم غيره مقامه كما لو أراد إبداله في حياته فلم يجز بعد موته كالمرضعة بخلاف راكب الدابة، وإن وجد أحد هذه الأمور قبل مضي شئ من المدة فعليها أجره رضاع مثله وعن مالك كقولنا وعنه لا يرجع بشئ وعن الشافعي كقولنا وعنه يرجع بالمهر ولنا أنه عوض معين تلف قبل قبضه فوجبت قيمته أو مثله كما لو خالعها على قفيز فهلك قبل قبضه

(فصل) وإن خالعها على كفالة ولده عشر سنين صح وإن لم يذكر مدة الرضاع منها ولا قدر الطعام والادم ويرجع عند الاطلاق إلى نفقة مثله وقال الشافعي لا يصح حتى يذكر مدة الرضاع وقدر الطعام وجنسه وقدر الادم وجنسه ويكون المبلغ معلوماً مضبوطاً بالصفة كالمسلم فيه وما يحل منه كل يوم. ومبني الخلاف على اشتراط الطعام للأجير مطلقاً وقد ذكرناه في الإجارة ودللنا عليه بقصة موسى عليه السلام وقول النبي صلى الله عليه وسلم " رحم الله أخي موسى آجر نفسه بطعام بطنه وعفة فرجه " ولأن نفقة الزوجة مستحقة بطريق المعاوضة وهي غير مقدرة كذا ههنا وللوالد أن يأخذ منها ما تستحقه من مؤونة الصبي وما يحتاج إليه لأنه بدل ثبت له في ذمتها فله أن يستوفيه بنفسه وبغيره فإن أحب أنفقه بعينه وإن أحب أخذه لنفسه وأنفق عليه غيره، وإن أذن لها في إنفاقه على الصبي جاز فإن مات الصبي بعد انقضاء مدة الرضاع فلأبيه أن يأخذ ما بقي من المؤونة، وهل يستحقه دفعة أو يوماً بيوم؟ فيه وجان (أحدهما) يستحقه دفعة واحدة ذكره القاضي في الجامع واحتج بقول أحمد إذا خالعها على رضاع ولده فمات في أثناء الحولين قال يرجع عليها ببقية ذلك فلم يعتبر الأجل ولأنه إنما فرق لحاجة الولد إليه متفرقاً فإذا زالت الحاجة الى التفريق استحق جملة واحدة (والثاني) لا يستحقه إلا يوماً بيوم ذكره القاضي في المجرد وهو الصحيح لأنه ثبت منجماً فلا يستحقه معجلاً كما لو أسلم إليه في خبز يأخذ منه كل يوم أرطالاً معلومة فمات المستحق له ولأن الحق لا يستحق بموت المستوفي كما لو مات وكيل صاحب الحق

وإن وقع الخلاف في استحقاقه بموت من هو عليه ولأصحاب الشافعي في هذا وجهان كهذين، وإن ماتت المرأة خرج في استحقاقه في الحال وجهان كهذين بناء على أن الدين هل يحل بموت من هو عليه أولا * (مسألة) * (وإن خالع الحامل على نفقة عدتها صح وسقطت) وحكي جواز ذلك عن أحمد وابي حنيفة وهذا إنما يخرج على أصل أحمد إذا كانت حاملاً أما غير الحامل فلا نفقة لها عليه فلا يصح عوضا وقال الشافعي لا تصح النفقة عوضا فان خالعها به وجب مهر المثل لأن النفقة لم تجب بالعقد فلم يصح الخلع عليها كما لو خالعها على عوض ما يتلفه عليها ولنا أنها إحدى النفقتين فصحت المخالعة عليها كنفقة الصبي فيما إذا خالعته على كفالة ولده وقتاً معلوماً وقولهم أنها لم تجب ممنوع فقد قيل ان النفقة تجب بالعقد ثم انها إن لم تجب فقد وجد سبب وجوبها كنفقة الصبي بخلاف عوض ما يتلفه (فصل) والعوض في الخلع كالعوض في الصداق والبيع إن كان مكيلا أو موزونا لم يدخل في ضمان الزوج ولم يملك التصرف فيه إلا بقبضه وإن كان غيرهما دخل في ضمانه بمجرد الخلع وصح تصرفه فيه، قال أحمد في امرأة قالت لزوجها اجعل أمري بيدي ففعل ثم خيرت فاختارت نفسها بعدما مات العبد جائز وليس عليها شئ ولو أعتقت العبد ثم اختارت نفسها لم يصح عتقها فلم يصحح عتقها لأن ملكها زال عنه بجعلها له عوضاً في الخلع ولم يضمنها إياه إذا تلف لأنه عوض معين غير مكيل ولا موزون

مسألة: وإن خالع الحامل على نفقة عدتها صح وسقطت

فدخل في ضمان الزوج بمجرد العقد، ويخرج فيه وجه إنه لا يدخل في ضمانه ولا يصح تصرفه فيه حتى يقبضه كما ذكرنا في عوض البيع وفي الصداق، فأما المكيل والموزون فلا يصح تصرفه فيه ولا يدخل في ضمانه إلا بقبضه فإن تلف قبل قبضه فالواجب مثله لأنه من ذوات الأمثال وقد ذكر القاضي في الصداق أنه يجوز التصرف فيه قبل قبضه وإن كان مكيلا أو موزوناً لأنه لا ينفسخ سببه بتلفه فههنا مثله * (فصل) * قال الشيخ رحمه الله ويصح الخلع بالمجهول) وقال أبو بكر لا يصح والتفريع على الأول فإذا قلنا يصح فللزوج ما جعل له وهذا قول أصحاب الرأي وقال أبو بكر لا يصح الخلع ولا شئ له لأنه معاوضة فلا يصح بالمجهول كالبيع وهذا قول أبي ثور وقال الشافعي يصح الخلع وله مهر مثلها لأنه معاوضة بالبضع فإذا كان العوض مجهولاً وجب مهر المثل كالنكاح. ولنا أن الطلاق معنى يجوز تعليقه بالشرط فجاز أن يستحق به العوض المجهول كالوصية ولأن الخلع إسقاط لحقه من البضع وليس فيه تمليك شئ والإسقاط تدخله المسامحة ولذلك جاز من غير عوض بخلاف النكاح، وإذا صح الخلع فلا يجب مهر المثل لأنها لم تبذله ولا فوت عليه ما يوجبه فإن خروج البضع من ملك الزوج غير متقوم بدليل ما لو أخرجته من ملكه بردتها أو إرضاعها لمن ينفسخ به نكاحها لم يجب عليها شئ، ولو قتلت نفسها أو قتلها أجنبي لم يجب للزوج عوض عن بضعها ولو

وطئت بشبهة أو مكرهة لوجب المهر لها دون الزوج ولو طاوعت لم يكن للزوج شئ وإنما يتقوم البضع على الزوج في النكاح خاصة وأباح لها افتداء نفسها لحاجتها الى ذلك فيكون الواجب ما رضيت ببذله فإما إيجاب شئ لم يرض به فلا وجه له * (مسألة) * (فإن خالعها على ما في يدها من الدراهم صح وله ما في يدها وإن لم يكن في يدها شئ فله عليها ثلاثة دراهم) نص عليه أحمد لأنه أقل ما يقع عليه اسم الدراهم حقيقة ولفظها دل على ذلك فاستحقه كما لو وصى له بدراهم وإن كان في يده أقل من ثلاثة احتمل أن لا يكون له غيره لأنه من الدراهم وهو في يدها واحتمل أن يكون له ثلاثة كاملة لأن اللفظ يقتضيها فيما إذا لم يكن في يدها شئ فكذلك إذا كان في يدها. * (مسألة) * (وإن خالعها على ما في بيتها من المتاع فان كان فيه متاع فهو له قليلاً كان أو كثيراً لأن الخلع على المجهول جائز كالوصية به معلوماً كان أو مجهولاً لأن الإسم يقع عليه وإن لم يكن فيه متاع فله أقل ما يقع عليه أسم المتاع كالوصية وكالمسألة قبلها)

مسألة: فإن خالعها على ما في يدها من الدراهم صح وله ما في يدها، وإن لم يكن في يدها شيء فله عليها ثلاثة دراهم

وقال القاضي وأصحابه له المسمى في صداقها لأنها فوتت عليه البضع بعوض مجهول فيجب فيه قيمة ما فوتت عليه وهو الصداق وهو قول أصحاب الرأي ووجه القولين ما تقدم * (مسألة) * (وإن خالعها على حمل أمتها أو ما تحمل شجرتها فله ذلك فإن لم تحملا فقال أحمد ترضيه بشئ وقال القاضي لا شئ له) إذا خالعها على حمل أمتها أو غنمها أو غيرهما من الحيوان أو قال على ما في بطونها أو ضروعها صح الخلع وحكي عن أبي حنيفة أنه يصح الخلع على ما في بطنها إذا ثبت هذا فان الولد إذا خرج سليماً أو كان في ضروعها شئ من اللبن فهو له وإن لم يخرج شئ فقال القاضي لا شئ له وبه قال مالك وأصحاب الرأي وقال ابن عقيل له مهر المثل وقال أبو الخطاب له المسمى وإن خالعها على ما تحمل أمتها أو على ما يثمر نخلها صح، قال أحمد إذا خالع امرأته على ثمرة نخلها سنين فجائز فإن لم تحمل نخلها ترضيه بشئ قيل له فإن حمل نخلها؟ قال هذا أجود من ذاك قيل له يستقيم هذا؟ قال نعم جائز فيحمل قول أحمد ترضيه بشئ على الاستحباب لأنه لو كان واجباً لتقدر بتقدير يرجع إليه وفرق بين المسئلتين ومسألة الدراهم والمتاع حيث يرجع منهما على ما يقع عليه الاسم إذا لم يجد شيئاً وههنا لا يرجع بشئ إذا لم يجد حملاً ولا ثمرة أن ثم أو همته ان معها دراهم وفي بيتها متاع لأنها خاطبته بلفظ يقتضي الوجود مع إمكان علمها به فكان له ما دل عليه لفظها كما لو خالعته على عبد فوجد حراً وفي هاتين المسئلتين دخل

مسألة: وإن خالعها على حمل أمتها أو ما تحمل شجرتها فله ذلك، فإن لم تحملا فقال أحمد ترضيه بشيء. وقال القاضي لا شيء له

معها في النقد مع تساويهما في العلم في الحال ورضاهما بما فيه من الاحتمال فلم يكن له شئ غيره كما لو قال خالعتك على هذا الحر وقال أبو حنيفة لا يصح العوض ههنا لأنه معدوم ولنا أن ما جاز في الحمل في البطن جاز فيما يحمل كالوصية واختار أبو الخطاب أن له المسمى في الصداق وأوجب له الشافعي مهر المثل ولم يصحح أبو بكر الخلع في هذا كله وقد ذكرنا نصوص أحمد على جوازه والدليل عليه. * (مسألة) * (وإن خالعها على عبد فله أقل ما يسمى عبداً وإن قال إن أعطيتني عبداً فأنت طالق طلقت بأي عبد أعطته طلاقاً بائناً وملك العبد نص عليه أحمد وقال القاضي يلزمها عبد وسط فيهما إذا خالعها على عبد مطلق أو عبيد وإن قال إن أعطيتني عبداً فأنت طالق فإنها تطلق بأي عبد أعطته إياه ويملكه بذلك ولا يكون له غيره وليس له إلا ما يقع عليه اسم العبد وإن خالعته على عبيد فله ثلاثة هذا ظاهر كلام أحمد وقياس قوله وقول الخرقي في مسألة الدراهم وقال القاضي لها عليه عبد وسط وتأول كلام أحمد على أنها تعطيه عبداً وسطاً وقد قال أحمد إذا قال إذا أعطيتني عبدا فمأتت طالق فإذا أعطته عبداً فهي طالق والظاهر من كلامه خلاف ما ذكره القاضي لأنها خالعته على مسمى مجهول فكان له أقل ما يقع عليه الاسم كما لو خالعها على ما في يدها من الدراهم ولأنه إذا قال إن أعطيتني عبداً فأنت طالق فأعطته عبداً فقد وجد شرطة فيجب أن يقع الطلاق كما لو قال إن رأيت عبداً فأنت طالق ولا

مسألة: وإن خالعها على عبد فله أقل ما يسمى عبدا، وإن قال إن أعطيتني عبدا فأنت طالق طلقت بأي عبد أعطته طلاقا بائنا وملك العبد

يلزمها أكثر منه لأنها لم تلتزم له شيئاً فلا يلزمها شئ كما لو طلقها بغير خلع (فصل) فإن أعطته مدبراً أو معتقاً نصفه وقع الطلاق لانهما كالقن في التمليك وإن أعطته حراً أو مغصوباً أو مرهوناً لم تطلق لأن العطية إنما تتناول ما يصح تمليكه وما لا يصح تمليكه لا تكون معطية له. (فصل) فإن خالعها على دابة أو بعير أو بقرة أو ثوب أو يقول إن أعطيتني ذلك فأنت طالق فالواجب في الخلع ما يقع عليه الاسم من ذلك ويقع الطلاق بها إذا أعطته إياه فيما إذا علق طلاقها على عطيته إياه ولا يلزمها غير ذلك في قياس ما قبلها، وقال القاضي وأصحابه من الفقهاء ترد عليه ما أخذت من صداقها لأنها فوتت البضع ولم يحصل له العوض بجهالته فوجب عليها قيمة ما فوتت وهو المهر ولنا ما تقدم ولأنها ما التزمت له المهر المسمى ولا مهر المثل فلم يلزمها كما لو قال إن دخلت الدار فانت طالق فدخلت ولأن المسمى قد استوفى بدله بالوطئ فكيف يجب عليها بغير رضى ممن يجب عليه؟ والأشبه لمذهب أحمد أن يكون الخلع بالمجهول كالوصية به * (مسألة) * (وإذا قال إذا أعطيتني هذا العبد فأنت طالق فأعطته إياه طلقت فإن خرج معيباً فلا شئ له) ذكره أبو الخطاب لأنه شرط لوقوع اطلاق أشبه ما لو قال ان ملكنه فأنت طالق ثم ملكه وإن

مسألة: وإذا قال إذا أعطيتني هذا العبد فأنت طالق فأعطته إياه طلقت فإن خرج معيبا فلا شيء له

خرج مغصوباً لم يقع الطلاق لأن الإعطاء إنما يتناول ما يصح تمليكه منها وما لا يصح تمليكه متعذر فلا يصح من جهتها إعطاء وعنه يقع وله قيمته وكذلك فيما إذا قال إن أعطيتني عبداً فأنت طالق ثم فأعطته عبداً مغصوباً لأنه خالعها على عوض يظنه مالاً فبان غير مال فيكون الخلع صحيحاً لأنه معاوضة بالبضع فلا يفسد بفساد العوض كالنكاح فعلى هذا يرجع عليها بالقيمة لأنه لم يرض بغير عوض (فصل) وإن خالعها على ثوب موصوف في الذمة واستقصى صفات السلم صح وعليها إن تعطيه اياه سليما لأن إطلاق ذلك يقتضي السلامة كما في البيع والصداق فإن دفعته إليه معيبا أو ناقصاً عن الصفات المذكورة فله الخيار بين إمساكه ورده والمطالبة بثوب سليم على تلك الصفة لأنه إنما وجب في الذمة سليم تام الصفات فيرجع بما وجب له لأنها ما أعطته الذي وجب عليها له فإن قال إن أعطيتني ثوباً صفته كذا وكذا فأعطته ثوباً على تلك الصفات طلقت وملكه وان أعطته ناقصاً صفة لم يقع الطلاق ولم يملكه لأنه ما وجد الشرط فإن كان على الصفة لكن به عيب وقع الطلاق لوجود شرطه قال القاضي ويتخير بين امساكه ورده والرجوع بقيمته، وهذا قول الشافعي إلا أن له قولاً أن يرجع بمهر المثل على ما ذكرنا وعلى ما ذكرنا فيما تقدم أنه قال إذا قال إذا أعطيتني ثوباً أو عبداً أو هذا الثوب أو هذا العبد فأعطته إياه معيباً طلقت وليس له سواه، وقد نص أحمد على من قال إن أعطيتني هذا الألف فأنت طالق فإعطته إياه فوجده مصيبا فليس له البدل وقال أيضاً إن أعطيتني عبداً فأنت طالق فإذا

أعطته عبداً فهي طالق وتملكه وهذا يدل على أن كل موضع قال إن أعطيتني كذا فأعطته اياه فليس له غيره وذلك لأن الانسان لا يلزمه شئ إلا بالزام أو التزام ولم يرد الشرع بالزامها هذا ولا هي التزمته له وإنما علق طلاقها على شرط وهو عطيتها له ذلك فلا يلزمها شئ سواه وقد ذكرناه (فصل) إذا قال إن أعطيتني ألف درهم فأنت طالق فأعطته ألفاً أو أكثر طلقت لوجود الصفة وان عطته دون ذلك لم تطلق لعدمها وإن أعطته ألفاً وازنة لا ينقص في العدد طلقت وإن أعطته ألفاً عدداً ينقص في الوزن لم تطلق لأن إطلاق الدراهم ينصرف إلى الوازن من دراهم الإسلام وهي أن كل عشرة منها وزن سبعة مثاقيل ويحتمل أن الدراهم إذا كانت تنفق برؤوسها من غير وزن طلقت لأنها يقع عليها اسم الدراهم ويحصل منها مقصودها ولا تطلق إذا أعطته وازنة تنقص في العدد كذلك وإن أعطته ألفا مغشوشة بنحاس أو رصاص أو نحوه لم تطلق لأن إطلاق الألف يتناول ألفاً من الفضة وليس في هذه ألف من الفضة وإن زادت على ألف بحيث تكون فيها الفضة طلقت لأنها قد أعطته الفا فضة وان أعطته سبيكة تبلغ ألفا لم تطلق لأنها لا تسمى دراهم فلم توجد الصفة بخلاف المغشوشة فانها تسمى دراهم وإن أعطته الفاردئ الجنس خشونة أو سوادا أو كانت خشنة السكة لأن الصفة وجدت قال القاضي وله زدها وأخذ بدلها وهذا قد ذكرناه في المسألة التي قبلها * (مسألة) * (وإن قال اعطيتيني ثوبا هرويا فانت طالق فأعطته مروياً لم تطلق)

مسألة: وإن قال إن أعطيتني ثوبا هرويا فانت طالق فأعطته مرويا لم تطلق

لان الصفة التي علق الطلاق عليها لم توجد وان أعطته هرويا طلقت وإن خالعها على مروي فاعطته هرويا فالخلع واقع ويطالبها بما خالعها عليه وإن خالعها على ثوب بعينه على أنه هروي فبان مروياً فالخلع صحيح لأن جنسهما واحد وإنما ذلك اختلاف صفة فجرى مجرى العيب في العوض وهو مخير بين امساكه ولا شئ له غيره وبين رده وأخذ قيمته هروياً لأن مخالفة الصفة بمنزلة العيب في جواز الرد وقال أبو الخطاب وعندي أنه لا يستحق شيئاً سواه لأن الخلع على عينة وقد أخذه وإن خالعها على ثوب على أنه قطن فبان كتابا رده ولم يكن له إمساكه لأنه جنس آخر واختلاف الأجناس كاختلاف الأعيان بخلاف ما لو خالعها على هروي فخرج مروياً فإن الجنس واحد. (فصل) وكل موضع علق طلاقها على عطيتها اياء فمتى أعطته على صفة يمكنه القبض ببينة وقع الطلاق سواء قبضه منها أو لم يقبضه لأن العطية وجدت فإنه يقال أعطيته فلم يأخذ ولأنه علق اليمين على فعل من جهتها والذي من جهتها في العطية البدل على وجه يمكنه قبضه فإن هرب الزوج أو غاب قبل عطيتها أو قالت يضمنه لك زيد أو اجعله قصاصاً بمالي عليك وأعطته به رهناً أو أحالته به لم يقع الطلاق لأن العطية ما وجدت ولا يقع الطلاق بدون شرطه وكذلك كل موضع تعذرت العطية فيه لا يقع الطلاق سواء كان التعذر من جهته أو من جهتها أو من جهة غيرها لانتفاء الشرط ولو قالت طلقني بألف فطلقها استحق الألف وبانت وإن لم يقبض نص عليه أحمد وقال أحمد لو قالت لا أعطيك شيئاً يأخذها بالألف يعني ويقع الطلاق لأن هذا ليس بتعليق على شرط بخلاف الأول

* (فصل) * قال الشيخ رحمه الله (وإن قال إن أعطيتني أو إذا أعطيتني أو متى أعطيتني ألفاً فأنت طالق كان على التراخي أي وقت أعطته ألفاً طلقت وجملة ذلك أن تعليق الطلاق على شرط العطية أو الضمان أو التمليك لازم من جهة الزوج لزوماً لا سبيل إلى رفعه فإن المغلب فيها حكم التعليق المحض بدليل صحة تعليقه على الشروط ويقع الطلاق بوجود الشرط سواء كانت العطية على الفور أو التراخي وقال الشافعي إذا قال متى أعطيتني أو متى ما أعطيتني وأي حين أو أي زمان أعطيتني ألفاً فأنت طالق كان على التراخي وإن قال إن أعطيتني أو إذا أعطيتني ألفاً فأنت طالق كان على الفور فإن أعطته جواباً لكلامه وقع الطلاق وإن تأخر الاعطاء لم يقع الطلاق لأن قبول المعاوضات على الفور فإن لم يوجد تصريح منه بخلافه وجب حمل ذلك على المعاوضات بخلاف متى وأي فإن فيها تصريحاً بالتراخي ونصاً فيه وإن صارا معاوضة فإن تعليقه بالصفة جائز أما إن وإذا فانهما يحلان على الفور والتراخي فإذا تعلق بهما العوض حملا على الفور ولنا أنه علق الطلاق بشرط الإعطاء فكان على التراخي كسائر التعليق أو نقول علق الطلاق بلفظ مقتضاه التراخي فكان على التراخي كما لو خلا عن العوض والدليل على أنه يقتضي التراخي أنه يقتضيه إذا خلا عن العوض ومقتضيات الألفاظ لا تختلف بالعوض وعدمه وهذه المعاوضة معدول بها عن سائر المعاوضات بدليل جواز تعليقها على الشروط ويكون على التراخي فيما إذا علقها بمتى أو بأي وكذلك في

مسئلتنا، ولا يصح قياس ما نحن فيه على غيره من المعاوضات لما ذكرنا من الفرق، ثم يبطل قياسهم بقول السيد لعبده إن أعطيتني ألفا فأنت حر فانه كمسئلتنا وهو على التراخي على أننا قد ذكرنا أن حكم هذه الشروط حكم اللفظ المطلق. (فصل) إذا قال لامرأته أنت طالق بألف إن شئت لم تطلق حتى تشاء فإذا شاءت وقع الطلاق بائناً ويستحق الألف سواء سألته الطلاق فقالت طلقني بألف فأجابها أو قال ذلك لها ابتداء لأنه علق طلاقها على شرط فلم يوجد قبل وجوده، وتعتبر مشيئتها بالقول فإنها وإن كان محلها القلب فلا يعرف ما في القلب إلا بالنطق فتعلق الحكم به، ويكون ذلك على التراخي فمتى شاءت طلقت نص عليه أحمد ومذهب الشافعي كذلك إلا أنه على الفور عنده، ولو أنه قال لامرأته أمرك بيدك إن ضمنت لي ألفاً فقياس قول أحمد أنه على التراخي لأنه نص على أن أمرك بيدك على التراخي ونص على أنه إذا قال لها أنت طالق إن شئت أن لها المشيئة بعد مجلسها ومذهب الشافعي على الفور لما تقدم ولنا أنه لو قال لعبده إن ضمنت لي ألفا فأنت حر كان على التراخي، ولو قال له أنت حر على ألف إن شئت كان على التراخي والطلاق نظير العتق، فعلى هذا متى ضمنت له ألفاً كان أمرها بيدها وله الرجوع بما جعل إليها لأن أمرك بيدك توكيل منه لها، وله الرجوع فيه كما يرجع في الوكالة

وكذلك لو قال لزوجته طلقي نفسك إن ضمنت لي ألفاً فمتى ضمنت له ألفاً وطلقت نفسها وقع ما لم يرجع وإن ضمنت الألف ولم تطلق أو طلقت ولم تضمن لم يقع الطلاق * (مسألة) * (إذا قالت اخلعني بألف أو على ألف ففعل بانت واستحق الألف) لأن الباء للمقابلة وعلى في معناها فيقع العقد بهما ويستحق العوض ويكفي قوله وإن لم يذكر الألف لأن قوله جواب لما استدعته منه والسؤال كالمعاد في الجواب فأشبه ما لو قال بعني عبدك بألف فقال بعتكه وكذلك إن قالت طلقني ثلاثا بألف أو على ألف أو على أن لك ألفاً أو أن طلقتني فلك على ألف فقال أنت طالق لما ذكرنا. (فصل) فإن قالت اخلعني بألف فقال أنت طالق، فإن قلنا الخلع طلقة بائنة وقع واستحق الألف، لأنه أجابها الى ما بذلت العوض فيه، وإن قلنا هو فسح احتمل أن يستحق العوض أيضاً، لأن الطلاق يتضمن ما طلبت وهو البينونة وفيه زيادة نقصان العدد فأشبه ما لو قالت طلقني واحدة بألف فطلقها ثلاثاً واحتمل أن لا يستحق شيئاً لأنها استدعت منه فسخاً فلم يجبها إليه وأوقع ما طلبته ولا بذلت فيه عوضاً، فعلى هذا يحتمل أن يقع الطلاق رجعياً لأنه أوقعه مبتدئاً به غير مبذول فيه عوض فأشبه ما لو طلقها ابتداء، ويحتمل أن لا يقع لأنه أوقعه بعوض فإذا لم يحصل العوض لم يقع لأنه كالشرط فيه فأشبه ما لو قال إن أعطيتني ألفاً فأنت طالق، فإن قالت طلقني بألف قال خلعتك فان

مسألة: إذا قالت اخلعني بألف أو على ألف ففعل بانت واستحق الألف

قلنا هو طلاق استحق العوض لأنه طلقها، وإن نوى به الطلاق فكذلك لأنه كناية فيه، وإن لم ينو الطلاق وقلنا ليس بطلاق لم يستحق عوضاً لأنه ما أجابها الى ما بذلت العوض فيه ولا يتضمنه لأنها سألته طلاقاً ينقص به عدد الطلاق فلم يجبها إليه وإذا لم يجب العوض لم يصح الخلع لأنه إنما خالعها معتقداً لحصول العوض فإذا لم يحصل لم يصح ويحتمل أن يكون كالخلع بغير عوض فيه من الخلاف ما فيه * (مسألة) * (وإذا قالت طلقني واحدة بألف فطلقها ثلاثا استحق الألف) وقال محمد بن الحسن قياس قول أبي حنيفة أنه لا يستحق شيئاً لأن الثلاث مخالفة للواحدة لأن تحريمها لا يرتفع إلا بزوج واصابة وقد لا يريد ذلك ولا يبذل العوض فيه فلم يكن إيقاعاً لما استدعته بل هو ايقاع مبتدأ فلم يستحق شيئاً ولنا أنه أوقع ما استدعته وزيادة لأن الثلاث واحدة واثنتان وكذلك لو قال طلقي نفسك ثلاثاً فطلقت نفسها واحدة وقع فيستحق العوض بالواحدة وما حصل من الزيادة التي لم تبذل العوض فيها لا يستحق بها شيئاً، وإن قال لها أنت طالق بألف وطالق وطالق وقعت الأولى بائنة ولم تقع الثانية ولا الثالثة وهذا مذهب الشافعي، وإن قال لها أنت طالق وطالق وطالق بألف وقع الثلاث، وإن قال أنت طالق وطالق وطالق ولم يقل بألف قيل له أيتهن أوقعت بالألف؟ فإن قال الأولى بانت بها،

مسألة: وإذا قالت طلقني واحدة بألف فطلقها ثلاثا استحق الألف

ولم يقع ما بعدها، وإن قال الثانية بانت بها ووقع بها طلقتان ولم تقع الثالثة، وإن قال الثالثة وقع الكل، وإن قال نويت أن الألف في مقابلة الكل بانت بالأولى وحدها ولم يقع بها ما بعدها لأن الأولى حصل في مقابلتها عوض وهو قسطها من الألف فبانت بها وله ثلث الألف لأنه رضي أن يوقعها بذلك مثل أن تقول طلقني بألف فيقول أنت طالق بخمسمائة هكذا ذكره القاضي وهو مذهب الشافعي ويحتمل أن يستحق الألف لأنه أتى بما بذلت بالعوض فيه بنية العوض فلم يسقط بعضه بنيته كما لو قال رد عبدي بألف فرده ينوي خمسمائة وإن لم ينو شيئاً استحق الألف بالاولى ولم يقع ما بعدها، ويحتمل أن يقع الثلاث لأن الواو للجمع لا تقتضي ترتيباً فهو كقوله أنت طالق ثلاثاً بألف وكذلك لو قال ذلك لغير مدخول بها أو قال أنت طالق وطالق وطالق بألف طلقت ثلاثا * (مسألة) * (وإن قالت طلقني ثلاثا بألف فطلقها واحدة لم يستحق شيئاً ويحتمل أن يستحق ثلث الألف) فعلى هذا يقع الطلاق ولا يستحق شيئاً، ويحتمل أن يستحق ثلث الألف وهو قول أبي حنيفة وصاحبه ومالك والشافعي لأنها استدعت منه فعلاً بعوض فإذا فعل بعضه استحق بقسطه كما لو قال: من رد عبيدي فله ألف فرد ثلثهم استحق ثلث الألف وكذلك في بناء الحائط وخياطة الثوب

مسألة: وإن قالت طلقني ثلاثا بألف فطلقها واحدة لم يستحق شيئا ويحتمل أن يستحق ثلث الألف

ولنا أنها بذلت العوض في مقابلة شئ لم يجبها إليه فلم يستحق شيئاً كما لو قال في المسابقة: من سبق إلى خمس اصابات فله ألف فسبق الى بعضها، أو قال بعني عبدك بألف فقال بعتك أحدهما بخمسمائة، وكما لو قالت طلقني ثلاثا على ألف عند أبي حنيفة، فإن قيل الفرق بينهما أن الباء للعوض دون الشرط وعلى للشرط فكأنها شرطت في استحقاقه الألف أن يطلقها ثلاثاً، قلنا لا نسلم أن على للشرط فإنها ليست مذكورة في حروفه وإنما معناها ومعنى الباء واحد وقد سوى بينهما فيما إذا قالت طلقني وضرتي بألف أو على ألف ومقتضى اللفظ لا يختلف بكون المطلقة واحدة أو اثنتين (فصل) فإن قالت طلقني ثلاثاً ولك ألف فهي كالتي قبلها إن طلقها أقل من ثلاث وقع الطلاق ولا شئ له، وإن طلقها ثلاثا استحق الألف، ومذهب الشافعي وأبي يوسف ومحمد فيها كمذهبهم في التي قبلها، وقال أبو حنيفة لا يستحق شيئاً، وإن طلقها ثلاثاً لأنه لم يعلق الطلاق بالعوض ولنا أنها استدعت منه الطلاق بالعوض فأشبه ما لو قال رد عبدي ولك ألف فرده، وقوله لم تعلق الطلاق بالعوض ممنوع فإن معنى الكلام ولك ألف عن طلاقي فإن قرينة الحال دالة وإن قالت طلقني وضرتي بألف أو على ألف علينا فطلقها وحدها طلقت وعليها قسطها من الألف لأن عقد الواحد مع الاثنين بمنزلة العقدين وخلعه للمرأتين بعوض عليهما خلعان فجاز أن ينعقد أحدهما صحيحاً موجباً للعوض دون الآخر وإن كان العوض منها وحدها فلا شئ له في قياس المذهب لأن العقد لا يتعدد بتعدد

العوض وكذلك لو اشترى من إنسان عبدين بثمن واحد كان عقداً واحداً بخلاف ما إذا كان العاقد من أحد الطرفين اثنين فإنه يكون عقدين * (مسألة) * (وإن لم يكن بقي من طلاقها إلا واحدة ففعل استحق الألف علمت أو لم تعلم ويحتمل أن لا يستحق إلا ثلثه إذا لم تعلم) إذا قالت طلقني ثلاثا، بألف ولم يكن بقي من طلاقها إلا واحدة فطلقها واحدة أو ثلاثا بانت بثلاث. قال أصحابنا ويستحق الألف علمت أو لم تعلم وهو منصوص الشافعي. وقال المزني لا يستحق إلا ثلث الألف لأنه إنما طلقها ثلث ما طلبت منه فلا يستحق إلا ثلث الألف كما لو كان طلاقها ثلاثا ويحتمل أن لا يستحق إلا ثلثه إذا لم تعلم وهو قول ابن شريح لأنها إن كانت عالمة كان معنى كلامها كمل لي الثلاث وقد فعل ذلك. ووجه قول أصحابنا أن هذه الواحدة كملت الثلاث وحصلت ما يحصل بالثلاث من البينونة وتحريم العقد فوجب بها العوض كما لو طلقها ثلاثا (فصل) فإن لم يكن في طلاقها إلا واحدة فقالت طلقني بألف واحدة أبني بها واثنتين في نكاح آخر فقال أبو بكر قياس قول أحمد أنه إذا طلقها واحدة استحق العوض فإن تزوج بها بعد ولم يطلقها رجعت عليه بالعوض لانه بذلت العوض في مقابلة ثلاث، فإذا لم يوقع الثلاث لم يستحق العوض كما لو كانت ذات تطليقات ثلاث فقالت طلقني ثلاثا فلم يطلقها إلا واحدة. ومقتضى هذا أنه إذا لم

مسألة: وإن لم يكن بقي من طلاقها إلا واحدة ففعل استحق الألف علمت أو لم تعلم ويحتمل أن لا يستحق إلا ثلثه إذا لم تعلم

ينكحها نكاحا آخر أنها ترجع عليه بالعوض وإنما يفوت نكاحه إياها بموت أحدهما، وإن نكحها نكاحا آخر وطلقها اثنتين لم ترجع عليه بشئ، وإن لم يطلقها إلا واحدة رجعت عليه بالعوض كله. وقال القاضي الصحيح من المذهب أن هذا لا يصح في الطلقتين الآخرتين لأنه سلف في طلاق ولا يصح السلف في الطلاق ولأنه معاوضة على الطلاق قبل النكاح لا يصح فالمعاوضة عليه أولى، فإذا بطل فيهما انبنى ذلك على تفريق الصفقة فان قلنا تفرق فله ثلث الألف وإن قلنا لا تفرق فسد العوض في الجميع ويرجع بالمسمى في عقد النكاح. (فصل) ولو قالت طلقني عشرا بألف فطلقها واحدة أو اثنتين فلا شئ له لأنه لم يجبها الى ما سألت فلا يستحق عليها ما بذلت، وإن طلقها ثلاثا استحق الألف على قياس قول أصحابنا فيما إذا قال طلقني ثلاثا بألف ولم يكن بقي من طلاقها إلا واحدة فطلقها واحدة استحق الألف لأنه قد حصل بذلك جميع المقصود. * (مسألة) * (ولو لم يكن بقي من طلاقها إلا واحدة فقالت طلقني ثلاثا بألف فقال أنت طالق طلقتين الأولى بألف والثانية بغير شئ وقعت الأولى واستحق الألف ولم تقع الثانية، وإن قال الاولى بغير شئ وقعت وحدها ولم يستحق شيئاً لأنه لم يجعل لها عوضاً وكملت الثلاث وإن قال إحداهما بألف لزمها ألف لأنها طلبت منه طلقة بألف فأجابها إليه وزادها أخرى.

مسألة: ولو لم يكن بقي من طلاقها إلا واحدة فقالت طلقني ثلاثا بألف فقال أنت طالق طلقتين الأولى بألف والثانية بغير شيء وقعت الأولى واستحق الألف ولم تقع الثانية

(فصل) وإن قالت طلقني بألف الى شهر أو أعطته ألفاً على أن يطلقها الى شهر فقال إذا جاء رأس الشهر فأنت طالق صح ذلك واستحق العوض ووقع الطلاق عند رأس الشهر بائناً لأنه بعوض وإن طلقها قبل مضي الشهر طلقت ولا شئ له ذكره أبو بكر وقال روى ذلك عن أحمد علي بن سعيد وذلك لأنه إذا طلقها قبل رأس الشهر فقد اختار إيقاع الطلاق من غير عوض، وقال الشافعي إذا أخذ منها ألفاً على أن يطلقها الى شهر فطلقها بألف بانت وعليها مهر المثل لأن هذا سلف في طلاق فلم يصح لأن الطلاق لا يثبت في الذمة ولأنه عقد تعلق بعين فلا يجوز شرط تأخير التسليم فيه. ولنا أنها جعلت عوضاً صحيحاً على طلاقها فإذا طلقها استحقه كما لو لم يقل الى شهر ولأنها جعلت له عوضاً صحيحاً على طلاقها فلم تستحق أكثر منه كالأصل، وإن قالت لك ألف على أن تطلقني أي وقت شئت من الآن الى شهر صح في قياس المسألة التي قبلها وقال القاضي لا يصح لأن زمن الطلاق مجهول فإذا طلقها فله مهر المثل وهذا مذهب الشافعي لأنه طلقها على عوض لم يصح إفساده ولنا ما تقدم في التي قبلها ولا تضر الجهالة في وقع الطلاق لأنه مما يصح تعليقه على الشرط فصح بذل العوض فيه مجهول الوقت كالجعالة ولأنه لو قال متى أعطيتني ألفاً فأنت طالق صح وزمنه مجهول أكثر

من الجهالة ههنا في شهر واحد ويتم في العمر كله وقول القاضي له مهر المثل مخالف لقياس المذهب فانه ذكر في المواضع التي يفسد فيها العوض أن له المسمى فكذلك يجب أن يكون ههنا إن حكمنا بفساده والله أعلم * (مسألة) * (وإن كان له امرأتان مكلفة وغير مكلفة مميزة فقال لهما أنتما طالقتان إن شئتما فقالتا قد شئنا لزم المكلفة نصف الألف وطلقت بائناً ووقع بالأخرى رجعيا ولا شئ عليها) إنما كان كذلك لأن المكلفة إذا كانت رشيدة فمشيئتها صححية وتصرفها في مالها صحيح فيقع الطلاق عليهما ويجب على الرشيدة بقسطها من العوض ووقع بائناً ويقسط العوض بينهما على قدر مهريهما في ظاهر المذهب وعلى قول أبي بكر يكون بينهما نصفين ولا شئ على غير المكلفة وكذلك إن كانت محجوراً عليها للسفه ويقع الطلاق عليها رجعياً لأن لها مشيئة بقسطها ولكن الحجر وعدم التكليف منع صحة تصرفها ونفوذه فإن كانت (إحداهما) مجنونة أو صغيرة غير مميزة لم تصح المشيئة منهما ولم يقع الطلاق (فصل) فإن كانتا رشيدتين وقع الطلاق بهما بائناً إذا قالتا قد شئنا ويلزمهما العوض بينهما على قدر مهريهما في الصحيح من المذهب وهو قول ابن حامد ومذهب أهل الرأي وأحد قولي الشافعي وقال

مسألة: وإن كان له امرأتان مكلفة وغير مكلفة مميزة فقال لهما أنتما طالقتان إن شئتما، فقالتا قد شئنا لزم المكلفة نصف الألف وطلقت بائنا ووقع بالأخرى رجعيا ولا شيء عليها

في الآخر يلزم كل واحدة منهما مهر مثلها وعلى قول أبي بكر من أصحابنا يكون العوض بينهما نصفين وأصل هذا في النكاح إذا تزوج امرأتين بمهر واحد وقد ذكرناه فإن شاءت (إحداهما) دون الأخرى لم تطلق واحدة منهما لأنه جعل مشيئتها شرطاً في طلاق كل واحدة منهما ويخالف هذا ما إذا قال أنتما طالقتان بألف فقبلت إحداهما دون الأخرى لزمه الطلاق بعوضه لأنه لم يجعل لطلاقها شرطاً وههنا علق طلاق كل واحدة منهما بمشيئتهما جميعاً ويتعلق الحكم بمشيئتهما لفظاً إذا قالتا قد شئنا لأن ما في القلب لا سبيل إلى معرفته فلو قال الزوج ما شئتما وإنما قلتما ذلك بألسنتكما أو قالتا ما شئنا بقلوبنا لم يقبل * (مسألة) * (فإن قال لامرأته أنت طالق وعليك ألف طلقت ولا شئ عليها لأنه لم يجعل له العوض في مقابلتها ولا شرطاً فيها وإنما عطف ذلك على طلاقها فأشبه ما لو قال أنت طالق وعليك الحج فإن أعطته المرأة عن ذلك عوضاً لم يكن عوضا لانه لم يقابله شئ وكان ذلك هبة مبتدأة تعتبر فيها شرائط الهبة وإن قالت المرأة ضمنت لك ألفاً لم يصح لأن الضمان إنما يكون عن غير الضامن لحق واجب أو مآله الى الوجوب وليس ههنا شئ من ذلك وذكر القاضي أنه يصح لأن ضمان ما لم يجب يصح قال شيخنا ولم أعرف لذلك وجهاً الان أن يكون أراد أنها إذا قالت له قبل طلاقها ضمنت لك ألفاً على أن تطلقني فقال أنت طالق وعليك ألف وقع الطلاق وعليها ألف لأن قوله أنت طالق يكفي في صحة الخلع واستحقاق العوض وما وصل به تأكيد فإن اختلفا فقال أنت استدعيت مني الطلاق

مسألة: فإن قال لامرأته أنت طالق وعليك ألف طلقت ولا شيء عليها لأنه لم يجعل له العوض في مقابلتها ولا شرطا فيها

بألف فأنكرته فالقول قولها لأن الأصل عدمه فإذا حلفت برئت من العوض وبانت لأن قوله مقبول في في بينونتها لأنها حقه غير مقبول في العوض لأنه عليها وهذا مذهب الشافعي وأبي حنيفة وإن قال ما استدعيت مني الطلاق وإنما أنا ابتدأت به فلي عليك الرجعة وادعت أن ذلك كان جواباً لاستدعائها فالقول قول الزوج لأن الأصل معه ولا يلزمها الألف لأنه لا يدعيه * (مسألة) * (وإن قال أنت طالق على ألف) فالمنصوص عن أحمد أن الطلاق يقع رجعياً كقوله أنت طالق وعليك ألف فإنه قال في رواية مهنا في الرجل يقول لامرأته أنت طالق على ألف درهم فلم تقل هي شيئاً فهي طالق تملك الرجعة وقال القاضي في المجرد ذلك للشرط تقديره إن ضمنت لي ألفا فأنت طالق فإن ضمنت له ألفاً وقع الطلاق بائناً وإلا لم يقع وكذا الحكم إذا قال أنت طالق على أن لي عليك ألفاً فقياس قول أحمد أن الطلاق يقع رجعياً ولا شئ له وعلى قول القاضي إن قبلت ذلك لزمها الألف وكان خلعاً وإلا لم يقع الطلاق وهو ظاهر كلام الخرقي لأنه استعمل على بمعنى الشرط في كتابه في مواضع منها قوله إذا نكحها على أن لا يتزوج عليها فلها فراقه أن تزوج عليها وذلك أن على تستعمل بمعنى الشرط بدليل قوله تعالى في قصة شعيب (إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج) وقوله (فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا؟) وقال موسى (هل أتبعك على ان تعلمني مما علمت رشدا؟) ولو قال في النكاح زوجتك ابنتي على صداق كذا صح فإذا أوقعه بعوض لم يقع بدونه وجرى مجرى قوله أنت طالق إن أعطيتني ألفاً ووجه الأول أنه أوقع الطلاق غير معلق بشرط وجعل عليها

مسألة: وإن قال بألف فكذلك ويحتمل أن لا تطلق حتى تختار فيلزمها الألف

عوضاً لم تبذله فوقع رجعياً من غير عوض كما لو قال أنت طالق وعليك ألف ولأن على ليست للشروط ولا للمعاوضة ولذلك لا يصح ثوبي على دينار * (مسألة) * (وإن قال بألف فكذلك ويحتمل أن لا تطلق حتى تختار فيلزمها الألف) يعني أن قوله أنت طالق بألف مثل قوله أنت طالق على ألف لأنها ليست من حروف الشرط والأولى أنها لا تطلق في قوله بألف حتى تختار فيلزمها الألف كما ذكره القاضي في على ألف لأنها إن لم تكن من حروف الشرط فهي للمعاوضة في قوله بعتك بكذا وزوجتك بكذا فإنه يصح البيع والنكاح بغير خلاف فإن قال أنت طالق ثلاثاً فقالت قد قبلت واحدة وقع الثلاث واستحق الألف لأن إيقاع الطلاق إليه وإنما علقه بعوض يجري مجرى الشرط من جهتها وقد وجد الشرط فيقع الطلاق وإن قالت قبلت بألفين وقع ولم يلزمها الألف الزائد لأن القبول لما أوجبه دون ما لم يوجبه فإن قالت قبلت بخمسمائة لم يقع لأن الشرط لم يوجد وإن قالت قبلت واحدة من الثلاث بثلث الألف لم يقع لأنه لم يرض بانقطاع رجعته عنها إلا بألف وإن قال أنت طالق طلقتين (إحداهما) بألف وقعت بها واحدة لأنها بغير عوض ووقعت الأخرى على قولها لأنها بعوض (فصل) إذا قال الأب طلق ابنتي وأنت برئ من صداقها فطلقها وقع الطلاق رجعياً ولم يبرأ من شئ ولم يرجع على الأب ولم يضمن له لأنه برأه مما ليس له الابراء منه فأشبه الأجنبي قال

القاضي وقد قال أحمد أنه يرجع على الأب قال القاضي هذا محمول على أن الزوج كان جاهلا بأن إبراء الأب لا يصح فكان له الرجوع عليه كما لو غره فزوجه معيبة وإن علم أن ابراء الأب لا يصح لم يرجع عليه بشئ ويقع الطلاق رجعياً لأنه خلا عن العوض وفي الموضع الذي يرجع عليه يقع الطلاق بائناً لأنه بعوض فإن قال الزوج هي طالق إن أبرأتني من صداقها فقال قد أبرأتك لم يقع الطلاق لأنه لم يبرأ وروى عن أحمد أن الطلاق واقع فيحتمل أنه أوقعه إذا قصد الزوج تعليق الطلاق على مجرد التلفظ بالابراء دون حقيقة البراءة وإن قال الزوج هي طالق إن أبرأتني من صداقها لم يقع لأنه علقه على شرط لم يوجد وإن قال الأب طلقها على ألف من مالها وعلي الدرك فطلقها طلقت بائناً لأنه بعوض وهو ما لزم الأب من ضمان الدرك ولا يملك الألف لأنه ليس له بدلها. * (فصل) * قال الشيخ رحمه الله (وإذا خالعته في مرض موتها فله الأقل من المسمى أو ميراثه منها) المخالعة في المرض صحيحة سواء كان المريض الزوج أو الزوجة أو هما جميعاً لأنها معاوضة فتصح في المرض كالبيع ولا نعلم في هذا خلافاً ثم إذا خالعته المريضة بميراثه منها فما دونه صح ولا رجوع، وإن خالعته بزيادة بطلت الزيادة وهذا قول الثوري واسحاق، وقال أبو حنيفة له العوض كله وإن أجابته فمن الثلث لأنه ليس بوارث لها فصحت محاباتها له من الثلث كالأجنبي، وعن مالك كالمذهبين وعنه يعتبر بخلع مثلها، وقال الشافعي إن خالعت بمهر مثلها جاز وإن زاد فالزيادة من الثلث ولنا أنه لا يعتبر مهر المثل لأن خروج البضع من ملك الزوج غير متقوم بما قدمناه واعتبار مهر

المثل يقوم له وعلى إبطال الزيادة أنها متهمة في أنها قصدت الخلع لتوصل إليه شيئاً من مالها بغير عوض على وجه لم تكن قادرة عليه وهو وارث لها فبطل كما لو أوصت له أو أقرت له، وأما قدر الميراث فلا تهمة فيه فإنها لو لم تخالعه لورث ميراثه وإن صحت من مرضها ذلك صح الخلع وله جميع ما خالعها به لأننا تبينا أنه ليس بمرض الموت والخلع في غير مرض الموت كالخلع في الصحة * (مسألة) * (وإن خالعها في مرض موته وأوصى لها بأكثر من ميراثها لم تستحق أكثر من ميراثها) أما خلعه لزوجته فلا إشكال في صحته سواء كان بمهر مثلها أو أقل أو أكثر وإن أوصى لها بمثل ميراثها أو أقل صح لأنه لا تهمة في أنه أبانها ليعطيها ذلك فإنه لو لم يبنها لأخذته بميراثها وإن أوصى لها بزيادة عليه فللورثة منعها ذلك لانه اتهم في أنه قصد إيصال ذلك إليها لأنه لم يكن له سبيل الى إيصاله إليها وهي في حباله وطلقها ليوصل ذلك إليها فمنع منه كما لو أوصى لوارث * (مسألة) * (وإن خالعها وحاباها فهو من رأس المال) مثل أن يخالعها بأقل من مهر مثلها أو يكون قادراً بألف فخالعها بمائة لم يحسب ما حاباها به من الثلث إذا كان في مرض موته ولا يعتبر من الثلث لأنه لو طلق بغير عوض لصح فلأن يصح بعوض أولى ولأن الورثة لا يفوتهم بخلعه شئ فإنه لو مات وله امرأة لبانت بموته ولم تنتقل إلى ورثته (فصل) إذا خالع امرأة في مرضها بأكثر من مهرها فللورثة أن لا يعطوه أكثر من ميراثه منها

مسألة: وإن خالعها وحاباها فهو من رأس المال

لأنها متهمة في أنها قصدت إيصال أكثر من ميراثه إليه وعند مالك إن زاد على مهر المثل فالزيادة مردودة وعنه أن خلع المريضة باطل وقال الشافعي الزيادة على مهر المثل محاباة تعتبر من الثلث وقال أبو حنيفة إن خالعها قبل دخوله بها بعد انقضاء عدتها فالعوض من الثلث ومثال ذلك امرأة اختلعت من زوجها بثلاثين لا مال لها سواها وصداق مثلها اثنا عشر فله خمسة عشر سواء قل صداقها أو كثر لأنها قدر ميراثه وعند الشافعي له ثمانية عشر اثنا عشر لانها قدر صداقها وثلث باقي المال بالمحاباة وهو ستة وإن كان صداقها ستة فله أربعة عشر لأن ثلث الباقي ثمانية (فصل) مريض تزوج امرأة على مائة لا يملك غيرها ومهر مثلها عشرة ثم مرضت فاختلعت منه بالمائة ولا مال لها سواها فلها مهر مثلها ولها شئ بالمحاباة والباقي له ثم يرجع إليه نصف مالها بالمحاباة وهو خمسة ونصف شئ وصار مع ورثته خمسة وتسعون إلا نصف شئ يعدل شيئين فبعد الجبر يخرج به الشئ ثمانية فقد صح لها بالصداق والمحاباة ثمانية وأربعون وبقي مع ورثته اثنان وخمسون ورجع إليه بالخلع أربعة وعشرون فصار معهم ستة وسبعون وبقي للمرأة أربعة وعشرون وعند الشافعي يرجع إليهم صداق المثل وثلث شئ بالمحاباة فصار بأيديهم مائة إلا ثلث شئ يعدل شيئين فالشئ ثلاثة أثمانها وهو سبعة وثلاثون ونصف فصار لها ذلك ومهر المثل، رجع إليه مهر المثل وثلث الباقي اثنا عشر ونصف فيصير بأيدي ورثته خمسة وسبعون وهو مثلا محاباتها وعند أبي حنيفة يرجع إليهم ثلث

العشرة وثلث الشئ فصار معهم ثلاثة وتسعون وثلث إلا ثلثي شئ فالشئ ثلاثة أثمانها وهو خمسة وثلاثون مع العشرة صار لها خمسة وأربعون ورجع الى الزوج ثلثها صار لورثته سبعون ولورثتها ثلاثون هذا إذا مات بعد انقضاء عدتها وإن تركت المرأة مائة أخرى فعلى قولنا يبقى مع ورثة الزوج مائة وخمسة وأربعون إلا نصف شئ يعدل شيئين والشئ خمساً ذلك وهو ثمانية وخمسون وهذا الذي صحت المحاباة فيه صار لها ذلك وعشرة مهر المثل صار لها مائة وثمانية وستون يرجع الى الزوج نصفها أربعة وثمانون صار له مائة وستة عشر ولورثتها أربعة وثمانون (فصل) ولو خالعته بمحرم وهما كافران فقبضته ثم أسلما أو أحدهما لم يرجع عليها بشئ لأن الخلع من الكفار جائز سواء كانوا أهل ذمة أو أهل حرب لأن من ملك الطلاق ملك المعاوضة عليه كالمسلم فإن تخالعا بعوض صحيح ثم أسلما وترافعا الى الحاكم أمضى ذلك بينهما كالمسلمين وإن كان بمحرم كخمر وخنزير فقبضته ثم أسلما وترافعا إلينا أو أسلم أحدهما امضى ذلك عليهما ولم يعرض له ولم يزده ولم يبق له عليها شئ كما لو أصدقها خمراً ثم أسلما أو تبايعا خمرا وتقابضا ثم أسلما وإن كان اسلامهما أو ترافعهما قبل القبض لم يمضه الحاكم ولم يأمر باقباضه لأن الخمر والخنزير لا يكون عوضاً لمسلم أو من مسلم ولا يأمر الحاكم باقباضه قال القاضي في الجامع ولا شئ له لأنه رضي منها ما ليس بمال كالمسلمين إذا تخالعا بخمر وقال في المجرد يجب مهر المثل وهو مذهب الشافعي لأن العوض فاسد فرجع إلى قيمة المتف وهو مهر المثل وكلام الخرقي يدل بمفهومه على أنه يجب لأن تخصيصه بحالة القبض ينفي الرجوع

يدل على الرجوع مع عدم القبض، والفرق بينه وبين المسلم أن المسلم لا يعتقد أن الخمر والخنزير مالا فإذا رضي به عوضاً فقد رضي بالخلع بغير مال فلم يكن له شئ والمشرك يعتقده مالاً فلم يرض بالخلع بغير عوض فيكون العوض واجباً له كما لو خالعها على حر يظنه عبداً أو خمر يظنه خلا. إذا ثبت أنه يجب له العوض فذكر القاضي أنه مهر المثل كما لو تزوجها على خمر ثم أسلما وعلى ما عللناه به يقتضي وجوب قيمة ما سمى لها على تقدير كونه مالا فإنه رضي بمالية ذلك فيكون له قدرة من المال كما لو خالعها على خمر يظنه خلا وإن حصل القبض في بعضه دون بعض سقط ما قبض وفيما لم يقبض الوجوه الثلاثة والأصل فيه قوله تعالى (وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين) * (مسألة) * (وإذا وكل الزوج في خلع امرأته مطلقاً فخالع بمهرها فما زاد صح وان نقص من المهر رجع على الوكيل بالنقص ويحتمل أن يتخير بين قبوله ناقصاً وبين رده وله الرجعة وإن عين له العوض فنقص منه لم يصح الخلع عند ابن حامد وصح عند أبي بكر ويرجع على الوكيل بالنقص) يصح التوكيل في الخلع من كل واحد من الزوجين ومن أحدهما منفرداً وكل من صح أن يتصرف في الخلع لنفسه صح توكيله ووكالته حراً كان أو عبداً ذكرا أو انثى مسلما كان أو كافراً محجوراً عليه أو رشيداً لأن كل واحد منهم يجوز أن يوجب الخلع فصح أن يكون وكيلاً وموكلا كالحر الرشيد وهو مذهب الشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه مخالفاً. ويكون توكيل المرأة في ثلاثة أشياء: استدعاء الخلع أو الطلاق وتقدير العوض وتسليمه، وتوكيل الرجل في ثلاثة أشياء: شرط العوض وقبضه وإيقاع الطلاق أو الخلع ويجوز

مسألة: وإذا وكل الزوج في خلع امرأته مطلقا فخالع بمهرها فما زاد صح، وإن نقص من المهر رجع على الوكيل بالنقص ويحتمل أن يتخير بين قبوله ناقصا وبين رده وله الرجعة، وإن عين له العوض فنقص منه لم يصح الخلع عند ابن حامد. وصح عند كأبي بكر ويرجع على الوكي

التوكيل مع تقدير العوض ومن غير تقدير لأنه عقد معاوضة فصح كذلك كالبيع والنكاح، والمستحب التقدير لأنه أسلم من الغرر وأسهل على الوكيل لاستغنائه عن الاجتهاد، فإن وكل الزوج لم يخل من حالين (أحدهما) أن يقدر له العوض فإن خالع به أو بما زاد صح ولزم المسمى لأنه فعل ما أمر به وإن خالع بأقل منه ففيه وجهان (أحدهما) لا يصح الخلع وهو اختيار ابن حامد ومذهب الشافعي لأنه خالف موكله فلم يصح تصرفه كما لو وكله في خلع امرأة فخالع أخرى ولأنه لم يؤذن له في الخلع بهذا العوض فلم يصح منه كالاجنبي (والثاني) يصح ويرجع على الوكيل بالنقص وهذا قول أبي بكر لأن المخالفة في قدر العوض لا تبطل الخلع كحالة الاطلاق والأول أولى. فإن خالف في الجنس مثل أن يأمره بالخلع على دراهم فيخالع على عبد أو بالعكس أو يأمره بالخلع حالاً فخالع على عوض نسيئة فالقياس أنه لا يصح لأنه مخالف لموكله في جنس العوض فلم يصح كالوكيل في البيع ولأن ما خالع به لا يملكه الموكل لكونه لم يأذن فيه ولا الوكيل لأنه لم يوجد السبب بالنسبة إليه، وفارق المخالفة في القدر لأنه أمكن جبره بالرجوع بالنقص على الوكيل، وقال القاضي: القياس أن يلزم الوكيل القدر الذي أذن فيه ويكون له ما خالع به قياساً على المخالفة في القدر وهذا يبطل بالوكيل في البيع ولأن هذا خلع لم يأذن فيه الزوج فلم يصح كما لو لم يوكله في شئ ولأنه يفضي إلى أن يملك عوضاً ما ملكته إياه المرأة ولا قصد هو تمليكه وتنخلع المرأة من زوجها بغير عوض لزمها له بغير إذنه، وأما المخالفة في القدر فلا يلزم فيها ذلك مع أن الصحيح أنه لا يصح فيها أيضاً لما تقدم (الحال الثاني) إذا أطلق الوكالة فإنه يقتضي الخلع بمهرها المسمى حالاً من جنس نقد البلد فإن خالع بذلك فما زاد صح

لأنه زاده خيراً، وإن خالع بدونه ففيه الوجهان المذكوران فيما إذا قدر له العوض فخالع بدونه، وذكر القاضي احتمالين آخرين (أحدهما) أن يسقط المسمى ويجب مهر المثل لأنه خالع بما لم يؤذن له فيه (والثاني) يتخير الزوج بين قبول العوض ناقصاً وبين رده وله الرجعة فإن خالع بغير نقد البلد فحكمه حكم ما لو عين له عوضاً فخالع بغير جنسه وإن خالع الوكيل بما ليس بمال كالخمر والخنزير لم يصح الخلع ولم يقع الطلاق لأنه غير مأذون له فيه ذكره القاضي في المجرد وهو مذهب الشافعي، وسواء عين له العوض أو أطلق، وذكر في الجامع أن الخلع يصح ويرجع على الوكيل بالمسمى ولا شئ على المرأة. هذا إذا قلنا إن الخلع بغير عوض يصح وإن قلنا لا يصح لم يصح إلا أن يكون بلفظ الطلاق فيقع طلقة رجعية. واحتج بأن وكيل الزوجة لو خالع بذلك صح فكذلك وكيل الزوج، وهذا القياس غير صحيح فإن وكيل الزوج إذا خالع على محرم فوت على موكله العوض ووكيل الزوجة يخلصها منه فلا يلزم من الصحة في موضع يخلص موكله من وجوب العوض عليه الصحة في موضع يفوته عليه الا ترى أن وكيل الزوجة لو صالح بدون العوض الذي قدر له به صح ولزمها ولو خالع وكيل الزوج بدون العوض الذي قدره له لم يصح * (مسألة) * (وإن وكلت المرأة في خلعها فخالع بمهرها فما دون أو بما عينته فما دون صح وإن زاد لم يصح ويحتمل أن يصح وتبطل الزيادة)

متى خالع وكيل المرأة بما عينته له فما دونه صح ولزمها ذلك لأنه زادها خيراً وإن خالعها بأكثر منه صح ولم تلزمها الزيادة لأنها لم تأذن فيها ولزم الوكيل لأنه التزمه للزوج فلزمه الضمان كالمضارب إذا اشترى من يعتق على رب المال، وقال القاضي في المجرد عليها مهر مثلها ولا شئ على وكيلها لأنه لا يقبل العقد لنفسه إنما يقبله لغيره ولعل هذا مذهب الشافعي، والأولى أنه لا يلزمها أكثر مما بذلته لأنها ما التزمت أكثر منه ولا وجد منها تغرير للزوج ولا ينبغي أن يجب للزوج أيضاً أكثر مما بذل له الوكيل لأنه رضي بذلك عوضاً وهو عوض صحيح معلوم فلم يكن له أكثر منه أشبه ما لو بذلته المرأة فإن أطلقت الوكالة اقتضى خلعها بمهرها من جنس نقد البلد فإن خالعته بمهرها فما دون صح ولزمها وإن خالعته باكثر منه فهو كما لو خالع بأكثر مما قدرت له على ما مضى من القول فيه * (مسألة) * (وان تخالعا تراجعا بما بينهما من الحقوق وعنه أنها تسقط) إذا خالع زوجته أو بارأها بعوض فإنهما يتراجعان بما بينهما من الحقوق، فإن كان قبل الدخول فلها نصف المهر فإن كانت قبضته ردت نصفه وإن كانت مفوضة فلها المتعة، وهذا قول عطاء والنخعي والزهري والشافعي، وقال أبو حنيفة ذلك براءة لكل واحد منهما مما لصاحبه عليه من المهر، وأما الديون التي ليست من حقوق الزوجية، فعنه فيها روايتان ولا تسقط النفقة في المستقبل، لأنها ما وجبت بعد.

مسألة: وإن وكلت المرأة في خلعها فخالع بمهرها فما دون أو بما عينته فما دون صح، وإن زاد لم يصح ويحتمل أن يصح وتبطل الزيادة

ولنا أن المهر حق لا يسقط بلفظ الطلاق فلا يسقط بلفظ الخلع كسائر الديون ونفقة العدة إذا كانت حاملاً، ولأن نصف المهر الذي يصير له لم يجب له قبل الخلع فلم يسقط بالمبارأة كنفقة العدة والنصف لها لا تبرأ منه بقوله بارأتك لأن ذلك يقتضي براءتها من حقوقه لا براءته من حقوقها، وعنه أنها تسقط كمذهب أبي حنيفة * (فصل) * قال الشيخ رحمه الله (وإذا قال خالعتك بألف فأنكرته وقالت إنما خالعت غيري بانت بإقراره والقول قولها مع يمينها في العوض لأنها منكرة وإن قالت نعم لكن ضمنه غيري لزمها الألف لأنها أقرت بها ولا يلزم الغير شئ إلا أن يقر به، فإن ادعته المرأة وأنكره الزوج فالقول قوله كذلك ولا يستحق عليها عوضاً لأنه لا يدعيه. * (مسألة) * (وإن اختلفا في قدر العوض أو عينه أو تأجيله فالقول قولها وكذلك إن اختلفا في صفة) حكاه أبو بكر نصاً عن أحمد وهو قول مالك وأبي حنيفة وعنه أن القول قول الزوج. حكاها القاضي عن أحمد لأن البضع يخرج عن ملكه فكان القول قوله في عوضه كالسيد مع مكاتبه، وقال الشافعي يتحالفان لأنه اختلاف في عوض فيتحالفان فيه كالمتبايعين إذا اختلفا في الثمن ولنا أنه أحد نوعي الخلع فكان القول قول المرأة كالطلاق على مال إذا اختلفا في قدره، ولأن المرأة منكرة للزائد في القدر أو الصفة فكان القول قولها لقول النبي صلى الله عليه وسلم " اليمين على المدعي عليه " وأما التحالف في البيع فيحتاج إليه لفسخ العقد والخلع في نفسه فسخ فلا ينفسخ (فصل) فإن قال سألتني طلقة بألف فقالت بل سألتك ثلاثاً بألف فطلقتني واحدة، بانت بإقراره والقول قولها في سقوط العوض، وعند أكثر الفقهاء يلزمها ثلث الألف بناء على أصلهم

مسألة: وإن اختلفا في قدر العوض أو عينه أو تأجيله فالقول قولها، وكذلك إن اختلفا في صفته

فيما إذا قالت طلقني ثلاثا بألف فطلقها واحدة أنه يلزمها ثلث الألف وإن خالعها على ألف فادعى أنها دنانير فقالت بل هي دراهم فالقول قولها لما ذكرنا في أول الفصل، وإن قال أحدهما كانت دراهم قراضة وقال الآخر مطلقة فالقول قولها إلا على الرواية التي حكاها القاضي فإن القول قول الزوج في هاتين المسئلتين، وإن اتفقا على الاطلاق لزمه من غالب نقد البلد، وإن اتفقا على أنهما أرادا دراهم قراضة لزمها ما اتفقا عليه، وإن اختلفا في الارادة كان حكمها حكم المطلقة يرجع إلى غالب نقد البلد. وقال القاضي إذا اختلفا في الارادة وجب المهر المسمى في العقد لأن اختلافهما يجعل البدل مجهولا فيجب المسمى في النكاح والأول أصح لأنهما لو أطلقا لصحت التسمية ووجب ألف من غالب نقد البلد ولم يكن إطلاقهما جهالة تمنع صحة العوض فكذلك إذا اختلفا، ولأنه يجيز العوض المجهول إذا لم تكن جهالته تزيد على جهالة مهر المثل كعبد مطلق والجهالة ههنا أقل فالصحة أولى * (مسألة) * (وإن علق طلاقها بصفة ثم خالعها فوجدت الصفة ثم عاد فتزوجها فوجدت الصفة طلقت نص عليه ويتخرج أن لا تطلق بناء على الرواية في العتق واختاره أبو الحسن التميمي، وإن لم توجد الصفة حال البينونة عادت رواية واحدة) مثال ذلك إذا قال إن كلمت أباك فأنت طالق ثم أبانها ثم تزوجها فكلمت أباها فانها تطلق نص عليه أحمد، فأما ان وجدت الصفة في حال البينونة ثم تزوجها ثم وجدت مرة أخرى فظاهر

مسألة: وإن علق طلاقها بصفة ثم خالعها فوجدت الصفة ثم عاد فتزوجها فوجدت الصفة طلقت نص عليه ويتخرج أن لا تطلق بناء على الرواية في العتق واختاره أبو الحسن التميمي، وإن لم توجد الصفة حال البينونة عادت رواية واحدة

المذهب أنها تطلق، وعن أحمد ما يدل على أنها لا تطلق، نص عليه في العتق في رجل قال لعبده أنت حر إن دخلت الدار فباعه ثم رجع يعني فاشتراه فإن رجع وقد دخل الدار لم يعتق، وإن لم يكن دخل فلا يدخل إذا رجع إليه فإن دخل عتق، فإذا نص في العتق على أن الصفة لا تعود وجب أن يكون في الطلاق مثله بل أولى، لأن العتق يتشوف الشرع إليه ولذلك قال الخرقي إذا قال إن تزوجت فلانة فهي طالق لم تطلق ان تزوجها، ولو قال إن ملكت فلاناً فهو حر فملكه صار حراً وهذا اختيار أبي الحسن التميمي، وأكثر أهل العلم يرون أن الصفة لا تعود إذا أبانها بطلاق ثلاث، وإن لم توجد في حال البينونة، وهذا مذهب مالك وأبي حنيفة وأحد أقوال الشافعي قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على ان الرجل إذا قال لزوجته أنت طالق ثلاثا إن دخلت الدار فطلقها ثلاثاً ثم نكحت غيره ثم نكحها الحالف ثم دخلت الدار لا يقع عليها الطلاق وهذا مذهب مالك والشافعي وأصحاب الرأي لأن إطلاق الملك يقتضي ذلك فإن أبانها دون الثلاث فوجدت الصفة ثم تزوجها انحلت يمينه في قولهم وإن لم توجد الصفة في البينونة ثم نكحها لم تنحل في قول مالك وأصحاب الرأي واحد أقوال الشافعي، وله قول آخر لا تعود الصفة بحال وهو اختيار

المزني وأبي إسحاق لأن الايقاع وجد قبل النكاح فلم يقع كما لو علقه بالصفة قبل أن يتزوج بها فإنه لا خلاف في أنه لو قال لأجنبية أنت طالق إذا دخلت الدار ثم تزوجها ودخلت الدار لم تطلق وهذا في معناه، فأما إذا وجدت الصفة في حال البينونة انحلت اليمين لأن الشرط وجد في وقت لا يمكن وقوع الطلاق فيه فسقطت اليمين، وإذا انحلت مرة لم يمكن عودها إلا بعقد جديد ولنا أن عقد الصفة ووقوعها وجدا في النكاح فيقع كما لو لم يتخلله بينونة أو كما لو بانت بما دون الثلاث عند مالك وأبي حنيفة ولم تفعل الصفة، وقولهم إن هذا طلاق قبل نكاح قلنا يبطل بما إذا لم يكمل الثلاث، وقولهم تنحل الصفة بفعلها قلنا إنما تنحل بفعلها على وجه يحنث به وذلك لأن اليمين حل وعقد ثم ثبت ان عقدها يفتقر إلى الملك فكذلك حلها والحنث لا يحصل بفعل الصفة حال بينونتها فلا تنحل اليمين به، وأما العتق ففيه روايتان (إحداهما) أنه كالنكاح في أن الصفة لا تنحل بوجودها بعد بيعه فيكون كمسئلتنا (والثانية) تنحل لأن الملك الثاني لا ينبني على الأول في شئ من أحكامه، وفارق النكاح فإنه ينبني على الأول في بعض أحكامه وهو عدد الطلاق فجاز أن ينبني عليه في عود الصفة، ولأن هذا يفعل حيلة على إبطال الطلاق المعلق والحيل خداع لا تحل ما حرم الله فإن ابن ماجة وابن بطة رويا بإسناديهما عن أبي موسى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما بال قوم يلعبون بحدود الله ويستهزئون بآياة قد طلقتك،

قد راجعتك قد طلقتك " وفي لفظ رواه ابن بطة " خلعتك وراجعتك " وروى بإسناده عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا ترتكبوا ما ارتكب اليهود فتسحلوا محارم الله بأدنى الحيل " (فصل) فإن كانت الصفة لا تعود بعد النكاح الثاني مثل إن قال إن أكلت هذا الرغيف فأنت طالق ثلاثاً، ثم أبانها ثم أكلته ثم نكحها لم يحنث لأن حنثه بوجود الصفة في النكاح الثاني وما وجدت ولا يمكن إيقاع الطلاق بأكلها له حال البينونة لأن الطلاق لا يلحق البائن والله أعلم. * (كتاب الطلاق) * وهو حل قيد النكاح وهو مشروع والأصل في مشروعية الكتاب والسنة والإجماع. أما الكتاب فقوله تعالى (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) وقال سبحانه (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن) وأما السنة فروى ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض فسأل عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " مره فليراجعها ثم ليتركها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء " متفق عليه في آي وأخبار سوى هذين كثير وأجمع الناس على جواز الطلاق والعبرة دالة على

كتاب الطلاق

جوازه فإنه ربما فسدت الحال بين الزوجين فيصير بقاء النكاح مفسدة محضة وإضراراً مجرداً بالزام الزوج النفقة والسكنى وحبس المرأة مع سوء العشرة والخصومة الدائمة من غير فائدة فاقتضى ذلك شرع ما يزيل النكاح لتزول المفسدة الحاصلة منه * (مسألة) * (ويباح عند الحاجة ويكره من غير حاجة وعنه أنه يحرم، ويستحب إذا كان بقاء النكاح ضرراً) الطلاق على خمسة أضرب (واجب) وهو طلاق المولي بعد التربص إذا أبى الفئة وطلاق الحكمين في الشقاق إذا رأيا ذلك (والثاني) مكروه وهو الطلاق من غير حاجة إليه لأنه مزيل للنكاح المشتمل على المصالح المندوب إليها فيكون مكروهاً وقال القاضي فيه روايتان (إحداهما) أنه محرم لأنه ضرر بنفسه وزوجته واعدام للمصلحة الحاصلة لهما من غير حاجة إليه فكان حراماً كإتلاف المال ولقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا ضرر ولا اضرار " (والثانية) أنه مباح لقول النبي صلى الله عليه وسلم " أبغض الحلال إلى الله الطلاق " وفي لفظ " ما أحل الله شيئاً أبغض إليه من الطلاق " رواه أبو داود (والثالث) مباح وهو عند الحاجة إليه لسوء خلق المرأة وسوء عشرتها والتضرر منها من غير حصول الغرض بها (والرابع) مندوب إليه وهو عند تفريط المرأة في حقوق الله الواجبة عليها مثل الصلاة ونحوها ولا يمكنه إجبارها عليها أو يكون له امرأة غير عفيفة قال أحمد لا ينبغي له امساكها وذلك لأن فيه نقصاً في دينه ولا يأمن افسادها فراشه

مسألة: ويباح عند الحاجة ويكره من غير حاجة وعنه أنه يحرم، ويستحب إذا كان بقاء النكاح ضررا

وإلحاقها به ولداً من غيره ولا بأس بعضلها في هذه الحال في التضييق عليها لتفتدي منه قال الله تعالى (ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) ويحتمل أن الطلاق في هذين الموضعين واجب ومن المندوب إليه الطلاق في حال الشقاق وفي الحال التي تخرج المرأة إلى المخالعة لتزيل عنها الضرر (والخامس) المحظور وهو طلاق الحائض أو في طهر أصابها فيه وقد أجمع العلماء في جميع الامصار على تحريمه ويسمى طلاق البدعة لأن المطلق خالف السنة وترك أمر الله ورسوله. قال الله تعالى (فطلقوهن لعدتهن) وقال النبي صلى الله عليه وسلم " إن شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء " وفي لفظ رواه الدارقطني بإسناده عن ابن عمر أنه طلق امرأته تطليقة وهي حائض ثم أراد أن يتبعها بتطليقتين آخرتين عند القرأين فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " يا ابن عمر ما هكذا أمرك الله إنك أخطأت السنة والسنة أن تستقبل الطهر فتطلق لكل قرء " ولأنه إذا طلق في الحيض طول العدة عليها فإن الحيضة التي طلق فيها لا تحسب من عدتها ولا الطهر الذي بعدها عند من يجعل الإقراء الحيض وإذا طلق في طهر أصابها فيه لم يأمن من أن تكون حاملاً فيندم وتكون مرتابة أتعتد بالحمل أو الإقراء؟ * (مسألة) * (ويصح من الزوج العاقل البالغ المختار ومن االصبي العاقل وعنه لا يصح حتى يبلغ)

مسألة: ويصح من الزوج العاقل البالغ المختار ومن الصبي العاقل وعنه لا يصح حتى يبلغ

أما صحة الطلاق من الزوج العاقل المختار فلا نعلم فيه خلافاً لأنه عقد معاوضة فصح منه كالبيع، وأما الصبي فإن لم يعقل فلا طلاق له بغير خلاف وأما الذي يعقل الطلاق ويعلم أن زوجته تبين منه وتحرم عليه فأكثر الروايات عن أحمد أن طلاقه يقع، وذكره الخرقي واختاره أبو بكر وابن حامد وروي نحو ذلك عن سعيد بن المسيب وعطاء والحسن والشعبي واسحاق وروى أبو طالب عن أحمد لا يجوز طلاقه حتى يحتلم وهو قول النخعي والزهري ومالك وحماد والثوري وأبي عبيد وذكر أبو عبيد أنه قول أهل العراق وأهل الحجاز وروي ذلك عن ابن عباس لقول النبي صلى الله عليه وسلم " رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم " ولأنه غير مكلف فلم يقع طلاقه كالمجنون ووجه الأولى قول النبي صلى الله عليه وسلم " إنما الطلاق لمن أخذ بالساق - وقوله - كل الطلاق جائز إلا طلاق المعتوه المغلوب على عقله " وروي عن علي رضي الله عنه قال: اكتموا الصبيان النكاح فيفهم أن فائدته أن لا يطلقوا. ولأنه طلاق من عاقل صادف محل طلاق فأشبه طلاق البالغ (قصل) وأكثر الروايات عن أبي عبد الله تحديد من يقع طلاقه من الصبيان بكونه يعقل وهو اختيار القاضي وروى أبو الحارث عن أحمد إذا عقل الطلاق جاز طلاقه ما بين عشر إلى اثنتي عشرة وهذا يدل على أنه لا يقع دون العشر وهو اختيار أبي بكر لأن العشر حد الضرب على الصلاة والصيام وصحة الوصية فكذلك هذا وعن سعيد بن المسيب إذا احصى الصلاة وصام رمضان جاز طلاقه وقال عطاء

إذا بلغ أن يصيب النساء وعن الحسن إذا عقل وحفظ الصلاة وصام رمضان وقال إسحاق إذا جاز اثنتي عشرة. (فصل) ومن أجاز طلاقه اقتضى مذهبه أن يجوز توكيله فيه وتوكله لغيره وقد أومأ إليه فقال في رجل قال لصبي طلق امرأتك فقال قد طلقتك ثلاثاً لا يجوز عليها حتى يعقل الطلاق قيل له فإن كانت له زوجة صبية فقالت له صير أمري إلي فقال لها أمرك بيدك فقالت قد اخترت نفسي؟ فقال أحمد ليس شيئاً حتى يكون مثلها يعقل الطلاق، وقال أبو بكر لا يصح أن يوكل حتى يبلغ، وحكاه عن أحمد ولنا أن من صح تصرفه في شئ مما تجوز الوكالة فيه بنفسه صح توكيله ووكالته فيه كالبالغ وما روي عن أحمد من منع ذلك فهو على الرواية التي لا تجيز طلاقه وتأنى إن شاء الله تعالى (فصل) فأما السفيه فيقع طلاقه في قول أكثر أهل العلم منهم القاسم بن محمد ومالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابه ومنع منه عطاء والأولى صحته لأنه مكلف مالك لمحل الطلاق فوقع طلاقه كالرشيد والحجر عليه في ماله لا يمنع من التصرف في غير ما هو محجور عليه فيه كالمفلس * (مسألة) * (ومن زال عقله بسبب يعذر فيه كالمجنون والنائم والمغمى عليه والمبرسم لم يقع طلاقه) أجمع أهل العلم على أن الزائل العقل بغير سكر أو ما في معناه لا يقع طلاقه كذلك قال عثمان وعلي وسعيد بن المسيب والحسن والنخعي والشعبي وقتادة وأبو قلابة والزهري ويحيى الانصاري ومالك

مسألة: ومن زال عقله بسبب يعذر فيه كالمجنون والنائم والمغمى عليه والمبرسم لم يقع طلاقه

والثوري والشافعي وأصحاب الرأي وأجمعوا على ان الرجل في حال نومه أنه لا طلاق له وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ وعن الصبي حتى يحتلم وعن المجنون حتى يعقل " وروي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " كل الطلاق جائز إلا طلاق المعتوه والمغلوب على عقله " رواه البخاري وقال الترمذي لا نعرفه إلا من حديث عطاء عن ابن عجلان وهو ذاهب الحديث وروي عن علي بإسناده مثل ذلك ولأنه قول يزيل الملك فاعتبر له العقل كالبيع وسواء زال بجنون أو إغماء أو شرب دواء أو إكراه على شرب الخمر أو شرب ما يزيل عقله أو لم يعلم أنه مزيل للعقل فكل هذا يمنع وقوع الطلاق رواية واحدة ولا نعلم فيه خلافاً * (مسألة) * وإن كان بسبب لا يعذر فيه كالسكران ومن شرب ما يزيل عقله لغير حاجة ففي صحة طلاقه روايتان وكذا يخرج في قتله وقذفه وسرقته وزناه وظهاره وإيلائه) اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في طلاق السكران فروي عنه أنه يقع اختارها أبو بكر الخلال والقاضي وهو مذهب سعيد بن المسيب وعطاء ومجاهد والحسن وابن سيرين والشعبى والنخعي والحكم ومالك والاوزاعي والشافعي وابن شبرمة وأبي حنيفة وصاحبيه وسليمان بن حرب لقول النبي صلى الله عليه وسلم " كل الطلاق جائز إلا طلاق المعتوه " ومثل هذا عن علي ومعاوية وابن عباس، قال ابن عباس طلاق السكران جائز ان ركب معصية من معاصي الله نفعه ذلك ولأن الصحابة جعلوه كالصاحي في الحد

مسألة: وإن كان بسبب لا يعذر فيه كالسكران ومن شرب ما يزيل عقله لغير حاجة ففي صحة طلاقه روايتان وكذا يخرج في قتله وقذفه وسرقته وزناه وظهاره وإيلائه

بالقذف بدليل ما روى أبو وبرة الكلبي قال: أرسلني خالد إلى عمر فأتيته في المسجد وعنده عثمان وعلي وعبد الرحمن وطلحة والزبير فقلت إن خالداً يقول إن الناس انهمكوا في الخمر وتحاقر والعقوبة قال عمر هؤلاء عندك فسلهم فقال علي نراه إذا سكر هذى وإذا هذى افترى وعلى المفتري ثمانون فقال عمر أبلغ صاحبك ما قال فجعلوه كالصاحي ولأنه إيقاع طلاق من مكلف غير مكره صادق ملكه فوجب أن يقع كطلاق الصاحي ويدل على تكليفة أنه يقتل بالقتل ويقطع بالسرقة وبهذا فارق المجنون (والثانية) لا يقطع طلاقه اختارها أبو بكر عبد العزيز وهو قول عثمان رضي الله عنه ومذهب عمر بن عبد العزيز والقاسم وطاوس وربيعة ويحيى الأنصاري والليث والعنبري واسحاق وأبي ثور والمزني قال إبن المنذر هذا ثابت عن عثمان لا نعلم أحدا من الصحابة خالفه وقال أحمد حديث عثمان أرفع شئ فيه وهو أصح يعني من حديث علي وحديث الأعمش عن منصور ولا يرفعها علي ولأنه زائل العقل أشبه المجنون والنائم ولأنه مفقود الارادة أشبه المكره ولان العقل شرط التكليف إذ هو عبارة عن الخطاب بأمر أو نهي ولا يتوجه ذلك إلى من لا يفهمه ولا فرق بين زوال الشرط بمعصية أو غيرها بدليل أن من كسر ساقه جاز له أن يصلي قاعداً ولو ضربت المرأة بطنها فنفست سقطت عنها الصلاة ولو ضربت رأسه فجن سقط التكليف وحديث أبي هريرة لا يثبت وأما قتله وقذفه وسرقته فهو كمسئلتنا

(فصل) والحكم في عتقه ونذره وبيعه وشرائه وردته وإقراره وقتله وقذفه وسرقته كالحكم في طلاقه لأن المعنى في الجميع واحد وقد روي عن أحمد بيعه وشرائه الروايتان وسألته ابن منصور إذا طلق السكران أو سرق أو زنى أو افترى أو اشترى أو باع فقال أخبر عنه لا يصح من أمر السكران شئ وقال أبو عبد الله بن حامد حكم السكران حكم الصاحي فيما له وفيما عليه أما في ماله وعليه كالبيع والنكاح والمعاوضات فهو كالمجنون لا يصح له شئ وقد أومأ إليه أحمد والأولى أن ماله أيضاً لا يصح منه لأن تصحيح تصرفاته مما عليه مؤاخذة له وليس من المؤاخذة تصحيح له وكذلك الحكم فيمن شرب أو أكل ما يزيل عقله لغير حاجة وهو يعلم قياساً على السكران في وقوع طلاقه وبهذا قال أصحاب الشافعي وقال أصحاب أبي حنيفة لا يقع طلاقه لأنه لا يلتذ بشربها ولنا أنه زال عقله فأشبه السكران (فصل) وحد السكر الذي يقع الخلاف في صاحبه هو الذي يجعله يخلط في كلامه ولا يعرف رداءه من رداء غيره وفعله من فعل غيره ونحو ذلك لأن الله تعالى قال (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون) فجعل علامة زوال السكر علمه ما يقول وروي عن عمر رضي الله

عنه أنه قال: استقرئوه القرآن أو ألقوا رداءة في الاردية فإن قرا أم القرآن أو عرف رداءه وإلا فأقم عليه الحد ولا يعتبر أن لا يعرف السماء من الأرض ولا الذكر من الأنثى لأن ذلك لا يخفي على المجنون فغيره أولى. (فصل) في المغمى عليه إذا طلق فلما أفاق وعلم أنه كان أغمي عليه وهو ذاكر لذلك فقال إذا كان ذاكرا لذلك فليس هو مغمى عليه فقال أحمد يجوز طلاقه وقال في رواية أبي طالب في المجنون يطلق فقيل له لما أفاق إنك طلقت امرأتك فقال ما أنا أذكر اني طلقت ولم يكن عقلي معي فقال إذا كان يذكر أنه طلق فقد طلقت فلم يجعله مجنوناً إذا كان يذكر الطلاق ويعلم به. قال شيخنا وهذا والله أعلم فيمن جنونه بذهاب معرفته بالكلية وبطلان حواسه، فأما من كان جنونه لنشاف أو كان متبرسماً فإن ذلك يسقط حكم تصرفه مع أن معرفته غير ذاهبة بالكلية فلا يضره ذكره للطلاق إن شاء الله تعالى * (مسألة) * (ومن أكره على الطلاق بغير حق لم يقع طلاقه) لا تختلف الرواية عن أحمد أن طلاق المكره لا يقع روى ذلك عن عمر وعلي وابن عمر وابن عباس

مسألة: ومن أكره على الطلاق بغير حق لم يقع طلاقه

وابن الزبير وجابر بن سمرة وبه قال عبد الله بن عبيد بن عمير وعكرمة والحسن وجابر بن زيد وشريح وعطاء وطاوس وعمر بن عبد العزيز وابن عمر وايوب السختياني ومالك والاوزاعي والشافعي واسحاق وأبو ثور وابو عبيد وأجازه أبو قلابة والشعبي والنخعي والزهري والثوري وابو حنيفة وصاحباه لأنه طلاق من مكلف في محل يملكه فنفذ كطلاق غير المكره. ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " ان الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " رواه ابن ماجه وعن عائشة قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " لا طلاق في إغلاق " رواه أبو داود وقال أبو عبيد والقتيبي معناه في اكراه، وقال أبو بكر سألت ابن دريد وأبا طاهر النحويين فقالا يريد الإكراه لأنه إذا أكره انغلق عليه رأيه، ويدخل في هذا المعنى المبرسم والمجنون ولأنه قول من سمينا من الصحابة ولا مخالف لهم في عصرهم فيكون إجماعاً ولأنه قول حمل عليه بغير حق فلم يثبت له حكم ككلمة الكفر إذا أكره عليها (فصل) وإن كان الاكراه بحق كإكراه الحاكم المولي على الطلاق بعد التربض إذا لم بقئ أو إكراهه الرجلين اللذين زوجهما الوليان ولم يعلم السابق منهما على الطلاق فإنه يقع لأنه قول حمل عليه لحق فصح كإسلام المرتد إذا أكره عليه، ولأنه إنما جاز إكراهه على الطلاق ليقع طلاقه فلو لم يقع لم يحصل المقصود.

* (مسألة) * (وإن هدده بالقتل وأخذ المال ونحوه قادر يغلب على ظنه وقوع ما هدده به فهو إكراه، وعنه لا يكون مكرهاً حتى يناله شئ من العذاب كالضرب والخنق وعصر الساق واختاره الخرقي) أما إذا نيل بشئ من العذاب كالضرب والخنق والعصر والحبس والغط في الماء مع الوعيد فإنه يكون إكراهاً بلا إشكال لما روي أن المشركين أخذوا عماراً فأرادوه على الشرط فأعطاهم فأتى إليه النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبكي فجعل يمسح الدموع عن عينيه ويقول " أخذك المشركون فغطوك في الماء وأمروك أن تشرك بالله ففعلته، فإن أخذوك مرة أخرى فافعل ذلك بهم " رواه أبو حفص بإسناده وقال عمر رضي الله عنه ليس الرجل أميناً على نفسه إذا أوجعته أو ضربته أو أوثقته وهذا يقتضي وجود فعل يكون به إكراهاً. فأما الوعيد بمفرده فعن أحمد فيه روايتان (احداها) ليس بإكراه لأن الذي ورد الشرع بالرخصة معه هو ما ورد في حديث عمار وفيه " إنهم أخذوك فغطوك " فلا يثبت الحكم الا فيما كان مثله (والثانية) أن الوعيد بمفرده إكراه قال في رواية ابن منصور حد الإكراه إذا خاف القتل أو ضرباً شديداً، وهذ قول أكثر الفقهاء وبه يقول أبو حنيفة والشافعي لأن الإكراه لا يكون

مسألة: وإن هدده بالقتل وأخذ المال ونحوه قادر يغلب على ظنه وقوع ما هدده به فهو إكراه، وعنه لا يكون مكرها حتى يناله شيء من العذاب كالضرب والخنق وعصر الساق واختاره الخرقي

إلا بالوعيد الماضي من العقوبة لا يندفع بفعل ما أكره عليه ولا يخشى من قوعه وإنما أبيح له فعل المكروه عليه دفعاً لما يتوعد به من العقوبة فيما بعد وهو في الموضعين واحد لأنه متى توعد بالقتل وعلم أنه يقتله فلم يبح له فعل ما أفضى الى قتله وافضاؤه بيده إلى التهلكة ولا يفيد ثبوت الرخصة بالاكراه شيئاً لأنه إذا طلق في هذه الحال وقع طلاقه فيصل المكره إلى مراده ويقع الضرر بالمكره وثبوت الإكراه في حق من نيل بشئ من العذاب لا ينفي ثبوته في حق غيره. وقد روي عن عمر في الذي تدلى يشتار عسلا فوقفت امرأته على الحبل وقالت طلقني ثلاثاً والا قطعته، فذكرها الله والإسلام فقالت لتفعلن أو لأفعلن، فطلقها ثلاثاً فردها إليه. رواه سعيد باسناده وهذا كان وعيداً. (فصل) ومن شرط الاكراه ثلاثة أمور (أحدها) أن يكون قادرا بسلطان أو تغلب كاللص ونحوه. وحكي عن الشعبي ان أكرهه النص لم يقع طلاق، وإن أكرهه السلطان وقع. وقال ابن عيينة لأن اللص يقتله. وعموم ما ذكرناه في دليل الإكراه يتناول الجميع، والذين أكرهوا عماراً لم يكونوا لصوصاً وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " ان عادوا فعد " لأنه إكراه فمنع وقوع الطلاق كإكراه اللص

(الثاني) أن يغلب على ظنه نزول الوعيد به إن لم يجبه إلى ما طلبه. (الثالث) أن يكون فيما يستضر به ضرراً كبيراً كالقتل والضرب الشديد والحبس والقيد الطويلين، فأما السب والشتم فليس بإكراه رواية واحدة وكذلك أخذ المال اليسير. فأما الضرب اليسير فان كان في حق من لا يبالي به فليس بإكراه، وإن كان في حق ذوي المروءات على وجه يكون إخراقاً لصاحبه وغضاً له وشهرة في حقه فهو كالضرب الكثير في حق غيره، وإن توعد بتعذيب ولده فقد قيل ليس بإكراه لان الضرر لا حق بغيره والأولى أن يكون إكراهاً لأن ذلك أعظم عنده من أخذ ماله والوعيد بذلك إكراه فكذلك هذا. (فصل) فإن أكره على طلاق امرأة فطلق غيرها وقع لأنه غير مكره عليه وإن أكره على طلقة فطلق ثلاثاً وقع أيضاً لأنه لم يكره على الثلاث، وإن طلق من أكره على طلاقها وغيرها وقع طلاق غيرها دونها وإن خلصت نيته في الطلاق دون دفع الإكراه وقع لانه قصده واختاره ويحتمل أن لا يقع لأن اللفظ مرفوع عنه فلا يبقى إلا مجرد النية فلا يقع بها طلاق، وإن طلق ونوى بقلبه غير امرأته وتأول في يمينه فله تأويله ويقبل قوله في نيته لان الاكراه دليل على تأويله، وإن لم يتأول وقصدها بالطلاق لم يقع لأنه معذور. وذكر أصحاب الشافعي وجها أنه يقع لانه لا يكره على نيته

ولنا أنه مكره عليه لعموم ما ذكرنا من الأدلة ولأنه قد لا يحضره التأويل في تلك الحال فتفوت الرخصة * (مسألة) * (ويقع الطلاق في النكاح المختلف فيه كالنكاح بلا ولي عند أصحابنا) واختار أبو الخطاب أنه لا يقع حتى يعتقد صحته ولنا أنه إزالة ملك بني على التغليب والسراية فجاز أن ينفذ في العقد الفاسد إذا لم يكن في نفوذه إسقاط حق الغير ولأنه عقد يسقط الحد ويثبت النسب والعدة والمهر أشبه الصحيح، ووجه قول أبي الخطاب أنه ليس بعقد صحيح ولم يثبت به النكاح فلم يقع فيه الطلاق كالمتفق على بطلانه فإن اعتقد صحته وقع فيه الطلاق كالمتفق على صحة. * (مسألة) * (وإذا وكل في الطلاق من يصح توكيله صح طلاقه) لأنه إزالة ملك فصح التوكيل فيه كالعتق ولا يصح التوكيل إلا للبالغ العاقل، فأما الطفل والمجنون فلا يصح توكيلهما فإن فعل فطلق واحد منهم لم يقع طلاقه، وقال أصحاب الرأي يقع ولنا أنهما ليسا من أهل التصرف فلا يصح تصرفهم كما لو وكلهم في العتق، وإن وكل كافراً أو عبداً صح لأنهما ممن يصح طلاقه لنفسه فصح توكيلهما فيه، وان وكل امرأة صح لأنه يصح توكيلها

مسألة: ويقع الطلاق في النكاح المختلف فيه كالنكاح بلا ولي عند أصحابنا

في العتق فصح في الطلاق كالرجل فانه جعله في يد صبي يعقل الطلاق انبنى ذلك على صحة طلاقه لزوجته وقد مضى ذلك، وقد نص أحمد ههنا على اعتبار وكالته بطلاقه فقال إذا قال لصبي طلق امرأتي ثلاثاً فطلقها ثلاثاً لا يجوز عليها حتى يعقل الطلاق ارأيت لو كان لهذا الصبي امرأة فطلقها أكان يجوز طلاقه؟ فاعتبر طلاقه بالوكالة بطلاقه لنفسه وهكذا لو جعل أمر الصغيرة والمجنونة بيدها لم تملك ذلك، نص عليه أحمد في امرأة صغيرة قال لها أمرك بيدك فقالت اخترت نفسي، ليس بشئ حتى يكون مثلها يعقل لأنه تصرف بحكم التوكيل وليس من أهل التصرف، فظاهر كلام أحمد هذا أنها إذا عقلت الطلاق وقع طلاقها وان لم تبلغ كما قررناه في الصبي، وفيه رواية أخرى ان الصبي لا يصح طلاقه حتى يبلغ فكذلك يخرج في هذه لأنها مثله في المعنى * (مسألة) * (وله أن يطلق متى شاء إلا أن يحل له حداً) لأن الفظ التوكيل يقتضي ذلك لكونه توكيلاً مطلقاً فأشبه التوكيل في البيع إلا أن يحد له حداً فيكون على ما أذن له لأن الأمر إلى الموكل في ذلك لكون الحق له والوكيل نائبه فتنسب له الوكالة على ما يقتضيه لفظ الموكل، إن كان لفظه عاماً اقتضى العموم، وإن كان خاصاً اقتضى ذلك

مسألة: وله أن يطلق متى شاء إلا أن يحد له حدا

* (مسألة) * (ولا يطلق أكثر من واحدة إلا أن يجعل ذلك إليه) لأن الأمر المطلق يتناول ما يقع عليه الاسم إلا أن يجعل أكثر من واحدة بلفظه او نيته، نص عليه لأنه نوى بكلامه ما يحتمله والقول قوله في نيته لأنه أعلم بها. * (مسألة) * (فان وكل اثنين صح وليس لأحدهما أن يطلق على الانفراد إلا أن يجعل ذلك إليه) ولأنه إنما رضي بتصرفهما جميعاً وبهذا قال الحسن ومالك والثوري والشافعي وأبو عبيد وابن المنذر فإن أذن لأحدهما في الانفراد صح لأن الحق له (فصل) فإن وكلهما في ثلاث فطلق أحدهما أكثر من الآخر مثل أن يطلق أحدهما واحدة والآخر ثلاثاً فتقع واحدة وبهذا قال إسحاق، وقال الثوري لا يقع بشئ ولنا أنهما طلقا جميعاً واحده مأذوناً فيها فصح كما لو جعل اليهما واحدة وإن طلق أحدهما اثنتين والآخر ثلاثاً وقع إثنتان لأنهما اجتمعا عليهما. * (مسألة) * (وإن قال لامرأته طلقي نفسك فلها ذلك كالوكيل فإن نوى عدداً فهو على ما نوى وإن طلق من غير نية لم يملك إلا واحدة)

مسألة: وإن قال لامرأته طلقي نفسك فلها ذلك كالوكيل، فإن نوى عددا فهو على ما نوى وإن طلق من غير نية لم يملك إلا واحدة

لأن الأمر المطلق يتناول أقل ما يقع عليه الاسم، وكذلك الحكم لو وكل أجنبياً فقال طلق زوجتي فالحكم على ما ذكرناه. قال أحمد لو قال لامرأته طلقي نفسك ونوى ثلاثاً فطلقت نفسها ثلاثاً فهي ثلاث وإن كان نوى واحدة لأن الطلاق يكون واحدة وثلاثاً فأيهما نواه فقد نوى بلفظ ما احتمله وإن لم ينو تناول اليقين فإن طلقت نفسها أو طلقها الوكيل في المجلس أو بعده وقع الطلاق لأنه توكيل وقال القاضي إذا قال لامرأته طلقي نفسك تقيد بالمجلس لأنه تفويض للطلاق إليها فتقيد بالمجلس كقوله اختاري. ولنا أنه توكيل في الطلاق فكان على التراخي كتوكيل الأجنبي وكقوله أمرك بيدك وفارق اختاري فإنه تخيير وينتقض ما ذكره بقوله أمرك بيدك فإن قال طلقي ثلاثاً فطلقت واحدة وقع، نص عليه، وقال مالك لا يقع شئ لانها لم تمثل أمره. ولنا أنها ملك إيقاع ثلاث فملكت ايقاع واحدة كالموكل ولأنه لو قال وهبتك هؤلاء العبيد

الثلاثة فقال قبلت واحداً منهم صح كذا ههنا، وإن قال طلقي واحدة فطلقت ثلاثاً وقعت واحدة نص عليه أيضاً وبه قال مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة لا يقع شئ لأنها لم تأت بما يصلح قبولا فلم يصح كما لو قال بعتك نصف هذا العبد فقال قبلت البيع في جميعه ولنا أنها أوقعت طلاقاً مأذوناً فيه وغيره فوقع المأذون فيه دون غيره كما لو قال طلقي نفسك فطلقت نفسها وضرائرها فإن قال طلقي فقالت أنا طالق إن قدم زيد لم يصح لأن إذنه انصرف إلى المنجز فلم يتناول المعلق على شرط وحكم توكيل الأجنبي في الطلاق كحكمها فيما ذكرناه كله (فصل) نقل عنه أبو الحارث إذا قال طلقي نفسك طلاق السنة فقالت قد طلقت نفسي ثلاثا هي واحدة وهو أحق برجعتها إنما كان كذلك لأن التوكيل بلفظ يتناول أقل ما يقع عليه اللفظ وهو طلقة واحدة وسيما وطلاق السنة في الصحيح واحدة في طهر لم يصبها * (مسألة) * (وإن قال اختاري من ثلاث ما شئت لم يكن لها أن تختار أكثر من اثنتين) لأن لفظه يقتضي ذلك لأن من للتبعيض فلم يكن لها استيعاب الجميع والله أعلم

مسألة: وإن قال اختاري من ثلاث ما شئت لم يكن لها أن تختار أكثر من اثنتين

باب سنة الطلاق وبدعته والسنة في الطلاق إن يطلقها في طهر لم يصبها فيه ثم يدعها حتى تنقضي عدتها يعني طلاق السنة الطلاق الذي وافق أمر الله سبحانه وتعالى وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن) وفي حديث عبد الله بن عمر الذي ذكرناه ولا خلاف في أنه إذا طلقها في طهر لم يصبها فيه واحدة ثم تركها حتى تنقضي عدتها أنه مصيب للسنة مطلق للعدة التي أمر الله بها قاله ابن عبد البر وابن المنذر قال ابن مسعود طلاق السنة أن يطلقها من غير جماع، وقال في قوله تعالى (فطلقوهن لعدتهن) قال طاهراً من غير جماع ونحوه عن ابن عباس، وفي حديث ابن عمر الذي رويناه " ليتركها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثمم إن شاء أمسك وإن شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء " وقوله ثم يدعها حتى تنقضي عدتها فمعناه أن لا يتبعها طلاقاً آخر قبل انقضاء عدتها، ولو طلقها ثلاثاً في ثلاثة أطهار كان حكم ذلك حكم جميع الثلاث في طهر واحد. قال أحمد طلاق السنة واحدة ثم يتركها حتى تحيض ثلاث حيض وبذلك قال مالك والاوزاعي والشافعي وأبو عبيد، وقال أبو حنيفة والثوري السنة أن يطلقها ثلاثاً في كل قرء طلقة وهو قول سائر

باب سنة الطلاق وبدعته

الكوفيين واحتجوا بحديث ابن عمر حين قال له النبي صلى الله عليه وسلم راجعها ثم أمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر قالوا وإنما أمره بإمساكها في هذا الطهر لأنه لم يفصل بينه وبين الطلاق طهر كامل فإذا مضى ومضت الحيضة التي بعده أمره بطلاقها، وقوله في حديثه الآخر والسنة أن تستقبل الطهر فتطلق لكل قرء، وروى النسائي باسناده عن عبد الله قال: طلاق السنة أن يطلقها تطليقة وهي طاهر في غير جماع فإذا حاضت وطهرت طلقها أخرى فإذا حاضت وطهرت طلقها أخرى ثم تعتد بعد ذلك ولنا ما روى عن علي رضي الله عنه أنه قال: لا يطلق أحد للسنة فيندم رواه الأثرم وهذا لا يحصل إلا في حق من لم يطلق ثلاثاً، وقال ابن سيرين إن علياً كرم الله وجهه قال لو أن الناس أخذوا بما أمر الله من الطلاق ما يتبع رجل نفسه امرأة أبداً يطلقها تطليقة ثم يدعها ما بينها وبين أن تحيض ثلاثاً فمتى شاء راجعها رواه البخاري بإسناده: وروى ابن عبد البر عن ابن مسعود أنه قال: طلاق السنة أن يطلقها وهي طاهر ثم يدعها حتى تنقضي عدتها أو يراجعها إن شاء. فأما حديث ابن عمر الأول فلا حجة لهم فيه لأنه ليس فيه جمع الثلاث، وأما حديثه الآخر فيحتمل أن يكون ذلك بعد ارتجاعها ومتى ارتجع بعد الطلقة ثم طلقها كان للسنة على كل حال، حتى قال أبو حنيفة لو أمسكها بيده لشهوة ثم والى

بين الثلاث كان مصيبا للسنة لان يكون مرتجعاً والمعنى فيه أنه إذا ارتجعها سقط حكم الطلقة الاولى فصارت كأنها لم توجد ولا تغني به عن الطلقة الاخرى إذا احتاج إلى فراق امرأته بخلاف ما إذا لم يرتجعها فانه مستغن عنها لافضائها الى مقصوده من ابانتها فافترقا ولأن ما ذكروه إرداف طلاق من غير ارتجاع فلم يكن للسنة كجمع الثلاث * (مسألة) * (وإن طلق المدخول بها في حيضها أو في طهر أصابها فيه فهو طلاق بدعة محرم ويقع طلاقه في قول عامة أهل العلم) قال ابن المنذر وابن عبد البر لم يخالف في ذلك إلا أهل البدع والضلال، وحكاه أبو نصر عن ابن عليه وهشام بن الحكم والشيعة قالوا لا يقع طلاقه لأن الله تعالى أمر به في قبل العدة فإذا طلق في غيره لم يقع كالوكيل إذا أوقعه في زمن أمره موكله بايقاعه في غيره ولنا حديث ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بمراجعتها وفي رواية الدارقطني قال: قلت يا رسول الله أفرأيت لو أني طلقتها ثلاثاً أكان يحل لي أن أراجعها؟ قال " لا كانت تبين منك وتكون معصية " وقال نافع وكان عبد الله طلقها تطليقة فحسبت من طلاقه وراجعها كما أمره

مسألة: وإن طلق المدخول بها في حيضها أو في طهر أصابها فيه فهو طلاق بدعة محرم ويقع طلاقه في قوله عامة أهل العلم

رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن رواية يونس بن جبير عن ابن عمر قال قلت لابن عمر أتعتد عليه أو تحتسب عليه؟ قال نعم أرأيت إن عجز واستحمق وكلها أحاديث صحاح ولأنه طلاق من مكلف في محل الطلاق فوقع كطلاق الحامل ولأنه ليس بقربة فيعتبر لوقوعه موافقة السنة بل هو إزالة عصمة وقطع ملك فإيقاعه في زمن البدعة أولى تغليظاً عليه وعقوبة له أما غير الزوج فلا يملك الطلاق والزوج يملكه بملك محله * (مسألة) * (تستحب رجعتها وعنه أنها واجبة) إنما استحبت مراجعتها لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بمراجعتها وأقل أحوال الأمر الاستحباب ولأنه بالرجعة يزيل المعنى الذي حرم الطلاق ولا يجب في ظاهر المذهب وهو قول الثوري والاوزاعي وابن أبي ليلى والشافعي وأصحاب الرأي وحكى ابن أبي موسى عن أحمد أن الرجعة تجب واختارها وهو قول مالك وداود لأن ظاهر الأمر الوجوب ولأن الرجعة تجري مجرى استيفاء النكاح واستيفاؤه ههنا واجب بدليل تحريم الطلاق لأن الرجعة إمساك للزوجة بدليل قوله تعالى (فأمسكوهن بمعروف) فوجب ذلك كإمساكها قبل الطلاق، وقال مالك وداود يجبر على رجعتها. قال أصحاب مالك يجبر على رجعتها

مسألة: تستحب رجعتها وعنه أنها واجبة

ما دامت في العدة إلا أشهب قال ما لم تطهر ثم تحيض ثم تطهر لأنه لا تجب عليه إمساكها في تلك الحال فلا تجب عليه رجعتها فيه. ولنا أنه طلاق لا يرتفع بالرجعة فلا تجب عليه الرجعة فيه كالطلاق في طهر أصابها فيه فانهم أجمعوا على أن الرجعة لا تجب حكاه ابن عبد البر عن جميع العلماء وما ذكروه من المعنى ينتقض بهذه الصورة والأمر بالرجعة محمول على الاستحباب لما ذكرنا (فصل) فإذا راجعها وجب إمساكها حتى تطهر ويستحب أن يمسكها حتى تحيض حيضة أخرى ثم تطهر على ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر الذي رويناه، قال ابن عبد البر ذلك من وجوه عند أهل العلم منها أن الرجعة لا تكاد تعلم صحتها الا بالوطئ لانه المعني من النكاح ولا يحصل الوطئ إلا في الطهر فإذا وطئها حرم طلاقها فيه حتى تحيض ثم تطهر فاعتبرنا مظنة الوطئ ومحله لا حقيقته ومنها أن الطلاق كره في الحيض لتطويل العدة فلو طلقها عقيب الرجعة من غير وطئ كانت في معنى المطلقة قبل الدخول وكانت تبني على عدتها فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع حكم الطلاق بالوطئ واعتبر الطهر الذي هو موضع الوطئ فإذا وطئ حرم طلاقها حتى تحيض ثم تطهر وقد جاء في حديث عن ابن عمر

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " مره أن يراجعها فإذا طهرت مسها حتى إذا طهرت أخرى فإن شاء طلقها وإن شاء أمسكها " رواه ابن عبد البر، ومنها أنه عوقب على ايقاعه في الوقت المحرم بمنعه منه في الوقت الذي يباح له وذكره غير هذا فإن طلقها في الطهر الذي يلي الحيضة قبل أن يمسها فهو طلاق سنة وقال أصحاب مالك لا يطلقها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر على ما جاء في الحديث ولنا قوله تعالى (فطلقوهن لعدتهن) وهذا مطلق للعدة فيدخل وقد روى يونس بن جبير وسعيد بن جبير وابن سيرين وزيد بن اسلم وأبو الزبير عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يراجعها حتى تطهر ثم إن شاء طلق وإن شاء أمسك ولم يذكروا تلك الزيادة وهو حديث صحيح متفق عليه ولأنه طهر لم يمسها فيه فأشبه الطهر الثاني وحديثهم محمول على الاستحباب * (مسألة) * وإن طلقها ثلاثاً في طهر لم يصبها فيه كره وفي تحريمه روايتان) اختلفت الرواية عن احمد في جمع الثلاث فروي عنه أنه غير محرم اختارها الخرقي وهو مذهب الشافعي وأبي ثور وداود وروي ذلك عن الحسن بن علي وعبد الرحمن بن عوف والشعبي لان عويمر العجلاني لما لاعن امرأته قال كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها فطلقها ثلاثاً قبل أن يأمره

مسألة: وإن طلقها ثلاثا في طهر لم يصبها فيه كره وفي تحريمه روايتان

رسول الله صلى الله عليه وسلم متفق عليه ولم ينقل إنكار النبي صلى الله عليه وسلم عليه وعن عائشة أن امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن رفاعة طلقني فبت طلاقي متفق عليه وفي حديث فاطمة بنت قيس أن زوجها أرسل إليها ولأنه طلاق جاز تفريقه فجاز جمعه كطلاق النساء (والرواية الثانية) أن جمع الثلاث محرم وهو طلاق بدعة اختارها أبو بكر وأبو حفص روى ذلك عن عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس وابن عمر وهو قول مالك وابي حنيفة قال علي لا يطلق أحد للسنة فيندم وفي رواية قال يطلقها واحدة ثم يدعها ما بينها وبين أن تحيض ثلاث حيض فمتى شاء راجعها، وعن عمر أنه كان إذا أتي برجل طلق ثلاثاً أوجعه ضربأ، وعن مالك بن الحارث قال جاء رجل إلى ابن عباس فقال إن ابن عمي طلق امرأته ثلاثا فقال إن ابن عمك عصى الله وأطاع الشيطان فلم يجعل الله له مخرجاً. ووجه ذلك قول الله تعالى (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن) الى قوله (لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا) ثم قال بعد ذلك (ومن يتق الله يجعل له مخرجا - ومن يتق الله يجعل له من امره يسرا) ورى النسائي بإسناده عن محمود بن لبيد قال أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل طلق امرأته

ثلاث تطليقات جميعاً فغضب قال " أيلعب بكتاب الله عزوجل وأنا بين أظهركم؟ " حتى قام رجل فقال يا رسول الله ألا أقتله وفي حديث ابن عمر قال قلت يا رسول الله لو طلقتها ثلاثاً قال " إذاً عصيت ربك وبانت منك امرأتك " وروى الدارقطني بإسناده عن على قال سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً طلق البتة فغضب وقال " يتخذون آيات الله هزوا ولعبا من طلق البتة الزمناه ثلاثاً لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره " ولأنه تحريم للبضع بقول الزوج من غير حاجة فحرم كالظهار بل هذا أولى لأن الظهار يرفع تحريمه بالتكفير وهذا لا سبيل للزوج الى دفعه بحال ولأنه ضرر وإضرار بنفسه وبامرأته من غير حاجة فيدخل في عموم النهي وربما كان وسيلة إلى عوده إليها حراماً أو بحيلة لا تزيل التحريم، ووقوع الندم خسارة الدنيا والآخرة فكان أولى بالتحريم من الطلاق في الحيض الذي ضرره بقاؤها في العدة أياماً يسيرة والطلاق في طهر مسها فيه الذي ضرره احتمال الندم بظهور الحمل فإن ضرر جمع الثلاث يتضاعف على ذلك أضعافاً كثيرة فالتحريم ثم تنبيه على التحريم ههنا ولأنه قول من سمينا من الصحابة رواه الأثرم وغيره ولم يصح عندنا في عصرهم خلاف قولهم فيكون ذلك إجماعاً، فأما حديث المتلاعنين فغير لازم فإن الفرقة لم تقع بالطلاق فإنها وقعت بمجرد لعانهما وعند الشافعي بمجرد لعان الزوج فلا حجة فيه ثم إن اللعان يوجب تحريماً مؤبداً فالطلاق بعده

كالطلاق بعد انفسكاخ النكاح بالرضاع أو غيره ولأن جمع الثلاث إنما حرم لما يعقبه من الندم ويحصل به من الضرر ويفوت عليه من حل نكاحها ولا يحصل ذلك بالطلاق بعد اللعان لحصوله باللعان، وسائر الأحاديث ليس فيها جمع الثلاث بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فيكون مقراً عليه ولا حضر المطلق عند النبي صلى الله عليه وسلم حين أخبر بذلك لينكر عليه، على أن حديث فاطمة قد جاء فيه أن أرسل إليها بتطليقة كانت بقيت لها من طلاقها وحديث امرأة رفاعة جاء فيه أن طلاقها آخر ثلاث تطليقات متفق عليه فلم يكن في شئ من ذلك جمع الثلاث، ولا خلاف بين الجميع في أن الاختيار والأولى أن يطلق واحدة ثم يدعها حتى تنقضي عدتها إلا ما حكينا من قول من قال انه يطلقها في كل قرء طلقة والأولى أولى فإن في ذلك امتثالاً لأمر الله سبحانه وموافقة لقول السلف وأمنا من الندم فإنه متى ندم راجعها فإن فات ذلك بانقضاء عدتها له نكاحها قال محمد بن سيرين إن علياً كرم الله وجهه قال لو أن الناس أخذوا بما أمر الله من الطلاق ما يتبع رجل نفسه امرأة أبداً يطلقها تطليقة ثم يدعها حتى ما بينها وبين أن تحيض ثلاثاً فمتى شاء راجعها رواه النجاد بإسناده وقال عبد الله من أراد أن يطلق الطلاق الذي هو الطلاق فليمهل حتى إذا حاضت ثم طهرت طلقها تطليقة في غير جماع ثم يدعها حتى تنقضي عدتها ولا يطلقها ثلاثاً وهي حامل فيجمع الله عليه نفقتها وأجر رضاعها ويندمه فلا يستطيع إليها سبيلاً

(فصل) فإن طلق ثلاثاً بكلمة واحدة وقع الثلاث وحرمت عليه حتى تنكح زوجاً غيره ولا فرق بين قبل الدخول وبعده روى ذلك عن ابن عباس وأبي هريرة وابن عمر وعبد الله بن عمرو وابن مسعود وأنس وهو قول أكثر أهل العلم من التابعين والأئمة بعدهم وكان عطاء وطاوس وسعيد بن جبير وأبو الشعثاء وعمرو بن دينار يقولون من طلق البكر ثلاثاً فهي واحدة، وروى طاوس عن ابن عباس قال كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافه عمر طلاق الثلاث واحدة رواه أبو داود وروى سعيد بن جبير وعمرو بن دينار ومجاهد ومالك بن الحارث عن ابن عباس خلاف رواية طاوس أخرجه أيضاً أبو داود وأفتى ابن عباس بخلاف ما روي عنه طاوس وقد ذكرنا حديث ابن عمر أرأيت لو طلقها ثلاثا، وروى الدارقطني بإسناده عن عبادة بن الصامت قال طلق بعض آبائي امرأته ألفاً فانطلق بنوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله إن أبانا طلق أمنا ألفاً فهل له مخرج؟ فقال " إن أباكم لم يتق الله فيجعل له من أمره مخرجاً بانت منه بثلاث على غير السنة وتسعمائة وسبعة وتسعون إثم في عنقه " ولأن النكاح ملك يصح إزالته متفرقاً فصح مجتمعاً كسائر الاملاك، فأما حديث ابن عباس فقد صحت الرواية عنه بخلافه وافتى بخلافه قال الأثرم سألت أبا عبد الله عن حديث ابن عباس بأي شئ

تدفعه فقال أدفعه برواية الناس عن ابن عباس من وجوه خلافه ثم ذكر عن ابن عباس من وجوه خلافه أنها ثلاث، وقيل معنى حديث ابن عباس أن الناس كانوا يطلقون واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وإلا فلا يجوز أن يخالف عمر ما كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر ولا يسوغ لابن عباس أن يروى هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويفتي بخلافه (فصل) فإن طلق ثنتين في طهر ثم تركها حتى انقضت عدتها فهو للسنة لانه يحرمها على نفسه ولم يسد على نفسه المخرج من الندم ولكنه ترك الاختيار لأنه فوت على نفسه طلقة جعلها الله له من غير فائدة يحصل بها فكان مكروهاً كتضييع المال، فإن كانت المرأة صغيرة أن آيسة أو غير مدخول بها أو حاملاً قد استبان حملها فلا سنة لطلاقها ولا بدعة إلا في العدد، فإذا قال لها أنت طالق للسنة أو قال للبدعة طلقت في الحال واحدة قال ابن عبد البر أجمع العلماء أن طلاق السنة إنما هو للمدخول بها فأما غير المدخول بها فليس لطلاقها سنة ولا بدعة إلا في عدد الطلاق على اختلاف بينهم فيه وذلك لأن الطلاق في حق المدخول بها إذا كانت من ذوات الاقراء إنما كان له سنة وبدعة لان العدة تطول عليها بالطلاق في الحيض وترتاب بالطلاق في الطهر الذي جامعها فيه وينتفي عنها الأمران بالطلاق في الطهر

الذي لم يجامها فيه، أما غير المدخول بها فلا عدة عليها تبقى بتطويلها أو الارتياب فيها وكذلك ذوات الأشهر كالصغيرة التي لم تحض، والآيسات من المحيض لا سنة لطلاقهن ولا بدعة لأن العدة لا تطول بطلاقها في حال ولا تحمل فترتاب، وكذلك الحامل التي استبان حملها فهؤلاء كلهن ليس لطلاقهن سنة ولا بدعة من جهة الوقت في قول أصحابنا وهو مذهب الشافعي وكثير من أهل العلم، فإذا قال لاحدى هؤلاء أنت طالق للسنة أو للبدعة وقعت طلقة في الحال ولغت الصفة لان طلاقها لا يتصف بذلك فصار كأنه قال أنت طالق ولم يزد، وكذلك إن قال أنت طالق للسنة والبدعة أو قال أنت طالق لا للسنة ولا للبدعة طلقت في الحال لأنه وصف الطلقة بصفتها ويحتمل كلام الخرقي إن يكون للحامل طلاق سنة لأنه طلاق أمر به لقوله عليه الصلاة والسلام " ثم ليطلقها طاهراً أو حاملاً " رواه مسلم وهو ظاهر كلام أحمد فإنه قال أذهب إلى حديث سالم عن ابيه يعني هذا الحديث ولأنها في حال انتقلت إليها بعد زمن البدعة ويمكن أن تنتقل عنها الى زمان البدعة فكان طلاقها طلاق سنة كالطاهر من الحيض من غير مجامعة، ويتفرع منه أنه لو قال لها أنت طالق للبدعة لم تطلق في الحال فإذا وضعت الحمل طلقت لأن النفاس زمان بدعة كالحيض. وقوله إلا في العدد يعني أنه يكره له أن يطلق ثلاثاً أو يحرم لأنه إذا طلق ثلاثاً لم يبق له سبيل الى الرجعة فطلاق السنة في حقهم أن يكون واحدة ليكون له سبيلاً الى تزوجها من غير أن تنكح زوجاً غيره (فصل) وإن قال لصفيرة أو غير مدخول بها أنت طالق للبدعة ثم قال أردت إذا حاضت الصغيرة أو أصيبت غير المدخول بها أو قال لهما أنتما طالقتان للسنة أو قال أردت طلاقهما في زمن يصير طلاقهما فيه للسنة دين فيما بينه وبين الله تعالى، وهل يقبل في الحكم؟ فيه وجهان ذكرهما القاضي (أحدهما) لا يقبل

وهو أشبه بالمذهب لأنه فسر كلامه بما يحتمله فيقبل كما لو قال أنت طالق وقال أردت بالثانية إفهامها (فصل) إذا قال لها في طهر جامعها فيه أنت طالق للسنة فيئست من الحيض لم تطلق لأنه وصف طلاقها بأنه للسنة في زمن يصلح له فإذا صارت آيسة فليس لطلاقها سنة فلم توجد الصفة فلا يقع وكذلك إن استبان حملها لم يقع أيضاً إلا على قول من جعل طلاق الحامل سنة فإنه ينبغي أن يقع لوجود الصفة كما لو حاضت ثم طهرت * (مسألة) * (وإن قال لمن لها سنة وبدعة أنت طالق في طهر لم يصبها فيه طلقت إذا طهرت من الحيضة المستقبلة) إذا قال لامرأته أنت طالق للسنة فمعناه في وقت السنة فإن كانت في طهر غير مجامعة فيه فهو وقت السنة على ما أسلفناه، وكذلك إن كانت حاملاً قد استبان حملها على ظاهر كلام أحمد وقد ذكرنا الخلاف في الحامل فإذا قال لها أنت طالق للسنة في الحالتين طلقت لأنه وصف الطلقة بصفتها فوقعت في الحال وإن قال ذلك لحائض لم يقع في الحال لأن طلاقها طلاق بدعة لكن إذا طهرت طلقت لأن الصفة وجدت حينئذ فصار كأنه قال أنت طالق في النهار فان كان في النهار طلقت وإن كان في الليل

مسألة: وإن قال لمن لها سنة وبدعة أنت طالق في طهر لم يصبها فيه طلقت إذا طهرت من الحيضة المستقبلة

طلقت إذا جاء النهار وإن كانت في طهر جامعها فيه لم يقع حتى تحيض ثم تطهر لأن الطهر الذي جامعها فيه والحيض بعده زمان بدعة فإذا طهرت من الحيضة المستقبلة طلقت حينئذ لأن الصفة وجدت وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي، فإن أولج في آخر الحيضة واتصل بأول الطهر أو أولج مع أول الطهر لم يقع الطلاق في ذلك الطهر لكن متى جاء طهر لم يجامعها فيه طلقت في أوله وهذا كله مذهب الشافعي ولا أعلم فيه مخالفاً (فصل) (إذا انقطع الدم من الحيض فهو زمان السنة يقع عليها طلاق السنة وإن لم تغتسل كذلك قال أحمد وهو ظاهر كلام الخرقي وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة إن طهرت لأكثر الحيض مثل ذلك وإن انقطع الدم لدون أكثره لم يقع حتى تغتسل أو تتيمم عند عدم الماء أو تصلي أو يخرج عنها وقت الصلاة لأنه متى لم يوجد فما حكمنا بانقطاع حيضها ولنا أنها طاهر فوقع بها طلاق السنة كالتي طهرت لأكثر الحيض، والدليل على أنها طاهر أنها تؤمر بالغسل ويلزمها ويصح منها وتؤمر بالصلاة وتصح صلاتها ولأن في حديث ابن عمر " فإذا طهرت طلقها إن شاء " وما قاله لا يصح فانا لو لم نحكم بالطهر لما أمرناها بالغسل ولا صح منها * (مسألة) * (وإن قال لها أنت طالق للبدعة وهي حائض أو في طهر أصابها فيه طلقت في الحلال

وإن كان في طهر لم يصبها فيه طلقت إذا أصابها أو حاضت هذه المسألة عكس المسألة التي قبلها فإنه وصف الطلقة بأنها للبدعة فإذا كان ذلك لحائض أو طاهر مجامعة فيه وقع الطلاق في الحال لأنه وصف الطلقة بصفتها وإن كانت في طهر لم يصبها فيه لم يقع في الحال فإذا حاضت طلقت بأول الحيض وإن أصابها طلقت بالتقاء الختانين فإن نزع من غير توقف فلا شئ عليهما وإن أولج بعد النزع فقد وطئ مطلقته ويأتي بيان حكم ذلك وإن وطئها واستدام فسنذكرها إن شاء الله تعالى فيما بعد (فصل) فإن قال لطاهر أنت طالق للبدعة في الحال فقد قيل تلغوا الصفة ويقع الطلاق لأنه وصفها بما لا تصف به فلغت الصفة دون الطلاق ويحتمل أن تطلق ثلاثاً في الحال لأن ذلك طلاق بدعة فانصرف الوصف بالبدعة إليه لتعذر صفة البدعة من الجهة لاخرى، وإن قال للحائض أنت طالق للسنة في الحال لغت الصفة ووقع الطلاق لأنه وصف الطلقة بما لا تنصف به، وإن قال أنت طالق ثلاثا للسنة وثلاثاً للبدعة طلقت ثلاثاً في الحال بناء على ما سنذكره * (مسألة) * (وإن قال لها أنت طالق ثلاثا للسنة طلقت ثلاثاً في طهر لم يصبها فيه في إحدى الروايتين، وفي الاخرى تطلق في الحال واحدة وتطلق الثانية والثالثة في طهرين في نكاحين إن أمكن)

مسألة: وإن قال لها أنت طالق للبدعة وهي حائض أو في طهر أصابها فيه طلقت في الحال

المنصوص عن أحمد في هذه المسألة أنها تطلق ثلاثاً إن كانت في طهر لم يجامعها فيه، وإن كانت حائضا طلقت ثلاثاً إذا طهرت وهذا مذهب الشافعي وقال القاضي وابو الخطاب هذا على الرواية التي قال فيها ان جمع الثلاث سنة فأما على الرواية الأخرى فإذا طهرت طلقت واحدة وتطلق الثانية والثالثة في نكاحين آخرين أو بعد رجعتين، وقد أنكر أحمد هذا القول فقال في رواية مهنا إذا قال لامرأته أنت طالق ثلاثاً للسنة فقد اختلفوا فيه فمنهم من يقول يقع عليها الساعة واحدة فلو راجعها تقع عليها تطليقة أخرى وتكون عنده على أخرى وما يعجبني قولهم هذا فيحتمل أن أحمد أوقع الثلاث لأن ذلك عنده سنة، ويحتمل أنه أوقعها لوصفه الثلاث بما لا تتصف به فألغى الصفة وأوقع الطلاق كما لو قال لحائض أنت طالق في الحال للسنة، وقد قال في رواية أبي الحارث ما يدل على هذا؟ قال يقع عليها الثلاث ولا معنى لقوله للسنة، وقال أبو حنيفة يقع في كل قرء طلقة وان كانت من ذوات الأشهر وقع في كل شهر طلقة وبنى على أصله في أن السنة تفريق الثلاث على الأطهار، وقد بينا أن ذلك في حكم جمع الثلاث فإن قال أردت بقولي للسنة إيقاع واحدة في الحال واثنتين في نكاحين آخرين قبل منه، وإن قال أردت أن يقع في كل قرء طلقة قبل أيضاً لأنه مذهب

طائفة من أهل العلم، وقد ورد به الاثرم فلا يبعد أن يريده قال أصحابنا يدين وهل يقبل في الحكم؟ على وجهين (أحدهما) لا يقبل لأن ذلك ليس بسنة (والثاني) يقبل لما قدمنا. فإن كانت في زمن البدعة فقال سبق لساني الى قولي للسنة ولم أرده وإنما أردت الإيقاع في الحال وقع في الحال لأنه ملك لايقاعها فإذا اعترف بما يوقعها قبل منه (فصل) فإن قال أنت طالق ثلاثاً بعضهن للسنة وبعضهن للبدعة طلقت في الحال طلقتين وتأخرت الثالثة الى الحال الآخرى لانه سوى بين الحالتين فأقتضى الظاهر أن يكونا سواء فيقع في الحال واحدة ونصف ثم يكمل النصف لكون الطلاق لا يتبعض. ويحتمل أن يقع طلقة ويتأخر اثنتان الى الحال الأخرى لأن البعض يقع على ما دون الكل ويتناول القليل من ذلك والكثير فيقع أقل ما يقع عليه الاسم لأنه اليقين وما زاد لا يقع بالشك فيتأخر الى الحال الأخرى فإن قيل لم لا يقع من كل طلقة بعضها ثم يكمل فتقع الثلاث؟ قلنا متى امكنت القسمة من غير تكسير وجبت القسمة على الصحة فإن قال نصفهن للسنة ونصفهن للبدعة وقع في الحال اثنتان وتأخرت الثالثة وإن قال طلقتان للسنة وواحدة للبدعة أو طلقتان للبدعة وواحدة للسنة فهو على ما قال فإن طلق ثم قال نويت ذلك إن فسر نيته بما

يوقع في الحال طلقت وقبل لأنه يقتضي الإطلاق ولانه غير متهم فيه وإن فسرها بما يوقع طلقة واحدة ويؤخر اثنتين دين فيما بينه وبين الله تعالى وهل يقبل في الحكم؟ فيه وجهان (أظهرهما) أنه يقبل لأن البعض حقيقة في القليل والكثير فما فسر كلامه به لا يخالف الحقيقة فيجب أن يقبل (والثاني) لا يقبل لأنه فسر كلامه بأخف مما يلزمه حالة الإطلاق ومذهب الشافعي على نحو هذا فإن قال أنت طالق ثلاثاً بعضهن للسنة ولم يذكر شيئاً آخر احتمل أن تكون كالتي قبلها لأنه يلزم من ذلك أن يكون بعضها للبدعة فأشبه ما لو صرح به ويحتمل أن لا يقع في الحال إلا واحدة لأنه لم يسو بين الحالين والبعض لا يقتضي النصف فتقع الواحدة لأنها اليقين والزائد لا يقع بالشك وكذلك لو قال بعضها للسنة وباقيها للبدعة أو سائرها للبدعة (فصل) إذا قال أنت طالق إذا قدم زيد فقدم وهي حائض طلقت للبدعة إلا أنه لا يأثم لأنه لم يقصده وإن قالت أنت طالق إذا قدم للسنة فقدم زيد في زمان السنة طلقت وإن قدم في زمان البدعة لم يقع حتى إذا صارت الى زمن السنة وقع ويصير كأنه قال إن قدم زيد أنت طالق للسنة لأنه أوقع الطلاق بقدوم زيد على صفة فلا يقع إلا عليها وإن قال لها أنت طالق للسنة إذا قدم زيد قبلى أن يدخل

بها طلقت عند قدومه حائضاً كانت أو طاهراً لأنها لا سنة لطلاقها ولا بدعة وإن قدم بعد دخوله بها وهي في طهر لم يصبها فيه طلقت وإن قدم في زمن البدعة لم تطلق حتى يجئ زمن السنة لأنها صارت ممن لطلاقها سنة وبدعة وإن قال لامرأته أنت طالق إذا جاء رأس الشهر للسنة فكان رأس الشهر في زمن السنة وقع وإلا وقع إذا جاء زمان السنة. * (مسألة) * (وإن قال لها أنت طالق في كل قرء طلقة وهي من اللائي لم يحضن لم تطلق حتى تحيض فتطلق في كل حيضة طلقة) وان كانت من ذوات القروء وقع في كل قرء طلقة فإن كانت في القرء أوقعت بها واحدة في الحال ووقع بها طلقتان في قرأين آخرين في أولهما سواء قلنا القرء الحيض أو الاطهار، وسواء كانت مدخولا بها أو غير مدخول بها، إلا أن غير المدخول بها تبين بالطلقة الاولى فإن تزوجها وقع بها في القرء الثاني طلقة أخرى وكذلك الحكم في الثالثة فان كانت من اللائي لم يحضن وقلنا القرء الحيض لم تطلق حتى تحيض فتطلق في كل حيضة طلقة، وإن قلنا القرء الاطهار احتمل أن تطلق في الحال واحدة ثم لا تطلق حتى تحيض ثم تطهر فتطلق الثانية ثم الثالثة في القرء، لأن الطهر قبل الحيض كله قرء واحد، واحتمل أن لا تطلق حتى تطهر بعد الحيض لان القرء هو الطهر بين

مسألة: وإن قال لها أنت طالق في كل قرء طلقة وهي من اللائي لم يحضن لم تطلق حتى تحيض فتطلق في كل حيضة طلقة

حيضتين وكذلك لو حاضت الصغيرة في عدتها لم تحتسب بالطهر الذي قبل الحيض من عدتها في أحد الوجهين، والحكم في الحامل كالحكم في الصغيرة لأن زمن الحمل كله قرء واحد في أحد الوجهين إذا قلنا الاقراء الاطهار، والوجه الآخر ليس بقرء على كل حال، وإن كانت آيسة فقال القاضي تطلق واحدة على كل حال لأنه علق طلاقها بصفة يستحيل فيها فلغت ووقع بها الطلاق كما لو قال لها: أنت طالق للبدعة، وإذا طلقت الحامل في حال حملها بانت بوصفه لأن عدتها تنقضي به فلم يلحقها طلاق آخر فان استأنف أو راجعها قبل وضع حملها ثم طهرت من النفاس طلقت أخرى ثم إذا حاضت ثم طهرت وقعت الثالثة (فصل) فإن قال أنت طالق للسنة ان كان الطلاق يقع عليك للسنة وهي في زمن السنة طلقت بوجود الصفة، وإن لم تكن في زمن السنة انحلت الصفة ولم يقع بحال لأن الشرط ما وجد وكذلك إن قال أنت طالق للبدعة ان كان الطلاق يقع عليك للبدعة، وإن كانت في زمن البدعة وقع، وإلا لم يقع بحال فان كانت ممن لا سنة لطلاقها ولا بدعة فذكر القاضي فيها احتمالين (أحدهما) لا يقع في المسئلتين لأن الصفة ما وجدت فأشبه ما لو قال: أنت طالق إن كنت هاشمية ولم تكن كذلك.

(والثاني) تطلق لأنه شرط لوقوع الطلقة شرطاً مستحيلاً فلغى ووقع الطلاق، والأول أشبه، وللشافعي وجهان كهذين. * (مسألة) * (وإن قال أنت طالق أحسن الطلاق أو أجمله فهو كقوله أنت طالق للسنة) وكذلك إن قال أعدله أو أكمله أو أتمه أو أو فضله أو طلقة جليلة أو سنية، فكذلك كله عبارة عن طلاق السنة، وبه قال الشافعي وقال محمد بن الحسن إذا قال أعدل الطلاق أو أحسنه كقولنا، وإن قال سنته أو أعدله وقع الطلاق في الحال لأن الطلاق لا يتصف بالوقت والسنة والبدعة وقت، فإذا وصفها بما لا تتصف به سقطت الصفة كما لو قال لغير المدخول بها: أنت طالق طلقة رجعية، أو قال لها أنت طالق للسنة أو للبدعة. ولنا أن ذلك عبارة عن طلاق السنة ويصح وصف الطلاق بالسنة والحسن لكونه في ذلك الوقت موافقاً للسنة مطابقاً للشرع فهو كقوله أحسن، وفارق قوله طلقة رجعية، لأن الرجعية لا تكون إلا في عدة ولا عدة لها فلا يحصل ذلك بقوله فإن قال نويت بقولي أعدل الطلاق وقوعه في زمان الحيض لأنه أشبه بأخلاقها القبيحة ولم أرد الوقت وكانت في الحيض وقع الطلاق لأنه اقرار على نفسه بما فيه تغليظ، وإن كانت في حال السنة دين فيما بينه وبين الله تعالى وهل يقبل في الحكم؟ على وجهين فيما تقدم.

مسألة: وإن قال أنت طالق أحسن الطلاق أو أجمله فهو كقوله أنت طالق للسنة

* (مسألة) * (وإن قال أقبحه أو أسمجه أو أفحشه أو أردأه أو ألكعه حمل على طلاق البدعة) فإن كانت في وقت البدعة وإلا وقف على مجئ زمان البدعة وحكي عن أبي بكر أنه يقع ثلاثاً إن قلنا إن جمع الثلاث بدعة وينبغي أن يقع الثلاث في وقت البدعة ليكون جامعاً لبدعتي الطلاق فيكون أقبح الطلاق، وإن نوى بذلك غير طلاق البدعة نحو أن يقول إنما أردت أن طلاقك أقبح الطلاق لأنك لا تستحقينه لحسن عشرتك وجميل طريقتك وقع في الحال، وإن قال أردت بذلك طلاق السنة ليتأخر الطلاق عن نفسه الى زمن السنة لم يقبل، لأن لفظه لا يحتمله. * (مسألة) * (وإن قال أردت أن أحسن أحوالك أو أقبحها أن تكوني مطلقة فيقع في الحال) لأن هذا يوجد في الحال فوقع فيه. * (مسألة) * (وإن قال أنت طلق مطلقة حسنة قبيحة فاحشة جميلة تامة ناقصة وقع في الحال) لأنه وصفها بصفتين متضادتين فلغتا وبقي مجرد الطلاق فوقع فإن قال أردت أنها حسنة لكونها في زمان السنة وقبيحة لاضرارها بك أو قال أردت أنها حسنة لتخليصي من شرك وسوء خلقك وقبيحة

مسألة: وإن قال أنت طالق طلقة حسنة قبيحة فاحشة جميلة تامة ناقصة وقع في الحال

لكونها في زمن البدعة وكان ذلك يؤخر وقوع الطلاق وهل يقبل في الحكم؟ يخرج على وجهين (فصل) فإن قال أنت طالق الحرج فقال القاضي معناه طلاق البدعة لأن الحرج الضيق والاثم فكأنه قال طلاق الاثم وطلاق البدعة طلاق الاثم وحكى ابن المنذر عن علي رضي الله عنه أنه يقع ثلاثاً لأن الحرج الضيق والذي يضيق عليه ويمنعه الرجوع إليها ويمنعها الرجوع هو الثلاث وهو مع ذلك طلاق بدعة وفيه اثم فيجتمع عليه الأمران الضيق والاثم، وإن قال طلاق الحرج والسنة كان كقوله طلاق السنة والبدعة * (باب صريح الطلاق وكنايته) * لا يقع الطلاق بغير لفظه فلو نواه بقلبه من غير لفظ لم يقع في قول علمة أهل العلم منهم عطاء وجابر ابن زيد وسعيد بن جبير ويحيى بن أبي كثير والشافعي واسحاق وروي أيضاً عن القاسم وسالم والحسن والشعبي وقال الزهري إذا عزم على ذلك طلقت وقال ابن سيرين فيمن طلق في نفسه أليس قد علمه الله

باب صريح الطلاق وكنايته

ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " ان الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تكلم به أو تعلم " رواه النسائي والترمذي وقال هذا حديث صحيح ولأنه تصرف يزيل الملك فلم يحصل بمجرد النية كالبيع والهبة وكذلك إن نواه بقلبه وأشار بأصبعه فإنه لا يقع لما ذكرناه. إذا ثبت أنه يعتبر له اللفظ فهو يتصرف إلى صريح وكناية، فصريحه لفظ الطلاق وما تصرف منه في الصحيح وهو اختيار ابن حامد فإذا قال أنت طالق أو مطلقة أو قال طلقتك وقع الطلاق من غير نية، والكناية لا يقع بها الطلاق حتى ينويه أو يأتي بما يقوم مقام نيته * (مسألة) * (وقال الخرقي صريحه ثلاثة ألفاظ الطلاق والفراق والسراح وما تصرف منهن) وهذا مذهب الشافعي ومذهب أبي حنيفة أن صريحه يختص بلفظ الطلاق وما تصرف منه ووجه هذا القول إن لفظ الفراق والسراح يستعملان في غير الطلاق كثيراً فلم يكونا صريحين فيه كسائر كناياته، ووجه قول الخرقي أن هذه الألفاظ ورد بها الكتاب في الفرقة بين الزوجين فكانا صريحين فيه كلفظ الطلاق قال الله تعالى (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) وقال (فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف) وقال سبحانه (وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته) وقال سبحانه (فتعالين أمتعكن

مسألة: وقال الخرقي صريحه ثلاثة ألفاظ الطلاق والفراق والسراح وما تصرف منهن

وأسرحكن سراحا جميلا) والقول الأول أصح فإن الصريح في الشئ ما كان نصاً فيه لا يحتمل غيره إلا احتمالاً بعيداً، ولفظه الفراق والسراح إن وردت في القرآن بمعنى الفرقة بين الزوجين فقد وردت فيه لغير ذلك المعنى وفي العرف كثيراً قال الله تعالى (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) وقال (وما تفرق الذين أوتوا الكتاب) فلا معنى لتخصيصه بفرقه الطلاق على أن قوله (أو فارقوهن بمعروف) لم يرد به الطلاق وإنما هو ترك ارتجاعها وكذلك قوله (أو تسريح بإحسان) ولا يصح قياسه على لفظ الطلاق فإنه مختص بذلك سابق الى الافهام من غير قرينة ولا دلالة بخلاف الفراق والسراح * (مسألة) * (فمتى أتى بصريح الطلاق وقع نواه أو لم ينوه) وجملة ذلك أن الصريح لا يحتاج إلى نية بل يقع من غير قصد فمتى قال أنت طالق أو مطلقة أو طلقتك وقع من غير نية بغير خلاف لأن ما يعتبر له القول يكتفى فيه به من غير نية إذا كان صريحاً فيه كالبيع سواء قصد المزح او الجد لقول النبي صلى الله عليه وسلم " ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: النكاح والطلاق والرجعة " رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح، قال إبن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن جد الطلاق وهزله سواء روي هذا عن عمر بن الخطاب وابن مسعود ونحوه عن عطاء وعبيدة وبه قال الشافعي وأبو عبيد قال أبو عبيد هو قول سفيان وأهل العراق. فأما لفظ الفراق

مسألة: فمتى أتى بصريح الطلاق وقع نواه أو لم ينوه

والسراح فينبني على الخلاف فيه، فمن جعله صريحاً اوقع به الطلاق من غير نية ومن جعله كناية لم يوقع به الطلاق حتى ينويه ويكون بمنزله الكنايات الخفية، فإن قال أردت بقولي فارقتك اي بجسمي أو بقلبي أو بمذهبي او سرحتك من يدي أو شغلي او من حبسي او سرحت شعرك قبل قوله * (مسألة) * (فإن نوى بقوله أنت طالق من وثاق أو أراد أن يقول طاهر فسبق لسانه أو أراد أنها مطلقة من زوج كان قبله لم تطلق فإن أدعى ذلك دين، وهل يقبل في الحكم؟ على روايتين إلا أن يكون في حال الغضب أو بعد سؤالها الطلاق فلا يقبل) إذا نوى بقوله أنت طالق من وثاق أو قال أردت أن أقول طلبتك فسبق لساني فقلت طلقتك أو نحو ذلك دين فيما بينه وبين الله تعالى (فمتى علم من نفسه ذلك لم يقع عليه فيما بينه وبين ربه) قال أبو بكر لا خلاف عن أبي عبد الله أنه إذا أراد أن يقول لزوجته اسقيني ماء فسبق لسانه فقال أنت طالق أو أنت حرة أنه لا طلاق فيه ونقل ابن منصور عنه أنه سئل عن رجل حلف فجرى على لسانه غير ما في قلبه فقال أرجو أن يكون الآمر فيه واسعاً، وهل تقبل دعواه في الحكم؟ ينظر فإن كان في حال الغضب أو سؤالها الطلاق لم يقبل في الحكم لأن لفظه ظاهر في الطلاق وقرينة حاله تدل عليه فكانت دعواه

مسألة: فإن نوى بقوله أنت طالق من وثاق أو أراد أن يقول طاهر فسبق لسانه أو أراد أنها مطلقة من زوج كان قبله لم تطلق، فإن أدعى ذلك دين، وهل يقبل في الحكم؟ على روايتين إلا ان يكون في حال الغضب أو بعد سؤالها الطلاق فلا يقبل

مخالفة للظاهر من وجهين فلا تقبل وإن لم يكن في هذه الحال فظاهر كلام أحمد في رواية ابن منصور وأبي الحارث أنه يقبل قوله وهو قول جابر بن زيد والشعبي والحكم حكاه عنهم أبو حفص لأنه فسر كلامه بما يحتمله احتمالا غير بعيد فقبل كما لو قال أنت طالق أنت طالق وقال أردت بالثانية إفهامها، وقال القاضي فيه روايتان (احداهما) التي ذكرناها قال وهي ظاهر كلام أحمد (والثانية) لا يقبل وهو مذهب الشافعي لأنه خلاف ما يقتضيه الظاهر في العرف فلم يقبل في الحكم كما لو اقر بعشرة ثم قال زيوفاً او صغاراً أو الى شهر، فأما أن صرح بذلك في اللفظ فقال طلقتك من وثاقي أو فارقتك بجسمي أو سرحتك من يدي فلا شك أن الطلاق لا يقع لأن ما يتصل بالكلام يصرفه عن مقتضاه كالاستثناء والشرط وذكر أبو بكر في قوله أنت مطلقة إن هو نوى أنها مطلقة طلاقاً ماضياً من زوج كان قبله لم يكن عليه شئ، وإن لم ينو شيئاً فعلى قولين أحدهما يقع والثاني لا يقع وهذا من قوله يقتضي أن تكون هذه اللفظة غير صريحة في أحد القولين قال القاضي والمنصوص عن أحمد أنه صريح وهو صحيح لأن هذه متصرفة من لفظ الطلاق فكانت صريحة فيه كقوله أنت طالق، فإن قال أردت بقولي انها مطلقة من زوج كان قبلي ففيه وجه ثالث أنه يقبل إن كان وجد لأن كلامه يحتمله ولا يقبل إن لم يكن وجد لأنه لا يحتمله وقد ذكرنا في ذلك روايتين غير هذا الوجه

* (مسألة) * (ولو قيل له أطلقت امرأتك فقال نعم وأراد الكذب طلقت ولو قيل له ألك امرأة قال لا واراد الكذب لم تطلق) أما إذا قيل له أطلقت امرأتك قال نعم أو قيل له امرأتك طالق فقال نعم طلقت امرأته وإن لم ينو وهذا الصحيح من مذهب الشافعي واختاره المزني لأن نعم صريح في الجواب والصريح للفظ الصريح صريح، ألا ترى لو قيل له لفلان عليك ألف؟ قال نعم وجب عليه فإن قيل له أطلقت امرأتك فقال قد كان بعض ذلك وقال اردت الإيقاع وقع وإن قال أردت أنني علقت طلاقها بشرط قبل لأن ما قاله محتمل وإن قال أردت الاخبار عن شئ ماض أو قيل له ألك امرأة فقال قد طلقتها ثم قال إنما أردت أني طلقتها في نكاح آخر دين فيما بينه وبين الله تعالى وإما في الحكم فإن لم يكن وجد ذلك منه لم يقبل وإن كان وجد فعلى وجهين، وأما إذا قيل له ألك امرأة فقال لا وأراد به الكذب لم يلزمه شئ لأن قوله لي امرأة كناية يفتقر الى نية الطلاق وإذا نوى الكذب فما نوى الطلاق فلم يقع وهكذا لو نوى إنه ليس لي امرأة تخدمني أو ترضيني أو أنني كمن لا امرأة له أو لم ينو شيئاً لم تطلق لعدم النية المشترطة في الكناية وإن أراد بهذا اللفظ طلاقها طلقت لأنها كناية صحبتها النية وبهذا قال الزهري ومالك وحماد بن أبي سليمان

مسالة: ولو قيل له أطلقت امرأتك فقال نعم وأراد الكذب طلقت ولو قيل له ألك امرأة قال لا واراد الكذب لم تطلق

وابو حنيفة والشافعي وقال أبو يوسف ومحمد لا تطلق لأن هذا ليس بكناية ولكنه خبر هو كاذب فيه وليس بإيقاع ولنا أنه محتمل للطلاق لأنه إذا طلقها فليست له بامرأة فأشبه قوله أنت بائن وغيرها من الكنايات الظاهرة وبهذا يبطل قولهم (فصل) فأما لفظة الإطلاق فليست صريحة في الطلاق لأنها لم يثبت لها عرف الشرع ولا الاستعمال فأشبهت سائر كناياته، وذكر القاضي فيها احتمالاً أنها صريحة لأنه لا فرق بين فعلت وأفعلت نحو عظمته وأعظمته وكرمته وأكرمته، وليس هذا الذي ذكره مطرداً فإنهم يقولون حييته من التحية واحييته من الحياة وأصدقت المرأة صداقاً وصدقت حديثها تصديقاً ويفرقون بين أقبل وقبل ودبر وأدبر وبصر وأبصر ويفرقون بين المعاني المختلفة بحركة أو حرف فيقولون حمل لما في البطن وبالكسر لما على الظهر والوقر بالفتح الثقل في الأذن وبالكسر لنقل الحمل، وههنا فرقوا بين قيد النكاح بالتضعيف في أحدهما والهمزة في الآخر ولو كان معنى اللفظين واحداً لقيل طلقت الأسير والفرس والطائر وطالق وطلقت الدابة فهي طالق ومطلقة ولم يسمع هذا في كلامهم وهذا مذهب الشافعي

* (مسألة) * (وإن لطم امرأته أو أطعمها أو أسقاها وقال هذا طلاقك طلقت إلا أن ينوي أن هذا سبب طلاقك أو نحو ذلك لأن هذا اللفظ كناية في الطلاق إذا نواه به وقع ولا يقع من غير نية أو دلالة حال لأنه أضاف إليها الطلاق فوقع بها كما لو قال أنت طالق) وقال ابن حامد تطلق من غير نية لان تقديره أوقعت عليك طلاقاً هذا الضرب من أجله فعلى قوله يكون صريحاً وقال أكثر الفقهاء ليس بكناية ولا يقع به طلاق وإن نوى لأن هذا لا يؤدي معنى الطلاق ولا هو سبب له ولا حكم فيه فلم يصح التعبير به عنه كما لو قال غفر الله لك. ولنا على أنه كناية انه يحتمل هذا التفسير الذي ذكره ابن حامد ويحتمل أن يكون سبباً للطلاق لكون الطلاق معلقاً عليه فصح أن يعبر به عنه ولأن الكناية ما احتملت الطلاق وهذا يحتمله لأنه يجوز أن يكون قد علق طلاقها فلما فعله قال هذا طلاقك اخباراً لها فلزمه ذلك كقوله اعتدى، ويدل على أنه ليس بصريح انه احتاج الى التقدير والصريح لا يحتاج إلى تقدير فيكون كناية، فإن نوى ان هذا سبب طلاقك أو نحو ذلك فلا تطلق لأنه إذا أراد سبب الطلاق جاز أن يكون سبباً له في زمان بعد هذا الزمان * (مسألة) * (وإن قال أنت طالق لا شئ أو ليس بشئ أو لا يلزمك طلقت) وكذلك إن قال أنت طالق طلقة لا تقع عليك أو طالق طلقة لا ينقضي بها عدد طلاقك لان ذلك

مسألة: وإن لطم امرأته أو أطعمها أو أسقاها وقال هذا طلاقك طلقت. إلا أن ينوي أن هذا سبب طلاقك أو نحو ذلك، لأن هذا اللفظ كناية في الطلاق إذا نواه به وقع ولا يقع من غير نية أو دلالة حال لأنه أضاف إليها الطلاق فوقع بها كما لو قال أنت طالق

ورفع لجميع ما اوقعه فلم يصح كاستثناء الجميع، وإن كان ذلك خبراً فهو كذب لأن الواحدة إذا أوقعها وقعت وهذا مذهب الشافعي ولا نعلم فيه مخالفاً * (مسألة) * (وإن قال أنت طالق أولا؟ أو طالق واحدة أولا؟ لم تطلق) لأن هذا استفهام فإذا اتصل به خرج عن أن يكون لفظاً لايقاع ويخالف المسألة قبلها لانه إيقاع ويحتمل أن يقع لأن لفظه لفظ الإيقاع لا لفظ الاستفهام لأن لفظ الاستفهام يكون بالهمزة أو نحوها فيقع ما أوقعه ولا يرتفع بما ذكره بعده كالتي قبلها، وكذلك إن قال أنت طالق واحدة أولا؟ وبه قال أبو حنيفة وأبو يوسف وهو قياس قول الشافعي وقال محمد في هذه تقع واحدة لأن قوله أولا يرجع إلى ما يليه من اللفظ وهو واحدة دون لفظ الإيقاع ولا يصح لأن واحدة صفة للطلقة الواقعة فما اتصل بها رجع إليها فصار كقوله أنت طالق أولا؟ * (مسألة) * (وإن كتب طلاق امرأته ونوى الطلاق وقع وإن نوى تجويد خطه أو غم أهله لم يقع وهل تقبل دعواه في الحكم؟ على روايتين) إذا كتب طلاق زوجته ونوى الطلاق طلقت زوجته وبهذا قال الشعبي والنخعي والزهري والحكم

مسالة: وإن قال أنت طالق لا شيء أو ليس بشيء أو لا يلزمك طلقت

وأبو حنيفة ومالك وهو المنصوص عن الشافعي وذكر بعض أصحابه أن له قولاً آخر أنه لا يقع به طلاق وإن نواه لأنه فعل من قادر على النطق فلم يقع به الطلاق كالإشارة ولنا أن الكتابة حروف يفهم منها الطلاق فإذا أنى فيها بالطلاق وفهم منها ونواه وقع كاللفظ ولأن الكتابة تقوم مقام الكاتب بدلالة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مأموراً بتبليغ رسالته فجعل ذلك في حق البعض بالقول وفي حق آخرين بالكتابة الى ملوك الاطراف ولأن كتاب القاضي يقوم مقام لفظه في إثبات الديون والحقوق فإن نوى بذلك تجويد خطه أو تجربة قلمه لم يقع لأنه لو نوى باللفظ غير الإيقاع لم يقع فالكتابة أولى، وإذا ادعى ذلك دين فيما بينه وبين الله تعالى ويقبل في الحكم في أصح الوجهين لأن ذلك يقبل في اللفظ الصريح في أحد الوجهين فههنا مع أنه ليس بلفظ أولى، وإن قال نويت غم أهلي فقد قال في رواية أبي طالب فيمن كتب طلاق زوجته ونوى الطلاق وقع، وان أراد أن يغم أهله فقد عمل في ذلك أيضاً يعني أنه يؤاخذ به لقول النبي صلى الله عليه وسلم " عفي لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تكلم أو تعمل به " فظاهر هذا أنه أوقع الطلاق لان غم أهله يحصل بالطلاق فيجتمع غم أهله ووقوع طلاقه كما لو قال أنت طالق يريد به غمها، ويحتمل أن لا يقع لأنه أراد غم أهله بتوهم الطلاق دون حقيقته فلا يكون ناوياً للطلاق والخبر إنما يدل على مؤاخذته بما نواه عند العمل به أو الكلام وهذا لم ينو طلاقاً فلا يؤاخذ به

مسألة: وإن كتب طلاق امرأته ونوى الطلاق وقع وإن نوى تجويد خطه أو غم أهله لم يقع وهل تقبل دعواه في الحكم؟ على روايتين

* (مسألة) * (وإن لم ينو شيئاً) فقال أبو الخطاب قد خرجها القاضي والشرف في الإرشاد على روايتين (إحداهما) يقع وهو قول الشعبي والنخعي والزهري والحكم لما ذكرنا من أن الكتابة تقوم مقام اللفظ (والثانية) لا يقع إلا بنيته وهو قول أبي حنيفة ومالك ومنصوص الشافعي لأن الكتابة محتملة فإنه يقصد بها تجربة القلم أو تجويد الخط وغم الأهل فلم يقع من غير نية ككنايات الطلاق * (مسألة) * (وإن كتبه بشئ لا يبين مثل بأصبعه على وسادة أو في الهواء فظاهر كلام أحمد أنه لا يقع) وقال أبو حفص العكبري يقع، ورواه الأثرم عن الشعبي لأنه كتب حروف الطلاق فأشبه ما لو كتبه بشئ يبين والأول أولى لأن الكتابة لا تبين كالهمس بالفم بما لا يستين وثم لا يقع فههنا أولى (فصل) ولا يقع الطلاق بغير لفظ الا في موضعين (أحدهما) إذا كتب الطلاق ونواه وقد ذكرناه (الثاني) من لا يقدر على الكلام كالأخرس إذا طلق بالإشارة طلقت زوجته وبهذا قال الشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم عن غيرهم خلافهم لأنه لا طريق له الى الطلاق إلا بالإشارة فقامت إشارته مقام النطق

مسالة: وإن لم ينو شيئا

من غيره فيه كالنكاح، وأما القادر فلا يصح طلاقه بالإشارة كما لا يصح نكاحه بها فإن أشار الأخرس باصابعه الثلاث لم يقع إلا واحدة لأن اشارته لا تكفي * (مسألة) * (وصريح الطلاق في لسان العجم بهشتم) فإذا أتى بها العجمي وقع الطلاق منه بغير نية وقال النخعي وأبو حنيفة هو كناية لا تطلق به إلا بنية لأن معناه وخليتك وهذه اللفظة كناية ولنا أن هذه اللفظة بلسانهم موضعة للطلاق ويستعملونها فيه فأشبه لفظ الطلاق بالعربية ولو لم تكن هذه صريحة لم يكن في العجمية صريح في الطلاق وهذا بعيد ولا يضر كونها بمعنى خليتك فإن معنى طلقتك خليتك أيضاً إلا أنه لما كان موضوعاً له تستعمل فيه كان صريحاً كذا هذه ولا خلاف في أنه إذا نوى بها الطلاق كانت طلاقاً كذلك قال الشعبي والنخعي والحسن ومالك والثوري وأبو حنيفة وزفر والشافعي فإن قاله العربي ولا يفهمه أو طلق لم يقع لأنه لم يختر الطلاق لعدم علمه بمعناه، وإن نوى موجبه فعلى وجهين (أحدهما) لا يقع لأنه لا يتحقق اختياره لما لا يعلمه فأشبه ما لو نطق بكلمة الكفر فإنه لا يعرف معناها (والثاني) يقع لأنه أتى بالطلاق ناوياً مقتضاه فوقع كما لو علمه

مسألة: وصريح الطلاق في لسان العجم بهشتم

* (فصل) * قال الشيخ رضي الله عنه والكنايات نوعان ظاهرة وهي سبعة: أنت خلية وبرية وبائن وبتة وبتلة وأنت حرة وأنت الحرج. أكثر الروايات عن أبي عبد الله رحمه الله كراهية الفتيا في هذه الكنايات مع ميله الى أنها ثلاث وحكى ابن أبي موسى في الارشاد عنه روايتين (إحداهما) انها ثلاث (والثانية) يرجع إلى ما نواه واختارها أبو الخطاب وهو مذهب الشافعي قال يرجع إلى ما نوى فإن لم ينو شيئاً وقعت واحدة، ونحوه قول النخعي إلا أنه قال تقع طلقة بائنة لأن لفظه يقتضي البينونة ولا يقتضي عدداً وروى حنبل عن أحمد ما يدل على هذا فإنه قال يزيدها في مهرها إن أراد رجعتها ولو وقع ثلاث لم تبح له رجعتها ولو لم تبن لم يحتج إلى زيادة في مهرها، وأحتج الشافعي بما روى أبو داود بإسناده أن ركانة بن عبد يزيد طلق امرأته سهيمة البتة فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وقال والله ما أردت إلا واحدة فقال النبي صلى الله عليه وسلم الله ما أردت إلا واحدة؟ " فقال ركانة الله ما أردت إلا واحدة فردها إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فطلقها الثانية في زمن عمر والثالثة في زمن عثمان قال علي بن محمد الطنافسي ما أشرف هذا الحديث لأن الكنايات مع النية كالصريح فلم يقع به عند الإطلاق أكثر من واحدة كقوله أنت طالق وقال الثوري وأصحاب الرأي إن نوى ثلاثاً فثلاث وإن نوى اثنتين أو واحدة وقعت واحدة ولا يقع اثنتان لأن الكناية تقتضي البينونة دون العدد والبينونة بينونتان صغرى وكبرى

فالصغرى بالواحدة والكبرى بالثلاث ولو أوقعنا اثنتين كان موجبه العدد وهي لا تقتضيه، وقال ربيعة ومالك يقع بها الثلاث وإن لم ينو إلا في الخلع أو قبل الدخول فإنها تطلق واحدة لأنها تقتضي البينونة والبينونة تحصل في الخلع وقبل الدخول بواحدة فلم يزد عليها لأن اللفظ لا يقتضي زيادة عليها وفي غيرها يقع الثلاث ضرورة لأن البينونة لا تحصل إلا بها ووجه أنها ثلاث أنه قول أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فروي عن علي وعمر وزيد بن ثابت انها ثلاث قال أحمد في الخلية والبرية والبتة قول علي وابن عمر قول صحيح ثلاثا قال علي والحسن والزهري في البائن إنها ثلاث وروى النجاد بإسناده عن نافع بإسناده أن رجلاً جاء الى عاصم وابن الزبير فقال إن ظئري هذا طلق امرأته البتة قبل أن يدخل بها فهل تجد ان له رخصة؟ فقالا لا ولكنا تركنا ابن عباس وأبا هريرة عند عائشة فسلهم ثم ارجع إلينا فأخبرنا فسألهم فقال أبو هريرة لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره وقال ابن عباس هي ثلاث وذكر عن عائشة متابعتهما وروى بإسناده أن عمر جعل البتة واحدة ثم جعلها بعد ثلاث تطليقات. وهذه أقوال علماء الصحابة ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم فكان إجماعاً ولأنه طلق امرأته بلفظ يقتضي البينونة فوجب الحكم بطلاق تحصل به البينونة كما لو طلق ثلاثاً أو نوى الثلاث وافضاؤه الى البينونة ظاهر في قوله أنت بائن وكذا في قوله البتة لأن البت القطع فكأنه قطع النكاح

كله وكذلك يعبر به عن الطلاق الثلاث كما قال امرأة رفاعة إن رفاعة طلقني فبت طلاقي وبتله هو من القطع أيضاً وكذلك قيل في مريم البتول لانقطاعها عن النكاح ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التبتل وهو الانقطاع عن النكاح بالكلية وكذلك الخلية والبرية يقتضيان الخلو من النكاح والبراءة منه وإذا كان اللفظ معنى فاعتبره الشرع إنما يعتبره فيما يقتضيه ويؤدي معناه ولا سبيل إلى البينونة بدون الثلاث فوقعت ضرورة الوفاء بما يقتضيه لفظه ولا يمكن إيقاع واحدة بائنة لأنه لا يقدر على إيقاع ذلك بصريح الطلاق فكذلك بكنايته ولا يفرق بين المدخول بها وغيرها لأن الصحابة لم يفرقوا لأن كل لفظة أوجبت الثلاث في مدخول بها أوجبتها في غيرها كقوله أنت طالق ثلاثاً فأما حديث ركانة فإن أحمد ضعف إسناده فلذلك تركه، وقوله أنت حرة يقتضي ذهاب الرق عنها وخلوصها منه والرق ههنا النكاح، وقوله أنت الحرج يعني الحرام والاثم. قال الله تعالى (ليس على الأعمى حرج) أي إثم وأصله الضيق قال الله تعالى (فلا يكن في صدرك حرج منه) فكأنه حرمها وأثم نفسه في إمساكها فصار في ضيق من أمرها وإنما تكون بالبينونة على ما مر

* (مسألة) * (والخفية نحو اخرجي واذهبي وذرقي وتجرعي وخليتك وأنت مخلاة وأنت واحدة ولست لي بامرأة واعتدي واستبرئي وما أشبه واختاري ووهبتك لأهلك فهذه ثلاث إن نوى ثلاثاً واثنتان إن نواهما وواحدة إن نواها أو أطلق) ما ظهر وما عنى به الطلاق فهو على ما عنى مثل حبلك على غاربك إذا نوى واحدة أو اثنتين أو ثلاثاً فهو على ما نوى. وقد ذكر الخرقي في قوله حبلك على غاربك في الكنايات الظاهرة: وإن قال أنت واحدة فهي كناية خفية لكنه لا يقع بها إلا واحدة وإن نوى ثلاثاً ذكره شيخنا لانهما لا تحتمل أكثر منها، وإن قال أغناك الله فهو كناية خفية لأنه يحتمل أغناك الله بالطلاق قال الله تعالى (وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته) وهذا مذهب الشافعي، وقال أبو حنيفة في الكنايات لا يقع اثنتان وإن نواهما وتقع واحدة وقد ذكرناه * (مسألة) * (واختلف في قوله الحقي بأهلك وحبلك على غاربك وتزوجي من شئت وحللت للأزواج ولا سبيل لي عليك ولا سلطان لي عليك وأنت علي حرام وأنت علي حرج هل هي ظاهرة أو خفية؟ وغطي شعرك وقد أعتقتك فهذه عن أحمد فيها روايتان) (إحداهما) أنها ثلاث والأخرى ترجع إلى ما نواه وإن لم ينو شيئاً فواحدة كسائر الكنايات

مسألة: والخفية نحو اخرجي واذهبي وذوقي وتجرعي وخليتك وأنت مخلاة وأنت واحدة ولست لي بامرأة واعتدي واستبرئي وما أشبه، واختاري ووهبتك لأهلك فهذه ثلاث إن نوى ثلاثا واثنتان إن نواهما وواحدة إن نواها أو طلق

الخفية، وقد قاسوا على هذه استبرئي رحمك وتقنعي فهذه في معنى المذكورة فيكون حكمها حكمها. والصحيح في الحقي بأهلك أنها واحدة ولا تكون ثلاثاً إلا بنية لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لابنة الجون " الحقي بأهلك " متفق عليه ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ليطلق ثلاثاً وقد نهى عنه أمته قال الأثرم قلت لأبي عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لابنة الجون " الحقي بأهلك " ولم يكن طلاقاً غير هذا ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ليطلق ثلاثاً فيكون غير طلاق السنة قال لا أدري، وكذلك قوله استبرئي رحمك لمن لا تحيض ثلاث فإن ذلك يكون من الواحدة كما يكون من الثلاث، وقد روى هاشم أنا الأعمش عن المنهال بن عمر أن نعيم بن دجاجة الأسدي طلق امرأته تطليقتين ثم قال هي على حرج فكتب في ذلك الى عمر ابن الخطاب فقال أما إنها ليست باهونهن، فأما سائر اللفظات فإن قلنا هي ظاهرة فإن معناها معنى الظاهرة فإن قوله لا سبيل لي عليك ولا سلطان لي عليك إنما يكون في المبتوتة. أما الرجعية فله عليها سبيل وسلطان، وقوله أعتقتك يقتضي ذهاب الرق عنها والرق ههنا النكاح، وقوله أنت علي حرام يقتضي بينونتها منه لأن الرجعية غير محرمة وكذلك قوله حللت للأزواج لأنك بنت مني وكذلك سائرها، وإن قلنا هي واحدة فإنها محتملة فإن قوله حللت للأزواج أي بعد انقضاء عدتك لأنه لا يمكن حلها

قبل ذلك والواحدة تحلها وكذلك انحكي من شئت وكذلك سائر الألفاظ يتحقق معناها بعد انقضاء عدتها، وذكر بعض أصحابنا اعتدي المختلف فيه والصحيح أنها من الخفية لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لسودة " اعتدي " متفق عليه (فصل) فإن قال أنت طالق بائن البتة ففيه من الخلاف ما ذكرنا في الكنايات الظاهرة لأنه لا يحتاج إلى نية لأنه وصف بها الطلاق الصريح، فإن قال أنت طالق لا رجعة لي عليك وهي مدخول بها قال أحمد إذا قال لامرأته أنت طالق لا رجعة لي فيها ولا بمتوتة هذه مثل الخلية والبرية ثلاثاً هكذا عندي وهو مذهب أبي حنيفة، وإن قال ولا رجعة لي فيها بالواو فكذلك وقال أصحاب أبي حنيفة تكون رجعية لأنه لم يصف الطلقة بذلك وإنما عطف عليها ولنا أن الصفة تصح مع العطف كما لو قال بعتك بعشرة وهي مغرية وكان صفة للثمن قال الله تعالى (إلا استمعوه وهم يلعبون) وإن قال أنت طالق واحدة بائناً أو واحدة بتة ففيها ثلاث روايات (إحداهن) أنها واحدة رجعية ويلغو ما بعدها قال أحمد لا أعرف شيئاً متقدماً أن بواحدة تكون بائناً وهذا مذهب الشافعي لأنه وصف الطلقة بما لا تتصف به فلغت الصفة كما لو قال أنت طالق طلقة لا تقع عليك (والثانية) هي ثلاث قاله أبو بكر وقال هو قول أحمد لأنه أتى بما يقتضي الثلاث فوقع ولنا

وله واحدة كما قال أنت طالق واحدة (والثالثة) رواها حنبل عن أحمد إذا طلق امرأته البتة فإن أمرها بيدها يزيدها في مهرها إن أراد رجعتها فهذا يدل على أنه أوقع بها واحدة بائناً لأنه جعل امرها بيدها ولو كانت رجعية لما جعل أمرها بيدها ولو وقع ثلاث لما حلت له رجعتها قال أبو الخطاب هذه الرواية تخرج في جميع الكنايات الظاهرة فيكون مثل قول ابرهيم النخعي ووجهه أنه أوقع الطلاق بصفة البينونة فوقع على ما أوقعه ولم يزد على واحدة لأن لفظه لم يقتض عدداً فلم يقع أكثر من واحدة كما لو قال أنت طالق، وحمل القاضي رواية حنبل على أن ذلك بعد انقضاء العدة * (مسألة) * (ومن شرط وقوع الطلاق بها أن ينوي بها الطلاق) يعني من شرط وقوع الطلاق بالكناية النية للطلاق لأنها كناية فلا يقع بها طلاق بدون النية كالكناية الخفية، وإن لم ينو شيئاً ولا دلت عليه قرينة لم يقع لأنه ظاهر في غير الطلاق فلم يصرف إليه عند الإطلاق كما لا ينصرف الصريح الى غيره، وإن نوى بها الطلاق وقع وذكر القاضي أن ظاهر كلام أحمد والخرقي أن الطلاق يقع بالكنايات الظاهرة من غير نية وهو قول مالك لأنه اشتهر استعمالها فيه فلم تحتج الى نية كالصريح ومفهوم كلام الخرقي أنه لا يقع إلا بنية لأنه كناية فأشبه سائر الكنايات

مسالة: ومن شرط وقوع الطلاق بها أن ينوي بها الطلاق

(فصل) إذا ثبت اعتبار النية فإنها تعتبر مقارنة للفظه فإن وجدت في ابتدائه وعزبت عنه في سائره وقع الطلاق، وقال بعض أصحاب الشافعي لا يقع فلو قال أنت بائن ينوي الطلاق وعزبت نيته حين قال أنت بائن لم يقع لأن القدر الذي صاحبته النية لا يقع به شئ ولنا أن ما يعتبر له النية يكتفى فيه بوجودها في أوله كالصلوات وسائر العبادات فأما إن تلفظ بالكناية غير ناو ثم نوى بها بعد ذلك لم يقع بها الطلاق كما لو نوى الطهارة بالغسل بعد فراغه منه * (مسألة) * (إلا أن يأتي بها في حال الخصومة والغضب فعلى روايتين) ذكرهما أبو بكر والقاضي وأبو الخطاب (إحداهما) يقع الطلاق ذكره الخرقي. قال في رواية الميموني إذا قال لزوجته أنت حرة لوجه الله في الغضب أخشى أن يكون طلاقاً (والرواية الثانية) ليس بطلاق وهو قول أبي حنيفة والشافعي إلا أن أبا حنيفة يقول في اعتدي واختاري أمرك بيدك كقولنا في الوقوع، واحتجا بأن هذا ليس بصريح في الطلاق ولم ينوه فلم يقع به الطلاق كحال الرضا ولأن مقتضى اللفظ لا يتغير بالرضا والغضب، ويحتمل أن ما كان من الكنايات لا يستعمل في غير الفرقة إلا نادراً نحو قوله أنت حرة لوجه الله واعتدي واستبرئي رحمك وحبلك

مسألة: إلا أن يأتي بها في حال الخصومة والغضب فعلى روايتين

على غاربك وأنت بائن وأشباه ذلك أنه يقع في حال الغضب وجواب سؤال الطلاق من غير نية، وما كثر استعماله لغير ذلك نحو اخرجي واذهبي وروحي تقنعي لا يقع الطلاق به إلا بنية ومذهب أبي حنيفة قريب من هذا، وكلام الخرقي إنما ورد في قوله أنت حرة وهو مما لا يستعمله الإنسان في حق زوجته غالباً إلا كناية عن الطلاق، ولا يلزم من الاكتفاء كذلك بمجرد الغضب وقوع غيره من غير نية لأن ما كثر استعماله يوجد كثيراً غير مراد به الطلاق في حال الرضاء فكذلك في حال الغضب إذ لا حجر عليه في استعماله والتكلم به بخلاف ما لم تجر العادة بذكره فإنه لما قل استعماله في غير الطلاق كان مجرد ذكره يظن منه إرادة الطلاق فإذا انضم الى ذلك مجيئه عقيب سؤال الطلاق أو في حال الغضب قوي الظن فصار ظناً غالباً، ووجه الرواية الأخرى أن دلالة الحال تغير حكم الأقوال والأفعال فإن من قال لرجل يا عفيف ابن العفيف حال تعظيمه كان مدحاً له، وإن قاله في حال شتمه وتنقصه كان قذفاً وذماً ولو قال أنه لا يغدر بذمة ولا يظلم حبة خردل وما احدا وفى ذمة منه في حال المدح كان مدحاً بليغاً كما قال حسان فما حملت من ناقة فرق رحلها * أبر وأوفى ذمة من محمد ولو قال في حال الذم كان هجواً قبيحاً كقول النجاشي قبيلته لا يغدرون بذمة * ولا يظلمون الناس حبة خردل

وقال آخر: كأن ربي لم يخلق لخشيته * سواهم من جميع الناس إنسانا وهذا في هذا الموضع هجاء قبيح وذم حتى حكي عن حسان أنه قال: ما أراه إلا قد سلح عليهم ولولا القرينة ودلالة الحال كان من أحسن المدح وأبلغه، وفي الأفعال لو أن رجلا قصد رجلاً بسيف والحال تدل على المزح واللعب لم يجز قتله، ولو دلت الحال على الجد جاز دفعه بالقتل والغضب ههنا على عقد الطلاق فيقوم مقامه * (مسألة) * (وإن جاء جواباً لسؤالها الطلاق فقال أصحابنا يقع بها الطلاق) لدلالة الحال عليه فالحكم فيه كالحكم فيما إذا أتي بها في حال الغضب على ما فيه من الخلاف والتفصيل والوجه لذلك ما تقدم من التوجيه. قال شيخنا والأولى في الألفاظ التي يكثر استعمالها لغير الطلاق نحو اخرجي واذهبي أنه لا يقع بها لطلاق حتى ينويه بخلاف ما لا يستعمل في غير الطلاق إلا نادراً وقد ذكرنا في المسألة التي قبلها دليل ذلك

مسألة: وإن جاء جوابا لسؤالها الطلاق فقال أصحابنا يقع بها الطلاق

(فصل) فإن ادعى أنه لم ينو فالمنصوص عن أحمد ههنا أنه لا يصدق في عدم النية. قال في رواية الحارث إذا قال لم أنوه صدق في ذلك إذا لم تكن سألته الطلاق وإن كان بينهما غضب قبل ذلك ففرق بين كونه جواباً للسؤال وكونه في حال الغضب وذلك لأن الجواب ينصرف الى السؤال فلو قال لي عندك دينار قال نعم أو صدقت كان اقرارا به ولم يقبل تفسيره بغير الاقرار، ولو قال زوجتك ابنتي أو بعتك ثوبي هذا قال قبلت كفى هذا ولم يحتج إلى زيادة عليه، ولو أراد بالكناية حال الغضب أو سؤال الطلاق غير الطلاق لم يقع الطلاق لأنه لو أراده بالصريح لم يقع فالكناية أولى، وإذا أدعى ذلك دين، وهل يقبل في الحكم؟ ظاهر كلام أحمد في رواية الحارث أنه يصدق وإن كان في حال الغضب ولا يصدق إن كان جواباً لسؤال الطلاق. ونقل عنه في موضع آخر أنه قال: أنت خلية أو برية أو بائن ولم يكن بينهما ذكر طلاق ولا غضب صدق فمفهومه انه لا يصدق مع وجودهما وحكي هذا عن أبي حنيفة إلا في الأربعة المذكورة والصحيح أنه يصدق لما روى سعيد بإسناده أن رجلاً خطب الى قوم فقالوا لا نزوجك حتى تطلق امرأتك فقال قد طلقت ثلاثاً فزوجوه بها ثم أمسك امرأته فقالوا ألم تقل إنك طلقت ثلاثاً؟ قال ألم تعلموا

أني تزوجت فلانة وطلقتها ثم تزوجت فلانه ثم طلقتها، ثم تزوجت فلانه وطلقتها، فسئل عثمان عن ذلك فقال: له نيته ولأنه أمر تعتبر نيته فيه فقبل قوله فيما يحتمله، كما لو كرر لفظاً وقال أردت التوكيد والله أعلم. * (مسألة) * (ومتى نوى بالكناية الطلاق وقع بالظاهرة ثلاث وإن نوى واحدة) هذا ظاهر المذهب لما ذكرنا من إجماع الصحابة وعنه يقع ما نواه وهو مذهب الشافعي كالكنايات الخفية ولحديث ركانة، وعنه يقع واحدة بائنة وهي رواية حنبل لما ذكرنا من قبل ويقع بالخفية ما نواه لأنه محتمل وهو قول الشافعي إلا إذا قال أنت واحدة فإنه لا يقع بها إلا واحدة وإن نوى ثلاثاً لأنها لا تحتمل غير الواحدة ذكره شيخنا. (فصل) والطلاق الواقع بالكنايات رجعي ما لم يقع به الثلاث في ظاهر المذهب وهو مذهب الشافعي. وقال أبو حنيفة كلها بوائن إلا اعتدي واستبرئي رحمك وأنت واحدة لأنها تقتضي البينونة فيقع كقوله أنت طالق ثلاثاً ولنا أنه طلاق صادف مدخولاً بها من غير عوض ولا استيفاء عدد فوجب أن يكون رجعياً كصريح

مسألة: ومتى نوى بالكناية الطلاق وقع بالظاهرة ثلاث وإن نوى واحدة

الطلاق وما سلموه من الكنايات وقولهم إنها تقتضي البينونة قلنا فينبغي أن تبين بثلاث لأن المدخول بها لا تبين إلا بعوض أو ثلاث. * (مسألة) * (وأما ما لا يدل على الطلاق نحو كلي واشربي واقعدي واقربي وبارك الله عليك وأنت مليحة أو قبيحة وقومي وأطعميني واسقيني وغفر الله لك ما أحسنك وأشباه ذلك فليس بكناية ولا تطلق به وإن نوى) لأن اللفظ لا يحتمل الطلاق فلو وقع به الطلاق وقع بمجرد النية وقد ذكرنا أنه لا يقع بها وهذا مذهب أبي حنيفة، واختلف أصحاب الشافعي في قوله كلي واشربي فقال بعضهم كقولنا، وقال بعضهم هو كناية لأنه يحتمل كلي ألم الطلاق واشربي كأس الفراق فوقع كقوله ذوقي أو تجرعي ولنا أن هذا اللفظ لا يستعمل بمفرده إلا فيما لا ضرر فيه كنحو قوله تعالى (كلوا واشربو هنيئا بما كنتم تعلمون) وقال (فكلوه هنيئا مريئا) فلم يكن كناية كقوله أطعميني وفارق ذوقي وتجرعي فانه يستعمل في المكاره لقول الله سبحانه (ذق إنك أنت العزيز الكريم - وذوقوا عذاب الحريق -

مسألة: وأما ما لا يدل على الطلاق نحو كلي واشربي واقعدي واقربي وبارك الله عليك وأنت مليحة أو قبيحة وقومي وأطعميني واسقيني وغفر الله لك وما أحسنك وأشباه ذلك فليس بكناية ولا تطلق به وإن نوى

وذوقوا مس سقر) وكذلك التجرع، قال الله تعالى (يتجرعه ولا يكاد يسيغه) فلم يصح أن يلحق بهما ما ليس مثلهما. * (مسالة) * (وكذلك قوله أنا طالق لأن الزوج ليس محلاً للطلاق، وإن قال: أنا منك طالق لم تطلق زوجته) نص عليه في رواية الأثرم في رجل جعل أمر امرأته بيدها فقالت أنت طالق لم تطلق وهو قول ابن عباس والثوري وأبي سعيد وأصحاب الرأي وابن المنذر. وروي ذلك عن عثمان رضي الله عنه ويحتمل أنه كناية يطلق به إذا نوى وبه قال مالك والشافعي وروي ذلك عن عمر وابن مسعود وعطاء والقاسم واسحاق لأن الطلاق إزالة النكاح وهو مشترك بينهما فإذا صح في أحدهما صح في الآخر ولا خلاف في أنه لا يقع به الطلاق من غير نية. ولنا أنه محل لا يقع الطلاق إذا أضافه إليه من غير نية فلم يقع وإن نوى كالأجنبي ولأنه لو قال أنا طالق ولم يقل منك لم يقع ولو كان محلاً للطلاق لوقع بذلك كالمرأة ولأن الرجل مالك في النكاح والمرأة مملوكة فلم تقع إزالة الملك بالإضافة الى المالك كالعتق ويدل على هذا أن الرجل لا يوصف بأنه مطلق بخلاف المرأة وجاء رجل إلى ابن عباس فقال ملكت امرأتي أمرها فطلقتني ثلاثاً فقال ابن عباس خطأ الله نواها إن الطلاق لك وليس لها عليك، رواه أبو عبيد والاثرم واحتج به أحمد

مسالة: وكذلك قوله أنا طالق لأن الزوج ليس محلا للطلاق، وإن قال: أنا منك طالق لم تطلق زوجته

* (مسألة) * (وإن قال أنا منك بائن أو حرام فهل هو كناية أو لا؟ على وجهين) إذا قال أنا منك بائن أو برئ فقد توقف أحمد عنها وقال أبو عبد الله بن حامد يتخرج على وجهين (أحدهما) لا يقع لأن الرجل محل لا يقع الطلاق بإضافة صريحه إليه، فلم يقع باضافة كنايته إليه كالاجنبي. (والثاني) يقع لأن لفظ البينونة والبراءة والتحريم يوصف به كل واحد من الزوجين يقال بان منها وبانت منه، وحرم عليها وحرمت عليه، وكذلك لفظ الفرقة يضاف إليهما، قال الله تعالى (وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته) وقال تعالى (ما يفرقون به بين المرء وزوجه) ويقال فارقته المرأة وفارقها، ولا يقال طلقته ولا سرحته ولا تطلقا ولا تسرحا. فإن قال: أنا بائن ولم يقل منك فذكر القاضي فيما إذا قال لها: أمرك بيدك، فقالت: أنت بائن ولم تقل مني، أنه لا يقع، وجها واحدا، وان قالت أنا بائن ونوت وقع، وإن قالت أنت مني بائن فعلى وجهين فيخرج ههنا مثل ذلك. * (مسألة) * (وإن قالت أنت علي كظهر أمي، تنوي به الطلاق لم يقع وكان ظهاراً) لأنه صريح فلم يكن كناية في الطلاق كما لا يكون الطلاق كناية في الظهار ولأن الظهار يشبه بمن

مسألة: وإن قال أنا منك بائن أو حرام فهل هو كناية أولا؟ على وجهين

هي محرمة على التأبيد والطلاق يفيد تحريماً غير مؤبد فلم تصح الكناية بأحدهما على الآخر ولو صرح به وقال أعني به الطلاق لم يصر طلاقاً لأنه لا تصح الكناية به عنه * (مسألة) * (وإن قال أنت علي حرام أو ما أحل الله علي حرام ففيه ثلاث روايات (إحداهن) أنه ظهار وإن نوى الطلاق اختاره الخرقي (والثانية) كناية ظاهرة (والثالثة) هو يمين) إذا قال ذلك او أطلق فهو ظهار وقال الشافعي لا شئ عليه، وله قول آخر عليه كفارة يمين وليس يميناً وقال أبو حنيفة هو يمين وقد روى ذلك عن ابي بكر وعمر بن الخطاب وابن مسعود وقال سعيد ثنا خالد بن عبد الله عن جويبر عن الضحاك أن أبا بكر وعمر وابن مسعود قالوا في الحرام إنه يمين وبه قال ابن عباس وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وعن أحمد ما يدل على ذلك لأن الله تعالى قال (لم تحرم ما أحل الله لك؟) ثم قال (قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم) وقال ابن عباس (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) ولأنه تحريم للحلال أشبه تحريم الأمة ووجه الأول أنه تحريم للزوجة بغير طلاق فوجب به كفارة الظهار كما لو قال أنت علي حرام كظهر أمي فأما إن نوى غير الظهار فالمنصوص عن أحمد في رواية جماعة أنه ظهار نوى الطلاق أو لم ينوه ذكره الخرقي وممن قال إنه ظهار عثمان بن

مسألة: وإن قال أنت علي حرام أو ما أحل الله علي حرام ففيه ثلاث روايات إحداهن: أنه ظهار وإن نوى الطلاق اختاره الخرقي والثانية: كناية ظاهرة والثالثة: هو يمين

عفان وأبو قلابة وسعيد بن جبير وميمون بن مهران والبتي وروى الأثرم باسناده عن بن عباس في الحرام أنه تحرير رقبة فان لم يجد فصيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكيناً ولأنه صريح في تحريمها فكان ظهاراً وإن نوى غيره كقوله أنت علي كظهر أمي وعن أحمد أنه إذا نوى به الطلاق أخاف أن يكون ثلاثاً ولا أفتي به وهذا مثل قوله في الكنايات الظاهرة فكأنه جعله من كنايات الطلاق يقع به الطلاق إذا نواه، ونقل عنه البغوي في رجل قال لامرأته أمرك بيدك فقالت أنا عليك حرام فقد حرمت عليه فجعله منها كناية في الطلاق فكذلك من الرجل واختاره ابن عقيل وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي وروي ذلك عن ابن مسعود وممن روي عنه طلاق ثلاث علي وزيد بن ثابت وأبو هريرة والحسن البصري وابن أبي ليلى وهو مذهب مالك في المدخول بها لأن الطلاق نوع تحريم فصح أن يكنى به عنه كقوله أنت بائن فان لو ينو به الطلاق لم يكن طلاقاً بحال لأنه ليس بصريح في الطلاق فإن لم ينوه لم يقع به طلاق كسائر الكنايات وإن قلنا إنه كناية في الطلاق ونوى به فحكمه حكم الكنايات الظاهرة على ما مضى من الاختلاف فيها وهو قول مالك وأبي حنيفة والشافعي كل على أصله ويمكن حمله على الكنايات الخفية إذا قلنا إن الرجعية محرمة لأن أقل ما تحرم به الزوجة طلقة رجعية فحمل على اليقين وقد روي

عن أحمد ما يدل عليه قال إذا قال أنت علي حرام أعني به طلاقاً فهي واحدة وروى هذا عن عمر ابن الخطاب والزهري وقد روي عن مسروق وأبي سلمة بن عبد الرحمن والشعبي ليس بشئ لأنه قول هو كاذب فيه وهذا يبطل بالظهار لأنه منكر من القول وزور، وقد أوجب الكفارة ولأن هذا إيقاع للطلاق فأشبه قوله أنت بائن وأنت طالق وروى عن أحمد أنه إذا نوى اليمين كان يميناً وهذا مذهب ابن مسعود وقول أبي حنيفة والشافعي وممن روي عنه: عليه كفارة يمين أبو بكر الصديق وعمر وابن عباس وعائشة رضي الله عنهم وهو قول سعيد بن المسيب والحسن وعطاء وطاوس وسليمان بن يسار وقتادة والاوزاعي وفي المتفق عليه عن سعيد بن جبير أنه سمع ابن عباس يقول إذا حرم الرجل عليه امرأته فهي يمين يكفرها وقال (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) ولأن الله قال (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك والله غفور رحيم؟ * قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم) فجعل الحرام يميناً ومعنى قوله نوى يميناً والله أعلم أنه نوى بقوله انت علي حرام ترك وطئها واجتنابها وأقام ذلك مقام والله لا وطأتك * (مسألة) * (وإن قال ما أحل الله علي حرام أعني به الطلاق فقال أحمد تطلق امرأته ثلاثاً وإن قال أعني به طلاقاً طلقت واحدة)

مسألة: وإن قال ما أحل الله علي حرام أعني به الطلاق فقال أحمد تطلق امرأته ثلاثا وإن قال أعني به طلاقا طلقت واحدة

رواه الجماعة عن أحمد فروى أبو عبد الله النيسابوري أنه قال إذا قال أنت علي حرام أريد به الطلاق كنت أقول إنها طالق يكفر كفارة الظهار وهذا كأنه رجوع عن قوله إنه طلاق ووجهه أنه صريح في الظهار فلم يصر طلاقاً بقوله أريد به الطلاق كما لو قال أنت علي كظهر أمي أعني به الطلاق قال القاضي ولكن جماعة أصحابنا على أنه طلاق وهي الرواية المشهورة التي رواها عنه الجماعة لأنه صرح بلفظ الطلاق فكان طلاقاً كما لو ضربها وقال هذا طلاقك وليس هذا صريحاً في الظهار وإنما هو صريح في التحريم والتحريم يتنوع الى تحريم بالظهار والى تحريم بالطلاق فإذا بين بلفظه إرادة تحريم الطلاق وجب صرفه إليه وفارق قوله أنت علي كظهر أمي فانه صريح في الظهار وهو تحريم لا يرتفع إلا بالكفارة فلم يمكن جعل ذلك طلاقاً بخلاف مسئلتنا ثم إن قال أعني به الطلاق أو نوى به ثلاثاً فهي ثلاث نص عليه أحمد لانه أنى بالألف واللام التي للاستغراق تفسيراً للتحريم فدخل فيه الطلاق كله وإذا نوى الثلاث فقد نوى بلفظه ما يحتمله من الطلاق فوقع كما لو قال أنت بائن وعنه لا يكون ثلاثاً حتى ينويها سواء كانت فيه الألف واللام أو لم تكن لأن الألف واللام تكون لغير الاستغراق في أكثر أسماء الأجناس وإن قال أعني به طلاقاً فهي واحدة لأنه ذكره منكراً فيكون طلاقاً واحداً نص عليه

أحمد وقال في رواية حنبل إذا قال أعني طلاقاً فهي واحدة أو اثنتان إذا لم يكن فيه الألف واللام وعنه أنه ظهار فيهما وقد ذكرناه وذكرنا دليله * (مسألة) * (وإن قال أنت علي كالميتة والدم وقع ما نواه من الطلاق والظهار واليمين وإن لم ينو شيئاً فهل يكون ظهاراً أو يميناً؟ على وجهين) أما إذا نوى الطلاق كان طلاقاً لأنه يصلح أن يكون كناية فيه فإذا اقترنت به النية وقع به الطلاق ويقع ما نواه من عدد الطلاق فإن لم ينو شيئاً وقعت واحدة لأنه من الكنايات الخفية وهذا حكمها وإن نوى به الظهار وهو أن يقصد تحريمها عليه مع بقاء نكاحها احتمل أن يكون ظهاراً كما قلنا في قوله أنت علي حرام واحتمل أن لا يكون ظهاراً كما لو قال أنت علي كظهر البهيمة أو كظهر أبي وإن نوى اليمين وهو أن يريد بذلك ترك وطئها لا تحريمها ولا طلاقها فهو يمين وإن لم ينو شيئاً لم يكن طلاقاً لأنه ليس بصريح في الطلاق ولو نواه به وهل يكون ظهاراً أو يميناً؟ على وجهين (أحدهما) يكون ظهاراً لأن معناه أنت حرام علي كالميتة والدم فإن تشبيهها بهما يقتضي التشبيه بهما في الأمر الذي استهزأ به وهو التحريم لقول الله تعالى فيهما (حرمت عليكم الميتة والدم) والثاني يكون يميناً لأن الأصل براءة الذمة فإذا أتى بلفظ محتمل

مسألة: وإن قال أنت علي كالميتة والدم وقع ما نواه من الطلاق والظهار واليمين، وإن لم ينو شيئا فهل يكون ظهارا أو يمينا؟ على وجهين

ثبت فيه أقل الحكمين لأنه اليقين وما زاد مشكوك فيه فلا ثبته بالشك ولا نزول عن الأصل إلا بيقين وعند الشافعي هو كقوله أنت حرام سواء * (مسألة) * (وإن قال حلفت بالطلاق وكذب لزمه إقراره في الحكم ولا يلزمه فيما بينه وبين الله تعالى وإن قال حلفت بالطلاق أو علي يمين بالطلاق ولم يكن حلف لم يلزمه شئ فيما بينه وبين الله تعالى ولزمه ما أقر به في الحكم) ذكره القاضي وأبو الخطاب لأنه يحتمل ما قاله ويلزمه في الحكم لأنه خلاف ما أقربه وقال أحمد في رواية محمد بن الحكم في الرجل يقول حلفت بالطلاق ولم يكن حلف هي كذبة ليس عليه يمين وذلك لأن قوله حلفت ليس بحلف وإنما هو خبر عن الحلف فإذا كان كاذباً فيه لم يصر حالفاً كما لو قال حلفت بالله وكان كاذباً واخبار أبو بكر أنه يلزمه ما أقر به وحكى في زاد المسافر عن الميموني عن أحمد أنه قال إذا قال حلفت بالطلاق ولم يكن حلف يلزمه الطلاق ويرجع الى نيته في الطلاق الثلاث أو الواحدة وقال القاضي معنى قول أحمد يلزمه الطلاق أي في الحكم ويحتمل أنه أراد يلزمه إذا نوى به الطلاق فجعله كناية عنه وكذلك قال يرجع الى نيته أما الذي قصد الكذب فلا نية له في الطلاق فلا يقع به شئ لأنه ليس بصريح في الطلاق ولا نوى الطلاق فلم يقع به طلاق كسائر الكنايات وذكر القاضي في

مسألة: وإن قال حلفت بالطلاق وكذب لزمه إقراره في الحكم ولا يلزمه فيما بينه وبين الله تعالى، وإن قال حلفت بالطلاق أو علي يمين بالطلاق ولم يكن حلف لم يلزمه شيء فيما بينه وبين الله تعالى ولزمه ما أقر به في الحكم

كتاب الأيمان فيمن قال حلفت بالطلاق ولم يكن حلف هل يقع به؟ على روايتين (إحداهما) لا يلزمه شئ لأنه لم يحلف واليمين إنما تكون بالحلف (والثانية) يلزمه ما أقر به اختاره أبو بكر لأنه إذا أقر ثم قال كذبت كان جحوداً بعد الإقرار فلا يقبل كما لو أقر بدين ثم أنكر ويرجع الى نيته لأنه أعلم بحاله (فصل) والقول قوله في قدر ما حلف به وفي الشرط الذي علق اليمين به لأنه أعلم بحاله ويمكن حمل كلام أحمد على هذا وهو أن يكون قوله ليس عليه يمين فيما بينه وبين الله تعالى وقوله يلزمه الطلاق أي في الحكم لأنه يتعلق بحق إنسان معين فلم يقبل في الحكم وفيما بينه وبين الله سبحانه إذا علم أنه لم يحلف فلا شئ عليه * (فصل) * قال الشيخ رحمه الله (إذا قال لامرأته أمرك بيدك فلها أن تطلق ثلاثاً وإن نوى واحدة وهو في يدها ما لم يفسخ أو يطأ) الكلام في هذه المسألة في فصلين (أحدهما) أنه إذا قال لامرأته أمرك بيدك كان لها أن تطلق ثلاثاً وإن نوى أقل منها هذا ظاهر المذهب لأنها من الكنايات الظاهرة وقد مضى الكلام فيها روى ذلك عن عثمان وابن عمر وابن عباس وروي ذلك عن علي أيضاً وفضالة بن عبيد وبه قال سعيد بن المسيب وعطاء والزهري قالوا إذا طلقت ثلاثاً فقال لم أجعل إليها إلا واحدة لم يلتفت إلى قوله والقضاء ما قضت وعن عمر وابن مسعود أنها طلقة واحدة وبه قال عطاء ومجاهد والقاسم وربيعة ومالك والاوزاعي والشافعي وقال الشافعي إن نوى ثلاثاً فلها أن تطلق ثلاثاً وان نوى غير ذلك

لم تطلق ثلاثاً والقول قوله في نيته قال القاضي ونقل عبد الله عن أحمد ما يدل على أنه إذا نوى واحدة فهي واحدة لأنه نوع تخيير فيرجع الى نيته فيه كقوله اختاري ولنا أنه لفظ يقتضي العموم في جميع أمرها لأنه اسم جنس مضاف فيتناول الطلقات الثلاث كما لو قال طلقي نفسك ما شئت ولا يقبل قوله أردت واحدة لأنه بخلاف مقتضى اللفظ لا يبين في هذا لأنه من الكنايات الظاهرة والكنايات الظاهرة تقتضي ثلاثاً (الفصل الثاني) أنه لا يتقيد بالمجلس ويكون في يدها ما لم يفسخ أو يطأ وإن جعل أمرها في يد غيرها فكذلك في الفصل الأول والثاني ووافق الشافعي في أنه إذا جعله في يد غيرها أنه لا يتقيد بالمجلس لأنه وكيل، وإذا قال له جعلت أمر امرأتي في يدك أو جعلت لك الخيار في طلاق امرأتي أو طلق امرأتي فالجميع سواء في أنه لا يتقيد بالمجلس وقال أصحاب أبي حنيفة ذلك مقصور على المجلس لأنه نوع تخيير أشبه ما لو قال إختاري ولنا أنه توكيل مطلق فكان على التراخي كالتوكيل في البيع. إذا ثبت هذا فإن له أن يطلق ما لم يفسخ أو يطأ وله أن يطلق ثلاثاً وواحدة كالمرأة فإن فسخ الوكالة بطلت كسائر الوكالات وكذلك إن وطئها لأنه يدل على الفسخ أشبه ما لو فسخ بالقول * (مسألة) * (وإن قال اختاري نفسك لم يكن لها أن تطلق أكثر من واحدة إلا أن يجعل إليها أكثر من ذلك وليس لها أن تطلق إلا ما دامت في المجلس ولم يتشاغلا بما يقطعه)

وجملة ذلك أن لفظ التخيير لا يقتضي بمطلقة أكثر من طلقة رجعية قال أحمد هذا قول ابن عمر وابن مسعود وزيد بن ثابت وعمر وعائشة رضي الله عنهم وروي ذلك عن جابر وعبد الله بن عمر وقال أبو حنيفة هي واحدة بائنة وهو قول ابن شبرمة لأن اختيارها نفسها يقتضي زوال سلطانه ولا يكون إلا بالبينونة وقال مالك هي ثلاث في المدخول بها لأن المدخول بها لا تبين إلا بالثلاث إلا أن تكون بعوض ولنا إجماع الصحابة رضي الله عنهم فإن من سمينا منهم قالوا إن اختارت نفسها فهي واحدة وهو أحق بها رواه النجاد عنهم بأسانيده ولأن قوله اختاري تفويض مطلق فيتناول أقل ما يقع عليه الاسم وذلك طلقة واحدة ولا تكون بائناً لأنها طلقة بغير عوض لم يكمل بها العدد بعد الدخول فأشبه ما لو طلقها واحدة ولا تكون بائناً لأنها طلقة، ويخالف قوله أمرك بيدك فإنه للعموم لأنه اسم جنس مضاف فيتناول جميع أمرها لكن إن جعل لها أكثر من ذلك فلها ما جعل إليها سواء جعله بلفظه بان يقول اختاري ما شئت أو اختاري الطلقات إن شئت فلها أن تختار ذلك أو جعله بنيته وهو أن ينوي بقوله اختاري عدداً فإنه يرجع إلى ما نواه لأن قوله اختاري كناية خفية فيرجع في قدرها الى نيته كسائر الكنايات الخفية، فإن نوى ثلاثاً أو اثنتين أو واحدة فهو على ما نوى وإن أطلق فهي واحدة وإن نوى ثلاثاً فطلقت أقل منها وقع ما طلقته لأنه يعتبر قولهما جميعاً كالوكيلين إذا طلق أحدهما واحدة والآخر

مسألة: وإن قال: اختاري نفسك لم يكن لها أن تطلق أكثر من واحدة إلا أن يجعل إليها أكثر من ذلك وليس لها أن تطلق إلا ما دامت في المجلس ولم يتشاغلا بما يقطعه

ثلاثاً وليس لها أن تطلق إلا ما دامت في المجلس ولم يتشاغلا بما يقطعه هذا قول أكثر أهل العلم أن التخيير على الفور إن اختارت في وقتها وإلا فلا خيار لها بعده روى ذلك عن عمر وعثمان وابن مسعود وجابر وبه قال عطاء وجابر بن زيد ومجاهد والشعبي والنخعي ومالك والثوري والاوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي، وقال الزهري وقتادة وابو عبيد وابن المنذر ومالك في رواية أنه على التراخي ولها الاختيار في المجلس وبعده ما لم يفسخ أو يطأ، واحتج ابن المنذر بقول النبي صلى الله عليه وسلم " لعائشة إني ذاكر لك أمراً فلا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك " وهذا يمنع قصره على المجلس ولأنه جعل امرها إليها أشبه ما لو قال أمرك بيدك ولنا أنه قول من سمينا من الصحابة فروى النجاد بإسناده عن سعيد بن المسيب أنه قال قضى عمر وعثمان في الرجل يخير امرأته أن لها الخيار ما لم يتفرقا وعن عبد الله بن عمر قال ما دامت في مجلسها ونحوه عن ابن مسعود وجابر ولم نعرف لهما مخالفاً في الصحابة فكان إجماعاً ولأنه خيار تمليك فكان على الفور كخيار القبول، وأما الخبر فإن النبي صلى الله عليه وسلم جعل لها الخيار على التراخي، فأما أمرك بيدك فهو توكيل والتوكيل يعم الزمان ما لم يقيده بقيد بخلاف مسئلتنا * (مسألة) * (وليس لها أن تطلق إلا ما داما في المجلس ولم يتشاغلا بما يقطعه)

وذلك أن لا يخرجا من الكلام إلى غير ذلك الطلاق فإن تفرقا عن ذلك الكلام إلى كلام غيره بطل خيارها قال أحمد إذا قال لامرأته اختاري فلها الخيار ما داموا في ذلك الكلام فإن طال المجلس وأخذوا في كلام غير ذلك ولم تختر فلا خيار لها وهذا مذهب أبي حنيفة ونحوه مذهب الشافعي على اختلاف عنه فقيل عنه أنه يتقيد بالمجلس وقيل هو على الفور وقال أحمد الخيار على مخاطبة الكلام وأن تجاريه ويجاريها إنما هو جواب كلام إن أجابته من ساعته وإلا فلا شئ، ووجهه أنه تمليك مطلق تأخر قبوله عن أول حال الإمكان فلم يصح كما لو قامت من مجلسها فإن قام أحدهما عن المجلس قبل اختيارها بطل خيارها، وقال أبو حنيفة يبطل بقيامها دون قيامه على أصله بأن الزوج لا يملك الرجوع، وعندنا أن الزوج يملك الرجوع فبطل بقيامه كما يبطل بقيامها، وإن كان أحدهما قائماً فركب أو مشى بطل الخيار وإن قعد لم يبطل لأن القيام يبطل الفكر والارتياء في الخيار فيكون إعراضاً والقعود بخلافه ولو كانت قاعدة فاتكأت أو متكئة فقعدت لم يبطل لأن ذلك لا يبطل الفكرة، وإن تشاغلت بالصلاة بطل الخيار وإن كانت في صلاة فأتمتها لم يبطل خيارها وإن أضافت إليها ركعتين أخريين بطل خيارها وإن أكلت شيئاً أو قال بسم الله أو سبحت شيئاً يسيرا لم يبطل لأن ذلك ليس بإعراض وإن قالت أدعوا لي شهوداً أشهدهم على ذلك لم يبطل وإن كانت راكبة فسارت لم يبطل خيارها وهذا كله قول أصحاب الرأي * (مسألة) * (فإن جعل لها الخيار اليوم كله أو جعل أمرها بيدها فردته أو رجع فيه أو وطئها بطل خيارها هذا المذهب)

مسألة: وليس لها أن تطلق إلا ما داما في المجلس ولم يتشاغلا بما يقطعه

إذا جعل لها الخيار اليوم كله أو أكثر من ذلك أو متى شاءت فلها الخيار في تلك المدة وإن قال اختاري إذا شئت أو متى شئت فلها ذلك لأن هذه تفيد جعل الخيار لها في عموم الأوقات فإن ردت ذلك أو جعل أمرها بيدها فردته بطل خيارها لأنها إنما ملكته بالوكالة فهي كالوكيل إذا رد الوكالة وإن رجع فيما ملكها بطل أيضاً كما إذا رجع الموكل فيما وكل فيه، وإن وطئها فهو رجوع أيضاً لأنه يدل على الرجوع أشبه ما لو رجع بالقول، ويحتمل أن لا تنفسخ الوكالة كما لو وكله في بيع دار وسكنها ذكره ابن أبي موسى وإن قال اختاري اليوم وغداً وبعد غد فلها ذلك فإن ردت الخيار في الأول بطل كله وإن قال لها لا تعجلي حتى تستأمري أبويك ونحوه فلها الخيار على التراخي فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك لعائشة فدل على أن خيارها لا يبطل بالتأخير، وإن قال اختاري نفسك اليوم واختاري نفسك غداً فردته في اليوم الأول لم يبطل في الثاني، وقال أبو حنيفة لا يبطل في المسألة الاول أيضاً لأنهما خياران في وقتين فلم يبطل أحدهما برد الآخر قياساً على المسألة الثانية ولنا أنه خيار واحد في مدة واحدة فإذا بطل أوله بطل ما بعده كما لو كان الخيار في يوم واحد وكخيار الشرط، ولا نسلم أنهما خياران، وإنما هو خيار واحد في يومين، وفارق ما إذا قال اختاري نفسك اليوم واختاري نفسك غداً فإنهما خياران لأن كل واحد ثبت بسبب مفرد (فصل) ولو خيرها شهراً فاختارت ثم تزوجها لم يكن لها عليه خيار وعند أبي حنيفة لها الخيار

مسألة: فإن جعل لها الخيار اليوم كله أو جعل أمرها بيدها فردته أو رجع فيه أو وضئها بطل خيارها هذا المذهب

ولنا أنها استوفت ما جعل لها في هذا العقد فلم يكن لها في عقد ثان كما لو اشترط الخيار في سلعة مدة ثم فسخ ثم اشتراها بعقد آخر في تلك المدة، ولو لم تختر نفسها أو اختارت زوجها وطلقها الزوج ثم تزوجها بطل لأن الخيار المشروط في عقد لا يثبت في عقد سواه كما في البيع، والحكم في قوله أمرك بيدك في هذا كله كالحكم في التخيير لأنه نوع تخيير ولو قال لها اختاري أو أمرك بيدك اليوم وبعد الغد فردت في اليوم الأول لم يبطل في بعد غد لأنهما خياران ينفصل أحدهما عن صاحبه فلا يبطل أحدهما ببطلان الآخر بخلاف ما إذا كان الزمان متصلاً واللفظ واحد فإنه خيار واحد فبطل كله ببطلان بعضه، وإن قال لك الخيار يوماً أو أمرك بيدك يوماً فابتداؤه من حين نطق به الى مثله من الغد لأنه لا يمكن استكمال يوم بتمامه إلا بذلك وإلا قال شهراً فمن ساعة نطق الى استكمال ثلاثين يوماً الى مثل تلك الساعة وإن قال الشهر أو اليوم أو النسة فهو على ما بقي من اليوم والشهر والسنة، وخرج أبو الخطاب في كل مسألة وجها مثل حكم الأخرى أي خرج في قوله أمرك بيدك وجهاً أنها لا تطلق أكثر من واحدة وأنها تتقيد بالمجلس بشرط أن لا يتشاغلا بما يقطع كلامهما، وفي قوله اختاري نفسك أنه لا يتقيد بالمجلس وإن لها أن تطلق أكثر من واحدة عند الإطلاق قياساً لكل واحدة منهما على الأخرى (فصل) فإن خيرها فاختارت زوجها أو ردت الخيار أو الأمر لم يقع شئ نص عليه أحمد في رواية الجماعة وروي ذلك عن عمر وعلي وزيد وابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم وهو قول عمر ابن عبد العزيز وابن شبرمة وابن أبي ليلى والثوري والشافعي وابن المنذر وعن الحسن تكون واحدة

رجعية وروي ذلك عن علي رضي الله عنه ورواه إسحاق بن منصور عن أحمد قال إن اختارت زوجها فواحدة يملك الرجعة وإن اختارت نفسها فثلاث قال أبو بكر انفرد بهذا إسحاق بن منصور والعمل على ما رواه الجماعة ووجه هذه الرواية إن التخيير كناية نوى بها الطلاق فوقع بها بمجرده كسائر كناياته كقوله انكحي من شئت ولنا قول عائشة قد خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان طلاقاً وقالت لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتخيير أزواجه بدأ بي فقال إني لمخبرك خبراً فلا عليك ألا تعجلي حتى تستأمري أبويك ثم قال إن الله تعالى قال (يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها - حتى بلغ - إن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما) فقلت في أي هذا أستأمر أبوي؟ فإني أريد الله ورسوله والدار الآخره قالت ثم فعل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مثل ما فعلت متفق عليهما قال مسروق ما أبالي خيرت امرأتي واحدة أو مائة أو ألفاً بعد أن تختارني ولانها مخيرة اختارت النكاح فلم يقع بها الطلاق كالمعتقة تحت عبد وقولهم ان التخيير كناية نوى بها الطلاق فوقع بها بمجردها كسائر كناياته قلنا إنما أراد بذلك تفويض الطلاق إلى زوجته لا إيقاع الطلاق وصار ذلك كقوله طلقي نفسك فإنه لا يقع بذلك طلاق والكناية مع النية لا ترد على الصريح فأما إن نوى بقوله اختاري نفسك إيقاع الطلاق وقع كسائر الكنايات

* (مسالة) * (ولفظة الأمر والخيار كناية في حق الزوج تفتقر إلى نيته) فلفظة الأمر من الكنايات الظاهرة والخيار من الخفية وكلاهما يحتاج الى النية لما ذكرنا في الكناية الظاهرة قوله إنها تحتاج الى نية وهو قول مالك وقد ذكرناه فإن قبلته بلفظ الكناية فقالت اخترت نفسي إفتقر الى نيتها أيضاً كالزوج وإن قالت طلقت نفسي وقع من غير نية لأنه صريح فلم يحتج إلى نية كقوله أنت طالق فإن نوى أحدهما دون الآخر لم يقع لأن الزوج إذا لم ينو فما فوض إليها الطلاق فلا يصح أن يوقعه وان نوى ولم تنو هي فقد فوض إليها الطلاق فما أوقعته فلم يقع شئ كما لو وكل وكيلاً في الطلاق فلم يطلق وإن نويا جميعاً وقع ما نواه من العدد وإن نوى أحدهما أقل من الآخر وقع الأقل لأن ما زاد انفرد به أحدهما فلم يقع * (مسألة) * (فإن اختلفا في نيتها فقال لم تنو الطلاق باختيارك نفسك فقالت قد نويت فالقول قولها) لأنها أعلم بنيتها ولا نعلم ذلك الا من جهتها وإن اختلفا في رجوعه فالقول قوله لأنهما اختلفا فيما يختص فكان القول قوله فيه كما لو اختلفا في نيته (فصل) وإن قال أمرك بيدك أو قال اختاري فقالت قبلت لم يقع شئ كما لو قال لأجنبي أمر امرأتي بيدك فقال قبلت واختاري في معناه ونحوه إن قالت أخذت أمري نص عليهما أحمد في رواية إبراهيم بن هانئ إذا قال لامرأته أمرك بيدك فقالت قبلت ليس بشئ حتى يبين وقال إذا قالت أخذت

مسالة: ولفظة الأمر والخيار كناية في حق الزوج تفتقر إلى نيته

امري ليس بشئ قال وإذا قال لامرأته اختاري فاختارت فقالت قبلت نفسي واخترت نفسي كان أبين قال القاضي ولو قالت أخترت ولم تقل نفسي لم تطلق وإن نوت ولو قال الزوج اختاري ولم يقل نفسك ولم ينوه لم تطلق ما لم يذكر نفسها ما لم يكن في كلام الزوج أو جوابها ما يصرف الكلام إليه لأن ذلك في حكم التفسير فإذا عري عن ذلك لم يصح وإن قالت اخترت زوجي واخترت البقاء على النكاح أو رددت الخيار أو رددت عليك سفهتك بطل الخيار وإن قالت اخترت نفسي أو أنوي ونوت وقع الطلاق ولأن هذا يصلح أن يكون كناية من الزوج فيما إذا قال الحقي بأهلك فكذلك منها وإن قالت اخترت الازواج فكذلك لأنهم لا يحلون إلا بمفارقة هذا الزوج ولذلك كان كناية منه في قوله انكحي من شئت (فصل) فإن كرر لفظة الخيار ثلاث مرات فقال اختاري اختاري اختاري فقال أحمد إن كان ما يردد عليها ليفهمها وليست نيته ثلاثاً فهي واحدة وإن كان أراد بذلك ثلاثاً فهي ثلاث فرد الأمر إلى نيته في ذلك وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة إذا قبلت وقع ثلاث لأنه كرر ما يقع به الطلاق فيكرر كما لو كرر الطلاق ولنا أنه يحتمل التأكيد فإذا قصده قبلت نيته كما لو قال انت طالق الطلاق وإن أطلق فقد روي عن أحمد ما يدل على أنها واحدة تملك الرجعة وهذا اختيار القاضي ومذهب عطاء وأبي ثور لأن تكرر

مسألة: فإن اختلفا في نيتها فقال: لم تنوي الطلاق باختيارك نفسك فقالت: قد نويت فالقول قولها

التخيير لا يزيد به الخيار كشرط الخيار في البيع وروى عن أحمد رحمه الله إذا قال لامرأته اختاري فقالت اخترت نفسي هي واحدة إلا أن يقول اختاري اختاري وهذا يدل على أنها تطلق ثلاثاً ونحوه قال الشعبي والنخعي واصحاب الرأي ومالك لأن لفظة الواحدة إذا تكررت اقتضت ثلاثاً كلفظة الطلاق (فصل) ويجوز أن يجعل أمر امرأته بيدها بعوض وحكمه حكم ما لا عوض له في إن له الرجوع فيما جعل لها وأنه يبطل بالوطئ قال أحمد إذا قالت امرأته اجعل أمري بيدي وأعطيك عبدي هذا فقبض العبد وجعل أمرها بيدها فلها أن تختار ما لم يطأها أو ينقضه وذلك لأنه توكيل والتوكيل لا يبطل بدخول العوض فيه وكذلك التحليل بعوض لا يلزم ما لم يتصل به القبول * (مسألة) * (وإن قال طلقي نفسك فقالت اخترت نفسي ونوت الطلاق وقع) ويحتمل أن لا يقع لأنه فوضه إليها بلفظ الصريح فلا يصح أن يوقع ما فوضه إليها، ووجه الأول أنه فوض إليها الطلاق وقد أوقعته فوقع كما لو أوقعته بلفظ الصريح ولا يصح ما ذكروه ولأن التوكيل في شئ لا يقتضي أن يكون إيقاعه بلفظ الأمر كما لو وكله فقال بع داري فباع بلفظ التمليك صح وكما لو قال لها اختاري نفسك فقالت طلقت نفسي فإنه يقع مع اختلاف اللفظ * (مسالة) * (وليس لها أن تطلق أكثر من واحدة إلا أن يجعل إليها أكثر منها) قال أحمد رحمه الله إذا قال لامرأته طلقي نفسك ونوى ثلاثاً فطلقت نفسها ثلاثاً فهي ثلاث

مسألة: وإن قال طلقي نفسك فقالت اخترت نفسي ونوت الطلاق وقع

وإن نوى واحدة فهي واحدة وذلك لأن الطلاق يكون واحدة ثلاثا فأيهما نواه فقد نوى بلفظه ما احتمله وإن لم ينو وقع واحدة لأنها اليقين لأن النطق يتناول أقل ما يقع عليه الاسم * (مسألة) * (وإذا قال وهبتك لأهلك فإن قبلوها فواحدة وإن ردوها فلا شئ، وعنه إن قبولها فثلاث وإن ردوها فواحدة وكذلك إذا قال وهبتك لنفسك) الرواية الأولى هي المشهورة عن أحمد نص عليها وبه قال ابن مسعود وعطاء ومسروق والزهري ومكحول ومالك واسحاق وروي عن علي رضي الله عنه والنخعي إن قبلوها فواحدة بائنة وإن لم يقبلوها فواحدة رجعية، وروى عن أحمد مثل ذلك وعن زيد بن ثابت والحسن إن قبلوها فثلاث، وقال ربيعة ويحيى بن سعيد وأبو الزناد ومالك هي ثلاث على كل حال قبلوها أو ردوها، وقال أبو حنيفة فيها كقوله في الكناية الظاهرة ومثله قال الشافعي واختلفا ههنا بناء على اختلافهما ثم ولنا على أنها لا تطلق إذا لم يقبلوها أنه تمليك للبضع فافتقر فيه الى القبول كقلوه اختاري وأمرك بيدك وكالنكاح وعلى أنها لا تكون ثلاثاً أنه لفظ يحتمل فلا يحمل عى الثلاث عند الإطلاق كقوله اختاري وعلى انها رجعية أنها طلقة لمن عليها عدة بغير عوض قبل استيفاء العدد فكانت رجعية كقوله أنت طالث ثنتين وقوله إنها واحدة محمول على ما إذا أطلق النية أو نوى واحدة فأما إن نوى ثلاثاً أو اثنتين فهو على ما نوى لأنها كناية غير ظاهرة فيرجع الى نيته في عددها كسائر الكنايات ولابد

مسالة: وليس لها أن تطلق أكثر من واحدة إلا أن يجعل إليها أكثر منها

من أن ينوي بذلك الطلاق او تكون ثم دلالة حال لأنها كناية ولابد للكناية من ذلك. قال القاضي وينبغي أن تعتبر النية من الذي يقبل أيضاً كما تعتبر في اختيار الزوجة إذا قال لها اختاري أو أمرك بيدك إذا ثبت هذا فإن صفة القبول أن يقول أهلها قبلناها نص عليه أحمد والحكم في هبتها لنفسها أو لأجنبي كالحكم في هبتها لأهلها (فصل) فإن باع امرأته لغيره لم يقع به طلاق وإن نوى، وبه قال الثوري واسحاق وقال مالك تطلق واحدة وهي أملك بنفسها لأنه أتي بها يقتضي خروجها عن ملكه أشبه ما لو وهبها ولنا أن البيع لا يتضمن معنى الطلاق لأنه نقل ملك بعوض والطلاق مجرد اسقاط لا يقتتضي العوض فلم يقع به طلاق كقوله أطعميني واسقيني (فصول في قول الزوج لامرأته أمرك بيدك) قد ذكرنا أن الزوج إذا قال لامرأته أمرك بيدك أنه في يدها ما لم يفسخ أو يطأ لأن الزوج مخير بين أن يطلق بنفسه وبين أن يوكل فيه وإن يفوضه الى المرأة ويجعله الى اختيارها لأن النبي صلى الله عليه وسلم خير نساءه فاخترنه ومتى جعل أمر امرأته بيدها لم يتقيد بالمجلس روى ذلك عن علي رضي الله، وبه قال الحكم وأبو ثور وابن المنذر، وقال مالك والشافعي وأصحاب الرأي هو مقصور على المجلس كقوله اختاري

ولنا قول علي رضي الله عنه في رجل جعل أمر امرأته بيدها قال هو لها حتى تنكل ولأنه نوع توكيل في الطلاق فكان على التراخي كما لو جعله لأجنبي فإن رجع الزوج فيما جعل إليها او قال فسخت ما جعلت إليك بطل وبذلك قال عطاء ومجاهد والشعبي والنخعي والاوزاعي واسحاق وقال الزهري والثوري ومالك وأصحاب الرأي ليس له الرجوع لأنه ملكها ذلك فلم يملك الرجوع كما لو طلقت ولنا أنه توكيل فكان له الرجوع فيه كالتوكيل في البيع وكما لو وكل في ذلك أجنبياً ولا يصح قولهم تمليكاً لأن الطلاق لا يصح تمليكه ولا ينتقل عن الزوج وإنما ينوب غيره فيه عنه وإن سلم أنه تمليك فالتمليك يصح الرجوع فيه قبل ايصال القبول به كالبيع، وإن وطئها الزوج كان رجوعاً لأنه نوع توكيل والتصرف فيما توكل فيه يبطل الوكالة وإن ردت المرأة ما جعل إليها بطل كما تبطل الوكالة برد الوكيل. (فصل) ولا يقع الطلاق بمجرد هذا القول ما لم ينو به إيقاع طلاقها في الحال أو تطلق نفسها ومتى ردت الأمر الذي جعل إليها بطل ولم يقع شئ في قول أكثر أهل العلم منهم ابن عمر وسعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز ومسروق وعطاء ومجاهد والزهري والثوري والاوزاعي والشافعي وقال قتادة إن ردت فواحدة رجعية ولنا أنه توكيل رده الوكيل أو تمليك لم يقبله المملك فلم يقع به شئ كسائر التوكيل والتمليك فأما

إن نوى بهذا تطليقها في الحال طلقت في الحال ولم يحتج إلى قبولها كما لو قال حبلك على غاربك * (مسألة) * (فإن قالت اخترت نفسي فهي واحدة رجعية) روى ذلك عن عمر وابن عباس وبه قال عمر بن عبد العزيز والثوري وابن أبي ليلى والشافعي واسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وروي عن علي أنها واحدة بائنة وبه قال أبو حنيفة وأصحابه لأن تمليكه إياها أمرها يقتضي زوال سلطانه عنها فإذا قبلت ذلك الاختيار وجب أن يزول عنها ولا يحصل ذلك مع بقاء الرجعة وعن زيد بن ثابت أنها ثلاث، وبه قال الحسن ومالك والليث إلا أن مالكا قال: إذا لم تكن مدخولاً بها قبل منه إذا أراد واحدة أو اثنتين وحجتهم أن ذلك يقتضي زوال سلطانه عنها ولا يكون ذلك إلا بثلاث وفي قول مالك إن غير المدخول بها يزول سلطانه عنها بواحدة فاكتفى بها ولنا أنها لم تطلق بلفظ الثلاث ولا نوت ذلك فلم تطلق ثلاثاً كما لو أتى الزوج بالكنايات الخفية وهذا إذا لم تنو إلا واحدة فإن نوت أكثر منها وقع ما نوت لأنها تملك الثلاث بالتصريح فملكتها بالكنايات كالزوج وهكذا إن أتت بشئ من الكنايات فحكمها فيها حكم الزوج إن كانت مما يقع بها الثلاث من الزوج وقع بها الثلاث إذا أتت بها وإن كانت من الكنايات الخفية نحو قولها لا تدخل علي ونحوها وقع ما نوت. قال أحمد إذا قال لها أمرك بيدك فقالت لا تدخل علي إلا بإذن سواء في ذلك إن قالت واحدة فواحدة وإن قالت أردت أن أغيظه قبل منها يعني لا يقع شئ، وكذلك إن جعل

مسألة: فإن قالت: اخترت نفسي فهي واحدة رجعية

أمرها بيد أجنبي فأتى بهذه الكنايات لا يقع شئ حتى ينوي الوكيل الطلاق ثم إن طلق بلفظ صريح ثلاثاً أو بكناية ظاهرة وقعت الثلاث وإن كان بكناية خفية وقع ما نواه * (باب ما يختلف به عدد الطلاق) * (يملك الحر ثلاث طلقات وإن كان تحته أمة ويملك العبد اثنتين وإن كانت تحته حرة) وجملة ذلكان الطلاق معتبر بالرجال فإن كان الزوج حراً فطلاقه ثلاث حرة كانت الزوجة أو أمة وإن كان عبداً فطلاقه اثنتان حرة كانت زوجته أو أمة روى ذلك عن عمر وعثمان وزيد وابن عباس وبه قال سعيد بن المسيب ومالك والشافعي وإسحاق وابن المنذر، وقال ابن عمر أيهما رق نقص الطلاق برقه فطلاق العبد اثنتان وإن كان تحته حرة وطلاق الأمة اثنتان وإن كان زوجها حرا، وعنه أن الطلاق بالنساء فيملك زوج الحرة ثلاثاً وإن كان عبداً وزوج الأمة اثنتين وإن كان حراً روى ذلك عن علي رضي الله عنه وهو قول ابن مسعود وبه قال الحسن وابن سيرين وعكرمة وعبيدة ومسروق والزهري والحكم وحماد والثوري وابو حنيفة لما روت عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " طلاق الأمة تطليقتان " رواه أبو داود وابن ماجة ولأن المرأة محل الطلاق فيعتبر بها كالعدة

باب ما يختلف به عدد الطلاق

ولنا أن الله خاطب الرجال بالطلاق فكان محله معتبراً بهم ولأن الطلاق خالص حق الزوج وهو مما يختلف بالرق والحرية فكان اختلافه به كعدد المنكوحات، وحديث عائشة قال أبو داود رواه مظاهر بن أسلم وهو منكر الحديث وقد اخرجه الدارقطني في سننه عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " طلاق العبد اثنتان فلا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره وقروء الأمة حيضتان وتتزوج الحرة على الأمة ولا تتزوج الأمة على الحرة " وهذا نص ولأن الحر يملك أن يتزوج أربعاً فملك طلقات ثلاثاً كما لو كان تحته حرة. ولا خلاف في أن الحر الذي زوجته حرة طلاقه ثلاث وإن العبد الذي تحته أمة طلاقه اثنتان، وإنما الخلاف فيما إذا كان أحد الزوجين حراً والآخر رقيقاً قال أحمد المكاتب عبد ما بقي عليه درهم وطلاقه وأحكامه كلها أحكام العبد وهذا صحيح فإنه جاء في الحديث " المكاتب عبد ما بقي عليه درهم " ولأنه يصح عتقه ولا ينكح إلا اثنتين ولا يتزوج ولا يتسرى إلا بإذن سيده وهذه أحكام العبيد فيكون طلاقه كطلاق سائر العبيد، وقد روى الأثرم في سننه عن سليمان بن يسار مكاتب أم سلمة طلق امرأة حرة تطليقتين فسأل عثمان وزيد بن ثابت عن ذلك فقالا حرمت عليك والمدبر كالعبد القن في نكاحه وطلاقه وكذلك المعلق عتقه بصفة لأنه عبد فثبت فيه أحكام العبد (فصل) قال أحمد في رواية محمد بن الحكم العبد إذا كان نصفه حراً ونصفه عبداً يتزوج ثلاثاً ويطلق ثلاث تطليقات

وكذلك كل ما يجري بالحساب إنما جعل له نكاح ثلاث لأن عدد المنكوحات يتبعض فوجب أن يتبعض في حقه كالحد فكذلك كان له أن ينكح نصف ما ينكح العبد وذلك ثلاث، وأما الطلاق فلا تمكن قسمته في حقه لأن مقتضى حاله أن يكون له ثلاثة أرباع الطلاق وليس له ثلاثة أرباع فكمل في حقه ولأن لاصل اثبات الطلقات الثلاث في حق كل مطلق وإنما خولف في حق من كمل الرق فيه ففيما عداه يبقى على الأصل * (مسألة) * (فإذا قال أنت الطلاق أو الطلاق لي لازم ونوى الثلاث طلقت ثلاثاً) قال القاضي لا تختلف الرواية عن أحمد فيمن قال لامرأته أنت الطلاق أنه يقع نواه أو لم ينوه وبهذا قال أبو حنيفة ومالك ولأصحاب الشافعي وجهان (أحدهما) أنه غير صريح لأنه مصدر والأعيان لا توصف بالمصادر إلا مجازاً ولنا أن الطلاق لفظ صريح فلم يفتقر إلى نية كالتصرف وهو مستعمل في عرفهم قال الشاعر: نوهت باسمي في العالمين * وافنيت عمري عاماً فعاما فأنت الطلاق وأنت الطلاق * وأنت الطلاق ثلاثاً تماما قولهم أنه مجاز قلنا نعم إلا أنه يتعذر حمله على الحقيقة ولا محمل له يظهر سوى هذا المحمل فتعين فيه. إذا ثبت ذلك فإنه إذا قال أنت الطلاق أو الطلاق لي لازم أو الطلاق يلزمني أو علي الطلاق فهو

مسألة: فإذا قال: أنت الطلاق أو الطلاق لي لازم ونوى الثلاث طلقت ثلاثا

بمثابة قوله الطلاق يلزمني لأن من يلزمه شئ يضره فهو عليه كالدين. وقد اشتهر استعمال هذا في إيقاع الطلاق فهو صريح فإنه يقال لمن وقع طلاقه لزمه الطلاق وقالوا إذا عقل الصبي الطلاق فطلق لزمه ولعلهم اراد والزمه حكمه فحذفوا المضاف وأقاموا المضاف إليه مقامه ثم اشتهر ذلك حتى صار من الأسماء العرفية وانغمرت الحقيقة فيه ويقع ما نواه واحدة أو اثنتين أو ثلاثاً * (مسألة) * (فإن لم ينو شيئاً ففيه روايتان) إحداهما يقع الثلاث نص عليها أحمد في رواية مهنا وهي اختيار أبي بكر لأن الألف واللام للاستغراق فتقتضي استغراق الكل وهو ثلاث (والثانية) أنها واحدة لأنه يحتمل أن تعود الألف واللام إلى معهود يربد الطلاق الذي اوقعته ولأن الألف واللام في أسماء الأجناس تستعمل لغير الاستغراق كثيراً كقوله ومن أكره على الطلاق وإذا عقل الصبي الطلاق وأشباه هذا مما يراد به ذلك الجنس ولا يفهم منه الاستغراق، فعند ذلك لا يحمل على التعميم إلا بنية صارفة إليه، قال شيخنا والأشبه في هذا جميعه أن يكون واحدة في حال الإطلاق لأن أهل العرف لا يعتقدونه ثلاثاً ولا يعلمون أن الألف واللام للاستغراق ولهذا ينكر أحدهم أن يكون طلق ثلاثاً ولا يعتقد أنه طلق إلا واحدة فمقتضى اللفظ في ظنهم واحدة فلا يريدون إلا ما يعتقدونه مقتضى لفظهم فيصير كأنهم نووا واحدة (فصل) فأما إن قال لامرأته أنت طالق ثلاثاً فهي ثلاث وإن نوى واحدة، لا نعلم بين أهل العلم

مسألة: فإن لم ينو شيئا ففيه روايتان

فيه خلافاً لأن اللفظ صريح في الطلاق الثلاث والنية لا تعارض الصريح لأنها أضعف من اللفظ كما لا يعارض النص القياس ولأن النية إنما تعمل في صرف اللفظ الى بعض محتملا له والثلاث نص فيها لا يحتمل الواحدة بحال فإذا نوى واحدة فقد نوى ما لا يحتمله فلم يصح كما لو قال له علي ثلاثة دراهم وقال أردت واحداً * (مسألة) * (وإن قال أنت طالق ونوى ثلاثاً ففيه روايتان) إحداهما تطلق ثلاثاً وهو قول مالك والشافعي وأبي عبيد وابن المنذر لأن لفظه لو قرن به لفظ الثلاث كان ثلاثاً فإذا نوى به الثلاث كان ثلاثاً كالكنايات ولأنه نوى بلفظه ما يحتمله فوقع ذلك به كالكناية وبيان احتمال اللفظ للعدد أنه يصح تفسيره به فيقول أنت طالق ثلاثاً ولأن قوله طالق اسم فاعل واسم الفاعل يقتضي المصدر كما يقتضيه الفعل والمصدر يقع على القليل والكثير (والرواية الثانية) لا تقع إلا واحدة وهو قول الحسن وعمرو بن دينار والثوري والاوزاعي وأصحاب الرأي لأن هذا اللفظ لا يتضمن عدداً ولا بينونة فلم يقع به الثلاث كما لو قال أنت واحدة. بيانه ان قوله أنت طالق اخبار عن صفة هي عليها فلم يتضمن العدد كقوله قائمة وحائض وطاهر، والأولى أصح لما ذكرنا، وفارق قوله انت حائض وطاهر لأن الحيض والطهر لا يمكن تعدده في حقها والطهر يمكن تعدده (فصل) فإن قال أنت طالق طلاقاً ونوى ثلاثاً وقع ثلاث لأنه صريح بالمصدر والمصدر يقع على القليل

مسألة: وإن قال: أنت طالق ونوى ثلاثا ففيه روايتان

والكثير فقد نوى بلفظه ما يحتمله وأن نوى واحدة فهي واحدة وإن أطلق فهي واحدة لأنه اليقين وإن قال أنت طالق الطلاق وقع ما نواه، وان ينو شيئاً فذكر القاضي فيها روايتين (إحداهما) تقع الثلاث لأن الألف واللام للاستغراق فيقتضي استغراق الكل وهو ثلاث (والثانية) أنها واحدة لما ذكرنا من أن الألف واللام تعود إلى المعود * (مسألة) * (وإن قال أنت طالق واحدة ونوى ثلاثاً لم يقع إلا واحدة) لأن لفظه لا يحتمل أكثر منها فإذا نوى ثلاثاً فقد نوى ما لا يحتمله لفظه فلو وقع أكثر من ذلك لوقع بمجرد النية ومجرد النية لا يقع بها طلاق، وقال أصحاب الشافعي تقع ثلاث في أحد الوجهين لأنه يحتمل واحدة معها اثنتان وهذا لا يصح فإن قوله معها اثنتان لا يؤديه معنى الواحدة ولا يحتمله فنيته فيه نية مجردة فلا يعمل كما لو نوى الطلاق من غير لفظه، وفيه لأصحابنا أنه يقع ثلاث والأول أصح * (مسألة) * (وإن قال أنت طالق هكذا وأشار بأصابعه الثلاث طلقت ثلاثاً) لأن قوله هكذا صريح بالتشبيه بالأصابع في العدد وذلك يصلح بياناً كما قال النبي صلى الله عليه وسلم " الشهر هكذا وهكذا " وأشار بيده مرة ثلاثين ومرة تسعا وعشرين فإن قال أردت تعدد المعتوقين قبل منه لأنه

مسألة: وإن قال: أنت طالق واحدة ونوى ثلاثا لم يقع إلا واحدة

يحتمل ما يدعيه، فأما إن قال أنت طالق وأشار بأصابعه الثلاث ولم يقل هكذا لم يقع إلا واحدة لأن اشارته لا تكفي (فصل) وإن قال لإحدى امرأتيه أنت طالق واحدة بل هذه وأشار الى الأخرى ثلاثاً طلقت الأولى واحدة والثانية ثلاثاً لأنه أوقعه بهما كذلك أشبه ما لو قال له على هذا الدرهم بل هذا فإنه يجب الدرهمان ولا يصح اضرابه عن الأول * (مسألة) * (وإن قال أنت طالق كل الطلاق أو أكثر أو جميعه أو منتهاه أو طالق كألف أو بعدد الحصى أو القطر أو الرمل أو الريح أو التراب طلقت ثلاثاً وإن نوى واحدة) لأن هذا يقتضي عددا ولان للطلاق أقل وأكثر فأقله واحدة وأكثره ثلاث، وإن قال كعدد الماء أو التراب وقع ثلاث، وقال أبو حنيفة يقع واحدة بائن لأن الماء والتراب من أسماء الأجناس لا عدد له ولنا أن الماء تتعدد أنواعه وقطراته والتراب تتعدد أنواعه وأجزاؤه فأشبه الحصى، وإن قال يا مائة طالق أو أنت مائة طالق طلقت ثلاثاً، وإن قال أنت طالق كمائة أو ألف فهي ثلاث قال أحمد فيمن قال أنت طالق كألف تطليقة فهي ثلاث، وبه قال محمد بن الحسن وبعض أصحاب الشافعي وقال أبو حنيفة وابو يوسف إن لم يكن له نية وقعت واحدة لأنه لم يصرح بالعدد، وإنما شبهها بالألف وليس الموقع المشبه به ولنا ان قوله كألف يشبه العدد خاصة لأنه لم يذكر إلا ذلك فوقع العدد كقوله أنت طالق

مسألة: وإن قال أنت طالق كل الطلاق أو أكثره أو جميعه أو منتهاه أو طالق كألف أو بعدد الحصا أو القطر أو الرمل أو الريح أو التراب طلقت ثلاثا وإن نوى واحدة

كعدد الألف، وفي هذا انفصال عما قال، وإن قال أردت أنها كألف في صعوبتها دين، وهل يقبل في الحكم؟ يخرج على روايتين * (مسألة) * (وإن قال أشد الطلاق أو أغلظه أو أطوله أو أعرضه أو ملء الدنيا ونوى الثلاث وقع الثلاث وإن لم ينو شيئاً أو نوى واحدة فهي واحدة) قال أحمد فيمن قال لامرأته أنت طالق ملء البيت فإن أراد الغلظة عليها يعني يريد أن تبين منه فهي ثلاث فاعتبر نيته فدل على أنه إذا لم ينو تقع واحدة وذلك لأن هذا الوصف لا يقتضي عدداً وهذا لا نعلم فيه خلافاً فإذا وقعت الواحدة فهي رجعية وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة وأصحابه تكون بائناً لأنه وصف الطلاق بصفة زائدة فيقتضي الزيادة عليها وذلك هو البينونة، ولنا أنه طلاق صادف مدخولاً بها من غير استيفاء عدد ولا عوض فكان رجعياً كقوله أنت طالق، وما ذكروه لا يصح لأن الطلاق حكم فإذا ثبت ثبت في الدنيا كلها فلا يقتضي ذلك زيادة فإن قال أنت طالق مثل الجبل أو مثل عظم الجبل ولا نية له وقعت طلقة رجعية وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة تقع بائناً، وقال أصحابه إن قال مثل الجبل كانت رجعية وإن قال مثل عظم الجبل كانت بائناً ووجه القولين ما تقدم

مسألة: وإن قال: أشد الطلاق أو أغلظه أو أطوله أو أعرضه أو ملء الدنيا ونوى الثلاث وقع الثلاث وإن لم ينو شيئا أو نوى واحدة فهي واحدة

ولنا أنه لا يملك إيقاع البينونة فإنها حكم وليس ذلك إليه وإنما تثبت البينونة بأسباب معينة كالخلع والطلاق قبل الدخول فيملك مباشرة سببها فثبتت وإن أراد إثباتها بدون ذلك لم تثبت، ويحتمل أن يكون ابتداء الطلاق عليه أو عليها ليعجلها أو لحب أحدهما صاحبه ومشقة فراقه عليه فلم يقع أمر زيد بالشك، فإن قال أقصى الطلاق أو أكثره فكذلك في قياس المذهب، ويحتمل أن يكون أقصى الطلاق ثلاثاً لأن أقصاه آخره وآخر الطلاق الثالثة ومن ضرورة كونها ثالثة وقوع اثنتين، وإن قال أتم الطلاق وأكمله فواحدة إلا أنها تكون بنيته * (مسألة) * (وإن قال أنت طالق من واحدة الى ثلاث وقع طلقتان) وبهذا قال أبو حنيفة لأن ما بعد الغاية لا يدخل فيها كقوله تعالى (ثم أتموا الصيام إلى الليل) وإنما كانت بمعنى مع وذلك خلاف موضوعها، وقال زفر: تطلق واحدة لأن ابتداء الغاية ليس منها كقوله بعتك من هذا الحائط الى هذا الحائط، ويحتمل أن تطلق ثلاثاً وهو قول أبي يوسف ومحمد لأنه نطق بها فلم يجز إلغاؤها وكقوله بعتك هذا الثوب من أوله الى آخره ولنا على أن ابتداء الغاية يدخل قوله خرجت من البصرة فإنه يدل على أنه كان فيها وأما انتهاء

مسألة: وإن قال: أنت طالق من واحدة الى ثلاث وقع طلقتان

الغاية فلا يدخل بمقتضى اللفظ ولو احتمل الدخول وعدمه لم يقع الطلاق بالشك فإن قال أنت طالق ما بين واحدة وثلاث وقعت لأنها التي بينهما * (مسألة) * (وإذا قال أنت طالق طلقة في اثنتين ونوى طلقة مع طلقتين وقعت الثلاث) وإن نوى موجبه عند الحساب وهو يعرفه طلقت طلقتين وإن لم يعرفه فكذلك عند ابن حامد وعند القاضي تطلق واحدة وإن لم ينو وقع بامرأة الحاسب طلقتان وبغيرها طلقة ويحتمل أن تطلق إذا قال أنت طالق طلقة في طلقتين أو واحدة في اثنتين ونوى به ثلاثاً فهي ثلاث لأنه بغير نفي عن كقوله تعالى (ادخلي في عبادي) فتقدير الكلام طلقة مع طلقتين فإن أقر بذلك على نفسه قبل منه وإن قال أردت واحدة قبل أيضاً وإن كان كان حاسباً وقال القاضي لا يقبل إذا كان عارفاً بالحساب ووقع طلقتان لأنه خلاف ما اقتضاه اللفظ ولنا أنه فسر كلامه بما يحتمله فإنه لا يبعد أن يريد بكلامه ما يريده العامي وإن لم يكن له نية وكان عارفاً بالحساب وقع طلقتان وقال الشافعي إن أطلق لم يقع إلا واحدة لأن لفظ الإيقاع إنما هو الواحدة وما زاد عليها لم يحصل فيه لفظ الإيقاع وإنما يقع الزائد بالقصد فإذا خلا عن القصد لم يقع إلا ما أوقعه وقال بعض أصحابه كقولنا وقال أبو حنيفة لا يقع إلا واحدة سواء قصد به الحساب أو لم يقصد به واحدة أو اثنتن لأن الضرب إنما يصح فيما له مساحة فأما ما لا مساحة له فلا حقيقة فيه للحساب وإنما حصل

مسألة: وإذا قال: أنت طالق طلقة في اثنتين ونوى طلقة مع طلقتين وقعت الثلاث

منه الإيقاع في واحدة فوقعت دون غيرها ولنا أن هذا اللفظ موضوع في اصطلاحهم لاثنين فإذ لفظ به وأطلق وقع كما لو قال أنت طالق اثنتين وبهذا يحصل الانفصال عما قاله الشافعي فإن اللفظ الموضوع لا يحتاج معه الى نية فأما ما قاله أبو حنيفة فإنما ذلك في موضع الحساب بالأصل ثم صار مستعملاً في كل ماله عدد فصار حقيقة فيه فأما الجاهل بمقتضى ذلك الحساب إذا أطلق وقعت طلقة واحدة لأن لفظ الإيقاع إنما هو لفظة واحدة وإنما صار مصروفاً إلى اثنين بوضع أهل الحساب واصطلاحهم فمن لا يعرف اصطلاحهم لا يلزمه مقتضاه كالعربي ينطق بالطلاق بالعجمية وهو لا يعرف معناها فإن نوى موجبه عند الحساب وهو لا يعرفه فقال ابن حامد لا يقع هو كالحاسب قياساً عليه لاشتراكهما في النية وعند القاضي تطلق واحدة لأنه إذا لم يعرف موجبة لم يقصد إيقاعه فهو كالعجمي ينطلق بالطلاق بالعربي لا يفهمه وهذا قول أكثر أصحاب الشافعي إذا لم يكن يعرف موجبه لأنه لا يصح منه قصد ما لا يعرفه ويحتمل أن تطلق ثلاثاً بناء على أن في معناها مع فالتقدير أنت طالق طلقة مع طلقتين قال شيخنا ولم يفرق أصحابنا في ذلك بين أن يكون المتكلم بذلك ممن لهم عرف في هذا أولاً والظاهر إن كان المتكلم بذلك ممن عرفهم أن في ههنا بمعنى مع وقعت الثلاث لأن كلامه يحمل على عرفهم والظاهر منه إرادته وهو المتبادر الى الفهم من كلامه

(فصل) إذا قال أنت طالق طلقة بل طلقتين وقع طلقتان نص عليه أحمد وقال الشافعية يقع ثلاث في أحد الوجهين لأن قوله أنت طالق إيقاع فلا يجوز إيقاع الواحدة مرتين فيدل على أنه اوقعها ثم أراد دفعها ووقع اثنتين آخرتين فوقع الثلاث ولنا أن ما لفظ به قبل الإضراب لفظ به بعده فلم يلزمه أكثر مما بعده كقوله له علي درهم بل درهمان وقولهم لا يجوز إيقاع ما أوقعه قلنا يجوز أن تجبره بوقوعه مع وقوع غيره فلا يقع الزائد بالشك (فصل) قال الشيخ رضي الله عنه وإذا قال أنت طالق نصف طلقة او نصفي طلقة أو نصف طلقتين طلقت طلقة وإذا قال أنت طالق نصف طلقة أو جزءاً منها وإن قل وقع طلقة كاملة في قول عامة أهل العلم إلا داود قال لا تطلق بذلك قال إبن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أنها تطلق بذلك منهم الشعبي والحارث العكلي والزهري وقتادة والشافعي وأصحاب الرأي وأبو عبيد قال أبو عبيد وهو قول مالك وأهل الحجاز وأهل العراق وذلك لأن ذكر ما لا يتبعض في الطلاق ذكر لجميعه كما لو قال نصفك طالق فإن قال نصفي طلقة وقعت طلقة لأن نصفي الشئ كله وإن قال أنت طالق نصف طلقتين وقعت واحدة لأن نصف الطلقتين طلقة وذكر أصحاب الشافعي وجهاً آخر أنه يقع طلقتان لأن اللفظ يقتضي النصف من كل واحدة منهما ثم يكمل وما ذكرناه أولى لأن التنصيف يتحقق به وفيه عمل باليقين والغاء الشك وإيقاع ما أوقعه من غير زيادة فكان أولى

* (مسألة) * (وإن قال نصفي طلقتين وقعت طلقتان) لأن نصفي النئ جميعه فهو كما لو قال أنت طالق طلقتين * (مسألة) * (وإن قال ثلاثة أنصاف طلقة طلقت طلقتين) لأن ثلاثة الأنصاف طلقة ونصف وكمل النصف فصار طلقتين وهذا وجه لأصحاب الشافعي ولهم وجه آخر أنها لا تطلق إلا واحدة لأنه جعل الأنصاف من طلقة واحدة فسقط ما ليس منها ويقع طلقة لان إسقاط الطلاق الموقع من الأول في المجلس لا سبيل إليه وانما الاضافة الى الطلقة الواحدة غير صحيحة فلغت الإضافة وإن قال أنت طالق نصف ثلاث طلقات طلقت طلقتين لان نصفها طلقة ونصف ثم يكمل النصف فيصير طلقتين * (مسألة) * (وإن قال ثلاثة أنصاف طلقتين طلقت ثلاثاً ويحتمل أن تطلق طلقتين) نص أحمد على وقوع الثلاث في رواية مهنا وقال أبو عبد الله بن حامد تقع طلقتان لان معناه ثلاثة أنصاف من طلقتين وذلك طلقة ونصف ثم يكمل فيصير وقيل بل لأن النصف الثالث من طلقتين محال ولأصحاب الشافعي وجهان كهذين ولنا أن نصف الطلقتين طلقة وقد أوقعت ثلاثاً فيقع ثلاث كما لو قال أنت طالق ثلاث طلقات وقولهم معناه ثلاثة أنصاف من طلقتين تأويل يخالف ظاهر اللفظ فانه على ما ذكره يكون ثلاثة أنصاف

مسألة: وإن قال: ثلاثة أنصاف طلقة طلقت طلقتين

طلقتين مخالفة لثلاثة أنصاف طلقة وقولهم إنه مخالف قلنا وقوع نصف الطلقتين عليها ثلاث مرات ليس بمحال فوجب أن يقع * (مسألة) * (وإن قال نصف طلقة ثلث طلقة سدس طلقة أو نصف وثلث وسدس طلقة طلقت طلقة) لأنه لم يعطف بواو العطف فيدل على أن هذا الأجزاء من طلقة غير متغايرة وان الثاني ههنا يكون بدلا من الاول والثالث من الثاني والبدل هو المبدل أو بعضه فلم تتبعض المغايرة وعلى هذا التعليل لو قال أنت طالق طلقة نصف طلقة أو طلقة طلقة لم تطلق إلا طلقة وكذلك إن قال نصفاً وثلثاً وسدساً لم يقع إلا طلقة لأن هذه أجزاء للطلقة إلا أن يريد من كل طلقة جزءاً فتطلق ثلاثاً ولو قال أنت طالق نصفاً وثلثاً وربعاً طلقت طلقتين لأنه يزيد على الطلقة نصف سدس طلقة ثم يكمل وإن أراد من كل طلقة جزءاً طلقت ثلاثاً وإن قال أنت طلقة وأنت نصف طلقة أو أنت نصف طلقة ثلث طلقة سدس طلقة أو أنت نصف طالق وقع بها طلقة بناء على قولنا في قوله أنت الطلاق أنه صريح في الطلاق وههنا مثله * (مسألة) * (وإن قال نصف طلقة وثلث طلقة طلقت ثلاثاً) ذكره أصحابنا لأنه عطف جزءا من طلقة على جزء من طلقة وظاهره أنها طلقات متغايرة ولأنه لو كانت الثانية هي الأولى لجاء بها بلام التعريف فقال ثلث الطلقة وسدس الطلقة فإن أهل العربية قالوا إذا ذكر لفظ ثم أعيد منكراً فالثاني غير الأول وإن أعيد معرفاً بالألف واللام فالثاني هو الأول

مسألة: وإن قال: نصف طلقة ثلث طلقة سدس طلقة أو نصف وثلث وسدس طلقة طلقت طلقة

لاعادته معرفاً وليس الثاني غير الأول لاعادته منكراً ولهذا قيل لن يغلب عسر يسيرين وقيل لو أراد بالثانية الأولى لذكرها بالضمير لأنه أولى * (مسألة) * (وإذا قال لأربع نسوة أوقعت بينكن طلقة أو اثنتين أو ثلاثاً أو أربعاً وقع بكل واحدة طلقة) إذا قال أوقعت بينكن طلقة وقع بكل واحدة منهن طلقة كذلك قال الحسن والشافعي وأبو عبيد وأصحاب الرأي لأن اللفظ اقتضى قسمها بينهن لكل واحدة ربعها ثم يكمل وإن قال بينكن طلقة فكذلك نص عليه أحمد لأن معناه أوقعت بينكن طلقة وإن قال أوقعت بينكن طلقتين فكذلك ذكره أبو الخطاب وهو قول أبي حنيفة والشافعي وقال أبو بكر والقاضي يقع بكل واحدة طلقتان وعن أحمد ما يدل عليه فإنه روي عنه في رجل قال أوقعت بينكن ثلاث تطليقات ما أري إلا قد بن منه ووجه ذلك أنا إذا قسمنا كل طلقة بينهن حصل لكل واحدة جزء من طلقتين ثم يكمل والأول أولى لأنه لو قال أنت طالق نصف طلقتين طلقت واحدة ويكمل نصيبها من الطلاق في واحدة فيكون لكل واحدة نصف ثم يكمل طلقة واحدة وإنما يقسم بالأجزاء مع الاختلاف كالدور ونحوها من المختلفات أما الجمل المتساوية من جنس كالنقود فانما تقسم برؤوسها ويكمل نصيب كل واحد من واحد كأربعة لهم درهمان صحيحان فإنه يجعل لكل واحد نصف من درهم واحد والطلقات لا خلاف فيها ولأن فيما ذكرناه أخذاً باليقين فكان أولى من إيقاع طلقة زائدة بالشك فاما ان أراد قسمة كل طلقة بينهن فهو على

-مسألة: وإذا قال لأربع نسوة أوقعت بينكن طلقة أو اثنين أو ثلاثا أو أربعا وقع بكل واحدة طلقة

ما قال أبو بكر وإن قال أوقعت بينكن ثلاثاً أو أربعاً فعلى قولنا يقع بكل واحدة طلقة وعلى قولهما يطلقن ثلاثاً ثلاثا * (مسألة) * (وإن قال أوقعت بينكن خمساً وقع بكل واحدة طلقتان) وبه قال الحسن وقتادة والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي لأن نصيب كل واحدة تطليقة وربع ثم يكمل وكذلك إن قال ستاً أو سبعاً أو ثمانياً وإن قال أوقعت بينكن تسعاً وقع بكل واحدة ثلاث على القولين جميعاً (فصل) فإن قال أوقعت بينكن طلقة وطلقة وطلقة وقع بكل واحدة منهن ثلاث لأنه لما عطف وجب قسم كل طلقة على حدتها ويستوي في ذلك المدخول بها وغيرها في قياس المذهب لأن الواو لا تقتضي ترتيباً وقيل يقع بها واحدة على الأولى خاصة كما إذا قال أوقعت بينكن ثلاثاً ذكره صاحب المجرد وإن قال أوقعت بينكن نصف طلقة وثلث طلقة وسدس طلقة فكذلك لأن هذا يقتضي وقوع ثلاث على ما قدمنا وإن قال أوقعت بينكن طلقة فطلقة فطلقة أو طلقتها طلقة ثم طلقة أو أوقعت بينكن طلقة وأوقعت بينكن طلقة طلقن ثلاثاً إلا التي لم يدخل بها فإنها لا تطلق إلا واحدة لأنها بانت بالأولى فلم يلحقها ما بعدها (فصل) فإن قال لنسائه أنتن طالق ثلاثاً أو طلقتكن ثلاثاً طلقن ثلاثاً نص عليه أحمد لأن قوله طلقتكن يقتضي تطليق كل واحدة منهن وتعميمهن به ثم وصف ما عمهن به من الطلاق بأنه ثلاث فصار

مسألة: وإن قال أوقعت بينكن خمسا وقع بكل واحدة طلقتان

لكل واحدة ثلاث بخلاف قوله أوقعت بينكن ثلاثاً فإنه يقتضي قسمة الثلاث عليهن لكل واحدة منهن جزءا منها وجزء الواحدة من الثلاث ثلاثة أرباع تطليقة (فصل) إذا قال نصفك أو جزء منك أو أصبعك أو دمك طالق طلقت، متى طلق جزءاً من المرأة من أجزائها النابتة طلقت كلها سواء كان شائعاً كنصفها أو سدسها أو جزءاً من ألف جزء منها أو جزءا معينا كيدها أو رأسها أو أصبعها، وهذا قول الحسن ومذهب الشافعي وأبي ثور وابن القاسم من أصحاب مالك وقال أصحاب الرأي ان أضافة إلى جزء شائع أو واحد من أعضاء خمسة: الرأس والوجه والرقبة والظهر والفرج طلقت وإن أضافة إلى جزء معين غير هذه الخمسة لم تطلق لأنه جزء تبقى الجملة بدونه أو جزء لا يعبر به عن الجملة فلم تطلق المرأة لاضافة الطلاق إليه كالسن والظفر ولنا أنه أضاف الطلاق إلى جزء ثابت استباحه بعقد النكاح فأشبه الجزء الشائع والأعضاء الخمسة ولأنها جملة لا تتبعض في الحل والحرمة وجد فيها ما يقتضي التحريم والإباحة فغلب فيها حكم التحريم كما لو اشترك مسلم ومجوسي في قتل صيد، وفارق ما قاسوا عليه فإنه ليس يبقى فإن الشعر والظفر يزولان ويخرج غيرهما ولا تنقض منها الطهارة

* (مسألة) * (وإن قال شعرك أو ظفرك أو سنك طالق لم تطلق) وبهذا قال أصحاب الرأي ويحتمل أن تطلق ذكره صاحب المحرر وقال مالك والشافعي تطلق بذلك ونحوه عن الحسن لأنه جزء يستباح بنكاحها فتطلق بطلاقه كالأصبع ولنا أنه جزء ينفصل عنها في حال السلامة، وفارق الاصبع فإنها لا تنفصل في حال السلامة والسن تزول من الصغير ويخلق غيرها وتنقلع من الكبير بخلاف الاصبع فلم تطلق بطلاقه كالحمل والريق ولأن الشعر لا روح فيه ولا ينقض الوضوء مس فأشبه العرق واللبن * (مسألة) * (وإن أضافه إلى الريق والحمل والدمع والعرق لم تطلق) لا نعلم فيه خلافاً لأن هذه ليست من جسمها فإن الريق والدمع والعرق فضلات والحمل وإن كان متصلاً بها إلا أن مآله إلى الانفصال فلذلك لم تطلق به وهو مودع فيها. قال الله تعالى (وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع) في بطن الام * (مسألة) * (وإن قال روحك طالق طلقت) لأن الحياة لا تبقى بدون روحها كالدم، وقال أبو بكر لا يختلف قول أحمد في الطلاق والعتاق والظهار والحرام أن هذه الأشياء لا تقع إذا ذكر أربعة أشياء: الشعر والسن والظفر والروح. جرد لقول عنه مهنأ بن يحيى والفضل بن زياد القطان فبذلك أقول ووجهه أن الروح ليست عضواً ولا شيئاً يستمتع به

مسألة: وإن قال: شعرك أو ظفرك أو سنك طالق لم تطلق

(فصل) فيما يخالف المدخول بها غيرها * (مسألة) * (إذا قال للمدخول بها أنت طالق أنت طالق طلقت طلقتين إلا أن ينوي بالثانية التأكيد أو افهامها) إذا قال لامرأته المدخول بها أنت طالق مرتين ونوى بالثانية إيقاع طلقة ثانية وقعت بها طلقتان بلا خلاف وإن نوى بها افهامها أن الأولى قد وقعت بها أو التأكيد لم تطلق إلا واحدة، وإن لم تكن له نية وقعت طلقتان، وبه قال أبو حنيفة ومالك وهو الصحيح من قولي الشافعي وقال في الآخر تطلق واحدة لأن التكرار يكون للتأكيد والإفهام ويحتمل الإيقاع فلا نوقع طلقة بالشك ولنا أن هذا اللفظ للايقاع ويقتضي الوقوع بدليل ما لو يتقدمه مثله وإنما ينصرف عن ذلك بنية التأكيد والإفهام فإذا لم يوجد ذلك وقع مقتضاه كما يجب العمل بالعموم في العام إذا لم يوجد المخصص وبالاطلاق في المطلق إذا لم يوجد المقيد، فأما غير المدخول بها فلا تطلق إلا واحدة سواء نوى الإيقاع أو غيره وسواء قال ذلك منفصلاً أو متصلاً وهذا قول عكرمة والنخعي وحماد بن أبي سليمان والحكم والثوري والشافعي وأصحاب الرأي وأبي عبيد وابن المنذر وذكره الحاكم عن علي وزيد بن ثابت وابن مسعود وقال مالك والاوزاعي والليث يقع بها طلقتان وإن قال ذلك ثلاثا طلقت ثلاثا إذا كان متصلاً لأنه طلق ثلاثاً بكلام متصل أشبه قوله أنت طالق ثلاثاً

مسألة: إذا قال للمدخول بها أنت طالق أنت طالق طلقت طلقتين إلا أن ينوي بالثانية التأكيد أو افهامها

ولنا أنه طلاق مفرق في غير المدخول بها فلم يقع إلا الاولى كما لو فرق كلامه ولأن غير المدخول بها تبين بطلقة لأنه لا عدة عليها فتصادفها الطلقة الثانية بائناً فلا يقع الطلاق بها لأنها غير زوجة ولأنه قول من سمينا من الصحابة ولا نعلم لهم مخالفاً في عصرهم فيكون إجماعاً (فصل) فأما إن قال أنت طالق ثم مضى زمن طويل ثم أعاد ذلك للمدخول بها طلقت ثانية ولم يقبل قوله نويت التوكيد لأن التوكيد تابع للكلام فشرطه أن يكون متصلاً به كسائر التوابع من العطف والصفة والبدل. * (مسألة) * (وإن قال أنت طالق فطالق أو ثم طالق أو طالق بل طلقتين أو بل طلقة أو طالق طلقة بعدها أو قبل طلقة طلقت طلقتين إن كانت مدخولا بها وإن كانت غير مدخول بها بانت بالأولى ولم يلزمها ما بعدها وعنه فيما إذا قال أنت طالق طلقة بل طلقة أو طالق بل طالق أنه لا يقع بالمدخول بها إلا طلقة بناء على ما إذا قال له علي درهم بل درهم ذكره في المحرر) كل طلاق مرتب في الوقوع يأتي بعضه بعد بعض لا يقع بغير المدخول بها منه أكثر من واحدة لما ذكرنا ويقع بالمدخول بها ثلاث إذا أوقعها كقوله أنت طالق فطالق أو أنت طالق ثم طالق وأنت طالق أو فطالق وأشباه ذلك لأن هذه حروف تقتضي الترتيب فتقع بها الأولى فتبينا فتأتي الثانية فتصادفها بائناً غير زوجة فلا تقع بها

مسألة: وإن قال: أنت طالق فطالق أو ثم طالق أو طالق طلقة بل طلقتين أو بل طلقة أو طالق طلقة بعدها طلقة أو قبل طلقة طلقت طلقتين إن كانت مدخولا بها

فأما المدخول بها فتأتي الثانية فتصادفها محل النكاح فتقع وكذلك الثالثة وكذلك لو قال أنت طالق بل طالق وطالق ذكره أبو الخطاب، وإن قال أنت طالق طلقة قبل طلقة أو بعد طلقة أو بعدها طلقة أو طلقة فطلقة أو طلقة ثم طلقة وقع بغير المدخول بها طلقة وبالمدخول بها اثنتان لما ذكرنا من أن هذا يقتضي طلقة بعد طلقة * (مسألة) * (وإن قال أنت طالق طلقة قبلها طلقة فكذلك عند القاضي) وهو ظاهر مذهب الشافعي وقال بعضهم لا يقع بغير المدخول بها شئ بناء على قولهم في السريجية وقال أبو بكر وأبو الخطاب يقع اثنتان وهو قول أبي حنيفة لأنه استكمال وقوع الطلقة الأخرى قبل الطلقة الموقعة فوقعت معها لأنها لما تأخرت عن الزمن الذي قصد إيقاعها فيه لكونه زمانا ماضياً وجب إيقاعها في أقرب الأزمنة وهو معها ولا يلزم تأخرها إلى ما بعدها لأن قبله زمناً يمكن الوقوع فيه وهو زمن قريب فلا يؤخر إلى البعيد ولنا أن هذا طلاق بعضه قبل بعض فلم يقع بغير المدخول بها جميعه كما لو قال طلقة بعد طلقة أو قال أنت طالق طلقة غداً وطلقة اليوم ولو قال جاء زيد بعد عمرو أو جاء زيد وقبله عمرو أو أعط زيداً بعد عمرو كان كلامه صحيحاً يفيد تأخر المتقدم لفظاً عن المذكور بعده. وليس هذا طلاقاً في زمن ماض وإنما يقع إيقاعه في المستقبل على الوجه الذي رتبه، ولو قدر أن إحداهما موقعة في زمن ماض

مسألة: وإن قال: أنت طالق طلقة قبلها طلقة فكذلك عند القاضي

لامتنع وقوعها ووقعت الاخرى وهذا تعليل القاضي لكونه لا يقع إلا واحدة. قال شيخنا والأول من التعليلين أصح إن شاء الله تعالى * (مسألة) * (وإن قال أنت طالق طلقة معها طلقة أو مع طلقة أو طالق وطالق طلقت طلقتين) إذا قال أنت طلق طلقة معها طلقة وقع بها طلقتان سواء في ذلك المدخول بها أو غيرها وإن قال معها اثنتان وقع بها ثلاث في قياس المذهب وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي وقال أبو يوسف تقع واحدة لأن الطلقة إذا وقعت مفردة لم يكن أن يكون معها شئ ولنا أنه أوقع ثلاث طلقات بلفظ يقتضي وقوعهن معا فوقعن كلهن كما لو قال أنت طالق ثلاثاً ولا نسلم أن الطلقة تقع مفردة فإن الطلاق لا يقع بمجرد اللفظ به إذ لو وقع بذلك لما صح تعليقه بشرط ولا صح وصفه بالثلاث ولا بغيرها (فصل) إذا قال لغير مدخول بها أنت طالق وطالق وقعت طلقتان، وإن قال أنت طالق وطالق وطالق طلقت ثلاثاً وبه قال مالك والاوزاعي والليث وربيعة وابن أبي ليلى وحكي عن الشافعي في القديم ما يدل عليه، وقال الثوري والشافعي لا يقع إلا واحدة لأنه أوقع الأولى قبل الثانية فلم يقع عليها شئ آخر كما لو فرقها وذكره ابن أبي موسى في الإرشاد وجها في المذهب ولنا أن الواو تقتضي الجمع ولا ترتيب فيها فيكون موقعاً للثلاث جميعاً فيقعن عليها كقوله أنت طالق

مسألة: وإن قال: أنت طالق طلقة معها طلقة أو مع طلقة أو طالق وطالق طلقت طلقتين

ثلاثاً أو طلقة معها طلقتان، ويفارق ما إذا فرقها فإنه لا يقع جميعاً وكذلك إذا عطف بعضها على بعض بحرف يقتضي الترتيب فإن الأولى تقع قبل الثانية بمقتضى إيقاعه وههنا لا تقع الاولى حين نطقه بها حتى يتم كلامه بدليل أنه لو ألحقه استثناءا أو شرطاً لحق به ولم يقع الأول مطلقاً ولو كان يقع حين نطقه لم يلحقه شئ من ذلك، وإذا ثبت أنه يقف وقوعه على تمام الكلام فإنه يقع عند تمام كلامه على الوجه الذي اقتضاه لفظه ولفظه يقتضي وقوع الطلقات الثلاث مجتمعات، فإن قيل إنما أوقعنا أول الكلام على آخره مع الشرط والاستثناء لأنه معبر له والعطف لا يعبر فلا يتوقف عليه، ويتبين أنه وقع أول ما لفظ به وكذلك لو قال لها أنت طالق أنت طالق لم يقع إلا واحدة، قلنا ما لم يتم الكلام فهو عرضة للتغيير اما بما يخصه بزمن أو يقيده بقيد كالشرط وإما بما يمنع بعضه كالاستثناء، وإما بما يبين عدد الواقع كالصفة بالعدد واشباه هذا فيجب أن يكون واقعاً ولولا ذلك لما وقع بغير المدخول بها ثلاث بحال لأنه لو قال لها أنت طالق ثلاثا فوقعت بها طلقة قبل قوله ثلاثاً لم يكن أن يقع شي آخر وأما إذا قال أنت طالق أنت طالق أنت طالق فهاتان جملتان لا تتعلق إحداهما بالأخرى ولو تعقب إحداهما شرط أو استثناء أو صفة لم يتناول الأخرى فلا وجه لوقوف إحداهما على الأخرى والمعطوف مع

المعطوف عليه شئ واحد لو تعقبه شرط لعاد إلى الجميع ولأن المعطوف لا يستقل بنفسه ولا يفيد بمفرده بخلاف قوله أنت طالق فانها جملة مفيدة لا تعلق لها بالأخرى فلا يصح قياسها عليها (فصل) فإن قال أنت طلق طلقتين ونصفاً فهي عندنا كالتي قبلها تقع الثلاث وقال مخالفونا تقع طلقتان (فصل) وإذا قال أنت طالق طلقة بعدها طلقة ثم قال أردت أن أوقع بعدها طلقة دين وهل يقبل في الحكم؟ يخرج على روايتين. وإن قال أنت طالق طلقة قبلها طلقة وقال أردت أني طلقتها قبل هذا في نكاح آخر أو أن زوجا قبلي طلقها دين، وهل يقبل في الحكم؟ فيه ثلاثة أوجه (أحدها) يقبل (والثاني) لا يقبل (والثالث) يقبل إن كان وجد، والصحيح أنه لا يقبل إذا لم يكن وجد لأنه لا يحتمل ما قاله. (فصل) فإن قال أنت طالق طالق طالق وقال أردت التوكيد قبل منه لأن الكلام تكرار للتأكيد كقوله عليه السلام " فنكاحها باطل باطل باطل " وإن قصد الايقاع وتكرار اللفظان طلقت ثلاثاً. وإن لم ينو شيئاً لم يقع إلا واحدة لأنه لم يأت بينهما بحرف يقتضي المغايرة فلا تكن متغايرات، وإن قال أنت طالق وطالق وطالق وقال أردت بالثانية التأكيد لم يقبل لأنه غاير بينهما وبين الأولى بحرف يقتضي العطف والمغايرة وهذا يمنع. وأما الثالثة فهي كالثانية في لفظها فإن قال أردت بها التوكيد دين وهل يقبل في الحكم؟ على روايتين

(إحداهما) يقبل وهو مذهب الشافعي لأنه كرر لفظ الطلاق مثل الاول فقبل تفسيره بالتأكيد كما لو قال أنت طالق أنت طالق والثانية لا يقبل لأن حرف العطف للمغايرة فلا يقبل منه ما يخالف ذلك كما لا يقبل في الثانية ولو قال أنت طالق فطالق فطالق أو أنت طالق ثم طالق ثم طالق فالحكم فيها كالتي عطفها بالواو فإن غاير بين الحروف فقال أنت طالق وطالق ثم طالق ثم طالق وطالق أو طالق وطالق فطالق ونحو ذلك فلم يقبل في شئ منها إرادة التوكيد لأن كل كلمة مغايرة ما قبلها مخالفة لها في لفظها والتوكيد إنما يكون بتكرير الأول بصورته (فصل) فإن قال أنت مطلقة أنت مسرحة أنت مفارقة وقال اردث التوكيد بالثانية والثالثة قبل لانه لم يغاير بينهما بالحروف الموضوعة للمغايرة بين الألفاظ بل أعاد اللفظة بمعناها ومثل هذا يعاد توكيداً وإن قال أنت طلقة ومسرحة ومفارقة وقال أردت التوكيد أحتمل أن يقبل منه لأن اللفظ المختلف يعطف بعضه على بعض توكيداً * فالفي قولها كذبا ومينا * ويحتمل أن لا يقبل لأن الواو تقتضي المغايرة فأشبه ما لو كان بلفظ واحدا * (مسألة) * (والمعلق كالمنجز في حكم المدخول بها وغيرها) فلو قال إن دخلت الدار فانت طالق وطالق فدخلت الدار طلقت ثلاثاً وبه قال أبو يوسف

مسألة: والمعلق كالمنجز في حكم المدخول بها وغيرها

ومحمد وأصحاب الشافعي في أحد الوجهين وقال أبو حنيفة تقع واحدة لأن الطلاق المطلق إذا وجدت الصفة يكون كأنه أوقعه في الحال على تلك الصفة ولو أوقعه كذلك لم يقع إلا واحدة ولنا أنه وجد شرط وقوع ثلاث طلقات غير مرتبات فوقع الثلاث كما لو قال إن دخلت الدرا فانت طالق وكرر ذلك ثلاثاً فدخلت فانها تطلق ثلاثاً في قول الجميع * (مسألة) * (وإن قال إن دخلت الدار فأنت طالق طلقة معها طلقة فدخلت طلقت طلقتين وذكر مثل هذا بعض أصحاب الشافعي ولم يحك عنهم فيه خلافاً وكذلك إذا قال طلقة مع طلقة فدخلت * (مسألة) * (وإن قال لغير مدخول بها أنت طالق ثم طالق ثم طالق إن دخلت الدار وإن دخلت الدار فأنت طالق فطالق فطالق فدخلت طلقت واحدة فبانت بها ولم تطلق غيرها) وبهذا قال الشافعي وذهب القاضي إلى أنها تطلق في الحال واحدة تبين بها وهو قول أبي حنيفة في الصورة الأولى لأن ثم تقطع الأولى عما بعدها للمهلة فتكون الأولى واقعة والثانية معلقة بالشرط وقال أبو يوسف ومحمد لا يقع حتى تدخل الدار فيقع بها ثلاث لأن دخول الدار شرط للثلاث فوقعت كما لو قال إن دخلت الدار فانت طالق وطالق وطالق ولنا أن ثم للعطف وفيها ترتيب فتعلقت التطليقات كلها بالدخول لأن العطف لا يمنع تعلق الشرط

مسألة: وإن قال إن دخلت الدار فأنت طالق طلقة معها طلقة فدخلت طلقت طلقتين

بالمعطوف عليه ويجب الترتيب فيها كما يجب لو لم يعلقه بالشرط وفي هذا انفصال عما ذكروه ولأن الأولى تلي الشرط فلم يجز وقوعها بدونه كما لو لم يعطف عليها ولأنه جعل الأولى جزءاً للشرط وعقبه إياها بفاء التعقيب الموضوعة للجزاء فلم يجز تقديمها عليه كسائر نظائره ولأنه لو قال إن دخل زيد داري فاعطه درهما ثم درهما لم يجز أن يعطيه قبل دخوله فكذا ههنا وما ذكروه تحكم ليس له شاهد في اللغة ولا أصل في الشرع فأما إن قال لمدخول بها إن دخلت الدار فانت طالق ثم طالق ثم طالق لم يقع بها شئ حتى تدخل الدار فيقع بها الثلاث وبهذا قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد وذهب القاضي إلى وقوع طلقتين في الحال وتبقى الثالثة معلقة بالدخول وهو ظاهر الفساد فإنه يجعل الشرط المتقدم للمعطوف دون المعطوف عليه ويعلق به ما بعد عنه دون ما يليه ويجعل جزاءه ما لم يوجد فيه الفاء التي يجازى بها دون ما وجدت يه تحكما لا يعرف عليه دليل ولا نعلم له نظيراً وإن قال لها إن دخلت الدار فانت طالق فطالق فطالق فدخلت طلقت ثلاثاً في قولهم جميعاً * (مسألة) * (وإن قال إن دخلت الدار فانت طالق ان دخلت فانت طالق فدخلت طلقت طلقتين بكل حال) وإن كرر ذلك ثلاثا طلقت ثلاثاً في قول الجميع لأن الصفة وجدت فاقتضى وقوع الطلاق والثلاث دفعة واحدة والله أعلم

باب الاستثناء في الطلاق

(باب الاستثناء في الطلاق) حكي أبي بكر أنه لا يصح الاستثناء في الطلاق والمذهب على أنه يصح استثناء ما دون النصف ولا يصح فيما زاد عليه وفي استثناء النصف وجهان إذا اسثني في الطلاق بلسانه صح استثناؤه وهو قول جملة أهل العلم قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الرجل إذا قال لامرأته أنت طالق ثلاثا إلا واحدة انها تطلق طلقتين منهم الثوري والشافعي وأصحاب الرأي وحكي عن أبي بكر ان الاستثناء لا يؤثر في عدد الطلقات ويجوز في المطلقات فلو قال أنت طالق ثلاثا إلا واحدة وقع الثلاث ولو قال نسائي طوالق إلا فلانة لم تطلق لأن الطلاق لا يمكن رفعه بعد إيقاعه والاستثناء يرفعه لو صح وما ذكره من التحليل باطل بما يسلمه من الاستثناء في المطلقات وليس الاستثناء رفعا لما وقع إذ لو كان كذلك لما صح في المطلقات والاعتاق لا في الإقرار ولا في الاخبار وإنما هو مبين أن المسنثى غير مراد في الكلام فهو يمنع أن يدخل فيه ما لولاه لدخل فقوله (فليث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما) عبارة عن تسعمائة وخمسين عاماً، وقوله (إنني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني) مقتضاه أنه لم يتبرأ من الله، فكذلك قوله أنت طالق ثلاثا إلا واحدة عبارة عن اثنتين لا غير، وحرف الاستثناء المستولى عليه إلا ويشبه به أسماء وأفعال وحروف فالأسماء غير

وسوى، والأفعال ليس وعدا، والحروف حاشا وخلا، فبأي كلمة استثنى بها صح الاستثناء (فصل) ولا يصح استثناء الأكثر، نص عليه أحمد فلو قال أنت طالق ثلاثا إلا اثنتين وقع ثلاث والأكثرون على أن ذلك جائز، إلا أن أهل العربية إنا أجازوه في القليل من الكثير حكي ذلك عن جماعة من أئمة اللغة فإذا قال أنت طالق ثلاثا إلا واحدة وقع اثنتان ولو قال إلا اثنتين وقع ثلاث، وإن قال طلقتين إلا طلقة ففيه وجهان [أحدهما] يقع طلقة (والثاني) طلقتان بناء على صحة استثناء النصف هل يصح أولا؟ على وجهين * (مسألة) * (وإن قال أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثاً أو ثلاثاً إلا اثنتين أو خمساً إلا ثلاثاً أو ثلاثاً إلا ربع طلقة طلقت ثلاثاً) إذا قال أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا وقع ثلاث بغير خلاف لأن الاستثناء لرفع المستثنى منه فلا يصح أن يرفع جميعه وإن قال ثلاثاً إلا اثنتين فعندنا يقع ثلاث بناء على أنه لا يصح استثناء الأكثر وسنذكر ذلك والخلاف فيه ودليل كل واحد من القولين في كتاب الاقرار إن شاء الله تعالى وإن قال أنت طالق خمساً إلا ثلاثاً وقع ثلاث لأن الاستثناء إن عاد إلى الخمس فقد استثنى الأكثر وإن عاد إلى الثلاث التي يملكها فقد رفع جميعها وكلامها لا يصح، وإن قال خمساً إلا طلقة ففيه وجهان [أحدهما] يقع ثلاث لأن الكلام مع الاستثناء كأنه نطق بما عدا المستثنى فكأنه قال أنت طالق

مسألة: وإن قال: أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا أو ثلاثا إلا اثنتين أو خمسا إلا ثلاثا أو ثلاثا إلا ربع طلقة طلقت ثلاثا

أربعاً (والثاني) يقع اثنتان، ذكره القاضي لأن الاستثناء يرجع إلى ما ملكه من الطلقات وما زاد عليها يلغو وقد استثنى واحدة من الثلاث فيصح ويقع طلقتان وإن قال ثلاث إلا ربع طلقة طلقت ثلاثاً لأن الطلقة الناقصة تكمل فتصير ثلاثا * (مسألة) * (وإن قال أنت طالق اثنتين إلا واحدة فعلى وجهين ذكرناهما، وذلك مبني على صحة استثناء النصف) وإن قال أنت طالق أربعاً إلا اثنتين فعلى الوجهين يصح الاستثناء ويقع طلقتان وعلى قول القاضي ينبغي أن لا يصح الاستثناء ويقع ثلاث لأن الاستثناء يرجع إلى الثلاث فيكون استثناء الاكثر * (مسألة) * (وإن قال أنت طالق ثلاثا إلا اثنتين إلا واحدة، فهل تطلق ثلاثاً أو اثنتين؟ على وجهين) . وجملة ذلك أن الاستثناء من الاستثناء لا يصح منه في الطلاق إلا هذه المسألة فإنه يصح إذا أجزنا استثناء النصف فيقع به طلقتان فإن قيل فكيف أجزتم أستثناء الثنتين من الثلاث وهي أكثرها؟ قلنا لأنه لم يسكت عليها بل وصلها بأن استثنى منهها طلقة فصارنا عبارة عن واحدة وإن قلنا لا يصح استثناء النصف وقع الثلاث.

مسألة: وإن قال: أنت طالق ثلاثا إلا اثنتين إلا واحدة، فهل تطلق ثلاثا أو اثنتين؟ على وجهين

* (مسألة) * (وإن قال أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثاً إلا واحدة لم يصح ووقع ثلاث) لأنه إذا استثنى واحدة من ثلاث بقي اثنتان لا يصح استثناؤهما من الثلاث الأولى فيقع الثلاث وذكر أبو الخطاب فيها وجهاً آخر أنه يصح لأن الاستثناء الاول يغلو لكونه استثنى الجميع فيرجع قوله إلا واحدة إلى الثلاث المثبتة فيقع منها طلقتان والأول أولى لأن الاستثناء من الاثبات نفي، ومن النفي اثبات، فإذا استثنى من الثلاث المنفية طلقة كان مثبتاً لها فلا يجوز جعلها من الثلاث المثبتة لأنه يكون إثباتاً من اثبات. * (مسألة) * (وإن قال أنت طالق وطالق إلا واحدة أو طلقتين وواحدة إلا واحدة أو طلقتين ونصفاً إلا واحدة طلقت ثلاثاً ويحتمل أن يقع طلقتان) في هذه المسائل الثلاث وجهان: (أحدهما) لا يصح الاستثناء لأن الاستثناء يرفع الجملة الأخيرة بكمالها من غير زيادة عليها فيصير ذكره استثناءها لغواً وكل استثناء أفضى تصحيحه إلى الغائه والغاء المستثنى منه بطل كاستثناء الجميع ولأن الغاءه وحده أولى من إلغائه وإلغاء غيره ولأن الاستثناء يعود إلى الجملة الأخيرة في أحد الوجهين فيكون استثناء للجميع

مسألة: وإن قال: أنت طالق وطالق إلا واحدة أو طلقتين وواحدة إلا واحدة أو طلقتين ونصفا إلى واحدة طلقت ثلاثا ويحتمل أن يقع طلقتان

(والوجه الثاني) يصح الاستثناء ويقع طلقتان لأن العطف بالواو يجعل الجملتين كالجملة الواحدة فيصير مستثنياً واحدة من ثلاث وكذلك لو قال له علي مائة وعشرون إلا خمسين صح والأول مذهب أبي حنيفة والشافعي. * (مسألة) * (وإن قال أنت طالق واحدة، واثنتين إلا واحدة) فعلى الوجه الثاني يصح الاستثناء، وعلى الوجه الأول يخرج في صحته وجهان بناء على استثناء النصف فإن كان العطف بغير واو كقوله أنت طالق فطالق أو طالق ثم طالق ثم طالق إلا طلقة لم يصح الاستثناء لأن هذا حرف يقتضي الترتيب وكون الطلقة الأخيرة مفردة عما قبلها فيعود الاستثناء إليها وحدها فلا يصح، وإن قال أنت طالق اثنتين واثنتين الا اثنتين لم يصح لأنه إن عاد إلى الجملة الأخيرة فهو رفع لجميعها وإن عاد إلى الثلاث التي يملكها فهو رفع لاكثرها وكلاهما لا يصح، ويحتمل أن يصح بناء على أن العطف بالواو يجعل الجملتين جملة واحدة وإن استثناء النصف يصح فكأنه قال أربعاً إلا اثنتين فإن قال أنت طالق اثنتين واثنتين الا واحدة احتمل أن يصح لأنه استثنى واحدة من ثلاث واحتمل أن لا يصح لأنه عاد إلى الرابعة فقد بقي بعدها ثلاث، وإن عاد إلى الواحدة الباقية من الاثنتين فهو استثناء الجميع. (فصل) وإن قال أنت طالق ثلاثاً إلا طلقة وطلقة وطلقة ففيه وجهان (أحدهما) يلغو الاستثناء

مسألة: وإن قال: أنت طالق واحدة، واثنتين إلا واحدة

ويقع ثلاث لأن العطف يوجب اشتراك المعطوف مع المعطوف عليه فيصير مستثنياً ثلاثاً من ثلاث وهذا وجه لأصحاب الشافعي، وقال أبو حنيفة والشافعي يصح الاستثناء في طلقة لأن استثناء الأقل جائز وإنما لا يصح استثناء الثانية والثالثة فيلغو وحده، وقال أبو يوسف ومحمد يصح استثناء الثنتين وتلغو الثالثة بناء علي أصلهم في أن استثناء الأكثر جائز وهو الوجه الثاني لأصحاب الشافعي، وإن قال أنت طالق طلقتين إلا طلقة وطلقة ففيه الوجهان، وإن قال أنت طالق ثلاثا إلا طلقة ونصفاً احتمل وجهين أيضاً أحدهما يلغو الاستثناء لأن النصف يكمل فيكون مستثنياً للأكثر فيلغو والثاني يصح في طلقة فيقع طلقتان لما ذكرنا في التي قبلها، وإن قال أنت طالق ثلاثا إلا واحدة وإلا واحدة كان عاطفاً لاستثناء على استثناء فيصح الأول ويلغو الثاني لأننا لو صححناه لكان مستثنياً للأكثر فيقع به طلقتان، ويجئ على قول من أجاز استثناء الأكثر أنه يصح فيها فيقع طلقة واحدة، وإن قال أنت طالق ثلاثا إلا واحدة إلا واحدة كان مستثنياً من الواحدة المستثناة واحدة فيحتمل أن يلغو الاستثناء الثاني ويصح الأول فيقع به طلقتان ويحتمل أن يقع به الثلاث لأن الاستثناء الثاني معناه اثبات طلقة في حقها لكون الاستثناء من النفي اثباتاً فيقع ذلك في إيقاع طلاقه وإن لم يقبل في نفيه كما لو طلق طلقتين ونصفاً وقع به ثلاث

مسألة: وإن قال: أنت طالق ثلاثا واستثنى بقلبه إلا واحدة وقعت الثلاث وإن قال نسائي طوالق واستثنى واحدة بقلبه لم تطلق

* (مسألة) * (وإن قال أنت طالق ثلاثا واستثنى بقلبه إلا واحدة وقعت الثلاث وإن قال نسائي طوالق واستثنى واحدة بقلبه لم تطلق) وجملة ذلك أن ما يتصل باللفظ من قرينة أو استثناء على ثلاثة أضرب (أحدها) ما لا يصح نطقاً ولا نية وذلك نوعان (أحدهما) ما يرفع حكم اللفظ كله مثل أن يقول أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثاً وأنت طالق طلقة لا تلزمك ولا تقع عليك فهذا لا يصح بلفظه ولا نيته لأنه يرفع حكم اللفظ كله فيصير الجميع لغوا فلا يصح هذا في اللغة بالاتفاق وإذا كان كذلك سقط الاستثناء والصفة ووقع الطلاق (الضرب الثاني) ما يقبل لفظاً ولا يقبل نية لا في الحكم ولا فيما بينه وبين الله تعالى وهو استثناء الأقل فهذا يصح لفظاً لأنه من لسان العرب ولا يصح بالنية مثل أن يقول أنت طالق ثلاثاً واستثنى بقلبه إلا واحدة أو أكثر فهذا لا يصح لأن العدد نص فيما يتناوله لا يحتمل غيره فلا يرتفع بالنية ما ثبت بنص اللفظ فإن اللفظ أقوى من النية ولو نوى بالثلاث اثنتين كان مستعملاً للفظ في غير ما يصلح له فوقع مقتضى اللفظ ولغت نيته، وحكي عن بعض الشافعية أنه يقبل فيما بينه وبين الله تعالى كما لو قال نسائي طوالق واستثنى بقلبه إلا فلانة، والفرق بينهما أن نسائي اسم عام يجوز التعبير به عن بعض ما وضع له وقد استعمل العموم بازء الخصوص كثيراً فإذا أراد به البعض صح وقوله ثلاثاً اسم عدد للثلاث لا يجوز

التعبير به عن عدد غيرها ولا يحتمل سواها بوجه فإذا أراد بذلك اثنتين فقد أراد باللفظ ما لا يحتمله وإنما تعمل النية في صرف اللفظ المحتمل إلى أحد محتملاته فأما ما لا يحتمل فلا فإنه لو عملنا بها فيما لا يحتمل كان عملاً بمجرد النية ومجرد النية لا يعمل في نكاح ولا طلاق ولا بيع، ولو قال نسائي الأربع طوالق أو قال لهن اربعتكن طوالق واستثنى بعضهن بالنية لم يقبل على قياس ما ذكرناه ولا يدين فيه لأنه عنى باللفظ ما لا يحتمله (الضرب الثالث) ما يصح نطقاً وإذا نواه دين فيما بينه وبين الله تعالى وذلك مثل تخصيص العام واستعمال اللفظ في مجازه مثل قوله نسائي طوالق يريد بعضهن أو ينوي بقوله طالق أي من وثاق فهذا يقبل إذا كان لفظاً واحداً لأنه وصل كلامه بما بين به مراده وإن كان بنيته قبل منه فيما بينه وبين الله تعالى لأنه أراد تخصيص اللفظ العام واستعماله في الخصوص وهذا سائغ في الكلام فلا يمنع من استعماله والتكلم به ويكون اللفظ بنيته منصرفاً إلى ما أراده دون ما لم يرده وهل يقبل ذلك في الحكم؟ يخرج على روايتين (إحداهما) يقبل لأنه فسر كلامه بما لا يحتمله فصح كما لو قال أنت طالق أنت طالق وأراد بالثانية إفهامها (والثانية) لا يقبل لأنه خلاف الظاهر وهو مذهب الشافعي والأول أولى إن شاء الله تعالى لأن

أكثر نصوص القرآن العامة أريد بها الخصوص، ومن شرط هذا ان تكون النية مقارنة للفظ وهو أن يقول نسائي طوالق يقصد بهذا اللفظ بعضهن فأما إن كانت متأخرة عن اللفظ مثل أن قال نسائي طوالق ثم بعد فراغه نوى بلفظه بعضهن لم تنفعه النية ووقع الطلاق بجميعهن وكذلك لو طلق نساءه ونوى بعد طلاقهن أي من وثاقي لزمه الطلاق لأنه مقتضى اللفظ والنية إلا أن خبره نية لا لفظ معها فلا تعمل، ومن هذا الضرب تخصيص حال دون حال مثل أن يقول أنت طالق ثم يصله بشرط أو صفة مثل قوله إن دخلت الدار أو بعد شهر أو قال إن دخلت الدار بعد شهر فهذا يصح إذا كان نطقاً بغير خلاف وإن نواه ولم يلفظ به دين، وهل يقبل في الحكم؟ يخرج على روايتين قال أحمد في رواية إسحاق بن إبراهيم فيمن حلف لا تدخل الدار وقال نويت شهراً يقبل منه أو قال إذا دخلت دار فلان فأنت طالق ونوى تلك الساعة وذلك اليوم قبلت نيته والرواية الأخرى لا يقبل فإنه قال إذا قال لامرأته أنت طالق ونوى في قلبه إلى سنة تطلق ليس بنظر إلى نيته وقال إذا قال أنت طالق وقال نويت إن دخلت الدار لا يصدق، ويمكن الجمع بين هاتين الروايتين بأن يحمل قوله في عدم القبول على الحكم فلا يكون بينهما اختلاف، والفرق بين هذه الصورة والتي قبلها أن ارادة الخاص بالعام شائع كثير وإرادة الشرط من غير ذكره غير سائغ فهو قريب من الاستثناء ويمكن أن يقال هذا كله من جملة التخصيص

(فصل) إذا قالت له امرأة من نسائه طلقني فقال نسائي طوالق ولا نية له طلقن كلهن بغير خلاف لأن لفظه عام وإن قالت له طلق نساءك فقال نسائي طوالق فكذلك وحكي عن مالك ان السائلة لا تطلق في هذه الصورة لان الخطاب يقصر على سببه الخاص وسببه سؤال طلاق من سواها ولنا إن اللفظ عام فيها ولم يرد به غير مقتضاه فوجب العمل بعمومه كالصورة الأولى والعمل بعموم اللفظ أولى من خصوص السبب لأن ذلك الحكم هو للفظ فيجب اتباعه والعمل بمقتضاه في خصوصه وعمومه، وكذلك لو كان أخص من السبب لوجب قصره على خصوصه واتباع صفة اللفظ دون صفة السبب، فأما إن أخرج السائلة بنيته دين فيما بينه وبين الله تعالى في الصورتين وقيل في الحكم وقيل في الصورة الثانية لأن خصوص السبب دليل على نيته ولم يقبل في الصورة الأولى قاله ابن حامد لأن طلاقه جواب لسؤالها الطلاق لنفسها فلا يصدق في صرفه عنها لأنه يخالف الظاهر من وجهين ولأنها سبب الطلاق وسبب الحكم لا يجوز إخراجه من العموم بالتخصيص وقال القاضي يحتمل أن لا تطلق لأن لفظه عام والعام يحتمل التخصيص

* (باب الطلاق في الماضي والمستقبل) * * (مسألة) * (إذا قال لزوجته أنت طالق أمس أو قبل أن أنكحك ينوي الايقاع وقع في الحال) لأنه يقر على نفسه بما هو أغلظ * (مسألة) * (وإن لم ينو لم يقع في ظاهر كلامه) فروي عنه فيمن قال لزوجته أنت طالق أمس وإنما تزوجها اليوم ليس بشئ وهذا قول أبي بكر وقال القاضي في بعض كتبه يقع الطلاق وهو مذهب الشافعي لأنه وصف المطلقة بما لا تتصف به فلغت الصفة ووقع الطلاق كما لو قال لمن لا سنة لها ولا بدعة أنت طالق للسنة أو قال أنت طالق طلقة لا تلزمك، ووجه الأول أن الطلاق رفع للاستباحة ولا يمكن رفعها في الزمن الماضي فلم يقع كما لو قال أنت طالق قبل قدوم زيد بيومين فقدم اليوم فإن أصحابنا لم يختلفوا في أن الطلاق لا يقع وهو قول أصحاب الشافعي وهذا طلاق في زمن ماض ولأنه علق الطلاق بمستحيل فلغا كما لو قال أنت طالق إن قلبت الحجر ذهباً، والحكم في قوله أنت طالق قبل أن تزوجك كما إذا قال أنت طالق أمس * (مسألة) * (وحكي عن أبي بكر أنه يقع إذا قال قبل أن أتزوجك ولا يقع إذا قال أنت طالق أمس) قال القاضي ورأيت بخط أبي بكر في جزء مفرد أنه قال إذا قال أنت طالق قبل أن أتزوجك طلقت ولو قال أنت أمس لم يقع لأن أمس لا يمكن وقوع الطلاق فيه وقبل تزوجها متصور

باب طلاق في الماضي والمستقبل

الوجود فإنه يمكن أن يتزوجها ثانياً وهذا الوقت قبله فوقع في الحال كما لو قال انت طالق قبل قدوم زيد * (مسألة) * (وإذا قال أردت أن زوجا قبلي طلقها أو طلقتها أنا في نكاح قبل هذا قبل منه إذا احتمل الصدق في ظاهر كلام أحمد) إذا أراد الاخبار أنه كان طلقها هو أو زوج قبله في ذلك الزمان الذي ذكره وكان قد وجد ذلك قبل منه ذكره أبو الخطاب وقال القاضي يقبل على ظاهر كلام أحمد لأنه فسره بما يحتمله وإن أراد اني كنت طلقتك أمس فكذبته لزمتها الطلقة وعليها العدة من يومها لأنها اعترفت أن أمس لم يكن من عدتها * (مسألة) * فإن مات أو جن أو خرس قبل العلم بمراده فهل تطلق؟ على وجهين) بناء على اختلاف القولين في المطلق إن قلنا لا يقع به شئ لم يلزمه ههنا شئ وإن قلنا بوقوعه ثم وقع ههنا * (مسألة) * (وإن قال أنت طالق قبل قدوم زيد بشهر فقدم قبل مضي شهر لم تطلق بغير خلاف من أصحابنا) وهو قول أكثر أصحاب الشافعي لأنه تعليق للطلاق على صفة كان وجودها ممكناً فوجب اعتبارها وإن قدم زيد مع مضي الشهر لم تطلق لانه لابد من جزء يقع الطلاق فيه * (مسألة) * (وإن قدم بعد شهر وجزء يقع الطلاق فيه تبينا وقوعه فيه لأنه ايقاع للطلاق بعد عقده) وبهذا قال الشافعي وزفر وقال أبو حنيفة وصاحباه يقع عند قدومه لأنه جعل الشهر شرطاً لوقوع الطلاق فلا يسبق الطلاق شرطه

مسألة: وإذا قال: أردت ان زوجا قبلي طلقها أو طلقتها أنا في نكاح قبل هذا قبل منه إذا احتمل الصدق في ظاهر كلام أحمد

ولنا أنه أوقع الطلاق في زمن على صفة فإذا حصلت الصفة وقع فيه كما لو قال أنت طالق قبل شهر رمضان بشهر أو قبل موتك بشهر فإن أبا حنيفة خاصة يسلم ذلك ولا نسلم أنه جعل الشهر شرطاً وليس فهى حرف الشرط * (مسألة) * (وإن خالعها بعد اليمين بيوم وكان الطلاق بائناً ثم قدم بعد الشهر بيومين صح الخلع وبطل الطلاق) لأنه صادفها بائناً وإن قدم بعد شهر وساعة وقع الطلاق دون الخلع ولها الرجوع بالعوض إلا أن يكون الطلاق رجعيا لان الرجعية يصح خلعها (فصل) فإن مات أحدهما بعد عقد الصفة بيومين ثم قدم زيد بعد شهر وساعة من حين عقد الصفة لم يرث أحدهما الآخر لأنا تبينا أن الطلاق قد كان وقع قبل موت الميت منهما فلم يرثه صاحبه إلا أن يكون الطلاق رجعياً فإنه لا يقطع التوارث ما دامت في العدة فإن قدم بعد الموت بشهر وساعة تبينا أن الفرقة وقعت بالموت ولم تقع بالطلاق، فإن قال أنت طالق قبل موتي بشهر فمات أحدهما قبل مضي شهر لم يقع طلاق لأن الطلاق لا يقع في الماضي وإن مات بعد عقد اليمين بشهر وساعة تبينا وقع الطلاق في تلك الساعة ولم يتوارثا إلا أن يكون الطلاق رجعيا وتموت في عدتها * (مسألة) * (وإن قال أنت طالق قبل موتي طلقت في الحال) لأن ما قبل موته من حين عقد الصفة محل للطلاق فوقع لأوله، وإن قال قبل موتك أو موت زيد فكذلك وإن قال أنت طالق قبيل موتي أو قبيل قدوم زيد لم يقع في الحال وإنما يقع ذلك في الجزء الذي

مسألة: وإن قدم بعد شهر وجزء يقع الطلاق فيه تبينا وقوعه فيه لأنه ايقاع للطلاق بعد عقده

يليه الموت لأن ذلك تصغير يقتضي الجزء الصغير الذي يبقى وإن قال أنت طالق قبل قدوم زيد أو قبل دخولك الدار فقال القاضي تطلق في الحال سواء قدم زيد أو لم يقدم بدليل قول الله تعالى (يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها) ولم يوجد الطمس في المأمورين ولو قال لغلامه اسقيني قبل أن أضربك فسقاه في الحال عد ممتثلا وإن لم يضربه وإن قال أنت طالق قبل موت زيد وعمرو بشهر فقال القاضي تتعلق الصفة بأولهما موتا لأن اعتباره بالثاني يفضي إلى وقوعه بعد موت الأول واعتباه بالأول لا يفضي إلى ذلك فكان أولى * (مسألة) * (وإن قال أنت طالق بعد موتي أو مع موتي لم تطلق نص عليه أحمد) وكذلك إن قال بعد موتك أو مع موتك وبه قال الشافعي ولا نعلم في مخالفا لأنها تبين بموت أحدهما فلا يصادف الطلاق نكاحا يزيله * (مسألة) * (وإن تزوج أمة أبيه ثم قال إذا مات أبي أو اشتريتك فأنت طالق فمات أبوه أو اشتراها لم يقع الطلاق) اختاره القاضي لأنه بالموت والشراء يملكها فينفسخ نكاحها بالملك وهو زمن الطلاق فلم يقع كما لو قال أنت طالق مع موتي ويحتمل أن تطلق اختاره أبو الخطاب لأن الموت سبب ملكها وطلاقها

مسألة: وإن قال: أنت طالق قبل موتي طلقت في الحال

وفسخ النكاح يترتب على الملك فيوجد الطلاق في زمن الملك السابق على الفسخ فيثبت حكمه وهذا أظهر إن شاء الله تعالى. (فصل) وإن قال الأب إذا مت فأنت حرة وقال الابن إذا مات أبي فأنت طالق وكانت تخرج من من الثلث فكذلك لأن بعضها ينقل إلى الورثة فيملك الابن جزءاً منها فينفسخ به النكاح فيكون ذلك جميعها في فسخ النكاح ومنع وقوع الطلاق فإن أجاز الورثة عتقها فذكر بعض أهل العلم أن هذا ينبني على الإجازة هل هي تنفيذ أو عطية مبتدأة؟ فإن قلنا هي عطية مبتدأة فقد انفسخ النكاح قبلها فلم يقع الطلاق وإن قلنا هي تنفيذ لما فعل السيد وقع الطلاق وكذلك إن أجاز الزوج وحده عتق ابنه فإن كان على الأب دين يستغرق تركته لم يعتق. قال شيخنا والصحيح أن ذلك لا يمنع نقل التركة إلى الورثة فهو كما لو لم يكن عليه دين في فسخ النكاح فإن كان الدين لا يستغرق التركة وكانت تخرج من الثلث بعد اداء الدين عتقت وطلقت وإن لم تخرج من الثلث لم تعتق كلها فيكون حكمها في فسخ النكاح ومنع الدين كما لو استغرق الدين التركة وإن أسقط الغريم الدين بعد الموت لم يقع الطلاق لأن النكاح انفسخ قبل اسقاطه. * (فصل) * قال الشيخ رضي الله عنه (وإن قال أنت طالق لاشربن الماء الذي في الكون ولا ماء

مسألة: وإن تزوج أمة أبيه ثم قال: إذا مات أبي أو اشتريتك فأنت طالق فمات أبوه أو اشتراها لم يقع الطلاق

فيه أو لأقتلن فلانا الميت أو لأصعدن السماء أو لأطيرن أو إن لم أصعد السماء ونحوه طلقت في الحال وقال أبو الخطاب في موضع لا تنعقد يمينه) وجملة ذلك أنه قد استعمل الطلاق والعتاق استعمال القسم وجعل جواب القسم جواباً له فإذا قال أنت طالق لأقومن وقام لم تطلق امرأته فإن لم يقم في الوقت الذي عينه حنث هذا قول أكثر أهل العلم منهم سعيد بن المسيب والحسن وعطاء والزهري وسعيد بن جبير والشعبي والثوري وأصحاب الرأي وقال شريح يقع طلاقه وإن قام لأنه طلق طلاقاً غير معلق بشرط فوقع كما لو لم يقم ولنا أنه حلف برفيه فلم يحنث كما لو حلف بالله تعالى وإن قال أنت طالق إن أخاك لعاقل وكان أخوها عاقلاً لم يحنث وإن لم يكن عاقلاً حنث كما لو قال والله إن أخاك لعاقل وإن شك في عقله لم يقع الطلاق لأن الأصل بقاء النكاح فلا يزول بالشك وإن قال أنت طالق لا أكلت هذا الرغيف فأكله حنث وإلا فلا وإن قال أنت طالق ما أكلته لم يحنث أن كان صادقاً ويحنث ان كان كاذبا كما لو قال والله ما أكلته وإن قال أنت طالق لولا أبوك لطلقتك وكان صادقاً لم تطلق وإن كان كاذباً لم تطلق ولو قال أن حلفت بطلاقك فأنت طالق ثم قال أنت طالق لأكرمتك طلقت في الحال ولو قال أن حلفت بعتق عبدي فأنت طالق ثم قال عبدي حر لاقومن طلقت المرأة وإن قال إن حلفت بعتق عبدي فأنت طالق لقد صمت أمس عتق العبد

رجعنا إلى مسائل الكتاب وهو ما إذا علقه على مستحيل كقوله أنت طالق لاشربن الماء الذي في الكوز ولا ماء فيه أو لأقتلن الميت وقع الطلاق في الحال كما لو قال انت طالق أو لم أبع عبدي فمات العبد ولأنه علق الطلاق على نفي فعل مستحيل وعدمه معلوم في الحال وفي الثاني وقوع الطلاق لما ذكرناه وكذلك قوله أنت طالق لأصعدن السماء أو لأطيرن أو إن لم أصعد السماء أو أطيرن وذكر أبو الخطاب عن القاضي أنه لا تنعقد يمينه والصحيح أنه يحنث فإن الحالف على فعل الممتنع كاذب حانث قال الله تعالى (وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت) إلى قوله (وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين) ولأنه لو حلف على فعل متصور فصار ممتنعا حنث بذلك فلأن يحنث بكونه ممتنعا حال يمينه أولى * (مسألة) * (وإن قال أنت طالق إن شربت ماء الكوز ولا ماء فيه وإن صعدت السماء أو إن شاء الميت أو البهيمة لم تطلق في أحد الوجهين وتطلق في الآخر) إذا علق الطلاق على فعل مستحيل كالذي ذكرناه ونحوه كقوله ان جمعت بين الضدين أو كان الواحد أكثر من اثنين وسواء كان مستحيلا عقلا أو عادة كقوله ان طرت أو صعدت السماء أو قلبت الحجر ذهباً أو شربت ماء النهر كله أو حملت الجبل ففيه وجهان: (أحدهما) يقع الطلاق في الحال لأنه أردف الطلاق بما يرفع جملته ويمنع وقوعه في الحال وفي الثاني فلم يصح كاستثناء الكل وكما لو قال أنت طالق طلقة لا تقع عليك (والثاني) لا يقع، وهو الصحيح، ولأنه علق الطلاق بصفة لم توجد

مسألة: وإن قال: أنت طالق إن شربت ماء الكوز ولا ماء فيه وإن صعدت السماء أو إن شاء الميت أو البهيمة لم تطلق في أحد الوجهين وتطلق في الأخر

ولأن ما يقصد تبعيده يعلق على المحال. قال الله تعالى في حق الكفار (لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط) . وقال الشاعر إذا شاب الغراب أتيت أهلي * وصار القار كاللبن الحليب أي لا يأتيهم أبداً، وقيل إن علقه على ما يستحيل عقلا وقع في الحال لأنه لا وجود له فلم تتعلق به الصفة وبقي مجرد الطلاق فوقع، وإن علقه على المستحيل عادة كالطيران وصعود السماء لم يقع لأن له وجودا أو قد وجد جنس ذلك في معجزات الأنبياء وكرامات الأولياء فجاز تعلق الطلاق به ولم يقع قبل وجوده. * (مسألة) * (وإن قال أنت طالق اليوم إذا جاء غداً فعلى وجهين) وقال القاضي لا تطلق، وقال أبو الخطاب يقع في الحال لأنه علقه بشرط محال، فلغا الشرط ووقع الطلاق كما لو قال لمن لا سنة لطلاقها ولا بدعة أنت طالق للسنة أو للبدعة وقال في المجرد لا يقع لأن شرطه لم يتحقق لأن مقتضاه وقوع الطلاق إذا جاء غد في اليوم ولا يأتي غد إلا بعد ذهاب اليوم وذهاب محل الطلاق وهو قول أصحاب الشافعي. (فصل) في الطلاق في زمن مستقبل. * (مسألة) * (إذا قال أنت طالق غداً أو يوم السبت في رجب طلقت بأول ذلك)

مسألة: وإن قال أنت طالق اليوم إذا جاء غدا فعلى وجهين

إذا قال أنت طالق في شهر عينه كشهر رجب وقع الطلاق في أول جزء من الليلة الأولى منه، وذلك حين تغرب الشمس من آخر الشهر الذي قبله وهو شهر جمادي، وبهذا قال أبو حنيفة. وقال أبو ثور يقع الطلاق في آخر رجب لأن ذلك يحتمل وقوعه في أوله وآخره فلا يقع إلا بعد زوال الاحتمال ولنا أنه جعل الشهر ظرفاً للطلاق فإذا وجد ما يكون ظرفاً له طلقت كما لو قال إذا دخلت الدار فانت طالق فإذا دخلت أول جزء منها طلقت فأما إن قال إن لم أقضك حقك في شهر رمضان فامرأتي طالق لم تطلق حتى يخرج رمضان قبل قضائه لأنه إذا قضاه في آخره لم توجد الصفة وفي الموضعين لا يمنع من وطئ زوجته قبل الحنث. وقال مالك يمنع وكذلك كل يمين على فعل يفعله يمنع من الوطئ قبل فعله لأن الظاهر أنه على حنث لان الحنث ترك الفعل وليس بفاعل ولنا أن طلاقه لم يقع فلا يمنع من الوطئ لأجل اليمين كما لو حلف لا فعلت كذا ولو صح ما ذكره لوجب إيقاع الطلاق، ولو قال أنت طالق غداً أو يوم السبب وقع الطلاق في أول جزء منه لما ذكرنا * (مسألة) * (ولو قال أنت طالق اليوم أو في هذا الشهر فكذلك لما ذكرنا وإن قال أردت في آخره أو أوسطه أو يوم كذا من الشهر أو في النهار دون الليل قبل فيما بينه وبين الله تعالى، وهل يقبل في الحكم؟ يخرج على روايتين) (إحداهما) يقبل وهو الصحيح ولأن آخر الشهر منه فإرادته لا تخالف ظاهر لفظه وكذلك

مسألة: إذا قال أنت طالق غدا أو يوم السبت في رجب طلقت بأول ذلك

وسطه إذا ليس أوله بأولى في ذلك من وسطه وآخره بل ربما كان آخره أولى لأنه متيقن وما قبله مشكوك فيه (والثانية) لا يقبل لأنه لو أطلق لتناول أوله فأما إن قال أنت طالق في أول رمضان أو غرة رمضان أو في رأس شهر رمضان أو استقبال شهر رمضان أو مجئ شهر رمضان طلقت بأول جزء منه ولم يقبل قوله أردت أوسطه أو آخره ظاهراً أو باطناً لأن لفظه لا يحتمله. وإن قال بانقضاء رمضان أو انسلاخه أو نفاده أو مضيه طلقت في آخر جزء منه. وإن قال أنت طالق أول نهار من شهر رمضان أو في أول يوم منه طلقت بطلوع فجر أول يوم منه لأن ذلك أول النهار واليوم ولهذا لو نذر اعتكاف يوم أو صيام يوم لزمه من طلوع الفجر وإن قال أنت طالق إذا كان رمضان أو إلى رمضان أو إلى هلال رمضان أو في هلال رمضان طلقت ساعة يستهل إلا أن يكون من الساعة إلى الهلال فتطلق في الحال. وإن قال أنت طالق في مجئ ثلاثة أيام طلقت في أول اليوم الثالث * (مسألة) * (وإن قال أنت طالق اليوم وغداً وبعد غدا أو في اليوم وفي غد وفي بعده فهل تطلق ثلاثاً أو واحدة؟ على وجهين) [أحدهما] تطلق واحدة لأنها إذا طلقت اليوم فهي طالق في غد وفي بعده (والثاني) تطلق ثلاثاً لأن ذكره لأوقات الطلاق يدل على تعداده لعدم الفائدة ثم ذكر أوقاته بدون تعداد وقيل في الأولى واحدة لما ذكرنا للوجه الأول وفي الثانية ثلاثاً لأن ذكره في وتكرارها يدل على تكرار الطلاق

مسألة: ولو قال: أنت طالق اليوم أو في هذا الشهر فكذلك لما ذكرنا وإن قال أردت في آخره أو أوسطه أو يوم كذا من الشهر أو في النهار دون الليل قبل فيما بينه وبين الله تعالى، وهل يقبل في الحكم؟ يخرج على روايتين

* (مسألة) * (وإن قال أنت طالق اليوم إن لم أطلقك اليوم طلقت في آخر جزء منه إذا بقي من اليوم مالا يتسع لتطليقها فيه) وهذا اختيار أبي الخطاب وقول أصحاب الشافعي، وحكى القاضي فيها وجهين هذا ووجها آخر أن الطلاق لا يقع وحكي ذلك عن أبي بكر وابن سريج لأن محل الطلاق اليوم ولا يوجد شرط طلاقها إلا بخروجه فلا يبقى من محل طلاقها ما يقع الطلاق فيه ولنا أن خروج اليوم يفوت به طلاقها فوجب وقوعه قبله في آخر وقت الامكان كموت أحدهما في اليوم وذلك لأن معنى يمينه إن فاتني طلاقك اليوم فأنت طالق فيه فإذا بقي من اليوم ما لا يتسع لتطليقها فقد فاته طلاقها فيه فوقع حينئذ كما يقع طلاقه في مسئلتنا في آخر حياة أولهما موتاً وما ذكروه باطل بما لو مات أحدهما في اليوم فإن محل الطلاق يفوت بموته ومع ذلك فإن الطلاق يقع قبيل موته كذا ههنا فإن قال لها أنت طالق اليوم إن لم أتزوج عليك اليوم أو إن لم اشتر لك ثوباً اليوم ففيه الوجهان والصحيح منهما وقوع الطلاق بها إذا بقي من اليوم مالا يتسع لفعل المحلوف عليه فيه، فإن قال لها أنت طالق إن لم أطلقك اليوم طلقت بغير خلاف في آخر اليوم في أحد الوجهين، والوجه الآخر بعد خروج اليوم وإن قال أنت طالق اليوم إن لم أطلقك فهو كقوله أنت طالق اليوم إن لم أطلقك اليوم لأنه جعل عدم طلاقها شرطاً لطلاقها اليوم والشرط يتقدم المشروط

مسألة: وإن قال: أنت طالق اليوم وغدا وبعد غد أو في اليوم وفي غد وفي بعده فهل تطلق ثلاثا أو واحدة؟ على وجهين

(فصل) فإن قال لعبده إن لم أبعك اليوم فامرأتي طالق اليوم ولم يبعه حتى خرج اليوم ففيه الوجهان وإن أعتق العبد أو مات أو مات الحالف أو المرأة في اليوم طلقت زوجته حينئذ لأنه قد فات بيعه وإن دبره أو كاتبه لم تطلق امرأته لأن بيعه جائز ومن منع بيعهما قال يقع الطلاق بذلك كما لو مات وإن وهب العبد لإنسان لم يقع الطلاق لأنه يمكن عوده إليه فيبيعه فلم يفك بيعه ولو قال أن لم أبع عبدي فامرأتي طالق ولم يقيده باليوم فكاتب العبد لم يقع الطلاق لأنه يمكن عجزه فلم يعلم فوات البيع فإن عتق بالكتابة أو غيرها وقع الطلاق حينئذ لأنه قد فات بيعه * (مسألة) * (وإن قال أنت طالق يوم يقدم زيد فماتت غدوة وقدم بعد موتها فهل يقع بها لطلاق؟ على وجهين) . [أحدهما] يبين أن طلاقها وقع من أول اليوم لأنه لو قال أنت طالق يوم الجمعة طلقت من أوله فكذا إذا قال أنت طالق يوم يقدم زيد ينبغي أن تطلق بطلوع فجره (والثاني) لا يقع الطلاق لأن شرطه قدوم زيد ولم يوجد إلا بعد موت المرأة فلم يقع بخلاف يوم الجمعة فإن شرط الطلاق مجئ يوم الجمعة وقد وجد وههنا شرطان فلا تطلق بأحدهما والأول أولى ليس هذا شرطاً إنما هو بيان للوقت الذي يقع فيه الطلاق معرفاً بفعل يقع فيه فيقع في أوله كقوله

أنت طالق اليوم الذي نصلي فيه الجمعة، وإن قال أنت طالق في اليوم الذي يقدم فيه زيد، وكذلك لو مات الرجل غدوة ثم قدم زيد أو مات لزوجان قبل قدوم زيد كان الحكم كما لو ماتت المرأة ولو قال أنت طالق في شهر رمضان إن قدم زيد فقدم زيد فيه ففيه وجهان [أحدهما] لا تطلق حتى يقدم زيد لأن قدومه شرط فلا يتقدمه المشروط بدليل ما لو قال أنت طالق إن قدم زيد فإنها لا تطلق قبل قدومه بالاتفاق وكما لو قال إذا قدم زيد (والثاني) أنه إن قدم زيد تبينا وقوع الطلاق من أول الشهر وهو أصح قياساً على المسألة التي قبل هذه * (مسألة) * (وإن قال أنت طالق في غد إذا قدم زيد فماتت قبل قدومه لم تطلق حتى يقدم لأن إذا اسم زمن مستقبل فمعناه أنت طالق غداً وقت قدوم زيد فإن لم يقدم زيد في غد لم تطلنى وإن قدم بعده لأنه قيد طلاقها بقدوم مقيد بصفة فلا تطلق حتى توجد، وإن ماتت غدوة وقدم بعد موتها لم تطلق لأن الوقت الذي أوقع طلاقها فيه لم يأت وهي محل للطلاق فلم تطلق كما لو ماتت قبل دخوله ذلك اليوم. * (مسألة) * (وإن قال أنت طالق اليوم غداً طلقت اليوم واحدة لأن من طلقت اليوم فهي طالق غدا * (مسالة) * (فإن أراد طالق اليوم وطالق غداً فتطلق طلقتين في اليومين فإن قال أردت أنها تطلق في أحد اليومين طلقت اليوم ولم تطلق غداً لأنه جعل الزمان كله ظرفاً لوقوع الطلاق فوقع في أوله

مسألة: وإن قال: أنت طالق يوم يقدم زيد فماتت غدوة وقدم بعد موتها فهل يقع بها الطلاق؟ على وجهين

* (مسألة) * (وإن أراد نصف طلقة اليوم ونصفها غدا فتعلق اليوم واحدة وغداً الاخرى لأن النصف يكمل فيصير طلقة تامة وإن قال أردت نصف طلقة اليوم وباقيها غداً احتمل وجهين [أحدهما] لا تطلق إلا واحدة لأنه إذا قال نصفها اليوم كملت كلها فلم يبق لها بقية تقع غداً ولم يقع شئ غيرها لأنه ما أوقعه، وذكر القاضي هذا لاحتمال أيضاً في المسألة الأولى وهو مذهب الشافعي، ذكر اصحابه فيها الوجهين، ويحتمل أن يقع اثنتان كالمسألة التي قبلها * (مسألة) * (وإن قال أنت طالق إلى شهر طلقت عند انقضائه) إذا قال أنت طالق إلى شهر كذا أو سنة كذا فهو كما لو قال في شهر كذا أو سنة كذا ولا يقع طلاق إلا في أول ذلك الوقت، وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة تطلق في الحال لأن قوله أنت طالق إيقاع في الحال وقوله إلى شهر كذا توقيت له وغاية وهو لا يقبل التأقيت فوقع في الحال لأنه لا يقبل التأقيت. ولنا أن ذلك قد روي عن ابن عباس وأبي ذر ولأن هذا يحتمل أن يكون توقيتاً لايقاعه كقول الرجل أنا خارج إلى سنة أي بعد سنة وإذا احتمل الأمرين لم يقع الطلاق بالشك وقد ترجح ما ذكرناه من وجهين.

مسألة: وإن قال: أنت طالق إلى شهر طلقت عند انقضائه

[أحدهما] أنه جعل للطلاق غاية ولا غاية لآخره وإنما الغاية لأوله (والثاني) ان ما ذكرناه عمل باليقين وما ذكروه أخذ بالشك. (فصل) فإن نوى طلاقها في الحال إلى سنة كذا وقع في الحال، لأنه يقر على نفسه بما هو أغلط ولفظه يحتمله. (فصل) وإن قال أنت طالق من اليوم إلى سنة طلقت في الحال لأن من لابتداء الغاية فيقتضي أن طلاقها من اليوم فإن قال أردت تكرير طلاقها من حين لفظت به إلى سنة طلقت من ساعتها ثلاثاً إذا كانت مدخولا بها. قال أحمد إذا قال لها أنت طالق من اليوم إلى سنة يريد التوكيد وكثرة الطلاق فتلك طالق من ساعتها. * (مسألة) * (وإن قال أنت طالق في آخر الشهر أو أول أخره طلقت في أول جزء من آخر يوم منه لأنه آخره. وإن قال في آخر أوله طلقت في آخر أول يوم منه لأنه أوله) وقال أبو بكر تطلق في المسئلتين بغروب شمس الخامس عشر منه لأن الشهر نصفان أول وآخر فآخر أوله يلي أول آخره وهذا قول أبي العباس بن شريح وقال أكثرهم كقولنا وهو أصح فإن ما عدا اليوم الأول لا يسمى أول الشهر ويصح نفيه عنه وكذلك لا يمسى أوسط الشهر آخره ولا يفهم ذلك من اطلاقه لفظه فوجب أن لا يصرف كلام الحالف إليه ولا يحمل عليه

مسألة: وإن قال: أنت طالق في آخر الشهر أو أول أخره طلقت في أول جزء من آخر يوم منه لأنه آخره. وإن قال: في آخر أوله طلقت في آخر أول يوم منه لأنه أوله

* (مسألة) * (وإن قال إذا مضت سنة فأنت طالق طلقت إذا مضى اثنا عشر شهراً بالاهلة ويكمل الشهر الذي حلف إلى تمام اثني عشر شهرا بالأهلة) لقوله تعالى (يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس) فإن حلف في أول شهر فإذا مضى اثنا عشر شهراً وقع طلاقه وإن حلف في أثناء شهر عددت ما بقي منه ثم حسبت بعد بالأهلة فإذا مضت أحد عشر شهراً بالأهلة نظرت ما بقي من الشهر الأول فكملت ثلاثين يوماً لأن الشهر اسم لما بين هلالين فإن تفرق كان ثلاثين يوماً، وفيه وجه آخر انه تعتبر الشهور كلها بالعدد نص عليه أحمد فيمن نذر صيام شهرين متتابعين فاعترض الأيام قال يصوم ستين يوماً، وإن ابتدأ من شهر فصام شهرين كانا ثمانية وخمسين يوماً أجزأه وذلك لأنه لما صام نصف شهر وجب تكميله من الذي يليه فكان ابتداء الثاني من نصفه أيضاً فوجب أن يكمله بالعدد وهذا المعنى موجود في السنة، ووجه الأول أنه أمكن استيفاء أحد عشر شهرا بالاهلة فوجب الاعتبار بها كما لو كانت يمينه في أول شهر ولا يلزمه أن يتم الأول من الثاني بل يتمه من آخر الشهور وإن قال أردت بقولي سنة إذا انسلخ ذو الحجة قبل لأنه يقر على نفسه بما هو أغلظ * (مسألة) * (وإن قال إذا مضت السنة فأنت طالق طلقت بانسلاخ ذي الحجة)

مسألة: وإن قال: إذا مضت سنة فأنت طالق طلقت إذا مضى اثنا عشر شهرا بالاهلة ويكمل الشهر الذي حلف إلى تمام اثني عشر شهرا بالأهلة

لأنه لما عرفها بلام التعريف انصرفت إلى السنة المعروفة التي آخرها ذو الحجة وإن قال أردت بالسنة اثني عشر شهراً قبل لأن السنة اثنا عشر شهراً حقيقة * (مسألة) * (وإذا قال أنت طالق في كل سنة طلقة فهذه صفة صحيحة) لأنه يملك إيقاعه في كل سنة فإذا جعل ذلك صفة جاز ويكون ابتداء المدة عقيب يمينه لأن كل أجل ثبت بمطلق العقد ثبت عقيبه كقوله والله لاكلمك سنة فتقع الأولى في الحال لأنه جعل السنة ظرفاً للطلاق فيقع في أول جزء منها وتقع الثانية في أول الثانية والثالثة إن دخلتها عليها وهي في نكاحه لكونها لم تنقض عدتها أو راجعها في عدة الطلقة الأولى وعدة الثانية أو جدد نكاحها بعد أن بانت فإن انقضت عدتها فبانت منه ودخلت السنة الثانية وهي بائن لم تطلق لكونها غير زوجة له فإن تزوجها في أثنائها اقتضى قول أكثر أصحابنا وقوع الطلاق عقيب تزوجه بها لأنه جزء من السنة الثانية التي جعلها ظرفاً للطلاق ومحلا له وكان سبيله أن يقع في أولها فمنع منه كونها غير محل للطلاق لعدم نكاحه حينئذ، فإذا عادت الزوجة وقع في أولها، وقال القاضي تطلق بدخول السنة الثالثة، وعلى قول التميمي ومن وافقه ننحل الصفة بوجودها في حال البينونة فلا تعود بحال، وإن لم يتزوجها حتى دخلت السنة الثالثة ثم نكحها طلقت عقيب زويجها ثم طلقت الثالثة بدخول السنة الرابعة وعلى قول القاضي لا تطلق إلا بدخول السنة الرابعة ثم تطلق الثالثة بدخول الخامسة، وعلى قول التميمي قد انحلت الصفة، واختلف

مسألة: وإن قال: إذا مضت السنة فأنت: طالق طلقت بانسلاخ ذي الحجة

في مبدأ السنة الثانية فظاهر ما ذكره القاضي أن أولها بعد انقضاء اثني عشر شهرا من حين يمينه وكذلك قال أصحاب الشافعي، وقال أبو الخطاب ابتداء السنة الثانية أول المحرم على ما ذكرناه لأنها السنة المعروفة فإذا علق ما يتكرر على تكرر السنين انصرف إلى السنين المعروفة لقول الله تعالى (أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام) * (مسألة) * وإن قال أردت بالسنة اثني عشر شهراً قبل لأنها سنة حقيقة، وهل يقبل في الحكم؟ يخرج على روايتين) (أصحهما) أنه يقبل لما ذكرنا (والثانية) لا يقبل لأنه يخالف الظاهر وإن قال أردت أن أبتدئ السنين من المحرم دين ولم يقبل في الحكم ذكره القاضي لأنه خلاف الظاهر. قال شيخنا والأولى أنه يخرج على روايتين لأنه محتمل مخالف للظاهر * (مسألة) * (وإذا قال أنت طالق يوم يقدم زيد فقدم ليلاً لم تطلق إلا أن يريد باليوم الوقت فتطلق وقت قدومه لأن الوقت يسمى يوما قال الله تعالى (ومن يولهم يومئذ دبره) * (مسألة) * (وإن قدم ميتاً أو مكرهاً لم تطلق) إذا كان محمولاً لم تطلق لأنه لم يقدم وإنما قدم به وهذا قول الشافعي ونقل عن أبي بكر أنه يحنث

مسألة: وإذا قال: أنت طالق يوم يقدم زيد فقدم ليلا لم تطلق إلا أن يريد باليوم الوقت فتطلق وقت قدومه لأن الوقت يسمى يوما قال الله تعالى: "ومن يولهم يومئذ دبره"

لأن الفعل ينسب إليه ولذلك يقال دخل الطعام البلد إذا حمل إليه ولو قال أنت طالق إذا دخل الطعام البلد طلقت إذا حمل إليه ولنا أن الفعل ليس منه والفعل لا ينسب إلى غير فاعله إلا مجازاً والكلام عند تحقيقه إذا أمكن فأما الطعام فلا يمكن وجود الفعل منه حقيقة فتعين حمل الدخول فيه على مجازه، فأما إن قدم بنفسه لاكراه فعلى قول الخرقي لا يحنث وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي، وقال أبو بكر يحنث وحكاه عن أحمد لأن الفعل منه حقيقة وينسب إليه قال الله تعالى (وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا حتى إذا جاءوها) ويصح أمر المكره بالفعل قال الله تعالى (ادخلوا أبواب جهنم) ولولا أن الفعل يتحقق منه لما صح أمره به، ووجه الأول أنه بالإكراه زال اختياره فإذا وجدت الصفة منه كان كوجود الطلاق منه وهذا فيما إذا طلق وإن كانت له نية حمل عليها كلامه ويقيد بها (فصل) فإن قدم مختاراً حنث الحالف سواء علم القادم باليمين أو جهلها قال أبو بكر الخلال يقع الطلاق قولا واحداً وقال أبو عبد الله بن حامد إن كان القادم ممن لا يمنع القدوم بيمينه كالسلطان والحاج والرجل الأجنبي حنث الحالف ولا يعتبر علمه ولا جهله وإن كان ممن يمتنع باليمين من القدوم كقرابة لهما أو لأحدهما أو غلام لأحدهما فجهل اليمين أو نسيها فالحكم فيه كما لو حلف على فعل نفسه ففعله جاهلاً أو ناسياً وفي ذلك روايتان كذلك ههنا وذلك أنه إذا لم يكن ممن تمنعه اليمين كان تعليقاً للطلاق

مسألة: وإن قدم ميتا أو مكرها لم تطلق

على صفة ولم يكن يميناً فأشبه ما لو علقه على طلوع الشمس وإن كان ممن يمتنع كان يميناً فيعذر فيها بالنسيان والجهل وينبغي أن تعتبر على هذا القول نية الحالف وقرائن أحواله الدالة على قصده فإن كان قصده بيمينه منع القادم من القدوم كان يمينا وإن كان قصده جعله صفة في طلاقها مطلقة لم يكن يميناً ويستوي فيه علم القادم وجهله ونسيانه وجنونه وإفاقته مثل أن يقصد طلاقها إذا حصل معها محرمها ولا يطلقها وحدها وتعتبر قرائن الأحوال فمتى علق اليمين على قدوم غائب بعيد يعلم أنه لا يعلم اليمين ولا يمتنع بها أو فعل صغير أو مجنون أو من لا يمتنع بها لم تكن يمينا وإن علق ذلك على فعل حاضر يعلم بيمينه ويمتنع لأجلها من فعل ما علق الطلاق عليه كان يميناً ومتى اشكلت الحال فينبغي أن يقع الطلاق لأن لفظه يقتضي وقوع الطلاق عند وجود هذه الصفة على العموم وإنما ينصرف عن ذلك بدليل فمتى شككنا في الدليل المخصص وجب العمل بمقتضى العموم (فصل) فإن قال إن تركت هذا الصبي يخرج فأنت طالق فانفلت الصبي بغير اختيارها فخرج فإن كان نوى أن لا يخرج فقد حنث وإن نوى أن لا تدعه لم يحنث نص أحمد على معنى هذا وذلك لأن اليمين إذا وقعت على فعلها فقد فعل الخروج بغير اختيار منها فكانت كالمكره إذا لم يمكنها حفظه ومنعه وإن نوى فعله فقد وجد وحنث وإن لم تعلم نيته انصرفت يمينه إلى فعلها لأنه الذي تناوله لفظه فلا يحنث إلا إذا خرج بتفريطها في حفظه أو باختيارها

(فصل) وإن حلف لا تأخذ حقك مني فأكره على دفعه أو أخذ منه قهراً حنث لأن المحلوف عليه فعل الأخذ وقد أخذه مختاراً وإن أكره صاحب الحق على أخذه خرج على الوجهين فيمن أكره على القدوم وإن وضعه الحالف في حجرة أو بين يديه أو جنبه فلم يأخذه لم يحنث لأن الأخذ ما وجد وإن أخذه الحاكم أو السلطان من الغريم فدفعه إلى المستحق فأخذه فقال القاضي لا يحنث وهو مذهب الشافعي لأنه ما أخذه منه وإن قال لا تأخذ حقك علي حنث لأنه قد أخذ حقه الذي عليه والمنصوص عن أحمد أنه يحنث في الصورتين قاله أبو بكر وهو الذي يقتضيه مذهبه لأن الايمان عنده على الأسباب لا على الأسماء ولأنه لو وكل وكيلا فأخذه منه كان آخذاً لحقه منه عرفاً ويمسى آخذاً قال الله تعالى (وأخذنا منهم ميثاقا غليظا) وقال (ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل) وإن كان اليمين من صاحب الحق فخلف لا أخذت حقي فالتفريع فيها كالتي قبلها فإن تركها الغريم في أثناء متاع في خرج ثم دفع الخرج إلى الحالف فأخذه ولم يعلم أنها فيه لم يحنث لأن هذا ليس معدوداً أخذاً ولا يبرأ بها الغريم منها، وإن كانت اليمين لا أعطيك حقك فأحذه الحاكم منه كرها ودفعه إلى الغريم لم يحنث وإن أكرهه على دفعه إليه خرج على الوجهين في المكره وان أعطاه باختياره حنث وإن وضعه في حجره أو جيبه أو صندوقه وهو يعلم حنث لأنه أعطاه وإن دفعه إلى الحاكم اختياراً ليدفعه إلى الغريم فدفعه أو أخذه من ماله باختياره فدفعه إلى الغريم حنث وقال القاضي لا يحنث والمذهب أنه يحنث لأنه أوصله إليه مختاراً

فأشبه ما لو دفعه إلى وكيله فأعطاه إياه ولأن الأيمان على الأسباب لا على الأسماء على ما ذكرناه فيما مضى (فصل) وإن قال إن رأيت أباك فأنت طالق فرأته مينا أو نائماً أو مغمى عليه أو رأته من خلف زجاج أو جسم شفاف طلقت لأنها رأته وإن رأت خياله في ماء أو مرآة أو ضوءه على حائط أو غيره لم تطلق لأنها لم تره وإن أكرهت على رؤيته خرج على الوجهين (باب تعليق الطلاق بالشروط) يصح ذلك من الزوج ولا يصح من الأجنبي فلو قال ان تزوجت فلانة أو إن تزوجت امرأة فهي طالق لم تطلق ان تزوجها وعنه تطلق اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في هذه المسألة فالمشهور عنه أنه لا يقع الطلاق وهو قول أكثر أهل العلم روي ذلك عن ابن عباس وسعيد بن المسيب وبه قال عطاء والحسن وعروة وجابر بن زيد وسوار القاضي والشافعي وأبو ثور وابن المنذر ورواه الترمذي عن علي رضي الله عنه وجابر بن عبد الله وسعيد بن جبير وعلي بن الحسين وشريح وغير واحد من فقهاء التابعين وروى عن أحمد رحمه الله ما يدل على وقوع الطلاق وهو قول الثوري وأصحاب الرأي لأنه يصح تعليقه على الاخطار فصح على

باب تعليق الطلاق بالشروط

حدوث الملك كالوصية والأول أصح إن شاء الله تعالى لما روى عمرو بن شعيب عنه أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا نذر لابن آدم فيما لا يملك ولا عتق فيما لا يملك ولا طلاق لابن آدم فيما لا يملك " قال الترمذي هذا حديث حسن وهو أحسن ما روي في هذا الباب وعن عائشة أن رسول الله صلى الله عيه وسلم قال " لا طلاق ولا عتاق فيما لا يملك ابن آدم وإن عينها رواه الدارقطني وروى أبو بكر في الشافعي عن الخلال عن الرمادي عن عبد الرزاق عن معمر عن جوبر عن الضحاك عن النزال بن سبرة عن علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا طلاق قبل نكاح " قال أحمد هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم وعدة من الصحابة ولأن من لا يقع طلاقه بالمباشرة لا تنعقد له صفة كالمجنون ولأنه قول من سمينا من الصحابة ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم فيكون إجماعاً قال أبو بكر في كتاب الشافعي لا يختلف قول أبي عبد الله أن الطلاق إذا وقع قبل النكاح لا يقع والرواية الأولى أصح لأنه تعليق للطلاق قبل الملك فأشبه ما لو قال إن دخلت الدار فانت طالق ثم تزوج الأجنبية ودخلت فإن الطلاق لا يقع بغير خلاف نعلمه كذلك هذا * (مسألة) * (وإن قال لأجنبية إن قمت فانت طالق فتزوجها ثم قامت لم تطلق) رواية واحدة لا نعلم فيه خلافا لأنه لم يضفه إلى زمن يقع فيه الطلاق فأشبه ما لو اسلم في معدوم ولم يذكر له أجلاً يوجد السلم فيه

مسألة: وإن قال لأجنبية: إن قمت فانت طالق فتزوجها ثم قامت لم تطلق

* (مسألة) * (وإن علق الزوج الطلاق بشرط لم تطلق قبل وجوده) لأنه إزالة ملك بني على التغليب والسراية أشبه العتق * (مسألة) * (وإن قال عجلت ما علقته لم يتعجل) لانه تعلق بالشرط فلم يكن له تغييره فإن أراد تعجيل طلاق سوى تلك الطلقة وقعت بها فإذا جاء الزمن الذي علق الطلاق به وهي زوجته وقع بها الطلاق المعلق * (مسألة) * (وإن قال سبق لساني بالشرط ولم اراده وقع في الحال) لأنه أقر على نفسه بما يوجب التغليظ من غير تتمة وهو يملك إيقاعه في الحال (فصل) وإذا تخلل الشرط وحكمه غيرهما تخللا منتظماً كقوله أنت طالق يا زانية ان قمت لم يقطع التعليق وقال القاضي يحتمل ان يقطعه ويجعل كسكتة كما لو قال بنيهما سبحان الله أو أستغفر الله ذكره صاحب المحرر * (مسألة) * (فإن قال أنت طالق ثم قال أردت ان قمت دين) لأنه أعلم بنيته وما ادعاه محتمل فأشبه ما لو قال أنت طالق ثم قال من وثاقي ولم يقبل في الحكم نص عليه لأنه يدعي خلاف ما يقتضيه اطلاق اللفظ وقال شيخنا في كتاب الكافي يخرج على روايتين

مسألة: وإن علق الزوج الطلاق بشرط لم تطلق قبل وجوده

(إحداهما) لا يقبل لما ذكرنا والثانية يقبل لأنه محتمل أشبه ما لو قال أنت طالق ثم قال أردت من وثاقي وهذا مثله والله أعلم (فصل) وأدوات الشرط ست إن وإذا ومتى ومن وأي وكلما * (مسألة) * (وليس فيها ما يقتضي التكرار الا كلما) لأن موضوعها للتكرار قال الله تعالى (كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله) ولا نعلم في ذلك خلافاً فأما متى ففيها وجهان (أحدهما) إنها تقتضي التكرار ذكره أبو بكر لأنها تستعمل للتكرار بدليل قول الشاعر متى تأته تعشو إلى ضوء تاره * تجد خير نار عندها خير موقد أي في كل وقت ولأنها تستعمل في الشرط والجزاء ومتى وجد الشرط ترتب عليه جزاؤه (الثاني) لا تقتضيه قال شيخنا وهو الصحيح لأنها اسم زمن بمعنى أي وقت وبمعنى إذا فلا تقتضي ما لا يقتضيانه وكونها تستعمل للتكرار في بعض أحيانها لا يمنع استعمالها في غيره مثل إذا وأي وقت فانهما يستعملان في الأمرين قال الله تعالى (وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم - وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم - وإذا لم تأتهم بآية قالوا لولا اجتبيتها؟) وقال الشاعر قوم إذا الشر أبدى ناجذيه لهم * طاروا إليه زرافات ووحدانا

مسألة: وإن قال عجلت ما علقته لم يتعجل

وكذلك أي وقت وزمان فانهما يستعملان للتكرار وسائر الحروف يجازى بها إلا أنها لما كانت تستعمل للتكرار وغيره لا تحمل على التكرار إلا بدليل كذلك حتى * (مسألة) * (وكلها على التراخي إذا تجردت عن لم فإذا اتصلت بها صارت على الفور إلا إن وفي إذا وجهان) متى علق الطلاق بإيجاد فعل بواحد منها كان على التراخي فإن قال إن قمت أو إذا قمت أو من قام منكن أو أي وقت قمت أو متى قمت أو كلما قمت فأنت طالق فمتى قامت طلقت لوجود الشرط وإن مات أحدهما قبل وجود الشرط سقط اليمين * (مسألة) * (وإن اتصلت بها أي بلم صارت على الفور إلا ان فانها عليا لتراخي لأنها لا تقتضي وقتاً إلا ضرورة أن الفعل لا يقع إلا في وقت فهي مطلقة في الزمان كله) فإذا قال إن لم تدخلي الدار فأنت طالق لم يقع الطلاق إلا عند تعذر إبقاعه بالموت أو ما يقوم مقامه * (مسألة) * (وفي إذا وجهان) (أحدهما) هي على التراخي وهو قول أبي حنيفة ونصره القاضي لأنها تستعمل شرطاً بمعنى ان. قال الشاعر: * وإذا تصبك خصاصة فتحملي * فجزم بها كما يجزم بإن ولأنها تستعمل بمعنى متى وان وإذا احتمات الأمرين فاليقين بقاء النكاح فلا يزول بالاحتمال (والآخر) أنها على الفور وهو قول أبي يوسف ومحمد وهو المنصوص عن الشافعي لأنها اسم لزمن

مسألة: وكلها على التراخي إذا تجردت عن لم فإذا اتصلت بها صارت على الفور إلا إن وفي إذا وجهان

مستقبل فتكون كمتى وأما المجازاة بها فلا تخرجها عن موضعها فان متي بجازي بها ألا ترى إلى قول الشاعر متى تأته تعشو إلى ضوء ناره * تجد خير نار عندها خير موقد ومن يجازى بها أيضاً وكذلك أي وسائر الحروف ولم يخرجها ذلك عن كونها للفور في النفي (فصل) وقولهم ان هذه الأدوات الأربع في النفي تكون على الفور صحيح في كلما وأي ومتى فأنها تعم الزمان فإذا قال كلما لم أطلقك أو أي وقت لم أطلقك أو متى لم أطلقك فأنت طالق ثم مضى زمن يملك طلاقها فيه ولم يطلقها طلقت لوجوده الصفة فانها اسم لوقت الفعل فيقدر بهذا ولهذا يصح السؤال به فتقول متى دخلت أو أي وقت دخلت أما من فليست من أسماء الزمان انما تعم الأشخاص فلا يظهر لي انها تقتضي الفور لذلك فعلى هذا إذا قال من لم أطلقها منكن فهي طالق لم تطلق واحدة منهن إلا أن يتعذر طلاقها كما قلنا في أن..إذا قال إن لم أطلقك فأنت طالق فإن كل واحدة منهما ليست من أسماء الزمان * (مسألة) * (وإن تكرر القيام لم يتكرر الطلاق إلا في كلما وفي متى في أحد الوجهين وقد ذكرنا دليل الوجهين في مقتضى التكرار وعدمه) * (مسألة) * (فإذا قال إذا أكلت رمانة فأنت طالق وكلما أكلت نصف رمانة فأنت طالق فأكلت رمانة طلقت ثلاثاً لوجود صفة النصف مرتين والجميع مرة فتطلق بكل نصف طلقة وبالرمانة طلقة ولو

جعل مكان كلما (إن) لم تطلق إلا طلقتين بصفة النصف مرة وبالكمال مرة ولا تطلق بالنصف الآخر لأنها لا تقتضي التكرار * (مسألة) * (ولو علق طلاقها على صفات ثلاث فاجتمن في عين واحدة نحو أن يقول أن رأيت رجلا فأنت طالق وإن رأيت أسود فأنت طالق وإن رأيت فقيها فأنت طالق فرأت رجلاً أسود فقيها طلقت ثلاثاً) لوجود الصفات الثلاث فيه أشبه ما لو رأت ثلاثة فيهم الثلاث صفات (فصل) وهذه الحروف الستة إذا تقدم جزاؤها عليها لم تحتج إلى حروف الفاء في الجزاء كقوله أنت طالق إن دخلت الدار وإن تأخر جزاؤها احتاجت في الجزاء إلى حرف الفاء إذا كان جملة من مبتدأ وخبر كقوله: إن دخلت الدار فانت طالق، وإنما اختصت بالفاء لأنها للتعقيب فتربط بين الجزاء وشرطه وتدل على تعقيبه به. * (مسألة) * (وإن قال إن لم أطلقك فأنت طالق لم تطلق إلا في آخر جزء من حياة أحدهما إلا أن يكون له نية) لأن حرف إن موضوع للشرط لا يقتضي زمناً ولا يدل عليه إلا من حيث إن الفعل المعلق به من ضرورته الزمان فلا يتقيد بزمن معين فما علق عليه كان على التراخي سواء في ذلك الإثبات والنفي.

مسألة: فإذا قال إذا أكلت رمانة فأنت طالق وكلما أكلت نصف رمانة فأنت طالق فأكلت رمانة طلقت ثلاثا لوجود صفة النصف مرتين والجميع مرة

فعلى هذا إذا قال إن لم أطلقك فأنت طالق ولم ينو وقتاً بعينه ولم يطلقها كان على التراخي لا يحنث بتأخره لأن كل زمن يمكن أن يفعل فيه ما حلف عليه فلم يفت الوقت، فإذا مات أحدهما علمنا حنثه حينئذ لأنه لا يمكن إيقاع الطلاق بها بعد موت أحدهما فتبين أنه يقع إذا لم يبق من حياته ما يتسع لتطليقها وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي ولا نعلم فيه بين أهل العلم خلافاً، ولو قال أن لم أطلق عمرة فحفصة طالق فأي الثلاثة مات أولا وقع الطلاق قبل موته لأن تطليقه حفصة على وجه تنحل به يمينه إنما يكون في حياتهم جميعاً، وكذلك إن قال إن لم أعتق عبدي أو إن لم أضربه فامرأتي طالق وقع بها الطلاق في آخر جزء من حياة أولهم موتاً، فأما إن عين وقتاً بلفظه او نيته تعين وتعلقت يمينه به قال أحمد إذا قال إن لم أضرب فلاناً فأنت طالق ثلاثاً فهو على ما أراد من ذلك لأن الزمان المحلوف على ترك الفعل فيه تعين بينته وإرادته فصار كالمصرح به في لفظه فإن مبنى الأيمان على النية لقول النبي صلى الله عليه وسلم " وإنما لأمرئ ما نوى " (فصل) ولا يمنع من وطئ زوجته قبل فعل ما حلف عليه، وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي، وقال سعيد بن المسيب والحسن والشعبي ومالك وأبو عبيد لا يطأ حتى يفعل لأن الأصل عدم الفعل ووقوع الطلاق. وروى الأثرم عن أحمد مثل ذلك، وقال الانصاري وربيعة ومالك يضرب له أجل المولي كما لو حلف أن لا يطأها

مسالة: وإن قال إن لم أطلقك فأنت طالق لم تطلق إلا في آخر جزء من حياة أحدهما إلا أن يكون له نية

ولنا أنه نكاح صحيح لم يقع فيه طلاق ولا غيره من أسباب التحريم فحل له الوطئ فيه كما لو قال إن طلقتك فأنت طالق، وقولهم الأصل عدم الفعل ووقوع الطلاق قلنا هذا الأصل لم يقتض وقوع الطلاق فلم يقتض حكمه ولو وقع الطلاق بعد وطئه لم يضر كما لو طلقها ناجزاً وعلى أن الطلاق ههنا إنما يقع في زمن يمكن الوطئ بعده بخلاف قوله إن وطئتك فأنت طالق. (فصل) إذا كان المعلق طلاقاً بائناً فماتت لم يرثها لأن طلاقه أبانها منه فلم يرثها كما لو طلقها ناجزا عند موتها فإن مات ورثته نص عليه أحمد في رواية أبي طالب إذا قال الرجل لزوجته أنت طالق ثلاثاً إن لم أتزوج عليك ومات ولم يتزوج عليها ورثته، وإن ماتت لم يرثها وذلك لأنها تطلق في آخر حياته فأشبه طلاقه لها في تلك الحال ونحو هذا قال عطاء ويحيى الأنصاري. ويتخرج لنا أنها لا ترثه أيضاً وهذا قول سعيد بن المسيب والحسن والشعبي وأبي عبيد لأنه إنما طلقها في صحته وإنما تحقق شرط وقوعه في المرض فلم ترثه كما لو علقه على فعلها ففعلته في مرضه، وقال أبو حنيفة إن حلف إن لم تأت البصرة فأنت طالق فلم تفعل فإنهما لا يتوارثان، وإن قال إن لم آت البصرة فأنت طالق فمات ورثته وإن ماتت لم يرثها فإنه في الأول علق الطلاق على فعلها فإذا امتنعت منه فقد حققت شرط الطلاق فلم ترثه كما لو قال إن دخلت الدار فانت طالق فدخلتها، وإذا علقه على فعل نفسه فامتنع كان الطلاق منه فأشبه ما لو نجزه في الحال، ووجه الأول أنه طلاق في مرض موته فمنعه ميراثها ولم يمنعها كما لو طلقها

ابتداء ولأن الزوج أخر الطلاق اختياراً منه حتى وقع ما علق عليه في مرضه فصار كالمباشر له، فأما ما ذكره عن أبي حنيفة فحسن إذا كان الفعل مما لا مشقة عليها فيه لأن تركها له كفعلها لما حلف عليها لتتركه، وإن كان مما فيه مشقة فلا ينبغي أن يسقط ميراثها بتركه، كما لو حلف عليها بترك مالا بدلها من فعله. (فصل) إذا حلف ليفعلن شيئاً ولم يعين له وقتاً بلفظه ولا نيته فهو على التراخي أيضاً لأن لفظه مطلقاً بالنسبة إلى الزمان كله فلا يتقيد بدون تقييده ولذلك لما قال الله تعالى في الساعة (قل بلى وربي لتأتينكم) وقال (قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبئون بما علمتم) وذلك على التراخي ولما قال الله (لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين) كان ذلك على التراخي فإن الآية نزلت في نوبة الحديبية في سنة ست وتأخر الفتح إلى سنة ثمان ولذلك روي عن عمر أنه قال قلت للنبي صلاى لله عليه وسلم أو ليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت ونتطوف به؟ قال " بلى أفأخبرتك أنك آتيه العام؟ " قلت لا قال " فإنك آتيه ومطوف به " وهذا لا خلاف فيه نعلمه. * (مسألة) * (وإن قال إذا لم أطلقك فأنت طالق ولم يطلقها فهل تطلق في الحال؟ على وجهين) بناء على قولنا هي على الفور أو على التراخي وقد ذكرنا وجه القولين * (مسألة) * (وإن قال كلما لم أطلقك فأنت طالق فمضى زمن يمكن فيه طلاقها ثلاثاً ولم يطلقها

طلقت ثلاثاً) لأن كلما تقتضي التكرار على ما بينا قال الله تعالى (كلما جاء أمة رسولها كذبوه) فيقتضي زمن تكرار الطلاق بتكرار الصفة والصفة عدم طلاقه لها، فإذا مضى زمن يمكن فيه أن يطلقها ولم يفعل فقد وجدت الصفة فتقع واحدة وثانية وثالثة إن كانت مدخولاً بها وإن لم تكن مدخولاً بها بانت بالأولى ولم يلزمها ما بعدها لأن البائن لا يقع عليها طلاق * (مسألة) * (ولو قال العامي إن دخلت الدار فانت طالق بفتح الهمزة فهو شرط لأن العامي لا يريد بذلك إلا الشرط ولا يعرف أن مقتضاها التعليل فلا يريده فلا يثبت له حكم ما لا يعرفه ولا يريده كما لو نطق بكلمة الطلاق بلسان لا يعرفه، وإن كان نحوياً وقع في الحال لأن أن المفتوحة ليست للشرط إنما هي للتعليل فمعناه أنت طالق لانت دخلت الدار أو لدخولك الدار، كقوله تعالى (يمنون عليك أن أسلموا - وتخر الجبال هذا أن دعوا للرحمن ولدا - ويخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم) قال القاضي هذا التفصيل قياس المذهب، وحكي عن الخلال أن حكم النحوي حكم العامي في أنه لا يقع طلاقه بذلك إلا أن ينويه لأن الطلاق يحمل على العرف في حقهما جميعاً، وقال أبو بكر تطلق في الحال في حقهما جميعاً عملاً بمقتضى اللغة، واختلف أصحاب الشافعي على ثلاثة أوجه (أحدها) يقع في الحال في حقهما جميعاً كقول أبي بكر (والثاني) يكون شرطاً في حق العاص وتعليلاً في حق النحوي على ما ذكره القاضي (والثالث) يقع الطلاق إلا أن يكون من أهل الأعراب فيقول أردت بالشرط فيقبل

مسألة: وإن قال إذا لم أطلقك فأنت طالق ولم يطلقها فهل تطلق في الحال؟ على وجهين

لأنه لا يجوز صرف الكلام عن مقتضاه إلا بقصده، فان أنت طالق إذا دخلت الدار طلقت في الحال لأن إذ للماضي ويحتمل أن لا يقع لأن الطلاق لا يقع في زمن ماض كقوله أنت طالق أمس * (مسألة) * (وإن قال إن قمت وأنت طالق طلقت في الحال لأن الواو ليست جواباً للشرط فإن قال أردت بها الجزاء أو أردت أني أجعل قيامها وطلاقها شرطين لشئ ثم أمسكت دين لأن ما قاله محتمل وهل يقبل في الحكم؟ على روايتين) [إحداهما] لا يقبل لأنه خلاف الظاهر (والثانية) يقبل لأن قوله يحتمله وهو أعلم بمراده، وإن جعل لهذا جزاء فقال إن دخلت الدار وأنت طالق فعبدي حر صح ولم يعتق العبد حتى تدخل الدار وهي طالق لان الواو وههنا للحال كقول الله تعالى (لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ولو قال إن دخلت الدار طالقاً فانت طالق فدخلت وهي طالق طلقت أخرى لأن هذا حال فجرى مجرى قوله إن دخلت الدار راكبة. (فصل) فإن قال إن دخلت الدار أنت طالق لم تطلق حتى تدخل، وبه قال بعض الشافعية وقال محمد بن الحسن تطلق في الحال لأنه لم يعلقه بدخول الدار بالفاء التي إنما يتعلق بها فيكون كلاما مستأنفاً غير معلق بشرط فيثبت حكمه في الحال. ولنا أنه أنى يحرف الشرط فيدل بذلك على أنه أراد بتعليق وإنما حذف الفاء وهي مرادة كما

مسألة: وإن قال إن قمت وأنت طالق طلقت في الحال لأن الواو ليست جوابا للشرط فإن قال أردت بها الجزاء أو أردت أني أجعل قيامها وطلاقها شرطين لشيء ثم أمسكت دين لأن ما قاله محتمل وهل يقبل في الحكم؟ على روايتين

يحذف المبتدأ تارة والخبر أخرى لدلالة باقي الكلام على المحذوف، ويجوز أن يكون حذف الفاء على التقديم والتأخير ومهما أمكن حمل كلام العاقل على فائدة وتصحيحه عن الفساد وجب، وفيما ذكرنا تصحيحه وفيما ذكروه إلغاؤه، وإن قال أردت الإيقاع في الحال وقع لأنه يقر على نفسه بما هو أغلظ. وإن قال أنت طالق وإن دخلت الدار وقع الطلاق في الحال لأن معناه أنت طالق في كل حال ولا يمنع من ذلك دخولك لدار كقول النبي صلى الله عليه وسلم " من قال لا إله إلا الله دخل الجنة، وإن زنى وإن سرق " وقال صلى الله عليه وسلم " صلهم وإن قطعوك وأعطهم وإن حرموك "، وإن قال أردت الشرط دين وهل يقبل في الحكم؟ يخرج على روايتين، فإن قال إن دخلت لدار فأنت طالق وإن دخلت الاخرى فمنى دخلت الأولى طلقت سواء دخلت الأخرى أو لم تدخل ولا تطلق الأخرى وقال ابن الصباغ تطلق بدخول كل واحدة منهما ومقتضى اللغة ما قلناه، وإن قال أردت جعل الثاني شرطاً لطلاقها أيضاً طلقت بكل واحدة منهما لأنه يقر على نفسه بما هو أغلظ، وإن قال أردت أن دخول الثانية شرط لطلاق الثانية، فهو على ما أراده، وإن قال إن دخلت الدار وإن دخلت هذه الأخرى فأنت طالق فقد قيل لا نطلق إلا بدخولهما لانه جعل طلاقها جزاء لهذين الشرطين ويحتمل أن تطلق بإحداهما أيهما كان لأنه ذكر شرطين بحرفين فيقتضي كل واحد منهما جزاء افترك ذكر جزاء الأول وكان الجزاء الآخر دالاً عليه كما لو قال ضربت وضربتي زيد، قال الفرزدق

ولكن نصفا لو سبب وسبني * بنو عبد شمس من قريش وهاشم والتقدير سبني هؤلاء وسببتهم، وقال الله تعالى (عن اليمين وعن الشمال قعيد) أي عن اليمين قعيد وعن الشمال قعيد. (فصل) ولو قال أنت طالق لو قمت كان ذلك شرطاً بمنزلة قوله إن قمت ويحكى هذا عن أبي يوسف لأنها لو لم تكن للشرط لكانت لغواً، والأصل اعتبار كلام المكلف وقيل يقع الطلاق في الحال وهذا قول بعض أصحاب الشافعي لأنها بعد الاثبات تستعمل لغير المنع كقوله تعالى (وإنه لقسم لو تعلمون عظم - ورأوا العذاب لو أنهم كانوا يهتدون) وإن قال أردت أن أجعل لها جواباً دين، وهل يقبل في الحكم؟ يخرج على روايتين * (مسألة) * (وإن قال إن قمت فقعدت فأنت طالق أو إن قمت ثم قعدت لم تطلق حتى تقوم ثم تقعد لأنهما حرفا ترتيب وكذلك إن قال إن قعدت إذا قمت أو إن قعدت إن قمت لأن اللفظ اقتضى تعليق الطلاق بالعقود بعد القيام (فصل) وإن قال إن قمت إذا قعدت أو إن قمت إن قعدت لم تطلق حتى تقعد ثم تقوم وكذلك إن قال أنت طالق إن أكلت إذا لبست أو إن أكلت إن لبست أو إن أكلت متى لبست لم تطلق حتى تلبس ثم تأكل ويسميه النحويون اعتراض الشرط على الشرط فيقتضي تقديم المتأخر وتأخير المتقدم

لأنه جعل الثاني في اللفظ شرطاً للذي قبله والشرط يتقدم المشروط. قال الله تعالى (ولا بنفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم) فلو قال لامرأته إن أعطيتك إن وعدتك ان سألتيني فأنت طالق لم تطلق حتى تسأله ثم يعدها ثم يعطيها لأنه شرط في العطية الوعد وفي الوعد السؤال فكأنه قال إن سألتني فوغدتك فأعطيتك وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وقال القاضي إذا كان الشرط بإذا كقولنا وفيما إذا كان بإن مثل قوله إن شربت إن أكلت أنها تطلق بوجودهما كيفما وجدا قال لأن أهل العرف لا يعرفون ما يقوله أهل العربية في هذا فتعلقت اليمين بما يعرفه أهل العرف بخلاف ما إذا كان الشرط بإذا. قال شيخنا والصحيح الأول وليس لأهل العرف في هذا عرف فإن هذا الكلام غير متداول بينهم ولا ينطقون به إلا نادراً فيجب الرجوع فيه إلى مقتضاه عند أهل اللسان والله أعلم. * (مسألة) * (وإن قال إن قمت وقعدت فأنت طالق طلقت بوجودهما كيفما كان) لأن الواو لا تقتضي ترتيباً ولا تطلق بوجود أحدهما لأنها للجمع فلم يقع قبل وجودهما جميعاً وعنه أنها تطلق بوجود أحدهما وخرجه القاضي وجهاً بناء على إحدى الروايتين فيمن حلف لا يفعل شيئاً ففعل بعضه والأول أصح وهذه الرواية بعيدة جداً تخالف الأصول ومقتضى اللغة والعرف وعامة أهل

مسألة: وإن قال إن قمت فقعدت فأنت طالق أو إن قمت ثم قعدت لم تطلق حتى تقوم ثم تقعد

العلم فإنه لا خلاف بينهم في أنه إذا علق الطلاق على شرطين مرتبين في مثل قوله إن قمت فقعدت أنه لا يقع بوجود أحدهما فكذلك هنا ثم يلزم على هذا ما لو قال إن أعطيتني درهمين فأنت طالق أو إذا مضى شهران فأنت طالق فإنه لا خلاف في أنها لا تطلق قبل وجودهما جميعاً وكان قوله يقتضي الطلاق باعطائه بعض درهم ومضي بعض يوم وأصول الشرع تشهد بأن الحكم المعلق بشرطين لا يثبت إلا بهما وقد نص أحمد رحمه الله في أنه إذا قال إذا حضت حيضة فأنت طالق أو إذا صمت يوماً فأنت طالق أنها لا تطلق حتى تحيض حيضة كاملة وإذا غابت الشمس من اليوم الذي يصوم فيه طلقت وأما اليمين فإنه متى كان في لفظه أو نيته ما يقتضي جميع المحلوف عليه لم يحنث إلا بفعل جميعه وفي مسئلتنا ما يقتضي تعليق الطلاق بالشرطين لتصريحه بهما وجعلهما شرط للطلاق والحكم لا يثبت بدون شرطه على أن اليمين مقتضاها المنع مما حلف عليه فيقتضي المنع من فعل جميعه كنهي الشارع عن شئ يقتضي المنع من كل جزء منه كما يقتضي المنع من جملته وما علق على شرط جعل جزاء وحكماً والجزاء لا يوجد بدون شرطه والحكم لا يتحقق قبل تمام شرطه لغة وعرفاً وشرعاً * (مسألة) * (وإن قال ان قمت أو قعدت فأنت طالق طلقت بوجود أحدهما) لأن أو لاحد الشيئين، كذلك إن قال إن أكلت أو إن لبست أو لا أكلت ولا لبست لأن

أو تقتضي تعليق الجزاء على واحد من المذكور، كقوله سبحانه (فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) (فصل) في تعليقه بالحيض) قال الشيخ رحمه (إذا قال لامرأته إن حضت فأنت طالق طلقت بأول الحيض لأن الصفة وجدت وكذلك حكمنا أنه حيض في المنع من الصلاة والصيام فإن بان أن الدم ليس بحيض لم تطلق، وبه قال الثوري وأصحاب الرأي لأنا تبينا أن الصفة لم توجد (فصل) وإذا قال لطاهر إذا حضت حيضة فأنت طالق لم تطلق حتى تحيض ثم تطهر نص عليه لأنها لا تحيض حيضة إلا بذلك ولا تعتد بالحيضة التي هي فيها لأنها ليست حيضة كاملة، وإن قال إذا حضت حيضة فأنت طالق وإذا حضت حيضتين فأنت طالق فحاضت حيضة طلقت طلقة واحدة فإذا حاضت الثانية عند طهرها وإن قال إدا حضت حيضة فأنت طالق ثم إذا حضت حيضتين فأنت طالق لم تطلق الثانية حتى تطهر من الحيضة الثالثة لأن ثم للترتيب فتقتضي حيضتين بعد الطلقة الاولى لكونها مرتبتين عليها. * (مسألة) * (وإذا قال إذا حضت نصف حيضة فأنت طالق طلقت إذا ذهب نصف الحيضة) وينبغي أن يحكم بوقوع الطلاق إذا حاضت نصف عادتها لأن الأحكام تعلقت بالعادة فيتعلق بها وقوع الطلاق، ويحتمل أن لا يقع الطلاق حتى يمضي سبعة أيام ونصف لانا لا نتيقن مضي نصف الحيض إلا بذلك إلا أن تطهر لأقل من ذلك ومتى طهرت تبينا وقوع الطلاق في نصف الحيضة،

مسألة: وإن قال إن قمت أو قعدت فأنت طالق طلقت بوجود أحدهما

وحكي عن القاضي أنه يلغو قوله نصف حيضة فعلى هذا يتعلق طلاقها بأول الدم لانها لا نصف لها فيكون كقوله إذا حضت وقيل يلغو قوله نصف فهو كقوله إذا حضت حيضة، والأول أصح فإن الحيض له مدة أقلها يوم وليلة أو يوم فيكون له حقيقة والجهل بقدر ذلك لا يمنع وجوده وتعلق الحكم به كالحمل. * (مسألة) * (وإن قال إذا طهرت فأنت طالق وكانت طاهراً لم تطلق حتى تحيض ثم تطهر) وهذا يحكى عن أبي يوسف، وقال بعض أصحاب الشافعي الذي يقتضيه مذهب الشافعي أنها تطلق بما يتجدد من طهرها وكذلك قال في قوله إذا حضت فأنت طالق فكانت حائضاً أنها تطلق بما يتجدد من الحيض لأنه قد وجد منها الحيض والطهر فوقع الطلاق لوجود صفته ولنا أن إذا اسم لزمن مستقبل يقتضي فعلاً مستقبلاً، وهذا الطهر والحيض مستدام غير متجدد ولا يفهم من إطلاق حاضت المرأة وطهرت إلا ابتداء ذلك فتعلقت الصفة به فأما إذا قال إذا طهرت فأنت طالق وهي حائض طلقت بانقطاع الدم قبل الغسل نص عليه أحمد في رواية إبراهيم الحربي وذكر أبو بكر في التنبيه فيها قولاً أنها لا تطلق حتى تغتسل بناء على العدة في أنها لا تنقضي إلا بالغسل ولنا أن الله تعالى قال (ولا تقربوهن حتى يطهرن) أي ينقطع دمهن فإذا تطهرن أي اغتسلن ولأنه قد ثبت لها أحكام الطهارات في وجوب الصلاة وصحة الطهارة والصيام وإنما بقي بعض الأحكام

مسألة: وإذا قال إذا حضت نصف حيضة فأنت طالق طلقت إذا ذهب نصف الحيضة

وقوفا على وجود الغسل ولأنها ليست حائضاً فيلزم أن تكون طاهراً لأنهما ضدان على التعيين فيلزم من انتفاء أحدهما وجود الآخر. * (مسألة) * (وإذا قالت قد حضت وكذبها قبل قولها في نفسها في أحد الروايتين بغير يمين لأنها أمينة على نفسها) وهذا قول أبي حنيفة والشافعي وهو ظاهر المذهب لأن الله قال (ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن) قيل هو الحيض والحمل ولولا أن قولها فيه مقبول ما حرم الله عليها كتمانه وصار كقوله تعالى (ولا تكتموا الشهادة) لما حرم كتمانها دل على قبولها كذا ههنا ولأنه معنى فيها لا يعرف إلا من جهتها فوجب الرجوع الى قولها فيه كقضاء عدتها (والرواية الثانية) لا يقبل قولها ويختبرها النساء بإدخال قطنة في الفرج في الزمان الذي ادعت الحيض فيه فإن ظهر الدم فهي حائض وإلا فلا. قال أحمد في رواية منها في رجل قال لامرأته إذا حضت فأنت طالق وعبدي حر قالت قد حضت ينظر إليها النساء فتعطى قطنة فتخرجها فإن خرج الدم فهي حائض تطلق ويعتق العبد، قال أبو بكر وبهذا أقول لأن الحيض يمكن التوصل الى معرفته من غيرها فلم يقبل فيه مجرد قولها كدخول الدار والأول المذهب ولعل أحمد إنما اعتبر البينة في هذه الرواية من أجل عتق العبد فإن قولها إنما يقبل في حق نفسها دون غيرها وهل تعتبر يمينها إذا قلنا القول قولها؟ على وجهين بناء على ما إذا ادعت أن زوجها طلقها وأنكرها

مسألة: وإذا قالت قد حضت وكذبها قبل قولها في نفسها في إحدى الروايتين بغير يمين لأنها أمينة على نفسها

ولا يقبل قولها إلا في حق نفسها خاصة دون غيرها من طلاق أخرى أو عتق عبد نص عليه أحمد في رجل قال لامرأته إذا حضت فأنت طالق وهذه معك لامرأة أخرى قالت قد حضت من ساعتها تطلق هي ولا تطلق هذه حتى تعلم لأنها مؤتمنة في حق نفسها دون غيرها فصارت كالمودع يقبل قوله في الرد على المودع دون غيره. * (مسألة) * (ولو قال قد حضت فأنكرته طلقت بإقراره) لأنه أقر بما يوجب طلاقها فأشبه ما لو قال قد طلقتها * (مسألة) * (فإن قال إن حضت فأنت وضرتك طالقتان فقالت قد حضت وكذبها طلقت وحدها) لأن قولها مقبول على نفسها ولا تطلق الضرة إلا أن تقيم بينة على حيضها وإن ادعت الضرة أنها قد حاضت لم تقبل لأن معرفتها بحيض غيرها كمعرفة الزوج به وإنما اؤتمنت على نفسها في حيضها، وإن قال قد حضت وأنكرت طلقتا بإقراره. * (مسألة) * (وإن قال لامرأتيه إن حضتما فأنتما طالقتان فقالتا قد حضنا فصدقهما طلقتا) لأنهما أقرتا وصدقهما فوجدت الصفة في حقهما وإن كذبهما لم تطلق واحدة منهن لأن طلاق كل واحدة منهما معلق على شرطين حيضها وحيض ضرتها ولا يقبل قول ضرتها عليها فلم يوجد الشرطان وإن كذب إحداهما طلقت المكذبة وحدها لأن قولها مقبول في حقها وقد صدق الزوج

مسألة: ولو قال قد حضت فأنكرته طلقت بإقراره

ضرتها فوجد الشرطان في طلاقها ولم تطلق المصدقة لان قول ضرتها غير مقبول في حقها ولم يصدقها الزوج فلم يوجد شرط طلاقها * (مسألة) * (وإن قال ذلك لأربع فقد علق طلاق كل واحدة منهن على حيض الأربع فإن قلن قد حضن فصدقهن طلقن) لأنه قد وجد حيضهن بتصديقه وإن كذبهن لم تطلق واحدة منهن لأن شرط طلاقهن حيض الأربع ولم يوجد وإن صدق واحدة أو اثنتين لم تطلق واحدة منهن لأنه لم يوجد الشرط لكون قول كل واحدة منهن لا يوجد إلا في نفسها وإن صدق ثلاثاً طلقت المكذبة وحدها لأن قولها مقبول في حيضها وقد صدق الزوج صواحبها فوجد حيض الأربع في حقها فطلقت ولا تطلق المصدقات لأن قول المكذبة غير مقبول في حقهن. * (مسألة) * (وإن قال كلما حاضت إحدا كن فضرائرها طوالق) فقد جعل حيض كل واحدة منهن شرطاً لطلاق ضرائرها فقلن قد حضن فصدقهن طلقت كل واحدة منهن لا قولهن غير مقبول عليه في طلاق غيرهن وإن صدق واحدة منهن لم تطلق لأنه لا ليس لها صاحبة ثبت حيضها وطلقت ضراتها طلقة طلقة لأن لهن صاحبة قد ثبت حيضها وإن صدق اثنتين طلقت كل

مسألة: وإن قال كلما حاضت إحداكن فضرائرها طوالق

واحدة منهما طلقة لأن كل واحدة منهما ضرة مصدقة وطلقت المكذبتان طلقتين طلقتين لأن لكل واحدة منهما ضرتين مصدقتين وإن صدق ثلاثاً طلقت المكذبة ثلاثاً لأن لها ثلاث ضرائر مصدقات وطلقت كل واحدة من المصدقات طلقتين لأن لكل واحدة ضرتين مصدقتين (فصل) إذا قال لامرأتيه إن حضتما حيضة واحدة فأنتما طالقتان لم تطلق واحدة منهما حتى تحيض كل واحدة منهما حيضة واحدة ويكون التقدير إن حاضت كل واحدة منكما حيضة واحدة فأنتما طالقتان ويكون كقوله تعالى (فاجلدوهم ثمانين جلدة) أي فاجلوا كل واحد منهم ثمانين جلدة، ويحتمل أن يتعلق بها الطلاق بحيض احداهما حيضة لأنه لما تعذر وجود الفعل منهما وجب اضافته الى إحداهما كقوله تعالى (يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان) وإنما يخرج من أحدهما. وقال القاضي يغلو قول حيضة واحدة لأن حيضة وحدة من امرأتين محال فيبقى كأنه قال إن حضتما فأنتما طالقتان وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشافعي والوجه الآخر لا تنعقد هذه الصفة لأنها مستحيلة فيصير كتعليق الطلاق بالمستحيلات. والوجه الأول أولى لأن فيه تصحيح كلام المكلف بحمله على محل سائغ وتبعيداً لوقوع الطلاق واليقين بقاء النكاح فلا يزول حتى يوجد ما يقع به الطلاق يقينا وغير هذا الوجه لا يحصل به اليقين فإن أراد بكلامه أحد هذه الوجوه حمل عليه وإذا ادعى ذلك قبل منه وإذا قال أردت أن تكون الحيضة الواحدة منهما فهو تعليق للطلاق بمستحيل فيحتمل أن يلغو قوله حيضة

ويحتمل أن يقع الطلاق لأن هذه الصفة لا توجد فلا يوجد ما علق عليها ويحتمل أن يقع الطلاق في الحال ويلغو بناء على ما ذكرناه في تعليق الطلاق على المستحيل (فصل) إذا كان له أربع نسوة فقال أيتكن لما أطأها فضرائرها طوالق وقيده بوقت فمضى الوقت ولم يطأهن طلقن ثلاثاً ثلاثاً لأن لكل واحدة ثلاث ضرائر غير موطوءات وإن وطئ ثلاثاً وترك واحدة لم تطلق المتروكة لأنها ليست لها ضرة غير موطؤة وتطلق كل واحدة من الموطوءات طلقة طلقة وإن وطئ اثنتين طلقتا طلقتين وإن لم يقيده بوقت كان وقت الطلاق مقيداً بعمره وعمرهن فأيتهن مانت طلقت كل واحدة من ضرائرها طلقة طلقة وإذا ماتت أخرى فكذلك وإذا مات هو طلقن كلهن في آخر جزء من حياته * (فصل في تعليقه بالحمل) * قال شيخنا رحمه الله تعالى (إذا قال إن كنت حاملاً فأنت طالق فتبين أنها كانت حاملاً تبينا وقوع الطلاق من حين اليمين وإلا فلا) ويعلم حملها بأن تلد لأقل من ستة أشهر من حين اليمين فيقع الطلاق لوجود شرطه، وإن ولدت لأكثر من أربع سنين لم تطلق لأنا علمنا براءتها من الحمل وإن ولدت لأكثر من ستة أشهر ولأقل من أربع سنين ولم يكن لها من يطؤها طلقت لأنها كانت حاملا وإن كان لها زوج يطؤها فولدت لأقل من ستة أشهر من حين وطئه طلقت لأننا علمنا أنه ليس من الوطئ وإن ولدته لأكثر من ستة أشهر من حين وطئ الزوج بعد اليمين ولأقل من أربع سنين من حين عقد الصفة لم تطلق لأن يقين النكاح باق والظاهر

حدوث الولد من الوطئ لأن الأصل عدمه قبله * (مسألة) * (وإن قال إن لم تكوني حاملاً فأنت طالق فهي بالعكس) ففي كل موضع يقع الطلاق في التي قبلها لا يقع ههنا وفي كل موضع لا يقع ثم يقع ههنا لأنها ضدها إلا إذا أتت بولد لأكثر من ستة أشهر ولأقل من أربع سنين هل يقع الطلاق ههنا؟ فيه وجهان (أحدهما) تطلق لأن الأصل عدم الحمل قبل الوطئ والثاني لا تطلق لأن الأصل بقاء النكاح * (مسألة) * (ويحرم وطؤها قبل استبرائها في إحدى الروايتين ان كان الطلاق بائناً نص عليه أحمد) وكذلك يحرم في التي قبلها لاحتمال الحمل فغلب التحريم وقال القاضي يحرم الوطئ وإن كان الطلاق رجعياً سواء قلنا إن الرجعية مباحة أو محرمة لأنه يمنع المعرفة بوقوع الطلاق وعدمه وقال أبو الخطاب فيه رواية أخرى أن الوطئ لا يحرم لأن الأصل بقاء النكاح وبراءة الرحم من الحمل فإن استبرأها حل وطؤها على الروايتين ويكفي في الاستبراء حيضة قال أحمد في رواية أبي الخطاب إذا قال لامرأته متى حملت فأنت طالق لا يقربها حتى تحيض فإذا طهرت وطئها فإن تأخر حيضها أريت النساء من أهل المعرفة فإن لم يوجدن أو خفي عليهن انتظر عليها تسعة أشهر غالب مدة الحمل، وذكر القاضي رواية أخرى أنها تستبرأ بثلاثة قروء لأنه استبراء الحرة وهو أحد الجهين لأصحاب الشافعي قال شيخنا

مسألة: ويحرم وطؤها قبل استبرائها في إحدى الروايتين إن كان الطلاق بائنا نص عليه أحمد

والصحيح ما ذكرناه لأن المقصود معرفة براءة رحمها وهو يحصل بحيضة بدليل قوله عليه السلام " لا توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تستبرأ بحيضة " يعني حتى تعلم براءتها من الحمل بحيضة ولأن ما تعلم به البراءة في حق الامة والحرة واحد لأنه أمر حقيقي لا يختلف بالرق والحرية، وأما العدة ففيها نوع تعبد لا يجوزان يعدى بالقياس وهل يعتد بالاستبراء قبل عقد اليمين أو بالحيضة التي حلف فيها؟ على وجهين (أصحهما) الاعتداد به لأنه يحصل به ما يحصل بالاستبراء بعد اليمين (والثاني) لا يعتد به لأن الاستبراء لا يقدم على سببه ولأنه لا يعتد به في استبراء الأمة المملوكة قال أحمد إذا قال لامرأته إذا حبلت فأنت طالق يطؤها في كل طهر مرة يعني إذا حاضت ثم طهرت حل وطؤها لان الحيض علم على براءتها من الحمل ووطؤها سبب له فإذا وطئها اعتزلها لاحتمال أن تكون قد حملت من وطئه فطلقت به * (مسألة) * (وإذا قال إن كنت حاملاً بذكر فأنت طالق واحدة وإن كنت حاملاً بأنثى فأنت طالق اثنتين فولدت ذكراً وانثى طلقت ثلاثا لوجود الصفة) ولو قال إن كان حملك غلاماً فأنت طالق واحدة وإن كان حملك جارية فأنت طالق اثنتين فولدت غلاماً وجارية لم تطلق لأن حملها كله ليس بغلام ولا جارية. ذكره القاضي في المجرد وأبو الخطاب، وبه قال الشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي وقال القاضي في الجامع في وقوع الطلاق وجهان بناء على الروايتين فيمن حلف لا لبست ثوبا من غزلها فلبس ثوباً فيه من غزلها

مسألة: وإذا قال إن كنت حاملا بذكر فأنت طالق واحدة وإن كنت حاملا بأنثى فأنت طالق اثنتين فولدت ذكرا وانثى طلقت ثلاثا لوجود الصفة

(فصل) في تعليقه بالولادة إذا قال إن ولدت ذكراً فأنت طالق واحدة وإن ولدت أنثى فأنت طالق اثنتين فولدت ذكراً ثم أنثى طلقت بالأول وبانت بالثاني ولم تطلق به. ذكره أبو بكر لأن العدة انقضت بوضعه فصادفها الطلاق فلم يقع كما لو قال إذا مت فأنت طالق، وهذا قول الشافعي وأصحاب الرأي وحكى عن ابن حامد أنها تطلق لأن زمن البينونة زمن الوقوع فلا تنافي بينهما، والصحيح الأول لما ذكرنا وقد نص أحمد فيمن قال أنت طالق مع موتي أنها لا تطلق فهذا أولى فإن ولدتهما دفعة واحدة طلقت ثلاثاً لوجود الشرطين. * (مسألة) * (فإن أشكل كيفية وضعهما وقعت واحدة بيقين ولغا ما زاد فلا تلزمه الثانية لأنه مشكوك فيه والورع أن يلتزمها) وهذا قول الشافعي وأصحاب الرأي، قال القاضي قياس المذهب أن يقرع بينهما لانه يحتمل كل واحدة منهما احتمالاً مساوياً للأخرى فيقرع بينهما كما لو أعتق عبديه معاً ثم نسيه فإن قال إن كان أول ما تلدين ذكراً فأنت طالق واحدة وإن كان أنثى فأنت طالق اثنتين فولدتهما دفعة واحدة لم يقع بها شئ لأنه لا أول فيهما فلم توجد الصفة وإن ولدتهما دفعتين طلقت بالأول وبانت بالثاني ولم تطلق به إلا على قول ابن حامد وقد ذكرناه

مسألة: فإن أشكل كيفية وضعهما وقعت واحدة بيقين ولغا ما زاد فلا تلزمه الثانية لأنه مشكوك فيه والورع أن يلتزمهما

* (مسألة) * (ولا فرق بين أن تلده حياً أو ميتاً) لان الشرط ولادة ذكر أو أنثى وقد وجد، لأن العدة تنقضي به وتصير به الجارية أم ولد كذلك هذا (فصل) إذا قال إن كنت حاملاً بغلام فأنت طالق واحدة وإن ولدت أنثى فأنت طالق اثنتين فولدت غلاماً كانت حاملاً به وقت اليمين تبينا أنها طلقت واحدة حين حلف وانقضت عدتها بوضعه وإن ولدت أنثى طلقت ولادتها طلقتين واعتدت بالقروء، وان ولد غلاماً وجارية وكان الغلام أولهما ولادة تبينا أنها طلقت واحدة وبانت بوضع الجارية ولم تطلق بهما إلا على قول ابن حامد وإن كانت الجارية ولدت أولاً طلقت ثلاثاً واحدة بحمل الغلام واثنتين بولادة الجارية وانقضت عدتها بوضع الغلام. (فصل) فإن كان له أربع نسوه، فقال كلما ولدت واحدة منكن فضرائرها طوالق فولدن دفعة واحدة طلقتن كلهن ثلاثاً ثلاثاً، وان ولدن في دفعات وقع بضرائر الأولى طلقة طلقة فإذا ولدت الثانية بانت بوضع الولد ولم تطلق وهل يطلق سائرهن؟ فيه احتمالان [أحدهما] لا يقع بهن طلاق لانها لما انقضت عدتها بانت فلم يبقين ضرائر لها والزوج إنما علق بولادتها اطلاق ضرائرها.

مسألة: ولا فرق بين أن تلده حيا أو ميتا

(والوجه الثاني) يقع بكل واحدة طلقة طلقة لأنهن ضرائرها في حال ولادتها، فعلى هذا يقع بكل واحدة من اللتين لم يلدن طلقتان طلقتان وتبين هذه، ويقع بالوالدة الاولى طلقة فإذا ولدت الثالثة بانت وفي وقوع الطلاق بالباقيتين وجهان، فإذا قلنا يقع بهن طلقت الرابعة ثلاثا والاولى طلقتين وبانت الثانية والثالثة وليس فيهن من له رجعتها إلا الأولى ما لم تنقض عدتها وإذا ولدت الرابعة لم تطلق واحدة منهن وتنقضي عدتها بذلك، وإن قال كلما ولدت واحدة منكن فسائركن طوالق أو فباقيكن طوالق فكلما ولدت واحدة منهن وقع بباقيهن طلقة طلقة وتبين الوالدة بوضع ولدها إلا الأولى، والفرق بين هذه وبين التي قبلها إن الثانية والثالثة يقع الطلاق بباقيهن بولادتهما ههنا وفي الأولى لا يقع لأنهن لم يبقين ضرائرها وههنا لم يعلقه بذلك وإن قال كلما ولدت واحدة منكن فأنتن طوالق فكذلك إلا أنه لا يقع على الاولى طلقة بولادتها، فإن كانت الثانية حاملاً باثنتين فوضعت الأولى منهما وقع بكل واحدة من ضرائرها طلقة في المسائل كلها ووقع بها طلقة في المسألة الثالثة، وإذا وضعت الثالثة أو كانت حائلا باثنتين فكذلك فتطلق الرابعة وتطلق كل واحدة من الوالدات طلقتين طلقتين في المسئلتين الأوليين وثلاثاً ثلاثاً في المسألة الثالثة ثم كلما وضعت واحدة منهن تمام حملها انقضت به عدتها، قال القاضي إذا كان له زوجتان فقال كلما ولدت واحدة منكما فأنتما طالقتان، فولدت إحداهما يوم الخميس طلقتا

جميعاً ثم ولدت الثانية يوم الجمعة بانت وانقضت عدتها ولم تطلق وطلقت الأولى ثانية فإن كانت كل واحدة منهما حائلا باثنين طلقتا بوضع الثانية طلقة طلقة أيضاً، ثم إذا ولدت الأولى تمام حملها انقضت عدتها به وطلقت الثانية ثلاثاً فإذا وضعت الثانية تمام حملها انقضت عدتها به (فصل) في تعليقه بالطلاق إذا قال إذا طلقتك فأنت طالق ثم قال أنت طالق وقعت واحدة بالمباشرة وأخرى بالصفة إن كانت مدخولاً بها لأنه جعل تطليقها شرط الوقوع طلاقها فإذا وجد الشرط وقع الطلاق، وإن كانت غير مدخول بها بانت بالأولى ولم تقع الثانية لأنه لا عدة عليها ولا تمكن رجعتها فلا يقع طلاقها إلا بائناً ولا يقع الطلاق بالبائن فإن قال عنيت بقولي هذا أنك تكونين طالقاً بما أوقعته عليك ولم أرد طلاقاً سوى ما باشرتك به دين وهل يقبل في الحكم، لا يخرج على روايتين [إحداهما] لا يقبل وهو مذهب الشافعي لأنه خلاف الظاهر إذ الظاهر أن هذا تعليق للطلاق بشرط الطلاق ولأن اخباره إياها بوقوع طلاقه بها لا فائدة فيه (والوجه الثاني) لا يقبل قوله لأنه يحتمل ما قاله فقيل كما لو قال أنت طالق أنت طالق، وقال أردت بالثاني التأكيد أو افهامها. * (مسألة) * (إذا قال إذا طلقتك فأنت طالق ثم قال إن قمت فانت طالق فقامت طلقت بقيامها

مسألة: إذا قال إذا طلقتك فأنت طالق ثم قال إن قمت فأنت طالق فقامت طلقت بقيامها ثم طلقت بالصفة أخرى لأنه قد طلقها بعد عقد الصفة لأن الصفة تطليقة لها وتعليقه لطلاقها بقيامها إذا اتصل به القيام تطليق لها

ثم طلقت بالصفة أخرى لأنه قد طلقها بعد عقد الصفة لأن الصفة تطليقة لها وتعليقه لطلاقها بقيامها إذا اتصل به القيام تطليق لها. * (مسألة) * (ولو قال أولا إن قمت فانت طالق ثم قال إن طلقتك فأنت طالق فقامت طلقت بالقيام واحدة ولم تطلق بتعليق الطلاق لأنه لم يطلقها بعد ذلك) لأن هذا يقتضي ابتداء إيقاع وقوع الطلاق ههنا بالقيام إنما هو وقوع بصفة سابقة تعقد الطلاق شرطا * (مسألة) * (ولو قال أن قت فأنت طالق ثم قال إن وقع عليك طلاقي فأنت طالق فقامت طلقت بالقيام ثم تطلق الثانية بوقوع الطلاق عليها إن كانت مدخولاً بها لأن الطلاق الواقع بها طلاقه فقد وجدت الصفة * (مسألة) * (وإن قال كلما طلقتك فأنت طالق فهذا حرف يقتضي التكرار) فإذا قال لها بعد أنت طالق طلقت طلقتين إحداهما بالمباشرة والأخرى بالصفة ولا تقع ثالثة لأن الثانية لم تقع بإيقاعه بعد عقد الصفة لأن قوله كلما طلقتك يقتضي كلما أوقعت عليك الطلاق، وهذا يقتضي تجديد إيقاع طلاق بعد هذا القول وإنما وقعت الثانية بهذا القول، وإن قال لها بعد عقد الصفة إن خرجت فأنت طالق فخرجت طلقت بالخروج طلقة وبالصفة أخرى لأنه قد طلقها ولم تقع الثالثة فإن قال لها كلما أوقعت عليك طلاقي فأنت طالق فهو كقوله كلما طلقتك فأنت طالق، وذكر القاضي في هذه أنه إذا وقع عليها طلاقه بصفة عقدها بعد قوله إذا أوقعت عليك طلاقاً فأنت طالق لم تطلق

مسألة: ولو قال إن قمت فأنت طالق ثم قال إن وقع عليك طلاقي فأنت طالق فقامت طلقت بالقيام ثم تطلق الثانية بوقوع الطلاق عليها إن كانت مدخولا بها لأن الطلاق الواقع بها طلاقه فقد وجدت الصفة

لأن ذلك ليس بإيقاع منه. وهذا قول بعض أصحاب الشافعي، وفيه نظر فإنه قد أوقع الطلاق عليها بشرط فإذا وجد الشرط فهو الموقع للطلاق عليها فلا فرق بين هذا وبين قوله إذا طلقتك فأنت طالق * (مسألة) * (وإن قال كلما وقع عليك طلاقي فأنت طالق ثم وقع عليها طلاقه بمباشرة أو سبب أو بصفة عقدها بعد ذلك أو قبله طلقت ثلاثاً لأن الثانية طلقة واقعة عليها فتقع بها الثالثة (فصل) فإن قال لها ان خرجت فأنت طالق ثم قال كلما وقع عليك طلاقي فأنت طالق ثم خرجت وقع عليها طلقة بالخروج ثم وقعت عليها الثانية بوقوع الاولى ثم وقعت الثالثة بوقوع الثانية لأن كلما تقتضي التكرار وقد عقد الصفة بوقوع الطلاق فكيفما وقع يقتضي وقوع أخرى ولو قال لها إذا طلقتك فأنت طالق ثم قال إذا وقع عليك طلاقي فأنت طالق ثم قال أنت طالق طلقت ثلاثاً واحدة بالمباشرة واثنتين بالصفتين لأن تطليقه لها يشتمل على الصفتين هو تطليق منه وهو وقوع طلاقه ولأنه إذا قال أنت طالق طلقت بالمباشرة واحدة فتطلق الثانية بكونه طلقها وذلك طلاق منه واقع عليها فتطلق به الثالثة وهذا كله في المدخول بها فأما غير المدخول بها فلا تطلق إلا واحدة في جميع هذا. وهذا كله مذهب الشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه خلافاً (فصل) فإن قال كلما طلقتك طلاقاً أملك فيه رجعتك فأنت طالق ثم قال أنت طالق طلقت اثنتين (إحداهما) بالمباشرة (والأخرى) بالصفة إلا أن تكون الطلقة بعوض أو في غير مدخول بها فلا يقع

مسألة: وإن قال كلما وقع عليك طلاقي فأنت طالق ثم وقع عليها طلاقه بمباشرة أو سبب أو بصفة عقدها بعد ذلك أو قبله طلقت ثلاثا لأن الثانية طلقة واقعة عليها فتقع بها الثالثة

بها ثانية لأنها تبين بالطلقة التي باشرها بها فلا يملك رجعتها فإن طلقها ثنتين طلقت الثالثة، وقال أبو بكر: قيل تطلق وقيل لا تطلق واختياري أنها تطلق، وقال أصحاب الشافعي لا تطلق الثالثة لأنا لو أوقعناها لم يملك الرجعة ولم يوجد شرط طلاقها فيفضي ذلك الى الدور فنسقطه بمنع وقوعه ولنا أنه طلاق لم يكمل به العدد بغير عوض في مدخول بها فتقع التي بعدها كالأولى وامتناع الرجعة ههنا لعجزه عنها لا لعدم الملك كما لو طلقها واحدة وأغمى عليه عقيبها وأن الثانية تقع وإن امتنعت الرجعة لعجزه عنها وإن كان الطلاق بعوض أو في غير المدخول بها لم يقع إلا الطلقة التي باشرها بها لأنه لا يملك رجعتها وإن قال كلما وقع عليك طلاق أملك فيه رجعتك فأنت طالق ثم وقع عليها طلقة بالمباشرة أو صفة طلقت ثلاثاً وعندهم لا تطلق لما ذكرنا في التي قبلها ولو قال لامرأته إذا طلقتك طلاقاً أملك فيه الرجعة فأنت طالق فأنت طالق فأنت طالق ثلاثا ثم طلقها طلقت ثلاثاً، وقال المزني لا تطلق وهو قياس قول أصحاب الشافعي لما تقدم * (مسألة) * (وإن قال كلما وقع عليك طلاقي أو إن وقع عليك طلاقي فأنت طالق قبله ثلاثاً ثم قال أنت طالق فلا نص فيها) وقال أبو بكر والقاضي تطلق ثلاثاً واحدة بالمباشرة واثنتان بالمعلق، وهو قياس قول الشافعي وبعض أصحابه، وقال ابن عقيل تطلق بالطلاق المنجز ويلغوا المعلق لأنه طلاق في زمن ماض، وقال

مسألة: وإن قال كلما وقع عليك طلاقي أو إن وقع عليك طلاقي فأنت طالق قبله ثلاثا ثم قال أنت طالق فلا نص فيها

أبو العباس بن سريج وبعض الشافعية لا تطلق أبداً لأن وقوع الواحدة يقتضي وقوع ثلاث قبلها وذلك يمنع وقوعها فإثباتها يؤدي الى نفيها فلا تثبت ولأن إيقاعها يفضي الى الدور لأنها إذا وقعت وقع قبلها ثلاث فيمنع وقوعها وما أفضى الى الدور وجب قطعه من أصله ولنا أنه طلاق من مكلف مختار في محل النكاح صحيح فيجب أن يقع كما لو لم يعقد هذه الصفة ولأن عمومات النصوص تقتضي وقوع الطلاق مثل قوله سبحانه (فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) وقوله تعالى (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) وكذلك سائر النصوص ولأن الله تعالى شرع الطلاق لمصلحة تتعلق به وما ذكروه يمنعه بالكلية وتبطل مشروعيته وتفوت مصلحته فلا يجوز ذلك بمجرد الرأي والتحكم وما ذكروه غير مسلم فأما إذا قلنا لا يقع الطلاق المعلق فله وجه لأنه أوقعه في زمن ماض ولا يمكن وقوعه في الماضي فلم يقع كما لو قال أنت طالق قبل قدوم زيد بيوم فقدم في اليوم ولأنه جعل الطلقة الواقعة شرطاً لوقوع الثلاث ولا يوجد المشروط قبل شرطه فعلى هذا لا يمنع من وقع الطلقة المباشرة ولا يفضي إلى دور ولا غيره وإن قلنا بوقوع الثلاث فوجهه انه وصف الطلاق المعلق بما يستحيل وصفه به فلغت الصفة ووقع الطلاق كما لو قال أنت طالق طلقة لا تلزمك ولا تنقص عدد طلاقك أو قال للآيسة أنت طالق للسنة أو للبدعة وبيان استحالته ان تعليقه بالشرط يقتضي وقوعه بعده لأن الشرط يتقدم مشروطه ولذلك لو أطلق لوقع بعده وتعقيبه بالفاء في قوله فأنت طالق

يقتضي كونه عقيبه وكون الطلاق المعلق قبله بعده محال لا يصح الوصف به فلغت الصفة ووقع الطلاق كما لو قال إن طلقتك فأنت طالق ثلاثاً لا تلزمك ثم يبطل ما ذكروه بقوله إذا انفسخ نكاحك فأنت طالق قبله ثلاثاً ثم وجد ما يفسخ نكاحها من رضاع أو ردة أو وطئ أمها أو ابنتها بشبهة فإنه يرد ما ذكروه ولا خلاف في انفساخ النكاح قال القاضي ما ذكروه ذريعة الى أن لا يقع عليها الطلاق جملة وإن قال أنت طالق ثلاثا قبيل وقوع طلاقي بك واحدة أو أنت طالق اليوم ثلاثاً أو طلقتك غداً واحدة فالكلام عليها من وجه آخر وهو وارد على المسئلتين جميعا وذلك ان الطلقة الموقعة يقتضي وقوعها وقوع ما لا يتصور وقوعها معه فيجب أن يقضى بوقوع الطلقة الموقعة دون ما تعلق بها لأن ما تعلق بها تابع ولا يجوز إبطال المتبوع لامتناع حصول التبع فيبطل التابع وحده كما لو قال في مرضه إذا اعتقت سالماً فغانم حر ولم يخرج من ثلثه إلا احدهما فان سالما يعتق وحده ولا يقرع بينهما لأن ذلك ربما أدى الى عتق المشروط دون الشرط وذلك غير جائز ولا فرق بين أن يقول فغانم معه أو قبله أو بعده أو يطلق كذا ههنا (فصل) إذا قال إن طلقت حفصة فعمرة طالق ثم قال إن طلقت عمرة فحفصة طالق ثم طلق حفصة طلقتا معاً حفصة بالمباشرة وعمرة بالصفة ولم تزد كل واحدة منهما على طلقة وإن بدأ بطلاق عمرة طلقت طلقتين وطلقت حفصة طلقة واحدة لأنه إذا طلق حفصة طلقت بالصفة لكونه علق طلاقها على طلاق حفصة ولم يعد على حفصة طلاق آخر لأنه ما أحدث في عمرة طلاقها إنما طلقت بالصفة السابقة

على تعليقه طلاقها وإن بدأ بطلاق عمرة طلقت حفصة لكون طلاقها معلقاً على طلاق عمرة ووقوع الطلاق بها تطليق منه لها لأنه أحدث فيه طلاقاً بتعليقه طلاقها على تطليق عمرة بعد قوله إن طلقت حفصة فعمرة طالق ومتى وجد التعليق والوقوع معاً فهو تطليق فإن وجدا معاً بعد تعليق الطلاق بطلاقها وقع الطلاق المعلق بطلاقها وطلاق عمرة ههنا معلق بطلاقها فوجب القول بوقوعه ولو قال لعمرة كلما طلقت حفصة فأنت طالق ثم قال لحفصة كلما طلقت عمرة فأنت طالق ثم قال لعمرة أنت طالق طلقت طلقتين وطلقت حفصة طلقة واحدة وإن طلق حفصة ابتداء لم يقع بكل واحدة منهما إلا طلقة لأن هذه المسألة كالتي قبلها سواء فإنه بدأ بطلاق عمرة على تطليق حفصة ثم ثنى بتعليق طلاق حفصة على تطليق عمرة ولو قال لعمرة إن طلقتك فحفصة طالق ثم قال لحفصة إن طلقتك فعمرة طالق ثم طلق حفصة طلقت طلقتين وطلقت عمرة طلقة، وإن طلق عمرة طقت كل واحدة منهما طلقة لأنها عكس التي قبلها وذكرها بين المسئلتين القاضي في المجرد ولو قال لأحدى زوجتيه كلما طلقت ضرتك فأنت طالق ثم قال للأخرى مثل ذلك ثم طلق الأولى طلقت طلقتين وطلقت الثانية طلقة، وإن طلق الثانية طلقت كل واحدة منهما طلقة، وإن قال كلما طلقتك فضرتك طالق ثم قال للأخرى مثل ذلك ثم طلق الأولى طلقت كل واحدة منهما طلقة وإن طلق الثانية طلقت طلقتين وطلقت الأولى طلقة وتعليل ذلك على ما ذكرنا في المسألة الأولى

(فصل) فإن كان له ثلاث نسوة فقال إن طلقت زينب نعمرة طالق، وإن طلقت عمرة فحفصة طالق، وإن طلقت حفصة فزينب طالق ثم طلق زينب طلقت عمرة ولم تطلق حفصة لأنه ما أحدث في عمرة طلاقاً بعد تعليق طلاق حفصة بتطليقها، وإنما طلقت بالصفة السابقة على ذلك فيكون وقوعاً للطلاق وليس بتطليق، وإن طلق عمرة طلقت حفصة ولم تطلق زينب لذلك، وإن طلق حفصة طلقت زينب ثم طلقت حفصة فيقع الطلاق بالثلاث لأنه أحدث في زينب طلاقاً بعد تعليقه طلاق عمرة بتطليقها فكان وقوع الطلاق بزينب تطليقاً وطلقت به عمرة بخلاف غيرها ولو قال لزينب إن طلقت عمرة فأنت طالق ثم قال لعمرة إن طلقت حفصة فأنت طالق ثم قال لحفصة إن طلقت زينب فأنت طالق ثم طلق زينب طلق الثلاث زينب بالمباشرة وحفصة بالصفة ووقوع الطلاق بحفصة تطليق لها وتطليقها شرط طلاق عمرة فتطلق به أيضاً والدليل على أنه تطليق لحفصة أنه أحدث فيها طلاقاً بتعليقه طلاقها على تطليق زينب بعد تعليق طلاق عمرة بتطليقها وتحقق شرطه والتعليق مع شرطه تطلق وقد وجدا معاً بعد جعل تطليقها صفة لطلاق عمرة، وإن طلق عمرة طلقت هي وزينب ولم تطلق حفصة وإن طلق حفصة طلقت هي وعمرة ولم تطلق زينب لما ذكرنا في المسألة التي قبلها، وإن قال لزينب إن طلقتك فضرتاك طالقتان ثم قال لعمرة مثل ذلك ثم قال لحفصة مثل ذلك ثم طلق زينب طلقت كل واحدة منهن طلقة واحدة لأنه لم يحدث في غير زينب طلاقا وانما طلقتا بالصفة على تعليق

الطلاق بتطليقهما وإن طلق عمرة طلقت زينب طلقة وطلقت عمرة وحفصة كل واحدة منهما طلقتين لأن عمرة طلقت واحدة بالمباشرة وطلقت زينب وحفصة بطلاقها واحدة واحدة وطلاق زينب تطليق لها لأنه وقع بها بصفة أحدثها فيهما بعد تعليق طلاقهما بتطليقها فعاد على حفصة وعمرة بذلك طلقتان ولم يعد على زينب بطلاقهما طلاق لما تقدم وإن طلق حفصة طلقت ثلاثاً لأنها طلقت واحدة بالمباشرة وطلقت بها ضرتاها ووقوع الطلاق بكل واحدة منهما تطليق لأنه بصفة أحدثها فيهما بعد تعليق طلاقها بطلاقهما فعاد عليها من طلاق كل واحدة منهم طلقة فكمل لها ثلاث وطلقت عمرة طلقتين واحدة بتطليق حفصة وأخرى بوقوع الطلاق على زينب لأنه تطليق لزينب على ما ذكرناه وطلقت زينب واحدة لأن طلاق ضرتيها بالصفة ليس بتطليق في حقها وإن قال لكل واحدة منهن كلما طلقت احدى ضرتيك فأنت طالق ثم طلق الأولى طلقت ثلاثاً وطلقت الثانية طلقتين والثالثة طلقة واحدة لأن تطليقة للأولى شرط لطلاق ضرتيها ووقوع الطلاق بهما تطليق بالنسبة إليها لكونه واقعاً بصفة أحدثها بعد تعليق طلاقها بطلاقهما فعاد عليها من تطليق كل واحدة منهما طلقة فكمل لها الثلاث وعاد على الثانية من طلاق الثالثة طلقة ثانية لذلك ولم يعد على الثالثة من طلاقهما الواقع بالصفة شئ لأنه ليس بتطليق في حقهما وإن طلق الثانية طلقت أيضاً طلقتين وطلقت الأولى ثلاثاً والثالثة طلقة وإن طلق الثالثة طلقت الأولى طلقتين وطلق كل واحدة من الباقيتين طلقة طلقة

(فصل) وإن قال لامرأته إن طلقتك فعبدي حر ثم قال لعبده إن قمت فامرأتي طالق فقام طلقت المرأة وعتق البعد ولو قال لعبده إن قمت فامرأتي طالق ثم قال لامرأته إن طلقتك فعبدي حر فقام العبد طلقت المرأة ولم يعتق العبد لأن وقوع الطلاق بالصفة إنما يكون تطليقاً مع وجود الصفة ففي الصورة الأولى وجدت الصفة والوقوع بعد قوله إن طلقتك فعبدي حر وفي الصورة الأخرى لم يوجد بعد ذلك إلا الوقوع وحده وكانت الصفة سابقة فلذلك لم يعتق العبد ولو قال لعبده إن أعتقتك فامرأتي طالق ثم قال لامرأته إن حلفت بطلاقك فعبدي حر ثم قال لعبده إن لم أضربك فامرأتي طالق عتق العبد وطلقت المرأة. * (مسألة) * (وإن قال لنسائه الأربع أيتكن وقع عليها طلاقي فصواحبها طوالق ثم وقع على إحداهن طلاقه طلق الجميع ثلاثاً) لأنه إذا وقع طلاقه على واحدة وقع على صواحبها ووقوعه على واحدة منهن يقتضي وقوعه على صواحبها فيتسلسل الوقوع عليهن الى أن تكمل الثلاث لكل واحدة منهن * (مسألة) * (وإن قال كلما طلقت واحدة منكن فعبد من عبيدي حر وكلما طلقت اثنتين فعبدان حران وكلما طلقت ثلاثاً فثلاثة أحرار وكلما طلقت أربعاً فأربعة أحرار ثم طلق الأربع مجتمعات أو متفرقات عتق خمسة عشر عبداً) وقيل يعتق عشرة بالواحدة واحد وبالثانية اثنان وبالثلاث ثلاثة وبالأربع أربعة وهذا غير صحيح فإن

مسألة: وإن قال كلما طلقت واحدة منكن فعبد من عبيدي حر، وكلما طلقت اثنتين فعبدان حران وكلما طلقت ثلاثا فثلاثة أحرار، وكلما طلقت أربعا فأربعة أحرار ثم طلق الأربع مجتمعات أو متفرقات عتق خمسة عشر عبدا

قائل هذا لا يعتبر صفة طلاق الواحدة في غير الأولى ولفظة كلما تقتضي لتكرار فيجب تكرار الطلاق بتكرار الصفات وتسقط أيضاً صفة التثنية في الثالثة والرابعة، والصحيح أنه يعتق خمسة عشر عبداً لأن فيهن أربع صفات هن أربع فيقع اربعة وهن أربعة آحاد وهن اثنتان واثنتان فيعتق بذلك أربعة وفيهن ثلاث فيعتق بهن ثلاثة. وإن شئت قلت يعتق بالواحدة واحد وبالثانية ثلاثة لأن فيها صفتين هي واحدة وهي مع الأولى اثنتان ويعتق بالثالثة أربعة لأنها واحدة وهي مع الأولى والثانية ثلاث ويعتق بالرابعة سبعة لأن فيها ثلاث صفات هي واحدة وهي مع الثالثة اثنتان وهي مع الثلاث التي قبلها أربع، وقيل يعتق سبعة عشر لأن صفة التثنية قد وجدت ثلاث مرات فإنها توجد بضم الأولى الى الثانية وبضم الثانية الى الثالثة وبضم الثالثة الى الرابعة، وقيل يعتق عشرون وهو قول أبي حنيفة لأن صفة الثالثة وجدت مرة ثانية بضم الثانية والثالثة الى الرابعة، وكلا القولين غير سديد لانهم عدوا الثانية مع الأولى في صفة التثنية مرة ثم عدوها مع الثالثة مرة أخرى وعدوا الثانية والثالثة في صفة الثلاث مرتين مرة مع الأولى ومرة مع الرابعة وما عد في صفة مرة لا يجوز عده في تلك الصفة مرة أخرى ولذلك لو قال كلما أكلت نصف رمانة فأنت طالق فأكلت رمانة لم تطلق إلا اثنتين لأن الرمانة نصفان ولا يقال انها تطلق ثالثة بان يضم الرابع الثاني الى الربع الثالث فيصيران نصفاً وكذلك في مسئلتنا لم تضم الأولى الى الرابعة

فيصيران اثنتين وعلى سياق هذا القول ينبغي أن يعتق اثنان وثلاثون واحد بطلاق واحدة وثلاثة بطلاق الثانية وثمانية بطلاق الثالثة لأنها واحدة وهي مع ما قبلها ثلاث وهي مع ضمها الى الأولى اثنتان ومع ضمها الى الثانية اثنتان ففيها صفة التثنية مرتان، ويعتق بطلاق الرابعة عشرون لأن فيها ثماني صفات هي واحدة وهي مع ما قبلها أربع، وفيها صفة الثلاث ثلاث مرات هي مع الأولى والثانية ثلاث ومع الثمانية والثالثة ثلاث ومع الأولى والثالثة ثلاث فيعتق بذلك تسعة، وفيها صفة التثنية ثلاث مرات مع الأولى اثنتان ومع الثالثة اثنتان فيعتق لذلك ستة فيصير الجميع اثنين وثلاثين، وقال شيخنا وما نعلم بهذا قائلاً قال شيخنا ويحتمل أن لا يعتق إلا أربعة كما لو قال كلما أعتقت أربعة فأربعة أحرار لأن هذا الذي يسبق الى أذهان العامة، وهذه الأوجه التي ذكرناها مع الإطلاق، فأما إن نوى بلفظه غير ما يقتضيه الإطلاق مثل أن ينوي بقوله اثنين غير الواحدة فيمينه على ما نواه ومتى لم يعين العبيد المعتقين أخرجوا بالقرعة، ولو جعل مكان كلما إن في المسألة المذكورة لم يعتق إلا عشرة بالواحد واحد وبالثانية اثنان وبالثالثة ثلاثة وبالرابعة أربعة لأن إن لا تقتضي التكرار (فصل) ولو قال كلما أعتقت عبداً من عبيدي فامرأة من نسائي طالق وكلما اعتقت اثنين فامرأتان طالقتان ثم اعتق الاثنين طلق الأربع على القول الصحيح، وعلى القول الثاني يطلق ثلاث ويخرجن بالقرعة، ولو قال كلما اعتقت عبداً من عبيدي فجارية من جواري حرة وكلما اعتقت اثنين فجاريتان حرتان

وكلما اعتقت ثلاثة فثلاث أحرار وكلما اعتقت أربعة فأربع أحرار اعتق من جواريه بعدد ما اعتق من عبيده في المسألة التي ذكرنا خمس عشرة على الصحيح وقيل عشر وقيل تسع عشرة وقيل عشرون لأنها مثلها، وإن اعتق خمساً فعلى القول الصحيح يعتق إحدى وعشرون لأن عتق الخامس عتق به ست لكونه واحداً وهو ما قبله خمسة ولم يمكن عده في سائر الصفات لأن ما قبل ذلك قد عد في ذلك مرة فلا يعد ثانية وعلى القول الآخر يعتق من جواريه خمس عشرة: بالواحد واحدة وبالثاني اثنتين وبالثالث ثلاث وبالرابع أربع وبالخامس خمس (فصل) فإن قال ان دخل الدار رجل فعبد من عبيدي حر وإن دخلها طويل فعبدان حران وإن دخلها أسود فثلاثة أعبد أحرار، وإن دخلها فقيه فأربعة أعبد أحرار فدخلها فقيه طويل أسود عتق من عبيده عشرة * (مسألة) * (إذا قال لامرأته إذا أتاك طلاقي فأنت طالق ثم كتب إليها إذا أتاك كتابي فأنت طالق فأتاها الكتاب طلقت طلقتين) لان علق طلاقها بصفتين مجئ الطلاق ومجئ كتابه وقد اجتمعت الصفات في مجئ الكتاب فوقع بها طلقتان، فإن قال أردت إذا أتاك كتابي فأنت طالق بالطلاق الأول دين لأنه يحتمل ما قاله فيدين فيه كما لو كرر قوله أنت طالق وقال أردت بالثانية افهامها والتأكيد ويقبل قوله في الحكم في إحدى الروايتين لما ذكرنا والأخرى لا يقبل لظاهر اللفظ والله أعلم

مسألة: إذا قال لامرأته إذا أتاك طلاقي فأنت طالق ثم كتب إليها إذا أتاك كتابي فأنت طالق فأتاها الكتاب طلقت طلقتين

(فصل في تعليقه بالحلف) اختلف أصحابنا في الحلف بالطلاق فقال القاضي في الجامع وأبو الخطاب هو تعليقه على شرط أي شرط كان إلا قوله إذا شئت فأنت طالق ونحوه فإنه تمليك وإذا حضت فأنت طالق فإنه طلاق بدعة وإذا طهرت فأنت طالق فانه طلاق سنة وهو قول أبي حنيفة لأن ذلك يسمى حلفا عرفا فيتعلق الحكم به كما لو قال إن دخلت الدار فانت طالق ولأن الشرط معنى القسم من حيث كونه جملة غير مستقلة دون الجواب فأشبه قول والله وبالله وتالله، وقال القاضي في المجرد هو تعليقه على شرط يقصد به الحث على فعل أو المنع منه كقوله إن دخلت الدار فانت طالق أو إن لم تدخلي فأنت طالق، أو على تصديق خبره كقوله أنت طالق لقدوم زيد أو إن لم يقدم، فأما التعليق على غير ذلك كقوله أنت طالق إن طلعت الشمس أو قدوم الحاج أو إن لم يقدم السلطان فهو شرط محض ليس بحلف لأن حقيقة الحلف القسم، وإنما سمي تعليق الطلاق على شرط حلقا تجوزا المشاركته الحلف في المعنى المشهور وهو الحث أو المنع أو تأكيد الخبر نحو والله لا فعلن أو لا أفعل أو لقد فعلت أو إن لم أفعل، وما لم يوجه فيه هذا المعنى لا يصح تسميته حلفا وهذا مذهب الشافعي * (مسألة) * (فإذا قال ان حلفت بطلاقك فأنت طالق) ثم قال أنت طالق ان قمت أو دخلت الدار أن إن لم تدخلي الدار أو إن لم يكن هذا القول حقا فأنت طالق طلقت في الحال لأنه حلف بطلاقها فإن قال إن طلعت الشمس أو قدم الحاج فأنت طالق

فصل في تعليقه بالحلف

لم تطلق في الحال على الوجه الثاني وهو قول الشافعي واختاره ابن عقيل وتطلق على الأول وهو قول أبي الخطاب وقد ذكرنا دليل القولين * (مسألة) * (وإن قال ان حلفت فأنت طالق وأعاده مرة أخرى طلقت واحدة لان إعادته حلف وإن أعاده ثلاثاً طلقت ثلاثاً) لأن كل مرة يوجد بها شرط الطلاق وينعقد شرط طلقة اخرى وبهذا قال الشافعي وأصحاب الرأي وقال أبو ثور ليس ذلك بحلف ولا يقع الطلاق بتكراره لأنه تكرار للكلام فيكون تأكيداً لا حلفاً ولنا أنه تعليق للطلاق على شرط يمكن فعله وتركه فكان حلفاً كما لو قال إن دخلت الدار فأنت طالق، وقوله أنه تكرار للكلام حجة عليه فإن تكرار الشئ عبارة عن وجوده مرة أخرى، وأما التأكيد فإنه يحمل عليه الكلام المكرر إذا قصده وههنا ان قصد إفهامها فاما أن كرر ذلك لغير مدخول بها بانت بطلقة ولم يقع بها أكثر منها * (مسألة) * (وإن قال ان كلمتك فأنت طالق وأعاده ثلاثا طلقت ثلاثا) لوجود الصفة كالمسألة قبلها * (مسألة) * (وإن قال لامرأتيه كلما حلقت بطلاقكما فأنتما طالقتان ثم أعاد ذلك ثلاثا طلقت كل واحدة منهما ثلاثاً)

مسألة: وإن قال ان حلفت فأنت طالق وأعاده مرة أخرى طلقت واحدة، ولأن إعادته حلف وإن أعاده ثلاثا طلقت ثلاثا

لوجود شرطها وهو الحلف فإن كانت إحداهما غير مدخول بها بانت بالمرة الثانية فإذا أعاده بعد ذلك لم تطلق واحدة منهما لأن غير المدخول بها بائن فلم يكن إعادة هذا القول حلفا بطلاقها وهي غير زوجة فلم يوجد الشرط، فإن شرط طلاقهما الحلف بطلاقهما جميعاً فإن جدد نكاح البائن ثم قال لها ان تكملت فأنت طالق فقد قيل يطلقان حينئذ لانه بهذا صار حالفا بطلاقهما وقد حلف بطلاق المدخول بها بإعادة قوله في المرة الثالثة فطلقتا حينئذ، قال شيخنا ويقوى عندي أنه لا يقع الطلاق بهذه التي جدد نكاحها لانها حين إعادته المرة الثالثة بائن فلم تنعقد الصفة بالإضافة إليها كما لو قال لاجنبية ان حلفت بطلاقك فأنت طالق ثم تزوجها وحلف بطلاقها ولكن تطلق المدخول بها حينئذ لأنه قد حلف بطلاقها في المرة الثالثة وحلف بطلاق هذه حينئذ فكمل شرط طلاقها فطلقت وحدها (فصل) فإن كان له امرأتان حفصة وعمرة، فقال ان حلفت بطلاقكما فعمرة طالق ثم أعاده لم تطلق واحدة منهما لأن هذا حلف بطلاق عمرة وحدها فلم يوجد الحلف بطلاقهما، وإن قال بعد ذلك أن حلفت بطلاقكما فحفصة طالق طلقت عمرة لأنه حلف بطلاقهما بعد تعليقه طلاقهما على الحلف بطلاقهما ولم تطلق حفصة لانها ما حلف بطلاقهما بعد تعليقه طلاقهما عليه، فإن قال بعد هذا ان حلفت بطلاقكما فعمرة طالق لم تطلق واحدة منهما لأنه لم يحلف بطلاقهما إنما حلف بطلاق عمرة وحدها فإن قال بعد هذا ان حلفت بطلاقكما فحفصة طالق طلقت حفصة وعلى هذا القياس

(فصل) إذا قال لإحداهما إذا حلفت بطلاقك فضرتك طالق ثم قال للأخرى مثل ذلك طلقت الثانية لأن إعادته للثانية هو حلف بطلاق الأولى وذلك شرط وقوع طلاق الثانية، ثم ان أعادة للأولى طلقت ثم كلما أعاده على هذا الوجه لامرأة طلقت حتى يكمل للثانية ثلاث، ثم إذا أعاده للاولى لم تطلق لأن الثانية قد بانت منه فلم يكن ذلك حلفاً بطلاقها، ولو قال هذا القول لامرأة ثم أعاده لها لم تطلق واحدة منهما لأن ذلك ليس بحلف بطلاقها إنما هو حلف بطلاق ضرتها ولم يعلق على ذلك طلاقا * (مسألة) * (وإن قال لإحداهما إذا حلفت بطلاق ضرتك فأنت طالق ثم قال ذلك للأخرى طلقت الأولى) لأن التعليق حلف وقد علق طلاق ضرتها فتطلق الأولى لوجود شرط طلاقها وهو تعليق طلاق ضرتها فإن أعاده الاولى طلقت الأخرى لذلك، وكلما أعاده لامرأة منها على هذا الوجه طلقت الأخرى وإن كانت إحداهما غير مدخول بها فطلقت مرة بانت ولم تطلق الأخرى بإعادته لها لأنه ليس بحلف بطلاقهما لكونها بائناً * (مسألة) * (وإن قال لمدخول بهما كلما حلفت بطلاق واحدة منكما فأنتما طالقتان وأعاد ثانياً طلقت كل واحدة طلقتين) لأن قوله ذلك حلف بطلاق كل واحدة منهما وحلفه بكل واحدة يقتضي طلاق اثنتين فطلقتا بحلفة بطلاق واحدة طلقة طلقة وبحلفه بطلاق الاخرى طلقة طلقة

مسألة: وإن قال لمدخول بهما كلما حلفت بطلاق واحدة منكما فأنتما طالقتان وأعاد ثانيا طلقت كل واحدة طلقتين

* (مسألة) * (وإن قال كلما حلفت بطلاق واحدة منكما فهي طالق أو فضرتها طالق وأعاده طلقت كل واحدة منهما طلقة) لأن حلفه بطلاق واجازة إنما اقتضى طلاقها وحدها وما حلف بطلاقها إلا مرة فلا تطلق إلا طلقة (فصل) وإن قال لإحداهما إذا حلفت بطلاق ضرتك فهي طالق ثم قال للأخرى مثل ذلك لم تطلق واحدة منهما، ثم إن أعاد ذلك لاحداهما طلقت الأخرى ثم ان أعادة للأخرى طلقت صاحبتها ثم كلما أعاده لامرأة طلقت الأخرى إلا أن تكون إحداهما غير مدخول بها أو لم يبق من طلاقها إلا دون الثلاث فإنها إذا بانت صارت كلأجنبية، فإن قال لإحداهما إذا حلفت بطلاق ضرتك فهي طالق ثم قال للأخرى إذا حلفت بطلاقك فأنت طالق طلقت في الحال، ثم إن قال للأولى مثل ما قال لها أو قال للثانية مثل ما قال لها طلقت الثانية وكذلك الثالثة، ولا يقع بالأولى بهذا طلاق لأن الحلف في الموضعين إنما هو بطلاق الثانية، ولو قال للأولى ان حلفت بطلاقك فأنت طالق ثم قال للأخرى إن حلفت بطلاق ضرتك فهي طالق طلقت الأولى، ثم متى أعاد هذين الشرطنى مرة أخرى طلقت الأولى ثانية وكذلك الثالثة، ولا يقع به لثانية بهذا طلاق، ولو قال لإحداهما إذا حلفت بطلاق ضرتك فأنت طالق ثم قال للأخرى إذا حلفت بطلاق ضرتك فأنت طالق لم تطلق واحدة منهما لانه في الموضعين علق طلاق الثانية على الحف بطلاق الأولى ولم يحلف بطلاقها، ولو أعاد ذلك لهما لم تطلق

مسألة: وإن قال كلما حلفت بطلاق واحدة منكما فهي طالق، أو فضرتها طالق وأعاده طلقت كل واحدة منهما طلقة

واحدة منهما وسواء تقدم القول للثانية على القول للأولى أو تأخر عنه (فصل) فإن كان له ثلاث نسوة فقال ان حلفت بطلاق زينب فعمرة طالق ثم قال إن حلفت بطلاق عمرة فحفصة طالق ثم قال إن حلفت بطلاق حفصة فزينب طالق طلقت عمرة وإن جعل مكان زينب عمرة طلقت حفصة ثم متى أعاده بعد ذلك طلقت منهن واحدة على الوجه الذي ذكرناه وإن قال إن حلفت بطلاق زينب فنسائي طوالق فقد حلف بطلاق زينب بعد تعليقه طلاق نسائه على الحلف بطلاقها فطلقت كل واحدة منهن طلقة ولما قال ان حلفت بطلاق حفصة فنسائي طوالق فقد حلف بطلاق عمرة ولم يقع بحلفة بطلاق زينب شئ لأنه قد حنث به مرة فلا يحنث ثانية ولو كان مكان قوله إن كلما لطلقت كل واحدة منهن ثلاثاً لأن كلما تقتضي التكرار ولو قال كلما حلفت بطلاق واحدة منكن فأنتن طوالق ثم أعاد ذلك مرة ثانية طلقن ثلاثاً ثلاثاً لأنه بإعادته حالف بطلاق كل واحدة منهن وحلفه لطلاق واحدة شرط لطلاقهن جميعاً ولو قال أن حلفت بطلاق واحدة منكن فأنتن طوالق ثم أعاد ذلك طلقت كل واحدة منهن طلقة لأن إن لا تقتضي التكرار، وإن قال بعد ذلك لاحداهن إن قمت فأنت طالق لم تطلق واحدة منهن وإن قال ذلك للاثنتين الباقيتين طلق الجميع طلقة طلقة (فصل) وإن قال لزوجته إن حلفت بعتق عبدي فأنت طالق ثم قال إن حلفت بطلاقك فعبدي

حر طلقت ثم قال لعبده إن حلفت بعتقك فامرأتي طالق عتق العبد ولو قال له أن حلفت بطلاق امرأتي فأنت حر ثم قال لها ان حلف بعتق عبدي فأنت طالق عتق العبد ولو قال لعبده إن حلفت بعتقك فأنت حر ثم أعاده عتق العبد (فصل) في تعليقه بالكلام إذا قال إن كلمتك فأنت طالق فتحقفي ذلك طلقت لأنه كلمها بعد عقد اليمين إلا أن يريد بعد انقضاء كلامي هذا أو نحوه وكذلك ان زجرها فقال تنحي أو اسكتي أو قال إن قمت فأنت طالق طلقت لأنه كلمها بعد اليمين إلا أن ينوي كلاما مبتدأ ويحتمل أن لا يحنث بالكلام المتصل بيمينه لأن اتيانه به يدل على ارادته الكلام المفصل عنها وإن سمعها تذكرة فقال الكاذب عليه لعنة حنث نص عليه أحمد لأنه كلمها * (مسألة) * (وإن قال ان بدأنك بالكلام فأنت طالق فقالت ان بدأتك به فعبدي حر انحلت يمينه لأنها كلمته فلم يكن كلامه لها بعد ذلك ابتداء إلا أن ينوي أنه لا يبدؤها في مرة أخرى وبقيت يمينها معلقة فإن بدأها بكلام انحلت يمينها أيضاً وإن بدأته هي عتق عبدها هكذا ذكره أصحابنا، قال شيخنا: ويحتمل أن يحنث ببدايته إياها بالكلام في وقت آخر لأن الظاهر إرادته ذلك بيمينه * (مسألة) * (وإذا قال ان كلمت فلانا فأنت طالق فكلمته فلم يسمع لنشاغله أو غفلته أو كاتبته أو راسلته أو حنث)

مسألة: وإن قال ان بدأتك بالكلام فأنت طالق

إذا كلمته فلم يسمع لتشاغله أو غفلته حنث لأنها كلمته وكذلك ان كاتبته أو راسلته إلا أن يكون قصد ألا تشافهه، نص عليه أحمد، وذلك لقول الله تعالى (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا) ولأن القصد بالترك لكلامها إياه هجرانا ولا يحصل ذلك مع مواصلته بالرسل والكتب، ويحتمل أن لا يحنث إلا أن ينوي ترك ذلك لأن هذا القسم ليس بتكلم حقيقة ولأنه لو حلف لتكلمنه لم يبرأ بذلك إلا أن ينويه فكذلك لا يحنث به فان أرسلت انسانا يسأل أهل العلم عن مسألة أحدثت فجاء الرسول فسأل المحلوف عليه لم يحنث بذلك * (مسألة) * (وإن أشارت إليه احتمل وجهين) (أحدهما) لا تطلق لأنه لم يوجد الكلام (والثاني) تطلق لأنه يحصل به مقصود الكلام والأول أولى * (مسألة) * (وإن كلمته سكران أو أصم بحيث يعلم أنها تكلمه أو مجنوناً يسمع كلامها حنث) لأن السكران يكلم ويحنث وربما كان تكليمه في حال سكره أضر من تكليمه في صحوه ولأن المجنون يسمع الكلام أيضاً ويحنث وكذلك أن كلمت صبيا يسمع ويعلم أنه مكلم حنث فأما إن جنت هي وكلمته. لم يحنث لأن القلم مرفوع عنها ولم يبق لكلامها حكم وإن كلمته سكرانة حنث لأن حكمها حكم الصاحي وقيل لا يحنث لأنه لا عقل لها * (مسألة) * (وإن كلمته ميتاً أو غائباً أو مغمى عليه أو نائماً لم يحنث) وقال أبو بكر يحنث لقول أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كيف تكلم أجساداً لا أرواح فيها

مسألة: وإن أشارت إليه احتمل وجهين

ولنا أن التكليم فعل يتعدى إلى المكلم وقد قيل إنه مأخوذ من الكلم وهو الجرح لأنه يؤثر فيه كتأثير الجرح ولا يكون ذلك إلا باسماعه فأما تكليم النبي صلى الله عليه وسلم الموتى فمن معجزاته فانه قال " ما أنتم بأسمع لما أقول منهم " ولم يثبت هذا لغيره وقول أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كيف تكلم أجساداً لا أرواح فيها حجة لنا فانهم قالوا ذلك استعبادا وسؤالاً عما خفي عنهم سببه وحكمته حتى كشف لهم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بأمر مختص به فيبقى الأمر فيمن سواه على النفي وإن سلمت عليه حنث لأنه كلام فإن كان أحدهما اماما والآخر مأموما لم يحنث بتسليم الصلاة لأنه للخروج منها إلا أن ينوي بتسليمه المأمومين فيكون حكمه كما لو سلم عليهم في غير الصلاة، ويحتمل أن لا يحنث بحال لأن هذا لا يعد تكليما ولا يريده الحالف (فصل) فإن حلف لا يكلم إنساناً فكلم غيره وهو يسمع يقصد بذلك اسماعه كما لو قال إياك أعني واسمعي باجارة حنث نص عليه أحمد فقال إذا حلف لا يكلم فلانا فكلم انساناً وهو يسمع يريد بكلامه إياه المحلوف عليه حنث لأنه قد أراد تكليمه، وروي عن أبي بكرة ما يدل على أنه لا يحنث فانه حلف أن لا يكلم أخاه زياداً فأراد زياد الحج فجاء أبو بكرة فدخل قصره وأخذ ابنه في حجرة فقال ان أباك يريد الحج والدخول على زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا السبب وقد علم أنه غير صحيح ثم خرج ولم ير أنه كلمه والأول أصح لأنه أسمعه كلامه يريده به فأشبه ما لو خاطبه به ولأن مقصود تكليمه قد حصل باسماعه كلامه

مسألة: وإن كلمته ميتا أو غائبا أو مغمى عليه أو نائما لم يحنث

(فصل) فإن حلف لا يكلم امرأته فجامعها لم يحنث إلا أن تكون نيته هجرانها قال أحمد في رجل قال لامرأته إن كلمتك خمسة أيام فأنت طالق أن له أن يجامعها ولا يكلمها فقال أي شئ كان به؟ وهذا يسوؤها أو يغبطها فإن لم تكن له نية فله أن يجامعها ولا يكلمها وإن حلف لا يقرأ كتاب فلان فقرأه في نفسه ولم يحرك شفتيه حنث لأن هذا قراءة الكتب في عرف الناس فتنصرف يمينه إليه إلا أن ينوي حقيقة القرآن قال أحمد إذا حلف لا قرأت لفلان كتابا ففتحه حتى استقصى آخره إلا أنه لم يحرك شفتيه فإن أراد أن يعلم ما فيه فقد علم ما فيه وقرأه * (مسألة) * (فإن قال لامرأتيه ان كلمتما هذين الرجلين فأنتما طالقتان فكلمت كل واحدة منهما واحداً طلقتا ويحتمل أن لا يحنث حتى تكلما جميعاً كل واحد منهما) هذه المسألة فيما وجهان (أحدهما) يحنث لان تكليمهما وجد منهما فحنث كما لو قال إن حضتما فأنتما طالقتان فحاضت كل واحدة حيضة وكذلك لو قال ان ركبتما دابتيكما فانتما طالقتان فركبت كل واحدة دابتها (والثاني) لا يحنث حتى تكلم كل واحدة منهما الرجلين معاً لأنه علق طلاقهما بكلامهما لهما فلا تطلق واحدة بكلام الاخرى وحدها، وهذا أظهر الوجهين لأصحاب الشافعي وهو أولى انشاء الله إذا لم تكن له نية وهكذا إن قال إن دخلتما هاتين الدارين فالحكم فيها كذلك لأن الأصل بقاء النكاح قال شيخنا فيما لم تجر العادة بانفراد الواحدة به فأما ما جرت العادة بانفراد الواحدة فيه بالواحد كنحو ركبا دابتيهما ولبسا ثوبيهما وتقلدا سيفيهما

مسألة: فإن قال لامرأتيه ان كلمتما هذين الرجلين فأنتما طالقتان فكلمت كل واحدة منهما واحدا طلقتا ويحتمل ان لا يحنث حتى تكلما جميعا كل واحد منهما

واعتقلا رمحيهما ودخلا بزوجتيهما وأشباه هذا فإنه يحنث إذا وجد منهما منفردين وما لم تجر العادة فيه بذلك فهو على الوجهين فأما إن قال ان أكلتما هذين الرغيفين فأكلت كل واحدة منهما رغيفا فإنه يحنث لأنه يستحيل ان تأكل كل واحدة منهما الرغيفين بخلاف الرجلين والدارين * (مسألة) * (فإن قال إن أمرتك فخالفتني فأنت طالق) فنهاها فخالفته لم يحنث إلا أن ينوي مطلق المخالفة اختاره أبو بكر وهو مذهب الشافعي لأنها خالفت أمره لانهيه، وقال أبو الخطاب يحنث إذا لم يكن ممن يعرف حقيقة الأمر والنهي إذا كان كذلك فانما يريد نفي المخالفة، ويحتمل أن تطلق بكل حال لأن الامر بالشئ نهي عن ضده والنهي عنه أمر بضده فقد خالفت أمره وإن قال لها أن نهيتني عن نفع أمي فأنت طالق فقالت له لا تعطها من مالي شيئاً لم يحنث لأن اعطاءها من مالها لا يجوز ولا يجوز النفع به فيكون هذا النفع محرما فلا تتناوله يمينه ويحتمل أن يحنث لأنه نفع ولفظه عام فيدخل المحرم فيه. (فصل) إذا قال أنت طالق إن كلمت زيداً ومحمد مع خالد لم تطلق حتى تلكم زيداً في حال كون محمد فيها مع خالد، وذكر القاضي أنه يحنث بكلام زيد فقط لأن قوله ومحمد مع خالد استئناف كلام بدليل أنه مرفوع والصحيح الأول لأنه متى أمكن جعل الكلام متصلا كان أولى من فصله والرفع لا ينفي كونه حالاً فإن الجملة من المبتدأ والخبر تكون حالا كقوله (اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون)

مسألة: فإن قال إن أمرتك فخالفتني فأنت طالق

وقوله (إلا استمعوه وهم يلعبون) وهذا كثير فلا يجوز قطعه عن الكلام الذي هو في سياقه مع امكان وصله به ولو قال أن كلمت زيداً ومحمد مع خالد لم تطلق حتى تكلم زيداً في حال كون محمد مع خالد فكذلك إذا تأخر قوله محمد مع خالد ولو قال أنت طالق إن كلمت زيداً وأنا غائب لم تطلق حتى تكلمه في حال غيبته وكذلك لو قال أنت طالق إن كلمت زيداً وأنت راكبة أو هو راكب أو ومحمد راكب لم تطلق حتى تكلمه في تلك الحال ولو قال أنت طالق إن كلمت زيداً ومحمد أخوه مريض لم تطلق حتى تكلمه وأخوه محمد مريض (فصل) وإن قال ان كلمتني إلى أن يقدم زيد أو حتى يقدم زيد فأنت طالق فكلمته قبل قدومه حنث لأنه مد المنع إلى غاية هي قدوم زيد فلا يحنث بعدها فإن قال أردت ان استدمت كلامي من الآن إلى أن يقدم زيد دين وهل يقبل في الحكم؟ يحتمل وجهين (فصل في تعليقه بالاذن) * (مسألة) * (إذا قال إن خرجت بغير اذني أو الا باذني أو حتى آذن لك فأنت طالق ثم أذن لها فخرجت ثم خرجت بغير إذنه طلقت لخروجها بغير إذنه وعنه لا تطلق حتى ينوي الاذن في كل مرة) لأن إن لا تقتضي التكرار فتتناول الخروج في المرة الأولى * (مسألة) * (وإن أذن لها من حيث لا تعلم فخرجت طلقت)

فصل في تعليقه بالاذن

لانها إذ لم تعلم فليس بإذن لأن الاذن هو الاعلام ولم يعلمها، ويحتمل أن لا تطلق لأنه يقال اذن لها ولم تعلم. * (مسألة) * (وإن قال إن خرجت إلى غير الحمام بغير اذني فانت طالق فخرجت إلى غير الحمام طلقت سواء عدلت إلى الحمام أو لم تعدل وإن خرجت تريد الحمام وغيره ففيه وجهان (أحدهما) يحنت لأنها خرجت إلى غير الحمام وانضم إليه غيره فحنث بما حلف عليه كما لو حلف لا يكلم زيدا وعمرا (والثاني) لا يحنث لأنها ما خرجت إلى غير الحمام بل الخروج مشترك * (مسألة) * (وإن خرجت تريد الحمام ثم عدلت إلى غيره) فقياس المذهب أنه يحنث لأن ظاهر هذه اليمين المنع من غير الحمام فكيفما صارت إليه حنث كما لو خالفت لفظه، ويحتمل أن لا يحنث وهو قول الشافعي لأنها لم تفعل ما حلف عليه وتناوله لفظه ونقل الفضل بن زياد عن أحمد أنه سئل إذا حلف بالطلاق أنه لا يخرج من بغداد الا لنزهة فخرج إلى النزهة ثم مر إلى مكة فقال النزهة لا تكون إلى مكة فظاهر هذا أنه أحنثه ووجهه ما ذكرنا وقال في رجل حلف بالطلاق أن لا يأتي ارمينية إلا بإذن امرأته فقالت امرأته اذهب حيث شئت فقال لا حتى تقول إلى أرمينية والصحيح أنه متى أذنت له اذنا عاما ما لم يحنث. قال القاضي: وهذا من كلام أحمد محمول

مسألة: وإن قال إن خرجت إلى غير الحمام بغير اذني فانت طالق فخرجت إلى غير الحمام طلقت سواء عدلت إلى الحمام أو لم تعدل

على أن هذا خرج مخرج العضب والكراهة ولو قالت هذا بطيب قبلها كان إذنا منها وله الخروج وإن كان بلفظ عام. * (مسألة) * (وإن حلف لعامل أن لا يخرج إلا بإذنه فعزل فهل تنحل يمينه؟ على وجهين) وهذا مبني على ما إذا خلف يميناً عامة لسبب خاص هل تختص يمينه بسبب اليمين؟ على وجهين (أحدهما) أنها تختص به لأن الظاهر أنه أراده فاختصت يمينه به كما لو نواه، فعلى هذا تنحل يمينه لأنه إنما حلف عليه لكونه عاملا له، وهذا قول أصحاب أبي حنيفة، وروى عن أحمد ما يدل على أن يمينه تحمل على العموم فقال فيمن قال لله على أن لا أصيد في هذا النهر لظلم رآه فتغير حاله فقال النذر يوفى به وذلك لأن اللفظ دليل الحكم فيجب اعتباره في الخصوص والعموم كما في لفظ الشارع ووجه الأول أن السبب الخاص يدل على قصد الخصوص ويقوم مقام النية عند عمومها لدلالته عليها فوجب أن يختص به اللفظ العام كالنية، وفارق لفظ الشارع فإنه يريد بيان الأحكام ولا يختص بمحل السبب لكون الحاجة داعية إلى معرفة الحكم في غير محل السبب، فعلى هذا لو قامت امرأته لتخرج فقال ان خرجت فانت طالق فرجعت ثم خرجت بعد ذلك أو دعاه انسان إلى غدائه فقال امرأتي طالق ان تغديت ثم رجع فتغدى في منزله لم يحنث على الأول ويحنث على الثاني وإن حلف

مسألة: وإن حلف لعامل أن لا يخرج إلا بإذنه فعزل فهل تنحل يمينه؟ على وجهين

لعامل أن لا يخرج إلا بإذنه أو حلف بذلك على امرأته أو مملوكه فعزل العامل أو طلق المرأة أو باع المملوك أو حلف على وكيل فعزله خرج في ذلك كله وجهان (فصل في تعليقه بالمشيئة) إذا قال أنت طالق إن شئت أو إذا شئت أو متى شئت أو كلما شئت أو كيف شئت أو حيث شئت أو أنى شئت لم تطلق حتى تقول قد شئت لأن ما في القلب لا يعلم حتى يعبر عنه اللسان فيعلق الحكم بما ينطق به دون ما في القلب فلو شاءت بقلبها دون نطقها لم يقع به طلاق ولو قالت قد شئت بلسانها وهي كارهة وقع الطلاق اعتباراً بالنطق وكذلك ان علق الطلاق بمشيئة غيرها * (مسالة) * (ومتى وجدت المشيئة باللسان وقع الطلاق سواء كان على الفور أو التراخي) نص عليه أحمد في تعليق الطلاق بمشيئة فلان وفيما إذا قال أنت طالق حيث شئت أو أين شئت ونحو هذا قال الزهري وقتادة، وقال أبو حنيفة دون صاحبيه إذا قال أنت طالق كيف شئت تطلق في الحال طلقة رجعية لأن هذا ليس بشرط انما هو صفة للطلاق الواقع بمشيئتها ولنا أنه أضاف الطلاق إلى مشيئتها فأشبه ما لو قال حيث شئت وقال الشافعي في جميع الحروف ان شئت في الحال وإلا فلا تطلق لأن هذا تمليك للطلاق فكان على الفور كقوله اخاري

فصل في تعليقه بالمشيئة

وقال أصحاب الرأي في ان كقوله وفي سائر الحروف كقولنا لأن هذه الحروف صريحة في التراخي فحملت على مقتضاها بخلاف ان فإنها لا تقتضي زمانا وإنما هي لمجرد الشرط فتقيده بالفور يقتضيه وقال الحسن وعطاء في قوله أنت طالق إن شئت انما ذلك ماداما في المجلس ولنا أنه تعليق للطلاق على شرط فكان على التراخي كالعتق وفارق اختاري فإنه ليس بشرط انما هو تخيبر فتقيد بالمجلس كخيار المجلس ويحتمل ان يفف على المجلس كالاختيار لأنه تمليك للطلاق فكان على الفور كقوله اختاري، والصحيح الأول وقد ذكرنا الفرق بين الأصل والفرع فإن قيد المشيئة بوقت ففال أنت طالق إن شئت اليوم تقيد به فإن خرج اليوم قبل مشيئتها لم تطلق وإن علقه على مشيئة اثنين لم يقع حتى توجد مشيئتهما، وخرج القاضي وجها أنه يقع بمشيئة أحدهما كما يحنث بفعل بعض المحلوف عليه وقد بينا فساد هذا * (مسألة) * (وإن قال أنت طالق إن شئت فقالت قد شئت ان شئت فقال قد شئت لم تطلق) لأنها لم تشأ فإن المشيئة أمر حقيقي لا يصح تعليقها على شرط وكذلك ان قالت قد شئت إن طلعت الشمس نص أحمد على هذا وهو قول سائر أهل العلم منهم الشافعي واسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي قال إبن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على ان الرجل إذا قال لزوجته أنت طالق إن شئت فقالت قد شئت ان شاء فلان انها قد ردت الأمر ولا يلزمها الطلاق وإن شاء فلان وذلك لأنه لم يوجد منها مشيئة انما وجد منها تعليق مشيئتها بشرط وليس تعليق الشميئة بشرط مشيئة، وإن علق الطلاق

مسألة: وإن قال أنت طالق ان شئت فقالت قد شئت ان شئت فقال قد شئت لم تطلق

على مشيئة اثنين فشاء أحدهما على الفور والآخر على التراخي وقع الطلاق لأن المشيئة قد وجدت منهما جميعاً * (مسألة) * (وإن قال أنت طالق إن شئت وشاء أبوك لم تطلق حتى يشاءا) لأن الصفة مشيئتهما ولا تطلق بمشيئة أحدهما لعدم وجود الشرط * (مسألة) * (وإن قال أنت طالق إن شاء زيد فمات أو جن أو خرس قبل المشيئة لم تطلق) لأن شرط الطلاق لم يوجد وحكي عن أبي بكر أنه يقع ولأنه علقه على شرط فوقع في الحال كما لو قال أنت طالق إن شاء الله وليس بصحيح لأن الطلاق المعلق علي شرط لا يقع إذا تعذر شرطه كالمعلق على دخول الدار، وإن شاء وهو مجنون لم يقع طلاقه لأنه لا حكم لكلامه وإن شاء وهو منكران فالصحيح أنه لا يقع لأنه زائل العقل أشبه المجنون، وقال أصحابنا يخرج على الروايتين في طلاقه، والفرق بينهما أن إيقاع طلاقه تغليظ عليه كيلا تكون المعصية سببا للتخفيف عنه وههنا انما يقع الطلاق بغير فلا يصح منه في حال زوال عقله، وإن شاء وهو صبي طفل لم يقع كالمجنون وإن كان يعقل الطلاق وقع لأن له مشيئة ولذك صح إختياره لأحد أبويه وإن كان أخرس فشاء بالاشارة وقع الطلاق لأن إشارته تقوم مقام نطق الناطق ولذلك وقع طلاقه بها وإن كان ناطقا حال التعليق فخرس ففيه وجهان (أحدهما) يقع الطلاق بها لأن طلاقه في نفسه يقع بها فكذلك طلاق من علقه بمشيئته (والثاني)

مسألة: وإن قال أنت طالق إن شئت وشاء أبوك لم تطلق حتى يشاءا

لا يقع بها لانه حال التعليق كان لا يقع إلا بالنطق فلم يقع بغيره كما لو قال في التعليق ان نطق فلان بمشيئته فهي طالق * (مسألة) * (وإن قال أنت طالق الا ان يشا زيد فمات أو جن أو خرس طلقت في الحال) لأنه أوقع الطلاق وعلق عقبه بشرط ولم يوجد وأما إذا خرس فشاء بالاشارة خرج فيه الوجهان اللذان ذكرناهما بناء على وقوع الطلاق بإشارته إذا علقت على مشيئته * (مسألة) * (وإن قال أنت طالق واحدة إلا أن يشاء زيد ثلاثا فشاء ثلاثا فقال أبو بكر تطلق ثلاثا في أحد الوجهين) لأن السابق إلى الفهم من هذا الكلام إيقاع الثلاث إذا شاءها زيد كما لو قال له علي درهم إلا أن تقيم بينة بثلاثة وخذ درهما إلا أن تريد أكثر منه ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم " البيعان بالخيار ما لم يتفرقا إلا بيع الخيار " أي أن بيع الخيار يثبت الخيار فيه بعد تفرقهما والثاني لا تطلق وقال أصحاب الشافعي وأبي حنيفة لا تطلق إذا شاء ثلاثاً لأن الاستثناء من الاثبات نفي فتقديره أنت طالق واحدة إلا أن يشاء زيد ثلاثا فلا تطلقي ولأنه لو لم يقل ثلاثا لما طلقت بمشيئه ثلاثاً فكذلك إذا قال ثلاثاً لأنه انما ذكر الثلاث صفة لمشيئة زيد الرافعة لطلاق الواحدة فيصير كما لو قال أنت طالق إلا أن يكرر زيد مشيئته ثلاثاً فأما إن لم يشأ زيد أو شاء أقل من ثلاث طلقت واحدة

مسألة: وإن قال أنت طالق إلا أن يشاء زيد فمات أو جن أو خرس طلقت في الحال

* (مسألة) * (وإن قال أنت طالق إن شاء الله طلقت وإن قال لأمته أنت حرة إن شاء الله عتقت وحكي عنه أنه يقع العتق دون الطلاق) نص أحمد رحمه الله على وقوع الطلاق والعتق في رواية جماعة وقال ليس هما من الايمان وبهذا قال سعيد بن المسيب والحسن ومكحول وقتادة والزهري ومالك والليث والاوزاعي وأبو عبيد وعن أحمد ما يدل على أن الطلاق لا يقع ولا العتاق وهو قول طاوس والحكم وابي حنيفة والشافعي لأنه علقه على مشيئة لم يعلم وجودها فلم يقع كما لو علقها على مشيئة زيد ولقول النبي صلى الله عليه وسلم " من حلف فقال إن شاء الله لم يحنث " رواه الترمذي وقال حديث حسن ولنا ما روى أبو حمزة قال سمعت ابن عباس يقول إذا قال الرجل لامرأته أنت طالق إن شاء الله فهي طالق رواه أبو حفص بإسناده عن أبي بردة نحوه وروى ابن عمر وأبو سعيد قال كنا معاشر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نرى الاستثناء جائزاً في كل شئ إلا في الطلاق والعتاق ذكره أبو الخطاب وهذا نقل للإجماع فإن قدرته أنه قول بعضهم فقد انتشر ولم يعرف له مخالف فهو اجماع ولأنه استثناء يرفع جملة الطلاق فلم يصح كقوله أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا ولأنه انشاء حكم في محل فلم يرتفع بالمشيئة كالبيع والنكاح أو نقول إزالة ملك فلم يصح تعليقه على مشيئة الله كما لو قال ابرأتك

مسالة: وإن قال أنت طالق إن شاء الله طلقت وإن قال لأمته أنت حرة إن شاء الله عتقت وحكي عنه أنه يقع العتق دون الطلاق

إن شاء الله أو تعليق على ما لا سبيل إلى علمه فأشبه تعليقه على المستحيلات، والحديث لا حجة لهم فيه فإن الطلاق انشاء وليس بيمين حقيقة وإن سمي بذلك فمجاز لا تترك الحقيقة من أجله، ثم ان الطلاق انما سمي يميناً إذا كان معلقا على شرط يمكن فعله وتركه ومجرد قوله أنت طالق ليس بيمين حقيقة ولا مجازا فلم يكن الاستثناء بعد يمين، وقولهم علقه على مشيئة لا نعلم قلنا قد علمت مشيئة الله للطلاق بمباشرة الآدمي سببه قال قتادة قد شاء الله حين أذن أن تطلق ولو سلمنا انها لم تعلم لكن قد علقه على شرط يستحيل علمه فيكون كتعليقه على المستحيلات يلغو ويقع الطلاق في الحال، وحكي عن أحمد أنه يقع العتق دون الطلاق وعلله أحمد رحمه الله بأن العتق لله سبحانه والطلاق ليس هو لله ولا فيه قربة إليه ولأنه لو قال لأمته كل ولد تلدينه فهو حر فهذا تعليق للحرية على الملك وهو صحيح ولأن من نذر العتق لزمه الوفاء به ومن نذر الطلاق لا يلزمه الوفاء به فكما افترقا في النذر جاز أن يفترقا في اليمين * (مسألة) * (وإن قال أنت طالق إلا أن يشاء الله طلقت) ووافق أصحاب الشافعي على هذا في الصحيح من المذهب لأنه أوقع الطلاق وعلق رفعه بمشيئة لم تعلم * (مسألة) * (وإن قال إن لم يشأ الله أو ما لم يشأ الله فعلى وجهين) (أحدهما) يقع في الحال لأن وقوع طلاقها إذا لم يشأ الله محال فلغت هذه الصفة ووقع الطلاق (والثاني) لا يقع بناء على تعليق الطلاق على المحال مثل قوله انت طلق ان جمعت بيبن الضدين أو شربت الماء الذي في الكوز ولا ماء فيه

مسألة: وإن قال أنت طالق إلا أن يشاء الله طلقت

(فصل) وإن قال أنت طالق لتدخلن الدار إن شاء الله لم تطلق دخلت أو لم تدخل لأنها إن دخلت فقد فعلت المحلوف عليه وإن لم تدخل علمنا إن الله لم يشأه لأنه لو شاءه لوجد فإن ما شاء الله كان وكذلك إن قال أنت طالق لا تدخلي الدار إن شاء الله لما ذكرنا وإن أراد بالاستثناء والشرط رده إلى الطلاق دون الدخول خرج فيه من الخلاف ما ذكرنا في المنجز وإن لم تعلم نيته فالظاهر رجوعه إلى الدخول ويحتمل أن يرجع إلى الطلاق * (مسألة) * (وإن قال إن دخلت الدار فأنت طالق إن شاء الله فدخلت فهل تطلق؟ على روايتين) (إحدهما) يقع الطلاق بدخول الدار ولا ينفعه الاستثناء لأن الطلاق والعتاق ليسا من الايمان ولما ذكرناه فيما إذا قال أنت طالق إن شاء الله (والثانية) لا تطلق وهو قول أبي عبيد إذا علق الطلاق بشرط صار يمينا وحلفا فصح الاستثناء فيه لعموم قوله عليه السلام " من حلف على يمين فقال إن شاء الله لم يحنث " وفارق إذا لم يعلقه فإنه ليس بيمين فلا يدخل في العموم * (مسألة) * (وان إن قال أنت طالق لرضى زيد أو مشيئته طلقت في الحال) لأن معناه أنت طالق لكونه قد شاء ذلك أو رضيه كقوله هو حر لوجه الله أو لرضى الله فإن قال أردت به الشرط دين قال القاضي ويقبل في الحكم لأنه محتمل فإن ذلك يستعمل للشرط كقوله أنت طالق للسنة وهذا أظهر الوجهين لأصحاب الشافعي والوجه الثاني لا يقبل لأنه خلاف الظاهر

مسألة: وإن قال إن دخلت الدار فأنت طالق إن شاء الله فدخلت فهل تطلق؟ على روايتين

(فصل) فإن قال أنت طالق إن أحببت أو أردت أو كرهت أحتمل ان يتعلق الطلاق بقولها بلسانها قد أحببت أو أردت أو كرهت لأن هذه المعاني في القلب لا يمكن الاطلاع عليها إلا من قبلها فيعلق الحكم بقولها كالمشيئة ويحتمل أن يتعلق الحكم بما في القلب من ذلك ويكون اللسان دليلا عليه فعلى هذا لو أقر الزوج بوجوده وقع طلاقه وإن لم تتلفظ به ولو قالت أنا أحب ذلك ثم قالت كنت كاذبة لم تطلق * (مسألة) * (وإن قال إن كنت تحبين أن يعذبك الله في النار فأنت طالق أو قال إن كنت تحبينه بقلبك فقالت أنا أحبه) فقد توقف أحمد رحمه الله عنها وسئل فلم يجب فيها بشئ وفيها احتمالان (أحدهما) لا تطلق وهو قول أبي ثور لأن المحبة في القلب ولا يوجد من أحد محبة ذلك وخبرها بحبها له كذب معلوم فلم يصح دليلا على ما في قلبها (والاحتمال الثاني) تطلق قاله القاضي وهو قول أصحاب الرأي لأن ما في القلب لا يوقف عليه إلا من لفظها فاقتضى تعليق الحكم بلفظها به كاذبة كانت أو صادقة كالمشيئة ولا فرق بين قوله إن كنت تحبين ذلك وبين قوله إن كنت تحبينه بقلبك لأن المحبة لا تكون إلا بالقلب. قال شيخنا والأولى أنها لا تطلق إن كانت كاذبة، وهذا الاحتمال الأول والله أعلم

مسألة: وإن قال إن كنت تحبين أن يعذبك الله في النار فأنت طالق، أو قال إن كنت تحبينه بقلبك فقالت أنا أحبه

(فصل في مسائل متفرقة) إذا قال أنت طالق إذا رأيت الهلال طلقت إذا رئي في أول الشهر. وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا تطلق حتى تراه لأنه علق الطلاق على رؤية نفسه أشبه تعليقه على رؤية زيد ولنا أن الرؤية في عرف الشرع العلم به في أول الشهر بدليل قوله عليه الصلاة والسلام " إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا " والمراد به رؤية البعض وحصول العلم فانصرف لفظ الحالف إلى عرف الشرع كما إذا قال إذا صليت فأنت طالق فإنه ينصرف إلى الطلاة الشرعية لا إلى الدعاء وفارق رؤية زيد فانه لم يثبت له عرف شرعي يخالف الحقيقة وكذلك لو لم يره أحد لكن ثبت الشهر بتمام العدد لأنه قد علم طلوعه إلا أن ينوي حقيقة رؤيتها فلا تطلق حتى تراه ويقبل قوله في ذلك لأنها رؤية حقيقة وتتعلق الرؤية برؤيته بعد الغروب فإن رأت قبل ذلك لم تطلق لأن هلال الشهر ما كان في أوله ولأنا جعلنا رؤية الهلال عبارة عن دخول الشهر، ويحتمل أن تطلق برؤيته قبل الغروب لأنه يسمى رؤية والحكم متعلق به في الشهر فإن قال أردت إذا رأيته أنا بعيني فلم يره حتى أقمر لم تطلق لأنه ليس بهلال، واختلف فيما يصير به قمراً فقيل بعد ثالثة وقيل إذا استدار وقيل إذا بهر ضوؤه (فصل) قال أحمد إذا قال لها أنت طالق ليلة القدر يعتزلها إذا دخل العشر وقبل الشعر أهل

فصل في مسائل متفرقة

المدينة يرونها في السبع عشرة إلا أن الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الشعرة الأواخر إنما أمره باجتنابها في العشر لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالتماس ليلة القدر في العشر الأواخر فيحتمل أن تكون أول ليلة منه ويمكن أو يكون هذا منه على سبيل الاحتياط ولا يتحقق حنثه إلى آخر ليلة من الشهر لاحتمال أن تكون هي تلك الليلة * (مسألة) * (وإن قال من بشرتني بقدوم أخي فهي طالق فأخبرته امرأتاه طلقت الأولى منهما إلا أن تكون الثانية هي الصادقة وحدها فتطلق وحدها) إنما طلقت الأولى وحدها لأن التبشير خبر صدق تغير به بشرة الوجه من سرور أو غم وقد حصل بخبر الأولى واشترطنا صدقها لانه متى علم أنه كذب زال السرور فإن كانت الثانية هي الصادقة طلقت وحدها لأن السرور إنما حصل بخبرها هذا إذا أخبرته إحداهما بعد الأخرى، وإن بشره بذلك اثنتان أو ثلاث أو أربع دفعة واحدة طلقن كلهن لأن من تقع على الواحد فما زاد قال الله تعالى (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) وقال (ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين) * (مسألة) * (وإن قال من أخبرتني بقدومه فهي طالق) فكذلك عند القاضي تطلق المخبرة الأولى إن كانت صادقة وإن كانت كاذبة احتمل أن لا تطلق

مسالة: وإن قال من بشرتني بقدوم أخي فهي طالق فأخبرته امرأتاه طلق الأولى منهما إلا أن تكون الثانية هي الصادقة وحدها فتطلق وحدها

وهو ظاهر كلام القاضي لأن الظاهر من حاله أنه أراد من أعلمتني ولا يحصل إلا بالصدق ولذلك لو قال من بشرتني بقدومه فهي طالق لم تطلق الكاذبة وان كان السرور يحصل إذا جهل كذبها وإن أخبرته أخرى طلقت في قول أبي الخطاب لأنها مخبرة، ولم تطلق عند القاضي الثانية ولا الكاذبة كالبشارة سواء. (فصل) إذا قال أول من يقوم منكن فهي طالق أو قال لعبيده أول من قام منكم فهو حر فقام الكل دفعة واحدة لم يقع طلاق ولا عتق لأنه لا أول فيهم وإن قام واحد أو واحدة ولم يقم بعد أحد احتمل وجهين (أحدهما) يقع الطلاق أو العتق لأن الأول ما كان بعده شئ ولم يوجد. فعلى هذا لا يحكم بوقوع ذلك ولا انتفائه حتى ييأس من قيام أحد منهم بعده فتنحل بيمينه، وإن قام اثنان أو ثلاثة دفعة واحدة وقام بعدهم آخر وقع الطلاق والعتق بمن قام في الأول بوقوعه على القليل والكثير قال الله تعالى (ولا تكونوا أول كافر به) وحكي عن القاضي فيمن قال أول من يدخل من عبيدي فهو حر فدخل اثنتان دفعة واحدة ثم دخل بعدهم آخر: لم يعتق واحد منهم وهذا بعيد فإنه قد دخل بعضهم بعد بعض ولا أول فيهم وهذا لا يستقيم إلا أن يكون قال أول من يدخل منكم وحده ولم يدخل بعد الثالث أحد فإنه لو دخل بعد الثالث أحد عتق لكونه أول من دخل وحده وإذا لم يقل وجده فإن لفظة الأول تتناول الجماعة كما ذكرنا، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " أول من يدخله الجنة

مسألة: وإن قال من أخبرتني بقدومه فهي طالق

فقراء المهاجرين " ولو قال آخر من يدخل منكن الدار فهي طالق فدخل بعضهن لم يحكم بطلاق واحدة منهن حتى ييئس من دخول غيرها بموته أو موتهن أو غير ذلك فيتبين وقوع الطلاق بآخرهن دخولاً من حين دخلت وكذلك الحكم في العتق (فصل) إذا قال إن دخل داري أحد فامرأتي طالق فدخلها هو أو قال لإنسان إن دخل دارك أحد فعبدي حر فدخلها صاحبها فقال القاضي لا يحنث لا قرينة حال المتكلم تدل على أنه إنما حلف على غيره ويمنع من سواه فيخرج هو من العموم بالقرينة ويخرج المخاطب من اليمين أيضا ويحتمل الحنث أخذاً بعموم اللفظ وإعراضاً عن السبب * (مسألة) * (وإن حلف لا يفعل شيئاً ففعله ناسياً حنث في الطلاق والعتاق ولم يحنث في اليمين المكفرة في ظاهر المذهب) نقل ذلك عن أحمد جماعة واختاره الخلال وصاحبه وهو قول أبي عبيد وعن أحمد رواية أخرى أنه لا يحنث في الطلاق والعتاق أيضاً وهو قول عطاء وعمرو بن دينار وابن ابي نجيح وإسحاق وابن المنذر وهو ظاهر مذهب الشافعي لقول الله تعالى (وليس عليكم جناع فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم) وقال النبي صلى الله عليه وسلم " إن الله تجاوز لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " ولأنه غير قاصد للمخالفة فلم يحنث كالنائم والمجنون ولأنه أحد طرفي اليمين فاعتبر فيه القصد كحالة الابتداء بها

مسألة: وإن حلف لا يفعل شيئا ففعله ناسيا حنث في الطلاق والعتاق ولم يحنث في اليمين المكفرة في ظاهر المذهب

وعن أحمد رواية ثالثة أنه يحنث في الجميع وتلزمه الكفارة في اليمين المكفرة وهو قول سعيد بن جبير ومجاهد والزهري وقتادة وربيعة ومالك (والقول الثاني) للشافعي لأنه فعل ما حلف عليه قاصداً لفعله فلزمه الحنث كالذاكر وكما لو كانت اليمين بالطلاق والعتاق ووجه الأولى أن الكفارة إنما تجب لرفع الإثم ولا إثم على الناسي ولما ذكرنا من الآية والخبر وأما الطلاق والعتاق فهو معلق بشرط فيقع بوجود شرطه من غير قصد كما لو قال أنت طالق إن طلعت الشمس أو قدم الحاج ولأن هذا يتعلق به حق آدمي فيعلق الحكم به مع النسيان كالإتلاف * (مسألة) * (وإن حلف لا يدخل على إنسان بيتاً أو لا يكلمه أو لا يسلم عليه أو لا يفارقه حتى يقضيه حقه فدخل بيتاً هو فيه ولم يعلم أو سلم على قوم هو فيهم ولم يعلم أو قضاه حقه ففارقه فخرج رديئاً أو أحاله به ففارقه ظنا منه أنه قد برئ خرج على الروايتين في الناسي والجاهل فإن في الناسي روايتين والجاهل مقيس عليه) لأنه غير قاصد للمخالفة وقد سبق دليل ذلك، وكذلك إن حلف لا يكلم فلانا فسلم عليه يحسبه أجنبياً أو حلف لا يبيع لزيد ثوبا فوكل زيد من يدفعه إلى من يبيعه فدفعه إلى الحالف فباعه من غير علمه فهو كالناسي لأنه غير قاصد للمخالة أشبه الناسي * (مسألة) * (وإن حلف لا يفعل شيئاً ففعل بعضه لم يحنث وعنه يحنث إلا أن ينوي جميعه)

مسألة: وإن حلف لا يدخل على إنسان بيتا أو لا يكلمه أو لا يسلم عليه أو لا يفارقه حتى يقضيه حقه فدخل بيتا هو فيه ولم يعلم، أو سلم على قوم هو فيهم ولم يعلم أو قضاه حقه ففارقه فخرج رديئا أو أحاله به ففارقه ظنا منه أنه قد برئ خرج على الروايتين في الن

هذه الرواية ظاهر المذهب نص أحمد على ذلك في رواية حنبل وصالح فيمن حلف على امرأته لا تدخل بيت أختها لم تطلق حتى تدخل كلها الا ترى أن عوف بن مالك قال كلي أو بعضي لأن الكل لا يكون بعضا والبعض لا يكون كلاً وهذا اختيار أبي الخطاب ومذهب أبي حنيفة والشافعي لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج رأسه وهو معتكف الى عائشة فترجله وهي حائض والمعتكف ممنوع من الخروج من المسجد والحائض ممنوعة من اللبث فيه وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لأبي بن كعب " إني لا أخرج من المسجد حتى أعلمك سورة " فلما أخرج رجله من المسجد علمه إياها ولأن يمينه تعلقت بالجميع فلم تنحل بالبعض كالإثبات وعنه أنه يحنث إلا أن ينوي جميعه حكي ذلك عن مالك وهو اختيار الخرقي لأن اليمين تقتضي المنع من تخلف فعل المخلوف عليه فاقتضت المنع من فعل شئ منه كالنهي ونظير الحلف على ترك الشئ قوله سبحانه (لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم) وقوله (لا تدخلوا بيوت النبي) لا يكون النهي ممتثلا الا بترك الدخول كله فمتى أدخل بعضه لم يكن تاركاً لما حلف عليه فكان مخالفاً كالنهي عن الدخول والخلاف إنما هو في اليمين المطلقة فأما إن نوى الجميع أو البعض فيمينه على ما نوى وكذلك إن اقترنت به قرينة تقتضي أحد الأمرين تعلقت يمينه به كمن حلف لا شربت هذا النهر أو هذه البركة تعلقت يمينه ببعضه وجهاً واحدا وفيه خلاف نذكره في موضعه بعد

مسألة: وإن حلف لا يفعل شيئا ففعل بعضه لم يحنث وعنه يحنث إلا أن ينوي جميعه

* (مسألة) * (وإن حلف ليفعلن شيئاً أو ليدخل الدار، لم يبرأ إلا بفعل جميعه، والدخول إلى الدار بجملته) . لا يختلف المذهب في ذلك ولا نعلم بين أهل العلم فيه اختلافاً لأن اليمين تناولت فعل الجميع فلم يبرأ إلا بفعله كما لو أمره الله تعالى بفعل شئ لم يخرج من عهده الأمر إلا بفعل الجميع لأن اليمين على فعل شئ اخبار بفعله في المستقبل مؤكد بالقسم والخبر بفعل شئ يقتضي فعله كله * (مسألة) * (وإن حلف لا يدخل داراً فأدخلها بعض جسده أو دخل طاق الباب أولا يلبس ثوبا من غزلها فلبس ثوباً فيه منه أو لا يشرب ماء هذا الكوز فشرب بعضه خرج على الروايتين فيمن فعل بعض المحلوف عليه، وقد ذكرناه قبل هذه المسألة * (مسألة) * (وإن حلف لا يشرب ماء هذا النهر فشرب منه حنث وجها واحداً) لأن فعل الجميع ممتنع فلا تنصرف يمينه إليه وكذلك إن قال والله لا آكل الخبز ولا أشرب الماء وما أشبهه مما علق على اسم جنس أو علقه على اسم جمع كالمسلمين والمشركين والفقراء والمساكين فإنه يحنث بالبعض، وبهذا قال أبو حنيفة وسلمة وأصحاب الشافعي في أسم الجنس دون الجمع وموا؟ علقه على اسم جنس مضاف كقوله والله لا شربت ماء هذا النهر، أو قال والله لا شربت الماء وهو قول

مسألة: وإن حلف ليفعلن شيئا أو ليدخلن الدار، لم يبرأ إلا بفعل جميعه، والدخول إلى الدار بجملته

أبي حنيفة وأحد الوجهين لأصحاب الشافعي والوجه الآخر لا يحنث لأن لفظه يقتضي جميعه فلم يحنث بفعل بعضه كالادواة ولنا أنه لا يمكن شرب جميعه فتعلقت يمينه ببعضه كما لو حلف لا يكلم الناس فكلم بعضهم وبهذا فارق ماء الادواة فإن نوى بيمينه فعل الجميع وكان في لفظه ما يتقضي ذلك لم يحنث إلا بفعل الجميع بلا خلاف فلو قال لا صمت يوماً أو لا صليت صلاة أو لا أكلت رغيفاً أو قال لزوجته إن حضت حيضة فهذا وشبهه مما يدل على ارادة الجميع فوجب تعلق اليمين به (فصل) إذا حلف لا شربت من ماء الفرات فشرب من مائه حنث سواء كرع فيه أو اغترف منه ثم شربه وبه قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد، وقال أبو حنيفة لا يحنث حتى يكرع فيه لأن حقيقة ذلك الركع فلم يحنث بغيره كما لو حلف لا يشرب من هذا الانا فصب منه في غيره وشرب ولنا أن معنى يمينه إن لا يشرب من ماء الفرات لأن الشرب يكون من مائها لا منها في العرف فحملت اليمين عليه كما لو حلف لا شربت من هذا البئر ولا أكلت من هذه الشجرة ولا شربت من هذه الشاة، ويفارق الكوز فإن الشرب في العرف منه لأنه آلة للشرب بخلاف النهر، وما ذكروه يبطل بالبئر والشاة والشجرة وقد سلموا أنه لو استسقى من البئر أو حلف لبن الشاء أو التقط من الشجرة فشرب وأكل أنه يحنث فكذا في مسئلتنا (فصل) وإن حلف لا يشرب من ماء الفرات فشرب من نهر يأخذ منه حنث لأنه من ماء الفرات وإن حلف لا يشرب من الفرات فشرب من نهر يأخذ منه ففيه وجهان [أحدهما] يحنث لأن معنى الشرب منه الشرب من مائه فحنث كما لو حلف لا شربت من مائه وهذا أحد الاحتمالين لاصحاب الشافعي (والثاني) لا يحنث، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه إلا ابا يوسف فإن عنه رواية أنه يحنث

وإنما قلنا إنه لا يحنث لأن ما أخذه النهر يضاف إلى ذلك النهر لا إلى الفرات وبزول باضافته إليه عن إضافته إلى الفرات فلا يحنث به كغير الفرات * (مسألة) * (وإن حلف لا يلبس ثوبا اشتراه زيد أو نسجه أو لا يأكل طعاماً طبخه فلبس ثوباً نسجه هو وغيره أو اشتراه أو أكل طعاماً طبخاه فعلى روايتين) [إحداهما] يحنث كما لو حلف أن لا يلبس من غزل فلانة فلبس ثوبا من غزلها وغزل غيرها (والثانية) لا يحنث وهو قول أبي حنيفة والشافعي لأنه لم يلبس ثوباً كاملاً، وكذلك إن حلف لا يلبس ثوبا نسجه زيد ولا يأكل من قدر طبخها ولا يدخل داراً اشتراها ولا يلبس ثوباً خاطه زيد ففعل ذلك هو وغيره فلبس الثوب أو دخل الدار أو أكل الطعام ففي هذا كله من الخلاف ما ذكرنا فيمن حلف لا يفعل شيئاً ففعل بعضه، فأما إن حلف لا يلبس مما خاطه زيد فإنه يحنث بلبس ثوب خاطاه جيمعا لأنه لبس مما خاطه زيد بخلاف ما إذا قال ثوباً خاطه زيد، وإن حلف لا يدخل داراً لزيد فدخل داراً له ولغيره خرج فيه وجهان بناء على ما ذكرنا * (مسألة) * (وإن حلف لا يأكل طعاماً اشتراه زيد فأكل طعاماً اشتراه هو وغيره حنث إلا أن يكون اراد أن لا ينفرد أحدهما بالشراء) وبهذا قال أبو حنيفة ومالك وقال الشافعي لا يحنث وذكر أبو الخطاب فيه احتمالين لأن كل جزء لم ينفرد أحدهما بشرائه فلم يحنث كما لو حلف لا يلبس ثوباً اشتراه زيد فلبس ثوباً اشتراه هو وغيره ولنا أن زيداً اشترى نصفه وهو طعام وقد أكله فأشبه ما لو اشتراه زيد وخلطه بما اشتراه عمرو فأكل الجميع، فأما الثوب فلا نسلمه وإن سلمناه فالفرق بينهما أن نصف الثوب ليس بثوب ونصف الطعام طعام وقد أكله بعد أن اشتراه زيد، وإن اشترى زيد نصفه مشاعاً أو اشترى نصفه ثم اشترى آخر باقيه فأكل منه حنث والخلاف فيه على ما تقدم، فأما إن اشترى زيد نصفه معيناً ثم خلطه بالنصف الآخر ثم أكل أكثر من النصف حنث وجها واحداً بغير خلاف لأنه أكل مما اشتراه زيد يقيناً

مسألة: وإن حلف لا يلبس ثوبا اشتراه زيد أو نسجه أو لا يأكل طعاما طبخه فلبس ثوبا نسجه هو وغيره أو اشتراه أو أكل طعاما طبخاه فعلى روايتين

وإن أكل نصفه أو أقل من نصفه ففيه وجهان [أحدهما] يحنث لأنه يستحيل في العادة انفراد ما اشتراه زيد من غيره فيكون الحنث ظاهراً (والثاني) لا يحنث لأن الأصل عدم الحنث ولم يتيقن وإن أكل من طعام اشتراه زيد ثم باعه أو اشتراه لغيره حنث ويحتمل أن لا يحنث وكل وضع لا يحنث فحكمه حكم ما لو حلف لا يأكل تمرة فوقعت في تمر فأكل منه واحدة على ما سنذكره إن شاء الله تعالى والله أعلم * (باب التأويل في الحلف) * ومعنى التأويل أن يريد بلفظه ما يخالف ظاهره فإن كان الحالف ظالماً لم ينفعه تأويله لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " يمينك على ما يصدقك به صاحبك " وإن لم يكن ظالماً فله تأويله نحو أن يحلف أنه أخي يريد بذلك أخره في الإسلام أو يعني بالسقف والبناء السماء وبالبساط والفراش الأرض وبالأوتاد الجبال وباللباس الليل أو يقول ما رأيت فلاناً أي ما ضربت رئته ولا ذكرته أي ما قطعت ذكره أو يقول جواري أحرار، يعني سفنه ونسائي طوالق يعني النساء الأقارب منه أو يقول ما كاتبت فلاناً ولا عرفته ولا أعلمته ولا سأله حاجة ولا أكلت له دجاجة ولا فروجاً ولا شربت له ماء ولا في بيتي فرش ولا حصير ولا بارية، ويعني بالمكاتبة مكاتبة الرقيق بالتعريف جعله عريفاً وبالاعلام جعله أعلم الشفة والحاجة شجرة صغيرة والدجاجة الكبة من الغزل والفروج الدراعة والفرش صغار الابل والحصير الحبس والبارية السكين التي يبري بها، أو يقول والله ما أكلت من هذا شيئاً ولا أخذت منه يعني الباقي بعد أخذه وأكله فهذا واشباهه مما يسبق إلى فهم السامع خلافه إذا عناه بيمينه فهو تأويل لأنه خلاف الظاهر. (فصل) ولا يخلو حال الحالف المتأول من ثلاثة أحوال [أحدها] أن يكون مظلوماً مثل أن يستحلفه ظالم على شى لو صدقه لظلمه أو ظلم غيره أو نال

باب التأويل في الحلف

مسلماً منه ضرر فهذا له تأويله، قال مهنا سألت أحمد عن رجل له امرأتان اسم كل واحدة منهما فاطمة فماتت واحدة منهما فحلف بطلاق فاطمة ونوى التي ماتت، قال إن كان المستحلف له ظالما فالنية نية صاحب الطلاق وإن كان المطلق هو الظالم فالنية نية الذي استحلفه، وروى أبو داود بإسناده عن سويد بن حنظلة قال خرجنا نريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا وائل بن حجر فأخذه عدو له فتحرج القوم أن يحلفوا فحلفت أنه أخي فخلى سبيله فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرنا ذلك له فقال " إن كنت أصدقهم وأبرهم المسلم أخو المسلم " وقال النبي صلى الله عليه وسلم " إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب " يعني سعة المعاريض التي يوهم بها السامع غير ما عناه، قال محمد بن سيرين الكلام أوسع من أن يكذب ظريف يعني لا يحتاج أن يكذب لكثرة المعاريض وخص الظريف بذلك يعني به الكيس الفطن فإنه يفطن التأويل فلا حاجة به إلى الكذب (الوجه الثاني) أن يكون الحالف ظالما كالذي يستحلفه الحاكم على حق عنده فهذا تنصرف يمينه إلى ظاهر الذي عناه المستحلف ولا ينفع الحالف تأويله، وبهذا قال الشافعي ولا نعلم فيه مخالفاً فإن أبا هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يمينك على ما يصدقك به صاحبك " رواه مسلم ولأنه لو ساغ التأويل لبطل المعنى المبتغى باليمين إذ مقصودها تخويف الحالف ليرتدع عن الجحود خوفا من عاقبة اليمين الكاذبة، فمتى ساغ التأويل له انتفى ذلك فصار التأويل وسيلة إلى جحد الحقوق، قال إبراهيم في رجل استحلفه السلطان على شئ بالطلاق فورى في يمينه إلى شئ أجزأ عنه وإن كان ظالماً لم يجز عنه التأويل. (الحال الثالث) أن لا يكون ظالماً ولا مظلوماً فظاهر كلام أحمد أن له تأويله فإنه روي أن مهنا كان عنده هو والمروذي وجماعة فجاء رجل يطلب المروذي ولم يرد المروذي أن يكلمه فوضع مهنا أصبعه في كفه، وقال ليس المروذي ههنا وما يصنع المروذي ههنا يريد ليس المروذي في كفه فلم ينكره أبو عبد الله.

وروي أن مهنا قال أني أريد الخروج يعني السفر الى بلده وأحب أن تسمعني الجزء الفلاني فاسمعه إياه ثم رآه بعد ذلك فقال ألم تقل إنك تريد الخروج فقال له مهنا قلت لك إني أريد الخروج الآن؟ فلم ينكر عليه، وهو مذهب الشافعي ولا نعلم في هذا خلافا أيضاً، وروى سعيد عن جرير عن المغيرة قال كان إذا طلب إنسان إبراهيم ولم يرد ابراهيم أن يلقاه خرجت إليه الخادم فقال اطلبوه في المسجد، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يمزح ولا يقول إلا حقاً ومزاحه أن يوهم السامع بكلامه غير ما عناه فقال لعجوز " لا يدخل الجنة عجوز " يعني أن الله ينشئهن عربا أترابا، وقال أنس أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله احملني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنا حاملوك على ولد ناقة " فقال وما أصنع بولد الناقة؟ قال " وهل تلد الإبل إلا النوق " رواه أبو داود وقال لامرأة وقد ذكرت له زوجها، هو الذي في عينه بياض " فقالت يا رسول الله أنه لصحيح العين وأراد النبي صلى الله عليه وسلم البياض الذي حول الحدقة وقال لرجل احتضنه من ورائه " من يشتري العبد؟ فقال يا رسول الله تجدني إذا كاسدا قال " لكنك عند الله لست بكاسد " وهذا كله من التأويل والمعاريض، وقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم حقاً فقال " لا أقول إلا حقاً " وروي عن شريح أنه خرج من عند ابن زيادة وقد حضره الموت فقيل له كيف تركت الأمير؟ فقال تركته يأمر وينهى فلما مات قيل له كيف قلت ذلك؟ فقال تركته يأمر بالصبر وينهي عن البكاء والجزع، ويروى عن شقيق أن رجلاً خطب امرأة وتحته أخرى فقالوا لا نزوجك حتى تطلق امرأتك فقال اشهدوا إني قد طلقت ثلاثاً فزوجوه فقام على امرأته فقالوا قد طلقت ثلاثاً قال ألم تعلموا أنه كان لي ثلاث نسوة فطلقتهن؟ قالوا بلى قال قد طلقت قالوا ما هذا أردنا فذكر ذلك شقق لعثمان فجعلها نيته، ويروى عن الشعبي أنه كان في مجلس فنظر إليه رجل ظن أنه طلب منه التعريف به والثناء عليه فقال الشعبي إن له بيتاً وشرفاً فقيل للشعبي بعد ما ذهب الرجل تعرفه؟ فقال لا ولكنه نظر

إلي قيل فكيف اثنيت عليه؟ قال شرفه اذناه وبيته الذي يسكنه، وروي ان رجلاً أخذ على شراب فقيل له من أنت فقال: أنا ابن الذي لا ينزل الدهر قدره * وإن نزلت يوماً فسوف تعود ترى الناس أفواجاً على باب داره * فمنهم قيام حولها وقعود فظنوه شريفاً فخلوا سبيله ثم سألوا عنه فإذا هو ابن الباقلاني، وأخذ الخوارج رافضياً فقالوا تبرأ من عثمان علي فقال أنا من علي وعثمان برئ فهذا وشبهه هو التأويل الذي لا يعذر به الظالم ويسوغ لغيره مظلوماً كان أو غير مظلوم لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول ذلك في المزاح من غير حاجة إليه * (مسألة) * (فإذا أكل تمراً فقال لتخبرني بعدد ما أكلت أو لتميزن نوى ما أكلت ولم تعلم فإنها تعد له عدداً يعلم أنه قد أتى على عدد ذلك) مثل أن يعلم أن عدد ذلك ما بين مائة إلى ألف فتعد ذلك كله وكذلك إن قال إن لم تخبريني بعدد حب هذه الرمانة ولا يحنث إذا كانت نيته ذلك، وإن نوى الاخبار بكميته من غير نقص ولا زيادة لم يبرأ إلا بذلك وإن أطلق فقياس المذهب أنه لا يبرأ إلا بذلك أيضاً لأن ظاهر حال الحالف إرادته فتنصرف يمينه إليه كالاسماء العرفية التي تنصرف اليمين عليها إلى مسماها عرفا دون مسماها حقيقة ولو أكلا تمراً فحلف لتميزن نوى ما أكلت فأفردت كل نواء وحدها فالحكم فيها كالتي قبلها * (مسألة) * (وإن حلف ليقعدن على بارية في بيته ولا يدخله بارية فإنه يدخل قصبا فينسجه فيه فيجلس عليها في البيت فلا يحنث)

مسألة: فإذا أكل تمرا فقال لتخبرني بعدد ما أكلت أو لتميزن نوى ما أكلت ولم تعلم فإنها تعد له عددا يعلم أنه قد أتى على عدد ذلك

لأنه قد قعد على بارية في بيته ولم يدخله بارية إنما أدخله قصباً وليس هو بارية * (مسألة) * (وإن حلف ليطبخن قدراً برطل ملح ويأكل منه فلا يجد طعم الملح فإنه يسلق به بيضا ويأكل منه ولا يحنث) لأن الصفة وجدت * (مسألة) * (وإن حلف لا يأكل بيضاً ولا تفاحاً وليأكلن مما في هذا الوعاء فوجد فيه بيضا وتفاحا فإنه يعمل من البيض ناطفاً ومن التفاح شراباً ويأكل منه لا يحنث) لأن ذلك ليس ببيض ولا تفاح * (مسألة) * (وإن كان على سلم فحلف لا نزلت إليك ولا صعدت إلى هذه ولا أقمت مكاني ساعة) يريد إذا كان له امرأتان إحداهما في الغرفة والأخرى أسفل (فلتنزل العليا ولتصعد السفلى ثم ينزل إن شاء أو يصعد فتنحل يمينه) لأن الصفة لم توجد * (مسألة) * (وإن حلف لا قمت عليه ولا نزلت منه ولا صعدت فيه فإنه ينتقل إلى سلم آخر وتنحل يمينه) لأنه لم يقم عليه ولا صعد فيه ولا نزل منه إنما نزل أو صعد من غيره * (مسألة) * (وإن حلف لا قمت في هذا الماء ولا خرجت منه وكان الماء جارياً لم يحنث) لأن الماء المحلوف عليه جرى وصار في غيره فلم يحنث سواء أقام أو خرج لأنه إنما يقف في غيره أو يخرج منه، وهذا الذي ذكره القاضي في المجرد وهو مذهب الشافعي لأن الايمان عندهم تبنى على اللفظ لا على القصد وكذلك قالوا لا يحنث في هذه الأيمان السابقة كلها، وقال القاضي في كتاب آخر: قياس المذهب أنه يحنث إلا أن ينوي عين الماء الذي هي فيه لأن إطلاق يمينه يقتضي خروجها من النهر أو إقامتها فيه * (مسألة) * (فإن كان الماء واقفاً حمل منه مكرها) لئلا ينسب إليه فعل * (مسألة) * (وإن استحلفه ظالم ما لفلان عندك وديعة وكانت عنده وديعة فإنه يعني بما الذي ويبر في يمينه) لأنه صادق * (مسألة) * (وإن حلف عاملان ههنا وعنى موضعاً معينا بر في يمينه) لصدقه في ذلك. وقد ذكرنا ما رواه مهنا أنه كان هو والمروذي عند أحمد فجاء رجل يطلب المروذي ولم يرد المروذي أن يكلمه فوضع مهنا أصبعه في كفه وقال ليس المروذي ههنا، يريد ليس هو في كفه فلم ينكره أبو عبد الله * (مسألة) * ولو سرقت منه امرأته شيئاً فحلف بالطلاق لتصدقني أسرقت مني شيئاً أم لا وخانت

مسألة: فإن كان الماء واقفا حمل منه مكرها

أن تصدقه فإنها تقول سرقت منك ما سرقت منك، ولو استحلفه ظالم هل رأيت فلاناً أو لا وكان قد رآه فإنه يعني بما رأيته ما ضربت رئته * (مسألة) * (ولو حلف على امرأته لا سرقت مني شيئاً فخانته في وديعته لم يحنث) لأن الخيانة ليس بسرقة إلا أن ينوي ذلك فيحنث (فصل) ولو قال أن كانت امرأتي في السوق فعبدي حر وإن كان عبدي في السوق فامرأتي طالق وكانا جميعا في السوق فقيل يعتق العبد ولا تطلق المرأة لأنه لما حنث في اليمين الأولى عتق العبد فلم يبق له في السوق عبد، ويحتمل أن يحنث بناء على قولنا فيمن حلف على معين تعلقت اليمين بعينه دون صفته كما لو قال إن كلمت عبدي سعداً فأنت طالق ثم أعتقه وكلمته طلقت فكذلك ههنا لأن يمينه تعلقت بعبد معين وإن لم يرد عبداً بعينه لم تطلق المرأة لأنه لم يبق له عبد في السوق، ولو كان في فيها تمرة فقال أنت طالق إن أكلتها أو ألقيتها أو أمسكتها فأكلت بعضها وألقت بعضها لم يحنث إلا على قول من قال إنه يحنث بفعل بعض المحلوف عليه وإن نوى الجميع لم يحنث بحال (فصل) قال عبد الله بن أحمد سألت أبي عن رجل قال لامرأته أنت طالق إن لم أجامعك اليوم وأنت طالق إن اغتسلت منك اليوم قال يصلي العصر ثم يجامعها فإذا غابت الشمس أغتسل إن لم يكن أراد بقوله اغتسلت منك المجامعة، وقال في رجل قال لامرأته أنت طالق إن لم أطأك في رمضان فسافر مسيرة أربعة أيام أو ثلاثة ثم وطئها فقال لا يعجبني لأنها حيلة ولا تعجبني الحيلة في هذا ولا في غيره قال القاضي إنما كره أحمد هذا لأن السفر الذي يبيح الفطر السفر المباح المقصود وهذا لا يقصد به غير حل اليمين، والصحيح أن هذا تنحل به اليمين ويباح به الفطر لأنه سفر بعيد مباح لقصد صحيح فإن إرادة حل يمينه من المقاصد الصحيحة، وقد أبحنا لمن له طريقان قصيرة لا يقصر فيها وبعيدة أن يملك البعيدة ليقصر فيها الصلاة ويفطر مع أنه لا قصد له سوى الترخص فههنا أولى (باب الشك في الطلاق) إذا شك هل طلق أو لا لم تطلق) وجملة ذلك أن من شك في طلاقه لم يلزمه حكمه نص عليه أحمد وهو مذهب الشافعي وأصحاب الرأي لأن النكاح ثابت بيقين فلا يزول بالشك، والأصل في هذا حديث عبد الله بن زيد عن النبي

مسألة: ولو حلف على امرأته لا سرقت مني شيئا فخانته في وديعته لم يحنث

صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الرجل يخيل إليه أنه يجد الشئ في الصلاة فقال " لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحا " متفق عليه فأمره بالبناء على اليقين واطراح الشك ولأنه شك طرأ على يقين فوجب اطراحه كما لو شك المتطهر في الحدث. قال شيخنا والورع التزام الطلاق فإن كان المشكوك فيه طلاقاً رجعياً راجع امرأته إن كانت مدخولا بها أو جدد نكاحها إن كانت غير مدخول بها، وقد انقضت عدتها وإن شك في طلاق ثلاث طلقها واحدة وتركها لأنه إذا لم يطلقها فيقين نكاحه باق فلا تحل لغيره وحكي عن شريك أنه إذا شك في طلاقه طلقها واحدة ثم راجعها لتكون الرجعة عن طلقة فتكون صحيحة في الحكم وليس بشئ لأن التلفظ بالرجعة ممكن مع الشك في الطلاق ولا يفتقر إلى ما تفتقر إليه العبادات من النية ولأنه لو شك في طلقتين فطلق واحدة لصار شاكاً في تحريمها عليه فلا تفيد الرجعة * (مسألة) * (وإن شك في عدد الطلاق بنى على اليقين لما ذكرنا وقال الخرقي إذا طلق فلم يدر واحد ة طلق أم ثلاثا اعتزلها وعليه نفقتها ما دامت في العدة فإن راجعها في العدة لزمته النفقة ولم يطأها حتى يتيقن كم الطلاق؟ لأنه متيقن للتحريم شاك في التحليل) وجملة ذلك أن من طلق وشك في عدد الطلقات بنى على اليقين نص عليه أحمد في رواية ابن منصور في رجل لفظ بطلاق امرأته لا يدري واحدة أم ثلاثاً فقال أما الواحدة فقد وجبت عليه وهي عنده حتى يستيقن وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي لأن ما زاد على القدر الذي تيقنه طلاق مشكوك فيه فلم يلزمه كما لو شك في أصل الطلاق إذا ثبت هذا فإنه تبقى أحكامه أحكام المطلق دون الثلاث من إباحة الرجعة وإذا رجع عادت الى ما كانت عليه قبل الطلاق وقال الخرقي يحرم وطؤها ونحوه قول مالك إلا أنه حكي عنه أنه يلزمه الأكثر من الطلاق المشكوك فيه وقولهما متيقن للتحريم لأنه تيقن وجوده بالطلاق وشك في رفعه بالرجعة فلا يرتفع بالشك كما لو أصاب ثوبه نجاسة وشك في موضعها فإنه لا يزول حكم النجاسة بغسل موضع من الثوب ولا يزول حتى يغسله جميعه وفارق لزوم النفقة فإنها لا تزول بالطلقة الواحدة فهي باقية لأنها كانت باقية وقد شككنا في زوالها وظاهر قول سائر أصحابنا أنه إذا راجعها حلت له وهو قول أبي حنيفة والشافعي وهو ظاهر كلام أحمد في رواية ابن منصور لأن التحريم المتعلق بما تيقنه يزول بالرجعة يقينا فإن التحريم أنواع (تحريم)

مسألة: وإن شك في عدد الطلاق بنى على اليقين لما ذكرنا وقال الخرقي إذا طلق فلم يدر واحدة طلق أم ثلاثا اعتزلها وعليه نفقتها ما دامت في العدة فإن راجعها في العدة لزمته النفقة ولم يطأها حتى يتيقن كم الطلاق؟ لأنه متيقن للتحريم شاك في التحليل

تزيله الرجعة (وتحريم) يزيله نكاح جديد (وتحريم) يزيله نكاح بعد زوج وإصابة ومن تيقن الأدنى لا يثبت فيه حكم الأعلى كمن تيقن الحدث الأصغر لا يثبت فيه حكم الأكبر ويزول تحريم الصلاة بالطهارة الصغرى ويخالف الثوب فإن غسل بعضه لا يرفع ما تيقنه من النجاسة فنظير مسئلتنا إذا تيقن نجاسة كم الثوب وشك في نجاسة سائره فإن حكم النجاسة فيه يزول بغسل الكم وحده كذا ههنا ويمكن منع حصول التحريم ههنا ومنع تيقنه فإن الرجعية مباحة لزوجها في ظاهر المذهب فما هو إذا متيقن للتحريم بل هو متيقن للاباحة شاك في التحريم وكذلك قال الخرقي فيمن حلف لا يأكل تمرة فوقعت في تمر فأكل منه واحدة منع من وطئ امرأته حتى يعلم أنها ليست التي وقعت اليمين عليها ولا يتحقق حنثه حتى يأكل التمر كله وهذه المسألة لا تخلو من أحوال ثلاث (أحدها) أن يتحقق أكل التمرة المحلوف عليها إما أن يعرفها بعينها أو صفتها أو يأكل التمر كله أو الجانب الذي وقعت فيه كله فيحنث بلا خلاف بين أهل العلم لأنه أكل التمرة المحلوف عليها (الثاني) ان يتحقق أنه لم يأكلها أما بأن لا يأكل من التمر شيئاً أو يأكل شيئاً يعلم أنه غيرها فلا يحنث أيضاً بلا خلاف ولا يلزمه اجتناب زوجته (الثالث) أكل من التمر شيئاً واحدة أو أكثر الى أن لا يبقى منه إلا واحدة ولم يدر أكلها أولا فهذه مسألة الخرقي ولا يتحقق حنثه لأن الباقية يحتمل أنها المحلوف عليها ويقين النكاح ثابت فلا يزول بالشك وهذا قول الشافعي وأصحاب الرأي فعلى هذا يكون حكم الزوجية باقياً في لزوم نفقتها وكسوتها ومسكنها وسائر أحكامها إلا في الوطئ فإن الخرقي قال يمنع من وطئها لأنه شاك في حلها فحرمت عليه كما لو اشتبهت عليه امرأته بأجنبية وذكر أبو الخطاب أنها باقية على الحل وهو مذهب الشافعي لأن الأصل الحل فلا يزول بالشك كسائر أحكام النكاح ولان النكاح باق حكمه فأثبت الحل كما لو شك هل طلق أولا؟ وإن كانت يمينه ليأكلن هذه التمرة فلا يتحقق بره حتى يعلم أنه أكلها * (مسألة) * (وإن قال لامرأتيه إحداكما طالق ينوي واحدة بعينها طلقت وحدها فإن لم ينو اخرجت المطلقة بالقرعة) أما إذا نوى واحدة بعينها فإنها تطلق وحدها لانه عينها بنيته فأشبه ما لو عينها بلفظه فإن قال إنما أردت فلانة قبل منه لأن ما قاله محتمل ولا يعرف إلا من جهته وأما إن لم ينو واحدة بعينها فانه تخرج بالقرعة نص عليه في رواية جماعة وبه قال الحسن وأبو ثور وقال قتادة ومالك يطلقن جميعاً وقال

مسألة: وإن قال لامرأتيه إحداكما طالق ينوي واحدة بعينها طلقت وحدها فإن لم ينو خرجت المطلقة بالقرعة

حماد بن أبي سليمان الثوري وأبو حنيفة والشافعي له أن يختار أيتهن شاء فيوقع عليها الطلاق لأنه لا يمكن إيقاعه ابتداء وتعيينه فإذا أوقعه ولم يعينه ملك تعينه لأنه استيفاء ما ملكه ولنا أن ما ذكرناه مروي عن علي وابن عباس رضي الله عنهم ولا مخالف لهما من الصاحبة ولأنه إزالة ملك بني على التغليب والسراية فتدخله القرعة كالعتق وقد ثبت الأصل بكون النبي صلى الله عليه وسلم أقرع بين العبيد الستة ولأن الحق لواحد غير معين فوجب تعيينه بالقرعة كالحرية في العبيد إذا أعتقهم في مرضه ولم يخرج جميعهم من الثلث وكالسفر بإحدى نسائه والبداية باحداهن في القسم وكالشريكين إذا اقتسما ولأنه طلق واحدة من نسائه لا يعلم عينها فلم يملك تعيينها باختياره كالمنسية وأما الدليل على أنهن لا يطلقن جميعاً أنه أضاف الطلاق إلى واحدة فلم يطلق الجميع كما لو عينها، قولهم إنه كان يملك الإيقاع والتعيين قلنا ملكه للتعيين بالإيقاع لا يلزم أن يملكه بعده كما لو طلق واحدة بعينها وأنسيها فإن مات قبل القرعة والتعيين أقرع الورثة بينهن فمن وقعت عليها قرعة الطلاق فحكمها في الميراث حكم ما لو عينها بالتطليق منهن وقال الشافعي يوقف الميراث المختص بهن حتى يصطلح من عليه لأنه لا يعلم المستحق منهن ووجه قول الخرقي قول علي رضي الله عنه ولأنهن قد تساوين ولا سبيل إلى التعيين فوجب المصير إلى القرعة كمن أعتق عبيداً في مرضه لا مال له سواهم وقد ثبت الحكم فيهم بالنص لأن في توريث الجميع توريث من لا يستحق يقينا والوقف لا إلى غاية حرمان للمستحق يقينا والقرعة تسلم من هذين المحذورين ولها نظير في الشرع * (مسألة) * (فإن قال لنسائه إحداكن طالق غداً طلقت واحدة منهن إذا جاء الغد وأخرجت بالقرعة) فإن مات قبل الغد ورثنه كلهن وإن ماتت إحداهن ورثها لأنها ماتت قبل وقوع الطلاق فإذا جاء غد أقرع بين الميتة والأحياء فإن وقعت القرعة على الميتة لم يطلق شئ من الأحياء وصارت كالمعينة بقوله أنت طالق غداً وقال القاضي قياس المذهب أن يتعين الطلاق في الأحياء فلو كانتا اثنتين فماتت إحداهما طلقت كما لو قال لامرأته واجنبية إحداكما طالق وهو قول أبي حنيفة والفرق بينهما ظاهر فإن الأجنبية ليست محلا للطلاق وقت قوله فلا ينصرف قوله إليها وهذه قد كانت محلاً للطلاق فإرادتها بالطلاق ممكنة وارادتها بالطلاق كإرادة الأخرى وحدوث الموت بها لا يقتضي في حق الاخرى طلاقها فتبقى على ما كانت عليه والقول في تعليق العتق كالقول

مسألة: فإن قال لنسائه إحداكن طالق غدا طلقت واحدة منهن إذا جاء الغد وأخرجت بالقرعة

في تعليق الطلاق فإذا جاء غد وقد باع بعض العبيد أقرع بينه وبين العبد الآخر فإن وقعت على المبيع لم يعتق منه شئ وعلى قول القاضي ينبغي أن يتعين العتق في الباقين وكذلك ينبغي أن يكون مذهب أبي حنيفة والشافعي لأن له تعيين العتق عندهم بقوله فبيع أحدهم صرف للعتق عنه فيتعين في الباقين فإن باع نصف العبد أقرع بينه وبين الباقين فإن وقعت قرعة العتق عليه عتق نصفه وسرى إلى باقيه إن كان المعتق موسراً وإن كان معسراً لم يعتق إلا نصفه (فصل) وإذا قال امرأتي طالق وأمتي حرة وله نساء وإماء ونوى معينة انصرف إليها وإن نوى واحدة مبهمة فهي مبهمة فيهن وإن لم ينو شيئاً فقال أبو الخطاب يطلق نساؤه كلهن ويعتق إماؤه لأن الواحد المضاف يراد به الكل كقوله تعالى (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها - و - أحل لكم ليلة الصيام) ولأن ذلك يروي عن ابن عباس وقال الجماعة يقع على واحدة مبهمة وحكمه حكم ما لو قال إحداكن طالق وإحداكن حرة لأن لفظ الواحد لا يستعمل في الجمع إلا مجازاً والكلام يحمل على حقيقته ما لم يصرفه عنها دليل ولو تساوي الاحتمال لوجب قصره على الواحدة لأنها اليقين فلا يثبت الحكم فيما زاد عليها بأمر مشكوك فيه وهذا أصح والله أعلم * (مسألة) * (وإن طلق واحدة وأنسيها فكذلك عند أصحابنا) أكثر أصحابنا على أنه إذا طلق امرأة من نسائه وأنسيها أنها تخرج بالقرعة فيثبت حكم الطلاق فيها تحل له الباقيات وقد روى اسماعيل بن سعيد عن أحمد ما يدل على أن القرعة لا تستعمل ههنا لمعرفة الحل وإنما تستعمل لمعرفة الميراث فإنه قال سألت أحمد عن الرجل يطلق المرأة من نسائه ولا يعلم أيتهن طلق قال أكره أن أقول في الطلاق بالقرعة قلت أرأيت إن مات هذا؟ قال أقول بالقرعة وذلك لأن القرعة تصير على المال وجماعة من روي عنه القرعة في المطلقة المنسية إنما هو في التوريث فإما في الحل فلا ينبغي أن يثبت بالقرعة وهذا قول أكثر أهل العلم فالكلام إذا في المسألة في شيئين (أحدهما) في استعمال القرعة في المنسية في التوريث (والثاني) في استعمالها فيها للحل أما الأول فوجهه ما روى عبد الله بن حميد قال قال سألت أبا جعفر عن رجل قدم من خراسان وله أربع نسوة قدم البصرة فطلق إحداهن ونكح ثم مات لا يدري الشهود أيتهن طلق؟ فقال قال علي رضي الله عنه أقرع بين الأربع وأنذر منهن واحدة وأقسم بينهن الميراث ولأن الحقوق إذا تساوت على وجه لا يمكن التمييز إلا بالقرعة صح استعمالها لأنها اشتبهت عليه زوجته بأجنبية فلم تحل له إحداهما بالقرعة كما لو اشتبهت أجنبية لم يكن له عليها عقد ولأن القرعة لا تزيل التحريم عن المطلقة ولا ترفع الطلاق عمن وقع عليه ولاحتمال كون المطلقة غير من وقعت عليها القرعة ولهذا لو

مسألة: وإن طلق واحدة وأنسيها فكذلك عند أصحابنا

ذكر أن المطلقة غيرها حرمت عليه ولو ارتفع التحريم أو زال الطلاق لما عاد بالذكر فيجب بقاء التحريم بعد القرعة كما كان قبلها وقال الخرقي فيمن طلق امرأته فلم يدر واحدة طلق أم ثلاثا؟ ومن حلف بالطلاق لا يأكل تمرة فوقعت في تمر فأكل منه واحدة لا تحل له امرأته حتى يعلم أنها ليست التي وقعت اليمين عليها فحرمها مع أن الأصل بقاء النكاح ولم يعارضه يقين التحريم فههنا أولى وكذلك الحكم فيمن أوقع الطلاق على امرأة بعينها ثم اشتبهت بغيرها مثل أن يرى امرأة مولية فيقول أنت طالق ولا يعلم عينها من نسائه فإن جميع نسائه يحرمن عليه حتى يعلم المطلقة ويؤخذ بنفقة الجميع لأنهن محبوسات عليه وإن أقرع بينهن لم تفد القرعة شيئاً ولا يحل لمن وقعت عليها القرعة التزويج لأنها يجوز أن تكون غير المطلقة، وقال أصحابنا إذا أقرع بينهن فخرجت القرعة على إحداهن ثبت حكم الطلاق فيها فحل لها النكاح بعد قضاء عدتها وأبيح للزوج من سواها كما لو طلق واحدة غير معينة واحتجوا بما ذكرنا من حديث علي رضي الله عنه ولأنها مطلقة لم تعلم بعينها فأشبه ما لو قال إحداكن طالق ولم يرد واحدة بعينها ولأنه إزالة أحد الملكين المبنيين على التغليب والسراية أشبه العتق، قال شيخنا والصحيح أن القرعة لا مدخل لها ههنا لما ذكرنا من الأدلة وتحرمان عليه كما لو اشتبهت امرأته بأجنبية، وفارق ما قاسوا عليه فإن الحق لم يثبت لواحد بعينه فجعل الشرع القرعة معينة فإنها تصلح للتعيين، وفي مسئلتنا الطلاق واقع على معينة لا محالة والقرعة لا ترفعه عنها ولا توقعه على غيرها ولا يؤمن وقوع القرع على غيرها واحتمال وقوع القرعة على غيرها كاحتمال وقوعها عليها بل هو أظهر من غيرها فإنهن إذا كن أربعا فاحتمال وقوعه في واحدة منهن بعينها أندر من احتمال وقوعه في واحدة من ثلاث وكذلك لو اشتبهت أخته بأجنبية أو ميتة بمذكاة أو زوجته بأجنبية أو حلف بالطلاق لا يأكل تمرة فوقعت في تمر واشباه ذلك مما يطول ذكره لا تدخله قرعة فكذا ههنا وأما حديث علي فهو في الميراث لا في الحل وما نعلم بالقول بها في الحل من الصحابة قائلاً. * (مسألة) * (فعلى قول اصحابنا إن تبين أن المطلقة غير التي وقعت عليها القرعة بأن يذكر ذلك تبين أنها كانت محرمة عليه ويكون وقوع الطلاق من حين طلق لا من حين ذكر، وقوله في هذا مقبول لأنه يقر على نفسه وترد إليه التي خرجت عليها القرعة لأننا ظهر لنا أنها غير مطلقة والقرعة ليس بطلاق صريح ولا كناية فإن لم تكن تزوجت ردت إليه وقبل قوله في هذا لأنه أمر من جهته لا يعرف إلا من قبله

مسألة: فعلى قول أصحابنا إن تبين أن المطلقة غير التي وقعت عليها القرعة بأن يذكر ذلك تبين أنها كانت محرمة عليه ويكون وقوع الطلاق من حين طلق لا من حين ذكر

* (مسألة) * (إلا أن تكون قد تزوجت أو يكون بحكم حاكم لأنها إذا تزوجت فقد تعلق بها حق الزوج الثاني فلا يقبل قوله في فسخ نكاحه والقرعة من جهة الحاكم بالفرقة لا يمكن الزوج رفعها فتقع الفرقة بالزوجين) قال أحمد في رواية الميموني إذا كان له أربع نسوة فطلق واحدة منهن ولم يدر أيتهن طلق ويقرع بينهن فان وقت القرعة على واحدة ثم ذكر فقال هذه ترجع إليه والتي ذكر أنها التي طلق يقع الطلاق عليها فإن تزوجت فهذا شئ قد مر فإن كان الحاكم أقرع بينهن فلا أحب أن ترجع إليه لان الحاكم في ذلك أكثر منه، وقال أبو بكر وابن حامد تطلق المرأتان ولا يرجع إليه واحدة منهما لأن الثانية حرمت بقوله وترثه إن مات ولا يرثها ويجئ على قياس قولهما أن تلزمه نفقتها ولا يحل وطؤها والأولى بالقرعة (فصل) إذا قال هذه المطلقة قبل منه لما ذكرنا وان قال هذه المطلقة بل هذه طلقتا لأنه أقر بطلاق الأولى فقبل اقراره بطلاق الثانية، ولم يقبل اضرابه عن إقراره بطلاق الأولى وكذلك لو كن ثلاثا فقال هذه بل هذه بل هذه طلقن كلهن، وإن قال هذه أو هذه بل هذه طلقت الثالثة وإحدى الأولتين وإن قال طلقت هذه بل هذه أو هذه طلقت الأولى وإحدى الاخريين، وإن قال أنت طالق أو هذه أو هذه، فقال القاضي هي كذلك وذكر أنه قول الكسائي وقال محمد بن الحسن تطلق الثانية وبقي الشك في الأولى والثالثة، ووجه الأول أنه عطف الأولى على الثانية بغير شك ثم فصل بين الثانية والثالثة بحرف الشك فيكون الشك فيهما ولو قال طلقت هذه أو هذه طلقت الثالثة وكان الشك في الأولتين ويحتمل في هاتين المسئلتين أن يكون الشك في الجميع لأنه في الأولى أتى بحرف الشك بعدهما فيعود اليهما وفي المسألة الثانية عطف الثالثة على الشك فعلى هذا إذا قال طلقت هذه أو هذه وهذه طولب بالبيان فإن قال هي الثالثة طلقت وحدها وإن قال لم أطلقها طلقت الأولتان وإن لم يبين أقرع بين الأولتين والثالثة، قال القاضي في المجرد وهذا أصح، وإن قال ليست الأولى طلقت الأخيرتان كما لو قال طلقت هذه أو هاتين وليس له الوطئ قبل التعيين فإن فعل لم يكن تعيينا وإن ماتت إحداهما لم يتعين الطلاق في الأخرى وقال أبو حنيفة يتعين الطلاق في الأخرى لأنها ماتت قبل ثبوت طلاقها ولنا أن موت إحداهما أو وطأها لا ينفي احتمال كونها مطلقة فلم يكن تعيينا لغيرها مرضها وإن قال طلقت هذه وهذه وهذه والظاهر أنه طلق اثنتين لا يدري أيهما الأولتان أم الآخرتان؟ كما لو

قال طلقت هاتين أو هاتين فإن قال هما الأوليان تعين الطلاق فيهما وإن لم يطلق الأولتين تعين الآخرتان وإن قال إنما أشك في طلاق الثانية والأخريين طلقت الأولى وبقي الشك في الثلاث ومتى فسر كلامه بشئ يحتمل قبل منه. (فصل) فإن مات بعضهن أو جميعهن أقرعنا بين الجميع خرجت القرعة لها لم نورثها وإن مات بعضهن قبله وبعضهن بعده فخرجت القرعة لميتة قبله حرمناه ميراثها وإن خرجت لميتة بعده حرمناها ميراثه والباقيات يرثهن ويرثنه، فإن قال الزوج بعد موتها هذه التي طلقتها أو قال في غير المعينة هذه التي أردتها حرم ميراثها لأنه يقر على نفسه ويرث الباقيات سواء صدقه ورثتهن أو كذبوه لان علم ذلك إنما يعرف من جهته لأن الأصل بقاء النكاح بينهما وهم يدعون طلاقه إياها والأصل عدمه وهل يستحلف في ذلك؟ فيه روايتان، فإن قلنا يستحلف فنكل حرمناه ميراثها لنكوله ولم يرث الأخرى لاقراره بطلاقها فإن مات فقال ورثته لاحداهن هذه المطلقة فأقرت أو أقر ورثتها بعد موتها حرمناها ميراثه وإن أنكرت أو أنكر ورثتها بقياس ما ذكرناه إن القول قولها لأنها تدعي بقاء نكاحها وهم يدعون زواله والاصل معها فلا يقبل قولهم عليها إلا ببينة وإن شهد اثنان من ورثته أنه طلقها قبلت شهادتهما إذا لم يكونا ممن يتوفر عليهما ميراثها ولا على من لا تقبل شهادتهم له كأمهما وجدتهما لان ميراث إحدى الزوجات لا يرجع إلى ورثة الزوج وإنما يتوفر على ضرائرها وإن ادعت إحدى الزوجات أنه طلقها طلاقاً تبين به فأنكرها فالقول قوله وإن مات لم ترثه لإقرارها بانها لا تستحق ميراثه فقبلنا قولها فيما عليها دون مالها وعليها العدة لأنا لم نقبل قولها فيما عليهما وهذا التفريع فيما إذا كان الطلاق يبينها فإن كان رجعياً ومات في عدتها أو ماتت ورث كل واحد منهما صاحبه (فصل) إذا كان له أربع نسوة فطلق إحداهن ثم نكح أخرى بعد قضاء عدتها ثم مات ولم يعلم أيتهن طلق؟ فللتي تزوجها ربع ميراث النسوة، نص عليه أحمد ولا خلاف فيه بين أهل العلم ثم يقرع بين الأربع فأيتهن خرجت قرعتها حرمت وورثت الباقيات، نص عليه أحمد أيضاً وذهب الشعبي والنخعي وعطاء الخراساني وأبو حنيفة إلى أن الباقي بين الأربع وزعم أبو عبيد أنه قول أهل الحجاز وأهل العراق جميعاً، وقال الشافعي يوقف الباقي بينهن حتى يصطلحن، ووجه الأول ما تقدم وقد قال أحمد في رواية ابن منصور في رجل له أربع نسوة فطلق واحدة منهن ثلاثاً وواحدة اثنتين وواحدة واحدة ومات على أثر ذلك ولا يدري أيتهن طلق ثلاثاً وأيتهن طلق اثنتين وأيتهن واحدة يقرع بينهن

فالتي أبانها تخرج ولا ميراث لها هذا إذا مات في عدتهن وكان طلاقه في صحته فإنه لا يحرم الميراث إلا المطلقة ثلاثاً والباقيات رجعيات يرثنه في العدة ويرثن ومن انقضت عدتها منهن لم ترثه ولم يرثها ولو كان طلاقه في مرضه الذي مات فيه لورثه الجميع في العدة وفيما بعدها قبل التزويج روايتان (فصل) إذا طلق واحدة لا بعينها أو بعينها فان نسبها فانقضت عدة الجميع فله نكاح خامسة قبل القرعة وخرج ابن حامد وجهاً في أنه لا يصح نكاح الخامسة لأن المطلقة في حكم نسائه بالنسبة إلى وجوب الانفاق عليها وحرمة النكاح في حقها ولا يصح ما قاله لاننا علمنا أن منهن واحدة بائنا منه ليس في نكاحه ولا في عدة من نكاحه فكيف تكون زوجته وإنما الانفاق عليها لأجل حبسها ومنعها من التزوج بغيره لأجل اشتباهها؟ ومتى علمنا بعينها إما بتعيينه أو بقرعة فعدتها من حين طلقها لا من حين عينها، وذكر أبو حنيفة وبعض أصحاب الشافعي أن عدتها من حين التعيين وهذا فاسد فإن الطلاق وقع حين إيقاعه وثبت حكمه في تحريم الوطئ وحرمان الميراث من الزوج وحرمانه منها قبل التعيين فكذلك العدة وإنما التعيين يبين لما كان وقعا فإن مات الزوج قبل التعيين فعلى الجميع عدة الوفاة في قول الشعبي والنخعي وعطاء الخراساني، قال أبو عبيد وهو قول أهل الحجاز والعراق، لأن كل واحدة منهن يحتمل أنها باقية على النكاح والأصل بقاؤه فتلزمها عدته والصحيح أنه يلزم كل واحدة أطول الأجلين من عدة الوفاة وعدة الطلاق لكن عدة الطلاق من حين طلق وعدة الوفاة من حين موته لأن كل واحدة منهن يحتمل أن تكون عليها عدة الوفاة ويحتمل أنها المطلقة فعليها عدة الطلاق فلا تبرأ يقينا إلا بأطولهما وهذا في الطلاق البائن فأما الرجعية فعليها عدة الوفاة بكل حال لأنها زوجة (فصل) إذا ادعت المرأة أن زوجها طلقها فأنكرها فالقول قوله لأنه منكر ولان الأصل بقاء النكاح فان كان لها بما ادعته بينة قبلت ولا يقبل فيه إلا عدلان، ونقل ابن منصور عن أحمد أنه سئل أتجوز شهادة رجل وامرأتين في الطلاق؟ قال: لا والله إنما كان كذلك لأن الطلاق ليس بمال ولا المقصود منه المال ويطلع عليه الرجال في غالب الأحوال فلم يقبل فيه إلا عدلان كالحدود والقصاص فإن عدمت البينة استحلف في أصح الروايتين نقلها أبو طالب عن أحمد لقول النبي صلى الله عليه وسلم " ولكن اليمين على المدعى عليه - وقوله - اليمين على من أنكر " ولأنه يصح من الزوج بذله فيستحلف فيه كالمهر، ونقل ابن منصور عنه لا يستحلف في الطلاق لأنه لا يقضى فيه بالنكول فلا يستحلف فيه كالنكاح إذا ادعى

زوجيتها فأنكرته فإن اختلفا في عدد الطلاق فالقول قوله لما ذكرنا، فعلى هذا إذا طلق ثلاثاً وسمعت ذلك فأنكر أو ثبت ذلك عندها بقول عدلين لم يحل لها تمكينه من نفسها وعليها أن تفر منه ما استطاعت وتمتنع منه إذا أرادها وتفتدي منه إن قدرت ولا تزين له ولا تقر به وتهرب إن قدرت ولا تقيم معه وهذا قول أكثر أهل العلم قال جابر بن زيد وحماد بن أبي سليمان وابن سيرين تفر منه ما استطاعت وتفتدي منه بكل ما يكن وقال الثوري وابو حنيفة وأبو يوسف تفر منه وقال مالك لا تتزين له ولا تبدي له شيئاً من شعرها ولا يصيبها إلا مكرهة، وروي عن الحسن والزهري والنخعي يستحلف ثم يكون الاثم عليه، والصحيح ما قاله الأولون لأن هذه تعلم أنها أجنبية منه محرمة عليه فوجب عليها الامتناع والفرار منه كسائر الأجانب، وهكذا لو ادعى نكاح امرأة كذباً وأقام بذلك شاهدي زور فحكم له الحاكم بالزوجية أو لو تزوجها تزويجاً باطلاً فسلمت إليه بذلك فالحكم في هذا كالحكم في المطلقة ثلاثاً (فصل) ولو طلقها ثلاثاً ثم جحد طلاقها لم ترثه نص عليه أحمد وبه قال قتادة وابو حنيفة وأبو يوسف والشافعي وابن المنذر وقال الحسن ترثه لأنها في حكم الزوجات ظاهراً ولنا أنها تعلم أنها أجنبية فلم ترثه كسائر الأجنبيات وقال أحمد في رواية أبي طالب تهرب منه ولا تتزوج حتى يظهر طلاقها ويعلم ذلك يجئ فيدعيها فترد عليه وتعاقب، وإن مات ولم يقر بطلاقها لا ترثه لا تأخذ ما ليس لها تفر منه ولا تخرج من البلد ولكن تختفي في بلدها، قيل له فإن بعض الناس قال تقتله هي بمنزلة من يدفع عن نفسه فلم يعجبه ذلك فمنعها من التزوج قبل ثبوت طلاقها لأنها في ظاهر الحكم زوجة هذا المطلق فإذا تزوجت غيره وجب عليها في ظاهر الحكم العقوبة والرد إلى الأول ويجتمع عليها زوجان هذا بظاهر الأمر وذلك بباطنه ولم يأذن لها في الخروج من البلد لأن ذلك يقوي التهمة في نشوزها ولا في قتله قصداً لأن الدافع عن نفسه لا يقتل قصداً، فأما إن قصدت الدفع عن نفسها فآل إلى نفسه فلا أثم عليها ولا ضمان في الباطن فأما في الظاهر فإنها تؤخذ بحكم القتل ما لم يثبت صدقها (فصل) قال أحمد إذا طلقها ثلاثاً فشهد أربعة أنها وطئها أقيم عليه الحد إنما أوجبه لأنها صارت بالطلاق أجنبية فهي كسائر الأجنبيات بل هي أشد تحريماً لأنها محرمة وطأ ونكاحاً فان جحد طلاقها ووطئها ثم قامت البينة بطلاقه فلا حد عليه وبهذا قال الشعبي ومالك وأهل الحجاز والثوري والاوزاعي وربيعة والشافعي وأبو ثور وابن المنذر لأن جحده لطلاقه يوهمنا أنه نسيه وذلك شبهة

في درء والحد عنه ولا سبيل لنا إلى علم معرفته بالطلاق حالة وطئه إلا باقراره بذلك فإن قال وطئتها عالما بأنني كنت طلقتها ثلاثاً كان إقراراً منه بالزنا فيعتبر فيه ما يعتبر في الإقرار بالزنا * (مسألة) * (وإن طار طائر فقال إن كان هذا غراباً ففلانة طالق وإن لم يكن غراباً ففلانة طالق فهي كالمنسية والحكم فيها على ما ذكرنا فيها لأنها في معناها والخلاف فيها على ما ذكرنا * (مسألة) * (وإن قال إن كان الطائر غرابا ففلانة طالق وإن كان حماماً ففلانه طالق لم يحكم بحنثه في واحدة منهما) لأنه متيقن للنكاح شاك في الحنث فلا يزول عن يقين النكاح بالشك لأنه يحتمل أنه غيرهما (فصل) إذا رأى رجلان طائراً فحلف أحدهما بالطلاق أنه غراب وحلف الآخر أنه حمام فطار ولم يعلما حاله لم يحكم بحنث واحد منهما لأن يقين النكاح ثابت ووقوع الطلاق مشكوك فيه فإن ادعت امرأة أحدهما حنثه فيها فالقول قوله لأن الأصل واليقين في جانبه (فصل) فإن قال أحد الرجلين إن كان غراباً فامرأته طالق ثلاثاً وقال الآخر إن لم يكن غراباً فامرأته طالق ثلاثاً فطار ولم يعلما حاله فقد حنث أحدهما لا بعينه ولا يحكم به في حق واحد منهما بعينه بل يبقى في حقه أحكام النكاح من النفقة والكسوة والسكن لأن كل واحد منهما يقين نكاح باق ووقوع طلاقه مشكوك فيه، فأما الوطئ فذكر القاضي أنه يحرم عليهما لأن أحدهما حانث يقينا فأمرأته محرمة عليه وقد أشكل فحرم عليهما جميعاً كما لو حنث في إحدى امرأتيه لا بعينها وقال أصحاب الرأي والشافعي لا يحرم على واحد منهما وطئ امرأته لأنه محكوم ببقاء نكاحه عن إحدى زوجتيه قمنا إنما تحقق حنثه في واحدة غير معينة وبالنظر إلى كل واحدة مفردة فيقين نكاحها باق وطلاقها مشكوك فيه لكن لما تحققنا أن إحداهما حرام ولم يمكن تمييزها حرمتا عليه جميعاً وكذلك ههنا قد علمنا أن أحد هذين الرجلين قد طلقت امرأته وحرمت عليه وتعذر التمييز فيحرم الوطئ عليهما ويصير كما لو تنجس أحد الانائين لا بعينه فإنه يحرم استعمال كل واحد منهما سواء كانا لرجل واحد أو لرجلين وقال مكحول يحمل الطلاق عليهما جميعاً ومال إليه أبو عبيد فإن ادعى كل واحدة منهما أنه علم الحال وأنه لم يحنث دين فيما بينه وبين الله تعالى ونحو هذا قال عطاء والشعبي والزهري والحارث العكلي والثوري والشافعي لأن كل واحد منهما يمكن صدقه فيما ادعاه وإن أقر كل واحد منهما أنه الحانث

مسألة: وإن طار طائر فقال إن كان هذا غرابا ففلانة طالق، وإن لم يكن غرابا ففلانة طالق فهي كالمنسية

طلقت زوجتاهما على أنفسهما وإن أقر أحدهما حنث وحده فإن ادعت امرأة أحدهما عليه الحنث فأنكر فالقول قوله وهل يحلف؟ على روايتين * (مسألة) * (فان قال أحدهما إن كان غراباً فعبدي حر وقال الآخر إن لم يكن غراباً فعبدي حر فطار ولم يعلما حاله لم يحكم بعتق واحد من العبدين) لأن الأصل بقاء الرق فإن اشترى أحدهما عبد الآخر بعد أن أنكر حنث نفسه عتق الذي اشتراه لان انكاره حنث نفسه اعتراف منه بحنث صاحبه واقرار منه بعتق الذي اشتراه، وإن اشترى من أقر بحريته عتق عليه، وإن لم يكن منه إنكار ولا اعتراف فقد صار العبدان في يده أحدهما حر لا يعلم عينه فيرجع في تعيينه إلى القرعة وهو قول أبي الخطاب وقال القاضي يعتق الذي اشتراه في الموضعين لأن تمسكه بعبده اعتراف منه برقه وحرية صاحبه وهذا مذهب الشافعي ولنا أنه لم يعترف لفظاً ولا فعل ما يلزم منه الاعتراف فإن الشرع سوغ له إمساك عبده مع الجهل استناداً إلى الأصل فكيف يكون معترفاً مع تصريحه بأنني لا أعلم الحر منهما؟ وإنما اكتفينا في إبقاء رق عبده باحتمال الحنث في حق صاحبه فإذا صار العبدان له وأحدهما حر لا بعينه صار كأنهما كانا له فاعتق أحدهما وحده فيقرع بينهما حينئذ، فإن كان الحالف واحداً فقال إن كان غراباً فعبدي حر وإن لم يكن غراباً فأمتي حرة ولم يعلم حاله فإنه يقرع بينهما فيعتق أحدهما، فإن ادعى أحدهما أنه الذي أعتق أو إدعى كل واحد منهما ذلك فالقول قول السيد مع يمينه (فصل) فإن قال إن كان غراباً فنساؤه طوالق وإن لم يكن غراباً فعبيده أحرار ولم يعلم حاله منه من التصرف في الملكين حتى يبين وعليه نفقة الجميع فإن كان غراباً طلق نساؤه ورق عبيده فإن ادعى العبيد أنه لم يكن غراباً ليعتقوا فالقول قول السيد وهل يحلف؟ يخرج على روايتين، وإن لم يكن غراباً عتق عبيده ولم تطلق النساء فإن ادعين أنه كان غراباً ليطلقن فالقول قوله وفي تحليفه وجهان وكل موضع قلنا يستحلف فنكل قضي عليه بنكوله وإن قال لا أعلم ما الطائر فقياس المذهب أن يقرع بينهما فإن وقعت القرعة على الغراب طلق النساء ورق العبيد وإن وقعت على العبيد عتقوا ولم تطلق النساء وهذا قول أبي ثور وقال أصحاب الشافعي إن وقعت القرعة على العبيد عتقوا وإن وقعت على النساء لم يطلقن ولم يعتق العبيد لأن القرعة لها مدخل في العتق لكون النبي صلى الله عليه وسلم أقرع بين العبيد الستة ولا مدخل لها في الطلاق لأنه لم ينقل مثل ذلك

مسألة: فإن قال أحدهما إن كان غرابا فعبدي حر وقال الآخر إن لم يكن غرابا فعبدي حر فطار ولم يعلما حاله لم يحكم بعتق واحد من العبدين

فيه ولا يمكن قياسه على العتق لان الطلاق حل قيد النكاح والقرعة لا تدخل في النكاح والقرعة حل الملك، والقرعة تدخل في تمييز الأملاك قالوا ولا يقرع بينهم إلا بعد موته. قال شيخنا ويمكن أن يقال على هذا أن ما لا يصلح للتعيين في حق الموروث لا يصح في حق الوارث كما لو كانت اليمين في زوجتين ولأن الاماء محرمات على الموروث تحريماً لا تزيله القرعة فلم يبحن للوارث بها كما لو تعين العتق فيهن. * (مسالة) * (إذا قال لامرأته واجنبية إحداكما طالق، أو قال لحماته ابنتك طالق أو قال سلمى طالق، واسم امرأته سلمى، طلقت امرأته) لأنه لا يملك طلاق غيرها ولأنه إزالة ملك أشبه ما لو باع ماله ومال غيره صح في ماله دون غيره فإن قال أردت الأجنبية لم يصدق. قال أحمد في رجل تزوج امرأة فقال لحماته ابنتك طالق وقال أردت ابنتك الأخرى التي ليست بزوجتي فلا يقبل منه. وقال في رواية أبي داود في رجل له امرأتان اسماهما فاطمة ماتت إحداهما فقال فاطمة طالق ينوي الميتة فقال الميتة تطلق؟ قال أبو داود كأنه أراد في الرواية الأولى أن لا نصدقه في الحكم، وفي الثانية يدين. وقال القاضي فيما إذا نظر إلى امرأته وأجنبية فقال إحداكما طالق وقال أردت الأجنبية فهل يقبل؟ على روايتين. وقال الشافعي يقبل ههنا ولا يقبل فيما إذا قال سلمى طالق وقال أردت أجنبية اسمها سلمى لأن سلمى لا يتناول الأجنبية بصريحه بل من جهة الدليل وقد عارضه دليل آخر وهو أن لا تطلق غير زوجته فصار اللفظ في زوجته أظهر فلم يقبل خلافه. أما إذا قال إحداكما فانه تناول الأجنبية بصريحه، وقال أصحاب الرأي وأبو ثور يقبل في الجميع لأنه فسر كلامه بما يحتمله. ولنا أنه لا يحتمل غير امرأته على وجه صحيح فلم يقبل تفسيره به كما لو فسر كلامه بما لا يحتمله وكما لو قال سلمى طالق عند الشافعي، ولا يصح ما ذكروه من الفرق فإن قوله إحداكما ليس بصريح في واحدة منهما بعينها وسلمى يتناول واحدة لا بعينها ثم تعينت الزوجة لكونها محلاً للطلاق وخطاب غيرها به عبث كما لو قال إحداكما طالق ثم لو تناولها بصريحه لكن صرفه عنها دليل فصار ظاهراً في غيرها فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال للمتلاعنين " أحداكما كاذب " لم ينصرف إلا إلى الكاذب منهما وحده ولما قال حسان يعني النبي صلى الله عليه وسلم وأبا سفيان * فشركما لخيركما الفداء * لم ينصرف شرهما إلا إلى أبي سفيان وخيرهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم وحده وهذا في الحكم، وأما فيما بينه وبين الله تعالى فيدين فيه فمتى علم من

مسالة: إذا قال لامرأته وأجنبية إحداكما طالق، أو قال لحماته ابنتك طالق، أو قال سلمى طالق واسم امرأته سلمى طلقت امرأته

نفسه أنه أراد الأجنبية لم تطلق زوجته لأن اللفظ محتمل له وإن كان غير مقيد، ولو كانت ثم قرينة دالة على إرادته الأجنبية مثل أن يدفع بيمينه ظلما أو يتخلص بها من مكروه قبل قوله في الحكم لوجود الدليل الصارف اليها وان لم ينو زوجته ولا الأجنبية طلقت زوجته لأنها محل الطلاق واللفظ يحتملها ويصلح لها ولم يصرفه عنها فوقع بها كما لو نواها * (مسألة) * (فإن نادى امرأته فأجابته امرأة له أخرى فقال أنت طالق بظنها المناداة طلقت في إحدى الروايتين) وهو قول النخعي وقتادة والاوزاعي وأصحاب الرأي واختاره ابن حامد لأنه خاطبها بالطلاق وهي محل له فطلقت كما لو قصدها (والثانية) تطلق التي ناداها وحدها وهو قول الحسن والزهري وابي عبيد، قال أحمد في رواية مهنا في رجل له امرأتان فقال فلانه أنت طالق فالتفت فإذا هي غير التي حلف عليها قال: قال ابراهيم يطلقان والحسن يقول تطلق التي نوى، قيل له ما تقول أنت، قال تطلق التي نوى وذلك لأنه لم يقصدها بالطلاق فلم تطلق كما لو أراد أن يقول أنه طاهر فسبق لسانه فقال أنت طالق، وقال أبو بكر لا يختلف كلام أحمد أنها لا تطلق، وقال الشافعي تطلق المجيبة وحدها لأنها مخاطبة بالطلاق فطلقت كما لو لم ينو غيرها ولا تطلق المنوية لأنه لم يخاطبها بالطلاق ولم يعترف بطلاقها، وهذا يبطل بما لو علم أن المجيبة غيرها فإن المنوية تطلق بارادتها بالطلاق ولولا ذلك لم تطلق بالاعتراف به لأن الاعتراف بما لا يوجب لا يوجب ولان التي لم تجب مقصودة بلفظ الطلاق فطلقت كما لو علم الحال، فإن قال علمت أنها غيرها واردت طلاق المناداة طلقتا معاً في قولهم جميعاً، وإن قال أردت طلاق الثانية وحدها طلقت وحدها لقصده لها وخطابه * (مسالة) * (وإن لقي أجنبية ظنها زوجته فقال فلانه أنت طالق فإذا هي أجنبية طلقت زوجته) نص عليه أحمد وقال الشافعي لا تطلق لأنه خاطب بالطلاق غيرها فلم يقع كما لو علم أنها اجنبية فقال أنت طالق ولنا أنه قصد زوجته بلفظ الطلاق واحتمل أن لا تطلق لأنه لم يخاطبها بالطلاق ولا ذكر اسمها معه وأن علمها اجنبية وأراد بالطلاق زوجته طلقت وإن لم يردها بالطلاق لم تطلق (فصل) وإن لقي امرأته فظنها اجنبية فقال أنت طالق أو تنحي يا مطلقة أو لقي أمته فظنها أجنبية فقال أنت حرة أو تنحي يا حرة فقال أبو بكر فيمن لقي امرأة فقال تنحي يا مطلقة أو يا حرة

مسألة: فإن نادى امرأته فأجابته امرأة له أخرى فقال أنت طالق يظنها المناداة طلقت في إحدى الروايتين

وهو لا يعرفها فإذا هي زوجته أو أمته لا يقع بهما طلاق ولا حرية لأنه لم يردهما بذلك فلم يقع بهما شئ كسبق اللسان إلى ما لم يرده ويحتمل أن لا تعتق الأمة لأن عادة الناس مخاطبة من لا يعرفها بقوله يا حرة وتطلق الزوجة لعدم العادة في المخاطبة بقوله يا مطلقة * (كتاب الرجعة) * وهي ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع أما الكتاب فقوله تعالى (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء - إلى قوله - وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا) والمراد به الرجعة عند جماعة العلماء وأهل التفسير، وقال تعالى (إذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف) أي بالرجعة ومعناه إذا قاربن بلوغ أجلهن أي انقضاء عدتهن وأما السنة فروى ابن عمر قال: طلقت امرأتي وهي حائض فسأل عمر النبي صلى الله عليه وسلم فقال " مره فليراجعها " متفق عليه. وروى أبو داود عن عمر قال: أن النبي صلى الله عليه وسلم طلق حفصة ثم راجعها، وأجمع أهل العلم على أن الحر إذا طلق الحرة دون الثلاث أو العبد إذا طلق واحدة أن لهما الرجعة في العدة ذكره ابن المنذر

كتاب الرجعة

* (مسألة) * (إذا طلق الحر امرأته بعد دخوله بها أقل من ثلاث أو العبد واحدة بغير عرض والأمر يقتضي بينونتها فله رجعتها ما دامت في العدة رضيت أو كرهت لما ذكرنا) أجمع على ذلك أهل العلم وأجمعوا على أنه لا رجعة له عليها بعد قضاء عدتها وقد ذكرنا أن الطلاق معتبر بالرجال فيكون له رجعتها ما لم يطلقها ثلاثاً كالحرة وفيما إذا طلق الأمة اثنتين خلاف ذكرناه فيما مضى، ولا يعتبر في الرجعة رضا المرأة في ذلك لقول الله تعالى (وبعولتهن أحق بردهن في ذلك) أي في العدة فجعل الحق لهم، وقال سبحانه (فأمسكوهن بمعروف) فخاطب الأزواج بالأمر ولم يجعل لهن اختياراً، ولأن الرجعة إمساك للمرأة بحكم الزوجية فلم يعتبر رضاها في ذلك كالتي في صلب نكاحه وأجمع أهل العلم على هذا وللعبد بعد الواحدة ما للحر قبل الثلاث، وقد أجمع العلماء على أن للعبد رجعة امرأته بعد الطلقة الواحدة إذا وجدت شروطها، فإذا طلقها ثانية فلا رجعة له سواء كانت امرأته حرة أو أمة لأن طلاق العبد اثنتان وفي هذا خلاف ذكرناه فيما مضى * (مسألة) * (وألفاظ الرجعة راجعت امرأتي أو رجعتها أو ارتجعتها أو رددتها أو أمسكتها) لأن هذه الألفاظ ورد بها الكتاب والسنة فالرد والامساك ورد بهما الكتاب بقوله تعالى (وبعولتهن أحق بردهن في ذلك) وقال (فأمسكوهن بمعروف) يعني الرجعة، والرجعة وردت بها السنة لقول النبي صلى الله عليه وسلم " مره فليراجعها " وقد اشتهر هذا الاسم فيها بين أهل العرف كاشتهار اسم الطلاق فيه فإنهم

مسألة: إذا طلق الحر امرأته بعد دخوله بها أقل من ثلاث، أو العبد واحدة بغير عوض والأمر يقتضي بينونتها فله رجعتها ما دامت في العدة رضيت أو كرهت لما ذكرنا

يسمونها رجعة والزوجة رجعية قال شيخنا) ويتخرج أن يكون لفظها هو الصريح وحده لاشتهاره دون غيره كقولنا في صريح الطلاق (فصل) والاحتياط أن يقول اشهدا على إني قد راجعت زوجتي إلى نكاحي أو زوجيتي أو راجعتها لما وقع عليها من طلاقي * (مسألة) * (فإن قال نكحتها أو تزوجتها فليس هو بصريح فيها وهل تحصل الرجعة به؟ فيه وجهان) (أحدهما) لا تحصل به لأن هذا كناية والرجعة استباحة بضع مقصود فلا يحصل بالكناية كالنكاح (والثاني) تحصل به الرجعة أومأ إليه أحمد واختاره ابن حامد لأن الأجنبية تباح به فالرجعية أولى فعلى هذا يحتاج أن ينوي به الرجعة لأن ما كان كناية تعتبر له النية ككنايات الطلاق (فصل) فإن قال راجعتك لصحبة أو للاهانة وقال أردت أنني راجعتك لمحبتي إياك أو إهانة لك صحت الرجعة لأنه أتى بالرجعة وبين سببها، وإن قال أردت أنني كنت أهينك أو أحبك وقد رددتك بفرقي إلى ذلك فليس برجعة، وإن أطلق ولم ينو شيئاً صحت الرجعة ذكره القاضي لأنه أتى بصريح الرجعة وضم إليه ما يحتمل أن يكون سبباً ويحتمل غيره فلا يزول اللفظ عن مقتضاه بالشك وهذا مذهب الشافعي * (مسألة) * (وهل من شرطها الاشهاد؟ على روايتين)

مسالة: فإن قال نكحتها أو تزوجتها فليس هو بصريح فيها وهل تحصل الرجعة به؟ فيه وجهان

وجملة ذلك أن الرجعة لا تفتقر إلى ولي ولا صداق ولا رضى المرأة ولا علمها بإجماع أهل العلم لأن حكم الرجعية حكم الزوجات لما نذكره والرجعية امساك لا واستبقاء لنكاحها ولهذا سمى الله تعالى الرجعة إمساكاً وتركها فراقاً وسراحاً فقال (فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف) وفي رواية أخرى (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) وإنما تشعث النكاح بالطلقة وانعقد لها سبب زواله فالرجعة تزيل شعثه وتقطع مضيه إلى البينونة فلم تحتج لذلك إلى ما يحتاج إليه ابتداء النكاح. فأما الإشهاد ففيه روايتان (إحداهما) يجب، وهذا أحد قولي الشافعي لأن الله تعالى قال (فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذوي عدل منكم) فظاهر الأمر الوجوب ولأنه استباحة بضع مقصود فوجبت الشهادة فيه كالنكاح وعكسه البيع. (والرواية الثانية) لا تجب الشهادة وهي اختيار أبي بكر وقول مالك وأبى حنيفة لأنها لا تفتقر إلى قبول فلم تفتقر إلى شهادة كسائر حقوق الزوج ولأن ما لا يشترط فيه الولي لا يشترط فيه الإشهاد كالبيع وهذه أولى إن شاء الله تعالى ويحمل الأمر على الاستحباب ويؤكد ذلك أن الأمر بالشهادة عقيب قوله (أو فارقوهن) فهو يرجع إلى أقرب المذكورين يقيناً ولا تجب الشهادة فيه فكذلك ما قبله وهو قوله (فأمسكوهن) بطريق الأولى ولا خلاف بين أهل العلم في استحباب الإشهاد فان قلنا هو شرط فإنه يعتبر وجوده

حال الرجعة فإن ارتجع بغير إشهاد لم يصح لأن المعتبر وجودها في الرجعة دون الإقرار بها إلا أن يقصد بذلك الإقرار الاتجاع فيصح * (مسألة) * (والرجعية زوجة يلحقها الطلاق والظهار والإيلاء ولعانه ويرث أحدهما صاحبه إن مات بالإجماع وإن خالعها صح خلعه) وقال الشافعي في أحد قوليه لا يصح لأنه يراد للتحريم وهي محرمة. ولنا أنها زوجة يصح طلاقها فصح خلعها كما قبل الطلاق وليس مقصود الخلع التحريم بل الخلاص من الزوج ونكاحه الذي هو سببه والنكاح باق ولا يأمن رجعته على أننا نمنع كونها محرمة. * (مسالة) * (ويباح لزوجها وطؤها والحلوة والسفر بها ولها أن تتزين له وتتشرف له) قال القاضي هذا ظاهر المذهب. قال أحمد في رواية أبي طالب لا تحتجب عنه، وفي رواية أبي الحارث تتشرف له ما كانت في العدة فظاهر هذا أنها مباحة له له أن يسافر بها ويخلو بها ويطؤها وهذا مذهب أبي حنيفة لأنها في حكم الزوجات فأبيحت له كما قبل الطلاق. وعن أحمد رحمه الله أنها ليست مباحة ولا تحصل الرجعة بوطئها وإن أكرهها عليه فلها المهر إن لم يرتجعها بعده وهو ظاهر كلام الخرقي ومذهب الشافعي وحكي ذلك عن عطاء ومالك لأنها مطلقة فكانت محرمة كما لو طلقها بعوض واحدة ولا حد عليه بالوطئ وإن قلنا إنها محرمة لا ينبغي أن يلزمه مهر سواء

مسالة: ويباح لزوجها وطؤها والخلوة والسفر بها ولها أن تتزين له وتتشرف له

راجع أو لم يراجع لأنه وطئ زوجته التي يلحقها طلاقه فلم يكن عليه مهر كسائر الزوجات ويفارق ما إدا وطئ الزوج بعد إسلام أحدهما في العدة حيث يجب المهر إذا لم يسلم الآخر في العدة لأنه إذا لم يسلم تبينا أن الفرقة وقعت من حين اسلام الأول وهي فرقة فسخ تبين به من نكاحه فاشبهت التي أرضعت من ينفسخ نكاحها برضاعه وفي مسئلتنا لا تبين إلا بانقضاء العدة فافترقا وقال أبو الخطاب إذا أكرهها على الوطئ وجب عليه المهر عند من حرمها وهو الذي ذكره شيخنا في الكتاب المشروح وهو المنصوص عن الشافعي لانه وطئ حرمه الطلاق فوجب به المهر كوطئ المختلعة في عدتها والأول أولى لظهور الفرق بينهما فإن البائن ليست زوجة له وهذه زوجة يلحقها طلاقه وقياس الزوجة على الأجنبية في الوطئ وأحكامه بعيدة. (فصل) فإذا قلنا إنها مباحة حصلت الرجعة وطئها سواء نوى الرجعة أو لم ينو، اختارها ابن حامد والقاضي وهو قول سعيد بن المسيب والحسن وابن سيرين وعطاء وطاوس والزهري والثوري والازاعي وابن أبي ليلى وأصحاب الرأي، قال بعضهم..ويشهد، وقال مالك واسحاق يكون رجعة إذا أراد به الرجعة لان هذه مدة تفضي إلى بينونة فترتفع بالوطئ كمدة الإيلاء ولأن الطلاق سبب الزوال الملك ومعه خيار فتصرف الملك بالوطئ يمنع عمله كوطئ البائع الأمة المبيعة في مدة الخيار وكما ينقطع به التوكيل في طلاقها

مسألة: ولا تحصل بمباشرتها والنظر إلى فرجها والخلوة بها لشهوة

* (مسألة) * (ولا تحصل بمباشرتها والنظر إلى فرجها والخلوة بها الشهرة) نص عليه أحمد وخرجه ابن حامد على وجهين مبنيين على الروايتين في تحريم المصاهرة به أحدهما هو رجعة، وبه قال الثوري وأصحاب الرأي لأنه استمتاع يباح بالزوجية فحصلت الرجعة به كالوطئ (والثاني) ليس برجعة لانه أمر لا يتعلق به إيجاب عدة ولا مهر فلا تحصل به الرجعة كالنظر فأما الخلوة بها فليست برجعة لأنه ليس باستمتاع وهذا اختيار أبي الخطاب وحكي عن غيره من أصحابنا أن الرجعة تحصل به لأنه معنى يحرم من الأجنبية ويحل من الزوجة فحصلت به الرجعة كالاستمتاع والصحيح أن الرجعة لا تحصل بها لأنها لا تبطل خيار المشتري للأمة كاللمس لغير شهوة فأما اللمس للشهوة والنظر كذلك ونحوه فليس برجعة لأنه يجوز في غير الزوجة عند الحاجة فأشبهت الحديث معها (فصل) وإن قلنا ليست مباحة لم تحصل الرجعة بوطئها ولا تحصل إلا بالقول، وهذا مذهب الخرقي لقوله والمراجعة أن يقول لرجلين من المسلمين اشهدا أني قد راجعت امرأتي، وهذا مذهب الشافعي لأنها استباحة بضع مقصود وأمر بالإشهاد فيه فلم يحصل من القادر بغير قول كالنكاح ولأن غير القول فعل من قادر على القول فلم تحصل به الرجعة كالإشارة من الناطق وهو رواية عن احمد * (مسألة) * (ولا يصح تعليق الرجعة على شرط لأنه استباحة فرج مقصود فأشبه النكاح) فلو قال راجتك إن شئت لم يصح لذلك ولو قال كلما طلقتك فقد راجعتك لم يصح أيضاً لأنه راجعها

مسألة: ولا يصح تعليق الرجعة على شرط لأنه استباحة فرج مقصود فأشبه النكاح

قبل أن يملك الرجعة فأشبه الطلاق قبل النكاح وإن قال إن قدم أبوك فقد راجعتك لم يصح لأنه تعليق على شرط فإن راجعها في الردة من أحدهما لم يصح، ذكره أبو الخطاب وهو صحيح مذهب الشافعي لأنه استباحة بضع مقصود فلم يصح مع الردة كالنكاح ولأن الرجعة تفرير للنكاح والردة تنافي ذلك فلم يصح اجتماعهما، وقال القاضي إن قلنا بتعجيل الفرقة بالردة لم تصح الرجعة لأنها قد بانت بها وإن قلنا لا تتعجل الفرقة فالرجعة موقوفة، فان أسلم المرتد منهما في العدة صحت الرجعة لأنا تبينا أنه ارتجعها في نكاحه ولأنه نوع إمساك فلم تمنع منه الردة كما لو لم يطلق وإن لم يسلم في العدة تبينا أن الفرقة وقعت قبل الرجعة وهذا قول المزني واختيار ابن حامد وهكذا ينبغي أن يكون فيما إذا راجعها بعد إسلام أحدهما (فصل) قد ذكرنا أن من طلق طلاقاً بغير عوض فله رجعة زوجته ما دامت في العدة إذا كان طلاق الحر أقل من ثلاث أو العبد واحدة فعلى هذا إن كانت حاملاً باثنين فوضعت أحدهما فله مراجعتها ما لم تضع الثاني، هذا قول عامة العلماء إلا أنه حكي عن عكرمة أن العدة تنقضي بوضع الأول وما عليه سائر أهل العلم أصح فإن العدة لا تنقضي إلا بوضع الحمل كله لقول الله تعالى (وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) واسم الحمل متناول لكل ما في البطن فتبقى العدة مستمرة إلى حين وضع باقي الحمل فتبقى الرجعة ببقائها ولأن العدة لو انقضت بوضع بعض الحمل لحل لها التزويج وهي

حامل من زوج آخر ولا قائل به، قال شيخنا وأظن أن قتادة ناظر عكرمة في هذا فقال عكرمة تنقضي عدتها بوضع أحد الولدين فقال له قتادة أيحل لها أن تتزوج؟ قال. لا قال خصم العبد ولو خرج بعض الولد فارتجعها قبل أن تضع باقيه صح لأنها لم تضع جميع حملها فصارت كمن ولدت أحد الولدين * (مسألة) * (وإن طهرت من الحيضة الثالثة ولم تغتسل فهل له رجعتها؟ على روايتين) وجملة ذلك أنه إذا نقطع حيض المرأة المعتدة في المرة الثالثة ولما تغتسل فهل تنقضي عدتها بطهرها فيه روايتان ذكرهما ابن حامد [إحداهما] لا تنقضي حتى تغتسل ولزوجها رجعتها في ذلك، وهذا ظالم كلام الخرقي فإنه قال في العدد فإذا اغتسلت من الحيضة الثالثة أبيحت للأزواج وبه قال كثير من أصحابنا روي ذلك عن عمر وعلي وابن مسعود وسعيد بن المسيب والثوري وأبي عبيد وروي نحوه عن أبي بكر الصديق وأبي موسى وعبادة وأبي الدرداء رضي الله عنهم وروي عن شريك له الرجعة وإن فرطت في الغسل عشرين سنة لأنه قول من سمينا من الصحابة ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم فكان أجماعاً ولأن أكثر أحكام الحيض لا تزول إلا بالغسل فكذا هذا، والرواية الثانية أن العدة تنقضي بمجرد الطهر قبل الغسل وهو قول طاوس وسعيد بن جبير والاوزاعي واختاره أبو الخطاب لقول الله تعالى (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) والقرء الحيض وقد زالت فيزول التربص وفيما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " وقرء الأمة الحيضان "

مسألة: وإن طهرت من الحيضة الثالثة ولم تغتسل فهل له رجعتها؟ على روايتين

وقال " دعي الصلاة أيام اقرائك " أي أيام حيضك ولأن انقضاء العدة تتعلق به بينونتها من الزوج وحلها من غيره فلم يتعلق بفعل اختياري من جهة المرأة بغير تعليق الزوج كالطلاق وسائر العدد ولأنها لو تركت الغسل اختياراً أو لجنون أو نحوه لم تحل فأما أن يقال بقول شريك إنها تبقى معتدة ولو بقيت عشرين سنة وذلك خلاف قول الله تعالى (ثلاثة قروء) فإن عدتها تصير أكثر من مائتي قرء أو يقال تنقضي العدة قبل الغسل والله أعلم (فصل) إذا تزوجت الرجعية في عدتها وحملت من الزوج الثاني انقطعت عدة الاول بوطئ الثاني وهل يملك الزوج رجعتها في مدة الحمل؟ يحتمل وجهين (أولهما) أن له رجعتها لأنها لم تنقض عدته فحكم نكاحه باق بأن يلحقها طلاقه وظهاره، وإنما انقطعت عدته لعارض فهو كما لو وطئت في صلب نكاحه فإنها تحرم عليه ويبقى سائر أحكام الزوجية ولأنه يملك ارتجاعها إذا عادت إلى عدته فملكه قبل ذلك كما لو ارتفع حيضها في أثناء عدتها (والوجه الثاني) ليس له رجعتها لأنها ليست في عدته فإذا وضعت الحمل انقضت عدة الثاني وبنت على ما مضى من عدة الأول وله ارتجاعها حينئذ وجهاً واحداً ولو كانت في نفاسها لأنها بعد الوضع تعود إلى عدة الأول وإن لم تحتسب به فكان له الرجعة فيه كما لو طلق حائضاً فإن له رجعتها في حيضها وإن كانت لا تعتد بها، وإن حملت حملا يمكن أن يكون منهما فعلى الوجه الذي لا يملك رجعتها في حملها

من الثاني إذا رجعها في هذا الحمل ثم بان أنه من الثاني لم يصح فإن بان من الأول احتمل أن لا يصح لأنه راجعها في عدتها منه واحتمل أن لا تصح لأنه راجعها مع الشك في إباحه الرجعة والأول أصح فإن الرجعة ليست بعبادة ببطلها الشك في صحتها وعلى أن العبادة تصح مع الشك فيما إذا نسي صلاة من يوم لا يعلم عينها فصلى خمس صلوات فان كل صلاة يشك في أنها هل هي المنسية أو غيرها؟ لو شك في الحدث فتطهر ينوي رفع الحدث صحت طهارته وارتفع حدثه فههنا أولى فإن راجعها بعد الوضع وبان الحمل من الثاني صحت رجعته وإن بان من الأول لم تصح لأن العدة انقضت بوضعه * (مسألة) * (وإن انقضت عدتها ولم يرتجعها بانت ولا تحل إلا بنكاح جديد) لقول الله سبحانه (وبعولتهن أحق بردهن) يريد الرجعة عند جماعة أهل التفسير في ذلك أي في العدة، وأجمع أهل العلم على ان المرأة إذا طلقها زوجها فلم يرتجعها حتى انقضت عدتها أنها تبين منه فلا تحل له إلا بنكاح جديد * (مسألة) * (وتعود على ما بقي من طلاقها سواء رجعت بعد نكاح زوج غيره أو قبله وعنه أنها إن رجعت بعد نكاح زوج غيره رجعت بطلاق ثلاث) وجملة ذلك أن المطلقة لا تخلو من أحد ثلاثة أحوال (أحدها) أن يطلقها دون الثلاث ثم تعود إليه برجعة أو نكاح جديد قبل زوج ثان فهذه تعود إليه على ما بقي من طلاقها بغير خلاف علمناه

مسألة: وإن انقضت عدتها ولم يرتجعها بانت ولا تحل إلا بنكاح جديد لقول الله سبحانه: " وبعولتهن أحق بردهن "

(والثاني) أن يطلقها ثلاثاً فتنكح زوجاً غيره ويصيبها ثم تزوجها الأول فهذه تعود بطلاق ثلاث بإجماع من أهل العلم حكاه ابن المنذر (الثالث) طلقها دون الثلاث فقضت عدتها ثم نكحت غيره ثم تزوجها الأول ففيها روايتان (أظهرهما) أنها تعود إليه على ما بقي من الثلاث وهو قول الأكثر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم عمر وعلي وأبي ومعاذ وعمران بن حصين وأبو هريرة وزيد وعبد الله بن عمرو ابن العاص رضي الله عنهم وبه قال سعيد بن المسيب وعبيدة والحسن ومالك والثوري وابن أبي ليلى والشافعي واسحاق وأبو عبيد وأبو ثور ومحمد بن الحسن وابن المنذر (والرواية الثانية) عن أحمد أنها ترجع إليه عن طلاق ثلاث وهو قول ابن عمر وابن عباس وعطاء والنخعي وشريح وأبي حنيفة وأبي يوسف لان وطئ الثاني يهدم الطلقات الثلاث فأولى أن يهدم ما دونها ولنا أن وط الثاني لا يحتاج إليه في الإحلال للزوج الأول فلا يغير حكم الطلاق كوطئ السيد ولأنه تزويج قبل استيفاء الثلاث فأشبه ما لو رجعت إليه قبل وطئ الثاني وقولهم ان وطئ الثاني يثبت الحل لا يصح لوجهين (أحدهما) منع كونه مثبتا للحل أصلا وإنما هو في الطلاق الثلاث غاية التحريم بدليل قوله تعالى (فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) وحتى للغاية وإنما سمى النبي صلى الله عليه وسلم الزوج الذي قصد الحيلة محللاً تجوزاً بدليل أنه لبنه ومن أثبت حلالاً لم يستحق لعنا (والثاني) أن

الحل انما يثبت في محل فيه تحريم وهي المطلقة ثلاثاً وههنا هي حلال له فلا يثبت فيها حل وقولهم انه بهدم الطلاق قلنا بل هو غاية لتحريمه وما دون الثلاث لا تحريم فيها فلا يكون غاية له * (مسألة) * (وإن ارتجعها في عدتها وأشهد على رجعتها من حيث لا تعلم فاعتدت ثم تزوجت من أصابها ردت إليه ولا يطؤها حتى تنقضي عدتها في إحدى الروايتين والأخرى هي زوجة الثاني) وجملة ذلك أن زوج الرجعية إذا راجعها من حيث لا تعلم صحت المراجعة لأنها لا تفتقر إلى رضاها فلم تفتقر إلى علمها كطلاقها فإذا راجعها ولم تعلم فانقضت عدتها وتزوجت ثم جاء وادعى أنه كان راجعها قبل انقضاء عدتها وأقام البينة على ذلك ثبت أنها زوجته وأن نكاح الثاني فاسد لأنه تزوج امرأة غيره وترد إلى الأول سواء دخل بها أو لم يدخل وهذا هو الصحيح وهو قول أكثر الفقهاء منهم الثوري والشافعي وأبو عبيد وأصحاب الرأي وروي ذلك عن علي رضي الله عنه. وروي عن أبي عبد الله رحمه الله رواية ثانية أن دخل بها الثاني فهي امرأته ويبطل نكاح الأول روى ذلك عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو قول مالك، وروي معناه عن سعيد بن المسيب وعبد الرحمن بن القاسم ونافع لأن كل واحد منهما عقد عليها وهي ممن يجوز العقد عليها في الظاهر ومع الثاني مزية الدخول فقدم بها ولنا أن الرجعة قد صحت وتزوجت وهي زوجة الأول فلم يصح نكاحها كما لو لم يطلقها، إذا ثبت هذا فإن كان الثاني ما دخل بها فرق بينهما وردت إلى الأول ولا شئ على الثاني وإن كان دخل بها فلها عليه مهر المثل لأن هذا وطئ شبهة وتعتد ولا تحل للأول حتى تقضي عدتها منه فإن كان أقام البينة

مسألة: وإن ارتجعها في عدتها وأشهد على رجعتها من حيث لا تعلم فاعتدت ثم تزوجت من أصابها ردت إليه ولا يطؤها حتى تنقضي عدتها في إحدى الروايتين، والأخرى هي زوجة الثاني

قبل دخول الثاني بها ردت إلى الأول بغير خلاف في المذهب وهي إحدى الروايتين عن مالك، وأما إن تزوجها مع علمها بالرجعة أو علم أحدهما فالنكاح باطل بغير خلاف والوطئ محرم على من علم وحكمه حكم الزاني في الحد وغيره لانه وطئ امرأة غيره مع علمه (فصل) وإن لم يكن للمدعي بينة بالرجعة فأنكره أحدهما لم يقبل قوله فان أنكراه جميعاً فالنكاح صحيح في حقهما وإن أعترفا له بالرجعة ثبتت والحكم فيه كالحكم فيما إذا قامت به البينة سواء في أنها ترد إليه، وإن أقر له الزوج وحدة فقد اعترف بفساد نكاحه فتبين منه وعليه المهر إن كان دخل بها أو نصفه إن كان لم يدخل بها لأنه لا يصدق على المرأة في إسقاط حقها عنه ولا تسلم المرأة إلى المدعي لأنه لا يقبل قول الزوج الثاني عليها وإنما يقبل في حقه ويكون القول قولها، وهل هو مع يمينها أولا؟ على وجهين. قال شيخنا ولا تستحلف لأنها لو أقرت لم يقبل إقرارها فإذا أنكرت لم تجب اليمين وفيه وجه آخر أنها تجب عليها، وإن اعترفت المرأة وأنكر الزوج لم يقبل اعترافها على الزوج في فسخ نكاحه لأن قولها إنما يقبل على نفسها في حقها وهل يستحلف؟ يحتمل وجهين (احدهما) لا يستحلف اختاره القاضي لأنه دعوى في النكاح فلم يستحلف كما لو ادعى زوجية امرأة فانكرته (والثاني) يستحلف قال القاضي وهو قول الخرقي لعموم قوله عليه السلام " ولكن اليمين على المدعى عليه " ولأنه دعوى في حق آدمي فيستحلف فيه كالمال فإن حلف فيمينه على نفي

العلم لأنه على نفي فعل الغير فإذا زال نكاحه بطلاق أو فسخ أو موت رددت إلى الأول من غير عقد لأن المنع من ردها إنما كان لحق الثاني فإذا زال زال المنع وحكم بأنها زوجة الأول كما لو شهد بحرية عبد ثم اشتراه عتق عليه ولا يلزمها للأول مهر بحال، وذكر القاضي أن له عليها مهراً وهو قول بعض أصحاب الشافعي لأنها أقرت أنها حالت بينه وبين بضعها بغير حق فأشبه شهود الطلاق إذا رجعوا ولنا أن ملكها استقر على المهر فلم يرجع به عليها كما لو ارتدت أو أسلمت أو قتلت نفسها فان ماتت الاول وهي في نكاح الثاني فينبغي أن ترثه لاقراره بزوجيتها واقرارها بذلك وإن ماتت لم يرثها لانها لا تصدق في إبطال ميراث الزوج الثاني كما لم تصدق في إبطال نكاحه ويرثها الزوج الثاني لذلك وإن مات الزوج الثاني لم ترثه لأنها تنكر صحة نكاحه فتنكر ميراثه * (مسألة) * وإن ادعت المرأة انقضاء عدتها قبل قولها إذا كان ممكناً إلا أن تدعيه بالحيض في شهر فلا يقبل إلا ببينة) وجملة ذلك أن المرأة إذا ادعت انقضاء عدتها في وقت يمكن انقضاوها فيها قبل قولها لقول الله تعالى (ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن) قيل في التفسير هو الحيض والحمل ولولا أن قولهن مقبول لم يحرجن بكتمانه، ولأنه أمر تختص بمعروفته فكان القول قولها فيه كالنية من الإنسان فيما تعبر فيه النية أو أمر لا يعرف إلا من جهتها قبل قولها فيه كما يجب على التابعي قبول خبر الصحابي عن رسول الله

مسألة: وإن ادعت المرأة انقضاء عدتها قبل قولها إذا كان ممكنا إلا أن تدعيه بالحيض في شهر فلا يقبل إلا ببينة

صلى الله عليه وسلم فأما ما تنقضي به العدة فهو ثلاثة أقسام: (الأول) أن تدعي انقضاء عدتها بالقروء وهو ينبني على الخلاف في أقل الطهر بين الحيضتين وعلى الخلاف في أقل الحيض وهل الاقراء الحيض أو الطهر، فإن قلنا هي الحيض وأقل الطهر ثلاثة عشر يوماً، فأقل ما تنقضي به العدة تسعة وعشرون يوماً ولحظة وذلك أن يطلقها مع آخر الطهر ثم تحيض بعده يوماً وليلة ثم تطهر ثلاثة عشر يوماً ثم تحيض يوماً وليلة ثم تطهر ثلاثة عشر يوماً ثم تحيض يوماً وليلة ثم تطهر لحظة ليعرف بها انقطاع الحيض وإن لم تكن هذه اللحظة من عدتها فلا بد منها لمعرفة انقطاع حيضتها ولو صادفتها رجعته لم تصح ومن اعتبر الغسل في انقضاء العدة فلا بد من وقت يمكن الغسل فيه بعد انقطاع الحيض، وإن قلنا القروء الحيض وأقل الطهر خمسة عشر يوماً فأقل ما تنقضي به العدة ثلاثة وثلاثون يوما لحظة تزيد أربعة أيام في الطهرين، وإن قلنا القروء الاطهار وأقل الطهر ثلاثة عشر يوماً فإن العدة تنقضي بثمانية وعشرين يوماً ولحظتين وهو أن يطلقها في آخر لحظة من طهرها فتحتسب بها قزءا ثم تحتسب طهرين آخرين ستة وعشرين يوماً وبينهما حيضتين يومين فإذا طعنت في الحيضة الثالثة لحظة انقضت عدتها وإن قلنا الطهر خمسة عشر يوماً زدنا على هذا أربعة أيام في الطهرين فيكون اثنين وثلاثين يوما لحظتين وهذا قول الشافعي، فإن كانت أمة انقضت عدتها بخمسة عشر يوماً ولحظة على الوجه الأول وتسعة عشر يوماً ولحظة على الوجه الثاني وباربعة عشر يوماً ولحظتين على الوجه الثالث وبستة عشر يوماً ولحظتين على الوجه الرابع فمتى ادعت انقضاء عدتها بالقروء في أقل من هذا لم يقبل قولها عند أحد فيما أعلم لأنه لا يحتمل صدقها

* (مسألة) * (فإن ادعت انقضاء عدتها بالقروء في أقل من شهر لم يقبل إلا بينة) لأن شريحاً قال إذا ادعت أنها حاضت ثلاث حيض في شهر وجاءت بينة من النساء العدول من بطانة أهلها ممن يرضى صدقه وعدله أنها رأت ما يحرم عليها الصلاة من الطمث وتغتسل عند كل قرء وتصلي فقد انقضت عدتها وإلا فهي كاذبة فقال له علي بن أبي طالب رضي الله عنه قالون ومعناه بالرومية أصبت أو أحسنت فأخذ أحمد بقول علي في الشهر فإن ادعت ذلك في أكثر من شهر صدقها لأنها أونمنت على ذلك وإنما لم يصدقها في الشهر لأن حيضها ثلاث مرات فيه يندر جدا فرجع بينة ولا يندر فيما زاد على الشهر كندرته فيه، وقال الشافعي لا يقبل قولها في أقل من اثنين وثلاثين يوماً ولحظتين لأنه لا يتصور عنده في أقل من ذلك وقال أبو حنيفة لا يقبل في أقل من ستين يوماً وقال صاحباه لا يقبل في أقل من تسعة وثلاثين يوماً ولحظتين لأن أقل الحيض عندهم ثلاثة أيام فثلاث حيض تسعة أيام وطهران ثلاثون، والخلاف في هذا مبني على أقل الحيض وأقل الطهر وفي القرء ما هو، ومما يدل عليه في الجملة قبول علي وشريح بينتها على انقضاء عدتها في شهر ولولا تصوره لما قبلت عليه بينة ولا سمعت فيه دعوى، ولا يتصور إلا بما قلنا، وأما إذا ادعت القضاء عدتها في أقل من ذلك لم تسمع دعواها ولا يصغى إلى بينتها لاننا نعلم كذبها فإن بقيت على

مسألة: فإن ادعت انقضاء عدتها بالقروء في أقل من شهر لم يقبل إلا ببينة

دعواها حتى أتى عليها ما يمكن صدقها فيه نظرنا فإن بقيت على دعواها المردودة لم يسمع قولها لأنها تدعي محالاً، وإن ادعت أنها انقضت عدتها في هذه المدة كلها أو فيما يمكن منها قبل قولها لانه أمكن صدقها، ولا فرق في ذلك بين الفاسقة والمرضية والمسلمة والكافرة لأن ما يقبل فيه قول الإنسان على نفسه لا يختلف باختلاف حاله كإخباره عن نيته فيما تعتبر فيه نيته. (فصل) فإن ادعت انقضاء عدتها بوضع الحمل فان ادعته لتمام لم يقبل قولها في أقل من ستة أشهر من حين امكان الوطئ بعد العقد (1) لأن أقل سقط تنقضي به العدة ما أتى عليه ثمانون يوماً لأنه يكون نطفة أربعين يوماً وعلقة مثل ذلك ثم يصير مضغة بعد الثمانين ولا تنقضي به العدة قبل أن يصير مضغة بحال، وهذا ظاهر قول الشافعي، فأما إن ادعت انقضاء عدتها بالشهور فلا يقبل قولها فيه لأن الخلاف في ذلك ينبني على الاختلاف في الطلاق والقول قول الزوج فيه فيكون القول قوله فيما ينبني عليه إلا أن يدعي انقضاء عدتها ليسقط عن نفسه نفقتها مثل أن يقول طلقتك في شوال فتقول هي بل في ذي القعدة فالقول قولها لأنه يدعي ما يسقط النفقة والأصل وجوبها فلا يقبل إلا بينة، فإن ادعت ذلك ولم يكن لها نفقة قبل قولها لأنها تقر على نفسها بما هو أغلظ وإن انعكس الحال فقال طلقتك في ذي القعدة فلي رجعتك قالت بل طلقتني في شوال

_ (1) قوله بعد العقد لأنه لا يكمل في أقل من ذلك وإن ادعت أنها أسقطته لم يقبل قولها في أقل من ثمانين يوما من حين إمكان الوطئ بعد عقد النكاح لها من المغني

فلا رجعة لك فالقول قوله لأن الأصل بقاء نكاحه ولأن القول قوله في إثبات الطلاق ونفيه فكذلك في وقته، إذا ثبت ذلك فكل موضع قلنا القول قولها فأنكرها الزوج فقال الخرقي عليها اليمين، وهو قول الشافعي وأبي يوسف ومحمد وقد أومأ إليه أحمد في رواية أبي طالب، وقال القاضي قياس المذهب أن لا يجب عليه يمين وقد أومأ إليه أحمد أيضاً فقال لا يمين في نكاح ولا طلاق وهو قول أبي حنيفة لأن الرجعة لا يصح بذلها فلا تستحلف فيها كالحدود والأول أولى لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " اليمين على المدعى عليه " ولأنه حق آدمي يمكن صدق مدعيه فتجب اليمين فيه كالأموال فإن نكلت عن اليمين فقال القاضي لا يقضى بالنكول لأنه لا يصح بذله. قال شيخنا ويحتمل أن يستحلف الزوج وله رجعتها على القول برد اليمين على المدعى لأنه لما وجد النكول منها ظهر صدق الزوج وقوي جانبه واليمين تشرع في حق من قوي جانبه ولذلك شرعت في حق المدعى عليه لقوة جانبه باليد في العين وبالأصل في براءة الذمة في الدين وهو مذهب الشافعي (فصل) إذا ادعى الزوج في عدتها أنه كان راجعها أمس أو منذ شهر قبل قوله لأنه لما ملك الرجعة ملك الإقرار بها كالطلاق وبهذا قال الشافعي وأصحاب الرأي وغيرهم فإن قال بعد انقضاء عدتها كنت راجعتك في عدتك فأنكرت فالقول قولها بإجماعهم لأنه ادعاها في زمن لا يملكها والأصل عدمها وحصول البينونة.

مسألة: إذا قالت انقضت عدتي فقال قد كنت راجعتك فالقول قولها

* (مسألة) * (إذا قالت انقضت عدتي فقال قد كنت راجعتك فالقول قولها) وجملة ذلك أنه إذا كان اخلافهما في زمن يمكن فيه انقضاء عدتها وبقاؤها فبدأت فقالت انقضت عدتي فقال قد كنت راجعتك فأنكرته فالقول قولها لأن خبرها بانقضاء عدتها مقبول لإمكانه فصارت دعواه للرجعة بعد الحكم بانقضاء عدتها فلم تقبل. * (مسألة) * وإن سبق فقال ارتجعتك فقالت قد انقضت عدتي قبل رجعتك فأنكرها فالقول قوله) ذكره القاضي لما ذكرنا وهو أحد الوجوه لأصحاب الشافعي وظاهر كلام الخرقي أن قولها مقبول سواء سبقها بالدعوى أو سبقته وهو وجه ثان لأصحاب الشافعي لأن الظاهر البينونة والأصل عدم الرجعة فكان الظاهر معها ولأن من قبل قوله سابقاً كان كذلك مسبوقاً كسائر من يقبل قوله ولهم وجه ثالث أن القول قول الزوج بكل حال لأن المرأة تدعي ما يرفع النكاح وهو ينكره فكان القول قول من أنكره بخلاف ما قاسوا عليه. * (مسألة) * (وإن تداعياً معاً قدم قولها) لأن خبرها بانقضاء عدتها يكون بعد انقضائها فيكون قوله بعد العدة فلا يقبل وقيل يقدم من تقع

مسألة: وإن سبق فقال ارتجعتك فقالت قد انقضت عدتي قبل رجعتك فأنكرها فالقول قوله

له القرعة ذكره أبو الخطاب احتمالا والصحيح الأول (فصل) فإن اختلفا في الإصابة فقال قد أصبتك فلي رجعتك فأنكرته أو قالت قد أصابني فلي المهر كاملاً فالقول قول المنكر منهما لأن الأصل معه فلا يزول إلا بيقين وليس له رجعتها في الموضعين لأنه إن أنكر الإصابة فهو يقر على نفسه بينونتها وأنه لا رجعة له عليها وإن أنكرتها هي فالقول قولها ولا تستحق إلا نصف المهر وإن انكرها فالقول قوله هذا إذا كان المهر غير مقبوض فإن كان اختلافهما بعد قبضها له وادعى إصابتها فانكرته لم يرجع عليها بشئ لأنه يقر لها به ولا يدعيه وإن كان هو المنكر رجع عليها بنصفه وبهذا قال الشافعي وأصحاب الرأي فإن قيل فلم قبلتم قول المولي والعنين في الإصابة ولم تقبلوه ههنا؟ قلنا المولي والعنين يدعيان ما يبقي النكاح على الصحة ويمنع فسخه والأصل صحة العقد وسلامته فكان قولهما موافقاً للأصل فقبل وفي مسئلتنا قد وقع ما يرفع النكاح ويزيله وهو مار إلى بينونة وقد اختلفا فيما يرفع حكم الطلاق ويثبت له الرجعة والأصل عدم ذلك فكان قوله مخالفاً للأصل فلم يقبل ولأن المولي والعنين يدعيان الاصابة في موضع تحققت فيه الخلوة والتمكين من الوطئ لأنه لو لم يوجد ذلك لما استحقتا الفسخ بعدم الوطئ فكان الاختلاف فيما يختص به وفي مسئلتنا لم تتحقق خلوة ولا تمكين لأنه لو تحقق ذلك لوجب المهر كاملاً فكان الاختلاف في أمر ظاهر لا يختص به فلم يقبل فيه قول مدعيه إلا ببينة وهل تشرع اليمين في حق من القول قوله؟ على وجهين

(فصل) والخلوة كالإصابة في إثبات الرجعة للزوج على المرأة التي خلا بها في ظاهر كلام الخرقي لقوله حكمها حكم الدخول في جميع أمورها وهذا قول الشافعي القديم وقال أبو بكر لا رجعة له عليها إلا أن يصيبها وبه قال أبو حنيفة وصاحباه والشافعي في الجديد لأنها غير مصابة فلا يستحق وجعتها كالتي لم يخل بها ووجه الأول قوله تعالى (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أوحامهن - إلى قوله - وبعولتهن أحق بردهن في ذلك) ولأنها معتدة من طلاق لا عوض فيه ولم يستوف عدده فثبتت عليها الرجعة كالموطؤة ولأنها معتدة يلحقها طلاقه فملك رجعتها كالتي أصابها وفارق التي لم يخل بها فإنها بائن منه لا عدة لها ولا يلحقها طلاقه وإنما تكون الرجعة تلمعتدة التي يلحقها طلاقه والخلاف في هذا مبني على وجوب العدة بالخلوة من غير إصابة ويذكر في موضعه إن شاء الله تعالى (فصل) فإن ادعى زوج الأمة بعد عدتها فأنكره وصدقه مولاها فالقول قولها نص عليه وبذلك قال أبو حنيفة ومالك وقال أبو يوسف ومحمد القول قول الزوج وهو أحق بها لأن إقرار مولاها مقبول في نكاحها فقبل في رجعتها كالحرة إذا أقرت ولنا أن قولها في انقضاء عدتها مقبول فقبل إنكارها للرجعة كالحرة ولأنه اختلاف منهما فيما يثبت به النكاح فيكون المنازع هي دون سيدها كما لو اختلفا في الإصابة وإنما قبل قول السيد في النكاح لأنه يملك إنشاءه فملك الإقرار به بخلاف الرجعة وإن صدقته وكذبه مولاها لم يقبل إقرارها لأن حق السيد تعلق بها

وحلت بانقضاء عدتها فلم يقبل قولها في إبطال حقه كما لو تزوجت ثم أقرت أن مطلقها كان راجعها ولا يلزم من قبول إنكارها قبول تصديقها كالتي تزوجت فإنه يقبل إنكارها ولا يقبل تصديقها إذا ثبت هذا فإن مولاها إذا علم صدق الزوج لم يحل له وطؤها ولا تزويجها وإن علمت هي صدق الزوج في رجعتها فهي حرام على سيدها ولا يحل لها تمكينه من وطئها إلا مكرهة كما قبل طلاقها (فصل) ولو قالت انقضت عدتي ثم قالت ما انقضت بعد فله رجعتها لانه أقرت بكذبها فيها يثبت له حقاً عليها فقبل إقرارها ولو قال أخبرتني بانقضاء عدتها ثم راجعتها ثم أقرت بكذبها في انقضاء عدتها ثم أقرت بكذبها في انقضاء عدتها وأنكرت ما ذكر عنها وأقرت بأن عدتها لم تنقض فالرجعة صحيحة لأنه لم يقر بانقضاء عدتها وإنما أخبر بخبرها عن ذلك وقد رجعت عن خبرها فقبل رجوعها لما ذكرناه (فصل) قال الشيخ رحمه الله وإن طلقها ثلاثاً لم تحل له حتى تنكح زوجاً غيره ويطؤها في القبل وأدنى ما يمكن من ذلك تغييب الحشفة في الفرج وإن لم ينزل) وجملة ذلك أن المرأة إذا لم يدخل بها تبينها تطليفة وتحرمها الثلاث من الحر والاثنتان من العبد وقد أجمع أهل العلم على أن غير المدخول بها تبين بطلقة واحدة ولا يستحق مطلقها رجعتها لأن الرجعة إنما تكون في العدة ولا عدة قبل الدخول لقول الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فمالكم عليهن من عدة تعتدونها) فبين سبحانه أنه لا عدة

عليها فتبين بمجرد طلاقها وتصير كالمدخول بها بعد انقضاء عدتها لا رجعة عليها ولا نفقة لها فإن رغب فيها مطلقها فهو خاطب من الخطاب لا تحل له إلا أن يتزوجها برضاها جديداً وترجع إليه بطلقتين فإن طلقها اثنتين ثم تزوجها رجعت إليه بطلقة واحدة بغير خلاف إن لم تكن تزوجت غيره بغير خلاف فإن طلقها ثلاثاً بلفظ واحد حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره) في قول عامة أهل العلم وقد ذكرنا ذلك فيما مضى ولا خلاف بينهم في أن المطلقة ثلاثاً بعد الدخول لا تحل حتى تنكح زوجا غيره لقول الله سبحانه (فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) وروت عائشة أن امرأة رفاعة القرظي جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت إنها كانت عند رفاعة فطلقها آخر ثلاث تطيقات فتزوجت بعده بعبد الرحمن ابن الزبير وإنه والله ما معه إلا مثل هذه الهدبة وأخذت بهدبة من جلبابها فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحاكا وقال " تريدين أن ترجعي إلى رفاعة لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك " متفق عليه وفي إجماع أهل العلم على هذا غنية عن الإطالة فيه وجمهور العلماء على أنها لا تحل للزوج الأول حتى يطأها الثاني وطئاً يوجد فيه التقاء الختانين إلا أن سعيد بن المسيب من بينهم قال إذا تزوجها تزويجاً صحيحاً لا يريد به اخلالا فلا بأس أن يتزوجها قال إبن المنذر ولا نعلم احدا من أهل العلم قال بقول سعيد بن المسيب هذا إلا الخوارج أخذوا بظاهر قوله سبحانه (حتى تنكح زوجا غيره) ومع تصريح النبي صلى الله عليه وسلم ببيان المراد من كتاب الله تعالى وأنها لا تحل للاول حتى يذوق الثاني عسيلتها وتذوق عسيلته لا يعرج

على شئ سواه ولا يسوغ لأحد المصير إلى غيره مع ما عليه جملة أهل العلم منهم علي بن أبي طالب وابن عمر وابن عمرو وابن عباس وجابر وعائشة رضي الله عنهم وممن بعدهم مسروق والزهري ومالك وأهل المدينة والثوري وأصحاب الرأي والاوزاعي وأهل الشام والشافعي وأبو عبيد وغيرهم (فصل) ويشترط لحلها للأول ثلاثة شروط (أحدها) أن تنكح زوجاً غيره فلو كانت أمة فوطئها سيدها لم تحل لقول الله تعالى (حتى تنكح زوجا غيره) وهذا ليس بزوج (الشرط الثاني) أن يكون نكاحاً صحيحاً فلو كان فاسداً لم يحلها الوطئ فيه وبهذا قال الحسن والشعبي وحماد ومالك والثوري والاوزاعي واسحاق وأبو عبيد وأصحاب الرأي والشافعي في الجديد وقال في القديم يحلها وهو قول الحكم وخرجه أبو الخطاب وجهاً في المذهب لأنه زوج فيدخل في عموم النص ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن المحلل والمحلل له فسماه محللاً مع فساد نكاحه ولنا قوله تعالى (فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) وإطلاق النكاح يقتضي الصحيح ولذلك لو حلف لا يتزوج فتزوج تزويجاً فاسداً لم يحنث ولو حلف ليتزوجن لم يبر بالتزوج الفاسد ولأن أكثر أحكام التزويج غير ثابتة فيه من الاحصان واللعان والظهار والإيلاء والنفقة وأشباه ذلك وأما تسميته محللاً فلقصد التحليل فيما لا يحل ولو أحل حقيقة لما لعن ولا لعن المحلل له وإنما هذا كقول النبي

صلى الله عليه وسلم " ما آمن بالقرآن من استحل محارمه وقال الله تعالى (يحلونه عاما ويحرمونه عاما) ولأنه وطئ في غير نكاح صحيح اشبه وطئ الشبهة وعلى هذا لو وطئها بشبهة لم تبح لأنه في غير نكاح * (مسألة) * (ولو كانت أمة فاشتراها مطلقها لم يحل له وطؤها في قول أكثر أهل العلم ويحتمل أن تحل) وقال بعض أصحاب الشافعي تحل له لأن الطلاق يختص الزوجية فأثر في التحريم بها وقول الله عزوجل (فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) صريح في تحريمها فلا نعول على ما خالفه ولأن الفرج لا يجوز أن يكون محرماً مباحاً فسقط هذا (الشرط الثالث) أن يطأها في الفرج لما ذكرنا من حديث عائشة فعلى هذا إن وطئها دون الفرج أو في الدبر لم يحلها لأنه علق الحل على ذواق العسيلة ولا يحصل إلا بالوطئ في الفرج وأدناه تغييب الحشفة في الفرج وإن لم ينزل لأن أحكام الوطئ تتعلق بذواق العسيلة ولا يحصل من غير انتشار * (مسألة) * (فإن كان مجبوباً قد بقي من ذكره قدر الحشفة فأولجه أحلها وإلا فلا) وإن وطئها زوج مراهق أحلها في قولهم الا مالكا وأبا عبيد فإنهما قالا لا يحلها ويروى ذلك عن الحسن لانه وطئ من غير بالغ فأشبه وطئ الصغير ولنا ظاهر النص وانه وطئ من زوج في نكاح صحيح فأشبه البالغ ويخالف الصغير فإنه لا يمكن

مسألة: ولو كانت أمة فاشتراها مطلقها لم يحل له وطؤها في قول أكثر أهل العلم ويحتمل أن تحل

الوطئ منه ولا تذاق عسيلته قال القاضي يشترط أن يكون له اثنتا عشرة سنة لأن من دون ذلك لا يمكنه المجامعة ولا معنى لهذا فإن الخلاف في المجامعة ومتى أمكنه الجماع فقد وجد منه المقصود فلا معنى لاعتبار سن ما ورد الشرع باعتبارها وتقدير بمجرد الرأي والتحكم * (مسألة) * (فإن كانت ذمية فوطئها زوجها الذمي أحلها لمطلقها المسلم) نص عليه أحمد وقال هو زوج وبه تجب الملاعنة والقسم وبه قال الحسن والزهري والثوري والشافعي وأبو عبيد وأصحاب الرأي وابن المنذر وقال ربيعة ومالك لا يحلها ولنا ظاهر الآية لأنه وطئ من زوج في نكاح صحيح تام أشبه وطئ المسلم (فصل) فإن كانا مجنونين أو أحدهما فوطئها أحلها، وقال أبو عبد الله بن حامد لا يحلها لأنه لا يذوق العسيلة. ولنا ظاهر الآية ولانه وطئ مباح في نكاح صحيح أشبه العاقل وقوله (لا يذوق العسيلة) لا يصح فإن الجنون إنما هو تفطية العقل وليس العقل شرطا في الشهرة وحصول اللذة بدليل البهائم، لكن إن كان المجنون ذاهب الحس كالمصروع والمغمى عليه لم يحصل الحل بوطئه ولا بوطئ مجنونة في هذه الحال لأنها لا تذوق العسيلة ولا تحصل لها اللذة ولعل ابن حامد إنما أراد المجنون الذي هذا حاله

مسألة: فإن كانت ذمية فوطئها زوجها الذمي أحلها لمطلقها المسلم

فلا يكون ههنا اختلاف وكوطئ مغمى عليها أو نائمة لا تحس بوطئه فينبغي أن لا تحل بهذا لما ذكرنا وحكاه ابن المنذر ويحتمل حصول الحل في ذلك كله لعموم النص، فإن وجد على فراشه امرأة فظنها أجنبية أو ظنها جاريته فوطئها فإذا هي امرأته أحلها لأنه صادف نكاحاً صحيحاً، ولو وطئها فأفضاها أو وطئها وهي مريضة تتضرر بوطئه أحلها لأن التحريم ههنا لحقها فإن استدخلت ذكره وهو نائم أو مغمى عليه لم تحل لأنه لم يذق عسيلتها ويحتمل أن تحل لعموم الآية (فصل) فإن كان خصياً أو مسلولاً أو موجوءاً حلت بوطئه لأنه يطأ كالفحل ولم يفقد إلا الإنزال وهو غير معتبر في الاحلال وهذا قول الشافعي، قال أبو بكر وقد روي عن أحمد في الخصي أنه لا يحلها فإن أبا طالب سألته عن المرأة تتزوج الخصي تستحل به قال لا حتى تذوق العسيلة، قال أبو بكر والعمل على ما رواه مهنا أنها تحل ووجه الأول أن الخصي لا يحصل منه لانزال فلا تنال لذة الوطئ فلا يذوق العسيلة، ويحتمل أن أحمد قال ذلك لأن الخصي في الغالب لا يحصل منه الوطئ أو ليس مظنة الإنزال ولا يحصل الاحلال بوطئه كالوطئ من غير انتشار، والأولى إن شاء الله حصول الإحلال به لأنه يحصل بوطئ المراهق الذي لا يحصل منه الإنزال ولذلك تحل المراهقة التي لا يتصور منها الإنزال قبل البلوغ كذلك هذا وعلى هذا يمنع أن لا تذوق العسيلة إذا حصل منه الانتشار كغير البالغ ولدخوله في عموم الآية. * (مسألة) * (وإن وطئها في الدبر أو وطئت بشبهة أو بملك يمين لم تحل) لان الوطئ في الدبر لا تذوق به العسيلة والوط بالشبهة وبملك اليمين وطئ من غير زوج فلا يدخل

مسألة: وإن وطئها في الدبر أو وطئت بشبهة أو بملك يمين لم تحل

في عموم قوله تعالى (حتى تنكح زوجا غيره) فتبقى علي المنع (فصل) فإن وطئها في ردته أو ردتها لم يحلها لأنه إن عاد إلى الإسلام فقد وقع الوطئ في نكاح غير تام لانعقاد سبب البينونة إن لم تعلم في العدة فلم يصادف الوطئ نكاحاً وهكذا لو أسلم أحد الزوجين فوطئها الزوج قبل اسلام الآخر لم يحلها لذلك * (مسألة) * (وإن وطئها زوجها في حيض أو نفاس أو إحرام أحلها وقال أصحابنا لا يحلها) اشتراط أصحابنا أن يكون الوطئ حلالاً فعلي قولهم إن وطئها في حيض أو نفاس أو إحرام أو صيام فرض من أحدهما أو منهما لم تحل، وهو قول مالك لانه وطئ حرام لحق الله تعالى فلم يحصل به الإحلال كوطئ المرتدة، وظاهر النص حلها وهو قوله تعالى (حتى تنكح زوجا غيره وهذه قد نكحت زوجاً غيره) وأيضاً قوله عليه السلام " حتى تذرقي عسيلته ويذوق عسيلتك " وقد وجد ولأنه وطئ في نكاح صحيح في محل الوطئ على سبيل التمام فأحلها كالوطئ المباح وكما لو وطئها وقد ضاق وقت الصلاة أو وطئها مريضة يضرها الوطئ وهذا أصح إن شاء الله تعالى وهو قول أبي حنيفة ومذهب الشافعي، فأما وطئ المرتدة فقد ذكرناه وأشرنا إلى الفرق (فصل) فإن تزوجها مملوك ووطئها أحلها وبذلك قال عطاء ومالك والشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم لهم مخالفاً لأنه دخل في عموم النص ووطؤه كوطئ الحر

مسألة: وإن وطئها زوجها في حيض أو نفاس أو إحرام أحلها وقال أصحابنا لا يحلها

* (مسألة) * وإن طلق العبد زوجته اثنتين لم تحل له حتى تنكح زوجاً غيره سواء عتقا أو بقيا على الرق) وجملة ذلك أن الطلاق معتبر بالرجال فإذا كان الزوج حراً فطلاقه ثلاث حرة كانت الزوجة أو أمة وإن كان عبداً فطلاقه اثنتان حرة كانت زوجته أو أمة فإذا طلق اثنتين حرمت عليه حتى تنكح زوجاً غيره روى ذلك عن عمر وزيد وابن عباس، وبه قال سعيد بن المسيب ومالك والشافعي وإسحاق وابن المنذر وفيه رواية أخرى أن الطلاق بالنساء وقد ذكرنا ذلك في كتاب الطلاق، والمختار أن الطلاق بالرجال والتفريع عليه. فعلى هذا إذا طلقها اثنتين حرمت عليه بالطلاق تحريماً لا ينحل إلا بزوج واصابة ولم يوجد ذلك فلا يزول التحريم، هذا ظاهر المذهب وقد روي عن أحمد أنه يحل له أن يتزوجها وتبقى عنده على واحدة وذكر حديث ابن عباس في المملوكين إذا طلقها تطليقتين ثم عتقا فله أن يتزوجها وقال لا أرى شيئاً يدفعه وغير واحد يقول به أبو سلمة وجابر وسعيد بن المسيب رواه الإمام أحمد في المسند وأكثر الروايات عن أحمد على الأول وقال في حديث عثمان وزيد في تحريمها عليه جيد وحديث ابن عباس يرويه عمرو بن مغيث ولا أعرفه وقال ابن المبارك من أبو حسن هذا؟ لقد حمل صخرة عظيمة منكراً لهذا الحديث، قال أحمد أما أبو حسن

فهو عندي معروف ولكن لا أعرف عمرو بن مغيث، قال أبو بكر إن صح الحديث فالعمل عليه وإن لم يصح فالعمل على حديث عثمان وزيد وبه أقول وقال أحمد ولو طلق عبد زوجته الأمة تطليقتين ثم عتق واشتراها لم تحل له ولو تزوج وهو عبد فلم يطلقها أو طلقها واحدة ثم عتق فله عليها ثلاث تطليقات أو طلقتان إن كان طلقها واحدة لانه في حال الطلاق حر فاعتبر حاله حينئذ كما يعتبر حال المرأة في العدة حين وجودها ولو تزوجها وهو حر كافر فسبي واسترق ثم أسلما جميعاً لم يملك الاطلاق العبيد اعتباراً بحاله حين الطلاق ولو طلقها في كفره واحدة وراجعها ثم سبي واسترق لم يملك إلا طلقة واحدة ولو طلقها في كفره طلقتين ثم استرق فأراد التزوج بها جاز وله طلقة واحدة لأن الطلقتين وقعتا غير محرمتين فلا يتغير حكمهما بما يطرأ بعدهما كما أن الطلقتين من العبد لما وقعتا محرمتين لم يتغير ذلك بالعتق بعدهما * (مسألة) * (وإذا غاب عن مطلقته فأتته فذكرت أنها نكحت من أصابها وانقضت عدتها منه وكان ذلك ممكنا فله نكاحها اذا غلب على ظنه صدقها وإلا فلا) وجملة ذلك أن المطلقة المبتونة إذا مضى بعد طلاقها زمن يمكن فيه انقضاء عدتين بينهما نكاح ووطئ فأخبرته بذلك وغلب على ظنه صدقها إما بأمانتها أو بخبر غيرها ممن يعرف حالها فله أن

مسألة: وإذا غاب عن مطلقته فأتته فذكرت أنها نكحت من أصابها، وانقضت عدتها منه وكان ذلك ممكنا فلها نكاحها إذا غلب على ظنه صدقها وإلا فلا

يتزوجها في قول عامة أهل العلم منهم الحسن والاوزاعي والثوري والشافعي وابو عبيد وأصحاب الرأي وذلك لأن المرأة مؤتمنة على نفسها وعلى ما أخبرت به عنها، ولا سبيل إلى معرفة هذه الحال على الحقيقة إلا من جهتها فيجب الرجوع إلى قولها كما لو أخبرت بانقضاء عدتها فأما إن لم يعرف ما يغلب على ظنه صدقها لم يحل له نكاحها، وقال الشافعي له نكاحها لما ذكرنا أولاً والورع أن لا ينكحها ولنا أن الأصل التحريم ولم يوجد غلبة ظن تقل عنه فوجب البقاء عليه كما لو أخبره فاسق عنها (فصل) إذا أخبرت أن الزوج أصابها فأنكرها فالقول قولها في حلها للأول والقول قول الزوج في المهر ولا يلزمه إلا نصفه إذا لم يقر بالخلوة بها فإن قال الزوج الأول أنا أعلم أنه ما أصابها لم يحل له نكاحها لأنه يقر على نفسه بتحريمها فإن عاد فأكذب نفسه وقال قد علمت صدقها دين فيما بينه وبين الله تعالى، فإذا علم حلها لم تحرم بكذبه، وهذا مذهب الشافعي ولأنه قد يعلم ما لم يكن علمه ولو قال ما أعلم أنه أصابها لم تحرم عليه بهذا لأن المعتبر في حلها له خبر يغلب على ظنه صدقه لا حقيقة العلم (فصل) إذا طلقها طلاقاً رجعياً وغاب فقضت عدتها وأرادت التزوج فقال وكيله توقفي كيلا يكون راجعك لم يجب عليها التوقف لأن الأصل عدم الرجعة وحل النكاح، فلا يجب الزوال عنه بأمر مشكوك فيه ولأنه لو وجب عليها التوقف في هذه الحال لوجب عليها التوقف قبل قوله لأن احتمال الرجعة موجود سواء قال أو لم يقل فيفضي إلى تحريم النكاح على كل رجعية غاب زوجها أبداً

(فصل) فإذا قالت قد تزوجت من أصابني ثم رجعت عن ذلك قبل أن يعقد عليها لم يجز العقد لأن الخبر المبيح للعقد قد زال فزالت الاباحة وإن كان ذلك بعد العقد عليها لم يقبل لأن ذلك إبطال للعقد الذي لزمها بقولها فلم يقبل كما لو ادعى زوجية أمرأة فأقرت له بذلك ثم رجعت عن الإقرار * (كتاب الإيلاء) * الإيلاء في اللغة الحلف، يقال آلى يولي إيلاء وألية وجمع الألية ألايا. قال الشاعر قليل الالايا حافظ ليمينه إذا صدرت منه الألية برت ويقال تألى يتألى وفي الخبر " من يتأل على الله يكذبه " * (مسألة) * (وهو الحلف على ترك الوطئ في موضع الشرع والأصل فيه قول الله تعالى (للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر وكان أبي بن كعب وابن عباس يقرآن يقسمون) * (مسألة) * (ويشترط له أربعة شروط أحدهما) الحلف على ترك الوطئ في القبل لأنه الذي يحصل الضرر به فان تركه بغير يمين لم يكن موليا) لأن الإيلاء الحلف

كتاب الإيلاء

* (مسألة) * (فإن تركه مضراً بها من غير عذر فهل تضرب له مدة الإيلاء ويحكم عليه بحكمه؟ على روايتين) أما إذا تركه لعذر من مرض أو غيبة أو نحوه لم تضرب له مدة وإلا ففيه روايتان (إحداهما) تضرب له مدة أربعة أشهر فإن وطئها وإلا دعي بعدها إلى الوطئ فإن امتنع منه أمر بالطلاق كما يفعل في الإيلاء سواء لانه أضر بها بترك الوطئ في مدة الإيلاء فيلزم حكمه كما لو حلف ولأن ما وجب أداؤه إذا حلف على تركه وجب أداؤه إذا لم يحلف كالنفقة وسائر الواجبات، يحققه أن اليمين لا تجعل غير الواجب واجباً إذا حلف على تركه فوجوبه معها يدل على وجوبه قبلها ولأن وجوبه في الإيلاء إنما كان لدفع حاجة المرأة وازالة الغرر عنها وضررها لا يختلف بالايلاء وعدمه فلا يختلف الوجوب، فإن قيل فلا يبقى للأيلاء أثر فلم أفردتم له باباً؟ قلنا بل له أثر فإنه يدل على قصد الإضرار فيتعلق الحكم به وإن لم يظهر منه قصد الاضرار اكتفينا بدلالته وإذا لم يوجد الإيلاء احتجنا إلى دليل سواه يدل على المضارة فيعتبر الإيلاء لدلالته على المقتضى لا لعينه (والثانية) لا تضرب له مدة وهو قول أبي حنيفة والشافعي لأنه ليس بمول فلا تضرب له مدة كما لو لم يقصد الاضرار ولأن تعليق الحكم بالإيلاء يدل على انتفائه عند عدمه إذا لو ثبت هذا الحكم بدونه لم يكن له أثر وليس امتناعه باليمين أقوى من امتناعه بقصد الضرر لأنه يمتنع بقصد الضرر وبلزومه الكفارة فلا يصح الإلحاق إذا لم يحلف بما إذا حلف لقوة المانع والله أعلم

مسألة: فإن تركه مضرا بها من غير عذر فهل تضرب له مدة الإيلاء ويحكم عليه بحكمه؟ على روايتين

* (مسألة) * (وإن حلف على ترك الوطئ في الدبر أو دون الفرج لم يكن موليا) لأنه إذا حلف على ترك الوطئ في الدبر لم يترك الوطئ الواجب عليه ولا تتضرر المرأة بتركه لانه وطئ محرم وقد أكد منع نفسه بيمينه وكذلك إن حلف على ترك الوطئ دون الفرج لأنه لم يحلف على الوطئ الذي يطالب به في الفيئة ولا ضرر على المرأة في تركه * (مسألة) * (وإن حلف لا يجامعها الاجماع سواء يريد جماعاً ضعيفاً لا يزيد على التقاء الختانين لم يكن موليا) لأنه يمكنه الوطئ الواجب عليه من غير حنث وإن قال أردت وطأ لا يبلغ التقاء الختانين فهو مول لأنه لا يمكنه الوطئ الواجب عليه في الفيئة بغير حنث وكذلك إن أراد به الوطئ في الدبر أو دون الفرج فكذلك وإن لم يكن له نية فليس بمول لأنه محتمل فلا يتعين ما يكون به مولياً، وإن قال والله لا جامعتك جماع سوء لم يكن مولياً بحال لأنه لم يحلف على ترك الوطئ إنما حلف على ترك صفته المكروهة. * (مسألة) * (وإذا حلف على ترك الوطئ بلفظ لا يحتمل غيره كلفظه الصريح وقوله لا أدخلت ذكري في فرجك وللبكر خاصة لا افتضضتك لم يدين فيه) وجملته أن الألفاظ التي يكون به مولياً تنقسم ثلاثة أقسام (أحدها) ما هو صريح في الحكم والباطن جميعاً كقوله والله لا أنيكك ولا أدخل أو أغيب

مسألة: وإن حلف لا يجامعها إلا جماع سوء يريد جماعا ضعيفا لا يزيد على التقاء الختانين لم يكن موليا

أو أولج ذكرى في فرجك ولا افتضضتك للبكر خاصة فهذه صريحة لا يدين فيها لأنها لا تحتمل غير الإيلاء. (القسم الثاني) صريح في الحكم ويدين فيما بينه وبين الله تعالى وهي عشرة ألفاظ لا وطئتك ولا جامعتك ولا باضعتك ولا باعتك ولا باشرتك ولا قربتك ولا أصبتك ولا أتيتك ولا مسستك ولا اغتسلت منك فهذه صريحة في الحكم لأنها تستعمل في العرف في الوطئ وقد ورد القرآن ببعضها فقال سبحانه (ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فاتوهن) وقال (ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد) وقال (من قبل أن تمسوهن) وأما الجماع والوطئ فهما أشهر الألفاظ في الاستعمال فلو قال أردت بالوطئ الوطئ بالقدم وبالجماع اجتماع الأجسام وبالاصابة الاصابة باليد دين فيما بينه وبين الله تعالى ولم يقبل في الحكم لأنه خلاف الظاهر والعرف وقد اختلف قول الشافعي فيما عدا الوطئ والجماع من هذه الألفاظ فقال في موضع ليس بصريح في الحكم لأنه حقيقة في غير الجماع وقال في لا باضعتك ليس بصريح لأنه يحتمل أن يكون انتقاء البضعتين البضعة من البدن بالبضعة منه فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال " فاطمة بضعة مني "

ولنا أنه مستعمل في الوطئ عرفا وقد ورد ببعضه القرآن والسنة فكان صريحاً كلفظ الوطئ والجماع وكونه حقيقة في غير الجماع لا يبطل بلفظ الوطئ والجماع وكذلك قوله فارقتك وسرحتك في ألفاظ الطلاق فانهم قالوا هي صريحة في ألفاظ الطلاق مع كونها حقيقة في غيره، وأما قوله باضعتك فهو مشتق من البضع ولا يستعمل هذا اللفظ في غير الوطئ فهو أولى أن يكون صريحاً من سائر الألفاظ لأنها تستعمل في غيره وبه قال أبو حنيفة (القسم الثالث) ما لا يكون موليا فيها إلا بالنية وهو ما عدا هذه الألفاظ مما يحتمل الجماع كقوله والله لا يجمع رأسي ورأسك شئ لا ساقف رأسي رأسك لا سوءنك لا غيظتك لتطولن غيبتي عنك لا مس جلدي جلدك لا قربت فراشك لا أويت معك لا نمت عندك فهذه إن أراد بها الجماع واعترف بذلك كان موليا وإلا فلا لأن هذه الألفاظ ليست ظاهرة في الجماع كظهور التي قبلها ولم يرد النص في استعمالهما فيه الا إن هذه الألفاظ منقسمة إلى ما يفتقر إلى نية الجماع والمدة معاً وهي قوله لا سوءنك أو لا غيظنك أو لتطولن غيبتي عنك فلا يكون موليا حتى ينوي ترك الجماع في مدة تزيد على أربعة أشهر لأن غيظها يوجد بترك الجماع فيما دون ذلك وسائر الألفاظ يكون موليا بنية الجماع فقط فإن قال والله لا أدخلت جميع ذكري في فرجك لم يكن موليا لأن الوطئ الذي تحصل به الفيئة يحصل بدون إيلاج جميع الذكر فإن قال والله لا أولجت حشفتي في فرجك كان كان موليا لأن الفيئة لا تحصل بدون ذلك (الشرط الثاني) أن يحلف بالله أو بصفة من صفاته، ولا خلاف بين أهل العلم في أن الحلف بذلك إيلاء.

* (مسألة) * (فإن حلف بنذر أو عتق أو طلاق لم يصر موليا في الظاهر عنه وعنه يكون مولياً) إذا حلف على ترك الوطئ بغير اسم الله تعالى وصفة من صفاته مثل أن حلف بطلاق أو عتاق أو صدقة المال أو الحج أو الظهار ففيه روايتان: [إحداهما] لا يكون موليا وهو قول الشافعي القديم (والرواية الثانية) هو مول، وروي عن ابن عباس أنه قال كل يمين منعت جماعها فهي إيلاء وبذلك قال الشعبي والنخعي ومالك وأهل الحجار والثوري وأبو حنيفة وأهل العراق والشافعي وأبو ثور وأبو عبيد وغيرهم لأنها يمين منعت جماعها فكانت إيلاء كالحلب بالله تعالى ولأن تعليق الطلاق والعتاق حلف بدليل أنه لو قال متى حلفت بطلاقك فأنت طالق، ثم قال إن وطئتك فأنت طالق طلقت في الحال، وقال أبو بكر كل يمين من حرام أو غيرها تجب بها كفارة يكون الحالف بها موليا وأما الطلاق والعتاق فليس الحلف به إيلاء لأنه يتعلق به حق آدمي وما أوجب كفارة تعلق به حق الله تعالى. (والرواية الأولى) هي المشهورة لأن الايلاء المطلق إنما هو القسم ولهذا قرأ أبي وابن عباس (يقسمون) بدل يؤلون وروي عن ابن عباس في تفسير (يؤلون) قال يحلفون بالله ذكره الإمام أحمد والتعليق بشرط ليس بقسم ولهذا لا يؤتى فيه بحرف القسم ولا يجاب بجوابه ولا ذكره أهل العربية في باب

مسألة: فإن حلف بنذر أو عتق أو طلاق لم يصر موليا في الظاهر عنه وعنه يكون موليا

القسم فلا يكون إيلاء وانما يمسى حلفا تجوزا لمشاركته القسم في المعنى المشهور فيه وهو الحث على الفعل أو المنع منه أو توكيد الخبر والكلام عند إطلاقه لحقيقته ويدل على هذا قول الله تعالى (فان فاءوا فإن الله غفور رحيم) وإنما يدخل الغفران في اليمين بالله وأيضاً قول النبي صلى الله عليه وسلم " إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم " متفق عليه وإن سلمنا أن غير القسم حلف لكن الحلف باطلاقه إنما ينصرف إلى القسم وانما يصرف إلى غيره بدليل، ولا خلاف في أن القسم بغير الله وصفاته لا يكون إيلاء لأنه لا يوجب كفارة ولا شيئاً يمنع من الوطئ فلا يكون إيلاء كالخبر بغير قسم وإذا قلنا بالرواية لثانية فلا يكون موليا إلا أن يحلف بما يلزمه بالحنث فيه حق كقوله إن وطئتك فعبدي حر أو فأنت طالق أو فأنت علي كظهر أمي أو فأنت حرام أو فلله علي صوم سنة أو الحج أو صدقه فهذا يكون إيلاء لأنه يلزمه بوطئها حق يمنعه من وطئها خوفه من وجوبه * (مسألة) * (وإن قال إن وطئتك فأنت زانية أو فلله علي صوم هذا الشهر لم يكن موليا لأنه لو وطئها لم يلزمه حق ولا بصير قاذفا بالوطئ لأن القذف لا يتعلق بالشرط ولا يجوز أن تصير زانية بوطئه لها كما لا تصير زانية بطلوع الشمس، وأما قوله إن وطئتك فلله على صوم هذا الشهر لم يكن موليا لأنه لو وطئها بعد مضيه لم يلزمه حق فإن صوم هذا الشهر لا يتصور بعد مضي بعضه فلا يلزم بالنذر

مسألة: وإن قال إن وطئتك فأنت زانية أو فلله علي صوم هذا الشهر لم يكن موليا

كما لو قال أن وطئتك فلله علي صوم أمس فلو قال ان وطئتك فلله علي أن أصلي عشرين رجعة كان موليا وقال أبو حنيفة لا يكون موليا لأن الصلاة لا يتعلق بها مال ولا تتعلق بمال فلا يكون الحالف بها موليا كما لو قال إن وطئتك فلله علي أن أمشي في السوق ولنا أن الصلاة تجب بالنذر فكان الحالف بها موليا كالصوم والحج وما ذكره لا يصح فإن الصلاة تحتاج إلى الماء والسترة، وأما المشي في السوق فقياس المذهب على هذه الرواية أنه يكون موليا لأنه يلزمه بالحنث في هذا النذر أحد شيئين إما الكفارة وإما المشي فقد صار الحنث موجباً لحق عليه فعلى هذا يكون موليا بنذر فعل المباحات والمعاصي فإن نذر المعصية موجب للكفارة في ظاهر المذهب وإن سلمنا فالفرق بينهما أن المشي لا يجب بالنذر بخلاف مسئلتنا وإذا استثنى في يمينه لم يكن موليا في قول الجميع لأنه لا يلزمه كفارة بالحنث فلم يكن الحنث موجباً لحق عليه وهذا إذا كانت اليمين بالله تعالى أو كانت يمينا مكفرة فأما الطلاق والعتاق فمن جعل الاستثناء فيهما غير مؤثر فوجوده كعدمه ويكون موليا بهما سواء استثنى أو لم يستثن (الشرط الثالث) أن يحلف على أكثر من أربعة أشهر وهذا قول ابن عباس وسعيد بن جبير وطاوس ومالك والاوزاعي والشافعي وأبي ثور وأبي عبيد وقال عطاء والثوري وأصحاب الرأي إذا حلف على أربعة أشهر فما زاد كان موليا وحكى ذلك القاضي أبو الحسين رواية عن أحمد لأنه ممتنع عن الوطئ باليمين أربعة أشهر فكان موليا كما لو حلف على

ما زاد وقال النخعي وقتادة وحماد وابن أبي ليلى واسحاق من حلف على ترك الوطئ في قليل من الأوقات أو كثير فتركها أربعة أشهر فهو مول لقول الله تعالى (للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر) وهذا مول لأن الإيلاء الحلف وهذا حالف ولنا أنه لم يمنع نفسه من الوطئ باليمين أكثر من أربعة أشهر إذا حلف على أربعة فما دونها فلا معنى للتربص لأن مدة الإيلاء تنقضي قبل ذلك أو مع انقضائه وتقدير التربص بأربعة أشهر يقتضي كونه في مدة تناولها الإيلاء ولأن المطالبة إنما تكون بعد أربعة أشهر فإذا انقضت المدة بأربعة فما دون لم تصح المطالبة من غير ايلاء وأبو حنيفة ومن وافقه بنوا ذلك على قولهم في العنة إنها تكون في مدة أربعة أشهر وظاهر الآية خلافه فإن الله تعالى قال (للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاءوا) فعقب الفيئة عقيب التربص بقاء التعقيب فيدل على تأخيرها عنه إذا ثبت هذا فقد حكي عن ابن عباس أن المؤلي من يحلف على ترك الوطئ أبداً أو مطلقاً لأنه إذا حلف على ما دون ذلك أمكنه التخلص بغير الحنث فلم يكن موليا كما لو حلف لا وطئها في مدينة بعينها ولنا أنه لا يمكنه التخلص بعد التربص من يمينه بغير حنت فأشبه المطلقة بخلاف اليمين على مدينة معينة فإنه يمكن التخلص بغير الحنث ولأن الأربعة الأشهر مدة تتضرر المرأة بتأخير الوطئ عنها فإذا حلف على أكثر منها كان موليا كالابد ودليل الوصف ما روي أن عمر رضي الله عنه كان يطوف ليلة في المدينة فسمع امرأة تقول:

تطاول هذا الليل وازور جانبه * وليس إلى جنبي خليل ألاعبه فوالله لولا الله لا رب غيره * لزعزع من هذا السرير جوانبه مخافة ربي والحياء يكفني * وإكرام بعلي أن ننال مراكبه فسأل عمر نساء كم تصبر المرأة عن الزوج؟ فقلن شهرين وفي الثالث يقل الصبر وفي الرابع ينفد الصبر فكتب إلى أمراء الاجناد أن لا يحبسوا رجلاً عن امرأته أكثر من أربعة أشهر (فصل) إذا علق الإيلاء بشرط مستحيل كقوله والله لا وطئتك حتى تصعدي السماء أو تقلبي الحجر ذهباً أو يشيب الغراب فهو مؤل لأن معنى ذلك ترك وطئها فإن ما يراد إحالة وجوده يعلق على المستحيلات قال الله تعالى في الكفار (ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط) معناه لا يدخلون الجنة أبداً. وقال بعضهم إذا شاب الغراب أتيت أهلي * وصار القار كاللبن الحليب * (مسألة) * (أو يعلقه على شرط يغلب على الظن أنه لا يوجد في أقل من أربعة أشهر) كقوله والله لا وطئك حتى ينزل عيسى بن مريم أو يخرج الدجال أو الدابة أو غير ذلك من اشراط الساعة أو ما عشت أو حتى أموت أو تموتي أو يموت ولدك أو زيد أو حتى يقدم زيد من مكة والعادة أنه لا يقدم في أربعة أشهر فإنه يكون موليا فإن الغالب أن ذلك لا يوجد في أربعة أشهر فأشبه ما لو قال والله لا وطئتك في نكاحي هذا كذلك لو علق الطلاق على مرضها أو مرض بعينه، وإن قال والله لا وطئتك

مسألة: أو يعلقه على شرط يغلب على الظن أنه لا يوجد في أقل من أربعة أشهر

إلى قيام الساعة أو حتى آتي الهند أو نحوه فهو مؤل لأنه معلوم أنه لا يوجد ذلك في أربعة أشهر لأن قيام الساعة له علامات تسبقه فقد علم أنه لا يوجد في المدة المذكورة * (مسألة) * (وإن قال والله لا وطئتك حتى تحبلي فهو مؤل) لأن حبلها من غير وطئ مستحيل عادة فهو كصعود السماء، وقال القاضي وابو الخطاب وأصحاب الشافعي ليس بمؤل إلا أن تكون صغيرة يغلب على الظن أنها لا تحمل في أربعة أشهر أو تكون آيسة فأما إن كانت من ذوات الإقراء لم يكن مؤليا لأن حملها ممكن ولنا أن الحمل بدون الوطئ مستحيل عادة فكان تعليق اليمين عليه إيلاء كصعود السما، ودليل استحالته قول مريم (أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا؟) ولولا استحالته لما نسبت نفسها إلى البغاء لوجود الولد وأيضاً قول عمر رضي الله عنه: الرجم حق على من زنى وقد أحصن اذا قامت به البينة أو كان الحبل أو الاعتراف ولأن العادة أن الحبل لا يوجد من غير الوطئ فإن قالوا يمكن حبلها من وط غيره أو باستدخال منيه قلنا أما الأول فلا فإنه لو صرح به فقال لا وطئتك حتى تحبلي من غيري أو ما دمت في نكاحي أو حتى نزني كان مؤليا ولو صح ما ذكروه لم يكن مؤليا وأما الثاني فهو من المستحيلات عادة إن وجد كان من خوارق العادات بدليل ما ذكرناه، وقد قال أهل الطب أن المني إذا يرد لم يخلق منه ولد وصحح قولهم قيام الأدلة التي ذكرنا بعضها وجريان العادة على وفق ما قالوه وإذا كل تعليقه على موتها أو موته إيلاء فتعليقه على حبلها من غير وطئ أولى فإن قال أردت بقولي حتى تحبلي السببية ولم أرد الغاية ومعناه لا أطؤك لتحبلي قبل منه ولم يكن مؤليا لأنه ليس بحالف على ترك الوطئ وإنما حلف على ترك قصد الحبل به فإن حتى تستعمل بمعنى السببية

مسألة: وإن قال والله لا وطئتك حتى تحبلي فهو مؤل

* (مسألة) * (وإن قال والله لا وطئتك مدة أو ليطولن تركي لجماعك لم يكن موليا حتى ينوي أكثر من أربعة أشهر) لأن ذلك بقع على القليل والكثير فلا يصير موليا به فإن نوى أكثر من أربعة أشهر صار موليا * (مسألة) * (وإن حلف على ترك الوطئ حتى يقدم زيد أو نحوه مما لا يغلب على الظن عدمه في أربعة أشهر أو لا وطئتك في هذه البلدة لم يكن موليا) لأنه لا يعلم قدره فهذا ليس بإيلاء لكونه لا يعلم حلفه على أكثر من أربعة أشهر ولأنه يمكنه وطؤها في غير البلدة المحلوف عليها وهذا قول الثوري والاوزاعي والشافعي وأبي حنيفة وصاحبيه وقال ابن أبي ليلى وإسحاق هو مول لأنه حالف على ترك وطئها ولنا أنه يمكن وطؤها بغير حنث فلم يكن موليا كما لو استثنى في يمينه، فإن علقه على ما يعلم أنه يوجد في أقل من أربعة أشهر أو يظن ذلك كذبول يقل وجفاف ثوب ونزول المطر في أوانه وقدوم الحاج في زمانه فهذا لا يكون موليا لما ذكرناه، ولأنه لم يقصد الاضرار بترك وطئها أكثر من أربعة أشهر أشبه ما لو قال والله لا وطئتك شهرا (فصل) فإن علقه على فعل منها هي قادرة عليه أو فعل من غيرها فهو منقسم ثلاثة أقسام

مسألة: وإن حلف على ترك الوطء حتى يقدم زيد أو نحوه مما لا يغلب على الظن عدمه في أربعة أشهر أو لا وطئتك في هذه البلدة لم يكن موليا

(أحدها) أن يعلقه على فعل مباح لا مشقة فيه كقوله والله لا أطؤك حتى تدخلي الدار أو تلبسي هذا الثوب أو حتى أتنفل بصوم يوم أو حتى أكسوك، فهذا ليس بإيلاء لأنه ممكن الوجود بغير ضرر عليه فيه (الثاني) أن يعلقه على محرم كقوله والله لا أطؤك حتى تشربي الخمر أو تزني أو تسقطي ولدك أو تتركي صلاة الفرض أو حتى أقتل زيداً ونحوه فهذا إيلاء لأنه علقه على ممتنع شرعا فأشبه الممتنع حسا (الثالث) أن يعلقه على ما على فاعله فيه مضرة كقوله والله لا أطؤك حتى تسقطي صداقك أو جنينك أو حتى تكفلي ولدي أو حتى تهبيني دارك أو حتى يبيعني أبوك داره أو نحو ذلك فهذا ايلاء لان أخذه لمالها أو مال غيرها عن غير رضى صاحبه محرم فجرى مجرى شرب الخمر فإن قال والله لا أطؤك حتى أعطيك مالاً أو أفعل في حقك جميلا لم يكن ايلاء لأن فعله ذلك ليس بمحرم ولا ممتنع فجرى مجرى قوله حتى أصوم يوماً. (فصل) فإن قال والله لا وطئتك إلا برضاك لم يكن موليا لإمكان وطئها بغير حنث ولأنه محسن في كونه ألزم نفسه اجتناب سخطها، وعلى قياس ذلك كل حال يمكنه الوطئ فيها بغير حنث كقوله والله لا وطئتك مكرهة أو محزونة ونحو ذلك فإن قال والله لا وطئتك مريضة لم يكن موليا إلا أن يكون بها مرض لا يرجى برؤه أو لا يزول في أربعة أشهر فينبغي أن يكون موليا لأنه حالف على ترك وطئها أربعة أشهر

فإن قال ذلك لها وهي صحيحة فمرضت مرضا يمكن برؤه قبل أربعة أشهر لم يصر موليا وإن لم يرج برؤه فيها صار موليا، وكذلك إن كان الغالب أنه لا يزول في أربعة أشهر لأن ذلك بمنزلة ما لا يرجى زواله وإن قال والله لا وطئتك حائضا أو نفساء أو محرمة أو صائمة فرضا لم يكن موليا لأن ذلك ممنوع منه شرعا فقد أكد منع نفسه بيمينه، وإن قال والله لا وطئتك طاهرا أولا وطئتك وطأ مباحا صار موليا لأنه حالف على ترك الوطئ الذي يطالب به في الفيئة فكان موليا كما لو قال والله لا وطئتك في قبلك وإن قال والله لا وطئتك ليلاً أو والله لا وطئك نهاراً لم يكن موليا لان الوطئ ممكن بدون الحنث * (مسألة) * (وإن قال إن وطئتك فوالله لا وطئتك وإن دخلت الدار فوالله لا وطئتك لم يكن موليا في الحال لأنه لا يلزمه بالوطئ حق لكن إن وطئها أو دخلت الدار صار موليا) لأنها تبقى يمينا تمنع الوطئ على التأييد وهذا الصحيح عن الشافعي ويحتمل أن يكون موليا، وحكي عنه قول قديم أنه يكون موليا من الأول لأنه لا يمكنه الوطئ إلا أن يصير موليا فيلحقه بالوطئ ضرر ولأنه علقه على شئ إذا وجد صار موليا فيصير موليا في الحال كذلك ههنا ولنا أن يمينه معلقة على شرط ففيما قبله ليس بحالف فلا يكون موليا ولأنه يمكنه الوطئ من غير حنث فلم يكن موليا كما لو لم يقل شيئاً

مسألة: وإن قال إن وطئتك فوالله لا وطئتك وإن دخلت الدار فوالله لا وطئتك لم يكن موليا في الحال لأنه لا يلزمه بالوطء حق لكن إن وطئها أو دخلت الدار صار موليا

* (مسألة) * (وإن قال والله لا وطئك في السنة إلا مرة لم يصر موليا في الحال) لأنه يمكنه الوطئ بغير حنث فلم يكن ممنوعا من الوطئ بحكم يمينه فإن وطئها وقد بقي من السنة أكثر من أربعة أشهر صار موليا وهذا قول أبي ثور وأصحاب الرأي وظاهر مذهب الشافعي وقال الشافعي في القديم يكون موليا في الحال لأنه لا يمكنه الوطئ إلا بأن يصير موليا فيلحقه بالوطئ ضرر ولنا أن يمينه معلقة بالإصابة فقيلها لا يكون حالفا لأنه لا يلزمه بالوطئ شئ وكونه يصير موليا لا يلزمه به شئ إنما يلزمه بالحنث، وقوله لا يمكنه الوطئ إلا بأن يصير موليا ممنوع فيما إذا لم يطأ إلا وقد بقي من السنة أربعة أشهر فما دون * (مسألة) * (وإن قال والله لا وطئتك في السنة إلا يوما فكذلك في أحد الوجهين) وهو قول أبي حنيفة لأن اليوم منكر فلم يختص يوما دون يوم وكذلك لو قال صمت رمضان إلا يوما لم يختص اليوم الآخر، وكذلك لو قال لا أكلمك في السنة إلا يوما لم يختص يوما منها، وفيه وجه آخر أنه يصير موليا في الحال لأن اليوم المستثنى يكون من آخر المدة كالتأجيل، ومدة الخبار بخلاف قوله لا وطئتك في السنة إلا مرة فإن المرة لا تختص وقتا بعينه، ومن نصر الأول فرق بين هذا وبين التأجيل ومدة الخيار من حيث إن التأجيل ومدة الخيار تجب الموالاة فيهما ولا يجوز أن يتخلاهما يوم لا أجل فيه ولا خيار لو جازت له المطالبة لزم قضاء الدين فيسقط التأجيل

مسالة: وإن قال والله لا وطئتك في السنة إلا يوما فكذلك في أحد الوجهين

بالكلية ولو لزم العقد في أثناء مدة الخيار لم يعد إلى الجواز فتعين جعل اليوم المستثنى من آخر المدة بخلاف ما نحن فيه فإن جواز الوطئ في يوم من أول السنة أو أوسطها لا يمنع حكم اليمين فيما بقي منها فصار كقوله لا وطئتك في السنة إلا مرة (فصل) فإن قال والله لا وطئك عاما ثم قال والله لا وطئتك عاما فهو إيلاء واحد حلف عليه بيمينين إلا أن ينوي عاماً آخر سواه، فإن قال والله لا وطئتك عاما ثم قال والله لا وطئتك نصف عام أو قال والله لا وطئتك نصف عام ثم قال والله لا وطئتك عاما دخلت المدة القصيرة في الطويلة لأنها بعضها ولم يجعل إحداهما بعد الأخرى فأشبه ما لو أقر بدرهم لرجل ثم أقر له بنصف درهم أو أقر بنصف درهم ثم بدرهم فيكون إيلاء واحداً لهما وقت واحد وكفارة واحدة، وإن نوى باحدى المدتين غير الاخرى في هذه أو في التي قبلها أو قال والله لا وطئتك عاما فإذا مضى فوالله لا وطئتك عاما فهما إيلاآن في زمانين لا يدخل حكم أحدهما في الآخر، أحدهما منجز والآخر متأخر فإذا مضى حكم أحدهما بقي حكم الآخر لأنه أفرد كل واحد منهما بزمن غير زمن صاحبه فيكون له حكم ينفرد به، فإن قال في المحرم والله لا وطئتك هذا العام ثم قال في رجب والله لا وطئتك عاما فهما إيلاآن في مدتين بعض إحداهما داخل في الاخرى فان فا في رجب أو فيما بعده من بقية العام الأول حنث في اليمينين ويجزئه كفارة واحدة وينقطع حكم الايلاءين وإن فاء قبل رجب أو بعد العام الأول حنث في إحدى اليمينين دون الاخرى، وإن فاء في الموضعين حنث في اليمينين وعليه كفارتان

(فصل) فإن حلف على وطئ امرأته عاما ثم كفر يمينه انحل الايلاء قال الأثرم قيل لأبي عبد الله المولى يكفر يمينه قبل مضي أربعة أشهر قال يذهب عنه الايلاء ويوقف بعد الأربعة وذهب الايلاء حين ذهبت اليمين وذلك لأنه لم يبق ممنوعا من الوطئ بيمينه فأشبه من حلف واستثنى، فإن كان تكفيره قبل مضي الأربعة الأشهر انحل الايلاء حين التكفير وصار كالحالف على ترك الوطئ أقل من أربعة أشهر وإن كفر بعد الأربعة وقبل الوقف صار كالحالف على أكثر منها إذا مضت يمينه قبل وقفه * (مسألة) * (فإن قال والله لا وطئتك أربعة أشهر فإذا مضت فوالله لا وطئتك أربعة أشهر أو فإذا مضت فلا وطئتك شهرين أو لا وطئتك فإذا مضت فوالله لا وطئتك أربعة أشهر ففيه وجهان (أحدهما) ليس بمول لأنه حالف بكل يمين على مدة ناقصة عن مدة الايلاء فلم يكن موليا كما لو لم ينو الا مدتهما ولانه يمكنه الوطئ بالنسبة إلى كل يمين عقيب مدتها من غير حنث فيها فأشبه ما لو أقتصر عليها، ويحتمل أن يصير موليا لأنه منع نفسه من الوطئ بيمينه أكثر من أربعة أشهر متوالية فكان موليا كما لو منعها بيمين واحدة، ولأنه لا يمكن الوطئ بعد المدة إلا بحنث في يمينه فأشبه ما لو حلف على ذلك بيمين واحدة، ولو لم يكن هذا إيلاء أفضى إلى أن يمتنع من الوطئ طول دهره باليمين وفلا يكون موليا وهكذا الحكم في كل مدتين متواليتين يزيد مجموعها على أربعة أشهر لما ذكرنا من التعليلين هذا هو الصحيح إن شاء الله تعالى

مسالة: فإن قال والله لا وطئتك أربعة أشهر فإذا مضت فوالله لا وطئتك أربعة أشهر أو فإذا مضت فلا وطئتك شهرين أو لا وطئتك فإذا مضت فوالله لا وطئتك أربعة أشهر

* (مسألة) * (وإن قال والله لا وطئتك إن شئت فشاءت صار موليا) وبهذا قال الشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي لأنه يصير ممتنعا من الوطئ حيث تشاء إلا أن أصحاب الشافعي قالوا إن شات على الفور جوابا لكلامه صار موليا وإن أخرت المشيئة انحلت يمينه لأن ذلك تخيير لها فكان على الفور كقوله اختاري في الطلاق ولنا أنه علق اليمين على المشيئة بحرف إن فكان على التراخي كمشيئة غيرها، فإن قيل فهلا قلتم لا يكون موليا فإنه علق ذلك باردتها فأشبه ما لو قال لا وطئتك إلا برضاك؟ قلنا الفرق بينهما أنها إذا شات انعقدت يمينه مانعة من وطئها بحيث لا يمكنه الوطئ بعد ذلك بغير حنث، وإذا قال والله لا وطئتك إلا برضاك فما حلف إلا على ترك وطئها في بعض الأحوال وهو حال سخطها فيمكنه الوطئ في حال رضاها بغير حنث وإذا طالبته بالفيئة فهو برضاها، وإن قال والله لا وطئتك إلا أن يشاء أبوك أو فلان لم يكن موليا لانه عقله بفعل منه يمكن وجوده في الأربعة الأشهر امكانا غير بعيد وليس بمحرم ولا فيه مضرة أشبه ما لو قال والله لا وطئتك إلا أن تدخلي الدار * (مسألة) * (وإن قال إلا أن تشائي أو إلا باختيارك أو إلا أن تختاري لم يصير موليا وصار كقوله إلا برضاك أو حتى تشائي) وقال أبو الخطاب أن شاءت في المجلس لم يصر موليا وإلا صار موليا وقال أصحاب الشافعي إن شاءت

مسألة: وإن قال إلا أن تشائي أو إلا باختيارك، أو إلا أن تختاري لم يصر موليا، وصار كقوله إلا برضاك أو حتى تشائي

على الفور عقيب كلامه لم يصر موليا وإلا صار موليا لأن المشيئة عندهم على الفور وقد فانت بتراخيها، وقال القاضي تنعقد يمينه فإن شاءت انحلت وإلا فهي منعقدة ولنا أنه منع نفسه بيمينه من وطئها إلا عند ارادتها فأشبه ما لو قال إلا برضاك أو حتى تشائي ولأنه علقه على وجود المشيئة أشبه ما لو علقه على مشيئة غيرها، فأما قول القاضي فإن أراد وجود المشيئة على الفور فهو كقولهم، وإن أراد وجود المشيئة على التراخي تنحل به اليمين لم يكن ذلك إيلاء لأن تعليق اليمين على فعل يمكن وجوده في مدة أربعة أشهر امكانا غير بعيد ليس بإيلاء * (مسألة) * (وإن قال لنسائه والله لا وطئت واحدة منكن صار موليا منهن إلا أن يريد واحدة بعينها وإن أراد واحدة مبهمة فقال أبو بكر تخرج بالقرعة) وجملة ذلك أن الرجل إذا قال لنسائه والله لا وطئت واحدة منكن واطلق كان موليا من جميعهن في الحال لأنه لا يمكنه وطئ واحدة منهن إلا بالحنث، فإن طلق واحدة منهن أو مانت كان موليا من البواقي فإن وطئ واحدة منهن حنث وانحلت يمينه وسقط حكم الايلاء في الباقيات لأنها يمين واحدة فإذا حنث فيها مرة لم يحنث مرة ثانية ولا يبقى حكم اليمين بعد حنثه فيما بخلاف ما إذا طلق واحدة أو ماتت فإنه لم يحنث ثم فيبقى حكم يمينه في الباقيات منهن وهذا مذهب الشافعي، وذكر القاضي أنه إذا أطلق كان الإيلاء في واحدة غير معينة وهو اختيار بعض أصحاب الشافعي لأن لفظه تناول واحدة منكرة فلا يقتضي العموم

مسألة: وإن قال لنسائه والله لا وطئت واحدة منكن صار موليا منهن إلا أن يريد واحدة بعينها وإن أراد واحدة مبهمة فقال أبو بكر تخرج بالقرعة

ولنا أن النكرة في سياق النفي تعم كقوله (لم يتخذ صاحبة ولا ولدا) وقوله (ولم يكن له كفوا أحد) ولو قال انسان والله لا شربت ماء من ادواة حنث بالشرب من أي ادواة كانت فيجب حمل اللفظ عند الاطلاق على مقتضاه في العموم فإن قال نويت واحدة بعينها تعلقت يمينه بها وحدها وصار موليا منها دون غيرها لأن اللفظ يحتمله احتمالا غير بعيد، وإن قال نويت واحدة مبهمة قبل منه لذلك، وهذا مذهب الشافعي ولا يصير موليا منهن في الحال فإذا وطئ ثلاثا كان موليا من الرابعة، وقال أبو بكر تخرج بالقرعة كما لو طلق واحدة من نسائه لا بعينها ومذهب الشافعي فيما إذا أبهم المحلوف عليها فله أن يعينها بقوله وأصل هذا مذكور فيما إذا طلق واحدة بعينها * (مسألة) * (وإن قال والله لا وطئت كل واحدة منكن كان موليا من جميعهن في الحال ولا يقبل فوله نويت واحدة منهن معينة ولا مبهمة لأن لفظة كل أزالت احتمال الخصوص وتنحل يمينه بوطئ واحدة كالمسألة التي قبلها) وقال القاضي وبعض أصحاب الشافعي لا تنحل في الباقيات لأنه صرح يمنع نفسه من كل واحدة فأشبه ما لو حلف على كل واحدة يميناً ولنا أنها يمين واحدة حنث فيها فسقط حكمها كما لو حلف على واحدة ولأن اليمين الواحدة إذا حنث فيها مرة لم يمكن الحنث فيها مرة أخرى فلم يبق ممتنعا من وطئ الباقيات بحكم اليمين فلم يبق الايلاء كسائر الايمان التي حنث فيها

مسألة: وإن قال والله لا وطئت كل واحدة منكن كان موليا من جميعهن في الحال، ولا يقبل قوله نويت واحدة منهن معينة ولا مبهمة لأن لفظة كل أزالت احتمال الخصوص وتنحل يمينه بوطء واحدة كالمسألة التي قبلها

* (مسألة) * (وإن قال والله لا أطؤكن فهي كالتي قبلها في أحد الوجهين) وهذا ينبني على أصل وهو الحنث بفعل بعض المحلوف عليه أولا؟ فإن قلنا يحنث فهو مؤل منهن كلهن في الحال لأنه لا يمكنه وطئ واحدة بغير حنث فصار مانعا لنفسه من وطئ كل واحدة منهن في الحال فإن وطئ واحدة منهن حنث وانحلت يمينه وزال الايلاء من البواقي وإن طلق بعضهن أو ماتت لم ينحل الايلاء في البواقي وإن قلنا لا يحنث بفعل البعض لم يكن موليا منهن في الحال لأنه يمكنه وطئ واحدة منهن من غير حنث فلم يمنع نفسه بيمينه من وطئها فلم يكن موليا منها فإن وطئ ثلاثا صار موليا من الرابعة لأنه لا يمكنه وطؤها من غير حنث في يمينه وإن ماتت بعضهن أو طلقها انحلت يمينه وزال الايلاء لأنه لا يحنث إلا بوطئ الأربع فإن راجع المطلقة أو تزوجها بعد بينونتها عاد حكم يمينه وذكر القاضي أنا إذا قلنا يحنث بفعل البعض فوطئ واحدة يحنث ولم ينحل الإيلاء في البواقي لأن الإيلاء من امرأة لا ينحل بوطئ غيرها

مسألة: وإن قال والله لا أطؤكن فهي كالتي قبلها في أحد الوجهين

ولنا أنها يمين واحدة حنث فيها فوجب أن تنحل كسائر الايمان ولأنه إذا وطئ واحدة حنث ولزمته الكفارة فلا يلزمه بوطئ الباقيات شئ فلم يبق ممتنعا من وطئهن بحكم يمينه فانحل الايلاء كما لو كفرها، واختلف أصحاب الشافعي فقال بعضهما لا يكون موليا منهن حتى يطأ ثلاثا فيصير موليا من الرابعة وحكى المزني عن الشافعي أنه يكون موليا منهن كلهن يوقف لكل واحدة منهن فإذا أصاب بعضهن خرجت من حكم الايلاء ويوقف لمن بقي حتى يفئ أو يطلق ولا يحنث حتى يطأ الأربع، وقال أصحاب الرأي يكون موليا منهن كلهن فإن تركهن أربعة أشهر بن منه جميعا بالايلاء وإن وطئ بعضهن سقط الايلاء في حقها ولا يحنث إلا بوطئهن جميعا. ولنا أن من لا يحنث بوطئها لا يكون موليا منها كالتي لم يحلف عليها (فصل) وفي هذه المواضع التي قلنا يكون موليا منهن كلهن إذا طالبن كلهن بالفيئة وقف لهن كلهن وإن طالبن في اوقات مختلفة ففيه روايتان

[إحداهما] يوقف للجميع وقت مطالبة أولاهن، قال القاضي وهو ظاهر كلام أحمد (والثانية) يوقف لكل واحدة منهن عند مطالبتها اختاره أبو بكر وهو مذهب الشافعي وإذا وقف للاولى فطلقها وقف للثانية فإن طلقها وقف للثالثة فإن طلقها وقف للرابعة وكذلك من مات منهن لم يمنع من وقفه للاخرى لأن يمينه لم تنحل وإيلاؤه باق لعدم حنثه فيهن فإن وطئ إحداهن حين وقف لها أو قبلها انحلت يمينه وسقط حكم الايلاء في الباقيات على ما قلناه وعلى قول القاضي ومن وافقه يوقف للباقيات كما لو طلق التي وقف لها. (فصل) فإن قال كلما وطئت واحدة منكن فضرائرها طوالق فإن قلنا ليس هذا بإيلاء فلا كلام وإن قلنا هو إيلاء فهو مول منهن كلهن لأنه لا يمكنه وطئ واحدة منهن إلا بطلاق ضرائرها فيوقف لهن فإن فاء إلى واحدة طلق ضرائرها فإن كان الطلاق بائنا انحل الايلاء لأنه لم يبق ممنوعا من وطئها بحكم يمينه فإن كان رجعياً فراجعهن بقي حكم الايلاء في حقهن لأنه لا يمكنه وطئ واحدة إلا بطلاق

ضرائرها وكذلك إن راجع بعضهن كذلك إلا أن المدة تستأنف من حين الرجعة ولو كان الطلاق تاما فعاد فتزوجهن أو تزوج بعضهن عاد حكم الايلاء واستؤنفت المدة من حين النكاح وسواء تزوجها في العدة أو بعدها أو بعد زوج آخر واصابة لما سنذكره بعد إن شاء الله تعالى وإن قال نويت واحدة بعينها قبل منه وتعلقت يمينه بها فإذا وطئها طلق ضرائرها وإن وطئ غيرها لم يطلق منهن شئ ويكون موليا من المعينة دون غيرها لأنها التي يلزمه بوطئها الطلاق دون غيرها * (مسألة) * (وإن آلى من واحدة وقال للاخرى شركتك معها لم يصر موليا من الثانية لأن اليمين بالله لا تصح إلا بلفظ صريح من اسم أو صفة والتشريك بينهما كناية فلم تصح به اليمين، وقال القاضي يكون موليا منهما كما لو طلق واحدة، وقال للاخرى شركتك معها ينوي به الطلاق والفرق بينهما أن الطلاق ينعقد بالكناية ولا كذلك اليمين وإن قال إن وطئتك فأنت طالق ثم قال للاخرى شركتك معها ونوى فقد صار طلاق الثانية معلقا على وطئها أيضاً لأن الطلاق يصح بالكناية وإن

قلنا إن ذلك ايلاء في الأولى صار ايلاء في الثانية لأنها صارت في معناها وإلا فليس بإيلاء في واحدة منهما وكذلك لو إلى رجل من زوجته فقال آخر لامرأته أنت مثل فلانة لم يكن موليا، وقال أصحاب الرأي هو مول. ولنا أنه ليس بصريح في القسم فلا يكون موليا به كما لو لم يشبهها بها ويصح الايلاء بكل لغة كالعجمية وغيرها ممن يحسن العربية وممن لا يحسنها لأن اليمين تنعقد بغير العربية وتجب بها الكفارة والمولي هو الحالف بالله أو بصفته على ترك وطئ زوجته الممتنع من ذلك بيمينه فإن آلى بالعجمية من لا يحسنها وهو لا يدري معناها لم يكن موليا وإن نوى موجبها عند أهلها وكذلك الحكم اذا آلى بالعربية من لا يحسنها لأنه لا يصح منه قصد الايلاء بلفظ لا يدري معناه فإن اختلف الزوجان في معرفته بذلك فالقول قوله إذا كان متكلما بغير لسانه لأن الأصل عدم

مسألة: وإن آلى من واحدة وقال للاخرى شركتك معها لم يصر موليا من الثانية

معرفته بها فأما إن آلى العربي بالعربية ثم قال جرى على لساني من غير قصد أو قال ذلك العجمي في إيلائه بالعجمية لم يقبل قوله في الحكم لأنه خلاف الظاهر (فصل) ولا يصح الايلاء إلا من زوجته لقول الله تعالى (للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر) وإن حلف على ترك وطئ أمته لم يكن موليا إذا بقي من مدة يمينه أكثر من أربعة أشهر لأنه ممتنع من وطئ امرأته بتحكم يمينه مدة الايلاء فكان موليا كما لو حلف في الزوجية وحكي عن أصحاب الرأي أنه من مرت به امرأة فحلف أن لا يقربها ثم تزوجها لم يكن موليا وإن قال تزوجت فلانة فوالله لا قربتها صار موليا لأنه أضاف اليمين إلى حال الزوجية فأشبه ما لو حلف بعد تزوجها ولنا قول الله تعالى (للذين يؤلون من نسائهم) وليست هذه من نسائه ولأن الايلاء حكم من أحكام النكاح فلم يتقدمه كالطلاق والقسم ولأن المدة تضرب له لقصده الاضرار بها بيمينه فإذا كانت اليمين

قبل النكاح لم يكن قاصداً للاضرار فأشبه الممتنع بغير يمين، قال الشريف أبو جعفر وقد قال أحمد يصح الظهار قبل النكاح والمنصوص عدم الصحة لما ذكرنا (فصل) فإن آلى من الرجعية صح إيلاؤه، وهو قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي وذكر ابن حامد فيه رواية أخرى أنه لا يصح ايلاؤه لأن الطلاق يقطع مدة الايلاء إذا طرأ فلان يمنع صحته ابتداء أولى. ولنا أنها زوجة يلحقها طلاقه فصح ايلاؤه منها كغير المطلقة وإذا آلى منها احتسب بالمدة من حين آلى وإن كانت في العدة ذكره ابن حامد وهو قول أبي حنيفة ويجئ على قول الخرقي أن لا يحتسب عليه بالمدة إلا من حين راجعها لأن الرجعة في ظاهر كلامه محرمة وهو مذهب الشافعي لأنها معتدة أشبهت البائن ولأن الطلاق إذا طرأ قطع المدة ثم لا يحتسب عليه بشئ من المدة قبل رجعتها فأولى أن لا يستأنف المدة في العدة ووجه الأول أنه من صح إيلاؤه احتسب عليه بالمدة من حين إيلائه كما لو لم تكن مطلقة، ولأنها

مباحة واحتسب عليه بالمدة فيها كما لو لم يطلقها، وفارق البائن فانها ليست زوجة، ولا يصح الايلاء منها بحال فهي كسائر الأجنبيات (فصل) ويصح الايلاء من كل زوجة مسلمة كانت أو ذمية حرة أو أمة لعموم قوله سبحانه (للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر) ولأن كل واحدة منهن زوجة فصح الايلاء منها كالحرة المسلمة، ويصح الايلاء قبل الدخول وبعده، وبهذا قال النخعي ومالك والاوزاعي والشافعي، وقال عطاء والزهري والثوري إنما الايلاء بعد الدخول ولنا عموم الآية والمعنى ولأنه ممتنع من جماع زوجته بيمينه فأشبه ما بعد الدخول ويصح الايلاء من الصغيرة والمجنونة إلا أنه لا يطالب بالفيئة في حال الصغر والجنون لانهما ليستا من أهل المطالبة. فأما الرتقاء والقرناء فلا يصح الايلاء منهما لأن الوطئ متعذر دائماً فلم تنعقد اليمين على تركه كما لو حلف

لا يصعد السماء ويحتمل أن يصح وتضرب له المدة لأن المنع بسبب من جهتها فهي كالمريضة، فعلى هذا يفئ فيئة المعذور لأن الفيئة بالوطئ في حقها متعذرة فلا يمكن المطالبة به فأشبه المجبوب * (فصل) * (الشرط الرابع أن يكون من زوج يمكنه الوطئ وتلزمه الكفارة بالحنث مسلما كان أو كافراً حراً أو عبداً سليماً أو خصياً أو مريضاً يرجى برؤه) وجملة ذلك أنه يشترط أن يكون الايلاء من زوج لقول الله سبحانه (للذين يؤلون من نسائهم) ويشترط أن يكون مكلفاً فأما الصبي والمجنون فلا يصح إيلاؤهما لان القلم مرفوع عنهما * (مسألة) * (ويصح إيلاء الذمي ويلزمه ما يلزم المسلم إذا تقاضوا إلينا) وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وأبو ثور وإن أسلم لم ينقطع حكم إيلائه، وقال مالك إن أسلم سقط حكم يمينه وقال أبو يوسف ومحمد إن حلف بالله لم يكن موليا لأنه لا يحنث إذا جامع لكونه غير مكلف وإن كانت يمينه بطلاق أو عتاق فهو مول لأنه يصح عتقه وطلاقه ولنا قول الله تعالى (للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر) ولأنه مانع نفسه باليمين من

مسألة: ويصح إيلاء الذمي ويلزمه ما يلزم المسلم إذا تقاضوا إلينا

جماعها فكان مولياً كالمسلم ولأن من صح طلاقه صح إيلاؤه ومن صحت يمينه عند الحاكم صح إيلاؤه كالمسلم فأما العاجز عن الوطئ فإن كان لعارض مرجو الزوال كالمرض والحبس صح إيلاؤه لأنه يقدر على الوطئ فصح منه للامتناع منه وإن كان غير مرجو الزوال كالجب والشلل لم يصح إيلاؤه لأنها يمين على ترك مستحيل فلم تنعقد كما لو حلف لا يقلب الحجارة ذهباً ولأن الايلاء اليمين المانعة من الوطئ وهذا لا يمنعه بيمينه فإنه متعذر منه ولا يضر المرأة بيمينه قال أبو الخطاب ويحتمل أن يصح الايلاء منه قياساً على العاجز بمرض أو حبس، وفيئته لو قدرت لجامعتك لانه معذور فيفئ بلسانه كالعاجز بعذر يزول، وللشافعي في ذلك قولان والأول أولى لما ذكرنا فأما الخصي الذي سلت بيضتاه أو رضت فيمكنه الوطئ وينزل ماء رقيقاً فيصح إيلاؤه وكذلك المجبوب الذي بقي من ذكره ما يمكن الجماع به * (مسألة) * (ولا يصح إيلاء الصبي والمجنون) لان القلم مرفوع عنهما ولأنه قول يجب بمخالفته كفارة أو حق فلم ينعقد منهما كالنذر

* (مسألة) * (وفي إيلاء السكران وجهان) بناء على طلاقه (فصل) ولا يشترط في صحة الايلاء الغضب ولا قصد الاضرار روى ذلك عن ابن مسعود، وبه قال الثوري والشافعي وأهل العراق وابن المنذر وروي عن علي رضي الله عنه ليس في إصلاح إيلاء، وعن ابن عباس قال: إنما الايلاء في الغضب ونحوه عن الحسن والنخعي وقتادة، وقال مالك والاوزاعي وأبو عبيد من حلف لا يطأ زوجته حتى تفطم ولده لا يكون إيلاء إذا أراد الصلاح لولده ولنا عموم الآية ولأنه مانع لنفسه من جماعها بيمينه فكان مولياً كحال الغضب، يحققه أن حكم الإيلاء ثبت لحق الزوجة فيجب أن يثبت سواء قصد الاضرار أو لم يقصد كاستيفاء ديونها واتلاف مالها ولأن الطلاق والظهار وسائر الايمان سواء في الغضب والرضاء فكذلك في الإيلاء، وأما إذا حلف أن لا يطأها حتى تفطم ولده فإذا أراد وقت الفطام وكانت مدته تزيد على أربعة أشهر فهو مول

مسألة: ولا يصح إيلاء الصبي والمجنون

وإن أراد فعل الفطام لم يكن مولياً لأنه ممكن قبل أربعة أشهر وليس بمحرم ولا فيه تفويت حق لها فلم يكن موليا كما لو حلف أن لا يطأها حتى تدخل الدار * (مسألة) * (ومدة الإيلاء في الأحرار والرقيق سواء، وعنه أنها في العبد على النصف) يصح إيلاء العبد كما يصح من الحر قياساً عليه ولدخوله في عموم الآية ولا تختلف مدته فلا فرق بين الحرة والمسلمة والذمية والامة والصغيرة والكبيرة في ظاهر المذهب وهو قول الشافعي وابن المنذر. وعن أحمد رواية أخرى أن مدة الإيلاء للعبد شهان وهو اختيار أبي بكر وقول عطاء والزهري ومالك واسحاق لأنهم على النصف في الطلاق وعدد المنكوحات فكذلك في الايلاء. وقال الحسن والشعبي إيلاؤه من الامة شهران ومن الحرة أربعة وقال أبو حنيفة إيلاء الامة نصف إيلاء الحرة لأن ذلك تتعلق به البينونة فاختلف بالرق والحرية كالطلاق ولأنها مدة ثبت ابتداؤها بقول الزوج فوجب أن تختلف برق الامة وحريتها كمدة العنة ولنا عموم الآية ولأنها مدة ضربت للوطئ فاستوى فيها الرق والحرية، ولا نسلم أن البينونة تتعلق بها

مسألة: ومدة الإيلاء في الأحرار والرقيق سواء، وعنه أنها في العبد على النصف

ثم يبطل ذلك بمدة العنة ويخالف مدة العدة لأن العدة مبنية على الكمال بدليل أن الاستبراء يحصل بقرء واحد، وأما مدة الإيلاء فإن الاستمتاع بالحرة أكثر وكان ينبغي أن تقدم مطالبتها مطالبة الامة والحق على الحر في الاستمتاع أكثر منه على العبد ولا تجوز الزيادة عليه في مطالبة العبد عليه * (مسألة) * (ولا حق لسيد الامة في طلب الفيئة والعفو عنها وإنما ذلك إليها) وجملة ذلك أن الحرة والامة سواء في استحقاق المطالبة سواء عفا السيد عن ذلك أو لم يعف لأن الحق لها لأن الاستمتاع يحصل لها فإن تركت المطالبة لم يكن لمولاها الطلب، ولأنه لا حق له، فإن قيل حقه في الولد ولهذا لم يجز العزل عنها إلا بإذنه، قلنا لا يستحق على الزوج استيلاد المرأة ولذلك لو حلف ليعزلن عنها أو لا يستولدها لم يكن مولياً ولو أن المولي وطئ بحيث يوجب التقاء الختانين وجبت الفيئة وزالت عنه المطالبة وإن لم ينزل وإنما استؤذن السيد في العزل لأنه يضر بالامة فربما نقص قيمتها ولنا في وجوب استئذانه منع

مسألة: ولا حق بسيد الامة في طلب الفيئة والعفو عنها وإنما ذلك إليها

* (فصل) * قال الشيخ رحمه الله (وإذا صح الإيلاء ضربت له مدة أربعة أشهر) وجملة ذلك أن المولي يتربص أربعة أشهر كما أمر الله تعالى ولا يطالب بالوطئ فيهن فإذا مضت أربعة أشهر ورافعته امرأته إلى الحاكم أمره بالفيئة فإن أبى أمره بالطلاق ولا تطلق زوجته بمضي المدة قال أحمد في الإيلاء يوقف عن الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عمر ما يدل على ذلك وعن عثمان وعلي وجعل يثبت حديث علي وبه قال ابن عمر وعائشة وروي ذلك عن أبي الدرداء وقال سليمان ابن يسار كان تسعة عشر رجلا من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يوقفون في الإيلاء وقال سهيل بن أبي صالح سألت اثني عشر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فكلهم يقول ليس عليه شئ حتى يمضي أربعة أشهر فيوقف فإن فاء وإلا طلق وبه قال سعيد بن المسيب وعروة ومجاهد وطاوس ومالك والشافعي واسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وابن المنذر وقال ابن مسعود وابن عباس وعكرمة وجابر بن زيد وعطاء ومسروق والحسن وقبيصة والنخعي

والاوزاعي وابن أبي ليلى واصحاب الرأي: إذا مضت أربعة أشهر فهي تطليقة بائنة. وروي ذلك أيضاً عن علي وعثمان وزيد وابن عمر وروي عن أبي بكر بن عبد الرحمن ومكحول والزهري تطليقة رجعية. ويحكى عن ابن مسعود أنه كان يقرأ (فان فاءوا فيهن فإن الله غفور رحيم) ولأن هذه مدة ضربت لاستدعاء الفعل منه فكان ذلك في المدة كمدة العنة ولنا قول الله تعالى (للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر) لذكره الفيئة بعدها بالفاء المقتضية للتعقيب ثم قال (وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع) ولو وقع بمضي المدة لم يحتج إلى عزم عليه وقوله سميع عليم يقتضي أن الطلاق مسموع ولا يكون المسموع إلا كلاماً ولأنها مدة ضربت له تأجيلا فلم يستحق المطالبة فيها كسائر الآجال ولأن هذه مدة لم يتقدمها إيقاع فلم يتقدمها وقوع كمدة النعة ومدة العنة حجة لنا فإن الطلاق لا يقع بمضيها ولأن مدة العنة ضربت له ليختبر فيها ويعرف عجزه عن الوطئ بتركه في مدتها وهذه ضربت تأخيراً لها وتأجيلاً فلا تستحق المطالبة إلا بمضي الأجل كالدين

(فصل) وابتداء المدة من حين اليمين ولا تفتقر إلى ضرب مدة لأنها ثبتت بالنص والإجماع فلا تفتقر إلى ضرب كمدة العدة ولا يطالب بالوطئ فيها لما ذكرنا * (مسألة) * (فإن كان بالرجل عذر يمنع الوطئ احتسبت عليه بمدة وإن كان ذلك نهاية لم يحتسب عليه وإن طرأ بها استؤنفت المدة عند زواله) يعني إذا انقضت المدة وكان بالرجل عذر يمنع الوطئ كحبسه واحرامه حسبت عليه المدة من حين إيلائه لأن المانع من جهته وقد وجد التمكين الذي عليها ولذلك لو أمكنته من نفسها وكان ممتنعاً لعذر وجبت لها النفقة وإن طرأ شي من هذه الأعذار بعد الإيلاء أو جن لم تنقطع المدة للمعنى الذي ذكرناه وإن كان المانع من جهتها كصغرها ومرضها وحبسها وصيامها واعتكافها المفروضين واحرامها وغيبتها فإن وجد منها حال الإيلاء لم تضرب له المدة حتى يزول لأن المدة تضرب لامتناعه من وطئها والمنع ههنا من قبلها وإن طرأ بها شئ من هذه الأسباب استؤنفت المدة ولم تبن على ما مضى لأن قوله سبحانه (تربص أربعة أشهر) يقتضي متوالية فإذا قطعتها وجب استئنافها كمدة الشهرين في صوم الكفارة * (مسألة) * (إلا الحيض فإنه يحتسب عليه بمدته وفي النفاس وجهان) قد ذكرنا أن المانع إذا كان من جهتها لا يحتسب عليه إلا الحيض فإنه يحتسب عليه ولا يمنع ضرب المدة إذا كان موجوداً وقت الإيلاء لأنه لو منع لم يمكن ضرب المدة لأن الحيض في الغالب لا يخلو منه شهر فيؤدي ذلك إلى إسقاط حكم الإيلاء وإن طرأ الحيض لم تقع المدة لما ذكرنا والنفاس مثل الحيض

مسألة: فإن فكان بالرجل عذر يمنع الوطء احتسبت عليه بمدة، وإن كان ذلك نهاية لم يحتسب عليه وإن طرأ بها استؤنفت المدة عند زواله

في أحد الوجهين لأن أحكامه أحكام الحيض (والثاني) هو كسائر الأعذار التي من جهتها لأنه نادر غير معتاد فأشبه سائر الأعذار فأما إن جنت وهربت من يده انقطعت المدة وإن بقيت في يده وأمكنه وطؤها احتسب عليه بها فإن قيل فهذه الأسباب منها ما لا صنع لها فيه فلا ينبغي أن يقطع المدة كالحيض قلنا إذا كان المنع لمعنى فيها فلا فرق بين كونه بفعلها أو بغير فعلها كما إن البائع إذا تعذر عليه تسليم المعقود عليه لم تتوجه له المطالبة بعوضه سواء كان لعذر أو لغير عذر وإن آلى في الردة لم تضرب له المدة إلا من حين رجوح المرتد منهما إلى الإسلام فإن طرأت الردة في أثناء المدة انقطعت لأن النكاح قد تشعث وحرم الوطئ فإن عاد إلى الإسلام استؤنفت المدة سواء كانت الردة منهما أو من أحدهما وكذلك إن أسلم أحد الزوجين الكافرين أو خالعها ثم تزوجها * (مسألة) * (وإن طلقها في أثناء المدة انقطعت) لأنها صارت ممنوعة بغير اليمين قانقطعت المدة كما لو كان الطلاق بائنا سواء بانت بفسخ أو طلاق ثلاث أو بخلع أو بانقضاء عدتها من الطلاق الرجعي لأنها صارت أجنبية منه ولم يبق شئ من أحكام نكاحها فإن عاد فتزوجها عاد حكم الايلاء من حين تزوجها وكذلك إن كان الطلاق رجعياً فراجعها استؤنفت المدة كما لو كان الطلاق بلائنا فتزوجها فإن كان الباقي من مدة يمينه أربعة أشهر فما دون لم يثبت حكم الإيلاء لأن مدة التربص أربعة أشهر وإن كان أكثر من أربعة أشهر تربص أربعة أشهر ثم وقف لها فإما ان يفئ أو يطلق فإن لم يطلق طلق عليه الحاكم وهذا قول مالك وقال أبو حنيفة إن كان الطلاق أقل من ثلاث ثم تركها حتى انقضت عدتها ثم نكحها عاد الإيلاء وإن استوفي عدد الطلاق لم يعد الإيلاء

مسألة: وإن طلقها في أثناء المدة انقطعت

لأن حكم النكاح الأول زال بالكلية ولهذا ترجع إليه في طلاق ثلاث فصار إيلاؤه في النكاح الأول كإيلائه من أجنبية وقال أصحاب الشافعي يحصل من أقواله ثلاثة أقاويل قولان كالمذهبين وقول ثالث لا يعود حكم الإيلاء بحال وهو قول ابن المنذر لأنها صارت بحال لو آلى منها لم يصح إيلاؤه فبطل حكم الايلاء منهما كالمطلقة ثلاثاً ولنا أنه ممتنع من وطئ امرأته بيمين في حال نكاحها فثبت له حكم الإيلاء كما لو لم يطلق وفارق الإيلاء من الأجنبية فإنه لا يقصد باليمين عليها الاضرار بها بخلاف مسئلتنا (فصل) فإن آلى من امرأته الأمة ثم اشتراها ثم اعتقها وتزوجها عاد الإيلاء ولو كان المولي عبداً فاشترته امرأته ثم اعتقته وتزوجته عاد الإيلاء ولو بانت الزوجة بردة أو اسلام من أحدهما أؤ غيره ثم تزوجها تزويجاً جديداً عاد الإيلاء وتستأنف المدة في جميع ذلك سواء عادت إليه بعد زوج ثان أو قبله لأن اليمين كانت منه في حال الزوجية فبقي حكمها ما وجدت الزوجية وهكذا لو قال لزوجته إن دخلت الدار والله لا جامعتك ثم طلقها ثم نكحت غيره ثم تزوجها عاد حكم الإيلاء لأن الصفة المعقودة في حال الزوجية لا تنحل بزوال الزوجية فإن دخلت الدار في حال البينونة ثم عاد فتزوجها لم يثبت حكم الإيلاء في حقه لأن الصفة وجدت في حال كونها أجنبية ولا ينعقد الايلاء بالحف على الأجنبية بخلاف ما إذا دخلت وهي امرأته * (مسألة) * (وإن انقضت المدة وبها عذر يمنع الوطئ لم تملك طلب الفيئة) لان الوطئ ممتنع من جهتها فلم يكن لها مطالبته بما تمنعه منه ولأن المطالبة مع الاستحقاق وهي

لا تستحق الوطئ في هذه الأحوال وليس لها المطالبة بالطلاق لأنه إنما يستحق عند امتناعه ولم يجب عليه شئ ولكن تتأخر المطالبة إلى حال زوال العذر وإن لم يكن العذر قاطعاً للمدة كالحيض أو كان العذر حدث بعد انقضاء المدة * (مسألة) * (وإن كان العذر به وهو مما يعجز به عن الوطئ من مرض أو حبس بغير حق أو غيره لزمه ان يفئ بلسانه) فيقول متى قدرت جامعتك أو نحو هذا وممن قال يفئ بلسانه إذا كان ذا عذر ابن مسعود وجابر بن زيد والنخعي والحسن والزهري والاوزاعي وعكرمة وأبو عبيد وأصحاب الرأي وقال سعيد بن جبير لا يكون الفيئ الا الجماع في حال العذر وغيره وقال أبو ثور إذا لم يقدر لم يوقف حتى يصح أو يصل إن كان غائباً ولا تلزمه الفيئة بلسانه لان الضرر ترك الوطئ ولا يزول بالقول وقال بعض الشافعية يحتاج أن يقول قد ندمت على ما فعلت وإن قدرت وطئت ولنا ان القصد بالفيئة ترك ما قصد بنفس الاضرار وقد ترك قصد الاضرار بما أتى به من الاعتذار والقول مع العذر يقوم مقام فعل القادر بدليل إن إشهاد الشفيع على الطلب بالشفعة عند العجز عن طلبها يقوم مقام طلبها عند الحضور في إثباتها ولا يحتاج أن يقول ندمت لأن الغرض أن يظهر رجوعه من المقام على اليمين وقد حصل بظهور عزمه عليه وحكى أبو الخطاب عن القاضي أن فيئة المعذور أن يقول فئت إليك وهو قول الثوري وأبي عبيد وأصحاب الرأي والذي ذكر القاضي في المجرد مثل ما ذكر الخرقي وهو أحسن لأن وعده بالفعل عند القدرة عليه دليل على ترك قصد الاضرار وفيه نوع من الاعتذار وإخبار

مسألة: وإن كان العذر به وهو مما يعجز به عن الوطء من مرض أو حبس بغير حق أو غيره لزمه أن يفيء بلسانه

بإزالته الضرر عند إمكانه ولا يحصل بقوله فئت إليك شئ من هذا فأما العاجز لجب أو شلل ففيئته أن يقول لو قدرت لجامعتها لأن ذلك يزيل ما حصل بايلائه والإحرام كالمرض في ظاهر قول الخرقي وكذلك على قياسه الاعتكاف المنذور والظهار ومتى قدر على الفيئة وهي الجماع طولب به لأنه تأخر للعذر فإذا زال العذر طولب به كالدين الحال فان لم يفعل أمر بالطلاق وهذا قول كل من يقول يوقف المولي لأن الله تعالى قال (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) فإذا امتنع من أداء الواجب عليه فقد امتنع من الإمساك بالمعروف فيؤمر بالتسريح بالإحسان فإن كان قد فاء بلسانه في حال العذر ثم قدر على الوطئ أمر به فإن فعل وإلا أمر بالطلاق وهذا قول الشافعي وقال أبو بكر إذا فاء بلسانه لم يطالب بالفيئة مرة أخرى وخرج من الإيلاء وهو قول الحسن وعكرمة والاوزاعي لأنه فاء مرة فخرج من الإيلاء ولم تلزم فيئة ثانية كما لو فاء بالوطئ وقال أبو حنيفة تستأنف له مدة الإيلاء لأنه وفاها حقها بما أمكنه من الفيئة فلا يطالب إلا بعد استئناف مدة الإيلاء كما لو طلقها ولنا أنه أخر حقها لعجزه عنه فإذا قدر عليه لزمه أن يوفيها إياه كالدين على المعسر إذا قدر عليه وما ذكره فليس بحقها ولا يزال الضرر عنها وإنما وعدها بالوفاء فلزمها الصبر عليه وانظاره كالغريم المعسر.

(فصل) وليس على من فاء بلسانه كفارة ولا حنث لأنه لم يفعل المحلوف عليه وإنما وعد بفعله فهو كمن عليه دين حلف أن لا يوفيه ثم أعسر به فقال متى قدرت وفيته * (مسألة) * (وإن كان مظاهراً فقال أمهلوني حتى أطلب رقبة أعتقها عن ظهاري أمهل ثلاثة أيام ذكر شيخنا أن الظهار كالمرض في قياس قول الخرقي. وكذلك الاعتكاف المنذور، وقد ذكر أصحابنا أن المظاهر لا يمهل ويؤمر بالطلاق فيخرج من هذا أن كل عذر من فعله يمنع الوطئ لا يمهل من أجله وهو مذهب الشافعي لأن الامتناع بسبب منه فلا يسقط حكماً واجباً فعلى هذا لا يؤمر بالوطئ لانه محرم عليه ولكن يؤمر بالطلاق ووجه القول الأول أنه عاجز من الوطئ بأمر لا يمكنه الخروج منه فأشبه المريض. فأما المظاهر فيقال له اما ان تكفر وتفئ وأما أن تطلق فإن قال أمهلوني حتى أطلب رقبة أو أطعم فان علم أنه قادر على التكفير في الحال وإنما يقصد المدافعة والتأخير لم يمهل لأن الحق حال عليه وإنما يمهل للحاجة وإن لم يعلم أمهل ثلاثة أيام فإنها قريبة ولا يزاد على ذلك وإن كان فرضه الصيام فطلب الإمهال ليصوم شهرين متتابعين لم يمهل لأنه كثير ويتخرج أن يفئ بلسانه فيئة المعذور ويمهل حتى يصوم كقولنا في المحرم فإن وطئها فقد عصى وانحل إيلاؤه ولها منعه لأنه وطئ محرم عليهما، وقال القاضي: يلزمها التمكين، وإن امتنعت سقط حقها في الوطئ وقد بذله لها ومتى وطئها فقد وفاها حقها والتحريم عليه دونها. ولنا انه وطئ حرام فلا يلزم التمكين منه كالوطئ في الحيض والنفاس وهذا ينقض دليله ولا نسلم أن التحريم عليه دونها فان الوطئ متى حرم علي احدهما حرم على الآخر لكونه فعلاً واحداً

مسألة: وإن كان مظاهرا فقال أمهلوني حتى أطلب رقبة أعتقها عن ظهاري أمهل ثلاثة أيام

ولو جاز اختصاص أحدهما بالتحريم لاختصت المرأة بتحريم الوطئ في الحيض والنفاس واحرامها وصيامها لاختصاصها بسببه (فصل) وإن انقضت المدة وهو محبوس بحق يمكنه أداؤه طولب بالفيئة لأنه قادر عليها بأداء ما عليه فان لم يفعل أمر بالطلاق وإن كان عاجزاً عن أدائه أو حبس ظلما أمر بفيئة المعذور وإن انقضت وهو غائب والطريق آمن فلها أو توكل من يطالبه بالمسير إليها أو حملها إليه فان لم يفعل أخذ بالطلاق وإن كان الطريق مخوفا أوله عذر يمنعه فاء فيئة المعذور (فصل) فإن كان مغلوباً على عقله بجنون أو إغماء لم يطالب لأنه لا يصلح للخطاب ولا يصح منه الجواب وتتأخر المطالبة إلى حال القدرة وزوال العذر ثم يطالب حينئذ * (مسألة) * وإن قال أمهلوني حتى أقضي صلاتي أو أتغدى فإني جائع أو حتى ينهضم الطعام أو أنام فإني ناعس أمهل بقدر ذلك) لأنه عذر ولا يمهل أكثر من قدر الحاجة كالدين الحال وكذلك إن قال أمهلوني حتى أفطر من صومي أمهل لذلك وإن قال أمهلوني حتى أرجع إلى بيتي أمهل لأن العادة فعل ذلك في بيته (فصل) فإن كانت المرأة صغيرة أو مجنونة فليس لهما المطالبة لأن قولهما غير معتبر وليس لوليهما المطالبة لأن هذا طريقه الشهوة فلا يقوم غيرهما مقامهما فيه فإن كانتا ممن لا يمكن وطؤهما لم يحتسب عليه بالمدة لأن المنع من جهتهما وإن كان وطؤهما ممكناً فأفاقت المجنونة أو بلغت الصغيرة قبل انقضاء المدة تمت المدة ثم لهما المطالبة وإن كان ذلك بعد انقضاء المدة فلهما المطالبة يومئذ لأن الحق لهما

مسألة: وإن قال أمهلوني حتى أقضي صلاتي، أو أتغدى فإني جائع، أو حتى ينهضم الطعام أو أنام فإني ناعس أمهل بقدر ذلك

ثابت وإنما تأخر لعدم إمكان المطالبة، وقال الشافعي لا تضرب المدة في الصغيرة حتى تبلغ وقال أبو حنيفة تضرب المدة سواء أمكن الوطئ أو لم يمكن فإن لم يمكن الوطئ فاء بلسانه وإلا بانت بانقضاء المدة وكذلك الحكم عنده في الناشز والرتقاء والقرناء والتي غابت في المدة لأن هذا إيلاء صحيح فوجب أن تتعقبه المدة كالتي يمكنه جماعها ولنا أن حقها من الوطئ يسقط بتعذر جماعها فوجب أن تسقط المدة المضروبة له كما يسقط أجل الدين بسقوطه، وأما التي أمكنه جماعها فتضرب له المدة في حقها لأنه إيلاء صحيح ممن يمكنه جماعها فتضرب له المدة كالبالغة ومتى قصد الاضرار بهما بترك الوطئ أثم ويستحب أن يقال له اتق الله فإما أن تفئ وأما أن تطلق فإن الله تعالى قال (وعاشروهن بالمعروف) * (مسألة) * فإن لم يبق له عذر طلبت الفيئة وهي الجماع وليس في هذا اختلاف قال إبن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الفئ الجماع كذلك قال ابن عباس، وروي ذلك عن علي وابن مسعود، وبه قال عطاء والشعبي والنخعي وسعيد بن جبير والثوري والاوزاعي والشافعي وأبو عبيد وأصحاب الرأي إذا لم يكن عذر وأصل الفئ الرجوع إلى فعل ما تركه. * (مسألة) * (فإذا جامع انحلت يمينه وعليه كفارتها) في قول أكثر أهل العلم منهم زيد وابن عباس وبه قال ابن سيرين والثوري والنخعي وقتادة ومالك وأهل المدينة وأبو عبيد وأصحاب الرأي وابن

مسالة: فإن لم يبق له عذر طلبت الفيئة وهي الجماع

المنذر وهو ظاهر مذهب الشافعي وله قول آخر لا كفارة عليه وهو قول الحسن وقال النخعي كانوا يقولون ذلك لأن الله تعالى قال (فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم) قال قتادة هذا خالف الناس يعني قول الحسن ولنا قول الله تعالى (ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين - إلى قوله - ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم) وقال سبحانه (قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم) وقال النبي صلى الله عليه وسلم " إذا حلفت على يمينه فرأيت غيرها خيرا منها فائت الذي هو خير وكفر عن يمينك " متفق عليه ولأنه حالف حانث في يمينه فقبلت منه الكفارة كما لو حلف على ترك فريضة ثم فعلها، والمغفرة لا تنافي الكفارة فإن الله تعالى قد غفر لرسوله ما تقدم من ذنبه وما تأخر وقد كان يقول " إني والله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا أتيت الذي هو خير وتحللتها " متفق عليه * (مسالة) * (وأدنى ما يكفي من ذلك تغييب الحشفة في الفرج) لأن أحكام الوطئ تتعلق به فإن وطئ في الدبر أو دون الفرج لم تحصل الفيئة به لأنه ليس بمحلوف عليه ولا يزول الضرر بفعله (فصل) فإن وطئها ناسياً ليمينه فهل يحنث؟ على روايتين فإن قلنا يحنث أنحل إيلاؤه وإن قلنا لا يحنث فهل ينحل إيلاؤه؟ على وجهين قياساً على المجنون، وكذلك يخرج فيما إذا آلى من زوجته ثم وجدها في فراشه فظنها الأخرى فوطئها لأنه جاهل بها والجاهل كالناسي في الحنث وكذلك إن ظنها أجنبية فبانت زوجته وإن استدخلت ذكره وهو نائم لم يحنث لأنه لم يفعل ما حلف عليه، ولأن القلم مرفوع عنه وهل يخرج من حكم الإيلاء؟ يحتمل وجهين (احدهما) يخرج لأن المرأة وصلت إلى حقها فأشبه ما لو وطئ (الثاني)

لا يخرج من حكم الإيلاء لأنه ما وفاها حقها وهو باق على الامتناع من الوطئ بحكم اليمين فكان موليا كما لو لم تفعل به ذلك والحكم فيما إذا وطئ وهو نائم كذلك لأنه لا يحنث به * (مسألة) * (وإن وطئها في الفرج وطأ محرماً مثل أن يطأ في الحيض أو النفاس أو الإحرام أو صيام فرض من أحدهما أو مظاهراً فقد فاء إليها) لأن يمينه انحلت فزال حكمها وزال عنها الضرر وهذا مذهب الشافعي وقال أبو بكر قياس المذهب أن لا يخرج من الإيلاء لانه وطئ لا يؤمر به في الفيئة فلم يخرج به من الفيئة كالوطئ في الدبر، والذي ذكره لا يصح لأن يمينه انحلت ولم يبق ممتنعا من الوطئ بحكم اليمين فلم يبق الايلاء كما لو كفر يمينه أو كما لو وطئها مريضة، وقد نص أحمد فيمن حلف ثم كفر يمينه أنه لا يبقى مولياً لعدم حكم اليمين مع أنه ما وفاها حقها فلأن يزول بحنثه فيها أولى، وقد ذكر القاضي في المحرم والمظاهر أنهما إذا وطئا فقد وفياها حقها، وفارق الوطئ في الدبر فإنه لا يحنث به وليس بمحل للوطئ بخلاف مسئلتنا (فصل) فإن كان الإيلاء بتعليق عتق أو طلاق وقع بنفس الوطئ لأنه معلق بصفة وقد وجدت وان كان على نذر عتق أو صوم أو صلاة أو حج أو غير ذلك من الطاعات أو المباحات فهو مخير بين الوفاء به وبين التكفير لانه نذر لجاج أو غضب وهذا حكمه، فإن علق طلاقها الثلاث بوطئها لم يؤمر بالفيئة وأمر بالطلاق لأن الوطئ غير ممكن لكونها تبين منه بإيلاج الحشفة فيصير مستمتعاً بأجنبية وهذا قول بعض أصحاب الشافعي وأكثرهم قال تجوز الفيئة لأن النزع ترك للوطئ وترك الوطئ ليس بوطئ وقد ذكر القاضي أن كلام أحمد يقتضي روايتين كهذين الوجهين، قال شيخنا واللائق بمذهب أحمد تحريمه لوجوه ثلاثة: (أحدها) أن آخر الوطئ يحصل في أجنبية كما ذكرناه فإن النزع يتلذذ به كما يلتذ بالايجلاج فيكون في

مسألة: وإن وطئها في الفرج وطأ محرما مثل أن يطأ في الحيض أو النفاس أو الإحرام أو صيام فرض من أحدهما أو مظاهرا فقد فاء إليها

حكم الوطئ ولذلك قلنا فيمن طلع عليه الفجر وهو مجامع فنزع أنه يفطر، والتحريم ههنا أولى لأن الفطر بالوطئ ويمكن منع كون النزع وطأ والمحرم ههنا الاستمتاع والنزع استمتاع فكان محرماً ولأن لمسها على وجه التلذذ محرم فمس الفرج بالفرج أولى بالتحريم، فإن قيل فهذا إنما يحصل ضرورة ترك الوطئ المحرم قلنا فإذا لم يمكن الوطئ إلا بفعل محرم حرم ضرورة ترك الحرام كما لو اختلط لحم الخنزير بلحم مباح لا يمكنه أكله إلا بأكل لحم الخنزير حرم، ولو اشتبهت ميته بمذكاة أو امرأته بأجنبية حرم الكل (والوجه الثاني) أنه بالوطئ يحصل الطلاق بعد الإصابة وهو طلاق بدعة فكما يحرم إيقاعه بلسانه يحرم بتحقيق سببه (الثالث) أنه يقع به طلاق البدعة من وجه آخر وهو جمع الثلاث فإن وطئ فعليه النزع حين يولج الحشفة ولا يزيد على ذلك ولا يلبث ولا يتحرك عند النزع لأنها أجنبية فان فعل ذلك فلا حد ولا مهر لأنه تارك للوطئ وإن لبث أو تمم الإيلاج فلا حد عليه لتمكن الشبهة منه لكونه وطأ في زوجته، وفي المهر وجهان (أحدهما) يلزمه لأنه حصل منه وطئ محرم في محل غير مملوك فأوجب المهر كما لو أولج بعد النزع (والثاني) لا يجب لأنه تابع الإيلاج في محل مملوك فكان تابعاً له في سقوط المهر، وإن نزع ثم أولج وكانا جاهلين بالتحريم فلا حد عليهما وعليه المهر لها ويلحقه النسب، وإن كانا عالمين بالتحريم فعليهما الحد لأنه إيلاج في أجنبية بغير شبهة فأشبه ما لو طلقها ثلاثا ثم وطئها ولا مهر لها لأنها مطاوعة على الزنا ولا يلحقه النسب لان من زنا لا شبهة فيه، وذكر القاضي وجها أنه لا حد عليهما لان هذا يخفى على كثير من الناس وهو وجه لأصحاب الشافعي، والصحيح الأول لأن الكلام في العالمين وليس هو في مظنة الخفاء لأن أكثر

المسلمين يعلمون أن الطلاق الثلاث محرم للمرأة، وإن كان أحدهما عالماً والآخر جاهلاً نظرت فإن كان هو العالم فلها المهر وعليه الحد ولا يلحقه النسب لأنه زان محدود وإن كانت هي العالمة دونه فعليها الحد وحدها ولا مهر لها ويلحقه النسب لأن وطأه وطئ شبهة (فصل) فإن قال إن وطئتك فأنت علي كظهر أمي فقال أحمد لا يقربها حتى يكفر وهذا نص في تحريمها قبل التكفير وهو دليل على تحريم الوطئ في المسألة التي قبلها بطريق التنبيه لأن المطلقة ثلاثاً أعظم تحريماً من المظاهر منها فإذا وطئ ههنا فقد صار مظاهراً من زوجته وزال حكم الإيلاء ويحتمل أن أحمد أراد إذا وطئها مرة فلا يطؤها اخرى حتى يكفر لكونه صار بالوطئ مظاهراً إذ لا يصح تقديم الكفارة على الظهار لأنه سببها ولا يجوز تقديم الحكم على سببه، ولو كفر قبل الظهار لم يجزئه وقد روى إسحاق قال قلت لأحمد فيمن قال لزوجته أنت علي كظهر أمي ان قربتك إلى سنة فقال إن جاءت تطلب فليس له أن يعضلها بعد مضي الأربعة الأشهر فيقال له اما ان تفئ وأما أن تطلق فإن وطئها فقد وجب عليه كفارة وإن أبي وأرادت مفارقته طلقها الحاكم عليه فينبغي أن تحمل الرواية الأولى على الوطئ بعد الوطئ الذي صار به مظاهرا لما ذكرناه فتكون الروايتان متفقتين والله أعلم (فصل) وإن انقضت المدة وادعى أنه عاجز عن الوطئ فإن كان قد وطئها مرة لم تسمع دعواه الفيئة كما لا تسمع دعواها عليه ويؤخذ بالفيئة أو بالطلاق كغيره وإن لم يكن وطئها ولم تكن حاله معروفة فقال القاضي تسمع دعواه ويقبل قوله لأن العنة من العيوب التي لا يقف عليها غيره وهذا ظاهر نص

مسالة: وأدنى ما يكفي من ذلك تغييب الحشفة في الفرج

الشافعي ولها أن تسأل الحاكم فيضرب له مدة العنة بعد ان يفئ فيئة المعذور، وفيه وجه آخر أنه لا يقبل قوله لأنه متهم في دعوى ما يسقط عنه حقاً توجه عليه الطلب به والأصل سلامته منه، وإن اعترفت أنه قد أصابها مرة وأنكر ذلك لم يكن لها المطالبة بضرب مدة العنة لاعترافها بعدم عنته والقول قوله في عدم الإصابة * (مسألة) * (وإن لم يفئ وأعفته المرأة سقط حقها ويحتمل أن لا يسقط ولها المطالبة بعد) إذا عفت المرأة عن المطالبة بالفيئة بعد وجوبها فقال بعض أصحابنا يسقط حقها وليس لها المطالبة قال القاضي هذا قياس المذهب لأنها رضيت بإسقاط حقها من الفسخ فسقط حقها منه كامرأة العنين إذا رضيت بعنته ويحتمل أن لا يسقط حقها ولها المطالبة متى شاءت وهذا مذهب الشافعي لأنها ثبتت لدفع الضرر بترك ما يتجدد مع الأحوال فكان لها الرجوع كما لو أعسر بالنفقة فعفت عن المطالبة بالفسخ ثم طالبت، وفارق الفسخ للعنة فإنه فسخ لعيبه فمتى رضيت بالعيب سقط حقها كما لو عفا المشتري عن عيب المبيع، فأما إن سكتت عن المطالبة ثم طالبت بعد فلها ذلك وجها واحدا لانها حقها يثبت على التراخي فلم يسقط بتأخر المطالبة كاستحقاق النفقة * (مسألة) * (وإن لم تعفه أمر بالطلاق إن طلبت ذلك) لقول الله سبحانه (للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم) وقال تعالى (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) فإذا امتنع من أداء الواحب فقد امتنع من الإمساك بالمعروف فيؤمر بالتسريح بإحسان

مسالة: وإن لم تعفه أمر بالطلاق إن طلبت ذلك

* (مسألة) * (فإن طلق واحدة فله رجعتها وعنه أنها تكون بائنة) وجملة ذلك أن الطلاق الواجب على المولى رجعي سواء أوقعه بنفسه أو طلق الحاكم عليه وبهذا قال الشافعي قال الأثرم قلت لأبي عبد الله في الولي فإن طلقها قال تكون واحدة وهو أحق بها وعن أحمد رواية أخرى أن فرقة الحاكم تكون بائناً ذكر أبو بكر الروايتين جميعاً وقال القاضي المنصوص عن أحمد في فرقة الحاكم أنها تكون بائناً فإن في رواية الأثرم وقد سئل إذا طلق عليه السلطان أتكون واحدة؟ فقال إذا طلق فهي واحدة وهو أحق بها، فأما تفريق السلطان فليس فيه رجعة، وقال أبو ثور طلاق المولي بائن سواء طلق هو أو طلق عليه الحاكم لأنها فرقة لدفع الضرر فكانت بائناً كفرقة العنة ولأنها لو كانت رجعية لم يندفع الضرر، وقال أبو حنيفة يقع الطلاق بانقضاء المدة بائناً، ووجه الأول أنه طلاق صادق مدخولاً بها من غير عوض ولا استيفاء عدد فكان رجعياً كالطلاق في غير الايلاء، ويفارق فرقة العنة لأنها فسخ لعيب وهذه طلقة ولأنه لو أبيح له إرتجاعها لم يندفع عنها الضرر وهذه يندفع عنها الضرر فهذه إذا ارتجعها ضربت له مدة أخرى ولأن العنين قد يئس من وطئه فلا فائدة في رجعته وهذا غير عاجز ورجعته دليل على رغبته فيها وإقلاعه عن الاضرار بها فافترقا * (مسألة) * (فإن لم يطلق حبس وضيق عليه حتى يطلق في إحدى الروايتين والأخرى يطلق الحاكم عليه) إذا امتنع المولي من الفيئة بعد التربص أو امتنع المعذور من الفيئة بلسانه أو امتنع من الوطئ بعد زوال عذره أمر بالطلاق فإن طلق وقع طلاقه الذي أوقعه واحدة كانت أو أكثر وليس للحاكم إجباره

مسألة: فإن لم يطلق حبس وضيق عليه حتى يطلق في إحدى الروايتين والأخرى يطلق الحاكم عليه

على أكثر من طلقة لأنه يحصل الوفاء لحقها بها فإنها تفضي إلى البينونة والتخلص من ضرره، وإن امتنع من الطلاق طلق الحاكم عليه وبه قال مالك، وعن أحمد رواية أخرى ليس للحاكم الطلاق عليه لأن ما خير الزوج فيه بين أمرين لم يقم الحاكم مقامه فيه كالاختيار لبعض الزوجات في حق من أسلم وتحته أكثر من أربع نسوة أو أختان، فعلى هذا يحبسه أو يضيق عليه حتى يفئ أو يطلق وللشافعي قولان كالروايتين ووجه الرواية الأخرى أن ما دخلته النيابة وتعين مستحقه وامتنع من هو عليه قام الحاكم مقامه فيه كقضاء الدين وفارق الاختيار فإنه ما تعين مستحقه وهذا أصح في المذهب وهو اختيار الخرقي وليس للحاكم أن يأمره بالطلاق ولا يطلق عليه إلا أن تطلب المرأة ذلك لأنه حق لها وإنما الحاكم يستوفي لها الحق فلا يكون الا عند طلبها * (مسألة) * (فإن طلق واحدة فهو كطلاق المولي) يعني إذا طلق الحاكم واحدة فهل هي رجعية أو بائنة؟ على روايتين لأنه قام مقامه وناب عنه فكان حكمه حكم المولي وإن طلق الحاكم ثلاثاً أو فسخ جاز لأن المولي إذا امتنع من الفيئة والطلاق قام الحاكم مقامه فملك من الطلاق ما يملكه المولي وإليه الخيرة فيه وإن شاء طلق واحدة وإن شاء اثنتين وإن شاء ثلاثاً وإن شاء فسخ قال القاضي هذا ظاهر كلام أحمد وقال الشافعي ليس له إلا واحدة لأن إيفاء الحق يحصل بها فلم يملك زيادة عليها كما لم يملك الزيادة على وفاء الدين في حق الممتنع ولنا ان الحاكم قائم مقامه فملك من الطلاق ما يملكه كما لو وكله في ذلك وليس ذلك زيادة على حقها فإن حقها الفرقة غير أنها تتنوع وقد يرى الحاكم المصلحة في تحريمها عليه ومنعه رجعتها لعلمه بسوء قصده وحصول المصلحة ببعده قال أبو عبد الله إذا قال فرقت بينكما فإنما هو فسخ وإذا قال طلقت واحد فهي واحدة وإذا قال طلقت ثلاثاً فهي ثلاث * (مسألة) * (وإن ادعى أن المدة ما انقضت وادعت مضيها فالقول قوله في أنها لم تمض مع يمينه) وإنما كان كذلك لأن الاختلاف في مضي المدة ينبني على الخلاف في وقت يمينه فإنهما لو اتفقا

مسألة: فإن طلق واحدة فهو كطلاق المولي

على وقت اليمين حسب من ذلك الوقت فعلم هل انقضت المدة أو لا وزال الخلاف، أما إذا اختلفا في وقت اليمين فقال حلفت في غرة رمضان وقالت بل حلفت في غرة شعبان فالقول قوله لأنه يصدر من جهته وهو أعلم به فكان القول قوله فيه كما لو اختلفا في اصل الإيلاء، ولأن الأصل عدم الحلف في غرة شعبان فكان قوله في نفيه موافقاً للأصل ويكون ذلك مع يمينه في قول الخرقي وهو مذهب الشافعي وقال أبو بكر لا يمين عليه قال القاضي وهو أصح لأنه اختلاف في أحكام النكاح فلم تشرع فيه اليمين كما لو ادعى زوجية امرأة فانكرته، والأول أولى لقول النبي صلى الله عليه وسلم اليمين على المدعي عليه ولأنه حق لآدمي يجوز بذله فيستحلف فيه كالديون * (مسألة) * (فإن ادعى أنه وطئها فأنكرته وكانت ثيباً فالقول قوله مع يمينه) اختاره الخرقي وهو مذهب الشافعي لأن الأصل بقاء النكاح والمرأة تدعي رفعه وهو يدعي ما يوافق الأصل فكان القول قوله كما لو ادعى الوطئ في العنة ولأن هذا أمر خفي ولا يعلم إلا من جهته فقبل قوله فيه كقول المرأة في حيضها وتلزمه اليمين لأن ما تدعيه المرأة محتمل فوجب نفيه باليمين ونص أحمد في رواية الأثرم على أنه لا يلزمه يمين لأنه لا يقضى فيه بالنكول وهذا اختيار أبي بكر فأما إن كانت بكرا واختلفا في الإصابة وادعت أنها عذراء أريت النساء الثقات فإن شهدن بثيوبتها فالقول قوله وإن شهدن ببكارتها فالقول قولها لأنه لو وطئها زالت بكارتها، وظاهر كلام الخرقي أنه لا يمين ههنا لأنه قال في باب العنين فإن شهدن بما قالت أجل سنة ولم يذكر يمينه وهذا قول أبي بكر لأن البينة تشهد لها فلا تجب اليمين معها وقيل تجب عليها اليمين لاحتمال أن تكون العذرة عادت بعد زوالها وإن لم يشهد بها أحد فالقول قوله كما لو كانت ثيباً وهل يحلف؟ على وجهين مضى توجيههما

مسألة: فإن ادعى أنه وطئها فأنكرته وكانت ثيبا فالقول قوله مع يمينه

(كتاب الظهار) الظهار مشتق من الظهر وإنما خصوا الظهر بذلك من بين سائر الأعضاء لأن كل مركوب يسمى ظهراً لحصول الركوب على ظهره في الأغلب فشبهوا الزوجة بذلك وهو محرم لقول الله تعالى وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا ومعناه أن الزوجة ليست كالأم في التحريم قال الله تعالى (ما هن أمهاتهم - وقال سبحانه - وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن امهاتهم) والأصل في الظهار الكتاب والسنة والإجماع أما الكتاب فقوله تعالى (الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم) والآية التي بعدها وأما السنة فروى أبو داود بإسناده عن خويلة بنت مالك بن ثعلبة قالت تظاهر مني أوس بن الصامت فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم اشكوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم يجادلني فيه ويقول " اتق الله فإنه ابن عمك " فما برحت حتى نزل القرآن (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها) فقال - يعتق رقبة - فقلت لا يجد فقال - يصوم شهرين متتابعين - فقلت يا رسول الله إنه شيخ كبير ما به من صيام قال - فليطعم ستين مسكيناً - قلت ما عنده من شئ يتصدق قال " فإني سأعينه بعرق من تمر - فقلت يا رسول الله فإني سأعينه بعرق آخر قال - قد أحسنت اذهبي فاطعمي عنه ستين مسكيناً وارجعي إلى ابن عمك - قال الاصمي العرق بفتح العين والراء هو ماسف من خوص كالزنبيل الكبير وروى أيضاً باسناده عن سليمان بن يسار عن سلمة بن صخر البياضي قال كنت أصيب من النساء

كتاب الظهار

ما لا يصيب غيري فلما دخل شهر رمضان خفت أن أصيب من امرأتي شيئا يتتايع حتى أصبح فظاهرت منها حتى ينسلخ شهر رمضان فبينا هي تخدمني ذات ليلة إذ تكشف لي منها شئ فلم ألبث أن نزوت عليها فلم أصبحت خرجت إلى قومي فأخبرتهم الخبر وقلت امشوا معي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا لا والله فانطلقت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاخبرتبه الخبر فقال " أنت بذاك يا سلمة؟ " فقلت أنا بذاك يا رسول الله وأنا صابر لحكم الله فاحكم في ما أراد الله قال حرر رقبة قلت والذي بعثك بالحق ما أملك رقبة غيري وضربت صفحة رقبتي قال " فصم شهرين متتابعين " قلت وهل أصبت إلا من الصيام؟ قال " فاطعم وسقا من تمر بين ستين مسكيناً " قلت والذي بعثك بالحق لقد بتنا وحشين مالنا طعام قال - فانطلق إلى صاحب صدقة بني زريق فليدفعها إليك - قال - فأطعم ستين مسكيناً وسقاً من تمر وكل أنت وعيالك بقيتها " فرجعت إلى قومي فقلت وجدت عندكم الضيق وسوء الرأي ووجدت عند رسول صلى الله عليه وسلم السعة وحسن الرأي وقد أمر لي بصدقتكم * (مسألة) * (والظهار أن يشبه امرأته أو عضوا منها بظهر من تحرم عليه على التأبيد أو بها أو بعضو منها قيقول أنت علي كظهر أمي أو كيد أختي أو كوجه حماتي أو يقوم ظهرك أو يدك علي كظهر

مسألة: والظهار أن يشبه امرأته، أو عضوا منها بظهر من تحرم عليه على التأبيد أو بها أو بعضو منها فيقول أنت علي كظهر أمي أو كيد أختي أو كوجه حماتي، أو يقول ظهرك أو يدك علي كظهر أمي، أو كيد أختي أو خالتي من نسب أو رضاع عمتى شبه امرأته بظهر من تحرم علي

أمي أو كيد أختي أو خالتي من نسب أو رضاع فمتى شبه امرأته بظهر من تحرم عليه على التأبيد فيقول أنت علي كظهر أمي فهذا ظهار إجماعاً) قال إبن المنذر أجمع أهل العلم على أن تصريح الظهار أن يقول أنت علي كظهر أمي وفي حديث خويلة امرأة أوس بن الصامت أنه قال لها أنت علي كظهر أمي فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره بالكفارة (الضرب الثاني) أن يشبهها بظهر من تحرم عليه من ذوي رحمه كجدته وعمته وخالته وأخته فهذا ظهار في قول أكثر أهل العلم منهم الحسن وعطاء وجابر بن زيد والشعبي والنخعي والزهري والثوري والاوزاعي ومالك واسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وأصحاب الرأي وهو جديد قولي الشافعي وقال في القديم لا يكون الظهار إلا بأم وجدة لأنها أم أيضاً لأن اللفظ الذي ورد به القرآن مختص بالام فإذا عدل عنه لم يتعلق به ما أوجبه الله تعالى فيه ولنا أنهن محرمات بالقرابة فأشبهن الأم وأما الآية فقد قال فيها (وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا) وهذا موجود في مسئلتنا فجرى مجراه وتعليق الحكم بالأم لا يمنع الحكم في غيرها إذا كانت مثلها. (الثالث) أن يشبهها بظهر من تحرم عليه على التأبيد سوى الأقارب كالأمهات المرضعات والأخوات

من الرضاعة وحلائل الآباء والابناء وأمهات النساء والربائب اللاتي دخل بأمهن فهو ظهار أيضاً والخلاف فيها كالتي قبلها ووجه المذهبين ما تقدم ويزيد في الأمهات المرضعات في دخولها في عموم الأمهات وسائرهن في معناها فيثبت فيهن حكمها (فصل) وإن قال أنت عندي أو مني أو معي كظهر أمي كان ظهاراً بمنزلة علي لأن هذه الألفاظ في معناه وإن قال جملتك أو بدنك أو جسمك أو ذاتك أو ذلك علي كظهر أمي كان ظهاراً لأنه اشار إليها فهو كقوله أنت وإن قال أنت كظهر أمي كان ظهاراً لأنه أتى بما يقتضي تحريمها عليه فانصرف الحكم إليه كما لو قال أنت طالق وقال بعض الشافعية ليس بظهار لأنه ليس فيه ما يدل على أن ذلك في حقه وليس بصحيح فإنها إذا كانت كظهر أمه فظهر أمه محرم عليه، وأما إذا شبه عضواً من امرأته بظهر أمه أو عضواً من اعضائها فهو مظاهر فلو قال فرجك أو ظهرك أو رأسك أو جلدك كظهر أمي أو بدنها أو رأسها أو يدها فهو مظاهر، وبهذا قال مالك وهو نص الشافعي وعن أحمد رواية أخرى انه ليس بمظاهر حتى يشبه جملة امرأته لأنه لو حلف بالله لا يمس عضواً منها لا يسري إلى غيره فكذلك المظاهرة ولأن هذا ليس بمنصوص عليه ولا هو في معنى المنصوص لأن تشبيهه بجملتها تشبيه بمحل الاستمتاع بما يتأكد تحريمه وفيه تحريم لجملتها فيكون آكد وقال أبو حنيفة إن شبهها بما يحرم النظر إليه من الأم كالفرج والفخذ ونحوهما فهو مظاهر وإن

لم يحرم النظر إليه كالرأس والوجه لم يكن مظاهراً لأنه شبهها بعضو من أمه فكان مظاهراً كما لو شبهها بظهرها وفارق الزوجة فإنه لو شبهها بظهرها لم يكن مظاهراً والنظر إن لم يحرم فإن التلذذ يحرم وهو المستفاد بعقد النكاح (فصل) فإن قال كشعر أمي أو سنها أو ظفرها أو شبه شيئاً من ذلك من امرأته بأمه أو بعضو من أعظائها لم يكن مظاهراً لأنها ليست من اعضاء الأم الثابتة ولا يقع الطلاق بإضافته إليها فكذلك الظهار وكذلك إن قال بروح أمي فان الروح لان توصف بالتحريم ولا هي محل للاستمتاع وكذلك الريق والعرق والدم فإن قال وجهي من وجهك حرام فليس بظهار نص عليه أحمد وقال هذا شئ يقوله الناس ليس شيئاً وذلك لأن هذا يستعمل كثيراً في غير الظهار ولا يؤدي معنى الظهار فلم يكن ظهاراً كما لو قال لا أكلمك. (فصل) فإن قال أنا مظاهر أو علي الظهار أو علي الحرام أو الحرام لي لازم ولا نية له لم يلزمه شئ لأنه ليس بصريح في الظهار وإن نوى به الظهار أو أقترنت به قرينة تدل على إرادة الظهار مثل أن يعلقه على شرط مثل أن يقول علي الحرام إن كلمتك احتمل أن يكون ظهاراً لأنه أحد نوعي التحريم للزوجة فصح بالكناية مع البينة كالطلاق ويحتمل أن لا يثبت الظهار به لأن الشرع إنما ورد به بصريح لفظه، وهذا ليس بصريح فيه ولأنه يمين موجبة للكفارة فلم يثبت حكمه بغير الصريح كاليمين بالله تعالى.

(فصل) يكره أن يسمي الرجل امرأته بمن تحرم عليه كأمه وأخته وبنته لما روى أبو داود بإسناده عن أبي تميم الهجيمي أن رجلاً قال لامرأته يا أخته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أختك هي؟ " فكره ذلك ونهى عنه ولانه لفظ يشبه لفظ الظهار ولا تحرم بهذا ولا يثبت حكم الظهار لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل له حرمت عليك ولأن هذا اللفظ ليس بصريح في الظهار ولا نواه به فلا يثبت التحريم وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم " أن إبراهيم عليه السلام أرسل إليه جبار فسأله عنها يعني عن سارة فقال إنها أختي ولم يعد ذلك ظهاراً * (مسألة) * (وإن قال أنت علي كأمي كان مظاهرا فإن قال أردت كأمي في الكرامة أو نحوه دين وهل يقبل في الحكم؟ يخرج على روايتين) إذا قال أنت علي كأمي أو مثل أمي ونوى الظهار فهو ظهار في قول عامة العلماء منهم أبو حنيفة وصاحباه والشافعي واسحاق وإن أطلق فقال أبو بكر هو صريح في الظهار وهو قول مالك ومحمد ابن الحسن. وقال ابن أبي موسى فيه روايتان أظهرهما إنه ليس بظهار حتى ينويه وهذا قول أبي حنيفة والشافعي لأن هذا يستعمل في الكرامة أكثر مما يستعمل في التحريم فلم ينصرف إليه بغير نية

مسألة: وإن قال أنت علي كأمي كان مظاهرا، فإن قال أردت كأمي في الكرامة أو نحوه دين وهل يقبل في الحكم؟ يخرج على روايتين

ككنايات الطلاق. (والثانية) هو ظهار لأنه شبه امرأته بجملة أمه فكان مشبهاً لها بظهرها فيثبت الظهار كما لو شبهها به منفرداً قال شيخنا والذي يصح عندي في قياس المذهب أنه إن وجدت قرينة تدل على الظهار مثل أن يخرجه مخرج الحلف فيقول إن فعلت كذا فأنت علي مثل أمي أو قال ذلك حال الخصومة والغضب فهو ظهار لأنه إذا أخرجه مخرج الحلف فالحلف يراد للامتناع من شئ أو الحث عليه وإنما يحصل ذلك بتحريمها عليه ولأن كونها مثل أمه في صفتها وكرامتها لا يتعلق بشرط فيدل على أنه إنما أراد الظهار ووقوع ذلك في حال الخصومة والغضب دليل على أنه أراد به ما يتعلق بأدائها ويوجب اجتنابها وهو الظهار وإن عدم ذلك فليس بظهار لأنه محتمل لغيره احتمالاً كثيراً فلا يتعين الظهار فيه بغير دليل ونحوه قول أبي ثور فأما إن قال أردت كأمي في الكرامة ونحو ذلك فإنه يدين لأن ما قاله محتمل ويقبل في الحكم في أصح الروايتين. اختاره شيخنا لأنه لما احتمل الظهار وغيره ترجح عدم الظهار بدعوى الإرادة، (والثانية) لا يقبل لأنه لما قال أنت علي كأمي اقتضى أن يكون عليه فيها تحريم فأشبه ما لو قال أنت علي كظهر أمي

* (مسألة) * (وإن قال أنت كأمي أو مثل أمي ولم يقل علي ولا عندي فإن نوى به الظهار كان ظهاراً لأنه يحتمله) قال شيخنا وحكمه كما إذا قال أنت علي كأمي أو قال أنت أمي أو امرأتي أمي إن نواه أو كان مع الدليل الصارف له إلى الظهار فهو ظهار وإلا فلا. وذكر أبو الخطاب فيها روايتين مثل قوله: أنت علي كأمي والأولى أن هذا ليس بظهار إذا أطلق لأنه ليس صريح في الظهار لكونه غير اللفظ المستعمل فيه فلا يكون ظهاراً بغير نية كما لو قال انت كبيرة مثل أمي ولأنه يحتمل التشبيه في التحريم وغيره فلا يجوز أن يتعين التحريم بغير نية فأما إن قال أمي امرأتي او مثل امرأتي لم يكن ظهاراً لأنه تشبيه لأمه وصف لها وليس بوصف لامرأته * (مسألة) * (وإن قال أنت علي كظهر أبي ففيه روايتان) (إحداهما) هو ظهار لأنه شبهها بظهر من يحرم عليه على التأبيد أشبه الأم وكذلك إن شبهها بظهر غيره من الرجال أو قال أنت علي كظهر البهيمة أو أنت علي كالميته والدم قال الميموني قلت لأحمد إن ظاهر من ظهر الرجل قال فظهر الرجل حرام يكون ظهاراً وبهذا قال ابن القاسم صاحب مالك فيما إذا قال أنت علي كظهر أبي وروي ذلك عن جابر بن زيد

مسالة: وإن قال أنت كأمي أو مثل أمي ولم يقل علي ولا عندي فإن نوى به الظهار كان ظهارا لأنه يحتمله

والرواية الثانية ليس بظهار وهو قول أكثر العلماء لأنه تشبيه بما ليس بمحل للاستمتاع أشبه ما لو قال أنت علي كمال زيد وهل فيه كفارة؟ على روايتين (أحدهما) فيه كفارة لأنه نوع تحريم أشبه ما لو حرم ماله (والثانية) ليس فيه شئ نقل ابن القاسم عن أحمد فيمن شبه امرأته بظهر الرجل لا يكون ظهاراً ولم أر يلزمه فيه شئ وذلك لأنه تشبيه لامرأته بما ليس بمحل للاستمتاع أشبه التشبيه بمال غيره وإن قال أنا عليك كظهر أمي أو حرام ونوى به الظهار فهل هو ظهار؟ على وجهين ذكره في المحرر * (مسألة) * (وإن قال أنت علي كظهر أجنبية أو أخت زوجتي أو عمتها أو خالتها فعلى روايتين) إذا شبه امرأته بظهر من تحرم عليه تحريماً مؤقتا كأخت امرأته أو عمتها أو الأجنبية فعن أحمد فيه روايتان (إحداهما) أنه ظهار اختاره الخرقي وهو قول أصحاب مالك (والثانية) ليس بظهار وهو مذهب الشافعي لانها غير محرمة على التأبيد فلا يكون التشبيه بها ظهاراً كالحيض والمحرمة من نسائه، ووجه الرواية الأولى أنه شبهها بمحرمة فأشبه ما لو شبهها بالأم ولأن مجرد قوله أنت علي حرام إذا نوى به الظهار ظهار، والتشبيه بالمحرمة تحريم فكان ظهارا، فأما الحائض فيباح الاستمتاع بها في غير الفرج والمحرمة يحل النظر إليها ولمسها لغير شهوة وليس في وطئ واحدة منهما حد بخلاف مسئلتنا، واختار أبو بكر أن الظهار لا يكون إلا من ذوات المحارم من النساء قال فبهذا أقول * (مسألة) * (وإن قال أنت علي كظهر البهيمة لم يكن مظاهراً) لأنه ليس بمحل للاستمتاع وفيه وجه آخر أنه يكون مظاهراً كما لو شبهها بظهر أبيه

مسألة: وإن قال أنت علي كظهر أجنبية أو أخت زوجتي أو عمتها أو خالتها فعلى روايتين

* (مسألة) * (وإن قال أنت علي حرام فهو ظهار إلا أن ينوي طلاقاً أو يميناً فهل يكون ظهاراً أو ما نواه؟ على روايتين) إذا نوى به الظهار فهو ظهار في قول عامتهم وبه يقول أبو حنيفة والشافعي وإن نوى به الطلاق فقد ذكرناه في باب صريح الطلاق وكنايته، وإن أطلق ففيه روايتان (إحداهما) أنه ظهار ذكره الخرقي ونص عليه أحمد في رواية جماعة من أصحابه وحكاه ابراهيم الحربي عن عثمان وابن عباس وأبي قلابة وسعيد بن جبير وميمون بن مهران والبتي أنهم قالوا الحرام ظهار، وروى عن أحمد ما يدل على أن التحريم يمين وروي عن ابن عباس أنه قال التحريم يمين في كتاب الله عزوجل قال الله عزوجل (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك؟ - ثم قال - قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم) وأكثر الفقهاء على أن التحريم إذ لم ينو به الظهار فليس بظهار وهو قول مالك وأبي حنيفة والشافعي للآية المذكورة ولأن التحريم يتنوع منه ما هو بظهار وبطلاق وبحيض وإحرام وصيام فلا يكون التحريم صريحاً في واحد منها ولا ينصرف إليه بغير نية كما لا ينصرف إلى تحريم الطلاق، ووجه الأولى أنه تحريم أوقعه في امرأته فكان بإطلاقه ظهاراً كتشبيهها بظهر أمه، قولهم إن التحريم يتنوع قلنا إلا أن تلك الأنواع منتفية ولا يحصل بقوله منها إلا الطلاق وهذا أولى منه لأن الطلاق تبين به المرأة وهذا يحرمها مع بقاء الزوجية فكان أدنى التحريمين فكان أولى، فأما إن قال ذلك لمحرمة عليه بحيض أو نحوه ونوى الظهار فهو ظهار وإن قصد أنها محرمة عليه بذلك فليس بظهار لأنه يحتمل الخبر عن حالها ويحتمل إنشاء التحريم فيها بالظهار فلا يتعين أحدهما بغير تعيين

مسألة: وإن قال أنت علي حرام فهو ظهار إلا أن ينوي طلاقا أو يمينا فهل يكون ظهارا أو ما نواه؟ على روايتين

(فصل) فإن قال الحل علي حرام أو ما أحل الله علي حرام أو ما انقلب إليه حرام وله امرأة فهو مظاهر نص عليه أحمد في الصور الثلاث وذلك لانه لفظه يقتضي العموم فيتناول المرأة بعمومه وإن صرح بتحريم المرأة أو نواها فهو آكد قال أحمد فيمن قال ما أحل الله علي حرام من أهل ومال: عليه كفارة الظهار هو يمين ويجزئه كفارة واحدة في ظاهر كلام أحمد هذا، واختار ابن عقيل أنه يلزمه كفارتان للظهار ولتحريم المال لأن التحريم يتناولهما وكل واحد منهما لو انفرد أوجب كفارة فكذلك إذا اجتمعا. ولنا أنها يمين واحدة فلا توجب كفارتين كما لو تظاهر من امرأتين أو حرم من ماله شيئين وما ذكره منتقض بهذا وفي قول أحمد هو يمين إشارة الى التعليل بما ذكرناه لأن اليمين الواحدة لا توجب أكثر من كفارة واحدة، فإن نوى بقوله ما أحل الله علي حرام وغيره من لفظات العموم المال لم يلزمه إلا كفارة اليمين لأن اللفظ العام يجوز استعماله في الخاص، وعلى الرواية الأخرى التي تقول إن الحرام بإطلاقه ليس بظهار لا يكون ههنا مظاهراً إلا أن ينوي الظهار (فصل) وإن قال أنت علي كظهر أمي حرام فهو صريح في الظهار لا ينصرف إلى غيره سواء نوى الطلاق أو لم ينوه وليس فيه اختلاف بحمد الله لأنه صرح بالظهار وبينه بقوله حرام وإن قال أنت علي حرام كظهر أمي أو كأمي فكذلك وبه قال أبو حنيفة وهو أحد قولي الشافعي، والقول الثاني إذا نوى الطلاق فهو طلاق وهو قول أبي يوسف ومحمد إلا أن أبا يوسف قال لا أقبل قوله في نفي الظهار، ووجه قولهم أن قوله أنت علي حرام إذا نوى به الطلاق فهو طلاق، وزيادة قوله كظهر أمي بعد ذلك لا تنفي الطلاق كما لو قال قال أنت طالق كظهر أمي

ولنا أنه أتى بصريح الظهار فلم يكن طلاقاً كالتي قبلها، وقولهم أن التحريم مع نية الطلاق طلاق لا نسلمه وإن سلمناه لكنه فسر لفظه ههنا بصريح الظهار بقوله فكان العمل بصريح القول أولى من العمل بالنية (فصل) وإن قال أنت طالق كظهر أمي طلقت وسقط قوله كظهر أمي لأنه أتى بصريح الطلاق اولاً وجعل قوله كظهر أمي صفة له فإن نوى بقوله كظهر أمي تأكيداً للطلاق لم يكن ظهاراً كما لو أطلق وإن نوى به الظهار وكان الطلاق بائناً فهو كالظهار من الأجنبية لأنه أتى به بعد بينونتها بالطلاق وإن كان رجعياً كان ظهارا صحيحاً ذكره القاضي وهو مذهب الشافعي لأنه أتى بلفظ الظهار في زمن هي زوجة، وإن نوى بقوله أنت طالق الظهار لم يكن ظهاراً لأنه نوى الظهار بصريح الطلاق وإن قال أنت علي كظهر أمي طالق وقع الظهار والطلاق معاً سواء كان الطلاق بائناً أو رجعياً لأن الظهار سبق الطلاق. (فصل) وإن قال أنت علي حرام ونوى الطلاق والظهار معاً كان ظهاراً ولم يكن طلاقاً لأن اللفظ الواحد لا يكون ظهاراً وطلاقاً، والظهار أولى بهذا اللفظ فينصرف إليه، وقال بعض أصحاب الشافعي يقال له اختر أيهما شئت وقال بعضهم أن قال أردت الطلاق والظهار كان طلاقاً لأنه بدأ به وإن قال أردت الظهار والطلاق كان ظهاراً لأنه بدأ به فيكون ذلك اختياراً له ويلزمه ما بدأ به ولنا أنه أتى بلفظ الحرام ينوي به الظهار فكانت ظهاراً كما لو انفرد الظهار بنيته ولا يكون طلاقاً لأنه زاحمت نيته نية الظهار وتعذر الجمع والظهار أولى بهذه اللفظة لأن معناهما واحد وهو التحريم فيجب أن يغلب ما هو الأولى. أما الطلاق فإن معناه الإطلاق وهو حل قيد النكاح وإنما التحريم حكم

له في بعض أحواله وقد ينفك عنه فإن الرجعية مطلقة مباحة، وأما التخبير فلا يصح لأن هذه اللفظة قد ثبت حكمها حين لفظ بها لكونه أهلاً والمحل قابلا ولهذا لو حكمنا بأنه طلاق لكانت عدتها من حين أوقع الطلاق وليس إليه رفع حكم ثبت في المحل باختياره وإبداله بإرادته، والقول الآخر مبني على أن له الاختيار وهو فاسد على ما ذكرنا ثم إن الاعتبار بجميع لفظه لا بما بدأ به ولذلك لو قال طلقت هذه أو هذه لم يلزمه طلاق الأولى * (فصل) * قال الشيخ رضي الله عنه (ويصح من كل زوج يصح طلاقه مسلما كان أو ذمياً) كل زوج صح طلاقه صح ظهاره وهو البالغ العاقل مسلما كان أو كافراً حراً أو عبدا قال أبو بكر وظهار السكران مبني على طلاقه قال القاضي وكذلك ظهار الصبي مبني على طلاقه، قال شيخنا والأقوى عندي أنه لا يصح من الصبي ظهار ولا إيلاء لأنها يمين موجبة للكفارة فلم تنعقد يمينه كاليمين بالله تعالى ولأن الكفارة وجبت لما فيه من قول المنكر والزور وذلك مرفوع عن الصبي لكون القلم مرفوعاً عنه فأما ظهار العبد فهو صحيح، وقيل لا يصح ظهاره لأن الله تعالى قال (فتحرير رقبة) والعبد لا يملك الرقاب. ولنا عموم الآية ولأنه مكلف يصح طلاقه فصح ظهاره كالحر وأما إيجاب الرقبة فإنما هو على من يجدها ولا ينفي الظهار في حق من لم يجدها كالمعسر فرضه الصيام، ويصح ظهار الذمي وبه قال الشافعي وقال مالك وأبو حنيفة لا يصح لأن الكفارة لا تصح منه وهي الرافعة للتحريم فلا يصح منه التحريم ودليل أن الكفارة لا تصح منه أنها تفتقر إلى النية فلا تصح منه كسائر العبادات ولنا أن من صح طلاقه صح ظهاره كالمسلم فأما ما ذكروه فيبطل بكفارة الصيد إذا قتله في الحرم

وكذلك الحد يقام عليه ولا نسلم أن التكفير لا يصح منه فإنه يصح منه العتق وإنما لا يصح منه الصيام فلا تمتنع صحة الظهار بامتناع بعض أنواع الكفارة كما في حق العبد، والنية إنما تعتبر لتعيين الفعل للكفارة فلا يمتنع ذلك في حق الكافر كالنية في كنايات الطلاق ومن يخنق في الاحيان يصح ظهاره في إفاقته كما يصح طلاقه فيه (فصل) ومن لا يصح طلاقه لا يصح ظهاره كالطفل والزائل العقل بجنون أو إغماء أو نوم أو غيره وبه قال الشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه خلافا ولا يصح ظهار المكره، وبه قال الشافعي وأبو ثور وابن المنذر وقال أبو يوسف يصح ظهاره، والخلاف في ذلك مبني على الخلاف في صحة طلاقه وقد مضى ذكره. * (مسألة) * (ويصح من كل زوجة كبيرة كانت أو صغيرة مسلمة أو ذمية ممكن وطؤها أو غير ممكن) وبه قال مالك والشافعي وقال أبو ثور لا يصح الظهار ممن لا يمكن وطؤها لأن الظهار لتحريم وطئها وهو ممتنع منه بغير اليمين. ولنا عموم الآية ولأنها زوجة يصح طلاقها فصح الظهار منها كغيرها * (مسألة) * فإن ظاهر من أمته أو أم ولده لم يصح وعليه كفارة يمين ويحتمل أن تلزمه كفارة الظهار وممن روي عنه أنه لا يصح الظهار منهما أبن عمر وعبد الله بن عمرو وسعيد بن المسيب ومجاهد والشعبي وربيعة والشافعي وأبو حنيفة وأصحابه وروي عن الحسن وعكرمة والنخعي وعمرو بن دينار وسليمان بن يسار والزهري وقتادة والحكم والثوري ومالك في الظهار من الأمة كفارة تامة لأنها مباحة

مسألة: ويصح من كل زوجة كبيرة كانت أو صغيرة مسلمة أو ذمية ممكن وطؤها أو غير ممكن

له فصح الظهار منها كالزوجة وعن الحسن والاوزاعي إن كان يطؤها فهو ظهار وإلا فلا لأنه إذا لم يطأها فهو كتحريم ماله، وقال عطاء عليه نصف كفارة حرة لأن الأمة على النصف من الحرة في كثير من احكامها وهذا من أحكامها فيكون على النصف ولنا قوله تعالى (والذين يظاهرون من نسائهم) فخصهن به ولأنه لفظ تعلق به تحريم الزوجة فلا تحرم به الأمة كالطلاق، ولأن الظهار كان طلاقاً في الجاهلية فنقل حكمه وبقي محله قال أحمد قال أبو قلابة وقتادة إن الظهار كان طلاقاً في الجاهلية ويلزمه كفارة يمين لأنه تحريم لمباح من ماله فكانت فيه كفارة يمين كتحريم سائر ماله، قال نافع حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم جاريته فأمره الله أن يكفر يمينه وعن أحمد عليه كفارة ظهار لأنه أتى بالمنكر من القول والزور وكما لو قالت المرأة لزوجها أنت علي كظهر أبي قال أبو بكر لا يتوجه هذا على مذهب لأنه لو كانت عليه كفارة ظهار كان ظهاراً ويحتمل أن لا يلزمه شئ قاله أبو الخطاب بناء على قوله في المرأة إذا قالت لزوجها أنت علي كظهر أبي لا يلزمها شئ فإن قال لأمته أنت علي حرام فعليه كفارة يمين لقول الله تعالى (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك؟ - إلى قوله - قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم) نزلت في تحريم النبي صلى الله عليه وسلم لجاريته في قول بعضهم ويخرج على الرواية الأخرى أن يلزمه كفارة ظهار لأن التحريم ظهار والأول هو الصحيح إن شاء الله تعالى. * (مسألة) * (وإن قالت المرأة لزوجها أنت علي كظهر أبي لم تكن مظاهرة) وجملة ذلك أن المرأة إذا قالت لزوجها أنت علي كظهر أبي أو قالت إن تزوجت فلاناً فهو علي

مسألة: وإن قالت المرأة لزوجها أنت علي كظهر أبي لم تكن مظاهرة

كظهر أبي فليس ذلك بظهار قال القاضي لا تكون مظاهرة رواية واحدة وهو قول أكثر أهل العلم منهم مالك والشافعي واسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي وقال الزهري والاوزاعي هو ظهار روى ذلك عن الحسن والنخعي إلا أن النخعي قال إذا قالت ذلك بعدما تزوجت فليس بشئ، ولعلهم يحتجون بأنها أحد الزوجين ظاهر من الآخر فكان مظاهراً كالرجل ولنا قول الله تعالى (والذين يظاهرون من نسائهم) فخصهم بذلك ولأنه قول يوجب تحريماً في الزوجة يملك الزوج رفعه فاختص به الرجل كالطلاق، ولأن الحل في المرأة حق الرجل فلم تملك المرأة إزالته كسائر حقوقه. إذا ثبت ذلك فاختلف عن أحمد في الكفارة فنقل عنه جماعة عليها كفارة الظهار لما روى الأثرم باسناده عن إبراهيم أن عائشة بنت طلحة قالت إن تزوجت مصعب بن الزبير فهو علي كظهر أبي فسألت أهل المدينة فرأوا أن عليها الكفارة وروى علي بن مسهر عن الشيباني قال كنت جالساً في المسجد أنا وعبد الله بن المغفل المري فجاء رجل حتى جلس الينا فسألته من أنت فقال أنا مولى لعائشة بنت طلحة اعتقتني عن ظهارها خطبها مصعب بن الزبير فقالت هو علي كظهر أبي إن تزوجته ثم رغبت فيه بعد فاستفتت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يومئذ كثير فأمروها أن تعتق رقبة وتتزوجه فتزوجته وأعتقتني، وروى سعيد هذين الخبرين مختصرين ولأنها زوج أتى بالمنكر من القول والزور فلزمه كفارة الظهار كالآخر ولأن الواجب كفارة يمين فاستوى فيها الزوجان كاليمين بالله تعالى والرواية الثانية عليها كفارة يمين قال أحمد قد ذهب عطاء مذهباً حسناً جعله بمنزلة من حرم على نفسه شيئاً كالطعام وما أشبه

وهذا أقيس على مذهب أحمد وأشبه بأصوله لأنه ليس بظهار ومجرد القول من المنكر والزور لا يوجب كفارة الظهار بدليل سائر الكذب والظهار قبل العود والظهار من أمته وأم ولده ولأنه تحريم لا يثبت التحريم في المحل فلم يوجب كفارة الظهار كتحريم سائر الحلال ولانه ظهار من غير امرأته فأشبه الظهار من أمته وما روي عن عائشة بنت طلحة في عتق الرقبة فيجوز أن يكون اعتاقها تكفيراً ليمينها فإن عتق الرقبة أحد خصال كفارة اليمين ويتعين وحمله على هذا لكون الموجود منها ليس بظهار وكلام أحمد في رواية الأثرم لا يقتضي وجوب كفارة الظهار وإنما قال الأحوط أن يكفر وكذا قال إبن المنذر ولا شك أن الاحوط التكفير بأغلظ الكفارات ليخرج من الخلاف وعن أحمد رواية ثالثة لا شئ عليها وهو قول مالك والشافعي واسحاق وأبي ثور لأنه قول منكر وزور وليس بظهار فلم يوجب كفارة كالسب والقذف واذا قلنا بوجوب الكفارة عليها فلا تجب عليها حتى يطأها وهي مطاوعة فإن طلقها أو مات أحدهما قبل وطئها أو أكرهها على الوطئ فلا كفارة عليها لأنها يمين فلم تجب كفارتها قبل الحنث فيها كسائر الأيمان ويجوز تقديمها لذلك * (مسألة) * (وعليها تمكين زوجها من وطئها قبل التكفير) لأنه حق له عليها فلا يسقط بيمينها ولأنه ليس بظهار وإنما هو تحريم للحلال فلا يثبت تحريمها كما لو حرم طعامه وقيل ظاهر كلام أبي بكر أنها لا تمكنه قبل التكفير إلحاقاً بالرجل وليس بجيد لأن الرجل ظهاره صحيح وظهار المرأة غير صحيح ولأن حل الوطئ حق للرجل فملك رفعه وهو حق عليها فلا تملك إزالته

مسألة: وعليها تمكين زوجها من وطئها قبل التكفير

* (مسألة) * وإن قال لأجنبية أنت علي كظهر أمي لم يطأها إن تزوجها حتى يكفر) الظهار من الأجنبية صحيح سواء قال ذلك لامرأة بعينها أو قال كل النساء علي كظهر أمي وسواء أوقعه مطلقا أو علقه على التزويج فقال كل امرأة تزوجها فهي علي كظهر أمي ومتى تزوج التي ظاهر منها لم يطأها حتى يكفر يروى نحو ذلك عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وبه قال سعيد بن المسيب وعروة وعطاء والحسن ومالك واسحاق، ويحتمل أن لا يثبت حكم الظهار قبل التزويج وهو قول الثوري وأبي حنيفة والشافعي، وروي ذلك عن ابن عباس لقول الله تعالى (والذين يظاهرون من نسائهم) والاجنبية ليس من نسائه ولأن الظهار يمين ورد الشرع بحكمها مقيداً بنسائه فلم يثبت حكمها في الأجنبية كالإيلاء فإن الله تعالى قال (والذين يظاهرون من نسائهم - كما قال - للذين يؤلون من نسائهم) ولانها ليست بزوجة فلم يصح الظهار منها كأمته ولأنه حرم محرمة فلم يلزمه شئ كما لو قال أنت حرام ولأنه نوع تحريم فلم يتقدم النكاح كالطلاق ولنا ما روى الإمام أحمد بإسناده عن عمر بن الخطاب رضي الله أنه قال في رجل قال إن تزوجت فلانة فهي علي كظهر أمي فتزوجها قال عليه كفارة الظهار ولأنها يمين مكفرة فصح انعقادها قبل النكاح كاليمين بالله تعالى وأما الآية فإن التخصيص خرج مخرج الغالب فإن الغالب أن الإنسان إنما يظاهر من نسائه فلا يوجب تخصيص الحكم بهن كما ان تخصيص الرببية التي في حجرة بالذكر لم يوجب اختصاصها بالتحريم وأما الإيلاء فإنما اختص حكمه بنسائه لكونه يقصد الإضرار بهن دون غيرهن والكفارة ههنا وجبت لقول المنكر والزور فلا يختص ذلك بنسائه ويفارق الظهار الطلاق من وجهين

(أحدهما) أن الطلاق حل قيد النكاح ولا يمكن حله قبل عقده والظهار تحريم للوطئ فيجوز تقديمه على العقد الحيض (الثاني) أن الطلاق يرفع العقد فلم يجز أن يسبقه وهذا لا يرفعه وإنما تعلق الإباحة علي شرط فجاز تقديمه وأما الظهار من الأمة فقد انعقد يميناً وجبت به الكفارة ولم تجب كفارة الظهار لأنها ليست امرأة له حال التكفير بخلاف مسئلتنا (فصل) إذا قال كل امرأة أتزوجها فهي علي كظهر أمي وقلنا بصحة الظهار من الأجنبية ثم تزوج نساء وأراد العود فعليه كفارة واحدة سواء تزوجهن في عقد أو في عقود متفرقة نص عليه أحمد وهو قول عروة وإسحاق لأنها يمين واحدة فكفارتها واحدة كما لو ظاهر من أربع نسائه بكلمة واحدة وعنه أن لكل عقد كفارة فلو تزوج اثنتين في عقد وأراد العود فعليه كفارة واحدة ثم إذا تزوج أخرى وأراد العود فعليه كفارة أخرى وروي ذلك عن إسحاق لأن المرأة الثالثة وجد العقد عليها الذي يثبت به الظهار وأراد العود إليها بعد التفكير عن الأولتين فكانت لها عليه كفارة كما لو ظاهر منها ابتداء فإن قال لأجنبية أنت علي كظهر أي وقال أردت أنها مثلها في التحريم في الحال دين في ذلك وهل يقبل في الحكم؟ يحتمل وجهين (احدهما) لا يقبل لأنه صريح للظهار فلا يقبل صرفه إلى غيره (والثاني) يقبل لأنها حرام عليه كما أن أمه عليه حرام * (مسألة) * (وإن قال لأجنبية أنت علي حرام وأراد في تلك الحال لم يكن عليه شئ لأنه صادق وإن أراد في كل حال لم يطأها إن تزوجها حتى يكفر)

مسألة: وإن قال لأجنبية أنت علي حرام وأراد في تلك الحال لم يكن عليه شيء لأنه صادق وإن أراد في كل حال لم يطأها إن تزوجها حتى يكفر

أما إذا أراد تحريهما في الحال أو أطلق فلا شئ عليه لذلك وإن أراد تحريمها في كل حال فهو ظهار لأن لفظة الحرام إذا أريد بها الظهار ظهار في الزوجة فكذلك في الاجنبية وصار كقوله أنت علي كظهر أمي * (مسالة) * (ويصح الظهار معجلاً ومعلقاً بشرط ومطلقاً وموقتاً نحو أن يقول أنت علي كظهر أمي في شهر رمضان وإن دخلت الدار فمتى انقضى الوقت زال الظهار وإن أصابها فيه وجبت الكفارة عليه) أما الظهار المطلق فهو أن يقول أنت علي كظهر أمي وقد سبق ذكره ويصح موقتا مثل أن يقول أنت علي كظهر أمي شهراً أو حتى ينسلخ شهر رمضان فإذا مضى الوقت زال الظهار وحلت بلا كفارة ولا يكون عائداً إلا بالوطئ في المدة وهذا قول ابن عباس وعطاء وقتادة والثوري وإسحاق وابي ثور وأحد قولي الشافعي وقال في الآخر لا يكون ظهاراً وبه قال ابن أبي ليلى والليث لأن الشرع ورد بلفظ الظهار مطلقاً وهذا لم يطلق فأشبه ما لو شبهها بمن تحرم عليه في وقت دون وقت وقال طاوس إذا ظاهر في وقت فعليه الكفارة وإن بر وقال مالك يسقط التأقيت ويكون مظاهراً مطلقاً لأن هذا لفظ يوجب تحريم الزوجة فإذا وقته لم يتوقت ولنا حديث سلمة بن صخر وقوله تظاهرت من امرأتي حتى ينسلخ شهر رمضان وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه أصابها في الشهر فأمره بالكفارة ولم يغير عليه تقييده ولأنه منع نفسه منها بيمين لها كفارة فصح

مسألة: ويصح الظهار معجلا ومعلقا بشرط ومطلقا وموقتا نحو أن يقول أنت علي كظهر أمي في شهر رمضان وإن دخلت الدار فمتى انقضى الوقت زال الظهار وإن أصابها فيه وجبت الكفارة عليه

مؤقتاً كالإيلاء وفارق الطلاق فإنه يزيل الملك وهذا يقع تحريماً يرفعه التكفير فجاز تأقيته ولا يصح قول من أوجب الكفارة وإن بر لأن الله تعالى إنما أوجب الكفارة على الذين يعودون لما قالوا ومن بر وترك العود في الوقت الذي ظاهر فيه فلم يعد لما قال فلا تجب عليه كفارة وفارق التشبيه بمن لا تحرم عليه على التأبيد لأن تحريمها غير كامل وهذه حرمها في هذه المدة تحريما مشبهاً بتحريم ظهر أمه على أنا نمنع الحكم فيها إذا ثبت هذا فإنه لا يكون عائدا إلا بالوطئ في المدة وهذا المنصوص عن الشافعي وقال بعض أصحابه أن لم يطلقها عقيب الظهار فهو عائد عليه الكفارة وقال أبو عبيد إذا أجمع علي غشيانها في الوقت لزمته الكفارة وإلا فلا لأن العود العزم على الوطئ ولنا حديث سلمة بن صخر وأنه لم يوجب عليه الكفارة إلا بالوطئ ولأنها يمين لم يحنث فيها فلا يلزمه كفارتها كاليمين بالله تعالى ولأن المظاهر في وقت عازم على إمساك زوجته في ذلك الوقت فمن أوجب عليه الكفارة كان قوله كقول طاوس فلا معنى لقوله يصح الظهار مؤقتا لعدم تأثير التأقيت (فصل) ويصح تعليق الظهار بالشروط نحو أن يقول الرجل إن دخلت الدار فأنت علي كظهر أمي أو إن شاء زيد فأنت علي كظهر أمي فمتى شاء زيد أو دخلت الدار صار مظاهراً وإلا فلا وبهذا قال الشافعي وأصحاب الرأي لأنه يمين فجاز تعليقه على شرط كالإيلاء ولأن أصل الظهار أنه كان طلاقاً والطلاق يصح تعليقه بالشرط فكذلك الظهار ولأنه قول تحرم به الزوجة فصح تعليقه على شرط كالطلاق ولو قال لامرأته إن تظاهرت من امرأتي الأخرى فأنت علي كظهر أمي ثم تظاهر من الأخرى صار مظاهراً منهما جميعاً وإن قال إن تظاهرت من فلانة الأجنبية فأنت علي كظهر أمي ثم قال للأجنبية

أنت علي كظهر أمي صار مظاهراً من امرأته عند من يرى الظهار من الأجنبية ومن لا فلا وقد ذكرنا ذلك (فصل) وإن قال أنت علي كظهر أمي إن شاء الله لم ينعقد ظهاره نص عليه أحمد فقال إذا قال لامرأته عليه كظهر أمه إن شاء الله فليس عليه شئ هي يمين وقال ابن عقيل هو مظاهر ذكره في المحرر وإذا قال ما أحل الله علي حرام إن شاء الله وله أهل هي يمين ليس عليه شئ وبهذا قال الشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي ولا نعلم عن غيرهم خلافهم وذلك لأنها يمين مكفرة فصح الاستثناء فيها كاليمين بالله تعالى أو كتحريم ماله وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " من حلف على يمين فقال إن شاء الله فلا حنث عليه " رواه الترمذي وقال حديث حسن غريب وفي لفظ " من حلف فاستثنى فإن شاء فعل وإن شاء رجع غير حنث " رواه أبو داود والنسائي وإن قال أنت علي حرام والله لا أكلمك إن شاء الله عاد الاستثناء إليهما في أحد الوجهين لأن الاستثناء إذا تعقب جملاً عاد إلى جميعها إلا أن ينوي الاستثناء في بعضها فيعود إليه وحده وإن قال أنت علي حرام إذا شاء الله أو إلا ما شاء الله أو إلى أن يشاء الله أو ما شاء الله فكله استثناء يرفع حكم الظهار ولأن الشرط إذا تقدم يجاب بالفاء وإن قال إن شاء الله أنت حرام فهو استثناء لأن الفاء مقدرة وإن قال إن شاء الله فأنت حرام صح أيضاً والفاء زائدة وإن قال أنت حرام إن شاء الله وشاء زيد فشاء زيد لم يكن مظاهراً إلا أنه علقه علي مشيئتين فلا يحصل باحديهما قال رضي الله عنه (فصل) في حكم الظهار، يحرم وطئ المظاهر منها قبل التكفير إذا كان التكفير بالعتق أو بالصيام وليس في ذلك اختلاف لقول الله تعالى (فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا) قوله سبحانه (فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا) وأكثر أهل العلم على ان التكفير بالإطعام مثل ذلك منهم

عطاء والزهري والشافعي وأصحاب الرأي وعن أحمد اباحة الوطئ قبل التكفير بالإطعام لأن الله تعالى لم يمنع المسيس قبله كما في المعتق والصيام اختاره أبو بكر وهو قول أبي ثور لما ذكرنا ولنا ما روى عكرمة عن ابن عباس أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني تظاهرت من امرأتي فوقعت عليها قبل أن أكفر " فقال ما حملك على ذلك يرحمك الله؟ " قال رأيت خلخالها في ضوء القمر فقال " لا تقربها حتى تفعل ما أمرك الله " رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن فحرم عليه جماعها كما لو كانت كفارته العتق والصيام وترك النص عليها لا يمنع قياسها علي المنصوص الذي في معناها * (مسألة) * (وهل يحرم الاستمتاع منها بما دون الفرج؟ على روايتين) (إحداهما) يحرم وهو قول أبي بكر وبه قال الزهري ومالك والاوزاعي وابو عبيد وأصحاب الرأي وهو أحد قولي الشافعي لأن ما حرم الوطئ من القول حرم دواعيه كالطلاق والإحرام (والثانية) لا يحرم قال أحمد أرجو ألا يكون به بأس وهو قول الثوري وإسحاق وابي حنيفة وحكي عن مالك أيضاً وهو القول الثاني للشافعي لانه وطئ يتعلق بتحريمه مال فلم يتجاوزه التحريم كوطئ الحائض * (مسألة) * (وتجب الكفارة بالعود وهو الوطئ نص عليه أحمد وأنكر قول مالك أنه العزم على الوطئ) العود هو الوطئ عند أحمد رحمه الله وهو اختيار الخرقي فمتى وطئ لزمته الكفارة ولا تجب قبل ذلك إلا أنها شرط لحل الوطئ فيأمر بها من أراده ليستحله بها كما يأمر بعقد النكاح من أراد حال المرأة. وحكي نحو ذلك عن الحسن والزهري، وهو قول أبي حنيفة إلا أنه لا يوجب الكفارة على من وطئ وهي عنده في حق من وطئ كمن لم يطأ. وقال القاضي وأصحابه العود العزم على الوطئ إلا أنهم لم يوجبوا الكفارة على العازم إذا مات

مسألة: وتجب الكفارة بالعود وهو الوطء نص عليه أحمد وأنكر قول مالك أنه العزم على الوطء

أحدهما أو طلق قبل الوطئ إلا أبا الخطاب فإنه قال: إذا مات بعد العزم أو طلق فعليه الكفارة، وهذا قول مالك وأبي عبيد، وقد أنكر أحمد هذا وقال مالك يقول إذا أجمع لزمته الكفارة، فكيف يكون هذا لو طلقها بعدما يجمع كان عليه كفارة؟ إلا أن يكون يذهب إلى قول طاوس إذا تكلم لزمه مثل الطلاق ولم يعجب أحمد قول طاوس. وقال أحمد في قو تعالى (ثم يعودون لما قالوا) قال العود الغشيان إذا أراد أن يغشى كفر واحتج من ذهب إلى هذا بقوله تعالى (ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا) فأوجب الكفارة بعد العود قبل التماس وما يحرم قبل الكفارة لا يجوز كونه متقدماً عليها ولأنه قصد بالظهار تحريمها فالعزم علي وطئها عود فيما قصده ولأن الظهار تحريم فإذا أراد استباحتها فقد رجع في ذلك التحريم فكان عائداً. وقال الشافعي العود إمساكها بعد ظهاره زمناً يمكنه طلاقها فيه لأن ظهاره منها يقتضي إبانتها فإمساكها عود فيما قال. وقال داود: العود تكرار الظهار مرة ثانية لأن العود في الشئ إعادته. ولنا أن العود فعل ضد قوله ومنه العائد في هبته هو الراجع في الموهوب والعائد في عدته التارك للوفاء بما وعد والعائد فيما نهي عنه فاعل المنهي عنه قال الله تعالى (ثم يعودون لما نهوا عنه) فالمظاهر محرم للوطئ على نفسه ومانع لها منه فالعود فعله، وقولهم إن العود يتقدم التكفير والوطئ يتأخر عنه، قلنا المراد بقوله (ثم يعودون) أي يريدون العود كقوله تعالى (إذا قمتم إلى الصلاة) أي أردتم ذلك وقوله (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله) فإن قيل هذا تأويل وهو رجوع إلى وجوب الكفارة

بالعزم المجرد قلنا دليل التأويل ما ذكرنا، وأما الأمر بالكفارة عند العزم فإنما أمر بها شرطاً للحل كالأمر بالطهارة لمن أراد النافلة والأمر بالنية لمن أراد الصيام، فأما الإمساك فليس بعود لأنه ليس بعود في الظهار المؤقت فكذلك في المطلق ولأن العود فعل ضد ما قاله والإمساك ليس بضد له، وقولهم إن الظهار يقتضي إبانتها ممنوع وإنما يقتضي تحريمها واجتنابها ولذلك صح توقيته ولأنه قال (ثم يعودون) وثم للتراخي والإمساك غير متراخ وأما قول داود فلا يصح لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أوساً وسلمة بن صخر بالكفارة من غير إعادة للفظ ولأن العود إنما هو في مقولة دون قوله كالعود في العدة والهبة والعود فيما نهي عنه، ويدل على إبطال هذه الأقوال كلها أن الظهار يمين مكفرة فلا تجب الكفارة إلا بالحنث فيها وهو فعل ما حلف على تركه كسائر الايمان وتجب الكفارة به كسائر الأيمان ولأنها يمين تقتضي ترك الوطئ فلا تجب كفارتها إلا به كالإيلاء * (مسألة) * (فإن مات أحدهما أو طلقها قبل الوطئ فلا كفارة عليه فإن عاد فتزوجها لم يطأها حتى يكفر) وجملة ذلك أن الكفارة لا تجب بمجرد الظهار فلو مات أحدهما أو فارقها قبل العود فلا كفارة عليه وهو قول عطاء والنخعي والحسن والاوزاعي والثوري ومالك وأبي عبيد وأصحاب الرأي، وقال طاوس ومجاهد والشعبى والزهري وقتادة: عليه الكفارة بمجرد الظهار لأنه سبب الكفارة وقد وجد، ولأن الكفارة وجبت لقول المنكر والزور، وهذا يحصل بمجرد الظهار. وقال الشافعي متى أمسكها بعد ظهاره زمناً يمكنه طلاقها فيه فلم يطلقها فعليه الكفارة لأن ذلك هو العود عنده.

مسالة: فإن مات أحدهما أو طلقها قبل الوطء فلا كفارة عليه فإن عاد فتزوجها لم يطأها حتى يكفر

ولنا قول الله تعالى (والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة) فأوجب الكفارة بأمرين ظهار وعود فلا يثبت بأحدهما ولأن الكفارة في الظهار كفارة يمين فلا تجب بغير الحنث كسائر الأيمان والحنث فيها هو العود وذلك فعل ما حلف على تركه وهو الجماع وقد ذكرنا ذلك في المسألة التي قبلها. إذا ثبت هذا فإنه لا كفارة عليه إذا مات قبل وطئها وكذلك إن فارقها سواء كان ذلك متراخياً عن يمينه أو عقيبه وأيهما مات ورثه صاحبه في قول الجمهور وقال قتادة إن ماتت لم يرثها حتى يكفر ولنا أن من ورثها إذا كفر ورثها وإن لم يكفر كالمولي منها ومتى طلق من ظاهر منها ثم تزوجها لم يحل له وطؤها حتى يكفر سواء كان الطلاق ثلاثاً أو أقل منه وسواء رجعت إليه بعد زوج آخر أو قبله نص عليه أحمد وهو قول الحسن وعطاء والزهري والنخعي ومالك وأبي عبيد. وقال قتادة إذا بانت سقط الظهار فإذا عاد فنكحها فلا كفارة عليه. وللشافعي قولان كالمذهبين وقول ثالث ان كانت البينونة بالثلاث لم يعد الظهار وإلا عادو بناه على الأقاويل في عود صفة الطلاق في النكاح الثاني. ولنا عموم قوله تعالى (والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا) وهذا قد ظاهر من امرأته فلا يحل أن يتماسا حتى يكفر ولأنه ظاهر من امرأته فلا يحل له مسها قبل التكفير كالتي لم يطلقها ولأن الظهار يمين مكفرة فلم يبطل حكمها بالطلاق كالإيلاء * (مسألة) * (وإن وطئ قبل التكفير أثم واستقرت عليه الكفارة)

قد ذكرنا أن المظاهر يحرم عليه وطئ زوجته قبل التكفير لقول الله تعالى في العتق والصيام (من قبل أن يتماسا) فإن وطئ عصى ربه وتستقر الكفارة في ذمته فلا تسقط بعد ذلك بموت ولا طلاق ولا غيره وتحريم زوجته عليه باق حتى يكفر هذا قول أكثر أهل العلم. روي ذلك عن سعيد بن المسيب وعطا وطاوس وجابر بن زيد ومورق العجلي والنخعي وعبد الله ابن أذينة ومالك والثوري والاوزاعي والشافعي وإسحاق وأبي ثور، وتلزمه الكفارة إذا وطئها وهو مجنون نص عليه في المجرد * (مسألة) * (وتجزئه كفارة واحدة) وهو قول الحسن وابن سيرين وبكر المزني ومورق وعطاء وطاوس ومجاهد وعكرمة وقتادة وحكي عن عمرو بن العاص أن عليه كفارتين، وروي ذلك عن قبيصة وسعيد بن جبير والزهري وقتادة لان الوطئ يوجب كفارة والظهار يوجب أخرى، وقال أبو حنيفة لا تثبت الكفارة في ذمته وإنما هي شرط للاباحة بعد الوطئ كما كانت قبله، وحكي عن بعض العلماء أن الكفارة تسقط لأنه قد فات وقتها لكونها وجبت قبل المسيس ولنا حديث سلمة بن صخر حين ظاهر ثم وطئ قبل التكفير فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بكفارة واحدة ولأنه وجد الظهار والعود فيدخل في عموم قوله (ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة) فأما قولهم فات وقتها فيبطل بما ذكرناه وبالصلاة وسائر العبادات يجب قضاؤها بعد فوات وقتها

مسألة: وإن وطئ قبل التكفير أثم واستقرت عليه الكفارة

* (مسألة) * (وإن ظاهر من امرأته الأمة ثم اشتراها لم تحل له حتى يكفر، وقال أبو بكر يبطل الظهار وتحل له فإن وطئها فعليه كفارة يمين) وجملة ذلك أن الظهار يصح من كل زوجة أمة كانت أو حرة لعموم الآية فإذا ظاهر من زوجته الامة ثم ملكها انفسخ النكاح، واختلف أصحابنا في بقاء حكم الظهار فذكر الخرقي أنه باق ولا يحل له الوطئ حتى يكفر وبه يقول مالك وأبو ثور وأصحاب الرأي ونص عليه الشافعي، قال القاضي المذهب ما ذكر الخرقي وهو قول أبي عبد الله بن حامد لقول الله تعالى [والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا] وهذا قد ظاهر من امرأته فلم يحل له مسها حتى يكفر، ولأن الظهار قد صح فيها وحكمه لا يسقط بالطلاق المزيل للملك والحل فبملك اليمين أولى ولأنها يمين انعقدت موجبة للكفارة فوجبت دون غيرها كسائر الأيمان، وقال أبو بكر عبد العزيز وابو الخطاب يسقط الظهار بملكه لها، وإن وطئها حنث وعليه كفارة يمين كما لو تظاهر منها وهي أمته ويقتضي قول أبي بكر وأبي الخطاب ههنا أن تباح قبل التكفير لأنه اسقط الظهار وجعله يمينا كتحريم أمته، فإن أعتقها عن كفارته صح على القولين جميعا فإن تزوجها بعد ذلك حلت له بغير كفارة لأنه كفر عن ظهاره باعتاقها ولا يمتنع إجزاؤها عن الكفارة التي وجبت بسببها كما لو قال إن ملكت أمة فلله علي عتق رقبة فملك أمة فأعتقها، وإن أعتقها عن غير الكفارة ثم تزوجها لم تحل له حتى يكفر * (مسألة) * [وإن كرر الظهار قبل التكفير فكفارة واحدة]

مسألة: وإن ظاهر من امرأته الأمة ثم اشتراها لم تحل له حتى يكفر، وقال أبو بكر يبطل الظهار وتحل له فإن وطئها فعليه كفارة يمين

هذا ظاهر المذهب سواء كان في مجلس او مجالس ينوي به التأكيد أو الاستئناف أو أطلق نقله عن أحمد جماعة اختاره أبو بكر وابن حامد والقاضي وبه قال مالك واسحاق وأبو عبيد والشافعي في القديم ونقل عن أحمد من حلف أيمانا كثيرة فأراد التأكيد فكفارة واحدة فمفهومه أنه إن نوى الاستئناف فكفارتان وهو قول الثوري والشافعي في الجديد، وقال أصحاب الرأي إن كان في مجلس فكفارة واحدة، وإن كان في مجالس فكفارات وعن أحمد مثل ذلك، وروي ذلك عن علي وعمرو بن دينار لأنه قول يوجب تحريم الزوجة فإذا نوى الاستئناف تعلق بكل مرة حكم كالطلاق ولنا أنه قول لم يؤثر تحريماً في الزوجة فلم تجب به كفارة الظهار كاليمين بالله تعالى ولا يخفى أنه لم يؤثر تحريماً فانها حرمت بالقول الأول ولأنه لفظ يتعلق به كفارة فإذا تكرر كفاه كفارة واحدة كاليمين بالله تعالى، وأما الطلاق فإن ما زاد منه على الثلاث لا يثبت له حكم بالاجماع وبهذا ينتقض ما ذكروه، وأما الثالثة فإنها تثبت تحريماً زائداً وهو التحريم قبل زوج واصابة بخلاف الظهار الثاني فإنه لا يثبت به تحريم فنظير الظهار الطلقة الثالثة لا يثبت بما زاد عليها تحريم ولا يثبت له حكم كذلك الظهار، فأما إن كفر عن الأول ثم ظاهر لزمه للثاني كفارة بلا خلاف لأن الظهار الثاني مثل الأول فإنه حرم الزوجة المحللة فأوجب الكفارة كالأول بخلاف ما قبل التكفير * (مسألة) * (وإن ظاهر من نسائه بكلمة واحدة فكفارة واحدة، وإن كان بكلمات فلكل واحدة كفارة) إذا ظاهر من نسائه بلفظ واحد فقال أنتن علي كظهر أمي فليس عليه أكثر من كفارة بغير خلاف في المذهب وهو قول عمر وعلي وعروة وطاوس وعطاء وربيعة ومالك والاوزاعي وإسحاق

مسألة: وإن ظاهر من نسائه بكلمة واحدة فكفارة واحدة، وإن كان بكلمات فلكل واحدة كفارة

وأبي ثور والشافعي في القديم، وقال الحسن والنخعي والزهري ويحيى الانصاري والحكم والثوري وأصحاب الرأي والشافعي في الجديد عليه لكل امرأة كفارة، وعن أحمد مثل ذلك من المحرر لأنه وجد الظهار والعود في حق كل امرأة منهن فوجب عليه لكل واحدة كفارة كما لو أفردها ولنا قول عمر وعلي رضي الله عنهما رواه عنهما الأثرم ولا نعرف لهما في الصاحبة مخالفا فكان إجماعا ولأن الظهار كلمة تجب بمخالفتها الكفارة فإذا وجدت في جماعة أوجبت كفارة واحدة كاليمين بالله تعالى، وفارق ما إذا ظاهر بكلمات فإن كل كلمة تقتضي كفارة ترفعها وتكفر اثمها وههنا الكلمة واحدة فالكفارة الواحدة ترفع حكمها وتمحوا إثمها فلا يبقى لها حكم. فأما إن كرره بكلمات فقال لكل واحدة أنت علي كظهر أمي فإن لكل يمين كفارة وهذا قول عروة وعطاء قال أبو عبد الله بن حامد المذهب رواية واحدة في هذا قال القاضي المذهب عندي ما ذكره الشيخ أبو عبد الله وقال أبو بكر فيه رواية أخرى انه يجزئه كفارة واحدة، واختار ذلك وقال هذا الذي قلناه اتباعا لعمر بن الخطاب والحسن وعطاء وابراهيم وربيعة وقبيصة وإسحاق لأن كفارة الظهار حق الله تعالى فلم تكرر بتكرر سببها كالحدود وعليه يخرج الطلاق ولنا أنها ايمان متكررة على أعيان متفرقة فكان لكل واحدة كفارة كما لو كفر ثم ظاهر ولأنها أيمان لا يحنث في إحداها بالحنث في الأخرى فلا يكفرها كفارة واحدة كالأصل ولأن الظهار معنى يوجب الكفارة فتتعدد الكفارة بتعدده في المجال المختلفة كالقتل، ويفارق الحد فإنه عقوبة تدرأ بالشبهات (فصل) فإن قال كل امرأة أتزوجها فهي علي كظهر أمي ثم تزوج نساء في عقد واحد فكفارة

واحدة وإن تزوجهن في عقود فكذلك في إحدى الروايتين لأنها يمين واحدة، والاخرى لكل عقد كفارة فعل هذا لو تزوج امرأتين في عقد وأخرى في عقد لزمته كفارتان لأن لكل عقد حكم نفسه فتعلق بالثاني كفارة كالأول * (فصل في كفارة الظهار وما في معناها) * * (مسألة) * (كفارة الظهار على الترتيب فيجب عليه تحرير رقبة فان لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا) والأصل في ذلك قول الله تعالى (والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا) الآيتين. وقول النبي صلى الله عليه وسلم لخولة حين ظاهر منها زوجها " يعتق رقبة " قلت لا يجد قال " فيصوم شهرين متتابعين " قلت يا رسول الله إنه شيخ كبير ما به صيام قال " فيطعم ستين مسكيناً " وهذا الترتيب لا خلاف فيه إذا كان المظاهر حراً فأما العبد فنذكر حكمه إن شاء الله، تعالى وكفارة الوطئ في نهار رمضان مثلها في ظاهر المذهب لما روى أبو هريرة أن رجلاً قال يا رسول الله وقعت على امرأتي وأنا صائم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " هل تجد رقبة تعتقها؟ قال لا قال " فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ " قال لا قال " فهل تستطيع إطعام ستين مسكيناً؟ " وذكر الحديث وهو صحيح متفق عليه وفي كفارة الوطئ في رمضان رواية أنها علي التخيير وقد ذكرنا ذلك في الصوم * (مسالة) * (وكفارة القتل مثلها)

مسالة: وكفارة القتل مثلها

لأن التحرير والصيام منصوص عليهما في كتاب الله تعالى إلا الاطعام ففي وجوبه روايتان (إحداهما) لا يجب لأن الله تعالى لم يذكره في الكفارة (والثانية) يجب قياسا على كفارة الظهار والجماع في نهار شهر رمضان * (مسألة) * (والاعتبار في الكفارة بحال الوجوب في إحدى الروايتين) وهي ظاهر كلام الخرقي لأنه قال إذا حنث وهو عبد فلم يكفر حتى عتق فعليه الصوم لا يجزئه غيره وكذلك قال الأثرم سمعت أبا عبد الله يسئل عن عبد حلف على يمين فحنث فيها وهو عبد فلم يكفر حتى عتق أيكفر كفارة حر أو كفارة عبد؟ قال يكفر كفارة عبد لأنه إنما يكفر ما وجب عليه يوم حنث لا يوم حلف قلت له حلف وهو عبد وحنث وهو حر قال يوم حنث واحتج فقال افترى وهو عبد أي ثم أعتق فإنما يجلد جلد العبد وهذا أحد أقوال الشافعي، فعلى هذه الرواية يعتبر يساره واعساره حال وجوبها عليه فإن كان موسراً حال الوجوب استقر وجوب الرقبة عليه فلم تسقط بإعساره بعد ذلك وإن كان معسراً ففرضه الصوم فإذا أسر بعد ذلك لم يلزمه الانتقال إلى الرقبة (والرواية الثانية) الاعتبار بأغلظ الأحوال من حين الوجوب إلى حين التكفير فمتى وجد رقبة فيما بين الوجوب إلى حين التكفير لم يجزئه إلا الاعتاق وهو قول ثان للشافعي لأنه حق يجب في الذمة بوجود مال فاعتبر فيه أغلظ الأحوال كالحج، وله قول ثالث أن الاعتبار بحالة الاداء وهو قول أبي حنيفة ومالك لأنه حق له بدل من غير جنسه فكان الاعتبار فيه بحالة الاداء كالوضوء ولنا أن الكفارة تجب علي وجه الطهرة فكان الاعتبار فيها بحالة الوجوب كالحد أو نقول من وجب عليه الصيام في الكفارة لم يلزمه غيره كالعبد إذا عتق، ويفارق الوضوء فإنه لو تيمم ثم وجد الماء لما بطل تيممه وههنا لو صام ثم قدر على الرقبة لم يبطل صومه وليس الاعتبار في الوضوء بحالة الاداء

مسألة: والاعتبار في الكفارة بحال الوجوب في إحدى الروايتين

إنما الاعتبار باداء الصلاة فأما الحج فهو عبادة العمر وجميعه وقت لها فمتى قدر عليه في جزء من وقته وجب بخلاف مسئلتنا ثم يبطل ما ذكروه فإن قيل العبد كان ممن لا تجب عليه الرقبة ولا تجزئه في حال رقه فلما لم تجزئه لم تلزمه بتغير الحال بخلاف مسألتنا قلنا هذا مما لا أثر له (فصل) وإذا قلنا أن الاعتبار بحالة الوجوب وكان معسراً ثم أيسر فله الانتقال إلى العتق إن شاء وهو قول الشافعي على القول الذي يوافقنا فيه بأن الاعتبار بحالة الوجوب لأن العتق هو الأصل فوجب أن يجزئه كسائر الاصول وعن أحمد في العبد إذا اعتق لا يجزئه غير الصوم وهذا على قولنا أن الاعتبار بحالة الوجوب وهي حين حنث اختاره الخرقي لأنه حنث وهو عبد فلم يكن يجزئه غير الصوم فكذلك بعد وقد نص أحمد على أنه يكفر كفارة عبد قال القاضي وفي ذلك نظر ومعناه أنه لا يلزمه التكفير بالمال فإن كفر به أجزأه وهذا منصوص الشافعي ومن أصحابه من قال كقول الخرقي ووجه ذلك أنه حكم تعلق بالعبد في رقه فلم يتغير بحريته كالحد وهذا على القول الذي لا يجوز للعبد التكفير بالمال بأذن سيده فأما على القول الآخر فله التكفير ههنا بطريق الأولى لأنه إذا جاز له في حال رقه ففي حال حريته قد زال ذلك فلا حاجة الى إذنه فأما إن قلنا الاعتبار في التكفير بأغلظ الأحوال لم يكن له أن يكفر إلا بالمال إن كان له مال فأما إن حلف وهو عبد وحنث وهو حر فحكمه حكم الأحرار لأن الكفارة لا تجب قبل الحنث وإنما وجبت وهو حر والله أعلم * (مسألة) * (فإن شرع في الصوم ثم قدر على العتق لم يلزمه الانتقال إليه) وبه قال الشعبي وقتادة ومالك والاوزاعي والليث والشافعي وأبو ثور وابن المنذر وهو أحد قولي الحسن ويحتمل أن يلزمه وإليه ذهب ابن سيرين وعطاء والنخعي والحكم وحماد والثوري وأبو عبيد

مسألة: فإن شرع في الصوم ثم قدر على العتق لم يلزمه الانتقال إليه

وأصحاب الرأي لأنه قدر على الأصل قبل أداء فرضه بالبدل فلزمه العود إليه كالمتيمم يجد الماء قبل الصلاة أو في أثنائها ولنا أنه لم يقدر على العتق قبل تلبسه بالصيام فأشبه ما لو استمر العجز إلى ما بعد الفراغ ولأنه وجد المبدل بعد الشروع في صوم البدل فلم يلزمه الانتقال إليه كالمستمتع يجد الهدي بعد الشروع في الأيام السبعة ويفارق ما إذا وجد الماء في الصلاة قضاؤها يسير والمشقة في هذا أكبر (فصل) وإذا قلنا الاعتبار بحال الوجوب فوقته في الظهار من حين العود لا وقت المظاهرة لأن الكفارة لا تجب حتى يعود ووقته في اليمين من الحنث لا وقت اليمين وفي القتل زمن الزهوق لا زمن الجرح وتقديم الكفارة قبل الوجوب تعجيل لها قبل وجوبها لوجود سببها كتعجيل الزكاة قبل الحول بعد كمال النصاب (فصل) إذا كان المظاهر ذمياً فتكفيره بالعتق أو بالاطعام لأنه يصح منه في غير الكفارة فصح منه فيها وليس له الصيام لأنها عبادة محضة والكافر ليس من أهلها ولأنه لا يصح منه في غير الكفارة فلا يصح منه فيها ولا يجزئه في العتق إلا عتق رقبة مؤمنة فإن كانت في ملكه أو ورثها أجزأت عنه وإن لم يكن كذلك فلا سبيل له إلى شراء رقبة مؤمنة لأن الكافر لا يصح منه شراء المسلم ويتعين تكفيره بالاطعام إلا أن يقوم لمسلم أعتق عن كفارتي وعلي تمنه فيصح في إحدى الروايتين وإن أسلم الذمي قبل التكفير بالاطعام فحكمه حكم العبد يعتق قبل التكفير بالصيام على ما مضى لأنه في معناه وإن ظاهر وهو مسلم ثم ارتد وصام في ردته عن كفارته لم يصح وإن كفر بعتق أو اطعام فقد أطلق أحمد القول

أنه لا يجزئه وقال القاضي المذهب أن ذلك موقوف فإن أسلم تبينا أنه أجزأه وإن مات أو قتل تبينا أنه لم يصح منه كسائر تصرفاته (فصل) قال الشيخ رحمه الله فمن ملك رقبة أو أمكنه تحصيلها فاضلاً عن كفايته وكفاية من يمونه على الدوام وغيرها من حوائجه الأصلية بثمن مثلها لزمه العتق أجمع أهل العلم على ذلك وأنه ليس له الانتقال إلى الصيام إذا كان مسلماً حراً * (مسألة) * (فإن كانت له رقبة يحتاج إلى خدمتها لكبر أو مرض أو زمن أو عظم خلق ونحوه مما يعجز عن خدمة نفسه أو يكون ممن لا يخدم نفسه في العادة ولا يجد رقبة فاضلة عن خدمته فليس عليه الإعتاق) وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة ومالك والاوزاعي متى وجد رقبة لزمه اعتاقها ولم يجز له الانتقال إلى الصيام سواء كان محتاجاً إليه أو لم يكن لأن الله تعالى شرط في الانتقال إلى الصيام أن لا يجد رقبة بقوله (فمن لم يجد) وهذا واجد وإن وجد ثمنها وهو محتاج إليه لم يلزمه شراؤها وبه قال أبو حنيفة وقال مالك يلزمه لأن وجدان ثمنها كوجدانها ولنا أن ما استغرقته حاجة الانسان فهو كالمعدوم في جواز الانتقال إلى البدل كمن وجد ماء يحتاج إليه للعطش يجوز له الانتقال إلى التيمم فإن كان له خادم وهو ممن يخدم نفسه عادة لزمه اعتاقها لأنه فاضل عن حاجته بخلاف من لم تجر عادته بخدمة نفسه فإن عليه مشقة في اعتاق خادمه وتضبيعا لكثير من حوائجه وإن كان له خادم يخدم امرأته وهو ممن عليه خدمتها أو كان له رقيق يتقوت بخراجهم لم يلزمه العتق لما ذكرنا

مسالة: فإن كانت له رقبة يحتاج إلى خدمتها لكبر أو مرض أو زمن أو عظم خلق ونحوه مما يعجز عن خدمة نفسه أو يكون ممن لا يخدم نفسه في العادة ولا يجد رقبة فاضلة عن خدمته فليس عليه الإعتاق

* (مسألة) * (فإن كان له دار يسكنها أو عقار يحتاج إلى غلته لمؤنته أو عرض للتجارة لا يستغني عن ريحه في مؤنته لم يلزمه العتق) وإن استغنى عن شئ من ذلك مما يمكنه أن يشتري به رقبة لزمه لأنه واجد للرقبة وإن كانت له رقبة تخدمه يمكنه بيعها وشراء رقبتين بثمنها يستغني بخدمة إحداهما ويعتق الاخرى لزمه لأنه لا ضرر في ذلك وهكذا لو كانت له ثياب فاخرة تزيد على ملابس مثله يمكنه بيعها وشراء ما يكفيه في لباسه ورقبة يعتقها لزمه ذلك وكذلك إن كانت له دار يمكنه بيعها وشراء ما يكفيه لسكنى مثله ورقبة أو ضيعة يفضل منها عن كفايته ما يمكنه به شراء رقبة ومراعي في ذلك الكفاية التى يحرم معها أخذ الزكاة فإذا فضل عن ذلك شئ يمكنه شراء رقبة به لزمته الكفارة وإن كان له دابة يحتاج إلى ركوبها أو كتب يحتاج إليها لم يلزمه العتق ومذهب الشافعي في هذا الفصل على نحو ما ذكرنا وإن كانت له سرية لم يلزمه اعتاقها لأنه محتاج إليها وإن أمكنه بيعها وشراء سرية اخرى ورقبة يعتقها لم يلزمه ذلك لأن الغرض قد يتعلق بعينها فلا يقوم غيرها مقامها سيما إذا كان بدون مثلها * (مسألة وإن وجد رقبة بثمن مثلها لزمه شراؤها وإن كانت بزيادة تجحف بماله لم يلزمه شراؤها لأن عليه ضرراً في ذلك وإن كانت الزيادة لا تجحف بما له ففيه وجهان (أحدهما) يلزمه لأنه قدر على الرقبة بثمن يقدر عليه لا تجحف به فأشبه ما لو بيعت بثمن مثلها (والثاني) لا يلزمه لأنه لم يجد رقبة بثمن مثلها فأشبه العادم واصل الوجهين العادم للماء إذا وجده بزيادة على ثمن مثله فإن وجد رقبة بثمن مثلها إلا أنها رقبة رفيعة يمكن أن يشتري بثمنها رقابا من غير جنسها لزمه

مسألة: فإن كان له دار يسكنها أو عقار يحتاج إلى غلته لمؤنته أو عرض للتجارة لا يستغني عن ربحه في مؤنته لم يلزمه العتق

شراؤها لأنها بثمن مثلها ولا يعد شراؤها بذلك ضررا وإنما الضرر في اعتاقها وذلك لا يمنع الوجوب كما لو كان مالكا لها * (مسألة) * (وإن وهب له رقبة لم يلزمه قبولها) لان عليه منة في قبولها وذلك ضرر في حقه * (مسألة) * (وإن كان ماله غائباً وأمكنه شراؤها بنسيئة فقد ذكر شيخنا فيما إذا عدم الماء فبذل له بثمن في الذمة يقدر على ادائه في بلده وجهين أحدهما يلزمه شراؤه قاله القاضي لأنه قادر على أخذه بما لا مضرة فيه وقال أبو الحسن التميمي لا يلزمه لأن عليه ضرراً في بقاء الدين في ذمته وربما تلف ماله قبل ادائه فيخرج ههنا على وجهين والأولى إن شاء الله أنه لا يلزمه لذلك وإن كان ماله غائباً ولم يمكنه شراؤها نسيئة فإن كان مرجو الحضور قريباً لم يجز الانتقال إلى الصيام لأن ذلك بمنزلة الانتظار لشراء الرقبة وإن كان بعيداً لم يجز الانتقال إلى الصيام في غير كفارة الظهار لأنه لا ضرر في الانتظار وهل يجوز في كفارة الظهارة؟ على وجهين (أحدهما) لا يجوز لوجود الأصل في ماله لوجود الكفارات (والثاني) يجوز لأنه يحرم عليه المسيس فجاز له الانتقال للحاجة فإن قيل فلو عدم الماء وثمنه جاز له الانتقال إلى التيمم وإن كان قادراً عليهما في بلده قلنا الطهارة تجب لأجل الصلاة وليس له تأخيرها عن وقتها فدعت الحاجة إلى الانتقال بخلاف مسئلتنا ولأننا لو منعناه من التيمم لوجود العذر للقدرة على الماء في بلده بطلت رخصة التيمم فإن كل أحد يقدر على ذلك * (مسألة) * (ولا يجزئ في كفارة القتل إلا رقبة مؤمنة) لقول الله تعالى (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة) وكذلك في سائر الكفارات في ظاهر

مسألة: وإن وهب له رقبة لم يلزمه قبولها

المذهب وهو قول الحسن وبه قال مالك والشافعي واسحاق وأبو عبيد وعن أحمد رواية ثانية أنه يجزئ فيما عدا كفارة القتل من الظهار وغيره عتق رقبة ذمية وهو قول عطاء والثوري والنخعي وأبي ثور وأصحاب الرأي وابن المنذر لأن الله تعالى أطلق الرقبة في كفارة الظهار فوجب أن يجزئ ما تناوله الاطلاق ولنا ما روى معاوية بن الحكم قال كانت لي جارية فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت علي رقبة أفأعتقها؟ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم " أين الله؟ - قالت في السماء - قال - من أنا؟ قالت أنت رسول الله فقال رسول صلى الله عليه وسلم - أعتقها فإنها مؤمنة " أخرجه مسلم فعلل جواز اعتاقها عن الرقبة التي عليها بانها مؤمنة فدل على أنه لا يجزئ عن الرقبة التي عليها إلا مؤمنة ولأنه عتق في كفارة فلا يجزئ فيه الكفارة ككفارة القتل والجامع بينهما إن الاعتاق يتضمن تفريغ العبد المسلم لعبادة ربه وتكميل أحكامه وعبادته وجهاده ومعونة المسلمين فناسب ذلك شرع اعتاقه في الكفارة تحصيلا لهذا المصالح والحكم مقرون بها في كفارة القتل المنصوص على الايمان فيها فيعلل بها ويتعدى ذلك إلى كل عتق في كفارة مختص بالمؤمنة لاختصاصها بهذه الحكمة فأما المطلق الذي احتجوا به فانه يحمل على المقيد في كفارة القتل كما حمل مطلق قوله تعالى (واستشهدوا شهيدين من رجالكم) على المقيد في قوله (وأشهدوا ذوي عدل منكم) وإن لم يحمل عليه من جهة اللغة حمل عليه من جهة القياس * (مسألة) * (ولا يجزئ إلا رقبة سليمة من العيوب المضرة بالعمل ضررا بينا) لأن المقصود تمليك العبد منافعه وتمكينه من التصرف لنفسه ولا يحصل هذا مع ما يضر بالعمل ضررا

مسألة: ولا يجزئ إلا رقبة سليمة من العيوب المضرة بالعمل ضررابينا

بينا فلا يجزئ الاعمى لأنه لا يمكنه العمل في أكثر الصنائع ولا المقعد وكذلك مقطوع اليدين والرجلين أو اشلهما لأن اليدين آلة البطش والرجلين آلة المشي فلا يتهيأ له كثير من العمل مع تلفهما ولا يجزئ المجنون جنونا مطبقا لأنه وجد فيه المعنيان ذهاب منفعة الجنس وحصول الضرر بالعمل وبهذا قال مالك والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي وحكي عن داود أنه جوز كل رقبة يقع عليها الاسم أخذا بإطلاق اللفظ ولنا أن هذا نوع كفارة فلم يجزئ مطلق ما يقع عليه الاسم كالاطعام فإنه لا يجزئ إن يطعم مسوسا ولا عفنا وإن كان سمى طعاما والآية مقيدة بما ذكرناه * (مسألة) * (لا يجزئ مقطوع اليد أو الرجل ولا أشلهما ولا مقطوع إبهام اليد أو سبابتها أو الوسطى) لأن نفع اليد يذهب بذهاب هؤلاء ولا يجزئ مقطوع الخنصر والبنصر من يد واحدة لأن نفع اليد يزول أكثره بذلك وإن قطعت كل واحدة منهما من يد جاز لأن نفع الكفين باق وقطع أنملة الإبهام كقطعها لأن نفعها يذهب بذلك لكونها انملتين وإن كان من غير الابهام لم يمنع لأن منفعتها لا تذهب فانها تصير كالاصابع القصار حتى لو كانت أصابعه كلها غير الابهام قد قطعت من كل واحدة منهما أنملة لم يمنع وإن قطع من الاصبع انملتان فهو كقطعها لأنه يذهب بمنفعتها وهذا كله مذهب الشافعي وقال أبو حنيفة يجزئ مقطوع احدى اليدين واحدى الرجلين ولو قطعت يده ورجله جميعاً من خلاف أجزأ لأن منفعة الجنس باقية فاجزأ في الكفارة كالأعور وأما إن قطعتا من وفاق أي من جانب واحد لم يجزئ لان منفعة الشئ تذهب ولنا أن هذا يؤثر في العلم ويضر ضرراً بينا فيمنع كما لو قطعتا من وفاق ويخالف العور فإنه لا يضر ضرراً بينا

مسألة: لا يجزئ مقطوع اليد أو الرجل ولا أشلهما ولا مقطوع إبهام اليد أو سبابتها أو الوسطى

ولنا فيه منع وإن سلم فالاعتبار بالضرر أولى بالاعتبار بمنفعة الجنس فإنه لو ذهب شمه أو قطعت أذناه معا أجزأ مع ذهاب منفعة الجنس * (مسالة) * (ولا يجزئ المريض المأيوس من برئه كمرض السل) لأن برأه يندر ولان يتمكن من العمل مع بقائه وإن كان المرض يرجى زواله كالحمى ونحوها لم يمنع الاجزاء في الكفارة ولا يجزئ النحيف العاجز عن العمل لأنه كالمريض المأيوس من برئه وإن كان يتمكن من العمل أجزأ * (مسألة) * (ولا يجزئ غائب) لا يعلم خبره لأنه مشكوك في حياته والأصل بقاء شغل الذمة فلا تبرأ بالشك وهو مشكوك في وجوده فيشك في اعتاقه فإن قيل الأصل حياته قلنا إن الموت قد علم أنه لابد منه وقد وجدت دلالة عليه وهو انقطاع اخباره فإن تبين بعد هذا كونه حيا صح اعتاقه وتبينا براءة ذمته من الكفارة وإلا فلا وإن لم ينقطع خبره أجزأ عتقه لأنه عتق صحيح: * (مسألة) * (ولا يجزئ مجنون مطبق لأنه لا يقدر على العمل) * (مسألة) * (ولا يجزئ الأخرس) وهو قول القاضي وبعض الشافعية قال شيخنا والأولى أنه متى فهمت اشارته وفهم اشارة غيره أنه يجزئ لأن الاشارة تقوم مقام الكلام في الافهام وأحكامه كلها تثبت اشارته فكذلك عتقه وكذلك الأخرس الذي تفهم إشارته، وهذا مذهب الشافعي وأبي ثور وعن أحمد أنه لا يجزئ وبه قال

مسألة: ولا يجزئ الأخرس

أصحاب الرأي لأن منفعة الجنس ذاهبة فأشبه زائل العقل ولأن الخرس نقص كبير يمنع كثيراً من الأحكام مثل القضا والشهادة وكثير من الناس لا تفهم اشارته فيتضرر بترك استعماله، والأول أولى إن شاء الله لما ذكرنا، وذهاب منفعة الجنس لا يمنع الإجزاء كذهاب الشم وذهاب الشم لا يمنع الاجزاء لأنه لا يضر بالعمل ولا بغيره ويجزئ مقطوع الاذنين وبذلك قال أبو حنيفة والشافعي، وقال مالك وزفر لا يجزئ ولنا أن قطعهما لا يضر بالعمل ضرراً بيناً فلم يمنع كنقص السمع بخلاف قطع اليدين ويجزئ مقطوع الأنف لذلك. * (مسألة) * (ولا يجزئ عتق من علق عتقه بصفة عند وجودها) فأما إن علق عتقه للكفارة وأعتقه عند وجود الصفة أجزأه لأنه أعتق عبده الذي يملكه عن كفارته ولا يجزئ عتق المدبر لأن عتقه مستحق في غير الكفارة فلم يجزئه كالذي استحق عليه الاطعام في النفقة فدفعه في الكفارة. * (مسألة) * (ولا يجزئ من يعتق عليه بالقرابة) وجملة ذلك أنه إذا اشترى من يعتق عليه إذا ملكه ينوي بشرائه عتقه عن الكفارة عتق ولم يجزئه وبهذا قال مالك والشافعي وأبي ثور وقال أصحاب الرأي يجزئه استحسانا لأنه يجزئ عن كفارة البائع فأجزأ عن كفارة المشتري كغيره ولنا قوله تعالى (فتحرير رقبة) والتحرير فعل العتق ولم يحصل العتق ههنا بتحرير منه ولا

مسألة: ولا يجزئ عتق من علق عتقه بصفة عند وجودها

اعتاق فلم يكن ممتثلا للأمر ولأن عتقه مستحق بسبب آخر فلم يجزئه كما لو ورثه ينوي به العتق عن كفارته أو كام الولد ويخالف المشتري البائع من وجهين (أحدهما) أن البائع يعتقه والمشتري لم يعتقه وإنما يعتق بإعتاق الشرع عن غير اختيار منه (الثاني) أن البائع لا يستحق عليه اعتاقه والمشتري بخلاف ذلك (فصل) إذا اشترى عبداً ينوي اعتاقه عن كفارته فوجد به عيبا لا يمنع من الاجزاء في الكفارة وأخذ أرشه ثم أعتق العبد عن كفارته أجزأه وكان الأرش له لأن العتق إنما وقع على العبد المعيب دون الأرش فانه أعتقه قبل العلم بالعيب ثم ظهر على العيب فأخذ أرشه فهو له كما لو أخذ قبل اعتاقه وعنه أنه يصرف الأرش في الرقاب لأنه أعتقه معتقداً أنه سليم فكان بمنزلة العوض عن حق الله تعالى فكان الأرش مصروفا في حق الله تعالى كما لو باعه كان الأرش للمشتري فإن علم العيب ولم يأخذ أرشه حتى اعتقه كان الأرش للمعتق لأنه أعتقه معيباً عالما بعيبه فلم يلزمه أرش كما لو باعه لمن يعلم عيبه. * (مسألة) * (ولا يجزئ من اشتراه بشرط العتق) في ظاهر المذهب وهو ظاهر مذهب الشافعي، وقد روي عن معقل بن يسار ما يدل عليه وذلك لأنه إذا اشتراه بشرط العتق فالظاهر أن البائع نقصه من الثمن لأجل هذا الشرط فكأنه أخذ عن العتق عوضا فلم يجزئه عن الكفارة. قال أحمد إن كانت رقبة واجبة لم تجزئه لأنها ليست رقبة سليمة ولأن عتقها مستحق بسبب آخر وهو الشرط فلم يجزئه كما لو اشترى قريبه فنوى بشرائه

مسألة: ولا يجزئ من اشتراه بشرط العتق

العتق عن الكفارة أو قال إن دخلت الدار فأنت حر ثم نوى عند دخوله أنه عن كفارته (فصل) ولو قال رجل له أعتق عبدك عن كفارتك ولك عشرة دنانير ففعل لم يجزئه عن الكفارة لأن الرقبة لم تقع خالصة عن الكفارة، وذكر القاضي أن العتق كله يقع عن باذل العوض وله ولاؤه وهذا فيه نظر فإن المعتق لم يعتقه عن باذل العوض ولا رضي باعتاقه عنه وباذل العوض لم يطلب ذلك، والصحيح أن اعتاقه عن المعتق والولاء له فإن رد العشرة على باذلها ليكون العتق عن الكفارة لم يجز عنها لأن العتق إذا وقع على صفة لم ينتقل عنها وإن قصد العتق عن الكفارة وحدها وعزم على رد العشرة أو رد العشرة قبل العتق وأعتقه عن كفارته أجزأه * (مسالة) * (ولا أم ولده في الصحيح عنه) هذا ظاهر المذهب وبه قال الأوزاعي ومالك والشافعي وأبو عبيد وأصحاب الرأي وعن أحمد رواية أخرى أنها تجزئ يروي ذلك عن الحسن وطاوس والنخعي وعثمان البتي لقول الله تعالى (فتحرير رقبة) ومعتقها قد حررها ولنا أن عتقها مستحق بسبب آخر فلم تجز عنه كما لو اشترى قريبه أو عبداً بشرط العتق فأعتقه وكما لو قال لعبده أنت حر إن دخلت الدار ونوى عتقه عن كفارته عند دخوله والآية مخصوصة بما ذكرنا فنقيس عليه ما اختلفنا فيه وولد أم الولد الذي ولدته بعد كونها أم ولد حكمه حكمها فيما ذكرناه لأن حكمه حكمها في العتق بموت سيدها * (مسألة) * ولا يجزئ مكاتب قد أدى من كتابته شيئاً في اختيار شيوخنا وعنه يجزئ وعنه لا يجزئ مكاتب بحال)

مسالة: ولا أم ولده في الصحيح عنه

روي عن أحمد رحمه الله في المكاتب ثلاث روايات: (إحداهن) يجزئ مطلقا اختاره أبو بكر وهو مذهب أبي ثور لأن المكاتب عبد يجوز بيعه فأجزأ عتقه كالمدبر ولأنه رقبة فيدخل في عموم مطلق قوله سبحانه (فتحرير رقبة) (والثانية) لا يجزئ مطلقاً وهو قول مالك والشافعي وأبو عبيد لأن عتقه مستحق بسبب آخر ولهذا لا يملك إبطال كتابته فأشبه أم الولد (والثالثة) إن كان أدى شيئاً من كتابته لم يجزئه ولا أجزأه وبه قال الليث والاوزاعي واسحاق وأصحاب الرأي قال القاضي هو الصحيح لأنه إذا أدى شيئا فقد حصل العوض عن بعضه فلم يجز كما لو اعتق بعض رقبة وإذا لم يؤد فقد أعتق رقبة كاملة مؤمنة سالمة الخلق تامة الملك لم يحصل عن شئ منها عوض فأجزأ عتقها كالمدبر ولو أعتق عبدًا عن مال يأخذه من العبد لم يجز عن كفارته في قولهم جميعاً. (فصل) ولا يجزئ اعتاق الجنين في قول أكثر أهل العلم، وبه يقول أبو حنيفة والشافعي وقال أبو ثور يجزئ لأنه آدمي مملوك يصح اعتاق فصح عن الرقبة كالمولود ولنا أنه لم يثبت له أحكام الدنيا بعد فإنه لا يملك إلا بالإرث والوصية ولا يشترط لهما كونه آدميا لكونه يثبت له ذلك وهو نطفة أو علقة وليس بآدمي في تلك الحال (فصل) فإن أعتق غيره عنه عبدا بغير إذنه لم يقع عن المعتق عنه اذا كان حيا وولاؤه للمعتق ولا

مسألة: ولا يجزئ مكاتب قد أدى من كتابته شيئا في اختيار شيوخنا وعنه يجزئ وعنه لا يجزئ مكاتب بحال

يجزئ من كفارته وإن نوى ذلك وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وحكي عن مالك أنه يجزئ إذا أعتق عن واجب على غيره بغير إذنه لأنه قضى عنه واجبا فصح كما لو قضى عنه دينا ولنا أنه عبادة من شرطها النية فلم يصح أداؤها عمن وجب عليه بغير أمره مع كونه من أهل الأمر كالحج ولأنه أحد خصال الكفارة فلم يصح عن المكفر بغير أمره كالصيام، وهكذا الخلاف فيمن كفر عنه بالاطعام، فأما الصيام فلا يجوز أن ينوب عنه أذنه ولا بغير اذنه لأنه عبادة بدنية فلا تدخلها النيابة فأما إن أعتق عنه بأمره نظرت فإن جعل له عوضاً صح العتق عن المعتق عنه وله ولاؤه وأجزأ عن كفارته بغير خلاف علمناه وبه يقول أبو حنيفة والشافعي وغيرهما لأنه حصل العتق عنه بماله فأشبه ما لو اشتراه ووكل البائع في إعتاقه عنه وإن لم يشترط عوضا ففيه روايتان. (إحداهما) يقع العتق عن المعتق عنه ويجزئ عن كفارته وهو قول مالك والشافعي لأنه أعتق عنه بأمره فصح كما لو شرط عوضاً. (والأخرى) لا يجزئ والولاء للمعتق وهو قول أبي حنيفة لأن العتق بعوض كالبيع وبغير عوض كالهبة ومن شرط الهبة القبض ولم يحصل فلم يقع عن الموهوب له، ويفارق البيع لأنه لا يشترط فيه القبض، فإن كان المعتق عنه ميتا وكان قد وصى بالعتق عنه صح لانه بأمره وإن لم يوص فأعتق عنه أجنبي لم يصح لأنه ليس بنائب عنه، وإن أعتق عنه وارثه فإن لم يكن عليه واجب لم يصح العتق عنه ووقع عن المعتق، وان كان عليه عتق واجب صح العتق عنه لأنه نائب عنه في ماله وأداء واجباته فإن كنت عليه كفارة يمين فأطعم عنه جاز، وإن أعتق عنه ففيه وجهان

(أحدهما) ليس له ذلك لأنه غير متعين فجرى مجرى التطوع (والثاني) يجزئ لان العتق يقع واجباً لأن الوجوب يتعين فيه بالفعل فأشبه المعين ولأنه أحد خصال كفارة اليمين فجاز أن يفعله عنه كالإطعام والكسوة، ولو قال من عليه الكفارة أطعم عن كفارتي أو اكس صح إذا فعل رواية واحدة سواء ضمن له عوضاً أو لا * (مسألة) * (ويجزئ الأعرج يسيرا) لأنه قليل الضرر بالعمل فإن كان فاحشاً كثيراً لم يجز لأنه يضر بالعمل فهو كقطع الرجل ويجزئ المجدع الأنف والاذن، وفي مجدع الاذنين خلاف ذكرناه، ويجزئ المجبوب والخصي ومن يخنق في الاحيان والاصم لأن هذا لا يضر بالعمل، وتجزئ الرتقاء والكبيرة التي تقدر على العمل لأن ما لا يضر بالعمل لا يمنع تمليك العبد منافعه وتكميل أحكامه فحصل الاجزاء به كالسالم من العيوب. (فصل) ويجزئ عتق الجاني وإن قتل قصاصاً والمرهون وعتق المفلس عبده إذا قلنا بصحة عتقه (فصل) ويجزي الأعور في قولهم جميعاً، وقال أبو بكر فيه قول آخر لا يجزئ لأنه نقص يمنع التضحية والاجزاء في الهدي فأشبه العمى، والصحيح ما ذكرناه فإن المقصود تمليك العبد المنافع وتكميل الأحكام والعور لا يمنع ذلك، ولأنه لا يضر بالعمل أشبه قطع إحدى الاذنين، ويفارق العمى فإنه يضر بالعمل ضررا بينا ويمنع كثيراً من الصنائع ويذهب بمنفعة الجنس، ويفارق قطع إحدى اليدين أو الرجلين فإنه لا يعمل بإحداهما ما يعمل بهما والأعور يدرك بإحدى العينين ما يدرك بهما وأما الاضحية

مسألة: ويجزئ الأعرج يسيرا

والهدي فإنه لا يمنع منهما مجرد العور وإنما يمنع انخساف العين لأنها عضو مستطاب ولان الاضحية يمنع فيها قطع الاذن والقرن والعتق لا يمنع فيه إلا ما يضر بالعمل * (مسألة) * (ويجزئ عتق المدبر) وهذا قول طاوس والشافعي وأبي ثور وابن المنذر، وقال مالك والاوزاعي وأبو عبيد وأصحاب الرأي: لا يجزئ لأن عتقه مستحق بسبب آخر فأشبه أم الولد ولأن بيعه عندهم غير جائز فهو كأم الولد ولنا قوله تعالى (فتحرير رقبة) وقد حرر رقبة ولأنه عبد كامل المنفعة لم يحصل عن شئ منه عوض فجاز عتقه كالقن ولأنه يجوز بيعه لأن النبي صلى الله عليه وسلم باع مدبراً، وقد ذكرنا ذلك، ولأن التدبير إما أن يكون وصية أو عتقاً بصفة وأيهما كان فلا يمنع التكفير باعتاقه قبل وجود الصفة والصفة ههنا الموت ولم توجد، ويجزئ المعلق عتقه بصفة قبل وجودها لأن ملكه فيه تام ويجوز بيعه * (مسألة) * (ويجوز عتق ولد الزنا) وهذا قول أكثر أهل العلم روي ذلك عن فضالة بن عبيد وأبي هريرة وبه قال ابن المسيب والحسن وطاوس والشافعي واسحاق وأبو عبيد وابن المنذر وروي عن عطاء والشعبى والنخعي والاوزاعي وحماد أنه لا يجزئ لأن أبا هريرة رضي الله عنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " ولد الزنا شر الثلاثة " قال أبو هريرة ولأن امتع بسوط في سبيل الله أحب إلي منه رواه أبو داود ولنا دخوله في مطلق قوله (فتحرير رقبة) ولأنه مملوك مسلم كامل العمل لم يعتق عن شئ ولا استحق عتقه بسبب آخر فاجزأ عتقه كولد الرشدة، فأما الأحاديث الواردة في ذمة فاختلف

مسألة: ويجوز عتق ولد الزنا

أهل العلم في تفسيرها فقال الطحاوي ولد الزنا هو الملازم للزنا كما يقال ابن السبيل الملازم لها وولد الليل الذي لا يهاب السير فيه. وقال الخطابي عن بعض أهل العلم قال هو الثلاثة أصلا وعنصراً ونسباً لأنه خلق من ماء الزنا وهو خبيث وأنكر قوم هذا التفسير وقالوا ليس عليه من وزر والدية شئ. قال الله تعالى (ولا تزرر وازرة وزر أخرى) وقد جاء في بعض الأحاديث " هو شر الثلاثة إذا عمل عملهم " فإن صح ذلك اندفع الإشكال. وفي الجملة هذا يرجع إلى أحكام الآخرة أما أحكام الدنيا فهو كغيره في صحة امامته وبيعه وعتقه وقبول شهادته فكذلك في اجزاء عتقه عن الكفارة لأنه من أحكام الدنيا * (مسألة) * (ويجزئ الصغير) وقال الخرقي لا يجزئ حتى يصلي ويصوم. قال القاضي لا يجوز اعتاق من له دون سبع سنين لأنه لا تصح منه العبادات في ظاهر كلام أحمد، ظاهر كلام الخرقي أن المعتبر العقل دون السن فمن صلى وصام ممن له عتق يعرف الصلاة والصيام ويتحقق من الإتيان به بنيته واركانه فانه يجزئ في الكفارة وان لم يبلغ السبع، وإن لم يوجد منه لم يجز في الكفارة وإن كان كبيراً وقال أبو بكر وغيره من اصحابنا يجوز اعتاق الطفل في الكفارة وهو قول الحسن وعطاء والزهري والشافعي وابن المنذر لأن المراد بالإيمان ههنا الاسلام بدليل اعناق الفاسق قال الثوري المسلمون مؤمنون كلهم عندنا في الأحكام وما ندري ما هم عند الله وبهذا تعلق حكم القتل بكل مسلم بقوله تعالى (ومن قتل مؤمنا خطأ) والصبي محكوم بإسلامه يرثه المسلمون ويرثهم ويدفن في مقابر المسلمين ويغسل ويصلى عليه وإن سبي

مسألة: ويجزئ الصغير

منفرداً عن أبويه أجزأ عنه عتقه لأنه محكوم بإسلامه وكذلك إن سبي مع أحد أبويه ولو كان أحد أبوي الطفل كافراً والآخر مسلما أجزأ اعتاقه لأنه محكوم بإسلامه قال القاضي في موضع يجزئ اعتاق الصغير في جميع الكفارات إلا كفارة القتل فإنها على روايتين وقال إبراهيم النخعي ما كان في القرآن من رقبة مؤمنة فلا يجزئ إلا من صام وصلى وما كان في القرآن رقبة ليست بمؤمنة فالصبي يجزئ ونحو هذا قول الحسن ووجه قول الخرقي إن الواجب رقبة مؤمنة والإيمان قول وعمل فما لم يحصل الصلاة والصيام لا يحصل العمل قال مجاهد وعطاء في قوله (فتحرير رقبة مؤمنة) قد صلت ونحو هذا قول الحسن وابراهيم وقال مكحول إذا ولد المولود فهو نسمة فإذا انقلب ظهراً لبطن فهو رقبة فإذا صلى فهو مؤمنة ولأن الطفل لا يصح منه عبادة لأنه لا نية له فلم يجز في الكفارة كالمجنون ولان الصبى نقص يستحق به النفقة على القرابة فأشبه الزمانة قال شيخنا والقول الآخر أقرب الى الصواب والصحة إن شاء الله لأن الايمان الاسلام وهو حاصل في حق الصبي الصغير ويدل على هذا أن معاوية بن الحكم السلمي أتى النبي صلى الله عليه وسلم بجارية أعجمية فقال يا رسول الله إن علي رقبة مؤمنة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أين الله؟ " فأشارت برأسها إلى السماء قال " من أنا؟ " فأشارت إلى رسول الله وإلى السماء أي أنت رسول الله قال " أعتقها فإنها مؤمنة " فحكم لها بالايمان بهذا القول * (مسألة) * (ولو ملك نصف عبد فأعتقه عن كفارته ثم اشترى باقيه فأعتقه أجزأه) لأنه أعتق رقبة كاملة في وقتين فأجزأ كما لو أطعم المساكين في وقتين إلا على رواية وجوب الاستسعاء والصحيح في المذهب خلافها

مسألة: ولو ملك نصف عبد فأعتقه عن كفارته ثم اشترى باقيه فأعتقه أجزأه

* (مسألة) * (فإن أعتقه عن كفارته وهو موسر فسرى إلى نصيب شريكه عتق) ولم يجزئه عن كفارته في قول أبي بكر الخلال وصاحبه وحكاه عن أحمد وهو قول أبي حنيفة لأن عتق نصيب شريكه لم يحصل بإعتاقه إنما حصل بالسراية وهو غير فعله وانما هي من آثار فعله فأشبه ما لو اشترى من يعتق عليه ينوي به الكفارة يحقق هذا أنه لم يباشر بالاعتاق إلا نصيبه فسرى إلى غيره ولو خص نصيب غيره بالإعتاق لم يعتق منه شئ ولأنه إنما يملك اعتاق نصيبه لا نصيب غيره، وقال القاضي قال غيرهما من أصحابنا يجزئه إذا نوى إعتاق جميعه عن كفارته وهو مذهب الشافعي لأنه أعتق عبداً كامل الرق سليم الخلق غير مستحق العتق ناويا به الكفارة فأجزأ كما لو كان الجميع ملكه والأول أصح إن شاء الله تعالى ولا نسلم أنه أعتق العبد كله وإنما أعتق نصفه وعتق الباقي عليه فأشبه شراء قريبه ولأن إعتاق باقيه مستحق بالسراية فهو كالقريب فعلى هذا هل يجزئه عتق نصفه الذي هو نصيبه ويعتق نصفاً آخر وتكمل الكفارة؟ ينبني على ما إذا أعتق نصفي عبدين، وسنذكر ذلك فأما ان نوى عتق نصيبه عن الكفارة ولم ينو ذلك في نصيب شريكه لم يجزئه في نصيب شريكه، وفي نصيب نفسه ما سنذكره إن شاء الله تعالى (فصل) فإن كان العبد كله له فأعتق جزءا منه معيناً أو مشاعاً عتق جميعه فإن نوى به الكفارة أجزأ عنه لأن اعتاقه بعض العبد اعتاق لجميعه وإن نوى اعتاق الجزء الذي باشره بالاعتاق عن الكفارة دون غيره وهل يحتسب له بما نوى به الكفارة؟ على وجهين

مسألة: ولو أعتق نصفي عبدين أو نصفي أمتين أو نصف عبد ونصف أمة أجزأ عنه

* (مسألة) * ولو أعتق نصفي عبدين أو نصفي أمتين أو نصف عبد ونصف أمة أجزأ عنه) ذكره الخرقي قال الشريف أبو جعفر هذا قول أكثرهم، وقال أبو بكر بن جعفر لا يجزئ لأن المقصود من العتق تكميل الاحكام ولا يحصل من اعتاق نصفين، واختلف أصحاب الشافعي على ثلاثة أوجه (أحدها) كقول الخرقي، (والثاني) كقول أبي بكر، (والثالث) إن كان نصف الرقيق حراً أجزأ لأنه يحصل تكميل الأحكام، وان كان رقيقا لم يجز لأنه لا يحصل، ووجه الأول أن الأشقاص كالاشخاص فيما لا يمنع منه العيب اليسير وبدليل الزكاة فإذا كان له نصف ثمانين شاة مشاعا وجبت الزكاة كما لو ملك أربعين منفردة وكالهدايا والضحايا إذا اشتركوا فيها قال شيخنا والأولى أنه لا يجزئ اعتاق نصفين إذا لم يكن الباقي منهما حراً لأن إطلاق الرقبة إنما ينصرف إلى إعتاق الكاملة ولا يحصل من الشخصين ما يحصل من الرقبة الكاملة في تكميل الآحكام وتخليص الآدمي من ضرر الرق ونقصه فلا يثبت به من الأحكام ما يثبت باعتاق رقبة كاملة، ويمتنع قياس الشخصين على الرقبة الكاملة ولهذا لو أمر انسانا بشراء رقبة أو بيعها أو بإهداء حيوان أو بالصدقة به لم يكن له أن يشقصه كذا ههنا (فصل) فمن لم يجد فعليه صيام شهرين متتابعين إذا قدر على الصيام وهذا إجماع من أهل العلم لقول الله تعالى (فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا) ولحديث أوس بن الصامت وسلمة بن صخر حراً كان أو عبداً ويستوي في ذلك الحر والعبد عند أهل العلم لا نعلم فيه خلافا، وأجمعوا على وجوب التتابع لأنه شرط في الصيام وقد تناوله نص القرآن والسنة ومعنى التتابع الموالاة بين صيام أيامها فلا يفطر فيها ولا يصوم عن غير الكفارة ولا تجب نية التتابع ويكفي فعله لأنه شرط

وشرائط العبادات لا تحتاج الى نية، وإنما تجب النية لأفعالها وهذا أحد الوجوه لأصحاب الشافعي، والوجه الآخر أنها واجبة لكل ليلة لأن ضم العبادة إلى العبادة إذا كان شرطاً وجبت النية فيه كالجمع بين الصلاتين، والثالث تكفي نية التتابع في الليلة الاولى ولنا أنه تتابع واجب في العبادة فلم يفتقر إلى نية كالتتابع بين الركعات، ويفارق الجميع بين الصلاتين فإنه رخصة فافتقر إلى نية الترخص وما ذكروه ينتقض بالمتابعة بين الركعات * (مسألة) * (فإن تخلل صومها صوم شهر رمضان أو فطر واجب كفطر العيد أو الفطر لحيض أو نفاس لم ينقطع التتابع وبنى على ما مضى من صيامه) وجملة ذلك أنه إذا تخلل صوم الظهار زمان لا يصح صومه فيه عن الكفارة مثل أن يبتدئ الصوم من أول شعبان فيتخلله رمضان ويوم الفطر أو يبتدئ من ذي الحجة فيتخلله يوم النحر وأيام التشريق فإن التتابع لا ينقطع بهذا وينبني على ما مضى من صيامه، وقال الشافعي ينقطع التتابع ويلزمه الاستئناف لأنه أفطر في أثناء الشهرين بما كان يمكنه التحرز منه فأشبه إذا أفطر لغير ذلك أو صام عن نذر أو كفارة أخرى ولنا أنه زمن منعه الشرع عن صومه في الكفارة فلم يقطع التتابع كالحيض والنفاس فإن قالوا الحيض والنفاس غير ممكن التحرز منه قلنا قد يمكن التحرز من النفاس بأن لا يبتدئ الصوم في حال الحمل، ومن الحيض إذا كان طهرها يزيد على الشهرين بأن تبتدئ الصوم عقيب طهرها من الحيضة ومع هذا لا ينقطع التتابع به، ولا يجوز للمأموم مفارقة إمامه لغير عذر ويجوز أن يدخل معه المسبوق مع

مسألة: فإن تخلل صومها صوم شهر رمضان أو فطر واجب كفطر العيد أو الفطر لحيض أو نفاس لم ينقطع التتابع وبنى على ما مضى من صيامه

علمه بلزوم مفارقته قبل إتمامها، ويتخرج في أيام التشريق رواية أخرى أنه يصومها عن الكفارة ولا يفطر إلا يوم النحر وحده فعلى هذا إن أفطرها استأنف لأنها أيام أمكنه صيامها في الكفارة ففطرها يقطع التتابع كغيرها إذا ثبت هذا فإنه إن ابتدأ الصوم من أول شعبان أجزأه صوم شعبان عن شهر، وإن كان ناقصاً، وأما شوال فلا يجوز أن يبتدأ من أوله لأن أوله يوم الفطر وصومه حرام فيشرع فيه من اليوم الثاني ويتمم شهراً بالعدد ثلاثين، وإن بدأ من أول ذي الحجة إلى آخر المحرم قضى أربعة أيام وأجزأه لأنه بدأ من أولهما ولو ابتدئ صوم الشهرين من يوم الفطر لم يصح صوم يوم الفطر ويصح صوم بقية الشهر وصوم ذي القعدة ويحتسب له بذي القعدة، وإن كان ناقصاً لانه بدأه من أوله، وأما شوال فإن كان تاما صام يوما من ذي الحجة وإن كان ناقصاً صام يومين لأنه لم يبدأه من أوله وإن بدأ بالصيام من أول أيام التشريق وقلنا يصح صومها عن الفرض فإنه يحتسب له بالمحرم ويكمل صوم ذي الحجة بتمام ثلاثين يوما من صفر، وإن قلنا لا يصح عن الفرض صام مكانها من صفر (فصل) وإن أفطر لحيض أو نفاس فقد أجمع أهل العلم على أن الصائمة متتابعا إذا حاضت قبل اتمامه تقضي إذا طهرت وتبني وذلك لأن الحيض لا يمكن التحرز منه في الشهرين إلا بتأخيره إلى الإياس وفيه تغرير بالصوم لأنها ربما ماتت قبله، والنفاس كالحيض في أنه لا ينقطع التتابع في أحد الوجهين لأنه بمنزلته في أحكامه ولأن الفطر لا يحصل فيهما بفعلهما وإنما ذلك الزمان كزمان الليل في حقهما (والثاني) أن النفاس يقطع التتابع لأنه فطر أمكن التحرز منه لا يتكرر في العام فقطع التتابع كالفطر لغير عذر ولا يصح قياسه على الحيض لأنه أندر منه ويمكن التحرز منه * (مسألة) * (فإن أفطر لمرض مخوف أو جنون لم ينقطع التتابع)

مسألة: فإن أفطر لمرض مخوف أو جنون لم ينقطع التتابع

روى ذلك عن ابن عباس، وبه قال سعيد بن المسيب والحسن وعطاء والشعبي وطاوس ومجاهد ومالك واسحاق وأبو عبيد وابو ثور وابن المنذر والشافعي في القديم، وقال في الجديد ينقطع التتابع وهو قول سعيد بن جبير والحكم والثوري وأصحاب الرأي لأنه أفطر فعله فلزمه الاستئناف كما لو أفطر لسفر ولنا أنه أفطر بسبب لا صنع له فيه فلم يقطع التتابع كافطار المرأة للحيض وما ذكروه من الأصل ممنوع وإن أفطر لجنون أو إغماء لم ينقطع التتابع لأنه لا صنع له فيه فهو كالحيض * (مسألة) * (وكذلك فطر الحامل والمرضع لخوفهما على أنفسهما) لأنهما كالمريض * (مسألة) * (فإن خافتا على ولديهما فأفطرتا ففيه وجهان) (أحدهما) لا ينقطع التتابع اختاره أبو الخطاب لأنه فطر أبيح لهما بسبب لا يتعلق باختيارهما فلم ينقطع التتابع كما لو أفطرتا خوفا على أنفسهما (والثاني) ينقطع لأنه لأجل الخوف على غيرهما، ولذلك يلزمهما الفدية مع القضاء * (مسألة) * (وإن أفطر لغير عذر أو صام تطوعا أو قضاء أو نذراً أو عن كفارة أخرى لزمه الاستئناف) لأنه أخل بالتتابع المشروط ويقع صومه عما نواه لأن هذا الزمان ليس بمستحق معين للكفارة ولهذا يجوز صومها في غيره بخلاف شهر رمضان فإنه متعين لا يصلح لغيره وإذا كان عليه نذر صوم غير معين أخره إلى فراغه من الكفارة وإن كان متعينا أخر الكفارة عنه أو قدمها عليه إن أمكن وإن كان أياما من كل شهر كيوم الخميس وأيام البيض قدم الكفارة عليه وقضاه بعدها لأنه لو وفي بنذره

مسألة: فإن خافتا على ولديهما فأفطرتا ففيه وجهان

انقطع التتابع ولزمه الاستئناف فيفضى إلا أن لا يتمكن من التكفير والنذر يمكن قضاؤه فيكون هذا عذراً في تأخيره كالمرض * (مسألة) * (وإن أفطر لعذر يبيح الفطر كالسفر والمرض غير المخوف فعلى وجهين) إذا افطر لمرض غير مخوف يبيح الفطر ففيه وجهان ذكرهما أبو الخطاب (أحدهما) لا يقطع التتابع لأنه مرض أباح الفطر أشبه المخوف (والثاني) يقطع التتابع لأنه أفطر اختياراً فانقطع التتابع كما لو أفطر لغير عذر فإن السفر مبيح للفطر فكلام أحمد محتمل الأمرين وأظهرهما أنه لا ينقطع التتابع فإنه قال في رواية الأثرم كان السفر غير المرض ولا ينبغي أن يكون أوكد من رمضان فظاهر هذا أنه لا ينقطع التتابع وهذا قول الحسن ويحتمل أن ينقطع التتابع وهو قول مالك وأصحاب الرأي واختلف أصحاب الشافعي فمنهم من قال فيه قولان كالمرض ومنهم من يقول يقطع التتابع وجهاً واحداً لأن السفر يحصل باختياره فقطع التتابع كما لو أفطر لغير عذر والصحيح الأول لأنه أفطر لعذر يبيح الفطر في رمضان فلم ينقطع التتابع كافطار المرأة للحيض وفارق الفطر لغير عذر فإنه لا يباح فإن أكل يظن أن الفجر لم يطلع وقد كان طلع أو افطر يظن أن الشمس قد غابت ولم تغب افطر ويتخرج في انقطاع التتابع وجهان (أحدهما) لا ينقطع لأنه فطر لعذر (والثاني) ينقطع التتابع لأنه بفعل أخطأ فيه فأشبه ما لو ظن أنه قد أتم الشهرين انقطع التتابع لأنه أفطر لجهله فقطع التتابع كما لو ظن أن الواجب شهر واحد وإن أكره على الأكل والشرب بان أوجر الطعام والشراب لم يفطر وإن أكل خوفاً فقال القاضي لا يفطر وفيه وجه آخر أنه يفطر فعلى ذلك هل يقطع التتابع؟ فيه وجهان (أحدهما) لا يقطعه لأنه عذر مبيح للفطر أشبه المرض (والثاني) يقطعه وهو مذهب الشافعي لأنه أفطر بفعله لعذر نادر والأول أولى

مسألة: وإن أفطر لعذر يبيح الفطر كالسفر والمرض غير المخوف فعلى وجهين

(فصل) ويجوز أن يبتدئ صوم الشهرين من أول شهر ومن ائنائه بغير خلاف نعلمه لأن الشهر اسم لما بين الهلالين والثلاثين يوما فأيهما صام فقد أدى الواجب فإن بدأ من أول شهر فصام شهرين بالأهلة أجزأه ذلك وإن كانا ناقصين إجماعا وبه قال الثوري وأهل العراق ومالك في أهل الحجاز والشافعي وأبو ثور وأبو عبيد وغيرهم لأن الله تعالى قال (فصيام شهرين متتابعين) وهذان شهران متتابعان وان بداء من اثناء شهر فصام ستين يوما أجزأه بغير خلاف أيضاً. قال إبن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على هذا فأما إن صام شهراً بالهلال وشهراً بالعدد فصام خمسة عشر يوماً من المحرم وصفر جميعه وخمسة عشر من ربيع فإنه يجزئه سواء كان صفر تاماً أو ناقصاً لأن الأصل اعتبار الشهور بالاهلة لكن تركناه في الشهر الذي بدأ من وسطه لتعذره ففي الشهر الذي أمكن اعتباره وجب ان يعتبر وهذا مذهب الشافعي وأصحاب الرأي ويتوجه أن لا يجزئه إلا شهران بالعدد لأنا لما ضممنا إلى الخمسة عشر من المحرم خمسة عشر من صفر فصار ذلك شهراً صار ابتداء صوم الشهر الثاني من اثناء شهر أيضاً وهذا قول الزهري (فصل) فإن نوى شهر رمضان عن الكفارة لم يجزئه عن رضمان ولا عن الكفارة وانقطع التتابع حاضرا كان أو مسافراً لأنه تخلل صوم الكفارة فطر غير مشروع وقال مجاهد وطاوس يجزئه عنهما وقال أبو حنيفة إن كان حاضراً أجزأه عن رمضان دون الكفارة لأن تعيين النية غير مشترط لرمضان وإن كان في سفر أجزأه عن الكفارة دون رمضان وقال صاحباء تجزئ عن الكفارة دون رمضان حضرا أو سفرا

ولنا أن رمضان متعين لصومه محرم صومه عن غيره فلم يجزئه عن غيره كيومي العيدين ولا يجزئ عن رمضان لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " الأعمال بالنيات وإنما لأمرئ ما نوى) وهذا ما نوى رمضان فلا يجزئه، ولا فرق بين الحضر والسفر لأن الزمان متعين وإنما جاز فطره في السفر رخصة فإذا تكلف وصام رجع إلى الأصل فإن سافر في رمضان المتخلل لصوم الكفارة وأفطر لم ينقطع التتابع لأنه زمن لا يستحق صومه عن الكفارة فلم ينقطع التتابع بفطره كالليل * (مسألة) * (وإن أصاب المظاهر منها ليلاً أو نهاراً انقطع التتابع) وبهذا قال مالك والثوري وأبو عبيد وأصحاب الرأي لأن الله تعالى قال (فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا) فأمر بهما خاليين عن وطئ ولم يأت بهما على ما أمر فلم يجزئه كما لو وطئ نهارا ذاكراً ولأنه تحريم للوطئ لا يختص النهار فاستوى فيه الليل والنهار كالاعتكاف وروى عن أحمد أن التتابع لا ينقطع بالوطئ ليلا وهو مذهب الشافعي وأبي ثور وابن المنذر لانه وطئ لا يفسد الصوم فلا يوجب الاستئناف كوطئ غيرها، ولأن التتابع في الصيام عبارة عن اتباع صوم يوم للذي قبله من غير فارق وهذا متحقق وإن وطئ ليلا - وارتكاب المنهي في الوطئ قبل اتمامه إذا لم يخل بالتتابع المشترط لا يمنع صحته وإجزاءه كما لو وطئ قبل الشهرين أو لو وطئ ليلة أول الشهرين وأصبح صائماً والاتيان بالصيام قبل الثمانين لا سبيل إليه سواء بنى أو استأنف وإن وطئها أو وطئ غيرها في نهار الشهرين عامداً أفطر وانقطع التتابع

مسألة: وإن أصاب المظاهر منها ليلا أو نهارا انقطع التتابع

إجماعا إذا كان غير معذور وإن وطئها أو وطئ غيرها نهاراً ناسيا أفطر وانقطع التتابع في إحدى الروايتين لان الوطئ لا يعذر فيه بالنسيان وعن أحمد رواية أخرى لا يفطر ولا ينقطع التتابع وهو قول الشافعي وأبي ثور وابن المنذر لأنه فعل المفطر ناسياً أشبه ما لو أكل ناسياً ولو أبيح له الفطر لعذر فوطئ غيرها نهارا لم ينقطع التتابع لان الوطئ لا أثر له في قطع التتابع وإن كان وطئها كان كوطئها ليلا هل يقطع التتابع على وجهين * (مسألة) * (وإن وطئ غيرها ليلا لم ينقطع التتابع) لأن ذلك غير محرم عليه ولا هو يخل باتباع الصوم فلم يقطع التتابع كالأكل وليس في هذا اختلاف نعلمه فإن لمس المظاهر منها أو باشرها دون الفرج على وجه يفطر به قطع التتابع لإخلاله بموالاة الصيام وإلا لم ينقطع والله أعلم * (فصل) * قال الشيخ رحمه الله (فإن لم يستطع لزمه إطعام ستين مسكيناً مسلما حرا صغيرا كان أو كبيرا إذا أكل الطعام) أجمع أهل العلم على أن المظاهر إذا لم يجد الرقبة ولم يستطع الصيام إن فرضه إطعام ستين مسكيناً على ما أمر الله تعالى في كتابه وجاء في سنة نبيه صلى الله عليه وسلم سواء عجز عن الصيام لكبر أو مرض يخاف بالصوم تباطؤه والزيادة فيه أو الشبق فلا يصبر فيه عن الجماع فإن أوس بن الصامت لما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصوم قالت امرأته يا رسول الله إنه شيخ كبير ما به من صيام قال " فيطعم ستين مسكيناً " ولما أمر سلمة بن صخر بالصيام قال وهل اصبت ما أصبت إلا من الصيام؟ قال " فاطعم " فنقله إلى الاطعام لما أخبره إن به من الشبق والشهوة ما يمنعه من الصيام وقسنا على هذين ما يشبههما في معناهما ويجوز أن ينتقل إلى الإطعام إذا عجز عن الصيام للمرض وإن كان مرجو الزوال لدخوله في قوله تعالى (فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا) ولأنه لا يعلم إن له نهاية فأشبه الشبق، ولا يجوز أن ينتقل لأجل السفر

مسألة: وإن وطئ غيرها ليلا لم ينقطع التتابع

لأن السفر لا يعجزه عن الصيام وله نهاية ينتهي إليها وهو من أفعاله الاختيارية والواجب إطعام ستين مسكيناً لا يجزئه أقل من ذلك وقال أبو حنيفة لو أطعم مسكينا واحدا في ستين يوما أجزأه وسنذكر ذلك إن شاء الله تعالى (فصل) يشترط في المساكين ثلاثة شروط الاسلام والحرية وأن يكون قد أكل الطعام، والمساكين هم الذين تدفع إليهم الزكاة لحاجتهم المذكورون في أبواب الزكاة ويدخل في ذلك الفقراء لأنهم وإن كانوا في الزكاة صنفين فهم في غيرها صنف واحد لكونهم يأخذون لحاجتهم إلى ما يكفيهم أو ما تتم به كفايتهم (أحدها) اسلامهم فلا يجوز دفعها إلى كافر ذمياً كان أو حربيا وبذلك قال الحسن والنخعي والاوزاعي ومالك والشافعي واسحاق وأبو عبيد، وقال أبو ثور وأصحاب الرأي يجوز دفعها إلى الذمي لدخوله في اسم المساكين فيدخل في عموم الآية ولأنه مسكين من أهل دار الاسلام فأجزأ الدفع إليه من الكفارة كالمسلم وروي نحوه عن الشعبي وخرجه أبو الخطاب وجهاً في المذهب بناء على جواز اعتاقه في الكفارة وقال الثوري يعطيهم إذا لم يجد غيرهم ولنا أنهم كفار فلم يجز اعطاؤهم كمساكين أهل الحرب والآية مخصوصة بهذا فنقيس عليه. (الثاني) أن يكونوا أحراراً فلا يجوز دفعها إلى عبد ولا مكاتب ولا أم ولد ولا خلاف في أنه لا يجوز دفعها إلى عبد لأن نفقته واجبة على سيده، ولا إلى أم ولد لذلك وبهذا قال مالك والشافعي واختار الشريف أبو جعفر جواز دفعها إلى مكاتبه وغيره وقال أبو الخطاب يتخرج دفعها إليه بناء على جواز اعتاقه لأنه يأخذ من الزكاة حاجته فأشبه المسكين

ولنا أن الله تعالى عده صنفاً في الزكاة غير صنف المساكين ولا هو في معنى المساكين لأن حاجته من غير جنس حاجتهم فيدل على أنه ليس بمسكين والكفارة إنما هي للمساكين بدليل الآية ولأن المسكين يدفع إليه لتتم كفايته والمكاتب إنما يأخذ لفكاك رقبته، وأما كفايته فإنها حاصلة بكسبه وماله فإن لم يكن له كسب ولا مال عجزه سيده ورجع إليه فاستغنى بانفاقه عليه، ويفارق الزكاة فانها تصرف إلى الغني والكفارة بخلافها (الثالث) أن يكونوا أكلوا الطعام فإن كان طفلا لم يأكل الطعام لم يدفع إليه في ظاهر كلام الخرقي وهو قول القاضي وهو ظاهر قول مالك فإنه قال يجوز الدفع إلى الفطيم وهذا إحدى الروايتين عن أحمد والثانية يجوز دفعها إلى الصغير الذي لم يطعم وبقبض له وليه وهذا الذي ذكره أبو الخطاب المذهب وهو مذهب الشافعي وأصحاب الرأي قال أبو الخطاب وهو قول أكثر الفقهاء لأنه حر مسلم محتاج فأشبه الكبير ولانه أكله للكفارة ليس بشرط وهذا يصرف الكفارة إلى ما يحتاج إليه مما تتم به كفايته فأشبه الكبير ولنا قوله تعالى (فاطعام عشرة مساكين) وهذا يقتضي أكلهم له فإذا لم يعتبر حقيقة أكلهم وجب اعتبار إمكانه ومظنته ولا تتحق مظنته فيمن لا يأكل ولأنه لو كان المقصود دفع حاجته لجاز دفع القيمة

ولم يتعين الاطعام وهذا يفسد ما ذكروه فإذا اجتمعت هذه الأوصاف في واحد جاز الدفع إليه كبيراً كان أو صغيراً محجوراً عليه أو غير محجور عليه إلا أن من لا حجر عليه يقبض لنفسه أو يقبض له وكيله والمحجور عليه كالصغير والمجنون يقبض له وليه. * (مسألة) * (ولا يجوز دفعها إلى الكافر) وقد ذكرناه، ولا إلى من تلزمه مؤنته وقد ذكرنا ذلك في الزكاة وفي دفعها إلى الزوج وجهان بناء على دفع الزكاة إليه * (مسألة) * ويجوز دفع الكفارة إلى من ظاهره العقر فإن بان غنيا فهل يجزئه؟ فيه وجهان) بناء على الروايتين في الزكاة وإن بان كافراً أو عبداً لم يجزئه وجهاً واحداً * (مسألة) * (وإن رددها على مسكين واحد ستين يوما لم يجزئه إلا أن لا يجد غيره فيجزئه في ظاهر المذهب وعنه لا يجزئه وعنه يجزئه وإن وجد غيره) وجملة ذلك أن الواجب في كفارة الظهار إطعام ستين مسكيناً للآية لا يجزئه أقل من ذلك وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة يجزئه أن يطعم مسكينا واحدا في ستين يوما، وروي ذلك عن أحمد حكاه القاضي أبو الحسين لأن هذا المسكين لم يستوف إلا قوت يومه من هذه الكفارة فجاز أن يعطى منها كاليوم الأول، وعن أحمد رواية ثالثة أن وجدهم لم يجزئه لأنه أمكنه امتثال الأمر بصورته ومعناه وإن لم يجد غيره أجزأه لتعذر المساكين ووجه الأولى قول الله تعالى (فإطعام ستين مسكينا) وهذا لم يطعم إلا واحدا فلم يمتثل الأمر لأنه لم يطعم ستين مسكينا فلم يجزئه كما لو دفعها اليه في يوم واحد ولأنه لو جاز الدفع إليه في أيام لجاز الدفع اليه في يوم واحد كالزكاة وصدقة الفطر، يحقق هذا أن الله تعالى أمر بعدد المساكين لا بعدد الأيام وقائل هذا يعتبر عدد الأيام دون عدد المساكين، والمعنى في اليوم الأول أنه لم يستوف حقه من هذه الكفارة وفي اليوم الثاني قد استوفى حقه وأخذ منها قوت يوم فلم يجز أن يدفع إليه في اليوم الثاني كما لو أوصى انسان بشئ لستين مسكينا

مسألة: ولا يجوز دفعها إلى الكافر

* (مسألة) * (وإن دفع إلى مسكين واحد في يوم من كفارتين أجزأه) وهذا مذهب الشافعي وهو اختيار الخرقي لأنه دفع القدر الواجب إلى العدد الواجب فأجزأ كما لو دفع إليه المدين في يومين وفيه رواية أخرى أنه لا يجزئه وهو قول أبي حنيفة لأنه استوفى قوت يوم من كفارة فلم يجز الدفع إليه ثانياً كما لو دفعها إليه من كفارة واحدة، فعلى هذه الرواية يجزئه عن احدى الكفارتين وهل لها الرجوع في الاخرى؟ ينظر فإن كان اعلمه أنها عن كفارتين فله الرجوع وإلا فلا ويتخرج أن لا يرجع بشئ على ما ذكرنا في الزكاة، والرواية الأولى أقيس وأصح فإن اعتبار عدد المساكين أولى من اعتبار عدد الأيام ولو دفع إليه ذلك في يوم أجزأه ولأنه لو كان الدافع اثنين أجزأ عنهما فكذلك إذا كان الدافع واحدا ولو دفع ستين مدا إلى ثلاثين مسكينا من كفارة واحدة أجزأه من ذلك ثلاثون ويطعم ثلاثين آخرين فإن دفع الستين من كفارتين خرج على الروايتين في المسألة قبلها وهي إذا أطعم مسكينا واحدا مدين من كفارتين في يوم واحد. * (مسألة) * (والمخرج في الكفارة ما يجزئ في الفطرة وهو البر والشعير والتمر والزبيب سواء كان قوت بلده أو لم يكن) وما عداها فقال القاضي: لا يجزئ اخراجه سواء كان قوت بلده أو لم يكن لأن الخبر ورد بإخراج هذه الأوصاف على ما جاء في الأحاديث التي نذكرها ولأنه الجنس المخرج في الفطرة فلم يجز غيره كما لو لم يكن قوت بلده * (مسألة) * (فإن كان قوت بلده غير ذلك كالذرة والدخن والأرز لم يجز اخراجه على قول القاضي وقال أبو الخطاب عندي أنه يجزئه الاخراج من جميع الحبوب التي هي قوت بلده لأن الله تعالى قال (من أوسط ما تطعمون أهليكم) وهذا مما يطعمه أهله فوجب أن يجزئه بظاهر النص وهذا مذهب الشافعي فإن أخرجه عن قوت بلده أجود منه فقد زاد خيراً * (مسألة) * (وإخراج الحب أفضل عند أبي عبد الله) لأنه يخرج به من الخلاف وهي حالة كماله لانه يدخر فيها ويتهيأ لمنافعه كلها بخلاف غيره فإن أخرج دقيقا جاز لكن يزيد على المد قدرا يبلغ المد حبا أو يخرجه بالوزن لأن الحب يروع فيكون في مكيال الحب أكثر مما يكون في مكيال الدقيق قال الأثرم قيل لأبي عبد الله فيعطي البر والدقيق قال أما الذي جاء فالبر ولكن إن أعطاهم الدقيق بالوزن جاز وقال الشافعي لا يجزئ لأنه ليس بحال الكمال لاجل ما يقوت به من وجوه الانتفاع فأشبه الهريسة

مسألة: وإن دفع إلى مسكين واحد في يوم من كفارتين أجزأه

ولنا قول الله تعالى فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم والدقيق من أوسط ما يطعمه أهله ولأن الدقيق أجزاء الحنطة وقد كفاهم مؤنته وطحنه وهيأه وقربه من الأكل وفارق الهريسة فانها تفسد عن قرب ولا يمكن الانتفاع بها في غير الأكل في تلك الحال بخلاف مسئلتنا * (مسألة) * (وفي الخبز روايتان) (إحداهما) يجزئ اختارها الخرقي ونص عليه أحمد في رواية الأثرم فإنه قال قلت لأبي عبد الله رجل أخذ ثلاثة عشر رطلا وثلثا دقيقا وهو كفارة اليمين فخبزه للمساكين وقسم الخبز على عشرة مساكين أيجزئه ذلك؟ قال ذلك أعجب إلى والذي جاء فيه الحديث أن يطعمهم مد بر وهذا أن فعل فأرجو أن يجزئه قلت إنما قال الله (فاطعام عشرة مساكين) فهذا قد أطعمهم وأوفاهم المد قال أرجو أن يجزئه وهذا قول بعض أصحاب الشافعي، ونقل الأثرم في موضع آخر أن أحمد سأله رجل عن الكفارة قال أطعمهم خبزاً وتمراً قال ليس فيه تمر قال فخبز قال لا ولكن برا أو دقيقا بالوزن رطل وثلث لكل مسكين فظاهر هذا أنه لا يجزئه وهو مذهب الشافعي لأنه خرج عن حالة الكمال والادخار فأشبه الهريسة، قال شيخنا والأول أحسن لأن الله تعالى قال (فاطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم وهذا من أوسط ما يطعم أهله وليس الادخار مقصودا في الكفارة فانها مقدرة بما يقوت المسكين في يومه فيدل ذلك على أن المقصود كفايته في يومه وهذا قد هيأه للأكل المعتاد للاقتيات وكفاهم مؤنته فأشبه ما لو نقى الحنطة وغسلها، فأما الهريسة والكبولا ونحوهما فلا يجزئ لأنهما خرجا عن الاقتيات المعتاد إلى حيز الادام، وأما السويق فيحتمل الا يجزئ لذلك ويحتمل أن يجزئ لأنه يقتات

مسألة: فإن كان قوت بلده غير ذلك كالذرة والدخن والأرز لم يجز إخراجه

في بعض البلدان ولأن السويق يجزئ في الفطرة فكذلك ههنا * (مسألة) * (ولا يجزئ من البر أقل من مد ولا من غيره أقل من مدين) وجملة ذلك أن قدر الاطعام في الكفارات مد من بر لكل مسكين أو نصف صاع تمر أو شعير وممن قال مد بر زيد بن ثابت وابن عباس وابن عمر حكاه عنهم الإمام أحمد ورواه عنهم الأثرم وعن عطاء وسليمان بن موسى وقال سليمان بن يسار أدركت الناس إذا أعطوا في كفارة اليمين أعطوا مدا من حنطة بالمد الأصغر مد النبي صلى الله عليه وسلم وقال أبو هريرة يطعم مدا من أي الأنواع كان، وبه قال عطاء والاوزاعي والشافعي لما روى أبو داود بإسناده عن أوس بن أخي عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه يعني المظاهر خمسة عشر صاعا من شعير إطعام ستين مسكيناً، وروى الأثرم باسناده عن أبي هريرة في حديث المجامع أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بعرق فيه خمسة عشر صاعا فقال " خذه وتصدق به " وإذا ثبت هذا في المجامع بالخبر ثبت في المظاهر قياساً عليه ولأنه اطعام واجب فلم يختلف باختلاف أنواع المخرج كالفطرة، وقال مالك لكل مسكين مدان من جميع الانواع، وممن قال مدان من قمح مجاهد وعكرمة والشعبي والنخعي لأنها كفارة تشتمل على صيام واطعام فكان لكل مسكين نصف صاع كفدية الأذى، وقال الثوري وأصحاب الرأي من القمح مدان ومن التمر والشعير صاع لكل مسكين لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث سلمة بن صخر " فأطعم وسقا من تمر " رواه الإمام أحمد وأبو داود وغيرهما وروى الخلال بإسناده عن يوسف بن عبد الله بن سلام عن خويلة فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم " فليطعم ستين مسكيناً وسقاً (1) من تمر " وفي رواية أبي داود

_ (1) لعله عرقا

مسألة: وفي الخبز روايتان

والعرق ستون صاعا، وروى ابن ماجة بإسناده عن ابن عباس قال: كفر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصاع من تمر وأمر الناس " فمن لم يجد فنصف صاع من بر " وروى الأثرم باسناده عن عمر رضي الله عنه قال: أطعم عني صاعا من تمر أو شعير أو نصف صاع من بر ولانه اطعام للمساكين فكان صاعاً من التمر والشعير أو نصف صاع من بر كصدقة الفطر ولنا ما روى الإمام أحمد ثنا إسماعيل ثنا أيوب عن أبي يزيد المدني قال: جاءت امرأة من بني بياضة بنصف وسق شعير فقال النبي صلى الله عليه وسلم للمظاهر " أطعم هذا فإن مدي شعير مكان مدبر " وهذا نص ولأنه قول زيد وابن عباس وابن عمر وأبي هريرة ولم نعرف لهم في الصحابة مخالفاً فكان اجماعا وعلى أنه نصف صاع من التمر والشعير ما روى عطاء بن يسار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لخويلة امرأة أوس ابن الصامت " اذهبي إلى فلان الأنصاري فإن عنده شطر وسق من تمر أخبرني أنه يريد أن يتصدق به فلتأخذيه فليتصدق به على ستين مسكينا " وفي حديث أوس بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إني سأعينه بعرق من تمر - قلت يا رسول الله فإني سأعينه بعرق آخر - قال أحسنت اذهبي فأطعمي

بها عنه ستين مسكيناً وارجعي إلى ابن عمك " وروى أبو داود بإسناده عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه قال العرق زنبيل يأخذ خمسة عشر صاعا فالعرقان ثلاثون صاعا لكل مسكين نصف صاع ولأنها كفارة تشتمل على صيام واطعام فكان لكل مسكين نصف صاع من التمر والشعير كفدية الأذى، وأما رواية أبي داود أن العرق ستون صاعا فقد ضعفها وقال غيرها أصح منها وفي الحديث ما يدل على الضعف لأن ذلك في سياق قوله " إني سأعينه بعرق - فقال امرأته إني سأعينه بعرق آخر - قال - فأطعمي بها عنه ستين مسكيناً " فلو كان العرق ستين صاعا لكانت الكفارة مائة وعشرين صاعا ولا قائل به، وأما حديث المجامع الذي أعطاه خمسة عشر صاعا فقال تصدق به فيحتمل أنه اقتصر عليه إذا لم يجد سواه ولذلك لما أخبره بحاجته إليه أمره بأكله وفي الحديث المتفق عليه قريب من عشرين صاعا وليس ذلك مذهبا لأحد فيدل على أنه اقتصر على البعض الذي لم يجد سواه وحديث أوس أخي عبادة مرسل يرويه عنه عطاء ولم يدركه على أنه حجة لنا لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه عرقا وأعانته امرأته بعرق آخر فصارا جميعا ثلاثين صاعا كما فسر أبو سلمة بن عبد الرحمن وسائر الأحاديث يجمع بينها وبين اخبارنا بحملها على الجواز واخبارنا على الاجزاء، وقد عضد هذان ابن

عباس راوي بعضها ومذهبه أن المد من البر يجزئ وكذلك أبو هريرة وسائر ما ذكرنا من الأخبار مع الاجماع الذي نقله سليمان بن يسار * (مسألة) * (ولا يجزئ من الخبر أقل من رطلين بالعراقي إلا أن يعلم أنه مد) وجملة ذلك أنه إذا أعطى المسكين رطلي خبز بالعراقي أجزأه ذكره الخرقي وذلك بالرطل الدمشقي الذي هو ستمائة درهم خمس أواقي وسبع أوقية لأن ذلك لا يكون أقل من مد وقال القاضي المد يجئ منه رطلان لأن الغالب أن رطلين من الخبز لا يكون أقل من مد فأما ان علم أنه مد بحيث يأخذ مدا من حنطة فيطحنه ويخبزه أو رطلا وثلثاً من دقيق الحنطة فيصنعه خبزاً فيجزئه وهذا في البر فأما إن كان من الشعير فلا يجزيه الا ضعف ما قدرنا أو يخبز نصف صاع شعير كما قلنا في البر ويخرجه فيجزئه * (مسألة) * (فإن أخرج القيمة أو غدى المساكين أو عشاهم لم يجزئه ويحتمل أن يجزئه لا يجزئ إخراج القيمة في الكفارة) نقلها الميموني والاثرم وهو مذهب مالك والشافعي وابن المنذر وهو الظاهر من قول عمر بن الخطاب وابن عباس وأجازه الأوزاعي وأصحاب الرأي لأن المقصود دفع حاجة المسكين وهو يحصل بذلك

مسألة: ولا يجزئ من الخبز أقل من رطلين بالعراقي إلا أن يعلم أنه مد

وخرج بعض أصحابنا من كلام أحمد رواية أخرى انه يجزئه وهو ما روى الأثرم أن رجلا سأل أحمد قال أعطيت في كفارة خمس دوانيق فقال لو استشرتني قبل أن تعطي لم أشر عليك ولكن أعط ما بقي من الأثمان على ما قلت لك وسكت عن الذي أعطى وهذا ليس برواية وإنما سكت عن الذي أعطى لأنه مختلف فيه فلم ير التضييق عليه فيه والمذهب الأول لظاهر قوله سبحانه (فإطعام ستين مسكينا) ومن أخرج القيمة لم يطعم وقد ذكرناه في الزكاة * (مسألة) * (وإن غدى المساكين أو عشاهم لم يجزئه وعنه يجزئه) ظاهر المذهب في كيفية إطعام المساكين أن الواجب أن يملك كل انسان من المساكين القدر الواجب من الكفارة فلو غدى المساكين أو عشاهم لم يحزئه سواء كان ذلك بقدر الواجب أو أقل أو أكثر، ولو غدى كل واحد غداء لم يجزئه إلا أن يملكه إياه وهذا مذهب الشافعي، وعن أحمد رواية أخرى أنه يجزئه إذا أطعمهم القدر الواجب لهم وهو قول النخعي وأبي حنيفة وأطعم أنس في فدية الصيام قال أحمد أطعم شيئاً كثيراً وضع الجفان، وذكر حديث حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس وذلك لقول الله تعالى (فإطعام ستين مسكينا) وهذا قد أطعمهم فينبغي أن يجزئه ولأنه أطعم

مسألة: فإن أخرج القيمة أو غدى المساكين أو عشاهم لم يجزئه ويحتمل أن يجزئه

المساكين فأجزأه كما لو ملكهم ووجه الأولى أن المنقول عن الصحابة اعطاؤهم ففي قول زيد وابن عباس وابن عمر وأبي هريرة مد لكل فقير، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لكعب في فدية الأذى " أطعم ثلاثة آصع من تمر بين ستة مساكين " ولأنه مال وجب للفقراء شرعا فوجب تمليكهم إياه كالزكاة فإن قلنا يجزئ اشترط ان يغديهم ستين مدا فصاعدا ليكون قد أطعمهم قدر الواجب، وإن قلنا لا يجزئ أن يغديهم فقدم إليهم ستين مدا وقال هذا بينكم بالسوية فقبلوه أجزأ لأنه ملكهم التصرف فيه والامتناع قبل القسمة وهذا ظاهر مذهب الشافعي وقال أبو عبد الله بن حامد يجزئه وإن لم يقل بالسوية لأن قوله خذوها عن كفارتي يقتضي التسوية لأن ذلك حكمها وقال القاضي إن علم أنه وصل إلى كل واحد قدر حقه أجزأ وإن لم يعلم لم يجزئه لأن الأصل شغل ذمته ما لم يعلم وصول الحق إلى مستحقه، ووجه الأول أنه دفع الحق إلى مستحقه مشاعاً فقبلوه فبرئ منه كديون غرمائه (فصل) ولا يجب التتابع في الاطعام نص عليه أحمد في رواية الأثرم وقيل له يكون عليه كفارة يمين فيطعم اليوم واحداً والآخر بعد أيام وآخر بعد حتى يستكمل عشرة فلم ير بذلك بأساً وذلك لأن

الله تعالى لم يشترط التتابع فيه ولو وطئ في أثناء الاطعام لم يلزمه اعادة ما مضى منه وبه قال أبو حنيفة والشافعي وقال مالك يستأنف لأنه وطئ في أثناء الكفارة فوجب الاستئناف كالصيام ولنا أنه وطئ في أثناء ما لا يشترط فيه التتابع فلم يوجب الاستئناف كوطئ غير المظاهر منها أو كما لو وطئ في كفارة اليمين وبهذا فارق الصيام (فصل) ولا يجزئ الاخراج إلا بنية وكذلك الاعتاق والصيام لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إنما الأعمال بالنيات " ولان العتق يقع متبرعا به وعن كفارة أخرى أو نذر فلم ينصرف إلى هذه الكفارة إلا بنيته وصفتها إن ينوي العتق أو الاطعام أو الصيام عن الكفارة فإن زاد الواجبة فهو تأكيد وإلا أجزأت نية الكفارة وإن نوى وجوبها ولم ينو الكفارة لم تجزئه لأن الوجوب يتنوع عن كفارة ونذر

فوجب تمييزه وموضوع النية مع التكفير أو قبله بيسير وهذا الذي نص عليه الشافعي وقال به بعض أصحابه وقال بعضهم لا يجزئ حتى يستصحب النية وإن كانت الكفارة صياماً اشترطت نية الصيام عن الكفارة في كل ليلة لقوله عليه السلام " لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل " * (مسألة) * (فإن كانت عليه كفارة واحدة فنوى عن كفارتي أجزأه لأن النية تعينت لها وإن كان عليه كفارات من جنس واحد لم يجب تعيين سببها) وبهذا قال الشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه مخالفاً. فعلى هذا لو كان مظاهراً من أربع نسائه فأعتق عبداً عن ظهاره أجزأه عن إحداهن وحلت له إحداهن غير معينة لأنه واجب من جنس واحد فأجزأته نية مطلقة كما لو كان عليه صوم يومين من رمضان، وقياس المذهب أنه يقرع

مسالة: فإن كانت عليه كفارة واحدة فنوى عن كفارتي أجزأه لأن النية تعينت لها وإن كان عليه كفارات من جنس واحد لم يجب تعيين سببها

بينهن فتخرج المحللة منهن بالقرعة، وهذا قول أبي ثور وقال الشافعي له أن يصرفها إلى أيتهن شاء فتحل، وهذا يفضي إلى أنه يتخير بين كون هذه المرأة محللة له أو محرمة عليه وإن كان الظهار من ثلاث نسوة فأعتق عبداً عن إحداهن ثم صام شهرين عن أخرى ثم مرض فأطعم ستين مسكينا عن أخرى أجزأه وله الجميع من غير قرعة ولا تعيين، وبهذا قال الشافعي وأصحاب الرأي وقال أبو ثور يقرع بينهن فمن تقع لها القرعة فالعتق لها ثم يقرع بين الباقيتين فمن تقع لها القرعة فالصيام لها والاطعام عن الثالثة لأن كل واحدة من هذه الخصال لو انفردت احتاجت إلى قرعة فكذلك إذا اجتمعت ولنا أن التكفير قد حصل عن الثلاث وزالت حرمة الظهار فلم يحتج إلى قرعه كما لو اعتق ثلاثة عن ظهارهن دفعة واحدة * (مسألة) * (وإن كانت من أجناس كظهار وقتل وجماع في رمضان ويمين فقال أبو الخطاب لا تفتقر إلى تعيين السبب. وبهذا قال الشافعي لأنها عبادة واجبة فلم تفتقر صحة أدائها إلى تعيين سببها كما لو كان من جنس واحد)

مسألة: وإن كانت من أجناس كظهار وقتل وجماع في رمضان ويمين فقال أبو الخطاب لا تفتقر إلى تعيين السبب. وبهذا قال الشافعي لأنها عبادة واجبة فلم تفتقر صحة أدائها إلى تعيين سببها كما لو كان من جنس واحد

وقال القاضي يحتمل أن يشترط تعيين سببها ولا يجزئ بنية مطلقة وحكاه بعض أصحاب الشافعي عن أحمد وهو مذهب أبي حنيفة لأنهما عبادتان من جنسين فوجب تعيين النية لهما كما لو وجب عليه صوم من قضاء ونذر فعلى هذا لو كانت عليه كفارة واحدة لا يعلم سببها أجزأته كفارة واحدة على الوجه الأول قاله أبو بكر وعلى الوجه الثاني ينبغي أن يلزمه كفارات بعدد الأسباب كل واحد عن سبب كمن نسي صلاة من يوم لا يعلم عينها فإنه يلزمه خمس صلوات، ولو علم أن عليه يوماً لا يعلم هل هو من قضاء أو من نذر لزمه صوم يومين فإن كان عليه صيام ثلاثة أيام لا يدري أهي من كفارة أو نذر أو قضاء لزمه صوم تسعة أيام كل ثلاثة عن واحدة من الجهات الثلاث (فصل) إذا كان على رجل كفارتان فاعتق عنهما عبدين لم يخل من أربعة أحوال (أحدها) أن يقول اعتقت هذا عن هذه الكفارة وهذا عن هذه فيجزئه اجماعاً (الثاني) أن يقول اعتقت هذا عن احدى الكفارتين وهذا عن الاخرى من غير تعيين فإن كانا من جنس واحد ككفارتي ظهار أو قتل أجزأه وإن كانتا من جنسين ككفارة ظهار وكفارة قتل خرج على وجهين في اشتراط تعيين السبب فإن قلنا يشترط لم يجزئه واحد منهما وإن قلنا لا يشترط أجزأه عنهما (الثالث) أن يقول اعتقتهما عن الكفارتين فإن كانتا من جنس أجزأ عنهما ويقع كل واحد عن كفارة لأن عرف الشرع والاستعمال اعتاق الرقبة عن الكفارة فإذا أطلق ذلك وجب حمله عليه وإن

كانتا من جنسين خرج على الوجهين (الرابع) أن يعتق كل واحد منهما عنهما جميعاً فيكون معتقا عن كل واحدة من الكفارتين نصف العبدين فينبني على أصل آخر وهو إذا اعتق نصف رقبتين عن كفارة هل يجزئه اولا؟ فعلى قول الخرقي يجزئه لأن الأشقاص بمنزلة الأشخاص فيما لا يمنع منه العيب اليسير بدليل الزكاة فإن من ملك نصف ثمانين شاة كان كمن ملك أربعين ولا تلزم الأضحية فإنه يمنع منها العيب اليسير. وقال أبو بكر وابن حامد ولا يجزئه وهو قول مالك وأبي حنيفة لأن ما أمر بصرفه إلى شخص في الكفارة لم يجز تفريقه على اثنين كالمد في الاطعام ولأصحاب الشافعي كهذين الوجهين، ولهم وجه ثالث وهو أنه إن كان باقيهما حراً أجزأ وإلا فلا لأنه متى كان باقيهما حراً حصل تكميل الأحكام والتصرف وخرجه القاضي وجها لنا أيضاً إلا أن للمعترض عليه أن يقول إن تكميل الأحكام ما حصل بعتق هذا وإنما حصل بانضمامه إلى عتق النصف الآخر فلم يجزئه فإذا قلنا لا يجزئ عتق النصفين لم يجز في هذه المسألة عن شئ من الكفارتين وإن قلنا يجزئ وكانت الكفارتان من جنس أجزأ العتق عنهما وإن كانتا من جنسين فقد قيل يخرج على الوجهين والصحيح أنه يجزئ وجهاً واحداً لأن عتق النصفين عنهما كعتق عبدين عنهما (فصل) ولا يجوز تقديم كفارة الظهار قبله لأن الحكم لا يجوز تقديمه على سببه فلو قال لعبده أنت حر الساعة إن تظاهرت عتق ولم يجزئه عن ظها إن تظاهر لأنه قدم الكفارة على سببها المختص لم يجز كما لو قدم كفارة القتل على الجرح، ولو قال لامرأته إن دخلت الدار فانت علي كظهر أمي

لم يجز التكفير قبل دخول الدار لأنه تقديم للكفارة قبل الظهار فإن أعتق عبداً عن ظهاره ثم دخلت الدار عتق العبد وصار مظاهراً ولم يجزئه لأن الظهار معلق على شرط ولو قال لعبده إن تظاهرت فأنت حر عن ظهاري ثم قال لامرأته أنت علي كظهر أمي عتق العبد لوجود الشرط وهل يجزئه وخرجه القاضي وجها لنا أيضاً إلا أن للمعترض عليه أن يقول إن تكميل الأحكام ما حصل بعتق هذا وإنما حصل بانضمامه إلى عتق النصف الآخر فلم يجزئه فإذا قلنا لا يجزئ عتق النصفين لم يجز في هذه المسألة عن شئ من الكفارتين وإن قلنا يجزئ وكانت الكفارتان من جنس أجزأ العتق عنهما وإن كانتا من جنسين فقد قيل يخرج على الوجهين والصحيح أنه يجزئ وجهاً واحداً لأن عتق النصفين عنهما كعتق عبدين عنهما (فصل) ولا يجوز تقديم كفارة الظهار قبله لأن الحكم لا يجوز تقديمه على سببه فلو قال لعبده أنت حر الساعة إن تظاهرت عتق ولم يجزئه عن ظها إن تظاهر لأنه قدم الكفارة على سببها المختص لم يجز كما لو قدم كفارة القتل على الجرح، ولو قال لامرأته إن دخلت الدار فانت علي كظهر أمي

لم يجز التكفير قبل دخول الدار لأنه تقديم للكفارة قبل الظهار فإن أعتق عبداً عن ظهاره ثم دخلت الدار عتق العبد وصار مظاهراً ولم يجزئه لأن الظهار معلق على شرط ولو قال لعبده إن تظاهرت فأنت حر عن ظهاري ثم قال لامرأته أنت علي كظهر أمي عتق العبد لوجود الشرط وهل يجزئه عن الكفارة فيه وجهان (أحدهما) يجئه لأنه عتق بعد الظها وقد نوى اعتاقه عن الكفارة (والثاني) لا يجزئه لأن عتقه مستحق بسبب آخر وهو الشرط ولان النية لم توجد عند عتق العبد والنية عند التعليق لا تجزئ لأنه تقديم لها على سببها والله سبحانه وتعالى أعلم آخر الباب ويتلوه باب اللعان إن شاء الله تعالى، تم تسويد كتابة ذلك الكتاب في اليوم السادس من العشر الثانية من الشهر السابع من السنة السادسة من العشر الخامسة من المائة الثالثة من الالف الثاني من الهجرة النبوية على مهاجرها افضل الصلاة والسلام بقلم الفقير إلى الله محمد بن حمد بن نصر الله بن فوزان بن نصر الله بن محمد بن عيسي بن حمد بن عيسي بن صقر بن مشعاب ان تجد عيبا فسد الخللا * جل من لا عيب فيه وعلا * (تم بحمد الله وعونه الجزء الثامن من كتابي المغني والشرح الكبير) * * (ويليه بمشيئة الله وتوفيقه الجزء التاسع وأوله (كتاب اللعان) *

بسم الله الرحمن الرحيم (كتاب اللعان) قيل هو مشتق من اللعن لأن كل واحد من الزوجين يلعن نفسه في الخامسة إن كان كاذباً. وقال القاضي سمي بذلك لأن الزوجين لا ينفكان من أن يكون أحدهما كاذباً فتحصل اللعنة عليه وهي الطرد والإبعاد، والأصل فيه قول الله تعالى (والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم) الايات وروى سهل ابن سعد أن عويمراً العجلاني أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا فيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " قد أنزل الله عزوجل فيك وفي صاحبتك فاذهب فائت بها " قال سهل فتلاعنا، وأنا مع الناس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما فرغا

كتاب اللعان

قال عويمر: كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها. فطلقها ثلاثاً قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم متفق عليه. وروى أبو داود بإسناده عن ابن عباس قال جاء هلال بن أمية - وهو أحد الثلاثة الذين تاب الله عليهم - فجاء من أرضه عشاء فوجد عند أهله رجلاً فرأى بعينيه وسمع بأذنيه فلم يهجه حتى أصبح ثم غدا علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني جئت أهلي عشاء فوجدت عندهم رجلاً فرأيت بعيني وسمعت بأذني، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما حدثه واشتد عليه فنزلت (والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم) الآيتين كلتيهما فسري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " أبشر يا هلال فقد جعل الله لك فرجاً ومخرجاً " قال هلال: قد كنت أرجو ذلك من ربي تبارك وتعالى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أرسلوا إليها " فأرسلوا إليها فتلاها عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكرهما وأخبرهما أن عذاب الآخرة أشد من عذاب الدنيا فقال هلال: والله لقد صدقت عليها: فقالت كذب. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لاعنوا بينهما " فقيل لهلال اشهد فقال أشهد بالله فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين فلما كانت الخامسة قيل: يا هلال اتق الله فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة وإن هذه الموجبة التي توجب عليك العذاب، فقال والله لا يعذبني الله عليها فشهد الخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين. ثم قيل لها: اشهدي فشهدت أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين، فلما كانت الخامسة قيل لها اتقي الله فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة وإن هذه الموجبة التي توجب عليك العذاب

فتلكأت ساعة ثم قالت والله لا أفضح قومي فشهدت الخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما وقضى أن لا بيت لها عليه ولا قوت من أجل أنهما يتفرقان من غير طلاق ولا متوفى عنها، وقال " إن جاءت به أصيهب أريضخ أثيبج حمش الساقين فهو لهلال، وإن جاءت به جعدا جماليا خدلج الساقين سابغ الاليتين فهو للذي رميت به " فجاءت به جعداً أورق جماليا خدلج الساقين سابغ الأليتين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لولا الأيمان لكان لي ولها شأن " قال عكرمة فكان بعد ذلك أميراً على مصر وما يدعى لأب. ولأن الزوج يبتلى بقذف امرأته لنفي العار والنسب الفاسد وتتعذر عليه البينة فجعل اللعان بينة له ولهذا لما نزلت آية اللعان قال النبي صلى الله عليه وسلم " أبشر يا هلال فقد جعل الله لك فرجاً ومخرجاً " (مسألة) (إذا قذف الرجل زوجته بالزنا فله إسقاط الحد عنه باللعان) وجملة ذلك أن الرجل إذا قذف زوجته المحصنة بالزنا وجب عليه الحد وحكم بفسقه ورد شهادته إلا أن يأتي ببينة أو يلاعن، فإن لم يأت بأربعة شهداء وامتنع من اللعان لزمه ذلك كله وبهذا قال مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة يجب اللعان دون الحد فإن أبى حبس حتى يلاعن لأن الله تعالى قال (والذين

يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه) الآيات فلم يوجب بقذف الأزواج إلا اللعان ولنا قول الله تعالى (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً وأولئك هم الفاسقون) وهذا عام في الزوج وغيره وإنما خص الزوج بأن أقام لعانه مقام الشهادة في نفي الحد والفسق ورد الشهادة عنه ويدل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم لهلال بن أمية " البينة والاحد في ظهرك " وقوله له لما لاعن " عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة " ولأنه قاذف فلزمه الحد كما لو اكذب نفسه إذا لم يأت بالبينة المشروعة كالأجنبي (مسألة) (وصفة اللعان أن يبدأ الزوج فيقول أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميت به امرأتي هذه من الزنا ويشير إليها) ولا يحتاج مع الحضور والإشارة إلى تسمية ونسب كما لا يحتاج إلى ذلك في سائر العقود، وإن لم تكن حاضرة أسماها حتى تنتفي المشاركة بينها وبين غيرها حتى يكمل ذلك أربع مرات ثم يقول في الخامسة وإن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين فيما رميتها به من الزنا. ثم تقول هي أشهد بالله أن زوجي هذا من الكاذبين فيما رماني به من الزنا وتشير إليه إن كان حاضراً وإن كان غائباً أسمته ونسبته فإذا كملت أربع مرات تقول في الخامسة وإن غضب الله عليها إن كان من الصادقين فيما رماني به من الزنا لقول

مسألة وصفة اللعان أن يبدأ الزوج فيقول أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميت به امرأتي هذه من الزنا ويشير

الله تعالى (والذين يرمون أزواجهم) الآيات ولما ذكرنا من حديث عويمر العجلاني وحديث هلال بن أمية في أول الباب (مسألة) (فإن نقص أحدهما من الألفاظ الخمسة شيئاً أو بدأت باللعان قبله أو تلاعنا بغير حضرة الحاكم أو نائبه لم يعتد به) وجملة ذلك أنه يشترط في صحة اللعان شروط ستة (أحدها) استكمال اللفظات الخمسة فان نقص منها لفظة لم يصح لأن الله تعالى علق الحكم عليها فلا يثبت بدونها ولأنها بينة فلم يجز النقص من عددها كالشهادة (الثاني) أن يأتي كل واحد منهما باللعان بعد القائه عليه فإن بادر قبل أن يلقيه الإمام عليه أو نائبه لم يصح كما لو حلف قبل أن يحلفه الحاكم (الثالث) أن يبدأ الزوج باللعان فإن بدأت المرأة به قبله لم يعتد به لأنه خلاف ما ورد به الشرع وكذلك إن قدم الرجل اللعنة على شئ من الألفاظ الأربعة أو قدمت المرأة الغضب، ولأن لعان الرجل بينة الإثبات ولعان المرأة بينة الإنكار فلم يجز تقديم الإنكار على الإثبات (الرابع) أن يكون بحضرة الحاكم أو نائبه لأنه يمين في دعوى فاعتبر فيه أمر الحاكم كسائر الدعاوى (الخامس) أن يشير كل واحد منهما إلى صاحبه وإن كان حاضراً أو يسميه أو ينسبه إن كان غائباً ولا يشترط حضورهما معاً بل لو كان أحدهما غائباً عن صاحبه قبل، وإن لاعن الرجل في المسجد والمرأة على بابه لعذر جاز

مسألة فإن نقص أحدهما من الألفاظ الخمسة شيئا أو بدأت باللعان قبله أو تلاعنا بغير حضرة الحاكم أو نائبه

(مسألة) (وإن أبدل لفظة أشهد بأقسم أو أحلف أو لفظة اللعنة بالإبعاد أو الغضب بالسخط فعلى وجهين) وهذا الشرط السادس وهو أن يأتي بالألفاظ على صورة ما ورد في الشرع فإن أبدل لفظاً منها فظاهر كلام الخرقي أنه يجوز أن يبدل قوله من الصادقين بقوله لقد زنت لأن معناهما واحد ويجوز لها إبدال إنه لمن الكاذبين بقولها لقد كذب لأنه ذكر صفة اللعان كذلك واتباع لفظ النص أولى وأحسن، وإن أبدل لفظ أشهد بلفظ من ألفاظ اليمين فقال أقسم أو أحلف لم يعتد به وفيه وجه آخر أنه يعتد به ذكره أبو الخطاب لأنه أتى بالمعنى فأشبه ما لو أبدل إني لمن الصادقين بقوله لقد زنت وللشافعي وجهان في هذا. قال شيخنا والصحيح أن ما اعتبر فيه لفظ الشهادة لم يقم غيره مقامه كالشهادات في الحقوق ولأن اللعان يقصد فيه التغليظ واعتبار لفظ الشهادات أبلغ في التغليظ فلم يجز بدله، ولهذا لم يجز أن يقسم بالله من غير كلمة تقوم مقام أشهد، وفيه وجه آخر أنه يعتد به لأنه أتى بالمعنى أشبه ما قبله، فإن ابدل لفظة اللعنة بالإبعاد لم يجز لأن لفظ اللعنة أبلغ في الزجر وأشد في أنفس الناس ولأنه عدل عن المنصوص، وفيه وجه آخر أنه لا يجوز لأن معناهما واحد، وإن أبدلت المرأة لفظة الغضب باللعنة لم يجز لأن الغضب أغلظ ولهذا اختصت المرأة به لأن إثمها أعظم والمعرة بزناها أقبح، وإن أبدلتها بالسخط خرج على وجهين فيما إذا أبدل الرجل لفظ اللعنة بالإبعاد، وإن أبدل الرجل لفظ اللعنة بالغضب

مسألة وإن أبدل لفظة أشهد بأقسم أو أحلف أو لفظة اللعنة بالإبعاد أو الغضب بالسخط فعلى وجهين

احتمل أن يجوز لأنه أبلغ واحتمل أن لا يجوز لمخالفة المنصوص، قال الوزير يحيى بن محمد بن هبيرة: من الفقهاء من اشترط أن يراد بقوله من الصادقين فيما رميتها به من الزنا واشترط في نفيها عن نفسها فيما رماني به من الزنا ولا أراه يحتاج إليه لأن الله سبحانه أنزل ذلك فبينه ولم يذكر هذا الاشتراط (مسألة) (ومن قدر على اللعان بالعربية لم يصح منه إلا بها فإن عجز عنها لزمه تعلمها في أحد الوجهين وفي الآخر يصح بلسانه) إذا كان الزوجان يعرفان العربية لم يجز أن يلتعنا بغيرها لأن اللعان ورد في القرآن بلفظ العربية فلم يصح بغيرها كأذكار الصلاة، وإن لم يحسنها بالعربية لزمه تعلمها في أحد الوجهين وفي الآخر يصح بلسانه ولا يلزمه التعلم لأنه موضع حاجة كما قلنا في النكاح وهو أصح إن شاء الله تعالى، فإن كان الحاكم يحسن لسانهما أجزأ ذلك، ويستحب أن يحضر معه أربعة يحسنون لسانهما وإن كان الحاكم لا يحسن فلا بد من ترجمان، قال القاضي ولا يجزئ في الترجمة أقل من عدلين وهو قول الشافعي وظاهر قول الخرقي وفيه رواية أخرى أنه يجزئ قول عدل واحد ذكرها أبو الخطاب وهو قول أبي حنيفة وسنذكر ذلك في كتاب القضاء إن شاء الله تعالى (مسألة) (وإذا فهمت إشارة الأخرس أو كتابته صح لعانه بها وإلا فلا) وجملة ذلك أن الأخرس والخرساء إذا كانا غير معلومي الإشارة والكتابة لم يصح لعانهما لأنه

مسألة ومن قدر على اللعان بالعربية لم يصح منه إلا بها فإن عجز عنها لزمه تعلمها في أحد الوجهين وفي الآخر

لا يتصور منهما لعان ولا يعلم من الزوج قذف ولا من المرأة مطالبة وإن كانا معلومي الإشارة والكتابة فقد قال أحمد إذا كانت المرأة خرساء لم تلاعن لأنه لا تعلم مطالبتها وحكاه ابن المنذر عنه وعن أبي عبيد واسحاق وأصحاب الرأي فكذلك ينبغي أن يكون في الأخرس وذلك لأن اللعان لفظ يفتقر إلى الشهادة فلم يصح من الاخرس كالشهادة الحقيقة ولأن الحد يدرأ بالشبهات والإشارة ليست صريحة كالنطق ولا يخلو من احتمال وتردد فلا يجب الحد بها كما لا يجب على أجنبي بشهادته وقال القاضي وابو الخطاب هو كالناطق في قذفه ولعانه وهو مذهب الشافعي لأنه يصح طلاقه فصح قذفه ولعانه كالناطق وى * فارق الشهادة فإنه يمكن حصولها من غيره فلم تدع الحاجة إليه فيها وفي اللعان لا يحصل إلا منه فدعت الحاجة إلى قبوله منه كالطلاق، قال شيخنا والأول أحسن لأن موجب القذف وجوب الحد وهو يدرأ بالشهادة، ومقصود اللعان الأصلي نفي النسب وهو يثبت بالإمكان مع ظهور انتفائه فلا ينبغي أن يشرع ما ينفيه ولا ما يوجب الحد مع الشبهة العظيمة ولذلك لم تقبل شهادته قولهم إن الشهادة تحصل من غيره قلنا قد لا تحصل إلا منه لاختصاصه برؤية المشهود عليه أو سماعه إياه (فصل) فإن قذف الأخرس ولاعن ثم تكلم فأنكر القذف واللعان لم يقبل إنكاره للقذف لأنه قد تعلق به حق لغيره بحكم الظاهر ولا يقبل إنكاره له ويقبل إنكاره للعان فيما عليه فيطالب بالحد ويلحقه

النسب ولا تعود الزوجية فإن قال أنا ألاعن لسقوط الحد ونفي النسب كان له ذلك لأنه إنما لزمه بإقراره أنه لم يلاعن فإذا أراد أن يلاعن كان له ذلك (مسألة) (وهل يصح لعان من اعتقل لسانه وأيس من نطقه بالإشارة؟ على وجهين) (أحدهما) يصح لأنه مأيوس من نطقه أشبه الأخرس (والثاني) لا يصح لأنه ليس بأخرس فلم يكتف بإشارته كغير المأيوس ذكر هذين الوجهين أبو الخطاب، وذكر شيخنا فيما إذا قذف وهو ناطق ثم خرس وأيس من نطقه أن حكمه حكم الأخرس الأصلي فإن رجي عود نطقه انتظر به ذلك ويرجع فيه إلى قول عدلين من أطباء المسلمين، وهذا قول بعض أصحاب الشافعي وذكر أنه يلاعن في الحالين بالإشارة لأن أمامة بنت أبي العاص أصمتت فقيل لها لفلان كذا ولفلان كذا فأشارت ان نعم فرأو أنها وصية، قال شيخنا وهذا لا حجة فيه لأنه لم يذكر من الراوي لذلك ولم يعلم أنه قول من قوله حجة ولا علم هل كان ذلك لخرس يرجى زواله أولا؟ (فصل) قال الشيخ رحمه الله (والسنة أن يتلاعنا قياماً بمحضر جماعة في الأوقات والأماكن المعظمة) وجملة ذلك أنه يسن في اللعان أمور (أحدهما) أن يتلاعنا قياماً فيبدأ الزوج فيلتعن وهو قائم فإذا فرغ قامت المرأة فالتعنت وهي قائمة فإنه يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهلال بن أمية " قم فاشهد أربع شهادات " ولأنه إذا قام شاهده الناس فكان أبلغ في شهرته وفي حديث ابن عباس فقام هلال فشهد

مسألة وهل يصح لعان من اعتقل لسانه وأيس من نطقه بالإشارة؟ على وجهين

ثم قامت فشهدت (الثاني) أن يكون بمحضر جماعة من المسلمين لأن ابن عباس وابن عمر وسهل بن سعد حضروا مع حداثة أسنانهم فدل على أنه حضر جمع كثير لأن الصبيان إنما يحضرون المجالس تبعاً للرجال ولأن اللعان بني على التغليظ مبالغة في الردع به والزجر وفعله في الجماعة أبلغ في ذلك ويستحب أن لا ينقصوا عن أربعة لأن بينة الزنا التي شرع اللعان من أجل الرمي به أربعة وليس ينبني من هذا واجباً وبهذا كله قال أبو حنيفة والشافعي ولا نعلم فيه مخالفاً (الثالث) أن يكون في الأوقات والأماكن المعظمة وهذا قول أبي الخطاب وهو مذهب الشافعي إلا أن عنده في التغليظ بالمكان قولين (أحدهما) أن التغليظ به مستحب كالزمان (والثاني) أنه واجب لأن النبي صلى الله عليه وسلم لاعن بينهما عند المنبر فكان فعله بياناً للعان ومعنى التغليظ بالمكان بمكة بين الركن والمقام وبالمدينة عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي بيت المقدس عند الصخرة وفي سائر البلدان في جوامعها، وأما الزمان فبعد العصر لقول الله تعالى (تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله) أجمع المفسرون على أن المراد بالصلاة صلاة العصر وقال أبو الخطاب في موضع آخر بين الأذانين لأن الدعاء بينهما لا يرد، وقال القاضي لا يستحب التغليظ في اللعان بمكان ولا زمان، وبهذا قال أبو حنيفة لأن الله تعالى أطلق الأمر بذلك ولم يقيده بزمن ولا مكان ولا يجوز تقييده إلا بدليل، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر رجلاً بإحضار امرأته ولم يخصه بزمن ولو خصه بذلك لنقل ولم يهمل ولو استحب ما ذكروه لفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولو فعله لنقل ولم يسع

تركه وإهماله ولأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما دل حديثه في لعان أوس أنه إنما كان في صدر النهار لقوله في الحديث فلم يهجه حتى أصبح ثم غدا علي رسول الله صلى الله عليه وسلم والغدو في أول النهار، وهذا اختيار شيخنا وأما قولهم إن النبي صلى الله عليه وسلم لاعن ببنهما عند المنبر فليس هذا في شئ من الأحاديث المشهورة وإن ثبت هذا فلعله كان بحكم الإتفاق لأن مجلسه كان عنده فلاعن بينهما في مجلسه، فإن كان اللعان بين كافرين فالحكم فيه كالحكم في اللعان بين المسلمين ويحتمل أن يغلظ في المكان لقوله في الأيمان وان كان لهم مواضع يعظمونها ويتقون أن يحلفوا فيها كاذبين حلفوا فيها فعلى هذا يلاعن بينهم في المواضع التي يعظمونها اليهودي في البيعة، والنصراني في الكنيسة، والمجوسي في بيت النار، وإن لم يكن لهم مواضع يعظمونها أحلفهم الحاكم في مجلسه لتعذر التغليظ بالمكان وإن كانت المرأة المسلمة حائظا وقلنا إن اللعان بينهما يكون في المسجد وقفت على بابه ولم تدخله لأن ذلك أقرب المواضع إليه (مسألة) (فإذا كان واحدة منهما الخامسة أمر الحاكم رجلاً فأمسك يده على في الرجل وامرأة تضع يدها على في المرأة ثم يعظه فيقول اتق الله فإنها الموجبة وعذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة) لما روى ابن عباس في حديث المتلاعنين، قال فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين ثم أمره به فأمسك على فيه فوعظه، وقال ويحك كل شئ أهون عليك من لعنة الله ثم أرسل فقال لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ثم دعا بها فشهدت بذلك أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين ثم

مسألة فإذا بلغ كل واحد منهما الخامسة أمر الحاكم رجلا فأمسك يده على فم الرجل وامرأة تضع يدها على

ثم أمر بها فأمسك على فيها فوعظها، وقال ويلك كل شئ أهون عليك من غضب الله أخرجه الجوزجاني (مسألة) (وأن يكون ذلك بحضرة الحاكم أو نائبه) قد ذكرنا من شروط صحة اللعان أن بحضرة الحاكم أو نائبه. وهذا مذهب الشافعي لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر هلال بن أمية أن يستدعي زوجته إليه ولاعن بينهمأ ولأنه إما يمين وإما شهادة وأيهما كان فمن شرطه الحاكم فإن تراضى الزوجان بغير الحاكم فلاعن بينهما لم يصح ذلك لأن اللعان مبني على التغليظ والتأكيد فلم يجز لغير الحاكم كالحد وقد حكى شيخنا في آخر كتاب القضاء في كتابه المشروح: إذا تحاكم رجلان إلى رجل يصلح للقضاء فحكماه بينهما أنه ينفذ حكمه في اللعان في ظاهر كلام أحمد ولذك حكاه أبو الخطاب وقيل لا ينفذ إلا في المال فيكون فيه روايتان (إحداهما) لا ينفذ لما ذكرنا. (والثانية) ينفذ قياساً على حاكم الإمام وسواء كان الزوجان حرين أو مملوكين في ظاهر كلام الخرقي. وقال أصحاب الشافعي للسيد أن يلاعن بين عبده وأمته لأن له إقامة الحد عليهما ولنا أنه لعان بين زوجين فلم يجز لغير الحاكم أو نائبه كاللعان بين الحرين ولا يسلم أن السيد يملك إقامة الحد على أمته المزوجة ثم لا يشبه اللعان الحد لأن الحد زجر وتأديب، واللعان إما شهادة وإما يمين، فافترقا، ولأن اللعان درأ للحد وموجب له فجرى مجرى إقامة البينة على الزنا والحكم به أو نفيه

مسألة وأن يكون ذلك بحضرة الحاكم أو نائبه

(مسألة) (وإن كان المرأة خفرة بعث من يلاعن بينهما) فيبعث نائبه ويبعث معه عدولاً ليلاعنوا بينهما وإن بعث نائبه وحده جاز لأن الجمع غير واجب كما يبعث من يستحلفها في الحقوق (مسألة) (وإذا قذف رجل نساءه فعليه أن يفرد كل واحدة بلعان وعنه يجزئه لعان واحد) إنما لزمه لكل واحدة لعان لأنه قذفها فلزمه لها لعان مفرد كما لو لم يقذف غيرها ويبدأ بلعان التي تبدأ بالمطالبة فإن طالبن جميعاً أو تشاححن بدأ بإحداهن بالقرعة، وإن لم يتشاححن بدأ بلعان من شاء منهن ولو بدأ بواحدة منهن من غير قرعة مع المشاحة صح وعنه يجزئه لعان واحد لأن القذف واحد فيقول أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميت به كل واحدة من زوجاتي هؤلاء من الزنا وتقول كل واحدة أشهد بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنا لأنه يحصل المقصود بذلك والأول أصح لأن اللعان أيمان فلا يتداخل لجماعة كالأيمان في الديون وعنه إن كان القذف بكلمة واحدة أجزأ لعان واحد، لأنه قذف واحد فخرج عن عهدته بلعان واحد كما لو قذف واحدة وإن قذفهن بكلمات أفرد كل واحدة بلعان لأنه أفرد كل واحدة بقذف أشبه ما لو قذف كل واحدة بعد لعان الأخرى

مسألة وإذا قذف رجل نساءه فعليه أن يفرد كل واحدة بلعان، وعنه يجزئه لعان واحد

(فصل) قال الشيخ رحمه الله (ولا يصح إلا بشروط ثلاثة) (أحدها) أن يكون بين زوجين عاقلين بالغين سواء كانا مسلمين أو كافرين أو رقيقين أو فاسقين أو كان أحدهما كذلك في إحدى الروايتين. اختلف الرواية عن أحمد في ذلك فروي أنه يصح بين كل زوجين مكلفين سواء كانا مسلمين أو كافرين أو عدلين أو فاسقين أو رقيقين أو محدودين في قذف أو كان أحدهما كذلك، وبه قال سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار والحسن وربيعة ومالك واسحاق. قال أحمد في رواية إسحاق بن منصور جميع الأزواج يلتعنون الحر من الحرة والأمة إذا كانت زوجة وكذلك العبد من الحرة والأمة إذا كانت زوجة وكذلك المسلم من اليهودية والنصرانية وعن أحمد رواية أخرى لا يصح اللعان إلا بين زوجين مسلمين عدلين حرين غير محدودين في قذف فان اختل شرط منها في أحدهما فلا لعان بينهما لفوات الشرط، روي هذا عن الزهري والثوري والاوزاعي وحماد وأصحاب الرأي، وعن مكحول ليس بين المسلم والذمية لعان، وعن عطاء والنخعي في المحدود في القذف يضرب في الحد ولا يلاعن، وروي فيه حديث ولا يثبت كذلك قال الشافعي والساجي لأن اللعان شهادة بدليل قوله تعالى (ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم) فاستثنى أنفسهم من الشهداء وقال (فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله) فلا تقبل ممن ليس من أهل الشهادة وإن كانت المرأة ممن لا تحد بقذفها لم يجب اللعان لأنه يراد لإسقاط الحد بدليل قوله تعالى (ويدرأ عنها العذاب أن تشهد

أربع شهادات بالله) فلا حد ههنا فينتفي اللعان بانتفائه وذكر القاضي في المجرد أن من لا يجب الحد لقذفها وهي الأمة والذمية والمحدودة في الزنا لزوجها لعانها لنفي الولد خاصة وليس له لعانها لاسقاط حد القذف والتعزير لأن الحد لا يجب واللعان إنما يشرع لإسقاط حد أو نفي ولد فإذا لم يكن واحد منهما لم يشرع اللعان ولنا عموم قوله تعالى (والذين يرمون أزواجهم) الآية ولأن اللعان يمين فلا يفتقر إلى ما شرطوه كسائر الأيمان ودليل أنه يمين قول النبي صلى الله عليه وسلم " لولا الأيمان لكان لي ولها شأن " وأنه يفتقر إلى اسم الله تعالى ويستوي فيه الذكر والأنثى وأما تسميته شهادة فلقوله أشهد بالله فسمي ذلك شهادة وإن كان يميناً كما قال تعالى (إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله) ولأن الزوج يحتاج إلى نفي الولد فيشرع له طريقاً إلى نفيه كما لو كانت امرأته ممن تحد بقذفها وهذه الرواية هي المنصوصة عن أحمد في رواية الجماعة وما يخالفها شاذ في النقل (فصل) ولا فرق بين كون الزوجة مدخولاً بها أو غير مدخول بها في أنه يلاعنها قال إبن المنذر أجمع على هذا كل من نحفظ عنه من علماء الأمصار منهم عطاء والحسن والشعبي والنخعي وعمرو بن دينار وقتادة ومالك وأهل المدينة والثوري وأهل العراق والشافعي وذلك لظاهر قول الله تعالى (والذين يرمون أزواجهم) فإن كانت غير مدخول بها فلها نصف الصداق وعنه لا شئ لها وقد ذكر ذلك في كتاب الصداق والله أعلم

(مسألة) (وإن قذف أجنبية ثم تزوجها * حد ولم يلاعن) لأنه وجب في حال كونها أجنبية فلم يملك اللعان من أجله كما لو لم يتزوجها وكذلك إن قال لها وهي زوجته زنيت قبل أن أنكحك حد ولم يلاعن سواء كان ثم ولد أو لم يكن وهو قول مالك وأبي ثورا وروي ذلك عن سعيد بن المسيب والشعبي وقال الحسن وزرارة بن أوفى وأصحاب الرأي له أن يلاعن لأنه قذف امرأته فيدخل في عموم قوله تعالى (والذين يرمون أزواجهم) ولأنه قذف امرأته فأشبه ما لو قذفها ولم يضفه الى ما قبل النكاح وحكى الشريف أبو جعفر عن أحمد رواية كذلك وقال الشافعي إن لم يكن ثم ولد يلاعن وإن كان بينهما ولد ففيه وجهان ولنا أنه قذفها بزنا مضافاً إلى حال البينونة أشبه ما لو قذفها وهي بائن، وفارق قذف الزوجة لأنه محتاج إليه لأنها غاظته وخانته، وإن كان بينهما ولد فهو محتاج لى ففيه وههنا إذا تزوجها وهو يعلم زناها فهو المفرط في نكاح حامل من الزنا فلا يشرع له طريق إلى نفيه، فأما إن قذفها ولم يتزوجها فعليه للمحصنة الحد والتعزير لغيرها ولا لعان، ولا خلاف في هذا لأن الله تعالى قال (والذين يرمون المحصنات) الآية خص الزوجات من عموم هذه الآية بقوله سبحانه (والذين يرمون أزواجهم) فيبقى فيما عداه على قضية العموم، وإن ملك أمة وقذفها فلا لعان سواء كانت فراشاً له أو لم تكن ولا حد عليه ويعزر

مسألة وإن قذف أجنبية ثم تزوجها حد ولم يلاعن

(فصل) فإن قال لامرأته أنت طالق ثلاثاً يا زانية فنقل منهأ قال سألت أحمد عن رجال قال لامرأته أنت طالق يا زانية ثلاثاً فقال يلاعن قلت فإنهم يقولون يحد ولا يلزمها إلا واحدة فقال بئس ما يقولون فهذا يلاعن لأنه قذفها قبل الحكم بينونها فأشبه قذف الرجعية. فأما إن قال أنت طالق ثلاثا يا زانية فإن كان بينهما ولد فإنه يلاعن لنفيه وإلا حد ولم يلاعن لانه يتين إضافة القذف الى حال الزوجية لاستحالة الزنا منها بعد طلاقه لها فصار كأنه قال لها بعد ابانها زنيت إذ كنت زوجتي على ما نذكره (مسألة) (وإن أبان زوجته ثم قذفها بزنا إضافة إلى حال الزوجية فإن كان بينهما ولد يريد نفيه فله أن ينفيه باللعان وإلا حد ولم يلاعن) وبهذا قال مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة يحد ويلحقه الولد ولا يلاعن وهو قول عطاء لأنها أجنبية فأشبهت سائر الأجنبيات أو إذا لم يكن بينهما ولد ولنا أن هذا ولد يحلقه نسبه بحكم عقد النكاح فكان له نفيه كما لو كان النكاح باقياً، ويفارق إذا لم يكن ولد فإنه لا حاجة إلى القذف لكونها أجنبية وتفارق سائر الأجنبيات فإنه لا يلحقه ولدهن فلا حاجة به إلى قذفهن، وقال عثمان البتي في هذه المسألة له أن يلاعن وإن لم يكن بينهما ولد وروي عن ابن عباس والحسن لأنه قذف مضاف إلى حال الزوجية أشبه ما لو كانت زوجته ولنا أنه إذا كان بينهما ولد فيه حاجة لى القذف نشرع كما لو قذفها وهي زوجته وإذا لم يكن له

مسألة وإن أبان زوجته ثم قذفها إضافة إلى حال الزوجية فإن كان بينهما ولد يريد نفيه فله أن ينفيه باللعان وإلا

ولد فلا حاجة به اليه وقد قذفها وهي أجنبية فأشبه ما لو لم يضفه الى حال الزوجية، ومتى لاعنها لنفي ولدها انتفى وسقط عنه الحد، وفي ثبوت التحريم المؤبد وجهان، وهل له أن يلاعنها قبل وضع الولد؟ فيه وجهان (أحدها) له ذلك لأن من كان له لعانها بعد الوضع كان له لعانها قبله كالزوجة (والثاني) ليس له ذلك وهو ظاهر قول الخرقي، لأن الولد عنده لا ينتفي في حال الحمل، ولأن اللعان ههنا إنما يثبت لأجل الولد فلم يجز أن يلاعن إلا بعد تحققه بوضعه، بخلاف الزوجة فإنه يجوز لعانها مع عدم الولد وهكذا الحكم في نفي الحمر في النكاح الفاسد (مسألة) (وإن قذفها في نكاح فاسد فهي كالمسألة التي قبلها إن كان بينهما ولد فله لعانها ونفيه وإن لم يكن بينهما ولد حد ولا لعان بينهما) بهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة يلحقه الولد وليس له نفيه ولا اللعان لأنها أجنبية أشبهت سائر الأجنبيات أو إذا لم يكن بينهما ولد ولنا أن هذا ولد يلحقه بحكم عقد النكاح فكان له نفيه كالنكاح الصحيح، ويفارق إذا لم يكن ولد فإنه لا حاجة إلى القذف لكونها أجنبية، ويفارق الزوجة فانه يحتاج الى قذفها مع عدم لولد لكونها خائنة وأفسدت فراشه فإذا كان له ولد فالحاجة موجودة فيهما

مسألة وإن قذفها في نكاح فاسد فهي كالمسألة التي قبلها إن كان بينهما ولد فله لعانها ونفيه وإن لم يكن بينهما

ومتى لاعن سقط الحد لأنه لعان مشروع لنفي الولد فأسقط الحد كاللعان في النكاح الصحيح وفي ثبوت التحريم المؤبد وجهان (أحدهما) يثبت لأنه لعان صحيح أشبه لعان الزوجة (والثاني) لا يثبت لأن الفرقة لم تحصل به فإنه لا نكاح بينهما يثبت قطعه به بخلاف لعان الزوجة فإن الفرقة حصلت به ولو لاعنها من غير ولد لم يسقط الحد ولم يثبت التحريم المؤبد لأنه لعان فاسد فلم تثبت أحكامه وسواء اعتقد أن النكاح صحيح أو لم يعتقد ذلك لأن النكاح في نفسه بنكاح صحيح فأشبه ما لو لاعن أجنبية يظنها زوجته (مسألة) (وإن أبان امرأته بعد قذفها فله أن يلاعن سواء كان بينهما ولد أو لم يكن نص عليه) وروي ذلك عن الحسن والقاسم بن محمد ومكحول ومالك والشافعي وأبي عبيد وأبي ثور وابن المنذر وقال الحارث العكلي وجابر بن زيد وقتادة والحكم يجلد وقال حماد بن أبي سليمان وأصحاب الرأي لا حد عليه ولا لعان لأن اللعان إنما يكون بين زوجين وليس هذان بزوجين ولا يحد لأنه لم يقذف أجنبية. ولنا قول الله تعالى (والذين يرمون أزواجهم) وهذا قد رمى زوجته فيدخل في عموم الآية وإذا لم يلاعن وجب الحد لعموم قوله تعالى (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة) ولأنه قاذف لزوجته فوجب أن يكون له أن يلاعن كما لو بقيا على النكاح إلى حالة اللعان.

مسألة وإن أبان امرأته بعد قذفها فله أن يلاعن سواء كان بينهما ولد أو لم يكن نص عليه

(فصل) فإن قالت قذفني قبل أن يتزوجني وقال بل بعده أو قالت قذفني بعد * ما بنت منه وقال بل قبله فالقول قوله لأن القول قوله في أصل القذف فكذلك في وقته. وإن قالت أجنبية قذفتني قال كنت زوجتي حينئذ فأنكرت الزوجية فالقول قولها لأن الأصل عدمها (فصل) إذا استبرأ زوجته الأمة ثم أقر بوطئها ثم أتت بولد لستة أشهر كان لاحقا به إلا أن يدعي الاستبراء فينتفي عنه لأنه ملحق به بالوطئ في الملك دون النكاح لكون الملك حاضراً فكان كالزوج الثاني يلحق به الولد وإن أمكن أن يكون من الأول، وإن لم يكن أقر بوطئها أو أقر به وأتت بولد لدون ستة أشهر منذ وطئ كان ملحقاً بالنكاح إن أمكن ذلك وله نفيه باللعان وهل يثبت هذا اللعان التحريم المؤبد؟ على جهين (فصل) وإن قذف زوجته الرجعية صح لعانها سواء كان بينهما ولد أو لم يكن قال أبو طالب سألت أبا عبد الله عن الرجل يطلق تطليقة أو تطليقتين ثم يقذفها قال: قال ابن عباس لا يلاعن ويجلد وقال ابن عمر يلاعن ما كانت في العدة قال وقول ابن عمر أجود لأنها زوجة وهو يرثها وترثه فهو يلاعن وبهذا قال جابر بن زيد والنخعي والزهري وقتادة والشافعي وأبو عبيد وأبو ثور وأصحاب الرأي لأن الرجعية زوجة فكان له لعانها كما لو لم يطلقها (فصل) وكل موضع قلنا لا لعان فيه فالنسب لا حق فيه ويجب بالقذف موجبه من الحد

والتعزير إلا أن يكون القاذف صبياً أو مجنوناً فلا ضرب فيه ولا لعان كذلك، وبه قال الثوري والشافعي وأبو عبيد وأبو ثور وأصحاب الرأي وابن المنذر قال ولا أحفظ عن غيرهم خلافهم (مسألة) (فإن قذف زوجته الصغيرة أو المجنونة عزر ولا لعان بينهما) وجملة ذلك أن الزوج إذا قذف امرأته وأحد الزوجين غير مكلف فلا لعان بينهما لأنه قول تحصل به الفرقة فلا يصح من غير مكلف كالطلاق أو يمين فلا يصح من غير مكلف كسائر الأيمان ولا يخلو غير المكلف من أن يكون الزوج أو الزوجة أو هما. فإن كان الزوج فله حالان (أحدهما) أن يكون طفلاً (والثاني) أن يكون بالغاً زائل العقل فإن كان طفلا لم يصح منه القذف ولا يلزمه به جد لان لقلم مرفوع عنه وقوله غير معتبر وإن أتت امرأته بولد وكان له دون عشر سنين لم يلحقه نسبه وكان منفياً عنه لأن العلم يحيط بأنه ليس منه فإن الله عزوجل لم يجر العادة بأن يكون له ولد يدون ذلك فينتفي عنه كما لو أتت به المرأة لدون ستة أشهر منذ تزوجها وإن كان ابن عشر فصاعداً فقال أبو بكر لا يلحق به إلا بعد البلوغ أيضاً لأن الولد لا يخلق إلا من ماء الرجل والمرأة ولو أنزل لبلغ وقال ابن حامد يلحق به. قال القاضي وهو ظاهر كلام أحمد وهو مذهب الشافعي لان الولد يلحق بالإمكان وإن خالف الظاهر ولهذا لو أتت بولد لستة أشهر من حين العقد لحق بالزوج وإن كان خلاف الظاهر وكذلك يلحق به إذا أتت به لأربع سنين مع ندرته، وليس له نفيه في الحال حتى يتحقق بلوغه بأحد أسباب البلوغ فله نفي الولد أو استلحاقه، فإن قيل فإذا الحقتم به الولد فقد

مسألة فإن قذف زوجته الصغيرة أو المجنونة عزر ولا لعان بينهما

حكمتم ببلوغه سمعتم نفيه ولعانه؟ قلنا الحاق لولد يكفي فيه الإمكان والبلوغ لا يثبت إلا بسبب ظاهر ولأن إلحاق الولد به حق عليه واللعان حق له فلم يثبت مع الشك؟ فإن قيل فإن لم يكن بالغاً انتفى عنه الولد وإن كان بالغاً انتفى عنه اللعان قلنا إلا أنه لا يجوز أن يبتدئ اليمن مع الشك في صحتها فسقطت للشك فيها. (الثاني) إذا كان زائل العقل لجنون فلا حكم لقذفه لأن القلم عنه مرفوع أيضاً، وإن أتت امرأته بولد فنسبه لاحق به لا مكانه ولا سبيل إلى نفيه مع زوال عقله فإذا عقل فله نفي الولد حينئذ واستلحاقه، وإن ادعى أنه كان ذاهب العقل حين قذفه فأنكرت ذلك ولأحدهما بينة بما قال ثبت قوله وإن لم يكن لواحد منهما بينة ولم يكن له حال علم فيها زوال عقله فالقول قولها مع يمينها لأن الأصل والظاهر السلامة والصحة، وإن عرفت له حال جنون ولم تعرف له حال إفاقة فالقول قوله مع يمينه، وإن عرفت له حال جنون وحالة إفاقة ففيه وجهان (أحدهما) القول قولها قال القاضي وهو قياس قول أصحابنا في الملفوف إذا ضربه فقده ثم ادعى أنه كان ميتاً وقال الولي كان حياً (الوجه الثاني) أن القول قوله لأن الأصل براءة ذمته من الحد فلا يجب بالشك ولأن الحد يسقط بالشبهة ولا يشبه هذا الملفوف لأن الملفوف قد علم أنه كان حياً ولم يعلم منه ضد ذلك فنظيره

في مسئلتنا أنه يعرف له حالة إفاقة ولا يعلم منه ضدها، وفي مسئلتنا قد تقدمت حالة جنون فيجوز أن يكون قد استرت إلى حين قذفه فإن كانت الزوجة غير مكلفة فقذفها الزوج فإن كانت طفلة لا يجامع مثلها فلا حد على قاذفها لأنه قول يتقين كذبه فيه وبراءة عرضها منه فلم يجب به حد كما لو قال أهل الدنيا زناة ولكنه يعزر للسب لا للقذف ولا يحتاج في التعزير إلى مطالبة لأنه مشروع لتأديبه للإمام فعله إذا رأى ذلك فإن كانت يجامع مثلها كابنة تسع سنين فعليه الحد وليس لوليها ولا لها المطالبة به حتى تبلغ فإذا بلغت فطالبت فلها الحد وله إسقاطه باللعان، وليس له لعانها قبل البلوغ لأن اللعان يراد لإسقاط الحد أو نفي الولد ولا حد عليه قبل بلوغها ولا ولد فينفيه، وإن أتت بولد حكم ببلوغها لأن الحمل أحد أسباب البلوغ ولأنه لا يكون إلا من نطفتها ومن ضرورته إنزالها وهو من أسباب بلوغها فإن قذف امرأته المجنونة بزنا وأضافه إلى حال إفاقتها أو قذفها وهي عاقلة ثم جنت لم يكن لها الطالبة ولا لوليها قبل إفاقتها لأن هذا طريقه التشفي فلا ينوب عنه الولي فيه كالقصاص فإذا أفاقت فلها المطالبة بالحد وللزوج إسقاطه باللعان، وإن أراد لعانها في حال جنونها ولا ولد ينفيه لم يكن له ذلك لعدم الحاجة إليه لأنه لم يتوجه عليه حد فيسقطه ولا نسب فينفيه، وإن كان هناك وله يريد نفيه فالذي يقتضيه المذهب أنه لا يلاعن ويلحقه الولد لأن الولد إنما ينتفي باللعان من الزوجين وهذه لا يصح

منها لعان، وقد نص أحمد في الخرساء أن زوجها لا يلاعن فهذه أولى، وقال الخرقي فيه العاقلة لا يعرض له حتى تطالبه زوجته وهذا قول أصحاب الرأي لأنها أحد الزوجين فلم يشرع اللعان مع جنونه كالزوج ولأن لعان الزوج وحده لا ينفى به الولد فلا فائدة في مشروعيته، وقال القاضي له أن يلاعن لنفي الولد لأنه محتاج الى نفيه فيشرع له طريق إليه، وقال الشافعي له أن يلاعن، وظاهر مذهبه أن له لعانها مع عدم الولد لدخوله في عموم قوله تعالى (والذين يرمون أزواجهم ولأنه زوج مكلف قاذف لامرأته التي يولد لمثلها فكان له أن يلاعنها كالعاقلة (فصل) قال الشيخ رحمه الله (الشرط الثاني) أن يقذفها بالزنا فيقول زنيت أو يا زانية أو رأيتك تزنين وسواء قذفها بزنا في القبل أو في الدبر لأن كل قذف يجب به الحد، وسواء في ذلك الأعمى والبصير نص عليه أحمد، وبهذا قال الثوري والشافعي وابو ثور وهو قول عطاء وقال يحيى الانصاري وابو الزناد ومالك لا يكون اللعان إلا بأحد أمرين إما رؤية وإما إنكار الحمل لأن آية اللعان نزلت في هلال بن أمية وكان قال رأيت بعيني وسمعت بأذني فلا يثبت اللعان إلا في مثله ولنا قول الله تعالى (والذين يرمون أزواجهم) الآية وهذا رام لزوجته فيدخل في عموم الآية ولأن اللعان معنى يتخلص به من موجب القذف فيشرع في حق كل رام لزوجته كالبينة والأخذ بعموم

اللفظ أولى من خصوص السبب ثم لم يعملوا به في قوله وسمعت بأذني إذا ثبت ذلك فسواء قذفها بزنا في القبل أو في الدبر وبهذا قال الشافعي، وقال أبو حنيفة لا يثبت اللعان بالقذف بالوطئ في الدبر وبناه على أصله في ان ذلك لا يجب به الحد ولنا أنه رام لزوجته بوطئ في فرجها فأشبه ما لو قذفها بالوطئ في قبلها (مسألة) (فإن قال وطئت بشبهة أو مكرهة فلا لعان بيهما) لأنه لم يقذفها بما يوجب الحد وعنه إن كان ثم ولد لاعن لنفيه وإلا فلا لأنه محتاج إلى نفيه (مسألة) (وإن قال لم تزن ولكن ليس هذا الولد مني فهو ولده في الحكم ولا حد عليه لها) لأن هذا ليس بقذف بظاهره لاحتمال أن يريد أنه من زوج آخر أو من وطئ شبهة أو غير ذلك ولكنه يسئل فان قال زنيت فولدت هذا من الزنا هذا قذف يثبت به اللعان، وإن قال أردت أنه لا يشبهني خلقاً ولا خلقاً فقالت بل أردت قذفي فالقول قوله لأنه أعلم بمراده لا سيما وقد صرح بقوله لم تزن فإن قال وطئت بشبهة والولد من الواطئ فلا حد عليه أيضاً لأنه لم يقذفها ولا قذف واطئها وإن قال أكرهت على الزنا فلا حد عليه لأنه لم يقذفها ولا لعان في هذه المواضع لعدم القذف الذي هو من شرط اللعان ويلحقه نسب الولد وبهذا قال أبو حنيفة وذكر القاضي أنه إذا قال أكرهت رواية أخرى أن له اللعان لأنه محتاج الى نفي الولد بخلاف ما إذا قال وطئت بشبهة فإنه يمكنه نفي الولد

مسألة فإن قال وطئت بشبهة أو مكرهة فلا لعان بينهما

بعرضه على القافة فيستغني بذلك عن اللعان فلا يشرع كما لا يشرع لعان أمته لما أمكن نفي ولدها بدعوى الاستبراء وهذا مذهب الشافعي ولنا أن اللعان إنما ورد به الشرع بعد القذف لقوله تعالى (والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم) الآية ولما لاعن النبي صلى الله عليه وسلم بين هلال وامرأته وبين عويمر العجلاني وامرأته إنما كان بعد قذفه إياها ولا يثبت الحكم إلا في مثله، ولأن نفي اللعان إنما ينتفي به الولد بعد تمامه منهما ولا يتحقق اللعان من المرأة ههنا فأما إن قال وطئك فلان بشبهة وأنت تعلمين الحال فقد قذفها وله لعانها ونفي نسب ولدها وقال القاضي ليس له نفيه باللعان وكذلك قال أصحاب الشافعي لا يمكنه نفي نسبه بعرضه على القافة فأشبه ما لو قال واشتبه عليك أيضاً ولنا أنه رام لزوجته فيدخل في عموم قوله تعالى (والذين يرمون أزواجهم) ولأنه رام لزوجته بالزنا فملك لعانها ونفي ولدها كما لو قال زنى بك فلان وما ذكروه لا يصح فإنه قد لا يوجد قافة، وقد لا يعترف الرجل بما نسب إليه أو يغيب أو يموت فلا ينتفي الولد، وإن قال ما ولدته وانما التقتطه أو استعرته فقالت بل هو ولدي منك لم يقبل قول المرأة إلا ببينة وهذا قول الشافعي وأبي ثور وأصحاب الرأي لأن الولادة يمكن إقامة البينة عليها، والأصل عدمها فلم تقبل دعواها من غير بينة كالدين. قال القاضي وكذلك لا تقبل دعواها في الولادة

فيما إذا علق طلاقها بها ولا دعوى الأمة لها لتصير بها أم ولد ويقبل قولها فيه لتنقضي عدتها بها فعلى هذا لا يلحقه الولد إلا أن تقيم بينة وهي امرأة مرضية تشهد بولادتها له فإذا ثبتت ولادتها لحقه نسبه لأنه ولد على فراشه والولد للفراش وذكر القاضي في موضع آخر أن القول قول المرأة لقول الله تعالى (ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن) وتحريم كتمانه دليل على قبول قولها فيه لأنه خارج من المرأة تنقضي به عدتها فقبل قولها فيه كالحيض ولأنه حكم معلق بالولادة فقبل قولها فيه كالحيض فعلى هذا يلحقه النسب وهل له نفيه باللعان فيه وجهان (أحدهما) له نفيه لأن إنكاره لولادتها إياه إقرار بأنها لم تلده من زنا فلا يقبل إنكاره كذلك لأنه تكذيب لنفسه (والثاني) له نفيه لأنه رام لزوجته وناف لولدها فكان له نفيه باللعان كغيره (مسألة) (وإن قال ذلك بعد أن أبانها فشهدت امرأة مرضية أنه ولد على فراشه لحقه نسبه لأن شهادة المرأة الواحدة بالولادة مقبولة لأنها مما لا يطلع الرجال) (مسألة) (وإن ولدت توأمين فأقر بأحدهما ونفى الآخر لحقه نسبهما ويلاعن لنفي الحد عنه وقال القاضي يحد)

مسألة وإن قال ذلك بعد أن أبانها فشهدت امرأة مرضية أنه ولد على فراشه لحقه نسبه لأن شهادة المرأة

إذا ولدت توأمين بينهما أقل من ستة أشهر فاستلحق أحدهما ونفى الآخر لحقا به لأن الحمل الواحد لا يجوز أن يكون بعضه منه وبعضه من غيره فإذا ثبت نسب أحدهما منه ثبت نسب الآخر ضرورة فجعلنا ما نفاه تابعاً لما استلحقه ولم يجعل ما أقر به تابعاً لما نفاه لأن النسب يحتاط لإثباته لا لنفيه ولهذا لو أتت امرأته بولد يمكن كونه منه ويمكن كونه من غيره ألحقناه به احتياطاً ولم نقطعه عنه احتياطاً لنفيه فعلى هذا إن كان قد قذف أمهما فطالبته بالحد فله إسقاطه باللعان وحكي عن القاضي أنه يحد ولا يملك إسقاطه باللعان وهو مذهب الشافعي لأنه باستلحاقه اعترف بكونه في قذفه فلم يسمع إنكاره بعد ذلك ووجه الأول أنه لا يلزم من كون الولد منه انتفاء الزنا عنها كما لا يلزم من وجود الزنا كون الولد منه ولذلك لو أقرت بالزنا أو قامت به بينة لم ينتف الولد عنه فلا تنافي بين لعانه وبين استلحاقه للولد فإن إستلحق أحد التوأمين وسكت عن الآخر لحقه لأنه لو نفاه للحقه فإذا سكت عنه كان أولى ولأن امرأته متى أتت بولد لحقه ما لم ينفه عنه باللعان وإن نفى أحدهما وسكت عن الآخر لحقاه جميعاً فإن قيل ألا نفيم المسكوت عنه لأنه قد نفى أخاه وهما حمل واحد؟ قلنا لحوق النسب مبني على التغليب وهو يثبت بمجرد الإمكان وإن لم يثبت الوطئ ولا ينتفي لإمكان النفي فافترقا. فإن أتت بولد فنفاه ولاعن لنفيه ثم ولدت آخر لأقل من ستة أشهر لم ينتف الثاني باللعان الأول لأن اللعان يتناول الأول وحده ولا يحتاج في نفي الثاني إلى لعان ثان ويحتمل أنه ينتفي بنفيه من غير حاجة إلى لعان ثان لأنهما حمل واحد وقد

لاعن لنفيه مرة فلا يحتاج إلى لعان ثان ذكره القاضي فان أقر بالثاني لحقه هو والاول لما ذكرناه وإن سكت عن نفيه لحقاه أيضاً فأما إن نفى الولد باللعان ثم ولد آخر بعد ستة أشهر فهو من حمل آخر فإنه لا يجوز أن يكون بين ولدين من حمل واحد مدة الحمل ولو أمكن لم تكن هذه مدة حمل كامل فإن نفى هذا الولد باللعان انتفى ولا ينتفي بغير اللعان لأنه حمل منفرد وإن استلحقه أو ترك نفيه لحقه وإن كانت قد بانت باللعان لأنه يمكن أن يكون قد وطئها بعد وضع الأول وإن لاعنها قبل وضع الأول فأتت بولد ثم ولدت آخر بعد ستة أشهر لم يلحقه الثاني لأنها بانت باللعان وانقضت عدتها بوضع الأول وكان حملها الثاني بعد انقضاء عدتها في غير نكاح فلم يحتج إلى نفيه (فصل) فإن مات أحد التوأمين أو ماتا معافله أن يلاعن لنفي نسبهما وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة يلزمه نسب الحي ولا يلاعن لنفي الحد لأن الميت لا يصح نفيه باللعان فإن نسبه قد انقطع بموته ولا حاجة الى نفيه باللعان كما لو ماتت امرأته فإنه لا يلاعنها بعد موتها لقطع النكاح لكونه قد انقطع وإذا لم ينتف الميت لم ينتف الحي لأنهما حمل واحد ولنا أن الميت ينسب إليه ابن فلان ويلزمه تجهيزه وتكفينه فكان له نفي نسبه واسقاط مؤنته كالحي وكما لو كان للميت ولد (فصل) قال المنصف رضي الله عنه (الثالث) أن تكذبه به الزوجة ويستمر ذلك إلى انقضاء اللعان لأن الملاعنة إنما تنتظم من الزوجين وإذا لم تكذبه لم تلاعنه فلا يصح اللعان فإن صدقته أو سكتت

لحقه النسب لأن الولد للفراش وإنما ينتفي عنه باللعان ولم يوجد اللعان لانتفاء شرطه فنفي النسب لا حق به ولا لعان في قياس المذهب ثم إن كان تصديقها له قبل لعانه فلا لعان بينهما لأن اللعان كالبينة إنما تقام مع الإنكار فإن كان بعد لعانه لم تلاعن هي لأنها لا تحلف مع الإقرار وحكمها حكم ما لو امتنعت من غير إقرار وبهذا قال أبو حنيفة وقال الشافعي إن صدقته قبل لعانه فعليها الحد وليس له أن يلاعن إلا أن يكون له نسب ينفيه فيلاعن وحده وينتفي النسب بمجرد لعانه وإن كان بعد لعانه فقد انتفى النسب ولزمها الحد بناء على أن النسب ينتفي بمجرد لعانه وتقع الفرقة ويجب الحد فإن الحد يجب باقراره مرة وهذه الأصول تذكر في مواضعها إن شاء الله تعالى ولو أقرت أربعاً وجب الحد ولا لعان بينهما إذا لم يكن ثم نسب ينتفي وإن رجعت سقط الحد عنها بغير خلاف علمناه وبه يقول الشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي، قال الرجوع عن الإقرار بالحد مقبول وليس له أن يلاعن للحد فإنه لم يجب عليه لتصديقها إياه فإن أراد لعانها لنفي نسب فليس له ذلك في جميع هذه الصور وهو ظاهر قول الخرقي وقول أصحاب الرأي وقال الشافعي له لعانها لنفي النسب فيها كلها لأنها لو كانت عفيفة صالحة فكذبته ملك نفي ولدها فإذا كانت فاجرة فصدقته فلأن يملك نفي ولدها أولى ووجه الأول أن نفى الولد إنما يكون بلعانهما معاً وقد تعذر اللعان منها لأنها لا تستحلف على نفي ما تقر به فتعذر نفي الولد لتعذر سببه كما لو مات بعد القذف وقبل اللعان

(مسألة) (وإن مات أحدهما قبل اللعان ورثه صاحبه ولحقه نسب الولد ولا لعان) وجملة ذلك أنه إذا قذفها ثم مات قبل لعانهما أو قبل تمام لعانه سقط اللعان ولحقه الولد وورثته في قول الجميع لأن اللعان لم يوجد فلم يثبت حكمه وإن مات بعد أن أكمل لعانه وقبل لعانها فكذلك وقال الشافعي تبين بلعانه ويسقط التوارث وينتفي الولد ويلزمها الحد إلا أن تلتعن ولنا أنه مات قبل إكمال اللعان أشبه ما لو مات قبل إكمال التعانه وذلك لأن الشرع إنما رتب هذه الأحكام على اللعان التام والحكم لا يثبت قبل كمال سببه وإن ماتت المرأة قبل اللعان فقد ماتت على الزوجية ويرثها في قول عامة أهل العلم وروى عن ابن عباس إن التعن لم يرث ونحو ذلك عن الشعبي وعكرمة لأن اللعان يوجب فرقة تبين بها فيمنع التوارث كما لو التعن في حياتها ولنا أنها ماتت على الزوجية فورثها كما لو لم يلتعن، ولأن اللعان سبب الفرقة فلم يثبت حكمه بعد موتها كالطلاق وفارق اللعان في الحياة فإنه يقطع الزوجية على أنا نقول إنه لو لاعنها ولم تلتعن هي لم تنقطع الزوجية وسنذكر ذلك إن شاء الله تعالى فهاهنا أولى، فإن قيل فعندكم لو التعن من الولد الميت ونفاه لم يرثه فكذلك الزوجة، قلنا لو التعن الزوج وحده دونها لم ينتف الولد ولم يثبت حكم اللعان على ما نذكره ثم الفرق بينهما أنه إذا نفى الولد تبينا أنه لم يكن منه أصلاً في حال من الأحوال والزوجة قد كانت امرأته فيما قبل اللعان وإنما يزيل نكاحها اللعان كما يزيله الطلاق فإذا ماتت قبل

مسألة وإن مات أحدهما قبل اللعان ورثه صاحبه ولحقه نسب الولد ولا لعان

وجود ما يزيله فيكون موجوداً حال الموت فيوجب التوارث وينقطع بالموت فلا يمكن انقطاعه مرة أخرى فإن أراد الزوج اللعان ولم تكن طالبت بالحد في حياتها لم يكن له أن يلتعن سواء كان ثم ولد يريد نفيه أو لم يكن، وعند الشافعي إن كان ثم ولد يريد نفيه فله أن يلتعن، وهذا ينبني على أصل وهو أن اللعان إنما يكون بين الزوجين، فإن لعان الرجل وحده لا يثبت به حكم وعندهم بخلاف ذلك فأما إن كانت طالبت بالحد في حياتها فإن أولياءها يقومون في الطلب به مقامها فإن طولب به فله إسقاطه باللعان، ذكره القاضي وإلا فلا فإنه لا حاجة إليه مع عدم الطلب لأنه لا حد عليه، وقال أصحاب الشافعي إن كان للمرأة وارث غير الزوج فله اللعان ليسقط الحد عن نفسه وإلا فلا (مسألة) (وإن مات الولد فله لعانها ونفيه لأن شروط اللعان تتحقق بدون الولد فلا تنتفي بموته) (فصل) إذا مات المقذوف قبل المطالبة بالحد لم يكن لورثته الطلب به، وقال أصحاب الشافعي يورث وإن لم يكن طالب به لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من ترك حقاً فلورثته) ولأنه حق ثبت له في الحياة يورث إذا طالب به فبورث وإن لم يطالب به لحق للقصاص. ولنا أنه حد تعتبر فيه المطالبة فإذا لم يوجد الطلب من المالك لم يجب كحد القطع في السرقة والحديث

مسألة وإن مات الولد فله لعانها ونفيه لأن شروط اللعان تتحقق بدون الولد فلا تنتفي بموته

يدل على أن الحق المتروك يورث وهذا ليس بمتروك، وأما حق القصاص فإنه حق يجوز الاعتياض عنه وينتقل إلى امال بخلاف هذا، فأما إن طالب به ثم مات فإنه يرثه العصبات من النسب دون غيرهم لأنه حق ثبت لدفع العار فاختص به العصبات كولاية النكاح، وهذا أحد الوجوه لأصحاب الشافعي، ومتى ثبت للعصبات فلهم استيفاؤه، وإن طلب أحدهم وحده فله استيفاؤه وإن عفا بعضهم لم يسقط وكان للباقين استيفاؤه ولو بقي واحد كان له استيفاء جميعه لأنه حق يراد للردع والزجر فلم يتبعض كسائر الحدود ولا يسقط بإسقاط البعض لأنه يراد لدفع العار عن المقذوف وكل واحد من العصبات يقوم مقامه في استيفائه فيثبت له جميعه كولاية النكاح، ويافرق حق القصاص لأن ذلك يفوت إلى بدل ولو أسقطناه ههنا لسقط في غير العافي إلى غير بدل. (فصل) وإذا قذف امرأته وله بينة تشهد بزناها فهو مخير بين لعانها وبين إقامة البينة لأنهما سببان فكانت له الخيرة في إقامة أيهما شاء كمن له بدين شاهدان وشاهد وامرأتان ولأن كل اوحدة منهما يحصل بها ما لا يحصل بالا نرى فإنه يحصل باللعان نفي النسب الباطل ولا يحصل ذلك بالبينة ويحصل بالبينة ثبوت زناها وإنامة الحد عليها ولا يحصل باللعان، فإن لاعنها ونفى ولدها ثم أراد إقامة البينة فله ذلك فإذا أقامها ثبت موجب اللعان وموجب البينة، وإن أقام البينة أو لا ثبت الزنا وموجبه ولم ينتف عنه الولد فإنه لا يلزم من الزنا كون الولد منه، وان أراد لعانها بعد ذلك وليس بينهما ولد يريد

نفيه لم يكن ذلك لأن الحد قد انتفى عنه بإقامة البينة فلا حاجة إليه وإن كان بينهما ولد يريد نفيه فعلى قول القاضي له أن يلاعن وقد ذكرنا ذلك. (فصل) وإن قذفها فطالبته بالحد فأقام شاهدين على إقرارها بالزنا سقط عنه الحد لأنه ثبت تصديقها إياه ولم يجب عليها لأنه لا يجب إلا بإقرار أربع مرات ويسقط بالرجوع عن الإقرار فإن لم يكن له بينة حاضرة فقال لي بينة غائبة أقيمها على الزنا أمهل اليومين والثلاثة لأن ذلك قريب فإن أتى بالبينة والاحد إلا أن يلاعن إذا كان زوجا فإن قال قذفتها وهي صغيرة فقالت قذفني وأنا كبيرة وأقام كل واحد منهما بينة بما قال فهما قذفان وكذلك إن اختلفا في الكفر والرق أو الوقت لأنه لا تنافي بينهما إلا أن يكونا مؤرخين تاريخاً واحداً فيسقطان في أحد الوجهين وفي الآخر يقرع بينهما فمن خرجت قرعته قدمت بينته (فصل) فإن شهد شاهدان أنه قذف فلانه وقذفها لم تقبل شهادتهما لاعترافهما بعداوته لهما وشهادة العدو لا تقبل على عدوه، وإن أبرآه وزالت العداوة ثم شهدا عليه لذلك لم تقبل لأنها ردت للتهمة فلم تقبل بعد كالفاسق إذا شهد فردت شهادته لفسقه ثم تاب وأعادها، ولو أنهما ادعيا عليه أنه قذفهما ثم أبرآه وزالت العداوة ثم شهدا عليه بقذف زوجته قبلت شهادتهما لأنهما لم يردا في هذه الشهادة ولو شهدا أنه قذف امرأته ثم ادعيا بعد ذلك أنه قذفهما فإن أضافا دعواهما إلى ما قبل شهادتهما بطلت شهادتهما

لاعترافهما أنه كان عدوا لهما حين شهدا عليه وإن لم يضيفاها إلى ذلك الوقت وكان ذلك قبل الحكم بشهادتهما لم يحكم بها لأنه لا يحكم عليه بشهادة عدوين وإن كان بعد الحكم لم تبطل لأن الحكم تم قبل وجود المانع كظهور الفسق، وإن شهدا أنه قذف امرأته وأمنا لم تقبل شهادتهما لانهما ردت في البعض للتهمة فوجب أن ترد في الكل، وإن شهدا على أبيهما أنه قذف ضرة أمهما قبلت شهادتهما وبهذا قال مالك وأبو حنيفة والشافعي في الجديد وقال في القديم لا تقبل لأنهما يجران إلى أمهما نفعاً وهو أنه يلاعنها فتبين ويتوفر على أمهما وليس بشئ لأن لعانه لها ينبني على معرفته بزناها لا على الشهادة عليه بما لا يعترف به وإن شهدا بطلاق الضرة ففيه وجهان (أحدهما) لا تقبل لأنهما يجران إلى أمهما نفعاً وهو توفره على أمهما (والثاني) تقبل لأنهما لا يجران إلى أنفسهما نفعاً (فصل) ولو شهد شاهد انه أقر بالعربية أنه قذفها وشهد آخر انه أقر بذلك بالعجمية ثبتت الشهادة لأن الاختلاف في العجمية والعربية عائد إلى الإقرار دون القذف ويجوز أن يكون القذف واحداً والإقرار في مرتين ولذلك لو شهد أحدهما أنه أقر يوم الخميس بقذفها وشهد آخر انه أقر بذلك يوم الجمعة تمت الشهادة لما ذكرناه وإن شهد أحدهما أنه قذفها بالعربية وشهد آخر انه قذفها

بالعجمية أو شهد أحدهما أنه قذفها يوم الخميس وشهد الآخر أنه قذفها يوم الجمعة أو شهد أحدهما أنه أقر بقذفها بالعربية أو يوم الخميس وشهد الآخر أنه قذفها بالعجمية أو يوم الجمعة أو شهد أحدهما أنه أقر أنه قذفها بالعربية أو يوم الخميس وشهد الآخر أنه أقر أنه قذفها بالعجمية أو يوم الجمعة ففيه وجهان (أحدهما) تكمل للشهادة وهو قول أبي بكر ومذهب أبي حنيفة لأن الوقت ليس ذكره شرطاً في الشهادة بالقذف وكذلك اللسان فلم يؤثر الاختلاف فيه كما لو شهد أحدهما أنه أقر بقذفها يوم الخميس بالعربية وشهد الآخر أنه أقر بقذفها يوم الجمعة بالعجمية (والثاني) لا تكمل الشهادة وهو مذهب الشافعي لأنهما قذفان لم تتم الشهادة على واحد منهما فلم يثبت كما لو شهد أحدهما أنه تزوجها يوم الخميس وشهد الآخر أنه تزوجها يوم الجمعة، وفارق الإقرار بالقذف فإنه يجوز أن يكون المقر به واحداً أقر به في وقتين بلسانين (مسألة) (وإن لاعن ونكلت الزوجة عن اللعان خلي سبيلها ولحقه الولد ذكره الخرقي وعن أحمد أنها تحبس حتى تقر أو تلاعن) إذا لاعن امرأته وامتنعت من الملاعنة فلا حد عليها والزوجية بحالها، وبه قال الحسن والاوزاعي وأصحاب الرأي، وروي ذلك عن الحارث العكلي وعطاء الخراساني وذهب مكحول والشعبي ومالك والشافعي وأبو عبيد وأبو ثور وأبو إسحاق الجوزجاني وابن المنذر إلى أن عليها الحد لقول الله تعالى

مسألة وإن لاعن وتكلمت الزوجة عن اللعان خلي سبيلها ولحقه الولد ذكره الخرقي وعن أحمد أنها تحبس

(ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين) والعذاب الذي يدرؤه عنها لعلها هو الحد المذكور في قوله تعالى (وليشهد عذابها طائفة من المؤمنين) ولأنه بلعانه حقق زناها فوجب عليها الحد كما لو شهد عليها أربعة ولنا أنه لم يتحقق زناها فلا يجب عليها الحد كما لو لم يلاعن ودليل ذلك أن تحقيق وزناها لا يخلو إما أن يكون بلعان الزوج أو بنكولها لا يجوز أن يكون بلعان الزوج وحده لأنه لو يثبت زناها به لما سمع لعلنها ولا وجب الحد على قاذفها ولأنه إما يمين وإما شهادة وكلاهم لا يثبت له الحق على غيره ولا يجوز أن يثبت بنكولها لأن الحد لا يثبت بالنكول فإنه يدرأ بالشبهات فلا يثبت بها، وذلك لأن النكول يحتمل أن يكون لشدة خفرها أو لثقلها على لسانها أو غير ذلك فلا يجوز إثبات الحد الذي اعتبر في بينته من العدد ضعف ما اعتبر في سائر الحدود واعتبر في حقهم ان يصفوا صورة الفعل وأن يصرحوا بلفظه وغير ذلك مبالغة في نفي الشبهات عنه وتوسلاً إلى إسقاطه، ولا يجوز أن يقضى فيه بالنكول الذي هو في نفسه شبهة لا يقضى به في شئ من الحدود ولا العقوبات ولا ما عدا الأموال مع أن الشافعي لا يرى القضاء بالنكول في شئ فكيف يقضي به في أعظم الأمور أبعدها ثبوتاً وأسرعها سقوطاً؟ ولانها لو أقرت بلسانها ثم رجعت لم يجب عليها الحد فلأن لا يجب بمجرد امتناعها من اليمين على برأتها أولى، ولا يجوز أن يقضى فيه بهما لأن ما لا يقضى فيه باليمين المفردة لا يقضى فيه باليمين

مع النكول كسائر الحقوق ولأن ما في كل واحد منهما من الشبهة لا ينتفي بضم أحدهما إلى الآخر فإن احتمال نكولها لفرط حيائها وعجزها عن النطق باللعان في مجمع الناس لا يزول بالعان الزوج، والعذاب يجوز أن يكون الحبس أو غيره فلا يتعين في الحد، وإن احتمل أن يكون هو المراد فلا يثبت الحد بالاحتمال وقد يرجح ما ذكرناه بقول عمر رضي الله عنه أن الرجم على من زنى وقد أحصى إذا كانت بينة أو كان الحمل أو الاعتراف فذكر موجبات الحمل ولم يذكر اللعان واختلفت الرواية فيما يصنع بها فروي أنها تحبس حتى تلتعن أو تقر أربعاً. قال أحمد فإن أبت المرأة أن تلتعن بعد التعان الزوج أجبرتها عليه وهبت أن أحكم عليها بالرجم لأنها لو أقرت بلسانها لم ارجمها إذا رجعت فكيف إذا ابت اللعان؟ ولا يسقط النسب إلا بالتعانهما جميعاً لأن الفراش قائم حتى تلتعن والولد للفراش قال القاضي هذه الرواية أصح وهذا قول من وافقنا في أنه لا حد عليها وذلك لقول الله تعالى (ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات) فيدل على أنها إذا لم تشهد لا يدرأ عنها العذاب (والرواية الثانية) يخلى سبيلها وهو قول أبي بكر لأنه لم يجب عليها الحد فيجب تخلية سبيلها كما لو تكمل البينة، فأما الزوجية فلا تزول والولد لا ينتفي ما لم يتم اللعان بينهما في قول عامة أهل العلم إلا الشافعي فإنه قضى بالفرقة ونفي الولد بمجرد لعان الرجل على ما نذكره

(مسألة) (ولا يعرض للزوج حتى تطالبه امرأته فإن أراد اللعان من غير طلبها فإن كان بينهما ولد يريد نفيه فله ذلك وإلا فلا) يعني لا يتعرض له باقامة الحد عليه ولا طلب اللعان منه حتى تطالبه زوجته بذلك فإن ذلك حق لها فلا يقام من غير طلبها كسائر حقوقها وليس لوليها المطالبة عنها إن كانت مجنونة أو محجوراً عليها ولا لولي صغيرة وسيد أمة المطالبة بالتعزير من اجلمها لأن هذا حق ثبت للتشفي فلا يقوم الغير فيه مقام المستحق كالقصاص، فإن أراد الزوج اللعان من غير مطالبة نظرنا فإن لم يكن هناك ولد يريد نفيه لم يكن له أن يلاعن، وكذلك كل موضع سقط فيه الحد مثل إن أقام البينة بزناها أو أبرأته من قذفها أو حد لها ثم أراد لعانها ولا نسب هناك ينفى فإنه لا يشرع اللعان وهذا قول أكثر أهل العلم ولا نعلم فيه مخالفاً إلا بعض أصحاب الشافعي قالوا له الملاعنة لإزالة الفراش والصحيح عندهم مثل قول الجماعة لأن إزالة الفراش ممكنة بالطلاق والتحريم المؤبد ليس بمقصود شرع اللعان من أجله وإنما حصل ضمناً. فأما إن كان هناك ولد يريد نفيه فقال القاضي له أن يلاعن وهو مذهب الشافعي لأن هلال ابن أمية لما قذف امرأته وأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره أرسل النبي صلى الله عليه وسلم إليها فلاعن بينهما ولم تكن طالبته ولأنه محتاج إلى نفيه فيشرع له طريق إليه كما لو طالبته ولأن نفي النسب الباطل حق له فلا يسقط برضاها به كما لو طالبت باللعان ورضيت بالولد ويحتمل أن لا يشرع اللعان ههنا كما لو قذفها فصدقته وهو قول أصحاب الرأي لأنه أحد موجبي القذف فلا يشرع مع عدم المطالبة كالحد

مسألة ولا يعرض للزوج حتى تطالبه امرأته فإن أراد اللعان من غير طلبها فإن كان بينهما ولد يريد نفيه فله

(فصل) فإذا تم اللعان بينهما ثبت اربعة احكام (احدهما) سقوط الحد عنه أو التعزير ولو قذفها برجل بعينه سقط الحد عنه لهما وجملة ذلك أن اللعان إذا تم سقط الحد الذي أوجبه القذف عن الزوج إذا كانت الزوجة محصنة والتعزير إن لم تكن محصنة لأن هلال بن أمية قال: والله لا يعذبني الله عليها كما لم يجلدني عليها ولأن شهادته أقيمت مقام بينته وبينته تسقط الحد كذلك لعانه ويحصل هذا بمجرد لعانه لذلك فإن نكل عن اللعان أو عن تمامه فعليه الحد وإن ضرب بعضه فقال أنا ألاعن سمع ذلك منه لأن ما اسقط كله اسقطه بعضه كالبينة، ولو نكلت المرأة عن الملاعنة ثم بذلتها سمعت منها كالرجل فإن قذفها برجل بعينه سقط الحد عنه لهما إذا تم اللعان سواء ذكر الرجل في لعانه أو لم يذكره وإن لم يلاعن فلكل واحد منهما المطالبة وأيهما طالب حد له دون من لم يطالب كما لو قذف رجلاً بالزنا بامرأة معينة وبهذا قال أبو حنيفة ومالك إلا في أنه لا يسقط حده بلعانها وقال بعض أصحابنا: القذف للزوجة وحدها ولا يتعلق بغيرها حق في المطالبة ولا الحد لان هلال ابن أمية قذف زوجته بشريك بن السحماء فلم يحده النبي صلى الله عليه وسلم ولا عزره له. وقال بعض أصحاب الشافعي يجب الحد لهما وهل يجب حد واحد أو حدان؟ على وجهين، وقال بعضهم لا يجب إلا حد واحد قولا واحداً ولا خلاف بينهم أنه إذا لاعن وذكر الأجنبي في لعانه أنه يسقط حكمه عنه وإن لم يذكره فعلى وجهين

ولنا أن اللعان بينة في أحد الطرفين فكان بينة في الطرف الآخر كالشهادة ولأن به حاجة إلى قذف الزاني لما أفسد عليه من فراشه وربما يحتاج إلى ذكره ليستدل بشبه الولد للمقذوف على صدق قاذفه كما استدل النبي صلى الله عليه وسلم على صدق هلال بن أمية بشبه الولد لشريك بن سحماء فوجب أن يسقط حكم قذفه ما أسقط حكم قذفها قياساً له عليها (فصل) فإن قذف امرأته وأجنبية أو أجنبياً بكلمتين فعليه حدان لهما فيخرج من حد الأجنبية بالبينة خاصة ومن حد الزوجية بالبينة أو اللعان وإن قذفهما بكلمة فكذلك إلا أنه إذا لم يلاعن ولم تقم بينة فهل يحد لهما حداً واحداً أو حدين على روايتين (إحداهما) يحد حداً واحداً وبه قال أبو حنيفة والشافعي في القديم وزاد أبو حنيفة سواء كان بكلمة أو بكلمات لأنهما حدود من جنس فوجب أن تتداخل كحد الزنا (والثانية) وان طالبوا مجتمعين فحد واحد، وان طالبوا مفترقين فلكل واحد حد لأنهم إذا اجتمعوا في الطلب أمكن إلغاؤهم بالحد الواحد وإذا تفرقوا لم يمكن جعل الحد الواحد إيفاء لمن لم يطالب لأنه لا يجوز إقامة الحد له قبل المطالبة منه. وقال الشافعي في الجديد يقام لكل واحد حد بكل حال لأنها حقوق لآدميين فلم تتداخل كالديون ولنا أنه إذا قذفهما بكلمة واحدة يجزئ حد واحد لأنه يظهر كذبه في قذفه وبراءة عرضهما من

رميه بحد واحد فأجزأ كما لو كان القذف لواحد، وإذا قذفهما بكلمتين وجب حدان لأنهما قذفان لشخصين فوجب لكل واحد حد كما لو قذف الثاني بعد حد الأول وهكذا الحكم فيما إذا قدف أجنبيتين أو أجنبيات والتفصيل فيه على ما ذكرناه (فصل) وإن قال لزوجته يا زانية بنت الزانية فقد قذفها وقذف أمها بكلمتين والحكم في الحد لهما على ما مضى من التفصيل فيه فإن اجتمعتا في المطالبة ففي أيتهما يقدم وجهان (أحدهما) الأم لأن حقها آكد لكونه لا يسقط إلا بالبينة ولأن لها فضيلة الأمومة (والثاني) تقدم البنت لأنه بدأ بقذفها ومتى حد لإحداهما ثم وجب عليه الحد للأخرى لم يحد حتى يبرأ جلده من حد الأولى فإن قيل أن الحد ههنا حق لآدمي فلم لا يوالى بينهما كالقصاص فإنه لو قطع يدي رجلين قطعنا يديه لهما ولم يؤخره؟ قلنا لأن حد القذف لا يتكرر بتكرر سببه قبل إقامة حده فالموالاة بين حدين فيه تخرجه عن موضوعه والقصاص يجوز أن يقطع أطرافه كلها في قصاص واحد فإذا جاز لواحد فلاثنين أولى " مسألة " (الثاني الفرقة بينهما وعنه لا تحصل حتى يفرق الحاكم بينهما) وجملة ذلك أن الفرقة بين المتلاعنين لا تحصل إلا بتلاعنهما جميعاً وهل يعتبر تفريق الحاكم؟ فيه روايتان (إحداهما) لا يعتبر وإن الفرقة تحصل بمجرد لعانهما وهي اختيار أبي بكر وقول مالك وأبي

مسألة الثاني الفرقة بينهما وعنه لا تحصل حتى يفرق الحاكم بينهما

عبيد وابي ثور وداود وزفر وابن المنذر، وروي ذلك عن ابن عباس لما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: المتلاعنان يفرق بينهما ولا يجتمعان أبداً رواه سعيد: ولأنه معنى يقتضي التحريم المؤبد فلم يقف على حكم الحاكم كالرضاع، ولأن الفرقة لو لم تحصل إلا بتفريق الحاكم لساغ ترك التفريق إذا كرهاه كالتفريق للعنت والإعسار ولوجب أن الحاكم إذا لم يفرق بينهما إن يبقى النكاح مستمراً، وقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا سبيل لك عليها " يدل على هذا وعلى هذا تفريقه بينهما بمعنى إعلامه لهما حصول الفرقة (والثانية) لا تحصل الفرقة حتى يفرق الحاكم بينهما وهو ظاهر كلام الخرقي وقول أصحاب الرأي لقوله ابن عباس في حديثه ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما وهذا يقتضي أن الفرقة لم تحصل قبله وفي حديث عويمر قال كذبت عليها يا رسول الله أمسكتها فطلقها ثلاثاً قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا يقتضي إمكان إمساكها وأنه وقع طلاقه ولو كانت الفرقة وقعت قبل ذلك لما وقع طلاقه ولا أمكنه إمساكها ولأن سبب هذه الفرقة يتوقف على الحاكم فالفرقة المتعلقة به لا تقع إلا بحكم حاكم كتفرقة العنة وعلى كلتا الروايتين لا تحصل الفرقة قبل تمام لعانهما، وقال الشافعي تحصل الفرقة بلعان الزوج وحده وإن لم تتقين المرأة لأنها فرقة حاصلة بالقول فتحصل بقول الزوج وحده كالطلاق. قال شيخنا ولا نعلم احد وافق الشافعي على هذا القول

وحكي عن البتي انه لا يتعلق باللعان فرقه لما روي أن العجلاني لما لاعن امرأته طلقها ثلاثاً فأنفذه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو وقعت الفرقة لما نفذ طلاقه وكلا القولين لا يصح لأن النبي صلى الله عليه وسلم فرق بين المتلاعنين رواه عبد الله بن عمر وسهل بن سعد أخرجهما مسلم وقال سهل فكانت سنة لمن كان بعدهما أن يفرق بين المتلاعنين، وقال عمر المتلاعنان يفرق بينهما ثم لا يجتمعان أبداً، وأما القول الآخر فلا يصح لأن الشرع إنما ورد بالتفريق بين المتلاعنين ولا يكونان متلاعنين بلعان أحدهما وإنما فرق النبي صلى الله عليه وسلم بعد تمام اللعان منهما فالقول بوقوع الفرقة قبله تحكم يخالف مدلول السنة وفعل النبي صلى الله عليه وسلم ولأن لفظ اللعان لا يقتضي فرقة فإنه إما أيمان على زناها أو شهادة بذلك ولولا ورد الشرع بالتفريق بينهما لم تحصل الفرقة وانما ورد الشرع بها بعد لعانهما فلا يجوز تعليقها على بعضه كما لم يجز تعلقيها على بعض لعان الزوج ولأنه فسخ ثبت لأيمان مختلفين فلم يثبت يمين أحدهما كالفسخ لتحالف المتبايعين عند الاختلاف ويبطل ما ذكروه بالفسخ بالعيب أو العتق وقول الزوج اختاري نفسك أو أمرك بيدك أو وهبتك لأهلك أو لنفسك واشباه ذلك كثير إذا ثبت هذا فإن قيل أن الفرقة تحصل بلعانهما فلا تحصل إلا بعد إكمال اللعان بينهما وإن قلنا لا تحصيل الا بتفريق لحاكم لم يجز له ان تفريق بينهما إلا بعد كمال لعانها فإن فرق قبل ذلك كان

تفريقه باطلاً وجوده كعدمه. وبهذا قال مالك وقال الشافعي لا تقع الفرقة حتى يكمل للزوج لعانه وقال أبو حنيفة ومحمد بن الحسن إذا فرق بينهما بعد أن لاعن كل واحد منهما ثلاث مرات أخطأ السنة والفرقة جائزة وإن فرق بينهما بأقل من ثلاث فالفرقة باطلة لأن من أتى بالثلاث فقد أتى بالأكثر فتعلق الحكم به ولنا أنه تفريق قبل تمام اللعان فلم يصح كما لو فرق بينهما لأقل من ثلاث أو قبل لعان المرأة ولانها أيمان مشروعة لا يجوز للحاكم الحكم قبلها بالإجماع فإذا حكم لم يصح حكمه كأيمان المختلفين في البيع وكما قبل الثلاث ولأن الشرع إنما ورد بالتفريق بعد كمال السبب فلم يجز قبله كسائر الأسباب وما ذكروه تحكم لا دليل عليه ولا أصل له ثم يبطل بما إذا شهد بالدين رجل وامرأة واحدة أو بمن توجهت عليه اليمين إذا أتى بأكثر حروفها وبالمسابقة اذا قال من سبق إلى خمس إصابات فسبق إلى ثلاثة وبسائر الأسباب فأما إذا تم اللعان فللحاكم أن يفرق بينهما من غير استئذانهما لأن النبي صلى الله عليه وسلم فرق بين المتلاعنين ولم يستأذنهما وروى مالك عن نافع عن ابن عمر أن رجلاً لاعن امرأته في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتفى من ولدها ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما وألحق الولد بالمرأة وروى سفيان عن الزهري عن سهل بن سعد قال شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرق بين المتلاعنين أخرجهما

سعيد ومتى قلنا إن الفرقة لا تحصل إلا بتفريق الحاكم فلم يفرق بينهما فالنكاح بحاله باق لأن ما يبطل النكاح لم يوجد فأشبه ما لو لم يلاعن (فصل) وفرقة اللعان فسخ وبهذا قال الشافعي وقال أبوحينفة هي طلاق لأنها فرقة من قبل الزوج تختص النكاح فكان طلاقاً كالفرقة بقوله أنت طالق ولنا أنها فرقة توجب تحريماً مؤبداً فكانت فسخا كفرقة الرضاع ولأن اللعان ليس بصريح في الطلاق ولا نوى به الطلاق فلم يكن طلاقاً كسائر ما ينفسخ به النكاح ولأنه لو كان طلاقاً لوقع بلعان الزوج دون لعان المرأة (فصل) ذكر بعض أهل العلم أن الفرقة إنما حصلت باللعان لأن لعنة الله وغضبه قد وقع بأحدهما لتلاعنهما فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال عند الخامسة " إنها الموجبة " أي أنها توجب لعنة الله وغضبه ولا نعلم من هو منهما يقيناً ففرقنا بينهما خشبة أن يكون هو الملعون فيلعنو امرأة غير ملعونة وهذا لا يجوز كما لا يجوز أن يعلو المسلمة كافر ويمكن أن يقال على هذا لو كان هذا الاحتمال مانعاً من دوام نكاحهما لمنعه من نكاح غيرها فإن هذا الاحتمال متحقق فيه. ويحتمل أن يكون الموجب للفرقة وقوع اللعنة أو الغضب بأحدهما غير معين فيفضي إلى علو ملعون غير ملعونة أو إلى امساك معلونة مغضوبة عليها

ويحتمل أن سبب الفرقة النفرة الحاصلة من إساءة كل واحد منهما إلى صاحبها فإن الرجل إن كان صادقاً فقد أشاع فاحشتها وفضحها على رءوس الاشهاد واقامتها مقام خزي وحقق عليها الغضب وقطع نسب ولدها وإن كان كذبا فقد أضاف إلى ذلك بهتها وقذفها بهذه الفرقه العظيمة والمرأة إن كانت صادقة فقد أكذبته على رءوس الأشهاد وأوجبت عليه لعنة الله وإن كانت كاذبة فقد أفسدت فراشه وخانته في نفسها وألزمته اللعان والفضيحة وأحوجته إلى هذا المقام المخزي فحصل لكل واحد منهما نفرة من صاحبه لما حصل إليه من إساءة لا يكاد يلتئم لهما معها حال فاقتضت حكمة الشارع التزام الفرقة بينهما وإزالة الصحبة المتمحضة مفسدة ولأنه إن كان كاذبا عليها فلا ينبغي أن يسلط على إمساكها مع ما صنع من القبيح إليها وإن كان صادقاً فلا ينبغي أن يمسكها مع علمه بحالها ولهذا قال العجلاني كذبت عليها إن أمسكتها " مسألة " (الثالث: التحريم المؤبد وعنه أنه إن اكذبت نفسه حلت له) ظاهر المذهب أن الملاعنة تحرم على الملاعن تحريماً مؤبداً فلا تحل له وإن أكذب نفسه ولا خلافا بين أهل العلم في أنه إذا لم يكذب نفسه أنها لا تحل له إلا أن يكون قولاً شاذاً فإن أكذب نفسه فالذي رواه الجماعة عن أحمد أنها لا تحل له أيضاً وجاءت الأخبار عن عمر وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم أن المتلاعنين لا يجتمعان أبداً وبه قال الحسن وعطاء وجابر بن زيد والنخعي والزهري

مسألة الثالث التحريم المؤبد وعنه أنه إن أكذب نفسه حلت له

والحكم ومالك والثوري والاوزاعي والشافعي وأبو عبيد وأبو ثور وابو يوسف، وعن أحمد رواية أخرى أنه إن أكذب نفسه حلت له وعاد فراشه بحاله وهي رواية شاذ شذ بها حنبل عن أصحابه قال أبو بكر لا نعلم أحدا رواها غيره. قال شيخنا وينبغي أن تحمل هذه الرواية على ما إذا لم يفرق الحاكم فأما مع تفريق الحاكم بينهما فلا وجه لبقاء النكاح بحاله، وقد ذكرنا أن مذهب البتي أن اللعان لا يتعلق به فرقة وعن سعيد بن المسيب إن أكذب نفسه فهو خاطب من الخطاب. وبه قال أبو حنيفة ومحمد بن الحسن لأن فرقة اللعان عندهما طلاق وقال سعيد بن جبير إن أكذب نفسه ردت إليه مادامت في العدة. ولنا ما روى سهل بن سعد قال مضت السنة في المتلاعنين أن يفرق بينهما ثم لا يجتمعان أبداً رواه الجوزجاني باسناده في كتابه وروي مثل هذا عن الزهري ومالك ولأنه تحريم لا يرتفع قبل الحد والتكذيب فلم يرتفع بهما كتحريم الرضاع (مسألة) وإذا قلنا تحل له بإكذاب نفسه فإن لم يكن وجد منه طلاق فهي باقية على النكاح) لأن اللعان على هذا القول لا يحرم على التأييد وإنما يؤمر بالطلاق كما يؤمر المولى به إذا لم يأت بالفيئة فإذا لم يأت بالطلاق بقي النكاح بحاله وزوال الإجبار على الطلاق لتكذيبه نفسه كما لو امتنع

مسألة وإذا قلنا تحل له بإذاب نفسه فإن لم يكن وجد منه طلاق فهي باقية على النكاح

المولى من الفئية فأمر بالطلاق فعاد فأجاب إلى الفيئة، وان جاء منه طلاق دون الثلاث فله رجعتها كالمطلقة دون الثلاث بغير عوض (مسألة) (الرابع انتفاء الولد عنه بمجرد اللعان ذكره أبو بكر وينتفي عنه حملها وإن لم يذكره وقال الخرقي لا ينتفي حتى يذكره في اللعان) وجملة ذلك أن الزوج إذا ولدت امرأته ولداً يمكن أن يكون منه فهو ولده في الحكم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " الولد للفراش وللعاهر الحجر " ولا ينتفي عنه إلا أن ينفيه باللعان تام الذي اجتمعت شروطه وهي أربعة (أحدهما) ان يوجد اللعان منهما جميعاً وهذا قول عامة أهل العلم، وقال الشافعي ينتفي بلعان الزوج وحده لأن نفي الولد إنما كان بيمينه والتعانه لا بيمين المرأة على تكذيبه ولا معنى ليمين المرأة في نفي النسب وهي نثبته وتكذب قول من ينفيه وإنما لعانها لدرء الحد عنها كما قال الله تعالى (ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين) ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أنما نفى الولد عنه بعد تلاعنهما فلا يجوز النفي ببعضه كبعض لعان الزوج (الثاني) أن يكمل اللعان منهما جميعاً (الثالث) أن يبدأ الزوج باللعان قبل المرأة فإن بدأت باللعان قبله لم يعتد به وبه قال أبو ثور وابن المنذر، وقال مالك وأصحاب الرأي إن فعل أخطأ السنة والفرقة جائزة وينفى الولد عنه لأن الله تعالى عطف لعانها على لعانه بالواو هي لا تقتضي ترتيباً ولأن اللعان قد وجد منهما جميعاً فأشبه

مسألة الرابع انتفاء الولد عنه بمجرد اللعان ذكره أبو بكر وينتفي عنه حملها وإن لم يذكره وقال الخرقي لا ينتفي

ما ورتب، وعند الشافعي لا يتم اللعان إلا بالترتيب إلا أنه يكفي عنده لعان الرجل وحده لنفي الولد وذلك حاصل مع إخلاله بالترتيب وعدم كمال ألفاظه من المرأة ولنا أنه أتى باللعان على غير ما ورد به القرآن والسنة فلم يصح كما لو اقتصر على لفظة واحدة ولأن لعان الرجل بينة لإثبات زناها ونفى ولدها ولعان المرأة للإنكار فقدمت بينة الإثبات لتقديم الشهود على الأيمان ولأن لعان المرأة لدرء العذاب عنها، ولا يتوجه عليها ذلك إلا بلعان الرجل فإذا قدمت لعانها على لعانه فقد قدمته على وقته فلم يصح كما لو قدمته على القذف (الرابع) أن يذكر نفي الولد في اللعان فإن لم يذكره لم ينتف إلا أن يعيد اللعان ويذكر نفيه وهذا ظاهر كلام الخرقي واختيار القاضي ومذهب الشافعي، فإذا قال أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا يقول وما هذا الولد ولدي، وتقول هي أشهد بالله لقد كذب فيما رماني به من الزنا وهذا الولد ولده في كل لفظة، وقال الشافعي لا تحتاج المرأة إلى ذكره لأنها لا تنفيه ولنا أنها أحد الزوجين فكان ذكر الولد شرطا في لعانه كالزوج وقال أبو بكر لا يحتاج إلى ذكر الولد ونفيه وينتفي بزوال الفراش لأن حديث سهل بن سعد الذي وصف فيه اللعان لم يذكر فيه الولد وقال فيه ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما وقضى أن لا يدعى ولدها لأب ولا يرمى ولدها رواه أبو داود

وفي حديث رواه مسلم عن عبد الله أن رجلاً لاعن امرأة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ففرق النبي صلى الله عليه وسلم بينهما وألحق الولد بأمه. ولنا أن من سقط حقه باللعان كان ذكر مشرطا كالمرأة ولأن غاية ما في اللعان أن يثبت زناها وذلك لا يوجب نفي الولد كما لو أقرت به أو قامت به بينة فأما حديث سهل فقد روي فيه فكانت حاملاً فأنكر حملها من رواية البخاري، وروى ابن عمر أن رجلاً لاعن امرأته في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتفى من ولدها ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما وألحق الولد بالمرأة والزيادة من الثقة مقبولة، فعلى هذا لابد من ذكر الولد في كل لفظة ومع اللعن في الخامسة لأنها من لفظات اللعان، وذكر الخرقي شرطاً خامساً وهو تفريق الحاكم بينهما وهذا على الرواية التي تشترط تفريق الحاكم بينهما لوقوع الأخرى أما على الرواية الأخرى فلا يشترط تفريق الحاكم لنفي الولد كما لا يشترط لدرء الحد عنه ولا لفسخ النكاح، وشرط أيضاً شرطاً سادساً وهو أن يكون قد قذفها وهذا من شروط اللعان وقد ذكرناه (فصل) متى كان اللعان لنفي الولد اشترط ذكره وقد مضى ذلك قال يشترط أن يقول هذا الولد من زنى وليس هو مني وهو مذهب الشافعي لأنه قد يريد بقوله ليس هو مني يعني خلقاً وخلقاً ولم يقتصر على قوله هو من زنى لأنه قد يعتقد أن الوطئ في النكاح الفاسد زنا فأكدنا بذكرهما جميعاً ولنا أنه نفي الولد في اللعان فانتفى به كما لو ذكر اللفظين، وما ذكروه من التأكيد تحكم بغير دليل

ولا ينتفي اللعان بضم إحدى اللفظين إلى الأخرى فإنه إذا اعتقد أنه من وطئ فاسد واعتقد أن ذلك زنا صح منه أن يقول اللفظين جميعاً وقد يريد أنه لا يشبهني خلقاً ولا خلقاً وأنه من وطئ فاسد (مسألة) (وإن نفي الحمل في التعانه لم ينتف حتى ينفيه عند وضعها له ويلاعن) اختلف أصحابنا في ذلك فقال الخرقي وجماعة لا ينتفي الحمل بنفيه قبل الوضع ولا ينتفي حتى يلاعنها بعد الوضع وينتفي الولد فيه، وهذا قول أبي حنيفة وجماعة من أهل الكوفة لأن الحمل غير مستيقن يجوز أن يكون ريحاً أو أو غيرها فيصير فيصير نفيه مشروطاً بوجوده ولا يجوز تعليق اللعان بشرط، وقال مالك والشافعي وجماعة من أهل الحجاز يصح نفي الحمل وينتفي عنه محتجين بحديث هلال بن أمية وأنه نفى حملها فنفاه عنه النبي صلى الله عليه وسلم وألحقه بالأم وبأنه كان حملاً ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم " انظروها فإن جاءت به كذا وكذا " قال ابن عبد البر الآثار الدالة على صحة هذا القول كثيرة وأوردها، ولأن الحمل مظنون بأمارات تدل عليه ولهذا ثبت للحامل أحكام تخالف فيها الحائل من النفقة والفطر في الصيام وترك اقامة الحد عليها وتأخير القصاص عنها وغير ذلك مما يطول ذكره، ويصح استلحاق الحمل فكان كالولد بعد وضعه وهذا القول الصحيح لموافقته ظواهر الأحاديث وما خالف الحديث لا يعبأ به كائناً ما كان، وقال أبو بكر ينتفي الولد بزوال الفراش، ولا يحتاج إلى ذكره في اللعان احتجاجاً بظاهر الأحاديث حيث لم ينقل فيها نفي الحمل ولا التعرض لنفيه، فأما من قال إن الولد لا ينتفي إلا بنفيه بعد الوضع فانه

مسألة وإن نفى الحمل في التعانه لم ينتف حتى ينفيه عند وضعها له ويلاعن

يحتاج إلى عادة اللعان بعد الوضع، وقال أبو حنيفة ومن وافقه أن لاعنها حاملاً ثم أت بولد لزمه ولم يتمكن من نفيه لأن اللعان لا يكون إلا بين زوجين وهذه قد بانت بلعانها في حملها وهذا فيه الزامه ولد ليس منه وسد باب الانتفاء من أولاد الزنا، والله تعالى قد جعل له إلى ذلك سبيلاً وطريقاً فلا يجوز سده وإنما تعتبر الزوجية في الحال التي أضاف إليها الزنا لأن الولد الذي يأتي به يلحقه إذا لم ينفه فيحتاج إلى نفيه، وهذه كانت زوجة في تلك الحال فملك نفيه والله أعلم (فصل) فإن استلحق الحمل فمن قال لا يصح نفيه قال استلحاقه وهو المنصوص عن أحمد ومن أجاز نفيه قال يصح استلحاقه وهو مذهب الشافعي لأنه محكوم بوجوده بدليل وجوب النفقة ووقف الميراث نصح الإقرار به كالمولود، وإذا استلحقه لم يملك نفيه بعد ذلك كما لو استلحقه بعد الوضع، ومن قال لا يصح استلحاقه قال لو صح استلحاقه لزمه بترك نفيه كالمولود ولا يلزمه ذلك بالإجماع ولان للشبه اثراً في الاستلحاق بدليل حديث الملاعنة وذلك مختص بما بعد الوضع فاختص صحة الاستلحاق به فعلى هذا لو استلحقه ثم نفاه بعد وضعه كان له ذلك فأما ان سكت عنه فلم ينفه ولم يستلحقه لم يلزمه عند أحد علمنا قوله لأن بتركه يحتمل أن يكون لأنه لا يتحقق وجوده إلا أن يلاعنها فإن أبا حنيفة الزمه الولد على ما أسلفناه

(فصل) ومن شرط نفي الولد أن لا يوجد منه دليل على الاقرار به فإن أقر به لم يملك نفيه في قول جماعة أهل العلم منهم الشعبي والنخعي وعمر بن عبد العزيز ومالك والشافعي وابن المنذر وأصحاب الرأي، وإن أقر بتوامه أو نفاه وسكت عن توأمه لحقه نسبه ولم يكن له نفيه وقد ذكرناه ولأنه إذا أقر بأحدهما كان إقراراً بالآخر إذ لا يمكن أن يعلم الذي له منهما فإذا نفى الأخير كان رجوعاً عن إقراره فلا يقبل منه ومثله إذا نفاه وسكت عن توأمه (مسألة) (وان هنئ به فسكت كان إقراراً ذكره أبو بكر) لأن السكوت صلح دالاً على الرضا في حق البكر فههنا أولى (مسألة) (فإن امن على الدعاء لزمه في قولهم جميعاً) فإن قال أحسن الله جزاءك أو بارك الله عليك أو رزقك الله مثله لزمه الولد وبهذا قال أبو حنيفة وقال الشافعي لا يلزمه لأنه جازاه على قصده وإذا قال رزقك الله مثله فليس ذلك اقرارا ولا متضمغا له. لنا ان ذلك جواب الراضي في العادة فكان إقراراً كالتأمين على الدعاء (مسألة) (وإن أخر نفيه مع إمكانه لزمه نسبه ولم يكن له نفيه بعد ذلك) وبهذا قال الشافعي قال أبو بكر لا يتقدر ذلك بثلاث هل هو ما جرت به العادة إن كان ليلاً فحتى يصبح وينتشر الناس وإن كان جائعاً أو ظمآن فحتى يأكل أو يشرب أو ينام إن كان ناعساً أو

مسألة وإن أخر نفيه مع إمكانه لزمه نسبه ولم يكن له نفيه بعد ذلك

يلبس ثيابه ويسرج دابته ويركب ويصلي إن حضرت الصلاة ويحرز ماله إن كان غير محرز وأشباه هذا من أشغاله فإن أخره بعد هذا كله لم يكن له نفيه وقال أبو حنيفة له تأخير نفيه يوماً ويومين استحسانا لأن النفي عقيب الولادة يشق فقدر باليومين لقلتهما. وقال أبو يوسف ومحمد يتقدر بمدة النفاس لأنها جارية مجرى الولادة في الحكم. وحكي عن عطاء ومجاهد أن له نفيه ما لم يعترف به كحالة الولادة ولنا أنه خيار لدفع ضرر متحقق فكان على الفور كخيار الشفعة ولأن قول النبي صلى الله عليه وسلم " الولد للفراش " عام خرج منه ما اتفقنا عليه مع السنة الثابتة ففيما عداه يبقى على عموم الحديث، وما ذكره أبو حنيفة يبطل بخيار الرد بالعيب والأخذ بالشفعة، وتقديره بمدة النفاس تحكم لا دليل عليه. وما قاله عطاء يبطل أيضاً بما ذكرناه ولا يلزم عليه القصاص فإنه لاستيفاء حق لا لدفع ضرر ولا الحمل لأنه لم يتحقق ضرره؟ وهل يتقدر الخيار في النفي بمجالس العلم أو بإمكان النفي، على وجهين بناء على المطالبة بالشفعة (مسألة) (فإن قال أخرته رجاء موته لم يعذر بذلك ويبطل خياره لأنه أخر نفيه مع إمكانه لغير عذر)

مسألة فإن قال أخرته رجاء موته لم يعذر بذلك ويبطل خيار لأنه أخر نفيه مع إمكانه لغير عذر

(مسألة) (وإن قال لم أعلم به أو لم أعلم أن لي نفيه أو لم أعلم أن ذلك على الفور وأمكن صدقه قبل منه) إذا أخر نفيه ثم ادعى أنه لم يعلم بالولادة وأمكن صدقه بأن يكون في مكان يخفي عليه ذلك كمن هو في محلة أخرى فالقول قوله مع يمينه لأن الأصل عدم العلم فإن لم يمكن مثل أن يكون معها في الدار لم يقبل لأن ذلك لا يكاد يخفى عليه وإن قال علمت ولادته ولم أعلم أن لي نفيه أو علمت ذلك أو لم أعلم أنه على الفور وكان من يخفي عليه ذلك كعامة الناس قبل منه لأن هذا مما يخفى عليهم فأشبه كما لو كان حديث عهد بإسلام فإن كان فقيهاً لم يقبل منه لأنه مما لا يخفي عليه ذلك ويحتمل أن يقبل منه لأن الفقيه يخفى عليه كثير من الأحكام وقال أصحابنا لا يقبل ذلك من الفقيه ويقبل من الناشئ ببادية وحديث العهد بالإسلام ويقبل من سائر الناس وفيه وجه آخر أنه لا يقبل والأول أولى (مسألة) (وإن أخره لغيبة أو مرض أو شئ يمنعه ذلك لم يسقط نفيه) وجملة ذلك أنه إذا كان له عذر يمنعه من الحضور لنفيه كالمرض والحبس أو الاشتغال بحفظ مال يخاف ضيعة أو بملازمه غريم يخاف فوته او غيبته نظرت فإن كانت مدة ذلك قصيرة فأخره إلى الحضور ليزول عذره لم يبطل نفيه لأنه بمنزلة من علم ذلك ليلاً فأخره إلى الصبح وإن كانت

مسألة وإن قال لم أعلم به أو لم أعلم أن لي نفيه أو لم أعلم أن ذلك على الفور وأمكن صدقه قبل منه

تتطاول ما مكنه التنفيذ الى الحاكم ليبعث اليه من يستوفي عليه اللعان والنفي فلم يفعل سقط نفيه وإن لم يمكنه اشهد على نفسه أنه ناف لولد امرأته فان لم يفعل بطل خياره لأنه إذا لم يقدر على نفيه قام الإشهاد مقامه كما يقيم المريض الفيئة بالقول بدلاً عن الفيئة بالجماع (فصل) فإن قال لم أصدق المخبر به وكان مستفيضاً منتشراً لم يقبل قوله وإن لم يكن مستفيضاً وكان المخبر مشهور العدالة لم يقبل قوله وإلا قبل، وإن قال لم أعلم أن علي ذلك قبل قوله لأنه مما يخفى وإن علم وهو غائب فأمكنه السير فاشتغل به لم يبطل خياره وإن أقام من غير حاجة بطل لأنه أخر لغير عذر، وإن كانت له حاجة تمنعه من السير فهو على ما ذكرنا من قبل وإن أخره من غير عذر بطل وفي كل موضع لزمه الولد لم يكن له نفيه بعد ذلك في قول جماعة أهل العلم مالك والشافعي وابن المنذر وأصحاب الرأي وقال الحسن له أن يلاعن لنفيه مادامت أمه عنده يصير لها الولد ولو أقر به والذي عليه الجمهور أولى فإن أقر به فلم يملك جحده كما لو بانت منه أمه ولأنه أقر بحق عليه فلم يقبل منه جحده كسائر الحقوق

(مسألة) (ومتى أكذب نفسه بعد نفيه لحقه نسبه ولزمه الحد ان كانت المرأة محصنة أو التعزير إن لم تكن محصنة) إذا لاعن الرجل امرأته ونفي ولده ثم أكذب نفسه لحقه الولد اذا كان حيا غنياً كان أو فقيراً بغير خلاف بين أهل العلم وكذلك إن كان ميتاً. وبهذا قال الشافعي وأبو ثور وقال الثوري إذا استلحق الولد الميت وكان إذا مال لم يلحقه لأنه إنما يدعي مالاً وإن لم يكن له مال لحقه وقال أصحاب الرأي إن كان الولد الميت ترك ولداً ثبت نسبه من المستلحق وتبعه نسب ابنه وإن لم يكن ترك ولداً لم يصح استلحاقه ولم يثبت نسبه ولا يرث منه المدعي شيئاً لأن نسبه منقطع بالموت فلم يصح استلحاقه فإذا كان له ولدا كان مستلحقاً لولده وتبعه نسب الميت ولنا أن هذا ولد نفاه باللعان فكان له استلحاقه كما لو كان حياً أو كان له ولد ولأن ولد الولد يتبع نسب الولد وقد جعل أبو حنيفة نسب الولد تابعا لنسب ابنه فجعل الاصل تابع للفرع وذلك باطل فأما قول الثوري إنه إنما يدعي مالاً قلنا إنما يدعي النسب والميراث تبع له فإن قيل فهو متهم في أن غرضه في حصول الميراث قلنا النسب لا يمنع التهمة لحوقه بدليل أنه لو كان له أخ يعاديه فأقر بابن لزمه وسقط ميراث أخيه ولو كان الابن حياً غنياً والأب فقيراً فاستلحقه فهو متهم في إيجاب

مسألة ومتى أكذب نفسه بعد نفيه لحقه نسبه ولزمه الحد إن كانت المرأة محصنة أو التعزير إن لم تكن محصنة

نفقته على ابنه ويقبل قوله كذلك ههنا ثم كان ينبغي أن يثبت ههنا لأنه حق للولد ولا تهمة فيه ولا يثبت الميراث المختص بالتهمة ولا يلزم من انقطاع البيع انقطاع الأصل قال القاضي يتعلق باللعان أربعة أحكام حقان عليه وجوب الحد ولحوق النسب. وحقان له الفرقة والتحريم المؤبد فإذا أكذب نفسه قبل قوله فيما عليه فلزمه الحد والنسب ولم يقبل فيما له فلم تزل الفرقة ولا التحريم المؤبد (فصل) فإن لم يكذب نفسه ولكن لم تكن له بينة ولا لاعن أقيم عليه الحد فإن أقيم عليه بعضه فأراد اللعان وقال أنا ألاعن قبل منه لأن اللعان يسقط جميع الحد فيسقط بعضه كالبينة فإن ادعت زوجته أنه قذفها بالزنا فأنكر فأقامت عليه بينة أنه قذفها بالزنا فقال صدقت البينة وليس ذلك قذفاً لأن القذف الرمي بالزنا كذباً وأنا صادق فيما رميتها به ولم يكن ذلك إكذاباً لنفسه لأنه مصر على رميها بالزنا وله إسقاط الحد باللعان ومذهب الشافعي في هذا الفصل كمذهبنا فأما إن قال ما زنت ولا رميتها بالزنا فقامت البينة عليه بقذفها لزمه الحد ولم تسمع بينته ولا لعانه، نص عليه أحمد لأن قوله ما زنت تكذيب للبينة واللعان فلا يثبت له حجة قد أكذبها وجرى هذا مجرى قوله في الوديعة اذا ادعيت عليه فقال ما أودعتني فقامت عليه البينة بالوديعة فادعى الرد أو التلف لم يقبل ولو أجاب بانه ما له عندي شئ أو لا يستحق علي شيئاً فقامت عليه البينة فادعى الرد أو التلف قبل منه

(مسألة) (ويلزمه الحد إذا أكذب نفسه سواء أكذبها قبل لعانها أو بعده) وهذا قول الشافعي وأبي ثور وأصحاب الرأي ولا نعلم لهم مخالفاً لأن اللعان أقيم مقام البينة في حق الزوج فإذا أكذب نفسه بان أن لعانه كذب وزيادة في هتكها وتكرار لقذفها فلا أقل من أن يجب الحد الذي كان واجباً بالقذف المجرد فإن عاد عن اكذاب نفسه وقال لي بينة أقيمها بزناها أو أراد إسقاط الحد عنه باللعان لم تسمع لأن البينة واللعان لتحقيق ما قاله وقد اقر بكذب ننفسه فلا يسمع منه خلافه. وهذا إذ كانت المقذوفة محصنة فإن كانت غير محصنة فعليه التعزير. (فصل) فيما يلحق من النسب، من أتت امرأته بولد يمكن كونه منه وهو أن يأتي به بعد ستة أشهر منذ أمكن اجتماعه بها ولأقل من أربع سنين منذ أبانها وهو ممن يولد لمثله كابن عشر سنين لحقه الولد لقول النبي صلى الله عليه وسلم " الولد للفراش " ولأن مع ذلك يمكن كونه منه وقدرناه بعشر سنين لقول النبي صلى الله عليه وسلم " واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع " وقال القاضي يلحق به إذا أتت له تسعة أعوام ونصف مدة الحمل قياساً على الجارية وقال أبو بكر لا يلحقه حتى يبلغ لأن الولد إنما يكون من الماء ولا ينزل حتى يبلغ

مسألة ويلزمه الحد إذا أكذب نفسه سواء أكذبها قبل لعانها أو بعده

ولنا أنه زمن يمكن البلوغ فيه فيلحقه الولد كالبالغ. وقد روي أن عمرو بن العاص وابنه لم يكن بينهما إلا اثنا عشر عاماً وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتفريق بينهم دليل على امكان الوطئ الذي هو سبب الولادة. واما قياس الغلام على الجارية فغير صحيح فإن الجارية يمكن الاستمتاع بها لتسع عادة وقد تحيض لتسع والغلام لا يمكنه الاستمتاع لتسع ما عهد بلوغ غلام لتسع. (مسألة) فأما إن أتت به لدون ستة أشهر منذ تزوجها أو لأكثر من أربع سنين منذ أبانها لم يلحق الزوج لأنا علمنا أنها علقت به قبل النكاح ولا يحتاج إلى نفيه باللعان لأن اللعان يمين واليمين جعلت لتحقيق أحد الجائزين ونفي أحد المحتملين وما لا يجوز لا يحتاج إلى نفيه (مسألة) (وإن أقرت بانقضاء عدتها بالقروء ثم أتت به لأكثر من ستة أشهر لم يلحق بالزوج) وهذا قول أبي العباس ابن شريح وقال غيره من أصحاب الشافعي يلحق به لأنه يمكن أن يكون منه والولد يحلق بالإمكان

مسألة فأما إن أتت به لدون ستة أشهر مد تزوجها

ولنا أنها أتت به بعد الحكم بإنقضاء عدتها في وقت يمكن أن لا يكون منه فلم يلحقه كما لو انقضت عدتها بوضع الحمل وإنما يعتبر الإمكان مع بقاء الزوجية أو العدة وأما بعدهما فلا يكتفى بالإمكان للحاقه وإنما يكتفى بالإمكان لنفيه وذلك لأن الفراش سبب ومع وجود السبب يكتفى بإمكان الحكمة واحتمالها فإذا انتفى السبب وآثاره انتفى الحكم لانتفائه ولا يلتفت إلى مجرد الإمكان. فأما إن طلقها فاعدت بالأقراء ثم ولدت ولداً قبل مضي ستة أشهر من آخر أقرائها لحق الزوج لأنا تيقنا أنها لم تحمله بعد انقضاء عدتها ويعلم أنها كانت حاملاً به في زمن رؤية الدم فيلزم أن لا يكون الدم حيضاً فلم تنقض عدتها به. (مسألة) (فإن طلقها وهي حامل فولدت ثم ولدت آخر قبل مضي ستة أشهر فهو من الزوج) لأنا نعلم أنهما حمل واحد فإذا كان أحدهما منه فالآخر منه وإن كان بينهما أكثر من ستة أشهر لم يلحق بالزوج وانتفى عنه من غير لعان لأنه لا يمكن أن يكون الولدان حملاً واحداً وبينهما مدة الحمل فعلم أنها علقت به بعد زوال الزوجية وانقضاء العدة وكونها أجنبية فهي كسائر الاجنبيات (مسألة) (أو مع العلم بأنه لم يجتمع بها)

مسألة فإن طلقها وهي حامل فولدت ثم ولدت آخر قبل مضي ستة أشهر فهو من الزوج

كالذي يتزوجها بحضرة الحاكم ويطلقها في المجلس قبل غيبته عنهم ثم أتت المرأة بولد لستة أشهر أو يتزوجها وبينهما مسافة لا يصل إليها في المدة التي ولدت فيها كمشرقي يتزوج بمغربية ثم مضت ستة أشهر وأتت بولد لم يلحقه وبذلك قال مالك والشافعي وقال أبو حنيفة يلحقه نسبه لأن الولد إنما يلحقه بالعقد ومدة الحمل ألا ترى انكم قلتم إذ امضى زمان الإمكان لحق الولد وإن علم أنه لم يحصل منه الوطئ. ولنا أنه لم يحصل امكان الوطئ في هذا العقد فلم يلحق به الولد كزوجية الطفل أو كما لو ولدته لدون ستة أشهر وفارق ما قاسوا عليه فإن الإمكان إذا وجد لم يعلم أنه ليس منه قطعاً لجواز أن يكون وطئها من حيث لا نعلم ولا سبيل لنا إلى معرفة حقيقة الوطئ فعلقنا الحكم على إمكانه في النكاح ولم يجز حذف الامكان عن الاعتبار لأنه إذا انتفى حصل اليقين بانتفائه عنه فلم يجز إلحاقه بدفع يقين كونه ليس منه.

(مسألة) (أو صبي دون عشر سنين أو مقطوع الذكر والأنثيين) أما الصبي الذي له دون عشر سنين فقد ذكرناه في أول الفصل. واما مقطوع الذكر والأنثيين فلا يلحق به الولد في قول عامة أهل العلم لأنه يستحيل منه الإيلاج والإنزال. فإن قطعت أنثياه دون ذكره فكذلك لأنه لا ينزل ماء يخلق منه الولد وقال أصحابنا يلحقه وفيه بعد قالوا لأنه يتصور منه الإيلاج وينزل ماء رقيقاً ولنا أن هذا لا يخلق منه الولد عادة ولا وجد ذلك فأشبه ما لو قطع ذكره معهما ولا اعتبار بإيلاج لا يخلق منه الولد فهو كما لو أولج أصبعه. فأما إن قطع ذكره وحده فقد قيل يلحقه الولد لأنه يمكن أن يساحق فينزل ما يخلق منه الولد فيدخل الماء إلى فرج المرأة ولهذا ألحقنا ولد الأمة بسيدها إذا اعترفت بوطئها فيما دون الفرج

مسألة أو صبي دون عشر أو مقطوع الذكر والأنثيين

ولأصحاب الشافعي اختلاف في ذلك كنحو ما ذكرنا من الاختلاف عندنا. وقال ابن اللبان لا يلحقه الولد في هاتين الصورتين في قول الجمهور وقال بعضهم يلحقه بالفراش وهو غلط لأن الولد إنما يلحق بالفراش إذا أمكن، ألا ترى أنها إذا ولدت بعد شهر منذ تزوجها لم يلحقه وههنا لا يمكن لفقد المني من المسلول وتعذر اتصال المني الى قعر الرحم من المجبوب ولا معنى لقول من قال يجوز أن تستدخل المرأة مني الرجل فتحبل لأن الولد مخلوق من مني الرجل والمرأة جميعاً ولذلك يأخذ الشبه منهما وإذا استدخلت المني بغير جماع لم يحدث لها لذة تمني بها فلا يختلط منهما، ولو صح ذلك لكان الأجنبيان الرجل والمرأة إذا تصادقا أنها استدخلت منيه وإن الولد من ذلك المني يحلقه نسبه وما قال ذلك أحد، والذي ذكره ابن اللبان إنما يصح إذا استدخلت منيه من غير مباشرة فأما مع المباشرة والمساحقة فيمكن أن يحدث لها شهوة ينزل المني معها فتحبل فلا يشبه ما ذكره من الأصل والله أعلم (مسألة) (وإن طلقها طلاقاً رجعياً فولدت لأكثر من أربع سنين منذ طلقها ولأقل من أربع سنين منذ انقضت عدتها ففيه وجهان) (أحدهما) لا يلحقه بنسبه وينتفي عنه بغير لعان لأنها علقت به بعد طلاقه فأشبهت البائن

مسألة وإن طلقها طلاقا رجعيا فولدت لأكثر من أربع سنين منذ طلقها ولأقل من أربع سنين منذ انقضت عدتها

(والثاني) يلحقه لأنها في حكم الزوجات في السكنى والنفقة والطلاق والظهار والإيلاء والحل في رواية فأشبهت ما قبل الطلاق، فأما إن وضعته لأكثر من أربع سنين منذ انقضت العدة لم يلحق به لأنها حلت به بعد زوال الفراش وكذلك إن كان الطلاق بائناً فوضعته لأكثر من أربع سنين من حين الطلاق فإنه ينتفي عنه بغير لعان ولا يحلقه لذلك (فصل) إذا غاب عن زوجته سنين فبلغها وفاته فاعتدت ونكحت نكاحاً صحيحاً في الظاهر ودخل بها الثاني وأولدها أولاداً ثم قدم الأول فسخ نكاحا الثاني وردت إلى الأول وتعتد من الثاني ولها عليه صداق مثلها والأولاد له لأنهم ولدوا على فراشه، روى ذلك عن علي رضي الله عنه وهو قول الثوري وأهل العراق وابن أبي ليلى ومالك وأهل الحجاز والشافعي وإسحاق وأبي يوسف وغيرهم من أهل العلم الا أبا حنيفة، قال الولد للأول لأنه صاحب الفراش لانه نكاحه صحيح ثابت ونكاح الثاني غير ثابت فأشبه الأجنبي ولنا أن الثاني انفرد بوطئها في نكاح يلحق النسب في مثله فكان الولد له كوالد الأمة من زوجها يلحقه دون سيدها وفارق الأجنبي فإنه ليس له نكاح

(فصل) ولو وطئ رجل امرأة لا زوج لها بشبهة فأتت بولد لحقه نسبه وهو قول الشافعي وأبي حنيفة، وقال القاضي وجدت بخط أبي بكر أنه لا يلحق به لأن النسب لا يلحق إلا في نكاح صحيح أو فاسد أو ملك أو شبهة ملك ولم يوجد شئ من ذلك، ولأنه وطئ لا يسند إلى عقد فلم يلحق الولد فيه الواطئ كالزنا، والصحيح في المذهب الأول، قال أحمد كل من درأت عند الحد ألحقت به الولد ولانه وطئ اعتقد الواطئ حله فلحق به النسب كالوطئ في النكاح الفاسد، وفارق وطئ الزنا فإنه لا يعتقد الحل فيه. (فصل) ولو تزوج رجلان أختين فغلط بهما عند الدخول فزفت كل واحدة منهما الى زوج الأخرى فوطئها وحملت منه لحق الولد بالواطئ لأنه يعتقد حله فلحق به النسب كالواطئ في نكاح فاسد وقال أبو بكر لا يكون الولد للواطئ وإنما يكون للزوج وهو الذي يقتضيه مذهب أبي حنيفة لأن الولد للفراش. ولنا أنه الواطئ انفرد بوطئها فيما يلحق به النسب فلحق به كما لو لم تكن ذات زوج وكما

لو تزوجت امرأة المفقود عند الحكم بوفاته ثم بان حيا والخبر مخصوص بهذا فنقيس عليه ما كان في معناه. (فصل) وان وطئت امرأته أو أمته بشبهة في طهر لم يصبها فيه فاعتزلها حتى أتت بولد لستة أشهر من حين الوطئ لحق الواطئ وانتفى عن الزوج من غير لعان، وعلى قول أبي بكر وأبي حنيفة يلحق الزوج لأن الولد للفراش، وان أنكر الواطئ الوطئ فالقول قوله بغير يمين ويلحق نسب الولد بالزوج لأنه لا يمكن إلحاقه بالمنكر ولا تقبل دعوى الزوج في قطع نسب الولد، وإن أتت بالولد لدون ستة أشهر من حين الوطئ لحق الزوج بكل حال لأننا نعلم أنه ليس من الواطئ، فإن اشتركها في وطئها في طهر فأتت بولد يمكن أن يكون منهما لحق الزوج لأن الولد للفراش وقد أمكن كونه منه وإن ادعى الزوج أنه من الواطئ فقال بعض أصحابنا يعرض على القافة معهما فيلحق بمن ألحقته به منهما فان ألحقته بالواطئ لحقه ولم يملك نفيه عن نفسه وانتفى عن الزوج بغير لعان وإن الحقته بالزوج لحق ولم يملك نفيه باللعان في أصح الروايتين وإن ألحقته بهما لحق بهما ولم يملك الواطئ نفيه عن نفسه، وهل يملك الزوج نفيه باللعان؟ على روايتين، فإن لم يوجد قافة أو اشتبهه عليهم لحق الزوج لأن المقتضي للحاق

النسب به متحقق ولم يوجد ما يعارضه فوجب إثبات حكمه، ويحتمل أن يلحق الزوج بكل حال لأن دلالة قول القافة ضعيفة ودلالة الفراش قوية فلا يجوز ترك دلالته لمعارضة دلالة ضعيفة (فصل) فإن أتت امرأته بولد فادعى أنه من زوج قبله نظرنا فإن كانت تزوجت بعد انقضاء العدة لم يلحق بالأول بحال، وإن كان بعد أربع سنين منذ بانت من الأول لم يلحق به أيضاً وإن وضعته لأقل من ستة أشهر منذ تزوجها الثاني لم يلحق به وينتفي عنهما وإن كان لأكثر من ستة أشهر فهو ولده، وإن كان لأكثر من ستة أشهر منذ تزوجها الثاني ولأقل من أربع سنين من طلاق الأول ولم يعلم انقضاء العدة عرض على القافة وألحق بمن ألحقته به منهما فإن ألحقته بالأول انتفى عن الزوج بغير لعان وإن ألحقته بالزوج انتفى عن الأول ولحق بالزوج وهل له نفيه باللعان؟ على روايتين (فصل) قال رضي الله عنه (ومن اعترف بوطئ أمته في الفرج أو دونه فأتت بولد لستة أشهر لحقه نسبه وإن ادعى العزل إلا أن يدعي الاستبراء وهل يحلف؟ على وجهين) من اعترف بوطئ أمته في الفرج صارت فراشاً له فإذا أتت بولد لمدة الحمل من يوم الوطئ لحقه نسبه وبهذا قال

مالك والشافعي وقال الثوري وأبو حنيفة لا تصير فراشاً حتى يقر بولدها فإذا أقر به صارت فراشاً ولحقه أولاده بعد ذلك لأنها لو صارت فراشا بالوطئ لصارت فراشاً بإباحته كالزوجة ولنا أن سعداً نازع عبد بن زمعة في ابن وليدة زمعة، فقال هو أخي وابن وليدة أبي ولد على فراشه فقال النبي صلى الله عليه وسلم " هو لك يا عبد بن زمعة، الولد للفراش وللعاهر الحجر " متفق عليه، وروى ابن عمر أن عمر رضي الله عنه قال ما بال رجال يطؤن ولائدهم ثم يعزلون لا تأتيني وليدة يعترف سيدها أنه ألم بها إلا ألحقت به ولدها فاعتزلوا بعد ذلك أو اتركوا، ولان الوطئ يتعلق به تحريم المصاهرة فإذا كان مشروعاً صارت به المرأة فراشاً كالنكاح، ولأن المرأة إنما سميت فراشاً تجوزاً إما لمضاجعته لها على الفراش وإما لكونها تحته في حال المجامعة وكلا الأمرين يحصل في الجماع، وقياسهم الوطئ على الملك لا يصح لأن الملك لا يتعلق به تحريم المصاهرة ولا تنعقد في محل يحرم الوطئ فيه، كالمجوسية والوثنية وذوات محارمه. إذا ثبت هذا فإنه إذا أراد نفي ولد أمته التي يلحقه ولدها فطريقه أن يدعي أنه استبرأها بعد وطئه لها بحيضة فينتفي بذلك وإن ادعى أنه كان يعزل عنها لحقه النسب ولم ينتف عنه

بذلك لما روى جابر قال جاء رجل من الانصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن لي جارية وأنا أطوف عليها وأنا أكره أن تحمل فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " اعزل عنها إن شئت فإنه سيأتيها ما قدر لها " رواه أبو داود ولما ذكرنا من حديث عمر وروي عن أبي سعيد أنه قال كنت أعزل عن جاريتي فولدت أحب الخلق إلي يعني ابنه، ولأنه حكم تعلق بالوطئ فلم يعتبر معه الاعتزال كسائر الأحكام وقد قيل إنه ينزل من الماء ما لا يحس به، فأما إن أقر بالوطئ دون الفرج أو في الدبر لم تصر بذلك فراشاً لأنه ليس بمنصوص عليه ولا في معنى المنصوص وروى عن أحمد أنها تصير فراشاً لأنه قد يجامع فيسبق الماء إلى الفرج، ولأصحاب الشافعي وجهان كهذين، وإذا اعى الاستبراء قبل قوله بغير يمين في أحد الوجهين لأن من قبل قوله في الاستبراء قبل بغير يمين كالمرأة تدعي انقضاء عدتها، وفي الآخر يستحلف وهو مذهب الشافعي لقوله عليه الصلاة والسلام " ولكن اليمين على المدعى عليه " ولأن الاستبراء غير مختص به فلم يقبل قوله فيه بغير يمين كسائر الحقوق، ومتى لم يدع الاستبراء لحقه ولدها ولم ينتف عنه وقال الشافعي في أحد قوليه له نفيه باللعان لأنه ولد لم يرض به فأشبه ولد المرأة

ولنا قوله تعالى (والذين يرمون أزواجهم) فخص بذلك الآزواج ولأنه ولد يلحقه نسبه من غير الزوجة فلم يملك نفيه باللعان كما لو وطئ أجنبية بشبهة فألحقت الفاقة ولدها به ولأن له طريقاً إلى نفي الولد بغير اللعان فلم يحتج إلى نفيه باللعان فلا يشرع ولأنه لو وطئ أمته ولم يستبرئها فأتت بولد احتمل أن يكون منه فلم يجز له نفيه لكون النسب يلحق بالإمكان فكيف مع الظهور ووجود نسبه؟ فإن ادعى الاستبراء فأتت بولدين فأقر بأحدهما ونفى الآخر لحقاه معاً لأنه لا يمكن جعل أحدهما منه والآخر من غيره وهما حمل واحد ولا يجوز نفي الولد المقر به عنه مع اقراره به فوجب إلحاقهما به معاً وكذلك لو أتت التي لم يعترف بوطئها بولدين توأمين فاعترف بأحدهما ونفى الآخر (مسألة) (وإن أعتقها أو باعها بعد اعترافه بوطئها فأتت بولد لدون ستة أشهر من حين العتق أو البيع فهو ولده) لأنها حملت به وهي فراش لأن أقل الحمل ستة أشهر فإذا أتت به لأقل من ذلك علم أن حملها

مسألة وإن أعتقها أو باعها بعد اعترافه بوطئها فأتت بولد لدون ستة أشهر من حين العتق أو لبيع فهو ولده

كان قبل بيعها فيلحق النسب به كما لو لم يبعها وتصير أم ولد والبيع باطل لأنها صارت أم ولد (مسألة) (وكذلك إن لم يستبرئها فأتت به لأكثر من ستة أشهر فادعى المشتري أنه منه سواء ادعاه البائع أو لم يدعه) لأنه وجد منه سببه وهو الوطئ ولم يوجد ما يعارضه ولا يمنعه فتعين إحالة حكمه عليه وإلحاق الولد بمن وجد السبب منه سواء ادعاه البائع أو لا (مسألة) (وإن استبرئت ثم أتت بولد لأكثر من ستة أشهر لم يلحقه نسبه) لأن الاستبراء يدل على براءتها من الحمل وقد أمكن أن يكون من غيره لوجود مدة الحمل بعد الاستبراء مع قيام الدليل على ذلك، فإما إن أتت به لأقل من ستة أشهر فقد علمنا أنها كانت حاملاً في زمن الاستبراء فيكون الاستبراء غير صحيح وتكون بمنزلة من لم يستبرئها وكذلك إن لم يستبرئ ولم يقر المشتري له به ولد أمة المشتري فلا تقبل دعوى غيره له إلا بإقرار من المشتري

مسألة وإن استبرئت ثم أتت بولد لأكثر من ستة أشهر لم يلحقه نسبه

(مسألة) (فأما إن لم يكن البائع أقر بوطئها قبل بيعها لم يلحقه الولد بحال سواء ولدته لستة أشهر أو لأقل منها) لأنه يحتمل أن يكون من غيره وإن اتفقا على أنه ولد البائع لحقه لأن الحق لهما فيثبت باتفاقهما (مسألة) (وإن ادعاه البائع فهو عبد للمشتري) لا يقبل دعوى البائع في الإيلاد لأن الملك انتقل إلى المشتري في الظاهر فلا يقبل قول البائع فيما يبطل حقه كما لو باع عبداً ثم أقر أنه كان أعتقه والقول قول المشتري مع يمينه لأنه منكر. وهل يلحق البائع نسبه؟ على وجهين (أحدهما) يلحقه مع كونه عبداً للمشتري لأنه يجوز أن يكون ابناً لواحد مملوكاً لآخر كولد الأمة المزوجة (والثاني) لا يلحقه لأن فيه ضرراً على المشتري فإنه لو أعتقه كان أبوه أحق بميراثه منه (مسألة) (وإن وطئ المجنون من لا ملك له عليها ولا شبهة ملك فأتت بولد لم يلحقه نسبه لأنه لا يسند إلى ملك ولا اعتقاد إباحة فإن أكرهها على الوطئ فعليه مهر مثلها كالمكلف لأن الضمان يستوي فيه المكلف وغيره والله أعلم

مسألة فأما إن لم يكن البائع أقر بوطئها بيعها لم يلحقه الولد بحال سواء ولدته لستة أشهر أو لأقل منها

كتاب العدد الأصل في وجوب العدة الكتاب والسنة والإجماع أما الكتاب فقوله (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) ، وقوله سبحانه (واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) وقوله سبحانه (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا) وأما السنة فقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشر " وقال لفاطمة بنت قيس " اعتدي في بيت ابن أم مكتوم " في آي واحاديث كثيرة واجتمعت الأمة على وجوب العدة في الجملة وإنما اختلفوا في أنواع فيها (مسألة) (كل امرأة فارقها زوجها في الحياة قبل المسيس والخلوة بها فلا عدة عليها) أجمع العلماء على ذلك لقول الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنان ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها) ولأن العدة إنما وجبت في الأصل لبراءة الرحم وقد تيقناها ههنا

كتاب العدد

(فصل) وتجب العدة على الذمية من الذمي والمسلم. وقال أبو حنيفة إن لم يكن من دينهم لم يلزمها لأنهم لا يخاطبون بفروع الإسلام ولنا عموم الآيات ولأنها بائن بعد الدخول أشبهت المسلمة. وعدتها كعدة المسلمة في قول علماء الأمصار منهم الثوري والشافعي وابو عبيد وأصحاب الرأي وهو قول مالك. وروي عنه أنه قال تعتد من الوفاة بحيضة ولنا عموم قوله تعالى (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا) ولأنها معتدة من الوفاة أشبهت المسلمة (مسألة) (وإن خلا بها وهي مطاوعة فعليها العدة سواء كان بهما أو بأحدهما مانع من الوطئ كالإحرام والصيام والحيض والنفاس والمرض والجب والعنة أو لم يكن إلا ألا يعلم بها كالأعمى والطفل فلا عدة عليها) وجملة ذلك أن العدة تجب على من خلا بها زوجها ولم يمسها ولا خلاف بين أهل العلم في وجوبها على المطلقة بعد المسيس فأما إن خلا بها ولم يصبها ثم طلقها فإن العدة تجب عليها روى ذلك عن الخلفاء الراشدين وزيد وابن عمر وبه قال عروة وعلي بن الحسين وعطاء والزهري والثوري والاوزاعي واسحاق وأصحاب الرأي والشافعي في قديم قوله وقال في الجديد لا عدة عليها لقوله تعالى

مسألة وإن خلا بها وهي مطاوعة فعليها العدة سواء كان بهما او بأحدهما مانع من الوطء كالإحرام والصيام

(يأيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها) وهذا نص ولأنها مطلقة لم تمس فاشبهت من لم يخل بها ولنا إجماع الصحابة فروى الإمام أحمد والاثرم بإسنادهما عن زرارة بن أوفى قال قضى الخلفاء الراشدون أن من أرخى سترا أو غلق باباً فقد وجب المهر ووجبت العدة ورواه الأثرم أيضاً عن عمر وعلي. وعن سعيد بن المسيب عن عمر وزيد بن ثابت وهذه قضايا اشتهرت فلم تنكر فصارت إجماعاً وضعف أحمد ما روي في خلاف ذلك وقد ذكرناه في الصداق ولأنه عقد على المنافع فالتمكين فيه يجري مجرى الاستيفاء في الأحكام المتعلقة كعقد الإجارة والآية مخصوصة بما ذكرناه ولا يصح القياس على من لم يخل بها لأنه لم يوجد منها التمكين ولا فرق بين أن يخلو بها مع المانع من الوطئ أو مع عدمه وسواء كان المانع حقيقيا كالجب والعنة والرتق أو شرعياً كالصوم والإحرام والحيض والنفاس والظهار لإن الحكم علق ههنا على الخلوة التي هي مظنة الإصابة دون حقيقتها ولهذا لو خلا بها فأتت بولد لمدة الحمل لحقه نسبه وإن يطأ وقد روي عن أحمد أن الصداق لا يكمل مع وجود المانع فكذلك يخرج في العدة. وروي عنه أن صوم شهر رمضان يمنع كمال الصداق مع الخلوة وهذا يدل على أن المانع متى كان متأكد كالإحرام وشبهه مع كمال الصداق ولم تجب العدة لأن الخلوة إنما إقيمت مقام المسيس لأنها مظنة له ومع المانع لا تتحقق المظنة

(مسألة) (إلا ألا يعلم بها كالأعمى والطفل فلا عدة عليها ولا يكمل صداقها لأن المظنة لا تتحقق وكذلك إن كانت صغيرة لا يوطأ مثلها أو لم تكن مطاوعة لعدم تحقق المظنة مع ظهور استحالة المسيس والمعتدات على ستة أضرب (أحدها) أولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن حرائركن أو إماء من فرقة الحياة أو الممات) كل امرأة حامل من زوج إذا فارقت زوجها بطلاق أو فسخ أو موته حرة كانت أو أمة مسلمة أو كافرة فعدتها بوضع الحمل لقول الله تعالى (وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) وهذا إجماع أهل المدينة إلا أنه روي عن ابن عباس وعن علي من وجه ان المتوفى عنها زوجها تعتد بأطول الأجلين وقاله أبو السنابل بن بعكك في حياة النبي صلى الله عليه وسلم فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم قوله، وقد روي أن ابن عباس رجع إلى قول الجماعة لما بلغه حديث سبيعة وكره الحسن والشعبي أن تنكح في دمها، وحكي عن إسحاق وحماد ان عدتها لا تنقضي حتى تطهر وأبي سائر أهل العلم هذا القول وقالوا لو بعد ساعة من وفاة زوجها حل لها أن تتزوج، ولكن لا يطؤها زوجها حتى تطهر من نفاسها وتغتسل وذلك لقول الله تعالى (وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) وروي عن أبي كعب قال قلت للنبي صلى الله عليه وسلم (وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) للمطلقة ثلاثاً والمتوفى عنها زوجها، قال " هي للمطلقة ثلاثاً والمتوفى عنها وقال ابن مسعود من شاء باهلته

مسألة إلا ألا يعلم بها كالأعمى والطفل فلا عدة عليها ولا يكمل صداقها لأن المظنة لا تتحقق

أو لاعنته أن الآية التي في سورة النساء القصرى (وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) نزلت بعد التي في سورة البقرة (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا) يعني أن هذه الآية هي الأخيرة فتقدم على ما خالفها من عموم الآية المتقدمة ويختص بها عمومها. وروى عبد الله بن الأرقم أن سبيعة الأسلمية أخبرته أنها كانت تحت سعد بن خولة وتوفي عنها في حجة الوداع وهي حامل فلم تلبث أن وضعت حملها بعد وفاته فلما تعلت من نفاسها تجملت للخطاب فدخل عليها أبو السنابل بن بعكك فقال ما لي أراك متجملة لعلك ترجين النكاح؟ إنك والله ما أنت بناكح حتى تمر عليك أربعة أشهر وعشر قالت سبيعة فلما قال لي ذلك جمعت علي ثيابي حين أمسيت فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته عن ذلك فأفناني بأني قد حللت حين وضعت حملي وأمرني بالتزويج إن بدا لي. متفق عليه. قال ابن عبد البر هذا حديث حسن صحيح قد جاء من وجوه شتى كلها ثابتة إلا ما روي عن ابن عباس وروي عن علي من وجه منقطع ولأنها معتدة حامل فتنقضي عدتها بوضعه كالمطلقة يحققه أن العدة إنما شرعت لمعرفة براءتها من الحمل ووضعه أدل الأشياء على البراءة منه فوجب أن تنقضي به العدة ولانه لا خلاف في بقاء العدة ببقاء الحمل فوجب أن تنقضي به كما في حق المطلقة (فصل) وإذا كان الحمل واحداً انقضت العدة بوضعه وانفصال جميعه وإن ظهر بعضه فهي في عدتها حتى ينفصل باقيه لأنها لا تكون واضعة لحملها حتى يخرج كله وإن كان الحمل اثنين أو أكثر

لم تنقض عدتها إلا بوضع الآخر لأن الحمل هو الجميع، هذا قول جماعة أهل العلم إلا إبا قلابه وعكرمة فانهما قالا تنقضي عدتها بوضع الأول ولا تتزوج حتى تضع الآخر وذكر ابن أبي شيبة عن قتادة عن عكرمة أنه قال إذا وضعت أحدهما فقد انقضت عدتها قيل له أفتزوج؟ قال لا قال قتادة خصم العبد، وهذا قول شاذ يخالف ظاهر الكتاب وقول أهل العلم والمعنى أن العدة شرعت لمعرفة البراءة من الحمل فإذا علم وجود الحمل فقد تبين وجود الموجب للعدة وانتفت البراءة الموجبة لانقضائها ولانها لو انقضت عدتها بوضع الأول لأبيح لها النكاح كما لو وضعت الآخر فإن وضعت ولداً وشكت في وجود ثان لم تنقض عدتها حتى تزول الربية وتتيقن أنه لم يبق معها حمل لأن الأصل بقاؤها فلا يزول بالشك (مسألة) (والحمل الذي تنقضي به العدة ما يتبين فيه شئ من خلق الإنسان فإن وضعت مضغة لا يتبين فيها شئ من ذلك فذكر ثقات من النساء أنه مبتدأ خلق آدمي فهل تنقضي به العدة؟ على روايتين) وجملة ذلك أن المرأة إذا ألقت بعد فرقة زوجها شيئاً لم تخل من خمسة أحوال (أحدهما) أن تضع ما بان فيه خلق آدمي من الرأس واليد والرجل فتنقضي به العدة بغير خلاف بينهم، قال إبن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن عدة المرأة تنقضي بالقسط إذا علم أنه

مسألة والحمل الذي تنقضي به العدة ما تبين فيه شيء من خلق الإنسان، فإن وضعت مضغة لا يتبين فيها شيء

ولد وممن نحفظ عنه ذلك الحسن وابن سيرين وشريح والشعبي والنخعي والزهري والثوري ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق، قال الأثرم قلت لأبي عبد الله إذا نكس في الخلق الرابع يعني تنقضي به العدة فقال إذا نكس في الخلق الرابع فليس فيه اختلاف ولكن إذا تبين خلقه هذا أدل وذلك لأنه إذا بان فيه شئ من خلق الآدمي علم أنه حمل فيدخل في عموم قوله تعالى (وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) (الحال الثاني) ألقت نطفة أو دماً لا تدري هل هو ما يخلق منه آدمي أو لا فهذا لا يتعلق به شئ من الأحكام لأنه لم يثبت أنه ولد بالمشاهدة ولا بالبينة (الحال الثالث) ألقت مضغة لم تبن فيها الخلقة فشهد ثقات من القوابل أن فيه صورة خفية بأن بها أنها خلقة آدمي فهذا في حكم الحال والاول (الحال الرابع) ألقت مضغة لا صورة فيها فشهد ثقات من القوابل أنه مبتدأ خلق آدمي فاختلفت الرواية عن أحمد فنقل مهنا وابو طالب أن عدتها لا تنقضي به ولا تصير به أم ولد لأنه لم يبن فيه خلق آدمي أشبه الدم، وقد ذكر هذا قولا للشافعي وهو اختيار أبي بكر، ولقل الأثرم عن أحمد أن عدتها لا تنقضي به ولكن تصير أم ولد لأنه مشكوك في كونه ولداً فلم يحكم بانقضاء العدة المتيقنة بأمر مشكوك فيه ولم يجز بيع الأمة الوالدة له مع الشك في رقها فيثبت كونها أم ولد احتياطاً ولا تنقضي

العدة احتياطا وقال حنبل أنها تصير أم ولد ولم يذكر العدة فقال بعض أصحابنا على هذا تنقضي به العدة وهو قول الحسن وظاهر مذهب الشافعي لأنهم شهدوا بأنه خلقة آدمي أشبه ما لو تصور، قال شيخنا والصحيح أن هذا ليس برواية في العدة لأنه لم يذكرها ولم يتعرض لها (الحال الخامس) أن تضع مضغة لا صورة فيها ولم تشهد القوابل بأنها مبتدأ خلق آدمي فلا تنقضي به العدة ولا تصير به الأمة أم ولد لم يثبت كونه ولداً ببينة ولا مشاهدة فأشبه العلقة ولا تنقضي العدة بوضع ما قبل المضغة بحال سواء كان نطفة أو علقة وسواء قيل إنه بدء خلق آدمي أو لم يقل نص عليه أحمد فقال: أما إذا كان علقا فليس بشئ انما هود. لا نقضي بها عدة ولا نعتق بها أمة ولا نعلم في هذا مخالفاً إلا الحسن فإنه قال: إذا علم أنها حمل انقضت به العدة، وفيه الغرة والأول أصح وعليه الجمهور (مسألة) (وان أتت بولد لا يلحقه نسبه كامرأة الطفل لم تنقض به العدة وعنه تنقضي وفيه بعد) إذا أتت بولد بعد أربع سنين منذ مات أو بانت منه بطلاق أو فسخ أو انقضاء عدتها إن كانت رجعية لم يلحقه ولدها لأنا نعلم أنها علقت به بعد زوال النكاح والبينونة منه وكونها قد صارت أجنبية منه فأشبهت سائر الأجنبيات، فعلى هذا لا تنقضي به العدة وهو ظاهر كلام الخرقي لأنه ينتفي عنه بغير لعان فلم تنقض عدتها به كما لو أتت به لأقل من ستة أشهر منذ نكحها، وقال أبو الخطاب هل تنقضي

مسألة وإن أتت بولد لا يلحقه نسبه كامرأة الطفل لم تنقض به العدة وعنه تنقضي وفيه بعد

به العدة؟ على وجهين، وذكر القاضي أن عدتها تنقضي به وهو مذهب الشافعي لأنه ولد يمكن أن يكون منه بعد نكاحه بأن يكون قد وطئها بشبهة أو جدد نكاحها فوجب أن تنقضي به العدة وإن لم يلحق، به كالولد المنفي باللعان، وبهذا فارق الذي أتت به لأقل من ستة أشهر فإنه ينتفي عنه يقينا، ثم ناقضوا قولهم فقالوا لو تزوجت في عدتها وأتت بولد لأقل من ستة أشهر من حين دخل بها الثاني ولأكثر من أربع سنين من حين بانت من الأول فالولد منتف عنهما ولا تنقضي عدتها بوضعه عن واحد منهما، وهذا أصح فإن احتمال كونه منه لم يكف في إثبات نسب الولد منه مع أنه يثبت بمجرد الإمكان فلأن لا يكفي في انقضاء العدة أولى وأحرى، وما ذكروه منتقض بما سلموه، وما ذكروه من الفرق بين هذا وبين الذي أتت به قبل ستة أشهر غير صحيح فإنه يحتمل أن يكون اصابها قبل نكاحها بشبهة أو نكاح غير هذا النكاح الذي أتت بالولد فيه فاستويا، واما المنفي بلعان فإننا نفينا الولد عن الزوج بالنسبة إليه ونفينا حكمه في كونه منه بالنسبة إليها حتى أوجبنا الحد على قاذفها وقاذف ولدها وانقضاء العدة من الأحكام المتعلقة بها دونه مثبت (فصل) فأما امرأة الطفل الذي لا يولد لمثله إذا مات عن زوجة فولدت لم يلحقه نسبه ولم تقض به عدتها وتعتد بالأشهر وبهذا قال مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة إن مات وبها حمل ظاهر اعتدت عنه بالوضع فإن ظهر الحمل بها بعد موته لم تعتد به، وقد روي عن أحمد في الصبي مثل قول أبي حنيفة

وذكره ابن أبي موسى قال أبو الخطاب وفيه بعد، وهكذا الخلاف فيما إذا تزوج امرأة دخل بها وأتت بولد لدون ستة أشهر من حين عقد النكاح فإنها لا تعتد بوضعه عندنا وعنده تعتد به، واحتج بقوله سبحانه (وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) ولنا أن هذا حمل منفي عنه يقينا فلم تعتد بوضعه كما لو ظهر بعد موته والآية واردة في المطلقات ثم هي مخصوصة بالقياس الذي ذكرناه. إذا ثبت هذا فإن عدتها تنقضي بوضع الحمل من الوطئ الذي علقت به منه سواء كان هذا الولد ملحقاً بغير الصغير مثل أن يكون من عقد فاسد أو وطئ بشبهة أو كان من زنا لا يلحق بأحد لأن العدة تجب من كل وطئ فإذا وضعته اعتدت من الصبي بأربعة اشهر وعشر لأن العدة من رجلين لا يتداخلان، وإن كانت الفرقة في الحياة بعد الدخول كزوجة كبير دخل بها ثم طلقها وأتت بولد لدون ستة أشهر منذ تزوجها فإنها تعتد بعد وضعه بثلاثة قروء، وكذلك إذا طلق الخصي المجبوب امرأته أو مات عنها فأتت بولد لم يلحقه نسبه ولم تنقض عدتها بوضعه وتنقضي به عدة الوطئ ثم تستأنف عدة الطلاق أو عدة الوفاة على ما بيناه، وذكر القاضي أن ظاهر كلام أحمد أن الولد يلحق به لأنه قد يتصور منه الانزال بأن يحك موضع ذكره بفرجها فينزل، فعلى هذا القول يحلق به الولد وتنقضي به العدة، والصحيح أن هذا لا يحلق به ولد لأنه لم تجر به عادة فلا يلحق به ولدها كالصبي الذي لم يبلغ تسع سنين، وكذلك إذا تزوج امرأة بحضرة الحاكم ثم طلقها في المجلس أو تزوج

المشرقي بالمغربية ثم أتت بولد لم يلحقه ولا تنقضي به العدة وقد ذكرناه في الباب الذي قبله وذكرنا الخلاف فيه، وانقضاء العدة مبني على لحوق النسب (مسألة) (وأقل مدة الحمل ستة أشهر وغالبها تسعة وأكثرها أربع سنين وعنه سنتان) إنما كان أقل مدة الحمل ستة اشهر لما روى الأثرم بإسناده عن أبي الأسود أنه رفع الى عمر أن امرأة ولدت لستة أشهر فهم عمر برجمها فقال له علي ليس لك ذلك قال الله تعالى (والوالدات يرضعن وأولادهن حولين كاملين) وقال الله تعالى (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) فحولان وستة أشهر ثلاثون شهرا لارجم عليها فخلى عمر سبيلها وولدت مرة أخرى لذلك الحد، ورواه الأثرم أيضاً عن عكرمة أن ابن عباس قال ذلك قال عاصم الأحول قلت لعكرمة إنه بلغنا ان عليا قال هذا قال فقال عكرمة لا ما قال هذا إلا ابن عباس، وذكر ابن قتيبة في المعارف أن عبد الملك بن مروان ولد لستة اشهر، وهذا قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي وغيرهم غالبه تسعة أشهر لأن غالب النساء كذلك وهذا أمر معروف بين الناس، وأكثر مدة الحمل أربع سنين هذا ظاهر المذهب وبه قال الشافعي وهو المشهور عن مالك، وروي عن أحمد أن أقصى مدته سنتان روى ذلك عن عائشة وهو مذهب الثوري وأبي حنيفة لما روت جميلة بنت سعد عن عائشة لا تزيد المرأة على السنتين في الحمل، ولأن التقدير إنما يعلم بتوقيف أو اتفاق ولا توقيف ههنا والاتفاق إنما هو على ما ذكرنا، وقد وجد ذلك فإن الضحاك بن مزاحم

مسألة وأقل مدة الحمل ستة أشهر وغالبها تسعة وأكثرها أربع سنين وعنه سنتان

وهرم بن حبان حملت أم كل واحد منهما به سنتين، وقال الليث أقصاه ثلاثه سنين حملت مولاة لعمر بن عبد الله ثلاث سنين، وقال أبو عبيد ليس لاقصاءه وقت يوقف عليه وقال عباد بن العوام خمس سنين وعن الزهري قال قد تحمل المرأة ست سنين وسبع سنين ولنا أن ما لا نص فيه يرجع فيه إلى الوجود، وقد وجد الحمل أربع سنين فروى الوليد بن مسلم قال قلت لمالك حديث جميلة بنت سعد عن عائشة لا تزيد المرأة على السنتين في الحمل قال مالك سبحان الله من يقول هذا؟ هذه جارتنا امرأة محمد بن عجلان تحمل اربع سنين قبل أن تلد، وقال الشافعي بقي محمد بن عجلان في بطن أمه أربع سنين قال أحمد نساء بني عجلان يحملن أربع سنين، وامرأة عجلان حملت ثلاث بطون كل دفعة أربع سنين وبقي محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسين بن علي في بطن أمه أربع سنين وهكذا ابراهيم بن نجيح العقيلي حكى ذلك ابو الخطاب وإذا تقرر وجوده وجب أن يحكم به ولا يزاد عليه لأنه ما وجد ولأن عمر ضرب لامرأة المفقود أربع سنين ولم يكن ذلك إلا لأنه غاية الحمل، وروي ذلك عن عثمان وعلي وغيرهما. إذا ثبت هذا فإن المرأة إذا ولدت لأربع سنين فما دون من يوم موت الزوج أو طلاقه ولم تكن تزوجت ولا وطئت ولا انقضت عدتها بالقروء، ولا بوضع الحمل فإن الولد لاحق بالزوج وعدتها تنقضي به

(مسألة) (وأقل ما يتين به الولد أحد وثمانون يوما وهو أقل ما تقضي به العدة من الحمل وهو ان تضعه بعد ثمانين يوماً منذ أمكنه وطؤها) لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إن خلق أحدكم ليجع في بطن أمه فيكون نطفة أربعين يوماً ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك " ولا تنقضي العدة بما دون المضغة فوجب أن يكون بعد الثمانين فأما بعد أربعة أشهر فليس فيه إشكال لأنه يستكمل الخلق في الرابع (فصل) الضرب الثاني المتوفى عنها زوجها فعدتها أربعة أشهر وعشر إن كانت حرة وشهران وخمسة أيام إن كانت أمة وسواء ما قبل الدخول وبعده أجمع أهل العلم على أن عدة الحرة المسلمة غير ذات الحمل من وفاة زوجها أربعة أشهر وعشر مدخولا بها أو غير مدخول بها سواء كانت بالغة أو لم تبلغ لقول الله تعالى (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا) وقال النبي صلى الله عليه وسلم " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا " متفق عليه فإن قيل ألا حملتم الآية على المدخول بها كما قلتم في قوله تعالى (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) قلنا إنما خصصنا هذه بقوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن

مسألة وأقل ما يتعين به الولد أحد وثمانون يوما وهو أقل ما تنقضي به العدة من الحمل وهو أن تضعه بعد ثمانين

تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها) ولم يرد تخصيص عدة الوفاة ولا أمكن قياساً على المطلقة في التخصيص لوجهين (أحدهما) أن النكاح عقد عمر فإذا مات انتهى والشئ إذا انتهى تقررت أحكامه كتقرر أحكام الصيام بدخول الليل وأحكام الاجارة بانقضائها والعدة من أحكامه (الثاني) أن المطلقة إذا أتت بولد يمكن الزوج تكذيبها ونفيه باللعان وهذا ممتنع في حق الميت فلا يأمن أن يأتي بولد فيلحق الميت نسبه وما له من ينفيه فاحتطنا بإيجاب العدة عليها لحفظها عن التصرف والميت في غير منزلها حفظاً لها إذا ثبت هذا فإنه لا يعتبر وجود الحيض في عدة الوفاة في قول عامة أهل العلم، وحكي عن مالك أنها إذا كانت مدخولاً بها وجبت أربعة أشهر وعشر فيها حيضة واتباع الكتاب والسنة أولى ولأنه لو اعتبر الحيض في حقها لاعتبر ثلاثة قروء كالمطلقة وهذا الخلاف مختص بذات القروء فأما الآيسة والصغيرة فلا خلاف فيهما وأما الأمة المتوفى عنها فعدتها شهرين وخمسة أيام في قول عامة أهل العلم منهم سعيد بن المسيب وعطاء وسليمان بن يسار والزهري وقتادة ومالك والثوري والشافعي واسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي وغيرهم إلا ابن سيرين فإنه قال ما أرى عدة الأمة إلا كعدة الحرة إلا أن تكون قد مضت في ذلك سنة فإن السنة أحق أن تتبع وأخذ بظاهر اللفظ وعمومه

ولنا اتفاق الصحابة رضي الله عنهم على أن عدة الأمة المطلقة على النصف من عدة الحرة فكذلك عدة الوفاة (فصل) والعشر المعتبرة في العدة هي عشر ليال فيجب عشرة أيام مع الليالي وبه قال مالك والشافعي وأبو عبيد وابن المنذر وأصحاب الرأي، وقال الأوزاعي يجب عشر ليال وتسعة أيام لان العشرة تستعمل في الليالي دون الأيام وإنما دخلت الأيام اللاتي في أثناء الليالي تبعاً. قلنا العرب تغلب حكم التأنيث في العدد خاصة على المذكر فتطلق لفظ الليالي وتريد الليالي بأيامها كما قال الله تعالى لزكريا (آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا) يريد بأيامها ولو نذر اعتكاف العشر الأخير من رمضان لزمه الليالي والأيام ويقول القائل: سرنا عشراً يريد الليالي بأيامها فلم يجز نقلها عن العدة إلى الإباحة بالشك (مسألة) (وإن مات زوج الرجعية في عدتها استأنفت عدة الوفاة من حين موته وسقطت عدة الطلاق) وهذا لا خلاف فيه، قال إبن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على ذلك لأن الرجعية زوجة يلحقها طلاقه وينالها ميراثه فاعتدت للوفاة كغير المطلقة، وحكى في المحرر أنها تعتد أطول الأجلين وهو بعيد. (مسألة) (وإن طلقها في الصحة طلاقاً بائناً ثم مات في عدتها لم تنتقل عن عدتها وتبني على عدة الطلاق ولا تعتد للوفاة) وهذا قول مالك والشافعي وأبي عبيد وابن المنذر، وقال الثوري وأبو حنيفة عليها أطول الأجلين كما لو طلقها في مرض موته

مسألة وإن مات زوج الزوجية في عدتها استأنفت عدة الوفاة من حين وسقطت عدة الطلاق

ولنا قوله سبحانه (والمطلقات يتربص بأنفسهن ثلاثة قروء) ولانها أجنبية منه في نكاحه وميراثه والحل له ووقوع طلاقه وظهاره وتحل له أختها وأربع سواها فلم تعتد لوفاته كما لو انقضت عدتها. وذكر القاضي في المطلقة في المرض أنها إذا كانت حاملاً تعتد أطول الأجلين وليس بشئ فإن الحمل تنقضي بوضعه كل عدة ولا يجوز أن يجب عليها الاعتداد بغير الحمل لما ذكرناه والله أعلم (مسألة) (وإن كان الطلاق في مرض موته اعتدت أطول الأجلين من عدة الطلاق وعدة الوفاة) نص على هذا أحمد وبه قال الثوري وأبو حنيفة ومحمد بن الحسن، وقال مالك والشافعي وأبو عبيد وأبو ثور وابن المنذر: تبني على عدة الطلاق لأنه مات وليست زوجة له لأنها بائن من النكاح فلا تكون منكوحة. عن أحمد مثل ذلك، وعنه رواية ثالثة أنها تعتد عدة الوفاة فقط ذكرها هاتين في المحرر لأنها ترثه أشبهت الرجعية والأولى ظاهر المذهب ووجه ذلك أنها وارثة فتجب عليها عدة الوفاة كالرجعية ويلزمها عدة الطلاق لما ذكروه في دليلهم (فصل) وإن مات المريض المطلق بعد انقضاء عدتها بالحيض أو بالشهور أو بوضع الحمل أو كان طلاقه قبل الدخول فليس عليها عدة لموته، وقال القاضي عليها عدة الوفاة إذا قلنا ترثه فتجب عليها عدة الوفاة كما لو مات بعد الدخول قبل قضاء العدة ورواه أبو طالب عن أحمد في التي انقضت عدتها،

مسألة وإن طلقها في الصحة طلاقا بائنا ثم مات في عدتها لم تنتقل من عدتها وتبني على عدة الطلاق ولا تعتد

وذكر ابن أبي موسى فيها روايتين، والصحيح أنها لا عدة عليها لأن الله تعالى قال (إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها) وقال (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) وقال (واللائي يئسن من الحيض من نسائكم إن ارتبم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم تحضن) فلا يجوز تخصيص هذه النصوص بالتحكم ولأنها أجنبية تحل للأزواج ويحل للمطلق نكاح أختها وأربع سواها فلم تجب عليها عدة لموته كما لو تزوجت وتخالف التي مات زوجها في عدتها فإنها لا تحل لغيره في هذه الحال ولم تنتقض عدتها وتمنع أنها ترثه لأنها لو ورثته لا أفضى إلى أن يرث الرجل ثماني زوجات فأما إن تزوجت إحدى هؤلاء فلا عدة عليها بغير خلاف نعلمه ولا ترثه فإن كانت المطلقة البائن لا ترث كالأمة أو الحرة يطلقها العبد أو الذمية يطلقها المسلم والمختلعة أو فاعلة ما يفسخ نكاحها لم يلزمها عدة سواء مات زوجها في عدتها أو بعدها على قياس قول أصحابنا لأنهم عللوا نقلها إلى عدة الوفاة بإرثها وهذه ليست وارثة فأشبهت المطلقة في الصحة (مسألة) (وإن ارتابت المتوفى عنها لظهور أمارات الحمل من الحركة وانتفاخ البطن وانقطاع الحيض قبل أن تنكح لم تزل في عدتها حتى تزول الربية وإن تزوجت قبل زوالها لم يصح النكاح وإن ظهر بها ذلك بعد نكاحها لم يفسد به لكن إن أتت بولد لأقل من ستة أشهر منذ نكحها فهو باطل وإلا فلا)

وجملة ذلك أن المعتدة إذا ارتابت في عدتها بان ترى أمارات الحمل من حركة أو نفخة أو نحوهما وشكت هل هو حمل أم لا؟ لم تخل من ثلاثة أحوال (أحدهما) أن تحدث بها الريبة قبل انقضاء عدتها فإنها تبقى في حكم الاعتداد حتى تزول الريبة فان بان حملاً انقضت عدتها بوضعه فإن زال وبان أنه ليس بحمل تبينا أن عدتها انقضت بالشهور أو بالأقراء ان كان فارقها في الحياة فإن تزوجت قبل زوال الريبة فالنكاح باطل لأنها تزوجت وهي في حكم المعتدات في الظاهر، ويحتمل أنه إذا تبين عدم الحمل أنه يصح النكاح إذا كان بعد انقضاء العدة (الثاني) أن تظهر الريبة بعد قضاء عدتها والتزوج فالنكاح صحيح لأنه وجد بعد قضاء العدة ظاهراً والحمل مع الريبة مشكوك فيه فلا يزول ما حكمنا بصحته لكن لا يحل لزوجها وطؤها لأننا شككنا في صحة النكاح ولأنه لا يحل لمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقي ماءه زرع غيره ثم ينظر فإن وضعت الولد لأقل من ستة أشهر منذ تزوجها الثاني ووطئها فنكاحه باطل لأنه نكاحها وهي حامل وإن أتت به لأكثر من ذلك فالولد لاحق به. (الثالث) ظهرت الريبة بعد قضاء العدة وقبل النكاح ففيه وجهان (أحدهما) لا يحل لها أن تتزوج وإن فعلت لم يصح النكاح لأنها تتزوج مع الشك في انقضاء العدة فلم تصح كما لو وجدت الريبة في العدة ولأننا لو صححنا النكاح لوقع موقوفاً ولا يجوز كون النكاح موقوفاً ولهذا لو أسلم وتخلفت امرأته في الشرك لم يجز أن يتزوج أختها لان نكاحها يكون موقوفاً على إسلام الأولى

مسألة وإن ارتابت المتوفى عنها لظهور أمارات الحمل من الحركة وانتفاخ البطن وانقطاع الحيض قبل أن تنكح لم

(والثاني) يحل لها النكاح ويصح لانا حكمنا بانقضاء العدة وحل النكاح وسقوط النفقة والسكنى فلا يجوز زوال ما حكمنا به بالشك الطارئ ولهذا لا ينقض الحاكم ما حكم به بتغير اجتهاده وروجوع الشهود (فصل) وإذا طلق واحدة من نسائه لا بعينها أخرجت بالقرعة وعليها العدة دون غيرها وتحسب عدتها من حين طلق لا من حين خرجت القرعة وإن طلق واحدة بعينها وأنسيها ففي قول اصحابنا الحكم فيها كذلك. والصحيح أنه يحرم عليه الجميع وهو اختيار شيخنا وقد ذكرناه في باب الشك في الطلاق فإن مات فعلى الجميع الاعتداد بأقصى الأجلين من عدة الطلاق أو الوفاة لأن النكاح كان بائناً بيقين وكل واحدة منهن يجوز أن تكون المطلقة ويجوز أن تكون زوجة فوجب أقصى الأجلين إن كان الطلاق بائنا ليسقط الفرض بيقين كمن نسي صلاة من يوم لا يعلم عينها لزمه أن يصلي خمس صلوات لكن ابتداء القرء من حين طلق وابتداء عدة الوفاة من حين الموت وهذا مذهب الشافعي وإن طلق الجميع ثلاثاً بعد ذلك فعليهن كلهن تكميل عدة الطلاق من حين طلقهن، وإن طلق ثلاثاً وأنسيهن فهو كما لو طلق واحدة (مسألة) (واذا مات عن امرأة نكاحها فاسد فقال القاضي عليها عدة الوفاة نص عليه وقال ابن حامد لا عدة عليها للوفاة لذلك فإن كان النكاح مجمعاً على بطلانه لم تعتد للوفاة من أجله وجهاً واحداً) أما إذا كان النكاح مجمعاً على بطلانه مثل أن ينكح ذات محرمة أو معتدة يعلم حالها وتحريمها فلا حكم لعقدها والخلوة بها كالخلوة بالأجنبية لا توجب عدة وكذلك الموت عنها لا يوجب عدة الوفاة وإن وطئها اعتدت لوطئها بثلاثة قروء منذ وطئها سواء فارقها أو مات عنها كالمزني بها من

مسألة وإذا مات عن امرأة نكاحها فاسد فقال القاضي عليها عدة الوفاة نص عليه وقال ابن حامد لا عدة عليها

غير عقد فأما إن نكحها نكاحاً مختلفاً فيه فهو فاسد مات عنها فنقل جعفر بن محمد أن عليها عدة الوفاة وهو اختيار أبي بكر وقال أبو عبد الله بن حامد ليس عليها عدة الوفاة وهو مذهب الشافعي لأنه نكاح لا يثبت فأشبه الباطل فعلى هذا إن كان قبل الدخول فلا عدة عليها وإن كان بعده اعتدت بثلاثة قروء ووجه الأول أنه نكاح يلحق به النسب فوجبت به العدة كالنكاح الصحيح بخلاف الباطل فإنه لا يلحق به النسب وإن فارقها في الحياة بعد الإصابة اعتدت بعد فرقته بثلاثة قروء إن كانت من ذوات الاقراء أو بثلاثة أشهر إن لم تكن ولا خلاف في ذلك، وإن كان قبل الخلوة فلا عدة عليها بغير خلاف لأن المفارقة في الحياة في النكاح الصحيح لا عدة عليها ففي الفاسد أولى، وإن كان بعد الخلوة قبل الإصابة فالمنصوص عن أحمد أن عليها العدة لأنه أجري مجرى النكاح الصحيح في لحوق النسب فكذلك في العدة وقال الشافعي لا عدة عليها لوجهين (أحدهما) أنها خلوة في غير نكاح صحيح أشبهت التي نكاحها باطل (والثاني) أن الخلوة عنده في النكاح الصحيح لا توجب العدة ففي الفاسد أولى، وهذا مقتضى قول ابن حامد. (فصل) (الثالث ذات القروء التي فارقها في الحياة بعد دخوله بها عدتها ثلاثة قروء إن كانت حرة وقرءان كانت أمة) أما الحرة من ذوات القروء فعدتها ثلاثة قروء بغير خلاف بين أهل العلم لقول الله تعالى (والمطلقات

يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) وأما الأمة فعدتها بالقرء قرءان في قول أكثر أهل العلم منهم عمر وعلي وابن عمر وسعيد بن المسيب وعطاء وعبد الله بن عتبة والقاسم وسالم والزهري وقتادة ومالك والثوري والشافعي واسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي وعن ابن سيرين عدتها عدة الحرة إلا أن تكون قد مضت بذلك سنة وهو قول داود لقول الله تعالى (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " قرء الأمة حيضتان " ولأنه قول من ذكرنا من الصحابة ولم نعرف لهم مخالفاً في الصحابة فكان إجماعاً وهذا يخص عموم الآية ولأنه معنى ذو عدد بني على التفاضل فلا تساوي الأمة فيه الحرة كالحد وكان القياس يقتضي أن تكون حيضة ونصفاً كما كان حدها على النصف من حد الحرة إلا أن الحيض لا يتبعض فكمل حيضتين، ولهذا قال عمر رضي الله عنه أو استطيع أن أجعل العدة حيضة ونصفاً لفعات (مسألة) (والقرء الحيض في أصح الروايتين (والثانية) هي الاطهار) القرء في كلام العرب يقع على الحيض والطهر جميعاً فهو من الأسماء المشتركة قال أحمد بن يحيى ثعلب القروء الأوقات الواحد قرء وقد يكون حيضاً وقد يكون طهراً لأن كل واحد منهما يأتي لوقت قال الشاعر: كرهت العقر عقر بني تميم * * إذا هبت لقارئها الرياح يعني لوقتها وقال الخليل بن أحمد يقال أقرأت المرأة إذا دنا حيضها وأقرأت إذا دنا طهرها وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم " دعي الصلاة أيام إقرائك فهذا الحيض " وقال الشاعر: مورثة عزاً وفي الحي رفعة * * لما ضاع فيها من قروء نسائكا فهذا الطهر، واختلف أهل العلم في المراد في قوله تعالى (يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) واختلفت

مسألة والقرء الحيض في أصح الروايتين والثانية هي الاطهار

الرواية عن أحمد في ذلك فروي أنها الحيض روى ذلك عن عمر وعلي وابن عباس وسعيد بن المسيب والثوري والاوزاعي والعنبري واسحاق وأبي عبيد وأصحاب الرأي وروي أيضاً عن أبي بكر الصديق وعثمان ابن عفان وأبي موسى وعبادة بن الصامت وأبي الدرداء قال القاضي الصحيح عن أحمد أن الإقراء الحيض وإليه ذهب أصحابنا ورجع عن قوله بالأطهار فقال في رواية النيسابوري كنت أقول أنه الأطهار وأنا أذهب اليوم إلى أن الإقراء الحيض وقال في رواية الأثرم كنت أقول أنه الاطهار ثم وقفت لقول الأكابر. (والرواية الثانية) عن أحمد أن القروء الأطهار وهو قول زيد وابن عمر وعائشة وسليمان بن يسار والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله وعمر بن عبد العزيز والزهري ومالك والشافعي وابي ثور، وقال أبو بكر بن عبد الرحمن ما أدركت احدا من فقهائا إلا وهو يقول ذلك قال ابن عبد البر رجع احمد إلى القرء والأطهار قال في رواية الأثرم رأيت الأحاديث عمن قال القرء الحيض تختلف والاحاديث عمن فال إنه أحق بها حتى تدخل في الحيضة الثالثة أحاديثها صحاح قوية واحتج من قال ذلك بقول الله تعالى (فطلقوهن لعدتهن) أي في عدتهن كقوله تعالى (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة) أي في يوم القيامة وإنما أمر بالطلاق في الطهر لا في الحيض ويدل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن

عمر " فليراجعها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر فإن شاء طلق وإن شاء أمسك فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء " متفق عليه، وفي رواية ابن عمر: فطلقوهن في قبل عدتهن ولأنها عدة عن طلاق مجرد مباح فوجب أن تعتبر عقيب الطلاق كعدة الآيسة والصغيرة، ووجه الرواية الأولى قول الله تعالى (واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة اشهر اللائي لم يحضن) فنقلهن عند عدم الحيض إلى الاعتداد بالأشهر فيدل ذلك على أن الأصل الحيض كما قال تعالى (فإن لم تجدوا ماء فتيمموا) ولأن المعهود في لسان الشارع استعمال القرء بمعنى فقال النبي صلى الله عليه وسلم " تدع الصلاة أيام إقرائها " رواه أبو داود، وقال لفاطمة بنت أبي حبيش " انظري فإذا أتى قرؤك فلا تصلي وإذا مر قرؤك فتطهري ثم صلي ما بين القرء إلى القرء " رواه النسائي ولم يعهد في لسانه استعماله بمعنى الطهر في موضع فوجب أن يحمل كلامه على المعهود في لسانه، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " طلاق الأمة طلقتان وقرؤها حيضتان " رواه أبو داود وغيره فإن قالوا هذا يرويه مظاهر بن أسلم وهو منكر الحديث قلنا قد رواه عبد الله بن عيسى عن عطية العوفي عن ابن عمر كذلك أخرجه ابن ماجة في سننه وأبو بكر الخلال في جامعه وهو نص في عدة الأمة فكذلك عدة الحرة ولأن ظاهر قوله تعالى (يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) وجوب التربص ثلاثة كاملة ومن جعل القروء الأطهار لم يوجب

ثلاثة بل يكتفي بطهرين وبعض الثالث فيخالف ظاهر النص ومن جعله الحيض أوجبه ثلاثة كاملة فيوافق ظاهر النص فيكون أولى من مخالفته ولأن العدة استبراء فكانت بالحيض كاستبراء الأمة، وذلك لأن الاستبراء لمعرفة براءة الرحم من الحمل والذي يدل عليه الحيض فوجب أن يكون الاستبراء به فإن قيل لا نسلم أن استبراء الأمة بالحيضة لذلك قال ابن عبد البر وإنما هو بالطهر الذي قبل الحيضة وقال قولهم إن استبراء الأمة حيضة بإجماع ليس كما ظنوا بل جائز لها عندنا أن تنكح إذا دخلت في الحيضة واستيقنت أن دمها دم حيض كذلك قال اسماعيل بن إسحاق ليحيى بن أكثم حين دخل عليه في مناظرته إياه، قلنا هذا يرده قول النبي صلى الله عليه وسلم " لا توطأ حامل حتى تضع ولا حامل حتى تستبرئ بحيضة " ولأن الاستبراء تعرف براءة الرحم وإنما يحصل بالحيضة لا بالطهر الذي قبلها ولأن العدة تتعلق بخروج خارج من الرحم فوجب أن تتعلق بالحيض كوضع الحمل يحققه أن العدة مقصودها براءة المرأة من الحمل فتارة تحصل بوضعه وتارة تحصل بما ينافيه وهو الحيض الذي لا يتصور وجوده معه فأما قوله تعالى (فطلقوهن لعدتهن) فيجوز أنه أراد قبل عدتهن إذ لا يمكن حمله على الطلاق في العدة ضرورة أن الطلاق يسبق العدة لكونه سببها والسبب يتقدم الحكم ولا يؤخذ الحكم قبله والطلاق في الطهر تطليق قبل العدة إذا كانت الإقراء بالحيض (مسألة) (ولا تعتد بالحيضة التي طلقها فيها حتى تأتي بثلاث كاملة بعدها

مسألة ولا تعتد بالحيضة التي طلقها فيها حتى تأتي بثلاث كاملة بعدها

لا نعلم في ذلك خلافاً بين أهل العلم لأن الله تعالى أمر بثلاثة قروء فيتناول ثلاثة كاملة والتي طلق فيها لم يبق ما تتم به مع اثنتين ثلاثة كاملة فلا تعتد بها ولأن الطلاق إنما حرم في الحيض لما فيه من تطويل العدة عليها فلو احتسب بتلك الحيضة قرءا كان أقصر لعدتها وأنفع لها فلم يكن محرماً (مسألة) (ولا تعتد بالحيضة التي طلقها فيها، وإذا طهرت من الحيضة الثالثة حلت في إحدى الروايتين، ولاخرى لا تحل حتى تغتسل) حكى هاتين الروايتين أبو عبد الله بن حامد (إحداهما) أنها في العدة ما لم تغتسل يباح لزوجها ارتجاعها ولا يحل لغيره نكاحها قال قال أحمد وعمر وعلي وابن مسعود يقولون قبل أن تغتسل من الحيضة الثالثة روى ذلك عن سعيد بن المسيب والثوري وإسحاق، وروي ذلك عن أبي بكر الصديق وعثمان بن عفان وأبي موسى وعبادة وأبي الدرداء رضي الله عنهم قال شريك له الرجعة، وإن فرطت في الغسل عشرين سنة قال أبو بكر روي عن أبي عبد الله أنها في عدتها ولزوجها رجعتها حتى يمضي وقت الصلاة التي قد طهرت في وقتها وهذا قول الثوري، وقال أبو حنيفة إذا انقطع الدم لدون أكثر الحيض، وان انقطع لأكثره انقضت العدة بانقطاعه، ووجه اعتبار الغسل أنه قول الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا مخالف لهم في عصرهم فيكون إجماعاً، ولأنها ممنوعة من الصلاة بحكم حدث الحيض فأشبهت الحائض

مسألة ولا تعتد بالحيضة التي طلقها فيها وإذا طهرت من الحيضة الثالثة حلت في إحدى الروايتين والأخرى لا

(والرواية الثانية) أن العدة تنقضي بطهرها من الحيضة الثالثة، وانقطاع دمها. اختاره أبو الخطاب وهو قول سعيد بن جبير والاوزاعي والشافعي في القديم لقول الله تعالى (يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) وقد كملت القروء بوجوب الغسل عليها ووجوب الصلاة وفعل الصيام وصحته منها ولأنه لم يبق حكم العدة في الميراث ووقوع الطلاق بها واللعان النفقة وكذلك فيما نحن فيه قال القاضي إذا شرطنا الغسل أفاد عدمه الرجعة وتحريمها على الأزواج فأما سائر الأحكام فلها تنقطع بانقطاع دمها (فصل) ومن قال القرء الأطهار احتسب لها بالطهر الذي طلقها فيه قرءاً، وإن بقي منه لحظة حسبها قرءاً، هذا قول كل من قال إن القروء الأطهار إلا الزهري فإنه قال تعتد بثلاثة قروء سوى الطهر الذي طلقها فيه، وحكي عن أبي عبيد أنه إن كان جامعها في الطهر لم تحتسب ببقيته لأنه زمن حرم فيه الطلاق فلم تحتسب به من العدة كزمن الحيض ولنا أن الطلاق حرم في زمن الحيض دفعاً لضرر تطويل العدة عليها فلو لم تحتسب ببقية الطهر قرءاً كان الطلاق في الطهر أضر بها وأطول عليها وما ذكر عن ابي عبيد لا يصح لأن تحريم الطلاق في الحيض لكونها لا تحتسب ببقيته فلا يجوز أن تجعل العلة في عدم الاحتساب تحريم الطلاق فتصير العلة معلولاً وإنما تحريم الطلاق في الطهر الذي أصابها فيه لكونها مرتابة ولكونه لا يأمن الندم بظهور حملها فأما انقضت حروف الطلاق مع انقضاء الطهر فإن الطلاق يقع في أول الحيضة ويكون محرماً ولا تحتسب بتلك الحيضة من عدتها وتحتاج أن تعتد بثلاث حيض أو ثلاثة أطهار على الرواية الأخرى ولو قال

لها أنت طالق في آخر جزء من طهرك أو في آخر جزء من طهرك فإنها لا تحتسب الذي وقع فيه الطلاق لأن العدة لا تكون إلا بعد وقوع الطلاق وليس بعده طهر تعتد به ولا يجوز الاعتداد بما قبله ولا بما قارنه، ومن جعل القرء الحيض اعتد لها بالحيضة التي تلي الطلاق لأنها حيضة كاملة لم يقع فيها طلاق فوجب أن تعتد بها قرءاً فإن اختلفا فقال الزوج وقع الطلاق في أول الحيض وقالت بل في آخر الطهر أو قال انقضت حروف الطلاق مع انقضاء الطهر وقالت بل قد بقي منه بقية فالقول قولها لأن قولها مقبول في الحيض وفي انقضاء العدة (مسألة) (والرواية الثانية القروء الاطهار وتعتد بالطهر الذي طلقها فيه قراءا فإذا طعنت في الحيضة الثالثة حلت إذا طلقها وهي طاهر انقضت عدتها برؤية الدم من الحيضة الثالثة، وإن طلقها حائضاً انقضت برؤية الدم من الحيضة الرابعة وهذا قول زيد بن ثابت وابن عمر وعائشة والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله وأبان بن عثمان ومالك وأبي ثور وهو ظاهر مذهب الشافعي وحكي عنه قول آخر لا تنقضي العدة حتى يمضي من الدم يوم وليلة لجواز أن يكون الدم دم فساد فلا يحكم بانقضاء العدة حتى يزول الاحتمال، وحكى القاضي هذا الاحتمال في مذهبنا أيضاً. ولنا أن الله تعالى جعل العدة ثلاثة قروء فالزيادة عليها مخالفة للنص فلا يعول عليه ولأنه قول من سمينا من الصحابة رواه الأثرم عنهم بإسناده ولفظ حديث زيد بن ثابت إذا دخلت

مسألة والرواية الثانية القروء الاطهار وتعتد بالطهر الذي طلقها فيه قرءا فإذا طعنت في الحيضة الثالثة حلت

في الدم من الحيضة الثالثة فقد برئت منه وبرئ منها ولا ترثه ولا يرثها وقولهم إن الدم يجوز أن يكون دم فساد قلنا قد حكم بكونه حيضاً في ترك الصلاة وتحريمها على الزوج وسائر أحكام الحيض فكذلك في انقضاء العدة ثم إن كل التوقف عن الحكم بانقضاء العدة للاحتمال فإذا تبين أنه حيض علمنا أن العدة قد انقضت حين رأت الدم كما لو قال لها إن حضت فأنت طالق اختلف القائلون بهذا القول فمنهم من قال اليوم والليلة من العدة لأنه دم تكمل به العدة فكان منها كالذي في أثناء الاطهار ومنهم من قال ليس منها إنما يتبين به انقضاؤها لأننا لو جعلناه منها أوجبنا الزيادة على ثلاثة قروء ولكننا نمنعها من النكاح حتى يمضي يوم وليلة، ولو راجعها زوجها فيها لم تصح الرجعة وهذا أصح الوجهين (فصل) وكل فرقة بين زوجين في الحياة بعد الدخول فعدة المرأة منها عدة الطلاق سواء كانت يخلع أو لعان أو رضاع أو فسخ بعيب أو إعسار أو إعتاق أو اختلاف دين أو غيره في قول أكثر أهل العلم، وروى عن ابن عباس أن عدة الملاعنة تسعة أشهر وابي ذلك سائر أهل العلم وقالوا عدتها عدة الطلاق لأنها مفارقة في الحياة أشبهت المطلقة وأكثر أهل العلم يقولون عدة المختلفة عدة المطلقة منهم سعيد بن المسيب وسالم بن عبد الله وسليمان بن يسار وعمر بن عبد العزيز والحسن الشعبي والنخعي والزهري وقتادة وحلاس بن عمرو وأبو عياض ومالك والليث والاوزاعي والشافعي، وروي عن عثمان بن عفان وابن عمر وابن عباس وأبان بن عثمان وإسحاق وابن المنذر أن عدة المختلعة حيضة،

ورواه ابن القاسم عن أحمد لما روى ابن عباس أن امرأة ثابت بن قيس اختلعت منه فجعل النبي صلى الله عليه وسلم عدتها حيضة. رواه النسائي، وعن ربيع بنت معوذ مثل ذلك ولأن عثمان قضى به رواه النسائي وابن ماجة ولنا قول الله تعالى (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) ولأنها فرقة بعد الدخول في الحياة فكانت ثلاثة قروء كغير الخلع، وقول النبي صلى الله عليه وسلم " قرء الأمة حيضتان " عام وحديثهم يرويه عكرمة مرسلاً قال أبو بكر هو ضعيف مرسل، وقول عثمان وابن عباس وقد خالفه قول عمر وعلي فإنهما قالا: عدتها ثلاث حيض وقولهما اولى، وأما ابن عمر فقد روي مالك عن نافع عنه أنه قال عدة المخلعة عدة المطلقة وهو أصح عنه (فصل) الرابع اللائي يئسن من المحيض واللائي لم يحضن فعدتهن ثلاثة أشهر إن كن حرائر وإن كن إماء فشهران وعنه ثلاثة أشهر وعنه شهر ونصف أجمع أهل العلم على أن عدة الحرة الآيسة الصغيرة التي لم تحض ثلاثة أشهر لقوله الله تعالى (واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن) فإن كان الطلاق في أول الشهر اعتبر ثلاثة أشهر بالأهلة لقول الله تعالى (يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج) وقال سبحانه (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم) ولم يختلف الناس في أن الأشهر الحرم معتبرة بالأهلة وإن وقع الطلاق في اثناء شهر اعتدت بقية ثم اعتدت شهرين

بالأهلة ثم اعتدت من الشهر الثالث تمام ثلاثين يوماً، وهذا مذهب مالك والشافعي وقال أبو حنيفة تحسب بقية الأول وتعتد من الرابع بقدر ما فاتها من الأول تاماً كان أو ناقصاً لأنه لو كان من أول الهلال كانت العدة بالأهلة فإذا كان من بعض الشهر وجب قضاء ما فات منه وخرج أصحابنا وجهاً ثانياً أن جمع الشهور محسوبة بالعدد وهو قول ابن بنت الشافعي لأنه إذا حسب الأول بالعدد كان ابتداء الثاني من نصف الشهر وكذلك الثالث ولنا أن الشهر يقع على ما بين الهلالين وعلى الثلاثين ولذلك إذا غم الشهر كمل ثلاثين والاصل الهلال ماذا أمكن اعتبار الهلال اعتبر وإذا تعذر رجع إلى العدد وفي هذا انفصال عما ذكر لابي حنيفة وأما التخريج الذي ذكر لأصحابنا فإنه لا يلزم إتمام الشهر الأول من الثاني ويجوز أن يكون تمامه من الرابع (فصل) وتحسب العدة من الساعة التي فارقها زوجها فيها فلو فارقها نصف النهار أو نصف الليل اعتدت من ذلك الوقت إلى مثله في قول أكثر أهل العلم وقال ابن حامد لا تحتسب بالساعات وإنما يحتسب بأول الليل والنهار فإذا طلقها نهاراً احتسبت من أول الليل الذي يليه وإن طلقها ليلاً احتسبت من أول النهار الذي يليه وهذا قول مالك لأن حساب الساعات يشق فسقط اعتباره ولنا قول الله تعالى (فعدتهن ثلاثة أشهر) فلا تجوز الزيادة عليها بغير دليل وحساب الساعات ممكن

إما يقيناً وإما استظهاراً فلا وجه للزيادة على ما اوجبه الله تعالى، واختلفت الرواية في عدة الأمة فأكثر الروايات عنه أنها شهران وهو الذي ذكره الخرقي رواه عنه جماعة من أصحابه واحتج فيه بقول عمر رضي الله عنه عدة أم الولد حيضتان ولو لم تحض كانت عدتها شهرين، رواه الأثرم عنه بإسناده وهذا قول عطاء والزهري وإسحاق وأحد أقوال الشافعي، ولان الأشهر بدل من القروء وعدة ذات القروء قرآن فبدلهما شهران ولأنها معتدة بالشهور من غير الوفاة فكان عددها كعدد القروء ولو كانت ذات قروء كالحرة (والرواية الثانية) أن عدتها شهر ونصف، نقلها الميموني والاثرم واختارها أبو بكر وهذا قول علي رضي الله عنه، وروى ذلك عن ابن عمر وابن المسيب وسالم والشعبي الثوري وأصحاب الرأي وهو قول ثان للشافعي لأن عدة الأمة نصف عدة الحرة وعدة الحرة وعدة الحرة ثلاثة أشهر فنصفها شهر ونصف وإنما كملنا لذات الحيض حيضتين لتعذر تبعيض الحيضة فإذا صرنا إلى الشهور أمكن النصيف فوجب المصير اليه كما في عدة الوفاة ويصير هذا كالمحرم إذا وجب عليه في جزاء الصيد نصف مد مكيل أخرجه فإن أراد الصيام مكانه صام يوماً كاملاً ولأنها عدة أمكن تنصيفها فكانت على النصف من عدة الحرة كعدة الوفاة. (والثالثة) أن عليها ثلاثة أشهر روى ذلك عن الحسن ومجاهد وعمر بن عبد العزيز ويحيى الأنصاري وربيعة ومالك، وهو القول الثالث للشافعي لعموم قوله تعالى (فعدتهن ثلاثة أشهر) ولأن اعتبار الشهور

ههنا للعلم ببراءة رحمها ولا يحصل هذا بدون ثلاثة أشهر في الحرة والأمة جميعاً لأن الحمل يكون نطفة أربعين يوماً وعلقة أربعين يوما ثم يصير مضغة ثم تتحرك ويعلو بطن المرأة فيظهر الحمل، وهذا معنى لا يختلف بالرق والحرية ومن رد هذه الرواية قال هي مخالفة لإجماع الصحابة لأنهم اختلفوا على القولين الأولين ومتى اختلف الصحابة على قولين لم يجز إحداث قول ثالث لأنه يفضي إلى تخطئتهم وخروج الحق عن قول جميعهم ولا يجوز ذلك ولأنها معتدة بغير الحمل فكانت دون عدة الحرة كذات القروء المتوفى عنها زوجها (مسألة) (وعدة أم الولد عدة الأمة لأنها أمة مملوكة وعدة المتعق بعضعها بالحساب من عدة حرة وأمة أما إذا اعتدت بالحمل أو بالقروء فعدتها كعدة الحرة) لأن عدة الحامل لا تختلف بالرق والحرية وعدة الأمة بالقروء قرآن فأدنى ما يكون فيها من الحرية يوجب قرءاً ثالثاً لأنه لا يتبعض وإن كانت عدتها بالشهور للوفاة وكان نصفها حراً اعتدت بثلاثة شهور وثمانية ايام وإذا كان نصفها حراً فعدتها ثلاثة أرباع عدة الحرة فإن قلنا عدة الأمة شهران فعدتها شهران ونصف وإن قلنا شهر ونصف فعدتها شهران وسبعة أيام ونصف وإن قلنا عدتها ثلاثة أشهر فهي كالحرة (مسألة) (وحد الإياس خمسون سنة وعنه أن ذلك حده في نساء العجم وحده في نساء العرب ستون سنة) اختلف عن أحمد في السن الذي تصير به المرأة من الآيسات فعنه أوله خمسون سنة لأن

مسألة وعدة أم الولد عدة الأمة لأنها أمة مملوكة وعدة المعتق بعضها بالحساب من عدة حرة وأمة أما إذا اعتدت

عائشة رضي الله عنها قالت لن ترى المرأة في بطنها ولداً بعد خمسين سنة وعنه إن كانت من نساء العجم فخمسون سنة وان كانت من نساء العرب فستون لأنهن أقوى جبلة وطبيعة وقد ذكر الزبير بن بكار في كتاب النسب أن هند ابنة أبي عبيدة بن عبد الله بن زمعة ولدت موسى بن عبد الله بن حسن بن حسن بن علي بن ابي طالب ولها ستون سنة وقال يقال إنه لن تلد خمسين سنة إلا عربية ولا تلد لستين إلا قرشية وللشافعي قولان (أحدهما) يعتبر السن الذي بتيقن أنها إذا بلغته لم تحض، قال بعضهم هو اثنان وستون سنة (والثاني) يعتبر السن الذي ييئس فيه نساء عشيرتها لأن الظاهر أن نشأها كنشئهن وطبعها كطبعهن وقال شيخنا الصحيح إن شاء الله أنه متى بلغت المرأة خمسين سنة فانقطع حيضها عن عادتها مرات لغير سبب فقد صارت آيسة لأن وجود الحيض في حق هذه نادر بدليل قول عائشة وقله وجوده فإذا انضم الى هذا انقطاعه عن العادات مرات حصل اليأس من وجوده فلها حينئذ أن تعتد بالأشهر وإن انقطع قبل ذلك فحكمها حكم من ارتفع حيضها لا تدري ما رفعه على ما نذكره إن شاء الله تعالى وإن رأت الدم بعد الخمسين على العادة التي كانت تراه فيها فهو حيض في الصحيح لأن دليل الحيض الوجود في زمن الإمكان وهذا يمكن وجود الحيض فيه وإن كان نادراً وإن رأته بعد الستين فقد تيقن أنه ليس بحيض فعند ذلك لا تعتد به وتعتد بالأشهر كالتي لا ترى دما، أما أقل سن تحيض له

المرأة فقد ذكرناه في باب الحيض وذكرنا دليله فإن رأته قبل ذلك اعتدت بالأشهر وإن رأته بعد ذلك فالمعتبر من ذلك ما تكرر ثلاث مرات في حال الصحة وإن لم يوجد ذلك لم تعتد به (مسألة) (وإن حاضت الصغيرة في عدتها انتقلت الى القروء ويلزمها إكمالها) وجملة ذلك أن الصغيرة التي لم تحض إذا اعتدت بالشهور فحاضت قبل انقضاء عدتها ولو بساعه لزمها استئناف العدة بالإقراء في قول عامة فقهاء الأمصار منهم سعيد بن المسيب والحسن ومجاهد وقتادة والشعبي والنخعي والزهري والثوري ومالك والشافعي واسحاق وأبو عبيد وأصحاب الرأي وأهل المدينة وأهل البصرة وذلك لأن الشهور بدل عن الحيض فإذا وجد المبدل بطل حكم البدل كالتيمم مع الماء ويلزمها أن تعتد بثلاث حيض إن قلنا القروء الحيض وإن قلنا القروء الأطهار فهل تعتد بما مضى من الطهر قبل الحيض قرءاً؟ فيه وجهان (أحدهما) تعتد به لأنه طهر انتقلت منه إلى حيض فأشبه الطهر بين الحيضتين (الثاني) لا تعتد به وهو ظاهر كلام الشافعي لأن القرء هو الطهر بين حيضتين وهذا لم يتقدمه حيض فأما إن حاضت بعد انقضاء عدتها بالشهور ولو بلحظة لم يلزمها استئناف العدة لأنه حدث بعد انقضاء العدة فأشبه ما لو حدث بعد طول الفصل ولا يمكن منع هذا الأصل لأنه لو صح منعه لم يحصل للصغيرة الاعتداد بالشهور بحال.

مسألة وإن حاضت الصغيرة في عدتها انتقلت الى القروء ويلزمها إكمالها

(مسألة) (وإن يئست ذات القروء في عدتها انتقلت إلى عدة الآيسات ثلاثة أشهر) لأن العدة لا تلفق من جنسين وقد تعذر اتمامها بالحيض فوجب تكميلها بالأشهر لأنها عجزت عن الاصل فانتقلت إلى البدل كمن عجز عن الماء ينتقل الى التراب فإن ظهر بها حمل من الزوج سقط حكم ما مضى وبان لنا أن ما رأته من الدم لم يكن حيضاً لأن الحامل لا تحيض ولو حاضت ثلاث حيض ثم ظهر بها حمل فولدت لأقل من ستة أشهر منذ انقضت الحيضة الثانية تبينا أن الدم ليس بحيض لأنها كانت حاملاً مع رؤية الدم والحامل لا تحيض فأما إن حاضت ثلاث حيض ثم ظهر بها حمل يمكن حدوثه بعد العدة بأن تلد لستة أشهر منذ انقضت عدتها لم يلحق الزوج وحكما بصحة الاعتداد وكان هذا الولد حادثاً (مسألة) (وإن عتقت الأمة الرجعية في عدتها بنت على عدة حرة وإن كانت بائناً بنت على عدة أمه) هذا قول الحسن والشعبي والضحاك واسحاق وأصحاب الرأي وهو أحد أقوال الشافعي والقول الثاني تكمل عدة أمة سواء كانت بائناً أو رجعية وهو قول مالك وأبي ثور لأن الحرية طرأت بعد وجوب العدة عليها فلا يغير حكمها كما لو كانت بائناً أو كما لو طرأت بعد وجوب الاستبراء ولأنه معنى يختلف بالرق والحرية فكان الاعتبار بحالة الوجوب كالحد وقال عطاء والزهري وقتادة تبني على عدة حرة بكل حال وهو القول الثالث للشافعي لأن سبب العدة الكاملة إذا وجد في أثناء العدة انتقلت إليها وإن كانت بائناً كما لو اعتدت بالشهور ثم حاضت

مسألة وإن يئست ذات القروء في عدتها انتقلت إلى عدة الآيسات ثلاثة أشهر

ولنا أنها إذا اعتقت وهي رجعية فقد وجدت الحرية وهي زوجة تعتد عدة الوفاة لو مات فوجب أن تعتد عدة الحرائر كما لو اعتقت قبل الطلاق، وإن اعتقت وهي بائن فلم توجد الحرية في الزوجية فلم تجب عليها عدة الحرائر كما لو عتقت بعد مضي القرأين ولأن الرجعية تنتقل إلى عدة الوفاة لو مات فتنتقل الى عدة الحرائر، والبائن لا تنتقل إلى عدة الوفاة فلا تنتقل الى عدة الحرائر كما لو انقضت عدتها وما ذكره مالك يبطل بما إذا مات زوج الرجعية فإنها تنتقل إلى عدة الوفاة والفرق بين ما نحن فيه وبين ما إذا حاضت الصغيرة أن الشهور بدل عن الحيض فإذا وجد المبدل زال حكم البدل كالتيمم يجد الماء، وليس كذلك ههنا فإن عدة الأمة ليست ببدل ولذلك تبني الأمة على ما مضى من عدتها اتفاقاً وإذا حاضت الصغيرة استأنفت العدة فافترقا وتخالف الاستبراء فإن الحرية لو قاربت سبب وجوبه لم يكمل الا ترى أن أم الولد إذا مات سيدها عتقت لموته ووجب الاستبراء كما يجب على التي لم تعتق ولأن الاستبراء لا يختلف بالرق والحرية بخلاف مسئلتنا (فصل) إذا عتقت الأمة تحت العبد فاختارت نفسها اعتدت عدة الحرة لأنها بانت من زوجها وهي حرة وروى الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بريرة أن تعتد عدة الحرة وإن طلقها العبد طلاقا رجعيا فأعتقها سيدها بنت على عدة حرة سواء فسخت أو أقامت على النكاح لأنها عتقت في عدة رجعية وإن لم يفسخ فراجعها في عدتها فلها الخيار بعد رجعتها فإن اختارت الفسخ قبل المسيس فهل تستأنف العدة أو تبني على ما مضى من عدتها؟ على وجهين فإن قلنا تستأنف فإنها تستأنف عدة حرة، وإن قلنا تبني بنت على عدة حرة. (فصل) (الخامس من ارتفع حيضها لا تدري ما رفعه تعتد سنة تسعة أشهر للحمل وثلاثة للعدة) وجملة ذلك أن الرجل إذا طلق زوجته وهي من ذوات الإقراء فلم ترى الحيض في عادتها ولم تدر

ما رفعه فإنها تعتد سنة تسعة أشهر منها تتربص فيها لتعلم براءة رحمها لأن هذه غالب مدة الحمل فإذا لم يبن الحمل فيها علم براءة الرحم ظاهرا فتعتد بعد ذلك عدة لآيسات ثلاثة أشهر، هذا قول عمر رضي الله عنه. قال الشافعي هذا قضاء عمر بين المهاجرين والأنصار لا ينكره منهم منكر علمناه، وبه قال مالك والشافعي في أحد قوليه، وروي ذلك عن الحسن، وقال الشافعي في قول آخر تتربص اربع سنين أكثر مدة الحمل ثم تعتد بثلاثة أشهر لأن هذه المدة هي التي تتيقن بها براءة رحمها فوجب اعتبارها احتياطا. وحكى شيخنا مثل ذلك في المذهب، وقال الشافعي في الجديد تكون في عدة أبداً حتى تحيض أو تبلغ سن الإياس فتعتد حينئذ بثلاثة أشهر وهذا قول جابر بن زيد وعطاء وطاوس والشعبي والنخعي والزهري والثوري وأبي عبيد وأهل العراق ولأن الاعتداد بالأشهر جعل بعد الإياس فلم يجز قبله وهذه ليست آيسة ولأنها ترجو عود الدم فلم تعتد بالشهور كما لو تباعد حيضها لعارض ولنا الإجماع الذي ذكرناه حكاه الشافعي ولأن الغرض بالاعتداد معرفة براءة رحمها وهذا يحصل به براءة رحمها فاكتفي به ولهذا اكتفي في حق ذات القروء بثلاثة قروء وفي حق الآيسة بثلاثة أشهر ولو روعي اليقين لاعتبر أقصى مدة الحمل ولأن عليها في تطويل العدة ضرراً فإنها تمنع من الأزواج وتحبس دائماً ويتضرر الزوج بإيجاب السكنى والنفقة عليه وقد قال ابن عباس لا تطولوا عليها الشقة كفاها تسعة أشهر، فإن قيل فإذا مضت تسعة أشهر فقد علم براءة رحمها ظاهر فلم اعتبرتم بثلاثة أشهر بعدها؟ قلنا الاعتداد بالقروء والأشهر إنما يكون عند عدم الحمل وقد تجب العدة مع العلم ببراءة رحمها بدليل ما لو علق طلاقها بوضع الحمل فوضعته وقع الطلاق ولزمها العدة (مسألة) (وإن كانت امة اعتدت أحد عشر شهراً تسعة أشهر للحمل وشهرين للعدة) وهذا مبني على أن الحرة تعتد بتسعة أشهر للحمل وثلاثة للعدة على ما ذكرنا في المسألة قبلها وأن عد

مسألة وإن كانت امة اعتدت أحد عشر شهرا تسعة أشهر للحمل وشهرين للعدة

الأمة شهران لأن مدة الحمل تتساوى فيها الحرة والأمة لكونه أمراً حقيقياً فإذا يئست من الحمل اعتدت عدة آيسة شهرين وعلى قولنا أن عدة الأمة شهر ونصف تكون عدتها عشرة أشهر ونصفا ومن جعل عدتها ثلاثة أشهر فهي كالحرة سواء (فصل) فإن عاد الحيض اليها في السنة ولو في آخرها أو عاد إلى الأمة قبل انقضاء عدتها على ما فيها من الاختلاف لزمها الانتقال الى القروء لأنها الأصل فبطل بها حكم البدل وان عاد بعد مضيها ونكاحها لم تعد إلى القروء لأن عدتها انقضت وحكمنا بصحة نكاحها فلم تبطل كما لو اعتدت الصغيرة بثلاثة أشهر وتزوجت ثم حاضت، وإن حاضت بعد السنة وقبل نكاحها ففيه وجهان (أحدهما) لا تعود لأن العدة انقضت بالشهور فلم تعتد كالصغيرة (والثاني) تعود لأنها من ذوات القروء وقد قدرت على المبدل قبل تعلق حق زوج بها فلزمها العود كما لو حاضت في السنة (فصل) فإن حاضت حيضة ثم ارتفع حيضها لا تدري ما رفعه فهي كالمسألة التي قبلها تعتد سنة من وقت انقطاع الحيض وذلك لما روى عن عمر رضي الله عنه أنه قال في رجل طلق امرأته فحاضت حيضة أو حيضتين فارتفع حيضها لا تدري ما رفعه تجلس تسعة أشهر فإن لم يتبين بها حمل تعتد بثلاثة أشهر فذلك سنة ولا نعلم له مخالفاً. قال إبن المنذر قضى به عمر بين المهاجرين والأنصار لا ينكره منكر، وقال

الأثرم: سمعت أبا عبد الله يسئل عن الرجل يطلق امرأته فتحيض حيضة ثم ترتفع حيضتها؟ قال أذهب إلى حديث عمر إذا رفعت حيضتها فلم تدر مما ارتفعت فإنها تنتظر سنة، قيل له فحاضت دون السنة؟ فقال ترجع الى الحيض، قيل له فإن ارتفعت حيضتها لا تدري مما ارتفعت؟ قال تقعد سنة أخرى وهذا قول كل من وافقنا في المسألة قبلها وذلك لأنها لما ارتفعت حيضتها حصلت مرتابة فوجب أن تنتقل ألى الاعتداد بسنة كما لو ارتفع حيضها حين طلقها ووجب عليها سنة كاملة، لأن العدة لا تبنى على عدة أخرى ولذلك لو حاضت حيضة أو حيضتين ثم يئست انتقلت الى ثلاثة أشهر كاملة ولو اعتدت الصغيرة شهراً أو شهرين ثم حاضت انتقلت الى ثلاثة قروء (فصل) فإن كان عادة المرأة أن يتباعد ما بين حيضتيها لم تنقض عدتها إلا بثلاث حيضات، وإن طالت لأن هذه لم يرتفع حيضها ولم يتأخر عن عادتها فهي من ذوات القروء باقية على عادتها فأشبهت من لم يتباعد حيضها ولا نعلم فيه مخالفاً (مسألة) (وعدة الجارية التي أدركت فلم تحض والمستحاضة اليائسة ثلاثة أشهر وعنه سنة) إذا بلغت الجارية سناً تحيض فيه النساء في الغالب فلم تحض كخمس عشرة سنة فعدتها ثلاثة أشهر وهو ظاهر قول الخرقي وقول أبو بكر وهو مذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي وضعف أبو بكر الرواية المخالفة لهذا وقال رواه أبو طالب فخالف فيها أصحابه فروى أبو طالب عن احمد أنها تعتد سنة، وقال

مسألة وعدة الجارية التي أدركت فلم تحض والمستحاضة اليائسة ثلاثة أشهر وعنه سنة

القاضي هذه الرواية أصح لأنه متى أتى عليها زمان الحيض فلم تحض حصلت مرتابة يجوز أن يكون بها حمل منع حيضها فيجب أن تعتد بسنة كالتي ارتفع حيضها بعد وجوده ولنا قول الله تعالى (واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن) وهذه من اللائي لم يحضن، ولأن الاعتبار بحال المعتدة لا بحال غيرها ولهذا لو حاضت قبل بلوغ سن تحيض لمثله النساء في الغالب مثل أن تحيض لعشر سنين اعتدت بالحيض، وفارق من ارتفع حيضها فإنها من ذوات القروء (مسألة) (وهكذا حكم المستحاضة الناسية) وجملة ذلك القول في المستحاضة وهي لا تخلو إما أن تكون لها حيض محكوم بعادة أو تمييز أولا فان كان لها محكوم به فحكمها فيه حكمها غير المستحاضة إذا مرت لها ثلاثة قروء فقد انقضت عدتها. قال أحمد المستحاضة تعتد أيام اقرائها التي تعرف فان علمت أن لها في كل في شهر حيضة ولم تعلم موضعها فعدتها ثلاثة أشهر، وإن شكت في شئ تربصت حتى تستيقن أن القروء الثلاث قد انقضت، وإن كانت مبتدأة لا تمييز لها أو ناسية لا تعرف لها وقتاً ولا تمييزاً فعن أحمد فيها روايتان (إحداهما) ان عدتها ثلاثة أشهر وهو قول عكرمة وقتادة وأبي عبيد لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر حمنة

مسألة وهكذا حكم المتسحاضة الناسية

بنت جحش أن تجلس في كل شهر ستة أيام أو سبعة فجعل لها حيضة كل شهر، ولأننا نحكم لها بحيضة في كل شهر تترك فيها الصلاة والصيام ونثبت فيها سائر أحكام الحيض فيجب أن تنقضي بها العدة لأن ذلك من أحكام الحيض (والرواية الثانية) تعتد سنة بمنزلة من ارتفع حيضها لا تدري ما رفعه، قال أحمد إذا كانت اختلطت ولم تعلم إقبال الدم وإدباره اعتدت سنة لحديث عمر لأن به يتبين الحمل وهو قول مالك وإسحاق لأنها لم تتيقن لها حيضاً مع أنها من ذوات القروء فكانت عدتها سنة كالتي ارتفع حيضها، وعلى الرواية الأولى ينبغي أن يقال إننا متى حكمنا بأن حيضها سبعة أيام من كل شهر فمضى لها شهران بالهلال وسبعة أيام من أول الثالث فقد انقضت عدتها، وإن قلنا القروء الأطهار فطلقها في آخر شهر ثم مضى لها شهران وهل الثالث انقضت عدتها وهذا مذهب الشافعي (مسألة) (فأما التي عرفت ما رفع الحيض من مرض ورضاع ونحوه فلا تزال في عدة حتى يعود الحيض فتعتد به) أما إذا عرفت ارتفاع الحيض بعارض من مرض أو نفاس أو رضاع فإنها تنتظر زوال العارض وعود الدم وإن طال إلا أن تصير في سن الاياس وقد ذكرناه فتعتد حينئذ عدة الآيسات وقد روى الشافعي في مسنده بإسناده عن حبان بن منفذ أنه طلق امرأته طلقة واحدة وكان لها منه بنية ترضعها فتباعد حيضها ومرض حبان فقيل له إنك إن مت ورثتك فمضى إلى عثمان وعنده علي وزيد

مسألة فأما التي عرفت ما رفع الحيض من مرض ورضاع ونحوه فلا تزال في عدة حتى يعود الحيض فتعتد به

ابن ثابت فسأله عن ذلك فقال عثمان لعلي وزيد ما تريان فقالا نرى أنها إن ماتت ورثها وان مات ورثته لأنها ليست من القواعد اللائي يئسن من المحيض ولا من الأبكار اللائي لم يبلغن المحيض فرجع حبان إلى أهله فانتزع البنت منها فعاد إليها الحيض فحاضت حيضتين ومات حبان قبل انقضاء الثالثة فورثها عثمان رضي الله عنه. وروى الأثرم باسناده عن محمد بن يحيى بن حبان أنه كانت عند جده امرأتان هاشمية وأنصارية فطلق الأنصارية وهي مرضع فمرت بها سنة ثم هلك ولم تحض فقالت الأنصارية لم أحض فاختصموا الى عثمان فقضى لها بالميراث فلامت الهاشمية عثمان فقال: هذا عمل ابن عمك هو أشار علينا بهذا يعني علي بن أبي طالب رضي الله عنه (فصل) (السادس امرأة المفقود الذي انقطع خبره لغيبة ظاهرها الهلاك كالذي يفقد من بين أهله أو في مفازة مهلكة أو بين الصفين إذا قتل قوم أو من غرق مركبة ونحو ذلك فإنها تتربص أربع سنين ثم تعتد للوفاة) وجملة ذلك أنه إذا غالب الرجل عن امرأته لم يخل من حالين أحدهما أن تكون غيبة ظاهرها الهلاك كالذي يفقد من بين أهله ليلاً ونهاراً أو يخرج الى الصلاة فلا يرجع أو يمضي إلى مكان قريب ليقضي حاجة ويرجع فلا يظهر له خبر أو يفقد بين الصفين أو من انكسر مركبة فيغرق بعض رفقته أو يفقد في مهلكة كبرية الحجاز ونحوها فمذهب أحمد الظاهر عنه أن

زوجته تتربص أربع سنين أكثر مدة الحمل ثم تعتد للوفاة أربعة اشهر وعشراً وتحل للأزواج قال الأثرم قيل لأبي عبد الله تذهب إلى حديث عمر وقال هو أحسنها يروى عن عمر من ثمانية وجوه ثم قال زعموا أن عمر رجع عن هذا هؤلاء الكذابين، قلت فروي من وجه ضعيف أن عمر قال بخلاف هذا قال لا إلا أن يكون إنسان يكذب، وقلت له مرة إن انساناً قال لي أن أبا عبد الله قد ترك قوله في المفقود بعدك فضحك ثم قال من ترك هذا القول أي شئ يقول؟ وهذا قول عمر عثمان وعلي وابن عباس وابن الزبير قال أحمد خسمة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وبه قال عطاء وعمر بن عبد العزيز والحسن والزهري وقتادة والليث وعلي بن المديني وعبد العزيز بن أبي سلمة وبه يقول مالك والشافعي في القديم إلا أن مالكا قال ليس في انتظار من يفقد في القتال وقت، وقال سعيد بن المسيب في امرأة المفقود بين الصفين تتربص سنة لأن غلبة هلاكه ههنا أكثر من غلبة غيره لوجود سببه، وقد نقل عن أحمد أنه قال كنت أقول إذا تربصت أربع سنين ثم اعتدت أربعة اشهر وعشراً تزوجت وقد ارتبت فيها وهبت الجواب فيها لما اختلف الناس فكأني أحب السلامة، وهذا توقف يحتمل الرجوع عما قاله وتتربص أبداً، ويحتمل التورع ويكون المذهب ما قاله أولاً، قال القاضي أكثر أصحابنا على أن المذهب رواية واحدة وعندي أن المسألة على روايتين، وقال أبو بكر الذي أقول به إن صح الاختلاف في المسألة أن لا نحكم بحكم ثان إلا بدليل على الانتقال، وإن ثبت الإجماع فالحكم فيه على ما نص عليه. وظاهر المذهب

على ما حكيناه أولاً نقله عن أحمد الجماعة وقد أنكر أحمد رواية من روي عنه الرجوع على ما حكيناه من رواية الأثرم وقال أبو قلابة والنخعي والثوري وابن أبي ليلى واصحاب الرأي والشافعي في الجديد لا تتزوج امرأة المفقود حتى تتيقين موته أو فراقه لما روى المغيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " امرأة المفقود امرأته حتى يأتيها زوجها " وروى الحكم وحماد عن علي لا تتزوج امرأة المفقود حتى يأتي موته أو طلاقه، ولأنه شك في زوال الزوجية فلم تثبت به الفرقة كما لو كان ظاهرها السلامة ولنا ما روى الاثرم والجوزجاني بإسنادهما عن عبيد بن عمير قال: فقد رجل في عهد عمر فجاءت امرأته الى عمر فذكرت ذلك له فقال انطلقي فتربصي أربع سنين ففعلت ثم اتته فقال انطلقي فاعتدي أربعة أشهر وعشراً ففعلت ثم اتته فقال أين ولي هذا الرجل؟ فجاء وليه فقال طلقها ففعل فقال لها عمر انطلقي فتزوجي من شئت فتزوجت ثم جاء زوجها الأول فقال له عمر أين كنت؟ فقال يا أمير المؤمنين استهوتني الشياطين قال فوالله ما أدري في أي أرض الله، كنت عند قوم يستعبدونني حتى غزاهم قوم مسلمون فكنت فيمن غنموه فقالوا لي أنت رجل من الإنس وهؤلاء الجن فما لك وما لهم؟ فأخبرتهم خبري فقالوا بأية أرض الله تحب أن تصبح قلت المدينة هي أرضي فأصبحت وأنا أنظر الى الحرة فخيره عمر إن

شاء امرأته وإن شاء الصداق فاختار الصداق وقال قد حبلت لا حاجة لي فيها. قال أحمد يروى عن عمر من ثمانية وجوه ولم يعرف في الصحابة له مخالف وروى الجوزجاني وغيرهم بإسنادهم عن علي امرأة المفقود تعتد أربع سنين ثم تطلقها ولي زوجها وتعتد بعد ذلك أربعة أشهر وعشراً فإن جاء زوجها المفقود بعد ذلك خير بين الصداق وبين امرأته وقضى به عثمان أيضاً، وقضى به ابن الزبير في مولاة لهم وهذه قضايا انتشرت في الصحابة فلم تنكر فكانت إجماعاً، فأما الحديث الذي رووه عن النبي صلى الله عليه وسلم فلم يثبت ولم يذكره أصحاب السنن وما رووه عن علي فيرويه الحكم وحماد مرسلاً والمسند عنه مثل قولنا، ثم يحمل ما رووه على المفقود الذي ظاهر غيبته السلامة جمعاً بينه وبين ما رويناه وقولهم إنه شك في زوال الزوجية ممنوع فإن الشك ما يتساوى فيه الأمران والظاهر في مسئلتنا الهلاك (فصل) وهل يعتبر أن يطلقها ولي زوجها ثم تعتد بعد ذلك بثلاثة قروء؟ فيه روايتان (إحداهما) يعتبر ذلك لأنه في حديث عمر الذي رويناه، وقد قال أحمد هو أحسنها، وذكر في حديث علي أنه يطلقها ولي زوجها (الثانية) لا يعتبر كذلك قاله ابن عمر وابن عباس وهو القياس فإن ولي الرجل لا ولاية له في طلاق امرأته ولاننا حكمنا عليها بعدة الوفاة فلا يجب عليها مع ذلك عدة الطلاق كما لو

تيقنت وفاته ولأنه قد وجد دليل هلاكه على وجه اباح التزويج لها وأوجب عليها عدة الوفاة فأشبه ما لو شهد به شاهدان (مسألة) (وهل تفتقر إلى رفع الأمر إلى الحاكم ليحكم بضرب المدة وعدة الوفاة؟ على روايتين) (إحداهما) تفتقر لانها مدة تختلف فيها فافتقرت الى ضرب الحاكم كمدة العنة، فعلى هذا يكون ابتداء المدة من آن ضربها الحاكم (والثانية) لا تفتقر لانها تعتبر لإباحة النكاح فلم تفتقر إلى الحاكم كمدة من ارتفع حيضها لا تدري ما رفعه فيكون ابتداء المدة من حين انقطع خيره وبعده أثره ولأن هذا ظاهر في موته فكان ابتداء المدة منه كما لو شهد به شاهدان وللشافعية وجهان كالروايتين (مسألة) (وإذا حكم الحاكم بالفرقة نفد حكمه في الظاهر دون الباطن فلو طلق الأول صح طلاقه) لأنا حكمنا بالفرقة على أن الظاهر هلاكه فإذا ثبتت حياته انتقض ذلك الظاهر ولم يبطل طلاقه كما لو شهدت به بينة كاذبة ولذلك خير في أخذها وكذلك إن ظاهر أو آلى أو قذف لأن نكاحه باق بدليل تخيبره في أخذها، وقال أبو الخطاب القياس أننا إذا حكمنا بالفرقة نفذ ظاهراً وباطناً فتكون امرأة

مسألة وهل تفتقر إلى رفع الأمر إلى الحاكم ليحكم بضرب المدة وعدة الوفاة؟ على وجهين

الثاني ولا خيار للأول لأنها بانت منه بفرقة الحاكم في محل مختلف فيه فنفذ حكمه في الباطن كما لو فسخ نكاحها لعسرته او عيبه فلهذا لم يقع طلاقه وإن لم يحكم بفرقته باطناً فهي امرأة الأول ولا خيار له (مسألة) (فإذا فعلت ذلك يعني تربصت أربع سنين واعتدت عدة الوفاة ثم تزوجت ثم قدم زوجها الأول فإن كان قبل أن تتزوج فهي امرأته) وقال بعض أصحاب الشافعي إذا ضربت لها المدة فانقضت بطل نكاح الأول والذي ذكرنا أولى لأننا إنما أبحنا لها التزويج لأن الظاهر موته فإذا بان حياً انخرم ذلك الظاهر وكان النكاح بحاله كما لو شهدت البينة بموته فبان حياً ولأنه أحد المالكين فأشبه مالك المال فإن قدم بعد التزويج وكان قبل دخول الثاني بها فكذلك ترد اليه وليس على الثاني صداق لأننا تبينا أن النكاح باطل ولم يتصل به دخول، أحمد أما قبل الدخول فهي امرأته وإنما تخير بعد الدخول، وهذا قول عطاء والحسن وخلاس بن عمرو النخعي وقتادة ومالك واسحاق، وقال القاضي فيه رواية أخرى أنه يخير أخذه من عموم قول أحمد إذا تزوجت امرأته فجاء خير بين الصداق وبين امرأته، والصحيح أن عموم كلام أحمد يحمل على خصوصه في رواية الأثرم وأنه لا يتخير إلا بعد الدخول فتكون زوجة الأول رواية واحدة لأن النكاح إنما صح في الظاهر دون الباطن فإذا قدم تبينا أن النكاح كان باطلاً لأنه صادف امرأة ذات زوج فكان باطلاً كما لو شهدت بينة بموته، وتعود الى الزوج بالعقد الأول كما لو لم تتزوج

مسألة فإذا فعلت ذلك يعني تربصت أربع سنين واعتدت عدة الوفاة ثم تزوجت ثم قدم زوجها الأول فإن كان

(مسألة) (وإن قدم بعد دخول الثاني بها خير الأول بين أخذها فتكون امرأته بالعقد الأول وبين صداقها وتكون زوجة الثاني) وهذا قول مالك لإجماع الصحابة عليه فروى معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب أن عمر وعثمان قالا إن جاء زوجها الأول خير بين المرأة وبين الصداق الذي ساق هو رواه الجوزجاني والاثرم وقضى به ابن الزبير في مولاة لهم وقال على ذلك في الحديث الذي رويناه ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم فكان إجماعاً. فعلى هذا إن أمسكها الأول فهي زوجته بالعقد الأول، والمنصوص عن أحمد أن الثاني لا يحتاج إلى طلاق لأن نكاحه كان باطلاً في الباطن وقال القاضي قياس قوله أنه يحتاج إلى طلاق لأن هذا نكاح مختلف في صحته فكان مأموراً بالطلاق ليقطع حكم العقد الثاني كسائر الا نكحة الفاسدة ويجب على الأول اعتزالها حتى تقضي عدتها من الثاني، وإن لم يخترها الأول فإنها تكون مع الثاني ولم يذكروا لها عقداً جديداً. قال شيخنا: والصحيح أنه يجب أن تستأنف لها عقداً لأننا تبينا بطلان عقده بمجئ الأول ويحمل قول الصحابة على هذا لقيام الدليل عليه فإن زوجة الإنسان لا تصير زوجة لغيره بمجرد تركه لها (مسألة) (ويأخذ منه صداقها) أي يأخذ الزوج الأول من الزوج الثاني إذا تركها له صداقها لقضاء الصحابة بذلك (مسألة) (وهل يأخذ منه صداقها الذي أعطاها أو الذي أعطاها الثاني؟ على روايتين)

مسألة وإن قدم بعد دخول الثاني بها خير الأول بين أخذها فتكون امرأته بالعقد الأول وبين صداقها وتكون

اختلف عن أحمد فيما يرجع به فروي عنه أنه يرجع بالصداق الذي اصدقها هو وهو اختيار أبي بكر وقول الحسن والزهري وقتادة وعلي بن المديني لقضاء علي وعثمان أنه يخير بينها وبين الصداق الذي ساق إليها هو ولأنه أتلف عليه المعوض فرجع عليه بالعوض كشهود الطلاق إذا رجعوا عن الشهادة، فعلى هذا إن كان لم يدفع اليها الصداق لم يرجع بشئ وإن كان دفع بعضه رجع بما دفع ويحتمل أن يرجع عليه بالصداق وترجع المرأة عليه بما بقي عليه من صداقها، وعن أحمد أنه يرجع عليه بالمهر الذي أصدقها الثاني لأن الإتلاف من جهته والرجوع عليه بقيمتة والبضع لا يتقوم إلا على زوج أو من جرى مجراه فيجب الرجوع عليه بالمسمى الثاني دون الأول وهل يرجع الزوج الثاني على الزوجة بما أخذ منه؟ فيه روايتان ذكر ذلك أبو عبد الله بن حامد (إحداهما) يرجع به لأنها غرامة لزمت الزوج بسبب وطئه لها فرجع بها كالمغرور، ولأن ذلك يقضي إلى أن يلزمه مهران بوطئ واحد (والثانية) لا يرجع لأن الصحابة لم يقضوا بالرجوع فإن سعيد بن المسيب روي ان عليا وعثمان قضيا في المرأة التي لا تدري ما مهلك زوجها أن تتربص أربع سنين ثم تعتد عدة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشراً ثم تتزوج إن بدا لها، فإن جاء زوجها خير إما امرأته وإما الصداق فإن اختار الصداق فالصداق على زوجها الآخر وتثبت عنده، وإن اختار امرأته عزلت من زوجها الآخر حتى تنقضي

عدتها، وإن قدم زوجها وقد توفي زوجها الآخر ورثت واعتدت عدة المتوفى عنها زوجها وترجع إلى الى الأول رواه الجوزجاني ولأن المرأة لا تعزير منها فلم يرجع عليها بشئ كغيرها وإن قلنا يرجع عليها فإن كان قد دفع اليها الصداق رجع به وإن كان لم يدفعه اليها دفعه الى الأول ولم يرجع عليها بشئ وإن كان قد دفع بعضه رجع بما دفع، وإن قلنا لا يرجع عليها وكان قد دفع اليها الصداق لم يرجع به وإن لم يكن دفعه اليها لزمه دفعه ويدفع الى الأول صداقاً آخر (فصل) قال شيخنا (والقياس أن ترد الى الأول ولا خيار) لأن زوجها لم يطلقها ولم ينفسخ نكاحه فردت إليه كما لو تزوجت لبينة قامت بوفاته ثم تبين كذبها بقدومه إلا أن يفرق الحاكم بينهما ونقول بوقوع الفرقة باطناً فينفسخ نكاح الأول لأن نكاحه انفسخ بحكم حاكم ووقوع نكاح الثاني بعد بطلان نكاح الأول وقضاء عدتها فأشبه ما لو طلقها الأول فتكون زوجة الثاني بكل حال لذلك وعن أحمد التوقف في أمره وقد ذكرناه فيما مضى والمذهب الأول أولى (فصل) إذا فقدت الأمة زوجها لغيبة ظاهرها الهلاك تربصت أربع سنين ثم اعتدت للوفاة شهرين وخمسة أيام، وهذا اختيار أبي بكر، وقال القاضي تتربص نصف تربص الحرة ورواه أبو طالب عن

أحمد وهو قول الاوزاعي والليث لأنها مدة مضروبة للمرأة لعدم زوجها فكانت الأمة فيه على النصف من الحرة كعدة الوفاة. ولنا أن الأربع السنين مضروبة لكونها أكثر مدة الحمل في الأمة والحرة سواء فاستويا في التربص لها كالتسعة الأشهر في حق من ارتفع حيضها لا تدري ما رفعه وكالحمل نفسه، وبهذا ينتقض قياسهم فأما العبد فإن كانت زوجته حرة فتربصها كتربص تحت الحر، وإن كانت أمة فهي كالأمة تحت الحر لأن العدة معتبرة بالنساء دون الرجال وكذلك مدة التربص، وحكي عن الزهري ومالك أنه يضرب له نصف أجل الحرة، والاولى ما قلناه لأنه تربص مشرع في حق المرأة لفرقة زوجها فأشبهت العدة (الثاني) من انقطع خبره لغيبية ظاهرها السلامة كسفر التجارة في غير مهلكة وإباق العبد وطلب العلم والسياحة فإن امرأته تبقى أبدا حتى تتقين موته روى ذلك عن علي واليه ذهب ابن شبرمة وابن أبي ليلى وأبو حنيفة والشافعي في الجديد، وروي عن أبي قلابة والنخعي وأبي عبيد وقال مالك، والشافعي

في القديم تتربص أربع سنين وتعتد للوفاة أربعة اشهر وعشراً وتحل للأزواج لأنه إذا جاز الفسخ لتعذر الوطئ بالعنة وتعذر النفقة بالاعسار فلأن يجوز ههنا لتعذر الجميع أولى. واحتجوا بحديث عمر الذي ذكرناه في المفقود مع موافقة الصحابة وتركهم إنكاره ونقل احمد بن أصرم عن أحمد إذا مضى عليه تسعون سنة قسم ماله، وهذا يقضي أن زوجته تعتد عدة الوفاة ثم تتزوج، قال أصحابنا انما اعتبر تسعين سنة من يوم ولادته لأن الظاهر أنه لا يعيش أكثر منها فإذا اقترن به انقطاع خبره وجب الحكم بموته كما لو كان فقده لغيبة ظاهرها الهلاك، والمذهب الأول لأن هذه غيبة ظاهرها السلامة فلم يحكم بموته كما قبل أربع سنين أو كما قبل التسعين ولأن هذا التقدير بغير توقيف فلا ينبغي أن يصار إليه إلا بالتوقيف ولأن تقدير هذا بتسعين سنة من يوم ولادته يقضي الى اختلاف العدة في حق المرأة ولا نظير لهذا وخبر عمر ورد فيمن غيبته ظاهرها الهلاك فلا يقاس عليه غيره (فصل) فإن كانت غيبة غير منقطعة يعرف خبره ويأتي كتابه فهذا ليس لامرأته أن تتزوج في قول أهل العلم أجمعين إلا ان تتعذر الانفاق عليها من ماله فلها أن تطلب فسخ النكاح فيفسخ نكاحه. وأجمعوا أن امرأة الأسير لا تنكح حتى يعلم يقين وفاته هذا قول النخعي والزهري ويحيى الانصاري ومكحول والشافعي وأبي عبيد وأبي ثور واسحاق وأصحاب الرأي، وإن ابق العبد فزوجته على الزوجية حتى تعلم موته أو ردته وبه قال الأوزاعي والثوري والشافعي واسحاق وقال الحسن إباقه طلاقه

ولنا أنه ليس بمفقود فلم ينفسخ نكاحه كالحر ومن تعذر الأنفاق من ماله على زوجته فحكمه في الفسخ حكم ما ذكرنا إلا أن العبد نفقة زوجته على سيده أو في كسبه فيعتبر تعذر الأنفاق في محل الوجوب (فصل) إذا تزوج الرجل امرأة لها ولد من غيره فمات ولدها فإن أحمد قال يعتزل امرأته حتى تحيض حيضة وهذا يروي عن علي بن أبي طالب والحسن ابنه ونحوه عن عمر بن الخطاب وعن الحسين بن علي والصعب بن جثامة وبه قال عطاء وعمر بن عبد العزيز والنخعي ومالك واسحاق وأبو عبيد قال عمر بن عبد العزيز حتى ينظر بها حمل اولا، وإنما قالوا ذلك لأنها إن كانت حاملاً حين موته ورثه حملها وإن حدث الحمل بعد الموت لم يرثه وان كان للميت ولد أو أب أو جد لم يحتج إلى استبرائها لأن الحمل لا ميراث له وإن كانت حاملاً فقد تبين حملها فلم يحتج إلى استبرائها لأن الحمل معلوم، وإن كانت آيسة لم يحتج إلى استبرائها لليأس من حملها، وإن كانت ممن يمكن حملها ولم يتبين بها حمل ولم يعتزلها زوجها فأتت بولد قبل ستة أشهر ورث وإن أتت به بعد ستة أشهر من حين وطئها بعد موت ولدها لم يرث لانا لا نتيقن وجوده حال موته وهذا يروى عن سفيان وهو قياس قول الشافعي (مسألة) ومن مات عنها زوجها أو طلقها وهو غائب فعدتها من يوم مات أو طلق وإن لم تجتنب ما تجتنبه المعتدات وعنه إن ثبت ذلك بينة فكذلك وإلا فعدتها من يوم بلغها الخبر) والمشهور في المذهب أنه متى مات عنها أو طلقها زوجها فعدتها من يوم موته وطلاقه قال أبو بكر لا خلاف

مسألة ومن مات عنها زوجها أو طلقها وهو غائب فعدتها من يوم مات أو طلق وإن لم تجتنب ما تجتنبه المعتدات

عن أبي عبد الله علمه أن العدة تجب من حين الموت والطلاق إلا ما رواه إسحاق بن إبراهيم وهذا قول ابن عمر وابن عباس وابن مسعود ومسروق وعطاء وجابر بن زيد وابن سيرين ومجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة وطاوس وسليمان بن يسار وأبي قلابة وأبي العالية والنخعي ونافع ومالك والثوري والشافعي واسحاق وأبي عبيد وأبي ثور وأصحاب الرأي وعن أحمد أن قامت بذلك بينة فكما ذكرنا وإلا فعدتها من يوم يأتيها الخبر وروي ذلك عن ابن المسيب وعمر بن عبد العزيز ويروى عن علي والحسن وقتادة وعطاء وخلاس بن عمرو أن عدتها من يوم يأتيها الخبر لأن العدة من اجتناب أشياء وما اجتنبها ولنا أنها لو كانت حائلاً فوضعت حملها غير عالمة بفرقة زوجها لا نقضت عدتها فكذلك سائر أنواع العدد ولأنه زمان عقيب الموت أو الطلاق فوجب أن تعتد به كما لو كان حاضراً ولأن القصد غير معتبر في العدة بدليل الصغيرة والمجنونة تنقضي عدتهما من غير قصد ولم يعدم ههنا إلا القصد وسواء في هذا اجتنبت ما تجتنبه المعتدات أو لم تجتنبه فإن الإحداد الواجب ليس بشرط في العدة فلو تركته قصداً أو عن غير قصد لا نقضت عدتها فإن الله تعالى قال (يتربص بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا - وقال يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء - وقال - فعدتهن ثلاثة أشهر - وقال - وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) وفي الاشتراط الإحداد مخالفة هذه النصوص فوجب أن تشترط

(مسألة) (وعدة الموطوءة بشبهة عدة المطلقة وكذلك المزني بها وعنه أنها تستبرأ بحيضة) وبهذا قال الشافعي لان وطئ الشبهة وفي النكاح الفاسد في شغل الرحم ولحوق النسب كالوطئ في النكاح الصحيح فكان مثله فيما تحصل به البراءة وإن وطئت المزوجة بشبهة لم يحل لزوجها وطؤها قبل قضاء عدتها كيلا يفضي إلى اختلاط المياه واشتباه الأنساب وله الاستمتاع منها بما دون الفرج في أحد الوجهين لأنها زوجة حرم وطؤها لعارض يختص بالفرج فأبيح الاستمتاع منها بما دونه كالحيض (والثاني) لا تحل لأن ما حرم الوطئ حرم دواعيه كالإحرام (فصل) كذلك المزني بها عدتها عدة الموطؤة بشبهة وبهذا قال الحسن والنخعي وعن أحمد رواية أخرى انها تستبرأ بحيضة ذكرها ابن أبي موسى وهو قول مالك لأن المقصود به معرفة البراءة من الحمل فأشبه استبراء الأمة، وروي عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما لا عدة عليها وهو قول الثوري والشافعي وأصحاب الرأي لأن العدة لحفظ النسب وقد روي عن علي رضي الله عنه ما يدل على ذلك ولنا أنه وطئ يقتضي شغل الحرم فوجبت العدة منه كوطئ الشبهة ولنا وجوبها كعدة المطلقة فلأنها حرة فاشبهت الموطؤة بشبهة، وقولهم إنما تجب لحفظ النسب قلنا لو وجب لذلك لما وجب على الملاعنة المنفي ولدها والآيسة والصغيرة ولما وجب استبراء الأمة التي لا يلحق ولدها بالبائع ولو وجب كذلك

مسألة وعدة الموطوءة بشهبة عدة المطلقة وكذلك المزني بها وعنه أنها تستبرأ بحيضة

كان استبراء الأمة على البائع ثم لو ثبت أنها وجبت فالحاجة اليها داعية فإن المزني بها إذا تزوجت قبل الاعتداد اشتبه ولد الزوجة بالولد من الزنا فلا يحصل حفظ النسب (فصول تتعلق بالمفقود) إذا اختارت امرأة المفقود المقام والصبر حتى يتبين أمره فلها النفقة مادام حياً وينفق عليها من ماله لأنها محكوم لها بالزوجية فيجب لها النفقة كما لو علمت حياته، فإذا تبين أنه كان حياً وقدم فلا كلام وإن تبين أنه مات أو فارقها فلها النفقة إلى يوم موته أو بينونتها منه ويرجع عليها بالباقي لأننا تبينا أنها أنفقت مال غيره أو أنفقت من ماله وهي غير زوجة له، وإن رفعت أمرها إلى الحاكم فضرب لها مدة فلها النفقة في مدة التربص ومدة العدة لان مد العدة لم يحكم فيها ببينونتها من زوجها فهي محبوسة عليه بحكم الزوجية فأشبه ما قبل العدة وأما مدة العدة فإنها غير منتفية بخلاف عدة الوفاة فإن موته متقين، وما بعد العدة إن تزوجت أو فرق الحاكم بينهما سقطت نفقتها لأنها أسقطتها بخروجها عن حكم نكاحه وإن لم تتزوج ولا فرق الحاكم بينهما فنفقتها باقية لأنها لم تخرج من نكاحه، فإن قدم الزوج بعد ذلك وردت اليه عادت نفقتها من حين الرد، وقد روى الأثرم والجوزجاني عن ابن عمر وابن عباس قالا تنتظر امرأة المفقود أربع سنين قال ابن عمر ينفق عليها من مال زوجها وقال ابن عباس إذاً يجحف ذلك بالورثة ولكنها تستدين فإذا جاء زوجها اخذت من ماله وإن مات أخذت من نصيبها. من الميراث وقالا ينفق عليها

فصول تتعلق بالمفقود

بعد في العدة بعد الأربع سنين مال زوجها جميعه أربعة أشهر وعشرا، وإن قلنا ليس لها أن تتزوج لم تسقط نفقتها ما لم تتزوج، فإن تزوجت سقطت نفقتها لانها بالتزوج تخرج عن يديه وتصير ناشزاً، وإن فرق بينهما فلا نفقة لها مادامت في العدة فإذا انقضت فلم تعد الى مسكن زوجها فلا نفقة لها أيضاً لأنها باقية على النشوز وإن عادت الى مسكنه احتمل أن تعود النفقة لأن النشوز المسقط لنفقتها قد زال ويحتمل أنها لا تعود لأنها ما سلمت نفسها إليه، وإن عاد فتسلمها عادت نفقتها، ومتى أنفق عليها ثم بان أن الزوج كان قد مات قبل ذلك حسب عليها ما أنفق عليها من حين موته من ميراثها فإن لم يرث شيئاً فهو عليها لأنها أنفقت من مال الوارث ما لا تستحقه، فأما نفقتها على الزوج الثاني فإن قلنا لها أن تتزوج فنكاحها صحيح حكمه في النفقة حكم الأنكحة الصحيحة وإن قلنا ليس لها أن تتزوج فلا نفقة لها فإن أنفق لم يرجع بشئ لأنه متطوع إلا أن يجبره الحاكم على ذلك فيحتمل أن يرجع بها لأنه ألزمه أداء ما لم يكن واجباً عليه ويحتمل أن لا يرجع به لأن ما حكم به الحاكم لا يجوز نقضه ما لم يخالف كتاباً أو سنه أو إجماعاً فإن فارقها بتفريق الحاكم أو غيره فلا نفقة لها، إلا أن تكون حاملاً فينبني وجوب النفقة على الروايتين في النفقة هل هي للحمل اولها من أجله؟ فإن قلنا هي للحمل فلها النفقة لأن نسب الحمل لاحق به فيجب عليه الإنفاق على ولده وإن قلنا لها من أجله فلا نفقة لها لأنها في غير نكاح صحيح فأشبه حمل الموطوءة بشبهة، وإذا أتت بولد يمكن كونه من الثاني لحقه نسبه لأنها صارت فراشاً له وقد علمنا أن الولد ليس من الأول لأنها

تربصت بعد فقده أكثر من مدة الحمل وتنقضي عدتها من الثاني بوضعه لأن الولد منه، وعليها أن ترضعه اللبأ لأن الولد لا يقوم بدنه إلا به فإن ردت إلى الأول فله منعها من رضاعة كما له أن يمنعها من رضاع أجنبي لأن ذلك يشغلها عن حقوقه إلا أن يضطر إليها ويخشى عليه التلف فليس له منعها من رضاعه لأن هذا حال ضرورة فإن ارضعته في بيت المال الزوج الأول لم تسقط نفقتها لأنها في قبضته ويده وإن أرضعته في غير بيته بغير إذنه فلا نفقة لها لأنها ناشز وإن كان بإذنه خرج على الروايتين فيما إذا سافرت بإذنه (فصل) في ميراثها من الزوجين وتوريثهما منها، متى مات زوجها الأول أو ماتت قبل تزويجها للثاني ورثته وورثها وكذلك إن تزوجت الثاني فلم يدخل بها لأننا تبينا أنه متى قدم قبل الدخول بها ردت إليه بغير تخيبر، وذكر القاضي فيها رواية أنه يخير فيها، فعلى هذه الرواية حكمها حكم ما لو دخل بها الثاني فأما إذا دخل بها الثاني وقدم زوجها الاول فاختارها ردت اليه وورثها وورثته ولم ترث الثاني ولم يرثها لأنه لا زوجية بينهما، وإن مات أحدهما قبل اختيارها إما في الغيبة أو بعد قدومه فإن قلنا أن لها أن تتزوج ورثت الزوج الثاني وورثها ولم ترث الأول لم يرثها، ولأن من خير بين شيئين فتعذر أحدهما تعين الآخر، وإن ماتت قبل اختيار الأول خير فإن اختارها ورثها وإن يخترها ورثها الثاني، هذا ظاهر قول اصحابنا. وأما على ما اختاره شيخنا فإنها لا ترث الثاني ولا يرثها بحال إلا أن يجدد لها عقداً أو لا يعلم أن الأول كان حياً ومتى علم أن الأول كان حياً ورثها وورثته إلا أن يختار تركها فتبين منه بذلك فلا

ترثه ولا يرثها، وعلى قول أبي الخطاب إن حكمنا بوقوع الفرقة بتفريق الحاكم ظاهر أو باطناً ورثت الثاني وورثها دون الأول وإن لم يكن يحكم بوقوع الفرقة باطناً ورثت الأول وورثها دون الثاني، فأما عدتها منهما فمن ورثته اعتدت لوفاته عدة الوفاة، وإن مات الثاني في موضع لا ترثه فالمنصوص عن أحمد أنها تعتد عدة الوفاة في النكاح الفاسد، فعلى هذا عليها عدة الوفاة لوفاته وهو اختيار أبي بكر، وقال ابن حامد لا عدة عليها لوفاته لكن تعتد من وطئه بثلاثة قروء، فإن ماتا معاً اعتدت لكل واحد منهما وبدأت بعدة الأول فإن أكملتها اعتدت للآخر، وإن مات الأول اولاً فكذلك، وإن مات الثاني أولاً بدأت بعدته فإن مات الأول انقطعت عدة الثاني ثم ابتدأت عدة الأول فإذا أكملتها أتمت عدة الثاني، وإن علم موت أحدهما وجهل موت الآخر أو جهل موتهما فعليها أن تعتد عدتين من حين تيقنت الموت وتبدأ بعدة الأول لأنه أسبق وأولى وإن كانت حاملاً فبوضع الحمل تنقضي عدة الثاني لأن الولد منه ثم تبتدى، بعدة الوفاة أربعة أشهر وعشر. (فصل) إذا تزوجت امرأة المفقود في وقت ليس لها أن تتزوج فيه نحو أن تتزوج قبل مضي المدة التي يباح لها التزوج بعدها أو كانت غيبة زوجها ظاهرها السلامة أو ما أشبه هذا فنكاحها باطل وقال القاضي إن تبين أن زوجها قد مات وانقضت عدتها منه أو فارقها وانقضت عدتها ففي صحة نكاحها وجهان (أحدهما) هو صحيح لأنها ليست في نكاح ولا عدة فصح تزويجها كما لو علمت ذلك

(والثاني) لا يصح لأنها معتقدة تحريم نكاحها وبطلانه، وأصل هذا من باع عيناً في يده يعتقدها لموروثه فبان موروثه ميتاً والعين مملوكة له بالإرث هل يصح البيع؟ فيه وجهان كذا ههنا ومذهب الشافعي مثل هذا. ولنا أنها تزوجت في مدة منعها الشرع النكاح فيها فلم يصح كما لو تزوجت المعتدة في عدتها والمرتابة قبل زوال الريبة. (فصل) وإن غاب رجل عن زوجته فشهد ثقات بوفاته فاعتدت زوجته للوفاة أبيح لها أن تتزوج فإن عاد الزوج بعد ذلك فحكمه حكم المفقود يخير زوجها بين أخذها وتركها وله الصداق، وكذلك إن تظاهرت الأخبار بموته، وقد روى الأثرم بإسناده عن أبي المليح عن سهية أن زوجها صيفي بن فشيل نعي لها من قيذائيل فتزوجت بعده ثم إن زوجها الأول قدم فأتينا عثمان وهو محصور فأشرف علينا ثم ثم قال كيف أقضي بينكما وأنا على هذه الحال؟ فقلنا قد رضينا بقولك فقضى أن يخير الزوج الأول بين الصداق وبين المرأة فلما قتل عثمان أتينا علياً فخير الزوج الأول بين الصداق والمرأة فاختار الصداق فأخذ مني ألفين ومن زوجي الآخر ألفين فإن حصلت الفرقة بشهادة مصحورة فما حصل من غرامة فعليهما لأنهما سبب في إيجابها وإن شهدا بموت رجل فقسم ماله ثم قدم فما وجده من ماله أخذه وما تلف منه أو تعذر رجوعه فيه فله تضمين الشاهدين لأنهما سبب الاستيلاء عليه وللمالك تضمين المتلف لأنه أتلف ماله بغير إذنه.

(فصل) وإن وطئت المعتدة بشبهة أو غيرها أتت عدة الأول ثم استأنف العدة من الوطئ، إنما كان كذلك لأن العدتين من رجلين لا يتداخلان لكونهما حقين لرجلين أشبه الدينين فتم عدة الأول وتجب للثاني عدة كاملة بعد قضاء عدة الأول (مسألة) (وإن كانت بائناً فأصابها المطلق عمداً فكذلك) لأنها قد صارت أجنبية منه فأشبه وطئ الأجنبي، وإن أصابها بشبهة استأنفت العدة من الوطئ ودخلت فيها بقية الاولى لان الوطئ بالشبهة يلحق به النسب فدخلت بقية الأولى في العدة الثانية (مسألة) (وان تزوجت في عدتها لم تنقطع عدتها حتى تدخل بها فتنقطع حينئذ) وجملة ذلك أن المعتدة لا يجوز لها أن تنكح في عدتها اجماعا لقول تعالى (ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يلغ الكتاب أجله) ولأن العدة إنما اعتبرت لمعرفة براءة الرحم لئلا يفضي إلى اختلاط المياه واشتباه الأنساب فإن تزوجت فالنكاح باطل لأنها ممنوعة من النكاح لحق الزوج الأول فكان نكاحاً باطلاً كما لو تزوجت وهي في نكاحه، ويجب أن يفرق بينه وبينها فإن لم يدخل بها فالعدة بحالها لا تنقطع بالعقد الثاني لأنه باطل لا تصير به المرأة فراشاً ولا يستحق عليه بالعقد شئ وتسقط نفقتها وسكناها عن الزوج الأول لأنها ناشز، وإن وطئها انقطعت العدة سواء علم التحريم أو جهله، وقال أبو حنيفة لا ينقطع لأن كونها فراشاً لغير من له العدة لا يمنعها كما لو وطئت بشبهة وهي زوجة فإنها تعتد وإن كانت فراشاً للزوج،

مسألة وإن تزوجت في عدتها لم تنقطع عدتها حتى تدخل بها فتنقطع حينئذ

وقال الشافعي إن وطئها عالماً بأنها معتدة وأنه محرم فهو زان فلا تنقطع العدة بوطئه لأنها لا تصير به فراشاً ولا يلحق به نسب، وإن كان جاهلاً أنها معتدة أو بالتحريم انقطعت العدة بالوطئ لأنها تصير به فراشاً، والعدة تراد للاستبراء وكونها فراشاً ينافي ذلك فوجب أن يقطعها فأما طريانه عليها فلا يجوز ولنا أن هذا وطئ بشبهة نكاح فتنقطع به العدة كما لو جهل، وقولهم إنها لا تصير به فراشاً قلنا لكنه لا يحلق الولد الحادث من وطئه بالزوج الأول فهما سيان، إذا ثبت هذا فعليه فراقها فان لم يفعل وجب التفريق بينهما. (مسألة) (ثم إذا فارقها بنت على عدة الأول ثم استأنفت العدة من الثاني إنما بنت على عدة الاول لان حق أسبق ولأن عدته وجبت عن وطئ في نكاح صحيح فإذا كملت عدة الأول وجب عليها أن تعتد من الثاني ولا تتداخل العدتان لأنهما من رجلين، وهذا مذهب الشافعي وقال أبو حنيفة تتداخلان فتأتي بثلاثة قروء بعد مفارقة الثاني تكون عن بقية عدة الاول وعدة للثاني لأن القصد معرفة براءة الرحم وهذا يحصل به براءة الرحم منهما جميعاً. ولنا ما روى مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار ان طليحة كانت تحت رشيد الثقفي فطلقها ونكحت في عدتها فضربها عمر رضي الله عنه وضرب زوجها ضربات بمحفقة وفرق

مسألة ثم إذا فارقها بنت على عدة الأول ثم استأنفت العدة من الثاني

بينهما ثم قال. أيما امرأة نكحت في عدتها فإن كان زوجها الذي تزوجها لم يدخل بها يفرق بينهما ثم اعتدت بقية عدتها من زوجها الأول ثم اعتدت من الآخر ولا ينكحها أبداً وروى باسناده عن علي أنه قضى في التي يتزوج في عدتها في أنه يفرق بينهما ولها الصداق بما استحل من فرجها وتكمل ما افسدت من عدة الأول وتعتد من الآخر وهذان قولا سيدين من الخلفاء لم يعرف لها في الصحابة مخالف ولأنهما حقان مقصودان لآدميين فلم يتداخلا كالدينين واليمينين ولأنه حبس يستحقه الرجال على النساء فلم يجزان تكون المرأة في حبس رجلين كالزوجة (مسألة) (وكل معتدة من غير النكاح الصحيح كالزانية والموطوءة بشبهة أو في نكاح فاسد فقياس المذهب تحريم نكاحها على الواطئ وغيره) قال شيخنا والأولى حل نكاحها لمن هي معتدة منه إن كان يلحقه نسب والدها لأن العدة لحفظ مائة وصيانة نسبه ولا يصان ماؤه المحترم عن مائه المحترم ولا يحفظ نسبه عنه ولذلك أبيح للمختلعة نكاح من خالعها ومن لا يلحقه نسب ولدها كالزانية لا يحل له نكاحها لأنه يقضي إلى اشتباه النسب فالواطئ كغيره في أن النسب لا يلحق بواحد منهما. (مسألة) (وإن أتت بولد من أحدهما انقضت عدتها منه ثم اعتدت للآخر أيهما كان)

مسألة وكل معتدة من غير النكاح الصحيح كالزانية والموطوءة بشبهة أو في نكاح فاسد فقياس المذهب تحريم

وجملة ذلك أن التي تزوجت في عدتها إذا كانت حاملاً انقضت عدتها بوضع حملها لقول الله تعالى (وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) فإن كان يمكن أن تكون من الأول دون الثاني هو أن تأتي به لدون ستة أشهر من وطئ الثاني وأربع سنين فما دونها من فراق الأول فإنه يلحق بالأول وتنقضي عدتها منه بوضعه ثم تعتد بثلاثة قروء عن الثاني وإن أمكن كونه من الثاني دون الأول وهو أن تأتي به لستة أشهر فما زاد إلى أربع سنين من وطئ الثاني ولأكثر من أربع سنين منذ بانت من الأول فهو ملحق بالثاني وحده تنقضي به عدتها منه ثم تتم عدة الأول وتقدم عدة الثاني ههنا لأنه لا يجوز أن يكون الحمل من إنسان والعدة من غيره (مسألة) (وإن أمكن أن يكون منهما وهو أن تأتي به لستة أشهر فصاعدا من وطئ الثاني ولأربع سنين فما دونها من بينونتها من الأول أري القافة معهما فان الحقه بالأول لحق به كما لو أمكن أن يكون منه دون الثاني وإن ألحقته بالثاني لحق به وكان الحكم كما لو أمكن أن يكون من الثاني دون الأول فإن ألحقته بهما لحق بهما) ومقتضى المذهب أن تنقضي عدتها به منهما جميعاً لأن نسبه ثبت منهما كما تنقضي عدتها به من الواحد الذي ثبت نسبه منهما فأما إن نفته القافة عنهما فحكمه حكم ما لو أشكل أمره فعلى هذا تعتد بعد وضعه بثلاثة قروء لأنه إن كان من الأول فقد أتت بما عليها من عدة الثاني وإن كان من الثاني فعليها أن تكمل عدة

مسألة وإن أمكن أن يكون منهما وهو أن تأتي به لستة أشهر فصاعدا من وطء الثاني ولأربع سنين فما دونها

الأول لتسقط الفرض بيقين ولا ينفي الولد عنهما لقول القافة لأن عمل القافة ترجيح أحد صاحبي الفراش لا في النفي عن الفراش كله ولهذا لو كان صاحب الفراش واحداً فنفته القافة عنه لم ينتف بقولها فأما إن ولدت لدون ستة أشهر من وطئ الثاني ولأكثر من أربع سنين من فراق الأول لم يلحق بواحد منهما ولا تنقضي عدتها منه لأنا نعلم انه من وطئ آخر فتنقضي به عدتها من ذلك الوطئ ثم تتم عدة الأول وتستأنف عدة الثاني لأنه قد وجد ما يقتضي عدة ثالثة وهو الوطئ الذي حملت منه فيجب عليها عدتان واتمام العدة الاولى (مسألة) (وللثاني أن ينكحها بعد انقضاء العدتين وعنه أنها تحرم عليه على التأبيد) أما الزوج الأول فإن كان طلق ثلاثاً لم تحل له بهذا النكاح وان وطئ فيه لأنه نكاح باطل وإن طلق دون الثلاث فله نكاحها بعد العدتين وإن كانت رجعية فله رجعتها في عدتها منه وأما الزوج الثاني ففيه روايتان (إحداهما) تحرم عليه على التأبيد وبه قال مالك والشافعي في القديم لقول عمر رضي الله عنه لا ينكحها أبداً ولأنه استعجل الحق في غير وقته فحرمه في وقته كالوارث إذا قتل موروثة ولأنه يفسد النسب فيوقع التحريم المؤبد كاللعان (والثانية) تحل له قال الشافعي في الجديد له نكاحها بعد قضاء عدة الأول ولا يمنع من نكاحها في عدتها منه لأنه وطئ يلحق به النسب فلا يمنع من نكاحها في عدتها منه كالوطئ في النكاح ولأن العدة إنما شرعت حفظاً للنسب وصيانة للماء

مسألة وللثاني أن ينكحها بعد انقضاء العدتين وعنه أنها تحرم عليه على التأبيد

والنسب لاحق به ههنا فأشبه ما لو خالعها ثم نكحها في عدتها، قال شيخنا وهذا قول حسن موافق النظر ولنا على إباحتها بعد العدتين أنه لا يخلوا إما أن يكون تحريمها بالعقد أو بالوطئ في النكاح الفاسد أو بهما وجميع ذلك لا يقتضي التحريم بدليل ما لو نكحها بلا ولي ووطئها ولأنه لو زنى بها لم تحرم عليه على التأبيد فهذا أولى ولأن آيات الاباحة عامة كقول تعالى (وأحل لكم ما وراء ذلكم - وقوله - والمحصنات من المؤمنات) فلا يجوز تخصيصها بغير دليل وما روي عن عمر في تحريمها فقد خالفه علي فيه وروي عن عمر أنه رجع عن قوله في التحريم إلى قول علي فإن علياً قال إذا انقضت عدتها فهو خاطب من الخطاب فقال عمر: وردا الجهالات الى السنة ورجع إلى قول علي وقياسهم يبطل بما إذا زنى بها فإنه قد استعجل وطأها ولا تحرم عليه على التأبيد ووجه تحريمها قبل قضاء عدة الثاني عليه قول الله تعالى (ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله) ولانه وطئ يفسد به النسب فلم يجز النكاح في العدة منه كوطئ الأجنبي (فصل) إذا تزوج معتدة وهما عالمان بالعدة وبتحريم النكاح فيها ووطئها فمها زانيان عليهما حد الزنا ولا مهر لها ولا يلحقه النسب وإن كانا جاهلين بالعدة أو بالتحريم ثبت النسب وانتفى الحد ووجب المهر وإن علم هو دونها فعليه الحد والمهر ولا يلحقه النسب وإن علمت هي دونه فعليها الحد ولا مهر لها ويلحقه النسب وإنما كان كذلك لأن هذا نكاح متفق على بطلانه فأشبه نكاح ذوات المحارم

(مسألة) (وإن وطئ رجلان امرأة فعليها عدتان لها الحديث عمر وعلى الذي ذكرناه فيما إذا تزوجت في عدتها ولانهما حقان مقصود ان لادميين فلم يتداخلان كالدينين) (فصل) إذا خالع الرجل امرأته أو فسخ نكاحه فله أن يتزوجها في عدتها في قول الجمهورية قال سعيد بن المسيب وعطاء والزهري والحسن وقتادة ومالك والشافعي وأصحاب الرأي وشذ بعض التاخرين فقال لا يحل له نكاحها ولا خطبتها لأنها معتدة ولنا أن العدة لحفظ نسبه وصيانة مائه ولا يصان ماؤه عن مائه اذا كانا من نكاح صحيح فإذا تزوجها انقطعت العدة لأن المرأة تصير فراشا له بعقده ولا يجوز أن تكون زوجته معتدة (فصل) إذا طلقها واحدة فلم تنقض عدتها حتى طلقها ثانية بنت على ما مضى من العدة لأنهما طلاقان لم يتخللهما وطئ ولا رجعة فأشبها الطلقتين في وقت واحد (مسألة) (وإن راجعها ثم طلقها بعد دخوله بها استأنفت العدة من الطلاق الثاني لأنه طلاق من نكاح اتصل به المسيس (مسألة) (وإن طلقها قبل دخوله بها فهل تبني أو تستأنف؟ على روايتين) (أولاهما) أنها تستأنف لان الرجعة أزالت شعث الطلاق الأول ورد بها الى النكاح الأول فصار الطلاق الثاني طلاقاً من نكاح اتصل به المسيس (والثانية) تبني لأن الرجعة لا تزيد على النكاح الجديد، ولو نكحها ثم طلقها قبل المسيس لم يلزمها

مسألة وإن طلقها قبل دخوله بها فهل تبني أو تستأنف على روايتين

لذلك الطلاق عدة فكذلك الرجعة فإن فسخ النكاح قبل الرجعة يخلع او غيره احتمل أن يكون حكمه حكم الطلاق لأن موجبها في العدة موجب الطلاق ولا فرق بينهما واحتمل أن تستأنف العدة لأنهما جنسان بخلاف الطلاق وإن لم يرتجعها بلفظه لكنه وطئها في عدتها فهل تحصل بذلك رجعة؟ فيه روايتان (إحداهما) تحصل فيكون حكمها حكم من ارتجعها بلفظه ثم وطئها سواء (والثانية) لا تحصل الرجعية به ويلزمها استئناف عدة لأنه وطئ في نكاح تشعت فهو كوطئ الشبهة وتدخل بقية عدة الطلاق فيها لأنهما من رجل واحد، وان حملت من هذا الوطئ فهل تدخل فيها بقية الأولى؟ على وجهين (أحدهما) تدخل لأنهما من رجل واحد (والثاني) لا تدخل لأنهما من جنسين فعلى هذا إذا وضعت حملها أتمت عدة الطلاق، وإن وطئها وهي حامل ففي تداخل العدتين وجهان، وإن قلنا تتداخلان فانقضاؤها معاً بوضع الحمل وإن قلنا لا تتداخلان فانقضاء عدة الطلاق بوضع الحمل وتستأنف عدة الوطئ بالقروء (مسألة) (وإن طلقها طلاقاً بائناً ثم نكحها في عدتها ثم طلقها قبل دخوله بها فعلى روايتين) (إحداهما) تستأنف، وهو قول أبي حنيفة لأنه طلاق لا يخلو من عدة فأوجب عدة مستأنفة كالأول (والثانية) لا يلزمها استئناف عدة، اختارها شيخنا، وهو قول الشافعي ومحمد بن الحسن لأنه طلاق في نكاح قبل المسيس فلم يوجب عدة لعموم قوله سبحانه (ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم)

مسألة وإن طلقها طلاقا بائنا ثم نكحها في عدتها ثم طلقها قبل دخوله بها فعلى روايتين

عليهن من عدة تعتدونها) ، وذكر القاضي في كتاب الروايتين أنه لا يلزمها استئناف العدة رواية واحدة لكن يلزمها إتمام بقية العدة الأولى لأن إسقاطها يفضي الى اختلاط المياه لانه تتزوج امرأة ويطؤها ويخلعها ثم يتزوجها ويطلقها في الحال ويتزوجها الثاني في يوم واحد (فصل) وإن خلعها حاملاً ثم طلقها وهي حامل انقضت عدتها بوضع الحمل على كلتا الروايتين ولا نعلم فيه مخالفاً ولا تنقضي عدتها قبل وضع حملها بغير خلاف نعلمه، وإن وضعت حملها قبل النكاح الثاني فلا عدة عليها للطلاق من النكاح الثاني بغير خلاف أيضاً لأنه نكحها بعد قضاء عدة الأول، وإن وضعته بعد النكاح الثاني وقبل طلاقه فمن قال يلزمها استئناف عدة أوجب عليها الاعتداد بعد طلاق الثاني بثلاثة قروء ومن قال لا يلزمها استئناف عدة لم يوجب عليها ههنا عدة لأن العدة الأولى انقضت بوضع الحمل إذ لا يجوز أن تعتد الحامل بغير وضعه وان كانت من ذوات القروء أو الشهور فنكحها الثاني بعد مضي قرء أو شهر ثم مضى قرآن أو شهران قبل طلاقه من النكاح الثاني فقد انقطعت العدة بالنكاح الثاني وإن قلنا تستأنف العدة فعليها عدة تامة بثلاثة قروء أو ثلاثة أشهر وإن قلنا تبني أتمت العدة الأولى بقرأين أو شهرين (فصل) فإن طلقها طلاقاً رجعياً فنكحت في عدتها من وطئها فقد ذكرنا أنها تبني على عدة الأول ثم تستأنف عدة الثاني ولزوجها الأول رجعتها في بقية عدتها منه، لأن الرجعة إمساك للزوجة وطريان الوطئ من أجنبي على النكاح لا يمنع الزوج إمساك زوجته كما لو كانت في صلب النكاح، وقيل

ليس له رجعتها لأنها محرمة عليه فلم يصح له ارتجاعها كالمرتدة. والصحيح الأول فإن التحريم لا يمنع الرجعة كالإحرام، ويفارق الردة لأنها جارية إلى بينونة بعد الرجعة بخلاف العدة، وإذا انقضت عدتها منه فليس له رجعتها في عدة الثاني لانها ليست منه وإذا ارتجعها في عدتها من نفسه وكانت بالقروء أو بالأشهر انقطعت عدته بالرجعة وابتدأت عدة من الثاني ولا يحل له وطؤها حتى تنقضي عدة الثاني كما لو وطئت بشبهة في صلب نكاحه، وإن كانت معتدة بالحمل لم يكن شروعها في عدة الثاني قبل وضع الحمل لأنها بالقروء فإذا وضعت حملها شرعت في عدة الثاني وتنقدم عدة الثاني عن الأول فإذا أكملتها شرعت في إتمام عدة الأول، وله حينئذ أن يرتجعها لأنها في عدته، وإن أحب أن يرتجعها فحال حملها ففيه وجهان: (أحدهما) ليس له ذلك لأنها ليست في عدته وهي محرمة عليه فأشبهت الأجنبية أو المرتدة. (الثاني) له رجعتها لأن عدتها منه لم تنقض وتحريمها لا يمنع رجعتها كالمحرمة. (فصل) قال الشيخ رحمه الله (ويجب الإحداد على المعتدة من الوفاة وهل يجب على البائن؟ على روايتين، ولا يجب على الرجعية والموطوءة بشبهة أو زنا أو في نكاح فاسد أو يملك اليمين) لا نعلم خلافاً بين أهل العلم في وجوب الإحداد على المتوفى عنها زوجها إلا عن الحسن فإنه قال لا يجب الاحداد هو قول شذ به عن أهل العلم وخالف فيه السنة فلا يعرج عليه.

(مسألة) (ويستوي في وجوبه الحرة والأمة والمسلمة والذمية والكبيرة والصغيرة وقال أصحاب الرأي لا إحداد على ذمية ولا صغيرة لأنهما غير مكلفين) ولنا عموم الأحاديث التي نذكرها إن شاء الله ولأن غير المكلفة تساوي المكلفة في اجتناب المحرمات كالخمر والزنا وإنما يفترقان في الإثم فكذلك الإحداد ولأن حقوق الذمية في النكاح كحقوق المسلمة فكذلك فيما عليها. (مسألة) (وهل يجب على البائن؟ على روايتين) (إحداهما) يجب عليها وهو قول سعيد بن المسيب وأبي عبيد وأبي ثور وأصحاب الرأي. (والثانية) لا يجب عليها وهو قول عطاء وربيعة ومالك وابن المنذر ونحوه قال الشافعي لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا " وهذه عدة الوفاة فيدل على أن الإحداد إنما يجب في عدة الوفاة، ولأنها معتدة من غير وفاة فلم يجب عليها الإحداد كالرجعية والموطوءة بشبهة، ولأن الإحداد في عدة الوفاة لإظهار الأسف على فراق زوجها وموته فأما الطلاق فإنه فارقها باختيار نفسه وقطع نكاحها فلا معنى لتكلفها الحزن عليه ولأن المتوفى عنها لو أتت بولد لحق الزوج وليس له من ينفيه فاحتيط عليها بالإحداد لئلا يلحق بالميت من ليس منه بخلاف المطلقة فإن زوجها باق فهو يحتاط عليها بنفسه وينفي ولدها إذا كان من غيره، ووجه

مسألة ويستوي في وجوبه الحرة والأمة والمسلمة والذمية والكبيرة والصغيرة

الرواية الأولى أنها معتدة بائن من نكاح فلزمها الإحداد كالمتوفى عنها زوجها وذلك لأن العدة تحرم النكاح فحرمت دواعيه بخلاف الرجعية فإنها زوجة والموطوءة بشبهة ليست معتدة من نكاح فلم تكمل الحرمة فأما الحديث فإنما مدلوله تحريم الإحداد على ميت غير الزوج ونحن نقول به، ولهذا جاز الإحداد ههنا بالإجماع، فإذا قلنا يلزمها الإحداد فحكمها حكم المتوفى عنها زوجها من توقي الطيب والزينة في نفسها على ما نذكره إن شاء الله وذكر شيخنا في كتاب الكافي أن المختلعة كالبائن فيما ذكرنا من الخلاف والصحيح أنه لا يجب عليها لأنها يحل لزوجها الذي خالعها أن يتزوجها في عدة بخلاف البائن بالثلاث (مسألة) (ولا إحداد على الرجعية بغير خلاف نعلمه) لأنها في حكم الزوجات لها أن تتزين لزوجها وتستشرف له ليرغب فيها وتنفق عنده كما تفعل في صلب النكاح ولا إحداد على المنكوحة نكاحها فاسداً لأنها ليست زوجة على الحقيقة ولا لها من كانت تحل له وتحزن على فقده كذلك الموطوءة بشبهة والمزني بها، ولا إحداد على غير الزوجات كأم الولد إذا مات سيدها والأمة التي يطؤها سيدها إذا مات عنها لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا " (مسألة) (والإحداد اجتناب الطيب والزنية والتحسين كلبس الحلي والملون من الثياب للتحسين)

مسألة ولا إحداد على الرحعية بغير خلاف نعلمه

وجملة ذلك أن الحادة يجب عليها اجتناب ما يدعو إلى جماعها ويرغب في النظر إليها ويحسنها وذلك أربعة أمور (أحدهما) الطيب ولا خلاف في تحريمه عند من أوجب الإحداد لقول النبي صلى الله عليه وسلم " ولا تمس طيباً إلا عند أدنى طهرها إذا طهرت من حيضها نبذه من قسط أو اظفار " متفق عليه وردت زينب بنت أم سلمة قالت دخلت على أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين توفي أبوها أبو سفيان فدعت بطيب فيه صفرة خلوق أو غيره فدهنت منه جارية ثم مست بعارضها وقالت والله ما لي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " لا تحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا " متفق عليه ولأن الطيب يحرك الشهوة ويدعو إلى المباشرة، ولا يحل لها استعمال الأدهان المطيبة كدهن الورد والبنفسج والياسمين والبان وما أشبهه لأنه استعمال للطيب، فأما الأدهان بغير المطيب كالزيت والشيرج والسمن فلا بأس به لأنه ليس بطيب (الثاني) اجتناب الزينة وذلك واجب في قول عامة أهل العلم منهم ابن عمرو ابن عباس وعطاء وجماعة أهل العلم يكرهون ذلك وينهون عنه وهو ثلاثة أقسام (أحدها) الزينة في نفسها فيحرم عليها أن تختضب وأن تحمر وجهها بالكلكون وأن تبيضه باسفيداج العرائس وأن تجعل عليه صبراً يصفره وان تنفش وجهها وبدنها وأن تخفف وجهها وما أشبهه مما يحسنها وأن تكتحل بالإثمد من غير ضرورة لما روت ام سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " المتوفى عنها زوجها لا تلبس المعصفر من الثياب ولا الممشق ولا الحلي ولا تختضب

ولا تكتحل " رواه النسائي وأبو داود وروت أم عطية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا تحد المرأة فوق ثلاثة أيام إلا على زوج فإنها تحد أربعة أشهر وعشرا ولا تلبس ثوباً مصبوغاً إلا ثوب عصب ولا تكتحل ولا تمس طيباً إلا عند أدنى طهرها إذا طهرت من حيضها بنبذة من قسط أو اظفار " متفق عليه وعن أم سلمة قالت جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن ابنتي توفي عنها زوجها وقد اشتكت عينها أفتكحلها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا " مرتين أو ثلاثا متفق عليه وروت أم سلمة قالت دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفي أبو سلمة وقد جعلت على عيني صبراً فقال " ماذا يا أم سلمة " قلت إنما هو صبر ليس فيه طيب قال " إنه يشب الوجه لا تجعلنه إلا بالليل وتنزعينه بالنهار ولا تمتشطي بالطيب ولا بالحناء فإنه خضاب " قالت قلت بأي شئ أمتشط؟ قال " بالسدر وتغلفين به رأسك " ولأن الكحل من أبلغ الزينة والزينة تدعو إليها وتحرك الشهوة فهي كالطيب وأبلغ منه، وحكي عن بعض الشافعية ان للسوداء أن تكتحل وهو مخالف للخبر والمعنى فانه يزنيها ويحسنها. فإن اضطرت الحادة الى الكحل بالإثمد للتداوي به فلها أن تتكحل ليلا وتمسحه نهارا، ورخص فيه عند الضرورة عطاء والنخعي ومالك وأصحاب الرأي لما روت أم حكيم بنت أسد عن أمها أن زوجها توفي وكانت تشتكي عينيها فتكتحل بالجلاء فأرسلت مولاة لها إلى أم سلمة تسألها عن كحل الجلاء فقالت لا تكتحل إلا ما لابد منه يشتد عليك فتكتحلين بالليل وتغسلينه بالنهار. رواه أبو داود والنسائي وإنما تمنع

من الكحل بالإثمد لأنه الذي يحصل به الزينة، فأما الكحل بالتوتيا والغزروت ونحوهما فلا بأس به لأنه لا زينة فيه بل يفتح العين ويزيدها مرهاً ولا تمنع من جعل الصبر على وجهها من بدنها لأنه إنما منع منه في الوجه لأنه يصفره فيشبه الخضاب ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم " أنه يشب الوجه " ولا تمنع من التنظيف بتقليم الأظفار ونتف الأبط وحلق الشعر المندوب إلى حلقه ولا من الاغتسال بالسدر والامتشاط به لحديث أم سلمة ولأنه يراد للتنظيف لا للطيب (القسم الثاني) زينة الثياب فتحرم عليها الثياب المصبغة للتحسين كالمعصفر والمزعفر وسائر الأحمر وسائر الملون للتحسين كالأزرق الصافي والأخضر الصافي والأصفر فلا يجوز لبسه لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا تلبس ثوبا مصبوغا " وقوله لا تلبس المعصفر من الثياب ولا الممشق فأما ما لا يقصد بصيغة حسنة كالكحلي والأسود والأخضر المشبع فلا يمنع منه لأنه ليس بزينة، وما صبغ غزله ثم نسج ففيه احتمالان (أحدهما) يحرم لبسه لأنه أحسن وأرفع ولأنه مصبوغ للحسن فأشبه ما صبغ بعد نسجه (والثاني) لا يحرم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث ام سلمة " الاثوب عصب قال القاضي هو ما صبغ غزله قبل نسجه ولأنه لم يصبغ وهو ثوب فأشبه ما كان حسناً من الثياب غير مصبوغ والأول أصح، وأما العصب فالصحيح أنه نبت تصبغ به الثياب قال صاحب الروض: الورس والعصب بنتان باليمن لا ينبتان إلا به فأرخص النبي صلى الله عليه وسلم للحادة في لبس ما صبغ بالعصب لأنه في معنى ما صبغ لغير التحسين أما ما صبغ غزله للتحسين كالاحمر والأصفر فلا معنى لتجويز لبسه مع حصول الزينة بصبغة كحصولها بما صبغ بعد نسجه

(القسم الثالث) الحلي فيحرم عليها لبس الحلي كله حتى الخاتم في قوله عامة أهل العلم لقول النبي صلى الله عليه وسلم " ولا الحلي " وقال عطاء يباح حلي الفضة دون الذهب ولا يصح لعموم النهي ولأن الحلي يزيدها حسناً ويدعو إلى مباشرتها قال الشاعر وما الحلي إلا زينة لنقيصة * * تتم من حسن إذا الحسن قصرا (مسألة) (ولا يحرم عليها الأبيض من الثياب وإن كان حسناً) سواء كان من قطن أو كتان أو صوف أو إبريسم لأن حسنه من أصل خلقته فلا يلزم تغييره كما أن المرأة إذا كانت حسنة الخلقة لا يلزمها أن تغير لونها وتشوه نفسها ولا الملون لدفع الوسخ كالكحلي والأسود والأخضر المشبع لأنه لا يراد للزينة أشبه الأبيض، قال الخرقي وتجتنب النقاب وما في في معناه مثل البرقع ونحوه لأن المعتدة مشبهة بالمحرمة والمحرمة تمنع من ذلك فإن احتاجت الى ستر وجهها سدلت عليه كما تفعل المحرمة، ويحتمل أن لا تمنع من ذلك لأنه ليس بمنصوص عليه ولا هو في معنى المنصوص وإنما منعت منه المحرمة لأنها ممنوعة من تغطية وجهها بخلاف الحادة ولأن المحرمة يحرم عليها لبس القفازين بخلاف الحادة، ويجوز لها لبس الثياب المزعفرة وغيرها من الثياب المصبوغة والحلي، والحادة يحرم عليها ذلك فلا يصح القياس ولأن المبتوتة لا يحرم عليها النقاب فإن وجب عليها الإحداد فكذلك المتوفى عنها زوجها (فصل) وتجب عدة الوفاة في المنزل الذي وجبت فيه روى ذلك عن عمر وعثمان وابن عمر

مسألة ولا يحرم عليها الأبيض من الثياب وإن كان حسنا

وابن مسعود وأم سلمة رضي الله عنهم وبه قال مالك والثوري وأبو حنيفة والشافعي وإسحاق قال ابن عبد البر وبه يقول جماعة فقهاء الأمصار بالحجاز والشام والعراق ومصر، وقال جابر بن زيد والحسن وعطاء تعتد حيث شاءت روى ذلك عن علي وابن عباس وجابر وعائشة رضي الله عنهم قال ابن عباس نسخت هذه الآية عدتها اهله وسكتت في وصيتها وإن شاءت خرجب لقول الله تعالى (فإن خرجن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن من معروف) قال عطاء ثم جاء الميراث فنسخ السكنى تعتد حيث شاءت رواهما أبو داود ولنا ما روت فريعة بنت مالك بن سنان أخت أبي سعيد أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته أن زوجها خرج في طلب أعبد له أبقوا فقتلوه بطرف القدوم فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أرجع إلى أهلي فإن زوجي لم يتركني في مسكن يملكه ولا نفقة قالت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " نعم " قالت فخرجت حتى إذا كنت في الحجرة أو في المسجد دعاني أو امر بي فدنيت له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كيف قلت " فرددت عليه القصة فقال " امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله " فاعتدت فيه أربعة أشهر وعشراً فلما كان عثمان بن عفان أرسل إلي فسألني عن ذلك فأخبرته فاتبعه وقضى به رواه مالك في موطئه والاثرم وهو حديث صحيح قضى به عثمان في جماعة الصحابة فلم ينكروه إذا ثبت هذا فإنه يجب الاعتداد في المنزل الذي مات زوجها وهي ساكنة به سواء كان لزوجها أو بإجارة أو عارية لأن النبي

صلى الله عليه وسلم قال لفريعة " امكثي في بيتك " ولم تكن في بيت يملكه زوجها وفي بعض ألفاظه " اعتدي في البيت الذي أتاك فيه نعي زوجك " وفي لفظ " اعتدي حيث أتاك الخبر " فإن أتاها الخبر في غير مسكنها رجعت الى مسكنها أو اعتدت فيه وقال سعيد بن المسيب والنخعي لا تبرح من مكانها الذي أتاها فيه نعي زوجها اتباعا للفظ الخبر الذي رويناه ولنا قوله عليه الصلاة والسلام " امكثي في بيتك " واللفظ الآخر قضية في عين والمراد به هذا فإن قضايا الأعيان لا عموم لها ثم لا يمكن حمله على العموم فإنه لا يلزمها الاعتداد في السوق والطريق والبرية إذا أتاها الخبر وهي فيها (مسألة) (إلا أن تدعو ضرورة الى خروجها منه بأن يحولها مالكه أو تخشى على نفسها) وجملة ذلك أنها إذا خافت هدماً أو غرما أو عدواً أو نحو ذلك أو حولها صاحب المنزل لكونه عارية

مسألة إلا أن تدعو ضرورة الى خروجها منه بأن يحولها مالكه أو تخشى على نفسها

رجع فيها او بإجارة انقضت مدتها أو منعها السكنى تعدياً أو امتنع من إجارته أو طلب به أكثر من أجر المثل أو لم تجد ما تكتري به أو لم تجد إلا من مالها فلها أن تنتقل لأنها حال عذر ولا يلزمها بذل أجرة المسكن وإنما الواجب عليها السكنى لا تحصيل المسكن وإذا تعذرت السكنى سقطت وتسكن حيث شاءت ذكره القاضي وذكر أبو الخطاب أنها تنتقل إلى أقرب ما يمكنها النقلة اليه وهو مذهب الشافعي لأنه قرب إلى موضع الوجوب أشبه من وجبت عليه الزكاة في موضع لا يجد فيه أهل السهمان فإنه ينقلها إلى موضع يجدهم فيه ولنا أن الواجب سقط لعذر ولم يرد الشرع له ببدل فلا يجب كما لو سقط الحج للعجز عنه وفوات شرط والمعتكف إذا لم يقدر على الاعتكاف في المسجد ولأن ذكروه إثبات حكم بلا نص ولا معنى نص فإن معنى الاعتداد في بيتها لا يوجد في السكنى فيما قرب منه ويفارق أهل السهمان فإن القصد نفع الأقرب وفي نقلها إلى أقرب موضع يجده نفع الأقرب

(فصل) ولا سكنى للمتوفى عنها إذا كانت حائلاً رواية واحدة وإن كانت حاملاً فعلى روايتين، وللشافعي فيها قولان (أحدهما) لها السكنى لقوله تعالى (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج) فنسخ بعض المدة وبقي باقيها على الوجوب ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر فريعة بالسكنى في بيتها من غير استئذان الورثة ولو لم تجب السكنى لم يكن لها أن تسكن إلا بإذنهم كما أنها ليس لها أن تتصرف في مال زوجها بغير إذنهم ولنا أن الله تعالى إنما جعل للزوجة ثمن التركة أو ربعها وجعل باقيها لسائر الورثة والمسكن من التركة فوجب أن لا تستحق منه أكثر من ذلك، وأما إذا كانت حاملاً وقلنا لها السكنى فلأنها حامل من زوجها فوجبت لها السكنى قياساً على المطلقة فأما الآية التي احتجوا بها فإنها منسوخة، وأما أمر النبي صلى الله عليه وسلم فريعة بالسكنى فقضية في عين يحتمل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علم أن الوارث يأذن في ذلك أو تكون السكنى واجبة عليها ويتقيد ذلك بالإمكان وإذن الوارث من جملة ما يحصل به الإمكان فإذا قلنا لها

السكنى فهي أحق بسكنى المسكن الذي كانت تسكنه من الورثة والغرماء من رأس مال المتوفى ولا يباع في دينه بيعاً يمنعها السكنى حتى تقضي العدة وبهذا قال مالك والشافعي وأبو حنيفة وجمهور العلماء وإن تعذر ذلك المسكن فعلى الوارث أن يكتري لها مسكناً من مال الميت فان لم يفعل أجبره الحاكم وليس لها أن تنتقل إلا لعذر كما ذكرنا، وإن اتفق الوارث والمرأة على نقلها عنه لم يجز لأن السكنى ههنا يتعلق لها حق الله سبحانه وتعالى فلم يجز اتفاقهما على ابطالها بخلاف سكنى النكاح فانه حق لهما ولان السكنى ههنا من الاحداد فلم يجز الانفاق على تركها كسائر خصال الإحداد وليس لهم إخراجها إلا أن تأتي بفاحشة مبينة لقول الله تعالى (لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) وهو أن يطول لسانها على أحمائها وتؤذيهم بالسب ونحوه روى ذلك عن ابن عباس وهو قول الأكثرين وقال ابن مسعود والحسن هي الزنا لقول الله تعالى (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم) واخراجهن هو لإقامة حد الزنا ثم ترد إلى مكانها

ولنا أن الآية تقتضي الإخراج من المسكن وهذا لا يتحقق فيما قالاه، وأما الفاحشة فهي اسم للزنا وغيره من الأقوال الفاحشة يقال أفحش الرجال في قوله ولهذا روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قالت له عائشة يا رسول الله قلت لفلان بئس أخو العشيرة - ثم ألنت له القول لما دخل قال - يا عائشة أن الله لا يحب الفحش ولا التفحش " إذا ثبت هذا فإن الورثة يخرجونها عن ذلك المسكن إلى مسكن آخر من الدار إن كانت كبيرة تجمعهم فإن كانت لا تجمعهم أو لم يكمن نقلها إلى غيرها في الدار أو لم يتخلصوا من أذاها بذلك فلهم نقلها وقال بعض أصحابنا ينتقلون هم عنها لأن سكناها واجب في المكان وليس بواجب عليهم والنص يدل على أنها تخرج فلا يعرج على ما خالفه ولأن الفاحشة منها فكان الإخراج لها، وإن كان أحماؤها هم الذين يؤذونها ويفحشون عليها نقلوهم دونها فإنها لم تأت بفاحشة فلا تخرج بقتضى النص ولأن الذنب لهم فيخصون بالإخراج، وإن كان المسكن لغير الميت فيتبرع صاحبه بإسكانها فيه لزمها الاعتداد به، وإن أبى ان يسكنها إلا بالأجرة وجب بذلها من مال الميت إلا أن يتبرع إنسان

ببدلها ويلزمها الاعتداد به فإن حولها مالك المكان أو طلب أكثر من أجر المثل فعلى الورثة إسكانها إن كان للميت تركة يستأجر لها به مسكن لأنه حق لها يقدم على الميراث فإن اختارت النقلة عن المسكن الذي ينقلونها اليه فلها ذلك لان سكناها به حق لها وليس بواجب عليها فإن المسكن الذي كان تجب عليها السكنى به هو الذي تسكنه حين موت زوجها وقد سقطت عنها السكنى به وسواء كان المسكن الذي كانت به لأبويها أو لأحدهم أو لغيرهم، وإن كانت تسكن في دار لها فاختارت الاقامة فيها والسكنى بها متبرعة أو بأجرة تأخذها من التركة جاز وعلى الورثة بذل الأجرة إذا طلبتها وإن طلبت أن تسكنها غيرها وتنتقل عنها فلها ذلك لأنه ليس عليها أن تؤجر دارها ولا تعيرها وعليهم إسكانها (فصل) فأما إذا قلنا ليس لها السكنى فتطوع الورثة بإسكانها في مسكن زوجها أو السلطان أو أجنبي لزمها الاعتداد به وإن منعت السكنى أو طلبوا منها الأجرة فلها أن تنتقل عنه إلى غيره كما ذكرنا فيما إذا أخرجها المؤجر عند انقضاء الإجارة وسواء قدرت على الأجرة أو عجرت لأنه إنما تلزمها السكنى

لا تحصيل المسكن، وإن كانت في مسكن لزوجها فأخرجها الورثة منه وبذلوا لها مسكناً آخر لم تلزمها السكنى به ولذلك إن أخرجت من المسكن الذي هي به أو خرجت لأي عارض كان لم تلزمها السكنى في موضع معين سواه سواء بذله الورثة أو غيرهم لأنها إنما يلزمها الاعتداد في بيتها الذي كانت فيه لا في غيره، وكذلك إذا قلنا لها السكنى فتعذر سكناها في مسكنها وبذل لها سواه وإن طلبت مسكناً بأجرة أو بغيرها لزم الورثة تحصيله إن خلف الميت تركة تفي بذلك وتقدم على الميراث لأنه حق على الميت فأشبه الدين، فإن كان على الميت دين يسترق تركته ضربت بأجرة المسكن لأن حقها مساو لحقوق الغرماء وتستأجر بما يخصها موضعها تسكنه، وكذلك الحكم في المطلقة إذا حجر على الزوج قبل أن يطلقها ثم طلقها فإنها تضرب باجرة المسكن كمدة العدة مع الغرماء إذا كانت حاملاً فان قيل فهل لا قدمتم حق الغرماء لأنه أسبق؟ قلنا لأن حقها ثبت عليه بغير اختياره فشاركت الغرماء فيه كما لو اتلف المفلس مالاً لإنسان أو جنى عليه، وإن مات وهي في مسكنه لم يجز إخراجها منه لأن حقها تعلق

بين المسكن قبل تعلق حقوق الغرماء بعينه فكان حقها مقدماً كحق المرتهن، وإن طلب الغرماء بيع هذا المسكن وتترك السكنى لها مدة العدة لم يجز لأنها إنما تستحق السكنى إذا كانت حاملاً ومدة الحمل مجهولة فتصير كما لو باعها واستثنى نفعها مدة مجهولة، وإن أراد الورثة قسمة مسكنها على وجه يضر بها في السكنى لم يكن لهم ذلك، وإن أرادو التعليم بخطوط من غير نقض ولا بناء جاز لأنه لا ضرر عليها فيه (فصل) إذا قلنا إنها تضرب مع الغرماء بقدر مدة عدتها فإنها تضرب بمدة عادتها في وضع الحمل إن كانت حاملاً وإن كانت مطلقة من ذوات القرء وقلنا لها السكنى ضربت بمدة عادتها في القرء فإن لم تكن لها عادة ضربت بغالب عادات النساء وهي تسعة أشهر للحمل وثلاثة اشهر لكل قرء شهر أو بما بقي من ذلك إن كان قد مضى من مدة حملها شئ لأنه لا يمكن تأخير القسمة لحق الغرماء فإذا ضربت بذلك فوافق الصواب لم يزد ولم ينقص استقر الحكم ويستأجر بما يحصل لها مكاناً تسكنه فإذا تعذر ذلك سكنت حيث شاءت، وإن كانت المدة أقل مما ضربت مثل أن وضعت حملها لستة أشهر أو تربصت

ثلاثة قروء في شهرين فعليها رد الفضل وتضرب فيه بحصتها منه، وإن طالت العدة أكثر من ذلك مثل أن وضعت حملها في عام أو رأت ثلاثة قروء في نصف عام رجعت بذلك على الغرماء كما يرجعون عليها في صورة النقص، ويحتمل أن لا ترجع به وتكون في ذمة زوجها لأننا قدرنا ذلك مع تجويز الزيادة فلم يكن لها الزياة عليه (مسألة) (ولا تخرج ليلاً وتخرج نهاراً لحوائجها سواء كانت مطلقة أو متوفى عنها) لما روى جابر قال طلقت خالتي ثلاثاً فخرجت تجذ نخلها فلقيها رجل فنهاها فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " اخرجي فجذي نخلك لعلك أن تصديق منه أو تفعلي خيرا " رواه النسائي وأبو داود، وروى مجاهد قال استشهد رجال يوم أحد فجاء نساؤهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلن يا رسول نستوحش بالليل أفنبيت عند إحدانا فإذا أصبحنا بادرنا إلى بيوتنا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " تحدثن عند إحداكن

مسألة ولا تخرج ليلا وتخرج نهارا لحوائجها سواء كانت مطلقة أو متوفى عنها

حتى إذا أردتن فلتؤب كل واحدة إلى بيتها " وليس لها المبيت في غير بيتها ولا الخروج ليلاً إلا لضرورة ولأن الليل مظنة الفساد بخلاف النهار فإنه مظنة قضاء الحوائج والمعاش وشراء ما يحتاج إليه، وإن وجب عليها حق لا يمكن اسيتفاؤه إلا بها كاليمين والحد وكانت ذات خدر بعث اليها الحاكم من يستوفي الحق منها في منزلها، وإن كانت برزة جاز احضارها لا ستيفائه وترجع إلى منزلها إذا فرغت (فصل) والأمة كالحرة في الإحداد والاعتداد في منزلها إلا أن سكناها في العدة كسكناها في حياة زوجها للسيد إمساكها نهار أو يرسلها ليلاً فإن ارسلها ليلاً ونهاراً اعتدت زمانها كله في المنزل وعلى الورثة إسكانها كالحرة سواء. (فصل) والبدوية كالحضرية في الاعتداد في المنزل الذي مات زوجها وهي ساكنة فيه فإن انتقلت الحلة انتقلت معهم لأنها لا يمكنها المقام وحدها، وإن انتقل غير أهلها لزمها المقام مع أهلها، وإن انتقل

أهلها انتقلت معهم إلا أن يبقى من الحلة من لا تخاف على نفسها معهم فتخير بين الاقامة والرجل والرحيل، وإن هرب أهلها فخافت هربت معهم فإن أمنت أقامت لقضاء العدة في منزلها (فصل) فإن مات صاحب السفينة وامرأته في السفينة ولها مسكن في البر فحكمها حكم المسافرة في البر على ما نذكره، وإن لم يكن لها مسكن سواها وكان لها فيها بيت يمكنها السكنى فيه بحيث لا تجتمع مع الرجال وأمكنها المقام فيه بحيث تأمن على نفسها ومعها محرمها لزمها أن تعتد به، وإن كانت ضيقة وليس معها محرمها أو لا يمكنها الإقامة فيها إلا بحيث تختلط بالرجال ولزمها الانتقال عنها إلى غيرها (مسألة) (وإن أذن لها زوجها في النقلة إلى بلد للسكنى فيه فمات قبل مفارقة البنيان لزمها العود إلى منزلها، وإن مات بعده فلها الخيار بين البلدين) إذا أذن للمراة زوجها في النقلة من بلد إلى بلد أو من دار إلى دار أخرى فمات قبل انتقالها من الدار وقبل خروجها من البلد لزمها الاعتداد في الدار وكذلك إن مات قبل خروجها من الدار لأنها بيتها وسواء مات قبل نقل

مسألة وإن أذن لها زوجها في النقلة إلى بلد للسكنى فيه فمات قبل مفارقة البنيان لزمها العود إلى منزلها وإن

متاعها من الدار أو بعده لأنها مسكنها ما لم تنتقل عنها وإن مات بعد انتقالها إلى الثانية اعتدت فيها لأنها مسكنها وكذلك إن مات بعد وصولها إلى البلد الآخر على قياس ذلك، وإن مات وهي بينهما فهي مخيرة لأنها لا مسكن لها منهما فإن الأولى خرجت عنها منتقلة فخرجت عن كونها مسكناً لها والثانية لم تسكن بها فهما سواء وكذلك إن مات بعد خروجها من البلد لما ذكرناه وقيل يلزمها الاعتداد في الثانية لأنها المسكن الذي أذن لها زوجها في السكنى به وهذا يمكن في الدارين، فأما إذا كانا بلدين لم يلزمها الانتقال إلى البلد الثاني بحال لأنها إنما كانت تنتقل لغرض زوجها في صحبتها إياه وإقامتها معه فلو ألزمناها ذلك بعد موته لكلفناها السفر الشاق والتغرب عن وطنها وأهلها والمقام مع غير محرمها والمخاطرة بنفسها مع فوات الغرض وظاهر حال الزوج أنه لم علم أنه يموت لما نقلها فصارت الحياة مشروطة في النقلة. فأما إن انتقلت الى الثانية ثم عادت الى الأولى لنقل متاعها فمات زوجها وهي بها فعليها الرجوع إلى الثانية لأنها صارت مسكنها بانتقالها وإنما عادت الى الأول لحاجة والاعتبار بمسكنها دون موضعها، وإن مات وهي في الثانية فقالت أذن لي زوجي في السكنى بهذا

المكان وأنكر ذلك الورثة أو قالت إنما أذن لي زوجي في المجئ اليه لا في الإقامة به وأنكر ذلك لورثة فالقول قولها لأنها أعرف بذلك منهم، وكل موضع قلنا يلزمها السفر عن بلدها فهو مشروط بوجود محرم يسافر معها والا من على نفسها لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم من أهلها " أو كما قال (مسألة) (وإن سافر بها فمات في الطريق وهي قريبة لزمها العود) لأنها في حكم الإقامة وإن. تباعدت خيرت بين البلدين لأن البلدين تساويا فكانت الخيرة إليها فيما المصلحة لها فيه لأنها أخبر بمصلحتها. (فصل) وإن أذن لها زوجها في السفر لغير النقلة فخرجت ثم مات زوجها فالحكم في ذلك كالحكم في سفر الحج على ما نذكره من التفصيل وإذا مضت إلى مقصدها فلها الإقامة حتى تقضي ما خرجت اليه وتنقضي حاجتها من تجارة أو غيرها فإن كان خروجها لنزهة أو زيادة ولم يكن قدر لها مدة فإنها تقيم إقامة

مسألة وإن سافر بها فمات في الطريق وهي قريبو لزمها العود

المسافر ثلاثاً وإن كان قدر لها مدة فلها إقامتها لأن سفرها بحكم إذنه فكان لها إقامة ما اذن لها فيه فإذا مضت مدتها أو قضت حاجتها ولم يمكنها الرجوع لخوف أو غيره أتمت العدة في مكانها وإن أمكنها الرجوع لكن لا يمكنها الوصول الى منزلها حتى تنقضي عدتها لزمها الإقامة في مكانها لأن الإعتداد وهي مقيمة أولى من الإتيان به في السفر، وإن كانت تصل وقد بقي من عدتها شئ لزمها العود لتأتي بالعدة في مكانها. (مسألة) (وإن أذن لها في الحج فأحرمت به ثم مات فخشيت فوات الحج مضت في سفرها وإن لم تخش وهي في بلدها أو قرية يمكنها العود أقامت لتقضي العدة في منزلها وإلا مضت في سفرها وإن لم تكن أحرمت به أو أحرمت بعد موته فحكمها حكم من لم تخش الفوات) وجملة ذلك أن المعتدة ليس لها أن تخرج إلى الحج ولا غيره روى ذلك عن عمر وعثمان وبه قال

مسألة وإن أذن لها في الحج فأحرمت به ثم مات فخشيت فوات الحج مضت في سفرها وإن لم تخش وهي في

سعيد بن المسيب ومالك والشافعي والثوري وأصحاب الرأي فإن خرجت فمات زوجها في الطريق رجعت إن كانت قريبة لأنها في حكم الإقامة، وإن تباعدت مضت في سفرها، وقال مالك ترد ما لم تحرم، والصحيح ما ذكرنا لأنه يضر بها وعليها مشقة ولابد لها من سفر وإن رجعت، ويحد القريب بما لا تقصر اليه الصلاة والبعيد بما تقصر فيه قاله القاضي وهو قول أبي حنيفة إلا أنه لا يرى القصر الا في مدة ثلاثة أيام، فعلى قوله متى كان بينها وبين مسكنها دون ثلاثة أيام لزمها الرجوع إليه، وإن كان فوق ذلك لزمها المضي الى مقصدها إذا كان بينها وبينه دون ثلاثة أيام، وإن كان بينها وبينه ثلاثة أيام وفي موضعها الذي هي به مكان يمكنها الإقامة فيه لزمتها والاقامة وإلا مضت إلى مقصدها، وقال الشافعي إن فارقت البينان فلها الخيار بين الرجوع والتمام لأنها صارت في موضع أذن لها زوجها فيه وهو السفر فأشبه ما لو بعدت ولنا على وجوب الرجوع على القريبة ما روى سعيد بإسناده عن سعيد بن المسيب قال توفي ازواج نساؤهن حاجات أو معتمرات فردهن عمر من ذي الحليفة حتى يعتددن في بيوتهن ولأنه أمكنها الاعتداد في منزلها قبل أن تعتد فلزمها كما لو لم تفارق البنيان.

وعلى أن البعيدة لا يلزمها الرجوع لأن عليها مشقة وتحتاج إلى سفر طويل في رجوعها أشبهت من بلغت مقصدها، وإن اختارت البعيدة الرجوع فلها ذلك إذا كانت تصل إلى منزلها في عدتها، ومتى كان عليها في الرجوع خوف أو ضرر فلها المضي في سفرها كالبعيدة ومتى رجعت وقد بقي عليها شئ من عدتها لزمها أن تأتي به في منزل زوجها بلا خلاف بينهم لأنه أمكنها الاعتداد فيه فهو كما لو لم تسافر منه (فصل) ولو كان عليها حجة الإسلام فمات زوجها لزمتها العدة في منزلها، وإن فاتها الحج لأن العدة في المنزل تفوت ولا بدل لها والحج يمكن الاتيان به بعدها، وإن مات زوجها بعد إحرامها بحج الفرض أو بحج أذن لها فيه وكان وقت الحج متسعاً لا يخاف فوته ولا فوت الرفقة لزمها الاعتداد في منزلها لإمكان الجمع بين الحقين، وإن خشيت فوات الحج لزمها المضي فيه وهو قول الشافعي وقال أبو حنيفة يلزمها المقام، وإن فاتها لأنها معتدة فلم يجز أن تنشئ سفراً كما لو أحرمت بعد وجوب العدة عليها

ولنا أنهما عبادتان استويا في الوجوب وضيق الوقت فوجب تقديم الأسبق منهما كما لو سبقت العدة ولان الحج آكد لانه أحد أركان الإسلام والمشقة بتفويته تعظم فوجب تقديمه كما لو مات زوجها بعد أن بعد سفرها اليه، وإن أحرمت بالحج بعد موت زوجها وخشيت فواته احتمل أن يجوز لها المضي إليه لما في بقائها على الإحرام من المشقة واحتمل أن تلزمها العدة في منزلها لأنها أسبق ولأنها فرطت وغلظت على نفسها فإذا قضت العدة وأمكنها السفر الى الحج لزمها ذلك فإن أدركته وإلا تحللت بعمرة وحكمها في القضاء حكم من فاته الحج وإن لم يمكنها السفر فهي كالمحصرة التي يمنعها زوجها من السفر وحكم الإحرام بالعمرة كذلك إذا خيف فوات الرفقة أو لم يخف (مسألة) (وأما المبتوتة فلا تجب عليها عدة الوفاة في منزله وتعتد حيث شاءت نص عليه قال

مسألة وأما المبتوتة فلا تجب عليها عدة الوفاة في منزله وتعتد حيث شاءت نص عليه قال اصحابنا لا يتعين

اصحابنا لا يتعين الموضع الذي تسكنه المبتوتة في الطلاق سواء قلنا لها السكنى أو لم نقل بل يتخير الزوج بين إقرارها في موضع طلاقها وبين نقلها إلى مسكن مثلها لحديث فاطمة بنت قيس يذكر في النفقات إن شاء الله تعالى. والمستحب إقرارها لقوله سبحانه (لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) ولأن فيه خروجاً من الخلاف فإن الذين يرون لها السكنى يوجبون عليها الاعتداد في منزلها فان كان في بيت يملك الزوج سكناه يصلح لمثلها اعتدت فيه فإن ضاق عنهما انتقل عنها لأنه يستحب سكناها في البيت الذي طلقها فيه وإن اتسع الموضع لهما وأمكنهما السكنى في موضع منفرد كالحجرة وعلو الدار وبينهما باب مغلق جاز وسكن الزوج في الباقي كالحجرة بين المتجاورين وإن لم يكن بينهما باب مغلق لكن لها موضع تستتر فيه بحيث لا يراها ومعها محرم تتحفظ به جاز وتركه أولى ولا يجوز مع عدم المحرم لان الخلوة لأجنبية محرمة وإن امتنع من إسكانها وكانت ممن لها عليه السكنى أجبره الحاكم فإن لم يكن ثم

حاكم رجعت على الزوج وإن وجد الحاكم ففي رجوعها روايتان فإن كان الزوج حاضراً ولم يمنعها المسكن فاكترت لنفسها مسكناً أو سكنت في موضع تملكه لم ترجع لأنها تبرعت بذلك وإن عجز الزوج عن إسكانها لعسرته أو غيبة أو امتنع منه مع المقدرة سكنت حيث شاءت. (باب في استبراء الإماء) ويجب الاستبراء في ثلاثة مواضع: (أحدهما) إذا ملك أمه لم يحل له وطؤها ولا الإستمتاع بها بمباشرة أو قبلة حتى يستبرئها إلا المسبية هل له الاستمتاع منها بما دون الفرج؟ على روايتين) من ملك أمة بسبب من أسباب الملك كالبيع والهبة والإرث وغير ذلك لم يحل له وطؤها حتى يستبرئها بكراً كانت أو ثيباً صغيرة او كبيرة ممن تحمل أو ممن لا تحمل هذا قول الحسن وابن سيرين

باب في استبراء الإماء

وأكثر أهل العلم منهم مالك والشافعي وأصحاب الرأي. وقال ابن عمر لا يجب استبراء البكر وهو قول داود لأن الغرض بالاستبراء معرفة براءتها من الحمل وهذا معلوم في البكر فلا حاجة الى الاستبراء وقال الليث إن ان ممن لا يحمل مثلها لم يجب استبراؤها لذلك وقال عثمان البتي يجب الاستبراء على البائع دون المشتري لأنه لو زوجها لكان الاستبراء على السيد دون الزوج كذلك ههنا. ولنا ما روى أبو سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عام أو طاس أن توطأ حامل حتى تضع ولا غير حامل حتى تحيض رواه أحمد في المسند. وعن رويفع بن ثابت قال إنني لا أقول إلا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعته يقول " لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقع على امرأة من السبي حتى يستبرئها بحيضة " رواه أبو داود وفي لفظ قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين يقول " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسق ماءه زرع غيره ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يطأ جارية من السبي حتى يستبرئها بحيضة " رواه

الأثرم ولأنه ملك جارية محرمة عليه فلم تحل له قبل استبرائها كالبنت التي تحمل ولأنه سبب وجب للاستبراء فلم تفترق الحال فيه بين البكر والثيب والتي لا تحمل كالعدة قال أبو عبد الله قد بلغني أن العذراء تحمل فقال له بعض أهل المجلس نعم قد كان في جيراننا. وذكره بعض أصحاب الشافعي وما ذكروه يبطل بما إذا اشتراها من امرأة أو صبي أو من تحرم عليه برضاع أو غيره وما ذكره البتي لا يصح لأن الملك قد يكون بالسبي والإرث والوصية فلو لم يستبرئها المشتري أفضى إلى اختلاط المياه واشتباه الأنساب والفرق بين البيع والتزويج أن التزويج لا يراد إلا للاستمتاع فلا يجوز إلا فيمن تحل له فوجب أن يتقدمه الاستبراء ولهذا لا يصح تزويج معتدة ولا مرتدة ولا مجوسية ولا وثنية ولا محرمة بالرضاع ولا المصاهرة والبيع يراد لغير ذلك فصح قبل الاستبراء ولهذا صح في هذه المحرمات ووجب الاستبراء على المشتري لما ذكرناه (مسألة) (ويحرم الاستمتاع بالقبلة والنظر لشهوة)

والاستمتاع بها فيما دون الفرج إذا لم تكن مسبية رواية واحدة وقال الحسن لا يحرم من المستبرأة إلا فرجها وله أن يستمتع منها بما شاء ما لم يمس لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما نهى عن الوطئ ولانه تحريم للوطئ مع ثبوت الملك فاختص بالفرج كالحيض. ولنا أنه استبراء يحرم الوطئ فحرم الاستمتاع كالعدة ولأنه لا يأمن كونها حاملاً من بائعها فتكون أم ولد فلا يصح بيعها فيكون مستمتعاً بأم ولد غيره وبهذا فارق الحائض فأما المسبية ففيها روايتان (إحداهما) تحريم مباشرتها وهو ظاهر كلام الخرقي وهو الظاهر عن أحمد إذا كان لشهوة قياساً على العدة ولأنه داعية إلى الوطئ المحرم المفضي إلى اختلاط المياه واشتباه الأنساب فأشبهت المبيعة والرواية الثانية لا يحرم لما روي عن ابن عمر أنه قال وقع في سهمي يوم جلولاء جارية كأن عنقها إبريق فضة فما ملكت نفسي أن قمت اليها فقبلتها والناس ينظرون ولأنه لا نص في المسبية ولا يصح قياسها على المبيعة لأنها تحتمل أن تكون أم ولد للبائع فيكون مستمتعاً بأم ولد غيره ومباشر لمملوكة غيره والمسبية مملوكة له على كل حال وإنما حرم وطؤها لئلا يسقي ماءه زرع غيره. (مسألة) (وسواء ملكها من صغير أو كبير أو رجل أو امرأة أو مجبوب أو من رجل قد استبرأها ثم لم يطأها لقوله عليه الصلاة والسلام " لا توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تستبرأ بحيضة " ولأنه يجوز أن تكون حاملاً من غير البائع فوجب استبراؤها كالمسبية من امرأة.

مسألة وسواء ملكها من صغير أو كبير أو رجل أو امرأة أو مجبوب أو من رجل قد استبرأها لم يطأها

(مسالة) (وإن أعتقها قبل استبرائها لم يحل له نكاحها حتى يستبرئها ولها نكاح غيره إن لم يكن بائعها يطؤها) إذا اشترى أمة فأعتقها قبل استبرائها لم يجز أن يتزوجها حتى يستبرئها وبه قال الشافعي وقال أصحاب الرأي له ذلك ويروى أن الرشيد اشترى جارية فتاقت نفسه الى جماعها قبل استبرائها وأمره أبو يوسف إن يعتقها ويتزوجها ويطأها قال أبو عبد الله وبلغني أن المهدي اشترى جارية فأعجبته فقيل له أعتقها وتزوجها قال أبو عبد الله ما أعظم هذا أبطلوا الكتاب والسنة جعل الله على الحرائر العدة من أجل الحمل فليس من امرأة تطلق أو يموت زوجها إلا وتعتد من أجل الحمل وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم استبراء الأمة بحيضة من أجل الحمل ففرج يوطأ يشتريه ثم يعتقها على المكان ثم يتزوجها فيطؤها يطؤها رجل اليوم ويطؤها الآخر غداً فإن كانت حاملاً كيف يصنع؟ هذا نقض الكتاب والسنة قال النبي صلى الله عليه وسلم " لا توطأ الحامل حتى تضع ولا غير الحامل حتى تحيض " وهذا لا يدري أهي حامل أم لا؟ ما أسمج هذا قيل له إن قوماً يقولون هذا فقال قبح الله هذا وقبح من يقوله وفيما نبه عليه أبو عبد الله من الأدلة كفاية إذا ثبت هذا فليس له تزويجها لغيره قبل استبرائها إذا لم يعتقها لأنها ممن يجب استبراؤها فلم يجز أن تتزوج كالمعتدة وسواء في ذلك المستبرأة من رجل يطؤها أو من رجل قد اشتراها ثم لم يطأها أو ممن لا يمكنه الوطئ كالصبي والمجبوب والمرأة وقال الشافعي إذا اشترها ممن لا يطؤها فله تزويجها سواء أعتقها أو لم يعتقها وله أن يتزوجها إذا أعتقها لأنها ليست فراشاً وقد كان لسيدها تزويجها قبل

مسألة وإن أعتقها قبل استبرائها لم يحل له نكاحها حتى يستبرئها ولها نكاح غيره إن لم يكن بائعها يطؤها

بيعها فجاز ذلك بعد بيعها ولأنها لو عتقت على البائع بإعتاقه أو غيره لجاز لكل أحد نكاحها فكذلك إذا أعتقها المشتري. ولنا عموم قوله عليه السلام " لا توطأ حائل حتى تستبرأ بحيضة ولأنها أمة يحرم عليه وطؤها قبل استبرائها فحرم عليه تزويجها والتزوج بها كما لو كان بائعها يطؤها فأما إن أعتقها في هذه الصورة فله تزويجها لغيره لأنها حرة لم تكن فراشاً فأبيح لها النكاح كما لو أعتقها البائع وفارق الموطؤة فإنها فراش يجب عليها استبراء نفسها فحرم عليها النكاح كالمعتدة وفارق ما إذا أراد سيدها نكاحها فإنه لم يكن له وطؤها بملك اليمين فلم يكن له أن يتزوجها كالمعتدة ولأن هذا يتخذ حيلة على إبطال الاستبراء فحرم بخلاف تزويجها لغيره (مسألة) (والصغيرة لا يوطأ مثلها هل يجب استبراؤها؟ على وجهين) (أحدهما) يجب وهو ظاهر كلام أحمد في أكثر الروايات عنه فإنه قال تسبترأ وإن كانت في المهد وتحرم مباشرتها على هذه الرواية كالكبيرة لأن الاستبراء يجب عليها بالعدة كذلك هذا وروي عنه أنه قال إن كانت صغيرة تأتي شيئاً يسيراً إذا كانت رضيعة وقال في رواية أخرى تستبرأ بحيضة إن كانت تحيض وإلا ثلاثة أشهر إن كانت ممن يوطأ ويحبل فظاهر هذا أنه لا يجب استبراؤها ولا تحرم مباشرتها وهذا اختيار ابن أبي موسى وقول مالك وهو الصحيح لأن سبب الإباحة متحقق وليس على تحريمها دليل فإنه لا نص فيه ولا معنى نص ولا يراد لبراءة الرحم ولا يوجد الشغل في حقها

مسألة والصغيرة التي لا يوطأ مثلها هل يجب استبراؤها؟ على وجهين

(مسألة) (وإن اشترى زوجته لم يلزمه استبراؤها لأنها فراش له) فلم يلزمه استبراؤها من مائه لكن يستحب ذلك ليعلم هل الولد من النكاح ليكون عليه ولاء له لأنه عتق بملكه ولا تصير به الجارية أم ولد أو هو حادث في ملك يمينه فلا يكون عليه ولاء تصير به الأمة أم ولد ومتى تبين حملها فله وطؤها لأنه قد تبين الحمل وزال الاشتباه (مسألة) (أو عجزت مكاتبته حلت لسيدها بغير استبراء) وبهذا قال أبو حنيفة وكذلك إن ارتدت أمته ثم أسلمت أو زوج الرجل أمته فطلقها الزوج لم يلزم السيد استبراؤها وقال الشافعي يجب عليه الاستبراء في هذا كله لأنه زال ملكه عن استمتاعها ثم عاد فأشبهت المشتراه. ولنا أنه لم يتجدد ملكه عليها فأشبهت المحرمة إذا حلت وإن فك أمته من الرهن حلت بغير استبراء بغير خلاف فكذلك هذا ولأن الاستبراء إنما شرع لمعنى مظنته تجديد الملك فلا يشرع مع تخلف المظنة والمعنى (مسألة) (أو أسلمت أمته المجوسية أو المرتدة أو الوثنية التي حاضت عنده أو كان هو المرتد فأسلم فهي حلال بغير استبراء) إذا ملك مجوسية أو وثنية فأسلمت قبل استبرائها لم تحل حتى يستبرئها أو يتم ما بقي من استبرائها لما مضى فان استبرأها ثم اسلمت بغير استبراء وقال الشافعي لا تحل حتى يجدد استبراءها بعد إسلامها لأن ملكه تجدد على استمتاعها فأشبه من تجدد ملكه على رقبتها.

مسألة وإن اشترى زوجته لم يلزمه استبراؤها لأنه فرلاش له

ولنا قوله عليه الصلاة والسلام " لا توطأ حائل حتى تستبرأ بحيضة " وهذا ورد في سبايا أو طاس وهن مشركات ولم يأمر في حقهن بأكثر من حيضة ولأنه لم يتجدد ملكه عليها ولا اصابها وطئ من غيره فلم يلزمه استبراؤها كما لو حلت المحرمة، ولأن الاستبراء إنما وجب كيلا يفضي إلى اختلاط المياه واشتباه الأنساب ومظنة ذلك تجديد الملك على رقبتها ولم يوجد. (مسألة) (أو اشترى مكاتبة ذوات رحمه فحضن عنده ثم عجز أو اشترى عبده التاجر امة فاستبرأها ثم أخذها سيده منه فانها تحمل بغير استبراء لأن ملكه ثابت على ما في يد عبده فقد حصل استبراؤها في ملكه) وأما إذا اشترى مكاتبه أمة فاستبرأها ثم صارت إلى سيده ولم تكن من ذوات رحم المكاتب فعلى السيد استبراؤها لان ملكه تجدد عليها إذ ليس للسيد ملك ما في يد مكاتبه فان كانت من ذوات محارمه فإنها تباح للسيد بغير استبراء كذلك ذكره أصحابنا لأنه يصير حكمها حكم المكاتب إن رق رقت وإن عتق عتقت والمكاتب عبد ما بقي عليه درهم. (فصل) فإن وطئ الجارية التي يلزمه استبراؤها قبل استبرائها أثم والاستبراء باق بحاله لأنه حق عليه فلا يسقط بعدوانه فإن لم تعلق منه استبرأها بما كان يستبرئها به قبل الوطئ وتبني على ما مضى من الاستبراء وإن علقت منه فمتى وضعت حملها استبرأها بحيضة ولا يحل له الاستمتاع بها في حال حملها

مسألة أو اشترى مكاتبة ذوات رحمه فحضن عنده ثم عجز أو اشترى عبده التاجر امة فاستبرأها ثم أخذها سيده

لأنه لم يستبرئها، وإن وطئها وهي حامل حملاً كان موجوداً حين البيع من غير البائع فمتى وضعت حملها انقضى استبراؤها قال أحمد ولا يلحق بالمشتري ولا يبيعه ولكن يعتقه لأنه قد شرك فيه لأن الماء يزيد في الولد وقد روي أبو داود بإسناده عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مر بامرأة مجح على فسطاط فقال " لعله يريد أن يلم بها؟ - قالوا نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم - لقد هممت أن ألعنه لعنا يدخل معه قبره، كيف يورثه وهو لا يحل له أو كيف يستخدمه وهو لا يحل له؟ " ومعناه أنه ان استلحقه وشركه في ميراثه لم يحل له لأنه ليس بولده وإن أتخذه مملوكاً له لم يحل له لأنه قد شرك فيه لكون الماء يزيد في الولد وعن ابن عباس قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وطئ الحبالى حتى يضعن ما في بطونهم رواه النسائي. (مسألة) (وإن وجد الاستبراء في يد البائع قبل القبض أجزأ ويحتمل أن لا يجزئ) لا يكون الاستبراء إلا بعد ملك المشتري لجميع الأمة فلو ملك بعضها ثم ملك باقيها لم يحتسب الاستبراء إلا من حين ملك باقيها فإن ملكها ببيع فيه الخيار انبنى على نقل الملك في مدته فإن قلنا ينتقل فابتداء الاستبراء من حين البيع وإن قلنا لا ينتقل فابتداؤه من حين انقطع الخيار وإن كان البيع معيباً فابتداؤه من حين البيع لأن العيب لا يمنع نقل الملك بغير خلاف، فإن ابتدأ الاستبراء بعد البيع وقبل القبض أجزأ في أظهر الوجهين لأن الملك ينتقل به والثاني لا يجزئ لأن القصد معرفة براءتها من مال البائع ولا يحصل ذلك مع كونها في يده. (مسألة) (وإن باع أمته ثم عادت إليه بفسخ أو غيره بعد القبض وجب استبراؤها وإن كان قبله فعلى روايتين) أما إذا عادت إليه بعد القبض وافتراقهما لزمه استبراؤها لأنه تجديد ملك سواء كان المشتري لها

مسألة وإن وجد الاستبراء في يد البائع قبل القبض أجزأ ويحتمل أن لا يجزىء

رجل أو امرأة وإن كان ذلك قبل افتراقهما او قبل غيبة المشتري بالجارية فعليه الاستبراء أيضاً في إحدى الروايتين، وهو مذهب الشافعي لأنه تجديد ملك والثانية ليس عليه استبراء وهذا قول أبي حنيفة إذا تقايلا قبل القبض لأنه لا فائدة في الاستبراء مع يقين البراءة (مسألة) (وإذا اشترى أمة مزوجة فطلقها الزوج قبل الدخول وجب استبراؤها) نص عليه أحمد وقال هذه حيلة وضعها أهل الرأي لابد من استبراء لأنها تجدد الملك فيها ولم يحصل استبراؤها في ملكه فلم تحل بغير استبراء كما لو لم تكن مزوجة ولأن إسقاطه ههنا ذريعة إلى إسقاط الاستبراء في حق من أراد اسقاطه بان يزوجها عند بيعها ثم يطلقها زوجها بعد تمام البيع والحيل حرام (مسألة) (وإن كان بعده لم يجب في أحد الوجهين) أما إذا كان الزوج دخل بها ثم طلقها فعليها العدة ولا يلزم المشتري استبراؤها لأن ذلك قد حصل بالعدة ولأنها لو عتقت لم يجب عليها مع العدة استبراء ولأنها قد استبرأت نفسها ممن كانت فراشاً له فاجزأ ذلك كما لو استبرأت نفسها من سيدها إذا كانت خالية من زوج، وإن استبرأها وهي معتدة من زوجها لم يجب عليه الاستبراء لأنها لم تكن فراشاً لسيدها وقد حصل الاستبراء من الزوج بالعدة ولذلك لو عتقت في هذه الحال لم يجب عليها استبراء وقال أبو الخطاب في المزوجة هل يدخل الاستبراء في العدة؟ على وجهين وقال القاضي في المعتدة يلزم السيد استبراؤها بعد قضاء العدة ولا يتداخلان لأنهما من رجلين

مسألة وإذا اشترى أمة مزوجة فطلقها الزوج قبل الدخول وجب استبراؤها

ومفهوم كلام احمد ما ذكرناه أولاً لأنه عدل فيما قبل الدخول بأنها حيلة وضعها أهل الراي ولا يوجد ذلك ههنا ولا يصح قولهم إن الاستبراء من رجلين فإن السيد ههنا ليس له استبراء. (فصل) إذا كانت الأمة لرجلين فوطئاها ثم باعاها لرجل آخر أجزأ استبراء واحد لأنه يحصل به معرفة البراءة، فإن قيل فلو أعتقاها ألزمتموها استبراءين قلنا وجوب الاستبراء في حق المعتقة معلل بالوطئ ولذلك لو أعتقها وهي ممن لا يطؤها لم يلزمها استبراء وقد وجد الوطئ من اثنين فلزمها حكم وطئها وفي مسئلتنا هو معلل بتجديد الملك لا غير ولهذا يجب على المشتري الاستبراء سواء كان سيدها يطؤها أو لم يكن والملك واحد فوجب أن يتجدد الاستبراء الثاني إذا وطئ أمته ثم أراد تزويجها لم يجزئ حتى يستبرئها، وإن اراد بيعها فعلى روايتين، وإن لم يكن بائعها يطؤها لم يجب استبراؤها في الموضعين. أما إذا أراد تزويجها وكان يطؤها وجب عليه استبراؤها قبل تزويجها وجهاً واحداً لأن الزوج لا يلزمه استبراء فيفضي إلى اختلاط المياه واشتباه الأنساب وهو قول الثوري والشافعي وقال أصحاب الرأي ليس عليها استبراء لأن له بيعها فكان له تزويجها كالتي لا يصيبها وتستبرئ بحيضة وقال عطاء وقتادة عدتها حيضتان كعدة الأمة المطلقة. ولنا أنها فراش لسيدها فلم يجز أن تنتقل إلى فراش غيره بغير استبراء كما لو مات عنها ولانها موطؤة وطأ له حق فلزمه استبراؤها قبل التزويج كالموطوء بشبهة، ولأنه يفضي إلى أن يطأها سيدها اليوم وزوجها غداً فيفضي إلى اختلاط المياه وهذا لا يحل ويفارق البيع فإنها لا تصير للمشتري فراشاً حتى يستبرئها فلا يفضي إلى اختلاط المياه، ولهذا يصح بيع المزوجة والمعتدة بخلاف تزويجها على أن لنا

في البيع منعاً أيضاً أنه لا يجوز، فإن أراد بيعها وكان لا يطؤها أو كانت آيسة فليس عليه استبراؤها لكن يستحب ذلك ليعلم خلوها من الحمل فيكون أحوط للمشتري وأقطع للنزاع، قال أحمد وإن كانت لامرأة فإني أحب أن لا تبيعها حتى تستبرئها بحيضة فهو أحوط لها وإن كان يطؤها أو كانت آيسة فليس عليه استبراء لأن انتفاء الحمل معلوم وإن كانت ممن يحمل وجب عليه استبراؤها في أصح الروايتين، وبه قال النخعي والثوري والثانية لا يجب عليه وهو قول أبي حنيفة ومالك والشافعي لأن عبد الرحمن بن عوف باع جارية كان يطؤها قبل استبرائها ولأن الاستبراء على المشتري فلا يجب على البائع ولأن الاستبراء في حق الحرة آكد ولا يجب قبل النكاح وبعده كذلك لا يجب في الأمة قبل البيع وبعده. ولنا أن عمر أنكر على عبد الرحمن بن عوف بيع جارية كان يطؤها قبل استبرائها فروى عبد الله بن عبيد بن عمير، قال: باع عبد الرحمن جارية كان يقع عليها قبل أن يستبرئها فظهر بها حمل عند الذي اشتراها فخاصموه الى عمر فقال له عمر كنت تقع عليها؟ قال نعم قال فبعتها قبل أن تستبرئها؟ قال نعم قال ما كنت لذلك بخليق قال فدعا القالة فنظروا إليه فألحقوه به ولانه تجب على المشتري الاستبراء لحفظ مائه فكذلك البائع ولأنه قبل الاستبراء مشكوك في صحة البيع وجوازه لاحتمال أن تكون أم ولد فيجب الاستبراء لإزالة الاحتمال ولأنه قد يشتريها من لا يستبرئها فيفضي إلى اختلاط المياه واشتباه الأنساب فإن باع فالبيع صحيح في الظاهر لأن الأصل عدم الحمل ولأن عمر وعبد الرحمن لم يحكما بفساد البيع في الأمة التي باعها قبل استبرائها إلا بلحاق الولد به ولو كان البيع باطلاً قبل ذلك لم يحتج

الى ذلك، قال شيخنا وذكر أصحابنا الروايتين في كل أمة يطؤها من غير تفريق بين الآيسة وغيرها والأولى ان ذلك لا يجب في الآيسة لأن علة الوجوب احتمال الحمل وهو وهم بعيد والأصل عدمه فلا يثبت به حكم بمجرده. (فصل) إذا اشترى جارية فظهر بها حمل لم يخل من أحوال خمسة (أحدهما) أن يكون البائع أقر بوطئها عند البيع أو قبله وأتت بولد لدون ستة أشهر أو يكون البائع ادعى الولد فصدقه المشتري فإن الولد يكون للبائع والجارية أم ولد له والبيع باطل (والثاني) أن يكون أحدهما استبرأها ثم أتت بولد لأكثر من ستة أشهر من حين وطئها المشتري فالولد للمشتري والجارية أم ولد له (الحال الثالث) أن تأتي به لأكثر من ستة أشهر بعد استبراء أحدهما لها ولأقل من ستة أشهر منذ وطئها المشتري فلا يلحق نسبه بواحد منهما، يكون ملكاً للمشتري ولا يملك فسخ البيع لأن الحمل تجدد في ملكه ظاهراً فإن ادعاه كل واحد منهما فهو للمشتري لأنه ولد في ملكه مع احتمال كونه منه، وإن ادعاه البائع وحده فصدقه المشتري لحقه وكان البيع باطلاً وإن كذبه فالقول قول المشتري في ملك الولد لأن الملك انتقل إليه ظاهراً فلا تقبل دعوى البائع فيما يبطل حقه كما لو أقر بعد البيع أن الجارية مغصوبة أو معتقة وهل يثبت نسب الولد مع البائع؟ فيه وجهان (أحدهما) يثبت لأنه نفع للولد من غير ضرر على المشتري فيقبل قوله فيه كما لو أقر لولده بمال (والثاني) لا يقبل لأن فيه ضرراً على المشتري فإنه لو أعتقه كان أبوه أحق بماله منه ميراثاً وكذلك لو أقر عبد أن كل واحد منهما بأخوة صاحبه لم يقبل إلا ببينة

(الحال الرابع) أن تأتي به بعد ستة أشهر منذ وطئها المشتري وقبل استبرائها فنسبه لاحق بالمشتري فإن ادعاه البائع فأقر له المشتري لحقه وبطل البيع وإن كذبه فالقول قول المشتري، وإن ادعى كل واحد منهما أنه من الآخر عرض على القافة فألحق بمن ألحقته به لحديث عبد الرحمن بن عوف ولأنه يحتمل أن يكون من كل واحد منهما فإن ألحقته بهما لحق بهما وينبغي أن يبطل البيع فتكون الجارية أم ولد للبائع لأنا نتبين أنها كانت حاملاً منه قبل بيعها. (الحال الخامس) أتت به لأقل من ستة أشهر منذ باعها ولم يكن أقر بوطئها فالبيع صحيح في الظاهر والولد مملوك للمشتري فإن ادعاه البائع فالحكم فيه كما ذكرنا في الحال الثالث سواء (الموضع الثالث) إذا أعتق أم ولده أو أمته التي كان يصيبها أو مات عنها لزمها الاستبراء لأنها صارت فراشاً له فلم تحل لغيره قبل استبرائها لئلا يفضي إلى اختلاط المياه واشتباه الأنساب إلا أن تكون مزوجة أو معتدة فلا يلزمها استبراء وإذا زوج أم ولده ثم مات عتقت ولم يلزمها استبراء لأنها محرمة على المولى وليست له فراشاً وإنما هي فراش للزوج فلم يلزمها الاستبراء ممن ليست له فراشاً ولأنه لم يزوجها حتى استبرأها فان لا يحل له تزويجها قبل استبرائها، وفيه خلاف ذكرناه، وكذلك إن أعتقها أو مات عن أمه كان يطؤها أو أعتقها فهي على ما ذكرنا، فإن زوجها فطلقها الزوج قبل دخوله بها فلا عدة عليها أيضاً لأنه لم يوجد في حقها ما يوجب الاستبراء فإن طلقها بعد المسيس أو مات عنها قبل ذلك أو بعده فلها عدة حرة كاملة ولأنها قد صارت حرة في حال وجوب العدة عليها، وإن مات سيدها وهي في عدة الزوج

عتقت ولم يلزمها استبراء لما ذكرناه ولأنه زال فراشه عنها قبل موته فلم يلزمها استبراء من أجله كغير أم الولد إذا باعها ثم مات وتبنى على عدة أمة إن كان طلاقها بائناً وكانت متوفى عنها وإن كانت رجعية بنت على عدة حرة على ما ذكرناه، وإن بانت من الزوج قبل الدخول بطلاق أو بانت بموت زوجها أو طلاقه بعد للدخول فأتمت عدتها ثم مات سيدها فعليها الاستبراء لأنها عادت إلى فراشه وقال أبو بكر لا يلزمها استبراء لا أن يردها السيد إلى نفسه لأن فراشه قد زال بتزويجها ولم يتجدد لها ما يردها إليه فأشبهت الأمة التي لم يطأها. (مسألة) (وإن مات زوجها وسيدها ولم يعلم السابق منهما وبين موتهما أقل من شهرين وخمسة أيام لزمها بعد موت الآخر منهما عدة الوفاة حسب وليس عليها استبراء) لأن السيد إن كان مات أولاً فقد مات وهي زوجة وإن كان مات آخراً فقد مات وهي معتدة وليس عليها استبراء في هاتين الحالتين وعليها أن تعتد بعد موت الآخر منهما عدة حرة لأنه يحتمل أن سيدها مات أولاً ثم مات زوجها وهي حرة فلزمتها عدة الحرائر لتخرج من العدة بيقين وكذلك على قول أبي بكر لأنه ليس عليها عدة استبراء لأن فراش سيدها قد زال عنها ولم تعد إليه فتلزمها عدة حرة لما ذكرنا. (مسألة) (وإن كان بينهما أكثر من ذلك أو جهلت المدة فعليها بعد موت الآخر منهما أطول

مسألة وإن مات زوجها وسيدها ولم يعلم السابق منهما وبين موتهما أقل من شهرين وخمسة أيام لزمها بعد موت

الأجلين من أربعة أشهر وعشر واستبراء بحيضة) لأنه يحتمل أن السيد مات أولاً فيكون عليها عدة الحرة من الوفية ويحتمل أنه مات آخراً بعد انقضاء عدتها من الزوج وعودها إلى فراشه فوجب الجمع بينهما ليسقط الفرض بيقين قال ابن عبد البر وعلى هذا جميع القائلين من العلماء بأن عدة أم الولد من سيدها حيضة ومن زوجها شهران وخمس ليال وقول أصحابنا الشافعي في هذا الفصل كقولنا وكذلك قول أبي حنيفة وأصحابه إلا أنهم جعلوا مكان الحيضة ثلاث حيضات بناء علي أصلهم في استبراء أم الولد وقال ابن المنذر حكمها حكم الإماء وعليها شهران وخمسة أيام ولا أنقلها إلى حكم الحرائر الا باحاطة أن لزوج مات بعد المولى وقيل إن هذا قول أبي بكر عبد العزيز أيضاً والذي ذكرناه أحوط (فصل) فأما الميراث فإنها لا ترث من زوجها شيئاً لأن الأصل الرق والحرية مشكوك فيها فلم ترث مع الشك والفرق بين العدة والإرث إن إيجاب العدة عليها استظهار لا ضرر فيه على غيرها وإيجاب الإرث إسقاط لحق غيرها ولأن الأصل تحريم النكاح عليها فلا يزول إلا بيقين والأصل عدم الميراث لها فلا يزول إلا بيقين فان قيل أليس زوجة المفقود لو مات وقف ميراثه مع الشك في إرثه؟ قلنا الفرق بينهما أن الأصل ههنا الرق والشك في زواله وحدوث الحال التي يرث فيها والمفقود الأصل حياته والشك في موته وخروجه عن كونه وارثاً فافترقا. (فصل) فإن اعتق أم ولده أو أمته التي كان يصيبها أو غيرهما ممن تحل له إصابتها ثم أراد أن يتزوجها فله ذلك في الحال من غير استبراء لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعتق صفية وتزوجها وجعل عتقها صداقها وقال صلى الله عليه وسلم " ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين رجل كانت له أمة فأدبها فأحسن تأديبها وعلمها فأحسن

تعليمها ثم أعتقها وتزوجها، ولم يذكر استبراء ولأن الاستبراء لصيانة مائه وحفظ نسبه عن الاختلاط بماء غيره ولا يصان ماؤه عن مائه ولهذا كان له أن يتزوج مختلفة في عدتها. وقد روي عن أحمد في الأمة التي لا يطؤها: إذا أعتقها لا يتزوجها بغير استبراء، لأنه لو باعها لم تحل للمشتري بغير استبراء، والصحيح أنها لا تحل له لأنه يحل له وطؤها بملك اليمين فكذلك بالنكاح كالتي كان يصيبها ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أعتق صفية وتزوجها ولم يقل أنه كان قد اصابها، والحديث الآخر يدل على حلها له بظاهره لدخولها في العموم ولأنها تحل لمن يتزوجها سواه فله أولى ولأنه لو استبرأها ثم أعتقها ثم تزوجها في الحال كان جائزاً حسناً فكذلك هذه فإنه تارك لوطئها ولأن وجوب الاستبراء في حق غيره إنما كان لصيانة مائه عن الاختلاط بغيره ولا يوجد ذلك ههنا وكلام أحمد محمول على من استبرأها ثم تزوجها قبل استبرائها. (فصل) إذا كانت له أمة يطؤها فاستبرأها ثم أعتقها لم يلزمها استبراء لأنها خرجت عن كونها فراشاً باستبرائها وإن باعها فأعتقها المشتري قبل وطئها لم تحتج إلى استبراء لذلك وإن باعها قبل استبرائها فأعقتها المشتري قبل وطئها واستبرائها فعليها استبراء نفسها فإن مضى بعض الاستبراء في ملك المشتري لزمها إتمامه بعد عتقها ولا ينقطع بانتقال الملك فيها لأنها لم تصر فراشاً للمشتري ولم يلزمها استبراء بإعتاقه (مسألة) (وإن اشترك رجلان في وطئ أمة لزمها استبراءان) وقال أصحاب الشافعي في أحد الوجهين يلزمها استبراء واحد لأن القصد معرفة براءة الرحم ولذلك لا يجب استبراء بأكثر من حيضة واحدة وبراءة الرحم تعلم باستبراء واحد ولنا أنهما حقان مقصودان لآدميين فلم يتداخلا كالعدتين ولأنهما استبراءان من رجلين فأشبها العدتين وما ذكروه يبطل بالعدتين من رجلين (فصل) قال شيخنا رحمه الله (والاستبراء يحصل بوضع الحمل إن كانت حاملاً)

مسألة وإن اشترك رجلان في وطء أمة لزمها استبراءان

ولا خلاف في ذلك بحمد الله لقول الله تعالى (وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) وقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا توطأ حامل حتى تضع حملها " ولأن عدة الحرة والأمة والمتوفى عنها والمطلقة واستبراء كل أمة إذا كانت حاملاً بوضع حملها ولأن المقصود من العدة والاستبراء معرفة براءة الرحم من الوضع وهذا يحصل بوضعه ومتى كانت حاملاً بأكثر من واحد فلا ينقضي استبراؤها حتى تضع آخر حملها على ما ذكرناه في المعتدة (مسألة) (أو بحيضة إن كانت ممن تحيض) وقد اختلف أهل العلم في أم الولد مات عنها سيدها ولم تكن حاملاً فالمشهور عن أحمد أن استبراءها يحصل بحيضة روى ذلك عن ابن عمر وعثمان وعائشة والحسن والشعبي والقاسم بن محمد وأبي قلابة ومالك والشافعي وأبي ثور وروى عن أحمد أنها تعتد عدة الوفاة أربعة أشهر وعشراً، وهو قول سعيد بن المسيب وابن سيرين وسعيد بن جبير ومجاهد وخلاس بن عمرو وعمر بن ابن عبد العزيز والزهري والاوزاعي واسحاق لما روي عن عمرو بن العاص أنه قال لا تفسدوا علينا سنة نبينا صلى الله عليه وسلم عدة أم الولد إذا توفي عتدها سيدها أربعة أشهر وعشر رواه أبو داود ولأنها حرة تعتد للوفاة فكانت عدتها أربعة أشهر وعشر كالزوجة الحرة. وحكى أبو الخطاب رواية ثالثة أنها تعتد شهرين وخمسة أيام. قال شيخنا ولم أجد هذه الرواية عن أحمد في الجامع ولا أظنها صحيحة عن أحمد وروي ذلك عن عطاء وطاوس وقتادة لأنها حين الموت أمة فكانت عدتها عدة أمه كما لو مات رجل عن زوجته الأمة فعتقت بعد موته ويروى عن علي وابن مسعود وعطاء والنخعي والثوري وأصحاب الرأي إن عدتها ثلاث حيض لانها حرة تستبرئ فكان استبراؤها ثلاث حيض كالحرة المطلقة ولنا أنه استبراء لزوال الملك عن الرقبة فكان حيضة في حق من تحيض كسائر استبراء المعتقات والمملوكات ولأنه استبراء الغير لزوجات والموطوءات فأشبه ما ذكرنا قال القاسم بن محمد سبحان الله يقول الله تعالى في كتابه (والذين يتوفون منكم ويذرون ازواجا) ما هن بأزواج وأما حديث عمرو بن

مسألة أو بحيضة إن كانت ممن تحيض

العاص فضعيف قال إبن المنذر ضعف احمد وأبو عبيد حديث عمرو بن العاص وقال محمد بن موسى سألت أبا عبد الله عن حديث عمرو بن العاص فقال لا يصح وقال الميموني رأيت أبا عبد الله يعجب من حديث عمرو بن العاص هذا ثم قال أين سنة النبي صلى الله عليه وسلم عليه وسلم في هذا؟ وقال أربعة شهر وعشر إنما هي عدة الحرة من النكاح وإنما هذه امة خرجت من الرق إلى الحرية ويلزم من قال بهذا أن يورثها وليس لقول من قال تعتد بثلاث حيض وجه وإنما تعتد بذلك المطلقة وليست هذه مطلقة ولا في معنى المطلقة وأما قياسهم إياها على الزوجات فلا يصح فإنها ليست زوجة ولا في حكم لزوجة ولا مطقة ولا في حكم المطلقة (فصل) ولا يكفي في الاستبراء طهر ولا بعض حيضة وهو قول أكثر أهل العلم وقال بعض أصحاب مالك متى طعنت في الحيضة فقد تم استبراؤها وزعم أنه مذهب مالك وقال الشافعي في أحد قوليه يكفي طهر واحد إذا كان كاملاً وهو أن يموت في حيضها فإذا رأت الدم من الحيضة الثانية وتم استبراؤها وهكذا الخلاف في الاستبراء كله وبنوا هذا على أن القروء الأطهار وهذا يرده قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تستبرأ بحيضة " وقال رويفع بن ثابت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم خيبر " من كان يؤمر بالله واليوم الآخر فلا يطأ جارية من السبي حتى يستبرئها بحيضة " رواه الأثرم وهذا صريح فلا يعول على ما خالفه ولأن الواجب الذي يدل على البراءة هو الحيض لأن الحامل لا تحيض فأما الطهر فلا دلالة فيه على البراءة فلا يجوز أن يعول في الاستبراء على ما لا دلالة فيه عليه دون ما يدل عليه وبناؤهم قولهم هذا على أن القروء الاطهار وبناء للخلاف على الخلاف وليس ذلك بحجة ثم لم يمكنهم بناء هذا على ذاك حتى خالفوه فجعلوا الطهر الذي طلقها فيه قرءاً ولم يجعلوا الطهر الذي مات فيه سيد أم الولد قرءاً فخالفوا الحديث والمعنى فإن قالوا إن بعض الحيضة المقترن بالطهر يدل على البراءة قلنا فيكون الاعتماد حينئذ على بعض الحيضة وليس ذلك قرءاً عند أحد إذا تقرر هذا فمات عنها وهي طاهر فإذا طهرت من الحيضة المستقبلة حلت فإن كانت حائضاً لم تعتد ببقية ملك الحيضة ولكن متى طهرت من الحيضة الثانية حلت لان الاستبراء هذه بحيضة فلا بد من حيضية كاملة (مسألة) (أو يمضي شهر إن كانت آيسة أو صغيرة وعنه بثلاثة أشهر اختارها الخرقي) يروى عن أحمد رحمه الله في ذلك ثلاث روايات (أحدهما) ثلاثة أشهر وهو قول الحسن وابن سيرين والنخعي وأبي قلابة وأحد قولي الشافعي وسأل عمر بن العزيز أهل المدينة والقوابل فقالوا

مسألة أو يمضي شهر إن كانت آيسة أو صغيرة وعنه بثلاثة أشهر اختارها الخرقي

لا تستبرئ الحبلى في أقل من ثلاثة أشهر فأعجبه قولهم، والثانية أنها تستبرأ بشهر وهو قول ثان للشافعي لأن الشهر قائم مقام القرء في حق الحرة والأمة المطلقة فكذلك في الاستبراء وذكر القاضي رواية ثالثة أنها تستبرأ بشهرين كعدة الامة المطلقة قال شيخنا ولم ار لذلك وجهاً ولو كان استبراؤها بشهرين لكان استبراء ذات القرء بقرأين ولم نعلم به قائلاً وقال سعيد بن المسيب وعطاء والضحاك والحكم في الأمة التي لا تحيض تسبترأ بشهر ونصف ورواه حنبل عن أحمد أنه قال. قال عطاء إن كانت لا تحيض فخمس وأربعون ليلة قال عمي كذلك اذهب لأن عدة الأمة المطلقة الآيسة كذلك والمشهور عن أحمد الأول قال أحمد بن القسم قلت لأبي عبد الله كيف جعلت ثلاثة اشهر مكان حيضة وإنما جعل الله في القرآن مكان كل حيضة شهراً؟ فقال إنما قلنا أشهر من أجل الحمل فإنه لا يبين في أقل من ذلك فإن عمر بن العزيز سأل عن ذلك وجمع أهل العلم والقوابل فأخبروا أن الحمل لا يتبين في أقل من ثلاثة أشهر فأعجبه ذلك ثم قال إلا تسمع قول ابن مسعود إن النطفة أربعين يوما ثم علقه أربعين يوما ثم مضغة بعد ذلك قال أبو عبد الله فإذا خرجت الثمانون صار بعدها مضغة وهي لحم فتبين حينئذ وقال لي هذا معروف عند النساء فاما شهر فلا معنى فيه ولا نعلم به قائلاً ووجه استبرائها بشهر أن الله تعالى جعل الشهر مكان الحيضة وكذلك اختلفت الشهور باختلاف الحيضات فكانت عدة الحرة الآيسة ثلاثة اشهر مكان ثلاثة قروء وعدة الأمة شهرين مكان قرأين وللأمة المستبرأة التي ارتفع حيضها لا تدري ما رفعه عشرة أشهر تسعة للحمل وشهر مكان الحيضة فيجب ان يكون مكان الحيضة ههنا شهراً كما في حق من ارتفع حيضها فإن قيل فقد وجدتم ما دل على البراءة وهو تسعة أشهر قلنا وههنا ما يدل على البراءة وهو الإياس فاستويا (مسألة) (ومن ارتفع حيضها لا تدري ما رفعه اعتدت بتسعة أشهر للحمل وشهر مكان الحيضة) وفي هذه المسألة روايتان: (إحداهما) أنها تستبرأ بعشرة أشهر (والثانية) بسنة، تسعة أشهر للحمل لأنه غالب عادات النساء في الحمل، وثلاثة أشهر مكان الثلاثة التي تستبرأ بها الآيسات وقد ذكرنا أن المختار عند أحمد في الآيسة استبراؤها بثلاثة أشهر واختار ههنا أن جعل مكان

مسألة ومن ارتفع حيضها لا تدري ما رفعه اعتدت بتسعة أشهر للحمل وشهر مكان الحيض

الحيضة شهراً لأن اعتبار تكرارها في الآيسة لنعلم براءتها من الحمل وقد علمت براءتها منه ههنا بمضي غالب مدته فجعل الشهر مكان الحيضة على وفق القياس، فأما إن علمت ما رفع حيضها من مرض أو غيره فإنها لا تزال في الاستبراء حتى يعود الحيض فتستبرئ نفسها بحيضة إلا أن تصير آيسة فتستبرئ نفسها استبراء الآيسات فإن ارتابت بنفسها فهي كالحرة المستبرئة وقد ذكرنا حكمها في العدد والله سبحانه وتعالى أعلم كتاب الرضاع الأصل في التحريم بالرضاع الكتاب والسنة والإجماع أما الكتاب فقول الله سبحانه وتعالى (وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة) ذكرهما الله سبحانه في جملة المحرمات وأما السنة فما روت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إن الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة " متفق عليه وفي لفظ " يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب " رواه النسائي وعن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في بنت حمزة " لا تحل لي يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب وهي ابنة أخي من الرضاعة " متفق عليه في أخبار كثيرة نذكر أكثرها في تضاعيف الباب إن شاء الله تعالى وأجمع علماء الأمة على التحريم بالرضاع إذا ثبت ذلك فإن تحريم الأم والاخت ثبت بنص الكتاب وتحريم البنت بالبينة فإنه إذا حرمت الأخت فالبنت أولى وسائر المحرمات ثبت تحريمهن بالسنة وتثبت المحرمية لأنها فرع على التحريم إذا كان

كتاب الرضاع

بسبب مباح وأما بقية أحكام النسب من النفقة والإرث والعتق ورد الشهادة وغير ذلك فلا يتعلق به لأن النسب أقوى منه فلا يقاس عليه في جميع أحكامه وإنما شبه به فيما نص عليه فيه (مسألة) (إذا حملت المرأة من رجل ثبت نسب ولدها منه فثاب لها لبن فارضعت به طفلاً صار ولداً لهما في تحريم النكاح وإباحة النظر والخلوة وثبوت المحرمية وأولاده وإن سلفوا أولاد أولادهما وصار أبويه وآباؤهما أجداده وجداته وإخوة المرأة وأخواتها أخواله وخالاته وإخوة الرجل وأخواته أعمامه وعماته وتنتشر حرمة الرضاع من المرتضع إلى أولاده وأولاد أولاده وإن سفلوا فيصيرون أولاداً لهما) وجملة ذلك أن المرأة إذا حملت من رجل يثبت نسب ولدها منه وثاب لها منه لبن فارضعت به طفلاً رضاعاً محرماً صار الطفل المرضع ابناً للمرضعة بغير خلاف وصار أيضاً ابناً لمن نسب الحمل إليه فصار في التحريم وإباحة النظر والخلوة ولداً لهما وأولاده من البنين والبنات وأولاد أولادهما وإن نزلت درجتهم وجميع أولاد المرأة المرضعة من زوجها ومن غيره وجميع أولاد الرجل الذي نسب الحمل إليه من المرضعة وغيرها إخوة المرتضع وأخواته وأولاد أولادهما أولاد إخوته وأخواته وإن نزلت درجتهم وأم المرضعة جدته وأبوها جده وإخوتها أخواله وأخواتها خالاته وأبو الرجل جده وأمه جدته واخوته أعمامه وأخواته عماته وجميع أقاربهما ينسبون إلى المرتضع كما ينسبون إلى ولدهما من النسب لأن اللبن الذي ثاب للمرأة مخلوق من ماء الرجل والمرأة فنشر التحريم أليهما ونشر الحرمة إلى الرجل وإلى

أقاربه وهو الذي يسمى لبن الفحل وفي التحريم به اختلاف ذكر في باب المحرمات في النكاح، والحجة فيه ما روت عائشة أن أفلح أخا أبي القعيس استأذن علي بعد ما أنزل الحجاب فقلت والله لا آذن له حتى استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله إن الرجل ليس هو أرضعني ولكن أرضعتني المرأة فقال " ائذني له فإنه عمك تربت يمينك " قال عروة فبذلك كانت عائشة تأخذ بقول " حرموا من الرضاع ما تحرموا من النسب " متفق عليه وسئل ابن عباس عن رجل تزوج امرأتين فأرضعت إحداهما جارية والأخرى غلاماً هل يتزوج الغلام الجارية؟ فقال لا اللقاح واحد. قال مالك اختلف قديماً في الرضاعة من قبل الأب ونزل برجال من أهل المدينة في أزواجهم منهم محمد بن المنكدر وابن أبي حبيبة فاستفتوا في ذلك فاختلف عليهم ففارقوا زوجاتهم، فأما الولد المرتضع فإن الحرمة تنتشر إليه وإلى أولاده وإن نزلوا (مسألة) (ولا ينتشر إلى من في درجته من إخوته وأخواته ولا من هو أعلى منه من آبائه وأمهاته وأعمامه وعماته وأخواله وخالاته فلا تحرم المرضعة على أبي المرتضع ولا أخيه، ولا تحرم أم المرتضع ولا أخته على أبيه من الرضاع ولا أخيه فيجوز للمرضعة نكاح أبي الطفل المرتضع وأخيه وعمه وخاله، ولا يحرم على زوج المرضعة نكاح أم الطفل المرتضع ولا أخته ولا عمته ولا خالته، ولا بأس أن يتزوج أولاد المرضعة وأولاد زوجها إخوة الطفل المرتضع وأخواته)

مسألة ولا ينتشر إلى من في درجته من إخوته وأخواته ولا من هو أعلى منه من آبائه وأمهاته وأعمامه وعماته

قال أحمد لا بأس أن يتزوج الرجل أخت أخيه من الرضاع ليس بينهما رضاع ولا نسب وإنما الرضاع بين الجارية وأخيه (مسألة) (وإن أرضعت بلبن ولدها من الزنا طفلاً صار ولداً لها وحرم على الزاني تحريم المصاهرة ولم تثبت حرمة الرضاع في حقه في قول الخرقي وقال أبو بكر تثبت) قال أبو الخطاب وكذلك الولد المنفي باللعان الذي ذكره شيخنا في الكتاب المشروح أن من شرط ثبوت الحرمة بين المرتضع وبين الرجل الذي ثاب اللبن بوطئه أن يكون لبن حمل ينسب إلى الواطئ كالوطئ في نكاح أو وطئ يملك يمين أو شبهة، فأما لبن الزاني والولد المنفي باللعان فلا ينشر الحرمة بينهما في مفهوم كلام الخرقي وهو قول ابن حامد ومذهب الشافعي، وقال أبو بكر عبد العزيز ينشر الحرمة بينهما لأنه معنى ينشر الحرمة فاستوى فيه مباحة ومحظورة كالوطئ، يحققه ان الوطئ حصل منه لبن وولد ثم إن الولد ينشر الحرمة بينه وبين الواطئ كذلك اللبن، ولأنه رضاع ينشر الحرمة إلى المرضعة فينشرها إلى الواطئ كصورة الإجماع، ووجه القول الأول أن التحريم بينهما فرع لحرمة الأبوة فلما لم تثبت حرمة الأبوة لم يثبت ما هو فرع لها، ويفارق تحريم ابنته من الزنا لأنها من نطفته حقيقة بخلاف مسئلته، ويفارق تحريم المصاهرة فإن التحريم ثم لا يقف على ثبوا النسب ولهذا تحرم أم زوجته وابنتها من غير نسب وتحريم الرضاع مبني على النسب ولهذا قال عليه الصلاة السلام " يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب "

مسألة وإن أرضعت بلبن ولدها من الزنا طفلا صار ولدا لها وحرم على الزاني تحريم المصاهرة ولم تثبت حرمة

وقال أبو الخطاب في الولد المنفي باللعان انه في تحريم الرضاع على الملاعن كتحريم ولد الزنا على الزاني، قال شيخنا ويحتمل أن لا يثبت حكم الرضاع في حق الملاعن بحال لأنه ليس بولده حقيقة ولا حكماً، فأما المرضعة فإن الطفل المرتضع محرم عليها ومنسوب إليها عند الجميع وكذلك يحرم جميع أولادها واقاربها الذين يحرمون على أولادها على هذا المرتضع كما في الرضاعة باللبن المباح، وإن كان المرتضع جارية حرمت على الملاعن بغير خلاف أيضاً لانها ريبته فإنها بنت امرأته من الرضاع وتحرم على الزاني عند من برى تحريم المصاهرة وكذلك تحريم بناتها وبنات المرضع من العلماء كذلك (مسألة) (وإن وطئ رجلان امرأة بشبهة فأتت بولد فأرضعت بلبنه طفلاً صار ابناً لمن يثبت نسب المولود منه سواء ثبت بالقافة أو بغيرها) لأن تحريم الرضاع فرع على ثبوت النسب وإن ألحق بهما كان المرتضع ابناً لهما لأن المرتضع في كل موضع تبع للمناسب فمتى لحق المناسب بشخص فالمرتضع مثله وإن لم يلحق بواحد منهما ثبت التحريم بالرضاع في حقهما وإذا لم يثبت نسبه منهما لتعذر القافة أو لاشتباهه عليهم أو نحو ذلك حرم عليهما تغليباً للحظر فإنه يحتمل أن يكون منهما ويحتمل أن يكون ابن أحدهما فيحرم عليه أقاربه دون أقارب

مسألة وإن وطىء رجلان امرأة بشبهة بولد فأرضعت بلبنه طفلا صار ابنا لمن يثبت نسب المولود منه سواء ثبت

الآخر فقد اختلطت اخته بغيرها فحرم الجميع كما لو علم أخته بعينها ثم اختطلت بأجنبيات، وإن انتفى عنهما جميعاً بأن تأتي به لدون ستة أشهر من وطئهما أو لأكثر من أربع سنين من وطئ الآخر انتفى المرتضع عنهما ايضاً، فإن كان المرتضع جارية حرمت عليهما تحريم المصاهرة وتحرم أولادهما عليهما أيضاً لأنها ابنة موطوءتهما فهي ابنة لهما (مسألة) (وإن ثاب لامرأة لبن من غير حمل تقدم لم ينشر الحرمة نص عليه في لبن البكر وعنه ينشرها ذكرها ابن أبي موسى) قال شيخنا والظاهر أنه قول ابن حامد ومذهب مالك والثوري والشافعي وأبي ثور وأصحاب الرأي وابن المنذر لقول الله تعالى (وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم) ولأنه لبن امرأة فتعلق به التحريم كما لو ثاب بوطئ ولأن ألبان النساء خلقت لغذاء الأطفال وإن كان هذا نادراً فجنسه معتاد (والرواية الثانية) لا ينشر الحرمة لأنه نادر لم تجر العادة به لتغذية الأطفال فأشبه لبن الرجال والأول أصح (مسألة) (ولا ينشر الحرمة غير لبن المرأة فلو ارتضع طفلان من رجل أو بهيمة أو خنثى مشكل لم ينشر الحرمة وقال ابن حامد يوقف أمر الخنثى حتى يتبين أمره) وجملة ذلك أن ابنين لو ارتضعا من بهيمة لم يصيرا أخوين في قول عامة أهل العلم منهم الشافعي

مسألة وإن ثاب لامرأة لبن من غير حمل تقدم لم ينشر الحرمة نص عليه في لبن البكر وعنه ذكرها ابن أبي موسى

وابن القاسم وأبو ثور وأصحاب الرأي وكذلك لو ارتضعا من رجل لم يصيرا أخوين ولم تنشر الحرمة بينه وبينهما في قول علمتهم وقال الكرابيسي يتعلق به التحريم لأنه لبن آدمي اشبه لبن المرأة، وحكي عن بعض السلف أنهما إذا ارتضعا من لبن بهيمة صارا أخوين وليس ذلك صحيحاً لأن هذا لا يتعلق به تحريم الأمومة فلا يثبت به تحريم الأخوة لأن الأخوة فرع على الأمومة، وكذلك لا يتعلق به تحريم الأبوة ولأن هذا اللبن لم يخلق لغذاء المولود الآدمي فلم يتعلق به التحريم كسائر الطعام، فإن ثاب لخنثى مشكل لبن لم يثبت به التحريم لأنه لم يثبت كونه امرأة فلا يثبت التحريم مع الشك، وقال ابن حامد يقف الأمر حتى ينكشف أمر الخنثى، فعلى هذا يثبت التحريم إلى أن يتقين كونه رجلاً لأنه لا يأمن كونه محرماً (فصل) قال الشيخ رحمه الله (ولا تثبت الحرمة بالرضاع إلا بشرطين) (أحدهما) أن يرتضع في الحولين فلو ارتضع بعدهما بلحظة لم يثبت هذا قول أكثر أهل العلم روي نحو ذلك عن عمر وعلي وابن عمر وابن مسعود وابن عباس وأبي هريرة وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم سوى عائشة وإليه ذهب الشعبي وابن شبرمة والاوزاعي والشافعي واسحاق وأبو يوسف ومحمد وأبو ثور ورواية عن مالك، وروي عنه إن زاد شهراً جاز، وروي شهران وقال أبو حنيفة: يحرم الرضاع في ثلاثين شهراً لقوله سبحانه (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) ولم يرد بالحمل حمل الأحشاء لأنه يكون سنتين فعلم أنه أراد الحمل في الفصال، وقال زفر: مدة الرضاع ثلاث سنين وكانت عائشة رضي الله عنها

ترى رضاعة الكبير تحرم ويروى هذا عن عطاء والليث وداود لما روي أن سهلة بنت سهيل قالت: يا رسول الله إنا كنا نرى سالماً ولداً فكان يأوي معي ومع أبي حذيفة في بيت واحد ويراني فضلاً وقد أنزل الله فيهم ما قد علمت فكيف ترى فيه؟ فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم " أرضيعه " فأرضعته خمس رضعات فكان بمنزلة ولدها فبذلك كانت عائشة تأخذ: تأمر بنات أخواتها وبنات إخوتها يرضعن من أحبت عائشة أن يراها ويدخل عليها وإن كان كبيراً، وأبت ذلك أم سلمة وسائر أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدخل عليهن بتلك الرضاعة أحد من الناس حتى يرضع في المهد وقلن لعائشة والله ما ندري لعلها رخصة من النبي صلى الله عليه وسلم لسالم دون الناس رواه النسائي وأبو داود وغيرهما ولنا قول الله تعالى (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة) فجعل تمام الرضاعة حولين كاملين فيدل على أنه لا حكم لها بعدهما، وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها وعندها رجل فتغير وجه النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله أنه أخي من الرضاع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " انظرن من إخوانكن فإنما الرضاعة من المجاعة " متفق عليه وعن أم سلمة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء وكان قبل الفطام " أخرجه الترمذي وقال حديث حسن صحيح وعند هذا يتعين حمل خبر أبي حذيفة على أنه خاص له دون الناس كما قال سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وقول أبي حنيفة تحكم يخالف ظاهر الكتاب والسنة وقول الصحابة

فقد روينا عن ابن عباس أن المراد بالحمل البطن وبه استدل على أن أقل الحمل ستة أشهر، وقد دل على هذا قول الله تعالى (وفصاله في عامين) فلو حمل على ما قاله أبو حنيفة لكان مخالفاً لهذه الآية: إذا ثبت هذا فالاعتبار بالعامين لا بالفطام فلو فطم قبل الحولين ثم ارتضع فيهما حصل التحريم ولو لم يفطم حتى يجاوز الحولين ثم ارتضع بعدهما قبل الفطام لم يثبت التحريم، وقال ابن القاسم صاحب مالك لو ارتضع بعد الفطام في الحولين لم يحرم لقوله عليه الصلاة والسلام " وكان قبل الفطام " ولنا قوله سبحانه (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين) وروي عنه عليه الصلاة والسلام " لا رضاع إلا ما كان في الحولين " والفطام معتبر بمدته لا بنفسه (مسألة) (فلو ارتضع بعدهما بلحظة لم يثبت التحريم وقال أبو الخطاب إذا ارتضع بعد الحولين بساعة لم يحرم وقال القاضي لو شرع في الخامسة فحال الحول قبل كمالها لم يثبت التحريم) ولا يصح هذا لأن ما وجد من الرضعة في الحولين كاف في التحريم بدليل ما لو انفصل مما بعده فلا ينبغي أن يسقط حكمه باتصال ما لا أثر له به (الثاني) (أن يرتضع خمس رضعات وعنه ثلاث يحرمن وعنه واحدة) الصحيح من المذهب أن الذي يتعلق به التحريم خمس رضعات فصاعداً روي هذا عن عائشة وابن مسعود وابن الزبير وعطاء وطاوس وهو قول الشافعي، وعن أحمد رواية ثانية أن قليل الرضاع يحرم كما يحرم كثيره وروي ذلك عن

مسألة فلو ارتضع بعدهما بلحظة لم يثبت التحريم وقال أبو الخطاب إذا ارتضع بعد الحولين بساعة لم يحرم وقال

علي وابن عباس وبه قال سعيد بن المسيب والحسن ومكحول والزهري وقتادة والحكم وحماد ومالك والاوزاعي والثوري والليث وأصحاب الرأي وزعم الليث أن المسلمين أجمعوا على أن قليل الرضاع وكثيره يحرم في المهد ما يفطر به الصائم، واحتجوا بقول الله تعالى (وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة) وقوله عليه الصلاة والسلام " يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب " وعن عقبة بن الحارث أنه تزوج أم يحيى بنت أبي أهاب فجاءت سوداء فقالت قد أرضعتكما فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال " وكيف وقد زعمت أن قد أرضعتكما؟ " متفق عليه ولأنه فعل يتعلق به تحريم مؤبد فلم يعتبر فيه العدد كحريم أمهات النساء ولا يلزم اللعان لأنه قول (والرواية الثالثة) لا يحرم إلا ثلاث رضعات وبه قال أبو ثور وأبو عبيد وداود وابن المنذر لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا تحرم المصة ولا المصتان " وعن أم الفضل بنت الحارث قالت قال نبي الله صلى الله عليه وسلم " لا تحرم إلا ملاجة ولا الا ملاجتان " رواهما مسلم ولأن ما يعتبر فيه العدد والتكرار يعتبر فيه الثلاث، وروي عن حفصة لا يحرم دون عشر رضعات وروي ذلك عن عائشة لأن عروة روي في حديث سهلة فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا " أرضعيه عشر رضعات فيحرم بلبنها " ولنا ما روى عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: أنزل في القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن فنسخ من ذلك خمس وصار إلى خمس رضعات معلومات يحرمن فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر

على ذلك رواه مسلم، وروى مالك عن الزهري عن عروة عن عائشة عن سهلة بنت سهيل " أرضعي سالماً خمس رضعات " فتحرم بلبنها ولأنها فسرتها السنة وبينت الرضاعة المحرمة وصريح ما رويناه يخص مفهوم ما رووه فيجمع بين الأخبار بحملها على الصريح الذي رويناه (مسألة) (ومتى أخذ الثدي فامتص منه ثم تركه أو قطع فهي رضعة فإن عاد فأخذه فهي رضعة أخرى بعد ما بينهما أو قرب) يشترط أن تكون الرضعات متفرقات، وبه قال الشافعي والمرجع في معرفة الرضعة إلى العرف لأن الشرع ورد به مطلقاً ولم يحدها بزمن ولا مقدار فدل على أنه ردهم إلى العرف فإذا ارتضع الصبي وقطع قطعا بينا باختياره كان ذلك رضعة فإذا عاد كانت رضعة أخرى فأما إن قطع لضيق نفس أو للانتقال من ثدي إلى ثدي أو لشئ يلهيه أو قطعت عليه المرضعة فإن لم يعد قريباً فهي رضعة فإن عاد في الحال ففيه وجهان (أحدهما) أن الأول رضعة فإذا عاد فهي رضعة أخرى وهذا اختيار أبي بكر وظاهر كلام أحمد في رواية حنبل فإنه قال أما ترى الصبي يرضع من الثدي فإذا أدركه النفس أمسك عن الثدي ليتنفس ويستريح؟ فإذا فعل ذلك فهي رضعة وذلك لأن الأولى رضعة لو لم يعد فكانت رضعة وإن عاد كما لو قطع باختياره

مسألة ومتى أخذ الثدني فامتص منه ثم تركه أوقطع عليه فهي رضعة فإن عاد فأخذه فهي رضعة أخرى بعد ما

(والوجه الآخر) ان جميع ذلك رضعة وهو مذهب الشافعي إلا فيما إذا قطعت عليه المرضعة ففيه وجهان لأنه لو حلف لا أكلت اليوم إلا أكلة واحدة فاستدام الأكل زمناً أو قطع لشرب ماء أو انتقال من لون إلى لون أو انتظار لما يحمل إليه من الطعام لم يعد إلا أكلة واحدة فكذا ههنا والأولى أولى لأن اليسير من السعوط والوجور رضعة فكذا هذا، وقال ابن حامد إن قطع لعارض وعاد في الحال فهي رضعة وإن تباعدوا وانتقل من امرأة إلى أخرى فهما رضعتان كما ذكرنا في الأكل (مسألة) (والسعوط والوجور كالرضاع في إحدى الروايتين) السعوط أن يصيب في أنفه اللبن من إناء أو غيره فيدخل والوجور أن يصيب في حلقه من غير الثدي) واختلفت الرواية في التحريم بها فأصبح الروايتين أن التحريم يثبت بهما كما يثبت بالرضاع، وهو قول الشعبي والثوري وأصحاب الرأي وبه قال مالك في الوجور (والثانية) لا يثبت التحريم بهما وهو اختيار أبي بكر ومذهب داود وعطاء الخراساني في السعوط لأن هذا ليس برضعا وإنما حرم الله تعالى ورسوله بالرضاع، ولأنه حصل من غير ارتضاع فأشبه مال وحصل من جرح في بدنه ولنا ما روى ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم " لا رضاع إلا ما أنشز العظم وأنبت اللحم " رواه أبو داود ولأن هذا يصل إليه اللبن كما يصل بالارتضاع ويحصل به من إنبات اللحم وإنشاز العظم ما يحصل بالرضاع فيجب أن يساويه في التحريم والأنف سبيل لفطر الصائم فكان سبيلاً للتحريم كالرضاع بالفم

مسألة والسعوط والوجور كالرضاع في إحدى الروايتين

(فصل) وإنما يحرم من ذلك كالذي يحرم بالرضاع وهو خمس في الرواية المشهورة فإنه فرع على الرضاع فيأخذ حكمه فإن ارتضع دون الخمس وكمل الخمس بسعوط ووجور أو أسعط وأوجر وكمل الخمس برضاع ثبت التحريم لأنا جعلناه كالرضاع في أصل التحريم فكذلك في إكمال العدد ولو حلب في إناء لبناً دفعة واحدة ثم سقى الغلام في خمسة أوقات فهو خمس رضعات فإنه لو أكل من طعام خمس دفعات متفرقات لكان قد أكل خمس أكلات وإن حلب في إناء خمس حلبات في خمسة أوقات ثم سقي دفعة واحدة كان رضعة واحدة كما لو جعل الطعام في إناء واحد في خمسة أوقات ثم أكله دفعة واحدة كان أكلة واحدة، وحكي عن الشافعي في الصورتين عكس ما قلناه اعتباراً بخروجه من المرأة لأن الاعتبار بالرضاع والوجور فرعه ولنا أن الاعتبار بشرب الصبي له لأنه المحرم ولهذا يثبت التحريم به من غير رضاع، ولو ارتضع بحيث يصل إلى فيه ثم مجه لم يثبت التحريم فكان الاعتبار به وما وجد منه إلا دفعة واحدة فكان رضعة واحدة وإن سقاه في أوقات فقد وجد في خمسة أوقات فكان خمس رضعات فأما إن سقاه اللبن المجموع جرعة بعد جرعة متتابعة، فظاهر قول الخرقي أنه رضعة واحدة لأن المعتبر في الرضعة العرف وهم لا يعدون هذا رضعات فأشبه ما لو أكل الطعام لقمة بعد لقمة فإنه لا يعد أكلات ويحتمل أن يخرج على ما إذا قطعت عليه المرضعة الرضاع على ما قدمناه

(فصل) فإن عمل اللبن جبناً ثم أطعمه الصبي ثبت به التحريم، وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا يحرم به لزوال الإسم، وكذلك على الرواية التي نقول لا يثبت التحريم بالوجور لا يثبت ههنا بطريق الأولى. ولنا أنه واصل من الحلق يحصل به إنبات اللحم وإنشاز العظم فحصل به التحريم كما لو شربه (مسألة) (ويحرم لبن الميتة واللبن المشوب ذكره الخرقي وقال أبو بكر لا يثبت التحريم بهما) المنصوص عن أحمد في رواية إبراهيم الحربي في لبن الميتة أنه ينشر الحرمة، وهو اختيار أبي بكر وقول أبي ثور والاوزاعي وابن القاسم وأصحاب الرأي وابن المنذر وقال أبو بكر الخلال لا ينشر الحرمة وتوقف عنه أحمد في رواية مهنا، وهو مذهب الشافعي لأنه لبن ممن ليس هو بمحل للولادة فلم يتعلق به التحريم كلبن الرجل ولنا أنه وجد الرضاع على وجه يثبت اللحم وينشز العظم من امرأة فأثبت التحريم كحال الحياة ولانه لا فارق بين شربه في حياتها وموتها إلا الحياة والموت أو النجاسة وهذا لا أثر له فإن اللبن لا يموت والنجاسة لا تؤثر كما لو حلب في إناء نجس ولأنه لو حلب منها في حياتها فشربه به بعد موتها لنشر الحرمة وبقاؤه في ثديها لا يمنع ثبوت الحرمة لأن ثديها لا يزيد على الاتاء في عدم الحياة وهي لا تزيد على عظم الميتة في ثبوت النجاسة

مسألة ويحرم لبن الميتة واللبن المشوب ذكره الخرقي وقال أبو بكر لا يثبت التحريم بهما

(فصل) ولو حلبت المرأة لبنها في إناء ثم ماتت فشربه صبي نشر الحرمة في قول كل من جعل الوجور محرماً، وبه قال أبو ثور والشافعي وأصحاب الرأي وذلك لأنه لبن امرأة حلب في حياتها فأشبه ما لو شربه وهي في الحياة. (مسألة) (ويحرم اللبن المشوب) ذكره الخرقي والمشوب المختلط بغيره وسواء اختلط بطعام أو شراب أو غيره في قول الخرقي وبه قال الشافعي وقال أبو بكر قياس قوله أحمد أنه لا يحرم لأنه وجور وقال ابن حامد إن غلب اللبن حرم وإلا فلا وهو قول أبي ثور والمزني لأن الحكم للأغلب ولأنه يزول بذلك الإسم والمعنى، ونحوه قول أصحاب الرأي وزادوا فقالوا إن كانت النار مست اللبن حتى أنضجت الطعام أو حتى تغير فليس برضاع ووجه الأول أن اللبن متى كان ظاهرا فقد حصل شربه ويحصل به إنبات اللحم وإنشاز العظم فحرم كما لو كان غالباً وهذا فيما إذا كانت صفات اللبن باقية فأما إن صب في ماء كثير لم يتغير به لم يثبت به التحريم لأن هذا ليس بمشوب ولا يحصل به التغذي ولا إنبات اللحم وإنشاز العظم، وحكي عن القاضي أن التحريم يثبت به وهو قول الشافعي لأن أجزاء اللبن حصلت في بطته أشبه ما لو كان لونه ظاهراً ولنا أن هذا ليس برضاع ولا في معناه فوجب أن لا يثبت حكمه فيه (فصل) فإن حلب من نسوة وسقي الصبي فهو كما لو ارتضع من كل واحدة منهن لأنه لو شيب

مسألة ويحرم اللبن المشوب

بماء أو عسل لم يخرج عن كونه رضاعاً محرماً فكذلك إذا شيب بلبن آخر (مسألة) (والحقنة لا تنشر الحرمة نص عليه وقال ابن حامد ينشرها) المنصوص عن أحمد أن الحقنة لا تحرم قاله أبو الخطاب وهو مذهب أبي حنيفة ومالك وقال ابن حامد وابن أبي موسى يحرم وهو من مذهب الشافي لأنه سبيل يحصل بالواصل منه الفطر فتعلق به التحريم كالرضاع ولنا أن هذا ليس برضاع ولا يحصل به التغذي فلم ينشر الحرمة كما لو قطر في إحليله ولأنه ليس برضاع ولا في معناه فلم يجز إثبات حكمه ويفارق فطر الصائم فإنه لا يعتبر فيه إثبات اللحم ولا إنشاز العظم وهذا لا يحرم فيه إلا ما أنبت اللحم وأنشز العظم ولأنه وصل اللبن إلى الباطن من غير الحلق أشبه ما لو وصل من جرح. (فصل) قال الشيخ رحمه الله (إذا تزوج كبيرة لم يدخل بها وثلاث صغائر فأرضعت الكبيرة إحداهن في الحولين حرمت الكبيرة على التأبيد وثبت نكاح الصغيرة وعنه ينفسخ نكاحهما) ، إذا تزوج كبيرة وصغيرة فأرضعت الكبيرة الصغيرة قبل دخوله بها فسد نكاح الكبيرة في الحال وحرمت على التأبيد وبه قال الثوري والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي وقال الأوزاعي نكاح الكبيرة ثابت وتنزع منه الصغيرة ولا يصح ذلك فإن الكبيرة صارت من أمهات النساء فتحرم أبداً

مسألة والحقنة لا تنشر الحرمة نص عليه وقال ابن حامد ينشرها

لقول الله (وأمهات نسائكم) ولم يشترط دخوله بها فأما الصغيرة ففيها روايتان (إحداهما) نكاحها ثابت لأنها ربيبة ولم يدخل بأمها فلا تحرم لقول الله (فإن لم تكونوا دخلتهم بهن فلا جناح عليكم) (والرواية الثانية) ينفسخ نكاحها، وهو قول الشافعي وأبي حنيفة لأنهما صارتا إماء وبنتاً واجتمعتا في نكاحه والجمع بينهما محرم فانفسخ نكاحهما كما لو صارتا أختين وكما لو عقد عليهما بعد الرضاع عقداً واحداً ولنا أنه أمكن إزالة الجمع بانفساخ نكاح الكبيرة وهي أولى به لأن نكاحها محرم على التأبيد فلم يبطل نكاحهما به كما لو ابتدأ العقد على أخته وأجنبية ولأن الجمع طرأ على نكاح الأم والبنت فاختص الفسخ بنكاح الأم كما لو أسلم وتحته امرأة وبنتها وفارق الأختين لأنه ليست إحداهما أولى بالفسخ من الأخرى وفارق ما لو ابتدأ العقد عليهما لأن الدوام أقوى من الابتداء (مسألة) (وإن أرضعت اثنتين منفردتين انفسخ نكاحهما على الرواية الأولى وعلى الثانية ينفسخ نكاح الأولى ويثبت نكاح الثانية) أما انفساخ نكاح الصغيرتين فلأنهما صارتا أختين واجتمعتا في الزوجية فينفسخ نكاحهما كما لو

مسألة وإن أرضعت اثنتين منفردتين انفسخ نكاحهما على الرواية الأولى وعلى الثانية ينفسخ نكاح الأولى ويثبت

أرضعتها معاً، وهذا على الرواية الأولى التي تقول ينفسخ نكاح الكبيرة وحدها فأما على الرواية التي تقول ينفسخ نكاحهما معاً فإنه يثبت نكاح الأخيرة من الصغيرتين لأن الكبيرة لما أرضعت الصغيرة أولا انفسخ نكاحها ثم أرضعت الأخرى فلم تجتمع معهما في النكاح فلم ينفسخ نكاحها (فصل) إذا أرضعت الصغيرة أجنبية انفسخ نكاحهما أيضاً، وهذا قول أبي حنيفة والمزني وهو أحد قولي الشافعي وقال في الآخر ينفسخ نكاح الأخيرة وحدها لأن سبب البطلان حصل بها وهو الجمع فأشبه ما لو تزوج إحدى الأختين بعد الأخرى ولنا أنه جمع بين الأختين في النكاح فانفسخ نكاحهما كما لو أرضعتهما معاً وفارق ما لو عقد على واحدة بعد أخرى فإن عقد الثانية لم يصح فلم يصير به جامعاً بينهما وههنا حصل الجمع برضاع الثانية ولا يمكن القول بأنه لم يصح فحصلتا معاً في نكاحه وهما أختان لا محالة (مسألة) (وإن أرضعت الثلاث متفرقات انفسخ نكاح الأولتين وثبت نكاح الثالثة على الرواية الأولى وعلى الثانية ينفسخ نكاح الجميع لأنهما صارتا أختين في نكاحه وثبت نكاح الثالثة لأن رضاعها بعد انفساخ نكاح الكبيرة والصغيرتين اللتين قبلها فلم يصادف اخوتها جمعاً في النكاح) (مسألة) (وأن أرضعت إحداهن منفردة واثنتين بعدها معاً بأن تلقم كل واحدة منهما ثدياً فيمتصان معاً أو تحلب من لبنها في إناء فتسقيهما معاً انفسخ نكاح الجميع لأنهن صرن أخوات في نكاحه)

مسألة وإن أرضعت الثلاث متفرقات انفسخ نكاح الأولتين وثبت نكاح الثالثة على الرواية الأولى وعلى الثانية

لأنها إذا أرضعت إحداهن منفردة لم ينفسخ نكاحها لأنها منفردة ثم إذا أرضعت اثنتين بعد ذلك مجتمعات انفسخ نكاح الجميع لأنهن أخوات في النكاح، هذا على الرواية الأولى، وعلى الثانية ينفسخ نكاح الأم والأولى بالاجتماع ثم ينفسخ نكاح الأثنتين لكونهما صارتا أختين معاً. (مسألة) (وله أن يتزوج من شاء من الأصاغر) لأن تحريمهن تحريم جمع لا تحريم تأبيد فإنهن ربائب لم يدخل بأمهن وإن كان دخل بالأم حرم الكل عليه على الأبد لأنهن ربائب مدخول بأمهن. (مسألة) (وكل امرأة تحرم ابنتها عليه كأمه وأخته وجدته وربيبته إذا أرضعت طفلة حرمتها عليه) لأنها تصير ابنتها وكل رجل تحرم ابنته كأخيه وابنه وأبيه إذا أرضعت امرأته بلبنه طفلة حرمتها عليه وفسخت نكاحها لأنها صارت ابنة من تحرم ابنته عليه، وإن أرضعتها امرأة أحد هؤلاء بلبن غيره لم تحرم عليه لأنها صارت ربيبة زوجها، وإن أرضعتها من لا تحرم بنتها كعمته وخالته لم تحرمها عليه، ولو تزوج بنت عمه فأرضعت جدتهما أحدهما صغيراً انفسخ النكاح لأنها إن أرضعت الزوج صار عم زوجته وإن ارضعت الزوجة صارت عمته وإن أرضعتهما جميعاً صار عمها وصارت عمته. وإن تزوج بنت عمته فأرضعت جدتهما أحدهما صغيراً انفسخ النكاح لأنها إن أرضعت الزوج صار خالها وإن أرضعت الزوجة صارت عمته. وإن تزوج بنت خاله فأرضعت جدتهما الزوج صار عم زوجته

مسألة وله أن يتزوج من شاء من الأصاغر

وإن أرضعتها صارت خالته، وإن تزوج ابنة خالته فأرضعت الزوج صار خال زوجته وإن أرضعتها صارت خالة زوجها (فصل) وكل من أفسد نكاح امرأة برضاع قبل الدخول فإن الزوج يرجع عليه نصف مهرها الذي يلزمه لها لأنه قرره عليه بعد أن كان بعرض السقوط وفرق بينه وبين زوجته فلزمه ذلك كشهود الطلاق إذا رجعوا وإنما لزمه نصف مهر الصغيرة لأن نكاحها انفسخ قبل دخوله بها من غير جهتها والفسخ إذا جاء من أجنبي كان كطلاق الزوج في وجوب الصداق عليه (مسألة) (وإن أفسدت نكاحها قبل الدخول فلا مهر لها لأن فسخ نكاحها بسبب من وجهتها فسقط صداقها كما لو ارتدت وبهذا قال مالك والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه خلافا، فعلى هذا إذا أرضعت امرأته الكبرى الصغرى فانفسخ نكاح الصغرى فعلى الزوج نصف مهر الصغرى يرجع به على الكبرى لما ذكرنا، وبهذا قال الشافعي وحكي عن بعض أصحابه أنه يرجع بجميع صداقها لأنها اتلفت البضع فوجب ضمانه، وقال أصحاب الرأي إن كانت المرضعة أرادت الفساد رجع عليها بنصف الصداق وإلا فلا يرجع بشئ وقال مالك لا يرجع بشئ ولنا على أنه يرجع عليها بالنصف انها قررته عليه وألزمته إياه وأتلفت عليه ما في مقابلته فوجب عليها الضمان كما لو أتلفت عليه المبيع.

مسألة وإن أفسدت نكاحها قبل الدخول فلا مهر لها

ولنا على أبي حنيفة إن ما ضمن في العدة ضمن في الخطأ كالمال ولأنها أفسدت نكاحه وقررت عليه نصف الصداق فأشبه ما لو قصدت الإفساد. ولنا على أن الزوج إنما يرجع بالنصف أنه لم يغرم إلا النصف فلم يجب لم أكثر مما غرم ولأنه بالفسخ رجع اليه بدل النصف الآخر فلم يجب له بدل ما أخذ بدله مرة أخرى، ولأن خروج البضع من ملك الزوج لا قيمة له وإنما ضمنت المرضعة ههنا لما ألزمت الزوج ما كان معرضاً للسقوط بسبب يوجد من الزوجة فلم يرجع ههنا أكثر مما ألزمته. (فصل) والواجب نصف المسمى لا نصف مهر المثل لأنه إنما يرجع بما غرم والذي غرم نصف ما فرض لها فرجع به وبهذا قال أبو حنيفة، وقال الشافعي يرجع بنصف مهر المثل لأنه ضمان متلف فكان الاعتبار بقيمته دون ما ملكه به كسائر الأعيان ولنا أن خروج البضع من ملك الزوج لا قيمة له بدليل ما لو قتلت نفسها أو ارتدت أو أرضعت من ينفسخ نكاحها بارضاعه فانها لا نغرم له شيئا انما الرجوع ههنا بما غرم فلا يرجع بغيره ولأنه لو رجع بقيمة المتلف لرجع بمهر المثل كله ولم يختص بالنصف ولأن شهود الطلاق قبل الدخول إذا رجعوا لزمهم نصف المسمى كذلك ههنا. (مسألة) وإن أفسدت نكاح نفسها بعد الدخول لم يسقط مهرها ويجب على زوجها وإن أفسده

غيرها وجب مهرها ولم يرجع به على أحد ونص أحمد على أنه يرجع بالمهر كله) قال القاضي وهو مذهب الشافعي لأن المرأة تستحق المهر كله على زوجها فيرجع بما لزمه كنصف المهر في غير المدخول بها، قال شيخنا والصحيح إن شاء الله أنه لا يرجع على من أفسده بعد الدخول بشئ لأنه لم يقرر على الزوج شيئاً ولم يلزمه إياه فلم يرجع عليه بشئ كما لو أفسدت المرأة نكاح نفسها ولأنه لو ملك الرجوع بالصداق بعد الدخول لسقط إذا كانت المرأة هي المفسدة للنكاح كما قبل الدخول ولأن خروج البضع من ملك الزوج غير متقوم على ما ذكرناه فيما مضى وكذلك لا يجب مهر المثل وإنما رجع الزوج بنصف المسمى قبل الدخول لأنها قررته عليه وكذلك يسقط إذا كانت هي المفسدة لنكاحها قبل الدخول ولم يوجد ذلك ههنا وهذا قول بعض أصحاب الشافعي ولأنه لو رجع بالمهر بعد الدخول لم يخل إما أن يكون رجوعه ببدل البضع الذي فوتته أو بالمهر الذي أداه: لا يجوز أن يكون ببدل البضع لأنه لو وجب بدله لوجب له على الزوجة إذا فات بفعلها أو بقتلها ولكان الواجب لها مهر مثلها ولا يجوز أن يجب لها بدل ما أداه إليها لذلك ولأنها ما أوجبته ولا لها أثر في إيجابه ولا تقريره (مسألة) (وإن أفسدت نكاح نفسها بعد الدخول لم يسقط مهرها)

مسألة وإن أفسدت نكاح نفسها بعد الدخول لم يسقط مهرها ويجب على زوجها وإن أفسده غيرها وجب

قال شيخنا لا نعلم بينهم خلافاً في ذلك وإن الزوج لا يرجع عليها بشئ إذا كان أداه إليها ولا في أنها إذا أفسدته قبل الدخول أنه يسقط وأنه يرجع عليها بما أعطاها (مسألة) (فإذا أرضعت امرأته الكبرى الصغرى فانفسخ نكاحها فعليه نصف مهر الصغرى يرجع به على الكبرى) ولا مهر للكبرى إن كان قبل الدخول لأنها أفسدت نكاح نفسها وقد ذكرنا وجه ذلك إن كان المفسدة غيرهما (مسألة) (فلو دبت الصغرى إلى الكبرى وهي نائمة فارتضعت منها خمس رضعات انفسخ نكاح الكبيرة وحرمت على التأبيد، فإن كان دخل بالكبيرة حرمت الصغيرة وانفسخ نكاحها ولا مهر للصغيرة) لأنها فسخت نكاح نفسها وعليه مهر الكبيرة يرجع به على الصغيرة عند أصحابنا ولا يرجع به على ما اخترناه وإن لم يكن دخل بالكبيرة فعليه نصف صداقها يرجع به في مال الصغيرة لأنها فسخت نكاحها، وإن ارتضعت الصغيرة منها رضعتين وهي نائمة ثم أنتهبت الكبيرة فأنمت لها ثلاث رضعات فقد حصل الفساد بفعليهما فينقسط الواجب عليهما وعليه مهر الكبيرة وثلاثة أعشار مهر الصغيرة ويرجع به على الكبيرة وإن لم يكن دخل بالكبيرة فعليه خمس مهرها يرجع به على الصغيرة وهل ينفسخ نكاح الصغيرة؟ على روايتين

مسألة وإن أفسدت نكاح نفسها بعد الدخول لم يسقط مهرها

(فصل) وإن أرضعت بنت الكبيرة الصغيرة فالحكم في التحريم والفسخ حكم ما لو أرضعتها الكبيرة لأنها صارت جدتها والرجوع بالصداق على المرضعة التي أفسدت النكاح، وإن ارضعتها أم الكبيرة انفسخ نكاحهما معاً لأنهما صارتا أختين، فإن كان لم يدخل بالكبيرة فله أن ينكح من شاء منهما ويرجع على المرضعة بنصف صداقها وإن كان دخل بالكبيرة فله نكاحها لأن الصغيرة لا عدة عليها وليس له نكاح الصغيرة حتى تنقضي عدة الكبيرة لأنها قد صارت أختها فلا ينكحها في عدتها وكذلك الحكم إن أرضعتها جدة الكبيرة لأنها تصير عمة الكبيرة أو خالتها والجمع بينهما محرم، وكذلك إن أرضعتها أختها أو زوجة أخيها بلبنه لأنها صارت بنت أخت الكبيرة أو بنت أخيه وكذلك إن أرضعتها أختها أو بنت أختها ولا يحرم في شئ من هذا واحدة منهن على التأبيد لانه تحريم جمع إلا إذا ارضعتها بنت الكبيرة وقد دخل بأمها (مسألة) (وإذا كان لرجل خمس أمهات أولاد لهن منه لبن فأرضعن امرأة الصغرى كل واحدة منهن رضعة حرمت عليه في أحد الوجهين) لأنها ارتضعت من لبنه خمس رضعات فكمل رضاعها من لبنه فصار أبا لها كما لو أرضعتها واحدة منهن والوجه الثاني لا يصير أباً لها لأنه رضاع لم تثبت به الأمومة فلم يثبت به الابوة كلبن البهيمة ولا تحرم أمهات الأولاد لأنه لم يثبت لهن أمومة (فصل) فإن أرضعن طفلاً كذلك لم يصرن أمهات له وصار المولى أبا له وهذا قول ابن حامد لأنه

مسألة وإذا كان لرجل خمس أمهات أولاد لهن منه لبن فأرضعن امرأة له صغرى كل واحدة منهن رضعة حرمت

ارتضع من لبنه خمس رضعات، وفيه وجه آخر لا نثبت الأبوة لأنه رضاع لم يثبت إلا مرمة فلم يثبت الأبوة كالارتضاع بلبن الرجل، والأول أصح لأن الأبوة إنما تثبت لكونه رضع من لبنه لا لكون المرضعة أماً له، ولأصحاب الشافعي وجهان كهذين وإذا قلنا بثبوت الأبوة حرمت عليه المرضعات لأنه ربيبهن وهن موطوءات أبيه. (فصل) وإن كان لرجل خمس بنات فأرضعن طفلاً كل واحدة رضعة لم يصرن أمهات له وهل يصير الرجل جداً له وأولاده أخوالاً له وخالات؟ على وجهين: (أحدهما) يصير جداً وأخوهن خالاً لأنه قد كمل للمرتضع خمس رضعات من لبن بناته فأشبه ما لو كان من واحدة (والآخر) لا يثبت ذلك لأن كونه جداً فرع كون ابنته أماً وكونه خالاً فرع كون أخته أماً ولم يثبت فلا يثبت ذلك الفرع، وهذا الوجه يترجح في هذه المسألة لأن الفرعية متحققة بخلاف التي قبلها. فإن قلنا يصير أخوهن خالاً لم تثبت الخؤولة في حق واحدة منهن لأنه لم يرتضع من لبن أخواتها خمس رضعات ولكن يحتمل التحريم لأنه قد اجتمع من بنت المحرم خمس رضعات، ولو كمل للطفل خمس رضعات من أمه وأخته وابنته وزوجته وزوجة أبيه من كل واحدة رضعة خرج على الوجهين (فصل) إذا كان لامرأة لبن من زوج فأرضعت به طفلاً ثلاث رضعات وانقطع لبنها فتزوجت آخر فصار

لها منه لبن فأرضعت منه الصبي رضعتين صارت أماً له بغير خلاف علمناه عند القائلين بأن الخمس محرمات ولم يصيروا حد من الزوجين أباً له لأنه لم يكمل عدد الرضاع من لبنه ويحرم على الرجلين لكونه ربيبهما لا لكونه ولدهما (مسألة) (ولو كان له ثلاث نسوة لهن لبن منه فأرضعن امرأة له صغرى كل واحدة رضعتين لم تحرم المرضعات) لأنه لم تكمل عدد الرضعات لكل واحدة منهن وهل تحرم الصغرى؟ على وجهين أصحهما تحرم لأنها ارتضعت من لبنه خمس رضعات وعليه نصف مهرها يرجع به عليهن على قدر رضاعهن يقسم بينهن أخماساً لأن الرضعات الخمس محرمة وقد وجد من الأولى رضعتان ومن الثانية رضعتان والخامسة وجدت من الثانية فيجب على الأولى خمس مهرها وعلى الثانية خمس وعلى الثالثة عشر (مسألة) (فإن كل لرجل ثلاث بنات امرأة لهن لبن فأرضعن ثلاث نسوة له صغار حرمت الكبيرة) لأنها من جدات النساء وجدة الزوجة محرمة ولم ينفسخ نكاح الصغار لأنهن لسن أخوات وإنما هن بنات خالات ولبن الربيبة لا يحرم إلا بالدخول بالأم وإن كان دخل بالأم حرم الاصغار أيضاً لأنهن ربائب مدخول بأمهن وإن لم يكن دخل بها فهل ينفسخ نكاح من كمل رضاعها أولا؟ على روايتين بناء على ما إذا أرضعت زوجته الكبرى زوجته الصغرى فإن الكبرى تحرم وهل ينفسخ نكاح الصغرى؟ على روايتين ذكرنا توجيههما فيما مضى

مسألة ولو كان له ثلاث نسوة لهن لبن منه فأرضعن امرأة له صغرى كل واحدة رضعتين لم تحرم المرضعات

(مسألة) (وإن أرضعن واحدة كل واحدة منهن رضعتين فهل تحرم الكبرى بذلك؟ على وجهين) (أحدهما) تحرم لأنها صارت جدة بكون الصغيرة قد كمل لها خمس رضعات من لبن بناتها (والثاني) لا تصير جدة ولا ينفسخ نكاحها لأن كونها جدة فرع على كون ابنتها أماً ولم تثبت الأموة فما هو فرع عليها أولى أن لا يثبت وهذا أولى والله أعلم (فصل) إذا تزوج كبيرة ثم طلقها فأرضعت صغيرة بلبنه صارت بنتاً له وإن أرضعتها بلبن غيره صارت ربيبته فإن كان قد دخل بالكبيرة حرمت الصغيرة على التأبيد وإن كان لم يدخل بها لم تحرم لأنها ربيبة لم يدخل بأمها وإن تزوج صغيرة ثم طلقها فأرضعت امرأة له حرمت المرضعة على التأبيد لأنها من أمهات نسائه وإن تزوج كبيرة وصغيرة ثم طلق الصغيرة فأرضعتها الكبيرة حرمت الكبيرة وانفسخ نكاحها فإن كان لم يدخل بها فلا مهر لها وله نكاح الصغيرة وإن كان دخل بها فلها مهرها وتحرم هي والصغيرة على التأبيد وإن طلق الكبيرة وحدها قبل الرضاع فأرضعت الصغيرة ولم يكن دخل بالكبيرة ثبت نكاح الصغيرة وإن كان دخل بها حرمت الصغيرة وانفسخ نكاحها ويرجع على الكبيرة بنصف صداقها وإن طلقهما جميعاً فالحكم في التحريم على ما مضى (فصل) ولو تزوج رجل كبيرة وآخر صغيرة ثم طلقاهما ونكح كل واحد منهما زوجة الآخر ثم

مسألة وإن أرضعن واحدة كل واحدة منهن رضعتين فهل تحرم الكبرى بذلك؟ على وجهين

أرضعت الكبيرة الصغيرة حرمت الكبيرة عليهما وانفسخ نكاحها وإن كان زوج الصغيرة دخل بالكبيرة حرمت عليه وانفسخ نكاحها وإلا فلا (فصل) قال الشيخ رحمه الله إذا طلق امرأته ولها منه لبن فتزوجت بصبي فأرضعته بلبنه انفسخ نكاحها منه لأنها صارت أمه من الرضاع وحرمت عليه لأنها صارت أمه من الرضاع وإن تزوجت بآخره دخل بها ومات عنها لم يجز أن يتزوجها الأول لأنها صارت من حلائل الأبناء لما أرضعت الصبي الذي تزوجت به (مسألة) (ولو تزوجت الصبي أولاً ثم فسخت نكاحه لعيب ثم تزوجت كبيراً فصار لها منه لبن فأرضعت به الصبي حرمت عليهما على الأبد على الزوج الثاني لأنها صارت من حلائل أبنائه وعلى الصبي لأنها صارت أمه (فصل) ولو زوج رجل أم ولده أو أمته بصبي مملوك فأرضعته بلبن سيدها خمس رضعات انفسخ نكاحه وحرمت على سيدها على التأبيد لأنها صارت من حلائل أبنائه فإن كان الصبي حراً لم يتصور هذا الفرع عندنا لأنه لا يصح نكاحه لأن من شرط نكاح الحر للأمة خوف العنت ولا يوجد ذلك في الطفل فإن تزوج بها كان النكاح فاسداً وإن أرضعته لم تحرم على سيدها لأنه ليس بزوج في الحقيقة (فصل) قال الشيخ رحمه الله فإن أفسد النكاح جماعة يسقط المهر عليهم فلو جاء خمس فسقين زوجة صغيرة من لبن أم الزوج خمس مرات انفسخ نكاحها ولزمهن نصف مهرها بينهن فإن سقتها واحدة شربتين وأخرى ثلاثاً فعلى الأولى الخمس وعلى الثانية خمس وعشر وإن اسقاها واحدة شربتين وسقاها

مسألة ولو تزوجت الصبي أولا ثم فسخت نكاحه لعيب ثم تزوجت كبيرا فصار لها منه لبن فأرضعت به الصبي

ثلاث ثلاث شربات فعلى الأولى الخمس وعلى كل واحدة من الثلاث عشر وإن كان له ثلاث نسوة كبار وواحدة صغيرة فأرضعت كل واحدة من الثلاث الصغيرة أربع رضعات ثم حلبن في إناء وسقينه الصغيرة حرم الكبار وانفسخ نكاحهن فإن لم يكن دخل بهن فنكاح الصغيرة ثابت على إحدى الروايتين وعليه لكل واحدة منهن ثلث صداقها ترجع به على ضرتيها لأن فساد نكاحها حصل بفعلها وفعلهما فسقط ما قابل فعلها وهو سدس الصداق وبقي عليه الثلث فرجع به على ضرتيها فإن كان صداقهن متساوياً سقط ولم يجب شئ لأنه يتقاص ما لها على الزوج بما يرجع به عليها إذ لا فائدة في أن يجب لها عليه ما يرجع به عليها وإن كان مختلفاً وهو من جنس واحد تقاص منه بقدر أقلهما ووجبت الفضلة لصاحبها وإن كان من أجناس ثبت التراجع على ما ذكرنا وإن كان قد دخل بإحدى الكبار حرمت الصغيرة أيضاً وانفسخ نكاحها ووجب لها نصف صداقها ترجع به عليهن أثلاثاً وللتي دخل بها المهر كاملاً وفي الرجوع به ما أسلفناه من الخلاف. وإن حلبن في إناء فسقته إحداهن الصغيرة خمس مرات كان صداق ضراتها يرجع به عليها إن كان قبل الدخول بهن لأنها أفسدت نكاحهن ويسقط مهرها إن لم يكن

دخل بها وإن كان دخل بها فلها مهرها لا يرجع به على أحد وإن كانت كل واحدة من الكبار أرضعت الصغيرة خمس رضعات حرم الثلاث فإن كان لم يدخل بهن فلا مهر لهن عليه وإن كان دخل بهن فعليه لكل واحدة مهرها لا يرجع به على أحد وتحرم الصغيرة ويرجع بما لزمه من صداقها على المرضعة الأولى لأنها التي حرمتها عليه وفسخت نكاحها ولو أرضع الثلاث الصغيرة بلبن الزوج فأرضعتها كل واحدة رضعتين صارت بنتاً لزوجها في الصحيح وينفسخ نكاحها وترجع بنصف صداقها عليهن على المرضعتين الأولتين أربعة أخماسه وعلى الثالثة خمسة لأن رضعتها الأولى هي التي حصل بها التحريم والثانية لا أثر لها ولا ينفسخ نكاح الأكابر لأنهن لم يصرن أمهات لها. فإن قيل فلم لا ترجع به عليهن على عددهن لكون الرضاع مفسداً فيستوي قليله وكثيره كما لو طرح الجماعة نجاسة في مائع في حالة واحدة؟ قلنا لأن التحريم يتعلق بعدد الرضعات فكان الضمان متعلقاً بالعدد بخلاف النجاسة فان النتجيس لا يتعلق بقدر فيستوي قليله وكثيره لكون الكثير والقليل سواء في الإفساد فنظير ذلك أن يشرب في الرضعة من إحداهما أكثر ما يشرب من الأخرى (فصل) وإن كانت له زوجة أمة فأرضعت امرأته الصغيرة فحرمتها عليه وفسخت نكاحها كان ما لزمه من صداق الصغيرة له في رقبة الأمة لأن ذلك من جنايتها وإن أرضعتها أم ولده أفسدت نكاحها وحرمتها

عليها لأنها ربيبته دخل بأمها وتحرم أم الولد عليه أبداً لأنها من أمهات نسائه ولا غرامة عليها لأنها أفسدت على سيدها وإن كانت مكاتبته رجع عليها لأن المكاتبة يلزمها أرش جنايتها وإن أرضعت أم امرأة ابنة بلبنه فسخت نكاحها وحرمتها عليه لأنها صارت أخته وإن أرضعت زوجة أبيه بلبنه حرمتها عليه لأنها صارت بنت ابنه ويرجع الأب على ابنه باقل الأمرين مما غرمه لزوجتها أو قيمتها لأن ذلك من جناية أم ولده. وإن أرضعت واحدة منهما بغير لبن سيدها لم تحرمها لأن كل واحدة منهما صارت بنت أم ولده (فصل) قال رضي الله عنه إذا شك في الرضاع أو عدده بني على اليقين فلم يحرم لأن الأصل عدم الرضاع في مسألة الأولى وعدم وجود الرضاع المحرم في الثانية فهو كما لو شك في وجود الطلاق أو عدده (مسألة) (وإن شهدت به امرأة مرضية ثبت بشهادتها وعنه أنها إن كانت مرضية استحلفت فإن كانت كاذبة لم يحل الحول حتى تبيض ثدياها وذهب فيه إلى قول ابن عباس) وجملة ذلك أن الرضاع إذا شهدت به امرأة مرضعة حرم النكاح وثبت الرضاع بشهادتها وعنه رواية أخرى كالتي ذكرناها عن ابن عباس فإن ابن عباس قال في امرأة زعمت أنها أرضعت رجلاً وأهله قال إن كانت مرضية استحلفت وفارق أهله وقال إن كانت كاذبة لم يحل الحول حتى تبيض ثدياها أي يصيها فيهما برص عقوبة على كذبها وهذا لا يقتضيه القياس ولا يهتدى اليه رأي فالظاهر أنه لا يقوله إلا توقيفاً وممن ذهب إلى أن شهادة المرأة الواحدة مقبولة في الرضاع إذا كانت مرضية طاوس

مسألة وإن شهدت به امرأة مرضية ثبت بشهادتها وعنه أنها إن كانت مرضية استحلفت فإن كانت كاذبة لم يحل

والزهري والاوزاعي وابن أبي ذئب وسعيد بن عبد العزيز، وعن أحمد رواية أخرى لا تقبل إلا شهادة امرأتين، وهو قول الحكم لأن الرجال أكمل من النساء ولا تقبل إلا شهادة رجلين فالنساء أولى وقال عطاء والشافعي لا يقبل من النساء أقل من أربع لأن كل امرأتين كرجل، وقال أصحاب الرأي لا يقبل فيه إلا رجلان أو رجل وامرأتان، وروي ذلك عن عمر لقول الله تعالى (واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان) ولنا ما روى عقبة بن الحارث قال تزوجت أم يحيى بنت أبي أهاب فجاءت أمة سوداء فقالت قد أرضعتكما فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال " وكيف وقد زعمت ذلك " متفق عليه، وفي لفظ رواه النسائي قال فأتيته من قبل وجهه فقلت إنها كاذبة فقال " وكيف وقد زعمت أنها قد أرضعتكما؟ خل سبيلها " وهذا يدل على الاكتفاء بالمرأة الواحدة، وقال الزهري فرق بين أهل ابيات في زمن عثمان بشهادة امرأة في الرضاع، وقال الشعبي كان القضاء يفرقون بين الرجل والمرأة بشهادة امرأة واحدة في الرضاع ولأن هذه شهادة على عورة فتقبل فيه شهادة المنفردات كالولادة وعلى الشافعي أنه معنى يقبل فيه قول

النساء المنفردات فيقبل فيه امرأة منفردة كالخبر (فصل) وتقبل فيه شهادة المرضعة على فعل نفسها لما ذكرنا من حديث عقبة من أن الاما السوداء قالت قد أرضعتكما فقبل النبي صلى الله عليه وسلم شهادتها ولأنه فعل لا يحصل لها به نفع مقصود ولا يدفع عنها به ضرراً فقبلت شهادتها كفعل غيرها فإن قيل فإنها تستبيح الخلوة به والسفر معه وتصير محرماً له قلنا ليس هذا من الأمور المقصودة التي ترد بها الشهادة الا ترى أن رجلين لو شهدا أن فلاناً طلق زوجته أو أعتق أمته قبلت شهادتهما وإن حل لهما نكاحها بذلك (مسألة) (وإن تزوج امرأة ثم قال قبل الدخول هي أختي من الرضاع انفسخ النكاح فإن صدقته فلا مهر لها وإن كذبته فلها نصف المهر وجملته أن التزوج إذا أقر أن زوجته أخته من الرضاع انفسخ نكاحه ويفرق بينهما وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة إذا قال وهمت أو أخطأت قبل قوله ذلك يتضمن أنه لم يكن بينهما نكاح ولو جحد النكاح ثم أقر به قبل كذلك ههنا

مسألة وإن تزوج امرأة ثم قال قبل الدخول هي أختي من الرضاع انفسخ النكاح فإن صدقته فلا مهر لها وإن

ولنا أنه أقر بما يتضمن تحريمها عليه فلم يقبل رجوعه عنه كما لو أقر بالطلاق ثم رجع أو أقر أن أمته أخته من النسب وما قاسوا عليه ممنوع وهذا الكلام في الحكم فأما فيما بينه وبين الله تعالى فينبني ذلك على علمه بصدقه فإن علم أن الأمر كما قال فهي محرمة عليه ولا نكاح بينهما وإن علم كذب نفسه فالنكاح باق بحاله وقوله كذب لا يحرمها عليه لأن المحرم حقيقة الرضاع لا القول وإن شك في ذلك لم يزل عن اليقين بالشك وقيل في حلها له إذا علم كذب نفسه روايتان، والصحيح ما قلناه لأن قوله ذلك إذا كان كذباً لم يثبت التحريم كما لو قال لها وهي أكبر منه هي ابنتي من الرضاعة إذا ثبت هذا فإنه إن كان قبل الدخول وصدقته المرأة فلا شئ لها لأنهما اتفقا على أن النكاح باطل من أصله لا تستحق فيه مهراً فأشبه ما لو ئبت ذلك ببينة وإن أكذبته فالقول قولها لأن قوله غير مقبول عليها في إسقاط حقوقها فلزمه إقراره فيما هو حق له وهو يحرمها عليه وفسخ نكاحه ولم يقبل قوله فيما عليه من المهر (فصل) وإن قال ذلك بعد الدخول انفسخ النكاح لما ذكرنا ولها المهر بكل حال لأن المهر يستقر بالدخول "

(فصل) وإن قال هي عمتي أو خالتي أو ابنه أخي أو أختي أو أمي من الرضاع وأمكن صدقه فالحكم فيه كما لو قال هي أختي، وإن لم يمكن صدقه مثل أن يقول لهن هي مثله هذه أمي أو لأكبر منه أو لمثله هذه ابنتي لم تحرم عليه وبهذا قال الشافعي وقال أبو يوسف ومحمد تحرم عليه لأنه أقر بما يحرمها فقبل كما لو أمكن ولنا أنه أقر بما يتحقق كذبه فأشبه ما لو قال أرضعتني وإياها حواء أو كما قال هذه حواء وما ذكروه تنتقض بهذه الصور، ويفارق ما إذا أمكن فإنه لا يتحقق كذبه والحكم في لاقرار بقرابة من النسب تحرمها عليه كالحكم في لاقرار بالرضاع لأنه في معناه (فصل) إذا ادعى أن زوجته أخته من الرضاع فأنكرته فشهدت بذلك أمة أو ابنته لم تقبل شهادتهما لان شهادة الولد لوالده والوالد لولده لا تقبل، وإن شهدت بذلك أمها أو ابنتها قبلت وعنه لا تقبل بناء على شهادة الوالد على ولده والد على والده وهي مقبولة في أصح الروايتين، وإن ادعت ذلك المرأة وأنكرها الزوج فشهدت لها أمها أو ابنتها لم تقبل وإن شهدت لها أم الزوج أو ابنته قبل في أصح الروايتين (مسألة) (وإن كانت هي التي قبلت هو أخي من الرضاع وأكذبها فهي زوجته في الحكم لأنه لا يقبل قولها في فسخ النكاح)

مسألة وإن كانت هي التي قالت هو أخي من الرضاع وأكذبها فهي زوجته في الحكم لأنه لا يقبل قولها في فسخ

لأنه حق عليها فإن كان قبل الدخول فلا مهر لها لأنها تقر بأنها لا تستحقه وإن كانت قد قبضته لم يكن المزوج أخذه منها لأنه يقر بأنه حق لها، وإن كان بعد الدخول فأقرت أنها كانت عالمة بأنها أخته وبتحريمها عليه وطاوعته في الوطئ فلا مهر لها أيضاً لإقرارها بأنها زانية مطاوعة، وإن أنكرت شيئاً من ذلك فلها المهر لأنه وطئ بشبهة وهي زوجته في ظاهر الحكم لأن قولها غير مقبول، فأما فيما بينها وبين الله تعالى فإن علمت صحة ما أقرت به لم يحل لها مساكنته وتمكينه من وطئها وعليها أن تفر منه وتفتدي نفسها بما أمكنها لأن وطأه لها زنا فعليها التخلص منه مهما أمكنها كما قلنا في التي علمت أن زوجها طلقها ثلاثاً وأنكر وينبغي أن يكون الواجب لها من المهر بعد الدخول أقل الأمرين من المسمى أو مهر المثل لأنه إن كان المسمى أقل فلا يقبل قولها في وجوب زائد عليه، وإن كان الأقل مهر المثل لم يستحق أكثر منه لاعترافها بأن استحقاقها له بوطئها لا بالعقد فلا تستحق أكثر منه، وان كان إقرارها بأخوته قبل النكاح لم يجز لها نكاحه ولا يقبل رجوعها عن إقرارها في ظاهر الحكم لأن إقرارها لم يصادف زوجية عليها يبطلها فقبل إقرارها على نفسه بتحريمه عليها، وكذلك لو أقر الرجل أن هذه أخته من الرضاع أو محرمة عليه برضاع أو غيره وأمكن صدقه لم يحل له تزوجها فيما بعد ذلك في ظاهر الحكم، وأما فيما بينه وبين الله تعالى فينبني على علمه بحقيقة الحال على ما ذكرنا (مسألة) (ولو قال الزوج هي ابنتي من الرضاع وهي في سنه أو أكبر منه لم تحرم) لتحققتا كذبه وقد ذكرناه. (مسألة) (ولو تزوج رجل امرأة لها لبن من زوج قبله فحملت منه ولم يزد لبنها فهو للأول وإن

مسألة ولو قال الزوج هي ابنتي من الرضاع وهي في سنه أو أكبر منه لم تحرم لتحققنا كذبه وقد ذكرناه

زاد لبنها فأرضعت به طفلاً صار ابناً لهما وإن انقطع من الأول ثم ثاب بحملها من الثاني فكذلك عند أبي بكر وعند أبي الخطاب هو ابن الثاني وحده) وجملة ذلك أن الرجل إذا طلق زوجته ولها منه لبن فتزوجت آخر لم يخل من خمسة أحوال (أحدها) أن يبقى الأول بحاله لم يزد ولم ينقص ولم تلد من الثاني فهو للأول سواء حملت من الثاني أو لم تحمل لا نعلم فيه خلافاً لأن اللبن كان للأول ولم يتجدد ما يجعله من الثاني فبقي للأول (الثاني) أن لا تحمل من الثاني فهو للأول سواء زاد أو لم يزد أو انقطع ثم عاد أو لم ينقطع (الثالث) أن تلد من الثاني فاللبن له خاصة، قال إبن المنذر أجمع على هذا كل من أحفظ عنه وهو قول أبي حنيفة والشافعي سواء زاد أو لم يزد انقطع أو لم ينقطع، لأن لبن الأول ينقطع بالولادة من الثاني فإن حا جة المولود تمنع كونه لغيره (الرابع) أن يكون لبن الأول باقياً وزاد بالحمل من الثاني فاللبن منهما جميعاً في قول أصحابنا، وقال أبو حنيفة هو للأول ما لم تلد من الثاني، وقال الشافعي إن لم ينته الحمل إلى حال ينزل به اللبن فهو للأول وإن بلغ إلى حال ينزل به اللبن فزاد به ففيه قولان (أحدهما) هو للأول والثاني هو لهما ولنا أن زيادته عند حدوث الحمل ظاهر في أنها منه وبقاء لبن الأول يقتضي كون أصله منه فيجب أن يضاف إليهما كما لو كان الولد منهما (الحال الخامس) انقطع من الأول ثم ثاب بالحمل من الثاني فقال أبو بكر هو منهما وهو أحد أقوال الشافعي إذا انتهى الحمل إلى حال ينزل به اللبن وذلك لأن اللبن كان للأول فلما عاد بحدوث الحمل فالظاهر أن لبن الأول ثاب بسبب الحمل

الثاني فكان مضافاً إليهما كما لو يقطع، واختار أبو الخطاب أنه من الثاني وهو القول الثاني للشافعي لان ليس الأول انقطع فزال حكمه بانقطاعه وحدث بالحمل من الثاني فكان له كما لو لم يكن لها لبن من الأول، وقال أبو حنيفة هو للأول ما لم تلد من الثاني وهو القول الثالث للشافعي لأن الحمل لا يقتضي اللبن وإنما يخلفه الله تعالى للولد عند وجوده لحاجته إليه وقد سبق الكلام عليه (فصل) وإذا ادعى أحد الزوجين على الآخر أنه أقر أنه أخو صاحبه من الرضاع فأنكر لم يقبل في ذلك شهادة النساء المنفردات لأنها شهادة على الاقرار والافرار مما يطلع عليه الرجال فلم يحتج فيه إلى شهادة النساء المنفردات فلم يقبل ذلك بخلاف الرضاع نفسه (فصل) كره أبو عبد الله الارتضاع بلبن الفجور والمشركات وقال عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنهما: اللبن يشتبه فلا تستق من يهودية ولا نصرانية ولا زانية ولا يقل أهل الذمة المسلمة ولا يرى شعورهن، ولان لبن مفاجرة ربما أفضى إلى شبه المرضعة في الفجور ويجعلها أماً لولده فيتعير بها ويتضرر طبعاً وتعيراً والارتضاع من المشركة يجعلها أماً لها حرمة الأم مع شركها وربما مال إليها في محبة دينها، وبكره الارتضاع بلبن الحمقاء كيلا يشبهها الولد في الحمق فإنه يقال إن الرضاء يغير الطباع

(كتاب النفقات) (يجب على الرجال نفقة زوجته وما لا غناء لها عنه وكسوتها ومسكنها بما يصلح مثلها) نفقة الزوجة واجبة بالكتاب والسنة والإجماع أما الكتاب فقول الله سبحانه وتعالى (لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها) ومعنى قدر ضيق وقال سبحانه (قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم) ، وأما السنة فما روى جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس فقال " اتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ولهن عليكم نفقتهن وكسوتهن بالمعروف " رواه مسلم ورواه الترمذي بإسناده عن عمرو بن الأحوص قال " ألا إن لكم على نسائكم حقا ولنسائكم عليكم حقا فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون، ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن " وقال حديث حسن صحيح وجاءت هند إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني من النفقة ما يكفيني وولدي فقال " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف " متفق عليه وفيه دلالة على وجوب النفقة لها على زوجها وأن ذلك مقدر بكفايتها

كتاب النفقات

وأن نفقة ولده عليه دونها مقدر بكفايتهم وأن ذلك بالمعروف وأن لها أن تأخذ ذلك بنفسها من غير علمه إذا لم يعطها إياه، واتفق أهل العلم على وجوب نفقات الزوجات على أزواجهن إذا كانوا بالغين إلا الناشز منهن ذكره ابن المنذر وغيره وفيه ضرب من العبرة وهو المرأة محبوسة على الزوج يمنعها من التصرف والاكتساب فلا بد من أن ينفق عليها كالعبد مع سيده، فمتى سلمت نفسها إلى الزوج على الوجه الواجب عليها فلها عليه جميع حاجتها من مأكول وملبوس ومسكن (مسألة) (وليس ذلك مقدراً لكنه معتبر بحال الزوجين جميعاً) . هكذا ذكره أصحابنا فإن كانا موسرين فعليه لها نفقة الموسرين وإن كانا معسرين فعليه نفقة المتوسطين وإن كان أحدهما موسراً والآخر معسراً فعليه نفقة المتوسطين أيهما كان الموسر، وقال أبو حنيفة ومالك تعتبر حال المرأة على قدر كفايتها لقول الله تعالى " وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف " والمعروف الكفاية ولأنه سوى بين النفقة والكسوة على قدر حالها فكذلك الفقة وقال النبي صلى الله عليه وسلم لهند " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف " فاعتبر كفايتها دون حال زوجها ولأن نفقتها واجبة لدفع حاجتها فكان الاعتبار بما تندفع به حاجتها دون حال من وجبت عليه كنفقة المماليك ولأنه واجب للمرأة على زوجها بحكم الزوجية لم يقدر فكان معتبراً بها كمهرها، وقال الشافعي الاعتبار بحال الزوج وحده لقول الله تعالى (لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها)

ولنا أن فيما ذكرناه جمعاً بين الدليلين وعملاً بكلا النصين ورعاية لكلا الجانبين فكان أولى (فصل) والنفقة مقدرة بالكفاية وتختلف باختلاف من تجب له النفقة في مقدارها، وبهذا قال أبو حنيفة ومالك وقال القاضي هي مقدرة بمقدار لا يختلف في الكثرة والقلة، والواجب رطلان من الخبز في كل يوم في حق الموسر والمعسر اعتباراً بالكفارات، وإنما يختلفان في صفته وجودته لأن الموسر والمعسر سواء في قدر المأكول وما تقوم به البنية وإنما يختلفان في جودته فكذلك النفقة الواجبة، وقال الشافعي نفقة المقتر مد بمد النبي صلى الله عليه وسلم لأن أقل ما يدفع في الكفارة مد والله سبحانه اعتبر الكفارة بالنفقة على الأهل فقال سبحانه (من أوسط ما تطعمون أهليكم) وعلى الموسر مدان، لأن أكثر ما أوجب الله سبحانه للواحد مدين في فدية الأذى، وعلى المتوسط مد ونصف، نصف نفقة الفقير ونصف نفقة الموسر ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم لهند " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف " فأمرها باخذ ما يكفيها من غير تقدير ورد الاجتهاد في ذلك إليها، ومن المعلوم أن قدر كفايتها لا ينحصر في المدين بحيث لا يزيد عنهما ولا ينقص ولأن الله تعالى قال (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف) وقال النبي صلى الله عليه وسلم " ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف " وإيجاب أقل من الكفاية من الرزق ترك للمعروف وإيجاب قدر الكفاية وإن كان أقل من مد أو رطلي خبر إنفاق بالمعروف فيكون ذلك واجباً بالكتاب والسنة

واعتبار النفقة بالكفارة في القدر لا يصح لأن الكفارة لا تختلف باليسار والإعسار ولا هي مقدرة بالكفاية وإنما اعتبرها الشرع بها في الجنس دون القدر ولهذا لا يجب فيها الأدم (فصل) ولا يجب فيها الحب وقال الشافعي يجب فيها الحب اعتباراً بالإيجاب في الكفارة حتى لو دفع إليها دقيقاً أو سويقاً أو خبزاً لم يلزمها قبوله كما لا يلزم المسكين في الكفارة، وقال بعضهم يجئ على قول اصحابنا أنه لا يجوز وإن تراضيا عليه لأنه بيع حنطة بجنسها متفاضلاً ولنا قول ابن عباس في قول الله تعالى (من أوسط ما تطعمون أهليكم) قال الخبز والزيت وعن ان عمر الخبز والسمن والخبز والزيت والخبز والتمر وأفضل ما تطعمونهن الخبز واللحم ففسر طعام الأهل بالخبز مع غيره من الأدم، ولأن الشرع ورد بالايجاب مطلقاً من غير تقدير ولا تقييد فوجب أن يرد إلى العرف كما في القبض والإحراز، وأهل العرف إنما يتعارفون فيما بينهم في الإنفاق على أهليهم الخبز والأدم دون الحب والنبي صلى الله عليه وسلم وصحابته إنما كانوا ينفقون ذلك دون ما ذكروه فكان ذلك هو الواجب ولأنها نفقة قدرها الشرع بالكفاية فكان الواجب الخبز كنفقة العبيد ولأن الحب تحتاج فيه إلى طحنه وخبزه فمتى احتاجت إلى تكلف ذلك من مالها لم تحصل الكفاية بنفقته، وفارق الإطعام فإنها لا تتقدر بالكفاية ولا يجب فيها الأدم، فعلى هذا لو طلبت مكان الخبز حباً أو دراهم أو دقيقاً أو غير ذلك لم يلزمه بذله ولو عرض عليها بدل الواجب لها لم يلزمها قبوله لانها معارضة فلا يجبر واحد منهما على

قبولها كالبيع وإن تراضيا على ذلك جاز لأنه طعام وجب في الذمة لآدمي معين فجازت المعاوضعة عنه كالطعام في القرض ويفارق الطعام في الكفارة فانه حق لله تعالى وليس هو لآدمي معين فيرضى بالعوض عنه وإن أعطاها مكان الخبز حباً أو دقيقاً جاز إذا تراضيا عليه لأن هذا ليس بمعاوضة حقيقة فإن الشارع لم يعين الواجب بأكثر من الكفاية فبأي شئ حصلت الكفاية كان ذلك هو الواجب وإنما صرنا إلى إيجاب الخبز عند الاختلاف لترجحه بكونه القوت المعتاد (مسألة) (فان تنازعا رجع الأمر إلى الحاكم) وجملة ذلك أن الأمر يرجع في تقدير الواجب للزوجة إلى اجتهاد الحاكم أو نائبه إن لم يتراضيا على شئ فيفرض للمرأة قدر كفايتها من الخبز والأدم فيفرض للموسرة تحت الموسر قدر حاجتها من أرفع خبز البلد الذي يأكله أمثالها وللمعسرة تحت المعسر قدر كفايتها من أدنى خبز البلد وللمتوسطة تحت المتوسط من أوسطه لكل أحد على حسب حاله على ما جرت العادة في حق أمثاله وكذلك الأدم للموسرة تحت الموسر قدر كفايتها من أرفع الأدم من الأرز واللحم واللبن وما ينطبخ به اللحم والدهن على اختلاف أنواعه في بلدانه السمن في موضع والزيت في آخر والشحم في آخر والشيرج في آخر وللمعسرة تحت المعسر من الأدم أدونه كالباقلاء والخل والبقل والكامخ وما جرت به عادة أمثالهم وما يحتاج إليه من الدهن وللمتوسطة تحت المتوسط أوسط ذلك من الخبز والإدام على حسب عادته

مسألة فإن تنازعا فيها رجع الأمر إلى الحاكم

وقال الشافعي الواجب من جنس قوت البلد لا يختلف باليسار والإعسار سوى المقدار والأدم هو الدهن خاصة لأنه أصلح للابدان وأجود في المؤنة لأنه لا يحتاج إلى طبخ وكلفة ويعتبر الأدم بغالب عادة أهل البلد كالزيت بالشام والشيرج بالعراق والسمن بخراسان ويعتبر قدر الأدم بالقوت فإذا قيل إن الرطل يكفيه الأوقية من الدهن فرض ذلك وفي كل يوم جمعة رطل لحم فان كان في موضع يرخص اللحم زادها على الرطل شيئاً وذكر القاضي مثل هذا في الأدم وهذا مخالف لقول الله تعالى (لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله) ولقول النبي صلى الله عليه وسلم " ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف " ومتى أنفق الموسر نفقة المعسر فما أنفق من سعته ولا رزقها بالمعروف وقد فرق الله تعالى بين الموسر والمعسر في الإنفاق وفي هذا جمع بين ما فرقه الله تعالى وتقدير الأدم بما ذكروه تحكيم لا دليل عليه وخلاف العادة والعرف بين الناس في إنفاقهم فلا يعرج على مثل هذا وقد قال ابن عمر من أفضل ما تطعمون أهليكم الخبز واللحم والصحيح ما ذكرناه من رد النفقة المطلقة في الشرع إلى العرف فيما بين الناس في نفقاتهم في حق الموسر والمعسر والمتوسط كما رددناهم في الكسوة إلى ذلك ولأن النفقة من مؤنة المرأة على الزوج فاختلف جنسها باليسار والإعسار كالكسوة وحكم المكاتب والعبد كالمعسر لأنهما ليسا بأحسن حالاً منه ومن نصفه حر إن كان موسراً فحكمه حكم المتوسط لأنه متوسط نصفه موسر ونصفه معسر

(مسألة) (ويجب عليه كسوتها بإجماع أهل العلم) لما ذكرنا من النصوص ولأنها لا بد لها منها على الدوام فلزمته كالنفقة وهي معتبرة بكفايتها وليست مقدرة بالشرع كما قلنا في النفقة وهو قول أصحاب الشافعي ويرجع في ذلك إلى اجتهاد الحاكم فيفرض لها قدر كفايتها على قدر يسرها وعسرها وما جرت عادة أمثالها به من الكسوة فيجتهد الحاكم في ذلك نحو اجتهاده في المتعة للمطلقة كما قلنا في النفقة فيفرض للوسرة تحت الموسر من أرفع ثياب البلد من الكتان والقطن والخز والإبريسم وللمعسرة تحت المعسر غليظ القطن والكتان وللمتوسطة تحت المتوسط من ذلك وأقل ما يجب من ذلك قميص وسراويل ومقنعة ومداس وجبة للشتاء ويزيد من عدد الثياب ما جرت العادة بلبسه مما لا غناء عنه دون ما للتجمل والزينة وذلك لقول الله تعالى (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف) والكسوة بالمعروف هي الكسوة التى جرت عادة أمثالها بلبسه وعليه ما يحتاج إليه للنوم من الفراش واللحاف والوسادة كل على حسب عادته فان كانت ممن عادته النوم في الأكسية والبسط فعليه لها لنومها ما جرت عادتهم به ولجلوسها بالنهار البساط والزلى ولحصير الرفيع أو الخشن الموسر على حسب يساره والمعسر على قدر إعساره والمتوسط بين ذلك على حسب العوائد (مسألة) (وعليه ما يعود بنظافة المرأة من الدهن والسدر وثمن الماء مما تغسل به رأسها وما يعود بنظافتها) لأن ذلك يراد للتنظيف فكان عليه كما أن على المستأجر كنس الدار وتنظيفها ولا تجب عليه الأدوية وأجرة الطبيب لأنه يراد لإصلاح الجسم فلا يلزمه كما لا يلزم المستأجر بناء ما يقع من الدار وحفظ أصولها وكذلك أجرة الحجام والفاصد

مسألة ويجب عليه كسوتها بإجماع أهل العلم

(مسألة) (فأما الطيب والخضاب والحناء ونحوه فلا يلزمه إلا أن يريد منها التزين به) أما الخضاب فإنه إن لم يطلبه الزوج منها لم يلزمه وإن طلبه منها فهو عليه وأما الطيب فما يراد لقطع السهوكة كدواء العرق يلزمه لأنه يراد للتنظيف وما يراد للتلذذ أو الاستمتاع لا يلزمه لأن الاستمتاع حق له فلا يجب عليه ما يدعوه إليه (فصل) ويجب لها مسكن بدليل قوله تعالى (أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم) فإذا وجبت السكنى للمطلقة فللتي في صلب النكاح أولى قال الله تعالى (وعاشروهن بالمعروف) ومن المعروف أن يسكنها في مسكن ولأنها لا تستغني عن المسكن للسترة عن العيون في التصرف والاستمتاع وحفظ المتاع ويكون المسكن على قدر يسارهما وإعسارهما لقول الله تعالى (من وجدكم) ولأنه واجب لها لمصلحتها في الدوام فجرى مجرى النفقة والكسوة (مسألة) (وإن احتاجت إلى من يخدمها لكون مثلها لا تخدم نفسها أو لمرضها لزمه ذلك) لقول الله تعالى (وعاشروهن بالمعروف) ومن العشرة بالمعروف ان يقم لها خادمها لأنها مما يحتاج إليه في الدوام فأشبه النفقة (مسألة) (فإن كان لها خادم وإلا أقام لها خادماً بشراء أو كراء أو عارية ولا يلزم الزوج أن يملكها خادما)

مسألة فأما الطيب والخضاب والحناء ونحوه فلا يلزمه إلا أن يريد منها التزين به

لأن المقصود الخدمة فإذا حصلت من غير تمليك جاز كما أنه إذا أسكنها داراً بأجرة جاز ولا يلزمه تمليكها مسكناً فإن ملكها الخادم فقد زاد خيراً وإن أخدمها من يلازم خدمتها من غير تمليك جاز سواء كان له أو استأجره حراً كان أو عبداً فإن كان الخادم لها فرضيت بخدمته لها ونفقته على الزوج جاز وإن طلبت منه أجر خادمها فوافقها جاز وإن أبى وقال أنا آتيك بخادم سواه فله ذلك إذا أتاها بمن يصلح لها. ولا يكون الخادم إلا ممن يحل له النظر إليها إما امرأة وإما ذو رحم محرم لأن الخادم يلزم المخدوم في غالب أحواله فلا يسلم من النظر وهل يجوز أن يكون خادم المسلمة من أهل الكتاب؟ فيه وجهان أصحهما جوازه لأن استخدامهم مباح ولأن الصحيح إباحة النظر لهم (والثاني) لا يجوز لأن في إباحة نظرهم اختلافاً وتعافهم النفس ولا يتنظفون من النجاسة (مسألة) (وعليه نفقته بقدر نفقة الفقيرين إلا في النظافة) يجب على الزوج نفقة الخادم وكسوته مثل ما لامرأة المعسر إلا أنه لا يجب لها المشط والدهن والسدر لرأسها لأن ذلك مما يراد للزينة والتنظيف ولا يراد ذلك من الخادم. فإن احتاجت إلى خف لتخرج إلى شراء الحوائج لزمه ذلك (مسألة) (ولا يلزمه أكثر من نفقة خادم واحد، لأن المستحق خدمتها في نفسها ويحصل ذلك بواحد) ، وهذا قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي وقال مالك إن كان لا يصلح المرأة إلا

مسألة فإن كان لها خادم وإلا أقام لها خادما بشراء أو كراء أو عارية ولا يلزم الزوج أن يملكها خادما

أكثر من خادم فعليه أن ينفق على أكثر من خادم واحد ونحوه قال أبو ثور إذا احتمل الزوج ذلك فرض لخادمين. ولنا أن الخادم الواحد يكفيها لنفسها والزيادة تراد لحفظ ملكها وللتجمل وليس عليه ذلك (مسألة) فإن قالت أنا أخدم نفسي وآخذ ما يلزمك لخادمي لم يكن لها ذلك ولم يلزمه) لأن الأجر عليه فتعيين الخادم إليه ولأن في خدمة غيرها إياها توفيرها على حقوقه وترفهها ورفع قدرها وذلك يفوت بخدمتها لنفسها. (مسألة) فإن قال الزوج أنا أخدمك بنفسي لم يلزمها) لأنها تحتشمه وفيه غضاضة عليها لكون زوجها خادماً وفيه وجه آخر أنه يلزمها الرضى به لأن الكفاية تحصل به (فصل) ويلزمه نفقة المطلقة الرجعية وكسوتها ومسكنها كالزوجة سواء، لأنها زوجة بدليل قوله سبحانه (وبعولتهن أحق بردهن) ولأنه يلحقها طلاقه وظهاره وإيلاؤه فأشبه ما قبل الطلاق وللأدلة الدالة على وجوب نفقة الزوجة من الكتاب والسنة والإجماع (مسألة) (وأما البائن بفسخ أو طلاق فإن كانت حاملاً فلها النفقة والسكنى وإلا فلا شئ لها وعنه لها السكنى) وجملة ذلك أن الرجل إذا طلق امرأته طلاقاً بائناً إما أن يكون ثلاثاً أو بخلع أو بانت بفسخ وكانت حاملاً فلها النفقة والسكنى بإجماع أهل العلم لقول الله تعالى (أسكنوهن من حيث سكنتم من من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن) وفي

مسألة فإن قالت أنا أخدم نفسي وآخذ ما يلزمك لخادمي لم يكن لها ذلك ولم يلزمه

بعض ألفاظ حديث فاطمة بنت قيس " لا نفقة لك " إلا أن تكون حاملاً ولأن الحمل ولده فيلزمه الإنفاق عليه ولا تمكنه النفقة عليه إلا بالإنفاق عليها فوجب كما وجبت أجرة الرضاع وإن كانت حائلاً فلا نفقة لها وفي السكنى روايتان (إحداهما) لا يجب لها ذلك وهو قول علي وابن عباس وجابر وبه قال عطاء وطاوس والحسن وعمر بن ميمون وعكرمة وإسحاق وأبو ثور وداود (والثانية) يجب لها وهو قول عمر وابن مسعود وابن عمر وعائشة وسعيد بن المسيب والقاسم وسالم والفقهاء السبعة ومالك والشافعي لقول الله تعالى (أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن) فأوجب لها السكنى مطلقاً ثم خص الحامل بالإنفاق عليها، وقال أكثر فقهاء العراق: لها السكنى والنفقة وبه قال ابن شبرمة وابن أبي ليلى والثوري والحسن بن صالح وأبو حنيفة وأصحابه والبتي والعنبري ويروى ذلك عن عمر وابن مسعود لأنها مطلقة فوجبت لها النفقة والسكنى كالرجعية وردوا خبر فاطمة بنت قيس بما روي عن عمر أنه قال لا ندع كتاب ربنا وسنة نبينا لقول امرأة وأنكرته عائشة وسعيد بن المسيب وتأولوه، قال عروة لقد عابت عائشة ذلك أشد العيب وقالت أنها كانت في مكان وحش فخيف على ناحيتها، وقال سعيد بن المسيب تلك امرأة فتنت الناس بلسانها كانت لسنة فوضعت على يدي ابن أم مكتوم الأعمى

ولنا ما روت فاطمة بنت قيس أن زوجها طلقها البتة وهو غائب فأرسل إليها وكيله بشعير فتسخطنه فقال والله ما لك علينا من شئ فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال " ليس لك عليه نفقة ولا سكنى " فأمرها أن تعتد في بيت أم شريك متفق عليه وفي لفظ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " انظري يا ابنة قيس إنما النفقة للمرأة على زوجها ما كانت له عليها الرجعية فإذا لم يكن له عليها الرجعة فلا نفقة ولا سكنى " رواه الإمام أحمد والاثرم والحميدي، قال ابن عبد البر من طريق الحجة وما يلزم منها: قول أحمد بن حنبل ومن تابعه اصح وأحج لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم نصاً صريحا فأي شئ يعارض هذا إلا مثله عن النبي صلى الله عليه وسلم الذي هو المبين عن الله تعالى مراده ولا شئ يدفع ذلك ومعلوم أنه أعلم بتأويل قول الله تعالى (أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم) ؟ وأما قول عمر ومن وافقه فقد خالفه علي وابن عباس وجابر ومن وافقهم والحجة معهم ولو لم يخالفه أحد منهم لما قبل قوله المخالف لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة على عمر وغيره ولم يصح عن عمر أنه قال لا ندع كتاب ربنا وسنة نبينا لقول امرأة فإن أحمد أنكره وقال أما هذا فلا فإنه قال لا نقبل في ديننا قول امرأة وهذا يرده الإجماع على قبول قول المرأة في الرواية فقد أجد تقول فريعة وهي امرأة وتخبر عائشة وأزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم وصار خبر فاطمة إذا لم تكن حاملاً مثل نظر المرأة إلى الرجال وخطبة الرجل على خطبة أخيه إذا لم تكن سكنت إلى الأول وأما تأويل من تأول حديثها فليس بشئ فإنها تخالفهم في ذلك وهي أعلم بحالها ولم يتفق المتأولون

على شئ وقد رد على من رد عليها فقال ميمون بن مهران لسعيد بن المسيب لما قال تلك امرأة فتنت الناس بلسانها: لئن كانت إنما أخذت بما أفتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم ما فنت الناس وإن لنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة مع أنها أحرم الناس عليه ليس له عليها رجعة ولا بينهما ميراث، وقول عائشة أنها كانت في مكان وحش لا يصح فإن النبي صلى الله عليه وسلم علل بغير ذلك فقال " يا ابنة آل قيس إنما النفقة والسكنى ما كان لزوجك عليك الرجعة " هكذا رواه الحميدي والاثرم ولو صح ما قالته عائشة ما احتاج عمر في رده إلى أن يعتذر بأنه قول امرأة وهي أعرف بنفسها وبحالها، وأما قول عمر رضي الله عنه لا ندع كتاب ربنا فقد قال اسماعيل بن إسحاق نحن نعلم أن عمر لا يقول لا ندع كتاب ربنا إلا لما هو موجود في كتاب الله تعالى والذي في الكتاب أن لها النفقة إذا كانت حاملاً بقوله سبحانه (وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن) وأما غير ذوات الحمل فلا يدل الكتاب إلا على أنهن لا نفقة لهن لاشتراطه الحمل في الأمر بالإنفاق وقد روى أبو داود وغيره بإسنادهم عن ابن عباس في حديث المتلاعنين قال ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما وقضى أن لا بيت لها ولا قوت ولأن هذه محرمة عليه تحريماً لا تزيله الرجعة فلم يكن لها سكنى ولا نفقة كالملاعنة وتفارق الرجعية فانها زوجية يلحقها طلاقه وظهاره وإيلاؤه بخلاف البائن (فصل) ولا سكنى للملاعنة ولا نفقة إن كانت حائلاً للخبر وكذلك إن كانت حاملاً فنفى حملها وقلنا

أنه ينتفي عنه أو قلنا إنه ينتفي بزوال الفراش وإن قلنا لا ينتفي أو لم ينفه وقلنا إنه يلحقه نسبه فلها السكنى والنفقة لأن ذلك للحمل أو لها بسببه وهو موجود فأشبهت المطلقة البائن، فإن نفى الحمل فأنفقت أمه وسكنت من غير الزوج وأرضعت ثم استحقه الملاعن لحقه ولزمته النفقة وأجر المسكن والرضاع لأنها فعلت ذلك على أنه لا أب له فإذا ثبت أب لزمه ذلك ورجع به عليه، فإن قيل النفقة لاجل الحمل فقة الأقارب وهي تسقط بمضي الزمان فكيف يرجع عليه بما يسقط عنه؟ قلنا بل النفقة للحامل لأجل الحمل فلا تسقط كنفقتها في الحياة وإن سلمنا أنها للحمل إلا أنها مصروفة إليها ويتعلق به حقها فلا تسقط بمضي الزمان كنفقتها (مسألة) (فإن طلق زوجته ولم ينفق عليها يظنها حائلاً ثم تبين أنها كانت حاملاً فعليه نفقة ما مضى) لأننا تبينا استحقاقها له فرجعت به عليه كالدين (مسألة) (وإن أنفق عليها يظنها حاملاً وبانت حائلاً مثل من ادعت الحمل لتكون لها النفقة أنفق عليها ثلاثة أشهر ثم أريت الفوايل بعد ذلك) لأن الحمل يتبين بعد ثلاثة أشهر إلا أن تظهر براءتها من الحمل بالحيض أو بغيره فتنقطع نفقتها كما تنقطع إذا قال القوابل ليست حاملاً رجع عليها بما أنفق لأنها أخذت منه ما لا تستحق فرجع عليها كما لو ادعت عليه ديناً وأخذته منه ثم تبين كذبها، وعن أحمد رواية أخرى لا يرجع بشئ لأنه أنفق عليها بحكم آثار النكاح فلم يرجع به كالنفقة في النكاح الفاسد إذا تبين فساده وإن علمت براءتها من الحمل بالحيض فكتمته فينبغي أن يرجع عليها قولاً واحداً لأنها أخذت النفقة مع علمها ببراءته منها كما لو أخذتها من ماله بغير علمه، وإن ادعت الرجعية الحمل فأنفق عليها أكثر من مدة عدتها رجع عليها

مسألة فإن طلق زوجته ولم ينفق عيها يظنها حائلا ثم تبين أنها كانت حاملا فعليه نفقة ما مضى

بالزيادة ويرجع في مدة العدة إليها لأنها أعلم بها فالقول قولها فيها مع يمينها فإن قالت قد ارتفع حيضي فلم أدر ما رفعه فعدتها سنة إن كانت حرة، وإن قالت قد انقضت بثلاثة قروء وذكرت آخرها فلها النفقة إلى ذلك ويرجع عليها بالزائد وإن قالت لا أدري متى آخرها رجعنا إلى عادتها فحسبنا لها بها وإن قالت عادي تختف فتطول وتقصر انقضت العدة بالأقصر لأنه اليقين وإن قالت عادتي تختلف ولا أعلم رددناها إلى غالب عادات النساء في كل شهر قرء كما رددنا المتحيرة الى ذلك في أحكامها كذلك هذه، فإن بان أنها حامل من غيره مثل أن تلده لأكثر من أربع سنين فلا نفقة عليه كمدة حملها لأنه من غيره وإن كانت رجعية فلها النفقة في مدة عدتها فان كانت انقطعت قبل حملها فلها النفقة إلى انقضائها وان حملت في أثناء عدتها فلها النفقة إلى الوطئ الذي حملت منه ثم لا نفقة لها حتى تضع حملها ثم تكون لها النفقة في تمام عدتها وإن وطئها زوجها في العدة الرجعية حصلت الرجعة، وإن قلنا لا تحصل فالنسب لاحق به وعليه النفقة لمدة حملها، وإن وطئها بعد انقضاء عدتها أوطئ البائن عالماً بذلك وبتحريمه فهو زنا لا يلحقه نسب الولد ولا نفقة له عليه من أجله وإن جهل بينونتها أو انقضاء عدة الرجعية أو تحريم ذلك وهو ممن يجهله لحقه النسب وفي وجوب النفقة عليه روايتان

(مسألة) (وهل تجب النفقة للحامل لحملها أو لها من أجله؟ على روايتين) (إحداهما) تجب للحمل اختارها أبو بكر لأنها تجب بوجوده وتسقط عند انقضائه فدل على أنها له (والثانية) تجب لها من أجله لأنها تجب مع اليسار والإعسار فكانت لها كنفقة الزواجات ولأنها لا تسقط بمضي الزمان فأشبهت نفقتها في حياته وللشافعي قولان كالروايتين. وينبني على هذا الاختلاف فروع (منها) أنها إذا كانت المطلقة الحامل أمة وقلنا النفقة للحمل فنفقها على سيدها لأنه ملكه وإن قلنا لها فعلى الزوج لأن نفقتها عليه، وإن كان الزوج عبدا وقلنا هي للحمل فليس عليه نفقة لأنه لا يلزمه نفقة ولده، وإن قلنا لها فالنفقة عليه لما ذكرنا وإن كانت حاملاً من نكاح فاسد أو وطئ شبهة وقلنا النفقة للحمل فعلى الزوج والوطئ لأنه ولده فلزمته نفقته كما بعد الوضع، وإن قلنا للحامل فلا نفقة عليه لأنها ليست زوجة يجب الإنفاق عليها، وإن نشزت امرأة إنسان وهي حامل وقلنا النفقة للحمل لم تسقط نفقتها لأن نفقة ولده لا تسقط بنشوز أمه وإن قلنا لها فلا نفقة لها لأنها ناشز (فصل) ويلزم الزوج دفع نفقة الحامل المطلقة إليها يوماً فيوماً كما يلزمه دفع نفقة الرجعية وقال الشافعي في أحد قوليه لا يلزمه دفعها إليها حتى تضع لأن الحمل غير متحقق ولهذا أوقفنا الميراث وهذا خلاف قول الله تعالى (وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن) ولأنها محكوم لها بالنفقة فوجب دفعها إليها كالرجعية وما ذكره لا يصح فإن الحمل يثبت بالأمارات وتثبت أحكامه في منع النكاح والحد والقصاص وفسخ البيع في الجارية المبيعة والمنع من الأخذ في الزكاة ووجوب الدفع في الدية فهو كالمتحقق، ولا يشبه هذا الميراث فإن الميراث لا يثبت بمجرد الحمل فإنه يشترط له الوضع والاستهلال بعد

مسألة وهل تجب النفقة للحامل لحملها أو لها من أجله على روايتين

الوضع ولا يوجد ذلك قبله ولأننا لا نعلم صفة الحمل ووجود شرط توريثه بخلاف مسئلتنا فإن النفقة تجب بمجرد الحمل ولا تختلف باختلافه. إذا ثبت هذا فمتى ادعت الحمل فصدقها دفع إليها فإن كان حملاً فقد استوفت حقها وإن بان أنها ليست حاملاً رجع عليها سواء دفع إليها بحكم حاكم أو بغيره وسواء شرط أنها نفقة أو لم يشترط وعنه لا يرجع، والصحيح الأول لأنه دفعه على أنه واجب فإذا بان أنه ليس بواجب استرجعه كما لو قضاها ديناً فبان أنه لم يكن عليه دين، وإن أنكر حملها نظر النساء الثقات فرجع إلى قولهن ويقبل قول المرأة الواحدة إذا كانت من أهل الخبرة والعدالة لأنها شهادة على ما لا يطلع عليه الرجال غالباً اشبه الرضاع وقد ثبت الأصل بالخبر المذكور (مسألة) (وأما المتوفى عنها زوجها فإن كانت حائلاً فلا سكنى لها ولا نفقة في مدة العدة لأن النكاح قد زال بالموت وإن كانت حاملاً ففيها روايتان) (إحداهما) لها السكنى والنفقة لأنها حامل من زوجها فكانت لها السكنى والنفقة كالمفارقة في الحياة (والثانية) لا سكنى لها ولا نفقة لأنه قد صار للورثة ونفقة الحامل وسكناها إنما هو للحمل أو من أجله ولا يلزم ذلك الورثة لأنه إن كان للميت ميراث فنفقة الحمل من نصيبه وإن لم يكن له ميراث لم يلزم وارث الميت الإنفاق على حمل امرأته كما بعد الولادة قال القاضي وهذه الرواية أصح (فصل) ولا تجب النفقة على الزوج في النكاح الفاسد لأنه ليس بينهما نكاح صحيح فإن طلقها

مسألة وأما المتوفى عنها زوجها فإن كانت حائلا فلا سكنى لها ولا نفقة في مدة العدة لأن النكاح قد زال بالموت

أو فرق بينهما قبل الوطئ فلا عدة عليها وإن كان بعده فعليها العدة ولا نفقة لها ولا سكنى إن كانت حائلا لأنه إذا لم يجب ذلك قبل التفريق فبعده أولى، وإن كانت حاملاً فعلى ما ذكرنا فإن قلنا لها النفقة إذا كانت حاملاً فلها ذلك قبل التفريق لأنه إذا وجب بعد التفريق فقبله أولى، ومتى أنفق عليها قبل مفارقتها أو بعدها لم يرجع عليها بشئ لأنه إن كان عالماً بعدم الوجوب فهو متطوع به وإن لم يكن عالماً فهو مفرط فلم يرجع به كما لو أنفق على أجنبية، وكل معتدة من وطئ من غير نكاح صحيح كالموطوءة بشهة وغيرها إن كان يلحق الواطئ نسب ولدها فهي كالموطوة في النكاح الفاسد وإن كان لا يلحقه نسب ولدها كالزاني فليس عليه نفقتها حاملاً كانت أولاً لأنه لا نكاح بينهما ولا بينهما ولد ينسب إليه (فصل) ولا تجب على الزوج نفقة الناشز فان كان لها منه ولد أعطاها نفقة ولدها، والنشوز معصيتها إياه فيما يجب عليها مما أوجبه الشرع بسبب النكاح، فمتى امتنعت من فراشه أو من الانتقال معه إلى مسكن مثلها أو خرجت من منزله بغير إذنه أو أبت السفر معه إذا لم تشترط بلدها فلا نفقة لها ولا سكنى في قول عامة أهل العلم منهم الشعبي وحماد ومالك والاوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي وأبو ثور وقال الحكم لها النفقة قال إبن المنذر ولا أعلم أحداً خالف هؤلاء إلا الحكم ولعله يحتج بأن نشوزها لا يسقط مهرها فكذلك نفقتها ولنا أن النفقة إنما تجب في مقابلة تمكينها بدليل أنها لا تجب قبل تسليمها إليه ولأنه إذا منعها النفقة

كان لها منعه التمكين فكذلك إذا منعته التمكين كان له منعها النفقة كما قبل الدخول، ويخالف المهر فإنه يجب بمجرد العقد كذلك لو مات أحدهما قبل الدخول وجب المهر دون النفقة فأما نفقة ولدها منه فهي واجبة عليه فلا يسقط حقه بمعصيتها كالكبير وعليه دفعها إليها إذا كانت هي الحاضنة له أو المرضعة وكذلك أجر رضاعها يلزمه تسليمه إليها لأنه أجر ملكته عليه بالإرضاع لا في مقابلة الاستمتاع فلا يزول بزواله (فصل) وإذا سقطت نفقتها بالنشوز فعادت عن النشوز والزوج حاضر عادت نفقتها لزوال المسقط لها ووجود التمكين المقتضي لها وإن كان غائباً لم تعد نفقتها حتى يعود التسليم بحضوره أو حضور وكيله أو حكم الحاكم بالوجوب إذا مضى زمن الإمكان، ولو ارتدت سقطت نفقتها فإن عادت الى الاسلام عادت بمجرد عودها لأن المرتدة إنما سقطت النفقة بخروجها عن الإسلام فإذا عادت إليه زال المعنى المسقط فعادت النفقة وفي النشوز سقطت النفقة بخروجها عن يده أو منعها له من التمكين المستحق عليها ولا يزول ذلك إلا بعودها إلى يده وتمكينه منها ولا تحصيل ذلك في غيبته وكذلك لو بذلت تسليم نفسها قبل دخوله بها وهو غائب لم تستحق النفقة بمجرد البذل كذا ههنا (فصل) إذا خالعت المرأة زوجها وهي حامل ولم تبرئه من حملها فلها النفقة كالمطلقة ثلاثا وهي حامل لأن الحمل ولده فعليه نفقته وإن أبرأته من الحمل عوضاً في الخلع صح سواء كان العوض كله أو بعضه وقد ذكرناه في الخلع وذكرنا الخلاف فيه ولا تبرأ حتى تفطمه إذا كانت قدا برأته من نفقة

الحمل وكفالة الولد إلى ذلك أو أطلقت البراءة من نفقة الحمل وكفالة لأن البراءة المطلقة تنصرف إلى المدة التي تستحق المرأة العوض عليه فيها وهي مدة الحمل والرضاع لأن المطلق إذا كان له عرف انصرف إليه، وإن اختلفا في مدة الرضاع انصرف إلى حولين لقول الله سبحانه (وفصاله في عامين) وقال تعالى (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة) ثم قال تعالى (فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح علهيما) فدل على أنه لا يجوز فصاله قبل الحولين إلا بتراض منهما وتشاور، وإن قدرا مدة البراءة بزمن الحمل أو بعام نحو ذلك فهو على ما قدراه وهو أولى لأنه أقطع للنزاع وأبعد من اللبس والاشتباه، ولو أبرأته من نفقة الحمل انصرف ذلك إلى زمن الحمل قبل وضعه قال القاضي إنما صح مخالعتها على نفقة الولد وهي الولد دونها لأنها في حكم المالكة لها لأنها التي تقبضها وتستحقها وتتصرف فيها فإنها في مدة الحمل هي الآكلة لها المنتفعة بها وبعد الولادة هي أجر رضاعها إياه وهي الآخذة لها المتصرفة فيها كملك من أملاكها فصح جعلها عوضاً، فأما النفقة الزائدة على هذا من كسوة الطفل ودهنه ونحو ذلك فلا يصح أن تعاوض به في الخلع لأنه ليس هو لها ولا في حكم ما هو لها (فصل) قال الشيخ رحمه الله (ويجب دفع النفقة إليها في صدر نهار كل يوم ذلك إذا طلعت الشمس)

لانه أزل وقت الحاجة فإن اتفقا على تأخيرها او تعجيلها لمدة قليلة أو كثيرة جاز لأن الحق لهما لا يخرج عنهما فجاز من تعجيله وتأخيره ما انفقا عليه كالدين ولا خلاف بين أهل العلم هذا فيما علمنا (مسألة) (فإن طلب أحدهما دفع القيمة لم يلزم الآخر) لأنه طلب غير الوجب فلم يلزم الآخر لأنها معاوضة فلا يجبر عليها واحد منهما كالبيع، وإن تراضيا على ذلك جاز لأنه طعام وجب في الذمة لآدمي معين فجازت المعاوضة عنه كالطعام في القرض (مسألة) (وعليه كسوتها في كل عام مرة) لانه العادة ويكون الدفع إليها في أوله لأنه أول وقت الوجوب (مسألة) (فإذا قبضتها فسرقت أو تلفت لم يلزمه عوضها) إذا تلفت الكسوة أو سرقت بعد قبضها لم يلزمه عوضها لأنها قبضت حقها فلم يلزمه غيره كالدين إذا وفاها إياه ثم ضاع منها (مسألة) (وإن انقضت السنة وهي صحيحة فعليه كسوة السنة الأخرى ويحتمل أن لا يلزمه) وجملة ذلك أنه إذا دفع إليها كسوة العام برئ منها كما إذا دفع إليها نفقة اليوم فإن بليت قبل ذلك لكثرة خروجها ودخولها أو استعمالها لم يلزمه إبدالها لأنه ليس بوقت الحاجة إلى الكسوة في

مسألة فإن طلب أحدهما دفع القيمة لم يلزم الآخر

العرف، وإن مضى الزمان الذي يلي في مثله بالاستعمال ولم يهل فهل يلزمه بدلها؟ فيه وجهان (أحدهما) لا يلزمه لأنها غير محتاجة إلى الكسوة (والثاني) يلزمه لأن الاعتبار بمضي الزمان دون حقيقة الحاجة بدليل أنها لو بليت قبل ذلك لم يلزمه بدلها ولو أهدي إليها كسوة لم تسقط كسوتها وكذلك لو أهدي إليها طعام فأكلته وبقي قوتها إلى الغد لم يسقط قوتها فيه (مسألة) (وإن ماتت أو طلقها قبل مضي السنة فهل يرجع عليها بقسط بقية السنة؟ على وجهين) (أحدهما) له الرجوع لأنه دفعها للزمان المستقبل فإذا طلقها قبل مضيه كان له استرجاعها كما لو دفع إليها نفقة مدة ثم طلقها قبل انقضائها (والثاني) ليس له الاسترجاع لأنه دفع إليها الكسوة بعد وجوبها عليه فلم يكن له الرجوع فيها كما لو دفع إليها النفقة بعد وجوبها ثم طلقها قبل أكلها بخلاف النفقة الستقبلة. (مسألة) (وإذا قبضت النفقة فلها التصرف فيها على وجه لا يضر بها ولا ينهك بدنها فيجوز لها بيعها وهبتها والصدقة بها وغير ذلك) لأنها حقها فملكت التصرف فيه كسائر ما لها فإن عاد ذلك عليها بضرر في بدنها ونقص في استمتاعها فلا تملكه لأنها تفوت حقه بذلك، وكذلك الحكم في الكسوة في أحد الوجهين قياساً على النفقة واحتمل المنع لأن له استرجاعها لو طلقها في أحد الوجهين بخلاف النفقة

مسألة وإن ماتت أو طلقها قبل مضي السنة فهل يرجع عليها بقسط بقية السنة على وجهين

(مسالة) (وإن غاب مدة ولم ينفق نفقة ما مضى سواء تركها لعذر أو غير عذر في أظهر الروايتين) وبه قال الحسن والشافعي وإسحاق وابن المنذر والرواية الأخرى تسقط ما لم يكن الحاكم قد فرضها لها وهو مذهب أبي حنيفة لأنها نفقة تجب يوماً فيوماً فتسقط بتأخيرها إذا لم يفرضها الحاكم كنفقة الأقارب ولأن نفقة الماضي قد استغني عنها بمضي وقتها أشبهت نفقة الأقارب ولنا أن عمر رضي الله عنه كتب إلى أمراء الأجناد في رجال غابوا عن نسائهم يأمرهم بأن ينفقوا أو يطلقوا فإن طلقوا بعثوا بنفقة ما مضى ولأنها حق يجب مع اليسار والإعسار فلم يسقط بمضي الزمان كأجرة العقار والديون قال إبن المنذر: هذه نفقة وجبت بالكتاب والسنة والإجماع ولا يزول ما وجب بهذه الحجج إلا بمثلها وفارق نفقة الأقارب فإنها صلة يعتبر فيها اليسار من المنفق والإعسار ممن تجب له وجبت لتزجية الحال فإذا مضى زمنها استغنى عنها فأشبه ما لو استغنى عنها بيساره وهذا بخلاف ذلك. إذا ثبت هذا فإنه إن ترك النفقة عليها مع يساره فعليه النفقة بكمالها، وإن تركها لإعساره لم يلزمه إلا نفقة المعسر لأن الزائد سقط بالإعسار (فصل) والذمية كالمسلمة في النفقة والمسكن والكسوة في قول عامة أهل العلم وبه يقول مالك والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي لعموم النصوص والمعنى (فصل) قال الشيخ رحمه الله إذا بذلت المرأة تسليم نفسها إليه وهي ممن يوطأ مثلها أو يتعذر

مسألة وإن غاب مدة ولم ينفق فعليه نفقة ما مضى تركها لتعذر أو غير عذر في أظهر الروايتين

وطؤها لمرض أو حيض أو رتق أو نحوه لزم زوجها نفقتها سواء كان الزوج صغيراً أو كبيراً يمكنه الوطئ أو لا يمكنه كالمجبوب والعنين والمريض) وجملته أن المرأة إذا بذلت تسليم نفسها وهي ممن يوطأ مثلها لزم زوجها نفقتها لما روى جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " اتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللم فروجهن بكلمة الله ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف " رواه مسلم (مسألة) (وإن سلمت نفسها وهي ممن يتعذر وطؤها لرتق أو حيض أو نفاس أو لكونها نضوة الخلق لا يمكنه وطؤها لذلك أو لمرضها لزمته نفقتها أيضاً وإن حدث بها شئ من ذلك لم تسقط نفقتها) لأن الاستمتاع ممكن ولا تفريط من جهتها وإن منع من الوطئ فإن قيل فالصغيرة التي لا يمكن وطؤها إذا سلمت نفسها لا تجب نفقتها قلنا الصغيرة لها حال يتمكن من الاستمتاع بها فيها استمتاعا تاماً والظاهر أنه تزوجها انتظارا لملك الحال بخلاف هؤلاء وكذلك لو طلب تسليم هؤلاء وجب تسليمهن ولا يجب تسليم الصغيرة إذا طلبها فإن قيل فلو بذلت الصحيحة الاستمتاع مما دون الوطئ لم تجب نفقتها فكذلك هؤلاء، قلنا تلك متعة مما يجب عليها وهؤلاء لا يجب عليهن التمكين مما فيه ضرر، فإن ادعت أن عليها ضرراً في وطئه لضيق فرجها أو قروح به أو نحو ذلك وأنكره أريت امرأة ثقة وعمل بقولها وإن ادعت

مسألة وإن سلمت نفسها وهي ممن يتعذر وطؤها لرتق أوحيض أو نفاس أو لكونها نضوة الخلق لا يمكنه وطؤها

عيالة ذكره وعظمه جاز أن تنظر المرأة إليهما حال اجتماعهما لأنه موضع حاجة ويجوز النظر إلى العورة للحاجة والشهادة. (مسألة) (وإن أسلمت نفسها وهي صغيرة وجبت عليه نفقتها إذا كانت كبيرة يمكن وطؤها) وبهذا قال أبو حنيفة ومحمد بن الحسن والشافعي في أحد قوليه وقال في الآخر لا نفقة لها وهو قول مالك لأن الزوج لا يتمكن من الاستمتاع بها فلم يلزمه نفقتها كما لو كانت صغيرة ولنا أنها سلمت نفسها تسليماً صحيحاً فوجبت لها النفقة كما لو كان الزوج كبيراً ولأن الاستمتاع بها ممكن وإنما تعذر من جهة الزوج فهو كما لو تعذر لغيبته بخلاف ما إذا كانت صغيرة فإنها لم تسلم نفسها تسليماً صحيحاً ولم تبذل ذلك وكذلك إذ كان يتعذر عليه الوطئ إذا كان مريضاً أو مجبوباً أو عنيناً لأن التمكين وجد من جهتها وإنما تعذر من جهته فوجبت النفقة كما لو سلمت إليه نفسها وهو كبير فهرب، إذا ثبت هذا فإن الولي يجبر على نفقتها من مال الصبي لأن النفقة عليه وإنما الولي ينوب عنه في أداء الواجبات عليه كما يؤدي أروش جناياته وزكواته (مسألة) (فإن كانت صغيرة لا يمكن وطؤها لم تجب نفقتها ولا تسليمها إليه إذا طلبها) وبهذا قال الحسن وبكر بن عبد الله المزني والنخعي واسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي وهو نص الشافعي وقال في موضع لو قيل لها النفقة كان مذهباً وهو قول الثوري لان تعذر الوطئ لم يكن بفعلها ولم يمنع وجوب النفقة كالمرض.

مسألة وإن أسلمت نفسها وهي صغيرة وجبت عليه نفقتها إذا كانت كبيرة يمكن وطؤها

ولنا أن النفقة تجب بالتمكين من الاستمتاع ولا يتصور ذلك مع تعذر الاستمتاع فلم تجب نفقتها كما لو منعه أولياؤها من تسليم نفسها وبهذا يبطل ما ذكروه وتفارق المريضة فإن الاستمتاع بها ممكن وإنما نقص بالمرض ولأن من لا تمكن الزوج من نفسها لا تلزمه نفقتها فهذه أولى لأن تلك يمكن الزوج قهرها ووطؤها كرهاً وهذه لا يمكن فيها ذلك بحال وعلى هذا لا يجب على الزوج تسلمها ولا تسليمها إليه إذا طلبها لأنه لا يمكنه استيفاء حقه منها. (مسألة) (وإن بذلته والزوج غائب لم يفرض لها حتى يراسله الحاكم ويمضي زمن يمكن أن يقدم في مثله) . وجملة ذلك أن المرأة بذلت التسليم والزوج غائب لم تستحق النفقة لأنها بذلته في حال لا يمكنه التسليم فيه فإن مضت إلى الحاكم فبذلت التسليم كتب الحاكم إلى حاكم البلد الذي هو فيه ليستدعيه ويعلمه ذلك فإن سار إليها أو وكل من يسلمها إليه فوصل وتسلمها هو أو نائبه وجبت النفقة حينئذ وإن لم يفعل فرض الحاكم عليه نفقتها من الوقت الذي كان يمكن الوصول إليها وتسلمها فيه لأن الزوج امتنع من تسلمها وإمكان ذلك وبذلها إياه له فلزمته نفقتها كما لو كان حاضراً فأما إن غاب الزوج بعد تمكينها ووجوب نفقتها عليه لم تسقط عنه بل تجب عليه في زمن غيبة لأنها استحقت النفقة بالتمكين ولم يوجد منها ما يسقطها (فصل) فإن سلمت الصغيرة التي يمكن وطؤها نفسها أو المجنونة فتسلمها لزمته نفقتها كالكبيرة وإن

مسألة وإن بذلته والزوج غائب لم يفرض لها حتى يراسله الحاكم ويمضي زمن يمكن أن يقدم في مثله

لم يتسلمها لمنعها نفسها أو لمنع أوليائها فلا نفقة لها عليه كالكبيرة وإن غاب الزوج فبذل وليها تسليمها فهو كما لو بذلت المكلفة التسليم لأن وليها يقوم مقامها وإن بذلت هي دون وليها لم يفرض الحاكم لها نفقة لأنه لا حكم لكلامها (مسألة) (وإن منعت نفسها أو منعها أهلها فلا نفقة لها وإن تساكنا بعد العقد فلم تبذل ولم يطلب فلا نفقة لها وإن طال مقامها على ذلك) فإن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج عائشة رضي الله عنها ودخلت عليه بعد سنتين ولم ينفق إلا بعد دخوله ولم يلتزم نفقتها لما مضى ولأن النفقة تجب في مقابلة التمكين المستحق بعقد النكاح فإذا وجد استحقت وإذا فقد لم تستحق شيئاً (فصل) ولو بذلت تسليمها غير تام بأن تقول أسلم إليك نفسي في منزلي دون غيره أو في المنزل الفلاني دون غيره لم تستحق شيئا إلا أن تكون قد اشترطت ذلك في العقد لأنها لم تبذل التسليم الواجب بالعقد فلم تستحق النفقة كما لو قال البائع أسلم إليك السلعة على أن تتركها في موضعها أو في مكان يعينه فان شرطت دارها أو بلدها فسلمت نفسها في ذلك استحقت النفقة لأنها فعلت الواجب عليها ولذلك لو سلم السيد أمته المزوجة في الليل دون النهار استحقت النفقة بخلاف الحرة فإنها لو بذلت نفسها في بعض الزمان لم تستحق شيئاً لأنها لم تسلم التسليم الواجب بالعقد وكذلك إن أمكنته من استمتاع ومنعته استمتاعاً لم تستحق شيئاً كذلك (مسألة) (إلا أن تمنع نفسها قبل الدخول حتى تقبض صداقها الحال فلها ذلك وتجب نفقتها)

مسألة وإن منعت نفسها أو معها أهلها فلا نفقة لها وإن تساكنا بعد العقد فلم تبذل ولم يطلب فلا نفقة لها وإن طال مقامها على ذلك

وجملة ذلك أن امرأة تمنع نفسها حتى تتسلم صداقها لأن تسليم نفسها قبل صداقها يفضي إلى أن يتسلم منفعتها المعقود عليها بالوطئ ثم لا يسلم صداقها فلا يمكنها الرجوع فيما استوفى منها بخلاف المبيع إذا سلمه المشتري ثم أعسر بالثمن فإنه يمكنه الرجوع فيه فلهذا ألزمناه تسليم صداقها أولاً وجعلنا لها أن تمتتع من تسليم نفسها حتى تقبض صداقها لأنه إذا سلم إليها الصداق ثم امتنعت من التسليم أمكن الرجوع فيه. إذا ثبت هذا فمتى امتنعت من تسليم نفسها لتقبض صداقها فلها نفقتها لأنها امتنعت لحق فإن قيل فلو امتنعت لصغر أو مرض لم يلزمه نفقتها، قلنا الفرق بينهما أن امتناعها لمرض لمعنى من جهتها وكذلك الامتناع لصغر وههنا الامتناع لمعنى من جهة الزوج هو منعه لما وجب عليه فأشبه ما لو تعذر الاستمتاع لصغر الزوج فإنه لا يسقط نفقتها عنه ولو تعذر لصغرها لم يلزمه نفقتها (مسألة) (وإن كان بعد الدخول فكذلك في أحد الوجهين قياساً على ما قبل الدخول (والثاني) ليس لها ذلك كما لو سلم المبيع إلى المشتري ثم أراد منعه بعد ذلك (مسألة) (فأما الصداق المؤجل فليس لها منع نفسها حتى تقبضه كالثمن المؤجل في البيع وقد ذكرنا هذه المسائل في كتاب الصداق بأبسط من هذا وذكرنا الخلاف فاختصرنا ههنا) (مسألة) (وإن سلمت الأمة نفسها ليلاً أو نهاراً فهي كالحرة في وجوب النفقة) وجملة ذلك أن زوج الأمة لا يخلو إما أن يكون حراً أو عبداً أو بعضه حر وبعضه عبد فإن كان حراً فنفقتها

مسألة فأما الصداق المؤجل فليس لها منع نفسها حتى تقبضه كالثمن المؤجل في البيع وقد ذكرنا هذه المسائل في

عليه للنص ولاتفاق أهل العلم على وجوب نفقة الزوجات على أزواجهن البالغين والأمة داخلة في عمومهن ولأنها زوجة ممكنة من نفسها فوجب على زوجها نفقتها كالحرة، وإن كان زوجها مملوكاً فالنفقة واجبة لزوجته كذلك، قال إبن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن على العبد نفقة زوجته هذا قول الشعبي والحكم والشافعي وبه قال أصحاب الرأي إذا بوأها بينا، وحكي عن مالك أنه قال ليس عليه نفقتها لأن النفقة مواساة وليس هو من أهلها وكذلك لا يجب عليه نفقة أقاربه ولا زكاة ماله ولنا أنه عوض واجب في النكاح فوجب على العبد كالمهر، والدليل على أنها عوض أنها تجب في مقابلة التمكين ولهذا تسقط عن الحر بفوات التمكين، وبذلك فارقت نفقة الأقارب. إذا ثبت وجوبها على العبد فإنها تلزم سيده لأن السيد أذن في النكاح المفضي إلى إيجابها، وقال ابن أبي موسى فيه رواية أخرى أنها تجب في كسب العبد وهو قول أصحاب الشافعي لأنه لم يمكن إيجابها في ذمته ولا رقبته ولا ذمة سيده ولا إسقاطها فلم يبق إلا أن تتعلق بكسبه، وقال القاضي تتعلق برقبته لأن الوطئ في النكاح بمنزلة الجناية وأرش جناية العبد يتعلق برقبته يباع فيها أو يفديه سيده وهذا قول أصحاب الرأي ولنا أنه أذن السيد فيه فيلزم ذمته كالذي استدانه وكيله وقولهم إنه في مقابلة الوطئ لا يصح فإنه يجب من غير وطئ ويجب للرتقاء والحائض والنفساء وزوجة المجبوب والصغيرة وإنما تجب بالتمكين وليس

ذلك بجناية ولا قائم مقامها، وقول من قال إنه تعذر إيجابها في ذمة السيد غير صحيح فإنه لا مانع من إيجابها وقد ذكرنا وجود مقتضيه فلا معنى لدعوى التعذر (مسألة) (وإن كانت تأوي إليه ليلاً وعند السيد نهاراً فعلى كل واحد منهما النفقة بقدر مقامها عنده) وقد تقدم ذكر هذه المسألة، وقد ذكرنا أن النفقة تجب في مقابلة التمكين وقد وجد منها في الليل فيجب على الزوج النفقة فيه والباقي منها على السيد بحكم أنها مملوكته ولم تجب نفقتها على غيره في هذا الزمن، فعلى هذا على كل واحد منهما نصف النفقة وهذا أحد قولي الشافعي وقال الآخر لا نفقة لها على الزوج لأنها لم تمكن من نفسها في جميع الزمان فلم يجب لها شئ من النفقة كالحرة إذا بذلت نفسها في زمن دون غيره ولنا أنه وجد التمكين الواجب بعقد النكاح فاستحقت النفقة كالحرة إذا أمكنت من نفسها في غير أوقات الصلوات المفروضات والصوم الواجب والحج المفروض، وفارق الحرة إذا امتنعت في أحد الزمانين فإنها لم تبذل الواجب فتكون ناشزاً وهذه ليست ناشزاً ولا عاصية (فصل) وإذا طلق الأمة طلاقاً رجعياً فلها النفقة في العدة لأنها زوجة فإن أبانها وهي حائل فلا نفقة لها لأنها لو كانت حرة لم تجب لها نفقة فالأمة أولى وإن كانت حاملاً فلها النفقة لقول الله تعالى

مسألة وإن كانت تأوي إليه ليلا وعند السيد نهارا فعلى كل واحد منهما النفقة بقدر مقامها عنده

(وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن) نص على هذا أحمد وبه قال إسحاق وقد ذكرنا في نفقة الحامل هل هي للحمل أو للحامل؟ على روايتين عن أحمد رحمه الله إحداهما أنها للحمل فعلى هذا لا تجب للمملوكة الحامل البائن لأن الحمل مملوك لسيدها فنفقته عليه وعلى الرواية الأخرى تجب وللشافعي في هذا قولان كالروايتين (فصل) فإن كان المطلق عبداً فطلقها ثانياً وهي حامل انبنى وجوب النفقة على الروايتين في النفقة هل هي للحمل أو للحامل؟ فإن قلنا هي للحمل فلا نفقة على العبد وبه قال مالك وروي ذلك عن الشعبي لأنه لا يجب عليه نفقة ولده وإن قلنا هي للحامل بسببه وجبت لها النفقة وهذا قول الأوزاعي للآية ولأنها حامل فوجبت لها النفقة كما لو كان زوجها حراً (فصل) والمعتق بعضه عليه من نفقة امرأته بقدر ما فيه من الحرية وباقيها على سيده أو في ضريته أو في رقبته على ما ذكرنا في العبد القن، والقدر الذي يجب عليه بالحرية يعتبر فيه حاله إن كان موسراً فنفقة الموسرين وإن كان معسراً فنفقه المعسرين والباقي يجب فيه نفقة المعسرين، لأن النفقة مما يتبعض وما يتبعض بعضناه في حق المعتق بعضه كالميراث والديات وما لا يتبعض فهو فيه كالعبد لان الحرية إما شرط فيه أو سبب له ولم يكمل وهذا اختيار المزني، وقال الشافعي حكمه حكم القن في الجميع إلحاقاً لأحد الحكمين بالآخر.

ولنا أنه يملك بنصفه الحر ملكاً تاماً ولهذا يورث عنه ويكفر بالإطعام ويجب فيه نصف دية الحر فوجب أن تتبعض فنفقته لأنها من جملة الأحكام القابلة للتبعيض (فصل) وحكم المكاتب في نفقة الزوجات حكم العبد القن لأنه عبد ما بقي عليه درهم ويجب عليه نفقة زوجته من كسبه، لأن نفقة الزوجة واجبة بحكم المعاوضة مع اليسار والإعسار ولذلك وجبت على العبد فعلى المكاتب أولى، ولأن نفقة المرأة لا تسقط عن أحمد من الناس إذا لم يوجد منها ما يسقط نفقتها ولا يمكن إيجابها على سيده لأن نفقة المكاتب لا تجب على سيده فنفقة امرأته أولى (مسألة) (وإذا نشزت المرأة أو سافرت بغير إذنه أو تطوعت بحج أو صوم أو أحرمت بحج منذور في الذمة بغير إذنه فلا نفقة لها) لا تجب نفقة الناشز في قول عامة أهل العلم، قال ابن المنذر لا نعلم احدا خالف فيه إلا الحكم ولعله قاسه على المهر ولا يصح القياس، لأن النفقة وجبت في مقابلة التمكين من نفسها فإذا لم يوجد منها التمكين لا تستحقها بخلاف المهر فإنه يجب بمجرد العقد، وكذلك لو مات أحدهما قبل الدخول وجب المهر دون النفقة وقد ذكرناه، فأما إذا سافرت المرأة بغير إذن زوجها فإن نفقتها تسقط لأنها ناشز وكذلك إن انتقلت من منزله بغير إذنه وإن سافرت في حاجة نفسها بإذنه سقطت نفقتها، ذكره الخرقي لأنها فوتت التمكين لحظ نفسها وقضاء أربها فأشبه ما لو استنظرته قبل الدخول مدة فأنظرها إلا أن يكون مسافراً

مسألة وإذا نشزت المرأة أو سافرت بغير إذنه أو تطوعت بحج أو صوم أو أحرمت بحج منذور في الذمة بغير إذنه

معها متمكناً من استمتاعها فلا تسقط نفقتها لأنها لم تفوت التمكين فأشبهت غير المسافرة، ويحتمل أن لا تسقط نفقتها وإن لم يكن معها لأنها مسافرة بإذنه أشبه ما لو سافرت في حاجته وسواء كان سفرها للتجارة أو حج تطوع أو زيارة وإن أحرمت بحج تطوع بغير إذنه سقطت نفقتها لأنها في معنى المسافرة فإن أحرمت به بإذنه فقال القاضي لها النفقة والصحيح أنها كالمسافرة لأنها باحرامها مانعة له من التمكين (مسألة) (وإن بعثها في حاجته فهي على نفقتها) لأنها سافرت في شغلة ومراده وإن أحرمت بالحج الواجب أو العمرة الواجبة في الوقت الواجب من الميقات فلها النفقة لأنها فعلت الواجب عليها بأصل الشرع في وقته فلم تسقط نفقتها كصيام رمضان، وإن قدمت الإحرام على الميقات أو قبل الوقت خرج فيها من القول مثل ما في المحرمة بحج التطوع لأنها فوتت عليه التمكين بشئ تستغني عنه، فإن اعتكفت فالقياس أنه كفرها ان كان بغير إذنه فهي ناشز لخروجها من منزل زوجها بغير إذنه فيما ليس واجباً بأصل الشرع وإن كان بإذنه فلا نفقة لها على قول الخرقي وعند القاضي لها النفقة، وإن صامت رمضان لم تسقط نفقتها لأنه واجب مضيق بأصل الشرع لا يملك منعها منه فهو كالصلاة، ولأنه يكون صائماً معها فيمتنع الاستمتاع لمعنى وجد فيه، وإن كان تطوعا تسقط

مسألة وإن بعثها في حاجته فهي على نفقتها

نفقتها لأنها لم تأت ما يمنعه من استمتاعها فإنه يمكنه تفطيرها ووطؤها إلا أن يريد ذلك منها فتمنعه فتسقط نفقتها بامتناعها من التمكين الواجب. (مسألة) (وإن أحرمت بمنذور معين في وقته فعلى وجهين) (أحدهما) لها النفقة، ذكره القاضي لأن أحمد نص على أنه ليس له منعها (والثاني) أنه إن كان نذرها قبل النكاح أو كان النذر بإذنه لم تسقط نفقتها لأنه كان واجباً عليها بحق سابق على نكاحه أو واجب أذن في سببه وإن كان النذر في نكاحه بغير إذنه فلا نفقة لها لأنها فوتت عليه حقه من الاستمتاع باختيارها بالنذر الذي لم يوجبه الشرع عليها ولا ندبها إليه وإن كان النذر مطلقاً أو كان صوم كفارة فصامت بإذنه فلها النفقة لأنها أدت الواجب بإذنه فأشبه ما لو صامت المعين بإذنه في وقته وإن صامت بغير إذنه فقال القاضي لا نفقة لها لأنها يمكنها تأخيره فإنه على التراخي، وحق الزوج على الفور وإن كان قضاء رمضان قبل ضيق وقته فكذلك وإن كان وقته مضيقاً مثل أن قرب رمضان آخر فعليه نفقتها لأنه واجب مضيق بأصل الشرع أشبه أداء رمضان (مسألة) (وإن اختلفا في نشوزها فادعى أنها نشزت وأنكرت الزوجة فالقول قولها مع يمينها) لأن الأصل عدم النشوز (مسألة) (وكذلك إن ادعى تسليم النفقة فأنكرته فالقول قولها كذلك)

مسألة وكذلك إن ادعى تسليم النفقة إليها فأنكرته فالقول قولها كذلك

(مسألة) (وإن اختلفا في بذل التسليم فقالت بذلت لك تسليم نفسي فأنكرها فالقول قوله) لأنه منكرا والأصل عدم التسليم (فصل) وإن أعسر الزوج بنفقتها أو بعضها أو بالكسوة خيرت بين فسخ النكاح والمقام وتكون النفقة ديناً في ذمته، وعن أحمد ما يدل على أنها لا تملك الفسخ بإعساره، والأول المذهب، إذا منع الرجل نفقة امرأته لعسرته وعدم ما ينفقه خيرت بين الصبر عليه وبين فراقه روي نحو ذلك عن عمر وعلي وأبي هريرة وبه قال سعيد بن المسيب والحسن وعمر بن عبد العزيز وربيعة وحماد ومالك وعبد الرحمن بن مهدي والشافعي واسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وعن أحمد أنها لا تملك الفسخ بالإعسار والأول المذهب وذهب عطاء والزهري وابن شبرمة وأبو حنيفة وصاحباه إلى أنها لا تملك فراقه بذلك ولكن يرفع يده عنها لتكتسب لأنه حق لها عليه فلا يفسخ النكاح لعجزه عنه كالدين، وقال العنبري يحبس إلى أن ينفق ولنا قول الله تعالى (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) وليس الإمساك مع ترك الإنفاق إمساكاً بمعروف فتعين التسريح، وروى سعيد عن سفيان عن أبي الزنا وقال سألت سعيد بن المسيب عن الرجل لا يجد ما ينفق على امرأته أيفرق بينهما؟ قال نعم قلت سنة قال سنة؟ وهذا ينصرف إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إبن المنذر ثبت أن عمر بن الخطاب كتب إلى أمراء الاجناد في رجال غابوا من نسائهم فأمرهم بأن ينفقوا أو يطلقوا فإن طلقوا بعثوا بنفقة ما مضى، ولأنه إذا ثبت الفسخ بالبجر عن الوطئ

مسألة وإن اختلفا في بذل التسليم فقالت: بذلت لك تسليم نفسي فأنكرها فالقول قوله

والضرر فيه أقل لأنه إنما هو فقد لذة وشهوة يقوم البدن بدونه، فلأن يثبت بالعجز عن النفقة التي لا يقوم البدن إلا بها أولى إذا ثبت هذا فانه متى ثبت الإعسار بالنفقة على الاطلاق فللمرأة المطالبة بالفسخ من غير إنظار، وهذا أحد قولي الشافعي، وقال حماد بن أبي سليمان يؤجل سنة قياساً على العنين، وقال عمر بن عبد العزيز اضربوا له شهراً أو شهرين، وقال مالك الشهر ونحوه، وقال الشافعي في القول الآخر يؤجل ثلاثاً لأنه قريب. ولنا ظاهر حديث عمر رضي الله عنه ولأنه معنى يثبت الفسخ ولم يرد الشرع بالانظار فيه فأثبت الفسخ في الحال كالعيب ولأن سبب الفسخ الإعسار وقد وجد فلا يلزم التأخير (فصل) فإن لم يجد إلا نفقة يوم بيوم فليس ذلك إعساراً يثبت به الفسخ، لأن ذلك هو الواجب عليه وقد قدر عليه، وإن وجد في أول النهار ما يغديها وفي آخره ما يعشيها لم يكن لها الفسخ لأنها تصل إلى كفايتها وما يقوم به بدنها وإن كان صانعاً يعمل في الإسبوع ما يبيعه يوم بقدر كفايتها في الإسبوع كله لم يثبت الفسخ، لأن هذا يحصل الكفاية في جميع زمانه وإن تعذر عليه الكسب في بعض زمانه أو تعذر البيع لم يثبت الفسخ لأنه يمكنه الاقتراض إلى زوال العارض وحصول الاكتساب وكذلك إن عجز عن الاقتراض أياماً يسيرة، ولأن ذلك يزول عن قريب ولا يكاد يسلم منه كثير من الناس، وإن مرض مرضاً يرجى برؤه في أيام يسيرة فلم يفسخ لما ذكرناه وإن كان ذلك يطول فلها الفسخ لأن

الضرر الغالب يلحقها ولا يمكنها الصبر وكذلك إن كان لا يجد من النفقة إلا يوماً دون يوم لأنها لا يمكنها الصبر على هذا فهو كمن لا يجد إلا بعض الفوت وإن اعسر ببعض نفقة المعسر ثبت لها الخيار لأن البدن لا يقوم بما دونها فإن أعسر بما زاد على نفقة المعسر فلا خيار لها لأن تلك الزيادة تسقط بإعساره ويمكن الصبر عنها (مسألة) (وإن رضيت بالمقام معه مع عسرته وترك المطالبة جاز) لأن الحق لها وتكون النفقة ديناً في ذمته ثم إن بدا لها الفسخ أو تزوجت معسراً عالمة بحاله راضية بعسرته وترك إنفاقه أو شرط عليها أن لا ينفق عليها ثم عن لها الفسخ فلها ذلك وبه قال الشافعي وقال القاضي: كلام أحمد أنه ليس لها الفسخ ويبطل خيارها في الموضعين وهو قول مالك لأنها رضيت بعيبه ودخلت في العقد عالمة به فلم تملك الفسخ كما لو تزوجت عنيناً عالمة بعيبه أو قالت بعد العقد قد رضيت به عنيناً ولنا أن وجوب النفقة تتجدد كل يوم فتجدد لها الفسخ ولا يصح إسقاط حقها فيما لم يجب لها كإسقاط شفعتها قبل البيع، وكذلك لو أسقطت النفقة المستقبلة لم تسقط ولو أسقطها أو أسقطت المهر قبل النكاح لم يسقط وإذا لم يسقط وجوبها لم يسقط الفسخ الثابت به وإن أعسر بالمهر وقلنا لها الفسخ لإعساره به فرضيت بالمقام لم يكن لها الفسخ لأن وجوبه لم يتجدد بخلاف النفقة فإن

مسألة وإن رضيت بالمقام معه مع عسرته وترك المطالبة جاز

تزوجته عالمة بإعساره بالمهر راضية فينبغي أن لا تملك الفسخ بإعساره لأنها رضيت بذلك في وقت لو أسقطته فيه سقط. (فصل) وإذا رضيت بالمقام مع ذلك لم يلزمها التمكين من الاستمتاع لأنه لم يسلم إليها عوضه فلم يلزمها تسليمه كما لو أعسر المشتري بثمن المبيع لم يجب تسليمه إليه وعليه تخلية سبيلها لتكتسب لها وتحصل ما تنفقه عليها لأن في حبسها بغير نفقة إضراراً بها، وإن كانت موسرة لم يكن له حبسها لأنه إنما يملك حبسها إذا كفاها المؤنة وأغناها عنما لابد لها منه ولحاجته إلى الاستمتاع الواجب له عليها فإذا انتفي الامر إن لم يملك حبسها (مسألة) (وإن أعسر بنفقة الخادم أو النفقة الماضية أو نفقة الموسر أو المتوسط أو الأدم فلا فسخ لها وتكون النفقة ديناً في ذمته، وقال القاضي تسقط) إذا أعسر بالنفقة الماضية لم يكن لها الفسخ لأنها دين يقوم البدن بدونها فأشبهت سائر الديون وكذلك إن أعسر بنفقة الموسر أو المتوسط فلا فسخ لها لأن الزيادة تسقط بإعساره ويمكن الصبر عنها وكذلك إن أعسر بنفقة الخادم أو الأدم كذلك (مسألة) (ويثبت ذلك في ذمته، وكذلك إن أعسر بالسكن وقلنا لا يثبت لها الفسخ) وبهذا قال الشافعي، وقال القاضي لا يثبت لأنه من الزوائد فلم يثبت في ذمته كالزوائد عن الواجب عليه

مسألة وإن أعسر بنفقة الخادم أو النفقة الماضية أو نفقة الموسر أو المتوسط أو الأدم فلا فسخ لها وتكون النفقة

ولنا أنها نفقة تجب على سبيل العوض فتثبت في الذمة كالنفقة الواجبة للمرأة قوتاً وهذا فيما عدا الزائد على نفقة المعسر فإن ذلك يسقط بالإعسار (مسألة) (وإن أعسر بالسكنى أو المهر فهل لها الفسخ؟ يحتمل وجهين) إذا أعسر بأجرة المسكن فلها الخيار في أحد الوجهين لأنه مما لابد منه أشبه النفقة والكسوة (والثاني) لا خيار لها لأن البينة تقوم بدونه، وهذا الوجه الذي ذكره القاضي، وإن أعسر بالصداق ففيه ثلاثة أوجه (أحدهما) ليس لها الفسخ اختاره ابن حامد (والثاني) لها الفسخ اختاره أبو بكر لأنه أعسر بالعوض فكان لها الرجوع في المعوض كما لو أعسر بثمن مبيعها (والثالث) إن أعسر قبل الدخول فلها الفسخ كما لو أفلس المشتري والمبيع بحاله، وإن كان بعد الدخول لم يملك الفسخ لأن المعقود عليه قد استوفي فأشبه ما لو أفلس المشتري بعد تلف المبيع أو بعضه وهذا المشهور في المذهب واختار شيخنا الرواية الأولى لأنه دين فلم يفسخ النكاح، للإعسار به كالنفقة الماضية ولأن تأخيره ليس فيه ضرر ومجحف فأشبه نفقة الخادم ولأنه لا نص فيه ولا يصح قياسه على الثمن في المبيع لأن الثمن كل مقصود البائع والعادة تعجيله والصداق فضلة ونحلة ليس هو المقصود في النكاح وكذلك لا يفسد النكاح بفساده ولا بترك ذكره والعادة تأخيره ولأن أكثر من يشتري بثمن حال يكون موسراً به يشتري بثمن حال يكون موسراً به وليس الأكثر أن من يتزوج بمهر يكون موسراً به ولا يصح قياسه على النفقة لأن الضرورة لا تندفع

مسألة وإن أعسر بالسكنى أو المهر فهل لها الفسخ يحتمل وجهين

إلا بها بخلاف الصداق فأشبه شئ به النفقة الماضية وللشافعي نحو هذه الوجوه، وإنما قلنا لها الفسخ للإعسار به فتزوجته عالمة بعسرته فلا خيار لها وجهاً واحداً لانها رضيت به كذلك، وكذا إن علمت عسرته فرضيت بالمقام سقط حقها من الفسخ لأنها رضيت بإسقاط حقها بعد وجوبه فسقط كما لو رضيت بعثته (مسألة) (وإن أعسر زوج الأمة فرضيت لم يكن لسيدها الفسخ ويحتمل أن له ذلك) وجملة ذلك أن نفقة الأمة المزوجة حق لها ولسيدها لأن كل واحد منهما ينتفع بها ولكل واحد منهما طلبها إذا امتنع الزوج من أدائها ولا يملك واحد منهما إسقاطها لأن في سقوطه بإسقاط إحداهما ضرراً بالآخر فعلى هذا إن أعسر الزوج فلها الفسخ لأنه عجز عن نفقتها فملكت الفسخ كالحرة، وإن لم تفسخ فقال القاضي: لسيدها الفسخ لأن عليه ضرراً في عدمها لما يتعلق بفواتها من فوات ملكه وتلفه فان أتفق عليها سيدها محتسباً بالرجوع فله الرجوع بها على الزوج رضيت بذلك أو كرهت لأن الدين خالص حقه لا حق لها فيه وإن تعلق حقها بالنفقة الحاضرة لوجوب صرفها إليها وقوام بدنها به بخلاف الماضية، وقال أبو الخطاب وأصحاب الشافعي ليس لسيدها الفسخ لعسرة زوجها بالنفقة لانها حق لها فلم يملك سيدها الفسخ دونها كالفسخ للعنة فإن كانت معتوهة أنفق المولى وتكون النفقة ديناً في ذمة الزوج، وإن كانت عاقلة قال لها السيد: إن أردت النففة فافسخي النكاح وإلا فلا نفقة لك عندي (مسألة) (وإن أعسر زوج الصغيرة أو المجنونة لم يكن لوليهما الفسخ)

مسألة وإن أعسر زوج الأمة فرضيت لم يكن لسيدها الفسخ ويحتمل أن له ذلك

لأنه فسخ نكاحها فلم يكن له ذلك كالفسخ بالعيب، ويحتمل أن يملك الفسخ لأنه فسخ لفوات العوض فملكه كفسخ لتعذر الثمن (فصل) وإن اختلف الزوجان في الإنفاق عليها أو في تقبيضها نفقتها فالقول قول المرأة لأنها منكرة والأصل معها، وإن اختلفا في يساره فادعته المرأة ليفرض لها نفقة الموسرين أو قالت كنت موسراً وأنكر ذلك فإن عرف له مال فالقول قولها وإلا فالقول قوله وبهذا كله قال الشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي، وإن اختلفا في فرض الحاكم للنفقة أو في وقتها فقال فرضها منذ شهرين قالت بل منذ عام فالقول قوله، وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي وقال مالك إن كان مقيماً معها فالقول قوله وإن كان غائباً عنها فالقول قول المرأة من يوم رفعت أمرها إلى الحاكم ولنا أن قوله يوافق الأصل فقدم كما لو كان مقيماً معها وكل من قلنا القول قوله فلخصمه عليه اليمين لأنها دعاو في المال فأشبهت دعوى الدين ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ولكن اليمين على المدعى عليه " وإن دفع الزوج إلى امرأته نفقة وكسوة أو بعث به إليها فقالت إنما فعلت ذلك تبرعاً وهبة قال بل وفاء للواجب علي فالقول قوله لأنه أعلم بنية أشبه ما لو قضى دينه فاختلف هو وغريمه في نيته، وإن طلق امرأته وكانت حاملاً فوضعت فقال طلقتك حاملاً فانقضت عدتك بوضع الحمل وانقطعت نفقتك ورجعتك قالت بل بعد الوضع فلي النفقة ولك الرجعة فالقول قولها لأن الأصل بقاء النفقة وعدم المسقط

لها وعليها العدة ولا رجعة للزوج لإقراره بعدمها، وإن رجع فصدقها فله الرجعة لأنها مقرة لديها، ولو قال طلقتك بعد الوضع فلي الرجعة ولك النفقة قالت بل وأنا حامل فالقول قولها فيها فإن عاد فصدقها سقطت رجعته ووجبت لها النفقة هذا في ظاهر الحكم فأما فيما بينه وبين الله تعالى فيبني على ما يعلمه من حقيقة الأمر دون ما قاله (فصل) قال الشيخ رحمه الله (وإن منعها النفقة أو بعضها مع اليسار وقدرت له على مال أخذت منه ما يكفيها ويكفي ولدها بالمعروف بغير إذنه لقول النبي صلى الله عليه وسلم لهند حين قالت أن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني من النفقة ما يكفيني وولدي " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف " وجملة ذلك أن الزوج إذا لم يدفع إلى زوجته ما يجب لها عليه من النفقة والكسوة أو دفع إليها أقل من كفايتها فلها أن تأخذ من ماله الواجب أو تمامه بإذنه وبغير إذنه لما ذكرنا من حديث هند وهو إذن لها في الأخذ من ماله بغير إذنه ورد لها إلى اجتهادها في قدر كفايتها وكفاية ولدها وهو متناول لأخذ تمام الكفاية فإن ظاهر الحديث دل على أنه كان يعطيها بعض الكفاية ولا يتممها لها فرخص النبي صلى الله عليه وسلم لها في أخذ تمام الكفاية بغير علمه لأنه موضع حاجة فإن النفقة لا غنى عنها ولا قوام إلا بها فإذا لم يدفعها الزوج ولم تأخذها أفضى إلى ضياعها وهلاكها فرخص لها في أخذ قدر نفقتها دفعاً لحاجتها ولأن النفقة تتجدد بتجدد الزمان شيئاً فشيئاً فتشق الرافعة إلى الحاكم والمطالبة

بها في كل الأوقات فلذلك رخص لها في أخذها بغير إذن من هي عليه وذكر القاضي بينها وبين الدين فرقاً آخر وهو أن نفقة الزوجة تسقط بفوات وقتها عند بعض أهل العلم ما لم يكن الحاكم فرضها لها فلو لم تأخذ حقها أفضى إلى سقوطها والإضرار بها بخلاف الدين فإنه لا يسقط عند أحد بترك المطالبة فلا يؤدي ترك الأخذ إلى الإسقاط (مسألة) (فإن لم تقدر أجبره الحاكم وحبسه فإن صبر على الحبس ولم ينفق أخذ الحاكم النفقة من ماله فدفعها إلى المرأة فان لم يجد إلا عروضا أو عقار اباعه في ذلك) وبهذا قال مالك والشافعي وأبو يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة النفقة في ماله من الدنانير والدراهم ولا يبيع عرضاً لأن بيع مال الإنسان لا ينفذ إلا بإذنه أو إذن وليه ولا ولاية على الرشيد ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم لهند " خذي ما يكفيك " ولم يفرق ولأن ذلك مال له فتؤخذ منه النفقة كالدراهم والدنانير وللحاكم ولاية عليه إذا امتنع بدليل ولايته على دراهمه ودنانيره وإن تعذرت النفقة في حال غيبته وله وكيل فحكم وكيله حكمه في المطالبة والأخذ من المال عند امتناعه وإن لم يكن له وكيل ولم تقدر المرأة على الأخذ أخذ لها الحاكم من ماله ويجوز بيع عقاره وعروضه في ذلك إذا لم يجد ما ينفق سواه وينفق على المرأة يوماً بيوم وبه قال الشافعي ويحيى بن آدم وقال أصحاب الرأي يفرض لها في كل شهر

مسألة فإن لم تقدر أجبره الحاكم وحبسه فإن صبر على الحبس ولم ينفق أخذ الحاكم النفقة من ماله فدفعها إلى

ولنا أن هذا تعجيل للنفقة قبل وجوبها فلم يجز كما لو عجل لها أكثر من شهر (مسألة) (فإن غيب ماله وصبر على الحبس فلها الفسخ إذا لم يقدر الحاكم له على مال يأخذه أو لم يقدر على النفقة من مال الغائب في ظاهر قول الخرقي واختيار أبي الخطاب) واختار القاضي أنها لا تملك الفسخ وهو ظاهر مذهب الشافعي لأن الفسخ في المعسر لعيب الإعسار ولم يوجد ههنا ولأن الموسر في مظنة الأخذ من ماله وإذا امتنع فربما لا يمتنع في غده بخلاف المعسر ولنا أن عمر رضي الله عنه كتب في رجال غابوا عن نسائهم فأمرهم بأن ينفقوا أو يطلقو أو هذا اجبار على الطلاق عند الامتناع من الإنفاق ولأن الإنفاق عليها من ماله متعذر فكان لها الخيار كحال الإعسار بل هذا أولى بالفسخ فإنه إذا جاز الفسخ على المعذور فعلى غيره أولى، ولأن في الصبر ضرراً أمكن إزالته بالفسخ فوجبت إزالته دفعاً للضرر ولأنه نوع تعذر يجوز الفسخ فلم يفترق الحال بين المعسر والموسر كأداء ثمن المبيع فإنه لا فرق في جواز لفسخ بين أن يكون المشتري معسراً وبين أن يهرب قبل أداء الثمن ولأن عيب الإعسار إنما جوز الفسخ لتعذر الإنفاق بدليل أنه لو اقترض ما ينفق عليها أو تبرع له إنسان بدفع ما ينفقه لم تملك الفسخ، وقولهم أنه يحتمل أن ينفق فيما بعد هذا قلنا وكذلك المعسر يحتمل أن يعينه الله تعالى وإن يقترض أو يعطى ما ينفقه فاستويا (مسألة) (وإن غاب زوجها ولم يترك لها نفقة فإن قدرت له على مال أخذت بقدر حاجتها

مسألة وإن غاب زوجها ولم يترك لها نفقة فإن قدرت له على مال أخذت بقدر حاجتها لحديث هند

لحديث هند، وإن لم تقدر ولا قدرت على الاستدالة عليه فلها الفسخ إلا عند القاضي فيما إذا لم يثبت إعساره وهذا ظاهر مذهب الشافعي، لأن الفسخ ثبت لعيب الإعسار ولم يثبت الاعسار ههنا وقد دللنا على جواز الفسخ في المسألة التي قبلها، وهذه مثلها بل هي أولى لان الحاضر ربما إذا أطال عليه الحبس اتفق وهذا قد تكون غيبته بحيث لا يعلم خبره فيكون الضرر فيه أكثر (فصل) ومن وجب عليه نفقة زوجته وكان له عليها دين فأراد أن يحتسب عليها بدينه مكان نفقتها فله ذلك إن كانت موسرة لأن من له عليه حق فله أن يقتضيه من أي أمواله وشاء وهذا من ماله وإن كانت معسرة لم يكن له ذلك لأن قضاء الدين إنما يجب في الفاضل من قوته وهذا لا يفضل عنها ولأن الله تعالى أمر بإنظار المعسر بقوله سبحانه (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة) فيجب أنظارها بما عليها (فصل) إذا أنفقت المرأة على نفسها من مال زوجها الغائب ثم بان أنه قد مات قبل انفاقها حسب عليها ما أنفقته من ميراثها سواء أنفقته بنفسها أو بأمر الحاكم، وبه قال أبو العالية وابن سيرين والشافعي وابن المنذر ولا نعلم عن غيرهم خلافهم لأنها أنفقت ما لا تستحق وإن فضل لها شئ أخذته وإن فضل عليها شئ وكان لها صداق أو دين على زوجها حسب منه وإن لم يكن لها شئ كان الفضل ديناً عليها والله أعلم.

(مسألة) (ولا يجوز الفسخ في ذلك كله إلا بحكم الحاكم) كل موضع وجب لها الفسخ لأجل النفقة لم يجز إلا بحكم حاكم لأنه فسخ مختلف فيه فافتقر إلى الحاكم كالفسخ بالعنة ولا يجوز له الفسخ إلا أن تطلب المرأة ذلك لأنه لحقها فلم يجز من غير طلبها كالفسخ للعنة فإذا فرق الحاكم بينهما فهو فسخ لا رجعة له فيه، وبهذا قال الشافعي وابن المنذر وقال مالك هو تطليقة وهو أحق بها أن أيسر في عدتها لانه تفريق لامتاع، من الواجب عليه لما فأشبه تفريقه بين المولى وامرأته إذا امتنع من العنة والطلاق ولنا أنها فرقة لعجزه عن الواجب عليه أشبهت فرقة العنة، فأما إن أجبره الحاكم على الطلاق فطلق اقل من ثلاث فله الرجعة عليها مادامت في العدة فإن راجعها وهو معسر أو امتنع من الإنفاق عليها ولم يمكن الأخذ من ماله فطلبت المرأة الفسخ فللحاكم الفسخ لبقاء المقتضي له أشبه ما قبل الطلاق (باب نفقة الأقارب والمماليك) يجب على الإنسان نفقة والديه وولده بالمعروف إذا كانوا فقراء وله ما ينفق عليهم فاضلاً عن نفقة نفسه وامرأته، والأصل في وجوب نفقة الوالدين والمولودين الكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب فقول الله تعالى (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف) وقال سبحانه (وقضى ربك أن لا تعبدوا

مسألة ولا يجوز الفسخ في ذلك كله إلا بحكم الحاكم

إلا إياه وبالوالدين إحسانا) ومن الإحسان الإنفاق عليهما عند حاجتهما، وأما السنة فقول النبي صلى الله عليه وسلم لهند " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف " متفق عليه، وروت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه " رواه أبو داود، وأما الإجماع فحكاه ابن المنذر وقال أجمع أهل العلم على أن نفقة الوالدين الفقيرين الذين لا كسب لهما ولا مال واجبة في مال الولد، وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن على المرء نفقة أولاده الأطفال الذين لا مال لهم، ولأن ولد الانسان بعضه والده كما يجب عليه أن ينفق على نفسه وأهله كذلك على بعضه وأصله، إذا ثبت هذا فإن الأم تجب نفقتها ويجب عليها نفقة ولدها إذا لم يكن له أب، وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وحكي عن مالك أنه لا نفقة لها ولا عليها لأنها ليست عصبة لولدها ولنا قوله سبحانه (وبالوالدين إحسانا) وقال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل سأله من أبر؟ قال " أمك ثم أمك ثم أمك ثم أباك ثم الأقرب فالأقرب " رواه أبو داود ولانها أحد الولدين فأشبهت الأب ولأن بينهما قرابة توجب رد الشهادة ووجوب العفو فأشبهت الأب فان أعسر الاب وجبت النفقة على الأم ولم ترجع بها عليه إن أيسر، وقال أبو يوسف ومحمد ترجع عليه ولنا أن من وجب عليه الإنفاق بالقرابة لم يرجع به كالأب

(مسألة) (ويلزمه نفقة سائر آبائه وإن علوا وأولاده وإن سلفوا) وبذلك قال الشافعي والثوري وأصحاب الرأي، وقال مالك لا تجب النقة عليهم ولا لهم لأن الجد ليس بأب حقيقي. ولنا قوله سبحانه (وعلى الوارث مثل ذلك) ولا يدخل في مطلق اسم الولد والولد بدليل أن الله تعالى قال (يوصيكم الله في أولادكم الذكر مثل حظ الاثنين) فيدخل فيهم ولد البنين وقال (ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد) وقال (ملة أبيكم إبراهيم) ولأن بينهما قرابة توجب العتق ورد الشهادة فأشبه الولد والوالدين القريبين (فصل) ويشترط لوجوب الإنفاق ثلاثة شروط (أحدهما) أن يكونوا فقراء لا مال لهم ولا كسب يستغنون به عن إنفاق غيرهم فإن كانوا موسرين بمال أو كسب يكفيهم فلا نفقة لهم لأنها تجب على سبيل المواساة والموسر مستغن عن المواساة (الثاني) أن يكون لمن تجب عليه النفقة ما ينفق عليهم فاضلاً عن نفقة نفسه إما من ماله وإما من كسبه فأما من لا يفضل عنه شئ فلا يجب عليه شئ لما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا كان أحدكم فقيرا فليبدأ بنفسه فإن فضل فعلى عياله فإن كان فضل فعلى قرابته " وفي لفظ " ابدأ بنفسك ثم بمن تعول " حديث صحيح وروى أبو هريرة أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله عندي دينار قال " تصدق به على نفسك " قال عندي آخر قال " تصدق به على

مسألة ويلزمه نفقة سائر آبائه وإن علوا وأولاده وإن سفلوا

ولدك " قال عندي آخر قال " تصدق به على زوجك " قال عندي آخر قال " تصدق به على خادمك " قال عندي آخر قال " أنت أبصر " رواه أبو داود ولأنها مواساة فلا تجب على المحتاج كالزكاة (والثالث) أن يكون المنفق وارثاً لقول الله تعالى (وعلى الوارث مثل ذلك) ولأن بين المتوارثين قرابة يقتضي كون الوارث أحق بمال الموروث من سائر الناس فينبغي أن يختص بوجوب صلته بالنفقة دونهم فإن لم يكن وارثاً لعدم القرابة لم تجب عليه النفقة كذلك (فصل) ولا يشترط في نفقة الوالدين والمولودين نقص الخلقة ولا نقص الأحكام في ظاهر المذهب وهو ظاهر كلام الخرقي وقال القاضي لا يشترط ذلك في الوالدين وهل يشترط ذلك في الولد؟ فكلام أحمد يقتضي روايتين (إحداهما) تلزم نفقته لأنه فقير (والثانية) أنه إن كان يكتسب فينفق على نفسه لم تلزم نفقته وهذا القول يرجع إلى أن الذي لا يقدر على كسب ما يقوم به تلزم نفقته رواية واحدة سواء كان ناقص الأحكام كالصغير والمجنون أو ناقص الخلقة كالزمن، وإنما الروايتان فيمن لا حرفة له ممن يقدر على الكسب بيديه، وقال الشافعي يشترط نقصانه إما من طريق الحكم أو من طريق الخلقة وقال أبو حنيفة ينفق على الغلام حتى يبلغ فإذا بلغ صحيحاً انقطعت نفقته، ولا تسقط نفقة الجارية حتى

تزوج ونحوه قال مالك إلا أنه قال ينفق على النساء حتى يتزوجن ويدخل بهن الأزواج ثم لا نفقة لهن وإن طلقن قبل البناء بهن فهن على نفقتهن ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم لهند " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف " ولم يستثن منهم صحيحاً ولا بالغاً ولأنه والد أو ولد فقير فاستحق النفقة على والده أو ولده الغني كما لو كان زمناً، ووافق أبو حنيفة على وجوب نفقة الوالد وإن كان صحيحاً إذا لم يكن ذا كسب وللشافعي في ذلك قولان ولنا أنه والد محتاج فأشبه الزمن (مسألة) (وتلزمه نفقة كل من يرثه بفرض أو تعصيب ممن سواهم سواء ورثه الآخر لولا كعمته وعتيقه وحكي عنه ان لم يرثه الآخر فلا نفقة له) ظاهر المذهب أن النفقة تجب على كل وارث لورثته إذا اجتمعت الشروط التي تقدم ذكرها وهو الذي ذكره الخرقي، وبه قال الحسن ومجاهد والنخعي وقتادة والحسن بن صالح وابن أبي ليلى وأبو ثور، وحكى ابن المنذر عن أحمد في الصبي المرضع لا أب له نفقته وأجر رضاعه على الرجال دون النساء وكذلك روى عن أبيه عن أحمد النفقة على العصبات وبه قال الأوزاعي وإسحاق، وذلك لما روى عن عمر رضي الله عنه أنه قضى على بني عم منفوس بنفقة احتج به أحمد قال إبن المنذر وروي عن عمر أنه حبس عصبة ينفقون على صبي الرجال دون النساء، ولأنها مواساة ومعونة تختص القرابة فاختصت بالعصبات كالعقل، وقال أصحاب الرأي تجب النفقة على كل ذي رحم محرم ولا تجب على غيرهم

مسألة وتلزمه نفقة كل من يرثه بفرض أو تعصيب ممن سواهم سواء ورثه الآخر أو لا كعمته وعتيقه

لقول الله تعالى (وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) وقال مالك والشافعي وابن المنذر لا نفقة إلا على المولودين والوالدين لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل سأله عندي دينار قال " أنفقه على نفسك - قال عندي آخر قال - أنفقه على ولدك - قال عندي آخر قال - أنفقه على زوجك - قال عندي آخر قال - أنفقه على خادمك - قال عندي آخر قال - أنت أبصر " رواه أبو داود ولم يأمره بإنفاقه على غير هؤلاء ولأن الشرع إنما ورد بنفقة الوالدين والمولودين ومن سواهم لا يحلق بهم في الولادة وأحكامها فلا يصح قياسه عليهم ولنا قول الله تعالى وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف) ثم قال (وعلى الوارث مثل ذلك) فأوجب على الأب نفقة الرضاع ثم عطف الوارث عليه وأوجب على الوارث مثل ما أوجب على الوالد وروي ان رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم من أبر؟ قال " أمك وأباك وأختك وأخاك " وفي لفظ " ومولاك الذي هو أدناك حقاً واجباً ورحماً موصولاً " رواه أبو داود وهذا نص لأن النبي صلى الله عليه وسلم ألزمه الصلة والبر والنفقة من الصلة جعلها حقاً واجبا، وما احتج به أبو حنيفة حجة عليه فإن اللفظ عام في كل ذي رحم محرم فيكون حجة عليه فيمن عدا الرحم المحرم وقد اختصت بالوارث في الإرث فكذلك في الانفاق وأما خبر أصحاب الشافعي فقضية في عين يحتمل أنه لم يكن له غير من أمر بالإنفاق عليه ولهذا لم يذكر الوالد والاجداد وأولاد الأولاد، وقولهم لا يصح القياس قلنا إنما أثبتناه بالنص ثم أنهم قد ألحقوا أولاد الأولاد بالأولاد مع التفاوت ما قالوا. إذا ثبت هذا فإنه يختص بالوارث بفرض أو تعصيب لعموم الآية ولا يتناول ذوي الأرحام على ما نذكره (فصل) فإن كان اثنان يرث أحدهما قريبة ولا يرثه الآخر كالرجل مع عمته أو ابته عمه وابنة أخيه والمرأة مع ابنة بنتها وابن بنتها فالنفقة على الوارث دون الموروث نص عليه أحمد في رواية

ابن زياد فقال يلزم الرجل نفقة بنت عمه ولا يلزمه نفقة بنت أخته، وذكر أصحابنا رواية أخرى لا تجب النفقة على الوارث ههنا لأنها قرابة ضغيفة لكونها لا يثبت التوارث من الجهتين لقول أحمد العمة والخالة لا نفقة لهما إلا أن القاضي قال: هذه الرواية محمولة على العمة من الأم فإنه لا يرثها لكونها ابن أخيها من أمها، وذكر الخرقي أن على الرجل نفقة معتقه لأنه وارث، ومعلوم أن المعتق لا يرث معتقه ولا يلزمه نفقته فعلى هذا يلزم الرجل نفقة عمته لأبويه أو لأبيه وابنة عمه وابنة أخيه كذلك ولا يلزمهن نفقته وهذا هو الصحيح إن شاء الله تعالى لقول سبحانه وتعالى (وعلى الوارث مثل ذلك) وكل واحد من هؤلاء وارث (مسألة) (فأما ذوو الأرحام فلا نفقة عليهم رواية واحدة ذكره القاضي وقال أبو الخطاب يخرج في وجوبها عليهم روايتان) أما ذوو الأرحام الذين لا يرثون بفرض ولا تعصيب فإن كانوا من غير عمودي النسب فلا نفقة عليهم نص عليه أحمد فقال الخالة والعمة لا نفقة عليهما قال القاضي لا نفقة لهم رواية واحدة لأن قرابتهم ضعيفة وإنما يأخذون ماله عند عدم الوارث فهم كسائر المسلمين فإن المال يصرف إليهم إذا لم يكن للميت وارث وذلك الذي يأخذه بيت المال ولذلك يقدم الرد عليهم وقال أبو الخطاب يخرج في وجوبها عليهم رواية أخرى أن النفقة تلزمهم عند عدم العصبات

مسألة فأما ذوو الأرحام فلا نفقة عليهم رواية واحدة ذكره القاضي وقال أبو الخطاب يخرج في وجوبها عليهم

وذوي الفرض لأنهم وارثون في تلك الحال. قال ابن أبي موسى هذا يتوجه على معنى قوله، والأول هو المنصوص عنه، وأما عمود النسب فذكر القاضي ما يدل على أنه يجب الإنفاق عليهم سواء كانوا من ذوي الأرحام كأبي الأم وابن البنت أو من غيرهم وسواء كانوا محجوبين أو وارثين وهذا مذهب الشافعي وذلك لأن قرابتهم قرابة جزئية وبعضيه تقتضي رد الشهادة وتمنع جريان القصاص على الوالد بقتل الولد، وإن سفل فأوجبت النفقة على كل حال كقرابة الأب الأدنى (مسألة) (وإن كان للفقير وارث فنفقته عليهم على قدر ميراثهم منه لأن الله تعالى رتب النفقة على الإرث لقوله سبحانه وعلى الوارث مثل ذلك فيجب أن يترتب في المقدار عليه) وجملة ذلك أن الصبي إذا لم يكن له أب فالنفقة على وارثه لما ذكرنا فإن كان له وارثان فالنفقة عليهما على قدر إرثهما منه، وإن كانوا ثلاثة أو أكثر فالنفقة عليهم على قدر ارثهم منه (مسألة) (فإذا كان له أم ولد فعلى الأم الثلث والباقي على الجد) لانهما يرثانه كذلك، وبهذا قال أبو حنيفة، وقال الشافعي النفقة كلها على الجد لأنه يتفرد بالتعصيب فأشبه الأب، وقد ذكرنا عن أحمد رواية أخرى أن النفقة على العصبات خاصة، ووجه الأول ما ذكرنا من الآية والأم وارثة فكان عليها بالنص ولأنه معنى يستحق بالنسب فلم يختص به العصبة دون الأم كالوراثة

مسألة وإن كان للفقير وارث فنفقته عليهم على قدر ميراثهم منه لأن الله تعالى رتب النفقة على الإرث

(فصل) فإن اجتمع ابن وبنت فالنفقة بينهما أثلاثاً كالميراث، وقال أبو حنيفة النفقة عليهما سواء لاستوائهما في القرب، وإن كانت أم وابن فعلى الأم السدس والباقي، إن كانت بنت وابن ابن فالنفقة عليهما نصفين، وعند أبي حنيفة هي على البنت لأنها أقرب، وقال الشافعي في المسائل الثلاث: النفقة على الابن لأنه العصبة فإن كانت له أم وبنت فالنفقة عليهما أرباعاً كميراثهما منه وبه قال أبو حنيفة، وعند الشافعي النفقة على البنت لانهما تكون عصبة مع أخيها فإن كان له بنت وابن بنت فالنفقة على البنت، وقال أصحاب الشافعي النفقة على الابن في أحد الوجهين لأنه ذكر ولنا قول الله تعالى (وعلى الوارث مثل ذلك) فرتب النفقة على الإرث فيجب أن تترتب في المقدار عليه وإيجابها على ابن البنت يخالف النص والمعنى فإنه ليس بعصبة ولا وارث فلا معنى لإيجابها عليه دون البنت الوارثة (مسألة) (وان اجتمع جدة وأخ فعلى الجدة السدس والباقي على الأخ لأن ميراثهما منه كذلك وعلى هذا المعنى حساب النفقات) يعني أن ترتيب النفقات على ترتيب الميراث فكما أن للجدة السدس من الميراث فكذلك عليها سدس النفقة والباقي على الأخ لأن باقي الميراث له وعند من لا يرى النفقة على غير عمودي النسب يجعل النفقة كلها على الجدة وهذا أصل قد سبق الكلام فيه فان اجتمع بنت وأخت

مسألة وان اجتمع جدة وأخ فعلى الجدة السدس والباقي على الأخ لأن ميراثهما منه كذلك وعلى هذا المعنى

أو بنت وأخ أو بنت وعصبة أو أخت وعصبة أو أخت وأم أو بنت وبنت ابن أو أخت لأبوين وأخت لأب أو ثلاث أخوات متفرقات فالنفقة بينهم على قدر الميراث في ذلك سواء كان في المسألة رد أو عول أو لم يكن، وعلى هذا تحسب ما آتاكك من المسائل. فإن اجتمع أم أم وأم أب فهما سواء في النفقة لاستوائهما في الميراث (فصل) فإن اجتمع معها أبو أم فالنفقة على أم الأم لأنها الوارثة، وإن اجتمع أم أب وأبوان فعلى الأب السدس والباقي على الجد، وإن اجتمع جد وأخ فهما سواء، وإن اجتمعت أم وجد وأخ فالنفقة عليهم أثلاثاً وعند الشافعي النفقة على الجد في هذه المسائل كلها إلا المسألة الأولى فالنفقة عليهما بالسوية وقد مضى الكلام في هذا (فصل) فإن كان فيمن عليه النفقة خنثى مشكل فالنفقة عليه على قدر ميراثه فإن انكشف بعد ذلك حاله فبان أنه أنفق. أكثر من الواجب عليه رجع بالزيادة على شريكه في الإنفاق، وإن بان أنه أنفق أقل رجع عليه فلو كان للرجل ابن وولد خنثى عليهما نفقته فأنفقا عليه ثم بان أن الخنثى ابن رجع عليه أخوه بالزيادة، وإن بان بنتاً رجعت على أخيها بفضل نفقتها لأن من له الفضل أدى ما لا يجب عليه أداؤه معتقداً وجوبه فإذا تبين خلافه رجع بذلك كما لو ادى ما يعتقده ديناً فبان خلافه (مسألة) (إلا أن يكون له أب فتكون النفقة عليه وحده)

مسألة إلا أن يكون له أب فتكون النفقة عليه وحده

لأن الله تعالى قال (فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن - وقال - وعلى المولود رزقهن وكسوتهن) وقال النبي صلى الله عليه وسلم " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف " فجعل النفقة عليه دونها ولا خلاف في هذا نعلمه إلا أن لأصحاب الشافعي فيما إذا اجتمع للفقير أب وابن موسران وجهين (أحدهما) أن النفقة على الأب وحده (والثاني) عليهما لأنهما سواء في القرب ولنا أن النفقة على الأب منصوص عليها فيجب اتباع النص وترك ما عداه (مسألة) (ومن له ابن فقير وأخ موسر فلا نفقة له عليهما وهكذا ذكره القاضي وأبو الخطاب) لأن الابن لا نفقة عليه لعسرته والأخ لا نفقة عليه لعدم إرثه ولأن قرابته ضعيفة لا تمنع شهادته له فإذا لم يكن وارثاً لم تجب عليه النفقة كذوي الرحم. قال شيخنا ويتخرج في كل وارث لولا الحجب إذا كان من يحجبه معسراً وجهان (أحدهما) لا نفقة عليه لأنه غير وارث أشبه الأجنبي (والثاني) عليه النفقة لوجود القرابة المقتضية للإرث والإنفاق والمانع من الإرث لا يمنع من الإنفاق لأنه معسر لا يمكنه الإنفاق فوجوده بالنسبة إلى الإنفاق كعدمه (مسألة) (ومن له أم فقيرة وجدة موسرة فالنفقة عليها يعني على الجدة) وجملة ذلك أن الوارث القريب إذا كان معسراً وكان البعيد الموسر من عمودي النسب كهذه المسألة وجبت نفقته على الموسر ذكر القاضي في أب معسر وجد موسر أن النفقة على الجد، وقال في

مسألة ومن له ابن فقير وأخ موسر فلا نفقة له عليهما وهكذا ذكره القاضي وأبو الخطاب

أم معسرة وجدة موسرة النفقة على الجدة وقد قال أحمد لا تدفع الزكاة إلى ولد ابنته لقول النبي صلى الله عليه وسلم للحسن " إن ابني هذا سيد " فسماه ابنه وهو ابن بنته وإذا منع من دفع الزكاة إليهم لقرابتهم يجب أن تلزمه نفقتهم مع حاجتهم وهذا مذهب الشافعي (فصل) فإن كان له قرابتان موسران وأحدهما محجوب عن ميراثه بفقير فقد ذكرنا أن المحجوب إذا كان من عمودي النسب فالظاهر أن الحجب لا يسقط النفة عنه في المسألة قبل هذا الفصل، وإن كان من غيرهما فلا نفقة عليه في الظاهر فعلى هذا إذا كان له أبوان وجد والأب معسر فالأب كالمعدم فيكون على الأم ثلث النفقة والباقي على الجد، وإن كان معهم زوجة فكذلك، وإن قلنا لا نفقة على المحجوب فليس على الأم ههنا الاربع النفقة ولا شئ على الجد، وإن كان أبوان وأخوان وجد والأب معسر فلا شئ على الاخوين لأنهما محجوبان وليسا من عمودي النسب ويكون على الأم الثلث والباقي على الجد كما لو لم يكن أحد غيرهما ويحتمل أن لا يجب على الأم إلا السدس لأنه لو كان الأب معدوماً لم يرث إلا السدس، وإن قلنا أن كل محجوب لا نفقة عليه فعلى الأم السدس حسب ولا شئ على غيرها وإن لم يكن في المسألة جد فالنفقة كلها على الأم على القول الأول وعلى الثاني ليس عليها إلا السدس وإن قلنا أن على المحجوب بالعسر النفقة وإن كان من غير عمودي النسب فعلى الأم السدس والباقي على الجد والأخوين أثلاثاً كما يرثون إذا كان الأب معدوماً فإن كان بعض من

عليه النفقة غائباً وله مال حاضر أنفق الحاكم منه حصته وإن لم يوجد له مال حاضر فأمكن الحاكم الاقتراض عليه اقترض فإذا قدم فعليه وفاؤه (مسألة) (ومن كان صحيحاً مكلفاً لا حرفة له سوى الوالدين فهل تجب نفقة؟ على روايتين) (إحداهما) تجب إذا كان فقيراً عاجزاً عن الكسب لعموم قول النبي صلى لله عليه وسلم لهند " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف " ولم يستثن بالغاً ولا صحيحاً ولأنه ولد فقير فاستحق النفقة على والده الغني كالزمن (والثانية) لا يجب وبه قال أبو حنيفة والشافعي في الولد الذكر فأما الجارية فقال أبو حنيفة لا تسقط نفقتها حتى تتزوج ونحوه قول مالك لأنه في مظنة الكسب يقدر عليه غائبا أشبه الغني والأول أولى (مسألة) (ومن لم يفضل عنده لا نفقة شخص واحد بدأ بالأقرب فالأقرب فإن كان له أبوان ان جعله بينهما) إذا لم يفضل عن الرجل إلا نفقة شخص واحد وله امرأة فالنفقة لها دون الأقارب لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جابر " إذا كان أحدكم فقيرا فليبدأ بنفسه فإن كان له فضل فعلى عياله فإن كان له فضل فعلى قرابته " ولأن نفقة القريب مواساة ونفقة المرأة تجب على سبيل المعارضة فقدمت على مجرد المواساة وكذلك وجبت مع يساره وإعساره بخلاف نفقة القريب ثم بعدها نفقة الرقيق لأنها تجب مع اليسار والإعسار فقدمت على مجرد المواساة ثم من بعد ذلك الأقرب فالأقرب (مسألة) (فإن كان له أبوان فهو بينهما)

مسألة ومن لم يفضل عنده إلا نفقة شخص واحد بدأ بالأقرب فالأقرب فإن كان له أبوان جعله بينهما

هذا أحد الوجوه لتساويهما في القرب (والثاني تقدم الأم لأنها أحق بالبر ولها فضيلة الحمل والرضاع والتربية وزيادة الشفقة وهي أضعف وأعجز (والثالث) يقدم الاب لفضيلته وانفرده بالولاية على ولده واستحقاق الأخذ من ماله واضافة النبي صلى الله عليه وسلم الولد وماله إليه بقوله " أنت ومالك لأبيك " والأول أولى (مسألة) (وإن كان معهما ابن فقال القاضي إن كان الابن صغيراً أو مجنوناً قدم) لأن نفقة وجبت بالنص مع أنه عاجز عن الكسب والكبير في مظنة الكسب وإن كان الابن كبيراً والأب زمن فهو أحق لانه لأن حرمته آكد وحاجته أشد ويحتمل تقديم لابن لان نفقته وجبت بالنص وإن كانا صحيحين فقيرين ففيه ثلاثا أوجه (أحدها) التسوية لتساويهما في القرب (والثاني) تقديم الابن لوجوب نفقته بالنص (والثالث) تقديم الوالد لتأكد حرمته (مسألة) (وإن كان له أب وجد أو ابن وابن ابن فالأب والابن أحق) وقال أصحاب الشافعي يستوي الأب والجد في أحد الوجهين وكذلك الابن وابنه لتساويهم في الولادة والتعصيب ولنا ان الابن والأب أقرب وأحق بميراثه فكانا أحق الاب مع الأخ (فصل) وإن اجتمع ابن وجد أو أب ابن ابن احتمل وجهين (أحدهما) تقديم الابن والأب

مسألة وليس له منع المرأة من رضاع ولدها إذا طلبت ذلك

لانهما أقرب فانما يليانه بنبر واسطة ولا يسقط إرثهما بحال والجد وابن الابن بخلافهما ويحتمل التسوية بينهما لأنهما سواء في الإرث والتعصيب والولادة والأول أولى فإن اجتمع جد وابن ابن فهما سواء لتساويهما في القرب والإرث والولادة والتعصيب ويحتمل تقديم الابن لأن نفقة ثبتت بالنص ولأنه يسقط تعصيب الجد ويحتمل تقدم الجد لتأكد حرمته بالأبوة وإن اجتمع جد وأخ احتمل التسوية بينهما لتساويهما في استحقاق الميراث والصحيح تقديم الجد لأن له مزية الولادة والأبوة ولأن ابن ابنه يرثه ميراث ابن والأخ ميراث أخ وميراث الابن آكد فالنفقة الواجبة به تكون آكد وإن كان مكان الأخ ابن أخ أو عم فالجد أحق بكل حال لأنه يقدم عليهما في الميراث (مسألة) (ولا تجب النفقة مع اختلاف الدين) وقبل في عمودي النسب روايتان ذكرهما القاضي (إحداهما) تجب مع اختلاف الدين وهو مذهب الشافعي لأنها نفقة مع اتفاق الدين فتجب مع اختلافه كنفقة لزوجة والمملوك ولأنه يعتق عليه فيجب عليه لانفاق عليه كما لو انفق دينهما ولنا أنها مواساة على سبيل البر والصلة فلم تجب مع اختلاف الدين كنفقة غير عمودي النسب ولانهما لا يتوارثان فلم يجب لأحدهما على الآخر نفقة القرابة كما لو كان أحدهما رقيقاً ويفارق نفقة الزوجات لأنها عوض يجب مع الإعسار فلم ينافها اختلاف الدين كالصداق والأجرة وكذلك يجب

مسألة ولا تجب النفقة مع اختلاف الدين

مع الرق فبهما أو في أحدهما وكذلك النفقة المماليك ولأن هذه النفقة صلة ومواساة فلا تجب مع اختلاف الدين كأداء زكاته إليه ونقله عنه وارثه منه (مسألة) (وإن ترك الإنفاق الواجب مدة لم يلزمه عوضه) لأن نفقة القريب وجبت لدفع الحاجة وإحياء النفس وتزجية الحال وقد حصل له ذلك في الماضي بدونها فإن كان الحاكم قد فرضها فينبغي أن تلزمه لأنها تأكدت بفرض الحاكم فلزمته كنفقة الزوجة (فصل) ويلزم الرجل إعفاف أبيه إذا احتاج إلى النكاح، وهذا ظاهر مذهب الشافعي ولهم في إعفاف الأب الصحيح وجه أنه لا يجب، وقال أبو حنيفة لا يلزم الرجل إعفاف أبيه سواء وجبت نفقته أو لم تجب لأن ذلك من املاذ فلم تجب للأب كالحلوى، ولانه أحد الأبوين فلم يجب ذلك له كالأم ولنا أن ذلك مما تدعو حاجته إليه ويستضر بفقده فلزم ابنه له كالنفقة ولا يشبه الحلوى فإنه لا يستضر بفقدها وإنما يشبه الطعام والأدم، وأما الأم فإن إعفافها إنما هو بتزويجها إذا طلبت ذلك وخطبها كفء لها ونحن نقول بوجوبه عليه وهم يوافقوننا في ذلك إذا ثبت ذلك. فإنه يجب إعفاف من وجبت نفقته من الآباء والأجداد فإن اجتمع جدان ولم يكن إلا إعفاف أحدهما قدم الأقرب إلا أن يكون أحدهما من جهة الأب والآخر من جهة الأم فيقدم الذي من جهة الأب وإن بعد لأنه عصبة والشرع قد اعتبر جهته في التوريث والتعصيب فكذلك في الانفاق والاستحقاق

مسألة إن ترك الإنفاق الواجب مدة لم يلزمه عوضه

(فصل) واذا وجب عليه إعفاف أبيه فهو مخير إن شاء زوجه وان شاء ملكه أمة أو دفع إليه ما يتزوج به حرة أو يشتري به أمة وليس للأب التخيير عليه إلا أن الأب إذا عين امرأة وعين الابن أخرى وصداقهما واحد قدم تعيين الأب لأن النكاح له والمؤنة واحد فقدم قوله كما لو عينت البنت كفؤا ولاب غيره قدم تعينها فإن اختلفا في الصداق لم يلزم الابن الأكثر لأنه إنما يلزمه أقل ما يحصل به الكفاية وليس له أن يزوجه قبيحة ولا يملكه إياها ولا كبيرة لا استمتاع فيها ولان يزوجه أمة لأن فيه ضرراً بإرقاق ولده والنقص في استمتاعه فإن رضي الأب بذلك لم يجز لأن الضرر يلحق بغيره وهو الولد وكذلك لم يكن للموسر أن يتزوج أمة، ومتى أيسر الأب لم يكن للولد استرجاع ما دفعه إليه ولا عرض ما زوجه به لأنه دفعه إليه في حال وجوبه عليه فلم يملك استرجاعه كالزكاة فإن زوجه أو ملكه أمة فطلق لزوجة أو أعتق الأمة لم يكن عليه أن يزوجه أو يملكه ثانياً لأنه فوت ذلك على نفسه فإن ماتتا فعليه إعفافه ثانياً لأنه لا صنع له في ذلك، وعلى الأب إعفاف ابنه إذا كانت عليه نفقته وكان محتاجاً إلى الأعفاف ذكره أصحابنا وهو قول بعض أصحاب الشافعي، وقال بعضهم لا يجب ذلك. ولنا أنه من عمودي نسبه فلزمه نفقته فيلزمه إعفافه عند حاجته إليه كأبيه، قال القاضي وكذلك يجئ في كل من لزمته نفقته من أخ وعم وغيرهم، لأن أحمد نص في العبد يلزمه أن يزوجه إذا طلب ذلك وإلا بيع عليه.

(مسألة) (ومن لزمته نفقة رجل فهل يلزمه نفقة امرأته؟ على روايتين) كل من لزمه إعفاف رجل لزمته نفقة امرأته. لأنه لا يتمكن من الإعفاف إلا بذلك، وقد روي عن أحمد أنه لا يلزم الأب نفقة زوجة الأبن وهذا محمول على أن الابن كان يجد نفقتها. (فصل) والواجب في نفقة القريب قدر الكفاية من الخبز والأدم والكسوة بقدر العادة كما ذكرنا في الزوجة لأنها وجبت للحاجة فتقدرت بما تندفع به الحاجة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لهند " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف " فقدر نفقتها ونفقة ولدها بالكفارة فإن احتاج إلى خادم فعليه إخدامه كقولنا في الزوجة لأن ذلك من تمام الكفاية (فصل) ويجب على المعتق نفقة عتيقه على قولنا إن النفقة تجب على الوارث على ما قررناه والمعتق وارث عتيقه فوجبت عليه نفقته إذا كان فقيراً ولمولاه يسار ينفق عليه منه وقال مالك والشافعي وأصحاب الرأي لا تجب عليه نفقته بناء على أصولهم المذكورة ولنا قوله تعالى (وعلى الوارث مثل ذلك) وقول النبي صلى الله عليه وسلم " أمك وأباك، وأختك وأخاك، ثم أدناك أدناك ومولاك الذي يلي ذاك، حقاً واجباً ورحماً موصولاً " ولأنه يرثه بالتعصيب فكانت عليه نفقته كالأب، ويشترط في وجوب الإنفاق عليه الشروط المذكورة في غيره

مسألة ومن لزمته نفقة رجل فهل يلزمه امرأته على روايتين

(فصل) فإن مات مولاه فالنفقة على الوارث من عصباته على ما ذكرناه في الولاء ويجب على السيد نفقة أولاد عتيقه إذا كان له عليهم ولاء لأنه عصبتهم ووارثهم وعليه نفقة أولاد معتقيه إذا كان أبوهم عبداً كذلك فإن أعتق أبوهم فاتجر الولاء إلى معتقه صار ولاؤهم لمعتق أبيهم ونفقتهم عليه إذا كملت الشروط وليس على العتيق نفقة معتقه وإن كان فقيراً لأنه لا يرثه، فإن كان واحد منهما مولى الآخر فعلى كل واحد منهما نفقة الآخر لأنه يرثه (فصل) وليس على العبد نفقة ولده حرة كانت الزوجة أو أمة لأن الحرة ولدها أحرار وليس على العبد نفقة أقاربه الأحرار لأن نفقتهم تجب على سبيل المواساة وليس هو من أهلها وإن كانت زوجته مملوكة فولدها عبيد لسيدها لأنهم يتبعونها فتكون نفقتهم على مالكهم (فصل) ونفقة أولاد المكاتب الأحرار وأقاربه لا تجب عليه لأنها تجب على سبيل المواساة وليس هو من أهلها وكذلك لا تجب عليه الزكاة في ماله فإن كانت زوجته حرة فنفقة أولادها عليها لأنهم يتبعونها في الحرية، وإن كان لهم أقارب أحرار كجد وأخ حر مع الأم أنفق كل واحد منهم بحسب ميراثه والمكتب كالمعمدوم بالنسبة إلى النفقة، فأما ولد المكاتب من أمته فنفقتهم عليه لأن ولده من أمته تابع له يعتق بعتقه فجرى مجرى نفسه في النفقة فكما أنه ينفق على نفسه فكذلك على ولده الذي هذا حاله وهذا الولد ليس له من ينفق عليه سوى أبيه فإن أمه أمة للمكاتب وليس له من الأحرار أقارب

فيتعين على المكاتب الانفاق عليه كأنه ولأنه لا ضرر على السيد في إنفاق المكاتب على ولده من أمته لأنه إذا أدى وعتق فقد في مال الكتابة وليس للسيد أكثر منه وان عجز ورق عاد إليه المكاتب وولده الذي أنفق عليه فكأنه إنما أنفق على عبده وتصير نفقته عليه كنفقته على سائر رقيقه (فصل) فأما ولد المكاتب إذا كان من زوجته المكاتبة فإنهم يتبعونها في الكتابة ويكون حكمهم حكمها إن رقت رقوا وإن عتقت بالأداء. عتقوا فتكون نفقتهم عليها مما في يديها في حكم نفسها ونفقتها على نفسها مما في يدها فكذلك نفقة ولدها، وأما زوجها المكاتب فليس عليه نفقتهم لأنهم عبيد لسيد المكاتبة فإن أراد المكاتب التبرع بالنفقة على ولده من أمة أو مكاتبة لغير سيده أو حرة فليس له ذلك لأن فيه تغريراً بمال سيده، وإن كان من أمة لسيده جاز لأنه مملوك لسيده فهو ينفق عليه من المال الذي تعلق به حق سيده وإن كان من مكاتبة لسيده احتمل الجواز لأنه في الحال بمنزلة أمه وأمه مملوكة لسيدها واحتمل أن لا يجوز لأن فيه تغريراً ويحتمل أن يعجز هو وتؤدي المكاتبة فيعتق لدها فيحصل الإنفاق عليه من مال سيده ويصير حراً (فصل) ويجب نفقة ظئر الصبي على من تلزمه نفقته، لأن نفقة ظئر الصغير كنفقة الكبير ويختص وجوب النفقة بالأب وحده كالكبير (مسألة) (وليس له منع المرأة من رضاع ولدها إذا طلبت ذلك)

إذا طلبت الأم رضاع ولدها بأجر مثلها فهي أحق به سواء كانت في حال الزوجية أو بعدها وسواء وجد الأب مرضعة متبرعة أو لم يجد، وقال أصحاب الشافعي إن كانت في حبال الزوج فلزوجها منعها من رضاعة لأنه يفوت حق الاستمتاع بها في بعض الأحيان، وإن استأجرها على رضاعه لم يجر لان النافع حق له فلا يجوز أن يستأجر ما هو أو بعضه حق له، وان ارضعت الولد فهل لها أجر المثل؟ على وجهين وإن كانت مطلقة فطلبت أجر المثل فأراد انتزاعه منها ليسلمه إلى من يرضعه بأجر المثل أو أكثر لم يكن له ذلك، وإن وجد متبرعة أو مرضعة بدون أجر المثل فله انتزاعه منها في ظاهر المذهب لأنه لا يلزمه التزام المؤنة مع دفع حاجة الولد بدونها، وقال أبو حنيفة إن طلبت الأجرة لم يلزم الأب بذلها ولا يسقط حقها من الحضانة وتأتي المرضعة ترضعه عندها لأنه أمكن الجمع بين الحقين فلم يجز الإخلال بأحدهما ولنا قوله سبحانه (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين) فقدمهن على غيرهن وهذا خبر يراد به الأمر وهو عام في كل والده وقوله فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن) ولنا على جواز الاستئجار أنه عقد اجارة يجوز مع غير الزوج إذا أذن فيه فجاز مع الزوج كإجارة نفسها للخياطة، وقولهم إن المنافع مملوكة له لا يصح لأنه لو ملك منفعة الحضانة لملك إجبارها عليها ولم يجز إجارة نفسها لغيره بإذنه ولكانت الأجرة له وإنما امتنع إجارة نفسها لأجنبي بغير إذنه لما فيه من تفويت الاستمتاع في بعض الزمان ولهذا جازت بإذنه وإذا استأجرها فقد أذن لها في إجارة نفسها فصح كما يصح من الأجنبي، أما الدليل على وجوب تقديم الأم إذا

طلبت أجر المثل على المتبرعة فما ذكرنا من الآيتين، ولان الام حتى وأشفق ولبنها أمرأ من لبن غيرها فكانت أحق به من غيرها كما لو طلبت الأجنبية رضاعه. بأجر مثلها ولأن في رضاع غيرها تفويتاً لحق الأم من الحضانة وإضراراً بالولد ولا يجوز تفويت حق الحضانة الواجب والإضرار بالولد لغرض إسقاط حق أوجبه الله تعالى على الأب، وقول أبي حنيفة يفضي الى تفويت حق الولد من لبن أمه وتفويت الأم في إرضاعه لبنها فلم يجز ذلك كما لو تبرعت برضاعه. فأما إن طلبت الأم أكثر من أجر مثلها ووجد الأب من يرضعه بأجر مثلها أو متبرعة جاز انتزاعه منها لأنها أسقطت حقها باشتطاطها وطلبها ما ليس لها فدخلت في قوله تعالى (وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى) وإن لم يجد مرضعة إلا بتلك الأجرة فالأم أحق لأنهما تساوتا في الآجر فقدمت الأم كما لو طلبت كل واحدة منهما أجر مثلها (فصل) وإن طلبت المزوجة بأجنبي إرضاع ولدها بأجر مثلها بإذن زوجها ثبت حقها وكانت أحق به من غيرها لأن الأم إنما منعت من الإرضاع لحق الزوج فإذا أذن فيه زال المانع فصارت كغير ذات الزوج وإن منعها الزوج سقط حقها لتعذر وصولها إليه (فصل) وإن أرضعت المرأة ولدها وهي في حبال والده فاحتاجت إلى زيادة نفقة لزمه لقول الله

مسألة وإن أعسر زوج الصغيرة أو المجنونة لم يكن لوليهما الفسخ

تعالى (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف) ولأنها تستحق عليه قدر كفايتها فإذا زادت حاجتها زادت كفايتها (مسألة) (وإن امتنعت من رضاعه لم تجب إلا أن يضطر إليها ويخشى عليه) ليس للزوج إجبار أم الولد على ارضاعه دنية كانت أو شريفة وسواء كانت في حبال الزوج أو مطلقة قال شيخنا ولا نعلم في عدم إجبارها على ذلك إذا كانت مفارقة خلافاً وكذلك إن كانت مع الزوج عندنا، وبه يقول الثوري والشافعي وأصحاب الرأي وقال ابن أبي ليلى والحسن بن صالح له إجبارها على ذلك وهو قول أبي ثور ورواية عن مالك لقول الله تعالى (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة) والمشهور عن مالك أنها إن كان شريفة لم تجر عادة مثلها بالرضاع لولدها لم تجبر عليه وإن كانت ممن ترضع في العادة أجبرت عليه ولنا قول الله تعالى (وإن تعاسرهم فسترضع له أخرى) وإذا اختلفا فقد تعاسراً ولأن الإجبار على الرضاع إما أن يكون لحق الولد أو لحق الزوج أو لهما لا يجوز أن يكون لحق الزوج فإنه لا يملك إجبارها على رضاع ولده من غيرها ولا على خدمته فيما يختص به، ولا يجوز أن يكون لحق الولد لأنه لو كان له للزمها بعد الفرقة ولأنه مما يلزم الوالد لولده فلزم الأب على الخصوص كالنفقة أو كما بعد الفرقة، ولا يجوز أن يكون لهما لأن مالا مناسبة فيه لا يثبت الحكم بانضمام بعضه إلى بعض

مسألة وإن امتنعت من رضاعه لم تجبر إلا أن يضطر إليها ويخشى عليه

ولأنه لو كان لهما لثبت الحكم به بعد الفرقة والآية محمولة على حالة الإنفاق وعدم التعاسر فأما إن اضطر الولد إليها بأن لا توجد مرضعة سواها أو لا يقبل الولد الارتضاع من غيرها وجب عليها التمكين من إرضاعه لأنها حال ضرورة وحفظ لنفس ولدها كما لو لم يكن أحد غيرها (مسألة) (ولا يجب عليه أجرة الظئر لما زاد على الحولين لقول الله تعالى (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة) (مسألة) (وإن تزوجت المرأة فلزوجها منعها من رضاع ولدها إلا أن يضطر إليها) وجملة ذلك أن للزوج منع امرأته من رضاع ولدها من غيره ومن رضاع ولد غيرها إلا أن يضطر إليها لأن عقد النكاح يقتضي تمليك الزوج الاستمتاع في كل الزمان من كل الجهات سوى أوقات الصلوات والرضاع يفوت عليه الاستمتاع في بعض الأوقات فكان له منعها كالخروج من منزله فأما إن اضطر إليه بأن لا توجد من ترضعه غيرها أو لا يقبل الارتضاع من غيرها وجب التمكين من إرضاعه لأنها حال ضرورة وحفظ لنفس ولدها فقدم على حق الزوج كتقديم المضطر على المالك إذا لم يكن بالمالك مثل ضرورته. (فصل) فإن أرادت إرضاع ولدها فكلام الخرقي يحتمل وجهين:

مسألة وإن تزوجت المرأة فلزوجها منعها من رضاع ولدها إلا أن يضطر إليها

(أحدهما) له منعها لعموم لفظه في هذه المسألة وهو قول الشافعي لأنه يخل بالاستمتاع منها فأشبه ولد غيرها (والثاني) ليس له منعها فإنه قال ألا إن تشاء الأم أن ترضعه بأجر مثلها فتكون أحق به من غيرها سواء كانت في حبال الزوج أو مطلقة وذلك لقول الله تعالى (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين) وهو خبر يراد به الأمر وهو عام في كل والده، وقال أصحاب الشافعي يحمل على المطلقات ولا يصح ذلك لأنه جعل لهن رزقهن وكسوتهن وهم لا يجيزون جعل ذلك أجر الرضاع ولا غيره وقولنا في الوجه الأول أنه يخل باستمتاعه. قلنا: ولكن لإيفاء حق عليه وليس ذلك ممتنعاً كما أن قضاء دينه بدفع ما له فيه واجب لا سيما إذا تعلق به حق الولد مع كونه مع أمه وحق الأم في الجميع بينهما وبين ولدها، وهذا الوجه ظاهر كلام ابن أبي موسى والأول ظاهر كلام القاضي أبي يعلى. (فصل) فإن أجرت المرأة نفسها للرضاع ثم تزوجت صح النكاح ولم يملك الزوج فسخ الإجارة ولا منعها من الرضاع حتى تمضي المدة لأن منافعها ملكت بعقد سابق على نكاحه أشبه ما لو اشترى أمة مستأجرة، وإن نام الصبي أو اشتغل بغيرها فللزوج الاستمتاع وليس لولي الصبي منعه وبهذا قال الشافعي وقال مالك ليس له وطؤها إلا برضى الولي لأن ذلك ينقص اللبن ولنا أن وطئ الزوج مستحق بالعقد فلا يسقط بأمر مشكوك فيه كما لو أذن فيه الولي، ولأنه

يجوز له الوطئ مع إذن الولي فجاز مع عدمه لأنه ليس للولي الاذن فيما يضر بالصبي ويسقط حقه (فصل) فإن أجرت المرأة المزوجة نفسها للرضاع بإذن زوجها جاز ولزم العقد لأن الحق لهما لا يخرج عنهما. وإن اجرتها بغير إذنه لم يصح لتضمنه تفويت حق زوجها وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشافعي، والآخر يصح لأنه يتأول محلاً غير محل النكاح لكن للزوج فسخه لأنه يفوت به الاستمتاع ويختل. ولنا أنه عقد يفوت به حق من ثبت له الحق بعقد سابق فلم يصح كإجارة المستأجر (فصل) قال الشيخ رحمه الله وعلى السيد الإنفاق على رقيقه قدر كفايتهم وكسوتهم بالمعروف نفقة المملوكين على ملاكهم ثابتة بالسنة والإجماع أما السنة فروى أبو ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس ولا تكلفوهم ما يغلبهم فان كلفتموهم فأعينوهم عليه " متفق عليه. وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف ولا يكلف من العمل ما لا يطيق " رواه الشافعي في مسنده. وأجمع العلماء على وجوب نفقة المملوك على سيده، ولانه لابد له من نفقة ومنافعه لسيده وهو أخص الناس به فوجبت نفقته عليه كبهيمته (فصل) والواجب من ذلك قدر كفايته من غالب قوت البلد سواء كان قوت سيده أو دونه أو فوقه وأدم مثله بالمعروف لحديث أبي هريرة، والمستحب أن يطعمه من جنس طعامه لقوله " فليطعمه

مما يأكل فجمعنا بين الخبرين فحملنا خبر أبي هريرة على الإجزاء وحديث أبي ذر على الاستحباب والسيد مخير بين أن يجعل نفقته من كسبه إن كان له كسب وأن ينفق عليه من ماله ويأخذ كسبه أو يجعله برسم نفقة خدمته وينفق عليه من ماله لأن الكل ماله فإن جعل نفقته في كسبه وكانت وفق الكسب صرفها إليه وإن فضل من الكسب شئ فهو لسيده وإن أعوز فعليه تمامه، وأما الكسوة فبالمعروف من غالب الكسوة لأمثال العبد في ذلك البلد الذي هو به والمستحب أن يلبسه من لباسه لحديث أبي ذر، ويستحب أن يستوي بين عبيده الذكور في الكسوة والإطعام وبين إمائه إن كن للخدمة أو للاستمتاع وإن كان فيهن من هو للخدمة ومن هو للاستمتاع فلا بأس بزيادة من هي للاستمتاع في الكسوة لانه للعرف ولان غرضه تجميل من يستمتع بها بخلاف الخادمة (مسألة) (وعليه تزويجهم إذا طلبوا ذلك) وهذا أحد قولي الشافعي وقال أبو حنيفة ومالك لا يجبر عليه لأن فيه ضرراً عليه وليس مما تقوم به البنية فلم يلزمه كإطعام الحلواء ولنا قول الله تعالى (وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم) والأمر يقتضي الوجوب ولا يجب إلا عند الطلب وروى عكرمة عن ابن عباس قال من كانت له جارية فلم يزوجها ولم يصبها أو عبد فلم يزوجه فما صنعا من شئ كان على السيد ولولا وجوب إعفافهما لما لحق السيد

مسألة وعليه تزويجهم إذا طلبوا ذلك

الإثم بفعلهما ولأنه مكلف محجور عليه دعي إلى تزويجه فلزمت إجابته كالمحجور عليه للسفه ولأن النكاح مما تدعوا الحاجة إليه غالباً ويتضرر بفواته فأجبر عليه كالنفقة ولأنه يخاف من ترك إعفافه الوقوع في المحظور بخلاف الحلواء. إذا ثبت هذا فالسيد مخير بين تزويجه أو تملكيه أمة يتسراها وله أن يزوجه أمة لان النكاح الأمة مباح للعبد من غير شرط ولا يجب عليه تزويجه إلا عند طلبه لأن هذا مما يختلف الناس فيه وفي الحاجة إليه ولا نعلم حاجته إلا بطلبه ولا يجوز تزويجه إلا باختياره إذا كان عبداً كبيراً وإذا كان للعبد زوجة فعلى سيده تمكينه من الاستمتاع بها ليلاً لأن إذنه في النكاح إذن في الاستمتاع المعتاد والعادة جارية بذلك ليلاً وعليه نفقة زوجته على ما قدمناه (مسألة) (إلا الأمة إذا كان يستمتع بها) وجملته أن السيد مخير في الأمة بين تزويجها إذا طلبت ذلك وبين الاستمتاع بها فيغنيها باستمتاعه عن غيره لأن المقصود قضاء الحاجة وإزالة ضرر الشهوة وذلك يحصل بأحدهما فلم يتعين الآخر (مسألة) (ولا يكلفهم من العمل ما لا يطيقون) وهو ما يشق عليه ويقرب من العجز عنه لحديث أبي ذر ولأن ذلك يضر به ويؤذيه وهو ممنوع من ذلك (مسألة) (ويريحهم وقت القيلولة والنوم وأوقات الصلوات)

مسألة إلا الأمة إذا كان يستمتع بها

لأن العادة جارية بذلك ولأن عليهم في ترك ذلك ضرراً ولا يحل الإضرار بهم (مسألة) (ويداويهم إذا مرضوا) إذا مرض المملوك أو زمن أو عمى أو انقطع كسبه فعلى سيده القيام به والإنفاق عليه لأن نفقته تجب بالملك ولهذا تجب مع الصغر والملك باق مع المرض والعمى والزمانة فتجب نفقته معهما لعموم النصوص المذكورة (مسألة) (وإذا ولي أحدهم طعامه أطعمه معه فإن أبى أطعمه منه) لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " اذا كفى احدكم خادمه حره ودخانه فليدعه وليجاسه معه فإن أبى فليروغ له اللقمة واللقمتين " رواه البخاري ومعنى ترويغ اللقمة غمسها في المرق والدسم وترويتها بذلك ودفعها إليه ولأنه يشتهيه لحضوره فيه وتوليه إياه وقد قال الله تعالى (وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه) ولأن نفس الحاضر تتوق ما لا تتوق نفس الغائب (مسألة) (ولا يسترضع الأمة لغير ولدها إلا أن يكون فيها فضل عن ريه) لأن فيه إضراراً بولدها لنقصه في كفايته وصرف اللبن المخلوق له إلى غيره مع حاجته اليه فلم يجز كما لو أراد أن ينقص الكبير عن كفايته ومؤنته فإن كان فيها فضل عن ري ولدها جاز لأنه

مسألة ولا يسترضع الأمة لغير ولدها إلا أن يكون فيها فضل عن ريه

ملكه وقد استغنى عنه الولد فكان له استبقاؤه كالفاضل من كسبه أو كما لو مات ولدها وبقي لبنها (مسألة) (ولا يجبر العبد على المخارجة وإن اتفقا عليها جاز) معنى المخارجة أن يضرب عليه خراجاً معلوماً يؤديه إلى سيده وما فضل للعبد لأن ذلك عقد بينهما فلا يجبر عليه كالكتابة، وإن طلب العبد ذلك وأباه السيد لم يجبر عليه لما ذكرنا فإن اتفقا على ذلك جاز لما روى أن أبا طيبة حجم النبي صلى الله عليه وسلم فأعطاه أجره وأمر مواليه أن يخلفوا عنه من خراجه وكان كثير من الصحابة يضربون على رقيقهم خراجاً فروي أن الزبير كان له ألف مملوك على كل واحد منهم كل يوم درهم وجاء أبو لؤلؤة إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فسأله أن يسأل المغيرة بن شعبة يخفف عنه من خراجه، ثم ينظر فإن كان ذا كسب فجعل عليه بقدر ما يفضل عن كسبه عن نفقته وخراجه شئ جاز فإن لهما به نفعاً فإن العبد يحرص على الكسب وربما فضل معه شئ يزيده في النفقة ويتسع به، وإن وضع عليه أكثر من كسبه بعد نفقته لم يجز وكذلك إن كلف من لا كسب له المخارجة لما روي عن عثمان رضي الله عنه أنه قال: لا تكلفوا الصغير الكسب فإنكم متى كلفتموه الكسب سرق ولا تكلفوا المرأة غير ذات الصنعة الكسب فإنكم متى كلفتموها الكسب كسبت بفرجها ولأنه متى كلف غير ذي الكسب خراجاً كلفه ما يغلبه وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " لا تكلفوهم ما يغلبهم وربما حمله ذلك على أن يأتي به من غير وجهه فلم يكن للسيد أخذه

مسألة ولا يجبر العبد على المخارجة وإن اتفقا عليها جاز

(مسألة) (ومتى امتنع السيد من الواجب عليه وطلب العبد البيع لزمه بيعه) وجملة ذلك أن السيد إذا امتنع مما يجب للعبد عليه من نفقة أو كسوة أو تزويج فطلب العبد البيع أجبر سيده عليه سواء كان امتناع السيد من ذلك لعجزه عنه أو مع قدرته عليه لأن بقاء ملكه عليه مع الإخلال بسد خلاته إضرار به وإزالة الضرر واجبة فوجب إزالته وكذلك أبحنا للمرأة فسخ النكاح عند عجز زوجها عن الإنفاق عليها وقد روي في بعض الحديث عن النبي صلى الله عليه أنه قال " عبدك يقول أطعمني وإلا فبعني وامرأتك تقول أطعمني أو طلقني وهذا يدل بمفهومه على أن السيد متى وفى بحقوق عبده وطلب العبد لم يجبر السيد عليه، وقد روي أبو داود عن أحمد أنه قبل له استباعت المملوكة وهو يكسوها مما يكتسي ويطعمها مما يأكل؟ قال لاتباع وإن أكثرت من ذلك إلا أن تحتاج إلى زوج فتقول زوجني، وقال عطاء واسحاق في العبد يحسن إليه سيده وهو يستبيع لا يبعه لأن الملك للسيد واعتق له فلا يجبر على إزالتة من غير ضرر بالعبد كما لا يجبر على طلاق زوجته مع القيام بما يجب لها ولا على بيع بهيمته مع الإنفاق عليها. (مسألة) (وله تأديب رقيقه بما يؤدب به ولده وامرأته) له تأديب عبده وأمته إذا اذنبا بالتوبيخ والضرب الخفيف كما يؤدب ولده وامرأته في النشوز وليس له ضربه على غير ذنب ولا أن يضربه ضرباً مبرحاً وإن أذنب ولا لطمه في وجهه، وقد روي

مسألة ومتى امتنع السيد من الواجب عليه وطلب العبد البيع لزمه بيعه

عن ابن مقرن المزني قال قد رأيتني سابع سبعة ما لنا إلا خادم واحد فلطمها أحدنا فأمرنا النبي صلى الله عليه وسلم باعتاقها وروي عن أبي مسعود قال كنت أضرب غلاماً لي وإذا رجل من خلفي يقول اعلم أبا مسعود اعلم أبا مسعود فالتفت فإذا النبي صلى الله عليه وسلم يقول " اعلم أبا مسعود الله أقدر عليك منك على هذا الغلام " (مسألة) (وللعبد التسري بإذن سيده ولو ملكه سيده جارية لم يكن له التسري بها إلا بإذنه) هذا هو المنصوص عن أحمد في رواية الجماعة وهو قول ابن عمر وابن عباس والشعبي والنخعي والزهري، ومالك والاوزاعي وأبي ثور، وكره ذلك ابن سيرين وحماد بن أبي سليمان والثوري وأصحاب الرأي، وللشافعي فيه قولان مبنيان على أن العبد هل يملك بتمليك سيده او لا، وقال القاضي يجب أن يكون في مذهب أحمد في تسري العبد وجهان مبنيان على الروايتين في ثبوت الملك بتمليك سيده واحتج من منع ذلك بأن العبد لا يملك المال ولا يجوز الوطئ إلا في نكاح أو تمليك يمين لقول الله تعالى (إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون) ولنا قول ابن عمر وابن عباس ولا نعرف لهما في الصحابة مخالفاً، وروى الأثرم عن ابن عمر بإسناده أنه كان لا يرى بأساً أن يتسرى العبد ونحوه عن ابن عباس، ولأن العبد يملك في النكاح فملك التسري كالحر، وقولهم أن العبد لا يملك المال ممنوع، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من باع عبداً وله مال " فجعل المال له ولأنه آدمي فيملك المال كالحر وذلك لأنه بآدميته يتمهد لأهلية الملك إذ كان الله

مسألة وللعبد التسري بإذن سيده ولو ملكه جارية لم يكن له التسري بها إلا بأذنه

تعالى خلق الأموال للآدميين ليستعينوا بها على القيام بوظائف التكليف وأداء العبادات، قال الله تعالى (خلق لكم ما في الأرض جميعا) والعبد داخل في العموم ومن أهل التكاليف والعبادات فيكون أهلاً للملك وكذلك ملك في النكاح، وإذا ثبت الملك للجنين مع كونه نطفة لا حياة فيها باعتبار مآ له إلى الآدمية فالعبد الذي هو آدمي ملكف أولى ولا يجوز له التسري إلا بإذن سيده ولو ملكه سيده جارية لم يكن له وطؤها حتى يأذن له فيه لأن ملكه ناقص ولسيده نزعه منه متى شاء من غير فسخ قد فلم يكن له التصرف فيه إلا بإذن سيده فإن أذن له فقال تسراها أو أذنت لك في وطئها أو ما دل عليه أبيح له، وما ولد له من التسري فحكمه حكم ملكه لأن الجارية مملوكة له فكذلك ولدها وإن تسرى بغير إذن سيده فالولد ملك لسيده (فصل) وإذا أذن له السيد في أكثر من واحدة فله التسري بما شاء نص عليه أحمد لا زمن جاز له التسري جاز له بغير حصر كالحر وإن أذن له وأطلق فله التسري واحدة وكذلك إذا أذن له في في التزويج ولم يجز أن يتزوج أكثر من واحدة وبهذا قال أصحاب الرأي، وقال أبو ثور إذا أذن له في التزويج فعقد على اثنتين في عقد جاز ولنا أن الإذن الطلق يتناول أقل ما يقع عليه الاسم يقيناً وما زاد مشكوك فيه فيبقى على الأصل

كما لو أذن له في طلاق امرأته لم يكن له أن يطلق أكثر من طلقة ولأن الزائد عن الواحدة يحتمل أن يكون غير مراد فيبقى على أصل التحريم كما لو شك في أصل الإذن (فصل) نقل محمد بن ماهان عن أحمد لا بأس للعبد أن يتسرى إذا أذن له سيده فإن رجع السيد فليس له أن يرجع إذا أذن له مرة وتسرى وكذلك نقل عنه إبراهيم بن هانئ ويعقوب بن بختان ولم

أو عنه خلاف هذا فظاهره أنه إذا تسرى بإذن السيد لم يملك السيد الرجوع لأنه يملك به البضع فلم يملك سيده فسخه قياساً على النكاح، وقال القاضي يحتمل أنه أراد بالتسري ههنا التزويج وسماه تسرياً

مجازاً ويكون للسيد الرجوع فيما ملك عبده وظاهر كلام أحمد خلاف هذا وذلك لأنه ملكه بضعاً أبيح له وطؤه فلم يملك رجوعه فيه كما لو زوجه

(فصل) وعليه إطعام بهائمه وسقيها والقيام بها والإنفاق عليها وما تحتاج إليه من علفها وسقيها لو

إقامة من يرعاها لما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " عذبت امرأة في هرة حبستها حتى ماتت جوعاً فلا هي أطعمتها ولا هي أرسلتها تأكل من خشاش الأرض " متفق عليه

(مسألة) (ولا يحملها ما لا تطيق) لأنها في معنى العبد وقد منع النبي صلى الله عليه وسلم تكليف العبد ما لا يطيق، ولأن فيه تعذيب الحيوان الذي

مسألة ولا يحملها ما لا تطيق

له حرمة في نفسه ولا يحلب من لبنها ما يضرب ولدها لأن كفايته واجبة على مالكه ولن أمه مخلوق

له فأشبه ولد الأمة فإن امتنع عن الانفاق عليهما أجبر على ذلك فإن ابى أو عجز أجبر على بيعها أو ذبحها إن كانت مما تذبح، وقال أبو حنيفة لا يجبره السلطان بل يأمره به كما يأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر

لأن البهيمة لا يثبت لها حق من جهة الحكم ألا ترى أنه لا يصح منها الدعوى ولا ينصب عنها خصم فصارت كالزرع والشجر

ولنا أنها نفقة حيوان واجبة عليه فكان للسلطان إجباره عليها كنفقة العبد فإن عجز عن الإنفاق

وامتنع من البيع بيعت عليه كما يباع العبد إذا طلب البيع عند إعسار سيده بنفقة وكما يفسخ نكاحه

إذا أعسر بنفقة امرأته فإن عطبت البهيمة فلم ينتفع بها فإن كانت مما لا يؤكل أجبر على الأنفاق عليها كالعبد الزمن وإن كانت مما يؤكل خير بين ذبحها والإنفاق عليها على ما ذكرناه (كتاب الجنايات) الجنايات كل فعل عدوان على نفس أو مال لكنها في العرف مخصوصة بما يحصل فيه التعدي على الأبدان وسموا الجنايات على الأموال غصبا ونهبها وسرقة وخيانة وإتلافاً وأجمع المسلمون على تحريم القتل بغير حق والأصل فيه الكتاب والسنة والإجماع أما الكتاب فقول الله تعالى (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا) وقال (وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ) وقال (ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم) الآية وأما السنة فروى عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله الا باحدى ثلاث الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه والمفارق للجماعة " متفق عليه وروى عثمان وعائشة

كتاب الجنايات

عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله في آي وأخبار كثيرة ولا خلاف بين الأمة في تحريمه فإن فعله إنسان متعمداً فسق وأمره إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له وتوبته مقبولة في قول أكثر أهل العلم وقال ابن عباس لا تقبل توبته للآية التي ذكرناها وهي في آخر ما نزل ولم ينسخها شئ ولان لفظ لآية لفظ الخبر والأخبار لا يدخلها نسخ ولا تغيير لأن خبر الله تعالى لا يكون إلا صدقاً ولنا قول الله تعالى (إن الله لا يغفر ان يشترك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) فجعله داخلاً في المشيئة وقال تعالى (إن الله يغفر الذنوب جميعا) وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم " ان رجلاً قتل مائة رجل ظلماً ثم سئل هل له من توبة؟ فدل على عالم فسأل فقال ومن يحول بينك وبين التوبة ولكن خرج من قرية لسوء إلى القرية الصالحة فا عبد الله فيها فخرج تائباً فأدركه الموت في الطريق فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب فبعث الله عزوجل ملكاً فقال قيسوا ما بين القريتين فإلى أيهما أقرب فاجعلوه من أهلها فوجدوه أقرب إلى القرية الصالحة بشبر فجعلوه من أهلها " أخرجه مسلم ولأن الثوبة تصح من الكفر فمن القتل أولى والآية محمولة على من قتله مستحلاً ولم يتب أو على أن هذا جزاؤه إن جازاه الله وله العفو إن شاء وقوله لا يدخلها النسخ قلنا يدخلها التخصيص والتأويل (مسألة) (والقتل على أربعة أضرب عمد وشبه وخطأ وما أجري مجرى الخطأ) أكثر أهل العلم يرون القتل منقسماً إلى عمد وشبه عمد وخطأ روى ذلك عن عمر وعلي وبه قال

مسألة والقتل على أربعة أضرب عمد وشبه عمد وخطأ وما أجري مجرى الخطأ

الشعبي والنخعي وقتادة وحماد وأهل العراق والثوري والشافعي وأصحاب الرأي وأنكر مالك شبه العمد وقال ليس في كتاب الله إلا العمد والخطأ فأما شبه العمد فلا يعلم به عندنا وجعله من قسم العمد وحكي عنه مثل قول الجماعة وهو الصواب لما روى عبد الله بن عمر وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ألا إن في دية الخطأ شبه العمد ما كان بالسوط والعصى مائة من الإبل منها أربعون في بطونها أولادها " رواه أبو داود وفي لفظ " قتيل خطأ العمد، وهذا نص يقدم على ما ذكره وقسمه شيخنا في هذا الكتاب أربعة أقسام فزاد ما أجري مجرى الخطأ على ما ذكرناه وكذلك قسمه أبو الخطاب وهو أن ينقلب النائم على شخص فيقتله ومن يقتل بالسبب كحفر البئر ونحوه وكذلك قتل غير المكلف وهذه الصور عند الأكثرين من قسم الخطأ أعطوه حكمه (مسألة) (والعمد أن يقتله بما يغلب على الظن موته به عالماً بكونه آدمياً معصوماً وهو تسعة أقسام) (أحدهما) أن يجرحه بما له مور في البدن من حديد أو غيره مثل أن يجرحه بسكين أو يغزره بمسلة أو ما في معناه مما يحدد ويجرح من الحديد والنخاس والرصاص الذهب والفضة والزجاج والحجر والخشب والقصب والعظم فهذا كله إذا جرح به جرحاً كبيراً فمات فهو قتل عمد لا اختلاف فيه بين العلماء فيما علمنا فأما إن جرحه جرحا صغيراً كشرطة الحجام أو غرزه بإبرة أو شوكة أو جرحه جرحاً صغيراً بكبر في غير مقتل فمات في الحال ففي كونه عمداً وجهان (أحدهما) لا قصاص فيه قاله ابن حامد لأن الظاهر أنه لم يمت منه ولأنه لا يقتل غلبا أشبه العصى والسوط

مسألة والعمد أن يقتله بما يغلب على الظن موته به عالما بكونه آدميا معصوما وهو تسعة أقسام

(والثاني) فيه القصاص لان لمحدد لا يعتبر فيه غلبة الظن في حصول القتل به بدليل ما لو قطع شحمة أذنه أو أنملته ولأنه لما لم تكن ادارة الحكم وضبطه بغلبة الظن وجب ربطه بكونه محدداً ولا يعتبر ظهور الحكمة في آحاد صور المظنة بل يكفي احتمال الحكمة ولذلك ثبت الحكم به فيما إذا بقي ضمنا مع أن العمد لا يختلف مع اتحاد لآية والفعل بسرعة الافضاء وإبطائه ولأن في البدن مقاتل خفية وهذا له سراية وصور فأشبه الجرح الكبير وهذا ظاهر كلام الخرقي فإنه لم يفرق بين الصغير والكبير وهذا مذهب أبي حنيفة وللشافعي من التفصيل نحو مما ذكرنا (مسألة) (فإن بقي من ذلك ضمناً حتى مات أو كان الغرز بها في مقتل كالفؤاد والخصيتين فهو عمد محض) أما إذا كان الجرح في مقتل كالعين والفؤاد والخاصرة والصدغ أو أصل الأذن فمات فهو عمد محض يجب به القصاص وكذلك إن بالغ في إدخل الإبرة ونحوها في البدن لأنه يشتد ألمه ويفضي إلى القتل كالكبير، وإن بقي من ذلك ضمناً حتى مات ففيه القود لأن الظاهر أنه مات به قاله أصحابنا وقيل لا يجب به القصاص لان لما احتمل حصول الموت بغيره ظاهراً كان شبهة في درء القصاص ولو كانت العلة أن القتل لا يحصل به غالباً لما افترق بين موته في الحال وموته الحال وموته ومتراخيا كسائر ما لا يجب به قصاص (مسألة) (وان قطع سلعة من أجنبي بغير إذنه فمات فعليه القود لأنه جرحه بغير إذنه جرحاً لا يجوز له

مسألة فإن بقي من ذلك ضمناحتى مات أو كان الغرز بها في مقتل كالفؤاد والخصيتين فهو عمد محض

فكان عليه القود اذا تعمد كغيره وإن قطعها حاكم من صغير أو وليه فمات فلا قود لأن له فعل ذلك وقد فعله لمصلحته فأشبه ما لو ختنه (الثاني) أن يضربه بمثقل فوق عمود الفسطاط أو بما يغلب على الظن موته به كاللت والكوذين والسندان أو حجر كبير أو يلقي عليه حائطا أسقفا أو يلقيه من شاهق أو يكرر الضرب بصغير أو يضربه في مقتل أو في حال ضعف قوة من مرض أو صغر أو كبر أو برد أو نحوه وجملة ذلك أنه إذا قتله بغير محدد يغلب على الظن حصول الزهوق به عند استعماله فهو عمد موجب للقصاص وبه قال النخعي والزهري وابن سيرين وجماد وعمرو بن دينار وابن أبي ليلى ومالك والشافعي واسحاق وأبو يوسف وأبو محمد وقال الحسن لا قود في ذلك وروي ذلك عن الشعبي وقال ابن المسيب وعطاء وطاوس العمد ما كان بالسلاح وقال أبو حنيفة لا قود إلا أن يكون قتله بالنار وعنه في مثقل الحديد روايتان، واحتج بقول النبي صلى الله عليه وسلم " ألا إن في قتيل عمد الخطأ قيتل السوط والعصا والحجر مائة من الإبل " فسماه عمدا لخطأ وأوجب فيه الدية دون القصاص ولأن العمد لا يمكن اعتباره بنفسه فيجب ضبطه يمظنته ولا يمكن ضبطه بما يقتل غالباً لحصول العمد بدونه في الجرح الصغير فوجب ضبطه بالجرح ولنا قول الله تعالى (ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا) وهذا مقتول ظلماً وقوله سبحانه (كتب عليكم القصاص في القتلى) وروى أنس أن يهودياً قتل جارية على أوضاح لما بحجر فقتله رسول

الله صلى الله عليه وسلم بين حجرين متعق عليه، وروى أبو هريرة قال قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين إما أن يودى وإما أن يقاد " متفق عليه ولأنه يقتل غالباً أشبه المحدد وأما الحديث فمحمول على المثل الصغير لأنه ذكر العصى والسوط وقرن به الحجر فدل على أنه أراد ما اشبههما وقولهم لا يمكن ضبطه ممنوع فاما توجب القصاص بما يتقين حصول الغلبة به وإذا شككنا لم نوجبه مع الشك والجرح الصغير قد سبق القول فيه ولأنه لا يصح ضبطه بالجرح بدليل ما لو قتله بالنار، والمراد بعمود الفسطاط الذي ذكره ههنا العمد التي تتخذها العرب لببوتها وفيها دتة وانما حد الواجب للقصاص بفوق عمود الفسطاط لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن المرأة التي ضربت جاريتها بعمود الفسطاط فقتلتها وجنينها قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنين بغرة وقضى بالدية على عاقلتها والغافلة لا تحمل العمد فدل على أن القتل بعمود الفسطاط ليس بعمد، وإن كان أعظم منه بعمد الخيام فهو كبير يقتل غالباً فيجب فيه القصاص، ومن هذا النوع أن يلقي عليه جداراً أو صخرة أو خشبة عظيمة أو يلقيه من شاهق فيهلكه ففيه القود لأنه يقتل غالباً، ومن ذلك أن يضربه بمقتل صغير أو حجر صغير أو يلكزه ببده في مقتل أو في حال ضعف المضروب لمرض أو صغر أو في حر مفرط أو برد شديد بحيث يقتله بتلك الضربة أو كرر الضرب حتى قتله بما يقتل غالباً فقتله ففيه القود لأنه قتله بما يقتل غالباً أشبه المثقل

الكبير وإن لم يكن كذلك ففيه الدية لأنه عمد الخطأ إلا أن يصغر جداً كالضربة بالقلم والأصبع في غير مقتل ونحو هذا مما لا يتوهم القتل به فلا قود فيه ولا دية لأنه لم يمت به وكذلك إن مسه بالكبير ولم يضربه به لأن الدية انما تجب بالقتل فليس هذا قتلاً (النوع الثالث) (ألقاه في زبية أسد أو أنهشه كلباً أو سبعاً أو حية أو ألسعه عقرباً من القواتل ونحو ذلك فقتله فيجب به القصاص) إذا جمع بينه وبين أسد أو نحو في مكان ضيق كزبية أو نحوها فقتله فهو عمد فيه القصاص إذا فعل به السبع فعلاً يقتل مثله وان فعل وإن فعل به فعلاً لو فعله الآدمي لم يكن عمداً لم يجب القصاص به لأن السبع صار آلة للآدمي فكان فعله كفعله فإن ألقاه مكتوفاً بين يدي الأسد أو النمر في فضاء فقتل فعليه القود وكذلك إن جمع بينه وبين حية في مكان ضبق فنهشته فقتلته فعليه القود، وقال القاضي لا ضمان عليه في الصورتين وهو قول أصحاب الشافعي لأن الأسد والحية يهربان من الآدمي، ولأن هذا سبب غير ملجئ ولنا أن هذا يقتل غالباً فكان عمداً محضاً كسائر الصور، وقولهم أنهما يهربان لا يصح فإن الأسد يأخذ الآدمي المطلق فكيف يهرب من مكتوف ألقي له ليأكله؟ والحية إنما تهرب في مكان واسع أما إذا ضاق المكان فالغالب أنها تدفع عن نفسها بالهش على ما هو العادة، وقد ذكر القاضي فيمن ألقي

مكتوفاً في أرض مسبعة أو ذات حيات فقتلته أن في وجوب القصاص روايتين وهذا تناقص شديد فإنه نفى الضمان بالكلية في صورة كان القتل فيها أغلب واوجب القصاص في صورة كان فيها أنذر، والصحيح أنه لا قصاص ههنا ويجب الضمان لأنه فعل به فعلاً متعمداً تلف به لأنه يقتل مثله غالباً وإن أنهشه حية أو سبعاً فقتله فعليه القود إذا كان ذلك مما يقتل غالباً فإن كان مما لا يقتل غالبا كثبعان الحجاز أو سبع صغير ففيه وجهان (أحدهما) فيه القود لأن الجرح لا يعتبر فيه غلبة حصول القتل به وهذا جرح ولأن الحية من جنس ما يقتل غالباً (والثاني) هو شبه عمد لأنه لا يقتل غالباً أشبه الضرب بالسوط والعصا والحجر الصغير وإن ألسعه عقرباً من القواتل فقتلته فهو كما لو انهشته حية يوجب القصاص لأنه يقتل غالباً، فإن كتفه وألقاه في أرض غير مسبعة فأكله سبع أو نهشته حية فمات فهو شبه عمد وقال أصحاب الشافعي هو خطأ محض ولنا أنه فعل به فعلاً لا يقتل مثله غالباً فأفضى إلى إهلاكه أشبه ما لو ضربه بعصاً فمات وكذلك إن ألقاه مشدوداً في موضع لم يعهد وصول زيادة الماء إليه فان كان في موضع يعلم وصول زيادة الماء إليه في ذلك الوقت فمات به فهو عمد محض وإن كانت الزيادة غير معلومة إما لكونها تحتمل الوجود وعدمه أو لا تعهد أصلاً فهو شبه عمد (النوع الرابع) ألقاه في ماء يغرقه أو نار لا يمكنه التخلص منها إما لكثرة الماء والنار وإما لعجزه

عن التخلص لمرض أو ضعف أو صغر أو كونه في حفرة لا يقدر على الصعود منها ونحو هذا أو ألقاه في بئر ذات نفس فمات عالماً بذلك فهذا كله عمد لأنه يقتل غالباً، وإن ألقاه في ماء يسير فقدر على الخروج منه فلبث فيه اختياراً حتى مات فلا شئ فيه لأن هذا الفعل لم يقتله وإنما حصل موته بلبثه فيه وهو فعل نفسه فلم يضمنه غيره، فإن تركه في نار يمكنه التخلص منها لقلتها أو كونه في طرف منها يمكنه الخروج بأدنى حركة فلم يخرج حتى مات فلا قود لأن هذا لا يقتل غالباً وهل يضمنه؟ فيه وجهان (أحدهما) لا يضمنه لأنه مهلك لنفسه بإقامته فلم يضمنه كما لو ألقاه في ماء يسير لكن يضمن ما أصابت النار منه (والثاني) يضمنه لأنه جان بالإلقاء المفضي إلى الهلاك وترك التخلص لا يسقط الضمان كما لو فصده فترك شد فصاده مع إمكانه أو جرحه فترك مداواة جرحه، وفارق الماء اليسير لأنه لا يهلك بنفسه ولهذا يدخله الناس للغسل والسباحة وأما النار فيسيرها مهلك وإنما تعلم قدرته على التخلص بقوله أنا قادر على التخلص أو نحو هذا لأن النار لها حرارة شديدة فربما أزعجته حرارتها عن معرفة ما يتخلص به أو اذهبت عقله بألمها وروعتها (الخامس) (خنفقه بحبل أو غيره أو سد فمه وأنفه أو عصر خصيتيه حتى مات) إذا منع خروج نفسه بأن يخنقه بحبل أو غيره وهو نوعان (أحدهما) أن يخنقه بأن يجعل في عنقه

خراطة ثم يعلقه في خشبة أو شئ بحيث يرتفع عن الأرض فيختنق ويموت فهذا عمد سواء مات في الحال أو بقي زمناً لأن هذا أوحى أنواع الخنق وهو الذي جرت العادة بفعله في اللصوص واشباههم من المفسدين (الثاني) أن يخنقه وهو على الأرض بيديه أو حبل أو يغمه بوسادة أو شئ يضعه على فيه وأنفه أو يضع يديه عليهما فيموت فهذا إن فعل به ذلك في مدة يموت في مثلها غالباً فمات فهو عمد فيه القصاص وبه قال عمر بن عبد العزيز والنخعي والشافعي، وإن كان في مدة لا يموت في مثلها غالباً فهو عمد الخطأ ويلتحق بذلك ما لو عصر خصيته عصراً شديداً فقتله بعصر يقتل مثله غالباً، وإن لم يكن كذلك فهو شبه عمد إلا أن يكون ذلك يسيراً في الغاية بحيث لا يتوهم الموت منه فلا يوجب ضماناً لأنه بمنزلة لمسه، ومتى خنقه وتركه متألماً حتى مات ففيه القود لأنه مات من سراية جناية كسراية الجرح وإن تنفس وصح ثم مات فلا قود لأن الظاهر أنه لم يمت منه فأشبه ما لو اندمل الجرح ثم مات (السادس) حبسه ومنعه الطعام أو الشرب حتى مات جوعاً وعطشاً في مدة يموت في مثلها غالباً فعليه القود لأن هذا يقتل غالباً، وهذا يختلف باختلاف الناس والزمان والأحوال فإذا عطشه في شدة الحرمات في الزمن القليل وإن كان ريان والزمن بارد أو معتدل لم يمت إلا في زمن طويل فيعتبر هذا فيه، فان كان في مدة يموت في مثلها غالباً ففيه القود إن كان في مدة لا يموت في مثلها غالباً فهو عمد الخطأ

وإن شككنا فيها لم يجب القود لأنا شككنا في السبب ولا يثبت الحكم مع اشك في سببه سيما القصاص الذي يسقط بالشبهات (السابع) سقاه سماً لا يعلم به أو خلطه بطعام فأطعمه أو خلطه بطعامه فأكله وهو لا يعلمه فمات فعليه القود إذا كان مثله يقتل غالباً وقال الشافعي في أحد قوليه لا قود عليه لأنه أكله مختاراً فأشبه ما لو قدم إليه سكيناً فطعن بها نفسه، ولأن أنس بن مالك روى أن يهودية أتت النبي صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة فأكل منها النبي صلى الله عليه وسلم وبشر بن البراء فلم يقتلها النبي صلى الله عليه وسلم قال وهل تجب الدية؟ فيه قولان، قلنا حديث اليهودية حجة لنا فإن ابا سلمة قال فيه فمات بشر فأمر بها النبي صلى الله عليه وسلم فقتلت أخرجه أبو داود ولأن هذا يقتل غالباً ويتخذ طريقاً إلى القتل كثيراً فأوجب القصاص كما لو اثرهه على شربه، فأما حديث أنس فلم يذكر فيه أن أحدا مات منعه ولا يجب القصاص إلا ان يقتل به ويجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم لم يقتلها قبل أن يموت بشر فلما مات أرسل إليها النبي صلى الله عليه وسلم فاعترفت فقتلها فنقل أنس صدر القصة دون آخرها، ويتعين حمله عليه جميعاً بين الخبرين ويجوز أن يترك قتلها لكونها ما قصدت قتل بشر إنما قصدت قتل النبي صلى الله عليه وسلم فاختل العمد بالنسبة إلى بشر، وفارق تقديم السكين فإنها لا تقدم إلى الإنسان ليقتل بها نفسه إنما تقدم إليه لينتفع وهو عالم بمضرتها ونفعها فأشبه ما لو قدم

إليه السم وهو عالم به فأما إن أكله وهو عالم به وهو بالغ عاقل فلا ضمان عليه كما لو قدم إليه سكيناً فوجأ بها نفسه (مسألة) (فإن خلط السم بطعام نفسه فدخل إنسان منزله فأكله فلا ضمان عليه) لأنه لم يفعله وإنما الداخل قتل نفسه فأشبه ما لو حفر في داره بئراً فدخل رجل فوقع فيها وسواء قصد بذلك قتل الداخل مثل أن يعلم أن ظالماً يريد هجوم داره فترك السم في الطعام ليقتله فهو كما لو حفر بئراً في داره ليقع فيها اللص إذا دخل ليسرق منها ولو دخل رجل بإذنه فأكل الطعام المسموم بغير إذنه لم يضمنه لذلك (مسألة) (وإن ادعى القاتل بالسم أنني لم أعلم أنه سم قاتل لم يقبل قوله في أحد الوجهين) لأن السم من جنس ما يقتل غالباً فأشبه ما لو جرحه وقال لم أعلم أنه يموت منه (والثاني) لا قود عليه لأنه لا يجوز أن يخفى عليه أنه قاتل وهذا شبهة ليسقط به القود فيكون شبه عمد (فصل) فإن سقى إنساناً سماً أو خلطه بطعامه فأكل وهو لا يعلم به وهو مما لا يقتل مثله غالباً فهو شبه عمد فإن اختلف فيه هل يقتل غالبا اولا وثم بينة تشهد عمل بها وإن قالت تقتل النضو الضعيف دون القوي أو غير ذلك عمل على حسب ذلك فإن لم يكن مع أحدهما بينة فالقول قولا الساقي لأن

مسألة وإن ادعى القاتل بالسم أنني لم أعلم أنه سم قاتل لم يقبل قوله في أحد الوجهين

الأصل عدم وجوب القصاص فلا يثبت بالشك ولأنه أعلم بصفة ما يسقي فإن ثبت أنه قاتل فقال لم أعلم به ففيه الوجهان المذكوران (الثامن) أن يقتله بسحر يقتل غالباً فيلزمه القود لأنه قتله بما يقتل غالباً فأشبه قتله بالسكين وإن كان مما لا يقتل غالباً أو كان مما يقتل ولا يقتل ففيه الدية دون القصاص لأنه عمد الخطأ فأشبه ضرب العصا (التاسع) أن يشهدا على رجل بقتل عمد أو زنا أو ردة فيقتل بذلك ثم يرجعا ويقولا عمدنا قتله أو يقول الحاكم علمت كذبهما وعمدت قتله أو يقول ذلك الولي فهذا فكله عمد محض موجب للقصاص إذا كلمت شروطه وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا قصاص عليهما لانه بسبب غير ملجئ فلا وجب القصاص كحفر البئر ولنا ما روى القاسم بن عبد الرحمن أن رجلين شهدا عند علي كرم الله وجهه على رجل أنه سرق فقطعه ثم رجعان عن شهادتهما فقال علي لو أعلم أنكما تعمدتما لقطعت أيديكما وغرمهما دية يده ولأنهما توصلا الى قتله بسبب يقتل غالباً فوجب عليهما القصاص كالمكره وكذلك الحاكم إذا حكم على على رجل بالقتل عالماً بذلك متعمداً فقتله واعترف بذلك وجب القصاص والكلام فيه كالكلام في الشاهدين ولو أن الولي الذي باشر قتله أقر بعلمه بكذب الشهود وتعمد قتله فعليه القصاص لا نعلم

فيه خلافا فان أقر الشاهدان والحاكم والولي جميعاً بذلك فعلى الولي القصاص لأنه باشر القتل عمداً وعدواناً وينبغي أن لا يجب على غيره شئ لأنهم متسببون والمباشرة تبطل حكم التسبب كالدافع مع الحافر ويفارق هذا ما إذا لم يقر لأنه لم يثبت حكم مباشرة القتل في حقه ظلماً فكان وجوده كعدمه ويكون القصاص على الشاهدين والحاكم لأن الجمع متسببون وإن صار الأمر الى الدية فهي عليهم أثلاثاً ويحتمل أن يتعلق الحكم بالحاكم وحده لأن سببه أخص من سببهم فإن حكمه واسطة بين شهادتهم وقتله فأشبه المباشر مع المتسبب فإن كان الولي المقر بالتعمد لم يباشر القتل وإنما وكل فيه فأقر الوكيل بالعلم وتعمد القتل ظلماً فهو القاتل وحده لأنه المباشر للقتل عمداً ظلماً من غير إكراه فتعلق الحكم به كما لو قتل في غيره هذه الصورة وإن لم يعترف بذلك فالحكم يتعلق بالولي كما لو باشره (فصل) قال رضي الله عنه وشبه العمد أن يقصد الجناية بما لا يقتل غالباً فيقتل إما لقصد العدوان عليه أو لقصد التأديب له فيسرف فيه كالضرب بالسوط والعصا والحجر الصغير أو يلكزه بيده أو يلقيه في ماء يسير أو يقتله بسحر لا يقتل غالباً وسائر ما لا يقتل غالباً أو يصيح بصبي أو معتوه وهما على سطح فيسقطان أو يغتفل عاقلاً فيصيح به فيسقط فهو شبه عمد إذا قتل لأنه قصد الضرب دون القتل ويسمى خطأ العمد وعمد الخطأ لاجتماع العمد والخطأ فيه فإنه عمد الفعل وأخطأ في القتل فهذا لا قود فيه والدية على العاقلة في قول أكثر أهل العلم وجعله مالك عمداً في بعض ما حكي عنه موجباً للقصاص

لأنه ليس في كتاب الله إلا العمد والخطأ فمن زاد قسماً ثالثاً زاد على النص ولانه قبله بفعل عمده فكان عمداً كما لو غرزه بإبرة وحكي عنه مثل قول الجماعة وقال أبو بكر عبد العزيز تجب الدية في مال القاتل وهو قول ابن شبرمة لأنه موجب فعل عمد فكان في مال القاتل كسائر جنايات العمد ولنا ما روى أبو هريرة قال اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها يقضى النبي صلى الله عليه وسلم " إن دية جنينها عبد أو وليدة وقضى بدية المرأة على عاقلتها " متفق عليه فأوجب ديتها على العاقلة، والعاقلة لا تحمل العمد وأيضاً قول النبي صلى الله عليه وسلم " ألا إن في قتل خطأ العمد قتيل السوط والحجر والعصى مائة من الإبل " وفي لفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " عقل شبه العمد تغلظ مثل عقل العمد ولا يقتل صاحبه " رواه أبو داود وهذا نص وقوله هذا قسم ثالث قلنا نعم هذا ثبت بالسنة والقسمان الأولان ثبتا بالكتاب ولأنه قتل لا يوجب القود فكانت ديته على العاقلة كقتل الخطأ (فصل) والخطأ على ضربين (أحدهما) أن يرمي الصيد ويفعل ماله فعله فيتول الى إتلاف إنسان معصوم فعليه الكفارة والدفع على العاقلة بغير خلاف قال إبن المنذر أجمع كل من تحفظ عنه من أهل العلم أن القتل الخطأ أن يرمي الرامي شيئاً فيصيب غيره لا أعلمهم يختلفون فيه هذا قول عمر بن عبد العزيز وقتادة والنخعي والزهري وابن شبرمة والثوري ومالك والشافعي واصحاب الرأي والأصل في وجوب الدية والكفارة قول الله سبحانه وتعالى (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة

مؤمنة ودية مسلمة إلى اصله إلا أن يصدقوا) وسواء كان المقتول مسلماً أو كافراً له عهد لقول الله تعالى (فإن كان من قول بينكم وبينهم ميثق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة) ولا قصاص في شئ من هذا لأن الله تعالى أوجب به الدية ولم يذكر قصاصا وقال النبي صلى الله عليه وسلم " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه، ولأنه لم يوجب القصاص في عمد الخطأ ففي الخطأ أولى (الضرب الثاني) أن يقتل في دار الحرب من يظنه حربياً ويكون مسلماً أو يرمي إلى صف الكفار فيصيب مسلماً أو يتترس من الكفار بمسلم ويخاف على المسلمين إن لم يرمهم فيرميهم فيقتل المسلم فهذا تجب به الكفارة روى ذلك عن ابن عباس وبه قال عطاء ومجاهد وعكرمة وقتادة والاوزاعي وأبو حنيفة وفي وجوب الدية على العاقلة روايتان (إحداهما) تجب وهو قول مالك والشافعي لقول الله تعالى (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله أن يصدقوا) وقال عليه السلام " ألا إن في قتيل خطأ العمد قتيل السوط والعصى مائة من الإبل " ولأنه قتل مسلماً خطأ فوجبت ديته كما لو كان في دار الإسلام (والثانية) لا تجب الدية لقول الله تعالى (وإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة) ولم يذكر دية وتركه ذكرها في هذا القسم مع ذكرها في الذي قبله وبعد ظاهر في أنها غير واجبة وذكره لهذا قسماً مفرداً يدل على أنه لم يدخل في عموم في الآية التي احتجوا بها ويخص بها عموم الخبر الذي رووه وهذا ظاهر المذهب.

(مسألة) (والذي أجري مجرى الخطأ كالنائم ينقلب على إنسان فيقتله أو يقتل بالسبب مثل أن يحفر بئراً أو ينصب سكيناً أو حجرا فيئول الى إتلاف إنسان وعمد الصبي والمجنون) فهذا كله لا قصاص فيه والدية على العاقلة وعليه الكفارة في ما له لأنه خطأ فيكون هذا حكمه لما ذكرناه (فصل) قال رحمه الله (ويقتل الجماعة بالواحد إذا كان فعل كل واحد منهم لو انفرد أوجب القصاص عليه، روي ذلك عن عمر وعلي والمغيرة بن شعبة وابن عباس وبه قال سعيد بن المسيب والحسن وأبو سلمة وعطاء وقتادة وهو مذهب مالك والثوري والاوزاعي والشافعي واسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي، وعن أحمد رواية أخرى لا يقتلون وتجب الدية عليهم والمذهب الأول يروي ذلك عن ابن الزبير والزهري وابن سيرين وحبيب بن أبي ثابت وعبد الملك وربيعة وداود وابن المنذر وحكاه ابن أبي موسى عن ابن عباس وروي ذلك عن معاذ وابن الزبير والزهري أنه يقتل منهم واحد ويأخذ من الباقين حصصهم من الدية لأن كل واحد منهم مكافئ له فلا يستوفى أبداً إلا ببدل واحد كما لا تجب ديات لمقتول واحد ولأن الله تعالى قال (الحر بالحر) (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس) ومقتضاه أنه لا يؤخذ بالنفس أكثر من نفس واحدة ولأن التفاوت في الأوصاف يمنع بدليل أن الحر لا يؤخذ بالعبد فالتفاوت في العدد أولى قال إبن المنذر لا حجة مع من أوجب قتل الجماعة بواحد ولنا إجماع الصحابة رضي الله عنهم فروى سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب قتل سبعة من

مسألة والذي أجري مجرى الخطأ كالنائم ينقلب على إنسان فيقتله أو يقتل بالسبب مثل أن يحفر بئرا أو ينصب

أهل صنعاء قتلوا رجلاً وقال لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلهم جميعاً وعن علي انه قتل ثلاثة قتلوا رجلاً وعن ابن عباس أنه قتل جماعة بواحد ولم يعرف لهم في عصرهم مخالف فكان إجماعاً لأنها عقوبة تجب للواحد على الواحد فوجبت للواحد على الجماعة كحد القذف ويفارق الدية فإنها تتبعض والقصاص لا يتبعض ولأن القصاص لو سقط بالاشتراك أدى إلى التسارع إلى القتل به فيؤدي إلى إسقاط حكمه الردع والزجز. (مسألة) (وان جرحه أحدهما جرحاً والآخر مائة فهما سواء في القصاص والدية) جملة ذلك أنه لا يعتبر في وجوب القصاص على المشتركين التساوي في سببه فلو جرحه أحدهما جرحاً والآخر مائة أو أوضحه أحدهما وشجه الآخر آمة أو أحدهما جائفة والآخر غير جائفة فمات كانا سواء في القصاص والدية لأن اعتبار التساوي يفضي إلى سقوط القصاص عن المشتركين إذ لا يكاد جرحان يتساويان من كل وجه ولو احتمل التساوي لم يثبت الحكم، لأن الشرط يعتبر العلم بوجوده ولا يكتفى باحتمال الوجود بل الجهل بوجوده كالعلم بعدمه في إسقاط الحكم لأن الجرح الواحد يحتمل أن يموت منه دون المائة كما يحتمل أن يموت من الموضحة دون الآمة ومن غير الجائفة دون الجائفة ولأن الجراح

مسألة وإن جرحه أحدهما جرحا والآخر مائة فهما سواء في القصاص والدية

إذا صارت نفساً سقط اعتبارها فكان حكم الجماعة كحكم الواحد ألا ترى أنه لو قطع أطرافه كلها فمات وجبت دية واحدة كما لو قطع طرفه فمات (فصل) إذا اشترك ثلاثة في قتل رجل فقطع أحدهم يده والآخر رجله وأوضحه ثالث فمات فللولي قتل جميعهم والعفو عنهم إلى الدية فيأخذ من كل واحد ثلثها وله أن يعفو عن واحد فيأخذ منه ثلث الدية ويقتل الآخرين وان يعفوا عن اثنين فيأخذ منهما ثلثي الدية ويقتل الثالث وان برأت جراحة أحدهم ومات من الجرحين الآخرين فله أن يقتص من الذي برأ جرحه بمثل جرحه ويقتل الآخرين أو يأخذ منهما دية كاملة أو يقتل أحدهما ويأخذ من الآخر نصف الدية وله أن يعفوا عن الذي برأ جرحه ويأخذ منه دية جرحه وإن ادعى الموضح أن جرحه برأ قبل موته وكذبه شريكاه نظرت في الولي فإن صدقه ثبت حكم البرء بالنسبة اليه فلا يملك قتله والا مطالبته بثلث الدية وله ان يقتص منه موضحة أو يأخذ منه أرشها ولم يقبل قوله في حق شريكيه، لأن الأصل عدم البرء فيها لكن إن اختار الولي القصاص فلا فائدة لهما في إنكار ذلك لأن له أن يقتلهما سواء برأت أو لم تبرأ وان اختار الدية لم يلزمهما أكثر من ثلثيها وإن كذبه الولي حلف وله الاقتصاص منه أو مطالبته بثلث الدية ولم يكن له مطالبة شريكه بأكثر من ثلثيها وإن شهد له شريكاء ببرئها لزمهما الدية كاملة لإقرارهما بوجوبها وللولي أخذها منهما إن صدقهما وإن لم يصدقهما وعفى إلى الدية لم يكن له أكثر من ثلثها لأنه يدعي

أكثر من ذلك وتقبل شهادتهما إن كانا قد تابا وعدلا لأنهما لا يجران إلى أنفسهما بذلك نفعاً فيسقط القصاص ولا يلزمه أكثر من أرش موضحة (مسألة) (وإن قطع أحدهما يده من الكوع والآخر من المرفق فهما قاتلان) أما إذا ابرأت جراحة الأول قبل قطع الثاني فالقاتل الثاني وحده وعليه القود أو الدية كاملة إن عفا عن قتله فله قطع يد الأول أو نصف الدية، وإن لم تبرأ فهما قاتلان وعليهما القصاص في النفس أو الدية ان عفا عنهما وبهذا قال الشافعي، وقال أبو حنيفة القاتل هو الثاني وحده ولا قصاص على الأول في النفس لأن قطع الثاني قطع سراية قطعه ومات بعد زوال جناية فأشبه ما لو اندمل جرحه، وقال مالك إن قطعه الثاني عقيب قطع الأول قتلا جميعاً وإن عاش بعد قطع الأول حتى أكل وشرب ومات عقيب قطع الثاني فالقاتل هو الثاني وحده وإن عاش بعدهما حتى أكل وشرب فللأولياء أن يقسموا على أيهما شاء ويقتلوه ولنا أنهما قطعان لو مات بعد كل واحد منهما وحده لوجب عليه القصاص فإذا مات بعدهما وجب عليهما القصاص كما لو كانا في يدين ولأن القطع الثاني لا يمنع حياته بعده فلا يسقط حكم ما قبله كما لو كانا في يدين ولا نسلم زوال جنايته ولا قطع سرايته فإن الألم الحاصل بالقطع الأول لم يزل وإنما انضم اليه الألم الثاني فضعفت النفس عن احتمالهما فزهقت بهما فكان القتل بهما، ويخالف الاندمال فإنه لا يبقى

مسألة وإن قطع أحدهما يده من الكوع والآخر من المرفق فهما قاتلان

معه الألم الذي حصل في الأعضاء الشريفة فافترقا، وإن ادعى الأول أن جرحه اندمل فصدقه الولي سقط عنه القتل ولزمه القصاص في اليد أو نصف الدية وإن كذبه شريكه واختار الولي القصاص فلا فائدة له في تكذيبه لأن قتله واجب، وإن عفا عنه إلى الدية فالقول قوله مع يمينه ولا يلزمه أكثر من نصف الدية وإن كذب الولي الأول حلف وكان له قتله، لأن الأصل عدم ما ادعاه وإن ادعى الثاني اندمال جرحه فالحكم فيه كالحكم في الأول إذا ادعى ذلك (مسألة) (وإن فعل أحدهما فعلاً لا تبقى معه الحياة كقطع حشوته أو مريئه أو ودجيه ثم ضرب عنقه آخر فالقاتل هو الاول يعزر الثاني، وإن شق الأول بطنه أو قطع يده ثم ضرب الثاني عنقه فالثاني هو القاتل وعلى الأول ضمان ما أتلف بالقصاص والدية) وجملة ذلك أنه إذا جنى عليه اثنان جنايتين نظرنا فإن كانت الأولى أخرجته من حكم الحياة مثل قطع حشوته وابنها منه أو ذبحه ثم ضرب عنقه الثاني فالأول هو القاتل لأنه لا يبقى مع جنايته وحياة والقود عليه خاصة ويعزر الثاني كما لو جنى على ميت وإن عفا الولي الى الدية فهي على الأول وحده، وإن كان جرح الأول تبقى الحياة معه مثل شق البطن من غير إبانة الحشوة أو قطع طرف ثم ضرب عنقه آخر فالثاني هو القاتل لأنه لم يخرج بجرح الأول عن حكم الحياة فيكون الثاني هو المفوت لها فعليه القصاص في النفس والدية كاملة إن عفا عنه ثم ينظر في جرح الأول فإن كان موجباً للقصاص كقطع الطرف فالولي مخير بين قطع طرفه

مسألة وإن فعل أحدهما فعلا لا تبقى معه الحياة كقطع حشوته أو مريئه أو ودجيه ثم ضرب عنقه آخر فالقاتل

والعفو على ديته أو العفو مطلقاً، وإن كان لا يوجب القصاص كالجائفة ونحوها فعليه الأرش وإنما جعلنا عليه القصاص لأن الثاني بفعله قطع سراية الأول فصار كالمندمل الذي لا يسري وهذا مذهب الشافعي ولا أعلم فيه مخالفاً، ولو كان جرح الأول يفضي إلى الموت لا محالة إلا أنه لا يخرج به من حكم الحياة وتبقى معه الحياة المستقرة مثل خرق المعى أو أم الدماغ فضرب الثاني عنقه فالقاتل هو الثاني لأنه فوت حياة مستقرة وقتل من هو في حكم الحياة بدليل أن عمر رضي الله عنه لما جرح دخل عليه الطبيب فسقاه لبنا فخرج يصلد فعلم الطبيب أنه ميت فقال أعهد إلى الناس فعهد إليهم وأوصى وجعل الخلافة إلى أهل الشورى فقبل الصحابة عهده وأجمعوا على قبول وصاياه لما كان حكم الحياة باقياً كان الثاني مفوتاً لها فكان هو القاتل كما لو قتل عليلاً لا يرجى برء علته (مسألة) (فإن رماه من شاهق فتلقاه آخر بسيف فقده فالقصاص على الثاني) لأنه فوت حياته قبل المصير إلى حياة ييئس فيها من حياته فأشبه ما لو رماه إنسان بسهم قاتل فقطع آخر عنقه قبل وقوع السهم به أو القى عليه صخرة فأطار آخر رأسه بالسيف قبل وقوعها عليه وبهذا قال الشافعي إن رماه من مكان يجوز أن يسلم منه وإن رماه من شاهق لا يسلم منه الواقع ففيه وجهان (أحدهما) كقولنا (والثاني) الضمان عليهما بالقصاص والدية عند سقوطه لأن كل واحد منهما سبب للإتلاف ولنا أن الرمي سبب والقتل مباشرة فانقطع حكم السبب كالدافع مع الحافر والجارح مع الذابح وكالصور التي ذكرناها وما ذكروه باطل بالأصول المذكورة (مسألة) (وإن ألقاه في لجة فالتقمه الحوت فالقود على الرامي في أحد الوجهين) إذا كانت اللجة لا يمكنه التخلص منها فالقود على الرامي لأنه ألقاه في مهلكة هلك بها من غير

مسألة فإن رماه من شاهق فتلقاه آخر بسيف فقده فالقصاص على الثاني

واسطة يمكن إحالة الحكم عليها أشبه ما لو مات بالغرق أو هلك بوقوعه على صخرة (والثاني) لا قود عليه لأنه لم يهلك بها أشبه ما لو قتله آدمي آخر، فأما إن ألقاه في ماء يسير فأكله سبع أو التقمه حوت أو تمساح فلا قود عليه لأن الذي فعله لا يقتل غالباً وعليه ضمانه لأنه هلك بفعله (مسألة) (وإن أكره إنساناً على القتل فقتل فالقصاص عليهما) وقال أبو حنيفة يجب القصاص على الآمر دون المأمور لأن المأمور صار بالإكراه بمنزلة الآلة والقصاص إنما يجب على مستعمل الآلة لا على الآلة، وقال أبو يوسف لا يجب على واحد منهما لأن الآمر غير مباشر إنما هو متسبب والقصاص لا يجب على المتسبب مع المباشر دليله الدافع مع الحافر والمأمور مسلوب الاختيار، وقال زفر يجب على المأمور ولا يجب على الآمر لأن المأمور مباشر فيجب عليه وحده كالدافع مع الحافر ولنا على أبي حنيفة أن المأمور قاتل فوجب عليه القصاص كما لو لم يأمر، والدليل على أنه قاتل أنه ضرب بالسيف ولأن القتل جرح أو فعل يتعقبه الزهوق وهذا كذلك ولأنه يأثم إثم القاتل قولهم إنه بمنزلة الآلة لا يصح فإنه يأثم والآلة لا تأثم قولهم إنه مسلوب الاختيار لا يصح فإنه قصد استبقاء نفسه بقتل هذا، وهذا يدل على قصده واختيار نفسه ولا خلاف في أنه يأثم ولو سلم الاختيار لم يأثم كالمجنون، والدليل على أن الآمر قاتل أنه تسبب الى قتله بما

مسألة وإن أكره أنسانا على القتل فقتل فالقصاص عليهما

يفضي إليه غالباً فوجب عليه القصاص كما لو أنهشه حية أو أسداً أو رماه بسهم ولأنه ألجأه إلى الهلاك أشبه ما لو ألقاه عليه. (مسألة) (وإن أمر من لا يميز أو مجنوناً أو عبده الذي لا يعلم أن القتل محرم فالقصاص على الآمر) إذا امر عبده بقتل رجل وكان العبد ممن لا يعلم تحريم القتل كمن نشأ في غير بلاد الإسلام وجب القصاص على الآمر، فأما إن أقام في بلاد الإسلام بين أهله فلا يخفى عليه تحريم القتل ولا يعذر في فعله، ومتى كان عالماً بذلك فالقصاص على العبد، ويؤدب سيده لامر بما أفضى إلى القتل بما يراه الإمام من الحبس والتعزير وإذا لم يكن عالماً أدب العبد، نقل أبو طالب عن أحمد قال: يقتل المولى ويحبس العبد حتى يموت لأن العبد سوط المولى وسيفه، كذا قال علي وابو هريرة قال علي رضي الله عنه يستودع السجن، وممن قال بهذه الجملة الشافعي وممن قال أن السيد يقتل علي وابو هريرة وقال قتادة يقتلان جميعاً وقال سليمان بن موسى لا يقتل الآمر ولكن يديه ويعاقب ويحبس لأنه لم يباشر القتل ولا ألجأ له اليه فلم يجب عليه القصاص كما لو علم العبد خطر القتل ولنا أن العبد إذا لم يكن عالماً بخطر القتل فهو معتقد إباحته وذلك شبهة تمنع القصاص كما لو اعتقده صيداً فرماه فقتل إنساناً ولأن حكمة القصاص الزجر والردع ولا يحصل ذلك في معتقد الإباحة وإذا لم يجب عليه وجب على السيد لأنه آلة لا يمكن ايجاب القصاص عليه فوجب على المتسبب به كما لو أنهشه

مسألة وإن أمر من لا يميز أو مجنونا أو عبده الذي لا يعلم أن القتل محرم فقتل القصاص على الآمر

حية فقتلته أو ألقاه في زبية أسد فأكله، ويفارق هذا ما إذا علم خطر القتل فالقصاص على العبد لامكان إيجابه عليه وهو مباشر له فانقطع حكم الآمر كالدافع مع الحافر، ولو أمر صبياً لا يميز أو مجنوناً أو أعجمياً لا يعلم خطر القتل فقتل فالحكم فيه كالحكم في العبد يقتل الأمر دون المباشر، فأما إن أمره بزنا أو سرقة ففعل لم يجب الحد على الآمر لأن الحد لا يجب إلا على المباشر والقصاص يجب بالتسبب ولذلك وجب على المكره والشهود في القصاص (مسألة) (وإن أمر كبيراً عاقلاً عالماً بتحريم القتل به فقتل فالقصاص على القاتل) لا نعلم فيه خلافاً لأنه قاتل ظلماً فوجب عليه القصاص كما لو لم يؤمر (مسألة) (وإن أمر السلطان بقتل إنسان بغير حق من يعلم ذلك فالقصاص على القاتل وإن لم يعلم فعلى الآمر) إذا كان المأمور يعلم أن المأمور بقتله لا يستحق القتل فالقصاص عليه لأنه غير معذور في فعله فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق " وعنه عليه الصلاة والسلام أنه قال " من أمركم من الولاة بمعصية الله فلا تطيعوه " فلزم القصاص كما لو أمره غير السلطان وإن لم يعلم ذلك فالقصاص على الآمر دون المأمور لأن المأمور معذور لوجوب طاعة الإمام في غير المعصية، والظاهر أنه لا يأمر إلا بالحق وإن كان الآمر غير السلطان فالقصاص على القاتل بكل حال علم أو لم يعلم لأنه لا يلزمه

مسألة وإن أمر كبيرا عاقلا عالما بتحريم القتل به فقتل فالقصاص على القاتل

طاعته وليس له القتل بحال بخلاف السلطان فإن إليه القتل في الردة والزنا وقطع الطريق إذا قتل القاطع ويستوفي القصاص للناس وهذا ليس اليه شئ من ذلك (فصل) إذا أكرهه السلطان على قتل أحد أو جلده بغير حق فمات فالقصاص عليهما وقد ذكرناه وإن وجبت الدية كانت عليهما فإن كان الإمام يعتقد جواز القتل دون المأمور كمسلم قتل ذمياً أو حر قتل عبداً فقتله فقال القاضي الضمان عليه دون الإمام لأن الإمام أمره بما أدى اجتهاده إليه والمأمور يعتقد تحريمه فلم يكن له أن يقبل أمره فإذا قبله لزمه الضمان لأنه قتل من لا يحل له قتله. قال شيخنا وينبغي أن يفرق بين العامي والمجتهد فإن كان مجتهداً فالحكم فيه على ما ذكره القاضي وإن كان مقلداً فلا ضمان عليه لأن له تقليد الإمام فيما رآه وإن كان الإمام يعتقد تحريمه والقاتل يعتقد حله فالضمان على الآمر كما لو أمر السيد عبده الذي لا يعتقد تحريم القتل به (مسألة) (وإن أمسك إنساناً لآخر فقتله قتل القاتل وحبس الممسك حتى يموت في إحدى الروايتين) أما وجوب القصاص على القاتل فلا خلاف فيه لأنه قتل من يكافئه عمداً بغير حق وأما الممسك فإن لم يعلم أن القاتل بقتله فلا شئ لأنه متسبب والقاتل مباشر فيسقط حكم المتسبب، وإن أمسكه له ليقتله مثل أن أمسكه حتى ذبحه فاختلفت الرواية فيه عن احمد فروي عنه أنه يحبس حتى يموت وهذا قول عطاء وربيعة وروي ذلك عن

مسألة وإن أمسك إنسانا لآخر فقتله قتل القاتل وحبس الممسك حتى يموت في إحدى الروايتين

علي وروى عن أحمد أنه يقتل أيضاً وهو قول مالك قال سليمان بن موسى الاجتماع فينا أن يقتلا لأنه لو لم يمسكه ما قدر على قتله وبإمساكه تمكن من قتله فالقتل حاصل بفعلهما فيكونان شريكين فيه فيجب عليهما القصاص كما لو جرحاه، وقال أبو حنيفة والشافعي وابو ثور وابن المنذر يعاقب ويأثم ولا يقتل لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إن أعتى الناس على الله من قتل غير قاتله " والممسك غير قاتل ولان لامساك سبب غير ملجئ فإذا اجتمعت معه المباشرة كان الضمان على المباشر كما لو لم يعلم الممسك أنه يقتله ولنا ما روى الدارقطني بإسناده عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا أمسك الرجل وقتله الآخر يقتل الذي قتل ويحبس الذي أمسك لأنه حبسه إلى الموت فيحبس الآخر إلى الموت كما لو حبسه عن الطعام والشراب حتى مات فإنا نفعل به ذلك حتى يموت. (فصل) فإن اتبع رجلاً ليقتله فهرب منه فأدركه آخر فقطع رجله ثم أدركه الثاني فقتله فإن كان الأول حبسه بالقطع ليأتيه الثاني فعليه القصاص في القطع وحكمه في القصاص في النفس حكم الممسك لأنه حبسه على القتل، وإن لم يقصد حبسه فعليه القطع دون القاتل كالذي أمسكه غير عالم وفيه وجه آخر ليس عليه إلا القطع بكل حال، والأول أصح لأنه الحابس له بفعله فأشبه الحابس بإمساكه، فإن قيل فلم أعتبرتم قصد لا مسك ههنا وأنتم لا تعتبرون إرادة القتل في الجارح قلنا إذا مات من الجرح فقد مات

من سرايته وأثره فيعتبر قصد الجرح الذي هو السبب دون قصد الأثر وفي مسئلتنا إنما كان موته بأمر غير السراية والفعل ممكن له فاعتبر قصده لذلك الفعل كما لو أمسكه. (مسألة) (وإن كتفه وطرحه في أرض مسبعة أو ذات حيات فقتلته فحكمه حكم الممسك) ذكره القاضي وقد مضى الكلام فيه قال شيخنا والصحيح أنه لا قصاص فيه لأنه مما لا يقتل غالباً وتجب فيه الدية لأنه فعل به فعلاً متعمداً لا يقتل غالبا لتلف به فهو شبه عمد وهكذا ذكره في كتابه الكافي (فصل) وإن اشترك في القتل اثنان لا يجب القصاص على أحدهما كالأب والأجنبي في قتل الولد والحر والعبد في قتل العبد والخاطئ والعامد ففي وجوب القصاص على الشريك روايتان أظهرهما وجوبه على شريك الأب والعبد وسقوطه عن شريك الخاطئ ظاهر المذهب وجوب القصاص على شريك الأب وبه قال مالك والشافعي وأبو ثور وعن أحمد رواية أخرى لا قصاص على واحد منهما وهو قول أصحاب الرأي لأنه قتل تركب من موجب وغير موجب فلم يوجب كقتل العامد والخاطئ والصبي والبالغ والمجنون والعاقل ولنا أنه شارك في القتل العمد العدوان فيمن يقتل به لو انفرد بقتله فوجب عليه القصاص كشريك الأجنبي وقولهم إن فعل الأب غير موجب ممنوع فإنه يقتضي الإيجاب لكونه تمحض عمداً

مسألة وإن كتفه وطرحه في أرض مسبعة أو ذات حيات فقتلته فحكمه حكم الممسك

عدوانا والجناية أعظم اثماً وأكبر جرماً ولذلك خصه الله تعالى بالنهي فقال (ولا تقتلوا أولادكم) ثم قال (إن قتلهم كان خطأ كبيرا) ولما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أعظم الذنب قال " أن تجعل لله ندا وهو خلقك ثم أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك " فجعله أعظم الذنوب بعد الشرك ولأنه قطع للرحم التي أمر الله بوصلها ووضع الإساءة موضع الإحسان فهو أولى بإيجاب العقوبة والزجر عنه وإنما امتنع الوجوب في حق الأب لمعنى مختص بالمحل لا لقصور في السبب الموجب فلا يمنع عمله في المحل الذي لا مانع فيه واما شريك الخاطئ ففيه روايتان (إحداهما) يجب القصاص فهو كمسئلتنا ومع التسليم فامتناع الوجوب فيه لقصور السبب عن الإيجاب فان فعل الخاطئ غير موجب للقصاص ولا صالح له والقتل منه ومن شريكه غير متمحض عمد الوقوع الخطأ في الفعل الذي حصل به زهرق الروح بخلاف مسئلتنا وكذلك كل شريكين امتنع القصاص في حق أحدهما لمعنى فيه من غير قصور في السبب فهو في وجوب القصاص على شريكه كالأب وشريكه كالمسلم والذمي في قتل ذمي والحر والعبد في قتل العبد إذا كان القتل عدواناً فإن القصاص لا يجب على المسلم ولا على الحر ويجب على الذمي والعبد إذا قلنا بوجوبه على شريك الأب لان امتناع القصاص عن المسلم لاسلامه وعن الحر لحريته وانتفاء مكافأة المقتول له وهذا المعنى لا يتعدى إلى فعل شريكه فلم يسقط القصاص عنه وقد روي عن أبي عبد الله أنه سئل عن حر وعبد قتلاً عبداً عمداً قال أما الحر فلا يقتل بالعبد والعبد إن شاء سيده أسلمه وإلا فداه

بنصف قيمة العبد وظاهر هذا ان لا قصاص على العبد فيخرج مثل هذا في كل قتل شارك فيه من لا يجب عليه القصاص (فصل) فان اشترك في القتل صبي ومجنون وبالغ فالصحيح من المذهب أنه لا قصاص على البالغ وبهذا قال الحسن والاوزاعي واسحاق وأبو حنيفة وأصحابه وهو أحد قولي الشافعي وعن أحمد رواية أخرى أن القود يجب على البالغ العاقل حكاه ابن المنذر عن أحمد وحكي ذلك عن مالك وهو القول الثاني للشافعي وروي عن قتادة والزهري وحماد لأن القصاص عقوبة يجب عليه جزاء لفعله فمتى كان فعله عمداً وعدواناً وجب عليه القصاص ولا نظر إلى فعل شريكه بحال ولأنه شارك في القتل عمداً عدواناً فوجب عليه القصاص كشريك الأجنبي وذلك لأن الإنسان إنما يؤخذ بفعل نفسه لا بفعل غيره فعلى هذا يعتبر فعل الشريك منفرداً فمتى تمحض عمداً عدواناً وكان المقتول مكافئاً له وجب عليه القصاص وبنى الشافعي قوله على أن عمد الصبي والمجنون إذا تعمداه عمد لأنهما يقصدان القتل وإنما سقوط القصاص عنهما لمعنى فيهما وهو عدم التكليف فلم يقتض سقوطه عن شريكهما كالأبوة ولنا أنه شارك من لا إثم عليه في فعله فلم يلزمه قصاص كشريك الخاطئ ولأن الصبي والمجنون ليس لهما قصد صحيح ولهذا لا يصح إقرارهما فكان حكم فعلها حكم الخطأ ولهذا تحمله العاقلة فيكون الأولى عدم وجوب القصاص

(فصل) ولا يجب القصاص على شريك الخاطئ في قول أكثر أهل العلم وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي وعن أحمد أن عليه القصاص وحكي عن مالك لأنه شارك في القتل عمداً عدواناً فأشبه شريك العامد ولأن مؤاخذته بفعله وفعله عمد عدوان ولنا أنه قتل لم يتمحض عمداً فلم يجب به القصاص كشبه العمد وكما لو قتله واحد بجرحين عمداً وخطأ ولأن كل واحد من الشريكين مباشر ومتسبب فإذا كانا عابدين فكل واحد متسبب إلى فعل موجب للقصاص فقام فعل شريكه مقام فعله لتسببه إليه وههنا إذا أقمنا فعل الخاطئ مقام فعل العامد صار كأنه قتله بعمد وخطأ وهذا غير موجب والله أعلم (مسألة) (وفي شريك السبع وشريك نفسه وجهان) وصورة ذلك أن يجرحه أسد أو نمر أو جرحه إنسان ثم جرح هو نفسه متعمداً فهل يجب على شريكه؟ قصاص فيه وجهان ذكرهما أبو عبد الله بن حامد واختلف فيه عن الشافعي وقال أصحاب الرأي لا قصاص عليه لأنه شارك من لا قصاص عليه فلم يلزمه القصاص كشريك الخاطئ ولأنه قتل تركب من يوجب وغير موجب فلم يوجب كالقتل الحاصل من عمد وخطأ ولأنه إذا لم يجب على شريك الخاطئ وفعله مضمون فلأن لا يجب على شريك من لا يضمن فعله أولى (والوجه الثاني) عليه القصاص وهو قول أبي بكر، وروى عن أحمد أنه قال إذا جرحه رجل ثم جرح الرجل نفسه فمات فعلى شريكه

مسألة وفي شريك السبع وشريك نفسه وجهان

القصاص لأنه قتل عمد متمحض فوجب القصاص على الشريك فيه كشريك الأب فأما إن جرح الرجل نفسه خطأ منه كأن أراد ضرب غيره فأصاب نفسه فلا قصاص على شريكه في أصح الوجهين وفيه وجه آخر أن عليه القصاص بناء على الروايتين في شريك الخاطئ (مسألة) (ولو جرحه إنسان عمداً فداوى جرحه بسم أو خاطه في اللحم أو فعل ذلك وليه أو الإمام فمات ففي وجوب القصاص على الجارح وجهان) إذا جرحه إنسان فتداوى بسم وكان سم ساعة يقتل في الحال فقد قتل نفسه وقطع سراية الجرح وجرى مجرى من ذبح نفسه بعد أن جرح وينظر في الجرح فإن كان موجباً للقصاص فلوليه استيفاؤه وإن لم يكن موجباً فلوليه الأرش وإن كان السم لا يقتل غالباً وقد يقتل ففعل الرجل في نفسه عمد خطأ والحكم في شريكه كالحكم في شريك الخاطئ وإذا لم يجب القصاص فعلى الجارح نصف الدية وإذا كان السم يقتل غالباً بعد مدة احتمل أن يكون عمد الخطأ أيضاً لأنه لم يقصد القتل إنما قصد التداوي فيكون كالذي قبله واحتمل أن يكون في حكم العمد فيكون في شريكه الوجهان المذكوران في المسألة قبلها وإن جرح رجلاً فخاط جرحه أو أمر غيره فخاطه له وكان ذلك مما يجوز أن يقتل فحكمه حكم ما لو شرب سماً يجوز أن يقتل على ما مضى فيه، وإن خاطه غيره بغير إذنه كرهاً فهما قاتلان عليهما القود وإن خاطه وليه والإمام وهو ممن لا ولاية عليه فهما كالأجنبي وإن كان لهما عليه ولاية فلا قود عليهما، لأن فعلهما جائز إذ لهما مداوته فيكون ذلك خطأ وهل على الجارح القود؟ فيه وجهان

مسألة ولو جرحه إنسان عمدا فداوى جرحه بسم أو خاطه في اللحم أو فعل ذلك وليه أو الإمام فمات ففي

باب شروط القصاص وهي أربعة (أحدهما) أن يكون الجاني مكلفاً فأما الصبي والمجنون فلا قصاص عليهما، لا خلاف بين أهل العلم في أنه لا قصاص على صبي ولا مجنون وكذلك كل زائل العقل بسبب يعذر فيه كالنائم والمغمى عليه ونحوها لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ وعن الصبي حتى يبلغ وعن المجنون حتى يفيق " ولأن القصاص عقوبة مغلظة فلم تجب على الصبي وزائل العقل كالحدود ولأنهم ليس لهم قصد صحيح فهم كالعقل خطأ (فصل) فان اختلف الجاني وولي الجناية فقال الجاني كنت صبياً حال الجناية، وقال ولي الجناية كنت بالغاً فالقول قول الجاني مع يمينه إذا احتمل الصدق، لأن الاصل الصغر وبراءة ذمته من القصاص وإن قال قتلته وأما مجنون وأنكر الولي جنونه فإن عرف له حال جنون فالقول قوله مع يمينه أيضاً لذلك، وإن لم يعرف له حال جنون فالقول قول الولي لأن الأصل السلامة وكذلك إن عرف له حال جنون ثم عرف زواله قبل القتل وإن ثبت لأحدهما بما ادعاه بينة حكم له وإن أقاما بينتين تعارضتا فإن شهدت البينة أنه كان زائل العقل فقال الولي كنت سكران وقال القاتل كنت مجنوناً فالقول قول القاتل مع يمينه لأنه أعرف بنفسه، ولأن الأصل براءة ذمته واجتناب المسلم فعل ما يحرم عليه فأما إن قتله وهو عاقل ثم جن لم

باب شروط القصاص

يسقط عنه سواء ثبت ذلك ببينة أو إقرار، لأن رجوعه غير مقبول ويقتص منه في حال جنونه ولو ثبت عليه الحد بإقراره ثم جن لم يقم عليه حال جنونه لأن رجوعه يقبل فيحتمل أنه لو كان صحيحاً رجع (مسألة) (وفي السكران وشبهه روايتان (أصحهما) وجوبه عليه) إذا قتل السكران وجب عليه القصاص، ذكره القاضي وذكر أبو الخطاب أن وجوب القصاص عليه مبني على طلاقه وفيه روايتان فيكون في وجوب القصاص عليه وجهان (أحدهما) لا يجب عليه لأنه زائل العقل أشبه المجنون ولأنه غير مكلف فأشبه الصبي. ولنا أن الصحابة رضي الله عنهم أقاموا سكره مقام قذفه فأجبوا عليه حد القاذف فلولا أن قذفه موجب للحد عليه لما وجب الحد بمظنته واذا وجب الحد فالقصاص المتمحض حق آدمي أولى ولأنه حكم لو لم يوجب عليه القصاص والحد لأفضى إلى أن من أراد أن يعصي الله تعالى شرب ما يسكره ثم يقتل ويزني ويسرق ولا يلزمه عقوبة ولا مأثم ويصير عصيانه سبباً لسقوط عقوبة الدنيا والآخرة عنه ولا وجه لهذا وفارق الطلاق لأنه قول يمكن الغاؤه بخلاف القتل فإن شرب أو أكل ما يزيل عقله غير الخمر على وجه محرم فإن زال عقله بالكلية بحيث صار مجنوناً فلا قصاص عليه وإن كان يزول قريباً ويعود من غير تداو فهو كالسكران على ما فصل فيه (فصل) (الثاني) أن يكون المقتول معصوماً فلا يجب القصاص بقتل حربي لا نعلم فيه خلافاً ولا

يجب بقتله دية ولا كفارة لأنه مباح الدم على الإطلاق أشبه الخنزير، ولأن الله تعالى أمر بقتله فقال تعالى (اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) وسواء كان القاتل مسلماً أو ذمياً لما ذكرنا وكذلك المرتد لا يجب بقتله قصاص ولا دية ولا كفارة وإن قتله ذمي، وهذا قول بعض أصحاب الشافعي وقال بعضهم يجب القصاص على الذمي بقتله والدية إذا عفي عنه لأنه لا ولاية له في قتله، وقال بعضهم يجب القصاص دون الدية لأنه لا قيمة له. ولنا أنه مباح الدم أشبه الحربي ولأن من لا يضمنه المسلم لا يضمنه الذمي كالحربي وليس على قاتل الزاني المحض قصاص ولا دية ولا كفارة، وهذا ظاهر مذهب الشافعي وحكى بعضهم وجهاً أن على قاتله القود ان قتله إلى الأمام فيجب القتل على من قتله سواه كمن عليه القصاص إذا قتله غير مستحقه ولنا أنه مباح الدم قتله متحتم فلم يضمن كالحربي وببطل ما قاله بالمرتد وفارق القاتل فإن قتله غير متحتم وهو مستحق على طريق المعاوضة فاختص بمستحقه وههنا يجب قتله لله تعالى فأشبه المرتد وكذلك الحكم في المحارب الذي تحتم قتله (مسألة) (وإن قطع مسلم أو ذمي يد مرتد أو حربي فأسلم ثم مات فلا شئ على القاطع لأنه لم يجن على معصوم وإن رمى حربياً فأسلم قبل، أن يقع السهم فلا شئ عليه لأنه رمى رميا مأمورا به

مسألة وإن قطع مسلم أو ذمي يد مرتد أو حربي فأسلم ثم مات فلا شيء على القاطع لأنه لم يجن على معصوم

وإن رمى مرتداً فأسلم قبل وقوع السهم به فلا قصاص لأنه رمى من ليس بمعصوم أشبه الحربي وفي وجوب الدية وجهان) (أحدهما) لا تجب قياساً على الحربي (والثاني) تجب لأن الذمي ههنا محرم لما فيه من الافتيات على الإمام. (مسألة) (ولو قطع يد مسلم فارتد ثم مات فلا شئ على القاطع في أحد الوجهين) لأنها نفس مرتد غير معصوم ولا مضمون وكذلك لو قطع يد ذمي فصار حربياً ثم مات من جراحه وأما اليد فالصحيح أنه لا قصاص فيها، وذكر القاضي وجها في وجوب القصاص فيها، لأن القطع مستقر حكمه بانقطاع حكم سرايته فأشبه ما لو قطع طرفه ثم قتله أو جاء آخر فقتله وللشافعي في وجوب القصاص قولان. ولنا أنه قطع صار قتلاً لم يجب به القتل فلم يجب به القطع كما لو قطع من غير مفصل، وفارق ما قاسوا عليه فإن القطع لم يصر قتلاً وهل تجب دية الطرف؟ فيه وجهان (أحدهما) لا ضمان فيه لانه قتل لغير معصوم (والثاني) يجب لأن سقوط حكم سراية الجرح لا يسقط ضمانة كما لو قطع طرف رجل ثم قتله آخر، فعلى هذا هل يجب ضمانه بدية المقطوع أو بأقل الأمرين من ديته أو دية النفس فيه وجهان

مسألة ولو قطع يد مسلم فارتد ثم مات فلا شيء على القاطع في أحد الوجهين

(أحدهما) تجب دية المقطوع فلو قطع يديه ورجليه ثم ارتد ومات ففيه ديتان، لأن الردة قطعت حكم السراية فأشبه انقطاع حكمها باندمالها أو بقتل الآخر له (والثاني) يجب أقل الأمرين لأنه لو لم يرتد، لم يجب أكثر من دية النفس فمع الردة أولى ولانه قطع صار قتلاً فلا يوجب أكثر من دية كما لو لم يرتد وفارق الوجه الأول فإنه لم يصر قتلاً، ولأن الاندمال والقتل منع وجود السراية والردة منعت ضمانها ولم يمنع جعلها قتلا وللشافعي من التفصيل نحو ما قلنا (مسألة) (وإن عاد إلى الإسلام ثم مات وجب القصاص على قاتله) نص عليه أحمد في رواية محمد بن الحكم وقال القاضي يتوجه عندي أن زمن الردة إن كان مما تسري فيه الجناية لم يجب القصاص في النفس: وهل يجب في الطرف الذي قطع في إسلامه؟ على وجهين وهذا مذهب الشافعي لأن القصاص يجب بالجناية والسراية كلها فإذا لم يوجد جميعها في الإسلام لم يجب القصاص كما لو جرحه أحدهما في الإسلام والآخر في الردة فمات منهما ولنا أنه مسلم حال الجناية والموت فوجب القصاص بقتله كما لو لم يرتد واحتمال السراية حال الردة لا يمنع لأنها غير معلومة فلا يجوز ترك السبب المعلوم احتمال المانع كما لو لم يرتد فإنه يحتمل أن يموت بمرض أو سبب آخر أو بالجرح مع شئ آخر يؤثر في الموت، فأما الدية فتجب كاملة ويحتمل وجوب نصفها لأنه مات من جرح مضمون وسراية غير مضمونة فيوجب نصف الدية كما لو جرحه إنسان

مسألة وإن عاد إلى الإسلام ثم مات وجب القصاص على قاتله

وجرح نفسه فمات منهما، فأما إن كان زمن الردة لا تسري في مثله الجناية ففيه الدية والقصاص وقال الشافعي في أحد قوليه لا قصاص فيه لأنه انتهى إلى حال لو مات لم يجب القصاص ولنا أنهما متكافئان في حال الجناية والسراية والموت فأشبه ما لو لم يرتد، وإن كان الجرح خطأ وجبت الكفارة بكل حال لأنه فوت نفساً معصومة (فصل) وإن جرحه وهو مسلم فارتد ثم جرحه جرحاً آخر ثم اسلم ومات منهما فلا قصاص فيه لأنه مات من جرحين مضمون وغير مضمون ويجب فيه نصف الدية لذلك، وسواء تساوى الجرحان أو زاد أحدهما مثل ان قطع يديه وهو مسلم فارتد فقطع رجله أو كان بالعكس لأن الجرح في الحالين كجرح رجلين، وهل يجب القصاص في الطرف الذي قطعه في حال إسلامه؟ يحتمل وجهين بناء على من قطع طرفه وهو مسلم فارتد ومات في ردته، ولو قطع طرفه في ردته أولاً فأسلم ثم قطع طرفه الآخر ومات منهما فالحكم فيها كالتي قبلها (فصل) وإن قطع مسلم يد نصراني فتمجس وقلنا لا يقر فهو كما لو جنى على مسلم فارتد وإن قلنا يقر عليه وجبت دية مجوسي وإن قطع يد مجوسي فتنصر ثم مات وقلنا يقر وجبت دية نصراني، ويجئ على قول أبي بكر والقاضي أن تجب دية نصراني في الأولى ودية مجوسي في الثانية كقولهم فيمن جنى على عبد ذمي فأسلم وعتق ثم مات من الجناية ضمة بقيمة عبد ذمي اعتباراً بحال الجناية وسنذكر ذلك إن شاء الله تعالى

(فصل) الثالث أن يكون عليه مكافئاً للجاني وهو أن يساويه في الدين والحرية أو الرق فيقتل الحر المسلم بالحر المسلم ذكراً كان أو أنثى لقول الله تعالى (كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد) (مسألة) (ويقتل العبد المسلم بالعبد المسلم تساوت قيمتهما أو اختلفت) هذا قول أكثر أهل العلم روي ذلك عن عمر بن عبد العزيز وسالم والنخعي والشعبي والزهري وقتادة والثوري ومالك والشافعي وأبي حنيفة وعن أحمد رواية أخرى أن من شرط القصاص تساوي قيمتهم وإن اختلفت قيمتهم لم يجر بينهم قصاص، وينبغي أن يختص هذا بما إذا كانت قيمة القاتل أكثر فان كانت أقل فلا وهذا قول عطاء وقال ابن عباس ليس في العبيد قصاص في نفس ولا جرح لأنهم أموال ولنا قول الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد) وهذا نص الكتاب فلا يجوز خلافه ولأن تفاوت القيمة كتفاوت الدية والفضائل فلا يمنع القصاص كالعلم والشرف والذكورية والأنوثية (فصل) ويجري القصاص بينهم فيما دون النفس به قال عمر بن عبد العزيز وسالم والزهري وقتادة ومالك والشافعي وأبو ثور وابن المنذر وعن أحمد رواية أخرى لا يجري القصاص بينهم فيما دون النفس وهو قول الشعبي والنخعي والثوري وأبي حنيفة لان الاطرف مال فلا يجري القصاص فيها كالبهائم ولأن التساوي في الأطراف معتبر في جريان القصاص بدليل أنه لا يأخذ الصحيحة بالشلاء ولا كاملة الأصابع بالناقصة وأطراف العبيد لا تتساوى

مسألة وبقتل العبد المسلم بالعبد المسلم تساوت قيمتهما أو اختلفت

ولنا قول الله تعالى (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين) الآية ولأنه أحد أنواع القصاص فجرى بين العبيد كالقصاص في النفس (فصل) واذا وجب القصاص في طرف العبيد فللعبد استيفاؤه والعفو عنه دون السيد (فصل) ويقتل البعد القن بالمكاتب والمكاتب به ويقتل كل واحد منهما بالمدبر وأم الولد ويقتل المدبر وأم الولد بكل واحد منهم لأن الكل عبيد فيدخلون في قوله تعالى (والعبد بالعبد) وقد دل على كون المكاتب عبداً قول النبي صلى الله عليه وسلم " المكاتب عبد ما بقي عليه درهم " وسواء كان قد أدى من كتابته شيئاً أو لم يؤد وسواء ملك ما يؤدي أو لم يملك إلا إذا قلنا إنه إذا ملك ما يؤدي صار حراً فلا يقتل بالعبد لأن الحر لا يقتل بالعبد وإن أدى ثلاثة أرباع الكتابة لم يقتل أيضاً أذا قلنا إنه يصيرا حراً ومن لم يحكم بحريته إلا بأداء جميع الكتابة قال يقتل به، وقال أبو حنيفة اذا قتل العبد مكاتب له وفا ووارث سوى مولاه لم يقتل به لأنه حين الجرح كان المستحق المولى وحين الموت الوارث ولا يجب القصاص إلا لمن يثبت حقه في الطرفين ولنا قوله تعالى (النفس بالنفس) وقوله (العبد بالعبد) ولأنه لو كان قتل لوجب بقاء القصاص فإذا كان مكاتباً كان أولى كما لو لم يخلف وارثاً وما ذكروه فشئ بنوه على أصولهم ولا نسلمه (فصل) إذا قتل الكافر الحر عبداً مسلماً لم يقتل لأن الحر لا يقتل بالعبد لعدم التكافؤ ولأنه

لا يحد بقذفه فلا يقتل به كالأب مع الابن وعليه قيمته ويقتل لنقض العهد إن قلنا ينتقض عهده وفيه روايتان ذكرناهما في موضع ذلك وعلى الرواية الأخرى لا يقتل وعليه قيمته ويؤدب بما يراه الإمام أو نائبه (فصل) وان قتل عبد مسلم حراً كافراً لم يقتل به لأن المسلم لا يقتل بالكافر وان قتل من نصفه حر عبداً لم يقتل به لانا لا يقتل نصف الحر بعبد وإن قتله حر لم يقتل به لأن النصف الرقيق لا يقتل به الحر وان قتل من نصفه حر مثله قتل به لأن القصاص يقع بين الجمعتين من غير تفصيل وهما متساويان (مسألة) ويقتل الذكر بالأنثى والأنثى بالذكر) هذا قول عامة أهل العلم أنهم النخعي والشعبي والزهري وعمر بن عبد العزيز ومالك وأهل المدينة والشافعي واسحاق وأصحاب الرأي وغيرهم وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال يقتل الرجل بالمرأة ويعطى أولياؤه نصف الدية رواه سعيد وروي نحوه عن أحمد وحكي ذلك عن الحسن وعطاء وحكي عنهما مثل قوله الجماعة ولعل من ذهب إلى القول الثاني يحتج بقول علي ولنا قول الله تعالى (النفس بالنفس) وقوله (الحر بالحر) مع عموم سائر النصوص وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قتل يهودياً رض رأس جارية من الانصار وروى أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن بكتاب فيه الفرائض والسنن وأن الرجل يقتل بالمرأة وهو كتاب مشهور عند أهل العلم متلقى بالقبول عندهم، ولأنهما شخصان يحد كل واحد منهما بقذف صاحبه فقتل كل واحد منهما بالآخر كالرجلين ولا يجب مع القصاص شئ لأنه قصاص

مسألة ويقتل الذكر بالأنثى والأنثى بالذكر

واجب فلم يجب معه شئ على المقنص كسائر القصاص واختلاف الأبدال لا عبرة به في القصاص بدليل أن الجماعة يقتلون بالواحد والنصراني مؤخذ بالمجوسي مع اختلاف دينهما ويؤخذ العبد بالعبد مع اخلاف قيمتهما وقتل كل واحد من الرجل والمرأة بالخنثى ويقتل بهما لأنه لا يخلو إما أن يكون رجلاً أو امرأة (مسألة) (وعن أحمد لا يقتل العبد بالعبد لا أن تستوي قيمتهما، ولا عمل عليه وقد ذكرناه) (مسألة) (ويقتل الكافر بالمسلم) لأن النبي صلى الله عليه وسلم قتل اليهودي الذي رض رأس جارية من الأنصار على ارضاح لها ولأنه إذا قتل بمثل فيمن هو فوفه أولى وكذلك يقتل العبد بالحره المرتد بالذمي وإن عاد إلى لاسلام نص عليه لذلك (فصل) ويقتل المرتد بالذمي ويقدم القصاص على القتل بالردة لأنه حق آدمي وإن عفا عنه لي القصاص فله دية المقتول فإن أسلم المرتد فهو في ذمته وإن قتل بالردة أو مات تعلقت بماله وإن قطع طرفاً من مسلم أو ذمي فعليه القصاص فيه أيضاً وقال بعض أصحاب الشافعي لا يقتل المرتد بالذمي ولا يقطع طرفه بطرفه لأن أحكام الاسلام في حقه باقية بدليل وجوب العبادات عليه ومطالبته بالإسلام

مسألة وعن أحمد لا يقتل العبد بالعبد إلا أن تستوي قيمتهما ولا عمل عليه وقد ذكرناه

ولنا أنه كافر فيقتل بالذمي الأصلي وقولهم أن أحكام باقية غير صحيح فإنه قد زالت عصمته وحرمته وحل نكاح المسلمات وشراء العبيد المسلمين وصحة العبادات وغيرهما، وأما مطالبته بالإسلام فهو حجة عليهم لأنه يدل على تغليظ كفره وأنه لا يقر على ردته لسوء حاله فإذا قال بالذمي مثله فمن هو دونه أولى ولا يمنع إسلامه وجوب القصاص عليه لأنه بعد استقرار وجوب القصاص عليه والأصل في كل واجب بقاؤه فأشبه ما لو قتله وهو عاقل ثم جن (مسألة) (ولا يقتل مسلم بكافر أي كافر كان) هذا قول أكثر أهل العلم وروى ذلك عن عمر وعثمان وعلي وزيد بن ثابت ومعاوية رضي الله عنهم وبه قال عمر بن عبد العزيز وعطاء والحسن وعكرمة والزهري وابن شبرمة ومالك والثوري والاوزاعي والشافعي واسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وابن المنذر، وقال النخعي والشعبي وأصحاب الراي يقتل المسلم بالذمي خاصة قال أحمد الشعبي والنخعي قالا: دية المجوسي والنصراني مثل دية المسلم وإن قتله يقتل به سبحان الله هذا عجب يصير المجوسي مثل المسلم ما هذا القول؟ واستبشعه وقال: النبي صلى الله عليه وسلم يقول " لا يقتل مسلم بكافر " وهو يقول يقتل بكافر فاي شئ أشد من هذا؟ واحتجوا بالعمومات التي ذكرناها لقول تعالى (النفس بالنفس) وقوله (الحر بالحر) وبما روى ابن البيلماني أن النبي صلى الله عليه وسلم أقاد مسلماً بذمي وقال " أنا أحق من وفى بذمته " ولأنه معصوم عصمة مؤبدة فيقتل به قاتله كالمسلم

مسألة ولا يقتل مسلم بكافر أي كافر كان

ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " المسلمون متكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم لا يقتل مؤمن بكافر " رواه أحمد وابو داود وفي لفظ " لا يقتل مسلم بكافر " رواه البخاري وأبو داود وعن علي أنه قال من السنة أن لا يقتل مؤمن بكافر رواه الإمام أحمد ولانه منقوص بالكفر فلا يقتل به المسلم كالمستأمن والعمومات مخصوصات بحديثنا وحديثهم ليس له إسناد قاله أحمد وقال الدارقطني: يرويه ابن البيلماني وهو ضعيف إذا أسند فكيف إذا ارسل؟ والمعنى في المسلم أنه مكافئ للمسلم بخلاف الذمي ووافق أبو حنيفة الجماعة في المستأمن أن المسلم لا يقاد به وهو المشهور عن أبي يوسف وعنه يقتل به لما سبق في الذمي ولنا أنه ليس بمحقون الدم على التأبيد فأشبه الحربي مع ما ذكرنا من الأدلة في الأدلة التي قبلها (فصل) ويقتل الذمي بالذمي سواء اتفقت أديانهم أو اختلفت فيقتل النصراني باليهودي والمجوسي نص عليه أحمد في النصراني يقتل بالمجوسي إذا قتله قتل فكيف يقتل به وأديانهما مختلفة؟ قال أذهب الى أن النبي صلى الله عليه وسلم قتل رجل بامرأة يعني أنه قتله بها مع اختلاف دينهما ولأنهما تكافآ في العصمة بالذمة ونقيصه الكفر فجرى مجرى القصاص بينهما كما لو تساوى دينهما وهذا مذهب الشافعي (مسألة) (ولا يقتل حر بعبد) روي هذا عن ابي بكر وعمر وعلي وزيد وابن الزبير رضي الله عنهم وبه قال الحسن وعطاء وعمر بن عبد العزيز وعكرمة وعمر وبن دينار ومالك والشافعي اسحاق وأبو ثور وروي ذلك عن الشعبي وروي عن سعيد بن

مسألة ولا يقتل حر بعبد

المسيب والنخعي وقتادة والثوري وأصحاب الرأي أنه يقتل به لعموم الآيات والأخبار لقول النبي صلى الله عليه وسلم " المؤمنون تتكافأ دماؤهم " ولأنه آدمي معصوم أشبه الحر ولنا ما روى الإمام أحمد بإسناده عن علي رضي الله عنه أنه قال من السنة أن لا يقتل حر بعبد وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يقتل حر بعبد " رواه الدارقطني ولأنه لا يقطع طرفه بطرفه مع التساوي في السلامة فلا يقتل به كالأب مع ابنه ولأن العبد منقوص بالرق فلم يقتل به كالمكاتب إذا ملك ما يؤدي والعمومات مخصوصة بهذا فنقيس عليه (مسألة) (إلا أن يجرجه وهو مثله أو يقتله ثم يسلم القاتل أو الجارح أو يعتق فيموت المجروح فإنه يقتل به) وجملة ذلك أن الاعتبار في التكافؤ بحالة الوجوب كالحد فعلى هذا إذا قتل ذمي ذمياً أو جرحه ثم أسلم الجارح ومات المجروح أو قتل عبد عبداً أو جرحه ثم عتق القاتل أو الجارح ومات المجروح وجب القصاص لأنهما متكافئان حال الجناية ولأن القصاص قد وجب فلا يسقط بما طرأ كما لو جن (فصل) ولا يقتل السيد بعبده في قول أكثر أهل العلم وحكي عن النخعي وداود أنه يقتل به لما روى قتادة عن الحسن عن سمرة قال أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من قتل عبده قتلناه ومن جدعه جدعناه " رواه سعيد والامام أحمد والترمذي وقال حديث حسن غريب مع العمومات والمعنى في التي قبلها

مسألة إلا أن يجرحه وهو مثله أو يقتله ثم يسلم القاتل أو الجارح أو يعتق فيموت المجروح فإنه يقتل به

ولنا ما ذكرناه في التي قبلها وعن عمر رضي الله عنه أنه قال لو لم أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " لا يقاد الملوك من مولاه والوالد من ولده لأقدته منك " رواه النسائي وعن علي رضي الله عنه أن رجلاً قتل عبده فجلده النبي صلى الله عليه وسلم مائة ونفاه عاماً ومحي اسمه من المسلمين رواه سعيد والخلال قال أحمد ليس بشئ من قبل إسحاق بن أبي فروة وراه عمر وابن شعيب عن أبيه عن جده عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما قالا " من قتل عبده جلد مائة وحرم سهمه مع المسلمين " فأما حديث سمرة فلم يثبت قال أحمد: الحسن لم يسمع من سمرة إنما هي صحيفة وقال غيره: إنما سمع الحسن من سمرة ثلاثة أحاديث ليس هذا منها ولأن الحسن أفتى بخلافه فإنه يقول لا يقتل الحر بالعبد وقال إذا قتل السيد عبده يضرب ومخالفته له تدل على ضعفه (فصل) ولا يقطع طرف الحر بطرف العبد بغير خلاف علمناه بينهم ويقتل العبد بالحر وسيده لأنه إذا قتل بمثله هو أكمل منه أولى مع عموم النصوص الواردة في ذلك ومتى وجب القصاص على العبد فعفا ولي الجناية إلى المال فله ذلك ويتعلق أرشها برقبته لأنه موجب جنايته فتعلق برقبته كالقصاص فإن شاء سيده إن يسلمه إلى ولي الجناية لم يلزمه أكثر من ذلك لأنه سلم إليه ما تعلق حقه به وإن قال ولي الجناية معه وادفع إلي ثمنه لم يلزمه ذلك لأنه لم يتعلق بذمته شئ وإنما يتعلق بالرقبة التي سلمها فبرئ منها وفيه وجه آخر أنه يلزمه ذلك كما لو يلزمه بيع الرهن، وإن امتنع من تسليمه

واختار فداءه فهل تلزمه قيمته أو أرش الجناية؟ على روايتين تذكران في غير هذا الموضع (مسألة) (وإن جرح مسلم كافراً فأسلم المجروح ثم مات مسلماً بسراية الجرح لم يقتل به قاتله لعدم التكافؤ حال الجناية وعليه دية مسلم لأن اعتبار الأرش بحال استقرار الجناية وهذا قول ابن حامد بدليل ما لو قطع يدي رجل ورجليه فسرى إلى نفسه ففيه دية واحدة ولو اعتبر حال الجناية وجب ديتان ولو قطع حر يد عبد ثم عتق مات لم يجب القود لعدم التكافؤ حال الجناية وعلى الجاني دية حر اعتباراً بحال الاستقرار وهو قول ابن حامد كالمسألة قبلها ومذهب الشافعي وللسيد أقل الأمرين من نصف قيمته أو نصف دية حر والباقي لورثته لأن نصف قيمته إن كانت أقل فهي التي وجدت في ملكه فلا يكون له أكثر منها لأن الزائد حصل بحريته ولا حق له فيما حصل بها وإن كان الأقل الدية لم يستحق أكثر منها لأن نقص القيمة حصل بسبب من جهة السيد وهو العتق وذكر القاضي أن أحمد نص في رواية حنبل فيمن فقأ عيني عبد ثم عتق ومات أن على الجاني قيمته للسيد وهذا يدل على ان الاعتبار بحال الجناية وهو اختيار أبي بكر والقاضي وأبي الخطاب قال أبو الخطاب من قطع يد ذمي ثم اسلم ومات ضمنه بدية ذمي ولو قطع يد عبد فأعتقه سيده ومات فعلى الجاني قيمته للسيد لأن حكم القصاص معتبر بحال الجناية دن حال السراية

مسألة وإن جرح مسلم كافرا فأسلم المجروح ثم مات مسلما بسراية الجرح لم يقتل به قاتله لعدم التكافؤ

وكذلك الدية والأول أصح إن شاء الله تعالى قاله شيخنا لأن سراية الجرح مضمونة فإذا اتلفت حراً مسلماً وجب ضمانه بدية كاملة كما لو قتله بجرح ثان وقول أحمد فيمن فقأ عيني عبد عليه قيمته للسيد لا خلاف فيه وإنما الخلاف في وجوب الزائد على القيمة من دية الحر للورثة ولم يذكره أحمد ولأن الواجب مقدر بما تقضي إليه السراية دون ما تتلفه الجناية بدليل أن من قطعت يداه ورجلاه فسرى القطع إلى نفسه لم يلزم الجاني أكثر من دية ولو قطع أصبعاً فسرى إلى نفسه لوجبت الدية كاملة فكذلك إذا سرت إلى نفس حر مسلم تجب دية كاملة فأما إن قطع يد مرتد أو حربي فسرى ذلك الى نفسه لم يجب قصاص ولا دية ولا كفارة سوا أسلم قبل السراية أو لم يسلم لان الجراح غير مضمون فلم تضمن سرايته بخلاف التي قبلها (مسألة) (وإن رمى مسلم ذمياً عبداً فلم يقع السهم به حتى عتق وأسلم فلا قود وعليه دية حر مسلم إذا مات من الرمية) هذا قول ابن حامد ومذهب الشافعي وقال أبو بكر يجب القصاص لأنه قتل مكافئاً له عمداً عدواناً فوجب القصاص كما لو كان حراً مسلما كذلك حال الرمي يحقفه ان الاعتبار بحال الإصابة بدليل ما لو رمى فلم يصبه حتى ارتد أو مات لم يلزمه شئ، ولو رمى عبداً كافراً فعتق أو أسلم غرمه بدية حر مسلم.

مسألة وإن رمى مسلم ذميا عبدا فلم يقع السهم به حتى عتق وأسلم فلا قود وعليه دية حر مسلم إذا مات من

ولنا على درء القصاص أنه لم يقصد إلى نفس مكافئه فلم يجب عليه قصاص كما لو رمى حربياً أو مرتداً فأسلم وقال أبو حنيفة يلزمه في العبد دية عبد لمولاه لأن الإصابة ناشئة عن إرسال السهم فكان الاعتبار بها كحالة الجرح ولنا أن الاصابة حصلت في حر فكان ضمانه ضمان الأحرار كما لو قصد هدفاً أو طائراً فأصاب حراً ثم يبطل، بما إذا رمى حياً فأصابه ميتاً أو عبداً صحيحاً فأصابه بعد قطع يديه لم تجب ديته لورثته وعنده تجب لمولاه ولو رمى كافراً فأصابه السهم بعد أن أسلم كانت ديته لورثته المسلمين وعند أبي حنيفة لورثته الكفار ولنا أنه مات مسلماً حراً فكانت ديته للمسلمين كما لو كان حال الرمي فوجوب المال معتبر بحال الإصابة لأنه يدل على المحل فيعتبر عن المحل الذي فات بها فيجب بقدره وقد فات بها نفس مسلم حر والقصاص جزء الفعل فيعتبر الفعل فيه والإصابة معاً لأنهما طرفاه فلذلك لم يجب القصاص بقتله (فصل) ولو قطع يد عبد ثم عتق ومات أو يد ذمي ثم اسلم ومات ففيه وجهان (أحدهما) الواجب دية حر مسلم لورثته ولسيده منها أقل الأمرين من ديته أو أرش جنايته اعتباراً بحال استقرار الجناية وقال القاضي وأبو بكر تجب قيمة العبد بالغة ما بلغت مصروفة إلى السيد اعتباراً بحال الجناية لأنها الموجب للضمان فاعتبرت حال وجودها ومقتضى قولهما ضمان الذمي الذي أسلم بدية ذمي ويلزمها على هذا أن يصرفاها إلى ورثته من أهل الذمة وهو غير صحيح لأن الدية

لا تخلو من أن تكون مستحقة للمجني عليه أو لورثته فإن كانت له وجب أن تكون لورثته المسلمين كسائر أمواله وأملاكه كالذي كسبه بعد جرحه، وإن كانت تحدث على ملك ورثته فورثته هم المسلمون دون الكفار (فصل) وإن قطع ألف عبد قيمته ألف دينار فاندمل ثم أعتقه السيد وجبت قيمته بكمالها للسيد، وإن اعتقه ثم اندمل فكذلك لأنه إنما استقر بالاندمال ما وجب بالجناية والجناية كانت في ملك سيده وإن مات من سراية الجرح فكذلك في قول أبي بكر والقاضي وهو قول المزني لأن الجناية يراعى فيها حال وجودها وذكر القاضي أن أحمد نص عليه في رواية حنبل فيمن فقأ عيني عبد ثم أعتق ومات ففيه قيمته لا الدية ومقتضى قول الخرقي أن الواجب فيه دية حر وهو مذهب الشافعي لأن اعتبار الجناية بحالة الاستقرار وقد ذكرناه (فصل) فإن قطع يد عبد فأعتق عاد فقطع رجله واندمل القطعان فلا قصاص في اليد لأنها قطعت في حال رقه ويجب فيها نصف قيمته أو ما نقصه العبد لسيده إذ فلما إن العبد يضمن بما نقصه ويجب القصاص في الرجل التي قطعها حال حريته أو نصف الدية إن عفا عن القصاص لورثته وإن اندمل قطع اليد وسرى قطع الرجل إلى نفسه ففي الولد نصف القيمة لسيده وعلى القاطع القصاص في النفس أو الدية كاملة لورثته وان اندمل لرجل وسرى قطع اليد ففي الرجل القصاص بقطعها أو نصف الدية لورثته ولا قصاص في اليد ولا في سرايتها وعلى الجاني دية حر لسيده منها قل لامرين من أرش القطع أو دية الحر على قول ابن حامد وعلى قول أبي بكر والقاضي تجب قيمة العبد لسيده

اعتباراً بحال جنايته وإن سرى الجرحان لم يجب القصاص في النفس ولا اليد لأنه مات من جرحين موجب وغير موجب فلم يجب القصاص كما لو جرحه جرحين خطأ وعمداً ولكن يجب القصاص في الرجل لأنه قطعها من حر فإن قتص منه وجب نصف الدية لأنه مات من جنايته وقد استوفي منه ما يقابل نصف الدية وللسيد أقل الأمرين من نصف القيمة أو نصف الدية فإن زاد نصف الدية على نصف القيمة كان الزائد للورثة وإن عفا ورثته عن القصاص فلهم أيضاً نصف الدية فإن كان قاطع الرجل غير قاطع اليد واندمل الجرحان فعلى قاطع اليد نصف القيمة لسيده وعلى قاطع الرجل القصاص فيها أو نصف الدية وإن سرى الجرحان إلى نفسه فلا قصاص على الأول لأنه قطع يد عبد وعليه نصف دية حر لأن المجني عليه حر في حال استقرار الجناية وعلى الثاني القصاص في النفس إذا كانا عمدا القطع لأنه شارك في القتل عمداً عدواناً فهو كشريك الأب ويتخرج أن لا قصاص عليه في النفس لأن الروح خرجت من سراية قطعين موجب وغير موجب بناء على شريك الأب وإن عفا عنه إلى الدية فعليه نصف دية حر وإن قلنا بوجوب القصاص في النفس خرج في وجوبه في الطرف روايتان وإن قلنا لا يجب في النفس وجب في الرجل (فصل) وإن قطع عين عبد ثم عتق قطع آخر يده ثم قطع آخر رجله فلا قوه على الاول سواه اندمل جرحه أو سرى وأما الآخران فعليهما القصاص في الطرفين إن وقف قطعهما أو ديتهما

إن عفا عنهما، وإن سرت الجراحات كلها فعليهما القصاص في النفس لأن جنايتهما صارت أنفسا وفي ذلك وفي القصاص في الطرف اختلاف ذكرناه وإن عفا عنهما فعليمهما الدية أثلاثاً وفيما يستحقه السيد وجهان (أحدهما) أقل الأمرين من نصف القيمة أو ثلث الدية على قياس قول أبي بكر لأنه بالقطع استحق نصف القيمة فإذا صارت نفساً وجب فيها ثلث الدية فكان له أقل الأمرين (والثاني) له أقل الأمرين من ثلث القيمة أو ثلث الدية لأن الجناية إذا صارت نفساً كان الاعتبار بما آلت إليه ألا ترى أنه لو جنى الجانيان الآخران قبل العتق أيضاً لم يكن على الأول إلا ثلث القيمة ولا يزيد حقه بالعتق كما لو قلع رجل عينه ثم باعه سيده ثم قطع آخر يده وآخر رجله ثم مات فإنه يكون للأول ثلث القيمة وإن كان أرش الجناية نصف القيمة فإذا قلنا بالوجه الأول قطع أصبعه أو هشمه، أو الجانيان في الحرية قطعا يديه فالدية عليهم أثلاثاً للسيد منها أقل الأمرين من أرش الإصبع وهو عشر القيمة أو ثلث الدية، ولو كان الجاني في حال الرق قطع يديه والجانيان في الحرية قطعا رجليه وجبت الدية أثلاثاً وكان للسيد منها أقل الأمرين من جميع قيمته أو ثلث الدية وعلى الوجه الآخر يكون له في الفرعين أقل الأمرين من ثلث القيمة أو ثلث الدية (فصل) فإن كان الجانيان في حال الرق والواحد في حال الحرية فمات فعليهم الدية وللسيد من ذلك من أحد الوجهين أقل الأمرين من أرش الجنايتين أو ثلثي الدية وعلى الآخر أقل الأمرين من ثلثي القيمة أو ثلثي الدية. (فصل) فإن كان الجناة أربعة واحد في الرق وثلاثة في الحرية ومات كان للسيد في أحد الوجهين

الأقل من أرش الجناية أو ربع الدية، وان كان الثلاثة في الرق والواحد في الحرية كان للسيد أقل الأمرين من أرش الجنايات أو ثلاثة أرباع الدية في أحد الوجهين وفي الآخر الأقل من ثلاثة أرباع القيمة أو ثلاثة أرباع الدية، ولو كانوا عشرة واحد في الرق وتسعة في الحرية فالدية عليهم فللسيد فيها بحساب ما ذكرنا على اختلاف الوجهين (فصل) وإن قطع يده ثم عتق فقطع آخر رجله ثم عاد الأول فقتله بعد الاندمال فعليه القصاص للورثة ونصف القيمة للسيد وعلى الآخر القصاص للورثة في الرجل أو نصف الدية فإن كان قبل الاندمال فعلى الجاني الأول القصاص في النفس دون اليد لأنه قطعها في رقه، فإن اختار الورثة القصاص في النفس سقط حق السيد لأنه لا يجوز أن يستحق عليه النفس وأرش الطرف قبل الاندمال فإن الطرف داخل في النفس في الأرش، فإن اختاروا العفو فعليه الدية دون أرش الطرف لأن أرش الطرف يدخل في النفس، وللسيد أقل الأمرين من نصف القيمة أو أرش الطرف والباقي للورثة، وأما الثاني فعليه القصاص في الرجل لأن القتل قطع سرايتها فصار كما لو اندملت، فإن عفا عنه فعليه نصف الدية وإن كان الثاني هو الذي قتله قبل الاندمال فعليه القصاص في النفس وهل يقطع طرفه؟ على روايتين فإن عفا الورثة فعليه دية واحدة وأما الأول فعليه نصف القيمة للسيد ولا قصاص عليه، وإن كان القاتل ثالثاً فقد استقر القطعان ويكون على الأول نصف القيمة لسيده وعلى الثاني القصاص في الرجل أو نصف الدية لورثته وعلى الثالث القصاص في النفس أو الدية (فصل) وإذا قطع رجل يد عبد ثم أعتقه ثم اندمل جرحه فلا قصاص عليه ولا ضمان لأنه انما

قطع يد عبده وإنما استقر بالاندمال ما وجب بالجراح، وإن مات بعد العتق بسراية الجرح فلا قصاص فيه لأن الجناية كانت على مملوكه، وفي وجوب الضمان وجهان (أحدهما) لا يجب شئ لأنه مات بسراية جرح غير مضمون أشبه ما لو مات بسراية القطع في الحد وسراية القود، ولأننا تبينا أن القطع كان قتلاً فيكون قاتلاً لعبده فلا يلزمه ضمانة كما لو يعتقه، وهذا مقتضى قول أبي بكر (والثاني) يضمنه بما زاد على ارش القطع من الدية لأنه مات وهو حر بسراية قطع عدوان فيضمن كما لو كان القاطع أجنبياً لكن يسقط أرش القطع لأنه في ملكه ويجب الزائد لورثته فإن لم يكن وارث سواه وجب لبيت المال ولا يرث السيد شيئاً لأن القاتل لا يرث (مسألة) (ولو قتل من يعرفه ذمياً عبداً فبان أنه قد عتق وأسلم فعليه القصاص) لأنه قتل من يكافئه بغير حق أشبه ما لو علم حاله (مسألة) (وإن كان يعرفه مرتداً فكذلك عند أبي بكر) لما ذكرنا قال ويحتمل أن لا يلزمه إلا الدية لأنه لم يقصد قتل معصوم فلم يلزمه قصاص كما لو قتل في دار الحرب من يظنه حربياً فبان أنه بعد أن أسلم (فصل) (الرابع أن لا يكون اباً للمقتول فلا يقتل الوالد بولده وإن سفل والأب والأم في ذلك سواء) وجملة ذلك أن الأب لا يقتل بولده ولا بولد ولده وإن نزلت درجته وسواء في ذلك ولد البنين

مسألة ولو قتل من يعرفه ذميا عبدا فبان أنه قد عتق وأسلم فعليه القصاص

وولد البنات، وممن نقل عنه أن الوالد لا يقتل بولده ولده عمر بن الخطاب وبه قال ربيعة والثوري والاوزاعي والشافعي واسحاق وأصحاب الرأي، وقال ابن نافع وابن عبد الحكم وابن المنذر يقتل به لظاهر آي الكتاب والأخبار الموجبة للقصاص، ولأنهما حران مسلمان من أهل القصاص فوجب أن يقتل كما واحد منهما بصاحبه كالاجنببين، وقال ابن المنذر قد رووا في هذا الباب أخباراً وقال مالك إن قتله حذفاً بالسيف ونحوه لم يقتل به، وإن ذبحه أو قتله قتلاً لا يشك في أنه عمد إلى قتله دون تأديبه أقيد به. ولنا ما روى عمر بن الخطاب وان عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا يقتل والد بولده " أخرج النسائي حديث عمر ورواهما ابن ماجة وذكرهما ابن عبد البر وقال هو حديث مشهور عند أهل العلم بالحجاز والعراق مستفيض عندهم يستغنى بشهرته وقبوله والعمل به عن الاسناد فيه حتى يكون الاسناد في مثله مع شهرته تكلفاً ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أنت ومالك لأبيك " وقضية هذه الإضافة تمليكه إياه فإذا لم تثبت حقيقة الملكية ثبتت الاضافة شبهة في درء القصاص لأنه يدرأ بالشبهات ولأنه سبب ايجاده فلا ينبغي أن يتسلط بسببه على إعدامه وما ذكرناه يخص العمومات، ويفارق الاب سائر الناس فإنهم لو قتلوا بالخذف بالسيف وجب عليهم القصاص والأب بخلافه.

(فصل) والجد إن علا كالأب في هذا وسواء كان من قبل الأب أو من قبل الأم في قول أكثر مسقطي القصاص عن الاب، وقال الحسن بن حي يقتل به ولنا أنه والد فيدخل في عموم النص ولأن ذلك حكم يتعلق بالولادة فاستوى فيه القريب والبعيد كالمحرمية والعتق إذا تملكه، والجد من قبل الأم كالذي من قبل الأب، وقال النبي صلى الله عليه وسلم " إن ابني هذا سيد " (فصل) ويستوي في ذلك الأب والأم في الصحيح من المذهب وعليه العمل عند مسقطي القصاص عن الأب، وعن أحمد ما يدل على أنه لا يسقط عن الأم فإن مهنا نقل عنه في أم ولد قتلت سيدها عمداً تقتل قال من يقتلها؟ قال ولدها وخرجها أبو بكر على روايتين (إحداهما) إن الأم تقتل بولدها لأنها لا ولاية لها عليه أشبه الأخ، والصحيح الأول لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا يقتل والد بولده ولأنها أحد الأبوين فأشبهت الأب ولأنها أولى بالبر فكانت أولى بنفي القصاص عنها والولاية غير معتبرة بدليل انتفاء القصاص عن الاب بقتل ولده الكبير الذي لا ولاية له عليه وعن الأب المخالف في الدين أو الرقيق، والجدة وإن علت في ذلك كالأم وسواء في ذلك من قبل الأب أو من قبل الأم لما ذكرنا في الجد (فصل) وسواء في ذلك اتفاقهما في الدين والحرية واختلافهما فيه لأن انتفاء القصاص لشرف

الأبوة وهو موجود في كل حال فلو قتل الكافر ولده المسلم أو قتل المسلم أباه الكافر أو قتل العبد ولده الحر أو قتل الحر ولده العبد لم يجب القصاص لشرف الأبوة فيما إذا قتل ولده وانتفاء المكافأة فيما إذا قتل والده (فصل) إذا تداعى نفسان نسب صغير مجهول النسب ثم قتلاه قبل الحاقة بواحد منهما فلا قصاص عليهما لأنه يجوز أن يكون ابن كل واحد منهما أو ابنهما وإن ألحقه القافة بأحدهما ثم قتلاه لم يقتل أبوه وقتل الآخر لأنه شريك الأب في قتل الابن، وإن رجعا جميعا عن الدعوى لم يقبل رجوعهما لأن النسب حق للولد فلم يقبل رجوعهما عن إقرارهما به كما لو أقرا له بحق سواه أو كما لو ادعاه واحد فألحق به ثم جحده، وإن رجع أحدهما صح رجوعه وثبت نسبه من الآخر لأن رجوعه لا يبطل نسبه ويسقط القصاص عن الذي لم يرجع ويجب على الراجع لأنه شارك الأب، وإن عفا عنه فعليه نصف الدية، ولو اشترك رجلان في وطئ امرأة في طهر واحد وأتت بولد يمكن أن يكون منهما فقتلاه قبل إلحاقه بأحدهما لم يجب القصاص، وإن نفيا نسبه لم ينتف بقوله لأنه لحق بالفراش فلا ينتفي إلا باللعان وفارق التي قبلها من وجهين (أحدهما) أن أحدهما إذا رجع عن دعواه لحق الآخر وههنا لا يلحق بذلك

(والثاني) أن ثبوت نسبه ثم بالاعتراف فيسقط بالجحد وههنا ثبت بالاشتراك فلا ينتفي بالجحد ومذهب الشافعي في هذا الفصل كما قلنا سواء (مسألة) (ويقتل الولد بكل واحد منهما في أظهر الروايتين) هذا قول جماعة أهل العلم منهم مالك والشافعي واسحاق وأصحاب الرأي، وحكى بعض اصحابنا عن أحمد أن الابن لا يقتل بأبيه لأنه لا تقبل شهادته له بحق النسب فلا يقتل به كالأب مع ابنه، والصحيح أنه يقتل به للآيات والأخبار وموافقة القياس ولأن الأب أعظم حرمة وحقاً من الأجنبي فإذا قتل بالأجنبي فبالأب أولى ولانه يجد بقذفه فيقتل به كالأجنبي، ولا يصح قياس الابن على الأب لأن حرمة الوالد على الولد آكد والابن مضاف إلى أبيه بلام التمليك بخلاف الولد مع الوالد، وقد ذكر أصحابنا حديثين متعارضين عن سراقة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا يقاد الأب من ابنه ولا الابن من أبيه " والثاني: أنه كان يقيد الأب من ابنه ولا يقيد لابن من أبيه، وهذا الحديث لا نعرفه ولم تجده في كتاب السنن المشهورة ولا ظن له اصلاً فهما متعارضان ومتدافعان يجب اطراحهما والعمل بالنصوص الواضحة الثابتة والإجماع الذي لا تجوز مخالفته (مسألة) (ومتى ورث ولده القصاص أو شيئاً منه أو ورث القاتل شيئاً من دمه سقط القصاص فلو قتل أحد الزوجين صاحبه ولهما ولد لم يجب القصاص)

مسألة ومتى ورث ولده القصاص أو شيئا منه أو ورث القاتل شيئا من دمه سقط القصاص فلو قتل أحد الزوجين

لأنه لو وجب لوجب لولده ولا يجب للولد قصاص على أبيه لأنه إذا لم بالجناية عليه فلأن لا يجب له بالجناية على غيره أولى وسواء كان الولد ذكرا أو انثى أو كان لعقول ولد سواه أو من يشاركه في الميراث أو لم يكن لأنه لو ثبت القصاص لوجب له جزء منه ولا يمكن وجوبه وإذا لم يثبت بعضه سقط كله لأنه لا يتبعض وصار كما لو عفا بعض مستحقي القصاص عن نصيبه منه، فإن لم يكن للمقتول ولد منهما وجب القصاص في قول أكثر أهل العلم منهم عمر بن عبد العزيز والنخعي والثوري والشافعي وأصحاب الرأي، وقال الزهري لا يقتل الزوج بامرأته لأنه ملكها بعقد النكاح أشيه الأمة ولنا عموم النصوص ولأنهما شخصان متكافئان يحد كل واحد منهما بقذف صاحبه فقتل به كالاجنبين، قوله إنها ملكه غير صحيح فإنها حرة وإنما ملك منفعة الاستمتاع فأشبه المستأجرة ولهذا تجب عليه ديتها ويرثها ورثتها ولا يرث منها إلا قدر ميراثه ولو قتلها غيره كانت ديتها أو القصاص لورثتها بخلاف الأمة (مسألة) (ولو قتل رجل أخا زوجته فورثته ثم ماتت فورثها ولده سقط عنه القصاص وسواء كان لها ولد من غيره أو لا) لأن القصاص فيما ورثه ولده فيسقط جميعه لأن القصاص لا يتبعض فأشبه ما لو عفا أحد الشريكين وكذلك لو قتلت المرأة أخا زوجها فصار القصاص أو جزء منه لابنها سقط القصاص سواء صار إليه ابتداء أو انتقل إليه من أبيه أو من غيره لما ذكرنا

مسألة ولو قتل رجل أخازوجته فورثته ثم ماتت فورثها ولده سقط عنه القصاص وسواء كان لها ولد من غيره أو لا

(فصل) ولو قتل رجل أخاه فورثه ابن القاتل أو أحد يرث ابنه منه شيئاً لم يجب القصاص لما ذكرنا (فصل) وإذا قتل أحد أبوي المكاتب المكاتب أو عبداً له لم يجب القصاص لأن الوالد لا يقتل بولده ولا يثبت للولد على والد قصاص، وإن اشترى المكاتب أحد أبويه ثم قتله لم يجب القصاص لأن السيد لا يقتل بعبده (مسألة) (ولو قتل أباه أو أخاه فورثه أخواه ثم قتل أحدهما صاحبه سقط القصاص عن الأول لأنه ورث بعض دم نفسه) (مسألة) (وإن قتل أحد الابنين اباه والآخر أمه وهي زوجة الأب سقط القصاص عن الأول لذلك وله أن يقتص من أخيه ويرثه لأن القتل بحق لا يمنع الميراث) إذا قتل أحد الابنين اباه والآخر أمه ولزوجية بينهما موجودة حال قتل الأول فالقصاص على القاتل الثاني دون الأول لأن القتيل الثاني ورث جزء من دم الأول فلما قتل ورثه قاتل الأول فصار له جزء من دم نفسه فسقط القصاص ووجب له القصاص على أخيه فإن قتله ورثه إن لم يكن له وارث سواه لأنه قتل بحق وإن عفا عنه إلى الدية وجبت وتقاصا بما بينهما وما فضل لأحدهما فهو على أخيه

مسألة: ولو قتل أباه أو أخاه فورثه أخواه ثم قتل أحدهما صاحبه سقط القصاص عن الأول لأنه ورث بعض دم نفسه

(فصل) وإن لم تكن زوجة الأب فعلى كل واحد منهما القصاص لأخيه لأنه ورث الذي قتله أخوه وحده دون قاله، فإن بادر أحدهما فقتل أخاه فقد استوفى حقه وسقط عنه القصاص لأنه يرث اخاه لكونه فلا يحق فلا يمنع الميراث إلا أن يكون للمقتول ابن أو ابن ابن يحجب القاتل فيكون له قتل عمه ويرثه إن لم يكن له وارث سواه فان تشاحاني المبتدئ منهما بالقتل احتمل أن يبدأ بقتل القاتل الأول لأنه أسبق واحتمل أن يقرع بينهما وهو قول القاضي ومذهب الشافعي لأنهما تساويا في الاستحقاق فصرنا إلى القرعة وأيهما قتل صاحبه أولا إما بمبادرة أو قرعة ورثه في قياس المذهب إن لم يكن له وارث سواه وسقط عنه القصاص وإن كان محجوباً عن ميراثه كله فلو ارث القتيل قتل الآخر وان عفى أحدهما عن الآخر ثم قتل المعفو عنه العافي ورثه أيضاً وسقط عنه ما وجب عليه من الدية وإن تعافيا جميعاً على الدية تقاصا بما استويا فيه ووجب لقاتل الأم الفضل على قاتل الأب لأن عقلها نصف عقل الأب ويتخرج أن يسقط القصاص عنهما في استحقاقه كسقوط الديتين إذا تساوتا ولأنه لا سبيل إلى استيفائهما معاً واستيفاء أحدهما دون الآخر حيف لا يجوز فتعين السقوط وإن كان لكل واحد منهما ابن يحجب عمه عن ميراث ابيه فإذا قتل أحدهما صاحبه ورثه ابنه وللان أن يقتل عمه ويرثه ابنه ويرث كل واحد من الابنين مال أبيه ومال جده الذي قتله عمه دون الذي قتله أبوه وإن كان لكل واحد منهما بنت فقتل أحدهما صاحبه سقط القصاص عنه لأنه ورث نصف مال اخيه ونصف قصاص نفسه فسقط عنه

القصاص وورث مال أبيه الذي قتله أخره ونصف مال أخته ونصف مال أبيه الذي قتله هو وورثت البنت التي قتل أبوها نصف مال أبيها ونصف مال جدها الذي قتله عمها ولها على عمها نصف دية قتيله (فصل) أربعة أخوة قتل الأول والثاني والثالث والرابع فالقصاص على الثالث لأنه لما قتل الرابع لم يرثه وورثه الأول وحده وقد كان للرابع نصف قصاص الأول فرجع نصف قصاصه إليه فسقط ووجب الثالث نصف الدية وكان للأول قتل الثالث لأنه لم يرث من دم نفسه شيئاً فإن قتله ورثه في ظاهر المذهب ويرث ما يرثه عن أخيه الثاني فإن عفا عنه إلى الدية وجبت عليه بكمالها يقاصه بنصفها وإن كان لهما ورثه كل فيها من التفصيل مثل الذي في التي قبلها (مسألة) (وان قتل من لا يعرفه وادعى كفره لم يقبل) لأنه محكوم بإسلامه بالدار ولهذا يحكم بإسلام اللقيط ويكون القول قول الولي وكذلك إن ادعى رقه لأن الأصل الحرية والرق طارئ وكذلك لو ضرب ملفوفاً فقده وادعى أنه كان ميتاً لم يقبل لأن الأصل الحياة وإن قطع طرف إنسان وادعى شلله لم يقبل لأن الأصل السلامة (مسألة) (وان قتل رجلاً في داره وادعى أنه دخل يكابره على أهله أو ماله فقتله دفعاً عن نفسه وأنكر وليه فالقول قول الولي)

مسألة وإن قتل من لا يعرفه وادعى كفره لم يقبل

وجملة ذلك أنه إذا قتل رجلاً وادعى أنه وجده مع امرأته أو أنه قتله دفعاً عن نفسه أو أنه دخل منزله يكابره على ماله فلم يقدر على دفعه إلا بقتله لم يقبل قولا إلا ببينة ولزمه القصاص إذا أنكر وليه روي نحو ذلك عن علي رضي الله عنه وبه قال الشافعي وابو ثور وابن المنذر ولا أعلم فيه مخالفاً وسواء وجد في دار القاتل أو في غيرها وجد معه سلاح أو لم يوجد لما روي عن علي رضي الله عنه أنه سئل عمن وجد مع امرأته رجلاً فقتله فقال ان يأت بأربعة شهداء فليعط برمته ولأن الأصل عدم ما يدعيه فلا يثبت بمجرد الدعوى فأما إن اعترف الولي بذلك فلا قصاص عليه ولا دية لما روي عن عمر رضي الله عنه أنه كان يوما يتغدى إذ جاء رجل يعدو وفي يده سيف ملطخ بالدم ووراءه قوم يعدون خلفه فجاء حتى جلس مع عمر فجاء الآخرون فقالو يا أمير المؤمنين أن هذا قتل صاحبنا فقال له عمر ما يقولون؟ فقال يا أمير المؤمنين إني ضربت فخذي امرأتي فإن كان بينهما أحد فقد قتلته فقال عمر ما يقول؟ قالوا يا أمير المؤمنين إنه ضرب بالسيف فوقع في وسط الرجل وفخذي المرأة فأخذ عمر سيفه فهذه ثم دفعه إليه وقال ان عادوا فعد رواه سعيد في سننه وروي عن الزبير أنه كان يوماً قد تخلف عن الجيش ومعه جارية له فأتاه رجلا ن فقالا أعطنا شيئاً فأعطاهما طعاماً كان معه فقالا خل عن الجارية فضربهما بسيفه فقطعهما بضربة واحدة ولأن الخصم اعترف بما يبيح قتله فسقط حقه كما لو أقر بقتله قصاصاً أو في حد يوجب قتله وإن ثبت فكذلك

مسألة وإن قتل رجلا في داره وادعى أنه دخل يكابره على أهله أو ماله فقتله دفعا عن نفسه وانكر وليه فالقول

(مسألة) (وان تخارج اثنان وادعى كل واحد منهما أنه جرح صاحبه دفعاً عن نفسه وانكر الآخر وجب القصاص والقول قول المنكر) لأن سبب القصاص قد وجد وهو الجرح والأصل عدم ما يدعيه الآخر وقال شيخنا يجب الضمان لذلك والقول قول كل واحد منهما مع يمينه في نفي القصاص لأن ما يدعيه محتمل فيندرئ به القصاص لأنه يندرئ بالشبهات هذا الذي ذكره في كتاب الكافي والأول أقيس لأنه لو كان دعوى ما يمنع القصاص إذا احتمل مانع منه لما وجب القصاص في المسائل المتقدمة والحكم بخلافه والله أعلم (فصل) أجمع أهل العلم على أن القود لا يجب إلا بالعمد ولا نعلم في وجوبه بقتل العمد إذا اجتمعت شروطه وانتفت الموانع خلافاً وقد دل عليه الآيات والأخبار بعمومها فقال تعالى ومن (قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه طعاما فلا يسرف في القتل) وقال تعالى (كتب عليكم القصاص في القتلى) وقال تعالى (ولكم في القصاص حياة) يريد والله أعلم أن وجوب القصاص يمنع الإقدام على القتل خوفاً على نفسه من القتل فتبقى الحياة فيمن أريد قتله، وقال تعالى (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم " من قتل له قتيل فهو بخير النظرين إما أن يقتل وإما أن يفدي " متفق عليه وروى أبو شريح الخزاعي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من أصيب بدم فهو بالخيار بين إحدى ثلاث فإن أراد الرابعة فخذوا على يديه أن يقتل أو يعفو أو يأخذ الدية " رواه أبو داود (فصل) وأجمع أهل العلم على أن الحر المسلم يقاد به قاتله وإن كان مجدع الأطراف معدوم الحواس

مسألة وإن تجارح اثنان وادعى كل واحد منهما أنه جرح صاحبه دفعا عن نفسه وأنكر الآخر وجب القصاص

والقاتل صحيح سوي الخلق أو كان بالعكس وكذلك إن تفاوتا في العلم والشرف والغنى والفقر والصحة والمرض والقوة والضعف والكبر والصغر ونحو ذلك لا يمنع القصاص بالاتفاق وقد دلت عليه العمومات التي تلوناها، وقول النبي صلى الله عليه وسلم " المؤمنون تتكافأ دماؤهم " ولأن اعتبار التساوي في الصفات والفضائل يفضي الى اسقاط القصاص بالكلية وفوات حكمه الردع والزجر فوجب أن يسقط اعتباره كالطول والقصر والسواد والبياض. (فصل) ويجري القصاص بين الولاة والعمال وبين رعيتهم لعموم الآيات والأخبار التي ذكرناها لا نعلم في هذا خلافاً وثبت عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال لرجل شكا إليه عاملاً أنه قطع يده ظلماً لئن كنت صادقاً لأقدتك منه وثبت أن عمر كان يقيد من نفسه وروى أبو داود قال خطب عمر فقال إني لم أبعث عما لي ليضربوا أبشاركم ولا ليأخذوا أموالكم فمن فعل به ذلك فليرفعه إلي أقصه منه فقال عمرو بن العاص لو أن رجلا أدب بعض رعيته أتقصه منه؟ قال أي والذي نفسي بيده أقصه وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أقص من نفسه ولأن المؤمنين تتكافأ دماؤهم وهذان حران مسلمان ليس بينهما إيلاد فيجرى القصاص بينهما كسائر الرعية (فصل) ولا يشترط في وجوب القصاص كون القتل في دار الإسلام بل متى قتل في دار الحرب مسلماً عالماً بإسلامه عامداً فعليه القود سواء كان قد هاجر أو لم يهاجر، وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة

لا يجب القصاص بالقتل في غير دار الإسلام فإن لم يكن المقتول هاجر لم يضمنه بقصاص ولا دية عمداً قتله أو خطأ، وإن كان قد هاجر ثم عاد إلى دار الحرب كرجلين مسلمين دخلا دار الحرب بأمان فقتل أحدهما صاحبه ضمنه بالدية ولم يجب القود وحكي عن أحمد رواية كقوله ولو قتل رجل أسيراً مسلماً في دار الحرب لم يضمنه إلا بالدية ولم يجب القود عمداً قتله أو خطأ ولنا ما ذكرنا من الآيات والأخبار ولأنه قتل من يكافئه عمداً ظلماً فوجب عليه القود كما لو قتله في دار الإسلام ولأن كل دار يجب فيها القصاص إذا كان فيها إمام يجب وإن لم يكن إمام كدار الإسلام (فصل) وقتل الغيلة وغيره سواء في القصاص والعفو وذلك للولي دون السلطان، وبه قال أبو حنيفة والشافعي وابن المنذر، وقال مالك الأمر عندنا ان يقتل به وليس لولي الدم أن يعفو عنه وذلك إلى السلطان والغلية عنده أن يخدع الإنسان فيدخل بيتاً أو نحوه فيقتل أو يؤخذ ماله ولعله يحتج بحديث عمر رضي الله عنه في الذي قتل غيلة لو تمالأ عليه أهل صنعاء لأقدتهم به وبقياسه على المحارب ولنا عموم قوله تعالى (فقد جعلنا لوليه سلطانا) ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم " فأهله بين خيرتين " ولأنه قتيل في غير المحاربة فكان أمره إلى وليه كسائر القتلى، وقول عمر لأقدتهم به أي أمكنت الولي من استيفاء القود منهم. باب استيفاء القصاص ويشترط له ثلاثة شروط (أحدهما) أن يكون من يستحقه مكلفاً فإن كان صبياً أو مجنوناً لم يجز استيفاؤه ويحبس القاتل حتى يبلغ الصبي ويعقل المجنون إذا كان من يستحق القصاص واحداً غير مكلف صغيراً أو مجنوناً كصبي قتلت أمه وليست زوجة لأبيه فالقصاص له وليس لأبيه ولا لغيره استيفاؤه وبهذا قال الشافعي، وقال أبو حنيفة ومالك له استيفاؤه وكذلك الحكم في الوصي والحاكم في الطرف دون النفس، وذكر أبو الخطاب في موضع في الأب روايتين وفي موضع وجهين (أحدهما) كقولهما ولأن القصاص أحد بدلي النفس فكان للأب استيفاؤه كالدية

باب استيفاء القصاص

ولنا أنه لا يملك ايقاع الطلاق بزوجته فلا يملك استيفاء القصاص له كالوصي ولأن القصد التشفي ودرك الغيظ ولا يحصل ذلك باستيفاء الولي ويخالف الدية فإن الغرض يحصل باستيفاء الأب فافترقا ولأن الدية إنما يملك استيفاءها إذا تعينت والقصاص لا يتعين فإنه يجوز العفو إلى الدية والصلح إلى مال أكثر منها أو أقل والدية بخلاف ذلك (فصل) وكل موضع يجب تأخير الاستيفاء فإن القاتل يحبس حتى يبلغ الصبي ويعقل المجنون ويقدم الغائب، وقد حبس معاوية هدية بن خشرم في قصاص حتى بلغ ابن القتيل في عصر الصحابة فلم ينكر ذلك وبذل الحسن والحسين وسعيد بن العاص لابن القتيل سبع ديات فلم يقبلها فإن قيل فلم لا يخلى سبيله كالعسر بالدين قلنا لأن في تخليته تضييعاً للحق لأنه لا يؤمن هربه والفرق بينه وبين المعسر من وجوه (أحدهما) أن قضاء الدين لا يجب مع الإعسار فلا يحبس بما لا يجب والقصاص ههنا واجب وإنما تعذر المستوفي (الثاني) أن المعسر إذا حبسناه تعذر الكسب لقضاء الدين فلا يفيد بل يضر من الجانبين وههنا الحق نفسه يفوت بالتخلية لا بالحبس (الثالث) أنه قد استحق قتله وفيه تفويت نفسه ونفعه فإذا تعذر تفويت نفسه جاز تفويت نفعه لامكانه فان قبل فلم يحبس من أجل الغائب وليس للحاكم عليه ولاية إذا كان مكلفاً رشيداً ولذلك لو وجد بعض ماله مغصوباً لم يملك انتزاعه؟ قلنا لأن في القصاص حقاً للميت وللحاكم عليه ولاية ولهذا ينفذ وصاياه من الدية ويقضي ديونه منها فنظيره أن يجد الحاكم من تركة

الميت في يد إنسان شيئاً غصباً والوارث غائب فإنه يأخذه، ولو كان القصاص لحي في طرفه لم يتعرض لمن هو عليه فان أقام القاتل كفيلاً بنفسه ليخلي سبيله له لم يجز لأن الكفالة لا تصح في القصاص فإن فائدتها استيفاء الحق من الكفيل، فإن تعذر إحضار المكفول به فلا يمكن استيفاؤه من غير القاتل فلم تصح الكفالة به كالحد ولأن فيه تغريراً بحق المولى عليه فإنه ربما خلى سبيله فهرب فضاع الحق (مسألة) (وإن كانا محتاجين إلى النفقة فهل لوليهما الفعو إلى الدية؟ يحتمل وجهين) إذا وجب القصاص لصغير أو مجنون فليس لوليه العفو عن القصاص إلى غير مال لأنه لا يملك اسقاط حقه وكذلك إن عفا إلى مال وكان الصبي في كفاية وقد ذكرناه، فإن كان فقيراً محتاجاً إلى النفقة جاز ذلك في أحد الوجهين، قال القاضي وهو الصحيح (والثاني) لا يجوز لأنه لا يملك اسقاط قصاصه ونفقته في بيت المال، والصحيح الأول فإن وجوب النفقة في بيت المال لا يغنيه إذا لم يحصل، وأما إذا كان مستحق القصاص مجنوناً فقيراً فلوليه العفو إلى المال لأنه ليست له حالة معتادة ينتظر فيها اباقته ورجوع عقله بخلاف الصبي (مسألة) (فإن قتلا قاتل أبيهما أو قطعا قاطعهما قهراً احتمل أن يسقط حقهما واحتمل أن تجب دية أبيهما لهما في مال الجاني ويرجع ورثة الجاني على عاقلتهما) إذا وثب الصبي أو المجنون على القاتل فقتله أو على القاطع فقطعه ففيه وجهان:

مسألة فإن قتلا قاتل أبيهما أو قطعا قاطعهما قهرا احتمل أن يسقط حقهما واحتمل أن تجب دية أبيهما

(أحدهما) يصير مستوفياً لحقه لأنه عين حقه أتلفه فأشبه ما لو كانت وديعة عند رجل (والثاني) لا يصير مستوفياً لحقه لأنه ليس من أهل الاستيفاء فتجب له دية أبيه في مال الجاني لأن عمد الصبي خطأ وعلى عاقلته دية القاتل كما لو اتلف أجنبياً بخلاف الوديعة فإنها لو تلفت من غير تعد برئ منها المودع ولو هلك من غير فعل لم يبرأ من الجناية (مسألة) (وإن اقتصا ممن لا تحمل ديته العاقلة كالعبد سقط حقهما وجهاً واحداً لأنه لا يمكن ايجاب ديته على العاقلة فلم يكن إلا سقوطه (فصل) الثاني اتفاق جميع الأولياء على استيفائه وليس لبعضهم الاستيفاء دون بعض) لأنه يكون مستوفياً لحق غيره بغير إذنه ولا ولاية عليه فأشبه الدين (مسألة) (فان فعل فلا قصاص عليه) وبه قال أبو حنيفة وهو أحد قولي الشافعي والقول الآخر عليه القصاص لأنه ممنوع من قتله وبعضه غير مستحق له وقد يجب القصاص بإتلاف بعض النفس بدليل ما لو اشترك الجماعة في قتل واحد ولنا أنه مشارك في استحقاق القتل فلم يجب عليه القصاص كما لو كان مشاركاً في ملك الجارية ووطئها ولأنه محل يملك بعضه فلم تجب العقوبة المقدرة باستيفائه كالأصل، ويفارق إذا قتل الجماعة واحد فإنا لم نوجب القصاص بقتل بعض النفس وإنما نجعل كل واحد منهم قاتلاً لجميعها وإن سلمنا وجوبه

مسألة فإن فعل فلا قصاص عليه

عليه لقتل بعض النفس فمن شرطه المشاركة لمن فعله كفعله في العمد والعدوان ولا يتحقق ذلك ههنا (مسألة) (وعليه لشركائه حقهم من الدية ويسقط عن الجاني في أحد الوجهين وفي الآخر لهم ذلك في تركة الجاني ويرجع ورثة الجاني على قاتله) وجملة ذلك أنه يجب للولي الذي لم يقتل قسطه من الدية لأن حقه من القصاص سقط بغير اختياره فأشبه ما لو مات القاتل أو عفا بعض الأولياء، وهل يجب ذلك على قاتل الجاني أو في تركة الجاني؟ فيه وجهان وللشافعي قولان (أحدهما) يرجع على قاتل الجاني لأنه أتلف محل حقه فكان الرجوع عليه بعض نصيبه كما لو كانت له وديعة فأتلفها (والثاني) يرجع في تركة الجاني كما لو أتلفه أجنبي أو عفا شريكه عن القصاص، وقولنا أتلف محل حقه يبطل بما إذا أتلف مستأجره أو غريمه أو امرأته أو كان المتلف أجنبياً، ويفارق الوديعة فإنها مملوكة لهما فوجب عوض ملكه أما الجاني فليس بمملوك للمجني عليه وانما عليه حق فأشبه ما لو أتلف غريمه، فعلى هذا يرجع ورثة الجاني على قاتله بدية مورثهم إلا قدر حقه منها، فعلى هذا لو كان الجاني أقل دية من قاتله مثل امرأة قتلت رجلاً له ابنان قتلها أحدهما بغير إذن الآخر فللآخر نصف دية أبيه في تركة المرأة التي قتلته ويرجع ورثتها بنصف ديتها على قاتلها وهو ربع دية الرجل وعلى الوجه الأول يرجع الابن الذي لم يقتل على أخيه بنصف دية المرأة لأنه لم يفوت على أخيه إلا نصف

مسألة وعليه لشركائه حقهم من الدية ويسقط عن الجاني في أحد الوجهين وفي الآخر لهم ذلك في تركة الجاني

المرأة ولا يمكن أن يرجع على ورثة المرأة بشئ لأن أخاه الذي قتلها أتلف جميع الحق، وهذا يدل على ضعف هذا الوجه، ومن فوائده أيضاً صحة إبراء من حكمنا بالرجوع عليه وملك مطالبته وإن قلنا يرجع على ورثة الجاني صح ابراؤهم وملكوا الرجوع على قاتل موروثهم بقسط أخيه العافي وإن قلنا يرجع على شريكه ملك مطالبته وصح ابراؤهم ولم يكن لورثة الجاني مطالبته بشئ (ومنها) أننا إذا قلنا يرجع على تركة الجاني وله تركة فله الاخذ منها سواء أمكن ورثته أن يستوفوا من الشريك أو لم يمكنهم وإن قلنا يرجع على شريكه لم يكن له مطالبته ورثة الجاني سواء كان شريكه موسراً أو معسراً (فصل) وان عفا سقط القصاص وإن كان العافي زوجاً أو زوجة، أجمع أهل العلم على إجازة العفو عن القصاص وأنه أفضل لما نذكره. والقصاص حق لجميع الورثة من ذوي الأنساب والأسباب الرجال والنساء والصغار والكبار فمن عفا منهم صح عفوه وسقط القصاص ولم يكن لأحد عليه سبيل وهذا قول أكثر أهل العلم منهم عطاء والنخعي والحكم وحماد والثوري وأبو حنيفة والشافعي وروي معنى ذلك عن عمر وطاوس والشعبي وقال الحسن وقتادة والزهري وابن شبرمة والليث والاوزاعي ليس للنساء عفو والمشهور عن مالك أنه موروث للعصبات خاصة وهو وجه لأصحاب الشافعي لأنه ثبت لدفع النار فاختص به العصبات كولاية النكاح ولهم وجه ثالث أنه لذوي الأنساب دون الزوجين لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من قتل له قتيل فأهله بين خيرتين بين أن يقتلوا أو يأخذوا العقل "

وأهله ذوو رحمة وذهب بعض أهل المدينة إلى أن القصاص لا يسقط بعفو بعض الشركاء وقيل هو رواية عن مالك لأن حق غير العافي لم يرض باسقاطه وقد تؤخذ النفس ببعض النفس بدليل قتل الجماعة بالواحد ولنا عموم قوله عليه الصلاة والسلام " فأهله بين خيرتين " وهذا عام في جميع أهله والمرأة من أهله بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم " من يعذرني من رجل بلغ أذاه في أهلي وما علمت على أهلي إلا خيراً وما كان يدخل على أهلي إلا معي " يريد عائشة وقال له أسامة يا رسول الله أهلك ولا نعلم إلا خيراً وروى زيد بن وهب أن عمر اتى برجل قتل قتيلاً فجاء ورثة المقتول ليقتلوه فقالت امرأة المقتول وهي أخت القاتل قد عفوت عن حقي فقال عمر الله أكبر عتق القتيل رواه أبو داود، وفي رواية عن زيد قال دخل رجل على امرأته فوجد عندها رجلاً فقتلها فقال بعض إخوتها قد تصدقت فقضى لسائرهم بالدية وروى قتادة أن عمر رفع إليه رجل قتل رجلاً فجاء أولاد المقتول وقد عفا بعضهم فقال عمر لابن مسعود ما تقول؟ فقال إنه قد أحرز من القتل فضرب على كتفه فقال كتيف ملئ علماً، والدليل على أن القصاص لجميع الورثة ما ذكرناه في مسألة القصاص بين الصغير والكبير ولأن من ورث الدية ورث القصاص كالعصبة وإذا عفا بعضهم صح عفوه كعفوه عن سائر حقوقه، وزوال الزوجية لا يمنع استحقاق القصاص كما لو يمنع استحقاق الدية وسائر حقوقه الموروثة، ومتى ثبت أنه حق مشترك بين جميعهم سقط بإسقاط من كان من أهل الإسقاط

منهم لأن حقه منه له فينفذ تصرفه فيه فإذا سقط سقط جميعه لأنه مما لا يتبعض كالطلاق والعتقاق ولأن القصاص حق مشترك بينهم لا يتبعض مبناه على الدور والإسقاط فإذا اسقط بعضهم سرى إلى الباقي كالعتق، والمرأة أحد المستحقين فسقط بإسقاطها كالرجل، ومتى عفا أحدهم فللباقين حقهم من الدية سواء عفا مطلقاً أو إلى الدية وبه قال أبو حنيفة والشافعي ولا نعلم لهم مخالفا ممن قال بسقوط القصاص وذلك لأن حقه من القصاص سقط بغير رضاه فيثبت له البدل كما لو ورث القاتل بعض دمه أو مات ولما ذكرنا من خبر عمر رضي الله عنه (مسألة) (وإن قتله الباقون عالمين بالعفو وسقوط القصاص به فعليهم القود وإلا فلا قود وعليهم ديته) وجملة ذلك أنه إذا قتله الشريك الذي لم يعف عالماً بعفو شريكه وسقوط القصاص به فعليه القصاص سواء حكم به الحاكم أو لم يحكم وبهذا قال أبو حنيفة وأبو ثور وهو الظاهر من مذهب الشافعي وقيل له قول آخر لا يجب القصاص لأن فيه شبهة لوقوع الخلاف فيه. ولنا أنه قتل معصوماً مكافئاً له عمداً يعلم أن لا حق له فيه فوجب عليه القصاص كما لو حكم بالعفو حاكم والاختلاف لا يسقط القصاص فإنه لو قتل مسلماً بكافر قتلناه به مع الاختلاف في قتله، فأما إن قتله قبل العلم بالعفو فلا قصاص عليه وبه قال أبو حنيفة وقال الشافعي في أحد قوليه عليه القصاص

مسألة وإن قتله الباقون عالمين بالعفو وسقوط القصاص به فعليهم القود وإلا فلا قود وعليهم ديته

لأنه قتل عمد عدوان لمن لا حق له في قتله ولنا أنه معتقد ثبوت حق فيه مع أن الأصل بقاؤه فلم يلزمه قصاص كالوكيل إذا قتل بعد عفو الموكل قبل علمه بعفوه، ولا فرق بين أن يكون الحاكم قد حكم بالعفو أو لم يحكم به لأن الشبهة موجودة مع انتفاء العلم معدومة عند وجوده، وقال الشافعي متى قتله بعد حكم الحاكم لزمه القصاص علم بالعفو أو لم يعلم وقد بينا الفرق بينهما، ومتى حكمنا عليه بوجوب الدية إما لكونه معذوراً وإما للعفو عن القصاص فإنه يسقط عنه منها ما قابل حقه على القاتل قصاصاً ويجب عليه الباقي، فإن كان الولي عفا إلى غير مال فالواجب لورثة القاتل ولا شئ عليه وإن كان عفا إلى الدية فالواجب لورثة القاتل وعليهم نصيب العافي من الدية وقيل فيه إن حق العافي من الدية على القاتل ولا يصح لأن الحق لم يبق متعلقاً بعينه وإنما الدية واجبة في ذمته فلم تنقل إلى القاتل كما لو قتل غريمه (مسألة) (وسواء كان الجميع حاضرين أو بعضهم غائب لما ذكرناه) (فصل) فإن كان القاتل هو العافي فعليه القصاص سواء عفا مطلقاً أو إلى مال وبهذا قال عكرمة والثوري ومالك والشافعي وابن المنذر وروي عن الحسن تؤخذ منه الدية ولا يقتل وقال عمر بن عبد العزيز الحكم فيه إلى السلطان ولنا قوله تعالى (فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم) قال ابن عباس وعطاء والحسن وقتادته في

مسألة وسواء كان الجميع حاضرين أو بعضهم غائب لما ذكرناه

تفسيرها أي بعد أخذه الدية وعن الحسن عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا أعفي من قتل بعد أخذه الدية " ولأنه قتل معصوماً مكافئاً فوجب عليه القصاص كما لو لم يكن قتل (فصل) وإذا عفا عن القاتل مطلقاً صح ولم يلزمه عقوبة وبهذا قال الشافعي وإسحاق وابن المنذر وأبو ثور وقال مالك والليث والاوزاعي يضرب ويحبس سنة ولنا أنه إنما كان عليه حق واحد وقد أسقطه مستحقه فلم يجب عليه شئ آخر كما لو أسقط الدية عن القاتل خطأ (مسألة) (وإن كان بعضهم صغيراً أو مجنوناً فليس للبالغ العاقل استيفاء حتى يصيرا مكلفين في المشهور وعنه له ذلك) وجملة ذلك أن ورثة القتيل إذا كانوا أكثر من واحد لم يجز لبعضهم استيفاء القود إلا بإذن الباقين فإن كان بعضهم غائباً انتظر قدومه ولم يجز للحاضر الاستقلال بالاستيفاء بغير خلاف علمناه وإن كان بعضهم صغيراً أو مجنوناً فظاهر مذهب أحمد أنه ليس لغيرهما الاستيفاء حتى يبلغ الصغير ويفيق المجنون وبه قال ابن شبرمة وابن أبي ليلى والشافعي وأبو يوسف واسحاق ويروى ذلك عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله، وعن أحمد رواية أخرى للكبار والعقلاء استيفاؤه وبه قال حماد ومالك والاوزاعي والليث وابو حنيفة لأن الحسن بن علي رضي الله عنهما قتل ابن ملجم قصاصاً

مسألة وإن كان بعضهم صغيرا أومجنونا فليس للبالغ العاقل استيفاء حتى يصيرا مكلفين في المشهور وعنه له ذلك

وفي الورثة صغار فلم ينكر ذلك ولان ولاية القصاص هي استحقاق استيفائه وليس للصغير هذه الولاية ولنا أنه قصاص غير متحتم ثبت لجماعة معينين فلم يجز لأحدهم استيفاؤه استقلالاً كما لو كان لحاضر وغائب ولأنه أحد بدلي النفس فلم ينفرد به بعضهم كالدية والدليل على أن للصغير والمجنون فيه حقاً اربعة أمور (أحدهما) أنه لو كان منفرداً لاستحقه ولو نافاه الصغر مع غيره لنافاه منفرداً كولاية النكاح (الثاني) أنه لو بلغ لاستحق ولو لم يكن مستحقاً عند الموت لم يكن مستحقاً بعده كالرقيق إذا أعتق بعد موت أبيه (الثالث) أنه لو صار الأمر الى المال لاستحق ولو لم يكن مستحقاً للقصاص لما استحق بدله كالأجنبي (الرابع) أنه لو مات الصغير لاستحق ورثته ولو لم يكن حقاً له لم يرثه كسائر ما لا يستحقه وأما ابن ملجم فقد قيل إنه قتله لكفره لأنه قتل علياً مستحلاً لدمه معتقداً كفره متقرباً إلى الله تعالى بذلك وقيل قتله لسعيه في الارض بالفساد وإظهار السلاح فيكون كقاطع الطريق إذا قتله وقتله متحتم وهو إلى الإمام والحسن هو الإمام ولذلك لم ينتظر الغائبين من الورثة ولا خلاف بيننا في وجوب انتظارهم وإن قدرنا أنه قتله قصاصاً فقد اتفقنا على خلافه فكيف يحتج به بعضنا على بعض؟ (مسألة) (وكل من ورث المال ورث القصاص على حسب ميراثه من المال حتى الزوجين وذوي الأرحام) لأنه حق يستحقه الوارث من جهة مورثه فأشبه المال

(مسألة) (ومن لا وارث له وليه الإمام إن شاء اقتص وإن شاء عفا فله أن يفعل من ذلك ما يرى فيه المصلحة للمسلمين فإن أحب القصاص فله ذلك وإن أحب العفو إلى مال فله ذلك وان أحب العفو إلى غير مال لم يملكه لأن ذلك للمسلمين ولا حظ لهم في هذا، وهذا قول أصحاب الرأي لأنهم لا يرون العفو إلى مال الا برضى الجاني (فصل) وإذا اشترك جماعة في قتل واحد فعفي عنهم إلى الدية فعليهم دية واحدة وإن عفي عن بعضهم فعلى العفو عنه قسطه من الدية لأن الدية بدل المحل وهو واحد فتكون ديته واحدة سواء أتلفه واحد أو جماعة وقال ابن أبي موسى فيه رواية أخرى أن على كل واحد دية كاملة لأن له قتل كل واحد منهم فكان على كل واحد منهم دية نفس كاملة كما لو قلع الأعور عين صحيح فانه يجب عليه دية عينه وهو دية كاملة والصحيح الأول لأن الواجب بدل المتلف ولا يختلف باختلاف المتلف ولذلك لو قتل عبد قيمته الفان حرا لم يملك العفو على أكثر من الدية وأما القصاص فهو عقوبة على الفعل فيتعدد بعدده (فصل) قال الشيخ رحمه الله (الثالث) أن يؤمن في الاستيفاء التعدي إلى غير القاتل فلو وجب القصاص على حامل أو حملت بعد وجوبه لم تقتل حتى تضع الولد وتسقيه اللبن لا نعلم في ذلك خلافاً وسواء كان القصاص في النفس أو في الطرف أما في النفس فلقول الله تعالى (فلا يسرف في القتل) وقتل

مسألة وكل من ورث المال ورث القصاص على حسب ميراثه من المال حتى الزوجين وذوي الأرحام

الحامل قتل لغير الحامل اسرافا وروى ابن ماجة باسناده عن عبد الرحمن بن غنم قال حدثنا نساء ومعاذ بن جبل وأبو عبيدة بن الجراح وعبادة بن الصامت وشداد بن أوس قالوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إذا قتلت المرأة عمداً لم تقتل حتى تضع ما في بطنها إن كانت حاملاً وحتى تكفل ولدها وإن زنت لم ترجم حتى تضع ما في بطنها وحتى تكفل ولدها " وهذا نص ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للغامدية المقرة بالزنا " ارجعي حتى تضعن ما في بطنك - ثم قال لها - ارجعي حتى ترضيعه " ولأن هذا إجماع من أهل العلم لا نعلم فيه اختلافا وأما لا قصاص في الطرف فلا لنا منعنا الاستيفاء فيه خشية السراية إلى الجاني وإلى زيادة في حقه فلأن تمنع منه خشية السراية إلى غير الجاني وتفويت نفس معصومة أولى وأحرى ولان في القصاص منها قتلاً لغير الجاني وهو حرام وإذا وضعت لم تقتل حتى تسقي الولد اللبن لأن الولد يتضرر لتركه ضرراً كبيراً ثم إن لم يكن للولد من يرضعه لم يجز قتلها حتى يجئ أو ان فطامه لما ذكرنا من الخبرين ولأنه لما أخر الاستيفاء لحفظه وهو حمل فلأن يؤخر لحفظه بعد وضعه أولى إلا أن يكون القصاص فيما دون النفس ويكون الغالب بقاؤها وعدم ضرر الاستيفاء منها فيستوفى وإن وجد له مرضعة راتبة جاز الاستيفاء منها لأنه يستغني عنها بلبن المرضعة وكذلك إن كانت مترددة أو نساء يتناوبنه يرضعنه أو أمكن أن يسقى من لبن شاة أو نحوها ويستحب للولي تأخيرها لما على الولد من الضرر في اختلاف اللبن عليه وشرب لبن البهيمة

(مسألة) (وحكم الحد في ذلك حكم القصاص لما ذكرنا من الحديث ولأنه في معنى القصاص (مسألة) وإن ادعت الحمل ففيه وجهان (أحدهما) تحبس حتى يبين حملها لأن للحمل امارات خفية تعلمها من نفسها ولا يعلمها غيرها فوجب أن يحتاط للحمل حتى يتبين انتفاء ما ادعته ولأنه امر يختصها فقبل قولها فيه كالحيض (والثاني) أنها ترى أهل الخبرة ذكره القاضي فان شهدن بحملها أخرت وان شهدن ببراءتها لم تؤخر لأن الحق حال عليها فلا يؤخر بمجرد دعواها فإن أشكل على القوابل أو لم يوجد من يعرف ذلك أخرت حتى يتبين لأننا إذا أسقطنا القصاص من خوف الزيادة فتأخيره أولى (مسألة) (وإن اقتص من حامل وجب ضمان جنبيها على قاتلها) وقال أبو الخطاب يجب على السلطان الذي مكنه من الاستيفاء وعليهما الإثم إن كانا عالمين أو كان منهما تفريط وإن علم أحدهما أو فرط فالإثم عليه فإن لم تلق الولد فلا ضمان فيه لأنا لا نعلم وجوده وحياته وإن انفصل ميتاً أو حياً لوقت لا يعيش فيه مثله ففيه غرة وإن انفصل حياً لوقت يعيش مثله فيه ثم مات من الجناية وجبت ديته وينظر فإن كان الإمام والولي عالمين بالحمل وتحريم الاستيفاء أو جاهلين بالأمرين أو بأحدهما أو كان الولي عالماً بذلك دون الممكن له من الاستيفاء فالضمان عليه وحده لأنه مباشر والحاكم الذي مكنه صاحب سبب فكان الضمان على المباشر دون المسيب كالحافر مع الدافع

مسألة وإن اقتص من حامل وجب ضمان حنايتها على قاتلها

فإن علم الحاكم دون الولي فالضمان على الحاكم وحده لأن المباشر معذور فكان الضمان على المسبب كالسيد إذا امر عبده الأعجمي الذي لا يعرف تحريم القتل به وكشهود القصاص إذا ارجعوا عن الشهادة بعد الاستيفاء وقال القاضي إن كان أحدهما عالماً وحده فالضمان عليه وحده وإن كانا غير عالمين فالضمان على الحاكم لأنه الذي يعرف الأحكام والولي إنما يرجع إلى حكمه واجتهاده وإن كانا جاهلين ففيه وجهان (أحدهما) الضمان على الإمام كما لو كانا عالمين (والثاني) على الولي وهو مذهب الشافعي وقال أبو الخطاب الضمان على الحاكم ولم يفرق وقال المزني الضمان على الولي في كل حال لأنه المباشر والسبب غير ملجئ فكان الضمان عليه كالدافع مع الحافر وكما لو أمر من يعلم تحريم القتل به فقتل وقد ذكرنا ما يقتضي التفريق وهو اختيار شيخنا (فصل) قال الشيخ رحمه الله ولا يستوفي القصاص إلا بحضرة السلطان وحكاه عن أبي بكر وهو مذهب الشافعي لأنه أمر يفتقر إلى الاجتهاد ويحرم الحيف فيه فلا يؤمن الحيف مع قصد التشفي فإن استوفاه من غير حضرة السلطان وقع الموقع ويعزر لافتياته بفعل ما منع فعله ويحتمل أن يجوز الاستيفاء بغير حضور السلطان إذا كان القصاص في النفس لأن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم برجل يقوده بنسعة فقال أن هذا قتل أخي فاعترف بقتله فقال النبي صلى الله عليه وسلم " اذهب فاقتله " رواه مسلم بمعناه ولان اشتراط حضور السلطان لا يثبت إلا بنص أو إجماع أو قياس ولم يثبت ذلك ويستحب أن يحضر شاهدين لئلا يجحد المجني عليه الاستيفاء (مسألة) (وعليه تفقد الآلة فإن كانت كالة منعه الاستيفاء بها لئلا يعذب المقتول) وقد روى شداد بن أوس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إن الله كتب الاحسان على كل شئ

مسألة وعليه تفقد الآلة فإن كانت كالة منعه الاستيفاء بها لئلا يعذب المقتول

فاذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فاحسنوا الذبحة ليحد أحدكم شفرته وليرح ذبحته " رواه مسلم ويمنعه من الاستيفاء بآلة مسمومة لأنها تفسد البدن وربما منعت غسله فإن عجل فاستوفى بآلة كالة أو مسمومة عزر لفعله ما لا يجوز (مسألة) (وبنظر السلطان في الولي فان كان يحسن الاستيفاء ويقدر عليه بالقوة والمعرفة مكنه منه) لقول الله تعالى (ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل) وقال عليه الصلاة والسلام " من قتل له قتيل فأهله بين خيرتين إن أحبوا قتلوا وإن أحبوا أخذوا الدية " ولأنه حق له متميز فكان له استيفاؤه بنفسه إذا أمكنه كسائر الحقوق ولأن المقصود التشفي وتمكينه منه أبلغ في ذلك (مسألة) (وإن كان الولي لا يحسن الاستيفاء أمره بالتوكيل) لأنه عاجز عن استيفاء حقه فيوكل من يحسن فإن ادعى الولي المعرفة بالاستيفاء فأمكنه السلطان من ضرب عنقه فضرب عنقه فأبانه فقد استوفى حقه وإن أصاب غيره وأقر بتعمد ذلك عزر فإن قال أخطأت وكانت الضربة قريباً من العنق كالرأس والمنكب قبل قوله مع يمينه لأن هذا مما يجوز الخطأ في مثله وإن كان بعيداً كالوسط والرجلين لم يقبل قوله لأن مثل هذا لا يقع الخطأ فيه ثم إن أراد العود ففيه وجهان (أحدهما) لا يمكن منه لأنه ظهر منه أنه لا يحسن الاستيفاء ويحتمل إن يعود إلى مثل فعله (والثاني) يمكن منه قاله القاضي لأن الظاهر تحرزه عن مثل ذلك ثانياً

مسألة وينظر السلطان في الولي فإن كان يحسن الاستيفاء ويقدر عليه بالقوة والمعرفة مكنه منه

(مسألة) (فإن احتاج الوكيل إلى أجرة فمن مال الجاني فقد قيل يؤخذ العوض من بيت المال) قال بعض أصحابنا يرزق من بيت المال رجل يستوفي الحدود والقصاص لأن هذا من مصالح العامة فان لم يحصل ذلك فالأجرة على الجاني لأنها أجرة لايفاء الحق الذي عليه فكانت الأجرة عليه كأجرة الكيال في بيع المكيل ويحتمل أن تكون على المقتص لأنه وكيله فكانت الأجرة على موكله كسائر الموضع والذي على الجاني لتمكين دون الفعل ولهذا لو أراد ان يقتص منه نفس لم يمكن منه ولأنه لو كانت عليه أجرة الوكيل الزمته أجرة الولي إذا استوفى بنفسه وإن قال الجاني أنا أقتص لك من نفسي لم يلزم تمكينه ولم يجز له ذلك قال الله تعالى (ولا تقتلوا أنفسكم) ولأن معنى القصاص أن يفعل به كما فعل ولأن القصاص حق عليه لغيره فلم يكن هو المستوفي له كالبائع لا يستوفى من نفسه (مسألة) (والولي مخير بين الاستيفاء بنفسه إن كان يحسن وبين التوكيل) لأن الحق له فيتصرف فيه على حسب اختياره كسائر الحقوق وقيل ليس له أن يستوفي في الطرف بنفسه بحال لأنه لا يؤمن أن يجني عليه بما لا يمكن تلافيه وقال القاضي ظاهر كلام أحمد أنه يمكن منه لأنه أحد نوعي القصاص فيمكن منه كالقصاص في النفس (مسألة) (وإن تشاح أولياء المقتول في الاستيفاء قدم أحدهم بالقرعة) إذا تشاح الأولياء في المتولي للاستيفاء أمروا بتوكيل واحد منهم أو من غيرهم ولم يجز أن يتولاه

مسألة فإن احتاج الوكيل إلى أجرة فمن مال الجاني فقد قيل يؤخذ العوض من بيت المال

جميعهم لما فيه من تعذيب الجاني وتعدد أفعالهم فإن لم يتفقوا على أحد وتشاحوا وكان كل واحد منهم يحسن الاستيفاء اقرع بينهم لأن الحقوق إذا تساوت وعدم الترجيح صرنا إلى القرعة كما لو تشاحوا في تزويج موليتهم فمن خرجت له القرعة أمر الباقون بتوكيله ولا يجوز له الاستيفاء بغير أذنهم فإن لم يتفقوا على التوكيل منعوا الاستيفاء حتى يوكلوا (فصل) قال رحمه الله ولا يستوفي القصاص في النفس إلا بالسيف في إحدى الروايتين والأخرى يفعل به كما فعل فلو قطع يديه ثم قتله فعل به كذلك وإن قتله بحجر أو غرقة أو غير ذلك فعل به مثل فعله وإن قطع يده من مفصل أو غيره أو أوضحه فمات فعل به كفعله فإن مات وإلا ضربت عنقه وقال القاضي يقتل ولا يزاد على ذلك رواية واحدة وجملة ذلك أن الرجل إذا جرح رجلاً ثم ضرب عنقه فالكلام في المسألة في حالين أحدهما أن يختار لمولي القصاص فاختلفت الرواية عن أحمد في كيفية الاستيفاء فروي عنه لا يستوفى إلا بالسيف في العنق وبه قال عطاء والثوري وأبو يوسف ومحمد لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا قود إلا بالسيف " رواه ابن ماجه ولأن القصاص أحد بدلي النفس فدخل الطرف في حكم الجملة كالدية فإنه لو صار الأمر الى الدية لم يجب إلا دية النفس ولأن القصد من القصاص في النفس تعطيل وإتلاف الجملة وقد أمكن هذا بضرب العنق فلا يجوز تعذيبه بإتلاف أطرافه كما لو قتله بسيف كال فانه لا يقتل بمثله (والرواية الثانية) عن أحمد أنه قال إنه لا حل أن يفعل به كما فعل

يعني أن للمستوفي أن يقطع أطرافه ثم يقتله وهذا مذهب عمر بن عبد العزيز ومالك والشافعي وأبي حنيفة وأبي ثور لقول الله تعالى (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به) وقوله سبحانه (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) ولأن النبي صلى الله عليه وسلم رض رأس يهودي لرضه رأس جارية من لا يصار بين حجرين ولأن الله تعالى قال (والعين بالعين) وهذا قد قلع عينه فيجب أن يقلع عينه للآية وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من حرق حرقناه ومن غرق غرقناه " ولأن القصاص موضوع على المماثلة ولفظه مشعر به فيجب ان يستوفى منه مثل ما فعل كما لو ضرب العنق آخر غيره فأما حديث " لا قود لا بالسيف " فقال أحمد ليس اسناده بجيد (الحال الثاني) أن يصير الأمر الى الدية اما بعفو الولي أو كون الفعل خطأ أو شبه عمد أو غير ذلك فالواجب دية واحد وهو ظاهر مذهب الشافعي وقال بعضهم تجب دية الأطراف المقطوعة ودية النفس لأنه لما قطع سراية الجرح بقتله صار كالمستقر فأشبه ما لو قتله غيره ولنا أنه قاتل قبل استقرار الجرح فدخل أرش الجراحة في أرش النفس كما لو سرت إلى نفسه والقصاص في الأطراف لا يجب على إحدى الروايتين وإن وجب فإن القصاص لا يشبه الدية لأن سراية الجرح لا تسقط القصاص فيه وتسقط ديته

(فصل) وإذا قلنا للولي أن يستوفي مثل ما فعل بوليه فأحب أن يقتصر على ضرب عنقه فله ذلك وهو أفضل وإن قطع أطرافه التي قطعها الجاني أو بعضها ثم عفا عن قتله جاز لأنه تارك بعض حقه وان قطع بعض أطرافه ثم عفا إلى الدية لم يكن له ذلك لأن جميع ما فعل به لم يجب به إلا دية واحدة فلا يجوز أن يستوفي بعضه ويستحق كمال الدية، فإن فعل فله ما بقي من الدية فإن لم يبق منها شئ فلا شئ له وإن قلنا ليس له أن يستوفي إلا بضرب العنق فاستوفى بمثل ما فعل فقد أساء ولا شئ عليه سوى المأثم لأن فعل الجاني في الأطراف لم يوجب شيئاً يختص بها فكذلك فعل المستوفي وإن قطع طرفاً واحداً ثم عفا إلى الدية لم يكن له إلا تمامها وإن قطع ما يجب به أكثر من الدية ثم عفا احتمل أنه يلزمه ما زاد على الدية لأنه لا يستحق أكثر من الدية وقد فعل ما يوجب أكثر منها فكانت الزيادة عليه، واحتمل أن لا يلزمه شئ فإذا ترك قتله وعفا عنه فأولى أن لا يلزمه شئ ولأنه فعل بعض ما فعل موليه فلم يلزمه شئ لأنه لو قتله لم يلزمه شئ كما لو قلنا إن له أن يستوفي مثل ما فعل به (فصل) فإن قطع يديه أو رجليه أو جرحه جرحاً يوجب القصاص إذا انفرد فسرى الى النفس فله القصاص في النفس، وهل له أن يستوفي القطع قبل القتل؟ على روايتين ذكرهما القاضي وبناهما على الروايتين المذكورتين في المسألة (أحدهما) ليس له قطع الطرف وهو مذهب أبي حنيفة، لأن ذلك يفضي إلى الزيادة على جناية الأول والقصاص يعتمد المماثلة فمتى خيف فيه الزيادة سقط كما لو قطع يده

من نصف الذراع (والثانية) يجب القصاص في الطرف فإن مات وإلا ضربت عنقه، وهذا مذهب الشافعي لما ذكرناه في أول المسألة، وذكر أبو الخطاب أنه لا يقتص منه في الطرف رواية واحدة وأنه لا يصح تجرحه على الروايتين في المسألة لافضاء هذا إلى الزيادة بخلاف المسألة، قال شيخنا والصحيح تخريجه على الروايتين وليس هذا بزيادة لأن فوات النفس بسراية فعله وسراية فعله كفعله فأشبه ما لو قطعه ثم قتله، ولأن زيادة الفعل في الصورة محتمل في الاستيفاء كما لو قتله بضربة فلم يمكن قتله في الاستيفاء إلا بضربتين. (فصل) فإن جرحه جرحاً لا قصاص فيه ولا يلزم فوات الحياة به كالجائفة أو قطع اليد من نصف الذراع أو الرجل من نصف الساق فمات منه أو قطع يداً ناقصة الأصابع أو شلاء أو زائدة ويد القاطع أصلية صحيحة فالصحيح في المذهب أنه ليس له فعل ما فعل ولا يقتص إلا بالسيف في العنق ذكره أبو بكر والقاضي، وقال غيرهما فيه رواية أخرى أن له أن يقتص بمثل فعله لأنه صار قتلاً فكان له القصاص بمثل فعله كما لو رض رأسه بحجر فقتله به، والصحيح الأول لأن هذا لو انفرد لم يكن فيه قصاص فلم يجز القصاص فيه مع القتل كما لو قطع يمينه ولم يكن للقاطع يمين لم يكن له أن يقطع يساره، وفارق ما إذا رض رأسه فمات لأن ذلك الفعل قتل مفرد وههنا قطع وقتل والقطع لا يوجب قصاصاً فبقي مجرد القتل فإذا

جمع المستوفي بينهما فقد زاد قطعاً لم يرد الشرع باستيفائه فيكون حراماً وسواء في هذا ما إذا قطع ثم قتل عقيبه وبين ما إذا قطع فسرى الى النفس (فصل) فأما إن قطع اليمنى ولا يمنى للقاطع أو اليد ولا يد له أو قطع العين ولا عين له فمات المجني عليه فإنه يقتل بالسيف في العنق ولا قصاص في طرفه لا أعلم فيه خلافاً، لأن القصاص إنما يكون في مثل العضو المتلف وهو ههنا معدوم ولأن القصاص فعل مثل ما فعل الجاني ولا سبيل إليه ولأنه لو قطع ثم عفا عن القتل لصار مستوفياً رجلاً ممن لم يقطع له مثلها وهذا غير جائز (فصل) وإن قتله بغير السيف مثل أن قتله بحجر أو هدم أو تغريق أو خنق فهل يستوفى القصاص بمثل ما فعله على روايتين (إحدهما) يستوفى وهو قول مالك والشافعي (والثانية) لا يستوفى إلا بالسيف في العنق، وهو مذهب أبي حنيفة فيما إذا قتله بمثقل الحديد على إحدى الروايتين عنده أو جرحه فمات ووجه الروايتين ما تقدم في أول المسألة ولأن هذا لا يؤمن معه الزيادة على ما فعله القاتل فلا يجب القصاص بمثل آلته كما لو قطع الطرف بآلة كالة أو مسمومة أو بالسيف فانه لا يستوفى بمثله ولأن هذا لا يقتل به المرتد فلا يستوفى به القصاص كما لو قتله بتجريع الخمر أو السحر ولا تفريع على هذه الرواية، فأما على الرواية الأخرى فإنه إذا فعل به مثل فعله فلم يمت قتله بالسيف، وهذا أحد قولي الشافعي (والقول الثاني) أنه يكرر عليه ذلك الفعل حتى يموت به لأنه قتله بذلك فله قتله بمثله

ولنا أنه قد فعل به مثل فعله فلم يزد عليه كما لو جرحه جرحاً أو قطع منه طرفاً فاستوفى منه الولي مثله فلم يمت به فإنه لا يكرر عليه الجرح بغير خلاف ويعدل إلى ضرب عنقه (مسألة) (فان قتله بمحرم في نفسه كتجريع الخمر واللواط ونحوه قتل بالسيف رواية واحدة) إذا قتله بما يحرم لعينه كتجريع الخمر واللواط أو سحره لم يقتل بمثله اتفاقاً ويقتل بالسيف، وحكى أصحاب الشافعي فيمن قتله باللواط وتجريع الخمر وجهاً أنه يدخل في دبره خشبة يقتله بها ويجرعه الماء حتى يموت ولنا أن هذا محرم لعينه فوجب العدول عنه إلى القتل بالسيف كما لو قتله بالسحر وإن حرقه فقال بعض أصحابنا لا يحرق لأن التحريق محرم لحق الله تعالى لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا يعذب بالنار إلا رب النار " وهذا داخل في عموم الخبر وهذا مذهب أبي حنيفة وقال القاضي الصحيح أن فيه روايتين كالتغريق (إحداهما) يحرق وهو مذهب الشافعي لما روى البراء بن عازب قال من حرق حرقناه ومن غرق غرقناه وحملوا الحديث الأول على غير القصاص (مسألة) (ولا يجوز الزيادة على ما أتى به رواية واحدة ولا قطع شئ من أطرافه فإن فعل فلا قصاص فيه وتجب فيه ديته سواء عفا عنه أو قتله) إذا زاد مستوفي القصاص في النفس على حقه مثل أن يقتل وليه فيقطع المقتص أطرافه أو بعضها

مسألة فإن قتله بمحرم في نفسه كتجريع الخمر واللواط ونحوه قتل بالسيف رواية واحدة

نظرنا فإن عفا عنه بعد قطع طرفه فعليه ضمان ما أتلف بديته وبهذا قال أبو حنيفة، وقال مالك والشافعي وابن المنذر وأبو يوسف ومحمد لا ضمان عليه ولكن قد أساء ويعزر وسواء عفا عن القاتل أو قتله لأنه قطع طرفاً من جملة استحق اتلافها فلم يضمنه كما لو قطع اصبعاً من يد استحق قطعها ولنا أنه قطع طرفا له قيمة حال القطع بغير حق فوجب عليه ضمانة كما لو عفا عنه ثم قطعه أو كما لو قطعه أجنبي، فأما إن قطعه ثم قتله احتمل أن يضمنه أيضاً لأنه يضمنه إذا عفا عنه فكذلك إذا لم يعف لأن العفو إحسان فلا يكون موجباً للضمان واحتمل أن لا يضمنه وهو قول أبي حنيفة لأنه لو قطع متعدياً ثم قتل لم يضمن الطرف فلأن لا يضمنه إذا كان القتل مستحقاً أولى، فأما القصاص فلا يجب في الطرف بحال ولا نعلم فيه خلافا، لأن القصاص عقوبة تدرأ بالشبهات والشبهة ههنا متحققة لأنه مستحق لاتلاف هذا الطرف ضمناً لاستحقاقه اتلاف الجملة ولا يلزم من سقوط القصاص ان لا تجب الدية بدليل امتناعه لعدم المكافأة، فأما إن كان الجاني قطع طرفه ثم قتله فاستوفى منه بمثل فعله فقد ذكرناه فيما مضى وإن قطع طرفاً غير الذي قطعه الجاني كان الجاني قطع يده فقطع المستوفي رجله احتمل أن يكون بمنزلة ما لو قطع يده لاستواء ديتهما واحتمل أن تلزمه دية الرجل لأن الجاني لم يقطعها فأشبه ما لو لم يقطع يده. (فصل) فأما إن كانت الزيادة في الاستيفاء من الطرف مثل أن يستحق قطع أصبع فقطع اثنتين

فحكمه حكم القاطع ابتداء إن كان عمداً من مفصل أو شجه يجب في مثلها القصاص فعليه القصاص في الزيادة وإن كان خطأ أو جرحاً لا يوجب القصاص مثل من يستحق موضحة فاستوفى هاشمة فعليه أرش الزيادة إلا أن يكون ذلك بسبب من الجاني كاضطرابه حال الاستيفاء فلا شئ على المقتص لأنه حصل بفعل الجاني، قال اختلفا هل فعله عمداً أو خطأ؟ فالقول قول المختص مع يمينه لأن هذا مما لا يمكن الخطأ فيه وهو أعلم بمقصده، وإن قال المقتص حصل هذا باضطرابك أو فعل من جهتك فالقول قول المقتص منه لأنه منكر فإن سرى الاستيفاء الذي حصلت فيه الزيادة إلى نفس المقتص منه أو الى بعض أعضائه مثل ان قطع اصبعه فسرى الى جميع يده أو اقتص منه بآلة كالة أو مسمومة أو في حال حر مفرط أو برد شديد فسرى فقال القاضي على المقتص نصف الدية لأنه تلف بفعلين جائز ومحرم ومضمون وغير مضمون فانقسم الواجب عليها نصفين كما لو جرحه جرحاً في ردته وجرحاً بعد إسلامه فمات منهما وهذا كله مذهب الشافعي. قال شيخنا: ويحتمل أن يلزمه ضمان السراية كلها فيما إذا اقتص بآلة مسمومة أو كالة لأن الفعل كله محرم بخلاف قطع الأصبعين (فصل) فأما إن قطع بعض أعضائه ثم قتله بعد أن برأت الجراح مثل من قطع يديه ورجليه فبرأت جراحته ثم قتله فقد استقر حكم القطع ولولي القتيل الخيار إن شاء عفا وأخذ ثلاث ديات لنفسه ويديه ورجليه لكل واحد دية وإن شاء قتله قصاصاً بالقتل وأخذ ديتين لأطرافه. وإن أحب قطع اطرافه

الأربعة وأخذ دية لنفسه، وإن أحب قطع يديه وأخذ ديتين لنفسه ورجليه، وإن أحب قطع طرفاً واحداً وأخذ دية الباقي وكذلك سائر فروعها لأن حكم القطع استقر قبل القتل بالاندمال فلم يتغير حكمه بالقتل الحادث بعده كما لو قتله أجنبي ولا نعلم خلافاً في هذا (فصل) فان اختلف الجاني والولي في اندمال الجرح قبل القتل وكانت المدة بينهما يسيرة لا يحتمل اندماله في مثلها فالقول قول الجاني بغير يمين، وإن اختلفا في مضي المدة فالقول قول الجاني مع يمينه لأن الأصل عدم مضيها، وان كانت المدة مما يحتمل البرء فيها فالقول قول الولي مع يمينه لأنه قد وجد سبب وجوب دية اليدين بقطعهما والجاني يدعي سقوط ديتهما بالقتل والأصل عدم ذلك، فإن كانت للجاني بينة ببقاء المجني عليه ضمناً حتى قتله حكم له ببينته، وإن كانت للولي ببرئه حكم له أيضاً فإن تعارضتا قدمت بينة الولي لأنها مثبتة للبرء ويحتمل أن يكون القول قول الجاني إذا لم يكن لهما بينة لأن الأصل بقاء الجراحة وعدم اندمالها، وإن قطع أطرافه فمات واختلفا هل برأ قبل الموت أو مات بسراية الجرح أو قال الولي إنه مات بسبب آخر كأن لدغ أو ذبح نفسه أو ذبحه غيره فالحكم فيما إذا مات بغير سبب كالحكم فيما إذا قتله سواء، وأما إذا مات بقتل أو سبب آخر ففيه وجهان (أحدهما) تقديم قول الجاني لأن الظاهر ابقاء الجناية والأصل عدم سبب آخر فيكون الظاهر معه (والثاني) القول قول ولي الجناية لأن الأصل بقاء الديتين اللتين وجد سببهما حتى يوجد ما يزيلهما

فإن كانت دعواهما بالعكس فقال الولي مات من سراية قطعك فعليك القصاص في النفس فقال الجاني بل اندملت جراحته قبل موته أو ادعى موته بسبب آخر فالقول قول الولي مع يمينه لأن الجرح سبب للموت وقد تحقق والأصل عدم الاندمال وعدم سبب آخر يحصل الزهوق به وسواء كان الجرح مما يجب به القصاص في الطرف كقطع اليد من مفصل أو لا يوجبه كالجائفة والقطع من غير مفصل وهذا كله مذهب الشافعي (فصل) فإن قتل واحد جماعة فرضوا بقتله قتل لهم ولا شئ لهم سواه وجملة ذلك أنه إذا قتل واحد اثنين أو أكثر فاتفق أولياؤهم على قتله بهم قتل لهم لأن الحق لهم وقد رضوا به ولا شئ لهم سواه لأن الحق لا يتسع لأكثر من واحد فإن أراد أحدهم القود والآخرون الدية قتل لمن اختار القود وأعطي الباقون دية قتلاهم من مال القاتل سواء كان المختار للقود الأول أو الثاني أو من بعده وسواء قتلهم دفعة واحدة أو دفعتين أو دفعات فإن بادر أحدهم فقتله وجب للباقين دية قتلاهم في ماله أيهم كان وقال أبو حنيفة ومالك يقتل بالجماعة وليس لهم إلا ذلك فإن طلب بعضهم الدية فليس له وإن بادر أحدهم فقتله سقط حق الباقين لأن الجماعة لو قتلوا واحداً قتلوا به فكذلك إذا قتلهم واحد قتل بهم كالواحد بالواحد وقال الشافعي لا يقتل إلا بواحد سواء

اتفقوا على الطلب للقصاص أو لم يتفقوا لأنه إذا كان لكل واحد استيفاء القصاص فاشتراكهم في المطالبة لا يوجب تداخل حقوقهم كسائر الحقوق ولنا على أبي حنيفة قول النبي صلى الله عليه وسلم " فمن قتل له قتيل فأهله بين خيرتين إن أحبوا قتلوا وإن أحبوا أخذوا العقد " فظاهر هذا أن أهل كل قتيل يستحقون ما اختاروه من القتل أو الدية فإذا اتفقوا على القتل وجب لهم وإن اختار بعضهم الدية وجبت له بظاهر الخبر ولا نهما جنايتان لا تتداخلان إذا كانتا خطأ أو إحداهما فلم تتداخل في العمد كالجناية على الأطراف وقد سلموها ولنا على الشافعي أنه محل تعلقت به حقوق لا يتسع لها مع رضى المستحقين به عنها فيكتفى به كما لو قتل عبد عبيدا خطأ فرضي سيدهم بأخذه عنهم ولأنهم رضوا بدون حقهم فجاز كما لو رضي صاحب الصحيحة بالشلاء وولي الحر بالعبد والمسلم بالكافر وفارق ما إذا كان القتل خطأ فإن أرش الجناية يجب في الذمة والذمة تتسع لحقوق كثيرة وما ذكره أبو حنيفة ومالك فلا يصح لأن الجماعة إنما قتلوا بالواحد لئلا يؤدي الاشتراك إلى إسقاط القصاص تغليظاً للقصاص ومبالغة في الزجر وفي مسئلتنا ينعكس هذا فإنه إذا علم أن القصاص واجب عليه بقتل واحد ولا يزاد بقتل الثاني والثالث بادر إلى قتل من يريد قتله فيصير هذا كإسقاط القصاص عنه ابتداء مع الدية (مسألة) (وإن تشاحوا فيمن يقتله منهم على الكمال اقيد للأول)

مسألة وإن تشاحوا فيمن يقتله منهم على الكمال اقيد للأول

لأن حقه أسبق ولأن المحل صار مستحقاً له بالقتل الاول فان عفى ولي الأول فلولي الثاني قتله وإن طالب ولي الثاني قبل طلب الأول بعث الحاكم إلى ولي الأول فأعلمه، وإن بادر الثاني فقتله فقد أساء وسقط حق الأول إلى الدية فإن كان ولي الأول غائباً أو صغيراً أو مجنوناً انتظر، وإن عفى أولياء الجميع إلى الديات فلهم ذلك فإن قتلهم دفعة واحدة وتشاحوا في المستوفي أقرع بينهم فيقدم من تقع له القرعة لتساوي حقوقهم فإن بادر غيره فقتله استوفى حقه وسقط حق الباقين إلى الدية فإن قتلهم متفرقاً وأشكل الأول وادعى ولي كل واحد أنه الأول ولا بينة لهم فأقر القاتل لأحدهم قدم باقراره وإلا أقرعنا بينهم لاستواء حقوقهم. (مسألة) (وان قتل وقطع طرفاً قطع طرفه أولاً ثم قتل لولي المقتول سواء تقدم القتل أو تأخر) وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وقال مالك يقتل ولا يقطع لأنه إذا قتل تلف الطرف فلا فائدة في القطع فأشبه ما لو كان لواحد ولنا أنهما جنايتان على رجلين فلم تداخلا كقطع يدي رجلين وما ذكره من القياس لا يصح فإنه قد قال لو قطع يد رجل ثم قتله يقصد المثلة به قطع ونحن نوافقه على هذا في رواية فقد حصل الإجماع منا ومنه على التفاء التداخل في الأصل فكيف نقيس عليه؟ ولكنه ينقلب دليلاً عليه فنقول قطع وقتل فيستوفي منه مثل ما فعل كما لو فعله برجل واحد يقصد المثلة ويثبت الحكم في محل

مسألة وإن قتل وقطع طرفا قطع طرفه أولا ثم قتل لولي المقتول سواء تقدم القتل أو تأخر

النزاع بطريق التنبيه فإنه إذا لم يتداخل حق الواحد فحق الإثنين أولى ويبطل بهذا فانه ما فانه من المعنى (فصل) فأما إن قطع يد رجل ثم قتل آخر ثم سرى القطع إلى نفس المقطوع فمات فهو قاتل لهما فإذا تشاحنا في المستوفي لقتل قتل بالذي قتله لأن وجوب القتل عليه به أسبق فإن القتل بالذي قطعه إنما وجب عند السراية وهي متأخرة عن قتل الآخر وأما القطع فان قلنا انه يستوفى منه مثل ما فعل فإنه يقطع له أولاً ثم يقتل للذي قتله ويجب للأول نصف الدية وإن قلنا لا يستوفى القطع وجبت له الدية كاملة ولم يقطع طرفه ويحتمل أن يجب له القطع على كل حال لأن القطع إنما يدخل في القتل عند استيفاء القتل فإذا تعذر استيفاء القتل وجب استيفاء الطرف لوجود مقتضيه وعدم المانع من استيفائه كما لو لم يسرف (فصل) وإن قطع أصبعا من يمين لرجل ويميناً لآخر وكان قطع الإصبع أسبق قطعت أصبعه قصاصاً وخير الآخر بين العفو إلى الدية وبين القصاص وأخذ دية الأصبع، ذكره القاضي وهو اختيار ابن حامد ومذهب الشافعي لأنه وجد بعض حقه فكان له استيفاء الموجود وأخذ بدل المفقود كمن أتلف مثلياً لرجل فوجد بعض المثل وقال أبو بكر يتخير بين القصاص ولا شئ له معه وبين الدية هذا قياس قوله وهو مذهب أبي حنيفة لأنه لا يجمع في عضو واحد بين قصاص ودية كالنفس، وإن كان قطع اليد سابقاً على قطع الإصبع قطعت يمينه قصاصاً ولصاحب الإصبع أرشها ويفارق هذا ما إذا قتل رجلاً ثم قطع يد آخر حيث قدمنا استيفاء القطع مع تأخره لأن قطع اليد لا يمنع التكافؤ في النفس

بدليل أننا نأخذ كامل الأطراف بناقصها فإن ديتهما واحدة وبعض الإصبع يمنع التكافؤ في اليد بدليل أنا لا نأخذ الكاملة بالناقصة واختلاف ديتهما، وإن عفا صاحب اليد قطعت الاصبع لصاحبها إن اختار قطعها (مسألة) (وان قطع أيدي جماعة فحكمهم حكم القتل على ما ذكرنا من التفصيل والاختلاف) إلا أن أصحاب الراي قالوا إذا قطع يميني رجلين يقاد لهما جميعاً ويغرم لهما دية اليد في ماله نصفين وهذا لا يصح لأنه يفضي إلى إيجاب القود في بعض العضو والدية في بعضه والجمع بين البدل والمبدل في محل واحد ولم يرد الشرع به ولا نظير له يقاس عليه باب العفو عن القصاص أجمع أهل العلم على إجازة العفو عن القصاص وأنه أفضل والأصل في ذلك الكتاب والسنة والإجماع أما الكتاب فقوله تعالى في سياق قوله (كتب عليكم القصاص في القتلى) (فمن عفي له من أخيه شئ فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان) وقال تعالى (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس) الآية إلى قوله (فمن تصدق به فهو كفارة له) قيل في تفسيره فهو كفارة للجاني بعفو صاحب الحق عنه وقيل فهو كفارة للعافي بصدقته. وأما السنة فان أنس بن مالك قال ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع إليه من شئ فيه قصاص إلا أمر

باب العفو عن القصاص

فيه بالعفو رواه أبو داود، وفي حديثه في قصة الربيع بنت النضر حين كسرت سن جارية فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالقصاص فعفا القوم (مسألة) (والواجب بقتل أحد شيئين القصاص أو الدية في ظاهر المذهب والخيرة في ذلك إلى الولي إن شاء اقتص وإن شاء أخذ الدية وإن شاء عفا إلى غير شئ والعفو أفضل لما ذكرنا) اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في موجب العمد فروي عنه أن موجبه القصاص عيناً لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من قتل عمداً فهو قود " ولقوله سبحانه (كتب عليكم القصاص) والمكتوب لا يتخير فيه ولأنه متلف يجب به البدل فكان معينا كسائر أبدال التلفات وبه قال النخعي ومالك وأبو حنيفة، قالوا ليس للأولياء إلا القتل إلا أن يصطلحا على الدية برضي الجاني، والمشهور في المذهب أن الواجب أحد شيئين وأن الخيرة في ذلك الى الولي إن شاء اقتص وإن شاء أخذ الدية وإن شاء قتل البعض إذا كان القاتلون جماعة لأن كل من لهم قتله فلهم العفو عنه كالمنفرد ولا يسقط القصاص عن البعض بعفو البعض لأنهما شخصان فلا يسقط القصاص عن أحدهما بإسقاطه عن الآخر كما لو قتل واحد رجلاً، ومتى اختار الأولياء أخذ الدية من القاتل أو من بعض القتلة فإن لهم هذا متى رضي الجاني وبهذا قال سعيد بن المسيب وابن سيرين وعطاء ومجاهد والشافعي واسحاق وأبو ثور وابن المنذر وهي رواية عن مالك لقول الله تعالى (فمن عفي له من أخيه شئ فاتباع بالمعروف وأداء

إليه بإحسان) قال ابن عباس كان في بني اسرائيل القصاص ولم تكن فيهم الدية فانزل الله تعالى هذه الآية (كتب عليكم القصاص في القتلى) الآية، (فمن عفي له من أخيه شئ فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان) والعفو أن يقبل في العمد الدية فاتباع بالمعروف يتبع الطالب بمعروف ويؤدى اليه المطلوب بإحسان (ذلك تخفيف من ربكم ورحمة) مما كتب على من قبلكم رواه البخاري، وروي أبو هريرة قال قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " من قتل له قتيل فهو بخير النظرين إما أن يودى وإما أن يقاد " متفق عليه. وروى أبو شريح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ثم أنتم يا خزاعة قد قتلتم هذا القتيل " وأنا والله عاقله، فمن قتل بعده قتيلا فأهله بين خيرتين إن أحبوا قتلوا وإن أحبوا أخذوا الدية " رواه أبو داود وغيره ولأن القتل المضمون إذا سقط فيه القصاص من غير ابراء ثبت المال كما لو عفا بعض الورثة ويخالف سائر المتلفات لأن بدلها يجب من جنسها وههنا يجب في الخطأ وعمد الخطأ من غير الجنس فإذا رضي في العمد ببدل الخطأ كان له ذلك لأنه أسقط بعض حقه، ولأن القاتل أمكنه إحياء نفسه ببذل الدية فلزمة وينتقض ما ذكروه بما إذا كان رأس الشاج أصغر أو يد القاطع أنقص فإنهم سلموا فيهما، وأما الخبر الذي ذكروه فالمراد به وجوب القود ونحن نقول به وللشافعي قولان كالروايتين فإذا قلنا موجبه القصاص فله العفو إلى الدية والعفو مطلقاً فإذا عفا مطلقاً لم يجب شئ وهذا ظاهر مذهب الشافعي وقال بعضهم تجب الدية لئلا يطل الدم وليس بشئ لأنه لو عفا عن الدية بعد وجوبها صح عفوه فمتى عفا عن القصاص مطلقاً إلى غير مال لم يجب شئ إذا قلنا الواجب القصاص عيناً، فإن عفا عن الدية لم يصح عفوه لأنها لم تجب وإن قلنا الواجب أحد شيئين لا بعينه فعفا عن

القصاص مطلقاً أو إلى الدية وجبت الدية لأن الواجب غير معين، فإذا ترك أحدهما تعين الآخر وان اختار الدية سقط القصاص ولم يملك طلبه لأن الواجب أحد شيئين فإذا تعين أحدهما سقط الآخر فان اختار القصاص تعين لذلك فإن اختار بعد ذلك العفو إلى الدية فله ذلك ذكره القاضي لأن القصاص أعلى فكان له الانتقال الى الأدنى ويكون بدلاً عن القصاص وليست التي وجبت بالقتل كما قلنا في الرواية الأولى أن الواجب القصاص عيناً وله العفو إلى الدية ويحتمل أنه ليس له ذلك لأنه أسقطها باختياره القود فلم يعد إليها عنه أن الواجب القصاص عيناً وله العفو الى الدية وإن سخط الجاني لما ذكرنا (فصل) إذا جنى عبد على حر جناية موجبة للقصاص فاشتراه المجني عليه بأرش الجناية سقط القصاص لأن عدو له الى الشراء اختيار للمال ولا يصح الشراء لأنهما إن لم يعرفا قدر الأرش فالثمن مجهول وإن عرفا عدد الإبل وأسنانها فصفتها مجهولة والجهل بالصفة كالجهل بالذات في فساد البيع، ولذلك لو باعه شيئاً بحمل جذع غير معروف الصفة لم يصح فإن قدر الأرش بذهب أو فضة فباعه به صح (فصل) ومتى كان القصاص لمجنون أو لصغير لم يجز العفو إلى غير مال للولي لأنه لا يملك اسقاط حقه وقد ذكرناه. (فصل) ويصح عفو المفلس والمحجور عليه لسفه عن القصاص لأنه ليس بمال، وإن أراد المفلس

القصاص لم يكن. لغرمائه إجباره على تركه، وإن أحب العفو عنه الى مال فله ذلك لأن فيه حظاً للغرماء وإن اراد العفو إلى غير مال انبنى على الروايتين إن قلنا إن الواجب القصاص عيناً فله ذلك لأنه لم يثبت له مال يتعلق به حق الغرماء، وإن قلنا الواجب أحد شيئين لم يملكه لأن المال يجب بقوله عفوت عن القصاص فقوله على غير مال إسقاط له بعد وجوبه وتعينه ولا يملك ذلك وهكذا الحكم في السفيه ووارث المفلس، وإن عفا المريض على غير مال فذكر القاضي في موضع أنه يصح سواء خرج من الثلث أو لم يخرج وذكر أن أحمد نص على ذلك وقال في موضع يعتبر خروجه من ثلثه ولعله ينبني على الروايتين في موجب العمد على ما مضى (مسألة) (وإن مات القاتل وجبت الدية في تركته) لأنه تعذر استيفاء القصاص من غير إسقاط فوجبت الدية كقتل غير المكافئ وإن لم يخلف تركه سقط الحق لتعذر استيفائه (مسألة) (وان قطع أصبعا عمداً فعفا عنه ثم سرت إلى الكف أو النفس وكان العفو على مال فله تمام الدية وإن عفا على غير مال فلا شئ له على ظاهر كلامه ويحتمل أن له تمام الدية وإن عفا مطلقاً انبنى على الروايتين في موجب العمد)

مسألة وإن مات القاتل وجبت الدية في تركته

وجملة ذلك أنه إذا جنى على إنسان فيما دون النفس جناية توجب القصاص كالأصبع فعفا عن القصاص ثم سرت الجناية الى نفسه فمات لم يجب القصاص وبه قال أبو حنيفة والشافعي وحكي عن مالك أن القصاص يجب لأن الجناية صارت نفساً ولم يعف عنها ولنا أنه يتعذر استيفاء القصاص في النفس دون ما عفا عنه فسقط في النفس كما لو عفا بعض الأولياء ولأن الجناية إذا لم يكن فيها قصاص مع إمكانه لم يجب في سرايتها كما لو قطع يد مرتد فأسلم ثم مات منها ثم ينظر فإن كان عفا على مال فله الدية كاملة وإن عفا على غير مال وجبت الدية إلا أرش الجرح الذي عفا عنه وبهذا قال الشافعي، وقال أبو حنيفة تجب الدية كاملة لأن الجناية صارت نفساً وحقه في النفس لا فيما عفا عنه وإنما سقط القصاص للشبهة، وإن قال عفوت عن الجناية لم يجب شئ لأن الجناية لا تختص القطع وقال القاضي فيما إذا عفا عن القطع ظاهر كلام أحمد ال لا يجب شئ وبه قال أبو يوسف ومحمد لأنه قطع غير مضمون فكذلك سرايته ولنا أنها سراية جناية أوجبت الضمان فكانت مضمونة كما لو لم يعف وإنما سقطت دينها بعفوه عنها فيختص السقوط بما عفا عنه دون غيره والعفو عنه عشر الدية لأن الجناية أوجبته فإذا عفا سقط ما وجب دون ما لم يجب فإذا صارت نفسا وجب بالسراية ما لم يعف عنه ولم يسقط أرش الجرح إذا لم يعف وإنما تكملت الدية بالسراية

(فصل) فإن كان الجرح لا قصاص فيه كالجائفة ونحوها فعفا عن القصاص فيه ثم سرى إلى النفس فلوليه القصاص لأن القصاص لم يجب في الجرح فلم يصح العفو عنه وإنما وجب القصاص بعد عفوه وله العفو عن القصاص وله كمال الدية، وان عفا عن دية الجرح صح وله بعد السراية دية النفس الارش الجرح، ولا يمتنع وجوب القصاص في النفس مع انه لا يجب كمال الدية بالعفو عنه كما لو قطع يداً فاندملت واقتص منها ثم انتقضت وسرت الى النفس فله القصاص في النفس وليس له العفو إلا على نصف الدية، فإن قطع يده من نصف الساعد فعفا عن القصاص ثم سرى فعلى قول أبي بكر لا يسقط قصاص في النفس لأن القصاص لم يجب فهو كالجائفة ومن جزر القصاص من الكوع اسقط القصاص في النفس كما لو كان القطع من الكوع، وقال المزني لا يصح العفو عن دية الجرح قبل اندماله فلو قطع يداً فعفا عن ديتها وقصاصها ثم اندملت لم تسقط ديتها وسقط قصاصها لأن القصاص قد وجب فيها فصح العفو عنه بخلاف الدية ولا يصح لأن دية الجرح إنما وجبت بالجناية إذ هي السبب ولهذا لو جنى على طرف عبد ثم باعه قبل برثه كان أرش الطرف لبائعه لا لمشتريه وتأخير المطالبة به لا يلزم منه عدم الوجوب وامتناع صحة العفو كالدين المؤجل لا يملك المطالبة به ويصح اسقاطه كذا ههنا (فصل) وان قطع اصبعاً فعفا المجني عليه عن القصاص ثم سرت إلى الكف ثم اندمل لم يجب القصاص لما ذكرنا في النفس ولأن القصاص سقط في الاصبع بالعفو فصارت اليد ناقصة لا تؤخذ بها

الكاملة ثم إن كان العفو الى الدية وجبت دية اليد كاملة، وان كان على غير مال خرج فيه من الخلاف ما ذكرنا فيما إذا سرت الى النفس، فعلى هذا يجب ههنا دية الكف إلا دية الاصبع ذكره أبو الخطاب وهو مذهب الشافعي، وقال القاضي ظاهر كلام أحمد أنه لا يجب شئ وهو قول أبي يوسف ومحمد لأن العفو عن الجناية عفو عما يحدث منها وقد قال القاضي إن القياس فيما إذا قطع اليد ثم سرى إلى النفس أن يجب نصف الدية فيلزمه أن يقول مثل ذلك ههنا (فصل) فإن قال عفوت عن الجناية وما يحدث منها صح ولم يكن له في سرايتها قصاص، ولا دية في كلام أحمد (مسألة) (وإن قال الجاني عفوت مطلقاً أو عفوت عنها وعن سرايتها قال بل عفوت الى مال أو عفوت عنها دون سرايتها فالقول قول المجني عليه أو وليه إن كان الخلاف معه) لأن الأصل عدم العفو عن الجميع وقد ثبت العفو عن البعض باقراره فيكون القول في عدم سواء قوله (مسألة) (وإن قتل الجاني العافي عمداً فلوليه القصاص أو الدية كاملة وقال القاضي له القصاص أو تمام الدية) إذا قطع يده فعفا عنه ثم عاد الجاني فقتل العافي فلو ليه القصاص وهو ظاهر مذهب الشافعي، وقال بعضهم لا قصاص لان العفو حصل عن بعضه فلا يقتل به كما لو سرى القطع الى نفسه ولنا أن القتل انفرد عن القطع فعفوه عن القطع لا يمنع ما وجب بالقتل كما لو كان القاطع غيره

مسألة وإن قال الجاني عفوت مطلقا أو عفوت عنها وعن سرايتها قال بل عفوت الى مال أو عفوت عنها دون

وان اختار الدية فقال القاضي إن كان العفو عن الطرف الى غير دية فله بالقتل نصف الدية وهو ظاهر مذهب الشافعي لأن القتل إذا تعقب الجناية قبل الاندمال كان كالسراية ولذلك لو لم يعف لم يجب أكثر من دية والقطع يدخل في القتل في الدية دون القصاص، ولذلك لو أراد القصاص كان له أن يقطع ثم يقتل ولو صار الأمر الى الدية لم يجب إلا دية واحدة وقال أبو الخطاب له العفو الى دية كاملة وهو قول بعض أصحاب الشافعي لأن القطع منفرد عن القتل فلم يدخل حكم أحدهما في الآخر كما لو اندمل ولأن القتل موجوب للقتل فأوجب الدية كاملة كما لو لم يتقدمه عفو، وفارق السراية فإنها لم توجب قتلاً ولأن السراية عفي عن سببها والقتل لم يعف عن شئ منه ولا عن سببه وسواء فيما ذكرنا كان العافي عن الجرح أخذ دية طرفه أو لم يأخذها (مسألة) (وإذا وكل رجلا في القصاص ثم عفا ولم يعلم الوكيل حتى اقتص فلا شئ. عليه وهل يضمن العافي؟ يحتمل وجهين ويتخرج أن يضمن الوكيل ويرجع به على الموكل في أحد الوجهين لأنه غره والآخر لا يرجع به ويكون الواجب حالاً في ماله، وقال أبو الخطاب يكون على عاقلته) إذا وكل من يستوفي القصاص صح نص عليه أحمد فإن وكله ثم غاب وعفا الموكل عن القصاص واستوفى الوكيل نظرنا فإن كان عفوه بعد القتل لم يصح لأنه حقه قد استوفي وإن كان قبله وقد علم الوكيل به فقد قتله ظلماً فعليه القود كما لو قتله ابتداء وإن كان قتله قبل العلم بعفو الموكل فقال أبو بكر لا ضمان

مسألة وإذا وكل رجلا في القصاص ثم عفا ولم يعلم الوكيل حتى اقتص فلا شيء عليه وهل يضمن العافي؟

على الوكيل فإنه لا تفريط منه فإن العفو حصل على وجه لا يمكن الوكيل استدراكه فلم تلزمه ضمان كما لو عفا بعد ما رماه وهل يلزم الموكل الضمان؟ فيه قولان (أحدهما) لا ضمان عليه لأن عفوه لم يصح لما ذكرنا من حصوله في حال لا يمكنه استدراك الفعل فوقع القتل مستحقاً له فلم يلزمه ضمان ولأن العفو إحسان فلا يقتضي وجوب والضمان (والثاني) عليه الضمان لأن قتل المعفو عنه حصل بأمره وتسليطه على وجه لا ذنب المباشر فيه فكان الضمان على الآمر كما لو أمره عبده الأعجمي بقتل معصوم، وقال غير أبي بكر يخرج في صحة العفو وجهاز بناء على الروايتين وهل تعزل بعزل الموكل قبل علمه أو لا؟ وللشافعي قولان كالوجهين، فإن قلنا لا يصح العفو فلا ضمان على أحد لأنه قتل من يجب قتله بأمر مستحقه وإن قلنا يصح العفو فلا قصاص فيه لأن الوكيل قتل من يعتقد إباحة قتله بسبب هو معذور فيه فأشبه ما لو قتل في دار الحرب من يعتقده حربيا وتجب الدية على الوكيل لأنه لو علم لوجب عليه القصاص فاذا لم يعلم تعلق به الضمان كما لو قتل مرتداً قبل علمه بإسلامه ويرجع بها على الموكل لأنه غره بتسليطه على القتل وتفريطه في ترك إعلامه بالعفو فيرجع عليه كالغار في النكاح بحرية أمه ويحتمل أن لا يرجع عليه، لأن العفو إحسان منه فلا يقتضي الرجوع عليه بخلاف الغار بالحرية، فعلى هذا تكون الدية في مال الوكيل اختاره القاضي وتكون حالة لأنه متعمد للقتل لكونه قصده وإنما سقط عنه القصاص لمعنى آخر فهو كقتل الأب، وقال أبو الخطاب

تكون على عاقلته لأنه أجري مجرى الخطا فأشبه ما لو قتل في دار الحرب مسلماً يعتقده حربياً، وهذا ظاهر كلام الخرقي لأنه ليس بعمد محض ولهذا لم يجب به القصاص فيكون عمدا لخطأ فتحمله العاقلة وهذا اختيار شيخنا وقد دل على ذلك خبر المرأة التي قتلت جارتها وجنينها بمسطح فقضى النبي صلى الله عليه وسلم بالدية على عاقلتها، فعلى قول القاضي أن كان الموكل عفا الى الدية فله الدية في تركة الجاني ولورثة الجاني مطالبة الوكيل بديته وليس للموكل مطالبة الوكيل بشئ، فإن قيل فلم قلتم فيما إذا كان القصاص لأخوين فقتله أحدهما فعليه نصف الدية ولأخيه مطالبته به في وجه؟ قلنا ثم أتلف حقه فرجع ببدله عليه ههنا أتلفه بعد سقوط حق الموكل عنه فافترقا، وإن قلنا أن الوكيل يرجع على الموكل احتمل أن يسقط الديتان لأنه لا فائدة في أن يأخذها الورثة من الوكيل ثم يدفعوها إلى الموكل ثم يردها الموكل الى الوكيل فيكون تكليفاً لكل واحد منهم بغير فائدة ويحتمل أن يجب ذلك، لأن الدية الواجبة في ذمة الوكيل لغير من للوكيل الرجوع عليه وإنما يتساقط الديتان إذا كان لكل واحد من الغريمين على صاحبه مثل ما له عليه ولأنه قد يكون الديتان مختلفتين بأن يكون أحد المقتولين رجلاً والآخر امرأة، فعلى هذا يأخذ ورثة الجاني ديته من الوكيل ويدفعون إلى الموكل دية وليه ثم يرد الموكل الى الوكيل قدر ما غرمه، وإن أحال ورثة الجاني على الوكيل صح فإن كان الجاني أقل دية مثل أن يكون امرأة قتلت رجلاً فقتلها الوكيل فلورثتها إحالة الموكل بديتها لأنه القدر الواجب لهم على الوكيل فيسقط عن الوكيل والموكل جميعاً

ويرجع الموكل على ورثتها بنصف دية وليه وإن كان الجاني رجلاً قتل امرأة فقتله الوكيل فلورثة الجاني إحالة الموكل بدية المرأة، لأن الموكل لا يستحق عليهم أكثر من ديتها ويطالبون الوكيل بنصف دية الجاني ثم يرجع به على الموكل. (مسألة) (وإن عفا قاتله بعد الجرح صح وسواء عفا بلفظ العفو أو الوصية) لأن الحق له فصح العفو عنه كما له وممن قال بصحة عفو المجروح عن دمه مالك وطاوس والحسن وقتادة والاوزاعي فإن قال عفوت عن الجناية وما يحدث منها ولم يكن له في سرايتها قصاص ولا دية في كلام أحمد، وقال أصحاب الشافعي إذا قال عفوت عن الجناية وما يحدث منها ففيه قولان (أحدهما) أنه وصية فينبني على الوصية للقاتل وفيه قولان (أحدهما) لا يصح فتجب دية النفس إلا دية الجرح (والثاني) يصح فإن خرج من الثلث سقطت وإلا سقط منها بقدر الثلث ووجب الباقي (والقول الثاني) ليس بوصية لأنه إسقاط في الحياة فلم يصح ويلزمه دية النفس إلا دية الجرح ولنا أنه أسقط حقه بعد انعقاد سببه فسقط كما لو أسقط الشفعة بعد البيع، إذا ثبت هذا فلا فرق بين أن يخرج من الثلث أو لا يخرج لأن موجب العمد القود في إحدى الروايتين أو أحد شيئين في الرواية الأخرى فما تعينت الدية ولا تعينت الوصية بمال ولذلك صح العفو من المفلس إلى غير مال، وأما جناية الخطأ فإذا عفا عنها ويحدث منها اعتبر خروجها من الثلث سواء عفا بلفظ العفو أو الوصية أو

مسألة وإن عفا قاتله بعد الجرح صح وسواء عفا بلفظ العفو أو الوصية

الابراء أو غير ذلك، فإن خرجت من الثلث صح عفوه عن الجميع وإن لم تخرج من الثلث سقط عنه من ديتها ما احتمله الثلث وبهذا قال مالك والثوري وأصحاب الرأي ونحوه قال عمر بن عبد العزيز والاوزاعي وإسحاق لأن الوصية ههنا بمال (مسألة) (وإن ابرأه من الدية أو وصي له بها فهي وصية لقاتل هل تصح لقاتل؟ على روايتين) (إحداهما) تصح لكونها له لأنها بدل عنه وتعتبر من الثلث كبقية أمواله هكذا ذكره في كتاب المقنع ولم يفرق بين العمد والخطأ والذي ذكره في كتاب المغني ما ذكر في التي قبل هذه المسألة (مسألة) (ولا يحتمل أن يصح عفوه عن المال ولا وصية، به لقاتل ولا غيره إذا قلنا انه يحدث على ملك الورثة لأنه يكون مال غيره فلم يكن له التصرف فيه كسائر أموال الورثة) (مسألة) (وإن أبرأه القاتل من الدية الواجبة على عاقلته أو العبد من الجناية المتعلق أرشها برقبته لم يصح) لأنه أبرأه من حق على غيره أشبه ما لو أبرأ زيداً من دين على عمرو، وإن أبرأ العاقلة أو السيد صح لأنه أبرأهما من حق عليهما فصح كالدين الواجب عليهما (مسألة) (وان وجب لعبد قصاص في الطرف أو جرح أو تعزير قذف فله طلبه والعفو عنه) لأنه مختص به وليس ذلك لسيده لانه ليس يحق له إلا أن يموت العبد فإذا مات العبد انتقل عنه إلى السيد وصح عفوه عنه.

مسألة وإن وجب لعبد قصاص في الطرف أو جرح أو تعزير قذف فله طلبه والعفو عنه

باب ما يوجب القصاص فيما دون النفس كل من أقيد بغيره في النفس أقيد به فيما دونها ومن لا فلا لأن النفس أعلى فإذا أقيد في الأعلى ففي الأدنى بطريق الاولى وعنه لا قصاص بين العبيد في الأطراف لأنها أموال وقد ذكرناه والمذهب الأول، ومن لا يجري القصاص بينهما في الطرف كالأب مع ابنه والحر مع العبد والمسلم مع الكافر فلا يقطع طرفه بطرفه لعدم المكافأة فيقطع الحر المسلم بالحر المسلم والعبد بالعبد والذمي بالذمي والذكر بالأنثى والأنثى بالذكر ويقطع الناقص بالكامل كالعبد بالحر والكافر بالمسلم وبهذا قال مالك والثوري والشافعي وأبو ثور وإسحاق وابن المنذر وقال أبو حنيفة لا قصاص في الطرف بين مختلفي البدل فلا يقطع الكامل بالناقص والا الناقص بالكامل ولا الرجل بالمرأة ولا المرأة بالرجل ولا الحر بالعبد ولا العبد بالحر ولا العبد بالعبد ويقطع المسلم بالكافر والكافر بالمسلم لأن التكافؤ معتبر في الأطراف بدليل أن الصحيحة لا تؤخذ بالشلاء ولا الكاملة بالناقصة فلذا لا يؤخذ طرف الرجل بطرف المرأة ولا طرفها بطرفه كما لا تؤخذ اليسرى باليمنى ولنا أن من جرى القصاص بينهما في النفس جرى في الطرف كالحرين وما ذكروه يبطل بالقصاص في النفس فإن التكافؤ معتبر بدليل أن المسلم لا يقتل بمستأمن يلزمه أن يأخذ الناقصة بالكاملة لأن

باب ما يوجب القصاص فيما دون النفس

المماثلة قد وجدت وزيادة فوجب أخذها بها إذا رضي المستحق كما تؤخذ ناقصة الأصابع بكاملة الأصابع وأما اليسار واليمنى فيجريان مجرى النفسين لاختلاف محلبهما ولهذا يستوي بدلهما فعلم أنها ليست بناقصة عنها شرعاً ولا العلة فيهما ذلك (مسألة) (ولا يجب إلا بمثل الموجب في النفس وهو العمد المحض كما لا يجب في النفس إلا بذلك ووجوب القصاص فيما دون النفس والأطراف إذا أمكن ثابت بالنص والإجماع) أما النص فقول الله تعالى (والجروح قصاص) وقوله تعالى (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين) الآية. وروى أنس بن مالك أن الربيع بنت النضر كسرت ثنية جارية فعرضوا عليهم الإرش فأبوا إلا القصاص فجاء أخوها أنس بن النضر فقال يا رسول الله نكسر ثنية الربيع؟ والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنيتها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " يا أنس كتاب الله القصاص " فإن فعفا القوم فقال النبي صلى الله عليه وسلم " أن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره " متفق عليه. وأجمع المسلمون على جريان القصاص فيما دون النفس إذا أمكن ولأن ما دون النفس كالنفس في الحاجة إلى حفظه بالقصاص فكان كالنفس في وجوبه. (فصل) فأما الخطأ فلا قصاص فيه إجماعاً لأنه لا يوجب القصاص في النفس وهي الأصل ففيما

دونها أولى ولا يجب في شبه العمد وهو أن يقصد ضربه بما لا يفضي إلى ذلك غالباً مثل أن يضربه بحصاة لا يوضح مثلها فتوضحه فلا يجب به القصاص لأنه شبه عمد ولا يجب القصاص إلا بالعمد المحض وقال أبو بكر يجب به القصاص ولا يراعى فيه ذلك لعموم الآية والصحيح الأول والآية مخصوصة بالخطأ فكذلك هذا ولأنه لا يجب به القصاص في النفس فكذلك الجراح (مسألة) (وهو نوعان) (أحدهما) الأطراف فتؤخذ العين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجفن بالجفن والشفة بالشفة واليد باليد والرجل بالرجل أجمع أهل العلم على جريان القصاص في الأطراف وقد ثبت ذلك بالآية وبخبر الربيع الذي ذكرناه (مسألة) (ويشترط للقصاص في الطرف ثلاثة شروط (أحدهما) أن يكون القطع من مفصل أو له حد ينتهي إليه كما أن الأنف وهو ما لان منه فإن قطع القصبة أو قطع من نصف الساعد أو الساق فلا قصاص في أحد الوجهين وفي الآخر يقتص من حد المارن ومن الكوع والكعب وهل يجب له أرش الباقي؟ على وجهين أجمعوا على جريان القصاص في الأنف للآية والمعنى ويؤخذ الكبير بالصغير والاقنى بالأفطس وأنف الأشم بأنف الأخشم الذي لا شم له لأن ذلك لعلة في الدماغ والأنف صحيح كما تؤخذ أذن السميع بأذن الأصم فإن

مسألة وهو نوعان أحدهما الأطراف فتؤخذ العين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجفن

كان بأنفه جذام أخذ به الأنف الصحيح ما لم يسقط منه شئ لأن ذلك مرض فإن سقط منه شئ لم يؤخذ به الصحيح إلا أن يكون من أحد جانبيه فيؤخذ من الصحيح مثل ما بقي منه أو يأخذ أرش ذلك والذي يجب فيه القصاص أو الدية هو المارن وهو ما لان منه دون القصبة لأن ذلك حد ينتهي إليه فهو كاليد يجب القصاص فيما انتهى الى الكوع فإن قطع الأنف كله مع القصبة فعليه القصاص في المارن وحكومة للقصبة هذا قول ابن حامد ومذهب الشافعي، وفيه وجه آخر انه لا يجب مع القصاص حكومة كيلا يجمع في عضو واحد بين قصاص ودية وقياس قول أبي بكر أنه لا يجب القصاص ههنا لأنه يضع الحديدة في غير الموضع الذي وضعها الجاني فيه فلم يملك ذلك لقوله فيمن قطع اليد من نصف الذراع أو الكف: وذكر القاضي ههنا كقول ابي بكر وفي نظائره مثل قول ابن حامد ولا يصح التفريق مع التساوي، وان قطع بعض الأنف قدر بالأجزاء وأخذ منه بقدر ذلك ولا يؤخذ بالمساحة لئلا يفضي إلى قطع جميع أنف الجاني ببعض أنف المجني عليه لكبره ويؤخذ المنخر الأيمن بالأيمن والأيسر بمثله ويؤخذ الحاجز بالحاجز لأنه يمكن القصاص فيه لانتهائه إلى حد (فصل) وتؤخذ العين بالعين للآية ولا يشترط التساوي في الصغر والكبر والصحة والمرض لأن اعتبار ذلك يفضي إلى سقوط القصاص بالكلية

(فصل) وتؤخذ الأذن بالأذن، أجمع أهل العلم على أن الأذن تؤخذ بالأذن وقد دلت الآية على ذلك ولأنها تنتهي إلى حد فاصل فاشبهت اليد وتؤخذ الكبيرة بالصغيرة وتؤخذ أذن السميع بمثلها وبأذن الأصم وتؤخذ أذن الأصم بكل واحد منهما لتساويهما فإن ذهاب السمع نقص في الرأس لأنه محله وليس بنقص فيهما وتؤخذ الصحيحة بالمثقوبة لأن الثقب ليس بعيب وإنما يفعل في العادة للقرط والتزين به فإن كان الثقب في غير محله أو كانت مخرومة أخذت بالصحيحة ولم تؤخذ الصحيحة بها لأن الثقب إذا انخرم صار نقصاً فيها والثقب في غير محله عيب ويخير المجني عليه بين أخذ الدية إلا قدر النقص وبين أن يقتص فيما سوى المعيب ويتركه من أذن الجاني وقد وجوب الحكومة له في قدر النقص وجهان، وإن قطعت بعض اذنه فله أن يقتص من أذن الجاني بقدر ما قطع من أذنه ويقدر ذلك بالأجزاء فيؤخذ النصف بالنصف وعلى حسب ذلك، وقال بعض أصحاب الشافعي لا يجري القصاص في البعض لأنه لا ينتهي الى حد ولنا أنه يمكن تقدير المقطوع وليس فيها كسر عظم فجرى القصاص في بعضها كالذكر وبهذا ينتقض ما ذكروه (فصل) ونؤخذ الاذن المستخشفة بالصحيحة، وهل تؤخذ الصحيحة بها؟ فيه وجهان (أحدهما) لا تؤخذ بها لأنها ناقصة معيبة فلم تؤخذ بها الصحيحة كاليد الشلاء وسائر الاعضاء

(والثاني) تؤخذها بها لأن المقصود منها جمع الصوت وحفظ محل السمع والجمال، وهذا يحصل بها كحصوله بالصحيحة بخلاف سائر الأعضاء (فصل) فإن قطع أذنه فأبانها فألصقها صاحبها فالتصقت وثبتت فقال القاضي يجب القصاص وهو قول الثوري والشافعي وإسحاق لأنه وجب بالإبانة وقد وجدت، وقال أبو بكر لا قصاص فيها وهو قول مالك لا نها لم تبن على الدوام فلم يستحق إبانة أذن الجاني دواماً فإن سقطت بعد ذلك قريباً أو بعيداً فله القصاص ويرد ما أخذ وعلى قول أبي بكر إذا لم تسقط له دية الأذن وهو قول أصحاب الرأي، وكذلك قول الأولين إذا اختار الدية وقال مالك لا عقل لها إذا عادت مكانها فأما إن قطع بعض أذنه فالتصق فله أرش الجرح ولا قصاص فيه، وإن قطع أذن إنسان فاستوفى منه فألصق الجاني أذنه فالتصقت فطلب المجني عليه إبانتها لم يكن له ذلك لأن الإبانة قد حصلت والقصاص قد استوفى فلم يبق قبله حق فأما إن كان المجني عليه لم يقطع جميع الأذن إنما قطع بعضها فالتصق كان للمجني عليه قطع جميها لأنه استحق إبانة جميعها ولم يكن أبانه والحكم في السن كالحكم في الأذن (فصل) ومن ألصق أذنه بعد إبانتها أو سنة فهل تلزم إبانتها؟ فيه وجهان مبنيان على الروايتين فيما بإن من الآدمي هل هو نجس أو طاهر؟! إن قلنا هو نجس لزمته إزالتها ما لم يخف الضرر بذلك كما لو جبر ساقه بعظم نجس، وإن قلنا بطهارتها لم تلزمه إزالتها اختاره أبو بكر. وهو قول عطاء بن

مسألة وتقطع العين بالعين

أبي رباح وعطاء الخراساني وهو الصحيح لأنه جزء آدمي طاهر في حياته وموته فكان طاهراً كحالة اتصاله فأما إن قطع بعض أذنه فالتصقت لم يلزمه إبانتها على الروايتين جميعاً لأنها لم تصر ميتة لعدم إبانتها ولا قصاص فيها قاله القاضي وهذا مذهب الشافعي لأنه لا تمكن المماثلة في المقطوع منها (مسألة) (وتقطع العين بالعين) إجتمع أهل العلم على القصاص في العينين يروي ذلك عن مسروق والحسن وابن سيرين والشعبي والزهري والثوري ومالك والشافعي وأبي ثور وأصحاب الرأي، وروي عن علي رضي الله عنه لقول الله تعالى (والعين بالعين) ولأنها تنتهي إلى مفصل فجرى القصاص كاليد وتؤخذ عين الشاب بعين الشيخ المريضة وعين الكبير بعين الصغير والأعمش ولا تؤخذ الصحيحة بالقائمة لأنه يأخذ أكثر من حقه وتؤخذ القائمة بالصحيحة لأنها دون حقه كما تؤخذ الشلاء بالصحيحة ولا أرش له معها لأن التفاوت في الصفة (فصل) فإن قلع عينه بأصبعه لم يجز أن يقتص بأصبعه لأنه لا تمكن المماثلة فيه فإن لطمه فأذهب ضوء عينه لم يجز أن يقتص منه باللطمة لأن المماثلة فيها غير ممكنة ولهذا لو انفردت من إذهاب الضوء لم يجب فيها قصاص ويجب القصاص في البصر فيعالجه بما يذهب بصره من غير أن يقلع عينه وسنذكر ذلك وذكر القاضي أنه يقتص منه بالطمة فيلطمه المجني عليه مثل لطمته فإن ذهب ضوء عينه وإلا كان له أن يذهبه بما نذكره وهو مذهب الشافعي ولا يصح هذا فإن اللطمة لا يقتص منها منفردة فلا يقتص منها

إذا سرت إلى العين كالشجة دون الموضحة ولان الطمة إذا لم تكن في العين لا يقتص منها بمثلها مع الأمن من إفساد العضو ففي العين مع وجود ذلك أولى ولأنه قصاص فيما دون النفس فلم يجز بغير الآلة المعدة له كالموضحة، وقال القاضي لا يجب القصاص إلا أن تكون اللطمة تذهب بذلك غالباً فإن كانت لا تذهب بالنظر غالباً فذهبت بها فهو شبه عمد لا قصاص فيه وهو قول الشافعي لأنه فعل لا يفضي إلى الفوات غالباً فلم يجب به القصاص بكل حال لعموم قوله تعالى (والعين بالعين) ولان الطمة إذا أسالت العين كانت بمنزلة الجرح ولا يعتبر فيه الإفضاء الى التلف غالباً (فصل) فإن لطم عينه فذهب بصرها أو ابيضت وشخصت فإن أمكن معالجة عين الجاني حتى يذهب بصرها وتبيض وتشخص من غير جناية على الحدقة فعل ذلك وإن لم يمكن إلا ذهاب بعض ذلك مثل ذهاب البصر دون أن تبيض وتشخص فعليه حكومة للذي لم يمكن القصاص فيه كما لو جرحه هاشمة فإنه يقتص موضحة ويأخذ ارش باقي جرحه، وعلى قول أبي بكر لا يستحق مع القصاص أرش قال القاضي إذا لطمه مثل لطمته فذهب ضوء عينه ولم تبيض ولم تشخص فإن أمكن معالجتها حتى تبيض وتشخص من غير ذهاب الحدقة فعله فإن تعذر ذلك فلا شئ عليه كما لو اندملت موضحة المجني عليه وحشة قبيحة وموضحة الجاني حسنة جميلة لم يجب شئ كذلك ههنا وبناء هذا على أن اللطمة حصل بها القصاص كما حصل بجرح الموضحة وقد بينا فساد هذا

(مسألة) (ويؤخذ السن بالسن) وهو إجتماع أهل العلم للآية وحديث الربيع ولأن القصاص فيها ممكن لأنها محدودة في نفسها وتؤخذ الصحيحة بالصحيحة والمكسورة بالصحيحة لأنه يأخذ بعض حقه وهل له أرش الباقي؟ فيه وجهان ذكرناهما (فصل) ولا يقتص إلا من سن من اثغر أي سقطت رواضعه ثم نبتت يقال لمن سقطت رواضعه ثغر فهو مثغور فإذا نبتت قيل اثغر واتغر لغتان، وإن قلع سن من لم يثغر لم يقتص من الجاني في الحال وهذا قول مالك والشافعي وأصحاب الراي لأنها تعود بحكم العادة فلا يقتص منها كالشعرة، فإن عاد بدل السن في محلها مثلها على صفتها فلا شئ على الجاني كما لو قلع شعره ثم نبت، وإن عادت مائلة عن محلها او متغيرة عن صفتها كان عليه حكومة لأنها لو لم تعد ضمن السن فإذا عادت ناقصة ضمن ناقص وإن عادت قصيرة ضمن ما نقص بالحساب ففي ثلثها ثلث ديتها وعلى هذا الحساب، وإن عادت والدم يسيل ففيها حكومة لأنه نقص حصل بفعله، وإن مضى زمن عودها ولم تعد سئل أهل العلم بالطب فإن قالوا قد يئس من عودها فالمجني عليه مخير بين القصاص أو الدية، فإن مات المجني عليه قبل الإياس من عودها فلا قصاص لأن الاستحقاق له غير متحقق فيكون ذلك شبهة في درئه وتجب الدية لأن القلع موجود والعود مشكوك فيه ويحتمل أنه إذا مات قبل مجئ وقت عودها أن لا يجب شئ لأن العادة عودها فأشبه ما لو حلق شعره فمات قبل

مسألة ويؤخذ السن بالسن

نباته، فأما ان قلع سن من قد أثغر وجب القصاص له في الحال لأن الظاهر عدم عودها وهذا قول بعض أصحاب الشافعي، وقال القاضي يسئل أهل الخبرة فإن قالوا لا تعود فله القصاص في الحال وإن قالوا يرجى عودها إلى وقت ذكروه لم يقتص حتى يأتي ذلك الوقت وهذا قول بعض أصحاب الشافعي لأنها تحتمل العود فأشبهت سن من لم يثغر. إذا ثبت هذا فإنها إن لم تعد فلا كلام وإن عادت لم يجب قصاص ولا دية وهذا قول أبي حنيفة وأحد قولي الشافعي وقال في الآخر لا يسقط الأرش لأن هذه السن لا تستخلف عادة فإذا عادت كانت هبة مجددة ولذلك لا ينتظر عودها في الضمان ولنا أنها سن عادت فسقط الأرش كسن من لم يثغر وندرة وجودها لا يمنع ثبوت حكمها إذا وجدت فعلى هذا إن كان أخذ الأرش رده وإن كان استوفى القصاص لم يجز قلع هذه قصاصاً لأنه لم يقصد العدوان، وإن عادت سن الجاني دون من المجني عليه لم تقلع في أحد الوجهين لئلا يأخذ سنين بسن وإنما قال الله تعالى (السن بالسن) والثاني تقلع وإن عادت مرات اعدم سنه بالقلع فكان له اعدام سنة ولأصحاب الشافعي وجهان كهذين (فصل) فإن قلع سنا فاقتص منه ثم عادت سن المجني عليه فقلعها الجاني ثانية فلا شئ عليه لأن سن المجني عليه لما عادت وجب للجاني عليه دية سنة فلما قلعها وجب على الجاني ديتها للمجني عليه فقد وجب لكل واحد منهما دية سن فيتقاصان

(مسألة) (ويؤخذ الجفن بالجفن) لقوله تعالى والجروح قصاص ولأنه يمكن الاقتصاص فيه لانتهائه إلى مفصل وهذا مذهب الشافعي ويؤخذ جفن البصير بمثله وبجفن الضرير ويؤخذ جفن الضرير بمثله وبجفن البصير لأنهما تساويا في السلامة من النقص وعدم البصير نقص في غيره لا يمنع أخذ أحدهما بالآخر كأذن الأصم (مسألة) (وتؤخذ الشفة بالشفة) وهي ما جاوز الذقن والخدين علواً وسفلاً لقول الله تعالى والجروح قصاص ولأن لها حداً تنتهي اليه يمكن القصاص منه فوجب كاليدين (فصل) ويؤخذ اللسان باللسان للآية ولأن له حدا ينتتهي اليه فاقتص منه كالعين ولا نعلم في هذا خلافاً ولا يؤخذ لسان ناطق بأخرس لأنه أفضل منه ويؤخذ الأخرس بالناطق لأنه دون حقه ويؤخذ بعض اللسان بالبعض لأنه أمكن القصاص في جميعه فأمكن في بعضه كالسن ويقدر ذلك بالأجزاء ويؤخذ منه بالحساب (مسألة) (وتؤخذ اليد باليد) لقول الله تعالى (والجروح قصاص) وقد أجمع أهل العلم على جريان القصاص في الأطراف للآية ولحديث الربيع ويشترط لذلك ثلاثة شروط

مسألة وتؤخذ الشفة بالشفة

(أحدها) (1) الأمن من الحيف وهو أن يكون القطع من مفصل فإن كان من غير مفصل فلا قصاص فيه من موضع القطع بغير خلاف نعلمه لما روى نمر بن جابر عن أبيه أن رجلاً ضرب رجلاً على ساعده بالسيف فقطعها من غير مفصل فاستعدى عليه النبي صلى الله عليه وسلم فأمر له بالدية فقال أني أريد القصاص فقال " خذ الدية بارك الله لك فيها " ولم يقض له بالقصاص رواه ابن ماجه. وفي قطع اليد ثمان مسائل (أحدها) قطع الأصابع من مفاصلها فالقصاص واجب فيها لأن لها مفاصل ويمكن القصاص فيها من غير حيف وان اختار الدية فله نصفها لأن في كل اصبع عشر الدية (الثانية) قطعها من نصف الكف فليس له القصاص من موضع القطع لأنه ليس بمفصل فلا يؤمن الحيف فيه، وإن أراد قطع الأصابع ففيه وجهان (أحدهما) ليس له ذلك اختاره أبو بكر لأنه يقتص من غير موضع الجناية فلم يجز كما لو كان القطع، من الكوع، يحققه أن امتناع قطع الأصابع إذا قطع من الكوع إنما كان لعدم المقتضي أو وجود مانع وايهما كان فهو متحقق إذا كان القطع من نصف الكف (والثاني) له قطع الأصابع ذكره أصحابنا وهو مذهب الشافعي لأنه يأخذ دون حقه لعجزه عن استيفاء حقه فأشبه ما لو شجه هاشمة فاستوفى موضحة، ويفارق ما إذا قطع من الكوع لأنه أمكنه استيفاء حقه فلم يجز العدول الى غيره وهل له حكومة في نصف الكف؟ فيه وجهان

(أحدهما) ليس له ذلك لأنه يجمع بين القصاص والأرش في عضو واحد فلم يجز كما لو قطع من الكوع (والثاني) له أرش نصف الكف لانه حق تعذر استيفاؤه فوجب ارشه كسائر ما هذا حاله، وان اختار الدية فله نصفها لأن قطع اليد من الكوع لا يوجب أكثر من نصف الدية فما دونه أولى (الثالثة) قطع من الكوع فله قطع يده من الكوع لأنه مفصل وليس له قطع الأصابع لأنه غير محل الجناية ولا يستوفى منه مع امكان الاستيفاء من محلها (الرابعة) قطع من نصف الذارع فليس له أن يقطع من ذلك الوضع ليس بمفصل وقد ذكرنا الخبر الوارد فيه وله نصف الدية وحكومة في المقطوع من الذراع وهل له القطع من الكوع؟ فيه وجهان كما ذكرنا فيمن قطع من نصف الكف، ومن جوز القطع من الكوع فعنده في وجوب الحكومة لما قطع من الذراع وجهان، ويخرج أيضاً في جواز قطع الأصابع وجهان فإن قطع منها لم يكن له حكومة في الكف لأنه أمكنه أخذه قصاصاً فلم يكن له طلب أرشه كما لو كانت الجناية من الكوع (الخامسة) قطع من المرفق فله القصاص منه لأنه مفصل وليس له القطع من الكوع لأنه أمكنه استيفاء حقه بكماله والاقتصاص من محل الجناية عليه فلم يجز العدول الى غيره، وان عفا الى الدية فله دية اليد وحكومة للساعد (السادسة) قطعها من العضد فلا قصاص فيها في أحد الوجهين وله دية اليد وحكومة للساعد

وبعض العضد (والثاني) له القصاص من المرفق وهل له حكومة في الزائد؟ على وجهين، وهل له القطع من الكوع؟ يحتمل وجهين (السابعة) قطع من المنكب فالواجب القصاص لأنه مفصل إذا لم يخف جائفة وان اختار الدية فله دية اليد وحكومة لما زاد (الثامنة) خلع عظم المنكب ويقال له مشط الكتف فيرجع فيه إلى اثنين من ثقات أهل الخبرة فإن قالوا، يمكن الاستيفاء من غير أن تصير جائفة استوفى وإلا صار الأمر إلى الدية وفي جواز الاستيفاء من المرفق أو إما دونه مثل ما ذكرنا في نظائره، ومثل هذه المسائل في الرجل فالساق كالذراع، والفخذ كالعضد والورك كعظم الكتف، والقيام كالكف، فتقاس عليها للنص والمعنى (مسألة) (ويؤخذ كل واحد من الأصابع والكف والمرفق والذكر والانثيين بمثله) لقوله تعالى (والجروح قصاص) ولما ذكرنا في اليد باليد ولا نعلم بين أهل العلم خلافاً في ان القصاص يجري في الذكر ولأن له حداً ينتهي اليه ويمكن القصاص فيه من غير حيف فوجب فيه القصاص كالأنف ويستوي في ذلك ذكر الصغير والكبير والشيخ والشاب والذكر والكبير والصغير والصحيح والمريض لأن ما وجب فيه القصاص من الأطراف لم يختلف بهذه المعاني كذلك الذكر، ويؤخذ كل واحد من المجبوب والأغلف بصاحبه لأن الغلفة زيادة يستحق إزالهتا فهي كالمعدومة ويؤخذ كل واحد من الخصي

مسألة ويؤخذ كل واحد من الأصابع والكف والمرفق والذكر والانثيين بمثله

والعنين بمثله التساويهما كما يؤخذ العبد بالعبد والذمي بالذمي، ويؤخذ بعضه ببعض ويعتبر بالأجزاء دون المساحة فيؤخذ النصف بالنصف وما زاد ونقص فحساب ذلك كالأنف والأذن على ما ذكرناه (مسألة) (ويجري القصاص في الانثيين لما ذكرنا من النص والمعنى) ولا نعلم فيه خلافا فإن قطع احداهما وقال اهل الخبرة أنه يمكن أخذها مع سلامة الأخرى جاز وان قالوا لا يؤمن تلف الأخرى لم يقتص منها خشية الحيف ويجب فيها نصف الدية وإن أمن تلف الأخرى أخذت اليمنى باليمنى واليسرى باليسرى كاليدين (مسألة) (وهل يجري القصاص في الالية والشفر؟ على وجهين) يجب في القصاص الأليين النابتين بين الفخذ والظهر بجانبي الدبر في أحد الوجهين وهو ظاهر مذهب الشافعي والوجه الثاني لا يجب وهو قول المزني لأنهما لحم متصل بلحم. أشبه لحم الفخذ، ووجه الأول قوله تعالى (والجروح قصاص) ولأن لهما حداً ينتهيان إليه فجرى القصاص فيهما كالذكر (مسألة) (وفي القصاص في شفري المرأة وجهان) (أحدهما) لا قصاص فيهما لأنه لحم لا مفصل له ينتهي اليه فأشبه لحم الفخذين وهو قول القاضي (والثاني) فيهما القصاص لأن انتهاءهما معروف فأشبها الشفتين وجفني العينين وهو قول أبي الخطاب ولا أصحاب الشافعي وجهان كهذين

مسألة ويجري القصاص في الانثيين كما ذكرنا من النص والمعنى

(فصل) فإن قطع ذكر خنثى مشكل أو أنثييه أو شفريه فطلب القصاص لم يجب إليه في الحال ونقف الأمر حتى تبين حاله لأننا لا نعلم أن المقطوع عضو أصلي وان اختار الدية وكان يرجى انكشاف حاله أعطيناه اليقين وتكون له حكومة في المقطوع وإن كان قطع جميعها فله دية امرأة في الشفرين وحكومة في الذكر والأنثيين وإن يئس من انكشاف حاله أعطي نصف دية الذكر والأنثيين ونصف دية الشفرين وحكومة في نصف ذلك كله (مسألة) (وإذا وضح إنساناً فذهب ضوء عينه أو سمعه أو شمه فإنه يوضحه فإنه جرح يمكن الاقتصاص منه من غير حيف) لانه له حداً ينتهي اليه ثم إن ذهب ذلك والا استعمل فيه ما يذهبه من غير أن يجني على حدقته أو أذنه او أنفه لأنه يستوفي حقه من غير زيادة فيعالج بما يذهب بصره من غير أن يقلع عينه كما روى يحيى بن جعدة أن أعرابياً قدم بجلوبة له الى المدينة فساومه فيها مولى لعثمان رضي الله عنه فنازعه فلطمه ففقأ عينه فقال له عثمان: هل لك أن اضعف لك الدية وتعفو عنه؟ فأبى فرفعهما إلى علي رضي الله عنه فدعا علي بمرآة فأحماها ثم وضع القطن على عينه الأخرى ثم أخذ المرآة بكلبتين فأدناها حتى سال إنسان عينه، وإن وضع فيها كافوراً يذهب بضوئها من غير أن يجبني على الحدقة جاز، وكذلك السمع والشم، وإن لم يمكن الا بالجناية على هذه الأعضاء سقط القصاص لتعذر المماثلة ولأن توهم الزيادة يسقط القود فحقيقته أولى

مسألة وإذا وصح إنسانا فذهب ضوء عينه أو سمعه أو شمه فإنه يوضحه فإنه جرح يمكن الاقتصاص منه من غير

(فصل) وإن شجه دون الموضحة فأذهب ضوء عينه لم يقتص منه مثل شجته بغير خلاف علمناه لأنها لا قصاص فيها إذا لم يذهب ضوء العين فكذلك إذا ذهب ويعالج ضوء العين بمثل لما ذكرنا فإن كانت الشجة فوق الموضحة فله أن يقتص موضحة فإن ذهب ضوء العين والا استعمل فيه ما يزيله من غير أن يجبني على الحدقة، واختلف أصحاب الشافعي في القصاص في البصر في هذه المواضع فقال بعضهم لا قصاص فيه لأنه لا يجب بالسراية عندهم كما لو قطع اصبعه فسرى القطع إلى التي تليها فأذهبها وقال بعضهم يجب القصاص ههنا قولاً واحداً لأن ضوء العين لا تمكن مباشرته بالجناية فيقتص منه بالسراية كالنفس فيقتص من البصر بما ذكرنا في مثل هذا (فصل) (الشرط الثاني في المماثلة في الموضع) فيؤخذ كل واحدة من اليمنى واليسرى والعليا والسفلى من الشفتين والاجفان بمثلها لأن القصاص يعتمد المماثلة هذا قول أكثر أهل العلم منهم مالك والشافعي وأصحاب الرأي، وحكى عن ابن سيرين وشريك أن احداهما تؤخذ بالأخرى لاستوائهما في الخلقة والمنفعة ولنا أن كل واحدة منهما تختص باسم فلا تؤخذ احداهما بالأخرى كاليد مع الرجل، وكذلك كل ما انقسم الى يمين ويسار كاليدين والرجلين والاذنين والمنخرين والثديين والاليتين والانثيين لا تؤخذ احداهما بالأخرى، وكذلك كل ما انقسم الى أعلى وأسفل كالجفنين والشفتين لا يؤخذ الأعلى بالأسفل ولا الأسفل بالأعلى لذلك

(مسألة) (وتؤخذ الأصبع والسن والأنملة بمثلها في الموضع والاسم ولا تؤخذ أنملة بأنملة إلا أن يتفقا في الموضع والاسم) ولا تؤخذ عليا بسفلى ولا وسطى والوسطى والسفلى لا تؤخذان بغيرهما (مسألة) فلو قطع أنملة رجل العليا وقطع الوسطى من آخر ليس له عليا فصاحب الوسطى مخير بين أخذ عقل أنملة وبين أن يصبر حتى تقطع العليا ثم يقتص من الوسطى) لأنه يستوفي حقه بذلك (فصل) فإن قطع من ثالث السفلى فلاول أن يقتص من العليا ثم للثاني أن يقتص من الوسطى ثم للثالث أن يقتص من السفلى سواء جاءوا جميعاً أو واحداً بعد واحد، وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا قصاص إلا في العليا لأنه لم يجب في غيرها حال الجناية لتعذر استيفائه فلم يجب بعد ذلك كما لو كان غير مكافئ حال الجناية صار مكافئاً بعده ولنا أن تعذر القصاص لاتصال محله بغيره لا يمنعه إذا زال الاتصال كالحامل إذا جنث ثم وضعت ويفارق عدم التكافؤ لأنه تعذر لمعنى فيه ههنا تعذر لاتصال غيره به فأما إن جاء صاحب الوسطى أو السفلى يطلب القصاص قبل صاحب العليا لم يجب إليه لأن في استيفائه إتلاف أنمله لا يستحقها وقيل لهما إما أن تصبرا حتى تعلما ما يكون من الأول فإن اقتص فلكما القصاص، وإن عفا فلا قصاص لكما وإما أن ترضيا بالعقل فإن جاء صاحب العليا فاقتص فللثاني الاقتصاص وحكم الثالث مع الثاني حكم الثاني مع الأول فإن عفا فلكما العقل وإن قالا نحن نصبره وتنتظر بالقصاص ان تسقط العليا بمرض أو

مسألة وتؤخذ الأصبع والسن والأنملة بمثلها في الموضع والاسم ولا تؤخذ أنملة بأنملة إلا أن يتفقا في الموضع والاسم

نحوه ثم نقتص لم يمنعا من ذلك فإن قطع صاحب الوسطى الوسطى والعليا فعليه دية لعليا تدفع إلى صاحب العليا، وإن قطع الاصبع كلها فعليه القصاص في الانملة الثالثة وعليه أرش العليا للأول وارش السفلى على الجاني لصاحبها، وإن عفا الجاني عن قصاصها وجب أرشها يدفعه إليه ليدفعه إلى المجني عليه (فصل) فإن قطع أنملة رجل العليا ثم قطع أنملتي آخر العليا والوسطى من تلك الاصبع فللأول قطع العليا لأن حقه أسبق ثم يقطع الثاني الوسطى ويأخذ أرش العليا من الجاني فإن بادر الثاني فقطع الانملتين فقد استوفى حقه وتعذر استيفاء القصاص للأول وله الأرش على الجاني، وإن كان قطع الأنملتين أولاً قدمنا صاحبهما في القصاص ووجب لصاحب العليا أرشها، وإن بادر صاحبها فقطعها فقد استوفى حقه وتقطع الوسطى للأول ويأخذ الأرش للعليا ولو قطع أنملة رجل العليا ولم يكن للقاطع عليا فاستوفى الجاني من الوسطى فإن عفا إلى الدية تقاضا وتساقطا لأن ديتهما واحدة، وإن اختار الجاني القصاص فله ذلك ويدفع ارش العليا ويجئ على قول أبي بكر أن لا يجب القصاص لأن ديتهما واحدة واسم الانملة يشملهما فتساقطا كقوله في إحدى اليدين بدلاً عن الأخرى (مسألة) (ولا تؤخذ أصلية بزائدة ولا زائدة بأصلية ولا زائدة بزائدة في غير محلها لعدم التماثل وإن تراضيا عليه لم يجز) وجملة ذلك أن ما لا يجوز أخذه قصاصاً لا يجوز بتراضيهما لان الدماء لا تستباح بالإباحة

مسألة ولا تؤخذ أصلية بزائدة ولا زائدة بأصلية ولا زائدة بزائدة في غير محلها لعدم التماثل وإن تراضيا عليه

والبذل ولذلك لو بذلها ابتداء لم يحل له أخذها ولا يحل لأحد قتل نفسه ولا قطع طرفه فلا يحل لغيره ببذله (مسألة) (فلو تراضيا على قطع إحدى اليدين بدلاً عن الأخرى فقطعها المقتص سقط القود) لان القود سقط في الأولى باسقاط صاحبها وفي الثانية بإذن صاحبها في قطعها وديتهما متساوية وهذا قول أبي بكر وكذلك لو قطعها تعدياً سقط القصاص لأنهما تساويا في الدية والألم والاسم فتقاصا وتساقطا ولأن ايجاب القصاص يفضي الى قطع يدي كل واحد منهما واذهاب منفعة الجنس والحاق الضرر العظيم بهما جميعاً ولا تفريع على هذا القول لوضوحه وكل واحد من القطعين مضمون سرايته لانه عدوان وقال ابن حامد إن كان أحدهما عدواناً فلكل واحد منهما القصاص على صاحبه وإن أخذها بتراضيهما فلا قصاص في الثانية لرضى صاحبها ببذلها وإذنه في قطعها وفي وجوبه في الأولى وجهان (أحدهما) يسقط لما ذكرناه (والثاني) لا يسقط لأنه رضي بتركه بعوض لم يثبت له فكان له الرجوع إلى حقه كما لو باعه سلعة بخمر وقبضه اياه فعلى هذا له القصاص بعد اندمال الأخرى وللجاني دية يده فإذا وجب للمجني عليه دية يده وكانت الديتان واحدة تقاصا وإن كانت إحداهما أكثر من الأخرى كالرجل مع المرأة وجب الفضل لصاحبه (مسألة) (وإن قال له أخرج يمينك فاخرج يساره فقطعها أجزأت على قول أبي بكر سواء قطعها عالماً بها أو جاهلاً)

مسألة فلو تراضيا على إحدى اليدين بدلا عن الأخرى فقطعها المقتص سقط القود

وعلى قول ابن حامد، وإن أخرجها عمداً عالماً أنها يساره وأنها لا تجزئ فلا ضمان على قاطعها ولا قود لأنه بذلها باخراجه لها لا على سبيل العوض وقد يقوم الفعل في ذلك مقام النطق بدليل أنه لا فرق بين قوله خذ هذا فكله وبين استدعاء ذلك منه فيعطيه إياه ويفارق هذا ما إذا قطع يد انسان وهو ساكت لأنه لم يوجد منه البذل وينظر في المقتص فان فعل ذلك عالماً بالحال عزر لأنه ممنوع منه لحق الله تعالى وهل يسقط القصاص في اليمنى؟ على وجهين (أحدهما) يسقط لأن قاطع اليسار تعدى بقطعها فلم يملك قطع اليد الأخرى كما لو قطع يد السارق اليسرى مكان يمينه فإنه لا يملك قطع يمينه (والوجه الثاني) لا يسقط وهو مذهب الشافعي وفرقوا بين القصاص وقطع السارق من وجوه ثلاثة (أحدها) أن الحد مبني على الإسقاط بخلاف القصاص (الثاني) أن اليسار لا تقطع في السرقة وإن عدمت يمينه لأنه يفوت منفعة الجنس بخلاف القصاص (الثالث) أن اليد لو سقطت بأكلة أو قصاص سقط القطع في السرقة فجاز أن يسقط بقطع اليسار بخلاف القصاص فإنه لا يسقط وينتقل الى البدل ولكن لا تقطع يمينه حتى تندمل يساره لئلا يؤدي الى ذهاب نفسه فان قيل أليس لو قطع يمين رجل ويسار آخر لم يؤخر أحدهما الى اندمال الآخر؟ قلنا الفرق بينهما أن القطعين مستحقان قصاصاً فلهذا جمعنا بينهما وفي مسئلتنا أحدهما غير مستحق فلا نجمع بينهما فإذا اندملت اليسار قطعنا اليمين فإن سرى قطع اليسار الى نفسه كانت هدراً ويجب في تركته دية اليمنى لتعذر الاستيفاء فيها بموته

(مسألة) (وإن أخرجها دهشة أو ظناً منه أنها تجزئ فعلى القاطع ديتها إن علم أنها يسار وأنها لا تجزئ ويعزر) وقال بعض الشافعية عليه القصاص لأنه قطعها مع العلم أنه ليس له قطعها ولنا أنه قطعها ببذل صاحبها فلم يجب عليه القصاص كما لو علم باذلها وإن كان جاهلاً فلا تعزير عليه وعليه الضمان بالدية لأنه بذلها له على وجه البذل فكانت مضمونة عليه لأنه كان عالماً بها كانت مضمونة عليه وما وجب ضمانه في العمد وجب في الخطأ كإتلاف المال والقصاص باق له في اليمين ولا يقتص حتى تندمل اليسار فإن عفا وجب بدلها ويتقاصان وإن سرت اليسار الى نفسه كانت مضمونة بدية كاملة وقد تعذر قطع اليمنى ووجب له نصف الدية فيتقاصان به ويبقى نصف الدية لورثة الجاني، فإن اختلفا في بذلها فقال الجاني إنما بذلها بدلاً عن اليمين، وقال المجني عليه بذلتها بغير عوض أو قال أخرجتها دهشة قال بل عالماً فالقول قول الجاني لأنه أعلم بنيته، ولأن الظاهر أن الإنسان لا يبذل طرفه للقطع تبرعاً مع أن عليه قطعاً مستحقاً، وهذا مذهب الشافعي. (مسألة) (وإن كان من عليه القصاص مجنوناً مثل من يجن بعد وجوب القصاص عليه

مسألة وإن أخرجها دهشة أو ظنا منه أنها تجزىء فعلى القاطع ديتها إن علم أنها يسار وأنها لا تجزىء ويعزر

فعلى قاطعها القود إن كان عالماً بها وأنها لا تجزئ لأنه قطعها تعدياً بغير حق وإن جهل أحدهما فعليه الدية لأن بذل المجنون ليس بشبهة) (مسألة) (وإن كان من له القصاص مجنوناً ومن عليه القصاص عاقلاً فأخرج إليه يساره أو يمينه فقطعها ذهبت هدراً) لأنه لا يصح منه الاستيفاء ولا يجوز البذل له ولا ضمان عليه لأنه اتلفها ببذل صاحبها لكن إن كان المقطوع اليمنى فقد تعذر استيفاء القصاص فيها لتلفها فتكون المجنون ديتها (فصل) فإن وثب المجنون عليه فقطع يده التي لا قصاص فيها فعلى عاقلته ديتها وله القصاص في الأخرى وان قطع الأخرى فهو مستوف حقه في أحد الوجهين، لأن حقه متعين فيها فإذا اخذها قهراً سقط حقه كما لو أتلف وديعته (والثاني) لا يسقط حقه وله عقل يده وعقل يد الجاني على عاقلته لأن المجنون لا يصح منه الاستيفاء ويفارق الوديعة إذا أتلفها لأنها تلفت بغير تفريط وليس لها بدل إذا تلفت بذلك واليد بخلافه فإنها لو تلفت بغير تفريط كانت عليه ديتها وكذلك الحكم في الصغير فإن اقتصا مما لا تحمله العاقلة سقط حقهما وجهاً واحداً وقد ذكرناه (فصل) الثالث استواؤهما في الصحة والكمال لأن القصاص يعتمد المماثلة فلا تؤخذ صحيحة بشلاء

مسألة وإن كان من له القصاص مجنونا ومن عليه القصاص عاقلا فأخرج إليه يساره أو يمينه فقطعها ذهبت هدرا

ولا كاملة الأصابع بناقصة ولا ذات أظفار بما لا أظفار لها ولا عين صحيحة بقائمة ولا لسان ناطق بأخرس، لا نعلم أحدا من أهل العلم قال بوجوب قطع يد أو رجل أو لسان صحيح بأشل إلا ما حكي داود أنه أوجب ذلك لاشتراكهما في الاسم فأخذ به كالأذنين ولنا ان الشلاء لا نفع فيها سوى الجمال فلا تؤخذ بما فيه نفعة كالعين الصحيحة لا تؤخذ بالقائمة وما ذكر له قياس وهو لا يقول بالقياس وإذا لم يوجب القصاص في العينين مع قوله تعالى (والعين بالعين) لأجل تفاوتهما في الصحة والعمى فلأن لا يوجب ذلك فيما لا نص فيه أولى (فصل) ولا تؤخذ يد كاملة الأصابع بناقصة الأصابع فلو قطع من له خمس أصابع يد من له أربع أو ثلاث أو قطع من له أربع أصابع يد من له ثلاث لم يجب القصاص لأنها فوق حقه، وهل له أن يقطع من أصابع الجاني بعدد أصابعه؟ فيه وجهان ذكرناهما فيما إذا قطع من نصف الكف، وان قطع ذو اليد الكاملة يداً فيها اصبع شلاء وباقيها صحاح لم يجز أخذ الصحيحة بها لأنه أخذ كامل بناقص، وفي الاقتصاص مع الأصابع الصحاح وجهان؟ فإن قلنا له أن يقتص فله الحكومة في الشلاء وأرش ما تحتها من الكف وهل يدخل ما تحت الأصابع الصحاح في قصاصها أو تجب به حكومة؟ فيه وجهان:

(فصل) وإن قطع اليد الكاملة ذو يد فيها اصبع زائدة وجب القصاص فيها ذكره ابن حامد لأن الزائدة عيب ونقص في المعنى فلم يمنع وجودها القصاص منها كالسلعة فيها والجراح، واختار القاضي أنها لا تقطع بها وهو مذهب الشافعي لأنها زيادة، فعلى هذا إن كان للمجني عليه أيضاً أصبع زائدة في محل الزائدة من الجاني وجب القصاص لاستوائهما وإن كانت في غير محلها ولم يكن للمجني عليه اصبع زائدة لم تؤخذ يد الجاني وهل يملك قطع الأصابع؟ ينظر فإن كانت الزائدة ملصقة بإحدى الأصابع فليس له قطع تلك الاصبع لأن في قطعها إضراراً بالزائدة وهل له قطع الأصابع الأربع؟ على وجهين وإن لم تكن ملصقة بواحدة منهن فهل له قطع الخمس؟ على وجهين، وإن كانت الزائدة نابتة في اصبع في انملتها العليا لم يجز قطعها وإن كانت نابتة في السفلى أو الوسطى فله قطع ما فوقها من الأنامل في أحد الوجهين ويأخذ ارش الأنملة التي تعذر قطعها في أحد الوجهين ويتبع ذلك خمس الكف

(فصل) وإن قطع ذو يد لها أظفار يد من لا أظفار له لم يجز القصاص لأن الكاملة لا تؤخذ بالناقصة وإن كانت المقطوعة ذات أظفار إلا أنها خضراء أو مستحشفة أخذت بها السليمة لأن ذلك علة ومرض والمرض لا يمنع القصاص بدليل أنا نأخذ الصحيح بالسقيم (مسألة) (ولا تؤخذ عين صحيحة بقائمة ولا لسان ناطق بأخرس ولا ذكر صحيح بأشل) لأنها ليست مماثلة لها ولأنه يأخذ أكثر من حقه فاشبهت اليد الصحيحة بالشلاء لا تؤخذ بها (مسألة) (ولا يؤخذ ذكر فحل بذكر خصي ولا عنين) ذكره الشريف وهو قول مالك لأنه لا منفعة فيهما فإن ذكر العنين لا يوجد منه وطئ ولا انزال والخصي لا يولد له ولا يكاد يقدر على الوطئ ولا ينزل فهما كالأشل، ولأن كل واحد منهما ناقص فلا يؤخذ به الكامل كاليد الناقصة بالكاملة، ويحتمل أن يؤخذ بهما قال أبو الخطاب يؤخذ غيرهما بهما في أحد الوجهين وهو مذهب الشافعي لأنهما عضوان صحيحان ينقبضان به وينبسطان فيؤخذ بهما غيرهما كذكر الفحل غير العنين وإنما عدم الإنزال لذهاب الخصية والعنة لعلة في الظهر فلم يمنع ذلك

مسألة ولا تؤخذ عين صحيحة بقائمة ولا لسان ناطق بأخرس ولا ذكر صحيح بأشل

من القصاص بهما كأذن الأصم وأنف الأخشم، وقال القاضي لا يؤخذ ذكر الفحل بالخصي لتحقق نقصه والاياس من برئه وفي أخذ بذكر العنين وجهان (أحدهما) يؤخذ به الصحيح لأنه غير مأيوس من زوال عنته ولذلك يؤجل سنة بخلاف الخطأ، والصحيح الأول لأنه إذا ترددت الحال بين كونه مساوياً للآخر وعدمه لم يجب القصاص لأن الأصل عدمه فلا يجب بالشك سيما وقد حكمنا بانتفاء التساوي لقيام الدليل على عنته وثبوت عنته، ويؤخذ كل واحد من الخصي والعنين بمثله لتساويهما كما يؤخذ العبد بالعبد والذمي بالذمي (مسألة) (إلا مارن الأشم الصحيح فإنه يؤخذ بأنف الأخشم الذي لا يشم) لأن ذلك لعلة في الدماغ والأنف صحيح كما تؤخذ أذن السميع بأذن الأصم لكون ذهاب السمع نقص في الرأس لأنه محله وليس بنقص في الأذن، ويؤخذ الصحيح بالمحروم والمستحشف لأن كونه مستحشفاً مرض فلا يمنع من أخذه به لأنه يقوم مقام الصحيح (مسألة) (وتؤخذ أذن السميع بأذن الأصم لما ذكرنا) وتؤخذ الأذن المستحشفة بالصحيحة وهل تؤخذ بها الصحيحة؟ كاليد الشلاء وسائر الأعضاء والثاني تؤخذ بها لأن المقصود جمع الصوت وحفظ محل السمع والجمال وهذا يحصل بها كحصوله بالصحيحة بخلاف سائر الأعضاء

مسألة إلا مارن الأشم الصحيح فإنه يؤخذ بأنف الأخشم الذي لا يشم

(مسألة) (ويؤخذ المعيب من ذلك كله بالصحيح وبمثله إذا أمن من قطع الشلاء التلف) إذا كان القاطع أشل والمقطوعة سالمة فإن شاء المجني عليه أخذ الدية فله أخذ دية لا نعلم فيه خلافا لأنه عجز عن استيفاء حقه على الكمال بالقصاص فكانت له الدية كما لو لم يكن للقاطع يد وهذا قول أبي حنيفة ومالك والشافعي، وان اختار القصاص سئل أهل الخبرة فإن قالوا إنه إذا قطع لم تنسد العروق، ويدخل الهواء الى البدن فيفسده سقط القصاص لأنه لا يجوز أخذ نفس بطرف، وإن أمن هذا فله القصاص لأنه رضي بدون حقه فكان له ذلك كما لو رضي المسلم القصاص من الذمي والحر من العبد ولا يجب له مع القصاص أرش لأن الشلاء كالصحيحة في الخلقة وإنما نقصت في الصفة فلم يكن له أرش كالصورتين المذكورتين. واختار أبو الخطاب أن له الأرش مع القصاص على قياس قوله في عين الأعور إذا قلعت لأنه أخذ الناقص بالزائد والأول أصح، وهو اختيار الخرقي فإن الحاق هذا الفرع بالأصول المتفق عليها أولى من الحاقه بفرع مختلف فيه خارج عن الأصول مخالف للقياس (فصل) تؤخذ الشلاء بالشلاء إذا أمن في الاستيفاء الزيادة، وقال أصحاب الشافعي لا تؤخذ بها في أحد الوجهين لأن الشلل علة والعلل يختلف تأثيرها في البدن فلا تتحقق المماثلة بينهما ولنا أنهما متماثلان في ذات العضو وصفته فجاز أخذ إحداهما بالأخرى كالصحيحة بالصحيحة

مسألة ويؤخذ المعيب من ذلك كله بالصحيح وبمثله إذا أمن من قطع الشلاء التلف

(مسألة) (وتؤخذ الناقصة بالناقصة إذا تساويا فيه بأن يكون المقطوع من يد الجاني كالمقطوع من يد المجني عليه) لأنهما تساوتا في الذات والصفة، فإن اختلفا فكان المقطوع من يد أحدهما الابهام ومن الأخرى أصبع غيرها لم يجب القصاص لأن فيه أخذ اصبع بغيرها وإن كانت إحداهما ناقصة أصبعاً والأخرى ناقصة تلك الاصبع وغيرها جاز أخذ الناقصة أصبعين بالناقصة اصبعاً وهل له أخذ اصبعه الزائد؟ فيه وجهان، ولا يجوز أخذ الأخرى بها لأن الكاملة لا تؤخذ بالناقصة (مسألة) (وتؤخذ الناقصة بالكاملة لأنها دون حقه وهل له أخذ دية الأصابع الناقصة؟ على وجهين) (إحداهما) له ذلك وهو قول الشافعي واختيار ابن حامد (والثاني) ليس له مع القصاص أرش، وهو مذهب أبي حنيفة وقياس قول أبي بكر لئلا يفضي إلى الجمع بين قصاص ودية في عضو واحد وقال القاضي قياس قوله سقوط القصاص كقوله فيمن قطعت يده من نصف الذراع وليس هذا كذلك لأنه يقتص من موضع الجناية ويضع الحديدة في موضع وضعها الجاني فملك ذلك كما لو جنى عليه فوق الموضحة أو كان رأس الشاج أصغر أو أخذ الشلاء بالصحيحة، ويفارق القاطع من نصف الذراع لأنه لا يمكنه القصاص من موضع الجناية هكذا حكاه الشريف عن أبي بكر

مسألة وتؤخذ الناقصة بالناقصة إذا تساوتا فيه بأن يكون المقطوع من يد الجاني كالمقطوع من يد المجني عليه

(فصل) وإن كانت يد القاطع والمجني عليه كاملتين وفي يد المجني عليه اصبع زائدة فعلى قول ابن حامد لا عبرة بالزائدة لأنها بمنزلة الخراج والسلعة وعلى قول غيره له قطع يد الجاني وله حكومة في الزائدة؟ على وجهين، وإن قطع من له خمس أصابع اصلية كف من له أربع أصابع اصلية وأصبع زائدة أو قطع من له أربع أصابع اصلية وأصبع زائدة كف من له خمس أصابع أصلية فلا قصاص في الصورة الأولى لأن الأصلية لا تؤخذ بالزائدة وله القصاص في الصورة الثانية في قول ابن حامد لأن الزائدة لا عبرة بها، وقال غيره إن لم تكن الزائدة في محل الأصلية فلا قصاص أيضاً لأن الأصبعين مختلفان، وإن كانت في محل الأصلية فقال القاضي يجري القصاص وهو مذهب الشافعي ولا شئ له لنقص الزائدة، قال شيخنا وهذا فيه نظر لأنها متى كانت في محل الأصلية كانت أصلية لأن الزائدة هي التي زادت عن عدد الاصابع أو كانت في غير محل الأصابع وهذا له خمس أصابع في محلها فكانت كلها أصلية، فإن قالوا معنى كونها زائدة أنها ضعيفة مائلة عن سمت الأصابع، قلنا ضعفها لا يوجب كونها زائدة كذكر العنين وأما ميلها عن سمت الأصابع فإنها إن لم تكن نابتة من محل الاصبع المعدونة فسد قولهم أنها في محلها وإن كانت نابتة في موضعها وإنما مال راسها أو اعوجت فهو مرض لا يخرجها عن كونها أصلية (فصل) إذا قطع أصبعه فأصابه من جرحها أكلة في يده وسقطت من مفصل ففيها القصاص على ما نذكره في سراية الجناية وإن بادر صاحبها فقطعها من الكوع لئلا تسري الى سائر جسده ثم اندمل

جرحه فعليى الجاني القصاص في الأصبع والحكومة فيما تأكل من الكف ولا شئ عليه فيما قطعه المجني عليه لأنه تلف بفعله، وإن لم تندمل ومات من ذلك فالجاني شريك نفسه فيحتمل وجوب القصاص عليه ويحتمل أن لا يجب بحال لأن فعل المجني عليه إنما قصد به المصلحة فهو عمد الخطأ وشريك الخاطئ لا قصاص عليه ويكون عليه نصف الدية، وإن قطع المجني عليه موضع الأكلة نظرت فإن قطع لحماً ميتاً ثم سرت الجناية فالقصاص على الجاني لأنه سراية جرحه خاصة وإن كان في لحم حي فمات فهو كما لو قطعها خوفاً من سرايتها وقد ذكرناه (فصل) إذا قطع أنملة لها طرفان إحداهما زائدة والأخرى أصلية فإن كانت أنملة القاطع ذات طرفين أيضاً أخذت بها وإن لم تكن ذات طرفين قطعت وعليه حكومة في الزائدة وإن كانت المقطوعة ذات طرف واحد وأنملة القاطع ذات طرفين أخذت بها في قول ابن حامد، وعلى قول غيره لا قصاص فيها وله دية أنملة وإن ذهب الطرف الزائد فله الاستيفاء وإن قال أنا أصبر حتى يذهب الزائد ثم اقتص فله ذلك لأنه القصاص حقه فلا يجبر على تعجيل استيفائه (مسألة) (وإن اختلفا في شلل العضو وصحته فالقول قول المجني عليه في أحد الوجهين) لأن الظاهر من الناس سلامة الأعضاء وخلق الله تعالى لهم بصفة الكمال، والثاني القول قول الجاني لأن الأصل براءة ذمته من دية عضو سالم ولأنه لو كان سالما يخف لأنه يظهر فيراه الناس

مسألة وان اختلفا في شلل العضو وضحته فالقول قول المجني عليه في أحد الوجهين

(فصل) قال رحمه الله وان قطع بعض لسانه أو مارنه أو شفته أو حشفته أو أذنه أخذ مثله يقدر بالأجزاء كالنصف والثلث والربع لقول الله تعالى (والجروح قصاص) وقال أبو الخطاب لا يؤخذ بعض اللسان بالبعض ذكره صاحب المحرر ولنا أنه يؤخذ جميعه بجميعه فأخذ بعضه ببعضه كالأنف ولا يؤخذ بالمساحة لأنه يفضي إلى أخذ لسان الجاني جميعه ببعض لسان المجني عليه (مسألة) (وإن كسر بعض سنه برد من سن الجاني مثله إذا أمن قلعها) يجري القصاص في بعض السن لحديث الربيع حين كسرت سن جارية فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالقصاص ويقدر بذلك بالأجزاء النصف بالنصف وكل جزء بمثله ولا يؤخذ بالمساحة لئلا يفضيي الى أخذ جميع سن الجاني ببعض سن المجني عليه ويكون القصاص بالمبرد لتؤمن الزيادة فإما لو أخذناها بالكسر لم نأمن أن ينصدع أو ينقلع أو ينكسر من غير موضع القصاص ولا يقتص حتى يقول أهل الخبرة انه يؤمن انقلاعها أو السواد فيها لأن توهم الزيادة يمنع القصاص في الأعضاء كما لو قطعت يده من غير مفصل فإن قيل فقد أجزتم القصاص في الأطراف مع توهم سرايتها الى النفس فلم منعتم منها لتوهم السراية منه الى بعض العضو قلنا وهم السراية الى النفس لا سبيل إلى التحرز منه فلو اعتبرناه في المنع افضى الى

مسألة وإن كسر بعض سنه برد من سن الجاني مثله إذا أمن قلعها

سقوط القصاص في الأطراف بالكلية فسقط اعتباره أما السراية الى بعض العضو فتارة نقول انما يمنع القصاص فيها إحتمال الزيادة في الفعل لا في السراية مثل من يستوفي من بعض الذراع فإنه يحتمل أكثر مما فعل به وكذلك من كسر سناً ولم يصدعها فكسر المستوفي سنه وصدعها أو قطعها أو كسر أكثر مما كسر من سنه فقد زاد على المثل والقصاص يعتمد المماثلة وتارة نقول إن السراية في بعض العضو إنما تمنع إذا كانت ظاهرة ومثل هذا يمنع في النفس ولهذا منعناه من الاستيفاء بآلة كالة أو مسمومة وفي وقت افراط الحر والبرد تحرزاً من السراية (فصل) وإن قلع سناً زائدةً وهي التي تنبت فضلة في غير سمت الأسنان خارجة عنها الى داخل الفم أو الى الشفة وكانت للجاني مثلها في موضعها فللمجني عليه القصاص أو حكومة في سنه وإن لم لم يكن له مثلها في محلها فليس له إلا الحكومة وان كانت احدى الزائدتين أكبر من الأخرى ففيه وجهان (أحدهما) لا تؤخذ بها لأن الحكومة فيها أكثر فلا يقلع بها ما هو أقل قيمة منها (والثاني) تؤخذ بها لأنهما سنان متساويتان في الموضع فتؤخذ كل واحدة منهما بالأخرى كالاصلتين ولأن الله تعالى قال (والسن بالسن) وهو عام فيدخل فيه محل النزاع وإن قلنا يثبت القياس في الزائدتين بالاجتهاد فالثابت بالاجتهاد معتبر بما ثبت بالنص واختلاف القيمة لا يمنع القصاص بدليل جريانه بين العبد وبين الذكر والأنثى في النفس والأطراف على أن كبر السن لا يوجب كبر قيمتها فإن السن الزائدة نقص

وعيب وكثرة العيب زيادة في النقص لا في القيمة ولأن كبر السن الأصلية لا يزيد في قيمتها فالزائدة كذلك (مسألة) (ولا يقتص من السن حتى ييئس من عودها وهي سن من قد اثغر أي سقطت رواضعه ثم نبتت فإن قلع سن من لم يثغر لم يقتص من الجاني في الحال لأنها تعود بحكم العادة فلم يجب ضمانها كالشعر (مسألة) (فإن عاد بدل السن على صفتها في موضعها فلا شئ على الجاني وإن مضى زمن عودها ولم تعد سئل أهل الخبرة فإن قالوا قد يئس من عودها خير المجي عليه بين القصاص وبين دية السن (مسألة) (وإن مات المجني عليه قبل الإياس من عودها فلا قصاص) لأن الاستحقاق غير متحقق فيكون ذلك شبهة في درء القصاص وتجب الدية لأن القطع موجود والعود مشكوك فيه (مسألة) (فإن قطع سن كبير فقال القاضي يسأل أهل الخبرة) فإن قالوا لا تعود فله القصاص في الحال وإن قالوا يرجى عودها الى وقت معلوم لم يقتص حتى يأتي ذلك الوقت فإن لم تعد وجب القصاص (مسألة) (وإن اقتص من سن فعادت غرم سن الجاني لأنه قد تبين أن القصاص لم يكن يجب ويضمنها بالدية دون القصاص لأنه لم يقصد التعدي وإن عادت سن الجاني رد ما أخذ إذا لم تعد سن المجني عليه (مسألة) (وإن عادت سن المجني عليه قصيرة أو معيبة فعلى الجاني أرش نقصها بالحساب)

مسألة ولا يقتص من السن حتى ييأس من عودها وهي سن من قد أثغر أي سقطت رواضعه ثم نبتت فإن قلع

ففي نصفها نصف ديتها ونحو ذلك وإن عادت والدم يسيل منها أو مائلة عن محلها ففيها حكومة لأنه نقص حصل بفعله، وقد ذكرنا هذه المسائل في مسألة ويؤخذ السن بالسن (فصل) قال رحمه الله النوع الثاني الجراح فيجب القصاص في كل جرح ينتهي الى عظم كالموضحة وجرح العضد والفخذ الساق والقدم لقول الله تعالى (والجروح قصاص) فيجب في كل جرح ينتهي الى عظم يمكن استيفاؤه من غير زيادة كالموضحة في الرأس والوجه وذلك لأن الله تعالى نص على القصاص في الجروح فلو لم يجب ههنا لسقط حكم الآية وفي معنى الموضحة كل جرح ينتهي الى عظم فيما سوى الرأس والوجه كالساعد والعضد والفخذ والساق يجب فيه القصاص في قول أكثر أهل العلم وهو منصوص الشافعي وقال بعض أصحابه لا قصاص فيها لأنه لا مقدر فيها وهو غير صحيح لمخالفته قول تعالى (والجروح قصاص) ولأنه أمكن استيفاؤه بغير حيف ولا زيادة لكونه ينتهي الى عظم فأشبه الموضحة والتقدير في الموضحة ليس هو المقتضي للقصاص ولا عدمه مانعاً وإنما كان التقدير في الموضحة لكثرة شينها وشرف محلها ولهذا قدر ما فوقها من شجاج الرأس والوجه ولا قصاص فيه. (فصل) ولا يستوفى القصاص فيما دون النفس بالسيف ولا بآلة يخشى منها الزيادة سواء كان الجرح بها أو بغيرها، لأن القتل إنما استوفي بالسيف لأنه آلته وليس ثم شئ يخشى التعدي اليه

فيجب أن يستوفى فيما دون النفس بآلته ويتوقى ما يخشى منه الزيادة الى محل لا يجوز استيفاؤه ولأنا منعنا القصاص بالكلية فيما تخشى الزيادة في استيفائه فلأن نمنع الآلة التي يخشى منها ذلك أولى فإن كان الجرح موضحة أو ما أشبهها فبالموسى أو حديدة ماضية معدة لذلك ولا يستوفي إلا من له علم بذلك كالجرائحي ومن أشبهه، فإن لم يكن للولي علم بذلك أمر بالاستنابة، وإن كان له علم فقال القاضي ظاهر كلام أحمد أنه يمكن منه لأنه أحد نوعي القصاص فيمكن من استيفائه إذا كان يحسن كالقتل ويحتمل أن لا يمكن من استيفائه بنفسه ولا يليه إلا نائب الإمام أو من يستنيبه ولي الجناية وهو مذهب الشافعي لأنه لا يؤمن مع العداوة وقصد التشفي أن يحيف في الاستيفاء بما لا يمكن تلافيه وربما أفضى إلى النزاع والاختلاف بأن يدعي الجاني الزيادة وينكرها المستوفي (مسألة) (ولا يجب القصاص فيما سوى ذلك من الشجاج والجروح كما دون الموضحة أو أعظم منها وممن روي عنه منع القصاص فيما دون الموضحة الحسن وأبو عبيد وأصحاب الرأي ومنعه فيما فوقها عمر بن العزيز وعطاء والنخعي والزهري والحكم وإبن شبرمة والثوري ومالك والشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم أحداً أوجب القصاص فيما فوق الموضحة إلا ما روي عن ابن

مسألة ولا يجب القصاص فيما سوى ذلك من الشجاج والجروح كما دون الموضحة أو أعظم منها

الزبير أنه اقاد من المنقلة وليس بثابت عنه، قال إبن المنذر ولا أعلم أحداً خالف ذلك ولأنها جراحات لا تؤمن الزيادة فيها فأشبه الجائفة وأما دون الموضحة فقد روي عن مالك أن القصاص يجب في الدامية والباضعة والسمحاق وروي نحوه عن أصحاب الرأي ولنا أنها جراحة لا تنتهي الى عظم فلم يجب فيما قصاص كالجائفة ولأنه لا يؤمن فيما الزيادة فأشبه كسر العظام وبيان ذلك أنه إن اقتص من غير تقدير أفضى إلى أن يأخذ أكثر من حقه وإن اعتبر مقدار العمق أفضى إلى أن يقتص من الباضعة والسمحاق موضحة ومن الباضعة سمحاقاً لأنه قد يكون لحم المشجوج كثيراً بحيث يكون عمق باضعته كعمق موضحة الشاج أو سمحاقة ولأننا لم نعتبر في الموضحة قدر عمقا فكذلك في غيرها (فصل) ولا قصاص في المأمومة من شجاج الرأس ولا في الجائفة، والمأمومة هي التي تصل الى جلدة الدماغ والجائفة هي التي تصل الى الجوف وليس فيهما قصاص عند أحد من أهل العلم نعلمه إلا ما روي عن ابن الزبير انه أقص من المأمومة فأنكر الناس عليه وقالوا ما سمعنا أحداً أقص منها قبل ابن الزبير، وروي عن علي رضي الله عنه لا قصاص في المأمومة وهو قول مكحول والزهري والشعبى وقال عطاء والنخعي لا قصاص في الجائفة، وروى ابن ماجة في سننه عن العباس بن عبد المطلب

مسألة إلا أن تكون أعظم من الموضحة كالهاشمة والمنقلة والمأمومة فله أن يقتص موضحة بغير خلاف بين أصحابنا

عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا قود في المأمومة ولا في الجائفة ولا في المنقلة " ولأنهما جرحان لا تؤمن الزيادة فيهما فلم يجب فيهما قصاص ككسر العظام " (مسألة) (إلا أن تكون أعظم من الموضحة كالهاشمة والمنقلة والمأمومة فله أن يقتص موضحة بغير خلاف بين أصحابنا) . وهو مذهب الشافعي لأنه يقتصر على بعض حقه ويقتص من محل جنايته فإنه إنما وضع السكين في موضع وضعها الجاني، لأن سكين الجاني وصلت الى العظم ثم تجاوزته بخلاف قاطع الساعد فإنه لم يضع سكينه في الكوع. (مسألة) (ولا شئ له مع القصاص على قول أبي بكر) لأنه جرح واحد فلا يجمع فيه بين قصاص ودية كما لو قطع الشلاء بالصحيحة وكما في الأنفس إذا قتل الكافر بالمسلم والعبد بالحر، وقال ابن حامد له ما بين دية موضحة ودية تلك الشجة، وهو مذهب الشافعي لأنه تعذر القصاص فيه فانتقل الى البدل كما لو قطع أصبعيه فلم يمكن الاستيفاء إلا من واحدة وفارق الشلاء بالصحيحة فإن الزيادة ثم من حيث المعنى وليست مميزة بخلاف مسئلتنا فيأخذ في الهاشمة خمساً من الإبل وفي المنقلة عشراً (مسألة) (ويعتبر قدر الجرح بالمساحة فلو أوضح إنساناً في بعض رأسه، مقدار ذلك البعض جميع رأس الشاج وزيادة كان له أن يوضحه في جميع رأسه وفي الأرش للزائد وجهان)

مسألة ولا شيء له مع القصاص على قول أبي بكر

وجملة ذلك أنه أراد الاستيفاء من موضحة وشبهها فإن كان على موضعها شعر أزاله ويعمد إلى موضع الشجة من رأس المشجوج فيعلم طولها وعرضها بخشبة أو خيط ويضعها على راس الشاج ويعلم طرفيه بسواد أو غيره ويأخذ حديدة عرضها كعرض الشجة فيضعها في أول الشجة ويجرها الى آخرها فيأخذها مثل الشجة طوعلا وعرضاً ولا يراعي العمق لأن حده العظم ولو روعي لتعذر الاستيفاء، لأن الناس يختلفون في قلة اللحم وكثرته وهذا كما يستوفى الطرف بمثله وإن اختلفا في الصغر والكبر والرقة والغلظة فإن كان رأس الشاج والمشجوج سواء استوفى قدر الشجة وإن كان رأس الشاج أصغر لكنه يتسع للشجة استوفيت وإن استوعبت رأس الشاج كله لأنه استوفاها بالمساحة ولا يمنع الاستيفاء زيادتها على مثل موضعها من رأس الجاني لأن الجميع رأس وإن كان قدر الشجة يزيد على رأس الجاني فإنه يستوفي الشجة في جميع رأس الشاج ولا يجوز أن تنزل إلى جبهته لأنه يقتص في عضو آخر غير العضو المجني عليه ولا ينزل الى قفاه لما ذكرنا ولا يستوفي بقية الشجة في موضع آخر من رأسه لأنه يكون مستوفياً موضحتين واضعاً للحديدة في غير الموضع الذي وضعها فيه الجاني واختلف أصحابنا فيماذا يصنع؟ فذكر القاضي أن ظاهر كلام أبي بكر أنه لا أرش له فيما بقي كيلا يجمع بين قصاص ودية في جرح واحد، وهذا مذهب أبي حنيفة فعلى هذا يتخير بين الاستيفاء في جميع رأس الشاج ولا أرش له وبين العفو الى دية موضحة، وقال ابن حامد وبعض أصحابنا

له أرش ما بقي وهو مذهب الشافعي، لأن القصاص تعذر فيما جنى عليه فكان له أرش كما لو تعذر في الجميع، فعلى هذا تقدر شجة الجاني من الشجة في رأس المجني عليه ويستوفي أرش الباقي فإن كانت بقدر ثلثيها فله أرش ثلث موضحة وإن زادت على هذا أو نقصت فبالحساب من أرش الموضحة ولا يجب له أرش موضحة كاملة لئلا يفضي إلى إيجاب القصاص ودية موضحة وإن أوضحه في جميع رأسه ورأس الجاني أكبر فللمجني عليه أن يوضح منه بقدر مساحة موضحة من أي الطرفين شاء لأنه جنى عليه في ذلك الموضع كله وإن استوفى قدر موضحته ثم تجاوزها واعترف أنه عمد ذلك فعليه القصاص في ذلك القدر، فإذا اندملت موضحته استوفى منه القصاص في موضع الاندمال لأنه موضع الجناية، وان ادعى الخطأ فالقول قوله لأنه محتمل وهو أعلم بقصده وعليه أرش موضحة، فإن قيل فهذه الموضحة كلها لو كانت عدواناً لم يجب فيها إلا دية موضحة فكيف يجب في بعضها دية موضحة قلنا لأن المستوفى لم يكن جناية إنما الجناية الزائد، والزائد لو انفرد لكان موضحة فكذلك إذا كان معه ما ليس بجناية بخلاف ما إذا كانت كلها عدواناً فإن الجميع جناية واحدة (فصل) إذا أوضحه في جميع رأسه ورأس الجاني أكبر فأراد أن يستوفي القصاص بعضه من مقدم الرأس وبعضه من مؤخرة منع ذلك لأنه يأخذ موضحتين بواحدة وديتهما مختلفة، ويحتمل

الجواز لأنه لا يجاوز موضع الجناية ولا قدرها، فإن أهل الخبرة إن في ذلك زيادة ضرر أو شين لم يجز ولأصحاب الشافعي كهذين القولين، فإن كان رأس المجني عليه أكبر فأوضحه الجاني في مقدمه ومؤخره موضحتين قدرهما جميع رأس الجاني فله الخيار بين أن يوضحه موضحة واحدة في جميع رأسه أو يوضحه موضحتين يقتصر في كل واحدة منهما على قدر موضحته ولا أرش لذلك وجها واحدة لأنه ترك استيفاء مع امكانه، وان عفا الى الأرش فله أرش موضحتين، وإن شاء اقتص من احداهما وأخذ أرش الأخرى (فصل) فإن كانت الجناية في غير الرأس والوجه وكانت في ساعد فزادت على ساعد الجاني لم ينزل الى الكف ولم يصعد الى العضد وإن كانت في الساق لم ينزل الى القدم ولم يصعد الى الفخذ لأنه عضو آخر فلا يقتص منه كما لم ينزل من الرأس الى الوجه ولم يصعد من الوجه الى الرأس (فصل) إذا شج في مقدم رأسه أو مؤخره عرضاً شجه لا يتسع لها مثل موضعها من رأس الشاج فأراد أن يستوفي من وسط الرأس فيما بين الاذنين لكونه يتسع لمثل تلك الشجة ففيه وجهان (أحدهما) لا يجوز لأنه غير الموضع الذي شجه فيه فلم يجز له الاستيفاء منه كما لو أمكنه استيفاء حقه من محل الشجة، واحتمل الجواز لأن الرأس عضو واحد فإذا لم يمكنه استيفاء حقه من محل شجته

جاز من غيره كما لو شجه في مقدم رأسه شجة قدرها جميع رأس الشاج جاز إتمام استيفائها من مؤخر رأس الجاني، وهذا منصوص الشافعي وهكذا يخرج فيما إذا كان الجرح في موضع من الساق والقدم والذراع والعضد، وإن أمكن الاستيفاء من محل الجناية لم يجز العدول عنه وجهاً واحداً (فصل) قال (وإذا اشترك جماعة في قطع طرف أو جرح موجب للقصاص وتساوت أفعالهم مثل أن يضعوا الحديدة على يده ويتحاملوا عليها جميعاً حتى تبين فعلى جميعهم القصاص في أشهر الروايتين وهي التي ذكرها الخرقي) وبذلك قال مالك وأبو ثور وقال الحسن والزهرى والثوري وأصحاب الرأي وابن المنذر لا يقطع يدان بيد واحدة وهي الرواية الأخرى لأنه روي عنه أن الجماعة لا يقتلون بالواحد، وهذا تنبيه على أن الأطراف لا تؤخذ بطرف واحد لأن الأطراف يعتبر التساوي فيها بدليل أنا لا نأخذ الصحيحة بالشلاء ولا كاملة الأصابع بناقصة ولا أصلية بزائدة ولا يميناً بيسار ولا يساراً بيمين، ولا تساوي بين الطرف والأطراف فوجب امتناع القصاص بينهما ولا يعتبر التساوي في النفس فإنا نأخذ الصحيح بالمريض وصحيح الأطراف بمقطوعها وأشلها ولأنه يعتبر في القصاص في الأطراف التساوي في نفس

القطع بحيث لو قطع كل واحد من جانب الآخر لم يجب القصاص بخلاف النفس ولأن الاشتراك الموجب للقصاص في النفس يقع كثيراً فوجب القصاص زجراً عنه كي لا يتخذ وسيلة إلى كثرة القتل والاشتراك المختلف فيه ولا يقع إلا في غاية الندرة فلا حاجة الى الزجر عنه، ولأن إيجاب القصاص على المشتركين في النفس يحصل به الزجر عن كل اشتراك أو عن الاشتراك المعتاد وإيجابه على المشركين في الطرف لا يحصل به الزجر عن الاشتراك المعتاد ولا عن شئ من الاشتراك إلا عن صورة نادرة الوقوع بعيدة الوجود يحتاج في وجودها إلى تكلف فإيجاب القصاص الزجر عنها يكون منعا لشئ لا يكاد يقع لصعوبته وإطلاقاً في القطع السهل المعتاد بنفي القصاص عن فاعله وهذا لا فائدة فيه بخلاف الاشتراك في النفس، يحققه أن وجوب القصاص في الطرف والنفس على الجماعة بواحد على خلاف الأصل لكونه أخذ في الاستيفاء زيادة على ما فوت عليه ويخل بالتماثل المنصوص على النهي عما عداه، وإنما خولف هذا الأصل زجراً عن الاشتراك الذي يقع القتل به غالباً ففيما عداه يجب البقاء على أصل التحريم ولأن النفس أشرف من الطرف ولا يلزم من المحافظة عليها بأخذ الجماعة بالواحد المحافظة على ما دونها بذلك ولنا ما روى أن شاهدين شهدا عند علي رضي الله عنه على رجل بالسرقة فقطع يده ثم جاءا بآخر فقالا

هو السارق وأخطأنا في الأول فرد شهادتهما على الثاني وغرمهما دية يد الأول وقال لو علمت أنكما تعمدتما لقطعتكما فأخبر أن القصاص على كل واحد منهما لو تعمدا قطع يد واحدة، ولأنه أحد نوعي القصاص فيؤخذ فيه الجماعة بالواحد كالأنفس، وأما اعتبار التساوي فمثله في الأنفس فإنا نعتبر التساوي فيها فلا نأخذ مسلماً بكافر ولا حراً بعبد، وأما أخذ صحيح الأطراف بمقطوعها فلأن الطرف ليس هو من النفس المقتص منها وإنما يؤخذ تبعاً ولذلك كانت ديتهما واحدة بخلاف اليد الناقصة والشلاء مع الصحيحة فإن ديتهما مختلفة، وأما اعتبار التساوي في الفعل فإنما اعتبر في اليد لأنه يمكن مباشرتهما بالقطع فإذا قطع كل واحد منهما من جانب فإن فعل كل واحد منهما متميزاً عن فعل الآخر فلا يجب على انسان قطع محل لم يقطع مثله، وأما النفس فلا يمكن مباشرتها بالفعل وإنما أفعالهم في البدن فيفضي ألمه اليها فيزهق ولا تميز ألم فعل أحدهما من ألم فعل الآخر فكانا كالقاطعين في محل واحد ولذلك لا يستوفى من الطرف إلا في المفصل الذي قطع الجاني منه ولا يجوز تجاوزه في النفس لو قتله بجرح في جنبه أو بطنه أو غير ذلك كان الاستيفاء من العنق دون المحل الذي وقعت الجناية فيه. إذا

ثبت هذا فإن الجناية إنما تجب على المشتركين في الطرف إذا اشتركوا فيه على وجه لا يتميز فعل أحدهم من فعل الآخر إما بأن شهدوا عليه بما يوجب قطعه فيقطع ثم يرجعوا عن الشهادة أو يكرهوا انساناً على قطع طرف فيجب قطع المكرهين والمكره أو يلقوا صخرة على طرف انسان فيقطعه أو يقطعوا يداً أو يقلعوا عيناً بضربة واحدة أو يضعوا حديدة على مفصل ويتحاملوا عليها جميعاً أو يمدوها فتبين ونحو ذلك (مسألة) (وإن تفرقت أفعالهم أو قطع كل واحد من جانب فلا قصاص عليهم رواية واحدة) لأن كل واحد منهم لم يقطع اليد ولم يشارك في قطع جميعها وإن كان فعل كل واحد منهم يمكن الاقتصاص بمفرده اقتص منه وهذا مذهب الشافعي (مسألة) (وسراية الجناية مضمونة بالقصاص أو الدية) سراية الجناية مضمونة بغير خلاف لأنها أثر جناية والجناية مضمونة فكذلك أثرها ثم ان سرت الى النفس أو ما لا يمكن مباشرته بالاتلاف مثل ان هشمه في راسه فيذهب ضوء عينه وجب القصاص فيه ولا خلاف في ذلك في النفس، وفي ضوء العين خلاف ذكرناه فيما مضى، وإن سرت الى ما يمكن مباشرته بالاتلاف مثل ان قطع اصبعاً فتأكلت أخرى وسقطت ففيه القصاص أيضا في قول امامنا

مسألة وإن تفرقت أفعالهم أو قطع كل واحد من جانب فلا قصاص عليهم رواية واحدة

وأبي حنيفة ومحمد بن الحسن، وقال أكثر الفقهاء لا قصاص في الانية وتجب ديتها لأن ما أمكن مباشرته بالجناية لا يجب القود فيه بالسراية كما لو رمى سهماً الى شخص فمرق منه الى آخر ولنا أن ما وجب فيه القود بالجناية وجب بالسراية كالنفس ولأنه أحد نوعي القصاص فأشبه ما ذكرنا، وفارق ما ذكروه فإن ذلك فعل وليس بسراية ولأنه لو قصد ضرب رجل فأصاب آخر لم يجب القصاص ولو قصد قطع إبهامه فقطع سبابته وجب القصاص، ولو ضرب ابهامه فمرق الى سبابته وجب القصاص فيها فافترقا، ولأن الثانية تلفت بفعل أوجب القصاص فوجب القصاص فيها كما لو رمى أحدهما فمرق الى الأخرى (مسألة) (وان شل ففيه ديته) وبهذا قال الشافعي قالوا يجب الأرش في الثانية التي شلت والقصاص في الأولى، وقال

أبو حنيفة لا يجب القصاص فيها ويجب أرشهما جميعاً لأن الحكم السراية لا ينفرد عن الجناية بدليل ما لو سرت الى النفس فاذا لم يجب القصاص في إحداها لم يجب في الأخرى. ولنا أنها جناية موجبة للقصاص لو لم تسرفا وجبته إذا سرت كالتي تسري الى سقوط أخرى وكما قطع يد حبلى فسرى الى جنينها وبهذا يبطل ما ذكره، وارق الأصل لأن السراية مقتضية للقصاص كاقتضاء الفعل له فاستوى حكمهما وههنا بخلافه ولأن ما ذكره غير صحيح فإن القطع إذا سرى إلى النفس وجب القصاص في النفس وسقط في القطع فخالف حكم الجناية حكم السراية فسقط ما قاله. إذا ثبت ذلك فإن الأرش يجب في ماله فلا تحمله العاقلة لأنه جناية عمد وإنما لم يجب القصاص فيه لعدم المماثلة في القطع فإذا قطع اصبعه فشلت أصابعه الباقية وكفه فعفا عن القصاص وجب له نصف الدية وإن اقتص من الأصبع فله في الأصابع الباقية أربعون من الإبل ويتبعها ما حاذاها من الكف وهو أربعة أخماسه فيدخل أرشه فيها ويبقى خمس الكف فيه وجهان (أحدهما) يتبعها في الارش فلا شئ له فيه (والثاني)

مسألة وإن شل ففيه ديته

فيه الحكومة لأن ما يقابل الأربع يتبعها في الأرش لاستوائهما في الحكم وحكم التي اقتص منها مخالف لحكم الأرش فلم يتبعها (مسألة) (وسراية القود غير مضمونة فلو قطع اليد قصاصاً فسرى الى النفس فلا شئ على القاطع) وبهذا قال الحسن وإبن سيرين ومالك والشافعي واسحاق وأبو يوسف ومحمد وإبن المنذر وري ذلك عن أبي بكر وعمر وعلي رضي الله عنهم وقال عطاء وطاوس وعمرو بن دينار والحادث العكلي والشعبي والنخعي والزهري وأبو حنيفة: عليه الضمان قال أبو حنيفة عليه كمال الدية في ماله، وقال غيره هي على عاقلته لأنه فوت نفسه ولا يستحق إلا طرفه فلزمته ديته كما لو ضرب عنقه

مسألة وسراية القود غير مضمونة فلو قطع اليد قصاصا فسرى إلى النفس فلا شيء على القاطع

ولأنها سراية قطع مضمون فكانت مضمونة كسراية الجناية والدليل على أنه مضمون أنه مضمون بالقطع الأول لأنه في مقابلته ولنا أن عمر وعلياً رضي الله عنهما قال من مات من حد أو قصاص لا دية له الحق قتله رواه سعيد بمعناه ولأنه قطع مستحق مقدر فلا تضمن سرايته كقطع السارق وفارق ما قاسوا عليه فإنه ليس ما فعله مستحقاً: إذا ثبت هذا فلا فرق بين سرايته الى النفس بأن يموت منها أو ألى ما دونها مثل أن يقطع أصبعاً فتسري الى كفه (مسألة) (ولا يقتص في الطرف إلا بعد برئه) في قول أكثر أهل العلم منهم النخعي والثوري وأبو حنيفة ومالك وإسحاق وأبو ثور وروي ذلك عن عطاء والحسن قال إبن المنذر كل من أحفظ عنه من أهل العلم يرى الانتظار بالجرح حتى يبرأ ويتخرج لنا أنه يجوز الاقتصاص قبل البرء وبناء على قولنا إنه إذا سرى إلى النفس يفعل به كما لو

مسألة ولا يقتص في الطرف إلا بعد برئه

فعل وهذا قول الشافعي قال ولو سأل القود ساعة قطعت أصبعه أقدته لما روى جابر أن رجلاً طعن رجلاً بقرن في ركبته فقال يا رسول الله أقدني قال " حتى تبرأ " فأني وعجل فاستقاد له رسول الله صلى الله عليه وسلم فعييت رجل المستقيد وبرأت رجل المستقيد منه فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " ليس لك شئ إنك عجلت " رواه سعيد مرسلاً ولأن القصاص في الطرف لا يسقط بالسراية فوجب أن يملكه في الحال كما لو برأ ولنا ما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يستقاد من الحرج حتى يبرأ المجروح رواه الدارقطني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم ولأن الجرح لا يدرى أقتل هو أو لا فينبغي أن ينتظر ليعلم ما حكمه فقد رواه وفي سياقه فقال يا رسول الله عرجت فقال " قد نهيتك فعصيتني فأبعدك الله وبطل عرجك " ثم نهى أن يقتص من جرح حتى يبرأ صاحبه وهذه زيادة يجب قبولها وهي متأخرة

عن الاقتصاص فتكون ناسخة له وفي نفس الحديث ما يدل على أن استقادته قبل البرء معصية لقوله " قد نهيتك فعصيتني " وما ذكروه ممنوع وهو مبنى الخلاف (مسألة) (فان فعل ذلك سقط حقه من سرايته فلو سرى إلى نفسه كان هدراً ولو سرى القصاص الى نفس الجاني كان هدراً أيضاً وقال الشافعي هي مضمونة لأنها سراية جناية فكانت مضمونة كما لو لم يقتص) ولنا الخبر المذكور ولأنه استعجل ما لم يكن له إستعجاله فبطل حقه كقاتل موروثه. وبهذا فارق من لم يقتص فعلى هذا لو سرى القطعان جميعاً فمات الجاني والمستوفي فهما هدر. وقال أبو حنيفة يجب ضمان كل واحد منهما لأن سراية كل واحد منهما مضمونة ثم يتقاصان وقال الشافعي إن مات المجني عليه أولا ثم مات الجاني كان قصاصاً به لأنه مات من سراية القطع فقد مات بفعل المجني عليه وإن مات الجاني فكذلك في أحد الوجهين وفي الآخر يكون موت الجاني هدراً ولولي المجني عليه نصف الدية فلما إن

مسألة فإن فعل ذلك سقط حقه من سرايته فلو سرى إلى نفسه كان هدرا ولو سرى القصاص الى نفس الجاني

سرى أحد القطعين دون صاحبه فعندنا هو هدر لا ضمان فيه وعند أبي حنيفة يجب ضمان سرايته وعند الشافعي أن سرت الجناية فهي مضمونة وإن سرى الاستيفاء لم يجب ضمانه ومبنى ذلك على ما تقدم من الخلاف (فصل) وإن اندمل جرح الجناية فاقتص منه ثم انتقض فسرى فسرايته مضمونة وسراية الاستيفاء غير مضمونة لأنه إقتص بعد جواز القصاص فعلى هذا لو قطع يدي رجل فبرأ فاقتص ثم انتقض جرح المجني عليه فمات فلوليه الجاني لأنه مات من جنايته وقال ابن أبي موسى إذا جرحه فبرأ ثم انتقض فمات فلا قود فيه ولنا أن الجناية لو سرت إلى النفس قبل الاندمال وجب القصاص فكذلك بعده وان عفا الى الدية فلا شئ له لأنه استوفى بالقطع ما قيمته دية وهو يداه وإن سرى الاستيفاء لم يجب ايضاً شئ لأن القصاص قد سقط بموته والدية لا يمكن ايجابها لما ذكرنا وإن كان المقطوع بالجناية يدا قوليه بالخيار

بين القصاص في النفس وبين العفو الى نصف الدية ومتى سقط القصاص بموت الجاني أو غيره وجب نصف الدية في تركة الجاني أو ماله إن كان حياً (فصل) ولو قطع كتابي يد مسلم فبرأ واقتص ثم انتقض جرح المسلم ومات فلوليه قتل الكتابي والعفو الى أرش الجرح وفي قدره وجهان: (احدهما) نصف الدية لأنه قد استوفى بدل يده بالقصاص وبدلها نصف ديته فبقي له نصفها كما لو كان القاطع مسلماً (والثاني) له ثلاثة أرباعها لأن يد اليهودي تعدل نصف ديته وذلك ربع دية المسلم فقد استوفى ربع ديته وبقي له ثلاثة أرباعها وإن كان قطع يدي المسلم فاقتص منه ثم مات المسلم فعفا وليه الى مال انبنى على الوجهين وإن قلنا تعتبر قيمة يد اليهودي فله ههنا نصف الدية وإن قلنا الاعتبار بقيمة يد المسلم فلا شئ له ههنا لأنه قد استوفى بدل يديه وهما جميع ديته ولو كان القطع في يديه ورجليه فعفا الى

الدية لم يكن له شئ وجهان واحداً لأن دية لك دية المسلم ولو كان الجاني امرأة فالحكم على ما ذكرنا سواء لأن ديتها نصف دية الرجل (فصل) إذا قطع يد رجل من الكوع ثم قطعها آخر من المرفق فمات بسرايتهما فللولي قتل القاطعين وليس له أن يقطع طرفيهما في أحد الوجهين وفي الآخر له قطع يد القاطع من الكوع فإن قطعها ثم عفا عنه فله نصف الدية، وأما الآخر فإن كانت يده مقطوعة من الكوع قطعها من

المرفق ثم عفا فله دية إلا قدر الحكومة في الذراع ولو كانت يد القاطع من المرفق صحيحة لم يجز قطعها رواية واحدة لأنه يأخذ صحيحة بمقطوعة وإن قطع أيديهما وهما صحيحان أو قطع رجلان يديه فقطع أيديهما ثم سرت الجناية فمات من قطعهما فليس لوليهما العفو إلى الدية لأنه قد استوفى ما قيمته دية وإن اختار قتلهما فله ذلك (كتاب الديات) الأصل في وجوب الدية الكتاب والسنة والإجماع أما الكتاب فقوله تعالى (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا) وأما السنة فروى أبو بكر بن محمد ابن عمر بن حزم أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب لعمرو بن حزم كتابا إلى أهل اليمن فيه الفرائض والسنن والديات وقال فيه " وفي النفس مائة من الإبل " رواه النسائي في سننه ومالك وفي موطئه قال ابن عبد البر وهو كتاب مشهور عند أهل السير ومعروف عند أهل العلم معرفة يستغنى بشهرتها عن الإسناد

كتاب الديات

لانه أشبه المتواتر في مجيئه في أحاديث كثيرة تأتي في مواضعها من الباب إن شاء الله تعالى وأجمع أهل العلم على وجوب الدية في الجملة (مسألة) (كل من أتلف إنساناً أو جزأ منه بمباشرة أو سبب فعليه ديته وسواء كان مسلماً أو ذمياً أو مستأمناً أو مهادناً لما ذكرنا من الآية وفيها (وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله) وعبر عن الذمة بالميثاق وحديث أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم حين كتب له النبي صلى الله عليه وسلم كتابا إلى أهل اليمن ذكر فيه الديات وأجمع أهل العلم عن ذلك في الجملة (مسألة) (فإن كان القتل عمداً محضاً فهي في مال الجاني حالة) أجمع أهل العلم على أن دية العمد تجب في مال القاتل لا تحملها العاقلة، وهذا يقتضيه الأصل وهو أن بدل المتلف يجب على المتلف وأرش الجناية على الجاني قال النبي صلى الله عليه وسلم " لا يجني جان إلا على نفسه " وقال لبعض أصحابه حين رأى معه ولده " ابنك هذا؟ - قال نعم قال - أما إنه لا لا يجني عليك ولا تجني عليه " ولأن موجب الجناية أثر فعل الجاني فيجب أن يختص بضررها كما يختص بنفعها فإنه لو كسب كان كسبه لغيره وقد ثبت حكم ذلك في سائر الجنايات والاكساب، وإنما خولف هذا الأصل في قتل الحر المعذور فيه لكثرة الواجب وعجز الجاني في الغالب عن تحمله مع

مسألة فإن كان القتل عمدا محضا فهي في مال الجاني حالة

وجوب الكفارة عليه وقيام عذره تخفيفاً عنه ورفقاً به والعامد لا عذر له فلا يستحق التخفيف ولا يوجد فيه المعنى المقتضي للمواساة في الخطأ. إذا ثبت هذا فإنها تجب حالة وبهذا قال مالك والشافعي وقال أبو حنيفة تجب في ثلاث سنين لانها دية آدمي فكانت مؤجلة كدية شبه العمد ولنا أن ما وجب بالعمد المحض كان حالاً كالقصاص وأرش اطراف العبد ولا يشبه شبه العمد لأن القاتل معذور لكونه لم يقصد القتل وإنما أفضى إليه من غير اختيار منه فأشبه الخطأ ولهذا تحمله العاقلة ولأن القصد التخفيف عن العاقلة الذين لم يصدر منهم جناية وحملوا أداء مال مواساة فلاق بحالهم التخفيف عنهم، وهذا موجود في الخطأ وشبه العمد على السواء، وأما العمد فإنما يحمله الجاني في غير حال العذر فوجب أن يكون ملحقاً ببدل سائر المتلفات ويتصور الخلاف معه فيما إذا قتل ابنه أو قتل اجنبياً وتعذر استيفاء القصاص لعفو بعضهم أو غير ذلك (مسألة) (وإن كان شبه عمد أو خطأ او ما جرى مجراه فعلى عاقلته) دية شبه العمد على العاقلة في ظاهر المذهب وبه قال الشعبي والنخعي والحكم والشافعي والثوري واسحاق وأصحاب الرأي وابن المنذر، وقال ابن سيرين والزهري وإبن شبرمة وقتادة وأبو ثور: هي على القاتل في ماله واختاره أبو بكر عبد العزيز لأنها موجب فعل قصده فلم تحمله العاقلته كالعمد المحض ولأنها

مسألة وإن كان شبه عمد أو خطأ أو ما جرى مجراه فعلى عاقتله

دية مغلظة فأشبهت دية العمد وهكذا يجب أن يكون مذهب مالك لأن شبه العمد عنده من باب العمد ولنا ما روى أبو هريرة قال: اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بدية المرأة على عاقلتها متفق عليه، ولأنه نوع قتل لا يوجب قصاصاً فوجبت ديته على العاقلة كالخطأ، ويخالف العمد لأنه يغلظ من كل وجه لقصده الفعل وارادته القتل، وعمد الخطأ يغلظ من وجه وهو قصده الفعل ويخفف من وجه وهو كونه لم يرد القصاص فاقتضى تغليظها من وجه وهو الانسان وتخفيفها من وجه وهو حمل العاقلة لها وتأجيلها، ولا نعلم في أنها تجب مؤجلة خلافا بين أهل العلم، وروي ذلك عن عمر وعلي وابن عباس رضي الله عنهم، وبه قال الشعبي والنخعي وقتادة وأبو هاشم وعبيد الله بن عمر ومالك والشافعي واسحاق وأبو ثور وابن المنذر، وقد حكي عن قوم من الخوارج أنهم قالوا الدية حالة لأنها بدل متلف ولم ينقل الينا ذلك عمن يعد خلافه خلافاً، وتخالف الدية سائر المتلفات لأنها تجب على غير الجاني على سبيل المواساة له فاقتضت الحكمة تخفيفها عليهم، وقد روي عن عمر وعلي رضي الله عنهما أنهما قضيا بالدية على العاقلة في ثلاث سنين ولا مخالف لهما في عصرهما فكان إجماعاً، وأما دية الخطأ فلا نعلم خلافاً في أنها على العاقلة، قال إبن المنذر أجمع على هذا كل من تحفظ عنه من أهل العم، وقد ثبتت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قضى

بدية الخطأ على العاقلة وأجمع أهل العلم على القول به ولأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل دية عمد الخطأ على العاقلة بما قد روينا من الحديث وفيه تنبيه على أن العاقلة تحمل دية الخطأ والحكمة في ذلك إن جنايات الخطأ تكثر ودية الآدمي كثيرة فإيجابها على الجاني في ماله يجحف به فاقتضت الحكمة ايجابها على العاقلة على سبيل المواساة للقاتل وللاعانة تخفيفاً عنه إذا كان معذوراً في فعله (فصل) فأما الكفارة ففي مال القاتل لا يدخلها تحمل وقال أصحاب الشافعي تكون في بيت المال في أحد الوجهين لأنها تكثر فإيجابها عليه يجحف به ولنا أنه كفارة فاختصت بمن وجد منه سببها كسائر الكفارات وكما لو كانت صوماً ولأن الكفارة شرعت للتكفير عن الجاني ولا يكفر عنه بفعل غيره وتفارق الدية فإنها إنما شرعت لجبر المحل وذلك يحصل بها كيفما كان ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قضى بالدية على العاقلة لم يكفر عن العاقلة، وما ذكروه لا أصل له، ولا يصح قياسه على الدية لوجوه (أحدها) أن الدية لم تجب في بيت المال انما وجبت على العاقلة ولا يجوز أن يثبت حكم الفرع مخالفاً لحكم الأصل (الثاني) أن الدية كثيرة فإيجابها على القاتل بجحف به والكفارة بخلافها (الثالث) أن الدية وجبت مواساة للقاتل وجعل حظ القاتل من الواجب الكفارة فإيجابها على غيره قطع للمواساة ويوجب على الجاني أكثر مما وجب عليه وهذا لا يجوز

(فصل) ولا يلزم القاتل شئ من دية الخطأ وبهذا قال مالك والشافعي وقال أبو حنيفة هو كواحد من العاقلة لأنها وجبت عليهم إعانة له فلا يزيدون عليه فيها ولنا ما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بدية المرأة على عاقلتها متفق عليه وهذا يقتضي أنه قضى عليهم جميعها ولأنه قاتل لم تلزمه الدية فلم يلزمه بعضها كما لو أمره الإمام بقتل رجل فقتله يعتقد أنه لحق فبان مظلوماً، ولأن الكفارة تلزم القاتل في ماله وذلك يعدل قسطه من الدية وأكثر منه فلا حاجة الى إيجاب شئ من الدية عليه (مسألة) (وإن القى انسانا على أفعى أو ألقاها عليه فقتلته أو طلب انسانا بسيف مجرد فهرب فوقع في شئ تلف به بصيراً أو ضريراً، أو حفر بئراً في فنائه أو وضع حجراً أو صب ماء في طريقه أو بالت فيها دابته ويده عليها أو رمى فيها قشر بطيخ فتلف به إنسان وجبت عليه ديته) يجب الضمان بالسبب كما يجب بالمباشرة فإذا القى انسانا على أفعى أو ألقاها عليه فقتلته فعليه ضمانه لأنه تلف بعدوانه فأشبه ما لو جنى عليه (مسألة) (فإن طلب إنساناً بالسيف مشهوراً فهرب منه فتلف في هربه ضمنه) سواء سقط من شاهق أو انخسف به سقف أو خر في بئرا ولقيه سبع فافترسه أو غرق في ماء أو احترق بنار وسواء كان المطلوب صغيراً أو كبيراً أعمى أو بصيراً عاقلاً أو مجنوناً، وقال الشافعي لا يضمن البالغ العاقل

مسألة وان القى انسانا على أفعى أوألقاها عليه فقتلته أوطلب انسانا بسيف مجرد فهرب فوقع في شيء تلف به

البصير إلا أن ينخسف به سقف فإن فيه وفي الصغير والمجنون والأعمى قولين لأنه هلك بفعل نفسه فلم يضمنه الطالب كما لو لم يطلبه ولنا أنه هلك بسبب عدوانه فضمنه كما لو حفر له بئراً أو نصب له سكيناً أو سم طعامه ووضعه وما ذكروه يبطل بهذه الأصول، وإن طلبه بشئ يخفيه به كالكلب ونحوه فهو كما لو طلبه بسيف مشهور لأنه في معناه. (فصل) ولو شهر سيفاً في وجه انسان أو دلاه من شاهق فمات من روعته أو ذهب عقله فعليه ديته، فإن صاح بصبي أو مجنون صيحة شديدة فخر من سطح أو نحوه فمات أو ذهب عقله، أو تغفل عاقلاً فصاح به فأصابه ذلك فعليه ديته تحملها العاقلة فإن تعمد ذلك فهو شبه عمد وإلا فهو خطأ ووافق الشافعي في الصبي وله في البالغ قولان، ولنا أنه تسبب إلى إتلافه فضمنه كالصبي (فصل) وإن قدم انساناً الى هدف يرميه الناس فأصابه سهم من غير تعمد فضمانه على عاقله الذمي قدمه، لأن الرامي كالحافر والذي قدمه كالدافع فكان الضمان على عاقلته وإن عمد الرامي رميه فالضمان عليه لأنه باشر وذلك متسبب فأشبه الممسك والقاتل، وان لم يقدمه أحد فالضمان على الرامي وتحمله عاقلته وإن كان خطأ لأنه قتله.

(مسألة) (وإن حفر في فنائه بئراً لنفسه أو في طريق لغير مصلحة المسلمين أو في ملك غيره بغير إذنه أو وضع في ذلك حجراً أو صب فيه ماء، أو رمى قشر بطيخ فهلك به إنسان ضمنه) لأنه تلف بعدوانه وروي عن شريح أنه ضمن رجلاً حفر بئراً فوقع فيها رجل فمات، وروي ذلك عن علي رضي الله عنه وهو قول الثوري والشافعي وإسحاق (مسألة) (وإن بالت فيها دابته فزلق به حيوان فمات به فقال أصحابنا على صاحب الدابة الضمان إذا كان راكباً أو قائداً أو سائقاً) لأنه تلف حصل من جهة دابته التي يده عليها فأشبه ما لو جنت بيدها او فمها، وقياس المذهب أنه لا يضمن ما تلف بذلك لأنه لا يدله على ذلك ولا يمكن التحرز منه فهو كما لو أتلفت برجلها، ويفارق ما إذا تلفت بيدها أو فمها لأنه يمكنه حفظهما. (مسألة) (وإن حفر بئر أو وضع آخر مجرا أو نصب سكيناً فعثر بالحجر فوقع في البئر أو على على السكين فالضمان على واضع الحجر وناصب السكين دون الحافر، لأن الحجر كالدافع له وإذا اجتمع الحافر والدافع فالضمان على الدافع وحده) وبهذا قال الشافعي ولو وضع رجل حجراً ثم حفر آخر عنده بئراً أو نصب سكيناً فعثر بالحجر فسقط عليهما فهلك احتمل أن يكون الحكم كذلك لما ذكرنا واحتمل أن يضمن الحافر وناصب السكين لأن

مسألة وإن حفر في فنائه بئرا لنفسه أو في طريق لغير مصلحة المسلمين أو في ملك غيره بغير إذنه أو وضع في

فعلهما متأخر عن فعله فأشبه ما لو كان زق فيه مائع وهو واقف فحل وكاء إنسان وأماله آخر فسال ما فيه كان الضمان على الآخر منهما، وإن وضع إنسان حجراً أو حديدة في ملكه وحفر فيه بئراً فدخل إنسان بغير إذنه فهلك به فلا ضمان على المالك لأنه لم يتعد وإنما الداخل هلك بعد وإن نفسه وإن وضع حجراً في ملكه ونصب أجنبي فيه سكيناً أو حفر بئراً بغير إذنه فعثر رجل بالحجر فوقع على السكين أو في البئر فالضمان على الحافر وناصب السكين لتعديهما إذا لم يتعلق الضمان بواضع الحجر لانتفاء عدوانه وإن اشترك جماعة في عدوان تلف به شئ فالضمان عليهم فلو وضع اثنان حجراً وواحد حجراً فعثر بهما انسان فهلك فالدية على عواقلهم أثلاثاً في قياس المذهب وهو قول أبي يوسف لأن السبب حصل من الثلاثة أثلاثاً فوجب الضمان عليهم سواء، وإن اختلفت أفعالهم كما لو جرحه واحد جرحين وجرحه اثنان جرحين فمات بها، وقال زفر على الاثنين النصف وعلى واضع الحجر وحده النصف لأن فعله مساو لفعلهما وإن حفر انسان بئراً ونصب آخر فيها سكيناً فوقع انسان في البئر على السكين فمات فقال ابن حامد الضمان على الحافر لأنه بمنزلة الدافع:، وهذا قياس المسائل التي قبلها ونص أحمد على أن الضمان عليهما قال أبو بكر لأنهما في معنى الممسك والقاتل الحافر كالممسك وناصب السكين كالقاتل فيخرج من هذا أن يجب الضمان على جميع المتسببين في المسائل السابقة (فصل) وان حفر بئراً في ملك نفسه أو في ملك غيره بإذنه فلا ضمان عليه لأنه غير متعد وكذلك

ان حفرها في موات أو وضع حجراً أو نصب شركاً أو شبكة أو منجلاً ليصيد بها لأنه لم يتعد بذلك وإن فعل شيئاً من ذلك في طريق ضيق فعليه ضمان ما تلف به لأنه متعد وسواء أذن له الامام أو لم يأذن لأنه ليس للإمام أن يأذن فيما يضر بالمسلمين ولو فعل ذلك الإمام لضمن ما يتلف به فإن كان الطريق واسعاً فحفر في مكان منها يضر بالمسلمين ضمن وإن حفر في مكان لا يضر بالمسلمين وكان حفرها لنفسه ضمن ما تلف بها سواء حفرها بإذن الإمام أو بغير إذنه وقال أصحاب الشافعي إن حفرها بإذن الإمام لم يضمن لأن للإمام أن يأذن في الانتفاع بما لا ضرر فيه بدليل أنه يجوز أن يأذن في القعود فيه ويقطعه لمن يبتاع فيه ولنا أنه تلف بحفر حفرة في حق مشترك بغير إذن أهله لغيره مصلحتهم فضمن كما لو لم يأذن الإمام ولا نسلم أن للإمام أن يأذن في هذا فإنما يأذن في القعود لأن ذلك لا يدوم ويمكن إزالته في الحال فأشبه القعود في المسجد ولأن القعود جائز من غير إذن الإمام فكذلك الحفر (فصل) وإن حفر بئراً في ملك مشترك بينه وبين غيره بغير إذنه ضمن ما تلف به جميعه وهذا قياس مذهب الشافعي وقال أبو حنيفة يضمن ما قابل نصيب شريكه فلو كان شريكان ضمن ثلثي التالف لأنه تعدي في نصيب شريكه وقال أبو يوسف عليه نصف الضمان لأنه تلف بجهتين فكان الضمان نصفين كما لو جرحه أحدهما جرحاً وجرحه الآخر جرحين

ولنا أنه متعد بالحفر فضمن الواقع فيها كما لو كان في ملك غيره والشركة أوجب تعدية لجميع الحفر فكان موجب الجميع الضمان ويبطل ما ذكره أبو يوسف بما لو حفره في طريق مشترك فإن له فيها حقاً ومع ذلك يضمن الجميع والحكم فيما إذا أذن له بعض الشركاء في الحفر دون بعض كالحكم فيما إذا حفر في ملك مشترك بينه وبين غيره لكونه لا يباح الحفر ولا التصرف حتى يأذن الجميع (فصل) وإن حفر إنسان في ملكه بئراً فوقع فيها انسان أو دابة فهلك به وكان الداخل دخل بغير إذنه فلا ضمان على الحافر لأنه لا عدوان منه وان دخل بإذنه والبئر ظاهرة مكشوفة والداخل بصير يبصرها فلا ضمان أيضاً لأن الواقع هو الذي أهلك نفسه فأشبه ما لو قدم إليه سكيناً فقتل بها نفسه فإن كان الداخل أعمى أو كانت في ظلمة لا يبصرها الداخل أو غطى رأسها فلم يعلم الداخل حتى وقع فيها ضمنه وبهذا قال شريح والشعبي والنخعي وحماد ومالك وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي وقالوا في الآخر لا يضمنه لأنه هلك بفعل نفسه ولنا أنه تلف بسببه فضمنه كما لو قدم له طعاماً مسموماً فأكله وبهذا ينتقض ما ذكروه، وإن اختلفا فقال صاحب الدار ما أذنت لك في الدخول وادعى ولي الهالك أنه أذن له فالقول قول المالك لأنه منكر، وإن قال كانت مكشوفة وقال الآخر كانت مغطاة فالقول قول ولي الواقع لأن الظاهر معه

فإن الظاهر أنها كانت مكشوفة لم يسقط فيها ويحتمل أن القول قول المالك لأن الأصل براءة ذمته فلا تشتغل بالشك. (مسألة) (وان غصب صغيرا فنهشة حية أو أصابته صاعقة ففيه الدية وإن مات بمرض فعلى وجهين) لأنه تلف في يده العادية (أحدهما) يضمنه كالعبد الصغير، (والثاني) لا يضمنه لأنه حر لا نثبت اليد عليه في الغصب أشبه الكبير (مسألة) (وان اصطدم نفسان فماتا فعلى عاقلة كل واحد منهما دية الآخر) روي هذا عن علي رضي الله ولا يجب القصاص سواء كان إصطدامها عمداً أو خطأ لأن الصدمة لا تقتل غالباً فالقتل الحاصل بها مع العمد عمد الخطأ ولا فرق بين البصيرين، والأعميين، والبصير والأعمى، فإن كان امرأتين حاملين فهما كالرجلين فإن أسقطت كل واحدة منهما جنبيا فعلى كل واحدة نصف ضمان جنينها ونصف ضمان جنين صاحبتها لانهما اشتركتا في قتله وعلى كل واحدة منهما عتق ثلاث رقاب واحدة لقتل صاحبتها واثنتان لمشاركتها في الجنينين، فإن أسقطت إحداهما دون الأخرى اشتركتا في ضمانه وعلى كل واحدة منهما عتق رقبتين، وإن اصطدم راكب وماش فهو كما لو كانا ماشيين وإن اصطدم راكبان فماتا فهو كما لو كانا ماشيين (مسألة) (وإن كانا راكبين فماتت الدابتان فعلى كل واحد منهما قيمة دابة الآخر)

مسألة وإن كانا راكبين فماتت الدابتان فعلى كل واحد منهما قيمة دابة الآخر

وجملة ذلك أن على كل واحد من المصطدمين ضمان ما تلف من الآخر من نفس أو دابة أو مال سواء كانت الدابتان فرسين أو بغلين أو حمارين أو جملين أو كان أحدهما فرساً والآخر غيره مقبلين كانا أو مدبرين، وبهذا قال أبو حنيفة وصاحباه وإسحاق، وقال مالك والشافعي على كل واحد منهما نصف قيمة ما تلف من الآخر لأن التلف حصل بفعلهما فكان الضمان منقسماً عليهما كما لو جرح إنسان نفسه وجرحه غيره فمات منهما ولنا أن كل واحد منهما مات من صدمة صاحبه وإنما هو قربها إلى محل الجناية فلزم الآخر ضمانها كما لو كانت واقفة بخلاف الجراحة إذا ثبت هذا فإن قيمة الدابتين إن تساوتا تقاصتا وسقطتا وإن كانت إحداهما أكثر من الأخرى فلصاحبها الزيادة وإن ماتت إحدى الدابتين فعلى الآخر قيمتها وإن نقصت فعليه نقصها فإن كل أحدهما يسير بين يدي الآخر فأدركه الثاني فصدمه فماتت الدابتان أو إحداهما فالضمان على اللاحق لأنه الصادم والآخر مصدوم (مسألة) (إلا أن يكون أحدهما يسير والآخر واقفاً فعلى السائر ضمان الواقف ودابته) نص أحمد على هذا لأن السائر هو الصادم المتلف فكان الضمان عليه فإن مات هو أو دابته فهو هدر لأنه أتلف نفسه ودابته، وإن انحرف الواقف فصادفت الصدمة انحرافه فهما كالسائرين لأن التلف حصل من فعلهما

مسألة إلا أن يكون أحدهما يسير والآخر واقفا فعلى السائر ضمان الواقف ودابته

(مسألة) (إلا أن يكون في طريق ضيق قاعداً أو واقفاً فلا ضمان عليه فيه وعليه ضمان ما تلف به) إذا كان الواقف متعدياً بوقوفه مثل أن يقف في طريق ضيق فالضمان عليه دون السائر لأن التلف حصل بتعديه فكان الضمان عليه كما لو وضع حجراً في الطريق او جلس في طريق ضيق فعثر به إنسان (مسألة) (وإن أركب صبيين لا ولاية له عليهما فاصطدما فماتا فعلى عاقلته ديتهما) لأنه متعد بذلك وتلفهما بسبب جنايته (مسألة) (وإن رمى ثلاثة بمنجنيق فقتل الحجر إنساناً فعلى عاقلة كل واحد منهم ثلث ديته) لا يخلو ذلك من حالين (أحدهما) أن يكون المقتول واحداً منهم (والثاني) أن يكون من غيرهم فإن كان من غيرهم فالدية على عواقلهم أثلاثاً لأن العاقلة تحمل الثلث فما زاد وسواء قصدوا رمي واحد بعينه أو قصدوا رمي جماعة أو لم يقصدوا ذلك لأنهم إن لم يقصدوا قتل آدمي معصوم فهو خطأ ديته دية الخطأ، وإن قصدوا رمي جماعة أو واحداً بعينه فهو شبه عمد لأن قصد الواحد بالمنجنيق لا يكاد يفضي إلى إتلافه فيكون شبه عمد تحمله العاقلة في ثلاث سنين وعلى قول أبي بكر لا تحمل العاقلة شبه العمد فلا تحمله ههنا. (الحال الثاني) أن يصيب واحداً منهم فعلى كل واحد كفارة ولا تسقط عمن أصابه الحجر لأنه شارك في قتل نفس مؤمنة والكفارة إنما تجب لحق الله تعالى فوجبت عليه بالمشاركة في نفسه كوجوبها بالمشاركة في قتل غيره، وأما الدية ففيها ثلاثة أوجه

مسألة إلا أن يكون في طريق ضيق قاعدا أو واقفا فلا ضمان عليه فيه وعليه ضمان ما تلف به

(أحدهما) أن على عاقلة كل واحد منهم ثلث دية المقتول لورثته لأن كل واحد منهم مشارك في قتل نفس مؤمنة خطأ فلزمته ديتها كالأجانب وهذا ينبني على أن جناية المرء على نفسه وأهله خطأ تتحمل عقلها عاقلته (الوجه الثاني) أن ما قابل فعل المقتول ساقط لا يضمنه أحد لأنه شارك في إتلاف حقه فلم يضمن ما قابل فعله كما لو شارك في قتل بهيمته أو عبده، وهذا الذي ذكره القاضي في المجرد ولم يذكر غيره وهو مذهب الشافعي (الثالث) أن يلغى فعل المقتول في نفسه وتجب ديته بكمالها على عاقلة الآخرين نصفين. قال أبو الخطاب هذا قياس المذهب بناء على مسألة المتصادمين قال شيخنا والذي ذكره القاضي أحسن وأصح في النظر، وقد روي نحو ذلك عن علي رضي الله عنه في مسألة القارضة والقابضة والواقصة قال الشعبي وذلك أن ثلاث جوار اجتمعن فارن فركبت إحداهن على عتق أخرى وقرصت الثالثة المركوبة فقمصت فسقطت الراكبة فوقصت عنقها فماتت فرفع ذلك إلى علي رضي الله عنه فقضى بالدية أثلاثاً على عواقلهن وألغى الثلث الذي قابل فعل الواقصة لأنها أعانت على قتل نفسها وهذا شبيهة بمسئلتنا ولأن المقتول شارك في القتل فلم تكمل الدية على شريكيه كما لو قتلوا واحداً من غيرهم فإن رجع الحجر فقتل اثنين من الرماة فعلى الوجه الأول تجب ديتهما على عواقلتهم أثلاثاً وعلى كل واحد منهم كفارتان، وعلى الوجه الثاني يجب على عاقلة الحي منهم لكل ميت ثلث ديته وعلى عاقلة كل واحد

من الميتين ثلث دية صاحبه ويلغى فعل نفسه وعلى الوجه الثالث على عاقلة الحي لكل واحد منهم نصف الدية وتجب على عاقلة كل واحد من الميتين نصف الدية لصاحبه (مسألة) (وإن كانوا أكثر من ثلاثة فالدية حالة في اموالهم في الصحيح من الذهب إلا على الوجه الذي اختاره أبو الخطاب فإنهم إذا كانوا اربعة فقتل الحجر أحدهم فإنه يجب على عاقلة كل واحد من الثلاثة الباقين ثلث الدية لأنهم يحملونها كلها فأما إن كانوا أكثر من أربعة أو كان المقتول من غيرهم وهم أربعة فإن الدية حالة في اموالهم لأن المقتول يلغى فعله في نفسه ويكون هدراً لأنه لا يجب عليه لنفسه شئ ويكون باقي الدية في أموال شركائه حالاً لأن التأجيل في الديات إنما يكون فيما تحمله النافية وهذا دون الثلث والعاقلة لا تحمل ما دون الثلث، وذكر أبو بكر فيها رواية أخرى أن العاقلة تحملها لأن الجناية فعل واحد أوجب دية تزيد على الثلث والصحيح الأول لأن كل واحد منهم يختص بموجب فعله دون فعل شركائه وحمل العاقلة إنما شرع لتخفيف على الجاني فيما يشق ويثقل وما دون الثلث يسير على ما تذكره والذي يلزم كل واحد أقل من الثلث وقوله إنه لعل واحد قلنا بل هي أفعال فإن فعل واحد غير فعل الآخر وإنما موجب الجميع واحد فأشبه ما لو حرمه كل واحد جرحاً فماتت النفس بجميعها إذا ثبت هذا فالضمان معلق بمن مد الحبال ورمى الحجر دون من وضعه في الكفة وأمسك الخشب اعتباراً بالمباشر كمن وضع سهماً في قوس إنسان ورماه صاحب القوس فالضمان على الرمي دون الواضع

مسألة وان كانوا أكثر من ثلاثة فالدية حالة في اموالهم في الصحيح من المذهب

(مسألة) (وإن جنى إنسان على نفسه أو طرفه خطأ فلا شئ له وعنه على عاقلته ديته لورثته ودية طرفه لنفسه) أما إذا كانت الجناية عمداً فلا شئ له إجماعاً وإن كانت خطأ فكذلك في إحدى الروايتين قياساً على العمد ولما روي ان عامر بن الأكوع يوم خيبر رجع سيفه عليه فقتله ولم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى فيه بدية ولا غيرها ولو كانت واجية لبينها النبي صلى الله عليه وسلم ولنقل ظاهراً (والرواية الثانية) أن ديته على عاقلته لورثته ودية طرفه لنفسه وهو ظاهر كلام الخرقي ذكره فيما اذا رمى ثلاثة بالمنجنيق فرجع الحجر فقتل احدهم لما روي أن رجلاً ساق حماراً فضربه بعصاً كانت معه فطارت منها شظية فاصابت عينه ففقأتها فجعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه ديته على عاقلته وقال هي يد من أيدي المسلمين لم يصبها اعتداء على أحد لم يعرف له مخالف ولأنه قتل خطأ فكانت ديته على عاقلته كما لو قتل غيره والأول أصح في القياس، وهذا قول أكثر أهل العلم منهم ربيعة ومالك والثوري والشافعي وأصحاب الرأي لما ذكرنا من حديث عامر بن الأكوع حين رجع سيفه عليه يوم خيبر فمات ولأن وجوب الدية على العاقلة على خلاف الأصل مواساة للجاني وتخفيفاً عنه وليس ههنا على الجاني شئ يخفف عنه ولا يقتضي النظر أن تكون جنايته على نفسه على غيره ويفارق هذا ما إذا كانت الجناية على غيره فإنه لو لم تحمله العاقلة لا * جحف به وجوب الدية لكثرتها وقال القاضي الرواية الثانية

مسألة وإن جنى إنسان على نفسه أو طرفه خطأ فلا شيء له وعنه على عاقلته ديته فلورثته ودية طرفه لنفسه

أظهر عنه فعلى هذه الرواية أن كانت العاقلة هي الوارثة لم يجب شئ لأنه لا يجب للانسان شئ على نفسه فإن كان بعضهم وارثاً سقط عن الوارث ما يقابل ميراثه فإن كانت جنايته على نفسه شبه عمد فهو كالخطأ في أحد الوجهين وفي الآخر لا تحمله العاقلة بحال (مسألة) (وإن نزل رجل في بئر فخر عليه آخر فمات الاول من سقطه فعلى عاقلته ديته) وجملة ذلك أنه إذا نزل رجل في بئر فسقط عليه آخر فقتله فعليه ضمانة كما لو رمى عليه حجراً ثم ينظر فإن كان عمد رمي نفسه عليه وهو مما يقتل غالباً فعليه القصاص، وإن كان مما لا يقتل غالباً فهو شبه عمد، وإن وقع خطأ فالدية على عاقلته محققة، وإن مات الثاني بوقوعه على الأول فدمه هدر لأنه مات بفعله، وقد روى علي بن رباح اللخمي أن رجلاً كان يقود أعمى فوقعا في بئر خر البصير فوقع الأعمى فوق البصير فقتله فقضى عمر بعقل البصير على الأعمى فكان الاعمى بنشد في الموسم يا أيها الناس لقيت منكرا * هل يعقل الأعمى الصحيح المبصرا؟ * خرا معاً كلاهما تكسرا وهذا قول ابن الزبير وشريح والنخعي والشافعي وإسحاق قال شيخنا: ولو قال قاتل ليس على الأعمى ضمان البصير لأنه الذي قاده الى المكان الذي وقعا فيه وكان سبب وقوعه عليه ولذلك لو فعله قصداً لم يضمنه بغير خلاف وكان عليه ضمان الأعمى إلا أن يكون مجمعاً عليه فلا يجوز مخالفة الاجماع، ويحتمل أنه إنما لم يجب الضمان على القائد لوجهين

مسألة وإذا نزل رجل في بئر فحر عليه آخر فمات الأول من سقطته فعلى عاقلته ديته

(أحدهما) أنه مأذون فيه من جهة الاعمى فلم يضمن ما تلف به كما لو حفر له بئراً في داره بإذنه فتلف بها (الثاني) أنه فعل مندوب اليه مأمور به فأشبه ما لو حفر بئراً في سابلة ينتفع بها المسلمون فإنه لا يضمن ما تلف، بها وإن مات الثاني فدمه هدر لأنه لا صنع لغيره في هلاكه (مسألة) (وإن وقع عليهما ثالث فمات الثاني به فعلى عاقلة الثالث ديته) لأنه تلف من سقطته، وإن مات الأول من سقطتهما فديته على عاقلتهما لأنه مات بوقوعهما عليه ودية الثاني على الثالث لأنه انفرد بالوقوع عليه فانفرد بديته، ودم الثالث هدر لأنه لا صنع لغيره في هلاكه هذا إذا كان الوقوع هو الذي قتله، فإن كان البئر عميقاً يموت الواقع بمجرد وقوعه لم يجب ضمان على أحد لأن كل واحد منهم مات بوقعته لا بفعل غيره، وإن احتمل الأمرين فكذلك لأن الأصل عدم الضمان. (مسألة) (وإن كان الأول جذب الثاني وجذب الثاني الثالث فلا شئ على الثالث) لأنه لا فعل له ووجبت ديته على الثاني في أحد الوجهين لأنه هو جذبه وباشره بذلك والمباشرة تقطع حكم المتسبب كالحافر مع الدافع (والثاني) ديته على الأول والثاني نصفين لأن الأول جذب الثاني الجاذب للثالث فصار مشاركاً للثاني في إتلافه، ودية الثاني على عاقلة الأول في أحد الوجهين لأنه هلك بجذبته، وإن هلك بسقوط الثالث عليه فقد هلك بجذبة الاول وجذبة نفسه للثالث فسقط فعل نفسه

مسألة وإن كان الأول جذب الثاني وجذب الثاني الثالث فلا شيء على الثالث

كالمصطدمين وتجب ديته بكمالها على الأول ذكره القاضي (والوجه الثاني) يجب على الأول نصف ديته ويهدر نصفها في مقابلة فعل نفسه وهذا مذهب الشافعي، ويتخرج وجه ثالث وهو وجوب نصف ديته على عاقلته لورثته كما قلنا فيما اذا رمى ثلاثة بالمنجنيق فقتل الحجر احدهم، وأما الأول إذا مات بوقوعهما عليه ففيه الأوجه الثلاثة لأنه مات من جذبته وجذبة الثاني للثالث فتجب ديته كلها على عاقلة الثاني ويلغى فعل نفسه على الوجه الأول وعلى الثاني يهدر نصف ديته المقابل لفعل نفسه ويجب نصفها على الثاني وعلى الثالث يجب نصفها على عاقلته لورثته (فصل) وإن جذب الثالث رابعاً فمات جميعهم بوقوع بعضهم على بعض فلا شئ على الرابع لأنه لم يفعل شيئاً في نفسه ولا غيره وفي ديته وجهان (أحدهما) إنها على عاقلة الثالث المباشر لجذبه (والثاني) على عاقلة الأول والثاني والثالث لأنه مات من جذب الثلاثة فكانت ديته على عواقلهم، وأما الأول فقد مات بجذبته وجذبة الثاني وجذبة الثالث ففيه ثلاثة أوجه (أحدهما) أنه يلغى فعل نفسه وتجب ديته على عاقلة الثاني والثالث نصفين (والثاني) يجب على عاقلتهما ثلثاها ويسقط ما قابل فعل نفسه (والثالث) يجب ثلثها على عاقلته لورثته وأما الجاذب فقد مات بالأفعال الثلاثة وفيه هذه الأوجه الثلاثة المذكورة في الأول سواء، وأما الثالث ففيه مثل هذه الأوجه الثلاثة ووجهان آخران

(أحدهما) أن ديته بكمالها على الثاني لأنه المباشر لجذبه فسقط فعل غيره بفعله (والثاني) أن على عاقلته نصفها ويسقط النصف الثاني في مقابلة فعله في نفسه (فصل) وإن وقع بعضهم على بعض فماتوا نظرت فإن كان موتهم بغير وقوع بعضهم على بعض مثل أن يكون البئر عميقاً يموت الواقع فيه بنفس الوقوع أو كان فيه ما يغرق الواقع فيقتله أو أسد يأكلهم فليس على بعضهم ضمان بعض لعدم تاثير فعل بعضهم في هلاك بعض، وإن شككنا في ذلك لم يضمن بعضهم بعضاً لأن الأصل براءة الذمة فلا نشغلها بالشك، وإن كان موتهم بوقوع بعضهم على بعض فدم الرابع هدر لأن غيره لم يفعل فيه شيئا وإنما هلك بفعله وعليه دية الثالث لأنه قتله بوقوعه عليه ودية الثاني عليه وعلى الثالث نصفين ودية الأول على الثلاثة أثلاثاً (مسألة) (وإن خر رجل في زبية أسد فجذب آخر وجذب الثاني، ثالثاً وجذب الثالث رابعاً فقتلهم الأسد فالقياس أن دم الأول هدر وعلى عاقلته دية الثاني وعلى عاقلة الثاني دية الثالث وعلى عاقلة الثالث دية الرابع، وفيه وجه آخر أن دية الثالث على عاقلة الأول والثاني نصفين ودية الرابع على عاقلة الثلاثة أثلاثا) الحكم في هذه المسألة أنه لا شئ على الرابع لأنه لم يفعل شيئاً وديته على عاقلة الثالث في أحد الوجهين وفي الثاني على عواقل الثلاثة أثلاثاً ودم الأول هدر وعلى عاقلته دية الثاني، وأما دية الثالث فعلى الثاني

مسألة وإن خر رجل في زبية أسد فجذب آخر وجذب الثاني ثالثا وجذب الثالث رابعا فقتلهم الأسد فالقياس

في أحد الوجهين وفي الآخر على الأول والثاني نصفين هذه تسمى مسألة الزبية وقد روى حنش الصنعاني أن قوماً من أهل اليمن حفروا زبية للأسد فاجتمع الناس على رأسها فهوى فيها واحد فجذب ثانياً وجذب الثاني ثالثاً ثم جذب الثالث رابعاً فقتلهم الأسد فرفع ذلك إلى علي رضي الله عنه فقال للأول ربع الدية لأنه هلك فوقه ثلاثة وللثاني ثلث الدية لأنه هلك فوق اثنان وللثالث نصف الدية لأنه هلك فوقه واحد وللرابع كمال الدية وقال فإني أجعل الدية على من حضر راس البئر فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال هو كما قال رواه سعيد بن منصور ثنا أبو عوانة وأبو الاحوص عن سماك بن حرب عن أنس بنحو هذا المعنى قال أبو الخطاب فذهب أحمد إلى ذلك توقيفا على خلاف القياس وقد ذكر بعض أهل العلم أن هذا الحديث لا يثبته أهل النقل وأنه ضعيف والقياس ما قلناه فلا ينتقل عنه إلى ما لا يدري ثبوته ولا معناه (مسألة) (ومن اضطر إلى طعام إنسان أو شرابه وليس به مثل ضروره فمنعه حتى مات ضمنه نص عليه) وجملة ذلك ان من أخذ طعام إنسان أو شرابه في برية أو مكان لا يقدر فيه على طعام وشراب فهلك بذلك او هلكت بهيمته فعليه ضمان ما تلف به لأنه سبب هلاكه وكذلك إن اضطر إلى طعام وشراب لغيره فطلبه منه فمنعه إياه مع غناه عنه في تلك الحال فمات بذلك ضمنه المطلوب منه لما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قضى بذلك ولأنه إذا اضطر فصار أحق به ممن هو في يده وله أخذه قهراً فإذا

مسألة ومن اضطر الى طعام إنسان أو شرابه به مثل ضرورته فمنعه حتى مات ضمنه نص عليه

منعه إياه تسبب الى هلاكه بمنعه ما يستحقه فلزمه ضمانة كما لو أخذ طعامه وشرابه فهلك بذلك وظاهر كلام أحمد أن الدية في ماله لأنه تعمد هذا الفعل الذي يقتل مثله غالباً وقال القاضي يكون على عاقلته لأن هذا لا يوجب القصاص فيكون شبه عمد وإن لم يطلبه منه لم يضمنه لأنه لم يمنعه ولم يوجد منه فعل تسبب به إلى هلاكه، وخرج عليه أو الخصاب كل من أمكنه انجاء انسان من مهلكة فلم ينجه منها مع قدرته على ذلك أنه يجب عليه ضمانه قياساً على ما إذا طلب الطعام فمنعه إياه مع غناه عنه حتى هلك ولنا أن هذا لم يهلكه ولم يكن سبباً في هلاكه فلا يضمنه كما لو لم يعلم بحاله، وقياس هذا على المسألة التي ذكرها غير صحيح لأنه في الأولى منعه منعاً كان سبباً في هلاكه فيضمنه بفعله الذي تعدى به وههنا لم يفعل شيئاً يكون سبباً (مسألة) (وإن افزع إنسانا فأحدث بغائط فعليه ثلث ديته وعنه لا شئ عليه) وجملة ذلك أنه إذا ضرب إنساناً حتى أحدث فإن عثمان رضي الله عنه قضى فيه بثلث الدية قال أحمد لا اعرف شيئا يدفعه وبه قال إسحاق وعنه لا شئ عليه وهو قول أبي حنيفة ومالك والشافعي لأن الدية انما تجب لإتلاف منفعة أو عضو أو إزالة جمال وليس ههنا شئ من ذلك وهذا هو القياس وإنما ذهب من ذهب إلى إيجاب الثلث لقضية عثمان لأنه في مظنة الشهرة ولم ينقل خلافهما فيكون إجماعاً ولأن قضاء الصحابي فيما يخالف القياس يدل على أنه توقيف وسواء كان الحديث ببول او غائط أو ريح قاله القاضي وكذلك الحكم فيما إذا افزعه حتى أحدث والأولى إن شاء الله التفريق بين الريح وغيرها إن كان قضاء عثمان في الغائط والبول لأن ذلك أفحش فلا يقاس عليه

مسألة وإن افزع انسانا فأحدث بغائظ فعليه ثلث ديته وعنه لا شيء عليه

(فصل) إذا أكره رجلاً على قتل إنسان فقتله فصار الأمر الى الدية فهي عليهما لأنهما كالشريكين ولو أكره رجل امرأة على الزنا فحملت وماتت من الولادة ضمنها لأنها ماتت بسبب فعله وتحمله العاقلة إلا أن لا يثبت ذلك إلا باعترافه فتكون الدية عليه لأن العاقلة لا تحمل اعترافا ولذلك إن شهد شاهدان على رجل بقتل عمد فقتل ثم رجعا عن الشهادة لزمهما الضمان كالشريكين في الفعل ويكون الضمان في مالهما لا تحمله العاقلة لانها الاعتراف وهذا ثبت باعترافهما (فصل) إذا قتل رجلاً وادعى أنه كان عبداً أو القى عليه حائطاً وادعى أنه كان ميتاً وأنكر وليه فالقول قول الولي مع يمينه وهو أحد قولي الشافعي وقال في الآخر القول قول الجاني لأن الأصل براءة ذمته وما ادعاه محتمل فلا يزول عن اليقين بالشك ولنا أن الأصل حياة المجني عليه وحريته فيجب الحكم ببقائه كما لو قتل مسلماً وادعى أنه ارتد قبل قتله وبهذا يبطل ما ذكره، وإن قطع عضو أو إدعى شلله أو قلع عيناً وادعى عماها وأنكر المجني عليه فالقول قوله لأن الأصل السلامة وهكذ لو قطع ساعداً وادعى أنه لم يكن عليه كف أو ساقاً وادعى أنه لم يكن لها قدم، وقال القاضي إن اتفقا على أنه كان بصيراً فالقول قول المجني عليه وإلا فالقول قول الجاني وهذا مذهب الشافعي لأن هذا مما يتعذر إقامة البينة عليه فإنه لا يخفى على اهله وجيرانه ومعامليه

وصفة أداء الشهادة عليه أنه كان يتبع الشخص بسره يتوقى ما يتوقاه البصير ويتجنب البئر واشباهه في طريقه ويعدل في العطفات * خف من يطلبه ولنا أن الأصل السلامة فكان القول قول من يدعيها كما لو اختلفا في إسلام المقتول في دار الإسلام وفي حياته، قولهم لا يتعذر إقامة البينة عليه قلنا وكذلك لا يتعذر إقامة البينة على ما يدعيه الجاني فإيجابها عليه أولى من إيجابها على من يشهد له الأصل، ثم البطل بسائر المواضع التي سلموها، فإن قالوا ههنا ما يثبت أن الأصل وجود البصر، قلنا الظاهر يقوم مقام الأصل ولهذا رجحنا قول من يدعي حريته وإسلامه (فصل) ومن إدب ولده امرأته في النشوز أو المعلم صبيه أو السلطان رعيته ولم يسرف فأفضى الى تلفه لم يضمنه لأنه أدب مأذون فيه شرعاً فلم يضمن ما تلف به كالحد والتعزير (مسألة) (ويتخرج وجوب الضمان على ما قاله إذا أرسل السلطان الى امرأة ليحضرها فاجهضت جنينا أو ماتت فعلى عاقلته الدية) وجملة ذلك أن السلطان اذا بعث الى امرأة ليحضرها فأسقطت جنيناً فمات ضمنه لما روي أن عمر رضي الله عنه بعث الى امرأة مغيبة كان يدخل عليها فقالت يا ويلها ما لها ولعمر فبينا هي في الطريق إذ فزعت فضر بها الطلق فألقت ولداً فصاح الصبي صيحتين ثم مات فاستشار عمر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فأشار بعضهم ان ليس عليك شئ إنما أنت وال ومؤدب وصمت علي فأقبل عليه عمر فقال ما تقول يا أبا

مسألة ويتخرج وجوب الضمان على ما قاله فيما إذا أرسل السلطان الى امرأة ليحضرها فاجهضت جنينا أو

الحسن فقال إن كانوا قالوا برأيهم فقد أخطأوا رأيهم وإن كانوا قالوا في هواك فلم ينصحوا لك ان ديته عليك لأنك أفزعتها فألقته فقال عمر أقسمت عليك أن لا تبرح حتى تقسمها على قومك، ولو فزعت المرأة فماتت وجبت ديتها أيضاً ووافق الشافعي في ضمان الجنين وقال لا تضمن المرأة لأن ذلك ليس بسبب لهلاكه في العادة ولنا أنها نفس هلكت بإرساله اليها فضمنها كجنينها أو نفس هلكت بسببه فعزمها كما لو ضربها فماتت. قوله إنه ليس بسبب عادة قلنا إذا كانت حاملاً فهو سبب للإسقاط والإسقاط سبب للهلاك ثم لا يعتبر في الضمان كونه سببا معتاد فإن الضربة والضربتين بالسوط ليست سبباً للهلاك في العادة ومتى أفضت أليه وجب الضمان وإن استعدى إنسان على المرأة فألقت جنينها أو ماتت فزعاً فعلى عاقلة المستعدي الضمان إن كان ظالماً لها وإن كانت هي الظالمة فاحضرها عند الحاكم فينبغي أن لا يضمنها لأنها سبب إحضارها بظلمها فلا يضمنها غيرها ولأنه استوفى حقه فلم يضمن ما تلف به كالقصاص ولكن يضمن جنينها لأنه تلف بفعله فأشبه ما لو اقتص منها (مسألة) (وإن سلم ولده الى السابح ليعلمه فغرق لم يضمنه ويحتمل أن تضمنه العاقلة) أما إذا سلم ولده الصغير الى السابح ليعلمه السباحة فغرق فالضمان على عاقلته السابح لأنه سلمه اليه

مسألة وإن سلم ولده الى السابح ليعلمه فغرق لم يضمنه ويحتمل أن تضمنه العاقلة

ليحتاط في حفظه فإذا غرق نسب الى التفريط في حفظه وقال القاضي قياس المذهب أنه لا يضمنه لأنه فعل ما جرت العادة به لمصلحته فلم يضمن ما تلف به كما إذا ضرب العلم الصبي ضرباً معتاداً فتلف به فأما الكبير إذا غرق فليس على السابح شئ إذا لم يفرط لأن الكبير في يد نفسه لا ينسب التفريط في هلاكه إلى غيره (مسألة) (وإن أمر إنساناً أن ينزل بئراً أو يصعد شجرة فهلك بذلك لم يضمنه) لأنه لم يجن ولم يتعد فأشبه ما لو أذن له ولم يأمره إلا أن يكون الآمر السلطان فهل يضمنه؟ على وجهين (أحدهما) لا يضمنه كغيره (والثاني) يضمنه لأنه يخاف منه إذا خالفه وهو مأمور بطاعته إلا أن يكون المأمور صغير إلا يميز فيضمنه لأنه تسبب إلى إتلافه (مسألة) (وإن وضع جرة على سطحه أو حائطه أو حجراً فرمته الريح على إنسان فقتله أو شئ أتلفه لم يضمنه) لأن ذلك بغير فعله ووضعه ذلك كان في ملكه، ويحتمل أن يضمن إذا وضعها متطرفة لأنه تسبب إلى إلقائها وتعدى بوضعا فأشبه ما لو بنى حائطاً مائلاً (مسألة) (وإن أخرج جناحاً إلى الطريق أو ميزابا فسقط على إنسان فأتلفه ضمنه) لأن إخراج الجناح الى الطريق غير جائز لأنه تصرف في غير ملكه إذا كان الطريق نافذاً أو غير نافذ ولم يأذن فيه أصحابه إذا سقط على شئ فأتلفه ضمنه لأنه تلف بعدوانه فضمنه كما لو وضع البناء على أرض الطريق وكذلك الحكم في الميزاب وفي ذلك اختلاف وتفصيل ذكرناه في الغصب والله أعلم

مسألة وإن أمر إنسانا أن ينزل بئرا أو يصعد شجرة فهلك بذلك لم يضمنه

باب مقادير ديات النفس دية الحر المسلم مائة من الإبل أو مائتا بقرة أو ألفا شاة ألف مثقال أو أثنا عشر ألف درهم فهذه الخمس أصول في الدية إذا أحضر من عليه الدية شيئاً منها لزم قبوله وجملة ذلك أنا إذا قلنا إن هذه الخمس أصول في الدية إذا أحضر من عليه الدية من القاتل أو العاقلة شيئاً منها لزم الولي أخذه ولم يكن له المطالبة بغيره سواء كان من أهل ذلك النوع أو لم يكن لأنها أصول في قضاء الواجب يجزئ واحد منها فكانت الخيرة الى من وجبت عليه كخصال الكفارة وشاتي الجيران في الزكاة مع الدراهم وكذلك الحكم في الحال إذا قلنا إنها أصل (فصل) ولا نعلم خلافاً بين أهل العلم في أن الإبل أصول في الدية وأن دية الحر المسلم مائة من الإبل وقد دلت عليه الأحاديث الواردة منها حديث عمرو بن حزم وحديث عبد الله بن عمر وفي دية خطأ العمد وحديث ابن مسعود في دية الخطأ وسنذكرها إن شاء الله تعالى. قال القاضي لا يختلف المذهب أن أصول الدية الإبل والذهب والورق والبقر والغنم فهذه خمسة لا يختلف المذهب فيها، وهذا قول عمر وعطاء وطاوس والفقهاء السبعة، وبه قال الثوري وابن أبي ليلى وأبو يوسف، ومحمد بن عمرو بن حزم روى في كتابه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن " وإن في النفس

باب مقادير ديات النفس

المؤمنة مائة من الإبل وعلى أهل الورق ألف دينار " رواه النسائي وروى ابن عباس أن رجلا من بني عدي قبل فجعل النبي صلى الله عليه وسلم ديته اثني عشر ألفا، رواه أبو داود وابن ماجة وروى الشعبي أن عمر جعل على أهل الذهب ألف دينار، وعن عمرو بن شيب عن أبيه عن جده أن عمر قام خطيباً فقال: ألا أن الإبل قد غلت قال فقوم على أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الورق اثني عشر ألفا وعلى أهل البقر مائتي بقرة وعلى أهل الشاء ألفي شاة وعلى أهل الحال مائتي حلة رواه أبو داود (مسألة) (وفي الحلل روايتان) (إحداهما) ليست أصلا لقول النبي صلى الله عليه وسلم " ألا إن في قيل عمد الخطأ قيل السوط والعصا مائة من الإبل. (الثانية) أنها أصل لما ذكرنا من قول عمر حين قام خطيباً فجعل على أهل الحلل مائتي حلة رواه أبو داود وهذا كان بمحضر من الصحابة فكان إجماعاً وكل حلة بردان (مسألة) (وعن أحمد رحمه الله أن الإبل هي الأصل خاصة) وهذا ظاهر كلام الخرقي وذكرها أبو الخطاب عن أحمد وهو قول طاوس والشافعي وابن المنذر لقول النبي صلى الله عليه وسلم " ألا إن في قتيل عمد الخطأ قتيل السوط مائة من الإبل " ولأن النبي صلى الله عليه وسلم فرق بين دية العمد والخطأ فغلظ بعضها وخفف بعضها ولا يتحقق هذا في غير الإبل ولأنه بدل متلف حقاً لآدمي فكان متعيناً كعوض الأموال وحديث ابن عباس يحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم أوجب الورق بدلاً

مسألة وعن أحمد رحمه الله أن الإبل هي الأصل خاصة

عن الإبل وإنما الخلاف في كونها أصلاً وحديث عمرو بن شعيب يدل على أن الأصل الإبل فإن إيجابه لهذه المذكورات على سبيل التقويم لغلاء الإبل ولو كانت أصولاً بنفسها لم يكن إيجابها تقويماً للإبل، ولا كان لغلاء الإبل أثر في ذلك ولا لذكره معنى. وقد روي أنه كان يقوم الإبل قبل أن تغلو ثمانية آلاف درهم ولذلك قيل إن دية الذمي أربعة آلاف وديته نصف الدية فكان ذلك أربعة آلاف حين كانت الدية ثمانية آلاف (فصل) إذا قلنا أن الأصول خمسة فإن قدرها ما ذكرنا في المسألة في أول الباب ولم يختلف القائلون بهذه الأصول في قدرها من الذهب ولا من سائرها إلا الورق فإن الثوري وأبا حنيفة قالوا: قدرها من الورق عشرة آلاف، وحكي ذلك عن ابن شبرمة لما روى الشعبي أن عمر جعل على أهل الورق عشرة آلاف ولأن الدينار معدول في الشرع بعشرة دراهم بدليل أن نصاب الذهب عشرون مثقالاً ونصاب الفضة مائتا درهم وبما ذكرناه قال الحسن وعروة مالك والشافعي في قول وروي ذلك عن عمر وعلي وابن عباس لما ذكرنا من حديث ابن عباس وحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن عمر ولأن الدينار معدول باثني عشر درهما بدليل أن عمر فرض الجزية على الغني أربعة دنانير أو ثمانية وأربعين درهماً وعلى المتوسط دينارين أو اربعه وعشرين درهما وعلى الفقير دينارين أو اثني عشر درهماً وهذا أولى مما ذكروه في نصاب الزكاة لأنه لا يلزم أن يكون نصاب أحدهما معدولاً بنصاب الآخر

كما أن السائمة من بهيمة الأنعام ليس نصاب شئ منها معدولاً بنصاب غيره قال ابن عبد البر: ليس في جعل الدية عشرة آلاف عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث مرسل ولا مسند وحديث الشعبي عن عمر يخالفه حديث عمرو بن شعيب عن أبيه جده عنه (مسألة) (وإذا قلنا إن الإبل هي الأصل خاصة فعلى من عليه الدية تسليمها إلى مستحقها سليمة من العيوب وأيهما أراد العدول عنها إلى غيرها فللآخر منعه) لأن الحق متعين فيها فاستحقت كالمثل في المتلفات المتلفة، وإن اعوزت الإبل أو لم توجد إلا بأكثر من ثمن المثل فله العدول ألى ألف دينار أو اثني عشر ألف درهم وهذا قول الشافعي في القديم وقال في الجديد تجب قيمة الإبل بالغة ما بلغت لحديث عمرو بن شعيب عن عمر في تقويم الإبل ولأن ما ضمن بنوع من المال وجبت قيمته عند تعذره كذوات الأمثال ولأن الإبل إذا أجزأت إذا قلت قيمتها فينبغي أن تجب، وإن كثرت قيمتها كالدنانير إذا غلت أو رخصت وهكذا ينبغي أن يقول إذا غلت الإبل كلها فأما إن كانت الإبل موجودة بثمن مثلها إلا أن هذا لم يجدها لكونها في غير ولده فان عمر قوم الدية من الدراهم باثني عشر ألفاً ومن الذهب ألف دينار (مسألة) (فإن كان القتل عمدا أو شبه عمد وجبت أرباعا خمس وعشرون بنت مخاض وخمس

مسألة فإن كان القتل عمدا أو شبه عمد وجبت أرباعا خمس وعشرون بنت مخاض وخمس وعشرون بنت لبون

وعشرون لبون بنت وخمس وعشرون حقة وخمس جذعة وعنه أنها ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون خلفة في بطونها أولادها) اختلفت الرواية عن احمد في مقدارها فروى جماعة عن أحمد أنها أرباع وكذلك ذكره الخرقي وهو قول الزهري وربيعة ومالك وسليمان بن يسار وأبي حنيفة وروي ذلك عن ابو مسعود رضي الله عنه، وروى جماعة عن أحمد أنها ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون خلفة في بطونها أولادها، وبهذا قال عطاء ومحمد بن الحسن والشافعي وروي ذلك عن عمر وزيد وابي موسى ولغيرة رضي الله عنهم لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من قتل مؤمنا متعمدا دفع إلى أولياء المقتول فان شاءوا قتلوا وإن شاءوا أخذوا الدية وهي ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون خلفة " وما صولحوا عليه فهو لهم وذلك لتشديد القتل رواه الترمذي وقال هو حديث حسن غريب وعن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ألا إن في قتيل عمد الخطأ قتيل السوط والعصا مائة من الإبل منها أربعون خلفة في بطونها أولادها " رواه الإمام أحمد وأبو داود وعن عمرو بن شعيب أن رجلا يقال له قتادة حذف ابنه بالسيف فقتله فأخذ عمر منه الدية ثلاثين حقة وثلاثين جذعة وأربعين خلفة رواه مالك في الموطأ. ووجه الأول ما روى الزهري عن السائب بن يزيد قال كانت الدية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أرباعا خمسا وعشرين جذعة وخمساً وعشرين حقة وخمساً وعشرين بنت لبون وعشرين مخاض

ولأنه حق يتعلق بجنس الحيوان فلا يعتبر فيه الحمل كالزكاة والأضحية والخلفة الحامل وقول النبي صلى الله عليه وسلم " في بطونها أولادها " تأكيد وهل يعتبر في الخلفات كونها ثنايا؟ على وجهين (أحدهما) لا يعتبر لأن النبي صلى الله عليه وسلم أطلق الخلفات ولم يقيدها فأي فاقة حملت فهي خلفة تجزئ في الدية واعتبار السن تقييد لا يصار إليه إلا بدليل (والثاني) يشترط لأن في بعض ألفاظ الحديث " أربعون خلفة ما بين ثنية عامها إلى بازل " ولأن سائر أنواع الإبل مقدرة السن فكذلك الخلفة والذي ذكره القاضي هو الأول والثنية التي لها خمس سنين ودخلت السادسة وقلما تحمل الاثنية ولو أحضرها خلفة سقطت قبل قبضها فعليه بدلها (فصل) فإن اختلفا في حملها رجع الى أهل الخبرة كما يرجع الى حمل المرأة في القوابل وإن تسلمها الولي ثم قال لم تكن حوامل وقد ضمرت أجوافها فقال الجاني بل قد ولدت عندك نظرت فإن قبضها بقول أهل الخبرة فالقول قول الجاني لأن الظاهر إصابتهم وإن قبضها بغير قولهم فالقول قول الولي لأن الأصل عدم الحمل. (مسألة) (وإن كان القتل خطأ وجبت أخماساً عشرون بنت مخاض وعشرون ابن مخاض وعشرون بنت لبون وعشرون حقة وعشرون جزعة) لا يختلف المذهب أن دية الخطأ أخماس كما ذكرنا وهذا قول ابن مسعود والنخعي وأصحاب الرأي وابن المنذر وقال عمر بن عبد العزيز وسليمان بن يسار والزهري والليث وربيعة ومالك والشافعي

مسألة وإن كان القتل خطأ وجبت أخماسا عشرون بنت مخاض وعشرون ابن مخاض وعشرون بنت لبون

هي أخماس إلا أنهم جعلوا مكان بني مخاض بني لبون، وهكذا رواه سعيد في سننه عن النخعي عن ابن مسعود قال الخطابي روي أن النبي صلى الله عليه وسلم ودى الذي قتل بخيبر بمائة من إبل الصدقة وليس في أسنان الصدقة ابن مخاض، وروي عن علي والحسن والشعبي والحارث العكلي وإسحاق انها ارباع كدية العمد سواء وعن زيد انها ثلاثون حقة وثلاثون بنت لبون وعشرون ابن لبون وعشرون بنت مخاض، قال طاوس ثلاثون حقة وثلاثون بنت لبون وثلاثون بنت مخاض وعشر بني لبون ذكور لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى أن من قتل خطأ فديته من الإبل ثلاثون بنت مخاض وثلاثون بنت لبون وثلاثون حقة وعشر بني لبون ذكور، رواه أبو داود وابن ماجة، وقال أبو ثور الديات كلها أخماس كدية الخطأ لأنها بدل متلف فلا يختلف بالعمد والخطأ كسائر المتلفات وحكي عنه ان دية العمد مغلظة ودية شبه الخطأ والعمد اخماس لأن شبه العمد تحمله العاقلة فكان أخماساً كدية الخطأ ولنا ما روى عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " في دية الخطأ عشرون حقة وعشرون جذعة وعشرون بنت مخاض وعشرون بني مخاض وعشرون بنت لبون " رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة ولأن ابن لبون يجب على طريق البدل عن ابنة مخاض في الزكاة إذا لم يجدها فلا يجمع بين البدل والمبدل في واجب ولأن موجبهما واحد فيصير كانه أوجب اربعين ابنة مخاض، ولأن ما قلناه الأقل والزيادة

عليه لا نثبت إلا بتوقيف على من ادعاه الدليل، فأما قتيل خيبر فلا حجة لهم فيه لأنهم لم يدعوا القتل إلا عمداً فتكون ديته دية العمد وهي من أسنان الصدقة والخلاف في دية الخطأ، وقول أبي ثور يخالف الآثار المروية التي ذكرناها فلا يعول عليه (مسألة) (ويؤخذ في البقر النصف مسنات والنصف أتبعة وفي الغنم النصف ثنايا والنصف أجذعة إذا كانت الغنم ضأناً) لأن دية الإبل من الاسنان من المقدرة في الزكاة فكذلك للبقر والغنم (مسألة) (ولا تعتبر القيمة في شئ من ذلك إذا كان سليماً من العيوب وقال أبو الخطاب تعتبر أن تكون القيمة لكل بعير مائة وعشرين درهماً، وظاهر هذا أنه يعتبر في الأصول كلها أن تبلغ دية من الأثمان والأول أولى) الصحيح أنه لا تعتبر قيمة الإبل بل متى وجدت على الصفة المشروطية وجب أخذها وهو ظاهر كلام الخرقي وسواء قلت قيمتها أو كثرت وهو ظاهر مذهب الشافعي وذكر أصحابنا أن مذهب احمد ان تؤخذ مائة من الإبل قيمة كل بعير منها مائة وعشرون درهماً فإن لم يقدر على ذلك أدى اثني عشر ألف درهم أو الف دينار لأن عمر قوم الإبل على أهل الذهب ألف مثقال وعلى أهل الورق اثني عشر ألف درهم فدل على أن ذلك قيمتها ولأن هذه أبدال محل واحد فيجب أن تتساوى في القيمة كالمثل والقيمة في بدل القرض المتلف في المثليات

مسألة ويؤخذ في البقر النصف مسنات والنصف أتبعة وفي الغنم النصف ثنايا والنصف أجذعة إذا كانت الغنم ضأنا

ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " في النفس المؤمنة مائة من الإبل " وهذا مطلق فتقييده يخالف اطلاقه فلم يجب إلا بدليل ولأنها كانت تؤخذ على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وقيمتها ثمانية آلاف، وقول عمر في حديثه أن الإبل قد غلت فقومها على أهل الورق اثني عشر ألفاً دليل على أنها في حال رخصها أقل قيمة من ذلك وقد كانت تؤخذ في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وصدراً من خلافه عمر مع رخصها وقلة قيمتها ونقصها عن مائة وعشرين فإيجاب ذلك فيها خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأن النبي صلى الله عليه وسلم فرق بين دية الخطأ والعمد فغلظ دية العمد وخفف دية الخطأ وأجمع عليه أهل العلم، واعتبارها بقيمة واحدة تسوية بينهما وجمع بين ما فرق الشارع وإزالة التخفيف والتغليظ جميعاً بل هو تغليظ لدية الخطأ لأن اعتبار ابنة مخاض بقيمة ثنية أو جذعة يشق جداً فيكون تغليظاً لدية الخطأ وتخفيفاً لدية العمد وهذا خلاف ما قصده الشارع وورد به، ولأن العادة نقص قيمة بنات المخاض عن قيمة الحقاق والجذعات فلو كانت تؤدى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيمة واحدة ويعتبر فيها ذلك النقل ولم يجز الإخلال به لأن ما ورد الشرع به مطلقاً إنما يحمل على العرف والعادة فإذا أريد به ما يخالف العادة وجب بيانه وايضاحه لئلا يكون تلبيساً في الشريعة وإيهامهم أن حكم الله خلاف ما هو حكمه على الحقيقة والنبي صلى الله عليه وسلم بعث للبيان قال الله تعالى (لتبين للناس ما نزل إليهم) فكيف يحمل قولهم على الإلباس والألغاز هذا لا يحل لو حمل الأمر على ذلك لكان ذكر الأسنان عبثاً غير مفيد فإن فائدة ذلك إنما هو لكون

اختلاف أسنانها مظنة لا ختلاف القيم فأقيم مقامه ولأن الإبل الأصل في الدية فلا يعتبر قيمتها بغيرها كالذهب والورق، ولانها أصل في الوجوب فلا تعتبر قيمتها كالإبل في السلم وشاة الجيران، وحديث عمرو بن شعيب حجة لنا فإن الإبل كانت تؤخذ قبل أن تغلو ويقومها عمر وقيمتها أكثر من اثني عشر ألفا وقد قيل إن قيمتها كانت ثمانية آلاف ولذلك قال عمر دية الكتابي أربعة آلاف، وقولهم انها أبدال محل واحد فلنا أن نمنع ونقول البدل انما هو الإبل وغير ها معتبر بها وإن سلمنا فهو منتقض بالذهب والورق فإنه لا يعتبر تساويهما، وينتقض أيضاً بشاة الجيران مع الدراهم، وأما بدل القرض والمتلف فإنما هو المثل خاصة والقيمة بدل عنه ولذلك لا تجب إلا عند المعجز عنه بخلاف مسئلتنا، فإن قيل فهذا حجة عليكم لقولكم أن الإبل هي الأصل وغيرها بدل عنها فيجب أن يساويهما كالمثل والقيمة، قلنا إذا ثبت لنا هذا ينبغي أن يقوم غيرها بها ولا تقوم هي بغيرها لأن البدل يتبع الأصل ولا يتبع الأصل البدل على أنا نقول إنما صير الى التقدير بهذا لأن عمر رضي الله عنه قومها في وقته بذلك فوجب المصير اليه كيلا يؤدي إلى التنازع والاختلاف في قيمة الإبل الواجبة كما قدر لبن المصراة بصاع من التمر نفياً للتنازع في قيمته فلا يوجب هذا ان يرد الأصل الى التقويم فيفضي الى عكس حكمة الشرع ووقوع التنازع في قيمة الإبل مع وجودها بعينها على أن المعتبر في بدلي القرض مساواة المقرض فاعتبر كل واحد من بدليه به والدية غير معتبرة بقيمة المتلف ولهذا لا تعتبر صفاته، وهكذا قول أصحابنا في تقويم البقر والشاء والحلل يجب أن يكون مبلغ الواجب من

كل صنف منها اثني ألفاً فتكون قيمة كل بقرة أو حلة ستين درهماً وقيمة كل شاة ستة دراهم لتتساوى الأبدال كلها. (مسألة) (ويؤخذ في الحلل المتعارف من ذلك باليمن) وهي مائتا حلة كل بردان فتكون اربعمائة بردة، فإن تنازعا جعلت قيمة كل حلة ستين درهماً ليبلغ قيمة الجميع اثني ألف درهم. (فصل) ولا يقبل في الإبل معيب ولا أعجف ولا يعتبر فيها أن تكون من جنس إبله ولا إبل بلده. وقال القاضي وأصحاب الشافعي الواجب عليه من جنس إبله سواء كان القاتل أو العاقلة لأن وجوبها على سبيل المواساة فيجب كونها من جنس مالهم كالزكاة فإذا كان عند بعض العاقلة عراب وعند بعضهم نجاتي أخذ من كل واحد من جنس ما عنده وإن كان عند واحد صنفان ففيه وجهان (أحدهما) يؤخذ من كل صنف بقسطه (والثاني) يؤخذ من الأكثر فإن استويا دفع من أيهما شاء فإن دفع من غير إبله خيراً من إبله أو مثلها جاز كما لو أخرج في الزكاة خيراً من الواجب، وان أدون لم يقبل إلا أن يرضي المستحق، وإن لم يكن له إبل فمن غالب إبل البلد فإن لم يكن في البلد إبل وجبت من غالب إبل أقرب البلاد اليه فإن كانت إبله عجافاً أو مراضاً كلف تحصيل صحاح من صنف ما عنده لأنه بدل متلف فلا يؤخذ فيه معيب كقيمة الثوب المتلف ونحو هذا قال أصحابنا في البقر والغنم

مسألة ويؤخذ في الحلل المتعارف من ذلك باليمن

ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم في النفس المؤمنة مائة من الإبل أطلق الإبل فمن قيدها احتاج الى دليل ولأنها بدل متلف فلم يختص بجنس ماله كبدل سائر المتلفات، ولأنها حق ليس سببه المال فلم يعتبر فيه كونه من جنس ما * له كالمسلم فيه والقرض ولأن المقصود بالدية جبر المفوت والجبر لا يختص بجنس مال من وجب عليه، وفارق الزكاة فإنها وجبت على سبيل المواساة ليشارك الفقراء لا غنياء فيما أنعم الله عليهم به فاقتضى كونه من جنس أموالهم وهذا بدل متلف فلا وجه لتخصيصه بماله وقولهم انها مواساة لا يصح وانما وجبت جبراً للفائت كبدل المال المتلف، وانما العاقلة تواسي القاتل فيما وجب بجناية ولهذا لا تجب من جنس أموالهم اذا لم يكونوا ذوي إبل والواجب بجنايته ابل مطلقة فتواسيه في تحملها ولأنها لو وجبت من جنس مالهم لوجبت المريضة من المراض والصغيرة من الصغار كالزكاة (فصل) ودية المرأة نصف دية الرجل، إذا كانت المرأة حرة مسلمة فديتها نصف دية الحر المسلم أجمع على ذلك أهل العلم ذكره ابن المنذر وابن عبد البر وحكى غيرهما عن ابن عليه والأصم أنهما قالا ديتها كدية الرجل لقوله عليه الصلاة والسلام " في النفس المؤمنة مائة من الإبل " وهذا قول شاذ يخالف إجماع الصحابة وسنة النبي صلى الله عليه وسلم فإن في كتاب عمرو بن حزم دية المرأة على النصف من دية الرجل وهو أخص مما ذكروه وهما في كتاب واحد فيكون ما ذكرنا مفسراً لما ذكروه مخصصاً له (مسألة) (وتساوي جراح المرأة جراح الرجل إلى ثلث الدية فإذا زادت صارت على النصف)

روي هذا عن عمر وابنه وزيد بن ثابت وبه قال سعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز وعروة والزهري وقتادة وربيعة ومالك قال ابن عبد البر وهو قول فقهاء المدينة السبعة وجمهور أهل المدينة وحكي عن الشافعي في القديم وقال الحسن يستويان الى النصف، وروي عن علي رضي الله عنه انها على النصف فيما قل أو أكثر، وروي ذلك عن ابن سيرين وبه قال الثوري والليث وابن أبي ليلى وابن شبرمة وأبي حنيفة وأصحابه والشافعي في ظاهر مذهبه. واختاره ابن المنذر لأنهما شخصان تختلف ديتهما فاختلف أرش أطرافهما كالمسلم والكافر ولانهما جناية لها أرش فكان من المرأة على النصف من الرجل كاليد، وروي عن ابن مسعود أنه قال تعاقل المرأة الرجل الى نصف عشر الدية فإذا زاد على ذلك فهي على النصف كأنها تساويه في الموضحة، وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " عقل المرأة مثل عقل الرجل حتى يبلغ الثلث من ديتها " أخرجه النسائي وهو نص يقدم على ما سواه قال ربيعة قلت لسعيد بن المسيب كم في أصبع المرأة؟ قال عشر قلت ففي اصبعين قال عشرون قلت ففي ثلاث أصابع؟ قال ثلاثون قلت ففي أربع قال عشرون قال فقلت لما عظمت مصيبتها قل عقلها؟ قال هكذا السنة يا ابن أخي وهذا مقتضى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه سعيد ولأنه إجماع الصحابة رضي الله عنهم إذ لم ينقل عنهم خلاف ذلك إلا عن علي ولا نعلم ثبوت ذلك عنه ولأن ما دون الثلث يستوي فيه الذكر والأنثى بدليل الجنين فإنه يستوي فيه دية الذكر والأنثى، فأما الثلث

مسألة وتساوي جراح المرأة جراح الرجل إلى ثلث الدية فإذا زادت صارت على النصف

نفسه ففيه روايتان (إحداهما) يستويان فيه لأنه لم يعتبر حد القلة ولهذا صحت الوصية به (والثانية) يختلفان فيه وهو الصحيح لقوله عليه الصلاة والسلام " حتى يبلغ الثلث " وحتى للغاية ويجب أن تكون مخالفة لما قبلها لقول الله تعالى (حتى يعطوا الجزية) ولأن الثلث في حد الكثرة لقوله عليه الصلاة والسلام " والثلث كثير " ولأن العاقلة تحمله فدل على أنه مخالف لما دونه، فأما دية نساء سائر أهل الأديان فقال أصحابنا تساوي دياتهن ديات رجالهم الى الثلث لعموم قوله عليه الصلاة والسلام " عقل المرأة مثل عقل الرجل حتى يبلغ الثلث من ديتها " ولأن الواجب دية امرأة فساوت دية الرجل من أهل ديتها كالمسلمين ويحتمل أن تساوي المرأة الرجل إلى ثلث دية الرجل المسلم لأنه القدر الكثير الذي ثبت له النصيف في الأصل وهو دية وهكذا أرش جراحة المسلمين (مسألة) (ودية الخنثى المشكل نصف دية ذكر ونصف دية أنثى وذلك ثلاثة أرباع دية الذكر لأنه يتحمل الذكورية والأنوثية) وهذا قول أصحاب الرأي وعند الشافعي الواجب دية أنثى لأنها اليقين فلا يجب الزائد بالشك ولنا أنه يحتمل الذكورية والأنوثية احتمالاً واحداً وقد يئسنا من انكشاف حاله فيجب التوسط بينهما والعمل بكلا الاحتمالين

مسألة ودية الخنثى المشكل نصف دية ذكر ونصف دية أنثى وذلك ثلاثة أرباع دية الذكرلأنه يحتمل الذكورية

(فصل) ويفاد به الذكر والأنثى لأنهما لا يختلفان في القود ويفاد هو بكل واحد منهما فأما جراحه فإن كانت دون الثلث استوى الذكر والأنثى لأن أدنى حاليه أن يكون امرأة وهي تساوي الذكر على ما بينا وفيما زاد ثلاثة أرباع حر ذكر (فصل) ودية الكتابي نصف دية المسلم إذا كان حراً ونساؤهم على النصف من دياتهم هذا ظاهر المذهب وهو قول عمر بن عبد العزيز وعروة ومالك وعمرو بن شعيب عنه أنها ثلث دية المسلم إلا أنه رجع عنها فروى عنه صالح أنه قال: كنت أقول دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف وأنا اليوم أذهب الى نصف دية المسلم حديث عمرو بن شعيب وحديث عثمان الذي يرويه الزهري عن سالم عن ابيه وهذا صريح في الرجوع عنه، وروي عن عمر وعثمان أن ديته أربعة آلاف درهم، وبه قال سعيد بن المسيب وعطاء وعكرمة وعمرو بن دينار والشافعي واسحاق وأبو ثور لما روى عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف أربعة آلاف " وروي أن عمر رضي الله عنه جعل دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف ودية المجوسي ثمانمائة درهم وقال علقمة ومجاهد والشعبي والنخعي والثوري وأبو حنيفة: ديته كدية المسلم، وروي ذلك عن عمر وعثمان وابن مسعود ومعاوية رضي الله عنهم، وقال ابن عبد البر هو قول سعيد بن المسيب والزهري

لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه قال " دية اليهودي والنصراني مثل دية المسلم " ولأن الله سبحانه ذكر في كتابه دية المسلم وقال (ودية مسلمة إلى أهله) قال في الذمي مثل ذلك ولم يفرق فدل لى أن ديتهما واحدة ولأنه حر ذكر معصوم فتكمل ديته كالمسلم ولنا ما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " دية المعاهد نصف دية المسلم " وفي لفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى أن عقل أهل الكتاب نصف عقل المسلمين رواه الإمام أحمد وفي لفظ دية المعاهد نصف دية الحر قال الخطابي ليس في دية أهل الكتاب شئ أبين من هذا ولا بأس باسناده وقد قال به أحمد وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى. فأما حديث عبادة فلم يذكره أصحاب السنن والظاهر أنه ليس بصحيح وحديث عمر إنما كان ذلك حين كانت الدية ثمانية آلاف فأوجب فيه نصفها أربعة آلاف ودليل ذلك ما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال كانت قيمة الدية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانمائة دينار وثمانية آلاف درهم ودية أهل الكتاب يؤمئذ النصف فهذا بيان وشرح يزيل الاشكال وفيه جمع للاحاديث فيكون دليلاً لنا ولو لم يكن كذلك لكان قول النبي صلى الله عليه وسلم مقدماً على قول عمر وغيره بغير إشكال فقد كان عمر رضي الله عنه إذا بلغه عن النبي صلى الله عليه وسلم سنة ترك قوله وعمل بها فكيف يسوغ لأحد أن يحتج بقوله في ترك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما ما احتج به الآخرون فإن الصحيح من حديث عمرو بن شعيب ما رويناه أخرجه الأئمة في كتبهم دون ما رووه، وأما ما رووه من قول الصحابة فقد روي عنهم خلافه فيحمل قولهم في إيجاب الدية

كاملة على سبيل التغليظ. قال أحمد إنما غلظ عثمان الدية عليه لأنه كان عمداً فلما ترك القود غلظ عليه وكذلك حديث معاوية، ومثل هذا ما روي عن عمر رضي الله عنه حين انتحر رقيق حاطب ناقة لرجل مزني فقال عمر لحاطب: إني أراك تجمعهم لأغرمنك غرماً يشق عليك فغرمه مثلي قيمتها. (مسألة) (وجراحاتهم على النصف من دياتهم كجراحات المسلمين من دياتهم قياساً عليهم) قال الأثرم قيل لأبي عبد الله جني على مجوسي في عينه وفي يده؟ قال يكون بحساب ديته كما أن المسلم يؤخذ بالحساب فكذلك هذا قيل قطع يده؟ قال بالنصف من ديته (مسألة) (ونساؤهم على النصف من دياتهم) لا نعلم في هذا خلافاً قال ابن المنذر أجمع أهل العلم على أن دية المرأة نصف دية الرجل ولأنه لما كان دية نساء المسلمين على النصف من دياتهم كذلك نساء أهل الكتاب قياساً عليهم. (مسألة) (ودية المجوسي والوثني ثمان مائة درهم) ذهب أكثر أهل العلم في دية المجوسي قال احمد ما أقل من اختلف في دية المجوسي وممن قال ذلك عمر وعثمان وابن مسعود وسعيد بن المسيب وسليمان بن يسار وعطاء وعكرمة والحسن ومالك والشافعي وإسحاق ويروى عن عمر بن عبد العزيز أنه قال ديته نصف دية المسلم كدية الكتابي لقول النبي صلى الله عليه وسلم " سنوا بهم سنة أهل الكتاب "، وقال النخعي والشعبي وأصحاب الرأي: ديته كدية المسلم لأنه آدمي حر معصوم فأشبه المسلم

مسألة ونساؤهم على النصف من دياتهم

ولنا قول من سمينا من الصحابة ولم نعرف لهم في عصرهم مخالفا فكان إجماعا وقوله " سنوا بهم سنة أهل الكتاب " يعني في أخذ جزيتهم وحقن دمائهم بدليل أن ذبائحهم ونساءهم لا تحل لنا ولا يجوز اعتباره بالمسلم ولا بالكتابي لنقصان ديته وأحكامه عنهما فينبغي أن تنقص ديته كنقص المرأة عن دية الرجل وسواء كان المجوسي ذمياً أو مستأمناً لأنه محقون الدم، ونساؤهم على النصف من دياتهم وجراح كل واحد معتبرة من ديته كالمسلم (مسألة) (فأما عبدة الأوثان وسائر من ليس له كتاب كالترك ومن عبد ما استحسن فلا ذمة لهم وإنما تحقن دماؤهم بالأمان) فإذا قتل من له أمان منهم فديته دية مجوسي لأنها أقل الديات فلا ينقص عنها ولأنه كافر ذو عهد لا تحل منا كحته فأشبه المجوسي (مسألة) (ومن لم تبلغه الدعوة فلا ضمان فيه) من لم تبلغه الدعوة من الكفار إن وجد لم يجز قتله حتى يدعى فإن قتل الدعوة من غير أن يعطى أماناً فلا ضمان فيه لأنه لا عهد له ولا ايمان فأشبه امرأة الحربي وابنه الصغير وانما حرم قله لتبلغه الدعوة وهذا قول أبي حنيفة وقال أبو الخطاب إن كان ذا دين فديته دية أهل دينه وهو مذهب الشافعي لأنه محقون الدم أشبه من له أمان والأول أولى فإن هذا ينتقض بصبيان أهل الحرب ومجانينهم

مسألة ومن لم تبلغه الدعوة فلا ضمان فيه

ولأنه كافر لا عهد له فلم يضمن كالصبيان فأما إن كان له عهد ففيه دية أهل ديته فإن لم يعرف ديته ففيه دية المجوسي لأنه اليقين والزيادة مشكوك فيها (فصل) ودية العبد والأمة قيمتهما بالغة وعنه لا يبلغ بها دية الحر أجمع أهل العلم على أن في العبد الذي لا تبلغ قيمة دية الحر قيمته فإن بلغت قيمته دية أو زادت عليهما فذهب أحمد رحمه الله في المشهور عنه الى ان فيه قيمته بالغة ما بلغت عمداً كان القتل او خطأ سواء ضمن باليد أو بالجناية وهذا قول سعيد بن المسيب والحسن وابن سيرين وعمر بن عبد العزيز وأياس بن معاوية والزهري ومكحول ومالك والاوزاعي والشافعي وإسحاق وأبي يوسف وقال النخعي والشعبي والثوري وأبو حنيفة ومحمد لا يبلغ به دية الحر وحكاها أبو الخطاب رواية عن أحمد وقال أبو حنيفة ينقص عن دية الحر ديناراً وعشرة دراهم القدر الذي يقطع به السارق هذا إذا ضمن بالجناية وان ضمن باليد مثل ان يعصب عبداً فيموت في يده فإن قيمته تجب وإن زادت على دية الحر واحتجوا بأنه ضمان آدمي فلم يزد على دية الحر كضمان الحر وذلك لأن الله تعالى لما اوجب في الحر دية لا نزيد وهو أشرف لخلوه عن نقص الرق كان تنبيها على أن العبد المنقوص لا يزاد عليها فتجعل مالية العبد معياراً للقدر الواجب فيه ما لم يزد على الدية فإن زاد علمنا خطأ ذلك فنرده إلى دية الحر كأرش ما دون الموضح يجب فيه ما تخرجه الحكومة ما لم يزد على أرش الموضحة فنرده اليها

ولنا أنه مال متقوم فيضمن بكمال قيمته بالغة ما بلغت كالفرس او مضمون بقيمته فكانت جميع القيمة مضمونة كما لو ضمنه باليد ويخالف الحر فإنه ليس مضموناً بالقيمة وإنما ضمن بما قدره الشرع فلم يتجاوزه ولأن ضمان الحر ليس بضمان مال ولذلك لم يختلف باختلاف صفاته وهذا ضمان مال يزيد بزيادة المالية وينقص بنقصانها فاختلفا (فصل) ولا فرق في هذا الحكم بين القن من العبيد والمدبر والمكاتب وأم الولد قال الخطابي أجمع عوام الفقهاء على أن المكاتب عبد ما بقي عليه درهم في جنايته والجناية عليه ألا إبراهيم النخعي فإنه قال في المكاتب يودى بقدر ما أدى من كتابة دية الحر وما بقي دية العبد وروي في ذلك شئ عن علي رضي الله عنه وقد روى أبو داود في سننه والإمام أحمد في مسنده حدثنا محمد بن عبد الله ثنا هشام بن أبي عبد الله قال حدثني يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن ابن عباس قال قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المكاتب يقتل أنه يودى ما أدى من كتابته دية الحر وما بقي دية العبد وقال الخطابي إذا صح الحديث وجب القول به إذا لم يكن منسوخاً أو معارضاً بما هو أولى منه (مسألة) (وفي جراحه إن لم يكن مقدرا ما في الحر ما نقصه بعد التئام الجرح كسائر الأموال وإن كان مقدراً في الحر فهو مقدر في العبد من قيمته ففي يده نصف قيمته وفي موضحة نصف عشر قيمته نقصته الجناية أقل من ذلك أو اكثر وعنه أنه يضمن بما نقص اختاره الخلال وجملة ذلك أن الجناية على العبد يجب ضمانها بما نقص من قيمته لأن الواجب إنما وجب جبراً لما فات بالجناية ولا تجبر إلا بايجاب ما نقص

مسألة وفي جراحه إن لم يكن مقدرا في الحر ما نقصه بعد التئام الجرح كسائر الأموال وإن كان مقدرا في الحر

من القيمة فيجب ذلك كما لو كانت الجناية على غيره من الحيوانات وسائر المال ولا يجب زيادة على ذلك لأن حق المجني عليه قد انجبر فلا تجب له زيادة على ما فوته الجاني عليه هذا هو الأصل ولا نعلم فيه خلافاً فيما ليس فيه مقدر شرعي فإن كان الفائت بالجناية مؤقتاً في الحر كيده وموضحته ففيه عن أحمد روايتان (إحداهما) ان فيه أيضاً ما نقصه بالغا ما بلغ وذكر أبو الخطاب أنه اختيار الخلال وروى الميموني عن أحمد أنه قال انما يأخذ قيمة ما نقص منه على قول ابن عباس وروى هذا عن مالك فيما عدا موضحته ومنقلته وهاشمته وجائفته لأن ضمانه ضمان الامور فيجب فيه ما نقص كالبهائم ولأن ما ضمن بالقيمة بالغا ما بلغ ضمن نقصه بما نقص كسائر الأموال ولأن مقتضى الدليل ضمان الفائت بما نقص خالفناه فيما وقت الحر كما خالفناه في ضمان نفسه بالدية المؤقتة ففي الوقت يبقى فيهما على مقتضى الدليل والرواية الأخرى أن ما كان موقتاً في الحر فهو موقت في العبد من قيمته ففي يده أو عينه أو شفته نصف قيمته وفي موضحته نصف عشر قيمته وما أوجب الدية في الحر كالأنف واللسان واليدين والرجلين والعينين والأذنين أوجب قيمة العبد مع العبد بقاء ملك السيد عليه وروى هذا عن علي رضي الله عنه وروي نحوه عن سعيد بن المسيب وبه قال ابن سيرين وعمر بن عبد العزيز والشافعي والثوري قال أحمد هذا قول سعيد بن المسيب وقال آخرون ما اصيب به العبد فهو على ما نقص من قيمته والظاهر أن هذا لو كان قول علي لما احتج أحمد إلا به دون غيره إلا أن أبا حنيفة والثوري قالا ما أوجب الدية من الحر

يتخير سيد العبد فيه بين أن يغرمه قيمته ويصير ملكاً للجاني وبين أن لا يضمنه شيئاً لئلا يؤدي الى اجتماع البدل والمبدل لرجل واحد وروي عن إياس بن معاوية فيمن قطع يد عبد عمداً أو قلع عينه هو له وعليه ثمنه ووجه هذه الرواية قول علي رضي الله عنه ولم يعرف له من الصحابة مخالف ولأنه آدمي يضمن بالقصاص والكفارة فكان في أطرافه مقدر كالحر ولأن اطرافه فيها مقدر من الحر فكان فيها مقدر من العبد كالشجاج الأربع عند مالك وما وجب في شجاجه مقدر وجب في أطرافه كالحر وعلى أبي حنيفة قول علي وإن هذه الأعضاء فيها مقدر فوجب ذلك مع بقاء ملك السيد في العبد كاليد الواحدة وسائر الأعضاء وقولهم إنه اجتمع البدل والمبدل لواحد لا يصح لأن القيمة ههنا بدل العضو واحدة والرواية الأولى أقيس وأولى إن شاء الله تعالى ولم يثبت ما روي عن علي وان ثبت فقد روي عن ابن عباس خلافه فلا يبقى حجة والقياس على الحر لا يصح لأنهم لم يسووا بينه وبين الحر فيما ليس فيه مقدر شرعي فإنهم أوجبوا فيه ما نقصه وإن كان في عضو فيه مقدر شرعي فإنهم أوجبوا فيه ما نقصه وإن كان في عضو فيه مقدر كالجناية على الإصبع من غير قطع إذا نقصت قيمته العشر أو أكثر بخلاف الحر وقد ذكرنا دليل ذلك في صدر المسألة (فصل) والأمة مثل العبد فيما ذكرنا وفيه من الخلاف ما فيه إلا أنها تشبه بالحرة ولا تفريع على الرواية الأولى فأما على الثانية فإن بلغت قيمتها احتمل أن ترد الى النصف فيكون في ثلاثة أصابع ثلاثة

أعشار قيمتها وفي أربعة أصابع خمسها كما أن المرأة تساوي الرجل في الجراح الى ثلث ديتها فإذا بلغت الثلث ردت الى النصف والأمة امرأة فيكون أرشها من قيمتها كأرش الحرة، ويحتمل أن لا ترد الى النصف لأن ذلك في الحرة على خلاف الأصل لكون الأصل زيادة الأرش بزيادة الجناية وإن كل ما زاد نقصها وضررها زاد في ضمانها فإذا خولف في الحرة بقينا في الأمة على وفق الأصل (مسألة) (ومن نصفه حر ففيه نصف دية حر ونصف قيمته وكذلك في جراحه) وجملة ذلك أن من نصفه حرا إذا جنى عليه الحر فلا قود عليه لأنه ناقص بالرق فأشبه ما لو كان كله رقيقا وان كان قاتله عبداً أقيد منه لأنه أكمل من الجاني، وإن كان نصف القاتل حراً وجب القود لتساويهما وإن كانت الحرية في القاتل أكثر لم يجب القود لعدم المساواة بينهما، وفي ذلك كله إذا لم يكن القاتل عبداً فعليه نصف دية حر ونصف قيمته إذا كان عمداً وإن كان خطأ ففي ماله نصف قيمته لأن العاقلة لا تحمل العبد والنصف على العاقلة لأنها دية حر في الخطأ، وهكذا الحكم في جراحه إذا كان قدر الدية من أرشها يبلغ ثلث الدية مثل أن يقطع أنفه أو يديه وإن قطع إحدى يديه فالجميع على الجاني لأن نصف دية اليد ربع ديته فلا تحملها العاقلة لنقصها عن الثلث (مسألة) (وإذا قطع خصيتي عبد أو أنفه أو اذنيه لزمته قيمته للسيد ولم يزل ملك السيد عنه وإن قطع ذكره ثم خصاه لزمته قيمته لقطع الذكر وقيمته مقطوع الذكر وملك سيده باق عليه)

مسألة ومن نصفه حر ففيه نصف دية حر ونصف قيمته وكذلك في جراحه

وفي ذلك اختلاف ذكرناه وعلى الرواية الأخرى يلزمه ما نقص من قيمته ودليلهما ما سبق (فصل) (ودية الجنين الحر المسلم إذا سقط ميتاً غرة عبداً أو أمة قيمتها خمس من الإبل مورثة عنه كأنه سقط حيا ذكرا أو انثى، وهو نصف عشر الدية) يقال غرة عبد بالصفة وغرة عبد بالإضافة والصفة أحسن لأن الغرة اسم للعبد نفسه قال مهلهل كل قتيل في كليب غره * حتى ينال القتل آل مره وجملة ذلك أن في جنين المسلمة غرة هذا قول أكثر أهل العلم منهم عمر رضي الله عنه وعطاء والشعبي والنخعي والزهري ومالك والثوري والشافعي واسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي وقد روي أن عمر استشار الناس في املاص المرأة فقال المغيرة بن شعبة شهدت النبي صلى الله عليه وسلم قضى فيه بغرة عبد أو أمة قال لتأتين بمن يشهد معك فشهد له محمد بن مسلمة، وعن أبي هريرة قال اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن دية جنينها عبد أو أمة وقضى بدية المرأة على عاقلتها وورثها ولدها ومن معهم متفق عليه، والغرة عبد أو أمة سميا بذلك لانهن أنفس الاموال، والاصل في الغرة الخيار، فإن قيل فقد روي في هذا الخبر " أو فرس أو بغل " قلنا هذا لم يثبت رواه عيسى بن يونس ووهم فيه قاله أهل النقل والحديث الصحيح إنما فيه عبد أو أمة

(فصل) وإنما تجب الغرة إذا سقط من الضربة، ويعلم ذلك بأن يسقط عقيب الضرب أو تبقى منها متألمة الى أن يسقط، ولو قتل حاملاً ولم يسقط جنينها أو ضرب من في جوفها حركة او انتفاخ فسكن الحركة واذهبها لم يضمن الجنين وبهذا قال مالك وقتادة والاوزاعي والشافعي وابن المنذر وحكي عن الزهري ان عليه غرة لأن الظاهر أنه قتل الجنين فوجبت الغرة كما لو أسقطت ولنا أنه لا يثبت حكم الولد إلا بخروجه ولذلك لا يصح له وصية ولا ميراث ولأن الحركة يجوز أن تكون لريح في البطن سكنت فلا يجب الضمان بالشك، وأما إذا القته ميتاً فقد تحقق والظاهر تلفه من الضربة فيجب ضمانه سواء ألقته في حياتها أو بعد موتها وبهذا قال الشافعي، وقال مالك وأبو حنيفة ان القته بعد موتها لم يضمنه لأنه يجري مجرى اعضائها وبموتها سقط حكم أعضائها ولنا أنه جنين تلف بجنايته وعلم ذلك بخروجه كما لو سقط في حياتها ولأنه لو سقط حياً ضمنه فكذلك إذا سقط ميتاً كما لو أسقطته في حياتها، وما ذكروه غير صحيح لأنه لو كان كذلك لكان إذا سقط ميتاً ثم ماتت لم يضمنه كامضائها ولأنه آدمي موروث فلا يدخل في ضمان أمه كما لو خرج حياً، فإن ظهر بعضه من بطن أمه ولم يخرج باقية ففيه الغرة وبه قال الشافعي، وقال مالك وابن المنذر لا تجب

حتى تلقيه لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أوجب الغرة في الجنين الذي ألقته المرأة وهذه لم تلق شيئاً فأشبه ما لم يظهر منه شئ. ولنا أنه قاتل لجنينها فلزمته الغرة كما لو ظهر جميعه، ويفارق ما لو لم يظهر منه شئ فانه لم يتيقن قتله ولا وجوده وكذلك إن ألقت يداً أو رجلاً أو رأساً أو جزءاً من أجزاء الآدمي تجب الغرة لانا تيقنا أنه من جنين، وإن ألقت رأسين أو أربع أيد لم يجب أكثر من غرة لأن ذلك يجوز أن يكون من جنين واحد ويجوز أن يكون من جنينين فلم تجب الزيادة مع الشك لأن الأصل براءة الذمة ولذلك لم يجب ضمانه إذا لم يظهر، فإن أسقطت ما ليس فيه صورة آدمي فلا شئ فيه لأنه لا يعلم أنه جنين، وأن ألقت مضغة فشهد ثقات من القوابل أن فيه صورة خفية ففيه غرة، وإن شهدن أنه مبتدأ خلق آدمي لو بقي تصور ففيه وجهان (أصحهما) لا شئ فيه لأنه لم يتصور فلم يجب فيه شئ كالعلقة ولأن الأصل براءة الذمة فلا نشغلها بالشك (والثاني) فيه غرة لأنه مبتدأ خلق آدمي أشبه ما لو تصور وهذا يبطل بالمضغة والعلقة (فصل) والغرة عبد أو أمة وهو قول أكثر أهل العلم وقال عروة وطاوس ومجاهد عبد أو أمة أو فرس لأن الغرة اسم لذلك وقد جاء في حديث أبي هريرة قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنين بغرة أو أمة أو فرس أو بغل، وجعل ابن سيرين مكان الفرس مائة شاة ونحوه قال الشعبي لأنه روي في حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه جعل في ولدها مائة شاة رواه أبو داود، وروي عن عبد الملك

ابن مروان أنه قضى في الجنين إذا أملص بعشرين ديناراً فإذا كان مضغة فأربعين فإذا كان عظماً فستين فإذا كان العظم قد كسي لحماً فثمانين فإن تم خلفه وكسي شعره فمائة دينار، وقال قتادة إذا كان علقة فثلث غرة وإذا كان مضغة فثلثي غرة ولنا قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في املاص المرأة بعبد أو أمة وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قاضية على ما خالفها، وذكر الفرس والبغل وهم انفرد به عيسى بن يونس عن سائر الرواة وهو متروك في البغل بغير خلاف فكذلك في الفرس والحديث الذي ذكرناه أصح ما روي فيه وهو متفق عليه وقد قاله به أكثر أهل العلم فلا يلتفت الى ما خالفه وقول عبد الملك بن مروان تحكم بتقدير لم يرد به الشرع وكذلك قتادة وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق بالاتباع من قولهما إذا ثبت هذا فإنه يلزمه الغرة فإن أراد دفع بدلها ورضي المدفوع اليه جاز لأنه حق آدمي فجاز ما تراضيا عليه وأيهما امتنع من قبول البدل فله ذلك لأن الحق لهما فلا يقبل بدلها إلا برضاهما (فصل) وقيمة الغرة خمس من الإبل وذلك نصف عشر الدية روى ذلك عن عمر وزيد رضي الله عنهما، وبه قال النخعي والشعبي وربيعة ومالك والشافعي واسحاق وأصحاب الرأي ولأن ذلك أقل ما قدره الشرع في الجنايات وهو أرش موضحة ودية السن فرددناه اليه، فإن قيل فقد وجب في

الأنملة ثلاثة أبعرة وثلث ذلك دون ما ذكروه قلنا الذي نص عليه صاحب الشريعة صلى الله عليه وسلم أرش الموضحة وهو خمس من الإبل، وإذا كان أبوا الجنين كتابيين ففيه غرة قيمتها نصف قيمة الغرة الواجبة في المسلم، وفي جنين المجوسية غرة قيمتها أربعون درهماً فاما تعذر وجود غرة بهذه الدراهم وجبت الدراهم لأنه موضع حاجة وإذا اتفق نصف عشر الدية من الأصول كلها بأن تكون قيمتها خمساً من الإبل وخمسين ديناراً أو ستمائة درهم فلا كلام، وإن اختلفت قيمة الإبل ونصف عشر الدية من غيرها مثل إن كانت قيمة الإبل اربعين ديناراً أو أربعمائة درهم فظاهر كلام الخرقي أنها تقوم بالإبل لأنها الأصل، وعلى قول غيره من أصحابنا تقوم بالذهب أو الورق فتجعل قيمتها خمسين ديناراً أو ستمائة درهم فإن اختلفا قومت على أهل الذهب به وعلى اهل الورق به، فإن كان من أهل الذهب والورق جميعاً قوما من هي عليه بما شاء منهما لأن الخيرة الى الجاني في دفع ما شاء من سائر الأصول ويحتمل أن تقوم بأدعاهما على كل حال لذلك وإذا لم يجد الغرة انتقل الى خمس من الإبل على قول الخرقي وعلى قول غيره ينتقل الى خمسين ديناراً أو ستمائة درهم (فصل) والغرة موروثة عنه كأنه سقط حياً لأنها دية له وبدله عنه فيرثها ورثته كما لو قتل بعد الولادة وبهذا قال مالك وأصحاب الرأي، وقال الليث: لا تورث بل يكون بدله لأمه كعضو من أعضائها فأشبه يدها. ولنا أنها دية آدمي حر فوجب أن تكون موروثة عنه كما لو ولدته حياً ثم مات وقوله إنه كعضو

من اعضائها لا يصح لأنه لو كان عضو لدخل بدله في دية أمه كيدها ولما منع من القصاص من أمه وإقامة الحد عليها من أجله ولما وجبت الكفارة من أجله بقتله ولما صح عتقه دونها ولا عتقها دونه، ولأن كل نفس تضمن بالدية تورث كدية الحي، فعلى هذا إذا اسقطت جنينا ميتا ثم ماتت فإنها ترث نصيبها من الغرة ثم يرثها ورثتها، وإن اسقطته حياً ثم مات قبلها ثم ماتت فإنها ترث نصيبها من ديته ثم يرثها ورثتها، وإن ماتت قبله ثم القته ميتاً لم يرث أحدهما صاحبه، وإن خرج حياً ثم ماتت قبله ثم مات، أو ماتت ثم خرج حياً ثم مات ورثها ثم يرثه ورثته، وان اختلف ورائهما في أولهما موتاً فحكمهما حكم الغرقى على ما ذكر في موضعه، ويجئ على قول الخرقي في المسألة التي ذكرها اذا ماتت امرأة وابنها ان يحلف ورثة كل واحد منهما ويختصوا بميراثه، وان ألقت جنيناً ميتاً أو حياً ثم مات ثم ألقت آخر حيا ففي الميت غرة وفي الحي الأول دية إذا كان سقوطه لوقت يعيش مثله ويرثهما الآخر يرثه ورثته ان مات، وإن كانت الأم قد ماتت بعد الأول وقبل الثاني فإن دية الاول ترث منها الأم والجنين الثاني ثم إذا ماتت الام ورثها الثاني ثم يصير ميراثه لورثته فإن ماتت الأم بعدهما ورثتهما جميعاً (فصل) إذا ضرب بطن امرأة فألقت أجنة ففي كل واحد غرة وبهذا قال الزهري ومالك والشافعي وإسحاق وابن المنذر قال لا أحفظ عن غيرهم خلافهم وذلك لأنه ضمان آدمي فتعدد بتعدده كالديات

وان القتهم احياء لوقت يعيشون في مثله ثم ماتوا ففي كل واحد منهم دية كاملة، وإن كان بعضهم حياً فمات وبعضهم ميتاً ففي الحي دية وفي الميت غرة (فصل) ويستوي في ذلك الذكر والأنثى في أنه يجب في كل واحد غرة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في الجنين بغرة وهو يطلق على الذكر والأنثى ولأن المرأة تساوي الذكر فيما دون الثلث (مسألة) (ولا يقبل في الغرة خنثى ولا معيب ولا من له دون سبع سنين) وجملة ذلك أن الغرة تجب سليمة من العيوب وإن قل العيب لأنه حيوان يجب بالشرع فم يقبل فيه المعيب كالشاة في الزكاة ولأن الغرة الخيار والمعيب ليس من الخيار، ولا يقبل فيها هرمة ولا معيبة ولا خنثى ولا خصي وان كثرت قيمته لأن ذلك عيب، ولا من له دون سبع سنين قاله القاضي وابو الخطاب وأصحاب الشافعي لأنه محتاج الى من يكفله ويحضنه وليس من الخيار، وظاهر كلام الخرقي ان سنها غير مقدر وهو قول أبي حنيفة وذكر بعض أصحاب الشافعي أنه لا يقبل فيها غلام بلغ خمس عشرة سنة لأنه لا يدخل على النساء ولا ابنة عشرين لأنها تتغير وهذا تحكم لم يرد الشرع به فيجب ان لا يقيل وما ذكروه من الحاجة إلى الكفاية باصل بمن له فوق السبع ولأن بلوغه قيمة الكبير مع صغره يدل على أنه خيار ولم يشهد لما ذكروه نص ولا له أصل يقاس عليه والشاب البالغ أكمل من الصبي عقلاً وبنية وأقدر على التصرف وأنفع في الخدمة وأقضى للحاجة، وكونه لا يدخل على النساء إن أريد به النساء الأجنبيات فلا حاجة الى

مسألة ولا يقبل في الغرة خنثى ولا معيب ولا من له دون سبع سنين

دخوله عليهن، وان أريد به سيدته فليس بصحيح فإن الله تعالى قال (ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات) الى قوله (ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن طوافون عليكم بعضكم على بعض) ثم لو لم يدخل على النساء لحصل من منعه أضعاف ما يحصل من دخوله وفوات شئ الى ما هو أنفع منه لا يعد فواتاً كمن اشترى بدرهم ما يساوي درهمين لا يعد فواتاً ولا خسراناً (فصل) ولا يعتبر لون الغرة، وذكر عن ابي عمرو بن العلاء ان الغرة لا تكون إلا بيضاء ولا يقبل عبد أسود ولا جارية سوداء ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بعبد أو أمة وأطلق والسواد غالب على عبيدهم وإمائهم ولأنه حيوان تجب ديته فلم يعتبر لونه كالإبل في الدية (مسألة) (وإن كان الجنين مملوكاً ففيه عشر قيمة أمه ذكراً كان أو أنثى) وجملته أنه إذا كان جنين الأمة مملوكاً فسقط من الضربة ميتاً ففيه عشر قيمة أمه هذا قول الحسن وقتادة ومالك والشافعي وإسحاق وابن المنذر وبنحوه قال النخعي والزهري. وقال زيد بن أسلم يجب فيه عشر قيمة غرة وهو خمسة دنانير، وقال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه يجب فيه نصف عشر قيمته إن كان ذكراً أو عشر قيمته إن كان أنثى لأن الغرة الواجبة في جنين الحرة هي نصف عشر دية الرجل

مسألة وإن كان الجنين مملوكا ففيه عشر قيمة أمه ذكرا كان أو أنثى

وعشر دية الأنثى وهذا متلف فاعتباره بنفسه أولى من اعتباره بأمه ولأنه جنين مضمون تلف بالضربة فكان فيه نصف الواجب إذا كان ذكراً كبيراً أو عشر الواجب إذا كان أنثى كجنين الحرة، وقال محمد بن الحسن: مذهب أهل المدينة يفضي إلى أن يجب في الجنين الميت أكثر من قيمته اذا كان حيا ولنا أنه جنين مات بالجناية في بطن أمه فلم يختلف ضمانه بالذكورية والأنوثية كجنين الحرة، ودليلهم نقلبه عليهم فنقول جنين مضمون تلف بالجناية فكان الواجب فيه عشر ما يجب في أمه كجنين الحرة، وما ذكروه من مخالفة الأصل معارض بأن مذهبهم يفضي الى تفضيل الأنثى على الذكر وهو خلاف الأصول ولأنه لو اعتبر بنفسه لوجبت قيمته كلها كسائر المضمونات بالقيمة ومخالفتهم أشد من مخالفتنا لأننا اعتبرناه إذا كان ميتاً بأمه وإذا كان حياً بنفسه فجاز أن تزيد قيمة الميت على الحي مع اختلاف الجهتين كما جاز أن يزيد البعض على الكل في أن من قطع اطراف إنسان الأربعة كان الواجب عليه أكثر من دية النفس كلها وهم فضلوا الأنثى على الذكر مع اتحاد الجهة وأوجبوا فيما يضمن بالقيمة عشر قيمة أمه تارة ونصف عشر اخرى وهذا لا نظير له إذا ثبت هذا فإن قيمة أمه معتبرة يوم الجناية عليها وهذا منصوص الشافعي، وقال بعض أصحابه حين أسقطت لأن الاعتبار في ضمان الجناية بالاستقرار ويتخرج لنا وجه مثل ذلك ولنا أنه لم يتخلل بين الجناية وحال الاستقرار ما يوجب تغيير بدل النفس فكان الاعتبار بحال

الجناية كما لو جرح عبداً ثم نقصت السوق لكثرة الجلب ثم مات فإن الاعتبار بقيمته يوم الجناية ولأن قيمتها تتغير بالجناية وتنقص فلم تقوم في حال نقصها الحاصل بالجناية كما لو قطع يدها فمات من سرايتها أو قطع يدها فمرضت بذلك ثم اندملت جراحتها (فصل) وولد المدبرة والمكاتبة والمعتقة بصفة وأم الولد إذا حملت من غير مولاها حكمه حكم ولد الأمة لأنه مملوك فأما جنين المعتق بعضها فهو مثلها فيه من الحرية مثل ما فيها وإذا كان نصفها حراً فتصفه حر فيه نصف غرة لورثته وفي النصف الباقي نصف عشر قيمة أمه لسيده (فصل) وإن وطئ أمه بشبهة أو غر بأمه فتزوجها وأحبلها فضربها ضارب فألقت جنيناً فهو حر وفيه غرة موروثة عنه لورثته وعلى الوطئ عشر قيمتها لسيدها لأنه لولا اعتقاد الحرية لكان هذا الجنين مملوكاً لسيده على ضاربه عشر قيمة أمه فلما انعتق بسبب الوطئ فقد حال بين سيدها وبين هذا القدر فالزمناه ذلك للسيد سواء كان بقدر الغرة أو أكثر منها أو أقل (فصل) إذا أسقط جنين ذمية قد وطئها مسلم وذمي في طهر واحد وجب فيه اليقين وهو ما في الجنين الذمي فإن ألحق بعد ذلك بالذمي فقد وفى ما عليه وإن الحق بمسلم فعليه تمام الغرة وان ضرب بطن نصرانية فأسقطت فادعت أو ادعى ورثته أنه من مسلم حملت به من وطئ شبهة او زنا فاعترف الجاني فعليه غرة كاملة وإن كان مما تحمله العاقلة فاعترفت ايضاً فالغرة عليها وان انكرت حلفت وعليها ما في جنين

الذميين والباقي على الجاني لأنه ثبت باعترافه والعاقلة لا تحمل اعترافاً وإن اعترفت العاقلة دون الجاني فالغرة عليها مع دية امه وان أنكر الجاني والعاقلة فالقول قولهم مع أيمانهم أنا لا نعلم أن هذا الجنين من مسلم ولا يلزمهما اليمين مع البت لأنها يمين على النفي في فعل الغير فإذا اختلفوا وجبت دية ذمي لأن الأصل أن ولدها تابع لها ولأن الأصل براءة الذمة وإن كان مما لا تحمله العاقلة فالقول قول الجاني وحده مع يمينه ولو كانت النصرانية امرأة مسلم فادعى الجاني ان الجنين من ذمي بوطئ شبهة او زنا فالقول قول ورثة الجنين لأن الجنين محكوم بإسلامه فإن الولد للفراش (فصل) إذا كانت الأمة بين شريكين فحملت بمملوك فضربها أحدهما فأسقطت فعليه كفارة لأنه اتلف آدمياً ويضمن لشريكه نصف عشر قيمة أمه ويسقط ضمان نصيبه لأنه ملكه وإن أعتقها الضارب بعد ضربها وكان معسراً ثم اسقطت عتق نصيبه منه ومن ولدها وعليه لشريكه نصف عشر قيمة الأم وعليه نصف غرة من أجل النصف الذي صار حراً يورث عنه بمنزلة مال الجنين ترث أمه منه بقدر ما فيها من الحرية والباقي لورثته هذا قول القاضي وقياس قول ابن حامد وهو مذهب الشافعي وقياس قول أبي بكر وابي الخطاب لا يجب على الضارب ضمان ما أعتقه لأنه حين الجناية لم يكن مضموناً عليه والاعتبار في الضمان بحال الجناية وهي الضرب ولهذا اعتبرنا قيمة الأم حال الضرب وهذا قول بعض أصحاب الشافعي وهو الصحيح إن شاء الله تعالى لأن الإتلاف حصل بفعل غير مضمون فأشبه ما لو جرح

حربياً فأسلم ثم مات بالسراية ولأن موته يحتمل أن يكون قد حصل بالضرب فلا يتجدد ضمانه بعد موته والأصل براءة ذمته وإن كان المعتق موسراً سرى العتق اليها والى جنينها وفي الضمان الوجهان فعلى قول القاضي في الجنين غرة. موروثة عنه وعلى قياس قول ابي بكر عليه ضمان نصيب شريكه من الجنين بنصف عشر قيمة أمه ولا يضمن أمه لأنه قد ضمنها باعتاقها فلا يضمنها بتلفها وإن كان المعتق الشريك الذي لم يضرب وكان معسراً فلا ضمان على الشريك في نصيبه لأن العتق لم يسر اليه وعليه في نصيب شريكه من الجنين نصف غرة يرثها ورثته على قول القاضي وعلى قياس قول ابي بكر يضمن نصيب شريكه بنصف عشر قمية أمه ويكون لسيده اعتباراً بحال الجناية وكذلك الحكم في ضمان الأم إذا ماتت من الضربة وإن كان المعتق موسراً سرى العتق اليهما وصارا حرين وعلى المعتق ضمان نصف الأم ولا يضمن نصف الجنين لأنه يدخل في ضمان الأم كما يدخل في بيعها وعلى الضارب ضمان الجنين بغرة موروثة عنه على قول القاضي وعلى قياس قول ابي بكر يضمن نصيب الشريك بنصف عشر قيمة أمه وليس عليه ضمان نصيبه لأنه ملكه حال الجناية عليه وأما ضمان الأم ففي أحد الوجهين فيها دية حرة لسيدها منها أقل الأمرين من ديتها أو قيمتها وعلى الآخر يضمنها بقيمتها لسيدها كما تقدم من قطع يد عبد ثم عتق ومات (فصل) ولو ضرب بطن أمته ثم أعتقها ثم اسقطت جنينا ميتا لم يضمنه في قياس قول أبي بكر لأن

جنايته لم تكن مضمونة في ابتدائها فلم تضمن سرايتها كما لو جرح مرتداً فاسلم ثم مات ولأن موت الجنين يحتمل أنه حصل بالضربة في مملوكه ولم يتجدد بعد العتق ما يوجب الضمان وعلى قول ابن حامد عليه غرة لا يرث منها شيئاً لأن اعتبار الجناية بحال استقرارها، ولو كانت الأمة لشريكين فضرباها ثم أعتقاها معاً فولدت جنيناً ميتاً فعلى قول أبي بكر على كل واحد منهما نصف عشر قيمة أمه لشريكه لأن كلا منهما جنى عليه الجنين ونصفه لشريكه فسقط عنه ضمانه ولزمه ضمان نصفه الذي لشريكه بنصف عشر قيمة أمه اعتباراً بحال الجناية وعلى قول ابن حامد على كل واحد منهما نصف الغرة للأم منها الثلث وباقيها للورثة ولا يرث القاتل منها شيئاً (مسألة) (وإن ضرب بطن أمه فعتقت ثم أسقطت الجنين ففيه غرة) على قول ابن حامد والقاضي لأنه كان حراً اعتباراً بحال الاستقرار وعلى قول أبي بكر وابي الخطاب فيه عشر قيمة أمه اعتباراً بحال الجناية لأنها كانت في حال كونه عبداً ويمكن منع كونه صار حراً لأن الظاهر تلفه بالجناية وبعد تلفه لا يمكن تحريره فعلى قول هذين يكون الواجب فيه لسيده وعلى قول ابن حامد يكون الواجب فيه أقل الأمرين من الغرة وعشر قيمة أمه لأن الغرة إن كانت اكثر لم يستحق الزيادة لأنها زادت بالحرية الحاصلة لزوال ملكه وإن كانت أقل لم يكن له أكثر منها لأن النقص حصل باعافه فلا يضمن له كما لو قلع يد عبد فأعتقه سيده ثم مات بسراية الجناية كان له

مسألة وإن ضرب بطن أمه فعتقت ثم أسقطت الجنين ففيه غرة

أقل الأمرين من دية حر أو نصف قيمته وما فضل عن حق السيد لورثة الجنين فأما إن ضرب بطن الأمة فاعتق السيد جنينها وحده نظرت فإن أسقطته حياً لوقت يعيش مثله ففيه دية حر نص عليه أحمد وإن كان لوقت لا يعيش مثله ففيه غرة لأنه حر على قول ابن حامد وعلى قول أبي بكر عليه عشر قيمة أمه وإن أسقطته ميتاً ففيه عشر قيمة أمه لأننا لا نعلم كونه حياً حال إعتاقه ويحتمل أن تجب عليه الغرة لأن الأصل بقاء حياته ما لو أعتق أمه (فصل) إذا ضرب ابن المعتقة الذي ابوه عبد بطن امرأة ثم عتق ابوه ثم أسقطت جنيناً وماتت احتمل ان تكون ديتهما في مال الجاني على ما تقدم ذكره واحتمل أن تكون الدية على مولى الأم وعصباته في قياس قول ابي بكر اعتباراً بحال الجناية وعلى قياس ابن حامد على مولى الأب وأقاربه اعتباراً بحال ألإسقاط وإن ضرب ذمي بطن امرأته الذمية ثم أسلم ثم أسقطت لم تحمله عاقلته وإن ماتت معه فكذلك لأن عاقلته المسلمين لا يعقلون عنه لأنه كان حين الجناية ذميا وأهل الذمة لا يعقلون عنه لأنه حين الإسقاط مسلم ويحتمل أن يكون عقله على عاقلته من أهل الذمة في قياس قول ابي بكر اعتباراً بحال الجناية ويكون في الجنين ما يجب في الجنين الكافر لأنه حين الجناية محكوم بكفره وعلى قياس قول ابن حامد يجب فيه غرة كاملة ويكون عقله وعقل أمه على عاقلته المسلمين اعتباراً بحال الاستقرار (مسألة) (وإن كان الجنين محكوماً بكفره ففيه عشر دية)

وبهذا قال الشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي قال إبن المنذر لم أحفظ عن غيرهم خلافهم لأن جنين الحرة المسلمة مضمون بعشر دية أمه فكذلك جنين الكافرة إلا أن أصحاب الرأي يرون دية الكافرة كدية المسلمة فلا يتحقق عندهم بينهما اختلاف (مسألة) (وإن كان أحد أبويه كتابياً والآخر مجوسياً اعتبر أكثرهما دية فيجب عشر دية كتابية على كل حال) لأن ولد المسلم من الكافرة يعتبر بأكثرهما دية كذا ههنا ولأن الضمان إذا وجد في أحد أبويه ما يوجب وفي الآخر ما يسقط غلب الإيجاب بدليل ما لو قتل المحرم صيداً متولداً من مأكول وغيره ولا فرق فيما ذكرنا بين الذكر والأنثى لأن السنة لم تفريق بينهما وبه يقول الشافعي وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي وعامة أهل العلم (فصل) لو ضرب بطن كتابية حامل من كتابي فأسلم أحد أبويه ثم أسقطته ففيه الغرة في قول ابن حامد والقاضي وهو ظاهر كلام أحمد ومذهب الشافعي لأن الضمان بحال استقرار الجناية والجنين محكوم بإسلامه عند استقرارها وفي قول أبي بكر وابي الخطاب فيه عشر دية كتابية لأن الجناية عليه في حال كفره (مسألة) (وان سقط الجنين حياً ثم مات ففيه دية حر إن كان لحرا أو قيمته أن كان مملوكاً) إذا كان سقوطه لوقت يعيش مثله وهو ان تضعه لستة أشهر فصاعداً وإلا فحكمه حكم الميت هذا

مسألة وإن كان الجنين محكوما بكفره ففيه عشر دية

قول عامة أهل العلم قال إبن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن في الجنين يسقط حياً من الضرب دية كاملة منهم زيد بن ثابت وعروة والزهري والشعبي وقتادة ابن شبرمة ومالك والشافعي واسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي وذلك لأنه مات من جنايته بعد ولادته في وقت يعيش لمثله فأشبه قتله بعد وضعه في هذه المسائل ثلاثة فصول (أحدهما) أنه انما يضمن بالدية إذا وضعته حياً فمن علمت حياته ثبت له هذا الحكم سواء ثبت باستهلاله أو ارتضاعه أو تنفسه او عطاسه أو غير ذلك مما تعلم به حياته هذا ظاهر قول الخرقي وهو مذهب الشافعي، وروى عن أحمد أنه لا يثبت له حكم الحياة إلا بأن يستهل وهذا قول الزهري وقتادة ومالك وإسحاق وروي معنى ذلك عن عمرو ابن عباس والحسن بن علي وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا استهل المولود ورث وورث " مفهومه أنه لا يرث إذا لم يستهل، والاستهلال الصياح قاله ابن عباس والقاسم والنخعي لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ما من مولود يولد لا مسه الشيطان فيستهل صارخاً إلا مريم وابنها) فلا يجوز غير ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم والأصل في تسمية الصياح استهلال ان من عادة الناس إذا رأو الهلال صاحوا وأراه بعضهم بعضنا فسمي صياح المولود استهلالاً لأنه في ظهوره بعد خفائه كالهلال وصياحه كصياح من يتراآه

ولنا أنه قد علمت حياته فأشبه المستهل والخبر يدل بمعناه وتنبيهه على ثبوت الحكم في سائر الصور فإن شربه اللبن أدل على حياته من صياحه وعطاسه ضرب منه فهو كصياحه، وأما الحركة والاختلاج المنفرد فلا يثبت به حكم الحياة لأنه قد يتحرك بالاختلاج وبسبب آخر وهو خرجه من مضيق فإن اللحم يختلج سيما إذا عصر ثم ترك فلم نثبت بذلك حياته (الفصل الثاني) أنه إنما يجب ضمانه إذا علم موته بسبب الضربة ويحصل ذلك بسقوطه في الحال أو موته أو بقاؤه متألماً الى أن يموت أو بقاء أمه متألمة الى أن تسقطه فيعلم بذلك موته بالجناية كما لو ضرب رجلاً فمات عقيب ضربه أو بقي ضمناً حتى مات، وإن ألقته حياً فجاء آخر فقتله وكانت فيه حياة مستقرة فعلى الثاني القصاص إذا كان عمداً أو الدية كاملة وإن لم تكن فيه حياه مستقرة بل كانت حركته كحركة المذبوح فالقاتل هو الأول وعليه الدية كاملة يؤدب الثاني وإن بقي الجنين حياً وبقي زمناً سالماً لا ألم به لم يضمنه الضارب لأن الظاهر أنه لم يمت من جنايته (الفصل الثالث) إن الدية انما تجب فيه إذا كان سقوطه لستة أشهر فصاعداً فإن كان لدون ذلك ففيه غرة كما لو سقط ميتاً وبهذا قال المزني، وقال الشافعي فيه دية كاملة لأننا علمنا حياته وقد تلف من جنايته ولنا أنه لم تعلم فيه حياة يتصور بقاؤه بها فلم تجب فيه دية كما لو ألقته ميتاً وكالمذبوح، وقولهم إنا علمنا حياته قلنا وإذا أسقط ميتاً وله ستة أشهر فقد علمنا حياته أيضاً

(مسألة) (وإن اختلفا في حياته ولا بينة لهما ففي أيهما يقدم قوله؟ وجهان) (أحدهما) يقدم قول الولي لأن الأصل حياته فإن الجنين إذا بلغ أربعة أشهر نفخ فيه الروح (والثاني) قول الجاني لأن الأصل براءة ذمته من الدية الكاملة (فصل) إذا دعت المرأة على رجل أنه ضربها فأسقط جنينها فأنكر الضرب فالقول قوله مع يمينه لأن الأصل عدم الضرب، وإن أقر بالضرب أو قامت به بينة وأنكر أن تكون أسقطت فالقول قوله أيضاً مع يمينه لأنه لا يعلم أنها أسقطت، ولا يلزمه اليمين على البت لأنها يمين على نفي فعل الغير والأصل عدمه، وإن ثبت الإسقاط والضرب ببينة أو إقرار فادعى أنها أسقطته من غير ضربه فإن كانت أسقطته عقيب ضربه فالقول قولها لأن الظاهر أنه منه لوجوده عقيب شئ يصلح أن يكون سبباً له، وإن ادعى أنها ضربت نفسها أو شربت دواء أو فعل ذلك غيرها فحصل الإسقاط فأنكرته فالقول قولها مع يمينها لأن الأصل عدم ذلك، وإن أسقطت بعد الضرب بأيام وكانت متألمة الى حين الإسقاط فالقول قولها، وإن لم تكن متألمة فالقول قوله مع يمينه كما لو ضرب إنساناً فلم يبق متألماً ولا ضمناً ومات بعد أيام، وإن اختلفا في وجود التألم فالقول قوله لأن الأصل عدمه، وإن كانت متألمة في بعض المدة فدعى أنها برأت وزال ألمها وأنكرت ذلك فالقول قولها لأن الأصل بقاؤه، وإن ثبت إسقاطها من الضربة

مسألة وان اختلفا في حياته ولا بينة لهما ففي أيهما يقدم قوله؟ وجهان

فادعت سقوطه حياً وأنكرها فالقول قوله مع يمينه إلا أن تقوم لها بينة باستهلاله لأن الأصل عدم ذلك وإن ثبتت حياته فادعت أنه لوقت يعيش مثله فأنكرها فالقول قولها مع يمينها لأن ذلك لا يعلم إلا من جهتها ولا يمكن إقامة البينة عليه فقيل قولها فيه كانقضاء عدتها ووجود حيضها وطهرها، وإن أقامت بينة باستهلاله وأقام الجاني بينة بخلافها قدمت بينتها لأنها مثبتة فقدمت على النافية لان المثبتة معها زيادة اعلم، وإن ادعت أنه مات عقيب إسقاطه وادعى أنه عاش مدة فالقول قولها لأن الأصل عدم حياته، وإن أقام كل واحد منهما بينة بدعواه قدمت بينة الجاني لأن معها زيادة علم، وإن ثبت أنه عاش مدة فما دعت أنه بقي متألماً حتى مات أنكر فالقول قوله لأن الأصل عدم التألم، فإن أقاما بينتين قدمت بينتها الان معها زيادة علم، ويقبل في استهلال الجنين وسقوطه وبقائه متألما وبقاء أمه متألمة قول امرأة واحدة لأنه مما لا يطلع عليه الرجال غالباً لأن الغالب أنه لا يشهد الولادة الا النساء والاستهلال يتصل بها، وهن يشهدن حال المرأة وولادتها وحال الطفل ويعرفن علله وأمراضه وقوته وضعفه دون الرجال، وإن اعترف الجاني باستهلاله أو ما يوجب فيه دية كاملة فالدية في مال الجاني لا تحمله العاقلة لأنها لا تحمل اعترافا، وإن كانت مما تحمل العاقلة فيه الغرة فهي على العاقلة وباقي الدية في مال القاتل (فصل) وإن انفصل منها جنينان ذكر وأنثى فاستهل أحدهما واتفقوا على ذلك واختلفوا في المستهل فقال الجاني هو الأنثى وقال وارث الجنين هو الذكر فالقول قول الجاني مع يمينه لأن اصل براءة

ذمته من الزائد على دية الأنثى، فإن كان لأحدهما بينة قدم بها وإن كان لهما بينتان وجبت دية الذكر لأن البينة قد قامت باستهلاله والبينة المعارضة لها نافية له والإثبات مقدم على النفي، فإن قيل فينبغي أن تجب ديتهما، قلنا لا تجب دية الأنثى لأن المستحق لها لم يدعها وهو مكذب للبينة الشاهدة بها فإن ادعى الاستهلال منها ثبت ذلك بالبينتين، وإن لم تكن بينة فاعترف الجاني باستهلال الذكر فأنكرت العاقلة فالقول قولهم مع أيمانهم فإذا حلفوا كان عليهم دية الأنثى وغرة إن كانت تحمل الغرة، وعلى الضارب تمام دية الذكر وهو نصف الدية لا تحمله العاقلة لأنه ثبت باعترافه، وإن اتفقوا على أن أحدهما استهل ولم يعرف بعينه لزم العاقلة دية أنثى لأنها متيقنة وتمام دية الذكر مشكوك فيه والأصل براءة الذمة منه فلم يجب بالشك وتجب الغرة في الذي لم يستهل (فصل) إذا ضربها فألقت يداً ثم ألقت جنيناً فإن كان القاؤهما متقارباً أو بقيت المرأة متألمة الى أن ألقته دخلت اليد في ضمان الجنين لأن الظاهر أن الضرب قطع يده وسرى الى نفسه فأشبه ما لو قطع يد رجل فسرى القطع إلى نفسه، ثم إن كان الجنين سقط ميتاً أو حياً لوقت لا يعيش مثله ففيه غرة، وان ألقته حياً لوقت يعيش لمثله ففيه دية كاملة، وان بقي حياً فلم يمت فعلى الضارب ضمان اليد بديتها بمنزلة من قطع يد رجل فاندملت، وقال القاضي وبعض أصحاب الشافعي يسئل القوابل فإن قلن إنها يد من لم تخلق فيه الحياة ففيها نصف الغرة وإن قلن يد من خلقت فيه الحياة ففيها نصف الدية

ولنا أن الجنين إنما يتصور بقاء الحياة فيه إذا كان حياً قبل ولادته بمدة طويلة أقلها شهران على ما دل عليه حديث الصادق الصدوق في أنه ينفخ فيه الروح بعد أربعة أشهر وأقل ما يبقى بعد ذلك شهران لأنه لا يحي إذا وضعته لأقل من ستة أشهر، والكلام فيما إذا لم يتخلل بين الضربة والإسقاط مدة طويلة تزيل ظن سقوطه بها فيعلم حنيئذ أنها كانت بعد وجود الحياة فيه، وأما إن ألقت اليد وزال الألم ثم ألقت الجنين ضمن اليد وحدها بمنزلة من قطع يداً فاندملت ثم مات صاحبها ثم ينظر فإن ألقته ميتاً أو لوقت لا يعيش لمثله ففي اليد نصف غرة لأن في جميعه غرة ففي يده نصف ديته، وإن ألقته حيا لوقت يعيش لمثله ثم مات أو عاش وكان بين القاء اليد وبين القائه مدة يحتمل أن تكون الحياة لم تخلق فيه قبلها أري القوابل ههنا، فإن قلن إنها يد من لم تخلق فيه الحياة وجب نصف غرة وإن قلن إنها يد من خلقت فيه الحياة ولم يمض له ستة أشهر وجب فيه نصف الغرة لأنها يد من لا يجب فيه أكثر من غرة فأشبهت يد من لم تنفخ فيه الروح، وإن اشكل الأمر عليهن وجب نصف الغرة لأنه اليقين وما زاد مشكوك فيه فلا يجب بالشك (فصل) وإذا شربت الحامل دواه فألقت جنيناً فعليها غرة لا ترث منها شيئاً لا نعلم بين أهل العلم خلافاً في ذلك لأنها أسقطت الجنين بفعلها وجنايتها فلزمها ضمانه بالغرة كما لو جنى عليه غيرها ولا ترث

من الغرة شيئاً لأن القاتل لا يرث من دية المقتول ويرثها سائر ورثته، فإن كان الجاني المسقط للجنين أباه أو غيره فعليه غرة لا يرث منها شيئاً لما ذكرنا (فصل) وإن جني على بهيمة فألقت جنينها ففيه ما نقصها في قول عامة أهل العلم، وحكي عن أبي بكر ان فيه عشر قيمة أمه لانها جناية على حيوان يملك بيعه اسقطت جنينه أشبه جنين الأمة وهذا لا يصح لأن الجناية على الأمة تقدر من قيمتها في ظاهر المذهب ففي يدها نصف قيمتها وفي موضحتها نصف عشر قيمتها وقد وافق أبو بكر على ذلك فقدر جنينها من قيمتها كبعض أعضائها. والبهيمة انما يجب بالجناية عليها قدر نقصها فكذلك في جنينها ولأن الأمة آدمية ألحقت بالأحرار في تقدير أعضائها من قيمتها بخلاف البهيمة (فصل) ودية الأعضاء كدية النفس فإن كان الواجب من الذهب والورق لم تختلف بعمد ولا خطأ، وإن كان من الإبل وجبت في العمد ارباعاً على إحدى الروايتين، وفي الأخرى يجب خمس وعشرون حقة وخمس وعشرون جذعة وخمساها خلفات وفي الخطأ تجب أخماساً فإن لم تمكن قيمته مثل ان يوضحه عمداً فإنه يجب أربعة ارباعاً والخامس من أحد الأجناس الاربعة قيمته ربع قيمة الأربع، وإن قلنا بالرواية الأخرى وجب خلفتان وحقة وجذعة ويعتبر قيمته نصف قيمة حقة ونصف قيمة جذعة، وإن كانت خطأ وجب الخمس من الأجناس الخمسة من كل جنس بعير، وإن كان

الواجب دية أنملة وقلنا تجب من ثلاثة أجناس وجب بعير وثلث من الخلفات وحقة وجذعة وإن قلنا ارباعاً وجب ثلاثة وثلث قيمتها نصف قيمة الأربعة وثلثها، وإن كان خطأ فقيمتها ثلثا قيمة الخمس وعند أصحابنا ان قيمة كل بعير مائة وعشرون درهماً أو عشرة دنانير فلا فائدة في تعيين أسنانها، وان اختلفت قيمة الدنانير والدراهم مثل ان كانت العشرة الدنانير تساوي مائة درهم فقياس قولهم إذا جاء بما قيمته عشرة دنانير لزم المجني عليه قبوله لأنه لو جاءه بالدنانير لزمه قبولها فلزمه قبول ما يساويها (فصل) قال الشيخ رحمه الله (وذكر أصحابنا أن القتل تغلظ ديته بالحرم والإحرام والأشهر الحرم الرحم المحرم فيزاد لكل واحد ثلث الدية فإذا اجتمعت الحرمات الأربع وجب ديتان وثلث) وجملة ذلك أن الدية تغلظ بثلاثة أشياء: إذا قتل في الحرم والأشهر الحرم وإذا قتل محرماً، ونص أحمد على التغليظ فيما إذا قتل محرماً في الحرم وفي الشهر الحرام، فأما ان قتل ذا رحم محرم فقال أبو بكر تغلظ ديته، وقال القاضي ظاهر كلام أحمد أنها لا تغلظ، وقال أصحاب الشافعي تغلظ بالحرم والأشهر الحرم وذي الرحم، وفي التغليظ بالإحرام وجهان، وممن روي عنه التغليظ عثمان وابن عباس والسعيدان وعطاء وطاوس ومجاهد وسليمان بن يسار وجابر بن زيد وقتادة والاوزاعي ومالك والشافعي وإسحاق واختلف القائلون بالتغليظ في صفته فقال اصحابنا يغلظ لكل واحد من الحرمات ثلث الدية فإذا اجتمعت الحرمات الأربع وجبت ديتان وثلث

قال أحمد في رواية ابن منصور فيمن قتل محرماً في الحرم في الشهر الحرام فعليه اربعة وعشرون الفاً وهذا قول التابعين القائلين بالتغليظ. وقال أصحاب الشافعي صفة التغليظ ايجاب دية العمد في الخطأ ولا يتصور التغليظ في غير الخطأ ولا يجمع بين تغليظين وهذا قول مالك إلا أنه يغلظ في العمد فإذا قتل ذا رحم محرم عمداً فعليه ثلاثون حقة وثلاثون جذعة واربعون خلفة وتغليظها في الذهب الفضة أن ينظركم قيمة اسنان الإبل غير مغلظة وقيمتها مغلظة؟ ثم يحكم بزيادة ما بينهما كانت قيمتها مخففة ستمائة وفي العمد ثمانمائة وذلك ثلث الدية المخففة، وعند مالك تغلظ في الأب والأم والجد دون غيرهم واحتجا على صفة التغليظ بما روي عن عمر رضي الله عنه انه اخذ من قتادة المدلجي دية ابنه حين حذفه بالسيف ثلاثين حقة وثلاثين جذعة واربعين خلفة ولم يزد عليه في العدد شيئاً وهذه قصة اشتهرت فلم تنكر فكانت إجماعاً، ولأن ما أوجب التغليظ أوجبه في الأسنان دون القدر كالضمان ولا يجمع بين تغليظين لأن ما أوجب التغليظ بالضمان إذا اجتمع سببان تداخلا كالحرام والإحرام في قتل الصيد وعلى أنه لا يغلظ بالإحرام لأن الشرع لم يرد بتغليظه. واحتج أصحابنا بما روى ابن أبي نجيح ان امرأة وطئت في الطواف فقضى عثمان رضي الله عنه فيها آلاف وألفين تغليظاً للحرم وعن ابن عمر أنه قال: من قتل في الحرم او ذا رحم او في الشهر الحرام فعليه دية وثلث

وعن ابن عباس أن رجلاً في الشهر الحرام وفي البلد الحرام فقال ديته اثنا عشر ألفاً وللشهر الحرام أربعة آلاف وللبلد الحرام أربعة آلاف وهذا مما يظهر وينتشر ولم ينكر فثبت إجماعاً وهذا فيه الجمع بين تغليظات ثلاث ولأنه قول التابعين والقائلين بالتغليظ واحتجوا على التغليظ في العمد أنه إذا غلظ الخطأ مع العذر فيه ففي العمد مع عدم العذر أولى وكل من غلظ الدية أوجب التغليظ في بدل الطرف بهذه الأسباب لأن ما أوجب تغليظ دية النفس أوجب تغليظ دية الطرف (مسألة) (وظاهر كلام الخرقي ان الدية لا تغلظ لشئ من ذلك وهو قول الحسن والشعبي والنخعي وأبي حنيفة وابن المنذر) وروي ذلك عن الفقهاء السبعة وعمر بن عبد العزيز وغيرهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " في النفس المؤمنة مائة من الإبل " لم يزد على ذلك، وعلى أهل الذهب ألف مثقال. وفي حديث ابن شريح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " وأنتم يا خزاعة قد قتلتم هذا القتيل من هذيل وأنا والله عاقله فمن قتل له قتيل بعد ذلك فأهله بين خيرتين إن أحبوا قتلوا وإن أحبوا أخذوا الدية " وهذا القتيل كان بمكة في حرم الله تعالى ولم يزد النبي صلى الله عليه وسلم على الدية ولم يفرق بين الحرم وغيره. وقال الله تعالى (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله) وهذا يقتضي أن تكون الدية واحدة في كل مكان وكل حال ولأن عمر أخذ من قتادة المدلجي دية ابنه لم يزد على مائة

مسألة وظاهر كلام الخرقي أن الدية لا تغلظ لشيء من ذلك وهو قول الحسن والشعبي والنخعي وأبي حنيفة

وروى الجوزجاني بإسناده عن أبي الزناد أن عمر بن عبد العزيز كان يجمع الفقهاء فكان مما احيا من تلك السنن بقول فقهاء المدينة السبعة ونظرائهم ان تاسا كانوا يقولون ان الدية تغلظ في الشهر الحرام اربعة آلاف فتكون ستة عشر ألفاً فألغى عمر ذلك بقول الفقهاء وأثبتها اثني عشر ألف درهم في الشهر الحرام والبلد الحرام وغيرهم. قال إبن المنذر وليس بثابت ما روي عن الصحابة في هذا ولو صح ففعل عمر في حديث قتادة أولى وهو مخالف لغيره فيقدم على قول من خالفه وهو أصح في الرواية مع موافقة الكتاب والسنة والقياس (فصل) ولا تغلظ الدية بموضع غير حرم مكة وقال أصحاب الشافعي تغلظ الدية بالقتل في المدينة على قوله القديم لأنها مكان يحرم صيده فأشبهت حرم مكة ولا يصح القياس لأنها ليست محلاً للمناسك فأشبهت سائر البلدان. ولا يصح قياسها على الحرام لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أي بلد هذا؟ أليست البلدة - قال - فإن دماءكم وأموالكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا " وهذا يدل على أنه أعظم البلاد حرمة. وقال النبي صلى الله عليه وسلم " إن أعتى الناس على الله رجل قتل في الحرم، ورجل قتل غير قاتله ورجل قتل بدخل في الجاهلية " وتحريم الصيد ليس هو العلة في التغليظ وإن كان من جملة المؤثر فقد خالف تحريمه تحريم الحرم فإنه لا يجب الجزاء على من قتل فيه صيداً ولا يحرم الرعي فيه ولا الاحتشاش منه ولا ما يحتاج إليه من الرحل والعارضة والقائمة وشبهه

(مسألة) (وان قتل مسلم كافراً عمداً ضعفت الدية على قاتله لإزالة القود كما حكم عثمان رضي الله عنه) روى احمد عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه أن رجلاً قتل رجلاً من أهل الذمة فرفع الى عثمان فلم يقتله وغلظ عليه الف دينار فذهب اليه أحمد رحمه الله وله نظائر في مذهبه فإنه أوجب على الأعور إذا قلع عين صحيح مماثلة لعينه دية كاملة لما درأ عنه القصاص وأوجب على سارق التمر المعلق مثلي قيمته لما درأ عنه القطع. وذهب جمهور العلماء الى إن دية الذمي في العمد والخطأ واحد لعموم الأخبار فيها وكما لو قتل حرا عبداً عمداً فإنه لا تضعف القيمة عليه ولأنه بدل متلف فلم يتضاعف بالعمد كسائر الأبدال (فصل) قال الشيخ رحمه الله (وإن جنى العبد خطأ فسيده بالخيار بين فدائه بالأقل من قيمته أو أرش جنايته أو تسليمه ليباع في الجناية) وجملة ذلك أن جناية إذا كانت موجبة للمال أو كانت موجبة للقصاص فعفا عنها الى المال تتعلق برقبته لأنه لا يخلو من أن تتعلق برقبته أو ذمة سيده او لا يجب شئ ولا يمكن إلغاؤها لانها جنايتها آدمي فوجب اعتبارها كجناية الحر، ولأن جناية الصغير والمجنون غير ملغاة مع عذره وعدم تكليفه فالعبد أولى ولا يمكن تعليقها بذمته لأنه يفضي إلى الغائها أو تأخير حق المجني عليه

مسألة إن قتل مسلم كافرا عمدا ضعفت الدية على قاتله لإزالة القود كما حكم عثمان رضي الله عنه

الى غير غاية ولا بذمة السيد لأنه لمم يجن فتعين تعليقها برقبة العبد ولأن الضمان موجب جنايته فتعلق برقبتة كالقصاص ثم لا يخلو أرش الجناية من أن يكون بقدر قيمته أو أقل أو أكثر فإن كان بقدرها فما دون فالسيد مخير بين أن يفديه بأرش جنايته أو يسلمه إلى ولي الجناية فيملكه وبهذا قال الثوري ومحمد بن الحسن واسحاق، وروي ذلك عن الشعبي وعطاء ومجاهد وعروة والحسن والزهري وحماد لأنه ان دفع أرش الجناية فهو الذي وجب للمجني عليه فلم يملك المطالبة بأكثر منه، وإن سلم العبد فقد أدى المحل الذي تعلق الحق به ولأن حق المجني عليه لا يتعلق بأكثر من الرقبة وقد أداها وإن طالب المجني عليه السيد بتسليمه اليه لم يجبر عليه السيد لما ذكرنا (مسألة) (وإن كانت الجناية أكثر من قيمته ففيه روايتان) (إحداهما) هي كالتي قبلها يخير بين تسليمه أو أن يفديه بقيمته أو أرش جنايته لأنه إذا أدى قيمته فقد أدى قدر الواجب عليه فلم يلزمه أكثر من ذلك كما لو كانت الجناية بقدر قيمته والرواية الثانية يلزمه تسليمه أو أن يفديه بأرش الجناية بالغة ما بلغت وهذا قول مالك لأنه إذا عرض للبيع ربما رغب فيه راغب بأكثر من قيمته فإذا أمسكه فقد فوت تلك الزيادة على المجني عليه وللشافعي قولان كالروايتين ووجه الرواية الأولى أن الشرع قد جعل له فداءه فكان الواجب قدر قيمته كسائر المتلفات

مسألة وإن كانت الجناية أكثر من قيمته ففيه روايتان

(مسألة) (وإن سلمه اليه السيد فأبى ولي الجناية الجناية قبوله وقال بعه أنت وادفع ثمنه الي فهل يلزم السيد ذلك؟ على روايتين) (إحداهما) لا يلزمه لأنه إذا سلم العبد فقد أدى المحل الذي تعلق الحق به، ولأن حق المجني عليه لا يتعلق بأكثر من الرقبة، وقد أدها. (والثانية) يلزمه لأن الجناية تقتضي وجوب أرشها وأرشها هو قيمة العبد (مسألة) (وإن جنى عمدا فعفا الولي على القصاص على رقبته فهل يملكه بغير رضا السيد؟ على روايتين) (إحداهما) لا يملكه لأنه إذا لم يملكه بالجناية فلأن لا يملكه بالعفو أولى، ولأنه أحد من عليه قصاص فلا يملك بالعفو كالحر ولأنه إذا عفا عن القصاص انتقل حقه الى المال فصار كالجاني جناية موجبة للمال (والثانية) أنه يملكه لأنه مملوك استحق اتلافه فاستحق ابقاء على ملكه كعبده الجاني عليه (فصل) قال أبو طالب سمعت أبا عبد الله يقول إذا أمر غلامه فجنى فعليه ما جنى، وإن كان أكثر من ثمنه، وإن قطع يد حر فعليه يد الحر، وإن كان ثمنه أقل وإن أمره سيده أن يجرح رجلاً فما جنى فعليه قيمة جناية، وإن كان أكثر من ثمنه، وإن قطع يد حر لأنه بأمره وكان علي وابو هريرة يقولان إذا امر عبده ان يقتل فإنما هو سوطه يقتل الولي ويحبس العبد، وقال احمد بن بهز ثنا حماد بن سلمة ثنا قتادة عن حلاس ان عليا قال: إذا أمر الرجل عبده فقل إنما هو

مسألة وإن سلمه اليه السيد فأبى ولي الجناية قبوله وقال: بعه أنت وادفع ثمنه الي فهل يلزم السيد ذلك

كسوطه أو كسيفه يقتل المولى، والعبد يستودع السجن ولأنه فوت شيئاً بأمره فكان على السيد ضماه كما لو استدان بأمره (مسألة) (وإن جنى على اثنين خطأ اشتركا فيه بالحصص وإن كان بعضها بعد بعض) وبهذا قال الحسن وحماد ربيعة وأصحاب الرأي والشافعي، وعن شريح أنه قال يقضى لآخرهم وبه قال الشعبي وقتادة لانها جناية وردت على محل مستحق فقدم صاحبها على المستحق قبله كجناية المملوك الذي لم يجز، وقال شريح في عبد شج رجلاً ثم آخر ثم آخر فقال شريح يدفع إلى الأول إلا أن يفديه مولاه ثم يدفع الى الثاني ثم يدفع الى الثالث ولنا أنهم تساووا في سبب تعلق الحق فتساووا في الاستحقاق كما لو جنى عليهم دفعة واحدة بل لو قدم بعضهم كان الأول أولى لأن حقه أسبق (مسألة) (وإن عفا أحدهما أو مات المجني عليه فعفا بعض ورثته فهل يتعلق حق الباقين بجميع العبد أو بحصتهم منه؟ على وجهين) (أحدهما) يستحق جميع العبد لأن سبب استحقاقه موجود وإنما امتنع ذلك لمزاحمة الآخر له وقد زال المزاحم فثبت له الحق جميعه لوجود المقتضي وزوال المانع فهو كما لو جنى عليه إنسان ففداه سيده ثم جنى

مسألة وإن عفا أحدهما أو مات المجني عليه فعفا بعض ورثته فهل يتعلق حق الباقين بجميع العبد أو بحصتهم منه

على آخر (والثاني) لا يستحق إلا حصته لأنه لم يثبت له قبل العفو إلا حصته فكذلك بعده لأن العفو عما يلزم السيد عفو عنه لا عن غيره (فصل) فإن أعتق السيد عبده الجاني عتق وضمن ما تعلق به من الأرش لأنه أتلف محل الجناية على من تعلق حقه به فلزمه غرامته كما لو قتله وينبني قدر الضمان على الروايتين فيما إذا اختار إمساكه بعد الجناية لأنه منع من تسليمه بإعتاقه فهو بمنزلة امتناعه من تسليمه باختيار فدائه، ونقل ابن منصور عن أحمد أنه أعتقه عالماً بجنايته فعليه دية المقتول، وإن لم يكن عالماً بها فعليه قيمة العبد لأنه إذا أعتقه مع العلم كان مختاراً لفدائه بخلاف ما إذا لم يعلم فإنه لم يختر الفداء لعدم علمه به فلم يلزمه أكثر من قيمة ما فوته (فصل) وإن باعه أو وهبه صح لما ذكرنا في البيع ولم يزل تعلق الجناية عن رقبته فإن كان المشتري عالماً بحاله فلا خيار له لأنه دخل على بصيرة وينتقل الخيار في فدائه وتسليمه اليه كالسيد الأول وإن لم يعلم فله الخيار بين امساكه ورده كسائر المعيبات (مسألة) (وإن جرح العبد حراً فعفا عنه ثم مات من الجراحة ولا مال له وقيمة العبد عشر دية الحر واختار السيد فداءه وقلنا يفديه بقيمته صح العفو في ثلثه) لأنه ثلث ما مات عنه ويبقى الثلثان للورثة، وإن قلنا يفديه بديته صح العفو في خمسة أسداسه

مسألة وإن جرح العبد حرا فعفا عنه ثم مات من الجراحة ولا مال له وقيمة العبد عشر دية الحر واختار السيد

وللورثة سدسه لأن العفو صح في شئ من قيمته وله بزيادة الفداء تسعة أشياء بقي للورثة ألف إلا عشرة أشياء تعدل شيئين اجبر وقابل يصر ألف يعدل اثني عشر شيئا فالشئ إذاً يعدل نصف سدس الدية وللورثة شيئان فتعدل السدس والله أعلم. (فصل في الجناية على العبد) إذا قتل عبد مثله عمداً فسيد المقتول مخير بين القصاص والعفو فإن عفا إلى مال تعلق المال برقبة القاتل لأنه وجب بجنايته وسيده مخير بين فدائه وتسليمه فإن اختار فداه بأقل الامرين من قيمته أو قيمة المقتول لأنه إن كان الأقل قيمته لم يلزمه أكثر منها لأنها بدل عنه وإن كان الأقل قيمة المقتول فليس لسيده أكثر منها لأنها بدل عبده وعنه رواية أخرى أن سيده إن اختار فداءه بأرش الجناية بالغاً ما بلغ وقد ذكرناه (فصل) فإن قتل عشرة أعبد عبداً عمداً فعليهم القصاص فإن اختار السيد قتلهم فله ذلك وان عفا إلى مال تعلقت قيمة عبده برقابهم على كل واحد منهم عشرها يباع منه بقدرها أو يفديه سيده وإن اختار قتل بعضهم والعفو عن البعض فله ذلك لأن له قتل الجميع والعفو عنهم، وان قتل عبد عبدين لرجل واحد فله قتله والعفو عنه فإن قتله سقط حقه وإن عفا إلى مال تعلقت قيمة العبدين برقبته فإن كانا لرجلين فكذلك إلا أن القاتل يقتل بالأول منهما لأن حقه اسبق فإن عفا عنه الأول قتل بالثاني وان

قتلهما دفعة واحدة اقرع بين السيدين فمن وقعت له القرعة اقتص وسقط حق الآخر وان عفا عن القصاص أو عفا سيد القتيل الأول الى مال تعلق برقبة العبد وللثاني ان يقتص لأن تعلق المال بالرقبة لا يسقط حق القصاص كما لو جنى العبد المرهون فإن قتله الآخر سقط حق الأول من القيمة لأنه لم يبق محل يتعلق به وان عفا الثاني تعلقت قيمة القتيل الثاني برقبته أيضاً ويباع فيهما ويقسم ثمنه على قدر القيمتين ولم يقدم الأول بالقيمة كما قدمناه بالقصاص لأن القصاص لان يتبعض بينهما والقيمة يمكن تبعيضها، فإن قيل فحق الأول أسبق قلنا لا يراعى السبق كما لو اتلف اموالاً لجماعة واحداً بعد واحد (فصل) فإن قتل العبد عبداً بين شريكين كان لهما القصاص والعفو فإن عفا أحدهما سقط القصاص وينتقل حقهما الى القيمة لأن القصاص لا يتبعض فإن قتل عبدين لرجل واحد فله أن يقتص منه لأحدهما أيهما كان وسقط حقه من الآخر وله أن يعفو عنه الى مال وتتعلق قيمتهما جميعاً برقبته

(باب ديات الأعضاء ومنافعها) وهي نوعان (أحدهما) الشجاج وهي ما كان في الرأس والوجه وسنذكرها في بابها (الثاني) ما كان في سائر البدن وينقسم قسمين (أحدهما) قطع عضو (والثاني) قطع لحم والمضمون في الآدمي ضربان (احدهما) ما ذكرنا (والثاني) تفويت منفعة كإذهاب السمع والبصر والشم والذوق والعقل ونحو ذلك (من تلف ما في الإنسان منه شئ واحد ففيه الدية، وهو الذكر والأنف واللسان الناطق ولسان الصبي الذي يحركه بالبكاء) وجملة ذلك أن كل عضو لم يخلق الله سبحانه منه إلا واحداً كالأنف واللسان فيه دية كاملة لأن في اتلافه اذهاب منفعة الجنس واذهابها كالنفس (مسألة) (وما فيه منه شيئان ففيهما الدية وفي أحدهما نصفهما كالعينين والأذنين والشفتين واللحيين وثديي المرأة وتندوتي الرجل واليدين والرجلين والخصيتين والاليتين) لأن في إتلافهما اذهاب منفعة الجنس فكان فيهما الدية وفي أحدهما نصفها وهذه الجملة مذهب الشافعي ولا نعلم فيه مخالفاً وقد روى الزهري عن أبي بكر بن محمد بن عمر بن حزم عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب له وكان في كتابه " وفي الأنف إذا أوعب جذعه الدية وفي اللسان الدية وفي الشفتين الدية وفي البيضتين الدية وفي الذكر الدية وفي الصلب الدية وفي العينين الدية وفي الرجل

باب ديات الأعضاء ومنافعها

الواحدة نصف الدية " رواه النسائي ورواه ابن عبد البر وقال كتاب عمرو بن حزم معروف عند العلماء وما فيه متفق عليه إلا قليلاً، وعن أحمد في الشفة السفلى ثلثا الدية وفي العليا ثلثها يروى هذا عن زيد بن ثابت لأن النفع بالسفلى أعظم لأنها تدور لأنها تدور وتتحرك وتحفظ الريق والطعام، والأولى أصح لقول أبي بكر الصديق وعلي رضي الله عنهما ولأن كل شيئين وجبت الدية فيهما وجب نصفها في أحدهما كاليدين ولا عبرة بزيادة النفع كاليمنى مع اليسرى (مسألة) (وفي المنخرين ثلثا الدية وفي الحاجز ثلثها وعنه في المنخرين الدية وفي الحاجز حكومة) وجملة ذلك أن ما في البدن منه ثلاثة ففيها الدية وفي كل واحد ثلثها وذلك المنخران والحاجز بينهما وبهذا قال إسحاق وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي لأن المارن يشتمل على ثلاثة أشياء من جنس فتوزعت الدية على عددها كسائر ما فيه عدد من الأصابع والأجفان، وعنه المنخرين الدية وفي الحاجز حكومة حكاها أبو الخطاب قال أحمد في كل زوجين من الانسان الدية وهو الوجه الثاني لأصحاب الشافعي لأن المنخرين ليس في البدن لهما ثالث فأشبها اليدين ولأنه بقطع المنخرين اذهب الجمال كله والمنفعة فأشبه قطع اليدين، فعلى هذا الوجه في قطع أحد المنخرين نصف الدية وإن قطع معه الحاجز ففيه حكومة، وان قطع نصف الحاجز أو أقل أو أكثر لم يزد على حكومة، وعلى الأول في قطع أحد المنخرين ونصف الحاجز نصف الدية وفي قطع جميعه مع المنخر ثلثا الدية وفي قطع

مسألة وفي المنخرين ثلثا الدية وفي الحاجز ثلثها وعنه في المنخزين الدية وفي الحاجز حكومة

جزء من الحاجز أو أحد المنخرين بقدره من ثلث الدية يقدر بالمساحة، وان اشق الحاجز ففيه حكومة وان بقي منفرجاً فالحكومة فيه أكثر والأول أظهر لأن ما كان فيه ثلاثة أشياء ينبغي أن يوزع على جميعها كما وزعت الدية ارباعاً على ما هو أربعة أشياء كأجفان العينين وانصافاً على ما هو اثنان كاليدين (مسألة) (وفي الأجفان الأربعة الدية وفي كل واحد ربعها) كما ذكرنا فيما فيه منه اثنان (مسألة) وفي اصابع اليدين الدية وكذلك أصابع الرجلين وفي كل اصبع عشرها) لانها عشر الدية على عددها كما قسمت على عدد الأجفان ولما روى ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " دية أصابع اليدين والرجلين عشر من الإبل لكل أصبع " قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح وفي لفظ قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " هذه وهذه سواء " يعني الإبهام والخنصر أخرجه البخاري (مسألة) (وفي كل أنملة ثلث عقلها) لأن في كل اصبع ثلاث أنامل فتقسم دية الأصبع عليها كما قسمت دية اليد على الأصابع بالسوية إلا الإبهام فإنها مفصلان ففي كل مفصل نصف عقلها وهو خمس من الإبل (مسألة) (وفي الظفر خمس دية الأصبع وهكذا ذكره أبو الخطاب) يعني إذا قلعه ولم يعد والتقديرات يرجع فيها الى التوقيف فإن لم يكن فيها توقيف فالقياس أن فيه حكومة كسائر الجراح التي ليس فيها مقدر

مسألة وفي الأجفان الأربعة الدية وفي كل واحد ربعها

(مسألة) وفي كل سن خمس من الإبل إذا قلعت ممن قد أثغر يعني ألقى أسنانه ثم عادت والأضراس والأنياب كالأسنان ويحتمل أن يجب فيها دية واحدة) لا نعلم بين أهل العلم خلافاً في أن دية الأسنان خمس خمس في كل سن، وقد روى ذلك عن عمرو بن الخطاب وابن عباس ومعاوية وسعيد بن المسيب وعروة وعطاء وطاوس وقتادة والزهري ومالك والثوري والشافعي واسحاق وأبي حنيفة ومحمد بن الحسن، وفي كتاب عمرو بن حزم عن النبي صلى الله عليه وسلم " في السن خمس من الإبل " رواه النسائي وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن البني صلى الله عليه وسلم قال " في الأسنان خمس خمس " رواه أبو داود، فأما الأضراس فأكثر أهل العلم على أنها مثل الأسنان منهم عروة وطاوس وقتادة والزهري ومالك والثوري والشافعي واسحاق وأبو حنيفة ومحمد ابن الحسن، وروي ذلك عن ابن عباس ومعاوية، وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قضى في الاضراس ببعير بعير، وروي عن سعيد بن المسيب أنه قال: لو كنت انا لجعلت في الاضراس بعيرين بعيرين فتلك الدية سواء رواه مالك في موطئه وعن عطاء نحوه، وحكي عن أحمد أن فيها دية واحدة فيتعين حمل هذه الرواية على مثل قول سعيد للإجماع على أن في كل سن خمساً من الإبل وورود الحديث به فيكون في الأسنان والأنياب ستون بعيراً لأن فيه أربع ثانيا واربع رباعيات واربعة انياب فيها خمس خمس وفيه عشرون ضرساً في كل جانب عشرة خمسة من فوق وخمسة من أسفل فيكون فيها أربعون بعيراً

مسألة وفي كل سن خمس من الإبل إذا قلعت ممن قد أثغر يعني ألقى أسنانه ثم عادت والأضراس والأنياب

في كل ضراس بعيران فتكمل الدية وحجة من قال هذا انه ذو عدد تجب فيه الدية فلم تزد ديته على دية الإنسان كالأصابع والأجفان وسائر مال في البدن ولأنها تشتمل على منفعة جنس فلم تزد ديتها على الدية كسائر منافع الجنس ولأن الأضراس تختص بالمنفعة دون الجمال والأسنان فيها منفعة وجمال فاختلفا في الأرش ولنا ما روى أبو داود بإسناده عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " الأصابع سواء الثنية والضرس سواء والأسنان سواء هذه وهذه سواء " وهذا نص وقوله في الأحاديث المتقدمة " في الأسنان خمس خمس " ولم يفصل يدخل في عمومها الأضراس لأنها أسنان ولأن كل دية وجبت في جملة كانت مقسومة على العدد دون المنافع كالأصابع والأجفان، وقد أومأ ابن عباس إلى هذا فقال لا اعتبرها بالأصابع، فأما ما ذكروه من المعنى فلا بد من مخالفة القياس فيه فمن ذهب الى قولنا خالف المعنى الذي ذكروه ومن ذهب الى قولهم خالف التسوية الثانية بقياس سائر الأعضاء من جنس واحد فكان ما ذكرناه مع موافقة الأخبار وقول أكثر أهل العلم أولى، وأما على قول عمر إن في كل ضرس بعيراً فيخالف القياس والأخبار جميعاً فإنه لا يوجب الدية كاملة وإنما يوجب ثمانين بعيراً ويخالف بين الأعضاء المتجانسة والله أعلم (مسألة) قال (إذا قلعت ممن قد ثغر وهو الذي أبدل أسنانه وبلغ حداً إذا قلعت سنه لم يعد بدلها) يقال ثغر وأثغر إذا كان كذلك فأما سن الصبي الذي لم يثغر فلا يجب بقلعها في الحال شئ

هذا قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي ولا أعلم فيه مخالفاً وذلك لأن العادة عود سنه فلم يجب فيها في الحال شئ كنتف شعره لكن ينظر عودها فإن مضت مدة يئس من عودها وجبت ديتها قال احمد يتوقف سنة لأنها الغالب في نباتها وقال القاضي إذا سقطت أخواتها ولم تعد هي أخذت الدية، وإن نبت مكانها أخرى لم تجب ديتها كما لو نتف شعره فعاد مثله لكن ان عادت قصيرة او مشوهة ففيها حكومة لأن الظاهر أن ذلك بسبب الجناية عليها فإن أمكن تقدير نقصها عن نظيرتها ففيها ديتها بقدر ما نقص وكذلك إن كانت فيها ثلمة أمكن تقديرها ففيه بقدر ما ذهب منها كما لو كسر من سنه ذلك القدر، وإن نبتت أطول من أخواتها ففيها حكومة لأن ذلك عيب وقيل لا شئ فيها لأن هذا زيادة والصحيح الأول لأن ذلك شين حصل بسبب الجناية فأشبه نقصها، وإن نبتت مائلة عن صف الأسنان حيث لا ينتفع بها ففيها ديتها لأن ذلك كذهابها، وإن كانت ينتفع بها ففيها حكومة للشين الحاصل بها ونقص نفعها وإن نبتت صفراء أو حمراء أو متغيرة ففيها حكومة لنقص جمالها، وإن نبتت سوداء، أو خضراء ففيها روايتان حكاهما القاضي (إحداهما) فيها دية (والثانية) حكومة كما لو سودها من غير قلعها وإن مات الصبي قبل اليأس من عودها فعلى وجهين (أحدهما) لا شئ له لأن الظاهر أنه لو عاش عادت فلم يجب فيها شئ كما لو نتف شعره (والثاني) فيه الدية لأنه قلع سناً يئس من عودها فوجبت ديتها كما لو مضى زمن تعود في مثله فلم تعد، وإن قلع سن من قد ثغر وجبت ديتها في الحال لأن الظاهر

مسألة قال إذا قلعت ممن قد ثغر وهو الذي أبدل أسنانه وبلغ حدا إذا قلعت سنه لم يعد بدلها

أنها لا تعود فإن عادت لم تجب الدية وإن كان قد أخذها ردها وبهذا قال أصحاب الرأي وقال مالك لا يرد شيئاً لأن العادة أنها لا تعود فمتى هبة من الله مجددة فلا يسقط بذلك ما وجب له بقلع سنه وعن الشافعي كالمذهبين ولنا انه عادله في مكانها مثل التي قلعت فلم يجب له شئ كالذي لم يثغر وإن عادت ناقصة أو مشوهة فحكمها حكم سن الصغير إذا عادت على ما ذكرنا ولو قلع سن من لم يثغر فمضت مدة يئس من عودها وحكم بوجوب الدية فعادت بعد ذلك فهي كسن الكبير إذا عادت (فصل) وإن قلع سناً مضطربة لكبر أو مرض فكانت منافعها باقية من المضع وحفظ الطعام والريق وجبت ديتها وكذلك إن ذهب بعض منافعها وبقي بعضها لأن جمالها وبعض منافعها باق فكملت ديتها كاليد المريضة ويد الكبير وإن ذهبت منافعها كلها فهي كاليد الشلاء على ما نذكره إن شاء الله تعالى، وإن قلع سناً فيها داء آكلة فإن لم يذهب شئ من اجزائها ففيها دية السن الصحيحة لأنها كاليد المريضة، وإن سقط من اجزائها شئ سقط من ديتها بقدر الذاهب منها ووجب الباقي وإن كانت أحد ثنيتيه قصيرة نقص من ديتها بقدر نقصها كما لو نقصت بكسرها (فصل) وإن جنى على سنه جان فاضطربت وطالت عن الأسنان وقيل أنها تعود الى مدة الى

ما كانت عليه انتظرت اليها فإن ذهبت وسقطت وجبت ديتها، وإن عادت كما كانت فلا شئ فيها كما لو جنى على يد فمرضت ثم برأت، وإن بقي فيها اضطراب ففيها حكومة وإن قلعها قالع فعليه ديتها كاملة كما ذكرنا في الفصل الذي قبل هذا وعلى الأول حكومة لجنايته، وإن مضت المدة ولم تعد إلى ما كانت عليه ففيها حكومة وإن قلعها قالع فعليه ديتها كما ذكرنا وإن قالوا يرجى عودها من غير تقدير مدة وجبت الحكومة فيها لئلا يفضي إلى إهدار الجناية وإن عادت سقطت الحكومة كما ذكرنا في غيرها (مسألة) (وتجب دية اليد والرجل في قطعهما من الكوع والكعب فإن قطعهما من فوق ذلك لم يزد على الدية وقال القاضي في الزائد حكومة أجمع أهل العلم على وجوب الدية في اليدين والرجلين ووجوب نصفها في إحداهما وقد روي عن معاذ بن جبل أن النبي صلى الله علي وسلم قال " في اليدين الدية وفي الرجلين الدية " وفي كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو ابن حزم " وفي اليد خمسون من الإبل " واليد التي تجب فيها الدية من الكوع لأن اسم اليد عند الاطلاق ينصرف اليها لأن الله تعالى لما أمر بقطع يد السارق كان الواجب قطعها من الكوع فإن قطع يده من فوق الكوع فقطعها من المرفق أو نصف الساعد فليس عليه إلا دية واحدة نص عليه في رواية أبي طالب وهذا قول عطاء وقتادة وابن أبي ليلى ومالك وهو قول بعض اصحاب الشافعي وظاهر مذهبه عند اصحابه انه يجب مع دية اليد حكومة لما زاد لأن اسم اليد لها الى الكوع ولأن المنفعة المقصودة في اليد من

مسألة وتجب دية اليد والرجل في قطعهما من الكوع والكعب فإن قطعهما من فوق ذلك لم يزد على الدية

البطش والأخذ والدفع بالكف وما زاد تابع للكف والدية تجب في قطعها من الكوع فيجب في الزائد حكومة قال أبو الخطاب وهو قول القاضي ولنا أن اليد اسم للجميع الى المنكب بدليل قوله تعالى (وأيديكم إلى المرفق) ولما نزلت آية التيمم مسح الصحابة الى المناكب وقال ثعلب اليد الى المنكب وفي عرف الناس ان جميع ذلك يسمى يداً فإذا قطعها من فوق الكوع فما قطع إلا يداً فلا يلزمه أكثر من ديتها فأما قطعها في السرقة فلأن المقصود يحصل به وقطع بعض الشئ يسمى قطعاً له كما يقال قطع ثوبه إذا قطع جانباً منه وقولهم إن الدية تجب في قطعها من الكوع قلنا ولذلك تجب بقطع الأصابع منفردة ولا يجب بقطعها من الكوع أكثر مما يجب بقطع الأصابع والذكر يجب في قطعه من أصله مثل ما يجب في قطع حشفته وأما إذا قطع يده من الكوع ثم قطعها من المرفق وجب في المقطوع ثانياً حكومة لأنه وجبت عليه دية اليد بالقطع الأول فوجب بالثاني حكومة كما لو قطع الأصابع ثم قطع الكف أو كما لو فعل ذلك اثنان (فصل) وإن كان له كفان في ذراع او يدان على عضد وإحداهما بطشة دون الأخرى أو احداهما أكثر بطشاً أو في سمت الذراع والأخرى منحرفة عنه او إحداهما تامة والأخرى ناقصة فالأولى هي الأصلية والأخرى زائدة ففي الأصلية ديتها والقصاص بقطعها عمداً وفي الزائد حكومة سواء قطعها مفردة أو مع الأصلية وعلى قول ابن حامد لا شئ فيها لأنها عيب فهي كالسلعة في اليد وان استويا من

كل الوجوده وكانتا غير باطشتين ففيهما ثلث دية اليد او حكومة ولا تجب دية اليد كاملة لأنهما لا نفع فيهما فهما كاليد الشلاء وان كانتا باطشتين ففيهما جميعاً دية اليد وهل تجب حكومة مع ذلك؟ على وجهين بناء على أن الزائدة هل فيها حكومة أو لا؟ وإن قطع إحداهما فلا قود لاحتمال أن تكون هي الزائدة فلا تقطع الأصلية بها وفيها نصف ما فيهما لتساويهما وان قطع اصبعاً من إحداهما وجب ارش نصف اصبع وفي الحكومة وجهان وان قطع ذو اليد التي لها طرفان وجب القصاص فيهما على قول ابن حامد لأن هذا نقص لا يمنع القصاص كالسلعة في اليد وعلى قول غيره لا يجب لئلا يأخذ يدين بيد واحدة ولا نقطع احداهما لأننا لا نعرف الاصلية فنأخذها زائدة بأصلية (فصل) وفي الرجلين الدية خلاف وفي احداهما نصفها لما ذكرنا من الحديث والمعنى في اليدين وفي تفصيلها كما ذكرنا من التفصيل في اليدين ومفصل الكعبين ههنا مثل مفصل الكوعين في اليدين وفي قدم الأعرج ويد الأعسم الدية لأن العرج لمعنى في غير القدم والعسم اعوجاج في الرسغ وليس ذلك عيباً في قدم ولا كف فلم يمنع كمال الدية فيهما وذكر أبو بكر أن في كل واحد منهما ثلث الدية كاليد الشلاء ولا يصح لأنهما لم تبطل منفعتهما فلم تنقص ديتهما بخلاف اليد الشلاء فإن كان له قدمان في رجل واحدة فالحكم على ما ذكرنا في اليدين وان كانت احدى القدمين أطول من الأخرى وكان الطويل مساوياً للرجل الأخرى فهو الأصلي وان كان زائداً عنها والآخر مساو للرجل الأخرى فهو

الأصلي وإن كان له في كل رجل قدمان يمكنه المشي على الطويلتين مشياً مستقيما فيهما الأصليتان وإن لم يمكنه فقطع وأمكنه المشي على القصيرين فيهما الاصليان والآخران زائدين فإن أشل الطويلين ففيهما الدية لأن الظاهر انهما الاصليان فإن قطعهما قاطع فأمكنه المشي على القصيرين تبين انهما الأصليان وإن لم يمكنه فالطويلان هما الأصليان (مسألة) (وفي مارن الأنف وحشفة الذكر وحلمتي الثديين دية العضو كاملة) في الأنف الدية إذا قطع مارنه بغير خلاف بينهم حكاه ابن المنذر وابن عبد البر عمن يحفظه من أهل العلم وفي كتاب عمرو بن حزم عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال وفي الأنف إذا أوعب جدعاً الدية وفي رواية مالك في الموطأ اذا اوعى جدعاً يعني استوعب واستوصل ولأنه عضو فيه جمال ومثفقة ليس في البدن منه الا شئ واحد فأشبه اللسان (فصل) وإنما الدية في مارنه وهو مالان منه هكذا قال الخليل وغيره ولأنه يروى عن طاوس أنه قال: كان في كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأنف إذا أوعب مارنه جدعاً الدية وفي بعضه اذا قطع بقدره من الدية يمسح ويعرف قدر ذلك يروى هذا عن عمر بن عبد العزيز والشعبي والشافعي (مسألة) (ويحتمل أن يجب على من استوعب الأنف جدعاً دية وحكومة في القصبة) اذا قطع المارن مع القصبة ففيه الدية في قياس المذهب ويحتمل أن يجب في المارن الدية وحكومة

مسألة وفي مارن الأنف وحشفة الذكر وحلمتي الثديين دية العضو كاملة

في القصبة وهذا مذهب الشافعي لأن المارن وحده موجب للدية فوجبت الحكومة في الزائد كما لو قطع القصبة وحدها مع قطع لسانه ولنا قوله عليه الصلاة والسلام " في الأنف إذا أوعب جدعاً الدية " ولأنه عضو واحد فلم يجب فيه أكثر من دية واحدة كالذكر إذا قطع من أصله وبهذا يبطل ما ذكروه ويفارق اذا قطع لسانه وقصبته لأنهما عضوان فلا تدخل دية أحدهما في الآخر أما العضو الواحد فلا يبعد أن يجب في جميعه ما يجب في بعضه كالذكر تجب في حشفته الدية التي تجب في جميعه وفي الثدي كله ما في حلمته، فأما ان قلع الأنف وما تحته من اللحم ففي اللحم حكومة لأنه ليس من الأنف فأشبه ما لو قطع الذكر واللحم الذي تحته (مسألة) (وفي الذكر الدية) أجمع أهل العلم على ذلك لأن في كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم " وفي الذكر الدية " وذكر الصغير والكبير والشيخ والشاب سواء في الدية لعموم الحديث وسواء قدر على الجماع أو لم يقدر وفي حشفة الذكر الدية وهو قول جماعة من أهل العلم ولا نعلم فيه مخالفاً لأن منفعته تكمل بالحشفة كما

مسألة وفي الذكر الدية

تكمل منافع اليد بالأصابع فكملت الدية بقطعها كالأصابع، وان قطع الذكر كله او الحشفة وبعض العصبة لم يجب أكثر من الدية كما لو قطع الأصابع وبعض الكف (مسألة) (وفي الثديين الدية) ولا نعلم خلافاً في أن في ثديي المرأة وفي الواحد منهما نصف الدية قال إبن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن في ثدي المرأة نصف الدية وفي الثديين الدية وممن حفظنا عنه ذلك الحسن والشعبي والزهري ومكحول وقتادة ومالك والثوري والشافعي واصحاب الرأي ولأن فيهما جمالا ونفعاً فأشبها اليدين والرجلين (مسألة) (وفي قطع حلمتي الثديين ديتهما) نص عليه أحمد وروي نحو هذا عن الشعبي والنخعي والشافعي وقال مالك والثوري ان ذهب اللبن وجبت ديتهما وإلا وجبت حكومة بقدر شينه. ونحوه قال قتادة: اذا ذهب الرضاع بقطعهما ففيهما الدية ولنا أنه ذهب منهما ما تذهب المنفعة بذهابه فوجبت ديتهما كالأصابع مع الكف وحشفة الذكر وبيان ذهاب المنفعة ان بهما يشرب الصبي ويرتضع فهما كالأصابع في الكف وان قطع الثديين كلهما فليس فيهما الا دية كما لو قطع الذكر كله وان حصل مع قطعهما جائفة وجب فيها ثلث الدية مع ديتهما

مسألة وفي الثديين الدية

وان ضربهما فأشلهما ففيهما الدية كما لو أشل يديه، وان جنى عليهما من صغيرة ثم ولدت فلم ينزل لها لبن سئل أهل الخبرة فإن قالوا إن الجناية سبب قطع اللبن فعليه ما على من ذهب باللبن بعد وجوده وإن قالوا ينقطع بغير الجناية لم يجب عليه أرشه لأن الأصل براءة ذمته فلا يجب فيها شئ بالشك وان جنى عليهما فنقص لبنهما او جنى على ثديين ناهدين فكسرهما أو صار بهما مرض ففيه حكومة لنقصه الذي نقصهما (مسألة) (وفي ثديي الرجل وهما التندوتان الدية) وبه قال إسحاق وحكي ذلك قولا للشافعي لأنه ذهب بالجمال من منفعة فلم يجب دية كما لو أتلف العين القائمة واليد الشلاء، وقال الزهري في حلمة الرجل خمس من الإبل، وعن زيد بن ثابت فيه ثمن الدية. ولنا أن ما وجب فيه الدية من المرأة وجب فيه الرجل كسائر الأعضاء ولأنهما عضوان في البدن يحصل بهما الجمال ليس في البدن غيرهما. من جنسهما فوجب فيهما الدية كاليدين ولأنه أذهب الجمال على الكمال فوجبت فيهما الدية كالشعور الأربعة عند أبي حنيفة وكأذني الأصم وأنف الأخشم عند الجميع ويفارق العين القائمة لانه ليس فيهما جمال كامل ولأنها عضو قد ذهب منه ما تجب فيه الدية فلم تكمل ديته كاليدين إذا شلتا بخلاف مسئلتنا

مسألة وفي ثديي الرجل وهما التندوتان الدية

وما في اللثة منها يسمى سنخاً فإذا كسر السن ثم جاء آخر فقلع السنخ ففي السن ديتها وفي السنخ حكومة كما لو قطع إنسان أصابع رجل ثم قطع آخر كفه، وإن قلعها الأول بسنخها لم يجب فيها أكثر من ديتها كما لو قطع اليد من كوعها، وان فعل ذلك في مرتين فكسر السن ثم عاد فقلع السنخ ففيه ديتها وحكومة لأن ديتها وجبت بالأول ثم وجب عليه بالثاني حكومة كما لو فعله غيره وكذلك لو قطع الأصابع ثم قطع الكف، وإن كسر بعض الظاهر ففيه من دية السن بقدره إن كان ذهب النصف وجب نصف الأرش وإن كان الذاهب الثلث وجب الثلث، وإن جاء آخر فكسر بقيتها فعليه بقية الأرش، فإن قلع الثاني سنخها نظرنا فإن كان الأول كسرها عرضاً فليس على الثاني للسنخ شئ لأنه تابع لما قلعه من ظاهر السن فصار كما لو قطع الأول من كل أصبع من أصابعه أنملة ثم قطع الثاني يده من الكوع، وإن كان الأول كسر نصف السن طولاً دون سنخه فجاء الثاني فقلع الباقي بالسنخ كله فعليه دية النصف الباقي وحكومة لنصف السنخ الذي بقي من كسر الأول كما لو قطع الأول اصبعين من يد ثم جاء الثاني فقطع الكف كله، فإن اختلف الثاني والمجني عليه فيما قلعه الأول فالقول قول المجني عليه لأن الأصل سلامة السن، وانكشفت اللثة عن بعض السن فالدية في قدر الظاهر عادة دون ما انكشف على خلاف العادة، وإن اختلفا في قدر الظاهر اعتبر ذلك بأخواتها فإن

لم يكن لها شئ تعتبر به ولم يكن أن يعرف ذلك من أهل الخبرة فالقول قول الجاني لأن الأصل براءة ذمته ويحتمل أن يجب على من استوعب جدعاً دية وحكومة في القصبة وهذا مذهب الشافعي وقد ذكر كقطع اليد من نصف الساعد (مسألة) (وفي العينين الدية) أجمع أهل العلم على ذلك وعلى أن في العين الواحدة نصفها لقول النبي صلى الله عليه وسلم " وفي العينين الدية " وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " وفي العين الواحدة خمسون من الإبل " رواه مالك في الموطأ ولأن العينين من أعظم الجوارح نفعاً فكانت فيهما الدية وفي احدهما نصفها كاليدين. إذا ثبت هذا فيستوي في ذلك الصغيرتان والكبيرتان والمليحتان والقبيحتان والصحيحتان والمريضتان والحولاء والرمصاء فإن كان فيهما بياض لا ينقص البصر لم تنقص الدية وان نقص من البصر نقص من الدية بقدره (مسألة) (وفي الأذنين الدية) روى ذلك عن عمر وعلي وبه قال عطاء ومجاهد والحسن وقتادة والثوري والاوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي ومالك في إحدى الروايتين عنه، وقال في الأخرى فيها حكومة لأن الشرع لم يرد فيهما بتقدير ولا يثبت التقدير بالقياس ولنا أن في كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم " وفي الأذنين الدية " ولأن عمر وعلياً قضيا فيهما بالدية، فإن قيل فقد روي عن أبي بكر الصديق أنه قضى في الاذنين بخمسة عشر بعيراً قلنا لم يثبت

مسألة وفي العينين الدية

ذلك قاله ابن المنذر ولأن ما كان في البدن منه عضوان كان فيهما الدية وفي احدهما نصف الدية بغير خلاف بين القائلين بوجوب الدية فيهما (مسألة) (وفي اللحيين الدية) وهما العظمان اللذان فيهما الأسنان السفلى لأن فيهما نفعاً وجمالاً وليس في البدن مثلهما فكانت فيهما الدية كسائر ما في البدن منه شيئان، وفي أحدهما نصفها كإحدى اليدين والرجلين ونحوهما مما في البدن منه شيئان (مسألة) (وفي الأليتين الدية) قال إبن المنذر كل من نحفظ عنه من أهل العلم يقولون في الأليتين الدية وفي كل واحد منهما نصفها منهم عمرو بن شعيب والنخعي والشافعي وأصحاب الرأي ولأنهما عضوان من جنس فيهما جمال ظاهر ومنفعة كاملة فإنه يجلس عليهما كالوسادتين فوجبت فيهما الدية وفي احداهما نصفها كاليدين، والأليتان هما ما علا وأشرف عن الظهر وعن استواء الفخذين وفيهما الدية إذا اخذتا الى العظم الذي تحتهما، وفي ذهاب بعضهما بقدره لأن ما وجب فيه الدية وجب في بعضه بقدره فإن جهل المقدار وجبت حكومة لأنه نقص لم يعرف قدره

مسألة وفي اللحيين الدية

(مسألة) (وفي الأنثيين الدية) لا نعلم في هذا خلافا وفي كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم " وفي البيضتين " الدية ولأن فيهما الجمال المنفعة فإن النسل يكون بهما فاشبهما اليدين، وروى الزهري عن سعيد بن المسيب أنه قال مضت السنة أن في الصلب الدية وفي الأنثيين الدية وفي احداهما نصف الدية في قول أكثر أهل العلم وحكي عن سعيد بن المسيب ان في اليسرى ثلثي الدية وفي اليمنى ثلثها لأن نفع اليسرى اكثر لأن النسل يكون منها ولنا أن ما وجبت الدية في شيئين منه وجب في احدهما نصفها كاليدين وسائر الأعضاء ولأنهما ذوا عدد تجب فيه الدية فاستوت ديتهما كالأصابع وما ذكروه ينتقض بالأصابع، وكذلك الأجفان تستوي ديتهما مع اختلاف نفعهما ثم يحتاج الى إثبات الذي ذكره وان رض أنثييه أو أشلهما كملت ديتهما كما لو أشل يديه أو ذكره وإن قطع أنثييه فذهب نسله لم يجب أكثر من دية لأن ذلك نفعهما فلم تزدد الدية بذهابه معهما كالبصر مع ذهاب العينين وان قطع احداهما فذهب النسل لم يجب أكثر من نصف الدية لأن ذهابه غير متحقق (مسألة) (وفي إسكتي المرأة الدية) والإسكتان هما اللحم المحيط بالفرج من جانبيه إحاطة الشفتين بالفم وأهل اللغة يقولون الشفران

مسألة وفي الأنثيين الدية

حاشيتا الاسكتان كما ان أشفار العينين أهدابهما وفيهما دية المرأة إذا قطعا، وبهذا قال الشافعي وقاله الثوري إذا لم يقدر على جماعها وقضى به محمد بن سفيان اذا بلغا العظم وذلك لأن فيهما جمالاً ومنفعة وليس في البدن غيرهما من جنسهما فوجبت فيهما الدية كسائر ما في البدن منه شيئان، وفي احداهما نصف الدية كما ذكرنا في غيرهما، وان جنى عليهما فأشلهما وجبت ديتهما كما لو جنى على شفتيه فأشلهما ولا فرق بين كونهما غليظتين أو دقيقتين قصيرتين أو طويلتين من بكر او ثيب او صغيرة او كبيرة أو محفوظة او غير محفوظة لأنهما عضوان فيهما الدية فاستوى فيه جميع ما ذكرنا كسائر أعضائها ولا فرق بين الرتقاء وغيرها لأن الرتق عيب في غيرهما فلم ينقص ذلك من ديتهما كما أن الصمم لم ينقص دية الاذنين والحفظ هو الختان في حق المرأة (مسألة) (وفي ركب المرأة حكومة وهو عانة المرأة وكذلك عانة الرجل) لأنه لا مقدر فيه ولا هو نظير لما قدر فيه فإن أخذ منه شئ مع فرج المرأة وذكر الرجل ففيه الحكومة مع الدية كما لو أخذ مع الأنف أو الشفتين من اللحم الذي حولها (مسألة) (وفي اللسان الدية اذا كان ناطقا) أجمع أهل العلم على وجوب الدية في لسان الناطق، وروي ذلك عن ابي بكر وعمر وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم، وبه قال أهل المدينة وأهل الكوفة واصحاب الرأي واهل الحديث وغيرهم

مسألة وفي اللسان الدية اذا كان ناطقا

وفي كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم " وفي اللسان الدية " ولان فيه جمالاً ومنفعة فأشبه الأنف فأما الجمال فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم عن الجمال فقال " في اللسان " ويقال جمال الرجل في لسانه والمرء بأصغريه قلبه ولسانه ويقال ما الإنسان لولا اللسان الا صورة ممثلة أو بهيمة مهملة، وأما النفع فإن به تبلغ الأغراض وتستخلص الحقوق وتدفع الآفات وتقتضي الحاجات وتتم العبادات في القراءة والذكر والشكر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتعليم والدلالة على الحق البين والصراط المستقيم وبه يذوق الطعام ويستعين في مضغه وتقليبه وتنقية الفم وتنظيفه فهو أعظم الأعضاء نفعاً وأتمها جمالاً فإيجاب الدية في غيره تنبيه على إيجابها فيه. وانما تجب الدية في اللسان الناطق وأما الأخرس فسنذكره في موضعه إن شاء الله تعالى (فصل) فإن قطع لسان صغير لم يتكلم لطفوليته وجبت ديته وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا يجب لأنه لسان لا كلام فيه فأشبه الأخرس ولنا أن ظاهره السلامة وانما لم يتكلم لأنه لا يحسن الكلام فوجبت به الدية كالكبير ويخالف الأخرس فإنه علم أن لسانه أشل الا ترى أن اعضاءه لا يبطش بها وتجب فيها الدية؟ فإن بلغ حداً يتكلم مثله فلم يتكلم فقطع لسانه فلم تجب فيه الدية لأن الظاهر أنه لا يقدر على الكلام فهو كلسان الأخرس وان كبر فنطق ببعض الحروف وجبت فيه بقدر ما ذهب من الحروف لأننا تبينا أنه كان ناطقاً وإن كان قد بلغ الى حد يتحرك بالكباء وغيره فلم يتحرك فقطعه فلا دية فيه لأن الظاهر أنه لو كان صحيحاً لتحرك، وان لم يبلغ الى حد يتحرك ففيه الدية لأن الظاهر سلامته وان

قطع لسان كبير وادعى أنه كان أخرس ففيه ما ذكرنا فيما إذا اختلفا في شلل العضو بعد قطعه من الخلاف. (فصل) وفي أجفان العينين الدية وفي أحدهما ربع الدية لأن كل عدد تجب في جميعه الدية يجب في الواحد منها بحصته كالأصابع وهذا قول الثوري والشافعي وأصحاب الرأي وعن مالك أنه لا مقدر فيها بل يرجع فيه إلى اجتهاد الحاكم ولنا أنها أعضاء فيها جمال ظاهر ونفع كامل فإنها تكن العين وتقيها وتحفظها من الحر والبرد ولولاها لقبح منظرها فوجبت فيها الدية كاليدين وعن الشعبي أنه يجب في الأعلى ثلثا الدية وفي الأسفل ثلثها لأنه أكثر نفعاً ولنا أن كل عدد تجب الدية في جميعه تجب بالحصة في الواحد منه كالأصابع فإن قلع العينين بأشفارهما وجبت ديتان لأنهما جنسان تجب الدية بكل واحد منهما منفرداً فوجب بإتلافهما جملة ديتان كاليدين والرجلين، وتجب الدية في أشفار عين الأعمى وهي الأجفان لأن ذهاب بصره عيب في غير الأجفان فلم يمنع وجوب الدية فيهما كذهاب الشم لا يمنع وجوب الدية في الأنف. (مسألة) (وفي قطع بعض المارن والاذن والحلم واللسان والشفة والحشفة والأنملة وشق الحشفة طولاً بالحساب من ديته يقدر بالأجزاء كالثلث والربع ثم يؤخذ مثله من الدية) لأن ما وجبت الدية في جميعه وجبت في بعضه فإن كان الذاهب النصف وجب نصف الدية وإن كان الثلث وجب ثلثها، وإن كان أقل أو أكثر وجب بحساب ذلك كما بقسط دية اليد على الأصابع.

مسألة وفي قطع بعض المارن والأذن والحلمة واللسان والشفة والحشفة والأنملة وشق الحشفة طولا بالحساب

(مسألة) (وفي شلل العضو وإذهاب نفعه والجناية على الشفتين بحيث لا يطبقان على الأسنان الدية) لأنه عطل نفعهما فأشبه ما لو أشل يده وكذلك ان استرختا فصارتا لا ينفصلان عن الأسنان لأنه عطل جمالها. (فصل) وإن جنى على يديه فأشلهما وجبت ديتهما لأنه فوت منفعتهما فهو كما لو أعمى عينيه أو أخرس لسانه وإن أشل الذكر ففيه ديته لأنه ذهب بنفعه أشبه ما لو أشل لسانه وكذلك إن أشل انثييه كما لو اشل يديه وكذلك إن جنى على الاسكتين فأشلهما ففيهما الدية كما لو جنى على الشفتين فأشلهما ففيهما الدية وكذلك الأصابع إذا أشلهما لما ذكرنا وسائر الأعضاء إلا الاذن والانف وسنذكرهما إن شاء الله تعالى (مسألة) (وفي تسويد السن والظفر بحيث لا يزول ديته وعنه في تسويد السن ثلث ديتها وقال أبو بكر فيها حكومة) إذا جنى على سنه فسودها فحكي عن أحمد في ذلك روايتان

مسألة وفي شلل العضو وإذهاب نفعه والجناية على الشفتين بحيث لا يطبقان على الأسنان الدية

(إحداهما) تجب ديتهما كاملة وهو ظاهر كلام الخرقي ويروى عن زيد بن ثابت وبه قال سعيد بن المسيب والحسن وابن سيرين وشريح والزهري وعبد الملك بن مروان والنخعي ومالك والليث والثوري وأصحاب الراي وهو أحد قولي الشافعي (والرواية الثانية) عن أحمد أنه إن اذهب منفعتها من المضغ عليها ونحوه ففيها ديتها وان لم يذهب نفعها ففيها حكومة وهذا قول القاضي والقول الثاني للشافعي وهو المختار عند اصحابه وهو اقيس لأنه لم يذهبها بمنفعتها فلم تكمل ديتها كما لو اصفرت وهذا قول أبي بكر ولنا أنه قول زيد بن ثابت ولم يعرف له مخالف من الصحابة فكان إجماعاً ولأنه أذهب الجمال على الكمال فكلمت ديتها كما لو قطع اذن الأصم وأنف الأخشم والظفر كذلك قياساً على السن وعن أحمد (رواية ثالثة) ان في تسويد السن ثلث ديتها والتقدير لا يثبت إلا بالتوقيف (فصل) فأما إن اصفرت او احمرت لم تكمل ديتها لأنه لم يذهب الجمال على الكمال وفيها حكومة وإن اخضرت احتمل أن يكون كتسويدها لأنه ذهب بجمالها واحتمل أن لا يكون فيه إلا حكومة لأن ذهاب جمالها لتسويدها أكثر فلم يلحق به غيرها كما لو حمرها فعلى قول من أوجب ديتها متى قلعت بعد تسويدها ففيها ثلث ديتها أو حكومة على ما نذكره إن شاء الله تعالى وعلى قول من لم يوجب فيها إلا حكومة يجب في قلعها ديتها كما لو صفرها

(فصل) فإن جنى على سنه فذهبت حدتها وكلت ففي ذلك حكومة وعلى قالعها بعد ذلك دية كاملة لأنها سن صحيحة كاملة فكملت ديتها كالمضطربة وإن ذهب منها جزء ففي الذاهب بقدره وإن قلعها قالع نقص من ديتها بقدر ما ذهب كما لو كسر منها جزءاً (مسألة) (وفي العضو الأشل من اليد والرجل والذكر والثدي ولسان الأخرس والعين القائمة وشحمة الأذن وذكر الخصي والعينين والسن السوداء والثدي دون حلمته والذكر دون حشفته وقصبة الأنف واليد والأصبع الزائدتين حكومة وعنه ثلث ديته) أما اليد الشلاء وهي اليابسة التي ذهبت منها منفعة البطش وكذلك الرجل مثلها في الحكم قياساً عليها والعين القائمة التي ذهب بصرها وصورتها باقية كصورة الصحيحة والسن السوداء فعن أحمد رحمه الله فيهن حكومة لأنه لا يمكن دية كاملة لكونها قد ذهبت منفعتها ولا مقدر فيها فتجب الحكومة كاليد الزائدة وعنه فيهن ثلث الدية كما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في العين القائمة السادة لمكانها بثلث الدية وفي اليد الشلاء إذا قطعت ثلث ديتها وفي السن السوداء إذا قلعت بثلث ديتها رواه النسائي واخرجه أبو داود في العين وحدها وهو قول عمر ورواه قتادة عن خلاس عن عبد الله بن جريدة عن يحيى بن يعمر عن أبيه عن ابن عباس أن عمر رضي الله عنه قضى في العين القائمة اذا قلعت واليد الشلاء إذا قطعت والسن السوداء اذا كسرت بثلث دية كل واحد منهن ولأنها كاملة الصورة فكان فيها مقدر كالصحيحة وقولهم لا يمكن ايجاب مقدر ممنوع فإننا قد ذكرنا التقدير وبيناه

مسألة وفي العضو الأشل من اليد والرجل والذكر والثدي ولسان الأخرس والعين القائمة وشحمة الأذن

(فصل) قال القاضي قول أحمد في السن السوداء ثلث ديتها محمول على سن ذهبت منفعتها بحيث لا يمكنه ان بعض بها شيئاً أو كانت تتفتت فأما إن كانت منفعتها باقية ولم يذهب منها إلا لونها ففيه كمال ديتها سواء قلت منفعتها بأن يعجز عن عض الاشيئاء الصلبة أو لم يعجز لأنها باقية المنفعة فكملت ديتها كسائر الأعضاء وليس على من سودها إلا حكومة وهذا مذهب الشافعي قال شيخنا والصحيح من مذهب أحمد ما يوافق ظاهر كلامه لظاهر الأخبار وقضاء عمر وقول أكثر أهل العلم ولأنه ذهب جمالها بتسويدها فكملت ديتها على من سودها كتسويد الوجه ولم يجب على متلفها أكثر من ثلث ديتها كاليد الشلاء وكالسن البيضاء اذا انقلعت ونبتت مكانها سوداء لمرض فيها فإن القاضي وأصحاب الشافعي سلموا انها لا تكمل ديتها (فصل) فإن نبتت أسنان صبي سوداء ثم ثغر ثم عادت سوداء فديتها تامة لأن هذا جنس خلق على هذه الصورة اشبه من خلق اسود الجسم والوجه جميعاً وان نبتت اولاً بيضاء ثم ثغر ثم عادت سوداء سئل أهل الخبرة فإن قالوا ليس السوداء لعلة ولا مرض ففيها كمال ديتها وان قالوا ذلك لمرض فعلى قالعها ثلث ديتها أو حكومة وقد سلم القاضي وأصحاب الشافعي الحكم في هذه الصورة وهو حجة عليهم فيما خالفوا فيه ويحتمل أن يكون الحكم فيما كانت سوداء من ابتداء الخلقة هكذا لأن المرض قد يكون في فيه من ابتداء خلقته فيثبت حكمه في نقص ديتها كما لو كان طارئاً

(فصل) وفي لسان الأخرس روايتان أيضاً كاليد الشلاء وكذلك كل عضو ذهبت منفعته وبقيت صورته كالرجل الشلاء والأصبع والذكر إذا شلا وذكر الخصي والعينين إذا قلنا لا تكمل ديتهما وأشباه هذا كله يتخرج على روايتين (إحداهما) فيه ثلث الدية والأخرى حكومة (فصل) فأما اليد والرجل والأصبع أو السن الزوائد ونحو ذلك فليس فيه إلا حكومة وقال القاضي هو في معنى اليد الشلاء فيخرج على الروايتين والذي ذكره شيخنا اصح لأنه لا تقدير في هذا ولا هو في معنى المقدر ولا يصح قياس هذا على العضو الذي ذهبت منفعته وبقي جماله لأن هذه الزوائد لا جمال فيها انما هي شين في الخلقة وعيب يرد به المبيع وتنقص بالقيمة فيكيف يصح قياسه على ما يحصل به الجمال؟ ثم لو حصل به جمال ما لكنه يخالف جمال العضو الذي يحصل به تمام الخلقة ويختلف في نفسه اختلافاً كثيراً فوجبت فيه الحكومة ويحتمل أن لا يجب فيه شئ لما ذكرنا (فصل) قد ذكرنا أن في الأصبع الزائدة حكومة وبه قال الثوري والشافعي وأصحاب الرأي وعن زيد بن ثابت ان فيها ثلث دية الأصبع وذكر القاضي أنه قياس المذهب على رواية ايجاب ثلث دية اليد في اليد الشلاء والأول اصح على ما ذكرنا ولا يصح قياسها على اليد الشلاء لما ذكرنا من الفرق بينهما والله أعلم (فصل) واختلفت الرواية في قطع الذكر دون حشفته وعلى قياسيه الثدي دون حلمته وقطع الكف بعد اصابعه فروى أبو طالب عن أحمد فيه ثلث ديته وكذلك شحمة الأذن وعن أحمد في ذلك كله

حكومة وهذا هو الصحيح لعدم التقدير فيه وامتناع قياسه على ما فيه تقدير لأن الأشل بقيت صورته وهذا لم تبق صورته انما بقي بعض ما فيه الدية أو أصل ما فيه الدية فأما قطع الذراع بعد قطع الكف والساق بعد قطع القدم فينبغي أن تجب الحكومة فيه وجهاً واحداً لأن ايجاب ثلث دية اليد فيه يفضي إلى أن يكون الواجب فيه مع بقاء الكف والقدم وذهابهما واحداً مع تفاوتهما وعدم النص فيهما (مسألة) (وعنه في ذكر الخصي والعنين كمال ديته) أما ذكر العنين فأكثر أهل العلم على وجوب الدية فيه لأن في كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم " وفي الذكر الدية " ولأنه غير مأيوس من جماعة وهو عضو سليم في نفسه فكملت ديته كذكر الشيخ وذكر القاضي فيه عن أحمد روايتين (إحداهما) تجب فيه الدية لذلك (والثانية) لا تكمل ديته وهو قول قتادة لأن منفعته الإنزال والإحبال والجماع وقد عدم ذلك منه في حال الكمال فلم تكمل ديته كالأشل وبهذا فارق ذكر الصبي والشيخ واختلفت الرواية في ذكر الخصي فعنه فيه دية كاملة وهو قول سعيد ابن عبد العزيز والشافعي وابن المنذر للخبر ولأن منفعة الذكر الجماع وهو باق فيه (والثانية) لا يجب فيه وهو قول مالك والثوري وأصحاب الرأي وقتادة وإسحاق لما ذكرنا في ذكر العنين ولأن المقصود منه تحصيل النسل ولا يوجد ذلك منه فلم تكمل ديته كالأشل والجماع يذهب في الغالب بدليل أن البهائم يذهب جماعها بخصائها والفرق بين ذكر العنين وذكر الخصي ان الجماع في ذكر العنين ابعد منه في ذكر الخصي واليأس من الإنزال متحقق في ذكر الخصي دون ذكر العنين

مسألة وعنه في ذكر الخصي والعنين كمال ديته

(مسألة) (فإذا قلنا لا تكمل الدية في قطع ذكر الخصي ان قطع الذكر والأنثيين دفعة واحدة أو قطع الذكر ثم قطع الأنثيين لزمته ديتان وإن قطع الأنثيين ثم قطع الذكر لزمته دية واحدة للأنثيين وفي الذكر حكومة أو ثلث الدية) قال القاضي ونص أحمد على هذا وان قطع نصف الذكر بالطول فقال اصحابنا فيه نصف الدية والأولى ان تجب الدية كاملة لأنه ذهب بمنفعة الجماع به فوجبت الدية كاملة كما لو أشله أو كسر صلبه فذهب جماعه وان قطع قطعة منه مما دون الحشفة وكان البول يخرج على ما كان عليه وجب بقدر القطعة من جميع الذكر من الدية وإن خرج البول من موضع القطع وجب الأكثر من حصة القطعة من الدية أو الحكومة وان ثقب ذكره فيما دون الحشفة فصار البول يخرج من الثقب ففيه حكومة لذلك (مسألة) (وإن أشل الأنف أو الأذن أو عوجهما ففيه حكومة وفي قطع الأشل منهما كمال الدية) إذا ضرب أنفه فأشله ففيه حكومة وان قطعه قاطع بعد ذلك ديته وكذلك الأذن اذا جنى عليها فاستحشفت واستحشافها كشلل سائر الأعضاء ففيها حكومة وهذا أحد قولي الشافعي وقال في الآخر في ذلك ديتها وكذلك قوله في الأنف إذا أشله لأن ما وجبت ديته بقطعه وجبت بشلله كاليد والرجل ولنا ان نفع الأذن باق بعد استحشافها وجمالها فإن نفعها جمع الصوت ومنع دخول الماء والهوام

مسألة وان أشل الأنف أو الأذن أو عوجهما ففيه حكومة وفي قطع الأشل منهما كمال الدية

في صماخه وهذا باق بعد شللها فإن قطعها قاطع بعد شللها ففيها ديتها لأنه قطع أذناً فيها جمالها ونفعها فوجبت ديتها كالصحيحة وكما لو قلع عينا عمياء أو حولاء وكذلك الأنف نفعه جمع الرائحة ومنع وصول الهوام الى دماغه وهذا باق بعد الشلل بخلاف سائر الأعضاء فإن جنى على الأنف فعوجه أو غير لونه ففيه حكومة في قولهم جميعاً وكذلك الأذن إذا عوجها او غير لونها ففيها حكومة كالأنف (فصل) فإن قطع الأنف إلا جلدة بقي معلقاً بها فلم يلتحم واحتيج الى قطع الجلدة ففيه ديته لأنه قطع جميعه بعضه بالمباشرة وبعضه بالسبب فأشبه ما لو سرى قطع بعضه الى قطع جميعه وان رده فالتحم ففيه حكومة لأنه لم يبن وإن أبانه فرده فالتحم فقال أبو بكر ليس فيه إلا حكومة كالتي قبلها وقال القاضي فيه ديته وهو مذهب الشافعي لأنه أبان أنفه فلزمته ديته كما لو لم يلتحم ولأن ما أبين قد نجس فيلزمه ان يبينه بعد التحامه ومن قال بقول أبي بكر منع نجاسته ووجوب إبانته لأن أجزاء الآدمي كجملته بدليل سائر الحيوانات جملته طاهرة فكذلك أجزاؤه (مسألة) (وتجب الدية في أنف الأخشم والمخزوم)

لأن أنف الأخشم لا عيب فيه وانما العيب في غيره فوجبت ديته كأنف غير الأخشم وأما المخزوم فأنفه كامل غير أنه معيب فأشبه العضو المريض ولذلك تجب في أذن الأصم لأن الصمم نقص في غير الأذن فلم يؤثر في ديتها كالعمى لا يؤثر في دية الأجفان وهذا قول الشافعي ولا نعلم فيه مخالفاً (مسألة) (وان قطع أنفه فذهب شمه وجبت ديتان لأن الشم في غير الأنف فلا تدخل دية أحدهما في الآخر وكذلك إذا قطع أذنه فذهب سمعه يجب ديتان لأن السمع في غير الأذن فهو كالبصر مع الأجفان والنطق مع الشفتين) (مسألة) (وسائر الأعضاء إذا أذهبها بمنفعتها لم يجب إلا دية واحدة كالعين إذا قلعت فذهب ضوؤها لم يجب إلا دية واحدة) لأن الضوء فيها ومثل ذلك سائر الأعضاء إذا أذهبها بنفعها لم يجب إلا دية واحدة لأن نفعها فيها فدخلت ديته في ديتها ولأن منافعها تابعة لها تذهب بذهابها فوجبت دية العضو دون المنفعة كما لو قتله لم يجب إلا ديته (فصل) في دية المنافع قال الشيخ رحمه الله في كل حاسة دية كاملة وهي السمع والبصر والشم والذوق لا خلاف في وجوب الدية بذهاب السمع قال إبن المنذر اجمع عوام أهل العلم على أن في السمع الدية روى ذلك عن عمر وبه قال مجاهد وقتادة والثوري والاوزاعي وأهل الشام وأهل العراق ومالك

مسألة وسائر الأعضاء إذا أذهبها بمنفعتها لم يجب إلا دية واحدة كالعين إذا قلعت فذهب ضوؤها لم يجب إلا دية

والشافعي وابن المنذر ولا أعلم عن غيرهم خلافهم وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " وفي السمع الدية " وروى ابو المهلب عن أبي قلابة ان رجلاً رمى رجلاً بحجر في رأسه فذهب سمعه وعقله ولسانه ونكاحه فقضى فيه عمر بأربع ديات والرجل حي ولأنها حاسة تختص بنفع فكان فيها الدية كالبصر، وإن ذهب السمع من إحدى الأذنين وجب نصف الدية كما لو ذهب البصر من إحدى العينين (مسألة) (وفي البصر الدية) لأن كل عضوين وجبت الدية بذهابهما وجبت بإذهاب نفعهما كاليدين إذا أشلهما وفي ذهاب بصر إحداهما نصف الدية كما لو أشل يداً واحدة، وليس في اذهابهما بنفعهما اكثر من دية واحدة كاليدين، وإن جني على رأسه جناية ذهب بها بصره فعليه ديته لأنه ذهب بسبب جنايته وان لم يذهب بها فداواها فذهب بالمداواة فعليه الدية ذهب بسبب فعله (مسألة) (وفي الشم الدية) لأنه حاسة يختص بمنفعة فكان في ذهابها الدية كسائر الحواس ولا نعلم في هذا خلافاً قال القاضي في كتاب عمرو بن حزم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " وفي المشام الدية " (فصل) وفي الذوق الدية وكذلك قال أبو الخطاب لأن الذوق حاسة فأشبه الشم وقياس المذهب

مسألة وفي البصر الدية

أنه لا دية فيه فإنه لا يختلف في لسان الأخرس لا دية فيه، وقد نص أحمد على أن فيه ثلث الدية ولو وجب في الذوق دية لوجبت في ذهابه مع ذهاب اللسان بطريق الأولى، واختلف أصحابنا الشافعي فمنهم من قال قد نص الشافعي على وجوب الدية فيه ومنهم من قال لا نص له فيه ومنهم من قال قد نص على أن في لسان الأخرس حكومة وإن ذهب الذوق بذهابه قال شيخنا: والصحيح إن شاء الله أنه لا دية فيه لأن في إجماعهم على أن لسان الأخرس لا تكمل الدية فيه اجماعا على أنه لا تكمل في ذهاب الذوق بمفرده لأن كل عضو لا تكمل الدية فيه بمنفعته لا تكمل في منفعته دونه كسائر الأعضاء ولا تفريع على هذا القول (مسألة) (وكذلك تجب في الكلام والعقل والمشي والأكل والنكاح) إذا جنى عليه فخرس وجبت ديته لأن كل ما تعلقت الدية بإتلافه تعلقت بإتلاف منفعته كاليد (مسألة) (وفي ذهاب العقل الدية) ولا نعلم فيه خلافاً روى ذلك عن عمر وزيد رضي الله عنهما وإليه ذهب من بلغنا قوله من الفقهاء وفي كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم " وفي العقل الدية " ولأنه أكبر المعاني قدر أو أعظم الحواس نفعاً فإنه يتميز من البهيمة ويعرف به حقائق المعلومات ويهتدي إلى مصالحه ويتقي ما يضره ويدخل به في التكليف

مسألة وكذلك تجب في الكلام والعقل والمشي والأكل والنكاح

وهو شرط في ثبوت الولايات وصحة التصرفات وأداء العبادات فكان بإيجاب الدية أحق من بقية الحواس فإن نقص عقله نقصاً معلوماً وجب بقدره (فصل) فإن ذهب عقله بجناية لا توجب أرشاً كاللطمة والتخويف ونحو ذلك ففيه الدية لا غير وإن أذهبه بجناية توجب أرشاً كالجراح أو قطع عضو وجبت الدية وأرش الجرح وبهذا قال مالك والشافعي في الجديد، وقال أبو حنيفة والشافعي في القديم يدخل الأقل منهما في الأكثر فإن كانت الدية أكثر من أرش الجرح وجبت وحدها وإن كان أرش الجرح أكثر كأن قطع يديه ورجليه فذهب عقله وجبت دية الجرح ودخلت دية العقل فيه لأن ذهاب العقل تخل معه منافع الأعضاء فدخل أرشها فيه كالموت ولنا أن هذه جناية أذهبت منفعة من غير محلها مع بقاء النفس فلم يتداخل الأرشان كما لو أوضحه فذهب بصره أو سمعه، ولأنه لو جنى على أذنه او أنفه فذهب شمه لم يدخل أرشهما في دية الأنف والأذن مع قربهما منهما فههنا أولى، وما ذكروه لا يصح لأنه لو دخل أرش الجرح في دية العقل لم يجب أرشه إذا زاد على دية العقل كما أن دية الأعضاء كلها مع القتل لا يجب أكثر من دية النفس فلا يصح قولهم إن منافع الأعضاء تبطل بذهاب العقل فإن المجنون تضمن منافعه وأعضاؤه بعد ذهاب عقله بما تضمن به منافع الصحيح وأعضاؤه، ولو ذهبت منافعه وأعضاؤه لم تضمن كما لا تضمن منافع الميت وأعضاؤه وإذا جاز أن تضمن بالجناية عليها بعد الجناية عليه جاز ضمانها مع الجناية عليه كما لو جنى عليه فأذهب سمعه وبصره بجراحة في غير محلها

(فصل) فإن جنى عليه فأذهب عقله وشمه وبصره وكلامه وجب أربع ديات مع أرش الجرح قال ابو قلابة رمى رجل رجلاً بحجر فذهب عقله وسمعه وبصره ولسانه فقضى عليه عمر بأربع ديات وهو حي، ولأنه أذهب منافع في كل واحد منهما دية فوجبت عليه دياتها كما لو أذهبها بجنايات فإن مات من الجناية لم يجب إلا دية واحدة لأن ديات المنافع كلها تدخل في دية النفس كديات الأعضاء (مسألة) (وفي ذهاب المشي الدية) لأنها منفعة مقصودة فوجبت فيها الدية كالكلام (فصل) وفي كسر الصلب الدية إذا لم ينجبر لما روي في كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم " وفي الصلب الدية " وعن سعيد بن المسيب قال: مضت السنة أن في الصلب الدية وهذا ينصرف إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبه قال زيد بن ثابت وعطاء والحسن والزهري ومالك وقال القاضي وأصحاب الشافعي ليس في كسر الصلب دية إلا أن يذهب مشيه أو جماعة فتجب الدية لتلك المنفعة لأنه عضو لم تذهب منفعته فلم يجب فيه دية كاملة كسائر الأعضاء ولنا الخبر ولأنه عضو ليس في البدن مثله فيه جمال ومنفعة فوجبت فيه الدية بمفرده كالأنف، وإن ذهب مشيه بكسر صلبه ففيه الدية في قول الجميع ولا يجب أكثر من دية لأنها منفعة تلزم كسر الصلب غالباً فأشبه ما لو قطع رجليه (مسألة) (وفي ذهاب الأكل الدية) لأنها منفعة مقصودة فوجبت فيه لدية كالشم والنكاح (مسألة) (فإن كسر صلبه فذهب نكاحه ففيه الدية) روى ذلك عن علي رضي الله عنه لأنه نفع مقصود فأشبه ذهاب المشي، وإن ذهب جماعه ومشيه

مسألة فإن كسر صلبه فذهب نكاحه ففيه الدية

وجبت ديتان في ظاهر كلام أحمد في رواية ابنه عبد الله لأنهما منفعتان تجب الدية بذهاب كل واحدة منهما منفردة فإذا اجتمعتا وجبت ديتان كالسمع والبصر، وعن أحمد فيهما دية واحدة لأنهما نفع عضو واحد فلم يجب فيهما أكثر من دية واحدة كما لو قطع لسانه فذهب كلامه وذوقه، وان جبر صلبه فعادت احدى المنفعتين دون الأخرى لم يجب إلا دية إلا أن تنقص الأخرى فتجب حكومة لنقصها أو تنقص من جهة أخرى فيكون فيه حكومة لنقصها لذلك، وان ادعى ذهاب جماعه فقال رجلان من أهل الخبرة ان مثل هذه الجناية تذهب الجماع فالقول قول المجني عليه مع يمينه لأنه لا يتوصل الى معرفة ذلك إلا من جهته، وان كسر صلبه فشل ذكره اقتضى كلام أحمد وجوب ديتين لكسر الصلب واحدة وللذكر اخرى، وفي قول القاضي ومذهب الشافعي في الذكر دية وحكومة لكسر الصلب، وان اذهب ماءه دون جماعة احتمل وجوب الدية، ويروى هذا عن مجاهد قال بعض أصحاب الشافعي هو الذي يقتضيه مذهب الشافعي لأنه ذهب بمنفعة مقصودة فوجبت الدية كما لو ذهب بجماعة أو كما لو قطع أنثييه أو رضهما واحتمل أن لا تجب الدية كاملة لأنه لم يذهب بالمنفعة كلها (مسألة) (ويجب في الحدب) تجب الدية في الحدب لأن في كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم " وفي الصلب الدية " ولأنه أبطل عليه منفعة مقصودة وجمالاً أشبه ما لو أذهب مشيه

مسألة ويجب في الحدب

(مسألة) (وفي الصعر الدية وهو ان يضربه فيصير الوجه إلى جانب) وأصل الصعر داء يأخذ البعير فيلتوي منه عنقه قال الله تعالى (ولا تصعر خدك للناس) أي لا تعرض عنهم بوجهك تكبراً كإمالة وجه البعير الذي به الصعر، فمن جنى على إنسان جناية فعوج عنقه حتى صار وجهه في جانب فعليه دية كاملة روى ذلك عن زيد ثابت رضي الله عنه وقال الشافعي: ليس فيه إلا حكومة لأنه إذهاب جمال عن غير منفعة ولنا ماروى مكحول عن زيد بن ثابت انه قال: وفي الصعر الدية ولم يعرف له في الصحابة مخالف فكان إجماعا ولأنه أذهب الجمال والمنفعة فوجبت فيه دية كسائر المنافع، وقولهم لم تذهب منفعة لا يصح فإنه لا يقدر على النظر امامه وانقاء ما يحذره اذا مشى وإذا نابه أمر أو دهمه عدو لم يمكنه العلم به ولا اتقاؤه ولا يمكنه لي عنقه ليتعرف ما يريد نظره ويتعرف ما يضره مما ينفعه (فصل) فإن جنى عليه فصار الالتفات او ابتلاع الماء عليه شاقا فيه حكومة لأنه لم يذهب بالمنفعة كلها ولا يمكن تقديرها، وان صار بحيث لا يمكنه ازدراد ريقه فهذا لا يكاد يتقى وان بقي مع ذلك ففيه الدية لأنه تفويت منفعة ليس لها مثل في البدن (مسألة) (وفي تسويد الوجه اذا لم يزل الدية وقال الشافعي فيه حكومة) لأنه لا مقدر فيه ولا هو نظير لمقدر ولنا أنه فوت الجمال على الكمال فضمنه بديته كما لو قطع أذني الأصم او أنف الأخشم وقوله ليس

مسألة وفي تسويد الوجه اذا لم يزل الدية

بنظير لمقدر ممنوع فإنه نظير لقطع الأذنين في ذهاب الجمال بل هو أعظم في ذلك فيكون بإيجاب الدية أولى، فإن زال السواد رد ما أخذه لسواده لزوال سبب الضمان، فإما إن صفر وجهه أو حمره ففيه حكومة لأنه لم يذهب بالجمال على الكمال (مسألة) (واذا لم يستمسك الغائط والبول ففي كل واحد من ذلك دية كاملة) وجملة ذلك أنه إذا ضرب بطنه فلم يستمسك الغائط أو المثانة فلم يستمسك البول وجب فيه الدية وبهذا قال ابن جريح وأبو ثور وأبو حنيفة ولا نعلم فيه مخالفاً إلا أن ابن ابي موسى ذكر في المثانة رواية أخرى أن فيها ثلث الدية لأنها باطنة فهي كافضاء المرأة، والصحيح الاول كل واحد من هذين المحلين عضو فيه منفعة كبيرة ليس في البدن مثله فوجب في تفويت منفعته دية كاملة كسائر الأعضاء المذكورة فإن نفع المثانة حبس البول وحبس البطن الغائط منفعة مثلها والنفع بهما كثير والضرر بفواتهما عظيم فكان في كل واحد منهما الدية كالسمع والبصر، وإن فاتت المنفعتان بجناية واحدة وجب على الجاني ديتان كما لو ذهب سمعه وبصره بجناية واحدة (مسألة) (وفي نقص شئ من ذلك ان علم بقدره مثل نقص العقل بأن يجن يوماً ويفيق يوماً أو ذهاب بصر إحدى العينين أو سمع إحدى الأذنين) لأن ما وجب فيه الدية وجب بعضها في بعضه كالأصابع واليدين

مسألة واذا لم يستمسك الغائظ والبول ففي كل واحد من ذلك دية كاملة

(فصل) وإن نقص الذوق نقصا يتقدر بأن لا يدرك أحد المذاق الخمس وهي الحلاوة والحموضة والمرارة والملوحة والعذوبة فإذا لم يدرك أحدها وأدرك الباقي ففيه خمس الدية وفي اثنين خمساها وفي ثلاث ثلاثة أخماسها وإن لم يدرك واحدة فعليه الدية إذا قلنا تجب الدية في ذهاب الذوق وإلا ففيه حكومة (مسألة) (وفي بعض الكلام بالحساب يقسم على ثمانية وعشرين حرفاً) يعتبر ذلك بحروف المعجم هي ثمانية وعشرون حرفاً سوى لا فإن مخرجها مخرج الام والألف فمهما نقص من الحروف نقص من الدية بقدره لأن الكلام تم، بجميعها فالذاهب يجب أن يكون عوضه من الدية كقدره من الكلام ففي الحرف الواحد ربع سبع الدية وفي الحرفين نصف سبعها وفي الأربعة سبعها، ولا فرق بين ما خف على اللسان من الحروف أو ثقل لأن كل ما وجب فيه المقدر لم يختلف لاختلاف قدره كالأصابع ويحتمل ان تقسم الدية على الحروف التي للسان فيها عمل دون الشفوية وهي الباء والميم والفاء والواو، ودون حروف الحلق السنة الهمز والحاء والخاء والعين والغين، فهذه عشرة بقي ثمانية عشر حرفا للسان تقسم ديته عليها لأن الدية تجب بقطع اللسان وذهاب هذه الحروف وحدها مع بقائه فإذا وجبت الدية فيها بمفردها وجب في بعضها بقسطه منها، ففي الواحد نصف تسع الدية وفي الاثنين تسعها وفي الثلاثة سدسها وهذا قول بعض أصحاب الشافعي، وإن جني على شفته فذهب بعض الحروف وجب فيه بقدره وكذلك إن ذهب بعض حروف الحلق بجنايته، وينبغي ان يجب بقدره من

مسألة وفي بعض الكلام بالحساب يقسم على ثمانية وعشرين حرفا

ثمانية وعشرين وجهاً واحداً وان ذهب حرف فعجز عن كلمة لم يجب غير ارش الحرف لأن الضمان إنما يجب لما تلف وان ذهب حرف فأبدل مكانه حرفاً آخر كان كأن يقول درهم فصار يقول دلهم أو دعهم أو ديهم فعليه ضمان الحرف الذاهب لأن ما يبدل لا يقوم مقام الذاهب في القراءة ولا غيرها فإن جنى عليه فذهب البدل وجبت ديته أيضاً لأنه أصل وإن جنى عليه جان فأذهب بعض الحروف وجنى عليه آخر فأذهب بقية الكلام فعلى كل واحد منهما بقسطه كما لو ذهب الأول ببصر إحدى العينين وذهب الآخر ببصر الأخرى وإن كان الثغ من غير جناية عليه فذهب انسان بكلامه كله فإن كان مأيؤسا من ذهاب لثغته ففيه بقسط ما ذهب من الحروف وإن كان غير مأيوس من زوالها كالصبي ففيه الدية الكاملة لأن الظاهر زوالها وكذلك الكبير إذا أمكن إزالة لثغته بالتعليم (مسألة) (وإن لم يعلم قدره مثل أن صار مدهوشاً يفزع مما لا يفزع ويستوحش إذا خلا فهذا لا يمكن تقديره) فيجب فيه ما تخرجه الحكومة لأنه لا تقدير فيه (مسألة) (فإن نقص سمعه أو بصره أو شمه أو حصل في كلامه تمتمة أو عجلة أو فأفأة ففيه حكومة لما حصل من النقص والشين ولم تجب الدية) لأن المنفعة باقية فإن جنى عليه جان آخر فأذهب كلامه ففيه الدية كاملة كما لو جنى على عينه جان فعمشت ثم جنى عليه آخر فأذهب بصرها فإن نقص ذوقه نقصاً غير مقدر بأن يحس المذاق كله إلا أنه لا يدركه على الكمال ففيه حكومة كما لو نقص بصره أو سمعه نقصاً لا يتقدر

مسألة وإن لم يعلم قدره مثل أن صار مدهوشا يفزع مما لا يفزع ويستوحش إذا خلا فهذا لا يمكن تقديره

(مسألة) (وإن نقص مشيه أو انحنى قليلاً أو تقلست شفته بعض التقلس أو تحركت سنه أو ذهب اللبن من ثدي المرأة ونحو ذلك ففيه حكومة) لما ذكرنا (مسألة) (وإن قطع بعض اللسان فذهب بعض الكلام اعتبر أكثرهما فلو ذهب ربع اللسان ونصف الكلام أو ربع الكلام ونصف اللسان وجب نصف الدية) إذا قطع بعض لسانه فذهب بعض كلامه فإن استويا مثل ان يقطع ربع لسانه فيذهب ربع كلامه وجب ربع الدية بقدر الذاهب منهما كما لو قطع احدى عينيه فذهب بصرها وان ذهب من أحدهما أكثر من الآخر كأن قطع ربع لسانه فذهب نصف كلامه او قطع نصف لسانه فذهب ربع كلامه وجب بقدر الأكثر وهو نصف الدية في الحالين لأن كل واحد من اللسان والكلام مضمون بالدية منفرداً فإذا انفرد نصفه بالذهاب وجب النصف ألا ترى أنه لو ذهب نصف الكلام ولم يذهب من اللسان شئ وجب نصف الدية؟ ولو ذهب نصف اللسان ولم يذهب من الكلام شئ وجب نصف الدية (مسألة) (وان قطع ربع اللسان فذهب نصف الكلام ثم الآخر بقيته فذهب بقية الكلام فعلى الأول نصف الدية وعلى الثاني نصفها ويحتمل أن يجب عليه نصف الدية وحكومة لربع اللسان) في هذه المسألة ثلاثة أوجه (أحدها على الثاني نصف الدية وهذا قول القاضي وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي لأن السالم نصف اللسان وباقية اشل بدليل ذهاب نصف الكلام (والثاني) عليه نصف

مسألة وان قطع بعض اللسان فذهب بعض الكلام اعتبر أكثرهما فلو ذهب ربع اللسان ونصف الكلام أو ربع

الدية وحكومة للربع الأشل لأنه لو كان جميعه اشل لكانت فيه حكومة أو ثلث الدية فإذا كان بعضه أشل ففي ذلك البعض حكومة أيضاً (والثالث) عليه ثلاثة أرباع الدية وهذا الوجه الثاني لأصحاب الشافعي لأنه قطع ثلاثة أرباع لسانه فذهب نصف كلامه فوجب عليه ثلاثة أرباع الدية كما لو قطعه أولا ولا يصح القول بأن بعضه أشل لأن العضو متى كان فيه بعض النفع لم يكن بضعه اشل كالعين إذا كان بصرها ضعيفاً واليد إذا كان بطشها ضعيفاً (فصل) وان قطع نصف لسانه فذهب ربع كلامه فعليه نصف ديته وإن قطع الآخر بقيته فعليه ثلاثة أرباع الدية وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشافعي والآخر عليه نصف الدية لأنه لم يقطع إلا نصف لسانه ولنا أنه ذهب بثلاثة أرباع الكلام فلزمته ثلاثة أرباع ديته كما لو ذهب ثلاثة أرباع الكلام بقطع نصف اللسان في الأول ولأنه لو ذهب ثلاثة أرباع الكلام مع بقاء اللسان لزمته ثلاثة أرباع الدية فلأن يجب بقطع نصف اللسان أولى ولو لم يقطع الثاني نصف اللسان لكن جنى عليه جنايته أذهب بقية كلامه مع بقاء لسانه لكان عليه ثلاثة أرباع ديته لأنه ذهب بثلاثة أرباع ما فيه الدية فكان عليه ثلاثة أرباع الدية كما لو جنى على صحيح فذهب ثلاثة أرباع كلامه مع بقاء لسانه (فصل) إذا قطع بعض لسانه عمداً فاقتص المجني عليه من مثل ما جنى عليه فذهب من كلام الجاني

مثل ما ذهب من كلام المجني عليه أو أكثر فقد استوفى حقه ولا شئ في الزائد من سراية القود وهي غير مضمونة وأن ذهب أقل فللمقتص دية ما بقي لأنه لم يستوف بدله (فصل) إذا كان للسانه طرفان فقطع احدهما فذهب كلامه ففيه الدية لأن ذهاب الكلام بمفرده يوجب الدية وان ذهب بعض الكلام نظرت فإن كان الطرفان متساويين وكان ما قطعه بقدر ما ذهب من الكلام وجب فإن كان أحدهما اكثر وجب الأكثر على ما مضى وان لم يذهب من الكلام شئ وجب بقدر ما ذهب من اللسان من الدية وإن كان احدهما منحرفا عن سمت اللسان فهو خلقة زائدة وفيه حكومة وان قطع جميع اللسان وجبت الدية من غير زيادة سواء كان الطرفان متساويين أو مختلفين وقال القاضي إن كانا متساويين ففيهما الدية وإن كان احدهما منحرفاً عن سمت اللسان وجبت الدية وحكومة في الخلقة الزائدة ولنا أن هذه الزيادة عيب نقص يرد بها المبيع وينقص من ثمنه فلم يجب شئ كالسلعة في اليد وربما عاد القولان إلى شئ واحد لأن الحكومة لا يخرج بها شئ إذا كانت الزيادة عيباً (مسألة) (وان قطع لسانه فذهب نطقه وذوقه لم يجب إلا دية وان ذهبا مع بقاء اللسان وجبت ديتان) إذا جنى على لسان ناطق فاذهب كلامه وذوقه ففيه ديتان وإن قطع لسانه فذهبا معاً يجب إلا

مسألة وان قطع لسانه فذهب نطقه وذوقه لم يجب إلا دية وان ذهبا مع بقاء اللسان وجبت ديتان

دية واحد لأنهما يذهبان تبعاً لذهابه فوجبت ديته دون ديتهما كما لو قتل إنساناً لم يجب إلا دية واحدة ولو ذهبت منافعه مع بقائه ففي كل منفعة دية (فصل) فإن جنى على لسانه فذهب كلامه أو ذوقه ثم عاد لم تجب الدية لأننا تبينا أنه لم يذهب ولو ذهب لم يعد وإن كان قد قبض الدية ردها وان قطع لسانه فعاد لم تجب الدية وإن كان قد أخذها ردها قاله أبو بكر وظاهر مذهب الشافعي أنه لا يرد لأن العادة لم تجر بعوده واختصاص هذا بعوده يدل على أنها هبة مجددة ولنا أنه عاد ما وجبت فيه الدية فوجب رد الدية كالأسنان وسائر ما يعود وأن قطع إنسان نصف لسانه فذهب كلامه ثم قطع آخر بقيته فعاد كلامه لم يجب رد الدية لأن الكلام الذي كان باللسان قد ذهب ولم يعد الى اللسان وانما عاد في آخر بخلاف التي قبلها وان قطع لسانه فذهب كلامه ثم عاد اللسان دون الكلام لم يرد الدية لأنه قد ذهب ما تجب الدية فيه بانفراده وان عاد كلامه دون لسانه لم يردها أيضاً لذلك (مسألة) (وإن كسر صلبه فذهب مشيه ونكاحه ففيه ديتان لأجل ذهاب المشي والجماع) وعن أحمد فيهما دية واحدة لأنهما نفع عضو واحد فلم يجب فيهما أكثر من دية واحدة كما لو قطع لسانه فذهب نطقه وذوقه

مسألة وان كسر صلبه فذهب مشيه ونكاحه ففيه ديتان لأجل ذهاب المشي والجماع

(مسألة) (وإن اختلفا في نقص سمعه وبصر فالقول قول المجني عليه مع يمينه) لأن ذلك لا يعرف إلا من جهته فيحلفه الحاكم ويوجب حكومة (فصل) فإن ادعى أن إحدى عينيه نقص ضوء ما عصبت المريضة وأطلقت الصحيحة ونصب له شخص وتباعد عنه فكلما قال قد رأيته ووصف لونه علم صدقه حتى ينتهي فإذا انتهت رؤيته علم موضعها ثم تشد الصحيحة وتطلق المريضة وينصب له شخص ثم يذهب حتى تنتهي رؤيته ثم يدار الشخص الى جانب آخر فيضع به مثل ذلك ثم يعلم عند المسافتين وتذرعان ويقابل بينهما فإن كانا سواء فقد صدق وينظركم بين مسافة رؤية العليلة والصحيحة؟ ويحكم له من الدية بقدر ما بينهما وان اختلفت المسافتان فقد كذب وعلم أنه قصر مسافة المريضة لكثير الواجب له فيردد حتى تستوي المسافة بين الجانبين والأصل في هذا ما روي عن علي رضي الله عنه قال إبن المنذر أحسن ما قيل في ذلك ما قاله علي أمر بعينه فعصبت وأعطى رجلاً بيضة فانطلق بها وهو ينظر حتى انتهى بصره ثم أمر فخط عند ذلك ثم أمر بعينه الأخرى فعصبت وفتحت الصحيحة وأعطى رجلاً بيضة فانطلق بها وهو ينظر حتى انتهى بصره ثم خط عند ذلك ثم حول الى مكان آخر ففعل مثل ذلك فوجدوه سواء فأعطاه بقدر ما نقص من بصره من مال الآخر قال القاضي وإذا زعم أهل الطب أن بصره يقل اذا بعدت المسافة ويكثر اذا قربت وأمكن هذا في المذارعة عمل عليه وبيانه أنهم اذا قالوا ان الرجل إن كان يبصر الى مائة ذراع ثم أراد أن يبصر

الى مائتي ذراع احتاج للمائة الثانية الى ضعفي ما يحتاج إليه للمائة الأولى من البصر فعلى هذا إذا ابصر بالصحيحة الى مائتين وأبصر بالعليلة الى مائة علمنا انه قد نقص ثلثا بصر عينه فيجب له ثلثا ديتها قال شيخنا وهذا لا يكاد ينضبط في الغالب وكل ما لا ينضبط فيه حكومة وإن جني على عينيه فندرتا أو أحولتا أو عمشتا ففي ذلك حكومة كما لو ضرب يده فأعوجت والجناية على الصبي والمجنون كالجناية على البالغ والعاقل لكن يفترقان في أن البالغ العاقل خصم لنفسه والخصم للصبي والمجنون وليهما فإذا توجهت اليمين عليهما لم يلحفا ولم يحلف الولي عنهما فإن بلغ الصبي وأفاق المجنون حلفا حينئذ ومذهب الشافعي في هذا الفصل كله كمذهبنا (فصل) فإن ادعى المجني عليه نقصاً في سمع أحد أذنيه سددنا العليلة وأطلقنا الصحيحة وأقمنا من يصح يحدثه وهو متباعد إلى جنب يقول اني لا اسمع فإذا قال ذلك غير عليه الصوت والكلام فإن بان انه يسمع وإلا فقد كذب فإذا انتهى الى آخر سماعه قدرت المسافة وسدت الصحيحة وأطلقت المريضة وحدثه وهو يتباعد حتى يقول اني لا اسمع فإذا قال ذلك غير عليه الكلام فإن تغيرت صفته لم يقبل قوله وإن لم تتغير صفته حلف وقبل قوله وتمسح المسافتان وينظر ما تنقص العليلة فيجب بقدره فإن قال اني أسمع العالي ولا أسمع الخفي فهذا لا يمكن تقديره فيجب فيه حكومة (فصل) فإن قال أهل الخبرة أنه يرجى عود سمعه الى مدة النظر إليها وان يكن لذلك غاية لم ينظر

مسألة وان اختلفا في ذهاب بصره أري أهل الخبرة

(مسألة) (وإن اختلفا في ذهاب بصره أري أهل الخبرة فيرجع في ذلك إلى قول مسلمين عدلين منهم لأن لهما طريقاً الى معرفة ذلك لمشاهدتهما العين التي هي محل البصر بخلاف السمع فإن لم يوجد أهل الخبرة أو تعذر معرفة ذلك اعتبر بأن يوقف في عين الشمس ويقرب الشئ الى عينه في أوقات غفلته فإن طرف عينه وخاف من الذي يخوف به فهو كاذب ولا حكم له واذا علم ذهاب بصره وقال اهل الخبرة لا يرجى عوده وجبت الدية وان قالوا يرجى عوده الى مدة عينوها انتظر اليها ولم يعط الدية حتى تنقضي المدة فإن لم يعد استقرت على الجاني الدية فإن مات المجني عليه قبل العود استقرت الدية سواء مات في المدة أو بعدها فإن جاء اجنبي فقلع عينه في المدة استقرت على الأول الدية أو القصاص لأنه أذهب البصر فلم يعدو على الثاني حكومة لأنه أذهب عيناً لا ضوء لها يرجى عود ضوئها وان قال الأول عاد ضوؤها وأنكر الثاني فالقول قول المنكر لأن الأصل معه وأن صدق المجني عليه الأول سقط حقه عنه ولم يقبل قوله على الثاني فأما إن قال أهل الخبرة يرجى عوده لكن لا يعرف له مدة وجبت الدية أو القصاص لأن انتظار ذلك الى غير غاية يفضي الى اسقاط موجب الجناية والظاهر في البصر عدم العود والأصل يؤيده فإن عاد قبل استيفاء الواجب سقط وان عاد بعد الاستيفاء وجب رد ما أخذ منه لأننا تبينا أنه لم يكن واجباً (مسألة) (وإن اختلفا في ذهاب سمعه فانه ينفعل ويصاح به وينتظر اضطرابه ويتأمل عند صوت

مسألة وان اختلفا في ذهاب سمعه فإنه يتغفل ويصاح به وينتظر اضطرابه ويتأمل عند صوت الرعد والأصوات

الرعد والأصوات المزعجة فإن ظهر منه ازعاج أو التفات أو ما يدل على السمع فالقول قول الجاني مع يمينه) لأن ظهور الأمارات يدل على أنه سميع فغلبت جنبة المدعي وحلف لجواز أن يكون ما ظهر منه اتفاقاً وإن لم يوجد شئ منه ذلك فالقول قول المجني عليه مع يمينه لأن الظاهر عدم السمع وحلف لجواز أن يكون احترز وتصبر وان ادعى ذلك في إحداهما سدت الأخرى وتغفل على ما ذكرنا (مسألة) (وإن ادعى ذهاب شمه جربناه بالروائح الطيبة والمنتنة فإن هش للطيب وتنكر للمنتن فالقول قول الجاني مع يمينه وإن لم يبن منه ذلك فالقول قول المجني عليه) لقولنا في اختلافهم في السمع والبصر وان ادعى المجني عليه نقص شمه فالقول قوله مع يمينه لأنه لا يتوصل الى معرفة ذلك إلا من جهته فقبل قوله فيه كما يقبل قول المرأة في انقضاء عدتها بالإقراء ويجب له من الدية ما تخرجه الحكومة، وان ذهب شمه ثم عاد قبل أخذ الدية سقطت وإن كان بعد أخذها ردها لأننا تبينا أنه لم يكن ذهب وان رجي عود شمه الى مدة انظر اليها وان ذهب شمه من أحد منخريه ففيه نصف الدية كما لو ذهب بصره من إحدى عينيه (مسألة) (وإن اختلفا في ذهاب ذوقه أطعم الأشياء المرة فإن عبس للطعم المر سقطت دعواه) لظهور ما يدل على خلاف ما ادعاه وإلا فالقول قوله مع يمينه لأنه لا يعلم إلا من جهته فقبل قوله فيه كالمسألة التي قبلها (فصل) ولا تجب دية الجرح حتى يندمل لأنه لا يدرى أقتل هو أم ليس بقتل فينبغي أن ينتظر حكمه وما الواجب فيه ولهذا لا يجوز الاستيفاء في العمد قبل الاندمال فكذلك لا يجوز أخذ الدية قبله فنقول أحد موجبي الجناية فلا يجوز قبل الاندمال كالآخر

مسألة وان ادعى ذهاب شمه جربناه بالروائح الطيبة والمنتنة فإن هش للطيب وتنكر للمنتن فالقول قول الجاني

(مسألة) (ولا تجب دية سن ولا ظفر ولا منفعة حتى ييئس من عودها) لأن ذلك مما يعود فلا يجب شئ مع احتمال العود كالشعر وإنما يعرف ذلك بقول عدلين من أهل الخبرة أنها لا تعود أبداً (مسألة) (فلو قطع سن كبير أو ظفراً ثم نبت او رده فالتحم فلم تجب الدية) نص أحمد في السن على ذلك في رواية جعفر بن محمد وهو قول أبي بكر والظفر في معناها وقال القاضي تجب ديتها وهو مذهب الشافعي وقد ذكرنا توجيههما فيما إذا قطع أنفه فرده فالتحم فعلى قول أبي بكر يجب عليه حكومة لنقصها إن نقصت وضعفها ان ضعفت، وإن قلعها قالع بعد ذلك وجبت ديتها لأنها ذات جمال ومنفعة فوجبت ديتها كما لو لم تنقلع، وعلى قول القاضي ينبني حكمها على وجوب قلعها فإن قلنا يجب فلا شئ على قالعها لأنه قد أحسن بقلع ما يجب قلعه وإن قلنا لا يجب قلعها احتمل أن تؤخذ ديتها لما ذكرنا واحتمل أن لا تؤخذ ديتها لأنه قد وجبت له ديتها مرة فلا تجب ثانية ولكن فيها حكومة، فأما إن جعل مكانها سناً أخرى أو سن حيوان أو عظماً فثبتت وجبت ديتها وجهاً واحد لأن سنه ذهبت بالكلية فوجبت ديتها كما لو لم يجعل مكانها شيئاً، وان قلعت هذه الثانية لم تجب ديتها لأنها ليست سناً له ولا هي من بدن ولكن يجب فيها حكومة لأنها جناية أزالت جماله ومنفعته فأشبه ما لو خاط جرحه بخيط فالتحم فقامه إنسان فانفتح

مسألة ولا تجب دية سن ولا ظفر ولا منفعة حتى ييأس من عودها

الجرح وزال التحامه، ويحتمل أن لا يجب شئ لأنه أزال ما ليس من بدنه فأشبه ما لو قلع انف الذهب الذي جعله المجدوع مكان انفه، والأول أولى لأن هذا كان قد التحم بخلاف أنف الذهب فإنه يمكن اعادته كما كان وهذا إذا أعاده قد لا يلتحم (مسألة) (وان ذهب سمعه أو بصره أو شمه أو ذوقه أو عقله ثم عاد سقطت ديته) لزوال سببها وإن كان قد أخذها ردها لأنا تبينا أنه أخذها بغير حق (مسألة) (وإن عاد ناقصا أو عادت السن أو الظفر قصيراً أو متغير فله أرش نقصه) لأنه نقص حصل بجنايته أشبه ما لو نقصه مع بقائه (مسألة) (وان قلع سناً صغيراً ويئس من عودها وجبت ديتها) لأنه أذهبها بجنايته إذهاباً مستمراً فوجبت ديتها كالسن الكبير وقال القاضي فيها حكومة لأن العادة عودها فلم تكمل ديتها كالشعر، والصحيح الأول لأن الشعر لو لم يعد وجبت ديته مع أن العادة عوده (مسألة) (وعنه في الظفر إذا نبت على صفته خمسة دنانير وإن نبت متغيراً عشرة) والتقديرات بابها التوقيف ولا نعلم فيه توقيفاً والقياس أنه لا شئ فيه إذا عاد على صفته وإن نبت متغيرا ففيه حكومة (مسألة) (وإن مات المجني عليه فادعى الجاني عود ما أذهبه فأنكر الولي فالقول قوله) لأن الأصل عدم العود، وإن جني على سنه اثنان فاختلفا فالقول قول المجني عليه في قدر ما أتلف كل واحد منهما لأن ذلك لا يعرف إلا من جهته فأشبه ما لو ادعى نقص سمعه أو بصره

مسألة وان عاد ناقصا أو عادت السن أو الظفر قصيرا أو متغيرا فله أرش نقصه

(فصل) قال رضي الله عنه (وفي كل واحد من الشعور الاربعة الدية وهي شعر الراس واللحية والحاجبين وأهداب العينين) وبهذا قال أبو حنيفة والثوري وممن اوجب في الحاجبين الدية سعيد بن المسيب وشريح والحسن وقتادة وروي عن علي وزيد بن ثابت رضي الله عنهما أنهما قالا في الشعر الدية وقال مالك والشافعي فيه حكومة واختاره ابن المنذر لأنه إتلاف جمال من غير منفعة فلم تجب الدية كاليد الشلاء والعين القائمة ولنا أنه أذهب الجمال على الكمال فوجب فيه دية كاملة كأذن الأصم وأنف الأخشم وقولهم لا منفعة فيه ممنوع فإن الحاجب يرد العرق عين العين ويفرقه وهدب العين يرد عنها ويصونها فجرى مجرى أجفانها وما ذكروه ينتقض بالأصل الذي قسنا عليه واليد الشلاء ليس جمالها كاملاً (مسألة) (وفي كل حاجب نصفها وفي كل هدب ربعها) وجملة ذلك أن في إحدى الحاجبين نصف الدية لأن كل شيئين فيهما الدية في احدهما نصفها كاليدين وفي كل هدب ربعها لأن الدية إذا وجبت في أربعة أشياء وجب في كل واحد ربعها كالأجفان (مسألة) (وفي بعض ذلك بقسطه من الدية يقدر بالمساحة كالأذنين ومارن الأنف ولا فرق في هذه الشعور بين كونها كثيفة أو خفيفة جملية أو قبيحة أو كونها من صغير أو كبير) لأن سائر ما فيه الدية من الأعضاء لا تفترق الحال فيه بذلك

مسألة وفي كل حاجب نصفها وفي كل هدب ربعها

(مسألة) (وإنما تجب ديته إذا أزاله على وجه لا يعود) مثل أن يقلب على رأسه ماء حاراً فيتلف منبت الشعر فينقطع بالكلية بحيث لا يعود وإن رجي عوده الى مدة انتظر اليها (مسألة) (فإن عاد سقطت الدية) إذا عاد قبل أخذ الدية لم تجب فإن عاد بعد أخذها ردها والحكم فيه كالحكم في ذهاب السمع والبصر فيها يرجى عوده ما لا يرجى (مسألة) (وإن بقي من لحيته ما لا جمال فيه أو من غيره من الشعور ففيه وجهان) (أحدهما) يؤخذ بالقسط لأنه محل يجب في بعضه بحصته فأشبه الأذن ومارن الأنف (والثاني) تجب الدية كاملة لأنه أذهب المقصود كله فأشبه ما لو أذهب ضوء العينين ولأن جنايته ربما أحوجت الى إذهاب الباقي لزيادته في القبح على ذهاب الكل فتكون جنايته سبباً لذهاب الكل فأوجبت ديته كما لو ذهب بسراية الفعل أو كما لو احتاج في دواء شجة الرأس الى ما أذهب ضوء عينه (مسألة) (ولا قصاص في شئ من هذه الشعور) لأن إتلافها إنما يكون بالجناية على محلها وهو غير معلوم المقدار ولا تمكن المساواة فيه فلا يجب القصاص فيه (مسألة) (وإن قلع الجفن بهدبه لم يجب إلا دية الجفن) لأن الشعور تزول تبعاً لزوال الأجفان فلم يجب فيه شئ كالأصابع إذا قطع الكف وهي عليه

مسألة وان بقي من لحيته ما لا جمال فيه أو من غيره من الشعور ففيه وجهان

(مسألة) (وإن قلع اللحنين بما عليهما من الأسنان وجبت ديتهما ودية الأسنان) ولم تدخل دية الأسنان في الجنين كما تدخل دية الأصابع في اليد لوجوه (أحدها) أن الأسنان ليست متصلة باللحيين وإنما هي مغرزة فيها بخلاف الأصابع (الثاني) أن أحدهما ينفرد باسمه عن الآخر بخلاف الأصابع مع الكف فإن اسم اليد بشملهما (الثالث ان اللحيين يوجدان منفردين عن الأسنان فإنهما يوجدان قبل وجود الأسنان ويبقيان بعد قلعهما بخلاف الكف مع الأصابع (مسألة) (وان قطع كفاً بأصابعه لم يجب إلا دية الأصابع) لدخول الجميع في مسمى اليد وكما لو قطع ذكراً بحشفته لم يجب إلا دية الحشفة لدخولها في مسمى الذكر (مسألة) (وان قطع كفاً عليه بعض الأصابع دخل ما حاذى الأصابع في ديتها وعليه أرش باقي الكف) لأن الأصابع لو كانت سالمة كلها لدخل أرش الكف كله في دية الأصابع فكذلك ما حاذى الأصابع السالمة يدخل في ديتها وما حاذى المقطوعات ليس ما يدخل في ديته فوجب أرشه كما لو كانت الأصابع كلها مقطوعة (مسألة) (وان قطع أنملة بظفرها فليس عليه إلا ديتها) كما لو قطع كفا بأصابعها أو جفناً بهدبه (فصل) وفي عين الأعور دية كاملة نص عليه وبذلك قال الزهري ومالك والليث وقتادة وإسحاق وقال مسروق وعبد الله بن مغفل والنخعي والثوري وأبو حنيفة والشافعي فيها نصف الدية لقوله عليه

مسألة وان قلع الجفن بهدبه لم يجب إلا دية الجفن

الصلاة السلام " وفي العين خمسون من الإبل " وقوله عليه السلام " وفي العينين الدية " يقتضي أن لا يجب فيها أكثر من ذلك سواء قلعهما واحد أو ثان في وقت واحد أو في وقتين وقالع الثانية قالع عين أعور فلو وجب عليه دية لوجب فيهما دية ونصف، ولأن ما يضمن بنصف الدية مع نظيره يضمن به مع ذهابه كالأذن ويحتمل هذا كلام الخرقي لقوله وفي العين الواحدة نصف الدية ولم يفرق ولنا أن عمر وعثمان وعلياً وابن عمر قضوا في عين الأعور بالدية ولا نعلم لهم في الصحابة مخالفاً فتكون إجماعاً ولأن قلع عين الأعور يتضمن إذهاب البصر كله فوجبت الدية كما لو أذهبه من العينين، ودليل ذلك أنه يحصل بها ما يحصل بالعينين فإنه يرى الأشياء البعيدة ويدرك الأشياء اللطفية ويعمل اعمال البصراء ويجوز أن يكون قاضيا ويجزي في الكفارة وفي الأضحية إذا لم تكن العين مخسوفة فوجب في بصره دية كاملة كذي العينين: فإن قيل فعلى هذا ينبغي أن لا يجب في ذهاب احدى العينين نصف الدية لأنه لم ينقص، قلنا لأنه لا يلزم من وجوب شئ من دية العينين نقص دية الباقي بدليل ما لو جنى عليهما فاحول * نا أو عمشا أو نقص ضوؤهما فإنه يجب أرش النقص ولا تنقص ديتهما بذلك ولأن النقص الحاصل لم يؤثر في تنقيص أحكامه ولا هو مضبوط في تفويت النفع فلم يؤثر في تنقيص الدية، قلت ولولا ما روي عن الصحابة لكان القول الآخر أولى لظاهر النص والقياس على ذهاب سمع إحدى الأذنين وما ذكر من المعاني فهو موجود فيما إذا ذهب سمع أحد الأذنين ولم يوجبوا في الباقي دية كاملة

(مسألة) (وإن قلع الأعور عين صحيح مماثلة لعينه الصحيحة عمداً فلا قصاص وعليه دية كاملة) إذا قلع الأعور عين صحيح نظرنا فإن قلع العين التي لا تماثل عينه الصحيحة أو قلع المماثلة خطأ فليس عليه إلا نصف الدية لا نعلم فيه خلافاً لأن ذلك هو الأصل، وأن قلع المماثلة لعينه الصحيحة عمداً فلا قصاص وعليه دية كاملة وبهذا قال سعيد بن المسيب وعطاء ومالك في إحدى روايتيه وقال في الأخرى عليه نصف الدية ولا قصاص، وقال المخالفون في المسألة الأولى له القصاص لقوله تعالى (والعين بالعين) وان اخبار الدية فله نصفها للخبر ولأنه لو قلعها غيره لم يجب فيها إلا نصف الدية فلم يجب فيه إلا نصفها كالعين الأخرى ولنا عن عمر وعثمان رضي الله عنهما قضيا بمثل مذهبنا ولا نعرف لهما مخالفاً في الصحابة فكان إجماعاً ولأننا منعناه من إتلاف ضوء يضمن بدية كاملة فوجبت عليه دية كاملة كما لو قلع عيني سليم ثم عمي الجاني ويتحمل أن يقلع عينه ويعطى نصف الدية لأن ذلك يروي فيه أثر وقد روي عن علي رضي الله عنه في الرجل إذا قتل امرأة يقتل بها ويعطى نصف الدية (مسألة) (وإن قلع عيني صحيح عمداً خير بين قلع عينه ولا شئ له غيرها وبين الدية) إذا قلع الأعور عيني صحيح عمداً فإن شاء قلع عينه ولا شئ له لأن عينه له فيها دية كاملة لما ذكرنا من قضاء الصحابة رضي الله عنهم فيها بالدية ولأنه أذهب بصره كله فلم يكن له أكثر من إذهاب بصره

مسألة وان قلع الأعور عين صحيح مماثلة لعينه الصحيحة عمدا فلا قصاص وعليه دية كاملة

وهو مبني على قضاء الصحابة وأن عين الأعور تقوم مقام العينين وأكثر أهل العلم على أن له القصاص ونصف الدية للعين الأخرى وهو مقتضى الدليل والله أعلم فأما إن قلعهما خطأ فليس له إلا الدية كاملة كما لو قلعها صحيح العينين وذكر القاضي فيما إذا قلعهما عمداً إن قياس المذهب وجوب ديتين إحداهما في العين التي استحق بها قلع عين الأعور والأخرى في الأخرى لأنها عين الأعور ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " وفي العينين الدية " ولأنه قلع عينين فلم يلزمه أكثر من الدية كما لو كان القالع صحيحاً ولأنه لم يزد على تفويت منفعة الجنس فلم يزد على الدية كما لو قطع أذنيه وما ذكره القاضي لا يصح لأن وجوب الدية في إحدى عينيه لا يجعل الأخرى عين أعور على أن وجوب الدية بقلع إحدى العينين قضية مخالفة للخبر والقياس صرنا إليها لإجماع الصحابة عليها فيما عدا موضع الإجماع يجب العمل بهما والبقاء عليهما (مسألة) (وفي يد الا * قطع نصف الدية وكذلك في رجله وعنه فيها دية كاملة وان اختار القصاص فله ذلك) لأنه عضو أمكن القصاص في مثله فكان الواجب فيه القصاص أو دية مثله كما لو قطع أذن من له أذن واحدة وعن أحمد رواية أخرى أن الأولى إن كانت قطعت ظلماً وأخذ ديتها أو قطعت قصاصاً ففيها نصف ديتها وإن قطعت في سبيل الله ففي الباقية دية كاملة لأنه عطل منافعه من العضوين جملة فأشبه

مسألة وفي يد الأقطع نصف الدية وكذلك في رجله وعنه فيها دية كاملة وان اختار القصاص فله ذلك

قلع عين الأعور والصحيح الأول لأن هذا أحد العضوين الذين تحصل بهما منفعة الجنس لا يقوم مقام العضوين فلم يجب فيه دية كاملة كسائر الأعضاء وكما لو كانت الأولى أخذت قصاصاً أو في غير سبيل الله ولا يصح القياس على عين الأعور لثلاثة وجوه (أحدها) أن عين الأعور حصل فيها ما يحصل بالعينين ولم يختلفا في الحقيقة والأحكام إلا اختلافاً يسيراً بخلاف أقطع اليد الرجل (والثاني) أن عين الأعور لم يختلف الحكم فيها باختلاف صفة ذهاب الأولى وههنا اختلف (الثالث) أن هذا التقدير والتعيين على هذا الوجه أمر لا يصار اليه بمجرد الرأي ولا توقيف فيه فيصار اليه ولا نظير له فيقاس عليه فالمصير إليه تحكم بغير دليل فيجب اطراحه فأما أن قطعت أذن من قطعت أذنه أو منخر من قطع منخره لم يجب فيه أكثر من نصف الدية رواية واحدة لأن منفعة كل أذن لا تتعلق بالأخرى بخلاف العينين

(باب الشجاج وكسر العظام) الشجة اسم لجرح الرأس الوجه خاصة وهي عشر، خمس لا مقدر فيها (أولها) الحارصة وهي التي تحرص الجلد أي تشقه قليلاً ولا تدميه (ثم البازلة) وهي الدامية التي يخرج منها دم يسير (ثم الباضعة) وهي التي تشق اللحم بعد الجلد ثم (المتلاحمة) وهي التي تترك في اللحم ثم السمحاق التي بينها وبين العظم قشرة رقيقة فهذه الخمس فيها حكومة في ظاهر المذهب وجملة ذلك أن الشجاع عشر خمس لا توقيت فهيا، أولها الحارصة قاله الأصمعي وهي التي تشق الجلد قليلاً يعني تقشر شيئاً يسيراً من الجلد لا يظهر منه دم ومنه حرص الفصار الثوب إذا شقه قليلاً وقال بعضهم هي الحرصة ثم البازلة وهي التي ينزل منها الدم أي يسيل وتسمى الدامية أيضاً والدامعة لقلة سيلان دمها تشبيهاً له بخروج الدمع من العين ثم الباضعة وهي التي تشق اللحم بعد الجلد ثم المتلاحمة وهي التي أخذت في اللحم يعني دخلت فيه دخولاً كثيراً تزيد على الباضعة ولم تبلغ السمحاق ثم السمحاق وهي التي تصل الى قشرة رقيقة فوق العظم تسمى تلك القشرة سمحاقاً وسميت الجراح الواصلة اليها بها ويسميها أهل المدينة الملطا والملطاة وهي تأخذ اللحم كله حتى تخلص منه وهذه الشجاج الخمس لا توقيت فيها في ظاهر المذهب وهو قول أكثر الفقهاء يروي ذلك عن عمر بن عبد العزيز ومالك والاوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي وروي عن أحمد رواية أخرى أن في الدامية بعيراً وفي الباضعة بعيرين وفي المتلاحمة ثلاثة وفي المسحاق أربعة أبعرة لأن ذلك يروي عن زيد بن ثابت وروي عن علي رضي الله عنه في السمحاق مثل ذلك رواه سعيد عنهما وعن عمر وعثمان فيها نصف أرش الموضحة والصحيح الأول فإنها جراحات لم يرد فيها توقيت في الشرع فكان الواجب فيها حكومة كجراحات البدن

باب الشجاج وكسر العظام

روي عن مكحول قال قضى النبي صلى الله عليه وسلم في الموضحة بخمس من الإبل ولم يقض فيها دونها ولأنه لم يثبت فيها مقدر له بتوقيف ولا قياس يصح فوجب الرجوع الى الحكومة كالحارصة وذكر القاضي أنه متى أمكن اعتبار هذه الجراحات من الموضحة مثل أن يكون في رأس المجني عليه موضحة الى جانبها قدرت هذه الجراحة منها فإن كانت بقدر النصف وجب نصف أرش الموضحة وإن كانت بقدر الثلث وجب ثلث الأرش وعلى هذا إلا أن تزيد الحكومة على قدر ذلك فيوجب ما تخرجه الحكومة فإذا كانت الجراحة قدر نصف الموضحة وشينها ينقص قدر ثلثيها فيوجب ثلثي ارش الموضحة وان نقصت الحكومة أقل من النصف أوجب النصف فيوجب الأكثر مما تخرجه الحكومة أو قدرها من الموضحة لأنه اجتمع سببان موجبان الشين وقدرها من الموضحة فوجب فيها والدليل على إيجاب هذا المقدار ان هذا اللحم فيه مقدر فكان في بعضه بقدره من ديته كالمارن والحشفة والشفة والجفن وهذا مذهب الشافعي قال شيخنا: وهذا لا نعلمه مذهباً لاحمد ولا يقتضيه مذهبه ولا يصح لأن هذه جراحة تجب فيها الحكومة فلا يجب فيها مقدر كجراحات البدن ولا يصح قياس هذا على ما ذكروه فإنه لا تجب فيه الحكومة ولا نعلم لما ذكروه نظيراً وما لم يكن فيه من الجراح توقيف ولم يكن نظيراً لما وقتت ديته ففيه حكومة أما الذي فيه توقيت فهو الذي نص النبي صلى الله عليه وسلم عليه بين قدر ديته كقوله " في الأنف وفي اللسان الدية " وأما نظيره فهو ما كان في معناه ومقيسا عليه كالاليتين والثديين والحاجين وقد ذكرناه فما لم يكن من الموقت ولا مما يمكن قياسه

كالشجاج التي دون الموضحة وجراح البدن سوى الجائفة وقطع الأعضاء وكسر العظام فليس فيه إلا الحكومة (فصل) قال الشيخ رحمه الله (وخمس فيها مقدر أولها الموضحة وهي التي توضح العظم أي تبرزه والوضح البياض) يعني أنها أبدت وضح العظم أي بياضه وأجمع أهل العلم على أن أرشها مقدر قاله ابن المنذر وفي كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم " وفي الموضحة خمس من الإبل " وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " في المواضح خمس خمس " رواه أبو داود والنسائي والترمذي وقال حديث حسن وأنما يجب ذلك في موضحة الحر فأما موضحة العبد فقد ذكرنا الخلاف فيها وموضحة المرأة كموضحة الرجل فيما يجب فيها عند أحمد رحمه الله لأن المرأة تساوي جراحها جراح الرجل إلى ثلث الدية وعند الشافعي أن موضحة المرأة إنما يجب فيها نصف ما وجب في موضحة الرجل بناء على مذهبه في أن جراح المرأة على النصف من جراح الرجل في القليل والكثير والحديث الذي ذكرناه حجة عليه وفيه كفاية وأكثر أهل العلم على أن الموضحة في الرأس والوجه سواء وهو ظاهر المذهب روى ذلك عن ابي بكر وعمر رضي الله عنهما، وبه قال شريح ومكحول والشعبي والنخعي والزهري وربيعة وأبو حنيفة والشافعي وإسحاق، وعن أحمد أن في موضحة الوجه عشرة أبعرة روى ذلك عن سعيد بن المسيب لأن شينها أكثر وموضحة الرأس يسترها الشعر والعمامة وقال مالك: إذا كانت في أنف أو في اللحي الأسفل ففيها حكومة لأنها تبعد عن الدماغ فأشبهت موضحة سائر البدن

ولنا عموم الأحاديث وقول ابي بكر وعمر رضي الله عنهما: الموضحة في الرأس والوجه سواء ولأنها موضحة فكان أرشها خمساً من الإبل كغيرها مما سلموه ولا عبرة بكثرة الشين بدليل التسوية بين الكبيرة والصغيرة وما ذكرناه مالك لا يصح فإن الموضحة في الصدر أكثر ضرراً وأقرب الى القلب ولا مقدر فيها ولأن ما قاله مخالف لظاهر النص، وقد روي عن أحمد أنه قال موضحة الوجه أحرى أن يزاد في ديتها وليس معنى هذا أنه يجب فيها أكثر إنما معناه والله أعلم أولى بإيجاب الدية فإنها إذا وجبت في موضحة الراس مع قلة شينها واستتارها بالشعر وغطاء الرأس خمس من الإبل فلأن يجب ذلك في الوجه الظاهر الذي هو مجمع المحاسن وعنوان الجمال أولى وحمل كلام أحمد على هذا أولى من من حمله على ما يخالف الخبر والأثر وقول أكثر أهل العلم بغير توقيف ولا قياس صحيح (فصل) ويجب أرش الموضحة في الصغيرة والكبيرة والبارزة والمستورة بالشعر لأن اسم الموضحة يشمل الجميع وحد الموضحة ما أفضى الى العظم ولو بقدر ابرة ذكره ابن القاسم والقاضي (فصل) وليس في الموضحة غير الرأس والوجه مقدر في قول أكثر أهل العلم منهم إمامنا ومالك والثوري والشافعي واسحاق وابن المنذر قال ابن عبد البر ولا يكون في البدن موضحة يعني ليس فيها مقدر، على ذلك جماعة العلماء إلا الليث بن سعد قال الموضحة تكون في الجسد ايضاً وقال الأوزاعي

في جراحة الجسد: على النصف من جراحة الرأس، وحكي نحو ذلك عن عطاء الخراساني قال في الموضحة في سائر الجسد خمسة وعشرون ديناراً ولنا أن اسم الموضحة انما يطلق على الجراحة المخصوصة في الوجه والرأس وقول الخليفتين الراشدين الموضحة في الرأس والوجه سواء يدل على أن باقي الجسد بخلافه ولأن الشين فيما في الراس والوجه اكثر واخطر مما في سائر البدن فلا يلحق به ثم ايجاب ذلك في سائر البدن يفضي إلى أن يجب في موضحة العضو أكثر من ديته مثل أن يوضح أنملة ديتها ثلاثة وثلث وية الموضحة خمس وأما قول الاوزاعي وعطاء الخراساني فتحكم لا نص فيه ولا يقتضيه القياس فيجب اطراحه (مسألة) (قال عمت الرأس ونزلت إلى الوجه فهل هي موضحة أو موضحتان؟ على وجهين) إذا أوضحه في رأسه ومدها الى وجهه فعلى وجهين (أحدهما) هي موضحة واحدة لأن الوجه والرأس سواء في الموضحة فصارا كالعضو الواحد (والثاني) هما موضحتان لأنه أوضحه في عضوين فكان لكل واحد منهما حكم نفسه كما لو أوضحه في راسه ونزل الى القفا ذكر شيخنا في الكتاب المشروح قال: إذا عمت الرأس ولم يذكره في كتابيه المغني والكافي أطلق القول فيما إذا كان بعضها في الرأس وبعضها في الوجه وان لم تعم الرأس فيها الوجهان وهو الذي يقتضيه الدليل المذكور والله أعلم (مسألة) (وان أوضحه موضحتين بينهما حاجز فعليه عشرة من الإبل أرش موضحتين) لأنهما موضحتان فإن خرق ما بينهما أو ذهب بالسراية صارا موضحة واحدة فيجب ارش موضحة

مسألة وان أوضحه موضحتين بينهما حاجز فعليه عشرة من الإبل أرش موضحتين

فصار كما لو أوضح الكل من غير حاجز فإن اندملتا ثم أزال الحاجز بينهما فعليه أرش ثلاث مواضح لأنه استقر عليه أرش الأولتين بالاندمال ثم لزمته دية الثالثة وان اندملت إحداهما وزال الحاجز بفعله او سراية الأخرى فعليه أرش موضحتين (مسألة) (فإن خرقه أجنبي فعلى الأول أرش موضحتين وعلى الثاني أرش موضحة) لأن فعل احداهما لا يبني على فعل الآخر فانفرد كل واحد منهما بحكم جنايته وإن أزاله المجني عليه وجب على الأول أرش موضحتين لأن ما وجب بجنايته لا يسقط بفعل غيره (مسألة) (فإن اختلفنا فيمن خرقه فالقول قول المجني عليه) إذا قال الجاني أنا شققت ما بينهما وقال المجني عليه بل أنا أو أزالها آخر سواك كان القول قول المجني عليه لأن سبب أرش موضحتين قد وجد والجاني يدعي زواله والمجني عليه ينكره فالقول قول المنكر لأن الأصل معه. ومثله لو قطع ثلاث اصابع امرأة فعليه ثلاثون من الإبل فإن قطع الرابعة عاد الى عشرين فإن اختلفا في قاطعها فالقول قول المجني عليه لما ذكرنا وهذا على مذهبنا لأن عندنا أن جراح المرأة تساوي جراح الرجل إلى الثلث فإذا زادت صارت الى النصف (مسألة) (وإن خرق ما بينهما في الباطن بأن قطع اللحم الذي بينهما وترك الجلد الذي فوقهما ففيها وجهان) (أحدهما) يلزمه أرش موضحتين لانفصالهما في الظاهر

مسألة فإن اختلفا فيمن خرقه فالقول قول المجني عليه

(والثاني) أرش موضحة لاتصالهما في الباطن، وإن جرحه جراحاً واحدة أوضحه في طرفها وباقيها دون الموضحة ففيه أرش موضحتين لأن ما بينهما ليس بموضحة (مسألة) (وإن شج جميع رأسه سمحاقاً إلا موضعاً منه أوضحه فعليه أرش موضحة) إذا شجه في رأسه شجة بعضها موضحة وبعضها دون الموضحة لم يلزمه أكثر من أرش موضحة لأنه لو أوضح الجميع لم يلزمه أكثر من ذلك فلأن لا يلزمه في الإيضاح في البعض أكثر من ذلك أولى وهكذا لو شجه شجة بعضها هاشمة وباقيها دونها لم يلزمه أكثر من أرش هاشمة، وإن كانت منقلة وما دونها أو مأمومة وما دونها فعليه أرش منقلة أو مأمومة لما ذكرنا (مسألة) (ثم الهاشمة وهي التي توضح العظم وتهشمه ففيها عشر من الإبل) سميت هاشمة لهشمها العظم ولم يبلغنا عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها تقدير وأكثر من بلغنا قوله من أهل العلم على أن أرشها مقدرة بعشر من الإبل روى ذلك قبيصة بن ذويب عن زيد بن ثابت وبه قال قتادة والشافعي والعنبري ونحوه قول الثوري وأصحاب الرأي إلا أنهم قدروها بعشر الدية من الدراهم وذلك على قولهم ألف درهم وكان الحسن لا يوقت فيها شيئاً، وحكي عن مالك أنه قال لا أعرف الهاشمة لكن في الإيضاح خمس وفي الهشم حكومة قال إبن المنذر والنظر يدل على قول الحسن إذ لا سنة فيها ولا إجماع ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها تقدير فوجبت فيها الحكومة كما دون الموضحة

مسألة وإن شج جميع رأسه سمحاقا إلا موضعا منه أوضحه فعليه أرش موضحة

ولنا قول زيد ومثل ذلك الظاهر أنه توقيف ولأنه لا يعرف له مخالف في عصره ولأنها شجة فوق الموضحة تختص باسم فكان فيها مقدر كالمأمومة (فصل) والهاشمة في الوجه والرأس خاصة كما ذكرنا في الموضحة فإن هشمه هاشمتين بينهما حاجز ففيهما عشرون من الإبل على ما ذكرنا من التفصيل في الموضحة وتنوى الهاشمة الصغيرة والكبيرة كالموضحة وان شجه شجة بعضها موضحة وبعضها هاشمة وبعضها سمحاق وبعضها متلاحمة وجب أرش الهاشمة لأنه لو كان جميعها هاشمة أجزأ أرشها ولو انفرد القدر المهشوم وجب أرشها فلا ينتقص ذلك بما زاد من الأرش في غيرها (مسألة) (فإن ضربه بمنقل فهشمه من غير أن يوضحه ففيه حكومة ولا تجب دية الهاشمة بغير خلاف) لأن الأرش المقدر وجب في هاشمة معها موضحة وفي الواجب فيها وجهان (أحدهما) حكومة لأنه كسر عظم لا جرح معه فأشبه كسر قصبة الأنف (والثاني) فيها خمس من الإبل لأنه لو أوضح وهشم لوجب عشر خمس في الإيضاح وخمس في الهشم فإذا وجد أحدهما وجب خمس كالإيضاح وحده (فصل) فإن أوضحه موضحتين هشم العظم في كل واحدة منهما واتصل الهشم في الباطن فهما

مسألة فإن ضربه بمنقل فهشمه من غير أن يوضحه ففيه حكومة ولا تجب دية الهاشمة بغير خلاف

هاشمتان لأن الهشم إنما يكون تبعاً للإيضاح فإذا كانتا موضحتين كان الهشم هاشمتين بخلاف الموضحة فإنها ليست تبعاً لغيرها فافترقا (مسألة) (ثم المنقلة وهي التي توضح وتهشم وتنقل عظامها وفيها خمس عشرة من الإبل) المنقلة زائدة على الهاشمة وهي التي تكسر العظام وتزيلها عن مواضعها فيحتاج الى نقل العظم ليلتئم وفيها خمس عشرة من الإبل بإجماع من أهل العلم حكاه ابن المنذر وفي كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم " وفي المنقلة خمس عشرة من الإبل " وفي تفصيلها ما في تفصيل الموضحة والهاشمة على ما مضى (مسألة) (ثم المأمومة وهي التي تصل الى جلدة الدماغ وتسم أم الدماغ وتسمى المأمومة آمة) قال ابن عبد البر أهل العراق يقولون الآمة وأهل الحجاز المأمومة وهي الجراحة الواصلة الى أم الدماغ وهي جلدة فيها الدماغ تسمى أم الدماغ لأنها تحوطه وتجمعه فإذا وصلت الجراحة اليها سميت آمة ومأمومة وأرشها ثلث الدية في قول عامة أهل العلم إلا مكحولاً فإنه قال إن كانت عمداً ففيها ثلثا الدية وإن كانت خطأ ففيها ثلثها ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم في كتاب عمرو بن حزم " وفي المأمومة ثلث الدية " وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك وروي نحوه عن علي ولأنها شجة فلم يختلف ارشها بالعمد والخطأ في المقدار كسائر

مسألة ثم المنقلة وهي التي توضح وتهشم وتنقل عظامها وفيها خمس عشرة من الإبل

الشجاج، ثم الدامغة وهي التي تجرح الجلد ففيها ما في المأمومة، قال القاضي لم يذكر أصحابنا الدامغة لمساواتها المأمومة في ارشها وقيل فيها مع ذلك حكومة لخرق جلدة الدماغ ويحتمل أنهم تركوا ذكرها لكونها لا يسلم صاحبها في الغالب (فصل) فإن أوضحه رجل ثم هشمه الثاني ثم جعلها الثالث منقلة ثم جعلها الرابع مأمومة فعلى الأول ارش موضحة وعلى الثاني خمس تمام أرش الهاشمة وعلى الثالث خمس تمام أرش المنقلة وعلى الرابع ثمانية عشر وثلث تمام أرش المأمومة (فصل) وفي الجائفة ثلث الدية وهي التي تصل الى باطن الجوف من بطن أو ظهر أو صدر او نحر وهذا قول عامة أهل العلم منهم أهل المدينة والكوفة وأهل الحديث وأصحاب الرأي إلا مكحولاً قال فيها في العمد ثلثا الدية ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم في كتاب عمرو بن حزم " وفي الجائفة ثلث الدية " وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك ولانهما جراحة فيها مقدر فلم يختلف قدر ارشها بالعمد والخطأ كالموضحة ولا نعلم في جراح البدن الحالية عن قطع الأعضاء وكسر العظام مقدراً غير الجائفة، وذكر ابن عبد البر ان مالكا وأبا حنيفة والشافعي والتى واصحابهم اتفقوا على أن الجائفة لا تكون إلى في الجوف وقال ابن القاسم الجائفة ما أفضى الى الجوف ولو بمغرز إبرة

(فصل) وإن أجافه جائفتين بينهما حاجز فعليه ثلثا الدية وان خرق الجاني ما بينهما أو ذهب بالسراية صارا جائفة واحدة فيها ثلث الدية لا غير، وإن خرق ما بينهما اجنبي او المجني عليه فعلى الأول ثلثا الدية وعلى الأجنبي الثاني ثلثها ويسقط ما قابل فعل المجني عليه، وإن احتاج الى خرق ما بينهما للمداواة فخرقها المجني عليه أو غيره بأمره أو خرقها ولي المجني عليه لذلك أو الطبيب بأمره فلا شئ عليه في خرق الحاجز وعلى الأول ثلثا الدية (مسألة) (وإن خرقه من جانب فخرج من الجانب الآخر فهي جائفتان) هذا قول أكثر أهل العلم منهم عطاء وقتادة ومجاهد ومالك والشافعي وأصحاب الرأي قال ابن عبد البر لا أعلمهم يختلفون في ذلك وحكي عن بعض أصحاب الشافعي أنه قال هي جائفة واحدة وحكي أيضاً عن أبي حنيفة لأن الجائفة هي التي تنفذ من ظاهر البدن الى الجوف وهذه الثانية انما نفذت من الباطن الى الظاهر ولنا ما روى سعيد بن المسيب ان رجلاً رمى رجلاً بسهم فأنفذه فقضى ابو بكر رضي الله عنه بثلثي الدية ولا مخالف له فيكون إجماعاً أخرجه سعيد بن منصور في سننه وروي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن عمر رضي الله عنه قضى في الجائفة إذا نفذت الى الجوف بأرش جائفتين ولأنه أنفذه من موضعين فكان جائفتين كما لو أنفذه بضربتين، وما ذكروه لا يصح فإن الاعتبار بوصول الجرح الى

مسألة وان خرقه من جانب فخرج من الجانب الآخر فهي جائفتان

الجوف لا بكيفية ايصاله إذ لا أثر لصورة لفعل مع التساوي في المعنى ولأن ما ذكروه من الكيفية ليس بمذكور في خبر وانما الغالب والعادة وقوع الجائفة هكذا فلا يعتبر كما أن العادة والغالب حصولها بالحديد ولو حصلت بغيره لكانت جائفة ثم ينتقض ما ذكروه بما لو أدخل يده في جائفة انسان فخرق بطنه من موضع آخر فإنه يلزمه أرش جائفة بغير خلاف نعلمه ولذلك يخرج فيمن أوضح إنساناً في رأسه ثم أخرج رأس السكين من موضع آخر فهي موضحتان وإن هشمه هاشمة لها مخرجان فهي هاشمتان وكذلك ما أشبهه (فصل) فإن أدخل اصبعه في فرج بكر فأذهب بكارتها فليس بجائفة لأن ذلك ليس بجوف (مسألة) (وان طعنه في خده فوصل إلى فيه ففيه حكومة) لأن باطن الفم حكمه حكم الظاهر لا حكم الباطن ويحتمل أن تكون جائفة لان جرح وصل الى جوف مجوف فأشبه ما لو وصل إلى البطن (فصل) فإن طعنه في وجنته فكسر العظم ووصل الى فيه فليس بجائفة لما ذكرنا وقال الشافعي في أحد قوليه هو جائفة لأنه قد وصل الى جوف وقد ذكرنا أن باطن الفم في حكم الظاهر بخلاف الجوف، فعلى هذا يكون عليه دية هاشمة لكسر العظم وفيما زاد حكومة، وان جرحه في أنفه فأنفذه فهو كما لو جرح في وجنته فأنفذه الى فيه في الحكم والخلاف، وان جرحه في ذكره فوصل الى مجرى البول من الذكر فليس بجائفة لأنه ليس بجوف يخاف التلف من الوصول إليه بخلاف غيره (مسألة) (وإن جرحه في وركه فوصل الجرح إلى جوفه او أوضحه فوصل الجرح إلى قفاه فعليه دية جائفة وموضحة وحكومة لجرح القفا والورك)

مسألة وان طعنه في خده فوصل إلى فيه ففيه حكومة

إذا جرحه في فخذه ومد السكين حتى بلغ الورك فأجافه فيه أو جرح الكتف ومد السكين حتى بلغ الصدر فأجافه فيه فعليه أرش الجائفة وحكومة في الجرح لأن الجرح في غير موضع الجائفة فانفردت بالضمان كما لو لم يكن معها جائفة، وأن أوضحه فوصل الى قفاه فعليه دية موضحة لأنه أوضحه وعليه حكومة لجرح القفا كما لو انفرد (مسألة) (وان أجافه ووسع آخر الجرح فهما جائفتان وعلى كل واحد منهما أرش جائفة) لأن فعل كل واحد منهما لو انفرد كان جائفة فلا يسقط حكمه بانضمامه الى فعل غيره لأن فعل الإنسان لا ينبني على فعل غيره، وإن وسعها الطبيب بإذنه أو إذن وليه فلا شئ عليه (مسألة) (وإن وسع ظاهره دون باطنه أو باطنه دون ظاهره فعليه حكومة) لأن جنايته لم تبلغ الجائفة (فصل) وإن أدخل السكين في الجائفة ثم أخرجها عزر ولا شئ عليه وإن خاطها فجاء آخر فقطع الخيط وأدخل السكين فيها قبل أن تلتحم عزر أشد من التعزير الذي قبله وغرم ثمن الخيوط وأجر الخياط ولم يلزمه أرش جائفة لأنه لم يجفه (مسألة) (وإن التحمت الجائفة ففتحها آخر فهي جائفة أخرى عليه أرشها) لأنه عاد إلى الصحة فصار كالذي لم يجرح وان التحم بعضها دون بعض ففتق ما التحم فعليه أرش جائفة لما ذكرنا، وإن فتق غير ما التحم فليس عليه أرش الجائفة وحكمه حكم من فعل مثل فعله قبل

مسألة وان أجافه ووسع آخر الجرح فهما جائفتان وعلى كل واحد منهما أرش جائفة

أن يلتحم منها شئ، وان فتق بعض ما التحم في الظاهر دون الباطن أو الباطن دون الظاهر فعليه حكومة كما لو وسع جرحه كذلك (فصل) ومن وطئ زوجته وهي صغيرة ففتقها لزمه ثلث الدية، ومعنى الفتق خرق ما بين مسلك البول والمني وقيل بل معناه خرق ما بين القبل والدبر إلا ان هذا بعيد لأنه يبعد أن يذهب بالوطئ ما بينهما من الحاجز فإنه حاجز غليظ قوي. والكلام في ذلك في أمرين (احدهما) في أصل وجوب الضمان (والثاني) في قدره أما الأول فإن الضمان إنما يجب بوطئ الصغيرة أو النحيفة التي لا تحمل الوطئ دون الكبيرة التحملة له وبهذا قال أبو حنيفة وقال الشافعي يجب الضمان في الجميع لأنه جناية فيجب الضمان به كما لو كان في أجنبية ولنا أنه وطئ مستحق فلم يجب ضمان ما تلف به كالبكارة ولأنه فعل مأذون فيه ممن يصح إذنه فلم يضمن ما تلف بسرايته كما لو أذنت في مداواتها بما يفضي إلى ذلك، وكقطع السارق واستيفاء القصاص وعكسه الصغيرة والمكرهة على الزنا. إذا ثبت هذا فإنه يلزمه المهر المسمى في النكاح مع أرش الجناية ويكون أرش الجناية في ماله إن كان عمداً محضاً وهو أن يعلم أنها لا تطيقه وإن وطأه يفضيها، فأما ان علم ذلك وكان مما يحتمل أن لا يفضي اليه فهو عمد الخطأ فيكون عاقلته إلا على قول من قال إن العاقلة لا تحمل عمد الخطأ فيكون في ماله (الثاني) في قدر الواجب وهو ثلث الدية وبه قال قتادة

وأبو حنيفة وقال الشافعي تجب الدية كاملة وروي ذلك عن عمر بن عبد العزيز لأنه أتلف منفعة الوطئ فلزمته الدية كما لو قطع إسكتيها ولنا ما روى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قضى في الإفضاء بثلث الدية ولم نعرف له في الصحابة مخالفاً ولأن هذه جناية تخرق الحاجز بين مسلك البول والذكر فكان موجبها ثلث الدية كالجائفة ولا نسلم أنها تمنع الوطئ وأما قطع الإسكتين فإنما أوجب الدية لأنه قطع عضوين فيهما نفع وجمال فأشبه الشفتين (فصل) فإن استطلق بولها مع ذلك لزمته دية من غير زيادة وبهذا قال أبو حنيفة وقال الشافعي تجب دية وحكومة لأنه فوت منفعتين فلزمه أرشهما كما لو فوت كلامه وذوقه ولنا أنه إتلاف عضو واحد لم يفت غير منافعه فلم يضمنه بأكثر من دية واحدة كما لو قطع لسانه فذهب ذوقه وكلامه وما قاله لا يصح لأنه لو أوجب دية المنفعتين لأوجب ديتين لأن استطلاق البول موجب لدية والإفضاء عنده موجب للدية منفرداً ولم يقل به وإنما أوجب الحكومة ولم يوجد مقتضيها فإنا لا نعلم أحدا أوجب في الإفضاء حكومة فإن اندمل الحاجز وانسد وزال الافضاء لم يحدث ثلث الدية ووجبت حكومة لجبر ما حصل من النقص

(فصل) وإن أكره امرأة على الزنا فأفضاها لزمه ثلث ديتها ومهر مثلها لانه حصل بوطئ غير مستحق ولا مأذون فيه فلزمه ضمان ما تلف به كسائر الجنايات وهل يلزمه أرش البكارة مع ذلك؟ فيه روايتان (إحداهما) لا يلزمه لأن أرش البكارة داخل في مهر المثل فإن مهر البكر أكثر من مهر الثيب فالتفاوت بينهما هو أرش عوض البكارة فلم يضمنه مرتين كما في حق الزوجة (والثانية) يضمنه لأنه محل اتلفه بعدوانه فلزمه أرشه كما لو أتلفه بأصبعه فأما المطاوعة على الزنا إذا كانت كبيرة ففتقها فلا ضمان عليه في فتقها وقال الشافعي يضمن لأن المأذون فيه الوطئ دون الفتق فأشبه كما لو قطع يدها ولنا أنه ضرر حصل من فعل مأذون فيه فلم يضمنه كأرش بكارتها ومهر مثلها وكما لو أذنت في قطع يدها فسرى القطع إلى نفسها وفارق ما إذا أذنت في وطئها فقطع يدها لأن ذلك ليس من المأذون فيه ولا من ضرورته. (فصل) وإن وطئ امرأة بشبهة فافضاها فعليه أرش إفضائها مع مهر مثلها لأن الفعل إنما أذن فيه اعتقاداً أن المستوفي له هو المستحق فإذا كان غيره ثبت في حقه وجوب الضمان لما أتلف كما لو أذن في أخذ الدين لمن يعتقد أنه مستحقه فبان أنه غيره وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة يجب لها أكثر الأمرين من مهر مثلها أو أرش إفضائها لأن الإرش لإتلاف العضو فلا يجمع بين ضمانه وضمان منفعته كما لو قلع عيناً

ولنا أن هذه جناية تنفك عن الوطئ فلم يدخل بدله فيها كما لو كسر صدرها وما ذكره غير صحيح فإن المهر يجب لاستيفاء منفعة البضع والأرش يجب لإتلاف الحاجز فلا تدخل المنفعة فيه (فصل) وإن استطلق بول المكرهة على الزنا والموطوءة بشبهة مع افضائها فعليه ديتهما والمهر وقال أبو حنيفة في الموطوءة بشبهة لا يجمع بينهما ويجب أكثرهما وقد سبق الكلام معه في ذلك (فصل) وفي الضلع بعير وفي الترقوتين بعيران روى سعيد عن مطر عن قتادة عن سليمان بن عمر وسفيان عن زيد بن أسلم عن أسلم عن عمر في الضلع جمل والترقوة جمل وقال الخرقي في الترقوة بعيران فظاهر قوله أن في كل ترقوة بعيرين فيكون في الترقوتين أربعة أبعرة وهذا قول زيد بن ثابت والترقوة العظم المستدير حول العنق من النحر الى الكتف ولكل واحد ترقوتان وقال القاضي المراد بقول الخرقي الترقوتان معاً وإنما اكتفى بلفظ الواحد لإدخال الألف واللام المقتضية للاستغراق فيكون في كل ترقوة بعير وهذا قول عمر رضي الله عنه وبه قال سعيد بن المسيب ومجاهد وعبد الملك بن مروان وسعيد بن جبير وقتادة وإسحاق وهو قول للشافعي والمشهور من قوله عند أصحابه ان في كل واحد مما ذكرنا حكومة وهو قول مسروق وأبي حنيفة ومالك وابن المنذر لأنه عظم باطن لا يختص بجمال ومنفعة فلم يجب فيه أرش مقدر كسائر أعضاء البدن ولأن التقدير إنما يكون بتوقيف أو قياس صحيح وليس في هذا توقيف ولا قياس وروي عن الشعبي أن في الترقوة أربعين ديناراً وقال عمرو بن

شعيب في الترقوتين الدية وفي احداهما نصفها لأنهما عضوان ومنفعة وليس في البدن غيرهما من جنسهما فكملت فيها الدية كاليدين ولنا قول عمر وزيد بن ثابت رضي الله عنهما وما ذكروه ينتقض بالهاشمة فإنها كسر عظام باطنة وفيها مقدر ولا يصح قولهم إنها لا تختص بجمال ومنفعة فإن جمال هذه العظام ونفعها لا يوجد في غيرها ولا مشارك لها فيه وأما قول عمرو بن شعيب فمخالف للإجماع فإنا لا نعلم أحداً قبله ولا بعده وافقه فيه (مسألة) (وفي كل واحد من الذراع والزند والعضد والساق بعيران) قال القاضي في الزند أربعة أبعرة لأن فيها اربعة عظام ففي كل عظم بعير وهذا يروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي فيه حكومة لما تقدم ولنا ما روى سعيد ثنا هشيم أنا يحيى بن سعيد عن عمرو بن شعيب أن عمرو بن العاص كتب الى عمر في أحد الزندين إذا كسر فكتب اليه عمر ان فيه بعيرين، وإذا كسر الزندين ففيهما أربعة من الإبل ورواه أيضاً من طريق آخر مثل ذلك وهذا لم يظهر له مخالف في الصحابه فكان إجماعاً (فصل) ولا مقدر في غير هذه العظام في ظاهر قول الخرقي وهو قول أكثر أهل العلم وقال القاضي في عظم الساق بعيران وفي الساقين أربعة أبعرة وفي الفخذ بعيران وفي الفخذين أربعة أبعرة فهذه تسعة عظام فيها مقدر الضلع والترقوتان والزندان والساقان والفخذان وما عداهما لا مقدر فيه

مسألة وفي كل واحد من الذراع والزند والعضد والساق بعيران

وقال ابن عقيل وابو الخطاب وجماعة من أصحاب القاضي في كل واحد من الذراع والعضد بعيران وزاد ابو الخطاب عظم القدم لما روى سليمان بن يسار ان عمر قضى في الذراع والفخذ والساق والزند إذا كسر واحد منهما فجبر ولم يكن به دحور يعني عوجاً بعير وإن كان فيها دحور فبحساب ذلك وهذا الخبر ان صح فهو مخالف لما ذهبوا اليه فلا يصلح دليلاً عليه قال شيخنا: والصحيح إن شاء الله أنه لا تقدير في غير الخمس الضلع والترقوتين والزندين لأن التقدير إنما يثبت بالتوقيف ومقتضى الدليل وجوب الحكومة في هذه العظام الباطنة كلها وإنما خالفناه في هذه العظام لقضاء عمر رضي الله عنه ففي ما عداه يبقى على مقتضى الدليل (مسألة) (وما عدا ما ذكرنا من الجروح وكسر العظام مثل خرزة الصلب والعصعص ففيه الحكومة) ولا نعلم فيها مخالفاً، وان خالف فيها أحد فهو قول شاذ لا يستند الى دليل يعتمد عليه ولا يصار اليه وخرزة الصلب ان أريد بها كسر الصلب ففيه الدية وقال القاضي فيه حكومة وهو مذهب الشافعي وقد ذكرناه (مسألة) (والحكومة ان يقوم المجني عليه كأنه عبد لا جناية به ثم يقوم وهي به قد برأت فما نقص فله مثله من الدية فإن كان قيمته وهو صحيح عشرون وقيمته وبه الجناية تسعة عشر ففيه نصف عشر ديته)

مسألة وما عدا ما ذكرنا من الجروح وكسر العظام مثل خرزة الصلب والعصعص ففيه الحكومة

وهذا الذي ذكره في تفسير الحكومة قول أهل العلم لا نعلم بينهم فيه خلافاً، وبه قال الشافعي والعنبري وأصحاب الرأي وغيرهم، قال إبن المنذر: كل من نحفظ عنه من أهل العلم يرى أن معنى قولهم حكومة أن يقال اذا أصيب الإنسان بجرح لا عقل له معلوم كم قيمة هذا الجرح لو كان عبداً لم يجرح هذا الجرح؟ فإذا قيل مائة دينار قيل وكم قيمته وقد أصابه هذا الجرح وانتهى برؤه؟ قيل خمسة وتسعون فالذي يجب على الجاني نصف عشر الدية وان قالوا تسعون فعشر الدية وان زاد أو نقص فعلى هذا المثال وإنما كان كذلك لأن جملته مضمونة بالدية فأجزاؤه مضمونة منها كما أن البيع لما كان مضموناً على البائع بالثمن كان أرش عيبه مقدراً من الثمن فيقال كم قيمته لا عيب فيه؟ فإذا قالوا عشرة فيقال كم قيمته وفيه العيب؟ فإذا قيل تسعة علم أنه نقص عشر قيمته فيجب ان يرد من الثمن عشرة أي قدر كان ونقدره عبداً ليمكن تقويمه ويجعل العبد اصلاً للحر فيما لا موقت فيه والحر أصلا للعبد فيما فيه توقيت في المشهور من المذهب. (مسألة) إلا أن يكون في شئ فيه مقدر فلا يبلغ به أرش المقدر فإن كانت في الشجاج التي دون الموضحة لم يبلغ بها أرش الموضحة فلو جرحه في وجهه سمحاقاً فنقصته عشر قيمته فمقتضى الحكومة وجوب عشر من الإبل ودية الموضحة خمس)

مسألة إلا أن يكون في شيء فيه مقدر فلا يبلغ به أرش المقدر فإن كانت في الشجاج التي دون الموضحة لم يبلغ

فههنا يعلم غلظ المقوم لأن الجراحة لو كانت موضحة لم يزد على خمس مع أنها سمحاق وزيادة عليها فلأن لا يجب في بعضها زيادة على خمس أولى وهذا قول أكثر أهل العلم وبه يقول الشافعي وأصحاب الرأي، وحكي عن مالك انه يجب ما تخرجه الحكومة كائناً ما كان لأنها جراحة لا مقدر فيها فوجب فيها ما نقص كما لو كانت في سائر البدن ولنا أنها بعض الموضحة لأنه لو أوضحه لقطع ما قطعته هذه الجراحة ولا يجوز أن يجب في بعض الشئ أكثر مما يجب فيه ولأن الضرر في الموضحة أكبر والشين أعظم والمحل واحد فإذا لم يزد أرش الموضحة على خمس كان ذلك تنبيهاً على أن لا يزاد ما دونها عليها واما سائر البدن فما كان فيه موقت كالأعضاء والعظام المعلومة والجائفة فلا يزاد جرح عظم على ديته مثاله جرح أنملة فبلغ أرشها بالحكومة خمساً من الإبل فإنه يرد الى دية الأنملة وإن كان في اصبع فبلغ ما زاد على العشر بالحكومة رد الى العشر وإن جنى عليه في جوفه دون الجائفة لم يزد على أرش الجائفة وما لم يكن كذلك وجب ما أخرجته الحكومة لأن المحل مختلف فإن قيل فقد وجب في بعض البدن أكثر مما وجب في جميعه ووجب في منافع اللسان أكثر من الواجب فيه قلنا إنما وجبت دية النفس دية عن الروح وليست الأطراف بعضها بخلاف مسئلتنا هذا ذكره القاضي ويحتمل كلام الخرقي إن يختص امتناع الزيادة بالرأس والوجه لقوله إلا أن تكون الجناية في وجه أو رأس فلا يجاوز به أرش الموقت

(فصل) إذا خرجت الحكومة في شجاج الرأس التي دون الموضحة قدر أرش الموضحة أو زيادة عليه فظاهر كلام الخرقي أنه يجب أرش الموضحة وقال القاضي يجب أن ينقص عنها شيئاً على حسب ما يؤدي اليه الاجتهاد وهذا مذهب الشافعي وهو الذي ذكره شيخنا في كتاب الكافي المقنع لئلا يجب في بعضها ما يجب في جميعها ووجه قول الخرقي أن مقتضى الدليل وجوب ما اخرجته الحكومة وانما سقط الزائد على أرش الموضحة لمخالفته النص أو تنبيه النص ففيما لم يزد يجب البقاء على الأصل ولأن ما ثبت بالتنبيه يجوز ان يساوي المنصوص عليه في الحكم ولا يلزم ان يزيد عليه كما انه لما نص على وجوب فدية الأدنى في حق العذور لم يلزم زيادتها في حق من لا عذر له ولا يمنع أن يجب في البعض ما يجب في الكل بدليل وجوب دية الأصابع مثل دية اليد كلها وفي حشفة الذكر مثل ما في جميعه فإن قيل هذا وجب بالتقدير الشرعي لا بالتقويم قلنا إذا ثبت الحكم بنص الشارع لم يمتنع ثبوت مثله بالقياس عليه والاجتهاد ما يؤدي إليه وفي الجملة فالحكومة دليل على ترك العمل بها في الزائد لمعنى مقصود في المساوي فيجب العمل بها لعدم المعارض ثم وان صح ما ذكروه فينبغي أن ينقص ادنى ما تزول به المساواة المحدودة ويجب الباقي عمد بالدليل الموجب له (فصل) ولا يكون التقويم إلا بعد برء الجرح لأن ارش الجرح المقدر أنما يستقر بعد برئه (مسألة) فإن كانت الجراحة مما لا تنقص شيئاً بعد الاندمال مثل ان قطع اصبعاً زائدة أو يداً او

مسألة فإن كانت الجراحة مما لا تنقص شيئا بعد الاندمال

قطع لحية امرأة فلم ينقصه ذلك بل زاده حسناً فالجاني محسن بجنايته فلم يضمن كما لو قطع سلعة أو تؤلولا أو بط خراجا ويحتمل أن يضمن قال القاضي نص أحمد على هذا لأن هذا جزء من مضمون فلم يعر عن ضمان كما لو اتلف مقدر الأرش فزاد به جمالاً أو لم ينقصه شيئاً، فعلى هذا يقوم في أقرب الأحوال الى البرء لأنه لما سقط اعتبار قيمته بعد برئه قوم في أقرب الأحوال اليه كولد المغرور لما تعذر تقويمه في البطن قوم عند الوضع لأنه أقرب الأحوال التي أمكن تقويمه الى كونه في البطن (مسألة) (فإن لم ينقص في تلك الحال قوم حال جريان الدم) لانه لابد من نقص للخوف عليه ذكره القاضي ولأصحاب الشافعي وجهان كما ذكرنا وتقوم لحية المرأة كأنها لحية رجل في حال تنقصه ذهاب لحية وان أتلف سناً زائدة قوم وليست له سن زائدة ولا خلفها اصلية ثم يقوم وقد ذهبت الزائدة فإن كانت المرأة اذا قدرناها ابن عشرين نقصها ذهاب

مسألة فإن لم ينقص في تلك الحال قوم حال جريان الدم

لحيتها يسيراً وإن قدرناها ابن اربعين نقصها كثيراً قدرناها ابن عشرين لأنه أقرب الأحوال الى حال المجني عليه فأشبه تقويم الجرح الذي لا ينقص بعد الاندمال فإننا نقرمه في أقرب أحوال النقص الى حال الاندمال والأول أصح إن شاء الله تعالى فإن هذا لا مقدر فيه ولم ينقص شيئاً فأشبه الضرب وتضمين النقص الحاصل حال جريان الدم إنما هو تضمين الخوف عليه وقد زال فأشبه ما لو لطمه فاصفر وجه حالة اللطمة أو احمر ثم زال وتقدير المرأة رجلاً لا يصح لأن اللحية زين للرجل وعيب في المرأة وتقدير ما يعيب بما يزين لا يصح وكذلك تقدير السن في حالة يراد زوالها بحالة يكره لا يجوز فإن الشئ يقدر بنظيره ويقاس على مثله لا على ضده ومن قال بهذا الوجه فإنما يوجب أدنى ما يمكن ايجابه وهو أقل نقص يمكن تقديره (فصل) فإن لطمه على وجهه فلم يؤثر في وجهه فلا ضمان لأنه لم ينقص به جمال ولا منفعة ولم يكن له حال ينقص فيها فلم يضمنه كما لو شتمه

(باب العاقلة وما تحلمه) (عاقلة الإنسان عصباته كلهم قريبهم وبعيدهم من النسب والولاء إلا عمودي نسبه آباؤه وأبناؤه وعنه أنهم من العاقلة أيضاً) اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في العاقلة فروي عنه أنهم جميع العصبات من النسب والولاء يدخل فيهم الآباء والأبناء والإخوة وسائر العصبات من العمومة وأبنائهم اختاره أبو بكر والشريف أبو جعفر، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم إن عقل المرأة بين عصبتها من كانوا لا يرثون منها شيئاً إلا ما فضل عن ورثتها وإن قتلت فعقلها بين ورثتها، رواه أبو داود ولأنهم عصبة فأشبهوا سائر العصبات، يحققه ان العقل موضوع على التناصر وهم من أهله ولأن العصبة في تحمل العقل كهم في الميراث في تقديم الأقرب فالأقرب وأبناؤه وآباؤه أحق العصبات بميراثه فكانوا أولى بتحمل عقله، وفيه رواية ثانية أن الآباء والأبناء ليسوا من العاقلة وهو قول الشافعي لما روى أبو هريرة قال اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بدية المرأة على عاقلتها وورثها ولدها ومن معهم متفق عليه وفي رواية ثم ماتت القاتلة فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ميراثها لبنيها والعقل

باب العاقلة وما تحمله

على العصبة وفي رواية عن جابر بن عبد الله قال فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم دية المقتولة على عاقلتها وبرأ زوجها وولدها قال فقالت عاقلة المقتولة ميراثها لنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ميراثها لزوجها وولدها " رواه أبو داود. إذا ثبت هذا في الأولاد قسنا عليه الوالد لانه معناه ولأن مال ولده ووالده كما له ولهذا لم تقبل شهادتهم له ولا شهادته لهم ووجب على كل واحد منهم الإنفاق على الآخر إذا كان محتاجاً والآخر موسراً فلا يجب في ماله دية كما لو تجب في مال القاتل وفيه رواية ثالثة أن الإخوة ليسوا من العاقلة كالوالد والولد وهي ظاهر كلام الخرقي، وغيره من اصحابنا يجعلونهم من العاقلة بكل حال ولا نعلم عن غيرهم خلافهم (فصل) فإن كان الولد ابن ابن عم أو كان الوالد والولد، مولى أو عصبة مولى فإنه يعقل في ظاهر كلام أحمد قاله القاضي وقال أصحاب الشافعي لا يعقل لأنه والد وولد فلم يعقل كما لو لم يكن كذلك ولنا أنه ابن ابن عم أو مولى فيعقل كما لو لم يكن ولداً وذلك لأن هذه القرابة أو الولاء سبب يستقل بالحكم منفردا فإذا وجد مع ما لا يثبت الحكم أثبته كما لو وجد مع الرحم المجرد ولأنه يثبت حكمه في القرابة الأخرى بدليل أنه يلي نكاحها مع أن الابن لا يلي النكاح عندهم. (فصل) وسائر العصبات من العاقلة بعدوا أو قربوا من النسب والمولى وعصبته وبهذا قال عمر ابن عبد العزيز والنخعي وحماد ومالك والشافعي ولا أعلم عن غيرهم خلافهم وذلك لأنهم عصبة يرثون المال إذا لم يكن وارث اقرب منهم فيدخلون في العقل كالقريب، ولا يعتبر ان يكونوا وارثين في الحال بل

متى كانوا يرثون لولا الحجب عقلوا لأن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالدية بين عصبة المرأة من كانوا لا يرثون منها إلا ما فضل عن ورثتها ولأن الموالي من العصبات فأشبهوا المناسبين. (فصل) العاقلة من يحمل العقل والعقل الدية سميت عاقلة لأنها تعقل لسان ولي المقتول وقيل إنما سميت العاقلة لأنهم يمنعون عن القاتل والمنع العقل ولهذا سمي بعض العلوم عقلاً لأنه يمنع من الإقدام من المضار، ولا خلاف بين أهل العلم في أن العاقلة العصبات وان غيرهم من الإخوة من الأم وسائر ذوي الأرحام والزوج وكل من عد العصبات ليسوا من العاقلة ولا يعقل المولى من أسفل وبه قال أبو حنيفة واصحاب مالك وقال الشافعي في أحد قوليه يعقل لأنهما شخصان يعقل أحدهما صاحبه فيعقل الآخر عنه كالآخرين ولنا أنه ليس بعصبة له ولا وارث فلم يعقل عنه كالأجنبي وما ذكروه يبطل بالذكر مع الانثى والصغير مع الكبير والعاقل مع المجنون (فصل) ولا يعقل مولى الموالاة وهو الذي يوالي رجلاً يجعل له ولاءه ونصرته، ولا الحليف وهو الرجل يحالف آخر على أن يتناصرا على دفع الظلم ويتضافرا على من قصدهما او قصد أحدهما ولا العديد وهو الذي لا عشيرة له ينضم الى العشيرة فيعد نفسه وبهذا قال الشافعي، وقال أبو حنيفة يعقل مولى الموالاة ويرث وقال مالك إذا كان الرجل في غير عشيرته فعقله على القوم الذين هو معهم

ولنا أنه معنى يتعلق بالتعصيب فلا يستحق بذلك كولاية النكاح (فصل) ولا مدخل لأهل الديوان في العاقلة وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة يتحملون جميع الدية فإن عدموا فالاقارب حنيئذ يعقلون لأن عمر رضي الله عنه جعل الدية على اهل الديوان في الأعطية الى ثلاث سنين. ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالدية على عصبة القاتلة ولانه معنى لا يستحق به الميراث فلم يحمل به العقل كالجوار واتفاق المذاهب وقضاء النبي صلى الله عليه وسلم أولى من قضاء عمر على أنه صح ما ذكر عنه فيحتمل انهم كانوا عشيرة القاتل. (مسألة) (وليس على فقير ولا صبي ولا زائل العقل ولا امرأة ولا خنثى مشكل ولا رقيق ولا مخالف لدين الجاني حمل شئ من الدية وعنه أن الفقير يحمل من العقل) أكثر أهل العلم على أنه لا مدخل لأحد من هؤلاء في تحمل العقل قال إبن المنذر أجمع كل من تحفظ عنه من أهل العلم على أن المرأة والصبي الذي لم يبلغ لا يعقلان مع العاقلة واجمعوا على الفقير لا يلزمه شئ وهذا قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي وحكى بعض اصحابنا عن مالك وأبي حنيفة أن للفقير مدخلاً في التحمل وعن أحمد مثل ذلك وحكاها ابو الخطاب لأنه من أهل النصرة فكان من العاقلة كالنثي، والصحيح الأول لأن تحمل العقل مواساة فلا تلزم الفقير

كالزكاة ولأنها وجبت على العاقلة تخفيفاً على العاقل فلا يجوز التثقيل بها على من لا جناية منه وفي إيجابها على الفقير تثقيل عليه وتكليف له ما لا يقدر عليه ولأننا اجمعنا على أنه لا يكلف أحد من العاقلة ما يثقل عليه ويجحف به وتحميل الفقير شيئاً منها يثقل عليه ويجحف بماله وربما كان الواجب عليه جميع ماله أو أكثر منه أو لا يكون له شئ اصلاً، واما الصبي والمجنون والمرأة فلا يحملون منها لأن فيها معنى التناصر وليس هم من أهل النصرة وكذلك المخالف في الدين ليس هو من أهل النصرة أيضاً (مسألة) (ويحمل الغائب كما يحمل الحاضر) وبهذا قال أبو حنيفة وقال مالك يختص به الحاضر لأن التحمل بالنصرة وانما هي من الحاضرين ولأن في قسمه على الجميع مشقة وعن الشافعي كالمذهبين ولنا الخبر وانهم استووا في التعصيب والإرث فاستووا في تحمل العقل كالحاضرين ولأنه معنى يتعلق بالتعصيب فاستوى فيه الحاضر والغائب كالميراث والولاية (فصل) ويعقل المريض اذا لم يبلغ حد الزمانة، والشيخ اذا لم يبلغ حد الهرم لأنهما من اهل النصرة والمواساة، وفي الزمن والشيخ والفاني وجهان (أحدهما) لا يعقلان لأنهما ليسا من أهل النصرة ولهذا لا يجب عليهما الجهاد ولا يقنلان اذا كانا من أهل الحرب، وكذلك يخرج في الأعمى لأنه مثلهما في هذا المعنى (والثاني) يعقلون لأنهم من أهل المواساة ولهذا تجب عليهم الزكاة وهذا منتقض بالصبي والمجنون ومذهب الشافعي كمذهبنا

مسألة وخطأ الإمام والحاكم في احكامه في بيت المال وعنه على عاقلته

(مسألة) (وخطأ الإمام والحاكم في احكامه في بيت المال وعنه على عاقلته) لأن خطأه يكثر في احكامه فإيجاب ما يجب به على عاقلته يجحف بهم، وبه قال الأوزاعي والثوري وأبو حنيفة واسحاق ولأن الإمام والحاكم نائب عن الله تعالى في احكامه وأفعاله فكان أرش جنايته في مال الله سبحانه وللشافعي قولان كالروايتين وفيه رواية أخرى أنه يجب على عاقلته لما روي أن عمر رضي الله عنه بعث إلى امرأة مغيبة كان يدخل عليها فقالت يا ويلها ما لها ولعمر فأسقطت ولداً فصاح الصبي صيحتين ثم مات فاستشار عمر رضي الله عنه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار بعضهم ان ليس عليك شئ إنما أنت وال ومؤدب فقال علي إن كانوا قالوا برأيهم فقد أخطأوا رأيهم وإن كانوا في هواك فلم ينصحوا لك ان ديته عليك لأنك أفزعتها فألقته فقال عمر أفسمت عليك أن لا تبرح حتى تقسمها على قومك (مسألة) (وهل يتعاقل أهل الذمة؟ على روايتين) (إحداهما) يتعاقلون قياساً على المسلمين لأن قرابتهم تقتضي التوريث فاقتضت التعاقل كالمسلمين ولأن دياتهم ديات أحرار معصومين فأشبهت ديات المسلمين (والثانية) لا يتعاقلون لأن حمل العاقلة ثبت على خلاف الأصل لحرمة قرابة المسلمين فلا يقاس عليهم غيرهم لانهم لا يساوونهم في الحرمة (مسألة) (ولا يعقل حربي عن ذمي ولا ذمي عن حربي)

مسألة وهل يتعاقل اهل الذمة على روايتين

لأنه لا يرث بعضهم من بعض فلا يعقل بعضهم عن بعض كغير العصبات وفي الميراث احتمال أنهما يتوارثان فيخرج في التعاقل مثل ذلك ولا يعقل يهودي عن نصراني ولا نصراني عن يهودي لأنه لا موالاة بينهم وهم أهل ملتين مختلفتين ويحتمل أن يتعاقلا بناء على الروايتين في توارثهما فإن تهود نصراني أو تنصر يهودي وقلنا إنه يقر عقل عنه عصبته من أهل الدين الذي انتقل اليه وهل يعقل عنه الذين انتقل عن دينهم؟ على وجهين وإن قلنا لا يقر لم يعقل عنه أحد لأنه كالمرتد والمرتد لا يعقل عنه أحد لأنه ليس بمسلم فيعقل عنه المسلمون ولا ذمي فيعقل عنه أهل الذمة فتكون جنايته في ماله وكذلك كل من لا تحمل عاقلته جنايته يكون موجبها في ماله كسائر الجنايات التي لا تحملها العاقلة (مسألة) (ومن لا عاقلة له أو لم يكن له عاقلة تحمل الجميع فالدية أو باقيها عليه ان كان ذمياً) لأن بيت المال لا يعقل عنه وإن كان مسلماً ففيه روايتان (إحداهما) يؤدى عنه من بيت المال وهو مذهب الزهري والشافعي لأن النبي صلى الله عليه وسلم ودى الأنصاري الذي قتل بخيبر من بيت المال وروي ان رجلاً قتل في زحام في زمن عمر فلم يعرف قاتله فقال علي لعمر يا أمير المؤمنين لا يطل دم امرى مسلم فأدى ديته من بيت المال ولأن المسلمين يرثون من لا وارث

مسألة ومن لا عاقلة له أو لم يكن له عاقلة تحمل الجميع فالدية أو باقيها عليه ان كان ذميا

له فيعقلون عنه عدم عاقلته كعصباته ومواليه (والثانية) لا يجب ذلك لأن بيت المال فيه حق النساء والصبيان والمجانين والفقراء ومن لا عقل عليه فلا يجب صرفه فيما لا يجب عليهم ولأن العقل على العصبات وليس بيت المال عصبة ولا هو لعصبة هذا فأما قتيل الأنصار فغير لازم لأن ذلك قتيل اليهود وبيت المال لا يعقل عن الكفار بحال وانما النبي صلى الله عليه وسلم تفضل بذلك عليهم وقولهم إنهم يرثونه قلنا ليس صرفه الى بيت المال ميراثاً بل هو فبئ ولهذا يؤخذ مال من لا وارث له من أهل الذمة الى بيت المال ولا يرثه المسلمون ثم ان العقل لا يجب على الوارث إذا لم يكن عصبة ويجب على العصبة وإن لم يكن وارثاً فعلى الرواية الأولى إذا لم يكن له عاقلته أديت الدية كلها عنه من بيت المال وإن كان له عاقلة لا تحمل الجميع أخذ الباقي من بيت المال وهل يؤدى من بيت المال دفعة واحدة أو في ثلاث سنين؟ على وجهين (أحدهما) في ثلاث سنين كما يؤخذ من العاقلة (والثاني) يؤدى دفعة واحدة وهو الصحيح لأن النبي صلى الله عليه وسلم أدى دية الأنصاري دفعة واحدة وكذلك عمر ولأن الدية بدل متلف لا تؤديه العاقلة فيجب كله في الحال كسائر ابدال المتلفات وإنما أجل على العاقلة تخفيفاً عنهم ولا حاجة الى ذلك في بيت المال ولهذا يؤدى الجميع. (فصل) فإن لم يكن الأخذ من بيت المال فليس على القاتل شئ وهذا أحد قولي الشافعي ولأن الدية لزمت العاقلة ابتداء بدليل أنها لا يطالب بها غيرهم ولا يعتبر تحملهم ولا رضاهم ولا تجب على غير

من وجبت عليه كما لو عدم القاتل فإن الدية لا تجب على أحد كذا ههنا فعلى هذا إن وجد بعض العاقلة حملوا بقسطهم وسقط الباقي فلا يجب على أحد قال شيخنا ويحتمل أن تجب في مال القاتل اذا تعذر حملها عنه وهذا القول الثاني للشافعي لعموم قوله تعالى (ودية مسلمة) إلى أهله ولأن قضية الدليل وجوبها على الجاني جبراً للمحل الذي فوته وأنما سقط عن القاتل لقيام العاقلة مقامه في جبر المحل فإذا لم يوجد ذلك بقي واجباً عليه بمقتضى الدليل ولأن الأمر دائر بين ان يطل دم المقتول وبين ايجاب ديته على المتلف لا يجوز الأول لأن فيه مخالفة الكتاب والسنة وقياس أصول الشريعة فتعين الثاني ولأن إهدار الدم المضمون لا نظير له وايجاب الدية على قاتل الخطأ له نظائر وقد قالوا في المرتد تجب الدية في ماله لما لم يكن عاقلة والذمي الذي لا عاقلة له تلزمه الدية ومن رمى سهماً ثم أسلم أو كان مسلماً فارتد أو كان عليه الولاء لموالي امه فانجر الى موالي ابيه ثم اصاب سهمه انساناً فنقول قتيل في دار الإسلام معصوم تعذر حمل عاقلته عقله فوجب على قاتله كهذه الصور وهذا أولى من إهدار دماء الأحرار في غالب الأحوال فإنه لا يكاد يوجد عاقلة تحمل الدية كلها ولا سبيل إلى الأخذ من بيت المال فتضيع الدماء وتفوت حكمة ايجاب الدية قولهم إن الدية تجب على العاقلة عنه ابتداء ممنوع وانما تجب على القاتل ثم تحملها العاقلة وان سلمنا وجوبها عليهم ابتداء لكن مع وجودهم اما مع عدمهم فلا يمكن القول بوجوبها عليهم ثم ما ذكروه منقوض بما أبديناه من الصور فعلى هذا تجب الدية على القاتل إن تعذر حمل جميعها أو باقيها إن حملت العاقلة بعضها

(فصل) ولو رمى ذمي صيداً ثم أسلم ثم أصاب السهم آدمياً فقتله لم يعقله المسلمون لأنه لم يكن مسلماً حال رميه ولا المعاهدون لأنه قتل مسلماً فتكون الدية في مال الجاني وهكذا لو رمى وهو مسلم ثم ارتد ثم قتل السهم انساناً لم يعقله أحد ولو جرح ذمي ذمياً ثم أسلم الجارح ومات المجروح وكان ارش جراحه يزيد على الثلث فعقله على عصبته من أهل الذمة وما زاد على ارش الجرح لا يحمله احد ويكون في مال الجاني لما ذكرنا فإن لم يكن أرش الجرح مما تحمله العاقلة فجيمع الدية على الجاني وكذلك الحكم اذا جرح مسلم ثم ارتد ويحتمل ان تحمل العاقلة الدية كلها في المسئلتين لأن الجناية وجدت وهو ممن تحمل العاقلة جنايته ولهذا وجب القصاص في المسألة الأولى اذا قتله عمداً ويحتمل أن لا تحمل العاقلة شيئاً لأن الأرش انما يستقر باندمال الجرح وسرايته. (فصل) إذا تزوج عبد معتقه فاولدها أولاداً فولاؤهم لمولى أمهم فإن جنى أحدهم فالعقل على مولى أمه لأنه عصبته ووارثه فإن عتق ابوه ثم سرت الجناية أو رمى بسهم فلم يقع السهم حتى عتق ابوه لم يحمل عقله أحد لأن موالي الأم قد زال ولاؤهم عنه قبل قتله وموالي الأب لم يكن لهم عليه ولاء حال جنايته فتكون الدية عليه في ماله إلا أن يكون أرش الجرح مما تحمله العاقلة منفرداً فيخرج فيه مثل ما قلناه في المسألة التي قبلها. (مسألة) (ولا تحمل العاقلة عمدا ولا عبدا ولا صلحا ولا اعترافاً ولا ما دون ثلث الدية ويكون

مسألة ولا تحمل العاقلة عمدا ولا عبدا ولا صلحا ولا اعترافا ولا ما دون ثلث الدية ويكون ذلك في مال الجاني

ذلك في مال الجاني حالاً إلا غرة الجنين إذا مات مع أمه فإن العاقلة تحملها مع دية امه وإن ماتا منفردين لم تحملهما العاقلة لنقصهما عن الثلث) وجملة ذلك أن العاقلة لا تحمل العمد سواء كان مما يجب القصاص فيه او لا يجب ولا خلاف في أنها لا تحمل دية ما تجب فيه القصاص وأكثر أهل العلم على أنها لا تحمل العمد بحال وحكي عن مالك أنها تحمل الجنايات التي لا قصاص فيها كالمأمومة والجائفة وهذا قول قتادة لأنها جناية لا قصاص فيها فأشبهت جناية الخطأ ولنا ما روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا تحمل العاقلة عمدا ولا عبدا ولا صلحا ولا اعترافا " وروي عن ابن عباس موقوفاً ولم نعرف له في الصحابة مخالفاً فيكون إجماعاً ولأنها جناية عمد فلا تحملها العاقلة كالموجبة للقصاص وجناية الأب على ابنه ولأن حمل العاقلة انما يثبت في الخطأ لكون الجاني معذورا تخفيفاً عنه ومواساة له والعامد غير معذور فلا يستحق المواساة ولا التخفيف فلم يوجد فيه المقتضي وبهذا فارق العمد الخطأ ثم يبطل ما ذكروه بقتل الأب ابنه فإنه لا قصاص فيه ولا تحمله العاقلة (فصل) فإن اقتص بحديدة مسمومة فسرى الى النفس ففيه وجهان (أحدهما) تحمله العاقلة لأنه فسرى الى النفس ففيه وجهان (أحدهما) تحمله العاقلة لأنه ليس بعمد محض اشبه عمد الخطأ (والثانية) لا تحمله لأنه قتل بآلة يقتل مثلها غالباً فأشبه من له القصاص ولو وكل في استيفاء القصاص ثم عفى عنه فقتله الوكيل من غير علم بعفوه فقال القاضي لا تحمله العاقلة لأنه عمد قتله وقال أبو الخطاب تحمله لأنه لم يقصد الجناية ومثل هذا يعد خطأ بدليل ما لو قتل في

دار الحرب مسلماً يظنه حربياً فإنه عمد قتله وهو أحد نوعي الخطأ وهذا أصح ولأصحاب الشافعي وجهان كهذين (فصل) ولا تحمل العاقلة العبد يعني اذا قتل العبد قاتل وجبت قيمته في مال القاتل ولا شئ على عاقلته خطأ كان أو عمداً وهذا قول ابن عباس والشعبي والثوري ومكحول والنخعي والبتي ومالك والليث وابن أبي ليلى وإسحاق وأبي ثور وقال عطاء والزهري والحكم وحماد وأبو حنيفة تحمله العاقلة لأنه آدمي يجب بقتله القصاص والكفارة فحملت العاقلة بدله كالحر وعن الشافعي كالمذهبين ووافقنا أبو حنيفة في دية اطرافه ولنا حديث ابن عباس ولأن الواجب فيه قيمة تختلف باختلاف صفاته فلم تحمله العاقلة كسائر القيم ولأنه حيوان لا تحمل العاقلة دية أطرافه فلم تحمل الواجب في نفسه كالفرس (فصل) ولا تحمل الصلح ومعناه ان يدعى عليه القتل فينكره ويصالح المدعي على مال فلا تحمله العاقلة لأنه مال ثبت بمصالحته واختياره فلم تحمله العاقلة كالذي ثبت باعترافه وقال القاضي معناه أن يصالح الأولياء عن دم العمد الى الدية والتفسير الأول أولى لأن هذا عمد يستغنى عنه بذكر العمد وممن قال لا تحمل العاقلة الصلح ابن عباس والزهري والشعبي والثوري والليث والشافعي وقد ذكرنا حديث ابن عباس فيه ولأنه لو حملته العاقلة أدى الى أن يصالح بمال غيره ويوجب عليه حقاً بقوله

(فصل) ولا تحمل الاعتراف وهو ان يقر الإنسان على نفسه بقتل خطأ أو شبه عمد فتجب الدية عليه فلا تحمله العاقلة لا نعلم فيه خلافاً وبه قال ابن عباس والشعبي والحسن وعمر بن عبد العزيز والزهري والثوري ومالك والاوزاعي والشافعي واسحاق وأصحاب الرأي وقد ذكرنا حديث ابن عباس فيه ولأنه لو وجب عليهم لوجب باقرار غيرهم ولا يقبل اقرار شخص على غيره ولأنه متهم في أن يواطئ من يقر له بذلك ليأخذ الدية من عاقلته فيقاسمه اياها إذا ثبت هذا فإنه يلزمه ما اعترف به وتجب الدية عليه حالة في ماله في قول الأكثرين وقال أبو ثور وابن عبد الحكم لا يلزمه شئ ولا يصح إقراره لأنه مقر على غيره لا على نفسه لأنه لم يثبت موجب اقراره فكان باطلاً كما لو أقر على غيره بالقتل ولنا قوله تعالى (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله) ولأنه مقر على نفسه بالجناية الموجبة للمال فصح اقراره كما لو أقر باتلاف مال أو بما لا تحمل ديته العاقلة ولأنه محل مضمون فيضمن اذا اعترف به كسائر المحال وإنما سقطت عنه الدية في محل الوفاق لتحمل العاقلة لها فإذا لم تحملها وجبت عليه كجناية المرتد (فصل) ولا تحمل العاقلة ما دون الثلث وبهذا قال سعيد بن المسيب وعطاء ومالك وإسحاق وعبد العزيز بن أبي سلمة وقال الزهري لا تحمل الثلث ايضاً وقال الثوري وأبو حنيفة تحمل السن والموضحة وما فوقهما لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الغرة التي في الجنين على العاقلة وقيمتها نصف عشر الدية ولا تحمل

ما دون ذلك ولأنه ليس فيه أرش مقدر والصحيح عن الشافعي أنها تحمل القليل والكثير لأن من حمل الكثير حمل القليل كالجاني في العمد ولنا ما روى عن عمر رضي الله عنه أنه قضى في الدية ان لا يحمل منها شئ حتى تبلغ عقل المأمومة ولأن مقتضى الأصل وجوب الضمان على الجاني لأنه موجب جنايته وبدل متلفه فكان عليه كسائر الجنايات والمتلفات وإنما خولف في الثلث تخفيفاً عن الجاني لكونه كثيراً يجحف به قال النبي صلى الله عليه وسلم " الثلث كثير " ففيما دونه يبقى على قضية الأصل ومقتضى الدليل وهذا حجة على الزهري لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الثلث كثيراً فأما دية الجنين فلا تحملها العاقلة إلا إذا مات مع أمه من الضربة لكون ديتهما جميعا موجب جناية تزيد على الثلث وإن سلمنا وجوبها على العاقلة فلأنها دية آدمي كاملة (فصل) وتحمل العاقلة دية الطرف إذا بلغ الثلث وهو قول من سمينا في الفصل الذي قبل هذا وحكي عن الشافعي أنه قال في القديم لا تحمل ما دون الدية لأن ذلك يجري مجرى ضمان الأموال بدليل أنه لا يجب فيه كفارة ولنا قول عمر رضي الله عنه ولأن الواجب دية جناية على حر تزيد على الثلث فحملتها العاقلة كدية النفس ولأنه كثير يجب ضمانا لحر اشبه ما ذكرنا وما ذكروه يبطل بما إذا جنى على الأطراف بما يوجب الدية أو زيادة عليها

(فصل) وتحمل العاقلة دية المرأة بغير خلاف بينهم فيها وتحمل من جراحها ما يبلغ ارشه ثلث دية الرجل كدية أنفها، فأما ما دون ذلك كدية يدها فلا تحمله العاقلة وكذلك الحكم في دية الكتابي ولا تحمل دية المجوسي لأنها دون الثلث (مسألة) (وتحمل غرة الجنين) إذا مات مع أمه فإن العاقلة تحملها مع دية أمه نص عليه لأن ديتهما وجبت في حال واحدة بجناية واحدة مع زيادتهما على الثلث فحملتهما العاقلة كالدية الواحدة ولا تحملها إن مات منفرداً أو مات قبل موت أمه نص عليه أحمد لأنه دون الثلث (مسألة) (وتحمل جناية الخطأ عن الحر إذا بلغت الثلث) وحكي عن الشافعي لا تحمل ما دون الدية وقد ذكرناه وذكرنا دليله (مسألة) (قال أبو بكر ولا تحمل العاقلة شبه العمد ويكون في مال القاتل في ثلاث سنين) وهي رواية عن أحمد وبه قال ابن سيرين والزهري والحارث العكلي وابن شبرمة وقتادة وأبو ثور وهي على القاتل في ماله لأنها موجب فعل قصده فلم تحمله العاقلة كالعمد المحض، ولأنها دية مغلظة فأشبهت دية العمد وهكذا يجب أن يكون مذهب مالك لأن شبه العمد عنده من باب العمد (والثانية) تحملها العاقلة ذكرها الخرقي وهي ظاهر المذهب وبه قال الشعبي والنخعي والحكم والشافعي والثوري واسحاق وأصحاب

مسألة وقال ابو بكر ولا تحمل العاقلة شبه العمد ويكون في مال القاتل في ثلاث سنين

الرأي وابن المنذر لما روى أبو هريرة قال اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بدية المرأة على عاقلتها متفق عليه، ولأنه نوع قتل لا يوجب القصاص فوجبت ديته على العاقلة كالخطأ، ويخالف العمد المحض فإنه يغلظ من كل وجه لقصده الفعل وارادته القتل، وعمد الخطأ يغلظ من وجه وهو الأسنان وهو قصده الفعل ويخف من وجه وهو كونه لم يرد القتل فاقتضى تغليظها من وجه وهو الأسنان وتخفيفها من وجه وهو حمل العاقلة لها وتأجيلها ولا نعلم خلافاً بين أهل العلم في أنها تجب مؤجلة روى ذلك عن عمر وعلي وابن عباس، وبه قال الشعبي والنخعي وقتادة وعبيد الله بن عمر ومالك والشافعي واسحاق وأبو ثور وابن المنذر، وقد حكي عن قوم من الخوارج أنهم قالوا الدية حالة لأنها بدل متلف ولم ينقل الينا ذلك عمن يعد خلافه خلافاً والدية تخالف سائر المتلفات لأنها تجب على غير الجاني على سبيل المواساة له فاقتضت الحكمة تخفيفها عليهم وقد روي عن عمر وعلي رضي الله عنهما أنهما قضيا بالدية على العاقلة في ثلاث سنين ولا مخالف لهما في عصرهما فكان إجماعا (مسألة) (وما يحمله كل واحد من العاقلة غير مقدر لكن يرجع فيه إلى اجتهاد الحاكم فيحمل كل إنسان ما يسهل ولا يشق وجملة ذلك أنه لا خلاف بين أهل العلم في إن العاقلة لا تكلف من العقل ما يجحف بها ويشق عليها

مسألة وما يحمله كل واحد من العاقلة غير مقدر لكن يرجع فيه الى اجتهاد الحاكم فيحمل كل إنسان ما يسهل

لأنه لازم لها من غير جنايتها على سبيل المواساة للقاتل والتخفيف عنه فلا يخفف عن الجاني بما يثقل على غيره ويحجف به كالزكاة، ولأنه لو كان الاحجاف مشروعاً كان الجاني أحق به لأنه موجب جنايته وجزاء فعله فإذا لم يشرع في حقه ففي حق غيره أولى، واختلف أهل العلم فيما يحمله كل واحد منهم فقال أحمد يحملون على قد ما يطيقون فعلى هذا لا يتقدر شرعا وإنما يرجع فيه إلى اجتهاد الحاكم فيفرض على كل واحد قدراً يسهل ولا يؤذي وهذا مذهب مالك لأن التقدير لا يثبت إلا بتوقيف ولا يثبت بالرأي والتحكم ولا نص في هذه المسألة فوجب الرجوع فيها الى اجتهاد الحاكم كمقادير النفقات، وعن أحمد رواية أخرى أنه يفرض على الموسر نصف مثقال لأنه أقل ما يتقدر في الزكاة فكان معتبراً بها ويجب على المتوسط ربع مثقال لأن ما دون ذلك تافه لكون اليد لا تقطع فيه بدليل قول عائشة رضي الله عنها لا يقطع في الشئ التافه وما دون ربع دينار لا قطع فيه، وهذا اختيار أبي بكر ومذهب الشافعي وقال أبو حنيفة أكثر ما يجعل على الواحد أربعة دراهم وليس لا فله حد لأن ذلك يجب على سبيل المواساة للقرابة فلم يتقدر اقله كالنفقة قال ويسوى بين الغني والمتوسط لذلك، والصحيح الأول لما ذكرنا من أن التقدير انما يصار إليه بتوقيف فيه وانما يختلف بالغنى والتوسط كالزكاة والنفقة ولا يختلف بالبعد والقرب لذلك (مسألة) (واختلف القائلون بالتقدير بنصف دينار وربعه فقال بعضهم يتكرر الواجب في الأحوال الثلاثة فيكون الواجب على الغني فيها دينارا ونصفا وعلى المتوسط ثلاثة أرباع دينار)

مسألة: واختلف القائلون بالتقدير بنصف دينار وربعه فقال بعضهم: يتكرر الواجب في الأحوال الثلاثة، فيكون الواجب فيها دينارا ونصفا وعلى المتوسط ثلاثة أرباع دينار

لأنه حق يتعلق بالحول على سبيل المواساة فيتكرر بتكرر الحول كالزكاة وقال بعضهم لا يتكرر لأن في الإيجاب زيادة على النصف ايجاب الزيادة على أقل الزكاة فيكون مضرا، ويعتبر الغنى والتوسط عند رأس الحول لأنه حال الوجوب فاعتبر الحول عنده كالزكاة، وإن اجتمع من العاقلة في درجة واحدة عدد كثير قسم الواجب على جميعهم فيلزم الحاكم كل إنسان على حسب ما يراه وإن قل، وعلى الوجه الآخر يجعل على المتوسط نصف ما على الغني ويعم بذلك جميعهم وهو أحد قولي الشافعي وقال في الآخر يختص الحاكم من شاء منهم فيفرض عليهم هذا القدر الواجب لئلا ينقص عن القدر الواجب ويصير إلى الشئ التافه ولأنه يشق فربما أصاب كل واحد قيراط فيشق جمعه ولنا أنهم استووا في القرابة فكانوا سواء كما لو قلوا كالميراث وأما التعلق بمشقة الجمع فلا يصح لأن مشقة زيادة الواجب أعظم من الجمع ثم هذا تعلق بالحكمة من غير أصل يشهد لها فلا يترك لها الدليل ثم هي معارضة بحقه الواجب على كل واحد منهم وسهولة الواجب عليهم، ثم لا يخلو من أن يخص الحاكم بعضهم بالاجتهاد أو بغير اجتهاد فإن خصه بالاجتهاد ففيه مشقة عليه وربما لا يحصل له معرفة الأولى منهم بذلك فيتعذر الإيجاب وإن خصه بالتحكم أفضى إلى أنه يتخير بين أن يوجب على إنسان شيئا بشهوته من غير دليل وبين أن لا يوجب عليه ولا نظير له وربما ارتشى من بعضهم واتهم وربما امتنع من فرض عليه شئ من أدائه لكونه يرى مثله لا يؤدي شيئا مع التساوي من كل الوجوه (مسألة) (ويبدأ بالأقرب فالأقرب فمتى اتسعت أموال الأقربين لها لم يتجاوزهم وإلا ننقل الى من يليهم)

مسألة ويبدأ بالأقرب فالأقرب فمتى اتسعت أموال الأقربين لها لم يتجاوزهم وإلا ننقل الى من يليهم

وجملة ذلك أنه يبدأ في قسمة الدية بين العاقلة الاقرب فالأقرب فيقسم على الإخوة وبنيهم والأعمام وبنيهم ثم أعمام الأب ثم بنيهم ثم أعمام الجد ثم بنيهم كذلك أبداً حتى إذا انقرض الناسبون فعلى المولى المعتق ثم على عصباته ثم على مولى المولى ثم على عصباته الأقرب فالأقرب كالميراث سواء وان قلنا الآباء والأبناء من العاقلة بدئ بهم لأنهم أقرب ومتى اتسعت أموال قوم للعقل لم يعدهم الى من بعدهم لأنه حق يستحق بالتعصيب فقدم الأقرب فالأقرب كالميراث وولاية النكاح، وهل يقدم من يدلي بالأبوين على من يدلي بالأب؟ على وجهين (أحدهما) يقدم كالميراث وكتقديم الأخ على ابنه (والثاني) يستويان لأن ذلك يستفاد بالتعصيب ولا اثر لقرابة الأم في التعصيب والأول أولى إن شاء الله تعالى لأن قرابة الأم تؤثر في الترجيح والتقديم وقوة التعصيب لاجتماع القرابتين على وجه لا تنفرد كل واحدة بحكم وذلك لأن القرابتين تنقسم الى ما ينفرد كل واحدة منهما بحكم كابن العم اذا كان أخاً لأم فإنه يرث بكل واحدة من القرابتين ميراثاً منفرداً يرث السدس بالاخوة ويرث بالتعصب ببنوة العم، وحجب إحدى القرابتين لا يؤثر في حجب الأخرى فهذا لا يؤثر في قوة ولا ترجيح ولذلك لا يقدم ابن العم الذي هو اخ لأم على غيره، والى ما لا تنفرد كل واحدة منهما بحكم كابن العم من ابوين من ابن عم من اب لا تنفرد إحدى القرابتين بميراث عن الأخرى فتؤثر في الترجيح وقوة التعصيب ولذلك أثرث في التقديم في الميراث فكذلك في غيره، وبما ذكرنا قال الشافعي وقال أبو حنيفة يسوى بين القريب والبعيد ويقسم على جميهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل دية المقتولة على عصبة القاتلة ولنا أنه حكم تعلق بالتعصيب فوجب ان يقدم فيه الأقرب فالأقرب كالميراث والخبر لا حجة فيه لأننا نقسمه على الجماعة إذا لم يف به الأقرب فنحمله على ذلك

(مسألة) (وإن تساوى جماعة في القرب وزع القدر الذي يلزمهم بينهم) لأنهم استووا في القرابة المقتضية للعقل عنه فتساووا في حكمه كسائر الأحكام وقد ذكرنا ذلك في مسألة وما يحمله كل واحد من العاقلة غير مقدر (فصل) ولا يحمل العقل من لا يعرف نسبه من القاتل إلا أن يعلم أنهم من قوم يدخلون كلهم في العقل ومن لا يعرف ذلك منه لا يحمل وإن كان من قبيلته فلو كان القاتل قرشياً لم يلزم قريشاً كلهم التحمل فإن قريشاً وان كانوا كلهم يرجعون الى أب واحد إلا أن قبائلهم تفرقت وصار كل قوم ينتسبون الى اب يتميزون به فيقل عنهم من يشاركهم في نسبتهم الى الأب الأدنى، الا ترى أن الناس كلهم بنو آدم فهم راجعون الى أب واحد لكن إن كان من فخذ يعلم ان جميعهم يتحملون وجب ان يتحمل جميعهم سواء عرف احدهم أو لم يعرف للعلم بأنه متحمل على أي وجه كان وإن لم يثبت نسب القاتل من أحد فالدية في بيت المال لأن المسلمين يرثونه إذا لم يكن وارث بمعنى أنه يؤخذ ميراثه لبيت المال فلذلك يعقلونه على هذا الوجه فإن وجد له من يحمل بعض العقل فالباقي في بيت المال لذلك، فإن قيل فهذا ينتقض بالذمي الذي لا وارث له فإن ميراثه لبيت المال ولا يعقلون عنه، قلنا إنما لم يعقلون عنه لوجود المانع وهو اختلاف الدين ولذلك لا يعقله عصباته المسلمون

مسألة وإن تساوى جماعة في القرب وزع القدر الذي يلزمهم بينهم

(مسألة) (وما تحمله العاقلة يجب مؤجلاً في ثلاث سنين في كل سنة ثلثه ان كان دية كاملة) لا خلاف بين أهل العلم في أن دية الخطأ على العاقلة حكاه ابن المنذر وأنها مؤجلة في ثلاث سنين فإن عمر وعلياً رضي الله عنهما جعلا دية الخطأ على العاقلة في ثلاث سنين ولا نعرف لهم في الصحابة مخالفاً واتبعهم أهل العلم على ذلك لأنه مال يجب على سبيل المواساة فلم يجب حالاً كالزكاة ويجب في آخر كل حرل ثلثها ويعتبر ابتداء السنة من حين وجوب الدية وبهذا قال الشافعي، وقال أبو حنيفة ابتداؤها من حين حكم الحاكم لأنها مدة مختلف فيها فكان ابتداؤها من حين حكم الحاكم كمدة العنة ولنا أنه مال مؤجل فكان ابتداء أجله من حين وجوبه كالدين المؤجل والسلم ولا نسلم الخلاف فيها فإن الخوارج لا يعتد بخلافهم (مسألة) (وإن كان الواجب ثلث الدية وجب في رأس الحول الأول وإن كان نصفها كدية اليد وجب في رأس الحول الأول الثلث وباقيه في رأس الحول الثاني وإن كان دية امرأة أو كتابي فكذلك ويحتمل أن يقسم في ثلاث سنين، وإن كان أكثر من دية كما لو جنى عليه فأذهب سمعه وبصره لم يزد في كل حول على الثلث) . وجملة ذلك أن الواجب إذا كان دية كاملة فإنها تقسم في ثلاث سنين في كل سنة ثلثها سواء كانت دية النفس أو دية الطرف كدية جدع الأنف والأذنين، وإن كان دون الدية فان نظرنا فإن كان الثلث كدية المأمومة وجب في آخر السنة الأولى ولم يجب منه شئ حال لأن العاقلة لا تحمل حالاً وإن كان نصف الدية أو ثلثيها كدية المرأة دية المنخرين وجب الثلث في آخر السنة الأولى

مسألة وما تحمله العاقلة يجب مؤجلا في ثلاث سنين في كل سنة ثلثه ان كان دية كاملة

والباقي في آخر السنة الثانية، وإن كان أكثر من دية مثل ان ذهب سمع إنسان وبصره ففي كل سنة ثلث لأن الواجب لو كان دون الدية لم ينقص في السنة عن الثلث فكذلك لا يزيد عليه إذا زاد على الثلث، وإن كان الواجب بالجناية على اثنين وجب لكل واحد ثلث في كل سنة لأن كل واحد له دية فيستحق ثلثها كما لو انفرد حقه، وإن كان الواجب دون ثلث الدية كدية الأصبع لم تحمله العاقلة لأنها لا تحمل ما دون الثلث ويجب حالاً لأنه متلف لا تحمله فكان حالاً كالجناية على المال (مسألة) (فإن كانت الدية ناقصة كدية المرأة والكتابي ففيها وجهان) (أحدهما) تنقسم في ثلاث سنين بدل النفس فأشبهت الدية كاملة (والثاني) يجب منها في العام الأول قدر ثلث الدية الكاملة وباقيها في العام الثاني لأن هذه تنقص عن الدية فلم تنقسم في ثلاث سنين كأرش الطرف وهذا مذهب أبي حنيفة وللشافعي كالوجهين، فإن كانت الدية لا تبلغ ثلث الدية الكاملة كدية المجوسي وهي ثمانمائة درهم ودية الجنين وهي خمس من الإبل لم تحمله العاقلة لأنه ينقص عن الثلث فأشبه دية السن والموضحة إلا ان يقتل الجنين مع امه فتحمله العاقلة لأنها جناية واحدة وتكون دية الأم على الوجهين، فإن قلنا هي في عاملين كانت دية الجنين واجبة مع ثلث دية الأم في العام الأول لأنها دية أخرى ويحتمل أن يجب مع باقي دية الأم في العام الثاني وإن قلنا دية الأم في ثلاث سنين فهل تجب دية الجنين في ثلاثة أعوام أو لا؟ على وجهين فإذا قلنا بوجوبها في ثلاث سنين وجبت في السنين التي وجبت فيها دية الأم لأنهما ديتان لمستحقين فيجب في كل سنة ثلث ديتها وثلث ديته، ويحتمل أن تجب في ثلاث سنين أخرى لأن تلفهما موجب جناية واحدة

مسألة فإن كانت الدية ناقصة كدية المرأة والكتابي ففيها وجهان

(مسألة) (وابتداء الحول في الجرح من حين الاندمال وفي القتل من حين الموت وقال القاضي إن لم يسر الجرح إلى شئ فحوله من حين القطع) وجملة ذلك أنه إذا كان الواجب دية نفس فابتداء حولها من حين الموت سواء كان قتلا موجباً او عن سراية جرح وإن كان الواجب دية جرح نظرت فإن كان عن جرح اندمل من غير سراية مثل ان قطع يده فبرأت بعد مدة فابتداء المدة من حين القطع لأن تلك حالة الوجوب ولهذا لو قطع يده وهو ذمي فأسلم ثم اندملت وجب نصف دية يهودي وأما إن كان الجرح سارياً مثل أن قطع أصبعه فسرى ذلك الى كفه ثم اندمل فابتداء المدة من حين الاندمال لأنها إذا سرت فما استقر الأرش إلا من حين الاندمال هكذا ذكره القاضي وأصحاب الشافعي وقال أبو الخطاب تعتبر المدة من حين الاندمال فيهما لأن الأرش لا يستقر إلا بالاندمال فيها (مسألة) (ومن مات من العاقلة قبل الحول أو افتقر سقط ما عليه وإن مات بعد الحول لم يسقط ما عليه) من مات من العاقلة أو افتقر أو جن قبل الحول لم يلزمه شئ لا نعلم في هذا خلافاً لأنه مال يجب في آخر الحول على سبيل المواساة فأشبه الزكاة وإن كان ذلك بعد الحول لم يسقط الواجب وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة يسقط بالموت لأنه خرج عن أهلية الوجوب فأشبه ما لو مات قبل الحول ولنا أنه حق تدخله النيابة لا يملك إسقاطه في حياته فأشبه الديون وفارق ما قبل الحول لأنه لم يجب ولم يستمر الشرط الى حين الوجوب فأما إن كان فقيراً عند القتل فاستغنى عند الحول فقال القاضي يجب عليه لأنه وجد وقت الوجوب وهو من أهله وبخرج على هذا من كان صبياً

مسألة وابتداء الحول في الجرح من حين الاندمال وفي القتل من حين الموت وقال القاضي إن لم يسر الجرح الى

فبلغ أو مجنوناً فأفاق عند الحول وجب عليه لذلك ويحتمل أن لا يجب لأنه لم يكن من أهل الوجوب حالة السبب فلم يثبت الحكم فيه حالة الشرط كالكافر إذا ملك مالاً ثم أسلم عند الحول لم تلزمه الزكاة فيه (مسألة) (وعمد الصبي والمجنون خطأ تحمله العاقلة) لأنه لم يتحقق منه كمال القصد فتحلمه العاقلة كشبه العمد ولأنه قتل لا يوجب القصاص لأجل العذر فأشبه الخطأ وعنه في الصبي العاقل أن عمده في ماله وهو أحد قولي الشافعي لأنه عمد يجوز تأديبه عليه فأشبه القتل من البالغ والأول أولى وما ذكروه ينتقض بشبه العمد والله سبحانه وتعالى أعلم (باب كفارة القتل) من قتل نفساً محرمة خطأ او ما أجري مجرى الخطأ أو شارك فيها أو ضرب بطن امرأة فألقت جنيناً ميتاً أو حياً ثم مات فعليه الكفارة الأصل في كفارة القتل قوله تعالى (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة) الآية وأجمع أهل العلم على ان على القاتل خطأ كفارة سواء كان المقتول ذكراً أو انثى ويجب في قتل الصغير والكبير سواء باشره بالقتل او تسبب الى قتله بسبب تضمن به النفس كحفر البئر ونصب السكين وشهادة الزور وبهذا قال مالك والشافعي وقال أبو حنيفة لا تجب بالتسبب لأنه ليس بقتل ولأنه ضمن بدله بغير مباشرة القتل فلم تلزمه الكفارة كالعاقلة ولنا أنه كالمباشرة في الضمان فكان كالمباشرة في الكفارة ولأنه سبب لإتلاف الآدمي يتعلق به ضمان فتعلقت به الكفارة كما لو كان راكباً فأوطأ دابته إنساناً وقياسهم ينتقض بالأب إذا أكره إنساناً على قتل ابنه فإن الكفارة تجب عليه من غير مباشرة وفارق العاقلة فإنها تحمل من غيرها ولم يصدر منها قتل ولا تسبب إليه وقولهم ليس بقتل ممنوع قال القاضي ويلزم الشهود الكفارة سواء قالوا أخطأنا أو تعمدنا وهذا يدل على أن القتل بالسبب تجب به الكفارة بكل حال ولا يعتبر فيه الخطأ والعمد لأنه وان قصد القتل فهو جار مجرى الخطأ في أنه لا يجب به القصاص

مسألة وعمد الصبي والمجنون خطأ تحمله العاقلة

(مسألة) (ومن شارك في قتل يوجب الكفارة لزمته كفارة ويلزم كل واحد من شركائه كفارة) هذا قول أكثر أهل العلم منهم الحسن وعكرمة والنخعي والثوري ومالك والشافعي وأصحاب الرأي وعن أحمد أن على المشتركين كفارة واحدة حكاها أبو الخطاب وهو قول أبي ثور وحكي عن الأوزاعي وحكاه أبو علي الطبري عن الشافعي وأنكره سائر أصحابه واحتج لمن أوجب كفارة واحدة بقوله تعالى (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة) ومن تتناول الواحد والجماعة ولم يوجب إلا كفارة واحدة ودية، والدية لا تتعدد فكذلك الكفارة وإنها كفارة قتل فلم تتعدد بتعدد القاتلين إذا كان المقتول واحد ككفارة الصيد الحرمي ولنا أنها لا تتبعض وهي من موجب قتل الآدمي فكملت في حق كل واحد من المشتركين كالقصاص وتخالف كفارة الصيد فإنها تجب بدلاً ولهذا تجب في ابعاضه فكذلك الدية (مسألة) (ولو ضرب بطن امرأة فألقت جنيناً ميتاً أو حياً ثم مات فعليه الكفارة) تجب الكفارة بإلقاء الجنين الميت إذا كان من ضرب بطنها وبه قال الحسن وعطاء والزهري والنخعي والحكم ومالك والشافعي واسحاق وقال أبو حنيفة لا تجب وقد مضت هذه المسألة في دية الجنين (مسألة) (مسلماً كان المقتول أو كافراً حرا أو عبدا) تجب الكفارة بقتل الكافر المضمون سواء كان ذمياً أو مستأمناً وبهذا قال أكثر أهل العلم وقال الحسن ومالك لا كفارة فيه لقول الله تعالى (ومن قتل مؤمنا خطأ) فمفهومه انه لا كفارة في غير

مسألة مسلما كان المقتول أو كافرا حرا أو عبدا

ولنا قوله تعالى (وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة) والذمي له ميثاق وهذا منطوق يقدم على دليل الخطاب ولأنه آدمي مقتول ظلما فوجبت الكفارة بقتله كالمسلم (مسألة) (وتجب الكفارة بقتل العبد) وبه قال أبو حنيفة والشافعي وقال مالك لا تجب لأنه مضمون بالقيمة أشبه البهيمة ولنا عموم قوله تعالى (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة) ولأنه يجب القصاص بقتله فتجب الكفارة به كالحر ولأنه مؤمن فأشبه الحر ويفارق البهائم بذلك (مسألة) (وسواء كان القاتل كبيراً عاقلاً أو صبياً أو مجنوناً حرا أو عبدا) إذا كان القاتل صبياً أو مجنوناً وجبت الكفارة في أموالهما وكذلك الكافر تجب عليه الكفارة وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا كفارة على واحد منهم لأنها عبادة محضة تجب بالشرع فلا تجب على الصبي والمجنون والكافر كالصوم والصلاة وقياساً على كفارة اليمين ولنا أنه حق مالي يتعلق بالقتل فتعلقت بهم كالدية ويفارق الصوم والصلاة فإنهما عبادتان بدنيتان وهذه مالية أشبهت نفقة الأقارب وأما كفارة اليمين فلا تجب على الصبي والمجنون لأنها تتعلق بالقول ولا قول لهما وهذه تتعلق بالفعل وفعلهما متحقق قد أوجب الضمان عليهما ويتعلق بالفعل مالا يتعلق بالقول بدليل أن العتق يتعلق باحبالهما دون اعتاقهما بقولهما وأما الكافر فتجب عليه وتكون عقوبة له كالحدود والحر والعبد سواء لدخولهما في عموم الآية (مسألة) (ويكفر العبد بالصيام لأنه) لا مال له وقد ذكرنا كفارة العبد فيما مضى (فصل) ومن قتل في دار الحرب مسلماً يعتقده كافراً أو رمى الى صف الكفار فأصاب فيهم مسلماً فقتله فعليه كفارة لقوله تعالى (وإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة)

مسألة وتجب الكفارة بقتل العبد

(مسألة) (فأما القتل المباح كالقصاص والحد وقتل الباغي والصائل فلا كفارة فيه) وجملة ذلك أن كل قتل مباح لا كفارة فيه كقتل الحربي والباغي والزاني المحض والقتل قصاصاً وحداً لأنه قتل مأمور به والكفارة لا تجب لمحو المأمور به وأما الخطأ فلا يوصف بتحريم ولا إباحة لأنه كقتل المجنون والبهيمة لكن النفس الذاهبة به معصومة محرمة فلذلك وجبت الكفارة فيها وقال قوم الخطأ محرم لا إثم فيه وقيل ليس بمحرم لأن المحرم ما إثم فاعله. وقوله تعالى (وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ) هذا استثاء منقطع وإلا في موضع لكن والتقدير لكن قد يقتله خطأ وقيل إلا بمعنى ولا أي ولا خطأ وهذا يبعد لأن الخطأ لا يتوجه إليه النهي لعدم إمكان التحرز منه وكونه لا يدخل تحت الوسع ولأنها لو كانت بمعنى ولا لكانت عاطفة للخطأ على ما قبله وليس قبله ما يصلح عطفه عليه فأما قتل نساء أهل الحرب وصبيانهم فلا كفارة فيه لأنهم ليس لهم أيمان ولا أمان وإنما منع من قتلهم لانتفاع المسلمين بهم لكونهم يصيرون بالسبي رقيقاً ينتفع بهم وكذلك قتل من لم تبلغه الدعوة لا كفارة فيه لذلك ولذلك لم يضمنوا بشئ فاشبهوا من قتله مباح (فصل) ومن قتل نفسه خطأ وجبت الكفارة في ماله وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا تجب لأن ضمان نفسه لا يجب فلم تجب الكفارة به كقتل نساء أهل الحرب وصبيانهم ووجه الأول عموم قوله تعالى (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة) ولأنه آدمي مؤمن مقتول خطأ فوجبت الكفارة على قاتله كما لو قتله غيره قال شيخنا وقول أبي حنيفة أقرب الى الصواب إن شاء الله تعالى فإن عامر بن الأكوع قتل نفسه خطأ فلم بأمرالنبي صلى الله عليه وسلم فيه بكفارة فأما قوله تعالى (ومن قتل مؤمنا خطأ) فإنما

مسألة فأما قتل المباح كالقصاص والحد وقتل الباغي والصائل فلا كفارة فيه

أريد بها إذا قتل غيره بدليل قوله (ودية مسلمة إلى أهله) وقاتل نفسه لا تجب فيه دية بدليل قتل عامر بن الأكوع (مسألة) (وفي العمد وشبهه روايتان (إحداهما) لا كفارة فيه اختارها أبو بكر والقاضي والأخرى فيه الكفارة) المشهور في المذهب أنه لا كفارة في قتل العمد وبه قال مالك والثوري ومالك وأبو ثور وابن المنذر وأصحاب الرأي وعن أحمد رواية أخرى تجب فيه الكفاة وحكي ذلك عن الزهري وهو قول الشافعي لما روى واثلة بن الاسقع قال أتينا النبي صلى الله عليه وسلم بصاحب لنا قد أوجب بالقتل فقال " اعتقوا عنه رقبة يعتق الله بكل عضو منها عضواً منه من النار " ولأنها إذا وجبت في قتل الخطأ ففي العمد أولى لأنه أعظم جرماً وحاجته الى تكفير ذنبه أعظم ولنا مفهوم قوله تعالى (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة) ثم ذكر قتل العمد فلم يوجب فيه كفارة وجعل جزاءه جهنم فمفهومه أنه لا كفارة فيه وروي أن سويد بن الصامت قتل رجلاً فأوجب النبي صلى الله عليه وسلم القود ولم يوجب كفارة وعمرو بن أمية الضمري قتل رجلين كانا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فوداهما النبي صلى الله عليه وسلم ولم يأمره بكفارة ولأنه فعل يوجب القتل فلا يوجب كفارة كزنا المحصن وحديث واثلة يحتمل أنه كان خطأ وسماه موجباً أي فوت النفس بالقتل ويحتمل أنه كان شبه عمد ويحتمل أنه أمرهم بالإعتاق تبرعاً ولذلك أمر غير القاتل بالإعتاق وما ذكروه من المعنى لا يصح لأنها وجبت في الخطأ لتمحو إئمه لكونه لا يخلو من تفريط فلا يلزم من ذلك ايجابها في موضع عظم الإثم فيه بحيث لا يرتفع بها. إذا ثبت هذا فلا فرق بين العمد الموجب للقصاص وما لا قصاص فيه كقتل الوالد ولده والسيد عبده والحر العبد والمسلم الكافر لأن هذا من أنواع العمد

مسألة وفي العمد وشبهه روايتان

(فصل) فأما شبه العمد فقال شيخنا تجب فيه الكفارة ولم أعلم لأصحابنا فيه قولاً لكن مقتضى الدليل ما ذكرناه لأنه أجري مجرى الخطأ في نفي القصاص وحمل العاقلة ديته وتأجيلها في ثلاث سنين فجرى مجراه في وجوب الكفارة ولأن القاتل إنما لم يحمل شيئاً من الدية لتحمله الكفارة فلو لم تجب عليه الكفارة لحمل من الدية لئلا يخلو القاتل عن وجوب شئ أصلاً ولم يرد الشرع بهذا وقد ذكر في الكتاب المشروح رواية أنه كالعمد لأن ديته مغلظة وهي اختيار أبي بكر لأن عنده أن الدية فيه يحملها القاتل فقد اشبه العمد في ذلك فكان حكمه حكمه (فصل) وكفارة القتل عتق رقبة مؤمنة بنص القرآن سواء كان القاتل أو المقتول مسلماً أو كافراً النبي صلى الله عليه وسلم القود ولم يوجب كفارة وعمرو بن أمية الضمري قتل رجلين كانا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فوداهما النبي صلى الله عليه وسلم ولم يأمره بكفارة ولأنه فعل يوجب القتل فلا يوجب كفارة كزنا المحصن وحديث واثلة يحتمل أنه كان خطأ وسماه موجباً أي فوت النفس بالقتل ويحتمل أنه كان شبه عمد ويحتمل أنه أمرهم بالإعتاق تبرعاً ولذلك أمر غير القاتل بالإعتاق وما ذكروه من المعنى لا يصح لأنها وجبت في الخطأ لتمحو إئمه لكونه لا يخلو من تفريط فلا يلزم من ذلك ايجابها في موضع عظم الإثم فيه بحيث لا يرتفع بها. إذا ثبت هذا فلا فرق بين العمد الموجب للقصاص وما لا قصاص فيه كقتل الوالد ولده والسيد عبده والحر العبد والمسلم الكافر لأن هذا من أنواع العمد

(فصل) فأما شبه العمد فقال شيخنا تجب فيه الكفارة ولم أعلم لأصحابنا فيه قولاً لكن مقتضى الدليل ما ذكرناه لأنه أجري مجرى الخطأ في نفي القصاص وحمل العاقلة ديته وتأجيلها في ثلاث سنين فجرى مجراه في وجوب الكفارة ولأن القاتل إنما لم يحمل شيئاً من الدية لتحمله الكفارة فلو لم تجب عليه الكفارة لحمل من الدية لئلا يخلو القاتل عن وجوب شئ أصلاً ولم يرد الشرع بهذا وقد ذكر في الكتاب المشروح رواية أنه كالعمد لأن ديته مغلظة وهي اختيار أبي بكر لأن عنده أن الدية فيه يحملها القاتل فقد اشبه العمد في ذلك فكان حكمه حكمه (فصل) وكفارة القتل عتق رقبة مؤمنة بنص القرآن سواء كان القاتل أو المقتول مسلماً أو كافراً فإن لم يجدها في ملكه فاضلة عن حاجته أو يجد ثمنها فاضلاً عن كفايته فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وهذا ثابت بالنص أيضاً فإن لم يستطع ففيه روايتان (إحداهما) يثبت الصيام في ذمته ولا يجب شئ آخر لأن الله تعالى لم يذكره ولو وجب لذكره (والثانية) يجب إطعام ستين مسكيناً عند العجز عن الصوم ككفارة الظهار والفطر في رمضان وإن لم يكن مذكوراً في نص القرآن فقد ذكر في نظيره فيقاس عليه فعلى هذه الرواية إن عجز عن الإطعام ثبت في ذمته حتى يقدر عليه وللشافعي في هذا قولان كالروايتين والله أعلم (تم بحمد الله وعونه الجزء التاسع..)

بسم الله الرحمن الرحيم باب القسامة وهي الأيمان المكررة في دعوى القتل والقسامة مصدر أقسم قسامة ومعناه حلف حلفاً، والمراد بالقسامة ههنا الأيمان المكررة في دعوى القتل، وقال القاضي هي الأيمان اذا كثرت على وجه المبالغة، قال وأهل اللغة يذهبون الى أنها القوم الذين يحلفون سموا باسم المصدر كما يقال رجل عدل ورضى، وأي الأمرين كان فهو من القسم الذي هو الحلف، والأصل في القسامة ماروي عن سهل بن أبي حثمة ورافع بن خديج أن محيصة بن مسعود وعبد الله بن سهل انطلقا الى خيبر فتفرقا في النخيل فقتل عبد الله بن سهل فاتهموا اليهود فجاء أخوه عبد الرحمن وأبناء عمه حويصة ومحيصة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فتكلم عبد الرحمن في أمر أخيه وهو أصغرهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم (كبر الكبر) أو قال

باب القسامة

(ليبدأ الأكبر) فتكلما في أمر صاحبهما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يقسم خمسون منكم على رجل منهم فيدفع إليكم برمته) فقالوا أمر لم نشهده كيف نحلف؟ قال (فتبرئكم يهود بأيمان خمسين منهم) قالوا يا رسول الله قوم كفار ضلال قال فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبله قال سهل فدخلت مربداً لهم فركضتني ناقة من تلك الابل) متفق عليه (مسألة) (ولا يثبت إلا بشروط أربعة: أحدها دعوى القتل ذكراً كان المقتول أو أنثى حراً أو عبداً مسلماً أو ذمياً وأما الجراح فلا قسامة فيها) دعوى القتل شرط في القسامة ولا تسمع الدعوى إلا محررة بأن يقول ادعي أن هذا قتل وليي فلان ابن فلان عمداً أو خطأ أو شبه عمد، ويصف القتل فان كان عمداً قال قصد اليه بسيف أو بما يقتل مثله غالباً. فان كانت الدعوى على واحد فأقر ثبت القتل فإن أنكر وثم بينة حكم بها وإلا صار الأمر الى الأيمان، وإن كانت الدعوى على أكثر من واحد لم يخل من أربعة أحوال (أحدها) أن يقول قتله هذا وهذا تعمد قتله، ويصف العمد بصفته فيقال له عين واحداً فان القسامة الموجبة للقود لا تكون على أكثر من واحد (الحال الثاني) أن يقول تعمد هذا وهذا كان خاطئاً فهو يدعي قتلا غير. موجب للقود فيقسم عليهما ويأخذ نصف الدية من مال العامد ونصفها من مال الخاطئ (الحال الثالث) أن يقول عمد هذا ولا أدري أكان قتل الثاني عمداً أو خطأ فقيل لا تسوغ القسامة

مسألة: ولا يثبت إلا بشروط أربعة: أحدها دعوى القتل ذكرا كان المقتول أو أنثى، حرا أو عبدا مسلما أو ذميا، وأما الجراح فلا قسامة فيها

ههنا لأنه يحتمل أن يكون الآخر مخطئاً فيكون موجبها الدية عليهما ويحتمل أن يكون عامداً فلا يسوغ ههنا ويجب تعيين واحد والقسامة عليه فيكون موجبها القود فلم تجز القسامة مع هذا، فان عاد فقال علمت أن الآخر كان عامدا فله أن يعين واجدا ويقسم عليه، وإن قال كان مخطئاً ثبتت القسامة حينئذ ويسئل الآخر فان أنكر ثبتت القسامة وإن أقر ثبت عليه القتل ويكون عليه نصف الدية في ماله لأنه ثبت باقراره لا بالقسامة، وقال القاضي يكون على عاقلته والأول أصح لأن العاقلة لا تحمل اعترافا (الحال الرابع) أن يقول قتلاه خطأ أو شبه عمدا أو أحدهما خاطئا والآخر شبهه العمد فله أن يقسم عليهما، فإن ادعى أنه قتل وليه عمداً فسئل عن تفسيره العمد ففسره بعمد الخطأ قبل تفسيره وأقسم على ما فسره به لأنه أخطأ في وصف القتل بالعمدية، ونقل المزني عن الشافعي لا يحلف عليه لأنه بدعوى العمد برأ العاقلة فلم تسمع دعواه بعد ذلك ما يوجب عليهم المال ولنا أن دعواه قد تحررت وإنما غلط في تسمية شبه العمد عمداً وهذا مما يشتبه فلا يؤاخذ به ولو أحلفه الحاكم قبل تحرير الدعوى وتبيين نوع القتل لم يعتد باليمين لأن الدعوى لا تسمع غير محررة فكأنه أحلفه قبل الدعوى ولأنه إنما يحلفه ليوجب له ما يستحقه فاذا لم يعلم ما يستحقه بدعواه لم يحصل المقصود باليمين فلم يصح (فصل) قال القاضي يجوز للأولياء أن يقسموا على القاتل اذا غلب على ظنهم أنه قتله وإن كانوا

غائبين عن مكان القتل لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للأنصار (تحلفون وتستحقون دم صاحبكم) وكانوا بالمدينة والقتل بخيبر، ولأن للانسان أن يحلف على غالب ظنه كما ان من اشترى من إنسان شيئاً فجاء آخر يدعيه جاز أن يحلف أنه لا يستحقه لأن الظاهر أنه ملك الذي باعه وكذلك اذا وجد شيئاً بخطه أو خط أبيه ودفتره جاز أن يحلف، وكذلك إذا باع شيئاً لم يعلم فيه عيباً فادعى عليه المشتري أنه معيب وأراد رده كان له أن يحلف أنه باعه بريئاً من العيب، ولا ينبغي أن يحلف المدعي إلا بعد الاستثبات وغلبة ظن يقارب اليقين، وينبغي للحاكم أن يقول لهم اتقوا الله واستثبتوا ويعظهم ويحذرهم ويقرأ عليهم (إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا) ويعرفهم ما في اليمين الكاذبة وظلم البرئ وقتل النفس بغير الحق ويعرفهم ان عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة وهذا كله مذهب الشافعي (مسألة) (وسواء كان المقتول ذكراً أو أنثى حراً أو عبداً مسلماً أو ذمياً) أما إذا كان المقتول مسلماً حراً فليس فيه اختلاف سواء كان المدعى عليه مسلماً أو كافراً فان الأصل في القسامة قصة عبد الله بن سهل حين قتل بخيبر فاتهم اليهود بقتله فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالقسامة وأما إن كان المقتول كافراً أو عبداً وكان قاتله ممن يجب عليه القصاص بقتله وهو المماثل له في حالة أو دونه ففيه القسامة، وهذا قول الشافعي وأصحاب الرأي، وقال الزهري والثوري ومالك والاوزاعي لا قسامة في العبد لأنه مال فلم تجب القسامة فيه كالبهيمة

ولنا أنه قتل موجب للقصاص فأوجب القسامة كقتل الحر بخلاف البهيمة فانه لا قصاص فيها ويقسم على العبد سيده لأنه المستحق لدمه، وأم الود والمدبر والمكاتب والمعلق عتقه بصفة كالقن لأن الرق ثابت فيهم، فإن كان القاتل ممن لا قصاص عليه كالمسلم يقتل كافراً والحر يقتل عبداً فلا قسامة فيه في ظاهر قول الخرقي وهو قول مالك لأن القسامة إنما تكون فيما يوجب القود وقال القاضي فيها القسامة وهو قول الشافعي وأصحاب الرأي لأنه قتل آدمي يوجب الكفارة فشرعت القسامة فيه كقتل الحر المسلم، ولأن ما كان حجة في قتل الحر المسلم كان حجة في قتل العبد والكافر كالبينة، ووجه قول الخرقي أنه قتل لا يوجب القصاص فأشبه قتل البهيمة ولا يلزم من شرعها فيما يوجب القصاص شرعها مع عدمه بدليل أن العبد لو اتهم بقتل سيده وجبت القسامة إذا كان القتل موجباً للقصاص ذكره القاضي لأنه لا يجوز قتله قبل ذلك ولو لم يكن موجباً للقصاص لم تشرع القسامة (فصل) وان قتل عبد المكاتب فللمكاتب أن يقسم على الجاني لأنه مالك العبد يملك التصرف فيه وفي بدله وليس لسيده انتزاعه منه وله شراؤه منه، ولو اشترى المأذون له في التجارة عبداً فقتل فالقسامة لسيده دونه لأن ما اشتراه المأذون يملكه سيده دونه ولهذا يملك انتزاعه منه، وإن عجز المكاتب قبل أن يقسم فلسيده أن يقسم لأنه صاو المستحق لبدل المقتول بمنزلة ورثة الحر إذا مات قبل أن يقسم، ولو ملك السيد عبده أو أم ولده عبداً فقتل فالقسامة للسيد سواء قلنا يملك العبد

مسألة: وسواء كان المقتول ذكرا أو أنثى حرا أو عبدا مسلما أو ذميا

بالتمليك أولا يملك لأنه إن لم يملك فالملك لسيده وإن ملك فهو ملك غير ثابت ولهذا يملك سيده انتزاعه منه ولا يجوز له التصرف بغير إذن سيده بخلاف المكاتب، وإن أوصى لأم ولده ببدل العبد صحت الوصية وإن كان لم يجب بعد كما تصح الوصية بثمرة لم تخلق والقسامة للورثة لأنهم القائمون مقام الموصي في إثبات حقوقه فإذا حلفوا ثبت لها البدل بالوصية فإن لم يحلفوا لم يكن لها أن تحلف كما اذا امتنع الورثة باليمين مع الشاهد لم يكن للغرماء أن يحلفوا معه (فصل) والمحجور عليه لسفه أو فلس كغير المحجور عليه في دعوى القتل والدعوى عليه لأنه إذا أقر بمال أو لزمته الدية بالنكول عن اليمين لم تلزمه في حال حجره لأن اقراره بالمال في الحال غير مقبول بالنسبة الى أخذ شئ من ماله في الحال على ما عرف في موضعه (فصل) ولو جرح مسلم فارتد فمات على الردة فلا قسامة فيه لأن نفسه غير مضمونة ولا قسامة فيما دون النفس ولأن ماله يصير فيأ والفئ ليس له مستحق معين فتثبت القسامة له، وإن مات مسلماً فارتد وارثه قبل القسامة فقال أبو بكر ليس له أن يقسم وإن أقسم لم يصح لأن ملكه يزول عن ماله وحقوقه فلا يبقى مستحقاً للقسامة وهذا قول المزني ولأن المرتد قد أقدم على الكفر الذي لا ذنب أعظم منه فلا يستحق بيمينه دم مسلم ولا يثبت بها قتل، وقال القاضي الأولى أن تعرض عليه القسامة فان أقسم وجبت الدية وهذا قول الشافعي لأن استحقاق المال بالقسامة حق له فلا يبطل

بردته كاكتساب المال بوجوه الاكتساب وكفره لا يمنع يمينه لأن الكافر تصح يمينه ويعرض عليه في الدعاوى فإن حلف ثبت القصاص أو الدية، فإن عاد إلى الإسلام كان له وإن مات كان فيئاً والصحيح إن شاء الله ما قاله أبو بكر لأن مال المرتد إما أن يكون ملكه قد زال عنه واما موقوف وحقوق المال حكمها حكمه، فإن قلنا يزول ملكه فلا حق له وإن قلنا هو موقوف فهو قبل انكشاف حاله مشكوك فيه فلا يثبت الحكم بشئ مشكوك فيه كيف وقتل المسلم أمر كبير لا يثبت مع الشبهات ولا يستوفى مع الشك؟ فأما إن ارتد قبل موت مورثه لم يكن وارثاً ولا حق له وتكون القسامة لغيره من الوارث فإن لم يكن للميت وارث سواه فلا قسامة فيه لما ذكرنا، فإن عاد إلى الإسلام قبل قسامة غيره فقياس المذهب أنه يدخل في القسامة لأنه متى رجع قبل قسم الميراث قسم له. وقال القاضي لا تعود القاسمة اليه لأنها استحقت على غيره وإن ارتد رجل فقتل عبده أو قتل عبده ثم ارتد فهل له أن يقسم؟ عل وجهين بناء على الاختلاف المتقدم فإن عاد إلى الإسلام عادت القسامة لأنه يستحق بدل العبد (مسألة) (فأما الجراح فلا قسامة فيها) لا قسامة فيما دون النفس من الأطراف والجراح لا نعلم فيه خلافا بين أهل العلم وبه قال مالك وأبو حنيفة والشافعي لأن القسامة تثبت في النفس لحرمتها فاختصت بها دون الأطراف كالكفارة

ولأنها تثبت حيث كان المجني عليه لا يمكنه التعبير عن نفسه وتعيين قاتله ومن قطع طرفه يمكنه ذلك وحكم الدعوى فيه حكم الدعوى في سائر الحقوق، والبينه على المدعي واليمين على المنكر يميناً واحدة لأنها دعوى لا قسامة فيها فلا تغلظ بالعدد كالدعوى في المال (الثاني) اللوث وهو العداوة الظاهرة كنحو ما كان بين الأنصار وأهل خيبر وكما بين القبائل التي يطلب بعضها بعضاً بثأر في ظار المذهب، اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في اللوث فروي عنه أن العداوة الظاهرة بين المقتول والمدعى عليه كنحو ما كان بين الأنصار ويهود خيبر وما بين القبائل والأحياء وأهل القرى الذين بينهم الدماء والحروب وما بين البغاة وأهل العدل وما بين الشرطة واللصوص وكل من بينه وبين المقتول ضغن يغلب على الظن أنه قتله نقل مهنا عن أحمد فيمن وجد قتيلاً في المسجد الحرام ينظر من بينه وبينه في حياته شئ يعني ضغناً يؤخذون به ولم يذكر القاضي في اللوث غير العداوة الا أنه قد قال في الفريقين يقتتلان فينكشفون عن قتيل فاللوث على الطائفة التي القتيل من غيرها سواء كان القتال بالتحام أو مراماة بالسهام وان لم تبلغ السهام فاللوث على طائفة القتيل إذا ثبت هذا فانه لا يشترط مع العداوة أن لا يكون في الموضع الذي به القتيل غير العدو نص عليه أحمد في رواية مهنا التي ذكرناها وكلام الخرقي يدل عليه أيضاً واشترط القاضي أن يوجد القتيل في موضع عدو

لا يختلط بهم غيرهم وهذا مذهب الشافعي لأن الأنصاري قتل في خيبر ولم يكن بها الا اليهود وجميعهم أعداء ولأنه متى اختلط بهم غيرهم احتمل أن يكون القاتل ذلك الغير ثم ناقض قوله فقال في قوم ازدحموا في مضيق فافترقوا عن قتيل فقال إن كان في القوم من بينه وبينه عداوة وأمكن أن يكون هو قتله لكونه بقربه فهو لوث فجعل العداوة لوثاً مع وجود غير العدو ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسأل الأنصار هل كان بخيبر غير اليهود أم لا؟ مع أن الظاهر وجود غيرهم فيها لأنها كانت أملاكاً للمسلمين يقصدونها لأخذ غلات أملاكهم منها وعمارتها والاطلاع عليها والامتيار منها ويبعد أن تكون مدينة على جادة تخلو من غير أهلها وقول الأنصار ليس لنا بخيبر عدو إلا اليهود يدل على أنها قد كان بها غيرهم ممن ليس بعدو ولأن اشتراكهم في العداوة لا يمنع من وجود اللوث في حق واحد وتخصيصه بالدعوى مع مشاركة غيره في احتمال قتله فلأن لا يمنع ذلك وجود من يبعد منه القتل أولى وما ذكروه من الاحتمال لا ينفي اللوث فان اللوث لا يشترط فيه يقين القتل من المدعى عليه فلا ينافيه الاحتمال ولو تيقن القتل من المدعى عليه لما احتيح إلى الأيمان ولو اشترط نفي الاحتمال لما صحت الدعوى على واحد من جماعة لاحتمال أن القاتل غيره ولا على الجماعة كلهم لأنه يحتمل أن لا يشترك الجميع في قتله والرواية الثانية عن أحمد أن اللوث ما يغلب على الظن صدق المدعي ذلك من وجوه

مسألة: فأما الجراح فلا قسامة فيها

(أحدها) العداوة المذكورة (الثاني) أن يتفرق جماعة عن قتيل فيكون ذلك لوثاً في حق كل واحد منهم فإن ادعى الولي على واحد فأنكر كونه مع المجاعة فالقول قوله مع يمينه ذكره القاضي وهو مذهب الشافعي لأن الأصل عدم ذلك إلا أن يثبت ببينة (الثالث) أن يزدحم الناس في مضيق فيوجد بينهم قتيل فظاهر كلام أحمد أن هذا ليس بلوث فإنه قال فيمن مات من الزحام يوم الجمعة: فديته في بيت المال وهذا قول إسحاق وروي ذلك عن عمر وعلي فان سعيداً روى في سننه عن ابراهيم قال قتل رجل في زحام الناس بعرفة فجاء أهله الى عمر فقال: بينتكم على من قتله فقال علي يا أمير المؤمنين لا تطل دم امرئ مسلم إن علمت قاتله وإلا فأعط ديته من بيت المال وقال أحمد فيمن وجد مقتولاً في المسجد الحرام ينظر من كان بينه وبينه شئ في حياته يعني عداوة فلم يجعل الحضور لوثاً وإنما جعل اللوث العداوة وقال الحسن والزهري فيمن مات في الزحام ديته على من حضر لأن قتله حصل منهم، وقال مالك دمه هدر لأنه لا يعلم له قاتل ولا وجد لوث فيحكم بالقسامة فيه وقد روي عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب اليه في رجل وجد قتيلا ولم يعرف قاتله فكتب اليهم إن من القضايا قضايا لا يحكم فيها الافي الدار الآخر ة وهذا منها (الرابع) أن يوجد قتيل لا يوجد بقربه إلا رجل معه سيف أو سكين ملطخ بدم ولا يوجد غيره ممن يغلب على الظن قتله مثل أن يرى رجلاً هارباً يحتمل أنه قاتل أو سبعاً يحتمل ذلك فيه

(الخامس) أن تقتتل فئتان فيفترقون عن قتيل من إحداهما فاللوث على الأخرى. ذكره القاضي فان كانوا بحيث لا يصل سهام بعضهم بعضاً فاللوث على طائفة القتيل وهذا قول الشافعي، وروى عن أحمد أن عقل القتيل على الذين نازعوهم فيما إذا اقتتلت الفئتان إلا أن يدعوا على واحد بعينه وهذا قول مالك. وقال ابن أبي ليلى: عقله على الفريقين جميعاً لأنه يجتمل أنه مات من فعل أصحابه فاستوى الجميع فيه وعن أحمد في قوم اقتتلوا فقتل بعضهم وجرح بعضهم: فدية المقتولين على المجروحين يسقط منه دية الجراح وإن كان فيهم من لا جرح فيه فهل عليه من الديات شئ على وجهين ذكرهما ابن حامد (السادس) أن يشهد بالقتل عبيد ونساء ففيه عن أحمد روايتان (إحداهما) أنه لوث لأنه يغلب على الظن صدق المدعي فأشبه العداوة (والثانية) ليس بلوث لأنها شهادة مردودة فلم تكن لوثا كما لو شهد به كفار وإن شهد به فساق أو صبيان ففيه وجهان (أحدهما) ليس بلوث لأنه لا يتعلق بشهادتهم حكم فلا يثبت اللوث بها كشهادة الأطفال والمجانين (والثاني) يثبت بها اللوث لأنها شهادة فغلب على الظن صدق المدعي فأشبه شهادة النساء والعبيد وقول الصبيان معتبر في الأدب في دخول الدار وقبول الهدية ونحوها وهذا مذهب الشافعي. ويعتبر أن يجئ الصبيان متفرقين لئلا يتطرق إليهم التواطؤ على الكذب. فهذه الوجوه قد ذكر عن أحمد أنها لوث لأنها تغلب على الظن صدق المدعي أشبهت العداوة. وروي أن هذا ليس بلوث وهو ظاهر كلامه في الذي قتل في الزحام

لأن اللوث إنما يثبت بالعداوة بقضية الأنصاري القتيل بخيبر ولا يجوز القياس عليها لأن الحكم ثبت بالمظنة ولا يجوز القياس على المظان لأن الحكم إنما يتعدى بتعدي سببه والقياس بالمظان جمع بمجرد الحكمة وغلبة الظنون والحكم والظنون تختلف ولا تأتلف وتنخبط ولا تنضبط وتختلف باختلاف القرائن والأحوال والأشخاص فلا يمكن ربط الحكم بها ولا تعديته بتعديها ولأنه يعتبر في التعدية والقياس التساوي بين الأصل والفرع والمقتضي ولا سبيل إلى تغير التساوي بين الظنين مع كثرة الاحتمالات وترددها. فعلى هذه الرواية حكم هذه الصور حكم غيرها مما لا لوث فيه (فصل) وإن شهد رجلان على رجل أنه قتل أحد هذين القتيلين لم تثبت هذه الشهادة ولم يكن لوثاً عند أحد علمنا قوله وإن شهدا أن هذا القتيل قتله أحد هذين الرجلين أو شهد أحدهما أن هذا قتله وشهد الآخر أنه أقر بقتله أو شهد أحدهما أنه قتله بسيف وشهد الآخر أنه قتله بسكين لم تكمل الشهادة ولم يكن لوثاً. هذا قول القاضي واختياره. والمنصوص عن أحمد فيما إذا شهد أحدهما بقتله والآخر بالاقرار بقتله أنه يثبت القتل واختار أبو بكر ثبوت القتل ههنا وفيما إذا شهد أحدهما أنه قتله بسيف وشهد الآخر أنه قتله بسكين لأنهما اتفقا على القتل واختلفا في صفته وقال الشافعي هو لوث في هذه الصورة في أحد القولين وفي الصورتين اللتين قبلها هو لوث لأنها شهادة يغلب على الظن صدق المدعي أشبهت شهادة النساء والعبيد. ولنا انها شهادة مردودة للاختلاف فيها فلم تكن لوثاً كالصورة الأولى

(فصل) وليس من شرط اللوث أن يكون بالقتيل أثر وبهذا قال مالك والشافعي. وعن أحمد أنه شرط وهذا قول حماد وأبي حنيفة والثوري لأنه إذا لم يكن به أثر احتمل أنه مات حتف أنفه ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسأل الأنصار هل كان بقتيلهم أثر أو لا؟ ولأن القتل يحصل بما لا أثر له كغم الوجه والخنق وعصر الخصيتين وضربة الفؤاد فأشبه من به أثر، وم به أثر قد يموت حتف أنفه لسقطته أو صرعته أو يقتل نفسه. فعلى قول من اعتبر الأثر ان خرج الدم من أذنه فهو لوث لأنه لا يكون إلا لخنق أو أمر أصيب به، وإن خرج من أنفه فهل يكون لوثاً على وجهين (مسألة) (فأما قول القتيل فلان قتلني فليس بلوث) هذا قول أكثر أهل العلم منهم الثوري والاوزاعي وأصحاب الرأي. وقال مالك والليث هو لوث لأن قتيل بني اسرائيل قال قتلني فلان فكان حجة. ويروى هذا القول عن عبد الملك بن مروان ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (لو يعطى الناس بدعواهم لا دعى، قوم دماء رجال وأموالهم) ولأنه يدعي حقاً لنفسه فلم يقبل قوله كما لو لم يمت، ولأنه خصم فلم تكن دعواه لوثاً كالولي فأما قتيل بني اسرائيل فلا حجة فيه فإنه لا قسامة فيه فإن ذلك كان من آيات الله ومعجزات نبيه موسى عليه السلام حيث أحياه الله تعالى بعد موته وانطقه بقدرته بما اختلفوا فيه ولم يكن الله تعالى لينطقه بالكذب بخلاف الحي ولا سبيل إلى مثل هذا اليوم، ثم ذاك في تبرئة المتهمين فلا يجوز تعديته الى تهمة البريئين

(مسألة) (ومتى ادعى القتل مع عدم اللوث عمداً فقال الخرقي لا يحكم له بيمين ولاغيرها وعن أحمد أنه يحلف يميناً واحدة وهي الأولى. وإن كان خطأ حلف يميناً واحدة) إذا ادعى القتل مع عدم اللوث لم يخل من حالين (أحدهما) إذا وجد قتيل في موضع فادعى أولياؤه قتله على رجل أو جماعة ولم يكن بينهم عداوة ولا لوث فهي كسائر الدعاوى إن كانت لهم بينة حكم لهم بها وإلا فالقول قول المنكر وبهذا قال مالك والشافعي وابن المنذر. وقال أبو حنيفة وأصحابه: اذا ادعى اولياؤه قتله على أهل المحلة أو على معين فللولي أن يختار من الموضع خمسين رجلا يحلفون خمسين يميناً والله ما قتلناه ولا علمنا قاتله فإذا نقصوا عن الخمسين كررت الأيمان عليهم حتى تتم فاذا حلفوا وجبت الدية على باقي الخطة فإن لم يكن وجبت على سكان الموضع فإن لم يحلفوا حبسوا حتى يحلفوا أو يقروا لما روي أن رجلا وجد قتيلا بين حيين فحلفهم عمر رضي الله عنه خمسين يميناً وقضى بالدية على أقربهما يعني أقرب الحيين فقالوا: والله ما وقت أيماننا أموالنا ولا أموالنا ايماننا. فقال عمر حقنتم بأموالكم دماءكم ولنا حديث عبد الله بن سهل وقول النبي صلى الله عليه وسلم (لو يعطى الناس بدعواهم لادعى قوم دماء قوم وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه) رواه مسلم وقول النبي صلى الله عليه وسلم (البينة على المدعي واليمين على من أنكر) ولأن المدعى عليه الأصل براءة ذمته ولم يظهر كذبه فكان القول قوله كسائر الدعاوى

مسألة: فأما قول القتيل فلان قتلني فليس بلوث

ولأنه مدعى عليه فلم تلزمه اليمين والغرم كسائر الدعاوى وقول النبي صلى الله عليه وسلم أولى من قول عمر وأحق بالاتباع. ثم قضية عمر يحتمل أنهم اعترفوا بالقتل خطأ وأنكروا العمد فأحلفوا على العمد ثم أنهم لا يعلمون بخبر النبي صلى الله عليه وسلم المخالف للاصول وقد صاروا ههنا إلى ظاهر قول عمر المخالف للأصول وهو إيجاب الأيمان على غير المدعى عليه وإلزامهم الغرم مع عدم الدعوى عليهم والجمع بين تحليفهم وتغريمهم وحبسهم على الأيمان قال إبن المنذر: سن النبي صلى الله عليه وسلم البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه وسن القسامة في القتيل الذي وجد بخيبر، وقول أصحاب الرأي خارج عن هذه السنن (فصل) ولا تسمع الدعوى على غير معين فلو كانت الدعوى على أهل مدينة أو محلة أو واحد غير معين أو جماعة منهم بغير أعيانهم لم تسمع وبهذا قال الشافعي وقال أصحاب الرأي تسمع ويستحلف خمسون منهم لأن الأنصار ادعوا القتل على يهود خيبر ولم يعينوا القاتل فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم دعواهم ولنا أنها دعوى في حق فلم تسمع على غير معين كسائر الدعاوى فأما الخبر فأن دعوى الأنصار التي سمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تكن الدعوى التي بين الخصمين المختلف فيها فان تلك من شرطها حضور المدعى عليه عليه عندهم أو تعذر حضوره عندنا وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم إن الدعوى لا تصح إلا على واحد بقوله (تقسمون على رجل منهم فيدفع إليكم برمته) وفي هذا بيان أن الدعوى لا تصح على غير معين

مسألة: ومتى ادعى القتل مع عدم اللوث عمدا، فقال الخرقي: لا يحكم له بيمين ولا غيرها، وعن أحمد أنه يحلف يمينا واحدة وهي الأولى، وإن كان خطأ حلف يمينا واحدة

[فصل] فأما ادعى القتل من غير وجود قتل ولا عداوة فهي كسائر الدعاوى في اشتراط تعيين المدعى عليه وإن القول قوله لا نعلم فيه خلافاً (الحال الثاني) أنه إذا ادعى القتل ولم يكن عداوة ولا لوث فإنه لا يحكم على المدعى عليه بيمين ولا بشئ في إحدى الروايتين ويخلى سبيله هذا الذي ذكره الخرقي، سواء كانت الدعوى خطأ أو عمداً لأنها دعوى فيما لا يجوز بذله فلم يستحلف فيها كالحدود، ولأنه لا يقضى في هذه الدعوى بالنكول فلم يحلف فيها كالحدود (والثانية) يستحلف وبه قال الشافعي وهو الصحيح لعموم قوله عليه السلام (اليمين على المدعي عليه) وقوله عليه السلام (لو يعطى الناس بدعواهم لادعى قوم دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه) رواه مسلم ظاهر في ايجاب اليمين ههنا لوجهين (أحدهما) عموم اللفظ فيه (والثاني) أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكره في صدر الخبر بقوله (لا دعى قوم دماء رجال واموالهم - ثم عقبه بقوله - ولكن اليمين على المدعى عليه) فيعود الى المدعى عليه المذكور في الحديث، ولايجوز اخراجه منه الا بدليل أقوى منه، ولأنها دعوى في حق آدمي فيستحلف كدعوى المال ولأنها دعوى لو أقر بها لم يقبل رجوعه عنها فيجب اليمين فيها كالأصل المذكور. إذا ثبت هذا فالمشروع يمين واحدة وعن أحمد أنه يشرع خمسون يميناً لأنها دعوى في القتل فيشرع فيها خمسون يميناً كما لو كان بينهم لوث وللشافعي فيها كالروايتين

ولنا أن قوله عليه الصلاة والسلام (ولكن اليمين على المدعى عليه) ظاهر في أنها يمين واحدة لوجهين (أحدهما) أنه وحد اليمين فينصرف الى واحدة (الثاني) أنه لم يفرق في اليمين المشروعة في الدم والمال ولأنها يمين يعضدها الظاهر والأصل فلم تغلظ كسائر الأيمان، ولأنها يمين مشروعة في جنبة المنكر ابتداء فلم تغلظ بالتكرير كسائر الأيمان وبهذا فارق ما ذكروه (فصل) فان نكل المدعى عليه عن اليمين لم يجب القصاص بغير خلاف في المذهب، وقال أصحاب الشافعي إن نكل المدعى عليه ردت اليمين على المدعي فحلف خمسين يميناً واستحق القصاص أو الدية ان كانت الدعوى عمداً موجباً للقتل لأن يمين المدعي مع نكول المدعى عليه كالبينة أو الاقرار والقصاص يجب بكل واحد منهما ولنا أن القتل يثبت ببينة ولا اقرار ولم يعضده لوث فلم يجب القصاص كما لو لم ينكل ولا يصح الحاق الأيمان مع النكول ببينة ولا اقرار لأنها أضعف منها بدليل انها لاتشرع الاعند عدمهما فتكون بدلا عنهما والبدل أضعف من المبدل ولا يلزم من ثبوت الحكم بالاقوى ثبوته بالاضعف ولا يلزم من وجوب الدية وجوب القصاص لأنه لا يثبت بشهادة النساء مع الرجال ولا بالشاهد واليمين ويحتاط له ويدرأ بالشبهات والدية بخلافه، فأما الدية فتثبت بالنكول عند من يثبت المال به أو يرد اليمين على المدعي

فيحلف يمينا واحدة ويستحقها كما لو كانت الدعوى في مال وسواء كانت الدعوى عمداً أو خطأ فان العمد متى تعذر ايجاب القصاص فيه وجب به المال وتكون الدعوى ههنا كسائر الدعاوى والله علم (الثالث) اتفاق الأولياء في الدعوى فإن ادعى بعضهم وأنكر بعض لم تثبت القسامة) من شرط ثبوت القسامة اتفاق الأولياء على الدعوى فان كذب بعضهم بعضاً فقال أحدهم قتله هذا وقال الآخر لم يقتله هذا أو قال بل قتله هذا الآخر لم تثبت القسامة نص عليه أحمد، وسواء كان المكذب عدلاً أو فاسقاً، وعن الشافعي أن القسامة لا تبطل بتكذيب الفاسق لأن قوله غير مقبول ولنا أنه مقر على نفسه بتبرئة من ادعى عليه أخوه فقبل كما لو ادعيا ديناً لهما وإنما لا يقبل قوله على غيره وأما على نفسه فهو كالعدل لأنه لا يتهم في حقها، فأما إن لم يكذبه ولم يوافقه في الدعوى مثل أن قال أحدهما قتله هذا وقال الآخر لا نعلم قاتله فظاهر قوله ههنا أن القسامة لا تثبت وهو ظاهر كلام الخرقي لاشتراط دعاء الأولياء على واحد وهذا قول مالك، وكذلك إن كان أحد الوليين غائباً فادعى الحاضر دون الغائب أو ادعيا جميعا على واحد ونكل أحدهما عن الأيمان لم يثبت القتل في قياس قول الخرقي، ومقتضى قول أبي بكر والقاضي ثبوت القسامة وكذلك مذهب الشافعي لأن أحدهما لم يكذب الآخر فلم تبطل القسامة كما لو كان أحد الوارثين امرأة أو صغيراً، فعلى قولهم يحلف المدعي خمسين يميناً ويستحق نصف الدية لأن الأيمان ههنا بمنزلة البينة لا يثبت

شئ من الحق إلا بعد كمال البينة فأشبه ما لو أدعى أحدهما ديناً لأبيهما فانه لا يستحق نصيبه من الدين إلا أن يقيم بينة كاملة ولنا أنهما لم يتفقا في الدعوى فلم تثبت القسامة كما لو كذبه ولأن الحق في محل الوفاق إنما ثبت بأيمانهما التي أقيمت مقام البينة ولا يجوز أن يقوم أحدهما مقام الآخر في الأيمان كما في سائر الدعاوى فعلى هذا إن قدم الغائب فوافق أخاه أو عاد من لم يعلم فقال قد عرفنه هو الذي عينه أخي أقسما حينئذ وإن قال أحدهما قتله هذا وقال الآخر قتله هذا وفلان فعلى قول الخرقي لا تثبت القسامة لأنها لا تكون إلاعلى واحد وعلى قول غيره يحلفان على من اتفقا عليه ويستحقان نصف الدية ولا يجب القود لأنه إنما يجب في الدعوى على واحد ويحلفان جميعاً على هذا الذي اتفقا عليه على حسب دعواهما ويستحقان نصف الدية ولا يجب أكثر من نصف الدية لأن أحدهما يكذب الآخر في النصف الآخر فبقي اللوث في حقه في نصف الدم الذي اتفقا عليه ولم يثبت في النصف الذي كذبه أخوه فيه، ولا يحلف الآخر على الآخر لأن أخاه كذبه في دعواه عليه، وإن قال أحدهما قتل أبي زيد وآخر لاأعرفه وقال الآخر قتله عمرو وآخر لا أعرفه لم تثبت القسامة في ظاهر قول الخرقي لأنها لا تكون إلا على واحد ولأنهما ما اتفقا في الدعوى على أحد ولا يمكن أن يحلفا على من لم يتفقا على الدعوى عليه والحق إنما يثبت في محل الوفاق بايمان الجميع فكيف يثبت في الفرع بيامان البعض؟ وقال أبو بكر والقاضي تثبت القسامة وهذا مذهب الشافعي لأنه ليس ههنا تكذيب فإنه يجوز أن يكون الذي جهله كل واحد منهما

هو الذي عرفه أخوه فيحلف كل واحد منهما على الذي عينه خمسين يميناً ويستحق ربع الدية وان عاد كل واحد منهما فقال قد عرفت الذي جهلته وهو الذي عينه أخي حلف أيضاً على الذي حلف عليه أخوه وأخذ منه ربع الدية، ويحلف خمسا وعشرين يمينا لأنه يبني على أيمان أخيه فلم يلزمه أكثر من خمس وعشرين كما لو عرفه ابتداء، وفيه وجه آخر يحلف خمسين لأن أخاه حلف خمسين يمينا، وللشافعي في هذا قولان كالوجهين، ويجئ في المسألة وجه آخر أن الأول لا يحلف أكثر من خمس وعشرين يميناً لأنه إنما يحلف على ما يستحقه والذي يستحقه النصف فيكون عليه نصف الأيمان كما لو حلف أخوه معه، وإن قال كل واحد منهما الذي كنت جهلته غير الذي عينه أخي بطلت القسامة التي أقسماها لأن التكذيب يقدح في اللوث فيرد كل واحد منهما ما أخذ من الدية، وإن كذب أحدهما اخاه ولم يكذبه الآخر بطلت قسامة المكذب دون الذي لم يكذب (فصل) إذا قال الولي بعد القسامة غلطت ما هذا الذي قتله، أو ظلمته بدعواي القتل عليه أو قال كان هذا المدعى عليه في بلد آخر يوم قتل وليي وكان بينهما بعد ولا يمكنه أن يقتله إذا كان فيه بطلت القسامة ولزمه رد ما أخذه لأنه مقر على نفسه فقبل إقراره، وإن قال ما أخذته حرام سئل عن ذلك فإن قال أردت انني كذبت في دعواي عليه بطلت قسامته أيضاً، فإن قال أردت أن الأيمان تكون في جنبة المدعي عليه كمذهب أبي حنيفة لم تبطل القسامة لأنها تثبت باجتهاد الحاكم فيقدم على اجتهاده، وإن قال هذا مغصوب وأقر بمن غصبه منه لزمه رده عليه ولا يقبل قوله على من

أخذ منه لأن الانسان لا يقبل إقراره على غيره وإن لم يقر به لأحد لم ترفع يده عنه لأنه لم يتعين مستحقه وإن اختلفا في مراده فالقول قوله لأنه أعرف بقصده (فصل) وإن أقام المدعي عليه بينة أنه كان يوم القتل في بلد بعيد من بلد المقتول لا يمكن مجيئه منه اليه في يوم واحد بطلت الدعوى، وإن قالت البينة نشهد أن فلاناً لم يقتله لم تسمع هذه الشهادة لأنه نفي مجرد، فان قالا ما قتله فلان بل قتله فلان سمعت لأنها شهدت باثبات ضتمن النفي فسمعت كما لو قالت ما قتله فلان لأنه كان يوم القتل في بلد بعيد (فصل) فإن جاء انسان فقال ما قتله المدعى عليه بل أنا قتلته فكذبه الولي لم تبطل دعواه وله القسامة ولا يلزمه رد الدية وإن كان أخذها لأنه قول واحد ولا يلزم المقر شئ لأنه أقر لمن يكذبه وان صدقه الولي أو طالبه بموجب القتل لزمه رد ما أخذ وبطلت دعواه على الأول لأن ذلك جرى مجرى الاقرار ببطلان الدعوى وهل له مطالبة المقر؟ فيه وجهان (أحدهما) له مطالبته لأنه أقر له بحق فملك مطالبته به كسائر حقوق (والثاني) ليس له مطالبته لأن دعواه على الاول انفراده بالقتل ابراء لغيره فلا يملك مطالبة من أبرأه والمنصوص عن أحمد أنه يسقط القود عنهما وله مطالبة الثاني بالدية فإنه قال في رجل شهد عليه شاهدان بالقتل فأخذ ليقاد منه فقام رجل فقال ما قتله هذا أنا قتلته فالقود يسقط عنهما والدية على الثاني، ووجه ذلك ما روى أن رجلاً

ذبح رجلاً في خربة وتركه وهرب وكان قصاب يذبح شاة وأراد ذبح أخرى فهربت منه الى الخربة فتبعها حتى وقف على القتيل والسكين بيده عليها الدم فأخذ على تلك الحال وجئ به الى عمر فأمر بقتله، فقال القاتل في نفسه يا ويله قتلت نفسا ويقتل بسبي آخر فقام فقال أنا قتلته لم يقتله هذا فقال عمر: إن كان قد قتل نفساً فقد أحيا نفساً، ودرأ عنه القصاص، ولأن الدعوى على الأول شبهة في درء القصاص عن الثاني وتجب الدية عليه لا قراره بالقتل الموجب لها، وهذا القول أصح وأعدل مع شهادة الأثر بصحته (الرابع) أن يكون في المدعين رجال عقلاء ولا مدخل للنساء والصبيان والمجانين في القسامة عمداً كان القتل او خطأ أما الصبيان فلا خلاف بين أهل العلم أنهم لا يقسمون سواء كانوا من الأولياء أو مدعى عليهم لأن الأيمان حجة على الحالف والصبي لا يثبت بقوله حجة، ولو أقر على نفسه لم يقبل فلأن لا يقبل قوله في حق غيره أولى، والمجنون في معناه لأنه غير مكلف فلا حكم لقوله وأما النساء فاذا كن من أهل القتيل لم يستحلفن وبهذا قال ربيعة والثوري والليث والاوزاعي، وقال مالك لهن مدخل في قسامة الخطأ دون العمد. قال ابن القاسم: ولا يقسم في العمد إلا اثنان فصاعداً كما أنه لا يقتل إلا بشاهدين، وقال الشافعي يقسم كل وارث بالغ لأنها يمين في دعوى فتشرع في حق النساء كسائر الأيمان

ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (يقسم خمسون رجلاً منكم ويستحقون دم صاحبكم) ولأنها حجة يثبت بها قتل العمد فلم تسمع من النساء كالشهادة، ولأن الجناية المدعاة التي تجب القسامة عليها هي القتل ولا مدخل للنساء في إثباته وإنما يثبت المال ضمناً، فجرى ذلك مجرى رجل ادعى زوجية امرأة بعد موتها ليرثها فإن ذلك لا يثبت بشاهد ويمين ولا بشهادة رجل وامرأتين وإن كان مقصودها المال، فأما إن كانت المرأة مدعى عليها القتل فان قلنا انه يقسم من العصبة رجال لم تقسم المرأة أيضاً لأن ذلك مختص بالرجال، وإن قلنا يقسم المدعى عليه فينبغي أن تستحلف لأنها لا تثبت بقولها حقاً ولا قتلاً وانما هي كتبرئتها منه فتشرع في حقها اليمين كما لو لم يكن لوث، فعلى هذا إذا كان في الأولياء نساء ورجال أقسم الرجال وسقط حكم النساء، وإن كان منهم صبيان ورجال بالغون أو كان منهم حاضرون وغائبون فان القسامة لا تثبت حتى يحضر الغائب ويبلغ الصبي لأن الحق لا يثبت الا بالبينة الكاملة، والبينة أيمان الأولياء كلهم والأيمان لا تدخلها النيابة ولأن الحق إن كان قصاصاً فلا يمكن تبعيضه فلا فائدة في قسامة الحاضر والبالغ، وإن كان غيره فلا يثبت إلا بواسطة ثبوت القتل وهو لا يتبعض أيضاً، وقال القاضي إن كان القتل عمدا لم يقسم الكبير حتى يبلغ الصغير ولا الحاضر حتى يقدم الغائب لأن حلف الكبير الحاضر لا يفيد شيئاً في الحال، وإن كان موجباً للمال كالخطأ وشبه العمد فللحاضر المكلف أن يحلف ويستحق قسطه من الدية وهذا قول

أبي بكر ومذهب الشافعي، واختلفوا في كم يقسم الحاضر؟ فقال ابن حامد يقسم بقسطه من الأيمان وان كان الاولياء اثنين أقسم الحاضر خمسة وعشرين يمينا، وإن كانوا ثلاثة أقسم سبع عشرة يميناً، وإن كانوا أربعة أقسم ثلاث عشرة يميناً وكلما قدم غائب أقسم بقدر ما عليه واستوفى حقه لأنه لو كان الجميع حاضرين لم يلزمه أكثر من قسطه فكذلك إذا غاب بعضهم كما في سائر الحقوق ولأنه لا يستحق أكثر من قسطه من الدية فلا يلزمه أكثر من قسطه من الأيمان وقال أبو بكر يحلف الأول خمسين يمينا وهو قول الشافعي لأن الحكم لا يثبت إلا بالبينة الكاملة والبينة هي الأيمان كلها، وكذلك لو أدعى أحدهما ديناً لابيهما لم يستحق نصيبه منه إلا بالبينة المثبتة لجميعه ولأن الخمسين في القسامة كاليمين الواحدة في سائر الحقوق، ولو ادعى مالا له فيه شركة له به شاهد يحلف يميناً كاملة فاذا قدم الثاني أقسم خمسا وعشرين يمينا وجها واحداً عند أبي بكر لأنه يبني على أيمان أخيه المتقدمة وقال الشافعي فيه قول آخر يحلف خمسين يمينا أيضا لأن أخاه إنما استحق بخمسين فكذلك هو، وحكي ذلك عن ابي بكر والقاضي أيضاً فاذا قدم ثالث وبلغ فعلى قول أبي بكر يحلف سبع عشرة يميناً لأنه يبني على أيمان أخويه وكذلك على أحد قولي الشافعي وعلى الثاني يقسم خمسين يمينا وان قدم رابع فهل يحلف ثلاثة عشر يميناً أو خمسين؟ فيه قولان

مسألة: وذكر الخرقي من شروط القسامة أن تكون الدعوى عمدا يوجب القصاص إذا ثبت القتل وأن تكون الدعوى على واحد

(فصل) والخنثى المشكل يحتمل أن يقسم لأن سبب القسامة وجد في حقه وهو الاستحقاق من الدية ولم يتحقق المانع من يمينه ويحتمل أن لا يقسم لأنه لا يحمل من العقل فلا يثبت القتل بيمينه كالمرأة (مسألة) (وذكر الخرقي من شروط القسامة أن تكون الدعوى عمداً يوجب القصاص إذا ثبت القتل وأن تكون الدعوى على واحد) لا يختلف المذهب أنه لا يستحق بالقسامة أكثر من قتل واحد وبهذا قال الزهري ومالك وبعض أصحاب الشافعي وقال بعضهم يستحق بها قتل الجماعة لأنها بينة موجبة للقود فاستوى فيها الواحد والجماعة كالبينة وقول أبي ثور نحو هذا ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (يقسم خمسون منكم على رجل منهم فيدفع إليكم برمته) فخص بها الواحد ولأنها بينة ضعيفة خولف بها الأصول في قتل الواحد فيقتصر عليه ويبقى على الأصل فيما عداه وبيان مخالفة الأصل بها أنها تثبت باللوث واللوث شبهة مغلبة على الظن صدق المدعي والقود يسقط بالشبهات فكيف يثبت بها؟ ولأن الايمان ثبتت ابتداء في سائر الدعاوي في جانب المدعى عليه وهذه بخلافه وبيان ضعفها أنها تثبت بقول المدعي ويمينه مع التهمة في حقه والشك في صدقه وقيام العداوة المانعة من صحة الشهادة عليه في اثبات حق لغيره فلأن يمنع من قبول قوله وحده في إثبات حق له أولى وأحرى وفارق البينة فانها قويت بالعدد وعدالة الشهود وانتفاء التهمة في حقهم من الجهتين في كونهم لا يثبتون لأنفسهم حقاً ولا نفعاً

فلا يدفعون عنها ضرراً ولا عداوة بينهم وبين المشهود عليه ولهذا يثبت بها سائر الحقوق والحدود التي تنتفي بالشبهات. إذا ثبت هذا فلا قسامة فيما لا قود فيه في قول الخرقي فيطرد قوله في أن القسامة لا تسوغ إلا في حق واحد، وعند غيره من أصحابنا أن القسامة تجري فيما لاقود فيه فيجوز أن يقسموا على جماعة وهذا قول مالك والشافعي فعلى هذا إذا ادعى على رجلين على أحدهما لوث دون الآخر حلف على من عليه اللوث خمسين يميناً واستحق الدية عليه وحلف على الآخر يمينا واحدة وبرئ، وإن نكل عن اليمين فعليه نصف الدية وإن ادعى على ثلاثة عليهم لوث ولم يحضر إلا أحدهم حلف على الحاضر منهم خمسين يميناً واستحق ثلث الدية فإذا حضر الثاني ففيه وجهان (أحدهما) يحلف عليه خمسين يميناً أيضاً ويستحق ثلث الدية لأن الحق لا يثبت على احد الرجلين الا بما يثبت على صاحبه كالبينة فانه يحتاج الى اقامة البينة الكاملة على الثاني كاقامتها على الأول (والثاني) يحلف عليه خمساً وعشرين يميناً لأنهما لو حضرا معاً لحلف عليهما خمسيناً حصة كل واحد منهما خمس وعشرون وهذا الوجه ضعيف فان اليمين لا تقسم عليهم إذا حضروا ولو حلف على كل واحد منفرداً حصته من الأيمان لم يصح ولم يثبت له حق وإنما الأيمان عليهم جميعهم وتتناولهم

تناولاً واحداً ولأنها لو قسمت عليهم بالحصص لوجب أن لا يقسم على الأول أكثر من سبع عشرة يميناً وإن قيل إنما حلف بقدر حصته وحصة الثالث فينبغي أن يحلف أربعاً وثلاثين يميناً، واذا قدم الثالث ففيه وجهان (أصحهما) يحلف عليه خمسين يميناً ويستحق ثلث الدية (والآخر) يحلف سبع عشرة يميناً وإن حضروا جميعاً حلف عليهم خمسين يميناً واستحق الدية عليهم أثلاثاً وهذا التفريع يدل على اشتراط حضور المدعى عليه وقت الأيمان وذلك أنها أقيمت مقام البينة فاشترط حضور من أقيمت عليه كالبينة وكذلك إن ردت الأيمان على المدعى عليهم اشترط حضور المدعين وقت حلف المدعى عليهم لأن الأيمان له عليهم فيعتبر رضاه بها وحضوره إلا أن يوكل وكيلاً فيقوم مقام الموكل (فصل) ويبدأ في القسامة بأيمان المدعين فيحلفون خمسين يميناً، الكلام في هذا الفصل في أمرين (أحدهما) أن الأيمان تشرع في حق المدعين أولاً فيحلفون خمسين يميناً على المدعى عليه أنه قتلهم ويثبت حقهم فان لم يحلفوا حلف المدعى عليه خمسين يميناً وبرئ وهذا قول يحيى بن

سعيد وربيعة وأبي الزناد والليث ومالك والشافعي وقال الحسن يستحلف المدعى عليهم أولاً خمسين يمينا ويبرءون فان أبوا أن يحلفوا استحلف خمسين من المدعين أن حقنا قبلكم ثم يعطون الدية لقول النبي صلى الله عليه وسلم (ولكن اليمين على المدعى عليه) رواه مسلم، وفي لفظ (البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه) رواه الشافعي في مسنده وروى أبو داود باسناده عن سليمان بن يسار عن رجال من الانصار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ليهود وبدأ بهم (يحلف منكم خمسون رجلا) فأبوا فقال للانصار (استحقوا) قالوا نحلف على الغيب يارسول الله فجعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم على اليهود ابتداء ولأنه وجد بين أظهرهم ولأنها يمين في دعوى فوجبت في جانب المدعى عليه ابتداء كسائر الدعاوى، وقال الشعبي والنخعي والثوري وأصحاب الرأي يستحلف خمسون رجلا من أهل المحلة التي وجد فيها القتيل بالله ما قتلنا ولا علمنا قاتلا ويغرمون الدية لقضاء عمر رضي الله عنه بذلك ولم نعرف له في الصحابة مخالفا فكان إجماعا وتكلموا في حديث سهل بما روى أبو داود عن محمد بن ابراهيم بن الحارث التيمي عن عبد الرحمن بن بجيد بن قنطى أحد بني حارثة قال ابن ابراهيم ويم الله ماكان سهل بأعلم منه ولكنه كان أسن منه قال والله ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (احلفوا على ما لا علم لكم به) ولكنه كتب الى يهود حين كلمته الأنصار أنه وجد

بين أبنائكم قتيل فدوه فكتبوا يحلفون بالله ما قتلوه ولا يعلمون له قاتلاً فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده ولنا حديث سهل وهو صحيح متفق عليه، ورواه مالك في موطئه وعمل به وما عارضه من الحديث لا يصح لوجوه (أحدها) انه نفي فلا يرد به قول المثبت (والثاني) أن سهلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم شاهد القصة وعرفها حتى انه قال: ركضتني ناقة من الابل والآخر يقول برأيه وظنه من غير أن يرويه عن أحد ولا حضر القصة (والثالث) أن حديثنا مخرج في الصحيحين وحديثهم بخلافه (الرابع) أنهم لا يعلمون بحديثهم ولا حديثنا فكيف يحتجون بما هو حجة عليهم فيما خالفوه

فيه؟ وحديث سليمان بن يسار عن رجال من الانصار لم يذكر لهم صحبة فهو أدنى حالا من حديث محمد ابن ابرايهم وقد خالف الحديثين جميعاً فكيف يجوز أن يعتمد عليه وحديث اليمين على المدعي عليه لم يرد به هذه القضية لأنه يدل على أن الناس لا يعطون بدعواهم وههنا قد أعطوا بدعواهم على أن حديثنا أخص منه فيجب تقديمه وهو حجة عليهم لكون المدعين أعطوا بمجرد دعواهم من غير بينة ولا يمين منهم وقد رواه ابن عبد البر بإسناده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (البينة على المدعي واليمين على من أنكر إلا في القسامة) وهذه الزيادة يتعين العمل بها لأن الزيادة

من الثقة مقبولة ولأنها أيمان مكررة فيبدأ فيها بأيمان المدعين كاللعان. إذا ثبت هذا فإن أيمان القسامة خمسون على ما جاءت به الأحاديث الصحيحة. وأجمع عليه أهل العلم لا نعلم احدا خالف فيه (الامر الثاني) أن الايمان تختص بالوارث دون غيرهم هذا ظاهر المذهب وظاهر قول الخرقي واختيار ابن حامد وهو قول الشافعي لأنها يمين في دعوى حق فلا تشرع في حق غير المتداعيين كسائر الأيمان فعلى هذه الرواية يقسم بين الورثة من الرجال من ذوي الفروض والعصبات على قدر ارثهم إن كانوا جماعة وإن كان واحداً حلفها فإن انقسمت من غير كسر مثل أن يخلف المقتول

ابنين أو أخا وزوجا حلف كل واحد منهم خمساً وعشرين يمينا، وإن كان فيها كسر جبر عليهم مثل زوج وابن يحلف الزوج ثلاثة عشر يميناً والابن ثمانية وثلاثين يميناً لأن تكميل الخمسين واجب ولا يمكن تبعيض اليمين ولا حمل بعضهم لها عن بعض فوجب تكميل اليمين المنكسرة في حق كل واحد منهم فان كانوا ثلاثة بنين أو جداً وأخوين جبر الكسر فحلف كل واحد سبع عشرة يميناً، وإن خلف أخا من أب وأخا من أم فعلى الأخ من الأم سدس الأيمان ثم يجبر الكسر فيكون عليه تسع أيمان وعلى الأخ من الأب اثنان وأربعون وهذا أحد قولي الشافعي، وقال في الآخر يحلف كل

واحد من المدعين خمسين يميناً سواء تساووا في الميراث أو اختلفوا فيه لأن ما حلفه الواحد إذا انفرد حلفه كل واحد من الجماعة كاليمين الواحدة في سائر الدعاوي وعن مالك أنه قال ينظر إلى من عليه أكثر اليمين فيجبر عليه ويسقط عن الآخر ولنا على أن الخمسين تقسم بينهم قول النبي صلى الله عليه وسلم للانصاريين (تحلفون خمسين يميناً وتستحقون دم صاحبكم) وأكثر ماروي عنه في الأيمان خمسون ولو حلف كل واحد خمسين لكانت مائة ومائتين وهذا خلاف النص، ولأنها حجة للمدعين فلم تزد على ما يشرع في حق الواحد كالبينة ويفارق اليمين

على المدعى عليه فانها ليست حجة للمدعي ولأنها لم يمكن قسمتها فكملت في حق كل واحد كاليمين المنكسرة في القسامة فانها تجبر وتكمل في حق كل واحد لكونها لاتتبعض ومالا يتبعض يكمل كالطلاق والعتق، وما ذكره مالك لا يصح لأنه اسقاط لليمين عمن عليه بعضها فلم يجز كما لو تساوى الكسران بأن يكون على كل واحد نصفها أو ثلثها إن كانوا ثلاثة وبالقياس على من عليه أكثرها، ولان اليمين في سائر الدعاوي تكمل في حق كل واحد ويستوي من له في المدعى قليل وكثير كذا ههنا ولأنه يفضي إلى أن يتحمل اليمين غير من وجبت عليه عمن وجبت عليه فلم يجز ذلك كاليمين الكاملة وكالجزء الأكبر

(فصل) فإن كان فيهم من لاقسامة عليه بحال وهو النساء سقط حكمه فإذا كان ابن وبنت حلف الابن الخمسين كلها وان كان أخ وأخت لأم وأخ وأخت لأب قسمت الأيمان بين الأخوين على احد عشر: على الأخ من الأم ثلاثة وعلى الآخر ثمانية ثم يجبر الكسر عليهما فيحلف الأخ من الأب سبعاً وثلاثين يميناً والأخ من الأم أربع عشرة يميناً (فصل) فإن مات المستحق انتقل إلى وارثه ما عليه من الأيمان وكانت الايمان بينهم على حسب مواريثهم ويجبر الكسر فيها عليهم كما يجبر في حق ورثة القتيل. فان مات بعضهم قسم نصيبه من الأيمان بين ورثته فلو كان للقتيل ثلاثة بنين كان على كل واحد سبع عشرة يميناً، فان مات بعضهم قبل

أن يقسم وخلف ثلاثة بنين قسمت أيمانه بينهم فكان على كل واحد منهم ستة أيمان، وان خلف اثنين حلف كل واحد تسعة أيمان. وانما قلنا هذا لأن الوارث يقوم مقام الموروث في إثبات حججه كما يقوم مقامه في استحقاق ماله وهذا من حججه ولذلك يملك إقامة البينة والحلف في الانكار ومع الشاهد الواحد في دعوى المال، فإن كان موته بعد شروعه في الايمان فحلف بعضها فان ورثته يستأنفون الايمان ولا يبنون على أيمانه لان الخمسين جرت مجرى اليمين الواحدة ولأنه لا يجوز أن يستحق أحد شيئاً بيمين غيره ولا يبطل هذا بما إذا حلف جميع الايمان ثم مات لأنه لا يستحق المال إرثا عنه، لابيمينه ولا بما إذا حلف الوارثان كل واحد منهما خمسا وعشرين يميناً فان الدية تستحق

بيمينهما لانهما يشتركان في الايمان ويستحق كل واحد بقدر أيمانه ولا يستحق بأيمان غيره وإن كان اجتماع العدد شرطاً في استحقاقها (فصل) ولو حلف بعض الايمان ثم جن ثم أفاق فانه يتمم ولا يلزمه الاستئناف لأن أيمانه وقعت موقعها بخلاف الموت فان الموت يتعذر معه إتمام الأيمان منه وغيره لايبني على يمينه وههنا يمكنه أن يتمها إذا أفاق ولا يبطل بالتفريق بدليل أن الحاكم إذا أحلفه بعض الأيمان ثم تشاغل عنه لم يبطل ويتمها وما لا يبطله التفريق لا يبطله تخلل الجنون كالسعي بين الصفا والمروة. وان حلف بعض الايمان

مسألة: وعن أحمد يحلف من العصبة الوارث منهم وغير الوارث خمسون رجلا كل واحد يمينا

ثم عزل الحاكم وولي غيره أتمها عند الثاني ولم يلزمه استئنافها لان الايمان وقعت موقعها، وكذلك لو حلف بعضها ثم سأل احاكم إنظاره فأنظره بنى على ما مضى ولم يلزمه الاستئناف لما ذكرنا (فصل) وإذا حلف الاولياء استحقوا القود إذا كانت الدعوى عمداً إلا أن يمنع منه مانع، روى ذلك عن ابن الزبير وعمر بن عبد العزيز وبه قال مالك وأبو ثور وابن المنذر، وعن معاوية وابن عباس والحسن وإسحاق لا يجب بها لا الدية لقول النبي صلى الله عليه وسلم لليهود (إما أن تدوا صاحبكم وإما أن تؤذنوا بحرب من الله ورسوله) ولأن أيمان المدعين إنما هي لغلبة الظن وحكم الظاهر فلا يجوز إشاطة الدم بها لقيام الشبهة المتمكنة ولانها حجة لا يثبت بها النكاح فلا يجب بها القصاص كالشاهد واليمين وللشافعي قولان كالمذهبين

ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (يقسم خمسون منكم على رجل منهم فيدفع إليكم برمته وفي رواية مسلم ويسلم اليكم وفي لفظ وتستحقون دم صاحبكم) وأراد دم القاتل لان دم القتيل ثابت لهم قبل اليمين، ولرمة الحبل الذي يربط به من عليه القود، ولأنها حجة يثبت بها العمد فيجب بها القود كالبينة، وقد روى الأثرم بإسناده عن عامر الاحول أن النبي صلى الله عليه وسلم اقاد بالقسامة بالطائف وهذا نص، ولأن الشارع جعل القول قول المدعي مع يمينه احتياطاً للدم فان لم يجب القود سقط هذا المعنى (مسألة) (وعن أحمد يحلف من العصبة الوارث منهم وغير الوارث خمسون رجلا كل واحد يميناً) اختلفت الرواية عن أحمد فيمن تجب عليه ايمان القسامة فروي أنها تختص بالذكور من الوارث وهو ظاهر المذهب وقد ذكرناه وروي عنه رواية ثانية أنه يحلف من العصبة وغير الوارث خمسون

رجلا كل واحد يميناً واحدة وهذا قول لمالك فعلى هذا يحلف الوراث منهم الذين يستحقون دمه فان لم يبلغوا خمسين تمموا من سائر العصبة يؤخذ الاقرب منهم فالأقرب من قبيلته التي ينتسب اليها ويعرف كيفية نسبه من المقتول، فأما من عرف انه من القبيلة ولم يعرف وجه النسب لم يقسم مثل أن يكون الرجل قرشياً والمقتول قرشي ولا يعرف كيفية نسبه منه فلا يقسم لأننا نعلم أن الناس كلهم من آدم ونوح وكلهم يرجعون إلى أب واحد، ولو قتل من لا يعرف نسبه لم يقسم عنه سائر الناس فان لم يوجد من نسبه خمسون رددت الأيمان عليهم وقسمت عليهم فان انكسرت بينهم عليهم جبر كسرها

مسألة: فان لم يحلف المدعون حلف المدعى عليه خمسين يمينا وبرىء

عليهم حتى تبلغ خمسين لقول النبي صلى الله عليه وسلم للانصار (يحلف خمسون رجلا منكم وتستحقون دم صاحبكم) وقد علم النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يكن لعبد الله بن سهل خمسون رجلاً وارثاً فانه لا يرثه إلا اخوة أو من هو في درجته) أو أقرب منه نسباً ولأنه خاطب بهذا ابني عمه وهما غير وارثين (فصل) ويستحب أن يستظهر في ألفاظ اليمين في القسامة تأكيداً فيقول: والله الذي لا إله إلا هو عالم خائنة الأعين وما تخفي الصدور فان اقتصر على لفظة والله كفى ويقول والله أو بالله أو تالله بالجر كما تقتضيه العربية فان قاله مضموما أو منصوبا فقد لحن، قال القاضي ويجزئه تعمده أو لم يتعمده لانه لحن لا يحيل المعنى وهو قول الشافعي وما زاد على هذا تأكيد ويقول لقد قتل فلان بن فلان الفلاني ويشير اليه فلاناً ابني أو أخي منفرداً بقتله ما شركه غيره وان كنا اثنين قال منفردين بقتله ما شركهما غيرهما، ثم يقول عمداً أو خطأ وبأي اسم من أسماء الله سبحانه أو صفة من صفات ذاته

حلف أجزأ اذا كان اطلاقه ينصرف إلى الله تعالى، ويقول المدعى عليه في اليمين والله ما قتلته ولا شاركت في قتله ولافعلت سبباً مات منه ولا كان سبباً في موته ولا معيناً على موته (مسألة) (فإن لم يحلف المدعون حلف المدعى عليه خمسين يمينا وبرئ) هذا ظاهر المذهب وهو الذي ذكره الخرقي وبه قال يحيى الانصاري وربيعة وأبو الزناد والليث والشافعي وأبو ثور وحكى أبو الخطاب رواية أخرى عن أحمد أنهم يحلفون ويغرمون الدية لقضية عمر وخبر سليمان بن يسار وهو قول أصحاب الرأي ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (فتبرئكم يهود بأيمان خمسين منهم) اي يبرءون منكم وفي لفظ قال (فيحلفون خمسين يمينا ويبرءون من دمه) وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يغرم اليهود وانه أداها من عنده ولانها أيمان مشروعة في حق المدعى عليه فيبرأ بها كسائر الايمان ولان ذلك إعطاء بمجرد

مسألة: فان لم يحلف المدعون ولم يرضوا بيمين المدعى عليه فداه الامام من بيت المال

الدعوى فلم يجز للخبر ومخالفة مقتضى الدليل فان قول الانسان لا يقبل على غيره بمجرده كدعوى المال وسائر الحقوق ولأن في ذلك جمعا ين اليمين والغرم فلم يشرع كغيره من الحقوق (فصل) وإذا ردت الأيمان على المدعى عليهم وكان عمداً لم يجز على أكثر من واحد فيحلف خمسين يميناً وإن كانت على غير عمد كالخطأ وشبه العمد فلا قسامة في ظاهر كلام الخرقي لأن القسامة من شرطها اللوث والعداوة وهي إنما تؤثر في تعمد القتل لا في خطئه فان احتمال الخطأ في العدو وغيره سواء وقال غيره ومن أصحابنا فيه قسامة وهو قول الشافعي لأن اللوث يختص العداوة عندهم فعلى هذا تجوز الدعوى على جماعة فاذا ادعى على جماعة حلف كل واحد منهم خمسين يميناً وقال بعض أصحابنا تقسم الأيمان بينهم بالحصص كقسمها بين المدعين إلا انها ههنا تقسم بالسوية لأن المدعى

عليهم متساوون فيها فه كبني الميت وللشافعي قولان كالوجهين والحجة لهذا القول قول النبي صلى الله عليه وسلم (تبرئكم يهود بخمسين يميناً) وفي لفظ قال (فيحلفون لكم خمسين يمينا ويبرءون من دمه) ولأنهم أحد المتداعبين في القسامة فنقسط الأيمان على عددهم كالمدعين، وقال مالك يحلف من المدعى عليهم خمسون رجلا خمسين يميناً فان لم يبلغوا خمسين رجلاً رددت على من حلف منهم حتى تكمل خمسين يميناً فان لم يجد أحداً يحلف إلا الذي ادعى عليه حلف وحده خمسين يميناً ولنا أن هذه أيمان يبرئ بها كل واحد نفسه من التقل فكان على كل واحد خمسون كما لو ادعى على كل واحد وحده قتيل ولأنه لا يبرئ المدعى عليه حال الاشتراك إلا ما يبرئه حالة الانفراد ولأن كل واحد منهم يحلف على غير ما حلف عليه صاحبه بخلاف المدعين فان أيمانهم على شئ واحد فلا يلزم من تلفيقها تلفيق ما يختلف مدلوله ومقصوده

باب قتال أهل البغي

(مسألة) (فإن لم يحلف المدعون ولم يرضوا بيمين المدعى عليه فداه الامام من بيت المال) يعني أدى ديته لقضية عبد الله بن سهل حين قتل بخيبر فأبى الانصار أن يحلفوا وقالوا كيف نقبل أيمان قوم كفار؟ فوداه النبي صلى الله عليه وسلم من عنده كراهية أن يطل دمه فان تعذر فداؤه من بيت المال لم يجب على المدعى عليهم شئ لان الذي توجه عليهم اليمين، وقد امتنع مستحقوها من استيفائها فلم يجب لهم شئ كدعوى المال (مسألة) (وإن طلبوا أيمانهم فنكلوا لم يحبسوا وهل تلزمهم الدية أو تكون في بيت المال؟ على روايتين) إذا امتنع المدعى عليهم من اليمين لم يحبسوا حتى يحلفوا، وعن أحمد رواية أخرى أنهم يحبسون حتى يحلفوا وهو قول أبي حنيفة ولنا أنها يمين مشروعة في حق المدعى عليه فلم يحبس عليها كسائر الايمان. إذا ثبت هذا

فإنه لا يجب القصاص بالنكول لأنه حجة ضعيفة فلا يناط بها الدم كالشهاد واليمين قال القاضي ويديه الامام من بيت المال نص عليه أحمد وروي عنه حرب بن اسماعيل أن الدية تجب عليهم وهذا والصحيح وهو اختيار أبي بكر لأنه حكم يثبت بالنكول فيثبت في حقهم ههنا كسائر الدعاوى ولأن وجوبها في بيت المال يفضي إلى إهدار الدم وإسقاط حق المدعين مع إمكان جبره فلم يجز كما في سائر الدعاوى وههنا لو لم يجب على المدعى عليه مال بنكوله ولم يجبر على اليمين لخلا من وجوب شئ عليه بالكلية، وقال أصحاب الشافعي إذا نكل المدعى عليهم ردت الأيمان على المدعين إن قلنا موجبها المال فان حلفوا استحقوا وإن نكلوا فلا شئ لهم، وإن قلنا موجبها القصاص فهل ترد على المدعين؟ فيه قولان وهذا القول لا يصح لأن اليمين إنما شرعت في حق المدعى عليه إذا نكل عنها المدعي فلا ترد عليه كما لاترد على المدعى عليه إذا نكل المدعى عنها بعد ردها عليه في سائر الدعاوى ولانه يمين مردودة على أحد المتداعبين فلا ترد على من ردها كدعوى المال

(باب قتال أهل البغي) والاصل في هذا قول الله تعالى (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله - إلى قوله - إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم) ففيها خمس فوائد (أحدها) أنهم لم يخرجوا بالبغي عن الإيمان فانه سماهم مؤمنين (الثانية) أنه أوجب قتالهم (الثالثة) أنه أسقط قتالهم اذا فاءوا الى أمر الله (الرابعة) أنه أسقط عنهم التبعة فيما أتلفوه في قتالهم اذا فاءوا إلى أمر الله (الخامسة) ان الآية أفادت جواز قتال كل من منع حقاً عليه وروى عبد الله بن عمرو قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (من أعطى اماما صفقة يده وثمرة قبله فليطعه ما استطاع فان جاء أحد ينازعه فاضربوا عنق الآخر) رواه مسلم. وروى عرفجة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ستكون هنات وهنات (ورفع صوته) ألا من خرج على أمتي وهم جميع فاضربوا عنقه بالسيف كائناً من كان) فكل من ثبتت إمامته وجبت طاعته وحرم الخروج عليه وقتاله لقول الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)

مسألة: وهم القوم الذين يخرجون على الامام بتأويل سائغ ولهم منعة وشوكة

وروى عبادة بن الصامت قال: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في المنشط والمكره وأن لا ننازع الامر أهله وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات فميتته جاهلية)) رواه ابن عبد البر من حديث أبي هريرة وأبي ذر وابن عباس كلها بمعنى واحد وأجمعت الصحابة رضي الله عنهم على قتال البغاة فان أبا بكر رضي الله انه قاتل ما نعي الزكاة، وعلي رضي الله عنه قاتل أهل الجمل وأهل صفين وأهل النهروان (مسألة) (وهم القوم الذين يخرجون على الامام بتأويل سائغ ولهم منعة وشوكة) الخارجون عن قبضة الامام أصناف أربعة (أحدها) قوم امتنعوا من طاعته وخرجوا عن قبضته بغير تأويل فهؤلاء قطاع الطريق ساعون في الارض بالفساد وقد ذكرنا حكمهم (الثاني) قوم لهم تأويل إلا أنهم نفر يسير لامنعة لهم كالعشيرة ونحوهم فهؤلاء حكمهم حكم الصنف الذي قبلهم في قول أكثر الاصحاب ومذهب الشافعي لأن ابن ملجم لما جرح علياً قال للحسن إن برئت رأيت رأيي وأن مت فلا تمثلوا به فلم يثبت لفعله حكم البغاة، ولأننا لو أثبتنا للعدد اليسير

حكم البغاة في سقوط ضمان ما أتلفوه أفضى إلى اتلاف أموال الناس، وقال أبو بكر لا فرق بين الكثير والقليل وحكمهم حكم البغاة اذا خرجوا عن قبضة الامام (الثالث) الخوارج الذين يكفرون بالذنب ويكفرون علياً وعثمان وطلحة والزبير وكثيراً من الصحابة ويستحلون دماء المسلمين وأموالهم ألا من خرج معهم فظاهر قول الفقهاء المتأخرين من أصحابنا أنهم بغاة لهم حكمهم وهذا قول أبي حنيفة والشافعي وجمهور الفقهاء وكثير من أهل الحديث وأما مالك فيرى استتابتهم فان تابوا وإلا قتلوا على افسادهم لاعلى كفرهم، وذهبت طائفة من أهل الحديث إلى أنهم كفار مرتدون حكمهم حكم المرتدين تباح دماؤهم وأموالهم فان تحيزوا في مكان وكانت لهم منعة وشوكة صاروا أهل حرب كسائر الكفار، وإن كانوا في قبضة الامام استتابهم كاستتابة المرتدين فان تابوا وإلا قتلوا وكانت أموالهم فيأ لا يرثهم ورثتهم المسلمون لما روى أبو سعيد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (يخرج قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم وصيامكم مع صيامهم وأعمالكم مع أعمالهم يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم، ويمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ينظر في النصل فلا يرى شيئاً، وينظر في الريش فلا يرى شيئاً ويتمارى في الفوق) وهو حديث صحيح ثابت الاسناد رواه البخاري ومالك في موطئه وفي لفظ قال (يخرج في آخر الزمان أحداث الاسنان سفهاء الاحلام يقولون من خير قول الاية يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الاسلام كما يمرق السهم

مسألة: وعلى الامام أن يراسلهم ويسألهم ما ينقمون منه ويزيل ما يذكرونه من مظلمة ويكشف من شبهة فان فاؤوا والا قاتلهم

من الرمية فأينما لقيتهم فاقتلهم فان قتلهم أجر لمن قتلهم يوم القيامة) رواه البخاري، وروي معناه من وجوه، يقول كما خرج هذا السهم نقياً خالياً من الدم والفرث لم يتعلق منهما شئ كذلك خروج هؤلاء من الدين يعني الخوارج وعن أبي أمامة انه رأى رءوسا منصوبة على درج مسجد دمشق فقال: كلاب النار، شر قتلى تحت أديم السماء، خير قتلى من قتلوه، ثم قرأ (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه) إلى آخر الآية فقيل له أنت سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال لو لم أسمعه الامرة أو مرتين أو ثلاثاً أو أربعاً حتى عد سبعاً ما حدثتكموه قال الترمذي هذا حديث حسن ورواه مالك عن سهل عن ابن عيينة عن أبي غالب أنه سمع أبا أمامة يقول شر قتلى تحت أديم السماء وخير قتلى من قتلوه، كلاب أهل النار كلاب أهل النار كلاب أهل النار كانوا مسلمين فصار واكفارا. قلت يا أبا امامة هذا شئ تقوله؟ قال بل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن علي في قوله تعالى (قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا) قال هم أهل النهروان وعن أبي سعيد في حديث آخر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (هم شر الخلق والخليقة لئن أدركتهم لا قتلنهم قتل عاد) وقيل لا يجاوز ايمانهم حناجرهم، وأكثر الفقهاء على أنهم بغاة ولا يرون تكفيرهم، قال إبن المنذر لا أعلم أحداً وافق أهل الحديث على تكفيرهم وجعلهم كالمرتدين، وقال ابن عبد البر في الحديث الذي رويناه قوله عليه السلام (يتمارى في الفوق) يدل على أنه لم يكفرهم لأنهم علقوا من الإسلام بشئ بحيث يشك في

مسألة: وعلى رعيته معونته على حربهم للآية

خروجهم: وروي أن عليا لما قاتل أهل النهر قال لاصحابه لا تبدوءهم بالقتال وبعث اليهم اقيدونا بعبد الله بن خباب قالوا كلنا قتله فحينئذ استحل قتالهم لا قرارهم على أنفسهم بما يوجب قتلهم وذكر ابن عبد البر عن علي رضي الله عنه أنه سئل عن أهل النهر أكفار هم؟ قال من الكفر فروا قيل فمنافقون؟ قال إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلا قال فماهم؟ قال هم قوم أصابتهم فتنة فعموا فيها وصموا وبغوا علينا وقاتلونا فقاتلناهم، ولما جرحه ابن ملجم قال للحسن أحسنوا إساره وان عشت فانا ولي دمي وان مت فضربة كضربتي وهذا رأي عمر بن عبد العزيز فيهم وكثير من العلماء، وقال شيخنا رحمه الله والصحيح إن شاء الله تعالى ان الخوارج يجوز قتلهم فان علياً رضي الله عنه قال لولا أن يتظروا لحدثتكم بما وعد الله الذين يقتلونهم على لسان محمد صلى الله عليه وسلم ولأن بدعتهم وسوء فعلهم يقتضي حل دمائهم بدليل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من عظم ذنبهم وانهم شر الخلق والخليقة وأنهم يمرقون من الدين وأنهم كلاب النار، وحثه على قتالهم واخباره بأنه لو ادركهم لقتلهم قتل عاد فلا يجوز الحاقهم من أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالكف عنهم، وتورع كثير من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتالهم ولا بدعة فيهم

(الصنف الرابع) (قوم من أهل الحق يخرجون عن قبضة الامام ويرومون خلعه لتأويل سائغ وفيهم منعة يحتاج في كفهم الى جمع الجيش فهؤلاء البغاة الذين يذكر في الباب حكمهم) وجملة الامران من اتفق المسلمون على إمامته وبيعته ثبتت امامة ووجبت معونته لما ذكرنا من النص في أول الباب مع الاجماع على ذلك وفي معناه من ثبتت إمامته بعهد من النبي صلى الله عليه وسلم أو بعهد امام قبله اليه، فان أبا بكر رضي الله عنه ثبتت امامته باجماع الصحابة على بيعته وعمر ثبتت إمامته بعهد أبي بكر إليه واجماع الصحابة على قبوله، ولو خرج رجل على إمام فقهره وغلب الناس بسيفه حتى أقروا له وأذعنوا بطاعته وبايعوه صار اماماً يحرم قتاله والخروج عليه، فان عبد الملك بن مروان خرج على ابن الزبير فقتله واستولى على البلاد وأهلها حتى بايعوه طوعاً وكرهاً وصار إماماً يحرم الخروج عليه، وذلك لما في الخروج عليه من شق عصا المسلمين إراقة دمائهم وذهاب أموالهم، ويدخل الخارج عليه في عموم قوله عليه الصلاة والسلام (من خرج على أمتي وهم جميع فاضربوا عنقه بالسيف كائناً من كان) فمن خرج على من ثبتت إمامته بأحد هذه الوجوه باغيا وجب قتاله (مسألة) (وعلى الامام أن يراسلهم ويسألهم ما ينقمون منه ويزل ما يذكرونه من مظلمة ويكشف من شبهة فان فاؤا والا قاتلهم) وجملة ذلك أن الامام لا يجوز له قتالهم حتى يبعث اليهم من يسألهم ويكشف لهم الصواب إلا

أن يخاف كلبهم فلا يمكن ذلك في حقهم، فأما إن أمكن تعريفهم عرفهم ذلك وأزال يذكرونه من المظالم وأزال حججهم فان لجوا قاتلهم حينئذ لأن الله تعالى بدأ بالأمر بالاصلاح قبل القتال فقال سبحانه (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله) وروي أن علياً رضي الله عنه راسل أهل البصرة قبل وقعة الجمل ثم أمر أصحابه أن لا يبدء وهم بالقتال ثم قال: إن هذا يوم من فلج فيه فلج يوم القيامة ثم سمعهم يقولون الله أكبر يا ثارات عثمان فقال اللهم أكب قتلة عثمان لوجوهم. وروى عبد الله بن شداد بن الهادي أن علياً لما اعتزله الحرورية بعث إليهم عبد الله بن عباس فواضعوه كتاب الله ثلاثة أيام فرجع منهم أربعة آلاف (فصل) فان أبوا الرجوع وعظهم وخوفهم القتال وإنما كان ذلك لأن المقصود كفهم ودفع شرهم لا قتلهم فاذا أمكن بمجرد القول كان أولى من القتال لما فيه من الضرر بالفريقين فان فاؤا والا قاتلهم لقوله سبحانه (فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله) (مسألة) (وعلى رعيته معونته على حربهم) للآية (مسألة) (فان استنظروه مدة رجا رجوعهم فيها أنظرهم ويكشف عن حالهم ويبحث عن أمرهم فان بان له أن قصدهم الرجوع إلى الطاعة ومعرفة الحق أمهلهم، قال إبن المنذر أجمع على هذا كل من نحفظ عنه من أهل العلم (مسألة) (فان ظن أنها مكيدة لم ينظرهم وقاتلهم) اذا ظهر له أن اتسنظارهم مكيدة ليجتمعوا على قتاله وان لهم مدداً ينتظرونه ليتقووا به أو خديعة

مسألة: ولا يقاتلهم بما يعم إتلافه كالمنجنيق والنار إلا لضرورة

الامام ليأخذوه على غرة ويفترق عسكره عاجلهم بالقتال لأنه لا يأمن أن يصير هذا طريقاً إلى قهر أهل الحق والعدل، وهذا لا يجوز، وإن أعطوه عليه مالا لأنه لا يجوز أن يأخذ المال على إقرارهم على مالا يحل إقرارهم عليه، وان بذلوا له رهائن على إنظارهم لم يجز أخذها لذلك ولأن الرهائن لا يجوز قتلهم لغدر أهلهم عليه فلا يفيد شيئاً، وإن كان في أيديهم أسارى من أهل العدل وأعطوا بذلك رهائن منهم قتلهم الامام واستظهر للمسلمين فان اطلقوا أسرى المسلمين الذين عندهم أطلقت رهائنهم وإن قتلوا من عندهم لم يجز قتل رهائنهم لانهم لا يقتلون بقتل غيرهم وإذا انقضت الحرب خلى الرهائن كما يخلى الأسارى منهم، وان خاف الامام على الفئة العادلة الضعف عنهم أخر قتالهم إلى أن تمكنه القوة عليهم لأنه لا يأمن الاصطلام والاستئصال فيؤخرهم حتى تقوى شوكة أهل العدل ثم يقاتلهم وان سألوه أن ينظرهم أبداو يدعهم وماهم عليه ويكفوا عن المسلمين نظرت فان لم تعلم قوته عليهم وخاف قهرهم له إن قاتلهم تركهم وان قوي عليهم لم يجز إقرارهم على ذلك لأنه لا يجوز أن يترك بعض المسلمين طاعة الامام لا يأمن قوة شوكتهم بحيث يفضي إلى قهر الامام العادل ومن معه، ثم ان أمكن دفعهم بدون القتل لم يجز قتلهم لأن المقصود دفعهم ولأن الدفع إذا حصل بغير القتل لم يجز القتل من غير حاجة وإن حضر معهم من لا يقاتل لم يجز قتله، وقال أصحاب الشافعي فيه وجه آخر يجوز

مسألة: ولا يستعين في حربهم بكافر ولا بمن يرى قتلهم مدبرين

لأن علياً رضي الله عنه نهى أصحابه عن قتل محمد بن طلحة السجاد وقال: إياكم وصاحب البرنس فقتله رجل وأنشأ يقول: وأشعث قوام بآيات ربه * كثير التقى فيما ترى العين مسلم هتكت له بالرمح جيب قميصه * فخر صريعاً لليدين وللفم على غير ذنب غير أن ليس تابعاً * علياً ومن لايتبع الحق يظلم يناشدني حم والرمح شاجر * فهلا تلاحم قبل التقدم وكان السجاد حامل راية أبيه ولم يكن يقاتل فلم ينكر علي قتله ولأنه صار ردءاً لهم ولنا قوله تعالى (ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم) والأخبار الواردة في تحريم قتل المسلم والاجماع على تحريمه وإنما خص من ذلك ما حصل ضرورة دفع الباغي والصائل ففيما عداه يبقى على العموم والاجماع، ولهذا حرم قتل مدبرهم وأسرهم والإجهاز على جريحهم مع أنهم إنما تركوا القتال عجزاً عنه ومتى ما قدر عليه عادو اليه، فمن لا يقاتل تورعاً عنه مع قدرته عليه ولا يخالف منه القتال بعد ذلك أولى، ولأنه مسلم لم يحتج إلى دفعه ولا صدر منه أحد الثلاثة فلم يحل دمه لقوله عليه الصلاة والسلام (لا يحل دم امرئ مسلم إلا باحدى ثلاث) فأما حديث علي في نهيه عن قتل السجاد فهو حجة عليهم فان نهي علي أولى من فعل من خالفه ولم يمتثل قول الله تعالى ولا قول رسوله ولا قول إمامه وقولهم فلم ينكر قتله قلنا لم ينقل الينا أن علياً علم حقيقة الحال في قتله ولا حضر قتله فينكره، وقد جاء أن علياً رضي الله عنه حين طاف في القتلى رآه فقال السجاد ورب الكعبة هذا الذي قتله بره بأبيه وهذا يدل على أنه لم يشعر بقتله ورأى كعب بن سور فقال: يزعمون إنما خرج الينا الرعاع وهذا

مسألة: ولا يتبع لهم مدبر ولا يجاز على جريح

الحبر بين أظهرهم ويجوز أن يكون تركه الانكار عليهم اجتزاء بالنهي المتقدم ولأن القصد من قتالهم كفهم وهذا كاف لنفسه فلم يجز قتله كالمنهزم (فصل) واذا قاتل معهم عبيد ونساء وصبيان فهم كالرجل الحر البالغ يقاتلون مقبلين ويتركون مدبرين لأن قتالهم للدفع، ولو أراد أحد هؤلاء قتل إنسان جاز دفعه وقتاله وإن أتى على نفسه ولذلك قلنا في أهل الحرب اذا كان معهم النساء والصبيان قوتلوا وقتلوا (مسألة) (ولا يقاتلهم بما يعم إتلافه كالمنجنيق والنار إلا لضرورة) لأنه لا يجوز قتل من لا يقاتل وما يعم اتلافه يقع على من لا يقاتل فان دعت إلى ذلك ضرورة مثل أن يحتاط بهم البغاة ولا يمكنهم المتخلص الابرميهم بما يعم إتلافه جاز وهذا قول الشافعي وقال أبو حنيفة اذا تحصن الخوارج واحتاج الإمام إلى رميهم بالمجنيق فعل ذلك ما كان لهم عسكر وما لم ينهزموا وان رماهم البغاة بالمنجنيق والنار جاز رميهم بمثله (فصل) قال أبو بكر اذا اقتتلت طائفتان من أهل البغي فقدر الامام على قهرهما لم يعن واحدة منهما لأنهما جميعاً على الخطأ وإن عجز عن ذلك وخاف اجتماعهما على حربه ضم اليه أقربهما إلى الحق فان استويا اجتهد برأيه في ضم إحداهما ولا يقصد بذلك معونة احداها بل الاستعانة على الآخر فإذا هزمها لم يقاتل من معه حتى يدعوهم إلى الطاعة لأنهم قد حصلوا في أمانة وهذا مذهب الشافعي (مسألة) (ولا يستعين في حربهم بكافر ولا بمن يرى قتلهم مدبرين) وبهذا قال الشافعي وقال أصحاب الرأي لا بأس ان يستعين عليهم بأهل الذمة والمستأمنين وصنف آخر منهم اذا كان أهل العدل هم الظاهرين على من يستعينون به

مسألة: ومن أسر من رجالهم حبس حتى تنقضي الحرب ثم يرسل

ولنا ان القصد كفهم وردهم الى الطاعة لاقتلهم وهؤلاء يقصدون قتلهم فان دعت الحاجة الى الاستعانة بهم فان كان يقدر على كفهم عن فعل مالا يجوز استعان بهم وإن لم يقدر لم يجز (مسألة) (وهل يجوز أن يستعين عليهم بسلاحهم وكراعهم؟ على وجهين) (أحدهما) لا يجوز لأنه لا يحل أخذ مالهم لكونه معصوماً بالاسلام وإنما أبيح قتالهم لردهم الى الطاعة يبقى المال على العصمة كمال قاطع الطريق إلا أن تدعو ضرورة فيجوز كما يجوز أكل مال الغير في المخمصة (والوجه الثاني) يجوز قياساً على أسلحة الكفار (مسألة) (وذكر القاضي أن أحمد أومأ الى جواز الانتفاع به حال الحرب) وهذا أحد الوجهين الذين ذكرناهما ولايجوز في غير قتالهم وهو قول أبي حنيفة لأن هذه الحال لا يجوز فيها اتلاف نفوسهم وحبس سلاحهم وكراعهم فجاز الانتفاع به كسلاح أهل الحرب، وقال الشافعي لا يجوز ذلك الامن ضرورة اليه لأنه مال مسلم فلم يجز الانتفاع به بغير إذنه كغيره من أموالهم ومتى انقضت الحرب وجب رده اليهم كما ترد سائر أموالهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه) والله أعلم [مسألة] (ولا يتبع لهم مدبر ولا يجاز على جريح) وجملة ذلك أن أهل البغي إذا تركوا القتال إما بالرجوع إلى الطاعة وإما بالقاء السلاح أو بالهزيمة إلى فئة أو الى غير فئة وإما بالعجز لجراح أو مرض أو أسر فانه يحرم قتالهم واتباع مدبرهم وبهذا قال الشافعي. وقال أبو حنيفة اذا هزموا ولا فئة لهم كقولنا وان كانت لهم فئة يلجأون اليها جاز قتل مدبرهم وأسرهم والاجازة على جريحهم، فأما إذا لم تكن لهم فئة لا يقتلون ولكن يضربون ضرباً وجيعاً

مسألة: وان أسر صبي أو امرأة فهل يفعل به ذلك أو يخلى سبيله في الحال؟ يحتمل وجهين

ويحبسون حتى يقلعوا عما هم عليه ويحدثوا توبة، ذكر هذا في الخوارج ويروى عن ابن عباس نحو هذا واختاره بعض أصحاب الشافعي لأنه متى لم يقتلهم اجتمعوا وعادوا الى المحاربة ولنا ماروي عن علي رضي الله عنه أنه قال يوم الجمل (لا يذفف على جريح ولا يهتك ستر ولا يفتح باب ومن أغلق بابا - أو بابه - فهو آمن ولا يتبع مدبر) وروي نحو ذلك عن عمار وعن علي انه ودى قوماً من بيت مال المسلمين قتلوا مدبرين. وعن أبي أمامة قال شهدت صفين فكانوا لا يجيزون على جريح ولا يقتلون مولياً ولا يسلبون قتيلاً وروى القاضي في شرحه عن عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (يا ابن أم عبد ماحكم من بغى على أمتي؟) فقلت الله ورسوله أعلم فقال (لا يتبع مدبرهم ولا يجاز على جريحهم ولا يقتل أسيرهم ولا يقسم فيئهم) لأن المقصود دفعهم وكفهم وقد حصل فلم يجز قتلهم كالصائل ولا يقتلون لما يخاف في ثاني الحال كما لو لم تكن لهم فئة، فعلى هذا إذا قتل إنساناً منع من قتله ضمنه لأنه قتل معصوماً لم يؤمر بقتله ويجب عليه القصاص في أحد الوجهين لأنه قتل مكافئاً معصوماً (والثاني) لا يجب لأن في قتلهم اختلافاً بين الأئمة فكان ذلك شبهة دارئة للقصاص لانه مما يندرئ بالشبهات، وأما أسيرهم فان دخل في الطاعة خلي سبيله (مسألة) (ولا يغنم لهم مال ولا يسبى لهم ذرية) ولا نعلم في تحريمه بين أهل العلم خلافاً لما ذكرنا من حديث أبي امامة وابن مسعود ولأنهم معصومون وإنما أبيح من دمائهم وأموالهم ما حصل من ضرورة دفعهم وقتالهم وما عداه يبقى على أصل التحريم وقد روي أن عليا يوم الجمل قال من عرف شيئاً من ماله مع أحد فليأخذه وكان بعض أصحاب

علي قد أخذ قدراً وهو يطبخ فيها فجاء صاحبها ليأخذها فسأله الذي يطبخ فيها إمهاله حتى ينضج الطبيخ فأبى وكبه وأخذها وهذا من جملة مانقم الخوارج من علي فانهم قالوا انه قاتل ولم يسب ولم يغنم فان حلت له دماؤهم فقد حلت له أموالهم وان حرمت عليه أموالهم فقد حرمت عليه دماؤهم فقال لهم ابن عباس أفتسبون أمكم عائشة رضي الله عنها أم تستحلون منها ما تستحلون من غيرها فان قلتم ليست أمكم كفرتم وان قلتم انها أمكم واستحللتم سبيها فقد كفرتم يعني بقوله انكم إن جحدتم أنها أمكم فقد قال الله تعالى (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم) فإن لم تكن أماً لكم لم تكونوا من المؤمنين، ولأن قتال البغاة انما هو كدفعهم وردهم إلى الحق لا لكفرهم فلا يستباح منهم الا ما حصل ضرورة الدفع كالصائل وقاطع الطريق ويبقى حكم المال والذرية على أصل العصمة وما أخذ من سلاحهم وكراعهم لم يرد اليهم حال الحرب لئلا يقاتلونا به (مسألة) (ومن أسر من رجالهم حبس حتى تنقضي الحرب ثم يرسل) وجملة ذلك أن حكم من أسر منهم أنه يخلى سبيله إن دخل في الطاعة وان أبى ذلك وكان رجلا جلداً من أهل القتال حبس ما دامت الحرب قائمة فاذا انقضت الحرب خلي سبيله وشرط عليه أن لا يعود إلى القتال (مسألة) (وإن أسر صبي أو امرأة فهل يفعل به ذلك أو يخلى سبيله في الحال؟ يحتمل وجهين) (احدهما) يخلى سبيلهم في الحال (والثاني) يحبسون لأن فيه كسر قلوب البغاة والأول أصح (فصل) فان أسر كل واحد من الفريقين أسارى من الفريق الآخر جاز فداء أسارى أهل العدل بأسارى البغاة فان قتل أهل البغي أسارى أهل العدل لم يجز لأهل العدل قتل أساراهم لأنهم لا يقتلون بجناية غيرهم ولا يزرون وزر غيرهم فان أبى أهل البغي مفاداة الأسرى الذين معهم وحبسوهم

مسألة: ومن أتلف في غير حال الحرب شيئا ضمنه سواء كان قبل الحرب أوبعده

احتمل أن لا يجوز لأهل العدل حبس من معهم ليتوصلوا الى تخليص أساراهم بحبس الأسارى الذين معهم واحتمل أن لا يجوز حبسهم ويطلقون لأن الذنب في حبس أسارى أهل العدل لغيرهم مسألة (وإذا انقضى الحرب فمن وجد ماله في يد إنسان أخذه) لما ذكرنا من قول علي: من عرف شيئاً أخذه ولأنه مال معصوم بالاسلام فأشبه مال غير البغاة مسألة (ولا يضمن أهل العدل ما أتلفوه عليهم حال الحرب من نفس أو مال وهل يضمن البغاة ما أتلفوه على أهل العدل في الحرب؟ على روايتين) وجملة ذلك أنه إذا لم يمكن دفع أهل البغي إلا بقتلهم جاز ولا شئ على من قتلهم من إثم ولا ضمان ولا كفارة لأنه فعل ما أمر به وقتل من أحل الله قتله وكذلك ما أتلفه أهل العدل على أهل البغي حال الحرب من المال لا ضمان فيه لأنهم إذا لم يضمنوا الأنفس فالأموال أولى (فصل) وان قتل العادل كان شهيداً لأنه قتل في قتال أمره الله تعالى به بقوله سبحانه (فقاتلوا التي تبغي) وهل يغسل ويصلى عليه؟ فيه روايتان [إحداهما] لا يغسل ولا يصلى عليه لأنه شهيد معركة أمر بالقتال فيها فأشبه شهيد معركة الكفار [والأخرى] يغسل ويصلى عليه وهو قول الأوزاعي وابن المنذر لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالصلاة على من قال لا إله إلا الله واستثنى قتيل الكفار في المركة ففيما عداه يبقى على الأصل ولأن شهيد معركة الكفار اجره اعظم وفضله أكثر وقد جاء أنه يشفع في سبعين من أهل بيته وهذا لا يلحق به في فضله فلا يثبت فيه مثل حكمه لان الشئ إنما يقاس على مثله (فصل) وليس على أهل البغي أيضاً ضمان ما أتلفوه حال الحرب من نفس ولا مال وبه قال أبو حنيفة والشافعي في أحد قوليه وعن أحمد رواية ثانية أنهم يضمنون وهو القول الثاني للشافعي

لقول أبي بكر رضي الله عنه لأهل الردة: تدون قتلانا ولاندي قتلاكم ولأنها نفوس وأموال معصومة أتلفت بغير حق ولا ضرورة دفع مباح فوجب ضمانه كالذي تلف في غير حال الحرب ولنا ماروى الزهري أنه قال كانت الفتنة العظمى بين الناس وفيهم البدريون فأجمعوا على ان لايقام حد على رجل ارتكب فرجاً حراماً بتأويل القرآن ولا يلزم مالاً اتلفه بتأويل القرآن. ولأنها طائفة ممتنعة بالحرب بتأويل سائغ فلم تضمن ما اتلفت على الأخرى كأهل العدل ولأن تضمينهم يفضي الى تنفيرهم عن الرجوع الى الطاعة فلا يشرع كتضمين أهل الحرب. فأما قول أبي بكر رضي الله عنه فقد رجع عنه ولم يمضه فان عمر قال له اما ان يدوا قتلانا فلا فإن قتلانا قتلوا في سبيل الله على ما أمر الله فوافقه أبو بكر ورجع الى قوله فصار إجماعاً حجة ولم ينقل أنه غرم أحداً شيئاً من ذلك وقد قتل طليحة عكاشة بن محصن وثابت بن أرقم ثم أسلم فلم يغرم شيئاً ثم لو وجب التغريم في حق المرتدين لم يلزم مثله ههنا فإن أولئك كفار لا تأويل لهم وهؤلاء طائفة من المسلمين لهم تأويل سائغ فكيف يصح إلحاقهم به؟ مسألة (ومن أتلف في غير حال الحرب شيئاً ضمنه سواء كان قبل الحرب أو بعده) وبهذا قال الشافعي ولذلك لما قتل الخوارج عبد الله بن خباب أرسل اليهم علي أقيدونا من عبد الله بن حباب ولما قتل ابن ملجم علياً في غير المعركة قتل به وهل يتحتم قتل الباغي إذا قتل احداً من أهل العدل في غير المعركة؟ فيه وجهان [أحدهما] يتحتم لأنه قتل باشهار السلاح والسعي في الأرض بالفساد فأشبه قطاع الطريق [والثاني] لا يتحتم وهو الصحيح لقول علي رضي الله عنه ان شئت اعفو وان شئت استقدت. فاما الخواجر فالصحيح على ما ذكرنا إباحة قتلهم فلا قصاص على واحد منهم ولاضمان عليه في ماله

مسألة: وما أخذوا في حال امتناعهم من زكاة او خراج أو جزية لم يعد عليهم، ولا على صاحبه

(فصل) ومن قتل من أهل البغي غسل وصلي عليه وبهذا قال الشافعي وقال أصحاب الرأي إن لم يكن لهم فئة صلي عليهم وان كانت لهم فئة لم يصل عليهم لأنه يجوز قتلهم في هذه الحالة فلم يصل عليهم كالكفار ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (صلوا على من قال لا إله إلا الله) رواه الخلال في جامعه ولأنهم مسلمون لم يثبت لهم حكم الشهادة فيغسلون ويصلى عليهم كما لو لم تكن لهم فئة. وما ذكروه ينتقض بالزاني المحصن والمقتص منه والقاتل في المحاربة (فصل) ولم يفرق أصحابنا بين الخوارج وغيرهم في هذا وهو مذهب الشافعي وأصحاب الرأي وظاهر كلام أحمد رحمه الله أنه لا يصلى على الخوارج فانه قال أهل البدع إن مرضوا فلا تعودوهم وإن ماتوا فلا تصلوا عليهم، وقال أحمد رضي الله عنه الجهمية والرافضة لا يصلى عليهم قد ترك النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة بأقل من هذا وذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تقاتل خيبر ناحية من نواحيها فقاتل رجل من تلك الناحية فقتل فلم يصل عليه النبي صلى الله عليه وسلم فقيل له فان كان في قرية أهلها نصارى ليس فيها من يصلي عليه قال أنا لا أشهده يشهده من شاء وقال مالك: لا يصلى على الاباضية ولا القدرية وسائر أهل الاهواء ولا تتبع جنائزهم ولا تعاد مرضاهم، والاباضية صنف من الخوارج نسبوا إلى عبد الله بن اباض صاحب مقالتهم والازارقة أصحاب نافع بن الأزرق والنجدات أصحاب نجدة الحروري والبيهسية أصحاب بيهس والصفرية قيل انهم نسبوا إلى صفرة ألوانهم وأصنافهم كثيرة

مسألأة: وإن ادعى دفع خراجه اليهم فهل يقبل بغير بينة؟ على وجهين

والحرورية نسبوا إلى أرض يقال لها حروراء خرجوا بها قال أبو بكر بن عياش: لا أصلي على الرافضي لأنه يزعم أن عمر كافر ولا على الحروري لأنه يزعم أن علياً كافر، وقال الفريابي: من سب أبا بكر فهو كافر لا يصلى عليه، ووجه ترك الصلاة عليهم أنهم يكفرون أهل الاسلام ولا يرون الصلاة عليهم فلا يصلى عليهم كالكفار من أهل الذمة وغيرهم لأنهم مرقوا من الدين فأشبهوا المرتدين (فصل) والبغاة إذا لم يكونوا من أهل البدع ليسوا بفاسقين وانما هم مخطئون في تأويلهم والامام وأهل العدل مصيبون في قتالهم فهم جميعاً كالمجتهدين من الفقهاء في الاحكام من شهد منهم قبلت شهادته إذا كان عدلاً وهذا مذهب الشافعي ولا أعلم في قبول شهادتهم خلافاً فأما الخوارج وأهل البدع إذا خرجوا على الامام لم تقبل شهادتهم لأنهم فساق، وقال أبو حنيفة يفسقون بالبغي وخروجهم ولكن تقبل شهادتهم لأن فسقهم من جهة الدين فلا ترد به الشهادة والاختلاف في ذلك يذكر في كتاب الشهادة إن شاء الله تعالى (فصل) ذكر القاضي أنه لا يكره للعادل قتل ذوي رحمه الباغين لأنه قتل بحق أشبه إقامة الحد عليه وكرهت طائفة من أهل العلم القصد الى ذلك قال شيخنا وهو الصحيح إن شاء الله تعالى

لقول الله تعالى (وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا) وقال الشافعي كف النبي صلى الله عليه وسلم أبا حذيفة بن عتبة عن قتل أبيه وقال بعضهم لا يحل ذلك لأن الله تعالى أمر بمصاحبته بالمعروف وليس هذا من المعروف فان قتله فهل يرثه؟ على روايتين (إحداهما) يرثه اختارها أبو بكر وهو مذهب أبي حنيفة لأنه قتل بحق فلم يمنع الميراث كالقصاص والقتل في الحد (والثانية) لا يرثه وهو قول ابن حامد ومذهب الشافعي لعموم قوله عليه الصلاة والسلام (ليس لقاتل شئ) فأما الباغي إذا قتل العادل فلا يرثه وهو قول الشافعي وقال أبو حنيفة يرثه لأنه قتل بتأويل أشبه قتل العادل الباغي ولنا أنه قتله بغير حق فلم يرثه كالقتل خطأ، وفارق ما إذا قتله العادل لأنه قتله بحق وقال قوم إذا تعمد العادل قتل قريبه فقتله ابتداء لم يرثه وان قصد ضربه ليصير غير ممتنع فجرحه ومات من هذا الضرب ورثه ولأنه قتله بحق وهذا قول ابن المنذر وهو أقرب الاقاويل (مسألة) (وما أخذوا في حال امتناعهم من زكاة او خراج أو جزية لم يعد عليهم، ولا على صاحبه) إذا غلب أهل البغي على بلد فجبوا الخراج والزكاة والجزية وأقاموا الحدود وقع ذلك موقعه فإذا ظهر

مسألة: وإن استعانوا بأهل الذمة فأعانوهم انتقض عهدهم، إلا أن يدعوا أنهم ظنوا أنه تجب عليهم معونة من استعان بهم من المسلمين ونحو ذلك فلا ينتقض عهدهم

أهل العدل بعد على البلد وظفروا بأهل البغي لم يطالبوا بشئ مما جبوه ولم يرجع به على من أخذ منه وروي نحو هذا عن ابن عمر وسلمة بن الاكوع وهو قول الشافعي وأبي ثور وأصحاب الرأي سواء كان من الخوارج أو من غيرهم وقال أبو عبيد على من أخذوا منه الزكاة الاعادة لأن أخذها ممن لا ولاية له صحيحة فأشبه ما لو أخذها آحاد الرعية ولنا أن علياً رضي الله عنه لما ظهر على أهل البصرة لم يطالبهم بشئ مما جبوه وكان ابن عمر إذا أتاه ساعي نجدة الحروري دفع اليه الزكاة وكذلك سلمة بن الاكوع ولأن في ترك الاحتساب بها ضرراً عظيماً ومشقة كبيرة فانهم قد يغلبون على البلاد السنين الكثيرة فلو لم يحتسب بما أخذوه أدى إلى ثنا الصدقات في تلك المدة كلها (مسألة) (ومن ادعى دفع زكاته اليهم قبل بغير يمين) قال أحمد لا يستخلف الناس على صدقاتهم (مسألة) (وإن ادعى ذمي دفع جزيته اليهم لم يقبل الا ببينة) لأنهم غير مأمونين ولأن ما يجب عوض وليس بمواساة فلم يقبل قولهم فيه كأجرة الدار ويحتمل أن يقبل قولهم إذا مضى الحول لأن الظاهر أن البغاة لا يدعون الجزية لهم فكان القول قولهم

مسألة: وان استعانوا بأهل الحرب وآمنوهم لم يصح امانهم وابيح قتلهم

لأن الظاهر معهم ولأنه إذا مضى لذلك سنون كثيرة شق عليهم اقامة البينة على كل عام فيؤدي ذلك إلى تغريمهم الجزية مرتين (مسألة) (وإن ادعى دفع خراجه اليهم فهل يقبل بغير بينة؟ على وجهين) (أحدهما) يقبل لأنه حق على مسلم فقبل قوله فيه كالزكاة (والثاني) لا يقبل لأنه عوض فأشبه الجزية (مسألة) (وتجوز شهادتهم) لأنهم أخطئوا في فروع الاسلام باجتهادهم فأشبه المجتهدين من الفقهاء في الأحكام وإذا لم يكونوا من أهل البدع قبلت شهادتهم كأهل العدل وهو قول الشافعي ولا نعلم فيه خلافا (مسألة) (ولا ينقض من حكم حاكمهم الا ما ينقض من حكم غيره) إذا نصب أهل البغي قاضياً يصلح للقضاء فهو كقاضي أهل العدل ينفذ من أحكامه ما ينفذ من أحكام قاضي أهل العدل ويرد منه ما يرد فإن كان ممن يستحل دماء أهل العدل وأموالهم لم يجز قضاؤه لأنه ليس بعدل وهذا قول الشافعي وقال أبو حنيفة لا يجوز قضاؤه بحال لأن أهل البغي يفسقون ببغيهم والفسق ينافي القضاء

مسألة: وان سبوا الامام عزرهم وكذلك إن سبوا غيره من أهل العدل

ولنا أنه اختلاف في الفروع بتأويل سائغ فلم يمنع صحة القضاء ولم يفسق به كاختلاف الفقهاء إذا ثبت هذا فانه إذا حكم بما لا يخالف نصاً ولا إجماعاً نفذ حكمه وإن خالف ذلك نقض حكمه كقاضي أهل العدل، فان حكم بسقوط الضمان على أهل البغي فيما اتلفوه حال الحرب جاز حكمه لأنه موضع اجتهاد، وان كان حكمه فيما أتلفوه قبل قيام الحرب لم ينفذ لأنه مخالف للاجماع، وان حكم على أهل العدل بوجوب الضمان فيما أتلفوه حال الحرب لم ينفذ حكمه لمخالفته للإجماع وإن حكم بوجوب ضمان ما أتلفوه في غير حال الحرب نفذ حكمه، وإن كتب قاضيهم الى قاضي أهل العدل جاز قبول كتابه لأنه قاض ثابت القضايا نافذ الاحكام، والأولى أنه لا يقبله كسراً لقلوبهم وقال أصحاب الرأي لا يجوز وقد سبق الكلام في هذا فأما الخوارج إذا ولوا قاضيا لم يجز قضاؤه لأن أقل أحوالهم الفسق وهو يمنع القضاء ويحتمل أن يصح قضاؤه وتنفذ أحكامه لأن هذا مما يتطاول وفي القضاء بفساد قضاياه وعقوده الانكحة وغيرها ضرر كثير فجاز دفعاً للضرر كما لو أقام الحدود وأخذ الجزية والخراج والزكاة (فصل) وإذا ارتكب أهل البغي في حال امتناعهم ما يوجب الحد ثم قدر عليهم أقيمت فيهم حدود الله تعالى ولا تسقط باختلاف الدار، وبهذا قال مالك والشافعي وابن المنذر وقال أبو حنيفة: إذا امتنعوا بدار لم يجب الحد على أحد منهم ولا على من تاجر أو أسر لأنهم خارجون عن دار الامام فأشبهوا من دار الحرب ولنا عموم الآيات والأخبار ولأن كل موضع تجب فيه العبادات في أوقاتها تجب الحدود فيه

عند وجود أسبابها كدار أهل العدل، ولأنه زان أو سارق ولا شبهة في زناه وسرقته فوجب عليه الحد كالذي في دار العدل، وهكذا القول فيمن أتى حدا في دار الحرب فانه يجب عليه لكن لا يقام الا في دار الإسلام على ما ذكرناه في موضعه (مسألة) (وإن استعانوا بأهل الذمة فأعانوهم انتقض عندهم إلا أن يدعوا أنهم ظنوا أنه تجب عليهم معونة من استعان بهم من المسلمين ونحو ذلك فلا ينتقض عهدهم) اذا استعان البغاة بأهل الذمة في قتال أهل العدل وقاتلوا معهم فقد ذكر أبو بكر فيهم وجهين (أحدهما) ينتقض عهدهم لأنهم قاتلوا أهل الحق فانتقض عهدهم كما لو انفردوا بقتالهم (والثاني) لا ينتقض لأن أهل الذمة لا يعرفون المحق من المبطل فيكون ذلك شبهة لهم وللشافعي قولان كالوجهين فان قلنا ينتقض عدهم صاروا كأهل الحرب فيما نذكره وإن قلنا لا ينتقض عهدهم فحكمهم حكم أهل البغي في قتل مقبلهم والكف عن اسريهم ومدبرهم وجريحهم، وان أكرههم البغاة على معونتهم أو ادعوا ذلك قبل منهم لأنهم تحت ايديهم وقدرتهم، وكذلك إن قالو ظننا أن من استعان من استعان بنا من المسلمين لزمتنا معونته لأن ما ادعوه محتمل فلا ينتقض عهدهم مع الشبهة (فصل) ويغرمون ما أتلفو من نفس ومال حال القتال وغيره بخلاف أهل البغي فانهم لا يضمنون

مسألة: وان جنوا جناية أو أتوا حدا اقامه عليهم

ما اتلفوا حال الحرب لأنهم اتلفوه بتأويل سائغ وهؤلاء لا تأويل لهم ولأن سقوط الضمان عن المسلمين كيلا يؤدي الى تنفيرهم عن الرجوع الى الطاعة وأهل الذمة لا حاجة بنا الى ذلك فيهم (مسألة) (وإن استعانوا بأهل الحرب وآمنوهم لم يصح امانهم وابيح قتلهم) إذا استعان أهل البغي بالكفار لم يخل من ثلاثة أصناف (أحدها) أهل الذمة وقد ذكرنا حكمهم (الثاني) أهل الحرب فاذا استعانو بهم وآمنوهم وعقدوا لهم ذمة لم يصح واحد منهما لأن الأمان من شرط صحته التزام كفهم عن المسلمين وهؤلاء يشترطون عليهم قتال المسلمين فلا يصح ولأهل العدل قتلهم كمن لم يؤمنوه سواء وحكم اسيرهم حكم اسير سائر أهل الحرب قبل الاستعانة بهم فأما البغاة فلا يجوز لهم قتلهم لأنهم آمنوهم فلا يجوز لهم الغدر بهم (الثالث) المستأمنون فمتى استعانوا بهم فأعانوهم نقضوا عهدهم وصاروا كأهل الحرب لأنهم تركوا الشرط وهو كفهم عن المسلمين، فان فعلوا ذلك مكرهين لم ينتقض أمانهم لان لهم عذر أو ان ادعو الاكراه لم يقبل إلا ببينة لأن الأصل عدمه فإن ادعوا أنهم ظنوا أنه يجب عليهم معونة من

مسألة: وان اقتتلت طائفتان لعصبية أو طلب رئاسة فهما ظالمتان وتضمن كل واحدة منهما ما اتلفت على الأخرى

استعان بهم من المسلمين انتقض عهدهم ولم يكن ذلك عذراً لهم والفرق بينهم وبين أهل الذمة أن إن أهل الذمة أقوى حكماً لأن عهدهم مؤبد ولا يجوز نقضه بخوف الخيانة منهم ويلزم الامام الدفع عنهم والمستأمنون بخلاف ذلك (مسألة) (وإن أظهر قوم رأي الخوارج ولم يجتمعوا لحرب لم يتعرض لهم) مثل تكفير من ارتكب كبيرة وترك الجماعة واستحلال دماء المسلمين وأموالهم إلا أنهم لم يجتمعوا لحرب ولم يخرجوا عن قبضة الامام ولم يسفكوا الدم الحرام، فحكى القاضي عن أبي بكر أنه لا يحل بذلك قتلهم ولا قتالهم وهذا قول أبي حنيفة والشافعي وجمهور أهل الفقه روى ذلك عن عمر ابن عبد العزيز فعى هذا حكمهم في ضمان النفس والمسلمين (مسألة) (وان سبوا الامام عزرهم وكذلك إن سبوا غيره من أهل العدل) لأنهم ارتكبوا محرماً لا حد فيه وان عرضوا بالسب فهل يعزرون؟ على وجهين، وقال مالك في الاباضية وسائر أهل البدع يستتابون فان تابوا وإلا ضربت أعناقهم قال اسماعيل بن إسحاق رأى مالك قتل الخوارج وأهل القدر من أجل الفساد الداخل في الدين كقطاع الطريق فان تابوا وإلا

باب حكم المرتد

قتلوا على افسادهم لا على كفرهم، وأما من رأى تكفيرهم فمقتضى قوله انهم يستتابون فان تابوا وإلا قتلوا لكفرهم كما يقتل المرتد، وحجتهم قول النبي صلى الله عليه وسلم في الذي أنكر عليه وقال انها قسمة ما أريد بها وجه الله لأبي بكر (اذهب فاقتله) ثم قال لعمر مثل ذلك فأمر بقتله قبل قتاله وهو الذي قال (يخرج من ضئضئ هذا قوم) يعني الخوارج وقول عمر لضبيع لو وجدتك محلوقاً لضربت الذي فيه عيناك بالسيف يعني لقتلتك وإنما يقتله لكونه من الخوارج فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال سيماهم التسبيد يعني حلق رؤوسهم واحتج الاولون بفعل علي رضي الله عنه فروي عنه أنه كان يخطب يوماً فقال رجل بباب المسجد لاحكم إلا الله فقال علي كلمة حق اريد بها باطل ثم قال لكم علينا ثلاث لا نمنعكم مساجد الله ان تذكروا فيها اسم الله ولا نمنعكم الفئ ما دامت أيديكم معنا ولا نبدؤكم بقتال، وروى أبويحيى قال صلى علي صلاة فناداه رجل (لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين) فأجابه علي (فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون) وكتب علي بن أرطاة إلى عمر بن عبد العزيز أن الخوارج يسبونك فكتب اليه إن سبوني فسبوهم أو اعفوا عنهم وإن شهروا السلاح فاشهروا وان ضربوا فاضربوا، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتعرض للمنافقين الذين معه في المدينة فلأن يتعرض لغيرهم أولى

مسألة: فان جحد وجوب العبادات الخمس أو شيئا منها أو أحل الزنا أو الخمر أو شيئا من المحرمات الظاهرة المجمع على تحريمها لجهل عرف ذلك فان كان ممن لا يجهل ذلك كفر

وقد روي في خبر الخارجي الذي أنكر عليه ان خالداً قال يا رسول الله الا اضرب عنقه قال (لا لعله يصلي؟) قال رب مصل لا خير فيه قال (اني لم أومر أن انقب على قلوب الناس) (مسألة) (وان جنوا جناية أو أتوا حداً اقامه عليهم) لأن ابن ملجم جرح علياً فقال أطعموه واسقوه واحبسوه فان عشت فانا ولي دمي اعفوا ان شئت وإن شئت استقدت وإن مت فاقتلوه ولا تمثلوا به (مسألة) (وإن اقتتلت طائفتان لعصبية أو طلب رئاسة فهما ظالمتان وتضمن كل واحدة منهما ما اتلفت على الأخرى) لأنها اتلفت نفسها معصومة أو مالاً معصوماً هذا إذا لم تكن واحدة منهما في طاعة الامام فإن كانت احداهما في طاعة الامام تقاتل بأمره فهي محقة وحكم الاخرى حكم من يقاتل الامام لأنهم يقاتلون من أذن له الامام في قتالهم فاشبه المقاتل لجيش الامام فيكون حكمهم حكم البغاة

باب حكم المرتد المرتد هو الذي يكفر بعد إسلامه قال الله تعالى (ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) وقال النبي صلى الله عليه وسلم (من بدل دينه فاقتلوه) وأجمع أهل العلم على وجوب قتل المرتدين روى ذلك عن ابي بكر وعمر وعثمان وعلي عليه السلام ومعاذ وأبي موسى وإبن عباس وخالد رضي الله عنهم وغيرهم فلم ينكر فكان إجماعا (مسألة) (فمن أشرك بالله تعالى أو جحد ربوبيته أو وحد وحدانيته أو صفة من صفاته أو اتخذ صاحبة أو ولداً أو جحد نبياً أو كتاباً من كتب الله أو شيئاً منه أو سب الله سبحانه وتعالى أو رسوله كفر) وجملة ذلك أن المرتد هو الراجع عن دين الاسلام إلى الكفر فمن أقر بالاسلام ثم أنكره وأنكر الشهادتين او إحداهما كفر بغير خلاف (مسألة) (فإن جحد وجوب العبادات الخمس أو شيئاً منها أو أحل الزنا أو الخمر أو شيئاً من المحرمات الظاهرة المجمع على تحريمها لجهل عرف ذلك فإن كان ممن لا يجهل ذلك كفر) وجملة ذلك أنه قد مضى شرح حكم وجوب الصلاة وغيرها من العبادات الخمس في كتاب

مسألة: ومن ترك شيئا من العبادات الخمس تهاونا لم يكفر وعنه يكفر

الصلاة ولا خلاف بين أهل العلم في كفر من ترك الصلاة جاحداً لوجوبها إذا كان ممن لا يجهل مثله ذلك فإن كان ممن لايعرف الوجوب كحديث الاسلام والناشئ بغير دار الإسلام أو بادية بعيدة عن الامصار وأهل العلم لم يحكم بكفره وعرف ذلك وثبتت له أدلة وجوبها فان جحدها بعد ذلك كفر وأما ذا كان الجاحد ناشئاً بين المسلمين في الامصار بين أهل العلم فان يكفر بمجرد جحدها وكذلك الحكم في مباني الإسلام كلها وهي الزكاة والصيام والحج لأنها مباني الاسلام وأدلة وجوبها لاتكاد تخفى إذا كان الكتاب والسنة مشحونين بأدلتها والاجماع منعقد عليها فلا يجحدها إلا معاند للاسلام ممتنع من التزام الاحكام غير قابل لكتاب الله تعالى وسنة رسوله وإجماع الأمة وكذلك من اعتقد حل شئ أجمع المسلمون على تحريمه وظهر حكمه بين المسلمين وزالت الشبهة فيه للنصوص الواردة فيه كلحم الخنزير والزنا الخمر واشباه هذه مما لا خلاف فيه كفر إذا كان قد نشأ بين المسلمين وهو ممن لا يجهل مثله ذلك وقد ذكرناه في تارك الصلاة (فصل) ومن سب الله تعالى أو رسوله كفر سواء كان جاداً أو مازحاً وكذلك من استهزأ بالله سبحانه وتعالى أو بآياته أو برسله أو كتبه لقوله تعالى (ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوص ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم) وينبغي أن لا يكتفى من الهازئ بذلك بمجرد الاسلام حتى يؤدب أدبا يزجره عن ذلك لأنه إذا لم يكتف ممن سب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتوبة فهذا أولى

مسألة: ومن ارتد عن الاسلام من الرجال والنساء وهو بالغ عاقل دعي اليه ثلاثة أيام وضيق عليه فان لم يتب قتل

(فصل) فان استحل قتل المعصومين وأخذ أموالهم بغير شبهة ولا تأويل كفر لما ذكرنا وإن كان بتأويل كالخوارج فقد ذكرنا أن كثيراً من العلماء لم يحكموا بكفرهم مع استحلالهم دماء المسلمين وأموالهم وفعلهم ذلك متقربين إلى الله تعالى وكذلك لم يحكم بكفر ابن ملجم مع قتله أفضل الخلق في زمنه ولا يكفر الماذح له على ذلك أيضاً المتمني مثل فعله وهو عمران بن حطان قال بمدحه لقتل علي يا ضربة من تقي ما أراد بها * إلا ليبلغ عند الله رضوانا اني لأذكره يوما فأحسبه * أوفى البرية عند الله ميزانا وقد عرف من مذهب الخوارج تكفير كثير من الصحابة ومن بعدهم واستحلال دمائهم وأموالهم واعتقادهم التقرب إلى ربهم بقتلهم ومع هذا لم يحكم أكثر الفقهاء بكفرهم لتأويلهم وكذلك يخرج في كل محرم استحل بتأويل مثل هذا فقد روي أن قدامة بن مظعون شرب الخمر مستحلاً فأقام عمر عليه الحد ولم يكفره وكذلك أبو جندل بن سهيل وجماعة شربوا الخمر بالشام مستحلين لها مستدلين بقول الله تعالى (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا) الآية فلم يكفروا وعرفوا تحريهما فتابوا وأقيم عليهم حدها فيخرج فيمن كان مثلهم مثل حكمهم وكذلك كل جاهل بشئ يمكن أن يجهله لا يحكم بكفره حتى يعرف ذلك وتزول عنه الشبهة ويستحله بعد ذلك، وقد

قال أحمد من قال الخمر حلال فهو كافر يستتاب فإن تاب والاضربت عنقه وهذا محمول على من لا يخفى على مثله تحريمه لما ذكرنا، فأما إن أكل لحم الخنزير أو ميتة أو شرب خمراً لم يحكم بردته بمجرد ذلك سواء فعله في دار الحرب أو دار الاسلام لأنه يجوز أن يكون فعله معتقداً تحريمه كما يفعل غير ذلك من المحرمات (فصل) والإسلام شهادة ان لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلوات الخمس، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت فمن أقر بهذا فهو مسلم وتجري عليه أحكام الاسلام ومن أنكر هذا أو شيئاً منه كفر لأن الإقرار بالجميع واجب بالاتفاق ولا يكون مسلماً إلا بذلك فمن أنكر ذلك لم يكن مسلماً ومن أنكر البعض كان كمن أنكر الجميع لأنه اذا أنكر البعض كان البعض الآخر كالمعدوم والدليل على ذلك أن من ترك ركناً من أركان الصلاة عامداً بطلت وكان وجود باقي الاركان كالمعدوم ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم للمسئ في صلاته (ارجع فصل فانك لم تصل) فجعل وجود صلاته كعدمها حيث ترك بعض أركانها وقال تعالى (كذبت قوم نوح المرسلين) وإنما كذبوا نوحا وحده فكان تكذيبهم إياه كتكذيبهم جميع المرسلين، وعلى هذا لو جحد حكماً من أحكام الاسلام مجمعاً عليه كان كمن جحده جميعه

(مسألة) (ومن ترك شيئاً من العبادات الخمس تهاوناً لم يكفر وعنه يكفر) وقد ذكرنا توجيه الروايتين في باب من ترك الصلاة فأما الحج فلا يكفر بتأخيره بحال لان في وجوبه على الفور خلافاً بين العلماء على ما ذكر في موضعه (مسألة) (ومن ارتد عن الاسلام من الرجال والنساء وهو بالغ عاقل دعي اليه ثلاثة أيام وضيق عليه فإن لم يتب قتل) الكلام في هذه المسألة في خمسة فصول: (أحدها) أنه لا فرق بين الرجال والنساء في وجوب القتل، وروي ذلك عن ابي بكر وعمر رضي الله عنهما وبه قال الحسن والزهري والنخعي ومكحول وحماد ومالك والليث والشافعي واسحاق وروي عن علي والحسن وقتادة أنها تسترق ولا تقتل لأن أبا بكر استرق نساء بني حنيفة وذراريهم وأعطى علياً امرأة منهم فولدت له محمد بن الحنفية وهذا بمحضر من الصحابة فلم ينكر فكان اجماعا وقال أبو حنيفة تجبر على الاسلام بالحبس والضرب ولا تقتل لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا تقتلوا امرأة) ولأنها لا تقتل بالكفر الاصلي فلا تقتل بالطارئ كالصبي ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (من بدل دينه فاقتلوه) رواه البخاري وأبو داود، وقال عليه الصلاة والسلام (لا يحل دم امرئ مسلم إلا باحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة) متفق عليه

وروى الدارقطني ان امرأة يقال لها أم مروان ارتدت عن الإسلام فبلغ أمرها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأمر أن تستتاب فإن تابت وإلا قتلت ولأنها شخص مكلف بدل دين الحق بالباطل فتقتل كالرجل وأما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل المرأة فالمراد به الاصلية قال ذلك حين رأى امرة مقتولة وكانت كافرة أصلية وكذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم الذين بعثهم إلى ابن أبي الحقيقق عن قتل النساء ولم يكن فيهم مرتد ويخالف الكفر الاصلي الطارئ بدليل أن الرجل يقر عليه ولا يقتل الشيوخ ولا المكافيف ولا تجبر المرأة على تركه بضرب ولا حبس والكفر الاصلي بخلافه والصبي غير مكلف بخلاف المرأة وأما بنو حنيفة فلم يثبت أن من استرق منهم تقدم له إسلام ولم يكن بنو حنيفة أسلموا كلهم وإنما أسلم بعضهم والظاهر أن الذين أسلموا كانوا رجالاً فمنهم من ثبت على إسلامه منهم ثمامة بن أثال ومنهم من ارتد منهم الدجال الحنفي (الفصل الثاني) إن الردة لا تصح إلا من عاقل فأما الطفل الذي لا يعقل والمجنون ومن زال عقله بنوم أو إغماء أو شرب دواء مباح شربه فلا تصح ردته ولا حكم لكلامه بغير خلاف، قال ابن لمنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على ان المجنون إذا ارتد في حال جنونه مسلم على ما كان عليه قبل ذلك ولو قتله قاتل عمداً كان عليه القود اذا طلب أولياؤه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق) أخرجه

مسألة: ويقتل بالسيف لأنه آلة القتل ولا يحرق بالنار

أبو داود والترمذي وقال حديث حسن ولأنه غير مكلف فلم يؤاخذ بكلامه كما لو يؤاخذ به في اقراره ولا طلاقه ولا عتاقه. وأما السكران والصبي العاقل فيذكر حكمهما فيما بعد إن شاء الله تعالى (الصفل الثالث) أنه لا يقتل حتى يستتاب ثلاثا وهذا قول أكثر أهل العلم منهم عمر وعصاء والنخعي ومالك والثوري والاوزاعي واسحاق وأصحاب الرأي وهذا أحد قولي الشافعي، وعن أحمد رواية أخرى لا تجب استتابته قيل تستحب وهو القول الثاني للشافعي وبه قال عبيد بن عمير وطاوس ويروى عن الحسن لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من بدل دينه فاقتلوه) ولم يذكر استتابته وروي أن معاذاً قدم على أبي موسى فوجد عنده رجلا موثقاً فقال ما هذا؟ قال رجل كان يهودياً فأسلم ثم راجع دينه دين السوء فتهود فقال لا أجلسن حتى يقتل قضاء الله ورسوله ثلاث مرات فأمر به فقتل. متفق عليه ولم يذكر استتابته، ولأنه يقتل لكفره فلم تجب استتابته كالأصلي ولأنه لو قتل قبل الاستتابة لم يضمن ولو حرم قتله قبله ضمن، وقال عطاء إن كان مسلماً أصلياً لم يستتب، وإن كان أسلم ثم ارتد استتيب ولنا حديث أم مروان فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن تستتاب وروى مالك في الموطأ عن عبد الرحمن ابن محمد بن عبد الله بن عبد القاري عن أبيه أنه قدم على عمر رجل من قبل أبي موسى فقال له عمر هل كان من معربة خيبر؟ قال نعم رجل كفر بعد اسلامه فقال ما فعلتم به؟ قال قربناه فضربنا

مسألة: فان قتله غيره بغير إذنه أساء وعزر لاساءته وافتياته على الامام ولا ضمان عليه لأنه محل غير معصوم وسواء قتله قبل الاستتابة أو بعدها لذلك

عنقه فقال عمر فهلا حبستموه ثلاثاً فأطعمتموه كل يوم رغيفاً واستتبتموه لعله يتوب أو يراجع أمر الله اللهم لم أحضر ولم آمر ولم أرض إذ بلغني، ولو لم تجب استتابته لما برئ من فعلهم ولأنه أمكن ستصلاحه فلم يجز إتلافه قبل استصلاحه كالثوب النجس، وأما الأمر بقتله فالمراد به بعد الاستتابة بدليل ما ذكرناه، وأما حديث معاذ فإنه قد جاء فيه وكان قد استتيب، ويروى أن أبا موسى استتابه شهرين قبل قدوم معاذ عليه وفي رواية فدعاه عشرين ليلة أو قريباً من ذلك فجاء معاذ فدعاه وأبى فضربت عنقه رواهن أبو داود، ولا يلزم من تحريم القتل وجوب الضمان بدليل نساء أهل الحرب وصبيانهم إذا ثبت وجوب الاستتابة فمدتها ثلاثة أيام روى ذلك عن عمر رضي الله عنه، وبه قال مالك واسحاق وأصحاب الرأي وهو أحد قولي الشافعي وقال في الآخر ان تاب والاقتل مكانه وهذا أصح قوليه وهو قول ابن المنذر لحديث أم مروان لأنه مصر على كفره اشبه بعد الثلاث، وقال الزهري يدعى ثلاث مرات فان أبى ضربت عنقه وهذا يشبه قول الشافعي، وقال النخعي يستتاب أبدا وهذا يفضي إلى أنه لا يقتل أبدا وهو مخالف للسنة والاجماع وعن علي أنه استتاب رجلاً شهراً ولنا حديث علي ولأن الردة إنما تكون لشبهة ولا تزول في الحال فوجب أن ينظر مدة؟ رتئي، فيها وأولى كل ذلك ثلاثة أيام للاثر فيها وانها مدة قريبة وينبغي أن يضيق عليه في مدة

لاستتابة ويحبس لقول عمر: هلا حبستموه وأطعمتوه كل يوم رغيفاً؟ وتتكرر دعايته لعله ينعطف قلبه فيراجع دينه. (الفصل الرابع) إن لم يتب قتل لما تقدم ذكره وهو قول عامة الفقهاء (مسألة) (ويقتل بالسيف لأنه آلة القتل ولا يحرق بالنار) وروي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه أمر بتحريق المرتدين وفعل ذلك بهم خالد والأولى أولى لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من بدل دينه فاقتلوه ولا تعذبوا بعذاب الله) يعني النار أخرجه البخاري وقال عليه الصلاة والسلام (ان الله كتب الاحسان على كل شئ فاذا قتلتم فأحسنوا القتلة) (الفصل الخامس) أن مفهوم كلام المصنف في هذه المسألة إذا تاب قبلت توبته وسنذكره إن شاء الله تعالى (مسألة) (ولا يقتله إلا الإمام أو نائبه حراً كان المرتد أو عبداً) وهذا قول عامة أهل العلم إلا الشافعي في أحد الوجهين في العبد أن لسيده قتله، وعن أحمد رحمه الله أن له قتله في الردة وقطعه في السرقة لقول النبي صلى الله عليه وسلم (أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم) ولأن حفصة قتلت جارية سحرتها وابن عمر قطع عبداً سرق ولأنه حد لله تعالى فملك السيد إقامته كحد الزاني. ولنا أنه قتل لحق الله تعالى فكان إلى الامام كقتل الحر، فأما قوله (أقيموا الحدود على ما

ملكت أيمانكم) فلا يتناول القتل في الردة فانه قتل لكفره لا حدا في حقه، وأما خبر حفصة فان عثمان تغيظ عليها وشق عليه، فأما الجلد في الزنا فانه تأديب عبده بخلاف القتل وقد ذكرنا ذلك في الحدود (مسألة) (فان قتله غيره بغير إذنه أساء وعزر لاساءته وافتياته على الامام ولاضمان عليه) لأنه محل غير معصوم وسواء قتله قبل الاستتابة أو بعدها لذلك (مسألة) (وإن عقل الصبي الاسلام صح اسلامه وردته وعنه يصح اسلامه دون ردته وعنه لا يصح منهما شئ حتى يبلغ) والمذهب الأول يصح إسلام الصبي في الجملة وبهذا قال أبو حنيفة واسحاق وابن ابي شيبة وابو أيوب، وقال الشافعي وزفر لا يصح اسلامه حتى يبلغ لقول النبي صلى الله عليه وسلم (رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يبلغ) حديث حسن ولأنه قول تثبت به الاحكام فلم يصح من الصبي كالهبة والعتق ولأنه أحد من رفع عنه القلم فلم يصح إسلامه كالنائم والمجنون ولأنه غير مكلف أشبه الطفل ولنا عموم قوله عليه الصلاة والسلام (من قال لا إله إلا الله دخل الجنة) وقوله (أمرت أن أقاتل الناس حق يقولوا لا إله إلا الله فاذا قالوها عصموا مني دماءهم إلا بحقها وحسابهم على الله) وقال عليه الصلاة والسلام (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه حتى يعرب عنه لسانه إما شاكراً وإما كفورا) وهذه الأخبار يدخل في عمومها الصبي ولأن الاسلام عبادة محضة فصحت

مسألة: وإن أسلم ثم قال: لم أدر ما قلت لم يلتفت إلى قوله وأجبر على الاسلام

من الصبي العاقل كالصلاة والحج، ولأن الله تعالى دعا عباده الى دار السلام وجعل طريقها الاسلام وجعل من لم يجب دعوته في الجحيم والعذاب الاليم، فلا يجوز منع الصبي من إجابة دعوة الله تعالى مع إجابته اليها وسلوكه طريقها ولا الزامه بعذاب الله والحكم عليه بالنار وسد طريق النجاة عليه مع هربه منها ولأن ما ذكرناه إجماع فان علياً رضي الله عنه أسلم صبياً وقال سبقتكم إلى الاسلام طرا صبيا ما بغلت اوان حلمي ولهذا قيل: أول من أسلم من الرجال أبو بكر، ومن الصبيان علي، ومن النساء خديجة، ومن العبيد بلال، وقال عروة أسلم علي والزبير وهما ابنا ثمان سنين وبايع النبي صلى الله عليه وسلم ابن الزبير لسبع او ثمان سنين ولم يرد النبي صلى الله عليه وسلم على أحد اسلامه من صغير أو كبير، فأما قوله عليه السلام (رفع القلم عن ثلاثة) فلا حجة لهم فيه فانه يقتضي أن لا يكتب عليه ذنب والاسلام يكتب له لا عليه ويسعد به في الدنيا والآخرة فهو كالصلاة تصح منه وتكتب له وإن لم تجب عليه وكذلك غيرها من العبادات المحضة، فان قيل فالاسلام يوجب عليه الزكاة في ماله ونفقة قريبه المسلم ويحرمه ميراث قريبه الكفار ويفسخ نكاحه، قلنا أما الزكاة فإنها نفع لأنها سبب الزيادة والنماء وتحصين المال والثواب، وأما الميراث والنفقة فأمر متوهم وهو مجبور بميراثه من أقاربه المسلمين وسقوط نفقة أقاربه الكفار ثم هذا الضرر مغمور في جنب ما يحصل له من سعادة الدنيا والآخرة وخلاصه من شقاء الدارين والخلود في الجحيم منزل منزلة الضرر في أكل القوت المتضمن فوت ما يأكله وكلفة تحريك فيه لما كان بقاؤه لم يعد ضررا والضرر في مسئلتنا في جنب ما يحصل من النفع أدنى من ذلك بكثير

مسألة: ولا يقتل حتى يبلغ ويجاوز ثلاثة أ] ام من وقت بلوغه فان ثبت على كفره قتل

(فصل) واشترط الخرقي لصحة إسلامه: أن يكون له عشر سنين لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بضربه على الصلاة لعشر، وأن يكون ممن يعقل الاسلام ومعناه أن يعلم أن الله تعالى ربه لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله وهذا لا خلاف في اشتراطه فان الطفل الذي لا يعقل لا يتحقق منه اعتقاد الإسلام وإنما كلامه لقلقة بلسانه لا يدل على شئ، فأما اشتراط العشر فان أكثر المصححين لإسلامه لم يشترطوا ذلك ولم يحدوا له حداً من السنين، وحكاه ابن المنذر عن أحمد لأن المقصود متى حصل لم يحتج إلى زيادة عليه، وروى عن أحمد إذا كان ابن سبع سنين فاسلامه إسلام وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (مروهم بالصلاة لسبع) فدل على أن ذلك حد لامرهم وصحة عبادتهم فيكون حداً لصحة إسلامهم، وقال ابن أبي شيبة إذا أسلم وهو ابن خمس سنين جعل إسلامه إسلاماً ولعله يقول أن علياً عليه السلام أسلم وهو ابن خمس لأنه قد قيل انه قد مات وهو ابن ثمان وخمسين سنة فعلى هذا يكون اسلامه وهو ابن خمس لأن مدة النبي منذ بعث إلى أن مات ثلاث وعشرون سنة وعاش علي بعده ثلاثين سنة فذلك ثلاث وخمسون فاذا ضممنا اليها خمساً كانت ثمانياً وخمسين وقال أبو أيوب أجيز اسلام ابن ثلاث سنين من أصاب الحق من صغير أو كبير أجزناه وهذا لا يكاد يعقل الاسلام ولا يدري ما يقول ولا يثبت لقوله حكم فان وجد ذلك منه ودلت أحواله وأقواله على معرفة الاسلام وعقله إياه صح منه كغيره (مسألة) (وإن أسلم ثم قال لم أدر ما قلت لم يلتفت إلى قوله وأجبر على الاسلام) متى حكمنا بصحة إسلام الصبي لمعرفتنا بفعله بأدلته فرجع وقال لم أدر ما قلت لم يقبل قوله ولم يبطل إسلامه الاول، وروى عن أحمد أنه يقبل منه ولا يجبر على الاسلام

قال أبو بكر هذا قول محتمل لأن الصبي في مظنة النقص فيجوز أن يكون صادقاً قال والعمل على الأول لأنه قد ثبت عقله للاسلام ومعرفته به بأفعاله أفعال العقلاء وتصرفاته تصرفاتهم وتكلمه بكلامهم وهذا يحصل به معرفة عقله، ولهذا اعتبرنا رشده بعد بلوغه بأفعاله وتصرفاته، وعرفنا جنون المجنون وعقل العاقل بما يصدر عنه من أقواله وأفعاله وأحواله فلا يزول ما عرفناه بمجرد دعواه وهكذا كل من تلفظ بالاسلام أو اخبر عن نفسه ثم أنكر معرفته بما قال لم يقبل إنكاره وكان مرتدا نص عليه أحمد في مواضع، فعلى هذا إذا ارتد صحت ردته وأجبر على الاسلام وهو قول أبي حنيفة والظاهر من مذهب مالك، وعند الشافعي لا يصح اسلامه ولا ردته وقد روي أنه يصح اسلامه ولا تصح ردته لقوله عليه الصلاة والسلام (رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يبلغ) وهذا يقتضي أنه لا يكتب عليه ذنب ولا شئ ولو صحت ردته لكتبت، وأما الاسلام فلا يكتب عليه إنما يكتب له ولأن الردة أمر يوجب القتل فلم يثبت حكمه في حق الصبي كالزنا، ولان الاسلام إنما صح منه لانه تمحض مصلحة فأشبه الوصية والتدبير، والردة تمحضت مضرة ومفسدة فلم يلزم صحتها، منه فعلى هذا حكمه حكم من لم يرتد فاذا بلغ فان أصر على الكفر كان مرتداً حينئذ (مسألة) (ولا يقتل حتى يبلغ ويجاوز ثلاثة أيام من وقت بلوغه فان ثبت على كفره قتل) وجملة ذلك أن الصبي لا يقتل إذا ارتد سواء قلنا بصحة ردته أو لا لأن الغلام لا يجب عليه عقوبة

مسألة: وهل تقبل توبة الزنديق ومن تكررت ردته أو من سب الله تعالى أو رسوله أو الساحر؟ على روايتين: إحداهما لا تقبل توبته ويقتل بكل حال، إحداهما لا تقبل توبته ويقتل بكل حال، والأخرى تقبل توبته كغيره

بدليل أنه لا يتعلق به حكم الزنا والسرقة وسائر الحدود ولا يقتل قصاصا فاذا بلغ وثبت على ردته ثبت حكم الردة حينئذ فيستتاب ثلاثاً فإن تاب وإلا قتل سواء قلنا انه كان مرتداً قبل بلوغه أو لم نقل وسواء كان مسلماً أصلياً فارتد أو كان كافراً فأسلم صبياً ثم ارتد [مسألة] (ومن ارتد وهو سكران لم يقتل حتى يصحو ويتم له ثلاثة أيام من وقت ردته فإن مات في سكره مات كافراً وعنه لا تصح ردته) اختلفت الرواية عن احمد في ردة السكران فروي عنه أنها تصح قال أبو الخطاب وهو أظهر الروايتين عنه وهو مذهب الشافعي وعنه لا تصح ردته وهو قول أبي حنيفة لأن ذلك يعلق بالاعتقاد والقصد والسكران لا يصح عقده فأشبه المعتوه ولأنه زائل العقل فلم تصح ردته كالنائم والمجنون ولأنه غير مكلف فاشبه المجنون. ووجه الرواية الأولى أن الصحابة قالوا في السكران إذا سكر هذى وإذا هذى افترى فحدوه حد المفتري وأوجبوا عليه حد الفرية التي يأتي بها في سكره وأقاموا مظنتها (مظلتها) مقامها ولأنه يقع طلاقه فصحت ردته كالصاحي، وقولهم ليس بمكلف ممنوع فان الصلاة واجبة عليه وكذلك سائر أركان الإسلام، ويأثم بفعل المحرمات وهذا معنى التكليف، ولأن السكران لا يزول عقله بالكلية ولهذا يتقي المحذورات ويفرح بما يسره ويساء بما يضره ويزول سكره عن قريب من الزمان فأشبه الناعس بخلاف المجنون، وأما استتابته فتؤخر إلى حين صحوه فيكمل عقله ويفهم ما يقال له وتزول شبهته إن كان قد قال الكفر معتقداً له كما تؤخر استتابته إلى حين زوال شدة عطشه وجوعه ويؤخر الصبي

إلى حين بلوغه وكمال عقله ولأن القتل جعل للزجر ولا يحصل في حال سكره وإن قتله قاتل في حال سكره لم يضمنه لأن عصمته زالت بردته وإن مات أو قتل لم يرثه ورثته، ولا يقتل حتى يتم له ثلاثة أيام من وقت ردته فان استمر سكره أكثر من ثلاث لم يقتل حتى يصحو ثم يستتاب عقيب صحوه فإن تاب وإلا قتل في الحال (فصل) فان أسلم في سكره صح إسلامه كما صحت ردته ثم يسئل بعد صحوه فان ثبت على إسلامه فهو مسلم من حين أسلم لأن إسلامه صح وإنما يسئل استظهاراً فان مات بعد إسلامه في سكره مات مسلماً ويصح إسلامه في سكره سواء كان أصلياً أو مرتداً لأنه إذا صحت ردته مع أنها محض مضرة وقول باطل فلأن يصح إسلامه الذي هو محض مصلحة أولى، ويتخرج أن لا يصح فان من لا تصح ردته لا يصح اسلامه كالمجنون (فصل) ولا تصح ردة المجنون ولا إسلامه لأنه لا قول له فان ارتد في صحته ثم جن لم يقتل في حال جنونه لأنه يقتل بالاصرار على الردة والمجنون لا يوصف بالاصرار ولا يمكن استتابته، ولو وجب عليه القصاص فجن قتل لأن القصاص لا يسقط عنه بسبب من جهته وههنا يسقط برجوعه ولأن القصاص إنما يسقط بسبب من جهة المستحق له فنظير مسئلتنا أن يجن المستحق للقصاص فانه لا يستوفى في حال جنونه.

(مسألة) (وهل تقبل توبة الزنديق ومن تكررت ردته أو من سب الله تعالى أو رسوله أو الساحر؟ على روايتين: (إحداهما) لاتقبل توبته ويقتل بكل حال والأخرى تقبل توبته كغيره) مفهوم كلام الشيخ رحمه الله أن المرتد إذا تاب تقبل توبته ولم يقتل أي كافر كان وهو ظاهر كلام الخرقي سواء كان زنديقاً أو لم يكن وهذا مذهب الشافعي والعنبري ويروى ذلك عن علي وابن مسعود وهو إحدى الروايتين عن أحمد واختيار أبي بكر الخلال وقال انه أولى على مذهب أبي عبد الله (والرواية الأخرى) لا تقبل توبة الزنديق ومن تكررت ردته وهو قول مالك والليث واسحاق وعن أبي حنيفة روايتان كهاتين واختيار أبي بكر أنها لا تقبل لقول الله تعالى (إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا) والزنديق لا يظهر منه ما يبين به رجوعه وتوبته لأنه كان مظهراً للاسلام مسراً للكفر فاذا أظهر التوبة لم يزد على ما كان منه قبلها وهو إظهار الاسلام وأما من تكررت ردته فقد قال الله تعالى (إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا) وروى الأثرم باسناده عن ظبيان بن عمارة أن رجلا من بني سعد مر على مسجد بني حنيفة فاذا هم يقرءون برجز مسيلمة فرجع الى ابن مسعود فذكر ذلك له فبعث اليهم فاتي بهم فاستتابهم

فتابوا فخلى سبيلهم إلا رجلا منهم يقال له ابن النواحة قال اتيت بك مرة فزعمت أنك قد تبت وأراك قد عدت فقتله ووجه الرواية الأولى قول الله تعالى (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) وروى أن رجلا سار رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يدر ماساره به فاذا هو يستأذنه في قتل رجل من المنافقين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اليس يشهد ان لا إله إلا الله؟) قال بلى ولا شهادة له قال (أليس يصلي؟) قال بلى ولا صلاة له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أولئك الذين نهاني الله عن قتلهم) وقد قال الله تعالى (ان المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا إلا الذين تابوا) وروي أن محش بن حمير كان في النفر الذين أنزل فيهم (ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب) فأتى النبي صلى الله عليه وسلم وتاب الى إلى الله تعالى فقبل توبته وهو الطائفة التي عفا الله عنها بقوله سبحانه (إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة) وروي أنه سأل الله تعالى أن يقتل شهيداً في سبيله ولا يعلم بمكانه فقتل يوم اليمامة ولم يعلم موضعه ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كف عن المنافقين بما أظهروا من الشهادة مع اخبار الله تعالى له بباطنهم بقوله تعالى (يحلفون بالله إنهم لمنكم وماهم منكم ولكنهم قوم يفرقون) وغيرها من الآيات وحديث ابن مسعود حجة في قبول توبتهم مع اسرارهم بكفرهم فأما قتل ابن النواحة فيحتمل أنه قتله لظهور كذبه في توبته لأنه أظهرها وتبين أنه ما زال عما كان عليه من كفره ويحتمل انه قتله لقول النبي صلى الله عليه وسلم له حين جاء رسولا لمسيلمة (لولا أن الرسل لا تقتل لقتلتك) تحقيقاً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد روي انه قتله لذلك (فصل) فأما من سب الله سبحانه وتعالى ورسوله فروى القاضي عن أحمد أنه قال لا توبة لمن سب رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر أبو الخطاب رواية أخرى أن توبته مقبولة لقول الله تعالى (قل للذين

مسألة: وتوبة المرتد إسلامه وهو أن يشهد أن لا إله إلا الله محمدا عبده ورسوله، الا أن تكون ردته بانكار فرض أو احلال محرم، أو جحد نبي أو كتاب، أو إلى دين من يعتقد أن محمدا بعث الى العرب خاصة، فلا يصح إسلامه حتى يقر بما جحده ويشهد أن محمدا بعث الى الع

كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) ولحديث محش ابن حمير ولأن من زعم أن لله ولداً فقد سب الله تعالى بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم إخباراً عن ربه تعالى أنه قال (شتمني ابن آدم وما ينبغي له أن يشتمني أما شتمه إياي فزعم أن لي ولداً) وتوبته مقبولة بغير خلاف وإذا قبلت توبة من سب الله تعالى فمن سب نبيه صلى الله عليه وسلم أولى أن تقبل توبته (فصل) وهل تقبل توبة الساحر؟ فيه روايتان (إحداهما) لا يستتاب وهو ظاهر ما نقل عن الصحابة رضي الله عنهم فانه لم ينقل عن أحد منهم أنه استتاب ساحراً وفي الحديث الذي رواه هشام عن عروة عن عائشة أن امرأة جاءتها فقالت يا أم المؤمنين ان عجوز اذهبت بي الى هاروت وماروت فقلت علماني السحر فقالا اتقي الله ولا تكفري فانك على رأس أمرك فقلت علماني السحر فقالا اذهبي الى ذلك التنور فبولي فيه ففعلت فرأيت كأن فارساً مقنعاً في الحديد خرج مني حتى طار فغاب في السماء فرجعت اليهما فأخبرتهما فقالا: ذلك إيمانك وذكرت باقي القصة إلى أن قالت والله يا أمير المؤمنين ما صنعت شيئاً غير هذا ولا أصنعه أبداً فهل لي من توبة؟ قالت عائشة رأيتها تبكي بكاء شديداً فكانت في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم متوافرون تسألهم هل لها من توبة؟ فما أفتاها أحد إلا ابن عباس قال إن كان أحد من أبويك حياً فبريه وأكثري من عمل البر ما استطعت ولأن السحر معنى في قلبه لا يزول بالتوبة فيشبه من لم يتب (والرواية الثانية) يستتاب فإن تاب قبلت توبته فإن الله تعالى قبل توبة سحرة فرعون وجعلهم من أوليائه في ساعة ولأن الساحر لو كان كافراً فأسلم صح إسلامه وتوبته فإذا صحت التوبة منهما صحت من أحدهما كالكفر ولانه الكفر والقتل ما هو إلا بعمله بالسحر بدليل الساحر إذا أسلم والعمل به تمكن التوبة منه وكذلك اعتقاد ما يكفر باعتقاده تمكن التوبة منه كالشرك

(فصل) والخلاف بين الأئمة في قبول توبتهم إنما هو في الظاهر من أحكام الدنيا من ترك قتلهم وثبوت أحكام الاسلام في حقهم فأما قبول الله تعالى لها في الباطن وغفران ذنوبهم لمن تاب وأقلع ظاهراً وباطناً فلا خلاف فيه فإن الله تعالى قال في المنافقين (إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤتي الله المؤمنين أجرا عظيما) [مسألة] (وتوبة المرتد إسلامه وهو أن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله إلا أن تكون ردته بانكار فرض أو احلال محرم أو جحد نبي أو كتاب أو إلى دين من يعتقد أن محمداً بعث الى العرب خاصة فلا يصح إسلامه حتى يقر بما جحده ويشهد أن محمداً بعث الى العالمين أو يقول انا برئ من كل دين يخالف الاسلام) من ثبتت ردته باقرار أو بينة فتوبته أن يشهد أن لا إله إلا الله ولا يكشف عن صحة ما شهد به عليه ويخلى سبيله ولا يكلف الاقرار لما نسب اليه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لاإله إلا الله فاذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم الا بحقها وحسابهم على الله) متفق عليه. ولأن هذا يثبت به إسلام الكافر الأصلي فكذلك إسلام المرتد ولا حاجة مع ثبوت إسلامه إلى الكشف عن صحة ردته وهذا يكفي فيمن كانت ردته بجحد الوحدانية أو جحد رسالة محمد صلى الله عليه وسلم أو جحدهما معاً، فأما من كفر بغير هذا فلا يحصل اسلامه إلا بالاقرار بما جحده فمن أقر برسالة محمد صلى الله عليه وسلم وأنكر أنه مبعوث إلى العالمين فلا يثبت إسلامه حتى يشهد أن محمداً رسول الله

بعث إلى الخلق أجمعين أو تبرأ مع الشهادتين من كل دين يخالف الاسلام، فإن زعم أن محمداً رسول مبعوث بعد غير هذا لزمه الاقرار بأن هذا المبعوث هو رسول الله لأنه إذا اقتصر على الشهادتين احتمل انه أراد ما اعتقدوه وإن ارتد بجحود فرض لم يسلم حتى يقر بما جحده ويعيد الشهادتين لأنه كذب الله ورسوله بما اعتقده وكذلك إن جحد نبياً أو آية من كتاب الله تعالى أو كتاباً من كتبه أو ملكاً من ملائكته الذين ثبت أنهم ملائكة الله أو استباح محرماً فلابد في إسلامه من الإقرار بما جحده، وأما الكافر بجحد الدين من أصله اذا شهد أن محمداً رسول الله واقتصر على ذلك ففيه روايتان (إحداهما) يحكم باسلامه لأنه روي أن يهودياً قال أشهد أن محمداً رسول الله ثم مات فقال النبي صلى الله عليه وسلم (صلوا على صاحبكم) ولأنه يقر برسالة محمد صلى الله عليه وسلم فيما جاء به وقد جاء بتوحيده (والثانية) إن كان مقراً بالتوحيد كاليهود حكم باسلامه لأن توحيد الله ثابت في حقه وقد ضم إليه الإقرار برسالة محمد صلى الله عليه وسلم فكمل إسلامه وإن كان غير موحد كالنصارى والمجوس وعبدة الأوثان لم يحكم باسلامه حتى يشهد أن لا إله إلا الله وبهذا جاءت أكثر الأخبار وهو الصحيح لأن من يجحد شيئين لا يزول جحدهما إلا باقراره بهما جميعاً وإن قال أشهد أن النبي رسول الله لم يحكم باسلامه لأنه يحتمل أنه يريد غير نبينا. وإن قال أنا مؤمن أو أنا مسلم فقال القاضي يحكم باسلامه

مسألة: وإذا أتى الكافر بالشهادتين ثم قال لم أرد الاسلام صار بذلك مرتدا ويجبر على الاسلام

بهذا وإن لم يأت بلفظ الشهادتين لانهما اسمان لشئ معلوم معروف وهو الشهادتان فاذا أخبر عن نفسه بما تضمن الشهادتين كان مخبراً بهما وروى المقداد أنه قال يارسول الله: إن لقيت رجلا من الكفار فقاتلني فضرب إحدى يدي بالسيف فقطعها ثم لاذ مني بشجرة فقال أسلمت أفأقتله يارسول الله بعد أن قالها؟ قال (لا تقتله فان قتلته فانه بمنزلتك قبل أن تقتله وانك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قالها) وعن عمر إن ابن حصين قال: أصاب المسلمون رجلا من بني عقيل فأتوا به النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد إني مسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لو كنت قلت وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح) رواهما مسلم ويحتمل أن هذا في الكافر الاصلي أو من جحد الوحدانية أما من كفر بجحد نبي أو كتاب أو فريضة أو نحو هذا فانه لا يصير مسلما بذلك لأنه ربما اعتقد أن الاسلام ما هو عليه فان أهل البدع يعتقدون أنهم هم المسلمون ومنهم من هو كافر [مسألة] (وإذا أتى الكافر بالشهادتين ثم قال لم أرد الاسلام صار بذلك مرتداً ويجبر على الاسلام) نص عليه أحمد في رواية جماعة ونقل عن أحمد أنه يقبل منه ولا يجبر على الاسلام لأنه يحتمل الصدق فلا يراق دمه بالشهادة والأول أولى لأنه قد حكم بإسلامه فلم يقبل إذا رجع كما لو طالت مدته [مسألة] (واذا مات المرتد فأقام وارثه بينة أنه صلى بعد الردة حكم باسلامه)

مسألة: واذا مات المرتد وارثه بينة أنه صلى بعد الردة حكم باسلامه

متى صلى الكافر حكم بإسلامه أصلياً كان أو مرتداً جماعة أو فرادى في دار الحرب أو في دار الإسلام، وقال الشافعي يحكم باسلامه إذا صلى في دار الحرب ولا نحكم باسلامه في دار الإسلام لأنه يحتمل أنه صلى رياء وتقية. ولنا أن ما كان اسلاماً في دار الحرب كان اسلاما في دار الإسلام كالشهادتين واحتمال التقية والرياء يبطل بالشهادتين وأما سائر أركان الإسلام من الزكاة والصيام والحج فلا يحكم باسلامه به فان المشركين كانوا يحجون في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى منعهم فقال (لا يحج بعد العام مشرك) والزكاة صدقة وهم يتصدقون وقد فرض على نصارى بني تغلب من الزكاة مثلا ما يؤخذ من المسلمين فلم يصيروا بذلك مسلمين وأما الصيام فلكل أهل دين صيام ولأن الصيام ليس بفعل إنما هو امساك عن أفعال مخصوصة وقد يتفق هذا من الكافر كاتفاقه من المسلم ولا عبرة بالنية فإنها أمر باطن لا علم به بخلاف الصلاة فإنها أفعال تتميز عن أفعال الكفار ويختص بها أهل الاسلام ولا يثبت بها الاسلام حتى يأتي بصلاة يتميز بها عن صلاة الكفار من استقبال قبلتنا والركوع والسجود ولا يحصل بمجرد القيام لأنهم يقومون في صلاتهم إذا ثبت هذا فإنه متى مات المرتد فأقام وارثه بينة أنه صلى بعد ردته حكم لهم بالميراث إلا أن يثبت أنه ارتد بعد صلاته أو تكون ردته بجحد فريضة

أو كتاب أو نبي أو ملك أو نحو ذلك من البدع التي ينسب أهلها إلى الاسلام فانه لا يحكم باسلامه بصلاته لأنه يعتقد وجوب الصلاة ويعتقدها مع كفره فأشبه فعله غيرها [مسألة] (ولا يبطل إحصان المسلم بردته ولا عباداته التي فعلها في إسلامه إذا عاد إلى الإسلام) يعني إذا كان محصناً فارتد ثم أسلم لم يصر غير محصن بل متى زنا رجم لأنه يثبت له حكم الإحصان والأصل بقاء ما كان على ما كان ولا تبطل عباداته التي فعلها في إسلامه إذا عاد إلى الإسلام لأنه فعلها على وجهها وبرئت ذمته منها فلم تعد الى ذمته كديون الآدميين وإن كان قد حج حجة الإسلام قبل ردته لم يجب عليه إعادتها إذا عاد إلى الإسلام لما ذكرنا [فصل] قال الشيخ رحمه الله (ومن ارتد لم يزل ملكه بل يكون موقوفاً وتصرفاته موقوفة فان أسلم ثبت ملكه وتصرفاته وإلا بطلت) لا يحكم بزوال ملك المرتد بردته في قول أكثر أهل العلم فعلى هذا إن قتل أو مات زال ملكه بموته وإن راجع الإسلام فملكه باق له فعلى هذا تصرفاته في ردته بالبيع والهبة والعتق والتدبير والوصية ونحو ذلك موقوفة إن أسلم تبينا أن تصرفه كان صحيحاً فان قتل أو مات كان باطلاً وقال مالك يزول ملكه بردته فان راجع الاسلام رد اليه تمليكا مستأنفا لأن عصمة نفسه وماله إنما تثبت

باسلامه فزوال اسلامه يزيل عصمتهما كما لو لحق بدار الحرب ولأن المسلمين ملكوا إراقة دمه بردته فوجب أن يملكوا أمواله بها وقال أصحاب أبي حنيفة ماله موقوف إن أسلم تبينا بقاء ملكه وإن مات أو قتل تبينا زواله من حين ردته، وقال الشريف أبو جعفر: هذا ظاهر كلام أحمد وعن الشافعي الاقول ا؟ (الأقوال) الثلاثة ولنا ان الردة سبب يبيح دمه كزنا المحصن، وقتل من يكافئه عمداً لا يلزم منه زوال الملك بدليل الزاني المحصن والقاتل في المحاربة فان ملكهم ثابت مع عدم عصمتهم، ولو لحق المرتد بدار الحرب لم يزل ملكه لكن يباح لكل احد قتله بغير استتابة وأخذ ماله لمن قدر عليه لأنه صار حربياً حكمه حكم أهل الحرب، ولو ارتد جماعة وامتنعوا في دارهم عن طاعة الامام زالت عصمتهم في أنفسهم وأموالهم لأن الكفار الاصليين لا عصمة لهم في دارهم فالمرتدون أولى (فصل) فأما على قول أبي بكر فتصرف المرتد باطل لانه ملكه قد زال بردته وهذ أحد أقوال الشافعي وعن الشافعي قول آخر إنه ان تصرف قبل الحجر عليه انبنى على الاقوال الثلاثة وان تصرف بعد الحجر عليه لم يصح تصرفه كالسفيه ولنا ان ملكه تعلق به حق غيره مع بقاء ملكه فيه فكان تصرفه موقوفا كتبرع المريض

مسألة: ولا يبطل إحصان المسلم بردته ولا عباداته التي فعلها في إسلامه إذا عاد الى الاسلام

(فصل) وان تزوج لم يصح تزوجه لأنه لا يقر على النكاح وما منع الاقرار على النكاح منع انعقاده كنكاح الكافر المسلمة وان زوج موليته لم يصح لأن ولايته على موليته قد زالت بردته وكذلك ان زوج امته لأن النكاح لا يكون موقوفاً ولأن النكاح وإن كان في الامة فلابد في عقده من ولاية صحيحة بدليل أن المرأة لا يجوز أن تزوج امتها وكذلك الفاسق والمرتد لا ولاية له فانه أدنى حالا من الفاسق الكافر (فصل) ويوخذ مال المرتد فيترك عند ثقة من المسلمين فإن كان له اماء جعلن عند امرأة ثقة لأنهن محرمات عليه فلا يمكن منهن، وذكر القاضي أنه يؤجر عقاره وعبيده واماءه، قال شيخنا والأولى أن لا يفعل ذلك لأن مدة انتظاره قريبة ليس في انتظاره فيها ضرر فلا يفوت عليه منافع ملكه فيما لا يرضاه من أجلها فانه ربما راجع الاسلام فيمتنع عليه التصرف في ماله باجارة الحاكم له، وان لحق بدار الحرب أو تعذر قتله مدة طويلة فعل الحاكم له ما يرى الحظ فيه من بيع الحيوان الذي يحتاج الى النفقة وغيره واجارة ما يرى ابقاءه والمكاتب يؤدي إلى الحاكم ويعتق بالاداء لأنه نائب عنه (مسألة) (ويقضي ديونه واروش جناياته وينفق على من تلزمه مؤنته) يعني إذا مات أو قتل فانه يبدأ بقضاء ديونه وارش جنايته ونفقة زوجته واقاربه الذين تلزمه مؤنتهم لأن هذه الحقوق لا يجوز تعطيلها وأولى ما يؤخذ من ماله في الصحيح من المذهب وعنه

انه لورثته من المسلمين وعنه انه لورثته من أهل الدين الذي انتقل اليه وقد ذكرنا ذلك في الفرائض (فصل) واذا وجد من المرتد سبب يقتضي الملك كالصيد والاحتشاش والاتهاب والشراء وايجار نفسه اجارة خاصة أو مشتركة ثبت الملك له لأنه أهل للملك ولذلك بقيت أملاكه الثابتة له ومن قال ان ملكه يزول لم يثبت له ملكا لأنه ليس بأهل للملك ولهذا زالت املاكه الثابتة، فان اسلم احتمل أن لا يثبت له شئ أيضاً لأن السبب لم يثبت حكمه واحتمل ان يثبت الملك له حينئذ لأن السبب موجود وإنما امتنع ثبوت حكمه لعدم أهليته فاذا وجدت تحقق الشرط فيثبت الملك حينئذ كما تعود اليه املاكه التي زالت عنه عند عود أهليته، فعلى هذا إن مات أو قتل انتقل الملك الى من ينتقل اليه ماله لأن هذا في معناه (فصل) وان لحق المرتد بدار الحرب فالحكم فيه حكم من هو في دار الإسلام الا أن ما كان معه من ماله يصير مباحاً لمن قدر عليه كما أبيح دمه، واما املاكه وماله الذي في دار الإسلام فملكه ثابت فيه ويتصرف فيه الحاكم بما يرى المصلحة فيه وقال أبو حنيفة يورث ماله كما لو مات لأنه قد صار في حكم الموتى بدليل حل دمه وماله الذي معه لكل من قدر عليه ولنا أنه حي فلم يورث كالحربي الأصلي وحل دمه لا يوجب توريث ماله بدليل الحربي الأصلي وانما حل ماله الذي معه لأنه زال العاصم له فأشبه مال الحربي الذي في دار الحرب وأما الذي في دار الإسلام فهو باق على العصمة كمال الحربي الذي مع مضاربه في دار الإسلام أو عند مودعه (مسألة) (وما أتلف من شئ ضمنه ويتخرج في الجماعة الممتنعة أن لا يضمن ما اتلفه

مسألة: ويقضي ديونه واروش جناياته وينفق على من تلزمه مؤنته

اذا ارتد قوم فأتلفوا مالا للمسلمين لزم ضمان ما أتلفوه سواء تحيزوا وصاروا في منعة أو لم يصيروا ذكره أبو بكر قال القاضي وهو ظاهر كلام أحمد وقال الشافعي حكمهم حكم أهل البغي فيما اتلفوه من الأنفس والأموال لأن تضمينهم يؤدي الى تنفيرهم عن الرجوع الى الاسلام فأشبهوا أهل البغي ولنا ما روى عن أبي بكر رضي الله عنه انه قال لأهل الردة حين رجعوا تردون علينا ما أخذتم منا ولا نرد عليكم ما أخذنا منكم وان تدوا قتلانا ولا ندي قتلاكم قالوا نعم يا خليفة رسول الله قال عمر كل ما قلت كما قلت الا أن يدوا ما قتل منافلا لأنهم قوم قتلوا في سبيل الله واستشهدوا، ولأنهم اتلفوه بغير تأويل فأشبهوا هل الذمة، فاما القتلى فحكمهم حكم أهل البغي لما ذكرنا من خبر أبي بكر وعمر ولأن طليحة الأسدي قتل عكاشة بن محصن وثابت بن أرقم الاسديين فلم يغر مهما وبنو حنيفة قتلوا من قتلوا من المسلمين يوم اليمامة فلم يغرموا شيئاً، ويحتمل أن يحمل قول أحمد وكلامه في المال على وجوب رد ما هو في أيديهم دون ما أتلفوه وعلى من اتلف من غير أن تكون له منعة او اتلف في غير الحرب وما أتلفوه حال الحرب فلا ضمان عليهم فيه لأنه إذا سقط ذلك عن اهل البغي كيلا يؤدي الى تنفيرهم عن الرجوع إلى الطاعة فلأن يسقط ذلك كيلا يؤي الى التنفير عن الاسلام أولى لأنهم اذا امتنعوا صاروا كفاراً ممتنعين بدارهم فأشبهوا أهل الحرب ويحمل قول أبي بكر على ما بقي في أيديهم من المال فيكون مذهب أحمد ومذهب الشافعي في هذا سواء وهذا أعدل وأصح إن شاء الله تعالى، فأما من لا منعة له

مسألة: وما أتلف من شيء ضمنه ويتخرج في الجماعة الممتنعة ان لا يضمن ما اتلفه

فيضمن ما اتلف من نفس ومال كالواحد من المسلمين أو اهل الذمة لأنه لا منعة له ولا يكثر ذلك منه فبقي المال والنفس بالنسبة اليه على عصمته ووجوب ضمانه والله أعلم (مسألة) (واذا أسلم فهل يلزمه قضاء ما ترك من العبادات؟ على روايتين) (إحداهما) عليه القضاء لأنها عبادة واجبة التزم بوجوبها واعترف به في زمن إسلامه فلزم قضاؤها عند فواتها كغير المرتد (والثانية) لا يلزمه قضاؤها لقول الله تعالى (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) ولأنه كافر أسلم فلم يلزمه قضاء العبادات التي كانت في كفره كالحربي ولأن أبا بكر لم يأمر المرتدين حين أسلموا بقضاء ما فاتهم (مسألة) (وإذا ارتد الزوجان ولحقا بدار الحرب لم يجز استرقاقهما ولا استرقاق أولادهما الذين ولدوا في الاسلام ومن لم يسلم منهم قتل ويجوز استرقاق من ولد بعد الردة وهل يقرون على كفرهم؟ على روايتين) وجملة ذلك أن الرق لا يجري على المرتد سواء كان رجلاً أو امرأة وسواء لحق بدار الحرب أو أقام بدار الاسلام وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة إذا لحقت المرتدة بدار الحرب جاز استرقاقها لان أبا بكر سبى بني حنفية واسترق نساءهم وأم محمد بن الحنفية منهم ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم من بدل دينه فاقتلوه ولأنه لا يجوز اقراره على كفره فلم يجز استرقاقه كالرجل ولم ينقل ان الذين سباهم ابو بكر رضي الله عنه كانوا أسلموا ولا ثبت لهم حكم الردة، فإن قيل فقد روي عن علي رضي الله عنه أن المرتدة تسبى قلنا هذا الحديث ضعفه أحمد، فأما اولاد المرتدين فان كانوا ولدوا قبل الردة فانهم محكوم باسلامهم تبعاً لآبائهم ولا يتبعونهم في الردة لأن الاسلام يعلو وقد تبعوهم فيه فلا يتبعونهم

مسألة: واذا أسلم فهل يلزمه قضاء ما ترك من العبادات؟ على روايتين

في الكفر فلا يجوز استرقاقهم صغاراً لأنهم مسلمون ولا كباراً لأنهم إن ثبتوا على إسلامهم بعد كفرهم فهم مسلمون وإن كفروا فهم مرتدون حكمهم حكم آبائهم في الاستتابة وتحريم الاسترقاق، وأما من حديث بعد الردة فهو محكوم بكفره لأنه ولد بين أبوين كافرين، ويجوز استرقاقه لأنه ليس بمرتد نص عليه أحمد وهو ظاهر كلام الخرقي وأبي بكر، ويحتمل أن لا يجوز استرقاقهم لأن آباءهم لا يجوز استرقاقهم ولأنهم لا يقرون بالجزية فلا يقرون بالاسترقاق وهذا مذهب الشافعي، وقال أبو حنيفة: إن ولدوا في دار الإسلام لم يجز استرقاقهم وإن ولدوا في دار الحرب جاز استرقاقهم كولد الحربيين بخلاف آبائهم فعلى هذا إذا وقع في الأسر بعد لحوقه بدار الحرب فحكمه حكم سائر أهل الحرب وإن كان في دار الإسلام لم يقر بالجزية وكذلك لو بذل الجزية بعد لحوقه بدار الحرب لم يقر بها لأنه انتقل إلى الكفر بعد نزول القرآن، فأما من كان حملاً حال ردته فظاهر كلام الخرقي أنه كالحادث بعد كفره وعند الشافعي هو كالمولود ولهذا يرث ولنا أن أكثر الأحكام إنما تتعلق بعد الوضع فكذلك هذا الحكم، وهل يقر من ولد بعد الردة على كفره؟ فيه روايتان (إحداهما) يقر كأولاد اهل الحرب (والثانية) لا يقرون فاذا أسلموا رقوا لانهم أولاد من لا يقر على كفره فلا يقرون على كفرهم كالموجودين قبل ردتهم (فصل) ومن لم يسلم من الذين كانوا موجودين قبل الردة فقدر عليهم أو على آبائهم استتيب منهم من كان بالغاً عاقلا فمن لم يتب قتل ومن لم يبلغ انتظر بلوغه فان لم يتب قتل إذا استتيب وينبغي أن يحبس حتى لا يهرب (فصل) ومتى ارتد أهل بلد وجرت فيهم أحكامهم صاروا دار خرب في اغتنام أموالهم وسبي

مسألة: وإذا ارتد الزوجان ولحقا بدار الحرب لم يجز استرقاقهما ولا استرقاق أولادهما الذين ولدوا في الاسلام، ومن لم يسلم منهم قتل ويجوز استرقاق من ولد بعد الردة وهل يقرون على كفرهم؟ على روايتين

ذراريهم الحادثين بعد الردة، وعلى الامام قتالهم فان أبا بكر رضي الله عنه قاتل أهل الردة بجماعة من الصحابة ولأن الله تعالى قد أمر بقتال الكفار في مواضع من كتابه وهؤلاء أحقهم بالقتال لأن تركهم ربما أغرى أمثالهم بالتشبه بهم والارتداد معهم فيكثر الضرر بهم، واذا قاتلهم قتل من قدر عليه ويتبع مدبرهم ويجاز على جريحهم وتغنم أموالهم وبهذا قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: لا تصير دار حرب حتى يجتمع فيها ثلاثة أشياء: إن تكون متاخمة لدار الحرب لا شئ بينهما من دار الاسلام (الثاني) لا يبقى فيها مسلم ولا ذمي آمن (الثالث) أن تجري فيها أحكامهم ولنا أنها دار كفار فيها أحكامهم فكانت دار حرب كما لو اجتمع فيها هذه الحصال أو دار الكفرة الاصليين. (فصل) وإن قتل المرتد من يكافئه عمداً فعليه القصاص نص عليه أحمد والولي مخير بين قتله والعفو عنه فان اختار القصاص قدم على قتل الردة سواء تقدمت الردة أو تأخرت لأنه حق آدمي وإن عفا على مال وجبت الدية في ماله وكذلك إن كان القتل خطأ تجب الدية في ماله أيضاً لأنه لا عاقلة له قال القاضي: وتؤخذ منه الدية في ثلاث سنين لانها دية الخطأ وإن قتل أو مات اخذت من ماله في الحال لأن الدين المؤجل يحل بالموت في حق من لا وارث له ويحتمل أن تجب الدية حالة عليه لأنها إنما أجلت في حق العاقلة تخفيفاً عليهم لأنهم يحملون عن غيرهم على سبيل المواساة فأما لجاني فتجب عليه حالة لأنها بدل عن متلف فكانت حالة كسائر ابدال المتلفات

(فصل) ومن أسلم من الأبوين كان أولاده الأصاغر تبعاً له وبهذا قال الشافعي وقال أصحاب الرأي إذا أسلم أبواه أو أحدهما وأدرك فأبى الاسلام أجبر عليه ولم يقتل، وقال مالك إن أسلم الأب تبعه أولاده وان أسلمت الأم لم يتبعوها لأن ولد الحرين يتبع أباه دون امه بدليل الموليين إذا كان لهما ولد كان ولاؤه لمولى ابيه دون أمه ولو كان الأب عبداً والأم مولاة فأعتق العبد لجر ولاء ولده إلي مواليه، ولأن الولد يشرف بشرف أبيه وينسب إلى قبيلته دون قبيلة أمه فوجب أن يتبع أباه في دينه أي دين كان، وقال الثوري إذا بلغ خير بين دين أبيه ودين أمه فأيهما اختاره كان على دينه ولعله يحتج بحديث الغلام الذي أسلم أبوه وأبت أمه أن تسلم فخيره النبي صلى الله عليه وسلم بين أبيه وأمه ولنا أن الولد يتبع أبويه في الدين فإذا اختلفا وجب أن يتبع المسلم منهما كولد المسلم من الكتابية ولأن الإسلام يعلو ولا يعلى، ويترجح بأشياء (منها) أنه دين الله الذي رضيه لعباده وبعث به رسله ودعا خلقه اليه (ومنها) أنه تحصل به السعادة في الدنيا والآخرة ويتخلص به في الدنيا من القتل والاسترقاق واداء الجزية وفي الآخرة من سخط الله وعذابه (ومنها) أن الدار دار الإسلام يحكم بإسلام لقيطها ومن لا تعرف حاله فيها، وإذا كان محكوماً باسلامه أجبر عليه إذا امتنع منه بالقتل كولد المسلمين ولأنه مسلم فاذا رجع عن إسلامه وجب قتله لقوله عليه الصلاة والسلام (من بدل دينه فاقتلوه) وبالقياس على غيره ولنا على مالك أن الأم أحد الأبوين فتبعها ولدها في الاسلام كالأب بل الأم أولى لأنها أخص به لأنه مخلوق منها حقيقة وتختص بحمله ورضاعه ويتبعها في الرق والحرية والتدبير والكتابة ولأن سائر الحيوانات يتبع الولد أمه دون أبيه وهذا يعارض ما ذكره، وأما تخيير الغلام فهو في الحضانة لا في الدين

(فصل) ومن مات من الأبوين الكافرين على كفره قسم للولد الميراث وكان مسلماً بموت من مات منهما وأكثر الفقهاء على أنه لا يحكم باسلامه بموتهما ولا بموت أحدهما لأنه ثبت كفره تبعاً ولم يوجد منه إسلام ولا ممن هو تابع له فوجب بقاؤه على ما كان عليه لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من خلفائه أنه أجبر احدا من أهل الذمة على الاسلام بموت أبيه مع أنه لم يخل زمنه عن موت بعض أهل الذمة عن بنيهم ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه) متفق عليه فجعل كفره بفعل أبويه فإذا مات أحدهما انقطعت التبعية فوجب ابقاؤه على الفطرة التي ولد عليها ولأن المسألة مفروضة فيمن مات أبوه في دار الإسلام وقضية الدار الحكم باسلام أهلها وكذلك حكمنا باسلام لقيطها وإنما ثبت الكفر للطفل الذي له أبوان فاذا عدما أو أحدهما وجب ابقاؤه على حكم الدار لانقطاع تبعيته لمن يكفر بها وإنما قسم له الميراث لأن اسلامه إنما ثبت بموت أبيه الذي استحق به الميراث فهو سبب لهما فلم يتقدم الاسلام المانع من الميراث على استحقاقه ولأن الحرية المعلقة بالموت لا توجب الميراث فيما إذا قال سيد العبد له إذا مات أبوك فأنت حر فمات ابوه فانه يعتق ولا يرث فيجب ان يكون الاسلام المعلق بالموت لا يمنع الميراث وهذا فيما إذا كان في دار الإسلام لأنه متى قطعت تبعيته لأبويه او أحدهما ثبت له حكم الدار فأما دار الحرب فلا يحكم باسلام ولد الكافر فيها بموتهما ولا موت احدهما لأن الدار لا يحكم باسلام أهلها ولذلك لم يحكم بإسلام لقيطها

(فصل) وتثبت الردة بشيئين: الإقرار والبينة فمتى شهد بالردة على المرتد من ثبتت الردة بشهادته فأنكر لم يسمع انكاره واستتيب فإن تاب وإلا قتل، وحكي عن بعض أصحاب أبي حنيفة ان انكاره يكفي في الرجوع إلى الاسلام ولا يلزمه النطق بالشهادة لأنه لو أقر بالكفر ثم أنكره قبل منه ولم يكلف الشهادتين فكذلك هذا ولنا ما روى الأثرم بإسناده عن علي رضي الله عنه أنه أتي برجل عربي فاستتابه فأبى أن يتوب فقتله واتى برهط يصلون وهم زنادقة وقد قامت عليهم بذلك الشهود العدول فجحدوا وقالوا ليس لنا دين إلا الاسلام فقتلهم ولم يستتبهم ثم قال: تدرون لم استتبت النصراني؟ استتبته لأنه أظهر دينه فأما الزنادقة الذين قامت عليهم البينة فإنما قتلهم لأنهم جحدوا وقد قامت عليهم البينة ولأنه قد ثبت كفره فلم يحكم باسلامه بدون الشهادتين كالكافر الاصلي ولأن إنكاره تكذيب للبينة فلم يسمع كسائر الدعاوى فأما إذا اقر بالكفر ثم أنكر فيحتمل أن القول فيه كمسئلتنا وإن سلمنا فالفرق بينهما أن الحد وجب بقوله فقبل رجوعه عنه وما ثبت بالبينة لم يثبت بقوله فلا يقبل رجوعه عنه كالزنا والسرقة وتقبل الشهادة على الردة من عدلين في قول أكثر أهل العلم منهم مالك والشافعي والاوزاعي وأصحاب الرأي قال ابن المنذر ولا نعلم احداً خالفهم الا الحسن قال: لا يقبل في القتل إلا أربعة لأنها شهادة بما يوجب القتل فلم يقبل فيها إلا أربعة قياساً على الزنا. ولنا انها شهادة بغير الزنا فقبلت من عدلين كالشهادة على السرقة ولا يصح قياسه على الزنا فلم

يعتبر فيه إلا أربعة لعلة القتل بدليل اعتبار ذلك في زنا البكر ولا قتل فيه وإنما العلة كونه زنا ولم يوجد ذلك في الردة ثم الفرق بينهما أن القذف بالزنا يوجب ثمانين جلدة بخلاف القذف بالردة (فصل) وإذا أكره على الاسلام من يجوز إكراهه كالذمي والمستأمن فأسلم لم يثبت له حكم الاسلام حتى يوجد منه ما يدل على إسلامه طوعاً مثل أن يثبت على الاسلام بعد زوال الاكراه عنه وإن مات قبل ذلك فحكمه حكم الكفار، وإن رجع إلى دين الكفر لم يجز قتله ولا إكراهه على الاسلام وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وقال محمد بن الحسن يصير مسلماً في الظاهر وإن رجع عنه قتل إذا امتنع من الاسلام لعموم قوله عليه السلام (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فاذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم الا بحقها) ولأنه أتى بقول الحق فلزمه حكمه كالحربي إذا أكره عليه. ولنا أنه أكره على ما لا يجوز إكراهه عليه فلم يثبت حكمه في حقه كالمسلم اذا أكره على الكفر والدليل على تحريم الإكراه قول الله تعالى (لا إكراه في الدين) وأجمع أهل العلم على ان الذمي إذا قام على ما هو عليه والمستأمن لا يجوز نقض عهده ولا إكراهه على ما لم يلتزمه ولأنه أكره على ما لا يجوز إكراهه عليه فلم يثبت حكمه في حقه كالاقرار والعتق وفارق الحربي والمرتد فانه يجوز قتلهما وإكراههما على الاسلام بان يقول إن أسلمت وإلا قتلناك فمتى أسلم حكم باسلامه ظاهر وإن مات قبل زوال الاكراه عنه فحكمه حكم المسلمين لأنه أكره بحق فحكم بصحة ما يأتي به كما لو اكره المسلم على الصلاة فصلى. وأما في الباطن فبينهم وبين ربهم فمن اعتقد الاسلام بقلبه وأسلم فيما بينه وبين ربه فهو مسلم

عند الله موعود بما وعد به من اسلم طائعاً ومن لم يعتقد الاسلام بقلبه فهو باق على كفره لاحظ له في الاسلام وسواء في هذا من يجوز إكراهه ومن لا يجوز فان الاسلام لا يحصل بدون اعتقاده من العاقل بدليل أن المنافقين كانوا يظهرون الاسلام ويقومون بفرائضه ولم يكونوا مسلمين (فصل) ومن أكره على الكفر لم يصر كافراً وبهذا قال مالك وابو حنيفة والشافعي وقال محمد بن الحسن هو كافر في الظاهر تبين منه امرأته ولا يرثه المسلمون إن مات ولا يغسل ولا يصلى عليه وهو مسلم فيما بينه وبين الله تعالى لأنه نطق بكلمة الكفر فأشبه المختار ولنا قول الله تعالى (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله) ويروى ان عماراً أكرهه المشركون فضربوه حتى تكلم بما طلبوا منه ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبكي فأخبره فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (إن عادوا فعد) وروي أن الكفار كانوا يعذبون المستضعفين من المؤمنين فما منهم أحد إلا أجلبهم إلا بلالاً فانه كان يقول أحد أحد وقال النبي صلى الله عليه وسلم (عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) ولأنه قول أكره عليه بغير حق فلم يثبت في حقه كما لو أكره على الاقرار وفارق ما إذا أكره بحق فانه خير بين أمرين يلزمه أحدهما فأيهما اختاره ثبت حكمه في حقه فاذا ثبت أنه لم يكفر فمتى زال عنه الإكراه أمر باظهار إسلامه فان أظهره فهو باق على اسلامه وإن أظهر الكفر حكم أنه كفر من حين نطق به لأننا تبينا بذلك أنه كان منشرح الصدر بالكفر من حين نطق به مختاراً له وإن قامت عليه بينة أنه نطق بكلمة الكفر وكان محبوساً عند الكفار ومقيداً عندهم في حالة خوف لم يحكم بردته

لأن ذلك ظاهر في الإكراه، وإن شهدت أنه كان آمناً حال نطقه بردته فإن ادعى ورثته رجوعه إلى الاسلام لم يقبل إلا ببينة لأن الاصل بقاؤه على ما هو عليه وإن شهدت البينة عليه بأكل لحم الخنزير لم يحكم بردته لأنه قد يأكله معتقداً تحريمه كما يشرب الخمر من يعتقد تحريمها، وإن قال بعض ورثته أكله مستحلاً له او أقر بردته حرم ميراثه لأنه مقر بأنه لا يستحقه ويدفع إلى مدعي إسلامه قدر ميراثه لأنه لا يدعي أكثر منه ويدفع الباقي الى بيت المال لعدم من يستحقه فان كان في الورثة صغير أو مجنون دفع اليه نصيبه ونصيب المقر بردة الموروث لأنه لم تثبت ردته بالنسبة اليه (فصل) ومن أكره على كلمة الكفر فالأفضل أن يصبر ولا يقولها وإن أتى ذلك على نفسه لما روى خباب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إن كان الرجل ممن قبلكم ليحفر له في الارض فيجعل فيها فيجاء بمنشار فيوضع على شق رأسه ويشق باثنتين ما يمنعه ذلك عن دينه ويمشط بامشاط الحديد ما دون عظمه من لحم ما يصرفه ذلك عن دينه) وجاء في تفسير قوله تعالى (قتل أصحاب الأخدود النار ذات الوقود إذ هم عليها قعود. وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود) أن بعض ملوك الكفار أخذ قوما من المؤمنين فحفر لهم أخدوداً في الارض وأوقدوا فيها ناراً ثم قال من لم يرجع عن دينه فألقوه في النار فجعلوا يلقونهم فيها حتى جاءت امرأة على كتفها صبي لها فتقاعست من أجل الصبي فقال يا أمه اصبري فانك على الحق فذكرهم الله تعالى في كتابه وروى الأثرم عن أبي عبد الله أنه سئل عن رجل يؤسر فيعرض على الكفر ويكره عليه أله أن يرتد؟ فكرهه كراهة شديدة وقال ما يشبه هذا عندي الذي أنزلت فيهم الآية من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم

أولئك كانوا يرادون على الكلمة ثم يتركون يعملون ما شاءوا وهؤلاء يريدونهم على الإقامة على الكفر وترك دينهم وذلك أن الذي يكره على الكلمة يقولها ثم يخلى لا ضرر فيها وهذا المقيم بينهم يلتزم باجابتهم الى الكفر المقام عليه واستحلال المحرمات وترك الفرائض والواجبات وفعل المنكرات والمحظورات وإن كانت امرأة يزوجونها ويستولدونها أولاداً كفاراً وكذلك الرجل وظاهر حالهم المصير الى الكفر الحقيقي والانسلاخ من الدين الحنيفي (فصل) ومن أصاب حداً ثم ارتد ثم أسلم أقيم عليه حده وبهذا قال الشافعي سواء لحق بدار الحرب في ردته أو لم يلحق بها، وقال قتادة في مسلم احدث حدثا ثم لحق بالروم ثم قدر عليه ان كان ارتد درئ عنه الحد وإن لم يكن ارتد أقيم عليه ونحو هذا قال أبو حنيفة والثوري إلا حقوق الناس لأن ردته احبطت عمله فأسقطت ما عليه من حقوق الله تعالى كمن فعل ذلك في حال شركه فانه لم يثبت حكمه في حقه. وأما قوله الاسلام (يجب ما قبله) فالمراد به ما فعله في كفره لأنه لو أراد ما قبل ردته أفضى إلى كون الردة التي هي اعظم الذنوب مكفرة للذنوب وأن من كثرت ذنوبه ولزمته حدود يكفر ثم يسلم فتكفر ذنوبه وتسقط حدوده (فصل) فأما فعله في ردته فقد نقل مهنا عن أحمد قال: سألته عن رجل ارتد عن الاسلام فقطع الطريق ثم لحق بدار الحرب وأخذه المسلمون قال تقام عليه الحدود ويقتص منه وسألته عن رجل ارتد فلحق بدار الحرب فقتل بها مسلماً ثم رجع تائبا وقد أسلم فأخذه وليه يكون عليه القصاص؟ فقال قد زال عنه الحكم لأنه إنما قتل وهو مشرك ثم توقف بعد ذلك وقال لا أقول في هذا شيئاً

وقال القاضي ما أصاب في ردته من نفس أو مال أو جرح فعليه ضمانه سواء كان في منعة وجماعة أو لم يكن لأنه التزم حكم الاسلام باقراره فلم يسقط بجحده كما لا يسقط ما التزمه عند الحاكم بجحده. قال شيخنا والصحيح إن ما أصابه المرتد بعد لحوقه بدار الحرب أو كونه في جماعة ممتنعة لا يضمنه لما ذكرناه فيما تقدم في مسألة وما أتلف من شئ ضمنه وما فعله قبل هذا أخذ به إذا كان مما يتعلق به حق آدمي كالجناية على نفس أو مال لأنه في دار الإسلام فلزمه حكم جنايته كالذمي والمستأمن وأما من ارتكب حداً خالصاً لله تعالى كالزنا وشرب الخمر والسرقة فإنه إن قتل بالردة سقط ما سوى القتل من الحدود لأنه متى اجتمع مع القتل حد انتفى بالقتل، وإن رجع إلى الاسلام أخذ بحد الزنا والسرقة لأنه من أهل دار الاسلام فأخذ بهما كالذمي والمستأمن. فأما حد الخمر فيحتمل انه لا يجب عليه لأنه كافر فلا يقام عليه حد الخمر كسائر الكفار ويحتمل أن يجب لأنه أقر بحكم الاسلام قبل ردته وهذا من أحكامه فلم يسقط بجحده بعده (فصل) ومن ادعى النبوة أو صدق من ادعاها فقد ارتد لأن مسيلمة لما ادعى النبوة فصدقه قومه صاروا بذلك مرتدين وكذلك طليحة الاسدي ومصدقوه وقال النبي صلى الله عليه وسلم (لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذابون كلهم يدعي أنه رسول الله) (فصل) قال رحمه الله والساحر الذي يركب المكنسة فتسير به في الهواء ونحوه يكفر ويقتل فأما الذي يسحر بالأدوية والتدخين ويتقي شيئاً يضر فلا يكفر ولا يقتل ولكن يعذر ويقتص منه

إن فعل ما يوجب القصاص. وجملة ذلك أن السحر عقد ورقى وكلام يتكلم به ويكتبه أو يعمل شيئاً يؤثر في بدن المسحور أو قلبه أو عقله من غير مباشرة له وله حقيقة فمنه ما يقتل وما يمرض وما يأخذ الرجل عن امرأته فيمنعه وطأها ومنه ما يفرق به بين المرء وزوجه وما يبغض أحدهما إلى الآخر أو يجب بين اثنين وهذا قول الشافعي وذهب بعض أصحابه إلى أنه لا حقيقة له إنما هو تخييل قال الله تعالى (يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى) وقال أصحاب أبي حنيفة إن كان شيئاً يصل الى بدن المسحور كدخان ونحوه جاز أن يحصل منه ذلك فأما ان يحصل المرض والموت من غير أن يصل انى بدنه شئ فلا يجوز ذلك لأنه لو جاز لبطلت معجزات الأنبياء عليهم السلام لأن ذلك يخرق العادات فاذا جاز من غير الأنبياء بطلت معجزاتهم وأدلتهم ولنا قول الله تعالى (قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق ومن شر غاسق إذا وقب ومن شر النفاثات في العقد) يعني السواحر اللاتي يعقدن في سحرهن وينفثن عليه ولولا أن السحر حقيقة لما أمر بالاستعاذة منه وقال الله تعالى (يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت) الى قوله (فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه) وروت عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم سحر حتى إنه ليخيل اليه أنه يفعل الشئ وما يفعله وأنه قال لها ذات يوم (أشعرت أن

مسألة: وأما الذي يعزم على الجن ويزعم أنه يجمعها فتطيعه فلا يكفر ولا يقتل

الله أفتاني فيما استفتيته؟ إنه اتاني ملكان فجلس أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي فقال ما وجع الرجل؟ قال مطبوب قال من طبه؟ قال لبيد بن الأعصم في مشط ومشاطة في جف طلعة ذكر في بئر ذي اروان) ذكره البخاري وغيره جف الطلعة وعاؤها والمشاطة الشعر الذي يخرج من شعر الرأس أو غيره إذا مشط، فقد أثبت لهم سحراً، وقد اشتهر بين الناس وجود عقد الرجل عن امرأته حين يتزوجها فلا يقدر على إتيانها وحل عقده فيقدر عليها بعد عجزه عنها حتى صار متوترا لا يمكن جحده، وروي من أخبار السحرة ما لا يكاد يمكن التواطؤ على الكذب فيه، وأما إبطال المعجزات فلا يلزم من هذا لأنه لا يبلغ ما تأتي به الأنبياء عليهم السلام وليس يلزم أن ينتهي إلى أن تسعى العصا والحبال (فصل) وتعليم السحر وتعلمه حرام لا نعلم فيه خلافا بين أهل العلم قال أصحابنا ويكفر الساحر بتعلمه وفعله سواء اعتقد تحريمه أو إباحته، وروى عن أحمد ما يدل على أنه لا يكفر فان حنبلا روى عنه قال قال عمي في العراف والكاهن والساحر: أرى أن يستتاب من هذه الافاعيل كلها فإنه عندي في معنى المرتد فإن تاب وراجع يعني خلي سبيله قلت له يقتل؟ قال لا لعله يراجع قلت له لم لا تقتله؟ قال إذا كان يصلي لعله يتوب ويرجع، وهذا يدل على أنه لم يكفره لأنه لو كفره لقتله، وقوله في معنى المرتد

يعني في الاستتابة وقال أصحاب أبي حنيفة إن اعتقد أن الشياطين تفعل له ما يشاء كفر وإن اعتقد أنه تخييل لم يكفر وقال الشافعي إن اعتقد ما يوجب الكفر مثل التقرب الى الكواكب السبعة أنها تفعل ما يلتمس أو اعتقد حل السحر كفر لأن القرآن نطق بتحريمه وثبت بالنقل المتواتر والاجماع وإلا فسق ولم يكفر لأن عائشة رضي الله عنها باعت مدبرة لها سحرتها بمحضر من الصحابة ولو كفرت لصارت مرتدة يجب قتلها ولم يجز استرقاقها ولانه شئ يضر بالناس فلم يكفر بمجرده كأذاهم ووجه قول الاصحاب قول الله تعالى (واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان الى قوله وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر) وقوله تعالى (وما كفر سليمان) أي ماكان ساحراً كفر بسحره وقولهما إنما نحن فتنة فلا تكفر أي لا تتعلمه فتكفر بذلك وقد ذكرنا حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن الساحرة سألت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم متوافرون هل لها من توبة فما أفتاها أحد (فصل) وحد الساحر القتل روى ذلك عن عمر وعثمان وابن عمر وحفصة وجندب بن عبد الله وجندب بن كعب وقيس بن سعد وعمر بن عبد العزيز وهو قول أبي حنيفة، ومالك ولم ير الشافعي عليه القتل بمجرد السحر وهو قول ابن المنذر ورواية عن أحمد وقد ذكرناها ووجهها ما ذكرنا من حديث عائشة في المدبرة التي سحرتها فباعتها، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا يحل دم امرئ مسلم إلا باحدى ثلاث:

كفر بعد إيمان أو زنا بعد إحصان أو قتل نفس بغير حق) ولم يصدر منه أحد الثلاثة فوجب أن لا يحل دمه ولنا ما روى جندب بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (حد الساحر ضربه بالسيف) قال إبن المنذر رواه اسماعيل بن مسلم وهو ضعيف وروى سعيد وابو داود في كتابيهما عن بجالة قال كنت كاتبا لجزء بن معاوية عم الاحنف بن قيس إذ جاء كتاب عمر قبل موته بسنة: اقتلوا كل ساحر فقتلنا ثلاث سواحر في يوم، وهذا اشتهر فلم ينكر فكان إجماعاً وقتلت حفصة جارية لها سحرتها وقتل جندب بن كعب ساحرا كان يسحر بين يدي الوليد بن عقبة ولأنه كافر فقتل للخبر المروي (فصل) والسحر الذي ذكرنا حكمه هو الذي يعد في العرف سحراً مثل فعل لبيد بن الأعصم حين سحر النبي صلى الله عليه وسلم في مشط ومشاطة، وروينا في مغازي الأموي أن النجاشي دعا السواحر فنفخن في احليل عمارة بن الويد فهام مع الوحش فلم يزل معها إلى إمارة عمر بن الخطاب فأمسكه إنسان فقال خلني وإلا مت فلم يخله فمات من ساعته، وبلغنا أن بعض الأمراء أخذ ساحرة فجاء زوجها كأنه محترق فقال قولوا لها تحل عني فقالت ائتوني بخيوط وباب فأتوها به فجلست على الباب وجعلت تعقد فطار بها الباب فلم يقدروا عليها، فهذا وأمثاله مثل أن يعقد الرجل المتزوج فلا يطيق وطئ امرأته هو السحر المختلف في حكم صاحبه

كتاب الحدود

(مسألة) (فأما الذي يسحر بالاودية والتدخين وسقي شئ يضر فلا يكفر ولا يقتل) لأن الله تعالى وصف الساحرين الكافرين بأنهم يفرقون بين المرء وزوجه فيختص الكفر بهم ويبقى من سواهم من الذين يسحرون بالادوية والتدخين على أصل العصمة لا يجب قتلهم ولا يكفرون بسحرهم لكن يعزرون إن ارتكبوا معصية ويقتص منهم ما يوجب القصاص كما يقتص من غيرهم من المسلمين (مسألة) (وأما الذي يعزم على الجن ويزعم أنه يجمعها فتطيعه فلا يكفر ولا يقتل)

مسألة: ولا يجب الحد إلا على عالم بالتحريم

وذكره أبو الخطاب في السحرة الذين يقتلون وكذلك ذكره القاضي. فأما الذي يحل بالسحر فان كان بشئ من القرآن أو شئ من الذكر والأقسام والكلام المباح فلا بأس به فإن كان بشئ من السحر فقد توقف أحمد عنه، قال الأثرم سمعت أبا عبد الله يسئل عن رجل يزعم انه يحل السحر فقال قد رخص فيه بعض الناس، قيل لأبي عبد الله انه يجعل في الطنجير ماء ويغيب فيه ويعمل كذا فنفض يده كالمنكر وقال ما أدري ما هذا، قيل له فترى ان يؤتى مثل هذا يحل السحر؟ فقال ما أدري ما هذا، وروي عن محمد بن سيرين أنه سئل عن امرأة تعذبها السحرة فقال رجل أخط خطا عليها واغرز السكين عند مجمع الخط واقرأ القرآن فقال محمد ما أعلم بقراءة القرآن بأسا على حال ولا أدري

مسألة: ولا يجوز أن يقيم الحد إلا الإمام أو نائبه

ما الخط والسكين، وروي عن سعيد بن المسيب في الرجل يؤخذ عن امرأته فيلتمس من يداويه فقال إنما نهى الله عما يضر ولم ينه عما ينفع وقال أيضاً إن استطعت أن تنفع أخاك فافعل فهذا من قولهم يدل على أن المعزم ونحوه لم يدخلوا في حكم السحرة لأنهم لا يسمون به وهو مما ينفع ولا يضر (فصل) فأما الكافر الذي له رئي من الجن يأتيه بالأخبار، والعراف الذي يحدس ويتخرص فقد قال أحمد في رواية حنبل في العراف والساحر والكاهن أرى أن يستتاب من هذه الافاعيل، قيل له يقتل قال لا، يحبس لعله يرجع، قال والعرافة طرف من السحر والساحر أخبث لأن السحر شعبة من الكفر وقال الساحر والكاهن حكمهما القتل أو الحبس حتى يتوبا لأنهما يلبسان أمرهما وحديث عمر اقتلوا كل ساحر وكاهن وليس هو من أمر الاسلام، وهذا يدل على أن كل واحد فيه روايتان (إحداهما) أنه يقتل إذا لم يتب (والثانية) لا يقتل لأن حكمه أخف من حكم الساحر وقد اختلف فيه فهذا بدرء القتل عنه أولى (فصل) فأما ساحر أهل الكتاب فلا يقتل لسحره إلا ان يقتل به ويكون مما يقتل غالباً فيقتل قصاصا، وقال أبو حنيفة يقتل لعموم ما تقدم من الأخبار ولأنه جناية أوجبت قتل المسلم فأوجبت قتل الذمي كالقتل قصاصا ولنا أن لبيد بن الأعصم سحر النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقتله ولأن الشرك أعظم من سحره فلا يقتل به والاخبار وردت في ساحر المسلمين لأنه يكفر بسحره وهذا كافر أصلي وقياسهم ينتقض باعتقاد الكفر والتكلم به وينتقض بالزنا من المحصن فانه لا يقتل به الذمي عندهم ويقتل به المسلم والله أعلم

كتاب الحدود (مسألة) (ولا يجب الحد الا على بالغ عاقل عالم بالتحريم) أما البلوغ والعقل فلا خلاف في اعتبارهما في وجوب الحد وصحة الاقرار لأنهما قد رفع القلم عنهما قال عليه الصلاة والسلام (رفع القلم عن الصبي حتى يبلغ وعن المجنون حتى يفيق وعن النائم حتى يستيقظ) رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن، وفي حديث ابن عباس في قصة ماعز أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل قومه (أمجنون هو؟) قالوا ليس به بأس. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له حين أقر عنده (أبك جنون؟) وروى أبو داود باسناده قال أتي عمر بمجنونة قد زنت فاستشار فيها أناساً فأمر بها عمر أن ترجم فمر بها علي بن أبي طالب فقال ما شأن هذه؟ فقالوا مجنونة بني فلان زنت فأمر بها عمر أن ترجم، فقال ارجعوا بها ثم أتاه فقال يا أمير المؤمنين أما علمت ان القلم قد رفع عن ثلاثة: عن المجنون حتى يبرأ وعن النائم حتى يستيقظ وعن الصبي حتى يعقل؟ قال بلى، قال فما بال هذه؟ قال لا شئ، قال فأرسلها فأرسلها، قال فجعل عمر (يك؟) ولانه اذا سقط عنه التكليف في العبادات والاثم في المعاصي فالحد المبني على الدرء بالشبهات أولى بالاسقاط (فصل) ولا يجب على النائم لما ذكرنا من الحديث، فلو زنى بنائمة أو استدخلت ذكر نائم

إن وجد منه الزنا حال نومه فلا حد عليه لأنه مرفوع عنه القلم، ولو أقر حال نومه لم يلتفت إلى اقراره لأن كلامه ليس بمعتبر ولا يدل على صحة مدلوله (فصل) فإن كان يجن مرة ويفيق أخرى فأقر في إفاقته أنه زنى وهو مفيق أو قامت عليه بينة أنه زنى في إفاقته فعليه الحد لا نعلم فيه خلافاً وبه قال الشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي لأن الزنا الموجب للحد وجد منه في حال إفاقته وهو مكلف والقلم غير مرفوع عنه وإقراره وجد في حال اعتبار كلامه، فان أقر في إفاقته ولم يضفه الى حال أو شهدت عليه البينة بالزنى ولم تضفه إلى حال إفاقته لم يجب الحد لأنه يحتمل أنه وجد في حال جنونه فلم يجب الحد مع الاحتمال، وقد روى أبو داود في حديث المجنونة التي أتي بها عمر أن علياً قال هذه معتوهة بني فلان لعل الذي أتاها أتاها في بلائها، فقال عمر لا أدري فقال علي وأنا لا أدري (مسألة) (ولا يجب الحد إلا على عالم بالتحريم) قال عمر وعلي وعثمان لا حد إلا على من علمه وبهذا قال عامة أهل العلم، وقد روى سعيد بن المسيب قال ذكر الزنا بالشام فقال رجل زنيت البارحة، قالوا ما تقول؟ قال ما علمت أن الله حرمه فكتب بها الى عمر فكتب إن كان يعلم أن الله حرمه فحدوه وإن لم يكن علم فأعلموه فان عاد

مسألة: ولا يملك إقامته على من بعضه حر ولا أمته المزوجة

فارجموه، وسواء جهل تحريم الزنا أو تحريم عين المرأة مثل أن يزف اليه غير امرأته فيظنها زوجته أو يدفع اليه جارية فيظنها جاريته فيطؤها فلا حد عليه (مسألة) (ولا يجوز أن يقيم الحد إلا الإمام أو نائبه) لأنه حق لله تعالى فيفتقر الى الإجتهاد ولا يؤمن من إستيفائه الحيف فوجب تفويضه الى نائب الله تعالى في خلقه ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقيم الحد في حياته وخلفاؤه بعده ولا يلزم حضور الإمام إقامته لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (واغد يا أنيس الى امرأة هذا فان اعترفت فارجمها) وأمر برجم ماعز ولم يحضر وأتي بسارق فقال (اذهبوا به فاقطعوه) وجميع الحدود في هذا سواء حد القذف وغيره لأنه لا يؤمن فيه الحيف والزيادة على الواجب ويفتقر الى الإجتهاد فأشبه سائر الحدود (مسألة) (إلا السيد فإن له إقامة الحد بالجلد خاصة على رقيقه القن وهل له القتل في الردة والقطع في السرقة؟ على روايتين) وجملة ذلك ان للسيد إقامة الحد بالجلد على رقيقه القن في قول أكثر العلماء، روي نحو ذلك علي وابن مسعود وابن عمر وأبي حميد وأبي أسيد الساعديين وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلقمة والاسود والزهري وهبيرة والحسن بن أبي مريم وأبي ميسرة ومالك والثوري والشافعي وأبي ثور وابن المنذر

مسألة: ولا يملكه المكاتب لأنه ليس من أهل الولاية، وفيه وجه أنه يملكه

وقال ابن أبي ليلى أدركت بقايا الأنصار يجلدون ولائدهم في مجالسهم الحدود إذا زنوا، وعن الحسن بن محمد أن فاطمة حدت جارية لها زنت وعن ابراهيم أن علقمة والأسود كانا يقيمان الحدود على من زنا من خدم عشائرهم روى ذلك سعيد في سننه، وقال أصحاب الرأي ليس له ذلك لأن الحدود الى السلطان ولأن من لا يملك إقامة الحد على الحر لا يملكه على العبد كالصبي ولأن الحد لا يجب إلا ببينة أو إقرار وتعتبر لذلك شروط من عدالة الشهود ومجيئهم مجتمعين أو في مجلس واحد وذكر حقيقة الزنا وغير ذلك من الشروط التي تحتاج الى فقيه يعرفها ويعرف الخلاف فيها وكذلك الاقرار، فينبغي أن يفوض ذلك إلى الامام أو نائبه كحد الأحرار ولأنه حد هو حق الله تعالى فيفوض إلى الامام كالقتل والقطع ولنا ما روى سعيد ثنا سفيان عن أيوب بن موسى عن سعيد بن سعيد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (إذا زنت أمة احدكم فتبين زناها فليجلدها ولا يثرب بها فان عادت فليجلدها ولا يثرب بها فان عادت فليجلدها ولا يثرب بها فان عادت الرابعة فليجلدها وليبعها ولو بضفير) وقال حدثنا أبو الأحوص ثنا عبد الأعلى عن أبي جميلة عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (وأقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم) ورواه الدارقطني ولأن السيد يملك تأديب أمته وتزويجها فلمك اقامة الحد عليها كالسلطان وبهذا فارق الصبي إذا ثبت هذا فإنما يملك الحد بشروط أربعة

مسألة: وإن ثبت بعلمه فله إقامته نص عليه، ويحتمل أن لا يملكه كالامام

(أحدها) أن يكون جلداً كحد الزنا والشرب وحد القذف، فأما القتل في الردة والقطع في السرقة فلا يملكهما إلا الامام، وهذا قول أكثر أهل العلم وفيها رواية أخرى أن السيد يملكهما وهو ظاهر مذهب الشافعي لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم (أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم) وروي أن ابن عمر قطع عبداً سرق وكذلك عائشة، وعن حفصة أنها قتلت أمة لها سحرتها ولأن ذلك حدا يشبهه الجلد ولنا أن الأصل تفويض الحد إلى الامام لأنه حق لله تعالى فيفوض إلى نائبه كما في حق الاحرار ولما ذكره أصحاب أبي حنيفة وإنما فوض إلى السيد الجلد خاصة لأنه تأديب والسيد يملك تأديب عبده وضربه على الذنب وهذا من جنسه وإنما افترقا في أن هذا مقدر والتأديب غير مقدر، وهذا لا أثر له في منع السيد منه بخلاف القطع والقتل فانهما اتلاف لجملته أو بعضه الصحيح ولا يملك السيد هذا من عبده ولا شيئاً من جنسه والخبر الوارد في حد السيد عبده إنما جاء في الزنا خاصة وانما قسنا عليه ما يشبهه من الجلد وقوله (أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم) إنما جاء في سياق الحد في الزنا فان أول الحديث عن علي رضي الله عنه قال: أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأمة له فجرت فأرسلني اليها فقال (اجلدها الحد - قال فانطلقت فوجدتها لم تجف من دمها فرجعت اليه فقال - أفرغت؟ فقلت وجدتها لم تجف من دمها قال - إذا جفت من دمها فاجلدها الحد وأقيموا الحدود على ما

مسألة: ويضرب الرجل قائما

ملكت أيمانكم) فالظاهر أنه إنما أراد ذلك الحد وشبهه، وأما فعل حفصة فقد أنكره عثمان عليها وشق عليه، وما روي عن ابن عمر فلا نعلم ثبوته عنه (مسألة) (ولا يملك إقامته على من بعضه حر ولا أمته المزوجة) وقال مالك والشافعي يملك السيد إقامة الحد على الأمة المزوجة لعموم الخبر ولأنه مختص بملكها وإنما يملك الزوج بعض منافعها فأشبهت المستأجرة ولنا ما روى عن ابن عمر أنه قال: إذا كانت الأمة ذات زوج رفعت إلى السلطان، وإن لم يكن لها زوج جلدها سيدها نصف ما على المحصن ولا نعرف له مخالفاً في عصره ولأن نفعها مملوك لغيره مطلقاً أشبهت المشتركة ولأن المشترك إنما منع من إقامة الحد عليه لأنه يقيمه في غير ملكه لأن الجزء الحر أو المملوك لغيره ليس بمملوك له وهذا شبهه لأن محل الحد هو محل استمتاع الزوج وهو بدنها فلا يملكه والخبر مخصوص بالمشترك فنقيس عليه والمستأجرة إجارتها مؤقتة تنقضي، ويحتمل أن نقول لا يملك إقامة الحد عليها في حال إجارتها لأنه ربما أفضى إلى تفويت حق المستأجر وكذلك الامة المرهونة يخرج فيها وجهان (فصل) ويشترط أن يكون السيد بالغاً عاقلاً عالماً بالحدود وكيفية إقامتها لأن الصبي والمجنون ليسا من أهل الولايات والجاهل بالحد لا يمكنه اقامته على الوجه الشرعي فلا يفوض اليه

مسألة: ولا يمد ولا يربط ولا يجرد قال ابن مسعود ليس في ديننا مد ولا قيد ولا تجريد

(مسألة) (فإن كان السيد فاسقاً أو امرأة فله اقامته في ظاهر كلامه ويحتمل أن لا يملكه) في الفاسق وجهان (أحدهما) لا يملكه لأن هذه ولاية فنافاها الفسق كولاية التزويج (والثاني) يملكه لأنها ولاية استفادها بالملك فلم ينافها الفسق كبيع العبد وفي المرأة أيضاً وجهان (أحدهما) لا تملكه لأنها ليست من أهل الولايات (والثاني) تملكه لأن فاطمة جلدت أمة لها وعائشة قطعت أمة لها سرقت وحفصة قتلت أمة لها سحرتها ولأنها مالكة تامة الملك من أهل التصرفات أشبهت الرجل وفيه وجه ثالث أن الحد يفوض إلى وليها لأنه يزوج أمتها (مسألة) (ولا يملكه المكاتب لأنه ليس من أهل الولاية، وفيه وجه أنه يملكه) لأنه يستفاد بالملك فأشبه سائر تصرفاته (مسألة) (وسواء ثبت ببينة أو إقرار) إذا ثبت باعتراف فللسيد إقامته إن كان يعترف الاعتراف الذي يثبت به الحد وشروطه، وإن ثبت ببينة اعتبر أن تثبت عند الحاكم لأن البينة تحتاج الى البحث في العدالة ومعرفة شروط سماعها ولفظها ولا يقوم بذلك إلا الحاكم، وقال القاضي يعقوب: إن كان السيد يحسن سماع البينة ويعرف شروط العدالة جاز أن يسمعها ويقيم الحد بها كما يقيمه بالاقرار وهذا ظاهر نص الشافعي لأنها احد ما يثبت به الحد فأشبهت الاقرار.

مسألة: ولا يبالغ في ضربه بحيث يشق الجلد

(مسألة) (وإن ثبت بعلمه فله إقامته نص عليه، ويحتمل أن لا يملكه كالامام) اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في ذلك فروي عنه أن السيد لا يقيمه بعلمه وهذا قول مالك لأن الامام لا يقيمه بعلمه فالسيد أولى ولأن ولاية الامام للحد أقوى من ولاية السيد لكونها متفقاً عليها وثابتة بالاجماع فإذا لم يثبت الحد في حقه بالعلم فههنا أولى، وعن أحمد رواية أخرى انه يقيمه بعلمه لأنه قد ثبت عنده فملك اقامته كما لو أقر به ولانه يملك تأديب عبده بعلمه وهذا يجري مجرى التأديب ويفارق الحاكم لأن الحاكم متهم لا يملك محل إقامته وهذا بخلافه وهذا ظاهر المذهب (مسألة) (ولا يقيم الامام الحد بعلمه) هذا ظاهر المذهب روى ذلك عن ابي بكر الصديق رضي الله عنه، وبه قال مالك وأصحاب الرأي وهو أحد قولي الشافعي وقال في الآخر: له إقامته بعلمه وهو قول أبي ثور وعن أحمد رحمه الله نحو ذلك لأنه اذا جازت له اقامته بالبينة والاعترف (والاعتراف) الذي لا يفيد فبما يفيد العلم أولى ولنا قول الله تعالى (فاستشهدوا عليهن أربعة منكم) وقال سبحانه (فإذا لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون) وقال عمر أو كان الحبل أو الاعتراف ولأنه لا يجوز له أن يتكلم

مسألة: وان رأى الامام الجلد في حد الخمر بالجريد والنعال فله ذلك

به ولو رماه بما علمه منه لكان قاذفاً يلزمه حد القذف فلم تجز اقامة الحد لقول غيره ولأنه إذا حرم النطق به فالعمل به أولى (مسألة) (ولا تقام الحدود في المساجد) لما روى حكيم بن حزام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يستقاد في المسجد وأن ينشد فيه الاشعار وأن تقام فيه الحدود لأنه لا يؤمن أن يحدث من المحدود شئ يتلوث به المسجد فان أقيم فيه سقط الفرض لحصول المقصود وهو الزجر ولأن المرتكب للنهي غير الحدود فلم يمنع ذلك سقوط الفرض عنه كما لو اقتص في المسجد (مسألة) (ويضرب الرجل قائماً) وبه قال أبو حنيفة والشافعي وقال مالك يضرب جالسا قال أبو الخطاب، وقد روى حنبل أنه يضرب قاعداً لأن الله تعالى لم يأمر بالقيام ولأنه مجلود في حد أشبه المرأة ولنا قول علي رضي الله عنه: لكل موضع من الحسد حظ الا الوجه والفرج، وقال للجلاد اضرب وأوجع واتق الرأس والوجه ولأن قيامه وسيلة إلى إعطاء كل عضو حظه من الضرب وقوله إن الله لم يأمر بالقيام قلنا ولم يأمر بالجلوس ولم يذكر الكيفية فعلمناها من دليل آخر ولا يصح قياس الرجل على المرأة في هذا لأن المرأة يقصد سترها ويخشى هتكها. إذا ثبت هذا فانه يضرب

بسوط، وحكي عن بعضهم أن حد الشرب يقام بالأيدي والنعال وأطراف الثياب لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي برجل قد شرب فقال (اضربوه) قال أبو هريرة فمنا الضارب بيده والضارب بنعله والضارب بثوبه رواه أبو داود ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (اذا شرب الخمر فاجلدوه) والجلد إنما يفهم من إطلاقه الضرب بالسوط والخلفاء الراشدون ضربوا فيه بالسياط وكذلك غيرهم فصار إجماعاً ولأنه جلد في حد فكان بالسوط كغيره فأما حديث أبي هريرة فكان في بدء الاسلام ثم جلد النبي صلى الله عليه وسلم واستقرت الامور فقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم جلد أربعين وجلد أبو بكر أربعين وجلد عمر ثمانين وفي حديث ابن عمر قال ائتوني بسوط فجاءه أسلم مولاه بسوط دقيق فأخذه عمر فمسحه بيده ثم قال لأسلم ائتني بسوط غير هذا فأتاه به تاما فأمر عمر بقدامة فجلد. إذا ثبت هذا فان السوط يكون وسطاً لا حديداً فيجرح ولا خلعا فلا يؤلم لما روي أن رجلاً اعترف عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتى بسوط مسكور فقال فوق هذا مأتي بسوط حديد لم يكسر بموته فقال بين هذين رواه مالك عن زيد بن أسلم مرسلا وروي عن أبي هريرة مسندا وقد روي عن علي رضي الله عنه أنه قال ضرب بين ضربين وسوط بين سوطين يعني وسطاً لا شديد فيقتل ولا ضعيف فلا يردع (مسألة) (ولا يمد ولا يربط ولا يجرد قال ابن مسعود ليس في ديننا مد ولا قيد ولا تجريد)

وجلد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينقل عن أحد منهم مد ولا قيد ولا تجريد بل يكون عليه القميص والقميصان، وان كان عليه فرو أو جبة محشوة نزعت لأنه لو ترك عليه ذلك لم يبال بالضرب قال أحمد لو تركت عليه ثياب الشتاء ما بالى بالضرب، وقال مالك يجرد لأن الامر بجلده يقتضي مباشرة جسمه ولنا قول ابن مسعود ولم نعلم عن أحد من الصحابة خلافه والله تعالى لم يأمر بتجريده وإنما أمر بجلده ومن جلد من فوق الثوب فقد جلد (مسألة) (ولا يبالغ في ضربه بحيث يشق الجلد) لأن المقصود أدبه لا هلاكه، ويفرق الضرب على اعضائه وجسده فيأخذ كل عضو منه حصته ويكثر منه في مواضع اللحم كالأليتين والفخذين ويتقى المقاتل وهي الرأس والوجه والفرج من المرأة والرجل جميعاً لقول علي رضي الله عنه لكل موضع من الجسد حظ الا الوجه والفرج لأن ما عدا الاعضاء الثلاثة ليس بمقتل فأشبه الظهر ولأن الرأس مقتل فأشبه الوجه ولأنه ربما أدى في رأسه الى ذهاب سمعه أو بصره أو عقله أو قتله والمقصود أدبه لا قتله (مسألة) (والمرأة كذلك فيما ذكرنا من صفة الجلد إلا أنها تضرب جالسة وتشد عليها ثيابها وتمسك يداها لئلا تنكشف) وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي ومالك وقال أبو يوسف تحد المرأة قائمة كاللعان

ولنا قول علي ويفارق اللعان فإنه لا يؤدي إلى كشف العورة وما عدا الاعضاء الثلاثة (مسألة) (والجلد في الزنا أشد الجلد ثم جلد القذف ثم الشرب ثم التعزير) وكذلك قال أصحابنا وقال مالك كلها واحد لأن الله تعالى أمر بجلد الزاني والقاذف أمراً واحداً ثم مقصود جميعها واحد وهو الزجر فيجب تساويها في الصفة، وعن أبي حنيفة التعزير أشدها ثم حد الزاني ثم الشرب ثم حد القذف ولنا أن الله تعالى خص الزنا بمزيد تأكيد بقوله (ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله) فاقتضى مزيد تأكيد ولا يمكن ذلك في العدد فجعل في الصفة، ولأن ما دونه أخف منه في العدد فلا يجوز أن يزيد عليه في إيلامه ووجعه وهذا دليل على أن ماخف في عدده كان أخف في صفته ولأن ما دونه أخف منه عدداً فلا يجوز أن يزيد عليه في إيلامه ووجعه لأنه يفضي إلى التسوية أو زيادة القليل على ألم الكثير (مسألة) (وإن رأى الامام الجلد في حد الخمر بالجريد والنعال فله ذلك) لما ذكرنا من حديث أبي هريرة قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم برجل قد شرب فقال (اضربوه) قال أبو هريرة فمنا الضارب بيده والضارب بنعلين والضارب بثوبه، رواه أبو داود (مسألة) (قال أصحابنا ولا يؤخر الحد للمرض فإن كان جلداً وخشي عليه من السوط أقيم

مسألة: وإذا مات المحدود في الجلد فالحق قتله ولا يجب على أحد ضمانه جلدا كان أو غيره

بأطراف الثياب والعثكول ويحتمل أن يؤخر للمرض المرجو زواله أما إذا كان الحد رجماً لم يؤخر لأنه لا فائدة فيه إذا كان قتله متحتماً وإذا كان جلداً فالمريض على ضربين (أحدهما) يرجى برؤه فقال أصحابنا يقام عليه الحد ولا يؤخر فان خشي عليه من السوط ضرب بسوط يؤمن معه التلف فان خيف من السوط أقيم بالعثكول وهذا قول أبي بكر وبه قال إسحاق وأبو ثور لأن عمر رضي الله عنه أقام الحد على قدامة بن مظعون في مرضه ولم يؤخره وانتشر ذلك في الصحابة ولم ينكروه فكان أجماعاً، ولأن الحد واجب على الفور فلا يؤخر ما أوجبه الله تعالى بغير حجة قال القاضي ظاهر قول الخرقي تأخيره لقوله من يجب عليه الحد وهو صحيح عاقل وهذا قول أبي حنيفة ومالك والشافعي لحديث علي رضي الله عنه في التي هي حديثة عهد بنفاس ولأن في تأخيره إقامة الحد على الكمال من غير إتلاف فكان أولى، وأما حديث عمر في جلد قدامة فإنه يحتمل أنه كان مرضاً خفيفاً لا يمنع من إقامة الحد على الكمال ولهذا لم ينقل عنه أنه خفف عنه في السوط وإنما اختار له سوطاً وسطاً كالذي يضرب به الصحيح، ثم ان فعل النبي صلى الله عليه وسلم يقدم على فعل عمر مع أنه اختيار علي وفعله وكذلك الحكم في تأخيره في الحر والبرد المفرط (الضرب الثاني) المريض الذي لا يرجى برؤه فهذا يقام عليه الحد في الحال ولا يؤخر بسوط يؤمن معه التلف كالقضيب الصغير

مسألة: وان زاد على الحد سوطا أو أكثر فتلف ضمنه وهل يضمن جميع الدية أو نصفها؟ على وجهين؟

وشمراخ النخل فان خيف عليه من ذلك جمع ضغثاً فيه مائة شمراخ فضربه ضربة واحدة وبهذا قال الشافعي وأنكر مالك هذا وقال قد قال الله تعالى (فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) وهذا جلدة واحدة ولنا ماروى أبو أمامة بن سهل بن حنيف عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رجلا اشتكى حتى ضني فدخلت عليه امرأة فهش لها فوقع بها فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأخذوا مائة شمراخ فيضربوه ضربة واحدة، رواه أبو داود والنسائي وقال ابن المنذر في إسناده مقال، ولأنه لا يخلو من أن يقام عليه الحد على ما ذكرنا أو لا يقام أصلاً أو يضرب ضرباً كاملاً: لا يجوز تركه بالكلية لأنه يخالف الكتاب والسنة ولا أن يجلد جلداً تاماً لأنه يفضي إلى إتلافه فتعين ما ذكرناه، وقولهم هذا جلدة واحدة قلنا يجوز أن يقام ذلك في حال العذر كما قال الله تعالى في حق أيوب (وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث) وهذا أولى من ترك حده بالكلية أو قتله بما لا يوجب القتل (فصل) واذا وجب الحد على حامل لم يقم عليها حتى تضع سواء كان الحمل من زنا أو غيره قال إبن المنذر أجمع أهل العلم على أن الحامل لا ترجم حتى تضع، وروى بريدة أن امرأة من بني غامد قالت يا رسول الله طهرني قال (وماذاك) قالت انها حبلى من زنا قال (انت) قالت نعم فقال (لها ارجعي حتى

تضعي ما في بطنك) قال فكفلها رجل من الأنصار حتى وضعت قال فأتى النبي صلى الله عليه وسلم قال قد وضعت الغامدية فقال (إذاً لا نرجمها وتدع ولدها صغيراً ليس له من يرضعه) فقام رجل من الأنصار فقال إلي رضاعه يا نبي الله قال فرجمها رواه مسلم وأبو داود، وروي أن امرأة زنت في أيام عمر رضي الله عنه فهم عمر برجمها وهي حامل فقال معاذ إن كان لك سبيل عليها فليس لك سبيل على حملها فقال عجز النساء أن يلدن مثلك ولم يرجمها وعن علي مثله، ولان في اقامة الحد عليها في حال حملها إتلافاً لمعصوم ولا سبيل إليه وسواء كان الحد رجماً أو غيره لأنه لا يؤمن تلف الولد من سراية الضرب وربما سرى إلى نفس المضروب فيفوت الولد بفواته، فإذا وضعت الولد فإن كان الحد رجماً لم ترجم حتى تسقيه اللبأ لأن الولد لا يكاد يعيش إلا به، ثم إن كان له من يرضعه أو تكفل احد برضاعه رجمعت وإلا تركت حتى تفطمه لما ذكرنا من حديث الغامدية ولما روى أبو داود باسناده عن بريدة أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إني فجرت فوالله إني لحبلى فقال لها (ارجعي حتى تلدي) فرجعت فلما ولدت أتت بالصبي فقال (ارجعي فأرضعيه حتى تفطميه) فجاءت به قد فطمته وفي يده شئ يأكله فأمر بالصبي فدفع إلى رجل من المسلمين وأمر بها فحفر لها وأمر بها فرجمت وأمر بها فصلي عليها ودفنت. وإن لم يظهر حملها لم تؤخر لاحتمال أن تكون حملت من الزنا لأن النبي صلى الله عليه وسلم رجم اليهودية والجهنية ولم يسأل عن استبرائهما وقال لأنيس (اذهب الى امرأة هذا فان اعترفت فارجمها) ولم يأمره بسؤالها عن استبرائها، ورجم علي رضي

مسألة: وإذا كان الحد رجما لم يحفر له رجلا كان أو امرأة في أحد الوجهين

الله عنه شراحة ولم يستبرئها، وإن ادعت الحمل قبل قولها كما قبل قول الغامدية، فان كان الحد جلدا فإذا وضعت الولد وانقطع النفاس وكانت قوية يؤمن تلفها أقيم عليها الحد وإن كانت في نفاسها أو ضعيفة يخاف تلفها لم يقم عليها الحد حتى تطهر وتقوى وهذا قول الشافعي وأبي حنيفة وذكر القاضي أنه ظاهر كلام الخرقي وقال أبو بكر يقام عليها الحد في الحال بسوط يؤمن معه التلف فان خيف عليها من السوط أقيم بالعثكول وأطراف الثياب لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بضرب المريض الذي زنى فقال (خذوا له مائة شمراخ فاضربوه بها ضربة واحدة) ولنا ماروى علي رضي الله عنه أنه قال إن أمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم زنت فأمرني أن أجلدها فاذا هي حديثة عهد بنفاس فخشيت إن أنا جلدتها أن اقتلها فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (أحسنت) رواه مسلم وأبو داود ولفظه قال فأتيته فقال يا علي (أفرغت؟) فقلت أتيتها ودمها يسيل فقال (دعها حتى ينقطع عنها الدم ثم أقم عليها الحد) وفي حديث أبي بكرة أن المرأة انطلقت فولدت غلاماً فجاءت به النبي صلى الله عليه وسلم فقال لها (انطلقي فتطهري من الدم) رواه أبو داود ولأنه لو توالى عليه حدان فاستوفي أحدهما لم يستوف الثاني حتى يبرأ من الأول (مسألة) (واذا مات المحدود في الجلد فالحق قتله ولا يجب على أحد ضمانه جلدا كان أو غيره) لأنه حد وجب لله عزوجل فلم يود من مات به كالقطع في السرقة وهذا قول مالك وأصحاب

مسألة: ويستحب أن يبدأ الشهود بالرجم وإن ثبت بالاقرار استحب أن يبدأ الامام

الرأي وبه قال الشافعي إذا لم يزد في حد الخمر على الاربعين وإن زاد على الاربعين فمات فعليه الضمان لأن ذلك تعزير إنما يفعله الامام برأيه، وفي قدر الضمان قولان (احدهما) نصف الدية لأنه تلف من فعلين مضمون وغير مضمون فكان عليه نصف الضمان (والثاني) تقسط الدية على عدد الضربات كلها فيجب من الدية بقدر زيادته على الأربعين روي عن علي رضي الله عنه انه قال ما كنت لاقيم حداً على أحد فيموت فأجد في نفسي الا صاحب الخمر لو مات وديته لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسنه ولنا أنه حد وجب لله تعالى فلم يجب ضمان من مات به كسائر الحدود وما زاد على الاربعين فهو من الحد على ما نذكره، وإن كان تعزيرا فالتعزير يجب فهو بمنزلة الحد، وأما حديث علي فقد صح عنه أنه قال جلد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين وأبو بكر أربعين وثبت الحد بالاجماع فلم يبق فيه شبهة (فصل) ولا نعلم بين أهل العلم خلافاً في سائر الحدود أنه إذا أتي بها على الوجه المشروع من غير زيادة أنه لا يضمن من تلف بها لأنه فعلها بأمر الله وأمر رسوله فلا يؤاخذ به ولأنه نائب عن الله تعالى فكان التلف منسوبا الى الله سبحانه (مسألة) (وإن زاد على الحد سوطاً أو أكثر فتلف ضمنه وهل يضمن جميع الدية أو نصفها؟ على وجهين) إذا زاد على الحد فتلف المحدود وجب الضمان بغير خلاف نعلمه لأنه تلف بعدوانه فأشبه ما لو ضربه في غير الحد، قال أبو بكر وفي قدر الضمان وجهان (أحدهما) كمال الدية لأنه قتل حصل من جهة الله تعالى وعدوان الضارب فكان الضمان على العادي كما لو ضرب مريضا سوطا فمات به ولأنه

مسألة: ومتى رجع المقر بالحد عن إقراره قبل منه، وان رجع في اثناء الحد لم يتمم

تلف بعدوان وغيره أشبه مالو ألقى على سفينة موقرة حجراً فغرقها (والثاني) عليه نصف الضمان لأنه تلف بفعل مضمون وغير مضمون فوجب نصف الدية حسب كما لو جرح نفسه وجرحه غيره فمات وبهذا قال أبو حنيفة ومالك والشافعي في أحد قوليه وقال في الآخر يجب من الدية بقدر ما تعدى به تقسط الدية على الأسواط كلها وسواء زاد خطأ أو عمداً لأن الضمان يجب في الخطأ والعمد، ثم ينظر فإن كان الجلاد زاده من عند نفسه بغير أمر فالضمان على عاقلته لأن العدوان منه وكذلك إن قال له الامام اضرب ما شئت، وإن كان له من يعد عليه فزاد في العدد ولم يجبره فالضمان على من يعد سواء تعمد ذلك أو أخطأ في العدد لأن الخطأ منه، وإن أمره الامام بالزيادة على الحد فزاد فقال القاضي الضمان على الإمام، وقياس المذهب أنه إن اعتقد وجوب طاعة الامام وجهل تحريم الزيادة فالضمان على الامام وإن كان عالماً بذلك فالضمان عليه كما لو أمره الإمام بقتل رجل ظلماً فقتله، وكل موضع قلنا يضمن الامام فهل يلزم عاقلته أو بيت المال؟ فيه روايتان (إحداهما) هو في بيت المال لأن خطأه يكثر فلو وجب ضمانه على عاقلته أجحف بهم قال القاضي هذا أصح (والثاني) هو على عاقلته لانها وجبت بخطائه فكانت على عاقلته كما لو رمى صيداً فقتل آدميا، ويحتمل أن تكون الروايتان فيما إذا وقعت الزيادة منه خطأ أما إذا تعمدها فهذا ظلم قصده فلا وجه لتعلق ضمان ببيت المال بحال كما لو تعمد جلد من لاحد عليه، وأما الكفارة التي تلزم الإمام فلا يحملها عنه غيره لأنها عبادة فلا

تتعلق بغير من وجد منه سببها ولأنها كفارة لفعله فلا تحصل إلا بتحمله إياها ولهذا لا يدخلها التحمل بحال (مسألة) (وإذا كان الحد رجماً لم يحفر له رجلا كان أو امرأة في أحد الوجهين) سواء ثبت ببينة أو إقرار أما إذا كان الزاني رجلا لم يوثق بشئ ولم يحفر له سواء ثبت الزنا ببينة أو إقرار لا نعلم فيه خلافا لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحفر لماعز قال أبو سعيد لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجم ماعز خرجنا به إلى البقيع فو الله ما حفرنا له ولا أوثقناه ولكنه قام لنا رواه أبو داود ولأن الحفر له ودفن بعضه عقوبة لم يرد بها الشرع في حقه فوجب أن لا يثبت (مسألة) (واما المرأة فإن كان ثبت باقرارها لم يحفر لها وإن ثبت ببينة حفر لها الى الصدر) ظاهر كلام أحمد أن المرأة لا يحفر لها أيضاً وهو الذي ذكره القاضي في الخلاف وذكر في المجرد أنه إن ثبت الحد باقرارها لم يحفر لها وإن ثبت بالبينة حفر لها الى الصدر قال أبو الخطاب وهذا أصح عندي وهو قول أصحاب الشافعي لما روى أبو بكرة وبريدة أن النبي صلى الله عليه وسلم رجم امرأة فحفر لها الى الثندوة رواه أبو داود ولا حاجة الى تمكينها من الهرب لكون الحد ثبت بالبينة فلا يسقط بفعل من جهتها بخلاف الثابت بالاقرار فإنها تترك على حال لو أرادت الهرب تمكنت منه لأن رجوعها عن إقرارها مقبول

ولنا أن أكثر الأحاديث على ترك الحفر فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحفر للجهنية ولا لليهوديين والحديث الذي احتجوا به غير معمول به ولا يقولون به فان التي نقل عنه الحفر لها ثبت حدها باقرارها ولا خلاف بيننا فيها فلا يسوغ لهم الاحتجاج به مع مخالفتهم إياه، إذا ثبت هذا فان ثياب المرأة تشد عليها لئلا تنكشف وقد روى أبو داود باسناده عن عمران بن حصين قال فأمر بها النبي صلى الله عليه وسلم فشدت عليها ثيابها ولأن ذلك استر لها (مسألة) (ويستحب أن يبدأ الشهود بالرجم وإن ثبت بالاقرار استحب أن يبدأ الامام) السنة أن يدور الناس حول المرجوم فان كان الزنا ثبت ببينة استحب أن يبدأ الشهود بالرجم وإن كان ثبت بإقرار بدأ به الإمام أو الحاكم إن كان ثبت عنده ثم يرجم الناس بعده وقد روى سعيد باسناده عن علي رضي الله عنه أنه قال الرجم رجمان فما كان منه بإقرار فأول من يرجم الامام ثم الناس وما كان ببينة فأول من يرجم البينة ثم الناس ولأن فعل ذلك ابعد لهم من التهمة في الكذب عليه (مسألة) (ومتى رجع المقر بالحد عن إقراره قبل منه، وإن رجع في اثناء الحد لم يتمم) وجملة ذلك أن من شرط إقامة الحد بالاقرار البقاء عليه إلى تمام الحد فان رجع عن إقراره كف عنه وبهذا قال عطاء ويحيى بن يعمر والزهري وحماد ومالك والثوري واسحاق وابو حنيفة وأبو يوسف وقال الحسن وسعيد بن جبير وابن أبي ليلى يقام عليه الحد لا يترك لأن ماعزا هرب

مسألة: وأما حقوق الآدميين فتستوفى كلها سواء كان فيها قتل أو لم يكن

فقتلوه، وروي أنه قال ردوني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فان قومي هم غروني من نفسي وأخبروني أن النبي صلى الله عليه وسلم غير قاتلي فلم ينزعوا عنه حتى قتلوه رواه أبو داود ولو قبل رجوعه للزمتهم ديته ولأنه حق وجب باقراره فلم يقبل رجوعه كسائر الحقوق، وحكي عن الأوزاعي أنه إن رجع حد للفرية على نفسه، وإن رجع عن السرقة أو الشرب ضرب دون الحد. ولنا أن ماعزا هرب فذكر النبي صلى الله عليه وسلم فقال (هل لا تركتموه يتوب فيتوب الله عليه؟) قال لما بن عبد البر: ثبت من حديث أبي هريرة وجابر ونعيم بن هزال ونصر بن داهر وغيرهم أن ماعزا هرب فقال لهم ردوني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (فهلا تركتموه يتوب فيتوب الله عليه؟) ففي هذا أوضح الدلائل على أنه يقبل رجوعه وعن بريدة قال: كنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نتحدث أن الغامدية وماعز بن مالك لو رجعا بعد اعترافهما أو قال لو لم يرجعا بعد اعترافهما لم يطلقهما وإنما رجمهما عند الرابعة رواه أبو داود ولأن رجوعه شبهة والحد يدرأ بالشبهات ولأن الإقرار أحد بينتي الحد فيسقط بالرجوع عنه كالبينة إذا رجعت قبل إقامة الحد وفارق سائر الحقوق فانها لا تدرأ بالشبهات وإنما لم يجب ضمان ماعز على الذين قتلوه بعد هريه لأنه ليس بصريح في الرجوع (مسألة) (وإن رجم ببينة فهرب لم يترك وإن كان باقرار ترك)

مسألة: فان اجتمعت مع حدود الله بدىء بها

إذا ثبت الحد عليه باقراره فهرب لم يتبع لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (هلا تركتموه؟) وإن لم يترك وقتل لم يضمن لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يضمن ماعزا من قتله ولأن هربه ليس بصريح في رجوعه فإن قال ردوني إلى الحاكم وجب رده ولم يجز إتمام الحد فان أتم فلا ضمان على من أتمه لما ذكرنا في هربه وإن رجع عن إقراره وقال كذبت في إقراري أو رجعت عنه أو لم أفعل ما أقررت به وجب تركه فان قتله قاتل بعد ذلك فعليه ضمانه لأنه قد زال إقراره بالرجوع عنه فصار كمن لم يقر ولا قصاص على قاتله لأن العلماء اختلفوا في صحة رجوعه فكان اختلافهم شبهة درئ به القصاص ولأن صحة الرجوع ما يخفى فيكون ذلك عذرا مانعاً من وجوب القصاص فأما إن رجم ببينة فهرب لم يترك لأن زناه ثبت على وجه لا يبطل برجوعه فلم يؤثر فيه هربه كسائر الأحكام والله أعلم (فصل) وإذا اجتمعت حدود لله تعالى فيها قتل استوفي وسقط سائرها إذا اجتمعت الحدود لم تخل من ثلاثة أقسام: (أحدها) أن تكون خالصة لله تعالى فهي نوعان (أحدها) أن يكون فيها قتل مثل أن يسرق ويزني وهو محصن ويشرب ويقتل في المحاربة فهذا يقتل ويسقط سائرها وهذا قول ابن مسعود وعطاء والشعبي والنخعي والاوزاعي ومالك وحماد وأبي حنيفة وقال الشافعي تستوفى جميعها لأن ما وجب مع غير القتل وجب مع القتل كقطع اليد قصاصاً ولنا قول ابن مسعود قال سعيد ثنا حسان بن منصور ثنا مجالد عن عامر عن مسروق عن

عبد الله قال: إذا اجتمع حدان أحدها القتل أحاط القتل بذلك، وقال إبراهيم يكفيه القتل وثنا هشيم انا حجاج عن ابراهيم والشعبي وعطاء أنهم قالوا مثل ذلك، وهذه أقوال انتشرت في عهد الصحابة والتابعين ولم يظهر لها مخالف فكان إجماعاً ولأنها حدود لله فيها قتل فسقط ما دونه كالمحارب إذا قتل وأخذ المال فانه يكتفى بقتله ولأن هذه الحدود تراد لمجرد الزجر ومع القتل لا حاجة إلى زجره لأنه لا فائدة فلا يشرع فيه ويفارق القصاص فان فيه غرض التشفي والانتقام ولا يقصد فيه مجرد الزجر إذا ثبت هذا فانه إذا وجد ما يوجب الرجم والقتل للمحاربة أو القتل للردة أو لترك الصلاة فينبغي أن يقتل للمحاربة ويسقط الرجم لأن في القتل للمحاربة حق آدمي في القصاص، وإنما أثرت المحاربة تحتمه وحق الآدمي يجب تقديمه (النوع الثاني) أن لا يكون فيها قتل فان كانت من جنس مثل أن زنى أو سرق أو شرب مراراً قبل إقامة الحد عليه أجزأ حد واحد بغير خلاف علمناه. قال إبن المنذر. أجمع على هذا كل من نحفظ عنه من أهل العلم منهم عطاء والزهري ومالك وأبو حنيفة وأحمد واسحاق وأبو يوسف وأبو ثور وهو مذهب الشافعي فان أقيم عليه الحد ثم حدثت منه جناية أخرى ففيها حدها لا نعلم فيه خلافا، وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأمة تزني قبل أن تحيض فقال (اجلدوها إن زنت ثم إن زنت فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها) ولأن تداخل الحدود إنما يكون مع اجتماعها والحد الثاني وجب بعد سقوط الحد الأول باستيفائه، وان كانت من أجناس استوفيت كلها من غير خلاف

ويبدأ وبالاخف فالأخف فاذا شرب وزنى وسرق حد للشرب أولا تم حد للزنا ثم قطع للسرقة وان أخذ المال في المحاربة قطع لذلك ويدخل فيه القطع للسرقة لأن محل القطعين واحد فتداخلا كالقتلين، وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة يتخير بين البداءة بحد الزنا وقطع السرقة لأن كل واحد منهما ثبت بنص القرآن ثم بحد الشرب ولنا أن حد الشرب أخف فيقدم كحد القذف ولا نسلم أن حد الشرب غير منصوص عليه فإنه منصوص عليه في السنة ومجمع على وجوبه وهذا التقدير على سبيل الاستحباب ولو بدأ بغيره جاز ووقع الموقع ولا يوالي بين هذه الحدود لأنه ربما أفضى الى تلفه بل متى برأ من حد أقيم عليه الذي يليه (مسألة) (وأما حقوق الآدميين فتستوفى كلها سواء كان فيها قتل أو لم يكن) ويبدأ بغير القتل وهي القصاص وحد القذف فهذه تستوفى كلها ويبدأ بأخفها فيحد للقذف ثم يقطع ثم يقتل لأنها حقوق لآدميين أمكن استيفاؤها فوجب كسائر حقوقهم وهذا قول الأوزاعي والشافعي وقال أبو حنيفة يدخل ما دون القتل فيه لما روي عن عبد الله بن مسعود أنه قال: إذا اجتمع حدان أحدهما القتل أحاط القتل بذلك رواه سعيد في سننه وقياساً على الحدود الخالصة لله تعالى ولنا أن ما دون القتل حق لآدمي فلم يسقط به كديونهم وفارق حق الله تعالى فإنه مبني على المسامحة (مسألة) (فان اجتمعت مع حدود الله بدئ بها)

إذا اجتمعت حدود الله تعالى وحدود الآدميين فهذه ثلاثة أنواع (أحدها) أن لا يكون فيها قتل فهذه تستوفى كلها وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وعن مالك إن حد الشرب والقذف يتداحلان لاستوائهما فهما كالقتلين والقطعين ولنا أنهما حدان من جنسين لا يفوت بهما المحل فلم يتداخلا كحد الزنا والشرب ولا نسلم استواءهما فان حد الشرب أربعون وحد القذف ثمانون وإن سلم استواءهما لم يلزم تداخلهما لأن ذلك لو اقتضى تداخلهما لوجب دخولهما في حد الزاني لأن الأقل مما يتداخل يدخل في الأكثر وفارق القتلين والقطعين فان المحل يفوت بالأول فيتعذر استيفاء الثاني فهذا بخلافه فعلى هذا يبدأ بحد القذف لأنه اجتمع فيه معنيان خفته وكونه حقا لآدمي صحيح إلا إذا قلنا حد الشرب أربعون فانه يبدأ به لخفته ثم بحد القذف وأيهما قدم فالآخر يليه ثم بحد الزنا لأنه لا إتلاف فيه ثم بالقطع هكذا ذكره القاضي وقال أبو الخطاب يبدأ بالقطع قصاصا لأنه حق آدمي يتمحض فإذا بر أحد للقذف إذا قلنا هو حق آدمي ثم بحد الشرب فاذا برأ حد للزنا لأن حق الآدمي يجب تقديمه لتأكده (النوع الثاني) ان تجتمع حدود الله تعالى وحدود لآدمي وفيها قتل فان حدود الله تعالى تدخل في القتل سواء كان من حدود الله تعالى كالرجم في الزنا والقتل في المحاربة أو الردة أو لحق آدمي كالقصاص لما قدمنا. وأما حقوق الآدمي فتستوفى كلها ثم إن كان القتل حقاً لله تعالى استوفيت

الحقوق كلها متوالية لانه لابد من فوات نفسه فلا فائدة في التأخير وإن كان القتل حقا لآدمي انتظر باستيفاء الثاني برؤه من الاول لوجهين (أحدهما) أن الموالاة بينهما يحتمل أن تفوت نفسه قبل القصاص فيفوت حق الآدمي (والثاني) أن العفو جائز فتأخيره يحتمل أن يعفو الولي فيحيى بخلاف القتل حقا لله سبحانه (النوع الثالث) أن يتفق الحقان في محل واحد كالقتل والقطع قصاصاً وحداً فأما القتل فان كان فيه ما هو خالص لحق الله تعالى كالرجم في الزنا وما هو حق لآدمي كالقصاص قدم القصاص لتأكد حق الآدمي وإن اجتمع القتل في المحاربة والقصاص بدئ بأسبقهما لأن القتل في المحاربة فيه حق لآدمي أيضاً فقدم أسبقهما فإن سبق القتل في المحاربة استوفي ووجب لولي المقتول الآخر ديته في مال الجاني وإن سبق القصاص قتل قصاصاً ولم يصلب لأن الصلب من تمام الحد وقد سقط الحد بالقصاص فسقط الصلب كما لو مات ويجب لولي المقتول في المحاربة ديته لأن القتل تعذر استيفاؤه وهو قصاص فصار الوجوب الى الدية وهكذا لو مات القاتل في المحاربة وجبت الدية في تركته لتعذر استيفاء القتل من القاتل ولو كان القصاص سابقا فعفى ولي المقتول استوفي القتل للمحاربة سواء عفى مطلقاً أو إلى الدية وهذا مذهب الشافعي وأما القطع فإذا اجتمع وجوب القطع في يد أو رجل قصاصاً

وحداً قدم القصاص على الحد المتمحض لله تعالى لما ذكرناه وسواء تقدم سببه أو تأخر، وإن عفا ولي الجناية استوفى الحد فاذا قطع يداً وأخذ المال في المحاربة قطعت يده قصاصاً وينتظر برؤه فاذا برأ قطعت رجله للمحاربة لأنهما حدان وإنما قدم القصاص في القطع دون القتل لأن القطع في المحاربة حد محض وليس بقصاص والقتل فيهما يتضمن القصاص ولهذا لو فات القتل في المحاربة وجبت الدية ولو فات القطع لم يجب له بدل، وإذا ثبت أنه تقدم القصاص على القطع في المحاربة فقطع اليد قصاصاً فان رجله تقطع وهل تقطع يده الأخرى؟ نظرنا فإن كان المقطوع بالقصاص قد كان مستحق القطع بالمحاربة قبل الجناية الموجبة للقصاص فيه لم يقطع أكثر من العضو الباقي من العضوين اللذين استحق قطعهما لأن محل القطع ذهب بعارض حادث فلم يجب قطع بدله كما لو ذهب بعدوان أو مرض، وعلى هذا لو ذهب العضوان جميعاً سقط القطع عنه بالكلية، وإن كان سبب القطع قصاصاً سابقاً على محاربته أو كان المقطوع غير العضو الذي وجب قطعه في المحاربة مثل ان وجب عليه القصاص في يساره بعد وجوب قطع يمناه في المحاربة فهل تقطع اليد الأخرى للمحاربة؟ على وجهين بناء على الروايتين في قطع يسرى السارق بعد قطع يمينه إن قلنا تقطع ثم قطعت ههنا وإلا فلا، وإن سرق وأخذ المال في المحاربة قطعت يده اليمنى لأسبقهما فإن كانت المحاربة سابقة قطعت يده اليمنى ورجله اليسرى في مقام واحد وحسمتا

مسألة: فان فعل ذلك في الحرم استوفي منه فيه

وهل تقطع يسرى يديه للسرقة؟ على الروايتين فإن قلنا تقطع انتظر برؤه من القطع للمحاربة لأنهما حدان وإن كانت السرقة سابقة قطعت يمناه للسرقة ولا تقطع رجله للمحاربة حتى تبرأ يده وهل تقطع يسرى يديه للمحاربة على وجهين (فصل) وان سرق وقتل في المحاربة ولم يأخذ المال قتل حتماً ولم يصلب ولم تقطع يده لأنهما حدان فيهما قتل فدخل ما دون القتل فيه ولم يصلب لأن الصلب من تمام حد قاطع الطريق إذا أخذ المال مع القتل ولم يوجد وهذان حدان كل واحد منهما منفصل عن صاحبه فاذا اجتمعا تداخلا، وإن قتل في المحاربة جماعة قتل بالأول حتما وللباقين ديات أوليائهم لأن قتله استحق بقتل الأول وتحتم بحيث لا يسقط فتعينت حقوق الباقين في الدية كما لو مات (فصل) ومن قتل أو أتى حداً خارج الحرم ثم لجأ اليه لم يستوف منه فيه ولكن لا يبايع ولا يشارى حتى يخرج فيقام عليه الحد وجملة ذلك أن من قتل خارج الحرم ثم لجأ اليه لم يستوف منه فيه، هذا قول ابن عباس وعطاء وعبيد بن عمير والزهري ومجاهد وإسحاق والشعبي وأبي حنيفة وأصحابه، وأما غير القتل من الحدود كلها والقصاص فيما دون النفس فعن أحمد فيه روايتان (إحداهما) لا يستوفى من الملتجئ الى الحرم فيه (والثانية) يستوفى وهذا مذهب أبي حنيفة لأن المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن القتل بقوله

مسألة: وإن أتى حدا في الغزو ولم يستوف منه في أرض العدو حتى يرجع إلى دار الإسلام فيقام عليه

عليه السلام (فلا يسفك فيها دم) وحرمة النفس أعظم فلا يقاس عليها غيرها ولأن الحد بالجلد جرى مجرى التأديب فلم يمنع منه كتأديب السيد عبده: والأولى ظاهر المذهب وظاهر قول الخرقي، قال أبو بكر هذه مسألة وجدتها لحنبل عن عمه أن الحدود كلها تقام في الحرم إلا القتل والعمل على أن كل جان دخل الحرم لم يقم عليه الحد حتى يخرج منه، وقال مالك والشافعي وابن المنذر يستوفى منه لعموم الامر بجلد الزاني وقطع السارق واستيفاء القصاص من غير تخصيص بمكان دون مكان وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (ان الحرم لا يعيذ عاصياً ولا فارا بجزية ولا دم) وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل ابن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة حديث صحيح ولأنه حيوان ابيح قتله لعصيانه فأشبه الكلب العقور ولنا قول الله تعالى (ومن دخله كان آمنا) يعني الحرم بدليل قوله تعالى (فيه آيات بينات مقام إبراهيم) والخبر أريد به الأمر لأنه لو أريد الخبر لأفضى إلى وقوع الخبر خلاف المخبر وقال النبي صلى الله عليه وسلم (إن الله حرم مكة ولم يحرمها الناس فلا يحل لا مرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك فيها دماً ولا يعضد بها شجرة فان أحد ترخص لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا ان الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم وإنما أذن لي ساعة من نهار وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس فليبلغ الشاهد الغائب) وقال النبي صلى الله عليه وسلم (إن الله حرم مكة يوم خلق السموات والأرض وانما أحلت لي

ساعة من نهار ثم عادت الى حرمتها فلا يسفك فيه دم) متفق عليهما، والحجة فيه من وجهين (أحدهما) أنه حرم سفك الدم بها على الاطلاق وتخصيص مكة بهذا يدل على أنه أراد العموم فإنه لو أراد سفك الدم الحرام لم تختص به مكة فلا يكون التخصيص مفيداً (والثاني) قوله (انما حلت لي ساعة من نهار) ثم عادت حرمتها ومعلوم أنه إنما أحل له سفك دم حلال في غير الحرم فحرمها الحرم ثم أحلت له ساعة ثم عادت الحرمة ثم أكد هذا بمنه قياس غيره عليه والاقتداء به بقوله (فان أحد ترخص بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا ان الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم) وهذا يدفع ما احتجوا به من قتل ابن خطل فانه من رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي منع الناس أن يقتدوا به فيها وبين أنها له على الخصوص وما رووه من الحديث فهو من كلام عمرو بن سعيد الاشدق يرد به قول رسول الله صلى الله عليه وسلم حين روى له أبو شريح هذا الحديث وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن يتبع، وأما جلد الزاني وقطع السارق والأمر بالقصاص فإنما هو مطلق في الأمكنة والأزمنة فإنه يتناول مكاناً غير معين ضرورة أنه لابد من مكان فيمكن إقامته في مكان غير الحرم ثم لو كان عاماً فإنما رويناه خاصاً يختص به مع أنه قد خص مما ذكروه الحامل والمريض المرجو برؤه فتأخر الحد عنه وتأخر قتل الحامل فجاز أن يخص أيضاً بما ذكرناه، والقياس على الكلب العقور لا يصح فإن ذلك طبعه الأذى فلم يحرمه الحرم ليدفع أذاه عن أهله، وأما الآدمي فالأصل فيه الحرمة وحرمته عظيمة وإنما أبيح لعارض فأشبه الصائل من الحيوانات المباحة من

باب حد الزنا

المأكولات فان الحرم يعصمها. إذا ثبت هذا فانه لا يبايع ولا يشارى ولا يطعم ولا يؤوى ويقال له اتق الله واخرج إلى الحل يستوفى منك الحق الذي قبلك فاذا خرج استوفي حق الله منه وهذا قول جميع من ذكرناه، وإنما كان كذلك لأنه لو أطعم أو أووي لتمكن من الاقامة دائما فيضيع الحق الذي عليه وإذا منع من ذلك كان وسيلة إلى خروجه فيقام فيه حق الله تعالى وليس علينا إطعامه كما أن الصيد لا يصاد في الحرم وليس علينا القيام به، قال ابن عباس رحمه الله من أصاب حداً فلجأ إلى الحرم فإنه لا يجالس ولا يبايع ولا يؤوى ويأتيه الذي يطلبه فيقول أي فلان اتق الله فاذا خرج من الحرم أقيم عليه الحد، رواه الأثرم، فان قتل من له عليه قصاص في الحرم أو أقام حد الجلد أو قتل أو قطع طرفا أساء ولا شئ عليه لأنه استوفى حقه في حال لم يكن له استيفاؤه فيه فأشبه مالو اقتص في حر شديد أو برد مفرط. (مسألة) (فان فعل ذلك في الحرم استوفي منه فيه) وجملة ذلك أن من انتهك حرمة الحرم بجناية فيه توجب حداً أو قصاصاً فانه يقام عليه حدها لا نعلم فيه خلافا، وقد روى الأثرم بإسناده عن ابن عباس أنه قال من أحدث حدثاً في الحرم أقيم عليه ما أحدث فيه من شئ وقد أمر الله تعالى بقتال من قاتل في الحرم فقال تعالى (ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم) فأباح قتلهم عند قتالهم في الحرم، ولأن

أهل الحرم يحتاجون إلى الزجر عن ارتكاب المعاصي كغيرهم حفظاً لأنفسهم وأموالهم وأعراضهم فلو لم يشرع الحد في حق من ارتكب الحد في الحرم لتعطلت حدود الله تعالى في حقهم وفاتت هذه المصالح التي لابد منها ولا يجوز الإخلال بها، ولأن الجاني في الحرم هاتك لحرمته فلا تنتهض الحرمة لتحريم دمه وصيانته بمنزلة الجاني في دار الملك لا يعصم لحرمة الملك بخلاف الملتجئ إليها لجناية صدرت منه في غيرها. (فصل) فأما حرم مدينة النبي صلى الله عليه وسلم فلا يمنع إقامة حد ولا قصاص، لأن النص إنما ورد في حرم الله تعالى، وحرم المدينة دونه في الحرمة فلا يصح قياسه عليه وكذلك سائر البقاع لا تمنع من استيفاء حق ولا إقامة حد، لأن أمر الله تعالى باستيفاء الحقوق وإقامة الحد مطلق في الأمكنة والأزمنة خرج منها الحرم لمعنى لا يلفى في غيره لأنه محل الانساك وقبلة المسلمين وفيه بيت الله المحجوج وأول بيت وضع للناس ومقام ابراهيم وآيات بينات فلا يلحق به سواه ولا يقاس عليه لأنه ليس في معناه والله سبحانه أعلم. (مسألة) (وان أتى حدا في الغزو لم يستوف منه في أرض العدو حتى يرجع إلى دار الإسلام فيقام عليه) وجملة ذلك أن من أتى حداً من الغزاة أو ما يوجب قصاصاً في أرض الحرب لم يقم عليه حتى

مسألة: إذا زنى الحر المحصن فحده الرجم حتى يموت، وهل يجلد قبل الرجم؟ على روايتين

يقفل فيقام عليه حده وبهذا قال الأوزاعي واسحاق وقال مالك والشافعي وأبو ثور وابن المنذر يقام الحد في كل موضع، لأن أمر الله تعالى باقامته مطلق في كل مكان وزمان إلا أن الشافعي قال إذا لم يكن أمير الجيش الإمام أو أمير اقليم ليس له إقامته يؤخر حتى يأتي الامام لأن إقامة الحدود إليه وكذلك إن كان بالمسلمين حاجة إلى المحدود أو قوة به أو شغل عنه أخر وقال أبو حنيفة لاحد ولا قصاص في دار الحرب ولا إذا رجع ولنا على وجوب الحد أمر الله تعالى ورسوله به وعلى تأخيره ماروى بسر بن أبي أرطأة أنه أتي برجل في الغزاة قد سرق جنيبة فقال لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (لا تقطع الأيدي في الغزاة) قطعتك أخرجه أبو داود وغيره، ولأنه إجماع الصحابة رضي الله عنهم فروى سعيد بإسناده عن الأحوص بن حكيم عن أبيه أن عمر كتب إلى الناس أن لا يجلدن أمير جيش ولا سرية ولا رجلاً من المسلمين حداً وهو غاز حتى يقطع الدرب قافلا لئلا تلحقه حمية الشيطان فيلحق بالكفار

وعن أبي الدرداء، مثل ذلك وعن علقمة قال كنا في جيش في أرض الروم ومعنا حذيفة بن اليمان وعلينا والوليد بن عقبة فشرب الخمر فأردنا أن نحده فقال حذيفة اتحدون أميركم وقد دنوتم من عدوكم فيطمعوا فيكم؟ وأني سعد بأبي محجن يوم القادسية وقد شرب الخمر فأمر به إلى القيد فلما التقى الناس قال أبو محجن. كفى حزناً أن تطرد الخيل بالقنا وأترك مشدوداً علي وثاقيا وقال لابنة حفصة امرأة سعد أطلقيني ولك الله على إن سلمني الله أن ارجع حتى أضع رجلي في القيد وإن قتلت استرحتم مني، قال فحلته حتى التقى الناس وكانت بسعد جراحة فلم يخرج يومئذ إلى الناس قال وصعدوا به فوق العذيب ينظر الى الناس واستعمل على الخيل خالد بن عرفطة فوثب أبو محجن على فرس لسعد يقال لها البلقاء ثم أخذ رمحاً فجعل لا يحمل على ناحية من العدو إلا هزمهم وجعل الناس يقولون هذا ملك لما يرونه يصنع وجعل سعد يقول الصبر صبر البلقاء والطعن طعن

أبي محجن وأبو محجن في القيد فلما هزم العدو رجع أبو محجن حتى وضع رجله في القيد فأخبرت ابنة حصفة سعداً بما كان من أمره فقال سعد لا والله لا أضرب اليوم رجلا أبلى الله المسلمين على يديه ما أبلاهم فخلى سبيله، فقال أبو محجن قد كنت أشربها إذ تقام علي الحد وأطهر منها فأما إذ بهرجتني فوالله لا أشربها ابداً. وهذا اتفاق لم يظهر خلافه فأما إذا رجع فإنه يقام عليه الحد لعموم الآيات والأخبار وإنما أخر لعارض كما يؤخر لمرض أو شغل فاذا زال العارض أقيم الحد لوجود مقتضيه وانتفاء معارضه ولهذا قال عمر حتى يقطع الدرب قافلا (فصل) وتقام الحدود في الثغور بغير خلاف نعلمه لأنها من بلاد الاسلام والحاجة داعية إلى زجر أهلها كالحاجة إلى زجر غيرهم، وقد كتب عمر إلى أبي عبيدة أن يجلد من شرب الخمر ثمانين وهو بالشام وهو من الثغور. باب حد الزنا الزنا حرام وهو من الكبائر العظام بدليل قوله تعالى (ولا تقربو الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا) وقال تعالى (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا) وعن عبد الله بن مسعود

مسألة: والمحصن من وطىء امرأته في قبلها في نكاح صحيح وهما بالغان عاقلان حران فان اختل شرط منها فلا إحصان لواحد منهما

قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الذنب؟ أعظم قال (أن تجعل لله ندا وهو خلقك) قال قلت ثم أي قال (أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك) قال قلت ثم أي قال (أن تزاني حليلة جارك) متفق عليه وكان حد الزاني في صدر الاسلام الحبس في البيت والأذى بالكلام من التقريع والتوبيخ للبكر لقوله سبحانه (واللائي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا واللذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إن الله كان توابا رحيما) قال بعض أهل العلم المراد بقوله من نسائكم الثيب لأن قوله من نسائكم إضافة الى زوجية كقوله (للذين يؤلون من نسائهم) ولا فائدة في اضافته ههنا نعلمها إلا إعتبار الثيوبة ولأنه قد ذكر عقوبتين (إحداهما) أغلظ من الأخرى فكانت الأغلظ للثيب والأخرى للبكر كالرجم والجلد ثم نسخ هذا بما روى عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم) رواه مسلم فإن قيل فكيف ينسخ القرآن بالسنة؟ قلنا قد ذهب أصحابنا إلى جوازه لأن الكل من عند الله وإن اختلفت طريقه ومن منع ذلك قال ليس هذا نسخاً إنما هو تفسير للقرآن وتبيين له لأن النسخ رفع حكم ظاهره الاطلاق

فأما ما كان مشروطاً بشرط وزال الشرط لا يكون نسخاً وههنا شرط الله سبحانه حبسهن إلى أن يجعل الله لهن سبيلا فبينت السنة السبيل فكان بيانا لا نسخا ويمكن أن يقال ان نسخه حصل بالقرآن فان الجلد كان في كتاب الله تعالى والرجم كان فيه فنسخ رسمه وبقي حكمه (مسألة) (إذا زنى الحر المحصن فحده الرجم حتى يموت وهل يجلد قبل الرجم؟ على روايتين) الكلام في هذه المسألة في فصول ثلاثة (أحدها) في وجوب الرجم على الزاني المحصن رجلا كان أو امرأة هذا قول عامة أعمل العلم من الصحابة والتابعين من بعدهم من علماء الأمصار في جميع الأعصار ولا نعلم احدا خالف فيه إلا الخوارج فانهم قالوا الجلد للبكر والثيب لقول الله تعالى (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) وقال لا يجوز ترك كتاب الله تعالى الثابت بالقطع واليقين لأخبار آحاد يجوز الكذب فيها ولأن هذا يفضي إلى نسخ الكتاب بالسنة وهو غير جائز ولنا أنه قد ثبت الرجم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله وفعله في أخبار تشبه المتواتر وأجمع عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما نذكره في أثناء الباب في موضعه إن شاء الله تعالى قد أنزله الله تعالى في كتابه وإنما نسخ رسمه دون حكمه فروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال أن الله تعالى بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالحق وأنزل عليه الكتاب فكان فيما أنزل عليه آية الرجم فقرأتها وعقلتها ووعيتها ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان يقول قائل ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله تعالى فالرجم حق على من زنى إذا أحصن من الرجال

والنساء إذا قامت به البينة أو كان الحبل أو الاعتراف وقد قرأتها (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم) متفق عليه وأما آية الجلد فنقول بها فان الزاني يجب جلده فان كان ثيباً رجم مع الجلد والآية لم تتعرض إلى كيفية والى هذا أشار علي رضي الله عنه حين جلد ثم رجمها جلدتها بكتاب الله ثم رجمتها بسنة رسول الله ثم لو قلنا ان الثيب لا تجلد لكان هذا شراحة تخصيصاً للآية العامة وهذا سائغ بغير خلاف فإن عمومات القرآن في الاثبات كلها مخصصة وقولهم ان هذ نسخ ليس بصحيح وإنما هو تخصيص ثم لو كان نسخاً لكان نسخاً بالآية التي ذكرها عمر رضي الله عنه وقد روينا أن رسل الخوارج جاءوا عمر بن عبد العزيز رحمه الله فكان من جملة ما عابوا عليه الرجم وقالوا ليس في كتاب الله إلا الجلد وقالوا الحائض أوجبتم عليها قضاء الصوم دون الصلاة والصلاة أوكد فقال لهم عمر وأنتم لا تأخذون إلا بما في كتاب الله؟ قالوا نعم قال فأخبروني عن عدد الصلوات المفروضات وعدد ركعاتها وأركنها وواجباتها أين تجدونه في كتاب الله؟ وأخبروني عما تجب الزكاة فيه ونصبها ومقاديرها؟ قالوا أنظرنا فرجعوا يومهم ذلك فلم يجدوا شيئاً مما سألهم عنه في القرآن فقالوا لم نجده في القرآن قال فكيف ذهبتم إليه؟ قالوا لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله وفعله المسلمون بعده فقال لهم فكذلك الرجم وقضاء الصوم فإن النبي صلى الله عليه وسلم رجم ورجم خلفاؤه بعده والمسلمون وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقضاء الصوم دون الصلاة وفعل ذلك نساؤه ونساء أصحابه. إذا ثبت هذا فمعنى

مسألة: ويثبت الاحصان للذميين وهل تحصن الذمية مسلما؟ على روايتين

الرجم أن يرمى بالحجارة وغيرها حتى يموت بذلك قال إبن المنذر أجمع أهل العلم على أن المرجوم يداوم عليه الرجم حتى يموت ولأن اطلاق الرجم يقتضي القتل به لقوله تعالى (لتكونن من المرجومين) وقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهوديين للذين زنيا وماعزا والغامدية حتى ماتوا (الفصل الثاني) أنه يجلد ثم يرجم في إحدى الروايتين فعل ذلك علي رضي الله عنه وبه قال ابن عباس وأبي بن كعب وأبو ذر رضي الله عنهم واختاره وذكر ذلك أبو بكر عبد العزيز عنهم وبه قال الحسن وداود وابن المنذر (والرواية الثانية) يرجم ولا يجلد روي عن عمر وعثمان انهما رجما ولم يجلدا وروي عن ابن مسعود أنه قال إذا اجتمع حدان لله فيهما القتل أحاط القتل بذلك وبهذا قال النخعي والزهري والاوزاعي ومالك والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي واختاره الجوزجاني والاثرم ونصراه في سننهما لأن جابراً روي أن النبي صلى الله عليه وسلم رجم ماعزا ولم يجلده ورجم الغامدية ولم يجلدها وقال (واغد يا أنيس الى امرأة هذا فان اعترفت فارجمها) متفق عليه ولم يأمره بجلدها وكان هذا آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيجب تقديمه، قال الأثرم سمعت أبا عبد الله يقول في حديث عبادة أنه اول حديث نزل وأن حديث ماعز بعده رجمه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يجلده وعمر رجم ولم يجلد ونقل عنه اسماعيل بن سعيد نحو هذا ولأنه حد فيه قتل فلم يجتمع معه جلد كالردة ولأن الحدود إذا اجتمعت

مسألة: وإن كان لرجل ولد من امرأة، فقال ما وطئتها لم يثبت إحصانه ولا يرجم إذا زنى

وفيها قتل سقط ما سواه فالحد الواحد أولى ووجه الرواية الأولى قوله تعالى (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) وهذا عام ثم جاءت السنة بالرجم في حق الثيب والتغريب في حق البكر فوجب الجمع بينهما وإلى هذا أشار علي بقوله جلدتها بكتاب الله ورجمتها بسنة رسول الله وقد صرح النبي صلى الله عليه وسلم بقوله في حديث عبادة (والثيب بالثيب الجلد والرجم) وهذا الصريح الثابت بيقين لا يترك إلا بمثله والأحاديث الباقية ليست صريحة فإنه ذكر الرجم ولم يذكر الجلد فلا يعارض به الصريح بدليل أن التغريب يجب بذكره في هذا الحديث وليس بمذكور في الآية ولأنه زان فيجلد كالبكر ولأنه قد شرع في حق البكر عقوبتان الجلد والتغريب فيكون الجلد في مكان التغريب فعلى هذه الرواية يبدأ بالجلد أولا ثم يرجم فإن والى بينهما جاز لأن إتلافه مقصود فلا تضر الموالاة بينهما وإن جلده يوماً ثم رجمه في آخر جاز كما فعل علي رضي الله عنه جلد شراحة يوم الخميس ثم رجمها يوم الجمعة (الفصل الثالث) إن الرجم لا يجب إلا على المحصن بإجماع أهل العلم وفي حديث عمران (الرجم حق على من زنى وقد احصن) وقال النبي صلى الله عليه وسلم (لا يحل دم امرئ مسلم إلا باحدى ثلاث) ذكر منها (أو زنا بعد إحصان) (مسألة) (والمحصن من وطئ امرأته في قبلها في نكاح صحيح وهما بالغان عاقلان حران فان اختل شرط منها فلا إحصان لواحد منهما) يشترط للاحصان شروط سبعة (احدها) الوطئ في القبل ولا خلاف في اشتراطه لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (والثيب بالثيب الجلد والرجم) والثيابة تحصل بالوطئ في القبل فوجب اعتباره ولا خلاف في أن النكاح

الخالي عن الوطئ لا يحصل به إحصان سواء حصلت فيه خلوة أو وطئ فيما دون الفرج أو في الدبر أو لم يحصل شئ من ذلك لأن هذا لا تصير به المرأة ثيباً ولا تخرج به عن حد الابكار الذين حدهم جلد مائة وتغريب عام بمقتضى الخبر ولابد أن يكون وطأ حصل به تغييب الحشفة في الفرج لأن ذلك الوطء الذي تتعلق به أحكامه (الثاني) أن يكون في نكاح لأن النكاح يسمى إحصاناً بدليل قوله تعالى (والمحصنات من النساء) يعني المتزوجات ولا خلاف بين أهل العلم في ان وطئ الزنا ووطئ الشبهة لا يصير به الواطئ محصناً ولا نعلم خلافاً في أن التسري لا يحصل به الإحصان لواحد منهما لكونه ليس بنكاح ولا تثبت فيه أحكامه. (الثالث) أن يكون النكاح صحيحاً وهو قول أكثر أهل العلم منهم عطاء وقتادة ومالك والشافعي وأصحاب الرأي وقال ابو ثور يحصل الاحصان بالوطئ في نكاح فاسد، وحكي ذلك عن الليث والاوزاعي لأن الصحيح والفاسد سواء في أكثر الاحكام من وجوب المهر والعدة وتحريم الربيبة وأم المرأة ولحاق الولد فكذلك الإحصان ولنا أنه وطئ في غير ملك فلم يحصل به الإحصان كوطئ الشبهة ولا نسلم ثبوت ما ذكروه من الأحكام وإنما ثبت بالوطئ فيه وهذه ثبتت في كل وطئ وليست مختصة النكاح إلا أن النكاح ههنا صار شبهة فصار الوطئ فيه كوطئ الشبهة سواء

(الرابع) الحرية وهي شرط في قول جميع أهل العلم الا ابا ثور قال: العبد والأمة هما محصنان يرجمان إذا زنيا إلا أن يكون الإجماع يخالف ذلك، وحكي عن الأوزاعي في العبد تحته حرة هو محصن يرجم إذا زنى، وإن كان تحته أمة لم يرجم وهذه أقوال تخالف النص والإجماع فإن الله تعالى قال (فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب) والرجم لا يتنصف وإيجابه كله يخالف النص مع مخالفة الاجماع المنعقد قبله إلا أن يكون إذا عتقا بعد الاصابة فهذا فيه اختلاف سنذكره إن شاء الله، وقد وافق الأوزاعي على أن العبد إذا وطئ الأمة ثم عتقا لم يصيرا محصنين وهو قول الجمهور وزاد فقال في المملوكين: إذا عتقا وهما متزوجان ثم وطئها الزوج لا يصيران محصنين بذلك، وهذا أيضاً قول شاذ خالف أهل العلم به فان الوطئ وجد منهما حال كمالهما فحصنهما كالصبيين إذا بلغا (الشرط الخامس والسادس) البلوغ والعقل فلو وطئ وهو صبي أو مجنون ثم بلغ أو عقل لم يكن محصناً. هذا قول أكثر أهل العلم وقول الشافعي ومن أصحابه من قال يكون محصناً وكذلك العبد إذا وطئ ثم عتق يصير محصناً لأن هذا وطئ يحصل به الإحلال للمطلق ثلاثاً فحصل به الإحصان كالموجود حال الكمال ولنا قوله عليه السلام (والثيب بالثيب جلد مائة والرجم) فاعتبر الثيوبة خاصة، ولو كانت تحصل قبل ذلك لكان يجب عليه الرجم قبل بلوغه وعقله وهو خلاف الاجماع، ويفارق الإحصان

مسألة: وإن زنى الحر غير المحصن جلد مائة وغرب عاما إلى مسافة القصر وان كان ثيبا

الإحلال لأن اعتبار الوطئ في حق المطلق يحتمل أن يكون عقوبة له بتحريمها عليه حتى يطأها غيره لأن هذا مما تأباه الطباع ويشق على النفوس فاعتبره الشارع زجراً عن الطلاق الثلاث، وهذا يستوي فيه العاقل والمجنون بخلاف الإحصان فانه اعتبر لكمال النعمة فإن من كملت النعمة في حقه كانت جنايته أفحش وأحق بزيادة العقوبة والنعمة في العاقل البالغ أكمل (الشرط السابع) أن يوجد الكمال فيهما جمعا (جميعا) حال الوطئ فيطأ الرجل العاقل الحر امرأة عاقلة حرة، وهذا قول أبي حنيفة وأصحابه، ونحوه قول عطاء والحسن وابن سيرين والنخعي وقتادة والثوري واسحاق قالوه في الرقيق، وقال مالك: إذا كان أحدهما كاملا صار محصناً إلا الصبي إذا وطئ الكبيرة لم يحصنها، ونحوه عن الأوزاعي، واختلف عن الشافعي فقيل له قولان (أحدهما) كقولنا (والثاني) الكامل يصير محصناً وهو قول ابن المنذر، وذكر ابن أبي موسى نحو ذلك في الارشاد فقال: إذا وطئ الحر البالغ حرة صغيرة في نكاح صحيح صار محصناً دونها وإذا وطئ الصبي الحر الصغير الكبيرة صارت محصنة دونه كما أنه لا يجب على الصغير الحد ويجب على الكبير ولنا أنه وطئ لم يحصن أحد المتواطئين فلم يحصن الآخر كالتسري ولأنه متى كان أحدهما ناقصا لم يكمل الوطئ فلا يحصل به الإحصان كما لو كانا غير كاملين وبهذا فارق ما قاسوا عليه (مسألة) (ويثبت الاحسان للذميين وهل تحصن الذمية مسلماً؟ على روايتين)

لا يشترط الإسلام في الإحصان، وبه قال الزهري والشافعي فعلى هذا يكون الذميان محصنين فان تزوج المسلم ذمية فوطئها صارا محصنين وفيه رواية أخرى أن الذمية لا تحصن المسلم، وقال عطاء والنخعي والشعبي ومجاهد والثوري هو شرط في الإحصان فلا يكون الكافر محصناً ولا تحصن الذمية مسلماً لأن ابن عمر روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من أشرك بالله فليس بمحصن) ولأنه إحصان من شروطه الحرية فكان الاسلام شرطاً فيه كاحصان القذف وقال مالك كقولهم إلا أن الذمية تحصن المسلم بناء على أصله في أنه لا يعتبر الكمال في الزوجين وينبغي أن يكون ذلك قولا للشافعي ولنا ما روى مالك عن نافع عن ابن عمر أنه قال: جاء اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له أن رجلا وامرأة زنيا وذكر الحديث فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجما متفق عليه ولأن الجناية بالزنا استوت من المسلم والذمي فيجب أن يستويا في الحد، وحديثهم لم يصح ولا نعرفه في مسند وقيل هو موقوف على ابن عمر ثم يتعين حمله على إحصان القذف جمعاً بين الحديثين فان راويهما واحد وحديثنا صريح في الرجم فيتعين حمل خبرهم على الاحصان الآخر فإن قالوا إنما رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهوديين بحكم التوراة بدليل أنه راجعها فلما تبين له أن ذلك حكم الله تعالى عليهم اقامه فيهم وفيها أنزل الله سبحانه (إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا

مسألة: وعنه أن المرأة تنفى إلى دون مسافة القصر

للذين هادوا) قلنا إنما حكم عليهم بما أنزل الله عزوجل إليه بدليل قوله تعالى (وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا) ولأنه لا يسوغ للنبي صلى الله عليه وسلم الحكم بغير شريعته ولو ساغ ذلك له ساغ لغيره وإنما راجع التوراة لتعريفهم أن حكم التوراة موافق لما يحكم به عليهم وأنهم تاركون شريعتهم مخالفون لحكمهم ثم هذا حجة لنا فان حكم الله في وجوب الرجم إن كان ثابتاً في حقهم يجب أن يحكم به عليهم فقد ثبت وجود الاحصان فيهم فانه لا معنى له سوى وجوب الرجم على من زنى منهم بعد وجود شروط الاحصان فيه وإن منعوا ثبوت الحكم في حقهم فلم حكم به النبي صلى الله عليه وسلم؟ ولا يصح القياس على إحصان القذف لأن من شرطه العفة وليست شرطاً ههنا (مسألة) (وإن كان لرجل ولد من امرأة فقال ما وطئتها لم يثبت إحصانه ولا يرجم إذا زنى) وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة يرجم لأن الولد لا يكون إلا من وطئ فقد حكم بالوطئ ضرورة الحكم بالولد. ولنا أن الولد يلحق بامكان الوطئ واحتماله والإحصان لا يثبت إلا بحقيقة الوطئ فلا يلزم من ثبوت ما يكتفى فيه بالامكان وجود ما يعتبر فيه الحقيقة وهو أحق الناس بهذا فانه قال لو تزوج امرأة بحضرة الحاكم في مجلسه ثم طلقها فيه فأتت بولد لحقه مع العلم بأنه لم يطأها في الزوجية

مسألة: ويخرج مع المرأة محرمها ليسكنها في موضع، ثم إن شاء رجع إذا أمن عليها، وإن شاء أقام معها حتى يكمل حولها، وإن أبى الخروج معها بذلت له الاجرة

فكيف يحكم بحقيقة الوطئ مع تحقق انتفائه؟ وهكذا لو كان لامرأة ولد من زوج فأنكرت أن يكون وطئها لم يثبت إحصانها لذلك (فصل) ولو شهدت بينة الاحصان أنه دخل بزوجته فقال أصحابنا يثبت الاحصان به لأن المفهوم من لفظ الدخول كالمفهوم من لفظ المجامعة (وقول) محمد بن الحسن لا يكتفى به حتى تقول جامعها أو باضعها أو نحوها لأن الدخول يطلق على الخلوة بها ولهذا تثبت بها أحكامه قال شيخنا وهذا أصح القولين إن شاء الله تعالى، أما إذا قالت جامعها أو باضعها أو نحوه فلا نعلم خلافاً في ثبوت الاحصان وكذلك ينبغي إذا قالت وطئها وان قالت باشرها أو مسها أو أصابها أو أتاها فينبغي أن لا يثبت به الاحصان لأن هذا يستعمل فيما دون الجماع في الفرج كثيراً فلا يثبت به الإحصان الذي يندرئ بالاحتمال (فصل) وإذا جلد الزاني على أنه بكر ثم بان محصناً رجم لما روى جابر أن رجلا زنى بامرأة فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم به فجلد الحد ثم أخبر أنه محصن فرجم رواه أبو داود، ولأنه إن وجب الجمع بينهما فقد أتى ببعض الواجب فيجب إتمامه وإن لم يجب الجمع بينهما تبين أنه لم يأت بالحد الواجب (فصل) وإذا رجم الزانيان غسلا وصلي عليهما ودفنا إذا كانا مسلمين، أما غسلهما ودفنهما فلا خلاف فيه بين أهل العلم، وأكثر أهل العلم يرون الصلاة عليهما قال الامام أحمد سئل علي عن شراحة وكان رجمها فقال اصنعوا بها ما تصنعون بموتاكم وصلى علي عليها وقال مالك من قتله الامام في حد فلا

يصلي عليه لأن جابرا قال في حديث ماعز فرجم حتى مات فقال له النبي صلى الله عليه وسلم خيراً ولم يصل عليه متفق عليه، ووجه الاول ماروى أبو داود بإسناده عن عمران بن الحصين في حديث الجهنية فأمر بها النبي صلى الله عليه وسلم فرجمت ثم أمرهم فصلوا عليها فقال عمر يارسول الله تصلي عليها وقد زنت؟ فقال والذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم وهل وجدت افضل من أن جادت بنفسها؟) ورواه الترمذي وفيه فرجمت وصلي عليها وقال حديث حسن صحيح وقال النبي صلى الله عليه وسلم (صلوا على من قال لا إله إلا الله) ولأنه مسلم لو مات قبل الحد صلي عليه فصلي عليه بعده كالسارق وأما حديث ماعز فيحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحضره أو اشتغل عنه بأمر أو غير ذلك فلا يعارض مارويناه (مسألة) (وإن زنى الحر غير المحصن جلد مائة وغرب عاما إلى مسافة القصر وان كان ثيبا) ولا خلاف في وجوب الجلد على الزاني إذا لم يكن محصناً وقد جاء بيان ذلك في كتاب الله تعالى بقوله سبحانه وتعالى (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) وجاءت لاحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم موافقة لما جاء به الكتاب، ويجب مع الجلد تغريبه عاما في قول الجمهور روى ذلك عن الخلفاء الراشدين وعن أبي وأبي ذر وابن عمر وابن مسعود رضي الله عنهم وإليه ذهب عطاء وطاوس وابن أبي ليلى والشافعي واسحاق وأبو ثور، وقال مالك والاوزاعي يغرب الرجل دون المرأة لأن المرأة تحتاج إلى حفظ وصيانة ولأنها لا تخلو من التغريب بمحرم أو بغير محرم: لا يجوز بغير محرم لقول رسول الله

مسألة: وإن كان الزاني رقيقا فحده خمسون جلدة بكل حال ولا يغرب

صلى الله عليه وسلم (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم) ولأن تغريبها بغير محرم إغراء لها بالفجور وتضييع لها وإن غربت بمحرم أفضى الى تغريب من ليس بزان ونفي من لاذنب له وإن كلفت أجرته ففي ذلك زيادة على عقوبتها بما لم يرد الشرع به كما لو زاد ذلك على الرجل، والخبر الخاص في التغريب إنما هو في حق الرجل وكذلك فعل الصحابة رضي الله عنهم والعام يجوز تخصيصه لأنه يلزم من العمل بعمومه مخالفة مفهومه فانه دل بمفهومه على أنه ليس على الزاني أكثر من العقوبة المذكورة فيه وإيجاب التغريب على المرأة يلزم منه الزيادة على ذلك وفوات حكمه لأن الحد وجب زجراً عن الزيادة وفي تغريبها إغراء به وتمكين منه مع أنه قد يخصص في حق الثيب باسقاط الجلد في قول الأكثرين فتخصيصه ههنا أولى قال أبو حنيفة ومحمد بن الحسن لا يجب التغريب لأن علياً رضي الله عنه قال حسبهما من الفتنة أن ينفيا وعن ابن المسيب أن عمر غرب ربيعة بن أمية بن خلف في الخر الى خيبر فلحق بهرقل فتنصر فقال عمر لا أغرب مسلما بعد هذا ابداً ولأن الله تعالى أمر بالجلد دون التغريب فايجاب التغريب زيادة على النص ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام) وروى ابو هريرة وزيد بن خالد أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحدهما إن ابني كان عسيفاً على هذا فزنى بامرأته وانني افتديت منه بمائة شاة ووليدة فسألت رجالا من أهل العلم فقالوا إنما على ابنك جلد مائة وتغريب

عام والرجم على امرأة هذا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم (والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله: على ابنك جلد مائة وتغريب عام) وجلد ابنه وغربه عاماً وأمر أنيسا الاسلمي يأتي امرأة الآخر فان اعترفت رجمها فاعترفت فرجمها متفق عليه وفي الحديث فسألت رجالا من أهل العلم فقالوا إنما على ابنك جلد مائة وتغريب عام، وهذا يدل على أن هذا كان مشهوراً عندهم من حكم الله وقضاء رسوله صلى الله عليه وسلم وقد قيل إن الذي قال لهم هذا أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، ولأن التغريب فعله الخلفاء الراشدون ولا يعرف لهم في الصحابة مخالف فكان أجماعاً، ولأن الخبر يدل على عقوبتين في حق الثيب فكذلك في حق البكر وما رووه عن علي لا يثبت لضعف روايه وإرساله وقول عمر لا أغرب بعده مسلماً فلعله أراد تغريبه في الخمر الذي أصابت الفتنة ربيعة فيه. قال شيخنا وقول مالك يخالف عموم الخبر والقياس لان ماكان حداً في الرجل يكون حداً في المرأة كسائر الحدود، وقال مالك فيما يقع لي أصح الأقوال وأعدلها، وعموم الخبر مخصوص بخبر النهي عن سفر المرأة بغير محرم، والقياس على سائر الحدود لا يصح لأنه يستوي الرجل والمرأة في الضرر الحاصل بها بخلاف هذا الحد ويمكن قلب هذا القياس بأنه حد فلا تزاد فيه المرأة على ما على الرجل كسائر الحدود (فصل) ويغرب البكر الزاني حولاً فان عاد قبل مضي الحول أعيد تغريبه حتى يكمل الحول مسافرا ويبني على ما مضى، ويغرب الرجل إلى مسافة القصر لأن ما دونها في حكم الحضر بدليل أنه لا يثبت في حقه أحكام المسافرين ولا يستبيح شيئا من رخصهم

(مسألة) (وعنه أن المرأة تنفى إلى دون مسافة القصر) وقيل عنه إن خرج معها محرمها نفيت إلى مسافة القصر وإن لم يخرج معها محرمها فنقل عن أحمد أن المرأة تغرب إلى مسافة القصر كالرجل وهذا مذهب الشافعي وروي عنه أنها تغرب الى دون مسافة القصر لتقرب من أهلها فيحفظوها، ويحتمل كلام أحمد أن لا يشترط في التغريب مسافة القصر فيهما فإنه قال في رواية الأثرم ينفى من عمله إلى عمل غيره وقال أبو ثور وابن المنذر لو نفي من قرية إلى قرية اخرى بينهما ميل أو أقل جاز وقال إسحاق يجوز من مصر الى مصر ونحوه قال ابن أبي ليلى لأن النفي ورد مطلقا غير مقدر فيتناول أقل ما يقع عليه الاسم، والقصر يسمى سفراً تجوز فيه صلاة النافلة على الراحة ولا يحبس في البلد الذي نفي إليه وبهذا قال الشافعي وقال مالك يحبس ولنا أنها زيادة لم يرد بها الشرع فلم تشرع كالزيادة على العام (فصل) وإن زنى الغريب غرب إلى بلد غير وطنه وإن زنى في البلد الذي غرب إليه غرب منه إلى غير البلد الذي غرب منه لأن الأمر بالتغريب حيث كان لأنه قد أنس بالبلد الذي يسكنه (فيبعد) عنه (مسألة) (ويخرج مع المرأة محرمها ليسكنها في موضع ثم إن شاء رجع إذا أمن عليها وإن شاء أقام معها حتى يكمل حولها، وإن أبى الخروج معها بذلت له الاجرة) قال أصحابنا: وتبذل من مالها لأن هذا من مؤونة سفرها ويحتمل أن لا يجب ذلك عليها لأن الواجب عليها التغريب بنفسها فلم يلزمها زيادة عليه كالرجل ولأن هذا من مؤونة إقامة الحد فلم يلزمها كأجرة الجلاد. فعلى هذا تبذل الاجرة من بيت المال وعلى قول اصحابنا إن لم يكن لها مال بذلت

مسألة: وإن كان نصفه حرا فحده خمس وسبعون جلدة، ويغرب نصف عام ويحتمل أن لا يغرب أما الرجم فلا يجب عليه وإن كان محصنا

من بيت المال فان أبى محرمها الخروج معها لم يجبر، وإن لم يكن لها محرم غربت مع نساء ثقات والقول في أجرة من يسافر معها منهن كالقول في أجرة المحرم فان اعوز فقال أحمد تنفى بغير محرم وهو قول الشافعي لأنه لا سبيل إلى تأخيره فأشبه سفر الهجرة والحج إذا مات المحرم في الطريق، ويحتمل أن يسقط النفي إذا لم تجد محرما كما يسقط سفر الحج إذا لم يكن لها محرم فان تغريبها على هذه الحال إغراء لها بالفجور وتعريض لها للفتنة وعموم الحديث مخصوص بعوم النهي عن سفرها بغير محرم (فصل) ويجب أن يحضر الحد طائفة من المؤمنين لقول الله تعالى (وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين) قال اصحابنا: والطائفة واحد فما فوقه وهذا قول ابن عباس ومجاهد، والظاهر أنهم أرادوا واحدا مع الذي يقيم الحد لأن الذي يقيم الحد حاصل ضرورة فيتعين صرف الأمر إلى غيره، وقال عطاء واسحاق اثنان فان اراد به واحداً مع الذي يقيم الحد فهو كالقول الأول وإن أراد اثنين غيره فوجهه أن الطائفة اسم لما زاد على الواحد وأقله اثنان، وقال الزهري ثلاثة لأن الطائفة جماعة وأقل الجمع ثلاثة، وقال مالك أربعة لأنه العدد الذي يثبت به الزنا وللشافعي قولان كقولي الزهري ومالك، وقال ربيعة خمسة وقال الحسن عشرة وقال قتادة نفر واحتج اصحابنا بقول ابن عباس فان اسم الطائفة يقع على الواحد بدليل قول الله تعالى (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا - ثم قال - فأصلحوا بين أخويكم) وقيل في قوله تعالى (إن نعف عن طائفة منكم) إنه محش بن حمير وحده ولا يجب

مسألة: وحد اللوطي كحد الزاني سواء وعنه حده الرجم بكل حال

أن يحضر الامام ولا الشهود وبهذا قال الشافعي وابن المنذر وقال أبو حنيفة إن ثبت الحد ببينة فعليها الحضور والبداءة بالرجم، وإن ثبت باعتراف وجب على الامام الحضور والبداءة بالرجم لما روي عن علي رضي الله عنه أنه قال: الرجم رجمان فما كان منه بإقرار فأول من يرجم الامام ثم الناس وما كان ببينة فأول من يرجم البينة ثم الناس رواه سعيد باسناده ولأنه إذا لم يحضر البينة ولا الإمام كان في ذلك شبهة والحد يسقط بالشبهات ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر برجم ماعز والغامدية ولم يحضرهما والحد ثبت باعترافهما وقال (يا أنيس اذهب إلى امرأة هذا فان اعترفت فارجمها) ولم يحضرها ولأنه حد فلم يلزم أن يحضره الامام ولا البينة كسائر الحدود ولا نسلم أن تخلفهم عن الحضور ولا امتناعهم من البداءة بالرجم شبهة، وأما قول علي رضي الله عنه فهو على سبيل الاستحباب والفضيلة قال أحمد: سنة الاعتراف أن يرجم الامام ثم الناس ولا نعلم خلافاً في استحباب ذلك والأصل فيه قول علي، وقد روي في حديث رواه أبو بكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رجم امرأة فحفر لها الى الثندوة ثم رماها بحصاة مثل الحمصة ثم قال (ارموا واتقوا الوجه) رواه أبو داود (مسألة) (وإن كان الزاني رقيقاً فحده خمسون جلدة بكل حال ولا يغرب) حد العبد والامة خمسون جلدة بكرين كانا أو ثيبين في قول أكثر العلماء منهم

مسألة: ومن أتى بهيمة فحده حد اللوطي عند القاضي، واختار الخرقي وأبو بكر أنه يعزر وتقتل البهيمة

عمر وعلي وابن مسعود والحسن والنخعي ومالك والاوزاعي وابو حنيفة والشافعي والبتي والعنبري وقال ابن عباس وابو عبيد إن كانا مزوجين فعليهما نصف الحد ولا حد على غيرهما لقول الله تعالى (فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب) فيدل بخطابه على أنه لا حد على غير المحصنات، وقال داود، على الأمة نصف الحد إذا زنت بعد ما زوجت، وعلى العبد جلد مائة بكل حال وفي الأمة إذا لم تتزوج روايتان (إحداهما) لا حد عليها (والأخرى) تجلد مائة لأن قول الله تعالى (فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) عام خرجت منه الأمة المحصنة بقوله (فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب) فيبقى العبد والأمة التي لم تحصن على مقتضى العموم، ويحتمل دليل الأمر في الخطاب أن لا حد عليها كقول ابن عباس وقال أبو ثور: إذا لم يحصنا بالتزويج فعليهما نصف الحد، وإن أحصنا فعليهما الرجم لعموم الأخبار فيه ولأنه حد لا يتبعض فوجب تكميله كالقطع في السرقة ولنا ما روى ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله وزيد بن خالد قالوا: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأمة إذا زنت ولم تحصن فقال (إذا زنت فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها ثم إن زنت فبيعوها ولو بضفير) متفق عليه قال ابن شهاب: وهذا نص في جلد الأمة إذا لم تحصن وهو حجة على ابن عباس وموافقيه وداود وجعل داود عليها مائة إذا لم تحصن وخمسين إذا كانت محصنة خلاف

ما شرع الله تعالى فإن الله تعالى ضاعف عقوبة المحصنة على غيرها فجعل الرجم على المحصنة والجلد على الكبر وداود ضاعف عقوبة البكر على المحصنة واتباع شرع الله تعالى أولى، وأما دليل الخطاب فقد روي عن ابن مسعود أنه قال إحصانها اسلامها وقرأها بفتح الالف ثم دليل الخطاب إنما يكون دليلاً إذا لم تكن (للتخصيص) بالذكر فائدة سوى اختصاصه بالحكم، ومتى كانت له فائدة أخرى لم يكن دليلا مثل أن يخرج مخرج الغالب أو للتنبيه أو لمعنى من المعاني ولهذا قال الله تعالى (وربائبكم اللاتي في حجوركم) ولم يختص التحريم باللائي في حجورهم وقال (وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم) وحرم حلائل الابناء من الرضاع وأبناء الابناء وقال (ليس عليكم أن تقصروا من الصلاة أن يفتنكم الذين كفروا) وأبيح القصر بدون الخوف، وأما العبد فلا فرق بينه وبين الأمة فالتنصيص على أحدهما يثبت حكمه في حق الآخر كما أن قول النبي صلى الله عليه وسلم (من أعتق شركا له في عبد ثبت حكمه في حق الامة) ثم المنطوق أولى منه على كل حال، وأما أبو ثور فخالف نص قوله تعالى (فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب) وعمل به فيما لم يتناوله النص وخرق الاجماع في إيجاب الرجم على المحصنات كما خرق داود الاجماع في تكميل الجلد على العبد وتضعيف حد الابكار على المحصنات (فصل) ولا تغريب على عبد ولا أمة وبهذا قال الحسن وحماد ومالك واسحاق وقال الثوري

مسألة: وكره أحمد أكل لحمها وهل يحرم؟ على وجهين

وابو ثور يغرب نصف عام لقوله تعالى (فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب) وجلد بن عمر مملوكا ونفاه إلى فدك، وعن الشافعي قولان، واحتج من أوجبه بعموم قوله عليه السلام (البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام) ولنا الحديث المذكور في حجتنا ولم يذكر فيه تغريباً ولو كان واجباً لذكره لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، وحديث علي رضي الله عنه أنه قال: يا أيها الناس أقيموا على ارقائكم الحد من أحصن ومن لم يحصن فإن أمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم زنت فأمرني أن أجلدها فذكر الحديث رواه أبو داود ولم يذكر أنه غربها وأما الآية فانها حجة لنا فان العذاب المذكور في القرآن مائة جلدة لا غير فينصرف التنصيف إليه دون غيره بدليل أنه لم ينصرف إلى تنصيف الرجم ولأن التغريب في حق العبد عقوبة لسيده دونه فلم يجب في الزنا كالتغريم ثم بيان ذلك أن العبد لا ضرر عليه في تغريبه لأنه غريب في موضعه ويترفه بتغريبه من الخدمة ويتضرر سيده بتفويت خدمته والخطر بخروجه من تحت يده والكلفة في حفظه والإنفاق عليه مع بعده عنه فيصير الحد مشروعاً في حق غير الزاني والضرر على غير الجاني وما فعل ابن عمر ففي حق نفسه وإسقاط حقه وله فعل ذلك من غير زنا ولا جناية فلا يكون حجة في حق غيره (فصل) إذا زنى العبد ثم عتق فعليه حد الرقيق لأنه إنما يقام عليه الحد الذي وجب عليه ولو زنى

مسألة: وأقل ذلك تغييب الحشفة في الفرج لأن أحكام الوطء تتعلق به ولا تتعلق بما دونه

حر ذمي ثم لحق بدار الحرب ثم سبي فاسترق حد حد الاحرار لأنه وجب عليه وهو حر، ولو كان أحد الزانيين رقيقا والآخر حراً فعلى كل واحد منهما حده لأن كل واحد منهما إنما تلزمه عقوبة جنايته، ولو زنى بعد العتق وقبل العلم به فعليه حد الاحرار لأنه زنى وهو حر وإن أقيم عليه حد الرقيق قبل العلم بحريته ثم علمت بعد تمم عليه حد الأحرار وإن عفى السيد عن عبده لم يسقط عنه الحد في قول عامة أهل العلم إلا الحسن فإنه قال يصح عفوه وليس بصحيح لأنه حق لله تعالى فلا يسقط باسقاط سيده كالعبادات وكالحر إذا عفا عنه الامام (فصل) فان فجر بأمة ثم قتلها فعليه الحد وقيمتها وبهذا قال الشافعي وابو حنيفة وأبو ثور وقال أبو يوسف إذا وجبت عليه قيمتها أسقطت الحد عنه لأنه يملكها بغرامته إياها فيكون ذلك شبهة في سقوط الحد ولنا أن الحد وجب عليه فلم يسقط بقتل المزني بها كما لو كانت حرة فغرم ديتها وقوله إنه يملكها غير صحيح لأنه إنما غرمها بعد قتلها ولم يبق محلا للملك ثم لو ثبت أنه ملكها فإنما ملكها بعد وجوب الحد فلم يسقط عنه كما لو اشتراها (مسألة) (وإن كان نصفه حرا فحده خمس وسبعون جلدة ويغرب نصف عام ويحتمل أن لا يغرب أما الرجم فلا يجب عليه وإن كان محصناً) لأن الحرية لم تكمل فيه وعليه نصف حد الحر خمسون جلدة ونصف حد العبد خمس وعشرون

فيكون عليه خمس وسبعون جلدة ويغرب نصف عام نص عليه أحمد ويحتمل أن لا يغرب لأن حق السيد في جميعه في كل الزمان ونصيبه من العبد لا تغريب عليه فلا يلزمه ترك حقه في بعض الزمان بما لا يلزمه ولا تأخير حقه بالمهايأة من غير رضاه، وإن قلنا بوجوب تغريبه فينبغي أن يكون زمن التغريب محسوباً على العبد من نصيبه الحر وللسيد نصف عام بدلا عنه وما زاد عن الحرية أو نقص عنها فبحساب ذلك، فإن كان فيها كسر مثل أن يكون ثلثه حرا فيلزم بمقتضى ما ذكرنا أن يلزمه ثلثا حد الحر وهو ست وستون جلدة وثلثان فينبغي أن يسقط الكسر لأن الحد متى دار بين الوجوب والإسقاط سقط، والمدبر والمكاتب وأم الولد بمنزلة القن في الحد لأنه رقيق كله وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (المكاتب عبد ما بقي عليه درهم) (مسألة) (وحد اللوطي كحد الزاني سواء وعنه حده الرجم بكل حال) أجمع أهل العلم على تحريم اللواط وقد ذمه الله تعالى في كتابه وعاب من فعله وذمه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال تعالى (ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين أئنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون) وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لعن الله من عمل عمل قوم لوط، لعن الله من عمل عمل قوم لوط) واختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في حده فروي عنه أن حده الرجم بكراً كان أو ثيباً وهذا قول علي وابن عباس وجابر بن زيد وعبيد الله ابن معمر والزهري وأبى حبيب وربيعة ومالك وإسحاق وأحد قولي الشافعي (والرواية الثانية)

مسألة: أو وجد امرأة نائمة على فراشه ظنها امرأته أو جاريته، أو دعا الضرير امرأته أو جاريته فأجابه غيرها فوطئها فلا حد عليه

أن حده حد الزنا وبه قال سعيد بن المسيب وعطاء والحسن والنخعي وقتادة والاوزاعي وأبو يوسف ومحمد ابن الحسن وهو المشهور من قولي الشافعي لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (اذا أتى الرجل الرجل فهما زانيان) ولأنه ايلاج في فرج آدمي لا ملك له فيه ولا شبهة ملك فكان زنا كالايلاج في فرج المرأة. إذا ثبت كونه زنا دخل في عموم الآية والأخبار فيه لأنه فاحشة فكان زنا كالفاحشة بين الرجل والمرأة وروي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه أمر بتحريق اللوطي وهو قول ابن الزبير لما روى صفوان بن سليم عن خالد بن الوليد أنه وجد في بعض ضواحي العرب رجلا ينكح كما تنكح المرأة فكتب إلى أبي بكر فاستشار أبو بكر الصحابة فيه فكان علي أشدهم قولا فيه فقال ما فعل هذا إلا أمة من الأمم واحدة وقد علمتم ما فعل الله بها أرى أن يحرق بالنار فكتب أبو بكر الى خالد فحرقه وقال الحكم وأبو حنيفة لا حد عليه لأنه ليس بمحل للوطئ أشبه غير الفرج ووجه الرواية الأولى قول النبي صلى الله عليه وسلم (من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به) رواه أبو داود وفي لفظ فارجموا الأعلى والأسفل ولأنه إجماع الصحابة رضي الله عنهم فانهم أجمعوا على قتله وإنما اختلفوا في صفته واحتج أحمد بعلي رضي الله عنه انه كان يرى رجمه ولأن الله تعالى عذب قوم لوط بالرجم فينبغي أن يعاقب من فعل فعلهم بمثل عقوبتهم وقول من أسقط الحد عنه يخالف النص والاجماع وقياس الفرج على غيره لا يصح لما بينهما من الفرق. إذا ثبت هذا فلا فرق بين أن يكون في مملوك له

مسألة: أو وطىء في نكاه مختلف في صحته، أو وطىء في دبرها أو حيضها أو نفاسها

أو أجنبي لأن الذكر ليس بمحل لوطئ الذكر فلا يؤثر ملكه له، ولو وطئ زوجته أو مملوكته في دبرها كان محرماً ولا حد فيه لأن المرأة محل للوطئ في الجملة وقد ذهب بعض العلماء إلى حله فكان ذلك شبهة مانعة من الحد بخلاف التلوط (مسألة) (ومن أتى بهيمة فحده حد اللوطي عند القاضي واختار الخرقي وأبو بكر أنه يعزر وتقتل البهيمة) اختلفت الرواية عن احمد في الذي يأتي البهيمة فروي عنه أنه يعزر ولا حد عليه اختاره الخرقي وأبو بكر وروي ذلك عن ابن عباس وعطاء والشعبي والنخعي والحكم ومالك والثوري وأصحاب الرأي وإسحاق وهو قول الشافعي (والرواية الثانية) حكمه حكم اللائط سواء، وقال الحسن حده حد الزاني وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن يقتل هو والبهيمة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أتى بهيمة فاقتلوه واقتلوها معه) رواه أبو داود. ووجه الرواية الأولى أنه لم يصح فيه نص ولا يمكن قياسه على الوطئ في فرج الآدمي لانه لاحرمة لها وليس بمقصود يحتاج في الزجر عنه إلى الحد فإن النفوس تعافه وعامتها تنفر منه فيبقى على الأصل في انتفاء الحد والحديث يرويه عمر وبن أبي عمر ولم يثبته أحمد وقال الطحاوي هو ضعيف ومذهب ابن عباس خلافه وهو الذي روى عنه قال أبو داود هذا يضعف الحديث عنه قال اسماعيل بن سعيد سألت

مسألة: أو أكره على الزنا فلا حد عليه وقال أصحابنا إن أكره الرجل فزنى حد

أحمد عن الرجل يأتي البهيمة فوقف عندها ولم يثبت حديث عمرو بن أبي عمرو في ذلك ولأن الحد يدرأ بالشبهات فلا يجوز أن يثت بحديث فيه هذه الشبهة والضعف لكنه يعزر ويبالغ في تعزيره لأنه وطئ في فرج محرم لا شبهة له فيه لم يوجب الحد فاوجب التعزير كوطئ الميتة (فصل) وتقتل البهيمة وهذا قول أبي سلمة بن عبد الرحمن وأحد قولي الشافعي وسواء كانت مملوكة له أو لغيره مأكولة أو غير مأكولة، وذكر ابن أبي موسى في الإرشاد في وجوب قتلها روايتين وقال أبو بكرالاختيار قتلها وإن تركت فلا بأس، وقال الطحاوي إن كانت مأكولة ذبحت وإلا لم تقتل وهذا القول الثاني للشافعي لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذبح الحيوان لغير مأكلة. ووجه الأول الحديث المذكور وفيه الأمر بقتل البهيمة فلم يفرق بين كونها مأكولة وغير مأكولة ولا بين ملكه وملك غيره، فإن قيل الحديث ضعيف ولم يعملوا به في قتل الفاعل الجاني ففي حق حيوان لا جناية منه أولى، قلنا إنما لم يعمل به في قتل الفاعل على إحدى الروايتين لوجهين (أحدهما) لأنه حد والحد يدرأ بالشبهات وهذا اتلاف مال فلا تؤثر الشبهة فيه (الثاني) أنه اتلاف آدمي وهو أعظم المخلوقات حرمة فلم يجز التهجم على إتلافه إلا بدليل في غاية القوة ولا يلزم مثل هذا في إتلاف مال ولا حيوان سواه، فعلى هذا إن كان الحيوان للفاعل ذهبت هدراً وإن كان لغيره فعلى الفاعل غرامته لأنه سبب إتلافه فيضمنه كما لو نصب له شبكة فتلف بها

(مسألة) (وكره أحمد أكل لحمها وهل يحرم؟ على وجهين) وللشافعي أيضاً في ذلك وجهان (أحدهما) يحل أكلها لقول الله تعالى (أحلت لكم بهيمة الأنعام) ولأنه حيوان ذبحه من هو أهل للذكاة يجوز أكله فأشبه ما لو لم يفعل به هذا الفعل ولكن يكره أكله لشبهة التحريم (والثاني) لا يحل أكلها لما روي عن ابن عباس أنه قيل له ما شأن البهيمة؟ قال ما اراه قال ذلك إلا أنه كره أكلها وقد فعل بها هذا الفعل، ولأنه حيوان يجب قتله لحق الله تعالى فلم يجز أكله كسائر المقتولات، واختلف في علة قتلها فقيل إنما قتلت لئلا يعير فاعلها ويذكر برؤيتها وقد روى ابن بطة بإسناده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من وجدتموه على بهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة) قالوا يا رسول الله ما بال البهيمة. قال (لا يقال هذه وهذه) وقيل لئلا تلد خلقاً مشوهاً وقيل لئلا تؤكل وإليه أشار ابن عباس في تعليله ولا يجب قتلها حتى يثبت هذا العمل بها ببينة فأما إن أقر الفاعل فان كانت البهيمة له ثبت بإقراره وإن كانت لغيره لم يجز قتلها بقوله لأنه اقرار على ملك غيره فلم يقبل كما لو أقر بها لغير مالكها وهل يثبت هذا بشاهدين عدلين وإقرار مرة ويعتبر فيه ما يعتبر في الزنا على وجهين نذكرهما في موضعهما إن شاء الله تعالى (فصل) قال الشيخ رحمه الله (ولا يجب الحد إلا بشروط ثلاثة (أحدها) أن يطأ في الفرج قبلا أو دبرا) .

مسألة: وان وطىء ميتة أو ملك أمه أو أخته من الرضاع فوطئها فهل يحد أو يعزر؟ على وجهين

لا خلاف بين أهل العلم في أن من وطئ امرأة في قبلها حراما لاشبهة له في وطئها أنه يجب عليه حد الزنا إذا كملت شروطه والوطئ في الدبر مثله في كونه زنا لأنه وطئ في فرج امرأة لا ملك له ولا شبهة ملك فكان زنا كالوطئ في القبل، ولأن الله تعالى قال (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم) الآية ثم بين النبي صلى الله عليه وسلم أنه قد جعل لهن سبيلا (البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام) والوطئ في الدبر فاحشة لقول الله تعالى في قوم لوط (أتأتون الفاحشة؟) يعني الوطئ في أدبار الرجال ويقال أول ما بدأ قوم لوط بوطئ النساء في أدبارهن ثم صاروا إلى ذلك في الرجال (مسألة) (وأقل ذلك تغييب الحشفة في الفرج) لأن أحكام الوطئ تتعلق به ولا تتعلق بما دونه (مسألة) (وإن وطئ دون الفرج فلا حد عليه) لما روى ابن مسعود أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني وجدت امرأة في البستان فأصبت منها كل شئ غير أني لم أنكحها فافعل بي ما شئت فقرأ عليه (وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات) الآية رواه النسائي وعليه التعزير لأنه معصية ليس فيها حد ولا كفارة فأشبه ضرب الناس والتعدي عليهم وظاهر الحديث يدل على أنه لا تعزير عليه إذا جاء تائباً، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله، ويفارق ضرب الناس والتعدي عليهم لأنه حق آدمي

(مسألة) (وان أتت المرأة المرأة فلا حد عليهما) اذا تدالكت امرأتان فهما ملعونتان لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (إذا أتت المرأة المرأة فهما زانيتان) ولاحد عليهما لان لا يتضمن إيلاجاً فأشبه المباشرة دون الفرج وعليهما التعزير لأنه زنا لا حد فيه فأشبه مباشرة الرجل المرأة من غير جماع. (فصل) ولو وجد رجل مع امرأة يقبل كل واحد منهما صاحبه ولم يعلم هل وطئها أولا فلا حد عليهما، وفان قالا نحن زوجان واتفقا على ذلك فالقول قولهما، وبه قال الحكم وحماد والشافعي وأصحاب الرأي، فإن شهد عليهما بالزنا فقالا نحن زوجان فقيل عليهما الحد إن لم تكن بينة بالنكاح وبه قال أبو ثور وابن المنذر لأن الشهادة بالزنا تنفي كونهما زوجين فلا تبطل بمجرد قولهما ويحتمل أن لا يجب الحد إذا لم يعلم كونها اجنبية منه لأن ما ادعياه محتمل فيكون ذلك شبهة كما لو شهد عليه بالسرقة فادعى ان المسروق ملكه. (فصل) الثاني انتفاء الشبهة فان وطئ (جارية) ولده أو جارية له فيها شرك أو لولده فلا حد عليه، وجملة ذلك أن من وطئ جارية ولده فإنه لا حد عليه في قول أكثر أهل العلم منهم مالك وأهل المدينة والاوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي وقال أبو ثور وابن المنذر عليه الحد إلا أن يمنع منه إجماع لأنه وطئ في غير ملك أشبه وطئ جارية أبيه

ولنا أنه وطئ تمكنت الشبهة منه فلا يجب به الحد كوطئ الامة المشتركة، والدليل على تمكن الشبهة قول النبي صلى الله عليه وسلم (أنت ومالك لأبيك) فأضاف مال ولده إليه وجعله له فإذا لم تثبت حقيقة الملك فلا أقل من جعله شبهة دارئة للحد الذي يندرئ بالشبهات ولأن القائلين بانتفاء الحد في عصر مالك والاوزاعي ومن وافقهما قد اشتهر قولهم ولم يعرف لهم مخالف فكان ذلك إجماعاً وكذلك إن كان لولده فيها شرك لما ذكرنا ولا حد على الجارية لأن الحد انتفى عن الواطئ لشبهة الملك فينتفي عن الموطوءة كوطئ الجارية المشتركة ولأن الملك من قبيل المتضايفات إذا ثبت في أحد المتضايفين ثبت في الآخر فكذلك شبهته ولا يصح القياس على وطئ جارية الأب لأنه لاملك للولد فيها ولا شبهة ملك بخلاف مسئلتنا وحكي عن ابن أبي موسى قول في وطئ جارية الأب والأم أنه لا يحد لأنه لا يقطع بسرقة ماله أشبه الأب والأول أصح وعليه عامة أهل العلم فيما علمنا (فصل) ولا يجب الحد بوطئ جارية مشتركة بينه وبين غيره وبه قال مالك والشافعي وأصحاب الرأي وقال أبو ثور يجب. ولنا أنه فرج له فيه ملك فلا يجد بوطئه كالمكاتبة والمرهونة (مسألة) (أو وجد امرأة نائمة على فراشه ظنها امرأته أو جاريته، أو (دعا) الضرير امرأته أو جاريته فأجابه غيرها فوطئها فلا حد عليه)

مسألة: أو استأجر امرأة للزنا أو لغيره فزنى بها أو زنى بامرأة له عليها القصاص، أو بصغيرة أو مجنونة أو بامرأة ثم تزوجها، أو بأمة ثم اشتراها، أو أمكنت العاقلة البالغة من نفسها مجنونا أو صغيرا فوطئها فعليهم الحد

وجملة ذلك أن من زفت إليه غير زوجته وقيل له هذه زوجتك فوطئها يعتقدها زوجته فلا حد عليه لا نعلم فيه خلافاً. وإن لم يقل له هذه زوجتك أو وجد على فراشه امرأة ظنها امرأته أو جاريته فوطئها أو دعا زوجته فجاءته غيرها فوطئها يظنها المدعوة أو اشتبه عليه ذلك لعماه يعتقدها زوجته فلا حد عليه وبه قال الشافعي، وحكي عن أبي حنيفة أن عليه الحد لأنه وطئ في محل لا ملك له فيه ولنا أنه وطئ اعتقد إباحته بما تعذر مثله فيه فأشبه مالو قيل له هذه زوجتك ولأن الحدود تدرأ بالشبهات وهذه من أعظمها، فأما إن دعا محرمة عليه فأجابه غيرها فوطئها يظنها المدعوة فعليه الحد سواء كانت المدعوة ممن له شبهة كالجارية المشتركة أو لم يكن لأنه لا يعذر بهذا فأشبه ما لو قتل رجلا يظنه ابنه فبان أجنبياً. (مسألة) (أو وطئ في نكاح مختلف في صحته أو وطئ امرأته في دبرها أو حيضها أو نفاسها) لا يجب الحد بالوطئ في نكاح مختلف في صحته كنكاح المتعة والشغار والنكاح بلا ولي والتحليل والنكاح بغير شهود ونكاح الأخت في عدة أختها والخامسة في عدة الرابعة والبائن: ونكاح المجوسية وهذا قول أكثر أهل العلم لأن الاختلاف في إباحة الوطئ فيه شبهة والحدود تدرأ بالشبهات وحكي عن ابن حامد وجوب الحد بالوطئ في النكاح بلا ولي والمذهب الأول قال إبن المنذر أجمع

كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن الحدود تدرأ بالشبهات وكذلك ان وطئ امرأته في دبرها أو جاريته فهو محرم ولا يجب به الحد لأن المرأة محل للوطئ في الجملة، وقد ذهب بعض العلماء إلى حله فكان ذلك شبهة مانعة من الحد والوطئ في الحيض والنفاس صادف ملكا فكان شبهة (مسألة) (ولا حد على من لم يعلم بتحريم الزنا) قال عمر وعلي وعثمان لا حد إلا على من علمه وهو قول عامة أهل العلم فإن ادعى الجهل بالتحريم وكان يحتمل أن يجهله كحديث العهد بالاسلام والناشئ ببادية قبل منه لأنه يجوز أن يكون صادقاً وإن كان ممن لا يخفي عليه ذلك كالمسلم الناشئ بين المسلمين وأهل العلم لم يقبل لأن تحريم الزنا لا يخفى على من هو كذلك فقد علم كذبه فإن ادعى الجهل بفساد نكاح باطل قبل قوله لأن عمر قبل قول المدعي الجهل بتحريم النكاح في العدة ولأن مثل هذا يجهل كثيراً ويخفى على غير أهل العلم. (مسألة) (أو أكره على الزنا فلا حد عليه وقال أصحابنا إن أكره الرجل فزنى حد) لا يجب الحد على مكرهة على الزنا في قول عامة أهل العلم روي ذلك عن عمر والزهري وقتادة والثوري والشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه مخالفاً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) رواه النسائي وعن عبد الجبار بن وائل عن أبيه أن امرأة استكرهت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فدرأ عنها الحد رواه الأثرم قال وأتي عمر بإماء من اماء

الامارة استكرههن غلمان من غلمان الامارة فضرب الغلمان ولم يضرب الاماء، وروى سعيد بإسناده عن طارق بن شهاب قال: أتي عمر بامرأة قد زنت قالت إني كنت نائمة فلم استيقظ إلا برجل قد جثم علي فخلى سبيلها ولم يضربها ولأن هذه شبهة والحدود تدرأ بالشبهات ولا فرق بين الاكراه بالإلجاء وهو أن يغلبها على نفسها وبين الإكراه بالتهديد بالقتل ونحوه نص عليه أحمد في راع جاءته امرأة قد عطشت فسألته ان يسقيها فقال لها امكنيني من نفسك قال هذه مضطرة، وقد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ان امرأة استسقت راعيا فأبى أن يسقيها إلا أن تمكنه من نفسها ففعلت فرفع ذلك إلى عمر فقال لعلي ما ترى فيها؟ قال انها مضطرة فأعطاها عمر شيئاً وتركها، فان أكره الرجل فزنى فقال أصحابنا عليه الحد وبه قال محمد بن الحسن وابو ثور لان الوطئ لا يكون إلا بالانتشار والإكراه ينافيه فاذا وجد الانتشار انتفى الإكراه فيلزمه الحد كما لو أكره على غير الزنا فزنى، وقال أبو حنيفة ان أكرهه السلطان فلا حد عليه وإن أكرهه غيره حد استحساناً، وقال الشافعي وابن المنذر لا حد عليه لعموم الخبر ولأن الحدود تدرأ بالشبهات والإكراه شبهة فيمنع الحد كما لو كانت امرأة، يحققه أن الاكراه إذا كان بالتخويف أو بمنع ما تفوت حياته بمنعه كان الرجل فيه كالمرأة فاذا لم يجب عليها الحد لم يجب عليه، وقولهم ان التخويف ينافي الانتشار لا يصح لأن التخويف بترك الفعل والفعل لا يخاف منه فلا يمنع ذلك وهذا أصح الأقوال إن شاء الله تعالى (مسألة) (وإن وطئ ميتة أو ملك أمه أو أخته من الرضاع فوطئها فهل يحد أو يعزر؟ على وجهين)

إذا وطئ ميتة فعليه الحد في أحد الوجهين وهو قول الأوزاعي لأنه وطئ في فرج آدمية أشبه وطئ الحية ولأنه أعظم ذنبا وأكثر إثما لأنه انضم إلى فاحشته هتك حرمة الميتة (الثاني) لا حد عليه وهو قول الحسن، قال أبو بكر وبهذا أقول لأن الوطئ في الميتة كلا وطئ لأنه عوض مستهلك ولأنها لا يشتهى مثلها وتعافها النفس فلا حاجة الى تسرع (شرع) الزاجر عنها، وأما إذا ملك أمة (أمه) أو أخته من الرضاع فوطئها فذكر القاضي عن أصحابنا أن عليه الحد لأنه فرج لا يستباح بحال فوجب الحد بالوطئ فيه كفرج الغلام وقال بعض أصحابنا لا حد فيه وهو قول أصحاب الرأي، الشافعي لأنه وطئ في فرج مملوك له يملك المعاوضة عنه وأخذ صداقه فلم يجب الحد عليه كالوط في الجارية المشتركة فأما إن اشترى ذات محرمه من النسب ممن يعتق عليه ووطئها فعليه الحد لا نعلم فيه خلافا لأن الملك لا يثبت فيها فلم توجد الشبهة (مسألة) (وإن وطئ في نكاح مجمع على بطلانه كنكاح المزوجة والمعتدة والخامسة وذوات المحارم من النسب والرضاع فعليه الحد) إذا تزوج ذات محرمه فالنكاح باطل بالاجماع فإن وطئها فعليه الحد في قول أكثر أهل العلم منهم الحسن وجابر بن زيد ومالك والشافعي وأبو يوسف ومحمد واسحاق، وقال أبو حنيفة والثوري لا حد عليه لأنه وطئ تمكنت الشبهة منه فلم يوجب الحد كما لو اشترى أخته من الرضاع ثم وطئها وبيان الشبهة أنه قد وجدت صورة المبيح وهو عقد النكاح الذي هو سبب للاباحة فإذا لم يثبت

حكمه وهو الإباحة بقيت صورته دارئة للحد الذي يندرئ بالشبهات. ولنا أنه وطئ في فرج امرأة مجمع على تحريمه من غير ملك ولا شبهة ملك والواطئ من أهل الحد عالم بالتحريم فلزمه الحد كما لو لم يوجد العقد، وصورة المبيح إنما تكون شبهة إذا كانت صحيحة والعقد ههنا باطل محرم وفعله جناية تقتضي العقوبة انضمت إلى الزنا فلم تكن شبهة كما لو أكرهها وعاقبها ثم زنى بها ثم يبطل بالاستيلاء عليها فإن الاستيلاء سبب للملك في المباحات وليس بشبهة، وأما إذا اشترى أخته من الرضاع فهو ممنوع وإن سلمناه فان الملك المقتضي للاباحة صحيح ثابت وإنما تخلفت الإباحة لمعارض بخلاف مسئلتنا فان المبيح غير موجود فإن عقد النكاح باطل والملك به غير ثابت فالمقتضي معدوم فهو كما لو اشترى خمراً فشربه، إذا ثبت هذا فاختلف في الحد فروي عن أحمد أنه يقتل على كل حال وبهذا قال جابر بن زيد واسحاق وأبو أيوب وابن أبي خيثمة، وروى اسماعيل بن سعيد عن أحمد في رجل تزوج امرأة أبيه فقال يقتل ويؤخذ ماله إلى بيت المال (والرواية (الثانية) حده حد الزنا وبه قال الحسن ومالك والشافعي لعموم الآية والخبر، ووجه الأولى ما روى البراء قال: لقيت عمي ومعه الراية فقلت إلى أين تريد؟ فقال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم الى رجل تزوج امرأة أبيه من بعده أن ضرب عنقه وآخذ ماله رواه أبو داود والجوزاني والترمذي، وقال حديث حسن وسمى الجوزجاني عمه الحارث بن عمرو، وروى الجوزجاني وابن ماجة باسنادهما إلى ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من وقع على ذات محرم فاقتلوه) ورفع إلى الحجاج رجل اغتصب اخته على نفسها فقال احبسوه وسلوا من ههنا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوا عبد الله ابن أبي مطرف فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (من تخطى المؤمنين فخطوا رأسه بالسيف) وهذه

الأحاديث مما ورد في الزنا فتقدم، والقول فيمن زنى بذات محرمه من غير عقد كالقول فيمن وطئها بعد العقد (فصل) وكل عقد أجمع على بطلانه كنكاح الخامسة أو مزوجة أو معتدة أو نكاح المطلقة ثلاثاً إذا وطئ فيه عالماً بالتحريم فهو زنا موجب للحد المشروع فيه قبل العقد، وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة وصاحباه لا حد فيه لما ذكروه فيما إذا عقد على ذوات محارمه. وقال النخعي يجلد مائة ولا ينفى ولنا ما ذكرناه فيما مضى وروي أبو نصر المروزي باسناده عن عبيد بن نضيلة قال: رفع إلى عمر بن الخطاب امرأة تزوجت في عدتها فقال هل علمتها؟ قالا لا قال لو علمتما لرجمتكما فجلده أسواطاً ثم فرق بينهما، وروى أبو بكر باسناده قال: رفع الى علي عليه السلام امرأة تزوجت ولها زوج كتمته فرجمها وجلد زوجها الأخير مائة جلدة، فإن لم يعلم تحريم ذلك فلا حد عليه لعذر الجهل ولذلك درأ عمر عنهما الحد لجهلهما. (مسألة) (أو استأجر امرأة للزنا أو لغيره فزنى بها أو زنى بامرأة له عليها القصاص أو بصغيرة أو مجنونة أو بامرأة ثم تزوجها أو بأمة ثم اشتراها أو أمكنت العاقلة البالغة من نفسها مجنوناً أو صغيراً فوطئها فعليهم الحد) إذا استأجر امرأة لعمل شئ فزنى بها أو استأجرها ليزني بها وفعل ذلك أو زنى بامرأة ثم تزوجها أو بأمة ثم اشتراها فعليهما الحد، وبه قال أكثر أهل العلم وقال أبو حنيفة لا حد عليهما في هذه المواضع إلا إذا استأجرها لعمل شئ لأن ملكه لمنفعتها شبهة دارئة للحد ولا يحد بوطئ امزأة هو مالك لها.

ولنا عموم الآية والاخبار ووجود المعنى المقتضي لوجوب الحد، وقوله ان ملكه لمنفعتها شبهة لا يصح فإنه إذا لم يسقط عنه الحد ببذلها نفسها له ومطاوعتها إياه فلأن لا يسقط بملك محل آخر اولى وأما إذا استأجر امرأة للزنا لم تصح الإجارة فوجود ذلك كعدمه فأشبه وطئ من لم يستأجرها، وأما إذا زنى بامرأة له عليها قصاص فعليه الحد لأنه وطئ في غير ملك ولا شبهة ملك أشبه ما لو لم يكن له عليها قصاص وكما لو كان له عليها دين، وأما إذا زنى بامرأة ثم تزوجها أو بأمة ثم اشتراها فانه ما وجب عليه الحد بوطئ مملوكته ولا زوجته وإنما وجب بوطئ أجنبية فتغير حالها لا يسقطه كما لو ماتت، وأما إذا أمكنت المكلفة من نفسها صغيراً أو مجنوناً فوطئها أو استدخلت ذكر نائم فعليها الحد دونه، وقال أبو حنيفة لا حد عليها لأن فعل الصبي والمجنون ليس زنا فلم يجب عليها الحد اذا أمكنته منه كما لو أمكنته من ادخال اصبعه في فرجها. ولنا أن سقوط الحد عن أحد الواطئين لمعنى يخصه لا يوجب سقوطه عن الآخر كما لو زنى المستأمن بمسلمة أو زنى بمجنونة أو نائمة، وقولهم ليس بزنا لا يصح لأنه لا يلحق به النسب وإنما لم يجب الحد عليه لعذره وزوال تكليفه، وكذلك الحكم في الرجل يظن أن المرأة زوجته فيطؤها وهي تعلم أنه أجنبي وفي المرأة تظنه زوجها وهو يعلم أنها أجنبية (فصل) فأما الصغيرة فان كانت ممن يمكن وطؤها فهو زنا يوجب الحد لأنها كالكبيرة في ذلك وإن كانت ممن لا تصلح للوطئ ففيها وجهان كالميتة على ما ذكرنا، وقال القاضي لا حد على من وطئ صغيرة لم تبلغ تسعاً لأنها لا ينتهي مثلها أشبه ما لو أدخل اصبعه في فرجها، وكذلك لو استدخلت المرأة ذكر صبي لم يبلغ عشراً فلا حد عليها. قال شيخنا والصحيح أنه متى وطئ من أمكن وطؤها

أو أمكنت المرأة من يمكنه الوطئ فوطئها أن الحد يجب على المكلف منهما ولا يصح تحديد ذلك بتسع ولا عشر لأن التحديد إنما يكون بالتوقيف ولا توقيف في هذا، وكون التسع وقتاً لامكان الاستمتاع غالبا لايمنع وجوده قبله كما أن البلوغ يوجد في خمس عشرة عاماً غالباً ولا يمنع من وجوده قبله (فصل) الثالث أن يثبت الزنا ولا يثبت إلا بأحد شيئين (أحدهما) أن يقر اربع مرات في مجلس او مجالس وهو بالغ عاقل ويصرح بذكر حقيقة الوطئ ولا ينزع عن اقراره حتى يتم الحد، لا يثبت الزنا الا باقرار أو بينة فإن ثبت باقرار اعتبر إقرار اربع مرات وبهذا قال الحكم وابن أبي ليلى وأصحاب الرأي، وقال الحسن وحماد ومالك والشافعي وأبو ثور وابن المنذر يحد باقراره مرة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (واغد يا أنيس الى امرأة هذا فان اعترفت فارجمها) واعتراف مرة اعتراف وقد أوجب عليها الرجم به ورجم الجهنية وإنما اعترفت مرة، وقال عمران الرجم حق واجب على من زنى وقد احصن اذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف ولأنه حق فثبت باعتراف مرة كالاقرار بالقتل ولنا ما روى أبو هريرة قال أتى رجل من الاسلميين رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد فقال يا رسول الله إني زنيت فأعرض عنه فتنحى تلقاء وجهه فقال يا رسول الله إني زنيت فأعرض عنه حتى ثنى ذلك أربع مرات فلما شهد على نفسه أربع شهادات دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (أبك جنون - قال لا - قال هل أحصنت؟ - قال نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم - ارجموه) متفق عليه

ولو وجب الحد بمرة لم يعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه لا يجوز ترك حد وجب لله تعالى، وروى نعيم بن هزال حديثه وفيه حتى قالها أربع مرات فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنك قد قلتها أربع مرات فبمن؟) قال بفلانة رواه أبو داود وهذا تعليل منه يدل على أن إقرار الأربع هو الموجب، وروى أبو برزة الأسلمي أن أبا بكر الصديق قال له عند النبي صلى الله عليه وسلم إن أقررت أربعاً رجمك رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا يدل من وجهين (أحدهما) أن النبي صلى الله عليه وسلم أقره على هذا ولم ينكره فكان بمنزلة قوله لأنه لا يقر على الخطأ (الثاني) أنه قد علم هذا من حكم النبي صلى الله عليه وسلم لولا ذلك ما تجاسر على قوله بين يديه، فأما أحاديثهم فإن الاعتراف لفظ للمصدر يقع على القليل والكثير وحديثنا يفسره ويبين أن الاعتراف الذي يثبت به كان أربعاً (فصل) وسواء كان في مجلس واحد أو مجالس متفرقة، قال الأثرم سمعت أبا عبد الله يسأل عن الزاني يردد أربع مرات؟ قال نعم على حديث ماعز هو أحوط، قلت له في مجلس واحد أو في مجالس شتى؟ قال أما الأحاديث فليست تدل إلا على مجلس واحد إلا على ذلك الشيخ بشير بن المهاجر عن عبد الله بن بريدة عن أبيه وذلك عندي منكر الحديث، وقال أبو حنيفة لا يثبت إلا بأربع إقرارات في أربعة مجالس لأن ماعزاً أقر في أربعة مجالس ولنا أن الحديث الصحيح إنما يدل أنه أقر أربعاً في مجلس واحد وقد ذكرنا الحديث ولأنه أحد حجتي الزنا فاكتفي به في مجلس واحد كالبينة (فصل) ويعتبر في صحة الإقرار أن يذكر حقيقة الفعل لتزول الشبهة، لأن الزنا يعبر به عن ما ليس بموجب للحد وقد روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لماعز (لعلك قبلت أو غمزت؟) قال لا قال

مسألة: ومتى رجع المقر بالحد عن اقراره، قبل منه وقد ذكرنا الخلاف فيه، والله أعلم

(افنكتها؟) قال نعم قال (حتى غاب ذاك منك في ذاك منها؟) قال نعم قال (كما يغيب المرود في المكحلة والرشاء في البئر؟) قال نعم قال (أتدري ما الزنا؟) قال نعم أتيت منها حراماً ما يأتي الرجل من امرأته حلالا وذكر الحديث رواه أبو داود (فصل) وإن أقر أنه زنى بامرأة فكذبته فعليه الحد دونها وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة وأبو يوسف لا حد عليه لأنا صدقناها في إنكارها فصار محكوماً بكذبه ولنا ماروى أبو داود بإسناده عن سهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلا أتاه فاقر عنده أنه زنى بامرأة فسماها له فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المرأة فسألها عن ذلك فانكرت أن تكون زنت فجلده الحد وتركها، ولأن انتفاء ثبوته في حقها لا يبطل قراره كما لو سكتت أو كما لو لم تسأل ولأن عموم الخبر يقتضي وجوب الحد عليه باعترافه وهو قول عمر إذا كان الحبل أو الاعتراف، وقولهم انا صدقناها في إنكارها غير صحيح فانا لم نحكم بصدقها وانتفاء الحد إنما كان لعدم المقتضى وهو الاقرار أو البينة لا لوجود التصديق بدليل مالو سكتت أو لم تكمل البينة. إذا ثبت هذا فإن الحر والعبد والبكر والثيب في الإقرار سواء لأنه أحد حجتي الزنا فاستوى الكل فيه كالبينة (فصل) ويشترط أن يكون المقر بالغا عاقلا ولا خلاف في اعتبار ذلك في وجوب الحد وصحة الإقرار لأن الصي والمجنون قد رفع القلم عنهما ولا حكم لكلامهما لما روى علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ وعن الصبي حتى يحتلم وعن المجنون حتى يعقل) رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن (فصل) والنائم مرفوع عنه القلم، فلو زنى بنائمة أو استدخلت امرأة ذكر نائم أو وجد منه

الزنى حال نومه فلا حد عليه لان القلم مرفوع عنه، ولو أقر في حال نومه لم يلتفت إلى اقراره لأن كلامه غير معتبر ولا يدل على صحة مدلوله: وأما السكران ونحوه فعليه حد الزنى والسرقة والشرب والقذف اذا فعله في حال سكره لأن الصحابة رضي الله عنهم أوجبوا عليه حد الفرية لكون السكر مظنة لها ولأنه تسبب إلى هذه المحرمات بسبب لا يعذر فيه فأشبه من لا عذر له، وفيه وجه آخر لا يجب عليه الحد لأنه غير عاقل فيكون ذلك شبهة في درء ما يندري بالشبهات ولأن طلاقه لا يقع في رواية فأشبه النائم، والأول أولى لأن إسقاط الحد عنه يفضي إلى أن من أراد فعل هذه المحرمات شرب الخمر وفعل ما أحب فلا يلزمه شئ ولأن السكر مظنة لفعل المحارم وسبب اليه فقد تسبب الى فعلها حال صحوه فأما إن أقر بالزنا وهو سكران لم يعتبر إقراره لأنه لا يدري ما يقول ولا يدل قوله على صحة خبره فأشبه قول النائم والمجنون وقد روى بريدة أن النبي صلى الله عليه وسلم استنكه ماعزا، رواه أبو داود وإنما فعل ذلك ليعلم هل هو سكران أو لا ولو كان السكران مقبول الإقرار لما احتيج الى تعرف براءته منه (فصل) وأما الأخرس فإن لم تفهم إشارته فلا يتصور منه إقرار وإن فهمت إشارته فقال القاضي عليه الحد وهو قول الشافعي وابن القاسم صاحب مالك وأبو ثور وابن المنذر لأن من صح إقراره بغير الزنا صح إقراره به كالناطق وقال أصحاب أبي حنيفة لا يحد باقرار ولا بينة لأن الإشارة تحتمل ما فهم منها وغيره فيكون ذلك شبهة في درء الحد لكونه مما يندرئ بالشبهات ولا يجب بالبينة لاحتمال أن يكون له شبهة لم يمكنه التعبير عنها ولم يعرف كونها شبهة ويحتمل كلام الخرقي إن لا يلزمه الحد بإقراره لأنه شرط أن يكون صحيحا وهذا غير صحيح ولأن الحد لا يجب بالشبهة فأما الإشارة فلا تنتفي معها الشبهات وأما البينة فيجب عليه بها الحد لأن قوله معها غير معتبر

(فصل) ولا يصح الإقرار من المكره فلو ضرب الرجل ليقر بالزنى لم يجب عليه الحد ولم يثبت عليه الزنى ولا نعلم بين أهل العلم خلافاً في أن إقرار المكره لا يجب به حد، وروي عن عمر رضي الله عنه قال ليس الرجل مأموناً على نفسه إذا جوعته أو ضربته أو أوثقته رواه سعيد وقال ابن شهاب في رجل اعترف بعد جلده ليس عليه حد ولأن الاقرار إنما يثبت به المقر به لوجود الداعي الى الصدق وانتفاء التهمة عنه فان العاقل لايتهم بقصد الإضرار بنفسه ومع الإكراه يغلب على الظن أن إقراره لدفع ضرر الإكراه فانتفى ظن الصدق عنه فلم يقبل (فصل) وإن أقر بوطئ امرأة وادعى أنها امرأته فأنكرت المرأة الزوجية نظرنا فإن لم تقر المرأة بوطئه إياها فلا حد عليه لأنه لم يقر بالزنى ولا مهر لها لأنها لا تدعيه، وان اعترفت بوطئه اياها أو اعترفت بأنه زنى بها مطاوعة فلا مهر عليه أيضاً ولا حد على واحد منهما إلا أن يقر اربع مرات لأن الحد لا يجب بدون إقرار أربع، وإن ادعت أنه أكرهها عليه أو اشتبه عليه فعليه المهر لأنه أقر بسببه وقد روى منها عن أحمد أنه سأله عن رجل وطئ امرأة وزعم أنها زوجته وأنكرت هي أن يكون زوجها واقرت بالوطئ فقال هذه قد أقرت على نفسها بالزنا ولكن يدرأ عنه الحد بقوله انها امرأته ولا مهر عليه وأدرأ عنها الحد حتى تعترف مراراً، قال أحمد وأهل المدينة يرون عليها الحد يذهبون الى قول النبي صلى الله عليه وسلم (واغد يا أنيس الى امرأة هذا فان اعترفت فارجمها) وقد تقدم الجواب عن قولهم (فصل) ولا ينزع عن اقراره حتى يتم الحد لأن من شروط إقامة الحد بالاقرار البقاء عليه على تمام الحد فان رجع عن إقراره أو هرب كف عنه وبهذا قال عطاء ويحيى بن يعمر والزهري وحماد ومالك والشافعي والثوري وإسحاق وابو حنيفة وأبو يوسف وقال الحسن وسعيد بن جبير وابن

مسألة: وإن جاء بعضهم بعد أن قام الحاكم، أو شهد ثلاثة وامتنع الرابع من الشهادة، أو لم يكملها فهم قذفة وعليهم الحد

أبي ليلى يقام الحد ولا يترك لأن ماعزا هرب فقتلوه وروي أنه قال ردوني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فان قومي هم غروني من نفسي وأخبروني أن النبي صلى الله عليه وسلم غير قاتلي فلم ينزعوا عنه حتى قتلوه رواه أبو داود وقد ذكرنا ذلك في كتاب الحدود (مسألة) (ومتى رجع المقر بالحد عن إقراره قبل منه) وقد ذكرنا الخلاف فيه والله أعلم (الثاني) أن يشهد عليه أربعة رجال أحرار عدول يصفون الزنا ويجيئون في مجلس واحد سواء جاءوا مجتمعين أو متفرقين يشترط في شهود الزنا سبعة شروط ذكرها الخرقي (احدها) أن يكونوا أربعة وهذا إجماع ليس فيه اختلاف بين أهل العلم لقول الله تعالى (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة) وقال تعالى (لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون) وقال سعد بن عبادة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ارأيت لو وجدت مع امرأتي رجلا امهله حتى آتي بأربعة شهداء؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم (نعم) رواه مالك في الموطأ وابو داود (الشرط الثاني) أن يكونوا رجالاً كلهم ولا تقبل فيه شهادة النساء بحال ولا نعلم فيه خلافاً إلا شيئاً يروى عن عطاء وحماد أنه يقبل فيه ثلاثة رجال وامرأتان وهو قول شاذ لا يعول عليه لأن لفظ الأربعة اسم لعدد المذكورين ويقتضي أن يكتفى فيه بأربعة ولا خلاف في أن الاربعة إذا كان بعضهم نساء أنه لا يكتفى بهم وإن أقل ما يجزئ خمسة وهذا خلاف النص ولأن في شهادتهن شبهة لتطرق الضلال اليهن قال الله تعالى (أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى) والحدود تدرأ بالشبهات (الشرط الثالث) الحرية فلا تقبل شهادة العبيد ولا نعلم في ذلك خلافاً إلا رواية حكيت عن

أحمد وهو قول أبي ثور لعموم النصوص فيه ولأنه عدل مسلم ذكر فتقبل شهادته كالحر ولنا أنه مختلف في شهادته في سائر الحقوق فيكون ذلك شبهة تمنع من قبول شهادته في الحد لأنه يندرئ بالشبهات (الشرط الرابع) العدالة ولا خلاف في اشتراطها فانها تشترط في سائر الشهادات فههنا مع مزيد الاحتياط فيها أولى فلا تقبل شهادة الفاسق ولا مستور الحال الذي لا تعلم عدالته لجواز أن يكون فاسقاً (الشرط الخامس) أن يكونوا مسلمين فلا تقبل شهادة أهل الذمة فيه سواء كانت الشهادة على مسلم أو ذمي لأن أهل الذمة كفار لا تتحقق العدالة فيهم فلا تقبل روايتهم ولا أخبارهم الدينية ولا تقبل شهادتهم كعبدة الأوثان (الشرط السادس) أن يصفوا الزنى فيقولوا رأينا ذكره في فرجها كالمرود في المكحلة والرشاء في البئر وهذا قول معاوية بن أبي سفيان والزهري والشافعي وأبي ثور وابن المنذر وأصحاب الرأي لما روينا في قصة ماعز أنه لما اقر عند النبي صلى الله عليه وسلم بالزنى فقال (انكتها؟ - فقال نعم قال - حتى غاب ذلك منك في ذلك منها كما يغيب المرود في المكحلة والرشاء في البئر؟) قال نعم واذا اعتبر التصريح في الاقرار كان اعتباره في الشهادة أولى وروى أبو داود باسناده عن جابر قال جاءت اليهود برجل منهم وامرأة زنيا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ائتوني باعلم رجلين منكم) فأتوه بابني صوريا فنشدهما (كيف تجدان أمر هذين في التوراة؟) قالا إذا شهد أربعة أنهم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة رجما قال (فما يمنعكم أن ترجموهما؟) قالوا ذهب سلطاننا وكرهنا القتل فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشهود (فجاؤا له)

مسألة: وان كانوا فساقا أو عميانا أوبعضهم، فعليهم الحد، وعنه أنه لا حد عليهم

أربعة فشهدوا أنهم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة فأمر النبي صلى الله عليه وسلم برجمهما ولأنهم إذا لم يصفوا الزنا احتمل أن يكون المشهود به لا يوجب الحد فاعتبر كشفه قال بعض أهل العلم يجوز للشهود أن ينظروا الى ذلك منهما لاقامة الشهادة عليهما فيحصل الردع بالحد فان شهدوا أنهم رأوا ذكره قد غيبه في فرجها كفى والتشبيه تأكيد (فصل) فأما تعيين المزني بها إن كانت الشهادة على رجل أو الزاني إن كانت الشهادة على امرأة ومكان الزنا فذكر القاضي أنه يشترط لئلا تكون المرأة ممن اختلف في إباحتها ويعتبر ذكر المكان لئلا تكون شهادة أحدهم على غير الفعل الذي شهد به الآخر ولهذا سأل النبي صلى الله عليه وسلم (إنك أقررت أربعاً فبمن؟) وقال ابن حامد لا يعتبر ذكر هذين لأنه لا يعتبر ذكرهما في الإقرار ولم يأت ذكرهما في الحديث الصحيح وليس في حديث الشهادة في رجم اليهوديين ذكر المكان ولأن ما لا يشترط فيه ذكر الزمان لا يشترط فيه ذكر المكان كالنكاح ويبطل ما ذكروه بالزمان (الشرط السابع) مجئ الشهود كلهم في مجلس واحد ذكره الخرقي فقال: وإن جاءوا أربعة متفرقين والحاكم جالس في مجلس حكمه لم يقم قبل شهادتهم وإن جاء بعضهم بعد أن قام الحاكم كانوا قذفة وعليهم الحد وبهذا قال مالك وأبو حنيفة، وقال الشافعي والبتي وابن المنذر لا يشترط ذلك لقول الله تعالى (لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء) ولم يذكر المجلس، وقال تعالى (فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت) ولأن كل شهادة مقبولة إذا اتفقت (وغير) مقبولة إذا افترقت في مجالس كسائر الشهادات ولنا أن أبا بكرة ونافعاً وسهل بن معبد شهدوا عند عمر على المغيرة بن شعبة بالزنا ولم يشهد

مسألة: وإن شهد اثنان أنه زنى بها في بيت أو بلد، واثنان أنه زنى بها في بيت أو بلد آخر، فهم قذفة وعليهم الحد، وعنه يحد المشهود عليه، وهو بعيد

زياد فحد الثلاثة ولو كان المجلس غير مشترط لم يجز أن يحدهم لجواز أن يكملوا برابع في مجلس آخر ولأنه لو شهد ثلاثة فحدهم ثم جاء رابع فشهد لم تقبل شهادته ولولا اشتراط المجلس لكملت شهادتهم وبهذا فارق سائر الشهادات، وأما الآية فانها لم تتعرض للشروط ولهذا لم يذكروا العدالة وصفة الزنا ولأن قوله (ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم) لا يخلو من أن يكون مطلقاً في الزمان كله أو مقيداً لا يجوز أن يكون مطلقاً لأنه يمنع من جواز جلدهم لأنه ما من زمن إلا يجوز أن يأتي فيه بأربعة شهداء أو بكمالهم إن كان قد شهد بعضهم فيمتنع جلدهم المأمور به فيكون متناقضاً، وإذا ثبت أنه مقيد بالمجلس لأن المجلس كله بمنزلة الحالة الواحدة ولهذا ثبت فيه خيار المجلس واكتفي فيه بالقبض فيما يعتبر القبض فيه إذا ثبت هذا فإنه لا يشترط اجتماعهم حال مجيئهم ولو جاءوا متفرقين واحداً بعد واحد في مجلس واحد قبل شهادتهم وقال مالك وأبو حنيفة إن جاءوا متفرقين فهم قذفة لأنهم لم يجتمعوا في مجيئهم فلم تقبل شهادتهم كالذين لم يشهدوا في مجلس واحد ولنا قصة المغيرة فان الشهود جاءوا واحداً بعد واحد وسمعت شهادتهم وإنما حدوا لعدم كمالها في المجلس وفي حديثه أن أبا بكرة قال أرأيت لو جاء آخر يشهد أكنت ترجمه؟ قال عمر: أي والذي نفسي بيده ولأنهم اجتمعوا في مجلس واحد أشبه مالو جاءوا مجتمعين ولأن المجلس كله بمنزلة ابتدائه لما ذكرنا وإذا تفرقوا في مجالس فعليهم الحد لأن من شهد بالزنا ولم تكمل الشهادة يلزمه الحد لقول الله تعالى (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة) (مسألة) (وإن جاء بعضهم بعد أن قام الحاكم أو شهد ثلاثة وامتنع الرابع من الشهادة

مسألة: وإن شهد اثنان أنه زنى بها في زاوية بيت وشهد اثنان أنه زنى بها في زاوية منه أخرى، كملت شهادتهم إن كانت الزاويتان متقاربتين، وحد المشهود عليه

أو لم يكملها فهم قذفة وعليهم الحد) إذا لم يكمل شهود الزنا فعليهم الحد في قول أكثر أهل العلم منهم مالك والشافعي وأصحاب الرأي وذكر أبو الخطاب فيهم روايتين وحكي عن الشافعي فيهم قولان (أحدهما) لا حد عليهم لأنهم شهود فلم يجب عليهم الحد كما لو كانوا أربعة أحدهم فاسق ولنا قول الله تعالى (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة) وهذا يوجب الجلد على كل رام لم يشهد بما قال أربعة ولأنه إجماع الصحابة فان عمر جلد أبا بكرة وأصحابه حين لم يكمل الرابع شهادته بمحضر من الصحابة فلم ينكره أحد وروى صالح بإسناده عن أبي عثمان النهدي قال جاء رجل إلى عمر فشهد على المغيرة بن شعبة فتغير لون عمر ثم جاء آخر فشهد فتغير لون عمر ثم جاء آخر فشهد فاستنكر ذلك عمر ثم جاء شاب يخطر بيديه فقال عمر ما عندك يا سلح العقاب؟ وصاح به عمر صيحة فقال أبو عثمان: والله لقد كدت يغشى علي فقال يا أمير المؤمنين: رأيت أمرا قبيحا فقال الحمد لله الذي لم يشمت الشيطان بأصحاب محمد قال فأمر بأولئك النفر فجلدوا، وفي رواية أن عمر لما شهد عنده على المغيرة شهد ثلاثة وبقي زياد فقال عمر أرى شابا حسناً وأرجو ألا يفضح الله على لسانه رجلا من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فقال: يا أمير المؤمنين رأيت استاً تنبو ونفساً يعلو ورأيت رجليها فوق عنقه كأنهما أذنا حمار ولا أدري ما وراء ذلك فقال عمر: الله اكبر الله اكبر وامر بالثلاثة فضربوا، وقول عمر يا سلح العقاب معناه أنه يشبه سلح العقاب الذي يحرق كل شئ أصابه كذلك هو يوقع العقوبة بأحد الفريقين لا محالة، إن كملت شهادته حد المشهود عليه وإن لم تكمل حد أصحابه، فإن قيل فقد خالفهم أبو بكرة وأصحابه الذين شهدوا قلنا لم يخالفوا في وجوب الحد عليهم إنما خالفوهم في صحة ما شهدوا به ولأنه

مسألة: وإن شهد اثنان أنه زنى بها في قميص أبيض، وشهد آخران أنه زنى بها في قميص أحمر، كملت شهادتهم، ويحتمل أن لا تكمل، كما لو شهد كل اثنين أنه زنى بها في بيت غير الذي شهد به صاحباهما

رام بالزنا لم يأت بأربعة شهداء فيجب عليه الحد كما لو لم يأت بأحد (مسألة) (وإن كانوا افساقا أو عمياناً أو بعضهم فعليهم الحد وعنه انه لاحد عليهم) إذا كانوا اربعة غير مرضيين كالعبيد والفساق والعميان ففيهم ثلاث روايات (إحداهن) عليهم الحد وهو قول مالك قال القاضي وهو الصحيح لأنها شهادة لم تكمل فوجب الحد على الشهود كما لو لم يكمل العدد (والثانية) لا حد عليهم وهو قال الحسن والشعبي وابي حنيفة ومحمد لأن هؤلاء قد جاءوا بأربعة شهداء فدخلوا في عموم الآية ولأن عددهم قد كمل ورد الشهادة لمعنى غير تفريطهم فأشبه ما لو شهد أربعة مستورون ولم تثبت عدالتهم ولا فسقهم (الثالث) إن كانوا عمياناً أو بعضهم جلدوا وإن كانوا عبيداً أو فساقاً فلا حد عليهم وهو قول الثوري واسحاق لأن العميان معلوم كذبهم لكونهم شهدوا بما لم يروه يقينا والآخرون يجوز صدقهم وقد كمل عددهم فأشبهوا مستوري الحال. وقال أصحاب الشافعي إن كان رد الشهادة لمعنى ظاهر كالعمى والرق والفسق الظاهر ففيهم قولان وإن كان لمعنى خفي فلا حد عليهم لأن ما يخفى يخفى على الشهود فلا يكون ذلك تفريطاً منهم بخلاف ما يظهر، فان شهد ثلاثة رجال وامرأتان حد الجميع لأن شهادة النساء في هذا الباب كعدمها وبهذا قال الثوري وأصحاب الرأي وهذا يقوي رواية إيجاب الحد على الأولين وينبه على إيجاب الحد فيما إذا كانوا عمياناً أو بعضهم لأن المرأتين يحتمل صدقهما وهما من أهل الشهادة في الجملة والأعمى كاذب يقيناً وليس من أهل الشهادة على الأفعال فوجوب الحد عليهم وعلى من معهم أولى

مسألة: وإن شهدا أنه زنى بها مطاوعة، وشهد آخران أنه زنى بها مكرهة، فلا حد عليها إجماعا، لأن الشهادة لم تكمل على فعل موجب للحد، وفي الرجل وجهان

(مسألة) (وإن كان أحدهم زوجا حد لثلاثة ولاعن الزوج إن شاء) لأن الزوج لا تقبل شهادته على امرأته لأنه بشهادته مقر بعداونه لها فلا تقبل شهادته عليها فيبقى الشهود ثلاثة فيحدون كما يحد شهود المغيرة بن شعبة ولأن الله سبحانه قال (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة) (مسألة) (وإن شهد اثنان أنه زنى بها في بيت أو بلد واثنان أنه زنا بها في بيت أو بلد آخر فهم فذفة وعليهم الحد وعنه يحد المشهود عليه وهو بعيد) وجملة ذلك أنه إذا شهد اثنان أنه زنا بها في هذا البيت واثنان أنه زنا بها في بيت آخر وشهد كل اثنين عليه بالزنا في بلد غير البلد الذي شهد صاحباهما أو اختلفوا في اليوم فالجميع قذفة وعليهم الحد وبهذا قال مالك والشافعي، واختار أبو بكر: أنه لا حد عليهم وبه قال النخعي وأبو ثور وأصحاب الرأي لأنهم كملوا أربعة ولنا أنه لم يكمل أربعة على زنا واحد فوجب عليهم الحد كما لو انفرد بالشهادة اثنان وأما المشهود عليه فلا حد عليه في قولهم جميعاً، وقال أبو بكر عليه الحد، وحكاه قولا لأحمد وهو بعيد لأنه لم يثبت زنا واحد بشهادة أربعة فلم يجب الحد ولأن جميع ما يعتبر له البينة يعتبر كمالها في حق واحد فالموجب للحد اول لأنه مما يحتاط له ويدرء بالشبهات وقد قال أبو بكر أنه لو شهد اثنان أنه زنى بامرأة بيضاء وشهد اثنان انه زنا بسوداء فهم قذفة ذكره القاضي وهذا ينقض قوله (مسألة) وإن شهد اثنان أنه زنى بها في زاوية بيت وشهد اثنان أنه زنى بها في زواية منه أخرى كملت شهادتهم إن كانت الزاويتان متقاربتين وحد المشهود عليه)

مسألة: وإن شهد اربعة فرجع احدهم، فلا شيء على الراجع ويحد الثلاثة، وإن كان رجوعه بعد الحد، فلا حد على الثلاثة، ويغرم الرابع ربع ما أتلفوه

وبه قال أبو حنيفة وقال الشافعي لا حد عليه لأن شهادتهم لم تكمل ولانهم اختلفو في المكان أشبه ما لو اختلفا في البيتين، فأما إن كانت الزاويتان متباعدتين فالقول فيهما كالقول في البيتين وعلى قول أبي بكر تكمل الشهادة سواء تقاربت الزاويتان أو تباعدتا ولنا أنهما إذا تقاربتا أمكن صدق الشهود بأن يكون ابتداء الفعل في إحداهما وتمامه في الأخرى أو ينسبه كل اثنين الى إحدى الزوايتين لقربه منها فيجب قبول شهادتهم كما لو اتفقوا بخلاف ما إذا كانتا متباعدتين فإنه لا يمكن كون المشهود به فعلاً واحداً، فإن قيل فقد يمكن أن يكون المشهود به فعلين فلم أوجبتهم الحد مع الاحتمال والحد يدرأ بالشبهات، قلنا ليس هذا شبهة بدليل ما لو اتفقوا على موضع واحد فان هذا يحتمل فيه والحد واجب والقول في الزمان كالقول في هذا متى كان بينهما زمن متباعد لا يمكن وجود الفعل الواحد في جميعه كطرفي النهار لم تكمل شهادتهم ومتى تقاربا كملت شهادتهم. (مسألة) (وإن شهد اثنان أنه زنى بها في قميص أبيض وشهد آخران أنه زنى بها في قميص أحمر كملت شهادتهم ويحتمل أن لا تكمل كما لو شهد كل اثنان أنه زنى بها في بيت غير الذي شهد به صاحباهما) وكذلك إن شهد اثنان أنه زنى بها في قميص كتان أو شهد إثنان أنه زنى بها في قميص خز تكمل الشهادة، وقال الشافعي لا تكمل لتنافي الشهادتين. ولنا أنه لا تنافي بينهما فإنه يمكن أن يكون عليه قميصان فذكر كل اثنين واحداً وتركا ذكر الآخر ويمكن أن يكون عليه قميص أبيض وعليها قميص أحمر وإذا أمكن التصديق لم يجز التكذيب. (مسألة) (وإن شهد أنه زنى بها مطاوعة وشهد آخران أنه زنى بها مكرهة فلا حد عليها إجماعاً، لأن الشهادة لم تكمل على فعل موجب للحد وفي الرجل وجهان.

(أحدهما) لا حد عليه وهو قول أبي بكر والقاضي وأكثر الأصحاب وهو قول أبي حنيفة وأحد الوجهين لأصحاب الشافعي، لأن البينة لا تكمل على فعل واحد فان فعل المطاوعة غير فعل المكرهة ولم يتم العدد على كل واحد من الفعلين ولأن كل شاهدين منهما يكذبان الآخرين وذلك يمنع قبول الشهادة أو يكون شبهة في درء الحد ولا يخرج عن أن يكون كل واحد منهما مكذبا للآخر إلا بتقدير فعلين تكون مطاوعة في أحدهما ومكرهة في الآخر وهذا يمنع كون الشهادة كاملة على فعل واحد، ولأن شاهدي المطاوعة قاذفان لها ولا تكمل البينة عليها فلا تقبل شهادتهم على غيرها والوجه الثاني يجب الحد على الرجل اختاره أبو الخطاب وهو قول أبي يوسف ومحمد ووجه ثان للشافعي، لأن الشهادة كملت على وجود الزنا منه واختلافهما إنما هو في فعلها لا في فعله فلا يمنع كمال الشهادة عليه. (مسألة) (وهل يحد الجميع أو شاهد المطاوعة؟ على وجهين) في الشهود ثلاثة أوجه (أحدها) لا حد عليهم وهو قول من أوجب الحد على الرجل بشهادتهم (والثاني) عليهم الحد لأنهم شهدوا بالزنا فلم تكمل شهادتهم فلزمهم الحد كما لو لم يكمل عددهم (والثالث) يجب الحد على شاهدي المطاوعة لأنهما قذفا المرأة بالزنا فلم تكمل شهادتهما عليها ولا يجب على شاهدي الاكراه لأنهما لم يقذفا المرأة وقد كملت شهادتهم على الرجل وإنما انتفى عنه الحد للشبهة وعند أبي الخطاب يحد الزاني المشهود عليه دون المرأة والشهود وقد ذكرناه. (مسألة) (وإن شهد أربعة فرجع احدهم فلا شئ على الراجع ويحد الثلاثة وإن كان رجوعه بعد الحد فلا حد على الثلاثة ويغرم الرابع ربع ما أتلفوه) .

مسألة: وإن شهد أربعة بالزنا بامرأة، ثقات من النساء أنها عذراء، فلا حد عليها ولا الشهود نص عليه

وجملة ذلك أن الشهود إذا رجعوا عن الشهادة أو واحد منهم ففيهم روايتان (إحداهما) يجب الحد على الجميع لأنه نقص عدد الشهود فلزمهم الحد كما كانوا ثلاثة وإن رجعوا كلهم فعليهم الحد لأنهم يقرون أنهم قذفة، وهو قول أبي حنيفة (والثانية) يحد الثلاثة دون الراجع اختارها أبو بكر وابن حامد لأنه إذا رجع قبل الحد فهو كالتائب قبل تنفيذ الحكم بقوله فيسقط عنه الحد لأن في درء الحد عنه تمكيناً له من الرجوع الذي يحصل به مصلحة الشهود وفي إيجاب الحد عليه زجر له عن الرجوع خوفا من الحد فتفوت تلك المصلحة وتتحقق المفسدة فناسب ذلك نفي الحد عنه، وقال الشافعي يحد الراجع دون الثلاثة لأنه أقر على نفسه بالكذب في قذفه وأما الثلاثة فقد وجب الحد بشهادتهم وإنما سقط بعد وجوبه برجوع الرابع ومن وجب الحد بشهادته لم يكن قاذفا فلم يحد كما لو لم يرجع أحد. ولنا أنه نقص العدد بالرجوع قبل إقامة الحد فلزمهم الحد كما لو شهد ثلاثة وامتنع الرابع من الشهادة وقولهم وجب الحد بشهادتهم يبطل بما إذا رجعوا كلهم وبالراجع وحده فان الحد وجب ثم سقط ووجب الحد بسقوطه ولأن الحد إذا وجب على الراجع مع المصلحة في رجوعه باسقاط الحد عن المشهود عليه بعد وجوبه واحيائه المشهود عليه بعد إشرافه على التلف فعلى غيره أولى فأما إن كان رجوعه بعد الحد فلا حد على الثلاثة لأن إقامة الحد كحكم الحاكم الحاكم لا تسقط برجوع الشاهد بعده وعلى الراجع ربع ما تلف بشهادتهم ويذكر ذلك في الرجوع عن الشهادة إن شاء الله تعالى. (فصل) وإذا ثبتت الشهادة بالزنا فصدقهم المشهود عليه لم يسقط الحد وقال أبو حنيفة يسقط لأن صحة البينة يشترط لها الإنكار وما كمل بالاقرار. ولنا قول الله (فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا)

مسألة: وإن شهد أربعة أنه زنى بامرأة، وشهد أربعة آخرون أنهم هم الزناة بها لم يحد المشهود عليه، وهل يحد الشهود الأولون حد الزنا؟ على روايتين

وبين النبي صلى الله عليه وسلم (السبيل بالحد فتجب إقامته ولأن البينة تمت عليه فوجب الحد كما لو لم يعترف ولأن البينة أحد حجتي الزنا فلم تبطل بوجود الحجة الأخرى وبعضها كالاقرار يحققه أن وجود الاقرار يؤكد البينة ويوافقها ولا ينافيها فلا يقدح فيها كتزكية الشهود والثناء عليهم ولا نسلم اشتراط الانكار وإنما يكتفى بالإقرار في غير الحد إذا وجد بكماله وههنا لم يكمل فلم يجب الإكتفاء به ووجب سماع البينة والعمل بها وعلى هذا لو أقر مرة أو دون الأربع لم يمنع ذلك سماع البينة عليه ولو تمت البينة وأقر على نفسه إقراراً تاماً ثم رجع عن إقراره لم يسقط عنه الحد برجوعه وقوله يقتصي خلاف ذلك (فصل) فإن شهد شاهدان واعترف هو مرتين لم تكمل البينة ولم يجب الحد لا نعلم في ذلك خلافاً بين من اعتبر اقرار اربع مرات وهو قول أصحاب الرأي لأن احدى الحجتين لم تكمل ولا تلفق إحداهما بالأخرى كاقرار بعض مرة. (فصل) فان كملت البينة ثم مات الشهود أو غابوا جاز الحكم بها وإقامة الحد، وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا يقام الحد لجواز أن يكونوا رجعوا وهذا شبهة تدرأ الحد ولنا أن كل شهادة جاز الحكم بها مع حضور الشهود جاز الحكم مع غيبتهم كسائر الشهادات واحتمال رجوعهم ليس بشبهة كما لو حكم بشادتهم. (فصل) وان شهدوا بزنا قديم أو أقر به وجب الحد، وبهذا قال مالك والاوزاعي والثوري واسحاق وأبو ثور وقال أبو حنيفة لا أقبل بينة على زنا قديم وأحده بالاقرار به وهذا قول ابن حامد وذكره ابن موسى مذهباً لأحمد لما روي عن عمر أنه قال أيما شهود شهدوا بحد لم يشهدوا بحضرته فانما هم شهود ضغن ولأن تأخيره للشهادة إلى هذا الوقت يدل على التهمة فيدرأ ذلك الحد ولنا عموم الآية وانه حق ثبت على الفور فيثبت بالبينة بعد تطاول الزمان كسائر الحقوق والحديث

مسألة: وإن حملت امرأة لا زوج لها ولا سيد، لم تحد بذلك بمجرده، لكنها تسأل، فان ادعت أنها أكرهت ووطئت بشبهة، أو لم تعترف بالزنا لم تحد

مرسل رواه الحسن ومراسيل الحسن ليست بالقوية والتأخير يجوز أن يكون لعذر أو غيبة والحد لا يسقط بمجرد الاحتمال فانه لو سقط بكل احتمال لم يجب حد أصلا. (فصل) وتجوز الشهادة بالحد من غير مدع لا نعلم فيه اختلافاً ونص عليه أحمد واحتج بقصة أبي بكرة حيث شهد هو وأصحابه على المغيرة من غير تقدم دعوى وشهد الجارود وصاحبه على قدامة بن مظعون بشرب الخمر ولم يتقدمه دعوى، ولأن الحد حق لله تعالى لم تفتقر الشهادة به إلى تقدم دعوى كسائر العبادات يبينه ان الدعوى في سائر الحقوق إنما تكون من المستحقين وهذا لا حق فيه لأحد من الآدميين فيدعيه فلو وقفت الشهادة به على الدعوى لامتنع إقامتها (مسألة) (وإن شهد أربعة بالزنا بامرأة فشهد ثقات من النساء أنها عذراء فلا حد عليها ولا الشهود نص عليه) وبهذا قال الشعبي والثوري والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي وقال مالك عليها الحد، لأن شهادة النساء لا مدخل لها في الحدود فلا يسقط بشهادتهن ولنا أن البكارة تثبت بشهادة النساء ووجودها يمنع من الزنا ظاهرا لان الزنا لا يحصل بدون الايلاچ في الفرج ولا يتصور ذلك مع بقاء البكارة لأن البكر هي التي لم توطأ في قبلها وإذا انتفى الزنا لم يجب الحد كما لو قامت البينة بأن المشهود عليه بالزنا مجبوب وإنما لم يجب الحد على الشهود لكمال عدتهم مع احتمال صدقهم بأنه يحتمل أن يكون وطئها ثم عادت عذرتها فيكون ذلك شبهة في درء الحد عنهم غير موجب له عليها فإن الحد لا يجب بالشهات ويكتفى بشهادة امرأة واحدة لأن شهادتها مقبولة فيما لا يطلع عليه الرجال فأما إن شهدت بأنها رتقاء أو ثبت أن الرجل المشهود عليه مجبوب فينبغي أن يجب الحد على الشهود لأنه يتيقن كذبهم في شهادتهم بأمر لا يعلمه كثير من الناس فوجب عليهم الحد.

(مسألة) (وإن شهد أربعة أنه زنى بامرأة وشهد أربعة آخرون أنهم هم الزناة بها لم يحد المشهود عليه وهل يحد الشهود الأولون حد الزنا؟ على روايتين) (إحداهما) لا يجب الحد على واحد منهم، وهذا قول أبي حنيفة لأن الأولين قد جرحهم الآخرون بشهادتهم عليهم والآخرون تتطرق اليهم التهمة (والثانية) يجب الحد على الشهود الأولين اختارها أبو الخطاب لأن شهادة الآخرين صحيحة فيجب الحكم بها، وهذا قول أبي يوسف وذكر أبو الخطاب في صدر المسألة كلاما معناه لا يحد أحد منهم حد الزنا وهل يحد الاولون حدالقذف؟ على وجهين بناء على القاذف إذا جاء مجئ الشاهد هل يحد على روايتين (فصل) وكل زنا أوجب الحد لا يقبل فيه إلا أربعة شهود باتفاق العلماء لتناول النص له بقوله تعالى (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة) ويدخل فيه اللواط ووطئ المرأة في دبرها لأنه زنا وعند أبي حنيفة يثبت بشهاهدين بناء على أصله بأنه لا يوجب الحد وقد بينا وجوب الحد به ويخص هذا بأن الوطئ في الدبر فاحشة بدليل قوله تعالى (أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين؟ وقال تعالى (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم) فاذا وطئت في الدبر دخلت في عموم الآية. واما وطئ البهيمة إن قلنا بوجوب الحد به لم يثبت إلا بشهود أربعة، وإن قلنا لا يوجب الا التعزير ففيه وجهان: (أحدهما) يثبت بشاهدين لأنه لا يوجب الحد فيثبت بشاهدين كسائر الحقوق (والثاني) لا يثبت الا بأربعة وهو قول القاضي لانه فاحشة ولأنه إيلاج في فرج محرم فأشبه الزنا وعلى قياس هذا كل وطئ يوجب التعزير ولا يوجب الحد كوطئ الأمة المشتركة وأمته المزوجة فإن لم يكن وطئاً كالمباشرة دون الفرج ونحوها ثبت بشاهدين وجهاً واحداً لأنه ليس بوطئ أشبه سائر الحقوق

باب القذف

(مسألة) (وإن حملت امرة لا زوج لها ولا سيد لم تحد بذلك بمجرده لكنها تسأل فان ادعت أنها أكرهت ووطئت بشبهة أو لم تعرف بالزنا لم تحد) وهذا قول أبي حنيفة والشافعي، وقال مالك عليها الحد إذا كانت مقيمة غير غريبة إلا أن تظهر إمارات الإكراه بأن تأتي مستغيثة أو صارخة لقول عمر رضي الله عنه والرجم واجب على كل من زنى من الرجال والنساء إذا كان محصناً إذا قلعت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف، وروي أن عثمان أتي بامرأة ولدت لستة أشهر فأمر بها عثمان أن ترجم فقال علي ليس لك عليها سبيل. قال الله تعالى (وحمله وفصاله ثلاثون شهراً) وهذا يدل على أنه كان يرجمها بحملها، وعن عمر نحو من هذا وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال أيها الناس إن الزنا زناآن زنا سر وزنا علانية فزنا السر أن يشهد الشهود فيكون الشهود أول من يرمي وزنا العلانية أن يظهر الحبل أو الاعتراف فيكون الامام أول من يرمي، وهذا قول سادة الصحابة لم يظهر لهم في عصرهم مخالف فيكون إجماعاً ولنا أنه يحتمل أنه من وطئ اكراه أو شبهة والحد يسقط بالشبهات وقد قيل إن المرأة تحمل من غير وطئ بأن يدخل ماء الرجل في فرجها اما بفعلها أو فعل غيرها ولهذا تصور حمل البكر وقد وجد ذلك، وأما قول الصحابة فقد اختلفت الرواية عنهم فروى سعيد ثنا خلف بن خليفة ثنا أبو هشام أن امرأة رفعت الى عمر رضي الله عنه ليس لها زوج وقد حملت فسألها عمر فقالت إني امرأة ثقيلة الرأس وقع علي رجل وأنا نائمة فما استيقظت حتى فرغ فدرأ عنها الحد، وروى النوال بن سبرة عن عمر أنه أتي بامرأة حامل فادعت أنها أكرهت فقال خل سبيلها وكتب إلى أمراء الاجناد أن لا يقتل احد الا بإذنه، وروي عن علي وابن عباس أنهما قالا إذا كان في الحد لعل وعسى فهو معطل وروى الدارقطني بإسناده عن عبد الله بن مسعود ومعاذ بن جبل وعقبة بن عامر أنهم

مسألة: والمحصن هو الحر المسلم العاقل العفيف الذي يجامع مثله، وهل يشترط البلوغ؟ على روايتين؟

قالوا إذا اشتبه عليك الحد فادرأ ما استطعت ولا خلاف أن الحد يدرأ بالشبهات وهي متحققة ههنا (فصل) ويستحب للامام أو الحاكم الذي يثبت عنده الحد بالاقرار التعريض له بالرجوع إذا تم والوقوف عن اتمامه إذا لم يتم كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أعرض عن ماعز حين أقر عنده ثم جاءه من الناحية الأخرى فأعرض عنه حتى تمم إقراره أربعا ثم قال (لعلك قبلت لعلك لمست) وروي أنه قال للذي أقر بالسرقة (ما أخالك فعلت) رواه سعيد عن سفيان عن يزيد بن خصفة عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال ثنا هشيم عن الحكم بن عتبة عن يزيد بن أبي كبشة عن أبي الدرداء أنه أتي بجارية سوداء سرقت فقال لها أسرقت قولي لا فقالت لا فخلى سبيلها، ولا بأس أن يعرض بعض الحاضرين بالرجوع أو بأن لا يقر وروينا عن الأحنف أنه كان جالساً عند معاوية فأتي بسارق فقال له معاوية أسرقت؟ فقال له بعض الشرطة اصدق الامير فقال الأحنف الصدق في كل المواطن معجزة فعرض له بترك الاقرار وروي عن بعض السلف أنه قال: لا يقطع ظريف يعني أنه إذا قامت عليه بينة ادعى شبهة فدفع عنه القطع فلا يقطع، ويكره لمن علم حاله أن يحثه على الاقرار لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لهزال وقد كان قال لماعز بادر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن ينزل فيك قرآن (ألا سترته بثوبك كان خيراً لك؟) رواه سعيد وروى باسناده أيضاً عن سعيد بن المسيب قال جاء ماعز بن مالك إلى عمر بن الخطاب فقال له إنه أصاب فاحشة فقال له أخبرت بهذا أحداً قبلي؟ قال لا قال فاستر يستر الله وتب إلى الله فان الناس يعيرون ولا يغيرون والله يغير ولا يعير فتب الى الله ولا تخبر به أحداً فانطلق إلى أبي بكر فقال له مثل ما قال عمر فلم تقره نفسه حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك

مسألة: وقذف غير المحصن يوجب التعزير، فاذا قذف مشتركا أو عبدا، أو مسلما له دون عشر سنين، أو مسلمة لها دون تسع، أو من ليس بعفيف، فعليه التعزير

(باب القذف) وهو الرمي بالزنا وهو محرم باجماع الامة والأصل في تحريمه الكتاب والسنة. أما الكتاب فقول الله تعالى (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً وأولئك هم الفاسقون) وقال سبحانه (إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم) وأما السنة فقول النبي صلى الله عليه وسلم (اجتنبوا السبع الموبقات) قالوا: وما هن يارسول الله؟ قال (الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله واكل الرابا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقدف المحصنات الغافلات المؤمنات) متفق عليه. (مسألة) (ومن قذف حراً محصنا فعليه جلد ثمانين جلدة إن كان القاذف حراً وأربعين إن كان عبداً وقذف غير المحصن يوجب التعزير) المحصنات في القرآن جاءت بأربعة معان (أحدها) العفائف وهو المراد ههنا. (الثاني) بمعنى المزوجات كقوله تعالى (والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم) وقوله تعالى (ومحصنات غير مسافحات) . (والثالث) بمعنى الحرائر كقوله تعالى (فمن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات) وقوله تعالى (والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم) وقوله [فعليهن نصف ما على المحصنات] (والرابع) بمعنى الاسلام كقوله (فإذا أحصن) قال ابن مسعود إحصانها إسلامها. وأجمع العلماء على وجوب الحد على من قذف محصناً إذا كان القاذف مكلفاً

(مسألة) (والمحصن هو الحر المسلم العاقل العفيف الذي يجامع مثله، وهل يشترط البلوغ؟ على روايتين) فهذه الخمسة شروط الاحصان وبه يقول جماعة الفقهاء قديماً وحديثا سوى ماروي عن داود أنه أوجب الحد على قاذف العبد. وقال ابن أبي موسى إذا قذف أم ولد رجل وله منها ولد حد. وعن ابن المسيب وابن أبي ليلى قالوا إذا قذف ذمية لها ولد مسلم يحد، وقال ابن أبي موسى إذا قذف مسلم ذمية تحت مسلم أو لها منه ولد حد في إحدى الروايتين، والأول أولى لأن ما لا يحد قاذفه إذا لم يكن له ولد لا يحد وله ولد كالمجنونة واختلفت الرواية عن أحمد في اشتراط البلوغ فروي عنه أنه شرط وبه قال الشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي لأنه أحد شرطي التكليف فأشبه العقل، ولأن زنا الصبي لا يوجب عليه الحد فلا يجب الحد بالقذف به كزنا المجنون (والثانية) لا يشترط لأنه حر عاقل عفيف يتعير بهذا القول الممكن صدقه فأشبه الكبير وهذا قول مالك واسحاق، فعلى هذه الرواية لابد أن يكون كبيراً يجامع مثله وأدناه أن يكون للغلام عشر وللجارية سبع (فصل) ويجب بقذف المحصن ثمانون جلدة إذا كان القاذف حراً وأربعون إن كان عبداً كما ذكره وقد أجمع العلماء على وجوب الحد على من قذف محصناً وان حده ثمانون إن كان حراً وقد دل عليه قوله تعالى (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة) وإن كان القاذف عبداً فحده أربعون جلدة، وأجمعوا على وجوب الحد على العبد إذا قذف محصناً لدخوله في

مسألة: وإن قال: زنيت وانت صغيرة، وفسره بصغر عن تسع لم يحد، والا خرج على روايتين

عموم الآية وحده أربعون في قول أكثر العلماء فروي عن عبد الله بن عامر بن ربيعة أنه قال: أدركت أبا بكر وعمر وعثمان ومن بعدهم من الخلفاء فلم أرهم يضربون المملوك إذا قذف إلا أربعين. وروى خلاس ان عليا قال في عبد قذف حراً عليه نصف الحد، وجلد أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عبداً قذف حراً ثمانين وبه قال قبيصة وعمر بن عبد العزيز عملا بعموم الآية، والصحيح الأول للاجماع المنقول عن الصحابة رضي الله عنهم ولأنه حد يتبعض فكان العبد فيه على النصف من حد الحر كحد الزنا وهذا يخص عموم الآية وقد عيب على أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم جلده العبد ثمانين فقال عبد الله بن عامر بن ربيعة ما رأيت أحداً جلد العبد ثمانين قبله وقال سعيد ثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه قال حضرت عمر بن عبد العزيز جلد عبداً في فرية ثمانين فأنكر ذلك من حضره من الناس وغيرهم من الفقهاء فقال لي عبد الله بن عامر بن ربيعة إني رأيت والله عمر بن الخطاب فما رأيت أحداً جلد عبداً في فرية فوق أربعين قال الخرقي ويكون بدون السوط الذي يجلد به الحر لأنه لما خفف في عدده خفف في سوطه كما أن الحدود في نفسها كلما قل منها كان سوطه أخف، وظاهر ما ذكره شيخنا أنه يكون بسوط الحر فيتساووا في الجلد ليتحقق التنصيف لأنه إنما يتحقق بذلك (مسألة) (وقذف غير المحصن يوجب التعزير فاذا قذف مشركاً أو عبداً أو مسلماً له دون عشر سنين أو مسلمة لها دون تسع أو من ليس بعفيف فعليه التعزير)

مسألة: وإن قال لحرة مسلمة: زنيت وانت نصرانية، أو أمة، ولم تكن كذلك، فعليه الحد

لأنه لما انتفى وجوب الحد عن القاذف وجب التأديب ردعا له عن أعراض المعصومين وكفاً له عن أذاهم (فصل) ويجب الحد على قاذف الخصي والمجبوب والمريض المدنف والرتقاء والقرناء. وقال الشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي لا حد على قاذف مجبوب. قال إبن المنذر وكذلك الرتقاء. وقال الحسن لا حد على قاذف الخصي لأن العار منتف على المقذوف بدون الحد للمسلم بكذب القاذف، والحد إنما يجب لنفي العار ولنا عموم قوله تعالى (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة) والرتقاء داخلة في عموم الآية ولأنه قاذف محصناً فيلزمه الحد كالقاذف للقادر على الوطئ ولان إمكان الوطئ أمر خفي لا يعلمه كثير من الناس فلا ينتفي العار عند من لم يعلمه بدون الحد فيجب كقذف المريض (فصل) ويجب الحد على القاذف في غير دار الاسلام وبهذا قال الشافعي. وقال أصحاب الرأي لا حد عليه لأنه في دار لا حد على أهلها. ولنا عموم الآية ولأنه مسلم مكلف حر قذف محصنا فأشبه من في دار الإسلام (فصل) ويشترط لاقامة الحد على القاذف شرطان (أحدهما) مطالبة المقذوف لأنه حق له فلا يستوفى قبل طلبه كسائر حقوقه (الثاني) أن لا يأتي ببينة لقول الله تعالى (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء) الآية ولذلك يشترط عدم إقرار المقذوف لأنه في معنى البينة. وإن كان القادف زوجا اعتبر شرط آخر وهو امتناعه من اللعان، ولا نعلم في هذا كله خلافاً ويعتبر استدامة

مسألة: ومن قذف محصنا، فزال إحصانه قبل إقامة الحد عليه، لم يسقط الحد عن القاذف

الطلب إلى إقامة الحد فلو طلب ثم عفا عن الحد سقط وبهذا قال الشافعي وأبو ثور، وقال الحسن وأصحاب الرأي لا يسقط بعفوه لأنه حد فلم يسقط بالعفو كسائر الحدود ولنا أنه حد لا يستوفى إلا بعد مطالبة الآدمي باستيفائه فسقط بعفوه كالقصاص. وفارق سائر الحدود فإنه لا يعتبر في إقامتها الطلب باستيفائها، فأما حد السرقة فإنما يعتبر فيه المطالبة بالمسروق لا استيفاء الحد ولأنهم قالوا تصح دعواه ويستحلف فيه ويحكم الحاكم فيه بعلمه ولا يقبل رجوعه بعد الاعتراف فدل على أنه حق لآدمي (فصل) وإذا قلنا بوجوب الحد بقذف من لم يبلغ لم تجز إقامته حتى يبلغ ويطالب به بعد بلوغه لأن مطالبته قبل البلوغ لا توجب الحد لعدم اعتبار كلامه وليس لوليه المطالبة عنه لأنه حق شرع للتشفي فلم يقم غيره مقامه في استيفائه كالقصاص فاذا بلغ وطالب اقيم حينئذ، ولو قذف غائباً لم يقم عليه الحد حتى يقدم ويطالب إلا أن يثبت أنه طالب في غيبته، ويحتمل أن لا تجوز إقامته في غيبته بحال لأنه يحتمل أن يعفو بعد المطالبة فيكون ذلك شبهة في درء الحد لكونه يندرئ بالشبهات، ولو جن المقذوف بعد قذفه وقبل طلبه لم تجز إقامته حتى يفيق ويطالب وكذلك إن اغمي عليه فإن كان قد طالب به قبل جنونه وإغمائه جازت اقامته كما لو وكل في استيفاء القصاص ثم جن أو أغمي عليه قبل استيفائه (فصل) وإذا قذف ولده لم يجب عليه الحد وإن نزل سواء كان القاذف رجلاً أو امرأة وبهذا

قال الحسن وعطاء والشافعي وأصحاب الرأي، وقال عمر بن عبد العزيز ومالك وأبو ثور وابن المنذر عليه الحد لعموم الآية ولأنه حد فلا تمنع من وجوبه قرابة الولادة كالزنا ولنا أنه عقوبة تجب حقاً لآدمي فلا تجب للولد على الوالد كالقصاص أو نقول أنه حق لا يستوفى إلا بالمطالبة باستيفائه فأشبه القصاص ولأن الحد يدرأ بالشبهات فلا يجب للابن على أبيه كالقصاص ولأن الابوة معنى يسقط القصاص فمنعت الحد كالكفر وبهذا خص عموم الآية، ثم ما ذكروه ينتقض بالسرقة فان الأب لا يقطع بالسرقة من مال ابنه، والفرق بين القذف والزنا أن حد الزنا خالص لحق الله تعالى لا حق للآدمي فيه وحد القذف حق لآدمي فلا يثبت للابن على أبيه كالقصاص وعلى أنه لو زنى بجارية ابنه لم يجب عليه حد إذا ثبت هذا فإنه لو قذف أم ابنه وهي أجنبية منه فماتت قبل استيفائه لم يكن لابنه المطالبة لأن ما منع ثبوته ابتداء أسقطه طارئاً كالقصاص فان كان لها ابن آخر من غيره كان له استيفاؤه إذا ماتت بعد المطالبة به لأن الحد يملك بعض الورثة استيفاءه كله بخلاف القصاص وأما قذف سائر الأقارب فيوجب الحد على القاذف في قولهم جميعاً (مسألة) (وإن قال زنيت وانت صغيرة وفسره بصغر عن تسع لم يحد والا خرج على روايتين) أما إذا فسره بصغر عن تسع سنين فانه لا يحد فإنه لا يجب بقذفها الحد على ما ذكرنا وكذلك

مسألة: وإن أتت بولد يخالف لونه لونهما، لم يبح نفيه بذلك، وقال أبو الخطاب: ظاهر كلامه اباحته

إن قذف صغيراً له دون عشر سنين وإن لم يفسره بذلك وفسره بما زاد عليه خرج على الروايتين في اشتراط البلوغ فان قلنا هو شرط في الإحصان لم يحد وعليه التعزير وإن قلنا ليس بشرط لزمه الحد كالبالغ لأنه قذف محصناً (فصل) فان اختلف القاذف والمقذوف فقال القاذف كنت صغيراً حين قذفتك وقال المقذوف كنت كبيراً فذكر القاضي أن القول قول القاذف لأن الاصل الصغر وبراءة الذمة من الحد فإن أقام كل واحد منهما بينة بدعواه وكانتا مطلقتين أو مؤرختين تاريخين مختلفين فهما قذفان موجب أحدهما التعزير والآخر الحد وإن ثبنتا تاريخاً واحداً وقالت إحداهما وهو صغير وقالت الأخرى وهو كبير تعارضتا وسقطتا وكذلك لو كان تاريخ بينة المقذوف قبل تاريخ بينة القاذف (مسألة) وإن قال لحرة مسلمة زنيت وانت نصرانية أو أمة ولم تكن كذلك فعليه الحد) إذا قال زنيت إذ كنت مشركا أو إذ كنت رقيقاً فقال المقذوف ما كنت رقيقاً ولا مشركا نظرنا فإن ثبت أنه كان مشركا أو رقيقاً فهي كالتي قبلها وإن ثبت أنه لم يكن كذلك فعليه الحد لأنه يعلم كذبه في وصفه بذلك، وإن لم يثبت واحد منهما وجب عليه الحد في إحدى الروايتين، لأن الأصل عدم الشرك والرق ولأن الأصل الحرية وإسلام أهل دار الاسلام (والثانية) لا يجب لأن الأصل براءة ذمته، وأما اذا قال زنيت وانت مشرك فقال المقذوف اردت قذفي بالزنا والشرك معا وقال القاذف بل أردت قذفك بالزنا إذ

كنت مشركا فقال أبو الخطاب القول قول القاذف وهو قول بعض الشافعية لأن الخلاف في نيته وهو أعلم بها، وقوله وأنت مشرك مبتدأ وخبر وهو حال لقوله زنيت كقوله تعالى (إلا استموه وهم يلعبون) وقال القاضي: يجب الحد وهو قول بعض الشافعية لأن قول زنيت خطاب في الحال والظاهر أنه أراد زناه في الحال وهكذا إن قال زنيت وانت عبد، فأما إن قال زنيت وقال اردت أنه زنى وهو مشرك فقال الخرقي جيب عليه الحد، وكذلك إن كان عبداً لأنه قذفه في حال كونه حراً مسلماً محصناً وكذلك يقتضي وجوب الحد عليه لعموم الآية ووجود المعنى، فإذا ادعى ما يسقط الحد عنه لم يقبل منه كما لو قذف كبيراً ثم قال أردت أنه زنى وهو صغير، فأما إن قال زنيت في شركك أو وأنت مشرك ففيه وجهان (أحدهما) لا حد عليه وهو قول الزهري وأبي ثور وأصحاب الرأي، وعن أحمد رواية أخرى وعن مالك أنه يحد وهو قول الثوري لأن القذف وجد في حال كونه محصناً. ووجه الأول أنه أضاف القذف الى حال ناقصة أشبه مالو قذفه في حال الشرك ولأنه قذفه بما لا يوجب الحد على المقذوف أشبه مالو قذفه بالوطئ دون الفرج، وهكذا الحكم لو قذف من كان رقيقاً، فان قال زنيت وانت صبي أو صغير سئل عن الصغر فإن فسره بما لا يجامع مثله ففيها الوجهان، وإن فسره بصغر يجامع في مثله خرج على الروايتين في اشتراط البلوغ للاحصان (فصل) وإن قذف مجهولاً وادعى أنه رقيق أو مشرك وقال المقذوف بل أنا حر مسلم

مسألة: وإن قال: يا لوطي، أو يا معفوج، فهو صريح في المنصوص عن أحمد، وعليه الحد

فالقول قوله، وقال أبو بكر القول قول القاذف في الرق لأن الأصل براءة ذمته من الحد وهو يدرأ بالشبهات وما ادعاه محتمل فيكون شبهة وعن الشافعي كالوجهين ولنا أن الأصل الحرية وهو الظاهر فلم يلتفت الى ما خالفه كما لو فسر صريح القذف بما يحيله (مسألة) (ومن قذف محصناً فزال إحصانه قبل إقامة الحد عليه لم يسقط الحد عن القاذف) وبهذا قال الثوري وابو ثور والمزني وداود، وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي لاحد عليه لأن الشروط تجب استدامتها إلى حال إقامة الحد بدليل أنه لو ارتد أو جن لم يقم الحد لأن وجود الزنا يقوي قول القاذف ويدل على تقدم الفسق منه فأشبه الشهادة اذا طرأ الفسق بعد أدائها قبل الحكم بها ولنا أن الحد قد وجب وتم بشروطه فلم يسقط بزوال شرط الوجوب كما لو زنى بأمة ثم اشتراها أو سرق عيناً فنقصت قيمتها أو ملكها أو كما لو جن المقذوف بعد المطالبة، وقولهم إن الشروط تعتبر استدامتها قلنا الشروط ههنا للوجوب فيعتبر وجودها إلى حين الوجوب وقد وجب الحد بدليل أنه ملك المطالبة به وتبطل الأصول التي ذكروها بالأصول التي قسنا عليها، وأما إذا جن من وجب له الحد فلا يسقط الحد وإنما يتأخر استيفاؤه لتعذر المطالبة فأشبه مالو غاب من له الحد، فان ارتد من وجب له الحد لم يملك المطالبة لأن حقوقه واملاكه تزول أو تكون موقوفة، وفارق الشهادة فان العدالة شرط للحكم بها فيعتبر وجودها إلى حين الحكم بها بخلاف مسئلتنا فان العفة شرط للوجوب فلا تعتبر إلا الى حين الوجوب (فصل) ولو وجب الحد على ذمي أو مرتد ملحق بدار الحرب ثم عاد لم يسقط عنه وقال أبو حنيفة يسقط ولنا أنه حد وجب فلم يسقط بدخول دار الحرب كما لو كان مسلماً دخل بأمان (فصل) ويحد من قذف ابن الملاعنة نص عليه أحمد، وهو قول ابن عمر وابن عباس والحسن

مسألة: فان قال: اردت بقولي: يا لوطي، انك تعمل عمل قوم لوط، فقال الخرقي، لا حد عليه وهو بعيد

والشعيي وطاوس ومجاهد ومالك والشافعي وجمهور العلماء ولا نعلم فيه خلافا، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في الملاعنة أن ترمى ولا يرمى ولدها ومن رماها أو رمى ولدها فعليه الحد رواه أبو داود ولأن حضانتها لم تسقط باللعان ولا يثبت الزنا به ولذلك لم يلزمها به حد، ومن قذف ابن الملاعنة فقال هو ولد زنا فعليه الحد للخبر والمعنى، وكذلك إن قال هو من الذي رميت به، فأما إن قال ليس هو ابن فلان يعني الملاعن وأراد أنه منفي عنه شرعاً فلا حد عليه لأنه صادق (فصل) فأما إن ثبت زناه ببينة أو إقرار أو حد للزنا فلا حد على قاذفه لأنه صادق ولأن إحصان المقذوف قد زال بالزنا. ولو قال لمن زنى في شركه أو من كان مجوسيا تزوج بذات محرم بعد أن أسلم يا زاني فلا حد عليه إذا فسره بذلك وقال مالك عليه الحد لأنه قذف مسلما لم يثبت زناه في إسلامه ولنا أنه قذف من ثبت زناه أشبه ما لو ثبت زناه في الاسلام لانه صادق ومقتضى كلام الخرقي وجوب الحد عليه لقوله ومن قذف من كان مشركاً وقال أردت أنه زنى وهو مشرك لم يلتفت إلى قوله وحد. (فصل) قال الشيخ رحمه الله (والقذف محرم ما ذكرنا من الآية والخبر والاجماع الا في موضعين (أحدهما) أن يرى امرأته تزني في طهر لم يصبها فيه فيعتزلها وتأتي بولد يمكن أن يكون من الزاني فيجب عليه قذفها ونفيه لأن ذلك يجري مجرى اليقين في أن الولد من الزاني لكونها أتت به لستة أشهر من حين الوطئ فإذا لم ينفه لحقه الولد وورثه وورث أقاربه وورثوا منه ونظر إلى بناته وأخواته وليس ذلك بجائز فيجب نفيه لازالة ذلك، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم فليست من الله في شئ ولن يدخلها جنته، وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر اليه احتجب الله منه وفضحه على رؤوس الأولين والآخرين) رواه أبو داود وقوله (وهو ينظر اليه) يعني يراه منه فكما حرم على المرأة أن تدخل على قوم من ليس منهم فالرجل مثلها وكذا لو أقرت بالزنا ووقع في نفسه صدقها فهو كما لو رآها

مسألة: وإن قال: لست بولد فلان، فقد قذف أمه

(الثاني) أن لا تأتي بولد يجب نفيه مثل أن يراها تزني ولا تأتي بولد يلحقه نسبه أو يكون ثم ولد لكن لا يعلم أنه من الزنا أو استفاض زناها في الناس أو أخبره ثقة ورأى رجلا يعرف بالفجور يدخل عليها فيباح قذفها لأنه يغلب على ظنه فجورها ولا يجب لأنه يمكنه مفارقتها وقد روى علقمة أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا فتكلم جلدتموه أو قتل قتلتموه أو سكت سكت على غيظ فذكر أنه يتكلم أو يسكت فلم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم والسكوت ههنا أولى إن شاء الله تعالى لأنه أستر ولأن قذفها يلزم منه أن يحلف أحدهما كاذبا أو يقر فيفتضح) (مسألة) (وان أتت بولد يخالف لونه لونهما لم يبح نفيه بذلك وقال أبو الخطاب ظاهر كلامه اباحته) إذا أتت بولد يخالف لونه لونهما ويشبه رجلا غير والديه لم يبح نفيه بذلك لما روى أبو هريرة قال جاء رجل من بني فزارة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن امرأتي جاءت بولد أسود يعرض بنفيه - فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (هل لك من ابل قال نعم قال - فما الوانها؟ - قال - حمر قال - هل فيها من أورق؟ قال ان فيها لورقا قال - فانى (فانى) أتاها ذلك؟ قال عسى أن يكون نزعه عرق قال - وهذا عسى أن يكون نزعه عرق) قال ولم يرخص له في الانتفاء منه متفق عليه ولأن الناس كلهم من آدم وحواء وألوانهم وخلقهم مختلفة ولولا مخالفتهم شبه والديهم لكانوا على صفة واحدة ولأن دلالة الشبه ضعيفة ودلالة ولادته على الفراش قوية فلا يجوز ترك القوي لمعارضة الضعيف ولذلك لما تنازع سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة في ابن وليدة زمعة ورأى النبي صلى الله عليه وسلم شبهاً بيناً بعتبة الحق الولد بالفراش وترك الشبه وهذا اختيار أبي عبد الله بن حامد وأحد الوجهين لأصحاب الشافعي وذكر القاضي وأبو الخطاب أن ظاهر كلام أحمد جواز نفيه وهو الوجه الثاني لأصحاب الشافعي لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث اللعان (إن جاءت به أورق جعدا جماليا خدلج الساقين سابغ الاليتين فهو للذي رميت به) فأتت به على النعت المكروه فقال النبي صلى الله عليه وسلم (لولا الأيمان لكان لي ولها شأن) فجعل الشبه دليلا على نفيه عنه والصحيح الأول وهذا الحديث إنما يدل على نفيه

مسألة: وإن قال: لست بولدي، فعلى وجهين

عنه مع ما تقدم من لعانه ونفيه اياه عن نفسه فجعل الشبه مرجحاً لقوله دليلاً على تصديقه وما تقدم من الأحاديث يدل على عدم استقلال الشبه بالنفي، ولأن هذا كان في موضع زال الفراش وانقطع نسب الولد عن صاحبه فلا يثبت مع بقاء الفراش المقتضي لحوق النسب بصاحبه وإن كان يعزل عن امرأته لم يبح له نفيه لما روى أبو سعيد أنه قال يا رسول الله إنا نصيب النساء ونحب الأثمان أفنعزل عنهن؟ فقال (إن الله إذا قضى خلق نسمة خلقها) ولأنه قد يسبق من الماء ما لا يحس به فيعلق) (فصل) ولا يجوز قذفها بخبر من لا يوثق بخبره لأنه غير مأمون على الكذب عليها ولا برؤيته رجلاً خارجا من عندها من غير أن يستفيض زناها لأنه يجوز أن يكون دخل سارقاً أو هارباً أو لحاجة أو لغرض فاسد فلم تمكنه ولا لاستفاضة ذلك في الناس من غير قرينة تدل على صدقهم لاحتمال أن يكون أعداؤها أشاعوا ذلك عنها، وفيه وجه أنه يجوز لأن الاستفاضة أقوى من خبر الثقة (فصل) قال رحمه الله والفاظ القذف تنقسم إلى صريح وكناية فالصريح قوله يا زاني يا عاهر زنى فرجك مما لا يحتمل غير القذف فلا يقبل قوله بما يحيله لأنه صريح فيه فأشبه التصريح بالطلاق (مسألة) (وإن قال يا لوطي أو يا معفوج فهو صريح في المنصوص عن أحمد وعليه الحد) إذا قذفه بعمل قوم لوط إما فاعلا أو مفعولا به فعليه حد القذف وبه قال الحسن والنخعي والزهري ومالك وأبو يوسف ومحمد وأبو ثور وقال عطاء وقتادة وأبو حنيفة لا حد عليه لأنه قذف بما لا يوجب الحد عنده، وعندنا هو موجب للحد وقد بيناه فيما مضى وكذلك لو قذف امرأة أنها وطئت في دبرها أو قذف رجلا بوطئ امرأة في دبرها فعليه الحد عندنا وعند أبي حنيفة لا حد عليه، ومبنى الخلاف ههنا على الخلاف في وجوب حد الزنى على فاعل ذلك وقد تقدم الكلام فيه، فان قذف رجلاً باتيان بهيمة انبنى ذلك على وجوب الحد على فاعله فمن أوجب عليه الحد أوجب حد القذف على قاذفه ومن لا فلا، وكل مالا يجب الحد بفعله لا يجب الحد على القاذف به كما لو قذف انساناً بالمباشرة فيما دون الفرج أو بالوطئ بالشبهة أو قذف امرأة بالمساحقة أو بالوطئ مستكرهة لم يجب الحد على القاذف لأنه رماه بما لا يوجب الحد فاشبه مالو قذفه باللمس والنظر وكذلك لو قال

مسألة: وإن قال لرجل: يا زانية، أو لامرأة: يا زان، أو قال: زنت يداك ورجلاك، فهو صريح في القذف في قول أبي بكر، وليس بصريح عند ابن حامد

يا كافر يا فاسق يا سارق يا منافق يا فاجر يا خبيث يا أعور يا أقطع يا أعمى يا مقعد يا ابن الزمن الاعمى الاعرج فلاحد في ذلك كله لأنه قذفه بما لا يوجب الحد فهو كما لو قال يا كاذب يانمام ولا نعلم في هذا خلافاً بين أهل العلم ولكنه يعزر لسب الناس وأذاهم فاشبه مالو قذف من لا يوجب قذفه الحد (مسألة) (فإن قال اردت بقولي يا لوطي انك تعمل عمل قوم لوط فقال الخرقي لا حد عليه وهو بعيد) اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في ذلك فروى عنه جماعة أنه يجب عليه الحد بقوله يا لوطي ولا يسمع تفسيره بما يحيل القذف وهو اختيار أبي بكر ونحوه قال الزهري ومالك (والثانية) لا حد عليه نقلها المروذي ونحو هذا قال الحسن والنخعي، قال الحسن إذا قال نويت أن دينه دين لوط فلا حد عليه، وإن قال أردت أنه يعمل عمل قوم لوط فعليه الحد. ووجه ذلك أنه فسر كلامه بما لا يوجب الحد فلم يجب عليه حد كما لو فسره به متصلاً بكلامه. وعن أحمد رواية ثالثة أنه إذا كان في غضبه قال إنه لأهل أن يقام عليه الحد لأن قرينة الغضب تبدل على إرادة القذف بخلاف حال الرضاء والصحيح في المذهب الرواية الأولى لأن هذه الكلمة لا يفهم منها إلا القذف بعمل قوم لوط فكانت صريحة فيه كقوله يا زاني ولأن قوم لوط لم يبق منهم أحد فلا يحتمل أن ينسب إليهم (مسألة) (فإن قال اردت أنك تعمل عمل قوم لوط غير إتيان الرجال احتمل وجهين) نحو أن يقول أردت أنك على دين لوط أو أنك تحب الصبيان وتقبلهم أو تنظر اليهم أو انك تتخلق باخلاق قوم لوط في أنديتهم غير إتيان الفاحشة أو أنك تنهى عن الفاحشة كنهي لوط عنها ونحو ذلك خرج في ذلك كله وجهان بناء على الروايتين المنصوصتين في المسألة المذكورة لأن هذا في معناه (فصل) وإن قال يا معفوج فالمنصوص عن أحمد أن عليه الحد وكلام الخرقي يقتضي أنه يرجع إلى تفسيره فان فسره بغير الفاحشة مثل أن قال أردت يا مفلوج أو مصابا دون الفرج ونحو ذلك فلا حد عليه لأنه فسره بما لا حد فيه، وإن فسره بعمل قوم لوط فعليه الحد كما لو صرح به ووجه القولين ما تقدم في التي قبلها

(مسألة) (وإن قال لست بولد فلان فقد قذف أمه) إذا نفى رجلاً عن أبيه فعليه الحد لأنه قذف أمه نص عليه أحمد إلا أنه يسأل عما أراد فان فسره بالقذف فهو قاذف وإن كان منفياً باللعان ثم استلحقه أبوه فهو قذف أيضاً نص عليه، وإن لم يكن استلحقه فلا حد لأن النبي صلى الله عليه وسلم نفى الولد المنفي باللعان عن أبيه إلا أن يفسره بأن أمه زنت فيكون قاذفاً وإن لم يكن كذلك فهو قذف في الظاهر للأم لأنه لا يكون لغير أبيه الا بزنى أمه ويحتمل أن لا يكون قذفاً لأنه يجوز أن يريد أنك لا تشبهه في كرمه وأخلاقه وكذلك إن نفاه عن قبيلته، وبهذا قال النخعي وإسحاق وبه قال أبو حنيفة والثوري وحماد إذا نفاه عن أمه وكانت أمه مسلمة حرة، وإن كانت ذمية أو رقيقة فلا حد عليه لأن القذف لها ووجه الأول ما روى الأشعث بن قيس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول (لا أوتى برجل يقول ان كنانة ليست من قريش الا جلدته) وعن ابن مسعود أنه قال لا جلد إلا في اثنين رجل قذف محصنة أو نفى رجلا عن أبيه وهذا لا يقوله إلا توقيفاً فأما إن نفاه عن أمه فلا حد عليه لأنه لم يقذف احدا بالزنى، وكذلك إن قال إن لم تفعل كذا فلست بابن فلان لأن القذف لا يتعلق بالشرط قال شيخنا والقياس يقتضي أن لا يجب الحد بنفي الرجل عن قبيلته لأن ذلك لا يتعين فيه الرمي بالزنا فاشبه مالو قال للأعجمي إنك عربي (مسألة) (وإن قال لست بولدي فعلى وجهين) (أحدهما) أنه يكون قذفاً لها لأنه إذا لم يكن ولده كان لغيره فأشبه مالو قال لأجنبي لست بولد فلان فإنه يكون قذفاً لأمه كذا ههنا (والثاني) لا يكون قاذفاً قاله القاضي لأن للرجل أن يغلظ لولده في القول والفعل (مسألة) (وإن قال أنت أزنى الناس أو ازنى من فلانة فهو قاذف له لأنه أضاف إليه الزنا بصفة المبالغة وهذا قول أبي بكر

مسألة: والكنايات نحو قوله لامرأته: قد فضحته وغطيت أو نكست رأسه، وجعلت له قرونا، وعلقت عليه أولادا من غيره، وأفسدت فراشه، أو يقول لمن يخاصمه: يا حلال ابن الحلال، ما يعرفك الناس بالزنا يا عفيفة يا فاجرة، يا قحبة، يا خبيثة، أو يقول لعربي: يا نبطي، يا

وأما الثاني ففيه وجهان (أحدهما) يكون قاذفاً له اختاره القاضي لأنه أضاف الزنا إليهما وجعل أحدهما فيه أبلغ من الآخر فان لفظة أفعل التفضيل تقتضي اشتراك المذكورين في أصل الفعل وتفضيل أحدهما على الآخر فيه كقوله أجود من حاتم (والثاني) يكون قاذفاً للمخاطب خاصة لأن لفظة أفعل تستعمل للمنفرد بالفعل كقوله تعالى (أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى؟) وقال تعالى (فأي الفريقين أحق بالأمن؟) وقال لوط (بناتي هن أطهر لكم) أي من أدبار الرجال ولا طهارة فيهم وقال الشافعي وأصحاب الرأي ليس بقذف للأول ولا للثاني إلا أن يريد به القذف وهو قول ابن حامد ولنا أن موضوع اللفظ يقتضي ما ذكرنا فحمل عليه كما لو قال أنت زان (مسألة) (وإن قال لرجل يا زانية أو لامرأة يازان أو قال زنت يداك ورجلاك فهو صريح في القذف في قول أبي بكر وليس بصريح عند ابن حامد) أما إذا قال لرجل يا زانية أو لامرأة يازان فاختار أبو بكر أنه صريح في قذفهما وهو مذهب الشافعي واختار ابن حامد أنه ليس بقذف إلا ان يفسره به وهو قول أبي حنيفة لأنه يحتمل أنه يريد بقوله يا زانية أي يا علامة في الزنا كما يقال للعالم علامة وللكثير الرواية راوية ولكثير الحفظ حفظة ولنا أن ما كان قذفاً لأحد الجنسين كان قذفاً للآخر كقوله زنيت بفتح التاء وبكسرها لهما جميعاً ولأن هذا اللفظ خطاب لهما وإشارة اليهما بلفظ الزنا وذلك يغني عن التمييز بتاء التأنيث وحذفها وكذلك لو قال للمرأة يا شخصاً زانياً وللرجل يانسمة زانية كان قاذفاً، وقولهم إنه يريد بذلك أنه علامة في الزنا لا يصح فإن ما كان اسماً للفعل إذا دخلته الهاء كانت للمبالغة كقولهم حفظة وراوية للمبالغة في الرواية كذلك همزة ولمزة وصرعة ولأن كثيراً من الناس يذكر المؤنث ويؤنث المذكر ولا يخرج بذلك عن كون المخاطب به مراداً بما يراد باللفظ الصحيح، وإن قال زنت يداك أو رجلاك لم يكن قاذفاً في ظاهر المذهب وهو قول ابن حامد لأن زنا هذه الأعضاء لا يوجب الحد بدليل

قول النبي صلى الله عليه وسلم (العينان تزنيان وزناهما النظر، واليدان تزنيان وزناهما البطش، والرجلان تزنيان وزناهما المشي) ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه وفيه وجه آخر أنه يكون قذفاً لأنه اضاف الزنى إلى عضو منه فأشبه مالو أضافه إلى الفرج والأولى أن يرجع إلى تفسيره (مسألة) (وإن قال زنأت في الجبل مهموزاً فهو صريح عند أبي بكر، وقال ابن حامد إن كان يعرف العربية فليس بصريح) إذا قال زنأت في الجبل بالهمز فهو صريح عند أبي بكر وابي الخطاب لأن عامة الناس لا يفهمون من ذلك إلا القذف فكان قذفاً كما لو قال زنيت وقال ابن حامد إن كان عامياً فهو قذف لأنه لا يريد به إلا القذف وإن كان من أهل العربية لم يكن قذفاً لأن معناه في العربية طلعت كقول الشاعر * وارق الى الخيرات زنأ في الجبل * فالظاهر أنه يريد موضوعه ولأصحاب الشافعي في كونه قذفاً وجهان، وإن قال زنأت ولم يقل في الجبل فالحكم كالتي قبلها، وقال الشافعي ومحمد بن الحسن ليس بقذف، قال الشافعي ويستحلف على ذلك ولنا أنه إذا كان عامياً لا يعرف موضوعه في اللغة تعين مراده في القذف ولم يفهم منه سواه فوجب أن يكون قذفاً كما لو فسره بالقذف أو لحن لحناً غير هذا (فصل) إذا قال لرجل زنيت بفلانة كان قذفاً لهما وقد نقل عن أبي عبد الله أنه سئل عن رجل قال لرجل يا ناكح أمه ما عليه؟ قال إن كانت أمة حية فعليه للرجل حد ولأمه حد، وقال مهنا: سألت أبا عبد الله إذا قال الرجل للرجل يا زاني ابن الزاني؟ قال: عليه حدان قلت أبلغك في هذا

مسألة: أو يسمع رجلا يقذف فيقول: صدقت، أو أخبرني فلان أنك زنيت وكذبه الآخر، فهو كناية إذا فسره بما يحتمله غير القذف، قبل في قوله في أحد الوجهين، وفي الآخر صريح

شئ؟ قال مكحول قال فيه حدان، وإن أقر إنسان أنه زنى بامرأة فهو قاذف لها سواء لزمه حد الزنا باقراره أو لم يلزمه، وبهذا قال ابن المنذر وأبو ثور ونسبه مذهباً للشافعي، وقال أبو حنيفة لا يلزمه حد القذف لأنه يتصور منه الزنا بغير زناها لاحتمال أن تكون مكرهة أو موطوءة بشبهة ولنا ما روى ابن عباس أن رجلا من بكر بن ليث أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأقر أنه زنى بامرأة أربع مرات فجلده النبي صلى الله عليه وسلم مائة وكان بكراً ثم سأله البينة على المرأة فقال كذب والله يا رسول الله فجلده حد الفرية ثمانين، والاحتمال الذي ذكره لا ينافي الحد بدليل ما لو قال يا نايك أمه فانه يلزمه الحد مع احتمال أن يكون فعل ذلك بشبهة، وقد روي عن أبي هريرة أنه جلد رجلا قال لرجل ذلك ويتخرج لنا مثل قول أبي حنيفة بناء على ما إذا قال لامرأته يا زانية فقالت بك زنيت، فان أصحابنا قالوا لا حد عليها في قولها: بك زنيت، لاحتمال وجود الزنا به مع كونه واطئاً بشبهة ولا يجب الحد عليه لتصديقها إياه وقال الشافعي عليه الحد دونها وليس هذا باقرار صحيح ولنا أنها صدقته فلم يلزمه حد كما لو قال يا زانية أنت أزنى مني فقال أبو بكر هي كالتي قبلها في سقوط الحد ويلزمها له ههنا حد القذف بخلاف التي قبلها فانها أضافت الزنا إليه، وفي التي قبلها أضافته إلى نفسها. (مسألة) (والكنايات نحو قوله لامرأته قد فضحته وغطيت أو نكست رأسه وجعلت له قروناً وعلقت عليه أولادا من غيره وأفسدت فراشه أو يقول لمن يخاصمه يا حلال ابن الحلال ما يعرفك الناس بالزنا يا عفيفة أو يا فاجرة يا قحبة يا خبيثة أو يقول لعربي يا نبطي يا فارسي يا رومي، أو يسمع رجلا يقذف رجلا فيقول صدقت أو أخبرني فلان أنك زنيت وكذبه الآخر فهذا كناية أن فسره بما يحتمله غير القذف قبل قوله في أحد الوجهين وفي الآخر هذا كله صريح)

مسألة: وإن قذف أهل بلد، أو جماعة لا يتصور الزنا من جميعهم، عزر ولم يحد

ظاهر كلام الخرقي أن الحد لا يجب على القاذف إلا باللفظ الصريح الذي لا يحتمل غير القذف وهو أن يقول يا زاني أو ينطق باللفظ الحقيقي في الجماع، فأما ما عداه من الالفاظ فيرجع فيه إلى تفسيره كما ذكر في قوله يا لوطي يا معفوج، فلو قال لرجل يا مخنث ولامرأة يا قحبة وفسره بما ليس بقذف نحو أن يريد بالمخنث أن فيه طباع التأنيث والتشبه بالنساء ويا قحبة أنها تستعد لذلك فلا حد عليه وكذلك إذا قال يا فاجرة يا خبيثة. وحكى أبو الخطاب في هذا رواية أخرى أنه كله صريح يجب به الحد، والصحيح الأول. قال أحمد في رواية حنبل: لا أرى الحد إلا على من صرح بالقذف والشتيمة، وقال ابن المنذر الحد على من نصب الحد نصباً ولأنه قول يحتمل غير الزنا فلم يكن صريحاً في القذف كقوله: يا فاسق، وكذلك إذا قال أردت بالنبطي نبطي اللسان أو فارسي الطبع أو رومي الخلقة فإنه لا حد عليه، وعنه فيمن قال يا فارسي أنه يحد لأنه جعله لغير أبيه، والأول أصح لأنه يحتمل ما ذكرناه فلا يكون قذفاً وكذلك إن قال أفسدت عليه فراشه أي خرقت فراشه أو أتلفته، وفي قوله علقت عليه أولادا من غيره أي التقطت ولداً وذكرت أنه ولده فان فسر شيئاً من ذلك بالزنا فلا شك في كونه قذفاً. ومن صور التعريض أن يقول لزوجة الآخر قد فضحته وغطيت أو نكست رأسه وجعلت له قروناً وعلقت عليه أولادا من غيره وأفسدت فراشه فذكر أبو الخطاب في جميع ذلك روايتين، وذكر أبو بكر عبد العزيز أن أبا عبد الله رجع عن القول بوجوب الحد في التعريض (فصل) واختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في التعريض بالقذف مثل أن يقول لمن يخاصمه ما أنت بزان ما يعرفك الناس بالزنا يا حلال ابن الحلال ويقول ما انا بزان ولا أمي بزانية فروى عنه حنبل أنه لا حد عليه وهو ظاهر كلام الخرقي واختيار أبي بكر وبه قال عطاء وعمروبن دينار وقتادة والثوري والشافعي وأبو ثور

مسألة: وإذا قذفت المرأة، لم يكن لولدها المطالبة إذا كانت الأم في الحياة، وإن قذفت وهي ميتة، مسلمة كانت أو كافرة، أو أمة، إذا طالب الابن، وكان حرا مسلما، ذكره الخرقي، وقال أبو بكر: لا يجب الحد بقذف ميتة

وأصحاب الرأي وابن المنذر لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له رجل إن امرأتي ولدت غلاماً أسود يعرض بنفيه فلم يلزمه بذلك حد ولاغيره، وقد فرق الله تعالى بين التعريض بالخطبة والتصريح بها فأباح التعريض وحرم التصريح وكذلك في القذف ولأن كل كلام يحتمل معنيين لم يكن قذفاً كقوله يا فاسق. وروى الأثرم وغيره أن عليه الحد روى ذلك عن عمر رضي الله عنه وبه قال إسحاق لأن عمر حين شاورهم في الذي قال لصاحبه ما أبي بزان ولا أمي بزانية فقالوا قد مدح أباه وأمه فقال عمر قد عرض بصاحبه فجلده الحد وروى الأثرم أن عثمان جلد رجلا قال لآخر يا ابن سافة (1) الوذر يعرض له بزنا أمه والوذر قدر اللحم يعرض بكمر الرجال ولأن الكناية مع القرينة الصارفة إلى أحد محتملاتها كالتصريح الذي لا يحتمل إلا ذلك المعنى ولذلك وقع الطلاق بها، فأما إن لم يكن في حال الخصومة ولا وجدت قرينة تصرف الى القذف فلا شك في أنه لا يكون قذفاً (فصل) فأما إن قال لرجل يا ديوث يا كشحان فقال أحمد يعزر قال ابراهيم الحربي الديوث الذي يدخل الرجال على امرأته وقال ثعلب القرطبان الذي يرضى أن يدخل الرجال على نسائه وقال القرنان والكشحان لم أرهما في كلام العرب ومعناه عند العامة مثل معنى الديوث أو قريباً منه فعلى القاذف به التعزيز على قياس قوله في الديوث لأنه قذفه بما لا حد فيه وقال خالد بن يزيد عن أبيه في الرجل يقول للرجل يا قرنان إذا كان له أخوات أو بنات في الاسلام ضرب الحد يعني أنه قاذف لهن وقال خالد عن أبيه القرنان عند العامة من له بنات والكشحان من له أخوات يعني والله أعلم إذا كان يدخل الرجال عليهن والقواد عند العامة السمسار في الزنا، والقذف بذلك كله يوجب التعزير لأنه قذف بما لا يوجب الحد (مسألة) (أو يسمع رجلا يقذف فيقول صدقت أو أخبرني فلان أنك زنيت وكذبه

مسألة: وإن مات المقذوف سقط الحد عن القاذف

الآخر فهو كناية إذا فسره بما يحتمله غير القذف قبل في قوله في أحد الوجهين وفي الآخر صريح) إذا سمع رجلا يقذف فقال صدقت فالمصدق قاذف في أحد الوجهين لأن تصديقه ينصرف الى ما قاله، بدليل ما لو قال لي عليك الف فقال صدقت كان اقراراً بها، ولو قال أعطني ثوبي هذا قال صدقت كان إقراراً، وفيه وجه آخر لا يكون قاذفاً وهو قول زفر لأنه يحتمل أن يكون أراد تصديقه في غير القذف، ولو قال أخبرني فلان أنك زنيت لم يكن قاذفاً سواء صدقه المخبر عنه أو كذبه وبه قال الشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي، وفيه وجه آخر أنه يكون قاذفاً إذا كذبه الآخر وذكره أبو الخطاب وبه قال عطاء ومالك ونحوه عن الزهري لأنه أخبر بزناه ولنا أنه إنما أخبر أنه مقذوف فلم يكن قذفاً كما لو شهد على رجل أنه قذف رجلا (مسألة) (وإن قذف أهل بلد أو جماعة لا يتصور الزنا من جميعهم عزر ولم يحد) لأنه لا عار على المقذوف بذلك للقطع بكذب القاذف ويعزر على ما أتى به من المعصية والزور فهو كما لو سبهم بغير القذف (مسألة) (وإن قال لامرأته يا زانية قالت بك زنيت لم تكن قاذفة) لأنها صدقته فيما قال فلم يجب عليه حد كما لو قالت صدقت، ولا يجب عليها حد القذف لأنه يمكن الزنا منها به من غير أن يكون زانياً بأن يكون قد وطئها بشبهة ولا يجب عليها حد الزنا لأنها لم تقر أربع مرات (مسألة) (وإن قال لرجل اقذفني فقذفه فهل يحد أو يعزر؟ على وجهين) وهذا مبني على الاختلاف في حد القذف إن قلنا هو حق لله تعالى وجب عليه ولم يسقط بالإذن فيه كالزنا، وإن قلنا هو حق لآدمي لم يجب عليه الحد كما لو أذن في اتلاف ماله ويعزر لأنه فعل محرماً لا حد فيه.

مسألة: ومن قذف الجماعة بكلمة واحدة، فحد واحد إذا طالبوا أو واحد منهم، وعنه إن طالبوا متفرقين، حد لكل واحد حدا

(مسألة) (وإذا قذفت المرأة لم يكن لولدها المطالبة إذا كانت الأم في الحياة، وإن قذفت وهي ميتة مسلمة كانت أو كافرة حرة أو أمة حد القاذف إذا طالب الابن وكان حراً مسلماً ذكره الخرقي وقال أبو بكر لا يجب الحد بقذف ميتة) أما إذا قذفت وهي في الحياة فليس لولدها المطالبة لأن الحق لها فلا يطالب به غيرها ولا يقوم غيرها مقامها سواء كان محجوراً عليها أو غير محجور عليها لأنه حق ثبت للتشفي فلا يقوم فيه غير المستحق مقامه كالقصاص، وتعتبر حصانتها لأن الحق لها فتعتبر حصانتها كما لو لم يكن لها ولد، وأما إن قذفت وهي ميتة فان لولدها المطالبة لأنه قدح في نسبه لأنه بقذف أمه ينسبه الى أنه من زنا ولا يستحق ذلك بطريق الارث فلذلك تعتبر الحصانة فيه ولا تعتبر الحصانة في أمه لأن القذف له، وقال أبو بكر: لا يجب الحد بقذف ميتة بحال وهو قول أصحاب الرأي لأنه قذف لمن لا تصح منه المطالبة فأشبه قذف المجنون، وقال الشافعي إن كان الميت محصنا فلوليه المطالبة وينقسم بانقسام الميراث، وإن لم يكن محصناً فلا حد على قاذفه لأنه ليس بمحصن فلا يجب الحد بقذفه كما لو كان حياً، وأكثر أهل العلم لا يرون الحد على من لم يقذف محصناً حياً ولا ميتاً لأنه إذا لم يحد بقذف غير المحصن إذا كان حياً فلأن لا يحد بقذفه بعد موته أولى ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم في ابن الملاعنة (من رمى ولدها فعليه الحد) يعني من رماه بأنه ولد زنا، واذا وجب بقذف ابن الملاعنة بذلك فبقذف غيره أولى، ولأن أصحاب الرأي أوجبوا الحد على من نفى رجلا عن أبيه إذا كان أبواه حرين مسلمين وإن كانا ميتين والحد إنما وجب للولد لأن الحد لا يورث عندهم، فأما إن قذفت أمه بعد موتها وهو مشرك أو عبد فلا حد عليه في ظاهر

مسألة: وإن قذفهم بكلمات حد لكل واحد حدا

كلام الخرقي سواء كانت الأم حرة مسلمة أو لم تكن، وقال أبو ثور وأصحاب الرأي إذا قال لكافر أو عبد لست لأبيك وأبواه حران مسلمان فعليه الحد، وإن قال لعبد أمه حرة وأبوه عبد لست لأبيك فعليه الحد، وإن كان العبد للقاذف عند أبي ثور، وقال أصحاب الرأي يستقبح أن يحد المولى لعبده واحتجوا بأن هذا قذف لأمه فيعتبر احصانها دون إحصانه لأنها لو كانت حية كان القذف لها فكذلك إذا كانت ميتة ولأن معنى هذا أن أمك زنت فأتت بك من الزنا وإذا كان الزنا منسوباً إليها كانت هي المقذوفة دون ولدها ولنا ما ذكرناه ولأنه لو كان القذف لها لم يجب الحد لأن الكافر لا يرث المسلم والعبد لا يرث الحر ولأنهم لا يوجبون الحد بقذف ميتة بحال فثبت أن القذف له فيعتبر إحصانه دون إحصانها (فصل) فان قذفت جدته فقياس قول الخرقي أنه كقذف أمه إن كانت حية فالحق لها وتعتبر حصانتها وليس لغيرها المطالبة عنها، وإن كانت ميتة فله المطالبة إذا كان محصناً لأن ذلك قدح في نسبه، فأما إن قذف أباه أو جده أو أحداً من أقاربه غير أمهاته بعد موته لم يجب الحد بقذفه في ظاهر كلام الخرقي لأنه إنما وجب الحد بقذف أمه حقا له لنفي نسبه لا حقا للميت ولهذا لم يعتبر إحصان المقذوفة واعتبر إحصان الولد وإذا كان المقذوف من غير أمهاته لم يتضمن نفي نسبه فلم يجب الحد وهذا قول أبي بكر وأصحاب الرأي، وقال الشافعي إن كان الميت محصنا فلوليه المطالبة به وينقسم انقسام الميراث لأنه قذف محصنا فيجب الحد على قاذفه كالحي ولنا أنه قذف من لا يتصور منه المطالبة فلم يجب الحد بقذفه كالمجنون أو نقول قذف من لا يجب الحد له فلم يجب كقذف غير المحصن وفارق قذف الحي فان الحد يجب له (مسألة) (وإن مات المقذوف سقط الحد عن القاذف) إذا كان قبل المطالبة بالحد ولم يجب، وإن مات بعد المطالبة قام وارثه مقامه ولأنه حق له

مسألة: وإن حد للقذف فأعاده، لم يعد عليه الحد، أما إذا قذف رجل مرات ولم يحد، فحد واحد رواية واحدة

يجب بالمطالبة أشبه رجوع الأب فيما وهب ولده وكالشفعة تسقط بموت الشفيع قبل المطالبة دون ما بعدها (مسألة) (وإن قذف أم النبي صلى الله عليه وسلم قتل مسلما كان أو كافراً) يعني أن حده القتل ولا تقبل توبته نص عليه أحمد، وحكى أبو الخطاب رواية أخرى أن توبته تقبل، وبه قال أبو حنيفة والشافعي مسلما كان أو كافراً لأن هذا منه ردة والمرتد يستتاب وتصح توبته. ولنا أن هذا حد قذف فلا يسقط بالتوبة كقذف غير أم النبي صلى الله عليه وسلم ولأنه لو قبلت توبته وسقط حده لكان أخف حكماً من قذف آحاد الناس لأن قذف غيره لا يسقط بالتوبة ولابد من إقامته واختلفت الرواية فيما إذا كان القاذف كافراً فأسلم فروي أنه لا يسقط باسلامه لأنه حد قذف فلم يسقط بالاسلام كقذف غيرها، وروي أنه يسقط لأنه لو سب الله سبحانه وتعالى في كفره ثم أسلم سقط عنه القتل فسب نبيه أولى ولأن الاسلام يجب ما قبله والخلاف في سقوط القتل عنه، فأما توبته فيما بينه وبين الله تعالى فمقبولة فإن الله تعالى يقبل التوبة من الذنوب كلها والحكم في قذف النبي صلى الله عليه وسلم كالحكم في قذف امه لأن قذف امه إنما أوجب القتل لكونه قذفا للنبي صلى الله عليه وسلم وقدحا في نسبه. (فصل) وقذف النبي صلى الله عليه وسلم وقذف أمه ردة عن الاسلام وخروج عن الملة وكذلك سبه بغير القذف إلا أن سبه بغير القذف يسقط بالإسلام لأن سب الله سبحانه وتعالى يسقط بالاسلام فسب النبي صلى الله عليه وسلم أولى وقد جاء في الأثر أن الله تعالى يقول (شتمني ابن آدم وما ينبغي له أن يشتمني أما شتمه إياي فقوله اني اتخذت ولداً وأنا لم ألد ولم أولد) ولا خلاف في أن إسلام النصراني القائل لهذا القول يصح.

(مسألة) (ومن قذف الجماعة بكلمة واحدة فحد واحد إذا طالبوا أو واحد منهم وعنه إن طالبوا متفرقين حد لكل واحد حداً) أما اذا قذف الجماعة بكلمة واحدة فالمشهور في المذهب أنه لا يلزمه إلا حد واحد إذا طالبوا أو واحد منهم، وبهذا قال طاوس والزهري والشعبي والنخعي وقتادة وحماد ومالك والثوري وأبو حنيفة وصاحباه وابن أبي ليلى واسحاق وعنه رواية ثانية أنه يحد لكل واحد حدا كاملاً وبه قال الحسن وأبو ثور وابن المنذر، وللشافعي قولان كالروايتين، ووجه هذا أنه قذف كل واحد منهم فلزمه له حد كامل كما لو قذفهم بكلمات. ولنا قول الله تعالى (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة) لم يفرق بين قذف واحد أو جماعة ولأن الذين شهدوا على المغيرة قذفوا امرأة فلم يحدهم عمر إلا حدا واحداً، ولأنه قذف واحد فلم يجب إلا حد واحد كما لو قذف واحداً ولأن الحد إنما وجب بادخال المعرة على المقذوف بقذفه وبحد واحد يظهر كذب هذا القاذف وتزول المعرة فوجب أن يكتفي به بخلاف مااذا قذف كل واحد قذفاً مفرداً فان كذبه في قذف لا يلزم منه كذبه في الآخر ولا تزول المعرة عن أحد المقذوفين بحده الآخر. إذا ثبت هذا فانهم ان طلبوا جملة حد لهم وان طلبه واحد أقيم الحد لأن الحق ثابت لهم على سبيل البدل فأيهم طالب به استوفي وسقط فلم يكن لغيره الطلب به كحق المرأة على اوليائها في تزويجها اذا قام به واحد سقط عن الباقين وان أسقطه أحدهم فلغيره المطالبة به واستيفاؤه لأن المعرة لم تزل عنه بعفو صاحبه وليس للعافي الطلب به لأنه قد أسقط حقه منه وعن أحمد رواية ثالثة أنهم إن طلبوه دفعة واحدة فحد واحد وكذلك إن طلبوه واحداً بعد

واحد إلا أنه إن لم يقم حتى طلبه الكل فحد واحد وان طلبه فأقيم له ثم طلبه آخر أقيم له وكذلك جميعهم وهذا قول عروة لأنهم إذا اجتمعوا على طلبه وقع استيفاؤه لجميعهم فإذا طلبه واحد منهم كان استيفاؤه له وحده فلم يسقط حق الباقين بغير استيفائهم ولا إسقاطهم. (مسألة) (وإن قذفهم بكلمات حد لكل واحد حداً) . وبهذا قال عطاء والشعبي وقتادة وابن أبي ليلى وابو حنيفة والشافعي وقال حماد ومالك لا يجب إلا حد واحد لأنها جناية توجب حداً فاذا تكررت كفى حد واحد كما لو سرق من جماعة أو زنى بنساء أو شرب أنواعا من المسكر ولنا أنها حقوق لآدميين فلم تتداخل كالديون والقصاص وفارق ما قاسوا عليه فانه حق الله تعالى (فصل) إذا قال لرجل يا ابن الزانيين فهو قاذف لما بكلمة واحدة، فان كانا ميتين ثبت الحق لولدهما ولم يجب إلا حد واحد وجهاً واحداً، وإن قال يا زاني ابن الزاني فهو قذف لهما بكلمتين فان كان أبوه حيا فلكل واحد منهما حد وإن كان ميتاً فالظاهر في المذهب أنه لا يجب الحد بقذفه وإن قال يا زاني ابن الزانية وكانت أمة (أمه) في الحياة فكل واحد حد، وإن كانت ميتة فالقذفان جميعاً له، وان قال زنيت بفلانة فهو قذف لهما بكلمة واحدة وكذلك إذا قال يا ناكح امه ويخرج فيها الروايات الثلاث (مسألة) (وإن حد للقذف فأعاده لم يعد عليه الحد أما اذا قذف رجل مرات ولم يحد فحد واحد رواية واحدة سواء قذفه بزنا واحد أو بزنيات، وإن قذفه فحد ثم أعاد قذفه وكان قذفه بذلك الزنا الذي حد من أجله لم يعد عليه الحد في قول عامة أهل العلم وحكي عن ابن القسم أنه أوجب حداً ثانياً وهذا يخالف إجماع الصحابة فإن أبا بكرة لما حد بقذف المغيرة أعاد قذفه فلم يروا عليه حداً ثانياً فروى الأثرم بإسناده عن ظبيان بن عمارة قال شهد على المغيرة بن شعبة ثلاثة نفر أنه زنى

باب القطع في السرقة

فبلغ ذلك عمر فكبر عليه وقال شاط ثلاثة أرباع المغيرة بن شعبة وجاء زياد فقال ما عندك؟ فلم يثبت فأمر بهم فجلدوا وقال شهود زور فقال أبو بكرة أليس ترضى ان أتاك رجل عدل يشهد برجمه؟ قال نعم والذي نفسي بيده قال أبو بكرة وأنا أشهد أنه زان فأراد أن يعيد عليه الجلد فقال علي يا أمير المؤمنين إنك إن أعدت عليه الجلد أوجبت عليه الرجم وفي حديث آخر فلا يعاد في فرية جلد مرتين قال الأثرم قلت لأبي عبد الله قول علي إن جلدته فارجم صاحبك قال كأنه جعل شهادته شهادة رجلين قال أبو عبد الله وكنت أنا أفسره على هذا حتى رأيته في الحديث فأعجبني ثم قال يقول إذا

جلدته ثانية فكأنك جعلته شاهداً آخر، فأما إن حد له ثم قذفه بزنا ثان نظرت فان قذفه بعد طول الفصل فحد ثان لأنه لا يسقط حرمة المقذوف بالنسبة الى القاذف ابداً بحيث يتمكن من قذفه بكل حال، وإن قذفه عقيب حده ففيه روايتان. (إحداهما) يحد أيضاً لأنه قذف لم يظهر كذبه فيه بحد فيلزمه فيه حد كما لو طال الفصل ولأن

مسألة: ويقطع الطرار، وهو الذي يبط الجيب وغيره ويأخذ منه، وعنه ولا يقطع

سائر أسباب الحد إذا تكررت بعد أن حد للأول ثبت للثاني حكمه كالزنا والسرقة وغيرهما من الاسباب (والثانية) لا يحد لأنه قد حد له مرة فلم يحد له بالقذف عقيبه كما لو قذفه بالزنا الأول (فصل) إذا قال من رماني فهو ابن الزانية فرماه رجل فلا حد عليه في قول أحد من أهل العلم وكذلك ان اختلف رجلان في شئ فقال أحدهما الكاذب هو ابن الزانية فلا حد عليه، نص عليه أحمد لأنه لم يعين احدا بالقذف وكذلك ما أشبه هذا. (فصل) إذا ادعى على رجل أنه قذفه فأنكر لم يستحلف وبه قال الشعبي وحماد والثوري

وأصحاب الرأي وعن أحمد أنه يستحلف حكاها ابن المنذر وهو قول الزهري ومالك والشافعي واسحاق وأبي ثور وابن المنذر لقول النبي صلى الله عليه وسلم ولكن اليمين على المدعى عليه ولأنه حق لآدمي فيستحلف فيه كالدين ووجه الأول أنه حد فلا يستحلف فيه كالزنا والسرقة فإن نكل عن اليمين لم يقم عليه الحد لأن الحد يدرأ بالشبهات فلا يقضى فيه بالنكول كسائر الحدود.

مسألة: ويقطع بسرقة العبد الصغير في قول عامة أهل العلم

باب القطع في السرقة الأصل فيه الكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب فقول الله تعالى (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) وأما السنة فروت عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (تقطع اليد في ربع دينار) فصاعدا وقال النبي صلى الله عليه وسلم (إنما هلك من كان قبلكم بأنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف قطعوه) متفق عليه في أخبار سوى هذه نذكرها إن شاء الله تعالى في مواضعها، وأجمع المسلمون على وجوب قطع السارق في الجملة (مسألة) (ولا يجب إلا بسبعة شروط) (احدها) السرقة وهي أخذ المال على وجه الاختفاء ومنه استراق السمع ومسارقة النظر إذا كان يستخفي بذلك (مسألة) ولا قطع على منتهب ولا مختلس ولا غاصب ولا خائن ولا جاحد وديعة ولا عارية وعنه يقطع جاحد العارية) لا يقطع مختطف ولا مختلس عند أحد علمناه غير إياس بن معاوية قال أقطع المختلس ولأنه يستخفي بأخذه فيكون سارقا، وأهل الفقه والفتوى من علماء الأمصار على خلافه وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (ليس على الخائن ولا المختلس قطع) وعن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ليس على

مسألة: ولا يقطع بسرقة حر وإن كان صغيرا، وعنه أنه يقطع بسرقة الصغير

المنتهب قطع) وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال (ليس على الخائن والمختلس قطع) رواهما أبو داود وقال لم يسمعهما ابن جريج من أبي الزبير ولأن الواجب قطع السارق وهذا غير سارق ولأن الاختلاس نوع من الخطف والنهب، إنما استخفى في ابتداء اختلاسه بخلاف السارق (فصل) ولا يقطع جاحد الوديعة ولا غيرها من الأمانات لا نعلم فيه خلافاً فأما جاحد العارية فقد اختلف عن أحمد رحمه الله فيه فعنه أنه يقطع وهو قول إسحاق لما روت عائشة قالت كانت امرأة تستعير المتاع وتجحده فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها فأتى أهلها أسامة فكلموه فكلم النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم (ألا أراك تكلمني في حد من حدود الله؟) ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم خطيباً فقال (إنما هلك من كان من قبلكم بأنه إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف قطعوه، والذي نفسي بيده لو كانت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها) قالت فقطع يدها، قال أحمد لا اعرف شيئا يدفعه متفق عليه وعن أحمد رواية ثانية أنه لا قطع عليه وهو قول الخرقي وأبي إسحاق بن شاقلا وأبي الخطاب وسائر الفقهاء وهو الصحيح إن شاء الله تعالى لقول رسول صلى الله عليه وسلم (لا قطع على الخائن) ولأن الواجب قطع السارق والخائن ليس بسارق فأشبه جاحد الوديعة فأما المرأة التي كانت تستعير المتاع فانما قطعت لسرقتها لا لجحدها: ألا تسمع قوله (ذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف قطعوه) وقوله (والذي نفسي بيده لو كانت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها) وفي بعض ألفاظ

مسألة: فإن كان عليه حلي أو ثياب تبلغ نصابا، لم يقطع وبه قال أبو حنيفة وأكثر أصحاب الشافعي

رواة هذه القصة عن عائشة أن قريشاً أهمهم شأن المخزومية التي سرقت وذكر القصة رواه البخاري وفي حديث أنها سرقت قطيفة فروى الأثرم بإسناده عن مسعود بن الأسود قال لما سرقت المرأة تلك القطيفة من بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظمنا ذلك وكانت امرأة من قريش فجئنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقلنا نحن نفديها بأربعين أوقية فقال (تطهر خير لها) فلما سمعنا لين كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم أتينا اسامة فقلنا كلم لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر الحديث بنحو سياق حديث عائشة وهذا ظاهر في أن القصة واحدة وأنها سرقت فقطعت لسرقتها وإنما عرفتها عائشة بجحدها للعارية لكونها مشهورة بذلك ولا يلزم أن يكون ذلك سبباً كما لو عرفتها بصفة من صفاتها، وفيما ذكرناه جمع بين الأحاديث وموافقة لظاهر الأحاديث والقياس وفقهاء الامصار فيكون أولى (مسألة) (ويقطع الطرار وهو الذي يبط الجيب وغيره ويأخذ منه وعنه لا يقطع) قال أحمد الطرار سراً يقطع وإن اختلس لم يقطع، ومعنى الطرار الذي يسرق من جيب الرجل أو كمه أو صفنه وسواء بط ما أخذ منه المسروق أو قطع الصفن فأخذه أو أدخل يده في الجيب فأخذ ما فيه فان عليه القطع، وروى عن أحمد في الذي يأخذ من جيب الرجل وكمه لاقطع عليه وفي ذلك روايتان (إحداهما) يقطع لأنه سرق من حرز (والثانية) لا يقطع كالمختلس

مسألة: ولا يقطع بسرقة مصحف وعند أبي الخطاب يقطع

(فصل) الثاني أن يكون المسروق مالاً محترماً سواء كان مما يسرع اليه الفساد كالفاكهة والبطيخ اولا وسواء كان ثميناً كالمتاع والذهب أو غير ثمين كالخشب والقصب وكذلك يقطع بسرقة الأحجار والصيد والنورة والجص والزرنيخ والتوابل والفخار والزجاج وغيره وبه قال مالك والشافعي وأبو ثور، وقال أبو حنيفة لا قطع على سارق الطعام الرطب الذي يتسارع إليه الفساد كالفواكه والطبائخ لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا قطع في ثمر ولا كثر) رواه أبو داود ولأن هذا معرض للهلاك أشبه ما لم يحرز، ولا قطع فيما كان أصله مباحاً في دار الإسلام كالصيود والخشب إلا في الساج والابنوس والصندل والقنا والمعمول من الخشب فانه يقطع به وما عدا هذا لا يقطع به لأنه يوجد كثيراً مباحاً في دار الإسلام فأشبه التراب، ولا قطع في القرون وإن كانت معمولة لأن الصنعة لا تكون غالبة عليها بل القيمة لها بخلاف معمول الخشب ولا قطع عنده في التوابل والنورة والجص والزرنيخ والملح والحجارة واللبن والزجاج والفخار وقال الثوري ما يفسد في يومه كالثريد واللحم لا قطع فيه ولنا عموم قوله تعالى (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الثمر المعلق فذكر الحديث ثم قال (ومن سرق منه شيئاً بعد ان يؤويه الجرين فبلغ ثمن المجن ففيه القطع) رواه أبو داود وغيره وروي أن عثمان رضي الله عنه أتي برجل قد سرق اترجة فأمر بها عثمان فأقيمت فبلغت قيمتها ربع دينار فأمر به عثمان فقطع رواه

مسألة: ولا يقطع بسرقة آلة لهو ولا محرم كالخمر

سعيد ولأن هذا مال يتمول عادة ويرغب فيه فيقطع سارقه إذا اجتمعت الشروط كالمجفف ولأن ما وجب القطع في معموله وجب فيه قبل العمل كالذهب والفضة، وحديثهم أراد به الثمر المعلق بدليل حديثنا فانه مفسر له وتشبيهه بغير المحرز لا يصح لأن غير المحرز مضيع وهذا محفوظ ولهذا افترق سائر الاموال بالحرز وعدمه، وقولهم يوجد مباحاً في دار الإسلام ينتقض بالذهب والفضة والحديد والنحاس وسائر المعادن (مسألة) (ويقطع بسرقة العبد الصغير في قول عامة أهل العلم) قال ابن المنذر أجمع على هذا كل من نحفظ عنه من أهل العلم منهم الحسن ومالك والثوري والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي، والصغير الذي يقطع بسرقته هو الذي لا يميز فان كان كبيراً لم يقطع سارقه إلا أن يكون نائماً أو مجنوناً أو أعجمياً لا يميز بين سيده وغيره في الطاعة فيقطع سارقه، وقال أبو يوسف لا يقطع سارق العبد وان كان صغيراً لأن من لا يقطع بسرقته كبيراً لا يقطع بسرقته صغيراً كالحر ولنا أنه سرق مالا مملوكا تبلغ قيمته نصابا فوجب القطع عليه كسائر الحيوانات وفارق الحر فإنه ليس بمال ولا مملوك وفارق الكبير لأنه لا يسرق وإنما يخدع بشئ فإن كان المسروق في حال نومه أو جنونه أم ولد ففي قطع سارقها وجهان (أحدهما) لا يقطع لأنها لا يحل بيعها ولا نقل الملك

مسألة: وإن سرق آنية فيها الخمر، أو صليبا أو صنم ذهب لم يقطع، وعند أبي الخطاب يقطع

فيها فأشبهت الحرة (والثاني) يقطع لأنها مملوكة تضمن بالقيمة فأشبهت القن وحكم المدبر حكم القن لأنه يجوز بيعه ويضمن بقيمته، فأما المكاتب فلا يقطع سارقه لأن ملك سيده ليس بتام عليه لكونه لا يملك منافعه ولا استخدامه ولا أخذ ارش الجناية عليه ولو جنى السيد عليه لزمه له الأرش ولو استوفى منافعه كرهاً لزمه عوضها ولو حبسه لزمه اجرة مدة حبسه أو انظاره مقدار تلك المدة، ولا يجب القطع لأجل ملك المكاتب في نفسه لأن الانسان لا يملك نفسه فأشبه الحر فأما إن سرق مال المكاتب فعليه القطع لأن ملك المكاتب ثابت في مال نفسه إلا أن يكون السارق سيده فلا قطع عليه لأن له في ماله حقا وشبهة تدرأ الحد ولذلك لو وطئ جاريته لم يحد (مسألة) (ولا يقطع بسرقة حر وإن كان صغيراً وعنه أنه يقطع بسرقة الصغير) ظاهر المذهب أنه لا يقطع بسرقة الحر الصغير وبهذا قال الثوري والشافعي وأصحاب الرأي وابن المنذر وعن أحمد رواية ثانية أنه يقطع بسرقة الصغير وذكرها أبو الخطاب وهو قول الحسن والشعبي ومالك وإسحاق لأنه غير مميز أشبه العبد ولنا أنه ليس بمال فلا يقطع بسرقته كالكبير النائم (مسألة) (فإن كان عليه حلي أو ثياب تبلغ نصابا لم يقطع وبه قال أبو حنيفة وأكثر أصحاب الشافعي) وفيه وجه آخر أنه يقطع حكاه أبو الخطاب وبه قال أبو يوسف وابن المنذر لظاهر الكتاب ولأنه سرق نصاباً من المال فأشبه مالو سرقه منفرداً

ولنا أنه تابع لما لا قطع في سرقته فأشبه ثياب الكبير ولأن يد الصبي على ما عليه بدليل أن ما يوجد مع اللقيط يكون له وهكذا لو كان الكبير نائما على متاع فسرقه وثيابه لم يقطع لأن يده عليه (فصل) وإن سرق ماء فلا قطع فيه قاله أبو بكر وابو إسحاق بن شاقلا لأنه لا يتمول عادة ولا نعلم فيه خلافا فان سرق كلأ أو ملحاً فقال أبو بكر لاقطع عليه لأنه مما ورد الشرع باشتراك الناس فيه فأشبه المال، وقال أبو إسحاق عليه القطع لأنه يتمول عادة فأشبه التبن والشعير، وأما الثلج فقال القاضي هو كالماء لأنه ماء جامد فأشبه الجليد قال شيخنا والأشبه أنه كالملح لأنه يتمول عادة فأشبه الملح المنعقد من الماء، وأما التراب فإن كان مما تقل الرغبات فيه كالمعد للتطيين والبناء فلا قطع فيه لأنه لا يتمول وإن كان مما له قيمة كثيرة كالطين الارمني الذي يعد للدواء أو المعد للغسل به أو الصبغ كالمغرة احتمل وجهين (أحدهما) لا قطع فيه لأنه من جنس ما لا يتمول أشبه الماء (والثاني) فيه القطع لأنه يتمول عادة ويحمل إلى البلدان للتجارة فيه فأشبه العود الهندي ولا يقطع بسرقة السرجين لأنه إن كان نجساً فلا قيمة له وإن كان طاهراً فلا يتمول عادة ولا تكثر الرغبات فيه أشبه التراب الذي للبناء وما عمل من التراب كاللبن والفخار ففيه القطع لأنه يتمول عادة (مسألة) (ولا يقطع بسرقة مصحف وعند أبي الخطاب يقطع)

قال أبو بكر والقاضي لا قطع فيه وهو قول أبي حنيفة لأن المقصود منه ما فيه من كلام الله تعالى وهو مما لا يجوز أخذ العوض عنه، واختار أبو الخطاب وجوب قطعه، وقال هو ظاهر كلام أحمد فانه سئل عمن سرق كتابا فيه علم لينظر فيه فقال كلما بلغت قيمته ثلاثة دراهم قطع، وهذا قول مالك والشافعي وأبي ثور وابن المنذر لعموم الآية في كل سارق ولأنه متقوم تبلغ قيمته نصابا فوجب القطع بسرقته ككتب الفقه (مسألة) (ويقطع بسرقة سائر كتب العلم) ولا نعلم فيه خلافاً بين أصحابنا في القطع بسرقة كتب الفقه والحديث وسائر العلوم الشرعية لعموم الأدلة (فصل) فإن قلنا لا يقطع بسرقة المصحف وكان عليه حلية تبلغ نصابا خرج فيه وجهان (أحدهما) لا يقطع وهو قياس قول أبي إسحاق بن شاقلا ومذهب أبي حنيفة لأن الحلي تابع لما لا يقطع بسرقته فأشبهت ثياب الحر (والثاني) يقطع وهو قول القاضي لأنه سرق نصابا من الحلي فأشبه مالو سرقه منفرداً وأصل هذين الوجهين من سرق صبياً عليه حلي (فصل) وإن سرق عيناً موقوفة وجب القطع لأنها مملوكة للموقوف عليه ويحتمل أن لا يقطع بناء على الوجه الذي يقول إن الموقوف لا يملكه الموقوف عليه، فعلى هذا إن كان وقفاً غير معين لم يقطع بسرقته.

(مسألة) (ولا يقطع بسرقة آلة لهو ولا محرم كالخمر) لا يقطع بسرقة آلة لهو كالطنبور والمزمار والشبابة وإن بلغت قيمته مفصلا نصاباً وبهذا قال أبو حنيفة، وقال أصحاب الشافعي إن كانت قيمته بعد زوال تأليفه نصاباً ففيه القطع وإلا فلا لأنه سرق ما قيمته نصاباً لاشبهة له فيه من حرز مثله وهو من أهل القطع فوجب قطعه كما لو كان ذهباً مكسوراً ولنا أنه آلة للمعصية بالاجماع فلم يقطع بسرقته كالخمر ولأن له حقاً في أخذها لكسرها فكان ذلك شبهة مانعة من القطع كاستحقاقه مال ولده فان كانت عليه حلية تبلغ نصاباً فلا قطع فيه أيضاً في قياس قول أبي بكر لأنه متصل بما لا قطع فيه أشبه الخشب والاوتار وقال القاضي فيه القطع وهو مذهب الشافعي لأنه سرق نصابا من حرزه أشبه المنفرد (فصل) ولا يقطع بسرقة محرم كالخمر والخنزير والميتة ونحوها سواء سرقة من مسلم أو كافر وبهذا قال الشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي، وحكي عن عطاء أن سارق خمر الذمي يقطع وإن كان مسلما لأنه مال لهم أشبه مالو سرق دراهمهم ولنا أنها عين محرمة فلا يقطع بسرقتها كالخنزير ولأن ما لا يقطع بسرقته من المسلم لا يقطع بسرقته من الذمي كالميتة والدم، وما ذكروه ينتقص بالخنزير ولا اعتبار به فإن الاعتبار بحكم الاسلام وهو يجري عليهم دون أحكامهم (مسألة) (وإن سرق آنية فيها الخمر أو صليباً أو صنم ذهب لم يقطع وعند أبي الخطاب يقطع)

مسألة: وإن سرق نصابا ثم نقصت قيمته، أو ملكه ببيع أو هبة، أو غيرهما لم يسقط القطع

إذا سرق إناء فيه خمر يقطع وهو مذهب الشافعي كما لو سرقه ولا شئ فيه، وقال غيره من أصحابنا لا يقطع لأنه متصل بما لا قطع فيه فأشبه مالو سرق شيئاً مشتركا بينه وبين غيره بحيث تبلغ قيمته بالشركة نصاباً وقال ابن شاقلا لو سرق اداوة فيها ماء لم يقطع لاتصالها بما لا قطع فيه ووجه الأول أنه سرق نصابا من حرز لا شبهة له فيه أشبه مالو سرقه فارغاً، وإن سرق صليباً أو صنماً من ذهب أو فضة يبلغ نصاباً متصلا فقال القاضي لا قطع فيه وهو قول أبي حنيفة، وقال أبو الخطاب يقطع سارقه وهو مذهب الشافعي، ووجه الوجهين ما تقدم فيما إذا سرق آلة لهو محلاة والفرق بين هذه المسألة والتي قبلها أن التي قبلها له كسره بحيث لا يبقى له قيمة تبلغ نصابا وههنا لو كسر الذهب والفضة بكل وجه لم تنقص قيمته عن النصاب ولأن الذهب والفضة جوهرهما غالب على الصنعة المحرمة فكانت الصناعة فيها مغمورة بالنسبة إلى قيمة جوهرهما وغيرهما بخلافهما فتكون الصناعة غالبة عليه فيكون تابعاً للصناعة المحرمة فأشبه الأوتار (فصل) ولو سرق إناء من ذهب أو فضة قيمته نصاباً إذا كان منكسرا فعليه القطع لأنه غير مجمع على تحريمه وقيمته بدون الصناعة المختلف فيها نصاب وإن سرق إناء معداً لحمل الخمر ووضعه فيه ففيه القطع لأن الإناء لا تحريم فيه وإنما يحرم عليه نيته وقصده فأشبه مالو سرق سكيناً معدة لذبح

مسألة: وإن ملك العين المسروقة بهبة أو بيع، أو غير ذلك من أسباب الملك، وكان ملكها قبل رفعه إلى الحاكم والمطالبة بها عنده لم يجب القطع

الخنازير أو سيفاً يعد لقطع الطريق ولو سرق منديلا في طرفه دينار مشدود يعلم به فعليه القطع وإن لم يعلم به فلا قطع فيه لأنه لم يقصد سرقته فأشبه مالو تعلق بثوبه، وقال الشافعي يقطع لأنه سرق نصابا فأشبه مالو سرق ما لا يعلم أن قيمته نصاب والفرق بينهما أنه علم بالمسروق ههنا وقصد سرقته بخلاف الدينار فانه لم يرده ولم يقصد أخذه فلا يؤاخذ به بايجاب الحد عليه (فصل) الثالث أن يسرق نصابا وهو ثلاثة دراهم أو قيمة ذلك من الذهب والعروض، وعنه أنه ثلاثة دراهم أو ربع دينار أو ما يبلغ قيمة أحدهما من غيرهما وعنه لا تقوم العروض إلا بالدراهم فلا يجب القطع بسرقة دون النصاب في قول الفقهاء كلهم إلا الحسن وداود وابن بنت الشافعي والخوارج فإنهم قالوا يقطع في القليل والكثير لعموم الآية ولما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لعن الله السارق يسرق الحبل فتقطع يده ويسرق البيضة فتقطع يده) متفق عليه ولأنه سارق من حرز فتقطع يده كسارق الكبير ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (لا تقطع اليد إلا في ربع دينار فصاعداً) متفق عليه واجماع الصحابة على ما سنذكره وهذا يخص عموم الآية، والحبل يحتمل أن يساوي ذلك، وكذلك البيضة يحتمل أن يراد بها البيضة السلاح وهي تساوي ذلك، واختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في قدر النصاب الذي

مسألة: وإن سرق فرد خف منفردا درهمان، وقيمته مع الآخر أربعة، لم يقطع

يجب القطع بسرقته فروى عنه أبو إسحاق الجوزجاني أنه ربع دينار من الذهب أو ثلاثة دراهم من الورق أو ما قيمته ثلاثة دراهم من غيرهما وهذا قول مالك واسحاق وروى عنه الأثرم أنه إن سرق من غير الذهب والفضة ما قيمته ربع دينار أو ثلاثة دراهم قطع وعنه أن الأصل الورق ويقوم الذهب به فإن نقص ربع دينار عن ثلاثة دراهم لم يقطع سارقه وهذا يحكى عن الليث وأبي ثور وقالت عائشة لا قطع إلا في ربع دينار فصاعداً، وروى هذا عن عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم، وبه قال الفقهاء السبعة وعمر بن عبد العزيز والاوزاعي والشافعي وابن المنذر لحديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا قطع إلا في ربع دينار فصاعدا) وقال عثمان البتي تقطع اليد في درهم فما فوقه وعن أبي هريرة وأبي سعيد أن اليد تقطع في أربعة دراهم فصاعداً، وعن عمر رضي الله عنه أن الخمس لا تقطع إلا في الخمس وبه قال سليمان بن يسار وابن أبي ليلى وابن شبرمة. وروي ذلك عن الحسن قال أنس رضي الله عنه قطع أبو بكر في مجن قيمته خمس دراهم رواه الجوزجاني باسناده وقال عطاء وأبو حنيفة وأصحابه لا تقطع اليد إلا في دينار أو عشرة دراهم لما روى الحجاج ابن أرطأة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا قطع إلا في عشرة دراهم) وروى ابن عباس قال قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم يد رجل في مجن قيمته دينار أو عشرة دراهم وعن النخعي لا تقطع اليد إلا في أربعين درهماً

مسألة: وإن هتك اثنان حرزا ودخلاه، فأخرج أحدهما نصابا وحده، أو دخل أحدهما فقدمه إلى باب النقب، وأدخل الآخر يده فأخرجه، قطعا

ولنا ما روى ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع في مجن ثمنه قيمته ثلاثة دراهم متفق عليه قال ابن عبد البر هذا أصح حديث يروى في هذا الباب لا يختلف أهل العلم في ذلك وحديث أبي حنيفة الأول يرويه الحجاج بن أرطاة وهو ضعيف، والذي روي عن الحجاج ضعيف أيضاً والحديث الثاني لا دلالة فيه على أنه لا يقطع بما دونه فإن من أوجب القطع بثلاثة دراهم أوجبه بعشرة ويدل هذا الحديث على أن العرض يقوم بالدارهم لأن المجن قوم بها ولأن ما كان الذهب فيه أصلاً كان الورق فيه أصلاً كنصب الزكوات والديات وقيم المتلفات، وقد روى أنس أن سارقاً سرق مجناً ما يسرني أنه لي بثلاثة دراهم أو ما يساوي ثلاثة دراهم فقطعه أبو بكر وأتي عثمان برجل قد سرق اترجة فأمر بها عثمان فقومت فبلغت قيمتها ربع دينار فقطع (فصل) وإذا سرق ربع دينار من المضروب الخالص ففيه القطع وإن كان فيه غش أو تبر يحتاج إلى تصفية لم يجب القطع حتى يبلغ ما فيه من الذهب ربع دينار لأن السبك ينقصه وان سرق ربع دينار قراضة أو تبراً خالصأ او حليا ففيه القطع نص عليه أحمد في رواية الجوزجاني قال قلت له كيف يسرق ربع دينار فقال قطعة ذهب أو خاتماً او حليا وهذا قول أكثر أصحاب الشافعي وذكر القاضي في وجوب القطع احتمالين (أحدهما) لا قطع عليه وهو قول بعض أصحاب الشافعي لأن الدينار اسم للمضروب

مسألة: فإن نقبا حرزا، فدخل أحدهما فقرب المتاع من النقب، وأدخل الآخر يده فأخرجه، فقال أصحابنا: قياس قول أحمد أن القطع عليهما

ولنا أن ذلك ربع دينار لأنه يقال له دينار قراضة ومكسور أو دينار خلاص ولأنه لا يمكنه سرقة ربع دينار مفرد في الغالب إلا مكسوراً، وقد أوجب عليه القطع بذلك ولأنه حق لله تعالى تعلق بالمضروب فتعلق بما ليس بمضروب كالزكاة والخلاف فيما إذا سرق من المكسور والتبر ما لا يساوي ربع دينار صحيح فإن بلغ ذلك ففيه القطع، والدينار هو المثقال من مثاقيل الناس اليوم وهو الذي كل سبعة منها عشرة دراهم وهو الذي كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبله ولم يتغير وإنما كانت الدراهم مختلفة فجمعت وجعلت كل عشرة منها سبعة مثاقيل فهي التي يتعلق القطع بثلاثة منها إذا كانت خالصة مضروبة كانت أو غير مضروبة على ما ذكرناه في الذهب وعند أبي حنيفة أن النصاب إنما يتعلق بالمضروب منها، وقد ذكر مادل عليه ويحتمل ماقاله في الدراهم لأن إطلاقها يتناول الصحاح المضروبة بخلاف ربع الدينار على أننا قد ذكرنا فيها احتمالاً متقدماً فههنا أولى وما قوم من غيرهما بهما فلا قطع فيه حتى يبلغ ثلاثة دراهم صحاحا لأن إطلاقها ينصرف إلى المضروب دون المكسر (مسألة) (وإن سرق نصابا ثم نقصت قيمته أو ملكه ببيع أو هبة أو غيرهما لم يسقط القطع) إذا نقصت قيمة العين عن النصاب بعد إخراجها من الحرز لم يسقط القطع وبهذا قال مالك والشافعي وقال أبو حنيفة يسقط لأن النصاب شرط فتعتبر استدامته ولنا قول الله تعالى (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) ولأنه نقص حدث في العين فلم يمنع

مسألة: إلا أن ينقب أحدهما ويذهب، فيأتي الآخر من غير علم فيسرق، فلا قطع

القطع كما لو حدث باستعماله، والنصاب شرط لوجوب القطع فلا تعتبر استدامته كالحرز وما ذكره يبطل بالحرز فإنه لو زال الحرز لم يسقط عنه القطع وسواء نقصت قيمتها بعد الحكم أو قبله لأن سبب الوجوب السرقة فيعتبر النصاب حينئذ. فأما إن نقص النصاب قبل الاخراج لم يجب القطع لعدم الشرط قبل تمام السبب وسواء نقصت بفعله أو بغير فعله. فإن وجدت ناقصة ولم يدر هل كانت ناقصة حين السرقة أو حدث النقص بعدها لم يجب القطع لأن الوجوب لا يثبت مع الشك في شرطه ولأن الاصل عدمه (مسألة) (وإن ملك العين المسروقة بهبة أو بيع أو غير ذلك من أسباب الملك وكان ملكها قبل رفعه إلى الحاكم والمطالبة بها عنده لم يجب القطع) وبهذا قال مالك والشافعي واسحاق وأصحاب الرأي، ولا نعلم فيه خلافا، وإن ملكها بعده لم يسقط القطع عند مالك والشافعي وإسحاق، وقال أصحاب الرأي يسقط لأنها صارت ملكه فلا يقطع في عين هي ملكه كما لو ملكها قبل المطالبة بها ولأن المطالبة شرط والشروط يعتبر دوامها ولم يبق لهذه العين مطالب ولنا ما روى الزهري عن ابن صفوان عن صفوان بن أمية أنه نام في المسجد وتوسد رداءه فأخذ من تحت رأسه فجاء بسارقه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم إن يقطع فقال صفوان

مسألة: فان سرق من غير حرز فلا قطع عليه، لقوات شرطه، مثل أن يجد حرزا مهتوكا، أو بابا مفتوحا فيأخذ منه، فلا قطع عليه لذلك

يارسول الله لم أرد هذا، ردائي عليه صدقة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (فهلا كان قبل أن تأتيني به؟) رواه ابن ماجه والجوزجاني وفي لفظ قال فأتيته فقلت اتقطعه من أجل ثلاثين درهم؟ أنا أبيعه وانسئه ثمنها قال (فهلا كان قبل أن تأتيني به؟) رواه الاثرم وأبو داود فهذا يدل على أنه لو وجد قبل رفعه اليه لدرأ القطع وبعده لا يسقطه، وقولهم ان المطالبة شرط قلنا هي شرط الحكم لا شرط القطع بدليل أنه لو استرد العين لم يسقط القطع وقد زالت المطالبة (مسألة) (وإن دخل الحرز فذبح شاة قيمتها نصاب فنقصت عن النصاب ثم أخرجها لم يقطع) لأن من شرط وجوب القطع أن يخرج من الحرز العين وهي نصاب ولم يوجد الشرط (مسألة) (وإن سرق فرد خف قيمته منفرداً درهمان وقيمته مع الآخر أربعة لم يقطع) لأنه لم يسرق نصابا فلم يوجد الشرط (مسألة) (وإن اشتركوا في سرقة نصاب قطعوا سواء أخرجوه جملة أو أخرج كل واحد جزءاً) إذا اشترك جماعة في سرقة نصاب قطعوا ذكره الخرقي وهو قول أصحابنا وبه قال مالك وأبو ثور وقال الثوري وأبو حنيفة والشافعي واسحاق لا قطع عليهم الا ان تبلغ حصة كل واحد منهم نصابا لأن كل واحد لم يسرق نصابا فلم يجب عليه قطع كما لو انفرد بدون النصاب. قال شيخنا: وهذا القول أحب إلي لأن القطع ههنا لا نص فيه ولا هو في معنى المنصوص والمجمع عليه فلا يجب والاحتياط باسقاطه

أولى من الاحتياط بايجابه ولأنه مما يدرأ بالشبهات، واحتج من أوجبه بأن النصاب أحد شرطي القطع فاذا اشترك الجماعة كانوا كالواحد قياسا على هتك الحرز ولأن سرقة النصاب فعل يوجب القطع فاستوى فيه الواحد والجماعة كالقصاص ولم يفرق أصحابنا بين كون المسروق ثقيلا يشترك الجماعة في حملة وبين أن يخرج كل واحد منهم جزءاً ونص أحمد على هذا وقال مالك: إن انفرد كل واحد منهم بجزء لم يقطع واحد منهم كما لو انفرد كل واحد من قاطعي اليد بقطع جزء منها لم يجب القصاص. ولنا أنهم اشتركوا في هتك الحرز واخراج النصاب فلزمهم القطع كما لو كان ثقيلا فحملوه وفارق القصاص فانه يعتمد المماثلة ولا توجد المماثلة إلا أن توجد أفعالهم في جميع اجزاء اليد وفي مسئلتنا القصد الزجر من غير إعتبار مماثلة والحاجة إلى الزجر عن إخراج المال موجودة وسواء دخلا الحرز معاً أو دخل أحدهما فاخرج بعض النصاب ثم دخل الآخر فأخرج باقيه لأنهما اشتركا في هتك الحرز واخراج النصاب فوجب عليهما القطع كما لو حملاه معاً (فصل) فإن كان أحد الشريكين مما لاقطع عليه كأبي المسروق منه قطع شريكه في أحد الوجهين كما لو شاركه في قطع يد ابنه والثاني لا يقطع وهو أصح لأن سرقتهما جميعاً صارت علة لقطعهما سرقة الأب لا تصلح موجبة للقطع لأنه أخذ ماله أخذه بخلاف قطع يد ابنه فان الفعل تمحض

عدواناً وإنما سقط القصاص لفضيلة الأب لا لمعنى في فعله وههنا فعله قد تمكنت الشبهة منه فوجب أن لا يجب القطع به كاشتراك العامد والخاطئ فأما إن أخرج كل واحد منهما نصابا وجب القطع على شريك الأب لأنه انفرد بما يوجب القطع فان أخرج الأب نصابا وشريكه دون النصاب ففيه الوجهان، وإن اعترف اثنان بسرقة نصاب ثم رجع أحدهما فالقطع على الآخر لأنه اختص بالاسقاط فيختص بالسقوط ويحتمل أن يسقط عن شريكه، لأن السبب السرقة منهما وقد اختل أحد جزأيها وكذلك لو أقر بمشاركة آخر في سرقة نصاب ولم يقر الآخر ففي القطع وجهان. (مسألة) (وإن هتك اثنان حرزا ودخلاه فأخرج أحدهما نصابا وحده أو دخل أحدهما فقدمه إلى باب النقب وأدخل الآخر يده فأخرجه قطعا) أما إذا هتك اثنان حرزا ودخلاه فأخرج أحدهما نصابا وحده فقال أصحابنا القطع عليهما. وبه قال أبو حنيفة وصاحباه إذا أخرج نصابين وقال مالك والشافعي وأبو ثور وابن المنذر يختص القطع بالمخرج لأنه هو السارق، وإن أخرج أحدهما دون النصاب والآخر أكثر من نصاب فما نصابين فعند أصحابنا وأبي حنيفة وصاحبيه يجب القطع عليهما وعند الشافعي وموافقيه لاقطع على من لم يخرج نصابا وإن أخرج أحدهما نصابا والآخر دون النصاب فعند أصحابنا عليهما القطع وعند

الشافعي القطع على مخرج النصاب وحده وعند أبي حنيفة لا قطع على واحد منهما لأن المخرج لم يبلغ نصبا بعدد السارقين وقد ذكرنا وجه ما قلنا فيما تقدم. (مسألة) (فإن نقبا حرزاً فدخل أحدهما فقرب المتاع من النقب وأدخل الآخر يده فأخرجه فقال أصحابنا قياس قول أحمد أن القطع عليهما) . وقال الشافعي القطع على الخارج لأنه مخرج للمتاع وقال أبو حنيفة لا قطع على واحد منهما ولنا أنهما اشتركا في هتك الحرز وإخراج المتاع فلزمهما القطع كما لو حملاه معاً فأخرجاه، وإن وضعه في النقب فمد الآخر يده فأخرجه فأخذه فالقطع عليهما ونقل عن الشافعي في هذه المسألة قولان كالمذهبين في الصورة التي قبلها. (فصل) قال أحمد في رجلين دخلا داراً أحدهما في سفلها جمع المتاع وشده بحبل والآخر في علوها مد الحبل فرمى به وراء الدار فالقطع عليهما لأنهما اشتركا في إخراجه. (مسألة) (وإن رماه الداخل إلى خارج فأخذه الآخر فالقطع على الداخل وحده) وإن اشتركا في النقب، لأن الداخل أخرج المتاع وحده فاختص القطع به. (مسألة) (وإن نقب أحدهما ودخل الآخر فأخرجه فلا قطع عليهما ويحتمل أن يقطعا)

مسألة: والحرز ما جرت العادة بحفظ المال فيه، ويختلف باختلاف الاموال والبلدان، وعدل السلطان وجوره، وقوته وضعفه

وإنما لم يقطعا لأن الاول لم يسرق والثاني لم يهتك الحرز وإنما سرق من حرز هتكه غيره فأشبه مالو نقب رجل وانصرف وجاء آخر فصادف الحرز مهتوكاً فسرق منه، ويحتمل أن يقطعا لأنهما اشتركا في سرقة نصاب أشبه مالو دخلا معاً فأخرج أحدهما المتاع (مسألة) (إلا أن ينقب أحدهما ويذهب فيأتي الآخر من غير علم فيسرق فلا قطع) لأنه لم يهتك الحرز ومن شرط وجوب القطع هتكه فقد فات الشرط فيفوت المشروط. (فصل) فان اشترك رجلان في النقب ودخل أحدهما فاخرج المتاع وحده أو أخذه وناوله لآخر خارجا من الحرز فالقطع على الداخل وحده لأنه أخرج المتاع وحده مع مشاركته في النقب وبهذا قال الشافعي وابو ثور وابن المنذر وقال أبو حنيفة لاقطع عليهما، لأن الداخل لم ينفصل عن الحزر ويده على السرقة فلم يلزمه القطع كما لو أتلفه داخل الحرز ولنا أن المسروق خرج من الحرز ويده عليه فوجب عليه القطع كما لو خرج به بخلاف مالو أتلفه لأنه لم يخرجه من الحرز. (فصل) الرابع أن يخرجه من الحرز، يشترط أن يسرق من حرز ويخرجه منه وهذا قول أكثر أهل العلم منهم عطاء والشعبي وأبو الاسود الديلي وعمر بن عبد العزيز والزهري وعمرو بن دينار

مسألة: وحرز البقل والباقلا. ونحوه وقدوره وراء الشرائج، إذا كان في السوق حارس. والشرائج تكون من القصب والخشب

والثوري ومالك والشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم عن أحد من أهل العلم خلافهم إلا قولاً حكي عن عائشة والحسن والنخعي فيمن جمع المتاع فلم يخرج به من الحرز: عليه القطع وعن الحسن مثل قول الجماعة وحكي عن داود أنه لا يعتبر الحرز لأن الآية لا تفصيل فيها وهذه أقوال شاذة غير ثابتة عمن نقلت عنه قال إبن المنذر ليس في خبر ثابت ولا مقال لأهل العلم إلا ما ذكرناه فهو كالاجماع والإجماع حجة على من خالفه وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجلا من مزينة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الثمر فقال (ما أخذ من غير اكمامه واحتمل ففيه قيمته ومثله معه، وما كان في الجران ففيه القطع إذا بلغ ثمن المجن) رواه أبو داود وابن ماجة وهذا الخبر يخص الآية كما خصصناها في اعتبار النصاب. (مسألة) (فان سرق من غير حرز فلا قطع عليه) لفوات شرطه مثل أن يجد حرزاً مهتوكاً أو باباً مفتوحاً فيأخذ منه فلا قطع عليه لذلك. (مسألة) (فان دخل الحرز فأتلف فيه نصاباً ولم يخرجه فلا قطع عليه) لأنه لم يسرق لكن يلزمه ضمانه لأنه أتلفه ولا يقطع حتى يخرجه من الحرز فمتى أخرجه من الحرز فعليه القطع سواء حمله إلى منزله أو تركه خارجاً من الحرز. (مسألة) (وإن ابتلع جوهراً أو ذهباً فخرج به أو نقب ودخل فترك المتاع على بهيمة فخرجت به

مسألة: وحرز المواشي الصير، وحرزها في المراعي بالراعي ونظره إليها

أو في ماء جار فأخرجه أو قال لصغير أو معتوه ادخل فأخرجه ففعل فعليه القطع) أما إذا دخل الحرز فابتلع جوهرة أو ذهباً وخرج فان لم يخرج ما ابتلعه فلا قطع عليه لأنه أتلفه في الحرز، وإن خرج ففيه وجهان (أحدهما) يجب لأنه أخرجها في وعائها فأشبه إخراجها في كمه (والثاني) لا يجب القطع لأنه ضمنها بالبلع فكان اتلافاً لها ولأنه ملجأ الى اخراجها لأنه لا يمكنه الخروج بدونها، وإن ترك المتاع على دابة فخرجت بنفسها من غير سوقها أو ترك المتاع في ماء راكد فانفتح فخرج المتاع أو على حائط في الدار فأطارته الريح ففي ذلك وجهان (أحدهما) عليه القطع لأن فعله سبب خروجه فأشبه مالو ساق البهيمة أو فتح الماء وحلق الثوب في الهواء (والثاني) لا قطع عليه لأن الماء لم يكن آلة للاخراج وإنما خرج المتاع بسبب حادث من غير فعله والبهيمة لها اختيار لنفسها، فأما إن ساق الدابة فخرجت بالمسروق أو تركه في ماء جار فخرج به فعليه القطع لأنه هو المخرج إما بنفسه وإما بآلته فوجب عليه القطع كما لو حمله فأخرجه وكذلك لو أمر صبياً لا يميز أو معتوهاً فأخرجه فعليه القطع لأنه آلة له. (فصل) وسواء دخل الحرز فأخرجه أو نقبه ثم أدخل إليه يده أو عصا لها شجنة فاجتذبه وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا حد عليه إلا أن يكون البيت صغيراً لا يمكنه دخوله لأنه لم يهتك الحرز بما أمكنه فأشبه المختلس. ولنا أنه سرق نصابا من حرز مثله لا شبهة له فيه وهو من أهل القطع فوجب عليه كما لو كان

مسألة: وحرز الثياب في الحمام بالحافظ، فان سرق من الحمام ولا حافظ فيه، فلا قطع عليه في قول عامتهم

البيت ضيقاً ويخالف المختلس لأنه يهتك الحرز، وإن رمى المتاع فأطارته الريح فأخرجته فعليه القطع لأنه متى كان إبتداء الفعل منه لم يؤثر فعل الريح كما لو رمى صيداً فأعانت الريح السهم حتى قتل الصيد حل، ولو رمى الجمار فأعانتها الريح حتى وقعت في المرمى احتسب به وصار هذا كما لو ترك المتاع في الماء فجرى به فأخرجه. (فصل) إذا أخرج المتاع من بيت في الدار أو الخان إلى الصحن فان كان باب البيت مغلقاً ففتحه أو نقبه فقد أخرج المتاع من الحرز وإن لم يكن مغلقاً فما أخرجه من الحرز، وقد قال أحمد إذا أخرج المتاع من البيت إلى الدار يقطع وهو محمول على الصورة الاولى (فصل) إذا دخل السارق الحرز فاحتلب لبناً من ماشية وأخرجه فعليه القطع وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا قطع عليه لأنه من الأشياء الرطبة وقد مضى الكلام معه في هذا وإن شربه في الحرز أو شرب منه فانتقص النصاب فلا قطع عليه لأنه لم يخرج من الحرز نصاباً، وإن ذبح الشاة في الحرز أو شق الثوب ثم أخرجهما وقيمتهما بعد الشق والذبح نصاب فعليه القطع وبه قال الشافعي وقال الثوري لا قطع عليه في الشاة لأن اللحم لا يقطع بسرقته عنده والثوب إن شق أكثره فلا قطع فيه لأن صاحبه مخير بين (1) أن يضمنه قيمة جميعه فيكون قد أخرجه وهو ملكه وقد تقدم الكلام معه في هذه الأصول، وان تطيب وخرج ولم يبق عليه من الطيب ما إذا جمع كان نصاباً فلا قطع عليه

_ (1) كذا بالاصل ونسخ المغنى

لأن ما لا يجتمع قد أتلفه باستعماله فأشبه ما لو أكل الطعام، وإن كان يبلغ نصابا فعليه القطع لأنه أخرج نصاباً وذكر فيه وجه آخر فيما إذا كان ما تطيب به يبلغ نصبا فعليه القطع وإن نقص ما يجتمع عن النصاب لأنه أخرج نصابا والأول أولى لأنه حين الإخراج ناقص عن النصاب، وإن جر خشبة فألقاها بعد أن خرج بعضها من الحرز فلا قطع عليه سواء خرج منها ما يساوي نصاباً أو لا لأن بعضها لا ينفرد عن البعض وكذلك لو أمسك الغاصب طرف عمامته والطرف الآخر في يد مالكها لم يضمنها وكذلك لو سرق ثوباً أو عمامة فأخرج بعضهما (فصل) فان نقب الحرز ثم دخل فأخرج ما دون النصاب ثم دخل فأخرج ما بقي من النصاب وكان في وقتين متباعدين أو ليلتين لم يجب القطع لأن كل واحدة منهما سرقة منفردة لا تبلغ نصابا وكذلك إن كانا في ليلة واحدة وبينهما مدة طويلة وإن تقاربا وجب القطع لأنها سرقة واحدة ولأنه إذا بني فعل أحد الشريكين على فعل شريكه إذا سرقا نصاباً فبناء فعل الواحد بعضه على بعض أولى (مسألة) (والحرز ما جرت العادة بحفظ المال فيه ويختلف باختلاف الاموال والبلدان وعدل السلطان وجوره وقوته وضعفه) الحرز ما عدا حرزاً في العرف فانه لم ثبت اعتباره في الشرع من غير تنصيص على بيانه علم أنه

مسألة: وحرز الكفن في القبر على الميت، فلو نبش قببرا وأخذ الكفن قطع

رد ذلك إلى أهل العرف لأنه لا طريق إلى معرفته إلا من جهته فرجع اليه كما رجعنا اليه في معرفة القبض والفرقة في البيع وأشباه ذلك. إذا ثبت ذلك فحرز الاثمان والجواهر والقماش في الدور والدكاكين في العمران وراء الأبواب والأغلاق الوثيقة، وحرز الثياب وما خف من المتاع كالصفر والنحاس والرصاص في الدكاكين والبيوت المقفلة في العمران أو يكون فيها حافظ فيكون حرزاً وإن كانت مفتوحة إن لم تكن مغلقة ولا فيها حافظ فليست بحرز وإن كانت فيها خزائن مغلقة فالخزائن حرز لما فيها وما خرج عنها فليس بحرز وقد روي عن أحمد في البيت الذي ليس عليه غلق فسرق منه: أراه سارقاً وهذا محمول على أن أهله فيه فأما البيوت التي في البساتين أو الطرق أو الصحراء فإن لم يكن فيها أحد فليست حرزاً سواء كانت مغلقة أو مفتوحة لأن من ترك متاعه في مكان خال من الناس والعمران وانصرف عنه لا يعد حافظاً له وإن أغلق عليه، وإن كان فيها أهلها أو حافظ فهو حرز سواء كانت مغلقة أو مفتوحة وإذا كان لابساً للثوب أو متوسداً له نائماً أو مستيقظاً أو مفترشاً له أو متكئاً عليه في أي موضع كان من البلد أو برية فهو محرز بدليل رداء صفوان سرق وهو متوسده فقطع النبي صلى الله عليه وسلم سارقه وإن تدحرج عن الثوب زال الحرز إن كان نائماً، وإن كان الثوب بين يديه أو غيره من المتاع كبز

البزازين وقماش الباعة وخبز الخبازين بحيث يشاهده وينظر إليه فهو محرز وإن نام أو كان غائباً عن موضع مشاهدته فليس بمرحز وإن جعل المتاع في الغرائر وعكم عليها ومعها حافظ يشاهدها فهي محرزة وإلا فلا. (فصل) والخيمة والخركاة إن نصبت وكان فيها أحد نائماً أو منتبهاً فهي محرزة وما فيها لأنها هكذا تحرز في العادة وإن لم يكن فيها أحد ولا عندها حافظ فلا قطع على سارقها، وممن أوجب القطع في السرقة من الفسطاط الثوري والشافعي واسحاق وأصحاب الرأي إلا أن أصحاب الرأي قالوا: يقطع السارق من الفسطاط دون سارق الفسطاط. ولنا أنه محرز بما جرت به العادة أشبه ما فيه (مسألة) (وحرز البقل والباقلا ونحوه وقدوره وراء الشرائج إذا كان في السوق حارس) والشرائج تكون من القصب والخشب (مسألة) (وحرز الخشب الحطب الحظائر) وكذلك القصب وتعبئة بعضه على بعض وتقييده بقيد بحيث يعسر أخذ شئ منه على ما جرت العادة إلا أن يكون في فندق مغلق عليه فيكون محرزاً وإن لم يقيد (مسألة) (وحرز المواشي الصير وحرزها في المراعي بالراعي ونظره إليها)

فما غاب منها عن مشاهدته فقد خرج عن الحرز لأن الراعية هكذا تحرز (مسألة) (وحرز حمولة الابل بتقطيرها وقائدها وسائقها إذا كان يراها) الإبل على ثلاثة أضرب: باركة وراعية وسائرة فأما الباركة فان كان معها حافظ لها وهي معقولة فهي محرزة وإن لم تكن معقولة وكان الحافظ ناظراً اليها أو مستيقظاً بحيث يراها فهي محرزة وإن كان نائماً أو مشغولاً عنها فليست محرزة لأن العادة أن الرعاة إذا أرادوا النوم عقلوا إبلهم ولأن المعقولة تنبه النائم والمشتغل، وإن لم يكن معها أحد فهي غير محرزة سواء كانت معقولة أو لم تكن. وأما الراعية فحرزها بنظر الراعي إليها فما غاب عن نظره أو نام عنه فليس بمحرز لأن الراعية إنما تحرز بالراعي ونظره. وأما السائرة فان كان معها من يسوقها فحرزها بنظره إليها سواء كانت مقطرة أو غير مقطرة فما كان منها بحيث لا يراه فليس بمحرز وإن كان معها قائد فحرزها أن يكثر الالتفات إليها والمراعاة لها وتكون بحيث يراها إذا التفت وبهذا قال الشافعي. وقال أبو حنيفة: لا يحرز القائد إلا التي زمامها بيده لأنه يوليها ظهره ولا يراها إلا نادراً فيمكن أخذها من حيث لا يشعر ولنا أن العادة في حفظ الابل المقطرة بمراعاتها بالالتفات وإمساك زمام الأول فكان ذلك حرزاً

مسألة: وحرز الباب تركيبه في موضعه

لها كالتي زمامها في يده فإن سرق من أحمال الجمال السائرة المحرزة متاعا قيمته نصاب قطع وكذلك إن سرق الحمل وإن سرق الجمل بما عليه وصاحبه نائم عليه لم يقطع لأنه في يد صاحبه وإن لم يكن صاحبه عليه قطع وبهذا قال الشافعي. وقال أبو حنيفة: لا قطع عليه لأن ما في الحمل محرز به فاذا أخذ جميعه لم يهتك حرز المتاع فصار كما لو سرق أجزاء الحرز ولنا أن الجمل محرز بصاحبه ولهذا لو لم يكن معه لم يكن محرزاً فقد سرقه من حرز مثله فأشبه ما لو سرق المتاع ولا نسلم أن سرقة الحرز من حرزه لا توجب القطع فانه لو سرق الصندوق بما فيه من بيت هو محرز فيه وجب قطعه وهذا التفصيل في الإبل التي في الصحراء فأما التي في البيوت والمكان المحصن على الوجه الذي ذكرناه في الثياب فهي محرزة والحكم في سائر المواشي كالحكم في الإبل على ما ذكرنا من التفصيل فيها (مسألة) (وحرز الثياب في الحمام بالحافظ) فان سرق من الحمام ولا حافظ فيه فلا قطع عليه في قول عامتهم وإن كان ثم حافظ فقال أحمد ليس على سارق الحمام قطع. وقال في رواية ابن منصور لا يقطع سارق الحمام إلا أن يكون على المتاع قاعد مثل ما صنع بصفوان وهذا قول أبي حنيفة لأنه مأذون للناس في دخوله فجرى مجرى سرقة الضيف من البيت المأذون له في دخوله ولأن دخول الناس اليه يكثر فلا يتمكن الحافظ من حفظ ما فيه، وفيه رواية أخرى أنه يجب القطع إذا كان فيه

مسألة: وإن نام إنسان على ردائه في المسجد، فسرقه سارق، قطع

حافظ حكاها القاضي وهو قول مالك والشافعي واسحاق وأبي ثور وابن المنذر لأنه متاع له حافظ فيجب قطع سارقه كما لو كان في البيت. قال شيخنا: والصحيح الأول وهذا يفارق ما في البيت من الوجهين اللذين ذكرناهما، فأما إن كان صاحب الثياب قاعداً عليها أو متوسداً لها أو جالساً وهي بين يديه يحفظها قطع سارقها بكل حال كما قطع سارق رداء صفوان من المسجد وهو متوسد له، وكذلك إن كان صاحب الثياب إما الحمامي وإما غيره حافظاً لها على هذا الوجه قطع سارقها لأنها محرزة وإن لم تكن كذلك فقال القاضي إن نزع الداخل ثيابه على ما جرت به العادة ولم يستحفظها لأحد فلا قطع على سارقها ولا غرم على الحمامي لأنه غير مودع فيضمن ولا هي محرزة فيقطع سارقها، وإن استحفظها الحمامي فهو مودع تلزمه مراعاتها بالنظر والحفظ فان تشاغل عنها وترك النظر إليها فسرقت فعليه الغرم لتفريطه ولا قطع على السارق لأنه لم يسرق من حرز وإن تعاهدها الحمامي بالحفظ والنظر فسرقت فلا غرم عليه لعدم تفريطه وعلى السارق القطع لأنها محرزة وهذا مذهب الشافعي وظاهر مذهب أحمد أنه لا قطع عليه أيضاً في هذه الصورة لما تقدم. قال إبن المنذر قال أحمد أرجو أن لا قطع عليه لأنه مأذون للناس في دخوله. ولو استحفظ رجل آخر متاعه في المسجد فسرق فإن كان قد فرط في مراعاته ونظره إليه فعليه الغرم إذا كان التزم حفظه وأجابه إلى ما سأله وإن لم يجبه لكن سكت لم يلزمه غرم لأنه ما قبل الاستيداع ولا قبض المتاع، ولا قطع على السارق في الموضعين لأنه غير محرز، وإن حفظ المتاع بنظره إليه وقربه منه فسرق فلا غرم عليه وعلى السارق القطع لأنه سرق من حرز

ويفارق المتاع في الحمام فإن الحفظ فيه غير ممكن لأن الناس يضع بعضهم ثيابه عند ثياب بعض ويشتبه على الحمامي صاحب الثياب فلا يمكنه منع أخذها لعدم علمه بمالكها (مسألة) (وحرز الكفن في القبر على الميت فلو نبش قبرا وأخذ الكفن قطع) روي عن ابن الزبير أنه قطع نباشا، وبه قال الحسن وعمر بن عبد العزيز وقتادة والشعبي والنخعي وحماد ومالك والشافعي واسحاق وأبو ثور وابن المنذر وقال أبو حنيفة والثوري لا قطع عليه لأن القبر ليس بحرز لأن الحرز ما يوضع فيه المتاع للحفظ والكفن لا يوضع في القبر لذلك ولأنه ليس بحرز لغيره فلا يكون حرزاً لغيره، ولأن الكفن لامالك له ولأنه لا يخلو إما أن يكون ملكا للميت أو لوارثه وليس ملكا لواحد منهما لأن الميت لا يملك شيئاً ولم يبق أهلا للملك والوارث إنما يملك ما فضل عن حاجة الميت ولأنه لا يجب القطع الا بمطالبة المالك أو نائبه ولم يوجد ذلك ولنا قول الله تعالى (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) وهذا سارق ولأن عائشة رضي الله عنها قالت: سارق امواتنا كسارق احيائنا وما ذكروه لا يصح فإن الكفن يحتاج الى تركه في القبر دون غيره ويكتفى به في حرزه ألا ترى أنه لا يترك الميت في غير القبر من غير أن يحفظ كفنه ويترك في القبر وينصرف عنه؟ وقولهم انه لا مالك له ممنوع بل هو مملوك للميت لأنه كان مالكا

مسألة: قال أبو بكر: ما كان حرزا لمال، فهو حرز لمال آخر، قياسا لأحدهما على الآخر، والصحيح خلاف ذلك. لأنا إنما رجعنا في الحرز إلى العرف والعادة، أن الجواهر والدراهم والدنانير لا تحرز في الصير والحظائر، ومن أحرزها أو نحوها في ذلك عد مفرطا، فكان العم

له في حياته ولا يزول ملكه إلا عما لا حاجة به اليه ووليه يقوم مقامه في المطالبة كقيام ولي الصبي في الطلب بماله. إذا ثبت هذا فلابد من إخراج الكفن من القبر لأنه الحرز فان أخرجه من اللحد ووضعه في القبر فلا قطع عليه فيه لأنه لم يخرجه من الحرز فأشبه مالو نقل المتاع في البيت من جانب إلى جانب فإن النبي صلى الله عليه وسلم سمى القبر بيتاً (فصل) والكفن الذي يقطع بسرقته ما كان مشروعاً فان كفن الرجل في أكثر من ثلاث لفائف أو المرأة في أكثر من خمس فسرق الزائد عن ذلك أو ترك في تابوت فسرق التابوت أو ترك معه طيبا مجموعاً أو ذهباً أو فضة أو جوهراً لم يقطع بأخذ شئ من ذلك لأنه ليس بكفن مشروع فتركه فيه سفه وتضييع فلا يكون محرزاً ولا يقطع سارقه (فصل) وهل يفتقر في قطع النباش إلى المطالبة؟ يحتمل وجهين (احدهما) يفتقر الى المطالبة كسائر المسروقات فعلى هذا المطالب الوارث لأنه يقوم مقام الميت في حقوقه وهذا من حقوقه (والثاني) لا يفتقر إلى طلب لأن الطلب في السرقة من الأحياء شرط لئلا يكون المسروق مملوكا للسارق وقد يئس من ذلك ههنا

(فصل) وحرز جدار الدار كونه مبنياً فيها إذا كانت في العمران أو كانت في الصحراء وفيها حافظ فإن أخذ من أجزاء الجدار أو خشبة تبلغ نصابا في هذه الحال وجب قطعه لأن الحائط حرز لغيره فيكون حرزاً لنفسه، وإن هدم الحائط ولم يأخذه فلا قطع فيه كما لو تلف المتاع في الحرز ولم يسرقه وإن كانت الدار بحيث لا تكون حرزاً لما فيها كدار في الصحراء لا حافظ لها فلا قطع على من أخذ من جدارها شيئاً لأنها إذا لم تكن حرزاً لما فيها فلنفسها أولى (مسألة) (وحرز الباب تركيبه في موضعه) سواء كان مغلقاً أو مفتوحاً لأنه هكذا يحفظ وعلى سارقه القطع إذا كانت الدار محرزة بما ذكرناه، وأما أبواب الخزائن في الدار فإن كان باب الدار مغلقاً فهي محرزة سواء كانت مغلقة أو مفتوحة وإن كان مفتوحا لم تكن محرزة إلا أن تكون مغلقة أو يكون في الدار حافظ والفرق بين الدار وباب الخزانة أن ابواب الخزائن تحرز بباب الدار وباب الدار لا يحرز إلا بنصبه ولا يحرز بغيره، وأما حلقة الباب فإن كانت مسمورة فهي كحرزه وإلا فلا لأنها تحرز بتسميرها (مسألة) (فلو سرق رتاج الكعبة أو باب مسجد أو تأزيره قطع) إذا سرق باب مسجد منصوباً أو باب الكعبة المنصوب أو سرق من سقفه شيئاً أو تأزيره ففيه وجهان (أحدهما) عليه القطع وهو مذهب الشافعي وابن القاسم صاحب مالك وأبي ثور وابن المنذر

لأنه سرق نصابا محرزاً بحرز مثله لا شبهة له فيه فلزمه القطع كباب بيت الآدمي (والثاني) لا قطع عليه وهو قول أصحاب الرأي لأنه لا مالك له من المخلوقين فلا يقطع كحصر المسجد وقناديله فإنه لا يقطع بسرقة ذلك وجهاً واحداً ولأنه مما ينتفع به الناس فيكون له فيه شبهة فلم يقطع به كالسرقة من بيت المال وقال أحمد لا يقطع بسرقة ستارة الكعبة الخارجة منها قال القاضي: هذا محمول على ما ليست بمخيطة لأنها إنما تحرز بخياطتها وقال أبو حنيفة لا قطع فيها بحال لما ذكرنا في الباب (مسألة) (وإن سرق قناديل المسجد أو حصره فعلى وجهين) (أحدهما) يقطع لأن المسجد حرز لها فقطع بسرقتها كالباب (والثاني) لا يقطع وهو قول أبي حنيفة لأن له فيه حقا وشبهة فأشبه السرقة من بيت المال. ولأنه لا مالك له من المخلوقين، وهذا أصح إن شاء الله تعالى. وذكر شيخنا في كتاب المغني أنه لا يقطع بسرقة ذلك وجهاً واحداً (مسألة) (وإن نام إنسان على ردائه في المسجد فسرقه سارق قطع) لأن النبي صلى الله عليه وسلم قطع سارق رداء صفوان، وإن مال رأسه عنه فسرقه لم يقطع لأنه لم يبق محرزاً (مسألة) (وإن سرق من السوق غزلا وثم حافظ قطع) لأن حرزه بحافظه فاذا سرقه قطع كما يقطع بسرقة الثياب من الحمام إذا كان ثم حافظ (مسألة) (ومن سرق من النخل أو الشجر من غير حرز فلا قطع عليه ويضمن عوضهما مرتين

مسألة: ولا يقطع العبد بالسرقة من مال سيده في قول الجميع، ووافقهم أبو ثور فيه وحكي عن داود أنه يقطع لعموم الآية

يعني بذلك الثمر في البستان قبل إدخاله الحرز. وهذا قول أكثر الفقهاء وكذلك جمار النخل ويسمى الكثر، وروي معنى هذا القول عن ابن عمر وبه قال عطاء ومالك والثوري والشافعي وأصحاب الرأي وقال أبو ثور إن كان من بستان محرز ففيه القطع وبه قال ابن المنذر إذا لم يصح خبر رافع ولا أحسبه ثابتاً واحتجا بظاهر الآية وبقياسه على سائر المحرزات ولنا ما روى رافع بن خديج عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا قطع في ثمرولا كثر) أخرجه أبو داود وابن ماجة، وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن عبد الله بن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الثمر المعلق فقال (من أصاب بفيه من ذي حاجة غير متخذ خبنة فلا شئ عليه ومن خرج بشئ منه فعليه غرامة مثليه والعقوبة ومن سرق منه شيئاً بعد ان يؤويه الجرين فبلغ ثمن المجن فعليه القطع) وهذا يخص عموم الآية ولأن البستان ليس بحرز لغير الثمر فلم يكن حرزاً له كما لو لم يكن محفوظاً، فأما إن كانت شجرة في دار محرزة فسرق منها نصابا فعليه القطع والله أعلم (فصل) وإذا سرق من الثمر المعلق فعليه غرامة مثليه وبه قال إسحاق للخبر المذكور، قال أحمد لا أعلم شيئاً يدفعه، وقال أكثر الفقهاء لا يجب أكثر من مثله قال ابن عبد البر لا أعلم أحداً من

مسألة: ولا يقطع مسلم بالسرقة من بيت المال

من الفقهاء قال بوجوب غرامة مثليه واعتذر بعض أصحاب الشافعي عن هذا الخبر بأنه كان حين كانت العقوبة في الاموال ثم نسخ ذلك. ولنا أن قول النبي صلى الله عليه وسلم حجة لا تجوز مخالفته إلا بمعارضة مثله أو أقوى منه وهذا الذي اعتذر به هذا القائل دعوى للنسخ بالاحتمال من غير دليل عليه وهو فاسد بالإجماع ثم هو فاسد من وجه آخر لقوله ومن سرق منه شيئاً بعد ان يؤويه الجرين فبلغ ثمن المجن فعليه القطع فقد بين وجوب القطع مع إيجاب غرامة مثليه وهذا يبطل ما قاله وقد احتج أحمد بأن عمر أغرم حاطب بن أبي بلتعة حين نحر غلمانه ناقة رجل من مزينة مثلي قيمتها روى الأثرم الحديثين في سننه قال أصحابنا وفي الماشية تسرق من المرعى من غير أن تكون محرزة: مثلا قيمتها لأن في سياق حديث عمرو بن شعيب أن السائل قال الشاه الحريسة منهن يا نبي الله، قال (ثمنها ومثله معه والفكاك وما كان من المراح ففيه القطع إذا كان ما يأخذ من ذلك ثمن المجن) هذا لفظ رواية ابن ماجة وما عدا هذين لا يضمن بأكثر من قيمته أو مثله إن كان مثلياً، وهذا قول أصحابنا وغيرهم إلا أبا بكر فانه ذهب إلى غرامة المسروق من غير حرز بمثيله قياساً على الثمر المعلق وحريسة الحبل واستدلا بحديث حاطب. ولنا أن الأصل وجوب غرامة المثلي بمثله والمتقوم بقيمته بدليل المتلف والمغصوب والمنتهب

مسألة: ولا يقطع بالسرقة من مال له فيه شرك، أو لأحد ممن لا يقطع بالسرقة منه

والمختلس وسائر ما تجب غرامته خولف في هذين الموضعين للأثر ففيما عداهما يبقى على الأصل. (مسألة) (قال أبو بكر ما كان حرزاً لمال فهو حرز لمال آخر قياساً لأحدهما على الآخر والصحيح خلاف ذلك) لأنا إنما رجعنا في الحرز إلى العرف والعادة أن الجواهر والدراهم والدنانير لا تحرز في الصبر والحظائر ومن أحرزها أو نحوها في ذلك عد مفرطاً فكان العمل بالمعروف أولى (فصل) واذا سرق الضيف من مال مضيفه شيئاً نظرت، فإن كان من الموضع الذي أنزل فيه أو موضع لم يحرزه عنه لم يقطع لأنه لم يسرق من حرز وإن سرق من موضع محرز دونه فإن كان منعه فرآه سرق بقدره فلا قطع عليه أيضاً وإن لم يمنع فرآه فعليه القطع، وقد روي عن أحمد أنه لا قطع على الضيف وهو محمول على إحدى الحالتين الأوليين وقال أبو حنيفة لا قطع عليه بحال لأن المضيف بسطه في بيته وماله فأشبه ابنه. ولنا أنه سرق مالا محرزا عنه لا شبهة له فيه فلزمه القطع كالأجنبي وقوله أنه بسطه فيه لا يصح فإنه أحرز عنه هذا المال ولم يبسطه فيه وبسطه في غيره لا يوجب بسطه فيه كما لو تصدق على مسكين بصدقة أو أهدى الى صديقه هدية فإنه لا يسقط عنه القطع بالسرقة من غير ما تصدق به عليه أو أهدى اليه (فصل) وإذا أحرز المضارب مال المضاربة أو الوديعة أو العارية أو المال الذي وكل فيه فسرقه أجنبي فعليه القطع لا نعلم فيه مخالفاً لأنه ينوب مناب المالك في حفظ المال واحرازه ويده كيده وإن

مسألة: ومن سرق من الغنيمة ممن له حق، أو لولده، أو لسيده لم يقطع. لما ذكرنا من المسألة قبلها

غصب عيناً وأحرزها أو سرقها وأحرزها فسرقها سارق فلا قطع عليه وقال مالك عليه القطع لأنه سرق نصابا من حرز مثله لا شبهة له فيه وللشافعي قولان كالمذهبين وقال أبو حنيفة كقولنا في السارق وكقول مالك في الغاصب. ولنا أنه لم يسرق المال من مالكه ولا ممن يقوم مقامه فأشبه مالو وجده ضائعاً فأخذه وفارق السارق من المالك أو نائبه فانه أزال يده الشرعية وسرق من حرزه. (فصل) فإن غصب شيئاً فأحرز فيه ماله فسرقه منه أجنبي فلا قطع عليه لأنه لا حكم لحرزه إذا كان متعدياً به ظالماً فيه. (فصل) قال الشيخ رحمه الله (الخامس انتفاء الشبه فلا يقطع بالسرقة من مال ابنه وان سفل ولا الولد من مال أبيه وإن علا والأب والأم في ذلك سواء) . وجملة ذلك أن الوالد لا يقطع بالسرقة من مال ولده وإن سفل وسواء في ذلك الأب والأم والابن والبنت والجد والجدة من قبل الأب والأم هذا قول عامة أهل العلم منهم مالك والثوري والشافعي وأصحاب الرأي وقال أبو ثور وابن المنذر القطع على كل سارق بظاهر الكتاب إلا أن يجمعوا على شئ فيستثنى. ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (أنت ومالك لأبيك) وقول النبي صلى الله عليه وسلم (إن أطيب ما أكل الرجل من

مسألة: ويقطع سائر الاقارب بالسرقة من مال أقاربهم، كالإخوة والأخوات ومن عداهم

كسبه وإن ولده من كسبه) وفي لفظ (فكلوا من كسب أولادكم) ولا يجوز قطع الانسان بقطع ما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأخذه ولا أخذ ما جعله النبي صلى الله عليه وسلم مالاً له مضافاً إليه ولأن الحدود تدرأ بالشبهات وأعظم الشبهات أخذ الانسان من مال جعله الشرع له وأمره بأخذه وأكله. (فصل) ولا يقطع الابن وإن سفل بسرقة مال والده وإن علا وبه قال الحسن والشافعي واسحاق والثوري وأصحاب الرأي وظاهر قول الخرقي أنه يقطع لأنه لم يذكره فيمن لا قطع عليه وهو قول مالك وأبي ثور وابن المنذر لظاهر الكتاب ولأنه يقاد بقتله ويحد بالزنا بجاريته فيقطع بسرقته ماله كالأجنبي ووجه الأول أن بينهما قرابة تمنع قبول شهادة أحدهما لصاحبه فلم يقطع بسرقة ماله كالاب ولان الفقة تجب في مال الأب لابنه حفظاً له فلا يجوز إتلافه حفظاً للمال وأما الزنا بجاريته ففيه منع وإن سلم فإنما وجب عليه الحد لأنه لا شبهة له فيها. (مسألة) (ولا يقطع العبد بالسرقة من مال سيده في قول الجميع ووافقهم أبو ثور فيه وحكي عن داود أنه يقطع لعموم الآية. ولنا ما روى السائب بن يزيد قال شهدت عمر بن الخطاب قد جاءه عبد الله بن عمر والحضرمي بغلام له فقال إن غلامي هذا سرق فاقطع يده فقال عمر ما سرق؟ قال سرق مرآة امرأتي ثمنها ستون درهما فقال أرسله لا قطع عليه خادمكم أخذ متاعكم، ولكنه لو سرق من غيره قطع وفي لفظ

مسألة: وإذا سرق المسروق منه مال السارق، أو المغصوب منه مال الغاصب، من الحرز الذي فيه العين المسروقة، أو المغصوبة، لم يقطع، وإن سرق من غير ذلك، أو سرق من مال من له عليه دين قطع؟، إلا أن يعجز عن أخذه منه، فيسرق قدر حقه فلا يقطع، وقال القاضي: يقطع

قال مالكم سرق بعضه بعضاً لا قطع عليه رواه سعيد، وعن ابن مسعود أن رجلا جاءه فقال عبد لي سرق قباء لعبد لي آخر فقال لا قطع مالك وسرق مالك وهذه قضايا تشتهر ولم يخالفها أحد فتكون اجماعا وهذا يخص عموم الآية ولأن هذا إجماع من أهل العلم لأنه قول من سمينا من الأئمة ولم يخالفهم في عصرهم أحد فلا يجوز خلافه بقول من بعدهم كما لا يجوز ترك إجماع الصحابة بقول واحد من التابعين (فصل) وأم الولد والمدبر والمكاتب كالقن في هذا وبه قال الثوري واسحاق وأصحاب الرأي ولا يقطع سيد المكاتب بسرقة ماله لأنه عبد ما بقي عليه درهم، وكل من لا يقطع الإنسان بسرقة ماله لا يقطع عبده بسرقة ماله كآبائه وأولاده وغيرهم وقال أبو ثور يقطع بسرقة من عدا سيده ونحوه قول مالك وابن المنذر. ولنا حديث عمر رضي الله عنه، ولأن مالهم ينزل منزلة ماله في قطعه فكذلك في قطع عبده. (مسألة) (ولا يقطع مسلم بالسرقة من بيت المال) يروي ذلك عن عمر وعلي رضي الله عنهما وبه قال الشعبي والنخعي والحكم والشافعي وأصحاب الرأي، وقال حماد ومالك وابن المنذر يقطع لظاهر الكتاب. ولنا ماروى ابن ماجة بإسناده عن ابن عباس أن عبداً من رقيق الخمس سرق من الخمس فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقطعه وقال (مال الله سرق بعضه بعضاً) ويروى ذلك عن عمر رضي الله

عنه وسأل ابن مسعود عمر عمن سرق من بيت المال فقال أرسله فما من أحد إلا وله في هذا المال حق، وقال سعيد ثنا هشيم ثنا مغيرة عن الشعبي عن علي عليه السلام أنه كان يقول ليس على من سرق من بيت المال قطع ولأن له في المال حقاً فيكون شبهة تمنع وجوب القطع كما لو سرق من مال له فيه شركة (مسألة) (ولا يقطع بالسرقة من مال له فيه شرك أو لأحد ممن لا يقطع بالسرقة منه) كالأب لا يقطع بسرقة مال ابنه والعبد لا يقطع بسرقة مال سيده فكذلك إذا سرق من مال لابنه فيه شرك أو لسيده فلا قطع عليه لذلك. (فصل) ومن سرق من الوقف أو من غلته وكان من الموقوف عليهم كالمسكين يسرق من مال وقف المساكين أو من قوم معينين عليهم وقف لم يقطع لأنه شريك، وإن كان من غيرهم قطع لأنه لا حق له فيه فإن قيل فقد قلتم لا يقطع بالسرقة من بيت المال من غير تفريق بين غني وفقير فلم فرقتم ههنا؟ قلنا لأن للغني في بيت المال حقاً بدليل قول عمر رضي الله عنه ما من أحد إلا وله في هذا المال حق بخلاف وقف المساكين فإنه لا حق للغني فيه. (مسألة) (ومن سرق من الغنيمة ممن له حق أو لولده أو لسيده لم يقطع) لما ذكرنا من المسألة قبلها.

مسألة: ومن أجر داره أو أعارها، ثم سرق منها مال المستعير أو المستأجر قطع

وحكي عن ابن أبي موسى أنه يحرق رحله كالغال، وإن لم يكن من الغانمين ولا أحد ممن ذكرنا فسرق منها قبل إخراج الخمس لم يقطع لأن له في الخمس حقاً، وان أخرج الخمس فسرق من أربعة الأخماس قطع وإن سرق من الخمس لم يقطع لأن له فيه شركة فان قسم الخمس خمسة أقسام فسرق من خمس الله ورسوله لم يقطع، وإن سرق من غيره قطع إلا أن يكون من أهل ذلك الخمس (مسألة) (وهل يقطع أحد الزوجين بالسرقة من مال الآخر المحرز عنه؟ على روايتين) (إحداهما) لا قطع عليه وهو اختيار أبي بكر ومذهب أبي حنيفة لقول عمر رضي الله عنه لعبد الله بن عمرو الحضرمي حين قال له أن غلامي سرق مرآة امرأتي أرسله لا قطع عليه خادمكم أخذ متاعكم، وإذا لم يقطع عبده بسرقة مالها فهو أولى ولأن كل واحد منهما يرث صاحبه بغير حجب ويسقط في مال الآخر عادة فأشبه الوالد والولد (والثانية) يقطع وهو مذهب مالك وأبي ثور وابن المنذر وهو ظاهر كلام الخرقي لعموم الآية ولأنه سرق مالا محرزا عنه لا شبهة له فيه فأشبه الأجنبي وللشافعي كالروايتين وقول ثالث ان الزوج يقطع بسرقة مال الزوجة لأنه لا حق له فيه ولا تقطع بسرقة ماله لأن لها النفقة فيه، فأما إن لم يكن مال أحدهما محرزا عن الآخر لم يقطع رواية واحدة لأنه لم يسرق من حرز (مسألة) (ويقطع سائر الاقارب بالسرقة من مال أقاربهم كالإخوة والأخوات ومن عداهم)

مسألة: وإن استعار دارا، فنقبها المعير وسرق مال المستعير منها، قطع أيضا

وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا يقطع بالسرقة من ذي رحم وحكاه ابن أبي موسى في الارشاد مذهباً لأحمد لأنها قرابة تمنع النكاح وتبيح النظر وتوجب النفقة أشبه قرابة الولادة ولنا أنها قرابة لا تمنع الشهادة فلا تمنع القطع لغير ذي الرحم وبهذا فارق قرابة الولادة (مسألة) (ويقطع المسلم بالسرقة من مال الذمي والمستأمن ويقطعان بسرقة ماله) أما قطع المسلم بالسرقة من مال الذمي وقطع الذمي بالسرقة من مال مسلم فلا نعلم فيه خلافاً وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي وأما الحربي إذا دخل إلينا مستأمناً فسرق فانه يقطع أيضاً وقال ابن حامد لا يقطع وهو قول أبي حنيفة ومحمد لأنه حد لله تعالى فلا يقام الحد عليه كالزنا ونص أحمد على أنه لايقام عليه حد الزنا وللشافعي قولان كالمذهبين ولنا أنه حد يطالب به فوجب كحد القذف يحققه أن القطع يجب صيانة للأموال وحد القذف يجب صيانة للأعراض فإذا وجب في حقه أحدهما وجب الآخر، فأما الزنا فإنما لم يجب لأنه يجب به قتله لنقض العهد ولا يجب مع القتل حد سواه إذا ثبت هذا فإن المسلم يقطع بسرقة ماله وعند أبي حنيفة لا يجب

ولنا أنه سرق مالا معصوماً لا شبهة له فيه من حرز مثله فوجب قطعه كسرقة مال الذمي ويقطع المرتد إذا سرق فإن أحكام الاسلام جارية عليه (مسألة) (ومن سرق عيناً وادعى أنها ملكه لم يقطع وعنه يقطع وعنه لا يقطع إلا أن يكون معروفاً بالسرقة) من ثبتت عليه السرقة ببينة فأنكر لم يسمع انكاره، وإن قال أحلفوه لي أني سرقت منه لم يحلف لأن السرقة قد ثبتت بالبينة وفي إحلافه عليها قدح في الشهادة فإن قال الذي أخذته ملكي كان لي عنده وديعة أو رهنا أو ابتعته منه أو وهبه لي أو أذن لي في أخذه أو غصبه مني أو من أبي أو بعضه لي فالقول قول المسروق منه مع يمينه لأن اليد ثبتت له فإن حلف سقطت دعوى السارق ولا قطع عليه لأن صدقه محتمل ولهذا أحلفنا المسروق منه وإن نكل قضينا عليه بنكوله وهذا إحدى الروايات عن أحمد وهو منصوص الشافعي وعن أحمد رواية أخرى أنه يقطع لأن سقوط القطع بدعواه يؤدي إلى أن لا يجب قطع سارق فتفوت مصلحة الزجر وعنه رواية ثالثة أنه إن كان معروفاً بالسرقة قطع لأنه يعلم كذبه وإلا سقط عنه القطع والأولى أولى لأن الحدود تدرأ بالشبهات وافضاؤه الى سقوط القطع لا يمنع اعتباره كما أن الشرع اعتبر في شهادة الزنا شروطا لا يكاد يقع معها إقامة حد ببينة أبداً على أنه لا يفضي اليه لازماً فان السراق لا يعلمون هذا ولا يهتدون إليه في الغالب وإنما يختص بعلم هذا الفقهاء الذين لا يسرقون غالبا فان لم يحلف المسروق منه سقط القطع وجهاً واحداً لأنه يقضى عليه بالنكول

(مسألة) (وإذا سرق المسروق منه مال السارق أو المغصوب منه مال الغاصب من الحرز الذي فيه العين المسروقة أو المغصوبة لم يقطع وإن سرق من غير ذلك أو سرق من مال من له عليه دين قطع إلا أن يعجز عن أخذه منه فيسرق قدر حقه فلا يقطع وقال القاضي يقطع) إذا سرق من مال إنسان أو غصبه فأحرزه فجاء المالك فهتك الحرز وأخذ ماله فلا قطع فيه عند أحده سواء أخذه سرقة أو غيرها لأنه أخذ ماله وإن سرق غيره ففيه وجهان (أحدهما) لا قطع عليه لأن له شبهة في هتك الحرز وأخذ ماله فصار كالسارق من غير حرز ولأن له شبهة في أخذ قدر ماله لذهاب بعض أهل العلم إلى جواز أخذ الانسان قدر دينه من مال من هو عليه (والثاني) عليه القطع لأنه سرق نصاباً من حرزه لاشبهة له فيه وإنما يجوز له أخذ قدر ماله إذا عجز عن أخذ ماله وهذا أمكنه أخذ ماله فلم يجز له أخذ غيره وكذلك الحكم إذا أخذ ماله وأخذ نصابا من غيره متميزاً عن ماله فإن كان مختلطاً بماله غير متميز منه فلا قطع عليه لأنه أخذ ماله الذي له أخذه وحصل غيره مأخوذاً ضرورة أخذه فيجب أن لا يضع فيه، ولأن له في أخذه شبهة والحد يدرأ بالشبهات فأما إن سرق منه مالا من غير الحرز الذي فيه ماله أو كان له دين على إنسان فسرق من ماله قدر دينه من حرزه نظرت فإن كان الغاصب أو الغريم باذلا لما عليه غير ممتنع من أدائه أو قدر المالك على اخذ ماله فتركه وسرق مال الغاصب أو الغريم فعليه القطع لأنه لا شبهة له فيه، وإن عجز عن استيفاء

مسألة: ولا ينزع عن إقراره حتى يقطع

دينه أو أرش جنايته فسرق قدر دينه أو حقه فلا قطع عليه وقال القاضي عليه القطع بناء على أصلنا في أنه ليس له أخذ قدر دينه ولنا أن هذا مختلف في حله فلم يجب الحد به كالوطئ في نكاح مختلف فيه وتحريم الأخذ لا يمنع الشبهة الناشئة عن الاختلاف والحدود تدرأ بالشبهات فان سرق أكثر من دينه فهو كالمغصوب منه إذا سرق أكثر من دينه على ما مضى (فصل) ومن قطع بسرقة عين فعاد فسرقها قطع، إذا سرق سارق فقطع ثم سرق ثانيا قطع ثانياً سواء سرق من الذي سرق منه أو من غيره وسواء سرق تلك العين التي قطع بسرقتها أو غيرها وبهذا قال الشافعي، وقال أبو حنيفة إذا قطع بسرقة عين مرة لم يقطع بسرقتها مرة ثانية إلا أن يكون قد قطع بسرقة غزل ثم سرقه منسوجاً أو قطع بسرقة رطب ثم سرقه تمراً واحتج بأن هذا يتعلق استيفاؤه بمطالبة آدمي فاذا تكرر سببه في العين الواحدة لم يتكرر كحد القذف ولنا أنه حد يجب بفعل في عين فتكرره في عين واحدة كتكرره في الأعيان كالزنا وما ذكروه يبطل بالغزل إذا نسج وبالرطب إذا أتمر ولا نسلم حد القذف فإنه متى قذفه بغير ذلك الزنا حد، وإن قذفه بذلك الزنا حد، وإن قذفه بذلك الزنا عقيب حده لم يحد لأن الغرض إظهار كذبه وقد ظهر وههنا الغرض ردعه عن السرقة ولم يرتدع فيردع بالثاني كما لو سرق عيناً أخرى

(فصل) فان سرق مرات قبل القطع أجزأ حد واحد عن جميعها وتداخلت حدودها لأنه حد من حدود الله فاذا اجتمعت أسبابه تداخل كحد الزنا، وذكر القاضي فيما إذا سرق من جماعة وجاءوا متفرقين رواية أخرى أنها لا تتداخل ولعله يقيس ذلك على حد القذف والصحيح أنها تتداخل لأن القطع خالص حق لله تعالى فيتداخل كحد الزنا والشرب، وفارق حد القذف فانه لآدمي ولهذا يتوقف على المطالبة باستيفائه ويسقط بالعفو عنه (مسألة) (ومن أجر داره أو أعارها ثم سرق منها مال المستعير أو المستأجر قطع) اذا سرق مال المستأجر من العين المستأجرة فعليه القطع وبهذا قال الشافعي، وأبو حنيفة وقال صاحباه لا قطع عليه لأن المنفعة تحدث في ملك المؤجر ثم تنقل الى المستأجر ولنا أنه هتك حرزا وسرق منه نصابا لا شبهة له فيه فوجب القطع كما لو سرق من ملك المستأجر وما قالاه غير مسلم (مسألة) (وإن استعار داراً فنقبها المعير وسرق مال المستعير منها قطع أيضاً) وبهذا قال الشافعي في أحد الوجهين وقال أبو حنيفة لا قطع عليه لأن المنفعة ملك له فما هتك حرز غيره ولأن له الرجوع متى شاء وهذا يكون رجوعاً

ولنا ما تقدم في التي قبلها ولا يصح ما ذكروه لأن هذا قد صار حرز المال غيره فلا يجوز له الدخول اليه وإنما يجوز له الرجوع في العارية والمطالبة برده اليه (فصل) قال أحمد رحمه الله لا قطع في المجاعة، يعني أن المحتاج إذا سرق ما يأكله لا قطع عليه لأنه كالمضطر وروى الجوزجاني عن عمر أنه قال لا قطع في عام سنة وقال سألت أحمد عنه فقلت تقول به؟ فقال أي لعمري إذا حملته الحاجة والناس في شدة ومجاعة، وعن الأوزاعي مثل ذلك وهذا محمول على من لا يجد ما يشتري به ما يأكله وقد روي عن عمر رضي الله عنه ان غلمان حاطب بن أبي بلتعة انتحروا ناقة للمزني فأمر عمر بقطعهم ثم قال لحاطب إني أراك تجيعهم فدرأ عنهم الحد لما ظنه يجيعهم فأما الواجد لما يأكله والواجد لما يشتري به فعليه القطع وإن كان بالثمن الغالي ذكره القاضي وهو مذهب الشافعي فصل ولا قطع على المرأة إذا منعها الزوج قدر كفايتها أو كفاية ولدها إذا أخذت من ماله سواء أخذت قدر ذلك أو أكثر منه لانها تستحتق قدر ذلك فالزائد يكون مشتركاً بما يستحق أخذه (فصل) السادس ثبوت السرقة بشهادة عدلين أو إقرار مرتين ولا ينزع عن اقراره حتى يقطع وجملة ذلك أن القطع إنما يجب بأحد شيئين بينة أو إقرار لا غير، فأما البينة فيشترط فيها أن يكونا رجلين مسلمين حرين عدلين سواء كان السارق مسلما أو ذيما وقد ذكرنا ذلك في شهود الزنا بما

يغني عن إعادته ههنا ويشترط أن يصفا السرقة والحرز وجنس النصاب وقدره ليزول الاختلاف فيه فيقولان نشهد أن هذا سرق كدا قيمته كذا من حرز ويصفا الحرز فإن كان المسروق منه غائباً فحضر وكيله وطالب بالسرقة احتاج الشاهدان أن يرفعا في نسبه فيقولان من حرز فلان بن فلان ابن فلان بحيث يتميز عن غيره فإذا اجتمعت هذه الشروط وجب القطع في قول عامتهم، وقال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن قطع السارق يجب إذا شهد بالسرقة شاهدان حران مسلمان ووصفا ما يوجب القطع وإذا وجب القطع بشهادتهما لم يسقط بغيبتهما ولا موتهما على ما مضى في الشهادة بالزنا وإذا شهد بسرقة مال غائب فإن كان له وكيل حاضر فطالب به قطع السارق وإلا فلا وقال القاضي يحبس ولا يقطع حتى يحضر الغائب (فصل) وإذا اختلف الشاهدان في الوقت أو الزمان أو المسروق فشهد أحدهما أنه سرق يوم الخميس والآخر أنه سرق يوم الجمعة أو شهد أحدهما أنه سرق من هذا البيت والآخر أنه سرق من هذا البيت الآخر أو قال أحدهما سرق ثوراً وقال الآخر سرق بقرة أو قال الآخر سرق حماراً لم يقطع في قولهم جميعاً وبه قال الثوري والشافعي وأصحاب الرأي، وإن قال أحدهما سرق ثوباً أبيض وقال الآخر أسود أو قال أحدهما سرق هروياً وقال الآخر سرق مروياً لم يقطع أيضاً وبه قال الشافعي وأبو ثور وابن المنذر لأنهما لم يتفقا على الشهادة بشئ واحد فأشبه مالو اختلفا في الذكورية

مسألة: وإذا وجب القطع، قطعت يده اليمنى من مفصل الكف وحسمت، وهو أن تغمس في زيت مغلي، فان عاد، قطعت رجله اليسرى من مفصل الكف وحسمت

والأنوثية وقال أبو الخطاب يقطع وهو قول أصحاب الرأي لأن الاختلاف لم يرجع إلى نفس الشهادة فيحتمل أن أحدهما غلب على ظنه أنه هروي والآخر أنه مروي أو كان الثوب فيه سواد وبياض قال إبن المنذر اللون أقرب إلى الظهور من الذكورية والأنوثية فإذا كان اختلافهم فيما يخفى يبطل شهادتهما ففيما يظهر أولى ويحتمل أن أحدهما ظن المسروق ذكراً وظنه الآخر انثى وقد أوجب هذا رد شهادتهما فكذلك ههنا (الأمر الثاني) الاعتراف ويشترط فيه أن يعترف مرتين روى ذلك عن علي رضي الله عنه، وبه قال ابن أبي ليلى وأبو يوسف وزفر وابن شبرمة، وقال عطاء والثوري وأبو حنيفة والشافعي ومحمد بن الحسن يقطع باعتراف مرة لأنه حق يثبت بالاقرار فلم يعتبر فيه التكرار كحق الآدمي ولنا ماروى أبو داود بإسناده عن أبي أمية المخزومي أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بلص قد اعترف فقال له (ما إخالك سرقت) قال بلى فأعاد عليه مرتين أو ثلاثا فأمر به فقطع ولو وجب القطع بأول مرة لما أخره وروى سعيد عن هشيم وسفيان وأبي الأحوص وأبي معاوية عن الأعمش عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه قال شهدت علياً وأتاه رجل فأقر بالسرقة فرده وفي لفظ فانتهره وفي لفظ فسكت عنه وقال غير هؤلاء فطرده ثم

عاد بعد ذلك فأقر فقال له علي شهدت على نفسك مرتين وأمر به فقطع وفي لفظ قد أقررت على نفسك مرتين ومثل هذا يشتهر فلم ينكر ولأنه يتضمن إتلافاً في حد فكان من شرطه التكرار كحد الزنا ولأنه أحد حجتي القطع فيعتبر فيه التكرار كالشهادة وقياسهم ينتقض بالزنا عند من اعتبر التكرار ويفارق حق الآدمي لأن حقه مبني على الشح والضيق ولا يقبل رجوعه عنه بخلاف مسئلتنا (فصل) ويعتبر أن يذكر في إقراره شروط السرقة من النصاب والحرز وإخراجه منه، والحر والعبد في هذا سواء نص عليه أحمد لعموم النص فيهما ولما روى الأعمش عن القاسم عن أبيه أن علياً قطع عبداً أقر عنده بالسرقة وفي رواية قال كان عبداً يعني الذي قطعه علي ويعتبر أن يقر مرتين. وروى منها عن أحمد: إذا أقر العبد أنه سرق أربع مرات قطع فظاهر هذا أنه اعتبر إقراره أربع مرات ليكون على النصف من الحر، والاول أصح لخبر علي ولأنه إقرار بحد فاستوى فيه الحر والعبد كسائر الحدود (مسألة) (ولا ينزع عن إقراره حتى يقطع) هذا قول أكثر الفقهاء وقال ابن أبي ليلي وداود لا يقبل رجوعه لأنه لو أقر لآدمي بحد قصاص لم يقبل رجوعه عنه ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم للسارق (ما إخالك سرقت) يعرض له ليرجع ولأن حديثه ثبت بالاعتراف فقبل رجوعه عنه كحد الزنا ولأن الحدود تدرأ بالشبهات ورجوعه شبهة لاحتمال أن يكون كذب

على نفسه في اعترافه ولأنه أحد حجتي القطع فيبطل بالرجوع عنه كالشهادة ولأن حجة القطع زالت قبل استيفائه فسقط كما لو رجع الشهود وفارق حق الآدمي لأنه مبني على الشح والضيق، ولو رجع الشهود عن الشهادة بعد الحكم في حق الآدمي لم يبطل برجوعهم ولم يمنع استيفاءها، إذا ثبت هذا فإنه إذا رجع قبل القطع سقط القطع ولم يسقط غرم المسروق لأنه حق آدمي، ولو أقر مرة واحدة لزمه غرامة المسروق دون القطع، وإن كان رجوعه وقد قطع بعض المفصل لم يتممه إن كان يرجى برؤه لكونه قطع الأقل وإن قطع الأكثر فالمقطوع بالخيار إن شاء قطعه ويستريح من تعليق كفه ولا يلزم القاطع قطعه لأن قطعه تداو وليس بحد (فصل) قال أحمد لا بأس بتلقين السارق ليرجع عن إقراره وهذا قول عامة الفقهاء روي عن عمر أنه أتي بسارق فسأله أسرقت؟ قل لا فقال لا فتركه وروي ذلك عن ابي بكر الصديق وأبي هريرة وابن مسعود وأبي الدرداء رضي الله عنهم وبه قال إسحاق وأبو ثور، وقد روينا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للسارق (ما إخالك سرقت) وقال لماعز (لعلك قبلت أو لمست) وعن علي أن رجلا أقر عنده بالسرقة فانتهره. ولا بأس بالشفاعة في السارق اذا لم يبلغ الامام فإنه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (تعافوا الحدود فيما بينكم فما بلغني من حد وجب) وقال الزبير بن العوام في الشفاعة في الحد يفعل ذلك دون السطان فإذا بلغ الامام فلا أعفاه الله إن أعفاه، وممن رأى ذلك عمار وابن عباس وسعيد بن جبير والزهري والاوزاعي وقال مالك إن لم يعرف بشر فلا بأس أن يشفع له ما لم يبلغ الامام وأما من عرف بشر وفساد فلا أحب أن يشفع له ولكن يترك حتى يقام عليه الحد وأجمعوا على أنه إذا بلغ

مسألة: فان عاد حبس ولم يقطع، وعنه أنه تقطع يده اليسرى في الثالثة، ورجله اليمنى في الرابعة

الإمام لم تجز الشفاعة فيه لأن ذلك اسقاط حق وجب لله تعالى وقد غضب النبي صلى الله عليه وسلم حين شفع أسامة في المخزومية التي سرقت وقال (أتشفع في حد من حدود الله تعالى؟) وقال ابن عمر من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد ضاد الله في حكمه (فصل) السابع مطالبة المسروق منه بما له وقال أبو بكر ليس ذلك بشرط وجملة ذلك أن السارق لا يقطع وإن اعترف أو قامت بينة حتى يأتي مالك المسروق يدعيه وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وقال أبو بكر: ولا يفتقر إلى دعوى ولا مطالبة وهذا قول مالك وأبي ثور وابن المنذر لعموم الآية ولأن موجب القطع ثبت فوجب من غير مطالبة كحد الزنا ولنا أن المال يباح بالبذل والإباحة فيحتمل أن مالكه أباحه إياه أو وقفه على المسلمين أو على طائفة السارق منهم أو أذن له في دخول حرزه فاعتبرت المطالبة لتزول هذه الشبهة وعلى هذا يخرج الزنا فإنه لا يباح بالإباحة ولأن القطع أوسع في الإسقاط ألا ترى أنه اذا سرق مال أبيه لم يقطع ولو زنى بجاريته حد؟ ولأن القطع شرع لصيانة مال الآدمي فله به تعلق فلم يستوف من غير حضور مطالب به والزنا حق لله تعالى محض فلم يفتقر إلى طلب به. إذا ثبت هذا فإن وكيل الغائب يقوم مقامه في الطلب وقال القاضي إذا أقر بسرقة مال غائب حبس حتى يحضر الغائب لأنه يحتمل أن يكون قد أباحه ولو أقر بحق مطلق لغائب لم يحبس لأنه لا حق عليه لغير الغائب ولم يأمر بحبسه فلم يحبس وفي مسئلتنا تعلق به حق الله تعالى وحق الآدمي فحبس لما عليه من حق الله تعالى، فإن كانت العين في يده أخذها الحكام وحفظها للغائب وإن لم يكن في يده شئ فإذا جاء الغائب كان الخصم فيها (فصل) ولو أقر بسرقة لرجل فقال المالك لم تسرق مني ولكن غصبتني أو كان لي قبلك وديعة فجحدتني لم يقطع لأن اقراره لم يوافق دعوى المدعي، وهذا قال أبو ثور وأصحاب الرأي وإن

مسألة: ومن سرق وليس له يد يمنى، قطعت رجله اليسرى، وإن سرق وله يمنى فذهبت، سقط القطع، وإن ذهبت يده اليسرى، لم تقطع اليمنى على الرواية الأولى وتقطع على الأخرى

أقر أنه سرق نصابا من رجلين فصدقة أحدهما دون الآخر أو قال الآخر بل غصبتنيه أو جحدتنيه لم يقطع وبه قال أصحاب الرأي وقال أبو ثور يقطع ولنا أنه لم يوافق على سرقة نصاب فلم يقطع كالتي قبلها وإن وافقاه جميعا قطع وإن حضر أحدهما فطالب ولم يحضر الآخر لم يقطع لأن ما حصلت المطالبة به لا يوجب القطع بمفرده، وإن أقر أنه سرق من رجل شيئاً فقال الرجل قد فقدته من مالي فينبغي أن يقطع لما روي عن عبد الرحمن بن ثعلبة الانصاري عن أبيه أن عمرو بن سمرة بن حبيب بن عبد شمس جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني سرقت جملا لبني فلان فطهرني فأرسل اليهم النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا إنا افتقدنا جملاً لنا فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فقطعت يده، قال ثعلبة أنا أنظر إليه حين وقعت يده وهو يقول الحمد لله الذي طهرني منك أردت أن تدخلي جسدي النار رواه ابن ماجه (مسألة) (وإذا وجب القطع قطعت يده اليمنى من مفصل الكف وحسمت وهو أن تغمس في زيت مغلي فان عاد قطعت رجله اليسرى من مفصل الكف وحسمت) لا خلاف بين أهل العلم في أن السارق أول ما يقطع منه يده اليمنى من مفصل الكف وهو الكوع وفي قراءة عبد الله بن مسعود (فاقطعوا أيمانهما) وهذا إن كان قراءة وإلا فهو تفسير، وقد روي عن ابي بكر وعمر رضي الله عنهما أنهما قالا إذا سرق السارق فاقطعوا يمينه من الكوع ولا مخالف لهما في الصحابة ولأن البطش بها أقوى فكانت البداءة بها أردع ولأنها آلة السرقة فناسبت عقوبته باعدام آلتها، وإذا سرق ثانياً قطعت رجله اليسرى وبذلك قال الجماعة الاعطاء حكي عنه أنه تقطع

مسألة: وان سرق وله يمنى فذهبت، سقط القطع

يده اليسرى لقوله سبحانه (فاقطعوا أيديهما) ولأنها آلة السرقة والبطش فكانت العقوبة بقطعها أولى، وروي ذلك عن ربيعة وداود وهذا شذوذ يخالف قول جماعة الفقهاء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم وقول ابي بكر وعمر رضي الله عنهما، وقد روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في السارق (اذا سرق فاقطعوا يده ثم ان سرق فاقطعوا رجله) ولأنه في المحاربة الموجبة قطع عضوين إنما تقطع يده ورجله ولا تقطع يداه فنقول جناية أوجبت قطع عضوين فكانا يدا ورجلا كالمحاربة ولأن قطع يديه يفوت منفعة الجنس فلا تبقى له يد يأكل بها ولا يتوضأ ولا يستطيب ولا يدفع عن نفسه فيصير كالهالك فكان قطع الرجل الذي لا يشتمل على هذه المفسدة أولى، وأما الآية فالمراد بها قطع يد كل واحد منهما بدليل أنه لا تقطع اليد ان في المرة الأولى، وفي قراءة عبد الله (فاقطعوا أيمانهما) وإنما ذكر بلفظ الجمع لأن المثنى إذا أضيف الى المثنى ذكر بلفظ الجمع كقوله تعالى (فقد صغت قلوبكما) إذا ثبت هذا فانه تقطع رجله اليسرى لقول الله تعالى (أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف) ولأن قطع اليسرى أرفق به لأنه يمكنه المشي على خشبة ولو قطعت رجله اليمنى لم يمكنه المشي بحال، وتقطع الرجل من مفصل الكعب في قول أكثر أهل العلم وفعل ذلك عمر رضي الله عنه وكان علي رضي الله عنه بقطع من نصف القدم من معقد الشراك ويدع له عقباً يمشي عليها وهو قول أبي ثور ولنا أنه أحد العضوين المقطوعين في السرقة فيقطع من المفصل كاليد، وإذا قطع حسم وهو أن أن يغلى الزيت فاذا قطع غمس عضوه في الزيت لتنسد أفواه العروق لئلا ينزف الدم فيموت وقد روي أن

مسألة: وإذا وجب قطع يمناه، فقطع القاطع يسراه بدلا عن يمينه أجزأت، ولا شيء على القاطع إلا الأدب

النبي صلى الله عليه وسلم أتي بسارق سرق شملة فقال (اقطعوه واحسموه) وهو حديث فيه مقال قاله ابن المنذر وممن استحب ذلك الشافعي وأبو ثور وغيرهما من أهل العلم (فصل) ويقطع السارق بأسهل ما يمكن فيجلس ويضبط لئلا يتحرك فيجني على نفسه وتشد يده بحبل ويجر حتى يبين مفصل الكف من مفصل الذراع ثم توضع بينهما سكين حادة ويدق فوقها بقوة ليقطع في مرة واحدة أو توضع السكين على المفصل وتمد مدة واحدة وإن علم قطع أوحى من هذا قطع به (فصل) ويسن تعليق اليد في عنقه لما روى فضالة بن عبيد أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بسارق فقطعت يده ثم أمر بها فعلقت في عنقه رواه أبو داود وابن ماجة وفعل ذلك علي رضي الله عنه ولأن فيه ردعاً وزجراً. (فصل) ولا يقطع في شدة حر ولا برد لأن الزمان ربما أعان على قتله والغرض الزجر دون القتل، ولا يقطع مريض في مرضه لئلا يأتي ذلك على نفسه، ولو سرق فقطعت يده ثم سرق قبل اندمال يده لم يقطع ثانيا حتى يندمل القطع الأول وكذلك لو قطعت رجله قصاصاً لم تقطع اليد في السرقة حتى تبرأ الرجل فان قيل أليس لو وجب عليه قصاص في اليد الأخرى لقطعت قبل الاندمال والمحارب تقطع يده ورجله دفعة واحدة وقد قلتم في المريض الذي وجب عليه الحد لا ينتظر برؤه فلم خالفتم ذلك ههنا؟ قلنا القصاص حق آدمي يخاف فوته وهو مبني على الضيق لحاجته إليه ولأن القصاص قد يجب في يد ويجب في يدين وأكثر في حالة واحدة فلهذا جاز أن يوالى بين قصاصين بخلاف الحد فإن كل معصية لها حد مقدر ولا تجوز الزيادة عليه فإذا والى بين حدين صار

مسألة: ويجتمع القطع الضمان فترد العين المسروقة الى مالكها، وإن كانت تالفة غرم قيمتها وقطع

كالزيادة على الحد فلم يجز، فأما قطاع الطريق فان قطع اليد والرجل حد واحد بخلاف ما نحن فيه وأما تأخير الحد للمرض فممنوع وإن سلم فان الجلد يمكن تخفيفه فيؤتى به في المرض على وجه يؤمن معه التلف والقطع لا يمكن تخفيفه (مسألة) (فإن عاد حبس ولم يقطع وعنه أنه تقطع يده اليسرى في الثالثة ورجله اليمنى في الرابعة) وجملة ذلك أنه إذا سرق بعد قطع يديه ورجليه لم يقطع منه شئ آخر وحبس وبهذا قال علي رضي الله عنه والحسن والشعبي والنخعي والزهري وحماد والثوري وأصحاب الرأي، وعن أحمد أنه يقطع في الثالثة يده اليسرى وفي الرابعة رجله اليمنى وفي الخامسة يعزر ويحبس، وروي عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما أنهما قطعا يد أقطع اليد والرجل وهو قول قنادة ومالك والشافعي وأبي ثور وابن المنذر، وروي عن عثمان وعمرو بن العاص وعمر بن عبد العزيز أنه تقطع يده اليسرى في الثالثة والرجل اليمنى في الرابعة ويقتل في الخامسة لأن جابرا قال: جئ إلى النبي صلى الله عليه وسلم بسارق فقال (اقتلوه) قالوا يا رسول الله انما سرق قال (اقطعوه) قال فقطع ثم جئ به الثانية فقال (اقتلوه) فقالوا يا رسول الله انما سرق فقال (اقطعوه) قال فقطع ثم جئ به الثالثة فقال (اقتلوه) قالوا يارسول الله انما سرق قال (اقطعوه) قال ثم أتي به الرابعة فقال (اقتلوه) ، قالوا يا رسول الله انما سرق قال (اقطعوه) ثم أتي به الخامسة فقال (اقتلوه) فانطلقنا به فقتلناه ثم اجتررناه فألقيناه في بئر رواه أبو داود والنسائي، وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في السارق (إن سرق فاقطعوا يده ثم ان سرق فاقطعوا رجله ثم إن سرق فاقطعوا يده ثم ان سرق فاقطعوا رجله) ولأن

اليسار تقطع قوداً فجاز قطعها في السرقة كاليمنى ولأنه فعل أبي بكر رضي الله عنهما، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر) ولنا ماروى سعيد ثنا أبو معشر عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه قال حضرت علي بن أبي طالب رضي الله عنه أتي برجل مقطوع اليد والرجل قد سرق فقال لأصحابه ما ترون في هذا؟ قالوا اقطعه يا أمير المؤمنين قال قتلته إذاً وما عليه القتل باي شئ يأكل الطعام؟ بأي شئ يتوضأ للصلاة؟ بأي شئ يغتسل من جنابته؟ بأي شئ يقوم على حاجته؟ فرده إلى السجن أياماً ثم أخرجه فاستشار أصحابه فقالوا مثل قولهم الأول وقال مثل ما قال أول مرة فجلده جلداً شديدا ثم أرسله وروي عنه أنه قال إني لاستحي من الله أن لا أدع له يداً يبطش بها ولا رجلاً يمشي عليها ولأن في قطع اليدين تفويت منفعة الجنس فلم يشرع في حد كالقتل، ولأنه لو جاز قطع اليدين لقطعت اليسرى في المرة الثالثة لأنها آلة البطش كاليمنى وإنما لم تقطع للمفسدة في قطعها لأن ذلك بمنزلة الإهلاك فانه لا يمكنه أن يتوضأ ويغتسل ولا يستنجي ولا يحترز من نجاسة ولا يزيلها عنه ولا يدفع عن نفسه ولا يأكل ولا يبطش وهذه المفسدة حاصلة بقطعها في المرة الثالثة، فأما حديث جابر ففي حق رجل استحق القتل بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به في أول مرة وفي كل مرة وقال النسائي فيه: حديث منكر وأما الحديث الآخر فلم يكره أصحاب السنن ولم نعلم صحته وفعل ابي بكر وعمر قد عارضه قول علي وروي عن عمر أنه رجع إلى قول علي فروى سعيد حدثنا أبو الاحوص عن سماك بن حرب عن عبد الرحمن

مسألة: وهل يجب الزيت الذي يحسم به من بيت المال، أو من مال السارق؟ على وجهين

بن عائذ قال أتي عمر برجل أقطع اليد والرجل قد سرق فأمر به عمر أن تقطع رجله فقال علي إنما قال الله تعالى (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله) إلى آخر الآية وقد قطعت يد هذا ورجله فلا ينبغي أن تقطع رجله فتدعه ليس له قائمة يمشي عليها إما أن تعزره أو تستودعه السجن فاستودعه السجن (مسألة) (ومن سرق وليس له يد يمنى قطعت رجله اليسرى وإن سرق وله يمنى فذهبت سقط القطع، وإن ذهبت يده اليسرى لم تقطع اليمنى على الرواية الأولى وتقطع على الأخرى) اذا سرق ولا يمنى له قطعت رجله اليسرى كما تقطع في السرقة الثانية فان كانت يمناه شلاء ففيه روايتان (إحداهما) تقطع رجله اليسرى لأن الشلاء لا نفع فيها ولا جمال فأشبهت كفا لاأصابع عليه قال ابراهيم الحربي عن أحمد فيمن سرق ويمناه جافة تقطع رجله (والثانية) أنه يسئل أهل الخبرة فإن قالوا إنها اذا قطعت رقأ دمها وانحسمت عروقها قطعت لأنه أمكن قطع يمينه فوجب كما لو كانت صحيحة وان قالوا لا يرقأ دمها لم تقطع لأنه يخاف تلفه وتقطع رجله وهذا مذهب الشافعي، وفان كانت أصابع اليمنى كلها ذاهبة ففيها وجهان (أحدهما) لا تقطع وتقطع الرجل لان الكف لا يجب فيه دية اليد فأشبه الذراع (والثاني) تقع لأن الراحة بعض ما يقطع في السرقة فاذا كان موجوداً قطع كما لو ذهب الخنصر أو البنصر، وإن ذهب بعض الاصابع وكان الذاهب الخنصر أو البنصر أو واحدة سواهما قطعت لأن معظم نفعها باق، وإن لم يبق إلا واحدة فهي كالتي ذهب جميع أصابعها وإن بقي اثنتان فهل تلحق بالصحيحة أو بما قطع جميع أصابعها؟ على وجهين والأولى قطعها لأن نفعها لم يذهب بالكلية (مسألة) (وان سرق وله يمنى فذهبت سقط القطع) أما اذا سرق وله يمنى قطعت في قصاص أو ذهبت بأكلة أو تعدى عليها متعد فقطعها سقط القطع ولا شئ على العادي إلا الأدب وبهذا قال مالك والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي وقال قتادة يقتص من القاطع وتقطع رجل السارق وهذا غير صحيح فإن يد السارق ذهبت والقاطع قطع عضواً غير معصوم، وإن قطعها قاطع بعد السرقة وقبل ثبوتها والحكم بالقطع ثم ثبت ذلك فكذلك، ولو شهد بالسرقة فحبسه الحاكم ليعدل

باب حد المحاربين وهم قطاع الطريق

الشهود فقطعه قاطع ثم عدلوا فكذلك وإن لم يعدلوا وجب القصاص على القاطع، وبهذا قال الشافعي وقال أصحاب الرأي لا قصاص عليه، لأن صدقهم محتمل فيكون ذلك شبهة. ولنا أنه قطع طرفاً ممن يكافئه عمداً بغير حق فلزمه القطع كما لو قطعه ولم تقم بينة. (مسألة) (وإن ذهبت يده اليسرى أو كانت مقطوعة أو شلاء أو مقطوعة الاصابع أو شلت قبل قطع يمناه لم تقطع يمناه على الرواية الأولى وتقطع على الثانية. (فصل) وإن قطع قاطع يسراه عمداً فعليه القود لأنه قطع طرفاً معصوما وإن قطعه غير متعمد فعليه ديته ولا تقطع يمين السارق، وبه قال أبو ثور وأصحاب الرأي وفيه وجه آخر أنها تقطع بناء على قطعها في المرة الثالثة وإن قلنا لا تقطع فهل تقطع رجله؟ فيه وجهان (أصحهما) لا يجب لأنه لم يجب بالسرقة وسقوط القطع عن يمينه لا يقتضي قطع رجليه كما لو كان المقطوع يمينه (والثاني) تقطع رجله لأنه تعذر قطع يمينه فقطعت رجله كما لو كانت اليسرى مقطوعة حال السرقة وإن كانت يمناه صحيحة ويسراه ناقصة نقصا يذهب بمعظم نفعها مثل أن تذهب منها الوسطى أو السبابة أو الابهام احتمل أنه كقطعها وينتقل إلى رجله، وهذا قول أصحاب الرأي واحتمل أن تقطع يمناه لأن له يداً ينتفع بها أشبه مالو قطعت خنصرها، وإن كانت يداه صحيحتين ورجله اليمنى شلاء أو مقطوعة فقال شيخنا لا أعلم فيها قولا لأصحابنا ويحتمل وجهين (أحدهما) تقطع يمينه وهو مذهب الشافعي ولأنه سارق له يمنى فقطعت عملا بالكتاب والسنة ولأنه سارق له يدان فقطعت يمناه كما لو كانت المقطوعة رجله اليسرى (والثاني) لا يقطع منه شئ وهو قول أصحاب الرأي، لأن قطع يمناه يذهب بمنفعة المشي من الرجلين فأما إن كانت رجله اليسرى شلاء ويداه صحيحتان قطعت

مسألة: وهم الذين يعرضون للناس بالسلاح في الصحراء فيغضبونهم المال مجاهرة، فأما من يأخذه على وجه السرقة فليس بمحارب

يده اليمنى لأنه لا يخشى تعدي ضرر القطع إلى غير المقطوع، وعلى قياس هذه المسألة لو سرق ويده اليسرى مقطوعة أو شلاء لم يقطع منه شئ لذلك وأنكر هذا ابن المنذر، وقال: أصحاب الرأي بقولهم هذا خالفوا كتاب الله وسنة رسوله. (مسألة) (وإذا وجب قطع يمناه فقطع القاطع يسراه بدلاً عن يمينه أجزأت ولا شئ على القاطع إلا الأدب) وهو قول الشعبي وأصحاب الرأي لأن قطع يمنى السارق يفضي الى تفويت منفعة الجنس وقطع يديه بسرقة واحدة فلا يشرع فإذا انتفى قطع يمينه حصل قطع يساره مجزئاً عن القطع الواجب فلا يجب على فاعله قصاص، وقال أصحابنا في وجوب قطع يمنى السارق وجهان وللشافعي فيما إذا لم يعلم القاطع كونها يسار وظن أن قطعها يجزئ قولان (أحدهما) لا تقطع يمين السارق كيلا تقطع يداه بسرقة واحدة (والثاني) تقطع كما لو قطعت يسراه قصاصاً، فأما القاطع فاتفق أصحابنا وأصحاب الشافعي على أنه ان قطعها من غير اختيار من السارق أو كان السارق أخرجها دهشة أو ظناً منه أنها تجزئ وقطعها القاطع عالماً بأنها يسراه وأنها لا تجزئ فعليه القصاص وإن لم يعلم أنها يسراه أو ظن أنها مجزئة فعليه ديتها، وإن كان السارق أخرجها مختاراً عالماً بالامرين فلا شئ على القاطع لأنه أذن في قطعها فأشبه غير السارق والذي اختاره شيخنا ما ذكرناه في أول الفصل. (مسألة) (ويجتمع القطع والضمان فترد العين المسروقة الى مالكها وإن كانت تالفة غرم قيمتها وقطع) لا يختلف أهل العلم في وجوب رد العين المسروقة على مالكها إذا كانت باقية وإن كانت تالفة فعلى السارق رد قيمتها أو مثلها إن كانت مثلية قطع أو لم يقطع موسراً كان أو معسراً، وهذا قول الحسن والنخعي وحماد والبتي والليث والشافعي واسحاق وأبي ثور وقال الثوري وأبو حنيفة لا يجتمع الغرم

والقطع، إن غرمها قبل القطع سقط القطع وإن قطع قبل الغرم سقط الغرم وقال عطاء وابن سيرين والشعبي ومكحول لا غرم على السارق إذا قطع ووافقهم مالك في المعسر ووافقنا في الموسر. قال أبو حنيفة في رجل سرق مرات ثم قطع يغرم الكل إلا الأخيرة، وقال أبو يوسف لا يغرم شيئاً لأنه قطع بالكل فلا يغرم شيئاً منه كالسرقة الأخيرة واحتجا بما روي عن عبد الرحمن بن عوف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (إذا أقمتم الحد على السارق فلا غرم عليه) ولأن التضمين يقتضي التمليك والملك يمنع القطع فلا يجمع بينهما ولنا أنها عين يجب ضمانها بالرد لو كانت باقية فيجب ضمانها إذا كانت تالفة كما لو لم يقطع ولأن القطع والغرم حقان يجبان لمستحقين فجاز اجتماعهما كالجزاء والقيمة في الصيد الحرمي المملوك وحديثهم ويرويه سعد بن ابراهيم عن ابن منصور وسعد بن ابراهيم مجهول قاله ابن المنذر، وقال ابن عبد البر الحديث ليس بالقوي ويحتمل أنه أراد ليس عليه اجرة القاطع وما ذكروه فهو بناء على أصولهم ولا نسلمها لهم. (فصل) اذا فعل في العين فعلا نقصها به كقطع الثوب ونحوه وجب رده ورد نقصه ووجب القطع وقال أبو حنيفة ان كان نقصاً لا يقطع حق المغصوب منه إذا فعله الغاصب رد العين ولا ضمان عليه وإن كان يقطع حق المالك كقطع الثوب وخياطته فلا ضمان عليه ويسقط حق المسروق منه من العين وإن كان زيادة في العين كصبغه أحمر أو أصفر فلا يرد العين ولا يحل له التصرف فيها وقال أبو يوسف ومحمد يرد العين وبنى هذا على أصله في أن الغرم يسقط عنه القطع، وأما إذا صبغه فقال لا يرده لأنه

مسألة: فاذا قدر عليهم، فمن كان منهم قد قتل من يكافئه وأخذ المال، قتل حتما وصلب حتى يشتهر، وقال أبو بكر: يصلب قدر ما يقع عليه اسم الصلب، وعن أحمد أنه يقطع مع ذلك

لو رده لكان شريكا فيه بصبغه ولا يجوز أن يقطع فيما هو شريك فيه وهذا ليس بصحيح لأن صبغه كان قبل القطع فلو كان شريكا بالصبغ لسقط القطع وإن كان يصير شريكا بالرد فالشركة الطارئة بعد القطع لا تؤثر كما لو اشترى نصفه من مالكه بعد القطع، وقد سلم أبو حنيفة أنه لو سرق فضة فضربها دراهم قطع ولزمه ردها وقال صاحباه لا يقطع ويسقط حق صاحبها منها بضربها وهذا شئ بنيناه على أصولهما في أن تغيير اسمها يزيل ملك صاحبها وإن ملك السارق لها يسقط القطع عنه وهو غير مسلم لهما. (فصل) ويستوي في وجوب الحد على السارق الحر والحرة والعبد والامة ولا خلاف في وجوب الحد على الحر والحرة لقول الله تعالى (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) ولأنهما استويا في سائر الحدود فكذلك في هذا وقد قطع النبي صلى الله عليه وسلم سارق رداء صفوان وقطع المخزومية التي سرقت القطيفة فأما العبد والأمة فإن جمهور الفقهاء وأهل الفتوى على وجوب القطع عليهما بالسرقة إلا ما حكي عن ابن عباس أنه قال لا قطع عليهما لأنه حد ولا يمكن تنصيفه فلم يجب في حقهما كالرجم ولأنه حد فلا يساوي العبد فيه الحر كسائر الحدود ولنا عموم الآية وروى الأثرم أن رقيقاً لحاطب بن أبي بلتعة سرقوا ناقة لرجل من مزينة فانتحروها فامر كثير بن الصلت أن يقطع أيديهم ثم قال عمر والله إني لا أراك تجيعهم ولكن لأغرمنك

مسألة: وان قتل من لا يكافئه، فهل يقتل، على روايتين

غرماً يشق عليك ثم قال للمزني كم ثمن ناقتك؟ قال أربعمائة درهم قال عمر أعطه ثمانمائة درهم، وروى القاسم عن أبيه أن عبداً أقر بالسرقة عند علي فقطعه، وفي رواية قال كان عبداً يعني الذي قطعه علي رواه الإمام أحمد في مسنده وهذه قصص تنتشر وتشهر ولم تنكر فتكون إجماعاً، وقولهم لا يمكن تنصيفه قلنا ولا يمكن تعطيله فيجب تكميله وقياسهم نقلبه عليهم فنقول حق فلا يتعطل في حق العبد والامة كسائر الحدود، وفارق الرجم فان حد الزنا لا يتعطل بتعطيله بخلاف القطع فإن حد السرقة يتعطل بتعطيله (فصل) ويقطع الآبق بسرقته روى ذلك عن ابن عمر وعمر بن عبد العزيز وبه قال مالك والشافعي وقالا مروان وسعيد بن العاص وأبو حنيفة لا يقطع لأن قطعه قضاء على سيده ولا يقضى على الغائب ولنا عموم الكتاب والسنة وانه مكلف سرق نصابا من حرز مثله فيقطع كغير الآبق، وقولهم انه قضاء على سيده ممنوع فانه لا يعتبر فيه إقرار السيد ولا يضر إنكاره وإنما يعتبر ذلك من العبد ثم القضاء على الغائب بالبينة جائز على ما ذكر في موضعه (مسألة) (وهل يجب الزيت الذي يحسم به من بيت المال أو من مال السارق؟ على وجهين) (أحدهما) من بيت المال لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به القاطع في حديث سارق الشملة فقال (اقطعوه واحسموه) ولأنه من المصالح وذلك يقتضي أن يكون من بيت المال فان لم يحسم فذكر القاضي أنه لا شئ عليه لأن عليه القطع لا مداواة المحدود (والثاني) من مال السارق لأنه مداواة له فكان في ماله كمداواته في مرضه، ويستحب للمقطوع حسم نفسه فان لم يفعل لم يأثم لأنه ترك التداوي في المرض وهذا مذهب الشافعي

باب حد المحاربين (وهم قطاع الطريق) والأصل في حكمهم قول الله تعالى (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض) وهذه الآية في قول ابن عباس وكثير من العلماء نزلت في قطاع الطريق من المسلمين وبه يقول مالك والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي وحكي عن ابن عمر أنه قال نزلت هذه الآية في المرتدين وحكي ذلك عن الحسن وعطاء وعبد الكريم لأن سبب نزولها قصة العرنيين وكانوا ارتدوا عن الاسلام وقتلوا الرعاة واستاقوا إبل الصدقة فبعث النبي صلى الله عليه وسلم من جاء بهم فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم وألقاهم في الحرة حتى ماتوا، قال أنس فانزل الله تعالى في ذلك (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله) الآية أخرجه أبو داود والنسائي ولأن محاربة الله ورسوله إنما تكون من الكفار لا من المسلمين ولنا قول الله تعالى (إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم) والكفار تقبل توبتهم بعد القدرة كما تقبل قبلها ويسقط عنهم القتل والقطع في كل حال والمحاربة قد تكون من المسلمين بدليل قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فائذنوا (فأذنوا) بحرب من الله ورسوله)

مسألة: وان جنى جناية توجب القصاص فيما دون النفس، فهل يتحتم استيفاؤه؟ على روايتين

(مسألة) (وهم الذين يعرضون للناس بالسلاح في الصحراء فيغصبونهم المال مجاهرة، فأما من يأخذه على وجه السرقة فليس بمحارب) المحاربون الذين تثبت لهم أحكام المحاربة التي نذكرها بعد إن شاء الله تعالى يعتبر لهم ثلاثة شروط: (أحدها) لا يكون ذلك في الصحراء (مسألة) (وإن فعلوا ذلك في البنيان لم يكونا محاربين) في قول الخرقي وقد توقف أحمد رحمه الله فيهم فظاهر كلام أحمد أنهم غير محاربين، وبه قال أبو حنيفة والثوري لأن الواجب يسمى حد قطاع الطريق وقطع الطريق إنما هو في الصحراء ولان من في المصر يلحق به الغوث غالباً فتذهب شوكة المعتدين ويكونون مختلسين والمختلس ليس بقاطع ولا حد عليه، وقال أبو بكر وكثير من أصحابنا حكمهم في المصر والصحراء واحد، وبه قال الأوزاعي والليث والشافعي وابو ثور لتناول الآية بعمومها كل محارب، ولأن ذلك إذا وجد في المصر كان أعظم جوراً وأكثر ضرراً فكان بذلك أولى، وذكر القاضي أن هذا إن كان في المصر بحيث لو كبسوا دارا فكان أهل الدار بحيث لو صاحوا جاءهم الغوث فليس هؤلاء قطاع طريق لأنهم في موضع يلحقهم الغوث عادة فان حضروا قرية أو بلدة ففتحوه وغلبوا على أهله أو محله مفردة بحيث لا يلحقهم الغوث عادة فهم محاربون لأنهم لا يلحقهم الغوث عادة فأشبه قطاع الطريق في الصحراء (الشرط الثاني) أن يكون معهم سلاح فإن لم يكن سلاح فليسوا محاربين لأنهم لا يمنعون من يقصدهم ولا نعلم في هذا خلافاً، فإن عرضوا بالعصي والحجارة فهم محاربون وبه قال الشافعي وأبو ثور وقال أبو حنيفة ليسوا محاربين لأنهم لا سلاح معهم

ولنا أن ذلك من جملة السلاح الذي يأتي على النفس والطرف فأشبه الحد (الشرط الثالث) ان يأتوا مجاهرة ويأخذوا المال قهراً، فأما إن أخذوه مختفين فهم سراق وإن اختطفوه وهربوا فهم منتهبون لا قطع عليهم وكذلك إن خرج الواحد والاثنان على آخر قافلة فاستلبوا منها شيئاً فليسوا بمحاربين لأنهم لا يرجعون إلى منعة وقوة، وإن خرجوا على عدد يسير فقهروهم فهم قطاع طريق (مسألة) (فاذا قدر عليهم فمن كان منهم قد قتل من يكافئه وأخذ المال قتل حتماً وصلب حتى يشتهر وقال أبو بكر يصلب قدر ما يقع عليه اسم الصلب وعن أحمد أنه يقطع مع ذلك) وجملة ذلك أن المحارب إذا قتل من يكافئه وأخذ المال قتل حتماً وصلب حتى يشتهر، روي نحو هذا عن ابن عباس وبه قال قتادة وأبو مجلز وحماد والليث والشافعي، وعن أحمد أنه إذا قتل وأخذ المال قتل وقطع لأن كل واحدة من الجنايتين توجب حداً منفرداً فاذا اجتمعا وجب حدهما معا كما لو زنى وسرق وذهبت طائفة إلى أن الامام مخير فيهم بين القتل والصلب والقطع والنفي لأن أو تقتضي التخيير كقوله تعالى (فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة) وهذا قول سعيد بن المسيب ومجاهد وعطا والحسن والضحاك والنخعي وأبي الزناد وأبي ثور وداود

وروي عن ابن عباس ما كان في القرآن (أو) فصاحبه بالخيار وقال أصحاب الرأي ان قتل قتل وإن أخذ المال قطع وإن قتل وأخذ المال فالإمام مخير بين قتله وصلبه وبين قتله وقطعه وبين أن يجمع ذلك كله لأنه قد وجه منه ما يوجب القتل والقطع فكان للامام فعلهما كما لو قتل وقطع في غير قطع طريق، وقال مالك إذا قطع الطريق فراه الامام جلداً ذا رأي قتله وإن كان جلداً لا رأي له قطعه ولم يعتبر فعله ولنا على أنه لا يقتل إذا لم يقتل قول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يحل دم امرئ مسلم إلا باحدى ثلاث: كفر بعد إيمان أو زنا بعد إحصان أو قتل نفس بغير حق) فأما أو فقد قال ابن عباس مثل قولنا فأما أن يكون توقيفاً أو لغة وايهما كان فهو حجة يدل عليه أنه بدأ بالأغلظ فالأغلظ وعرف القرآن فيما أريد به التخيير البداءة بالاخف ككفارة اليمين وما أريد به الترتيب بدأ بالأغلظ ككفارة الظهار والقتل، ويدل عليه أيضاً أن العقوبات تختلف باختلاف الاجرام ولذلك اختلف حكم الزاني والقاذف والسارق وقد سووا بينهم ههنا مع اختلاف جناياتهم، وهذا يرد على مالك فانه إنما اعتبر الجلد والرأي دون الجنايات وهو مخالف للأصول التي ذكرناها، وأما قول أبي حنيفة فلا يصح لأن القتل لو وجب لحق الله تعالى لم يخير الامام فيه كقطع السارق وكما لو انفرد بأخذ المال ولان حدود الله تعالى إذا كان فيها قتل سقط سائرها كما لو سرق وزنى وهو محصن وقد روي عن ابن عباس قال وادع رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا برزة (1) الاسلمي فجاء ناس يريدون الاسلام فقطع عليهم أصحابه فنزل جبريل عليه السلام بالحد فيهم أن من قتل وأخذ المال قتل وصلب ومن قتل ولم يأخذ المال قتل ومن أخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله من خلاف وقيل انه رواه أبو داود وهو كالمسند وهو نص. إذا

_ (1) في المعنى أبا بردة

مسألة: ومن قتل ولم يأخذ المال، قتل، وهل يصلب؟ على روايتين

ثبت هذا فإن قاطع الطريق لا يخلو من خمسة أحوال (الأولى) إذا قتل وأخذ المال فانه يقتل ويصلب في ظاهر المذهب وقتله متحتم لا يدخله عفو أجمع على هذا كل أهل العلم حكاه ابن المنذر وروي ذلك عن ابن عمر وبه قال سليمان بن موسى والزهري ومالك وأصحاب الرأي ولأنه حد من حدود الله فلم يسقط بالعفو كسائر الحدود (مسألة) (وان قتل من لا يكافئه فهفل يقتل؟ على روايتين) (إحداهما) لا يعتبر بل يؤخذ الحر بالعبد والمسلم بالذمي والأب بالابن لأن هذا القتل حق لله تعالى فلا تعتبر فيه المكافأة كالزنا والسرقة (والثانية) تعتبر المكافأة لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يقتل مسلم بكافر) والحد فيه انحتامه بدليل أنه لو مات قبل القدرة عليه سقط عنه الانحتام ولم يسقط القصاص فعلى هذه الرواية إذا قتل المسلم ذمياً والحر عبداً وأخذ ماله قطعت يده ورجله لأخذه المال وغرم دية الذمي وقيمة العبد وان قتله ولم يأخذ مالا غرم ديته ونفي، وذكر القاضي أنه إنما يتحتم قتله إذا قتله ليأخذ المال وان قتله لغير ذلك مثل أن يقصد قتله لعداوة بينهما فالواجب قصاص غير متحتم، وإذا قتل صلب لقول الله تعالى (أو يصلبوا) والكلام فيه في ثلاثة أمور (أحدها) في وقته وهو بعد القتل وبهذا قال الشافعي وقال الأوزاعي ومالك والليث وابو حنيفة وأبو يوسف يصلب حياً ثم يقتل مصلوباً، يطعن بالحربة لأن الصلب عقوبة وإنما يعاقب الحي لا الميت ولأنه جزاء على المحاربة فيشرع في الحياة كسائر الا جزية ولأن الصلب بعد قتله يمنع دفنه وتكفينه فلا يجوز ولنا أن الله تعالى قدم القتل على الصلب لفظاً والترتيب بينهما ثابت بغير خلاف فيجب تقديم الأول في اللفظ كقوله تعالى (إن الصفا والمروة من شعائر الله) ولأن القتل إذا اطلق على لسان الشرع

مسألة: ولا يقطع منهم إلا من أخذ ما يقطع السارق في مثله

كان قتلاً بالسيف ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم (ان الله كتب الاحسان على كل شئ فاذا قتلتم فأحسنوا القتل) وحسن القتل هو القتل بالسيف وفي صلبه حياً تعذيب له وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تعذيب الحيوان، وقولهم انه جزاء على المحاربة قلنا لو شرع لردعه لسقط بقتله كما تسقط سائر الحدود مع القتل وإنما شرع الصلب ردعا لغيره ليشتهر أمره وهذا يحصل بصلبه بعد قتله، وقولهم يمنع تكفينه ودفنه قلنا هذا لازم لهم لأنهم يتركونه بعد قتله مصلوباً (الثاني) في قدره ولا توقيت فيه إلا قدر ما يشتهر أمره هكذا ذكره الخرقي وقال أبو بكر يصلب قدر ما يقع عليه اسم الصلب لأن أحمد لم يوقت في الصلب شيئاً، والصحيح توقيته بما ذكره الخرقي من الشهرة لأن المقصود يحصل به وقال الشافعي وابو حنيفة يصلب ثلاثاً وهذا توقيت بغير توقيف فلا يجوز مع أنه في الظاهر يفضي إلى تغيره ونتنه وأذى المسلمين برائحته ونظره ويمنع تغسيله وتكفينه ودفنه فلا يجوز بغير دليل (الثالث) في وجوبه وهو واجب حتم في حق من قتل وأخذ المال لا يسقط بعفو ولا غيره وقال أصحاب الرأي إن شاء الامام صلب وان شاء لم يصلب ولنا حديث ابن عباس أن جبريل نزل بأن من قتل وأخذ المال صلب ولأنه شرع حدا فلم يتخير بين فعله وتركه كالقتل وسائر الحدود. إذا ثبت هذا فانه إذا اشتهر أنزل ودفع الى اهله فيغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن (فصل) فإن مات قبل قتله لم يصلب لأن الصلب من تمام الحد وقد فات الحد بموته فيسقط

مسألة: فان كانت يمينه مقطوعة، أو مستحقة في قصاص، أو شلاء، قطعت رجله اليسرى، وهل تقطع يسرى يديه؟ ينبني على الرويتين في قطع يسرى السارق في المرة الثالثة

ما هو من تمامه، وإن قتل في المحاربة بمثقل قتل كما لو قتل بمحدد لا ستوائهما في وجوب القصاص بهما وإن قتل بآلة لا يجب القصاص بالقتل بها كالسوط والعصا والحجر الصغير فالظاهر أنهم يقتلون أيضاً لأنهم دخلوا في العموم (مسألة) (وإن جنى جناية توجب القصاص فيما دون النفس فهل يتحتم استيفاؤه؟ على روايتين) إذا جرح المحارب جرحاً في مثله القصاص فهل يتحتم فيه القصاص؟ على روايتين (إحداهما) لا يتحتم لأن الشرع لم يرد بشرع الحد في حقه بالجراح فإن الله تعالى ذكر في حدود المحاربين القتل والصلب والقطع والنفي فلم يتعلق بالمحاربة غيرها فلا يتحتم بخلاف القتل فانه حد فتحتم كسائر الحدود فحينئذ لا يجب فيه أكثر من القصاص (والثانية) يتحتم لأن الجراح تابعة للقتل فيثبت فيها مثل حكمه ولأنه نوع قود أشبه القود في النفس والأولى أولى، فإن جرحه جرحاً لا قصاص فيه كالجائفة فليس فيه إلا الدية، وان جرح إنساناً وقتل آخر اقتص منه للجراح وقتل للمحاربة وقال أبو حنيفة تسقط الجراح لأن الحدود إذا اجتمعت وفيها قتل سقط ما سوى القتل ولنا أنها جناية يجب بها القصاص في غير المحاربة فيجب بها في المحاربة كالقتل ولا نسلم أن القصاص في الجراح حد إنما هو قصاص متمحض فأشبه مالو كان الجرح في غير المحاربة، وإن سلمنا أنه حد فإنه مشروع مع القتل فلم يسقط به كالصلب وقطع اليد والرجل عندهم (مسألة) (وحكم الردء حكم المباشر. )

مسألة: ومن تاب منهم قبل القدرة عليه سقطت عنه حدود الله تعالى من الصلب والقطع والنفي وانحتام القتل، وأخذوا بحقوق الآدميين من الأنفس والجراح والأموال، إلا أن يعفى له عنها

وبهذا قال مالك وأبو حنيفة وقال الشافعي ليس على الردء إلا التعزير، ولأن الحد يجب بارتكاب المعصية فلا يتعلق بالمعين كسائر الحدود. ولنا أنه حكم يتعلق بالمحاربة فاستوى فيه الردء والمباشر كاستحقاق الغنيمة، ولأن المحاربة مبنية على حصول المنفعة والمعاضدة والمناصرة فلا يتمكن المباشر من فعله إلا بقوة الردء بخلاف سائر الحدود فعلى هذا إذا قتل واحد منهم ثبت حكم القتل في حق جميعهم فيجب قتل الكل وإن قتل بعضهم وأخذ بعضهم المال جاز قتلهم وصلبهم كما لو فعل الامرين كل واحد منهم. (فصل) وإن كان فيهم صبي أو مجنون أو ذو رحم من المقطوع عليه لم يسقط الحد عن غيره في قول أكثر أهل العلم وقال أبو حنيفة يسقط عن جميعهم ويصير القتل للأولياء إن شاءوا قتلوا وإن شاءوا عفوا لأن حكم الجميع واحد فالشبهة في فعل واحد شبهة في حق الجميع. ولنا أنها شبهة اختص بها واحد فلم يسقط الحد عن الباقين كما لو اشتركوا في وطئ امرأة وما ذكروه لا أصل له، فعلى هذا لا حد على الصبي والمجنون وإن باشرا القتل وأخذا المال لأنهما ليسا من أهل الحدود وعليهما ضمان ما أخذا من المال في اموالهما ودية قتلهما على عاقلتهما ولا شئ على الردء لهما لأنه إذا لم يثبت ذلك للمباشر لم يثبت لمن هو تبع له بطريق الأولى، وإن كان المباشر غيرهما لم يلزمهما شئ لأنهما لم يثبت في حقهما حكم المحاربة، (فصل) فإن كان فيهم امرأة ثبت لها حكم المحاربة فمتى قتلت أو أخذت المال فحكمها حكم

مسألة: ومن وجب عليه حد سوى ذلك، فتاب قبل إقامته لم يسقط عنه، وعنه أنه يسقط بمجرد التوبة قبل إصلاح العمل

قطاع الطريق، وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا يجب عليها الحد ولا على من معها لأنها ليست من أهل المحاربة فأشبهت الصبي والمجنون. ولنا أنها تحد في السرقة فيلزمها حكم المحاربة كالرجل، وتخالف الصبي والمجنون لانها مكلفة يلزمها سائر القصاص وسائر الحدود فيلزمها هذا الحد كالرجل. إذا ثبت هذا فإنها إن باشرت القتل أو أخذ المال ثبت حكم المحاربة في حق من معها لأنهم ردء لها، وإن فعل ذلك غيرها ثبت حكمه في حقها لأنها ردء له كالرجل سواء، وإن قطع أهل الذمة الطريق أو كان مع المسلمين المحاربين ذمي فهل ينتقض عهدهم بذلك؟ فيه روايتان، فان قلنا ينتقض عهدهم حلت دماؤهم وأموالهم بكل حال وإن قلنا لا ينتقض عهدهم حكمنا عليهم بما يجب على المسلمين. (مسألة) (ومن قتل ولم يأخذ المال قتل وهل يصلب؟ على روايتين) (إحداهما) يصلبون لأنهم محاربون يجب قتلهم فيصلبون كالذين أخذوا المال (والثانية) لا يصلبون وهي أصح لأن الخبر المروي فيهم قال فيه (ومن قتل ولم يأخذ المال قتل) ولم يذكر صلباً ولأن جنايتهم بأخذ المال مع القتل تزيد على الجناية بالقتل وحده فيجب أن تكون عقوبتهم أغلظ ولو شرع الصلب ههنا لاستويا والحكم في تحتم القتل وكونه حداً ههنا كالحكم فيه إذا قتل وأخذ المال (مسألة) (ومن أخذ المال ولم يقتل قطعت يده اليمنى ورجله اليسرى في مقام واحد وحسمتا) وهذا معنى قوله سبحانه (من خلاف) وإنما قطعنا يده اليمنى للمعنى الذي قطعنا به يمين السارق ثم قطعنا رجله اليسرى لتتحقق المخالفة. ويكون أرفق به في امكان مشيه ولا ينتظر اندمال

اليد في قطع الرجل بل يقطعان معاً يبدأ بيمينه فتقطع وتحسم ثم برجله، لأن الله تعالى بدأ بذكر الأيدي، ولا خلاف بين أهل العلم في أنه لا يقطع منه غير يد ورجل إذا كانت يداه ورجلاه صحيحتين (مسألة) (ولا يذطع منهم إلا من أخذ ما يقطع السارق في مثله) . وبهذا قال الشافعي وأصحاب الرأي وقال مالك وأبو ثور وابن المنذر للامام أن يحكم عليه حكم المحارب لانه محارب لله ورسوله يسارع في الارض بالفساد فيدخل في عموم الآية، ولأنه لا يعتبر الحرز فكذلك النصاب. ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (لا قطع إلا في ربع دينار فصاعدا) ولم يفصل ولأن هذه جناية تعلقت بها عقوبة في حق غير المحارب فلا تتغلظ في المحارب بأكثر من وجه واحد كالقتل يغلظ بالانحتام كذلك ههنا يغلظ بقطع الرجل معها ولا يتغلظ بما دون النصاب، وأما الحرز فهو معتبر فانهم لو أخذوا مالا مضيعا لاحافظ له لم يجب القطع، فإن اخذوا مالا يبلغ نصابا ولا تبلغ حصة كل واحد منهم نصاباً قطعوا على قياس قولنا في السرقة، وقياس قول الشافعي وأصحاب الرأي انه لا يجب القطع حتى تبلغ حصة كل واحد منهم نصاباً، ويشترط أيضاً أن لا تكون لهم شبهة فيما يأخذونه من المال على ما ذكرنا في المسروق (مسألة) (فإن كانت يمينه مقطوعة أو مستحقة في قصاص أو شلاء قطعت رجله اليسرى وهل تقطع يسرى يديه؟ ينبني على الروايتين في قطع يسرى السارق في المرة الثالثة) إذا كان معدوم اليد أو الرجل إما لكونه قد قطع في قطع طريق أو سرقة أو قصاص أو بمرض أو تكون مستحقة في قصاص أو شلاء قطعت رجله اليسرى كما لو كانت يمناه موجودة وكذلك

مسألة: فان أريدت نفسه، لم يلزمه الدفع

إن كانت يده اليمنى موجودة ورجله اليسرى معدومة فإنا نقطع الموجود منهما حسب، ويسقط في المعدوم لأن ما تعلق به الغرض معدوم فسقط كالغسل في الوضوء، وهل تقطع يسرى يديه ينبني؟ على الروايتين في قطع يسرى السارق في المرة الثالثة، فإن قلنا تقطع ثم قطعت ههنا، وإن قلنا لا تقطع وهو المختار سقط قطعها لأن قطعها يفضي الى تفويت منفعة البطش وإن كان ما وجب قطعه أشل فذكر أهل الطب أن قطعه يفضي إلى تلفه لم يقطع وكان حكمه حكم المعدوم وإن قالوا لا يفضي إلى تلفه ففي قطعه روايتان ذكرناهما في قطع السارق. (مسألة) (ومن لم يقتل ولا أخذ المال نفي وشرد فلا يترك يأوي إلى بلد، وعنه إن نفيه تعزيره بما يردعه) . وجملته أن المحاربين إذا أخافوا السبيل ولم يقتلوا ولا أخذوا المال فانهم ينفون من الأرض لقوله سبحانه (أو ينفوا من الأرض) يروي عن ابن عباس أن النفي يكون في هذا الحالة وهو قول النخعي وقتادة وعطاء الخراساني والنفي هو تشريدهم عن الامصار والبدان فلا يتركون يأوون بلداً، يروى نحو هذا عن الحسن والزهري وعن ابن عباس أنه ينفى من بلده الى غيره كنفي الزاني، وبه قال طائفة من أهل العلم. قال أبو الزناد كان منفى الناس الى باضع من ارض الحبشة وذلك اقصى تهامة اليمن وقال مالك يحبس في البلد الذي نفي اليه كقوله في الزاني وقال أبو حنيفة يحبس حتى يحدث توبة ونحو هذا قال الشافعي فإنه قال في هذه الحال يعزرهم الامام وإن رأى أن يحبسهم حبسهم وقيل عنه النفي طلب الامام لهم ليقيم فيهم حدود الله وروي ذلك عن ابن عباس وقال ابن شريح يحبسهم في غير بلدهم وهذا مثل قول مالك، لأن تشريدهم إخراج لهم إلى مكان يقطعون فيه الطريق

ويؤذون به الناس فكان حبسهم أولى وعن أحمد رواية اخرى حكاها أبو الخطاب معناها أن نفيهم طلب الامام لهم فاذا ظفر بهم عزرهم بما يردعهم. ولنا ظاهر الآية فان النفي الطرد والابعاد والحبس إمساك وهما يتنافيان فأما نفيهم إلى مكان غير معين فلقوله تعالى (أو ينفوا من الأرض) وهذا يتناول نفيه من جميعها وما ذكروه يبطل بنفي الزاني فانه ينفى الى مكان يحتمل أن يوجد فيه الزنا ولم يذكر أصحابنا قدر مدة نفيهم فيحتمل أن تتقدر مدته بما يظهر فيه توبتهم وتحسن سيرتهم ويحتمل أن ينفوا عاماً كنفي الزنا. (مسألة) (ومن تاب منهم قبل القدرة عليه سقطت عنه حدود الله تعالى من الصلب والقطع والنفي وانحتام القتل وأخذوا بحقوق الآدميين من الأنفس والجراح والأموال إلا أن يعفى له عنها) لا نعلم في هذا خلافاً. وبه قال مالك والشافعي وأصحاب الرأي وأبو ثور، والأصل في هذا قول الله تعالى (إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم)) فأما إن تاب بعد القدرة عليه لم يسقط عنه شئ من الحدود للآية فأوجب عليهم الحد ثم استثنى التائبين بعد القدرة فمن عداهم يبقى على قضية العموم لأنه إذا تاب قبل القدرة فالظاهر أنها توبة إخلاص، وبعدها الظاهر أنها تقية من إقامة الحد عليه ولأن في قبول توبته وإسقاط الحد عنه قبل القدرة ترغيباً في توبته والرجوع عن محاربته وافساده فناسب ذلك الاسقاط عنه، وأما بعدها فلا حاجة إلى ترغيبه لأنه قد عجز عن الفساد والمحاربة (فصل) فان فعل المحارب ما يوجب حداً لا يختص المحاربة كالزنا والقذف وشرب الخمر والسرقة

فذكر القاضي أنها تسقط بالتوبة لأنها حدود الله تعالى فسقطت التوبة كحد المحاربة إلا حد القذف فإنه لا يسقط لأنه حق آدمي ولأن في إسقاطها ترغيباً في التوبة، ويحتمل أن لا تسقط لأنها لا تختص المحاربة فكانت في حقه كهي في حق غيره، فان أتى حداً قبل المحاربة ثم حارب وتاب قبل القدرة لم يسقط الحد الأول لأن التوبة إنما يسقط بها الذنب الذي تاب منه دون غيره (مسألة) (ومن وجب عليه حد سوى ذلك فتاب قبل إقامته لم يسقط عنه، وعنه أنه يسقط بمجرد التوبة قبل إصلاح العمل) من تاب وعليه حد من المحاربين وأصلح ففيه روايتان (إحداهما) يسقط عنه لقول الله تعالى (واللذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما) وذكر حديث السارق ثم قال (فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه) وقال النبي صلى الله عليه وسلم (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) ومن لاذنب له لا حد عليه وقال في ماعز لما أخبر بهربه (هلا تركتموه لعله يتوب فيتوب الله عليه؟) ولأنه خالص حق الله تعالى فيسقط بالتوبة كحد المحارب (والثانية) لا يسقط وهو قول مالك وابي حنيفة وأحد قولي الشافعي لقول الله تعالى (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) وهو عام في التائب وغيره وقال الله تعالى (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) ولأن النبي صلى الله عليه وسلم رجم ماعزا والغامدية وقطع الذي أقر بالسرقة، وقد

مسألة: وإن عض انسان انسانا، فانتزع يده من فيه، فسقطت ثناياه ذهبت هدرا

جاءوا تائبين يطلبون التطهير باقامة الحد، وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم فعلم توبة فقال في حق المرأة (لقد تابت توبة لو قسمت على أهل المدينة لوسعتهم) وجاء عمرو بن سمرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يارسول الله إني سرقت جملا لبني فلان فطهرني وقد أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه الحد، ولأن الحد كفارة فلم يسقط بالتوبة ككفارة اليمين والقتل ولأنه مقدور عليه فلم يسقط الحد عنه كالمحارب بعد القدرة عليه فان قلنا يسقط الحد بالتوبة فهل يسقط بمجرد التوبة أو بها مع إصلاح العمل؟ فيه وجهان (أحدهما) يسقط بمجردها وهو ظاهر قول أصحابنا لأنها توبة مسقطة للحد فأشبهت توبة المحارب قبل القدرة عليه (والثاني يعتبر إصلاح العمل لقول الله تعالى (فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما) وقال تعالى (فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه) فعلى هذا الوجه يعتبر مضي مدة يعلم بها صدق توبته وصلاح نيته وليست مقدرة بمدة معلومة، وقال بعض أصحاب الشافعي مدة ذلك سنة وهذا توقيت بغير توقيف فلا يجوز (مسألة) (ومن مات وعليه حد سقط عنه) لفوات محله كما يسقط غسل ما ذهب من أعضاء الطهارة في الوضوء والغسل (فصل) (ومن أريدت نفسه أو حرمته أو ماله فله الدفع عن ذلك بأسهل ما يعلم دفعه به فان لم يحصل إلا بالقتل فله ذلك ولا شي عليه، وإن قتل كان شهيداً، وهل يلزمه الدفع عن نفسه؟ على روايتين وسواء كان الصائل آدميا أو غيره، وإن دخل رجل منزله متلصصاً أو صائلاً فحكمه حكم ما ذكرنا) وجملة ذلك أن الرجل إذا دخل منزل غيره بغير إذنه فلصاحب المنزل أمره بالخروج من منزله سواء كان معه سلاح أو لم يكن لأنه متعد بدخول ملك غيره فكان لصاحب المنزل مطالبته بترك التعدي كما لو

غصب منه شيئاً فان خرج بالأمر لم يكن له ضربه لأن المقصود إخراجه، وقد روي عن ابن عمر أنه رأى لصاً فأصلت عليه السيف قال الراوي فلو تركناه لقتله، وجاء رجل إلى الحسن فقال لص دخل يبتي ومعه حديدة أقتله؟ قال نعم بأي قتلة قدرت أن تقتله ولنا أنه أمكن إزالة العدوان بغير القتل فلم يجز القتل كما لو غصب منه شيئاً فأمكن أخذه بغير القتل وفعل ابن عمر يحمل على قصد الترهيب لا على أنه قصد إيقاع الفعل، فان لم يخرج بالامر فله ضربه بأسهل ما يعلم أنه يندفع به لان المقصود دفعه، فإذا اندفع بقليل فلا حاجة الى أكثر منه، فان علم أنه يخرج بالعصا لم يكن له ضربه بالحديد لأن الحديد آلة للقتل بخلاف العصا، وإن ذهب هارباً لم يكن له قتله ولا اتباعه كالبغاة، وإن ضربه ضربة عصلته لم يكن له أن يثني عليه لأنه كفى شره، وإن ضربه فقطع يمينه فولى مدبراً فضربه فقطع فالرجل مضمونة بالقصاص أو الدية لانه في حال لا يحل له ضربه وقطع اليد غير مضمون، فإن مات من سراية القطع فعليه نصف الدية كما لو مات من جراحة اثنين، وإن عاد إليه بعد قطع رجله فقطع يده الاخرى فاليدان غير مضمونتين فان مات فعليه ثلث الدية كما لو مات من جراحة ثلاثة أنفس، وقياس المذهب أن يضمن نصف الدية لأن الجرحين قطع رجل واحد فكان حكمهما واحداً كما لو جرح رجل رجلا جراحات وجرحه آخر جرحا واحداً ومات كانت ديته بينهما نصفين، ولا تقسم الدية على عدد الجراحات كذا هذا فان لم يمكنه دفعه إلا بالقتل أو خاف أن يبدره بالقتل إن لم يعاجله بالدفع فله ضربه بما يقتله ويقطع طرفه، وما أتلف منه فهو هدر لأنه يتلف لدفع شره فلم يضمنه كالباغي ولأنه اضطر صاحب المنزل إلى قتله فصار كالقاتل لنفسه

مسألة: وإن نظر في بيته من خصاص الباب، أو نحوه، فحذف عينه ففقأها، فلا شيء عليه

وإن قتل صاحب المنزل فهو شهيد لما روى عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من أريد ماله بغير حق فقاتل فقتل فهو شهيد) رواه الخلال باسناده ولأنه قتل لدفع ظالم فكان شهيداً كالعادل إذا قتله الباغي (فصل) وكل من عرض لإنسان يريد ماله أو نفسه فحكمه ما ذكرنا فيمن دخل منزله من دفعهم بأسهل ما يمكن دفعه به، فإن كان بينهما نهر كبير أو خندق أو حصن لا يقدرون على اقتحامه فليس له رميهم، فإن لم يمكن إلا بقتالهم فله قتالهم وقتلهم. قال أحمد في اللصوص يريدون نفسك ومالك: قاتلهم تمنع نفسك ومالك، وقال عطاء في المحرم يلقاه اللصوص يقاتلهم أشد القتال، وقال ابن سيرين ما أعلم أحداً ترك قتال الحرورية واللصوص تأثماً إلا أن يجبن، وقال الصلت بن طريف قلت للحسن إني أخرج في هذه الوجوه، أخوف شئ عندي يلقاني اللصوص يعرضون لي في مالي فإن كففت يدي ذهبوا بمالي، وإن قاتلت اللص ففيه ما قد علمت، قال أي بني من عرض لك في مالك فإن قتلته فإلى النار، وإن قتلك فشهيد، ونحو ذلك عن أنس والنخعي والشعبي، وقال أحمد في امرأة أرادها رجل على نفسها فقتلته لتحصن نفسها قال إذا عملت أنه لا يريد إلا نفسها فقاتلته لتدفع عن نفسها فلا شئ عليها وذكر حديثاً يرويه الزهري عن القاسم بن محمد عن عبيد بن عمير أن رجلاً أضاف ناساً من هذيل فأراد امرأة على نفسها فرمته بحجر فقتلته فقال عمر والله لا يودى أبداً، ولأنه إذا جاز الدفع عن ماله الذي يجوز له بذله وإباحته فدفع المرأة عن نفسها وصيانتها عن الفاحشة التي لا تباح بحال أولى. إذا ثبت هذا فإنه يجب عليها أن تدفع عن نفسها إن أمكنها ذلك لأن التمكين منها محرم وفي ترك الدفع نوع تمكين فأما من أريد ماله فلا يجب عليه الدفع لأن بذل المال مباح

(مسألة) (فان أريدت نفسه لم يلزمه الدفع) لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الفتنة (اجلس في بيتك فان خفت أن يبهرك شعاع السيف فغط وجهك) وفي لفظ (فكن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل) وفي لفظ (كن كخير ابني آدم) ولأن عثمان رضي الله عنه لم يدفع عن نفسه وترك القتال مع إمكانه، فان قيل قلتم في المضطر إذا وجد ما يدفع به الضرورة لزمه الأكل منه في أحد الوجهين، (1) قلنا الأكل تحيى به نفسه من غير تفويت غيره (2) فلزمه كالأكل في المخمصة (والثاني) لا يلزمه لأنه دفع عن نفسه فلم يلزمه كالدفع بالقتال وفيه رواية أخرى يلزمه الدفع عن نفسه لأنه لا يجوز إقرار المنكر مع إمكان دفعه. والأولى إن شاء الله أنه يلزمه الدفع عن حرمته ولا يلزمه الدفع عن ماله لأنه يجوز له بذله، فان أريدت نفسه فالأولى في الفتنة ترك الدفع لما ذكرنا من الاحاديث والأثر في دفع اللصوص، وإذا صالت عليه بهيمة ففيه روايتان أولاهما وجوب الدفع إذا أمكنه كما لو خاف من سيل أو نار وأمكنه أن يتنحى عن ذلك، وإن أمكنه الهرب ففيه وجهان (أولاهما) يلزمه كالأكل في المخمصة (والثاني) لا يلزمه كالدفع بالقتال (فصل) وإذا صال على إنسان صائل يريد نفسه أو ماله ظلماً أو يريد امرأة ليفجر بها فلغير المصول عليه معونته في الدفع، ولو عرض اللصوص لقافلة جاز لغير أهل القافلة، الدفع عنهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً) وفي حديث (إن المؤمنين يتعاونون على القتال) ولأنه لولا التعاون لذهبت اموال الناس وأنفسهم لأن قطاع الطريق إذا انفردوا بأخذ مال إنسان ولم يعنه غيره فانهم يأخذون أموال الكل واحداً واحداً وكذلك غيرهم (فصل) إذا وجد رجلا يزني بامرأته فقتله فلا قصاص عليه لما روي أن عمر رضي الله عنه بينما

_ (1) فلم لم تقولوا ذلك ههنا اه من المغنى (2) وههنا في احياء نفسه فوات نفس غيره فلم يجب عليه فأما إن أمكنه الهرب فهل يلزمه؟ فيه وجهان أحدهما يلزمه لانه أمكنة الدفع عن نفسه من غير ضرر يلحق غيره اه من المغنى

هو يتعدى يوما إذ أقبل رجل يعدو ومعه سيف مجرد ملطخ بالدم فجاء حتى قعد مع عمر فجعل يأكل وأقبل جماعة من الناس فقالوا يا أمير المؤمنين إن هذا قتل صاحبنا مع امرأته فقال عمر ما يقول هؤلاء؟ قال ضرب الآخر فخذ امرأته بالسيف، فإن كان بينهما أحد فقد قتله فقال لهم عمر ما يقول؟ قالوا ضرب بسيفه فقطع فخذي امرأته فأصاب وسط الرجل فقطعه باثنين فقال عمر إن عادوا فعد. رواه هشيم عن مغيرة عن ابراهيم أخرجه سعيد، فإن كانت المرأة مطاوعة فلا ضمان عليه فيها، وإن كانت مكرهة فعليه القصاص، فأما إن قتل رجلاً وادعى أنه وجده مع امرأته فقتلها أو قتله فقال علي إن جاءوا باربعة شهداء وإلا فليعط برقبته، فعلى هذا يفتقر إلى أربعة شهود لحديث علي، وروي أنه يكفي شاهدان لان البينة تشهد على وجوده مع المرأة وهذا يثبت بشاهدين وإنما الذي يحتاج الى أربعة الزنا وهذا لا يحتاج إلى إثبات الزنا، فإن قبل فحديث عمر في الذي وجد مع امرأته رجلاً ليس فيه بينة وكذلك روي أن رجلا من المسلمين خرج غازيا وأوصى بأهله رجلا فبلغ الرجل أن يهودياً يختلف إلى امرأته فكمن له حتى جاء فجعل ينشد واشعث غره الاسلام مني * خلوت بفرسه ليل التمام أبيت على ترائبها ويصحي * على جرداء لاحقة الحزام كأن مواضع الرتلات منها * فئام ينهضون الى فئام فقام اليه فقتله فرفع ذلك إلى عمر فأهدر دمه، فالجواب ان ذلك ثبت عنده باقرار الولي، وإن لم تكن بينة فادعى علم الولي بذلك فالقول قول الولي مع يمينه

(فصل) فإن قتل رجل رجلاً وادعى أنه قد هجم منزله فلم يمكنه دفعه إلا بالقتل لم يقبل قوله إلا ببينة وعليه القود سواء كان المقتول يعرف بسرقة او عيارة أو لا يعرف بذلك فإن شهدت البينة أنهم رأوا هذا مقبلا إلى هذا بسلاح مشهور فضربه هذا فقد هدر دمه وإن شهدوا أنهم رأوه داخلاً داره ولم يذكروا سلاحاً أو ذكروا سلاحاً غير مشهور لم يسقط القود بذلك لأنه قد يدخل لحاجة ومجرد الدخول المشهود به لا يوجب اهدار دمه (مسألة) (وإن عض انسان انسانا فانتزع يده من فيه فسقطت ثناياه ذهبت هدراً) وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وروى سعيد عن هشيم عن محمد بن عبد الله أن رجلاً عض رجلا فانتزع يده من فيه فسقطت بعض اسنان العاض فاختصما الى شريح فقال شريح انزع يدك من في السبع وابطل أسنانه وحكي عن مالك وابن أبي ليلى عليه الضمان لقول النبي صلى الله عليه وسلم في السن خمس من الإبل ولنا ماروى يعلى بن أمية قال كان لي أجير فقاتل رجلا فعض أحدهما يد الآخر قال فانتزع المعضوض يده من في العاض فانتزع احد ثنيتيه فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأهدر ثنيته فحسبت أنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم أفيدع يده في فمك تقضمها قضم الفحل) متفق عليه ولأنه عضو تلف ضرورة دفع شر صاحبه فلم يضمن كما لو صال عليه فلم يمكنه دفعه إلا بقطع عضوه وحديثهم يدل على دية السن إذا قلعت ظلماً وهذه لم تقلع ظلماً وسواء كان المعضوض ظالماً أو مظلوماً لأن العض محرم، إلا أن يكون العض مباحاً له مثل أن يمسكه في موضع يتضرر بامساكه أو يعصر يده بما لا يقدر على التخلص من ضرره إلا بعضه فيعضه فما سقط من أسنانه ضمنه لأنه عاد وكذلك لو عض أحدهما يد الآخر ولم يمكن المعضوض تخليص يده إلا بعضه فله عضه ويضمن الظالم منهما ما تلف من المظلوم وما تلف من الظالم كان هدراً وكذلك الحكم فيما إذا عضه في غير يده أو عمل به عملا غير العض أفضى الى تلف شئ من الفاعل لم يضمنه وقد روى محمد بن عبيد الله أن غلاماً اخذ قمعا من أقماع الزياتين فأدخله بين رجلي رجل ونفخ فيه فذعر الرجل من ذلك وخبط برجله فوقع على الغلام فكسر بعض أسنانه فاختصموا الى شريح فقال شريح لا أعقل الكلب الهرار قال القاضي يخلص المعضوض يده بأسهل ما يمكنه، فإن أمكنه فك لحييه بيده

باب حد المسكر

الأخرى فعل وإن لم يمكنه لكمه على فكه فإن لم يمكنه فله أن يبعج بطنه وإن أتى على نفسه، قال شيخنا والصحيح أن هذا الترتيب غير معتبر وله أن يجذب يده اولا لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستفصل ولأنه لا يلزمه ترك يده في فم العاض حتى يتحيل بهذه الأشياء المذكورة ولأن جذب يده تخليص وما حصل من سقوط الأسنان حصل ضرورة التخليص الجائز ولكم فكه جناية غير التخليص وربما تضمنت التخليص وربما أتلفت الأسنان التي لم يحصل العض بها فكانت البداءة بجذب يده أولى وينبغي أنه متى أمكنه جذب يده فعدل إلى لكم فكه فأتلف سناً ضمنه لأمكان التخلص بما هو أولى منه (مسألة) (وإن نظر في بيته من خصاص الباب أو نحوه فحذف عينه ففقأها فلا شئ عليه) وجملة ذلك أن من اطلع في بيت إنسان من ثقب أو شق باب أو نحوه فرماه صاحب الدار بحصاة أو طعنه بعود فقلع عينه لم يكن عليه جناح ولا يضمنها، وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة يضمنها لأنه لو دخل منزله ونظر فيه أو نال من امرأته ما دون الفرج لم يجز قلع عينه فبمجرد النظر أولى. ولنا ما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لو أن امرأ اطلع عليك بغير اذن فحذفته بحصاة ففقأت عينه لم يكن عليك جناح) وعن سهل بن سعد أن رجلا اطلع في جحر من باب النبي صلى الله عليه وسلم يحك رأسه بمدرى في يده فقال النبي صلى الله عليه وسلم (لو علمت أنك تنظرني لطمت - أو - لطعنت بها عينك) متفق عليهما، ويفارق ما قاسوا عليه لأن من دخل المنزل يعلم به فيستتر منه بخلاف الناظر من ثقب فانه يرى من غير علم به ثم الخبر أولى من القياس، وظاهر كلام أحمد أنه لا يعتبر في هذا أنه

لا يمكنه دفعه إلا بذلك لظاهر الخبر، وقال ابن حامد يدفعه بأسهل ما يمكنه دفعه يقول له اولا انصرف فان لم يفعل أشار اليه أنه يحذفه فإن لم ينصرف فله حذفه حينئذ واتباع السنة أولى، فإن ترك الاطلاع ومضى لم يجز رميه لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يطعن الذي اطلع ثم انصرف، ولأنه ترك الجناية فأشبه من عض ثم ترك العض لم يجز قلع اسنانه وسواء كان المكان المطلع منه صغيراً كثقب أو شق أو واسعاً كنقب كبير، وذكر بعض أصحابنا أن الباب المفتوح كذلك، والأولى أنه لا يجوز حذف من نظر من باب مفتوح، لأن التفريط من تارك الباب مفتوجا (مفتوحا) والظاهر أن من ترك الباب مفتوحاً أنه يستتر لعلمه أن الناس ينظرون منه وبعلم بالناظر فيه والواقف عليه فلم (يجز رميه) كداخل الدار وان اطلع

كل شراب أسكر كثيره فقليله حرام، من أي شي كان ويسمى خمرا، حكمه حكم عصير العنب في تحريمه، ووجوب الحد على شاربه

فرماه صاحب الدار فقال المطلع ما تعمدته لم يضمنه على ظاهر كلام أحمد، لأن الاطلاع قد وجد والرامي لا يعلم ما في قلبه وعلى قول ابن حامد يضمنه لأنه لم يدفعه بما هو أسهل وكذلك لو قال لم أر شيئاً حين اطلعت، وإن كان المطلع أعمى لم يجز رميه لأنه لا يرى شيئاً ولو كان إنسان عريانا في طريق لم يكن له رمي من نظر اليه لأنه المفرط، وإن كان المطلع في الدار من محارم النساء اللائي فيها، فقال

بعض أصحابنا ليس لصاحب الدار رميه إلا أن يكن متجردات فيصرن كالاجانب، وظاهر الخبر أن لصاحب الدار رميه سواء كان فيها نساء أو لم يكن لأنه لم يذكر أنه كان في الدار التي اطلع فيها على النبي صلى الله عليه وسلم نساء وقوله (لو أن امرأ اطلع عليك بغير اذن فحذفته) عام في الدار التي فيها نساء وغيرها (فصل) وليس لصاحب الدار رمي الناظر بما يقتله ابتداء فان رماه بحجر يقتله أو حديدة تقتله ضمنه بالقصاص لأنه إنما له ما يقلع به العين المبصرة التي حصل الأذى منها دون ما يتعدى إلى غيرها فان لم يندفع المطلع برميه بالشئ اليسير جاز رميه بأكبر منه حتى يأتي ذلك على نفسه وسواء كان الناظر في الطريق او ملك نفسه أو غير ذلك.

ولا يجوز شربه للذة، ولا للتداوي، ولا لعطش، ولا غيره، إلا أن يضطر إليه لدفع لقمة غص بها، فيجوز

باب حد المسكر الخمر محرم بالكتاب والسنة والإجماع. أما الكتاب فقول الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون) والآية التي بعدها إلى قوله (فهل أنتم منتهون) وأما السنة فقول النبي صلى الله عليه وسلم (كل مسكر خمر وكل خمر حرام) رواه الإمام أحمد وأبو داود، وروى عبد الله بن عمران النبي صلى الله عليه وسلم قال (لعن الله الخمر وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه) رواه أبو داود وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم تحريم الخمر بأخبار تبلغ بمجموعها رتبة التواتر وأجمعت الأمة على تحريمه، وإنما حكي عن قدامة ابن مظعون وعمرو بن معد يكرب وأبي جندل بن سهل أنهم قالوا هي حلال لقول الله تعالى (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا) الآية فبين لهم علماء الصحابة معنى هذه الآية وتحريم الخمر واقاموا عليهم الحد لشربهم إياه فرجعوا إلى ذلك فانعقد الاجماع فمن استحلها الآن فقد كذب النبي صلى الله عليه وسلم لأنه قد علم ضرورة من جهة النقل تحريمه فيكفر بذلك ويستتاب فإن تاب

ومن شربه مختارا عالما أن كثيره يسكر، قليلا كان أو كثيرا، فعليه الحد ثمانين جلدة، وعنه أربعون

وإلا قتل روى الجوزجاني بإسناده عن ابن عباس أن قدامة بن مظعون شرب الخمر فقال له عمر: ما حملك على ذلك فقال إن الله عزوجل يقول [ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا] الآية وإني من المهاجرين الأولين من أهل بدر وأحد فقال عمر للقوم أجيبوا الرجل فسكتوا عنه فقال لابن عباس أجبه فقال إنما أنزلها الله عذراً للماضين لمن شربها قبل أن تحرم وأنزل (إنما الخمر والميسر) حجة على الناس، ثم سأل عمر عن الحد فيها فقال علي بن أبي طالب إذا شرب هذي وإذا هذى افترى فاجلدوا ثمانين فجلده عمر ثمانين: وروى الواقدي أن عمر قال له أخطأت التأويل يا قدامة إذا اتقيت اجتنبت ما حرم الله عليك، وروى الخلال بإسناده عن محارب بن دثار أن اناساً شربوا بالشام الخمر فقال لهم يزيد بن أبي سفيان شربتم الخمر؟ قالوا نعم يقول الله تعالى (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا) الآية فكتب فيهم إلى عمر بن الخطاب فكتب إليه إن أتاك كتابي هذا نهاراً فلا تنتظر بهم إلى الليل وإن أتاك ليلاً فلا تنتظر بهم نهاراً حتى تبعث بهم إلي لئلا يفتنوا عباد الله فبعث بهم إلى عمر فشاور فيهم الناس فقال لعلي ما ترى؟ فقال أرى أنهم

قد شرعوا في دين الله ما لم يأذن الله فيه فإن زعموا أنها حلال فاقتلهم فقد أحلوا ما حرم الله وإن زعموا أنها حرام فاجلدهم ثمانين ثمانين فقد افتروا على الله وقد أخبرنا الله بحد ما يفتري بعضنا على بعض قال فجلدهم عمر ثمانين ثمانين. إذا ثبت هذا فالمجمع على تحريمه عصير العنب إذا اشتد وقذف زبده وما عداه من الأشربة المسكرة فهو محرم وفيه اختلاف نذكره إن شاء الله تعالى (مسألة) (كل شراب أسكر كثيره فقليله حرام من أي شئ كان ويسمى خمراً حكمه حكم عصير العنب في تحريمه ووجوب الحد على شاربه) روى تحريم ذلك عن عمر وعلي وابن مسعود وابن عمر وأبي هريرة وسعد بن أبي وقاص وأبي ابن كعب وأنس وعائشة رضي الله عنهم، وبه قال عطاء وطاوس ومجاهد والقاسم وقتادة وعمر بن عبد العزيز ومالك والشافعي وأبو ثور وأبو عبيد واسحاق، وقال أبو حنيفة في عصير العنب إذا طبخ وذهب ثلثاه ونقيع التمر والزبيب إذا طبخ وان لم يذهب ثلثاه ونبيذ الحنطة والذرة والشعير ونحو ذلك نقيعاً كان أو مطبوخاً كل ذلك حلال إلا ما بلغ السكر، فأما عصير العنب إذا اشتد وقذف زبده أو طبخ فذهب أقل من ثلثيه ونقيع التمر والزبيب إذا اشتد بغير طبخ فهذا محرم قليله وكثيره لما روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (حرمت الخمرة لعينها والمسكر من كل شراب)

ولنا ماروى ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (كل مسكر خمر وكل خمر حرام) وعن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما أسكر كثيره فقليله حرام) رواهما أبو داود والاثرم وغيرهما وعن عائشة قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (كل مسكر حرام وما أسكر منه الفرق فملء الكف منه حرام) رواه أبو داود وغيره وقال عمر رضي الله عنه نزل تحريم الخمر وهي من العنب والتمر والعسل والبر والشعير، والخمر ما خامر العقل متفق عليه، ولأنه مسكر فأشبه عصير العنب فأما حديثهم فقال أحمد ليس في الرخصة في المسكر حديث صحيح وحديث ابن عباس رواه سعيد عن مسعر عن أبي عون عن ابن شداد عن ابن عباس قال والمسكر من كل شراب، وقال ابن المنذر جاء أهل الكوفة بأحاديث معلولة ذكرناها مع عللها وذكر الأثرم أحاديثهم التي يحتجون بها عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة فضعفها كلها وبين عللها، وقد قيل إن خبر ابن عباس موقوف عليه مع أنه يحتمل أنه أراد بالسكر المسكر من كل شراب فإنه يروي هو وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال (كل مسكر حرام) (مسألة) (ولا يجوز شربه للذة ولا للتداوي ولا لعطش ولا غيره إلا أن يضطر إليه لدفع لقمة غص بها فيجوز)

والرقيق على النصف من ذلك

لا يجوز شربه للذة لما ذكرنا ولا للتداوي بها لذلك، فإن فعل فعليه الحد وقال أبو حنيفة يباح شربها للتداوي، وللشافعي وجهان كالمذهبين، وله وجه ثالث يباح للتداوي دون العطش لأنها حال ضرورة فأبيح فيها كدفع الغصة وسائر ما يضطر إليه ولنا ماروى الإمام أحمد بإسناده عن طارق بن سويد أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم وقال إنما أصنعها للدواء فقال (إنه ليس بدواء ولكنه داء) وبإسناده عن مخارق أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على أم سلمة وقد نبذت نبيذاً في جرة فخرج والنبيذ يهدر فقال (ما هذا؟) فقالت فلانة اشتكت بطنها فنقعت لها فدفعه برجله فكسره وقال (إن الله لم يجعل فيما حرم عليكم شفاء) ولأنه محرم لعينه فلم يبح للتداوي كلحم الخنزير، ان شربها للعطش وكانت ممزوجة بما يروي من العطش أبيحت لدفعة عند الضرورة كما تباح الميتة عند المخمصة وكاباحتها لدفع الغصة، وقد روينا في حديث عبد الله بن حذافة أنه حبسه طاغية الروم في بيت فيه ماء ممزوج بخمر ولحم خنزير مشوي ليأكله ويشرب الخمر وتركه ثلاثة أيام فلم يفعل ثم أخرجوه حين خشوا موته فقال والله لقد كان الله أحله لي فإني مضطر ولكن لم اكن

والذمي لا يحد بشربه في الصحيح عنه

أشمتكم بدين الإسلام وإن كانت صرفاً أو ممزوجة بشئ يسير لا يروي من العطش لم تبح وعليه الحد وقال أبو حنيفة تباح وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي لأنه حال ضرورة ولنا أن العطش لا يندفع به فلم يبح كما لو تداوى بها فيما لا يصلح له فأما شربها لدفع الغصة فيجوز كما يجوز أكل الميتة في حال المخمصة ولا نعلم في ذلك خلافاً (مسألة) (ومن شربه مختاراً عالماً أن كثيره يسكر قليلاً كان أو كثيراً فعليه الحد ثمانين جلدة وعنه أربعون) ولا نعلم بينهم خلافاً في عصير العنب غير المطبوخ، واختلفوا في سائرها فمذهب أحمد التسوية بين عصير العنب وغيره من المسكرات وهو قول الحسن وعمر بن عبد العزيز وقتادة والاوزاعي ومالك والشافعي، وقالت طائفة لا يحد إلا أن يسكر، منهم أبو وائل والنخعي وكثير من أهل الكوفة وأصحاب الرأي، وقال أبو ثور من شربه معتقداً تحريمه حد، ومن شربه متأولا فلا حد عليه لأنه مختلف فيه فأشبه النكاح بلا ولي ولنا ماروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من شرب الخمر فاجلدوه) رواه أبو داود وغيره وقد

ثبت أن كل مسكر خمر فيتناول الحديث قليله وكثيره ولأنه شراب فيه شدة مطربة فوجب الحد بقليله كالخمر والاختلاف فيها لا يمنع وجوب الحد فيها بدليل مالو اعتقد تحريهما، وبهذا فارق النكاح بلا ولي وغيره من المختلف فيه وقد حد عمر رضي الله عنه قدامة بن مظعون وأصحابه مع اعتقادهم حل ما شربوه والفرق بين هذا وبين سائر المختلف فيه من وجهين (أحدهما) أن فعل المختلف فيه ههنا داعية إلى فعل ما أجمع على تحريمه وفعل سائر المختلف فيه يصرف عن جنسه من المجمع على تحريمه (الثاني) أن السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم قد استفاضت بتحريم المختلف فيه فلم يبق فيه لأحد عذر في اعتقاد إباحته بخلاف غيره من المجتهدات. قال أحمد بن القاسم سمعت أبا عبد الله يقول في تحريم المسكر عشرون وجها عن النبي صلى الله عليه وسلم في بعضها (كل مسكر خمر) وبعضها (كل مسكر حرام) (فصل) وحده ثمانون في إحدى الروايتين، وبهذا قال مالك والثوري وأبو حنيفة ومن تبعهم لإجماع الصحابة فإنه روي أن عمر استشار الناس في حد الخمر فقال عبد الرحمن أجعله كأخف

الحدود ثمانين فضرب عمر ثمانين وكتب به إلى خالد وابي عبيدة بالشام، وروي أن عليا قال في المشورة إنه إذا سكر هذى وإذا هذى افترى فحدوه حد المفتري روى ذلك الجوزجاني والدارقطني وغيرهما (والرواية الثانية) أن الحد أربعون وهو اختيار أبي بكر ومذهب الشافعي لأن علياً رضي الله عنه جلد الوليد بن عقبة أربعين ثم قال جلد النبي صلى الله عليه وسلم أربعين وأبو بكر أربعين وعمر ثمانين وكل سنة وهذا أحب إلي رواه مسلم، وعن أنس قال أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل قد شرب الخمر فضربه بالنعال نحواً من أربعين ثم أتي به أبو بكر فصنع مثل ذلك ثم أتى به عمر فاستشار الناس في الحدود فقال ابن عوف أقل الحدود ثمانون فضربه عمر متفق عليه وفعل النبي صلى الله عليه وسلم حجة لا يجوز تركه لفعل غيره ولا ينعقد الاجماع على ما خالف فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعلي رضي الله عنهما فتحمل الزيادة على أنها تعزير يجوز فعلها إذا رآها الإمام (فصل) وإنما يلزم الحد من شربها مختاراً لشربها فإن شربها مكرها فلا حد عليه ولا إثم سواء أكره بالوعيد أو الضرب أو ألجئ إلى شربها بأن يفتح فوه وتصب فيه فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال

(عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) رواه النسائي وكذلك من اضطر إليها لدفع غصة بها إذا لم يجد مائعا سواها فإن الله تعالى قال في آية التحريم (فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه) وكذلك إن شربها لعطش شديد وكانت ممزوجة بما يروي من العطش فإنها تباح بذلك عند الضرورة كما تباح الميتة في المخمصة (فصل) فإذا ثرد في الخمر أو اصطبغ به أو طبخ به لحماً فأكل من مرقه فعليه الحد لأن عين الخمر موجودة وكذلك إن لت به سويقاً فأكله فإن عجن به دقيقاً فخبزه وأكله لم يحد لأن النار أكلت أجزاء الخمر فلم يبق إلا أثره، وإن احتقن بالخمر لم يحد لأنه ليس بشرب ولا أكل ولأنه لم يصل إلى حلقه فأشبه مالو داوى به جرحه فإن استعط به فعليه الحد لأنه أوصله إلى باطنه من حلقه ولذلك نشر الحرمة في الرضاع دون الحقنة، وحكي عن أحمد أن على من احتقن به الحد لأنه أوصله إلى جوفه والأول أولى لما ذكرنا (فصل) ويشترط لوجوب الحد على من شربها أن يعلم أن كثيرها يسكر فإن لم يعلم فلا حد عليه لأنه غير عالم بالتحريم ولا قصد ارتكاب المعصية بها فأشبه من رفت اليه غير امرأته وهذا قول عامة

والعصير إذا أتت عليه ثلاثة أيام حرم، إلا أن يغلى قبل ذلك فيحرم، نص عليه

أهل العلم فأما من شربها غير عالم بتحريمها فلا حد فيه أيضاً لأن عمر وعثمان قالا لا حد إلا على من علمه ولأنه غير عالم بالتحريم أشبه من لم يعلم أنها خمر، ومتى ادعى الجهل بتحريمها وكان ناشئاً ببلد الاسلام بين المسلمين لم تقبل دعواه لأن هذا لا يكاد يخفى على مثله فلم تقبل دعواه فيه وإن كان حديث عهد بالإسلام أو ناشئاً ببادية بعيده عن البلد قبل منه لأنه يحتمل ماقاله (مسألة) (والرقيق على النصف من ذلك) أي على النصف من حد الحر وهو أربعون إن قلنا إن الحد ثمانون ويستوي في ذلك العبد والأمة وعلى الرواية الأخرى عشرون (فصل) ويجلد العبد والأمة بدون سوط الحر ذكره الخرقي لأنه لما خفف عنه في عدده خفف عنه في صفته كالتعزير مع الحد ويحتمل أن يكون سوطه كسوط الحر لأنه إنما يتحقق التنصيف إذا كان السوط مثل السوط، أما إذا كان نصفاً في عدده وأخف منه في سوطه كان أقل من النصف والله سبحانه قد أوجب النصف بقوله (فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب) (مسألة) (والذمي لا يحد بشربه في الصحيح عنه) لأنه يعتقد حله فلم يحد بفعله كنكاح المجوس ذوات محارمهم، وعنه يحد لأنه شرب مسكراً عالماً به مختاراً أشبه شارب النبيذ إذا اعتقد حله

وقال أبو الخطاب: عندي أن كلام أحمد في ذلك محمول على عصير، الغالب أنه يتخمر في ثلاثة أيام

(فصل) ولا يجب الحد حتى يثبت شربه بأحد شيئين الاقرار أو البينة ويكفي الاقرار مرة واحدة في قول عامة أهل العلم لأنه لا يتضمن اتلافا فأشبه حد القذف، ومتى رجع عن إقراره قبل رجوعه لأنه حد لله سبحانه فقبل رجوعه كسائر الحدود ولا يعتبر مع الإقرار وجود الرائحة وحكي عن أبي حنيفة لا حد عليه إلا أن توجد رائحة ولنا أنه أحد بينتي الشرب فلم يعتبر معه وجود الرائحة كالشهادة ولأنه قد يقر بعد زوال الرائحة عنه ولأنه إقرار بحد فاكتفى به كسائر الحدود (مسألة) (وهل يجب الحد بوجود الرائحة؟ على روايتين) لا يجب الحد برائحة الخمر من فيه في قول أكثر أهل العلم منهم الثوري وأبو حنيفة والشافعي وعن أحمد أنه يحد بذلك رواها عنه أبو طالب وهو قول مالك لأن ابن مسعود جلد رجلا وجد منه رائحة الخمر، وروي عن عمر أنه قال إني وجدت من عبيد الله ريح شراب فأقر أنه شرب الطلاء فقال عمر إني سائل عنه فإن كان ينكر جلدته، ولأن الرائحة تدل على شربه فجرى مجرى الإقرار والأول أولى لأن الرائحة يحتمل أنه تمضمض بها أو ظنها ماء فلما صارت في فيه مجها أو ظنها لا تسكر أو كان مكرهاً أو أكل نبقا بالغا أو شرب شراب التفاح فإنه يكون منه كرائحة الخمر وإذا

ولا يكره الانتباذ في الدباء والحنتم والنقير والمزفت

احتمل ذلك لم يجب الحد الذي يدرأ بالشبهات وحديث عمر حجة لنا فإنه لم يكتف بوجود الرائحة ولو وجب ذلك لبادر إليه عمر (فصل) وإن وجد سكران أو تقيأ الخمر فعن أحمد لا حد عليه لاحتمال أن يكون مكرها أو لم يعلم أنها تسكر وهذا مذهب الشافعي، ورواية أبي طالب عنه في الحد بالرائحة تدل على وجوب الحد ههنا بطريق الأولى لأن ذلك لا يكون إلا بعد شربها فأشبه ما لو قامت البينة عليه بشربها وقد روى سعيد ثنا هشيم ثنا المغيرة عن الشعبي قال لما كان من أمر قدامة ما كان جاء علقمة الخصي قال أشهد أني رأيته يتقيؤها فقال عمر من قاءها فقد شربها فضربه الحد، وروى حصين بن المنذر الرقاشي قال شهدت عثمان وأتى بالوليد بن عقبة فشهد عليه حمران ورجل آخر فشهد أحدهما أنه رآه شربها وشهد الآخر أنه رآه يتقيؤها فقال عثمان أنه لم يتقيأها حتى شربها فقال لعلي أقم عليه الحد فأمر علي عبد الله بن جعفر فضربه رواه مسلم وفي رواية قال له عثمان لقد تنطعت في الشهادة وهذا بمحضر من علماء الصحابة وسادتهم فلم ينكر فكان إجماعاً ولأنه يكتفى بالشهادة عليه أنه شربها ولا يتقايؤها أو لا يسكر منها حتى يشربها

ويكره الخليطان وهو أن ينبذ شيئين كالتمر والزبيب

(فصل) وأما البينة فلا تكون إلا رجلين عدلين مسلمين يشهدان أنه شرب مسكراً ولا يحتاجان إلى بيان نوعه لأنه لا ينقسم إلى ما يوجب الحد والى مالا يوجبه بخلاف الزنا فإنه يطلق على الصريح وعلى دواعيه ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم (العينان تزنيان واليدان تزنيان والفرج يصدق ذلك أو يكذبه) فلهذا احتاج الشاهد إلى تفسيره وفي مسئلتنا لا يسمى غير المسكر مسكراً فلم يفتقر إلى ذكر نوعه، ولا يفتقر في الشهادة إلى ذكر عدم الإكراه ولا ذكر علمه أنه مسكر لأن الظاهر الاختيار والعلم وما عداهما نادر فلم يحتج إلى إثباته ولذلك لم يعتبر في شئ من الشهادات ولم يعتبره عثمان في الشهادة على الوليد بن عقبة ولا عمر في الشهادة على قدامة بن مظعون ولا في الشهادة على المغيرة بن شعبة ولو شهد بعتق أو طلاق لم يفتقر إلى ذكر الاختيار كذا ههنا

وإن قتله اثنان فسلبه غنيمة

(مسألة) (والعصير إذا أتت عليه ثلاثة أيام حرم إلا أن يغلى قبل ذلك فيحرم نص عليه) أما إذا غلي العصير كغليان القدر وقذف بزبده فلا خلاف في تحريمه، وإن أتت عليه ثلاثة أيام ولم يغل فقال أصحابنا هو حرام وقال أحمد اشربه ثلاثاً ما لم يغل فإذا أتت عليه أكثر من ثلاثة أيام فلا تشربه، وأكثر أهل العلم يقولون هو مباح ما لم يغل ويسكر لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (اشربوا في كل وعاء ولا تشربو مسكراً) أخرجه أبو داود، ولأن علة تحريمه الشدة المطربة وإنما ذلك في المسكر خاصة ووجه الأول ما روى أبو داود بإسناده عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينبذ له الزبيب فيشربه اليوم والغد وبعد الغد إلى مساء الثالثة ثم يأمر به فيسقى الخدم أو يهراق، وروى الشالنجي بإسناده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (اشربوا العصير ثلاثاً ما لم يغل) وقال ابن عمر اشربه ما لم يأخذه شيطانه قيل وفي كم يأخذه شيطانه؟ قال في ثلاث ولأن الشدة تحصل في الثلاث غالباً وهي خفية تحتاج

ولا بأس بالفقاع، وبه قال إسحاق وابن المنذر، قال شيخنا: ولا أعلم فيه خلافا، لأنه لا يسكر وإذا ترك يفسد بخلاف الخمر، والأشياء على الإباحة، ما لم يرد بتحريمها حجة

إلى ضابط فجاز جعل الثلاث ضابطاً لها، قال شيخنا ويحتمل أن يكون شربه بعد الثلاث إذا لم يغل مكروهاً غير محرم فإن أحمد لم يصرح بالتحريم وقال في موضع أكرهه وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يشربه بعد ثلاث (مسألة) (وقال أبو الخطاب عندي أن كلام أحمد في ذلك محمول على عصير الغالب أنه يتخمر في ثلاثة أيام) (فصل) وكذلك النبيذ مباح ما لم يغل أو يأتي عليه ثلاثة أيام والنبيذ ما يلقى فيه تمر أو زبيب أو نحوهما ليحلوا به الماء وتذهب ملوحته فلا بأس به ما لم يغل أو يأتي عليه ثلاثة أيام لما روينا عن ابن عباس، وقال أبو هريرة علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم فتحينت فطره بنبيذ صنعته في دباء ثم أتيته به فإذا هو ينش فقال (اضرب بهذا الحائط فإن هذا شراب من لا يؤمن بالله واليوم الآخر) رواه أبو داود ولأنه إذا بلغ ذلك صار مسكراً وكل مسكر حرام

(مسألة) (ولا يكره أن يترك في الماء تمر أو زبيب ونحوه ليأخذ ملوحته ما لم يشتد أو يأتي عليه ثلاث لما ذكرنا في الفصل الذي قبله (مسألة) (ولا يكره الانتباذ في الدباء والختم (والحنتم) والنقير والمزفت) يجوز الانتباذ في الأوعية كلها وعن أحمد أن يكره الانتباذ في الدباء والختم (والحنتم) والنقير والمزفت لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الانتباذ فيها والدباء اليقطين والختم (والحنتم) الجرار والنقير الخشب والمزفت الذي يطلى بالزفت والصحيح أنه لا يكره لما روى بريدة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (نهيتكم عن ثلاث وأنا آمركم بهن نهيتكم عن الأشربة أن لا تشربوا إلا في ظروف الادم فاشربوا في كل وعاء ولا تشربوا مسكرا) رواه مسلم وهذا دليل على نسخ النهي ولا حكم للمنسوخ (فصل) وما طبخ من النبيذ والعصير قبل غليانه حتى صار غير مسكر كالدبس ورب الخروب وغيرهما من المربيات والسكر فهو مباح لأن التحريم إنما ثبت في المسكر ففيما عداه يبقى على أصل

الإباحة وما أسكر كثيره فقليله حرام سواء ذهب منه الثلثان أو أقل أو أكثر قال أبو داود سألت أحمد عن شرب الطلاء إذا ذهب ثلثه وبقي ثلثه قال لا بأس به قيل لاحمد إنهم يقولون إنه يسكر قال لا يسكر لو كان يسكر ما أحله عمر (مسألة) (ويكره الخليطان وهو أن ينبذ شيئين كالتمر والزبيب) لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الخليطين، وقال أحمد الخليطان حرام وقال في رجل ينقع الزبيب والتمر الهندي والعناب ونحوه ينقعه غدوة ويشربه عشية للدواء: أكرهه لأنه نبيذ ولكن يطبخه ويشربه على المكان وقد روى أبو داود بإسناده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن ينبذ الرطب والبسر جميعاً ونهى أن ينتبذ التمر والزبيب جميعاً، وفي رواية انتبذوا كل واحد على حدة وعن أبي قتادة قال نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يجمع بين التمر والزهو والتمر والزبيب ولينتبذ كل واحد منهما على حدة متفق عليه قال القاضي يعني أحمد بقوله هو حرام إذا اشتد وأسكر وإذا لم يسكر لم يحرم وهذا هو الصحيح إن شاء

الله وانا نهى النبي صلى الله عليه وسلم لعلة إسراعه إلى السكر المحرم فإذا لم يوجد لم يثبت التحريم كما أنه عليه السلام نهى عن الانتباذ في الأوعية المذكورة لهذه العلة ثم أمرهم بالشرب فيها ما لم توجد حقيقة الاسكار وقد دل على صحة هذا ماروي عن عائشة قالت كنا ننبذ لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنأخذ قبضة من تمر وقبضة من زبيب فنطرحها فيه ثم نصب عليه الماء فننبذه غدوة فيشربه عشية وننبذه عشية فيشربة غدوة رواه أبو داود وابن ماجة فلما كانت مدة الانتباذ قريبة وهي يوم وليلة لا يتوهم الاسكار فيها لم يكره ولو كان مكروهاً لما فعل هذا في بيت النبي صلى الله عليه وسلم له فعلى هذا لا يكره ما كان في المدة اليسيرة ويكره ماكان في مدة يحتمل إفضاؤه إلى الاسكار ولا يثبت التحريم ما لم يغل أو تمضي عليه ثلاثة أيام (مسألة) (ولا بأس بالفقاع وبه قال إسحاق وابن المنذر) قال شيخنا ولا أعلم فيه خلافاً لأنه لا يسكر وإذا ترك يفسد بخلاف الخمر والأشياء على الإباحة ما لم يرد بتحريمها حجة (فصل) والخمرة إذا افسدت فصيرت خلا لم تحل، وإن قلب الله عينها فصارت خلا فهي حلال

ومن وطئ جارية امرأته، فعليه الحد إلا أن تكون قد احلتها له، فيجلد مائة وهل يلحقه نسب ولدها؟ على روايتين

روي هذا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وبه قال الزهري ونحوه قول مالك وقال الشافعي إن القي فيها شئ يفسدها كالملح فتخللت فهي على تحريمها وإن نقلت من شمس إلى ظل أو من ظل إلى شمس فتخللت ففي إباحتها قولان وقال أبو حنيفة تطهر في الحالين لأن علة تحريمها زالت بتخليلها فطهرت كما لو تخللت بنفسها يحققه أن التطهير لا فرق فيه بين ما حصل بفعل الله تعالى وفعل الآدمي كتطهير الثوب والبدن والأرض ونحو هذا قول عطاء وعمرو بن دينار والحارث العكلي وذكره أبو الخطاب وجهاً في مذهبنا

ولنا ماروى أبو سعيد قال كان عندنا خمر ليتيم فلما نزلت المائدة سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله إنه ليتيم قال (أهريقوه) رواه الترمذي وقال حديث حسن وعن أنس قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم ايتخذ الخمر خلا؟ قال (لا) رواه مسلم والترمذي وقال حديث حسن صحيح وعن أبي طلحة أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أيتام ورثوا خمراً فقال (أهرقها) قال: أفلا أخللها؟ قال (لا) رواه أبو داود وهذا نهي يقتضي التحريم ولو كان إلى استصلاحها سبيل لم تجز

إراقتها بل أرشدهم إليه سيما وهي لأيتام يحرم التفريط في أموالهم ولأنه إجماع الصحابة فروي أن عمر رضي الله عنه صعد المنبر فقال لا يحل خل خمر أفسدت حتى يكون الله تعالى هو الذي تولى إفسادها ولا بأس على مسلم ابتاع من أهل الكتاب خلا ما لم يتعمد لافسادها، رواه أبو عبيد في الأموال بنحو من هذا المعنى وهذا قول يشتهر لأنه خطب به الناس على المنبر فلم ينكر، فأما إذا انقلبت بنفسها فإنها تطهر وتحل في قول جميعهم فقد روي عن جماعة من الأوائل أنهم اصطبغوا بخل خمر منهم علي وأبو الدرداء ورخص فيه الحسن وسعيد بن جبير وليس في شئ من أخبارهم أنهم اتخذوه خلا ولأنه انقلب بنفسه لكن قد بينة عمر بقوله لا يحل خل خمرأفسدت حتى يكون الله تعالى هو الذي يتولى

وهل يلحقه نسب ولدها إذا حملت من هذا الوطء؟ على روايتين

إفسادها ولأنها إذا انقلبت بنفسها فقد زالت علة تحريمها من غير علة خلفتها فطهرت كالماء إذا زال تغيره بمكثه، وإذا ألقي فيها شئ ينجس بها ثم انقلبت بقي ما ألقي فيها نجساً فنجسها وحرمها فأما إن نقلها من موضع إلى آخر فتخللت من غير أن يلقي فيها شيئاً فإن لم يكن قصد تخليلها حلت بذلك لأنها تخللت بفعل الله تعالى فيها، وإن قصد بذلك تخليلها احتمل أن تطهر لأنه لا فرق بينهما إلا القصد فلا يقتضي تحريمها ويحتمل أن لا تطهر لأنها خللت فلم تطهر كما لو ألقي فيها شئ

ولا يزاد في التعزير على عشر جلدات في غير هذا الموضع

باب التعزير وهو التأديب وهو واجب في كل معصية لاحد فيها ولا كفارة كالاستمتاع الذي لا يوجب الحد واتيان المرأة المرأة وسرقة مالا يوجب القطع والجناية على الناس بما لاقصاص فيه والقذف بغير الزنا ونحوه والنهب والغصب والاختلاس، وسمي تعزيراً لأنه يمنع من الجناية والأصل في التعزير المنع ومنه التعزير بمعنى النصرة لأنه منع لعدوه من أذاه

(مسألة) (ومن وطئ جارية امرأته فعليه الحد إلا أن تكون قد احلتها له فيجلد مائة وهل يلحقه نسب ولدها؟ على روايتين) أما إذا وطئ جارية امرأته بإذنها فإنه يجلد مائة ولا يرجم إن كان ثيباً وإن كان بكراً لم يغرب وإن لم تكن احلتها له فهو زان حكمه حكم الزاني بجارية الأجنبي، وحكي عن النخعي أنه يعزر ولا حد عليه لأنه يملك امرأته فكانت له شبهة في مملوكتها، وعن عمر وعلي وعطاء وقتادة ومالك والشافعي

أنه كوطئ الأجنبية سواء احلتها له أو لم تحلها لأنه لا شبهة له فيها فأشبه جارية اخته ولانه إباحة لوطئ محرمة عليه فلم تكن شبهة كإباحة سائر الملاك وعن ابن مسعود والحسن إن كان استكرهها فعليه غرم مثلها وتعتق وإن كانت طاوعته فعليه غرم مثلها ويملكها لأن هذا يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد رواه ابن عبد البر وقال هذا حديث صحيح ولنا ماروى أبو داود بإسناده عن حبيب بن سالم أن رجلا يقال له عبد الرحمن بن حنين وقع

على جارية امرأته فرفع إلى النعمان بن بشير وهو أمير الكوفة فقال لأقضين فيك بقضية رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كانت أحلتها لك جلدتك مائة وإن لم تكن أحلتها لك رجمتك بالحجارة فوجدوها أحلتها له فجلدوه مائة

(مسألة) (وهل يلحقه نسب ولدها إذا حملت من هذا الوطئ؟ على روايتين) (إحداهما) يلحق لانه وطئ لا يجب به الحد فلحق به النسب كوطئ الجارية المشتركة (والأخرى) لا يلحق به لأنه وطئ في غير ملك ولا شبهة ملك أشبه الزنا المحض (مسألة) (ولا يسقط الحد بالإباحة في غير هذا الموضع) لعموم النصوص الدالة على وجوب الحد على الزاني وإنما سقط الحد في هذا الموضع لحديث النعمان

(مسألة) (ولا يزاد في التعزير على عشر جلدات في غير هذا الموضع) اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في قدر التعزير فروي عنه أنه لا يزاد على عشر جلدات نص عليه في مواضع وهو قول إسحاق لما روى أبو بردة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (لا يجلد أحد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله) متفق عليه

(والرواية الثانية) لا يبلغ به الحد وهو الذي ذكره الخرقي فيحتمل أنه أراد لا يبلغ به أدنى حد مشروع وهذا قول أبي حنيفة والشافعي، فعلى هذا لا يبلغ به أربعين سوطاً لأنها حد العبد في الخمر وهذا قول أبي حنيفة وإن قلنا أن حد الخمر أربعون لم يبلغ به عشرين سوطاً في حق العبد وأربعين

في حق الحر وهذا مذهب الشافعي فلا يزاد العبد على تسعة عشر سوطا ولا الحر على تسعة وثلاثين وقال ابن أبي ليلى وأبو يوسف ادنى الحدود ثمانون فلا يزاد في التعزير على تسعة وسبعين ويحتمل كلام احمد والخرقي أن لا يبلغ بكل جناية حداً مشروعاً في جنسها ويجوز أن يزيد على حد غير جنسها، فعلى هذا ماكان سببه الوطئ جاز أن يجلد مائة إلا سوطاً لينقص عن حد الزنا، وما كان سببه غير الوطئ لم يبلغ به أدنى الحدود لما ذكرنا من حديث النعمان بن بشير في الذي وطئ جارية امرأته بإذنها انه يجلد

مائة وهذا تعزيز لأنه في حق المحصن إنما هو الرجم، وعن سعيد بن المسيب عن عمر في أمة بين رجلين وطئها أحدهما يجلد الحد إلا سوطاً واحداً رواه الأثرم واحتج به أحمد قال القاضي هذا عندي من نص أحمد لا يقتضي اختلافاً في التعزير بل المذهب أنه لا يزاد على عشر جلدات اتباعاً للأثر الا في وطئ

جارية امرأته لحديث النعمان وفي الجارية المشتركة لحديث عمر وما عداهما يبقى على العموم لحديث أبي برده وهذا قول حسن، إذا ثبت تقدير أكثره فليس أقله مقدراً لأنه لو يقدر لكان حداً ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قدر أكثره ولم يقدر أقله فيرجع فيه إلى اجتهاد الإمام أو الحاكم فيما يراه وما يقتضيه

حال الشخص وقال مالك يجوز أن يزاد التعزير على الحد إذا رأى الإمام لما روي أن معن بن زائدة عمل خاتماً على نقش خاتم بيت المال ثم جاء به صاحب بيت المال فأخذ منه مالاً فبلغ عمر رضي الله عنه فضربه مائة وحبسه وكلم فيه فضربة مائة أخرى فكلم فيه من بعد فضربه مائة ونفاه، وروى أحمد بإسناده

وإن استمنى بيده لغير حاجة عزر

إن علياً أتى بالنجاشي قد شرب خمراً في رمضان فضربة ثمانين الحد وعشرين سوطاً لفطره في رمضان وروي أن أبا الأسود استخلفه ابن عباس على قضاء البصرة فأتي بسارق قد كان جمع المتاع في البيت ولم يخرجه فقال أبو الأسود أعجلتم المسكين فضربه خمسة وعشرين سوطاً وخلى سبيله

وهو فرض كفاية، إذا قام به قوم سقط عن الباقين

ولنا حديث أبي بردة وهو صحيح متفق عليه وروى الشالنجي بإسناده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من بلغ حدا في غير حد فهو من المعتدين) ولأن العقوبة على قدر الإجرام والمعاصي المنصوص على حدودها أعظم من غيرها فلا يجوز أن يبلغ في أهون الأمرين عقوبة أعظمهما وما قالوه يفضي إلى أن

من قبل امرأة حراماً يضرب أكثر من حد الزنا وهذا غير جائز لأن الزنا مع عظمه وفحشه لا يجوز أن يزاد على حده فما دونه أولى، فما حديث معن فلعله كانت له ذنوب كثيرة فأدب على جميعها أو تكرر منه الأخذ أو كان ذنبه مشتملاً على جنايات (أحدها) تزويره (والثاني) أخذه لمال بيت المال بغير حقه (والثالث) فتحه باب هذه الحيلة لغيره وغير هذا، وأما حديث النجاشي فإن علياً ضربه الحد لشربه ثم عزره عشرين لفطره فلم يبلغ بتعزيره حداً وقد ذهب أحمد إلى هذا ورأى أن من

ولا يجب إلا على ذكر حر مكلف مستطيع، وهو الصحيح الواجد لزاده، وما يحمله إذا كان بعيدا

شرب الخمر في رمضان يحد ثم يعزر لجنايته من وجهين والذي يدل عل صحة ما ذكرناه ما روي أن عمر رضي الله عنه كتب إلى أبي موسى أن لا يبلغ بنكال أكثر من عشرين سوطا (فصل) والتعزير يكون بالضرب والحبس والتوبيخ ولا يجوز قطع شئ منه ولا جرحه ولا أخذ ماله لأن الشرع لم يرد بشئ من ذلك عن أحد يقتدى به ولأن الواجب أدب والتأديب لا يكون بالاتلاف وإن رأى الإمام العفو عنه جاز

(فصل) والتعزير فيما شرع فيه التعزير واجب إذا رآه الإمام وبه قال مالك وابو حنيفة وقال الشافعي ليس بواجب لأن رجلاً جاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال (إني لقيت امرأة فأصبت منها ما دون أن أطأها فقال (أصليت معنا؟) قال نعم فتلى عليه (إن الحسنات يذهبن السيئات) وقال في الأنصار (اقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم) وقال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم في حكم حكم به للزبير: إن كان ابن عمتك؟ فغضب النبي صلى الله عليه وسلم فلم يعزره على مقالته وقال له رجل: ان هذه لقسمة ما أريد بها وجه الله

وأقل ما يفعل مرة في كل عام، إلا أن تدعو الحاجة إلى تأخيره

ولنا أن ما كان من التعزير منصوصا عليه كوطئ جارية امرأته وجارية مشتركة فيحب امتثال الأمر فيه، وما لم يكن منصوصاً عليه إذا رأى الإمام المصلحة فيه أو علم أنه لا ينزجر إلا به وجب فإنه زجر مشروع لحق الله تعالى فوجب كالحد، وإن رأى الإمام العفو عنه جاز لما ذكرنا من النصوص والله أعلم وإن كان التعزير لحق آدمي فطلبه لزم إجابته كسائر حقوق الآدميين (مسألة) (وإن استمنى بيده لغير حاجة عزر) لأنه معصية وإن فعله خوفاً من الزنا فلا شئ عليه لأنه لو فعل ذلك خوفاً على بدنه لم يلزمه شئ ففعله خوفاً على دينه أولى

وأفضل ما يتطوع به الجهاد

كتاب الجهاد روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (انتدب الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا جهاد في سبيلي وإيمان بي وتصديق برسولي فهو علي ضامن أن أدخله الجنة أو أرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه نائلاً ما نال من أجر أو غنيمة) متفق عليه ولمسلم (مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم) وعن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لغدوة أو روحة في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها) رواه البخاري (مسألة) (وهو فرض كفاية إذا قام به قوم سقط عن الباقين) معنى فرض الكفاية الذي اذا قام به من يكفي سقط عن سائر الناس وإن لم يقم به من يكفي أثم الناس كلهم فالخطاب في ابتدائه يتناول الجميع كفرض الأعيان ثم يختلفان في أن فرض الكفاية يسقط بفعل البعض وفرض الأعيان لا يسقط عن أحد بفعل غيره، والجهاد من فروض الكفايات في قول عوام أهل العلم، وحكي عن ابن المسيب أنه فرض عين لقوله تعالى (انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله - ثم قال - إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما) وقال سبحانه (كتب

وغزو البحر أفضل من غزو البر

عليكم القتال) وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق) رواه أبو داود ولنا قول الله تعالى (لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم، فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة، وكلا وعد الله الحسنى) وهذا يدل على أن القاعدين غير آثمين مع جهاد غيرهم، وقال تعالى (وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة) ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبعث السرايا ويقيم هو وأصحابه. فأما الآية التي احتجوا بها فقد قال ابن عباس رضي الله عنهما نسخها قوله تعالى (وما كان المؤمنون لينفروا كافة) رواه الاثرم وأبو داود. ويحتمل أنه أراد حين استنفرهم النبي صلى الله عليه وسلم الى غزوة تبوك وكانت إجابتهم إلى ذلك واجبة عليهم ولذلك هجر النبي صلى الله عليه وسلم كعب بن مالك وأصحابه الذين خلفوا حتى تاب الله عليهم، وكذلك يجب على من استنفره الإمام لقول النبي صلى الله عليه وسلم (وإذا استنفرتم فانفروا) متفق عليه ومعنى الكفاية في الجهاد أن ينهض للجهاد قوم يكفون في قتالهم إما أن يكونوا جنداً لهم دواوين من أجل ذلك أو يكونوا قد أعدوا أنفسهم له تبرعاً بحيث إذا قصدهم العدو حصلت المنعة بهم ويكون في الثغور من يدفع العدو عنها ويبعث في كل سنة جيش يغيرون على العدو

ويقاتل كل قوم من يليهم من العدو

(مسألة) (ولا يجب إلا على ذكر حر مكلف مستطيع وهو الصحيح الواجد لزاده وما يحمله إذا كان بعيداً) يشترط لوجوب الجهاد سبعة شروط: الإسلام والبلوغ والعقل والحرية والذكورية والسلامة من الضرر ووجود النفقة، فأما الإسلام والبلوغ والعقل فهي شروط لوجوب سائر الفروع، ولأن الكافر غير مأمون في الجهاد، والمجنون لا يتأتى منه الجهاد، والصبي ضعيف البنية، وقد روي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة فلم يجزني في المقاتلة: متفق عليه، وأما الحرية فتشترط لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبايع الحر على الإسلام والجهاد ويبايع العبد على الإسلام دون الجهاد، ولأن الجهاد عبادة تتعلق بقطع مسافة فلم تجب على العبد كالحج، وأما الذكورية فتشترط لما روت عائشة رضي الله عنها قالت قلت يا رسول الله هل على النساء جهاد؟ فقال (جهاد لا قتال فيه، الحج والعمرة) ولأنها ليست من أهل القتال لضعفها وخورها ولذلك لا يسهم لها، ولا يجب على خنثى مشكل لأنه لا يعلم كونه ذكراً فلا يجب عليه مع الشك في شرطه، وأما السلامة من الضرر فمعناه السلامة من العمى والعرج والمرض وذلك شرط لقول الله سبحانه (ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج) ولأن هذه الأعذار يمنعه من الجهاد، فأما العمى فمعروف، وأما العرج فالمانع منه هو الفاحش الذي يمنع المشي الجيد

والركوب كالزمانة ونحوها، اما اليسير الذي يتمكن معه من الركوب والمشي وإنما يتعذر عليه شدة العدو فلا يمنع وجوب الجهاد لأنه ممكن منه فأشبه الأعور، والمرض المانع هو الشديد، فأما اليسير الذي لا يمنع الجهاد كوجع الضرس والصداع الخفيف فلا يمنع الوجوب كالعور، وأما وجود النفقة فيشترط لقول الله تعالى [ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله] ولأن الجهاد لا يمكن إلا بآلة فاعتبرت القدرة عليها، فإن كان الجهاد على مسافة قريبة اشترط أن يجد الزاد ونفقة عياله في مدة غيبته وسلاحا يقاتل به، ولا تعتبر الراحلة لقرب السفر، وإن كانت المسافة تقصر فيها الصلاة اعتبر مع ذلك الراحلة لقول الله تعالى [ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزناألا يجدوا ما ينفقون] (مسألة) (وأقل ما يفعل مرة في كل عام إلا أن تدعو الحاجة إلى تأخيره) أقل ما يفعل الجهاد في كل عام مرة لأن الجزية تجب على أهل الذمة مرة في كل عام وهي بدل عن النصرة فكذلك مبدلها وهو الجهاد فإن دعت الحاجة إلى تأخيره مثل أن يكون بالمسلمين ضعف في عدد أو عدة أو يكون متنظرا لمدد يستعين به أو يكون في الطريق إليهم مانع أو ليس فيها علف أو ماء أو يعلم من عدوه حسن الرأي في الإسلام ويطمع في إسلامهم إن أخر قتالهم ونحو ذلك مما يرى المصلحة معه في ترك القتال فيجوز تركه بهدنة وبغير هدنة فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد صالح قريشاً عشر سنين وأخر

وتمام الرباط أربعون يوما وهو لزوم الثغر للجهاد

قتالهم حتى نقضوا عهده وأخر قتال قبائل من العرب بغير هدنة، وإن دعت الحاجة الى القتال في عام أكثر من مرة وجب لأنه فرض كفاية فوجب منه ما تدعو الحاجة اليه (فصل) (ومن حضر الصف من أهل فرض الجهاد أو حضر العدو بلده تعين عليه) وجملة ذلك أن الجهاد يتعين في ثلاثة مواضع (أحدها) إذا التقى الزحفان وتقابل الصفان يحرم على من حضر الانصراف ويتعين عليه المقام لقول الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا - وقوله - يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروازحفا فلا تولوهم الأدبار) الآية (الثاني) إذا نزل الكفار ببلد تعين على أهله قتالهم ودفعهم (الثالث) إذا استنفر الإمام قوما لزمهم النفير معه لقول الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا مالكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض؟) الآية ولقول النبي صلى الله عليه وسلم (وإذا استنفرتم فانفروا) متفق عليه (مسألة) (وأفضل ما يتطوع به الجهاد) قال أحمد رحمه الله لا أعلم شيئاً من العمل بعد الفرائض أفضل من الجهاد روى ذلك عنه جماعة من أصحابه قال الأثرم قال أحمد لا نعلم شيئاً من أبواب البر أفضل من السبيل وقال الفضل بن زياد سمعت أبا عبد الله وذكر له أمر الغزو فجعل يبكي ويقول ما من أعمال البر أفضل منه وقال عنه غيره ليس يعدل لقاء العدو شئ ومباشرة القتال بنفسه أفضل الأعمال والذين يقاتلون العدو هم الذين

يدفعون عن الإسلام وعن حريمهم فأي عمل أفضل منه؟ الناس آمنون وهم خائفون قد بذلوا مهج أنفسهم، وقد روى ابن مسعود رضي الله عنه قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل؟ قال (الصلاة بمواقيتها - قلت ثم أي؟ قال - بر الوالدين - قلت - ثم أي؟ قال - الجهاد في سبيل الله) متفق على معناه وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح وروى أبو هريرة قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الاعمال افضل؟ اواي الأعمال خير؟ قال (الإيمان بالله ورسوله - قيل ثم أي شئ؟ قال - الجهاد سنام العمل - قيل ثم أي قال - حج مبرور) قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح وروى أبو سعيد قال قيل يا رسول الله أي الناس أفضل قال (من يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله) متفق عليه وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ألا أخبركم بخير الناس؟ رجل ممسك بعنان فرسه في سبيل الله) قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح وروى الخلال بإسناده عن الحسن قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (والذي نفسي بيده مابين السماء والأرض من عمل أفضل من جهاد في سبيل الله أو حجة مبرورة لارفث فيها ولافسوق ولا جدال) ولأن الجهاد بذل المهجة والمال ونفعه يعم المسلمين كلهم صغيرهم وكبيرهم وقويهم وضعيفهم ذكرهم وأنثاهم وغيره لا يساويه في نفعه وخطره فلا يساويه في فضله

(مسألة) [وغزو البحر أفضل من البر] غزو البحر مشروع وفضله كبير قال أنس بن مالك نام رسول الله؟ صلى الله عليه وسلم ثم استيقظ وهو يضحك قالت أم حرام فقلت ما يضحكك يارسول الله؟ قال (ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله يركبون ثبح هذا البحر ملوكاً على الأسرة - أو - مثل الملوك على الأسرة) متفق عليه قال ابن عبد البر: أم حرام بنت ملحان أخت أم سليم خالة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة أرضعته أخت لهما ثالثة ولم يرو هذا عن أحد سواه وأظنه إنما قال هذا لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينام في بيتها وينظر إلى شعرها ولعل هذا كان قبل نزول الحجاب وروى أبو داود باسناده عن أم حرام عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (المائد في البحر الذي يصيبه القئ له أجر شهيد والغرق له أجر شهيدين) وروى ابن ماجة بإسناده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (شهيد البحر مثل شهيدي البر والمائد في البحر كالمتشحط في دمه في البر وما بين الموجتين كقاطع الدنيا في طاعة الله وإن الله وكل ملك الموت بقبض الأرواح إلا شهيد البحر فإنه يتولى قبض أرواحهم ويغفر لشهيد البر الذنوب كلها إلا الدين ويغفر لشهيد البحر الذنوب والدين) ولأن البحر اعظم خطراومشقة فإنه بين خطر العدو وخطر الغرق ولا يتمكن من الفرار إلا مع أصحابه فكان أفضل من غيره [فصل] وقتال أهل الكتاب أفضل من قتال غيرهم وكان ابن المبارك رضي الله عنه يأتي من مرو لغزو الروم فقيل له في ذلك فقال إن هؤلاء يقاتلون على دين وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لأم خلاد (إن ابنك له أجر شهيدين) قالت ولم ذاك يا رسول الله؟ قال (لأنه قتله أهل الكتاب) رواه أبو داود

(مسألة) (ويغزى مع كل بر وفاجر) يعني مع كل إمام براً كان أو فاجراً وقد سئل أحمد عن الرجل يقول أنا لا أغزو ويأخذه ولد العباس إنما يوفر الفئ عليهم فقال سبحان الله هؤلاء قوم سوء هؤلاء القعدة مثبطون جهال فيقال أرأيتم لو أن الناس كلهم قعدوا كما قعدتم من كان يغزو؟ أليس كان قد ذهب الإسلام؟ ما كانت تصنع الروم؟ وقد روى أبو داود بإسناده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الجهاد واجب عليكم مع كل أمير براً كان أو فاجراً) وبإسناده عن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثلاث من أصل الإيمان الكف عمن قال لا إله الا الله لا نكفره بذنب ولا نخرجه من الإسلام بعمل والجهاد ماض منذ بعثني الله إلى أن يقاتل آخر أمتي الدجال لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل والإيمان بالأقدار) ولأن ترك الجهاد مع الفاجر يفضي إلى قطعه وظهور الكفار على المسلمين واستئصالهم وظهور كلمة الكافر وفيه فساد عظيم، قال الله تعالى (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض) (فصل) قال أحمد لا يعجبني أن يخرج مع الإمام أو القائد إذا عرف بالهزيمة وتضييع المسلمين وإنما يغزو مع من له شفقة وحيطة على المسلمين فإن كان يعرف بشرب الخمر والغلول يغزى معه إنما ذلك في نفسه ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم (إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر) (مسألة) (ويقاتل كل قوم من يليهم من العدو) .

ولا يستحب نقل أهله إليه، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رباط في سبيل الله خير من ألف يوم فيما سواه من المنازل

الأصل في هذا قول الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار) ولأن الأقرب أكثر ضرراً وفي قتاله دفع ضرره عن المقاتل له وعمن وراءه ولأن الأشتغال بالبعيد عنه يمكنه من انتهاز الفرصة في المسلمين لاشتغالهم عنه قيل لأحمد رحمه الله: يحكون عن ابن المبارك أنه قيل له تركت قتال العدو عندك وجئت إلى ههنا قال؟ هؤلاء أهل كتاب؟ فقال أبو عبد الله سبحان الله ما أدري ما هذا القول يترك العدو عنده ويجئ إلى ههنا؟ أفيكون هذا؟ أو يستقيم هذا؟ وقد قال الله تعالى [قاتلوا الذين يلونكم من الكفار] ولو أن أهل خراسان كلهم عملوا على هذا لم يجاهد الترك أحد وهذا والله أعلم إنما فعله ابن المبارك لكونه متبرعا بالجهاد والكفاية حاصلة بغيره من أهل الديوان واجناد المسلمين والمتبرع له ترك الجهاد بالكلية فكان له أن يجاهد حيث شاء ومع من شاء. إذا ثبت هذا فإن كان له عذر في البداية بالأبعد لكونه أخوف أو لمصلحة في البداية به لقربه وامكان الفرصة منه أو لكون الأقرب مهادناً أو يمنع مانع من قتاله فلا بأس بالبداية بالأبعد للحاجة. (فصل) وأمر الجهاد موكول إلى الإمام واجتهاده ويلزم الرعية طاعته فيما يراه من ذلك وينبغي أن يبتدئ بترتيب قوم في أطراف البلاد يكفون من بازائهم من المشركين ويأمر بعمل حصونهم وحفر خنادقم وجميع مصالحهم ويؤمر في كل ناحية أميراً يقلدهم أمر الحرب وتدبير الجهاد ويكون ممن له رأي وعقل ونجدة وبصر بالحرب ومكايدة العدو مع أمانة ورفق بالمسلمين ونصح لهم وإنما يبدأ

وتجب الهجرة على من يعجز عن إظهار دينه في دار الحرب، وتستحب لمن قدر عليه

بذلك لأنه لا يأمن عليها من المشركين، ويغزو كل قوم من يليهم إلا أن يكون في بعض الجهات من لا يكفيه من يليه فينجدهم بقوم آخرين ويكونون معهم ويوصي من يؤمره أن لا يحمل المسلمين على مهلكة ولا يأمرهم بدخول مطمورة يخاف أن يقتلوا تحتها فان فعل ذلك فقد أساء ويستغفر الله تعالى ولا عقل عليه ولا كفارة إذا أصيب واحد منهم بطاعته لأنه فعل ذلك باختياره، فإن عدم الإمام لم يؤخر الجهاد لأن مصلحته تفوت بتأخيره، وإن حصلت غنيمة قسموها على موجب الشرع، قال القاضي وتؤخر قسمه الإماء حتى يقوم إمام احتياطاً للفروج فإن بعث الإمام جيشاً وأمر عليهم أميراً فقتل أو مات فللجيش أن يؤمروا أحدهم كما فعل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في جيش مؤتة لما قتل أمراؤهم أمروا عليهم خالد بن الوليد فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فرضي أمرهم وصوب رأيهم وسمى خالداً يومئذ (سيف الله) [فصل] قال أحمد قال عمر رضي الله عنه وفروا الأظفار في أرض العدو فإنه سلاح قال أحمد يحتاج إليها في أرض العدو ألا ترى أنه إذا أراد أن يحل الحبل أو الشئ فإذا لم يكن له اظفار لم يستطع وقال عن الحكم بن عمرو أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا نحفي الأظفار في الجهاد فإن القوة الأظفار [فصل] قال أحمد يشيع الرجل إذا خرج ولا يتلقونه شيع علي رضي الله عنه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ولم يتلقه، وروي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه شيع يزيد بن أبي سفيان حين بعثه إلى الشام ويزيد راكب وأبو بكر رضي الله عنه يمشي فقال

له يزيد يا خليفة رسول إما أن تركب وإما أن أنزل انا فامشي معك فقال لا أركب ولا تنزل إني أحتسب خطاي هذه في سبيل الله تعالى، وشيع أبو عبد الله أبا الحارث الصائغ ونعلاه في يديه وذهب إلى فعل أبي بكر رضي الله عنه أراد أن تغبر قدماه في سبيل الله وقال عن عوف بن مالك الخثعمي عن النبي صلى الله عليه وسلم (من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمه الله على النار) قال أحمد ليس للخثعمي صحبة وهو قديم (مسألة) (وتمام الرباط أربعون يوما وهو لزوم الثغر للجهاد) معنى الرباط الإقامة بالثغر مقويا للمسلمين على الكفار والثغر كل مكان يخيف أهل العدو ويخيفهم وأصله من رباط الخيل لأن هؤلاء يربطون خيولهم وهؤلاء يربطون خيولهم كل يعد لصاحبه فسمي المقام بالثغر رباطاً وإن لم يكن خيل، وفيه فضل عظيم وأجر كبير قال أحمد ليس يعدل الجهاد والرباط شئ والرباط دفع عن المسليمن وعن حريمهم وقوة لأهل الثغر ولأهل الغزو فالرباط عندي أصل الجهاد وفرعه والجهاد أفضل منه للعناء والتعب والمشقة وقد روي في فضل الرباط أخبار منها ما روى سلمان رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (رباط ليلة في سبيل الله خير من صيام شهر وقيامه فإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمل وأجري عليه رزقه وأمن الفتان) رواه مسلم وعن فضالة بن عبيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (كل ميت يختم على عمله إلا المرابط في سبيل الله فإنه

ينمو له عمله إلى يوم القيامة ويؤمن من فتان القبر) رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح وعن عثمان بن عثمان رضي الله عنه أنه قال على المنبر: إني كنت كتمتكم حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم كراهية تفرقكم عني ثم بدا لي أن أحدثكموه ليختار أمرؤ منكم لنفسه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (رباط يوم في سبيل الله خير من ألف يوم فيما سواه من المنازل) رواه أبو داود والاثرم وغيرهما. إذا ثبت هذا فإن الرباط يقل ويكثر فكل مدة أقامها بنية الرباط فهي رباط قلت أو كثرت ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم (رباط يوم - ورباط ليلة) قال أحمد يوم رباط وليلة رباط وساعة رباط وقال عن أبي هريرة رضي الله عنه من رابط يوما في سبيل الله كتب له أجر الصائم القائم ومن زاد زاده الله، وروى سعيد بإسناده عن أبي هريرة قال رباط يوم في سبيل الله أحب إلي من أن أوافق ليلة القدر في أحد المسجدين مسجد الحرام ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن رابط أربعين يوما فقد استكمل الرباط وتمام الرباط أربعون يوماً روى ذلك عن أبي هريرة رضي الله عنه وقد ذكرنا خبر أبي هريرة، وروى أبو الشيخ في كتاب الثواب بإسناده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (تمام الرباط أربعون يوما) وروى نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قدم على عمر بن الخطاب من الرباط فقال له كم رابطت قال ثلاثين يوماً قال عزمت عليك إلا رجعت حتى تتمها أربعين يوماً فإن رابط أكثر فله أجره كما قال أبو هريرة ومن زاد زاده الله (فصل) وأفضل الرباط المقام بأشد الثغور خوفاً لأنهم أحوج ومقامه به أنفع قال أحمد رحمه

وما أخذوا من دار الحرب من ركاز أو مباح له قيمة فهو غنيمة

الله: أفضل الرباط أشدهم كلبا وقيل لأبي عبد الله فأين أحب إليك أن ينزل الرجل بأهله؟ قال كل مدينة معقل للمسلمين مثل دمشق وقال أرض الشام أرض المحشر ودمشق موضع يجتمع الناس إليه إذا غلبت الروم، قيل لأبي عبد الله فهذه الأحاديث التي جاءت (إن الله تكفل لي بأهل الشام) ونحو هذا قال ما أكثر ما جاء فيه، وقيل له إن هذا في الثغور فأنكره وقال أرض القدس أين هي ولا يزال أهل الغرب ظاهرين؟ هم أهل الشام ففسر أحمد الغرب في هذا الحديث بالشام وهو صحيح رواه مسلم وإنما فسره بذلك لأن الشام يسمى مغرباً لأنه مغرب للعراق كما يسمى العراق مشرقاً ولهذا قيل ولأهل المشرق ذات عرق وقد جاء في حديث مصرحاً به (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم بالشام) وفي حديث مالك بن يخامر عن معاذ رضي الله عنه قال (وهم بالشام) رواه البخاري وروى في تاريخه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا تزال طائفة بدمشق ظاهرين) وقد روي في الشام أخبار كثيرة منها حديث عبد الله بن حوالة الأزدي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ستجندون أجناداً جنداً بالشام وجندا بالعراق وجنداً باليمن فقلت خرلي يا رسول الله قال عليك بالشام فإنها خيرة الله من أرضه يجتبي إليها خيرته من عباده فمن أبى فليلحق باليمن ويشق من غدره فإن الله تكفل لي بالشام وأهله) رواه أبو داود بمعناه وكان أبو إدريس إذا روى هذا الحديث قال ومن تكفل الله به فلا ضيعة عليه وروي عن الأوزاعي قال أتيت المدينة فسألت من

ويغزى مع كل بر وفاخر

بها من العلماء؟ فقيل محمد بن المنكدر ومحمد بن كعب القرظي ومحمد بن علي بن عبد الله بن العباس ومحمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب فقلت والله لأبدأن بهذا قبلهم فدخلت إليه فأخذ بيدي وقال من أي إخواننا أنت؟ قلت من أهل الشام قال من أيهم؟ قلت من أهل دمشق قال حدثني أبي عن جدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (يكون للمسلمين ثلاث معاقل فمعقلهم في الملحمة الكبرى التي تكون بعمق أنطاكية دمشق، ومعقلهم من الدجال بيت المقدس، ومعقلهم من يأجوج ومأجوج طور سيناء)) رواه أبو نعيم في الحلية وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إن فسطاط المسلمين يوم الملحمة بالغوطة إلى جانب مدينة يقال لها دمشق من خير مدائن الشام) رواه أبو داود (مسألة) (ولا يستحب نقل أهله إليه وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (رباط يوم في سبيل الله خير من ألف يوم فيما سواه من المنازل) قد ذكرنا هذا الحديث وهو صحيح رواه أبو داود وغيره واراد بالثغر ههنا الثغر المخوف وهذا قول الحسن والاوزاعي لما روى يزيد بن عبد الله قال قال: عمر رضي الله عنه لا تنزلوا المسلمين ضفة البحر رواه الأثرم، ولأن الثغور المخوفة لا يؤمن ظفر العدو بها وبمن فيها واستيلاؤهم على الذرية والنساء

قيل لأبي عبد الله رحمه الله فتخاف على المنتقل بعياله إلى الثغر الإثم؟ قال كيف لا أخاف الأثم وهو يعرض ذريته للمشركين؟ وقال كنت آمر بالتحول بالأهل والعيال إلى الشام قبل اليوم فأنا أنهى عنه الآن لأن الأمر قد اقترب، وقال لابد لهؤلاء القوم من يوم قيل فذلك في آخر الزمان قال فهذا آخر الزمان قيل له فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها قال هذا للواحدة ليس الذرية قال الشيخ رحمه الله وهذا من كلام أحمد محمول على أن غير أهل الثغر لا يستحب لهم الانتقال بأهلهم إلى ثغر مخوف فأما أهل الثغر فلابد لهم من السكنى بأهلهم لولا ذلك لخربت الثغور وتعطلت وخص الثغر المخوف بالكراهة لأن الخوف عليها أكثر ولأن الغالب من غير المخوفة سلامتها وسلامة أهلها (فصل) ويستحب لأهل الثغر أن يجتمعوا في مسجد واحد بحيث إذا حضر النفير صادفهم مجتمعين فيبلغ الخبر جميعهم ويراهم عين الكفار فيعلم كثرتهم فيخوف بهم لأنهم إذا كانوا متفرقين رأى الجاسوس قلتهم، وروي عن الأوزاعي أنه قال في المساجد التي بالثغر لو أن لي عليها ولاية لسمرت أبوابها حتى تكون صلاتهم في مسجد واحد حتى إذا جاء النفير وهم متفرقون لم يكونوا مثلهم إذا كانوا في موضع واحد (فصل) في الحرس في سبيل الله وفيه ثواب عظيم وفضل كبير قال ابن عباس رضي الله عنهما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم (يقول عينان لا تمسهما النار عين بكت من حشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله) رواه الترمذي وقال حديث حسن غريب وعن سهل بن الحنظلية أنهم سارو مع رسول

ولا يجوز للمسلمين الفرار من ضعفهم، إلا متحرفين لقتال أو متحيزين إلى فئة، فإن زاد الكفار فلهم الفرار، ألا أن يغلب على ظنهم الظفر

الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين فأطنبوا السير حتى كان عشية قال من يحرسنا الليلة؟) قال أنس بن أبي مرثد الغنوي أنا يا رسول الله قال (فاركب) فركب فرساً له وجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له (استقبل هذا الشعب حتى تكون في أعلاه ولا نغرن من قبلك الليلة) فلما أصبحنا جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم الى مصلاه فركع ركعتين ثم قال (هل أحسستم فارسكم؟) قالوا لا فثوب بالصلاة فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وهو يلتفت إلى الشعب حتى إذا قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ابشروا قد جاء فارسكم) فإذا هو قد جاء حتى إذا وقف علي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إني انطلفت حتى كنت في أعلى هذا الشعب حيث أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أصبحت اطلعت الشعبين كليهما فنظرت فلم أر أحداً فقال له رسول الله (هل نزلت الليلة؟) قال لا إلا مصلياً أو قاضي حاجة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم (قد أوجبت فلا عليك أن لا تعمل بعدها) رواه أبو داود، وعن عثمان رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى عليه وسلم يقول (حرس ليلة في سبيل الله أفضل من ألف ليلة قيام ليلها وصيام نهارها) رواه ابن سنجر (مسألة) (وتجب الهجرة على من يعجز عن إظهار دينه في دار الحرب وتستحب لمن قدر عليه) الهجرة هي الخروج من دار الكفر إلى دار الإسلام قال الله تعالى (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم؟ قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها؟) الآيات. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (أنا برئ من مسلم بين مشركين)

رواه أبو داود والنسائي والترمذي، ومعناه لا يكون بموضع يرى نارهم ويرون ناره إذا أوقدت في آي وأخبار سوى هذين كثير (فصل) وحكم الهجرة باق لا ينقطع إلى يوم القيامة في قول عامة أهل العلم، وقال قوم قد انقطعت الهجرة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لاهجرة بعد الفتح) وقال (قد انقطعت الهجرة ولكن جهاد ونية) وروى أن صفوان بن أمية لما أسلم قيل له لا دين لمن لم يهاجر فأتى المدينة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (ما جاء بك أبا وهب؟) قال قيل إنه لا دين لمن لم يهاجر قال (ارجع أبا وهب إلى أباطح مكة أقروا على مساكنكم فقد انقطعت الهجرة ولكن جهاد ونية) روى ذلك كله سعيد ولنا ما روى معاوية رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها) رواه أبو داود، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا تنقطع الهجرة ما كان الجهاد) رواه سعيد وغيره مع إطلاق الآيات والأخبار الدالة عليها، وتحقق المعنى المقتضي لها في كل زمان وأما الاحاديث الأول فأراد بها لا هجرة بعد الفتح من بلد قد فتح، وقوله لصفوان (إن الهجرة قد انقطعت) يعنى من مكة لأن الهجرة الخروج من بلد الكفار فإذا فتح لم يبق بلد الكفار فلا تبقى منه هجرة، وهكذا كل بلد فتح لا تبقى منه هجرة إنما الهجرة النية

(فصل) والناس في الهجرة على ثلاثة أضرب [أحدها] من تجب عليه وهو ممن يقدر عليها ولا يمكنه إظهار دينه أو لا يمكنه إقامة واجبات دينه مع المقام بين الكفار فهذا تجب عليه الهجرة لقول الله تعالى (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم؟ قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها؟ فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا) وهذا وعيد شديد يدل على الوجوب، ولأن القيام بواجب دينه واجب على من قدر عليه والهجرة من ضرورة الواجب وتتمته وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب [الثاني] من لاهجرة عليه وهو من يعجز عنها إما لمرض أو إكراه على الإقامة أو ضعف من النساء والولدان وشبههم فهذا لا هجرة عليه لقول الله تعالى (إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا * فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا) فهذه لا توصف باستحباب لعدم القدرة عليها (الثالث) من تستحب له ولا تجب عليه وهو من يقدر عليها لكنه يتمكن من إظهار دينه مع إقامته في دار الكفار فيستحب له ليتمكن من جهادهم وتكثير المسلمين ومعونتهم ويتخلص من تكثير الكفار ومخالطتهم ورؤية المنكر بينهم، ولا تجب عليه لإمكان إقامة واجب دينه بدون الهجرة وقد كان العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه مقيما بمكة مع إسلامه

وروي أن نعيم النحام حين أراد أن يهاجر جاءه قومه بنو عدي فقالوا له أقم عندنا وأنت على دينك ونحن نمنعك ممن يريد أذاك واكفنا ما كنت تكفينا وكان يقوم بيتامى بني عدي وأراملهم فتخلف عن الهجرة مدة ثم هاجر بعد وقال له النبي صلى الله عليه وسلم (قومك كانوا خيراً لك من قومي لي: قومي أخرجوني وأرادوا قتلي وقومك حفظوك ومنعوك) فقال يا رسول الله قومك أخرجوك إلى طاعة الله وجهاد عدوه وقومي ثبطوني عن الهجرة وطاعة الله أو نحو هذا القول (مسألة) (ولا يجاهد من عليه دين لا وفاء له، ومن أحد أبويه مسلم إلا بإذن غريمه وأبيه إلا أن يتعين عليه الجهاد فإنه لا طاعة لهما في ترك فريضة من كان عليه دين حال أو مؤجل لم يجز له الخروج إلى الغزو إلا بإذن غريمه إلا أن يترك وفاء أو يقيم به كفيلاً أو يوثقه برهن وبهذا قال الشافعي، ورخص مالك في الغزو لمن لا يقدر على قضاء دينه لأنه لا تتوجه عليه المطالبة به ولا حبسه من أجله فلم يمنع من الغزو كما لو لم يكن عليه دين ولنا أن الجهاد تقصد منه الشهادة التي تفوت بها النفس فيفوت الحق بفواتها، وقد روي أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن قتلت في سبيل الله صابراً محتسباً يكفر عني خطاياي؟ قال (نعم إلا الدين فإن جبريل قال لي ذلك) وأما إذا تعين عليه الجهاد فلا إذن لغريمه لأنه تعلق بعينه فكان مقدماً على ما في ذمته كسائر فروض الأعيان، ولكن يستحب له أن لا يتعرض لمظان القتل من المبارزة والوقوف في أول المقاتلة لأن فيه تغريراً

فإن القي في مركبهم نار فاشتعلت فيه، فالذي يغلب على ظنهم السلامة فيه من المقام، أو إلقاء، أنفسهم في الماء، فالأولى لهم فعله وإن استوى عندهم الأمران، فقال أحمد رحمه الله: كيف شاء صنع

بتفويت الحق، فإن ترك وفاء أو أقام كفيلاً فله الغزو بغير إذن نص عليه أحمد فيمن ترك وفاء لأن عبد الله بن عمرو بن حرام خرج إلى أحد وعليه دين كثير فاستشهد وقضاه عنه ابنه جابر بعلم النبي صلى الله عليه وسلم ولم يلمه النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك ولم ينكر فعله بل مدحه وقال (مازالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفعتموه) وقال لابنه جابر (أشعرت أن الله أحيا أباك وكلمه كفاحا) (فصل) ومن كان أبواه مسلمين لم يجاهد بغير إذنهما تطوعاً روى نحو ذلك عمر وعثمان رضي الله عنهما وبه قال مالك والاوزاعي والثوري والشافعي وسائر أهل العلم لما روى عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أجاهد؟ قال (ألك أبوان؟) قال نعم قال (ففيهما فجاهد) وروى ابن عباس نحوه قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح وفي رواية قال: جئت أبايعك على الهجرة وتركت أبوي يبكيان قال (ارجع إليهما فأضحكهما كما أبكيتهما) وعن أبي سعيد أن رجلا هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم (هل لك باليمن أحد؟) قال نعم أبواي، قال (أذنا لك؟) قال لا، قال (فارجع فاستأذنهما فإن أذنا لك فجاهد وإلا فبرهما) رواهن أبو داود، ولأن بر الوالدين فرض عين والجهاد فرض كفاية وفرض العين يقدم وكذلك إن كان أحدهما مسلماً لم يجاهد بغير إذنه لأن بره فرض عين فقدم على الجهاد كالأبوين، فأما إن كانا غير مسلمين فلا إذن لهما وهذا قول الشافعي وقال الثوري لا يغزو إلا بإذنهما لعموم الأخبار

ولا يجوز إحراق نحل ولا تغرقه

ولنا أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يجاهدون وفيهم من أبواه كافران ولم يستأذنهما منهم أبو بكر الصديق وأبو حذيفة بن عتبة كان مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر وأبوه رئيس المشركين يومئذ وأبو عبيدة قتل أباه في الجهاد فأنزل الله تعالى (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر) الآية وهذا يخص عموم الأخبار فإن كانا رقيقين فعموم كلامه ههنا يقتضي وجوب استئذانهما وهو ظاهر كلام الخرقي لظاهر الأخبار ولأنهما مسلمان أشبها الحرين ويحتمل أن لا يعتبر إذنهما لأنه لا ولاية لهما فإن كانا مجنونين فلا إذن لهما لعدم اعتبار قولهما. (فصل) فإن تعين عليه الجهاد سقط إذنهما وكذلك كل فرائض الأعيان لا طاعة لهما في تركها لأن تركها معصية ولاطاعة لأحد في معصية الله وكذلك كل ما وجب كالحج وصلاة الجماعة والجمع والسفر للعلم الواجب لأنها فرض عين فلم يعتبر إذن الأبوين فيها كالصلاة ولأن الله تعالى قال (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) ولم يشترط إذن الوالدين. (فصل) فإن خرج في جهاد تطوع بإذنهما فمنعاه منه بعد سيره وقبل تعينه عليه فعليه الرجوع لأنه معنى لو وجد في الابتداء منع فمنع إذا وجد في أثنائه كسائر الموانع إلا أن يخاف على نفسه في الرجوع أو يحدث له عذر من مرض أو نحوه فإن أمكنه الإقامة في الطريق وإلا مضى مع الجيش وإذا حضر الصف تعين عليه لحضوره وسقط إذنهما وإن كان رجوعهما عن الأذن بعد تعين الجهاد عليه لم يؤثر

ولا يجوز عقر دابة ولا ذبح شاة، إلا لأكل يحتاج إليه

شيئاً وإن كانا كافرين فأسلما ومنعاه كان كمنعهما بعد إذنهما سواء، وحكم الغريم يأذن في الجاد ثم يمنع منه حكم الوالد على ما فصلناه، فأما إن حدث للإنسان في نفسه مرض أو عمى أو عرج فله الانصراف سواء التقى الصفان أو لا لأنه لا يمكنه القتال فلا فائدة في مقامه. (فصل) فإن أذن له والداه في الجهاد وشرطا عليه أن لا يقاتل فحضر القتال تعين عليه وسقط شرطهما كذلك قال الاوزاعي وابن المنذر لأنه صار واجباً عليه فلم يبق لهما في تركه طاعة ولو خرج بغير إذنهما فحضر القتال ثم بدا له الرجوع لم يجز له ذلك. (مسألة) (ولا يجوز للمسلمين الفرار من ضعفهم إلا متحرفين لقتال أو متحيزين إلى فئة فإن زاد الكفار فلهم الفرار ألا أن يغلب على ظنهم الظفر) وجملة ذلك أنه إذا التقى المسلمون والكفار وجب الثبات وحرم الفرار لقوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا) وقوله سبحانه (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار) الآية، وقد عد النبي صلى الله عليه وسلم الفرار من الزحف من الكبائر وحكي عن الحسن والضحاك أن هذا كان يوم بدر خاصة ولا يجب في غيرها.

ولنا أن الأمر مطلق والخبر عام فلا يجوز التقييد والتخصيص إلا بدليل، وإنما يجب الثبات بشرطين (أحدهما) أن لا يزيد الكفار على ضعف المسلمين فإن زادوا جاز الفرار لقول الله تعالى (الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين) وهذا وإن كان لفظة لفظ الخبر فهو أمر بدليل قوله (الآن خفف الله عنكم) ولو كان خبراً على حقيقته لم يكن ردنا من غلبة الواحد للعشرة إلى غلبة الاثنين تخفيفاً ولأن خبر الله تعالى صدق لا يقع بخلاف مخبره وقد علم أن الظفر والغلبة لا يحصل للمسلمين في كل موطن يكون العدو فيه ضعف المسلمين فما دون فعلم أنه أمر وفرض ولم يأت شئ ينسخ هذه الآية في كتاب ولا سنة فوجب الحكم بها، قال ابن عباس رضي الله عنهما نزلت (إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين) فشق ذلك على المسلمين حين فرض عليهم أن لا يفر واحد من عشرة ثم جاء تخفيف فقال (الآن خفف الله عنكم - إلى قوله - يغلبوا مائتين) فلما خفف الله عنهم من العدد نقص من الصبر بقدر ما خفف من العدد، رواه أبو دواد وقال ابن عباس من فر من اثنين فقد فر ومن فر من ثلاثة فما فر (الثاني) أن لا يقصد بفراره التحيز إلى فئة ولا التحرف لقتال فإن قصد أحد هذين أبيح له لأن الله تعالى قال (إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة) ومعنى التحرف للقتال أن ينحاز إلى موضع يكون القتال فيه أمكن مثل أن ينحاز من مواجهة الشمس أو الريح إلى استدبارهما أو من نزول إلى علو أو من معطشة إلى موضع

ماء أو يفر بين أيديهم لتنتقض صفوفهم أو تنفرد خيلهم من رجالتهم أو ليجد فيهم فرصة أو ليستند إلى جبل ونحو ذلك مما جرت به عادة أهل الحرب، وقد روي عن عمر رضي الله عنه أنه كان يوماً في خطبته إذا قال يا سارية بن زنيم الجبل ظلم الذئب من استرعاه الغنم فأنكرها الناس، فقال علي رضي الله عنه دعوه فلما نزل سألوه عما قال لهم فلم يعترف به وكان بعث سارية إلى ناحية العراق لغزوهم فلما قدم ذلك الجيش أخبروا أنهم لقوا عدوهم يوم الجمعة فظفر عليهم فسمعوا صوت عمر فتحيزوا إلى الجبل فنجوا من عدوهم وانتصروا عليهم وأما التحيز إلى فئة فهو أن يصير إلى فئة من المسلمين ليكون معهم فيقوى بهم على عدوه وسواء بعدت المسافة أو قربت قال القاضي لو كانت الفئة بخراسان والفئة بالحجاز جاز التحيز إليها ونحوه ذكر أصحاب الشافعي لأن ابن عمر رضي الله عنهما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إني فئة لكم) كانوا بمكان بعيد عنه وقال عمر رضي الله عنه أنا فئة كل مسلم وكانوا بالمدينة وجيوشه بمصر والشام والعراق وخراسان رواهما سعيد، وقال عمر رضي الله عنه رحم الله أبا عبيد لو كان تحيز إلي لكنت له فئة. وإذا خشي الأسر فالأولى أن يقاتل حتى يقتل ولا يسلم نفسه للأسر لأنه يفوز بالثواب والدرجة الرفيعة ويسلم من تحكم الكفار عليه بالتعذيب والاستخدام والفتنة، فإن استأسر جاز لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عشرة عينا وأمر عليهم عاصم بن ثابت فنفرت

وفي حرق شجرهم وزرعهم وقطعه روايتان: إحداهما

إليهم هذيل بقريب من مائة رجل رام فلما أحس بهم عاصم وأصحابه لجؤا إلى فدفد فقالوا لهم انزلوا فأعطونا أيديكم ولكم العهد والميثاق أن لا نقتل منكم أحداً فقال عاصم أما أنا فلا أنزل في ذمة مشرك فرموهم بالنبل فقتلوا عاصما مع سبعة معه ونزل إليهم ثلاثة على العهد والميثاق منهم خبيب وزيد بن الدثنة فلما استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قسيهم فربطوهم بها متفق عليه فعاصم أخذ بالعزيمة وخبيب وزيد أخذا بالرخصة وكلهم محمود غير مذموم ولا ملوم (فصل) فإن كان العدو أكثر من ضعف المسلمين فغلب عن ظن المسلمين الظفر فالأولى لهم الثبات لما في ذلك من المصلحة ويجوز لهم الانصراف لأنهم لا يأمنون العطب والحكم علق على مظنته وهو كونهم أقل من نصف عدوهم ولذلك لزمهم الثبات إذا كانوا أكثر من النصف وإن كان غلب عل ظنهم الهلاك فيه، ويحتمل أن يلزمهم الثبات إذا غلب على ظنهم الظفر لما فيه من المصلحة فإن غلب على ظنهم الهلاك في الإقامة والسلامة في الانصراف فالأولى لهم الانصراف وإن ثبتوا جاز لأن لهم غرضاً في الشهادة مع جواز الغلبة أيضاً وإن غلب على ظنهم الهلاك في الإقامة والانصراف فالأولى لهم الثبات لينالوا درجة الشهداء المقبلين على القتال محتسبين فيكونوا أفضل من المولين ولأنه يجوز أن يغلبوا أيضاً فقد قال تعالى (كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله) الآية ولذلك صبر عاصم وأصحابه فقاتلوا حتى أكرمهم الله بالشهادة

[فصل] فان جاء العدو بلداً فلأهله التحصن منهم وإن كانوا أكثر من نصفهم ليلحقهم مدد أو قوة ولا يكون ذلك توليا ولا فراراً إنما التولي بعد اللقاء فإن لقوهم خارج الحصن فلهم التحيز إلى الحصن لأنه بمنزلة التحرف للقتال أو التحيز إلى فئة، وان غزوا فذهبت دوابهم فليس ذلك عذرا في الفرار لأن القتال ممكن للرجالة وإن تحيزو إلى جبل ليقاتلوا فيه رجالة فلا بأس لأنه تحرف للقتال وإن ذهب سلاحهم فتحيزوا إلى مكان يمكنهم القتال فيه بالحجارة والتستر بالشجر ونحوه أولهم في التحيز إليه فائدة جاز (فصل) وإن فروا قبل إحراز الغنيمة فلا شئ لهم إذا أحرزها غيرهم لأن ملكها لمن أحرزها وإن ادعوا أنهم فروا متحيزين إلى فئة أو متحرفين للقتال فلا شئ لهم أيضاً لذلك وإن فروا بعد إحراز الغنيمة لم يسقط سهمهم منها لأنهم ملكوا الغنيمة بحيازتها فلم يزل ملكهم عنها بفرارهم (مسألة) (فإن ألقي في مركبهم نار فاشتعلت فيه فالذي يغلب على ظنهم السلامة فيه من المقام أو إلقاء أنفسهم في الماء فالأولى لهم فعله وإن استوى عندهم الأمران فقال أحمد رحمه الله كيف شاء صنع) قال الأوزاعي هما موتتان فاختر أيسرهما وعنه يلزمهم المقام ذكرها أبو الخطاب لأنهم إذا رموا أنفسهم بالماء كان موتهم بفعلهم وإذا أقاموا فموتهم بفعل غيرهم (فصل) قال رضي الله عنه (ويجوز تبييت الكفار ورميهم بالمنجنيق وقطع المياه عنهم وهدم حصونهم) معنى تبييت الكفار كبسهم ليلا وقتلهم وهم غارون قال أحمد لا بأس بالبيات وهل غزو

وإذا ظفر بهم، لم يقتل صبي ولا امرأة، ولا راهب ولا شيخ فان ولا أعمى، لا رأي لهم إلا أن يقاتلوا

الروم إلا بالبيات؟ قال ولا نعلم أحداً كره بيات العدو وذلك لما روى الصعب بن جثامة الليثي رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسئل عن الديار من ديار المشركين يبيتون فيصيبون من نسائهم وذراريهم فقال (هم منهم) متفق عليه وقد قال سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله عنه فغزونا ناساً من المشركين فبيتناهم رواه أبو داود، فإن قيل فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والذرية، قلنا هذا محمول على التعمد قتلهم (لقتلهم) قال أحمد أما أن يتعمد قتلهم فلا قال وحديث الصعب بعد نهيه وعن قتل النساء لأن نهيه عن قتل النساء حين بعث إلى ابن أبي الحقيق وعلى أن الجمع بينهما يحمل النهي على التعمد والإباحة على ما عداه ويجوز رميهم بالمنجنيق لأن النبي صلى الله عليه وسلم نصب المنجنيق على أهل الطائف، وظاهر كلامه ههنا أنه يجوز مع الحاجة وعدمها للحديث وممن رأى ذلك الثوري والاوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي وقد روي عن عمرو بن العاص أنه نصب المنجنيق على الإسكندرية ولأن القتال به معتاد أشبه الرمي بالسهام وبجوز رميهم بالنار وهدم حصونهم وقطع المياه عنهم وإن تضمن ذلك إتلاف النساء والصبيان لحديث الصعب بن جثامة في البيات وهذا في معناه ولأن النبي صلى الله عليه وسلم نصب المنجنيق وهو يهدم الحصون عادة (مسألة) (ولا يجوز إحراق نحل ولا تغريقه) هذا قول عامة أهل العلم منهم الأوزاعي والليث والشافعي وقيل لمالك أنحرق بيوت نحلهم؟ فقال

ما النحل فلا أدري ما هو؟ ومقتضى مذهب أبي حنيفة إباحته لأن فيه غيظا لهم واضعافا فأشبه قتل بهائمهم حال قتالهم ولنا ماروي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه انه قال ليزيد بن أبي سفيان حين بعثه اميرا على على القتال بالشام ولا تحرقن نحلا ولا تغرقنه وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قدم عليه ابن اخيه من غزاة غزاها فقال لعلك حرقت حرثا؟ قال نعم قال لعلك حرقت نحلا؟ قال نعم قال لعلك قتلت صبيا قال نعم قال ليكن غزوك كفافا أخرجهما سعيد ونحو ذلك عن ثوبان ولأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل النحلة ولأنه إفساد فيدخل في عموم قوله تعالى (وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يجب الفساد) ولأنه حيوان ذو روح فلم يجز قتله ليغيظهم كنسائهم وصبيانهم فأما أخذ العسل وأكله فمباح لأنه من الطعام المباح، وهل يجوز أخذ الشهد كله؟ فيه روايتان [إحداهما] لا يجوز لأن فيه هلاك النحل [والثانية] يجوز لأن هلاكه إنما يحصل ضمنا غير مقصود فأشبه قتل النساء في البيات (مسألة) (ولا يجوز عقر دابة ولا ذبح شاة إلا لأكل يحتاج إليه) أما عقر دوابهم في غير حال الحرب لمغايظتهم والافساد عليهم فلا يجوز سواء خفنا أخذهم لها أو

لم نخف وبهذا قال الليث والاوزاعي والشافعي وأبو ثور وقال أبو حنيفة ومالك يجوز لأن فيه غيظا لهم واضعافا لقوتهم فأشبه قتلها حال قتالهم ولنا أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال في وصيته ليزيد حين بعثه أميراً: يا يزيد لا تقتل صبياً ولا امرأة ولا هرماً ولا تخربن عامراً ولا تعقرن شجراً مثمراً ولا دابة عجماء ولا شاة إلا لمأكلة ولا تحرقن نحلا ولا تغرقنه ولا تغلل ولا تجبن فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل شئ من الدواب صبراً، ولانه حيوان ذوحرمة فأشبه قتل النساء والصبيان، فأما حال الحرب فيجوز فيها قتل المشركين كيف أمكن بخلاف حالهم إذا قدر عليهم ولهذا جاز قتل النساء والصبيان في البيات وفي المطمورة وإذا لم يتعمد قتلهم منفردين بخلاف حالة القدرة عليهم، وقتل بهائمهم حال القتال يتوصل به إلى قتلهم وهزيمتهم وقد روي أن حنظلة بن الراهب عقر فرس أبي سفيان به يوم أحد فرمت به فخلصه ابن شعوب وليس في هذا خلاف (فصل) فأما عقرها للآكل فإن كانت الحاجة داعية إليه ولابد منه فمباح لأن الحاجة تبيح مال المعصوم فمال الكفار أولى، وإن لم تكن الحاجة داعية وكان الحيوان لا يراد إلا للأكل كالدجاج والحمام وسائر الطير والصيود فحكمه حكم الطعام في قول الجميع لأنه لا يراد لغير الأكل وتقل قيمته فأشبه الطعام، وإن كان مما يحتاج إليه في القتال كالخيل لم يجز ذبحه للأكل في قولهم جميعاً وإن كان غير

ذلك كالبقر والغنم لم يبح وهذا ظاهر كلام الخرقي وقال القاضي ظاهر كلام أحمد إباحته لأن هذا الحيوان في باب الأكل مثل الطعام فكان مثله في إباحته كالطير وإذا ذبح الحيوان أكل لحمه وليس له الانتفاع بجلده لأنه إنما أبيح له ما يأكله دون غيره قال عبد الرحمن بن معاذ كلوا لحم الشاة وردوا إهابها إلى المغنم. ووجه الاول ماروى سعيد عن أبي الاحوص عن سماك بن حرب عن ثعلبة بن الحكم قال أصبنا غنما للعدو فانتهبناها فنصبنا قدورنا فمر النبي صلى الله عليه وسلم بالقدور وهي تغلي فأمر بها فاكفئت ثم قال لهم (إن النهبة لا تحل) ولأن هذه الحيوانات تكثر قيمتها وتشح بها أنفس الغانمين ويمكن حملها إلى دار الإسلام بخلاف الطير والطعام لكن إن أذن الأمير فيها جاز لما روى عطية بن قيس قال كنا إذا خرجنا في سرية فأصبنا غنماً نادى منادي الإمام ألا من أراد أن يتناول شيئاً من هذه الغنم فليتناول إنا لا نستطيع سياقتها رواه سعيد وكذلك قسمها لما روى معاذ رضي الله عنه قال غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم خيبر فأصبنا غنما فقسم بيننا النبي صلى الله عليه وسلم طائفة وجعل بقيتها في المغنم رواه أبو داود وروى سعيد بإسناده أن رجلاً نحر جزوراً بأرض الروم فلما بردت قال أيها الناس خذوا من لحم هذا الجزور فقد أذنا لكم فقال مكحول يا غساني ألا تأتينا من لحم هذا الجزور فقال يا أبا عبد الله ألا ترى ما عليها من النهي؟ قال محكول لا نهي في المأذون فيه

قال شيخنا ولم يفرق أصحابنا بين جميع البهائم في هذ المسألة، ويقوى عندي أن ما عجز المسلمون عن سياقته وأخذه إن كان مما يستعين به الكفار كالخيل جاز عقره وإتلافه لأنه مما يحرم إيصاله إلى الكفار بالبيع فتركه لهم بلا عوض أولى بالتحريم، وإن كان مما يصلح للأكل فللمسلمين ذبحه والأكل منه مع الحاجة وعدمها، وما عدا هذين القسمين لا يجوز إتلافه لأنه مجرد إفساد وإتلاف وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذبح الحيوان لغير مأكله (مسألة) (وفي حرق شجرهم، وزرعهم وقطعه روايتان (إحداهما) يجوز إن لم يضر بالمسلمين (والثانية) لا يجوز إلا أن لا يقدر عليهم إلا به أو يكونوا يفعلونه بنا وكذلك رميهم بالنار وفتح الماء ليغرقهم وجملة ذلك أن الزرع والشجر ينقسم ثلاثة أقسام (أحدها) ما تدعو الحاجة إلى إتلافه كالذي يقرب من حصونهم ويمنع من قتالهم أو يستترون به من المسلمين أو يحتاج إلى قطعه لتوسعة الطريق أو تمكن من قتال أو سد شئ أو اصلاح طريق أو ستارة منجنيق أو غيره أو لا يقدر عليهم إلا به أو يكونوا يفعلون ذلك بنا فيفعل ذلك بهم لينتهوا فهذا يجوز بغير خلاف نعلمه (الثاني) ما يتضرر المسلمون بقطعه لكونهم ينتفعون ببقائه لعلوفهم أو يستظلون به أو يأكلون

فإن تترسوا بهم جاز رميهم ويقصد المقاتلة

من ثمرة أو تكون العادة لم تجر بذلك بيننا وبين عدونا فإذا فعلناه بهم فعلوه بنا فهذا يحرم لما فيه من الاضرار بالمسلمين (الثالث) ما عدا هذين القسمين مما لا ضرر فيه بالمسلمين فلا نفع سوى غيظ الكفار والاضرار بهم ففيه روايتان (إحداهما) لا يجوز لحديث أبي بكر رضي الله عنه ووصيته وقد روي نحو ذلك مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولأن فيه إتلافاً محضاً فلم يجز كعقر الحيوان، وبه قال الأوزاعي والليث وأبو ثور (والرواية الثانية) يجوز به قال مالك والشافعي وإسحاق وابن المنذر، قال إسحاق التحريق سنة إذا كان أنكى في العدو ولقول الله تعالى (ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين] وروى ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرق نخل بني النضير وقطعه وهي البويرة فأنزل الله تعالى (ما قطعتهم من لينة) ولها يقول حسان وهان على سراة بني لؤي * حريق بالبويرة مستطير متفق عليه. وعن الزهري قال: فحدثني عروة قال فحدثني أسامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عهد إليه فقال (أغر على أبناء صباحا وحرق) رواه أبو داود، قيل لأبي مسهر ابناء؟ قال نحن أعلم هي ببنا فلسطين والصحيح أنها ابناء كما جاءت الرواية وهي قريبة من أرض الكرك في أطراف الشام في الناحية التي قتل فيها أبوه، فأما ببنا فهي من أرض فلسطين ولم يكن أسامة ليصل إليها ولا أمره النبي صلى الله عليه وسلم

ومن أسر أسيرا، لم يجز له قتله حتى يأتي به الإمام إلا أن يمتنع من السير معه، ولا يمكنه إكراهة

بالإغارة عليها لبعدها والخطر بالمصير إليها لتوسطها في البلاد وبعدها من أطراف الشام، فما كان النبي صلى الله عليه وسلم ليأمره بالتغرير بالمسلمين فكيف يحمل الخبر عليها مع مخالفة لفظ الرواية وفساد المعنى؟ (فصل) ومتى قدر على العدو لم يجز تحريقه بالنار بغير خلاف نعلمه وقد كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يأمر بتحريق أهل الردة بالنار وفعله خالد بن الوليد بأمره. فأما اليوم فلا نعلم فيه خلافاً بين الناس، وقد روى حمزة الأسلمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره على سرية قال فخرجت فيها فقال إن أخذتم فلانا فاحرقوه بالنار فوليت فناداني فرجعت فقال (إن أخذتم فلانا فاقتلوه ولا تحرقوه فإنه لا يعذب بالنار إلا رب النار) رواه أبو داود وسعيد، وروي البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو حديث حمزة فأما رميهم بالنار قبل أخذهم فإن أمكن أخذهم بدونها لم يجز لأنهم في معنى المقدور عليه وأما عند العجز عنهم بغيرها فجائز في قول أكثر أهل العلم منهم الاوزاعي والثوري والشافعي وقد روى سعيد بإسناده عن صفوان بن عمرو وجرير بن عثمان أن جنادة بن ابي أمية الازدي وعبد الله بن قيس الفزاري وغيرهما من ولاة البحر ومن بعدهم كانوا يرمون العدو من الروم وغيرهم بالنار ويحرقونهم هؤلاء لهؤلاء وهؤلاء لهؤلاء، قال عبد الله بن قيس ولم يزل أمر المسلمين على ذلك

وكذلك الحكم في فتح البثوق عليهم لغرقهم وإن قدر عليهم بغيره لم يجز إذا تضمن ذلك إتلاف النساء والذرية الذين يحرم إتلافهم قصداً، وإن لم يقدر عليهم إلا به جاز كما يجوز البيات المتضمن لذلك (فصل) قال الأوزاعي: إذا كان العدو في المطمورة فعلمت أنك تقدر عليهم بغير النار فأحب إلي أن يكف عن النار وإن لم يمكن ذلك وأبوا أن يخرجوا فلا أرى بأساً وإن كان معهم ذرية قد كان المسلمون يقاتلون بها ونحو ذلك قال سفيان وهشام ويدخن عليهم قال أحمد أهل الشام أعلم بهذا (مسألة) (وإذا ظفر بهم لم يقتل صبي ولا امرة ولا راهب ولا شيخ فان ولا أعمى، لا رأي لهم إلا أن يقاتلوا) إذا ظفر بالكفار لم يجز قتل صبي لم يبلع بغير خلاف لما روى ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل النساء والصبيان، متفق عليه ولأن الصبي يصير رقيقاً بنفس السبي ففي قتله إتلاف المال وإذا سبي منفرداً صار مسلماً فإتلافه إتلاف من يمكن جعله مسلماً، والبلوغ يحصل بثلاثة أشياء الاحتلام وهو خروج المني من ذكر الرجل أو قبل المرأة في يقظة أو منام ولا خلاف فيه وقد دل عليه قوله تعالى (وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم) وقال صلى الله عليه وسلم لمعاذ (خذ من كل حالم ديناراً) وقال (لا يتم بعد احتلام) رواهما أبو داود (الثاني) نبات الشعر الخشن حول القبل وهو علامة على البلوغ لما روى عطية القرظي قال: كنت من سبي قريظة فكانوا ينظرون فمن أنبت الشعر قتل ومن لم ينبت لم يقتل فكنت فيمن لم

ويخير الأمير في الأسرى بين القتل والاسترقاق، والمن، والفداء بمسلم أو بمال، وعنه لا يجوز بمال إلا غير الكتابي، ففي استرقاقه روايتان، ولا يجوز أن يختار إلا الأصلح للمسلمين

ينبت رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح، وعن كثير بن السائب قال حدثني أبناء قريظة أنهم عرضوا على النبي صلى الله عليه وسلم فمن كان منهم محتلماً أو نبتت عانته قتل، ومن لا ترك اخرجه الأثرم وحكي عن الشافعي أن هذا بلوغ في حق الكفار لأنه لا يمكن الرجوع إلى قولهم في الإحتلام وعدد السنين وليس بعلامة عليه في المسلمين لإمكان ذلك فيهم ولنا قول أبي بصرة وعقبة بن عامر رضي الله عنهما حين اختلف في بلوغ قرع المهري: انظروا فإن كان قد أشعر فاقسموا له فنظر إليه بعض القوم فإذا هو قد أنبت فقسموا له ولم يظهر خلافه فكان أجماعاً، ولأن ما كان علما على البلوغ في حق الكفار كان علما عليه في حق المسلم كالاحتلام والسن وقولهم أنه يتعذر في حق الكافر معرفة الاحتلام والسن. قلنا لا يتعذر معرفة السن في الذمي الناشئ بين المسلمين ثم تعذر المعرفة لا يوجب جعل ما ليس بعلامة علامة بغير الإثبات (الثالث) بلوغ خمس عشرة سنة لما روى ابن عمر رضي الله عنهما قال: عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم وأنا ابن أربع عشرة فلم يجزني في القتال وعرضت عليه وأنا ابن خمس عشرة فأجازني في المقاتلة قال نافع فحدثت عمر بن عبد العزيز بهذا الحديث فقال هذا فصل ما بين الرجل وبين الغلمان متفق عليه وهذه العلامات الثلاث في حق الذكر والأنثى وتزيد الأنثى بالحمل والحيض فمن لم يوجد فيه علامة منهن فهو صبي يحرم قتله

(فصل) ولا تقتل امرأة ولاشيخ فان وبذلك قال مالك وأصحاب الرأي، وروي ذلك عن أبي بكر الصديق ومجاهد، وروي عن ابن عباس في قوله تعالى (ولا تعتدوا) يقول تقتلوا النساء والصبيان والشيخ الكبير، وقال الشافعي في أحد قوليه وابن المنذر يجوز قتل الشيوخ لقول النبي صلى الله عليه وسلم (اقتلوا شيوخ المشركين واستحيوا شرخهم) رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح ولأنه يدخل في عموم قوله تعالى (اقتلوا المشركين) ولأنه كافر لا نفع في حياته فيقتل كالشاب ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا تقتلوا شيخاً فانياً ولا طفلاً ولا امرأة) رواه أبو داود، وروي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه انه أوصى يزيد حين وجهه إلى الشام فقال: لا تقتل امرأة ولا صبياً ولاهرما، وعن عمر رضي الله عنه أنه أوصى سلمة بن قيس فقال لا تقتل امرأة ولا صبياً ولا شيخاً هرماً رواهما سعيد ولأنه ليس من أهل القتال فلا يقتل كالمرأة، وقد أومأ النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذه العلة في المرأة فقال (ما بالها قتلت وهي لا تقاتل؟) والآية مخصوصة بما روينا ولأنه قد خرج عن عمومها المرأة والشيخ الهرم في معناها وحديثهم أراد به الشيوخ الذين فيهم قوة على القتال ومعونة عليه برأي أو تدبير جمعاً بين الأحاديث، ولأن حديثنا خاص في الشيخ الهرم، وحديثم عام في الشيوخ والخاص يقدم على العام. وقياسهم ينتقض بالعجوز التي لا نفع فيها، ولا يقتل خنثى مشكل لأنه لا يعلم كونه رجلاً

(فصل) ولا يقتل زمن ولا أعمى ولا راهب والخلاف فيهم كالخلاف في الشيخ وحجتهم فيه ولنا أن الزمن والأعمى ليسا من أهل القتال أشبها المرأة ولأن في حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه وستمرون على أقوام في صوامع لهم احتبسوا أنفسهم فيها فدعهم يحتى يميتهم الله على ضلالتهم ولانهم لا يقاتلوه تديناً فأشبهوا من لا يقدر على القتال (فصل) ولا يقتل العبيد وبه قال الشافعي لقول النبي صلى الله عليه وسلم (أدركوا خالداً فمروه أن لا يقتل ذرية ولاعسيفا وهم العبيد) ولانهم يصيرون رقيقاً للمسلمين بنفس السبي أشبهوا النساء والصبيان (فصل) ومن قاتل مما ذكرنا جميعهم جاز قتله. لا نعلم فيه خلافا لأن النبي صلى الله عليه وسلم قتل يوم قريظة امرأة ألقت رحى على محمود بن سلمة وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بامرأة مقتولة يوم الخندق فقال (من قتل هذه؟) قال رجل أنا يارسول الله قال (ولم؟) قال نازعتني قائم سيفي قال فسكت ولأن النبي صلى الله عليه وسلم وقف على امرأة مقتولة فقال (ما بالها قتلت وهي لا تقاتل؟) وفيه دليل على أنه إنما نهى عن قتل المرأة اذالم تقاتل وكذلك من كان من هؤلاء الرجال المذكورين ذا رأي يعين به في الحرب جاز قتله لأن دريد بن الصمة قتل يوم حنين وهو شيخ لا قتال فيه وكانوا خرجوا به معهم

يتيمنون به ويستعينون برأيه فلم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم قتله ولأن الرأي من أعظم المعونة في الحرب وربما كان أبلغ من القتال كما قال المتنبي الرأي قبل شجاعة الشجعان * هو أول وهي المحل الثاني فإذا هما اجتمعا لنفس مرة * بلغت من العلياء كل مكان ولربما طعن الفتى أقرانه * بالرأي قبل تطاعن الفرسان وقد جاء عن معاوية رضي الله عنه انه قال لمروان والأسود أمددتما عليا بقيس بن سعد وبرأيه ومكايدته فوالله لو أنكما أمددتماه بثمانية آلاف مقاتل ما كان بأغيظ لي من ذلك، فأما المريض فيقتل إذا كان ممن لو كان صحيحاً قاتل لأنه كالاجهاز على الجريح فان كان مأيوساً من برئة فهو بمنزلة الزمن فلا يقتل لأنه لا يخاف منه أن يصير إلى حال يقاتل فيها (فصل) فأما الفلاح الذي لا يقاتل فينبغي أن لا يقتل لما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال (اتقوا الله في الفلاحين الذين لا ينصبون لكم الحرب) وقال الأوزاعي لا يقتل الحراث إذا علم أنه ليس من المقاتلة وقال الشافعي يقتل إلا أن يؤدي الجزية لدخوله في عموم المشريكن ولنا قول عمر ولأن الصحابة رضي الله عنهم لم يقتلوهم حين فتحوا البلاد ولأنهم لا يقاتلون أشبهوا الشيوخ والرهبان

(مسألة) (فإن تترسوا بهم جاز رميهم ويقصد المقاتلة) إذا تترسوا في الحرب بالنساء والصبيان ومن لا يجوز قتله جاز رميهم ويقصد المقاتلة لأن النبي صلى الله عليه وسلم رماهم بالمنجنيق ومعهم النساء والصبيان ولأن كف المسلمين عنهم يفضي إلى تعطيل الجهاد لأنهم متى علموا ذلك تترسوا بهم عند خوفهم وسواء كانت الحرب ملتحمة أو لا لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يتحين بالرمي حال التحام الحرب (فصل) ولو وقفت امرأة في صف الكفار أو على حصنهم فشتمت المسلمين أو تكشفت لهم جاز رميها قصداً لما روى سعيد حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة قال لما حاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم الطائف أشرفت امرأة فكشفت عن قبلها فقالت (ها دونكم فارموا) فرماها رجل من المسلمين فما أخطأ ذاك منها ويجوز النظر إلى فرجها للحاجة إلى رميها لأنه من ضرورته وكذلك يجوز رميها إذا كانت تلتقط لهم السهام أو تسقيهم الماء أو تحرضهم على القتال لأنها في معنى المقاتل وكذلك الحكم في الصبي والشيخ وسائر من منعنا قتله منهم (مسألة) (وإن تترسوا بالمسلمين لم يجز رميهم إلا أن يخاف على المسلمين فيرميهم ويقصد الكفار) إذا تترسوا بمسلم ولم تدع حاجة إلى رميهم لكون الحرب غير قائمة أو لإمكان القدرة عليهم بدونه أو للأمن من شرهم لم يجز رميهم فإن رماهم فأصاب مسلما فعليه ضمانه وإن دعت الحاجة إلى

ومن سبي من أطفالهم منفردا، أو مع أحد أبويه فهو مسلم ومن سبي مع أبويه فهو على دينهما

رميهم للخوف على المسلمين جاز رميهم للضرورة ويقصد الكفار فإن لم يخف على المسلمين لكن لم يقدر عليهم إلا بالرمي فقال الاوزاعي والليث لا يجوز رميهم وهو ظاهر كلامه في هذا الكتاب لقول الله تعالى (ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات) الآية قال الليث ترك فتح حصن يقدر على فتحه أفضل من قتل مسلم بغير حق وقال القاضي يجوز رميهم حال قيام الحرب لأن تركه يفضي إلى تعطيل الجهاد فعلى هذا إن قتل مسلماً فعليه الكفارة وفي وجوب الدية على العاقلة روايتان ووجههما يذكر في موضعه وقال أبو حنيفة لا دية ولا كفارة فيه لأنه رمي أبيح مع العلم بحقيقة الحال فلم يوجب شيئاً كرمي من أبيح رميه ولنا قوله تعالى (وإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة) ولأنه قتل معصوماً بالإيمان وهو من أهل الضمان أشبه مالو لم يتترس به (مسألة) (ومن أسر أسيراً لم يجز له قتله حتى يأتي به الإمام إلا أن يمتنع من السير معه ولا يمكنه إكراهة) لا يجوز لمن أسر أسيرا قتله حتى يأتي به الإمام فيرى فيه رأيه لأنه إذا صار أسيراً فالخيرة فيه إلى الإمام وقد روي عن أحمد كلام يدل على إباحة قتله فإنه قال لا يقتل أسير غيره إلا أن يشاء الوالي

فمفهومة أن له قتل أسيره بغير إذن الوالي لأن له أن يقتله ابتداء فكان له قتله دواماً كما لو هرب منه أو قاتله، فإن امتنع الأسير أن ينقاد معه فله إكراهه بالضرب وغيره فإن لم يمكن إكراهة فله قتله وكذلك إن خافه أو خاف هربه وإن امتنع من الإنقياد معه بجرح أو مرض فله قتله وتوقف أحمد عن قتله والصحيح الأول كالتذفيف على الجريح ولأن تركه حياً ضرر على المسلمين وتقوية للكفار فتعيين القتل كحالة الابتداء وكجريحهم إذا لم يأسره. فأما أسير غيره فلا يجوز قتله إلا أن يصير إلى حال يجوز قتله لمن أسره وقد روى يحيى بن أبي بكير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا يتعاطين أحدكم أسير صاحبه إذا أخذه فيقتله) رواه سعيد فإن قتل أسيره أو أسير غيره قبل ذلك أساء ولا ضمان عليه وبه قال الشافعي وقال الأوزاعي إن قتله قبل أن يأتي به الإمام لم يضمنه وإن قتله بعد ذلك ضمنه لأنه أتلف من الغنيمة ماله قيمة فضمنه بقيمته كما لو قتل امرأة ولنا أن عبد الرحمن بن عوف أسر أمية بن خلف وابنه علياً يوم بدر فرآهما بلال فاستصرخ الأنصار عليهما حتى قتلوهما ولم يغرموا شيئاً ولأنه أتلف ما ليس بمال فلم يغرمه كما لو أتلفه قبل أن يأتي به الإمام ولأنه أتلف ما لا قيمة له قبل أن يأتي به الإمام فلم يغرمه كما لو اتلف كلباً فأما إن قتل امرأة أو صبياً ضمنه لانه صار رقيقاً بنفس السبي

ولا ينفسخ النكاح باسترقاق الزوجين، وإن سبيت المرأة وحدها انفسخ نكاحها وحلت لسابيها

(فصل) ومن أسر أسيراً فادعى أنه كان مسلماً لم يقبل قوله إلا ببينة لأنه يدعي أمراً الظاهر خلافه يتعلق به اسقاط حق تعلق برقبته، فإن شهد له واحد حلف معه وخلي سبيله وقال الشافعي لا يقبل إلا شهادة عدلين لأنه ليس بمال ولا يقصد منه المال ولنا ما روى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر (لا يبقى منهم أحد إلا أن يفدي أو يضرب عنقه) فقال عبد الله بن مسعود إلا سهيل بن بيضاء فإني سمعته يذكر الإسلام فقال النبي صلى الله عليه وسلم (إلا سهيل بن بيضاء) فقبل شهادة عبد الله وحده (مسألة) (ويخير الأمير في الأسرى بين القتل والاسترقاق والمن والفداء بمسلم أو بمال وعنه لا يجوز بمال إلا غير الكتابي ففي استرقاقه روايتان ولايجوز أن يختار إلا الأصلح للمسلمين) وجملة ذلك أن من أسر من دار الحرب على ثلاثة أضرب (أحدها) النساء والصبيان فلا يجوز قتلهم بغير خلاف ويصيرون رقيقاً للمسلمين بنفس السبي لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل النساء والولدان متفق عليه وكان عليه الصلاة والسلام يسترقهم إذا سباهم (الثاني) الرجال من أهل الكتاب والمجوس الذين يقرون بالجزية فيتخير الإمام فيهم بين أربعة أشياء القتل والمن بغير عوض والمفاداة بهم واسترقاقهم (الثالث) الرجال ممن لايقر بالجزية فيخير الإمام فيهم بين القتل والمن والفداء ولايجوز

استرقاقهم في إحدى الروايتين اختارها الخرقي وهو قول الشافعي [والثانية] يجوز استرقاقهم لأنه كافر أصلي أشبه أهل الكتاب ويحتمل أن يكون جواز استرقاقهم مبنياً على أخذ الجزية منهم فإن قلنا بجوازها جاز استرقاقهم وإلا فلا وقال أبو حنيفة يجوز في العجم دون العرب بناء على قوله في أخذ الجزية منهم ولنا أنه كافر لا يقر بالجزية فلم يجز استرقاقه كالمرتد، والدليل على أنه لا يقر بالجزية يذكر في باب عقد الذمة إن شاء الله تعالى (فصل) وبما ذكرنا في أهل الكتاب قال الاوزاعي والشافعي وأبو ثور وعن مالك كمذهبنا وعنه لا يجوز المن بغير عوض لأنه لا مصلحة فيه وإنما يجوز للإمام فعل ما فيه المصلحة وحكي عن الحسن وعطاء وسعيد بن جبير كراهية قتل الأسرى وقالوا لو من عليه أو فاداه كما صنع بأسارى بدر ولأن الله تعالى قال (فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء) فخيره بعد الاسربين هذين لا غير وقال أصحاب الرأي إن شاء قتلهم وإن شاء استرقهم لاغير ولافداء لأن الله تعالى قال (اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) بعد قوله (فإما منا بعد وإما فداء) وكان عمر بن عبد العزيز وعياض بن عقبة يقتلان الأسارى ولنا على جواز المن والفداء الآية المذكورة وأن النبي صلى الله عليه وسلم من على ثمامة بن أثال وأبي عزة الشاعر وأبي العاص بن الربيع وقال في أسارى بدر (لو كان مطعم بن عدي حياً ثم سألني هؤلاء

النتنى لا طلقتهم له) وفادى أسرى بدر وفادى يوم أحد رجلاً برجلين وصاحب العضباء برجلين وأما القتل فإن النبي صلى الله عليه وسلم قتل رجال بني قريظة وقتل يوم بدر النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط صبرا وقتل أبا عزة يوم أحد وهذه قصص اشتهرت وعلمت وفعلها النبي صلى الله عليه وسلم مرات وهو دليل على جوازها، ولأن كل خصلة من هذه الخصال قد تكون أصلح في بعض الأسرى فإن فيهم من له قوة ونكاية في المسلمين فقتله أصلح، ومنهم الضعيف الذي له مال كثير ففداؤه أصلح ومنهم حسن الرأي في المسلمين يرجى اسلامه بالمن عليه أو معونته للمسلمين بتخليص أسراهم أو الدفع عنهم فالمن عليه أصلح ومنهم من ينتفع بخدمته ويؤمن شره فاسترقاقه أصلح كالنساء والصبيان والإمام أعلم بالمصلحة ففوض ذلك إليه. إذا ثبت ذلك فإن هذا تخيير مصلحة واجتهاد لا تخيير شهوة فمتى رأى المصلحة في خصلة لم يجز اختيار غيرها لأنه يتصرف لهم على سبيل النظر لهم فلم يجز له ترك ما فيه الحظ كولي اليتيم ومتى حصل عنده تردد في هذه الخصال فالقتل أولى قال مجاهد في اميرين (أحدهما) يقتل الأسرى وهو أفضل وكذلك قال مالك وقال إسحاق الإثخان أحب إلي إلا أن يكون معروفاً يطمع به في الكثير فمتى رأى القتل ضرب عنقه بالسيف لقول الله تعالى [فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب] ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بضرب أعناق الذين قتلهم ولا يجوز التمثيل به لما روى بريدة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أمر رجلاً على جيش أو سرية قال (اغزوا

ولا يفرق في البيع بين ذوي رحم محرم، إلا بعد البلوغ على إحدى الروايتين

بسم الله قاتلوا من كفر بالله ولا تعذبوا ولا تمثلوا) وإن اختار الفداء جاز أن يفدي بهم أسارى المسلمين وجاز بالمال لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل الأمرين وفيه رواية أخرى أنه لا يجوز بمال كمالا يجوز بيع رقيق المسلمين للكفار في إحدى الروايتين ولأنه إذا لم يجز أن نبيعهم السلاح لما فيه من تقويتهم على المسلمين فبيع أنفسهم أولى ومنع أحمد رحمه الله من فداء النساء بالمال لأن في بقائهن تعريضاً لهن للإسلام لبقائهن عند المسلمين وجوز أن يفادى بهن أسارى المسلمين لأن النبي صلى الله عليه وسلم فادى بالمرأة التي أخذها من سلمة بن الاكوع ولأن في ذلك استنقاذ مسلم متحقق اسلاما فاحتمل تفويت غرضية الإسلام من أجله ولا يلزم من ذلك احتمال فدائها لتحصيل المال فأما الصبيان فقال أحمد لا يفادى بهم لأن الصبي يصير مسلما باسلام سابيه فلا يجوز رده إلى المشركين وكذلك المرأة إذا أسلمت لا يجوز ردها إلى الكفار لقول الله تعالى (فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن) وإن كان الصبي غير محكوم باسلامه كمن سبي مع أبويه فلا يجوز فداؤه بمال كالمرأة ويجوز فداؤه بمسلم في أحد الوجهين (فصل) ومن استرق منهم أو بلغ فودي بمال وكان الرقيق والمال للغانمين حكمه حكم الغنيمة. لا نعلم في هذا خلافاً فإن النبي صلى الله عليه وسلم قسم فداء أسارى بدر بين الغانمين ولأنه مال غنمه المسلمون أشبه الخيل والسلاح، فإن قيل فالأسير لم يكن للغانمين فيه حق فكيف تعلق حقهم ببدله؟

قلنا إنما يفعل الإمام في الأسير ما يرى فيه المصلحة لأنه لم يصر مالا فإذا صار مالا تعلق حق الغانمين به لأنهم أسروه وقهروه وهذا غير ممتنع الا ترى أن من عليه دين إذا قتل قتلاً يوجب القصاص كان لورثته الخيار بين القتل والعفو إلى الدية فإذا اختاروا الدية تعلق حق الغرماء بها (فصل) فإن سأل الأسارى من أهل الكتاب تخليتهم على إعطاء الجزية لم يجز ذلك في صبيانهم ونسائهم لأنهم صاروا غنيمة بالسبي ويجوز في الرجال ولا يزول التخيير الثابت فيهم قال أصحاب الشافعي يحرم قتلهم كما لو أسلموا ولنا أنه بدل تجوز الإجابة إليه فلم يحرم قتلهم كبدل عبدة الأوثان (فصل) وإذا أسر العبد صار رقيقاً للمسلمين لأنه مال لهم استولي عليه فكان للغانمين كالبهيمة فإن رأى الإمام قتله لضرر في إبقائه جاز لأن مثل هذا لا قيمة له فهو كالمرتد، وأما من يحرم قتلهم غير النساء والصبيان كالشيخ والزمن والأعمى والراهب فلا يحل سبيهم لأن قتلهم حرام ولا نفع في اقتنائه (فصل) ذكر أبو بكر إن الكافر إذا كان مولى مسلم لم يجز استرقاقه لأن في استرقاقه تفويت ولاء المسلم المعصوم، وعلى قوله لا يسترق ولده أيضاً إذا كان عليه ولاء لذلك، وإن كان معتقه ذمياً

جاز استرقاقه لأن سيده يجوز استرقاقه فاسترقاق مولاه أولى وهذا مذهب الشافعي، وظاهر كلام الخرقي جواز استرقاقه لأنه لا يجوز قتله وهو من أهل الكتاب فجاز استرقاقه كغيره، ولأن سبب جواز الاسترقاق قد تحقق فيه وهو الاستيلاء عليه مع كون مصلحة المسلمين في استرقاقه ولأنه إن كان السبي امرأة أو صبياً لم يجز فيه سوى الاسترقاق فيتعين ذلك فيه، وما ذكروه يبطل بالقتل فإنه يفوت الولاء وهو جائز فيه، وكذلك يجوز استرقاق من عليه ولاء الذمي وقوله إن سيده الذمي يجوز استرقاقه غير صحيح فإن الذمي لا يجوز استرقاقه ولا تفويت حقوقه وقد قال علي رضي الله عنه إنما بذلوا الجزية لتكون دماؤهم كدمائنا وأموالهم كاموالنا (مسألة) (فإن اسلموا رقوا في الحال) يعني إذا أسلم الاسير صار رقيقاً في الحال وزال التخيير فيه وصار حكمه حكم النساء وبه قال الشافعي في أحد قوليه لأنه أسير يحرم قتله فصار رقيقا كالمرأة وفيه قول آخر إنه يحرم قتله لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يحل دم امرئ مسلم إلا باحدى ثلاث) ويتخير بين الخصال الثلاث الباقية المن والفداء والاسترقاق وهو القول الثاني للشافعي لأنه إذا جاز المن عليه في حال كفره ففي حال إسلامه أولى لأن الإسلام حسنه يقتضي إكرامه والإنعام عليه لا منع ذلك في حقه وهذا هو الصحيح إن شاء الله تعالى، ولا يجوز رده إلى الكفار إلا أن يكون له من يمنعه من المشركين

من عشيرة أو نحوها، وإنما جاز فداؤه لأنه يتخلص به من الرق، فأما إن أسلم قبل أسره حرم قتله واسترقاقه والمفاداة به سواء أسلم وهو في حصن أو جوف أو مضيق أو غير ذلك لأنه لم يحصل في أيدي الغانمين (مسألة) (ومن سبي من أطفالهم منفرداً أو مع أحد أبويه فهو مسلم. ومن سبي مع أبويه فهو على دينهما) المسبي من أطفال المشركين ينقسم ثلاثة أقسام (أحدها) أن يسبى منفرداً عن أبويه فيصير مسلما بالإجماع لأن الدين إنما يثبت له تبعاً، وقد انقطعت تبعيته لأبويه لانقطاعه عنهما وإخراجه عن دارهما ومصيره إلى دار الإسلام تبعاً لسابيه المسلم فكان تابعاً له في دينه (الثاني) أن يسبى مع أحد أبويه فيحكم باسلامه أيضاً وبه قال الأوزاعي وقال أبو الخطاب يتبع أباه، وقال القاضي فيه روايتان أشهرهما أنه يحكم بإسلامه [والثانية يتبع أباه، وقال أبو حنيفة والشافعي يكون تابعاً لأبيه في الكفر لأنه لم ينفرد عن أحد أبويه فلم يحكم بإسلامه كما لو سبي معهما وقال مالك إن سبي مع أبيه تبعه لأن الولد يتبع أباه في الدين كما يتبعه في النسب وإن سبي مع أمه فهو مسلم لأنه لا يتبعها في النسب فكذلك في الدين

وإذا حصر الإمام حصنا، لزمه مصابرته إذا رأى المصلحة فيها

ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه) رواه مالك فمفهومه انه لا يتبع أحدهما لأن الحكم متى علق بشيئين لا يثبت بأحدهما ولأنه يتبع سابيه منفردا فيتبعه مع أحد أبويه قياسا على مالو أسلم أحد الأبوين، تحقيقه أن كل شخص غلب حكم اسلامه منفرداً غلب مع أحد الأبوين كالمسلم من الأبوين (الثالث) أن يسبى مع أحد أبويه فيكون على دينهما وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي، وقال الأوزاعي يكون مسلماً لأن السابي أحق به لكونه ملكه بالسبي وزالت ولاية أبويه عنه وانقطع ميراثهما منه وميراثه منهما فكان أولى به منهما ولنا قوله عليه الصلاة والسلام (فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه) وهما معه وملك السابي له لا يمنع اتباعه لابويه بدليل مالو ولد في ملكه من عبده وأمته الكافرين (مسألة) (ولا ينفسخ النكاح باسترقاق الزوجين وإن سبيت المرأة وحدها انفسخ نكاحها وحلت لسابيها) إذا سبي المتزوج من الكفار لم يخل من ثلاثة أحوال (أحدها) أن يسبى الزوجان معاً فلا ينفسخ نكاحهما وبهذا قال أبو حنيفة والاوزاعي ويحتمل أن ينفسخ وبه قال مالك والثوري والليث والشافعي

ومن أسلم منهم، أحرز دمه وماله وأولاده الصغار

وأبو ثور لقول الله تعالى (والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم) والمحصنات المتزوجات [إلا ما ملكت أيمانكم] بالسبي قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه نزلت هذه الآية في سبي أوطاس، وقال ابن عباس رضي الله عنهما إلا ذوات الأزواج من المسبيات ولأنه استولى على محل حق الكافر فزال ملكه كما لو سباها وحدها ولنا أن الرق معنى لا يمنع ابتداء النكاح فلا يقطع استدامته كالعتق، والآية نزلت في سبايا أو طاوس وكانوا أخذوا النساء دون أزواجهن، وعموم الآية مخصوص بالمملوكة المزوجة في دار الإسلام فيخص منه محل النزاع بالقياس عليه (الحال الثاني) أن تسبى المرأة وحدها فينفسخ النكاح بلا خلاف علمناه والآية دالة عليه وقد روي أبو سعيد الخدري قال أصبنا سبايا يوم أوطاس ولهن أزواج في قومهن فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت [والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم] رواه الترمذي وقال حديث حسن إلا أن أبا حنيفة قال إذا سبيت المرأة وحدها ثم سبي زوجها بعدها بيوم لم ينفسخ النكاح، ولنا أن السبي المقتضي للفسخ وجد فانفسخ النكاح كما لو سبيت قبله بشهر (الحال الثالث) سبي الرجل وحده فلا ينفسخ النكاح لأنه لانص فيه ولا القياس يقتضيه وقد سبى النبي صلى الله عليه وسلم سبعين رجلا من الكفار يوم بدر فمن على بعضهم وفادى بعضاً فلم يحكم عليهم بفسخ

أنكحتهم، ولأننا إذا لم نحكم بفسخ النكاح فيما إذا سبيا معاً مع الاستيلاء على محل حقه فلأن لا ينفسخ نكاحه مع عدم الاستيلاء عليه أولى وقال أبو الخطاب إذا سبي أحد الزوجين انفسخ النكاح ولم يفرق وبه قال أبو حنيفة لأن الزوجين افترقت بهما الدار وطرأ الملك على أحدهما فانفسخ النكاح كما لو سبيت المرأة وحدها، وقال الشافعي إن سبي واسترق انفسخ نكاحه وإن من عليه أو فودي لم ينفسخ، ولنا ما ذكرناه وأن السبي لم يزل ملكه عن ماله في دار الحرب فلم يزل عن زوجته كما لو لم يزل عن أمته (فصل) ولم يفرق أصحابنا في سبي الزوجين بين أن يسبيهما رجل واحد أو رجلان وينبغي أن يفرق بينهما فإنهما إذا كانا مع رجلين كان مالك المرأة منفرداً بها ولا زوج معها فتحل له لقوله تعالى (إلا ما ملكت أيمانكم) وذكر الأوزاعي أن الزوجين إذا سبيا فهما على النكاح في المقاسم فإن اشتراهما رجل فله أن يفرق بينهما إن شاء أو يقرهما على النكاح ولنا أن تجدد الملك في الزوجين لرجل لا يقتضي جواز الفسخ كما لو اشترى زوجين مسلمين، إذا ثبت هذا فإنه لا يحرم التفريق بينهما في القسمة والبيع لأن الشرع لم يرد بذلك

وإن سألوا الموادعة بمال أو غيره جاز إن كانت المصلحة فيه، وقد ذكرنا ذلك

(مسألة) (وهل يجوز بيع من استرق منهم للمشركين؟ على روايتين) لا يجوز بيع شئ من رقيق المسلمين لكافر سواء كان مسلماً أو كافراً وهذا قول الحسن، وقال أحمد ليس لأهل الذمة أن يشتروا مما سبى المسلمون قال وكتب عمر بن الخطاب ينهى عنه أمراء الأمصار هكذا حكى أهل الشام، وعنه أنه يجوز ذلك وهو قول أبي حنيفة والشافعي لأنه لا يمنع من إثبات يده عليه فلا يمنع من ابتدائه كالمسلم، ولأنه رد الكافر إلى الكفار فجاز كالمفاداة بهم قبل الاسترقاق والأول أولى لأنه قول عمر رضي الله عنه ولم ينكره منكر فكان إجماعاً ولأن فيه تفويتاً للاسلام الذي يظهر وجوده فإنه إذا بقي رقيقاً للمسلمين الظاهر أنه يسلم فيفوت ذلك ببيعه لكافر بخلاف ما إذا كان رقيقاً لكافر في ابتدائه فإنه لم تثبت له هذه الغرضية (مسألة) (ولا فرق في البيع بين ذي رحم محرم إلا بعد البلوغ على إحدى الروايتين) أجمع أهل العلم على أن التفريق بين الأم وولدها الطفل غير جائز منهم مالك والاوزاعي والليث والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي وغيرهم لما روى أبو أيوب قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة) قال الترمذي هذا حديث حسن غريب، وقال النبي صلى الله عليه وسلم (لا توله والدة عن ولدها) قال أحمد لا يفرق بين الأم وولدها وإن

ولا يحكم إلا بما فيه الحظ للمسلمين من القتل والسبي والفداء فإن حكم بالمن لزم قبوله في أحد الوجهين

رضيت وذلك والله أعلم لما فيه من الأضرار بالولد ولأن المرأة قد ترضى بما فيه ضررها ثم يتغير قلبها فتندم، ولا يجوز التفريق بين الأب وولده هذا قول أصحاب الرأي والشافعي وقال مالك والليث يجوز وبه قال بعض الشافعية لأنه ليس من أهل الحضانة بنفسه ولأنه لا نص فيه ولا هو في معنى المنصوص عليه لأن الأم أشفق منه ولنا أنه أحد الأبوين أشبه الأم ولا نسلم أنه ليس من أهل الحضانة، ولا فرق بين أن يكون الولد بالغاً أو طفلاً في ظاهر كلام الخرقي وإحدى الروايتين عن أحمد لعموم الخبر ولأن الوالدة تتضرر بمفارقة ولدها الكبير ولهذا حرم عليه الجهاد إلا بإذنها (والثانية) يختص تحريم التفريق بالصغير وهو قول الأكثرين منهم مالك والاوزاعي والليث وأبو ثور وهو قول الشافعي لأن سلمة بن الأكوع أتى بامرأة وابنتها فنفله أبو بكر ابنتها فاستوهبها منه النبي صلى الله عليه وسلم فوهبها له ولم ينكر التفريق بينهما ولأن الأحرار يتفرقون بعد الكبر فإن المرأة تزوج ابنتها وتفارقها فالعبيد أولى، واختلفوا في حد الكبر الذي يجوز التفريق فعن أحمد رحمه الله حده بلوغ الولد وهو قول سعيد بن عبد العزيز وأصحاب الرأي وقول للشافعي، وقال مالك إذا أثغر وقال الأوزاعي والليث إذا استغنى عن أمه ونفع نفسه وللشافعي قول إذا صار ابن سبع أو ثمان، وقال أبو ثور إذا كان يلبس وحده ويتوضأ وحده لأنه

وإن حكم بقتل أو سبي فأسلموا، عصموا دماءهم وفي استرقاقهم وجهان

إذا كان كذلك استغنى عن أمه ولذلك خير الغلام بين أمه وأبيه إذا كان كذلك ولأنه جاز التفريق بينهما بتخييره فجاز ببيعه وقسمته ولنا ما روى عن عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا يفرق بين الوالدة وولدها) فقيل إلى متى؟ قال (حتى يبلغ الغلام وتحيض الجارية) ولأن من دون البلوغ يولى عليه أشبه الطفل (فصل) فإن فرق بينهما بالبيع فالبيع فاسد وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة يصح البيع لأن النهي لمعنى في غير المعقود عليه فأشبه البيع في وقت النداء ولنا ماروى أبو داود في سننه عن علي رضي الله عنه أنه فرق بين الأم وولدها فنهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ورد البيع والأصل ممنوع وما ذكروه لا يصح فإنه نهي عنه لما يلحق المبيع من الضرر فهو لمعنى فيه (فصل) والجد والجدة في تحريم التفريق بينهما وبين ولد ولدهما كالابوين لأن الجد أب والجدة أم ولذلك يقومان مقام الأبوين في استحقاق الحضانة والميراث والنفقة فقاما مقامهما في تحريم التفريق ويستوي في ذلك الجد والجدة من قبل الأب والأم لأن لهم ولادة ومحرميه فاستووا في ذلك كاستوائهم في منع شهادة بعضهم لبعض (فصل) ويحرم التفريق بين الأخوة في القسمة والبيع أيضاً كما يحرم بين الولد ووالده وبهذا

باب ما يلزم الإمام والجيش

قال أصحاب الرأي وقال مالك والليث والشافعي وابن المنذر لا يحرم لأنها قرابة لا تمنع قبول شهادته فلم يحرم التفريق كابن العم ولنا ما روى عن علي رضي الله عنه قال وهب لي رسول الله صلى الله عليه وسلم غلامين أخوين فبعت أحدهما فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما فعل غلامك؟) فأخبرته فقال (رده رده) رواه الترمذي وقال حديث حسن غريب، وروى عبد الرحمن بن فروخ عن أبيه قال كتب إلينا عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لا تفرقوا بين الأخوين ولا بين الأم وولدها في البيع، ولأنه ذو رحم محرم فحرم التفريق بينهما كالوالد والولد وانما يحرم التفريق بينهما في حال الصغر وما بعده فيه الروايتان كالأصل والأولى الجواز لأن النبي صلى الله عليه وسلم أهديت له مارية وأختها سيرين فأمسك مارية ووهب سيرين لحسان بن ثابت. (فصل) فأما سائر الأقارب فظاهر كلام الخرقي جواز التفريق بينهم وقال غيره من أصحابنا لا يجوز التفريق بين ذوي رحم محرم كالعمة مع ابن أخيها والخالة مع ابن أختها لما ذكرنا من القياس والأولى جواز التفريق لأن الأصل حل البيع والتفريق ولا يصح القياس على الإخوة لأنهم أقرب

ويمنع النساء إلا طاعنة في السن، لسقي الماء ومعالجة الجرحى

ولذلك يحجبون غيرهم عن الميراث وهم أقرب فيبقى من عداهم على الأصل، فأما من ليس بينهما رحم محرم فلا يمنع من التفريق بينهما عند أحد علمناه لعدم النص فيهم وامتناع قياسهم على المنصوص وكذلك يجوز التفريق بين الأم من الرضاع وولدها والأخت وأخيها لما ذكرنا ولأن قرابة الرضاع لا توجب عتق أحدهما على الآخر ولا نفقة ولا ميراثا فاشبهت الصداقة (مسألة) (وإذا حصر الإمام حصناً لزمه مصابرته إذا رأى المصلحة فيها) إذا حصر الإمام حصناً لزمه مصابرته ولا ينصرف عنه إلا بخصلة من خصال خمس (أحدها) أن يسلموا فيحرزوا بالاسلام دماءهم وأموالهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فاذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم الا بحقها) (الثانية) أن يبذلوا مالا على الموادعة فيجوز قبوله منهم سواء أعطوه جملة أو جعلوه خراجا مستمرا يؤخذ منهم كل عام، فإن كانوا ممن تقبل منهم الجزية فبذلوها لزم قبولها منهم وحرم قتالهم لقوله تعالى (حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) فان بذلوا مالا على غير وجه الجزية فرأى المصلحة في قبوله له قبله ولا يلزمه إذا لم ير المصلحة (الثالثة) أن يفتحه (الرابعة) أن يرى المصلحة في الانصراف إما لضرر في الإقامة وإما لليأس منه أو لغير ذلك فينصرف عنهم لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم حاصر أهل الطائف فلم ينل منهم شيئاً فقال (إنا قافلون إن شاء الله غداً) فقال المسلمون أنرجع ولم نفتحه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اغدوا على القتال) فغدوا عليه فأصابهم الجراح، فقال لهم

ولا يستعين بمشرك إلا عند الحاجة إليه

رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنا قافلون غداً) فأعجبهم، فقفل رسول الله صلى الله عليه وسلم متفق عليه (الخامسة) أن ينزلوا على حكم حاكم وسنذكره في موضعه إن شاء الله (مسألة) (ومن أسلم منهم أحرز دمه وماله وأولاده الصغار) متى أسلم أهل الحصن أو بعضهم أحرز دمه وماله وأولاده الصغار كما ذكر لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المذكور (فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم الا بحقها) ويحرز أولاده الصغار من السبي لأنهم تبع له ولذلك يحكم بإسلامهم تبعاً لاسلامه وكذلك كل من أسلم في دار الحرب وإن دخل دار الإسلام فأسلم وله أولاد صغار في دار الحرب صاروا مسلمين ولم يجز سبيهم وبه قال مالك والشافعي والاوزاعي وقال أبو حنيفة ما كان في يده من ماله ورقيقه ومتاعه وولده الصغار ترك له وما كان من أولاده وأمواله بدار الحرب جاز سبيهم لأنهم لم يثبت إسلامهم بإسلامه لاختلاف الدارين بينهم ولهذا إذا سبي الطفل وأبواه في دار الكفر لم يتبعهما وتبع سابيه في الإسلام وما كان من أرض أو دار فهو فئ وكذلك زوجته إذا كانت كافرة وما على بطنها فئ ولنا ان اولاده أولاد مسلم فوجب أن يتبعوه في الإسلام كما لو كانوا معه في الدار ولأن ماله مال مسلم ولايجوز اغتنامه كما لو كان في دار الإسلام، وبذلك يفارق مال الحربي وأولاده وما ذكره أبو حنيفة لا يلزم فانا تجعله تبعاً للسابي لأنا لا نعلم بقاء أبويه فأما أولاده الكبار فلا يعصمهم لأنهم لا يتبعونه ولا يعصم

زوجته لذلك فإن سبيت صارت رقيقة ولم ينفسخ نكاحه برقها ولكن يكون حكمها في النكاح وفسخه حكم مالو لم تسب على ما نذكر في نكاح أهل الشرك فإن كانت حاملاً من زوجها لم يجز استرقاق الحمل وكان حراً مسلماً وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة يحكم برقه مع امه لأن ما سرى إليه العتق سرى إليه الرق كسائر أعضائها ولنا أنه محكوم بحريته وإسلامه فلم يجز استرقاقه كالمنفصل بخلاف الأعضاء فإنها لا تنفرد عن حكم الأصل (فصل) إذا أسلم الحربي في دار الحرب وله مال وعقار أو دخل إليها مسلم فابتاع عقاراً ومالاً فظهر المسلمون على ماله وعقاره لم يملكوه وكان له وبه قال مالك والشافعي وقال أبو حنيفة يغنم العقار وأما غيره فما كان في يده أو يد مسلم لم يغنم، واحتج بأنها بقعة من دار الحرب فجاز اغتنامها كما لو كانت لحربي. ولنا أنه مال مسلم فأشبه مالو كانت في دار الإسلام (فصل) إذا استأجر المسلم أرضاً من حربي ثم استولى عليها المسلمون فهي غنيمة ومنافعها للمستأجر لأن المنافع ملك المسلم، فإن قيل فلم أجزتم استرقاق الكفارة الحربية إذا كان قد أسلم زوجها وفي استرقاقها ابطال حق زوجها؟ قلنا يجوز استرقاقها لأنها كافرة ولا أمان لها فجاز استرقاقها كما لو لم تكن زوجة مسلم ولا يبطل نكاحة بل هو باق ولأن منفعة النكاح لا تجري مجرى الأموال بدليل أنها لا تضمن باليد فلا يجوز أخذ العوض عنها بخلاف حق الإجارة (فصل) إذا أسلم عبد الحربي أو أمته وخرج إلينا فهو حر وإن أسر سيده وأولاده وخرج إلينا

ويرفق بهم في المسير، فيسير بهم سير أضعفهم لئلا يشق عليهم، فإن دعت الحاجة إلى الجد في السير جاز

فهو حر والمال له والسبي رقيقة، وإن أسلم وأقام بدار الحرب فهو على رقة، وإن أسلمت أم ولد الحربي وخرجت الينا عتقت واستبرأت نفسها وهذا قول أكثر العلماء، قال إبن المنذر وقال به كل من نحفظ عنه من أهل العلم إلا أن أبا حنيفة قال في أم الولد تزوج إن شاءت من غير استبراء وأهل العلم على خلافه لأنها أم ولد عتقت فلم يجز أن تزوج قبل الاستبراء كما لو كانت لذمي، وروى سعيد بن منصور بإسناده عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتق العبيد إذا جاءوا قبل مواليهم وعن أبي سعيد الاعسم قال قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في العبد وسيده قضيتين قضى أن العبد إذا خرج من دار الحرب قبل سيده أنه حر فإن خرج سيده بعد لم يرد عليه، وقضى أن السيد إذا خرج قبل العبد ثم خرج العبد رد على سيده رواه سعيد، وعن الشعبي عن رجل من ثقيف قال سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرد علينا أبا بكرة وكان عبداً لنا أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محاصر ثقيف فأسلم فأبى أن يرده علينا وقال (هو طليق الله ثم طليق رسوله) فلم يرده علينا (مسألة) (وإن سألوا الموادعة بمال أو غيره جاز إن كانت المصلحة فيه) وقد ذكرنا ذلك (مسألة) (وإن نزلوا على حكم حاكم جاز إذا كان حراً مسلما بالغا عاقلاً من أهل الإجتهاد) إذا نزل أهل الحصن على حكم حاكم جاز لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما حاصر بني قريظة ورضوا بأن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ فأجابهم إلى ذلك، والكلام فيه في فصلين (أحدهما) في صفة

الحاكم (والثاني) في صفة الحكم، فأما الحاكم فيتعين فيه سبعة أوصاف: الاسلام والحرية والذكورية والعقل والبلوغ والعدالة والاجتهاد كما يشترط في حاكم المسلمين، ولا يشترط البصر لأن عدمه لا يضر في مسئلتنا لان لمقصود (المقصود) رأيه ومعرفته المصلحة في أحد أقسام الحكم وهذا لا يضر عدم البصر فيه بخلاف القضاء فإنه لا يستغني عن البصر ليعرف المدعي من المدعي عليه والشاهد من المشهود عليه والمقر من المقر له ويعتبر من الفقه ما يتعلق به هذا الحكم مما يجوز فيه ويعتبر له ويجوز ذلك ولا يحتاج أن يكون مجتهداً في جميع الاحكام التي لا تعلق لها بهذا وقد حكم سعد ابن معاذ ولم يثبت أنه كان عالماً بجميع الأحكام، فإن حكم رجلين جاز ويكون الحكم ما اجتمعا عليه وإن جعلوا الحكم إلى رجل يعينه الإمام جاز لأنه لا يختار إلا من يصلح وإن نزلوا على حكم رجل منهم أو جعلوا التعيين إليهم لم يجز لأنهم ربما اختاروا من لا يصلح، وإن عينوا رجلا يصلح. فرضيه الإمام جاز لأن بني قريظة عينوا سعد بن معاذ فرضيه النبي صلى الله عليه وسلم واجاز حكمه وتدل (لقد حكمت بحكم الله) وإن مات من انفقوا عليه فاتفقوا على غيره ممن يصلح قام مقامه وإن لم يتفقوا وطلبوا حكما لا يصلح ردهم إلى مأمنهم وكانوا على الحصار حتى يتفقوا وكذلك إن رضوا باثنين فمات أحدهما فاتفقوا على من يقوم مقامه جاز وإلا ردوا إلى مأمنهم وكذلك إذا رضوا بتحكيم من لا تجتمع الشرائط فيه ووافقهم الامام عليه ثم بان أنه لا يصلح لم يحكم ويردون إلى مأمنهم كما كانوا

(مسألة) (ولا يحكم إلا بما فيه الحظ للمسلمين من القتل والسبي والفداء فإن حكم بالمن لزم قبوله في أحد الوجهين) إذا حكم بقتل مقاتلهم وسبي ذراريهم نفذ حكمه لأن سعد بن معاذ حكم في قريظة بذلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم (لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة) وإن حكم بالفداء جاز لأن الإمام يخير في الأسرى بين القتل والمن والفداء والاسترقاق فكذلك الحاكم، وإن حكم عليهم باعطاء الجزية لم يلزم حكمه لأن عقد الذمة عقد معاوضة فلا يثبت إلا بالتراضي ولذلك لا يملك الإمام إجبار الأسير على إعطاء الجزية، وإن حكم بالمن على المقاتلة وسبي الذرية فقال القاضي يلزم حكمه وهو مذهب الشافعي لأن الحكم إليه فيما يرى المصلحة فيه فكان له المن كالامام في الاسرى واختار أبو الخطاب أن حكمه لا يلزم لأن عليه أن يحكم بما فيه الحظ ولا حظ في المن، وإن حكم بالمن على الذرية فينبغي أن لا يجوز لأن الامام لا يملك المن على الذرية إذا سبوا فكذلك الحاكم ويحتمل الجواز لأن هؤلاء لا يتعين السبي فيهم بخلاف من سبي فإنه يصير رقيقاً بنفس السبي (مسألة) (وإن حكم بقتل أو سبي فأسلموا عصموا دماءهم وفي استرقاقهم وجهان) إذا حكم عليهم بالقتل والسبي جاز للإمام المن على بعضهم لأن ثابت بن قيس سأل في الزبير ابن باطا من قريظة وماله وأولاده رسول الله صلى الله عليه فأجابه، ويخالف مال الغنيمة إذا حازه الإمام لأن ملكهم قد استقر عليه ومتى أسلموا قبل الحكم عليهم عصموا دماءهم وأموالهم لانهم

ويجوز أن يبذل جعلا لمن يدله على طريق أو قلعه أو ماء، ويجب أن يكون معلوما، إلا أن يكون من مال الكفار فيجوز أن يكون مجهولا

فلم يجز استرقاقهم بخلاف الأسير، وإن اسلموا بعد الحكم عليهم بالقتل سقط لأن من أسلم فقد عصم دمه ولم يجز استرقاقهم لأنهم أسلموا قبل استرقاقهم قال أبو الخطاب ويحتمل أن يجوز كما لو أسلموا بعد الأسر ويكون المال على ما حكم فيه وإن حكم بأن المال للمسلمين كان غنمية لأنهم أخذوه بالقهر والحصر (باب ما يلزم الإمام والجيش) (مسألة) (يلزم الإمام عند مسير الجيش تعاهد الخيل والرجال فما لا يصلح للحرب يمنعه من الدخول) يستحب للإمام أو الأمير إذا أراد الغزو أن يعرض الجيش ويتعاهد الخيل والرجال فلا يدع فرساً حطماً وهو الكسير ولا قحماً وهو الكبير ولا ضرعاً وهو الصغير ولا هزيلاً يدخل معه أرض العدو لئلا ينقطع فيها وربما كان سببا للهزيمة (مسألة) (ويمنع المخذل والمرجف) والمخذل هو الذي يفند الناس عن الغزو ويزهدهم في الخروج إليه والقتال ومثل من يقول الحر أو البرد شديد والمشقة شديدة ولا يؤمن هزيمة هذا الجيش ونحو هذا والمرجف هو الذي يقول قد هلكت سرية المسلمين ومالهم مدد ولا طاقة لهم بالكفار والكفار لهم قوة ومدد وصبر ولا يثبت

فإن شرط له جارية معينة على قلعة يفتحها، نحو أن يشرط بنت فلان من أهل القلعة، لم يستحق شيئا حتى يفتح القلعة

لهم أحد وأشباه هذا ولا يأذن لمن يعين على المسلمين بالتجسس للكفار واطلاعهم على عورات المسلمين ولا لمن يوقع العداوة بين المسلمين ويسعى بالفساد بينهم ولا لمن يعرف بالنفاق والزندقة لقول الله تعالى (فإن رجعك الله إلى طائفة منهم فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا - وقوله تعالى - ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة) قيل معناه لأوقعوا بينكم الاختلاف وقيل لأسرعوا في تفريق جمعكم ولأن في حضورهم ضرراً فيجب صيانة المسلمين عنه ولا يأذن لطفل ولا مجنون لأن دخولهم تعرض للهلاك بغير فائدة ويجوز أن يأذن لمن اشتد من الصبيان لأن فيهم معونة ونفعا (مسألة) (ويمنع النساء إلا طاعنة في السن لسقي الماء ومعالجة الجرحى) يكره دخول النساء الشواب أرض العدو لأنهن لسن من أهل القتال وقلما ينتفع بهن فيه لاستيلاء الجبن والخور عليهن ولا يؤمن ظفر العدو بهن فيستحلون ما حرم الله منهن وقد روى حشرج بن زياد عن جدته أم أبيه أنها خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة خيبر سادسة ست نسوة فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث إلينا فجئنا فرأينا فيه الغضب فقال) (مع من خرجتن؟) فقلنا يارسول الله خرجنا نغزل الشعر ونعين به في سبيل الله ومعنا دواء للجرحى ونناول

وإن فتحت صلحا ولم يشترطوا الجارية فله قيمتها إن رضي بها وإن أبى إلا الجارية وأبى صاحب القلعة تسليمها، فقال القاضي: يفسخ الصلح

السهام ونسقي السويق فقال (قمن) حتى إذا فتح الله خيبر أسهم لنا كما أسهم للرجال، قلت لها يا جدة ماكان ذاك؟ قالت تمراً قيل للاوزاعي هل كانوا يغزون معهم بالنساء في الصوائف؟ قال لا إلا بالجواري، فأما المرأة الطاعنة في السن وهي الكبيرة إذا كان فيها نفع مثل سقي الماء ومعالجة الجرحى فلا بأس به لما روينا من الخبر وقد كانت أم سليم ونسيبة بنت كعب تغروان مع النبي صلى الله عليه وسلم فأما نسيبة فكانت تقاتل وقطعت يدها يوم اليمامة وقالت الربيع كنا نغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم لسقي الماء ومعالجة الجرحى. وقال أنس كان رسول الله (ص) يغزو بأم سليم ونسوة معها من الأنصار يسقين الماء ويداوين الجرحى قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح، فإن قيل فقد كان النبي (ص) يخرج معه من تقع عليه القرعة من نسائه، قلنا تلك امرأة واحدة يأخذها للحاجة إليها ويجوز مثل ذلك للأمير عند حاجته، ولا يرخص لسائر الرعية لئلا يفضي إلى ما ذكرنا (مسألة) (ولا يستعين بمشرك إلا عند الحاجة إليه) لما روت عائشة قالت خرج رسول الله (ص) إلى بدر حتى إذا كان بحرة الوبر أدركه رجل من المشركين كان يذكر منه جراءة ونجدة فسر المسلمون به فقال يا رسول الله جئت لأتبعك وأصيب

وله أن ينفل في البداءة الربع بعد الخمس، وفي الرجعة الثلث بعده، وذلك أنه إذا دخل الجيش، بعث سرية تغير، وإذا رجع بعث أخرى، فما أتت به أخرج خمسه، وأعطى السرية ما جعل لها، وقسم الباقي للجيش والسرية معا

معك فقال له رسول الله (ص) (أتؤمن بالله ورسوله؟) قال لا قال (فارجع فإنا لا نستعين بمشرك) ثم مضى رسول الله (ص) حتى إذا كان بالبيداء أدركه ذلك الرجل فقال له رسول الله (ص) (أتؤمن بالله ورسوله؟) قال نعم قال (فانطلق) متفق عليه وروى الإمام أحمد بإسناده عن عبد الرحمن بن حبيب قال أتيت رسول الله (ص) وهو يريد غزوة أنا ورجل من قومي ولم نسلم فقلنا إنا نستحي أن يشهد قومنا مشهداً لا نشهده معهم قال (فأسلمتما؟) قلنا لا قال (فإنا لا نستعين بالمشركين على المشركين) قال فأسلمنا وشهدنا معه، وهذا اختيار ابن المنذر والجوزجاني في جماعة من أهل العلم وعن أحمد ما يدل على جواز الاستعانة بهم، وكلام الخرقي يدل على جواز الاستعانة بهم عند الحاجة وهو الذي ذكره شيخنا في هذا الكتاب وبه قال الشافعي لما روى الزهري أن رسول الله (ص) استعان بناس من اليهود في حربه فأسهم لهم رواه سعيد، وروي أن صفوان بن أمية خرج مع النبي (ص) يوم حنين وهو على شركه فأسهم له وأعطاه من سهم المؤلفة، وذكر الحديث إذا ثبت هذا فيشترط أن يكون من يستعان به حسن الرأي في المسلمين فإن كان غير مأمون عليهم لم تجز الاستعانة بهم لأننا إذا منعنا الاستعانة بمن لا يؤمن من المسلمين كالمخذل والمرجف فالكافر أون

(فصل) ويستحب أن يخرج يوم الخميس لما روى كعب بن مالك قال قلما كان رسول الله [ص] يخرج في سفر إلا يوم الخميس (مسألة) (ويرفق بهم في المسير فيسير بهم سير أضعفهم لئلا يشق عليهم فان دعت الحاجة إلى الجد في السير جاز) لأن النبي [ص] جد في السير حين بلغه قول عبد الله بن أبي ليخرجن الأعز منها الأذل ليشغل الناس عن الخوض فيه، ويعدلهم الزاد لانه لابد منه في الغزو وفي غيره وبه قوامهم ويقوي نفوسهم بما يخيل إليهم من أسباب النصر لأنه مما يطمعهم في عدوهم، ويعرف عليهم العرفاء وهو أن يكون لكل طائفة من يكون كالمقدم عليهم ينظر في حالهم ويفتقدهم ويعقد لهم الألوية والرايات، ويجعل لكل طائفة لواء لما روى ابن عباس أن أبا سفيان حين أسلم قال النبي (ص) للعباس إحبسه على الوادي حتى تمر به جنود الله فيراها قال فحبسته حيث أمرني رسول الله [ص [ومرت به القبائل على راياتها وهو مخير في ألوانها لكنه يغاير ألوانها ليعرف كل قوم رايتهم ويجعل لكل طائفة شعاراً يتداعون به عند الحرب لئلا يقع بعضهم على بعض وهي علامة بينهم يعرفونها، ويتخير لهم من المنازل أصلحها لهم ويتتبع مكانها فيحفظها لئلا يؤتوا منها، ولا يغفل الحرس والطلائع ليحفظهم من البيات، ويبعث العيون على العدو حتى لا يخفي عليه أمرهم فيحترز منهم ويتمكن

من الفرصة فيهم، ويمنع جيشه من الفساد والمعاصي ومن التجارة المانعة لهم من القتال، ولأن المعاصي من أسباب الخذلان، ويعد ذا الصبر بالاجر والنفل ترغيباً في الجهاد، ويخفي من أمره ما أمكن اخفاؤه لئلا يعلم به عدوه فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد غزوة ورى بغيرها ويشاور ذا الرأي منهم لقول الله تعالى (وشاورهم في الأمر) وكان النبي صلى الله عليه وسلم أكثر الناس مشاورة لأصحابه (فصل) واذا وجد رجل رجلاً قد أصيبت فرسه ومعه فرس فضل استحب حمله ولم يجب نص عليه فإن خاف تلفه فقال القاضي يجب عليه بذل فضل مركوبه ليحيى به صاحبه كما يلزمه بذل فضل طعامه للمضطر إليه وتخليصه من عدوه، ويصف جيشه لقول الله تعالى (إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص) ويجعل في كل جنبة كفؤاً لما روى أبو هريرة قال كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فجعل خالداً على إحدى الجنبتين وجعل الزبير على الأخرى وجعل أبا عبيدة على الساقة، ولأن ذلك أحوط للحرب وأبلغ في إرهاب العدو، ولا يميل مع قريبة وذي مذهبه على غيره لئلا تنكسر قلوبهم فيخذلوه عند الحاجة ويراعي أصحابه ويرزق كل واحد بقدر حاجته (فصل) ويقاتل أهل الكتاب والمجوس حتى يسلموا أو يعطوا الجزية لقول الله تعالى (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من

الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) والمجوس حكمهم في قبول الجزية منهم حكم أهل الكتاب لقول النبي صلى الله عليه وسلم (سنوا بهم سنة أهل الكتاب) ولا نعلم بين أهل العلم خلافاً في هذين القسمين. فأما من سواهم من الكفار كعبدة الأوثان ونحوهم فلا يقبل منهم إلا الإسلام في ظاهر المذهب وفيه اختلاف يذكر في باب عقد الذمة إن شاء الله تعالى (فصل) ومن بلغته الدعوة من الكفار يجوز قتاله من غير دعاء ومن لم تبلغه الدعوة يدعى قبل القتال، ولا يجوز قتالهم قبل الدعاء لما روى بريدة قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا بعث أميراً على سرية أو جيش أمره بتقوى الله في خاصته وبمن معه من المسلمين، وقال (إذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى إحدى ثلاث خصال فأيتهن أجابوك إليها فاقبل منهم وكف عنهم: ادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم فإن هم أبوا فادعهم إلى إعطاء الجزية فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم فإن أبوا فاستعن بالله وقاتلهم) رواه مسلم وهذا والله أعلم كان في بدء الأمر قبل انتشار الدعوة وظهور الإسلام فأما اليوم فقد انتشرت الدعوة واستغنى بذلك عن الدعاء عند القتال قال أحمد إن الدعوة قد بلغت وانتشرت لكن إن جاز أن يكون قوم خلف الروم وخلف الترك بهذه الصفة لم يجز قتالهم قبل الدعوة، ومن بلغته الدعوة يجوز قتالهم قبل ذلك، وإن دعاهم فحسن لما ذكرنا من الحديث

وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر علياً حين أعطاه الراية يوم خيبر وأمره بقتالهم أن يدعوهم وهم ممن قد بلغته الدعوة رواه البخاري ودعا خالد بن الوليد طليحة حين ادعى النبوة فلم يرجع فأظهره الله عليه ودعا سلمان أهل فارس (مسألة) (ويجوز أن يبذل جعلا لمن يدله على طريق أو قلعه أو ماء ويجب أن يكون معلوماً إلا أن يكون من مال الكفار فيجوز أن يكون مجهولاً) لا نعلم خلافاً في أنه يجوز للامام ونائبه أن يبذل جعلاً لمن يدله على ما فيه مصلحة للمسلمين مثل طريق سهل أو ماء في مغازة (مفازة) أو قلعة يفتحها أو مال يأخذه أو عدو يغير عليه أو ثغرة يدخل منها. لا نعلم في هذا خلافاً لأنه جعل في مصلحة فجاز كأجرة الدليل، وقد استأجر النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه في الهجرة من دلهم على الطريق، ويستحق الجعل بفعل ما جعل له فيه سواء كان مسلماً أو كافراً من الجيش أو من غيره، فإن جعل له الجعل مما في يده وجب أن يكون معلوماً لأنها جعالة بعوض من مال معلوم فوجب أن يكون معلوماً كالجعالة في رد الآبق، فإن كان الجعل من مال الكفار جاز أن يكون مجهولاً لا يمنع التسليم ولا يفضي إلى التنازع لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل للسرية الثلث والربع مما غنموه وهو مجهول لأن الغنيمة كلها مجهولة ولأنه مما تدعو الحاجة إليه، والجعالة إنما تجوز بحسب الحاجة

(مسألة) (فإن شرط له جارية معينة على قلعة يفتحها نحو أن يشرط له بنت فلان من أهل القلعة لم يستحق شيئاً حتى يفتح القلعة) لأن جعالة شئ منها اقتضت اشتراط فتحها فمتى فتحت القلعة عنوة سلمت إليه فإن ماتت قبل الفتح أو بعده فلا شئ له لأنه تعلق حقه بمعين وقد تلفت بغير تفريط فسقط حقه كالوديعة، وإن أسلمت قبل الفتح فله قيمتها لانها عصمت نفسها باسلامها فتعذر دفعها إليه فاستحق القيمة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما صالح أهل مكة عام الحديبية على أن من جاءه مسلما رده إليهم فجاءه نساء مسلمات فمنعه الله من ردهن وكذلك لو كان الجعل رجلا فأسلم قبل الفتح لأنه عصم نفسه فلم يجز دفعه إليه وله قيمته كالجارية وإن كان اسلامهما بعد الفتح سلما إليه إن كان مسلماً لأنهما أسلما بعد أسرهما فصارا رقيقين، وإن كان كافراً فله قيمتهما لأنه لا يجوز للكفار أن يبتدئ الملك على المسلم وإنما لم. تجب له القيمة إذا ماتا وتجب إذا أسلما لأن تسليمهما ممكن إذا أسلما لكن منع الشرع منه (مسألة) (وإن فتحت صلحاً ولم يشترطوا الجارية فله قيمتها إن رضي بها وإن أبى إلا الجارية وأبى صاحب القلعة تسليمها فقال القاضي يفسخ الصلح)

لأنه قد تعذر امضاء الصلح لأن حق صاحب الجعل سابق ولا يمكن الجمع بينه وبين الصلح ونحو هذا مذهب الشافعي ولصاحب القلعة أن يحصنها مثلما كانت من غير زيادة ويحتمل أن لا يكون له إلا قيمتها ويمضي الصلح لأنه تعذر دفعها إليه مع بقائها فدفعت إليه القيمة كما لو أسلمت قبل الفتح قولهم إن حق صاحب الجعل سابق قلنا إلا أن المفسدة في فسخ الصلح أعظم لأن ضرره يعود على الجيش كله وربما تعدى إلى غيره من المسلمين في كون هذه القلعة يتعذر فتحها بعد ذلك ويبقى ضررها على المسلمين ولا يجوز تحمل هذه المضرة لدفع ضرر يسير عن واحد فإن ضرر صاحب الجعل إنما هو في فوات عين الجعل وتفاوت ما بين عين الشئ وقيمته يسير لا سيما وهو في حق شخص واحد ومراعاة حق المسلمين بدفع الضرر الكثير عنهم أولى من دفع الضرر اليسير عن واحد منهم أو من غيرهم ولهذا قلنا لمن وجد ماله قبل قسمه أنه أحق به فإن وجده بعد قسمه لم يأخذه إلا بثمن لئلا يؤدي الى الضرر بنقض القسمة أو حرمان من وقع ذلك في سهمه (مسألة) وله أن ينفل في البداءة الربع بعد الخمس وفي الرجعة الثلث بعده وذلك أنه إذا دخل الجيش بعث سرية تغير وإذا رجع بعث أخرى فما أتت به أخرج خمسه وأعطى السرية ما جعل لها وقسم الباقي للجيش والسرية معاً) النفل الزيادة على السهم المستحق ومنه نفل الصلاة وهو ما زيد على الفرض وقول الله تعالى

(ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة) كأنه سأل الله ولداً فأعطاه ما سأل وزاده الله ولد الولد، والمراد بالبداءة هنا ابتداء دخول دار الحرب والرجعة رجوعه عنها، والنفل في الغزو ينقسم ثلاثة أقسام (أحدها) هذا وهو أن الإمام أو نائبه إذا دخل دار الحرب غازياً بعث بين يديه سرية تغير على العد ويجعل لهم الربع بعد الخمس فما قدمت به السرية أخرج خمسة ثم أعطى السرية ما جعل لهم وهو ربع الباقي ثم قسم ما بقي في الجيش والسرية معاً فإذا قفل بعث سرية تغير وجعل لهم الثلث بعد الخمس فما قدمت به السرية أخرج خمسة ثم أعطى السرية ثلث ما بقي ثم قسم سائره في الجيش والسرية معه وبهذا قال حبيب بن مسلمة والحسن والاوزاعي وجماعة من أهل العلم وروى عن عمرو بن شعيب أنه لا نفل بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولعله احتج بقوله تعالى (قل الأنفال لله والرسول) فخصه بها، وكان ابن المسيب ومالك يقولان: لا نفل إلا من الخمس. وقال الشافعي يخرج من خمس الخمس لما روى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية فيها عبد الله بن عمر فغنموا إبلا كثيراً فكانت سهمانهم اثني عشر بعيراً ونفلوا بعيرا بعيراً متفق عليه. ولو أعطاهم من أربعة أخماس الغنيمة التي هي لهم لم يكن نفلا وكان من سهمانهم ولنا ما روى حبيب بن مسلمة الفهري قال شهدت رسول الله (ص) نفل الربع في البداءة والثلث

ولا يجوز لأحد أن يتعلف ولا يحتطب ولا يبارز، ولا يخرج من العسكر، ولا يحدق حدثا لا بإذن الأمير

في الرجعة، وفي لفظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينفل الربع بعد الخمس والثلث بعد الخمس إذا قفل. رواهما أبو داود وعن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينفل في البداءة الربع وفي القفول الثلث، رواه الترمذي وقال حديث حسن غريب، وروى الأثرم باسناده عن جرير بن عبد الله البجلي أنه لما قدم على عمر في قومه قال له عمر هل لك أن تأتي الكوفة ولك الثلث بعد الخمس من كل أرض وشئ؟ فأما قول عمرو بن شعيب فإن مكحولا قال له حين قال لا نفل بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر له حديث حبيب بن سلمة: شغلك أكل الزبيب بالطائف، وما ثبت للنبي صلى الله عليه وسلم ثبت للأئمة بعده ما لم يقم على تخصيصه به دليل وأما حديث ابن عمر فهو حجة عليهم فإن بعيراً على اثني عشر يكون جزءاً من ثلاثة عشر، وخمس الخمس جزء من خمسة وعشرين جزءاً وجزء من ثلاثة عشر أكثر فلا يتصور أخذ الشئ من أقل منه فيتعين أن يكون من غيره أو أن النفل كان للسرية دون سائر الجيش، على أن ما رويناه صريح في الحكم ولا يعارض بشئ مستنبط يحتمل غير ما حمله عليه من استنبطه إذا ثبت هذا فظاهر كلام أحمد أنهم إنما يستحقون هذا بالشرط السابق فإن لم يكن شرطه لهم

فلا، قيل له أليس قد نفل النبي صلى الله عليه وسلم في البداءة الربع وفي الرجعة الثلث؟ قال نعم ذاك إذا نفل وتقدم القول فيه، فعلى هذا إن رأى الإمام أن لا ينفلهم فله ذلك، وان رأى أن ينفلهم دون الثلث والربع فله ذلك لأنه إذا جاز ترك النفل كله جاز ترك البعض ولا يجوز أن ينفل أكثر من الثلث نص عليه أحمد وهذا قول مكحول والاوزاعي وجمهور العلماء، وقال الشافعي لا حد للنفل بل هو موكول إلى اجتهاد الإمام لأن النبي (ص) نفل مرة الثلث ومرة الربع، وفي حديث ابن عمر نفل نصف السدس فهذا يدل على أنه ليس للنفل حد لا يتجاوزه الإمام فينبغي أن يكون موكولاً إلى اجتهاده ولنا أن نفل النبي صلى الله عليه وسلم انتهى إلى الثلث فينبغي أن لا يتجاوزه، وما ذكره الشافعي يدل على أنه ليس لأقل النفل حد وأنه يجوز أن ينفل أقل من الثلث والربع ونحن نقول به، على أن هذا القول مع قوله أن النفل من خمس الخمس تناقض، فإن شرط لهم الإمام زيادة على الثلث ردوا إليه وقال الأوزاعي لا ينبغي أن يشترط النصف فإن زادهم على ذلك فليف لهم به ويجعل ذلك من الخمس وإنما زيد في الرجعة على البداءة في النفل لمشقتها فإن الجيش في البداءة ردء للسرية تابع لها والعدو خائف وربما كان غارا وفي الرجعة لا ردء للسرية لأن الجيش منصرف عنهم والعدو مستيقظ كلب قال أحمد في البداءة إذا كان ذاهباً الربع في القفلة إذا كان في الرجوع الثلث لأنهم يشتاقون إلى أهليهم فهنا (فهذا) أكثر

فإن دعا كافر إلى البراز، استحب لمن يعلم من نفسه القوة والشجاعة أن يبارزه بإذن الأمير

(القسم الثاني) أن ينفل الإمام بعض الجيش لغنائه وبأسه وبلائه أو لمكروه تحمله دون سائر الجيش قال أحمد في الرجل يأمره الأمير يكون طليعة أو عنده يدفع إليه رأساً من السبي أو دابة قال إذا كان رجل له غناء أو يقاتل فلا بأس ذلك أنفع لهم يحرض هو وغيره ويقاتلون ويغنمون وقال إذا نفذ الإمام صبيحة المغار الخيل فيصيب بعضهم وبعضهم لا يأتي بشئ فللوالي أن يخص بعض هؤلاء الذين جاءوا بشئ دون هؤلاء وظاهر هذا أن له إعطاء من هذا حاله من غير شرط وحجة هذا حديث سلمة بن الاكوع أنه قال غار عبد الرحمن بن عيينة على إبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتبعتهم فذكر الحديث فأعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم سهم الفارس والراجل رواه مسلم وعنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر قال فبيتنا عدونا فقتلت ليلتئذ تسعة أهل أبيات وأخذت منهم امرأة فنفلنيها أبو بكر فلما قدمت المدينة استوهبنيها النبي صلى الله عليه وسلم فوهبتها له رواه مسلم (القسم الثالث) أن يقول الأمير من طلع هذا الحصن أو هدم هذا السور أو نقب هذا النقب أو فعل كذا فله كذا أو من جاء بأسير فله كذا فهذا جائز في قول أكثر أهل العلم منهم الثوري قال أحمد إذا قال من جاء بعشر دواب أو بقر أو غنم فله واحد فمن جاء بخمسة أعطاه نصف ما قال لهم ومن جاء بشئ أعطاه بقدره قيل له إذا قال من جاء بعلج فله كذا وكذى فجاء بعلج يطيب له ما يعطى؟ قال نعم وكره مالك هذا القسم ولم يره وقال قتالهم على هذا الوجه إنما هو للدنيا وقال هو وأصحابه

فإن شرط الكافر أن لا يقاتله غير الخارج إليه فله شرطه

لا نفل إلا بعد إحراز الغنيمة وقال مالك: ولم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم (من قتل قتيلا فله سلبه) إلا بعد أن برد القتال ولنا ما تقدم من حديث حبيب وعبادة وما شرطه عمر لجرير بن عبد الله وقول النبي صلى الله عليه وسلم (من قتل قتيلا فله سلبه) ولأن فيه تحريضاً على القتال فجاز كاستحقاق الغنيمة وزيادة السهم للفارس واستحقاق السلب وما ذكره يبطل بهذه المسائل، وقوله أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما جعل السلب للقاتل بعد أن برد القتال قلنا قوله ذلك ثابت الحكم فيما يأتي من الغزوات بعد قوله فهو بالنسبة إليها كالمشروط في أول الغزاة، قال القاضي لا يجوز هذا إلا إذا كان فيه مصلحة للمسلمين فإن لم تكن فيه فائدة لم يجز لأنه إنما يخرج على وجه المصلحة فاعتبرت الحاجة فيه كأجرة الحمال والحافظ. إذا ثبت هذا فإن النفل لا يختص بنوع من المال وذكر الخلال أنه لا نفل في الدراهم والدنانير وهو قول الأوزاعي لأن القاتل لا يستحق شيئاً منها فكذلك غيره لنا حديث حبيب بن مسلمة وعبادة فإن النبي صلى الله عليه وسلم جعل لهم الثلث والربع وهو عام في كل ما غنمره ولأنه نوع مال فجاز النفل فيه كسائر الأموال وأما القاتل فإنما نفل السلب وليست الدراهم والدنانير من السلب فلم يستحق غير ما جعل له (فصل) نقل أبو داود عن أحمد أنه قال له: إذا قال من رجع إلى الساقة فله دينار والرجل

وإن قتله المسلم فله سلبه

يعمل في سياقة الغنم قال لم يزل أهل الشام يفعلون هذا وقد يكون في رجوعهم إلى الساقة وسياقة الغنم منفعة، قيل له فإن أغار على قرية فنزل فيها والسبي والدواب والخرثي معهم في القرية ويمنع الناس من جمعه الكسل لا يخافون عليه العدو فيقول الإمام من جاء بعشرة أثواب فله ثوب ومن جاء بعشرة رؤوس فله رأس قال أرجو أن لا يكون به بأس، قيل له فإن قيل من جاء بعدل من دقيق الروم فله دينار يريده لطعام السبي ما ترى في أخذ الدينار؟ فما رأى به بأساً، قيل فالامام يخرج السرية وقد نفلهم جميعاً فلما كان يوم المغار نادى من جاء بعشرة رؤوس فله رأس ومن جاء بكذا فله كذا فذهب الناس فطلبوا فما ترى في هذا النفل؟ قال لا بأس به إذا كان يحرضهم على ذلك ما لم يستغرق الثلث قلت لا بأس بنفلين في شئ واحد قال نعم ما لم يستغرق الثلث سمعته غير مرة يقول ذلك (فصل) قال أحمد والنفل من أربعة أخماس الغنيمة، هذا قول أنس بن مالك وفقهاء الشام منهم رجاء بن حيوة وعبادة بن نسي وعدي بن عدي ومكحول والقاسم بن عبد الرحمن ويزيد بن أبي مالك ويحيى بن جابر والاوزاعي وبه قال إسحاق وأبو عبيد قال أبو عبيد والناس اليوم على هذا، قال أحمد وكان سعيد بن المسيب ومالك بن أنس يقولان لا نفل إلا من الخمس فكيف خفي عنهما هذا مع علمهما؟ وقال النخعي وطائفة إن شاء الإمام نفلهم قبل الخمس وإن شاء بعده وقال أبو ثور إنما النفل قبل الخمس واحتج من ذهب إلى هذا بحديث ابن عمر الذي أوردناه

وكل من قتل قتيلا فله سلبه غير مخموس، إذا قتله حال الحرب منهمكا على القتال غير مثخن، وغرر بنفسه في قتله، وعنه لا يستحقه إلا من شرط له

ولنا ماروى معن بن يزيد السلمي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (لا نفل إلا بعد الخمس) رواه أبو داود وابن عبد البر وهذا صريح وحديث حبيب بن أبي مسلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينفل الربع بعد الخمس والثلث بعد الخمس وحديث جرير حين قال له عمر لك الثلث بعد الخمس ولأن النبي صلى الله عليه وسلم نفل الثلث ولا يتصور إخراجه من الخمس ولأن الله تعالى قال (واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه) يقتضي أن يكون الخمس خارجاً من الغنيمة كلها وأما حديث ابن عمر فقد رواه شعيب عن نافع عن ابن عمر قال بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في جيش قبل نجد وابتعث سرية من الجيش فكان سهمهمان الجيش اثني عشر بعيراً ونفل أهل السرية بعيراً بعيراً فكانت سهمانهم ثلاثة عشر بعيرا فهذا يمكن أن يكون نفلهم من أربعة أخماس الغنيمة دون بقية الجيش كما يفعل السرايا ويتعين حمل هذا الخبر على هذا لأنه لو أعطى جميع الجيش لم يكن ذلك نفلا وكان قد قسم لهم أكثر من أربعة الاخماس وخو خلاف الآية والأخبار (فصل) وكلام أحمد في أن النفل من أربعة الأخماس عام لعموم الخبر فيه ويحتمل أن يحمل على

القسمين الأولين من النفل، فأما القسم الثالث وهو أن يقول من جاء بشئ فله كذا أو من جاء بعشرة رؤوس فله رأس منها فيحتمل أن يستحق ذلك من الغنيمة كلها لأنه ينزل منزلة الجعل فأشبه السلب فإنه غير مخموس ويحتمل في القسم الثاني وهو زيادة بعض الغانمين على سهمه أن يكون من خمس الخمس المعد للمصالح لأن عطية هذا من المصالح والمذهب الأول لأن عطية سلمة بن الأكوع سهم الفارس زيادة على سهمه إنما كان من أربعة الأخماس (فصل) قال الخرقي ويرد من نفل على من معه في السرية إذ بقوتهم صار إليه ومعناه إذا بعث سرية ونفلها الثلث أو الربع فخص به بعضهم أو جاء بعضهم بشئ فنفله ولم يأت بعضهم بشئ فلم ينفله شارك من نفل من لم ينفل، وقد نص أحمد على هذا لأن هؤلاء إنما أخذوا بقوة هؤلاء ولأنهم استحقوا النفل على وجه الإشاعة بينهم بالشرط السابق فلم يختص به واحد منهم كالغنيمة، فأما النفل في القسمين الأخيرين مثل أن يخص بعض الجيش بنفل لغنائه أو يجعله له كقوله من جاء بعشر رؤوس فله رأس فجاء واحد بعشرة دون سائر الجيش فيختص بنفله دون غيره لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما خص من قتل بسلب قتيله اختص به ولما خص سلمة بن الأكوع بسهم الفارس والراجل اختص به ولذلك اختص بالمرأة التي نفلها إياه أبو بكر دون الناس ولأن هذا جعل تحريضاً على القتال وحثاً على فعل ما يحتاج المسلمون إليه لتحمل فاعله كلفة فعله رغبة فيما جعل له فلو لم يختص به فاعله ما خاطر أحد بنفسه فيه ولا حصلت مصلحة النفل فوجب أن يختص الفاعل لذلك بنفله كثواب الآخرة

(فصل) قال رضي الله عنه ويلزم الجيش طاعة الأمير والنصح له والصبر معه لقول الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) وقول النبي صلى الله عليه وسلم (من أطاعني فقد أطاع الله ومن أطاع أميري فقد أطاعني ومن عصاني فقد عصى الله ومن عصى أميري فقد عصاني) رواه النسائي. (مسألة) (ولا يجوز لأحد أن يتعلف ولا يحتطب ولا يبارز ولا يخرج من العسكر ولا تحدث حدثا إلا بإذن الأمير) يعني لا يحرج لتعلف وهو تحصيل العلف ولا احتطاب ولا غيره إلا بإذن الأمير لقول الله تعالى (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه) ولأن الأمير أعرف بحال الناس وحال العدو ومكامنهم وقربهم وبعدهم فإذا خرج أحد بغير إذنه لم يأمن أن يصادف كميناً للعدو أو طليعة لهم فيأخذوه أو يرحل الأمير ويدعه فيهلك فإذا كان بإذن الأمير لم يأذن لهم إلا إلى مكان آمن وربما يبعث معهم من الجيش من يحرسهم (فصل) فأما المبارزة فتجوز بإذن الأمير في قول عامة أهل العلم إلا الحسن فإنه كرهها. ولنا أن حمزة وعلياً وعبيدة بن الحارث بارزوا يوم بدر بإذن النبي صلى الله عليه وسلم وبارز على عمرو بن عبدود في غزوة الخندق وبارز مرحباً يوم خيبر وقيل بارزه محمد بن مسلمة وبارز البراء بن مالك مرزبان المرازبة فقتله

وأخذ سلبه فبلغ ثلاثين ألفاً، وروي عنه أنه قال قتلت تسعة وتسعين رئيساً من المشركين مبارزة سوى من شاركت فيهم ولم يزل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يبارزون في عصر النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعده لم ينكره منكر فكان إجماعاً وكان أبو ذر يقسم أن قوله تعالى (هذان خصمان اختصموا في ربهم) نزلت في الذين تبارزوا يوم بدر وهم حمزة وعلي وعبيدة، بارزوا عتبة وشيبة والوليد بن عتبة رواه البخاري. إذا ثبت هذا فإنه ينبغي أن يستأذن الأمير في المبارزة إذا أمكن وبه قال الثوري وإسحاق ورخص فيها مالك والشافعي وابن المنذر لأن أبا قتادة قال بارزت رجلاً يوم حنين وقتلته ولم يعلم أنه استأذن النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك أكثر من حكينا عنهم المبارزة لم نعلم منهم استئذاناً ولنا أن الإمام أعلم بفرسانه وفرسان عدوه، ومتى برز الإنسان لمن لا يطيقه كان معرضاً نفسه للهلاك فتنكسر قلوب المسلمين فينبغي أن يفوض ذلك إلى الإمام ليختار للمبارزة من يرضاه لها فيكون أقرب إلى الظفر وجبر قلوب المسلمين وكسر قلوب الكافرين، فإن قيل فقد أبحتم له أن ينغمس في الكفار وهو سبب قتله قلنا إذا كان مبارزاً تعلقت قلوب الجيش به وارتقبوا ظفره، فإن ظفر جبر قلوبهم وسرهم وكسر قلوب الكافرين وإن قتل كان بالعكس والمنغمس يطلب الشهادة لا يترقب منه ظفره ولا مقاومته

فافترقا وأمبارزة (وأما مبارزة) أبي قتادة فغير لازمة فإنها كانت بعد التحام الحرب رأى رجلاً يريد أن يقتل مسلماً فضربه أبو قتادة فالتفت إلى أبي قتادة فضمه ضمه كاد يقتله وليس هذا هو المبارزة المختلف فيها بل المبارزة المختلف فيها أن يبرز رجل بين الصفين قبل التحام الحرب يدعو إلى المبارزة فهذا هو الذي يتعين له إذن الإمام لأن أعين الطائفتين تمتد إليهما وقلوب الفريقين تتعلق بهما بخلاف غير ذلك. (مسألة) (فإن دعي كافر إلى البراز استحب لمن يعلم من نفسه القوة والشجاعة أن يبارزه بإذن الأمير) . المبارزة تنقسم ثلاثة أقسام مستحبة ومباحة ومكروهة (فالمستحبة) إذا خرج كافر يطلب البراز فيستحب لمن يعلم من نفسه القوة والشجاعة أن يبارزه بإذن الأمير، لأن فيه رداً عن المسلمين وإظهارا لقوتهم (والمباحة) أن يبتدئ الرجل الشجاع فيطلبها فتباح ولا تستحب لأنه لا حاجة إليها ولا يؤمن أن يغلب فيكسر فلوب المسلمين إلا أنه لما كان شجاعاً واثقاً من نفسه أبيحت له لأنه بحكم الظاهر غالب، (والمكروهة) أن يبرز الضعيف البنية الذي لا يثق من نفسه فتكره له المبارزة لما فيه من كسر قلوب المسلمين بقتله ظاهرا. (مسألة) (فإن شرط الكافر أن لا يقاتله غير الخارج إليه فله شرطه) إذا خرج كافر يطلب البراز فشرط أن لا يعين الذي يبارزه غيره فله شرطه لقول الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) ولقول النبي صلى الله عليه وسلم (المؤمنون عند شروطهم) ويجوز رميه وقتله قبل المبارزة لأنه كافر لاعهد له ولا أمان فأبيح قتله كغيره إلا أن تكون العادة جارية بينهم أن من خرج يطلب المبارزة لا يعرض له فيجري ذلك مجرى الشرط.

(مسألة) (فإن انهزم المسلم أو أثخن بالجراح جاز الدفع عنه) إذا انهزم المسلم تاركاً للقتال أو مثخناً بالجراح جاز لكل أحد قتال الكافر لأن المسلم إذا صار إلى هذه الحال فقد انقضى قتاله والأمان إنما كان حال القتال وقد زال وإن كان المسلم شرط عليه أن لا يقاتل حتى يرجع إلى صفة وفي له بالشرط إلا أن يترك قتاله أو يثخنه بالجراح فيتبعه ليقتله أو يجهز عليه فيجوز أن يحولوا بينه وبينه، وإن قاتلهم قاتلوه لأنه إذا منعهم انقاذه فقد نقض أمانه وإن أعان الكفار صاحبهم فعلى المسلمين أن يعينوا صاحبهم ويقاتلوا من أعان عليه ولا يقاتلون المبارز لأنه ليس بسبب من جهته فإن كان قد استنجدهم أو علم منه الرضا بفعلهم انتقض أمانه وجاز قتله وذكر الأوزاعي أنه ليس للمسلمين معاونة صاحبهم وإن أثخن بالجراح قيل له فخاف المسلمون على صاحبهم قال وإن، لأن المبارزة إنما تكون هكذا ولكن لو حجزوا بينهما وخلوا سبيل العلج قال فإن أعان العدو صاحبهم فلا بأس أن يعين المسلمون صاحبهم ولنا أن حمزة وعلياً أعانا عبيدة بن الحارث على قتل شيبة بن ربيعة حين ثخن عبيدة. (فصل) وتجوز الخدعة في الحرب للمبارز وغيره، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الحرب خدعة وهو حديث حسن صحيح، وروي أن عمرو بن عبدود لما بارز علياً رضي الله عنه قال علي ما برزت لا قاتل اثنين فالتفت عمرو فوثب عليه فضربه فقال عمرو خدعتني فقال الحرب خدعة.

(فصل قال أحمد وإذا غزوا في البحر فأراد رجل أن يقيم بالساحل يستأذن الوالي الذي هو على جميع المراكب ولا يكفيه أن يستأذن الوالي الذي في مركبه. (مسألة) (وإن قتله المسلم فله سلبه) . أما استحقاق سلب القتيل في الجملة فلا نعلم فيه خلافاً وقد دل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم من قتل كافراً فله سلبه، رواه جماعة عن النبي صلى الله عليه وسلم منهم أنس وسمرة بن جندب وغيرهما، وروي أبو قتادة قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حنين فلما التقينا رأيت رجلا من المشركين قد علا رجلاً من المسلمين فاستدرت له حتى أتيته من ورائه فضربته بالسيف على حبل عاتقه ضربة فأدركه الموت ثم إن الناس رجعوا وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من قتل قتيلاً له عليه بينه فله سلبه) قال فقمت فقلت من يشهد لي؟ فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم (مالك يا أبا قتادة، فاقتصصت عليه القصة فقال رجل من القوم صدق يا رسول سلب ذلك القتيل عندي فارضه منه فقال أبو بكر الصديق لاها الله إذا تعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله وعن رسول الله يعطيك سلبه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (صدق فأسلمه إليه) قال فأعطانيه متفق عليه، وعن أنس قال قال رسول

وإن قطع أربعته وقتله آخر، فسلبه للقاطع دون القاتل

الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين (من قتل قتيلا فله سلبه) فقتل أبو طلحة يومئذ عشرين رجلا فأخذ أسلابهم، رواه أبو داود. (مسألة) (وكل من قتل قتيلا فله سلبه غير مخموس إذا قتله حال الحرب منهمكا على القتال غير مثخن وغرر بنفسه في قتله وعنه لا يستحقه إلا من شرط له) . الكلام في هذه المسألة في فصول (إحداها) في أن القاتل يستحق السلب وقد ذكرناه (الثاني) أن السلب لكل قاتل يستحق السهم أو الرضخ كالعبد والمرأة والصبي والمشرك وقال ابن أبي موسى من بارز بغير إذن الإمام لم يستحق السلب ذكره في الإرشاد وروي عن ابن عمر أن العبد إذا بارز بإذن مولاه لم يستحق السلب ويرضخ له منه وللشافعي فيمن لا سهم له قولان (أحدهما) لا يستحق السلب لأن السهم آكد منه للإجماع عليه فإذا لم يستحقه فالسلب أولى ولنا عموم الخبر ولأنه قاتل من أهل الغنيمة فاستحق السلب كذي السهم ولأن الأمير لو جعل جعلا لمن منع شيئاً فيه نفع للمسلمين لاستحقه فاعله من هؤلاء فالذي جعله النبي صلى الله عليه وسلم أولى وفارق السهم لأنه علق على المظنة ولهذا يستحق بالحضور ويستوي فيه الفاعل وغيره والسلب يستحق بحقيقة الفعل وقد وجد منه ذلك فاستحقه كالمجعول له جعلا على فعل إذا فعله فإن كان القاتل ممن لا يستحق سهما ولا رضخاً كالمرجف والمخذل والمعين على المسلمين لم يستحق السلب وإن قل وهو قول الشافعي لأنه

وإن أسره وقتله الإمام فسلبه غنيمة

ليس من أهل الجهاد وكذلك إن بارز العبد بغير إذن مولاه لا يستحق السلب لأنه عاص وكذلك كل عاص مثل من دخل بغير إذن الأمير وعن أحمد فيمن دخل بغير إذن أنه يؤخذ منه الخمس وباقيه له كالغنيمة ويخرج مثل ذلك في العبد المبارز بغير إذن سيده ويحتمل أن يكون سلب قتيل العبد له على كل حال لأن ما كان له فهو لسيد ففي حرمانه حرمان سيده ولم يعص (الفصل الثالث) السلب للقاتل في كل حال إلا أن ينهزم العدو وبه قال الشافعي وابو ثور وداود وابن المنذر وقال مسروق إذا التقى الزحفان فلا سلب له إنما النفل قبل وبعد ونحوه قول نافع وكذلك قال الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز وأبو بكر بن أبي مريم: السلب للقاتل ما لم تمتد الصفوف بعضها إلى بعض فإذا كان كذلك فلا سلب لأحد ولنا عموم قوله عليه السلام من قتل قتيلا فله سلبه ولأن أبا قتادة إنما قتل الذي أخذ سلبه في حال التقاء الزحفين ألا تراه يقول فلما التقينا رأيت رجلا من المشركين قد علا رجلاً من المسلمين؟ وكذلك قول أنس قتل أبو طلحة يومئذ عشرين رجلا وأخذ أسلابهم وكان ذلك بعد التقاء الزحفين لأن هوازن لقوا المسلمين فجأة فألحموا الحرب قبل تقدم مبارزة

والسلب ما كان عليه من ثياب وحلي وسلاح والدابة بآلتها، عنه أن الدابة ليست من السلب، ونفقته وخيمته ورحله غنيمة

(الفصل الرابع) أنه إنما يستحق السلب بشروط أربعة [أحدها] أن يكون المقتول من المقاتلة الذين يجوز قتلهم فأما إن قتل امرأة أو صبياً أو شيخا فاينا أو ضعيفاً مهيناً ونحوهم ممن لا يقاتل لم يستحق سلبه لا نعلم فيه خلافاً وإن كان أحد هؤلاء يقاتل استحق قاتله سلبه لجواز قتله ومن قتل أسيراً له أو لغيره لم يستحق سلبه لذلك [الثاني] أن يكون المقتول فيه منعه غير مثخن بالجراح فإن كان مثخناً فليس لقاتله شئ من سلبه وبهذا قال مكحول وجرير بن عثمان والشافعي لأن معاذ بن عمرو بن الجموح أثبت أبا جهل وذفف عليه ابن مسعود فقضى النبي صلى الله عليه وسلم بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح ولم يعط ابن مسعود شيئاً [الثالث] أن يقتله أو يثخنه بالجراح فيعجله في حكم المقتول فيستحق سلبه لحديث معاذ ابن عمرو بن الجموح [الرابع] أن يغرر بنفسه في قتله فإن رماه بسهم من صف المسلمين فقتله فلا سلب له قال أحمد السلب للقاتل إنما هو في المبارزة لا يكون في الهزيمة وإن حمل جماعة من المسلمين على واحد فقتلوه فسلبه غنيمة لأنهم لم يغرروا بأنفسهم في قتله (فصل) وإنما يستحق السلب إذا قتله حال الحرب فإن انهزم الكفار كلهم فأدرك انسانا منهزما

فقتله فلا سلب له لأنه لم يغرر في قتله، وإن كانت الحرب قائمة فانهزم أحدهم فقتله انسان فله سلبه لان الحرب كروفر وقد قتل سلمة بن الأكوع طليعة للكفار وهو منهزم وقال النبي صلى الله عليه وسلم (من قتله؟) قالوا ابن الأكوع قال (له سلبه أجمع) وبهذا قال الشافعي وقال أبو ثور وداود وابن المنذر السلب لكل قاتل لعموم الخبر واحتجاجا بحديث سلمة هذا ولنا أن ابن مسعود ذفف على أبي جهل فلم يعطه النبي صلى الله عليه وسلم سلبه وأمر بقتل عقبة بن أبي معيط والنضر ابن الحارث صبراً ولم يعط سلبهما من قتلهما وقتل بني قريظة صبراً فلم يعط من قتلهم أسلابهم وإنما أعطي السلب من قتل مبارزاً وكفى المسلمين شره وغرر في قتله والمنهزم بعد انقضاء الحرب قد كفى المسلمين شر نفسه ولم يغرر قاتله بنفسه في قتله فهو كالأسير وأما الذي قتله سلمة فكان متحيزاً إلى فئة وكذلك من قتل حال قيام الحرب فإنه وإن كان منهزماً فهو متحيز إلى فئة وراجع إلى القتال فأشبه الكار فان القتال كر وفر. إذا ثبت هذا فانه لا يشترط في استحقاق السلب أن تكون المبارزة بإذن الأمير لأن كل من قضي له بالسلب في عصر النبي صلى الله عليه وسلم ليس فيهم من نقل إلينا أنه أذن له في المبارزة مع أن عموم الخبر يقتضي استحقاق السلب لكل قاتل إلا من خصه الدليل (الفصل الخامس) أن السلب لا يخمس روى ذلك عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وبه قال الشافعي وابن المنذر وقال ابن عباس يخمس وبه قال الأوزاعي ومكحول لعموم قوله تعالى (واعلموا

أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه) وقال إسحاق أن استكثر الإمام السلب خمسه وذلك إليه لما روى ابن سيرين أن البراء ابن مالك بارز مرزبان المرازبه بالبحرين فطعنه فدق صلبه وأخذ سواريه وسلبه، فلما صلى عمر الظهر أتى أبا طلحة في داره فقال إنا كنا لا نخمس السلب وإن سلب البراء قد بلغ مالا وأنا خامسة، فكان أول سلب خمس في الإسلام سلب البراء. رواه سعيد في السنن وفيها أن سلب البراء بلغ ثلاثين ألفاً ولنا ماروى عوف بن مالك وخالد بن الوليد أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في السلب للقاتل ولم يخمس السلب. رواه أبو داود، وخبر عمر حجة لنا فإنه قال إنا كنا لا نخمس السلب وقول الراوي كان أول سلب خمس في الإسلام يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر صدراً من خلافته لم يخمسوا سلباً واتباعهم أولى، قال الجوزجاني: لا أظنه يجوز لأحد في شئ سبق فيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم شئ إلا اتباعه ولا حجة في قول أحد مع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما ذكرناه يصلح أن يخصص به عموم الآية إذا ثبت هذا فإن السلب من أصل الغنيمة، وقال مالك يحسب من خمس الخمس ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى به للقاتل مطلقاً ولم ينقل عنه أنه احتسب به من خمس الخمس، ولأنه لو احتسب به من خمس الخمس احتيج إلى معرفة قيمته وقدره ولم ينقل ذلك، ولأن سببه لا يفتقر إلى اجتهاد الإمام فلم يكن من خمس الخمس كسهم الراجل والفارس

(الفصل السادس) أن القاتل يستحق السلب قال الإمام ذلك أو لم يقله وبه قال الأوزاعي والليث والشافعي واسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وقال أبو حنيفة والثوري لا يستحقه إلا أن يشرطه الإمام وكذلك قال مالك ولم ير أن يقول الإمام ذلك إلا بعد انقضاء الحرب على ما تقدم من مذهبه في النفل وجعلوا السلب ههنا من جملة الأنفال، وقد روي عن أحمد مثل قولهم وهو اختيار أبي بكر لما روى عوف بن مالك أن مددياً تبعهم فقتل علجاً فأخذ خالد بعض سلبه وأعطاه بعضه فذكر ذلك لرسول الله (ص) فقال (لا تعطه يا خالد) رواه سعيد وأبو داود بمعناه بأطول من هذا وروينا بإسنادهما عن شبر بن علقمة قال بارزت رجلا يوم القادسية فقتلته وأخذت سلبه فأتيت به سعداً فخطب سعد أصحابه وقال إن هذا سلب شبر خير من اثني عشر ألفاً وإنا قد نفلناه إياه ولو كان حقاً لم يحتج أن ينفله ولأن عمر أخذ الخمس من سلب البراء ولو كان حقاً له لم يجز أن يأخذ منه شيئاً ولان النبي (ص) دفع سلب أبي قتادة إليه من غير بينة ولا يمين ولنا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (من قتل قتيلا فله سلبه) وهذا من قضايا رسول الله صلى الله عليه وسلم المشهورة التي عمل بها الخلفاء بعده، وأخبارهم التي احتجوا بها تدل على ذلك فإن عوف بن مالك احتج على خالد حين أخذ بعض سلب المددي فقال له عوف أما تعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل؟ قال

بلى، وقول عمر إنا كنا لا نخمس السلب يدل على أن هذه قضية عامة في كل غزوة وحكم مستمر لكل قاتل وإنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم خالداً أن لا يرد على المددي عقوبة حين أغضبه عوف بتقريعه خالداً بين يديه وقوله قد أنجزت لك ما ذكرت لك من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما خبر شبر فإنما أنفذ له سعد ما قضى له به رسول الله صلى الله عليه وسلم وسماه نفلا لأنه في الحقيقة نفل لأنه زيادة على سهمه، وأما أبو قتادة فإن خصمه اعترف له به وصدقه فجرى مجرى البينة ولأن السلب مأخوذ من الغنيمة بغير تقدير الإمام واجتهاده فلم يفتقر إلى شرطه كالسهم إذا ثبت هذا فإن أحمد قال لا يعجبني أن يأخذ السلب إلا بإذن الإمام وهو قول الأوزاعي، وقال ابن المنذر والشافعي له أخذه بغير إذن لأنه استحقه بجعل النبي صلى الله عليه وسلم له ذلك ولا يأمن أن أظهره عليه أن لا يعطاه ووجه قول أحمد أنه فعل مجتهد فيه فلم ينفذ أمره فيه إلا بإذن الإمام كأخذ سهمه، ويحتمل أن يكون هذا من حمد على سبيل الاستحباب ليخرج من الخلاف لا على سبيل الإيجاب، فعلى هذا إن أخذه بغير إذن ترك الفضيلة وله ما أخذه (مسألة) (وان قطع أربعته وقتله آخر فسلبه للقاطع دون القاتل) لان القاطع هو الذي كفى المسلمين شره ولأن معاذ بن عمرو بن الجموح أثبت أبا جهل وذفف عليه ابن مسعود فقضى النبي صلى الله عليه وسلم بسلبه لمعاذ

(مسألة) (وإن قتله اثنان فسلبه غنيمة) هذا ظاهر كلام أحمد فإنه قال في رواية حرب له السلب إذا انفرد بقتله. وقال القاضي إنهما يشتركان في سلبه لقوله (من قتل قتيلا فله سلبه) وهو يتناول الاثنين، ولأنهما اشتركا في السبب فاشتركا في السلب ولنا أن السلب إنما يستحق بالتغرير في قتله ولا يحصل ذلك بقتل الاثنين أشبه مالو قتله جماعة ولم يبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم شرك بين اثنين في سلب، فإن اشترك اثنان في ضربه وكان أحدهما أبلغ في قتله من الآخر فالسلب له لأن معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء ضربا أبا جهل وأتيا النبي صلى الله عليه وسلم فأخبراه فقال (كلاكما قتله) وقضى بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح (مسألة) (وإن أسره وقتله الإمام فسلبه غنيمة) إذا أسر رجلا لم يستحق سلبه سواء قتله الإمام أو لم يقتله، وقال مكحول: لا يكون السلب إلا لمن أسر علجاً أو قتله وقال القاضي إذا أسر رجلا فقتله الإمام صبراً فسلبه لمن اسره لان الأسر أصعب من القتل فإذا استحق سلبه بالقتل كان تنبيها على استحقاقه بالأسر قال وان استبقاه الإمام كان له فداؤه أو رقبته وسلبه لأنه كفى المسلمين شره ولنا أن المسلمين أسروا أسرى يوم بدر فقتل النبي صلى الله عليه وسلم عقبة والنضر بن الحارث

باب الأمان

واستبقى سائرهم فلم يعط من أسرهم أسلابهم ولا فداءهم وكان فداؤهم غنيمة ولأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما جعل السلب للقاتل وليس الأسر بقتل ولأن الإمام مخير في الاسرى ولو كان لمن أسره كان أمره إليه دون الإمام (مسألة) (وان قطع يده ورجله وقتله آخر فسلبه غنيمة وقيل هو للقاتل) إذا قطع يده ورجله وقتله آخر فالسلب للقاطع في أحد الوجهين لأنه عطله فأشبه الذي قتله (والثاني) هو غنيمة لأنه لم ينفرد أحدهما بقتله ولا يستحقه القاتل لأنه مثخن بالجراح وقيل هو للقاتل لعموم الخبر وكذلك إن قطع يديه أو رجليه وإن قطع إحدى يديه أو إحدى رجليه ثم قتله آخر احتمل أن يكون سلبه غنيمية لأنهما اشتركا في قتله فلم ينفرد به أحدهما واحتمل أنه للقاتل لأنه قتل من لم يكتف المسلمون شره وإن عانق رجلاً فقتله آخر فالسلب للقاتل وبهذا قال الشافعي وقال الأوزاعي هو للمعانق ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (من قتل قتيلا فله سلبه) ولأنه كفى المسلمين شره أشبه ما لو لم يعانقه الآخر وكذلك لو كان الكافر مقبلاً على رجل يقاتله فجاء آخر من ورائه فضربه فقتله فسلبه لقاتله بدليل قصة قتيل أبي قتادة

وإن دخل قوم لا منعه لهم دار الحرب بغير إذن الإمام فغنموا، فعن أحمد فيها ثلاث روايات

(فصل) ولا تقبل دعوى القتل إلا ببينة وقال الأوزاعي يعطي السلب إذا قال أنا قتلته ولا يسأل بينه لأن النبي صلى الله عليه وسلم قبل قول أبي قتادة ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (من قتل قتيلاً له عليه بينه فله سلبه) متفق عليه وأما أبو قتادة فإن خصمه اعترف له فاكتفى بإقراره قال أحمد لا يقبل إلا شاهدان وقالت طائفة من أهل الحديث يقبل شاهد ويمين لأنها دعوى في المال ويحتمل أن يقبل شاهد بغير يمين لأن النبي صلى الله عليه وسلم قبل قول الذي شهد لابي قتادة من غير يميز ووجه الأول أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتبر البينة واطلاقها ينصرف إلى شاهدين ولأنها دعوى للقتل فاعتبر شاهدان كدعوى قتل العمد (مسألة) (والسلب ما كان عليه من ثياب وحلي وسلاح والدابة بآلتها وعنه أن الدابة ليست من السلب ونفقته وخيمته ورحله غنيمة) سلب القتيل ما كان لابسه من ثياب وعمامة وقلنسوة ومنطقة ودرع ومغفر وبيضة وتاج وأسورة وران وخف بما في ذلك من حلية لأن المفهوم من السلب اللباس وكذلك السلاح من السيف والرمح واللت والقوس ونحوه لأنه يستعين به في قتال فهو أولى بالأخذ من اللباس فأما المال الذي معه في هميانه وخريطته فليس بسلب لأنه ليس من الملبوس ولا مما يستعين به في الحرب وكذلك

رحله وإناؤه وما ليست يده عليه من ماله وبه قال الأوزاعي ومكحول والشافعي إلا أن الشافعي قال مالا يحتاج إليه في الحرب كالتاج والسوار والطوق والهميان الذي للنفقة ليس من السلب في أحد القولين لأنه مما لا يستعان به في الحرب فأشبه المال الذي في خريطته ولنا أن البراء بارز مرزبان المرازبة فقتله فبلغ سواره ومنطقته ثلاثين ألفاً فخمسه عمر ودفعة إليه وفي حديث عمرو بن معدي كرب أنه حمل على سوار فطنعه فدق صلبه فصرعه فنزل إليه فقطع يده وأخذ سوارين كانا عليه ويلقاً من ديباج وسيفاً ومنطقة فسلم ذلك إليه ولأنه من ملبوسة أشبه ثيابه ولأنه داخل في اسم السلب أشبه الثياب والمنطقة ويدخل في عموم قوله صلى الله عليه وسلم (فله سلبه) واختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في الدابة فنقل عنه أنها ليست من السلب اختاره أبو بكر لأن السلب ما كان على بدنه والدابة ليست كذلك فلا تدخل في الخبر وذكر أبو عبد الله حديث عمرو بن معدي كرب فأخذ سواريه ومنطقته يعني ولم يذكر الدابة ونقل عنه أنها من السلب وهو ظاهر المذهب وبه قال الشافعي لما روى عوف بن مالك قال خرجت مع زيد بن حارثة في غزوة مؤتة ورافقني مددي من أهل اليمن فلقينا جموع الروم وفيهم رجل على فرس أشقر عليه سرج مذهب وسلاح مذهب فجعل يغري بالمسلمين وقعد له المددي خلف صخرة فمر به الرومي فعرقب فرسه فعلاه ققتله وحاز فرسه وسلاحه فلما فتح الله للمسلمين بعث إليه خالد بن الوليد فأخذ من السلب قال عوف فأتيته فقلت يا خالد أما علمت أن

كتاب الجهاد

رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل؟ قال بلى رواه الأثرم وفي حديث شبر بن علقمة أنه أخذ فرسه كذلك قال أحمد كقوله فيه ولأن الفرس يستعان بها في الحرب فأشبهت السلاح وما ذكروه يبطل بالرمح والقوس واللت فإنها من السلب وليست ملبوسة إذا ثبت هذا فإن الدابة وما عليها من سرجها ولجامها وتحقيبها وحلية إن كانت عليه وجميع آلتها من السلب لأنه تابع لها ويستعان به في الحرب وإنما تكون من السلب إذا كان راكباً عليها فإن كانت في منزلة أو مع غيره أو منقلبة لم تكن من السلب كالسلاح الذي ليس معه وإن كان عليها فصرعه عنها أو أشعره عليها ثم قتله بعد نزوله عنها فهي من السلب وهذا قول الأوزاعي وإن كان ممسكاً بعنانها غير راكب عليها فعن أحمد فيها روايتان (إحداهما) هي سلب وهو قول الشافعي لأنه متمكن من القتال عليها فأشبهت سيفه ورمحه في يده (والثانية) ليست من السلب وهو ظاهر كلام الخرقي لأنه ليس براكب عليها فاشبه مالو كانت مع غلامه وان كان على فرس وفي يده جنيبه لم تكن الجنيبة من السلب لان لا يمكنه ركوبهما معاً (فصل) ويجوز سلب القتلى وتركهم عراة وهذا قول الأوزاعي وكرهه الثوري وابن المنذر لما فيه من كشف عوراتهم ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم في قتيل سلمة بن الاكوع له سلبه أجمع وقال (من قتل قتيلا فله سلبه) وهذا يتناول جميعه (فصل) ويكره نقل رؤوس المشركين من بلد إلى بلد والمثلة بقتلاهم وتعذيبهم لما روى سلمة

ومن أخذ من دار الحرب طعاما أو علفا، فله أكله وعلف دابته بغير إذن، وليس له بيعه فإن باعه رد ثمنه في المغنم

ابن جندب قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يحثنا على الصدقة وينهانا عن المثلة وعن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أن أعف الناس قتلة أهل الإيمان) رواهما أبو داود وعن شداد بن أوس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (إن الله كتب الاحسان على كل شئ فاذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة) رواه النسائي وعن عقبة بن عامر أنه قدم على أبي بكر الصديق رضي الله عنه برأس بباق البطريق فأنكر ذلك فقال يا خليفة رسول فإنهم يفعلون ذلك بنا قال (فاستنان بفارس والروم) لا يحمل إلي رأس فإنما يكفي الكتاب والخبر وقال الزهري لم يحمل إلى النبي صلى الله عليه وسلم رأس قط وحمل إلى أبي بكر فأنكره وأول من حملت إليه الرؤوس عبد الله بن الزبير ويكره رميها في المنجنيق نص عليه أحمد وإن فعلوا ذلك لمصلحة جاز لما روينا أن عمرو بن العاص حين حاصر الاسكندرية ظفر أهلها برجل من المسلمين فأخذوا رأسه فجاء قومه عمراً متعصبين فقال لهم عمرو خذوا رجلاً منهم فاقطعوا رأسه فارموا به إليهم في المنجنيق ففعلوا ذلك فرمى أهل الاسكندرية رأس المسلم إلى قومه (فصل) ولا يجوز الغزو إلا بإذن الأمير إلا أن يفجأهم عدو يخافون كلبه) إذا جاء العدو لزم جميع الناس ممن هو من أهل القتال الخروج إليهم إذا احتيج إليهم ولا يجوز لأحد التخلف إلا من يحتاج إلى التخلف لحفظ المكان والأهل والمال ومن يمنعه الأمير الخروج ومن لا قدرة له على الخروج لقول الله تعالى (انفروا خفافا وثقالا) وقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا استنفرتم فانفروا) وقد ذم الله

تعالى الذين أرادوا الرجوع إلى منازلهم يوم الأحزاب فقال (ويستأذن فريق منهم النبي يقولون إن بيوتنا عورة وماهي بعورة إن يريدون إلا فرارا) ولأنهم يصير الجهاد عليهم فرض عين إذا جاء العدو فلا يجوز لأحد التخلف عنه. إذا ثبت هذا فانهم لا يخرجون إلا بإذن الأمير لأن أمر الحرب موكول إليه وهو أعلم بقلة العدو وكثرتهم ومكامنهم وكيدهم فينبغي أن يرجع إلى رأيه لأنه أحوط للمسلمين إلا أن يتعذر استئذانه لمفاجأة عدوهم فلا يجب استئذانه حينئذ لأن المصلحة تتعين في قتالهم والخروج إليهم لتعين الفساد في تركهم ولذلك لما أغار الكفار على لقاح النبي صلى الله عليه وسلم فصادفهم سلمة ابن الأكوع خارجاً من المدينة تبعهم فقاتلهم من غير إذن فمدحه النبي صلى الله عليه وسلم وقال (خير رجالنا سلمة بن الاكوع) وأعطاه سهم فارس وراجل وكذلك إن عرضت لهم فرصة يخافون فوتها إن تركوها حتى يستأذنوا الأمير فلهم الخروج بغير إذنه لئلا تفوتهم (فصل) وسئل أحمد عن الإمام إذا غضب على الرجل فقال أحرج عليك أن لا تصحبني فنادى بالنفير يكون اذنا له؟ قال لا إنما قصد له وحده فلا يصحبه حتى يأذن له، قال وإذا نودي بالصلاة والنفير فإن كان العدو بالبعد إنما جاءهم طليعة العدو صلوا ونفروا إليهم وإذا استغاثوهم وقد جاء العدو أغاثوا ونصروا وصلوا على ظهور دوابهم ويؤمون الغياث عندي أفضل من صلاة الجماعة والطالب والمطلوب في هذا الموضع يصلي على ظهر دابته وهو يسير إن شاء الله وإذا سمع النفير وقد أقيمت الصلاة يصلي ويخفف ويتم الركوع والسجود ويقرأ بسور قصار وقد نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهو جنب

يعني حنظلة بن الراهب غسيل الملائكة قال ولا يقطع الصلاة إذا كان فيها، وإذا جاء النفير والإمام يخطب يوم الجمعة لا نرى أن ينفروا قال ولا تنفر الخيل الا على حقيقة ولا تنفر على الغلام إذا أبق إذا نفروهم ولا يكون هلاك الناس بسبب غلام وإذا نادى الإمام الصلاة جامعة لأمر يحدث فيشاور فيه لم يتخلف عنه أحد إلا لعذر (فصل) وسئل أحمد عن الرجلين يشتريان الفرس بينهما يغزوان عليه يركب هذا عقبة وهذا عقبة فقال ما سمعت فيه بشئ وأرجو أن لا يكون به بأس قيل له أيما أحب إليك يعتزل الرجل في الطعام أو يرافق؟ قال يرافق هذا أرفق يتعاونون وإذا كنت وحدك لم يمكنك الطبخ ولا غيره ولا بأس بالنهد قد تناهد الصالحون كان الحسن إذا سافر ألقى معهم ويزيد أيضاً بعدما يلقي ومعنى النهد أن يخرج كل واحد من الرفقة شيئاً من النفقة يدفعونه إلى رجل ينفق عليهم منه ويأكلون جميعاً وكان الحسن يدفع إلى وكيلهم مثل واحد منهم ثم يعود فيأتي سراً بمثل ذلك يدفعه إليه قال احمد ما أرى أن يغزو ومعه مصحف يعني لا يدخل به أرض العدو لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا تسافروا بالقرآن إلى أرض العدو رواه أبو داود والاثرم. (فصل) ومن أعطي شيئاً يستعين به في غزاته فما فضل فهو له إذا كان قد أعطي لغزوة بعينها

هذا قول عطاء ومجاهد وسعيد بن المسيب وكان ابن عمر إذا أعطي شيئاً في الغزو يقول لصاحبه إذا بلغت وادي القرى فشأنك به ولأنه أعطاه على سبيل المعاونة والنفقة لا على سبيل الإجارة فكان الفاضل له كما لو وصى له أن يحج عنه فلان حجة بألف وإن أعطاه شيئاً لينفقه في سبيل الله أو في الغزو مطلقاً ففضل منه فضل أنفقه في غزاة أخرى لأنه أعطاه الجميع لينفقه في جهة قربة فلزمه انفاق الجميع فيها كما لو وصى أن يحج عنه بألف. (فصل) ومن أعطي شيئاً يستعين به في الغزو فقال أحمد لا يترك لأهله منه شيئاً لأنه ليس بملكه إلا أن يصير إلى رأس مغزاة فيكون كهيئة ماله فيبعث إلى عياله منه ولا يتصرف فيه قبل الخروج لئلا يتخلف عن الغزو فلا يكون مستحقاً لما أنفقه إلا أن يشتري منه سلاحاً أو آلة الغزو فإن قصد اعطاءه لمن يغزو به فقال أحمد لا يتخذ منها سفرة فيها طعام فيطعم منها أحداً لأنه إنما أعطيها لينفقها في جهة مخصوصة وهي الجهاد. (فصل) وإذا أعطي الرجل دابة ليغزو عليها فإذا غزا عليها ملكها كما يملك النفقة المدفوعة إليه إلا أن تكون عارية فتكون لصاحبها أو حبساً فيكون حبساً بحاله قال عمر رضي الله عنه حملت على فرس عتيق في سبيل الله فأضاعه صاحبه الذي كان عنده فأردت أن اشتريه وظنت أنه بائعه برخص فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (لا تشتره ولا تعد في صدقتك وإن أعطاكه بدرهم فإن العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه) متفق عليه، وهذا يدل على أنه ملكه لولا ذلك ما باعه

ويدل على أنه ملكه بعد الغزو لأنه أقامه للبيع بالمدينة ولم يكن ليأخذه من عمر ثم يقيمه للبيع في الحال فدل على أنه أقامه للبيع بعد غزوه عليه ذكر أحمد نحو هذا الكلام وسئل متى تطيب له الفرس؟ قال إذا غزا عليه قيل له فإن العدو جاءنا فخرج على هذا الفرس في الطلب إلى خمس فراسخ ثم رجع؟ قال لا حتى يكون غزا قيل له فحديث ابن عمر إذا بلغت وادي القرى فشأنك به قال ابن عمر كان يضع ذلك في ماله وروي أنه إنما يستحقه إذا غزا عليه وهذا قول أكثر أهل العلم منهم سعيد بن المسيب ومالك وسالم والقاسم والانصاري والليث والثوري ونحوه عن الأوزاعي قال إبن المنذر ولم أعلم أن أحداً قال له أن يبيعه في مكانه وكان مالك لا يرى أن ينتفع بثمنه في غير سبيل الله إلا أن يقول له شأنك به ما أردت. ولنا أن حديث عمر ليس فيه ما اشترط مالك فأما إن قال هي حبس فلا يجوز بيعها وسنذكر ذلك في الوقف إن شاء الله تعالى، (فصل) قال أحمد لا يركب دواب السبيل في حاجة ويركبها ويستعملها في سبيل الله ولا يركب في الأمصار والقرى ولا بان يركبها ويعلفها وأكره سباق الرمك على الفرس الحبس وسهم الفرس الحبيس لمن غزا عليه، وإذا أراد أن يشتري فرساً ليحمل عليه فقال أحمد يستحب شراؤها من غير الثغر ليكون توسعه على أهل الثغر في الجلب

فإن فضل معه منه شيء فأدخله البلد، رده في الغنيمة إلا أن يكون يسيرا فله أكله في إحدى الروايتين

(مسألة) (وإن دخل قوم لا منعه لهم دار الحرب بغير إذن الإمام فغنموا فعن أحمد فيها ثلاث روايات) [إحداهن] أن غنيمتهم كغنيمة غيرهم يخمسه الإمام ويقسم باقيه بينهم هذا قول أكثر أهل العلم منهم الشافعي لعموم قوله سبحانه (واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه) الآية، والقياس على ما إذا دخلوا بإذن الإمام [والثانية] هو لهم من غير أن يخمس وهو قول أبي حنيفة لأنه اكتساب مباح من غير جهاد فأشبه الاحتطاب فإن الجهاد بإذن الإمام أو من طائفة لهم منعه وقوة، فأما هذا فتلصص وسرقة ومجرد اكتساب [الثالثة] أنه لا حق لهم فيه قال أحمد في عبد أبق إلى الروم ثم رجع ومعه متاع: العبد لمولاه وما معه من المتاع والمال فهو للمسلمين، لأنهم عصاة بفعلهم فلم يكن لهم فيه حق والأولى أولى قال الأوزاعي لما أقفل عمر بن عبد العزيز الجيش الذين كانوا مع مسلمة كسر مركب بعضهم فأخذ المشركون ناساً من القبط فكانوا خدماً لهم فخرجوا يوما إلى عيد لهم وخلفوا القبط في مركبهم وشرب الآخرون ورفع القبط القلع وفي المركب متاع الآخرين وسلاحهم فلم يضعوا قلعهم حتى

أتوا بيروت فكتب في ذلك إلى عمر بن عبد العزيز فكتب عمر نفلوهم القلع وكل شئ جاءوا به إلا الخمس، رواه سعيد والاثرم، فإن كانت الطائفة ذات منعه غزوا بغير إذن الإمام ففيهم روايتان (إحداهما) لا شئ لهم وهو فئ المسلمين (والثانية) يخمس والباقي لهم وهي أصح، ووجه الروايتين ما تقدم ويخرج فيه وجه كالرواية الثالثة وهو أن الجميع لهم لكونه اكتساباً مباحاً من غير جهاد (فصل) قال الخرقي ولا يتزوج في أرض العدو إلا أن تغلب عليه الشهوة فيتزوج مسلمة ويعزل عنها ولا يتزوج منهم ومن اشترى جارية لم يطأها في الفرج وهو في أرضهم قال شيخنا رحمه الله تعالى يريد والله أعلم من دخل أرض العدو بأمان، فأما إن كان في جيش المسلمين فله أن يتزوج لما روي عن سعيد عن أبي هلال أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوج أسماء بنت عميس أبا بكر وهم تحت الرايات، أخرجه سعيد ولأن الكفار لا يد لهم عليه أشبه من في دار الإسلام، وأما الأسير فظاهر كلام أحمد أنه لا يحل له التزوج ما دام أسيراً لأنه منعه من وطئ امرأته إذا أسرت معه مع صحة نكاحهما وهذا قول الزهري فإنه قال لا يحل للأسير أن يتزوج ما كان في أرض المشركين ولأن الأسير إذا ولد له ولد كان رقيقاً لهم ولا يأمر أن يطأ امرأته غيره منهم، وسئل أحمد عن أسير أسرت معه امرأته أيطؤها؟ فقال كيف يطؤها ولعل غيره منهم يطؤها؟ قال الأثرم قلت له فلعلها تعلق بولد فيكون معهم فقال وهذا أيضاً وأما الذي يدخل إليهم بأمان كالتاجر ونحوه فهو الذي أراد الخرقي إن شاء الله تعالى فلا ينبغي

ومن أخذ سلاحا، فله أن يقاتله به حتى تنقضي الحرب ثم يرده، وليس له ركوب الفرس في إحدى الروايتين

له أن يتزوج لأنه لا يأمن أن تأتي امرأته بولد فيستولي عليه الكفار وربما نشأ بينهم فيصير على دينهم فإن غلبت عليه الشهوة أبيح له نكاح مسلمة لأنه حال ضرورة ويعزل عنها كيلا تأتي بولد ولا يتزوج منهم لأنها تغلبه على ولدها فيتبعها على دينها قال القاضي قول الخرقي هذا نهي كراهة لا نهي تحريم لأن الله تعالى قال (وأحل لكم ما وراء ذلكم) ولأن الأصل الحل فلا يحرم بالشك والتوهم وإنما كرهنا له التزوج منهم مخافة أن يغلبوا على ولده فيسترقوه ويعلموه الكفر ففي تزويجه تعريضه لهذا الفساد العظيم وازدادت الكراهة إذا تزوج منهم لأن الظاهر أن امرأته تغلبه على ولدها فتكفره كما أن حكم الإسلام يغلب للإسلام فيما إذا أسلم أحد الأبوين أو تزوج مسلم ذمية، وإذا اشترى منهم جارية لم يطأها في الفرج في أرضهم مخافة أن يغلبوه على ولدها فيسترقوه ويكفروه (مسألة) (ومن أخذ من دار الحرب طعاماً أو علفاً فله أكله وعلف دابته بغير إذن وليس له بيعه فإن باعه رد ثمنه في المغنم) أجمع أهل العلم إلا من شذ منهم على أن للغزاة إذا دخلوا أرض الحرب أن يأكلوا ما وجدوا من الطعام ويعلفوا دوابهم من علفهم منهم سعيد بن المسيب وعطاء والحسن والشعبي والقاسم وسالم والثوري والاوزاعي ومالك والشافعي وأصحاب الرأي، وقال الزهري لا يؤخذ إلا بإذن الإمام وقال سليمان بن موسى لا يترك إلا أن ينهى عنه الإمام فيتبع نهيه

باب قسمة الغنائم

ولنا ما روى عبد الله بن أبي أوفى قال أصبنا طعاماً يوم خيبر فكان الرجل يأخذ منه مقدار ما يكفيه ثم ينصرف. رواه سعيد وأبو داود وروي أن صاحب جيش الشام كتب الى عمر إنا أصبنا أرضاً كثيرة الطعام والعلف وكرهت أن أتقدم في شئ من ذلك فكتب إليه دع الناس يأكلون ويعلفون فمن باع منهم شيئاً بذهب أو فضة ففيه خمس الله وسهام المسلمين، رواه أبو سعيد وقد روى عبد الله بن مغفل قال دلي جراب من شحم يوم خيبر فالتزمته وقلت والله لا أعطي أحداً منه شيئاً فالتفت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك فاستحييت منه، متفق عليه، ولأن الحاجة تدعو إلى هذا وفي المنع منه مضرة بالجيش وبدوابهم فإنه يعسر عليهم نقل الطعام والعلف من دار الإسلام ولا يجدون بدار الحرب ما يشترونه ولو وجدوه لم يجدوا ثمنه ولا يمكن قسمه ما يأخذه الواحد منهم ولو قسم لم يحصل للواحد منهم شئ ينتفع به ولا يدفع به حاجته فأبيح لهم ذلك فمن أخذ من الطعام شيئاً مما يقتات أو يصلح به القوت من الأدم أو غيره أو العلف لدابته فهو أحق به سواء كان له ما يستغني به عنه أولا. ويكون أحق بما يأخذه من غيره فإن فضل منه مالا حاجة به اليه رده على المسلمين لأنه إنما أبيح له ما يحتاج إليه، وإن أعطاه أحد من أهل الجيش ما يحتاج إليه جاز له أخذه وصار أحق به من غيره

وإن باع شيئاً من الطعام أو العلف رد قيمته في الغنيمة لما ذكرنا من حديث عمر وبه قال سليمان بن موسى والثوري والشافعي، وكره القاسم وسالم ومالك بيعه، وقال القاضي لا يخلو إما أن يبيعه من غاز أو غيره فإن باعه لغيره فالبيع باطل لأنه باع مال الغنيمة بغير ولاية ولا نيابة فيجب رد المبيع ورفض البيع فإن تعذر رده رد قيمته أو ثمنه إن كان أكثر من قيمته إلى المغنم وإن باعه لغاز لم يخل من أن يبدله بطعام أو علف مما له الانتفاع به أو بغيره فإن باعه بمثله فليس هذا بيعاً في الحقيقة إنما سلم إليه مباحاً وأخذ مثله مباحاً، ولكل واحد منهما الانتفاع بما أخذه وصار أحق به من غيره لثبوت يده عليه، فعلى هذا لو باع صاعاً بصاعين أو افترقا قبل القبض جاز، وإن باعه به نسيئة أو أقرضه إياه فأخذه فهو أحق به ولا يلزمه ايفاؤه فإن وفاه ورده إليه عادت اليد إليه وإن باعه بغير الطعام والعلف فالبيع غير صحيح ويصير المشتري أحق به لثبوت يده عليه ولا ثمن عليه وإن أخذه منه وجب رده إليه (فصل) (وإن وجد دهنا فهو كسائر الطعام) لما ذكرنا من حديث عبد الله بن مغفل ولأنه طعام فأشبه البر والشعير وإن كان غير مأكول فاحتاج أن يدهن به أو يدهن دابته فظاهر كلام أحمد جوازه إذا كان من حاجة قال في زيت الروم إذا كان من ضرورة أو صداع فلا بأس فأما التزين فلا يعجبني وقال الشافعي ليس له دهن دابته من جرب إلا بالقيمة لأن ذلك لا تعم الحاجة إليه ويحتمل

كلام أحمد مثل هذا لأنه ليس بطعام ولا علف ووجه الأول أن هذا مما يحتاج إليه لاصلاح نفسه ودابته أشبه الطعام والعلف وله أكل ما يتداوى به ويشرب الشراب من الجلاب والسكنجبين وغيرهما عند الحاجة إليه لأنه من الطعام وقال أصحاب الشافعي ليس له تناوله لأنه ليس من القوت ولا يصلح به القوت ولأنه لا يباح مع عدم الحاجة إليه فلم يبح مع الحاجة كغير الطعام ولنا أنه طعام احتيج إليه أشبه الفواكه وما ذكروه يبطل بالفاكهة وإنما اعتبرنا الحاجة ههنا لأن هذا لا يتناول في العادة إلا عند الحاجة إليه (فصل) وللغازي أن يطعم دوابه ورقيقه مما يجوز له الأكل منه سواء كانوا للقنية أو للتجارة قال أبو داود قلت لأبي عبد الله يشتري الرجل السبي في بلاد الروم يطعمهم من طعام الروم؟ قال نعم وروى عنه ابنه عبد الله أنه قال سألت أبي عن الرجل يدخل بلاد الروم ومعه الجارية والدابة للتجارة أيطعمها يعني الجارية وعلف الدابة؟ قال لا يعجبني ذلك فإن لم يكن للتجارة فلم ير به بأساً فظاهر هذا أنه لا يجوز إطعام ما كان للتجارة لأنه ليس مما يستعين به على الغزو وقال الخلال رجع أحمد عن هذه الرواية وروى عنه جماعة بعد هذا أنه لا بأس به وذلك لأن الحاجة داعية إليه فاشبه مالا يراد به التجارة (فصل) قال أحمد ولا يغسل ثوبه بالصابون لأن ذلك ليس بطعام ولا علف ويراد للتحسين والزينة ولا يكون في معناهما ولو كان مع الغازي فهد وكلب للصيد لم يكن له إطعامه من الغنيمة

فإن أطعمه غرم قيمة ما أطعمه لأن هذا يراد للتفرج والزينة وليس مما يحتاج إليه في الغزو بخلاف الدواب (فصل) ولا يجوز لبس الثياب ولا ركوب دابة من دواب المغنم لما روى رويفع بن ثابت الأنصاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يركب دابة من فئ المسلمين حتى إذا أعجفها ردها فيه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يلبس ثوبا من فئ المسلمين حتى إذا اخلقه رده فيه) رواه سعيد (فصل) ولا يجوز الانتفاع بجلودهم واتخاذ النعل والجرب (والجورب) منها ولا الخيوط ولا الحبال وبهذا قال ابن محيريز ويحيى بن أبي كثير واسماعيل بن عياش والشافعي ورخص في اتخاد الجرب من جلود الغنم سليمان بن موسى ورخص مالك في الإبرة وفي الحبل يتخذ من الشعر والنعل والخف يتخذ من جلود البقر. ولنا ماروى قيس بن أبي حازم أن رجلاً أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكمنة شعر من المغنم فقال يا رسول الله إنا نعمل الشعر فهبها لي فقال (نصيبي منها لك) رواه سعيد وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (أدوا الخيط والمخيط فإن الغلول نار وشنان يوم القيامة) ولأن ذلك من الغنيمة ولا تدعو إلى أخذه حاجة عامة فأشبه الثياب (فصل) فأما كتبهم فإن كانت مما ينتفع به ككتب الطب واللغة والشعر فهي غنيمة وإن كانت

مما لا ينتفع به ككتب التوراة والانجيل وأمكن الانتفاع بجلودها أو ورقها بعد غسله غسل وهو غنيمة وإلا فلا ولا يحوز بيعها (فصل) وإن أخذوا من الكفار جوارح للصيد كالفهد والبزاة فهي غنيمة تقسم وإن كانت كلابا لم يجز بيعها وإن لم يردها أحد من الغانمين جاز إرسالها وإعطاوها غير الغانمين وإن رغب فيها بعض الغانمين دون بعض دفعت إليه ولم تحسب عليه لأنها لا قيمة لها وإن رغب فيها الجميع أو جماعة كثيرة فأمكن قسمتها قسمت عدداً من غير تقويم، وإن تعذر ذلك أو تنازعوا في الجيد منها فطلبه كل واحد منهم أقرع بينهما وإن وجدوا خنازير قتلوها لأنها مؤذية ولا نفع فيها وإن وجدوا خمراً أراقوه فان كان في أوعيته نفع للمسلمين أخذوها وإلا كسروها لئلا يعودوا إلى استعمالها (مسألة) فإن فضل معه منه شئ فأدخله البلد رده في الغنيمة إلا أن يكون يسيراً فله أكله في إحدى الروايتين) أما الكثير فيجب رده بغير خلاف علمناه لأن ما كان مباحا له في حال الحرب فإذا أخذه على وجه ففضل منه كثير إلى دار الإسلام فقد أخذ مالا يحتاج إليه فيلزمه رده لأن الأصل تحريمه لكونه مشتركا بين الغانمين فهو كسائر المال وإنما أبيح منه ما دعت الحاجة إليه فما زاد يبقى على أصل التحريم ولهذا لم يبح بيعه وأما اليسير ففيه روايتان

ويملك الكفار أموال المسلمين بالقهر ذكره القاضي، وقال أبو الخطاب: ظاهر كلام أحمد أنهم يملكونها، روي عن أحمد في ذلك روايتان

(إحداهما) يجب رده أيضاً اختاره أبو بكر وهو قول أبي حنيفة وابن المنذر وأبي ثور وهو أحد قولي الشافعي لما ذكرنا في الكثير ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (أدوا الخيط والمخيط) ولأنه من الغنيمة ولم يقسم فلم يبح في دار الإسلام كالكثير وكما لو أخذه في دار الإسلام (والثانية) يباح وهو قول مكحول وخالد بن معدان وعطاء الخراساني ومالك والاوزاعي، قال أحمد أهل الشام يتساهلون في هذه وقد روى القاسم بن عبد بن الرحمن عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال كنا نأكل الجزر في الغزو ولا نقسمه حتى إن كنا لنرجع إلى رحالنا وأخرجتنا منه مملوءة رواه أبو داود وسعيد، وعن عبد الله بن يسار السلمي قال دخلت على رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدم إلى تميراً من تمير الروم فقلت لقد سبقت الناس بهذا؟ قال ليس هذا من العام هذا من العام الأول رواه الأثرم في سننه، وقال الأوزاعي أدركت الناس يقدمون بالقديد فيهديه بعضهم إلى بعض لا ينكره إمام ولا عامل ولا جماعة، وهذا نقل للإجماع ولأنه أبيح إمساكه عن القسمة فأبيح في دار الإسلام كمباحات دار الحرب التي لا قيمة لها فيها ويفارق الكثير لأنه لا يجوز إمساكه عن القسمة ولأن اليسير تجري فيه المسامحة ونفعه قليل بخلاف الكثير

(فصل) وإذا جمعت المغانم وفيها طعام أو علف لم يجز لأحد أخذه إلا للضرورة لأننا إنما أبحنا أخذه قبل جمعه لأنه لم يثبت فيه ملك المسلمين بعد فأشبه المباحات من الحطب والحشيش فإذا جمعت ثبت ملك المسلمين فيها فخرجت عن حيز المباحات وصارت كسائر أملاكهم فلم يجز الأكل منها إلا لضرورة وهو أن لا يجدوا ما يأكلونه فحينئذ يجوز لأن حفظ نفوسهم ودوابهم أهم وسواء حيزت في دار الحرب أو في دار الإسلام، وقال القاضي يجوز الأكل منها ما كانت في دار الحرب، وإن حيزت لأن دار الحرب مظنة الحاجة لعسر نقل الميرة إليها بخلاف دار الإسلام والأولى أولى لأن ما ثبت عليه أيدي المسلمين وتحقق ملكهم له لا ينبغي أن يؤخذ إلا برضاهم كسائر أملاكهم ولأن حيازته في دار الحرب تثبت الملك فيه بدليل يجواز قسمته وثبوت أحكام الملك فيه بخلاف ما قبل الحيازة فإن الملك لم يثبت فيه بعد (مسألة) (ومن أخذ سلاحاً فله أن يقاتل به حتى تنقضي الحرب ثم يرده وليس له ركوب الفرس في إحدى الروايتين) إذا دعت الحاجة الى القتال بسلاحهم فلا بأس قال أحمد إذا كان أبلى فيهم أو خاف على نفسه فنعم وذكر ما روي عن عبد الله بن مسعود قال انتهيت إلى أبي جهل يوم بدر وقد ضربت رجله

فقلت الحمد لله الذي أخزاك يا أبا جهل فأضربه بسيف معي غير طائل فوقع سيفه من يده فأخذت سيفه فضربته به حتى برد رواه الأثرم ولأنهم أجمعوا على أنه يجوز أن يلتقط النشاب ثم يرمي به العدو وهذا أبلغ من الذي يقاتل بسيف ثم يرده إلى المغنم أو يطعن برمح ثم يرده لأن النشاب يرمي به فلا يرجع إليه والسيف يرده في الغنيمة وفي ركوب الفرس للجهاد عليه روايتان (إحداهما) يجوز كالسلاح (والثانية) لا يجوز لحديث رويفع بن ثابت ولأنها تتعرض للعطب غالباً وقيمتها كثيرة بخلاف السلاح والله تعالى أعلم (باب قسمة الغنائم) الغيمة كل ما أخذ من المشركين قهراً بالقتال واشتقاقها من الغنم وهي الفائدة وخمسها لأهل الخمس وأربعة أخماسها للغانمين لقول الله تعالى (واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه) فأضافها إليهم ثم جعل خمسها لله فدل على أن أربعة أخماسها لهم ثم قال (فكلوا مما غنتم حلالا طيبا) ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قسم الغنائم كذلك (فصل) ولم تكن الغنائم تحل لمن مضى بدليل قوله عليه السلام (أعطيت خمساً لم يعطهن نبي قبلي) فذكر منها (أحلت لي الغنائم) متفق عليه وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

(لم تحل الغنائم لقوم سود الرؤوس غيركم كانت تنزل نار من السماء تأكلها) متفق عليه ثم كانت في أول الإسلام لرسول الله بقوله تعالى (يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول) ثم صار أربعة أخماسها للغانمين وخمسها لغيرهم لما ذكرنا وقال تعالى (فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا) (مسألة) (وإن أخذ منهم مال مسلم فأدركه صاحبه قبل قسمه فهو أحق به، وإن أدركه مقسوماً فهو أحق به بثمنه وعنه لا حق لهم فيه، وإن أخذه منهم أحد الرعية بثمن فصاحبه أحق به بثمنه وإن أخذه بغير عوض فصاحبه أحق به بغير شئ) إذا أخذ الكفار أموال المسلمين ثم أخذها المسلمون منهم قهراً فإن علم صاحبها قبل قسمها ردت إليه بغير شئ في قول عامة أهل العلم منهم عمر رضي الله عنه وسلمان بن ربيعة وعطاء والنخعي والليث والثوري ومالك والاوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي وقال الزهري لا يرد إليه وهو للجيش ونحوه عن عمرو بن دينار لأن الكفار ملكوه باستيلائهم فصار غنيمة كسائر أموالهم ولنا ما روى بن عمران غلاماً له أبق إلى العدو فظهر عليه المسلمون فرده النبي صلى الله عليه وسلم الى ابن عمر ولم يقسم وعنه قال ذهب فرس له فأخذها العدو فظهر عليه المسلمون فرد عليه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم رواهما أبو داود وعن رجاء بن حيوة أن أبا عبيدة كتب إلى عمر بن الخطاب فيما أحرز المشركون من المسلمين ثم ظهر المسلمون عليه بعد قال من وجد ماله بعينه فهو أحق به ما لم يقسم رواه سعيد والاثرم

وكذلك إن علم الإمام بمال مسلم قبل قسمه فقسمه وجب رده وصاحبه أحق به بغير شئ لأن قسمته كانت باطلة من أصلها فهو كما لو لم يقسم فأما إن أدركه بعد القسم ففيه روايتان (إحداهما) يكون صاحبه أحق به بالثمن الذي حسب به على آخذه وكذلك إن بيع ثم قسم ثمنه فهو أحق به بالثمن وهذا قول أبي حنيفة والثوري والاوزاعي ومالك لما روى ابن عباس أن رجلا وجد بعيراً له كان المشركون أصابوه فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (إن أصبته قبل أن نقسمه فهو لك وإن أصبته بعد ما قسم أخذته بالقيمة) ولأنه إنما امتنع أخذه له بشئ كيلا يفضي إلى حرمان آخذه من الغنيمة أو تضييع الثمن على المشتري وحقهما ينجبر بالثمن فيرجع صاحب المال في عين ماله بمنزلة مشتري الشقص المشفوع إلا أن المحكي عن مالك وأبي حنيفة أنه يأخذه بالقيمة ونحوه عن مجاهد (والرواية الثانية أنه لا حق له فيه بعد القسم بحال نص عليه أحمد في رواية أبي داود وغيره وهو قول عمر وعلي وسلمان بن ربيعة وعطاء والنخعي والليث قال أحمد أما قول من قال فهو أحق به بالقيمة فهو قول ضعيف عن مجاهد وقال الشافعي وابن المنذر يأخذه صاحبه قبل القسمة و؟ ويعطي مشتريه ثمنه من خمس المصالح لأنه لم يزل عن ملك صاحبه فوجب أن يستحق أخذه بغير شئ كما قبل القسمة ويعطي من حسب عليه القيمة لئلا يفضي إلى حرمان أخذه حقه من الغنيمة وجعل من بهم؟ المصالح لأن هذا منها

وتملك الغنيمة بالاستيلاء عليها في دار الحرب ويجوز قسمها فيها

ولنا ما روى أن عمر رضي الله عنه كتب إلى السائب أيما رجل من المسلمين أصاب رقيقه ومتاعه بعينه فهو أحق به من غيره، وإن أصابه في أيدي التجار بعدما اقتسم فلا سبيل إليه وقال سلمان بن ربيعة إذا قسم فلا حق له فيه رواهما سعيد في سننه ولأنه إجماع قال أحمد إنما قال الناس فيها قولين إذا اقتسم فلا شئ له وقال قوم إذا اقتسم فهو له بالثمن فأما أن يكون له بعد القسمة بغير ذلك فلم يقله أحد ومتى انقسم أهل العصر على قولين في حكم لم يجز إحداث قول ثالث لمخالفته الإجماع وقد روى أصحابنا عن ابن عمران رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من أدرك ماله قبل أن يقسم فهو له) وإن أدركه بعد أن قسم فليس له فيه شئ والمعول على ما ذكرنا من الإجماع وقولهم لم يزل ملك صاحبه ممنوع (فصل) فإن أخذه أحد من الرعية بهبة أو سرقة أو بغير شئ فصاحبه أحق به بغير شئ وقال أبو حنيفة لا يأخذه إلا بقيمة لأنه صار ملكاً لواحد بعينه أشبه ما لو قسم ولنا ما روى أن قوماً أغاروا على سرح النبي صلى الله عليه وسلم فأخذوا ناقة وجارية من الأنصار فأقامت عندهم أياماً ثم خرجت في بعض الليل قالت فما وضعت يدي على ناقة إلا رغت حتى وضعتها على ناقة ذلول فامتطيتها ثم توجهت إلى المدينة ونذرت إن نجاني الله عليها أن انحرها فلما قدمت المدينة استعرفت الناقة فإذا هي ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخذها فقلت يا رسول الله إني نذرت إن أنحرها

وهي لمن شهد الوقعة من أهل القتال، قاتل أو لم يقاتل من تجار العسكر وأجرائهم الذين يستعدون للقتال

قال (بئس ما جازيتها لا نذر في معصية الله) وفي رواية (لا نذر فيما لا يملك ابن آدم) أخرجه مسلم ولأنه لم يحصل في يده بعوض فكان صاحبه أحق به بغير شئ كما لو أدركه في الغنيمة قبل القسمة فأما إن اشتراه رجل من العدو فليس لصاحبه أخذه إلا بثمنه وقال القاضي وما حصل في يده بهبة أو سرقة أو شراء فهو كما لو وجده صاحبه بعد القسمة هل يكون صاحبه أحق به بالقيمة؟ على روايتين ولنا الحديث المذكور وما روى سعيد بإسناده قال أغار أهل ماه وجلولا على العرب فأصابوا شيئاً من سبايا العرب ورقيقاً ومتاعاً ثم أن السائب بن الأكوع عامل عمر غزاهم ففتح ماه فكتب إلى عمر في سبايا المسلمين ورقيقهم ومتاعهم قد اشتراه التجار من أهل ماه فكتب اليه عمر ان المسلم أخو المسلم لا يحزنه ولا يخذله فأيما رجل من المسلمين أصاب رقيقه ومتاعه بعينه فهو أحق به وإن أصابه في أيدي التجار بعد ما انقسم فلا سبيل إليه وأيما حر اشتراه التجار فإنه يرد عليهم رؤوس أموالهم فإن الحر لا يباع ولا يشترى (فصل) وحكم أموال أهل الذمة إذا استولى عليها الكفار ثم قدر عليها حكم أموال المسلمين فيما ذكرنا قال علي رضي الله عنه إنما بذلوا الجزية لتكون دماؤهم كدمائنا وأموالهم كأموالنا ولأن أموالهم معصومة فأشبهت أموال المسلمين

فأما المريض العاجز عن القتال، والمخذل والمرجف، والفرس الضعيف العجيف فلا حق له

(فصل) فإن غنم المسلمون من المشركين شيئاً عليه علامة المسلمين ولم يعلم صاحبه فهو غنيمة قال أحمد في مركب يجئ من مصر يقطع عليها الروم فيأخذونها ثم يأخذها المسلمون منهم إن عرف صاحبها فلا يؤكل منها وهذا يدل على جواز الأكل منها إذا لم يعرف صاحبها ونحو هذا قول الثوري والاوزاعي قال في المصحف يحصل في الغنائم يباع وقال الشافعي يوقف حتى يجئ صاحبه وإن وجد شئ موسوم عليه حبس في سبيل الله رد كما كان نص عليه أحمد وبه قال الأوزاعي والشافعي وقال الثوري يقسم ما لم يأت صاحبه ولنا أن هذا قد عرف هذا مصرفه وهو الحبس فهو بمنزلة مالو عرف صاحبه قيل لأحمد فالجواميس تدرك قد ساقها العدو للمسلمين وقد ردت يؤكل منها؟ قال إذا عرف لمن هي فلا يوكل منها قيل فما حازه العدو للمسلمين فأصابه المسلمون أعليهم أن يقفوه حتى يبين صاحبه؟ قال إذا عرف فقيل هذا لفلان وكان صاحبه بالقرب قيل له أصيب غلام في بلاد الروم فقال أنا لفلان رجل بمصر؟ قال إذا عرف الرجل لم يقسم ورد على صاحبه قيل له أصبنا مركباً في بلاد الروم فيها النواتية قالوا هذا لفلان وهذا لفلان؟ قال هذا قد عرف صاحبه لا يقسم. (مسألة) (وبذلك الكفار أموال المسلمين بالقهر ذكره القاضي وقال أبو الخطاب ظاهر كلام أحمد انهم لا يملكونها، وروى عن أحمد في ذلك روايتان) .

وإذا ألحق مدد وهرب أسير، فأدركوا الحرب قبل تقضيها أسهم لهم، وإن جاءوا بعد إحراز الغنيمة فلا شيء لهم

(إحداهما) أن الكفار يملكون أموال المسلمين بالقهر هذا قول مالك وأبي حنيفة. (والرواية الثانية) لا يملكونها وهو قول الشافعي لحديث ناقة النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو الخطاب وهو ظاهر كلام أحمد حيث قال إن أدركه صاحبه قبل القسم فهو أحق به قال إنما منعه أخذه بعد القسمة لأن قسمة الإمام له تجري مجرى الحكم ومتى صادف الحكم أمراً مجتهداً فيه نفذ حكمه ولأنه مال معصوم طرأت عليه يد عادية فلم يملك بها كالغصب ولأن من لا يملك رقبة غيره بالقهر لا يملك ماله به كالمسلم مع المسلم. ووجه الأول أن القهر سبب يملك به المسلم مال الكافر فملك به الكفار مال المسلم كالبيع، فأما الناقة فإنما أخذها النبي صلى الله عليه وسلم لأنه أدركها غير مقسومة ولا مشتراة فعلى هذا يملكونها قبل حيازتها إلى دار الكفر وهو قول مالك، وذكر القاضي أنهم إنما يملكونها بالحيازة إلى دارهم وهو قول أبي حنيفة وحكي عن أحمد في ذلك روايتان: ووجه الأول أن الاستيلاء سبب للملك فيثبت قبل الحيازة إلى الدار كاستيلاء المسلمين على مال الكافر، ولأن ما كان سببا للملك أثبته حيث وجد كالهبة والبيع، وفائدة الخلاف في ثبوت الملك وعدمه أن من أثبت الملك للكافر في أموال المسلمين أباح للمسلمين إذا ظهروا عليها قسمتها والتصرف فيها ما لم يعلم صاحبها وأن الكافر إذا أسلم وهي في يده فهو أحق بها، ومن لم يثبت الملك اقتضى مذهبه عكس ذلك، قال الشيخ رحمه الله ولا أعلم خلافاً

في أن الكافر الحربي إذا أسلم أو دخل إلينا بأمان بعد أن استولى على مال مسلم فاتلفه أنه لا يلزمه ضمانه فإن أسلم وهو في يده فهو له بغير خلاف في المذهب لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أسلم على شئ فهو له) وإن كان أخذه من المستولى عليه بهبة أو سرقة أو شراء فكذلك لأنه استولى عليه في حال كفره فأشبه ما لو استولى عليه بقهره المسلم، وعن أحمد أن صاحبه يكون أحق به بالقيمة وإن استولى على جارية مسلم فاستولدها ثم اسلم فهي له وهي أم ولده، نص عليه أحمد لأنها مال فأشبهت سائر الاموال وإن غنمها المسلمون وأولادها قبل إسلام سابيها فعلم صاحبها ردت إليه وكان أولادها غنيمة لأنهم أولاد كافر حدثوا بعد ملك الكافر لها. (فصل) وإن استولوا على حر لم يملكوه مسلما كان أو ذمياً، لا نعلم فيه خلافا لأنه لا يضمن بالقيمة ولا تثبت عليه اليد بحال، وإذا قدر المسلمون على أهل الذمة بعد ذلك وجب ردهم إلى ذمتهم ولم يجز استرقاقهم في قول عامة العلماء منهم الشعبي ومالك والليث والاوزاعي والشافعي واسحاق ولا نعلم لهم مخالفا لان ذمتهم باقية ولم يوجد منهم ما يوجب نقضها وكلما يضمن بالقيمة كالعروض يملكونه بالقهر وكذلك العبد القن والمدبر والمكاتب وأم الولد، وقال أبو حنيفة لا يملكون المكاتب وأم الود لأنه لا يجوز نقل الملك فيهما فهما كالحر. ولنا أنهما يضمنان بالقيمة فملكوهما كالقن ويحتمل أن لا يملكوا أم الولد لأنها لا يجوز نقل الملك فيها ولا يثبت فيها لغير سيدها، وفائدة الخلاف أن من قال بثبوت الملك فيهما قال متى قسما أو

اشتراهما انسان لم يكن لسيدهما أخذهما إلا بالثمن قال الزهري في أم الولد يأخذها سيدها بقيمة عدل وقال مالك يفديها الإمام فان لم يفعل يأخذها سيدها بقيمة عدل ولا يدعها يستحل فرجها من لا تحل له، ومن قال لا يثبت الملك فيهما ردا إلى ما كانا عليه على كل حال كالحر وإن اشتراهما انسان فالحكم فيهما كالحكم في الحر إذا اشتراه على ما نذكره إن شاء الله تعالى. (فصل) وإذا ابق عبد المسلم إلى دار الحرب فأخذوه ملكوه كالدابة وهو قول مالك وأبي يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة لا يملكونه وعن أحمد مثل ذلك لأنه إذا صار في دار الحرب زالت يد مولاه عنه وصار في يد نفسه فلم يملك كالحر. ولنا أنه مال لو أخذوه من دار الإسلام ملكوه فإذا أخذوه من دار الحرب ملكوه كالبهيمة (مسألة) (وما أخذوا من دار الحرب من ركاز أو مباح له قيمة فهو غنيمة) أما الركاز إذا وجده في موضع يقدر عليه بنفسه فهو له كما لو وجده في دار الإسلام فيه الخمس وباقيه له، وإن لم يقدر عليه إلا بجماعة من المسلمين فهو غنيمة، ونحو هذا قول مالك والاوزاعي والليث وقال الشافعي إن وجده في مواتهم فهو كما لو وجده في دار الإسلام. ولنا ما روى عاصم بن كليب عن أبي الجوين الحرمي قال لقيت بأرض الروم جرة فيها ذهب في

إمرة معاوية وعلينا معن بن يزيد السلمي فأتيته بها فقسمها بين المسلمين وأعطاني مثل ما أعطى رجلا منهم ثم قال لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (لا نفل إلا بعد الخمس لأعطيتك) ثم أخذ يعرض علي من نصيبه فأبيت أخرجه أبو داود ولأنه مال مشترك مظهور عليه بقوة جيش المسلمين فكان غنيمة كأموالهم الظاهرة. (فصل) ومن وجد في دارهم لقطة فإن كانت من متاع المسلمين فهو كما وجده في غير دار الحرب وإن كانت من متاع المشركين فهي غنيمة، وإن احتمل الأمرين عرفها حولا ثم جعلها في الغنيمة نص عليه أحمد، ويعرفها في بلد المسلمين لأنها تحتمل الأمرين فغلب فيها حكم مال المسلمين في التعريف وحكم مال أهل الحرب في كونها غنيمة احتياطاً (فصل) وأما غير الركاز من المباح فما كان له قيمة في دار الحرب كالصيود والحجارة والخشب فالمسلمون شركاؤه فيه وبه قال أبو حنيفة والثوري. وقال الشافعي ينفرد آخذه بملكه لأنه لو أخذه من دار الإسلام ملكه فكذلك إذا أخذه من دار الحرب كالشئ التافه وهذا قول مكحول والاوزاعي ونقل ذلك عن القاسم وسالم

وإذا أراد القسمة بدأ بالأسلاب فدفعها إلى أهلها

ولنا أنه مال ذو قيمة مأخوذ من دار الحرب بقوة المسلمين فكان غنيمة كالمطعومات، وفارق ما أخذه من دار الإسلام لأنه لا يحتاج إلى الجيش في أخذه فإن احتاج إلى أكله والانتفاع به فله أكله ولا يرده لأنه لو وجد طعاماً مملوكاً للكافر كان له أكله إذا احتاج إليه فما أخذه من الصيود والمباحات فهو أولى (فصل) فإن أخذ ما لا قيمة له في أرضهم كالمسن والأقلام والأدوية فله أخذه وهو أحق به وإن صارت له قيمة بمعالجته أو نقله نص أحمد رحمه الله على نحو هذا وبه قال مكحول والاوزاعي والشافعي، وقال الثوري إذا جاء به إلى دار الإسلام رده في المقسم وإن عالجه فصار له ثمن أعطي بقدر علمه فيه وبقيته في المقسم، ولنا أن القيمة إنما صارت له بعمله أو بنقله فلم يكن غنيمة كما لو لم تصر له قيمة (فصل) وإن ترك صاحب المقسم شيئاً من الغنيمة عجزاً عن حمله فقال من أخذ شيئاً فهو له فمن أخذ شيئاً ملكه نص عليه أحمد، وسئل عن قوم غنموا غنائم كثيرة فبقي خرثي المتاع مما لا يباع ولا يشتري فيدعه الوالي بمنزلة الفخار وما أشبه ذلك أيأخذه الإنسان لنفسه؟ قال نعم إذا ترك ولم يشتر ونحو هذا قول مالك، ونقل عنه أبو الخطاب في المتاع لا يقدرون على حمله إذا حمله رجل: يقسم وهذا قول ابراهيم، قال الخلال روى أبو طالب هذه في ثلاثة مواضع في موضع منها وافق أصحابه وفي موضع خالفهم قال ولا اشك أن أبا عبد الله قال هذا أولا ثم تبين له بعد ذلك أن للإمام أن يبيحه وأن يحرمه وإن لهم أن يأخذوه إذا تركه الإمام إذا لم يجد من يحمله لأنه إذا لم يجد من يحمله ولم يقدر على حمله بمنزلة ما لا قيمة له فصار كالذي ذكرناه في الفصل قبل هذا

(مسألة) وتملك الغنيمة بالاستيلاء عليها في دار الحرب ويجوز قسمها فيها) والدليل على ثبوت الملك عليها في دار الحرب ثلاثة أمور [أحدها] أن سبب الملك الاستيلاء التام وقد وجد فإن أيدينا قد ثبتت عليها حقيقة وقهرناهم ونفيناهم عنها والاستيلاء يدل على حاجة المستولي فيثبت به الملك كما في المباحات [الثاني] أن ملك الكفار قد زال عنها بدليل أنه لا ينفذ عتقهم في العبيد الذين حصلوا في الغنيمة ولا ينفذ تصرفهم فيها ولا يزول ملكهم إلى غير مالك إذ ليست في هذه الحال مباحة علم أن ملكهم زال إلى الغانمين [الثالث] أنه لو اسلم عبد الحربي ولحق بجيش المسلمين صار حراً وهذا يدل على زوال ملك الكافر وثبوت الملك لمن قهره (فصل) وإذا ثبت الملك فيها جازت قسمتها وبهذا قال مالك والاوزاعي والشافعي وأبو ثور وابن المنذر، وقال أصحاب الرأي لا يقسم الا في دار الإسلام لأن الملك لا يتم عليها إلا بالاستيلاء التام ولا يحصل إلا باحرازها في دار الإسلام فإن قسمت أساء قاسمها وجازت قسمته لأنها مسألة مجتهد فيها فإذا حكم فيها الإمام بما يوافق قول بعض المجتهدين نفذ حكمه ولنا ماروى أبو إسحاق الفزاري قال قلت للاوزاعي هل قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً من الغنائم بالمدينة؟ قال لا أعلمه إنما كان الناس يبتغون غنائمهم ويقسمونها في أرض عدوهم ولم يقفل

رسول الله صلى الله عليه وسلم عن غزاة قط أصاب فيها غنيمة إلا خمسه وقسمه من قبل أن يققل، ومن ذلك غزوة بني المصطلق وهوازن وخيبر، ولأن كل دار صحت القسمة فيها جارت كدار الإسلام ولأن الملك ثبت فيها بالقهر بما ذكرنا من الأدلة فصحت قسمتها كما لو أحرزت بدار الإسلام، وبهذا يحصل الجواب عما ذكروه (مسألة) (وهي لمن شهد الوقعة من أهل القتال، قاتل أو لم يقاتل من تجار العسكر وأجرائهم الذين يستعدون للقتال) قوله: وأجرائهم يعني أجراء التجار، وإنما كانت الغنيمة لمن شهد الوقعة وإن لم يقاتل لما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: الغنيمة لمن شهد الوقعة ولأن غير المقاتل ردء له معين فشاركه كردء المحارب فصل والتاجر والصانع كالخياط والخباز والبيطار ونحوهم يسهم لهم إذا حضروا نص عليه أحمد قال أصحابنا قاتلوا أو لم يقاتلوا وبه قال في التاجر الحسن وابن سيرين والثوري والاوزاعي والشافعي وقال مالك وابو حنيفة لا يسهم لهم إلا أن يقاتلوا، وعن الشافعي لا يسهم لهم بحال

قال القاضي في التاجر والأجير إذا كانا مع المجاهدين وقصدهما الجهاد وإنما معه المتاع أن طلب؟ منه باعه والأجير قصده الجهاد أيضاً فهذان يسهم لهما لأنهما غازيان والصناع بمنزلة التجار متى كانوا مستعدين للقتال ومعهم السلاح فمتى عرض اشتغلوا به أسهم لهم لما ذكرنا من حديث عمر ولأنهم في الجهاد بمنزلة غيرهم وإنما يشتغلون بغيره عند فراغهم منه، وإن لم يكونوا مستعدين للقتال لم يسهم لهم لأنهم لا نفع في حضورهم أشبهوا المخذل (مسألة) (فأما المريض العاجز عن القتال والمخذل والمرجف والفرس الضعيف العجيف فلا حق له) أما المريض الذي لا يتمكن من القتال فإن خرج بمرضه عن أهلية الجهاد كالزمن والأشل والمفلوج فلا سهم له لأنه لم يبق من أهل الجهاد، وإن لم يخرج بمرضه عن ذلك كالمحموم ومن به الصداع فإنه يسهم له ويعين برأيه وتكثيره ودعائه وكذلك المخذل والمرجف ومن في معناه ممن يدل على عوارات المسلمين وبؤوي جواسيس الكفار ويوقع بينهم العداوة لا يسهم له وإن قاتل لأن ضرره أكثر من نفعه، وكذلك لا يسهم لفرس ينبغي للإمام منعه كالحطم والصدع والأعجف وإن شهد عليه الوقعة وبهذا قال مالك وقال الشافعي يسهم له كما يسهم للمريض ولنا أنه لا ينتفع به فلم يسهم له كالمخذل والمرجف ولأنه حيوان يتعين منعه من الدخول فلم يسهم له كالمرجف وأما المريض فإنه يعين برأيه وتكثيره ودعائه بخلاف الفرس

(مسألة) (وإذا ألحق مدد وهرب أسير فأدركوا الحرب قبل تقضيها أسهم لهم، وإن جاءوا بعد إحراز الغنيمة فلا شئ لهم) وجملة ذلك أن الغنيمة إنما هي لمن شهد الوقعة لما ذكرنا من قول عمر رضي الله عنه لأنهم إذا قدموا قبل انقضاء الحرب فقد شاركوا الغانمين في السبب فشاركوهم في الاستحقاق كما لو قدموا قبل الحرب فمن تجدد بعد ذلك من مدد يلحق بالمسلمين أو أسير ينفلت من الكفار فيلحق بجيش المسلمين أو كافر يسلم فلا حق له فيها وبهذا قال الشافعي، وقال أبو حنيفة في المدد يلحقهم قبل القسمة أو إحرازها بدار الإسلام: شاركهم لأن ملكها لا يتم إلا بتمام الاستيلا وهو الإحراز إلى دار الإسلام أو قسمها فمن جاء قبل ذلك فقد أدركها قبل ملكها فاستحق منها كما لو جاء في أثناء الحرب، وإن مات أحد من العسكر قبل ذلك فلا شئ له لما ذكرنا وقد روى الشعبي أن عمر رضي الله عنه كتب إلى سعد أسهم لمن أتاك قبل أن تتفقا قتلى فارس. ولنا ما روى أبو هريرة أن أبان بن سعيد بن العاص وأصحابه قدموا علي رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر بعد أن فتحها فقال أبان أقسم لنا يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اجلس يا أبان) ولم يقسم له رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه أبو داود وعن طارق بن شهاب أن أهل البصرة غزوا نهاوند فأمدهم أهل الكوفة فكتب في ذلك الى عمر رضي الله عنه فكتب عمر أن الغنيمة لمن شهد الوقعة، رواه سعيد

في سننه وروي نحوه عن عثمان رضي الله عنه في غزوة أرمينية ولأنه مدد لحق بعد تقضي الحرب أشبه ما لو جاء بعد القسمة أو بعد إحرازها بدار الإسلام وقولهم إن ملكها باحرازها إلى دار الإسلام ممنوع بل هو بالاستيلاء وقد استولى عليها الجيش قبل المدد وحديث الشعبي مرسل يرويه مجالد وقد تكلم فيه ثم هم لا يعملون به ولا نحن فقد حصل الإجماع على خلافه فكيف يحتج به؟ (فصل) وحكم الأسير يهرب إلى المسلمين حكم المدد سواء قاتل أو لم يقاتل في أنه يستحق من الغنيمة إذا هرب قبل تقضي الحرب، وقال أبو حنيفة لا يسهم له إلا أن يقاتل لأنه لم يأت للقتال بخلاف المدد. ولنا أن من استحق إذا قاتل إستحق وإن لم يقاتل كالمدد وسائر من حضر الوقعة. (فصل) فإن لحقهم المدد بعد تقضي الحرب وقبل إحراز الغنيمة أو جاءهم الأسير فظاهر كلام الخرقي أنه يشاركهم لأنه جاء قبل إحرازها، وقال القاضي تملك الغنيمة بانقضاء الحرب قبل حيازتها فعلى هذا لا يسهم لهم، وإن حازوا الغنيمة ثم جاءهم قوم من الكفار يقاتلونهم فأدركهم المدد فقاتلوا معهم فقد قال أحمد إذا غنم المسلمون غنيمة فلحقهم العدو وجاء المسلمين مدد فقاتلوا العدو معهم حتى سلموا الغنيمة فلا شئ لهم في الغنيمة لأنهم إنما قاتلوا عن أصحابهم دون الغنيمة لأن الغنيمة قد صارت في أيديهم وحووها قيل له فإن أهل المصيصة غنموا ثم استنقذه منهم العدو فجاء أهل طرسوس فقاتلوا معهم حتى استنقذوه فقال أحب إلي (إلي) أن يصطلحوا، أما في الصورة الأولى فإن الأولين

قد أحرزوا الغنيمة وملكوها بحيازتها فكانت لهم دون من قاتل معهم وأما في الصورة الثانية فإنما حصلت الغنيمة بقتال الذين استنقذوها في المرة الثانية فينبغي أن يشتركوا فيها لأن الإحراز الأول قد زال باخذ الكفار لها ويحتمل أن الأولين قد ملكوها بالحيازة الأولى ولم يزل ملكهم باخذ الكفار لها منهم فلهذا أحب أحمد أن يصطلحوا على هذا. (فصل) ومن بعثه الأمير لمصلحة الجيش مثل الرسول والدليل والجاسوس وأشباههم فإنه يسهم له وإن لم يحضر لأنه في مصلحه الجيش أشبه السرية ولأنه إذا أسهم للمتخلف عن الجيش فهؤلاء أولى وبهذا قال أبو بكر بن أبي مريم وراشد بن سعد وعطية بن قيس قالوا وقد تخلف عثمان رضي الله عنه يوم بدر فأجرى له رسول الله صلى الله عليه وسلم سهماً من الغنيمة ويروى عن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام يعني يوم بدر فقال (إن عثمان انطلق في حاجة الله وحاجة رسوله وإني أبايع له) فضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه ولم يضرب لأحد غاب غيره رواه أبو داود وعن ابن عمر قال إنما تغيب عثمان عن بدر لأنه كانت تحته ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت مريضة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (إن لك أجر رجل ممن شهد بدار وسهمه) رواه البخاري (فصل) وسئل أحمد عن قوم خلفهم الأمير في بلاد العدو وغزا وغنم ولم يمر بهم فرجعوا هل يسهم لهم؟ قال نعم يسهم لهم لأن الأمير خلفهم قيل له وإن نادى الأمير من كان صبياً فليتخلف فتخلف قوم

فصاروا إلى لؤلؤة وفيها المسلمون فأقاموا حتى فصلوا فقال إذا كانوا قد التجئوا إلى مأمن لهم لم يسهم لهم، ولو تخلفوا وأقاموا في موضع خوف أسهم لهم، وقال في قوم خلفهم الأمير وأغار في جلد الخيل فقال إن أقاموا في بلد العدو حتى رجع أسهم لهم، وإن رجعوا حتى صاروا إلى مأمنهم فلا شئ لهم قيل له فإن اعتل رجل أو اعتلت دابته وقد أدرب فقال له الأمير أقم أسهم لك أو انصرف إلى أهلك أسهم لك فكرهه وقال هذا ينصرف إلى أهله فكيف يسهم له؟ (مسألة) (وإذا أراد القسمة بدأ بالأسلاب فدفعها إلى أهلها) وإن كان فيها مال لمسلم أو لذمي دفع إليه لأن صاحبه متعين ولأنه استحقه بسبب سابق ثم بمؤنة الغنيمة من أجرة النقال والجمال والحافظ والمخزن والحاسب لأنه لمصلحة الغنيمة ثم بالرضخ في أحد الوجهين لانه استحق بالمعاونة في تحصيل الغنيمة أشبه أجرة النقالين والحافظين في الآخر يبدأ بالخمس قبله لأنه استحق بحضور الوقعة فأشبه سهام الغانمين وهذا اقيس وللشافعي قولان كالروايتين (مسألة) (ثم يخمس الباقي فيقسم خمسه على خمسة أسهم سهم لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم يصرف مصرف الفئ وسهم لذوي القربى وهم بنو هاشم وبنو المطالب حيث كانوا للذكر مثل حظ الأنثيين غنيهم وفقيرهم فيه سواء وسهم لليتامى الفقراء وسهم للمساكين وسهم لأبناء السبيل من المسلمين) لا خلاف بين أهل العلم في أن الغنيمية مخموسة بقوله تعالى (واعلموا ان ما غنمتم من شئ فأن لله

خمسه) الآية لكن اختلف في اشياء منها سلب القاتل والأكثرون على أنه مخموس ومنها إذا قال الإمام من جاء بعشرة رؤوس فله رأس ومن طلع الحصن فله كذا والظاهر أن هذا غير مخموس لأنه في معنى السلب وقد ذكرنا الاختلاف في السلب ومنها إذا قال الإمام من أخذ شيئاً فهو له وقلنا بجواز ذلك فقد قيل لا خمس فيه لأنه في معنى ما قبله قال شيخنا والصحيح أن الخمس لا يسقط ههنا لدخوله في عموم الآية وليس هو في معنى السلب والنفل لأن ترك تخميسها لا يسقط خمس الغنيمة بالكلية وهذا يسقطه بالكلية فلا يكون تخصيصاً للآية بل نسخا لحكمها ونسخا بالقياس غير جائز اتفاقاً ومنها إن دخل قوم لا منعه لهم دار الحرب فغنموا بغير إذن الإمام وقد ذكرناه (فصل) والخمس مقسوم على خمسة أسهم كما ذكرنا ههنا وبه قال عطاء ومجاهد والشعبي والنخعي وقتادة وابن جريج والشافعي وقيل يقسم على ستة أسهم سهم لله تعالى وسهم لرسوله لظاهر قوله تعالى (واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل) فعد ستة وجعل الله تعالى لنفسه سهما سادساً وهو مردود على عباد الله أهل الحاجة، وقال أبو العالية سهم الله عزوجل هو أنه إذا عزل الخمس ضرب بيده فيه فما قبض عليه من شئ جعله للكعبة فهو الذي سمى الله لا تجعلوا لله نصبيا فإن لله الدنيا والآخرة ثم يقسم بقية السهم الذي عزله على خمسة أسهم وروي عن الحسن وقتادة في سهم ذوي القربى: كانت طعمه لرسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته فلما توفي حمل عليه أبو بكر وعمر في سبيل الله وروى ابن عباس أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما قسما الخمس على ثلاثة أسهم وهو قول أصحاب الرأي قالوا يقسم الخمس على ثلاثة اليتامى والمساكين وابن السبيل

ثم يعطي النفل بعد ذلك

واسقطوا سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بموته وسهم قرابته أيضا وقال مالك الفيئ والخمس واحد يجعلان في بيت المال قال ابن القاسم وبلغني عن من أثق به أن مالكاً قال يعطي الإمام أقرباء رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما يرى وقال الثوروي الخمس يضعه الإمام حيث أراه الله ولنا قوله تعالى (واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل) وسهم الله والرسول واحد كذا قال عطاء والشعبي، وقال الحسن بن محمد ابن الحنيفة وغيره قوله (فأن لله خمسه) افتتاح كلام يعني أن ذكر الله تعالى لافتتاح الكلام باسمه تبركا به لا لافراده بسهم فإن لله تعالى الدنيا والآخرة وقد روي عن ابن عمر وابن عباس قالا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم الخمس على خمسة، وما ذكره أبو العالية فشئ لا يدل عليه رأي ولا يقتضيه قياس فلا يصار إليه إلا بنص صحيح ولا نعلم في ذلك أثراً صحيحاً سوى قوله، فلا يترك له ظاهر النص وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعله من أجل قول أبي العالية، وما قاله أبو حنيفة فمخالف لظاهر الآية فإن الله تعالى سمى لرسوله وقرابته شيئاً وجعل لهما في الخمس حقاً كما سمى الثلاثة الأصناف الباقية فمن خالف ذلك فقد خالف نص الكتاب، وأما حمل ابي بكر وعمر رضي الله عنهما سهم ذي القربى في سبيل الله فقد ذكر لأحمد فسكت ولم يذهب إليه ورأى أن قول ابن عباس ومن وافقه أولى لموافقته كتاب الله وسنة رسوله الله صلى الله عليه وسلم فإن ابن عباس لما سئل عن سهم ذي القربى فقال إنا كنا نزعم أنه لنا فأبى ذلك علينا قومنا، ولعله أراد

ويرضخ لمن لا سهم له، وهم العبيد والنساء والصبيان

بقوله أبى ذلك علينا قومنا فعل ابي بكر وعمر في حملهما عليه في سبيل الله ومن تبعهما على ذلك، ومتى اختلف الصحابة وكان قول بعضهم يوافق الكتاب والسنة كان أولى وقول ابن عباس موافق للكتاب والسنة فإن جبير بن مطعم روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقسم لبني عبد شمس ولا لبني نوفل من الخمس شيئاً كما كان يقسم لبني هاشم وبني المطلب، وإن أبا بكر كان يقسم الخمس نحو قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم غير أنه لم يكن يعطي قربى رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كان يعطيهم وكان عمر يعطيهم وعثمان من بعده، رواه أحمد في مسنده وقد تكلم في رواية ابن عباس عن أبي بكر وعمر أنهما حملا على سهم ذي القربى في سبيل الله فقيل إنه يرويه محمد بن مروان وهو ضعيف عن الكلبي وهو ضعيف أيضاً ولا يصح عند أهل النقل فإن قالوا فالنبي صلى الله عليه وسلم ليس بباق فكيف يبقى سهمه؟ قلنا جهة صرفه إلى النبي صلى الله عليه وسلم مصلحة المسلمين والمصالح باقية، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما يحل لي مما أفاء الله عليكم ولا مثل هذه إلا الخمس وهو مردود عليكم) رواه سعيد (فصل) فسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يصرف في مصالح المسلمين لما روى جبير بن مطعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تناول بيده وبرة من بعير ثم قال (والذي نفسي بيده مالي مما أفاء الله إلا الخمس، والخمس مردود عليكم) فجعله لجميع المسلمين ولا يمكن صرفه إلى جميعهم إلا بصرفه في مصالحهم من سد الثغور

وكفاية أهلها وشراء الكراع والسلاح ثم الأهم فالأهم على ما نذكره في الفيئ إن شاء الله تعالى ونحوه قول الشافعي فإنه قال أختار أن يضعه الإمام في كل أمر خص به الإسلام وأهله من سد ثغر وإعداد كراع وسلاح وإعطائه أهل البلاء في الإسلام نفلا عند الحرب وغير الحرب وعن أحمد أن سهم الرسول الله صلى الله عليه وسلم يختص بأهل الديوان لأن النبي صلى الله عليه وسلم استحقه بحصول النصرة فيكون لمن يقوم مقامه في النصرة، وعنه أنه يصرف في الكراع والسلاح لأن ذلك يروي عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وهذا السهم كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم من الغنيمة حضر أو لم يحضر كما ان بقية أصحاب الخمس يستحقون وان لم يحضروا وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع به ما شاء فلما توفي وليه أبو بكر ولم يسقط بموته، وقد قيل إنما أضافه الله تعالى إلى نفسه وإلى رسوله ليعلم أن جهته جهة المصلحة وانه ليس بمختص بالنبي صلى الله عليه وسلم فيسقط بموته وقد زعم قوم أنه سقط بموته ويرد على الانصباء الباقية من الخمس لأنهم شركاؤه، وقال آخرون بل يرد على الغانمين لأنهم استحلوها بقتالهم وحرمت منها سهام منها سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما دام حياً فلما مات وجب رده إلى من وجد فيه سبب الاستحقاق كما أن تركه الميت إذا خرج منها سهم بوصية ثم بطلت الوصية رد إلى التركة، وقالت طائفة هو للخليفة بعده لأن أبا بكر رضي الله عنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (إذا أطعم الله نبياً طعمة ثم قبضه فهي للذي يقوم بها من بعده وقد رأيت أن أرده على المسلمين) والصحيح أنه باق وأنه يصرف في مصالح المسلمين لكن الإمام يقوم مقام النبي صلى الله عليه وسلم في صرفه فيما يرى فإن أبا بكر

قال لا أدع أمراً رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنعه فيه إلا صنعته، متفق عليه، واتفق هو وعمر والصحابة رضي الله عنهم على وضعه في الخيل والعدة في سببل الله، هكذا روي عن الحسن بن محمد بن الحنفية (فصل) وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم من المغنم الصفي وهو شئ يخناره من المغنم قبل القسمة كالجارية والعبد والثوب والسيف ونحوه هذا قول محمد بن سيرين والشعبي وقتادة وغيرهم من أهل العلم وقال أكثرهم إن ذلك انقطع بموت النبي صلى الله عليه وسلم قال أحمد الصفي إنما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصاً لم يبق بعده لا نعلم مخالفاً لهذا إلا أبا ثور فإنه قال كان الصفي ثابتاً للنبي صلى الله عليه وسلم فللامام أن يأخذه على نحو ماكان يأخذه النبي صلى الله عليه وسلم ويجعله مجعل سهم النبي صلى الله عليه وسلم من خمس الخمس فجمع بين الشك فيه في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ومخالفة الإجماع في ابقائه بعد موته، قال إبن المنذر لا أعلم أحداً سبق أبا ثور إلى هذا القول وقد أنكر قوم كون الصفي لرسول الله صلى الله عليه وسلم واحتجوا بحديث جبير بن مطعم وقد روى أبو داود بإسناده عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه ولأن الله تعالى قال (واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه) فمفهومه إن باقيها للغانمين ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى بني زهير بن قيس (إنكم إن شهدتم أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وآتيتم الزكاة وأديتم الخمس من المغنم وسهم الصفي إنكم آمنون بأمان الله ورسوله)) رواه

أبو داود، وفي حديث وفد عبد القبيس (عبد القيس) الذي رواه ابن عباس (وإن تعطوا سهم النبي صلى الله عليه وسلم والصفي) وقالت عائشة رضي الله عنها كانت صفية من الصفي رواه أبو داود، وأما انقطاعه بعد النبي صلى الله عليه وسلم فثابت بإجماع الأمة قبل أبي ثور وبعده وكون الخلفاء الراشدين ومن بعدهم لم يأخذوه ولا يجمعون الاعلى الحق (فصل) (والسهم الثاني) لذي القربى وهم بنو هاشم وبنو المطلب حيث كانوا غنيهم وفقيرهم فيه سواء للذكر مثل حظ الأنثيين وسهم ذوي القربى ثابت بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكرنا ذلك والخلاف فيه وقد دل عليه ماروى جبيربن مطعم قال وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم سهم ذوي القربى في بني هاشم وبني المطلب وذكر الحديث وهو حديث صحيح رواه أبو داود ولم يأت لذلك نسخ ولا تغيير فوجب القول به والعمل بحكمه (فصل) وهم بنو هاشم وبنو المطلب ابنا عبد مناف دون غيرهم لما روى جبير بن مطعم قال لما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سهم ذوي القربى من حنين بين بني هاشم وبني المطلب أتيت أنا وعثمان بن عفان فقلنا يارسول الله أما بنو هاشم فلا ننكر فضلهم لمكانك الذي وضعك الله به منهم فما بال إخواننا من بني المطلب أعطيتهم وتركتنا وإنما نحن وهم منك بمنزلة واحدة؟ فقال (إنهم لم يفارقوني في

وفي الكافر روايتان: إحداهما يرضخ له والأخرى يسهم له

جاهلية ولا إسلام، وإنما بنو هاشم وبنو المطلب شئ واحد) وشبك بين أصابعه رواه أحمد وروى البخاري فراعى لهم النبي صلى الله عليه وسلم نصرتهم وموافقتهم بني هاشم، ولا يستحق من كانت أمه منهم وأبوه من غيرهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدفع إلى أقارب أمه وهو بنو زهرة شيئاً ولم يدفع أيضاً إلى بني عماته كالزبير بن العوام وعبد الله بن جحش ونحوهم (فصل) ويستوي فيه الذكر والأنثى لدخولهم في اسم القرابة واختلفت الرواية في قسمه بينهم فعن أحمد أنه يقسم للذكر مثل حظ الأنثيين هذا اختيار الخرقي ومذهب الشافعي لأنه سهم استحق بالقرابة من الأب شرعاً ففضل فيه الذكر على الأنثى كالميراث ويفارق الوصية وولد الأم لأن الوصية استحقت بقول الموصي وولد الأم استحقوا الميراث بقرابة الأم وعنه أنه يساوي بين الذكر والأنثى وهو قول أبي ثور والمزني وابن المنذر لأنهم أعطوا باسم القرابة والذكر والأنثى فيها سواء فاشبه مالو وقف على قرابة فلان الا ترى أن الجد يأخذ مع الأب وابن الأب يأخذ مع الابن وهذا يدل على مخالفة المواريث ولأنه سهم من خمس الخمس لجماعة فاستوى فيه الذكر والأنثى كسهم اليتامى ويسوى بين الصغير والكبير على الروايتين لاستوائهم في القرابة وقياساً على الميراث (فصل) ويفرق فيهم حيث كانوا ويجب تعميمهم به حسب الإمكان وهذا قول الشافعي وقال قوم يختص كل أهل ناحية بخمس مغزاها الذي ليس لهم مغزى سواه فما يوجد من مغزى الروم لأهل الشام والعراق وما يوجد من مغزى الترك لمن في خراسان من ذوي القربى لما يلحق من المشقة في نقله ولأنه بتعذر تعميمهم فلم يجب كأصناف الزكاة ووجه الأول أنه سهم مستحق بقرابة الأب فوجب

ولا يبلغ بالرضخ للراجل سهم راجل، ولا للفارس سهم فارس

دفعه إلى كل المستحقين كالميراث فعلى هذا يبعث الإمام إلى عماله في الأقاليم وينظر كم حصل من ذلك فإن استوت فيه فرق كل خمس خمس فيمن قاربه وإن اختلفت أمر بحمل الفضل ليدفع إلى مستحقه كالميراث وفارق الصدقة حيث لا تنقل لأن كل بلد لا يكاد يخلو من صدقة تفرق على فقراء أهله والخمس يوجد في بعض الأقاليم فلو لم ينقل لأدى إلى إعطاء البعض وحرمان البعض قال شيخنا والصحيح إن شاء الله أنه لا يجب التعميم لأنه يتعذر فلم يجب كتعميم المساكين وما ذكر من بعث الإمام عماله فهو متعذر في زماننا لأن الإمام لم يبق له حكم إلا في بعض بلاد الإسلام ولم يبق له جهة في الغزو ولا له فيه أمر ولان هذا سهم من سهام الخمس فلم يجب تعميمه كسائر سهامه فعلى هذا يفرقه كل سلطان فيما أمكن من بلاده (فصل) ويستوي فيه غنيهم وفقيرهم، وهذا قول الشافعي وأبي ثور. وقيل يختص بالفقير كبقية السهام. ولنا عموم قوله تعالى (ولذي القربى) وهو عام لا يجوز تخصيصه بغير دليل ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعطي أقاربه كلهم وفيهم الغني كالعباس وغيره ولم ينقل عنه تخصيص الفقراء منهم ولأنه مال مستحق بالقرابة فاستوى فيه الغني والفقير كالميراث والوصية للأقارب ولأن عثمان وجبيراً طلبا حقهما وسألا عن علة المنع لهما ولأقاربهما وهما موسران فعلله النبي صلى الله عليه وسلم بنصرة بني المطلب دونهم

وكونهم مع بني هاشم كالشئ الواحد ولو كان اليسار مانعا والفقر شرطاً لم يطلبا مع عدمه ولعل النبي صلى الله عليه وسلم منعهما بيسارهما وانتفاء فقرهما (فصل) والسهم الثالث لليتامى واليتيم الذي لا أب له ولم يبلغ الحلم لقول النبي (لايتم بعد احتلام) قال بعض أصحابنا لا يستحقون إلا مع الفقر وهو المشهور من مذهب الشافعي لأن ذا الأب لا يستحق والمال أنفع من وجود الأب، ولأنه صرف إليهم لحاجتهم فإن اسم اليتيم يطلق عليهم في العرف للرحمة ومن كان اعطاؤه لذلك اعتبرت الحاجة وفارق ذوي القربى فإنهم استحقوا لقربهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم تكرمة لهم والغني والفقير في القرب سواء فاستويا في الاستحقاق. قال شيخنا: ولم أعلم هذا نصاً عن أحمد والآية تقتضي تعميمهم وقال بعض أصحاب الشافعي له قول آحر أنه للغني والفقير لعموم النص في كل يتيم ولأنه لو خص به الفقير لكان داخلاً في جملة المساكين الذين هم أصحاب السهم الرابع وكان يستغني عن ذكرهم وتسميتهم، وقال أصحابنا ويفرقه الإمام في جميع الأقطار ولا يختص به أهل ذلك المغزى، والقول فيه كالقول في سهم ذي القربى وقد تقدم القول فيه: (فصل) والسهم الرابع للمساكين للآية وهم أهل الحاجة فيدخل فيهم الفقراء فالفقراء والمساكين صنفان في الزكاة وصنف واحد ههنا وفي سائر الأحكام وإنما يقع التميز بينهما إذا جمع بينهما بلفظين ولم يرد ذلك إلا في الزكاة، وقد ذكرناهم في اصنافها. قال أصحابنا: ويعم بها جميعهم في جميع

ثم يقسم باقي الغنيمة للراجل سهم وللفارس ثلاثة أسهم، سهم له وسهمان لفرسه

البلاد كقولهم في سهم ذي القربى واليتامى وقد تقدم القول في ذلك ولأن تعميمهم يتعذر فلم يجب كما لا يجب تعميمهم في الزكاة (فصل) والسهم الخامس لأبناء السبيل وقد ذكرناه في الزكاة ويعطي كل واحد منهم قدر ما يصل به إلى بلده كما ذكرنا في الزكاة فإن اجتمع في واحد اسباب كالمسكين واليتيم وابن السبيل استحق بكل واحد منهما لأنها اسباب لأحكام فوجب أن تثبت أحكامها كما لو انفردت، فإن أعطاه ليتمه فزال فقره لم يعط لفقره شيئاً (فصل) ولا حق في الخمس لكافر لانه عطية من الله تعالى فلم يكن لكافر فيه حق كالزكاة ولا لعبد لأن ما يعطاه لسيده فكانت العطية لسيده دونه (مسألة) (ثم يعطي النفل بعد ذلك) لأنه حق ينفرد به بعض الغانمين فقدم على القسمة كالاسلاب والنفل من أربعة أخماس الغنيمة وفيه اختلاف ذكرناه فيما مضى (مسألة) (ويرضخ لمن لا سهم له وهم العبيد والنساء والصبيان) ومعنى الرضخ أن يعطوا شيئاً من الغنيمة دون السهم ولا تقدير لما يعطونه بل ذلك إلى اجتهاد الإمام فإن رأي التسوية بينهم سوى، وإن رأى التفضيل فضل وهذا قول أكثر العلماء منهم سعيد ابن المسيب والثوري والليث واسحاق والشافعي وبه قال مالك في المرأة والعبد وروي عن ابن عباس

وقال أبو ثور يسهم للعبد، وروي عن عمر بن عبد العزيز والحسن والنخعي لما روي عن الأسود بن يزيد أنه شهد فتح القادسية عبيد فضرب لهم سهامهم ولأن حرمه العبد في الدين كحرمة الحر وفيه من الغناء مثل ما فيه فوجب أن يسهم له كالحر وحكي عن الأوزاعي ليس للعبيد سهم ولا رضخ إلا أن يجيئوا بغنيمة أو يكون لهم غناء فيرضخ لهم قال ويسهم للمرأة لما روى جبير بن زياد عن جدته أنها حضرت فتح خيبر قالت فأسهم لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أسهم للرجال وأسهم أبو موسى في غزوة تستر لنسوة معه، وقال أبو بكر بن أبي مريم أسهم للنساء يوم اليرموك، وروى سعيد بإسناده عن ابن شبل أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب لسهلة بنت عاصم يوم حنين فقال رجل من القوم أعطيت سهلة مثل سهمي. ولنا ماروى ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزوا بالنساء فيداوين الجرحى ويحذين من الغنيمة وأما سهم فلم يضرب لهن رواه مسلم، وروى سعيد عن يزيد بن هارون أن نجدة كتب إلى ابن عباس يسأله عن المرأة والمملوك يحضران الفتح ألهما من الغنيمة شئ؟ وفي رواية ليس لهما سهم وقد يرضخ لهما وعن عمير مولى أبي اللحم قال شهدت خيبر مع سادتي فكلموا في رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبر أبي مملوك فأمر لي بشئ من خرثي المتاع رواه أبو داود واحتج به أحمد ولانهما ليسا من أهل وجوب القتال أشبها الصبي فأما ما روي في سهام النساء فيحتمل أن الراوي سمى الرضخ سهما بدليل أن في حديث حشرج أنه جعل لهن نصيباً تمراً ولو كان سهما ما اختص التمر ولأن خيبر قسمت على أهل

إلا أن يكون فرسه هجينا أو برذونا، فيكون له سهم، وعنه له سهمان كالعربي

الحديبية نفر مخصوصين في غير حديثها ولم يذكرن منهم ويحتمل أنه أسهم لهن مثل سهم الرجال من التمر خاصة أو من المتاع دون الأرض وأما حديث سهلة فإن في الحديث أنها ولدت فأعطاها النبي صلى الله عليه وسلم لها ولولدها فبلغ رضخهما سهم رجل ولذلك عجب الرجل فقال أعطيت سهلة مثل سهمي ولو كان هذا مشهورا من فعل النبي صلى الله عليه وسلم ما عجب منه (فصل) والمدبر والمكاتب كالقن لأنهم عبيد فمن عتق منهم قبل تقضي الحرب أسهم له وكذلك إن قتل سيد المدبر قبل تقضي الحرب فخرج من الثلث فأما من بعضه حر فقال أبو بكر يرضخ له بقدر ما فيه من الرق ويسهم له بقدر ما فيه من الحرية فإذا كان نصفه حرا أعطي نصف سهم ونصف رضخ لأن هذا مما يمكن تبعيضه فقسم على قدر ما فيه من الحرية والرق كالميراث وظاهر كلام أحمد أنه يرضخ له لأنه ليس من أهل وجوب القتال فأشبه الرقيق (فصل) والخنثى المشكل يرضخ له لأنه لم يثبت أنه رجل فيسهم له ولأنه ليس من أهل وجوب الجهاد فأشبه المرأة ويحتمل أن يقسم له نصف سهم ونصف الرضخ كالميراث فإن انكشف حالة فتبين أنه رجل أتم له سهم رجل سواء انكشف قبل تقضي الحرب أو بعد أو قبل القسمة أو بعدها لأنا تبينا أنه كان مستحقاً للسهم وأنه أعطي دون حقه قأشبه مالو أعطى بعض الرجال دون حقه غلطاً (فصل) والصبي يرضخ له وبه قال الثوري والليث وأبو حنيفة والشافعي وأبو ثور وعن القاسم في الصبي يغزو أنه ليس له شئ وقال مالك يسهم له إذا قاتل وأطاق ذلك ومثله قد بلغ القتال لأنه حر

ذكر مقاتل فيسهم له كالرجل وقال الأوزاعي يسهم له وقال أسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم للصبيان بخيبر وأسهم أئمة المسلمين لكل مولود ولد في أرض الحرب وروى الجوزجاني بإسناده عن الوضين بن عطاء قال حدثتني جدتي قالت كنت مع حبيب بن سلمة وكان يسهم لأمهات الأولاد لما في بطونهن ولنا ما روى عن سعيد بن المسيب قال كان الصبيان والعبيد يحذون من الغنيمة إذا حضروا الغزو في صدر هذه الأمة وروى الجوزجاني بإسناده أن تميم بن قرع المهري كان في الجيش الذي فتح الاسكندرية في المرة الأخيرة قال فلم يقسم لي عمرو من الفئ شيئاً وقال غلام لم يحتلم حتى كاد يكون بين قومي وبين أناس من قريش لذلك ثائرة فقال بعض القوم فيكم أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاسألوهم فسألوا أبا نضرة الغفاري وعقبة بن عامر فقالوا انظروا فإن كان قد أشعر فاقسموا له فنظر إلي بعض القوم فإذا أنا قد انبت فقسم لي قال الجوزجاني هذا من مشاهير حديث مضر وجيدة ولأنه ليس من أهل القتال فلم يسهم له كالعبد ولم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم لصبي بل كان لا يجيزهم في القتال قال ابن عمر عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم وأنا ابن أربع عشرة فلم يجزني في القتال وعرضت عليه وأنا ابن خمس عشرة فأجازني وما ذكروه يحتمل أن الراوي سمى الرضخ سهما بدليل ما ذكرناه (فصل) فان انفرد بالغنيمة من لا يسهم له مثل عبيد دخلوا دار الحرب فغنموا أو صبيان أو

ولا يسهم لأكثر من فرسين

عبيد وصبيان أخذ خمسه وما بقي لهم فيحتمل أن يقسم بينهم للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهم لأنهم تساووا فاشبهوا الرجال الأحرار ويحتمل أن يقسم بينهم على ما يراه الإمام من المفاضلة لأنه لا تجب التسوية بينهم مع غيرهم فلا تجب مع الانفراد قياساً لاحدى الحالتين على الأخرى، وإن كان فيهم رجل حر أعطي سهما وفضل عليهم بقدر ما يفضل الأحرار على العبيد والصبيان في غير هذا الموضع ويقسم الباقي بين من بقي على ما يراه الإمام من التفضيل لان فيهم من له سهم بخلاف التي قبلها (مسألة) (وفي الكافر روايتان إحداهما يرضخ له والأخرى يسهم له) اختلفت الرواية في الكافر يغزو مع الإمام بإذنه فروي عن أحمد أنه يسهم له كالمسلم وبهذا قال الزهري والاوزاعي والثوري واسحاق قال الجوزجاني هذا قول أهل الثغور وأهل العلم بالصوائف والبعوث وعن أحمد لا يسهم له وهو مذهب مالك وابي حنيفة والشافعي لأنه من غير أهل الجهاد فلم يسهم له ولكن يرضخ له كالعبد ولنا ماروى الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعان بناس من اليهود في حربه فأسهم لهم رواه سعيد في سننه وروي أن صفوان بن أمية خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين وهو على شركه فأسهم له وأعطاه من سهم المؤلفة ولأن الكفر نقص في الدين فلم يمنع استحقاق السهم كالفسق وبهذا فارق العبد فإن نقصه في دنياه وأحكامه، وإن غزا بغير إذن الإمام فلا سهم له لأنه غير مأمون على الدين فهو كالمرجف وشر منه وإن غزا جماعة من الكفار وحدهم فغنموا احتمل أن تكون غنيمتهم لهم لا خمس

ولا يسهم لغير الخيل، وقال الخرقي: من غزا على بعير لا يقدر على غيره، قسم له ولبعيره سهمان

فيها لأن هذا اكتساب مباح لم يوجد على وجه الجهاد فكان لهم لا خمس فيه كالاحتشاش والاحتطاب ويحتمل أن يؤخذ خمسة والباقي لهم لائه غنيمة قوم من أهل دار الاسلام فاشبهت غنيمة المسلمين (مسألة) (ولا يبلغ بالرضخ للراجل سهم راجل ولا للفارس سهم فارس) كما لا يبلغ بالتعزير الحد ولا بالحكومة دية العضو، ويقسم الإمام بين أهل الرضخ كما يرى فيفضل العبد المقاتل ذو البأس على من ليس مثله ويفضل المرأة المقاتلة والتي تسقي الماء وتداوي الجرحى وتنفع على غيرها، فإن قيل هلا سويتم بينهم كما سويتم بين أهل السهمان؟ قلنا السهم منصوص عليه غير موكول إلى الاجتهاد فلم يختلف كالحد ودية الحر، والرضخ غير مقدر بل هو مجتهد فيه مردود إلى اجتهاد الإمام فاختلف كالتعزير وقيمة العبد والرضخ بعد الخمس في أحد الوجهين، وفيه وجه آخر أنه من أصل الغنيمة وقد ذكرناه (مسألة) (فإن تغيرت حالهم قبل تقضي الحرب أسهم لهم) يعني إن بلغ الصبي أو عتق العبد أو أسلم الكافر أسهم لهم لأنهم شهدوا الوقعة وهم من أهل القتال فأسهم لهم كغيرهم ولقول عمر رضي الله عنه: الغنيمة لمن شهد الوقعة (مسألة) (وإن غزا العبد على فرس لسيده قسم لفرس ورضخ للعبد) أما الرضخ للعبد فلما تقدم. وأما الفرس الذي تحته فيستحق مالكها سهمها، فإن كان معه فرسان

أو أكثر أسهم لفرسين كما لو كانتا مع السيد. ويرضخ للعبد نص على هذا أحمد، وقال أبو حنيفة والشافعي لا يسهم للفرس لأنه تحت من لا يسهم له فلم يسهم له كما لو كان تحت مخذل ولنا أنه فرس حضر الوقعة وقوتل عليه فأسهم له كما لو كان السيد راكبه. إذا ثبت هذا فإن سهم الفرس ورضخ العبد لسيده لأنه مالكه ومالك فرسه وسواء حضر السيد القتال أو غاب عنه، وفارق فرس المخذل لأن الفرس له فإذا لم يستحق شيئاً بحضوره فلأن لا يستحق بحضور فرسه أولى (فصل) فإن غزا الصبي على فرس أو المرأة أو الكافر إذا قلنا لا يسهم له لم يسهم للفرس في ظاهر قول أصحابنا لأنهم قالوا لا يبلغ بالرضخ للفرس سهم فارس وظاهر هذا أنه يرضخ له ولفرسه ما لم يبلغ سهم الفارس، ولأن سهم الفرس له فإذا لم يستحق السهم بحضوره فبفرسه أولى بخلاف العبد فإن الفرس لغيره (فصل) وإن غزا المخذل أو المرجف على فرس فلا شئ له ولا للفرس لما ذكرنا، وإن غزا العبد بغير إذن سيده لم يرضخ له لأنه عاص بغزوه فهو كالمخذل والمرجف، وإن غزا الرجل بغير إذن والدية أو بغير إذن غريمه استحق السهم لأن الجهاد تعين عليه بحضور الصف فلا يبقى عاصياً به بخلاف العبد (فصل) ومن استعار فرساً ليغزو عليه فسهم الفرس للمستعير وبهذا قال الشافعي لأنه متمكن

ومن دخل دار الحرب راجلا، ثم ملك فرسا أو استعاره أو أستأجره فشهد به الوقعة، فله سهم فارس، ومن دخل فارسا فنفق فرسه، أو شرد حتى تقضي الحرب، فله سهم راجل

من الغزو عليه بإذن صحيح شرعي أشبه مالو استأجره وعن أحمد أن سهم الفرس لمالكه لأنه من نمائه فأشبه ولده وبهذا قال بعض الحنفية، وقال بعضهم لا سهم للفرس لأن مالكه لم يستحق سهما فلم يستحق الفرس شيئاً كالمخذل والمرجف، والأول أصح لأنه فرس قاتل عليه من يستحق سهما وهو مالك نفعه فاستحق سهم الفرس كالمستأجر ولأن سهم الفرس مستحق بمنفعته وهي للمستعير بإذن المالك فيها، وفارق النماء فإنه غير مأذون فيه، فأما إن استعاره لغير الغزو ثم غزا عليه فهو كالفرس المغصوب عليه ما سنذكره إن شاء الله تعالى (فصل) فإن استأجر فرساً للغزو فغزا عليه فسهم الفرس له، لا نعلم فيه خلافاً لأنه مستحق لنفعه استحقاقاً لازماً أشبه المالك وإن كان المستأجر والمستعير ممن لا سهم له إما لكونه لا شئ له كالمخذل والمرجف أو ممن يرضخ له كالصبي فحكمه حكم فرسه على ما ذكرنا، وإن غزا على فرس حبيس فسهم الفرس له كما لو استأجره (فصل) ينبغي أن يقدم قسم اربعة الأخماس على قسم الخمس لأن أهلها حاضرون وأهل الخمس غائبون ولأن رجوع الغانمين إلى أوطانهم يقف على قسمه الغنيمة وأهل الخمس في أوطانهم، ولأن الغنيمة حصلت بتحصيل الغانمين وتعبهم وأهل الخمس بخلاف ذلك فكان الغانمون أولى بالتقديم، ولأن الغنيمة إذا قسمت بين الغانمين أخذ كل واحد نصيبه فكفي الإمام همه ومؤنته بخلاف الخمس

فإن الإمام لا يكتفي مؤنته بقسمه فلا تحصل الفائدة به، ولأن الخمس لا يمكن قسمه بين أهله كلهم لأنه يحتاج إلى معرفتهم وعددهم ولا يمكن ذلك مع غيبتهم، ولأن الغانمين ينتفعون بسهامهم ويتمكنون من التصرف فيها والله تعالى أعلم (مسألة) (ثم يقسم باقي الغنيمة للراجل سهم وللفارس ثلاثة أسهم سهم له وسهمان لفرسه) أجمع أهل العلم على أن للغانمين أربعة أخماس الغنيمة، وقد دل النص على ذلك بقوله تعالى (واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه) يفهم منه أن أربعة أخماسها الباقية لهم لأنه أضافها إليهم ثم أخذ منها سهما لغيرهم فبقي سائرها لهم كقوله تعالى (وورثه أبواه فلأمه الثلث) ففهم منه أن الباقي للأب وقال عمر رضي الله عنه الغنيمة لمن شهد الوقعة (فصل) (ويقسم بينهم للراجل سهم وللفارس ثلاثة أسهم سهم له وسهمان لفرسه) هذا قول أكثر أهل العلم أن الغنيمة تقسم للفارس ثلاثة أسهم له سهم ولفرسه سهمان وللراجل سهم، قال إبن المنذر هذا مذهب عمر بن عبد العزيز والحسن وابن سيرين وحبيب بن أبي ثابت وعوام علماء الإسلام قي القديم والحديث منهم مالك ومن تبعه من أهل المدينة والثوري ومن وافقه من أهل العراق والليث ومن تبعه من أهل مصر والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو يوسف ومحمد، وقال أبو حنيفة للفرس سهم واحد لما روى مجمع بن حارثة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم خيبر على أهل الحديبية فأعطى الفارس

وإذا قال الإمام من أخذ شيئا فهو له، أو فضل بعض الغانمين على بعض لم يجز في إحدى الروايتين، ويجوز في الأخرى

سهمين وأعطى الراجل سهما، رواه أبو داود ولأنه حيوان ذو سهم فلم يزد على سهم كالآدمي ولنا ما روى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسهم يوم خيبر للفارس ثلاثة أسهم سهمان لفرسه وسهم له متفق عليه وعن أبي رهم وأخيه أنهما كانا فارسين يوم خيبر فأعطيا ستة أسهم أربعة أسهم لفرسيهما وسهمين لهما رواه سعيد بن منصور وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الفارس ثلاثة أسهم وأعطى الرجال سهما وقال خالد الحذاء لا يختلف فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أسهم هكذا للفرس سهمين ولصاحبه سهما وللراجل سهما، وكتب عمر بن عبد العزيز إلى عبد الحميد بن عبد الرحمن: أما بعد فإن سهمان الخيل فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم سهمين للفرس وسهما للراجل ولعمري لقد كان حديثا ما أشعر أن أحداً من المسلمين هم بانتقاص ذلك والسلام عليك رواهما سعيد والاثرم وهذا يدل على ثبوت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا وأنه أجمع عليه فلا يعول على ما خالفه، فأما حديث مجمع فيحتمل أنه أراد أعطى الفارس سهمين لفرسه وأعطى الراجل سهما يعني صاحبه فيكون ثلاثة أسهم على أن حديث ابن عمر أصح منه وقد وافقه حديث أبي رهم وأخيه وابن عباس وهؤلاء أحفظ وأعلم وابن عمر وأبورهم وأخوه ممن شهدوا وأخذوا السهمان وأخبروا عن أنفسهم فلا يعارض ذلك بخبر شاذ تعين غلطه أو حمله على ما ذكرنا وقياس الفرس على الآدمي لا يصح لأن أثرها في الحرب أكثر وكلفتها أعظم فينبغي أن يكون سهما أكثر

ومن استؤجر للجهاد ممن لا يلزمه من العبيد والكفار فليس له إلا الأجرة

(مسألة) (إلا أن يكون فرسه هجينا أو برذونا فيكون له سهم وعنه له سهمان كالعربي) الهجين الذي أبوه عربي وأمه برذونه والعربي بالعكس قالت هند بنت النعمان ابن (1) بشير وما هند إلا مهرة عربية سليلة أفراس تحللها بغسل فإن ولدت مهراً كريماً فبالحري وإن يك أقراف فما اتجب الفحل وقد حكي عن أحمد أنه قال الهجين البرذون واختلفت الرواية عنه في سهمانها فقال الخلال تواترت الروايات عن أبي عبد الله في سهام البرذون أنه سهم واحد واختاره أبو بكر والخرقي وهو قول الحسن، قال الخلال وروى عنه ثلاثة منقطعون أنه يسهم للبرذون سهم العربي اختاره الخلال وبه قال عمر بن عبد العزيز ومالك والشافعي والثوري لأن الله تعالى قال (والخيل والبغال) وهذا من الخيل، ولأن الرواة رووا أن النبي صلى الله عليه وسلم أسهم للفرس سهمين ولصاحبه سهما وهذا عام في كل فرس ولأنه حيوان ذو سهم فاستوى فيه العربي وغيره كالآدمي وحكى أبو بكر عن أحمد رواية ثالثة ان البرازين إن أدركت إدراك العراب أسهم لها سهم العربي وإلا فلا وهذا قول ابن أبي شيبة وابن ابي خثيمة وأبي ايوب ولجوزجاني لأنها من الخيل وقد عملت عمل العراب فأعطيت سهما كالعربي وحكي القاضي رواية رابعة أنها لا سهم لها وهو قول مالك بن عبد الله الخثعمي لأنه حيوان لا يعمل عمل الخيل العراب فأشبه البغال ويحتمل أن تكون هذه الرواية فيما لا يقارب العتاق منها لما روى الجوزجاني بإسناده عن أبي موسى أنه كتب إلى عمر بن الخطاب إنا وجدنا بالعراق خيلا عرابا دكنا فما

_ (1) لعله ابن المنذر

ترى يا أمير المؤمنين في سهمانها؟ فكتب إليه تلك البراذين بما قارب العتاق منها فاجعل له سهما واحداً وألغ ما سوى ذلك ووجه الأولى ما روى سعيد بإسناده عن أبي الأقمر قال أغارت الخيل على الشام فأدركت العراب من يومها وأدركت الكوادن صحي الغدو على الخيل رجل من همدان يقال له المنذر ابن أبي حميضة فقال لا أجعل الذي أدرك من يومه مثل الذي لم يدرك ففضل الخيل العراب فقال عمر هبلت الوادعي أمه أمضوها على ما قال ولم يعرف عن الصحابة خلاف هذا القول وروى مكحول أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الفرس العربي سهمين وأعطى الهجين سهما رواه سعيد ولأن نفع العربي وأثره في الحرب أكثر فيكون سهمه أرجح كتفاضل من يرضخ له وأما قولهم إنه من الخيل قلنا الخيل في أنفسها تتفاضل فتتفاضل سهامها وقولهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم للفرس سهمين من غير تفريق قلنا هذه قضية في عين لا عموم لها فيحتمل أنه لم يكن فيها برذون وهو الظاهر فإنها من خيل العرب ولا براذين فيها ويدل على صحة ذلك أنهم لما وجدوا البراذين في العراق أشكل عليهم أمرها وإن عمر فرض لها سهماً واحداً وأمضى ما قال المنذر بن أبي حميضة في تفضيل العراب عليها ولو خالفه لما سكت الصحابة عن انكاره عليه سيما وابنه هو راوي الخبر فكيف يخفى عليه ذلك؟ ويحتمل أنه فضل العراب فلم يذكر الرواي ذلك لغلبة العراب وقلة البراذين وقد دل على ذلك التأويل خبر مكحول الذي رويناه

وقياسها على الآدمي لا يصح لأن العربي منهم لا أثر له في الحرب زيادة على غيره بخلاف العربي من الخيل فإنه يفضل على غيره والله أعلم (فصل) ويعطى الراجل سهما بغير خلاف لما ذكرنا من الأخبار ولأن الراجل لا يحتاج إلى ما يحتاج إليه الفارس من النفقة ولا يغني كغنائة فاقتضى ان ينقص سهمه عن سهمه وسواء كانت الغنيمة من فتح مدينة أو حصن وبه قال الشافعي وقال الوليد بن مسلم سألت الأوزاعي عن إسهام الخيل من غنائم الحصون فقال كانت الولاة قبل عمر بن عبد العزيز لا يسهمون للخيل من الحصون ويجعلون الناس كلهم رجالة حتى ولي عمر فأنكر ذلك وأمر باسهام الخيل من الحصون والمدائن ووجهه أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم غنائم خيبر ففضل الفارس وهي حصون ولأن الخيل ربما احتيح إليها إن خرج أهلا الحصن ويلزم صاحبه مؤنة له فأشبه الغنيمة من غير الحصن (مسألة) (ولا يسهم لأكثر من فرسين) . يعني إذا كان مع الرجل خيل أسهم لفرسين أربعة أسهم ولصاحبهما سهما ولم يزد على ذلك، وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي لا يسهم لأكثر من فرس واحد لأنه لا يمكن أن يقاتل على أكثر منها فلم يسهم لما زاد عليها كالزائد على الفرسين. ولنا ما روى الأوزاعي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسهم للخيل وكان لا يسهم للرجل فوق فرسين

ومن مات بعد انقضاء الحرب فسهمه لوارثه

وإن كانت معه عشرة أفراس، وعن أزهر بن عبد الله أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى أبي عبيدة بن الجراح إن يسهم للفرس سهمين وللفرسين أربعة أسهم ولصاحبها سهما فذلك خمسة أسهم وما كان فوق الفرسين فهي جنائب رواهما سعيد ولأن به إلى الثاني حاجة فإن إدامة ركوب واحد تضعفه وتمنع القتال عليه فيسهم له كالأول بخلاف الثالث فإنه مستغنى عنه. (مسألة) (ولا يسهم لغير الخيل، وقال الخرقي من غزا على بعير لا يقدر على غيره قسم له ولبعيره سهمان) . أما ما عدا الخيل والإبل من البغال والحمير والفيلة وغيرها فلا سهم لها وإن عظم غناؤها وقامت مقام الخيل، وذكر القاضي أن الفيلة حكمها حكم الهجين لها سهم ذكره في الأحكام السلطانية والأول أولى لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسهم لها ولا أحد من خلفائه ولأنها مما لا تجوز المسابقة عليه بعوض فلم يسهم لها كالبقر، وأما الابل فقدروي عن أحمد أنه يسهم للبعير سهم ولم يشترط عجز صاحبه عن غيره وحكي نحو هذا عن الحسن لأن الله تعالى قال (فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب) ولأنه خيل تجوز المسابقة عليه بعوض فيسهم له كالفرس. يحققه أن تجويز المسابقة بعوض إنما أبيح في ثلاثة أشياء دون غيرها لأنها آلات الجهاد فأبيح أخذ الرهن في المسابقة بها تحريضاً على رباطها وتعلم الاتقان فيها، وروى عن أحمد مثل ما ذكر الخرقي وظاهر ذلك أن لا يسهم للبعير مع إمكان الغزو

ويشارك الجيش سراياه فيما غنمت ويشاركونه فيما غنم

على فرس إذا ثبت ذلك فلا يزاد على سهم البرذون لأنه دونه ولا يسهم له إلا أن يشهد الوقعة عليه ويكون مما يمكن القتال عليه فأما هذه الإبل الثقيلة التي لا تصلح إلا للحمل فلا تستحق شيئاً لأن راكبها لا يكر ولا يفر فهو أدنى حالا من الراجل، واختار أبو الخطاب أنه لا سهم له وهو قول الأكثرين قال إبن المنذر أجمع كل من تحفظ عنه من أهل العلم أن من غزا على بعير فله سهم راجل كذلك قال الحسن ومكحول والثوري والشافعي وأصحاب الراي وهو الصحيح إن شاء الله تعالى لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينقل عنه أنه أسهم لغير الخيل من البهائم وقد كان معه يوم بدر سبعون بعيراً ولم تخل غزوة من غزواته من الابل بل هي كانت غالب دوابهم فلم ينقل أنه أسهم لها ولو اسهم لها لنقل وكذلك من بعد النبي صلى الله عليه وسلم من خلفائه وغيرهم مع كثرة غزواتهم لم ينقل عن أحد منهم فيما علمناه أنه أسهم لبعير ولو أسهم لم يخف ذلك ولأنه لا يمكن صاحبه الكر والفر فلم يسهم له كالبغل. (مسألة) (ومن دخل دار الحرب راجلاً ثم ملك فرسا أو استعاره أو أستأجره فشهد به الوقعة فله سهم فارس ومن دخل فارسا فنفق فرسه أو شرد حتى تقضي الحرب فله سهم راجل) . قال أحمد أرى أن كل من شهد الوقعة على أي حالة كان يعطى إن كان فارسا ففارس وإن كان راجلا فراجل لأن عمر رضي الله عنه قال الغنيمة لمن شهد الوقعة، وبهذا قال الأوزاعي والشافعي وابو ثور وإسحاق ونحوه قال ابن عمر وقال أبو حنيفة الاعتبار بدخول دار الحرب فإن دخل

وإذا قسمت الغنيمة في أرض الحرب فتبايعوها ثم غلب عليها العدو، فهي مال المشتري في إحدى الروايتين اختارها الخلال وصاحبه، والأخرى هي من مال البائع اختارها الخرقي

فارسا فله سهم فارس وإن نفق فرسه قبل القتال وإن دخل راجلا فله سهم الرجال وإن استفاد فرسا فقاتل عليه وعنه رواية أخرى كقولنا قال أحمد كان سليمان بن موسى يعرضهم إذا أدركوا الفارس فارس والراجل راجل لأنه دخل في الحرب بنية القتال فلا يتغير سهمه بذهاب دابته أو حصول دابة له كما لو كان بعد القتال وقال الخرقي الاعتبار بحال إحراز الغنيمة فإن احرزت الغنيمة وهو راجل فله سهم راجل وإن أحرزت وهو فارس فله سهم فارس فيحتمل أنه أراد بحيازة الغنيمة الاستيلاء عليها فيكون كما ذكرنا ويحتمل أن يكون أراد جمع الغنيمة وضمها وإحرازها وقد ذكرنا فيما إذا لحق مدد أو هرب أسير بعد تقضي الحرب وقبل إحراز الغنيمة هل يسهم له منها؟ على وجهين فيخرج ههنا مثل ذلك والله أعلم. ولنا أن الفرس حيوان يسهم له فاعتبر وجوده حالة القتال فيسهم له مع الوجود فيه ولا يسهم له مع العدم كالآدمي والأصل في هذا أن حالة استحقاق السهم حال تقضي الحرب بدليل قول عمر الغنيمة لمن شهد الوقعة ولأنها الحال التي يحصل فيها الاستيلاء الذي هو سبب الملك بخلاف ما قبل ذلك فإن الأموال في أيدي أصحابها فلا ندري هل يظفر بهم أولى ولأنه لو مات بعض المسلمين قبل الاستيلاء لم يستحق شيئاً ولو وجد مدداً في تلك الحال استحقوا السهم فدل على أن الاعتبار بحالة الاستيلاء فوجب اعتباره دون غيره

(مسألة) (ومن غصب فرسا فقاتل عليه فسهم الفرس لمالكه) نص عليه أحمد وقال بعض الحنفية لا سهم للفرس وهو وجه لأصحاب الشافعي وقال بعضهم سهم الفرس للغاصب وعليه أجرته لمالكه لأنه آلة فكان الحاصل بها لمستعملها كما لو غصب منجلا فاحتش بها أو سيفاً فقاتل به. ولنا أنه فرس قاتل عليه من يستحق السهم فاستحق السهم كما لو كان مع صاحبه فإذا ثبت أن له سهما كان لمالكه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل للفرس سهمين ولصاحبه سهما وما كان للفرس كان لصاحبه وفارق ما يحتش به فإنه لا شئ له ولأن السهم مستحق بنفع الفرس ونفعه لمالكه فوجب أن يكون ما يستحق به له. (فصل) فإن الغاصب ممن لا سهم له إما لكونه لا شئ له كالمخذل أو ممن يرضخ له كالصبي احتمل أن يكون حكم فرسه حكمه على ما ذكرنا لان الفرس تتبع الفارس في حكمه فتتبعه إذا كان مغصوباً قياساً على فرسه واحتمل أن يكون سهم الفرس لمالكه لأن الجناية من راكبه والنقص فيه فيخص المنع به وبما هو تابع له وفرسه تابعه له لأن ما كان لها فهو له والفرس ههنا لغيره وسهمها لمالكها فلا ينقص سهمها بنقص سهمه كما لو قاتل العبد على فرس لسيده ولو قاتل العبد بغير إذن سيده على فرس لسيده خرج فيه الاحتمالان اللذان ذكرناهما فيما إذا غصب فرساً فقاتل عليه لأنه ههنا بمنزلة المغصوب.

(مسألة) (وإذا قال الإمام من أخذ شيئاً فهو له أو فضل بعض الفانمين على بعض لم يجز في إحدى الروايتين ويجوز في الأخرى) إذا قال الإمام من أخذ شيئاً فهو له جاز في إحدى الروايتين وبه قال أبو حنيفة وهو أحد قولي الشافعي، قال أحمد في السرية تخرج فيقول الوالي من جاء بشئ فهو له ومن لم يجئ بشئ فلا شئ له: الأنفال إلى الإمام ما فعل من شئ جاز لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في يوم بدر (من أخذ شيئاً فهو له) ولانهم على هذا غزوا ورضوا به (والثانية) لا يجوز وهو القول الثاني للشافعي لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقسم الغنائم والخلفاء بعده ولأن ذلك يفضي إلى اشتغالهم بالنهب عن القتال وظفر العدو بهم فلا يجوز ولأن الاغتنام سبب لاستحقاقهم لها على سبيل التساوي فلا يزول ذلك بقول الإمام كسائر الاكتساب فأما قضية بدر فإنها منسوخة فإنهم اختلفوا فيها فأنزل الله تعالى (يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول) الآية (فصل) فأما تفضيل بعض الغانمين على بعض فإن كان على سبيل النفل لبعضهم زيادة على سهمه فقد ذكرناه في الأنفال فأما غير ذلك فلا يجوز لأن النبي صلى الله عليه وسلم قسم للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهما وسوى بينهم ولأنهم اشتركوا في الغنيمة على سبيل التسوية فتجب التسوية بينهم كسائر الشركاء ولأنه يفضي إلى إيقاع العداوة بينهم وافساد قلوبهم

(مسألة) (ومن استؤجر للجهاد ممن لا يلزمه من العبيد والكفار فليس له إلا الأجرة إذا استأجر الإمام قوما يغزون مع المسلمين لم يسهم لهم وأعطوا ما استؤجروا به نص عليه أحمد في رواية جماعة فقال في رواية عبد الله وحنبل في الإمام يستأجر قوما يدخل بهم في بلاد العدو: لا يسهم لهم ويوفي لهم بما استؤجروا عليه وقال القاضي هذا محمول على استئجار من لا يجب عليه الجهاد كالعبيد والكفار، اما الرجال المسلمون الأحرار فلا يصح استئجارهم على الجهاد لأن الغزو يتعين بحضوره على من كان من أهله، فإذا تعين عليه الفرض لم يجز أن يفعله عنه غيره كمن عليه حجة الإسلام لا يجوز أن يحج عنه غيره، وهذا مذهب الشافعي قال شيخنا ويحتمل أن يحمل كلام أحمد على ظاهره في صحة الاستئجار على الغزو لمن لم يتعين عليه وهو ظاهر ما ذكره الخرقي لما روى أبو داود بإسناده عن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للغازي أجره وللجاعل أجره وأجر الغازي وروى سعيد بن منصور عن جبير بن نفير قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (مثل الذين يغزون من أمتى ويأخذون الجعل ويتقوون به على عدوهم مثل أم موسى ترضع ولدها وتأخذ أجرها) ولأنه أمر لا يختص فاعله أن يكون من أهل القربة فصح الاستئجار عليه كبناء المساجد أو لم يتعين عليه الجهاد فصح أن يؤجر نفسه عليه كالعبد، ويفارق الحج حيث انه

وإن وطئ جارية من المغنم ممن له فيها حق أو لولده، أدب ولم يبلغ به الحد، وعليه مهرها، إلا أن تلد منه فيكون عليه قيمتها، وتصير أم ولد له، والولد حر ثابت النسب

ليست بفرض عين وإن الحاجة داعية إليه، وفي المنع من أخذ الجعل عليه تعطيل له ومنع له مما للمسلمين فيه نفع وبهم إليه حاجة فينبغي أن يجوز بخلاف الحج إذا ثبت هذا فإن قلنا بالأول فالإجارة فاسدة وعليه رد الأجرة وله سهمه لأن غزوة بغير أجرة وإن قلنا بصحة الإجارة فظاهر كلام أحمد والخرقي انه لا يسهم له لما روى أبو داود بإسناده عن يعلى ابن منير قال أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغزو وأنا شيخ كبير ليس لي خادم فالتمست أجيراً يكفيني وأجري له سهمه فوجدت رجلا فلما دنى الرحيل قال ما أدري ما السهمان؟ وما يبلغ سهمي؟ فسم لي شيئاً كان السهم أو لم يكن فسميت له ثلاثة دنانير فلما حضرت غنيمة أردت أن أجري له سهمه فذكرت الدنانير فجئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له أمره فقال (ما أجد له في غزوته هذه في الدنيا والآخرة إلا دنانيره التي سمى) ولأن غزوه بعوض فكأنه واقع من غيره فلم يستحق شيئاً ويحتمل أن يسهم له وهذا اختيار الخلال قال وروى جماعة عن أحمد أن للأجير السهم إذا قاتل وروي عنه جماعة أن كل من شهد القتال فله السهم إذا قاتل قال وهذا اعتمد عليه من قول أبي عبد الله ووجهه ما تقدم من حديث عبد الله بن عمرو وحديث جبير بن نفير وقول عمر الغنيمة لمن شهد الوقعة ولأنه حضر الوقعة وهو من أهل القتال فيسهم له كغير الأجير

فأما الذين يعطون حقهم من الفئ فلهم سهامهم لأن ذلك حق جعله الله لهم ليغزوا ولأنه عوض عن جهادهم بل نفع جهادهم لهم لا لغيرهم، وكذلك من يعطى من الصدقات للغزو فإنهم يعطون معونة لهم لاعوضا، وكذلك إذا دفع دافع إلى الغزاة ما يتقوون به ويستعينون به كان له فيه الثواب ولم يكن عوضا فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (من جهز غازياً كان له مثل أجره) (فصل) فأما الأجير للخدمة في الغزو والذي يكري دابة له ويخرج معها ويشهد الوقعة فعن أحمد فيه روايتان (إحداهما) لا سهم له وهو قول الأوزاعي وإسحاق قالا: المستأجر على خدمة القوم لا سهم له لحديث يعلى بن منبه (والثانية) يسهم له إذا شهد القتال مع المسلمين وهو قول مالك وابن المنذر وبه قال الليث إذا قاتل، وإن اشتغل بالخدمة فلا سهم له واحتج ابن المنذر بحديث سلمة بن الأكوع أنه كان أجيراً لطلحة حين أدرك عبد الرحمن بن عيينه حين أغار على سرح النبي صلى الله عليه وسلم فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم سهم الفارس والراجل وقال القاضي يسهم له إذا كان مع المجاهدين وقصد الجهاد فأما لغير ذلك فلا، وقال الثوري يسهم له إذا قاتل ويرفع عمن استأجره نفقة ما اشتغل عنه (فصل) ومن أجر نفسه بعد أن غنموا على حفظ الغنيمة وحملها وسوق الدواب ورعيها أبيح له

ومن أعتق منهم عبدا، عتق عليه قد حصته، وقوم عليه باقيه إن كان موسرا وكذلك إن كان فيهم من يعتق عليه

أخذ الأجرة على ذلك ولم يسقط من سهمه شئ لأن ذلك من مؤنة الغنيمة فهو كعلف الدواب وطعام السبي يجوز للإمام بذله ويباح للأجير أخذ الأجرة عليه لأنه أجر نفسه لفعل بالمسلمين إليه حاجة فحلت له الأجرة كالدلالة على الطريق ولا يجوز له أن يركب من دواب المغنم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يركب دابة من فيئ المسلمين حتى إذا أعجفها ردها) قال أحمد لا بأس أن يؤجر الرجل نفسه على دابته وكره أن يستأجر القوم على سباق الرمك على فرس حبس لأنه يستعمل الفرس الموقوفه للجهاد فيما يختص نفعه بنفسه فإن آجر نفسه فركب الدابة الحبيس أو دابة من المغنم لم تطب له أجرة لأن المعين له على العمل يختص نفع نفسه فلا يجوز أن يستعمل فيه دواب المغنم ولا دواب الحبس وينبغي أن يلزمه بقدر أجره الدابة ترد في الغنيمة إن كانت من الغنيمة أو تصرف في نفقة دواب الجيش إن كانت جيشاً فإن شرط في الإجارة ركوب دابة من الحبس لم يجز لأنها إنما حبست على الجهاد وليس هذا بجهاد وإنما هو نفع لأهل الغنيمة وإن شرط ركوب دابة من الغنيمة جاز لأن ذلك بمنزلة أجرة تدفع إليه من المغنم ولو أجر نفسه بدابة معينه من المغنم صح فإذا جعلت أجرته ركوبها كان أولى ويشترط أن يكون العمل معلوما فإن كان مجهولا لم يجز لأن من شرط صحة إجارتها كون عوضها معلوما

والغال من الغنيمة يحرق كله، إلا السلاح والمصحف والحيوان

(مسألة) (ومن مات بعد انقضاء الحرب فسهمه لوارثه) إذا مات الغازي أو قتل قبل حيازة الغنيمة فلا سهم له في ظاهر كلام الخرقي لأنه مات قبل ثبوت ملك المسلمين عليها وسواء مات حال القتال أو قبله وإن مات بعد ذلك فسهمه لورثته لأنه مات بعد ثبوت ملكه عليها فكان سهمه لورثته كسائر أمواله، وإن مات بعد انقضاء الحرب وقبل حيازة الغنيمة فقال الشافعي وأبو ثور متى حضر القتال اسهم سواء مات قبل حيازة الغنيمة أو بعدها وإن لم يحضر فلا سهم له ونحوه قال مالك والليث، والذي ذكر شيخنا في هذا الكتاب أنه إذا مات بعد انقضاء الحرب أنه يستحق السهم ويقتضيه كلام القاضي لأنه قال في الأسير يهرب بعد انقضاء الحرب وقبل حيازة الغنيمة لا يستحق شيئاً فدل على أنهم بملكونها بالاستيلاء عليها ونفي الكفار عنها ووجه الأول أنه إذا مات قبل حيازتها فقد مات قبل ثبوت اليد عليها فلم يستحق شيئاً كما لو مات قبل انقضاء الحرب، وقال أبو حنيفة إن مات قبل إحراز الغنيمة في دار الإسلام أو قسهما (قسمها) في دار الحرب فلا شئ له لأن ملك المسلمين لا يتم عليها إلا بذلك، وقال الأوزاعي إن مات بعد ما يدرب فاصلا في سبيل الله قبل أو بعد أسهم له ولنا على أبي حنيفة أنه مات بعد الاستيلاء عليها في حال لو قسمت صحت قسمتها وكان له سهمه منها فيجب أن يستحق سهمه فيها كما لو مات بعد إحرازها في دار الإسلام وعلى الأوزاعي أنه مات

قبل الاستيلاء عليها فلم يتسحق شيئاً كما لو مات قبل دخول الدرب وإن أسر أو مات أو قتل قبل تقضي الحرب فلا شي له بغير خلاف في المذهب لأنه لم يملك شيئاً والله أعلم (مسألة) (ويشارك الجيش سراياه فيما غنمت ويشاركونه فيما غنم) وجملة ذلك أن الجيش إذا فصل غازياً فخرجت منه سرية أو أكثر فأيهما غنم شاركه الآخر في قول عامة العلماء منهم مالك والثوري والاوزاعي والليث وحماد والشافعي واسحق وأبو ثور وأصحاب الرأي وقال النخعي إن شاء الإمام خمس ما تأتي به السرية وإن شاء نفلهم إياه كله ولنا ماروي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما غزا هوازن بعث سرية من الجيش قبل أوطاس فغنمت السرية فأشرك بينها وبين الجيش قال إبن المنذر روينا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (وترد سراياهم على قعدهم) رفي وفي تنفيل النبي صلى الله عليه وسلم في البداءة الربع وفي الرجعة الثلث دليل على اشتراكهم فيما سوى ذلك لأنهم لو اختصوا بما غنموه لما كان ثلثه نفلا ولأنهم جيش واحد وكل واحد منهم ردء لصاحبه فيشتركون كما لو غنم أحد جانبي الجيش وان أقام الأمير ببلاد الإسلام وبعث سرية أو جيشا فما غنمت السرية فهو لها وحدها لأنه إنما يشترك المجاهدون والمقيم في بلد الإسلام ليس بمجاهد، وإن نفذ من بلد الإسلام جيشين أو سريتين فكل واحدة تنفرد بما غنمته لأن كل واحدة منهما انفردت بالغزو فانفردت بالغنيمة بخلاف ما إذا فصل الجيش فدخل بجملته بلاد الكفار فان جميعهم اشتركوا في الجهاد فاشتركوا في الغنيمة

(مسألة) (وإذا قسمت الغنيمة في أرض الحرب فتبايعوها ثم غلب عليها العدو فهي مال المشتري في إحدى الروايتين اختارها الخلال وصاحبه والأخرى هي من مال البائع اختارها الخرقي) يجوز للأمير البيع في الغنيمة قبل القسمة للغانمين ولغيرهم إذا رأى المصلحة فيه لأن الولاية ثابتة له عليها وقد تدعوا الحاجة إلى ذلك لإزالة كلفة نقلها أو تعذر قسمتها بعينها ويجوز لكل واحد من الغانمين بيع ما يحصل له بعد القسم والتصرف فيه كيف شاء لأن ملكه ثابت فيه فإن باع الأمير أو بعض الغانمين في دار الحرب شيئاً فغلب عليه العدو قبل إخراجه إلى دار الإسلام فإن كان التفريط من المشتري مثل أن يخرج به منه العسكر ونحو ذلك فضمانه عليه لان ذهابه حصل بتفريطه فكان من ضمانة كما لو أتلفه وإن كان بغير تفريطه ففيه روايتان (إحداهما) ينفسخ البيع ويرد الثمن إلى المشتري من الغنيمة إن باعه الإمام أو من مال البائع وإن كان الثمن لم يؤخذ من المشتري سقط عنه وهي اختيار الخرقي لأن القبض لم يكمل لكون المال في دار الحرب غير محرز وكونه على خطر من العدو فأشبه الثمر المبيع على رؤوس النخل إذا تلف قبل الجذاذ (والثانية) هو من ضمان المشتري وعليه ثمنه وهذا أكثر الروايات عن أحمد رحمه الله واختاره الخلال وصاحبه أبو بكر وهو مذهب الشافعي لأنه مال مقبوض أبيح لمشتريه فكان عليه ضمانة كما لو أحرز إلى دار الإسلام ولأن أخذ العدو له تلف فلم يضمنه البائع كسائر أنواع التلف ولأن

نماءه للمشتري فكان ضمانه عليه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (الخراج بالضمان) وإن اشتراه مشتر من المشتري الأول وقلنا هو من ضمان البائع رجع البائع الثاني على البائع الأول بما رجع به عليه (فصل) قال أحمد في الرجل يشتري الجارية من المغنم معها الحلي في عنقها والثياب: يرد ذلك في المغنم إلا شيئاً تلبسه من قميص ومقنعة وإزار وهذا قول حكيم بن حزام ومكحول ويزيد بن أبي مالك وإسحاق وابن المنذر ويشبه قول الشافعي واحتج إسحاق بقول النبي صلى الله عليه وسلم (من باع عبداً وله مال فماله للبائع) وقال الشعبي يجعله في بيت المال وكان مالك يرخص في اليسير كالقرطين وأشباههما ولا يرد ذلك في الكثير، قال شيخنا ويمكن التفصيل في ذلك فيقال ما كان ظاهراً يشاهده البائع والمشتري كالقرط والخاتم والقلادة فهو للمشتري لأن الظاهر أن البائع إنما باعها بما عليها والمشتري اشتراها بذلك فيدخل في البيع كثياب البذلة وحلية السيف، وما خفي فلم يعلم به البائع رده لأن البيع وقع عليها بدونه فلم يدخل في البيع كجارية أخرى. (فصل) قال أحمد لا يجوز لأمير الجيش أن يشتري من مغنم المسلمين شيئاً لأنه يحابي ولأن عمر رضي الله عنه رد ما اشتراه ابنه في غزوة جلولاء وقال أنه يحابى احتج به أحمد ولأنه هو البائع أو وكيله فكأنه يشتري من نفسه أو من وكيله قال أبو داود قيل لأبي عبد الله إذا قوم أصحاب المغانم شيئاً معروفاً فقالوا في جلود المعاعز بكذا وفي جلود الخرفان بكذا يحتاج إليه يأخذه بتلك القيمة ولا يأتي المغانم فرخص فيه

لأنه يشق الاستئذان فيه فسومح فيه كما سومح في دخول الحمام وركوب سفينة الملاح من غير تقدير أجرة (فصل) ومن اشترى من المغنم اثنين أو أكثر أو حسبوا عليه بنصيبه بناء على أنهم أقارب يحرم التفريق بينهم فبان أنه لا نسب بينهم رد الفضل الذي فيهم على المغنم لأن قيمتهم تزيد بذلك فإن من اشترى اثنتين بناء على أن إحداهما أم الأخرى لا يحل له الجمع بينهما في الوطئ ولا بيع إحداهما دون الأخرى كانت قيمتهما قليلة لذلك فإذا أبان أن إحداهما أجنبية من الأخرى أبيح له وطؤهما وبيع إحداهما فتكثر قيمتهما فيجب رد الفضل كما لو اشتراهما فوجد معهما حلياً أو ذهباً وكما لو أخذ دراهم فبانت أكثر مما حسب عليه. (مسألة) . (وإن وطئ جارية من المغنم ممن له فيها حق أو لولده أدب ولم يبلغ به الحد وعليه مهرها إلا أن تلد منه فيكون عليه قيمتها وتصير أم ولد له والولد حر ثابت النسب) . إذا وطئ جارية من المغنم وكان له في الغنيمة حق أو لولده أدب لأنه فعل ما لا يحل له ولم يبلغ به الحد، لأن الملك ثبت للغانمين في الغنيمة فيكون للواطئ حق في الجارية الموطوءة وإن قل فيدرأ عنه الحد للشبهة، وبه قال أبو حنيفة والشافعي وقال مالك وابو ثور عليه الحد لقول الله تعالى (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) وهذا زان ولأنه وطئ في غير ملك عامداً عالماً بالتحريم

وما أخذ من الفدية أو أهداه الكفار إلى أمير الجيش أوبعض قواده فهو غنيمة

فلزمه الحد كما لو وطئ جارية غيره وقال الأوزاعي كل من سلف من علمائنا يقول عليه أدنى الحدين مائة جلدة ومنع بعض الفقهاء ثبوت الملك في الغنيمة وقال إنما يثبت بالاحتياز بدليل أن أحدهم لو قال اسقطت حقي سقط ولو ثبت ملكه لم يزل بذلك كالوارث. ولنا ان له فيها شبهة ملك فلم يجب عليه الحد كوطئ جارية له فيها شرك والآية مخصوصة بوطئ الجارية المشتركة وجارية ابنه فنقيس عليه هذا ومنع الملك لا يصح لأن ملك الكفار قد زال ولا يزول إلا إلى مالك ولأنه تصح قسمته ويملك الغانمون طلب قسمتها فأشبهت حال الوارث وإنما كثر الغانمون فقل نصيب الواطئ ولم يستقر في شئ بعينه وكان للإمام تعيين نصيب كل واحد بغير اختياره فلذلك جاز أن يسقط بالإسقاط بخلاف الميراث وضعف الملك لا يخرجه عن كونه شبهة في الحد الذي يدرأ بالشبهات ولهذا أسقط الحد بادنى شئ وإن لم يكن حقيقة الملك فهو شبهة. إذا ثبت هذا فإنه يعزر ولا يبلغ بالتعزير الحد على ما نذكره إن شاء الله تعالى ويؤخذ منه مهرها فيطرح في المغنم، وبهذا قال الشافعي وقال القاضي إنه يسقط عنه من المهر قدر حصته منها وتجب عليه بقيته كالجارية المشتركة بينه وبين غيره ولا يصح ذلك لأننا إذا أسقطنا عنه حصته وأخذنا الباقي فطرحناه في المغنم ثم قسمناه على الجميع وهو فيهم عاد إليه سهمه من حصة غيره ولأن حصته قد لا تمكن معرفتها

لقلة المهر وكثرة الغانمين ثم إذا أخذناه فإن قسمناه مفرداً على من سواه لم يمكن وإن خلطناه بالغنيمة ثم قسمنا الجميع أخذ سهما مما ليس فيه حقه فإن ولدت منه فالولد حر يلحقه نسبه، وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة هو رقيق لا يلحقه نسبه، لأن الغانمين إنما يملكون بالقسمة فقد صادف وطؤه غير ملكه ولنا أنه وطئ سقط فيه الحد بشبهة الملك فيلحق فيه النسب كوطئ جارية ابنه وما ذكره غير مسلم ثم يبطل بوطئ جارية ابنه وفارق الزنا فإنه يوجب الحد، وإذا ثبت ذلك فإن الأمة تصير أم ولد له في الحال وقال الشافعي لا تصير أم ولد له في الحال لأنها ليست ملكاً له فإذا ملكها بعد ذلك فهل تصير أم ولد له؟ فيها قولان ولنا أنه وطئ يلحق به النسب لشبهة الملك فتصير به أم ولد كوطئ جارية ابنه وبه يبطل ما ذكروه ولا نسلم أنه ليس له فيها ملك فإنا قد تبينا أن الملك قد ثبت في الغنيمة بمجرد الاغتنام وعليه قيمتها تطرح في المغنم لأنه فرتها؟ عليهم بفعله فلزمته قيمتها كما لو قتلها فإن كان معسراً كان في ذمته قيمتها وقال القاضي إن كان معسراً حسب قدر حصته من الغنيمة فصارت أم ولد وباقيها رقيق للغانمين لأن كونها أم ولد إنما يثبت بالسراية إلى ملك غيره فلم يسر في حق المعسر كالاعتاق.

ولنا أنه استيلاء جعل بعضها أم ولد فيجعل جميعها أم ولد كاستيلاء جارية الابن وفارق العتق لأن الاستيلاء أقوى لكونه فعلاً وينفذ من المجنون فأما قيمة الولد فقال أبو بكر فيها روايتان (إحداهما) تلزمه قيمته حين وضعه تطرح في المغنم لأنه فوت رقه فأشبه ولد المغرور (والثانية) لا تلزمه لأنه ملكها حين علقت ولم يثبت ملك الغانمين في الولد بحال فأشبه ولد الأب من جارية ابنه إذا وطئها ولأنه يعتق حين علوقها به ولا قيمة حينئذ وقال القاضي إذا صار نصفها أم ولد يكون الولد كله حراً وعليه قيمة نصفه (مسألة) (ومن أعتق منهم عبداً عتق عليه قدر حصته وقوم عليه باقيه إن كان موسراً وكذلك إن كان فيهم من يعتق عليه) إذا أعتق بعض الغانمين أسيراً من الغنيمة وكان رجلاً لم يعتق لأن العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم وعم علي وعقيلاً أخا علي كانا في أسرى بدر فلم يعتقا عليهما ولأن الرجل لا يصير رقيقاً بنفس السبي وإن استرق وقلنا بجواز استرقاقه أو كان امرأة أو صبياً عتق منه قدر نصيبه وسرى إلى باقيه إن كان موسراً وإن كان معسراً لم يعتق عليه إلا ما ملكه منه ويؤخذ منه قيمة باقيه تطرح في المغنم إذا كان موسراً فإن كان بقدر حقه من الغنيمة عتق ولم يأخذ شيئاً وإن كان دون حقه أخذ باقي حقه فإن أعتق عبداً ثانياً وفضل من حقه عن الاول شئ عتق بقدره من الثاني وإن لم يفضل شئ لم يعتق من الثاني شئ وكذلك الحكم اذا كان فيهم من يعتق عليه لأنه نسب إلى ملكه أشبه مالو اشتراه

وقال ابن أبي موسى في الإرشاد لا يعتق إلا أن يحصل في سهمه أو بعضه وقال الشافعي لا يعتق منه شئ وهذا مقتضى قول أبي حنيفة لأنه لا يملكه بمجرد الاغتنام ولو ملك لم يتعين ملكه فيه وإن قسم وحصل في نصيبه واختار تملكه عتق عليه وإلا فلا وإن جعل له بعضه فاختار تملكه عتق عليه وقوم عليه الباقي ولنا ما بيناه من أن الملك يثبت للغانمين لكون الاستيلاء التام وجد منهم وهو سبب للملك ولأن ملك الكفار زال ولا يزول إلا إلى المسلمين (مسألة) (والغال من الغنيمة يحرق رحله كله إلا السلاح والمصحف والحيوان) الغال الذي يكتم ما يأخذه من الغنيمة ولا يطلع الإمام عليه ولا يطرحه في الغنيمة فحكمه أن يحرق رحله كله وبه قال الحسن وفقهاء الشام منهم مكحول والاوزاعي والوليد بن هشام ويزيد بن يزيد بن جابر وأني سعيد بن عبد الملك بغال فجمع ماله وأحرقه وعمر بن عبد العزيز حاضر فلم يعبه وقال يزيد بن يزيد بن جابر السنة في الذي يغل أن يحرق رحله رواهما سعيد في سننه وقال مالك والليث والشافعي وأصحاب الرأي لا يحرق لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحرق فإن عبد الله بن عمرو روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أصاب غنيمة أمر بلالا فنادى في الناس فيجيئون بغنائمهم فيخمسه ويقسمه فجاء رجل بعد ذلك بزمام من شعر فقال يا رسول الله هذا فيما كنا أصبنا من الغنيمة فقال (سمعت بلالاً ينادي

الضرب الثاني

ثلاثاً قال نعم قال (فما منعك ان تجئ به) فاعتذر فقال (كن انت تجئ به يوم القيامة فلن أقبله منك) رواه أبو داود ولأن إحراق المتاع إضاعة له وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال ولنا ماروى صالح بن محمد بن زائدة قال دخلت مع مسلمة أرض الروم فأتي برجل قد غل فسأل سالماً عنه فقال سمعت أبي يحدث عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا وجدتم الرجل قد غل فأحرقوا متاعه واضربوه) قال فوجدنا في متاعه مصحفاً فسأل سالماً عنه فقال بعه وتصدق بثمنه رواه سعيد وابو داود والاثرم وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر أحرقوا متاع الغال رواه أبو داود فإما حديثهم فلا حجة لهم فيه فإن الرجل لم يعترف أنه أخذ ما أخذ على سبيل الغلول ولا أخذه لنفسه وإنما توانى في المجئ به وليس الخلاف فيه ولأن الرجل جاء به من عند نفسه تائباً معتذراً والتوبة تجب ما قبلها وأما النهي عن إضاعة المال فإنما نهي عنه إذا لم يكن فيه مصلحة فأما إذا كان فيه مصلحة فلا بأس ولا يعد تضييعاً كإلقاء المتاع في البحر عند خوف الغرق وقطع يد العبد السارق مع أن المال لا تكاد المصلحة تحصل به إلا بذهابه فأكله إتلافه وإيقافه اذهابه ولا يعد شئ من ذلك تضييعاً ولا إفساداً ولا ينهى عنه. إذا ثبت ذلك فإن السلاح لا يحرق لأنه يحتاج إليه في القتال ولا نفقته لأنه مما لا يحرق عادة ولا يحرق المصحف لحرمته ولما ذكرنا من حديث سالم فيه فعلى هذا يحتمل أن يباع ويتصدق بثمنه لما ذكرنا

ويقرون فيها بغير جزية

من حديث سالم ويحتمل أن يكون له كالحيوان والسلاح وكذلك الحيوان لا يحرق لنهي النبي صلى الله عليه وسلم إن يعذب بالنار إلا ربها ولحرمة الحيوان في نفسه ولأنه لا يدخل في اسم المتاع المأمور بإحراقه وهذا لا خلاف فيه ولا تحرق آلة الدابة أيضاً نص عليه أحمد لأنه يحتاج إليها للانتفاع بها ولأنها تابعة لما لا يحرق أشبه جلد المصحف وكيسه وقال الأوزاعي يحرق سرجه واكافه ولنا أنه ملبوس حيوان فلا يحرق كثياب الغال فانه لا تحرق ثيابه التي عليه لأنه لا يجوز أن يترك عرياناً ولا يحرق ما غل لأنه من غنيمة المسلمين قيل لأحمد فالذي أصاب في الغلول أي شئ يصنع به قال يرفع إلى المغنم وكذلك قال الأوزاعي وجميع ما لا يحرق وما أبقت النار من حديد أو غيره فهو لصاحبه لأن ملكه كان ثابتاً عليه ولم يوجد ما يلزمه وإنما عوقب بإحراق متاعه فما لم يحترق يبقى على ما كان، وإن كان معه شئ من كتب العلم والحديث فينبغي أن لا يحرق أيضاً لأن نفع ذلك يعود إلى الدين وليس المقصود الإضرار به في دينه وإنما القصد الإضرار به في بعض دنياه (فصل) فإن لم يحرق رحله حتى استحدث متاعاً آخر أو رجع إلى بلده أحرق ما كان معه حال الغلول، نص عليه أحمد في الذي يرجع إلى بلده قال ينبغي أن يحرق ما كان معه في أرض العدو فإن مات قبل إحراق رحله لم يحرق نص عليه لأنه عقوبة فيسقط بالموت كالحدود ولأنه بالموت انتقل إلى ورثته وإحراقه عقوبة لغير الجاني

وإن باع متاعه أو وهبه احتمل أن لا يحرق لأنه صار لغيره أشبه انتقاله بالموت واحتمل أن ينقض البيع والهبة ويحرق لأنه تعلق به حق سابق على البيع والهبة فوجب تقديمه كالقصاص في حق الجاني (فصل) وإن كان العال صبياً لم يحرق متاعه وبه قال الأوزاعي لان الاحراق عقوبة وليس هو من أهلها فأشبه الحد، وإن كان عبداً لم يحرق متاعه لأنه لسيده فلا يعاقب سيده بجناية عبده، وإن استهلك ما غله فهو في رقبته لأنه من جنايته وإن غلت المرأة أو ذمي أحرق متاعهما لأنهما من أهل العقوبة ولذلك يقطعان في السرقة ويحدان في الزنا، وإن أنكر الغلول وذكر أنه ابتاع ما بيده لم يحرق متاعه حتى يثبت غلوله ببينة أو إقرار لأنه عقوبة قلا يجب قبل ثبوته بذلك كالحد ولا يقبل في بينته إلا عدلان لذلك (فصل) ولا يحرم الغال سهمه، وقال أبو بكر في ذلك روايتان (إحداهما) يحرم سهمه لأنه قد جاء في الحديث يحرم سهمه فإن صح فالحكم له، وقال الأوزاعي في الصبي يغل يحرم سهمه ولا يحرق متاعه ولنا أن سبب الاستحقاق موجود فيستحق كما لو لم يغل ولم يثبت حرمان سهمه في خبر ولا يدل عليه قياس فيبقى بحاله ولا يحرق سهمه لأنه ليس من رحله (فصل) إذا تاب الغال قبل القسمة رد ما أخذه في المقسم بغير خلاف لأنه حق تعين رده إلى أهله فإن تاب بعد القسمة فمقتضى المذهب أن يؤدي خمسه إلى الإمام ويتصدق بالباقي وهذا قول

ويجب الخراج على المالك دون المستأجر

الحسن والزهري ومالك والاوزاعي والثوري والليث. وقال الشافعي لا أعرف للصدقة وجهاً، وحديث الغال أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له (لا أقبله منك حتى تجئ به إلى يوم القيامة) ولنا ماروى سعيد بن منصور عن عبد الله بن المبارك عن صفوان بن عمرو عن حوشب بن سيف قال غزا الناس الروم وعليهم عبد الرحمن بن خالد بن الوليد فغل رجل مائة دينار فلما قسمت الغنيمة وتفرق الناس ندم فأتى عبد الرحمن فقال قد غللت مائة دينار فامضها فقال قد تفرق الناس فلن أقبضها منك حتى توافي الله بها يوم القيامة، فأتى معاوية فذكر ذلك له فقال له مثل ذلك فخرج وهو يبكي فمر بعبد الله بن الشاعر السكسكي فقال ما يبكيك؟ فأخبره فقال إنا لله وإنا إليه راجعون أمطيع أنت يا عبد الله؟ قال نعم قال فانطلق إلى معاوية فقل له خذ مني خمسك فأعطه عشرين ديناراً وانظر إلى الثمانين الباقية فتصدق بها عن ذلك الجيش فإن الله تعالى يعلم أسماءهم ومكانهم وإن الله يقبل التوبة عن عبادة، فقال معاوية: أحسن والله لأن أكون أنا أفتيته بهذا أحب إلي من أن يكون لي مثل كل شئ امتلكت وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه رأى أن يتصدق بالمال الذي لا يعرف صاحبه فقد قال به ابن مسعود ومعاوية ومن بعدهم ولا يعرف لهم مخالف في عصرهم فيكون إجماعاً، ولأن تركه تضييع له وتعطيل لمنفعته التي خلق لها ولا يتخفف به شئ من إثم الغال، وفي الصدقة به نفع لمن يصل إليه من

وإن رأى الإمام المصلحة في إسقاط الخراج، أو تخفيفه عن إنسان جاز لأنه فيء فكان النظر فيه إلى الإمام

المساكين، وما يحصل من أجر الصدقة يصل إلى صاحبه فيذهب به الإثم عن الغال فيكون أولى (مسألة) (وما أخذ من الفدية أو أهداه الكفار إلى أمير الجيش أو بعض قواده فهو غنيمة) ما أخذ من فدية الأسارى فهو غنيمة، لا نعلم فيه خلافا فإن النبي صلى الله عليه وسلم قسم فداء أسارى بدر بين الغانمين ولأنه مال حصل بقوة الجيش أشبه الخيل والسلاح وأما الهدية للإمام والقواد فان كان في حال الغزو فهي غنيمة وهكذا ذكر أبو الخطاب لأن الظاهر أنه لا يفعل ذلك إلا لخوف من المسلمين فظاهر هذا يدل على أن ما أهدي لآحاد الرعية فهو له، وقال القاضي هو غنيمة لما ذكرنا، وإن كانت الهدية من دار الحرب إلى دار الإسلام فهي لمن أهديت له سواء كان الإمام أو غيره لأن النبي صلى الله عليه وسلم قبل هدية المقوقس فكانت له دون غيره، وهذا قول الشافعي ومحمد بن الحسن، وقال أبو حنيفة هو للمهدي له بكل حال لأنه خص بها أشبه ما إذا كان في دار الإسلام، وحكي ذلك رواية عن أحمد ولنا أنه أخذ ذلك بظهر الجيش أشبه مالو أخذه قهراً ولأنه إذا أهدى إلى الإمام أو أمير فالظاهر أنه يداري عن نفسه به فأشبه ما أخذ منه قهراً، وأما الهدية لآحاد المسلمين فلا يقصد بها ذلك في الظاهر لعدم الخوف منه فيكون كما لو أهدى إليه إلى دار الإسلام، ويحتمل أن ينظر فإن كانت بينهما مهاداة قبل ذلك فله ما أهدى إليه. وان تجدد ذلك بالدخول إلى دارهم فهو للمسلمين كقولنا في الهدية إلى القاضي

(باب حكم الأرضين المغنومة) وهي على ثلاثة أضرب (أحدها) ما فتح عنوة وهي ما أجلي عنها أهلها بالسيف فيخير الإمام بين قسمها ووقفها للمسلمين ويضرب عليها خراجا مستمراً يؤخذ ممن هي في يده يكون أجرة لها. وعنه تصير وقفاً بنفس الاستيلاء وعنه تقسم بين الغانمين الأرضون المغنومة تنقسم قسمين عنوة وصلح (فالعنوة) ما أجلي عنها أهلها بالسيف وهي نوعان (أحدهما) ما فتح ولم يقسم بين الغانمين فتصير وقفاً للمسلمين يضرب عليها خراج معلوم يؤخذ منها في كل عام يكون أجرة لها وتقر بأيدي أربابها ما دامو يؤدون خراجها مسلمين كانوا أو من أهل الذمة لا يسقط خراجها بإسلام أربابها ولا بانتقالها إلى مسلم لأنه بمنزلة أجرتها ولم نعلم أن شيئاً مما فتح عنوة قسم بين الغانمين إلا خيبر فإن النبي صلى الله عليه وسلم قسم نصفها فصار لأهله لاخراج عليه وسائر ما فتح عنوة مما فتحه عمر رضي الله عنه ومن بعده كأرض الشام والعراق ومصر وغيرها لم يقسم منه شئ فروى أبو عبيد في كتاب الاصول أن عمر رضي الله عنه قدم الجابية فأراد قسم الأرض بين المسلمين فقال له معاذ رضي الله عنه والله إذاً ليكونن ما تكره إنك إن قسمتها اليوم صار الريع العظيم في أيدي القوم ثم يبيدون فيصير ذلك إلى الرجل الواحد والمرأة ثم يأتي من بعدهم قوم يمدون من الإسلام

ولا يخمس وقال الخرقي: يخمس فيصرف خمسه إلى أهل الخمس، وباقيه في المصالح

الإسلام مسداهم لا يجدون شيئاً فانظر أمراً يسع أولهم وآخرهم فصار عمر إلى قول معاذ وروي أيضاً قال قال: الماجشون قال بلال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه في القرى التي افتتحوها عنوة اقسمها بيننا وخذ خمسها فقال عمر لا هذا عن المال ولكني أحبسه فيئاً يجري عليهم وعلى المسلمين فقال بلال وأصحابه اقسمها بيننا فقال عمر اللهم اكفني بلالاً وذويه قال فما جاء الحول وفيهم عين تطرف وروى بإسناده عن سفيان بن وهب الخولاني قال لما افتتح عمرو بن العاص مصر قال الزبير يا عمرو بن العاص اقسمها فقال عمرو لاأقسمها فقال الزبير لتقسمنها كما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر فقال عمرو لا أقسمها حتى أكتب إلى أمير المؤمنين فكتب إلى عمر فكتب إليه دعها حتى يغزو منها حبل الحبلة قال القاضي ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة أنه قسم أرضاً عنوة إلا خيبر (فصل) قال أحمد ومن يقوم على أرض الصلح وأرض العنوة؟ ومن أين هي؟ وإلى أين هي؟ وقال أرض الشام عنوة إلا حمص وموضعاً آخر وقال ما دون النهر صلح وما وراء عنوة وقال فتح المسلمون السواد عنوة إلا ما كان منه صلح وهي أرض الحيرة وأرض بانقيا وقال أرض الري خلطوا في أمرها فأما ما فتح عنوة فمن نهاوند وطبرستان خراج وقال أبو عبيد أرض الشام عنوة ما خلا مدنها فإنها فتحت صلحاً إلا قيسارية افتتحت عنوة وأرض السواد والجبل ونهاوند والأهواز ومصر والمغرب وقال موسى بن علي بن رباع عن أبيه: المغرب كله عنوة فأما أرض الصلح فأرض هجر والبحر بن

وأيله ودومه الجندل وأذرح فهذه القرى التي أدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجزية ومدن الشام ما خلا أرضيها إلا قيسارية وبلاد الجزيرة كلها وبلاد خراسان كلها أو أكثرها صلح وكل موضع فتح عنوة فإنه وقف على المسلمين (النوع الثاني) ما استأنف المسلمون فتحه عنوة ففيه ثلاث روايات (إحداهما) أن الامام مخير بين قسمها على الغانمين وبين وقفها على جميع المسلمين ويضرب عليها خراجا مستمراً على ما ذكرنا هذا ظاهر المذهب لأن كلا الأمرين قد ثبت فيه حجة عن النبي صلى الله عليه وسلم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم نصف خيبر ووقف نصفها لنوائبه ووقف عمو الشام والعراق ومصر وسائر ما فتحه وأقره على ذلك علماء الصحابة وأشاروا عليه به، وكذلك من بعده من الخلفاء ولم نعلم أن أحداً منهم قسم شيئاً من الأرض التي افتتحوها (والثانية) أنها تصير وقفا بنفس الاستيلاء عليها لاتفاق الصحابة رضي الله عنهم عليه وقسمة النبي صلى الله عليه وسلم خيبر كانت قي بدء الإسلام وشدة الحاجة وكانت المصلحة فيه وقد تعينت المصلحة فيما بعد ذلك في وقف الأرض فكان هو الواجب (والثالثة) أن الوجب قسمها وهو قول مالك وأبي ثور لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك وفعله أولى من فعل غيره مع عموم قوله تعالى (واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه يفهم من ذلك أن أربعة أخماسها للغانمين

فإن فضل منه فضلة قسمه بين المسلمين ويبدأ بالمهاجرين ويقدم الأقرب فالأقرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم

(والرواية الأولى) أولى لما ذكرنا من فعل النبي صلى الله عليه وسلم ولأن عمر رضي الله عنه قال لولا آخر الناس لفسمت الأرض كما قسم النبي صلى الله عليه وسلم خيبر فقد وقف الأرض مع علمه بفعل النبي صلى الله عليه وسلم، فدل على أن فعله ذلك لم يكن متعيناً كيف والنبي صلى الله عليه وسلم قد وقف نصف خيبر ولو كانت للغانمين لم يكن له وقفها، قال أبو عبيد تواترت الأخبار في افتتاح الارض عنوة بهذين الحكمين، حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في خيبر حين قسمها، وبه أشار بلال وأصحابه على عمر في أرض الشام والزبير في أرض مصر وحكم عمر في أرض السواد وغيره حين وقفه، وبه أشار علي ومعاذ على عمر وليس فعل النبي صلى الله عليه وسلم راداً لفعل عمر لأن كل واحد منهما اتبع آية محكمة قال الله تعالى (واعلموا أنما غنمتم منه شئ فأن لله خمسه - وقال - ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى) الآية فكان كل واحد من الأمرين جائزاً والنظر في ذلك إلى الامام فما رأى منه ذلك فعليه وهذا قول الثوري وأبي عبيد. إذا ثبت هذا فإن التخيير المفوض إلى الإمام تخيير مصلحة لا تخيير تشهي فيلزمه فعل ما يرى فيه المصلحة لا يجوز له العدول عنه كالخيرة في الأسرى بين القتل والاسترقاق والمن والفداء ولا يحتاج إلى النطق بالوقف بل تركه لها من غير قسمه وقف لها كما أن قسمتها بين الغانمين لا يحتاج معه إلى لفظ ولأن عمر وغيره لم ينقل عنهم في وقف الأرض لفظ بالوقف ولأن معنى وقفها

ثم الأنصار ثم سائر المسلمين وهل يفاضل بينهم؟ على روايتين

هاههنا أنها باقية لجميع المسلمين يؤخذ خراجها يصرف في مصالحهم ولا يخص أحد بملك شئ منها وهذا حاصل بتركها (فصل) وكلما فعله النبي صلى الله عليه وسلم من وقف وقسمه أو فعله الأئمة بعده فليس لأحد نقضه ولا تغييره وإنما الروايات فيما استؤنف فتحه على ما ذكرنا والذي قسم بين الغانمين ليس عليه خراج، وكذلك ما أسلم أهله عليه كالمدينة ونحوها فهي ملك لأربابها لهم التصرف فيها كيف شاؤا، وكذلك ما صولح أهله على أن الأرض لهم كأرض اليمن والحيرة وبانقيا وما أحياه المسلمون كأرض البصرة كانت سبخة أحياها عتبة بن غزوان وعثمان بن أبي العاص (مسألة) (الضرب الثاني) ما جلا عنها أهلها خوفاً وفزعاً فهذه تصير وقفاً بنفس الظهور عليها لأن ذلك يتعين فيها لأنها ليست غنيمة فنقسم فكان حكمها حكم الفيئ يكون للمسلمين كلهم، وعنه يكون حكمها حكم العنوة قياساً عليها، فعلى هذا لا تصير وقفا حتى يقفها الإمام لأن الوقف لا يثبت بنفسه (الضرب الثالث) ما صولحوا عليه وهو قسمان (أحدهما) أن يصالحهم على أن الأرض لنا ونقرها معهم بالخراج فهذه تصير وقفاً أيضاً حكمها حكم ما ذكرنا لأن النبي صلى الله عليه وسلم فتح خيبر وصالح أهلها على أن يعمروا أرضها ولهم نصف ثمرتها فكانت للمسلمين دونهم، وصالح بني النضير على أن يجليهم من المدينة

ولهم ما أقلت الابل من المتعة والأموال إلا الحلقة يعني السلاح وكانت مما أفاء الله على رسوله (القسم الثاني) أن يصالحم على الارض لهم ويؤدون إلينا خراجها معلوماً فهذه ملك لأربابها وهذا الخراج في حكم الجزية متى أسلموا اسقط عنهم لأن الخراج الذي ضرب عليها إنما كان من أجل كفرهم فهو كالجزية على رؤوسهم فإذا أسلموا سقط كما تسقط الجزية وتبقى الأرض ملكاً لهم لا خراج عليها يتصرفون فيها كيف شاءوا بالبيع والهبة والرهن، وإن انتقل إلى مسلم فلا خراج عليه لما ذكرنا (مسألة) (ويقرون فيها بغير جزية) لأنهم في غير دار الإسلام بخلاف التي قبلها (مسألة) (والمرجع في الخراج والجزية إلى اجتهاد الإمام في الزيادة والنقصان على قدر الطاقة وعنه يرجع إلى ما ضربه عمر رضي الله عنه لا يزاد ولا ينقص وعنه تجوز الزيادة دون النقص) ظاهر المذهب أن المرجع في الخراج إلى اجتهاد الإمام وهو اختيار الخلال وعامة شيوخنا لأنه أجرة فلم يقدر بمقدار لا يختلف كأجرة المساكن وفيه رواية ثانية أنه يرجع إلى ما ضربه عمر رضي الله عنه لا يزاد عليه ولا ينقص منه لأن اجتهاد عمر أولى من قول غيره كيف ولم ينكره أحد من الصحابة مع شهرته فكان إجماعاً؟ وعنه رواية ثالثة أن الزيادة تجوز دون النقص لما روى عمر بن ميمون أنه سمع عمر يقول لحذيفة وعثمان بن حنيف لعلكما حملتما الأرض ما لا تطيق فقال عثمان والله لو زدت عليهم فلا تجهدهم فدل على إباحة الزيادة ما لم تجهدهم وأما الجزية فتذكر في باب عقد الذمة إن شاء الله تعالى

ومن مات بعد حلول وقت العطاء دفع إلى ورثته حقه، لأه مات بعد الاستحقاق فانتفل حقه إلى وارثه كسائر الموروثات

قال أحمد رضي الله عنه وأبو عبيد القاسم بن سلام: أعلى وأصح حديث في أرض السواد حديث عمرو بن ميمون، ويعني أن عمر رضي الله عنه وضع على كل جريب درهما وقفيزاً، وقدر القفيز ثمانية أرطال يعني بالمكي، نص عليه أحمد واختاره القاضي فيكون ستة عشر رطلاً بالعراقي، وقال أبو بكر قد قيل أن قدره ثلاثون رطلاً وينبغي أن يكون من جنس ما تخرجه الأرض لأنه روي عن عمر أنه ضرب على الطعام درهما وقفيز حنطة وعلى الشعير درهماً وقفيز شعير ويقاس عليه غيره من الحبوب. والجريب عشر قصبات في عشر قصبات والقصبة ستة أذرع بذراع عمر وهو ذراع وسط لا أطول ذراع ولا أقصرها وقبضة وإبهام قائمة، وما بين الشجر من بياض الأرض تبع لها، فان ظلم في خراجه لم يحتسبه من العشر لانه ظلم فلم يحتسب به من العشر كالغصب، وعنه يحتسبه من العشر لأن الأخذ لهما واحد اختاره أبو بكر وقد اختلف عن عمر رضي الله عنه قي قدر الخراج فروى أبو عبيد بإسناده عن الشعبي أن عمر بعث ان حنيف إلى السواد فضرب الخراج على جريب الشعير درهمين وعلى جريب الحنطة أربعة دراهم وعلى جريب القضب وهو الرطبة ستة دراهم وعلى جريب النخل ثمانية دراهم وعلى جريب الكرم عشرة دراهم وعلى جريب الزيتون أثني عشر درهماً، هذا ذكره أبو الخطاب في كتاب الهداية وذكر بعده حديث عمرو بن ميمون الذي ذكرناه وهو اصح على ما ذكره أحمد وأبو عبيد

فإذا بلغ ذكورهم، فاختاروا أن يكونوا في المقاتلة فرض لهم وإن لم يختاروا تركوا وسقط حقهم من عطاء المقاتلة

(مسألة) (وما لا يناله الماء مما لا يمكن زرعه فلا خراج عليه) لأن الخراج أجرة الأرض وما لا منفعة فيه لا أجرة له، وعنه يجب فيه الخراج إذا كان على صفة يمكن إحياؤه ليحييه من هو في يده أو يرفع يده عنه فيحييه غيره وينتفع به (مسألة) (فإن أمكن زرعه عاماً بعد عام وجب نصف خراجه في كل عام) لأن نفع هذه الأرض على النصف فكذلك الخراج لكونه في مقابلة النفع (مسألة) (ويجب الخراج على المالك دون المستأجر) لأنه يجب على رقبة الأرض فكان على مالكها كما تجب الفطرة على مالك العبد وعنه أنه على المستأجر كالعشر والأول أصح (مسألة) (والخراج كالدين يحبس به الموسر وينظر المعسر) لأنه أجرة أشبه أجرة المساكن (مسألة) (ومن عجز عن عمارة أرضه أجبر على إجارتها أو رفع يده عنها) من كانت في يده أرض فهو أحق بها بالخراج كالمستأجر وتنتقل إلى وارثه بعده على الوجه الذي كانت في يد موروثه فإن آثر بها أحداً صار الثاني أحق بها، فإن عجز من هي في يده عن عمارتها

وما لا يناله الماء مما لا يمكن زرعه فلا خراج عليه

وأداء خراجها أجبر على رفع يده عنها بإجارة أو غيرها ويدفعها إلى من يعمرها ويقوم بخراجها لأن الأرض للمسلمين فلا يجوز تعطيلها عليهم (فصل) ويكره للمسلم أن يشتري من أرض الخراج المزارع لأن في الخراج معنى الذلة وبهذا وردت الأخبار عن عمر رضي الله عنه وغيره ومعنى الشراء ههنا ان يتقبل الأرض بما عليها من خراجها لأن شراء هذه الأرض غير جائز أو يكون على الرواية التي أجازت شراءها لكونه استنقاذا لها فهو كاستنقاذ الأسير (فصل) ويجوز لصاحب الأرض أن يرشو العامل ليدفع عنه الظلم في خراجه لأنه يتوصل بماله إلى كف اليد العادية عنه ولا يجوز له ذلك ليدفع له شيئاً من خراجه لأنه رشوة لابطال حق فحرمت على الآخذ والمعطي كرشوة الحاكم ليحكم له بغير الحق (مسألة) (وإن رأى الإمام المصلحة في إسقاط الخراج أو تخفيفه عن إنسان جاز لانه فيئ فكان النظر فيه إلى الإمام) ولأنه لو أخذ الخراج وصار في يده جاز له أن يخص به شخصاً إذا رأى المصلحة فيه فجاز له تركه بطريق الأولى

ويصح أمان الإمام لجميع الكفار وآحادهم

باب الفيئ وهو ما أخذ من مال المشركين بغير قتال كالجزية والخراج والعشر وما تركوه فزعا وخمس الغنيمة ومال من مات لا وارث له فهو معروف في مصالح المسلمين لهم كلهم فيه حق غنيهم وفقيرهم إلا العبيد هذا ظاهر كلام أحمد والخرقي وذكر أحمد رحمه الله الفيئ فقال فيه حق لكل المسلمين وهو بين الغني والفقير وقال عمر رضي الله عنه ما من أحد من المسلمين إلا له في هذا المال نصيب إلا العبيد ليس لهم فيه شئ وقرأ عمر (ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى - حتى بلغ - والذين جاءوا من بعدهم) فقل استوعبت المسلمين عامة ولان عشت ليأتين الراعي بستر وحمير نصيبه منها لم تعرق فيه جبينه وذكر القاضي أن الفيئ مختص بأهل الجهاد من المرابطين في الثغور وجند المسلمين ومن يقوم بمصالحهم لأن ذلك كان للنبي صلى الله عليه وسلم في حياته لحصول النصرة والمصلحة به فلما مات صارت مختصة بالجند ومن يحتاج إليه المسلمون فصار لهم ذلك دون غيرهم فأما الأعراب ونحوهم ممن لا يعد نفسه للجهاد فلا حق لهم فيه والذين يعرضون إذا نشطوا يعطون من سهم سبيل الله من الصدقة قال القاضي ومعنى كلام أحمد أنه بين الغني والفقير يعني الذي فيه مصلحة للمسلمين من المجاهدين والقضاة والفقهاء قال ويحتمل أن يكون معنى كلامه أن لجميع المسلمين الانتفاع بذلك المال لكونه يصرف إلى من يعود نفعه إلى جميع المسلمين وكذلك ينتفعون بالعبور على القناطر والجسور المعقودة بذلك المال وبالأنهار

ومن قال لكافر: أنت آمن، أولا بأس عليك أو اجرتك أو قف أو ألق سلاحك أو مترس نفذ أمنه

والطرقات التي أصلحت به وسياق كلام أحمد يدل على أنه غير مختص بالجند وإنما هو معروف في مصالح المسلمين لكن يبدأ بجند المسلمين لأنهم أهم المصالح لكونهم يحفظون المسلمين فيعطون كفاياتهم فما فضل قدم الأهم فالأهم من عمارة الثغور وكفايتها بالكراع والسلاح وما يحتاج إليه ثم الأهم فالأهم من عمارة المساجد والقناطر وإصلاح الطرق وكراء الأنهار وسد بثوقها وأرزاق القضاه والأئمة والمؤذنين والفقهاء وما يحتاج إليه المسلمون وكلما يعود نفعه على المسلمين ثم يقسم ما فضل على المسلمين لما ذكرنا من الآية وقول عمر رضي الله عنه وللشافعي قولان كنحو ما ذكرناه واستدلوا على أن أربعة أخماس الفيئ كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته بما روى مالك بن أوس بن الحدثان قال سمعت عمر بن الخطاب والعباس وعليا يختصمان إليه في أموال النبي صلى الله عليه وسلم فقال عمر كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله مما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب وكانت لرسول صلى الله عليه وسلم خالصاً دون المسلمين وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق منها على أهله نفقة سنة فما فضل جعله في الكراع والسلاح ثم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فوليها أبو بكر بمثل ماوليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم وليتها بمثل ماوليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر متفق عليه إلا أن فيه فيجعل ما بقي أسوة المال قال شيخنا وظاهر أخبار عمر تدل على أن لجميع المسلمين في الفيئ حقاً وهو ظاهر الآية فانه لما قرأ الآية التي في سورة الحشر قال هذه استوعبت جميع المسلمين وقال ما أحد إلا له في هذا المال نصيب فأما أموال

بني النضير فيحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينفق منها على أهله لأن ذلك من أهم المصالح فبدأ بهم ثم جعل باقيه أسوة المال ويحتمل أن تكون أموال بني النضير اختص بها رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفيئ وترك سائرة لمن سمي في الآية وهذا مبين في قول عمر كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصاً دون المسلمين (مسألة) (ولا يخمس وقال الخرقي يخمس فيصرف خمسه إلى أهل الخمس وباقيه في المصالح) ظاهر المذهب أن الفيئ لا يخمس نقلها أبو طالب فقال إنما تخمس الغنيمة وعنه يخمس كما تخمس الغنيمة اختارها الخرقي وهو قول الشافعي لقول الله تعالى (ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل) فظاهر هذا أن جميعه لهؤلاء وهو أهل الخمس وجاءت الأخبار دالة على اشتراك جميع المسلمين فيه عن عمر رضي الله عنه مستدلاً بالآيات التي بعدها فوجب الجمع بينهما كيلا تتناقض الآية والاخبار وتتعارض وفي إيجاب الخمس فيه جمع بينهما وتوقيف فإن خمسه لمن سمي في الآية وسائره يصرف إلى ما ذكر في الآيتين الآخيرتين والأخبار وقد روى البراء بن عازب قال لقيت خالي ومعه الراية فقلت إلى أين؟ قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم الى رجل عرس بامرأة أبيه أن أضرب عنقه وأخمس ماله والرواية الأولى هي المشهورة قال القاضي لم أجد بما قال الخرقي من أن الفيئ مخموس نصاً فأحكيه وإنما نص على أنه غير

مخموس وهذا قول أكثر أهل العلم قال ابن المنذر لانحفظ عن أحد قبل الشافعي في أن في الفيئ خمساً كخمس الغنيمة والدليل على ذلك قوله تعالى (وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب) الآيات إلى قوله (والذين جاءوا من بعدهم) فجعله كله لهم ولم يذكر خمساً ولما قرأ عمر هذه الآية قال هذه استوعبت جميع المسلمين (فصل) فان قلنا إنه يخمس صرف خمسه إلى أهل الخمس في الغنيمة عند من يرى تخميس الفيئ من أصحابنا وأصحاب الشافعي وحكمهما واحد لااختلاف بينهم في هذا لأنه في معنى خمس الغنيمة ثم يصرف الباقي في مصالح المسلمين على ما ذكرنا ويبدأ بالأهم فالأهم من سد الثغور وأرزاق الجند ونحو ذلك. (مسألة) (فإن فضل منه فضلة قسمه بين المسلمين ويبدأ بالمهاجرين ويقدم الأقرب فالأقرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم) . ينبغي أن يبدأ في القسمة بالمهاجرين ويقدم الأقرب فالأقرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم لما روى أبو هريرة قال قدمت على عمر رضي الله عنه ثمانمائة ألف درهم فلما أصبح أرسل إلى نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم قد جاء الناس مال لم يأتهم مثله منذ كان الإسلام أشيروا علي بمن أبدأ؟ قالوا بك يا أمير المؤمنين إنك ولي ذلك قال لا ولكن أبدأ برسول الله صلى الله عليه وسلم الاقرب فالاقرب

ومن جاء بمشرك فادعى أنه أمنه فأنكره فالقول قوله وعنه القول قول الأسير، وعنه قول من يدل الحال على صدقة

فوضع الديوان على ذلك وينبغي للإمام أن يضع ديوانا يكتب فيه أسماء المقاتلة وقدر أرزاقهم ويجعل لكل طائفة عريفاً يقوم بأمرهم ويجمعهم وقت العطاء ووقت الغزو لأنه يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل عام خيبر على كل عشرة عريفاً ويجعل العطاء في كل عام مرة أو مرتين ولا يجعل في أقل من ذلك لئلا يشغلهم عن الغزو ويبدأ ببني هاشم لأنهم أقارب رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ذكرنا من خبر عمر ثم ببني المطلب لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (انما بنوا هاشم وبنوا المطلب شئ واحد) وشبك بين أصابعه ثم ببني عبد شمس لأنه أخو هاشم لأبيه وأمه ثم بني نوفل لأنه أخو هاشم لأبيه ثم يعطي بني عبد الدار وعبد العزى ويقدم عبد العزى لأن فيهم أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن خديجة منهم وعلى هذا يعطى الأقرب فالأقرب حتى تنقضي قريش وهم بنو النضر بن كنانة وقيل بنو فهر بن مالك (مسألة) (ثم الأنصار ثم سائر المسلمين وهل يفاضل بينهم؟ على روايتين) . يقدم الأنصار بعد قريش لفضلهم وسابقتهم وآثارهم الجميلة ثم سائر العرب ثم العجم والموالي فإن استوى اثنان في الدرجة قدم أسنهما ثم أقدمهما هجرة وسابقة ويخص في كل ذا الحاجة. (فصل) واختلف الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم في قسم الفئ بين أهله فذهب ابو بكر رضي الله عنه إلى التسوية بينهم وهو المشهور عن علي رضي الله عنه فروي أن أبا بكر سوى بين الناس في العطاء وأدخل فيه العبيد فقال له عمر يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أتجعل الذين جاهدوا في سبيل

ومن أعطي أمانا ليفتح حصنا ففتحه واشتبه علينا حرم قتلهم واسترقاقهم

الله بأموالهم وأنفسهم وهجروا ديارهم له كمن إنما دخلوا في الإسلام كرهاً؟ فقال أبو بكر إنما عملوا لله وإنما أجورهم على الله وانما الدنيا بلاغ فلما ولي عمر رضي الله عنه فاضل بينهم وأخرج العبيد فلما ولي علي رضي الله عنه سوى بينهم وأخرج العبيد وذكر عن عثمان رضي الله عنه أنه فضل بينهم في القسمة فعلى هذا مذهب اثنين منهم أبي بكر وعلي التسوية ومذهب اثنين عمر وعثمان التفضيل وقد روي عن أحمد رحمه الله فروى عنه الحسن بن (علي) بن الحسن أنه قال للإمام أن يفضل قوماً على قوم لأن عمر قسم بينهم على السوابق وقال لا أجعل من قاتل على الإسلام كمن قوتل عليه، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قسم النفل بين أهله متفاضلاً على قدر غنائهم وهذا في معناه وروي عنه أنه لا يجوز التفضيل قال أبو بكر اختار أبو عبد الله أن لا يفضلوا وهو قول الشافعي لما ذكرنا من فعل أبي بكر رضي الله عنه قال الشافعي إني رأيت أنه قسم المواريث على العدد يكون الأخوة متفاضلين في الغناء عن الميت والصلة في الحياة والحفظ بعد الموت فلا يفضلون وقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أخماس الغنيمة على العدد ومنهم من يغني غاية الغناء ويكون الفتح على يديه ومنهم من يكون محضره إما غير نافع وإما ضرر ابا لجبن والهزيمة وذلك إنهم استووا في سبب الاستحقاق وهو انتصابهم للجهاد فصاروا كالغانمين، قال شيخنا والصحيح إن شاء الله أن ذلك مفوض إلى اجتهاد الإمام يفعل ما يراه من تسوية وتفضيل لما ذكرنا من فعل النبي صلى الله عليه وسلم في الأنفال وهذا في معناه وقد روي عن عمر رضي الله عنه أنه فرض للمهاجرين من أهل بدر خمسة آلاف خمسة آلاف ولأهل بدر من الأنصار أربعة آلاف أربعة آلاف وفرض لأهل الحديبية ثلاثة آلاف ثلاثة آلاف ولاهل الفتح ألفين ألفين. (فصل) قال القاضي ويتعرف قدر حاجة أهل العطاء وكفايتهم ويزيد ذا الولد من أجل ولده

ويجوز عقد الأمان للرسول والمستأمن، ويقيمون مدة الهدنة بغير جزية، وعند أبي الخطاب لا يقيمون سنة إلا بجزية

وذا الفرس من أجل فرسه وإن كان له عبيد في مصالح الحرب حسبت مؤنتهم في كفايتهم وإن كانوا لزينة أو تجارة لم تحسب مؤنتهم وينظر في أسعارهم في بلدانهم لأن أسعار البلاد تختلف والغرض الكفاية ولهذا تعتبر الذرية والولد فيختلف عطاؤهم لاختلاف ذلك وإن كانوا سواء في الكفاية لا يفضل بعضهم على بعض وإنما تتفاضل كفايتهم ويعطون قدر كفايتهم في كل عام مرة وهذا والله أعلم على قول من رأى التسوية، فأما من رأى التفضيل فإنه يفضل أهل السوابق والغناء في الإسلام على غيرهم بحسب ما يراه كما فعل عمر رضي الله عنه ولم يقدر ذلك بالكفاية والعطاء الواجب لا يكون إلا لبالغ يطيق مثله القتال ويكون عاقلاً حراً بصيراً صحيحاً ليس به مرض يمنعه القتال فإن مرض الصحيح مرضاً غير مرجو الزوال كالزمانة ونحوها خرج من المقاتلة وسقط سهمه فإن كان مرضاً مرجو الزوال كالحمى والصداع والبرسام لم يسقط عطاؤه لأنه في حكم الصحيح ولذلك لا يستنيب في الحج كالصحيح. (مسألة) (ومن مات بعد حلول وقت العطاء دفع إلى ورثته حقه لأنه مات بعد الاستحقاق فانتقل حقه إلى وارثه كسائر الموروثات) (مسألة) (ومن مات من أجناد المسلمين دفع إلى امرأته وأولاده الصغار ما يكفيهم) لان فيه تطييب قلوب المجاهدين فمتى علموا أن عيالهم يكفون المؤنة بعد موتهم توفروا على

ومن دخل دار الإسلام بغير أمان وادعى أنه رسول أو تاجر معه متاع يبيعه قبل منه

الجهاد وإذا علموا خلاف ذلك توفروا على الكسب وآثروه على الجهاد مخافة الضيعة على عيالهم ولهذا قال أبو خالد الهناي: لقد زاد الحياة إلي حباً بناتي أنهن من الضعاف مخافة أن يرين الفقر بعدي وأن يشربن رنقا بعد صافي وأن يعرين إن كسي الجواري فتنبو العين عن كرم عجاف ولولا ذاك قد سومت مهري وفي الرحمن للضعفاء كافي ومتى تزوجت المرأة سقط حقها لأنها خرجت عن عيال الميت (مسألة) (فإذا بلغ ذكورهم فاختاروا أن يكونوا في المقاتلة فرض لهم وإن لم يختاروا تركوا سقط حقهم من عطاء المقاتلة

(باب الأمان) يصح أمان المسلم المكلف ذكراً كان أو أنثى حراً أو عبداً مطلقاً أو أسيراً، وفي أمان الصبي المميز روايتان) وجملة ذلك أن الأمان إذا أعطي أهل الحرب حرم قتلهم ومالهم والتعرض لهم، ويصح من كل مسلم بالغ عاقل مختار ذكراً كان أو انثى حرا أو عبدا وبهذا قال الثوري والشافعي والاوزاعي واسحاق وابن القاسم وأكثر أهل العلم وروي ذلك عن عمر رضي الله عنه. وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: لا يصح أمان العبد إلا أن يكون مأذوناً له في القتال لأنه لا يجب عليه الجهاد فلا يصح أمانة كالصبي ولأنه مجلوب من دار الحرب فلا يؤمن أن ينظر لهم في تقديم مصلحتهم ولنا ما روى علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم فمن أخفر مسلماً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منهم صرف ولا عدل) رواه البخاري والعبد إما أن يكون أدناهم فيصح أمانه بالحديث أو يكون غيره أدنى منه فيصح أمانة بطريق التنبيه. وروى فضيل بن يزيد الرقاشي قال جهز عمر بن الخطاب جيشاً فكنت فيهم فحضرنا موضعاً فرأينا أنا نستفتحها اليوم وجعلنا نقبل ونروح وبقي عبد منا فراطنهم وراطنوه فكتب لهم الأمان في صحيفة وشدها على سهم ورمى بها إليهم فأخذوها وخرجوا فكتب بذلك إلى عمر بن الخطاب فقال: العبد المسلم رجل من المسلمين ذمته ذمتهم، رواه سعيد ولأنه مسلم مكلف فصح أمانه كالحر والمرأة، وما ذكروه من التهمة يبطل بما إذا أذن له في القتال فإنه يصح أمانه وبالمرأة.

وإذا أودع المستأمن ماله مسلما، أو أقرضه إياه، ثم عاد إلى دار الحرب، بقي الأمان في ماله يبعث إليه إن طلبه

(فصل) ويصح أمان المرأة في قول الجميع. قالت عائشة رضي الله عنها ان كانت المرأة لتجير على المسلمين فيجوز وعن أم هانئ أنها قالت يارسول الله قد أجرت أحمائي وأغلقت عليهم وإن ابن أمي أراد قتلهم فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم (قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ إنما يجير على المسلمين أدناهم) رواهما سعيد. وأجارت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا العاص بن الربيع فأمضاه رسول الله صلى الله عليه وسلم (فصل) ويصح أمان الأسير إذا عقده غير مكره لدخوله في عموم الخبر، ولأنه مسلم مكلف مختار أشبه غير الأسير، وكذلك يصح أمان الأجير والتاجر في دار الحرب وبهذا قال الشافعي، وقال الثوري لا يصح أمان أحد منهم ولنا عموم الحديث والقياس. فأما الصيي المميز ففيه روايتان (إحداهما) لا يصح أمانه وهو قول أبي حنيفة والشافعي لأنه غير مكلف ولا يلزمه بقوله حكم فلا يلزم غيره كالمجنون (والثانية) يصح أمانه وهو قول مالك. قال أبو بكر يصح أمانه رواية واحدة وحمل رواية المنع على غير المكلف واحتج بعموم الحديث ولأنه مسلم عاقل فصح أمانه كالبالغ بخلاف المجنون فإنه لا قول له أصلاً (فصل) ولا يصح أمان كافر وإن كان ذمياً لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم) فجعل الذمة للمسلمين فلا تحصل لغيرهم، ولانه تهم على الإسلام وأهله فأشبه الحربي ولا يصح أمان مجنون ولا طفل لأن كلامه غير معتبر فلا يثبت به حكم. ولا يصح أمان زائل العقل بنوم أو سكر أو إغماء لذلك ولانه لايعرف المصلحة من غيرها أشبه المجنون. ولا يصح من مكره لانه قول أكره عليه بغير حق فلم يصح كالاقرار (مسألة) (ويصح أمان الإمام لجميع الكفار وآحادهم)

لأن ولايته عامة على المسلمين. ويصح أمان الأمير لمن جعل باذائه من الكفار فأما في حق غيرهم فهو كآحاد المسلمين لأن ولايته على قتال أولئك دون غيرهم، ويصح أمان أحد الرعية للواحد والعشرة والقافلة الصغيرة والحصن الصغير لأن عمر رضي الله عنه أجاز أمان العبد لأهل الحصن الذي ذكرنا حديثه ولا يصح امانه لاهل بلدة ورستاق وجمع كثير لأن ذلك يفضي إلى تعطيل الجهاد والافتيات على الإمام. ويصح أمان الإمام للأسير بعد الاستيلاء عليه لأن عمر رضي الله عنه أمن الهرمزان وهو أسير. رواه سعيد. ولأن الأمان دون المن عليه وقد جاز المن عليه. فأما أحد الرعية فليس له ذلك وهذا مذهب الشافعي وذكر أبو الخطاب أنه يصح أمانه لأن زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أجارت زوجها أبا العاص بعد أسره فأمضاه النبي صلى الله عليه وسلم وحكي عن الأوزاعي ولنا أن أمر الأسير مفوض إلى الإمام فلم يجز الافتيات عليه بما يمنعه ذلك كقتله. وحديث زينب رضي الله عنها في أمانها إنما صح بإجازة النبي صلى الله عليه وسلم (فصل) وإذا شهد للأسير اثنان أو أكثر من المسلمين أنهم أمنوه قبل إذا كانوا بصفة الشهود وقال الشافعي لاتقبل شهادتهم لانهم يشهدون على فعل أنفسهم ولنا أنهم عدول من المسلمين غير متهمين شهدوا بأمانه فوجب أن يقبل كما لو شهدوا على غيرهم أنه أمنه وما ذكره لا يصح لأن النبي صلى الله عليه وسلم قبل شهادة المرضعة على فعلها في حديث عقبة بن الحارث فإن شهد واحد: إني أمنته فقال القاضي قياس قول أحمد أنه يقبل كما لو قال الحاكم بعد عزله كنت حكمت لفلان على فلان بحق فإنه يقبل قوله وعلى قول أبي الخطاب يصح امانه فقبل خبره لانه كالحاكم

في حال ولايته وهو قول الأوزاعي ويحتمل أن لا يقبل لأنه ليس له أن يؤمنه في الحال فلم يقبل إقراره به كما لو اقر بحق على غيره وهذا قول الشافعي (مسألة) (ومن قال لكافر أنت آمن أو لا بأس عليك أو اجرتك أوقف أو ألق سلاحك أو مترس نفذ أمنه) قد ذكرنا من يصح امانه وقد ذكرنا ههنا صفة الأمان والذي ورد به الشرع لفظتان أجرتك وأمنتك قال الله تعالى (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره) وقال النبي صلى الله عليه وسلم (قد أجرنا من أجرت وأمنا من أمنت - وقال - من دخل دار أبي سفيان فهو آمن) وفي معنى ذلك قوله (لا تخف لا تذهل لا تخش لاخوف عليك لا بأس عليك) وقد روي عن عمر أنه قال إذا قلتم لا بأس أو لا تذهل أو مترس فقد أمنتموهم فإن الله تعالى يعلم الألسنة وروي عن عمر رضي الله عنه انه قال للهرمزان تكلم ولا بأس عليك فلما تكلم أمر عمر بقتله فقال أنس بن مالك ليس لك إلى ذلك سبيل قد أمنته قال عمر كلا قال الزبير إنك قد قلت تكلم ولا بأس عليك فدرأ عنه عمر القتل رواه سعيد وغيره ولا نعلم في هذا كله خلافاً وأما إن قال له قف أو قم أو ألق سلاحك فقال أصحابنا هو أمان أيضاً لأن الكافر يعتقد هذا أماناً فأشبه قوله أمنتك وقال الأوزاعي إن ادعى الكافر أنه أمان وقال

وإذا أسر الكفار مسلما، فأطلقوه بشرط أن يقيم عندهم مدة لزمه الوفاء لهم ولم يكن له أن يهرب

إنما وقفت لذلك فهو آمن وإن لم يدع ذلك فلا يقبل قال شيخنا ويحتمل أن هذا ليس بأمان لان لفظه لايشعر به وهو يستعمل للارهاب والتخويف فأشبه قوله لاقتلنك لكن يرجع إلى القائل فإن قال نويت به الأمان فهو أمان وإن قال لم أرد أمانه نظرنا في الكافر فإن قال اعتقدته أماناً رد إلى مأمنه ولم يجز قتله وإن لم يعتقده أماناً فليس بأمان كما لو أشار إليهم بما اعتقدوه أماناً (فصل) فإن أشار إليهم بما اعتقدوه أماناً وقال أردت به الأمان فهو أمان، وإن قال لم أرد به الأمان فالقول قوله لأنه أعلم بنيته فإن خرج الكفار من حصنهم بناء على أن هذه الإشارة أمان لم يجز قتلهم ويردون إلى مأمنهم فقد قال عمر رضي الله عنه والله لو أن أحدكم أشار بأصبعه إلى السماء إلى مشرك فنزل بأمانة فقتله لقتلته به رواه سعيد وإن مات المسلم أو غاب فإنهم يردون إلى مأمنهم وبهذا قال مالك والشافعي وابن المنذر فإن قيل فكيف صححتم الأمان بالإشارة مع القدرة على النطق بخلاف البيع والطلاق والعتق؟ قلنا تغليباً لحقن الدم كما حقن دم من له شبهة كتاب تغليباً لحقن دمه ولان الكفار في الغالب لا يفهمون كلام المسلمين ولا يفهم المسلمون كلامهم فدعت الحاجة إلى الاشار بخلاف غيره ومن قال لكافر أنت آمن فرد الأمان لم ينعقد لأنه إيجاب حق بقد (بعقد) فلم يصح مع الرد كالبيع وإن قبله ثم رده انتقض لأنه حق له فسقط بإسقاطه كالرق (فصل) إذا سبيت كافرة وجاء ابنها يطلبها وقال ان عندي أسيراً مسلماً فاطلقوها حتى أحضره فقال الإمام أحضره فأحضره لزم إطلاقها لأن المفهوم من هذا إجابته إلى ما سأل فإن قال الامام لم

فإن لم يشترطوا شيئا، أو شرطوا كونه رقيقا فله أن يقتل ويسرق ويهرب

أراد إجابته لم يجبر على ترك أسيره ورد إلى مأمنه وقال أصحاب الشافعي يطلق الأسير ولا تطلق المشركة لأن المسلم حر لا يجوز أن يكون ثمن مملوكة ويقال إن اخترت شراءها فائت بثمنها ولنا أن هذا يفهم منه الشرط فوجب الوفاء به كما لو صرح به ولأن الكافر فهم منه ذلك وبنى عليه فأشبه ما لو فهم الأمان من الإشارة وقولهم لا يكون الحر ثمن مملوكة قلنا لكن يصلح أن يفادى بها فقد فادى النبي صلى الله عليه وسلم بالأسيرة التي أخذها من سلمة بن الاكوع برجلين من المسلمين وفادى برجلين من المسلمين بأسير من الكفار ووفي لهم برد من جاء مسلماً وقال (إنه لا يصلح في ديننا الغدر) وإن كان رد المسلم إليهم ليس بحق لهم، ولأنه التزم اطلاقها فلزمه ذلك لقوله عليه الصلاة والسلام (المسلمون على شروطهم - وقوله - إنه لا يصلح في ديننا الغدر) (مسألة) (ومن جاء بمشرك فادعى أنه أمنه فأنكره فالقول قوله وعنه القول قول الأسير وعنه قول من يدل الحال على صدقة) إذا جاء المسلم بمشرك فادعى المشرك أنه أمنه وادعى المسلم أسره ففيه ثلاث روايات (إحداهن) القول قول المسلم لأن الأصل إباحة دم الكافر وعدم الأمان (والثانية) القول قول الأسير لأن صدقة محتمل فيكون ذلك شبهة تمنع قتله وهذا اختيار أبي بكر (والثالثة) يرجع إلى قول من يدل ظاهر الحال على صدقة فإن كان الكافر ذا قوة معه سلاحه فالظاهر صدقه وإن كان ضعيفاً مسلوب السلاح فالظاهر كذبه فلا يلتفت الى قوله وقال أصحاب

الشافعي لا يقبل قوله وإن صدقه المسلم لأنه لا يقدر على أمانه فلم يقبل إقراره به ولنا أنه كافر لم يثبت أسره ولا نازعه فيه منازع فقبل قوله في الأمان كالرسول (فصل) ومن طلب الامان ليسمع كلام الله تعالى ويعرف شرائع الاسلام لزمه اجابتهم ثم يرد إلى مأمنه لا نعلم فيه خلافاً وبه قال قتادة ومكحول والاوزاعي والشافعي وكتب بذلك عمر بن عبد العزيز إلى الناس لقول الله تعالى (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه) قال الأوزاعي هي إلى يوم القيامة (مسألة) (ومن أعطي أماناً ليفتح حصناً ففتحه واشتبه علينا حرم قتلهم واسترقاقهم) . إذا حصر المسلمون حصناً فناداهم رجل أمنوني افتح لكم الحصن جاز أن يعطوه أماناً فإن زياد بن لبيد لما حصر النحير قال الأشعث بن قيس أعطوني الأمان لعشرة افتح لكم الحصن ففعلوا فإن أشكل عليهم وادعى كل واحد من الحصن أنه الذي أمنوه لم يجز قتل واحد منهم، لأن كل واحد منهم يحتمل صدقه وقد اشتبه المباح بالمحرم فيما لاضرورة إليه فحرم الكل كما لو اشتبهت ميته بمذكاة وأخته بأجنبيات أو زان محصن بمعصومين، وبهذا قال الشافعي ولا نعلم فيه خلافا ويحرم استرقاقهم أيضاً في أحد الوجهين وذكر القاضي أن أحمد نص عليه وهو مذهب الشافعي لما ذكرنا في تحريم

القتل فإن استرقاق من لا يحل استرقاقه محرم (والوجه الثاني) يقرع فيخرج صاحب الأمان بالقرعة ويسترق الباقون، قاله أبو بكر لأن الحق لواحد منهم غير معلوم فأخرج بالقرعة كما لو أعتق عبداً من عبيده وأشكل ويخالف القتل فإنه إراقة دم يندرئ بالشبهات بخلاف الرق، ولهذا يمتنع القتل في النساء والصبيان دون الاسترقاق، وقال الأوزاعي إذا أسلم واحد من أهل الحصن قبل فتحه أشرف علينا ثم أشكل فادعى كل واحد منهم أنه الذي أسلم سعى كل واحد منهم في قيمة نفسه ويترك له عشر قيمته وقياس المذهب أن فيها وجهين كالتي قبلها. (فصل) قال أحمد إذا قال الرجل كف عني حتى أدلك على كذا فبعث معه قوماً ليدلهم فامتنع من الدلالة فلهم ضرب عنقه لأن أمانه بشرط ولم يوجد. قال أحمد إذا لقي علجاً وطلب منه الأمان فلا يؤمنه لأنه يخاف شره وإن كانوا سرية فلهم أمانه يعني أن السرية لا يخافون من غدر العلج بخلاف الواحد وإن لقيت السرية اعلاجا فادعوا أنهم جاءوا مستأمنين فإن كان معهم سلاح لم يقبل منهم لأن حملهم السلاح يدل على محاربتهم وإن لم يكن معهم سلاح قبل قوله لأنه دليل على صدقهم. (مسألة) (ويجوز عقد الأمان للرسول والمستأمن ويقيمون مدة الهدنة بغير جزية وعند أبي الخطاب لا يقيمون سنة إلا بجزية) .

يجوز عقد الأمان للرسول والمستأمن، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يؤمن رسل المشركين ولما جاءه رسولا مسليمة (مسيلمة) قال لولا أن الرسل لا تقتل لقتلتكما ولأن الحاجة تدعو إلى ذلك لأننا لو قتلنا رسلهم لقتلوا رسلنا فتفوت مصلحة المراسلة ويجوز عقد الأمان لكل واحد منهما مطلقاً ومقيداً بمدة سواء كانت طويلة أو قصيرة بخلاف الهدنة فإنها لا تجوز إلا مقيدة لأن في جوازها مطلقة ترك للجهاد وهذا بخلافه ويجوز أن يقيموا مدة الهدنة بغير جزية، ذكره القاضي، قال أبو بكر هذا ظاهر كلام أحمد. وقال أبو الخطاب عندي أنه لا يجوز أن يقيم سنة بغير جزية وهو قول الأوزاعي والشافعي لقول الله تعالى (حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) ووجه الأول أنه كافر أبيح له الاقامة في دار الإسلام من غير التزام جزية فلم يلزمه كالنساء والصبيان ولأن الرسول لو كان مما لا يجوز أخذ الجزية منه لاستوى في حقه السنة وما دونها في أن الجزية لا تؤخذ منه في المدتين فإذا جازت له الإقامة في إحداهما جازت في الأخرى قياساً لها عليها وقوله تعالى (حتى يعطوا الجزية عن يد وهو صاغرون) أي يلتزمونها ولم يرد حقيقة الإعطاء وهذا مخصوص منها بالاتفاق فإنه تجوز له الإقامة من غير التزام لها ولأن الآية تخصصت بما دون الحول فنقيس على المحل المخصوص.

باب الهدنة

(مسألة) (ومن دخل دار الإسلام بغير أمان وادعى أنه رسول أو تاجر معه متاع يبيعه قبل منه) . إذا دخل حربي دار الإسلام بغير أمان وادعى أنه رسول قبل منه ولم يجز التعرض له لقول النبي صلى الله عليه وسلم لرسولي مسيلمة (لولا أن الرسل لا تقتل لقتلتكما) ولأن العادة جارية بذلك وإن ادعى أنه تاجر وقد جرت العادة بدخول تجارهم إلينا لم يعرض له إذا كان معه ما يبيعه لأنهم دخلوا يعتقدون الامان أشبه مالو دخلوا بإشارة مسلم. قال أحمد إذا ركب القوم في البحر فاستقبلهم فيه تجار مشركون من أرض العدو ويريدون بلاد الاسلام لم يعرضوا لهم ولم يقاتلوهم وكل من دخل بلاد المسلمين من أرض الحرب بتجارة بويع ولم يسأل عن شئ وإن لم يكن معه تجارة فقال جئت مستأمنا لم يقبل منه وكان الإمام فيه مخيراً ونحو هذا قول الاوزاعي والشافعي وكذلك إن كان جاسوساً لأنه حربي أخذ بغير أمان فأشبه المأخوذ في حال الحرب وإن كان ممن ضل الطريق أو حملته الريح في مركب إلينا فهو لمن أخذه في إحدى الروايتين لأنه أخذ بغير قتال في دار الإسلام فكان لآخذه كالصيد والحشيش والأخرى يكون فيئاً للمسلمين لأنه أخذ بغير قتال أشبه مالو أخذ في دار الحرب، وقد روي عن أحمد رحمه الله أنه سئل عن الدابة تخرج من بلد الروم أو تنفلت فتدخل القرية وعن القوم يضلون عن الطريق فيدخلون القرية من

ولا يجوز عقد الهدنة إلا من الإمام أو نائبه

قرى المسلمين فيأخذونهم فقال يكون لأهل القرية كلهم وسئل عن مركب بعث به ملك الروم وفيه رجاله فطرحته الريح إلى طرسوس فخرج إليه أهل طرسوس فقتلوا الرجالة واخذوا الأموال فقال هذا فيئ للمسلمين مما أفاء الله عليهم، وقال الزهري هو غنيمة وفيه الخمس. (فصل) ومن دخل دار الحرب رسولاً أو تاجراً بأمانهم فخيانتهم محرمة عليه لانهم إنما أعطوه الأمان مشروطاً بترك خيانتهم وأمنه إياهم من نفسه وإن لم يكن ذلك مذكوراً في اللفظ فهو معلوم في المعنى وكذلك من جاءنا منهم بأمان فخاننا فهو ناقض لأمانه ولأن خيانتهم غدر ولا يصلح في ديننا الغدر فإن خانهم أو سرق منهم أو اقترض شيئاً وجب عليه رد ما أخذ إلى أربابه فإن جاء أربابه إلى دار الإسلام بأمان أو إيمان رده إليهم وإلا بعث به إليهم لأنه أخذه على وجه يحرم عليه أخذه فلزمه رده كما لو أخذه من مال مسلم. (مسألة) (وإذا أودع المستأمن ماله مسلماً أو أقرضه إياه ثم عاد إلى دار الحرب بقي الأمان في ماله يبعث إليه إن طلبه) وجملة ذك (ذلك) أن من دخل من أهل الحرب إلى دار الإسلام بأمان فأودع ماله مسلماً أو ذمياً أو أقرضهما إياه ثم عاد إلى دار الحرب لحاجة يقضيها أو رسولاً ثم يعود إلى دار الاسلام فهو على أمانه في نفسه وماله لأنه لم يخرج بذلك عن نية الإقامة بدار الإسلام فأشبه الذمي إذا دخل لذلك، وإن دخل مستوطناً

أو محارباً بطل الأمان في نفسه وبقي في ماله لأنه بدخوله دار الإسلام بأمان ثبت الأمان لماله الذي معه تبعاً فإذا بطل في نفسه بدخوله دار الحرب بقي في ماله لاختصاص المبطل في نفسه فيختص البطلان به، فإن قيل إنما يثبت الأمان لماله تبعاً فإذا بطل في المتبوع بطل في التبع قلنا بل يثبت له الامان لمعنى وجد فيه وهو إدخاله معه وهذا يقتضي ثبوت الأمان له وإن لم يثبت في نفسه بدليل مالو بعثه مع مضارب له أو وكيل فإنه يثبت له الأمان وإن لم يثبت في نفسه ولم يوجد فيه ههنا ما يقتضي نقض الأمان فيه فبقي على ما كان عليه فإن أخذه معه إلى دار الحرب انتقض الأمان فيه كما انتقض في نفسه لوجود المبطل فيهما. إذا ثبت هذا فإذا طلبه صاحبه بعث إليه وإن تصرف فيه ببيع أو هبة أو نحوهما صح تصرفه لأنه ملكه وإن مات في دار الحرب انتقل المال إلى وارثه ولم يبطل الأمان فيه، وقال أبو حنيفة يبطل وهو قول الشافعي لأنه قد صار لوارثه ولم يعقد فيه أماناً فوجب أن يبطل فيه كسائر أمواله ولنا أن الأمان حق واجب لازم متعلق بالمال فإذا انتقل إلى الوارث انتقل بحقه كسائر الحقوق من الرهن والضمين والشفعة وهذا اختيار المزني ولأنه مال له أمان فينقل إلى وارثه مع بقاء الأمان فيه كالمال الذي مع مضاربه وإن لم يكن له وارث صار فيئاً لبيت المال كمال الذمي إذا مات وليس له وارث فإن كان له وارث في دار الإسلام لم يرثه ذكره القاضي لاختلاف الدارين والأولى أنه يرثه

فمتى رأى المصلحة جاز له عقدها مدة معلومة وإن طالت، وعنه لا يجوز في زيادة على العشر، فإن زاد على عشر بطل في الزيادة وفي العشر وجهان

لأن ملتهما واحدة فورثه كالمسلمين فإن مات المستأمن في دار الإسلام فهو كموته في دار الحرب سواء لأن المستأمن حربي تجري عليه أحكامهم وإن رجع إلى دار الحرب فسبي واسترق فقال القاضي يكون أمره موقوفاً حتى يعلم آخر أمره فإن مات كان فيئاً لأن الرقيق لا يورث وإن عتق كان له وإن لم يسترق ولكن من عليه الإمام أو فاداه فماله له وإن قتله فماله لورثته كما لو مات إن لم يسب لكن دخل دار الإسلام بغير أمان ليأخذ ماله جاز قتله وسبيه لأن ثبوت الأمان لماله لا يثبت الأمان لنفسه كما لو كان ماله وديعة بدار الإسلام وهو مقيم بدار الحرب (فصل) وإن أخذ المسلم من الحربي في دار الحرب مالاً مضاربه أو وديعة ودخل به دار الاسلام فهو في أمان حكمه حكم ما ذكرنا وإن أخذه ببيع في الذمة أو قرض فالثمن في ذمته عليه أداؤه إليه وإن اقترض حربي من حربي مالاً ثم دخل الينا فأسلم فعليه رد البدل لأنه أخذه على سبيل المعاوضة فأشبه ما لو تزوج حربية ثم أسلم لزمه مهرها (فصل) وإذا سرق المستأمن في دار الإسلام أو قتل أو غصب ثم عاد إلى دار الحرب ثم خرج مستأمناً مرة ثانية استوفي منه ما لزمه في أمانه الأول كما لو لم يدخل دار الحرب وإن اشترى عبداً مسلماً فخرج به إلى دار الحرب ثم قدر عليه لم يغنم لأنه لم يثبت ملكه عليه لكون الشراء باطلاً

وإن هادنهم مطلقا لم يصح

ويرد بائعه الثمن إلى الحرب لأنه حصل في أمان فإن كان العبد تالفاً فعلى الحربي قيمته ويترادان الفضل (فصل) وإذا دخلت الحربية إلينا بأمان فتزوجت ذمياً في دارناً ثم أرادت الرجوع لم تمنع إذا رضي زوجها أو فارقها وقال أبو حنيفة تمنع ولنا أنه عقد لا يلزم الرجل به المقام فلا يلزم المرأة كعقد الاجارة (مسألة) (وإذا أسر الكفار مسلماً فأطلقوه بشرط أن يقيم عندهم مدة لزمه الوفاء لهم ولم يكن له أن يهرب) نص عليه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (المؤمنون عند شروطهم) وقال الشافعي لا يلزمه، وإن أطلقوه وأمنوه صاروا في أمان منه لأن أمانهم له يقتضي سلامتهم منه فإن أمكنه المضي إلى دار الإسلام لزمه وإن تعذر عليه أقام وكان حكمه حكم من أسلم في دار الحرب فإن خرج فأدركوه وتبعوه قاتلهم وبطل الأمان لأنهم طلبوا منه الأمان وهو معصية (مسألة) (فإن لم يشترطوا شيئاً أو شرطوا كونه رقيقاً فله أن يقتل ويسرق ويهرب) أما إذا أطلقوه ولم يؤمنوه فله أن يأخذ منهم ما قدر عليه ويسرق ويهرب لم يؤمنهم ولم يؤمنوه وكذلك إن شرطوا كونه رقيقاً فرضي بذلك أولم يرض لأن كونه رقيقاً حكم شرعي لا يثبت عليه بقوله ولو ثبت لم يقتض أماناً له منهم ولا لهم منه وهذا مذهب الشافعي وإن أحلفوه على ذلك وكان مكرهاً لم تنعقد يمينه وإن كان مختاراً انعقدت يمينه ويحتمل أن تلزمه الإقامة إذا قلنا يلزمه الرجوع إليهم على ما نذكره في المسألة التي بعدها وهو قول الليث

(مسألة) (وإن أطلقوه بشرط أن يبعث إليهم مالاً وإن عجز عنه عاد إليهم لزمه الوفاء لهم إلا أن تكون امرأة فلا ترجع إليهم وقال الخرقي لا يرجع الرجل أيضاً) وجملة ذلك أن الأسير إذا أطلقه الكفار وشرطوا عليه أن يبعث إليهم بفدائه أو يعود إليهم واحلفوه فإن كان مكرهاً لم يلزمه الوفاء لهم برجوع ولا فداء لقول النبي صلى الله عليه وسلم (عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهو عليه، وإن لم يكره وقدر على الفداء الذي شرط على نفسه لزمه أداؤه وبه قال الحسن وعطاء والزهري والنخعي والثوري والاوزاعي ونص الشافعي على أنه لا يلزمه لأنه حر لا يستحقون بدله ولنا قول الله تعالى (وأوفو بعهد الله إذا عاهدتم) ولما صالح النبي صلى الله عليه وسلم أهل الحديبية على رد من جاءه مسلما وفي لهم وقال (إنا لا يصلح في ديننا الغدر) ولأن في الوفاء مصلحة للأسارى وفي الغدر مفسدة في حقهم لأنهم لا يأمنون بعده والحاجة داعية إليه فلزمه الوفاء كما يلزمه الوفاء بعقد الهدنة ولأنه عاهدهم على أداء مال فلزمه الوفاء لهم كثمن المبيع والمشروط في عقد الهدنة في موضع يجوز شرطه فإن عجز عن الفداء وكانت امرأة لم ترجع إليهم ولم يحل لها ذلك لقول الله تعالى (فلا ترجعونهن إلى الكفار) ولأن في رجوعها تسليطاً لهم على وطئها حراماً وقد منع الله رسوله رد النساء إلى الكفار

بعد صلحه على ردهن في قضية الحديبية وفيها فجاء نسوة مؤمنات فنهاهم الله أن يردوهن رواه أبو دواد وغيره وإن كان المفادى رجلا فقيه روايتان (إحداهما) لا يرجع اختاره الخرقي وهو قول الحسن والنخعي والثوري والشافعي لأن الرجوع إليهم معصية فلم يلزم بالشرط كما لو كان امرأة وكما لو شرط قتل مسلم أو شرب الخمر (والثانية) يلزمه وهو قول عثمان والزهري والاوزاعي لما ذكرنا في بعث الفداء ولأن النبي صلى الله عليه وسلم عاهد قريشاً على رد من جاءه مسلما فرد أبا بصير وأبا جندل وقال (إنا لا يصلح في ديننا الغدر) وفارق رد المرأة فإن الله تعالى فرق بينهما في هذا الحكم حين صالح النبي صلى الله عليه وسلم قريشاً على رد من جاءه منهم مسلماً فأمضى الله سبحانه ذلك في الرجال ونسخه في النساء وسنذكر الفرق بينهما في هذا الباب الذي بعده انشاء الله تعالى (فصل) فإن اشترى الأسير شيئاً مختاراً أو اقترضه فالعقد صحيح ويلزمه الوفاء لهم لأنه عقد معاوضة فأشبه مالو فعله غير الأسير وإن كان مكرهاً لم يصح وإن أكرهوه على قبضه لم يضمنه ولكن عليه رده إليهم إن كان باقيا لأنهم دفعوه إليه بحكم العقد وإن قبضه باختياره ضمنه لأنه قبضه باختياره عن عقد فاسد وإن باعه والعين قائمة لزمه ردها وإن عدمت رد قيمتها (فصل) وإذا اشترى المسلم أسيرا من أيدي العدو فإن كان بإذنه لزمه أن يؤدي إلى الذي اشتراه ما أداه فيه بغير خلاف علمناه لأنه إذا أذن فيه كان نائبه في شراء نفسه فكان الثمن على الآمر كالوكيل، وإن كان بغير إذنه لزم الأسير الثمن أيضاً وبه قال الحسن والزهري والنخعي

وإن شرط رد من جاء من الرجال مسلما جاز، ولا يمنعهم أخذه ولا يجبره على ذلك، وله أن يأمرهم بقتالهم والفرار منهم

ومالك والاوزاعي، وقال الثوري والشافعي وابن المنذر لا يلزمه لأنه تبرع بما لا يلزمه ولم يؤذن له فيه أشبه ما لو عمر داره ولنا ما روى سعيد بن عثمان بن مطر ثنا أبو جرير عن الشبعي (الشعبي) قال أغار أهل ماه وأهل جلولاء على العرب فأصابوا سبايا العرب فكتب السائب بن الأكوع إلى عمر في سبايا المسلمين ورقيقهم ومتاعهم فكتب عمر: أيما رجل أصاب رقيقه ومتاعه بعينه فهو أحق به من غيره، وإن أصابه في أيدي التجار بعد ما قسم فلا سبيل إليه. وأيما حر اشتراه التجار فإنه يرد إليهم رؤوس أموالهم فإن الحر لا يباع ولا يشترى. فحكم للتجار برؤوس أموالهم، ولأن الأسير يجب عليه فداء نفسه ليتخلص من حكم الكفار فإذا ناب عنه غيره في ذلك وجب عليه قضاؤه كما لو قضى الحاكم عنه حقاً امتنع من أدائه، فعلى هذا إذا اختلفا في قدر الثمن فالقول قول الأسير وهو قول الشافعي إذا أذن له، وقال الأوزاعي القول قول المشتري لأنهما اختلفا في فعله وهو أعلم به ولنا ان الأسير منكر للزيادة والقول قول المنكر ولأن الأصل براءة ذمته من الزيادة فيرجح قوله بالأصل (فصل) ويجب فداء أسير المسلمين إذا أمكن وبه قال عمر بن عبد العزيز ومالك وإسحاق. ويروى عن ابن الزبير أنه سأل الحسن بن علي رضي الله عنهما على من فكاك الأسير؟ قال على الأرض التي يقاتل عليها وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (أطعموا الجائع وعودوا المريض وفكوا العاني)

وروى سعيد بإسناده عن حبان بن أبي جبلة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إن على المسلمين في فيئهم أن يفادوا أسيرهم ويؤدوا عن غارمهم) وفادي رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلين من المسلمين بالرجل الذي أخذه من بني عقيل، وفادى بالمرأة التي استوهب من سلمة بن الاكوع رجلين. ويجب فداء أسير أهل الذمة سواء كانوا في معونتنا أو لا هذا ظاهر كلام الخرقي وهو قول عمر بن عبد العزيز والليث لأننا التزمنا حفظهم بمعاهدتهم وأخذ جزيتهم فلزمنا المدافعة من ورائهم والقيام دونهم فإذا عجزنا عن ذلك وأمكننا تخليصهم لزمنا ذلك كمن يحرم عليه إتلاف شئ فإذا أتلفه ضمن غرمه وقال القاضي إنما يجب فداؤهم إذا استعان بهم الامام في قتالهم فسبوا وجب عليه ذلك لأن أسرهم كان لمعنى من جهته وهو المنصوص عن أحمد، ومتى وجب فداؤهم فإنه يبدأ بفداء المسلمين قبلهم لأن حرمة المسلم أعظم والخوف عليه أشد وهو معرض لفتنته عن دينه الحق بخلاف أهل الذمة

وعلى الإمام حماية من هادنه من المسلمين دون غيرهم وإن سباهم كفار آخرون لم يجز لنا شراؤهم

(باب الهدنة) ومعناها أن يعقد الإمام أو نائبه عقداً على ترك القتال مدة بعوض وبغير عوض ويسمى مهادنة وموادعة ومعاهدة وهي جائزة لقوله تعالى (براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين) وقوله تعالى (فإن جنحوا للسلم فاجنح لها) وروى مروان والمسور بن مخرمة أن النبي صلى الله عليه وسلم صالح سهيل بن عمرو على وضع القتال عشر سنين، ولأنه قد يكون بالمسلمين ضعف فيهادنهم حتى يقوى المسلمون، وإنما تجوز للنظر للمسلمين أما لضعفهم عن القتال أو للطمع في إسلامهم بهدنتهم أو في أدائهم الجزية أو غير ذلك من المصالح، وتجوز على غير مال لأن النبي صلى الله عليه وسلم صالح يوم الحديبية على غير مال، وتجوز على مال يأخذه منهم فإنها إذا جازت على غير مال فعلى مال أولى، فأما إن صالحهم على ما يبذله لهم فقد أطلق أحمد القول بالمنع منه وهو مذهب الشافعي لأن فيه صغاراً للمسلمين قال شيخنا وهذا محمول على غير حال الضرورة مثل أن يخاف على المسلمين الهلاك والاسر فيحوز لأنه يجوز للأسير فداء نفسه بالمال كذا هذا. ولأن بذل المال وإن كان صغارا ًفإنه يجوز تحمله لدفع صغار أعظم منه وهو القتل والأسر وسبي الذرية الذين يفضي سبيهم إلى كفرهم

وقد روى عبد الرزاق في المغازي عن الزهري قال أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عبينة بن حصن وهو مع أبي سفيان يعني يوم الأحزاب (أرأيت إن جعلت لك ثلث ثمر الأنصار أترجع بمن معك من غطفان وتخذل بين الأحزاب؟) فأرسل إليه عبينة إن جعلت لي الشطر فعلت قال فحدثني ابن أبي نجيح أن سعد بن معاذ وسعد بن عبادة قالا يا رسول الله والله لقد كان يجر سرمه في الجاهلية في عام السنة حول المدينة ما يطيق أن يدخلها فالآن حين جاء الله بالإسلام نعطيهم ذلك؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم (فنعم إذا) ولولا أن ذلك جائز لما بذله النبي صلى الله عليه وسلم (مسألة) (ولا يجوز عقد الهدنة إلا من الإمام أو نائبه) لأنه عقد مع جملة الكفار وليس ذلك لغيره ولأنه يتعلق بنظر الإمام وما يراد من المصلحة على ما قدمنا، ولأن تجويزه لغير الإمام يتضمن تعطيل الجهاد بالكلية أو إلى تلك الناحية وفيه إفتيات على الإمام، فإن هادنهم غير الإمام أو نائبه لم يصح، فإن دخل بعضم دار الإسلام بهذا الصلح كان آمناً لأنه دخل معتقداً للأمان ويرد إلى دار الحرب ولا يقر في دار الإسلام لأن الأمان لم يصح، وإن عقد الإمام الهدنة ثم مات أو عزل لم ينتقض عهده وعلى من بعده الوفاء به لان الإمام عقده باجتهاده فلم يجز نقضه اجتهاد غيره كما لا يجوز للحاكم نقض أحكام من قبله باجتهاده، وإذا عقد الهدنة لزمه الوفاء بها لقول الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) وقال تعالى (فأتموا إليهم عهدهم إلى

باب عقد الذمة

مدتهم) ولأنه إذا لم يف بها لم يسكن إلى عهده وقد يحتاج إلى عقدها (فصل) فان نقضوا العهد بقتال أو مظاهرة أو قتل مسلم أو أخذ مال انتقض عهدهم لأن الهدنة تقتضي الكف فانتقضت بتركه ولا يحتاج في نقضها إلى حكم الإمام لأنه إنما يحتاج إلى حكمه في أمر محتمل وفعلهم لا يحتمل غير نقض العهد وإذا انتقض جاز قتالهم لقول الله تعالى (وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر) الآيتين. وقال تعالى (فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم) ولما نقضت قريش عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سار إليهم وقاتلهم وفتح مكة، وإن نقض بعضهم دون بعض فسكت باقيهم عن الناقض ولم يوجد منهم انكار ولا مراسلة الإمام ولا تبرؤ فالكل ناقضون لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما هادن قريشاً دخلت خزاعة في حلف النبي صلى الله عليه وسلم وبنو بكر في حلف قريش فعدت بنو بكر على خزاعة وأعانهم بعض قريش وسكت الباقون فكان ذلك نقص عهدهم وسار إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقاتلهم ولأن سكوتهم يدل على رضاهم كما أن عقد الهدنة مع بعضهم يدخل فيه جميعهم لدلالة سكوتهم على رضاهم كذلك في النقض، فإن أنكر من لم ينقض على الباقين بقول أو فعل ظاهر أو اعتزال أو راسل الإمام بأني منكر لما فعله الناقض مقيم على العهد لم ينتقض في حقه ويأمره الإمام بالتمييز ليأخذ الناقض وحده فإن امتنع من التميز أو إسلام الناقض صار ناقضاً لأنه منع من أخذ الناقض فصار بمنزلته، وإن

ولا يجوز عقدها إلا لأهل الكتاب، وهم اليهود والنصارى، ومن يوافقهم في التدين بالتوراة الإنجيل، كالسامرة والفرنج، ومن له شبهة كتاب وهم المجوس، وعنه يجوز عقدها لجميع الكفار إلا عبدة الأوثان من العرب

لم يمكنه التميز لم ينتقض عهده لأنه كالأسير. فإن أسر الإمام منهم قوماً فادعى الأسير أنه لم ينقض وأشكل ذلك عليه قبل قول الأسير لأنه لا يتوصل إلى ذلك إلا من قبله (مسألة) (فمتى رأى المصلحة جاز له عقدها مدة معلومة وإن طالت وعنه لا يجوز في زيادة على العشر فإن زاد على عشر بطل في الزيادة وفي العشر وجهان) إذا رأى الإمام المصلحة في عقد الهدنة جاز عقدها لما ذكرنا من أن النبي صلى الله عليه وسلم هادن قريشاً ولا يجوز عقدها إذا لم يرى المصلحة فيه لأنه يتصرف لهم على وجه النظر أشبه ولى اليتيم ولايجوز عقدها إلا على مدة معلومة لأن مهادنتهم مطلقاً تفضي إلى تعطيل الجهاد بالكلية لكونها تقتضي التأييد فلم يجز ذلك وتجوز على المدة القصيرة والطويلة على حسب ما يراه الإمام من المصلحة في إحدى الروايتين وبهذا قال أبو حنيفة لأنه عقد يجوز في العشر فجاز في الزيادة عليها كعقد الإجارة (والرواية الثانية) لا يجوز على أكثر من عشر سنين قال القاضي وهو ظاهر كلام أحمد واختاره أبو بكر وهو مذهب الشافعي لأن قوله تعالى (اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) عام خص منه مدة العشر لمصالحة النبي صلى الله عليه وسلم قريشاً يوم الحديبية عشراً فما زاد يبقى على مقتضى العموم فعلى هذا إن زاد على العشر يبطل في الزيادة وهل يبطل في العشر؟ على وجهين بناء على تفريق الصفقة وكذلك إن هادنهم أكثر من قدر الحاجة

(مسألة) (وإن هادنهم مطلقاً لم يصح) لأن ذلك يقتضي التأبيد فيفضي إلى ترك الجهاد بالكلية وذلك لا يجوز (مسألة) (وإن شرط فيها شرطاً فاسداً كنقضها متى شاء أو رد النساء إليهم أو صداقهن أو سلاحهم أو ادخالهم الحرم لم يصح الشرط وفي العقد وجهان) الشروط في عقد الهدنة تنقسم قسمين صحيح وفاسد فالفاسد مثل أن يشترط نقضها لمن شاء منهما فلا يصح ذلك لأنه يفضي الى ضد المقصود منها وإن قال هادنتكم ما شئتم لم يصح لأنه جعل الكفار متحكمين على المسلمين، وإن قال ما شئنا أو شاء فلان أو شرط ذلك لنفسه دونهم لم يجز أيضاً ذكره أبو بكر لأنه ينافي مقتضى العقد فلم يصح كما لو شرط ذلك في البيع والنكاح وقال القاضي يصح وهذا قول الشافعي لأن النبي صلى الله عليه وسلم صالح أهل خيبر على أن يقرهم ما أقرهم الله تعالى ولنا أنه عقد لازم فلم يجز اشتراط نقضه كسائر العقود اللازمه ولم يكن بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أهل خيبر هدنة فإنه فتحها عنوة وإنما ساقاهم وقال لهم ذلك وإنما يدل ذلك على جواز المساقاة وليس هو بهدنة اتفاقاً، وقد واقفوا الجماعة في أنه لو شرط في عقد الهدنة إني أقركم ما أقركم الله لم يصح فكيف يصح منهم الاحتجاج به مع الإجماع على أنه لا يجوز اشتراط؟ وكذلك إن شرط رد النساء المسلمات إليهم

أو مهورهن أو رد سلاحهم أو إعطائهم شيئاً من سلاحنا أو من آلة الحرب أو يشرط لهم مالا في موضع لا يجوز بذله أو يشترط رد الصبيان أو رد الرجال مع عدم الحاجة إليه فهذه كلها شروط فاسدة وكذلك إن شرط ادخالهم الحرم لقول الله تعالى (إنما المشركون نجس فلا يقربو المسجد الحرام بعد عامهم هذا) ولا يجوز الوفاء بشئ من هذه الشروط وإنما لم يصح شرط رد النساء المسلمات لقول الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنونهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار) وقال النبي صلى الله عليه وسلم (إن الله منع الصلح في النساء) وتفارق المرأة الرجل من ثلاثة أوجه (أحدها) أنها لا تأمن أن تزوج كافراً يستحلها أو يكرهها من ينالها واليه أشار الله سبحانه بقوله (لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن) (الثاني) إنها ربما فتنت عن دينها لأنها أضعف قلباً وأقل معرفة من الرجل (الثالث) أن المرأة لا يمكنها الهرب عادة بخلاف الرجل ولا يجوز رد الصبيان العقلاء إذا جاءوا مسلمين لانهم بمنزلة المرأة في ضعف العقل والمعرفة والعجز عن التخلص والهرب، فأما الطفل الذي لا يصح اسلامه فيجوز شرط رده لأنه ليس بمسلم وهل يفسد العقد بالشروط الفاسدة؟ على وجهين بناء على الشروط الفاسدة في البيع إلا فيما إذا شرط أن لكل واحد منهما نقضها متى شاء فينبغي أن لا يصح العقد وجهاً واحداً لأن طائفة الكفار يبنون على هذا الشرط فلا يحصل الأمن منهم ولا أمنهم

منا فيفوت معنى الهدنة ومتى وقع العقد باطلا فدخل بعض الكفار دار الإسلام معتقداً للأمان كان آمناً لأنه دخل بناء على العقد ويرد إلى دار الحرب ولا يقر في دار الإسلام لأن الأمان لم يصح (فصل) وإذا عقد الهدنة من غير شرط فجاءنا منهم إنسان مسلماً أو بأمان لم يجب رده إليهم ولم يجز ذلك سواء كان حرا أو عبدا أو رجلاً أو امرأة ولا يجب رد مهر المرأة، وقال أصحاب الشافعي إن خرج العبد إلينا لم يصر حراً لأنهم في أمان منا والهدنة تمنع من جواز القهر وقال الشافعي في قول له: إذا جاءت امرأة مسلمة وجب رد مهرها لقول الله تعالى (وآتوهم ما أنفقوا) يعني رد المهر إلى زوجها إذا جاء يطلبها وإن جاء غيره لم يرد اليه شئ ولنا أنه من غير أهل دار الإسلام خرج إلينا فلم يجب رده ولا رد شئ عنه كالحر من الرجال وكالعبد إذا خرج ثم أسلم، قولهم إنهم في أمان منا. قلنا إنما أمناهم ممن هو في دار الإسلام الذين هم في قبضة الامام فأما من هو في دارهم ومن ليس في قبضته فلا يمنع منه بدليل ما لو خرج العبد قبل إسلامه ولهذا لما قتل أبو بصير الرجل الذي جاء ليرده لم ينكره النبي صلى الله عليه وسلم ولم يضمنه ولما انفرد هو وأبو جندل وأصحابهما عن النبي صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية فقطعوا الطريق عليهم وقتلوا من قتلوا منهم واخذوا المال لم ينكر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يأمرهم برد ما أخذوه ولا غرامه ما أتلفوه وهذا الذي أسلم كان في دارهم وقبضتهم وقهرهم على نفسه فصار حراً كما لو أسلم بعد خروجه وأما المرأة فلا يجب رد مهرها لأنها لم تأخذ منهم شيئاً ولو أخذته كانت قد قهرتهم عليه في

فأما الصابئ فينظر فيه، فإن انتسب إلى أحد الكتابين فهو من أهله، وإلا فلا

دار القهر، ولو وجب عليها عوضه لوجب مهر المثل دون المسمى، وأما الآية فقد قال قتادة نسخ رد المهر، وقال عطاء والزهري والثوري لا يعمل بها اليوم، وعلى أن الآية إنما نزلت في قضية الحديبية حين كان النبي صلى الله عليه وسلم شرط رد من جاءه مسلما، فلما منع الله رد النساء وجب رد مهورهن، وكلامنا فيما إذا وقع الصلح من غير شرط فليس هو في معنى ما تناوله الأمر، وإن وقع الكلام فيما إذا شرط رد النساء لم يصح أيضاً لأن الشرط الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم شرطه كان صحيحاً وقد نسخ فإذا شرط الآن كان باطلاً ولا يجوز قياسه على الصحيح والالحاق به. (مسألة) (وإن شرط رد من جاء من الرجال مسلماً جاز ولا يمنعهم أخذه ولا يجبره على ذلك وله أن يأمرهم بقتالهم والفرار منهم) . قد ذكر قسم الشروط الفاسدة والشروط الصحيحة مثل أن يشترط عليهم مالاً أو معونة المسلمين عند حاجتهم إليهم أو يشترط رد من جاء من الرجال مسلماً أو بأمان فهذا صحيح وقال أصحاب الشافعي لا يصح شرط رد المسلم إلا أن تكون له عشيرة تحميه وتمنعه ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم شرط ذلك في صلح الحديبية ووفى لهم به فرد أبا جندل وأبا بصير ولم يخص بالشرط ذا العشيرة ولأن ذا العشيرة إذا كانت عشيرته هي التي تفتنه وتؤذيه فهو كمن لا عشيرة له لكن إنما يجوز هذا الشرط عند شدة الحاجة إليه وتعين المصلحة فيه ومتى شرط لهم ذلك لزم الوفاء به بمعنى أنهم إذا جاءوا في طلبه لم يمنعهم أخذه ولا يجبره عل المضي معهم، وله أن يأمره سراً بالهرب.

ومن تهود أو تنصر بعد بعث نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أو ولد بين أبوين لا تقبل الجزية من حدهما، فعلى وجهين

منهم ومقاتلتهم فان أبا بصير لما جاء النبي صلى الله عليه وسلم وجاء الكفار في طلبه قال له النبي صلى الله عليه وسلم (إنا لا يصلح في ديننا الغدر وقد علمت ما عاهدناهم عليه ولعل الله أن يجعل لك فرجاً ومخرجاً) فلما رجع مع الرجلين قتل أحدهما في طريقه ثم رجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول قد أوفى الله ذمتك قد رددتني إليهم وأنجاني الله منهم فلم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم ولم يلمه بل قال (ويل أمه مسعر حرب لو كان معه رجال) فلما سمع ذلك أبو بصير لحق بساحل البحر وأنحاز إليه أبو جندل بن سهيل ومن معه من المستضعفين بمكة، فجعلوا لا تمر عير لقريش إلا عرضوا لها فأخذوها وقتلوا من معها، فارسلت قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم تناشده الله والرحم ان يضمهم إليه ولا يرد إليهم أحداً جاءه ففعل، فيجوز حينئذ لمن أسلم من الكفار أن يتحيزوا ناحية ويقتلوا من قدروا عليه من الكفار ويأخذوا أموالهم ولا يدخلون في الصلح، فإن ضمهم الإمام إليه بإذن الكفار دخلوا في الصلح وحرم عليهم قتل الكفار وأخذ اموالهم، وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه لما جاء أبو جندل إلى النبي صلى الله عليه وسلم هارباً من الكفار يرسف في قيوده قام إليه أبوه فلطمه وجعل يرده قال عمر فقمت إلى جانب أبي جندل وقلت إنهم الكفار وإنما دم أحدهم دم كلب وجعلت أدني منه قائم السيف لعله أن يأخذه فيضرب به أباه قال فضن الرجل بأبيه، (فصل) وإذا طلبت امرأة أو صبية مسلمة الخروج من عند الكفار جاز لكل مسلم إخراجها لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج من مكة وقفت ابنة حمزة على الطريق فلما مر بها علي قالت يا ابن عم إلى من تدعني فتناولها فدفعها إلى فاطمة حتى قدم بها المدينة.

(مسألة) (وعلى الامام حماية من هادنه من المسلمين دون غيرهم وإن سباهم كفار آخرون لم يجز لنا شراؤهم) . وذلك أن الإمام إذا عقد الهدنة لقوم فعليه حمايتهم من المسلمين وأهل الذمة، لأنه امنه ممن هو في قبضته وتحت يده كما أمن من في قبضته منهم، ومن أتلف من المسلمين أو من أهل الذمة عليهم شيئاً فعليه ضمانه ولا يلزمه حمايتهم من أهل الحرب ولا حماية بعضهم من بعض، لأن الهدنة التزام الكف عنهم فقط، فإن أغار عليهم قوم آخرون فسبوهم لم يلزمه استنقاذهم وليس للمسلمين شراؤهم لأنهم في عهدهم ولا يجوز لهم شراؤهم ولا استرقاقهم، وذكر عن الشافعي ما يدل على هذا ويحتمل جواز ذلك، وهو مذهب أبي حنيفة لأنه لا يجب عليه من يدفع عنهم فلم يحرم استرقاقهم بخلاف أهل الذمة، فعلى هذا إن استولى المسلمون على الذين اشتروهم وأخذوا اموالهم لم يلزم رده إليهم على هذا القول، ومقتضى القول الأول وجوب رده كما يجب رد أموال أهل الذمة. (مسألة) (وإن خاف نقض العهد منهم نبذ إليهم عهدهم لقول الله تعالى (وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليم على سواء) . أي أعلمهم بنقض عهدهم حتى تصير أنت وهم سواء في العلم، ولا يكفي وقوع ذلك في قلبه حتى يكون عن امارة تدل عليه، ولا يفعل ذلك إلا الإمام لأن نقضها لخوف الخيانة يحتاج إلى نظر واجتهاد فافتقر إلى الحاكم ومتى

ومصرفه مصرف الجزية اختاره القاضي

نقضها وفي دارنا منهم أحد وجب ردهم إلى مأمنهم لانهم دخلوا بأمان فوجب ردهم إلى مأمنهم كما لو أفردهم بالأمان، وإن كان عليهم حق استوفي منهم، ولا يجوز أن يبدأهم بقتال ولا غارة قبل إعلامهم بنقض العهد للآية، ولأنهم آمنون منه بحكم العهد فلا يجوز قتلهم ولا أخذ مالهم، فإن قيل فقد قلتم أن الذمي إذا خيف منه الخيانة لم ينتقض عهده؟ قلنا عقد الذمة آكد لأنه يجب على الإمام إجابتهم إليه وهو نوع معاوضة وعقده مؤبد يخلاف الهدنة والأمان، ولهذا لو نقض بعض أهل الذمة لم ينتقض عهد الباقين بخلاف الهدنة، ولأن أهل الذمة في قبضه الإمام وتحت ولايته ولا يخشى الضرر كثيراً من نقضهم بخلاف أهل الهدنة فإنه يخشى منهم الغارة والضرر الكثير (فصل) ومن أتلف منهم شيئاً على مسلم فعليه ضمانه وإن قتله فعليه القصاص وإن قذفه فعليه الحد، لأن الهدنة تقتضي أمان المسلمين منهم وأمانهم من المسلمين في النفس والمال والعرض فلزمهم ما يجب في ذلك ومن شرب منهم خمراً أو زنى لم يحد لأنه حق لله تعالى ولم يلتزموه بالهدنة، وإن سرق مال مسلم ففيه وجهان (أحدهما) لا يقطع لأنه حد خالص لله تعالى أشبه حد الزنا (والثاني) يقطع لأنه يجب صيانة لحق الآدمي فهو كحد القذف (فصل) وإذا نقضوا العهد حلت دماؤهم وأموالهم وسبي ذراريهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قتل رجال بني قريظة حين نقضوا عهدهم وسبى ذراريهم وأخذ أموالهم ولما هادن قريشاً فنقضوا عهده حل له منهم ما كان حرم عليه منهم، ولأن الهدنة عقد مؤقت ينتهي بانقضاء مدته فيزول بنقضه وفسخه كعقد الإجارة بخلاف عقد الذمة

ولا يؤخذ ذلك من كتابي غيرهم، وقال القاضي: تؤخذ من نصارى العرب ويهودهم

(باب عقد الذمة) لا يجوز عقد الذمة إلا من الإمام أو نائبه وبهذا قال الشافعي، ولا نعلم فيه خلافاً لأن ذلك يتعلق بنظر الإمام وما يراه من المصلحة، ولأنه عقد مؤبد فلم يجز أن يفتات به على الإمام، فإن فعله غيرهما لم يصح لكن إن عقده على مال لا يجوز أن يطلب منهم أكثر منه لزم الإمام إجابتهم إليه وعقدها عليه، والأصل في جواز عقد الذمة وأخذ الجزية الكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب فقول الله تعالى (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) وأما السنة فما روى المغيرة بن شعبة رضي الله عنه انه قال لجند كسرى يوم نهاوند: أمرنا نبينا رسول ربنا أن نقاتلكم حتى تعبدوا الله وحده، أو تؤدوا الجزية رواه البخاري: وعن بريدة رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث أميراً على سرية أو جيش أوصاه بتقوى الله في خاصة نفسه وبمن معه من المسلمين خيراً وقال له إذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى إحدى خصال ثلاث ادعهم إلى الإسلام، فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، فإن أبوا فادعهم إلى إعطاء الجزية، فإن أجابوك فاقبل منه وكف عنهم، فإن أبوا فاستعن بالله وقاتلهم) رواه مسلم في أخبار كثيرة وأجمع المسلمون على جواز أخذ الجزية في الجملة (مسألة) (ولا يجوز عقدها إلا لأهل الكتاب وهم اليهود والنصارى ومن يوافقهم في التدين

بالتوارة والإنجيل كالسامرة والفرنج ومن له شبهة كتاب وهم المجوس وعنه يجوز عقدها لجميع الكفار إلا عبدة الأوثان من العرب) وجملة ذلك أن الذين تقبل منهم الجزية صنفان أهل كتاب ومن له شبهة كتاب في ظاهر المذهب فأهل الكتاب اليهود والنصارى ومن دان بدينهم كالسامرة يدينون بالتوارة ويعملون بشريعة موسى وإنما خالفوهم في فروع دينهم وفرق النصارى من اليعقوبية والنسطورية والملكية والفرتج والروم والأرمن وغيرهم ممن دان بالأنجيل وانتسب إلى دين عيسى والعمل بشريعته فكلهم من أهل الأنجيل ومن عدا هؤلاء من الكفار فليسوا من أهل الكتاب بدليل قوله تعالى (أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا) فأما أهل صحف إبراهيم وشيث وزبور داود فلا تقبل منهم الجزية لأنهم من غير الطائفتين ولأن هذه الصحف لم تكن فيها شرائع إنما هي مواعظ وأمثال كذلك وصف النبي صلى الله عليه وسلم صحف إبراهيم وزبور داود في حديث أبي ذر، وأما الذين لهم شبهة كتاب فهم المجوس فإنه يروى أنه كان لهم كتاب فرفع فصار بذلك شبهة أوجبت حقن دمائهم وأخذ الجزية منهم ولم ينتهض في إباحة نكاح نسائهم ولا ذبائحهم هذا قول أكثر أهل العلم ونقل عن أبي ثور أنهم من أهل الكتاب وتحل ذبائحهم ونساؤهم لما روي عن علي رضي الله عنه أنه قال أنا أعلم الناس بالمجوس كان لهم علم يعلمونه وكتاب يدرسونه وإن ملكهم سكر فوقع على ابنته أو أخته فاطلع عليه بعض أهل مملكته فلما صحا جاءوا يقيمون عليه الحد فامتنع منهم ودعي أهل مملكته وقال أتعلمون ديناً خيراً من دين آدم وقد أنكح بنيه بناته؟ فأنا على دين آدم قال فتابعه قوم وقاتلوا الذين يخالفونه حتى قتلوهم فأصبحوا وقد أسري بكتابهم ورفع العلم الذي

ولا جزية على صبي، ولا امرأة ولا مجنون ولا زمن ولا أعمى ولا عبد، ولا فقير يعجز عنها

في صدورهم فهم أهل كتاب وقد أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر - وأراه قال - وعمر منهم الجزية رواه الشافعي وسعيد وغيرهما ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال سنوا بهم سنة أهل الكتاب ولنا قول الله تعالى (ان تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا) والمجوس من غير الطائفتين، وقول النبي صلى الله عليه وسلم (سنوا بهم سنة أهل الكتاب) فدل على أنهم غيرهم وروى البخاري بإسناده عن بجالة أنه قال: ولم يكن عمر رضي الله عنه أخذ الجزية من المجوس حتى قال له عبد الرحمن بن عوف أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذها من مجوس هجر ولو كانوا اهل كتاب لما وقف عمر في أخذ الجزية منهم مع أمر الله تعالى بأخذ الجزية من أهل الكتاب. وما ذكروه هو الذي صار لهم به شبهة كتاب. وما رووه عن علي فقد قال أبو عبيد لا أحسبه محفوظاً ولو كان له أصل لما حرم النبي صلى الله عليه وسلم نساءهم وهو كان أولى بعلم ذلك، ويحوز أن يصح هذا الذي ذكر عن علي مع تحريم نسائهم لأن الكتاب المبيح لذلك هو الكتاب المنزل على إحدى الطائفتين وليس هؤلاء منهم ولأن كتابهم رفع فلم ينتهض للإباحة وثبت به حقن دمائهم، فأما قول أبي ثور في حل ذبائحهم ونسائهم فيخالف الإجماع فلا يلتفت إليه، وقول النبي صلى الله عليه وسلم (سنو بهم سنة أهل الكتاب) أي في أخذ الجزية منهم إذا ثبت ذلك فإن أخذ الجزية من أهل الكتابين والمجوس اذا لم يكونوا من العرب ثابت بالإجماع لا نعلم فيه خلافا فان الصحابة رضي الله عنه أجمعوا على ذلك وعمل به الخلفاء الراشدون ومن بعدهم مع دلالة الكتاب العزيز على أخذ الجزية من أهل الكتابين ودلالة السنة المذكورة على أخذها من المجوس فإن كانوا من العرب فحكمهم حكم العجم فيما ذكرنا وبه قال مالك والشافعي والاوزاعي وأبو ثور وابن المنذر وقال أبو يوسف لا تؤخذ الجزية من العرب لأنهم شرفوا بكونهم من رهط النبي صلى الله عليه وسلم

ولنا عموم الآية وأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث خالد بن الوليد إلى دومة الجندل فأخذ أكيدر دومة فصالحه على الجزية وهو من العرب رواه ابودواد وأخذ الجزية من نصارى نجران وهم عرب وبعث معاذاً إلى اليمن فقال إنك تأتي قوماً من أهل كتاب وأمره أن يأخذ من كل حالم ديناراً ولو كانوا عرباً ولأن ذلك إجماع فإن عمر أراد أخذ الجزية من نصارى بني تغلب وابوا ذلك وسألوه أن يأخذ منهم مثلما يأخذ من المسلمين فأبى ذلك عليهم حتى لحقوا بالروم ثم صالحهم على ما يأخذ منهم عوضاً عن الجزية فالمأخوذ منهم جزية غير أنه على غير صفة جزية غيرهم ولم ينكر ذلك أحد فكان إجماعاً. وقد ثبت بطريق القطع أن كثيراً من نصارى العرب ويهودهم كانوا في عصر الصحابة في بلاد الإسلام ولايجوز إقرارهم فيها بغير جزية فثبت يقيناً انهم أخذوا الجزية منهم (فصل) ولا يجوز عقد الذمة المؤبدة إلا بشرطين (أحدهما) التزام إعطاء الجزية في كل حول (والثاني) التزام أحكام الإسلام وهو قبول ما يحكم به عليهم من أداء حق أو ترك محرم لقول الله تعالى (حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) ولقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث بريدة (فادعهم إلى أداء الجزية فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم) ولا تعتبر حقيقة الإعطاء ولا جريان الأحكام لأن الإعطاء إنما يكون في آخر الحول والكف عنهم في ابتدائه عند البذل. والمراد بقوله تعالى (حتى يعطوا الجزية عن يد) أي يلتزموا وهذا كقوله (فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم) فإن المراد به التزام ذلك فإن الزكاة إنما يجب أداؤها عند الحول

(فصل) فأما غير اليهود والنصارى والمجوس من الكفار فلا تقبل منهم الجزية ولا يقرون بها ولا يقبل منهم إلا الإسلام أو القتل هذا ظاهر المذهب. وروى عنه الحسن بن ثواب أنها تقبل من جميع الكفار إلا عبدة الأوثان من العرب لأن حديث بريدة يدل بعمومه على قبول الجزية من كل كافر إلا أنه خرج منه عبدة الأوثان من العرب لتغليظ كفرهم من وجهين (أحدهما) دينهم (والثاني) كونهم من رهط النبي صلى الله عليه وسلم. وقال الشافعي لا تقبل الجزية إلا من أهل الكتاب والمجوس لكن في أهل الكتب غير اليهود والنصارى مثل أهل صحف إبراهيم وشيث وزبور داود ومن تمسك بدين آدم وجهان (أحدهما) يقرون بالجزية لأنهم أهل كتاب فأشبهوا اليهود والنصارى. وقال أبو حنيفة تقبل من جميع الكفار إلا العرب لأنهم رهط النبي صلى الله عليه وسلم فلا يقرون على غير دينه وغيرهم يقر بالجزية لأنه يقر بالاسترقاق فأقر بالجزية كالمجوس. وعن مالك أنها تقبل من جميعهم إلا مشركي قريش لأنهم ارتدوا. وعن الاوزاعي وسعيد بن عبد العزيز أنها تقبل من جميعهم وهو قول عبد الرحمن ابن يزيد بن جابر لحديث بريدة ولأنه كافر فأقر بالجزية كأهل الكتاب ولنا قول الله تعالى (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) وقول النبي صلى الله عليه وسلم (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فاذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم الا بحقها) وهذا عام خص منه جميع أهل الكتاب بالآية والمجوس بالسنة فمن عداهم من الكفار يبقى على قضية العموم وقد بينا أن أهل الصحف من غير أهل الكتاب المراد بالآية

(فصل) وإذا عقد الذمة لكفار زعموا انهم أهل كتاب ثم تبين أنهم عبدة أوثان فالعقد باطل من أصله وإن شككنا فيهم لم ينتقض عهدهم بالشك لأن الأصل صحته فإن أقر بعضهم بذلك دون بعض قبل من المقر في نفسه فانتقض عهده وبقي فيمن لم يقر بحاله (مسألة) (فأما الصابئ فينظر فيه فإن انتسب إلى أحد الكتابين فهو من أهله وإلا فلا) اختلف أهل العلم في الصابئين فروي عن أحمد أنهم جنس من النصارى وقال في موضع آخر بلغني أنهم يسبتون فإذا اسبتوا فهم من اليهود وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال هم يسبتون وقال مجاهد هم بين اليهود والنصارى وقال السدي والربيع هم بين أهل الكتاب وتوقف الشافعي في أمرهم والصحيح ما ذكر ههنا من أنه ينظر فيهم فإن كانوا يوافقون أحد أهل الكتابين في نبيهم وكتابهم فهم منهم، وإن خالفوهم في ذلك فليسوا منهم ويروى عنهم أنهم يقولون الفلك حي ناطق وإن الكواكب السبعة آلهة فإن كانوا كذلك فهم كعبدة الأوثان (مسألة) (ومن تهود أو تنصر بعد بعث نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أو ولد بين أبوين لا يقبل الجزية من أحدهما فعلى وجهين) (أحدهما) أنه لا فرق بين من دخل في دينهم قبل تبديل كتابهم أو بعده ولا بين أن يكون ابن كتابيين أو كتابي ووثني وهذا ظاهر كلام الخرقي وقال أبو الخطاب من دخل في دينهم بعد تبديل كتابهم لم تقبل منهم الجزية لأنه دخل في دين باطل ومن ولد بين أبوين احدهما تقبل من

ومن بلغ أو أفاق أو استغنى، فهو من أهلها بالعقد الأول، ويؤخذ منه في آخر الحول بقدر ما أدرك

الجزية والآخر لا تقبل منه ففيه وجهان وهذا مذهب الشافعي والصحيح الأول لعموم النص فيهم ولأنهم من أهل دين تقبل منه الجزية فيقرون بها كغيرهم وإنما تقبل منهم الجزية إذا كانوا مقيمين على ما عوهدوا عليه من بذل الجزية والتزام أحكام الملة لأن الله تعالى أمر بقتالهم حتى يعطوا الجزية أي يلتزموا أداءها فما لم يوجد ذلك يبقوا على إباحة دمائهم وأموالهم (مسألة) (ولا تؤخذ الجزية من نصارى بني تغلب وتؤخذ الزكاة من أموالهم مثلي ما تؤخذ من أموال المسلمين) بنو تغلب بن وائل من العرب من ولد ربيعة بن نزار انتقلوا في الجاهلية إلى النصرانية فدعاهم عمر رضي الله عنه إلى بذل الجزية فأبوا وأنفوا وقالوا نحن عرب خذ منا كما يأخذ بعضكم من بعض باسم الصدقة فقال عمر لا آخذ من مشرك صدقة فلحق بعضهم بالروم فقال النعمان بن زرعة يا أمير المؤمنين إن القوم لهم بأس وشدة وهم عرب يأنفون من الجزية فلا تعن عدوك عليك بهم وخذ منهم الجزية باسم الصدقة فبعث عمر في طلبهم فردهم وضعف عليهم من الابل من كل خمس شاتين ومن كل ثلاثين بقرة تبيعين ومن كل عشرين دينارا دينارا ومن كل مائتي درهم عشرة دراهم وفيما

ومن كان يجن ويفيق لفقت إفاقته، فإذا بلغت حولا أخذت منه، ويحتمل أن يؤخذ في آخر كل حول، بقدر إفاقته منه

سقت السماء الخمس وفيما سقي بنضح أو غرب أو دولاب العشر فاستقر ذلك من قول عمر ولم يخالفه أحد من الصحابة فكان اجماعا وقال به العلماء بعد الصحابة منهم ابن أبي ليلى والحسن بن صالح وابو حنيفة وأبو يوسف والشافعي ويروى عن عمر بن عبد العزيز أنه أبى على نصارى بني تغلب الا الجزية وقال لا والله إلا الجزية وإلا فقد آذنتكم بالحرب وحجته عموم الاية فيهم وروي عن علي رضي الله عنه انه قال لأن تفرغت لبني تغلب ليكونن لي فيهم رأي لاقتلن مقاتلتهم ولأسبين ذراريهم فقد نقضوا العهد وبرئت منهم الذمة حين نصروا أولادهم وذلك أن عمر رضي الله عنه صالحهم على أن لا ينصروا أولادهم والعمل على الأول لما ذكرنا من الإجماع وأما الآية فإن هذا المأخوذ منهم جزية باسم الصدقة فإن الجزية يجوز أخذها عروضا (مسألة) (ويؤخذ ذلك من نسائهم وصبيانهم ومجانينهم) كذلك قال أصحابنا تؤخذ الزكاة منهم مضاعفة من مال من تؤخذ منه الزكاة لو كان مسلما وبه قال أبو حنيفة وأبو عبيد وذكر أنه قول أهل الحجاز فعلى هذا تؤخذ من نسائهم وصبيانهم ومجانينهم. زمناهم ومكافيفهم وشيوخهم إلا أن أبا حنيفة لا يوجب الزكاة في مال صبي ولا مجنون من المسلمين فكذلك الواجب في مال بني تغلب لا يجب على صبي ولا مجنون إلا في الارض خاصة وذهب الشافعي إلى أن هذا جزية تؤخذ باسم الصدقة فعنده لا تؤخذ ممن لا جزية عليه كالنساء والصبيان والمجانين قال وقد روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال هؤلاء حمقى رضوا بالمعنى وأبوا الاسم

وتقسم الجزية بينهم، فيجعل على الغني ثمانية وأربعون درهما وعلى المتوسط أربعة وعشرون، وعلى الفقير اثنا عشر

وقال النعمان بن زرعة خذ منهم الجزية باسم الصدقة ولأنهم أهل ذمة فكان الواجب عليهم جزية لا صدقة كغيرهم من أهل الذمة ولأنه مال يؤخذ من أهل الكتاب لحقن دمائهم فكان جزية كما لو أخذ باسم الجزية، يحققه أن الزكاة طهرة وهؤلاء لاطهرة لهم قال شيخنا وهذا أقيس وحجة أصحابنا أنهم سألوا عمر أن يأخذ منهم ما يأخذ بعضهم من بعض فأجابهم عمر إليه بعد الامتناع منه والذي يأخذه بعضنا من بعض هو الزكاة من كل مال زكوي لأي مسلم كان من صغير وكبير وصحيح ومريض كذلك المأخوذ من بني تغلب ولأن نساءهم وصبيانهم صينوا عن السبي بهذا الصلح ودخلوا في حكمه فجاز أن يدخلوا في الواجب به كالرجال والعقلاء وعلى هذا من كان منهم فقيراً أو له مال غير زكوي كالرقيق والدور وثياب البذلة فلا شئ عليه كما لا يجب ذلك على أهل الزكاة من المسلمين ولا تؤخذ من مال لم يبلغ نصابا (مسألة) (ومصرفه مصرف الجزية اختاره القاضي) وهو مذهب الشافعي لأنه مأخوذ من مشرك ولأنه جزية مسماة بالصدقة وقال أبو الخطاب مصرفه مصرف الصدقات لأنه مسمى باسم الصدقة مسلوك به فيمن يؤخذ منه مسلك الصدقة فيكون مصرفه مصرفها والأول أقيس وأصح لأن معنى الشئ أخص به من اسمه ولهذا لو سمي رجل أسداً

لم يصر له حكم المسمى بذلك ولأنه لو كان صدقة على الحقيقة لجاز دفعها إلى فقراء من أخذت منهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الصدقة (تؤخذ من اغنائهم فترد في فقرائهم) (فصل) فإن بذل التغلبي أداء الجزية وتحط عنه الصدقة لم يقبل منه لأن الصلح وقع على هذا فلا يغير، ويحتمل أن يقبل لقول الله تعالى (حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) أي يبذلوها وهذا قد أعطى الجزية وإن كان الذي بذلها منهم حربياً قبلت منه للآية وخبر بريدة ولأنه لم يدخل في صلح الأولين فلم يلزمه حكمه وهو كتابي باذل للجزية فيحقن بها دمه فإن أراد الإمام نقض العهد وتجديد الجزية عليهم كفعل عمر بن عبد العزيز لم يكن له ذلك لأن عقد الذمة على التأبيد وقد عقده معهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه فلم يكن لأحد نقضه ماداموا على العهد. (مسألة) (ولا يؤخذ ذلك من كتابي غيرهم، وقال القاضي تؤخذ من نصارى العرب ويهودهم) وجملته أن سائر أهل الكتاب من اليهود والنصارى العرب وغيرهم تقبل منهم الجزية إذا بذلوها ولا يؤخذون بما يؤخذ به نصارى بني تغلب، نص عليه أحمد رواه عن الزهري قال ونذهب إلى أن يأخذ من مواشي بني تغلب خاصة الصدقة وتضعف عليهم كما فعل عمر رضي الله عنه وذكر القاضي وابو الخطاب ان حكم من تنصر من تنوخ وبهرا وتهود من كنانة وحمير وتمجس من

وإذا بذلوا الواجب عليهم لزم قبوله وحرم قتالهم

تميم حكم بني تغلب سواء وذكر أن الشافعي نص عليه في تنوخ وبهرا لأنهم من العرب فأشبهوا بني تغلب. ولنا عموم قوله تعالى (حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) وأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذاً إلى اليمن فقال (خذ من كل حالم دينارا) وهم عرب وقبل الجزية من أهل نجران وكانوا نصارى وأخذ الجزية من اكيدر دومة وهو عربي ولأن حكم الجزية ثابت بالكتاب والسنة في كل كتابي عربياً كان أو غير عربي إلا ما خص به بنو تغلب لمصالحة عمر إياهم ففيما عداهم يبقى الحكم على عموم الكتاب وشواهد السنة ولم يكن بين غير بني تغلب وبين أحد من الأئمة صلح كصلح بني تغلب فيما بلغنا ولا يصح قياس غير بني تغلب عليهم لوجوه (أحدها) أن قياس سائر العرب عليهم يخالف النصوص التي ذكرناها ولا يصح قياس المنصوص عليه على ما يلزم منه مخالفة النص (الثاني) أن العلة في بني تغلب الصلح ولم يوجد في غيرهم ولا يصح القياس مع تخلف العلة (الثالث) أن بني تغلب كانوا ذوي قوة وشوكة لحقوا بالروم وخيف منهم الضرر إن لم يصالحوا ولم يوجد هذا في غيرهم فإن وجد في غيرهم فامتنعوا من أداء الجزية أو خيف الضرر بترك مصالحتهم فرأى الإمام مصالحتهم على أداء الجزية باسم الصدقة جاز إذا كان المأخوذ منهم بقدر ما يجب عليهم

من الجزية أو زيادة، وذكر هذا أبو إسحاق في كتابه المهذب والحجة في هذا قصة بني تغلب وقياسهم عليهم قال علي بن سعيد سمعت أحمد يقول أهل الكتاب ليس عليهم في مواشيهم صدقة ولا في أموالهم إنما تؤخذ منهم الجزية، إلا أن يكونوا صولحوا على أن تؤخذ منهم كما صنع عمر بنصارى بني تغلب حين أضعف عليهم الصدقة في صلحه إياهم إذا كانوا في معناهم، أما قياس من لم يصالح عليهم في جعل جزيتهم صدقة فلا يصح (مسألة) (ولا جزية على صبي ولا امرأة ولا مجنون ولا زمن ولا أعمى ولا عبد ولا فقير يعجز عنها) لا نعلم خلافاً بين أهل العلم في أن الجزية لا تجب على صبي ولا امرأة ولا زائل العقل وهو قول مالك وأبي حنيفة وأصحاب الشافعي وأبي ثور وقال ابن المنذر لا أعلم من غيرهم خلافاً وقد دل على هذا أن عمر رضي الله عنه كتب إلى أمراء الأجناد أن اضربوا الجزية ولا تضربوها على النساء والصبيان ولا تضربوها إلا على من جرت عليه الموسى رواه سعيد وابو عبيد والاثرم والمجنون كالصبي لأنه غير ملكف وقول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ (خذ من كل حالم دينارا) دليل على أنها لا تجب على غير بالغ ولأن الجزية تؤخذ لحقن الدم وهؤلاء دماؤهم محقونة بدونها ولا تجب على خنثى مشكل لأنه لا يعلم كونه رجلاً (فصل) فإن بذلت المرأة الجزية أخبرت أنها لا جزية عليها، فإن قالت أنا أتبرع بها أو أنا أؤديها قبلت منها ولم تكن جزية بل هبة تلزم بالقبض فإن شرطته على نفسها ثم رجعت فلها ذلك وإن بذلت

ومن أسلم بعد الحول سقطت عنه الجزية وإن مات أخذت من تركته، وقال القاضي: تسقط

الجزية لتصير إلى دار الإسلام مكنت من ذلك بغير شئ ولكن يشترط عليها التزام أحكام الإسلام وتعقد لها الذمة ولا يؤخذ منها شئ إلا أن تتبرع به بعد معرفتها ان لا شئ عليها وإن أخذ منها على غير ذلك رد إليها لأنها بذلته معتقدة أنه عليها وأن دمها لا يحقن إلا به فأشبه من أدى مالاً إلى من يعتقد أنه له فتبين أنه ليس له. ولو حاصر المسلمون حصناً ليس فيه إلا نساء فبذلن الجزية لتعقد لهن الذمة عقدت لهن بغير شئ وحرم استرقاقهن كالتي قبلها سواء، فان كان في الحصن رجال فسألوا الصلح لتكون الجزية على النساء والصبيان دون الرجال لم يصح لأنهم جعلوها على غير من هي عليه وبرءوا من تجب عليه، وان بذلوا جارية عن الرجال ويؤدوا عن النساء والصبيان من أموالهم جاز وكان ذلك زيادة في جزيتهم وإن كان من أموال النساء والصبيان لم يجز لأنهم يجعلون الجزية على من لا تلزمه فإن كان القدر الذي بذلوه من أموالهم مما يجزئ في الجزية أخذوه وسقط الباقي (فصل) ولا تجب على زمن ولا أعمى ولا شيخ فان ولا على من هو في معناهم كمن به داء لا يستطيع معه القتال ولا يرجى برؤه وبه قال أبو حنيفة وقال الشافعي في أحد قوليه تجب عليهم الجزية بناء على قتلهم وقد سبق قولنا في أنهم لا يقتلون فلا تجب عليهم الجزية كالنساء والصبيان (فصل) وأما العبد فإن كان لمسلم لم تجب عليه الجزية بغير خلاف علمناه لأنه يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا جزية على العبد) وعن ابن عمر مثله ولأن ما لزم العبد إنما يؤديه سيده فيؤدي إيجابها على

وإن اجتمعت عليه جزية سنين، استوفيت كلها ولم تتداخل

العبد المسلم إلى إيجابها على المسلم وإن كان لكافر فكذلك نص عليه أحمد وهو قول عامة أهل العلم قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أنه لا جزية على العبد وذلك لما ذكرنا من الحديث ولأنه محقون الدم أشبه النساء والصبيان، أو لا مال له أشبه الفقير العاجز ويحتمل كلام الخرقي وجوب الجزية عليه وروي ذلك عن أحمد لما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال لا تشتروا رقيق أهل الذمة ولا مما في أيديهم لأنهم أهل خراج يبيع بعضهم بعضاً ولا يقرن أحدكم بالصغار بعد إذا نفذه الله منه قال أحمد رضي الله عنه أراد عمر أن تتوفر الجزية لأن المسلم إذا اشتراه سقط عنه أداء ما يؤخذ منه والذمي يؤدي عنه وعن مملوكة خراج جماجمهم وروي عن علي مثل حديث عمر ولأنه ذكر مكلف قوي مكتسب فوجبت عليه الجزية كالحر والأول أولى (فصل) واذا اعتق لزمته الجزية لما يستقبل سواء كان معتقه مسلماً أو كافراً هذا الصحيح عن أحمد وروي ذلك عن عمر بن عبد العزيز وبه قال سفيان والليث والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي وعنه يقر بغير جزية وروي نحوه عن الشعبي لأن الولاء شعبة كشعبة الرق وهو ثابت عليه ووهن الخلال هذه الرواية وقال هذا قول قديم رجع عنه وعن مالك كقول الجماعة وعنه إن كان المعتق له مسلماً فلا جزية عليه لأن عليه الولاء لمسلم أشبه ما لو كان عليه الرق ولنا أنه حر مكلف موسر من أهل القتال فلم يقر في دارنا بغير جزية كالحر الأصلي. إذا ثبت

وتؤخذ الجزية منهم في آخر الحول، ويمتهنون عند أخذها، ويطال قيامهم وتجر أيديهم

هذا فإن حكمه فيما يستقبل من جزيته حكم من بلغ من صبيانهم أو أفاق من مجانينهم على ما ذكرناه (فصل) ومن بعضه حر فقياس المذهب أن عليه من الجزية بقدر ما فيه من الحرية لأنه حكم يختلف بالرق والحرية فينقسم على قدر ما فيه كالإرث ولا جزية على أهل الصوامع من الرهبان ويحتمل أن تجب عليهم وهذا أحد قولي الشافعي وروي عن بن عبد العزيز أنه فرض على رهبان الديارات الجزية على كل راهب ديناراً لعموم النصوص ولأنه كافر صحيح حر قادر على أداء الجزية فأشبه الشماس. ووجه الأول أنهم محقونون بدون الجزية فلم تجب عليهم كالنساء وقد ذكرنا دليل تحريم قتلهم والنصوص مخصوصة بالنساء وهؤلاء في معناهن ولأنه لا كسب له أشبه الفقير غير المعتمل (فصل) ولا تجب على فقير عاجز عنها وهذا أحد قولي الشافعي وله قول أنها تجب عليه لقوله عليه السلام (خذ من كل حالم ديناراً) ولأن دمه غير محقون فلا تسقط عنه الجزية كالقادر ولنا أن عمر رضي الله عنه جعل الجزية على ثلاث طبقات جعل أدناها على الفقير المعتمل فدل على أن غير المعتمل لا شئ عليه ولأن الله تعالى قال (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) ولأنه مال يجب بحلول الحول فلم يلزم الفقير العاجز كالزكاة ولأن الخراج ينقسم إلى خراج أرض وخراج رؤوس وقد ثبت أن خراج الأرض على قدر طاقتها وما لا طاقة له لا شئ عليه كذلك خراج الرؤوس وأما الحديث فيتناول الأخذ ممن يمكن الأخذ منه والأخذ ممن لا يقدر على شئ مستحيل فكيف يؤمر به ويؤخذ منه بقدر ما أدرك؟

ويجوز أن يشترط عليهم ضيافة من يمر بهم من المسلمين ويبين أيام الضيافة، وقدر الطعام والادام والعلف، وعدد من يضاف، ولا يجب ذلك من غير شرط، وقيل: يجب

(مسألة) (ومن بلغ أو أفاق أو استغنى فهو من أهلها بالعقد الأول ويؤخذ منه في آخر الحول بقدر ما أدرك) ولا يحتاج إلى استئناف عقد له وقال القاضي في موضع هو مخير بين التزام العقد وبين أن يرد إلى مأمنه فيجاب إلى ما يختار وهو قول الشافعي ولنا أنه لم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من خلفائه تجديد عقد لهؤلاء ولأن العقد يكون مع سادتهم فدخل فيه سائرهم ولأنه عقد مع الكفار فلم يحتج إلى استئنافه كذلك كالهدنة ولأن الصغار والمجانين دخلوا في العقد فلم يحتج إلى تجديده له عند تغير أحوالهم كغيرهم. إذا ثبت هذا فإن كان البلوغ والافاقة في أول أحوال قومه أخذ منه في آخره معهم، وإن كان في أثناء الحول أخذ منه عند تمام الحول بقسطه ولم يترك حتى يتم لئلا يحتاج إلى أفراده بحول وضبط حول كل إنسان منهم وربما أفضى إلى أن يصير لكل واحد حول مفرد وذلك يشق. (مسألة) (ومن كان يجن ويفيق لفقت إفاقته فإذا بلغت حولاً أخذت منه ويحتمل أن يؤخذ في آخر كل حول بقدر إفاقته منه) . إذا كان يجن ويفيق لم يخل من ثلاثة أحوال (أحدها) أن يكون غير مضبوط مثل من يفيق ساعة من أيام أو من يوم أو يصرع ساعة من يوم أو من أيام فهذا يعتبر حالة بالأغلب لأن هذه الإفاقة غير ممكن ضبطها فلم تمكن مراعاتها.

(الثاني) أن يكون مضبوطاً مثل من يجن يوماً ويفيق يومين أو أقل من ذلك أو أكثر إلا أنه مضبوط ففيه وجهان (أحدهما) يعتبر الأغلب من حاله وهذا مذهب أبي حنيفة لأنه يجن ويفيق فاعتبر الأغلب من حاله كالأول. (والوجه الثاني) تلفق أيام إفاقته لأنه لو كان مفيقاً في الكل وجبت الجزية فإذا وجدت الإفاقة في بعض الحول وجب فيه ما يجب به لو انفرد فعلى هذا الوجه في أخذ الجزية وجهان (أحدهما) أن الأيام تلفق فإذا بلغت حولاً أخذت منه لأن أخذها قبل ذلك أخذ لجزيته قبل كمال الحول فلم يجز كالصحيح (والثاني) يؤخذ منه في آخر كل حول بقدر ما أفاق منه كما لو أفاق في بعض الحول إفاقة مستمرة، وإن كان يجن ثلث الحول ويفيق ثلثيه أو بالعكس ففيه الوجهان كما ذكرنا، فإن استوت إفاقته وجنونه مثل من يجن يوماً ويفيق يوماً أو يجن نصف الحول ويفيق نصفه عادة لفقت إفاقته لأنه تعذر اعتبار الأغلب لعدمه فتعين الوجه الآخر. (الحال الثالث) أن يجن نصف حول ثم يفيق إفاقة مستمرة أو يفيق نصفه ثم يجن جنوناً مستمراً فلا جزية عليه في الثاني وعليه في الأول من الجزية بقدر ما أفاق كما تقدم.

وإذا تولى إمام، فعرف قدر جزيتهم وما شرط عليهم، أقرهم عليه، فإن لم يعرف، رجع إلى قولهم، فإن بان كذبهم رجع عليهم. وعند أبي الخطاب أنه يستأنف العقد معهم

(مسألة) (وتقسم الجزية بينهم فيجعل على الغني ثمانية وأربعون درهماً وعلى المتوسط أربعة وعشرون وعلى الفقير اثنا عشر) . الكلام في هذه المسألة في فصلين (أحدهما) في تقدير الجزية (والثاني) في كمية مقدارها فأما الأول ففيه ثلاث روايات. (إحداهن) أنها مقدرة بمقدار لا يزاد عليه ولا ينقص منه، وهذا قول أبي حنيفة والشافعي لأن النبي صلى الله عليه وسلم فرضها مقدرة بقوله لمعاذ (خذ من كل حالم دينارا أو عدله معافر) وفرضها عمر بمحضر من الصحابة فلم ينكر فيكون إجماعاً. [والثانية] أنها غير مقدرة بل يرجع فيها الى اجتهاد الإمام في الزيادة والنقصان قال الأثرم قيل لأبي عبد الله فيزاد اليوم وينقص؟ يعني من الجزية قال نعم يزاد فيها وينقص على قدر طاقتهم على قدر ما يرى الإمام وذكر أنه زيد عليهم فيما مضى درهمان فجعله خمسين، قال الخلال العمل في قول أبي عبد الله على ما رواه الجماعة بأنه لا بأس للإمام أن يزيد في ذلك وينقص على ما رواه عنه أصحابه في عشرة مواضع فاستقر قوله على ذلك وهو قول الثوري وابي عبيد لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر معاذاً أن يأخذ من كل حالم دينارا وصالح أهل نجران على ألفي حلة النصف في صفر والنصف في رجب، رواهما أبو داود، وعمر رضي الله عنه جعل الجزية على ثلاث طبقات على الغني ثمانية وأربعين درهماً وعلى المتوسط

باب أحكام الذمة

اربعه وعشرين درهما وعلى الفقير اثني عشر درهماً وصالح بني تغلب على مثلي ما على المسلمين من الزكاة وهذا يدل على أنها إلى رأي الإمام لولا ذلك لكانت على قدر واحد في جميع هذه المواضع ولم يجز أن يختلف فيها، قال البخاري قال ابن عيينة عن ابن أبي نجيح قلت لمجاهد ما شأن أهل الشام عليهم أربعة دنانير وأهل اليمن عليهم دينار؟ قال جعل ذلك من قبل اليسار ولأنها عوض فلم تتقدر كالأجرة. (والرواية الثالثة) إن أقلها مقدر بدينار وأكثرها غير مقدر وهو اختيار أبي بكر فتجوز الزيادة ولا يجوز النقص لأن عمر زاد على ما فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينقص منه وروي أنه زاد على ثمانية وأربعين فجعلها خمسين. (والفصل الثاني) أننا إذا قلنا بالرواية الأولى وإنها مقدرة فقدرها في حق الموسر ثمانية وأربعون درهماً وفي حق المتوسط أربعة وعشرون وفي حق الفقير اثنا عشر وهذا قول أبي حنيفة، وقال مالك هي في حق الغني أربعون درهماً أو أربعة دنانير وفي حق الفقير عشرة دراهم أو دينار وروي ذلك عن عمر وقال الشافعي الواجب دينار في حق كل أحد لحديث معاذ إلا أن المستحب جعلها على ثلاث طبقات كما ذكرناه لنخرج من الخلاف قالوا وقضاء النبي صلى الله عليه وسلم أولى بالاتباع من غيره. ولنا حديث عمر رضي الله عنه وهو حديث لا شك في صحته وشهرته بين الصحابة رضي الله عنهم وغيرهم ولم ينكره منكر ولا خالف فيه وعمل به من بعده من الخلفاء رحمة الله عليهم فكان

إجماعاً لا يجوز الخطأ عليه وقد وافق الشافعي على استحباب العمل به وأما حديث معاذ فلا يخلوا من وجهين (أحدهما) أنه فعل ذلك لغلبة الفقر عليهم بدليل قول مجاهد أن ذلك من أجل اليسار (والوجه الثاني) أن يكون التقدير غير واجب بل هو موكول إلى اجتهاد الإمام ولأن الجزية وجبت صغارا وعقوبة فتخلف (فتختلف) باختلاف أحوالهم كالعقوبة في البدن منهم من يقتل ومنهم من يسترق ولا يصح كونها عوضاً عن سكنى الدار لأنها لو كانت كذلك لوجبت على النساء والصبيان والزمنى والمكافيف (مسألة) (والغني منهم من عده الناس غنياً في ظاهر المذهب) وليس ذلك بمقدر لأن التقديرات بابها التوقيف ولا توقيف في هذا فيرجع فيه إلى العادة والعرف (مسألة) (وإذا بذلوا الواجب عليهم لزم قبوله وحرم قتالهم) لقول الله تعالى (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر) الآية إلى قوله (حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) فجعل إعطاء الجزية غاية لقتالهم فمتى بذلوها لم يجز قتادة (قتالهم) للآية ولقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث بريدة (فادعهم إلى أداء الجزية فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم) فإن قلنا أن الجزية غير مقدرة الأكثر لم يحرم قتالهم حتى يجيبوا إلى بذل مالا يجوز طلب أكثر منه (فصل) وتجب الجزية في آخر كل حول وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة تجب بأوله ويطالب بها عقيب العقد وتجب الثانية في أول الحول الثاني لقول تعالى (حتى يعطوا الجزية) ولنا أنه مال يتكرر بتكرر الحول أو يؤخذ في آخر كل حول فلم يجب بأوله كالزكاة والدية

ويلزمهم التميز عن المسلمين في شعورهم، بحذف مقادم رؤوسهم وترك الفرق، وكناهم فلا يتكنون بكنى المسلمين

وأما الآية فالمراد بها التزام إعطائها دون نفس الإعطاء ولهذا يحرم قتالهم بمجرد بذلها قبل أخذها (فصل) وتؤخذ الجزية مما يسر من أموالهم ولا يتعين أخذها من ذهب ولا فضة نص عليه أحمد وهو قول الشافعي وأبي عبيد وغيرهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذاً رضي الله عنه إلى اليمن أمره أن يأخذ من كل حالم ديناراً أو عدله معافر وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأخذ من نصارى نجران ألفي حلة وكان عمر رضي الله عنه يؤتى بنعم كثيرة يأخذها من الجزية وروي عن علي رضي الله عنه أنه كان يأخذ الجزية من كل ذي صنعة من متاعه من صاحب الإبر إبراً ومن صاحب المسال مسالاً ومن صاحب الحبال حبالاً ثم يدعوا الناس فيعطيهم الذهب والفضة فيقتسمونه ثم يقول خذوا أو اقتسموا فيقولون لا حاجة لنا فيه فيقول أخذتم خياره وتركتم شراره لتحملنه. إذا ثبت هذا فإنه يؤخذ بالقيمة لقوله عليه السلام (أو عدله معافر) ويجوز أخذ ثمن الخمر والخنزير منهم عن جزية رؤوسهم وخراج أرضهم لقول عمر رضي الله عنه ولوهم ببيعها وخذوا أنتم من الثمن ولأنها من أموالهم التي نقرهم على اقتنائها فجاز أخذ أثمانها كثيابهم (مسألة) (ومن أسلم بعد الحول سقطت عنه الجزية وإن مات اخذت من تركته وقال القاضي تسقط) إذا أسلم من عليه الجزية في أثناء الحول لم تجب الجزية عليه وإن أسلم بعده سقطت عنه وهذا قول مالك والثوري وأبي عبيد وأصحاب الرأي وقال الشافعي وأبو ثور وابن المنذر إن أسلم بعد الحول

لم تقسط لأنه دين استحقه صاحبه واستحق المطالبة به في حال الكفر فلم يسقط بالاسلام كالخراج وسائر الديون وللشافعي فيما إذا أسلم في أثناء الحول قولان (أحدهما) عليه من الجزية بالقسط كما لو أفاق بعض الحول ولنا قول الله تعالى (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) وروى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (ليس على المسلمين جزية) رواه الخلال وذكر أن أحمد سئل عنه فقال ليس يرويه غير جرير قال وقد روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال إن أخذها في كفه ثم أسلم ردها عليه وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا ينبغي للمسلم أن يؤدي الخراج) يعني الجزية وروي أن ذمياً أسلم فطولب بالجزية وقيل إنما أسلم تعوذا قال إن في الإسلام معاذا فرفع إلى عمر فقال عمر إن في الإسلام معاذا وكتب أن لا تؤخذ منه الجزية رواه أبو عبيد بنحو من هذا المعنى ولأن الجزية صغار فلا تؤخذ منه كما لو أسلم قبل الحول ولأن الجزية عقوبة تجب بسبب الكفر فيسقطها الإسلام كالقتل وبهذا فارق الخراج وسائر الديون (فضل) فان مات بعد الحول لم تسقط عنه الجزية في ظاهر كلام أحمد وهو مذهب الشافعي وحكي عن القاضي أنها تسقط بالموت وهو قول أبي حنيفة ورواه أبو عبيد عن عمر بن عبد العزيز لأنها عقوبة فتسقط بالموت كالحدود ولأنها تسقط بالإسلام فسقطت بالموت كما قبل الحول ولنا أنه دين وجب عليه في حياته فلم يسقط بموته كديون الآدميين والحد إنما سقط لفوات محله وتعذر استيفائه بخلاف الجزية وفارق الإسلام فإنه الأصل والجزية بدل عنه فإذا أتى بالأصل استغنى

ولا يجوز تصديرهم في المجالس، ولا بداءنهم بالسلام، فإن سلم أحدهم قيل له: عليكم

عن البدل كمن وجد الماء لا يحتاج معه إلى التيمم بخلاف الموت ولأن الإسلام قربة وطاعة يصلح أن يكون معاذاً من الجزية كما ذكر عمر رضي الله عنه والموت بخلافه (مسألة) (وإن اجتمعت عليه جزية سنين استوفيت كلها ولم تتداخل) وبهذا قال الشافعي، وقال أبو حنيفة تتداخل لأنها عقوبة فتتداخل كالحدود. ولنا انها حق مال يجب في آخر كل حول فلم يتداخل كالدية (مسألة) (وتؤخذ الجزية منهم في آخر الحول ويمتهنون عند أخذها ويطال قيامهم وتجر أيديهم) وإنما تؤخذ منهم في آخر الحول لانه مال يتكرر بتكرر الحول فلم يؤخذ قبل حولان الحول كالزكاة ويمتهنون عند أخذها منهم وهكذا ذكر أبو الخطاب، ويطال قيامهم وتجر أيديهم عند أخذها لقول الله تعالى (حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) وقد قيل الصغار التزام الجزية وجريان أحكامنا عليهم، ولا يقبل منهم إرسالها بل يحضر الذمي بنفسه ويؤديها وهو قائم والآخذ جالس (فصل) ولا يعذبون في أخذها ولا يشط عليهم فإن عمر رضي الله عنه أتي بمال كثير قال أبو عبيد أحسبه من الجزية فقال إني لأظنكم قد أهلكتم الناس، قالوا لا والله ما أخذنا إلا عفواً صفواً قال فلا سوط ولا بوط؟ قالوا نعم قال الحمد لله الذي لم يجعل ذلك على يدي ولا في سلطاني، وقدم عليه سعيد بن عامر بن خريم فعلاه عمر بالدرة فقال سعيد سبق سيلك مطرك إن تعاقب نصبر وإن

تعف نشكر وإن تستعتب نعتب فقال ما على المسلمين إلا هذا مالك تبطئ بالخراج فقال أمرتنا أن لا نزيد الفلاحين على اربعة دنانير فلسنا نزيدهم على ذلك ولكنا نؤخرهم إلى غلاتهم فقال عمر: لا أعزلنك ماحييت. رواهما أبو عبيد وقال إنما وجه التأخير إلى الغلة الرفق بهم، وقال ولم نسمع في استيداء الجزية والخراج وقتاً غير هذا واستعمل علي بن أبي طالب رضي الله عنه رجلا على عكبرى فقال له علي رءوس الناس لا تدعن لهم درهماً من الخراج وشدد عليه القول ثم قال ائتني عند انتصاف النهار فأتا فقال اتي كنت أمرتك بأمر وإني أتقدم إليك الآن فإن عصيتني نزعتك لا تبيعن لم في خراجهم حماراً ولا بقرة ولا كسوة شتاء ولا صيف وارفق بهم وافعل بهم (مسألة) (ويجوز أن يشترط عليهم ضيافة من يمر بهم من المسلمين ويبين أيام الضيافة وقدر الطعام والادام والعلف وعدد من يضاف ولا يجب ذلك من غير شرط وقيل يجب) يجوز أن يشترط في عقد الذمة ضيافة من يمر بهم من المسلمين لما روى الإمام أحمد رضي الله عنه بإسناده عن الأحنف بن قيس أن عمر شرط على أهل الذمة ضيافة يوم وليلة وأن يصلحوا القناطر وإن قتل رجل من المسلمين بأرضهم فعليهم ديته قال إبن المنذر وروي عن عمر أنه قضى على أهل الذمة ضيافة من يمر بهم من المسلمين ثلاثة أيام وعلف دوابهم وما يصلحهم. روي أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب على نصارى أيلة ثلثمائة دينار وكانوا

ويمنعون من تعلية البنيان على المسلمين، وفي مساواتهم وجهان

ثلثمائة نفس في كل سنة وأن يضيفوا من يمر بهم من المسلمين ثلاثة أيام، ولأن في هذا ضربا من المصلحة لأنهم ربما امتنعوا من مبايعة المسلمين إضراراً بهم فإذا شرطت عليهم الضيافة أمن ذلك فإن لم يشرط عليهم الضيافة لم يجب ذكره القاضي وهو مذهب الشافعي. ومن أصحابنا من قال تجب بغير شرط لوجوبها على المسلمين والأول أصح لأنه أداء مال لم يجب بغير رضاهم كالجزية، فإن شرطها عليهم فامتنعوا من قبولها لم تعقد لهم الذمة، وقال الشافعي لا يجوز قتالهم عليها (فصل) قال القاضي إذا شرط الضيافة فإنه يشترط أن يبين أيام الضيافة وعدد من يضاف من الرجالة والفرسان فيقول تضيفون في كل سنة مائة يوم في كل يوم عشرة من المسلمين من خبز كذا وادم كذا وللفرس من الشعير كذا ومن التبن كذا لأنه من الجزية فاعتبر العلم به كالنقود فإن شرط الضيافة مطلقاً صح في الظاهر لأن عمر رضي الله عنه شرط عليهم ذلك من غير عدد ولا تقدير قال أبو بكر وإذا أطلق مدة الضيافة فالواجب يوم وليلة لأن ذلك الواجب على المسلمين ولا يكلفون الذبيحة ولا أن يضيفوهم بأرفع من طعامهم لأنه يروي عن عمر رضي الله عنه انه شكى إليه أهل الذمة أن المسلمين يكلفونهم الذبيحة فقال أطعموهم مما تأكلون وقال الأوزاعي ولا يكلفون الذبيحة ولا الشعير، وقال القاضي إذا وقع الشرط مطلقاً لم يلزمهم الشعير ويحتمل أن يلزمهم ذلك للخيل لأن العادة جارية به فهو كالخبز للرجل. وللمسلمين النزول في الكنائس والبيع فإن عمر رضي الله عنه صالح أهل الشام على أن يوسعوا أبواب بيعهم وكنائسهم

ويمنعون من إحداث الكنائس والبيع، ولا يمنعون رم شعثها، وفي بناء ما استهدم منها روايتان

لمن يجتاز بهم من المسلمين ليدخلوا ركبانا، فإن لم يجدوا مكاناً فلهم النزول في الأفنية وفضول المنازل، وليس لهم تحويل صاحب المنزل منه، والسابق إلى منزل أحق به ممن يأتي بعده فإن امتنع بعضهم من القيام بما يجب عليه أجبر عليه، فإن امتنع الجميع أجبروا، فإن لم يكن إلا بالقتال قوتلوا فإن قاتلوا انتقض عهدهم (فصل) وتقسم الضيافة بينهم على قدر جزيتهم فإن جعل الضيافة مكان الجزية جاز لما روي أن عمر رضي الله عنه كتب لراهب من أهل الشام إني إن وليت هذه الأرض اسقطت عنك خراجك فلما قدم الجابية وهو أمير المؤمنين جاءه بكتابة فعرفه وقال إني جعلت لك ما ليس لي ولكن اختر إن شئت أداء الجزية وإن شئت أن تضيف المسلمين فاختار الضيافة ويشترط أن تكون الضيافة يبلغ قدرها أقل الجزية إذا قلنا مقدرة الأقل لئلا ينقص خراجه عن أقل الجزية وذكر أن من الشروط الفاسدة لاكتفاء بضيافتهم عن جزيتهم لأن الله تعالى أمر بقتالهم حتى يعطوا الجزية فإذا لم يعطوها كان قتالهم مباحاً. ولنا أن هذا اشتراط مال يبلغ قدر الجزية فجاز كما لو شرط عليهم عدل الجزية معافر. وإذا شرط في عقد الذمة شرطاً فاسداً مثل أن يشترط أن لا جزية عليهم أو إظهار المنكر أو اسكانهم الحجاز أو إدخالهم الحرم أو نحو هذا فقال القاضي يفسد به العقد لأنه شرط فعل محرم فأفسد العقد كما لو شرط قتال المسلمين ويحتمل أن يبطل الشرط وحده بناء على الشروط الفاسدة في البيع والمضاربة.

(مسألة) (وإذا تولى إمام فعرف قدر جزيتهم وما شرط عليهم أقرهم عليه، فإن لم يعرف رجع إلى قولهم فإن بان كذبهم رجع عليهم وعند أبي الخطاب أنه يسأنف العقد معهم) إذا مات الإمام أو عزل وتولى غيره فإن عرف ما عقد عليه عقد الذمة الذي قبله وكان عقداً صحيحاً أقرهم عليه ولم يحتج إلى تجديد عقد لأن الخلفاء رضي الله عنهم أقروا عهد عمر ولم يجددوا عقداً سواه ولأن عقد الذمة مؤبد، وإن كان فاسداً رده إلى الصحة وإن لم يعرف فشهد به مسلمان أو كان أمره ظاهراً عمل به، وإن أشكل عليهم سألهم فإن ادعوا العقد بما يصلح أن يكون جزية قبل قولهم وعمل به، وإن شاء استحلفهم استظهاراً فإن بان له بعد ذلك انهم نقصوا من المشروط رجع عليهم بما نقصوا، وإن قالوا كنا نؤدي كذا وكذا جزية وكذا كذا هدية استحلفهم يميناً واحدة لأن الظاهر فيما يدفعونه أنه جزية وإن قال بعضهم كنا نؤدي ديناراً وقال بعضهم كنا نؤدي دينارين أخذ كل واحد منهم بإقراره ولم يقبل قول بعضهم على بعض لأن أقوالهم غير مقبولة واختار أبو الخطاب أنه إذا لم يعرف ما عوهدوا عليه استأنف العقد معهم، لأن عقد الاول لم يثبب عنده فصار كالمعدوم (فصل) وما يذكره بعض أهل الذمة من أن معهم كتاب النبي صلى الله عليه وسلم بإسقاط الجزية عنهم لا يصح وسئل عن ذلك أبو العباس بن سريج فقال ما نقل ذلك أحد من المسلمين وروي أنهم طولبوا بذلك فأخرجوا كتاباً وذكروا أنه بخط علي كتبه عن النبي صلى الله عليه وسلم كان فيه شهادة سعد بن معاذ

ويمنعون من إظهار المنكر وضرب الناقوس، والجهر بكتابهم

ومعاوية وتاريخه بعد موت سعد قبل إسلام معاوية فاستدل بذلك على بطلانه ولأن قولهم غير مقبول ولم يرو ذلك من يعتمد على روايته. (مسألة) (وإذا عقد الذمة معهم كتب أسماءهم وأسماء آبائهم وعددهم وحلاهم ودينهم) . فيقول فلان بن فلان الفلاني طويل أو قصير أو ربعة أسمر أو أبيض أدعج العين أقنى الأنف مقرون الحاجبين ونحو هذا من صفاتهم التي يتميز بها كل واحد عن الآخر ويجعل لكل طائفة عريفاً يجمعهم عند أداء الجزية ويعرف من يبلغ من غلمانهم ويفيق من مجانينهم ويقدم من غيابهم ومن يوت أو يسلم أو يستغني أو يسافر لأنه أمكن لاستيفاء الجزية وأحوط ويبين حال من خرق شيئاً من أحكام الذمة أو نقض العهد ليفعل فيه الإمام ما يجب عليه ومن أخذت منه الجزية كتب له براءة لتكون له حجة إذا احتاج إليها. (باب أحكام الذمة) يلزم الإمام أن يأخذهم بأحكام المسلمين في ضمان النفس والمال والعرض وإقامة الحدود عليهم فيما يعتقدون تحريمه دون ما يعتقدون حله. لا يجوز عقد الذمة إلا بشرطين بذل الجزية والتزام أحكام الملة من حقوق الآدميين في العقود والمعاملات وأروش الجنايات وقيم المتلفات فإن عقد على غير هذا من الشروط لم يصح لقول الله تعالى

ويمنعون من الإقامة بالحجاز، كالمدينة واليمامة، وخيبر وفدك وما والاها

(حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) ، قيل الصغار جريان أحكام المسلمين عليهم وتلزمه إقامة الحدود عليهم فيما يعتقدون تحريمه في دينهم كالزنا والسرقة والقتل والقذف سواء كان الحد واجباً في دينهم أو لا لما روى أنس أن يهودياً قتل جارية على أوضاح لها فقتله رسول الله صلى الله عليه وسلم متفق عليه وروى ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بيهوديين قد فجرا بعد إحصانهما فرجمهما ولأنه محرم في دينه وقد التزم حكم الإسلام فأما ما يعتقدون حله كشرب الخمر وأكل لحم الخنزير ونكاح ذوات المحارم للمجوس فيقرون عليه ولا حد عليهم فيه لأنهم يعتقدون حله ولأنهم يقرون على كفرهم وهو أعظم إثماً من ذلك إلا أنهم يمنعون من إظهاره بين المسلمين لأنهم يتأذون بذلك والمأخوذ من أحكام الذمة ينقسم خمسة أقسام. (أحدهما) ما لا يتم العقد إلا بذكره وهو التزام الجزية وجريان أحكامنا عليهم فإن أخل بذكر واحد منها لم يصح العقد لما ذكرنا وفي معنى ذلك ترك قتال المسلمين فإنه وإن لم يذكر لفظه فذكر المعاهدة يقتضيه. (القسم الثاني) ما فيه ضرر على المسلمين في أنفسهم وذلك ثمانية خصال تذكر في نقض العهد إن شاء الله تعالى. (القسم الثالث) ما فيه غضاضة على المسلمين وهو ذكر ربهم أو كتابهم أو رسولهم بسوء (القسم الرابع) ما فيه إظهار منكر كإحداث الكنائس والبيع ورفع أصواتهم بكتابهم وإظهار

فإن دخلوا بتجارة، لم يقيموا في موضع واحد أكثر من أربعة أيام

الخمر والخنزير والضرب بالنواقيس وتعليه البنيان على أبنيه المسلمين والإقامة بالحجاز ودخول الحرم فيلزمهم الكف عنه سواء شرط عليهم أو لم يشرط في جميع هذه الأقسام الأربعة [القسم الخامس] التميز عن المسلمين في أربعة أشياء لباسهم وشعورهم وركوبهم وكناهم (مسألة) (ويلزمهم التميز عن المسلمين في شعورهم بحذف مقادم رؤوسهم وترك الفرق وكناهم فلا يتكنون بكنى المسلمين كأبي القاسم وأبي عبد الله وركوبهم بترك الركوب على السروج وركوبهم عرضاً على الأكف، ولباسهم فيلبسون ثياباً تخالف ثيابهم كالعسلي والأدكن، وتشد الخرق في قلانسهم وعمائمهم، ويؤمر النصارى بشد الزنار فوق ثيابهم ويجعل في رقابهم خواتيم الرصاص وجلجل يدخل معهم الحمام) ينبغي للإمام إذا عقد الذمة أن يشرط عليهم شروطاً نحو ما شرطه عمر رضي الله عنه، وقد رويت عن عمر رضي الله عنه أخبار منها ما رواه الخلال باسناده عن إسماعيل بن عياش قال حدثنا غير واحد من أهل العلم قالوا كتب أهل الجزيرة إلى عبد الرحمن بن غنم: إنا حين قدمنا بلادنا طلبنا إليك الأمان لأنفسنا وأهل ملتنا على أنا شرطنا لك على أنفسنا وأهل ملتنا إنا لا نحدث في مدينتنا كنيسة ولا فيما حولها ديراً ولا قلاية ولا صومعه راهب ولا نجدد ما خرب من كنائسنا ولا ماكان منها في خطط المسلمين ولا نمنع كنائسنا من المسلمين أن ينزلوها في الليل والنهار وإن نوسع أبوابها للمارة وابن السبيل، ولا نؤوي فيها ولا في منازلنا جاسوساً وأن لا نكتم أمر من غش المسلمين وأن لا نضرب نواقيسنا إلا ضربا خفيا في جوف كنائسنا، ولا نظهر علينا صليباً

فإن مرض لم يخرج حتى يبرأ وإن مات دفن به

ولا نرفع أصواتنا في الصلاة ولا القراءة في كنائسنا فيما يحضره المسلمون ولا نخرج صليبنا ولا كتابنا في سوق المسلمين وأن لا نخرج باعوثا ولا شعانين ولا نرفع أصواتنا مع أمواتنا، ولا نظهر النيران معهم في أسواق المسلمين، وأن لانجاورهم بالخنازير ولا نبيع الخمور ولا نظهر شركاً ولا نرغب في ديننا ولا ندعوا إليه أحداً ولا نتخذ شيئاً من الرقيق الذين جرت عليهم سهام المسلمين وأن لا نمنع أحداً من أقربائنا إذا أرادوا الدخول في الإسلام، وأن نلزم زينا حيثما كنا وأن لا نتشبه بالمسلمين في لبس قلنسوة ولا عمامة ولا نعلين ولا فرق شعر ولا في مراكبهم ولا نتكلم بكلامهم ولا نتكنى بكناهم، وأن نجز مقادم رؤوسنا ولا نفرق نواصينا ونشد الزنانير على اوساطنا ولاننقش خواتيمنا بالعربية ولا نركب السروج ولا نتخذ شيئاً من السلاح ولا نحمله ولا نتقلد السيوف وأن نوقر المسلمين في مجالسهم ونرشد الطريق ونقوم لهم عن المجالس إذا أرادوا المجالس ولا نطلع عليهم في منازلهم ولا نعلم أولادنا القرآن ولا يشارك أحد منا مسلماً في تجارة إلا أن يكون إلى المسلم أمر التجارة، وأن نضيف كل مسلم عابر سبيل ثلاثة أيام ونطعمه من أوسط ما نجد، ضمنا ذلك على أنفسنا وذرارينا وأزواجنا ومساكننا، وأن نحن غيرنا أو خالفنا عما شرطنا على أنفسنا وقبلنا الأمان عليه فلا ذمة لنا وقد حل لك منا ما يحل لأهل المعاندة والشقاق. فكتب بذلك عبد الرحمن بن غنم إلى عمر بن الخطاب فكتب إليه عمر أن امض لهم ما سألوا وألحق فيها حرفين اشترطها عليهم مع ما شرطوا على أنفسهم أن لا يشتروا من سبايانا شيئاً ومن ضرب مسلماً عمداً فقد خلع عهده. فأنفذ عبد الرحمن بن غنم ذلك وأقر من أقام من الروم في مدائن الشام على هذا الشرط

فهذه جملة شروط عمر رضي الله عنه فلذلك يلزمهم التميز عن المسلمين في شعورهم بحذف مقادم رؤوسهم ويجزون شعورهم ولا يفرقونها لأن النبي صلى الله عليه وسلم فرق شعره وأما في الكنى فلا يتكنوا بكنى المسلمين كأبي القاسم وأبي عبد الله وأبي محمد وأبي بكر وأبي الحسن وشبهها. ولا يمنعون الكنى بالكلية فإن أحمد قال لطبيب نصراني يا أبا إسحاق وقال أليس النبي صلى الله عليه وسلم حين دخل على سعد بن عبادة قال (ألا ترى ما يقول أبو الحباب؟) وقال لأسقف نجران (أسلم يا أبا الحارث) وقال عمر لنصراني يا أبا حسان أسلم تسلم وأما الركوب فلا يركبون الخيل لأن ركوبها عز، ولهم ركوب ما سواها، ولا يركبون السروج ويركبون عرضاً، رجلاه إلى جانب وظهره إلى آخر لما روى الخلال أن عمر رضي الله عنه أمر بجز نواصي أهل الذمة وإن يشدوا المناطق وأن يركبوا الأكف بالعرض وأما في اللباس فهو أن يلبسوا ما يخالف لونه لون سائر الثياب فعاده اليهود العسلي وعادة النصارى الأدكن وهو الفاختي وبكون هذا في ثوب واحد لا في جميعها ليقع الفرق ويضيف إلى هذا شد الزنار فوق ثوبه إن كان نصرانياً أو علامة أخرى إن لم يكن نصرانياً كخرقة يجعلها في عمامته أو قلنسوة يخالف لونه لونها ويختم في رقبته خاتم رصاص أو حديد وجلجل يدخل معه الحمام ليفرق بينه وبين

فإن اتجر حربي إلينا، أخذ منه العشر، ولا يؤخذ من أقل من عشرة دنانير

المسلمين، ويلبس نساؤهم ثوباً ملوناً وتشد الزنار تحت ثيابها وتختم في رقبتها، ولا يمنعون فاخر الثياب ولا العمائم ولا الطيلسان لحصول التميز بالغيار والزنار (مسألة) (ولا يجوز تصديرهم في المجالس ولا بداءتهم بالسلام فإن سلم أحدهم قيل له عليكم) لا يتصدرون في المجالس عند المسلمين لأن في كتاب عبد الرحمن بن غنم وأن نوقر المسلمين في مجالسهم ونقوم لهم عن المجالس إذا أرادوا المجالس ولا يبدؤون بالسلام وذلك لما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام فإذا لقيتم أحدهم في الطريق فاضطروهم إلى أضيقها) أخرجه الترمذي وقال حديث حسن صحيح وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (أنا غادون غداً فلا تبدءوهم بالسلام وإن سلموا عليكم فقولوا وعليكم) رواه الإمام أحمد بإسناده عن أنس رضي الله عنه أنه قال نهينا أو أمرنا أن لا نزيد أهل الكتاب على وعليكم وقال أبو داود قلت لأبي عبد الله رحمه الله تكره أن يقول الرجل للذمي كيف أصبحت؟ أو كيف؟ أنت أو كيف حالك؟ قال نعم أكرهه هذا عندي أكثر من السلام وقال أبو عبد الله رحمه الله إذا لقيته في طريق فلا توسع له لما تقدم من حديث أبي هريرة وروي عن ابن عمر أنه مر على رجل فسلم عليه فقيل إنه كافر فقال رد علي ما سلمت عليك فرد عليه فقال أكثر الله مالك وولدك ثم التفت إلى أصحابه فقال أكثر للجزية وقال يعقوب بن يحيى سألت أبا عبد الله ققلت نعامل اليهود والنصارى ونأتيهم في منازلهم وعندهم قوم

مسلمون انسلم عليهم قال نعم تنوي السلام على المسلمين وسئل عن مصافحة أهل الذمة فكرهه (فصل) ولا يجوز تمكينهم من شراء مصحف ولا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا فقه وإن فعل فالشراء باطل لأن ذلك يتضمن ابتذاله وكره أحمد بيعهم الثياب المكتوب عليها ذكر الله تعالى قال منها سألت أبا عبد الله هل يكره للمسلم أن يعلم غلاما مجوسيا شيئا من القرآن؟ قال إن أسلم فنعم وإلا فأكره أن يضع القرآن في غير موضعه قلت فنعلمه أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم قال نعم وقال الفضل ابن زياد سألت أبا عبد الله عن الرجل يرهن المصحف عند أهل الذمة قال لا نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو مخافة أن يناله العدو (مسألة) (وفي تهنئتهم وتعزيتهم وعيادتهم روايتان) تهنئتهم وتعزيتهم تخرج على عيادتهم فيها روايتان (إحداهما) لا نعودهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بداءتهم بالسلام وهذا في معناه (والثانية) تجوز لأن النبي صلى الله عليه وسلم أتى غلاماً من اليهود كان مريضاً يعوده فقعد عند رأسه فقال (له أسلم) فنظر إلى أبيه وهو عند رأسه فقال أطع أبا القاسم فأسلم فقام النبي صلى الله عليه وسلم فقال (الحمد لله الذي أنقذه بي من النار) رواه البخاري (مسألة) (ويمنعون من تعلية البنيان على المسلمين وفي مساواتهم وجهان) لقولهم في شروطهم ولا نطلع عليهم في منازلهم ولما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (الإسلام

ويؤخذ منه في كل عام مرة وقال ابن حامد: يؤخذ من الحربي كلما دخل إلينا

يعلو ولا يعلى) ولأن في ذلك رتبة على المسلمين فمنعوا منه كما يمنعون التصدير في المجالس وإنما يمنع من تعليته على المسلم المجاور له ولا يمنع من تعليتها على من ليس بمجاور له لأن الضرر إنما يحصل عليه دون غيره وفي المساواة وجهان (أحدهما) يجوز لأنه لا يفضي إلى علو الكفر (والثاني) المنع لقوله عليه السلام (الإسلام يعلو ولا يعلى) ولأنهم منعوا من مساواة المسلمين في لباسهم وشعورهم وركوبهم وكذلك في بنيانهم فإن كان للذمي دار عالية فملك المسلم داراً إلى جانبها أو بنى المسلم إلى جنب دار الذمي داراً دونها أو اشترى ذمي داراً عالية من المسلم فله سكنى داره ولا يلزمه هدمها لأنه ملكها على هذه الصفة ولأنه لم يعل على المسلمين شيئاً ويحتمل أن يلزمه لقوله عليه السلام (الإسلام يعلو ولا يعلى) فإن انهدمت داره العالية ثم جدد بناءه لم تجز له تعليته على بناء المسلمين وإن انهدم ما علا منها لم تكن له اعادته فإن تشعث منه شئ ولم ينهدم فله رمه وإصلاحه لأنه ملك استدامته فملك رم شعثه كالكنيسة (مسألة) (وإن ملكوا داراً عالية من مسلم لم يجب نقضها لأنهم ملكوها على هذه الصفة) ويحتمل أن يجب لقولهم فيما شرطوا على أنفسهم ولا نطلع عليهم في منازلهم ولقوله عليه السلام (الإسلام يعلو ولا يعلى) (مسألة) (ويمنعون من إحداث الكنائس والبيع ولا يمنعون رم شعثها وفي بناء ما استهدم منها روايتان) أمصار المسلمين ثلاثة أقسام (أحدها) ما مصره المسلمون كالبصرة والكوفة وبغداد وواسط فلا يجوز فيه إحداث كنيسة ولا بيعة ولا مجتمع لصلاتهم ولا يجوز صلحهم على ذلك لما روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال أيما مصر مصرته العرب فليس للعجم أن يبنوا فيه بيعة ولا يضربوا فيه ناقوساً ولا يشربوا فيه خمراً ولا يتخذوا فيه خنزيراً رواه الإمام أحمد واحتج

وعلى الإمام حفظهم والمنع من أذاهم، واستنقاذ من أسر منهم

به ولأن هذا البلد ملك للمسلمين ولا يجوز أن يبنوا فيه مجامع للكفر وما وجد في هذه البلاد من البيع والكنائس مثل كنيسة الروم في بغداد فهذه كانت في قرى أهل الذمة فأقرت على ما كانت عليه (القسم الثاني) ما فتحه المسلمون عنوة فلا يجوز احداث شئ من ذلك فيه لأنها صارت ملكاً للمسلمين وما فيه من ذلك ففيه وجهان (أحدهما) يجب هدما (هدمها) وتحرم تبقينه (تبقيته) لأنها بلاد مملوكة للمسلمين فلم يجز أن تكون فيها بيعة كالبلاد التي اختطها المسلمون (والثاني) يجوز لأن في حديث ابن عباس أيما مصر مصرته العجم ثم فتحه الله على العرب فنزلوه فإن للعجم ما في عهدهم ولأن الصحابة رضي الله عنهم فتحوا كثيراً من البلاد عنوة فلم يهدموا شيئاً من الكنائس ويشهد بصحة هذا وجود الكنائس والبيع في البلاد التي فتحت عنوة ومعلوم أنها لم تحدث فلزم أن تكون موجودة فأبقيت، وقد كتب عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه إلى عماله أن لا تهدموا بيعه ولا كنيسة ولا بيت نار ولأن الإجماع قد حصل على ذلك فإنها موجودة في بلاد المسلمين من غير نكير (القسم الثالث) ما فتح صلحاً وهو نوعان (أحدهما) أن يصالحهم على أن الأرض لهم، ولنا الخراج عنها فلم احداث ما يخنارون لأن الدار لهم (الثاني) أن يصالحهم على أن الدار للمسلمين فالحكم في البيع والكنائس على ما يقع عليه الصلح من إحداث ذلك وعمارته لأنه إذا جاز أن يصالحهم على أن الكل لهم جاز أن يصالحوا على أن بعض البلد لهم ويكون موضع الكنائس والبيع معنا والاولى أن يصالحهم على ما صالحهم عليه عمر رضي الله

وإن تحاكموا إلى الحاكم مع مسلم، لزمه الحكم بينهم، وإن تحاكم بعضهم مع بعض، أو استعدى بعضهم على بعض، خير بين الحكم بينهم وبين تركهم

عنه ويشترط عليهم الشروط المذكورة في كتاب عبد الرحمن بن غنم وفيه أن لا تحدثوا كنيسة ولا بيعة ولا صومعة راهب ولا قلاية، وإن وقع الصلح مطلقاً من غير شرط عمل على ما وقع عليه صلح عمر وأخذوا بشروطه، فأما الذين صالحهم عمر وعقد معهم الذمة فهم على ما في كتاب عبد الرحمن بن غنم مأخوذون بشروطه كلها وما وجدوا في بلاد المسلمين من الكنائس والبيع فهي على ما كانت عليه في زمن من فتحها ومن بعدهم وكل موضع قلنا بجواز إقرارها لم يجز هدمها ولهم رم ما تشعث منها وإصلاحها لأن المنع من ذلك يفضي إلى خرابها فجرى مجرى هدمها فأما إن استهدمت كلها ففيها روايتان (إحداهما) لا يجوز وهو قول بعض أصحاب الشافعي (والثانية) يجوز وهو قول أبي حنيفة والشافعي لأنه بناء لما استهدم أشبه بناء بعضها إذا انهدم ورم شعثها ولأن استدامتها جائزة وبناؤها كاستدامتها وحمل الخلال قول أحمد لهم أن يبنوا ما انهدم منها على ماذا انهدم بعضها ومنعه من بناء ما انهدم على ما إذا انهدمت كلها فجمع بين الروايتين. ووجه الرواية الأولى أن في كتاب أهل الجزيرة لعياض بن غنم ولا نجدد ما خرب من كنائسنا، وروى كثير بن مرة قال علي سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تبنى الكنيسة في الإسلام ولا يجدد ما خرب منها) ولأنه بناء كنيسة في دار الإسلام فلم يجز كما لو ابتدأ بناءها وفارق رم ماشعث فإنه إبقاء واستدامة وهذا إحداث (مسألة) (ويمنعون من إظهار المنكر وضرب الناقوس والجهر بكتابهم) يمنعون من إظهار المنكر كالخمر والخنزير وضرب الناقوس ورفع أصواتهم بكتابهم وإظهار أعيادهم

وإن تهود نصراني، أو تنصر يهودي، لم يقر ولم يقبل منه إلا الإسلام، أو الدين الذي كان عليه، ويحتمل أن لا يقبل منه إلا الإسلام، فإن أبى هدد ويحبس، ويحتمل أن يقبل، وعنه أنه يقر

وصلبهم لأن في شروطهم لعبد الدحمن بن غنم أن لا نضرب نواقيسنا إلا ضربا خفيا في جوف كنائسنا ولا نظهر عليها صليبا ولا نرفع أصواتنا في صلاة ولا القراءة في كنائسنا فيما يحضره المسلمون وأن لا نخرج صليباً ولا كتابا في سوق المسلمين وأن لا نخرج باعوثا ولا شعانين ولا نرفع أصواتنا مع موتانا وأن لا نجاورهم بالخنازير ولا نظهر شركا وقد ذكرنا بقية الكتاب (مسألة) (وإن صولحوا في بلادهم على إعطاء الجزية لم يمنعوا شيئاً من ذلك ولم يؤخذوا بغيار ولا زنار ولا تغيير شعورهم ولا مراكبهم) لأنهم في بلدانهم فلم يمنعوا من إظهار دينهم كأهل الحرب في الهدنة (مسألة) (ويمنعون من دخول الحرم) وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة لهم دخوله كالحجاز ولا يستوطنون به ولهم دخول الكعبة والمنع من الاستيطان لا يمنع الدخول والتصرف كالحجاز ولنا قوله تعالى (إنما المشركون نجس فلا يقوبوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا) والمراد به الحرم بدليل قوله (سبحانه سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى) وإنما أسري به من بيت أم هانئ وهو خارج المسجد ويخالفه الحجاز لأن الله تعالى منع منه مع إذنه في الحجاز فإن هذه الآية نزلت واليهود بخيبر والمدينة وغيرهما من الحجاز ولم يمنعوا الإقامة به وأول من أجلاهم عمر رضي الله عنه ولأن الحرم أشرف لتعلق النسك به ويحرم شجرة وصيده والملتجئ إليه فلا يصح قياس غيره عليه (مسألة) (فإن قدم رسول لا بدله من لقاء الإمام خرج إليه ولم يأذن له فإن دخل عزر وهدد وأخرج فإن مرض أو مات أخرج وإن دفن نبش وأخرج إلا أن يكون قد بلي)

وإن انتقل إلى غير دين أهل الكتاب، أو انتقل المجوسي إلى غير دين أهل الكتاب، لم يقر وأمر أن يسلم، فإن أبى قتل

إذا أراد كافر الدخول إلى الحرم منع على ما ذكرنا فإن كانت معه تجارة أو ميرة خرج إليه من يشتري منه ولم يمكن من الدخول للآية وإن كان رسولا إلى الإمام بالحرم خرج إليه من يسمع رسالته فإن قال لابد لي من لقاء الإمام خرج إليه الإمام ولم يأذن له فإن دخل عالماً بالمنع عزر وإن دخل جاهلاً هدد وأخرج فإن مرض بالحرم أو مات أخرج ولم يدفن به لأن حرمه الحرم أعظم ويفارق الحجاز من وجهين (أحدهما) أن دخوله إلى الحرم حرام وإقامته به حرام بخلاف الحجاز (والثاني) أن خروجه من الحرم سهل ممكن لقرب الحل منه وخروجه من الحجاز في مرضه صعب ممتنع وإن دفن نبش وأخرج لأنه إذا لم يجز دخوله في حياته فدفن جيفته أولى أن لا يجوز فإن كان قد بلي أو يصعب إخراجه لنتنه وتقطعه ترك للمشقة فيه (فصل) فإن صالحهم الامام على دخول الحرم بعوض فالصلح باطل فان دخلوا إلى الموضع الذي صالحهم عليه لم يرد عليهم العوض لانهم قد استوفوا ما صالحهم عليه، وان وصلوا إلى بعضه أخذ من العوض بقدره، ويحتمل أن يرد عليهم العوض بكل حال لأن ما استوفوه لا قيمة له، والعقد لم يوجب العوض لبطلانه (مسألة) (ويمنعون من الإقامة بالحجاز كالمدينة واليمامة وخيبر وفدك وما والاها) وبهذا قال مالك والشافعي إلا أن مالكا قال أرى أن يجلوا من أرض العرب كلها لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا يجتمع دينان في جزيرة العرب) وروى أبو داود بإسناده عن عمر رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب فلا أترك فيها إلا مسلماً) قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح، وعن ابن عباس قال: أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاثة أشياء قال (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم) وسكت عن الثالث رواه أبو داود

وإن تمجس الوثني فهل يقر

وجزيرة العرب مابين الوادي إلى أقصى اليمن قاله سعيد بن عبد العزيز، وقال الاصمعي وابو عبيد هي من ريف العراق إلى عدن طولا ومن تهامة وما وراها إلى أطراف الشام عرضاً وقال أبو عبيدة هي من حفر أبي موسى إلى اليمن طولا ومن رمل تبرين إلى منقطع السماوة عرضا وقال الخيل إنما قيل لها جزيرة العرب لأن بحر الحبش وبحر فارس والفرات قد أحاطت بها ونسبت إلى العرب لأنها أرضها ومسكنها ومعدنها. قال أحمد جزيرة العرب المدينة وما والاها يعني أن الممنوع من سكنى الكفار به المدينة وما والاها وهو مكة والمدينة وخيبر والينبع وقيل ومخاليفها وما والاها وهو قول الشافعي لأنهم لم يجلوا من تيماء ولا من اليمن، وقد روي عن أبي عبيدة بن الجراح أنه قال آخر ما تكلم به النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (أخرجوا اليهود من الحجاز) وأما إخراج أهل نجران منه فلأن النبي صلى الله عليه وسلم صالحهم على ترك الربا فنقضوا عهده فكأن جزيرة العرب في تلك الأحاديث أريد بها الحجاز وإنما سمي حجازا لأنه؟ حجز بين تهامة ونجد (مسألة) (فإن دخلوا بتجارة لم يقيموا في موضع واحد أكثر من أربعة أيام) يجوز لهم دخول الحجاز لتجارة لأن النصارى كانوا يتجرون إلى المدينة في زمن عمر رضي الله عنه وأتاه شيخ بالمدينة وقال: أنا الشيخ النصراني وإن عاملك عشرني مرتين فقال عمر وأنا الشيخ الحنيف، وكتب له عمر ألا يعشروا في السنة إلا مرة فعلى هذا لا يأذن لهم في الإقامة أكثر من ثلاثة أيام على ماروى عمر رضي الله عنه ثم ينتقل عنه، وقال القاضي يقيمون أربعة أيام حد ما يتم المسافر الصلاة والحكم في دخولهم إلى الحجاز في اعتبار الإذن كالحكم في دخول أهل الحرب دار الإسلام لا يجوز إلا بإذن الإمام فيأذن لهم إذا رأى المصلحة فيه (مسألة) (فإن مرض لم يخرج حتى يبرأ وإن مات دفن به) إذا مرض بالحجاز جازت له الإقامة لمشقة الانتقال على المريض وتجوز الإقامة

وإن أظهر منكرا، أو رفع صوته بكتابه، لم ينتقض عهده

لمن يمرضه لأنه لا يستغني عنه فإن كان له دين حال أجبر غريمة على وفائه فإن تعذر لمطل أو تغيب فينبغي أن تجوز له الاقامة ليستوفي دينه لأن التعدي من غيره، وفي إخراجه ذهاب ماله، وإن كان الدين مؤجلاً لم يمكن من الإقامة ويوكل من يستوفيه له لأن التفريط منه، وإن دعت الحاجة إلى الإقامة ليبيع بضاعته احتمل الجواز لأن في تكليفه تركها وحملها معه ضياع ماله وذلك مما يمنع من الدخول إلى الحجاز بالبضائع فتفوت مصلحتهم وتلحقهم المضرة بانقطاع الجلب عنهم، ويحتمل أن يمنع من الإقامة لأن له من الإقامة بدا فإن أراد الانتقال إلى مكان آخر من الحجاز جاز ويقيم فيه أيضاً ثلاثة أيام أو أربعة على الخلاف فيه وكذلك إن انتقل منه الى مكان آخر، ولو حصلت الإقامة في الجميع شهراً، وإذا مات بالحجاز دفن لأنه يشق نقله وإذا جازت الإقامة للمريض فدفن الميت أولى (مسألة) (ولا يمنعون من تيماء وفيد ونحوهما) لأن عمر لم يمنعهم من ذلك (مسألة) (وهل لهم دخول المساجد بإذن مسلم؟ على روايتين) لا يجوز لهم دخول مساجد الحل بغير إذن المسلمين لما روت ام عراب قالت رأيت علياً رضي الله عنه على المنبر وبصر بمجوسي فنزل فضربه وأخرجه من أبواب كندة، فإن أذن لهم في دخولها جاز في الصحيح من المذهب لأن النبي صلى الله عليه وسلم قدم عليه وفد من أهل الطائف فأنزلهم في المسجد قبل إسلامهم وقال سعيد بن المسيب كان أبو سفيان يدخل مسجد المدينة وهو على شركه وقدم عمير بن وهب فدخل المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم فيه ليفتك به فرزقه الله الإسلام وفيه رواية أخرى ليس لهم دخوله بحال لأن أبا موسى دخل على عمر ومعه كتاب قد كتب فيه حساب عمله فقال له عمر ادع الذي كتبه ليقرأه قال إنه لا يدخل المسجد قال ولم لا يدخل المسجد؟ قال أنه نصراني فانتهره عمر وهذا اتفاق منهم على إنه لا يدخل المسجد وفيه دليل على شهرة ذلك بينهم وتقريره عندهم لأن حدث الحيض

وماله فيء عند الخرقي وقال أبو بكر: هو لورثته

والجنابة والنفاس يمنع الإقامة في المسجد فحدث الشرك أولى والأول أصح لأنه لو كان محرماً لما أقرهم عليه النبي صلى الله عليه وسلم (فصل) قال أحمد في الرجل له المرأة النصرانية لا يأذن لها أن تخرج إلى عيد أو تذهب إلى بيعه وله أن يمنعها ذلك وكذلك في الأمة قيل له أله أن يمنعها من شرب الخمر؟ قال يأمرها فإن لم تقبل فليس له منعها قيل له فإن طلبت منه أن يشتري لها زناراً قال لا يشتري زناراً؟ تخرج هي تشتري لنفسها (فصل) قال رضي الله عنه وإن اتجر ذمي الى غير بلده ثم عاد فعليه نصف العشر وقال الشافعي ليس عليه إلا الجزية إلا أن يدخل أرض الحجاز فينظر في حاله فإن كان لرسالة أو نقل ميرة أذن له بغير شئ وإن كان لتجارة لا حاجة بأهل الحجاز إليها لم يأذن له إلا أن يشترط عليه عوضاً بحسب ما يراه. والأولى أن يشترط نصف العشر لأن عمر شرط نصف العشر على من دخل الحجاز من أهل الذمة ولنا ما روى أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ليس على المسلمين عشور إنما العشور على اليهود والنصارى) وعن أنس بن سيرين قال بعثني أنس بن مالك إلى العشور فقلت بعثتني إلى العشور من بين عمالك قال ألا ترضى أن أجعلك على ما جعلني عليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمرني إن أخذ من المسلمين ربع العشر ومن أهل الذمة نصف العشر رواه الإمام أحمد وهذا كان بالعراق وروى أبو عبيد في كتاب الأموال بإسناده عن لاحق بن عميد أن عمر بعث عثمان بن حنيف إلى الكوفة فجعل على أهل الذمة في أموالهم التي يختلفون فيها في كل عشرين درهما درهما وهذا كان بالعراق واشتهرت هذه القصص وعمل بها الخلفاء بعده ولم ينكر ذلك فكان إجماعاً ولم يأت تخصيص الحجاز بنصف العشر في شئ من الأحاديث عن عمر ولا غيره فيما علمنا ولأن ما وجب في الحجاز من الأموال وجب في غيره كالديون والصدقات إذا ثبت هذا فلا فرق في ذلك بين بني تغلب ولا غيرهم. وروى عن أحمد أن التغلبي يؤخذ منه العشر ضعف ما يؤخذ من أهل الذمة لما روي بإسناده عن زياد بن حدير أن عمر رضي الله عنه

بعثه مصدقاً فأمره أن يأخذ من نصارى بني تغلب العشر ومن نصارى أهل الذمة نصف العشر رواه أبو عبيد قال: والعمل على حديث داود بن كردوس والنعمان بن زرعة وهو أن يكون عليهم الضعف مما على المسلمين ألا تسمعه يقول من كل عشرين درهماً درهم؟ وإنما يؤخذ من المسلمين من كل أربعين درهماً درهم فذلك ضعف هذا وهو ظاهر كلام الخرقي وهو أقيس فإن الواجب في سائر أموالهم ضعف ما على المسلمين لا ضعف ما على أهل الذمة (فصل) ولا يؤخذ من غير مال التجارة شئ فلو مر بالعاشر منهم منتقل ومعه أمواله أو سائمة لم يؤخذ منه شئ نص عليه أحمد رحمه الله إلا أن تكون الماشية للتجارة فيؤخذ منها نصف العشر (فصل) واختلفت الرواية عن أحمد في العاشر يمر عليه الذمي بخمر أو خنزير فقال عمر: قال في موضع ولو هم بيعها ولا يكون إلا على الأخذ منها وروي بإسناده عن سويد بن غفلة في قول عمر ولو هم بيع الخمر والخنزير لعشرها قال أحمد إسناده جيد، وممن رأى ذلك مسروق والنخعي وابو حنيفة وبه قال محمد بن الحسن في الخمر خاصة وذكر القاضي أن أحمد نص على أنه لا يؤخذ وبه قال عمر بن عبد العزيز وأبو عبيد وأبو ثور قال عمر بن عبد العزيز الخمر لا يعشرها مسلم. وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن عتبة بن فرقد بعث إليه بأربعين ألف درهم صدقة الخمر فكتب إليه عمر بعث إلي بصدقة الخمر وأنت أحق بها من المهاجرين فأخبر بذلك الناس وقال والله لااستعملتك علي شئ بعدها قال فنزعه قال أبو عبيد معنى قول عمر ولوهم بيعها وخذوا أنتم من الثمن أن المسلمين كانوا يأخذون من أهل الذمة الخمر والخنازير من جزيتهم وخراج أرضهم بقيمتها ثم يتولى المسلمون بيعها فأنكره عمر ثم رخص لهم أن يأخذوا من أثمانها اذا كان أهل الذمة المتولين لبيعها وروى بإسناده عن سويد بن غفلة أن بلالاً قال لعمر إن عمالك يأخذون الخمر والخنازير في الخراج فقال لا تأخذوه ولكن ولوهم بيعها وخذوا أنتم من الثمن

(فصل) وإذا مر الذمي بالعشر وعليه دين بقدر ما معه أو ينقص ما معه عن النصاب فظاهر كلام أحمد أن ذلك يمنع أخذ نصف العشر منه لأنه حق يعتبر له النصاب والحول فمنعه الدين كالزكاة فإن ادعى الدين احتاج إلى بينة مسلمين وإن مر بجارية فادعى أنها ابنته أو أخته قبل قوله في إحدى الروايتين لأن الأصل عدم ملكه. (والثانية) لا يقبل لأنها في يده أشبهت البهيمة ولأنه تمكنه إقامة البينة. (مسألة) (فان انجر حربي إلينا أخذ منه العشر ولا يؤخذ من أقل من عشرة دنانير) . هذا قول أحمد رحمه الله وقال أبو حنيفة لا يؤخذ منهم شئ إلا أن يكونوا يأخذون منا شيئاً فنأخذ منهم مثله لما روي عن أبي مجلزقال قالوا لعمر كيف نأخذ من أهل الحرب إذا قدموا علينا؟ قال كيف يأخذون منكم إذا دخلتم إليهم؟ قالوا العشر قال فكذلك خذوا منهم وعن زياد بن حدير قال كنا لانعشر مسلماً ولا معاهداً قال من كنتم تعشرون؟ قال كفار أهل الحرب نأخذ منهم كما يأخذون منا، وقال الشافعي إن دخل إلينا لتجارة لا يحتاج إليها المسلمون لم يأذن له الإمام إلا بعوض يشرطه وما شرطه جاز ويستحب أن يشرط العشر ليوافق فعل عمر رضي الله عنه، وإن أذن مطلقاً من غير شرط فالمذهب أنه لا يؤخذ منهم شئ لأنه أمان من غير شرط فلم يستحق به شئ كالهدنة ويحتمل أن يجب عشر لأن عمر أخذه. ولنا ما رويناه في المسألة التي قبلها ولأن عمر أخذ منهم العشر واشتهر ذلك فيما بين الصحابة وعمل به الخلفاء بعده والأئمة في كل عصر من غير نكيرفاي إجماع يكون أقوى من هذا؟ ولم ينقل عنه أنه شرط عليهم ذلك عند دخولهم ولا يثبت ذلك بالظن من غير نقل ولأن مطلق الأمر يحمل على المعهود في الشرع وقد اشتهر أخذ العشر منهم في زمن الخلفاء الراشدين فيجب أخذه فأما سؤال عمر عما يأخذون منا فإنما كان لأنهم سألوا عن كيفية الأخذ ومقداره ثم استمر الأخذ من غير سؤال، ولو تقيد أخذنا منهم بأخذهم منا لوحب أن يسأل عنه في كل وقت

(فصل) ويؤخذ منهم العشر لكل مال للتجارة في ظاهر كلامه ههنا وهو ظاهر قول الخرقي،. وقال القاضي إن دخلوا في نقل ميرة بالناس إليها حاجة أذن لهم في الدخول بغير عشر وهو قول الشافعي لأن في دخولهم نفع المسلمين. ولنا عموم مارويناه، وقد روى صالح عن أبيه عن عبد الرحمن بن مهدي عن الزهري عن سالم عن أبيه عن عمر أنه كان يأخذ من النبط من القطنية العشر ومن الحنطة والزبيب نصف العشر ليكثر الحمل إلى المدينة فعلى هذا يجوز للإمام التخفيف عنهم إذا رأى المصلحة فيه وله الترك أيضاً إذا رأى المصلحة لانه فيئ فملك تخفيفه وتركه كالخراج. (فصل) ويؤخذ العشر من كل حربي تاجر ونصف العشر من كل ذمي تاجر ذكراً كان أو انثى صغيراً أو كبيراً، وقال القاضي ليس على المرأة عشر ولا نصف عشر سواء كانت حربية أو ذمية لكن إن دخلت الحجاز عشرت لأنها ممنوعة من الإقامة به، قال شيخنا ولا نعرف هذا التفصيل عن أحمد ولا يقتضيه مذهبه لأنه يوجب الصدقة في أموال نساء بني تغلب وصبيانهم فكذلك يوجب العشر ونصفه في مال النساء وعموم الأحاديث المروية ليس فيها تخصيص للرجال دون النساء وليس هذا بجزية إنما هو حق يختص بمال التجارة لتوسعه في دار الإسلام وانتفاعه بالتجارة فيه فيستوي فيه الذكر والأنثى كالزكاة في حق المسلمين. (فصل) واختلفت الرواية في القدر الذي يؤخذ منه العشر ونصف العشر فروى صالح عنه في نصف العشر من كل عشرين دينارا دينارا يعني فإذا نقصت عن العشرين فليس عليه شئ لأن ما دون النصاب لا يجب فيه زكاة على مسلم ولا على تغلبي فلا يجب على ذمي كالذي دون العشرة وروى صالح أيضاً أنه قال إذا مروا بالعاشر فإن كانوا أهل الحرب أخذ منهم العشر من العشرة واحداً فإن كانوا من أهل الذمة أخذ منهم نصف العشر من كل عشرين دينارا دينارا فإذا نقصت فليس عليه شئ وإن نقص مال الحربي عن عشرة دنانير لم يؤخذ منه شئ ولا يؤخذ منهم إلا مرة واحدة المسلم والذمي في ذلك سواء وروى عن أحمد أن في العشرة نصف مثقال وليس فيما دون العشرة شئ، نص عليه

في رواية أبي الحارث قال قلت إذا كان مع الذمي عشرة دنانير قال نأخذ منه نصف دينار قلت فإن كان معه أقل من عشرة دنانير، قال إذا نقصت لم يؤخذ منه شئ وذلك لأن العشرة مال يبلغ واجبه نصف دينار فوجب فيه كالعشرين في حق المسلم ولأنه مال معشور فوجب في العشرة منه كمال الحربي وقال ابن حامد يؤخذ عشر الحربي ونصف عشر الذمي من كل مال قل أو كثر لأن عمر قال خذ من كل عشرين درهماً درهماً ولأنه حق عليه فوجب في قليلة وكثيره نصيب المالك في أرضه التي عامله عليها. ولنا أنه عشر ونصف عشر وجب بالشرع فاعتبر له نصاب كزكاة الزرع والثمرة ولأنه حق يقدر بالحول فاعتبر له النصاب كالزكاة، وأما قول عمر فالمراد به والله أعلم بيان قدر المأخوذ وأنه نصف العشر ومعناه إذا كان معه عشرة دنانير فخذ من كل عشرين درهماً درهماً لأن في صدر الحديث أن عمر أمر مصدقاً وأمره أن يأخذ من المسلمين من كل أربعين درهماً درهماً ومن أهل الذمة من كل عشرين درهماً درهماً ومن أهل الحرب من كل عشرة واحدا، وإنما يؤخذ ذلك من المسلم إذا كان معه نصاب فكذلك من غيرهم (مسألة) (ويؤخذ منه في كل عام مرة، وقال ابن حامد يؤخذ من الحربي كلما دخل إلينا لا يعشر الذمي ولا الحربي في السنة إلا مرة، نص عليه أحمد لما روي الإمام أحمد بإسناده قال جاء شيخ نصراني إلى عمر فقال إن عاملك عشرني في السنة مرتين، قال ومن أنت؟ قال أنا الشيخ النصراني فقال وأنا الشيخ الحنيف ثم كتب إلى عامله لا تعشروا في السنة إلا مرة، ولأن الجزية والزكاة إنما تؤخذ في السنة مرة فكذلك هذا، ومتى أخذ منهم ذلك مرة كتب لهم حجة بأدائهم لتكون وثيقة لهم وحجة على من يمرون عليه فلا يعشرهم ثانية إلا أن يكون معه أكثر من المال الأول فيأخد منه الزيادة لأنها لم تعشر وحكي عن أبي عبد الله بن حامد أن الحربي يعشر كلما دخل إلينا وهو قول بعض أصحاب الشافعي لأننا لو أخذنا منه واحدة لا يأمن أن يدخلوا فإذا جاء وقت السنة لم يدخلوا فيتعذر الأخذ منهم

ولنا أنه حق يؤخذ من التجارة فلا يؤخذ في السنة إلا مرة كنصف العشر من الذمي، وقولهم يفوت لا يصلح فإنه يؤخذ منه أول ما يدخل مرة ويكتب الآخذ له بما أخذ منه ثم لا يؤخذ منه شئ حتى تمضي تلك السنة فإذا جاء في العام الثاني أخذ منه في أول ما يدخل فإن لم يدخل فما فات من حق السنة الأولى شئ (مسألة) (وعلى الامام حفظهم والمنع من أذاهم واستنقاذ من أسر منهم) تلزمه حمايتهم من المسلمين وأهل الحرب وأهل الذمة لأنه التزم بالعهد حفظهم ولهذا قال علي رضي الله عنه إنما بذلوا الجزية لتكون دماؤهم كدمائنا وأموالهم كأموالنا وقال عمر رضي الله عنه في وصيته للخليفة بعده وأوصيه بأهل ذمة المسلمين خيراً أن يوفى لهم بعهدهم ويحاطوا من ورائهم ويجب فداء أسراهم سواء كانوا في معونتنا أو لم يكونوا وهذا ظاهر قول الخرقي وهو قول عمر بن عبد العزيز والليث لأننا التزمنا حفظهم بمعاهدتهم وأخذ جزيتهم فلزمنا القتال من ورائهم والقيام دونهم فإذا عجزنا عن ذلك وأمكننا تخليصهم لزمنا ذلك وقال القاضي إنما يجب فداؤهم إذا استعان بهم الإمام في قتال فسبوا وجب عليه فداءهم لأن أسرهم كان لمعنى من جهته وهو المنصوص عن أحمد ومتى وجب فداؤهم فإنه يبدأ بفداء المسلمين قبلهم ولأن حرمة المسلم أعظم والخوف عليه أشد وهو معرض الفتنة عن دين الحق بخلاف أهل الذمة (فصل) ومن هرب منهم إلى دار الحرب ناقضاً للعهد عاد حربياً حكمه حكم الحربي سواء كان رجلاً أو امرأة ومتى قدر عليه أبيح منه ما يباح من الحربي من القتل والأسر وأخذ المال فإن هرب بأهله وذريته أبيح من الهاربين منهم ما يباح من أهل الحرب ولم يبح سبي الذرية لأن النقض إنما وجد من البالغين دون الذرية، وإن نقضت طائفة من أهل الذمة جاز غزوهم وقتالهم، وإن نقص بعضهم دون بعض اختص حكم النقض بالناقض وإن لم ينقضوا لكن خاف النقض منهم لم يجز أن ينبذ إليهم عهدهم لأن عقد الذمة لحقهم بدليل أن الإمام تلزمه إجابتهم بخلاف عقد الأمان والهدنة فإنه لمصلحة المسلمين ولأن عقد الذمة آكد لأنه مؤبد وهو معاوضة وكذلك إذا نقض بعض أهل الذمة العهد

وسكت بقيتهم لم يكن سكوتهم نقضاً وفي عقد الهدنة يكون نقضا (مسألة) وإن تحاكموا إلى الحاكم مع مسلم لزمه الحكم بينهم وإن تحاكم بعضهم مع بعض أو استعدى بعضهم على بعض خير بين الحكم بينهم وبين تركهم) لأن إنصاف المسلم والإنصاف منه واحب وطريقه الحكم لقول الله تعالى (فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم) ولأنهما كافران فلم يجب الحكم بينهما كالمستأمنين ولا يحكم بينهم إلا بحكم الإسلام لقول الله تعالى (وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط) وعنه يلزمه الحكم بينهم لقول الله تعالى وأن احكم بينهم بما أنزل الله) ولأن رفع الظلم عنهم واجب وطريقه الحكم فوجب كالحكم بين المسلمين (فإن استعدت المرأة على زوجها في طلاق أو إيلاء أو ظهار فإن شاء أعداهما وإن شاء تركهما على الرواية الأولى فإن أحضرت زوجها حكم عليه بحكم المسلمين في مثل ذلك، فإن كان قد ظاهر منها منعه وطأها حتى يكفر وتكفيره بالإطعام لأنه لا يصح منه الصوم ولا يصح شراؤه للعبد المسلم ولا تملكه (مسألة) (وإن تبايعوا بيوعاً فاسدة وتقابضوا لم ينقض فعلهم لانه عقدتم قبل إسلامهم على ما يجوز ابتداء العقد عليه فأقروا عليه ولم ينقض كأنكحتهم وإن لم يتقابضوا فسخه سواء كان قد حكم بينهم حاكمهم أم لا) لأنه عقد لم يتم ولا يجوز الحكم بإتمامه لكونه فاسداً فتعين نقضه وحكم حاكمهم وجوده كعدمه لأن من شرط الحاكم النافذة أحكامه الإسلام ولم يوجد (فصل) سئل أحمد رحمه الله عن الذمي يعامل بالربا ويبيع الخمر والخنزير ثم يسلم وذلك المال في يده فقال لا يلزمه أن يخرج منه شيئاً لأن ذلك مضى في حال كفره فأشبه نكاحه في الكفر إذا أسلم، وسئل عن المجوسيين يجعلان ولدهما مسلماً فيموت وهو ابن خمس سنين، فقال يدفن في مقابر المسلمين لقول النبي صلى الله عليه وسلم (فأبواه يهودانه أو ينصرانه اويمجسانه)) يعني أن هذين لم يمجساه فبقي على الفطر (الفطرة) :، وسئل عن أطفال المشركين فقال: اذهب إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم (أعلم بما كانوا عاملين) قال وكان ابن عباس يقول (وأبواه يهودانه وينصرانه - حتى سمع - الله أعلم بما كانوا عاملين) فترك قوله وسأله ابن الشافعي فقال يا أبا عبد الله ذراري المشركين والمسلمين؟ فقال هذه مسائل أهل الزيغ وقال أبو عبد الله سأل بشر بن السري سفيان الثوري عن أطفال المشركين فصاح به وقال

يا صبي أنت تسأل عن هذا؟ قال أحمد ونحن نمر هذه الأحاديث على ما جاءت ولا نقول شيئاً وسئل عن أطفال المسلمين فقال ليس فيه اختلاف أنهم في الجنة وذكروا له حديث عائشة الذي قالت فيه عصفور من عصافير الجنة فقال وهذا حديث؟ وذكر فيه رجلاً ضعفه طلحة وسئل عن الرجل يسلم بشرط أن لا يصلي إلا صلاتين فقال يصح إسلامه ويؤخذ بالخمس وقال معنى حديث حكيم بن حزام بايعت النبي صلى الله عليه وسلم ألا أخر إلا قائماً أنه لا يركع في الصلاة بل يقرأ ثم يسجد من غير ركوع قال وحديث قتادة عن نصر بن عاصم أن رجلاً منهم بايع النبي صلى الله عليه وسلم على أن لا يصلي طرفي النهار. (مسألة) (وإن تهود نصراني أو تنصر يهودي لم يقر ولم يقبل منه إلا الإسلام أو الدين الذي كان عليه ويحتمل أن لا يقبل منه إلا الإسلام فإن أبى هدد ويحبس ويحتمل أن يقبل وعنه أنه يقر) إذا انتقل الكتابي إلى دين آخر من دين أهل الكتاب ففيه ثلاث روايات (إحداهن) لا يقر لأنه انتقل إلى دين باطل قد أقر ببطلانه فلم يقر عليه كالمرتد. فعلى هذا يجبر على الإسلام ولأن ما سواه باطل اعترف ببطلانه قبل ينتقل إليه ثم اعترف ببطلان دينه حين انتقل عنه فلم يبق إلا الاسلام (والثانية) لا يقبل منه إلا الإسلام أو الدين الذي كان عليه لأننا أقررناه عليه أولاً فنقره عليه ثانياً (والثالثة) يقر نص عليه أحمد وهو ظاهر كلام الخرقي واختيار الخلال وصاحبه وقول أبي حنيفة وأحد قولي الشافعي لأنه لم يخرج عن دين أهل الكتاب فأشبه غير المنتقل ولأنه دين أهل الكتاب فيقر عليه كأهل ذلك الدين وفي صفة إجباره على ترك ما انتقل إليه روايتان (احدهما) يجبر عليه بالقتل لعموم قوله عليه الصلاة والسلام (من بدل دينه فاقتلوه) ولأنه ذمي نقض العهد فأشبه ما لو نقضه بترك التزام الذمة وهل يستتاب؟ يحتمل وجهين (احدهما) يستتاب لأنه استرجع عن دين باطل انتقل إليه فيستتاب كالمرتد (والثاني) لا يستتاب لأنه كافر أصلي أبيح دمه فأشبه الحربي فعلى هذا إن بادر وأسلم أو رجع إلى ما يقر عليه عصم دمه وإلا قتل (والثانية) أنه يجبر بالضرب والحبس فإن أحمد قال إذا دخل اليهودي في النصرانية رددته إلى اليهودية فقيل له اتفقله (أتقتله) قال لا ولكن يضرب ويحبس لأنه لم يخرج عن دين أهل الكتاب فلم يقتل كالباقي على دينه ولأنه مختلف فيه فلا يقتل للشبهة

(مسألة) (وإن انتقل إلى غير دين أهل الكتاب أو انتقل المجوسي إلى غير دين أهل الكتاب لم يقر وأمر أن يسلم فإن أبى قتل إذا انتقل الكتابي إلى غير دين أهل الكتاب لم يقر عليه لا نعلم فيه خلافا لأنه انتقل إلى دين لا يقر عليه بالجزية كعبدة الأوثان فالأصلي منهم لا يقر فالمنتقل أولى وإن انتقل إلى المجوسية لم يقر لأنه انتقل إلى أدنى من دينه فلم يقر كالمسلم إذا أرتد وكذلك الحكم في المجوسي إذا انتقل إلى إلى أدنى من دينه كعبادة الأوثان كذلك وإذا قلنا لا يقر ففيه ثلاث روايات (إحداهن) لا يقبل منه إلا الإسلام، نص عليه أحمد واختاره الخلال وصاحبه وهو أحد قولي الشافعي لأن غير الإسلام أديان باطلة فقد أقر ببطلانها فلم يقر عليها كالمرتد وإذا قلنا لا يقبل منه إلا الإسلام فأبى أجبر عليه بالقتل لأنه انتقل إلى دين أدنى من دينه أشبه المرتد. (والثانية) لا يقبل منه إلا الإسلام أو الدين الذي كان عليه لأن دينه الأول قد أقررناه عليه مرة ولم ينتقل إلى خير منه فنقره عليه إن رجع إليه ولأنه انتقل من دين يقر عليه إلى دين لا يقر عليه فقبل رجوعه إلى دينه كالمرتد إذا رجع إلى الإسلام. (والثالثة) أنه يقبل منه أحد ثلاثة أشياء الإسلام أو الدين الذي كان عليه أو دين أهل الكتاب لأنه دين أهل الكتاب فيقر عليه كغيره من أهل ذلك الدين وإذا انتقل المجوسي إلى غير دين أهل الكتاب ثم رجع إلى المجوسية أقر عليه في إحدى الروايتين لأنه أقر عليه أولاً فيقر عليه ثانيا. (مسألة) (وإن انتقل غير الكتابي إلى دين أهل الكتاب أقر ويحتمل أن لا يقبل منه إلا الإسلام) إذا انتقل المجوسي إلى دين أهل الكتاب ففيه أيضاً الروايات الثلاث (إحداهن) لا يقبل منه إلا الاسلام لما ذكرنا (والثانية) يقر على ما انتقل إليه لأنه أعلى من دينه ولأنه انتقل إلى دين يقر عليه أهله والثالثة لا يقبل منه إلا الإسلام أو دينه الذي كان عليه لما تقدم (مسألة) (وإن تمجس الوثني فهل يقر؟ على روايتين) إحداهما يقر لما ذكرنا والثانية لا يقر لأنه انتقل إلى دين لا تحل ذبائح أهله ولا تنكح نساؤهم أشبه ما لو انتقل إلى دين لا يقر عليه أهله والأولى أولى (فصل) (في نقض العهد وإذا امتنع الذمي من بذل الجزية أو التزام أحكام الملة انتقض عهده)

إذا امتنع الذمي من بذل الجزية أو التزام أحكام الملة إذا حكم بها حاكم انتقض عهده بغير خلاف في المذهب سواء شرط عليهم أو لا، وهو مذهب الشافعي لقول الله تعالى (حتى يعطوا الجزية عن يدوهم صاغرون) قيل الصغار التزام أحكام المسلمين فأمر بقتالهم حتى يعطوا الجزية ويلتزموا أحكام الملة، فإذا امتنعوا من ذلك وجب قتالهم فإذا قاتلوا فقد نقضوا العهد وفي معنى هذين قتالهم للمسلمين منفردين أو مع الحرب لأن إطلاق الأمان يقتضي ذلك وقال أبو حنيفة لا ينتقض العهد إلا بالامتناع من الإمام بحيث يتعذر أخذ الجزية منهم ولنا ما ذكرناه ولأنه ينافي الأمان أشبه مالو امتنعوا من بذل الجزية (مسألة) وإن تعدى على مسلم بقتل أو قذف أو زنا أو قطع طريق أو تجسس أو إيواء جاسوس أو ذكر الله تعالى أو كتابة أو رسوله بسوء فعلى روايتين) ويلتحق بذلك أو فتن مسلم عن دينه أو إصابة المسلمة باسم نكاح (إحداهما) ينتقض عهده اختاره القاضي والشريف أبو جعفر سواء شرط عليهم أو لم يشرط ومذهب الشافعي نحو هذا فيما إذا شرط عليهم لما روي عن عمر رضي الله عنه أنه رفع إليه رجل أراد استكراه امرأة مسلمة على الزنا فقال ما على هذا صالحناكم وأمر به فصلب في بيت المقدس وقيل لأبن عمر إن راهباً يشتم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لو سمعته لقتلته إنا لم نعط الأمان على هذا ولما روي عن عمر أنه أمر عبد الرحمن بن غنم أن يلحق في كتاب صلح الجزيرة ومن ضرب مسلماً عمداً فقد خلع عهده ولأن فيه ضرراً على المسلمين فأشبه الامتناع من بذل الجزية ولأنه لم يف بمقتضى الذمة وهو الأمن من جانبه فانتقض عهده كما لو قاتل المسلمين (والثاينة) لا ينتقض العهد به لكن يقام عليه الحد فيما يوجب الحد أو يقتص منه فيما يوجب القصاص ويعذر فيما سوى ذلك بما ينكف به أمثاله عن فعله لأن ما يقتضيه العهد من التزام الجزية وأحكام المسلمين والكف عن قتالهم باق فوجب بقاء العهد (مسألة) (وان أظهر منكراً أو رفع صوته بكتابه لم ينتض عهده) وظاهر كلام الخرقي أنه ينتقض إن كان مشروطاً عليهم أما ما سوى الخصال المذكورة في المسألة

التي قبلها كالتميز عن المسلمين وترك إظهار المنكر ونحو ذلك فإن لم يشرط عليهم لم ينتقض عهدهم به لأن العقد لا يقتضيها ولا ضرر فيها على المسلمين وإن شرطت عليهم فظاهر كلام الخرقي إن عهدهم ينتقض بمخالفتنا لقوله ومن نقض العهد بمخالفة شئ مما صولحوا عليه حل دمه وماله. ووجه ذلك أن في كتاب صلح الجزيرة لعبد الرحمن بن غنم بعد استيفاء الشروط: وأن نحن غيرنا أو خالفنا عما شرطنا على أنفسنا وقبلنا الأمان عليه فلا ذمة لنا وقد حل لك منا ما يحل من أهل المعاندة والشقاق ولأنه عقد بشرط فزال بزوال الشرط كما لو امتنع من بذل الجزية وقال غيره من أصحابنا لا ينتقض العهد به لأنه لا ضرر على المسلمين فيه ولا ينافي عقد الذمة أشبه ما لو لم يشرطه ولكنه يعزر ويلزم ما تركه (مسألة) (ولا ينتقض عهد نسائه وأولاده بنقض عهده وإذا انتقض عهده خير الإمام فيه كالأسير الحربي) لأن النقض وجد منه دونهم فاختص حكمه به قال شيخنا في كتاب العمدة إلا أن يذهب بهم إلى دار الحرب وذكر في كتاب المغني أنه لا يباح سبي الذرية وإن ذهب بهم إلى دار الحرب وإذا انتقض عهده خير الإمام فيه كالأسير الحربي فيخير فيه بين القتل والاسترقاق والمن والفداء لأن عمر رضي الله عنه صلب الذي أراد استكراه امرأة ولأنه كافر لا أمان له قدرنا عليه في دارنا بغير عقد ولا عهد ولا شبهة ذلك فأشبه اللص الحربي هذا اختيار القاضي، وقال بعض أصحابنا فيمن سب النبي صلى الله عليه وسلم أنه يقتل بكل حال وذكر أن أحمد نص عليه (مسألة) (وماله فيئ عند الخرقي وقال أبو بكر هو لورثته)

التي قبلها كالتميز عن المسلمين وترك إظهار المنكر ونحو ذلك فإن لم يشرط عليهم لم ينتقض عهدهم به لأن العقد لا يقتضيها ولا ضرر فيها على المسلمين وإن شرطت عليهم فظاهر كلام الخرقي إن عهدهم ينتقض بمخالفتنا لقوله ومن نقض العهد بمخالفة شئ مما صولحوا عليه حل دمه وماله. ووجه ذلك أن في كتاب صلح الجزيرة لعبد الرحمن بن غنم بعد استيفاء الشروط: وأن نحن غيرنا أو خالفنا عما شرطنا على أنفسنا وقبلنا الأمان عليه فلا ذمة لنا وقد حل لك منا ما يحل من أهل المعاندة والشقاق ولأنه عقد بشرط فزال بزوال الشرط كما لو امتنع من بذل الجزية وقال غيره من أصحابنا لا ينتقض العهد به لأنه لا ضرر على المسلمين فيه ولا ينافي عقد الذمة أشبه ما لو لم يشرطه ولكنه يعزر ويلزم ما تركه (مسألة) (ولا ينتقض عهد نسائه وأولاده بنقض عهده وإذا انتقض عهده خير الإمام فيه كالأسير الحربي) لأن النقض وجد منه دونهم فاختص حكمه به قال شيخنا في كتاب العمدة إلا أن يذهب بهم إلى دار الحرب وذكر في كتاب المغني أنه لا يباح سبي الذرية وإن ذهب بهم إلى دار الحرب وإذا انتقض عهده خير الإمام فيه كالأسير الحربي فيخير فيه بين القتل والاسترقاق والمن والفداء لأن عمر رضي الله عنه صلب الذي أراد استكراه امرأة ولأنه كافر لا أمان له قدرنا عليه في دارنا بغير عقد ولا عهد ولا شبهة ذلك فأشبه اللص الحربي هذا اختيار القاضي، وقال بعض أصحابنا فيمن سب النبي صلى الله عليه وسلم أنه يقتل بكل حال وذكر أن أحمد نص عليه (مسألة) (وماله فيئ عند الخرقي وقال أبو بكر هو لورثته) لأنه إنما عصم بعقد الذمة فزال بزواله كالمرتد لأن ماله كان معصوماً فلا تزول عصمته بنقضه العهد كأولاده الصغار (آخر كتاب الجهاد والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم) (تسليما كثيراً) (تم بحمد الله وعونه الجزء العاشر من كتابي المغني والشرح الكبير) (ويليه بمشيئة الله وتوفيقه الجزء الحادي عشر منهما وأوله (كتاب الصيد والذبائح)

بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الصيد الأصل في إباحة الكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب فقول الله تعالى (أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما) وقال سبحانه (وإذا حللتم فاصطادوا) وقال سبحانه (يسئلونك ماذا أحل لهم؟ قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه) وأما السنة فروى أبو ثعلبة الخشني قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله أنا بأرض صيد أصيد بقوسي وأصيد بكلبي المعلم وأصيد بكلبي الذي ليس بمعلم فأخبرني ماذا يصلح لي؟ " قال أما ما ذكرت أنكم بأرض

كتاب الصيد

صيد فما صدت بقوسك وذكرت اسم الله عليه فكل، وما صدت بكلبك المعلم والذي ليس بمعلم فأدركت ذكاته فكل " متفق عليه وعن عدي بن حاتم قال قلت يا رسول الله إنا نرسل الكلب المعلم فيمسك علينا قال " كل " قلت فإن قتل؟ قال " وإن قتل ما لم يشركه كلب غيره " قال وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيد المعراض قال " ما خرق فكل وما قتل بعرضه فلا تأكل " متفق عليه أيضاً وأجمع أهل العلم على إباحة الإصطياد والأكل من الصيد * (مسألة) * (ومن صاد صيداً فأدركه حياً حياة مستقرة لم يحل إلا بالذكاة) أما ما ادرك ذكاته من الصيد فلا يشترط في إباحته سوى صحة التذكية ولذلك قال عليه الصلاة والسلام " وما صدت بكلبك الذي ليس بمعلم فأدركت ذكاته فكل " فأما إن أدركه وفيه حياة مستقرة فلم يذبحه حتى مات نظرت، فإن كان الزمان لا يتسع لذكاته فمات فإنه يحل أيضاً قال قتادة يأكله ما لم يتوان في ذكاته أو يتركه عمدا وهو قادر على ذكاته ونحوه قول مالك والشافعي وروي ذلك عن الحسن والنخمي، وقال أبو حنيفة لا يحل لأنه أدركه وفيه حياة مستقرة فتعلقت إباحته بتذكيته كما لو اتسع الزمان

ولنا أنه لم يقدر على ذكاته كالذي قتله الصائد، ويفارق ما قاسوا عليه لأنه أمكنه ذكاته وفرط بتركها، لو أدركه وفيه حياة مستقرة يعيش بها زمناً طويلاً وأمكنه ذكاته ولم يذكه حتى مات لم يبح سواء كان به جرح يعيش معه أولا وبه قال مالك والليث والشافعي واسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي لأن ما كان كذلك فهو في حكم الحي بدليل أن عمر رضي الله عنه كانت جراحاته موجبة فأوصى واجيزت وصاياه وأقواله في تلك الحال ولم تسقط عنه الصلاة ولا العبادات ولأنه ترك تذكيته مع القدرة عليها فأشبه غير الصيد * (مسألة) * (فإن لم يجد ما يذكيه به أرسل الصائد له عليه حتى يقتله في إحدى الروايتين) واختاره الخرقي * (مسألة) * (فإن لم يفعل وتركه حتى مات لم يحل وقال القاضي يحل والأخرى لا يحل إلا أن يذكيه) اختلف قول أحمد في هذه المسألة فعنه مثل قول الخرقي وهو قول الحسن وابراهيم وقال في موضع إني لأقشعر من هذا يعني أنه لا يراه وهو قول أكثر أهل العلم لأنه مقدور عليه فلم يبح بقتل الجارح كالأنعام وكما لو أخذه سليماً. ووجه الأول أنه صيد قتله الجارح له من غير إمكان ذكاته فأبيح كما لو أدركه ميتاً ولأنها حال تتعذر فيها الذكاة في الحلق واللبة غالباً فجاز أن تكون ذكاته على حسب الإمكان

مسألة فإن لم يجد ما يذكيه به

كالمتردية في بئر، وحكي عن القاضي أنه قال في هذا يتركه حتى يموت فيحل لأنه صيد تعذرت تذكيته فأبيح بموته من غير عقر الصائد له كالذي تعذرت تذكيته لقلة لبثه، والأول أصح لأنه حيوان لا يباح بغير التذكية إذا كان معه آلة الذكاة فلم يبح بغيرها إذا لم تكن آلة كسائر المقدور على تذكيته، ومسألة الخرقي محمولة على ما يخاف موته إن لم يقتله الحيوان أو يذكى فإن كان به حياة يمكن بقاؤه إلى أن يأتي به منزله فليس فيه اختلاف لأنه لا يباح إلا بالذكاة * (مسألة) * (وإن رمى صيداً فأثبته ثم رماه آخر فقتله لم يحل ولمن أثبته قيمته مجروحاً على قاتله إلا أن يصيب الأول مقتله دور الثاني أو يصيب الثاني مذبحه فيحل وعلى الثاني ما خرق من جلده) إذا رمى صيداً فأثبته ثم رماه آخر فأصابه لم تخل رمية الأول من قسمين (أحدهما) أن تكون موجئة مثل أن ينحره أو يذبحه أو تقع في خاصرته أو قلبه فينظر في رمية الثاني فإن كانت غير موجئة فهو حلال ولا ضمان على الثاني إلا أن ينقصه برميه شيئاً فيضمن ما نقصه وبالرمية الأولى صار مذبوحاً، وإن كانت رمية الثاني موجئة فقال القاضي وأصحابه يحل كالتي قبلها وهو مذهب الشافعي

مسألة وإن رمى صيدا فأثبته ثم رماه آخر فقتله لم يحل ولمن أثبته قيمته مجروحا على قاتله

ويجئ على قول الخرقي أن يكون حراماً كما لو ذبح حيوان فغرق في ماء أو ولئ عليه شئ فقتله وقد ذكرناه (القسم الثاني) أن يكون جرح الأول غير موجئ فينظر في رمية الثاني فإن كانت موجئة فهو محرم لما ذكرنا إلا أن تكون رمية الثاني ذبحته أو نحرته (فصل) فإن لم تكن جراحة الثاني موجئة فله ثلاث صور (أحدها) أن يذكى بعد ذلك فيحل (الثانية) لم يذك حتى مات فهو حرام لأنه مات من جرحين مبيح ومحرم فحرم كما لو مات من جرح مسلم ومجوسي وعلى الثاني ضمان جميعه لأن جرحه هو الذي حرمه فكان جميع الضمان عليه (الثانية) قدر على ذكاته فلم يذكه حتى مات فيحرم لمعنيين (أحدهما) أنه ترك ذكاته مع إمكانه (الثاني) أنه مات من جرحين مبيح ومحرم ويلزم الثاني الضمان وفي قدره احتمالان (أحدهما) يضمن جميعه كالتي قبلها (الاحتمال الثاني) يضمن بقسط جرحه لأن الأول إذا ترك الذبح مع إمكانه كان جرحه حاضراً أيضاً بدليل ما لو انفرد وقتل الصيد فيكون الضمان منقسماً عليهما، وذكر القاضي في قسمه عليهما أن يقسط أرش جرح الأول وعلى الثاني أرش جراحته ثم يقسم ما بقي من القيمة بينهما نصفين، وفرض المسألة في صيد قيمته عشرة دراهم نقصه جرح الأول درهما ونقصه جرح الثاني درهما فعليه درهم

ويقسم الباقي وهو ثمانية بينهما نصفين فيكون على الثاني خمسة دراهم درهم بالمباشرة وأربعة بالسراية وتسقط حصة الأول وهي خمسة، وإن كان أرش جرح الثاني درهمين لزماه ويلزمه نصف السبعة الباقية ثلاثة ونصف وذلك خمسة ونصف وتسقط حصة الأول أربعة ونصف، فإن كانت جنايتهما مملوكة لغيرهما قسم الضمان عليهم كذلك، قال شيخنا: ويتوجه على هذه الطريقة أنه سوى بين الجنايتين مع أن الثاني جنى عليه وقيمته دون قيمته يوم جنى عليه الأول وإن لم يدخل أرش الجناية في بدل النفس كما يدخل في الجناية على الآدمي قال شيخنا والجواب عن هذا أن كل واحد منهما انفرد باتلاف ما قيمته درهم وتساويا في إتلاف الباقي بالسراية وتساويا في الضمان وإنما يدخل أرش الجناية في بدل النفس التي لا ينتقص بدلها باتلاف بعضها وهو الآدمي، أما البهائم فإذا جنى عليها جناية أرشها درهم نقص ذلك من قيمتها فإذا سرى إلى النفس أوجبنا ما بقي من قيمة النفس ولم يدخل الارش فيها وذكر أصحاب الشافعي في قسمة الضمان طرقاً ستة (أصحها) عندهم أن يقال أن الأول اتلف نصف نفس قيمتها تسعة فيلزمه أربعة ونصف فيكون المجوع تسعة ونصفا وهي أقل من قيمته لأنها عشرة فتقسم العشرة على تسعة ونصف فيسقط عن الأول ما يقابل أربعة ونصفاً، ويتوجه على هذا أن كل

واحد منهما يلزمه أكثر من قيمة نصف الصيد حين جنى عليه، وإن كانت الجراحات من ثلاثة فإن كان الأول أثبته فعلى طريقة القاضي على كل واحد أرش جرحه وتقسم السراية عليهم أثلاثاً وإن كان المثبت له الثاني فجراحة الأول هدر لا عبرة بها والحكم في جرجي الآخرين كما ذكرنا وعلى الطريقة الأخرى الأول أتلف ثلث نفس قيمتها عشرة فيلزمه ثلاثة وثلث والثاني أتلف ثلثها وقيمتها تسعة فيلزمه ثلاثة (والثالث) أتلف ثلثها وقيمتها ثمانية فيلزمه درهمان وثلثان فمجموع ذلك تسعة تقسم عليها العشرة حصة كل واحد منهم ما يقابل ما أتلفه، وإن أتلفوا شاة مملوكة لغيره ضمنوها كذلك (فصل) فإن رمياه معاً فقتلاه كان حلالا وملكاه لا نهما اشتركا في سبب الملك والحلل تساوى الجرحان أو تفاوتا لأن موته كان بهما فإن كان أحدهما موجئا والآخر غير موجئ ولا يثبته مثله فهو لصاحب الجرح الموجئ لأنه الذي أثبته وقتله، ولا شئ على الآخر لأن جرحه كان قبل ثبوت ملك الآخر فيه وإن أصابه أحدهما بعد صاحبه فوجدناه ميتاً لم نعلم هل صار بالأول ممتنعاً أولاً؟ حل لأن الأصل الامتناع ويكون بينهما لأن أيديهما عليه، فإن قال كل واحد منهما أنا أثبته ثم قتلته أنت حرم لأنهما اتفقا على تحريمه ويتخالفان لاجل الضمان، ان اتفقا على الأول منهما فادعى الأول أنه أثبته

ثم قتله الآخر وأنكر الثاني إثبات الأول له فالقول قول الثاني لأن الأصل امتناعه ويحرم على الأول لإقراره بتحريمه والقول قول الثاني في عدم الامتناع مع يمينه، وإن علمت جراحة كل واحد منهما نظر فيها فإن علم أن جراحة الأول لا يبقى معها امتناع مثل أن كسر جناح الطير أو ساق الظبي فالقول قول الأول بغير يمين، وإن علم أنه لا يزيل الامتناع مثل خدش الجلد فالقول قول الثاني وإن احتمل الأمرين فالقول قول الثاني لأن الأصل معه وعليه اليمين لأن ما ادعاه الأول محتمل * (مسألة) * (وإن أدرك الصيد متحركاً كحركة المذبوح فحكمه حكم الميت لا يحتاج إلى ذكاة) لأن عقره كذكاته، ومتى أدركه ميتاً حل بشروط أربعة (أحدها) أن يكون من أهل الذكاة وهو أن يكون مسلماً عاقلاً أو كتابياً فإن كان وثنياً أو مجوسياً أو مرتداً أو من غير المسلمين وأهل الكتاب أو مجنوناً لم يبح صيده لأن الاصطياد أقيم مقام الذكاة والجارح مقام الآلة كالسكين وعقره للحيوان بمنزلة افراء الأوداج قال النبي صلى الله عليه وسلم " فإن أخذ الكلب له ذكاة " والصائد بمنزلة المذكي فتشترط الأهلية فيه

مسألة وإن أدرك الصيد متحركا كحركة المذبوح فحكمه حكم الميت لا يحتاج إلى ذكاة

(فصل) فأما ما لا يفتقر إلى الذكاة كالحوت والجراد فيباح إذا صاده المجوسي ومن لا تباح ذبيحته وقد أجمع على ذلك أهل العلم غير ان مالكا والليث وأبا ثور شذوا عن الجماعة وأفرطوا فقال مالك والليث لا نرى أن يؤكل الجراد إذا صاده المجوسي ورخصا في السمك، وأباح أبو ثور صيد المجوسي وذبيحته وقد ذكرنا ذلك في باب الذكاة * (مسألة) * (فإن رمى مسلم ومجوسي صيداً أو أرسلا عليه جارحاً أو شارك كلب المجوسي كلب المسلم في قتله لم يحل، وإن أصاب أحدهما المقتل دون الآخر حل ويحتمل أن لا يحل) متى رمى مسلم ومجوسي أو من ليس من أهل الذكاة صيداً أو أرسلا عليه جارحاً فمات بذلك لم يحل لأنه اجتمع في قتله مبيح ومحرم فغلب التحريم كالمتدلد بين ما يؤكل وبين مالا يؤكل، وكذلك إن شارك كلب المجوسي كلب المسلم في قتله لما ذكرنا ولأن الأصل الحظر، والحل موقوف على شرط وهو أن يذكيه من هو من أهل الذكاة أو صيده الذي حصلت التذكية به ولم يتحقق ذلك وكذلك إن رمياه بسهميهما فأصاباه فمات لما ذكرناه ولا فرق بين أن يقع سهماهما فيه دفعة واحدة أو يقع أحدهما قبل الآخر، فإن أصاب أحدهما مقتله دون الآخر مثل أن يكون قد عقره (1) عقراً موحياً مثل أن ذبحه أو جعله في حكم المذبوح ثم أصابه الثاني وهو غير موح ويجئ، على قول الخرقي أن لا يباح فإنه قال

_ (1) هذا نقص ونصه مذبوح فيكون الحكم للاول فإن كان الأول المسلم أبيح وان كان المجوسي لم يبح وإن كان الثاني موحيا أيضا فقال أكثر أصحابنا الحكم للاول أيضا لان الاباحة حصلت به فأشبه ما لو كان الثاني غير اه من المعني

مسألة فإن رمى مسلم ومجوسي صيدا أو أرسلا عليه جارحا أو شارك كلب المسلم في قتله لم يحل

إذا ذبح فأتى على المقاتل فلم تخرج الروح حتى وقعت في الماء لم تؤكل ولأن الروح خرجت بالجرحين فأشبه ما لو جرحاه معاً وإن كان الأول ليس بموح فالحكم للثاني في الحظر والإباحة (فصل) فإن أرسل مسلمان كلبيهما على صيد وسمى أحدهما دون الآخر وكان أحد الكلبين غير معلم فقتلا صيداً لم يحل، وكذلك إن أرسل كلبه المعلم فاستهل معه معلم آخر بنفسه فقتلا الصيد في قول أكثر أهل العلم منهم ربيعة ومالك والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي وقال الأوزاعي يحل ههنا ولنا أن إرسال الكلب على الصيد شرط لما نذكره ولم يوجد في أحدهما. (فصل) إذا أرسل جماعة كلابا وسموا فوجدوا الصيد قتيلاً لا يدرون من قتله حل أكله فإن اختلفوا في قاتله وكانت الكلاب متعلقة به فهو بينهم على السواء لأن الجميع مشتركة في إمساكه فأشبه ما لو كان في أيدي الصيادين وعبيدهم، وان كان البعض متعلقاً به دون باقيها فهو لمن كلبه معلق

به وعلى من حكمنا له به اليمين في المسئلتين، لأن دعواه محتملة فكانت اليمين عليه كصاحب، اليد وإن كان قتيلاً والكلاب ناحية وقف الأمر حتى يصطلحوا ويحتمل أن يقرع بينهم فمن قرع صاحبه حلف وكان له، وهذا قول أبي ثور قياساً على ما لو تداعيا دابة في يد غيرهما وعلى الأول إذا خيف فساده قبل اصطلاحهم عليه باعوه ثم اصطلحوا على ثمنه. * (مسألة) * (وإن رد كلب المجوسي إلى كلب المسلم فقتله حل أكله) وهذا قول الشافعي وأبي ثور وقال أبو حنيفة لا يحل لأن كلب المجوسي عاون في اصطياده فأشبه إذا عقره. ولنا أن جارحة المسلم انفردت بقتله فأبيح كما لو رمى المجوسي سهمه فرد الصيد فأصابه سهم المسلم فقتله أو أمسك مجوسي شاة فذبحها مسلم وبهذا يبطل ما قاله. * (مسألة) * (وإن صاد المسلم بكلب المجوسي حل صيده) . وعنه لا يحل صيد المسلم بكلب المجوسي في الصحيح من المذهب، وبه قال سعيد بن المسيب والحكم ومالك والشافعي وأبو ثور واسحاق وأصحاب الرأي وعنه لا يباح وكرهه جابر والحسن ومجاهد والنخعي والثوري لقول الله تعالى (وما علمتم من الجوارح) وهذا لم يعلمه وعن الحسن أنه كره الصيد بكلب اليهودي والنصراني لهذه الآية.

وإن رد كلب المجوسي إلى كلب المسلم فقتله حل أكله

ولنا أنه آلة صاد بها المسلم فحل صيده كالقوس والسهم، وقال ابن المسيب هو بمنزلة شفرته والآية دلت على إباحة الصيد بما علمناه وما علمه غيرنا فهو فيثبت الحكم بالقياس الذي ذكرناه، يحققه أن التعليم إنما اثر في جعله آلة ولا تشترط الأهلية في ذلك هنا كعمل القوس والسهم وإنما أثر فيما أقيم مقام الزكاة وهو إرسال الآلة من الكلب والسهم وقد وجد الشرط هنا. * (مسألة) * (وإن صاد المجوسي بكلب المسلم لم يحل صيده في قول الجميع) * (مسألة) * (وإن أرسل المسلم كلبا فزجره المجوسي حل صيده لأن الصائد هو المسلم وإن أرسله مجوسي فزجره مسلم لم يحل لأن الصائد هو المجوسي) . (فصل) الثاني الآلة وهي نوعان: محدد فيشترط له ما يشترط لآلة الذكاة ولابد أن يجرحه فإن قتله بثقله لم يحل لأنه وقذ فيدخل في عموم قوله تعالى (والموقوذة) * (مسألة) * (وإن أصاب بالمعراض أكل ما قتل بحده دون عرضه) المعراض عود محدد وربما جعل في راسه حديدة. قال أحمد المعراض يشبه السهم يحذف به الصيد فربما أصاب الصيد بحده فخرق وقتل فيباح.

مسألة وإن صاد المجوسي بكلب المسلم لم يحل صيده في قول الجميع

وربما أصاب بعرضه فقتل بثقله فيكون موقوذاً فلا يباح وهذا قول علي وسليمان وعمار وابن عباس وبه قال النخعي والحكم ومالك والثوري والشافعي وابو حنيفة واسحاق وأبو ثور وقال الاوزاعي والحكم وأهل الشام يباح ما قتل بحده وعرضه وقال ابن عمر ما رمي من الصيد بحلاهق أو معراض فهو من الموقوذة وبه قال الحسن. ولنا ما روى عدي بن حاتم قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيد المعراض فقال " ما خرق فكل وما قتل بعرضه فهو وقيذ فلا تأكل " متفق عليه، وهذا نص صريح ولأن ما قتل بحده بمنزلة ما طعنه برمحه أو رماه بسهمه، ولأنه محدد خرق وقتل بحده وما قتل بعرضه إنما يقتله بثقله فهو موقوذ كالذي رماه بحجر أو بندق ويحمل قول ابن عمر في تحريم ما قتل بالمعراض على ما قتل بعرضه ولأنه شبهه بالبندق. (فصل) وحكم آلات الصيد حكم المعراض في أنها إذا قتلت بعرضها ولم تجرح لم يبح الصيد كالسهم يصيب الطائر بعرضه فيقتله أو الرمح والحربة والسيف يضرب به صفحا فيقتل فكل ذلك حرام، وكذا أن أصاب بحده فلم يجرح وقتل بثقله لم يبح لقول النبي صلى الله عليه وسلم " ما خرق فكل " ولأنه إذا لم يجرحه فإنما يقتل بثقله فاشبه ما أصاب بعرضه.

مسألة وإن أصاب بالمعراض أكل ما قتل بحده دون عرضه

* (مسألة) * (وإن نصب مناجل أو سكاكين وسمى عند نصبها فقتلت صيداً أبيح فإن بان منه عضو فحكمه حكم البائن بضربة الصائد على ما نذكره) . وروي نحو هذا عن ابن عمر وهو قول الحسن وقتادة، وقال الشافعي لا يباح بحال لأنه لم يذكه أحد وإنما قتلت المناجل بنفسها ولم يوجد من الصائد إلا السبب فجرى ذلك مجرى من نصب سكينا فذ بحث شاة ولأنه لو رمى سهماً وهو لا يرى صيداً فقتل صيداً لم يحل فذا أولى ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " كل ما ردت عليك يدك " ولأنه قصد قتل الصيد بما له حد جرت العادة بالصيد به أشبه ما ذكرنا والتسبب يجري مجرى المباشرة في الضمان فكذلك في إباحة الصيد، وفارق ما إذا نصب سكيناً فإن العادة لم تجر بالصيد بها وإذا رمى سهماً ولم يرم صيداً فليس ذلك بمعتاد والظاهر أنه لا يصيب صيداً فلم يصح قصده بخلاف هذا. * (مسألة) * (وإذا قتله بسهم مسموم لم يبح إذا غلب على الظن أن السم أعان على قتله) إنما كان كذلك لأن ما قتله السم محرم وما قتله السهم مباح فإذا مات بسبب مباح ومحرم حرم كما لو مات بسهمي مسلم، فأما ان علم أن السم لم يعن على قتله لكون السهم أوحى منه فهو مباح.

مسألة وإن نصب مناجل أو سكاكين وسمى عند نصبها فقتلت صيدا أبيح فإن بان منه عضو فحكم حكم البائن

* (مسألة) * (وإن رماه فوقع في ماء أو تردى من جبل أو وطئ عليه شئ فقتله لم يبح إلا أن تكون الجراح موحية كالذكاة فهل يحل؟ على روايتين) . إذا وقع في ماء يقتله مثله أو تردى تردياً يقتله مثله فلا يحل إذا لم تكن الجراح موحية فإن كانت الجراح موحية كالذكاة ففيه روايتان (إحداهما) لا يحل وهو الذي ذكره الخرقي، وهي المشهورة عن أحمد وهو ظاهر قول ابن مسعود وعطاء وأصحاب الراي (والرواية الثانية) يحل وهو قول أكثر أصحابنا المتأخرين ولا يضر وقوعه في الماء ولا ترديه، هو قول الشافعي ومالك والليث وقتادة وأبي ثور لان هذا صار في حكم الميت بالذبح فلا يؤثر فيه ما أصابه. ووجه الأولى قوله عليه الصلاة والسلام " وإن وجدته غريقا في الماء فلا تأكل " ولأنه يحتمل أن الماء أعان على خروج روحه فصار بمنزلة ما لو كانت الجراحة غير موحية ولا خلاف في تحريمه إذا كانت الجراح غير موحية، فأما إن وقع في الماء على وجه لا يقتله مثل أن يكون رأسه خارجاً من الماء أو يكون من طير الماء الذي لا يقتله الماء أو كان التردي لا يقتل مثل ذلك الحيوان فلا خلاف في إباحته، لأن قول النبي صلى الله عليه وسلم

مسألة وإذا قتله بسهم مسموم لم يبح إذا غلب على الظن أن السم أعان على قتله

" وإن وجدته غريقا في الماء فلا تأكله " يقتضي أن يغرق جميعه، ولأن الوقوع في الماء والتردي إنما حرم خشية أن يكون قاتلاً أو معيناً على القتل وهذا منتف فيما ذكرناه * (مسألة) * (فإن رماه في الهواء فوقع على الأرض فمات حل) إذا رمى طائراً في الهواء أو على شجرة أو جبل فوقع على الأرض فمات به حل وبه قال الشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي، وقال مالك لا يحل إلا أن تكون الجراح موحية أو يموت قبل سقوطه وحكى ابن أبي موسى عن أحمد رواية نحو ذلك لقوله تعالى (والمتردية) ولأنه اجتمع المبيح والحاظر فغلب الحاظر كما لو غرق. ولنا أنه صيد سقط بالإصابة سقوطاً لا يمكن الاحتراز عن سقوطه عليه فوجب أن يحل كما لو أصاب الصيد فوقع على جنبه ويخالف ما ذكروه فإن الماء يمكن التحرز عنه بخلاف الأرض. * (مسألة) * (وإن رمى صيداً فغاب ثم وجده ميتاً لا أثر به غير سهمه حل وعنه إن كانت الجراح موحية حل وإلا فلا وعنه إن جده في يومه حل وإلا فلا وإن وجد به غير أثر سهمه مما يحتمل أنه أعان على قتله لم يبح)

مسألة فإن رماه في الهواء فوقع على الأرض فمات حل

متى رمى صيداً فغاب عن عينه فوجده ميتاً وسهمه فيه لا أثر به غيره حل أكله. هذا المشهور عن أحمد وكذلك لو أرسل كلبه على صيد فغاب عن عينه ثم وجده ميتاً ومعه كلبه حل وهذا قول الحسن وقتادة عن أحمد أن كانت الجراح موحية حل وإلا فلا لأنها إذا كانت موحية لم يتأخر الموت عنها ولم تجز نسبة الموت إلى غيرها إلا بوجود مثلها أو أوحى بخلاف غيرها، وعنه أن وجده في يومه حل وإلا فلا قال أحمد إن غاب نهاراً فلا بأس وإن غاب ليلاً لم يأكله وعن مالك كالروايتين وعن أحمد ما يدل على أنه ان غاب مدة طويلة لم يبح وإن كانت يسيرة أبيح قيل له إن غاب يوماً؟ قال يوم كثير، ووجه ذلك قول ابن عباس إذا رميت فاقعصت فكل وإن رميت فوجدت فيه سهمك من يومك أو ليلتك فكل وإن غاب عنك ليلة فلا تأكل فإنك لا تدري ما حدث به بعدك. وكره عطاء والثوري أكل ما غاب وعن أحمد مثل ذلك وللشافعي فيه قولان لأن ابن عباس قال: كل ما أصميت وما أنميت فلا تأكل، قال الحكم الأصماء الأقعاص يعني أنه يموت في الحال والانماء أن يغيب عنك يعني أنه لا يموت في الحال قال الشاعر فهو لا تنمي رميته * ماله لا عد من نفره وقال أبو حنيفة يباح إن لم يكن ترك طلبه وإن تشاغل عنه ثم وجده لم يبح

مسألة وإن رمى صيدا فغاب ثم وجده ميتا لا أثر به غير سهمه حل وعنه إن كانت الجراح موحية حل

ولنا ما روى عدي بن حاتم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " إذا رميت الصيد فوجدته بعد يوم أو يومين ليس به إلا أثر سهمك فكل، وإن وجدته غريقا في الماء فلا تأكل " متفق عليه، وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله افتني في سهمي قال " ما رد عليك سهمك فكل " قال وإن تغيب عني؟ قال " وإن تغيب عنك ما لم تجد فيه أثراً غير سهمك أو تجده قد صل " رواه أبو داود وعن أبي ثعلبة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " إذا رميت الصيد فادركته بعد ثلاث وسهمك فيه فكله ما لم ينتن " ولأن جرحه سبب إباحته وقد وجد يقيناً والمعارض له مشكوك فيه فلا نزول عن اليقين بالشك ولانه جده وسهمه فيه ولم يجد به أثراً آخر فأشبه ما لو لم يترك طلبه عند أبي حنيفة أو كما لو غاب نهاراً أو مدة يسيرة أو كما لو لم يغب. إذا ثبت هذا فإنه يشترط لحله شرطان (أحدهما) أن يجد سهمه فيه أو أثره ويعلم أنه أثر سهمه لأنه إذا لم يكن كذلك فهو شاك في وجود المبيح فلا يثبت بالشك (والثاني) أن لا يجد به أثراً غير أثر سهمه مما يحتمل أنه أعان على قتله لقول النبي صلى الله عليه وسلم " ما لم تجد فيه أثراً غير سهمك " وفي لفظ " إن وجدت فيه أثر غير سهمك فلا تأكله فإنك لا تدري أقتلته أنت أو غيرك " رواه الدارقطني وفي لفظ " إذا وجدت فيه سهمك ولم يأكل منه سبع فكل منه " رواه النسائي وفي حديث عدي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " فإن رميت الصيد فوجدته بعد يوم أو يومين ليس به إلا أثر سهمك فكل وإن وقع في

الماء فلا تأكل " رواه البخاري ولأنه إذا وجد به أثراً يصلح أن يكون قد قتله أو أعان على قتله فقد تحقق المعارض فلم يبح كما لو جد مع كلبه كلباً سواه، فأما إن كان الأثر مما لا يقتل مثله مثل أكل حيوان ضعيف كالسنور والثعلب من حيوان قوي فهو مباح لأن هذا يعلم أنه لم يقتله فهو كما لو تهشم من وقعته * (مسألة) * (وإن ضربه فأبان منه عضو أو بقيت فيه حياة مستقرة لم يبح ما أبان منه وإن بقي معلقا بجلده حل وإن أبانه ومات في الحال حل الجميع وعنه لا يباح ما أبان منه) وجملة ذلك أنه إذا رمى صيداً أو ضربه فأبان منه بعضه لم يخل من ثلاثة أقسام (أحدها) أن يقطعه قطعتين أو يقطع رأسه فيحل جميعه سواء كانت القطعتان متساويتين أو متفاوتتين وبهذا قال الشافعي وروي ذلك عن عكرمة والنخعي وقتادة، قال أبو حنيفة إن كانتا متساويتين أو التي مع الرأس أقل حلتا وإن كانت الأخرى أقل لم تحل وحل الرأس وما معه لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ما أبين من حي فهو ميت " ولنا أنه جزء لا تبقى الحياة مع فقده فأبيح كما لو تساوت القطعتان (والثاني) أن يبين منه عضو وتبقى فيه حياة مستقرة فالبائن محرم بكل حال سواء بقي الحيوان حياً أو أدركه فذكاه أو رماه

مسألة وإن ضربه فأبان منه عضوا وبقيت فيه حياة مستقرة لم يبح ما أبان وإن بقي معلقا بجلده حل

بسهم آخر فقتله إلا أنه إن ذكاه حل بكل حال دون ما أبان منه، وإن ضربه في غير مذبحه فقتله نظرت، فإن لم يكن أثبته بالضربة الأولى حل دون ما أبان منه، وإن كان اثتبه لم يحل شئ منه لأن ذكاة المقدور في الحلق واللبة (الثالث) أبان منه عضواً ولم تبق فيه حياة مستقرة ففيها روايتان (أشهرهما) عن أحمد إباحتها قال أحمد إنما حديث النبي صلى الله عليه وسلم " ما قطعت من الحي ميتة إذا قطعت وهي حية تمشي وتذهب " أما إذا كانت البينونة والموت جميعاً أو بعده بقليل إذا كان في علاج الموت فلا بأس به ألا ترى الذي يذبح ربما مكث ساعة وربما مشى حتى يموت، وهذا مذهب الشافعي وروي ذلك عن علي وعطاء والحسن وقال قتادة وابراهيم وعكرمة أن وقعا معاً أكلهما وإن مشى بعد قطع العضو أكله ولم يأكل العضو (والرواية الثانية) لا يباح ما بان منه وهو مذهب أبي حنيفة لقول النبي صلى الله عليه وسلم " ما أبين من حي فهو ميت " ولأن هذه البينونة لا تمنع بقاء الحيوان في العادة فلم يبح أكل البائن كما لو أدركه الصياد وفيه حياة مستقرة والأولى المشهورة لأن ما كان ذكاة لبعض الحيوان كان ذكاة لجميعه كما لو قده نصفين والخبر يقتضي أن يكون الباقي حياً حتى يكون المنفصل منه ميتاً وكذا نقول قال فإن بقي معلقا بجلده حل رواية واحدة ذكره أبو الخطاب لأنه لم يبن

(فصل) قال أحمد ثنا هشيم عن منصور عن الحسن أنه كان لا يرى بالطريدة بأساً كان المسلمون يفعلون ذلك في مغازيهم واستحسنه أبو عبد الله قال والطريدة الصيد يقع بين القوم فيقطع ذامنه بسيفه قطعة ويقطع الآخر أيضاً حتى يؤتى عليه وهو حي قال وليس هو عندي إلا أن الصيد يقع بينهم لا يقدرون على ذكاته فيقطعونه قطعاً * (مسألة) * (وإن أخذ قطعة من حوت وأفلت حيا أبيح ما أخذ منه) لأن أقصى ما فيه أنه ميت وميتته حلال لقوله عليه الصلاة والسلام في البحر " هو الطهور ماؤه الحل ميتته " * (مسألة) * (وأما ما ليس بمحدد كالبندق والعصي والحجر والشبكة والفخ فلا يباح ما قتل به) لأنه وقيذ أما ما قتلته الشبكة والحبل فهو محرم لا نعلم فيه خلافا إلا عن الحسن أنه مباح إذا قتله الحبل إذا سمى فدخل فيه وجرحه وهذا قول شاذ يخالف عوام أهل العلم ولأنه قتل بما ليس له حد أشبه ما قتله بالبندق (فصل) فأما ما قتل البندق والحجر الذي لا حد له فلا يؤكل وهذا قول عامة الفقهاء فأما الحجر المحدد كالصوان فهو كالمعراض إن قتل بحده ابيح وان قتل بعضره أو ثقله فهو وقيذ لا يباح قال

ابن عمر في المقتولة بالبندق: تلك الموقوذة وكره ذلك سالم والقاسم ومجاهد وعطاء والحسن وابراهيم ومالك والثوري والشافعي وأبو ثور. ورخص فيما قتل بها ابن المسيب أيضاً وعمار وعبد الرحمن ابن أبي ليلى ولنا قوله تعالى (حرمت عليكم الميتة - إلى قوله - والموقوذة) وروى سعيد بإسناده عن إبراهيم عن عدي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ولا تأكل من البندقة إلا ما ذكيت " وقال عمر رضي الله عنه ليتق أحدكم أن يحذف الأرنب بالعصا والحجر ثم قال ولتذك لكم الأسل الرماح والنبل. إذا ثبت هذا فسواء شدخه أو لم يشدخه حتى لو رماه ببندقة فقطعت حلقوم طائر ومريئه أو أطارت راسه لم يحل ومثله لو فعل ذلك بحجر غير محدد (فصل) أجمع أهل العلم على تحريم صيد المجوسي إذا لم يذكه من هو من أهل الذكاة الا مالا ذكاة له كالسمك والجراد، إلا أن مالكا والليث وأبا ثور شذوا عن الجماعة وأفرطوا، فأما مالك والليث فقالا لا نرى يؤكل الجراد إذا صاده المجوسي ورخصا في السمك، وأبا ثور أباح صيده لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " سنوا بهم سنة أهل الكتاب " وهذا قول يخالف الإجماع فلا عبرة به والحديث إنما أريد به قبول الجزية منهم لا تحليل ذبائحهم ونسائهم لمخالفته الإجماع

مسألة وإن أخذ قطعة من حوت وأفلت حيا أبيح ما أخذ منه

(النوع الثاني) الجارحة فيباح ما قتلته إن كانت معلمة إلا الكلب الأسود البهيم فلا يباح صيده، ولا خلاف في اعتبار شرط التعليم في الجارحة لقوله تعالى (وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم) فأما الكلب الأسود البهيم فلا يباح صيده، والبهيم الذي لا يخالط لونه لون سواه قال أحمد الذي ليس فيه بياض قال ثعلب وإبراهيم الحربي كل لون لم يخالطه لون آخر فهو بهيم قيل لهما من كل لون؟ قال نعم، وممن كره صيده الحسن والنخعي وقتادة واسحاق قال احمد ما أعرف أحدا يرخص فيه يعني من السلف واباح صيده أبو حنيفة ومالك والشافعي لعموم الآية والخبر والقياس على غيره من الكلاب ولنا أنه كلب محرم اقتناؤه فلم يبح صيده كغير المعلم ودليل تحريم اقتنائه قول النبي صلى الله عليه وسلم " فاقتلوا منها كل أسود بهيم " رواه سعيد وغيره وروى مسلم في صحيحه باسناده عن عبد الله بن المغفل قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب ثم نهى عن قتلها فقال " عليكم بالأسود البهيم ذي النكتتين فإنه شيطان " فأمر بقتله وما وجب قتله حرم اقتناؤه وتعليمه فلم يبح صيده كغير المعلم ولأن النبي صلى الله عليه وسلم سماه شيطاناً ولا يجوز اقتناء الشيطان، واباحة الصيد المقتول رخصة فلا تستباح بمحرم

كسائر الرخص والعمومات مخصوصة بما ذكرناه، وإن كان فيه نكتتان فوق عينيه لم يخرج بذلك عن كونه بهيماً لما ذكرنا من الخبر * (مسألة) * (والجوارح نوعان ما يصيد بنابه كالكلب والفهد فتعليمه بثلاثة أشياء، أن يسترسل إذا أرسل وينزجر إذا زجر وإذا أرسل لم يأكل) * (مسألة) * (ولا يعتبر تكرر ذلك منه) هذا قول الشريف أبي جعفر وأبي الخطاب بل يحصل ذلك بالمرة لأنه تعلم صنعة فلا يعتبر فيه التكرار كسائر الصنائع، وقال القاضي يعتبر تكرار ذلك منه مرة بعد أخرى حتى يصير معلماً في العرف وأقل ذلك ثلاث وهو قول أبي يوسف ومحمد ولم يقدر أصحاب الشافعي عدد المرات لأن التقدير بالتوقيف ولا توقيف في هذا بل قدره بما يصير به في العرف معلماً، وحكي عن أبي حنيفة أنه إذا تكرر مرتين صار معلما لأن التكرار يحصل بمرتين وإنما اشترطنا التكرار لأن تركه للأكل يحتمل أن يكون لشبع ويحتمل أن يكون لتعليم فلا يتميز ذلك إلا بالتكرار وما اعتبر فيه التكرار

اعتبر ثلاثا كالمسح في الاستحمار والإقرار والشهود في العدة والغسلات في الوضوء. ويفارق الصنائع فإنه لا يتمكن من فعلها إلا من تعلمها فإذا فعلها علم أنه تعلمها وعرفها، وترك الأكل ممكن الوجود من المتعلم وغيره فيوجد من الصنفين جميعا فلا يتميز به أحدهما من الآخر حتى يتكرر (فصل) قد ذكرنا أن ترك الاكل شرط لكون الجارح المذكور معلماً وحكي عن ربيعة ومالك أنه لا يشترط ترك الأكل لما روى أبو ثعلبة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل وإن أكل " ذكره الإمام أحمد ورواه أبو داود ولنا أن العادة في المعلم ترك الأكل فاعتبر شرطا كالانزجار إذا زجر وحديث أبي ثعلبة معارض بما روى عدي بن حاتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " فإن أكل فلا تأكل فإني أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه " وهذا أولى بالتقديم لأنه أصح وهو متفق عليه ولأنه متضمن للزيادة وهو ذكر الحكم معللا ثم أن حديث أبي ثعلبة محمول على جارحة ثبت تعليمها لقوله " إذا أرسلت كلبك المعلم " ولا يثبت التعليم حتى يترك الأكل، إذا ثبت هذا فإن الانزجار بالزجر إنما يعتبر قبل إرساله على الصيد أو رؤيته أما بعد ذلك فإنه لا يعتبر الانزجار بحال قال شيخنا ولا أحسب هذه الخصال تعتبر في

مسألة: والجوارح نوعان ما يصيد بنابه كالكلب والفهد فتعليمه بثلاثة أشياء، وإن يسترسل إذا أرسل

غير الكلب فإنه الذي يجيب صاحبه إذا دعاه وينزجر إذا زجره والفهد لا يكاد يجيب داعياً وإن عد متعلماً فيكون التعليم في حقه ترك الأكل خاصة أو بما يعده به أهل العرف معلما * (مسألة) * (فإن أكل بعد تعلمه لم يحرم ما تقدم من صيده ولم يبح ما أكل منه في إحدى الروايتين والأخرى يحل) أصح الروايتين أن ما أكل منه لا يباح ويروى ذلك عن ابن عباس وأبي هريرة وبه قال عطاء وطاوس وعبيد بن عمير والشعبي والنخعي وسويد بن عفلة وأبو بردة وسعيد بن جبير وعكرمة والضحاك وقتادة واسحاق وأبو حنيفة وأصحابه (والثانية) يباح روى ذلك عن سعد بن أبي وقاص وسلمان وأبي هريرة وابن عمر حكاه عنهم الإمام أحمد وبه قال مالك وللشافعي قولان كالمذهبين واحتج من أباحه بعموم قوله تعالى (فكلوا مما أمسكن عليكم) ولحديث أبي ثعلبة ولأنه صيد جارح معلم فأبيح كما لو لم يأكل فإن الأكل يحتمل أن يكون لفرط جوع أو غيظ على الصيد ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عدي بن حاتم " إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله فكل مما أمسك عليك " قلت وإن قتل؟ قال " وإن قتل إلا أن يأكل الكلب فإن أكل فلا

تأكل فإني أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه " متفق عليه ولأن ما كان شرطا في الصيد الأول كان شرطا في سائر صيوده كالإرسال والتعليم فأما الآية فلا تتناول هذا الصيد لأنه قال (مما أمسكن عليكم) وهذا إنما أمسك على نفسه وأما حديث أبي ثعلبة فقال أحمد يختلفون عن هشيم فيه وحديثنا أصح لأنه متفق عليه وحديث عدي أضبط ولفظه أبين لأنه ذكر الحكم والعلة، قال أحمد حديث الشعبي عن عدي من أصح ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم الشعبي يقول كان جاري وربيطي فحدثني والعمل عليه ويحتمل أنه أكل منه بعد أن قتله وانصرف عنه (فصل) ولا يحرم ما تقدم من صيده في قول أكثر أهل العلم وقال أبو حنيفة يحرم لأنه لو كان معلماً ما أكل ولنا عموم الآية والاخبار وانما خص ما أكل منه ففيما عداه يجب العمل بالعموم ولأن اجتماع شروط التعليم حاصل فوجب الحكم به ولهذا حكمنا بحل صيده فإذا وجد الأكل احتمل أن يكون لنسيان أو فرط جوع فلا يترك ما ثبت يقيناً بالاحتمال

مسألة فإن أكل بعد تعلمه لم يحرم ما تقدم من صيده ولم يبح ما أكل منه في إحدى الروايتين والأخرى يحل

(فصل) ولا يحرم ما صاده الكلب بعد الصيد الذي أكل منه ويحتمل كلام الخرقي أنه يخرج عن أن يكون معلماً فتعتبر له شروط التعليم ابتداء والأول أولى لما ذكرنا في صيده قبل الأكل (فصل) فإن شرب من دمه ولم يأكل منه لم يحرم نص عليه أحمد وبه قال عطاء والشافعي واسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي وكرهه الشعبي والثوري لأنه في معنى الأكل ولنا عموم الآية والأخبار وإنما خرج منه ما أكل منه لحديث عدي وهو قوله " فإن أكل منه فلا تأكل " وهذا لم يأكل ولأن الدم لا يقصده الصائد منه ولا ينتفع به فلا يخرج بشربه عن أن يكون ممسكا على صائده (فصل) وكل ما يقبل التعليم ويمكن الاصطياد به من سباع البهائم كالفهد وجوارح الطير فحكمه حكم الكلب في إباحة صيده قال ابن عباس في قوله تعالى (وما علمتم من الجوارح مكلبين) هي الكلاب المعلمة وكل طير تعلم الصيد والفهود والصقور وأشباهها وبمعنى ذلك قال طاووس ويحيى ابن أبي كثير والحسن ومالك والثوري وأبو حنيفة ومحمد بن الحسن والشافعي وأبو ثور وحكي عن ابن عمر ومجاهد أنه لا يجوز الصيد إلا بالكلب لقول الله تعالى (وما علمتم من الجوارح مكلبين) يعني علمتم من الكلاب

ولنا ما روى عن عدي قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيد البازي فقال " إذا أمسك عليك فكل " ولانه جارح يصاد به عادة ويقبل التعليم فاشبه الكلب، فأما الآية فإن الجوارح الكواسب قال الله تعالى (ويعلم ما جرحتم) أي كسبتم وفلان جارحة أهله أي كاسبهم (مكلبين) من التكليب وهو الاغراء (النوع الثاني) ذو المخلب كالبازي والصقر والعقاب والشاهين فتعليمه بأن يسترسل ويجيب إذا دعي ولا يعتبر ترك الأكل، فعلى هذا يباح صيده وإن أكل منه وبهذا قال ابن عباس وإليه ذهب النخعي وحماد والثوري وأبو حنيفة وأصحابه ونص الشافعي على أنه كالكلب في تحريم ما أكل منه من صيده، لأن مجالدا روى عن الشعبي عن عدي عن النبي صلى الله عليه وسلم " فإن أكل الكلب والبازي

فلا تأكل " ولأنه جارح أكل مما صاده عقيب قتله فأشبه سباع البهائم. ولنا إجماع الصحابة فروي الخلاف بإسناده عن ابن عباس قال: إذا أكل الكلب فلا تأكل وإن أكل الصقر فكل لأنك تستطيع أن تضرب الكلب ولا تستطيع أن تضرب الصقر وقد ذكرنا عن أربعة من الصحابة إباحة ما أكل منه الكلب وخالفهم ابن عباس ووافقهم في الصقر ولم ينقل عن أحد في عصرهم خلافهم ولأن جوارح الطير تعلم بالأكل ويتعذر تعليمها بترك الأكل فلم يقدح في تعليمها بخلاف الكلب والفهد، وأما الخبر فلا يصح برواية مجالد وهو ضعيف قال أحمد مجالد يضير القصة واحدة كم من أعجوبة لمجالد؟ والرواية الصحيحة تخالفه، ولا يصح قياس الطير على السباع لما بينهما من الفرق وعلى هذا كل ما أمكن تعليمه والاصطياد به من جوارح الطير كالبازي والصقر والعقاب والباشق ونحوه حل صيدها على ما ذكرنا. * (مسألة) * (ولابد أن يجرح الصيد فإن قتله بصدمته أو خنقه لم يبح) قال الشريف وبه قال أكثرهم وقال ابن حامد يباح وهو قول للشافعي لعموم الآية والخبر. ولنا أنه قتله بغير جرح أشبه ما لو قتله بالحجر والبندق، ولأن الله تعالى حرم الموقوذة وهذا

كذلك وهو يخص ما ذكروه، وقول النبي صلى الله عليه وسلم " ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل " يدل على أنه يباح ما لم ينهر الدم. * (مسألة) * (وما أصابه فم الكلب هل يجب غسله؟ على وجهين) [أحدهما] لا يجب، لأن الله تعالى ورسوله أمرا بأكله ولم يأمرا بغسله [والثاني] يجب لأن نجاسته قد ثبتت فيجب غسل ما أصابه كبوله. * (فصل) * قال رحمه الله (الثالث أن يرسل الآلة قاصداً للصيد فإن استرسل الكلب أو غيره بنفسه لم يبح صيده وإن زجره إلا أن يزيد عدوه بزجره فيحل، وبهذا قال ربيعة ومالك والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي وقال عطاء والاوزاعي يؤكل صيده إذا جرح الصيد، وقال إسحاق إذا

مسألة ولا بد أن يجرح الصيد فإن قتله بصدمته أو خنقه لم يبح

سمى عند انفلاته أبيح وروى بإسناده عن ابن عمر أنه سئل عن الكلاب تنفلت من مرابضها فتصيد الصيد قال إذا ذكر اسم الله فكل قال إسحاق فهذا الذي اختار إذا لم يتعمد إرساله من غير اسم الله عليه قال الخلال هذا قول أبي عبد الله. ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا أرسلت كلبك وسميت فكل، ولأن إرسال الجارحة جعل بمنزلة الذبح ولهذا اعتبرت التسمية معه فإن استرسل بنفسه فسمى صاحبه وزجره فزاد عدوه بزجره أبيح صيده، وبه قال أبو حنيفة وقال الشافعي لا يباح وعن مالك كالمذهبين. ولنا أن زجره أثر في عدوه فصار كما لو أرسله، لأن فعل الآدمي إذا انضاف إلى فعل البهيمة كان الاعتبار بفعل الإنسان بدليل أنه لو عدا على إنسان فأغراه آدمي فاصابه ضمن الآدمي، وإن لم يزد عدوه بزجره لم يبح لأنه لم يؤثر شيئاً فهو كما لو لم يزجره

مسألة وما أصابه فم الكلب هل يجب غسله؟ على وجهين

(فصل) وإن أرسله بغير تسمية ثم سمى وزجره فزاد عدوه فظاهر كلام أحمد أنه يباح فإنه قال إذا أرسل ثم سمى فانزجر أو أرسل وسمى فالمعنى قريب من السواء وظاهر هذا الاباحة لأنه انزجر بتسميته وزجره فأشبه التي قبلها، وقال القاضي لا يباح لأن الحكم يتعلق بالإرسال الأول بخلاف ما إذا استرسل بنفسه ولأنه لا يتعلق به حظر ولا إباحة. * (مسألة) * (وإن أرسل كلبه إلى هدف فقتل صيداً أو أرسله يريد الصيد ولا يرى صيداً لم يحل صيده إذا قتله) لأن قصد الصيد شرط ولم يوجد وكذلك أن قصد إنساناً أو حجراً أو رمى عيناً غير قاصد صيدا فقتله لم يحل لأنه لم يقصد صيداً لكون القصد لا يتحقق إلا بعلمه، وبهذا قال الشافعي في الكلب وقال الحسن ومعاوية بن قرة يأكله لعموم الآية والخبر ولأنه قصد الصيد فحل له ما صاده كما لو رآه ولنا أن قصد الصيد شرط ولا يصح مع عدم العلم فأشبه ما لو لم يقصد الصيد.

* (مسألة) * (فإن رمى حجراً يظنه صيداً فأصاب صيداً لم يحل ويحتمل أن يحل ذكره أبو الخطاب) لأنه لم يقصد شيئاً على الحقيقة ويحتمل أن يحل اختاره شيخنا لأنه قصد الصيد أشبه ما لو رآه، ولأن صحة القصد تبنى على الظن وقد وجد وصح قصده فينبغي أن يحل صيده، فأما إن شك هل هو صيد أم لا؟ وغلب على ظنه أنه ليس بصيد لم يبح، لأن صحة القصد تنبني على العلم ولم يوجد ذلك. (فصل) فان رأى سواداً أو سمع حساً فظنه آدمياً أو بهيمة أو حجراً فرماه فقتله فإذا هو صيد لم يبح، وبهذا قال مالك ومحمد بن الحسن وقال أبو حنيفة والشافعي يباح أن كان المرسل سهماً ولا يباح أن كان جارحاً واحتج من أباحه بعموم الآية والخبر، ولأنه قصد الاصطياد وسمى فأشبه ما لو علمه صيداً. ولنا أنه لم يقصد فلم يبح كما لو رمى هدفاً فأصاب صيداً أو كما في الجارح عند الشافعي وإن ظنه كلباً أو خنزيراً لم يبح لذلك وقال محمد بن الحسن يباح لأنه مما يباح قتله، ولنا ما تقدم

مسألة وإن أرسل كلبه إلى هدف فقتل صيدا أو أرسله يريد الصيد ولا يرى صيدا لم يحل صيده إذا قتله

* (مسألة) * (وإن رمى صيداً فقتل غيره أو رمى صيداً فقتل جماعة حل) إذا رمى صيداً فأصابه هو وغيره حلا جميعاً والجارح في هذا بمنزلة السهم. نص أحمد على ذلك وبه قال الثوري وقتادة وأبو حنيفة والشافعي إلا أن الشافعي قال إذا أرسل الكلب على صيد فأخذ آخر في طريقه حل وإن عدل عن طريقه إليه ففيه وجهان، وإن أرسله على صيد فقتل غيره أبيح وقال مالك إذا ارسل كلبه على صيد بعينه فأخذ غيره لم يبح لأنه لم يقصد صيده إلا أن يرسله على صيود فتفرق عن صغار فإنها تباح إذا أخذها. ولنا عموم قوله تعالى (فكلوا مما أمسكن عليكم) وقوله عليه السلام " إذا أرسلت كلبك وذكرت اسم الله عليه فكل مما أمسك عليك " وقوله عليه السلام " كل ما ردت عليك قوسك " ولأنه أرسل آلة الصيد على صيد فحل ما صاده كما لو أرسلها على كبار فتفرقت عن صغار فأخذها عند مالك أو كما لو أخذ صيداً في طريقه عند الشافعي ولأنه لا يمكن تعليم الجارح اصطياد واحد بعينه دون واحد فسقط اعتباره.

مسألة فإن رمى حجرا يظنه صيدا لم يحل ويحتمل أن يحل ذكره أبو الخطاب

* (مسألة) * (وإن أرسل سهمه على صيد فأعانته الريح فقتلته ولولاها ما وصل حل) لأنه قتل الحيوان بسهمه ورميه فحل كما لو وقع سهمه في حجر فرده إلى الصيد فقتله * (مسألة) * (وإن رمى صيداً فأثبته ملكه، فإن تحامل فأخذه غيره لزمه رده كما يلزمه رد الشاة) * (مسألة) * (وإن لم يثبته فذخل خيمة إنسان فأخذه فهو لآخذه) لأن الأول لم يملكه لكونه ممتنعا فملكه الثاني بأخذه، ولو رمى طيراً على شجرة في دار قوم فطرحه في دارهم فأخذوه فهو للرامي دونهم لأنه ملكه بإزالة امتناعه. * (مسألة) * (وإن وقع صيد في شبكة إنسان فخرقها وذهب بها فصاده آخر فهو للثاني) أما إذا تعلق صيد في شرك إنسان أو شبكته ملكه لأنه أثبته بآلته ذكره أصحابنا فإن أخذه إنسان لزمه رده عليه لأن آلته أثبتته فأشبه ما لو أثبته بسهمه وإن لم تمسكه الشبكة بل انفلت منها في الحال أو

بعد حين لم يملكه لأنه لم يثبته وان أخذ الشبكة وذهب بها فصاده إنسان ملكه ويرد الشبكة على صاحبها دون الصائد لأنه لم يثبته، وإن كان يمشي بالشبكة على وجه لا يقدر على الامتناع فهو لصاحبها لأنها أزالت امتناعه، فأما أن أمسكه الصائد وثبتت يده عليه ثم انفلت منه لم يزل ملكه عنه لأنه امتنع منه بعد ثبوت ملكه عليه فلم يرد ملكه عنه. كما لو شردت فرسه أو ند بعيره. (فصل) فإن اصطاد صيداً فوجد عليه علامة مثل قلادة في عنقه أو في أذنه قرطاً لم يملكه لأن الذي صاده ملكه فلا يزول ملكه بالانفلات، وكذلك إن وجد طائراً مقصوص الجناح ويكون لقطة فإن قيل يحتمل أن الذي أمسكه أولاً محرم لم يملكه أو أنه أرسله على سبيل التخلية وإزالة الملك عنه كالقاء الشئ التافه قلنا أما الأول فنادر وهو مخالف للظاهر لأن ظاهر حال المحرم أنه لا يصيد ما حرم الله تعالى عليه، وأما الثاني فخلاف الأصل فإن الأصل بقاء ملكه عليه وما ذكروه محتمل فلا يزول الملك بالشك * (مسألة) * (ومن كان في سفينة فوثبت سمكة فوقعت في حجره فهي له دون صاحب السفينة) وذلك لأن السمك من الصيد المباح فملك بالسبق إليه وهذه حصلت في يد الذي هي في حجره

مسألة وإن أرسل سهمه على صيد فأعانته الريح فقتلته ولولاها ما وصل حل

وحجره له ويده عليه دون صاحب السفينة ألم تر أنهما لو تنازعا كيساً في حجره كان أحق به من صاحب السفينة؟ كذا ههنا، فأما إن وقعت السمكة في السفينة فهي لصاحبها ذكره ابن أبي موسى وهو مفهوم كلام الخرقي لأن السفينة ملكه ويده عليها فما حصل من المباح فيها كان أحق به كحجره (فصل) فإن كانت السمكة وثبت بفعل إنسان لقصد الصيد كالصياد الذي يجعل في السفينة ضوأ بالليل وبدق بشئ كالجرس ليثب السمك في السفينة فهذا للصياد دون من وقع في حجره لأن الصائد أثبتها بذلك فصار كمن رمى طائراً فألقاه في دار قوم وإن لم يقصد الصيد بهذا بل حصل اتفاقاً كانت لمن وقعت في حجره * (مسألة) * (وإن صنع بركة ليصيد بها السمك فما حصل فيها ملكه وإن لم يقصد بها ذلك لم يملكه) كما لو توحل الصيد في ارضه وكذلك لو حصل في أرضه سمك من مد الماء، وإن عشش فيها طائر لم يملكه ولغيره أخذه كما يجوز له أخذ الماء والكلأ) * (مسألة) * (ويكره صيد السمك بالنجاسة) وهو أن يترك في الماء شئ نجس كالعذرة والميتة وشبههما ليأكله السمك ليصيد به، كره أحمد

ذلك وقال هو حرام لابصادبه وإنما كره لما يتضمن من أكل السمك للنجاسة فيشبه الجلالة وسواء في هذا ما يتفرق كالدم ومالا يتفرق كقطعة من الميتة، وكره أحمد الصيد ببنات وردان وقال ان مأواها الحشوش وكره الصيد بالضفادع وقال نهي عن قتل الضفدع * (مسألة) * [ويكره صيد الطير بالشباش] وهو طير يخيط عينيه أو يربطه وكره أحمد الصيد بالخراطيم وكل شئ فيه روح لما فيه من تعذيب الحيوان فإن صاده فالصيد مباح ولم ير بأساً بالصيد بالشبكة والشرك وبالدبق الذي يمنع الحيوان من الطيران وإن يطعم شيئاً إذا أكله سكر وأخذ * (مسألة) * [وإن أرسل صيدا وقال أعتقتك لم يزل ملكه عنه ويحتمل أن يزول وهو لمن أخذه] ظاهر المذهب أنه لا يزول ملكه عنه بالإرسال والإعتاق قاله أصحابنا كما لو أرسل البعير والبقرة ويحتمل أن يزول الملك لأن الأصل الإباحة والإرسال يرده إلى أصله ويفارق بهيمة الأنعام من وجهين [أحدهما] أن الأصل ههنا الإباحة وبهيمة الأنعام بخلافه (الثاني) إن الإرسال ههنا يفيد وهو رد الصيد إلى الخلاص من أيدي الآدميين وحبسهم ولهذا روي عن أبي الدرداء أنه اشترى عصفوراً من صبي فأرسله ولأنه يجب إرسال الصيد عل المحرم إذا أحرم بخلاف بهيمة الأنعام فإن إرساله تضييع له وربما هلك إذا لم يكن له من يقوم به * (فصل) * قال رضي الله عنه (الرابع التسمية عند إرسال السهم أو الجارحة فقان تركها لم يبح سواء تركها عمداً أو سهواً في ظاهر المذهب وعنه إن نسيها على السهم أبيح وإن نسيها على الجارحة لم يبح)

مسألة ويكره صيد السمك بالنجاسة

ظاهر المذهب أن التسمية شرط لإباحة الصيد وإنها لا تسقط بالسهو وهو قول الشعبي وأبي ثور وداود وروى حنبل عن أحمد أن التسمية تسقط بالنسيان قال الخلال سها أحمد في نقله، وممن أباح متروك التسمية في النسيان دون العمد أبو حنيفة ومالك لقول النبي صلى الله عليه وسلم " عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان " ولأن إرسال الجارحة جرى مجرى التذكية فعفي عن النسيان فيه كالذكاة، وعن أحمد أن التسمية تشترط على إرسال الكلب والعمد والنسيان بخلاف السهم فإن السهم آلة خفيفة وليس له اختيار فهو بمنزلة السكين بخلاف الحيوان فإنه يفعل باختياره وقال الشافعي يباح متروك التسمية عمداً وسهواً لأن البراء روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " المسلم يذبح على اسم الله سمى أو لم يسم " وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له أرأيت الرجل منا يذبح وينسى أن يسمي الله؟ فقال " اسم الله في قلب كل مسلم " وقد روي عن أحمد مثل ذلك ولنا قوله تعالى (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه) وقال (فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه) وقال النبي صلى الله عليه وسلم إذا أرسلت كلبك وذكرت اسم الله عليه فكل " قلت أرسل كلبي فأجد معه كلبا آخر؟ قال " لا تأكل فإنك إنما سميت على كلبك ولم تسم على الآخر " متفق عليه وفي لفظ " إذا خالط كلابا لم يذكر اسم الله عليها فأمسكن وقتلن فلا تأكل " وفي حديث أبي ثعلبة " وما صدت بقوسك وذكرت اسم الله عليه فكل " وهذه نصوص صحيحة فلا يعرج على ما خالفها وقوله " عفي لأمتي عن

مسألة ويكره صيد الطير بالشباش

الخطأ والنسيان يقتضي نفي الإثم لا جعل الشرط المعدوم كالموجود بدليل ما لو نسي شرط الصلاة والفرق بين الصيد والذبيحة أن الذبح وقع في محله فجاز أن يتسامح فيه بخلاف الصيد وأحاديث أصحاب الشافعي لم يذكرها أصحاب السنن المشهورة وإن صحت فهي في الذبيحة ولا يصح قياس الصيد على الذبيحة لما ذكرنا مع ما في الصيد من النصوص الخاصة والله أعلم [فصل] إذا سمى الصائد على صيد فأصاب غيره حل وإن سمى على سهم ثم ألقاه وأخذ غيره فرمى به لم يبح ما صاد به لأنه لما لم يمكن اعتبار التسمية على صيد بعينه اعتبرت على الآلة التي يصيد بها بخلاف الذبيحة ويحتمل إن يباح قياساً على ما لو سمى على سكين ثم ألقاها وأخذ غيرها وسقوط اعتبار تعيين الصيد لمشقته لا يقتضي اعتبار تعيين الآلة فلا يعتبر. باب الذكاة * (مسألة) * (ولا يباح من الحيوان المقدور عليه بغير ذكاة إلا الجراد وشبهه وسائر مالا يعيش إلا في الماء فلا ذكاة له، وعنه في السرطان وسائر البحري أنه يباح بلا ذكاة) أما الحيوان المقدور عليه من الصيد والأنعام فلا يباح إلا بالذكاة بغير خلاف بين أهل العلم لقول الله تعالى (حرمت عليكم الميتة - إلى قوله - إلا ما ذكيتم) فأما السمك وشبهه مما لا يعيش إلا في

الماء فإنه يباح بغير ذكاة لا نعلم في هذا خلافاً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في البحر " هو الطهور ماؤه الحل ميتته " وقد صح أن أبا عبيدة وأصحابه وجدوا على ساحل البحر دابة يقال لها العنبر فأكلوا منها شهراً حتى سمنوا وادهنوا فلما قدموا علي رسول الله صلى الله عليه وسلم اخبروه فقال " هو رزق أخرجه الله لكم فهل معكم من لحمه شئ تطعمونا؟ " متفق عليه (فصل) ولا فرق في ذلك بين ما مات بسبب أو بغير سبب لما ذكرنا من الحديثين وقد أجمع أهل العلم على إباحة ما مات بسبب مثل أن صاده إنسان أو نبذه البحر أو جزر عنه وكذلك ما حبس في الماء بحظيرة حتى يموت فإنه يحل، قال أحمد في الطافي يؤكل وما جزر عنه الماء أجود والسمك الذي نبذه البحر لم يختلف فيه، وإنما اختلفوا في الطافي وليس به باس وممن أباح الطافي من السمك ابو بكر الصديق وأبو أيوب رضي الله عنهما وبه قال مالك والشافعي وروي ذلك عن عطاء ومكحول والثوري والنخعي وكره الطافي جابر وطاوس وابن سيرين وجابر بن زيد وأصحاب الرأي لما روي أن جابراً قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما ألقى البحر أو جزر عنه فكلوه وما مات فيه وطفا فلا تأكلوه " رواه أبو داود ولنا قول الله تعالى (أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة) وقال ابن عباس طعامه ما مات فيه وأيضاً ما ذكر من الحديثين، وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه الطافي حلال

باب الذكاة

ولأنه لو مات في البر أبيح كالجراد وأما حديث جابر فإنما هو موقوف عليه وكذلك قال أبو داود رواه الثقات فأوقفوه على جابر وقد اسنه من وجه ضعيف فإن صح فنحمله على نهي الكراهة لأنه إذا مات رسب في أسفله فإذا انتن طفا فكرهه لنتنه لا لتحريمه. * (مسألة) * (وعنه في السرطان وسائر البحري أنه يحل بلا ذكاة) قال أحمد السرطان لا بأس به قيل له يذبح؟ قال لا وذلك أن مقصود الذبح إنما هو إخراج الدم منه وتطيب اللحم بإزالته عنه فما لا دم فيه لا حاجة إلى ذبحه، فإن قلنا يذكى فذكاته أن يفعل به ما يموت فأما ما كان مأواه البحر وهو يعيش في البر من دواب البحر كطير الماء والسلحفاة وكلب الماء فلا يحل إلا أن يذبح هذا الصحيح من المذهب، قال أحمد كلب الماء نذبحه ولا أرى بأساً بالسلحفاة إذا ذبح، والرق نذبحه وفيه رواية أخرى أنه يحل بغير ذكاة وذهب إليه قوم من أهل العلم لقول النبي صلى الله عليه وسلم في البحر " هو الطهور ماؤه الحل ميتته " رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح ولأنه من حيوان الماء فأبيح بغير ذكاة كالسمك والسرطان وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه كل ما في البحر قد ذكاه الله لكم وروى الإمام أحمد بإسناده عن شريح رجل أدرك النبي صلى الله عليه وسلم قال " كل شئ في البحر مذبوح " وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " إن الله سبحانه ذبح كل شئ في البحر لابن آدم " والأولى أصح فيما سوى السرطان لأنه حيوان يعيش في البر له نفس سائلة فلم يبح بغير ذكاة كالطير، قال شيخنا ولا

خلاف فيما علمناه في الطير والأخبار محمولة على مالا يعيش إلا في البحر كالسمك وشبهه لأنه لا يتمكن من تذكيته لأنه لا يذبح إلا بعد إخراجه من الماء ومتى خرج مات * (مسألة) * (وعنه في الجراد لا يؤكل إلا أن يموت بسبب ككبه وتغريقه) لا خلاف في إباحة الجراد وقد روى عبد الله بن أبي أوفى قال غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات نأكل الجراد متفق عليه، ولا فرق بين أن يموت بسبب أو بغير سبب في قول عامة أهل العلم منهم الشافعي وأصحاب الحديث وأصحاب الرأي وابن المنذر، وعن أحمد إذا قتله البرد لم يؤكل وعنه لا يؤكل إذا مات بغير سبب وهو قول مالك ويروى عن سعيد بن المسيب ولنا عموم قوله عليه الصلاة والسلام " أحلت لنا ميتتان ودمان فالميتتان السمك والجراد " رواه ابن ماجه ولم يفصل ولأنه تباح ميتته فلم يعتبر له سبب كالسمك ولأنه لو افتقر إلى سبب لافتقر إلى ذبح وآلة كبهيمة الأنعام (فصل) يجوز أكل الجراد بما فيه وكذلك السمك يجوز أن يقلى من غير أن يشق جوفه وقال أصحاب الشافعي في السمك لا يجور لأن رجيعه نجس ولنا عموم النص في إباحته وما ذكروه غير مسلم وإن بلع إنسان منه شيئاً وهو حي كره لأن فيه تعذيب الحيوان (فصل) وسئل أحمد عن السمك يلقى في النار فقال ما يعجبني والجراد فقال ما يعجبني والجراد

مسألة وعنه في السرطان وسائر البحري أنه يحل بلا ذكاة

أسهل فإن هذا له دم، ولم يكره أكل السمك إذا ألقي في النار إنما كره تعذيبه بالنار وأما الجراد فسهل في إلقائه لأنه لا دم ولأن السمك لا حاجة إلى إلقائه في النار لإمكان تركه حتى يموت بسرعة، والجراد لا يموت في الحال بل يبقى مدة طويلة، وفي مسند الشافعي أن كعبا كان محرما فمرت به رجل من جراد فنسي وأخذ جرادتين فألقاهما في النار فشواهما وذكر ذلك لعمر فلم ينكر عمر تركهما في النار، وذكر له حديث ابن عمر كان الجراد يقلى له فقال إنما يؤخذ الجراد فتقطع أجنحته فيلقى في الزيت وهو حي * (مسألة) * (ويشترط للذكاة شروط أربعة (أحدها) أهلية الذابح وهو أن يكون عاقلاً مسلماً أو كتابياً فتباح ذبيحته ذكراً كان أو أنثى وعنه لا تباح ذبيحه نصارى بني تغلب ولا من أحد أبويه غير كتابي) أجمع أهل العلم على إباحة ذبائح أهل الكتاب لقول الله تعالى (وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم) يعني ذبائحهم، قال البخاري قال ابن عبسا طعامهم ذبائحهم وكذلك قال مجاهد وقتادة وروي معناه عن ابن مسعود وهذا قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي، ولا فرق بين العدم والفاسق من المسلمين وأهل الكتاب وعن أحمد لا تباح ذبيحة الاقلف وروي عن ابن عباس، والصحيح إباحته فإنه مسلم أشبه سائر المسلمين، وإذا أبيحت ذبيحة القاذف والزاني وشارب الخمر مع تحقق فسقه وذبيحة النصراني وهو كافر أقلف فالمسلم أولى (فصل) ولا فرق بين الحربي والذمي في إباحة ذبيحة الكتابي منهم وتحريم ذبيحة من سواه وسئل أحمد عن ذبائح نصارى أهل الحرب فقال لا باس بها حديث عبد الله بن مغفل قال إسحاق أجاد قال إبن المنذر أجمع على هذا كل من نحفظ عنه من أهل العلم منهم مجاهد والثوري والشافعي واحمد واسحاق وأصحاب الرأي ولا فرق بين الكتابي العربي وغيره إلا أن في نصارى العرب اختلافا ذكرناه في باب الجزية وسئل مكحول عن ذبائح نصارى العرب فقال أما بهرا وتنوخ فلا باس

مسألة وعنه في الجراد لا يؤكل إلا أن يموت بسبب ككبه وتغريقه

وأما بنو تغلب فلا خير في ذبائحهم لأنه يروي عن علي رضي الله عنه وهو مذهب الشافعي ولا ذبائح العرب من أهل الكتاب كلهم، والصحيح إباحته لعموم الآية فيهم، فأما من أحد أبويه غير كتابي ممن لا تحل ذبيحته فقال أصحابنا لا تحل ذبيحته وبه قال الشافعي وإذا كان الأب كتابياً ففيه قولان (أحدهما) تباح وهو قول مالك وابي ثور (والثاني) لا تباح لأنه وجد ما يقتضي الإباحة والتحريم فغلب ما يقتضي التحريم كما لو جرحه مسلم ومجوسي، وبيان وجود ما يقتضي التحريم إن كونه ابن مجوسي أو وثني يقتضي تحريم ذبيحته وعنه تباح ذبيحته مطلقاً وهو قول أبي حنيفة لعموم النص ولأنه كتابي يقر على دينه فتحل ذبيحته كما لو كان ابن كتابيين، فإن كان ابن وثنيين أو مجوسيين فمقتضى قول أصحابنا والشافعي ومالك تحريمه، ومقتضى قول أبي حنيفة حله لأن الاعتبار بدين الذابح لا بدين أبيه بدليل أن الاعتبار في قبول الجزية بذلك ولعموم النص والقياس * (مسألة) * (ولا تباح ذكاة مجنون ولا سكران ولا طفل غير مميز ولا مجوسي ولا وثني ولا مرتد) أما المجنون والطفل والسكران فلا تحل ذبيحتهم لأنه لا يصح مع القصد أشبه ما لو ضرب إنساناً بالسيف فقطع عنق شاة ولأنه أمر يعتبر له الدين فاعتبر له العقل كالغسل وبهذا قال مالك وقال الشافعي لا يعتبر العقل والأولى أولى لأن الذكاة يعتبر لها العقل كالعبادة ومن لا عقل له لا يصح منه القصد فيصير ذبحه كما لو وقعت الحديدة بنفسها على حلق شاة فذبحتها (فصل) فأما ذكاة المجوسي فلا تحل في قول أهل العلم وشذ أبو ثور فأباح صيده وذبيحته لقول النبي صلى الله عليه وسلم " سنوا بهم سنة أهل الكتاب " ولأنهم يقرون بالجزية فتباح ذبيحتهم وصيدهم كاليهود والنصارى وهذا قول يخالف الإجماع فلا عبرة به قال ابراهيم الحربي خرق أبو ثور الإجماع، قال

مسألة ويشترط للذكاة شروط أربعة

أحمد ههنا قوم لا يرون بذبائح المجوس بأساً ما أعجب هذا؟ يفرض بأبي ثور، وممن كره ذبائحهم ابن مسعود وابن عباس وعلي وجابر وابو بردة وسعيد بن المسيب وعكرمة والحسن بن محمد وعطاء ومجاهد وعبد الرحمن بن أبي ليلى وسعيد بن جبير ومالك والثوري والشافعي وأصحاب الرأي قال أحمد ولا أعلم أحداً يقول بخلافه إلا أن يكون صاحب بدعة ولأن الله تعالى قال (وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم) فمفهومه تحريم طعام غيرهم من الكفار لأنهم لا كتاب لهم فلم تحل ذبائحهم كأهل الأوثان، وقد روى الإمام أحمد بإسناده عن قيس بن سكن الأسدي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنكم قد تركتم بفارس من النبط فإذا اشتريتم لحماً فإن كان من يهودي أو نصراني فكلوا وإن كان من ذبيحة مجوسي فلا تأكلوا " ولأن كفرهم مع كونهم غير أهل كتاب يقتضي تحريم ذبائحهم ونسائهم بدليل سائر الكفار من غير أهل الكتاب وإنما أخذت منهم الجزية لأن شبهة الكتاب تقتضي التحريم لدمائهم فلما غلبت في التحريم لدمائهم فوجب أن يغلب عدم الكتاب في تحريم الذبائح والنساء احتياطاً للتحريم في الموضعين، ولأنه إجماع فإنه قول من سمينا ولا مخالف لهم في عصرهم ولا فيمن بعدهم إلا رواية عن سعيد بن المسيب روي عنه خلافها (فصل) وسائر الكفار من عبدة الأوثان والزنادقة وغيرهم حكمهم حكم المجوس في تحريم ذبائحهم قياساً عليهم بل هم شر من المجوس لأن المجوس لهم شبهة كتاب بخلاف هؤلاء، قال أحمد وطعام المجوس ليس به بأس أن يؤكل، وإذا أهدي إليه أن يقبل إنما كره ذبائحهم أو شيئاً فيه دسم. يعني من اللحم ولم ير بالسمن والجبن بأساً، وسئل عما تصنع المجوس لأمواتهم ويزمزمون عليهم أياماً عشراً ثم يقسمون ذلك في الجيران قال لا بأس بذلك وعن الشعبي قال كل مع المجوسي وإن

مسألة ولا تباح ذكاة مجنون ولا سران ولا طفل غير مميز ولا مجوسي ولا وثني ولا مرتد

زمزم، وروى أحمد أن سعيد بن جبير كان يأكل من كواميخ المجوس فأعجبه ذلك، وروى هشام عن الحسن أنه كان لا يرى بأساً بطعام المجوس في المصر ولا بشواريزهم ولا بكواميخهم (فصل) ولا تباح ذبيحة المرتد وإن كانت ردته إلى دين أهل الكتاب وهذا قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي، وقال إسحاق إن تدين بدين أهل الكتاب حلت ذبيحته ويحكى ذلك عن الأوزاعي لأن علياً رضي الله عنه قال: من تولى قوماً فهو منهم ولنا أنه كافر لا يقر على دينه فلم تحل ذبيحته كالوثني ولأنه لا تثبت له أحكام أهل الكتاب إذا تدين بدينهم فإنه لا يقر بالجزية ولا يسترق ولا يحل له نكاح المرتدة، وأما قول علي فهو منهم لم يرد أنه منهم في جميع الاحكام بدليل ما ذكرنا ولأنه لم يكن يرى حل ذبائح نصارى بني تغلب ولا نكاح نسائهم مع توليهم للنصارى ودخولهم في دينهم ومع إقرارهم على ما صولحوا عليه فلا يعتقد ذلك في المرتدين. إذا ثبت هذا فإنه إذا ذبح حيواناً لغيره بغير إذنه ضمنه بقيمته حياً لأنه أتلفه وحرمة ولا يضمنه إذا كان باذنه لأنه أذن في إتلافه * (مسألة) * قال رحمه الله (الثاني الآلة وهو أن يذبح بمحدد سواء كان من حديد أو حجر أو قصب أو غيره إلا السن والظفر) الآلة لها شرطان (أحدها) أن تكون محددة تقطع أو تخرق بحدها لا بثقلها (والثاني) أن لا تكون سناً ولا ظفراً فإذا اجتمع هذان الشرطان في شئ حل الذبح به حديداً كان أو حجراً أو خشباً أو قصباً لقول النبي صلى الله عليه وسلم " ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا ليس السن والظفر "

متفق عليه. وعن عدي بن حاتم قال قلت يا رسول الله إن أحدنا صاد صيداً وليس معه سكين أيذبح بالمروة وشقة العصا؟ فقال " أمرر الدم بما شئت واذكر اسم الله عليه " والمروة الصوان، وعن رجل من بني حارثة أنه كان يرعى لقحة فأخذها الموت فلم يجد شيئاً ينحرها به فوجد وتداً فوجأها به في لبتها حتى أهريق دمها ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم فأمره بأكلها رواهما أبو داود وبهذا قال الشافعي وإسحاق وأبو ثور ونحوه قول مالك وعمرو بن دينار وهو قول أبي حنيفة إلا في السن والظفر فإنه قال إذا كانا متصلين لم يجز الذبح بهما وإن كان منفصلين جاز ولنا عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم " ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا إلا السن والظفر " ولأن ما لم تجز الذكاة به متصلاً لم تجز منفصلاً كغير المحدد (فصل) فأما العظم غير السن فمقتضى إطلاق قول أحمد والشافعي وأبي ثور إباحة الذبح به وهو قول مالك وعمرو بن دينار وأصحاب الرأي وقال ابن جريج يذكى بعظم الحمار ولا يذكى بعظم القرد لأنك تصلي على الحمار وتسقيه في جفنتك وعن أحمد لا يذكي بعظم ولا ظفر، وقال النخعي لا يذكى بالعظم والقرن. ووجهه قول النبي صلى الله عليه وسلم " ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا ليس السن والظفر وسأحدثكم عن ذلك أما السن فعظم وأما الظفر فمدى الحبشة " فعلله بكونه عظما فكل عظم فقد وجدت فيه العلة والأول أصح إن شاء الله تعالى قاله شيخنا، لأن العظم دخل في عموم اللفظ المبيح ثم استثنى السن والظفر خاصة فتبقى سائر العظام داخلة فيما يباح الذبح به والمنطوق مقدم على التعليل ولهذا علل الظفر بكونه من مدى الحبشة ولا يحرم الذبح بالسكين وإن كانت مدية لهم ولأن العظام يتناولها سائر الأحاديث العامة ويحصل بها المقصود فأشبهث سائر الآلات.

* (مسألة) * (فإن ذبح بآلة مغصوبة حل في أصح الوجهين) . لأن الذكاة وجدت ممن له أهلية الذبح أشبه ما لو ذبح شاة مغصوبة (والثاني) لا يحل له لأنه منهي عنه لأن الآلة محرمة فلم يحصل مقصودها كما لو استجمر بالروث والرمة. * (فصل) * (الثالث أن يقطع الحلقوم والمرئ وعنه يشترط مع ذلك قطع الودجين) وجملة ذلك أن محل الذبح الحلق واللبة وهي الوهدة التي بين أصل العنق الصدر ولا يجوز الذبح في غير هذا المحل بالاجماع وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " الذكاة في الحلق واللبة " وقال أحمد الذكاة في الحلق واللبة واحتج بحديث عمر وهو ما روى سعيد والاثرم باسنادهما عن الفرافصة قال كنا عند عمر فنادى إن النحر في اللبة والحلق لمن قدر وانما نرى أن الذكاة اختصت بهذا المحل لأنه مجمع العروق فينسفح الدم بالذبح فيه ويسرع زهوق النفس فيكون اطيب للحم وأخف على الحيوان قال أحمد لو كان حديث أبي العشراء حديثاً يعني ما روى أبو العشراء عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل أما تكون الزكاة إلا في الحلق واللبة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لو طعنت في فخذها أجزأ عنك " قال أحمد ابو العشراء هذا ليس بمعروف. إذا ثبت ذلك فيشترط قطع الحلقوم والمرئ، وبهذا قال الشافعي وعن أحمد رواية أخرى يشترط مع ذلك قطع الودجين، وبه قال مالك وأبو يوسف لما روى أبو هريرة قال نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن شريطة الشيطان وهي التي تذبح فتقطع الجلد ولا تفري الأوداج ثم تترك حتى تموت رواه أبو داود، وقال أبو حنيفة يعتبر قطع الحلقوم والمرئ وأحد الودجين ولا خلاف في أن الاكمل قطع الاربعة الحلقوم والمرئ والودجين فالحلقوم مجرى النفس والمرئ مجرى الطعام والشراب والودجان هما عرقان محيطان بالحلقوم لأنه أسرع لخروج روح الحيوان فيخف عليه ويخرج من الخلاف فيكون أولى والأول يجزئ لأنه قطع في محل الذبح ما لا تبقى الحياة مع قطعه فأشبه ما لو قطع الأربعة والحديث محمول على من لم يقطع المرئ.

* (مسألة) * (وإن نحره أجزأ وهو أن يطعنه بمحدد في لبته، ويستحب أن ينحر البعير ويذبح ما سواه) ولا خلاف بين أهل العلم في استحباب نحر الإبل وذبح ما سواها قال الله تعالى (فصل لربك وانحر) وقال تعالى (إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة) قال مجاهد أمرنا بالنحر وأمر بنو إسرائيل بالذبح فإن النبي صلى الله عليه وسلم بعث في قوم ماشيتهم الإبل فسن النحر وبنو إسرائيل ماشيتهم البقر فأمروا بالذبح وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم نحر بدنة وضحى بكبشين أقرنين ذبحهما بيده متفق عليه، والنحر أن يطعنها بحربة أو نحوها في الوهدة التي بين عنقها وصدرها. (فصل) فإن ذبح الإبل ونحر ما سواها أجزأه وهذا قول أكثر أهل العلم منهم عطاء والزهري وقتادة ومالك والليث وابو حنيفة والشافعي واسحاق وأبو ثور، وحكي عن داود أن الإبل لا تباح إلا بالنحر ولا يباح غيرها إلا بالذبح لأن الله تعالى قال (إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة) والأمر يقتضي الوجوب وقال تعالى (فصل لربك وانحر) ولأن النبي صلى الله عليه وسلم نحر البدن وذبح الغنم وإنما نأخذ الأحكام من جهته، وحكي عن مالك أنه لا يجزئ في الإبل إلا النحر لأن اعناقها طويلة فإذا ذبح تعذب بخروج روحه وحكى ابن أبي موسى عن أحمد أنه توقف عن أكل البعير إذا ذبح ولم ينحر قال إبن المنذر إنما كرهه ولم يحرمه. ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " أمرر الدم بما شئت " وقالت أسماء نحرنا فرساً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكلناه ونحن بالمدينة متفق عليه، عن عائشة قالت نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بقرة واحدة ولأنه ذكاه في محل الذكاة فجاز أكله كالحيوان الآخر. (فصل) وتصح ذبيحة المرأة حرة كانت أو أمة إذا أطاقت الذبح ووجدت الشروط وكذلك ذبح الصبي العاقل إذا أطاق حراً كان أو عبداً لا نعلم في هذا خلافاً قال ابن المنذر أجمع كل من

مسألة فإن ذبح بآلة مغصوبة حل في أصح الوجهين

نحفظ عنه من أهل العلم على إباحة ذبيحة المرأة والصبي وقد روي أن جارية لكعب بن مالك كانت ترعى غنما بسلع فأصيبت شاة منها فأدركتها فذكتها بحجر فسئل النبي صلى الله عليه وسلم فقال " خذوها " متفق عليه وفي هذا الحديث فوائد سبع (أحدها) إباحة ذبيحة المرأة (والثانية) إباحة ذبيحة الامة (والثالثة) إباحة ذبيحة الحائض لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستفصل (الرابعة) إباحة الذبح بالحجر (الخامسة) إباحة ذبح ما خيف عليه الموت (السادسة) حل ما يذبحه غير مالكه بغير إذنه (السابعة) إباحة ذبحه لغير مالكه * (مسألة) * (فإن عجز عن ذلك أي عن قطع الحلقوم والمرئ مثل أن يند البعير أو يتردى في بئر فلا يقدر على ذبحه صار كالصيد إذا جرحه في أي موضع أمكنه فقتله حل أكله إلا أن يموت بغيره مثل أن يكون رأسه في الماء فلا يباح) هذا قول أكثر الفقهاء وروي ذلك عن علي وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وعائشة رضي الله عنهم وبه قال مسروق والحسن والاسود وعطاء وطاوس واسحاق والشعبي والحكم وحماد والثوري وابو حنيفة والشافعي وأبو ثور وقال مالك لا يجوز أكله إلا أن يذكى وهو قول ربيعة والليث قال أحمد لعل مالكا لم يسمع حديث رافع بن خديج، واحتج مالك بان الحيوان الا نسي إذا توحش لم يثبت له حكم الوحشي بدليل أنه لا يجب على المحرم الجزاء بقتله ولا يصير الحمار الأهلي مباحاً إذا توحش. ولنا ما روى رافع بن خديج قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فند بعير وكان في القوم خيل يسيرة فطلبوه فأعياهم فأهوى إليه رجل بسهم فحبسه الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم " إن لهذه البهائم أوابد كأوابد الوحش فما غلبكم منها فاصنعوا به هكذا " متفق عليه وحرب ثور في بعض دور الأنصار فضربه رجل بالسيف وذكر اسم الله عليه فسئل عنه علي فقال ذكاة وحية فأمر بأكله، وتردى بعير في بئر فذكي من قبل شاكلته فبيع بعشرين درهماً فأخذ ابن عمر عشرة بدرهمين، ولأن الاعتبار في الذكاة بحال

مسألة وإن نحره أجزأ وهو أن يطعنه بمحدد في لبته ويستحب أن ينحر البعير ويذبح ما سواه

الحيوان وقت ذبحه لا بأصله بدليل الوحشي إذا قدر عليه وجبت تذكيته في الحلق واللبة فكذلك الأهلي إذا توحش اعتبر بحاله وبهذا فارق ما ذكره، فإذا تردى فلم يقدر على تذكيته فهو معجوز عن تذكيته فأشبه الوحشي، فأما إن كان رأس المتردي في الماء لم يبح لأن الماء يعين على قتله فيحصل قتله بمبيح وحاظر فيحرم كما لو جرحه مسلم ومجوسي. * (مسألة) * (وإن ذبح من قفاها وهو مخطئ فأتت السكين على موضع ذبحها وهي في الحياة أكلت، وإن فعله عمداً فعلى وجهين) قال القاضي معنى الخطأ أن تلتوي الذبيحة عليه فتأتي السكين على القفا لأنها مع التوائها معجوز عن ذبحها في محل الذبح فسقط اعتبار المحل كالمتردية في بئر، فأما مع عدم التوائها فلا تباح بذلك لأن الجرح في القفا سبب للزهوق وهو في غير محل الذبح فإذا اجتمع مع الذبح منع حله كما لو بقر بطنها وقد روي عن أحمد ما يدل على هذا المعنى فإن الفضل بن زياد قال سألت أبا عبد الله عمن ذبح في القفا فقال عامداً أو غير عامد؟ قلت عامداً قال لا تؤكل فإذا كان غير عامد كأن التوى عليه فلا بأس (فصل) فإن ذبحها من قفاها اختياراً فقد ذكرنا عن أحمد أنها لا تؤكل وهو مفهوم كلام الخرقي وحكي هذا عن علي وسعيد بن المسيب ومالك واسحاق وقال ابراهيم والنخعي تسمى هذه الذبيحة القفينة وقال القاضي إن بقيت فيها حياة مستقرة قبل قطع الحلقوم والمرئ حلت وإلا فلا ويعتبر ذلك بالحركة القوية وهذا مذهب الشافعي وهذا أصح لأن الذبح إذا أتى على ما فيه حياة مستقرة أحله كأكيلة السبع والمتردية والنطيحة وعنه ما يدل على إباحتها مطلقا، ولو ضرب عنقا بالسيف فأطار رأسها حلت بذلك فإن أحمد قال لو أن رجلاً ضرب رأس بطة أو شاة بالسيف يريد بذلك

مسألة فإن عجز عن ذلك أي عن قطع الحلقوم والمريء مثل أن يند البعير أو يتردى في بئر فلا يقدر على ذبحه

الذبيحة كان له أن يأكله، وروي عن علي رضي الله عنه انه قال تلك ذكاة وحية وأفتى بأكلها عمران بن حصين وبه قال الشعبي وأبو حنيفة والثوري، وقال أبو بكر: لأبي عبد الله فيها قولان الصحيح أنها مباحة لأنه اجتمع قطع مالا تبقى الحياة معه مع الذبح فأبيح كما ذكرنا مع قول من ذكرنا قوله من الصحابة من غير مخالف (فصل) فإن ذبحها من قفاها فلم يعلم هل كانت فيها حياة مستقرة قبل قطع الحلقوم والمرئ أم لا؟ نظرت فإن كان الغالب بقاء ذلك لحدة الآلة وسرعة القطع فالأولى إباحته لأنه بمنزلة ما قطعت عنقه بضربة السيف وإن كانت الآلة كالة وابطأ قطعه وطال تعذيبه لم يبح لأنه مشكوك في وجود ما يحله فيحرم كما لو أرسل كلباً على الصيد فوجد معه كلباً آخر لا يعرفه * (مسألة) * (وكل ما وجد فيه سبب الموت كالمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وأكيلة السبع إذا أدرك ذكاتها وفيها حياة مستقرة أكثر من حركة المذبوح حلت وإن صارت حركتها كحركة المذبوح لم تحل) وجملة ذلك أن المنخنقة الموقوذة وسائر ما ذكر في هذه المسألة وما أصابها مرض فماتت بذلك فهي محرمة إلا أن تدرك ذكاتها لقول الله تعالى (إلا ما ذكيتم) وفي حديث جارية كعب أنها كانت ترعى غنما بسلع فأصيبت شاة من غنمها فأدركتها فذبحتها بحجر فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " كلوها " فإن كانت لم يبق من حياتها إلا مثل حركة المذبوح لم تبح الذكاة لأنه لو ذبح ما ذبحه المجوسي لم يبح وإن أدركها وفيها حياة مستقرة بحيث يمكنه ذبحها حلت لعموم الآية والخبر وسواء كانت قد انهت إلى حال يعلم أنها لا تعيش معه أو تعيش لعموم الآية والخبر ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسأل ولم يستفصل وقد قال ابن عباس في ذئب عدا على شاة فعقرها فوضع قصبها بالأرض فأدركها فذبحها بحجر قال يلقي ما أصاب الأرض ويأكل سائرها قال أحمد في بهيمة عقرت بهيمة حتى تبين فيها آثار الموت إلا أن فيه الروح يعني فذبحت فقال إذا مصعت بذنبها وطرفت بعينها وسال الدم فأرجو إن شاء الله أن لا يكون بأكلها بأس وروي ذلك بإسناده عن عقيل بن عمير وطاوس وقالا تحركت ولم يقولا سال الدم

مسألة وإن ذبح من قفاها وهو مخطىء فأتت السكين على موضع ذبحها وهي في الحياة أكلت وإن فعله عمدا

وهذا مذهب أبي حنيفة، وقال إسماعيل بن سعيد سألت أحمد عن شاة مريضة خافوا عليها الموت فذبحوها فلم يعلم منها أكثر من أنها طرفت بعينها أو حركت يدها أو رجلها أو ذنبها بضعف فنهر الدم قال لا بأس، وقال ابن أبي موسى إذا انتهت إلى حد لا تعيش معه لم تبح بالذكاة ونص عليه أحمد فقال إذا شق الذئب بطنها وخرج قصبها فذبحها لا تؤكل وقال إن كان يعلم أنها تموت من عقر السبع فلا تؤكل وإن ذكاها وقد خاف على الشاة الموت من العلة والشئ يصيبها فبادرها فذبحها يأكلها وليس هذا مثل هذه لا ندري لعلها تعيش والتي قد خرجت أمعاؤها نعلم أنها لا تعيش وهذا قول أبي يوسف، والأول أصح لأن عمر رضي الله عنه انتهى به الجرح إلى حد علم أنه لا يعيش معه فوصى فقبلت وصاياه ووجبت العبادة عليه، وفيما ذكرنا من عموم الآية والخبر وكون النبي صلى الله عليه وسلم لم يستفصل في جارية كعب ما يرد هذا، وتحمل نصوص أحمد على شاة خرجت أمعاؤها وبانت منها فتلك لا تحل بالذكاة لأنها في حكم الميت ولا تبقى حركتها إلا كحركة المذبوح، فأما ما خرجت أمعاؤها وبانت منها فهي في حكم الحياة تباح بالذبح ولهذا قال الخرقي فيمن شق بطن رجل فأخرج حشوته فقطعها فأبانها ثم ضرب عنقه آخر: فالقاتل هو الأول، ولو شق بطن رجل وضرب عنقه آخر فالقاتل هو الثاني وقال بعض أصحابنا إذا كانت تعيش معظم اليوم حلت بالذكاة وهذا التحديد بعيد يخالف ظواهر النصوص ولا سبيل إلى معرفته، وقوله في حديث جارية كعب فذكتها بحجر يدل على أنها بادرتها بالذكاة حين خافت موتها في ساعتها، والصحيح أنها إذا كانت تعيش زمنا يكون الموت بالذبح أسرع منه حلت بالذبح وأنها متى كانت مما لا يتيقن موتها كالمريضة أنها متى تحركت وسال دمها حلت والله أعلم * (فصل) * (الشرط الرابع أن يذكر اسم الله تعالى عند الذبح وهو أن يقول بسم الله لا يقوم غيرها مقامها) فهذه التسمية المعتبرة عند الذبح لأن اطلاق التسمية ينصرف إليها وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا ذبح قال " بسم الله والله أكبر " وكان ابن عمر يقوله ولا خلاف أن قول بسم الله يجزئه وإن قال اللهم اغفر لي لم يكف لأن ذلك طلب حاجة وإن هلل أو سبح أو كبر الله أو حمد الله

مسألة وكل ما وجد سبب الموت كالمنخنقة والموقوذة والمتدرية والنطيحة وأكيلة السبع إذا أدرك ذكاتها

احتمل الأجزاء لأنه ذكر اسم الله تعالى على وجه التعظيم واحتمل المنع لأن اطلاق التسمية لا يتناوله وإن ذكر اسم الله بغير العربية أجزأه وإن أحسن العربية لأن المقصود ذكر اسم الله وهو يحصل بجميع اللغات بخلاف التكبير والسلام فإن المقصود لفظه * (مسألة) * (إلا الأخرس فانه يومئ برأسه إلى السماء) قال إبن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على إباحة ذبيحة الأخرس منهم الليث والشافعي واسحاق وأبو ثور وهو قول الشعبي وقتادة والحسن بن صالح. إذا ثبت هذا فإنه يشير إلى السماء برأسه لأن إشارته تقوم مقام نطق الناطق وإشارته إلى السماء تدل على قصده تسمية الذي في السماء ونحو هذا قال الشعبي وقد دل على هذا حديث أبي هريرة أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم بجارية أعجمية فقال يا رسول الله إن علي رقبة مؤمنة أفأعتق هذه؟ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم " أين الله؟ " فأشارت إلى السماء فقال " من أنا؟ " فأشارت بأصبعها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى السماء أي أنت رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أعتقها فإنها مؤمنة " رواه الإمام أحمد والقاضي البرتي في مسنديهما فحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وبايمانها باشارتها إلى السماء تريد أن الله سبحانه فيها فأولى أن يكتفى بذلك علماً على التسمية ولو أنه أشار إشارة تدل على التسمية وعلم ذلك كان كافياً (فصل) وإن كان المذكي جنبا جازت له التسمية لأنه إنما منع من القرآن لا من الذكر ولهذا تشرع التسمية عند الاغتسال وليست الجناية أعظم من الكفر والكافر يذبح ويسمي وممن رخص في ذبح الجنب الحسن والليث والحكم والشافعي واسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي قال إبن المنذر لا أعلم أحداً كره ذلك ولا منع منه، وتباح ذبيحة الحائض لأنها في معنى الجنب * (مسألة) * (فإن ترك التسمية عمداً لم تبح وإن تركها ساهياً أبيحت وعنه تباح في الحالين وعنه لا تباح فيهما)

مسألة إلا الأخرس فإنه يومىء برأسه إلى السماء

المشهور من مذهب أحمد أن التسمية على الذبيحة شرط في إباحة أكلها مع الذكر وتسقط بالسهو وروي ذلك عن ابن عباس وبه قال مالك والثوري وأبو حنيفة واسحاق وممن أباح ما نسيت التسمية عليه عطاء وطاوس وسعيد بن المسيب وعبد الرحمن بن أبي ليلى وجعفر بن محمد وربيعة وعن أحمد أنها مستحبة وليست شرطاً في عمد ولا سهو وبه قال الشافعي لأن البراء روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " المسلم يذبح على اسم الله سمى أو لم يسم " وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل فقيل أرايت الرجل منا يذبح وينسى أن يذكر اسم الله؟ فقال " اسم الله في قلب كل مسلم " قال أحمد إنما قال الله تعالى (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه) يعني الميتة وذكر ذلك عن ابن عباس، وعن أحمد رواية ثالثة أنها تجب في العمد والسهو لقوله سبحانه (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه) وهو عام في العمد والسهو، ودليل الرواية الأولى ما روى راشد بن سعد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ذبيحة المسلم حلال وإن لم يسم إذا لم يتعمد " أخرجه سعيد فأما الآية فمحمولة على ما إذا ترك التسمية عمداً بدليل قوله تعالى (وإنه لفسق) والأكل مما نسيت التسمية عليه ليس بفسق لقول النبي صلى الله عليه وسلم " عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان ". إذا ثبت هذا فالتسمية مع العمد شرط سواء كان الذابح مسلماً أو كتابياً فإن ترك الكتابي التسمية عمداً وذكر اسم غير الله لم تبح ذبيحته روى ذلك علي وبه قال الشافعي والنخعي وحماد واسحاق وأصحاب الرأي، وقال عطاء ومكحول إذا ذبح الكتابي باسم المسيح حل لأن الله تعالى أحل لنا ذبيحتهم وقد علم أنهم يقولون ذلك ولنا قول الله تعالى (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه) وقوله (وما أهل لغير الله به) والآية أريد بها ما ذبحوه بشرطه كالمسلم، وإن لم يعلم اسمى الذابح أم لا؟ أو ذكر اسم غير الله أو لا؟ فذبيحته حلال لأن الله تعالى أباح لنا كل ما ذبحه المسلم والكتابي وقد علم أننا لا نقف على كل ذابح

مسألة فإن ترك التسمية عمدا لم تبح وإن تركها ساهيا أبيحت وعنه تباح في الحالين وعنه لا تباح فيهما

وقد روى عن عائشة أنهم قالوا يا رسول الله إن قوما حديثو عهد بشرك يأتوننا بلحم لا ندري أذكروا اسم الله أم لم يذكروا؟ قال " سموا أنتم وكلوا " أخرجه البخاري (فصل) والتسمية على الذبيحة معتبرة حال الذبح أو قريبا منه كما تعتبر، في الطهارة وإن سمى على شاة ثم أخذ أخرى فذبحها بتلك التسمية لم يجز سواء أرسل الأولى أو ذبحها لأنه لم يقصد الثانية بهذه التسمية، فإن رأى قطيعاً من الغنم فقال باسم الله ثم أخذ شاة فذبحها بغير تسمية لم تحل فإن جهل كون ذلك لا يجزئ لم يجر مجرى النسيان لأن النسيان يسقط المؤاخذة والجاهل مؤاخذ ولذلك يفطر الجاهل بالأكل في الصوم دون الناسي وإن أضجع شاة ليذبحها وسمى ثم ألقى السكين وأخذ اخرى أو رد سلاما أو كلم إنساناً أو استسقى ماء حل لأنه سمى على تلك الشاة بعينها ولم يفصل بينهما إلا بفصل يسير فأشبه ما لو لم يتكلم * (مسألة) * (وذكاة الجنين ذكاة أمه إذا خرج ميتاً أو متحركاً كحركة المذبوح وإن كانت فيه حياة مستقرة لم يبح إلا بذبحه وسواء أشعر أو لم يشعر) وجملة ذلك أن الجنين إذا خرج ميتاً من بطن أمه بعد ذبحها أو وجد ميتاً في بطنها أو كانت حركته بعد خروجه كحركة المذبوح فهو حلال روي هذا عن عمر وعلي وبه قال سعيد بن المسيب والنخعي والشافعي وإسحاق وابن المنذر وقال ابن عمر ذكاته ذكاة أمه إذا أشعر، وروي ذلك عن عطاء وطاوس ومجاهد والزهري والحسن وقتادة ومالك والليث والحسن بن صالح وأبي ثور لأن عبد الله بن كعب بن مالك قال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون إذا أشعر الجنين فذكاته ذكاة أمه وهذا إشارة إلى جميعهم فكان إجماعا، وقال أبو حنيفة لا يحل إلا أن يخرج حياً فيذكى لأنه حيوان ينفرد بحياته فلا يتذكى بذكاة غيره كما بعد الوضع، قال إبن المنذر وكان الناس على إباحته لا نعلم أحداً منهم خالف ما قالوا إلى أن جاء النعمان فقال لا يحل لأن ذكاة نفس لا تكون ذكاة لنفسين ولنا ما روى أبو سعيد قال قيل يا رسول الله إن أحدنا ينحر الناقة ويذبح البقرة والشاة فيجد

مسألة وذكاة الجنين ذكاة أمه إذا خرج ميتا أو متحركا كحركة المذبوح وإن كانت فيه حياة مستقرة

في بطنها الجنين أيأكله أم يلقيه؟ قال " كلوه إن شئتم فإن ذكاته ذكاة أمه " وعن جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ذكاة الجنين ذكاة أمه " رواه أبو داود ولأن هذا إجماع من الصحابة ومن بعدهم فلا يعول على ما خالفه ولأن الجنين متصل بها اتصال خلقه يتغذى بغذائها فتكون ذكاته ذكاتها كاعضائها، ولأن الذكاة في الحيوان تختلف على حسب الإمكان فيه والقدرة بدليل الصيد الممتنع والمقدور عليه والمتردية والجنين لا نتوصل إلى ذبح بأكثر من ذبح أمه فيكون ذكاة له، فأما إن خرج حيا حياة مستقرة يمكن أن يذكى فلم يذكه حتى مات فليس بذكي قال أحمد إن خرج حيا فلابد من ذكاته لأنه نفس أخرى (فصل) واستحب أبو عبد الله أن يذبحه وإن خرج ميتاً ليخرج الدم الذي في جوفه ولأن ابن عمر كان يعحبه أن يريق من دمه وإن كان ميتاً * (فصل) * قال الشيخ رحمه الله (ويكره توجيه الذبيحة إلى غير القبلة وأن يذبح بآلة كالة وأن يحد السكين والحيوان يبصره) وجملة ذلك أنه يستحب أن يستقبل بها القبلة روى ذلك عن ابن عمر وابن سيرين وعطاء والثوري والشافعي وأصحاب الرأي وكره ابن عمر وابن سيرين أكل ما ذبح لغير القبلة والأكثرون على أنه لا يكره لأن أهل الكتاب يذبحون لغير القبلة، وقد أحل الله سبحانه ذبائحهم، ويكره أن يذبح بآلة كالة لما روى أبو داود بإسناده عن شداد بن أوس قال خصلتان سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله كتب الاحسان على كل شئ فاذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فاحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته " ويكره أن يحد السكين والحيوان يبصره، ورأى عمر رجلاً قد وضع رجليه على شاة وهو يحد السكين فضربه حتى أفلت الشاة، ويكره أن يذبح شاة والأخرى تنظر إليه كذلك * (مسألة) * (ويكره أن يكسر عنق الحيوان أو يسلخه حتى يبرد أي حتى تزهق نفسه)

وقد قال عمر رضي الله عنه لا تعجلوا الأنفس حتى تزهق، ولأن في ذلك تعذيب الحيوان فأشبه قطع عضو منه، وممن كره قطع عضو منه قبل الزهوق عطاء وعمرو بن دينار ومالك والشافعي ولا نعلم لهم مخالفاً * (مسألة) * (فإن فعل أساء وأكلت لأن ذلك حصل بعد ذبحها وحلها) وقد سئل أحمد عن رجل ذبح دجاجة فأبان رأسها فقال يأكلها قيل له والذي بان منها أيضاً؟ قال نعم قال البخاري قال ابن عمر وابن عباس إذا قطع الراس فلا بأس به وهو قول الحسن والنخعي والشعبي والزهري والشافعي وإسحاق وأبي ثور وأصحاب الرأي وذلك لأن قطع ذلك العضو بعد حصول الذكاة فأشبه ما لو قطعه بعد الموت، فأما إن قطع من الحيوان شئ وفيه حياة مستقرة فهو ميتة لما روى أبو واقد الليثي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما قطع من البهيمة وهي حية فهو ميتة " رواه أبو داود ولأن إباحته إنما تحصل بالذبح وليس هذا بذبح * (مسألة) * (وإن ذبح الحيوان ثم غرق في ماء أو وطئ عليه شئ يقتله مثله فهل يحل؟ على روايتين) (إحداهما) لا يحل وهو الذي ذكره الخرقي ونص عليه أحمد لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عدي ابن حاتم في الصيد " وإن وقعت في الماء فلا تأكل " وقال ابن مسعود من رمى طائرا فوقع في ماء فغرق فيه فلا يأكله ولأن الغرق سبب يقتل فإذا اجتمع مع الذبح فقد اجتمع ما يبيح ويحرم فيغلب الحظر ولأنه لا يؤمن أن يعين على خروج الروح فيكون قد خرجت بفعلين مبيح ومحرم فأشبه ما لو وجد الأمران في حال واحدة أو رماه مسلم ومجوسي فمات (والثانية) لا يحرم وبه قال أكثر أصحابنا المتأخرين وهو قول أكثر الفقهاء لأنها إذا ذبحت فقد صارت في حكم الميت وكذلك لو أبين رأسها بعد الذبح لم يحرم نص عليه أحمد ولأنه لو ذبح إنسان ثم ضربه آخر أو غرقه لم يلزمه قصاص ولا دية * (مسألة) * (وإذا ذبح الكتابي ما يحرم عليه كذي الظفر لم يحرم علينا)

مسألة ويكره أن يكسر عنق الحيوان أو يسلخه حتى يبرد أي حتى تزهق نفسه

وذو الظفر قال قتادة هي الإبل والأنعام والبط وما ليس بمشقوق الأصابع، وإذا ذبح حيواناً غيره لم تحرم علينا الشحوم المحرمة عليهم وهي شحم الثرب والكليتين في ظاهر كلام أحمد رحمه الله واختاره ابن حامد فإن أحمد حكى عن مالك في اليهودي يذبح الشاة قال لا تأكل من شحمها قال أحمد هذا مذهب دقيق وظاهر أنه لم يره صحيحاً وهذا اختيار ابن حامد وأبي الخطاب وذهب أبو الحسن التميمي والقاضي إلى تحريمها وحكاه التميمي عن الضحاك ومجاهد وهو قول مالك لأن الله تعالى قال (وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم) وليس هذا من طعامهم ولأنه جزء من البهيمة لم يبح لذابحها فلم يبح لغيره كالدم ولنا ما روى عبد الله بن مغفل قال دلي جراب من شحم يوم خيبر فنزوت لآخذه فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبسم إلي متفق عليه، ولأنها ذكاة أباحت اللحم فأباحت الشحم كذكاة المسلم والآية حجة لنا فإن معنى طعامهم ذبائحهم كذلك فسره العلماء وقياسهم ينتقض بما ذبحه الغاصب، وإن ذبح شيئاً يزعم أنه يحرم عليه ولم يثبت أنه محرم عليه حل لعموم الآية وقوله إنه حرام غير معقول * (مسألة) * (وان ذبح لعيده أو ليتقرب به إلى شئ مما يعظمونه لم يحرم عليه لأنه من طعامهم فيدخل في عموم الآية) وجملة ذلك أن ما ذبحوه لكنائسهم ينظر فيه فإن ذبح مسلم فهو مباح نص عليه وقال أحمد وسفيان في المجوسي يذبح لآلهته ويدفع الشاة إلى المسلم فيذبحها فيسمي: يجوز الأكل منها وقال إسماعيل بن سعيد سألت أحمد عما يقرب لآلهتم يذبحه رجل مسلم قال لا بأس به وأن ذبحها الكتابي وسمى الله وحده حلت أيضاً لأن شرط الحل وجد، وإن علم أنه ذكر غير اسم الله عليها أو ترك التسمية عمداً لم تحل، قال حنبل سمعت أبا عبد الله قال لا تؤكل يعني ما ذبح لأعيادهم وكنائسهم لأنه أهل لغير الله به وقال في موضع يدعون التسمية عمداً أنما يذبحون للمسيح، فأما ما سوى ذلك فرويت عن أحمد الكراهة فيما ذبح لكنائسهم وأعيادهم مطلقاً وهو قول ميمون بن مهران لأنه ذبح لغير الله وروى عن أحمد إباحته وسئل عنه العرباض بن سارية فقال كلوا وأطعموني وروي مثل ذلك عن أبي أمامة الباهلي وأبي مسلم الخولاني وأكله أبو الدرداء

مسألة وإذا ذبح الكتابي ما يحرم عليه كذي الظفر لم يحرم علينا

وجبير بن نفير ورخص فيه عمر بن الاسود ومكحول وضمرة بن حبيب لقول الله تعالى (وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم) وهذا من طعامهم قال القاضي ما ذبحه الكتابي لعيده أو نجم أو صنم أو نبي فسماه على ذبيحته حرم لقول الله تعالى (وما أهل لغير الله به) وإن سمى الله وحده حل لقول الله تعالى (فكلوا مما ذكر اسم الله عليه) لكنه يكره لقصده بقلبه الذبح لغير الله تعالى (فصل) قال أحمد لا تؤكل المصبورة ولا المجثمة وبه قال إسحاق والمجثمة هي الطائر والأرنب يجعل غرضا يرمى حتى يقتل والمصبورة مثله إلا أن المجثمة لا تكون إلا في الطائر أو الأرنب وأشباهها والمصبورة كل حيوان وأصل الصبر الحبس، والأصل في تحريمه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صبر البهائم وقال " لا تتخذوا شيئاً فيه الروح غرضا " وروى سعيد بإسناده قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المجثمة وعن أكلها ولأنه حيوان مقدور عليه فلم يبح بغير الذكاة كالبعير والبقرة * (مسألة) * (ومن ذبح حيواناً فوجد في بطنه جراداً أو طائرا فوجد في حوصلته حبا أو وجد الحب في بعر الجمل لم يحرم وعنه يحرم) قال أحمد في السمكة توجد في بطن سمكة أخرى أو حوصلة طائر أو يوجد في حوصلته جراد فقال في موضع: كل شئ أكل مرة لا يؤكل لأنه مستخبث وقال في موضع: الطافي أشد من هذا وقد رخص فيه أبو بكر الصديق رضي الله عنه قال شيخنا وهذا هو الصحيح وهو مذهب الشافعي فيما في بطن السمكة دون ما في حوصلة الطائر لأنه كالرجيع ورجيع الطائر عنده نجس ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " أحلت لنا ميتتان ودمان " ولأنه حيوان طاهر في محل طاهر لا تعتبر له ذكاة فأبيح كالطافي من السمك وهذا يخرج في الشعير يوجد في بعر الجمل وخثي الجواميس ونحوها

مسألة ومن ذبح حيوان فوجد في بطنه جرادا أو طائرا فوجد في حوصلته حبا أو وجد الحب في بعر الجمل

كتاب الأطعمة * (والأصل فيها الحل) * لقول الله تعالى (وخلق لكم ما في الأرض جميعا) وقوله (ويحل لهم الطيبات) وقوله سبحانه (أحلت لكم بهيمة الأنعام) * (مسألة) * (فيحل كل طعام طاهر لا مضرة به كالحبوب والثمار لانه من الطيبات) فأما النجاسات كالميتة والدم وغيرهما فحرام لأنها من الخبائث لقول الله تعالى (حرمت عليكم الميتة والدم) وقوله (ويحرم عليهم الخبائث) ويحرم ما فيه مضرة من السموم ونحوها لمضرتها وأذيتها لأنها تقضي إلى هلاك النفس وقد قال الله تعالى (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) * (مسألة) * (والحيوانات مباحة لعموم النص الدال على الإباحة إلا الحمر الأهلية) أكثر أهل العلم يرون تحريم الحمر الأهلية قال أحمد خمسة وعشرون من أصحاب رسول الله

كتاب الأطعمة

صلى الله عليه وسلم وكرهوها، قال ابن عبد البر لا خلاف بين أهل العلم اليوم في تحريمها، وحكي عن ابن عباس وعائشة رضي الله عنهما أنهما كانا يقولان بظاهر قوله تعالى (قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير) وتلاها ابن عباس وقال ما خلا هذا فهو حلال، وسئلت عائشة عن الفأرة فقالت ما هي بحرام وتلت هذه الآية، ولم ير عكرمة وأبو وائل بأكل لحم الخنزير بأساً، وروي عن غالب بن الحر قال أصابتنا سنة فقلت يا رسول الله أصابتنا سنة ولم يكن في مالي ما أطعم أهلي إلا سمان حمر وأنت حرمت لحوم الحمر الأهلية قال " أطعم أهلك من سمين حمرك فإنما حرمتها من أجل حوالي القرية "

ولنا ما روى جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية وأذن في لحوم الخيل متفق عليه، قال ابن عبد البر وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم تحريم الحمر الأهلية علي وعبد الله ابن عمر وعبد الله بن عمر وجابر والبراء وعبد الله بن أبي أوفى وأنس وزاهر الأسلمي بأسانيد صحاح حسان وحديث غالب بن الحر لا يعرج على مثله مع ما عارضه، ويحتمل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص لهم في مجاعتهم وبين علة تحريمها المطلق لكونها تأكل العذرات، قال عبد الله بن أبي أوفى حرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم البتة من أجل أنها تأكل العذرة (فصل) وألبان الحمر محرمة في قول أكثرهم ورخص فيها عطاء وطاوس والزهري والأول أصح

* (مسألة) * (وما له ناب يفرس به كالاسد والتمر والذئب والفهد والكلب والخنزير وابن آوى والسنور وابن عرس والنمس والقرد إلا الضبع) ذكر شيخنا في هذه المسألة الخنزير ولأن له ناب يفرس به وهو محرم بالنص وقوله تعالى (حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير) ولا خلاف في تحريمه بين أهل العلم، فأما ما سوى الخنزير مما ذكرنا فأكثر أهل العلم يرون تحريم كل ذي ناب قوي من السباع يعدو ويكسر إلا الضبع منهم مالك والشافعي - إلا أن الشافعي لا يحرم ابن عرس - وأبو ثور وأصحاب الحديث، وقال سعيد بن جبير والشعبي وبعض أصحاب مالك هو مباح لعموم قوله (قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما - إلى قوله إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير)

مسألة وما له ناب يفرس به كالأسد والنمر والذئب والفهد والكلب والخنزير وابن آوى والسنور وابن عرس

ولنا ما روى أبو ثعلبة الخشني قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذي ناب من السباع متفق عليه، وقال أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " أكل كل ذي ناب من السباع حرام " قال ابن عبد البر هذا حديث ثابت صحيح مجمع على صحته وهو نص صريح يخص عموم الآيات فيدخل فيه الأسد والنمر والذئب والفهد والكلب، وقد روي عن الشعبي أنه سئل عن رجل يتداوى بلحم الكلب فقال لا شفاه الله وهذا يدل على أنه رأى تحريمه (فصل) والقرد محرم كرهه ابن عمر وعطاء والحسن ولم يجيزوا بيعه، قال ابن عبد البر لا أعلم خلافاً بين علماء المسلمين في أن القرد لا يؤكل ولا يجوز بيعه، وروي عن الشعبي أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لحم القرد ولأنه سبع له ناب فيدخل في عموم التحريم وهو مسخ أيضاً فيكون من الخبائث المحرمة

(فصل) وابن آوى وابن عرس والنمس حرام وسئل عن ابن آوى وابن عرس فقال كل شئ ينهش بأنيابه فهو من السباع وبهذا قال أبو حنيفة وأصحابه، وقال الشافعي ابن عرس مباح لأنه ليس له ناب قوي فأشبه الضب ولأصحابه في ابن آوى وجهان ولنا أنها من السباع فتدخل في عموم النهي ولانها مستخبثة غير مستطابة فإن ابن آوى يشبه الكلب ورائحته كريهة فيدخل في عموم قوله تعالى (ويحرم عليهم الخبائث) * (مسألة) * (وما له مخلب من الطير يصيد به كالبازي والصقر والشاهين والحدأة والبومة) هذا قول أكثر أهل العلم منهم الشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي وقال مالك والليث والأوزاعي ويحيى بن سعيد لا يحرم من الطير شئ، قال مالك لم أر أحداً من أهل العلم يكره سباع الطير،

واحتجوا بعموم الآيات المبيحة وقول أبي الدرداء وابن عباس ما سكت الله عنه فهو مما عفي عنه ولنا ما روى ابن عباس قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير رواهما أبو داود، وهذا يخص عموم الآيات ويقدم على ما ذكروه فيدخل في هذا كل ماله مخلب يعدو به كالعقاب والبازي والصقر والشاهين والباشق والحدأة والبومة وأشباهها * (مسألة) * (وما يأكل الجيف كالنسر والرخم واللقلق وغراب البين والأبقع) قال عروة ومن يأكل الغراب وقد سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم فاسقاً؟ والله ما هو من الطيبات ولعله أراد قول النبي صلى الله عليه وسلم " خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم: الغراب والحدأة والفأرة والعقرب والكلب العقور " فهذه الخمس محرمة لأن النبي صلى الله عليه وسلم أباح قتلها في الحرم، ولا يجوز قتل صيد

مسألة وما له مخلب من الطير يصيد به كالبازي والصقر والشاهين والحدأة والبومة

مأكول في الحرم لان ما يؤكل لا يجوز قتله إذا قدر عليه بل يذبح ويؤكل، وسئل أحمد عن العقعق فقال إن لم يكن يأكل الجيف فلا بأس به، قال أصحابنا هو يأكل الجيف فيكون على هذا محرماً (فصل) ويحرم الخطاف والخشاف والخفاش وهو الوطواط قال الشاعر: مثل النهار يزيد أبصار الورى * نوراً ويعمي أعين الخفاش قال أحمد ومن يأكل الخشاف؟ وسئل عن الخطاف فقال ما أدري، وقال النخعي كل الطير حلال إلا الخفاش، وإنما حرمت هذه لأنها مستخبثة لا تستطيبها العرب ولا تأكلها، ويحرم الزنابير واليعاسيب والنحل وأشباهها لأنها مستخبثة غير مستطابة * (مسألة) * (وما يستخبث كالقنفذ والفأر والحيات والحشرات كلها)

مسألة وما يأكل الجيف كالنسر والرخم واللقلق وغراب البين والأبقع

القنفذ حرام قال أبو هريرة هو حرام وكرهه مالك وأبو حنيفة ورخص فيه الشافعي والليث وأبو ثور ولنا ما روى عن أبي هريرة قال ذكر القنفذ لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " هو خبيثة من الخبائث " رواه أبو داود ولأنه يشبه المحرمات ويأكل الحشرات فأشبه الجرذ (فصل) وما استطابته العرب فهو حلال لقول الله تعالى (ويحل لهم الطيبات) يعني ما يستطيبونه وما استخبثته العرب فهو محرم لقول الله تعالى (ويحرم عليهم الخبائث) والذين تعتبر استطابتهم واستخباثهم هم أهل الحجاز من أهل الأمصار لأنهم الذين نزل عليهم الكتاب وخوطبوا به وبالسنة فرجع في مطلق ألفاظهما إلى عرفهم دون غيرهم، ولم يعتبر أهل البوادي لأنهم للضرورة والمجاعة يأكلون ما وجدوا ولهذا سئل بعضهم عما يأكلون فقال: ما دب ودرج إلا أم حبين قال لتهن أم حبين

مسألة وما يستخبث كالقنفذ والفأر والحيات والحشرات كلها

العافية وما وجد في أمصار المسلمين مما لا يعرفه أهل الحجاز رد إلى أقرب ما يشبهه في الحجاز فإن لم يشبهه شئ منها فهو مباح لدخوله في عموم قوله تعالى (قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما) الآية ولقول النبي صلى الله عليه وسلم " ما سكت الله عنه فهو مما عفي عنه " فعلى هذا من المستخبثات الحشرات كالديدان والجعلان وبنات وردان والخنافس والفأر والأوزاغ والحرباء والعضا والجراذين والعقارب والحيات وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي ورخص مالك وابن أبي ليلى، والاوزاعي في ذلك كله إلا الأوزاغ فإن ابن عبد البر قال هو مجمع على تحريمه، وقال مالك الحية حلال إذا ذكيت واحتجوا بعموم الآية المبيحة، ولنا قول الله تعالى (ويحرم عليهم الخبائث) وقول النبي صلى الله عليه وسلم " خمس فواسق يقتلن في

الحل والحرم العقرب والفأرة والغراب والحدأة والكلب العقور " وفي الحديث " الحية " مكان الفأرة ولو كانت من الصيد المباح لم يبح قتلها لأن الله تعالى قال (لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم) وقال سبحانه (وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما) ولأنها مستخبثة فحرمت كالاوزغ ومأمور بقلتها فأشبهت الوزغ (فصل) والسنور الأهلي محرم وبه قال مالك وأبو حنيفة والشافعي وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن أكل الهر. * (مسألة) * (وما تولد من مأكول وغيره كالبغل والسمع، والسمع ولدا الضبع من الذئب وقيل سمي العسبار، والعسبار ولد الذئب من الذيخ ذكره صاحب الصحاح)

البغال محرمة عند كل من حرم الحمار الأهلي لأنها متولدة منه والمتولد من شئ حكمه حكمه في التحريم وهكذا أن تولد بين الوحشي والأنسي ولد فهو محرم تغليباً للتحريم، والسمع المتولد بين الذئب والضبع محرم وكذا العسبار ولد الذئبة من الذيخ قال قتادة ما البغل إلا شئ من الحمار، وعن جابر قال ذبحنا يوم خيبر الخيل والبغال والحمير فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البغال والحمير ولم ينهنا عن الخيل * (مسألة) * (وفي الثعلب والوبر وسنور البر واليربوع روايتان) اختلفت الرواية عن احمد في الثعلب فأكثر الروايات عن أحمد تحريمه وهذا قول أبي هريرة ومالك وأبي حنيفة لأنه سبع فيدخل في عموم النهي، وروى عن أحمد رحمه الله إباحته اختاره

مسألة وما تولد من مأكول وغيره كالبغل والسمع، والسمع ولد الضبع من الذئب وقيل سمي العسبار

الشريف أبو جعفر ورخص فيه عطاء وقتادة وطاوس والليث وسفيان بن عيينة والشافعي لأنه يفدى في الحرم والإحرام، قال احمد وعطاء كل ما يودي إذا اصابه المحرم فانه يؤكل، واختلفت الرواية في سنور البر كاختلافها في الثعلب والقول فيه كالقول في الثعلب وللشافعي في سنور البر وجهان. فأما الوبر فمباح وبه قال عطاء وطاوس ومجاهد وعمرو بن دينار والشافعي وابن المنذر وأبو يوسف قال القاضي هو محرم وهو قول أبي حنيفة وأصحابه إلا ابا يوسف ولنا أنه يفدى في الإحرام والحرم وهو كالأرنب يأكل النبات والبقول وليس له ناب يفرس به ولا هو من المستخبثات فكان مباحاً كالأرنب ولأن الأصل الإباحة وعموم النص يقتضيها ولم يرد فيه تحريم فتجب إباحته. فأما اليربوع فسئل أحمد عنه فرخص فيه وهذا قول عروة وعطاء الخراساني والشافعي وأبي ثور وابن المنذر وفيه رواية أخرى أنه محرم وروي ذلك عن ابن سيرين والحكم وحماد وأصحاب الرأي لأنه يشبه الفأر

مسألة وفي الثعلب والوبر وسنور البر واليربوع روايتان

ولنا أن عمر رضي الله عنه حكم فيه بجفرة ولأن الأصل الإباحة ما لم يرد فيه تحريم. وأما السنجاب فقال القاضي هو محرم لأنه ينهش بنابه فأشبه الجرد، ويحتمل أنه مباح لأنه يشبه اليربوع ومتى تردد بين الإباحة والتحريم غلبت الإباحة لأنها الأصل وعموم النصوص يقتضيها (فصل) والفيل محرم قال أحمد ليس هو من أطعمة المسلمين وقال الحسن هو مسخ وكرهه أبو حنيفة والشافعي ورخص الشعبي في أكله ولنا أن نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذي ناب من السباع وهو من أعظمها نابا ولأنه مستخبث فيدخل في عموم الآية المحرمة

(فصل) فأما الدب فينظر فيه فإن كان ذا ناب يفرس به فهو محرم وإلا فهو مباح، قال أحمد إن لم يكن له ناب فلا بأس به وقال أصحاب أبي حنيفة هو سبع لأنه اشبه شئ بالسباع فلا يؤكل ولنا أن الأصل الإباحة ولم يتحقق وجود المحرم فيبقى على الأصل وشبهه بالسباع إنما يعتبر في وجود العلة المحرمة وهو كونه ذا ناب يصيد به ويفرس فإذا لم يوجد ذلك كان داخلا في عموم النصوص المبيحة * (مسألة) * (وما عدا هذا فمباح كبهيمة الأنعام والخيل والدجاج) لعموم النصوص الدالة على الإباحة كبهيمة الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم قال الله تعالى (أحلت لكم بهيمة الأنعام) والخيل كلها عرابها وبراذينها، نص أحمد على ذلك وبه قال ابن سيرين وروي ذلك عن ابن الزبير والحسن وعطاء والأسود بن يزيد وبه قال حماد بن زيد والليث وابن المبارك

والشافعي وأبو ثور، وقال سعيد بن جبير ما أكلت شيئاً أطيب من معرفة برذون، وحرمها أبو حنيفة وكرهها مالك والاوزاعي وابو عبيد لقول الله تعالى (والخيل والبغال والحمير لتركبوها) وعن خالد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " حرام عليكم الحمر الأهلية وخيلها وبغالها " ولأنه ذو حافر أشبه الحمار ولنا قول جابر نهى النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية وأذن في لحوم الخيل متفق عليه، وقالت أسماء نحرنا فرساً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكلناه ونحن بالمدينة متفق عليه ولأنه حيوان طاهر مستطاب ليس بذي ناب ولا مخلب فيحل كبهيمة الأنعام ولأنه داخل في عموم الآيات والأخبار المبيحة، وأما الآية فإنهم إنما يتعلقون بدليل خطابها وهم لا يقولون به، وحديث خالد ليس له إسناد جيد قاله أحمد قال وفيه رجلان لا يعرفان يرويه ثور عن رجل ليس

مسألة وما عدا هذا فمباح كبهيمة الأنعام والخيل والدجاج

بمعروف فلا نترك أحاديثنا لمثل هذا الحديث المنكر، والدجاج مباح قال أبو موسى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل الدجاج متفق عليه * (مسألة) * (والوحشي من البقر والظباء والحمر يباح) بقر الوحش على اختلاف أنواعها من الإبل والتيتل والوعل والمها وكذلك الظباء وحمر الوحش من الصيود كلها مباحة وتفدى في الاحرام وهذا كله مجمع عليه لا نعلم فيه خلافاً إلا ما روي طلحة بن مصرف أن الحمار الوحشي إذا أنس واعتلف فهو بمنزلة الأهلي، قال أحمد وما ظننت أنه روي في هذا شئ وليس الأمر عندي كما قال وأهل العلم على خلافه لأن الظباء إذا تأنست لم تحرم والأهلي إذا توحش لم يحل ولا يتغير منها شئ عن أصله وما كان عليه، قال عطاء في حمار الوحش

مسألة والوحشي من البقر والظباء والحمر يباح

إذا تناسل في البيوت لا تزول عنه أسماء الوحش، فأما الزرافة فسئل أحمد عنها تؤكل؟ قال نعم وهي دابة تشبه البعير إلا أن عنقها أطول من عنقه وجسمها ألطف من جسمه وأعلى منه ويداها أطول من رجليها وهي مباحة لعموم النصوص المبيحة ولأنها مستطابة ليس لها ناب ولا هي من المستخبثات أشبهت الإبل وحرمها أبو الخطاب والأول أصح لما ذكرنا، والنعامة مباحة وقد قضى فيها الصحابة رضي الله عنهم ببدنة إذا قتلها المحرم ولا نعلم في إباحتها خلافاً * (مسألة) * (والارنب مباحة) أكلها سعد بن أبي وقاص ورخص فيها أبو سعيد وعطاء وابن المسيب والليث ومالك والشافعي وأبا ثور وابن المنذر ولا نعلم قائلا بتحريمها إلا شيئاً روي عن عمرو بن العاص وقد صح عن أنس

أنه قال أنفجنا أرنباً فسعى القوم فلعبوا فأخذتها وجئت بها أبا طلحة فذبحها فبعث بوركها أو قال فخذها إلى النبي صلى الله عليه فقبله متفق عليه، وعن محمد بن صفوان أو صفوان بن محمد قال صدت أرنبين فذبحتهما بمروة فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرني بأكلهما رواه أبو داود ولأنها حيوان مستطاب ليس بذي ناب فأشبه الضب * (مسألة) * (وسائر الوحش لعموم النص والضبع والضب) رويت الرخصة في الضبع عن سعد وابن عمر وأبي هريرة وعروة بن الزبير وعكرمة وإسحاق، قال عروة ما زالت العرب تأكل الضبع لا ترى بأكلها بأساً، وقال أبو حنيفة والثوري ومالك هي

مسألة والأرانب مباحة

حرام وروي نحو ذلك عن سعيد بن المسيب فإنها من السباع وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذي ناب من السباع وهي من السباع فتدخل في عموم النهي، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الضبع فقال " ومن يأكل الضبع؟ " ولنا ما روى جابر قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأكل الضبع فقلت صيد هي؟ قال " نعم " احتج به أحمد، وفي لفظ قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الضبع فقال " هو صيد ويجعل فيه كبش إذا صاده المحرم " رواه أبو داود، وعن عبد الرحمن بن أبي عمار قال قلت لجابر الضبع أصيد هي؟ قال نعم، قلت أقاله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال نعم رواه النسائي وأبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح قال ابن عبد البر هذا لا يعارض حديث النهي عن كل ذي

مسألة وسائر الوحش لعموم النص والضبع والضب

ناب من السباع لأنه أقوى منه قلنا هذا تخصيص لا معارض ولا يعتبر في التخصيص كون المخصص في رتبة المخصص بدليل تخصيص عموم الكتاب بأخبار الآحاد، فأما الخبر الذي فيه " ومن يأكل الضبع؟ " فهو حديث طويل يرويه عبد الملك بن المخارق تفرد به وهو متروك الحديث، وقد قيل أن الضبع ليس لها ناب فعلى هذا لا تدخل في عموم النهي (فصل) والضب مباح في قول أكثر أهل العلم منهم عمر بن الخطاب وابن عباس وأبو سعيد وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو سعيد كنا معشر أصحاب محمد لأن يهدى إلى أحد ناضب أحب إليه من دجاجة وقال عمر ما يسرني أن مكان كل ضب دجاجة سمينة ولوددت أن في كل جحر ضب ضبين وبهذا قال مالك والليث والشافعي وابن المنذر وقال الثوري وأبو حنيفة هو حرام لما روي

عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن أكل لحم الضب وروي نحوه عن علي ولأنه ينهش فأشبه ابن عرس ولنا ما روى ابن عباس قال دخلت أنا وخالد بن الوليد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت ميمونة فأتي بضب محنوذ فقيل هو ضب يا رسول الله فرفع يده فقلت أحرام هو يا رسول الله؟ قال " لا ولكن لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه " قال خالد فاجتررته فأكلته ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر متفق عليه قال ابن عباس ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم الضب تقذرا وأكل على مائدته ولو كان حرما ما أكل على مائدة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحرم الضب ولكنه قذره ولو كان عندي لأكلته ولأن الاصل الحل ولم يوجد المحرم فبقي على الإباحة ولم يثبت فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم نهي ولا تحريم ولأن إباحته قول من سمينا من الصحابة رضي الله عنهم ولم يثبت عنهم خلافه فيكون إجماعاً * (مسألة) * (والزاغ مباح)

مسألة والزاغ مباح

وبذلك قال الحكم وحماد ومحمد بن الحسن والشافعي في أحد قوليه ويباح غراب الزرع وهو الأسود الكبير الذي يأكل الزرع ويطير مع الزاغ لأن مرعاهما الزرع والحبوب فأشبها الحجل وسائر الطير كالحمام وأنواعه من الفواخت والجوازل والرقاطي والدباسي والعصافير والقنابر والقطا والحبارى والحجل لما روى سفينة قال أكلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لحم حباري رواه أبو داود، والكركي والكروان والبط والأوز وما أشبهه مما يلتقط الحب أو يفدى في الاحرام مباح لأنه مستطاب ويفدى في حق المحرم فكان مباحاً كبقية ما يفدى وكذلك الغرانيق والطواويس وطير الماء كله وأشباه ذلك لا نعلم فيه خلافاً

(فصل) واختلفت الرواية عن أحمد في الهدهد والصرد فعنه أنهما حلال لأنهما ليسا من ذوات المخلب ولا مستخبثات وعنه تحريمهما لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الهدهد والصرد والنملة والنحلة وكل ما كان لا يصيد بمخلبه ولا يأكل الجيف ولا يستخبث فهو حلال * (مسألة) * (وجميع حيوان البحر مباح لقول الله تعالى (أحل لكم صيد البحر طعامه متاعا لكم) إلا الضفدع والحية والتمساح وقال ابن حامد إلا الكوسج) كل صيد البحر مباح إلا الضفدع وهذا قول الشافعي وقال الشعبي لو أكل أهلي الضفادع لأطعمتهم ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الضفدع رواه النسائي فيدل على تحريمه ولأنها

مسألة وجميع حيوان البحر مباح لقول الله تعالى: "أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم" إلا الضفدع

مستخبثة، وكذلك الحية وقد ذكرنا الخلاف فيها، فأما التمساح فقال ابن حامد لا يؤكل التمساح ولا الكوسج لأنهما يأكلان الناس وذكر ابن أبي موسى في التمساح رواية أنه مكروه غير محرم للآية وروي عن إبراهيم النخعي أو غيره أنهم كانوا يكرهون سباع البحر كما يكرهون سباع البر وذلك لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذي ناب من السباع وقال أبو علي النجاد لا يباح من البحري ما يحرم نظيره في البر كخنزير الماء وانسانه وهو قول الليث إلا في كلب الماء فإنه يرى إباحة كلب البر والبحر وقال أبو حنيفة لا يباح إلا السمك وقال مالك كل ما في البحر مباح لعموم قوله سبحانه (أحل لكم صيد البحر وطعامه) (فصل) وكلب الماء مباح وركب الحسن بن علي سرجا عليه جلد من جلود كلاب الماء

وهذا قول مالك والشافعي والليث ويقتضيه قول الشعبي والاوزاعي ولا يباح عند أبي حنيفة وهو قول أبي علي النجاد وبعض أصحاب الشافعي ولنا عموم الآية والخبر قال عبد الله سألت أبي عن كلب الماء فقال ثنا يحيى بن سعيد عن ابن جريج عن عمر وبن دينار وأبي الزبير سمعا شريحاً رجلا أدرك النبي صلى الله عليه وسلم يقول " كل شئ في البحر فهو مذبوح " فذكرت ذلك لعطاء فقال أما الطير فنذبحه وقال أبو عبد الله كلب الماء نذبحه (فصل) قال أحمد لا أكره الجري وكيف لنا بجري ورخص فيه علي والحسن ومالك والشافعي

وأبو ثور وأصحاب الرأي وسائر أهل العلم وقال ابن عباس الجري لا نأكله ورافقهم الرافضة ومخالفتهم صواب (فصل) وتحرم الجلالة التي أكثر علفها النجاسة وبيضها ولبنها وعنه يكره ولا يحرم قال أحمد أكره لحوم الجلالة وألبانها قال القاضي هي التي تأكل العذرة فإذا كان أكثر علفها النجاسة حرم لحمها ولبنها وفي بيضها روايتان وإن كان أكثر علفها الطاهر لم يحرم أكلها ولا لبنها قال شيخنا وتحديد الجلالة بكون أكثر علفها النجاسة لم نسمعه عن أحمد ولا هو ظاهر كلامه لكن يمكن تحديده بأن يكون كثيراً في مأكولها ويعفى عن اليسير وقال الليث انما كانوا يكرهون الجلالة التي لا طعام لها إلا الرجيع وما أشبهه وقال ابن أبي موسى في الجلالة روايتان

(إحداهما) هي محرمة (والثانية) هي مكروهة غير محرمة وهذا قول الشافعي وكره أبو حنيفة لحومها والعمل عليها حتى تحبس ورخص العمل في لحومها وألبانها لأن الحيوان لا ينجس بأكل النجاسات بدليل أن شارب الخمر لا يحكم بتنجيس أعضائه والكافر الذي يأكل الخنزير والمحرمات لا يكون ظاهره نجساً ولو نجس لما طهر بالإسلام ولا الاغتسال ولو تنجست الجلالة لما طهرت بالحبس ولنا ما روى ابن عمر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل الجلالة وألبانها، رواه أبو داود وروي عبد الله بن عمرو بن العاص قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإبل الجلالة أن يؤكل لحمها ولا يحمل عليها إلا الأدم ولا يركبها الناس حتى تعلف أربعين ليلة رواه الخلال بإسناده

ولأن لحمها يتولد من النجاسة فيكون نجساً كرماد النجاسة وأما شارب الخمر فليس ذلك أكثر غذائه وإنما يتغذى الطاهرات وكذلك الكافر في الغالب * (مسألة) * (حتى تحبس وتزول الكراة بحبسها اتفاقا) واختلف في قدره فروي أنها تحبس ثلاثا سواء كانت طائراً أو بهيمة وكان ابن عمر إذا أراد أكلها حبسها ثلاثا وهذا قول أبي ثور لأن ما طهر حيوانا يطهر الآخر كالذي نجس ظاهره، والأخرى تحبس الدجاجة ثلاثا والبعير والبقرة ونحوهما يحبس أربعين يوماً وهذا قول عطاء في الناقة والبقرة لحديث عبد الله ابن عمر ولأنهما أعظم جسماً وبقاء علفهما فيهما أكثر من بقائه في الدجاجة والحيوان الصغير وعنه تحبس الشاة سبعا لأنها أكبر من الطائر ودون البعير والبقرة، ويكره ركوب الجلالة وهو قول عمر

مسألة حتى تحبس وتزول الكراهة بحبسها اتفاقا

وابنه وأصحاب الرأي لحديث عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ركوبها ولأنها ربما عرقت فتلوث بعرقها * (مسألة) (وما يسقى بالماء النجس من الزرع والثمار محرم وكذلك ما سمد به وقال ابن عقيل يحتمل أن يكره ذلك ولا يحرم ولا يحكم بتنجيسها) لأن النجاسة تستحيل في بطنها فتطهر بالاستحالة كالدم يستحيل في أعضاء الحيوان لحما ويصير لبناً وهذا قول أكثر الفقهاء منهم أبو حنيفة والشافعي وكان سعد بن أبي وقاص يدمل أرضه بالعرة ويقول مكيل عرة مكيل بر والعرة عذرة الناس ولنا ما روى ابن عباس قال كنا نكري أراضي رسول الله صلى الله عليه وسلم ونشترط عليهم أن لا يدملوها بعذرة الناس ولأنها تتغذى بالنجاسات وتسري فيها أجزاؤها والاستحالة لا تطهر فعلى هذا تطهر إذا سقيت الطاهرات كالجلالة إذا حبست وأطعمت الطاهرات

مسألة وما يسقى بالماء النجس من الزرع والثمار محرم وكذلك ما سمد به وقال ابن عقيل يحتمل أن يكره ذلك

* (فصل) * قال الشيخ رحمه الله (ومن اضطر إلى محرم مما ذكرنا فله أن يأكل منه ما يسد رمقه وهل له الشبع؟ على روايتين) أجمع العلماء على تحريم الميتة والخنزير حالة الاختيار وعلى إباحة الأكل منها في الاضطرار وكذلك سائر المحرمات والأصل في ذلك قوله تعالى (حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به) وقوله (فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه) ويباح له أكل ما يسد رمقه ويأمن معه الموت بالإجماع ويحرم ما زاد على الشبع بالإجماع أيضاً وفي الشبع روايتان

(إحداهما) لا يباح وهو قول أبي حنيفة وإحدى الروايتين عن مالك وأحد القولين للشافعي قال الحسن يأكل قدر ما يقيمه لأن الآية دلت على تحريم الميتة واستثني ما اضطر إليه فإذا اندفعت الضرورة لم يحل له الأكل كحالة الابتداء ولأنه بعد سد الرمق غير مضطر ولم يبح له الأكل كذا ههنا (والثانية) أبيح له النشبع اختارها أبو بكر لما روى جابر ابن سمرة أن رجلاً نزل الحرة فنفقت عنده ناقة فقالت له امرأته اسلخها حتى نقدد شحمها ولحمها ونأكله فقال حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله فقال " هل عندك غنى يغنيك؟ " قال لا قال " فكلوها " ولم يفرق رواه أبو داود ولأن ما جاز سد الرمق منه جاز الشبع منه كالمباح ويحتمل أن يفرق بينما إذا كانت الضرورة مستمرة وبينما إذا كانت مرجوة الزوال فما كانت مستمرة كحال الإعرابي الذي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم جز الشبع لأنه إذا

اقتصر على سد الرمق عادت الضرورة إليه عن قريب ولا يتمكن من البعد عن الميتة مخافة الضرورة المستقبلة ويفضي إلى ضعف بدنه وربما أدى ذلك إلى تلفه بخلاف التي ليست مستمرة فإنه يرجى الغنى فيها بما يحل له. إذ ثبت هذا فإن الضرورة المبيحة هي التي يخاف التلف بها إن ترك الأكل قال أحمد إذا كان يخشى على نفسه سواء كان من جوع أو يخاف أن ترك الأكل عجز عن المشي وانقطع عن الرفقة فهلك أو يعجز عن الركوب فيهلك ولا يتقيد ذلك بزمن محصور (فصل) وهل يجب الأكل من الميتة أو غيرها من الحرمات على المضطر؟ فيه وجهان (أحدهما) يجب وهو قول مسروق وأحد الوجهين لأصحاب الشافعي قال الأثرم سئل أبو عبد الله

عن المضطر يجد الميتة ولم يأكل فذكر مسروق من اضطر فلم يأكل ولم يشرب فمات. دخل النار وهذا اختيار ابن حامد لقول الله تعالى (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) وترك الأكل مع إمكانه في هذه الحال القاء بيده إلى التهلكة وقال الله تعالى (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما) ولأنه قادر على إحياء نفسه بما أحله الله له فلزمه كما لو كان معه طعام حلال (والثاني) لا يلزمه لما روي عن عبد الله بن حذافة السهمي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن طاغية الروم حبسه في بيت وجعل معه خمراً ممزوجاً بماء ولحم خنزير مشوي ثلاثة أيام فلم يأكل ولم يشرب حتى مال راسه من الجوع والعطش وخشوا موته فاخرجوه فال قد كان الله أحله لي لأنني مضطر ولكن لم أكن لأشمتك بدين الإسلام، ولأن إباحة الأكل رخصة فلا تجب عليه كسائر الرخص ولأن له غرضاً في اجتناب النجاسة والأخذ بالعزيمة وربما لم تطلب نفسه تناول الميتة وفارق الحلال في الأصل من هذه الوجوه (فصل) وتباح المحرمات عند الاضطرار في الحضر والسفر جميعا لأن الآية مطلقة غير مقيدة بإحدى الحالتين وقوله سبحانه (فمن اضطر) لفظ عام في كل مضطر ولأن الاضطرار يكون في الحضر

في سنة المجاعة وسبب الإباحة الحاجة إلى حفظ النفس عن الهلاك لكون هذه المصلحة أعظم من مصلحة اجتناب النجاسات والصيانة عن تناول المستخبثات وهذا المعنى عام في الحالين وظاهر كلام أحمد أن الميتة لا تحل لمن يقدر على دفع ضرورته بالمسألة وروى عن أحمد أنه قال أكل الميتة إنما يكون في السفر يعني أنه في الحضر يمكنه السؤال وهذا عن أحمد خرج مخرج الغالب فإن الغالب أن الحضر يوجد فيه الطعام الحلال ويمكن دفع الضرورة بالسؤال ولكن الضرورة امر معبر بوجود حقيقته لا يكتفى فيه بالمظنة بل متى وجدت الضرورة أباحت سواء وجدت المظنة أو لم توجد ومتى انتفت لم يبح الأكل لوجود مظنتها بحال (فصل) قال أصحابنا ليس للمضطر في سفر المعصية الأكل من الميتة كقاطع الطريق والآبق

القول الله تعالى (فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه) قال مجاهد (غير باغ) على المسلمين (ولا عاد) عليهم وقال سعيد بن جبير إذا خرج يقطع الطريق فلا رخصة له فإن تاب وأقلع عن معصيته حل له الأكل (فصل) وهل للمضطر التزود من الميتة، على روايتين (أصحهما) له ذلك وهو قول مالك لأنه لا ضرر في استصحابها ولا في إعدادها لدفع ضرورته وقضاء حاجته ولا يأكل منها إلا عند ضرورته (والثانية) لا يجوز لأنه توسع فيما لم يبح إلا للضرورة فإن استصحبها فلقيه مضطر لم يجز له بيعه إياه لأنه إنما يبح له منها ما يدفع به الضرورة ولا ضرورة إلى البيع لأنه لا يملكه ويلزمه إعطاء الآخر بعير عوض

إذا لم يكن هو مضطرا في الحال إلى منعه لأن ضرورة الذي لقيه موجودة وحاملها يخاف الضرر في ثاني الحال * (مسألة) * (وإن وجد طعاما لا يعرف مالكه وميتة أو صيدا وهو محرم فقال أصحابنا يأكل الميتة) ويحتمل أن يحل له الطعام والصيد إذا لم تقبل نفسه الميتة وكقول أصحابنا قال سعيد بن المسيب وزيد بن اسلم، وقال مالك إن كانوا يصدقونه أنه مضطر أكل من الزرع والثمرة وشرب اللبن وإن خاف أن تقطع يده أو لا يقبل منه أكل الميتة، ولأصحاب الشافعي وجهان (أحدهما) يأكل الطعام وهو قول عبد الله بن ينار لأنه قادر على الطعام الحلال فلم يجز له أكل الميتة كما لو بذل له صاحبه ولنا أن أكل الميتة منصوص عليه ومال الآدمي مجتهد فيه فكان العدول إلى المنصوص

مسألة وإن وجد طعاما لا يعرف مالكه وميتة أو صيدا وهو محرم فقال أصحابنا يأكل الميتة

عليه أولى لأن حقوق الله تعالى مبنية على المسامحة والمساهلة وحق الآدمي مبني على الشح والضيق ولأن حق الآدمي تلزمه غرامته وحق الله تعالى لا عوض له ويحتمل أن يحل له أكل الطعام والصيد إذا لم تقبل نفسه الميتة لأنه قادر على الطعام الحلال فأشبه ما لو بذله له صاحبه (فصل) واذا وجد المضطر من يطعمه ويسقيه لم يحل له الامتناع من الأكل والشرب ولا العدول إلى الميتة إلا أن يخاف أن يسمه فيه أو يكون الطعام الذي يطعمه مما يضره ويخاف أن يهلكه أو يمرضه (فصل) وإن وجد طعاما مع مالكه وامتنع من بذله أو بيعه منه ووجد ثمنه لم يجز له مكابرته عليه وأخذه منه وعدل إلى الميتة سواء كان قوياً يخاف من مكابرته التلف أو لم يخف فإن بذله بثمن مثله وقدر على الثمن لم يحل له أكل الميتة لأنه قادر على طعام حلال، وإن بذله بزيادة على ثمن المثل لا تجحف بماله لزمه شراؤه أيضاً

لما ذكرناه وإن كان عاجزاً عن الثمن فهو في حكم العادم وإن امتنع من بذله إلا بأكثر من ثمن مثله فاشتراه المضطر بذلك لم يلزمه أكثر من ثمن مثله لأن الزيادة احوج إلى بذلها بغير حق فلم يلزم كالمكره (فصل) وإن وجد المحرم ميتة وصيداً أكل الميتة وبه قال الحسن ومالك وأبو حنيفة وأصحابه وقال الشافعي في واحد قوليه يأكل الصيد ويفديه وهو قول الشعبي لأن الضرورة تبيحه ومع القدرة عليه لا تحل الميتة لعناه عنها قال شيخنا ويحتمل أن يحل أكل الصيد إذا لم تقبل نفسه الميتة ووجه الأول أن اباحة المية منصوص عليها واباحة الصيد مجتهد فيها وتقديم المنصوص عليه أولى فان لم يجد ميتة ذبح الصيد واكله نص عليه أحمد لانه مضطر إليه عيناً، وقد قيل إن في الصيد تحريمات ثلاثا تحريم قتله وتحريم أكله وتحريم الميتة لأن ما ذبحه المحرم من الصيد يكون ميتة فقد ساوى الميتة في هذا وفضل هذا بتحريم القتل

والأكل لكن يقال على هذا أن الشارع إذا أباح له أكله لم يصر ميتة ولذا لو لم يجد الميتة فذبحه كان ذكياً طاهراً وليس بنجس ولا ميتة ولهذا يتعين عليه ذبحه في محل الذبح وتعتبر شروط الذكاة فيه ولا يجوز قتله ولو كان ميتة لم يتعين ذلك عليه (فصل) إذا ذبح المحرم الصيد عند الضرورة جاز له أن يشبع منه لأنه لحم ذكي ولا حق فيه لآدمي سواه فأبيح له الشبع منه كما لو ذبحه حلال لا من أجله (فصل) فإن لم يجد المضطر شيئاً لم يبح له بعض أعضائه، وقال بعض أصحاب الشافعي له ذلك لأن له أن يحفظ الجملة بقطع عضو كما لو وقعت فيه الأكلة. ولنا أن أكله من نفسه ربما قتله فيكون قاتلاً لنفسه ولا يتيقن حصول البقاء بأكله، أما قطع الأكلة فإنه يخاف الهلاك بذلك فابيح له إبعاده ودفع الضرر المتوجه منه بتركه كما أبيح قتل الصائل عليه ولم يبح له قتله ليأكله.

* (مسألة) * (فإن لم يجد إلا طعاما لم يبذله مالكه فإن كان صاحبه مضطراً إليه فهو أحق به وإلا لزمه بذله فإن أبى فللمضطر أخذه قهراً ويعطيه قيمته فإن منعه فله قتاله على ما يسد رمقه أو قدر شبعه على اختلاف الروايتين، فإن قتل صاحب الطعام لم يجب ضمانه وإن قتل المضطر فعليه ضمانه) . وجملة ذلك أنه إذا اضطر إلى طعام فان لم يجد إلا طعاماً لغيره فإن كان صاحبه مضطراً إليه فهو أحق به ولا يجوز لأحد أخذه منه لأنه ساواه في الضرورة وانفرد بالملك فأشبه غير حال الضرورة وإن أخذه منه أحد فمات فعليه ضمانه لأنه قتله بغير حق، وإن لم يكن صاحبه مضطراً إليه لزمه بذله للمضطر لأنه يتعلق به إحياء نفس آدمي معصوم فلزمه بذله كما يلزمه بذل منافعه في إنجائه من الغرق والحرق فإن لم يفعل فللمضطر أخذه منه لأنه يستحقه دون مالكه فجاز له أخذه كعين ماله فإن

مسألة فإن لم يجد إلا طعاما لم يبذله مالكه فإن كان صاحبه مضطرا إليه فهو أحق به وإلا لزمه بذله

احتيج في ذلك إلى قتال فله المقاتلة عليه على ما يسد رمقه لأنه الذي اضطر إليه وعنه له قتاله على قدر الشبع والاول أولى وذكر ابن أبي موسى في الإرشاد أنه لا يجوز قتاله على شئ منه كما ذكر في دفع الصائل فإن قتل المضطر فهو شهيد وعلى قاتله ضمانه وإن آل أخذه إلى قتل صاحبه فهو هدر لأنه ظالم بقتاله فأشبه الصائل الا ان يمكن أخذه بشراء أو استرضاء فليس له المقاتلة عليه لإمكان الوصول إليه دونها، فإن لم يبعه إلا بأكثر من ثمنه لم يلزمه إلا ثمن مثله وقد ذكرناه ويلزمه عوضه في كل موضع أخذه فإن لم يكن معه في الحال لزمه في ذمته ولا يباح للمضطر من مال أخيه إلا ما يباح من الميتة، قال أبو هريرة قلنا يا رسول الله ما يحل لأحدنا من مال أخيه إذا اضطر إليه؟ قال " يأكل ولا يحمل ويشرب ولا يحمل "

* (مسألة) * (فإن لم يجد إلا آدمياً مباح الدم كالمرتد والزاني المحصن حل له قتله وأكله) . وجملة ذلك أن المضطر إذا لم يجد إلا آدمياً محقون الدم لم يبح له قتله إجماعاً ولا إتلاف عضو منه مسلماً كان أو كافراً لأنه مثله فلا يجوز أن يقي نفسه باتلاقه وهذا لا خلاف فيه، وإن كان مباح الدم كالحربي والمرتد فذكر القاضي أن له قتله وأكله، لأن قتله مباح وهكذا قال أصحاب الشافعي لأنه لا حرمة له فهو بمنزلة السباع وإن وجده ميتاً أبيح أكله لأن أكله مباح قبله فكذلك بعد موته وإن وجد معصوماً ميتاً لم يبح أكله في قول أكثر الأصحاب وقال الشافعي وبعض الحنفية يباح قال شيخنا وهو أولى، لأن حرمة الحي أعظم قال أبو بكر بن داود أباح الشافعي أكل لحوم الأنبياء واحتج أصحابنا بقول النبي صلى الله عليه وسلم " كسر عظم الميت ككسره وهو حي " واختار أبو الخطاب أن له أكله وقال لا حجة في الحديث ههنا لأن الأكل من اللحم لا من العظم والمراد من الحديث التشبيه

مسألة فإن لم يجد إلا آدميا مباح الدم كالمرتد والزاني المحصن حل له قتله وأكله

في أصل الحرمة لا بمقدارها بدليل اختلافهما في الضمان والقصاص ووجوب صيانة الحي بما لا تجب به صيانة الميت. (فصل) وإذا اشتدت المخمصة في سنة المجاعة وأصابت الضرورة خلقاً كثيراً وكان عند بعض الناس قدر كفايته من غير فضلة لم يلزمه بذل ما معه للمضطرين ولم يفرق أصحابنا بين هذه الحال وبين كونه لا يتضرر بدفع ما معه إليهم في أن ذلك واجب عليه لكونه غير مضطر في الحال والآخر مضطر فوجب تقديم حاجة المضطر. ولنا أن هذا مفض به إلى هلاك نفسه وعياله فلم يلزمه كما لو أمكنه انجاء الغريق بتغريق نفسه وليس في بذله القاء بيده إلى التهلكة وقد نهى عزوجل عن ذلك وهذا اختيار شيخنا رحمه الله

(فصل) والترياق محرم وهو دواء يعالج به من السم يجعل فيه لحوم الحيات ويعجن بالخمر لا يحل أكله ولا شربه لأن الخمر ولحوم الحيات حرام، وممن كرهه الحسن وابن سيرين ورخص فيه الشعبي ومالك ويقتضيه مذهب الشافعي لإباحته التداوي ببعض المحرمات. ولنا أن لحم الحية حرام على ما ذكرنا فيما مضى وكذلك الخمر لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها ". (فصل) ولا يجوز التداوي بشئ محرم ولا بشئ فيه محرم مثل ألبان الأتن ولحم شئ من المحرمات ولا شرب الخمر للتداوي لما ذكرنا من الخبر، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر له النبيذ يصنع للدواء فقال " إنه ليس بدواء ولكنه داء "

(فصل) (ومن مر بثمرة في شجر لا حائط عليه ولا ناظر فله أن يأكل ولا يحمل وعنه لا يحل ذلك إلا لحاجة) اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في ذلك فروي عنه أنه قال إذا لم يكن عليها حافظ أكل إذا كان جائعاً وإذا لم يكن جائعاً فلا يأكل وقال قد فعله غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن إذا كان عليه حائط لم يأكل لأنه قد صار شبه الحريم وقال في موضع إنما الرخصة للمسافر إلا أنه لم يعتبر ههنا الاضطرار لأن الاضطرار يبيح ما وراء الحائط، ورويت عنه الرخصة في الأكل من غير المحفوظ مطلقاً من غير إعتبار رجوع ولا غيره وهذا المشهور في المذهب لما روي عن أبي زينب التيمي قال سافرت مع أنس بن مالك وعبد الرحمن بن سمرة وأبي برزة فكانوا يمرون بالثمار فيأكلون في أفواههم وهو قول عمر وابن عباس وأبي برزة قال عمر يأكل ولا يتخذ خبنة، وروى عن أحمد أنه قال يأكل مما تحت الشجر فإذا لم يكن تحت الشجر فلا

يأكل ثمار الناس وهو غني عنه ولا يضرب بحجر ولا يرمي لأن هذا يفسد وروي عن نافع عن عبد الله بن عمر قال كنت أرمي نخل الأنصار فأخذوني فذهبوا بي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال " يا نافع لم ترمي نخلهم؟ " فقلت يا رسول الله الجوع قال " لا ترم وكل ما وقع أشبعك الله وأرواك "، أخرجه الترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح، وقال أكثر الفقهاء لا يباح الأكل إلا في الضرورة لما روى العرباض بن سارية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ألا وإن الله لم يحل لكم أن تدخلوا بيوت أهل الكتاب إلا بإذن ولا ضرب نسائهم ولا أكل ثمارهم إذا أعطوكم الذي عليهم " رواه أبو داود وقال النبي صلى الله عليه وسلم " إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام كحرمة يومكم هذا " متفق عليه.

ولنا ما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الثمر المعلق فقال " ما أصاب منه من ذي الحاجة غير متخذ خبنة فلا شئ عليه ومن أخرج منه شيئا فعليه غرامة مثليه والعقوبة " وقال الترمذي هذا حديث حسن وروى أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " إذا أتيت على حائط بستان فناد صاحب البستان ثلاثاً فإن أجابك وإلا فكل من غير أن تفيد " وروى سعيد بإسناده عن الحسن عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله ولأنه قول من سمينا من الصحابة من غير مخالف فكان اجماعا، فإن قيل فقد أبي سعد أن يأكل قلنا امتناع سعد من أكله ليس مخالفاً لهم فإن الانسان قد يترك المباح غنى عنه أو تورعا او تقذراً كترك النبي صلى الله عليه وسلم أكل الضب فأما أحاديثهم فهي مخصوصة بما رواه من الحديث

والاجماع فإن كانت محوطة لم يجز الدخول اليها لقول ابن عباس أن كان عليها حائط فهي حريم فلا تأكل، وإن لم يكن عليها حائط فلا بأس، ولأن إحرازه بالحائط يدل على شح صاحبه به وعدم المسامحة، قال بعض أصحابنا إذا كان عليه ناطور فهو كالمحوط في أنه لا يدخل اليه ولا يأكل منه إلا في الضرورة. * (مسألة) * (وفي الزرع وشرب لبن الماشية روايتان) اختلفت الرواية عن أحمد في الزرع فروي عنه أنه قال: لا يأكل انما رخص في الثمار ليس الزرع،

مسألة وفي الزرع وشرب لبن الماشية روايتان

وقال ما سمعنا في الزرع أن يمس منه وجهه أن الثمار خلقها الله تعلى للأكل رطبة والنفوس تتوق اليها والزرع بخلافها. (والثانية) قال يأكل من الفريك لأن العادة جارية بأكله رطباً أشبه الثمر، وكذلك الحكم في الباقلا والحمص وشبهه مما يؤكل رطباً، فأما الشعير وما لم تجر العادة بأكله فلا يجوز الأكل منه والأولى في الثمار وغيرها أن لا يأكل منها إلا باذن لما فيها من الخلاف والأخبار الدالة على التحريم. وكذلك روي عن أحمد رحمه الله في حلب لبن الماشية روايتان (إحداهما) يجوز له أن يحلب ويشرب ولا يحمل لما روى الحسن عن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا أتى أحدكم

على ماشية فإن كان فيها صاحبها فليستأذنه فإن أذن فليحلب وليشرب ولا يحمل " رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح والعمل عليه عند بعض أهل العلم وهو قول إسحاق (والرواية الثانية) لا يجوز له أن يحلب ولا يشرب لما روى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا يحلبن أحد ماشية أحد الا بإذنه أيحب أحدكم أن تؤتى مشربته وتكسر خزانته وينقل طعامه فإنما تخزن لهم ضروع مواشيهم أطعمتهم فلا يحلبن أحد ماشية احد الا بإذنه " وفي لفظ " فإن ما في ضروع مواشيهم مثل ما في مشاربهم " متفق عليه (فصل) قال أحمد أكره أكل الطين ولا يصح فيه حديث الا أنه يضر بالبدن يقال أنه ردي وتركه خير من أكله وانما كرهه أحمد من أجل مضرته فإن كان منه ما يتداوى به كالطين الأرمني

فلا يكره وإن كان مما لا مضره فيه ولا نفع كالشئ اليسير جاز أكله لأن الأصل الإباحة والمعنى الذي لأجله كره منتف ههنا فلم يكره (فصل) ويكره أكل البصل والثوم والكراث والفجل وكل ذي رائحة كريهة من أجل رائحته سواء أراد دخول المسجد أو لم يرد لما روى ابن ماجة أن النبي صلى الله عليه وسلم " قال إن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الناس " فان أكله لم يقرب المسجد لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من أكل من هاتين الشجرتين فلا يقربن مصلانا " وفي رواية " فلا يقربنا في مساجدنا " رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح وليس أكلها محرماً لما روى أبو أيوب أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إليه بطعام

فلم يأكل منه النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك فقال " فيه الثوم " فقال يا رسول الله أحرام هو؟ قال " لا ولكني أكرهه من أجل ريحه " رواه الترمذي وقال حديث حسن وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي " كل الثوم فلولا أن الملك يأتيني لأكلته " وإنما منع أكلها لئلا يؤذي الناس برائحته ولذلك نهى عن قربان المسجد فإن أتى المسجد كره له ذلك ولم يحرم لما روى المغيرة بن شعبة قال أكلت ثوماً وأتيت مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سبقت بركعة فلما دخلت المسجد وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ريح الثوم فلما قضى صلاته قال من " أكل من هذه

الشجرة فلا يقربنا حتى يذهب ريحها " فجئت فقلت يا رسول الله لتعطني يدك قال فأدخلت يده في كم قميصي إلى صدري فإذا أنا معصوب الصدر فقال " إن لك عذراً " رواه أبو داود وقد روي عن أحمد أنه يأثم لأن ظاهر النهي التحريم ولأن أذى المسلمين حرام وهذا فيه أذاهم (فصل) ويكره أكل الغذة وأذن القلب لما روي عن مجاهد قال كره رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشاة ستاً وذكر هذين ولأن النفس تعافهما وتستخبثهما قال الشيخ ولا أظن أحمد كرههما إلا لذلك لا للخبر لأنه قال فيه حديث منكر ولان في الخبز ذكر الطحال وقد قال أحمد لا بأس به ولا أكره منه شيئاً (فصل) قيل لأبي عبد الله الجبن؟ قال يؤكل من كل وسئل عن الجبن الذي يصنعه المجوس قال

وما أدري إلا أن أصح حديث فيه حديث الأعمش عن أبي وائل عن عمرو بن شرحبيل قال سئل عمر عن الجبن وقيل له تعمل فيه الأنفحة الميتة فقال سموا أنتم وكلوا رواه أبو معاوية عن الأعمش وقال أليس الجبن الذي يأكله عامتهم يصنعه المجوس (فصل) ولا يجوز أن يشتري الجوز الذي يتقامر به الصبيان ولا البيض الذي يتقامرون به يوم العيد لأنهم يأخذونه بغير حق والله أعلم * (مسألة) * (ويجب على المسلم ضيافة المسلم المجتاز به يوماً وليلة فإن ابى فللضيف طلبه به عند الحاكم) قال أحمد الضيافة على المسلمين كل من نزل به ضيف كان عليه أن يضيفه قيل أن ضاف الرجل

مسألة ويجب على المسلم ضيافة المسلم المجتاز به يوما وليلة فإن ابى فللضيف طلبه به عند الحاكم

ضيف كافر يضيفه؟ قال قال النبي صلى الله عليه وسلم " ليلة الضيف حق واجب على كل مسلم " ولما أضاف المشرك دل على أن المسلم يضاف وما أراه كذلك والضيافة معناها معنى صدقة التطوع على المسلم والكافر، واليوم والليلة حق واجب وقال الشافعي ذلك مستحب وليس بواجب لأنه غير مضطر إلى طعامه فلم يجب عليه بذله كما لو لم يضفه ولنا ما ذكرناه من الحديث وروى المقدام ابن أبي كريمة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ليلة الضيف حق واجب فإن أصبح بفنائه فهو دين عليه إن شاء اقتضى وإن شاء ترك " حديث صحيح وفي لفظ " أيما رجل ضاف قوما فأصبح الضيف محروماً فإن نصره على كل مسلم حتى

يأخذ بحقه من زرعه وماله " رواه أبو داود، والواجب يوم وليلة والكمال ثلاثة أيام وذكر ابن أبي موسى أن الواجب ثلاثة أيام لما روى أبو سريج قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الضيافة ثلاثة أيام وجائزته يوم وليلة لا يحل لمسلم أن يقيم عند أخيه حتى يؤثمه " قالوا يا رسول الله كيف يؤثمه؟ قال " يقيم عنده وليس عنده ما يقريه " متفق عليه قال أحمد معنى قوله عليه السلام " جائزته يوم وليلة " كأنه أوكد من سائر الثلاثة ولم يرد يوما وليلة سوى الثلاثة لأنه يصير أربعة أيام وقد قال وما زاد على الثلاثة فهو صدقة، فإن امتنع من ضيافته فللضيف بقدر ضيافته قال أحمد يطالبهم بحقه الذي جعله له النبي صلى الله

عليه وسلم ولا يأخذ شيئاً إلا بعلم أهله وعنه رواية أخرى له أن يأخذ ما يكفيه بغير إذنهم لما روى عقبة بن عامر قال قلنا يا رسول الله إنك تبعثنا فننزل بقوم فلا يقرونا قال " إذا نزلتم بقوم فأمروا لكم بما ينبغي للضيف فاقبلوا فإن لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف الذي ينبغي لهم " متفق عليه * (مسألة) * (وتستحب ضيافته ثلاثة أيام فما زاد فهو صدقة) وعن أحمد أن الضيافة على أهل القرى دون أهل الأمصار قال الأثرم سمعت أبا عبد الله يسئل إلى أي شئ تذهب فيها؟ قال هي مؤكدة وكأنها على أهل القرى والطرق الذين يمر بهم الناس أوكد

مسألة وتستحب ضيافته ثلاثة أيام فما زاد فهو صدقة

فأما مثلنا الآن فكأنه ليس مثل أولئك وذلك أهل القرى والله أعلم ليس عادتهم بيع القوت فلو لم تلزمهم الضيافة بقي المسافر ليس له ما يقتات بخلاف أهل الأمصار فإن عادتهم ذلك فيجد المسافر ما يشتري ويقتات فلا تلزمهم الضيافة * (مسألة) * (وليس له إنزال الضيف في بيته) لما فيه من الحراج إلا أن لا يجد مسجداً أو رباطاً يبيت فيه فيبيت عنده للضرورة ولأن الخبر إنما ورد في الضيافة لا غير فكان خاصاً فيها دون غيرها (فصل) قال المروذي سألت أبا عبد الله قلت تكره الخبز الكبار؟ قال نعم أكرهه ليس فيه بركة إنما البركة في الصغار وقال مرهم ان لا يخبزوا كبارا قال ورأيت أبا عبد الله يغسل يديه قبل الطعام وبعده

مسألة وليس له إنزال الضيف في بيته

وان كان على وضوء وقال مهنا ذكرت ليحيى بن معين حديث قيس بن الربيع عن أبي هاشم عن زاذان عن سلمان عن النبي صلى الله عليه وسلم " بركة الطعام الوضوء قبله وبعده " وذكرت الحديث لأحمد فقال ما حدث به إلا قيس بن الربيع وهو منكر الحديث قلت بلغني عن يحى بن سعيد قال كان سفيان يكره غسل اليد عند الطعام لم كره سفيان ذلك؟ قال لأنه من زي العجم قلت بلغني عن يحيى بن سعيد قال كان سفيان يكره أن يكون تحت القصعة الرغيف لم كرهه سفيان؟ قال كره أن يستعمل الطعام قلت تكرهه أنت؟ قال نعم وروى ابن عقيل قال حضرت مع ابن شهاب وليمة ففرشوا المائدة بالخبز فقال لا تتخذوا الخبز بساطاً وقال المروذي قلت لأبي عبد الله إن أبا معمر قال أن أبا أسامة قدم إليهم خبزاً فكسره فقال هذا لئلا تعرفوا كم تأكلون قيل لأبي عبد الله يكره الأكل

متكئاً؟ قال أليس قال النبي صلى الله عليه وسلم " لا آكل متكئا " رواه أبو داود عن شعيب بن عبد الله بن عمرو عن أبيه قال ما رؤي رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل متكئاً قط رواه أبو داود وعن ابن عمر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأكل الرجل منبطحاً رواه أبو داود (فصل) وتستحب التسمية عند الطعام وحمد الله تعالى عند آخره لما روى عمر بن أبي سلمة قال أكلت مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال " بسم الله وكل بيمينك وكل مما يليك " فما زالت أكلتي متفق عليه وروى الإمام أحمد بإسناده عن أبي هريرة قال لا أعلمه إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال " اطاعم الشاكر مثل الصائم الصابر " قال معناه إذا أكل وشرب بشكر الله ويحمده على ما رزقه " وعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله فإن نسي أن يذكر اسم الله في أوله فليقل بسم الله أوله وآخره " رواه أبو داود وعن معاذ بن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من أكل طعاماً فقال الحمد لله الذي أطعمني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة غفر له ما تقدم من ذنبه " وعن أبي سعيد قال كان النبي صلى الله عليه وسلم

إذا أكل طعاما قال الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين " وعن أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع طعامه، أو ما بين يديه قال " الحمد لله حمداً كثيراً مباركاً فيه غير مكفى ولا مودع " رواهن ابن ماجة (فصل) ويأكل بيمينه ويشرب بها روى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه وإذا شرب فليشرب بيمينه فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله " رواه مسلم وأبو داود ويستحب الأكل بثلاث أصابع لما روى كعب بن مالك قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يأكل بثلاث أصابع ولا يمسح يده حتى يلعقها رواه الإمام أحمد وذكر له حديث ترويه ابنة الزهري أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأكل بكفه كلها فلم يصححه ولم ير إلا ثلاث أصابع وروى عن أحمد أنه أكل خبيصاً بكفه كلها وروي عن عبد الله بن بريدة أنه كان ينهى بناته ان يأكلن بثلاث أصابع وقال لا تشبهن بالرجال (فصل) قال مهنا سألت أحمد عن حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا تقطعوا اللحم بالسكين فإن ذلك صنيع الأعاجم " فقال ليس بصحيح لا يعرف هذا وقال حديث عمرو بن أمية الضمري خلاف هذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يحتز من لحم الشاة فقام إلى الصلاة وطرح السكين وحديث مسعر عن جامع بن شداد عن المغيرة اليشكري عن المغيرة ابن شعبة ضفت برسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فأمر بجنب فشوي ثم أخذ الشفرة فجعل يجز فجاء بلال يؤذنه بالصلاة فألقى الشفرة قال وسألت أحمد عن حديث أبي جحيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال اكفف جشاءك يا أبا جحيفة فإن أكثركم شبعا اليوم أكثركم جوعا يوم القيامة " فقال هو ويحيى جميعاً ليس بصحيح

(فصل) وروي عن ابن عباس قال لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفخ في طعام ولا شراب ولا يتنفس في الاناء وعن أنس قال: ما أكل النبي صلى الله عليه وسلم على خوان ولا في سكرجة. قال قتادة فعلام كانوا يأكلون؟ قال: على السفر. حديث صحيح وعن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يقام عن الطعام حتى يرفع وعن نبيشة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من أكل في قصعة فلحسها استغفرت له القصعة " وعن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يمسح أحدكم يده حتى يلعقها فإنه لا يدري في أي طعامه البركة " رواهن ابن ماجة (فصل) وسئل أبو عبد الله عن غسل اليد بالخالة قال: لا بأس به نحن نفعلة وسئل عن الرجل يأتي القوم وهم على طعام فجاة لم يدع إليه فلما دخل اليهم دعوة يأكل؟ قال نعم وما بأس وسئل عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه ادخر لأهله قوت سنة هو صحيح؟ قال نعم ولكنهم يختلفون في لفظه (فصل) روى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء إلى سعد بن عبادة فجاء بخبز وزيت فأكل ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم " أفطر عندكم الصائمون وأكل طعامكم الأبرار وصلت عليكم الملائكة " وعن جابر قال صنع أبو الهيثم بن التيهان للنبي صلى الله عليه وسلم طعاماً فدعا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فلما فرغوا قال " أثيبوا أخاكم - قالوا: يا رسول الله وما إثابته؟ قال - ان الرجل اذا دخل بيته وأكل طعامه وشرب شرابه فدعوا له فذلك إثابته " رواهما أبو داود

باب السبق * (مسألة) * (تجوز المسابقة على الدواب والخيل والأقدام والسفن والمزاريق وسائر الحيوانات) والأصل في ذلك السنة والإجماع. أما السنة فروى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم سابق بين الخيل المضمرة من الحفياء إلى ثنية الوداع وبين التي لم تضمر من الثنية إلى مسجد بني زريق. متفق عليه قال موسى بن عقبة بين الحفياء إلى ثنية الوداع ستة أميال أو سبعة أميال، وقال سفيان من الثنية إلى مسجد بني زريق ميل أو نحوه وأجمع المسلمون على جواز المسابقة في الجملة والمسابقة على ضربين: مسابقة بغير عوض ومسابقة بعوض، فأما المسابقة بغير عوض فتجوز مطلقاً من غير تقييد بشئ معين كالمسابقة على الأقدام والسفن والطيور والبغال والحمر والفيلة والمزاريق وتجوز المصارعة ورفع الحجارة ليعرف الأشد وغير هذا لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان مع عائشة في سفر فسابقته على رجلها فسبقته قالت فلما حملت اللحم سابقته فسبقني فقال " هذه بتلك " رواه أبو داود وسابق سلمة بن الأكوع رجلاً من الأنصار بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم في يوم ذي قرد، وصارع النبي

باب السبق

صلى الله عليه وسلم ركانة فصرعه، ورواه الترمذي، ومر بقوم يربعون حجراً يعني يرفعونه ليعرفوا الأشد منهم فلم ينكر عليهم، وسائر المسابقة يقاس على هذا * (مسألة) * (ولا تجوز بعوض إلا في الخيل والإبل والسهام) لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر " رواه أبو داود، فالسبق بسكون الباء المسابقة والسبق بفتحها الجعل المخرج في المسابقة، اختصت هذه الثلاثة بتجويز العوض فيها لأنها من آلات الحرب المأمور بتعلمها وإحكامها والتفوق فيها، وهي المسابقة بها مع العوض مبالغة في الاجتهاد فيها والأحكام لها وقد ورد الشرع بالأمر بها والترغيب في فعلها، قال الله تعالى (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم) قال النبي صلى الله عليه وسلم " ألا إن القوة الرمي ألا إن القوة الرمي وروى سعيد في سننه عن خالد بن زيد قال كنت رجلاً رامياً وكان عقبة بن عامر الجهني يمر فيقول يا خالد اخرج بنا نرمي فلما كان ذات يوم أبطأت عنه فقال هلم أحدثك حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إن الله عزوجل يدخل بالسهم الواحد ثلاثة الجنة:

مسألة ولا تجوز بعوض إلا في الخيل والإبل والسهام

صانعه يحتسب في صنعته الخير والرامي به ومنبله، ارموا واركبوا وإن ترموا أحب إلي من أن تركبوا وليس من اللهو إلا ثلاث: تأديب الرجل فرسه وملاعبته أهله ورميه بقوسه ونبله ومن ترك الرمي بعد ما علمه رغبة عنه فإنها نعمة تركها " رواه أبو داود وعن مجاهد قال قال رسول الله [ص] " إن الملائكة لا تحضر من لهوكم إلا الرهان والنضال " قال الأزهري النضال في الرمي والرهان في الخيل والسباق فيهما. وقال مجاهد أدركت ابن عمر يشتد بين الهدفين إذا أصاب خصلة قال أنا بها أنا بها، وعن حذيفة مثله، فلا تجوز المسابقة بعوض إلا في هذه الثلاثة وبهذا قال الزهري ومالك وقال أهل العراق نحو ذلك في المسابقة على الأقدام والمصارعة لورود الأثر بهما فإن النبي صلى الله عليه وسلم سابق عائشة وصارع ركانة ولأصحاب الشافعي وجهان كالمذهبين، ولهم بالمسابقة بالطيور والسفن وجهان بناء على الوجهين في المسابقة على الأقدام والمصارعة ولنا ما ذكرنا من الحديث فنفى السبق في غير هذه الثلاثة ويحتمل أنه أراد به نفي الجعل أي لا يجوز الجعل إلا في هذه الثلاثة، ويحتمل أن يراد به نفي المسابقة بعوض فإنه يتعين حمل الخبر على

أحد الأمرين للإجماع على جواز المسابقة بغير عوض في غير هذه الثلاثة، وعلى كل تقدير فالحديث حجة لنا، ولأن غير هذه الثلاثة لا يحتاج إليها في الجهاد كالحاجة إلى الثلاثة فلم تجز المسابقة عليها بعوض كالرمي بالحجارة ورفعها إذا ثبت هذا فالمراد بالنصل السهام من النشاب والنبل وغيرها وبالحافر الخيل وحدها وبالخف الإبل خاصة. وقال أصحاب الشافعي تجوز المسابقة بكل ماله فصل من المزاريق وفي الرمح والسيف وجهان وفي الفيل والبغال والحمير وجهان لأن للمزاريق والرماح والسيوف نصلاً وللفيل خف وللبغال والحمير حوافر فتدخل في عموم الخبر ولنا أن هذه الحيوانات المختلف فيها لا تصلح للكر والفر ولا يقاتل عليها ولا يسهم لها، والفيل لا يقاتل عليه أهل الإسلام، والرماح والسيوف لا يرمى بها فلم تجز المسابقة عليها كالبقر والتراس، والخبر ليس بعام فيما تجوز المسابقة به لأنه نكرة في إثبات وإنما هو عام في نفي ما لا تجوز المسابقة به بعوض لكونه نكرة في سياق النفي ثم لو كان عاماً لحمل على ما عهدت المسابقة عليه، وورود الشرع بالحث على تعلمه وهو ما ذكرناه

* (مسألة) * (ولا تصح إلا بشروط خمسة) (أحدها) تعيين المركوب والرماة لأن القصد معرفة جوهر الدابتين وسرعة عدوهما معرفة حذق الرماة ولا يحصل إلا بالتعيين لأن المقصود معرفة حذق رام بعينه لا معرفة حذق رام في الجملة فلو عقد اثنان نضالاً على أن مع كل واحد منهما ثلاثة غير متعينين لم يجز لذلك * (مسألة) * (ولا يشترط تعيين الراكبين ولا القوسين) لا يشترط تعيين القوس ولا السهام في المناضلة ولو عينها لم تتعين لأن القصد معرفة الحذق وهو لا يختلف إلا بالرمي دون القوس والسهام، وفي الرهان يشترط تعيين الحيوان الذي يسابق به لما ذكرنا ولا يعتبر تعيين الراكب لأن المقصود معرفة عدو الفرس لا حذق الراكب وكل ما يتعين لا يجوز إبداله كالمتعين في البيع، وما لا يتعين يجوز إبداله لعذره وغيره، فعلى هذه إن شرطا أن لا يرمي بغير هذا القوس ولا بغير هذا السهم ولا يركب غير هذا الراكب فهي شروط فاسدة وهي تنافي مقتضى العقد فهو كما لو شرط أصابة باصابتين (فصل) ويجوز عقد النضال على اثنين وعلى جماعة لأن النبي صلى الله عليه وسلم مر على أصحاب له ينتضلون

مسألة ولا تصح إلا بشروط خمسة

فقال " ارموا وأنا مع ابن الأدرع - فأمسك الآخرون وقالوا كيف نرمي وأنت مع ابن الأدرع؟ فقال - ارموا وأنا معكم كلكم " رواه البخاري، ولأنه إذا جاز أن يكونا اثنين جاز أن يكونا جماعتين لأن المقصود معرفة الحذق وهو يحصل في الجماعتين وكذلك في سباق الخيل وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم سابق بين الخيل المضمرة وبين الخيل التي لم تضمر * (مسألة) * (الثاني أن يكون المركوبان والقوسان من نوع واحد فلا يجوز بين عربي وهجين ولا بين قوس عربية وفارسية ويحتمل الجواز) اذا كانا من جنسين كالفرس والبعير لم يجز لأن البعير لا يكاد يسبق الفرس فلا يحصل الغرض من هذه المسابقة فإن كانا من نوعين كالعربي والهجين والبختي والعرابي ففيه وجهان [أحدهما] لا يصح ذكره أبو الخطاب لأن التفاوت بينهما في الجري معلوم بحكم العادة فأشبها الجنسين [والثاني] يصح ذكره القاضي وهو مذهب الشافعي (فصل) ولا بأس بالرمي بقوس فارسية في ظاهر كلام أحمد، وقد نص على جواز المسابقة بها وقال أبو بكر يكره لأنه قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى مع رجل قوساً فارسية فقال " ألقها فإنها ملعونة ولكن عليكم بالقسي العربية وبرماح القنا فبها يؤيد الله الدين وبها يمكن الله لكم في الأرض " رواه الأثرم.

مسألة الثاني أن يكون المركوبان والقوسان من نوع واحد فلا يجوز بين عربي وهجين ولا بين قوس عربية

ولنا انعقاد الإجماع على الرمي بها وإباحة حملها فإن ذلك جار في أكثر الإعصار وهي التي يحصل الجهاد بها في عصرنا هذا وأما الخبر فيحتمل أنه لعنها، لأن حملتها في ذلك العصر العجم ولم يكونوا أسلموا بعد ومنع العرب من حملها لعدم معرفتهم بها ولهذا أمر برماح القنا ولو حمل إنسان رمحاً غيرها لم يكن مذموماً وحكى أحمد أن قوماً استدلوا على القسي الفارسية بقوله تعالى (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة) لدخوله في عموم الآية. * (مسألة) * (الثالث تحديد المسافة والغاية ومدى الرمي بما جرت به العادة) يشترط في المسابقة بالحيوان تحديد المسافة وأن يكون لابتداء عدوهما وآخره غاية لا يختلفان فيها لأن الغرض معرفة اسبقهما ولا يعلم ذلك ألا بتساويهما في الغاية، لأن أحدهما قد يكون مقصراً في أول عدوه سريعاً في انتهائه وبالعكس فيحتاج إلى غاية تجمع حالتيه ومن الخيل ما هو أصبر والقارح أصبر من غيره وروى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم سبق بين الخيل وفضل القرح في الغاية، رواه أبو داود فإن استبقا بغير غاية لينظر أيهما يقف أولاً لم يجز لأنه يؤدي إلى أن لا يقف أحدهما حتى تنقطع فرسه ويتعذر الأشهاد على السبق فيه، ولذلك يشترط معرفة مدى الرمي إما بالمشاهدة أو بالذرعان نحو مائة ذراع أو مائتي ذراع لأن الإصابة به نختلف بالقرب والبعد ويجوز ما يتفقان عليه إلا أن يجعلا مسافة بعيدة تتعذر الاصابة في مثلها غالباً وهو ما زاد على ثلثمائة ذراع فلا يصح، لأن الغرض يفوت بذلك وقد قيل ما رمى في أربعمائة ذراع إلا عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه.

مسألة الثالث تحديد المسافة والغاية ومدى الرمي بما جرت به العادة

* (مسألة) * (الشرط الرابع كون العوض معلوماً لأنه مال في عقد فوجب العلم به كسائر العقود) إما بالمشاهدة أو بالقدر أو بالصفة على ما تقدم في غير موضع وبجوز أن يكون حالاً ومؤجلاً وبعضه حالاً وبعضه مؤجلاً فلو قال ان فضلتني فلك دينار حال وقفيز حنطة بعد شهر جاز لأن ما جاز أن يكون حالاً ومؤجلاً جاز أن يكون بعضه حالاً وبعضه مؤجلاً كالبيع غير أنه يحتاج إلى صفة الحنطة بما تعلم به كالسلم * (مسألة) * (الشرط الخامس الخروج عن شبه القمار بأن لا يخرج جميعهم) متى استبق اثنان والجعل منهما فاخرج كل واحد منهما لم يجز وكان قماراً، لأن كل واحد منهما لا يخلو من أن يغنم أو يغرم وهذا قمار. * (مسألة) * (فإن كان الجعل من الإمام أو أحد غيرهما أو أحدهما على أن من سبق أخذه جاز) . وجملة ذلك أن المسابقة إذا كانت بين اثنين أو حزبين لم بخل إما أن تكون منهما أو من غيرهما فإن كان من غيرهما وكان من الإمام جاز سواء كان من ماله أو من بيت المال لأن في ذلك مصلحة وحثا على تعلم الجهاد ونفعا للمسلمين، وإن كان غير الإمام فله بذل العوض من ماله، وبه قال أبو حنيفة والشافعي وقال مالك لا يجوز، لأن هذا مما يحتاج إليه في الجهاد فاختص به الإمام كتولية الولايات وتأمير الأمراء

مسألة فإن كان الجعل من الإمام أو أحد غيرهما أو أحدهما على أن من سبق أخذه جاز

ولنا أنه بذل لماله فيما فيه مصلحة وقربة فجاز كا لو اشترى به خيلاً أو سلاحاً فأما إن كان منهما اشترط كون الجعل من أحدهما فيقول أن سبقتني فلك عشرة وإن سبقتك فلا شئ عليك فهو جائز وحكي عن مالك أنه لا يجوز لأنه قمار. ولنا أن أحدهما يختص بالسبق فجاز كما لو أخرجه الإمام ولا يصح ما ذكره لأن القمار لا يخلو كل واحد منهما أن يغنم أو يغرم وههنا لا خطر احدهما فلا يكون قماراً. * (مسألة) * (فإن جاءا معا فلا شئ لهما) لأنه لا سابق فيهما وإن سبق المخرج أحرز سبقه ولا شئ له على صاحبه لأنه لو أخذ منه شيئاً كان قماراً وإن سبق الآخر احرز سبق المخرج فملكه وكان كسائر أمواله لأنه عوض في الجعالة فملك فيها كالعوض المجهول في رد الضالة، فإن كان العوض في الذمة فهو دين يقضى به عليه ويجبر على تسلميه إن كان موسراً وإن أفلس ضرب به مع الغرماء. * (مسألة) * (وإن أخرجا معاً لم يجز إلا أن يدخلا بينهما محللا يكافئ فرسه فرسيهما أو بعيره بعيريهما أو رميه رمييهما فإن سبقهما أحرز سبقهما وان سبقاه احرز اسبقيهما ولم يأخذا منه شيئاً وإن سبق أحدهما أحرز السبقين وإن سبق معه المحلل فسبق الآخر بينهما) السبق بفتح الباء الجعل الذي يسابق عليه ويسمى الخطر والندب والقرع والرهن ويقال سبق

مسألة فإن جاءا معا فلا شيء لهما

إذا أخذ وإذا أعطى وهو من الأضداد، متى استبق اثنان فأخرج كل واحد منهما لم يجز وكان قماراً، لأن كل واحد منهما لا يخلو من أن يغنم أو يغرم وسواء كان ما أخرجاه متساوياً أو متفاوتاً مثل أن أخرج أحدهما عشرة والآخر خمسة ولو قال أن سبقتني فلك عشرة وإن سبقتك فلي عليك قفيز حنطة أو قال أن سبقتني فلك علي عشرة ولي عليك قفيز حنطة لم يجز لما ذكرناه. فإذا أدخلا بينهما محللا وهو ثالث لم يخرج شيئاً جاز، وبهذا قال سعيد بن المسيب والزهري والاوزاعي واسحاق وأصحاب الرأي، وحكى أشهب عن مالك أنه قال في المحلل لا أحبه وعن جابر بن زيد أنه قيل له أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا لا يرون بالدخيل بأساً قال هم أعف من ذلك. ولنا ما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من أدخل فرساً بين فرسين وهو لا يؤمن أن يسبق فليس بقمار ومن أدخل فرساً بين فرسين وقد أمن أن يسبق فهو قمار " رواه أبو داود فجعله قماراً إذا أمن أن يسبق لأنه لا يخلو كل واحد منهما أن يغنم أو يغرم وإذا لم يؤمن أن يسبق لم يكن قماراً، لأن كل واحد منهما يجوز أن يخلو عن ذلك. ويشترط أن يكون فرس المحلل مكافئاً لفرسيهما أو بعيره لبعيريهما أو رميه لرمييهما فإن لم يكن مكافئاً مثل أن تكون فرساهما أجود من فرسه فيكونا

مسألة وإن أخرجا معا لم يجز إلا أن يدخلا بينهما محللا يكافىء فرسه فرسيهما أو بعيره بعيريهما

جوادين وهو بطئ فهو قمار للخبر ولأنه مأمون سبقه فوجوده كعدمه، وإن كان مكافئاً جاز فان جاءوا الغاية دفعة واحدة أحرز كل واحد منهما سبق نفسه ولا شئ للمحلل لأنه لا سابق فيهم وكذلك إن سبقا المحلل وإن سبق المحلل أحرز السبقين بالاتفاق وإن سبق أحد المستبقين وحده أحرز سبق نفسه وأخذ سبق صاحبه ولم يأخذ من المحلل شيئاً وإن سبق أحد المستبقين والمحلل أحرز السابق مال نفسه ويكون سبق المسبوق بين السابق والمحل نصفين وسواء كان المستبقون اثنين أو أكثر حتى لو كانوا مائة وبينهم محلل لا سبق منه جاز ولذلك لو كان المحلل جماعة جاز لأنه لا فرق بين الاثنين والجماعة وهذا مذهب الشافعي. * (مسألة) * (وإن قال المخرج من سبق فله عشرة ومن صلى فله ذلك لم يجز إذا كانا اثنين وإن قال من صلى فله خمسة جاز) وجملة ذلك أنه إذا كان المخرج غير المتسابقين فقال لهما أو لجماعة أيكم سبق فله عشرة جاز لأن كل واحد منهم يطلب أن يكون سابقاً فأيهم سبق استحق العشرة فان جاؤا جميعا فلا شئ لواحد

مسألة وإن قال المخرج من سبق فله عشرة ومن صلى فله ذلك لم يجز إذا كانا اثنين وإن قال من صلى فله خمسة

منهم لأنه لا سابق فيهم وان قال لاثنين أيكما سبق فله عشرة وايكما صلى فله ذلك لم يصح لأنه لا فائدة في طلب السبق فلا يحرص عليه، وان قال ومن صلى فله خمسة صح لأن كل واحد منهما يطلب السبق لفائدته فيه بزيادة الجعل، وان كانوا أكثر من اثنين فقال من سبق فله عشرة ومن صلى فله ذلك صح لأن كل واحد منهم يطلب أن يكون سابقاً أو مصليا والمصلي هو الثاني لأن رأسه عند صلي الآخر والصلوان هما العظمان الناتئان من جانبي الذنب وفي الأثر عن علي أنه قال: سبق أبو بكر وصلى عمر وخبطتنا فتنة قال الشاعر: إن تبتدر غاية يوما لمكرمة * تلق السوابق منا والمصلينا فان قال للمجلي وهو الأول مائة، وللمصلي وهو الثاني تسعون، وللتالي. هو للثالث ثمانون، وللنازع وهو الرابع سبعون، وللمرتاح وهو الخامس ستون، وللحظي وهو السادس خمسون، وللعاطف وهو السابع أربعون، وللمؤمل وهو الثامن ثلاثون، وللطيم وهو التاسع عشرون، وللسكيت وهو العاشر عشرة، وللفسكل وهو الأخير خمسة صح لأن كل واحد يطلب السبق فاذا فاته طلب ما يلي السابق

والفسكل اسم وللآخر ثم استعمل هذا في غير المسابقة بالخيل تجوزا كما روي ان أسماء بنت عميس كانت تزوجت جعفر بن أبي طالب فولدت له عبد الله ومحمداً وعونا، ثم تزوجها أبو بكر الصديق فولدت له محمد بن أبي بكر، ثم تزوجها علي بن أبي طالب فقالت له ان ثلاثة أنت آخرهم لأخيار، فقال لولدها فسكلتني أمكم، وإن جعل للمصلي أكثر من السابق أو جعل للتالي أكثر من المصلي أو لم يجعل للمصلي شيئاً لم يجز لأن ذلك يفضي إلى أن لا يقصد السبق بل يقصد التأخر فيفوت المقصود (فصل) وإذا قال لعشرة من سبق منكم فله عشرة صح فان جاءوا معا فلا شئ لهم لأنه لم يوجد الشرط الذي يستحق به الجعل في واحد منهم، وإن سبقهم واحد فله العشرة لوجود الشرط فيه، وإن سبق اثنان فلهما العشرة وإن سبق تسعة وتأخر واحد فالعشرة للتسعة لأن الشرط وجد فيهم فكان الجعل بينهم كما لو قال من رد عبدي الآبق فله كذا فرده تسعة ويحتمل أن يكون لكل واحد من السابقين عشرة لأن كل واحد منهم سابق فيستحق الجعل بكماله كما لو قال من رد عبداً لي فله عشرة فرد كل واحد عبداً وفارق ما لو قال من رد عبدي فرده تسعة لأن كل واحد منهم لم يرده انما

رده حصل من الكل ويصير هذا كما لو قال من قتل قتيلا فله سلبه فان قتل كل واحد واحداً فلكل واحد سلب قتيله كاملاً، وإن قتل الجماعة واحداً فلجميعهم سلب واحد وههنا كل واحد له سبق مفرد فكان له الجعل كاملا، فعلى هذا لو قال من سبق فله عشرة ومن صلى فله خمسة فسبق خمسة وصلى خمسة فعلى الوجه الأول للمسابقين عشرة لكل واحد منهم درهمان وللمصلين خمسة لكل واحد منهم درهم وعلى الوجه الثاني لكل واحد من السابقين عشرة فيكون لهم خمسون ولكل واحد من المصلين خمسة فيكون لهم خمسة وعشرون، ومن قال بالوجه الاول احتمل على قوله أن لا يصح العقد على هذا الوجه لأنه يحتمل أن يسبق تسعة فيكون لهم عشرة لكل واحد منهم درهم وتسع ويصلي واحد فيكون له خمسة فيكون للمصلي من الجعل أكثر مما للسابق فيفوت المقصود * (مسألة) * (وإن شرطا أن السابق يطعم السبق أصحابه أو غيرهم لم يصح الشرط) وفي صحة المسابقة وجهان لأنه عوض على عمل فلا يستحقه غير العامل كالعوض في رد الآبق لا يفسد العقد وبه قال أبو حنيفة وقال الشافعي يفسد

مسألة وإن شرطا أن السابق يطعم السبق أصحابه أو غيرهم لم يصح الشرط

ولنا أنه عقد لا تتوقف صحته على تسمية بدل فلم يفسد بالشرط الفاسد كالنكاح، وذكر القاضي أن الشروط الفاسدة في المسابقة تنقسم قسمين - (أحدهما) ما يخل بشرط صحة العقد نحو إن يعود إلى جهالة العوض أو المسافة ونحوهما فيفسد العقد لأن العقد لا يصح مع فوات شرطه (والثاني) ما لا يخل بشرط العقد نحو أن يشرط أن يطعم السبق أصحابه أو غيرهم أو يشترط أنه إذا نضل لا يرمي أبداً أو لا يرمي شهراً أو شرطا أن لكل واحد منهما أو لأحدهما فسخ العقد متى شاء بعد الشروع في العمل وأشباه هذا فهذه شروط باطلة في نفسها وفي العقد المقترن بها وجهان (أحدهما) حصته لأن العقد تم بأركانه وشروطه فإذا حذف الزائد الفاسد بقي العقد صحيحاً (والثاني) لا يبطل لأنه بذل العوض لهذا الغرض فإذا لم يحصل له غرضه لا يلزمه العوض وكل موضع فسدت المسابقة فإن كان السابق المخرج أمسك سبقه وإن كان الآخر فله أجر عمله لأنه عمل بعوض لم يسلم له فاستحق أجر المثل كالإجارة الفاسدة * (فصل) * قال رحمه الله (والمسابقة جعالة لكل واحد منهما فسخها إلا أن يظهر الفضل لأحدهما فيكون له الفسخ دون صاحبه

ذكره ابن حامد وهو قول أبي حنيفة وأحد قولي الشافعي، وقال في الآخر هو لازم إن كان العوض منهما وجائز إن كان من أحدهما أو من غيرهما وذكر القاضي احتمالا لأنه عقد من شرطه أن يكون العوض والمعوض معلوماً فكان لازما كالإجارة ولنا أنه عقد على ما لا تتحقق القدرة على تسليمه فكان جائزاً كرد الآبق وذلك لأنه عقد على الإصابة ولا يدخل تحت قدرته وبهذا فارق الإجارة. فعلى هذا لكل واحد من المتعاقدين الفسخ قبل الشروع في المسابقة، وإن أراد أحدهما الزيادة فيها أو النقصان منها لم يلزم الآخر إجابته، فأما بعد الشروع فيها فإن لم يظهر لأحدهما فضل مثل أن يسبقه بفرسه في بعض المسافة أو يصيب بسهامه أكثر منه فللفاضل الفسخ دون المفضول لأنه لو جاز له ذلك لفات غرض المسابقة فلا يحصل ا؟ قصود، وقال أصحاب الشافعي إذا قلنا العقد جائز ففي جواز الفسخ وجهان * (مسألة) * (وتنفسخ بموت أحد المتعاقدين) إذا قلنا أنها عقد جائز قياساً على العقود الجائزة من الوكالة والشركة والمضاربة ونحوها وإن قلنا

بلزومها انفسخت بموت أحد المركوبين والراميين لأن العقد تعلق بعين المركوب والرامي فانفسخ بتلفه كما لو تلف المعقود عليه في الإجارة، ولا تبطل بموت الراكبين ولا تلف أحد القوسين لأنه غير المعقود عليه فلم ينفسخ العقد بتلفه كموت أحد المتبايعين، فعلى هذا يقوم وارث الميت مقامه كما لو استأجر شيئاً ثم مات، فإن لم يكن له وارث أقام الحاكم مقامه من تركته كما لو أجر نفسه لعمل معلوم ثم مات * (مسألة) * (والسبق في الخيل بالراس إذا تماثلت الأعناق وفي مختلفي العنق والإبل بالكتف) وجملته أنه يشترط في المسابقة إرسال الفرسين والبعيرين دفعة واحدة فإن أرسل أحدهما قبل الآخر ليعلم هل يدركه الآخر أولاً؟ لم يجز هذا في المسابقة بعوض لأنه قد لا يدركه مع كونه أسرع منه لبعد المسافة بينهما ويكون عند أول المسافة من يشاهد إرسالهما ويرتبهما وعند الغاية من يضبط السابق منهما لئلا يختلفا في ذلك ويحصل السبق في الخيل بالراس إذا تماثلث الأعناق فإن اختلفا في طول العنق أو كان ذلك في الإبل اعتبر السبق بالكتف لأن الاعتبار بالرأس متعذر فإن طويل العنق قد يسبق رأسه لطول عنقه لا بسرعة عدوه وفي الإبل ما يرفع رأسه وفيها ما يمد عنقه فربما سبق راسه لمد عنقه لا بسبقه فلذلك اعتبر بالكتف

مسألة وتنفسخ بموت أحد المتعاقدين

فإن سبق رأس قصير العنق فهو سابق بالضرورة وإن سبق رأس طويل العنق بأكثر مما بينهما في طول العنق فقد سبق وإن كان بقدره لم يسبق وإن كان أقل فالآخر سابق ونحو هذا كله قول الشافعي وقال الثوري إذا سبق أحدهما بالأذن كان سابقاً ولا يصح ذلك لأن أحدهما قد يرفع رأسه ويمد عنقه فيسبق بإذنه لذلك لا لسبقه، وإن شرط السبق بإقدام معلومة كثلاثة أو أكثر أو أقل لم يصح وقال بعض أصحاب الشافعي يصح ويتخاطان ذلك كما في الرمي ولا يصح لأن هذا لا ينضبط ولا يقف الفرسان عند الغاية بحيث يعرف مساحة ما بينهما، وقد روى الدارقطني باسناده عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي قد جعلت لك هذه السبقة بين الناس فخرج علي فدعا سراقة ابن مالك فقال يا سراقة إني قد جعلت إليك ما جعل النبي صلى الله عليه وسلم في عنقي من هذه السبقة في عنقك فإذا أتيت الميطان - قال أبو عبد الرحمن الميطان مرسلها من الغاية - فصف الخيل ثم ناد هل من مصلح للجام أو حامل لغلام أو طارح لجل فإذا لم يجبك أحد فكبر ثلاثا ثم خلها عند الثالثة فيسعد الله بسبقه من شاء من خلقه وكان علي يقعد عند منتهى الغاية يخط خطا ويقيم رجلين متقابلين عند طرف الخط طرفيه بين إبهامي أرجلهما وتمر الخيل بين الرجلين ويقول لهما إذا خرج أحد الفرسين على صاحبه بطرف أذنيه أو أذن أو عذار فاجعلا السبقة له وإن شككتما فاجعلا سبقهما نصفين وهذا الأدب الذي ذكره

في هذا الحديث في ابتداء الإرسال وانتهاء الغاية من أحسن ما قيل في هذا مع كونه مروياً عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه في قضية أمره بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وفوضها إليه فينبغي أن تتبع ويعمل بها * (مسألة) * (ولا يجوز ان يجنب أحدهما مع فرسه فرسا يحرضه على العدو ولا يصيح به في وقت سباقه لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا جلب ولا جنب " رواه أبو داود) معنى الجنب أن يجنب المسابق إلى فرسه فرسا لا راكب عليه يحرض الذي تحته على العدو ويحثه عليه وقال القاضي معناه أن يجنب فرسا يتحول عند الغاية عليها لكونها اقل كلالا وإعياء قال إبن المنذر كذا قيل ولا أحسب هذا يصح لأن الفرس التي يسابق بها لابد من تعيينها فإن كانت التي يتحول عنها فما حصل السبق بها وإن كانت التي يتحول إليها فما حصلت المسابقة بها في جميع الحلبة ومن شرط السابق ذلك، ولأن هذا متى احتاج إلى التحول والاشتغال به فربما سبق باشتغاله لا بسرعة غيره ولأن المقصود معرفة عدو الفرس في الحلبة كلها، فمتى كان إنما يركبه في آخر الحلبة فما حصل

مسألة ولا يجوز أن يجنب أحدهما مع فرسه فرسا يحرضه على العدو ولا يصيح به في وقت سباقه

المقصود. وأما الجلب فهو أن يتبع الرجل فرسه تركض خلفه ويجلب عليه ويصيح وراءه يستحثه بذلك على العدو هكذا فسره مالك وقال قتادة الجلب والجنب في الرهان وعن أبي عبيد كقول مالك وحكي عنه أن الجلب أن يحشر الساعي أهل الماشية ليصدقهم قال ولا يفعل ليأتهم على مياههم فيصدقهم والتفسير الأول أصح لما روي عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا جلب ولا جنب في الرهان " رواه أبو داود ويروى عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من أجلب على الخيل يوم الرهان فليس منا " (فصل في المناضلة) قال الشيخ رحمه الله وهي المسابقة في الرمي بالسهام والمناضلة مصدر ناضلته مناضلة ونضالا وسمي الرمي نضالا لأن السهم التام يسمى نضلا فالرمي به عمل بالنضل فسمي نضالا ومناضلة مثل جادلته جدالا ومجادلة ويشترط لها شروط أربعة (أحدها) أن تكون على من يحسن الرمي فان كان في احد الحزبين من لا يحسنه بطل العقد فيه) واخرج من الحزب الآخر من جعل بازائه لأن كل واحد من الزعيمين يختار واحداً ويختار الآخر في مقابلته آخر كما لو بطل العقد في بعض المبيع بطل في ثمنه وهل يبطل

في الباقين؟ على وجهين بناء على تفريق الصفقة فإن قلنا لا يبطل فلكل حزب الخيار لتبعيض الصفقة في حقهم فان كان يحسن الرمي لكنه قليل الاصابة فقال حزبه ظنناه كثير الإصابة أو لم نعلم حاله وإن بان كثير الإصابة فقال الحزب الآخر ظنناه قليل الإصابة لم يسمع ذلك منهم لأن شرط دخوله في العقد أن يكون من أهل الصنعة دون الحذق كما لو اشترى عبداً على أنه كاتب فبان حاذقاً أو ناقصاً فيها لم يؤثر (الثاني معرفة عدد الرشق وعدد الاصابة) الرشق بكسر الراء عدد الرمي وأهل العربية يقولون هو عبارة عما بين العشرين والثلاثين والرشق بفتح الراء الرمي مصدر رشقت رشقاً وإنما اشترط علمه لأنه لو كان مجهولا لأفضى الى الاختلاف لأن أحدهما قد يريد القطع والآخر الزيادة ولابد من معرفة عدد الاصابة فيقولان الرشق عشرون والإصابة خمسة أو ستة أو ما يتفقا عليه إلا أنه لا يصح اشتراط إصابة تندر كإصابة جميع الرشق أو تسعة من عشرة ونحو هذا لأن الظاهر أنه لا يوجد فيفوت الغرض وإنما اشترط العلم بعدد الاصابة ليتبين حذقهما (فصل) ويشترط استواؤهما في عدد الرشق والاصابة وصفتها وسائر احوال الرمي فان جعلا رشق احدهما عشراً والآخر عشرين أو شرطا أن يصيب أحدهما خمسة والآخر ثلاثة أو شرطاً إصابة

أحدهما خواسق والآخر خواصل أو شرطا أن يحط أحدهما من إصابته سهمين أو يحط سهمين من إصابته بسهم من إصابة صاحبه أو شرط أن يرمي أحدهما من بعد والآخر من قرب أو أن يرمي أحدهما وبين إصابعه سهم والآخر بين أصابعه سهمان أو أن يرمي أحدهما وعلى رأسه شئ والآخر خال عن شاغل أو أن يحط عن أحدهما واحداً من خطئه لا عليه ولا له وأشباه هذا مما تفوت به المساواة لم يصح لأن موضوعها على المساواة والغرض معرفة الحذق وزيادة أحدهما على الآخر فيه ومع التفاضل لا يحصل فإنه ربما أصاب أحدهما لكثرة رميه لا لحذقه فاعتبر المساواة كالمسابقة بالحيوان (فصل) ويشترط أن تكون المسابقة على الإصابة لا على البعد فلو قال السبق لأبعدنا رمياً لم يجز لأن الغرض من الرمي الإصابة لا بعد المسافة فإن المقصود من الرمي إما قتل العدو أو جرحه أو الصيد ونحو ذلك وكل هذا إنما يحصل من الإصابة لا من الإبعاد (فصل) إذا عقد النضال ولم يذكرا قوساً صح في ظاهر كلام القاضي ويستويان في القوس إما بالعربية أو الفارسية وقال غيره لا يصح حتى يذكرا نوع القوس الذي يرميان عليه في الابتداء لأن إطلاقه ربما أفضى إلى الاختلاف وقد أمكن التحرز عنه بالتعيين للنوع فيجب ذلك، وإن اتفقا على أنهما يرميان بالنشاب في الابتداء صح وينصرف إلى القوس الأعجمية لأن سهامها هو المسمى بالنشاب وسهام العربية يسمى نبلاً فإن عينا نوعا لم يجز العدول عنها إلى غيرها لأن أحدهما قد يكون أحذق بالرمي بأحد النوعين دون الآخر (الثالث معرفة الرمي هل هو مفاضلة أو مبادرة؟) المناضلة على ثلاثة أضرب (أحدها) يسمى المبادرة وهي أن يقولا من سبق إلى خمس إصابات من عشرين رمية فهو السابق فأيهما سبق إليها مع تساويهما في الرمي فقد سبق فأذا رميا عشرة عشرة فأصاب أحدهما خمساً ولم يصب الآخر خمساً

فالمصيب خمساً هو السابق لأنه قد سبق إلى خمس وسواء أصاب الآخر أربعاً أو ما دونها أو لم يصب شيئاً ولا حاجة إلى تمام الرمي لأن السبق قد حصل بسبقه إلى ما شرطا السبق إليه فإن أصاب كل واحد منها من العشر خمساً فلا سابق فيهما ولا يكملان الرشق لأن جميع الإصابة المشروطة قد حصلت واستويا فيها فإن رمى أحدهما عشراً فأصاب خمساً ورمى الآخر تسعاً فأصاب أربعاً لم يحكم بالسبق ولا بعدمه حتى يرمي العاشر فإن أصاب به فلا سابق فيهما وإن أخطأ به فقد سبق الأول فإن لم يكن أصاب من التسعة إلا ثلاثا فقد سبق ولا يحتاج إلى رمي العاشر لأن أكثر ما يحتمل أن يصيب به ولا يخرجه عن كونه مسبوقاً (الثاني) المفاضلة وهو أن يقول أينا فضل صاحبه بإصابة أو إصابتين أو ثلاث من عشرين رمية فقد سبق وتسمى محاطة لأن ما تساويا فيه من الإصابة محطوط غير معتد به ويلزم إكمال الرشق إذا كان فيه فائدة، فإذا قالا أينا فضل صاحبه بثلاث فهو سابق فرميا اثني عشر سهما فأصاب بها أحدهما وأخطأ الآخر كلها لم يلزم إتمام الرشق لأن أكثر ما يمكن أن يصيب الآخر الثمانية الباقية ويحطئها الأول ولا يخرج الأول بهذا عن كونه سابقاً، وإن كان الأول إنما أصاب من الأثني عشرة عشرا لزمهما أن يرميا الثالثة عشرة فإن أصابا بها أو أخطأ أو أصابها الأول وحده فقد سبق ولا يحتاج إلى إتمام الرشق وإن أصابها الآخر وحده فعليهما أن يرميا الرابعة عشرة والحكم فيها وفيما بعدها كالحكم في الثالثة عشر فإنه متى ما أصاباها أو أخطأ أو أصابها الأول فقد سبق ولا يرميان ما بعدها وإن أصابها الآخر وحده رميا بعدها وكذا كل موضع يكون في إتمام الرشق فائدة لأحدهما يلزم إتمامه

وإن يئس من الفائدة لم يلزم إتمامه فإذا بقي من العدد ما يمكن أن يسبق أحدهما به صاحبه أو يسقط به سبق صاحبه لزم الإتمام وإلا فلا، فإذا كان السبق يحصل بثلاث إصابات من عشرين فرميا ثماني عشرة فأخطآها أو أصاباها أو تساويا في الإصابة فيها لم يلزم الإتمام لأن أكثر ما يحتمل أن يصيب أحدهما هاتين الرميتين ويخطئهما الآخر ولا يحصل السبق بذلك وكذلك إن فضل أحدهما الآخر بخمس إصابات فما زاد لم يلزم الإتمام لأن إصابة الآخر السهمين الباقيين لا يخرج الآخر عن كونه فاضلا بثلاث إصابات وإن لم يفضله إلا بأربع رميا السهم الآخر فإن إصابه المفضول وحده فعليهما رمي الآخر فإن أصابه المفضول أيضاً أسقط سبق الأول وإن أخطأ في أحد السهمين أو أصاب الأول في أحدهما فهو سابق (الثالث) أن يقول أينا أصاب خمسا من عشرين فهو سابق فمتى أصاب أحدهما خمسا من العشرين ولم يصبها الآخر فالأول سابق وإن أصاب كل واحد منهما خمسا أو لم يصب واحد منهما خمسا فلا سابق فيهما وهذه في معنى المحاطة في أنه يلزم إتمام الرمي ما كان فيه فائدة ولا يلزم إذا خلا عنها ومتى أصاب كل واحد منهما خمسا لم يلزم إتمامه ولم يكن فيهما سابق وإن رميا ست عشرة رمية فلم يصب واحد منهما شيئاً لم يلزم إتمامه ولا سابق فيهما لأن أكثر ما يحتمل أن يصيبها أحدهما وحده ولا يحصل السبق بذلك، واختلف أصحابنا فقال أبو الخطاب لابد من معرفة الرمي هل هو مبادرة أو محاطة أو مفاضلة لأن غرض الرماة يختلف فمنهم من تكثر إصابته في الابتداء دون الانتهاء ومنهم بالعكس فوجب بيان ذلك ليعلم ما دخل فيه وهذا الذي ذكره شيخنا في الكتاب المشروح وظاهر كلام القاضي أنه لا يحتاج إلى اشتراط ذلك لأن مقتضى النضال المبادرة وإن من بادر إلى الإصابة فهو

السابق فإنه إذا شرط السبق لمن أصاب خمسة من عشرين فسبق إليها واحد فقد وجد الشرط، ولأصحاب الشافعي وجهان كهذين (فصل) وإن شرطا إصابة موضع من الهدف على أن يسقط ما قرب من إصابة أحدهما ما بعد من إصابة الآخر ففعل ثم فضل أحدهما الآخر بما شرطاه كان سابقاً ذكره القاضي وهو مذهب الشافعي لأنه نوع من المحاطة فإذا أصاب أحدهما موضعاً بينه وبين الغرض شبر وأصاب الآخر موضعاً بينه وبين الغرض أقل من شبر سقط الأول، وإن اصاب الأول الغرض أسقط الثاني وإن أصاب الثاني الدائرة التي في الغرض لم يسقط الأول لأن الغرض كله موضع الإصابة فلا يفضل أحدهما صاحبه إذا أصاباه إلا أن يشترطا ذلك، وإن شرطا أن يحتسب كل واحد منهما خاسقه بإصابتين جاز لأن أحدهما لم يفضل صاحبه بشئ فقد استويا (فصل) فإن عقد النضال جماعة ليتناضلوا حزبين فذكر القاضي أنه يجوز وهو مذهب الشافعي ويحتمل أن لا يجوز لأن التعيين شرط وقبل التفاضل لم يتعين من في كل واحد من الحزبين فعلى هذا إذا تفاضلوا عقدوا الناضل بعده، وعلى قول القاضي يجوز العقد قبل التفاضل ولا يجوز أن يقتسموا بالقرعة لأنها قد تقع على الحذاق في احد الحزبين وعلى الكوادن في الآخر فيبطل مقصود النضال بل يكون لكل حزب زعيم فيختار أحدهما واحداً ثم يختار الآخر واحدا كذلك حتى يتفاضلوا جميعاً ولا يجوز أن يجعل الخيار إلى أحدهما في الجميع ولا ان يختار جميع حزبه أولا لأنه يختار الحذاق في حزبه ولا يجوز أن يجعل رئيس الحزبين واحداً لأنه يميل إلى حزبه فتلحقه التهمة ولا يجوز أن يختار كل

واحد من الرئيسين أكثر من واحد واحد لأنه أبعد من التساوي وإذا اختلفا في المبتدئ بالخيار أقرع بينهما، ولو قال أحدهما انا أختار أولا وأخرج السبق أو يخرجه أصحابي لم يجز لأن السبق إنما يستحق بالسبق لا في مقابلة تفضل أحدهما بشئ (فصل) وإذا أخرج أحد الزعيمين السبق من عنده فسبق حزبه لم يكن على حزبه شئ لأنه جعله على نفسه دونهم وإن شرطه عليهم فهو عليهم بالسوية ويقسم على الحزب الآخر بالسوية من أصاب ومن أخطأ في أحد الوجهين كما أنه على الحزب الآخر بالسوية وفي الوجه الآخر يقسم بينهم على قدر الاصابة ولا شئ لمن لم يصب لأن استحقاقه بالإصابة فكان على قدرها واختص بمن وجدت فيه بخلاف المسبوقين فإنه وجب عليهم لالتزامهم به وقد استووا في ذلك (فصل) ومتى كان النضال بين حزبين اشترط كون الرشق يمكن قسمه بينهم بغير كسر ويتساووا فيه فإن كانوا ثلاثة وجب أن يكون له ثلث، وكذلك ما زاد لأنه إذا لم يكن كذلك بقي سهم أو أكثر بينهم لا يمكن الجماعة الاشتراك فيه (فصل) ولا يجوز أن يقولوا نقرع فمن خرجت قرعته فهو السابق ولا أن من خرجت قرعته فالسبق عليه ولا أن يقولوا نرمي فأينا أصاب فالسبق على الآخر لأنه عوض في عقد فلا يستحق بالقرعة ولا بالإصابة، وإن شرطوا أن يكون فلان مقدم حزب وفلان مقدم الآخر ثم فلان ثانياً في الحزب الأول وفلان ثانياً من الحزب الثاني كان فاسداً لأن تقديم كل واحد من الحزبين يكون إلى زعيمه وليس للحزب الآخر مشاركته في ذلك فإذا شرطوه كان فاسداً (فصل) إذا تناضل اثنان وأخرج احداهما السبق فقال أجنبي أنا شريكك في الغرم والغنم أن

نضلك فنصف السبق علي وإن نضلته فنصفه لي لم يجز وكذلك لو كان المتناضلون ثلاثة منهما محلل فقال رابع للمستبقين أنا شريككما في الغنم والغرم كان باطلاً لأن الغنم والغرم إنما يكون من المناضل. فأما من لا يرمي فلا يكون له غنم ولا عليه غرم ولو شرطا في النضال إنه إذا جلس المستبق كان عليه السبق لم يصح لأن السبق على النضال وهذا الشرط يخالف مقتضى النضال فكان فاسداً (فصل) ولو فضل أحد المتناضلين صاحبه فاقل المفضول اطرح فضلك واعطيك ديناراً لم يجز لأن المقصود معرفة الحذق وذلك يمنع منه وإن فسخا العقد وعقدا عقداً آخر جاز وإن لم يفسخاه ولكن رميا تمام الرشق فتمت الإصابة له مع ما أسقطه استحق السبق ورد الدينار إن كان أخذه * (مسألة) * (وإذا أطلقا الإصابة تناولها على أي صفة كانت) لأنها إصابة وذكر شيخنا صفة الإصابة شرطا لصحة المناضلة في كتاب المغني فإن قالا خواصل كان تأكيداً لها لأنه اسم لها كيفما كانت. قال الأزهري يقال خصلت مناضلي خصلة وخصلا ويسمى ذلك القرع والقراطسة يقال قرطس إذا أصاب * (مسألة) * (فإن قالا خواسق وهو ما خرق الغرض وثبت فيه أو خوازق وهو ما خزقه ووقع بين يديه أو موارق وهو ما نفذ الغرض ووقع وراءه أو خوارم وهو ما خرم جانب الغرض أو حوابي وهو ما وقع بين يدي الغرض ثم وثب إليه ومنه يقال حبا الصبي أو خواصر وهو ما كان في أحد جانبي الغرض ومنه قيل الخاصرة لأنها في جانب الإنسان تقيدت المناضلة بذلك) لأن المرجع في المسابقة إلى شرطهما فيقيد بما شرطاه ههنا وإن شرطا الخواسق والحوابي معا صح

مسألة وإذا أطلقا الإصابة تناولها على أي صفة كانت

* (مسألة) * (وإن شرط إصابة موضع من الغرض كالدائرة فيه تفيد به) لما ذكرنا (الرابع معرفة قدر الغرض طوله وعرضه وسمكه وارتفاعه من الأرض) الغرض ما يقصد إصابته من قرطاس أو جلد أو خشب أو فرع أو غيره سمي غرضا لأنه يقصد ويسمى شارة وشنا قال الأزهري ما نصب في الهدف فهو القرطاس وما نصب في الهواء فهو الغرض ويجب أن يكون قدره معلوماً بالمشاهدة أو بتقدير بشبر أو نحوه بحسب الشرط فإن الإصابة تختلف باختلاف صغره وكبره وغلظه ورقته فوجب اعتبار ذلك * (مسألة) * (وإن تشاحا في المبتدئ منهما أقرع بينهما وقيل يقدم من له مزية بإخراج السبق) وجملة ذلك أنه لابد في المناضلة من أن يبتدئ أحدهما بالرمي لأنهما لو رميا معا أفضى إلى الاختلاف ولم يعرف المصيب منهما، فإن كان المخرج أجنبياً قدم من يختاره منهما فإن لم يختر وتشاحا أقرع بينهما لأنهما تساويا في استحقاق هذا فصارا إلى القرعة كما لو تنازع المتقاسمان في إستحقاق سهم معين أو في المبتدئ بالأخذ وأيهما كان أحق بالتقديم فبدره الآخر فرمى لم يعتد له بسهمه أصاب أم أخطأ. * (مسألة) * (وإذا بدأ أحدهما في وجه بدأ الآخر في الثاني تعديلاً بينهما فإن شرطا البداءة لأحدهما في كل الوجوه لم يصح) لأن موضوع المناضلة على المساواة وهذا تفاضل فإن فعلا ذلك من غير شرط برضاهما جاز لان البداءة لا أثر لها في الإصابة ولا في جودة الرمي، وإن شرطا أن يبدأ كل واحد منهما وجهين متواليين

مسألة وإن تشاحا في المبتدىء منهما أقرع بينهما وقيل يقدم من له مزية بإخراج السبق

جاز لتساويهما ويحتمل أن يكون اشتراط البداءة في كل موضع ذكرنا غير لازم ولا يؤثر في العقد لأنه لا أثر له في تجويد رمي ولا كثرة إصابة وكثير من الرماة يختار التأخر على البداية فيكون وجود هذا الشرط كعدمه، وإذا رمى البادئ بسهم رمى الثاني بسهم كذلك حتى يقضيا رمييهما لأن إطلاق المناضلة يقتضي المراسلة ولأنه أقرب إلى التساوي وانجز للرامي، لأن أحدهما يصلح فرسه ويعدل سهمه حتى يرمي الآخر، وإن رميا سهمين سهمين فحسن وإن شرطا أن يرمي أحدهما رشقه ثم يرمي الآخر أو يرمي أحدهما عدداً ثم يرمي الآخر مثله جاز لأنه لا يؤثر في مقصود المناضلة وإن خالف مقتضى الإطلاق كما يجوز أن يشترط في البيع ما لا يقتضيه الإطلاق من النقود والخيار والأجل لما كان غير مانع من المقصود. * (مسألة) * (والسنة يكون لهما غرضان يرميان أحدهما ثم يمضيان إليه فيأخذان السهام يرميان الآخر) لأن هذا كان فعل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " ما بين الغرضين روضة من رياض الجنة " وقال إبراهيم التيمي رأيت حذيفة يشتد بين الهدفين يقول أنابها أنابها في قميص وعن ابن عمر مثل ذلك، والهدف ما ينصب الغرض عليه أما تراب مجموع أو حائط ويروى أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يشتدون بين الأغراض يضحك بعضهم إلى بعض فإذا جاء الليل كانوا رهباناً فإن جعلوا غرضاً واحداً جاز لأن المقصود يحصل به وهو عادة أهل عصرنا (فصل) وإذا تشاحا في الوقوف فإن كان الموضع الذي طلبه أحدهما أولى مثل أن يكون في أحد الموقفين يستقبل الشمس أو ريحاً يؤذيه استقبالها ونحو ذلك والآخر يستدبرها قدم قول من طلب استدبارها لأنه العرف إلا أن يكون في شرطهما استقبال ذلك فالشرط أولى كما لو اتفقا على الرمي ليلاً فإن كان الموقفان سواء كان ذلك إلى الذي يبدأ فيتبعه الآخر فإذا كان في الوجه الثاني وقف الثاني حيث شاء ويتبعه الأول

مسألة والسنة أن يكون لهما غرضان يرميان أحدهما ثم يمضيان إليه فيأخذان السهام يرميان الآخر

(فصل) فإن أراد أحدهما التطويل والتشاغل عن الرمي بما لا حاجة إليه من مسح القوس والوتر ونحو ذلك إرادة التطويل على صاحبه لعله ينسى القصد الذي أصاب به أو يفتر منع من ذلك وطولب بالرمي ولا يزعج بالاستعجال بالكلية بحيث يمنع من تحري الإصابة، ويمنع كل واحد منهما من الكلام الذي يغيظ به صاحبه مثل أن يرتجز ويفتخر ويتبجح بالإصابة ويعنف صاحبه على الخطأ أو يظهر له أنه يعلمه وهكذا الحاضر معهما مثل الأمين والشاهدين يكره لهم مدح المصيب وتعنيف المخطئ وزجره لأن فيه كسر قلب أحدهما وغيظه * (مسألة) * (وإذا أطارت الريح الغرض فوقع السهم موضعه فإن كان شرطهما خواصل احتسب له به) لعلمنا أنه لو كان الغرض في موضعه أصابه) * (مسألة) * (وإن كان شرطهما خواسق لم يحتسب له به ولا عليه) وهذا قول أبي الخطاب لأنا لا ندري هل يثبت في الغرض إن كان موجوداً اولا؟ وقال القاضي ينظر فإن كانت صلابة الهدف كصلابة الغرض فثبت في الهدف احتسب له به لأنه لو بقي مكانه لثبت فيه كثبوته في الهدف وإن لم يثبت فيه مع التساوي لم يحتسب وإن كان الهدف أصلب فلم يثبت فيه أو كان رخواً لم يحتسب السهم له ولا عليه لأننا لا نعلم هل كان يثبت في الغرض لو بقي مكانه اولا وهذا مذهب الشافعي فإن وقع السهم في غير موضع الغرض احتسب به على راميه لأنه أخطأ ولو وقع في الغرض في الموضع الذي طار إليه حسب عليه أيضاً إلا أن يكونا اتفقا على رميه في الموضع الذي طار إليه وكذلك الحكم إذا ألقت الريح الغرض وجهه (فصل) إذا كان شرطهما خواصل فأصاب بنصل السهم حسب له كيفما كان فإن أصاب بعرضه أو بفوقه نحو أن ينقلب السهم بين يدي الغرض فيصيب فوقه الغرص لم يعتد به لأن هذا من سيئ الخطأ فإن انقطع السهم قطعتين فاصابت القطعة الأخرى لم يعتد به وإن كان الغرض جلداً خيط عليه

مسألة وإذا أطارت الريح الغرض فوقع السهم موضعه فإن كان شرطهما خواصل احتسب له به

شنبر كشنبر المنخل وجعلا له عرى وخيوطاً تعلق به في العرى فاصاب الشنبر أو العرى نظرت في شرطهما فإن شرطا اصابة الغرض اعتدله لأن ذلك من الغرض فأما المعاليق وهي الخيوط فلا يعتد له بإصابتها على كلا الشرطين لأنها ليست من الجلدة ولا من الغرض فهي كالهدف (فصل) فإن كان شرطهما خواسق وهو ما نقب الغرض وثبت فيه فمتى أصاب الغرض بنصله وثبت فيه احتسب به وإن خدشه ولم ينقبه لم يحتسب له وحسب عليه وإن مرق منه احتسب له به لأن ذلك لقوة رميه فهو أبلغ من الخاسق وإن خرقه ووقع بين يديه احتسب له به في أحد الوجهين لأنه نقب نقباً يصلح للخسق وإنما لم يثبت السهم لسبب آخر من سعة النقب أو غيره (والثاني) لا يحتسب له وهو أولى لأن الخاسق ما ثبت وهذا لم يثبت وثبوته يكون لحذق الرامي وقصده برميه ما اتفقا عليه إلا أن يكون امتناع السهم من الثبوت لوجود ما يمنع الثبوت من حصاة أو حجر أو عظم أو أرض غليظة ففيه الوجهان أيضاً إلا أنه إذا لم يحتسب له لم يحتسب عليه لكون العارض منعه من الثبوت أشبه ما لو منعه عارض من الإصابة، فإن اختلفا في وجود العارض فإن عرف موضع النقب باتفاقهما أو ببينة نظر في الموضع فإن لم يكن فيه ما يمنع فالقول قول المنكر وإن كان فيه ما يمنع فالقول قول المدعى بغير يمين لأن الحال تشهد بصدق ما ادعاه وإن لم يعلما موضع النقب إلا أنهما اتفقا على أنه خرق الغرض ولم يكن وراءه شئ يمنع فالقول قول المنكر بغير يمين أيضاً لأنه لا مانع وإن كان وراءه ما يمنع وادعى المصاب عليه أنه لم يكن السهم في موضع وراءه ما يمنع فالقول قوله مع يمينه لأن الأصل عدم الإصابة مع احتمال ما يقوله المصيب وإن أنكر أن يكون خرق فالقول قوله أيضاً مع يمينه لما ذكرنا (فصل) إذا شرطا خاسقاً فوقع السهم في نقب في الغرض أو موضع بال فنقبه وثبت في الهدف

معلقا في الغرض فإن كان الهدف صلباً كصلابة الغرض حسب له لأنه علم أنه لو كان الغرض صحيحاً لثبت فيه وإن كان الهدف ترابا أهيل لم يحسب له ولا عليه لأنا لا نعلم هل كان يثبت في الغرض لو أصاب موضعاً منه قوياً أولا؟ وإن صادف السهم في نقب الغرض قد ثبت في الهدف مع قطعة من الغرض فقال الرامي خسقت وهذه الجلدة قطعها سهمي لشدة الرمية فأنكر الآخر وقال بل كانت مقطوعة فإن علم أن الغرض كا ن صحيحاً فالقول قول الرامي وإن اختلفا فذكر القاضي أنها كالتي قبلها إن كان الهدف رخواً وإن كان قوياً صلباً اعتد به، وإن وقع سهمه في سهم ثابت في الغرض اعتدله به إن كان شرطهما خواصل وإن كان خواسق لم يحسب له ولا عليه لأنا لا نعلم يقيناً أنه لولا فوق السهم الثابت لخسق وإن أصاب السهم ثم سبح عنه فخسق احتسب له به * (مسألة) * (وإن عرض عارض من كسر قوس أو قطع وتر أو ريح شديدة لم يحسب عليه بالسهم) إذا أخطأ لعارض مما ذكرنا أو حيوان اعترض بين يديه أو ريح شديدة ترد السهم عرضا يحسب عليه بذلك السهم لأن خطأه للعارض لا لسوء رميه قال القاضي ولو أصاب لم يحسب لأنه إذا لم يحسب عليه لم يحسب له لأن الريح الشديدة كما يجوز أن تصرف الرمي الشديد فيخطئ يجوز أن تصرف السهم المخطئ عن خطئه فيقع مصيباً فتكون إصابته بالريح لا بحذق رميه، فأما إن وقع السهم في حائل بينه وبين الغرض فمرقه وأصاب الغرض حسب له لأن اصابته لسداد رميه ومروقه لقوته فهو أولى من غيره وإن كانت الريح لينة لا ترد السهم عادة لم يمنع لأن الجو لا يخلو من ريح ولأن الريح اللينة لا تؤثر إلا في الرمي الرخو الذي لا ينتفع به (فصل) إذا قال رجل لآخر ارم هذا السهم فإن أصبت به فلك درهم صح وكان جعالة لأنه بذل مالاً في فعل له فيه غرض صحيح ولم يكن نضالا لأن النضال يكون بين اثنين أو جماعة على أن يرموا جميعا ويكون الجعل لبعضهم إذا كان سابقاً، وإن قال إن أصبت به فلك درهم وإن أخطأت فعليك درهم لم يصح لأنه قمار وإن قال ارم عشرة أسهم فإن كان صوابك أكثر من خطئك فلك درهم صح لأنه جعل الجعل في مقابلة اصابة معلومة فإن أكثر العشرة أقله ستة وليس ذلك مجهولاً لأنه بالأقل يستحق

مسألة وإن عرض عارض من كسر قوس أو قطع وتر أو ريح شديدة لم يحسب عليه بالسهم

الجعل، وإن قال إن كان صوابك أكثر فلك بكل سهم أصبت به درهم صح وكذلك إن قال ارم عشرة ولك بكل سهم أصبت به منها درهم. أو قال فلك بكل سهم زائد على النصف من المصيبات درهم لأن الجعل معلوم بتقديره بالإصابة فأشبه ما لو قال استق لي من هذا البئر ولك بكل دلو تمرة أو قال من رد عبداً من عبيدي فله بكل عبد درهم، وإن قال إن كان خطؤك أكثر فعليك درهم أو نحو هذا لم يجز لأنه قمار وإن قال ارم عشرة فإن أخطأتها فعليك درهم أو نحو هذا لم يجز لأن الجعل يكون في مقابلة عمل ولم يوجد من القابل عمل فيستحق به شيئاً ولذلك لو قال الرامي لأجنبي أن أخطأت فلك درهم لم يجز لذلك (فصل) وإن شرط أن يرميا أرشاقاً كثيرة جاز لأنه إذا جاز على القليل جاز على الكثير ولابد أن تكون معلومة فإن شرطا أن يرميا منها كل يوم قدرا اتفقا عليه جاز لأن الغرض في ذلك صحيح فإنهما أو أحدهما قد يضعف عن الرمي كله مع حذقه، وإن أطلقا العقد جاز وحمل على التعجيل والحلول كسائر العقود فيرميان من أول النهار إلى آخره إلا أن يعرض عذر يمنع من مرض أو عذر كريح يشوش السهام أو لحاجة إلى طعام أو شراب أو صلاة أو قضاء حاجة لأن هذه مستثناة بالعرف وإذا جاء الليل تركاه لأن العادة ترك الرمي بالليل فحمل العقد عليه مع الإطلاق إلا أن يشترطاه ليلا فيلزم فإن كانت الليلة مقمرة منيرة اكتفي بذلك وإلا رميا بضوء شمعة أو مشعل * (مسألة) * (وإن عرض مطر أو ظلمة جاز تأخير الرمي) لأن المطر يرخي الوتر ويفسد الريش وإن عرض ظلمة كمجئ الليل تركا الرمي إلى الغد لأن العادة الرمي نهاراً إلا أن يشترطا الرمي ليلاً فيأخذ أحدهما صاحبه بذلك وقد ذكرناه في الفضل قبله ويكره للأمين والشهود مدح أحدهما وزهرهته إذا أصاب وعيبه إذا أخطأ لما فيه من كسر قلب صاحبه وقد ذكرناه

مسألة وإن عرض مطر أو ظلمة جاز تأخير الرمي

كتاب الأيمان والأصل في مشروعيتها وثبوت حكمها الكتاب والسنة والإجماع. أما الكتاب فقول الله سبحانه (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان) الآية. وقال تعالى (ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها) وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم بالحلف في ثلاثة مواضع فقال (ويستنبئونك أحق هو؟ قل إي وربي إنه لحق) وقال سبحانه (قل بلى وربي لتأتينكم) وقال (قل بلى وربي لتبعثن) وأما السنة فقول النبي صلى الله عليه وسلم " إني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا أتيت الذي هو خير وتحللتها " متفق عليه. وكان أكثر قسم النبي صلى الله عليه وسلم " ومصرف القلوب - ومقلب القلوب " ثبت هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في آي وأخبار سوى هذين كثير، وأجمعت الأمة على مشروعيه اليمين وثبوت أحكامها ووضعها في الأصل لتوكيد المحلوف عليه (فصل) وتصح من كل مكلف مختار قاصد إلى اليمين ولا تصح من غير مكلف كالصبي والمجنون والنائم كالإقرار وفي السكران وجهان بناء على أن هذا مكلف أو غير مكلف، ولا تنعقد يمين مكره وبه قال مالك والشافعي وقال أبو حنيفة تنعقد لأنها يمين مكلف فانعقدت كيمين المختار ولنا ما روى أبو أمامة وواثلة بن الأسقع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ليس على مقهور يمين " ولأنه قول حمل عليه بغير حق فلم يصح ككلمة الكفر (فصل) وتصح من الكافر وتلزمه الكفارة بالحنث سواء حنث في كفره أو بعد إسلامه،

كتاب الأيمان

وبه قال الشافعي وابو ثور وابن المنذر إذا حنث بعد إسلامه وقال الثوري وأصحاب الرأي لا تنعقد يمينه لأنه ليس بمكلف ولنا أن عمر نذر في الجاهلية أن يعتكف في المسجد الحرام فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالوفاء بنذره ولأنه من أهل القسم بدليل قوله تعالى (فيقسمان بالله) ولا نسلم أنه غير مكلف وإنما تسقط عنه العبادات بإسلامه لأن الاسلام يجب ما قبله. فأما ما التزمه بنذره أو يمينه فينبغي أن يبقى حكمه في حقه لأنه من جهته. (فصل) والأيمان تنقسم خمسة أقسام (أحدها) واجب وهي التي ينجي بها إنساناً معصوماً من هلكة كما روي عن سويد بن حنظلة قال خرجنا نريد النبي صلى الله عليه وسلم ومعنا وائل بن حجر فأخذه عدوله فتحرج القوم أن يحلفوا وحلفت أنا أنه أخي فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم " صدقت المسلم أخو المسلم " رواه أبو داود فهذا وأشباهه واجب لأن انجاء المعصوم واجب وقد تعين في اليمين فيجب وكذلك انجاء نفسه مثل أن تتوجه أيمان القسامة في دعوى القتل عليه وهو برئ (الثاني) مندوب وهو الحلف الذي تتعلق به مصلحة من إصلاح بين متخاصمين أو إزالة حقد من قلب مسلم عن الحالف أو غيره أو في دفع شر فهذا مندوب لأن فعل هذه الأمور مندوب إليه واليمين مفضية إليه، وإن حلف على فعل طاعة أو ترك معصية ففيه وجهان (أحدهما) أنه مندوب إليه وهو قول بعض أصحابنا وأصحاب الشافعي لأن ذلك يدعوه إلى فعل الطاعات وترك المعاصي

(والثاني) ليس بمندوب إليه لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يكونوا يفعلون ذلك في الأكثر الأغلب ولا حث النبي صلى الله عليه وسلم أحداً عليه ولا ندبهم إليه ولو كان ذلك طاعة لم يخلوا به ولأن ذلك يجري مجرى النذر وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النذر وقال " إنه لا يأتي بخير وإنما يستخرج به من البخيل " متفق عليه. (الثالث المباح الحلف على فعل مباح أو تركه والحلف على الخبر بشئ هو صادق فيه أو يظن أنه فيه صادق فإن الله تعالى قال (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم) ومن صور اللغو أن يحلف على شئ يظنه كما حلف ويتبين بخلافه (الرابع) المكروه وهو الحلف على مكروه أو ترك مندوب قال الله تعالى (ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس) وروي أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه حلف لا ينفق على مسطح بعد الذي قال لعائشة ما قال وكان من اهل الإفك فانزل الله تعالى (ولا يأتل أولو الفضل منكم) الآية، قيل المراد بقوله (ولا يأتل) أي لا يمتنع ولأن اليمين على ذلك مانعة من فعل الطاعة أو حاملة على فعل المكروه فتكون مكروهة، فإن قيل لو كانت مكروهة لانكر النبي صلى الله عليه وسلم على الإعرابي الذي سأله عن الصلوات فقال هل علي غيرها؟ فقال " لا إلا أن تتطوع " فقال والذي بعثك بالحق لا أزيد عليها ولا أنقص منها ولم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم بل قال " أفلح الرجل إن صدق " قلنا لا يلزم هذا فإن اليمين على تركها لا تزيد على تركها ولو تركها لم ينكر عليه ويكفي في ذلك بيان إن ما تركه تطوع وقد بينه له النبي صلى الله عليه وسلم بقوله " إلا أن تتطوع " ولأن هذه اليمين إن تضمنت ترك المندوب فقد تناولت فعل الواجب والمحافظة عليه كله بحيث لا ينقص منه

منه شيئاً وهذا في الفضل يزيد على ما قابله من ترك التطوع فيترجح جانب الاتيان بها على تركها فيكون من قبل المندوب فكيف ينكر؟ ولأن في الإقرار على هذه اليمين بيان حكم يحتاج إليه وهو بيان أن ترك التطوع غير مؤاخذ به ولو أنكر على الحالف هذا لحصل ضد هذا وتوهم كثير من الناس لحوق الإثم بتركه فيفوت الغرض، ومن قسم المكروه الحلف في البيع فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال " الحلف منفق للسلعة ممحق للبركة " رواه ابن ماجه (القسم الخامس) المحرم وهو الحلف الكاذب فإن الله تعالى ذمه بقوله سبحانه (ويحلفون على الكذب وهم يعلمون) ولأن الكذب حرام فإذا كان محلوفاً عليه كان أشد في التحريم وإن أبطل به حقاً واقتطع به مال معصوم كان أشد فإنه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من حلف على يمين فاجرة يقتطع بها مال مسلم لقي الله وهو عليه غضبان " متفق على معناه وأنزل الله تعالى في ذلك (إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم) ومن هذا القسم الحلف على معصية أو ترك واجب فإن المحلوف عليه حرام فكان الحلف حراما لأنه وسيلة إليه والوسيلة تأخذ حكم المتوسل إليه (فصل) ومتى كانت اليمين على فعل واجب أو ترك محرم كان حلها محرماً لأن حلها بفعل المحرم وهو محرم وإن كانت على مندوب أو ترك مكروه فحلها مكروه وإن كانت على مباح فحلها مباح، فإن قيل فكيف يكون حلها مباحاً وقد قال الله سبحانه وتعالى (ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها - إلى قوله - تتخذون أيمانكم دخلا بينكم أن تكون أمة هي أربى من أمة) والعهد يجب الوفاء به بغير تمين فمع اليمين أولى فإن الله تعالى قال (وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم) وقال (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) ولهذا نهى عن نقض اليمين والنهي يقتضي التحريم وذمهم عليه وضرب لهم مثل التي

نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا، ولا خلاف في أن المحل المختلف فيه لا يدخله شئ من هذا؟ وإن كانت على فعل مكروه أو ترك مندوب فحلها مندوب إليه فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال " اذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فائت الذي هو خير وكفر عن يمينك " وقال عليه السلام " إني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا أتيت الذي هو خير وتحللتها وإن كانت اليمين على فعل محرم أو ترك واجب فحلها واجب لأن حلها بفعل الواجب وفعله واجب * (مسألة) * (واليمين التي تجب بها الكفارة هي اليمين بالله تعالى أو صفة من صفاته) أجمع أهل العلم على أن من حلف بالله تعالى فقال والله أو بالله أو تالله فحنث أن عليه الكفارة، قال إبن المنذر وكان مالك وابو عبيد والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي يقولون من حلف باسم من أسماء الله تعالى فحنث فعليه الكفارة ولا نعلم في هذا خلافا إذا كان من أسماء الله الذي لا يسمى بها سواه * (مسألة) * (وأسماء الله تعالى قسمان) (أحدهما) مالا يسمى به غيره ونحو والله والقديم الأزلي والأول الذي ليس قبله شئ والآخر الذي ليس بعده شئ وخالق الخلق ورزاق العالمين، فهذا القسم به يمين بكل حال وكذلك قوله ورب العالمين، ورب السموات، والحي الذي لا يموت (الثاني) ما يسمى به غيره وإطلاقه ينصرف إلى الله تعالى كالعظيم والرحيم والرب والمولى والرازق ونحوه. فأما الرحمن فذكره شيخنا من هذا القسم في الكتاب المشروح وذكره في كتاب المغني من القسم الأول وهو أولى لأن ذلك إنما كان يسمى به غير الله تعالى مضافا كقولهم في مسيلمة رحمان اليمامة أما إذا أطلق فلا ينصرف إلا إلى الله تعالى، فهذا القسم الذي يسمى به غير الله مجازاً بدليل قوله تعالى (ارجع إلى ربك - واذكرني عند ربك فأنساه الشيطان ذكر ربه) وقال (فارزقوهم منه) وقال (بالمؤمنين رئوف رحيم)

مسألة واليمين التي تجب بها الكفارة هي اليمين بالله تعالى أو صفة من صفاته

* (مسألة) * (فهذا إن نوى بالقسم به اسم الله تعالى أو اطاق كان يمينا لأنه باطلاقه ينصرف إليه بالنية) وهذا مذهب الشافعي، وقال طلحة العاقولي إذا قال والرب والخالق والرازق كان يميناً على كل حال كالأول لا يستعمل مع التعريف باللام إلا في اسم الله تعالى فأشبهت القسم الأول * (مسألة) * (وأما مالا يعد من اسمائه كالشئ والموجود والحي والعالم والمؤمن والكريم والشاكر فإن لم ينو به الله تعالى أو نوى غيره لم يكن يميناً وإن نواه كان يمينا) فيختلف هذا القسم والذي قبله في حالة الإطلاق ففي الأول يكون يميناً وفي الثاني لا يكون يميناً، وقال القاضي والشافعي في هذا القسم لا يكون يميناً أيضاً وإن قصد به اسم الله تعالى لأن اليمين إنما تنعقد لحرمة الإسم فمع الاشتراك لا يكون له حرمة والنية المجردة لا تنعقد بها اليمين ولنا أنه أقسم بالله قاصداً به الحلف فكان يميناً مكفرة كالقسم الذي قبله، وقولهم أن النية المجردة لا تنعقد بها اليمين نقول به وما انعقد بالنية المجردة وإنما انعقد بالإسم المحتمل المراد به اسم الله تعالى فإن النية تصرف اللفظ المحتمل إلى أحد محتملاته فيصير كالمصرح به كالكنايات ولهذا لو نوى بالقسم الذي قبله غير الله لم يكن يميناً لنيته * (مسألة) * (وإن قال وحق الله وعهد الله وايم الله وأمانة الله وميثاقه وقدرته وعظمته وكبريائه وجلاله وعزته ونحو ذلك فهو يمين) وإن قال والعهد والميثاق وسائر ذلك ولم يضفه إلى الله تعالى لم يكن يميناً إلا أن ينوي صفة الله تعالى وعنه يكون يميناً، وإن قال وحق الله فهي يمين مكفرة وبه قال مالك والشافعي وقال أبو حنيفة لا كفارة لها لأن حق الله طاعته ومفروضاته وليست صفة له ولنا أن لله حقوقا يستحقها لنفسه من البقاء والعظمة والجلال والعزة وقد اقترن عرف الاستعمال

مسألة فهذا إن نوى بالقسم به اسم الله تعالى أو اطلق كان يمينا لأنه باطلاقه ينصرف إليه بالنية

بالحلف بهذه الصفة فينصرف إلى صفة الله تعالى كقوله وقدر الله، وإن نوى بذك القسم بمخلوق فالقول فيه كالقول في الحلف بالعلم والقدرة إلا ان احتمال المخلوق بهذا اللفظ أظهر، وإن قال وعهد الله وكفالته فذلك يمين يجب تكفيرها إذا حنث فيها وبهذا قال الحسن وطاوس والشعبي والحارث العكلي وقتادة الحكم والاوزاعي ومالك، وقال عطاء وابن المنذر وأبو عبيد لا يكون يمينا إلا أن ينوي وقال الشافعي لا يكون يميناً إلا أن ينوي اليمين بعهد الله الذي هو صفته، وقال أبو حنيفة ليس بيمين ولعلهم ذهبوا إلى أن العهد من صفات الفعل فلا يكون الحلف به يميناً كما لو قال وحق الله، وقد وافقنا أبو حنيفة في أنه إذا قال علي عهد الله وميثاقه ثم حنث أنه تلزمه الكفارة ولنا أن عهد الله يحتمل كلامه الذي أمرنا به ونهانا عنه لقوله (ألم أعهد إليكم يا بني آدم؟) وكلامه قديم صفة له، ويحتمل أنه استحقاقه لما تعبدنا به وقد ثبت له عرف الاستعمال فيجب أن يكون يميناً باطلاقه كما لو قال وكلام الله. إذا ثبت هذا فإنه إذا قال علي عهد الله وميثاقه لأفعلن أو قال وعهد الله ميثاقه لاأفعلن فهو يمين * (مسألة) * (وإن قال وايم الله أو وايم الله فهي يمين موجبة للكفارة) وهو كالحلف بعمر الله على ما نذكره، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقسم به وانضم إليه عرف الاستعمال فوجب أن ينصرف إليه، واختلف في اشتقاقه فقيل هو جمع يمين وحذفت النون فيه في البعض تخفيفاً لكثرة الاستعمال وقيل هو من اليمن فكأنه قال ويمن الله لأفعلن وألفه ألف وصل * (مسألة) * (وإن قال وأمانة الله فقال القاضي لا يختلف المذهب في أن الحلف بأمانة الله يمين مكفرة وبه قال أبو حنيفة وقال الشافعي لا تنعقد اليمين بها إلا أن ينوي الحلف بصفة الله) لأن الأمانة تطلق على الفرائض والودائع والحقوق قال الله تعالى (إنا عرضنا الأمانة على

مسألة وإن قال وحق الله وعهد الله وايم وأمانة الله وميثاقه وقدرته وعظمته وكبريائه وجلاله وعزته ونحو ذلك

السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان) وقال تعالى (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) يعني الودائع والحقوق، وقال النبي صلى الله عليه وسلم " أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك " وإذا كان اللفظ محتملاً لم يصرف إلى أحد محتملاته إلا ببينة أو دليل صارف إليه ولنا أن أمانة الله صفة من صفاته بدليل وجوب الكفارة على من حلف بها إذا نوى حملها على ذلك عند الإطلاق لوجوه (أحدها) أن حملها على غير ذلك صرف ليمين المسلم إلى المعصية أو المكروه لكونه قسما بمخلوق والظاهر من حال المسلم خلافه (الثاني) إن القسم في العادة يكون بالمعظم المحترم دون غيره وصفة الله أعظم حرمة وقدرا (الثالث) إن ما ذكروه من الفرائض والودائع لم يعهد القسم بها ولا يستحسن ذلك لو صرح به فلذلك لا يقسم بما هو عبارة عنه (الرابع) أن أمانة الله المضافة إليه هي صفته وغيرها يذكر غير مضاف إليه كما ذكر في الآيات والخبر (الخامس) إن اللفظ عام في كل أمانة الله لأن اسم الجنس إذا أضيف إلى معرفة أفاد الاستغراق فتدخل فيه أمانة الله التي هي صفته فتنعقد اليمين بها موجبة للكفارة كما لو نواها (فصل) والقسم بصفات الله تعالى كالقسم بأسمائه، وصفاته ينقسم ثلاثة أقسام (أحدها) ما هو صفات لذات الله تعالى لا يحتمل غيرها كعزة الله وعظمته وجلاله وكبريائه وكلامه فهذه تنعقد بها اليمين في قولهم جميعاً وبه يقول الشافعي وأصحاب الرأي لأن هذه من صفات ذاته ولم يزل موصوفاً بها، وقد ورد الأثر بالقسم ببعضها فروي " أن النار تقول قط قط وعزتك " رواه

مسألة وإن قال وايم والله أو وايمن الله فهي يمين موجبة للكفارة

البخاري والذي يخرج من النار يقول " وعزتك لا أسألك غيرها " وفي كتاب الله تعالى قال (فبعزتك لأغوينهم أجمعين) (الثاني) ما هو صفة للذات إلا أنه يعبر به عن غيرها مجازاً كعلم الله وقدرته فهذه صفة للذات لم يزل موصوفاً بها، وقد تستعمل في المعلوم والمقدور أقساماً كقولهم اللهم اغفر لنا علمك فينا ويقال اللهم قد أريتنا قدرتك فأرنا عفوك ويقال انظروا إلى قدرة الله أي مقدوره فمتى أقسم بهذا كان يميناً وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة اذا قال وعلم الله لا يكون يميناً لأنه يحتمل المعلوم ولنا أن العلم من صفات الله تعالى فكانت اليمين به يميناً موجبة للكفارة كالعظمة والعزة والقدرة وينتقض ما ذكروه بالقدرة فانه قد سلموها وهي قرينتها، فأما إن نوى القسم بالمعلوم والمقدور احتمل أن لا يكون يميناً وهو قول أصحاب الشافعي لأنه نوى بالإسم غير صفة الله تعالى مع احتمال اللفظ ما نواه فأشبه ما لو نوى القسم بمخلوق في الأسماء التي يسمى بها غير الله تعالى، وقد روي عن أحمد أن ذلك يكون يميناً بكل حال ولا يقبل منه نية غير صفة الله كالعظمة وقد ذكر طلحة العاقولي إن أسماء الله تعالى المعرفة بلام التعريف كالخالق والرازق أنها تكون يميناً بكل حال لأنها لا تنصرف إلا إلى اسم الله تعالى كذا هذا (الثالث) ما لا ينصرف بإطلاقه إلى صفة الله تعالى لكن ينصرف بإضافته إلى الله سبحانه لفظاً

أو نية كالعهد والميثاق والأمانة فهذا لا يكون يميناً مكفرة إلا بإضافته أو نيته وسنذكره إن شاء الله * (مسألة) * (وإن قال والعهد والميثاق وسائر ذلك ولم يضفه إلى الله تعالى لم يكن يميناً إلا أن ينوي صفة الله تعالى وعنه يكون يميناً) إذا قال والعهد والميثاق والأمانة والعظمة والكبرياء والقدرة والجلال ونوى عهد الله كان يميناً وكذلك في سائرها لأنه نوى الحلف بصفة من صفات الله، وإن أطلق فقال القاضي فيه روايتان [إحداهما] يكون يميناً لأن لام التعريف إن كانت للعهد يجب أن تصرف إلى عهد الله تعالى لأنه الذي عهدت اليمين به وإن كانت للاستغراق دخل فيه ذلك [والثانية] لا تكون يميناً لأنه يحتمل غير ما وجبت به الكفارة ولم يصرفه إلى ذلك بنيته فلا تجب الكفارة لأن الأصل عدمها (فصل) ويكره الحلف بالأمانة لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من حلف بالأمانة فليس منا " رواه أبو داود، وروي زياد بن خدير أن رجلاً حلف عنده بالأمانة فجعل يبكي بكاء شديداً فقال له الرجل هل كان هذا يكره؟ قال نعم كان عمر ينهى عن الحلف بالأمانة أشد النهي * (مسألة) * (وإن قال لعمر الله كان يميناً وقال أبو بكر لا يكون يميناً إلا أن ينوي) . ظاهر المذهب أن ذلك يمين موجبة للكفارة وإن لم ينو وبه قال أبو حنيفة وقال أبو بكر ان قصد اليمين فهو يمين وإلا فلا وهو قول الشافعي لأنها إنما تكون يميناً بتقدير خبر محذوف فكأنه قال لعمر الله ما أقسم به فيكون مجازا والمجاز لا ينصرف إليه الإطلاق. ولنا أنه أقسم بصفة من صفات الله فكانت يميناً موجبة للكفارة كالحلف ببقاء الله وحياته

مسألة وإن قال والعهد والميثاق وسائر ذلك ولم يضفه إلى الله تعالى لم يكن يمينا إلا أن ينوي صفة الله تعالى

ويقال العمر والعمر واحد وقيل معناه وحق الله وقد ثبت له عرف الشرع والاستعمال قال الله تعالى (لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون) . وقال النابغة: فلا لعمر الذي قد زرته حججاً * وما أريق على الأنصاب من جسد وقال آخر: إذا رضيت كرام بني قشير * لعمر الله أعجبني رضاها وهذا في الشعر والكلام كثير، وأما احتياجه إلى التقدير فلا يضر فإن اللفظ إذا اشتهر في العرف صار من الأسماء العرفية ويجب حمله فيه عند الإطلاق دون موضوعة الأصلي على ما عرف من سائر الأسماء العرفية ومتى احتاج اللفظ إلى التقدير وجب التقدير له ولم يجز اطراحه ولهذا يفهم مراد المتكلم به ومن غير إطلاع على نية قائله وقصده كما يفهم أن مراد المتكلم من المتقدمين القسم ويفهم من القسم بغير حرف القسم في اشعارهم في مثل قولهم. فقلت يمين الله أبرح قاعداً ويفهم من القسم الذي حذف في جوابه حرف لأنه مقدر مراد لهذا لبيت ويفهم من قول الله تعالى (واسئل القرية - وأشربوا في قلوبهم العجل) التقدير فكذا ههنا وإن قال عمرك الله كما في قوله. أيها المنكح الثريا سهيلا * عمرك الله كيف يلتقيان؟ فقد قيل هو مثل قوله نشدتك الله ولهذا ينصب اسم الله فيه وإن قال لعمري أو لعمرك أو عمرك فليس بيمين في قول أكثرهم، وقال الحسن في قوله لعمري عليه الكفارة. ولنا أنه أقسم بحياة مخلوق فلم تلزمه كفارة كما لو قال وحياتي وذلك لأن هذا اللفظ يكون قسماً بحياة الذي أضيف إليه العمر فإن التقدير لعمرك قسمي أو ما أقسم به والعمر الحياة والبقاء.

مسألة وإن قال لعمر الله كان يمينا وقال أبو بكر لا يكون يمينا إلا أن ينوي

* (مسألة) * (وإن حلف بكلام الله أو بالمصحف أو بالقرآن فهي يمين فيها كفارة واحدة وعنه عليه بكل آية كفارة. ) وجملة ذلك أن الحلف بكلام الله أو بالقرآن أو بآية منه يمين منعقدة تجب الكفارة بالحنث فيها، وبه قال ابن مسعود والحسن وقتادة ومالك والشافعي وأبو عبيد وعامة أهل العلم، وقال أبو حنيفة واصحابه ليس بيمين ولا تجب به كفارة فمنهم من زعم أنه مخلوق ومنهم من قال لا تعهد اليمين به. ولنا أن القرآن كلام الله تعالى وصفة من صفات ذاته فتنعقد اليمين به كما لو قال وجلال الله وعظمته وقولهم هو مخلوق قلنا هذا كلام المعتزلة وإنما الخلاف مع الفقهاء وقد روي عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " القرآن كلام الله غير مخلوق " وقال ابن عباس في قوله تعالى (قرآنا عربيا غير ذي عوج) أي غير مخلوق وأما قولهم لا تعهد اليمين به فيلزمهم قولهم: وكبرياء الله وعظمته وجلاله إذا ثبت هذا فإن الحلف بآية منه كالحلف بجميعه لأنها من كلام الله تعالى وكذلك الحلف بالمصحف تنعقد به اليمين وكان قتادة يحلف بالمصحف ولم يكره ذلك امامنا واسحاق، لأن الحلف بالمصحف إنما قصد الحلف بالمكتوب فيه وهو القرآن فإنه بين دفتي المصحف بإجماع المسلمين. (فصل) فإن حلف بالقرآن أو بحق القرآن أو بكلام الله لزمته كفارة واحدة، ونص أحمد على أنه تلزمه بكل آية كفارة وهو الذي ذكره الخرقي وهو قول ابن مسعود والحسن، وقياس المذهب أنه تلزمه كفارة واحدة وهو قياس مذهب الشافعي وأبي عبيد، لأن الحلف بصفات الله تعالى وتكرر اليمين بالله سبحانه لا يوجب أكثر من كفارة فالحلف بصفة من صفات الله أولى أن تجزئه كفارة واحدة. ووجه الأول ما روى مجاهد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من حلف بسورة من

القرآن فعليه بكل آية كفارة يمين صبر فمن شاء بر ومن شاء فجر " رواه الأثرم، ولأن ابن مسعود قال ذلك ولم نعرف له مخالفاً في الصحابة قال أحمد وما أعلم شيئاً يدفعه، قال شيخنا ويحتمل كلام أحمد أن في كل آية كفارة على الاستحباب لمن قدر عليه فإنه قال عليه بكل آية كفارة لمن قدر عليها فان لم يمكنه فكفارة واحدة ورده إلى واحدة عند العجز دليل على أن ما زاد عليه غير واجب وكلام ابن مسعود أيضاً يحمل على الاختيار لكلام الله والمبالغة في تعظيمه كما روي عن عائشة أنها اعتقت أربعين رقبة حين حلفت بالعهد وليس ذلك بواجب، فعلى هذا تجزئه كفارة واحدة لقول الله تعالى (ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان) فكفارته إطعام عشرة مساكين وهذه يمين فتدخل في عموم الأيمان المنعقدة وإنها يمين واحدة فلم توجب كفارات كسائر الأيمان، ولأن إيجاب كفارات بعدد الآيات يفضي إلى المنع من البر والتقوى والإصلاح بين الناس، لأن من علم أنه بحنثه تلزمه هذه الكفارات كلها يترك المحلوف عليه كائناً ما كان وقد يكون براً وتقوى وإصلاحاً فتمنعه يمينه وقد نهى الله تعالى عنه بقوله (ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس) وإن قلنا بوجوب كفارات بعدد الآيات فلم يطق ذلك أجزأته كفارة واحدة نص عليه أحمد. * (مسألة) * (وإن قال أحلف بالله أو أشهد بالله أو أقسم بالله أو أعزم بالله كان يمينا، وإن لم يذكر اسم الله لم يكن يميناً إلا أن ينوي وعنه يكون يميناً) . هذا قول عامة الفقهاء لا نعلم فيه خلافاً وسواء نوى اليمين أو أطلق لأنه لو قال بالله ولم يقل أقسم ولا أشهد ولم يذكر الفعل كان يميناً وإنما كان يميناً بتقدير الفعل قبله، لأن

مسألة وإن حلف بكلام الله أو بالمصحف أو بالقرآن فهي يمين فيها كفارة واحدة وعنه عليه بكل آية كفارة

الباء تتعلق بفعل مقدر على ما ذكرناه فإن أظهر الفعل ونطق بالمقدر كان أولى بثبوت حكمه وقد ثبت له عرف الاستعمال، قال الله تعالى (فيقسمان بالله) وقال تعالى (وأقسموا بالله) وقال (فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين) ويقول الملاعن في لعانه أشهد بالله إني لمن الصادقين وتقول المرأة أشهد بالله إنه لمن الكاذبين وأنشد أعرابي * أشهد بالله لتفعلنه * وكذلك الحكم إن ذكر الفعل بلفظ الماضي فقال أقسمت أو شهدت بالله قال عبد الله بن رواحة * أقسمت بالتنزلنه * إن أراد بقوله أقسمت بالله الخبر عن قسم ماض أو بقوله أقسم بالله الخبر عن قسم يأتي به فلا كفارة عليه وإن ادعى ذلك قبل منه، وقال القاضي لا يقبل في الحكم وهو قول بعض أصحاب الشافعي لأنه خلاف الظاهر. ولنا أن هذا حكم فيما بينه وبين الله تعالى فإذا علم من نفسه أنه نوى شيئاً وأراده مع احتمال اللفظ إياه لم يلزمه شئ وإن قال شهدت بالله أني آمنت بالله فليس بيمين وذكر أبو بكر في قوله أعزم بالله أنه ليس بيمين مع الإطلاق وهو قول الشافعي لأنه لم يثبت له عرف الشرع ولا الاستعمال فظاهره غير اليمين، لأن معناه اقصد الله لأفعلن، ووجه الأول أنه يحتمل اليمين وقد اقترن به ما يدل عليه وهو جوابه بجواب القسم فيكون يميناً فأما إن نوى بقوله غير اليمين لم يكن يميناً. (فصل) وإن قال أولي بالله أو حلفت بالله أو آليت بالله أو ألية بالله أو حلفاً بالله أو قسماً بالله فهو يمين سواء نوى به اليمين أو أطلق لما ذكرناه في أقسم بالله وحكمه حكمه في تفصيله لأن الإيلاء والحلف والقسم واحد قال الله تعالى (للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر) وقال سعد بن معاذ أحلف بالله لقد جاءكم أسيد بغير الوجه الذي ذهب به وقال الشاعر: أولي برب الراقصات إلى منى * ومطارح الأكوار حيث تبيت وقال ابن دريد: الية باليعملات ترتمي * بها النجاء بين اجواز الفلا

مسألة وإن قال أحلف بالله أو أشهد بالله أو أقسم بالله أو أعزم بالله كان يمينا وإن لم يذكر اسم الله لم يكن يمينا

وقال: بل قسما من يعرب هل لمقسم من بعد هذا منتهى؟ (فصل) فأما إن قال أقسمت أو آليت أو شهدت لأفعلن ولم يذكر اسم الله فعن أحمد روايتان (إحداهما) أنها يمين سواء نوى اليمين أو أطلق وروي ذلك عن عمر وابن عباس والنخعي والثوري وأبي حنيفة وأصحابه وعن أحمد إن نوى اليمين بالله كان يميناً وإلا فلا وهو قول مالك وإسحاق وابن المنذر لأنه يحتمل القسم بالله وبغيره فلم يكن يميناً حتى يصرفه بنيته إلى ما تجب به الكفارة وقال الشافعي ليس بيمين وإن نوى، وروي نحو ذلك عن عطاء والحسن والزهري وقتادة وأبي عبيد لأنها عريت عن اسم الله تعالى وصفته فلم تكن يميناً كما لو قال أقسمت بالبيت ولنا أنه قد ثبت لها عرف الشرع والاستعمال فان أبا بكر قال أقسمت عليك يا رسول الله لتخبرني بما أصبت مما أخطأت فقال النبي صلى الله عليه وسلم " لا تقسم يا أبا بكر " رواه أبو داود وقال العباس للنبي صلى الله عليه وسلم أقسمت عليك يا رسول الله لتبايعنه فبايعه النبي صلى الله عليه وسلم وقال " أبررت قسم عمي ولا هجرة " وفي كتاب الله تعالى (إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله - إلى قوله - اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله) فسماها يميناً وسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم قسماً وقالت عاتكة بنت عبد المطلب حلفت لئن عادوا لنصطلمنهم * لجاءو تردي حجرتيها المقانب وقالت عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل فآليت لا تنفك عيني حزينة * عليك ولا ينفك جلدي أغبرا وقولهم يحتمل القسم بغير الله قلنا إنما يحمل على القسم المشروع ولهذا لم يكن مكروهاً ولو حمل

على القسم بغير الله كان مكروهاً ولو كان مكروهاً لم يفعله أبو بكر بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ولا أبر النبي صلى الله عليه وسلم قسم العباس حين أقسم عليه (فصل) وإن قال أعزم أو عزمت لم يكن قسماً نوى به القسم أو لم ينوه لأنه لم يثبت لهذا اللفظ عرف في الشرع ولا هو موضوع للقسم ولا فيه دلالة عليه، ولذلك إن قال استعين بالله أو اعتصم بالله أو أتوكل على الله أو علم الله أو عز الله أو تبارك الله أو نحو هذا لم يكن يميناً نوى أو لم ينو لأنه ليس بموضوع للقسم لغة ولا ثبت له عرف في شرع ولا استعمال فلم يجب به شئ كما لو قال سبحان الله وبحمده ولا إله إلا الله والله أكبر (فصل) وحروف القسم ثلاثة: الباء والواو والتاء في اسم الله تعالى خاصة والأصل في حروف القسم الباء وتدخل على المظهر والمضر جميعاً كقولك بالله وبك والواو وهي بدل من الباء تدخل على المظهر دون المضمر وهي أكثر استعمالا ولأنها جاءت في أكثر الأقسام في الكتاب والسنة، وإنما كانت الباء الأصل لأنها الحرف الذي تصل به الأفعال القاصرة عن التعدي إلى مفعولاتها والتقدير في القسم أقسم بالله كما قال الله سبحانه (وأقسموا بالله جهد أيمانهم) والتاء بدل من الواو وتختص بإسم واحد من أسماء الله تعالى وهو الله ولا تدخل على غيره فيقال تالله ولو قال تالرحمن أو تالرحيم لم يكن قسماً فإذا أقسم باحد هذه الحروف الثلاثة في موضعه كان قسماً صحيحاً لأنه موضوع له وقد جاء في كتاب الله تعالى وكلام العرب قال الله تعالى (تالله لتسئلن عما كنتم تفترون - تالله لقد آثرك الله علينا - تالله تفتؤ تذكر يوسف - تالله لأكيدن أصنامكم) وقال الشاعر: تالله يبقى على الأيام ذو حيد * بمشمخر به الضيان والآس

وإن قال ما أردت به القسم لم يقبل قوله لأنه أتى باللفظ الصريح في القسم واقترنت به قرينة دالة عليه وهو الجواب بجواب القسم فيمنع صرفه إلى غيره * (مسألة) * (ويجوز القسم بغير حرف القسم فيقول الله لأفعلن بالجر والنصب فإن قال الله لأفعلن بالرفع كان يمينا إلا أن يكون عربياً ولا ينوي به اليمين) إذا أقسم بغير حرف القسم فقال الله لأقومن بالجر والنصب فهو يمين وقال الشافعي لا يكون يميناً إلا أن ينوي لأن ذكر الله تعالى بغير حرف القسم ليس بصريح في القسم فلا ينصرف إلا بالنية ولنا أنه سائغ في العربية وقد ورد به عرف الاستعمال في الشرع فروي أن عبد الله بن مسعود أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه قتل أبا جهل فقال " الله إنك قتلته؟ " قال الله إني قتلته ذكره البحاري وقال لركانة ابن عبد يزيد " الله ما أردت إلا واحدة " قال الله ما أردت إلا واحدة وقال امرؤ القيس * فقلت يمين الله أبرح قاعداً * - وقال أيضا * فقالت يمين الله مالك حيلة * وقد اقترنت به قرينتان تدلان عليه (إحداهما) الجواب بجواب القسم (والثانية) الجر والنصب واسم الله تعالى فوجب أن يكون يميناً كما لو قال والله، فإن قال الله لأفعلن بالرفع ونوى اليمين فهو يمين إلا أن يكون قد لحن كما لو قال والله بالرفع ولم ينو اليمين فقال أبو الخطاب تكون يميناً لأن قرينة الجواب بجواب القسم كافية والعامي لا يعرف الإعراب فيأتي به إلا أن يكون من أهل العربية فان عدوله عن إعراب القسم دليل على أنه لم يرده، قال شيخنا ويحتمل أن لا يكون قسماً في حق العامي لأنه ليس بقسم في حق أهل العربية فلم يكن قسماً في حق غيرهم كما لو لم يجبه بجواب القسم ويجاب القسم بأربعة أحرف: حرفان للنفي وهما ما ولا وحرفان للإثبات وهما أن واللام المفتوحة وتقوم أن الخفيفة المكسورة مقام ما النافية مثل قوله (وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى) وإن قال والله افعل بغير حرف فالمحذوف ههنا لا

مسألة ويجوز القسم بغير حرف القسم فيقول الله لأفعلن بالجر والنصب فإن قال الله لأفعلن بالرفع كان يمينا

ويكون يمينه على النفي لأن موضوعه في العربية لذلك قال الله تعالى (تفتؤ تذكر يوسف) أي لا تفتؤ وقال الشاعر: * تالله تبقى على الأيام ذو حيد * وقال آخر: * فقلت يمين الله أبرح قاعداً * أي لا أبرح (فصل) وإن قال لاها لله ونوى اليمين كان يميناً لأن أبا بكر رضي الله عنه قال في سلب قتيل أبي قتادة لاها لله إذا تعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله وعن رسوله فيعطيك سلبه فقال النبي صلى الله عليه وسلم " صدق " وإن لم ينو اليمين فالظاهر أنه لا يكون يميناً لأنه لم يقترن به صرف ولا نية ولا في جوابه حرف يدل على القسم وهذا مذهب الشافعي * (مسألة) * (ويكره الحلف بغير الله تعالى ويحتمل أن يكون محرما وذلك نحو أن يحلف بأبيه أو بالكعبة أو بصحابي أو إمام أو غيره قال الشافعي أخشى أن يكون معصية قال ابن عبد البر هذا أمر مجتمع عليه وقيل لا يكره ذلك لأن الله تعالى أقسم بمخلوقاته فقال (والصافات صافا - والمرسلات عرفا) وقال النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي الذي سأل عن الصلاة " أفلح وأبيه إن صدق " وقال في حديث أبي العشراء " وأبيك لو طعنت في فخذها لأجزأك " ولنا ما روى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أدركه وهو يحلف بأبيه فقال " إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت " قال عمر فو الله ما حلفت بها بعد ذلك ذاكراً ولا آثراً متفق عليه يعني ولا حاكياً عن غيري

وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من حلف بغير الله فقد أشرك " قال الترمذي هذا حديث حسن فأما قسم الله بمصنوعاته فأنما أقسم دالا على قدرته وعظمته ولله تعالى أن يقسم بما شاء ولا وجه للقياس على إقسامه وقد قيل إن في إقسامه اضمار القسم برب هذه المخلوقات فقوله (والضحى) أي ورب الضحى وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم للإعرابي " أفلح وأبيه إن صدق " فقال ابن عبد البر هذا اللفظ غير محفوظ من وجه صحيح وحديث أبي العشراء قال أحمد لو كان يثبت يعني أنه لم يثبت، ثم إن لم يكن الحلف بغير الله محرماً فهو مكروه لأن من حلف بغير الله فقد عظم غيره تعظيماً يشبه تعظيم الرب تبارك وتعالى ولهذا سمي شركا لكونه اشرك غير الله مع الله تعالى في تعظيمه بالقسم به، فعلى هذا يستغفر الله إذا أقسم بغير الله قال الشافعي من حلف بغير الله فليقل استغفر الله * (مسألة) * (ولا تجب به الكفارة سواء أضافه إلى الله تعالى مثل قوله ومعلوم الله وخلقه ورزقه وبيته أو لم يضفه كقوله والكعبة وأبي) ويعني لا تجب الكفارة بالحنث فيها وهذا ظاهر كلام الخرقي وهو قول أكثر الفقهاء * (مسألة) * (وقال أصحابنا تجب الكفارة بالحنث برسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة) وروى عن أحمد أنه قال إذا حلف بحق رسول الله فحنث فعليه الكفارة ولانه أخذ شرطي الشهادة فالحلف به موجب للكفارة كالحلف بالله تعالى والأول أولى لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت " ولأنه حلف بغير الله تعالى فلم توجب الكفارة بالحنث فيه كسائر الأنبياء ولأنه مخلوق فلم تجب الكفارة بالحلف به كالحلف بابراهيم عليه السلام ولأنه ليس بمنصوص عليه ولا هو في معنى المنصوص ولا يصح قياس إسم غير الله على إسمه لعدم الشبه وانتفاء المماثلة وكلام أحمد يحمل على الاستحباب

مسألة ويكره الحلف بغير الله تعالى ويحتمل أن يكون محرما وذلك نحو أن يحلف بأبيه أو بالكعبة أو بصحابي

(فصل) ويشترط لوجوب الكفارة ثلاثة شروط (أحدها) أن تكون اليمين منعقدة وهي التي يمكن فيها البر والحنث وذلك الحلف على مستقبل ممكن قال ابن عبد البر اليمين التي فيها الكفارة بإجماع المسلمين هي التي على المستقبل من الأفعال كمن حلف ليضربن غلامه أو لا يضربه فإن فعل فعليه الكفارة وذهبت طائفة إلى أن الحنث إذا كان طاعة لم يوجب كفارة، وقال قوم من حلف على فعل معصية فكفارتها تركها، وقال سعيد بن جبير اللغو أن يحلف فيما لا ينبغي له يعني فلا كفارة عليه في الحنث وقد روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا نذر ولا يمين فيما لا يملك ابن آدم ولا في معصية الله ولا في قطيعة رحم، ومن حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليدعها وليأت الذي هو خير فإن تركها كفارة " رواه أبو داود ولأن الكفارة إنما تجب لدفع الإثم ولا إثم في الطاعة ولأن اليمين كالنذر ولا نذر في معصية الله ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه " وقال " إني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا أتيت الذي هو خير وكفرت عن يميني " أخرجه البخاري وحديثهم لا يعارض حديثنا لأن حديثنا أصح منه وأثبت ثم أنه يحتمل أن تركها كفارة لاثم الحلف والكفارة المختلف فيها كفارة المخالفة وقولهم إن الحنث طاعة قلنا فاليمين غير طاعة فتلزمه الكفارة للمخالفة ولتعظيم اسم الله عزوجل إذا حلف به ولم تبر يمينه، إذا ثبت ذلك نظرنا في يمينه فإن كان على ترك شئ ففعله حنث ووجبت الكفارة، وإن كانت على فعل شئ فلم يفعله وكانت يمينه مؤقتة بلفظ أو بنية أو قرينة حاله ففات الوقت حنث، وإن كانت مطلقة لم يحنث إلا بفوات وقت الامكان لأنه مادام في الوقت والفعل ممكن فيحتمل أنه يفعل فلا يحنث * (مسألة) * (فأما اليمين على الماضي فليست منعقدة وهي نوعان: الغموس وهي التي يحلف بها

مسألة ولا تجب به الكفارة سواء أضافه إلى الله تعالى مثل قوله ومعلوم الله وخلقه ورزقه وبيته أو لم يضفه

كاذباً عالماً بكذبه وعنه فيها الكفارة، ومثلها الحلف على مستحيل كقتل الميت وإحيائه وشرب ماء الكوز ولا ماء فيه) ظاهر المذهب أن يمين الغموس لا كفارة فيها نقله الجماعة عن أحمد وهو قول أكثر أهل العلم منهم ابن مسعود وسعيد بن المسيب والحسن ومالك والاوزاعي والثوري والليث وابو عبيد وأصحاب الحديث وأصحاب الرأي من أهل الكوفة. وإنما سميت هذه يمين الغموس لأنها تغمس صاحبها في الإثم قال ابن مسعود كنا نعد اليمين التي لا كفارة لها اليمين الغموس، وعن سعيد بن المسيب قال هي من الكبائر وهي أعظم من أن تكفر، وروى عن أحمد أن فيها الكفارة وروي ذلك عن عطاء والزهري والحكم والبتي وهو قول الشافعي لأنه وجدت منه اليمين بالله والمخالفة مع القصد فلزمته الكفارة ولنا أنها يمين غير منعقدة فلا توجب الكفارة كاللغو أو يمين على ماض أشبهت اللغو، وبيان أنها غير منعقدة كونها توجب برا ولا يمكن فيها ولأنه قارنها ما ينافيها فلم تنعقد كالنكاح الذي قارنه الرضاع ولأن الكفارة لا ترفع إثمها فلا تشرع فيها، ودليل أنها كبيرة ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من الكبائر الإشراك بالله عقوق الوالدين وقتل النفس واليمين الغموس " رواه البخاري وروي فيه " خمس من الكبائر لا كفارة لهن: الإشراك بالله والفرار من الزحف وبهت المؤمن وقتل النفس بغير حق والحلف على يمين فاجرة يقتطع بها مال امرئ مسلم " ولا يصح القياس على المستقبلة لأنها يمين منعقدة يمكن حلها والبر فيها وهذه غير منعقدة فلا حل لها وقول النبي صلى الله عليه وسلم " فليكفر عن يمينه وليأت الذي هو خير " يدل على أن الكفارة إنما تجب على فعل يفعله فيما يستقبله قاله ابن المنذر (فصل) والمستحيل نوعان (أحدهما) مستحيل عقلا كقتل الميت وإحيائه وشرب ماء الكوز

مسألة فأما اليمين على لاماضي فليست منعقدة وهي نوعان الغموس وهي التي يحلف بها كاذبا عالما بكذبه

ولا ماء فيه فقال أبو الخطاب لا تنعقد يمينه ولا تجب بها كفارة وهذا مذهب مالك لأنها يمين قارنها مالا يتصور فلم تنعقد كيمين الغموس لأن اليمين إنما تنعقد على متصور أو متوهم التصور وليس ههنا واحد منهما وقال القاضي ينعقد موجباً للكفارة في الحال وهذا قول أبي يوسف والشافعي لأنه حلف على فعل نفسه في المستقبل ولم يفعل فهو كما لو حلف ليطلقن امرأته فمات قبل طلاقها وبالقياس على المستحيل عادة، ولا فرق بين أن يعلم أو لا يعلم مثل أن يحلف ليشربن الماء الذي في الكوز ولا ماء فيه فالحكم واحد فيمن علم أنه لا ماء فيه ومن لم يعلم، ذكر شيخنا في الكتاب المشروح إحياء الميت وقتله في المستحيل عقلا وإحياء الميت متصور عقلا وإنما هو مستحيل عادة فهو من النوع الثاني. فأما قتل الميت فإن اراد قتله حال موته فهو من المستحيل عقلا فيه من الخلاف ما ذكرنا، وإن حلف ليقتلن فلانا وهو ميت فهو كالمستحيل عادة فإنه يتصور أن يحييه الله فيقتله فتنعقد يمينه على ما نذكره في المستحيل عادة (النوع الثاني) المستحيل عادة كصعود السماء والطيران وقطع المسافة البعيدة في المدة القليلة فإذا حلف على فعله انعقدت يمينه ذكره القاضي وأبو الخطاب لأنه يتصور وجوده فإذا حلف عليه انعقدت يمينه ولزمته الكفارة في الحال لأنه مأيوس من البر فيها فوجبت الكفارة كما لو حلف ليطلقن امرأته فماتت. (فصل) إذا قال والله ليفعلن فلان كذا أو لا يفعل كذا أو حلف على حاضر فقال والله لتفعلن كذا فأحنثه ولم يفعل فالكفارة على الحالف كذلك قال ابن عمر وأهل المدينة وعطاء وقتادة والاوزاعي وأهل العراق والشافعي لأن الحالف هو الحانث فكانت الكفارة عليه كما لو كان هو الفاعل لما يحنثه

ولأن سبب الكفارة إما اليمين أو الحنث أو هما وأي ذلك قدر فهو موجود في الحالف، وإن قال اسألك بالله لتفعلن واراد اليمين فهي كالتي قبلها وإن أراد الشفاعة إليه بالله فليس بيمين ولا كفارة على واحد منها، وإن قال بانه لتفعلن فهي يمين لأنه أجاب بجواب القسم إلا أن ينوي ما يصرفها وإن قال بالله أفعل فليست يميناً لأنه لم يجبها بجواب القسم ولذلك لا يصلح أن يقول والله أفعل ولا تالله أفعل وإنما صلح ذلك في الباء لانه لا تختص القسم فيدل على أنه سؤال فلا تجب به كفارة * (الثاني) * لغو اليمين وهو أن يحلف على شئ يظنه حقا فيبين بخلافه فلا كفارة فيها أكثر أهل العلم على أن هذه اليمين لا كفارة فيها قاله ابن المنذر يروى هذا عن ابن عباس وأبي هريرة وأبي مالك وزرارة بن أوفى والحسن والنخعي ومالك وأبي حنيفة والثوري وممن قال هذا لغو اليمين مجاهد وسليمان بن يسار والاوزاعي والثوري وأبو حنيفة وأصحابه، وأكثر أهل العلم على أن لغو اليمين لا كفارة فيه وقال ابن عبد البر أجمع المسلمون على هذا وقد حكي عن النخعي في اليمين على شئ يظنه حقا فيبين بخلافه أنه من لغو اليمين وفيه الكفارة وهو أحد قولي الشافعي وروي عن أحمد أن فيه الكفارة وليس هو من لغو اليمين لأن اليمين بالله وجدت مع المخالفة فأوجبت الكفارة كاليمين على مستقبل. ولنا قول الله تعالى (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم) ولأنها يمين غير منعقدة فلم تجب فيها كفارة كيمين الغموس ولأنه غير قاصد للمخالفة فأشبه ما لو حلف ناسياً، وفي الجملة لا كفارة في يمين على ماض لأنها تنقسم ثلاثة أقسام ما هو صادق فيه فلا كفارة فيه إجماعا وما تعمد الكذب فيه فهو يمين

الغموس لا كفارة فيها لأنها أعظم من أن تكون فيها كفارة وقد ذكرنا الخلاف فيها وما يظنه حقا فيبين بخلافه فلا كفارة فيها لأنها من لغو اليمين * (فصل) * (الشرط الثاني أن يحلف مختاراً، فإن حلف مكرهاً لم تنعقد يمينه) وبه قال مالك والشافعي وذكر فيها أبو الخطاب روايتين [إحداهما] تنعقد وهو قول أبي حنيفة لأنها يمين مكلف فانعقدت كيمين المختار ولأن هذه الكفارة لا تسقط بالشبهة فوجبت مع الإكراه ككفارة الصيد ولنا ما روى أبو أمامة وواثلة بن الأسقع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ليس على مقهور يمين " ولأنه قول حمل عليه بغير حق فلم يصح مع الإكراه ككلمة الكفر، وإما كفارة لصيد فلا تجب مع الإكراه فهي كمسئلتنا. * (مسألة) * (وإن سبقت اليمين على لسانه كقوله لا والله وبلى والله في عرض حديثه فلا كفارة عليه) هذا قول أكثر أهل العلم لأنها من لغو اليمين نقل عبد الله عن أبيه أنه قال اللغو عندي أن يحلف على اليمين يرى أنها كذلك والرجل يحلف فلا يعقد قلبه على شئ وممن قال أن اللغو اليمين التي لا ينعقد عليها قلبه عمر وعائشة رضي الله عنهما وبه قال عطاء والقاسم وعكرمة والشعبي والشافعي لما روي عن عطاء قال قالت عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يعني في اللغو في اليمين " هو كلام الرجل في بيته لا والله وبلى والله " أخرجه أبو داود قال ورواه الزهري وعبد الله بن أبي سليمان ومالك بن

مسألة وإن سبقت اليمين على لسانه كقوله لا والله وبلى والله في عرض حديثه فلا كفارة عليه

مغول عن عطاء عن عائشة موقوفاً، وروى الزهري أن عروة حدثه عن عائشة قالت إنما اللغو ما كان في المراء والهزل والمزاحة والحديث الذي لا ينعقد عليه القلب، وأيمان الكفارة كل يمين حلف عليها على وجه من الأمر في غضب أو غيره ليفعلن أو ليتركن فذاك عقد الأيمان التي فرض الله عزوجل فيها الكفارة ولأن اللغو في كلام العرب غير المعقود عليه وهذا كذلك، وممن قال لا كفارة في هذا ابن عباس وأبو هريرة وأبو مالك وزرارة بن أوفى والحسن والنخعي ومالك وهو قول من قال أنه من لغو اليمين ولا نعلم في هذا خلافاً ووجه ذلك قول الله تعالى (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين) فجعل الكفارة لليمين التي يؤاخذ بها ونفى المؤاخذة باللغو فيلزم انتفاء الكفارة ولأن المؤاخذة يحتمل أن يكون معناها إيجاب الكفارة بدليل أنها تجب في الأيمان التي لا يأتم فيها وإذا كانت المؤاخذة إيجاب الكفارة فقد نفاها في اللغو فلا تجب لأنه قول من سمينا من الصحابة ولم نعرف لهم مخالفاً في عصرهم فكان أجماعاً ولأن قول عائشة في تفسير اللغو وبيان الأيمان التي فيها الكفارة خرج منها تفسيراً لكلام الله تعالى وتفسير الصحابي مقبول: * (فصل) * (الشرط الثالث في الحنث في يمينه بأن يفعل ما حلف عن تركه أو يترك ما حلف عن فعله مختاراً ذاكراً وإن فعله مكرهاً أو ناسياً فلا كفارة عليه وعنه على الناسي كفارة) إذا حلف لا يفعل شيئاً ففعله ناسياً فلا كفارة عليه، نقله عن أحمد الجماعة إذا كان في غير الطلاق والعتاق وهذا ظاهر المذهب، اختاره الخلال وصاحبه فأما الطلاق والعتاق فإنه يحنث فيهما في ظاهر المذهب وعنه لا يحنث في الطلاق والعتاق أيضاً، وهو قول عطاء وعمرو بن دينار واسحاق وهو ظاهر مذهب الشافعي لقوله تعالى (ليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم) وقال النبي صلى الله عليه وسلم

" إن الله تجاوز عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " ولأنه غير قاصد للمخالفة فلم يحنث كالنائم والمجنون لأنه أحد طرفي اليمين فاعتبر فيه القصد كحالة الانتهاء بها وعن أحمد رواية أخرى انه يحنث وتلزمه الكفارة في اليمين المكفرة وهو قول سعيد بن جبير ومجاهد والزهري وقتادة وربيعة ومالك وأصحاب الرأي والقول الثاني للشافعي لأنه خالف ما حلف عليه قاصداً لفعله فلزمه الحنث كالذاكر وكما لو كانت اليمين بالطلاق والعتاق ولنا على أن الكفارة لا تجب في اليمين المكفر (1) ما تقدم من الآية والخبر، ولأنها تجب لمحو الإثم ولا إثم على الناسي، وأما الطلاق والعتاق فهو معلق بشرط فيقع بوجود شرطه من غير قصد كما لو قال أنت طالق إن طلعت الشمس أو قدم الحاج (فصل) فإن فعله غير عالم بالمحلوف عليه كرجل حلف لا يكلم فلانا فسلم عليه يحسبه أجنبياً أو حلف لا يفارقه حتى يستوفي حقه فأعطاه ففارقه ظنا منه أنه قد برأ فوجده معيباً أو رديئاً أو حلف لا بعت لزيد ثوبا فوكل زيد من يدفعه إلى من يبيعه فدفعه إلى الحالف فباعه من غير علمه فهو كالناسي لأنه غير قاصد للمخالفة أشبه الناسي (فصل) والمكره على الفعل ينقسم قسمين (أحدهما) أن يلجأ إليه مثل من حلف لا يدخل دارا فحمل فأدخلها أو لا يخرج منها فأخرج محمولاً ولم يمكنه الامتناع فلا يحنث في قول الأكثرين وبه قال أصحاب الرأي وقال مالك إن دخل مربوطاً لم يحنث وذلك لأنه لم يفعل الدخول والخروج فلم يحنث كما لو لم يوجد ذلك (الثاني) أن يكره بالضرب والتهديد بالقتل ونحوه فقال أبو الخطاب فيه روايتان كالناسي وللشافعي قولان وقال أبو حنيفة ومالك يحنث لأن الكفارة لا تسقط بالشبهة فوجبت مع الإكراه والنسيان ككفارة الصيد

_ (1) أي في النسيان

ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " ولأنه نوع إكراه فلم يحنث به كما لو حمل ولم يمكنه الامتناع لأن الفعل لا ينسب إليه فأشبه من لم يفعله ولا نسلم الكفارة في الصيد بل إنما تجب على المكره * (مسألة) * (فإن حلف فقال إن شاء الله لم يحنث فعل أو ترك إذا كان متصلاً بيمينه) وجملة ذلك أن الحالف إذا قال إن شاء الله مع يمينه فهذا يسمى استثناء. قال ابن عمر روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من حلف فقال إن شاء الله لم يحنث فعل أو ترك " رواه أبو داود، وأجمع العلماء على تسميته استثناء وأنه متى استثنى في يمينه لم يحنث فيها لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من حلف فقال إن شاء الله لم يحنث " رواه الترمذي وروى أبو داود " من حلف فاستثنى فإن شاء رجع وإن شاء ترك " ولأنه متى قال لأفعلن إن شاء الله فقد علمنا أنه متى شاء الله فعل ومتى لم يفعل لم يشاء الله ذلك فإن ما شاء الله كان وما لم يشاء لم يكن. إذا ثبت هذا فإنه يشترط أن يكون الاستثناء متصلا باليمين بحيث لا يفصل بينهما بكلام أجنبي ولا يسكت بينهما سكوتاً يمكنه الكلام فيه فأما السكوت لانقطاع نفسه أو صوته أوعي أو عارض من عطشة أو شئ غيرها فلا يمنع صحة الاستثناء وثبوت حكمه وبهذا قال مالك والثوري وأبو عبيد واسحاق وأصحاب الرأي لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من حلف فاستثنى " وهذا يقتضي كونه عقيبه ولان الاستثناء من تمام الكلام فاعتبر اتصاله به كالشرط وجوابه وخبر المبتدأ والاستثناء بالا، ولأن الحالف إذا سكت ثبت حكم يمينه وانعقدت موجبة لحكمها وبعد ثبوته لا يمكن رفعه ولا تغييره، قال أحمد حديث النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن سمرة " إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فكفر عن يمينك " ولم يقل فاستثن ولو جاز الاستثناء في كل حال لم

مسألة فإن حلف فقال إن شاء الله لم يحنث فعل أو ترك إذا كان متصلا بيمينه

يحنث حالف به، وعن أحمد رواية أخرى أنه يجوز الاستثناء إذا لم يطل الفصل بينهما قال في رواية المروذي حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " والله لأغزون قريشاً " ثم سكت ثم قال " إن شاء الله " إنما هو استثناء بالقرب ولم يخلط كلامه بغيره، ونقل عنه اسماعيل بن سعيد مثل هذا وزاد ولا أقول فيه بقول هؤلاء يعني لم ير ذلك إلا متصلا ويحتمله كلام الخرقي فإنه قال إذا لم يكن بين اليمين والاستثناء كلام ولم يشترط اتصال الكلام وعدم السكوت وهذا قول الأوزاعي قال في رجل قال لا أفعل كذا كذا ثم سكت ساعة لا يتكلم ولا يحدث نفسه بالاستثناء فقال له إنسان قل إن شاء الله أيكفر عن يمينه؟ قال أراه قد استثنى وقال قتادة له أن يستثني قبل أن يقوم أو يتكلم، ووجه ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم استثنى بعد سكوته إذ قال " والله لأغزون قريشاً " ثم سكت ثم قال " إن شاء الله " احتج به أحمد ورواه أبو داود، وقال الوليد بن مسلم لم يغزهم، ويشترط على هذا الرواية أن لا يطيل الفصل بينهما ولا يتكلم بينهما بكلام أجنبي، وحكى ابن أبي موسى عن بعض أصحابنا أنه قال يصح الاستثناء مادام في المجلس وحكي ذلك عن الحسن وعطاء. وعن عطاء أنه قال قدر حلب الناقة العزوزة، وعن ابن عباس أن له أن يستثني بعد حين وهو قول مجاهد وهذا القول لا يصح لما ذكرناه وتقديره بمجلس أو غيره لا يصح لأن التقديرات بابها التوقيف فلا يصار إليه بالتحكم (فصل) ويشترط أن يستثني بلسانه ولا ينفعه الاستثناء بالقلب في قول عامة أهل العلم منهم الحسن والنخعي ومالك والثوري والاوزاعي والليث والشافعي واسحاق وأبو ثور وأبو حنيفة وابن المنذر ولا نعلم فيه مخالفاً لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من حلف فقال إن شاء الله لم يحنث " والقول هو النطق ولأن اليمين لا تنعقد بالنية وكذلك الاستثناء، وقد روي عن أحمد إن كان مظلوماً فاستثنى

في نفسه رجوت أن يجوز إذا خاف على نفسه فهذا في حق الخائف على نفسه لأن يمينه غر منعقدة أو لأنه بمنزلة المتأول وأما في حق غيره فلا (فصل) واشترط القاضي قصد الاستثناء فلو أراد الجزم فسبق لسانه إلى الاستثناء من غير قصد أو كانت بمادته جاربة بالاستثناء فجرى على لسانه من غير قصد لم يصح لأن اليمين لما لم تنعقد من غير قصد فكذلك الاستثناء وهذا مذهب الشافعي وذكر بعضهم أنه لا يصح الاستثناء حتى يقصده مع ابتدائه، فلو حلف غير قاصد للاستثناء ثم عرض له بعد فراغه من اليمين فاستثنى لم ينفعه وهذا القول يخالف عموم الخبر هو قوله عليه السلام " من حلف فقال إن شاء الله لم يحنث " فلا يصح ولأن لفظ الاستثناء يكون عقيب يمينه فكذلك نيته (فصل) ويصح الاستثناء في كل يمين مكفرة كاليمين بالله تعالى والظهار والنذر قال ابن أبي موسى من استثنى في يمين تدخلها كفارة فله ثنياه لأنها أيمان مكفرة فدخلها الاستثناء كاليمين بالله تعالى فلو قال أنت علي كظهر أمي إن شاء الله أو لله علي أن أتصدق بمائة درهم إن شاء الله لم يلزمه شئ لأنها أيمان فتدخل في عموم قوله " من حلف فقال إن شاء الله لم يحنث " (فصل) فإن قال والله لاشربن اليوم إلا أن يشاء الله أو لا أشرب إلا أن يشاء الله لم يحنث بالشرب ولا تركه لما ذكرنا في الإثبات ولا فرق بين تقديم الاستثناء وتأخيره في هذا كله، فإذا قال والله إن شاء الله لا أشرب اليوم أو لا أشربن ففعل أو ترك لم يحنث لأن تقديم الشرط وتأخيره سواء قال الله تعالى (ان امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد) (فصل) فإن قال والله لاشربن اليوم إن شاء زيد فشاء زيد ولم يشرب حتى مضى اليوم حنث

وإن لم يشأ زيد تلزمه يمين، فإن لم تعلم مشيئته لغيبة أو جنون أو موت انحلت اليمين لأنه لم يوجد الشرط، وإن قال والله لا أشرب إلا أن يشاء زيد فقد منع نفسه الشرب إلا أن توجد مشيئة زيد فإن شاء فله الشرب وإن لم يشأ لم يشرب، وإن خفيت مشيئته لغيبة أو موت أو جنون لم يشرب وإن شرب حنث لأنه منع نفسه إلا أن توجد المشيئة (1) فيكذب ولكن غفر الله له بتوحيده، وأما الإفراط في الحلف فإنه إنما كره لأنه لا يكاد يخلو من الكذب والله أعلم وأما قوله تعالى (ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم) فمعناه لا تجعلوا أيمانكم بالله مانعة لكم من البر والتقوى والإصلاح بين الناس وهو أن يحلف بالله أن لا يفعل براً ولا تقوى ولا يصلح بين الناس ثم يمتنع من فعله ليبر في يمينه ولا يحنث فيها فنهوا عن المضي فيها، قال أحمد وذكر حديث ابن عباس بإسناده في قوله تعالى (ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم) الرجل يحلف أن لا يصل قربته وقد جعل الله له مخرجاً في التكفير فأمره أن لا يعتل بالله وليكفر وليبر وقال النبي صلى الله عليه وسلم " لأن يستلج أحدكم في يمينه آثم له عند الله من أن يؤدي الكفارة التي فرض الله عليه " وإن كان النهي عاد إلى اليمين فالمنهي عنه الحلف على ترك البر والتقوى والإصلاح بين الناس لا على كل يمين فلا حجة فيها لهم إذاً * (مسألة) * (فإن دعي إلى الحلف عند الحاكم وهو محق استحب له افتداء يمينه فإن حلف فلا بأس) قال أصحابنا تركه أولى فيكون مكروهاً وبه قال أصحاب الشافعي لما روى أن المقداد وعثمان تحاكما الى عمر في مال استقرضه المقداد فجعل عمر اليمين على المقداد فردها على عثمان فقال عمر: لقد أنصفك فأخذ عثمان ما أعطاه المقداد ولم يحلف وقال خفت إن يوافق قدر بلاء فيقال بيمين عثمان. والصحيح أنه لا يكره بل مباح فعله كتركه لأن الله سبحانه وتعالى أمر نبيه عليه السلام بالحلف على الحق في ثلاثة

_ (1) كذا في الاصل وفيه نقص يراجع في المغني في مظنته

مسألة فإن دعي إلى الحلف عند الحاكم وهو محق استحب له افتداء يمينه فإن حلف فلا بأس

مواضع فقال (ويستنبئونك أحق هو؟ قل إي وربي إنه لحق) والثاني قوله (قل بلى وربي لتأتينكم) والثالث (قل بلى وربي لتبعثن) وروى محمد بن كعب القرظي أن عمر قال على المنبر وفي يده عصا يا أيها الناس لا يمنعكم اليمين من حقوقكم فو الذي نفسي بيده إن في يدي لعصا، وروى الشعبي أن عمرو أبيا احتكما إلى زيد في نخل ادعاه أبي فتوجهت اليمين على عمر فقال زيد أعف أمير المؤمنين فقال عمر ولم يعفي أمير المؤمنين؟ إن عرفت شيئاً استحققته بيميني وإلا تركته والذي لا إله إلا هو إن النخل لنخلي وما لأبي فيه حق فلما خرجا وهب النخل لأبي فقيل له يا أمير المؤمنين هلا كان هذا قبل اليمين؟ فقال خفت أن لا أحلف فلا يحلف الناس على حقوقهم بعدي فتكون سنة ولأنه حلف صدق على حق فأشبه الحلف عن غير الحاكم * (فصل) * قال رحمه الله: وإن حرم أمته أو شيئاً من الحلال لم يحرم وعليه كفارة يمين أن فعله ويحتمل أن يحرم تحريماً تزيله الكفارة وقال أبو حنيفة يحرم لقول الله تعالى (لم تحرم ما أحل الله لك؟) وقوله (قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم) ولأنه تحريم للحلال فحرم كتحريم الزوجة ولنا أنه إذا أراد التكفير فله فعل المحلوف عليه وحل فعله مع تركه محرما تناقض، والعجب أن أبا حنيفة لا يجيز التكفير إلا بعد الحنث وقد فرض الله تعالى تحلة اليمين، فعلى قوله يلزم كون المحرم مفروضاً أو من ضرورة المفروض لأنه لا تحصل التحلة إلا بفعل المحلوف وهو عنده محرم وهذا غير جائز، ولأنه لو كان محرماً لوجب تقديم الكفارة عليه كالظهار ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فائت الذي هو خير وكفر عن يمينك " فأمر بفعل المحلوف عليه ولو كان محرماً لم يأمر بفعله وسماه خيراً والمحرم ليس بخير

وأما الآية فالمراد بها قوله هو علي حرام أو منع نفسه منه وذلك ليس يسمى تحريماً قال الله تعالى (يحلونه عاما ويحرمونه عاما) وقال (وحرموا ما رزقهم الله) ولم يثبت فيه التحريم حقيقة ولا شرعا فإذا قال هذا حرام علي إن فعلت وفعل أو ما أحل الله علي حرام إن فعلت ثم فعل فهو مخير إن شاء ترك ما حرمه على نفسه وإن شاء كفر، وإن قال هذا الطعام حرام علي فهو كالحالف على تركه، ويروى نحو هذا عن ابن مسعود والحسن وجابر بن زيد وقتادة واسحاق وأهل العراق وقال سعيد بن جبير فيمن قال الحل علي حرام يمين من الأيمان يكفرها، وقال الحسن هي يمين إلا أن ينوي امرأته، وعن إبراهيم مثله، وعنه إن نوى طلاقاً وإلا فليس بشئ، وعن الضحاك أن أبا بكر وعمر وابن مسعود قالوا الحرام يمين، وقال طاوس هو ما نوى، وقال مالك والشافعي ليس بيمين ولا شئ عليه لأنه قصد تغيير المشروع فلغا ما قصده كما لو قال هذه ابنتي ولنا قوله الله تعالى (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك - إلى قوله - قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم) سمى تحريم ما أحل الله يميناً وفرض له تحلة وهو الكفارة. وقالت عائشة: كان النبي صلى الله عليه وسلم يمكث عند زينب بنت جحش ويشرب عندها عسلا فتواصيت أنا وحفصة أن أيتنا دخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم فلتقل إني أجد منك ريح مغافير فدخل على إحدانا فقالت له ذلك فقال " لا بل شربت عسلا عند زينب بنت جحش ولن أعود " فنزلت (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك؟) متفق عليه فإن قيل إنما نزلت الآية في تحريم مارية القبطية كذلك قال الحسن وقتادة قلنا ما ذكرناه أصح فإنه متفق عليه وقول عائشة صاحبه القصة الحاضرة للتنزيل المشاهدة للحال أولى والحسن وقتادة لو سمعا قول عائشة لم يعدلا به شيئاً ولم يصيرا إلى غيره فكيف يصار إلى قولهما ويترك قولها؟

وقد روي عن ابن عباس وابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جعل تحريم الحلال يميناً ولو ثبت أن الآية نزلت في تحريم مارية كان حجة لنا لأنها من الحلال الذي حرم وليست زوجة فوجوب الكفارة بتحريمها يقتضي وجوبها بتحريم كل حلال بالقياس عليها لأنه حرم الحلال فأوجب الكفارة كتحريم الأمة المزوجة وما ذكروه يبطل بتحريمها. إذا ثبت هذا فعليه أن فعله كفارة يمين لقوله عليه السلام " إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فائت الذي هو خير وكفر عن يمينك " متفق عليه ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لما حرم العسل أو مارية أنزل الله سبحانه (قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم) قال الحسن سمى تحريم ما أحل الله يميناً وفرض له تحلة وهي الكفارة ويحتمل أن يحرم تحريماً تزيله الكفارة لأنه تحريم يوجب الكفارة بالفعل فحرم ما حرمه كالظهار * (مسألة) * (وإن قال هو يهودي أو نصراني أو برئ من الله تعالى أو من القرآن أو الإسلام أو النبي عليه السلام) إن فعل ذلك فقد فعل محرما لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من حلف على ملة غير الاسلام كاذبا معتمدا فهو كما قال " متفق عليه، وفي لفظ " من حلف انه برئ من الإسلام فإن كان قد كذب فهو كما قال، وإن كان صادقاً لم يرجع إلى الإسلام سالماً " * (مسألة) * (وعليه كفارة إن فعل في إحدى الروايتين) اختلفت الرواية عن احمد في الحالف بالخروج من الإسلام مثل أن يقول هو يهودي أو نصراني أو مجوسي إن فعل كذا، وهو برئ من الإسلام أو من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو يقول هو يعبد الصليب أو يعبد غير الله إن فعل أو نحو هذا إن فعل فعن أحمد عليه الكفارة. إذا حنث يروى هذا عن

مسألة وعليه كفارة إن فعل في إحدى الروايتين

طاوس والحسن والشعبگ والثوري والاوزاعي واسحاق وأصحاب الرأي، وروي ذلك عن زيد ابن ثابت رضي الله عنه (والثانية) لا كفارة عليه وهو قول مالك والشافعي والليث وأبي ثور وابن المنذر لأنه لم يحلف باسم الله ولا صفته فلم تلزمه كفارة كما لو قال عصيت الله فيما أمرني به ويحتمل أن يحمل كلام أحمد في الرواية الأولى على الندب دون الإيجاب فإنه قال في رواية حنبل إذا قال أكفر بالله أو أشرك بالله فأحب إلي أن يكفر كفارة يمين إذا حنث - ووجه الرواية الأولى ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الرجل يقول هو يهودي أو نصراني أو مجوسي أو برئ من الإسلام في اليمين يحلف بها فيحنث في هذه الأشياء؟ قال " عليه كفارة يمين " أخرجه ابو بكر، ولا البراءة من هذه الأشياء توجب الكفر بالله فكان الحلف بها يميناً كالحلف بالله تعالى. قال شيخنا والرواية الثانية أصح إن شاء الله تعالى فإن الوجوب من الشارع ولم يرد في هذه اليمين نص ولا هي في قياس المنصوص فإن الكفارة إنما وجبت بالحلف باسم الله تعظيماً لإسمه وإظهاراً لشرفه وعظمته ولا تتحقق التسوية * (مسألة) * (وإن قال أنه أستحل الزنا ونحوه فعلى وجهين) وكذلك إن قال أنا أستحل ترك الصلاة أو الزكاة أو الصيام فهو كالحلف بالبراءة من الإسلام لأن استحلال ذلك يوجب الكفر فيخرج على الروايتين في المسألة قبلها * (مسألة) * (وإن قال عصيت الله أو أنا أعصي الله في كل ما أمرني به أو محوت المصحف إن فعلت كذا وحنث فلا كفارة)

مسألة وإن قال أنا أستحل الزنا ونحوه فعلى وجهين

نص عليه أحمد وبه قال عطاء والثوري وابو عبيد وأصحاب الرأي، وقال طاوس والليث عليه الكفارة وبه قال الأوزاعي إذا قال عليه لعنة الله ولنا أن هذا لا يوجب الكفر أشبه ما لو قال محوت المصحف، وإن قال لا يراني الله في موضع كذا إن فعلت وحنث فقال القاضي عليه كفارة، وذكر أن أحمد نص عليه والصحيح أن هذا لا كفارة فيه لأن إيجابها في هذا ومثله تحكم بغير نص. لا قياس صحيح * (مسألة) * (وإن قال عبد فلان حر لافعلن فليس بشئ وعنه عليه كفارة إن حنث) أما إذا قال عبد فلان حر من غير تعليق لم يلزمه شئ وكذلك إن علقه لان تعليق الشئ بالشرط أثره في أن يصير عند الشرط كالمعلق فإذا كان المعلق لا يوجب شيئاً فكذلك المعلق، ولا يعتق العبد إذا حنث بغير خلاف لأنه لا يعتق بغير تنجيز العتق فالتعليق أولى وهل تلزمه كفارة؟ فيه روايتان عن أحمد ذكرهما ابن أبي موسى (إحداهما) عليه كفارة لأنه حلف بالعتق فيما لا يقع بالحنث فلزمته كفارة كما لو قال فلله علي أن أعتق فلاناً (والثانية) لا كفارة عليه لأنه حلف بإخراج مال غيره فلم يلزمه شئ كما لو قال مال فلان صدقة إن دخلت الدار ولأنه تعليق للعتق على صفة فلم تجب به كفارة كسائر التعليق، أما إذا قال لله علي إن أعتق عبداً فإنه نذر فأوجب الكفارة بكون النذر كاليمين وتعليق العتق خلافه (فصل) وإن قال إن فعلت كذا فمال فلان صدقة أو فعلى فلان حجة أو فمال فلان حرام عليه

مسألة وإن قال عبد فلان حر لأفعلن فليس بشيء وعنه عليه كفارة إن حنث

أو هو برئ من الإسلام وأشباه هذا فليس ذلك بيمين ولا تجب به كفارة لا نعلم بين أهل العلم فه خلافاً لأنه لم يرد الشرع فيه بكفارة ولا هو في معنى ما ورد الشرع به * (مسألة) * (وإن قال أيمان البيعة تلزمني فهي يمين رتبها الحجاج تشتمل على اليمين بالله تعالى والطلاق والعتاق وصدقة المال فإن كان الحالف يعرفها ونواها انعقد يمينه بما فيها وإلا فلا شئ عليه، ويحتمل أن لا تنعقد إلا في الطلاق والعتاق) قال أبو عبد الله بن بطة كنت عند أبي القاسم الخرقي وقد سأله رجل عن أيمان البيعة فقال لست أفتي فيها بشئ ولا رأيت أحداً من شيوخنا يفتي في هذه اليمين قال وكان أبي رحمه الله يعني الحسين يهاب الكلام فيها، قال أبو القاسم إلا أن يلتزم الحالف بها بجميع ما فيها من الأيمان فقال له السائل عرفها أم لم يعرفها؟ قال نعم وكانت اليمين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمصافحة فلما ولي الحجاج رتبها أيماناً تشتمل على اليمين بالله تعالى والطلاق والعتاق وصدقة المال فمن لم يعرفها لم تنعقد يمينه بشئ مما فيها لأن هذا ليس بصريح في القسم والكناية لا تصح إلا بالنية ومن لم يعرف شيئاً لم يصح أن ينويه وإن عرفها ولم ينو عقد اليمين بما فيها لم يصح أيضاً لما ذكرناه ومن عرفها ونوى اليمين بما فيها انعقد في الطلاق والعتاق لأن اليمين بها تنعقد بالكناية، وما عدا الطلاق والعتاق كاليمين بالله تعالى وصدقة المال فقال القاضي تنعقد يمينه ههنا أيضاً لأنها يمين فتنعقد بالكناية المنوية كالطلاق والعتاق وكما لو لفظ بكل واحدة وحدها وقال في موضع لا تنعقد اليمين بالله بالكناية، وهو مذهب الشافعي، لأن الكفارة إنما وجبت فيها لما ذكر فيها من اسم الله تعالى المعظم المحترم ولا يوجد ذلك في الكناية. * (مسألة) * (وإن قال علي نذر أو يمين إن فعلت كذا وفعله فقال أصحابنا عليه كفارة يمين) .

مسألة وإن قال أيمان البيعة تلزمني فهي يمين رتبها الحجاج تشتمل على اليمين بالله تعالى والطلاق والعتاق

لما روى ابن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " كفارة النذر إذا لم يسم كفارة اليمين " قال الترمذي هذا حديث صحيح. * (فصل) * في كفارة اليمين قال الشيخ رحمه الله: والأصل في كفارة اليمين الكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب فقول الله تعالى (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان) فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون اهيكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم) الآية، وأما السنة فقول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فائت الذي هو خير وكفر عن يمينك " في أخبار سوى هذا، وأجمع المسلمون على مشروعية الكفارة في اليمين بالله تعالى. * (مسألة) * (وهي تجمع تخييراً وترتيباً فيخير بين ثلاثة أشياء إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة) لما ذكرنا في الآية. وقد سبق شرح العتق والإطعام في كفارة الظهار، كسوة المساكين للرجل ثوب يجزئه إن يصلي فيه وللمرأة درع وخمار ولا خلاف في أن كسوة أحد أصناف الكفارة لنص الله عليها في كتابه بقوله (أو كسوتهم) وتتقدر الكسوة بما تجزئ الصلاة فيه على ما ذكرنا، وهذا قول مالك، وممن قال لا تجزئه السراويل وحدها الاوزاعي وأبو يوسف وقال إبراهيم ثوب جامع، وقال الحسن كل مسكين حلة ازار ورداء، وقال ابن عمر وعطاء وطاوس ومجاهد وعكرمة وأصحاب الرأي يجزئه ثوب ثوب ولم يفرقوا بين الرجل والمرأة، وروى الحسن قال تجزئ العمامة، وقال سعيد بن المسيب عباءة وعمامة، وفي القلنسوة وجهان، واحتجوا بأن ذلك يقع عليه اسم الكسوة فأجزأ كالذي تجوز الصلاة فيه.

مسألة وهي تجمع تخييرا وترتيبا بين ثلاثة أشياء إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة

ولنا أن الكسوة أحد أنواع الكفارة فلم يجز فيه ما يقع عليه الإسم كالإطعام والإعتاق ولأن التكفير عبادة تعتبر فيها الكسوة فلم يجز فيه أقل مما ذكرناه كالصلاة ولأنه مصروف للمساكين في الكفارة فيقدر كالإطعام، ولأن اللابس ما لا يستر عورته يسمى عريانا فلم يجزئه لقول الله تعالى (أو كسوتهم) إذا ثبت هذا فإنه إذا كسا امرأة أعطاها درعا وخماراً على ما ذكرنا لأنه أقل ما يستر عورتها وتجزئها الصلاة فيه، وإن أعطاها ثوبا واسعا يمكنها أن تستر به بدنها ورأسها أجزأه ذلك والرجل يجزئه إذا كساه ثوب أو قميص يمكنه أن يستر به عورته ويجعل على عاتقه منه شيئاً أو ثوبين يأتزر باحدهما ويرتدي بالآخر، ولا يجزئه مئزر وحده ولا سراويل لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يصلي أحدكم في ثوب واحد ليس على عاتقه منه شئ " ويجوز أن يكسوهم من جميع أصناف الكسوة من القطن والكتان والصوف والشعر والوبر والخز والحرير، لأن الله تعالى أمر بكسوتهم ولم يعين جنسها فأي جنس كساهم منه خرج عن العهدة لوجود الكسوة المأمور بها، ويجوز أن يكسوهم جديداً ولبيسا إلا أن يكون قد بلي وذهبت منفعته فلا يجوز لأنه معيب فهو كالحب المعيب والرقبة إذا ذهبت منفعتها وسواء كان ما أعطاهم مصبوغا أولا أو خاما أو مقصوراً لأنه تحصل به الكسوة المأمور بها والمنفعة المقصودة بها. (فصل) والذي تجزئ كسوتهم هم المساكين الذين يجزئ إطعامهم، لأن الله تعالى قال (فاطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم) فينصرف الضمير إليهم. و* (مسألة) * (فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعة إن شاء قبل الحنث وإن شاء بعده ولا يجوز تقديمها على اليمين) . إذا عجز عن العتق والإطعام والكسوة أجزأه صيام ثلاثة أيام للآية وقد ذكرنا صفة العجز

مسألة فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعة إن شاء قبل الحنث وإن شاء بعده ولا يجوز تقديمها على اليمين

في كفارة الظهر في العجز عن الرقبة، ويشترط التتابع في صوم الأيام الثلاثة وعنه لا يشترط لأن الأمر بصومها مطلق فلم يجز بغير دليل والأول ظاهر المذهب لأن في قراءة أبي وابن مسعود (فصيام ثلاثة أيام متتابعات) والظاهر أنهما سمعاه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكون خبراً ولأنه صوم في كفارة فلا ينتقل عنه إلا بعد العجز عن العتق فوجب التتابع كصوم المظاهر. * (مسألة) * (وهو مخير في التكفير إن شاء قبل الحنث وإن شاء بعده) سواء كان صوماً أو غيره فيما سوى الظهار في قول أكثر أهل العلم منهم مالك وممن روي عنه تقديم التكفير على الحنث عمر بن الخطاب وابنه وابن عباس وسلمان الفارسي ومسلمة بن مخلد رضي الله عنهم، وبه قال الحسن وابن سيرين وربيعة والاوزاعي والثوري وابن المبارك واسحاق وأبو عبيد وأبو خيثمة وسليمان بن داود، وقال أصحاب الرأي لا تجزئ الكفارة قبل الحنث لأنه تكفير قبل وجود سببه فأشبه ما لو كفر قبل اليمين، ودليل ذلك أن سبب التكفير الحنث وهو هتك الإسم المعظم المحترم ولم يوجد وقال الشافعي كقولك في الإعتاق والإطعام والكسوة وكقولهم في الصيام من أجل أنه عبادة بدنية فلم يجز فعله قبل وجوبه لغير مشقة كالصيام. ولنا ما روى عبد الرحمن بن سمرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فكفر عن يمينك ثم ائت الذي هو خير " رواه أبو داود وقد روى أبو هريرة وأبو الدرداء وعدي بن حاتم رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو ذلك، رواه الأثرم وعن أبي موسى عن النبي

مسألة وهو مخير في التكفير إن شاء قبل الحنث وإن شاء بعده

صلى الله عليه وسلم أنه قال " إني إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها لا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير، أو أتيت الذي هو خير وكفرت عن يميني " رواه البخاري ولأنه كفر بعد وجود السبب فأجزأ كما لو كفر بعد الجرح وقبل الزهوق والسبب هو اليمين بدليل قوله تعالى (ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم) وقوله سبحانه (قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم) وقول النبي صلى الله عليه وسلم " وكفرت عن يميني فكفر عن يمينك " وتسمية الكفارة كفارة اليمين وبهذا ينفصل عما ذكروه وعلى هذا فالحنث شرط وليس بسبب، ولأن تعجيل حق الله تعالى في المال بعد وجود سببه قبل وجود شرطه جائز بدليل تعجيل الزكاة بعد وجوب النصاب وقبل الحول وكفارة القتل بعد الجرح وقبل الزهوق، قال ابن عبد البر العجب من أصحاب أبي حنيفة أجازوا تعجيل الزكاة من غير أن يرووا فيها مثل هذه الآثار الواردة في تقديم الكفارة وأبوا تقديم الكفارة ههنا مع كثرة الرواية الواردة فيها والحجة في السنة ومن خالفها محجوج بها، فأما أصحاب الشافعي فهم محجوجون بالأحاديث مع أنهم قد احتجوا بها في البعض وخالفوها في البعض، وفرقوا ما جمع بينه النص ولأن الصيام نوع تكفير فجاز قبل الحنث كالتكفير بالمال، وقياس الكفارة على الكفارة أولى من قياسها على الصلاة المفروضة بأصل الوضع، أما تقديمها على اليمين فلا يجوز عند أحد من العلماء لأنه تقديم للحكم قبل سببه فلم يجز كتقديم الزكاة قبل ملك النصاب وكفارة القتل قبل الجرح. (فصل) والتكفير قبل الحنث وبعده سواء في الفضيلة، وقال ابن أبي موسى بعده أفضل عند أحمد وهو قول مالك والثوري والشافعي لما فيه من الخروج من الخلاف وحصول النفس ببراءة الذمة. ولنا أن الأحاديث الواردة فيه فيها التقديم مرة والتأخير أخرى وهذا دليل التسوية، ولأنه

تعجيل مال يجوز تعجيله قبل وجوبه فلم يكن التأخير أفضل كتعجيل الزكاة وكفارة القتل وما ذكروه معارض بتعجيل النفع للفقراء والتبرع بما لم يجب عليه، والخلاف المخالف لا يوجب تفضيل المجمع عليه كترك الجمع بين الصلاتين. (فصل) فإن كان الحنث في اليمين محظوراً فجعل الزكاة قبله ففيه وجهان (أحدهما) يجزئه لأنه عجل الكفارة قبل سببها فأجزأته كما لو كان الحنث مباحا (والثاني) لا يجزئه لأن التعجيل رخصة فلا يستباح بالمعصية كالقصر في سفر المعصية والحديث لم يتناول المعصية فإنه قال " إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها " ولأصحاب الشافعي في هذا وجهان كما ذكرنا * (مسألة) * (ومن كرر أيمانا قبل التكفير فكفارة واحدة وعنه لكل يمين كفارة) وإذا كرر أيمانا قبل التكفير مثل أن قال والله لأغزون قريشاً والله لأغزون قريشاً والله لأغزون قريشاً فحنث فليس عليه إلا كفارة واحدة، وكذلك إن حلف بأيمان كقوله والله وعهد الله وميثاقه وقدرته وكلامه وكبريائه على شئ واحد روي نحو هذا عن ابن عمر وبه قال الحسن وعروة واسحاق، وروي أيضاً عن عطاء وعكرمة والنخعي وحماد والاوزاعي، وقال أبو عبيد فيمن قال علي عهد الله وميثاقه وكفالته ثم حنث فعليه ثلاث كفارات، وقال أصحاب الرأي عليه لكل يمين كفارة إلا أن ينوي التأكيد أو التفهيم ونحوه عن الثوري وأبي ثور، وعن أحمد مثل ذلك وعن الشافعي قولان كالمذهبين، وعن عمرو بن دينار إن كان في مجلس واحد كقولنا وإن كان في مجالس كقولهم، واحتجوا بأن أسباب الكفارات تكررت فتكرر في الكفارات كالقتل لآدمي أو صيد حربي ولأن اليمين الثانية مثل الأولى فتقتضي ما تقتضيه ولنا أنه حنث واحد أوجب جنساً واحداً من الكفارات فلم يجب به أكثر من كفارة كما

مسألة ومن كرر أيمانا قبل التكفير فكفارة واحدة وعنه لكل يمين كفارة

لو قصد التأكيد، قولهم أنها أسباب تكررت ممنوع فإن السبب الحنث وهو واحد سلمنا فينتقض بما إذا كرر الوطئ في رمضان في أيام وبالحدود إذا تكررت أسبابها، ولا يصح القياس على الصيد الحرمي لأن الكفارة بدل ولذلك تزداد بكبر الصيد وتقدر بقدره فهي كدية القتل ولا على كفارة قتل الآدمي لأنها أجريت مجرى البدل أيضاً لحق الله تعالى لأنه لما أتلف آدمياً عابداً لله تعالى ناسب أن يوجد عبداً يقوم مقامه في العبادة فلما عجز عن الإيجاد لزمه إعتاق رقبة لأن العتق إيجاد للعبد بتخليصه من رق العبودية وشغلها إلى فراغ البال للعبادة بالحرية التي حصلت بالإعتاق ثم الفرق ظاهر لأن السبب ههنا تكرر بكماله وشروطه وفي محل النزاع لم يوجد ذلك لأن الحنث، إما أن يكون هو السبب أو جزءاً منه أو شرطاً له بدليل توقف الحكم على وجوده وأياما كان فلم يتكرر فلم يجز وإن صح القياس فقياس كفارة اليمين على مثلها أولى من قياسها على القتل لبعد ما بينهما * (مسألة) * (والظاهر فيما إذا كرر الأيمان أنها إن كانت على فعل واحد فكفارة واحدة وإن كانت على أفعال فعلية لكل يمين كفارة) ولأنها إذا كانت على فعل واحد كان سببها واحداً فالظاهر أنه أراد التوكيد لذلك كقول النبي صلى الله عليه وسلم " والله لأغزون قريشا " قالها ثلاثاً وإن كانت على أفعال فعلية لكل يمين كفارة وهو ظاهر كلام الخرقي ورواه المروذي عن أحمد وهو قول أكثر أهل العلم وقال أبو بكر تجزئه كفارة واحدة رواها ابن منصور عن أحمد قال القاضي هي الصحيحة وقال أبو بكر ما نقله المروذي عن أحمد قول لأبي عبد الله، ومذهبه أن كفارة واحدة تجزئه وهو قول إسحاق لأنها كفارات من

مسألة والظاهر فيما إذا تكرر الأيمان أنها إن كانت على فعل واحد فكفارة واحدة وإن كانت على أفعال فعليه

جنس واحد فتداخلت كالحدود من جنس واحد وإن اختلفت محالها بأن سرق من جماعة أو زنى بنساء ولنا أنهن أيمان لا يحنث في إحداهن بالحنث في الأخرى فلم تكفر إحداهما بكفارة الأخرى كما لو كفر عن إحداهما قبل الحنث في الأخرى وكالأيمان المختلفة الكفارة وبهذا فارق الأيمان على شئ واحد فإنه متى حنث في إحداهما كان حانثاً في الأخرى فلما كان الحنث واحداً كانت الكفارة واحدة وههنا تعذر الحنث فتعذرت الكفارات، وفارق الحدود فإنها وجبت للزجر وتندرئ بالشبهات بخلاف مسئلتنا ولأن الحدود عقوبة بدنية والموالاة بينها ربما أفضى إلى التلف فاجتزئ بإحداها وههنا إخراج مال يسير أو صيام ثلاثة أيام فلا يلزم الضرر الكبير بالموالاة فيه ولا يخشى منه التلف (فصل) إذا حلف يميناً واحدة على أجناس مختلفة فقال والله لا أكلت ولا شربت ولا لبست فحنث في الجميع فكفارة واحدة لا نعلم فيه خلافا لأن اليمين واحدة والحنث واحد فإنه يحنث بفعل واحد من المحلوف عليه وتنحل يمينه، وإن حلف أيماناً على أجناس فقال والله لا أكلت والله لا شربت والله لا لبست فحنث في واحدة منها فعليه كفارة، فإن أخرجها ثم حنث في يمين أخرى لزمته كفارة أخرى لا نعلم في هذا خلافاً لأن الحنث في الثاني تجب به الكفارة بعد أن كفر عن الأولى فأشبه ما لو وطئ في رمضان فكفر ثم وطئ مرة أخرى فإن حنث في الجميع قبل التكفير ففيه روايتان ذكرناهما في المسألة قبل هذا الفصل * (مسألة) * (وإن كانت الأيمان مختلفة الكفارة كالظهار واليمين بالله فلكل يمين كفارتها مثل أن يحلف بالله تعالى وبالظهار وبعتق عبده فإذا وجبت فعليه كفارة يمين وكفارة ظهار ويعتق العبد)

مسألة وإن كانت الأيمان مختلفة الكفارة كالظهار واليمين بالله تعالى فلكل يمين كفارتها مثل أن يحلف بالله تعالى

لأن تداخل الأحكام إنما يكون مع اتحاد الجنس كالحدود من جنس فأما الكفارات فمن أجناس وأسبابها مختلفة فلم تتداخل كحد الزنا والسرقة والقذف والشرب * (مسألة) * (وكفارة العبد الصيام وليس لسيده منعه منه ومن بعضه حر فحكمه في الكفارة حكم الأحرار) لا خلاف في أن العبد يجزئه الصيام في الكفارة ولأن ذلك فرض المعسر من الأحرار وهو أحسن حالاً من العبد فإنه لم يملك في الجملة ولأن العبد داخل في قول الله تعالى (فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام) (فصل) فإن إذن السيد لعبده في التكفير بالمال لم يلزمه لأنه ليس يملك لما أذن له فيه وهل يجزئه بإذن السيد؟ فيه روايتان [إحداهما] لا يجزئه وهو ظاهر كلام الخرقي ولا يجزئه إلا الصيام [والثانية] يجزئه لأن المنع لحق السيد وقد أذن أشبه ما لو أذن له أن يتصدق بالمال وقد ذكرنا ذلك في الظهار والاختلاف فيه، وذكر القاضي أن أصل هذين عنده الروايتان في ملك العبد بالتمليك فإن قلنا يملك بالتمليك فملكه سيده وأذن له بالتكفير بالمال جاز لأنه مالك لما يكفر به وإن قلنا لا يملك بالتمليك ففرضه الصيام لأنه لا يملك شيئاً يكفره، وكذلك إن قلنا إنه يملك ولم يأذن له سيده في التكفير بالمال ففرضه الصيام وإن ملك لأنه محجور عليه ممنوع من التصرف فيما في يديه قال أصحابنا يجعلون في العبد روايتين مطلقاً سواء قلنا يملك أو لا يملك ثم على الرواية التي تجيز له التكفير بالمال له أن يطعم،

مسألة وكفارة العبد الصيام وليس لسيده منعه منه ومن بعضه حر فحكمه في الكفارة حكم الأحرار

وهل له أن يعتق؟ على روايتين [إحداهما] ليس له ذلك لأن العتق يقتضي الولاء والولاية والإرث وليس ذلك للعبد وهذا رواية عن مالك وبه قال الشافعي على القول الذي يجيز له التكفير بالمال أو الثانية له التكفير بالعتق لأن من صح تكفيره بالمال صح تكفيره بالعتق كالحرية ولأنه يملك العبد فصح تكفيره بإعتاقه كالحر، وقولهم أن العتق يقتضي الولاء والولاية ممنوع إذا عتق في الكفارة على ما أسلفناه وإن سلمنا فتخلف بعض الأحكام لا يمنع ثبوت المقتضي فإن الحكم يتخلف لتخلف سببه لا لتخلف أحكامه كما أنه يثبت لوجود سببه، ولأن تخلف بعض الأحكام مع وجود المقتضي أنما يكون لمانع ويجوز أن يختص المنع بها دون غيرها وهذا السبب المقتضي لهذه الأحكام ولا يمنع ثبوته تخلفها عنه في الرقيق على أن الولاء يثبت إعتاق العبد لكن لا يرث به كما لو اختلف ديناهما وهذا اختيار أبي بكر ويفرع عليه إذا أذن له سيده فأعتق نفسه ففيه قولان [أحدهما] يجزئه لانه رقبة تجزئ عن غيره فأجزأت عنه كغيره [والآخر] لا يجزئه لأن الأذن له في الإعتاق ينصرف إلى إعتاق غيره وهذا التعليل يدل على أن سيده إذا أذن له في إعتاق نفسه عن كفارته جاز ومتى أطلق الأذن في الإعتاق فليس له أن يعتق إلا أقل قبة تجزئ عن الواجب وليس له إعتاق نفسه إذا كان مما يجزئ وهذا من أبي بكر يقتضي أن لا يعتبر في التكفير أن يملكه سيده ما يكفر به لأنه لا يملك نفسه بل متى أذن له في التكفير بالإطعام أو الإعتاق أجزأه لأنه لو اعتبر التمليك لما صح له أن يعتق نفسه لأنه لا يملكها ولأن التمليك لا يكون إلا في معين فلا يصح أن يأذن فيه مطلقاً

(فصل) إذا أعتق العبد عبداً عن كفارته بإذن سيده وقلنا أن الإعتاق في الكفارة يثبت به الولاء، لمعتقه ثبت ولاؤه للعبد الذي اعتقه لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إنما الولاء لمن أعتق " ويرث به لأنه ليس من اهل الميراث وانتفاء الإرث لا يمنع ثبوت الولاء كما لو اختلف ديناهما أو قتل المعتق عتيقه فإنه لا يرثه مع ثبوت الولاية عليه فإن عتق المعتق ورث بالولاء لزوال المانع كما إذا كانا مختلفي الدين فأسلم الكافر منها ذكر هذا طلحة العاقولي، ومقتضى هذا ان سيد العبد لا يرث عتيقه في حياة عبده كما لا يرث ولد عبده وإن أعتق عبده ثم مات ورث السيد مولى عبده لأنه مولى مولاه كما أنه لو أعتق العبد وله ولد عليه الولاء لمولى أمه يجر ولاءه ويرثه سيده إذا مات أبوه * (مسألة) * (وليس للسيد منع عبده من التكفير بالصيام سواء كان الحنث والحلف بإذنه أو بغير إذنه وسواء أضربه الصيام أو لم يضربه) وقال الشافعي إن حنث بغير إذنه والصوم يضربه فله منعه لأن السيد لم يأذن له فيما ألزم نفسه مما يتعلق به ضرر على السيد فكان له منعه وتحليله كما لو احرم بالحج بغير إذنه ولنا أنه صوم واجب لحق الله تعالى فلم يكن لسيده منعه كصيام رمضان وقضائه، ويفارق الحج لأن ضرره كثير لطول مدته وغيبته عن سيده وتفويت خدمته ولهذا ملك تحليل زوجته منه ولم يملك منعها صوم الكفارة، فأما صوم التطوع فإن كان فيه ضرر عليه فللسيد منعه منه لأنه يفوت حقه وليس بواجب عليه وإن كان لا يضر به لم يكن لسيده منعه منه لأنه يعبد ربه بما لا مضره فيه فأشبه ذكر الله تعالى وصلاة النافلة في غير وقت خدمته، وللزوج منع زوجته منه في كل حال لأنه يفوت حقه من الاستمتاع ويمنعه منه

مسألة وليس للسيد منع عبده من التكفير بالصيام سواء كان الحنث والحلف بإذنه أو بغير إذنه

(فصل) ومن نصفه حر فحكمه في الكفارة حكم الأحرار، متى ملك لجزئه الحر ما يكفر به لم يجز له الصيام وله التكفير بأحد الأمور الثلاثة وظاهر كلام الشافعي أن له التكفير بالإطعام والكسوة دون الإعتاق لأنه لا يثبت له الولاء ومنهم من قال لا يجزئه إلا الصيام لأنه منقوص بالرق أشبه القن ولنا قول الله تعالى (فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام) وهذا واجد ولأنه يملك ملكاً تاماً فأشبه الحر الكامل ولا نسلم أنه لا يثبت له الولاء ثم إن امتناع بعض أحكامه لا يمنع صحته كعتق المسلم رقيقه الكافر [فصل] والكفارة في حق الحر والعبد والمسلم والكافر سواء لأن الله تعالى ذكر الكفارة بلفظ عام في جميع المخاطبين فدخل الكل في عمومه إلا أن الكافر لا يصح منه التكفير بالصيام لأنه عبادة وليس هو من أهلها ولا بالإعتاق لأن من شرطه الأيمان في الرقبة ولا يجوز لكافر شراء مسلم إلا أن يتفق إسلامه في يديه أو يرث مسلماً فيعتقه فيصح إعتاقه وإن لم يتفق ذلك فتكفيره بالإطعام أو الكسوة فإذا كفر ثم أسلم لم تلزمه إعادة التكفير وإن أسلم قبل التكفير كفر بما يجب عليه في تلك الحال من إعتاق أو إطعام أو كسوة أو صيام ويحتمل على قول الخرقي أنه لا يجزئه الصيام لأنه إنما يكفر بما وجب عليه حين الحنث ولم يكن الصيام مما وجب عليه [فصل] إذا حلف رجل بالله لا يفعل شيئاً فقال له آخر يميني في يمينك لم يلزمه شئ لأن يمين

الأول ليست ظرفاً ليمين الثاني، وإن نوى أنه يلزمني من اليمين ما يلزمك لم يلزمه حكمها قاله القاضي وهو مذهب الشافعي لأن اليمين بالله لا تنعقد بالكناية لأن تعليق الكفارة بها لحرمة اللفظ باسم الله المحترم أو صفة من صفاته ولا يوجد ذلك بالكناية. فأما إن حلف بطلاق فقال آخر يميني في يمينك ينوي أنه يلزمني من اليمين ما يلزمك انعقدت يمينه نص عليه أحمد وسئل عن رجل حلف بالطلاق لا يكلم رجلاً فقال رجل وأنا على مثل يمينك فقال عليه مثل الذي حلف لأن الكناية تدخل في الطلاق، وكذلك يمين العتق وإن لم ينو شيئاً لم تنعقد يمينه لأن الكناية لا تقبل بغير نية وليس قوله هذا بصريح وإن كان المقول له لم يحلف بعد وإنما أراد أنه يلزم الآخر يميناً يحلف بها فحلف المقول لم تنعقد يمين القائل وإن كان في الطلاق والعتاق لانه لابد أن يكون هناك ما يكنى عنه وليس ههنا ما يكنى عنه (فصل) وإذا قال حلفت ولم يكن حلف فقال أحمد هي كذبة وليس عليه يمين وعنه عليه الكفارة لأنه أقر على نفسه والأول المذهب لأنه حكم فيما بينه وبين الله فإن كذب في الخبر به لم يلزمه حكمه كما لو قال ما صليت وقد صلى، ولو قال علي يمين فهي كالتي قبلها وإن نوى القسم فقال أبو الخطاب هي يمين وهو قول أصحاب الرأي وقال الشافعي ليس بيمين لأنه لم يأت باسم الله المعظم ولا صفته فلم يكن يميناً كما لو قال حلفت وهذا أصح إن شاء الله تعالى فإن هذه ليست صيغة اليمين والقسم وإنما هي صيغة الخبر فلا يكون بها حالفاً وإن قدر ثبوت حكمها لزمه أقل ما تناوله الاسم وهو يمين ما وليست كل يمين موجبة للكفارة فلا يلزمه شئ، ووجه الأول أنه كناية عن اليمين وقد نوى بها اليمين فتكون يميناً كالصريح [فصل] وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بإبرار المقسم أو القسم رواه البخاري وهذا والله

أعلم على سبيل الندب لا سبيل الإيجاب بدليل أن أبا بكر رضي الله عنه قال أقسمت عليك يا رسول الله لتخبرني بما أصبت مما أخطأت فقال النبي صلى الله عليه وسلم " لا تقسم يا أبا بكر " ولم يخبره ويحتمل أن يجب ابراره إذا لم يكن فيه ضرر ويكون امتناع النبي صلى الله عليه وسلم من إبرار أبي بكر لما علم من الضرر فيه، وإن أجابه إلى صورة ما أقسم عليه دون معناه عند تعذر المعنى فحسن فإنه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم إن العباس جاءه برجل ليبايعه على الهجرة فقال النبي صلى الله عليه وسلم " لا هجرة بعد الفتح " قال العباس أقسمت عليك يا رسول الله لتبايعنه فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده في يده فقال " أبررت قسم عمي ولا هجرة " فأجابه إلى صورة المبايعة دون ما قصد بيمينه [فصل] وتستحب إجابة من حلف بالله لما روى ابن عمر قال. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من استعاذ بالله فأعيذوه ومن سألكم بالله فأعطوه ومن استجار بالله فأجيروه ومن أتى إليكم معروفاً فكافئوه فإن لم تجدوا فادعوا له حتى تعلموا أن قد كافأتموه " وعن أبي ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ثلاثة يحبهم الله وثلاثة يبغضهم الله: أما الذين يحبهم الله فرجل سأل قوما فسألهم بالله ولم يسألهم بقرابة بينه وبينهم فتخلف رجل بأعقابهم فأعطاه سراً لا يعلم بعطيته الا الله عزوجل والذي أعطاه، وقوم ساروا ليلتهم حتى إذا كان النوم أحب إليهم مما يعدل به فوضعوا رؤوسهم فقام يتملقني ويتلو كتابي، ورجل كان في سرية فلقوا العدو فهزموا فأقبل بصدره حتى يقتل أو يفتح له، والثلاثة الذين يبغضهم الله الشيخ الزاني والفقير المختال والغني الظلوم " رواهما النسائي

* (باب جامع الأيمان) * * (مسألة) * (ويرجع في الأيمان إلى النية فإن لم تكن له نية رجع إلى سبب اليمين وما هيجها) الأيمان مبنية على نية الحالف فإذا نوى بيمينه ما يحتمله انصرفت يمينه إليه سواء كان ما نواه موافقا لظاهر اللفظ أو مخالفاً له، فالموافق للظاهر أن ينوي باللفظ موضوعه الأصلي مثل أن ينوي باللفظ العام العموم وبالمطلق الإطلاق وبسائر الألفاظ ما يتبادر إلى الافهام منها. والحالف يتنوع أنواعاً (أحدها) أن ينوي بالعام الخاص مثل أن يحلف لا يأكل لحماً ولا فاكهة يريد لحماً بعينه وفاكهة بعينها (ومنها) أن يحلف على فعل شئ أو تركه مطلقاً وينوي فعله أو تركه في وقت بعينه مثل أن يحلف لا يتغدى ويريد اليوم أولا أكلت يعني الساعة (ومنها) أن ينوي بيمينه غير ما يفهمه السامع منه كما ذكرنا في المعاريض في مسألة إذا تأول في يمينه فله تأويله (ومنها) أن يريد بالخاص العام مثل أن يحلف لا شربت لفلان الماء من العطش يعني قطع كل ماله فيه منه أو لا يأوي مع امرأته في دار يريد حفاءها بترك اجتماعه بها في جميع الدور أو حلف لا يلبس ثوبا من غزلها يريد قطع منتها به فتعلق يمينه بالانتفاع به أو بثمنه منها مما لها فيه منة عليه وبهذا قال مالك، وقال أبو حنيفة والشافعي لا عبرة بالنية والسبب فيما يخالف لفظه لأن الحنث مخالفة ما وقعت عليه اليمين واليمين لفظة فلو أحنثناه على ما سواه لاحنثناه على ما نوى لا على ما حلف ولأن النية بمجردها لا تنعقد بها اليمين فكذلك لا يحنث بمخالفتها ولنا أنه نوى بكلامه ما يحتمل ويسوغ في اللغة التعبير عنه فتنصرف يمينه إليه كالمعاريض،

باب جامع الأيمان

وبيان احتمال اللفظ له أنه يسوغ في كلام العرب التعبير بالخاص عن العام قال الله تعالى (ما يملكون من قطمير - ولا يظلمون فتيلا - وإذا لا يؤتون الناس نقيرا) والقطمير لفافة النواة والفتيل ما في شقها والنقير النقرة التي في ظهرها ولم يرد ذلك بعينه بل نفى كل شئ، وقال الحطيئة يهيج بني العجلان: * ولا يظلمون الناس حبة خردل * ولم يرد الحبة بعينها إنما أراد لا يظلمونهم شيئاً وقد يذكر العام ويراد به الخاص كقوله تعالى (الذين قال لهم الناس) أراد رجلاً واحداً (إن الناس قد جمعوا لكم) يعني أبا سفيان وقال (تدمر كل شئ بأمر ربها) ولم تدمر السماء والأرض ولا مساكنهم، وإذا احتمله اللفظ وجب صرف اليمين إليه إذا نواه لقول النبي صلى الله عليه وسلم " وإنما لأمرئ ما نوى " ولأن كلام الشارع يحمل على مراده به إذا ثبت ذلك بالدليل فكذلك كلام غيره. قولهم أن الحنث مخالفة ما عقد اليمين عليه قلنا وهذا كذلك فإن اليمين إنما انعقدت على ما نواه ولفظه مصروف إليه وليست هذه نية مجردة بل لفظ منوي به ما يحتمله (فصل) ومن شرائط انصراف اللفظ إلى ما نواه احتمال اللفظ له فإن نوى ما لا يحتمله اللفظ مثل أن يحلف لا يأكل خبزاً يعني به لا يدخل بيتاً فإن يمينه لا تنصرف إلى المنوي لأنها نية مجردة لا يحتملها اللفظ فأشبه ما لو نوى ذلك بغير يمين * (مسألة) * [فإن لم تكن له نية رجع إلى سبب اليمين وما هيجها] إذا عدمت البينة نظرنا في سبب اليمين وما أثارها لدلالتها على النية فإذا حلف ليقضينه حقه غداً فقضاه قبله لم يحنث إذا قصد أن لا يتجاوزه أو كان السبب لا يقتضيه وبهذا قال أبو حنيفة ومحمد

مسألة فإن لم تكن له نية رجع إلى سبب وما هيجها

وأبو ثور وقال الشافعي يحنث إذا قضاه قبله لأنه يترك ما حلف عليه مختارف فحنث كما لو قضاه بعده ولنا أن مقضتى اليمين تعجيل القضاء قبل خروج الغد فإذا قضاه قبله فقد قضى قبل خروج الغد وزاده خيراً ولأن مبنى الأيمان على هذا ونية هذا بيمينه تعجيل القضاء قبل خروجه فتعلقت يمينه بهذا المعنى كما لو صرح به، فإن لم تكن له نية رجع إلى سبب اليمين فإن كان يقتضي التعجيل فهو كما لو نواه لأن السبب يدل على النية، وإن لم ينو ذلك ولا كان السبب يقتضيه فظاهر كلام الخرقي أنه لا يبر إلا بقضائه قبله وقال القاضي يبر على كل حال لأن اليمين للحنث على الفعل فمتى عجله فقد أتى بالمقصود فيه فيبر كما لو نوى ذلك، والأول أصح إن شاء الله تعالى لأنه ترك فعل ما تناولته يمينه لفظا ولم تصرفها عنه نية ولا سبب فحنث كما لو حلف ليصومن شعبان فصام رجباً ويحتمل أن ما قاله القاضي في القضاء خاصة لأن عرف هذه اليمين في القضاء التعجيل فتنصرف اليمين المطلقة إليه. [فصل] فأما غير قضاء الحق كأكل شئ أو شربه أو بيع شئ أو شرائه أو ضرب عبده أو نحوه فمتى عين وقتأً ولم ينو ما يقتضي تعجيله ولا كان سبب يمينه يقتضيه لم يبر إلا بفعله في وقته، وذكر القاضي أنه يبر بتعجيله عن وقته وحكي ذلك عن بعض أصحاب أبي حنيفة. ولنا أنه لم يفعل المحلوف عليه في وقته من غير نية تصرف يمينه ولا سبب فيحنث كالصيام، ولو فعل بعض المحلوف عليه قبل وقته وبعضه في وقته لم يبر لأن اليمين في الإثبات لا يبر فيها إلا بفعل جميع المحلوف عليه، فترك بعضه في وقته كترك جميعه إلا أن ينوي أن لا يجاوز ذلك الوقت أو يقتضي ذلك سببها.

مسألة وإن حلف أن لا يبيع ثوبه إلا بمائة فباعه باكثر لم يحنث وإن باعه بأقل حنث

* (مسألة) * (وإن حلف أن لا يبيع ثوبه إلا بمائة فباعه باكثر لم يحنث أن باعه بأقل حنث) لأن قصده أن لا يبيعه بأقل منها فحنث إذا باعه بالأقل ولا يحنث إذا باعه بأكثر لأن قرينة الحال تدل على ذلك والعرف فهو كما لو حلف ليقضينه حقه غذا فقضاه اليوم، ومقتضى مذهب الشافعي أنه يحنث إذا باعه بأكثر لمخالفته اللفظ * (مسألة) * (ومن حلف لا يبيع ثوبه بعشرة فباعه بها أو بأقل حنث وإن باعه بأكثر لم يحنث) وقال الشافعي لا يحنث إذا باعه بأقل لأنه لم تتناوله يمينه ولنا أن العرف في هذا أن لا يبيعه بها ولا بأقل منها بدليل أنه لو وكل في بيعه إنساناً وأمره أن لا يبيعه بعشرة لم يكن له بيعه بأقل منها، وإن هذا تنبيه على امتناعه من بيعه بما دون العشرة والحكم يثبت بالتنبيه كثبوته باللفظ، وإن حلف لا أشتريه بعشرة فاشتراه بأقل لم يحنث وإن اشتراه بها أو بأكثر منها حنث لما ذكرنا، ومقتضى مذهب الشافعي أن لا يحنث إذا اشتراه بأكثر منها لأن يمينه لم تتناوله لفظاً ولنا أنها تناولته عرفا وتنبيهاً فكان حانثاً كما لو حلف أن ماله علي حبة فإنه يحنث إذا كان عليه أكثر منها، قيل لاحمد رجل حلف لا ينقص هذا الثوب من كذا قال قد أخذته ولكن هب لي كذا؟ قال هذا حيلة، قيل له فإن قال البائع أبيعك بكذا وأهب لفلان شيئاً آخر؟ قال هذا كله ليس بشئ وكرهه. * (مسألة) * (وإن حلف لا يدخل داراً ونوى اليوم لم يحنث بالدخول في غيره)

مسألة ومن حلف لا يبيع ثوبه بعشر فباعه بها أو بأقل حنث وإن باعه بأكثر لم يحنث

لأن قصده يتعلق باليوم فاختص الحنث بالدخول فيه دون غيره * (مسألة) * (وإن دعي إلى غداء فحلف لا يتغدى اختصت يمينه به إذا قصده لما ذكرنا) * (مسألة) * (وإن حلف لا يشرب له الماء من العطش يقصد قطع منته حنث بأكل خبزه واستعارة دابته وكل ما فيه المنة) لأن ذلك للتنبيه على ما هو أعلى منه كقول الله تعالى (ولا يظلمون فتيلا) يريد لا يظلمون شيئاً وقال الشاعر: * ولا يظلمون الناس حبة خردل * * (مسألة) * (وإن حلف لا يلبس ثوبا من غزلها يقصد قطع منتها فباعه واشترى بثمنه ثوبا فلبسه حنث وكذلك إن انتفع بثمنه) هذه المسألة أصل فرع قد تقدم ذكره في أول الباب وهو أن الأسباب معتبرة في الأيمان بتعدى الحكم بتعديها فإذا امتن عليه بثوب فحلف أن لا يلبسه لتنقطع المنة به حنث بالانتفاع به في غير اللبس لأنه نوع انتفاع به تلحق المنة به، فإن لم يقصد قطع المنة ولا كان سبب يمينه يقتضي ذلك لم يحنث الا بما تناولته يمينه وهو لبسه خاصة، فلو أبدله بثوب غيره ثم لبسه أو باعه وأخذ ثمنه لم يحنث لعدم تناول اليمين له لفظاً ونية وسبباً (فصل) فإن فعل شيئاً لها فيه منة عليه سوى الانتفاع بالثوب وبعوضه مثل أن سكن دارها أو أكل طعاماً أو لبس ثوبها لها غير الثوب المحلوف عليه لم يحنث لأن المحلوف عليه الثوب فتعلقت يمينه به أو بما حصل به فلم يتعد إلى غيره لاختصاص اليمين والسبب به

مسألة وإن حلف لا يشرب له الماء من العطش يقصد قطع منته حنث بأكل خبزه واستعارة دابته

(فصل) وإن امتنت امرأته عليه بثوب فحلف أن لا يلبسه قطعاً لمنتها فاشتراه غيرها ثم كساه إياه أو اشتراه الحالف ولبسه على وجه لا منه لها فيه ففيه وجهان (أحدهما) يحنث لمخالفته يمينه لفظاً ولأن لفظ الشارع إذا كان أعم من السبب وجب الأخذ بعموم اللفظ دون خصوص السبب كذا في اليمين ولأنه لو خاصمتة امرأة له فقال نسائي طوالق طلقن كلهن وإن كان سبب الطلاق واحدة كذا ههنا (والثاني) لا يحنث لأن السبب اقتضى تقييد لفظه بما وجد فيه السبب فصار كالمنوي أو كما لو خصصه بقرينة لفظيه: * (مسألة) * (فإن حلف لا يأوي معها في دار يرد جفاءها ولم يكن للدار سبب يهيج يمينه فأوى معها في غيرها حنث) وهذه المسألة أيضاً من فروع اعتبار النية وذلك أنه متى قصد جفاءها بترك الأوي معها ولم يكن للدار أثر في يمينه كان ذكر الدار كعدمه وكأنه حلف لا يأوي معها فإذا أوى معها في غيرها حنث لمخالفته ما حلف على تركه وصار هذا بمنزلة سؤال الإعرابي رسول الله صلى الله عليه وسلم واقعت أهلي نهار رمضان فقال " أعتق رقبة " لما كان ذكره أهله لا أثر له في إيجاب الكفارة حذفناه من السبب وصار السبب الوقاع سواء كان للأهل أو لغيره، وإن كان للدار أثر في يمينه مثل أن يكره سكناها أو خوصم من أجلها أو امتن عليه بها لم يحنث إذا أوى معها في غيرها لأنه قصد بيمينه الجفاء في الدار بعينها فلم يخالف ما حلف عليه

مسألة فإن حلف لا يأوي معها في دار يريد جفاءها ولم يكن للدار سبب يهيج يمينه فأوى معها في غيرها حنث

وإن عدم السبب والنية لم يحنث إلا بفعل ما تناوله لفظه وهو الأوي معها في تلك الدار بعينها لأنه لم يجب اتباع لفظه إذا لم يكن سبب ولا نية تصرف اللفظ عن مقتضاه أو تقتضي زيادة عليه ومعنى الأوي الدخول فمن حلف لا يأوي معها فدخل معها الدار حنث قليلاً كان لبثهما أو كثيراً قال الله تعالى مخبراً عن فتى موسى (إذ أوينا إلى الصخرة) قال أحمدكم كان ذلك إلا ساعة أو ما شاء الله يقال أويت أنا واويت غيري قال الله تعالى (إذ أوى الفتية إلى الكهف) وقال تعالى (وآويناهما إلى ربوة) (فصل) وإن برها بهدية أو غيرها أو اجتمع معها فيما ليس بدار ولا بيت لم يحنث سواء كان للدار سبب في يمينه أو لم يكن لأنه قصد جفاءها بهذا النوع فلم يحنث بغيره فإن حلف أن لا يأوي معها في دار لسبب فزال السبب الموجب ليمينه مثل أن كان السبب امتنانها بها عليه فملك الدار أو صارت لغيرها فأوى معها فيها فهل يحنث؟ على وجهين مضى ذكرهما وتعليلهما (فصل) وإن حلف لا يدخل عليها بيتاً فدخل عليها فيما ليس ببيت فحكمه حكم المسألة التي قبلها إن قصد جفاءها ولم يكن للبيت سبب هيج يمينه حنث وإلا فلا وإن دخل على جماعة هي فيهم يقصد الدخول عليها معهم حنث وكذلك إن لم يقصد شيئاً، وإن استثناها بقلبه ففيه وجهان (أحدهما) لا يحنث كما لو حلف أن لا يسلم عليها فسلم على جماعة هي فيهم يقصد بقلبه السلام على غيرها فإنه لا يحنث (والثاني) يحنث لأن الدخول فعل لا يتميز فلا يصح تخصيصه بالقصد وقد وجد في حق الكل على السواء وهي منهم فحنث به كما لو لم يقصد استثناءها، وفارق السلام فإنه قول يصح تخصيصه بالقصد ولهذا يصح أن يقال السلام عليكم إلا فلاناً ولأن السلام قول يتناول ما يتناوله الضمير في عليكم

والضمير عام يصح أن يراد به الخاص فصح أن يراد به من سواها والفعل لا يتأتى فيه هذا وإن دخل بيتاً لم يعلم أنها فيه فوجدها فيه فهو كالدخول عليها ناسيا ففيه روياتان فإن قلنا لا يحنث بذلك فخرج حين علم بها لم يحنث وكذلك إن حلف لا يدخل عليها فدخلت هي عليه فخرج في الحال لم يحنث وأن أقام معها فهل يحنث؟ على وجهين بناء على من حلف لا يدخل دارا هو فيه فاستدام المقام فهل يحنث؟ على وجهين * (مسألة) * (وإن حلف لعامل لا يخرج إلا بإذنه فعزل أو على زوجته فطلقها أو على عبده فاعتقه ونحوه يريد ما دام كذلك انحلت يمينه وإن لم تكن له نية انحلت يمينه أيضا) ذكره الخرقي لأن الحال تصرف اليمين إليه وذكر في موضع آخر أن السبب إذا كان يقتضي التعميم عممناها به وإن اقتضى الخصوص مثل من نذر لا يدخل بلداً لظلم رآه فيه فزال الظلم فقال أحمد النذر يوفي به، قال شيخنا والأول أولى لأن السبب يدل على النية فصار كالمنوي سواء، وإن حلف لا رأيت منكراً إلا رفعته إلى فلان القاضي فعزل انحلت يمينه إن نوى مادام قاضياً وإن لم ينو احتمل وجهين وقد ذكرنا في أول الباب أن النية إذا عدمت نظرنا في سبب اليمين وما أثارها لدلالته على النية فإذا حلف لا يأوي مع امرأته في هذه الدار وكان سبب يمينه غيظاً من جهة الدار لضرر لحقه منها أو منة عليه بها اختصت يمينه بها، وإن كان لغيظ لحقه من المرأة يقتضي جفاءها لا أثر للدار فيه تعلق بأويه معها في كل دار، ومثله إذا حلف لا يلبس ثوبا من غزلها إن كان سببه المنة عليه منها فكيفما انتفع به أو بثمنه حنث، وإن كان سبب يمينه خشونة غزلها أو رداءته لم تتعد يمينه لبسه وقد دللنا على تعلق اليمين بما نواه والسبب دليل على النية فيتعلق اليمين به وقد ثبت أن كلام الشارع إذا

مسألة وإن حلف لعامل لا يخرج إلا بإذنه فعزل أو على زوجته فطلقها أو على عبده فاعتقه ونحوه

كان خاصاً في شئ لسبب عام تعدى إلى ما وجد فيه السبب لنصه على تحريم التفاضل في أعيان ستة ثبت الحكم في كل ما وجد فيه معناها كذلك في كلام الآدمي مثله، فأما إن كان اللفظ عاماً والسبب خاصاً مثل من دعي إلى غداء فحلف لا يتغدى أو حلف أن لا يقعد فإن كانت له نية فيمينه على ما نوى وإن لم تكن له نية فكلام أحمد يقتضي روايتين (إحداهما) إن اليمين محمولة على العموم لأن أحمد سئل عن رجل نذر لا يدخل بلداً لظلم رآه فيه فزال الظلم فقال النذر يوفي به يعني لا يدخله. ووجه ذلك أن لفظ الشارع إذا كان عاماً لسبب خاص وجب الأخذ بعوم اللفظ لا بخصوص السبب كذلك يمين الحالف وذكر القاضي فيمن حلف على زوجته أو عبده أن لا يخرج إلا بإذنه فعتق العبد وطلقت المرأة وخرجا بغير إذنه لا يحنث لأن قرينة الحال تنقل حكم الكلام إلى نفسها وإنما يملك منع الزوجة أو العبد مع ولايته عليهما فكأنه قال ما دمتما في ملكي، ولأن السبب يدل على النية في الخصوص كدلالته عليها في العموم ولو نوى الخصوص لاختصت يمينه به فكذلك إذا وجد ما يدل عليها. ولو حلف لعامل لا يخرج إلا بإذنه فعزل أو حلف لا يرى منكراً إلا رفعه إلى فلان القاضي فعزل ففيه وجهان بناء على ما تقدم (أحدهما) لا تنحل اليمين بعزله قال القاضي هذا قياس المذهب لأن اليمين إذا تعلقت بيمين موصوفة تعلقت بالعين وإن تغيرت الصفة وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشافعي (والوجه الآخر) تنحل اليمين بعزله وهو مذهب أبي حنيفة لأنه لا يقال رفعه إليه إلا في حال ولايته. فعلى هذا إن رأى المنكر في ولايته فأمكنه رفعه فلم يرفعه إليه حتى عزل لم يبر برفعه إليه في حال العزل وهل يحنث بعزله؟ فيه وجهان

(أحدها) يحنث لأنه قد فات رفعه إليه فأشبه ما لو مات (والثاني) لا يحنث لأنه لم يتحقق فواته لاحتمال أن يلي فيرفعه إليه بخلاف ما لو مات فإنه يحنث لأنه قد تحقق فواته، وإن مات قبل إمكان رفعه إليه حنث أيضاً لأنه قد فات فأشبه ما لو حلف ليضر بن عبده في غد فمات العبد اليوم ويحتمل أن لا يحنث لأنه لم يتمكن من فعل المحلوف عليه فأشبه المكره، وإن قلنا لا تنحل يمينه فعزل فرفعه إليه بعد عزله بر بذلك (فصل) وإن اختلف السبب والنية مثل أن امتنت عليه امرأته بغزلها فحلف أن لا يلبس ثوبا من غزلها ينوي اجتناب اللبس خاصة دون الانتفاع بثمنه وغيره قدمت النية على السبب وجهاً واحداً لأن النية وافقت مقتضى اللفظ وإن نوى بيمينه ثوباً واحداً فكذلك في ظاهر كلام الخرقي وقال القاضي يقدم السبب لأن اللفظ، ظاهر في العموم والسبب يؤكد ذلك الظاهر ويقويه لأن السبب هو الامتنان وظاهر حاله قصد قطع المنة فلا يلتفت إلى نيته المخالفة للظاهرين والأول أصح لأن السبب إنما اعتبر لدلالته على القصد فإذا خالف حقيقة القصد لم يعتبر فكان وجوده كعدمه فلم يبق إلا اللفظ بعمومه والنية تخصه على ما بيناه فيما مضى * (فصل) * قال الشيخ رحمه الله (فإن عدم ذلك رجع إلى التعيين - يعني إذا عدمت النية والسبب رجع إلى التعيين - فإذا حلف لا يدخل دار فلان هذه فدخلها وقد صارت فضاء أو حماماً أو مسجداً أو باعها فلان، أو لالبست هذا القميص فجعله سراويل أو رداء أو عمامة ولبسه، أو لا كلمت هذا الصبي فصار شيخا أو امرأة فلان أو صديقة فلان أو غلامه سعداً فطلقت الزوجة وزالت الصداقة وعتق العبد فكلمهم، أو لا أكلت لحم هذا الحمل فصار كبشاً أو لا أكلت هذا الرطب فصار تمراً أو دبساً أو خلا أو لا أكلت هذا اللبن فتغير أو عمل منه شئ فأكله حنث في ذلك كله ويحتمل أن لا يحنث)

وجملة ذلك أنه إذا حلف على شئ عينه بالإشارة مثل إن حلف لا يأكل هذا الرطب لم يخل من حالين (أحدهما) أن يأكله رطبا فيحنث بلا خلاف بين الجميع لكون فعل ما حلف على تركه صريحا (الثاني) أن تتغير صفته فذلك خمسة أقسام (أحدها) أن تستحيل أجزاؤه ويتغير اسمه مثل إن حلف لا أكلت هذه البيضة فصارت فرخاً أو لا أكلت هذه الحنطة فصارت زرعا فأكله فلا يحنث لأنه زال اسمه واستحالت أجزاؤه وعلى قياسه لا شربت هذا الخمر فصار خلا وشربه (القسم الثاني) وتغيرت صفته وزال اسمه مع بقاء أجزائه مثل أن حلف لا أكلت هذا الرطب فصار تمراً، أو لا كلمت هذا الصبي فصار شيخاً، أو لا أكلت هذا الحمل فصار كبشاً، أو لا دخلت هذه الدار فدخلها بعد تغيرها (1) وقاله أبو يوسف في الحنطة إذا صارت دقيقاً وللشافعي في الرطب إذا صار تمراً والصبي إذا صار شيخاً والحمل إذا صار كبشاً وجهان وقالوا في سائر الصور لا يحنث لأن اسم المحلوف عليه وصورته زالت فلم يحنث كما لو حلف لا يأكل هذه البيضة فصارت فرخا ولنا أن عين المحلوف عليه باقية فحنث كما لو حلف لا أكلت هذا الحمل فأكل لحمه أو لا لبست هذا الغزل فصار ثوباً ولبسه أو لا لبست هذا الرداء فلبسه بعد أن صار قميصاً أو سراويل، وفارق البيضة إذا صارت فرخا لان أجزاءها استحالب فصارت عينا أخرى ولم تبق عينها ولأنه لا اعتبار بالاسم مع التعيين كما لو حلف لا كلمت زيداً هذا فغير اسمه أو لا كلمت صاحب الطيلسان

_ (1) سقط من الاصل هنا كلام كثير يراجع في المغني

فكلمه بعد بيعه ولأنه متى اجتمع التعيين مع غيره فما يعرف به كان الحكم للتعيين كما لو اجتمع مع الإضافة (القسم الثالث) تبدلت الإضافة مثل أن حلف لا كلمت زوجة زيد هذه ولا عبده هذا ولا دخلت داره هذه فعلق الزوجة وباع العبد والدار فكلمهما ودخل حنث وبه قال مالك والشافعي ومحمد وزفر، وقال أبو حنيفة وابو يوسف لا يحنث إلا في الزوجة لأن الدار لا توالى ولا تعادى وإنما الامتناع لأجل مالكها فتعلقت اليمين بها مع بقاء ملكه عليه وكذلك العبد في الغالب ولنا أنه إذا اجتمع في اليمين التعيين والإضافة كان الحكم للتعيين كما لو قال والله لا كلمت زوجة فلان ولا صديقه. وما ذكروه لا يصح في العبد لأنه يوالى ويعادى ويلزمه في الدار إذا أطلق ولم يذكر مالكها فإنه يحنث بدخولها بعد بيع مالكها إياها (القسم الرابع) إذا تغيرت صفته بما يزيل اسمه ثم عادت كمقص انكسر ثم أعيد وقلم كسر ثم بري وسفينة نقضت ثم أعيدت فإنه يحنث لأن اجزاءها واسمها موجودان فأشبه ما لو لم يتغير (القسم الخامس) إذا تغيرت صفته بما لا يزيل اسمه كلحم شوي وعبد بيع ورجل مرض فإنه يحنث به بلا خلاف نعلمه لأن الاسم الذي علق عليه اليمين لم يزل، ولا زال التغيير فحنث به كما لو لم يتغير حاله (فصل) وإن قال والله لا كلمت سعداً زوج هند او سيد صبيح أو صديق عمرو أو مالك هذا الدار أو صاحب الطيلسان، أو لا كلمت هندا امرأة سعد أو صبيحاً عبده او عمرا صديقه ف؟ لق الزوجة وباع العبد والدار والطيلسان وعادى عمرا وكلمهم حنث لأنه متى اجتمع الاسم والاضافة غلب الاسم بجريانه مجرى التعيين في تعريف المحل (فصل) ولو حلف لا يلبس هذا الثوب وكان رداء في حال حلفه فارتدى به او اتزر أو اعتم به

أو جعله قميصاً أو سراويل أو قباء فلبسه حنث، وكذلك إن كان قميصاً فارتدى به أو سراويل فاتزر بها وهذا هو الصحيح من مذهب الشافعي لأنه قد لبسه، وإن قال في يمينه لا لبسته وهو رداء فغيره عن كونه رداء ولبسه لم يحنث لأن اليمين وقعت على ترك لبسه رداء، وكذلك أن نوى بيمينه في شئ من هذه الأشياء مادام على تلك الصفة والإضافة وما لم يتغير في هذه المسائل المذكورة في هذا الفصل والذي قبله لقوله عليه السلام " وانما لا مرئ ما نوى) * (فصل) * قال الشيخ رحمه الله (فإن عدم ذلك رجعنا إلى ما يتناوله الاسم. والأسماء تنقسم ثلاثة أقسام شرعية وحقيقية وعرفية) وجملة ذلك أن الأسماء تنقسم على ستة أقسام (أحدها) ماله مسمى واحد كالرجل والمرأة والإنسان والحيوان فهذا تنصرف اليمين إلى مسماه بيغر خلاف (والثاني) ماله موضوع شرعي وموضوع لغوي كالوضوء والصلاة والطهارة والزكاة والصوم والحج والعمرة والبيع فهذا ينصرف اليمين عند الاطلاق إلى الموضوع الشرعي دون اللغوي لا نعلم أيضاً فيه خلافاً إلا ما ذكره فيما يأتي إن شاء الله (الثالث) ماله موضوع حقيقي ومجاز لم يستعمل أكثر من الحقيقة كالأسد والبحر فيمين الحالف ينصرف عند الاطلاق إلى الحقيقة دون المجاز لأن كلام الشارع إذا ورد مثل هذا حمل على حقيقته دون مجازه كذلك اليمين (الرابع) الأسماء العرفية، وهي ما يشتهر مجازه حتى تصير الحقيقة مغمورة فيه فهذا على ضروب (أحدها) ما يغلب على الحقيقة بحيث لا يعلمها أكثر الناس كالرواية وهي في العرف اسم للمزادة

وفي الحقيقة اسم لما يستقى عليه من الحيوانات، والظعينة في العرف المرأة وفي الحقيقة الناقة التي يظعن عليها، والعذرة والغائط في العرف الفضلة المستقذرة، وفي الحقيقة العذرة فناء الدار ولذلك قال علي رضي الله عنه لقوم ما لكم لا تنظفون عذراتكم؟ يريد أفنيتكم، والغائط المطمئن من الأرض. فهذا وأشباهه يصرف يمين الحالف إلى المجاز دون الحقيقة لأنه الذي يريده بيمينه ويفهم من كلامه فأشبه الحقيقة في غيره (الضرب الثاني) أن يخص عرف الاستعمال بعض الحقيقة بالاسم الموضوع ويتنوع أنواعاً نذكرها إن شاء الله في المسائل كادابة والريحان وغير ذلك * (فصل) * في الأسماء الشرعية، إذا حلف لا يبيع فباع بيعاً فاسداً أو لا ينكح فنكح نكاحاً فاسداً لم يحنث إلا أن يضيف اليمين إلى شئ لا تتصور فيه الصحة مثل أن يحلف أن لا يبيع الحر أو الخمر فيحنث بصورة البيع إذا حلف أن لا يبيع ولا ينكح انصرف إلى الصحيح دون الفاسد وبهذا قال الشافعي، وقال أبو حنيفة إذا قال لعبده إن زوجتك أو بعتك فأنت حر فزوجه تزويجاً فاسداً لم يعتق، وإن باعه بيعاً فاسداً يملك به حنث لأن البيع ينصرف إلى الصحيح بدليل قول الله تعالى (وأحل الله البيع) وأكثر ألفاظه في البيع إنما تنصرف إلى الصحيح فلا يحنث بما دونه كما في النكاح وكالصلاة وغيرهما وما ذكروه من ثبوت الملك به ممنوع، وقال ابن أبي موسى لا يحنث بالنكاح الفاسد وهل يحنث بالبيع الفاسد؟ على

روايتين، وقال أبو الخطاب إن نكحها نكاحاً مختلفاً فيه مثل أن يتزوجها بلا ولي ولا شهود أو باع في وقت النداء فعلى وجهين، وقال ابن أبي موسى إن تزوجها زواجاً مختلفاً فيه أو ملك ملكاً مختلفاً فيه حنث فيهما جميعاً ولنا أنه نكاح فاسد وبيع فاسد فلم يحنث بهما كالمتفق على فسادهما (فصل) والماضي والمستقبل سواء في هذا وقال محمد بن الحسن إذا حلف ما تزوجت ولا صليت ولا بعت وكان قد فعله فاسداً حنث لأن الماضي لا يقصد منه إلا الإسم والإسم يتناوله، والمستقبل بخلافه فإنه يراد بالنكاح والبيع الملك وبالصلاة القربة ولنا أن ما لا يتناوله الإسم في المستقبل لا يتناوله في الماضي وكغير المسمى وما ذكره لا يصح لأن الإسم لا يتناول إلا الشرعي ولا يحصل (فصل) فإن حلف لا يبيع فباع بيعاً فيه الخيار حنث، وقال أبو حنيفة لا يحنث لأن الملك لا يثبت في مدة الخيار فأشبه البيع الفاسد ولنا أنه بيع صحيح شرعي فيحنث به كالبيع اللازم وما ذكره ممنوع فإن بيع الخيار يثبت الملك به بعد انقضاء الخيار بالاتفاق وهو سبب له فكذلك قبله (فصل) وإن حلف لا يبيع أو لا يزوج فأوجب البيع والنكاح ولم يقبل المتزوج والمشتري لم يحنث وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي ولا نعلم فيه خلافاً لأن البيع والنكاح عقدان لا يتمان إلا بالقبول فلم يقع الإسم على الإيجاب بدونه فلم يحنث به

(فصل) وإن أضاف اليمين في البيع والنكاح إلى ما تتصور فيه الصحة كالخمر والخنزير والحر حنث كصورة البيع لأنه يتعذر حمل يمينه على عقد صحيح فتعين محملاً له ويحتمل أن لا يحنث لأنه ليس ببيع في الشرع * (مسألة) * (وذكر الفاضي فيمن قال لامرأته إن سرقت مني شيئاً ويعينه فأنت طالق ففعلت لم تطلق) لأن البيع الشرعي لم يوجد (1) والأول أولى لأن صورة البيع وجدت (فصل) وإن حلف لا يتزوج حنث بمجرد الإيجاب والقبول الصحيح لا نعلم فيه خلافا لأن ذلك يحصل به المسمى الشرعي فتناولته يمينه، وإن حلف ليتزوجن بر بذلك سواء كانت له امرأة أو لم تكن وسواء تزوج نظيرتها أو أعلى منها إلا أن يحتال على حل يمينه بتزوج لا يحصل المقصود مثل ان يواطئ امرأته على نكاح لا يغيظها به فلا يبر وبهذا قال أصحابنا إذا حلف ليتزوجن على امرأته لا يبر حتى يتزوج نظيرتها ويدخل بها وهو قول مالك لأنه قصد غيظ زوجته ولا يحصل إلا بذلك ولنا أنه تزوج تزويجاً صحيحاً فبر به كما لو تزوج نظيرتها والدخول غير مسلم فإن الغيظ يحصل بمجرد الخطبة وإن حصل بما ذكروه زيادة في الغيظ فلا يلزمه الزيادة على الغيظ الذي يحصل بما تناولته يمينه كما أنه لا يلزمه نكاح اثنين ولا ثلاثة ولا أعلى من نظيرتها والذي تناولته يمينه مجرد التزويج ولذلك لو حلف لا يتزوج على امرأة حنث بهذا فكذلك يحصل البر به لأن المسمى واحد فما تناوله النفي تناوله في الإثبات وإنما لا يبر إذا زوج تزويجاً لا يحصل به الغيظ كما ذكرناه من الصورة ونظائرها لأن مبنى الأيمان على المقاصد والنيات ولم يحصل مقصوده ولأن التزويج يحصل ههنا حيلة على التخلص من

مسألة وذكر القاضي فيمن قال لامرأته إن سرقت مني شيئا ويعينه فأنت طالق ففعلت لم تطلق

يمينه بما لا يحصل مقصودها فلم تقبل منه حيلته وقد نص أحمد على هذا فقال إذا حلف ليتزوجن على امرأته فتزوج بعجوز أو زنجية لا يبر لأنه أراد أن يغيظها ويغيرها ويغمها وبهذا لا تغار ولا تغتم فعلله أحمد بما يغيظ به الزوجة ولأن الغيظ لا يتوقف على ذلك، ولو قدر أن تزوج العجوز يغيظها والزنجية لبر به وإنما ذكره أحمد لأن الغالب أنه لا يغيظها لأنها تعلم أنه أنما فعل ذلك حيلة لئلا يغيظها ويبر به (فصل) وإن حلف لا تسريت فوطئ جاريته حنث ذكره أبو الخطاب وقال القاضي لا يحنث حتى يطأ فينزل فحلا كان أو خصيا وقال أبو حنيفة لا يحنث حتى يحصنها ويحجبها عن الناس لأن التسري مأخوذ من السر وهو الوطئ لأنه يكون في السر قال الله تعالى (ولكن لا تواعدوهن سرا) وقال الشاعر: فلن تطلبوا سرها للغنى * ولن تسلموها لازهادها وقال الآخر لقد زعمت بسباسة القوم أنني * كبرت وأن لا يحسن السر أمثالي ولأن ذلك حكم تعلق بالوطئ فلم يعتبر فيه الأنزال ولا التحصن كسائر الأحكام * (مسألة) * (إذا حلف لا يصوم لم يحنث حتى يصوم يوما) هذا اذا لم يسم عدداً ولم ينوه وأقل ذلك صوم يوم لا خلاف فيه لأنه ليس في الشرع صوم مفرداً أقل من يوم فلزمه لأنه اليقين

مسألة إذا حلف لا يصوم لم يحنث حتى يصوم يوما

* (مسألة) * (وإن حلف لا يصلي لم يحنث حتى يفرغ مما يقع عليه اسم الصلاة) وفيه روايتان (إحداهما) يجزئه ركعة نقلها اسماعيل بن سعيد لأن أقل الصلاة ركعة فإن الوتر صلاة مشروعة وهي ركعة واحدة وروي عن عمر رضي الله عنه أنه تطوع بركعة واحدة (والثانية) لا يجزئه إلا ركعتان وبه قال أبو حنيفة لأن أقل صلاة وجبت بالشرع ركعتان فوجب حمل اليمين عليه وقد قيل إنما يجب ركعتان في النذر لأنه واجب، أما الوتر فهو نفل ولأن الركعة لا تجزئ في الفرض فلا تجزئ في النفل قياساً عليه وكالسجدة وللشافعي قولان كالروايتين وقال القاضي إن حلف لا صليت صلاة لم يحنث حتى يفرغ من أقل ما يقع عليه اسم الصلاة على ما ذكرنا وإن حلف لا يصلي حنث بالتكبير وهذا أشبه ما إذا قال لزوجته إن حضت حيضة فأنت طالق فإنها لا تطلق حتى تحيض ثم تطهر، ولو قال إن حضت طلقت بأول الحيض لأنه إذا شرع في الصلاة يسمى مصلياً. قال شيخنا: يحتمل أن يخرج على هذا الروايتين فيمن حلف لا يفعل شيئاً ففعل بعضه (فصل) وإن حلف لا يهب زيداً شيئاً ولا يوصي له ولا يتصدق عليه ففعل ولم يقبل زيد حنث إذا حلف لا يهب زيداً شيئاً أو لا يعيره فأوجب ذلك ولم يقبل زيد حنث ذكره القاضي وهو قول أبي حنيفة وابن شريح لأن الهبة والعارية لا عوض فيهما فكان مسماهما الإيجاب والقبول شرط لنقل الملك وليس هو من السبب فيجب بمجرد الإيجاب فيه كالوصية وقال الشافعي لا يحنث بمجرد الإيجاب لأنه عقد لا يتم إلا بالقبول فلم يجب بمجرد الإيجاب كالنكاح والبيع، فأما الهدية والوصية والصدقة

مسألة وإن حلف لا يصلي لم يحنث حتى يفرغ مما يقع عليه اسم الصلاة

فتجب بمجرد الإيجاب وذكره أبو الخطاب قال شيخنا ولا أعلم قولا للشافعي إلا أن الظاهر أنه لا يخالف في الوصية والهدية لأن الإسم يقع عليها بدون القبول ولهذا لما قال الله تعالى (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين) إنما أراد الإيجاب دون القبول ولان الوصية تصح قبل موت الموصي ولا قبول لها حينئذ * (مسألة) * (وإن حلف لا يتصدق عليه فوهبه لم يحنث لأن التصدق نوع من الهبة ولا يحنث الحالف على نوع آخر ولا يثبت للجنس حكم النوع ولهذا حرمت الصدقة على النبي صلى الله عليه وسلم ولم تحرم الهبة ولا الهدية بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم في اللحم الذي تصدق به على بريرة " هو عليها صدقة ولنا هدية " وإن حلف لا يهبه شيئاً فأسقط عنه ديناً لم يحنث إلا أن ينوي لأن الهبة تمليك عين وليس له إلا دين في ذمته * (مسألة) * (وإن حلف لا يهبه فتصدق عليه حنث وكذلك إن اهدى له أو أعمره) لأن ذلك من أنواع الهبة وإن أعطاه من الصدقة الواجبة يحنث لأن ذلك حق لله تعالى عليه يجب إخراجه فليس هو هبة منه فإن تصدق عليه تطوعا حنث قال القاضي هو مذهب الشافعي وقال أبو الخطاب لا يحنث وهو قول أصحاب الرأي لأنهما يختلفان اسما وحكما بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم " هو عليها صدقة ولنا هدية " وكانت الصدقة محرمة عليه والهدية حلال له ويقبل الهدية

مسألة وإن حلف لا يهبه فتصدق عليه حنث وكذلك إن اهدى له أو أعمره

ولا يقبل الصدقة ومع هذا الاختلاف لا يحنث في أحدهما بفعل الآخر، ووجه الأول أنه تبرع بعين في الحياة فحنث به كالهدية ولأن الصدقة تسمى هبة فلو تصدق بدرهم قيل وهب درهما وتبرع بدرهم واختلاف التسمية لكون الصدقة نوعا من الهبة فتخص باسم دونها كاختصاص الهدية والعمري باسمين ولم يخرجهما ذلك عن كونهما هبة وكذلك اختلاف الأحكام فإنه قد يثبت للنوع ما لا يثبت للجنس كما يثبت للآدمي من الأحكام ما لا يثبت لمطلق الحيوان * (مسألة) * (وإن أعاره لم يحنث إلا عند أبي الخطاب) لأن العارية هبة المنفعة وقال القاضي لا يحنث وهو مذهب الشافعي وهو الصحيح لأن الهبة تمليك الأعيان وليس في العارية تمليك عين ولأن المستعير لا يملك المنفعة وإنما يستحقها ولهذا يملك المعير الرجوع ولا يملك المستعير إجارتها * (مسألة) * [وإن وقف عليه حنث قاله أبو الخطاب] لأنه تبرع له بعين في الحياة، ويحتمل أن لا يحنث لأن الوقف لا يملك في رواية ولأنه لا يطلق عليه اسم الهبة * (مسألة) * (وإن وصى له لم يحنث) لأن الهبة تمليك في الحياة والوصية إنما تملك بالقبول بعد الموت. * (مسألة) * (وإن باعه وحاباه حنث في أحد الوجهين) .

مسألة وإن باعه وحاباه حنث في أحد الوجهين

لأنه ترك له بعض المبيع بغير عوض أو هبة بعض الثمن، والوجه الآخر أنه لا يحنث وهو أولى لأنها معاوضة يملك الشفيع أخذ جميع المبيع ولو كان هبة أو بعضه لم يملك أخذه كله وإن أضافه لم يحنث لأنه لا يملكه شيئاً وإنما أباحه الأكل ولهذا لا يملك التصرف بغيره. * (فصل) * قال رحمه الله (القسم الثاني الأسماء الحقيقية، فإذا حلف لا يأكل اللحم فأكل الشحم أو المخ أو الكبد أو الطحال أو القلب أو الكرش أو المصران أو الألية أو الدماغ أو القانصة لم يحنث) وجملة ذلك أن الحالف على أكل اللحم لا يحنث بأكل ما ليس بلحم من الشحم والمخ وهو الذي في العظام والدماغ وهو الذي في الرأس في قحفه ولا الكبد والطحال والرئة والقلب والكرش والمصران والقانصة ونحوها، وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة ومالك يحنث بأكل هذا كله لأنه لحم حقيقة ويتخذ منه ما يتخذ من اللحم فأشبه لحم الفخذ. ولنا أنه لا يسمى لحماً وينفرد عنه باسمه وصفته، ولو أمر وكيله بشراء لحم فاشترى هذا لم يكن ممتثلاً لأمره ولا ينفذ الشراء للموكل فلم يحنث بأكله كالبغل، وقد دل على أن الكبد والطحال ليسا لحما قول النبي صلى الله عليه وسلم " أحلت لنا ميتتان ودمان أما الدمان فالكبد والطحال " ولا نسلم أنه لحم حقيقة بل هو من الحيوان كالعظم والدم فأما أن قصد اجتناب الدسم حنث بأكل الشحم، لأن له دسماً وكذلك المخ وكل ما فيه دسم ولا يحنث بأكل الألية، قال بعض أصحاب الشافعي يحنث لأنها نابته في اللحم وتشبهه في الصلابة ولا يصح ذلك لأنها لا تسمى لحماً ولا يقصد منها ما يقصد منه وتخالفه

في اللون والذوب والطعم فلم يحنث بأكلها كشحم البطن فأما الذي على الظهر والجنب وفي تضاعيف اللحم فلا يحنث في أكله في ظاهر كلام الخرقي فإنه قال اللحم لا يخلو من الشحم يشير إلى ما يخالط اللحم مما تذيبه النار وهذا كذلك وهو قول طلحة العاقولي وممن قال هذا شحم أبو يوسف ومحمد، وقال القاضي هو لحم يحنث بأكله من حلف لا يأكل شحما وهو مذهب الشافعي لأنه لا يسمى شحماً ولا بائعه شحاماً ولا يفرد عن اللحم مع الشحم ويسمى بائعه لحاما ويسمى لحماً سميناً ولو وكل في شراء لحم فاشتراه الوكيل لزمه ولو اشتراه الوكيل في شراء الشحم لم يلزمه. ولنا قول الله تعالى (ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومها إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم) ولأنه يشبه اللحم في صفته وذوبه ويسمى دهناً فكان شحما كالذي في البطن ولا نسلم أنه لا يسمى شحما ولا أنه يسمى بمفرده لحماً وإنما يسمى اللحم الذي هو عليه لحماً سميناً ولا يسمى بائعه شحاماً لأنه لا يباع بمفرده وإنما يباع تبعاً للحم وهو تابع له في الوجود والبيع فلذلك سمي بائعه لحاما ولم يسم شحاما لأنه سمي بما هو الأصل دون التبع. * (مسألة) * (وإن أكل المرق لم يحنث) . وقد قال أحمد لا يعجبني قال أبو الخطاب هذا على سبيل الورع وقال ابن موسى والقاضي يحنث لأن المرق لا يخلو من أجزاء اللحم الذائبة فيه، وقد قيل المرق أحد اللحمين. ولنا أنه ليس بلحم حقيقة ولا يطلق عليه اسم اللحم فلا يحنث به كالكبد ولا نسلم أن أجزاء اللحم

مسألة وإن أكل المرق لم يحنث

فيه وإنما فيه ماء اللحم ودهنه وليس ذلك بلحم وأما المثل فإنما أريد به المجاز كما في نظائره من قولهم الدعاء أحد الصدقتين وقلة العيال أحد اليسارين وهذا دليل على أنها ليست بلحم لأنه جعلها غير اللحم الحقيقي. (فصل) فإن أكل رأساً أو كراعا لا يحنث إلا أن ينوي لا يشتري من الشاة شيئاً، قال القاضي لأن إطلاق اسم اللحم لا يتناول الرؤوس والكوارع، ولو وكله في شراء لحم فاشترى رأسا أو كارعاً لم يلزمه ويسمى بائع ذلك رواساً ولا يسمى لحاماً، وقال أبو الخطاب يحنث بأكل لحم الخد لأنه لحم حقيقة وحكي عن ابن أبي موسى أنه لا يحنث حتى ينويه باليمين، وإن أكل اللسان احتمل وجهين [أحدهما] يحنث لأنه لحم حقيقة [والثاني] لا يحنث لأنه منفرد عن اللحم باسمه وصفته فاشبه القلب. * (مسألة) * [وإن حلف لا يأكل الشحم فأكل شحم الظهر حنث] . ظاهر هذا أن الشحم كل ما يذوب بالنار مما في الحيوان وهو ظاهر كلام الخرقي وظاهر الآية والعرف يشهد لذلك، وهو ظاهر قول أبي الخطاب وطلحة العاقولي، وهو قول أبي يوسف ومحمد ابن الحسن، وقال القاضي الشحم هو الذي يكون في الجوف من شحم الكلى أو غيره وإن أكل من كل شئ من الشاة من لحمها الأحمر والأبيض والألية والكبد والطحال والقلب فقال شيخنا يعني

مسألة وإن حلف لا يأكل الشحم فأكل شحم الظهر حنث

ابن حامد لا يحنث لأن اسم الشحم لا يقع عليه وهو قول أبي حنيفة والشافعي وقد سبق الكلام في أن شحم الظهر والجنب شحم فيحنث به، فأما إن أكل اللحم الأحمر وحده ولم يظهر فيه شئ من الشحم فقال الخرقي يحنث لأنا قد ذكرنا أن الشحم كل ما يذوب بالنار ولا يكاد اللحم يخلو من شئ منه وإن قل فيحنث به ولأنه يظهر في الطبخ فيبين على وجه المرق وإن قل وهذا يفارق من حلف لا يأكل سمناً فأكل خبيصاً فيه سمن لا يظهر فيه طعمه ولا لونه فإن هذا يظهر الدهن فيه، وقال غير الخرقي من أصحابنا لا يحنث وهو الصحيح لأنه لا يسمى شحما ولا يظهر فيه طعمه ولا لونه والذي يظهر في المرق قد فارق اللحم فلا يحنث بأكل اللحم الذي كان فيه. (فصل) ويحنث بالأكل من الألية في ظاهر كلام الخرقي وموافقيه لأنها دهن تذوب بالنار وتباع مع الشحم ولا تباع مع اللحم، وعلى قول القاضي وموافقيه ليست شحما ولا لحما فلا يحنث به الحالف على تركهما. (فصل) إذا حلف لا يأكل لحما حنث بأكل اللحم المحرم كالميتة والخنزير والمغصوب وبه قال أبو حنيفة وقال الشافعي في أحد قوليه لا يحنث بأكل اللحم المحرم بأصله لأن يمينه تنصرف إلى ما يحل دون ما يحرم فلا يحنث بما لا يحل كما لو حلف لا يبيع فباع بيعاً فاسداً. ولنا أن هذا لحم حقيقة وعرفا فحنث به كالمغصوب وقد سماه الله تعالى لحما فقال (ولحم الخنزير)

وما ذكروه يبطل بما إذا حلف لا يلبس ثوبا فلبس ثوب حرير، وأما البيع الفاسد فلا يحنث به لأنه ليس ببيع في الحقيقة. * (مسألة) * (وإن حلف لا يأكل لبنا فأكل زبدا أو سمنا أو كشكا أو بصلا أو جبنا لم يحنث وإن حلف على الزبد والسمن فأكل لبناً لم يحنث) إذا حلف لا يأكل لبناً فأكل من لبن الأنعام أو الصيد أو لبن آدمية حنث لأن الاسم يتناوله حقيقة وعرفاً وسواء كان حليباً أو رائباً أو مائعاً أو مجمداً لأن الجميع لبن. ولا يحنث بأكل الجبن والسمن والبصل والأقط والكشك، وإن أكل زبداً فكذلك نص عليه وقال القاضي يحتمل أن يقال في الزبد إن ظهر فيه لبن حنث بأكله وإلا فلا كما لو حلف لا يأكل سمناً فأكل خبيصاً فيه سمن وهذا مذهب الشافعي، وإن حلف لا يأكل زبداً فأكل سمناً أو لبنا لم يظهر فيه الزبد لم يحنث وإن كان الزبد فيه ظاهراً حنث وإن أكل لبناً لم يحنث وكذلك سائر ما يصنع من اللبن سوى السمن لم يحنث وإن أكل السمن منفرداً أو في عصيدة أو حلواء أو طبيخ يظهر فيه طعمه حنث وكذلك إذا حلف لا يأكل لبناً فأكل طبيخاً فيه لبن أو لا يأكل خلاً فأكل طبيخاً فيه خل يظهر فيه طعمه حنث وبهذا قال

مسألة وإن حلف لا يأكل لبنا فأكل زبدا أو سمنا أو كشكا أو بصلا أو جبنا لم يحنث

الشافعي وقال بعض أصحابنا لا يحنث لأنه لم يفرده بالأكل ولا يصح لأنه أكل المحلوف عليه وأضاف إليه غيره فحنث كما لو أكله وأكل غيره * (مسألة) * (وإن حلف على الفاكهة فأكل من ثمر الشجر كالجوز واللوز والتمر والرمان حنث وإن أكل البطيخ حنث ويحتمل أن لا يحنث) إذا حلف لا يأكل فاكهة حنث بأكل ما يسمى فاكهة وذلك كل ثمرة تخرج من الشجر يتفكه بها من العنب والرطب والرمان والسفرجل والتفاح والكمثرى والخوخ والمشمش والأترج والتوت والنبق واللوز والجميز وبهذا قال الشافعي وأبويوسث ومحمد بن الحسن وقال أبو حنيفة وأبو ثور لا يحنث بأكل ثمرة النخل والرمان لقول الله تعالى (فيهما فاكهة ونخل ورمان) والمعطوف يغاير المعطوف عليه ولنا أنها ثمرة شجرة يتفكه بها فكانا من الفاكهة كسائر الأثمار ولأنهما فاكهة في عرف الناس ويسمى بائعهما فاكهانياً وموضع بيعهما دار الفاكهة والأصل في العرف الحقيقة والعطف لتشريفها وتخصيصهما كقوله تعالى (من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال) وهما من الملائكة، فأما يابس هذه الفواكه كالزبيب والتمر والتين والمشمش اليابس والاجاص ونحوها فهو من الفاكهة لأنه ثمر شجرة يتفكه به ويحتمل أنه ليس منها لأنه يدخر ومنه ما يقتات فأشبه الحبوب، والزيتون ليس بفاكهة لأنه لا يتفكه بأكله وإنما المقصود منه الأدم لا التفكه والبطم في معناه لأن

مسألة وإن حلف على الفاكهة فأكل من ثمر الشجر كالجوز واللوز والتمر والرمان حنث وإن أكل البطيخ حنث

المقصود زيته ويحتمل أنه فاكهة لأنه ثمر شجرة يؤكل غضا ويابساً على جهته أشبه التوت، والبلوط ليس بفاكهة لأنه لا يتفكه به وإنما يؤكل عند المجاعة أو للتداوي وكذلك سائر ثم الشجر البري الذي لا يستطاب كالزعرور الأحمر وثمر القيقب والعفص وحب الآس ونحوه إن كان فيها ما يستطاب كحب الصنوبر والبندق فهو فاكهة لأنه ثمر شجرة يتفكه به وفي البطيخ وجهان (أحدهما) هو من الفاكهة ذكره القاضي وهو قول الشافعي وأبي ثور لأنه ينضج ويحلو أشبه ثمر الشجر (والثاني) لا يحنث بأكله لأنه ثمر بقلة أشبه الخيار * (مسألة) * [ولا يحنث بأكل القثاء والخيار ونحوه والقرع والباذنجان] لأنه من الخضر وليس من الفاكهة وكذلك ما يكون في الأرض كالجزر واللفت والفجل والقلقاس والسوطل ونحوه، ليس شئ من ذلك فاكهة لأنه لا يسمى بها ولا هو في معناها * (مسألة) * [وإن حلف لا يأكل رطبا فأكل مذنبا حنث] وهو الذي بدأ فيه الأرطاب من ذنبه وباقيه بسر أو منصفاً وهو الذي بعضه بسر وبعضه رطب أو حلف لا يأكل بسراً فأكل ذلك حنث وبهذا قال أبو حنيفة ومحمد والشافعي وقال أبو يوسف وبعض أصحاب الشافعي لا يحنث لأنه لا يسمى رطباً ولا تمراً

مسألة ولا يحنث بأكل القثاء والخيار ونحوه والقرع والباذنجان

ولنا أنه أكل رطباً وبسراً فحنث كما لو أكل نصف رطبة ونصف بسرة منفردين وما ذكروه لا يصح فإن القدر الذي أرطب رطب والباقي بسر ولو أنه حلف لا يأكل البسر فأكل البسر الذي في المنصف حنث وإن أكل البسر من يمينه على الرطب وأكل الرطب من يمينه على البسر لم يحنث واحد منهما وإن حلف واحد ليأكلن رطباً وآخر ليأكلن بسراً فأكل الحالف على أكل الرطب ما في المنصف من الرطب وأكل الآخر باقيها برا جميعاً وإن حلف ليأكلن رطبة أو بسرة أو لا يأكل ذلك فأكل منصفاً لم يبر ولم يحنث لأنه ليس فيه رطبة ولا بسرة * (مسألة) * (وإن أكل تمراً أو بسراً لم يحنث) لأنه ليس برطب [فصل] وإن حلف لا يأكل تمراً فأكل رطبا لم يحنث لأنه لم يتناوله الأسم وكذلك لو أكل بسراً أو بلحاً وهذا مذهب الشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه خلافاً [فصل] فإن حلف لا يأكل عنباً فأكل زبيباً أو دبساً أو خلا أو ناطفاً أو لا يكلم شاباً فكلم شيخاً أو لا يشتري جدياً فاشترى تيساً أو لا يضرب عبداً فضرب عتيقاً لم يحنث بغير خلاف لأن اليمين تعلقت بالصفة دون العين ولم توجد الصفة فجرى مجرى قوله لا أكلت هذه التمرة فأكل غيرها فأما إن عين المحلوف عليه ففيه خلاف ذكرناه فيما مضى * (مسألة) * [وإن حلف لا يأكل أدماً حنث بأكل البيض والشواء والجبن والملح والزيتون واللبن وسائر ما يصطبغ به وفي التمر وجهان]

مسألة وإن أكل تمرا أو بسرا لم يحنث لأنه ليس برطب

إذا حلف على ترك الأدم حنث بأكل ما جرت العادة بأكل الخبز به لأن هذا معنى التأدم وسواء في هذا ما يصطبغ به كالطبيخ والمرق والخل والزيت والسمن والشيرج واللبن قال الله تعالى (وصبغ للآكلين) وقال النبي صلى الله عليه وسلم " نعم الادام الخل - وقال - ائتدموا بالزيت وادهنوا به فإنه من شجرة مباركة " رواه ابن ماجه - أو من الجامدات كالشواء والجبن والباقلا والزيتون والبيض وبهذا قال الشافعي وأبو ثور وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ما لا يصطبغ به فليس بأدم لأن كل واحد منهما يرفع إلى الفم مفرداً ولنا ما روى عن البني صلى الله عليه وسلم أنه قال " سيد الادام اللحم - وقال - سيد أدمكم الملح " رواه ابن ماجه ولأنه يؤكل به الخبز عادة فكان أدماً كالذي يصطبغ به ولأن كثير مما ذكرنا لا يؤكل في العادة وحده إنما يعد للتأدم به فكان أدماً كالخل واللبن وقولهم أنه يرفع إلى الفم مفرداً عنه جوابان (أحدهما) أن منه ما يرفع مع الخبز كالملح ونحوه (والثاني) أنهما يجتمعان في الفم والمضغ والبلع الذي هو حقيقة الأكل فلا يضر افتراقهما قبله وأما التمر ففيه وجهان (أحدهما) أنه أدم لما روى يوسف عن عبد الله بن سلام قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع تمرة على كسرة وقال " هذا إدام هذه " رواه أبو داود وذكره الإمام أحمد (والثاني) ليس بأدم لأنه

مسألة وإن حلف لا يأكل أدما حنث بأكل البيض والشواء والجبن والملح والزيتون واللبن وسائر ما يصطبغ به

لا يؤتدم به عادة وإنما يؤكل قوتاً وحلاوة ولأنه فاكهة فأشبه الزبيب [فصل] إذا حلف لا يأكل طعاما حنث بأكل كل ما يسمى طعاما من قوت وأدم وحلواء وجامع ومائع قال الله تعالى (كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه - وقال تعالى - ويطعمون الطعام على حبه) يعني على محبة الطعام وحاجتهم إليه وقيل على حب الله تعالى وقال تعالى (قل لاجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير) وسمى النبي صلى الله عليه وسلم اللبن طعاما فقال " إنما تخزن لهم ضروع مواشيهم أطعمتهم " وفي الماء وجهان (أحدهما) هو طعام لقوله تعالى (ومن لم يطعمه فإنه مني) والطعام ما يطعم ولأن النبي صلى الله عليه وسلم سمى اللبن طعاما وهو مشروب فكذلك الماء. [والثاني] ليس بطعام لأنه لا يسمى طعاما ولا يفهم من إطلاقه اسم الطعام ولهذا يعطف عليه فيقال طعام وشراب وقال النبي صلى الله عليه وسلم " لا أعلم ما يجزئ من الطعام والشراب إلا اللبن " رواه ابن ماجه ويقال باب الأطعمة والأشربة ولأنه إن كان طعاماً في الحقيقة فليس بطعام في العرف فلا يحنث بشربه لأن مبنى الأيمان على العرف لكون الحالف في الغالب لا يريد بلفظه إلا ما يعرفه، فإن أكل دواء ففيه وجهان:

(أحدهما) يحنث لأنه يطعم حال الاختيار وهو مذهب الشافعي (والثاني) لا يحنث لأنه لا يدخل في إطلاق اسم الطعام ولا يوكل إلا عند الضرورة، فإن أكل من نبات الأرض ما جرت العادة بأكله حنث وإن أكل ما لم تجر به عادة كورق الشجر ونشارة الخشب والتراب احتمل وجهين (أحدهما) يحنث لأنه قد أكله فأشبه ما جرت العادة بأكله ولأنه روي عن عتبة بن غزوان أنه قال لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سابع سبعة ما لنا طعام إلا ورق الحبلة حتى قرحت أشداقنا (والثاني) لا يحنث لأنه لا يتناوله اسم الطعام في العرف (فصل) وإن حلف لا يأكل قوتاً فأكل خبزاً أو تمراً أو تيناً او لحماً أو لبناً حنث لأن كل واحد من هذه يقتات في بعض البلدان، ويحتمل أن لا يحنث إلا بما يقتاته أهل بلده لأن يمينه تنصرف إلى القوت المتعارف عندهم وفي بلدهم ولأصحاب الشافعي وجهان كهذين وإن أكل سويقاً أو استف دقيقا حنث لأنه يقتات كذلك، ولهذا قال بعض اللصوص لا تخبزا خبزاً وبسابسا * ولا تطيلا بمقام حبسا وإن أكل حباً يقتات خبزه حنث ولذلك روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدخر قوت عياله سنة وإنما يريد الحب، ويحتمل أن لا يحنث لأنه لا يقتات كذلك وإن أكل عنباً أو حصرما أو خلا لم يحنث لأنه لم يصر قوتا. * (مسألة) * (وإن حلف لا يلبس شيئا فلبس ثوبا أو درعا أو جوشناً أو خفاً أو نعلاً حنث) وكذلك إن لبس عمامة أو قلنسوة)

مسألة وإن حلف لا يلبس شيئا فلبس ثوبا أو درعا أو جوشنا أو خفا أو نعلا حنث

وقال أصحاب الشافعي في الخف والنعل وجهان (أحدهما) لا يحنث ولنا أنه ملبوس حقيقة وعرفا فحنث كالثياب وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أهدى إليه النجاشي خفين فلبسهما. وقيل لأبن عمر: إنك تلبس هذه النعال فقال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبسهما. فإن ترك القلنسوة في رجله أو أدخل يده في الخف أو النعل لم يحنث لأن ذلك ليس بلبسه لهما * (مسألة) * (وإن حلف لا يلبس حليا فلبس حلية ذهب أو فضة أو جوهر حنث وإن لبس الدراهم والدنانير في مرسلة فعلى وجهين) إذا حلف لا يلبس حليا فلبس حلية ذهب أو فضة حنث فإن لبس خاتماً من فضة أو مخنقة من لؤلؤ أو جوهر وحده حنث وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا يحنث لأنه ليس بحلي وحده ولنا قول الله تعالى (وتستخرجون منه حلية تلبسونها) وقال تعالى [يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا] وجاء في الحديث عن عبد الله بن عمر أنه قال: قال الله تعالى للبحر الشرقي إني جاعل فيك الحلية والصيد والطيب ولأن الفضة حلي إذا كانت سواراً أو خلخالاً فكانت حلياً إذا كانت خاتماً كالذهب والجوهر، واللؤلؤ حلي مع غيره فكان حلياً وحده كالذهب وإن لبس عقيقاً أو سبجاً لم يحنث

مسألة وإن حلف لا يلبس حليا فلبس حلية ذهب أو فضة أو جوهر حنث وإن لبس الدراهم والدنانير

وقال الشافعي إن كان من أهل السواد حنث وفي غيرهم وجهان لأن هذا حلي في عرفهم (ولنا) أن هذا ليس بحلي فلا يحنث به كالودع وخرز الزجاج وما ذكروه ويبطل بالودع، وإن لبس الدراهم والدنانير في مرسلة فعلى وجهين (أحدهما) لا يحنث لأنه ليس بحلي إذا لم يلبسه فكذلك إذا لبسه [والثاني] يحنث لأنه ذهب وفضة لبسه فكان حلياً كالسوار والخاتم وإن لبس سيفاً محلى لم يحنث لأن السيف ليس بحلي، وإن لبس منطقة محلاة ففيه وجهان [أحدهما] لا يحنث لأن الحلية لها دونه فأشبهت السيف المحلى [والثاني] يحنث لأنها من حلي الرجال ولا يقصد بلبسها محلاة في الغالب إلا التجمل بها، وإن حلف لا يلبس خاتماً فلبسه في غير الخنصر من أصابعه حنث وقال الشافعي لا يحنث لأن اليمين تقتضي لبساً معتاداً وليس هذا معتاداً فأشبه ما لو أدخل القلنسوة في رجله ولنا انه لابس لما حلف على ترك لبسه فأشبه ما لو اتزر بالسراويل. وأما إدخال القلنسوة في رجله فهو عبث وسفه بخلاف هذا فإنه لا فرق بين الخنصر وغيرها إلا من حيث الاصطلاح على تخصيصه بالخنصر

* (مسألة) * (وإن حلف لا يركب دابة فلان ولا يلبس ثوبه ولا يدخل داره فركب دابة عبده ولبس ثوبه ودخل داره أو فعل ذلك فيما استأجره فلان حنث وإن ركب دابة استعارها لم يحنث) إذا حلف لا يدخل دار فلان فدخل دار مملوكة له أو دارا يسكنها بأجرة أو عارية أو غصب حنث وبذلك قال أبو ثور وأصحاب الرأي وقال الشافعي لا يحنث إلا بدخول دار يملكها لأن الإضافة في الحقيقة إلى المالك بدليل أنه لو قال هذه الدار لفلان كان مقراً له بملكها ولو قال أنه يسكنها لم يقبل ولنا أن الدار تضاف إلى ساكنها كإضافتها إلى مالكها قال الله تعالى (لا تخرجوهن من بيوتهن) وأراد بيوت أزواجهن اللائي يسكنها وقال تعالى (وقرن في بيوتكن) ولأن الإضافة للاختصاص ولذلك يضاف الرجل إلى أخيه بالإخوة وإلى أمه بالبنوة وإلى والده بالأبوة وإلى امرأته بالزوجية وساكن الدار مختص بها فكانت إضافتها إليه صحيحة وهي مستعملة في العرف فوجب أن يحنث بدخولها كالمملوكة له، وقولهم هذه الإضافة مجاز ممنوع بل هي حقيقة لما ذكرناه ولو كانت مجازاً لكنه مشهور فيتناوله اللفظ كما لو حلف لا شربت من رواية فلان فإنه يحنث بالشرب من مزادته. أما الإقرار فإنه لو قال هذه دار زيد وفسر إقراره بسكناها احتمل أن لا يقبل تفسيره، وإن سلمنا

مسألة وإن حلف لا يركب دابة فلان ولا يلبس ثوبه ولا يدخل داره فركب دابة عبده ولبس ثوبه ودخل داره

فإن قرينة الإقرار تصرفه إلى الملك وكذلك لو حلف لا دخلت مسكن زيد حنث بدخوله الدار التي يسكنها، ولو قال هذا المسكن لزيد كان مقراً له به ولا خلاف في هذه المسألة وهي نظيرة مسئلتنا [فصل] وإن ركب دابة عبده أو لبس ثوبة أو دخل داره حنث لأن ما في يد العبد لسيده فهو كالذي في يده، وبه قال أبو حنيفة والشافعي ولا نعلم فيه خلافا لان دار العبد ملك للسيد فإن حلف لا يلبس ثوب السيد ولا يركب دابته فلبس ثوب عبده وركب دابته حنث وهو قول الشافعي وقال أبو حنيفة لا يحنث لأن العبد بهما أخص ولنا أنهما مملوكان للسيد فتناولتهما يمين الحالف كالدار وما ذكروه يبطل بالدار * (مسألة) * (وإن حلف لا يركب دابة فلان فركب دابة استعارها لم يحنث وإن ركب دابة استأجرها حنث) لأنه ملك منافعها بخلاف المستعير وهكذا ذكره أبو الخطاب ولو ركب دابة غصبها فلان لم يحنث، وفارق مسألة الدار فإنه لم يحنث في الدار لكونه استعارها ولا غصبها وإنما حنث لسكناه فيها فأضيفت الدار إليه لذلك ولو غصبها أو استعارها من غير أن يسكنها لم تصح إضافتها إليه فلا يحنث الحالف فيكون كمستعير الدابة وغاصبها * (مسألة) * (وإن حلف لا يركب دابة عبده فركب دابة جعلت برسمه حنث)

مسألة وإن حلف لا يركب دابة فلان فركب دابة استعارها لم يحنث وإن ركب دابة استأجرها حنث

وكذلك إن حلف لا يدخل دار هذا العبد ولا يلبس ثوبه وعند الشافعي لا يحنث لأنه لا يملك شيئاً من ذلك والإضافة تقتضي الملك وقد قدمنا الكلام معه فيما مضى ويخص هذا الفصل بأن الملكية لا تمكن ههنا فلا تصح الإضافة بمعناها فتعين حمل الإضافة ههنا على إضافة الاختصاص دون الملك * (مسألة) * (وإن حلف لا يدخل دارا فدخل سطحها حنث وإن دخل طاق الباب احتمل وجهين) إذا حلف لا يدخل داراً فرقى سطحها حنث، وبه قال مالك وأبو ثور وأصحاب الرأي وقال الشافعي لا يحنث ولأصحابه فيما إذا كان السطح محجراً وجهان واحتجوا بأن السطح يقيها الحر والبرد ويحرزها فهو كحيطانها، ولنا أن سطح الدار منها وحكمه حكمها فحنث بدخوله كالمحجر أو كما لو دخل بين حيطانها ودليل ذلك أن الاعتكاف يصح في سطح المسجد ويمنع الجنب من اللبث فيه، ولو حلف ليخرجن من الدار فصعد سطحها لم يبر ولو حلف أن لا يخرج منها فصعد سطحها لم يحنث، ولأنه داخل في حدود الدار ومملوك لصاحبها ويملك بشرائها ويخرج منها من ملك صاحبها ببيعها، والبائت عليه يقال بات في داره وبهذا يفارق ما وراء حائطها، فان كان في اليمين قرينة لفظية أو حالية تقتضي اختصاص الارادة بداخل الدار مثل أن يكون بسطح الدار طريق وسبب يمينه يقتضي ترك وصلة أهل الدار لم يحنث بالمرور على سطحها وكذلك

مسألة وإن حلف لا يدخل دارا فدخل سطحها حنث وإن دخل طاق الباب احتمل وجهين

أن نوى بيمينه باطن الدار تقيدت يمينه بما نواه لانه ليس المرء الا ما نواه، وإن دخل طلق الباب احتمل وجهين (أحدهما) يحنث لأنه دخل في حدها (والثاني) لا يحنث لأنه لا يسمى داخلاً وقال القاضي إذا قام على العتبة لم يحنث لأن الباب إذا أغلق حصل خارجاً منها ولا يسمى داخلا فيها (فصل) فإن تعلق بغصن شجرة في الدار لم يحنث لأنه لم يدخلها فإن صعد حتى صار في مقابلة سطحها بين حيطانها حنث وإن لم ينزل بين حيطانها احتمل أن لا يحنث لأنه في هوائها وهواؤها ملك لصاحبها فأشبه ما لو قام على سطحها واحتمل أن لا يحنث لأنه لا يسمى داخلا ولا هو على شئ من أجزائها وكذلك لو كانت الشجرة في غير الدار فتعلق بفرع ماد على الدار في مقابلة سطحها وان قام على حائط احتمل وجهين (أحدهما) يحنث وهو قول أبي ثور وأصحاب الرأي لأنه داخل في حدها فأشبه القائم على سطحها (والثاني) لا يحنث لأنه لا يسمى دخولا (فصل) وان حلف لا يضع قدمه في الدار فدخلها راكباً أو ماشياً أو حافياً أو منتعلا حنث كما لو حلف لا يدخلها وبهذا قال أصحاب الرأي وقال أبو ثور أن دخلها راكباً لم يحنث لأنه لم يضع قدمه فيها ولنا أنه قد دخل الدار فيحنث كما لو دخلها ماشياً ولا نسلم أنه لم يضع قدمه فيها فإن قدمه

موضوعة على الدابة فيها فأشبه ما لو دخلها منتعلا وعلى أن هذا في العرف عبارة عن اجتناب الدخول فتحمل عليه يمينه، فإن قيل هذا مجاز لا يحمل اليمين عليه قلنا المجاز اذا اشتهر صار من الأسماء العرفية فينصرف اللفظ باطلاقه اليه كلفظ الرواية والدابة وغيرهما * (مسألة) * (وإن حلف لا يكلم إنساناً حنث بكلام كل إنسان - لأنه فعل المحلوف عليه - فإن زجره فقال تنح أو اسكت حنث) لأنه كلمة وقال أصحاب أبي حنيفة لا يحنث بالقليل لأن هذا تمام الكلام الأول والذي يقتضيه يمينه إن لا يكلمه كلاماً مستأنفاً ولنا أن هذا القليل كلام منه له حقيقة وقد وجد بعد يمينه فيحنث به كما لو فصله ولأن ما يحنث به إذا فصله يحنث به إذا وصله كالكبير، وقولهم أن اليمين تقتضي خطاباً مستأنفاً قلنا هذا خطاب مستأنف وهو غير الأول بدليل أنه لو قطعه حنث به قال شيخنا وقياس المذهب أن لا يحنث لأن قرينة صلته هذا الكلام بيمينه تدل على إرادة كلام يستانفه بعد انقضاء هذا الكلام المتصل فلم يحنث كما لو وجدت النية حقيقة ولو نوى كلاماً غير هذا لم يحنث بهذا في المذهبين (فصل) فإن صلى بالمحلوف عليه إماماً ثم سلم من الصلاة لم يحنث نص عليه أحمد وبه قال أبو حنيفة وقال أصحاب الشافعي يحنث لأنه شرع له أن ينوي السلام على الحاضرين

مسألة وإن حلف لا يكلم إنسانا حنث كل إنسان ـ لأنه فعل المحلوف عليه ـ فإن زجره فقال تنح أو اسكت

ولنا أنه قول مشروع في الصلاة فلم يحنث به كتكبيرها وليست نية الحاضرين بسلامة واجبة في السلام وإن أرتج عليه في الصلاة ففتح عليه الحالف لم يحنث لأن ذلك كلام الله وليس بكلام الآدميين * (مسألة) * (وإن حلف لا يبتدئه بكلام فتكلما معاً حنث) لأن كل واحد منهما مبتدئ إذ لم يتقدم كلامه كلام سواه (فصل) وإن كاتبه أو ارسل إليه رسولا حنث إلا أن يكون أراد أن لا يشافهه وهذا قول الاصحاب ومذهب مالك والشافعي في القديم وقد روى الأثرم وغيره عن أحمد في رجل حلف أن لا يكلم رجلاً فكتب إليه كتاباً فقال وأي شئ كان سبب ذلك؟ إنما ننظر إلى سبب يمينه ولم حلف؟ إن الكتاب يجري مجرى الكلام وقد يكون بمنزلة الكلام في بعض الحالات وهذا يدل على انه لا يحنث بالكتاب إلا أن تكون نيته أو سبب يمينه يقتضي هجرانه وترك صلته فإن لم يكن كذلك لم يحنث بكتاب ولا رسول لأن ذلك ليس بتكليم في الحقيقة وهذا يصح نفيه فيقال ما كلمته إنما كاتبته أو راسلته ولذلك قال الله تعالى (تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله - وقال - يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي) ولو كانت الرسالة تكليما لشارك موسى غيره من الرسل ولم يختص بكونه كليم الله ونجيه، وقد قال أحمد حين مات بشر الحافي لقد كان فيه أنس

مسألة وإن حلف لا يبتدئه بكلام فتكلما معا حنث

وما كلمته قط وقد كانت بينهما مراسلة وممن قال لا يحنث بهذا الثوري وأبو حنيفة وابن المنذر والشافعي في الجديد، واحتج أصحابنا بقول الله تعالى (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا) فاستثنى الرسول من التكلم والأصل أن يكون المستثنى من جنس المستثنى منه ولأنه موضوع لإفهام الآدميين أشبه الخطاب والصحيح أن هذا ليس بتكليم وهذا الاستثناء من غير الجنس كما قال في الآية الأخرى (آيتك أن لا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا) والرمز ليس بتكليم لكن أن نوى ترك مواصلته أو كان سبب يمينه يقتضي هجرانه حنث ولذلك قال احمد الكتاب يجري مجرى الكلام وقد يكون بمنزلة الكلام فلم يجعله كلاماً إنما قال هو بمنزلته في بعض الحالات إذا كان السبب يقتضي ذلك وإن أطلق احتمل أن لا يحنث لأنه لم يكلمه واحتمل أن يحنث لأن الغالب من الحالف بهذه اليمين قصد المواصلة فتعلق يمينه بما يراد في الغالب (فصل) وإن اشار إليه ففيه وجهان (أحدهما) يحنث قاله القاضي لأنه ليس بكلامه قال الله تعالى لمريم عليها السلام (فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا - إلى قوله - فأشارت إليه) وقال في زكريا (آيتك أن لا تكلم الناس ثلاث ليال سويا - إلى قوله - فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا) ولأن الكلام حروف وأصوات ولا يوجد في الإشارة ولان

الكلام شئ مسموع وتبطل به الصلاة قال النبي صلى الله عليه وسلم " إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شئ من كلام الناس " والإشارة خلاف هذا، فإن قيل فقد قال الله تعالى (آيتك أن لا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا) قلنا هذا استثناء من غير الجنس بدليل ما ذكرنا ولصحة نفيه عنه فيقال ما كلمه وإنما أشار إليه. (فصل) فإن ناداه بحيث يسمع فلم يسمع لتشاغله أو غفلته حنث نص عليه أحمد فإنه سئل عن رجل حلف أن لا يكلم إنساناً فناداه والمحلوف عليه لا يس؟ ع قال يحنث وهذا لكون ذلك يسمى تكليما يقال فلم يسمع (فصل) وإن سلم على المحلوف عليه حنث لأن السلام كلام تبطل به الصلاة فحنث به كغيره من الكلام * (مسألة) * (وإن حلف لا يكلمه حينا فذلك ستة أشهر نص عليه) وجملة ذلك أنه إذا حلف لا يكلمه حينا فقيد ذلك بلفظه او نيته بزمن تقيد به وإن اطلق انصرف

مسألة وإن حلف لا يكلمه حينا فذلك ستة أشهر نص عليه

الى ستة أشهر روى ذلك عن ابن عباس وبه قال أصحاب الرأي وقال مجاهد والحكم وحماد ومالك هو سنة لقوله تعالى (تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها) أي كل عام وقال الشافعي وأبو ثور ليس هو مقدراً ويبر بأدنى زمن لان الحين اسم مبهم يقع على الكثير والقليل، قال الله تعالى (ولتعلمن نبأه بعد حين) قيل اراد يوم القيامة، وقال (هل أتى على الإنسان حين من الدهر؟ - وقال - فذرهم في غمرتهم حتى حين - وقال - حين تمسون وحين تصبحون) ويقال جئت منذ حين وإن كان اتاه من ساعة ولنا أن الحين المطلق في كلام الله تعالى اقله ستة أشهر قال عكرمة وسعيد بن جبير وأبو عبيد في قوله تعالى (تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها) إنه ستة أشهر فيحمل مطلق كلام الآدمي على مطلق كلام الله تعالى ولأنه قول ابن عباس ولا نعلم له في الصحابة مخالفاً وما استشهدوا به من المطلق في كلام الله تعالى فما ذكرناه أقله فيحمل عليه لأنه اليقين * (مسألة) * (وإن قال زمناً أو دهراً أو بعيداً أو ملياً أو الزمان رجع إلى أقل ما يتناوله اللفظ) وكذلك وقتاً أو طويلاً أو بعيداً أو قريبا في قول أبي الخطاب وهو مذهب الشافعي لأن هذه الأشياء لا حد لها في اللغة وتقع على القليل والكثير فوجب حمله على أقل ما تناوله اسمه وقد يكون القريب بعيداً بالنسبة إلى ما هو أقرب منه أو قريباً بالنسبة إلى ما هو أبعد منه ولا يجوز التحديد بالتحكم

مسألة وإن قال زمنا أو دهرا أو بعيدا أو مليا أو الزمان رجع إلى أقل ما يتناوله اللفظ

وإنما يصار إليه بالتوقيف ولا توقيف ههنا فيجب حمله على اليقين وهو أقل ما تناوله الاسم وقال ابن أبي موسى الزمان ثلاثة أشهر وقيل هو كالابد والدهر وهو أقيس لأنه بالألف واللام فهو على معناهما وقال طلحة العاقولي: الحين والعمر والزمان واحد لأنهم لا يفرقون في العادة بينها والناس يقصدون بذلك البعيد فلو حمل على القليل حمل على خلاف قصد الحالف، ودهر يحتمل أنه كالحين أيضا لهذا المعنى وقال في بعيد وطويل وملي هو على أكثر من شهر وهذا قول أبي حنيفة لأن ذلك ضد القليل فلا يجوز حمله على ضده * (مسألة) * (وإن قال عمراً احتمل أنه كذلك واحتمل أن يكون أربعين عاما) واحتمل أن يكون كالحين وهو قول طلحة العاقولي واحتمل أن يكون أربعين عاماً لقول الله تعالى (فقد لبثت فيكم عمرا من قبله) وكان ذلك أربعين سنة فيجب حمل الكلام عليه ولأن العمر في الغالب لا يكون إلا مدة طويلة فلا يحمل على خلاف ذلك وهذا قول حسن قاله شيخنا وقال القاضي هذه الألفاظ كلها مثل الحين قياساً إلا بعيداً وملياً فإنه على أكثر من شهر لأنه يقتضي البعيد * (مسألة) * (وإن قال الابد والدهر فذلك على الزمان كله) لأن الألف واللام للاستغراق تقتضي الدهر كله وكذلك الزمان في الصحيح وقد ذكرناه

مسألة وإن قال عمرا احتمل أنه كذلك واحتمل أن يكون أربعين عاما

* (مسألة) * (والحقب ثمانون عاماً وقال مالك أربعون يوماً) لأن ذلك يروي عن ابن عباس وقال القاضي وأصحاب الشافعي هو أدنى زمان لأنه لم ينقل عن أهل اللغة فيه تقدير ولنا ما روى عن ابن عباس أنه قال في تفسير قوله تعالى (لابثين فيها أحقابا) الحقب ثمانون سنة وما ذكره القاضي وأصحاب الشافعي لا يصح لأن قول ابن عباس حجة لأن ما ذكروه يفضي إلى حمل كلام الله تعالى (لابثين فيها أحقابا - وقول موسى - أو أمضي حقبا) إلى اللكنة لأنه أخرج ذلك مخرج التكثير فإذا صار معنى ذلك لابثين فيها ساعات أو لحظات أو أمضي لحظات أو ساعات صار مقتضى ذلك التقليل وهو ضد ما أراد الله تعالى بكلامه وضد المفهوم منه ولم يذكره أحد من المفسرين فيما نعلم فلا يجوز تفسير الحقب به * (مسألة) * والشهور اثنا عشر عند القاضي وعند أبي الخطاب ثلاثة كالأشهر) أما الأشهر فهي ثلاثة لأنها أقل الجمع وأما الشهور فاختار أبو الخطاب أنها ثلاثة أيضاً لذلك ولأن جمع الكثرة يستعمل بمعنى القلة كقوله تعالى (ثلاثة قروء) وقال القاضي وغيره هي اثنا عشر شهراً ولأن الشهور جمع الكثرة وأقله عشرة فلا يحمل على ما يحمل عليه جمع القلة * (مسألة) * (والأيام ثلاثة) لأنها أقل الجمع قال الله تعالى (واذكروا الله في أيام معدودات) وهي أيام التشريق)

مسألة والحقب ثمانون عاما وقال مالك أربعون يوما

(فصل) وإن حلف لا يتكلم ثلاث ليال أو ثلاثة أيام لم يكن له أن يتكلم في الأيام التي بين الليالي ولا في الليالي التي بين الأيام إلا أن ينوي قال الله تعالى (آيتك أن لا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا) وفي موضع آخر ثلاث ليال سوياً فكان كل واحد من اللفظين عبارة عن الزمانين جميعاً وقال تعالى (وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر) فدخل فيه الليل والنهار * (مسألة) * (وإن حلف لا يدخل باب هذه الدار فحول ودخله حنث) إذا حلف لا يدخل هذه الدار من بابها فدخلها من غير الباب لم يحنث لأن يمينه لم تتناول غير الباب ويتخرج أن يحنث إذا اراد بيمينه اجتناب الدار ولم يكن الباب سبب هيج يمينه كما لو حلف لا يأوي مع زوجته في دار فأوى معها في غيرها وإن حول بابها إلى مكان آخر فدخل منه حنث لأنه دخلها من بابها وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشافعي. وإن حلف لا دخلت من باب هذه الدار فكذلك وإن جعل لها باب آخر مع بقاء الأول فدخل منه حنث لأنه دخل من باب الدار وإن قلع الباب ونصب في دار أخرى وبقي الممر حنث بدخوله ولم يحنث بالدخول من الموضع الذي نصب فيه الباب لأن الدخول في الممر لا من المصراع * (مسألة) * (وإن حلف لا يكلمه إلى حين الحصاد انتهت يمينه بأوله)

مسألة وإن حلف لا يدخل باب هذه الدار فحول ودخله حنث

لان إلى لانتهاء الغاية فتنتهي عند أول الغاية كقوله سبحانه (ثم أتموا الصيام إلى الليل) ويحتمل إن تتناول جميع مدته لان إلى تستعمل بمعنى مع كقوله تعالى (ويزدكم قوة إلى قوتكم - وقوله - ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم - وقوله - وأيديكم إلى المرافق) * (مسألة) * (وإن حلف لا مال له وله مال غير زكوي أو دين على الناس حنث) إذا حلف لا يملك مالا حنث بملك كل ما يسمى مالا سواء كان من الأثمان أو غيرها من العقار والأثاث والحيوان وبهذا قال الشافعي وعن أحمد أ؟؟ إذا نذر الصدقة بجميع ماله إنما يتناول نذره الصامت من ماله ذكرها ابن أبي موسى لأن إطلاق المال ينصرف إليه وقال أبو حنيفة لا يحنث إلا أن يملك مالا زكويا استحساناً لأن الله تعالى قال (وفي أموالهم حق للسائل والمحروم) فلا يتناول إلا الزكوي ولنا أن غير الزكوية أموال قال الله تعالى (أن تبتغوا بأموالكم) وهي مما يجوز ابتغاء النكاح بها وقال أبو طلحة للنبي صلى الله عليه وسلم إن أحب أموالي إلي ببرحا يريد حديقة وقال عمر أصبت أرضا بخيبر لم أصب مالا قط هو أنفس عندي منه وقال أبو قتادة اشتريت مخرفا فكان أول مال تأثلته وفي حديث آخر " المال سكة مأثورة أو مهرة مأمورة " ويقال خير المال عين خرارة في أرض خوارة ولأنه يسمى مالا فحنث به؟ لزكوي وأما قوله تعالى (وفي أموالهم حق) فالحق ههنا غير الزكاة لأن هذه الآية

مسألة وإن حلف لا يكلمه إلى حين الحصاد انتهت يمينه بأوله

مكية نزلت قبل فرض الزكاة لأن الزكاة إنما فرضت بالمدينة ثم لو كان لحق الزكاة فلا حجة فيها فإن الحق إذا كان في بعض المال كان في المال كما أن من هو في بيت في بلدة فهو في البيت وفي البلدة قال الله تعالى (وفي السماء رزقكم وما توعدون) ولا يلزم أن يكون في جميع أقطارها، ثم لو اقتضى هذا العموم لوجب تخصيصه فإن ما دون النصاب مال ولا زكاة فيه وإن كان له دين حنث وهكذا ذكره أبو الخطاب وهو قول الشافعي وقال أبو حنيفة لا يحنث لأنه لا ينتفع به ولنا أنه ينعقد عليه حول الزكاة ويصح اخراجها عنه ويصح التصرف فيه بالإبراء والحوالة والمعاوضة عنه لمن هو في ذمته والتوكيل في استيفائه فحنث به كالمودع (فصل) وإن كان له مال مغصوب حنث لأنه باق على ملكه وإن كان له مال ضائع ففيه وجهان (أحدهما) يحنث لأن الأصل بقاؤه على ملكه (والثاني) لا يحنث لأنه لا يعلم بقاؤه فإن ضاع على وجه قد أيس من عوده كالذي سقط في بحر لم يحنث لأن وجوده كعدمه، ويحتمل أن لا يحنث في كل موضع لا يقدر على أخذ ماله كالمجحود والمغصوب والدين على غير ملئ لأنه لا نفع فيه وحكمه حكم المعدوم في جواز الأخذ من الزكاة وانتفاء وجوب ادائها عنه وإن تزوج لم يحنث لأن ما ملكه ليس بمال وكذلك إن وجب له حق شفعة لأنه لم يثبت له الملك به وإن استأجر عقاراً أو غيره لم يحنث لأنه لا يسمى مالكاً لمال * (مسألة) * (وإن حلف لا يفعل شيئاً فوكل من يفعله حنث إلا أن ينوي)

لأن الفعل ينسب إلى الموكل كما ينسب إلى الوكيل فيحنث به كما لو حلف لا يحلق راسه فأمر من يحلقه فإنه يحنث لأن الفعل منسوب إليه ولذلك تجب الفدية على من حلق رأسه بأذنه في الإحرام وإن كانت نيته إن لا يباشر بنفسه لم يحنث لأن الأيمان مبناها على النية (فصل) فأما الأسماء العرفية فهي أسماء اشتهر مجازها حتى غلب على الحقيقة كالرواية والظعينة والدابة والغائط والعذرة ونحوها فيتعلق اليمين بالعرف دون الحقيقة لأن الحقيقة صارت فيها مغمورة لا يعرفها أكثر الناس كالراوية للمزادة في العرف وفي الحقيقة الجمل الذي يستقى عليه، والغائط والعذرة في العرف للخارج المستقذر وفي الحقيقة الغائط المكان المطمئن والعذرة فناء الدار، والظعينة في العرف للمرأة وفي الحقيقة الناقة التي يظعن عليها والدابة في الحقيقة لكل ما يدب قال الله تعالى (والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع) وفي العرف اسم للبغال والخيل والحمير فلهذا قلنا اليمين تنصرف إلى العرف دون الحقيقة لأنه لا يعلم أن الحالف لا يريد غيره فصار كالمصرح به * (مسألة) * (وإن حلف على وطئ امرأة تعلقت يمينه بجماعها) لأنه الذي يصرف اللفظ في العرف إليه وكذلك إذا حلف على وطئ زوجته صار موليا منها

مسألة وإن حلف لا يفعل شيئا فوكل من يفعله حنث إلا أن ينوي

* (مسألة) * (وإن حلف على وطئ دار تعلقت يمينه بدخولها راكباً أو ماشياً أو حافياً أو منعلا) لأن هذا في العرف عبارة عن اجتناب الدخول فيحمل اليمين عليه بإطلاقه كلفظ الرواية والدابة وغيرهما * (مسألة) * (وإن حلف لا يشم الريحان فشم الورد والبنفسج والياسمين او لا يشم الورد والبنفسج فشم دهنهما أو ماء الورد فالقياس أنه لا يحنث وقال بعض أصحابنا يحنث) إذا حلف لا يشم الريحان فإنه في العرف اسم يختص الريحان الفارسي وفي الحقيقة اسم لكل نبت أو زهر طيب الريح مثل الورد والبنفسج والنرجس وقال القاضي لا يحنث إلا بشم الريحان الفارسي وهو مذهب الشافعي لأن الحالف لا يريد بيمينه في الظاهر سواه وقال أبو الخطاب يحنث بشم ما يسمى في الحقيقة ريحاناً ولا يحنث بشم الفاكهة وجها واحدا وان حلف لا يشم ورداً ولا بنفسجاً فشم دهنهما أو ماء الورد فقال القاضي لا يحنث وهو مذهب الشافعي لأنه لم يشم ورداً ولا بنفسجاً وقال أبو الخطاب يحنث لأن الشم إنما هو للرائحة دون الذات ورائحة الورد والبنفسج موجودة فيهما

مسألة وإن حلف على وطء امرأة تعلقت يمينه بجماعها

وقال أبو حنيفة يحنث بشم دهن البنفسج لأنه يسمى ورداً والأول أقرب إلى الصحة إن شاء الله تعالى فإن شم الورد والبنفسج اليابس حنث وقال بعض أصحاب الشافعي لا يحنث كما لو حلف لا يأكل رطبا فأكل تمراً ولنا أن هذا اسمه وحقيقته باقية فيحنث به كما لو حلف لا يأكل لحماً فأكل قديداً وفارق ما ذكروه فإن التمر ليس برطب ولا يسمى رطباً * (مسألة) * (وإن حلف لا يأكل لحما فأكل سمكا حنث عند الخرقي ولم يحنث عند ابن أبي موسى) إذا حلف لا يأكل لحما ولم يرد لحما بعينه فأكل من الأنعام أو الصيد أو الطير حنث في قول عامة علماء الأمصار وأما السمك فظاهر المذهب أنه يحنث بأكله وبهذا قال قتادة والثوري ومالك وأبو يوسف وقال ابن أبي موسى في الإرشاد لا يحنث إلا أن ينويه وهذا قول أبي نيفة والشافعي لأنه لا ينصرف إليه اطلاق اسم اللحم ولو وكل وكيلاً في شراء اللحم فاشترى له سمكا لم يلزمه ويصح أن ينفى عنه الاسم فيقول ما أكلت لحما إنما أكلت سمكا فلم يتعلق به الحنث عند الإطلاق كما

مسألة وإن حلف لا يأكل لحما فأكل سمكا حنث عند الخرقي ولم يحنث عند ابن أبي موسى

لو حلف لاقعدت تحت سقف فإنه لا يحنث بقعوده تحت السماء وقد سماه الله سقفا محفوظاً لأنه مجاز كذا ههنا ولنا قول الله تعالى (وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا) ولأنه من جسم حيوان ويسمى لحما فحنث بأكله كلحم الطير وما ذكروه يبطل بلحم الطائر، وأما السماء فإن الحالف لا يقعد تحت سقف لا يمكنه التحرز من القعود تحتها فيعلم أنه لم يردها بيمينه ولأن التسمية ثم مجاز وههنا حقيقة لكونه من جسم حيوان يصلح للأكل فكان الإسم فيه حقيقة كلحم الطير حيث قال الله تعالى (ولحم طير مما يشتهون) * (مسألة) * (وإن حلف لا يأكل راسا ولا بيضا حنث يأكل رءوس الطير والسمك والجراد عند القاضي وعند أبي الخطاب لا يحنث إلا بأكل رأس كل حيوان جرت العادة بأكله منفرداً أو بيض بزايل بائضه في حال الحياة) إذا حلف لا يأكل راسا فانه يحنث باأكل رأس كل حيوان من الإبل والصيود والحيتان والجراد ذكره القاضي وقال أبو الخطاب لا يحنث إلا بأكل رأس جرت العادة ببيعه للأكل منفرداً

مسألة وإن حلف لا يأكل راسا ولا بيضا حنث بأكل رؤوس الطير والسمك والجراد عند القاضي

وقال الشافعي لا يحنث إلا بأكل رءوس بهيمة الأنعام دون غيرها إلا أن يكون ببلد تكثر فيه الصيود وتميز رؤوسها فيحنث بأكلها، وقال أبو حنيفة لا يحنث بأكل روس الإبل لأن العادة لم تجر ببيعها للأكل منفردة وقال صاحباه لا يحنث الا بأكل رءوس الغنم لأنها التي تباع في الأسواق دون غيرها فيمينه تنصرف إليها، ووجه الأول أن هذه رءوس حقيقة وعرفاً وهي مأكولة فيحنث بأكلها كما لو حلف لا يأكل لحما فأكل من لحم النعام والزرافة وما يندر وجوده وبيعه، وأما إذا حلف لا يأكل بيضاً فيحنث بأكل بيض كل حيوان كثر وجوده كبيض الدجاج أو قل كبيض النعام وبهذا قال الشافعي وقال أصحاب الرأي لا يحنث بأكل بيض النعام وقال أبو ثور لا يحنث إلا بأكل بيض الدجاج وما يباع في السوق ولنا أن هذا كله بيض حقيقة وعرفا وهو مأكول فيحنث بأكله كبيض الدجاج ولأنه أو حلف لا يشرب ماء فشرب ماء البحر أو ماء نجساً أو لا يأكل خبزاً فأكل خبز الأرز والذرة في مكان لا يعتاد أكله فيه حنث، فأما أن أكل بيض السمك والجراد فقال القاضي يحنث لأنه بيض حيوان أشبه بيض النعام وقال أبو الخطاب لا يحنث إلا بأكل بيض يزايل بائضه حال الحياة وهذا قول الشافعي وأبي ثور وأصحاب الرأي وأكثر العلماء وهو الصحيح لأن هذا لا يفهم من إطلاق

اسم البيض ولا يذكر إلا مضافاً إلى بائضه ولا يحنث بأكل شئ يسمى بيضاً غير بيض الحيوان ولا شئ يسمى رأساً غير رءوس الحيوان لأن ذلك ليس برأس ولا بيض في الحقيقة * (مسألة) * (وإن حلف لا يدخل بيتاً فدخل مسجداً أو حماماً أو بيت شعر أو أدم أو لا يركب فركب سفينة حنث عند أصحابنا ويحتمل أن لا يحنث) وجملة ذلك أنه إذا حلف لا يدخل بيتاً فدخل مسجداً أو حماماً حنث نص عليه أحمد ويحتمل أن لا يحنث وهو قول أكثر الفقهاء لأنه لا يسمى بيتاً في العرف والأول المذهب لأنهما بيتان حقيقة وقد سمى الله عزوجل المساجد بيوتاً فقال (في بيوت أذن الله أن ترفع - وقال - إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا) وروي في حديث " المسجد بيت كل تقي " وروي في الحديث " بئس البيت الحمام " فإذا كان في الحقيقة بيتاً وفي عرف الشرع حنث بدخوله كبيت الإنسان وإن دخل بيت شعر أو أدم حنث سواء كان الحالف حضرياً أو بدوياً فإن اسم البيت يقع عليه حقيقة وعرفا قال الله تعالى (والله جعل لكم من بيوتكم سكنا وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا تستخفونها) وأما مالا يسمى في العرف بيتاً كالخيمة فالأولى أن لا يحنث بدخوله من لا يسميه بيتاً لأن يمينه لا تنصرف إليه وإن دخل دهليز دار وصفتها لم يحنث وهو قول بعض أصحاب الشافعي وقال أبو حنيفة يحنث لأن جميع الدار بيت

مسألة وإن حلف لا يدخل بيتا فدخل مسجدا أو حماما أو بيت شعر أو أدم أو لا يركب فركب سفينة حنث

ولنا أنه لا يسمى بيتاً ولهذا يقال ما دخل البيت وإنما وقف في الصحن فإن حلف لا يركب فركب سفينة حنث وهو قول أبي الخطاب لأنه ركوب قال الله تعالى (اركبوا فيها بسم الله مجريها) وقال (فإذا ركبوا في الفلك) ويحتمل أن لا يحنث لأنه لا يسمى في العرف ركوباً. * (مسألة) * (وإن حلف لا يتكلم فقرأ أو سبح أو ذكر الله تعالى لم يحنث) . إذا حلف لا يتكلم فقرأ لم يحنث وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة ان قرأ في الصلاة لم يحنث وإن قرأ خارجاً منها حنث لأنه يتكلم بكلام الله تعالى وإن ذكر الله تعالى لم يحنث ومقتضى مذهب أبي حنيفة أنه يحنث ولأنه كلام الله قال الله تعالى (وألزمهم كلمة التقوى) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم " ولنا أن الكلام في العرف لا يطلق إلا على كلام الآدميين، ولهذا لما قال النبي صلى الله عليه وسلم " إن الله يحدث من أمره ما شاء وإنه قد أحدث أن لا تتكلموا في الصلاة " لم يتناول المختلف فيه وقال زيد بن أرقم كنا نتكلم في الصلاة حتى نزل (وقوموا لله قانتين) فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام وقال الله تعالى (آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا) وقال (آيتك أن لا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا - واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والإبكار) فأمره بالتسبيح مع قطع الكلام عنه ولان مالا

مسألة وإن حلف لا يتكلم فقرأ أو سبح أو ذكر الله تعالى لم يحنث

يحنث به في الصلاة لا يحنث به خارجاً منها كالإشارة وما ذكروه يبطل بالقراءة والتسبيح في الصلاة وذكر الله المشروع فيها وإن استأذن عليه إنسان فقال (ادخلوها بسلام آمنين) يقصد القرآن لم يحنث، لأن هذا من القرآن فلا يحنث به ولذلك لا تبطل الصلاة به وإن لم يقصد القرآن حنث لأنه من كلام الناس. * (مسألة) * (وإن حلف لا يضرب امرأته فخنقها أو نتف شعرها أو عضها حنث) لأنه يقصد ترك تأليمها وقد آلمها فأما إن عضها بتلذذ ولم يقصد تأليمها لم يحنث وإن حلف ليضربنها ففعل ذلك بر لوجود المقصود بالضرب. * (مسألة) * (وإن حلف ليضربنه مائة سوط فجمعها فضربه بها ضربة واحدة لم يبر في يمينه) . وبهذا قال مالك وأصحاب الرأي وقال ابن حامد يبر، لأن أحمد قال في المريض عليه الحد يضرب بعثكال النخل ويسقط عنه الحد، وبهذا قال الشافعي إذا علم أنها مسته كلها وإن علم أنها لم تمسه كلها لم يبر وإن شك لم يحنث في الحكم لأن الله تعالى قال (فخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث) وقال النبي صلى الله عليه وسلم في المريض الذي زنى " خذوا له عثكالا فيه مائة شمراخ فاضربوه بها ضربة واحدة " ولأنه ضرب بمائة سوط فبر في يمينه كما لو فرق الضرب.

مسألة وإن حلف ليضربنه مائة سوط فجمعها فضربه بها ضربة واحدة لم يبر في يمينه

ولنا أن معنى يمينه أن يضربه مائة ضربة ولم يضربه إلا ضربة واحدة، الدليل على هذا أنه لو ضربه مائة ضربة بسوط بر بغير خلاف ولو عاد العدد إلى السوط لم يبر بالضرب بسوط واحد كما لو حلف ليضربنه بعشرة أسواط ولأن السوط ههنا آلة أقيمت مقام المصدر وانتصب انتصابه لأن معنى كلامه لاضربنه مائة ضربة بسوط وهذا هو المفهوم من يمنيه والذي يقتضيه لغة فلا يبر بما يخالف ذلك، وأما أيوب عليه السلام فإن الله تعالى أرخص له رفقا بامرأته لبرها به وإحسانها إليه ليجمع له بين بره في يمينه ورفقه بامرأته ولذلك امتن عليه بهذا وذكره في جملة ما من به عليه من معافاته من بلائه وإخراج الماء له فيختص هذا به كاختصاصه بما ذكر معه ولو كان هذا الحكم عاما بكل أحد لما خص أيوب بالمنة عليه، وكذلك المريض الذي يخاف تلفه أرخص له بذلك في الحد دون غيره وإذا لم يتعده هذا الحكم في الحد الذي ورد النص به فيه فلأن لا يتعداه إلى اليمين أولى ولو خص بالبر من له عذر يبيح العدول في الحد إلى الضرب بالعثكال لكان له وجه أما بعد تعديته إلى غيره فبعيد جداً. [فصل] ولو حلف أن يضربه بعشرة أسواط فجمعها فضربه بها بر لأنه قد فعل ما حلف عليه وإن حلف ليضربنه عشر ضربات فكذلك إلا وجهاً لأصحاب الشافعي أنه يبر وليس بصحيح لأن

هذه ضربة واحدة بأسواط ولهذا يصح أن يقال ما ضربته واحدة ولو حلف لا يضربه أكثر من ضربة واحدة ففعل هذا لم يحنث في يمينه. و [فصل] ولا يبر حتى يضربه ضرباً يؤلمه، وبهذا قال مالك وقال الشافعي يبر بما لم يؤلم لأن الإسم يتناوله فوقع البر به كالمؤلم. ولنا أن هذا يقصد به في العرف التأليم فلا يبر بغيره وكذلك كل موضع وجب الضرب في الشرع في حد أو تعزير كان من شرطه التأليم كذا ههنا. * (فصل) * إذا حلف لا يأكل شيئاً فأكله مستهلكاً في غيره مثل أن لا يأكل لبنا فأكل زبداً أو لا يأكل سمناً فأكل خبيصاً فيه سمن لا يظهر فيه طعمه أو لا يأكل بيضاً ناطفاً أو لا يأكل شحما فأكل اللحم الأحمر أو لا يأكل شعيراً فأكل حنطة فيها حبات شعير لم يحنث وإن ظهر طعم السمن أو طعم شئ من المحلوف عليه حنث وقال الخرقي يحنث بأكل اللحم الأحمر وحده وقال غيره يحنث بأكل حنطة فيها حبات شعير) أما إذا حلف لا يأكل لبنا فأكل زبدا لا يظهر فيه طعم اللبن لم يحنث لأنه لم يأكل لبناً فأشبه ما لو أكل كشكاً وكذلك إن حلف لا يأكل سمناً فأكل خبيصاً فيه سمن لا يظهر فيه طعمه لا يحنث لذلك، فأما إن ظهر طعم شئ من المحلوف عليه حنث كما لو أكل كل واحد منفرداً، وإن حلف لا يأكل بيضاً فأكل ناطفاً لم يحنث لأنه لا يسمى بيضاً.

(مسألة) وإن حلف لا يأكل شحما فأكل اللحم الأحمر فقال الخرقي يحنث لأن الشحم ما يذوب بالنار مما في الحيوان والعرف يشهد لقوله وهو ظاهر قول أبي الخطاب واللحم لا يكاد يخلو من شئ منه فيحنث به، وإن قل لأنه يظهر في الطبيخ فيبين على وجه المرق وفارق، من حلف لا يأكل سمناً فأكل خبيصاً فيه سمن لا يظهر فيه طعمه ولا لونه، لأن هذا قد يظهر الدهن فيه وقال غير الخرقي من أصحابنا لا يحنث، قال شيخنا وهو الصحيح لأنه لا يسمى شحما ولا يظهر فيه طعمه ولا لونه والذي يظهر في المرق قد فارق اللحم فلا يحنث بأكل اللحم الذي كان فيه فإن حلف لا يأكل شعيراً فأكل حنطة فيها حبات شعير فقال غير الخرقي يحنث لأنه أكل شعيراً فأشبه ما لو أكله منفرداً أو حلف لا يأكل رطبا فأكل منصفاً والأولى أن لا يحنث لأنه مستهلك في الحنطة أشبه السمن في الخبيص الذي لا يظهر طعمه، وإن نوى بيمينه أن لا يأكل الشعير منفرداً أو كان السبب يقتضي ذلك أو يقتضي أكل شعير يظهر أثر أكله لم يحنث بذلك * (فصل) * قال رضي الله عنه (فإن حلف لا يأكل سويقاً فشربه أو لا يشربه فأكله فقال الخرقي يحنث وقال أحمد من حلف لا يشرب نبيذاً فثرد فيه وأكله لا يحنث فيخرج في كل ما حلف لا يأكله فشربه أو لا يشربه فأكله وجهان وقال القاضي إن عين المحلوف عليه حنث وإلا فلا)

مسألة وإن حلف لا يأكل شحما فأكل اللحم الأحمر فقال الخرقي يحنث لأن الشحم ما يذوب بالنار

وجملة ذلك أن من حلف لا يأكل شيئاً فشربه أو لا يشربه فأكله فقد نقل عن أحمد ما يدل على روايتين (إحداهما) يحنث لأن اليمين على ترك أكل شئ أو شربه يقصد بها في العرف اجتناب ذلك الشئ فحملت اليمين عليه ألا ترى إلى قوله تعالى (ولا تأكلوا اموالهم - وان الذين يأكلون أموال اليتامى) لم يرد به الأكل على الخصوص؟ ولو قال طبيب لمريض لا تأكل العسل لكان ناهياً عن شربه (والثانية) لا يحنث وهو مذهب الشافعي وأبي ثور وأصحاب الرأي، لأن الأفعال أنواع كاليمين ولو حلف على نوع من الأعيان لم يحنث بغيره كذلك الأفعال، وقال القاضي إنما الروايتان فيمن عين المحلوف عليه مثل من حلف لا أكلت هذا السويق فشربه أو لا يشربه فأكله أما إذا أطلق فقال لا أكلت سويقاً فشربه أو لا يشربه فأكله لم يحنث رواية واحدة لا يختلف المذهب فيه وهذا يخالف ما ذكرنا ههنا من الإطلاق ومخالف لما أطلقه الخرقي، وليس للتعيين أثر في الحنث وعدمه فإن الحنث في المعين إنما كان لتناوله ما حلف عليه وإجراء معنى الأكل والشرب على التناول العام فيهما وهذا لا فرق فيه بين التعيين وعدمه وعدم الحنث معلل بإنه لم يفعل الفعل الذي حلف على تركه وإنما فعل غيره وهذا في المعين كهو في المطلق لعدم الفارق بينهما، ولأن الرواية في الحنث أحدث من كلام الخرقي وليس فيه تعيين ورواية عدم الحنث أحدث من رواية مهنا عن أحمد فيمن حلف لا يشرب هذا النبيذ فأكله لا يحنث لأنه لا يسمى شربا وهذا في المعين فإن عديت كل رواية

إلى محل الأخرى وجب أن يكون في الجميع روايتان، وإن قصرت كل رواية على محلها كان الأمر على خلاف ما قال القاضي وهو أن يحنث في المطلق ولا يحنث في المعين. (فصل) فإن حلف ليشربن شيئاً فأكله أو ليأكلنه فشربه خرج فيه وجهان بناء على الروايتين في الحنث إذا حلف على الترك ومتى تقيدت يمينه بنية أو سبب يدل عليها كانت يمينه على ما نواه أو دل عليه السبب لأن الأيمان على النية (فصل) فإن حلف لا يشرب شيئاً فمصه ورمى به فقد روي عن أحمد فيمن حلف لا يشرب فمص قصب السكر لا يحنث وقال ابن أبي موسى إذا حلف لا يأكل ولا يشرب فمص قصب السكر لا يحنث وهذا قول أصحاب الرأي فإنهم قالوا إذا حلف فمص حب رمان ورمى بالتفل لا يحنث لأنه ليس بأكل ولا شرب ويجئ على قول الخرقي أنه يحنث لأنه قد تناوله فوصل إلى حلقه وبطنه فيحنث به على ما قلناه فيمن حلف لا يأكل شيئاً فشربه أو لا يشربه فأكله وإن حلف لا يأكل سكرا فتركه في فيه حتى ذاب وابتلعه خرج على الروايتين * (مسألة) * (فإن حلف لا يطعم شيئاً حنث بأكله وشربه ومصه) لأن ذلك كله طعم قال الله تعالى في النهر (من ولم يطعمه)

مسألة فإن حلف لا يطعم شيئا حنث بأكله وشربه ومصه

* (مسألة) * (وإن ذاقه ولم يبتلعه لم يحنث) في قولهم جميعاً لأنه ليس بأكل ولا شرب ولذلك لا يفطر به الصائم، وإن حلف لا يذوقه فأكله أو شربه أو مصه حنث لأنه ذوق وزيادة وكذلك إن مضغه ورمى به لأنه قد ذاقه * (مسألة) * (وإن حلف لا يأكل مائعاً فأكله بالخبز حنث) لأن ذلك يسمى أكلا ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم " كلوا الزيت وادهنوا به " (فصل) وإن حلف ليأكلن أكلة بالفتح لم يبر حتى يأكل ما يعده الناس أكلة وهي المرة من الأكل والأكلة بالضم اللقمة ومنه " فليناوله في يده أكلة أو أكلتين " * (فصل) * وإن حلف لا يتزوج ولا يتطهر ولا يتطيب فاستدام ذلك لم يحنث) في قولهم جميعاً لأنه لا يطلق اسم الفعل على مستديم هذه الثلاثة فلا يقال تزوجت شهراً ولا تطهرت شهراً ولا تطيبت شهراً وإنما يقال منذ شهر ولم ينزل الشارع استدامة التزويج والطيب منزلة ابتدائهما في تحريمه في الإحرام * (مسألة) * (وإن حلف لا يركب ولا يلبس فاستدام ذلك حنث) من حلف لا يلبس ثوبا هو لابسه فنزعه في الحال وإلا حنث وكذلك إن حلف لا يركب دابة هو راكبها فنزل في أول حالة الامكان والاحنث وبهذا قال الشافعي وأصحاب الرأي وقال أبو ثور

مسألة وإن ذاقه ولم يبتلعه لم يحنث

لا يحنث باستدامة اللبس والركوب حتى يبتدئه لأنه لو حلف أن لا يتزوج ولا يتطهر فاستدام ذلك لم يحنث كذا ههنا ولنا أن استدامة اللبس والركوب تسمى لبساً وركوباً ويسمى لابساً وراكباً ولذلك يقال لبست هذا الثوب شهراً وركبت دابتي يوما فحنث باستدامته كما لو حلف لا يسكن فاستدام السكنى وقد اعتبر الشرع هذا في الإحرام حيث حرم لبس المخيط وأوجب الكفارة في استدامته كما أوجبها في ابتدائه، وفارق التزويج فإنه لا يطلق على الاستدامة فلا يقال تزوجت شهراً وإنما يقال منذ شهر ولهذا لم تحرم استدامته في الإحرام ويحرم ابتداؤه * (مسألة) * (وإن حلف لا يدخل داراً هو داخلها فأقام فيها حنث عند القاضي ولم يحنث عند أبي الخطاب) وجه قول القاضي أن استدامة المقام في ملك الغير كابتدائه في التحريم قال أحمد في رجل حلف على امرأته لا دخلت أنا وأنت هذه الدار وهما جميعاً فيها قال أخاف أن يكون قد حنث [والثاني] لا يحنث اختاره أبو الخطاب وهو قول أصحاب الرأي لأن الدخول لا يستعمل في الاستدامة ولهذا يقال دخلتها منذ شهر ولا يقال دخلتها شهراً فجرى مجرى التزويج ولان الدخول الانفصال من خارج إلى داخل ولا يوجد في الاقامة وللشافعي قولان كالوجهين، ويحتمل أن من أحنثه

مسألة وإن حلف لا يدخل دارا هو داخلها فأقام فيها حنث عند القاضي ولم يحنث عند أبي الخطاب

إنما كان لأن ظاهر حال الحالف أنه يقصد هجران الدار ومباينتها والإقامة فيها تخالف ذلك فجرى مجرى الحالف على ترك السكنى بها (فصل) وإن حلف لا يضاجع امرأته على فراش وهما متضاجعان فاستدام ذلك حنث لأن المضاجعة تقع على الاستدامة ولهذا يقال اضطجع على الفراش ليلة وإن كان هو مضطجعاً على الفراش وحده فاضطجعت عنده عليه نظرت، فإن قام لوقته لم يحنث وإن استدام حنث لما ذكرنا، وإن حلف لا يصوم وهو صائم فأتم يومه فقال القاضي لا يحنث ويحتمل أن يحنث لان الصوم يقع على الاستدامة يقال صام يوماً، ولو شرع في صوم يوم العيد حرمت عليه استدامته وإن حلف لا يسافر وهو مسافر فأخذ في العود أو أقام لم يحنث وإن مضى في سفره حنث لأن الاستدامة سفر ولهذا يقال سافرت شهراً * (مسألة) * (وإن حلف لا يدخل على فلان بيتاً فدخل فلان عليه فأقام معه فعلى الوجهين) * (مسألة) * (وإن حلف لا يمكن داراً ولا يساكن فلانا وهما متساكنان ولم يخرج في الحال حنث إلا أن يقيم لنقل متاعه أو يخشى على نفسه الخروج فيقيم إلى أن يمكنه) وجملة ذلك أنه إذا حلف لا يسكن داراً هو ساكنها خرج من وقته فإن أقام فيها بعد يمينه زمنا يمكنه الخروج حنث لان استدامة السكنى سكنى كابتدائها في وقع السكنى عليها ألا تراه

مسألة وإن حلف لا يدخل على فلان بيتا فدخل فلان عليه فأقام معه فعلى الوجهين

يقول سكنت في هذه الدار شهراً كما يقول لبست هذا الثوب وبهذا قال الشافعي، فإن أقام لنقل رحله وقماشه لم يحنث لأن الانتقال لا يكون إلا بالأهل والمال فيحتاج إلى أن ينقل ذلك معه حتى يكون منتقلاً وحكي عن مالك أنه إن أقام دون اليوم والليلة لم يحنث لأن ذلك قليل يحتاج إليه في الانتقال فلم يحنث به وعن زفر أنه يحنث وإن أنتقل في الحال لأنه لابد أن يكون ساكناً عقيب يمينه ولو لحظة فحنث بها وليس بصحيح فإنه لا يمكن الاحتراز منه لأنه لا يراد باليمين ولا تقع عليه أما إذا أقام زمنا يمكنه الانتقال فيه فإنه يحنث لأنه فعل ما يقع عليه اسم السكنى فحنث به كموضع الاتفاق ألا ترى أنه لو حلف لا يدخل الدار فدخل إلى أول جزء منها يحنث وإن كان قليلاً * (مسألة) * (وإن أقام لنقل أهله ومتاعه لم يحنث) وبه قال أبو حنيفة وقال الشافعي يحنث ولنا أن الانتقال إنما يكون بالأهل والمال على ما سنذكره فلا يمكنه التحرز من هذه الإقامة فلا يقع اليمين عليها وعلى هذا لو خرج بنفسه وترك أهله وماله في المسكن مع إمكان نقلهم عنه حنث وقال الشافعي لا يحنث إذا خرج بنية الانتقال لأنه إذا خرج بنية الانتقال فليس بساكن لأنه يجوز أن يريد السكنى وحده دون أهله وماله

مسألة وإن أقام لنقل أهله ومتاعه لم يحنث

ولنا أن السكنى تكون بالأهل والمال ولهذا يقال فلان ساكن في البلد الفلاني وهو غائب عنه بنفسه، وإذا نزل بلداً بأهله وماله يقال سكنه، وقولهم أنه نوى السكنى بنفسه لا يصح فإن من خرج إلى مكان لينقل أهله إليه ولم ينو السكنى به بنفسه منفرداً عن أهله الذي في الدار لم يحنث فيما بينه وبين الله تعالى ذكره القاضي وعن مالك أنه اعتبر نقل عياله دون ماله والأولى إن شاء الله أنه إذا انتقل بأهله فسكن في موضع آخر أنه لا يحنث وإن بقي متاعه في الأولى لأن مسكنه حيث حل أهله به ونوى الإقامة به ولهذا لو حلف

لا يسكن داراً لم يكن ساكناً بها فنزلها بأهله ناوياً للسكنى بها حنث وقال القاضي إن نقل إليها ما يتأثث به ويستعمله في منزله فهو ساكن وإن سكنها بنفسه * (مسألة) * (وإن خرج دون أهله ومتاعه حنث) لما ذكرنا في المسألة قبلها إلا أن يودع متاعه أو بعيره أو تأبى امرأته الخروج معه ولا يمكنه إكراهها فيخرج وحده فلا يحنث

مسألة وإن خرج دون أهله ومتاعه حنث

(فصل) وإن أكره على المقام لم يحنث لقول النبي صلى الله عليه وسلم " عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " وكذلك إن كان في جوف الليل في وقت لا يجد منزلا يتحول إليه أو تحول بينه وبين المنزل أبواب مغلقة لا يمكنه فتحها أو خوف على نفسه أو أهله أو ماله فأقام في طلب النقلة أو انتظار الزوال المانع منها أو خرج طالباً للنقلة فتعذرت عليه أما لكونه لم يجد مسكناً يتحول اليه لتعذر الكراء أو غيره. أو لم يجد بهائم ينتقل عليها ولا يمكنه النقلة بدونها فأقام ناوياً للنقلة متى قدر

عليها لم يحنث وإن أقام أياما وليالي، لأن أقامته من غير اختيار منه لعدم تمكنه من النقلة فإنه إذا لم يجد مسكناً لا يمكنه ترك أهله أو القاء متاعه في الطريق فلم يحنث به كالمقيم للإكراه، فإن أقام في هذا الوقت غيرنا وللنقلة حنث ويكون نقله لما يحتاج إلى نقله على ما جرت العادة فلو كان ذا متاع كثير فنقله قليلاً قليلاً على العادة بحيث لا يترك النقل المعتاد لم يحنث وإن أقام أياماً، ولا يلزمه

جمع دواب البلد لنقله. ولا النقل بالليل ولا وقت الاستراحة عند التعب، ولا أوقات الصلوات لأن العادة لم تجر بالنقل فيها (فصل) ولو وهب رحله أو أودعه أو أعاره وخرج وحده لم يحنث لأن يده زالت عن المتاع وكذلك إن أبت امرأته الخروج معه ولم يمكنه إكراهها أو كان له عائلة فامتنعوا من الخروج والانتقال، ولم يمكنه إخراجهم فتركهم لم يحنث لأن هذا مما لم يمكنه فأشبه ما لم يمكنه نقله من

رحله، وإن تردد إلى الدار لنقل المتاع أو عائداً أو زائراً لصديق لم يحنث، وقال القاضي إن دخلها ومن رأيه الجلوس عنده حنث وإلا فلا ولنا أن هذا ليس بسكنى ولذلك لو حلف ليسكنن داراً لم يبر بالجلوس فيها على هذا الوجه، ولا يسمى ساكناً بها بهذا القدر فلم يحنث كما لو لم ينو الجلوس

مسألة وإن حلف لا يساكن فلانا فبنيا بينهما حائطا وهما متساكنان حنث وإن كان في الدار حجرتان

(فصل) وإن حلف لا يساكن فلانا وهو مساكنه فالحكم في الاستدامة على ما ذكرنا في الحلف على السكنى وإن انتقل أحدهما وبقي الآخر لم يحنث لزوال المساكنة * (مسألة) * (وإن حلف لا يساكن فلانا فبنيا بينهما حائط وهما متساكنان حنث وإن كان في الدار حجرتان كل حجرة تختص ببابها وطريقها فسكن كل واحد حجرة لم يحنث) إذا كان في دار واحدة حالة اليمين فخرج أحدهما منها وقسماها حجرتين وفتحا لكل واحدة

منهما بابا وبينهما حاجز ثم سكن كل واحد منهما في حجره لم يحنث لأنهما غير متساكنين، وإن بنيا الحاجز بينهما وهما متساكنان حنث لأنهما تساكنا قبل انفراد إحدى الدارين من الأخرى وهذا قول الشافعي ولا نعمل فيه خلافاً (فصل) وإن سكنا في دار واحدة كل واحد في بيت ذي باب وغلق رجع إلى نيته بيمينه

أو إلى سببها، وما دلت عليه قرائن أحواله في المحلوف على المساكنة فيه. فإن عدم ذلك حنث وهذا قول مالك، وقال الشافعي إن كانت الدار صغيرة فهما متساكنان، وإن كانا في بيتين كل واحد منهما له غلق أو كانا في خان فليسا متساكنين. لأن كل واحد منهما ينفرد بمسكنه دون الآخر فأشبها المتجاورين

(فصل) وإن حلف لا ساكنت فلانا في هذه الدار فقسماها ججرتين وبنيا بينهما حائطاً وفتح كل واحد منهما باباً لنفسه وسكناها لم يحنث كما ذكرنا في التي قبلها وهذا قول الشافعي وابن المنذر وأبي ثور وأصحاب الرأي وقال مالك لا يعجبني ذلك ويحتمله قياس المذهب لكونه عين الدار فلا تنحل يمينه بتغييرها كما لو حلف لا يدخلها فصارت فضاء والأول أصح لأنه لا يساكنه فيها لكون المساكنة في الدار لا تحصل مع كونها دارين وفارق الدخول فإنه دخلها متغيرة

* (مسألة) * (وإن حلف ليخرجن من هذه البلدة فخرج دون أهله لم يحنث وإن حلف ليخرجن من هذه الدار فخرج دون أهله لم يبر) إذا حلف ليخرجن من هذه الدار اقتضت يمينه الخروج بنفسه وأهله كما لو حلف لا يسكنها وإن حلف ليخرجن من هذه البلدة تناولت يمينه الخروج بنفسه لان الدار يخرج منها صاحبها

مسألة وإن حلف ليخرجن من هذه البلدة فخرج دون أهله لم يحنث وإن حلف ليخرجن من هذه الدار فخرج

في اليوم مرات عادة فظاهر حاله أنه لم يرد الخروج المعتاد، وإنما أراد الخروج الذي هو النقلة. والخروج من البلد بخلاف ذلك * (مسألة) * (وإن حلف ليخرجن من هذه البلدة أو ليرحلن عن هذه الدار ففعل فهل له العودة إليها؟ على روايتين (إحداهما) لا شئ عليه في العود ولا يحنث به لأن يمينه على الخروج، وقد خرج فانحلت يمينه لفعل ما حلف عليه فلم يحنث فيها بعد

مسألة وإن حلف ليخرجن من هذه البلدة أو ليرحلن عن هذه الدار ففعل له العودة إليها على روايتين

(والثانية) يحنث بالعود لأن ظاهر حاله قصد هجران ما حلف على الرحيل منه ولا يحصل ذلك بالعود ويمكن حمل هذه الرواية على أن المحلوف عليه شئ هيج يمينه أو دلت قرينة حاله على إرادة هجرانه أو نوى ذلك بيمينه فاقتضت يمينه دوام اجتنابها فإن لم يكن كذلك لم يحنث بالعود لان اليمين عند عدم ذلك على مقتضى اللفظ ومقتضاه ههنا الخروج وقد فعله فانحلت يمينه به وكذلك الحكم إذا حلف على الرحيل من بلد لم يبر إلا بالرحيل بأهله

(فصل) (إذا حلف لا يدخل دارا فحمل فأدخلها أو يمكنه الامتناع فلم يمتنع أو حلف لا يستخدم رجلاً فخدمه وهو ساكت فقال القاضي يحنث) إذا حلف لا يدخل دارا فحمل فأدخلها فلم يمكنه الامتناع لم يحنث نص عليه أحمد في رواية أبي طالب، وبه قال الشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه خلافاً لأن الفعل غير موجود منه ولا منسوب إليه فإن حمل بأمره فأدخلها حنث لأنه دخل مختاراً فأشبه ما لو دخل راكباً. فإن حمل بغير أمره لكنه أمكنه الامتناع فلم يمتنع حنث أيضاً

اختاره القاضي لأنه دخلها غير مكره فأشبه ما لو حمل بأمره، وقال أبو الخطاب في الحنث وجهان (أحدهما) لا يحنث لأنه لم يفعل الدخول ولم يأمر به فأشبه ما لو لم يمكنه الامتناع، ومتى دخل باختياره حنث سواء كان ماشياً أو راكباً أو محمولاً أو القى سفينة في ماء فجره إليها أو سبح فيها

فدخلها، وسواء دخل من بابها أو تسور حائطها أو دخل من طاقة فيها أو نقب حائطها أو دخل من ظهرها أو غير ذلك (فصل) فإن أكره بالضرب وتحوه فدخلها لم يحنث في أحد الوجهين وهذا أحد قولي الشافعي (والثاني) يحنث وهو قول أصحاب الرأي ونحوه عن النخعي لانه دخلها وفعل ما حلف على تركه

والصحيح لاول لقول النبي صلى الله عليه وسلم " عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " ولأنه دخلها مكرها أشبه ما لو حمل فأدخلها مكرهاً وكذلك إن حلف لا يستخدم رجلاً فخدمه وهو ساكت فيه من الخلاف ما ذكرناه في دخول الدار لأنه في معناه (فصل) وان حلف لا يستخدم عبداً فخدمه وهو ساكت لم يأمره ولم ينهه فقال القاضي إن كان عبده حنث وإن كان عبد غيره لم يحنث وهو قول أبي حنيفة لأن عبده يخدمه عادة بحكم استحقاقه

ذلك عليه ويكون معنى يمينه لا منعتك خدمتي فإذا لم ينهه لم يمنعه وعبد غيره بخلافه وقال أبو الخطاب يحنث في الحالين لأن إقراره على الخدمة استخدام ولهذا يقال فلان يستخدم عبده إذا خدمه وإن لم يأمره ولأنه ما حنث به في عبده حنث به في عبد غيره كسائر الأشياء وقال الشافعي لا يحنث في الحالين لأنه حلف على فعل نفسه فلا يحنث بفعل غيره كسائر الأفعال * (مسألة) * (وإن حلف ليشربن هذا الماء أو ليضربن عبده غداً فتلف المحلوف عليه قبل الغد حنث عند الخرقي ويحتمل أن لا يحنث وإن مات الحالف لم يحنث)

مسألة وإن حلف ليشربن هذا الماء أو ليضربن عبده غدا فتلف المحلوف عليه قبل الغد حنث عند الخرقي

أما إذا مات الحالف من يومه فلا حنث عليه لأن الحنث إنما يحصل بفوات المحلوف عليه وفي وقته وهو الغد والحالف قد خرج عن أهلية التكليف قبل الغد فلا يمكنه حنثه وكذلك إن جن الحالف من يومه فلم يفق إلا بعد خروج الغد لأنه خرج عن كونه من أهل التكليف، وإن هرب العبد أو مرض هو أو الحالف أو نحو ذلك فلم يقدر على ضرب العبد حنث لأنه لم يفعل ما حلف عليه مع كونه من أهل التكليف وإن لم يمت الحالف ففيه سبع مسائل

(أحدها) أن يضرب العبد في غد أي وقت كان منه فانه ببر في يمينه بلا خلاف. (الثانية) أمكنه ضربه في غد فلم يضربه حتى مضى الغد وهما في الغد فيحنث بلا خلاف أيضاً (الثالثة) مات العبد من يومه فإنه يحنث وهو أحد قولي الشافعي ويتخرج أن لا يحنث وهو قول أبي حنيفة ومالك والقول الثاني للشافعي لأنه قد ضربه بغير اختياره فمل يحنث كالمكره والناسي ولنا أنه لم يفعل ما حلف عليه في وقته من غير إكراه ولا نسيان وهو من أهل الحنث فحنث

كما لو أحلفه باختياره وكما لو حلف ليحجن العام فلم يقدر على الحج لمرض أو عدم النفقة وفارق الإكراه والنسيان فإن الامتناع لمعنى في الحلف وههنا الامتناع لمعنى في المحل فأشبه ما لو ترك ضربه لصعوبته أو ترك الحالف الحج لصعوبة الطريق وبعدها عليه فأما إن كان تلف المحلوف عليه بفعله واختياره حنث وجهاً واحداً لأنه فوت الفعل على نفسه قال القاضي ويحنث الحالف ساعة موته لأن يمينه انعقدت من حين حلفه وقد تعذر عليه الفعل فحنث في الحال كما لو لم يؤقت ويتخرج أن لا يحنث قبل الغد لأن الحنث مخالفة ما عقد يمينه عليه فلا يحصل المخالفة إلا بترك الفعل في وقته

(الرابعة) مات العبد في غد قبل التمكن من ضربه فهو كما لو مات في يومه (الخامسة) مات العبد في غد بعد التمكن من ضربه قبل ضربه فإنه يحنث وجها واحداً وهو قول بعض أصحاب الشافعي وقال بعضهم فيه قولان ولنا أنه تمكن من ضربه في وقته فلم يضربه فحنث كما لو مضى الغد قبل ضربه

(السادسة) مات الحالف في غد بعد التمكن من ضربه فلم يضربه حنث وجها واحداً لما ذكرنا (السابعة) ضربه في يومه فإنه لا يبر وهذا قول أصحاب الشافعي وقال القاضي وأصحاب أبي حنيفة يبر لأن يمينه للحنث على ضربه فإذا ضربه اليوم فقد فعل المحلوف عليه وزيادة فأشبه ما لو حلف ليقضيه غدا فقضاه اليوم

ولنا أنه لم يفعل المحلوف عليه في وقته فلم يبر كما لو حلف ليصومن يوم الجمعة فصام يوم الخميس وفارق قضاء الدين فالمقصود تعجيله لا غير وفي قضاء الدين زيادة في التعجيل فلا يحنث فيها لأنه علم من قصده إرادة أن لا يتجاوز غداً بالقضاء فصار كالملفوظ به إذا كان مبنى الأيمان على النية ولا يصح

قياس ما ليس مثله عليه وسائر المحلوفات لا يعلم منها إرادة التعجيل عن الوقت الذي وقته لها فامتنع الألحاق وتعين التمسك باللفظ (الثامنة) ضربه بعد موته فلا يبر لأن اليمين تنصرف إلى ضربه حياً يتألم بالضرب وقد زال هذا بالموت

(التاسعة) ضربه ضرباً لا يؤلمه لا يبر لما ذكرناه (العاشرة) خنقه أو نتف شعره أو عصر ساقه بحيث يؤلمه فإنه يبر لانه يسمى ضربا لما تقدم ذكرنا له (الحادية عشر) جن العبد فضربه فإنه يبر لأنه حي يتألم بالضرب وإن لم يضربه حنث وإن

حلف لا يضربه في غد ففيه نحو هذه المسائل ومتى فات ضربه بموته أو غيره لم يحنث لأنه لم يضربه * (مسألة) * (وإن قال والله لأشربن ماء هذا الكوز غدا فاندفق اليوم أو لآكلن هذا الخبز غدا فتلف فهو على ما نحو ما ذكرنا في العبد)

قال صالح سألت أبي عن الرجل يحلف أن يترب الماء ف؟ نصب فقال يحنث وكذا لو حلف أن يأكل هذا الرغيف فأكله كلب قال يحنث لان ذا لا يقدر عليه (فصل) ومن حلف لا يتكفل بمال فكفل ببدن فقال أصحابنا يحنث لأن المال يلزمه بكفالته إذا تعذر إحضار المكفول به قال شيخنا والقياس أنه لا يحنث لأنه لم يكفل بمال إنما يلزمه المال لتعذر إحضار المكفول به وأما قبل ذلك فلا يلزمه، ولأن هذا لا يسمى كفالة بالمال ويصح نفيها عنه فيقال

مسألة وإن قال والله لأشربن ماء هذا الكوز غدا فاندفق اليوم أو لآكلن هذا الخبز غدا فتلف

ما تكفل بمال إنما تكفل بالبدن وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي * (مسألة) * (وإن حلف ليقضينه حقه فأبرأه فهل يحنث؟ على وجهين) وذلك مبني على ما إذا حلف على فعل شئ فتلف قبل فعله وفيه وجهان

مسألة وإن حلف ليقضينه حقه فأبرأه فهل يحنث على وجهين

(أحدهما) يحنث لأنه لم يفعل ما حلف عليه (والثاني) لا يحنث لأنه منع من فعله فأشبه المكره على فعل ما حلف على تركه وقد ذكرنا ذلك فيمن حلف ليضربن غلامه فتعذر ضربه * (مسألة) * (وإن مات المستحق فقضى ورثته لم يحنث ذكره أبو الخطاب لأن قضاء ورثته يقوم مقام قضائه في إبراء ذمته فكذلك في البر في يمينه)

وحكي عن القاضي أنه يحنث لأنه تعذر قضاؤه فأشبه ما لو حلف ليضربن عبده غداً فمات العبد اليوم ومن نصر قول أبي الخطاب قال موت العبد يخالف ذلك لأن ضرب غيره لا يقوم مقام ضربه وقال أصحاب الرأي وأبو ثور تنحل اليمين بموت المستحق ولا يحنث سواء قضى ورثته أو لم يقضهم لأنه تعذر عليه فعل ما حلف عليه بغير اختياره أشبه المكره وقد سبق الكلام على هذا في مسألة من حلف ليضربن عبده غداً فمات العبد اليوم

مسألة وإن مات المستحق فقضى ورثته لم يحنث ذكره أبو الخطاب لأن قضاء ورثته يقوم مقام قضائه

* (مسألة) * (وإن باعه بحقه عرضا لم يحنث عند ابن حامد لأنه قد قضاه حقه) وقال القاضي يحنث لأنه لم يقض الحق الذي عليه بعينه * (مسألة) * (وإن حلف ليقضينه حقه عند رأس الهلال أو مع رأسه أو إلى رأس الهلال أو إلى

مسألة وإن باعه بحقه عرضا لم يحنث عند ابن حامد لأنه قد قضاه حقه

استهلاله أو عند رأس الشهر أو مع رأسه فقضاه عند غروب الشمس في أول الشهر بر في يمينه وإن أخر ذلك مع امكانه حنث وإن شرع في عده أو وكيله أو وزنه فتأخر القضاء لم يحنث) لأنه لم يترك القضاء وكذلك إذا حلف ليأكلن هذا الطعام في هذا الوقت فشرع في أكله

مسألة وإن حلف ليقضينه حقه عند رأس الهلال أو مع رأسه أو إلى رأس الهلال أو إلى استهلاله

فيه وتأخر الفراغ لكثرة لم يحنث لأن أكله كله غير ممكن في هذا الوقت للعلم بالعجز عن غير ذلك ومذهب الشافعي في هذا كما ذكرنا

* (مسألة) * (وإن حلف لا فارقتك حتى استوفي حقي منك فهرب منه حنث نص عليه وقال الخرقي لا يحنث وإن فلسه الحاكم وحكم عليه بفراقه خرج على روايتين) وإذا حلف لا فارقتك ففيه عشر مسائل

مسألة وإن حلف لا فارقتك حتى استوفي حقي منك فهرب منه حنث

(أحدها) أن يفارقه الحالف مختاراً فيحنث سواء أبرأه من الحق أو فارقه والحق عليه لأنه فارقه قبل استيفاء حقه منه

(الثانية) فارقه مكرهاً فينظر فإن كان حمل مكرهاً حتى فارقه لم يحنث وإن أكره بالضرب والتهديد لم يحنث وفي قول أبي بكر يحنث وفي الناسي تفصيل ذكرناه فيما مضى (الثالثة) هرب منه الغريم بغير اختياره فلا يحنث وبهذا قال مالك وابو ثور وابن المنذر وأصحاب الرأي وروي عن أحمد أنه يحنث لأن معنى يمينه أن لا تحصل بينهما فرقة وقد حصلت

ولنا أنه حلف على فعل نفسه في الفرقة ولا فعل باختياره فلم يحنث كما لو حلف لا قمت فقام غيره (الرابعة) إذن له الحالف في الفرقة ففارقه فمفهوم كلام الخرقي أنه يحنث وقال الشافعي لا يحنث قال القاضي وهو قول الخرقي لأنه لم يفعل الفرقة التي حلف أنه لا يفعلها ولنا أن معنى يمينه لألزمنك فإذا فارقه بإذنه فما لزمه ويفارق ما إذا هرب منه لأنه فر بغير اختياره وليس هو قول الخرقي لأن الخرقي قال فهرب منه ففهومه انه إذا فارفه بغير هرب أنه يحنث

(الخامسة) فارقه من غير إذن ولا هرب على وجه تمكنه ملازمته والمشي معه أو إمساكه فهي كالتي قبلها

(السادسة) قضاه قدر حقه ففارقه ظنا منه أنه قد وفاه فخرج رديئاً أو بعضه فيخرج في الحنث روايتان بناء على الناسي وللشافعي قولان كالروايتين (أحدهما) يحنث وهو قول مالك لأنه فارقه قبل استيفاء حقه مختاراً (والثانية) لا يحنث وهو قول أبي ثور وأصحاب الرأي إذا وجدها زيوفاً وإن وجد أكثرها

نحاساً أنه يحنث وإن وجدها مستحقه فأخذها صاحبها خرج أيضاً على الروايتين في الناسي لأنه ظان أنه مستوف حقه فأشبه ما لو وجدها رديئة وقال أبو ثور وأصحاب الرأي لا يحنث وإن علم بالحال ففارقه حنث لأنه لم يوفه حقه

(السابعة) فلسه الحاكم ففارقه فإن الزمه الحاكم فهو كالمكره وإن لم يلزمه مفارقته لكن فارقه لعلمه بوجوب مفارقته حنث لأنه فارقه من غير إكراه فحنث كما لو حلف لا يصلي فوجبت عليه صلاة فصلاها

(الثامنة) احاله الغريم بحقه ففارقه فإنه يحنث وبهذا قال الشافعي وأبو يوسف وأبو ثور وقال أبو حنيفة ومحمد لا يحنث لأنه قد برئ إليه منه

ولنا أنه ما استوفى حقه منه بدليل أنه لم يصل إليه شئ ولذلك يملك المطالبة به فحنث كما لو لم يحله فإن ظن أنه قد يريد بذلك مفارقته ففارقه خرج على الروايتين ذكره أبو الخطاب، قال شيخنا

والصحيح أنه يحنث لأن هذا جهل بحكم الشرع فيه فلا يسقط الحنث كما لو جهل كون اليمين موجبة للكفارة فأما إن كانت يمينه لا فارقتك ولي قبلك حق فاحاله ففارقه لم يحنث لأن هذا لم

يبق له قبله حق فإن أخذ به ضميناً أو كفيلاً أو رهناً ففارقه حنث بلا إشكال لأنه يملك مطالبة الغريم (التاسعة) قضاه عن حق عوضا عنه ثم فارقه فقال ابن حامد لا يحنث وهو قول أبي حنيفة

لأنه قد قضاه حقه وبرئ إليه منه بالقضاء وقال القاضي يحنث لأن يمينه على نفس الحق وهذا بدله والأول أولى إن شاء الله تعالى لحصول المقصود به فإن كانت يمينه لا فارقتك حتى تبرأ من حقي أو

ولي قبلك حق لم يحنث وجهاً واحداً لأنه لم يبق قبله حق وهذا مذهب الشافعي (العاشرة) وكل وكيلا يستوفي له حقه فإن فارقه قبل استيفاء الوكيل حنث لأنه فارقه قبل

استيفاء حقه، وإن استوفى الوكيل ثم فارقه لم يحنث لأن استيفاء وكيله استيفاء له ببراءة غريمه ويصير

في ضمان الموكل فأما إن قال لا فارقتني حتى استوفي حقي منك ففارقه المحلوف عليه مختاراً حنث وإن

أكره على فراقه لم يحنث وإن فارقه الحالف مختاراً حنث إلا على ما ذكره القاضي في تأويل كلام الخرقي

وهو مذهب الشافعي وسائر الفروع تأتي ههنا على نحو ما ذكرنا

* (مسألة) * (فإن حلف لا فترقنا فهرب منه حنث)

مسألة فإن حلف لا فترقنا فهرب منه حنث

إذا هرب من المحلوف عليه لأن يمينه تقتضي أن لا تحصل بينهما فرقة بوجه وقد حصلت الفرقة

بهربه وان أكرها على الفرقة لم يحنث إلا على قول من لا يرى الإكراه عذراً

(فصل) وإن حلف لا فارقتك حتى أوفيك حقك فأبرأه الغريم منه فهل يحنث؟ على وجهين بناء على المكره، وإن كان الحق عيناً فوهبها له الغريم فقبلها حنث لأنه ترك إيفاءها له باختياره

وإن قبضها منه ثم وهبها أياه لم يحنث، وإن كانت يمينه لا أفارقك ولك قبلي حق لم يحنث إذا أبرأه أو وهب العين له

* (مسألة) * (وقدر الفرقة ما عده الناس فراقا كفرقة البيع وقد ذكرناه في البيع) وما نواه بيمينه عما تحتمله لفظه فهو على ما نواه

مسألة وقدر الفرقة ما عده الناس فراقا كفرقة البيع وقد ذكرناه في البيع

باب النذر الأصل فيه الكتاب والسنة والإجماع. أما الكتاب فقول الله تعالى (يوفون بالنذر) وقال سبحانه (وليوفوا نذورهم) وأما السنة فروت عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه " رواه البخاري وعن عمران بن حصين رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يجئ قوم ينذرون ولا يوفون ويخونون ولا يؤتمنون ويشهدون ولا يستشهدون ويظهر فيهم السمن " رواه البخاري وأجمع المسلمون على صحة النذر في الجملة ووجوب الوفاء به (فصل) ولا يستحب النذر لأن ابن عمر روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن النذر وقال " إنه لا يأتي بخير وإنما يستخرج به من البخيل " متفق عليه وهذا نهي كراهة لا نهي تحريم لأنه لو كان حراماً لما مدح الموفين به لأن ذنبهم في ارتكاب المحرم أشد من طاعتهم في وفائه ولأن النذر لو كان مستحباً لفعله النبي صلى الله عليه وسلم وأفاضل أصحابه * (مسألة) * (وهو أن يلزم نفسه لله تعالى شيئا فقول: لله علي أن أفعل كذا، وإن قال على

باب النذر

نذر كذا لزمه أيضاً) لأنه صرح بلفظ النذر ولا يصح إلا من مكلف مسلماً كان أو كافراً لأنه قول يوجب على المكلف عبادة أو مالا فلم يصح من غير المكلف كالإقرار ولأنه غير مكلف أشبه الطفل، ويصح من الكافر لحديث عمر حين قال للنبي صلى الله عليه وسلم إني نذرت إن أعتكف ليلة في المسجد الحرام: قال " أوف بنذرك " متفق عليه * (مسألة) * (ولا يصح إلا بالقول فإن نواه من غير قول لم يصح) لأنه موجب للكفارة في أحد طرفيه فلم ينعقد بالنية كاليمين * (مسألة) * (ولا يصح في محال ولا واجب فلو قال لله علي صوم أمس أو صوم رمضان لم ينعقد) لا ينعقد نذر المستحيل كصوم أمس ولا يوجب شيئاً لأنه لا يتصور انعقاده ولا الوفاء به لأنه لو حلف على فعله لم تلزمه كفارة فالنذر أولى قال شيخنا وعقد الباب في الصحيح من المذهب أن النذر كاليمين وموجبه موجبها إلا في لزوم الوفاء به إذا كان قربة وأمكنه فعله، ودليل هذا الأصل قول النبي صلى الله عليه وسلم لأخت عقبة لما نذرت المشي ولم تطقه " ولتكفر يمينها " وفي رواية " فلتصم ثلاثة أيام " قال أحمد إليه أذهب، وعن عقبة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " كفارة النذر كفارة اليمين " أخرجه مسلم وقول ابن عباس في التي نذرت

مسألة ولا يصح إلا بالقول فإن نواه من غير قول لم يصح

ذبح ابنها كفري يمينك ولأنه قد ثبت أن حكمه حكم اليمين في أحد أقسامه وهو نذر اللجاج فكذلك في سائره سوى ما استثناه الشرع فإن نذر واجباً كالصلاة المكتوبة فقال أصحابنا لا ينعقد نذره وهو قول أصحاب الشافعي لان النذر التزام ولا يصح التزام ما هو لازم له ويحتمل ان ينعقد نذره موجباً لكفارة يمين ان تكره كما لو حلف لا يفعله ففعله فإن النذر كاليمين وقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم يميناً ولذلك لو نذر معصية أو مباحا لم يلزمه ويكفر إذا لم يفعله * (مسألة) * (والنذر المنعقد على خمسة أقسام (أحدها) النذر المطلق وهو أن يقول لله علي نذر فيجب به كفارة يمين في قول أكثر أهل العلم) روي ذلك عن ابن مسعود وبان عباس وجابر وعائشة رضي الله عنهم وبه قال الحسن وطاوس وسالم والقاسم والشعبي والنخعي وعكرمة وسعيد بن جبير ومالك والثوري ومحمد بن الحسن ولا نعلم فيه محالفا إلا الشافعي قال: لا ينعقد نذره ولا كفارة فيه وأما ما روى عقبة بن عامر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كفارة النذر إذا لم يسم كفارة يمين " رواه الترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح غريب وهذا نص ولأنه قول من سمينا من الصحابة والتابعين ولا نعرف لهم في عصرهم مخالفاً فيكون إجماعاً

مسألة والنذر المنعقد على خمسة أقسام

(الثاني) اللجاج والغضب وهو ما يقصد به المنع من شئ أو الحمل عليه كقوله إن كلمتك فلله علي الحج أو صوم سنة أو عتق عبدي أو الصدقة بمالي فهذا يمين يخير بين فعله وبين كفارة يمين لما روى عمران بن حصين قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " لا نذر في غضب وكفارته كفارة يمين " رواه سعيد في سننه، وعن أحمد أن الكفارة تتعين عليه ولا يجزئه غيرها للخبر والأول ظاهر المذهب لأنها يمين فيخير فيها بين الأمرين كاليمين بالله تعالى ولأن هذا جمع الصفتين فيخرج عن العهدة بكل واحدة منهما (الثالث) نذر المباح كقوله لله علي أن البس ثوبي أو أركب دابتي فهذا كاليمين يتخير بين فعله وبين كفارة يمين لما روى أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إني نذرت أن أضرب على رأسك بالدف فقال النبي صلى الله عليه وسلم " أوف بنذرك " رواه أبو داود ولأنه لو حلف على فعل مباح بر بفعله فكذلك إذا نذره لأن النذر كاليمين، وإن شاء تركه وعليه كفارة يمين كما لو حلف ليفعلنه فلم يفعل ويتخرج أن لا كفارة فيه فإن أصحابنا قالوا من نذر أن يعتكف في مسجد معين أو يصلي فيه كان له أن يصلي ويعتكف في غيره ولا كفارة عليه ومن نذر أن يتصدق بماله كله أجزأته الصدقة بثلثه بلا كفارة وهذا مثله وقال مالك والشافعي لا ينعقد نذره لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا نذر إلا فيما يبتغى به وجه الله " وروى ابن عباس قال بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب إذا هو برجل قائم فسأل عنه فقالوا أبو إسرائيل نذر أن يقوم في الشمس ولا يستظل ولا يتكلم ويصوم فقال النبي صلى الله عليه وسلم " مروه فليجلس ويستظل وليتكلم وليتم صومه " رواه البخاري

وعن أنس قال نذرت امرأة أن تمشي إلى بيت الله فسئل نبي الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال " إن الله لغني عن مشيها مروها فلتركب "، قال الترمذي هذا حديث صحيح ولم يامر بكفارة وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يهادى بين اثنين فسأل عنه فقالوا نذر أن يحج ماشياً فقال " إن الله لغني عن تعذيب هذا نفسه مروه فليركب " متفق عليه ولم يأمره بكفارة ولأنه نذر غير واجب لفعل ما نذره فلم يوجب كفارة كنذر المستحيل، ولنا ما تقدم في قسم نذر اللجاج ولا غضب فأما حديث التي نذرت المشي فقد أمر فيه بالكفارة في حديث آخر فروى عقبة بن عامر أن أخته نذرت أن تمشي إلى بيت الله الحرام فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال " مروها فلتركب ولتكفر عن يمينها " أخرجه أبو داود وهذه زيادة يجب الأخذ بها ويجوز أن يكون الراوي للحديث روى البعض وترك البعض أو يكون النبي صلى الله عليه وسلم ترك ذكر الكفارة في بعض الحديث إحالة على ما علم من حديثه في موضع آخر. * (مسألة) (فإن نذر مكروهاً كالطلاق فإنه مكروه لقول النبي صلى الله عليه وسلم " أبغض الحلال إلى الله الطلاق " استحب أن يكفر ولا يفعله) لأن ترك المكروه أولى من فعله فإن فعله فلا كفارة عليه والخلاف فيه كالذي قبله (الرابع)

مسألة فإن نذر مكروها كالطلاق فإنه مكروه لقول النبي صلى الله عليه وسلم أبغض الحلال إلى الله الطلاق

نذر المعصية كشرب الخمر وصوم يوم الحيض ويوم العيد فلا يجوز الوفاء به ويكفر لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من نذر أن يعصي الله فلا يعصه " ولأن معصية الله لا تباح في حال ويجب على الناذر كفارة يمين، روي نحو هذا عن مسعود وابن عباس وعمران بن حصين وسمرة بن جندب، وبه قال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه، وروى عن أحمد ما يدل على أنه لا كفارة عليه وسنذكر ذلك إن شاء الله تعالى. * (مسألة) * (إلا أن ينذر ذبح ولده ففيه روايتان (إحداهما) أنه كذلك (والثانية) يلزمه ذبح كبش اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله فيمن قال إن فعلت كذا فلله علي نحر ولدي أو يقول ولدي نحير إن فعلت كذا أو نذر ذبح ولده مطلقاً غير معلق بشرط فعن أحمد عليه كفارة يمين وهذا قياس المذهب لأن هذا نذر معصية أو نذر لجاج وكلاهما يوجب الكفارة وهو قول ابن عباس فإنه قال لامرأة نذرت أن تذبح ابنها لا تنحري ابنك كفري عن يمينك (والرواية الثانية) كفارته ذبح كبش ويطعمه المساكين وهو قول أبي حنيفة ويروى ذلك عن ابن عباس أيضاً، لأن نذر ذبح الولد جعل في الشرع كنذره ذبح شاة بدليل أن الله تعالى أمر إبراهيم عليه السلام بذبح ولده وكان أمراً بذبح شاة وشرع من قبلنا شرع لنا ما لم يثبت نسخه ودليل أنه أمر بذبح شاة أن الله لا يأمر بالفحشاء ولا بالمعاصي وذبح الولد من كبائر المعاصي، قال الله

مسألة إلا أن ينذر ذبح ولده ففيه روايتان إحداهما أنه كذلك والثانية يلزمه ذبح كبش

تعالى (ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق) وقال النبي صلى الله عليه وسلم " أكبر الكبائر أن تجعل لله ندا وهو خلقك " قيل ثم أي؟ قال " أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك "، وقال الشافعي ليس هذا بشئ ولا يجب به شئ لأنه نذر معصية لا يجوز الوفاء به ولا يجوز ولا تجب به كفارة لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا نذر في معصية ولا فيما لا يملك ابن آدم. ولنا قوله عليه الصلاة والسلام " لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين " رواه سعيد في سننه ولأن النذر حكمه حكم اليمين بدليل قوله عليه الصلاة والسلام " النذر حلفة " وكفارته كفارة يمين فيكون بمنزلة من حلف ليذبحن ولده وقولهم أن النذر لذبح الولد كناية عن ذبح كبش لا يصح لأن ابراهيم عليه السلام لو كان مأموراً بذبح كبش لم يكن الكبش فداء ولا كان مصدقاً للرؤيا قبل ذبح الكبش وإنما أمر بذبح ابنه ابتلاء ثم فدي بذبح الكبش وهذا أمر اختص به ابراهيم عليه السلام لا يتعداه إلى غيره لحكمة علمها الله تعالى فيه ثم لو كان ابراهيم مأموراً بذبح كبش فقد ورد شرعنا بخلافه فإن نذر ذبح الابن ليس بقربة في شرعنا ولا مباح بل هو معصية فتكون كفارته كفارة سائر نذور المعاصي. (فصل) فإن نذر ذبح نفسه أو أجنبي ففيها أيضاً عن أحمد روايتان فنقل ابن منصور عن أحمد

فيمن نذر ذبح نفسه إذا حنث يذبح شاة وكذلك إن نذر ذبح أجنبي لأن ذلك يروي عن ابن عباس والذي قال أنا أنحر فلاناً فقال عليه كبش ولأنه نذر ذبح آدمي فكان عليه ذبح كبش كنذر ذبح ابنه (والثانية) عليه كفارة يمين لأنه نذر معصية فكان موجبة كفارة لما ذكرنا فيما تقدم وروى الجوزجاني بإسناده عن الأوزاعي قال حدثني أبو عبيد قال جاء رجل إلى ابن عمر فقال إني نذرت إن أنحر نفسي فتجهمه ابن عمر واقف منه ثم أتى ابن عباس فقال أهد مائة بدنة ثم أتى عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فقال أرأيت لو نذرت أن لا تكلم أباك أو أخاك؟ إنما هذه خطوة من خطوات الشيطان استغفر الله وتب إليه فرجع إلى ابن عباس فأخبره نقال أصاب عبد الرحمن ورجع ابن عباس عن قوله والصحيح أن هذا نذر معصية حكمه حكم سائر المعاصي لا غير. (فصل) قال أحمد في امرأة نذرت نحر ولدها ولها ثلاثة أولاد تذبح عن كل واحد كبشاً وتكفر عن يمينها وهذا على قولنا إن كفارة نذر ذبح الولد كبش فجعل عن كل واحد لأن لفظ الواحد إذا أضيف اقتضى التعميم فكان عن كل واحد كبش فإن عينت بنذرها واحدا فانما عليه كبش واحد بدليل إبراهيم عليه السلام لما أمر بذبح ابنه الواحد فدى بكبش واحد ولم يفد غير من أمر بذبحه من أولاده كذا ههنا وعبد المطلب لما نذر ذبح ابن من بنيه أن يبلغوا عشرة لم يفد منهم إلا واحداً وسواء نذرت معيناً أو عينت واحداً غير معين، فأما قول أحمد وتكفر يمينها فيحتمل

أنه أراد أن تذبح الكباش كفارة ويحتمل أنه كان مع نذرها يمين فأما على الرواية الأخرى تجزئها كفارة يمين على ما سبق. * (مسألة) * (ويحتمل أن لا ينعقد نذر المباح ولا المعصية ولا تجب به كفارة ولهذا قال أصحابنا من نذر الاعتكاف أو الصلاة في مكان معين فله فعله في غيره ولا كفارة وقد روي عن أحمد ما يدل على ذلك فإنه قال فيمن نذر ليهدمن دار غيره لبنة لبنة لا كفارة عليه) وهذا في معناه وروى هذا عن مسروق والشعبي وهو مذهب الشافعي لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا نذر في معصية الله ولا فيما لا يملك العبد " رواه مسلم والمذهب أن عليه الكفارة وقد ذكرناه في نذر المباح ووجهه ما روت عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين " رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وقال هذا حديث غريب (فصل) وإن نذر فعل طاعة وليس بطاعة لزمه فعل الطاعة كالذي في خبر أبي إسرائيل فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بإتمام الصوم وترك ما سواه لكونه ليس بطاعة وفي وجوب الكفارة لما تركه روايتان على ما ذكرناه وقد روى عقبة بن عامر أن أخته نذرت أن تمشي إلى بيت الله الحرام حافية غير مختمرة فذكر عقبة ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " مر أختك فلتركب ولتختمر ولتعصم ثلاثة

مسألة ويحتمل أن لا ينعقد نذر المباح ولا المعصية ولا تجب به كفارة

أيام "، رواه الجوزجاني والترمذي فإن كان المتروك خصالا كثيرة أجزأته كفارة واحدة لأنه نذر واحد فتكون كفارته واحدة كاليمين الواحدة على أفعال ولهذا لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم أخت عقبة بن عامر في ترك التحفي والاختمار بأكثر من كفاة. * (مسألة) * (ولو نذر الصدقة بكل ماله فله الصدقة بثلثه ولا كفارة عليه لما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لأبي لبابة حين قال إن من توبتي يا رسول الله إن أنخلع من مالي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يجزيك الثلث " وبهذا قال الزهري ومالك وقال ربيعة يتصدق منه بقدر الزكاة لأن المطلق يحمل على معهود الشرع ولا يجب في الشرع إلا قدر الزكاة وعن جابر بن زيد قال إن كان كثيراً وهو ألفان تصدق بعشرة وإن كان متوسطاً وهو ألف تصدق بسبعة، وإن كان قليلاً وهو خمسمائة تصدق بخمسة وقال أبو حنيفة يتصدق بالمال الزكوي كله وعنه في غيره فيه روايتان. [إحداهما] يتصدق به (والثانية) لا يلزمه منه شئ وقال النخعي والبتي والشافعي يتصدق بماله كله لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من نذر أن يطيع الله فليطعه " ولأنه نذر طاعة فلزمه الوفاء به كنذر الصلاة والصيام ولنا حديث أبي لبابة المذكور وعن كعب أبن مالك قال قلت يا رسول الله إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك " متفق عليه ولأبي داود يجزئ عنك الثلث قالوا ليس هذا بنذر وإنما أراد الصدقة

مسألة ولو نذر الصدقة بكل ماله فله الصدقة بثلثه ولا كفارة عليه

بجميعه فأمره النبي صلى الله عليه وسلم؟ الاقتصار على الثلث وليس هذا محل النزاع إنما النزاع فيمن نذر الصدقة بجميعه فلنا عنه جوابان (احدهما) أن قوله " يجزئك الثلث " دليل على أنه أتى بلفظ يقتضي الإيجاب لأنها إنما تستعمل غالباً في الواجبات ولو كان مخيراً بإرادة الصدقة لما لزمه شئ يجزئ عنه بعضه (الثاني) أن منعه من الصدقة بزيادة على الثلث دليل على أنه ليس بقربة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يمنع أصحابه من القرب ونذر ما ليس بقربة لا يلزم الوفاء به ولنا على أبي حنيفة أن غير الزكوي مال فتناوله النذر كغير الزكوي وما قاله ربيعة لا يصح فإن هذا ليس بزكاة ولا في معناها فإن الصدقة وجبت لاغناء الفقراء ومواساتهم وهذه صدقة تبرع بها صاحبها تقربا إلى الله تعالى ثم إن المحمول على معهود الشرع المطلق وهذه صدقة معينة غير مطلقة ثم تبطل بما لو نذر صياماً فإنه لا يحمل على صوم رمضان وكذلك الصلاة وما ذكره جابر بن زيد فهو تحكم بغير دليل * (مسألة) * (وإن نذر الصدقة بألف لزمه جميعه) وعنه يجزئه ثلثه إذا نذر الصدقة بمعين من ماله أو بمقدر كألف فروي عن أحمد أنه يجزئه ثلثه لأنه مال نذر الصدقة به فأجزأه ثلثه كجميع المال والصحيح في المذهب لزوم الصدقة بجميعه لانه

مسألة وإن نذر الصدقة بألف لزمه جميعه

منذور هو قربة فلزمه الوفاء به كسائر المنذورات ولعموم قوله سبحانه (يوفون بالنذر) وإنما خولف هذا في جميع المال للأثر فيه ولما في الصدقة بالمال كله من الضرر اللاحق به اللهم إلا أن يكون المنذور ههنا يستغرق جميع المال فيكون كنذر ذلك ويحتمل أنه إن كان المنذور ثلث المال فما دون لزمه وفاء نذره وإن زاد على الثلث لزمه الصدقة بقدر الثلث منه لأنه حكم يعتبر فيه الثلث فأشبه الوصية به (فصل) إذا نذر الصدقة بقدر من المال فأبرأ غريمه من قدره يقصد به وفاء النذر لم يجزئه وإن كان الغريم من أهل الصدقة قال أحمد لا يجزئه حتى يقبضه وذلك لأن الصدقة تقتضي التمليك وهذا إسقاط فلم يجزئه كما في الزكاة قال أحمد فيمن نذر أن يتصدق بمال وفي نفسه أنه ألف أجزأه أن يخرج ما قلنا وذلك لأن اسم المال يقع على القليل وما نواه زيادة على ما تناوله الاسم والنذر لا يلزم بالنية والقياس أنه يلزمه ما نواه لأنه نوى بكلامه ما يحتمله فتعلق الحكم به كاليمين وقد نص أحمد فيمن نذر صوماً أو صلاة وفي نفسه أكثر مما تناوله لفظه أنه يلزمه ذلك وهذا كذلك * (فصل) * قال رحمه الله (الخامس نذر التبرر كنذر الصلاة والصيام والصدقة والاعتكاف والحج والعمرة ونحوها من القرب سواء نذره مطلقا أو علقه بشرط يرجوه فقال إن شفى الله مريضي أو سلم الامالي فلله علي كذا فمتى وجد شرطه انعقد نذره ويلزمه الوفاء به) نذر التبرر يتنوع ثلاثة أنواع (أحدها) هذا الذي ذكرناه إذا كان في مقابلة نعمة استجلبها أو نقمة

استدفعها كقوله إن شفى الله مريضي فعلي صوم شهر وتكون الطاعة الملتزمة مما له أصل في الشرع كالصوم والصلاة والصدقة والحج فهذا يلزم الوفاء به بإجماع أهل العلم (والنوع الثاني) التزام طاعة من غير شرط كقوله ابتداء لله علي صوم شهر فيلزم الوفاء به في قول أكثر أهل العلم وهو قول أهل العراق وظاهر مذهب الشافعي وقال بعض أصحابه لا يلزم الوفاء به لأن أبا عمر غلام ثعلبة قال النذر عند العرب وعد بشرط ولأن ما التزمه الآدمي بعوض يلزمه كالبائع والمستأجر وما التزمه بغير عوض لا يلزمه بمجرد العقد كالهبة (النوع الثالث) نذر طاعة لا أصل لها في الوجوب كالاعتكاف وعيادة المريض فيلزم الوفاء به عند عامة أهل العلم وحكي عن أبي حنيفة أنه لا يلزمه الوفاء به لأن النذر فرع على المشروع فلا يجب به ما لا يجب له مالا نظير له بأصل الشرع ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " من نذر أن يطيع الله فليطعه " رواه البخاري وذمه الذين ينذرون. ولا يوفون وقول الله تعالى (ومنهم من عاهد الله لان آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين) الآيات إلى قوله (بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون) وقال عمر إني نذرت إن أعتكف ليلة في المسجد الحرام فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " أوف بنذرك " ولانه الزم نفسه قربة على وجه التبرر فلزمه كموضع الإجماع وكالعمرة فإنهم سلموها وهي غير واجبة عندهم كالاعتكاف وما ذكروه يبطل بهذين الأصلين وما حكوه عن أبي عمر لا يصح فإن العرب تسمي الملتزم نذراً وإن لم يكن بشرط قال جميل

فليت رجالا فيك قد نذروا دمي * وهموا بقتلي يابثين لقوني والجعالة وعد بشرط وليست بنذر * (مسألة) * (وإن نذر صوم سنة لم يدخل في نذره رمضان ويوما العيد وفي أيام التشريق روايتان وعنه ما يدل على أنه يقضي يومي العيدين وأيام التشريق) إذا نذر صوم سنة معينة لم يدخل في نذره رمضان، ويوما العيدين لا يصح صومهما فلم يدخلا في نذره كالليل وفي أيام التشريق روايتان (إحداهما) لا يدخل في نذره لأنه منهي عن صومها أشبهت يومي العيدين (والثانية) تدخل في نذره ويصومها كالمتمتع إذا لم يجد الهدي وفيه رواية أخرى أن يومي العيدين وأيام التشريق يدخل في نذره فعلى هذا لا يصومها ويقضي بدلها وعليه كفارة يمين لقوله عليه السلام " لا نذر في معصية " وكفارته كفارة يمين رواه أبو داود وإن قلنا يجوز صيام أيام التشريق عن نذره فصامها فلا كفارة عليه لأنه أتى بالمنذور أشبه ما لو نذر غيرها مما يصح صومه * (مسألة) * (وإن نذر صوم يوم الخميس فوافق يوم عيد أو حيض افطر وقضى وكفر) لأن مثل هذا النذر ينعقد لأنه نذر نذراً يمكن الوفاء به غالباً فكان منعقداً كما لو وافق غير

مسألة وإن نذر صوم يوم الخميس فوافق عيد أو حيض افطر وقضى وكفر

يوم العيد أو غير يوم الحيض والنفاس ولا يجوز أن يصوم يوم العيد أن وافقه لأن الشرع حرم صومه فأشبه زمن الحيض ويلزمه القضاء لأنه نذر منعقد قد فاته الصيام بالعذر فلزمته الكفارة كما لو فاته لمرض وعنه يكفر من غير قضاء لأنه وافق يوم صومه معصية فأوجب الكفارة من غير قضاء كما لو نذرت المرأة صوم يوم حيضها * (مسألة) * (ونقل عنه ما يدل على أنه أن صام يوم العيد صح صومه) لأنه وفى بما نذر، فأما إن وافق نذره يوم حيض أو نفاس لم يصمه بغير خلاف نعلمه بين أهل العلم ويتخرج في القضاء والكفارة مثل ما في يوم العيد قياساً عليه * (مسألة) * (وإن وافق أيام التشريق فهل يصومها؟ على روايتين) (إحداهما) يصومها لقول عائشة لم يرخص في هذه الأيام أن يصمن إلا للمتمتع إذا لم يجد الهدي فسنا عليه سائر الواجبات (والثانية) لا يصومها للنهي عن ذلك * (مسألة) * (وإن نذر صوم يوم يقدم فلان فقدم ليلا فلا شئ عليه وإن قدم نهاراً فعنه ما يدل على أنه لا ينعقد نذره ولا يلزمه إلا صيام ذلك اليوم إن لم يكن افطر وعنهه أنه يقضي ويكفر سواء قدم وهو مفطر أو صائم وإن وافق قدومه يوما من رمضان فقال الخرقي يجزئه صياما لرمضان ونذره وقال غيره عليه القضاء وفي الكفارة روايتان)

مسألة ونقل عنه ما يدل على أنه أن صام يوم العيد صح صومه

وجملة ذلك أنه إذا نذر أن يصوم يوم يقدم فلان صح نذره وهو قول أبي حنيفة وأحد قولي الشافعي وقال في الآخر لا يصح نذره لأنه لا يمكن صومه بعد وجود شرطه فلم يصم كما لو قال لله علي أن أصوم اليوم الذي قبل اليوم الذي يقدم فيه زيد ولنا أنه زمن يصح فيه صوم التطوع فانعقد نذره لصومه كما لو أصبح صائماً تطوعا وقال لله علي أن أصوم يومي وقولهم لا يصح صومه لا يصح لأنه قد يعلم اليوم الذي يقدم فيه قبل قدومه فينوي صومه من الليل ولأنه قد يجب عليه مالا يمكنه كالصبي يبلغ في اثناء يوم من رمضان والحائض تطهر فيه ولا نسلم ما قاسوا عليه: إذا ثبت ذلك لم يخل من أقسام خمسة (أحدهما) أن يقدم ليلا فلا شئ عليه في قول الجميع لأنه لم يقدم في اليوم ولا في وقت يصح فيه الصيام (الثاني) أن يعلم قدومه من الليل فينوي صومه ويكون يوما يجوز فيه صوم النذر فيصح صومه ويجزئه وفاء بنذره (الثالث) أن يقدم يوم فطر أو أضحى فاختلفت الرواية عن أحمد في هذه المسألة فعنه لا يصح ويقضي ويكفر نقله عن أحمد جماعة وهو قول أكثر أصحابنا ومذهب الحكم وحماد (والرواية الثانية) يقضي ولا كفارة عليه وهو قول الحسن والاوزاعي وأبي عبيد وقتادة وأبي ثور وأحد قولي الشافعي لأنه فاته الصوم الواجب بالنذر فلزمه قضاؤه كما لو تركه نسياناً ولم تلزمه كفارة لأن الشرع منعه

من صومه فهو كالمكره وعن أحمد رواية ثالثة ان صامه صح صومه وهو مذهب أبي حنيفة لأنه قد وفى بما نذر فأشبه ما لو نذر معصية ففعلها ويتخرج أن يكفر من غير قضاء لأنه وافق يوماً صومه حرام فكان موجبة الكفارة كما لو نذرت المرأة صوم يوم حيضها ويتخرج أن لا يلزمه شئ من كفارة ولا قضاء بناء على من نذر المعصية. ووجه قول الخرقي أن النذر ينعقد لأنه نذر نذراً يمكن الوفاء به غالباً فكان منعقداً كما لو وافق غير يوم العيد ولا يجوز أن يصوم يوم العيد لان الشارع حرم صومه فأصبه زمن الحيض ولزمه القضاء لأنه نذر منعقد قد فاته الصيام بالعذر فلزمته الكفارة لفواته كما لو فاته بمرض، وإن وافق يوم حيض أو نفاس فهو اكما لو وافق يوم فطر أو أضحى إلا أنها لا تصومه بغير خلاف بين أهل العلم (الرابع) أن يقدم في يوم يصح صومه والناذر مفطر ففيه روايتان (إحداهما) يلزمه القضاء والكفارة لأنه نذر صوما نذراً صحيحاً ولم يف به فلزمه القضاء والكفارة كسائر المنذورات ويتخرج أن لا تلزمه كفارة وهو مذهب الشافعي لأنه ترك المنذر لعذر (والثانية) لا يلزمه شئ من قضاء ولا غيره وهو قول أبي يوسف وأصحاب الرأي وابن المنذر لأنه قدم في زمن لا يصح صومه فيه فلم يلزمه شئ كما لو قدم ليلا

(الخامسة) قدم والناذر صائم فلا يخلو من أن يكون تطوعاً أو فرضاً فإن كان تطوعا فقال القاضي يصوم بقيته ويعقده عن نذره ويجزئه ولا قضاء ولا كفارة وهو قول أبي حنيفة لأنه يمكن صوم يوم بعضه تطوع وبعضه واجب كما لو نذر في صوم التطوع إتمام صوم ذلك اليوم وإنما وجد سبب الوجوب في بعضه وذكر القاضي احتمالا آخر أنه يلزمه القضاء والكفارة لأنه صوم واجب فلم يصح بنية من النهار كقضاء رمضان وذكر أبو الخطاب هذين الاحتمالين روايتين وعند الشافعي عليه القضاء فقط كما لو قدم وهو مفطر ويتخرج لنا مثله، وأما إن كان الصوم واجباً مثل أن يوافق يوما من رمضان فقال الخرقي يجزئه لرمضان ونذره لأنه نذر صومه وقد وفى به وقال غيره عليه القضاء لأنه لم يصمه عن نذره وفي الكفارة روايتان (إحداهما) يجب لتأخر النذر (والثانية) لا يجب لأنه أخر أشبه ما لو أخر صوم رمضان لعذر * (مسألة) * (وإن وافق يوم نذره وهو مجنون فلا قضاء عليه ولا كفارة) لأنه خرج عن أهلية التكليف قبل وقت النذر أشبه ما لو فاته (فصل) وإن قال لله علي صوم يوم العيد فهذا نذر معصية على ناذر الكفارة لا غير نقلها حنبل عن أحمد وفيه رواية أخرى أن عليه القضاء مع الكفارة كما لو نذر يوم الخميس فوافق يوم العيد والاولى هي الصحيحة قاله القاضي لأن هذا نذر معصية فلم يوجب قضاء كسائر المعاصي وفارق ما

مسألة وإن وافق يوم نذره وهو مجنون فلا قضاء عليه ولا كفارة لأنه خرج عن أهلية التكليف قبل وقت النذر

إذا نذر صوم يوم الخميس فوافق يوم العيد لأنه لم يقصد بنذره المعصية وإنما وقع اتفاقا وههنا وتعمدها بالنذر فلم ينعقد نذره ويدخل في قوله عليه الصلاة والسلام " لا نذر في معصية " ويتخرج ألا يلزمه شئ بناء على نذر المعصية فيما تقدم * (مسألة) * (وإن نذر صوم شهر معين فلم يصمه لغير عذر فعليه القضاء وكفارة يمين) لأنه صوم واجب معين أخره فلزمه قضاؤه كرمضان وتلزمه كفارة يمين لتأخير النذر عن وقته لأنه يمين وان لم يصمه لعذر فعليه القضاء لأنه واجب أشبه رمضان وفي الكفارة روايتان (إحداهما) تلزمه لتأخير النذر والأخرى لا تلزمه لأنه أخره لعذر أشبه تأخير رمضان ل؟ ذر * (مسألة) * (وإن صام قبله لم يجزئه) وكذلك إن نذر الحج في عام فحج قبله وقال أبو يوسف يجزئه كما لو حلف ليقضينه حقه في وقت فقضاه قبله ولنا ان المنذر محمول على المشروع ولو صام قبل رمضان لم يجزئه فكذلك إذا صام المنذور قبله ولأنه لم يأت بالمنذور في وقته فلم يجزئه كما لو لم يفعله أصلا * (مسألة) * (وإن أفطر في أثنائه لغير عذر لزمه استئنافه ويكفر ويحتمل أن يتم باقيه ويقضي ويكفر) إذا نذر صوم شهر معين فافطر في اثنائه لم يخل من حالين أحدهما الفطر لغير عذر ففيه روايتان (إحداهما) ينقطع صومه ويلزمه استئنافه لانه صوم يجب متتابعاً بالنذر فأبطله الفطر لغير عذر وفارق

مسألة وإن نذر صوم شهر معين فلم يصمه لغير عذر فعليه القضاء وكفارة يمين

رمضان فانه تتابعه بالشرع لا بالنذر وههنا أوجبه عل نفسه ثم فوته فأشبه ما لو شرطه متتابعاً (الثانية) لا يلزمه الاستئناف إلا أن يكون قد شرط التتابع وهذا قول الشافعي لأن وجوب التتابع ضرورة التعيين لا بالشرط فلم يبطله الفطر في اثنائه كشهر رمضان ولان الاستئناف يجعل الصوم في غير الوقت الذي عينه والوفاء بنذره في غير وقته وتفويت البعض لا يوجب تفويت الجميع فعلى هذا يكفر عن فطره ويقضي أيام فطره بعد إتمام صومه وهذا أ؟ يس إن شاء الله تعالى وأصح وعلى الرواية الأولى يلزمه الاستئناف عقيب الأيام التي أفطر فيها ولا يجوز تأخيره لأن باقي الشهر منذور فلا يجوز ترك الصوم فيه وتلزمه كفارة أيضاً لا خلاله بصوم الأيام التي أفطرها (الحال الثاني) أفطر لعذر فإنه يبني على ما مضى من صيامه ويكفر هذا قياس المذهب وفيه رواية أخرى أنه لا كفارة عليه وهو مذهب مالك والشافعي وأبي ثور وابن المنذر لأن النذر محمول على المشروع ولو أفطر رمضان لعذر لم يلزمه شئ ولنا أنه فات ما نذره فلزمته كفارة لقول النبي صلى الله عليه وسلم لأخت عقبة بن عامر " ولتكفر بمينها " وفارق رمضان فإنه لو أفطر لغير عذر لم تجب عليه كفارة إلا في الجماع بخلاف هذا (فصل) وإن جن جميع الشهر المعين لم يلزمه قضاء ولا كفارة وقال أبو يوسف يلزمه القضاء لأنه

من أهل التكليف في وقت الوجوب فلم يلزمه القضاء كما لو كان في شهر رمضان وإن حاضت المرأة جميع الزمن المعين فعليها القضاء وفي الكفارة وجهان وقال الشافعي لا كفارة عليها وفي القضاء وجهان (أحدهما) لا يلزمها لأن زمن الصوم لا يمكن الصوم فيه فلا يدخل في النذر كزمن رمضان ولنا أن المنذور يحمل على المشروع ابتداء ولو حاضت في شهر رمضان لزمها القضاء فكذلك المنذور (فصل) وإن قال علي الحج في عامي هذا فلم يحج لعذر أو غيره فعليه القضاء والكفارة ويحتمل أن لا كفارة عليه إذا كان معذوراً وقال الشافعي إن تعذر عليه الحج لأحد الشرائط السبعة أو منعه منع سلطان أو عدو فلا قضاء عليه وإن حدث به مرض أو أخطأ أو توانى قضاه ولنا أنه فاته الحج المنذور فلزمه قضاؤه كما لو مرض ولأن المنذور محمول على المشروع ابتداء ولو فاته المشروع لزمه قضاؤه فكذلك المنذور * (مسألة) * (وإن نذر صوم شهر لزمه التتابع) إذا نذر صوم شهر فهو مخير بين أن يصوم شهراً بالهلال فيجزئه وبين أن يصومه بالعدد ثلاثين يوما ويلزمه التتابع في أحد الوجهين وهو قول أبي ثور لأن إطلاق الشهر يقتضي التتابع (والثاني) لا يلزمه التتابع

مسألة وإن نذر صوم شهر لزمه التتابع

وهو قول الشافعي ومحمد بن الحسن لأن الشهر يقع على ما بين الهلالين وعلى ثلاثين يوما ولا خلاف في أنه يجزئه ثلاثون يوما فلم يلزمه التتابع كما لو نذر ثلاثين يوما * (مسألة) * (وإن نذر أياما معدودة لم يلزمه التتابع الا أن يستر له) نص عليه أحمد وروي عنه فيمن قال لله علي صيام عشرة أيام يصومها متتابعاً وهذا يدل على وجوب التتابع في الأيام المنذورة وهو اختيار القاضي وحمل بعض أصحابنا كلام أحمد على من شرط التتابع أو نواه لأن لفظ العشرة لا يقتضي تتابعاً والنذر لا يقتضيه ما لم يكن في لفظه أو نيته وقال بعضهم كلام أحمد على ظاهره ويلزمه التتابع في نذر العشرة دون الثلاثين لأن الثلاثين شهر فلو أراد التتابع لقال شهراً فعدوله إلى العدد دليل على إرادة التفريق بخلاف العشرة والصحيح أنه لا يلزمه التتابع فإن عدم ما يدل على التفريق ليس بدليل على التتابع فإن الله تعالى قال في رمضان (فعدة من أيام أخر) ولم يذكر تفريقها ولا تتابعها ولم يجب التتابع فيها بالاتفاق وقال بعض أصحابنا أن نذر اعتكاف أيام لزمه التتابع ولا يلزم مثل ذلك في الصيام لأن الاعتكاف يتصل بعضه ببعض من غير فصل الصوم يتخلله الليل فيفل بعضه من بعض ولذلك لو نذر اعتكاف يومين متتابعين لدخل فيه الليل والصحيح التسوية لأن الواجب ما اقتضاه لفظه ولا يقتضي التتابع بدليل نذر الصوم وما ذكروه ومن قال يلزمه التتابع لزمته الليالي التي بين أيام الاعتكاف كما لو قال متتابعه

مسألة وإن نذر أياما معدودة لم يلزمه التتابع إلا أن يشترطه

* (مسألة) * (وإن نذر صياما متتابعا فافطر لمرض أو حيض قضى لا غير وإن أفطر لغير عذر لزمه الاستيفاء وإن أفطر لسفر أو ما يبيح الفطر فعلى وجهين) وجملته أن من نذر صياما متتابعا غير معين لم يخل من حالين (أحدهما) أن يفطر لعذر من حيض أو مرض أو نحوه فهو مخير بين أن يبتدئ الصوم ولا شئ عليه لأنه أتى بالمنذور على وجهه وبين أن يبني على صيامه ويكفر لأن الكفارة تلزم لتركه المنذور وإن كان عاجزاً بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أخت عقبة بن عامر بالكفارة لعجزها عن المشي ولأن النذر كاليمين، ولو حلف ليصومن صياماً متتابعاً ثم لم يأت به متتابعاً لزمته الكفارة، وإنما جوزنا له البناء ههنا لأن الفطر لعذر لا يقطع التتابع حكما كما لو أفطر في صيام الشهرين المتتابعين لعذر كان له البناء والذي ذكره شيخنا في الكتاب المشروح أنه لا كفارة عليه إذا أفطر لعذر فإنه قال: قضاه لا غير وهي إحدى الروايتين عن أحمد، كما لو ترك التتابع في الشهرين المتتابعين لعذر فإنه لا كفارة عليه كذا ههنا (الحال الثاني) أن يفطر لغير عذر فهذا يلزمه استئناف الصيام ولا كفارة عليه لأنه ترك التتابع المنذور لغير عذر مع إمكان الاتيان به فلزمه فعله كما لو نذر صوما معيناً فصام قبله فإن أفطر لعذر يبيح الفطر

مسألة وإن نذر صياما متتابعا فافطر لمرض أو حيض قضى لا غير وإن أفطر لغير عذر لزمه الاستيفاء

كالسفر لم يقطع التتابع في أحد الوجهين لأنه عذر في فطر رمضان فأشبه المرض (والثاني) يفطر لأنه أفطر بإختياره أشبه ما لو أفطر لغير عذر (فصل) إذا نذر صوم شهر متتابع فصام من أول الهلال أجزأه تاما كان الشهر أو ناقصاً لأن ما بين الهلالين شهر ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم " الشهر تسع وعشرون " وإن بدأ من اثناء شهر لزمه شهر بالعدد ثلاثون يوما لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم علكيم فأكملوا ثلاثين " لأنه بدأ من أثنائه، إن كان ناقصاً قضى يومين وإن كان تاما أتم يوما واحداً وإن صام ذا الحجة أفطر يوم الأضحى وأيام التشريق ولم ينقطع تتابعه كما لو أفطرت المرأة لحيض، وعليه كفارة ويقضي أربعة أيام إن كان تاما وخمسة إن كان ناقصاً والأولى أن لا يلزمه إلا أربعة إذا كان ناقصاً لأنه بدأ من أوله فيقضي المتروك منه حسب، وإن صام من أول شهر فمرض فيه أياما معلومة أو حاضت المرأة فيه ثم طهرت قبل خروجه قضى ما أفطر منه بعدته إن كان الشهر تاما وإن كان ناقصاً فهل يلزمه الاتيان بيوم آخر؟ على وجهين بناء على ما ذكرنا فيما إذا أفطر يوم العيد وأيام التشريق. (فصل) إذا نذر صيام شهر من يوم يقدم فلان فقدم في أول شهر رمضان فظاهر كلام الخرقي إن هذا نذر منعقد يجزئ صيامه عن النذر ورمضان وهو قول أبي يوسف وقياس قول ابن عباس وعكرمة لأنه نذر صوما في وقت وقد صام فيه، وقال القاضي في شرحه ظاهر كلام الخرقي أنه غير

منعقد لأن نذره وافق زمنا يستحق صومه فلم ينعقد نذره كنذر صوم رمضان قال والصحيح عندي صحة النذر لأنه نذر طاعة يمكن الوفاء به غالباً فانعقد كما لو وافق شعبان فعلى هذا يصوم رمضان ثم يقضي ويكفر وهذا اختيار أبي بكر ونقل جعفر بن محمد عن أحمد أن عليه القضاء وقول الخرقي: أجزأه صيامه لرمضان ونذره دليل على أن نذره انعقد عنده لولا ذلك ما كان صومه عن نذره وقد نقل أبو طالب عن أحمد في من نذر أن يحج وعليه حجة مفروضة فاحرم عن النذر: وقعت عن المفروض ولا يجب عليه شئ آخر وهذا مثل قول الخرقي وروى عكرمة عن ابن عباس في رجل نذر أن يحج ولم يكن حج الفريضة قال يجزئ لهما جميعا، وعن عكرمة أنه سئل عن ذلك فقال عكرمة يقتضي حجة عن نذره وعن حجة الإسلام أرأيتم لو أن رجلا نذر أن يصلي أربع ركعات فصلى العصر أليس ذلك يجزئه من العصر والنذر؟ قال فذكرت قولي لابن عباس فقال أصبت وأحسنت وقال ابن عمر وأنس يبدأ بحجة الإسلام ثم يحج لنذره وفائدة انعقاد ونذره لزوم الكفارة بتركه وأنه لو لم ينوه لنذره لزمه قضاؤه وعلى هذا لو وافق نذره بعض رمضان وبعض شهر آخر إما شعبان وإما شوال لزمه صوم ما خرج عن رمضان ويتمه، ولو قال لله علي صوم رمضان فعلى قياس قول الخرقي يصح نذره ويجزئه صيامه عن الأمرين ولزمته الكفارة إن أخل به وعلى قول القاضي لا ينعقد نذره وهو مذهب الشافعي لأنه لا يصح صومه عن النذر أشبه الليل.

ولنا أن النذر يمين فينعقد في الواجب موجباً للكفارة كاليمين بالله تعالى وقد نقل عن أحمد فيمن نذر أن يحج العام وعليه حجة الإسلام روايتان. (إحداهما) تجزئه حجة الإسلام عنها وعن نذره نقلها أبو طالب (والثانية) ينعقد نذره موجباً لحجة غير الإسلام ويبدأ بحجة الإسلام ثم يقضي نذره نقلها ابن منصور لأنهما عبادتان تجبان بسببين مختلفين فلم تسقط إحداهما بالأخرى كما لو نذر حجتين. ووجه الأولى أنه نذر عبادة في وقت معين وقد أتى بها فيه فأشبه ما لو قال لله علي أن أصوم رمضان. (فصل) فأما إن قال لله علي أن أصوم شهراً فنوى صيام شهر رمضان لنذره ورمضان لم يجزئه لأن شهر رمضان واجب يفرض الله تعالى ونذره يقتضي إيجاب شهر فيجب شهران بسببين فلا يجزئ أحدهما عن الآخر كما لو نذر صوم شهرين وكما لو نذر أن يصلي ركعتين لم تجزئه صلاة الفجر عن نذره وعن الفجر * (مسألة) * (وإن نذر صياما فعجز عنه لكبر أو مرض لا يرجى برؤه أطعم عنه لكل يوم مسكينا ويحتمل أن يكفر ولا شئ عليه) من نذر طاعة لا يطيقها أو كان قادار عليها فعجز عنها فعليه كفارة يمين لما روى عقبة بن عامر قال نذرت أختي أن تمشي إلى بيت الله حافية فأمرتني أن استفتي لها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتيته

مسألة وإن نذر صياما فعجز عنه لكبر أو مرض لا يرجى برؤه أطعم عنه لكل يوم مسكينا ويحتمل أن يكفر

فقال " لتمش ولتركب " متفق عليه ولأبي داود " ولتكفر يمينها " وللترمذي " ولتصم ثلاثة أيام " وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا نذر في معصية الله وكفارته كفارة يمين " قال " ومن نذر نذراً لا يطيقه فكفارته كفارة يمين " رواه أبو داود وقال وقفه من رواه عن ابن عباس وقال ابن عباس من نذر نذراً يطيقه فليف بما نذر فإذا كفر وكان المنذور غير الصيام لم يلزمه شئ آخر وإن كان صياماً فعن أحمد روايتان (إحداهما) يلزمه لكل يوم إطعام مسكين قال القاضي وهذا أصح لأنه صوم وجد سبب إيجابه عبثاً فإذا عجز عنه لزمه أن يطعم عن كل يوم مسكيناً كصوم رمضان ولأن المطلق من كلام الآدمي يحمل على المطلق من كلام الله تعالى، ولو عجز عن الصوم المشروع اطعم عن كل يوم مسكيناً كذلك إذا عجز عن الصوم المنذور (والثانية) لا يلزمه شئ آخر من إطعام ولا غيره لقوله من نذر نذراً لا يطيقه فكفارته كفارة يمين وهذا يقتضي أن تكون كفارة اليمين جميع كفارته ولأنه نذر عجز عن الوفاء به فكان الواجب فيه كفارة يمين كسائر النذر ولأن موجب النذر موجب اليمين الا مع إمكان الوفاء به إذا كان قربة ولا يصح قياسه على صوم رمضان لوجهين (أحدهما) أن رمضان يطعم عنه عند العجز بالموت فكذلك في الحياة (الثاني) أن قياس المنذور على المنذور أولى من قياسه على المفروض بأصل الشرع لأن هذا قد وجبت فيه كفارة فأجزأت عنه بخلاف المشروع

(فصل) وإن عجز عن الصوم لعارض يرجى زواله من مرض أو نحوه انتظر زواله ولا تلزمه كفارة ولا غيرها لأنه لم يفت الوقت فيشبه المريض في شهر رمضان فإن استمر عجزه إلى أن صار غير مرجو الزوال صار إلى الكفارة والفدية على ما ذكرنا من الخلاف فيه، فإن كان العجز المرجو الزوال عن صوم معين فات وقته انتظر الامكان ليقضيه وهل تلزمه لفوات الوقت كفارة، على روايتين ذكرهما أبو الخطاب (إحداهما) تجب الكفارة لاته اخل بما نذره على وجهه فلزمته الكفارة كما لو نذر المشي إلى بيت الله الحرام فعجز ولأن النذر كاليمين ولو حلف ليصومن هذا الشهر لزمته الكفارة كذا ههنا (والثانية) لا يلزمه لأنه أتى بصيام اجزأ عن نذره من غير تفريطه فلم تلزمه كفارة كما لو صام عينه (فصل) فإن نذر غير الصيام فعجز عنه كالصلاة ونحوها فليس عليه الا الكفارة لأن الشرع لم يجعل لذلك حداً يصار إليه فوجبت الكفارة لمخالفته نذره فقط وإن عجز عنه لعارض فحكمه حكم الصيام سواء فيما فصلناه (فصل) وأن نذر صياماً ولم يسم عدداً ولم ينوه اجزأه صوم يوم لا خلاف فيه لأنه ليس في الشرع صوم مفرد أقل من يوم فلزمه لأنه اليقين فإن نذر صلاة مطلقة ففيها روايتان (إحداهما) تجزئه ركعة نقلها اسماعيل بن سعيد لأن أقل الصلاة ركعة فإن الوتر صلاة مشرعة وهي ركعة واحدة وروي عن عمر رضي الله عنه أنه تطوع بركعة واحدة

(والثانية) لا يجزئه إلا ركعتان ذكرها الخرقي وبه قال أبو حنيفة لأن أقل صلاة وجبت بالشرع ركعتان فوجب حمل النذر عليه، وأما الوتر فهو نفل والنذر فرض فحمله على المفروض أولى ولأن الركعة لا تجزئ في الفرض ولا تجزئ في النفل كالسجدة وللشافعي قولان كالروايتين فأما أن عين بنذره عدداً لزمه قل أو كثر لأن النذر يثبت بقوله فكذلك عدده فإن نوى عدداً فهو كما لو سماه لأنه نوى بلفظه ما يحتمله فلزمه حكمه كاليمين (فصل) وإن نذر صوم الدهر لزمه ولم يدخل في نذره رمضان ولا أيام العيد والتشريق فإذا أفطر لعذر أو غيره لم يقضه لأن الزمن مستغرق بالصوم المنذور لكن تلزمه كفارة لتركه وأن لزمه قضاء لرمضان أو كفارة قدمه على النذر لأنه واجب بأصل الشرع فيقدم على ما اوجبه على نفسه لتقديم حجة الاسلام على المنذورة وإذا لزمته كفارة لتركه صوم يوم أو أكثر وكانت كفارته الصيام احتمل أن يجب لأنه لا يمكن التكفير الا بترك الصوم المنذور وتكره يوجب كفارة فيفضي إلى التسلسل وترك المنذور بالكلية ويحتمل أن تجب الكفارة ولا يجب بفعلها كفارة لأن ترك النذر لعذر لا يوجب كفارة فلا يفضي إلى التسلسل والله أعلم * (مسألة) * (وإن نذر المشي إلى بيت الله الحرام أو موضع من الحرم لم يجزئه إلا المشي في حج أو عمرة فإن ترك المشي لعجز أو غيره فعليه كفارة يمين وعنه عليه دم) وجملة ذلك أن من نذر المشي إلى بيت الله عزوجل لزمه الوفاء بنذره وبهذا قال مالك

مسألة وإن نذر المشي إلى بيت الله الحرام أو موضع من الحرم لم يجزئه إلا المشي في حج أو عمرة

والاوزاعي والشافعي وأبو عبيد وابن المنذر ولا نعلم فيه خلافا لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من نذر أن يطيع الله فليطعه - وقال - لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى " ولا يجزئه المشي إلا في حج أو عمرة وبه يقول الشافعي ولا نعلم فيه خلافاً وذلك لأن المشي إليه في الشرع هو المشي في حج أو عمرة فإذا أطلق الناذر حمل على المعهود الشرعي ويلزمه المشي لنذره أياه فإن عجز عن المشي ركب وعليه كفارة يمين وعن أحمد رواية أخرى أنه يلزمه دم وهو قول الشافعي وبه قال عطاء لما روى ابن عباس أن أخت عقبة بن عامر نذرت المشي إلى بيت الله الحرام فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم إن تركب وتهدي هدياً رواه أبو داود وفيه ضعف لأنه أخل بواجب في الإحرام فلزمه هدي كتارك الاحرام من المقيات وعن ابن عمر وابن الزبير قالا يحج من قابل ويركب ما مشى ويمشي ما ركب ونحوه قال ابن عباس وزاد ويهدي وعن الحسن مثل الأقوال الثلاثة وعن النخعي روايتان (إحداهما) كقول ابن عمر (والثانية) كقول ابن عباس وهذا قول مالك وقال أبو حنيفة يلزمه هدي سواء عجز عن المشي أو قدر عليه وأقل الهدي شاة وقال الشافعي لا تلزمه مع العجز كفارة بحال إلا أن يكون النذر إلى بيت الله فهل يلزمه هدي؟ فيه قولان وأما غيره فلا يلزم مع العجز شئ ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم لأخت عقبة بن عامر لما نذرت المشي إلى بيت الله " لتمش ولتركب

ولتكفر يمينها " وقول النبي صلى الله عليه وسلم " كفارة النذر كفارة اليمين " ولأن المشي مما لا يوجبه الاحرام فلم يجب الدم يتركه كما لو نذرت صلاة ركعتين فتركتهما وحديث الهدي ضعيف وهذا حجة على الشافعي حيث أوجب الكفارة عليها من غير ذكر العجز فإن قيل أن النبي صلى الله عليه وسلم أوجب عليه الكفارة من غير ذكر العجز قلنا يتعين حمله على حالة العجز لأن المشي قربة لكونه مشيا إلى عبادة والمشي إلى العبادة أفضل ولهذا روي أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يركب في عيد ولا جنازة فلو كانت قادرة على المشي لأمرها به ولم يأمرها بالتكفير ولأن المشي المقدور عليه لا يخلو من أن يكون واجباً أو مباحاً فإن كان واجباً لزم الوفاء به وإن كان مباحاً لم تجب الكفارة بتركه عند الشافعي وقد أوجب الكفارة ههنا وترك ذكره في الحديث إما لعلم النبي صلى الله عليه وسلم بحالها وعجزها وإما لأن الظاهر من حال المرأة العجز عن المشي إلى مكة أو يكون قد ذكر في الخبر فترك الراوي ذكره وقول أصحاب أبي حنيفة أنه أخل بواجب في الحج قلما المشي لم يوجبه الإحرام ولا هو من مناسكه فلم يجب بتركه هدي كما لو نذر صلاة ركعتين في الحج فلم يصلهما فأما أن ترك المشي مع إمكانه فقد أساء وعليه كفارة لتركه صفة النذر وقياس المذهب أن يلزمه استئناف الحج ماشياً لتركه صفة المنذور كما لو نذر صوماً متتابعاً فأتى به متفرقاً، فإن عجز عن المشي بعد الحج كفر واجزأه وإن مشى بعض الطريق وركب بعضاً فعلى هذا القياس يحتمل أن يكون كقول

ابن عمر وهو أن يحج فيمشي ما ركب ويركب ما مشى ويحتمل أن لا يجزئه إلا حج يمشي في جميعه لأن ظاهر النذر يقتضي هذا ووجه القول الأول وهو ألا يلزمه بترك المشي المقدور عليه أكثر من كفارة أن المشي ليس بمقصود في الحج ولا ورد الشرع باعتباره في موضع فلم يلزمه بتركه أكثر من كفارة كما لو نذر النحفي وشبهه وفارق التتابع في الصيام فإنه صفة مقصودة فيه اعتبرها الشرع في صيام كفارتي الظهار والقتل * (مسألة) * (فإن نذر الركوب فمشى فعلى الروايتين) إذا نذر الحج راكباً لزمه الحج كذلك لأن فيه انفاقاً في الحج فإن ترك الركوع فعليه كفارة وقال أصحاب الشافعي يلزمه دم لترفهه بترك الإنفاق وعن أحمد مثل ذلك وقد بينا أن الواجب بترك النذر الكفارة دون الهدي إلا أن هذا إذا مشى ولم يركب مع إمكانه لم يلزمه أكثر من كفارة لأن الركوب في نفسه ليس بطاعة ولا قربة، وكل موضع نذر المشي فيه أو الركوب فإنه يلزمه الإتيان بذلك من ديرة أهله إلا أن ينوي موضعاً بعينه فيلزمه من ذلك الموضع لأن النذر محمول على اصله في الفرض، والحج المفروض يجب كذلك ويحرم للمنذور من حيث يحرم للواجب وقال بعض الشافعية يجب الإحرام من دويرة أهله لأن إتمام الحج كذلك ولنا أن المطلق محمول على المعهود في الشرع، والإحرام الواجب إنما هو من الميقات ويلزمه

مسألة فإن نذر الركوب فمشى فعلى الروايتين

المنذور من المشي أو الركوب في الحج والعمرة إلى أن يتحلل لأن ذلك انقضاء الحج والعمرة. قال أحمد يركب في الحج إذا رمى وفي العمرة إذا سعى لانه لو وطئ بعد ذلك لم يفسد حجة ولا عمرته، وهذا يدل على أنه إنما يلزمه في الحج التحلل الأول (فصل) وإذا نذر المشي إلى البيت الحرام أو بقعة منه كالصفا والمروة وأبي قبيس، أو موضع من الحرم لزمه حج أو عمرة نص عليه أحمد وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة لا يلزمه إلا أن ينذر المشي إلى الكعبة أو إلى مكة، وقال أبو يوسف ومحمد إن نذر المشي إلى الحرم أو المسجد الحرام كقولنا وفي باقي الصور كقول أبي حنيفة ولنا أنه نذر المشي إلى موضع من الحرم أشبه النذر إلى مكة فأما إن نذر المشي إلى غير الحرم كعرفة ومواقيت الإحرام وغير ذلك لم يلزمه ذلك ويكون كنذر المباح وكذلك إن نذر اتيان مسجد سوى المساجد الثلاثة لم يلزمه اتيانه، وإن نذر الصلاة فيه لزمه الصلاة دون المشي ففي أي موضع صلى أجزأه لأن الصلاة لا تختص مكانا دون مكان فلزمته الصلاة دون الموضع ولا نعلم في هذا خلافاً إلا عن الليث فإنه قال لو نذر صلاة أو صياما بموضع لزمه فعله في ذلك الموضع ومن نذر المشي إلى مسجد مشى إليه قال الطحاوي ولم يوافقه على ذلك أحد من الفقهاء لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى " متفق عليه ولو لزمه المشي إلى مسجد بعيد لشد الرحل إليه وقد ذكرناه في الاعتكاف

(فصل) فإن نذر المشي إلى بيت الله ولم ينو شيئاً ولم يعينه انصرف إلى بيت الله الحرام لأنه المخصوص بالقصد دون غيره، وإطلاق بيت الله ينصرف إليه دون غيره في العرف فينصرف إليه في النذر (فصل) إذا نذر المشي إلى بيت الله والركوب إليه ولم يرد بذلك حقيقة المشي إنما أراد اتيانه لزمه اتيانه في حج أو عمرة وعن أبي حنيفة لا يلزمه شئ لأن مجرد اتيانه ليس بقربة ولا طاعة ولنا أنه علق نذره بوصول البيت فلزمه كما لو قال لله علي المشي إلى الكعبة إذا ثبت هذا فإنه مخير في المشي والركوب، وكذلك إذا نذر أن يحج البيت أو يزوره لأن الحج يحصل بكل واحد من الأمرين فلم يتبين أحدهما وإن قال لله علي إن آتي البيت الحرام غير حاج ولا معتمر لزمه الحج أو العمرة وسقط شرطه وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشافعي لأن قوله لله علي إن آتي البيت يقتضي حجا أو عمرة وشرط سقوط ذلك يخالف نذره فسقط حكمه. (فصل) إذا نذر المشي إلى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم أو المسجد الأقصى لزمه ذلك وبهذا قال مالك والاوزاعي وابو عبيد وابن المنذر وهو أحد قولي الشافعي وقال في الآخر لا يتبين لي وجوب المشي اليهما لأن البر بإتيان بيت الله فرض والبر بإتيان هذين نفل ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجدي هذا

والمسجد الأقصى " ولأنه أحد المساجد الثلاثة فيلزم النذر بالمشي إليه كالمسجد الحرام ولا يلزم ما ذكروه فإن كان قربة تجب بالنذر، وإن لم يكن لها أصل في الوجوب كعيادة المرضى وشهود الجنائز ويلزمه بهذا النذر أن يصلي في الموضع الذي أتاه ركعتين لأن القصد بالنذر القربة والطاعة وإنما يحصل ذلك بالصلاة فتضمن ذلك نذره كما يلزم ناذر المشي إلى بيت الله الحرام أحد النسكين ونذر الصلاة في أحد المسجدين كنذر المشي إليه كما أن نذر أحد النسكين في المسجد الحرام كنذر المشي وقال أبو حنيفة لا تتعين عليه الصلاة في موضع بالنذر سواء كان في المسجد الحرام أو غيره لأن مالا أصل له في الشرع لا يجب بالنذر بدليل نذر الصلاة في سائر المساجد ولنا ما روى أن عمر رضي الله عنه قال: يا رسول الله إني نذرت إن أعتكف ليلة في المسجد الحرام قال " أوف بنذرك " متفق عليه، روى عنه عليه الصلاة والسلام " صلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة " وإن كانت فضيلة وقربة لزمت بالنذر كما لو نذر طول القراءة وما ذكروه ويبطل بالعمرة فإنها تلزم بالنذر وهي غير واجبة عندهم (فصل) إذا نظر الصلاة في المسجد الحرام لم تجز الصلاة في غيره لأنه أفضل المساجد واكثرها ثوابا للمصلي فيها وإن نذر الصلاة في المسجد الأقصى اجزأته الصلاة في المسجد الحرام لما روى جابر أن رجلاً قام يوم الفتح فقال يا رسول الله إني نذرت إن فتح الله عليك أن أصلي في بيت المقدس

ركعتين قال " صل ههنا " ثم اعاد عليه قال " صل ههنا " ثم اعاد عليه قال " صل ههنا " ثم اعاد عليه قال " شأنك " رواه الإمام أحمد ولفظه " والذي نفسي بيده لو صليت ههنا لأجزأ عنك كل صلاة في بيت المقدس " وقد سبق هذا في باب الاعتكاف (فصل) وإن أفسد الحج المنذور ماشياً وجب القضاء مشياً لأن القضاء يكون على صفة الأداء وكذلك إن فاته الحج لكن إن فاته الحج سقط توابع الوقوف من المبيت بمزدلفة ومنى والرمي وتحلل للعمرة ويمضي في الحج الفاسد ماشياً حتى يحل منه * (مسألة) * (فإن نذر رقبة فهي التي تجزئ عن الواجب إلا أن ينوي رقبة بعينها) إذا نذر رقبة فهي التي تجزئ في الكفارة وهي المؤمنة السليمة من العيوب المضرة بالعمل على ما ذكرنا في بابا الظهار لأن النذر المطلق تحمل على المعهود في الشعر والواجب بأصل الشرع كذلك وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي (والثاني) تجزئه أي رقبة كانت صحيحة أو معيبة مسلمة أو كافرة لأن الاسم يتناول جميع ذلك ولأن المطلق يحمل على معهود الشرع وهو الواجب في الكفارة وما ذكروه يبطل بنذر المشي إلى بيت الله الحرام فإنه لا يحمل على ما تناوله الاسم فأما إن نوى رقبة بعينها أجزأة عتقها أي رقبة كانت لأنه نوى بلفظه ما يحتمله، وأن نوى ما يقع عليه الاسم الرقبة أجزأه ما نواه لما ذكرنا فإن المطلق يتقيد

مسألة فإن نذر رقبة فهي التي تجزىء عن الواجب إلا أن ينوي رقبة بعينها

بالنية كما يتقيد بالقرينة اللفظية، وقال أحمد فيمن نذر رقبة معينة فمات قبل أن يعتقها تلزمه كفارة يمين ولا يلزمه عتق عبد لأن هذا شئ فاته على حديث عقبة بن عامر وإليه ذهب في الفائت وما عجز عنه (فصل) ومن نذر حجاً أو صياما أو صدقة أو عتقاً أو إعتكافاً أو صلاة أو غيرها من الطاعات ومات قبل فعله فعله الولي عنه وعن أحمد في الصلاة لا يصلى عن الميت لأنها لا بدل لها بحال وأما سائر الاعمال فيجوز أن ينوب الولي عنه فيها وليس بواجب عليه لكن يستحب له ذلك على سبيل الصلة له والمعروف وافتى بذلك ابن عباس في امرأة نذرت أن تمشي إلى قباء فماتت ولم تقضه أن تمشي ابنتها عنها، وروى سعيد عن سفيان عن عبد الكريم بن ابي أمية أنه سأل ابن عباس عن نذر كان على أمه من اعتكاف قال صم عنها واعتكف عنها وقال ثنا أبو الاحوص عن إبراهيم بن مهاجر عن عامر ابن شعيب أن عائشة اعتكفت عن أخيها عبد الرحمن بعدما مات وقال مالك لا يمشي أحد عن أحد ولا يصوم عنه ولا يصلي وكذلك سائر أعمال البدن قياساً على الصلاة، وقال الشافعي يقضي عنه الحج ولا يقضي الصلاة قولا واحداً ولا يقضي الصوم في أحد الوجهين ويطعم عنه في كل يوم مسكين لأن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من مات وعليه صيام شهر فليطعم عنه عن كل يوم مسكين " أخرجه ابن ماجة

وقال أهل الظاهر يجب القضاء على وليه بظاهر الاخبار الواردة فيه وجمهور أهل العلم على أن القضا ليس بواجب على الولي إلا أن يكون حقاً في المال ويكون للميت تركة فأمر النبي صلى الله عليه وسلم في هذا محمول على الندب والاستحباب بدليل قرائن في الخبر منها أن النبي صلى الله عليه وسلم شبهه بالدين وقضاء الدين عن الميت لا يجب على الوارث ما لم يخف تركة يقضي منها، ومنها أن السائل سأل النبي صلى الله عليه وسلم هل يفعل ذلك أولا؟ وجوابه يختلف بإختلاف مقتضى سؤاله فإن كان مقتضاه السؤال عن الاباحة فالامر في جوابه يقتضي الاباحة وان كان السؤال عن الاجزاء فأمره يقتضي الاجزاء كقولهم أنصلي في مرابض الغنم؟ قال " صلوا في مرابض الغنم " وان كان السؤال عن الوجوب فأمره يقتضي الوجوب كقولهم انتوضأ من لحوم الابل؟ قال " نعم توضئوا منها " وسؤال السائل في مسئلتنا كان عن الاجزاء فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالفعل يقتضيه لا غير ولنا على جواز الصيام عن الميت ما روت عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من مات

وعليه صيام صام عنه وليه " وعن ابن عباس قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم شهر أفأصوم عنها؟ قال " لو كان على أمك دين أكنت قاضيه عنها؟ " قال نعم قال " فدين الله أحق أن يقضى " وفي رواية قال جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم أفأصوم عنها؟ قال " أرأيت لو كان على أمك دين فقضيته أكان يؤدي ذلك عنها؟ " قالت نعم قال " فصومي عن أمك " متفق عليهن وعن ابن عباس أن سعد بن عبادة استفتى النبي صلى الله عليه وسلم في نذر كان على أمه فتوفيت قبل أن تقضيه فأفتاه إن يقضيه فكانت سنة بعد وعنه أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن أمي نذرت أن تحج وإنها ماتت فقال النبي صلى الله عليه وسلم " لو كان عليها دين أكنت قاضيه؟ "

قال نعم قال " فاقض الله فهو أحق بالقضاء " رواه البخاري وهذا صريح في الصوم والحج ومطللق في النذر وما عدا المذكور في الحديث فمقاس عليه وحديث ابن عمر في الواجب بأصل الشرع ويتعين حمله عليه جميعا بين الحديثين ولو قدر التعارض لكانت أحاديثنا أصح وأكثر وأولى بالتقديم. إذا ثبت هذا فإن الأولى أن يقضي النذر عنه وارثه وإن قضاه غيره أجزأ عنه كما لو قضى عنه دينه فإن النبي صلى الله عليه وسلم شبهه بالدين وقاسه عليه ولأن ما يقضيه الوارث إنما هو تبرع منه وغيره مثله في التبرع وإن كان النذر في مال تعلق بتركته * (مسألة) * (وإن نذر أن يطوف على أربع طاف طوافين) نص عليه قال ذلك ابن عباس لما روى معاوية ابن خديج الكندي أنه قدم علي رسول الله صلى الله عليه وسلم

مسألة وإن نذر أن يطوف على أربع طاف طوافين

ومعه أمه كبشة بنت معدي كرب عمة الأشعث بن قيس فقالت يا رسول الله إني آليت أن أطوف بالبيت حبواً فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم " طوفي على رجليك سبعين سبعا عن يديك وسبعا عن رجليك " أخرجه الدارقطني بإسناده وقال ابن عباس في إمرأة نذرت أن تطوف بالبيت على أربع قال تطوف عن يديها سبعاً وعن رجلها سبعا رواه سعيد والقياس إن يلزمه طواف واحد على رجليه ولا يلزمه على يديه لأنه غير مشروع فسقط كما أن أخت عقبة بن عامر نذرت أن تحج غير مختمرة فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم

أن تحج وتختمر وروى عكرمة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في سفر فحانت منه نظرة فإذا امرأة ناشرة شعرها قال " فمروها فلتختمر " ومر برجلين مقرونين فقال " أطلقا قرانكا وقد ذكرنا حديث أبي اسرائل الذي نذر أن يصوم ويفعل أشياء فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصوم وحده ونهاه عن سائر نذوره وهل تلزمه كفارة؟ يخرج فيه وجهان بناء على ما تقدم وقياس المذهب لزوم الكفارة لا خلاله بصفة نذره وإن كان غير مشروع كما لو كان أصل النذر غير مشروع وأما وجه الأول فإن من نذر الطواف على أربع فقد نذر الطواف على يديه ورجليه فأقيم الطواف الثاني مقام طوافه على يديه

كتاب القضاء الأصل في القضاء ومشروعيته الكتاب والسنة والإجماع أما الكتاب فقول الله تعالى (وإن احكم بينهم بما أنزل الله) وقوله (وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم) وقال تعالى (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم خرجا مما قضيت) وأما السنة فروى عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر " متفق عليه في آي وأخبار سوى ذلك كثيرة وأجمع المسلمون على مشروعية نصب القضاء والحكم بين الناس * (مسألة) * (وهو فرض كفاية) لأن أمر الناس لا يستقيم بدونه فكان واجباً عليهم كالجهاد والأمامة قال أحمد رحمه الله لابد للناس من حاكم أتذهب حقوق الناس؟ وفيه فضل عظيم لمن قوي على القيام به وأداء الحق فيه ولذلك جعل الله فيه اجرا على الخطأ واسقط عنه حكمه ولأن فيه أمرا بالمعروف ونصرة للمظلوم وأداء الحق إلى مستحقه ورد الظالم عن ظلمه واصلاحاً بين الناس وتخليصا لبعضهم من بعض وذلك من أبواب القرب ولذلك تولاه النبي صلى الله عليه وسلم والأنبياء قبله فكانوا يحكمون لأممهم وبعث عليا إلى اليمن قاضيا وبعث معاذاً قاضيا، وعن عقبة بن عامر قال جاء خصمان يختصمان إلى رسول الله صلى

كتاب القضاء

الله عليه وسلم فقال " اقض بينهما " قلت أنت أولى بذلك قال " وإن كان " قلت علام أقضي؟ قال " اقض فان صبت فلك عشرة أجور وإن أخطأت فلك أجر واحد " رواه سعيد في سننه، وولى عمر شريحا قضاء الكوفة وكعب بن سور قضاء البصرة (فصل) وفيه خطر عظيم ووزر كبير لمن لم يؤد الحق فيه ولذلك كان السلف يمتنعون منه أشد الامتناع ويخشون على أنفسهم خطره قال خاقان بن عبد الله أريد أبو قلابة على قضاء البصرة فهرب إلى اليمامة فأريد على قضائها فهرب إلى الشام فأريد على قضائها وقيل ليس هناك غيرك قال فأنزلوا الأمر على ما قلتم فإن مثلي مثل سابح وقع في البحر فسبح يومه فانطلق ثم سبح اليوم الثاني فمضى أيضاً فلما كان اليوم الثالث فترت يداه، وكان يقال أعلم الناس بالقضاء أشدهم له كراهة ولعظم خطره قال النبي صلى الله عليه وسلم " من جعل قاضيا فقد ذبح بغير سكين " قال الترمذي هذا حديث حسن قيل في هذا الحديث إنه لم يخرج مخرج الذم للقضاء وإنما وصفه بالمشقة فكأن من وليه قد حمل على مشقة كمشقة الذبح * (مسألة) * (فيجب على الإمام أن ينصب في كل إقليم قاضيا ويختار لذلك أفضل من يجد وأورعهم) لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث علياً قاضيا إلى اليمن وبعث معاذا قاضيا أيضا وقال " بم تحكم؟ " قال بكتاب الله قال " فإن لم تجد؟ " قال بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " فإن لم تجد؟ " قال اجتهد رأيي قال " الحمد

مسألة فيجب على الإمام أن ينصب في كل إقليم قاضيا ويختار لذلك أفضل من يجد وأورعهم

لله الذي وفق رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم لما يرضي رسول الله صلى الله عليه وسلم " وولى عمر شريحا قضاء الكوفة وكتب إلى أبي عبيدة ومعاذ يأمرهما بتولية القضاء في الشام ولأن أهل كل بلد يتحاجون إلى القاضي ولا يمكنهم المصير إلى الإمام ومن أمكنه ذلك شق عليه فوجب اغناؤهم عنه * (مسألة) * (ويختار لذلك أفضل من يجد وأورعهم ويأمر بتقوى الله تعالى وإيثار طاعته في سره وتحري العدل والاجتهاد في إقامة الحق) إذا أراد الإمام تولية قاض فإن كان له خبرة بالناس ويعرف من يصلح للقضاء ولاه وإن لم يعرف ذلك سأل أهل المعرفة بالناس واسترشدهم عنما يصلح وإن ذكر له رجل لا يعرف احضره وسأله فإن عرف عدالته وإلا بحث عن عدالته فإذا عرفها ولاه قال علي رضي الله عنه لا ينبغي للقاضي أن يكون قاضياً حتى يكون فيه خمس خصال عفيف حليم عالم بما كان قبله يستشير ذوي الرأي، ويكتب له الإمام عهداً يأمره فيه بتقوى الله والتثبت في القضاء ومشاورة أهل العلم وتصفح حال الشهود وتأمل الشهادات وتعاهد اليتامى وحفظ أموالهم وأموال الوقوف وغير ذلك مما يحتاج إلى مراعاته وإن يستخلف في كل صقع أصلح من يقدر عليه ليكون قيما بما يتولاه * (مسألة *) (وهل يجب على من يصلح له إذا طلب ولم يوجد غيره الدخول فيه وعنه أنه سئل هلى يأثم القاضي إذا لم يوجد غيره ممن يوثق به؟ قال لا يأثم وهذا يدل على أنه ليس بواجب) الناس في القضاء على ثلاثة أضرب (منهم) من لا يجوز له الدخول فيه وهو من لا يحسنه ولم

مسألة ويختار لذلك أفضل من يجد وأورعهم ويأمر بتقوى الله تعالى وإيثار طاعته في سره وتحري العدل

تجتمع فيه شروطه فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " القضاة ثلاثة " ذكر منهم رجالا قضى بين الناس بجهل فهو في النار ولأن من لا يحسنه لا يقدر على العدل فيه فيأخذ الحق من مستحقه ويدفعه إلى غيره (ومنهم) من يجوز له ولا يجب عليه وهو من كان من أهل العدالة والاجتهاد ويوجد غيره مثله فله أن يلي القضاء بحكم حاله وصلاحيته ولا يجب عليه لأنه لم يتعين له فظاهر كلام أحمد أنه لا يستحب له الدخول فيه لما فيه من الخطر والغرر وفي تركه من السلامة ولما ورد فيه من التشديد والذم ولأن طريقة السلف الامتناع منه والتوقي وقد أراد عثمان تولية ابن عمر القضاء فأباه وقال أبو عبد الله ابن حامد أن كان رجلا خاملا يرجع إليه في الأحكام فالأولى له توليه ليرجع إليه في الأحكام ويقوم به الحق وينتفع به المسلمون، وإن كان مشهوراً في الناس بالعلم يرجع إليه في تعليم العلم والفتوى فالأولى الاشتغال بذلك لما فيه من النفع مع الأمن من الغرر هذا قول أصحاب الشافعي وقالوا أيضاً إذا كان ذا حاجة وله في القضاء رزق فالأولى له الاشتغال به فيكون أولى من سائر المكاسب لأنه قربة وطاعة (والثالث) من يجب عليه وهو من يصلح للقضاء ولا يوجد سواه فهذا يتعين عليه لأنه فرض كفاية لا يقدر على القيام به غيره فيتعين عليه كغسل الميت وتكفينه وقد نقل عن أحمد ما يدل على أنه لا يتعين عليه فأنه سئل هل يأثم القاضي إذا لم يوجد غيره؟ قال لا يأثم فهذا يحتمل أن يحمل على ظاهره في أنه لا يجب عليه لما فيه من الخطر فلا يلزمه الإضرار بنفسه لنفع غيره ولذلك امتنع أبو قلابة منه وقد قيل له ليس ههنا غيرك ويحتمل أن يحمل على من لم يمكنه القيام بالواجب لظلم السلطان أو غيره فإن أحمد قال لابد للناس من حاكم أتذهب حقوق الناس؟

* (مسألة) * (وإن وجد غيره كره له طلبه بغير خلاف في المذهب) . لأن أنساً روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من ابتغى القضاء وسأل فيه الشفعاء وكل إلى نفسه ومن أكره عليه أنزل الله عزوجل ملكا يسدده " قال الترمذي حديث حسن غريب وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن سمرة " يا عبد الرحمن لا تسأل الامارة فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها " متفق عليه. * (مسألة) * (وإن طلب فالأفضل ألا يجيب في ظاهر كلام أحمد) . وقال ابن حامد الأفضل الإجابة إذا أمن نفسه وقد ذكرنا أن ظاهر كلام أحمد رحمه الله أن الأفضل والأولى له ألا يجيب إذا طلب ووجد غيره لما فيه من الخطر والغرر وفي تركه من السلامة ولما ورد فيه من التشديد والذم ولأن طريقة السلف الامتناع منه والتوفي لذلك وقد أراد عثمان تولية ابن عمر القضاء فأباه وقد ذكرنا قول ابن حامد مفصلا وهو قول أصحاب الشافعي. * (مسألة) * (ولا تثبت ولاية القضاء إلا بتولية الإمام أو نائبه لأنها من المصالح العامة فلم تجز إلا من جهة الإمام كعقد الذمة) . * (مسألة) * (ومن شرط صحتهما معرفة المولي كون المولى على صفة تصلح للقضاء) . لأن مقصود القضاء لا يحصل إلا بذلك فإن كان يعرف صلاحيته للقضاء ولاه وإن لم يعرف ذلك سأل أهل المعرفة بالناس واسترشدهم فإن عرف ذلك ولاه.

مسألة وإن وجد غيره كره له طلبه بغير خلاف في المذهب

* (مسألة) * (ويعين ما يوليه الحكم فيه من الأعمال والبلدان ومشافهته بالولاية أو مكاتبته بها وإشهاد شاهدين على توليته وقال القاضي تثبت بالاستفاضة إذا كان بلده قريباً يستفيض فيه أخبار بلد الإمام) يشترط تعيين ما يوليه من الأعمال والبلدان ليعلم محمل ولايته فيحكم فيه ولا يحكم في غيره وقد ولى النبي صلى الله عليه وسلم علياً قضاء اليمن وولى عمر شريحا قضاء الكوفة وكعب بن سور قضاء البصرة وبعث في كل مصر قاضياً ووالياً، ويشافهه الإمام بالولاية إن كان حاضراً أو يكاتبه بها إن كان غائباً لأن التولية تحصل بالمشافهة في الحضرة وبالمكاتبة في الغيبة كالتوكيل فإن كان البلد الذي لا قضاة فيه غير بلد الإمام كتب له العهد بما ولاه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كتب لعمر وبن حزم حين بعثه إلى اليمن وكتب عمر إلى أهل الكوفة، أما بعد فاني قد بعثت عليكم عماراً أميراً وعبد الله قاضياً فاسمعوا لهما وأطيعوا، فإن كان البلد الذي ولاه بعيداً لا يستفيض إليه الخبر بما يكون في بلد الإمام احضر شاهدين عدلين وقرأ عليهما العهد وأشهدهما على توليته ليمضيا معه إلى بلد ولايته فيقيما له الشهادة ويقول لهما اشهدا على إني قد وليته قضاء البلد الفلاني وتقدمت إليه بما يشتمل هذا العهد عليه، وإن كان البلد قريباً من بلد الإمام يستفيض إليه ما يجري في بلد الإمام نحو أن يكون بينهما خمسة أيام أو ما دونها جاز أن يكتفي بالاستفاضة دون الشهادة، لأن الولاية تثبت بها وبهذا قال الشافعي إلا أن عنده في ثبوت الولاية بالاستفاضة في البلد القريب وجهين، وقال أصحاب أبي حنيفة تثبت بالاستفاضة ولم يفرقوا بين البلد القريب والبعيد

مسألة ويعين ما يوليه الحكم فيه من الأعمال والبلدان ومشافهته بالولاية أو مكاتبته بها وإشهاد شاهدين

لأن النبي صلى الله عليه وسلم ولى علياً قضاء اليمن وهو بعيد من غير شهادة وولى الولاة في البلدان البعيدة وفوض اليهم الولاية والقضاء ولم يشهد وكذلك خلفاؤه ولم ينقل عنهم الأشهاد على تولية القضاء مع بعد بلدانهم. ولنا أن القضاء لا يثبت إلا بأحد أمرين وقد بعدت الاستفاضة في البلد البعيد لعدم وصولها إليه فيتعين الأشهاد ولا نسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشهد على توليته، فإن الظاهر أنه لم يبعث والياً إلا ومعه جماعة الظاهر أنه أشهدهم وعدم نقله لا يلزم منه عدم فعله، وقد قام دليله فيتعين وجوبه. * (مسألة) * (وهل تشترط عدالة المولي على روايتين) . (إحداهما) تشترط كما تشترط في المتولي (والثانية) لا تشترط لأن ولاية الإمامة الكبرى تصح من كل بر وفاجر فصحت ولايته كالعدل ولأننا لو اعتبرنا العدالة في المولي أفضى إلى تعذرها بالكلية فيما إذا كان الإمام غير عدل. * (مسألة) * (وألفاظ التولية الصريحة سبعة وليتك الحكم وقلدتك أو استنبتك واستخلفتك ورددت إليك وفوضت إليك الحكم فإذا وجد لفظ منها والقبول من المولى انعقدت الولاية) لأنها لا تحتمل إلا ذلك فمتى أني بواحدة منها واتصل بها القبول صحت الولاية كالبيع والنكاح وغير ذلك والكناية أربعة اعتمدت عليك وعولت عليك ووكلت اليك واسندت إليك الحكم فلا

مسألة وهل تشترط عدالة المولي على روايتين

تنعقد حتى يقترن بها قرينة نحو فاحكم أو تول ما عولت عليك فيه وما أشبهه نحو وانظر فيما اسندت إليك واحكم فيما وكلت إليك، ولان هذه الألفاظ تحتمل التولية وغيرها من كونه يأخذ برأيه وغير ذلك فلم تنصرف إلى التولية إلا بقرينة تنفي الاحتمال. (فصل) قال الشيخ رضي الله عنه وإذا ثبتت الولاية وكانت عامة اسنفاد بها النظر عشرة أشياء: فصل الخصومات واستيفاء الحق ممن هو عليه ودفعه إلى ربه والنظر في أموال اليتامى والمجانين والسفهاء والحجر على من يرى الحجر عليه لسفه أو فلس والنظر في الوقوف في عمله باجرائها على شرط الواقف وتنفيذ الوصايا وتزويج النساء اللاتي لا ولي لهن وإقامة الحدود وإقامة الجمعة والنظر في مصالح عمله بكف الأذى عن طرقات المسلمين وافنيتهم وتصفح حال شهوده وأمنائه والاستبدال بمن يثبت جرحه منهم وإنما تثبت هذه الولايات له لأن العادة من القضاة توليها فعند إطلاق تولية القضاء تنصرف إلى ولاية ما جرت العادة بولايته لها فأما جباية الخراج وأخذ الصدقة فعلى وجهين (أحدهما) تدخلان فيه قياساً على سائر الخصال المذكورة وفي الآخر لا يدخلان فيه لأن العادة لم تثبت بتولية القضاء لهما لأن الأصل عدم ذلك فلا يثبت * (مسألة) * (وله طلب الرزق لنفسه وأمنائه وخلفائه مع الحاجة فأما مع عدمها فعلى وجهين) يجوز للقاضي أخذ الرزق ورخص فيه شريح وابن سيرين والشافعي وأكثر أهل العلم وروي

مسألة وله طلب الرزق لنفسه وأمنائه وخلفائه مع الحاجة فأما مع عدمها فعلى وجهين

عن عمر رضي الله عنه أنه استعمل زيد بن ثابت على القضاء وفرض له رزقا ورزق شريحاً في كل شهر مائة درهم وبعث إلى الكوفة عماراً وابن مسعود وعثمان وكان ابن مسعود قاضيهم ومعلمهم وكتب إلى معاذ بن جبل وأبي عبيدة حين بعثهما إلى الشام ان انظرا رجالاً من صالحي من قبلكم فاستعملوهم على القضاء واوسعوا عليهم وارزقوهم واكفوهم من مال الله وقال أبو الخطاب يجوز له أخذ الرزق مع الحاجة فأما مع عدمها فعلى وجهين، وقد روي عن أحمد أنه قال ما يعجبني أن يأخذ على القضاء أجراً وإن كان فبقدر عمله مثل مال اليتيم وكان ابن مسعود والحسن يكرهان الأجر على القضاء وكان ابن مسعود وعبد الرحمن بن القاسم بن عبد الرحمن لا يأخذان عليه أجراً وقالا لا نأخذ أجراً على أن نعدل بين اثنين وقال أصحاب الشافعي إن لم يكن متعيناً جاز له أخذ الرزق وإن تعين لم يجز إلا مع الحاجة والصحيح جواز الأخذ عليه مطلقاً لأن أبا بكر رضي الله عنه لما ولي الخلافة فرضوا له رزقاً كل يوم درهمين ولما ذكرنا أن عمر رزق زيدا وشريحا وابن مسعود وأمر بفرض الرزق لمن ولي من القضاة ولأن بالناس حاجة إليه ولو لم يجز فرض الرزق لتعطل وضاعت الحقوق فأما الاستئجار عليه فلا يجوز قال عمر رضي الله عنه لا ينبغي لقاضي المسلمين ان يأخذ على القضاء أجراً وهذا مذهب الشافعي ولا نعلم فيه خلافاً لأنه قربة يختص فاعله أن يكون من أهل القربة فأشبه الصلاة ولأنه لا يعمله الإنسان عن غيره وإنما يقع عن نفسه فأشبه الصلاة ولأنه عمل غير معلوم فإن لم يكن القاضي رزق فقال للخصمين لا أقضي بينكما حتى تجعلا لي عليه جعلاً جاز ويحتمل ألا يجوز

(فصل) قال رضي الله عنه ويجوز أن يوليه عموم النظر في عموم العمل ويجوز أن يوليه خاصا في أحدهما أو فيهما ويوليه النظر في بلد أو محلة خاصة فينفذ قضاؤه في أهله ومن طرأ إليه ويجعل إليه الحكم في المداينات خاصة أو في قدر من المال لا يتجاوزه أو يفرض إليه عقود الأنكحة دون غيرها لأن ذلك جميعه إلى الإمام وله الاستنابة في الكل فتكون له الاستنابة في البعض فإن من ملك في الكل ملك في البعض وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستنيب أصحابه كلا في شئ فولى عمر القضاء وبعث عليا قاضيا على اليمين وكان يرسل أصحابه في جمع الزكاة وغيرها وكذلك الخلفاء بعده ولأنه نيابة فكان على حسب الاستنابة * (مسألة) * (فإن جعل إليهما عملا واحداً جاز) وعند أبي الخطاب لا يجوز وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي لأنه يؤدي إلى إيقاف الأحكام والخصومات لأنهما يختلفان في الاجتهاد ويرى أحدهما مالا يرى الآخر (والثاني) يجوز وهو قول أصحاب أبي حنيفة وهو أصح إن شاء الله تعالى لأنه يجوز أن يستخلف في البلد الذي هو فيه فيكون فيه قاضيان فجاز أن يكون فيها قاضيان أصلبان لأن الغرض فصل الخصومات وإيصال الحق إلى مستحقه وهذا يحصل فأشبه القاضي وخلفاءه ولأنه يجوز للقاضي أن يستخلف خليفتين في موضع واحد فالإمام أولى لأن توليته أقوى وقولهم يفضي إلى إيقاف الأحكام لا يصح فإن كل حاكم يحكم بإجتهاده بين المتحاكمين إليه وليس للآخر الاعتراض عليه ولا نقض حكمه فيما خالف اجتهاده

مسألة فإن جعل إليهما عملا واحدا جاز

(فصل) ولا يجوز أن يقلد القضاء لواحد على أن يحكم بمذهب بعينه وهذا مذهب الشافعي ولا نعلم فيه خلافاً لأن الله تعالى قال (فاحكم بين الناس بالحق) والحق لا يتعين في مذهب وقد يظهر له الحق في غير ذلك المذهب فإن قلده على هذا الشرط بطل الشرط وفي فساد التولية وجهان بناء على الشروط الفاسدة في البيع (فصل) إذا فرض الإمام إلى إنسان تولية القاضي جاز لأنه يجوز أن يتولى ذلك فجاز له التوكيل فيه كالبيع فإن فوض إليه اختيار قاض جاز ولا يجوز له اختيار نفسه ولا والده ولا ولده كما لو وكله في الصدقة بمال لم يجز له اخذه ولا دفعه إلى هذين ويحتمل أن يجوز له اختيارهما إذا كانا صالحين للولاية لأنهما يدخلان في عموم من أذن له في الاختيار منه مع أهليتهما أشبها الأجانب * (مسألة) * (إذا مات المولي أو عزل المولى مع صلاحيته لم تبطل ولايته في أحد الوجهين وتبطل في الآخر) إذا ولى الإمام قاضياً ثم مات لم ينعزل القاضي لأن الخلفاء رضي الله عنهم ولو أحكاما في زمنهم فلم ينعزلوا بموتهم ولأن في عزله بموت الامام ضربرا على المسلمين فإن البلد يتعطل من الحكام وتقف أحكام الناس إلى أن يولي الإمام الثاني حاكما وفيه خطر عظيم وكذلك لا ينعزل القاضي إذا عزل الإمام لما ذكرنا فأما إن عزله الإمام الذي ولاه أو غيره ففيه وجهان (أحدهما) لا ينعزل وهو مذهب الشافعي لأنه عقد لمصلحة المسلمين فلم يملك عزله مع سداد حاله كما لو عقد النكاح على موليته لم يكن له فسخه (والثاني) ينعزل لما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال لأعزلن أبا مريم

مسألة وإذا مات المولي أو عزل المولى مع صلاحيته لم تبطل ولايته في أحد الوجهين وتبطل في الآخر

وأولين رجلاً إذا رآه الفاجر فرقه فعزله عن قضاء البصرة وولى كعب بن سور مكانه، وولى علي رضي الله عنه أبا الأسود ثم عزله فقال له لم عزلتني وما خنت قال إني رأيتك يعلو كلامك على الخصمين ولأنه يملك عزل امرائه وولاته على البلدان فكذلك قضاته وقد كان عمر رضي الله عنه يولي ويعزل فعزل شر حبيل ابن حسنة عن ولايته في الشام وولى معاوية فقال له شر حبيل أمن جبن عزلتني أو خيانة؟ قال من كل لا ولكن أردت رجلا أقوى من رجل وعزل خالد بن الوليد وولى أبا عبيدة وقد كان يولي بعض الولاة الحكم مع الإمارة فولى أبا موسى البصرة قضاءها وإمارتها ثم كان يعزلهم هو ومن لم يعزله عزله عثمان بعده إلا القليل منهم فعزل القاضي أولى ويفارق عزله بموت من ولاه أو عزله لأن فيه ضرراً وههنا لا ضرر فيه لأنه لا يعزل قاضياً حتى يولي آخر مكانه ولهذا لا ينعزل القاضي بموت الإمام وينعزل بعزله وقد ذكر شيخنا في عزله بالموت في الكتاب المشروح وجهين وحكاهما أبو الخطاب والأولى إن شاء الله ما ذكرنا فاما أن تغيرت حال القاضي بفسق أو زوال عقل أو مرض يمنعه من القضاء أو أختل فيه بعض شروطه فإنه ينعزل بذلك ويتعين على الإمام عزله وجهاً واحداً، وأما إذا استخلف القاضي خليفة فإنه ينعزل بموته وعزله لانه نا؟؟ اشبه الوكيل * (مسألة) * (وهل ينعزل قبل العلم بالعزل على روايتين بناء على الوكيل) وقد مضى ذلك في كتاب الوكالة

مسألة وهل ينعزل قبل العلم بالعزل على روايتين بناء على الوكيل

(فصل) وللإمام تولية القضاء في بلده وغيره لأن النبي صلى الله عليه وسلم ولى عمر بن الخطاب القضاء وولى علياً ومعاذاً وقال عثمان لابن عمر إن أباك كان يقضي وهو خير منك فقال إن أبي قد كان يقضي فإن اشكل عليه شئ سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر الحديث رواه عمرو بن شيبة في قضاة البصرة وروى سعيد في سننه عن عمرو بن العاص قال: جاء خصمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي " يا عمرو اقض بينهما " قال قلت أنت أولى بذلك مني يا رسول الله قال " إن أصبت القضاء بينهما فلك عشر حسنات وإن أخطأت فلك حسنة " وعن عقبة بن عامر مثله، ولأن الإمام يشتغل بأشياء كثيرة من مصالح المسلمين فلا يتفرع للقضاء بينهم فإذا ولى قاضياً استحب أن يجعل له أن يستخلف لأنه قد يحتاج إلى ذلك فإذا أذن له في الاستخلاف جاز له بلا خلاف نعلمه، وإن نهاه لم يكن له أن يستخلف لأن ولايته بإذنه فلم يكن له ما ذكرناه كالوكيل، وإن أطلق فله الاستخلاف، ويحتمل أن لا يكون له ذلك لأنه يتصرف بالإذن فلم يكن له ما لم يأذن فيه كالوكيل ولأصحاب الشافعي في هذا وجهان ووجه الأول أن الغرض من القضاء الفصل بين المتخاصمين إذا فعله بنفسه بخلاف الوكيل فإن استخلف في موضع ليس له الاستخلاف فحكمه حكم من لم يول * (مسألة) * (وإذا قال المولي من نظر في الحكم في البلد الفلاني من فلان وفلان فهو خليفتي أو قد وليته لم تنعقد الولاية لمن ينظر) لأنه علقها على شرط ولم يعين بالولاية أحداً منهم، ويحتمل أن تنعقد لمن نظر لأن النبي صلى الله عليه وسلم

مسالة وإذا قال المولي من نظر في الحكم في البلد الفلاني من فلان وفلان فهو خليفتي

قال " زيد فإن قتل فأميركم جعفر فإن قتل فأميركم عبد الله بن رواحة " فعلق ولاية الامارة بعد زيد على شرط فكذلك ولاية الحكم * (مسألة) * (وإن قال وليت فلانا وفلانا فمن نظر منهما فهو خليفتي انعقدت الولاية) لمن ينظر منهما لأنه عقد الولاية لهما جميعاً (فصل) قال الشيخ رحمه الله ويشترط في القاضي عشر صفات أن يكون بالغاً عاقلاً حراً ذكراً مسلماً عدلا سميعا بصير متكلماً مجتهداً وهل يشترط كونه كاتباً؟ على وجهين وجملة ذلك أنه يشترط للقاضي أن يكون بالغاً عاقلاً مسلماً لأن هذه شروط العدالة فأولى أن تشترط للقضاء (الرابع) الذكورية فلا تصح تولية المرأة، وحكي عن ابن جرير أن الذكورية لا تشترط لأن المرأة يجوز أن تكون مفتية فيجوز أن تكون قاضياً، وقال أبو حنيفة يجوز أن تكون قاضية في غير الحدود لأنه يجوز أن تكون شاهدة فيه ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " لا أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة " ولأن القاضي يحضره محافل الخصوم والرجال ويحتاج فيه إلى كمال الرأي وتمام العقل والفطنة، والمرأة ناقصة العقل ضعيفة الرأي ليست من أهل الحضور في محافل الرجال ولا تقبل شهادتها ولو كان معها ألف امرأة مثلها ما لم يكن معهن رجل وقد نبه الله تعالى على ضلالهن ونسيانهن بقوله سبحانه (أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى) ولا تصلح للإمامة العظمى ولا لتولية البلدان ولهذا لم يول النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحد من خلفائه

مسألة وإن قال وليت فلانا وفلانا فمن نظر منهما فهو خليفتي انعقدت الولاية لمن ينظر منهما

ولا من بعدهم امرأة قضاء ولا ولاية بلد فيما بلغنا ولو جاز ذلك لم يخل منه جميع الزمان غالباً (الخامس) الحرية فلا تصح تولية العبد لأنه منقوص برقه مشغول بحقوق سيده لا تقبل شهادته في جميع الأشياء فلم يكن أهلا للقضاء كالمرأة [السادس] أن يكون سميعاً (السابع) أن يكون بصيراً [الثامن] أن يكون متكلماً لأن الأصم لا يسمع قول الخصمين والأعمى لا يعرف المدعي من المدعي عليه والمقر من المقر له، والأخرس لا يمكنه النطق بالحكم ولا يفهم الناس جميع إشارته وقال بعض أصحاب الشافعي يجوز أن يكون أعمى لأن شعيباً عليه السلام كان أعمى ولهم في الأخرس الذي تفهم إشارته وجهان ولنا أن هذه الحواس تؤثر في الشهادة فيمنع فقدها ولاية القضاء كالسمع وهذا لأن منصب الشهادة دون منصب القضاء، والشاهد يشهد في أشياء يسيرة يحتاج إليه فيها وربما أحاط بحقيقة علمها والقاضي ولايته عامة فيحكم في قضايا الناس عامة فإذا لم تقبل منه الشهادة فالقضاء أولى، وما ذكر عن شعيب عليه السلام فممنوع فإنه لم يثبت أنه كان أعمى ولو ثبت فيه ذلك فلا يلزم ههنا فإن شعيباً عليه السلام كان من آمن معه من الناس قليلاً، وربما لا يحتاجون إلى الحكم بينهم لقلتهم وتناصفهم فلا يكون حجة في مسئلتنا (التاسع) العدالة فلا يجوز تولية فاسق ولا من فيه نقص يمنع الشهادة وسنذكر ذلك في الشهادة إن شاء الله تعالى، وحكي عن الأصم أنه قال يجوز أن يكون القاضي فاسقاً لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " سيكون بعدي أمراء يؤخرون الصلاة عن أوقاتها فصلوها لوقتها واجعلوا صلاتكم معهم سبحة "

ولنا قول الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا) فأمر بالتبيين عند قول الفاسق ولا يجوز أن يكون الحاكم ممن لا يقبل قوله ويجب التبيين عند حكمه، ولأن الفاسق لا يجوز أن يكون شاهداً فلئلا يجوز أن يكون قاضياً أولى فأما الخبر فاخبر بوقوع ذلك مع كونهم أمراء لا بمشروعيته والنزاع في صحة توليته لا في وجودها (العاشر) أن يكون مجتهداً وبهذا قال مالك والشافعي وبعض الحنفية، وقال بعضهم يجوز أن يكون عامياً فيحكم بالتقليد لأن الغرض منه فصل الخصومات فأما إذا أمكنه ذلك جاز كما يحكم بقول المقومين ولنا قول الله تعالى (وأن احكم بينهم بما أنزل الله - وقال - وان تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول) وروى بريدة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " القضاة ثلاثة اثنان في النار وواحد في الجنة رجل علم الحق فقضى به فهو في الجنة ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار ورجل جار في الحكم فهو في النار " رواه ابن ماجه والعامي يقضي على جهل ولأن الحكم آكد من الفتيا لأنه فتيا وإلزام ثم المفتي لا يجوز أن يكون عامياً مقلداً فالحكم أولى فإن قيل فالمفتي يجوز أن يخبر بما يسمع قلنا نعم إلا أنه لا يكون مفتياً في تلك الحال وإنما هو مخبر فيحتاج أن يجبر عن رجل بعينه من أهل الإجتهاد فيكون معمر لا بخبره لا بفتياه ويخالف قول المقومين لأن ذلك لا تمكن الحاكم معرفته بنفسه بخلاف الحكم * (مسألة) * (وليس من شرط الحاكم أن يكون كاتبا وفيه وجه آخر أنه يشترط ذلك ليعلم ما يكتبه كاتبه ولا يتمكن من إخفائه عنه)

مسألة وليس من شرط الحاكم أن يكون كاتبا وفيه وجه آخر أنه يشترط ذلك ليعلم ما يكتبه كاتبه

ولنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أمياً وهو سيد الحكام وليس من ضرورة الحكم الكتابة فلا تعتبر شرطا فإن احتاج إلى ذلك جاز توليته لمن يعرفه كما أنه قد يحتاج إلى القسمة بين الناس وليس من شرطه معرفة المساحة ويحتاج إلى التقويم وليس من شروط القضاء أن يكون عالماً بقيم الأشياء * (مسألة) * (والمجتهد من يعرف من كتاب الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الحقيقة والمجاز والأمر والنهي والمجمل والمبين والمحكم والمتشابه والخاص والعام والمطلق والمقيد والناسخ والمنسوخ والمستثنى والمستثنى منه ويعرف من السنة صحيحها من سقيمها وتواترها من آحادها ومرسلها ومتصلها ومسندها ومنقطعها مما له تعلق بالأحكام خاصة وهي في كتاب الله تعالى نحو خمسمائة آية ولا يلزمه معرفة سائر القرآن، ومن السنة ما يتعلق بالأحكام دون سائر الأخبار ومن خبر الجنة والنار ونحوهما مما يتعلق بالأحكام وإنما كان المجتهد من يعرف هذه الأشياء المذكورة لأن المجتهد هو من يمكنه تعرف الصواب بدليله كالمجتهد في القبلة ومن لا يعرفه بدليله يكون مقلدا لكون يقبل قول غيره من غير معرفة بصوابه كالذي يقبل قول الدليل على الطريق من غير معرفة بصوابه وقول من يعرف جهة القبلة من غير معرفة. وأدلة الأحكام الكتاب والسنة والإجماع والقياس وجهة دلالة الكتاب والسنة من هذه الوجوه فالكلام بإطلاقه يحمل على الحقيقة دون المجاز والعام الخاص إذا تعارضا قدم الخاص ويجوز تخصيص العام ولا يدخل الخاص تخصيص، والمطلق يحمل على المقيد والمقصود أن لكل واحد مما ذكرنا دلالة لا تمكن

مسألة والمجتهد من يعرف من كتاب الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الحقيقة والمجاز والأمر

معرفتها إلا بمعرفته فوجب معرفة ذلك ليعرف دلاله ووقف الاجتهاد على معرفته لذلك ومثاله أن المجتهد في القبلة يحتاج في معرفة النجوم إلى معرفتها باعيانها وجهاتها فإذا عرف القطب احتاج إلى معرفة كونه في الجهة الشمالية وكذلك إذا عرف الشمس احتاج إلى معرفة الجهة التي تكون فيها في حال طلوعها وحال غروبها وتوسطها وهذا كذلك والمسند من السنة والمتصل واحد والمرسل الذي يكون بين الراوي وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل غير مذكور والمنقطع الذي يكون بينهما أكثر من واحد وقيل الذي يرويه من لم يدرك الصحابة عنهم. * (مسألة) * (ويعرف ما أجمع عليه مما اختلف فيه والقياس وحدوده وشروطه وكيفية استنباط الأحكام من أصناف علوم الكتاب والسنة) وقد نص أحمد على اشتراط ذلك للفتيا والحكم في معناه، وإنما اشترطوا معرفة ما أجمع عليه لأن الاجتهاد إنما شرع فيما اختلف فيه أما المجمع عليه فيجب الرجوع إلى ما أجمع عليه دون غيره فيجب معرفة ذلك ليرجع في المجمع عليه إلى الإجماع وفي غيره إلى الاجتهاد وأما معرفة استنباط القياس وهو أحد أدلة الأحكام فإنه لا يمكن معرفتها إلا بذلك فكان معرفة ذلك من ضرورة معرفة الأحكام وأما معرفة اللغة والعربية فإن أدلة الأحكام كتاب الله تعالى وسنة رسوله والكتاب عربي مبين نزل به الروح الأمين بلسان عربي مبين والسنة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يقوم مقامه وقد قال الله سبحانه (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه) فيعتبر معرفة اللغة التي هي لسان الكتاب والسنة ليعرف

مسألة ويعرف ما أجمع عليه مما اختلف فيه والقياس وحدوده وشروطه وكيفية استنباط الأحكام

مقتضاها فإن قيل فهذه الشروط لا تجتمع في أحد فكيف يجوز اشتراطها؟ قلنا ليس من شرطه أن يكون محيطاً بهذه المعلوم إحاطة تجمع أقصاها وإنما يحتاج أن يعرف من ذلك ما يتعلق بالأحكام من الكتاب والسنة ولسان العرب ولا أن يحيط بجميع الأخبار الواردة في هذا فقد كان أبو بكر الصديق وعمر ابن الخطاب خليفتا رسول الله صلى الله عليه وسلم ووزيراه وخير الناس بعده في حال امامتهما يسئلان الحكم فلا يعرفان ما فيه من السنة حتى يسألا الناس فيخبرا فسئل أبو بكر عن ميراث الجدة فقال مالك في كتاب الله شئ ولا أعلم لك في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً ولكن ارجعي حتى أسأل الناس ثم قام فقال أنشد الله من يعلم قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجدة فقام المغيرة بن شعبة فقال أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاها السدس وسأل عمر عن املاص المرأة فأخبره المغيرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى فيه بفرة ولا تشترط معرفة المسائل التي عرفها المجتهدون في كتبهم فإن هذه فروع فرعها الفقهاء بعد حيازة منصب الاجتهاد فلا تكون شرطاً له وهو سابق وليس من شرط الاجتهاد في مسألة أن يكون مجتهداً في كل المسائل بل من عرف أدلة مسالة وما يتعلق بها فهو مجتهد فيها وإن جهل غيرها كمن عرف الفرائض وأصولها ليس من شرط اجتهاده فيها معرفته بالبيع ولذلك ما من أمام إلا وقد توقف في مسائل، وقيل من يجيب في كل مسألة فهو مجنون، وإذا ترك العالم لا أدري أصيبت مقاتله وحكي عن مالك أنه سئل عن أربعين مسألة فقال في ستة وثلاثين لا أدري ولم يخرجه ذلك عن كونه مجتهداً وإنما المعتبر أصول هذه الأمور وهو مجموع مدون في فروع الفقه وأصوله فمن عرف ذلك ورزق فهمه كان مجتهداً وصلح للفتيا والقضاء وبالله التوفيق.

* (فصل) * قال الشيخ رحمه الله (وإذا تحاكم رجلان إلى رجل يصلح للقضاء وحكماه بينهما جاز ذلك ونفذ حكمه عليهما وبهذا قال أبو حنيفة وللشافعي قولان (أحدهما) لا يلزمه حكمه إلا بتراضيهما لأن حكمه إنما يلزم بالرضى به فلا يكون الرضى إلا بعد المعرفة بحكمه. ولنا ما روى أبو شريح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له " أن الله هو الحكم فلم تكنى أبا الحكم؟ " قال إن قومي إذا اختلفوا في شئ أتوني فحكمت بينهم فرضي علي الفريقان " قال ما أحسن هذا فمن أكبر ولدك؟ " قال شريح قال " فأنت أبو شريح " أخرجه النسائي روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من حكم بين اثنين تراضيا به فلم يعدل بينهما فهو ملعون " ولولا أن حكمه يلزمهما لما لحقه هذا الذم، ولأن عمر وأبياً تحاكما إلى زيد وحاكم عمر أعرابياً إلى شريح قبل أن يوليه القضاء وتحاكم عثمان وطلحة إلى جبير بن مطعم ولم يكونوا قضاة فإن قيل فعمر وعثمان كانا إمامين فإذا ردا الحكم إلى رجل صار قاضياً؟ قلنا لم ينقل عنهما إلا الرضا بتحكيمه خاصة وبهذا لا يعتبر قاضياً وما ذكروه يبطل بما إذا رضي بتصرف وكيله فإنه يلزمه قبل المعرفة به إذا ثبت هذا فإنه لا يجوز نقض حكمه فيما لا ينقض فيه حكم من له ولاية، وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة للحاكم نقضه إذا خالف رأيه، لأن هذا عقد في حق الحاكم فملك فسخه كالعقد الموقوف في حقه. ولنا أن هذا حكم صحيح لازم فلم يجز فسخه لمخالفة رأيه كحكم من له ولاية وما ذكروه لا يصح فإن حكمه لازم للخصمين فكيف يكون موقوفاً؟ ولو كان كذلك لملك فسخه وإن لم يخالف رأيه ولا نسلم الوقوف في العقود إذا ثبت هذا فإن لكل واحد من الخصمين الرجوع عن تحكيمه قبل شروعه

في الحكم لأنه لا يثبت إلا برضاه فأشبه ما لو رجع عن التوكيل قبل التصرف، وإن رجع بعد شروعه ففيه وجهان. (أحدهما) له ذلك لأن الحكم لم يتم أشبه قبل الشروع (والثاني) ليس له ذلك لأنه يؤدي إلى أن كل واحد منهما إذا رأى من الحكم مالا يوافقه رجع فبطل المقصود به واختلف أصحابنا فيمن يجوز فيه التحكيم فقال أبو الخطاب ظاهر كلام أحمد أن تحكيمه يجوز في كل ما يتحاكم فيه الخصمان قياساً على قاضي الإمام وقال القاضي يجوز حكمه في الأموال خاصة فأما النكاح واللعان والقذف والقصاص فلا يجوز التحكيم فيها لأن لهذه الأحكام مزية على غيرها فاختص حاكم الإمام بالنظر فيها كالحدود وذكر صاحب المحرر فيها روايتين ولأصحاب الشافعي وجهان كهذين، وإذا كتب هذا القاضي بما حكم به كتاباً إلى قاض من قضاة المسلمين لزمه قبوله وتنفيذ كتابه لأنه حاكم نافذ الأحكام فلزم قبول كتابه كحاكم الإمام

* (باب أدب القاضي) * ينبغي أن يكون قوياً من غير عنف لينا من غير ضعف لا يطمع القوي في باطله ولا ييأس الضعيف من عدله ويكون حليماً متأنياً ذا فطنة وتيقظ لا يؤتى من غفلة ولا يخدع لغرة صحيح السمع والبصر عالماً بلغات أهل ولايته عفيفاً ورعاً نزهاً بعيداً من الطمع صدوق اللهجة ذا رأي ومشورة لكلامه لين إذا قرب وهيبة إذا أوعد ووفاء إذا وعد ولا يكون جباراً ولا عسوفاً فيقطع ذا الحجة عن حجته قال علي رضي الله عنه لا ينبغي أن يكون القاضي قاضياً حتى يكون فيه خمس خصال عفيف حليم عالم بما كان قبله يستشير ذوي الألباب لا يخاف في الله لومة لائم، وقال عمر بن عبد العزير ينبغي للقاضي أن يكون فيه سبع خلال أن فاتته واحدة كانت فيه وصمة: العقل، والعفة، والورع، والنزاهة، والصرامة، والعلم بالسنين، والحلم، ورواه سعيد وفيه ويكون فهما حليماً عفيفاً صلباً سآلاً عما لا يعلم وفي رواية محتملاً للأئمة ولا يكون ضعيفاً مهيناً لأن ذلك يبسط المتخاصمين إلى التهاتر والتشائم بين يديه قال عمر رضي الله عنه لأعزلن فلانا عن القضاء ولأستعملن رجلا إذا رآه الفاجر فرقه. (فصل) وله أن ينتهر الخصم إذا التوى ويصيح عليه وأن استحق التعزير عزره بما يرى من أدب أو حبس وإن افتات عليه بأن يقول حكمت علي بغير حق وارتشيت فله تأديبه وله وان يعفو

باب أدب القاضي

وإن بدأ المنكر باليمين قطعها عليه وقال البينة على خصمك فإن عاد نهره فإن عاد عزره إن رأى وأمثال ذلك مما فيه اساءة الأدب فله مقابلة فاعله وله العفو. * (مسألة) * (وإذا ولي في غير بلده سأل عمن فيه من الفقهاء والفضلاء والعدول وينفذ عند مسيره من يعلمهم يوم دخوله ليتقوه) وجملة ذلك إذا ولي في غير بلده فأراد المسير إلى بلد ولايته بحث عن قوم من أهل ذلك البلد ليسألهم عنه ويتعرف منهم ما يحتاج إلى معرفته فإن لم يجد سال في طريقه فإن لم يجد سال إذا دخل عن أهله ومن به من العلماء والفضلاء وأهل العدالة والسير وسائر ما يحتاج إلى معرفته وإذا قرب من البلد بعث من يعلمهم بقدومه ليتلقوه. * (مسألة) * (ويجعل دخوله يوم الاثنين أو الخميس أو السبت إن أمكنه لقوله عليه الصلاة السلام بورك لأمتي في سبتها وخميسها) وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا قدم من سفر قدم يوم الخميس ويكون لابساً أجمل ثيابه فيأتي الجامع فيصلي فيه ركعتين كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل إذا دخل المدينة ويستقبل القبلة لأنه روي " أفضل المجالس ما استقل به القبلة " * (مسألة) * (فإذا اجتمع الناس أمر بعهده فقرئ عليهم ليعلموا توليته وأمر من ينادي من له حاجة فليحضر يوم كذا ثم ينصرف إلى منزله الذي قد أعد له)

مسألة ويجعل دخوله يوم الاثنين أو الخميس أو السبت إن أمكنه لقوله عليه الصلاة والسلام بورك لأمتي

وأول ما يبدأ به أن يبعث إلى الحاكم المعزول فيأخذ منه ديوان الحكم وهو ما فيه وثائق الناس من المحاضر وهو نسخ ما يثبت عند الحاكم والسجلات نسخ ما حكم به وما كان عنده من حجج الناس ووثائقهم مودعة في ديوان الحكم وكانت عنده بحكم الولاية فإذا انتقلت الولاية إلى غيره كان عليه تسليمها إليه فتكون مودعة عنده في ديوانه * (مسألة) * (ثم يخرج في اليوم الذي وعد الجلوس فيه على اعدل أحواله غير غضبان ولا جائع ولا شبعان ولا حاقن ولا مهموم بأمر يشغله عن الفهم) كالعطش الشديد والفرح الشديد والحزن الكبير والهم العظيم والوجع المؤلم والحر المزعج والنعاس الذي يغمر القلب ليكون أجمع لقلبه واحضر لذهنه وأبلغ في تيقظه للصواب وفطنته لموضع الرأي ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم " لا يقضي القاضي بين اثنين وهو غضبان " فنص على الغضب ونبه على ما في معناه مما ذكرنا ويسلم على من يمر به ثم يسلم على من هو في مجلسه وبصلى تحية المسجد إن كان في المسجد ويجلس على بساط ولا يجلس على التراب ولا على حصر المسجد لأن ذلك يذهب بهيبته من أعين الخصوم وهذه الآداب المذكورة في هذه المسألة ليست شرطاً في الحكم إلا الخلو من الغضب وما في معناه وفي اشتراطه روايتان وما ذكر ههنا من الجلوس على بساط ولا يجلس على التراب ولا حصر المسجد لم نعلم أنه نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من خلفائه والإقتداء بهم أولى إن شاء الله تعالى فيكون وجوده وعدمه سواء

مسألة ثم يخرج في اليوم الذي وعد الجلوس فيه على اعدل أحواله غير غضبان ولا جائع ولا شبعان ولا حاقن

* (مسألة) * (ويستعين بالله تعالى ويتوكل عليه ويدعوه سراً أن يعصمه من الزلل ويوفقه للصواب ولما يرضيه من القول والعمل ويجعل مجلسه في مكان فسيح كالجامع والقضاء الواسع في وسط البلدان أمكن ليساوي فيه الناس) (فصل) ولا يكره القضاء في الجامع والمساجد فعل ذلك شريح والحسن والشعبي ومحار ابن دثار ويحيى بن يعمر وابن أبي ليلى وابن خلدة قاض لعمر بن عبد العزيز، وروي عن عمر وعلي وعثمان أنهم كانوا يقضون في المسجد قال مالك القضاء في المسجد من أمر الناس القديم وبه قال مالك وإسحاق وابن المنذر، وقال الشافعي يكره ذلك إلا أن ينفق خصمان عنده في المسجد لما روي أن عمر كتب إلى القاسم بن عبد الرحمن لا تقض في المسجد لأنه يأتيك الحائض والجنب والذمي وتكثر غاشيته ويجري بينهم اللغط والتكاذب والتجاحد وربما أدى إلى السب وما لم تبن له المساجد ولنا إجماع الصحابة بما قد روينا عنهم وقال الشعبي رأيت عمر مستنداً إلى القبلة يقضي بين الناس ولأن القضاء قربة وطاعة وانصاف بين الناس ولا نعلم صحة ما رووه وقد روي عنه خلافه وأما الحائض فإن عرضت لها حاجة إلى القضاء وكلت أو أتته في منزله والجنب يغتسل ويدخل والذمي يجوز دخوله بإذن مسلم وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يجلس في مسجده مع حاجة الناس إليه للحكومة والفتيا وغير ذلك من حوائجهم وكان أصحابه يطالب بعضهم بعضا بالحقوق في المسجد وربما رفعوا أصواتهم فقد روي عن كعب أبن مالك قال تقاضيت ابن أبي حدرد دينا في المسجد حتى ارتفعت أصواتنا فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فأشار إلي ضع من ديتك الشطر فقلت نعم يا رسول الله فقال " قم فاقضه "

مسألة ويستعين بالله تعالى ويتوكل عليه ويدعوه سرا أن يعصمه من الزلل ويوفقه للصواب ولما يرضيه

* (مسألة) * (ولا يتخذ حاجباً ولا بواباً يحجب الناس عن الوصول إليه) لما روى القاسم بن مخيمرة عن أبي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " من ولي من أمور الناس شيئاً واحتجب دون حاجتهم احتجب الله دون حاجته وفاقته وفقره " رواه الترمذي ولأن حاجبه ربما قدم المتأخر وأخر المتقدم لغرض له وربما كسرهم بحجبهم والاستئذان لهم ولا بأس باتخاذ حاجب في غير مجلس القضاء لأنه يحتاج إلى الخلوة بنفسه * (مسألة) * (ويعرض القصص فيبدأ بالأول فالأول) لأن الأول سبق فقدم كما لو سبق إلى موضع مباح ولا يقدم السابق في أكثر من حكومة واحدة لئلا يستوعب المجلس بدعاويه فيضر بغيره فإن حضروا دفعة واحدة وتشاحوا أقرع بينهم فقدم من تقع له القرعة ويعدل بين الخصمين في لحظه ولفظه والدخول عليه إلا أن يكون أحدهما كافراً فيقدم المسلم عليه في الدخول ويرفعه في الجلوس لحرمة الإسلام فإن الله تعالى قال (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون) ووجه وجوب العدل بين الخصمين فيما ذكرنا ما روى عمرو بن شبة في كتاب القضاة بإسناده عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه سلم قال " من ابتلي بالقضاء بين المسلمين فليعدل بينهم في لفظه وإشارته ومقعده ولا يرفعن صوته على أحد الخصمين ولا يرفعه على الآخر " وفي رواية " فليسو بينهم في النظر والمجلس والاشارة " ولأنه إذا ميز أحد الخصمين عن الآخر حصر وانكسر وربما لم يقم حجته فادى ذلك إلى ظلمه وقيل يسوي بين المسلم والكافر لأن العدل يقتضي ذلك ولا يسار

مسألة ولا يتخذ حاجبا ولا بوابا يحجب عن الوصول إليه

(احداهما) ولا يلقنه حجته لما فيه من الضرر ولا يضيفه لأنه يكسر قلب صاحبه وروي مثل ذلك عن علي إلا أن يضيف صاحبه معه لما روي عن علي كرم الله وجهه أنه نزل به رجل فقال له إنك خصم قال نعم قال تحول عنا فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " لا تضيفوا أحد الخصمين إلا وخصمه معه " * (مسألة) * (ولا يعلمه كيف يدعي في أحد الوجهين لما ذكرنا وفي الآخر له تحرير الدعوى إذا لم يحسن تحريرها) . لأنه لا ضرر على خصمه وله أن يشفع إلى خصمه لينظره أو يضع عنه ويزن عنه لأن النبي صلى الله عليه وسلم شفع إلى كعب بن مالك في أن يحط عن ابن أبي حدرد بعض دينه وله أن يزن عن المدعي عليه ما وجب عليه لأنه نفع لخصمه ولا يكون إلا بعد انقضاء الحكم * (مسألة) * (ويحضر مجلسه الفقهاء من كل مذهب) حتى إذا حدثت حادثة يفتقر إلى سؤالهم عنها سألهم ليذكروا ادلتهم فيها وجوابهم عنها فإنه اسرع لاجتهاده وأقرب لصوابه وأن حكم بإجتهاده فليس لأحد منهم الإعتراض عليه وإن خالف اجتهاده ولان فيه افتياتا عليه إلا أن يحكم بما يخالف نصا أو اجماعا ويستحب ان يشاورهم فيما يشكل عليه لقول الله سبحانه (وشاورهم في الأمر) قال الحسن أن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لغنياً عن مشورتهم وإنما أراد أن يستن بذلك الحكام بعده وقد شاور النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في أسارى بدر وفي مصالحة الكفار يوم الخندق وشاور ابو بكر رضي الله عنه الناس في ميراث الجدة وعمر في دية الجنين وشاور

مسألة ولا يعلمه كيف يدعي في أحد الوجهين لما ذكرنا وفي الآخر له تحرير الدعوى إذا لم يحسن تحريرها

في حد الخمر وروي ان عمر كان يكون عنده جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم عثمان وعلي وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف إذا نزل به الأمر شاورهم فيه ولا مخالف في استحباب ذلك قال أحمد لما ولي سعد بن ابراهيم قضاء المدينة كان يجلس بين القاسم وسالم ويشاورهما وولي محارب بن دثار قضاء الكوفة فكان يجلس بين الحكم وحماد يشاورهما، ما أحسن هذا لو كان الحكام يفعلونه يشاورون ويتتظرون لأنه يتنبه بالمشاورة ويتذكر ما نسيه بالمذاكرة ولأن الاحاطة بجميع العلوم متعذرة وقد يتنبه لاصابة الحق ومعرفة الحادثة من من هو دون القاضي فكيف بمن يساويه؟ فقد روي أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه جاءته الجدتان فورث أم الأم واسقط أم الأب فقال له عبد الرحمن ابن سهل يا خليفة رسول الله لقد أسقطت التي لو ماتت ورثها وورثت التي لو ماتت لم يرثها فرجع أبو بكر فأشرك بينهما. إذا ثبت هذا فإنه يشاور أهل العلم والأمانة لأن من ليس كذلك لا قول له في الحادثة ولا يسكن إلى قوله قال سفيان وليكن أهل مشورتك أهل التقوى وأهل الأمانة ويشاور الموافقين والمخالفين ويسألهم عن حججهم يبين له الحق * (مسألة) * (والمشاورة ههنا لاستخراج الأدلة وتعرف الحق بالاجتهاد) * (مسألة) * فإن اتضح له الحكم حكم وإلا أخره ولا يقلد غيره وإن كان أعلم منه لا يجوز تقليد غيره سواء ظهر الحق فخالفه غيره فيه أو لم يظهر له شئ وسواء ضاق الوقت أو لم يضق وكذلك ليس للمفتي الفتيا بالتقليد وبهذا قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة اذا كان الحاكم من أهل الاجتهاد جاز له ترك رأيه لرأي من هو افقه منه عنده إذا صار إليه فهو ضرب من الإجتهاد لأنه يعتقد أنه أفقه منه بطريق الإجتهاد

مسألة والمشاورة ههنا لاستخراج الأدلة

ولنا أنه من أهل الإجتهاد فلم يجز له تقليد غيره كما لو كان مثله كالمجتهدين في القبلة وما ذكروه لا يصح فان هو افقه منه يجوز عليه الخطأ فإذا اعتقد أن ما قاله خطأ لم يجز له أن يعمل به وإن كان لم يبن له الحق فلا يجوز له أن يحكم بما يجوز أن يبين له خطؤه إذا اجتهد * (مسألة) * (ولا يقضي وهو غضبان ولا حاقن ولا في شدة الجوع والعطش والهم والوجع والنعاس والبرد المؤلم والحر المزعج فإن خالف وحكم فوافق الحق نفذ حكمه وقال القاضي لا ينفذ وقيل إن عرض له ذلك بعد فهم الحكم جاز وإلا فلا) لا خلاف بين أهل العلم فيما علمنا في أن القاضي لا ينبغي له أن يقضي وهو غضبان كره ذلك شريح وعمر بن عبد العزيز وأبو حنيفة والشافعي لما روي أن ابا بكرة كتب إلى إبنه عبد الله وهو قاض بسجستان لا تحكم بين اثنين وانت غضبان فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " لا يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان " متفق عليه وروي عن عمر أنه كتب إلى أبي موسى إياك والقلق والغضب والضجر والتأذي بالناس عند الخصومة فإذا رأيت الخصم يتعمد فأوجع رأسه، ولأنه إذا غضب تغير عقله ولم يستوف رأيه وفكره وفي معنى الغضب كلما يشغل فكره من الجوع المفرط والعطش الشديد والجوع المزعج ومدافعة احد الاخبثين وشدة النعاس والهم والغم والحزن والفرح فهذه كلها تمنع الحكم لإنها تمنع حضور القلب واستيفاء الفكر الذي يتوصل به إلى إصابة الحق في الغالب فهي في معنى الغضب المنصوص عليه فتجري مجراه فإن خالف وحكم في الغضب أو ما شاكله فوافق الحق نفذ قضاؤه

مسألة ولا يقضي وهو غضبان ولا حاقن ولا في شدة الجوع والعطش والهم والوجع والنعاس والبرد المؤلم

ذكره القاضي في المجرد وهو مذهب الشافعي وحكي عن القاضي أنه لا ينفذ لأنه منهي عنه والنهي يقتضي فساد المنهي عنه ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم اختصم إليه الزبير ورجل من الأنصار في شراج الحرة فقال النبي صلى الله عليه وسلم " اسق ثم ارسل إلى جارك " فقال الأنصاري إن كان ابن عمتك؟ فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال للزبير " اسق ثم احبس الماء حتى يبلغ الجدر " متفق عليه فحكم في حال غضبه وقال بعض أهل العلم إنما يمنع الغضب الحكم إذا كان قبل أن يتضح حكم المسألة للحاكم لأنه يشغله عن استيفاء النظر فيها فأما ما حدث بعد اتضاح الحكم فلا يمنعه لأن الحق قد استبان قبله كغضب النبي صلى الله عليه وسلم في قصة الزبير * (مسألة) * (ولا يحل له أن يرتشي، ولا يقبل الهدية إلا ممن كان يهدي إليه قبل ولايته بشرط أن لا تكون له حكومة) أما الرشوة في الحكم ورشوة العالم فحرام على الآخذ بلا خلاف قال الله تعالى (أكالون للسحت) قال الحسن وسعيد بن جبير في تفسيره هو الرشوة، وقال إذا قبل القاضي الرشوة بلغت به الكفر، وروى عبد الله بن عمر قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح ورواه أبو هريرة وزاد في الحكم رواه أبو بكر في زاد المسافر وزاد والرائش وهو السفير بينهما ولأن المرتشي إنما يرتشي ليحكم بغير الحق أو يتوقف الحكم عنه وذلك من أعظم الظلم قال مسروق سألت بن مسعود عن السحت اهو الرشوة في الحكم؟ قال لا (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) و (الظالمون) و (الفاسقون) وإنما السحت أن يستعينك على مظلمة فيهدي لك فلا تقبل. وقال

مسألة ولا يحل له أن يرتشي ولا يقبل الهدية إلا ممن كان يهدي إليه قبل ولايته بشرط أن لا تكون له حكومة

قتادة قال كعب الرشوة تسفه الحليم وتعمي عين الحكيم. فأما الراشي فإن رشاه ليحكم له بباطل أو يدفع عنه فهو ملعون وأن رشاه ليدفع ظلمه ويجزئه على واجبه فقال عطاء وجابر بن زيد والحسن لا بأس ان يصانع عن نفسه قال جابر: ما رأينا في زمن زياد أنفع لنا من الرشا ولأنه يستنقذ ماله كما يستنفذ الرجل أسيره. (فصل) ولا يقبل الحاكم هدية وذلك لأن الهدية يقصد بها في الغلب استمالته ليعتني به في الحكم فيشبه الرشوة قال مسروق إذا قبل القاضي الهدية أكل السحت وإذا قبل الرشوة بلغت به لكفر وقد روى أبو حميد الساعدي قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً من الأزد يقال له ابن اللتبية على الصدقة فقال هذا لكم وهذا أهدي إلي فقام النبي صلى الله عليه وسلم فحمد الله واثنى عليه ثم قال " ما بال العامل نبعثه فيقول هذا لكم وهذا أهدي إلي؟ ألا جلس في بيت أبيه وأمه فينظر أيهدى إليه أم لا؟ والذي نفس محمد بيده لا نبعث أحداً منكم فيأخذ شيئاً إلا جاء يوم القيامة يحمله إن كان بعيراً له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تثغر " فرفع يده حتى رأيت عفرة أبطية فقال " اللهم هل بلغت ثلاثاً؟ " متفق عليه ولأن حدوث الهدية عند حدوث الولاية يدل على أنها من أجلها ليتوسل بها إلى ميل الحاكم معه على خصمه فلم يجز قبولها كالرشوة فأما إن كان يهدي إليه قبل ولايته جاز قبولها منها بعد الولاية لأنها لم تكن من أجل الولاية لوجود سببها قبلها بدليل وجودها قبل الولاية قال القاضي ويستحب له التنزه عنها فإن أحس أنه يقدمها بين يدي خصومة أو فعلها حال

الحكومة حرم أخذها في هذه الحال لانه كالرشوة وهذا كله مذهب الشافعي وروي عن أبي حنيفة وأصحابه أن قبول الهدية مكروه غير محرم وفيما ذكرناه دلالة على التحريم * (مسألة) * (فإن ارتشى الحاكم أو قبل هدية ليس له قبولها ردها إلى أربابها) لأنه أخذها منهم بغير حق فأشبه المأخوذ بعقد فاسد ويحتمل أن يجعلها في بيت المال لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر ابن اللتبية بردها إلى أربابها وقد قال أحمد إذا أهدى البطريق لصاحب الجيش عينا أو فضة لم تكن له دون سائر الجيش قال أبو بكر يكونون فيه سواء * (مسألة) * (ويكره أن يتولى البيع والشراء بنفسه ويستحب أن يوكل في ذلك من لا يعرف أنه وكيله) لما روى أبو الأسود المالكي عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ما عدل ولي اتجر في رعيته أبداً " ولأنه يعرف فيحابى فيكون كالهدية ولأن ذلك يشغله عن النظر في أمور الناس وقد روي عن ابي بكر رضي الله عنه أنه لما بويع أخذ الذراع وقصد السوق فقالوا يا خليفة رسول الله لا يسعك أن تشتغل عن أمور المسلمين فقال " فإني لا أدع عيالي يضيعون " قالوا فنحن نفرض لك ما يكفيك ففرضوا له كل يوم درهمين فإن باع واشترى صح البيع وتم بشروطه وأركانه إن احتاج إلى مباشرته ولم يكن له ما يكفيه لم يكره لأن ابا بكر رضي الله عنه قصد السوق ليتجر حتى فرضوا له ما يكفيه ولأن القيام بعياله فرض عين فلا يتركه لوهم مضرة وإنما إذا استغنى عن مباشرته ووجد من يكفيه ذلك كره لما ذكرناه من المعنيين وينبغي أن يوكل في ذلك من لا يعرف أنه وكيله لئلا يحابى

مسألة ويكره أن يتولى البيع والشراء بنفسه ويستحب أن يوكل في ذلك من لا يعرف أنه وكيله

وهذا مذهب الشافعي وحكي عن أبي حنيفة أنه قال لا يكره له البيع والشراء وتوكيل من لا يعرف لما ذكرنا من قضية أبي بكر رضي الله عنه ولما ذكرناه وروي عن شريح أنه قال شرط علي عمر حين ولأني القضاء أن لا أبيع ولا ابتاع ولا ارتشي ولا أقضي وأنا غضبان وقضية أبي بكر حجة لنا فإن الصحابة أنكروا عليه فاعتذر بحفظ عياله عن الضياع فلما أغنوه عن البيع والشراء بما فرضوا له قبل قولهم وترك التجارة فحصل الاتفاق منهم على تركها عند الغنى عنها * (مسألة) * (وتستحب له عيادة المرضى وشهود الجنائز ما لم تشغله عن الحكم وزيارة الأخوان والصالحين من الناس لأنه قربة وطاعة وإن كثر ذلك فليس له الاشتغال به عن الحكم) لأن هذا تبرع فلا يشتغل به عن الفرض وله حضور البعض لأن هذا يفعله لنفع نفسه بتحصيل الأجر والقربة له بخلاف الولائم لأنه يراعي فيها حق الداعي فيكسر قلب من لم يجب إذا أجيب غيره * (مسألة) * (وله حضور الولائم) لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحضرها ويأمر بحضورها وقال من لم يجب فقد عصى الله ورسوله فإن كثرت وازدحمت تركها كلها ولم يجب أحداً لأن هذا يشغله عن الحكم الذي تعين عليه لكنه يعتذر إليهم ويسألهم التحليل ولا يجيب بعضاً دون بعض لأن في ذلك كسراً لقلب من لم يجبه إلا أن يختص بعضها بعذر يمنعه دون بعض مثل أن يكون في إحداها منكر أو تكون في مكان بعيد أو يشتغل

مسألة وتستحب له عيادة المرضى وشهود الجنائز ما لم تشغله عن الحكم وزيارة الأخوان والصالحين من الناس

بها زمنا طويلا والأخرى بخلاف ذلك فله الإجابة إليها دون الأولى لأن عذره ظاهر في التخلف عن الأولى * (مسألة) * (ويوصي الوكلاء والأعوان على بابه بالرفق بالخصوم وقلة الطمع ويجتهد أن يكونوا شيوخاً أو كهولاً من أهل الدين والعفة والصيانة) لأنهم أقل شرا فإن الشباب شعبة من الجنون ولأن الحاكم يأتيه النساء وفي اجتماع الشباب بهن ضرورة * (مسألة) * (ويتخذ كاتباً مسلماً مكلفاً عدلاً حافظاً عالماً يجلسه حيث يشاهد ما يكتبه ويجعل القمطر مختوماً بين يديه) وجملة ذلك أنه يستحب للحاكم أن يتخذ كاتباً لأن النبي صلى الله عليه وسلم استكتب زيد بن ثابت وغيره ولأن الحاكم تكثر اشغاله ونظره فلا يمكنه تولي الكتابة بنفسه وإن أمكنه الكتابة بنفسه جاز والاستنابة فيه أولى ولا يجوز أن يستنيب في ذلك إلا عدلاً لأن الكتابة موضع أمانة ويستحب أن يكون فقيهاً ليعرف مواقع الألفاظ التي تتعلق بها الأحكام ويفرق بين الجائز والواجب وينبغي أن يكون وافر العقل نزها ورعا لئلا يستمال بالطمع ويكون مسلماً لأن الله تعالى قال (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا) وقد روي أن أبا موسى قدم على عمر ومعه كاتب نصراني فاحضر أبو موسى شيئاً من مكتوباته عند عمر فاستحسنه وقال قل لكاتبك يجئ ويقرأ كتابه قال إنه لا يدخل المسجد قال ولم؟ قال أنه نصراني فانتهره عمر وقال لا تأتمنوهم وقد خونهم الله تعالى ولا تقربوهم وقد أبعدهم الله ولا تعزوهم وقد أذلهم الله ولأن الإسلام من شروط العدالة والعدالة شرط وقال أصحاب الشافعي في

مسألة ويوضي الوكلاء والأعوان على بابه بالرفق بالخصوم وقلة الطمع ويجتهد أن يكونوا شيوخا أو كهولا

اشراط عدالته وإسلامه وجهان (أحدهما) يشترط لما ذكرنا (والثاني) لا يشترط لأن ما يكتبه لابد من وقوف القاضي عليه فهو من الخيانة ويستحب أن يكون جيد الخط لأنه أكمل وإن يكون حراً ليخرج من الخلاف وإن كان عبداً جاز لأن شهادة العبد جايزة ويكون القاسم على الصفة التي ذكرنا في الكاتب ولابد من كونه حاسباً لأنه عمله وبه يقسم فهو كالخط للكاتب والفقه للحاكم ويستحب للحاكم أن يجلس الكاتب بين يديه ليشاهد ما يكتبه ويشافهه بما يملي عليه وان قصد ناحية جاز لأن المقصود يحصل لأن ما يكتبه يعرض على الحاكم فيستبرئه ويجعل القمطر مختوماً بين يديه ليترك فيه ما يجتمع من المحاضر والسجلات ويتحرز من أن يدخله كتاب مزور أو يؤخذ منه شئ * (مسألة) * (ويستحب أن لا يحكم إلا بحضرة الشهود) ليستوفى بهم الحقوق ويثبت بهم الحجج والمحاضر فإن كان ممن يحكم بعلمه فإن شاء أدناهم إليه وإن شاء ابعدهم منه بحيث إذا احتاج إلى إشهادهم على حكمه استدعاهم ليشهدوا بذلك وإن كان ممن لا يحكم بعلمه أجلسهم بالقرب حتى يسمعوا كلام المتحاكمين لئلا يقر منهم مقر ثم ينكر ويجحد فيحفظوا عليه إقراره * (مسألة) * (ولا يحكم لنفسه ولا لمن لا تقبل شهادته له ويحكم بينهم بعض خلفائه) أو بعض رعيته فإن عمر حاكم أبيا إلى زيد وحاكم رجلاً عراقياً إلى شريح وحاكم علي يهودياً إلى شريح وحاكم عثمان طلحة إلى جبير بن مطعم وإن عرضت حكومة لوالديه أو ولده أو من لا تقبل شهادته له ففيه وجهان (أحدهما) لا يجوز له الحكم فيها بنفسه وإن حكم لم ينفذ حكمه له كنفسه

مسألة ويسحتب أن لا يحكم إلا بحضرة الشهود

(والثاني) ينفذ حكمه اختاره أبو بكر وهو قول أبي يوسف وابن المنذر وأبي ثور لأنه حكم لغيره أشبه الأجانب وعلى القول الأول متى عرضت لهؤلاء حكومة حكم بينهم الإمام أو حاكم آخر أو بعض خلفائه فإن كانت الحكومة بين والديه أو ولديه أو والده وولده لم يجز الحكم بينهما على أحد الوجهين لأنه لا تقبل شهادته لأحدهما على الآخر فلم يجز الحكم بينهما كما لو كان خصمه أجنبياً وفي الآخر يجوز وهو قول بعض أصحاب الشافعي لأنهما سواء عنده فارتفعت تهمة الميل فأشبها الأجنبيين (فصل) قال رضي الله عنه وأول ما ينظر في أمر المحبسين فيبعث ثقة إلى الحبس فيكتب اسم كل محبوس ومن حبسه؟ وفيم حبسه؟ في رقعة منفردة ثم ينادي في البلدان القاضي ينظر في أمر المحبسين غداً فمن له منهم خصيم فليحضر إنما بدأ بالنظر في امر المحبسين لأن الحبس عذاب وربما كان فيهم من لا يستحق البقاء فيه فينفذ إلى حبس القاضي الذي كان قبله ثقة فيكتب اسم كل محبوس وفيم حبس؟ ولمن حبس؟ وتحمل الرقاع إليه ويأمر منادياً ينادي في البلد ثلاثة أيام أن القاضي فلان بن فلان ينظر في أمر المحبسين يوم كذا فمن كان له محبوس فليحضر فإذا احضر الناس في ذلك اليوم جعل الرقاع بين يديه فيمد يده إليها فما وقع في يده منها نظر إلى اسم المحبوس وقال من خصم فلان المحبوس؟ فإذا قال خصمه أنا بعث ثقة إلى الحبس فاخرج خصمه وحضر معه مجلس الحكم ويفعل ذلك في قدر ما يعلم أنه يتسع زمانه للنظر في ذلك المجلس ولا يخرج غيرهم فإذا حضر المحبوس وخصمه لم يسأل خصمه لم حبسه؟ لأن الظاهر

أن الحاكم إنما حبسه بحق لكن يسار المحبوس بم حبست؟ ولا يخلو جوابه من خمسة أقسام (أحدها) أن يقول حبسني بحق له حال أنا ملئ به فيقول له الحاكم اقض؟ وإلا رددتك إلى الحبس (الثاني) أن يقول له على دين أنا معسر به فيسال خصمه فإن صدقه فلسه الحاكم وأطلقه وإن كذبه نظر في سبب الدين فإن كان سببا حصل له به مال كقرض أو شراء لم يقبل قوله في الإعسار إلا ببينة بأن ماله تلف أو نفد أو ببينة أنه معسر فيزول الأصل الذي ثبت ويكون القول قوله فيما يدعيه عليه من المال، وإن لم يثبت له أصل مال ولم يكن لخصمه بينة بذلك فالقول قول المحبوس مع يمينه أنه معسر لأن الأصل الإعسار، وإن شهدت لخصمه بينة بأن له مالا لم تقبل حتى يبين ذلك المال بما يتميز به فإن شهدت عليه البينة بدار معينة أو غيرها فصدقها فلا كلام وإن كذبها وقال ليس هذا لي وإنما هو في يدي لغيري لم يقبل إلا أن يعزوه إلى معين فإن كان الذي أقر له حاضراً سئل فان كذبه في إقراره سقط وقضى من المال دينه، وإن صدقه وكانت له بينة فهو أولى لأن له بينة وصاحب اليد يقر له به وإن لم تكن له بينة فذكر القاضي أنه لا يقبل قولهما ويقضي الدين منه لأن البينة شهدت لصاحب اليد بالملك فتضمنت شهادتها وجوب القضاء منه فإذا لم تقبل شهادتها في حق نفسه قبلت فيما تضمنته لأنه حق لغيره ولأنه متهم في إقراره لغيره لأنه قد يفعل ذلك ليخلص ماله ويعود إليه فتلحقه تهمة فلم تبطل البينة بقوله وفيه وجه آخر يثبت الإقرار وتسقط البينة لأنها تشهد بالملك لمن لا يدعيه وينكره

(القسم الثالث) أن يقول حبسني لأن البينة شهدت علي لخصمي بحق ابتحث عن حال الشهود فهذا ينبني على أصل وهو أن الحاكم هل له ذلك أولا؟ وفيه وجهان (أحدهما) ليس له ذلك لأن الحبس عذاب فلا يتوجه عليه قبل ثبوت الحق عليه فعلى هذا لا يرده إلى الحبس أن صدقه خصمه في هذا (والثاني) يجوز حبسه لأن المدعي قد أقام ما عليه وإنما بقي ما على الحاكم من البحث ولأصحاب الشافعي وجهان كهذين يرده إلى الحبس حتى يكشف عن حال شهوده وإن كذبه خصمه وقال بل عرف الحاكم عدالة شهودي وحكم عليه بالحق فالقول قوله لأن الظاهر أن حبسه بحق (القسم الرابع) أن يقول حبسني الحاكم بثمن كل أو قيمة خمر أرقته لذمي لأنه كان يرى ذلك فإن صدقه خصمه فذكر القاضي أنه يطلقه لأن غرم هذا ليس بواجب وفيه وجه آخر أن الحاكم ينفذ حكم الحاكم الأول لأنه ليس له نقض حكم غيره باجتهاده وفيه وجه ثالث أنه يتوقف ويجتهد أن يصطلحا على شئ لأنه لا يمكنه فعل أحد الأمرين وللشافعي قولان كالوجهين الآخرين فان كذه خصمه وقال بل حبست لحق واجب غير هذا فالقول قوله لأن الظاهر حبسه لحق * (مسألة) * (وإن كان حبس في تهمة أو افتيات على القاضي قبله خلى سبيله) لأن المقصود بحبسه التأديب وقد حصل)

مسألة وإن كان حبس في تهمة أو افتئات على القاضي

* (مسألة) * (وإن لم يحضر له خصم فقال حبست ظلما ولا حق علي ولا خصم نادى بذلك ثلاثا فإن حضر له خصم وإلا أحلفه وخلى سبيله) لأن الظاهر أنه لو كان له خصم لظهر * (مسألة) * (ثم ينظر في أمر المجانين واليتامى والوقوف) والنظر في ذلك بالنظر في أمر الأوصياء ونظار الوقوف لأنهم يكونون ناظرين في أموال اليتامى والمجانين وتفرقة الوصية بين المساكين لأن المنظور عليه إن كان من الأيتام والمجانين لم تمكنهم المطالبة لأنهم لا قول لهم وإن كانوا مساكين لم يتعين الاخذ منهم فإذا قدم إليه الوصي فإن كان الحاكم قبله نفذ وصيته لم يعزله لأن الحاكم ما نفذ وصيته إلا بعد معرفته أهليته في الظاهر ولكن نراعيه فإن تغيرت حاله بفسق أو ضعف اضاف إليه امينا قويا يعينه وإن كان الأول ما نفذ وصيته نظر فيه فإن كان أمينا قويا أقره، وإن كان أمينا ضعيفا ضم إليه من يعينه، وإن كان فاسقاً عزله وأقام غيره، وعلى قول الخرقي يضم اليه أمين ينظر عليه فإن كان قد تصرف أو فرق الوصية وهو أهل الوصية نفذ تصرفه، فإن كان ليس بأهل وكان الموصى لهم بالغين عاقلين معينين صح الدفع إليهم لأنهم قبضوا حقوقهم، وإن كانوا غير معينين كالفقراء والمساكين ففيه وجهان (أحدهما) عليه الضمان ذكره القاضي وأصحاب الشافعي لأنه ليس له التصرف (والثاني) لا ضمان عليه لأنه أوصله إلى أهله، وكذلك إن فرق الوصية غير الموصى إليه بتفريقها فعلى الوجهين (فصل) وينظر في أمناء الحاكم وهم من رد إليهم الحاكم النظر في أمر الأطفال وتفرقة الوصايا

مسألة ثم ينظر في أمر المجانين واليتامى والوقوف

التي لم يتعين لها وصي فإن كانوا بحالهم أقرهم لأن الذي قبله ولاهم، ومن تغير حاله عزله إن فسق، وإن ضعف ضم إليه أميناً (فصل) ثم ينظر في أمر الضوال واللقطة التي يتولى الحاكم حفظها فإن كانت مما يخاف تلفه كالحيوان أو في حفظه مؤنة كالأموال الحافية باعها وحفظ ثمنها لأربابها، وإن لم تكن كذلك كالأثمان حفظها لأربابها ويكتب عليها ليعرفها * (مسألة) * (ثم ينظر في حال القاضي قبله فإن كان ممن يصلح للقضاء لم ينقض من أحكامه إلا ما خالف نص كتاب أو سنه أو إجماعا) ولا يجب على الحاكم تتبع قضايا من كان قبله لأن الظاهر صحتها وصوابها وأنه لا يتولى القضاء إلا من هو من أهل الولاية فإن تتبعها نظر في الحاكم قبله فإن كان ممن يصلح للقضاء فما وافق من أحكامه الصواب أو لم يخالف كتاباً ولا سنة ولا إجماعاً لم يجز نفضه، وإن كان مخالفاً لأحد هذه الثلاثة وكان في حق الله تعالى كالعتاق والطلاق نقضه لأن له النظر في حقوق الله تعالى، وإن كان يتعلق بحق آدمي لم ينقضه إلا بمطالبة صاحبه لأن الحاكم لا يستوفي حقاً لمن لا ولاية عليه بغير مطالبته فإن طلب صاحبه ذلك نقضه وبهذا قال الشافعي وزاد إذا خالف قياساً جلياً نقضه وعن مالك وابي حنيفة أنهما قالا لا ينقض الحكم إلا إذا خالف الإجماع ثم ناقضا قولهما فقال مالك إذا حكم بالشفعة للجار نقض حكمه، وقال أبو حنيفة اذا حكم ببيع متروك التسمية أو حكم بين العبيد بالقرعة نقض حكمه، وقال محمد بن الحسن إذا حكم بالشاهد واليمين نقض حكمه وهذه

مسألة ثم ينظر في حال القاضي قبله فإن كان ممن يصلح للقضاء لم ينقض من أحكامه إلا ما خالف نص كتاب

مسائل خلاف موافقة للسنة، واحتجوا على أنه لا ينقض ما لم يخالف الإجماع بأنه يسوع فيه الخلاف فلم ينقض حكمه كما لا نص فيه وحكي عن أبي داود انه ينقض جميع ما بان له خطؤه لأن عمر رضي الله عنه كتب إلى أبي موسى لا يمنعك قضاء قضيته بالأمس ثم راجعت نفسك فيه اليوم فهديت لرشدك أن تراجع فيه الحق فإن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل ولأنه خطأ فوجب الرجوع عنه كما لو خالف الإجماع، وحكي عن مالك أنه وافقهما في قضاء نفسه ولنا على نقضه إذا خالف نصاً أو إجماعاً أنه قضاء لم يصادف شرطه فوجب نقضه كما لو خالف الإجماع وبيان مخالفته للشرط. إن شرط الحكم بالاجتهاد عدم النص بدليل خبر معاذ، ولأنه إذا ترك الكتاب والسنة فقد فرط فوجب نقض حكمه كما لو خالف الإجماع أو كما لو حكم بشهادة كافرين وما قالوه يبطل بما حكيناه عنهم فإن قيل إذا صلى بالاجتهاد إلى جهة ثم بان له الخطأ لم يعد قلنا القرق بينهما من ثلاثة أوجه (أحدها) أن استقبال القبلة يسقط حال العذر في حال المسايفة، والخوف من عدو أو سبع أو نحو مع العلم ولا يجوز له ترك الحق إلى غيره مع العلم بحال الثاني إن الصلاة من حقوق الله تعالى تدخلها المسامحة (الثالث) أن القبلة يتكرر فيها الإشتباه فيشق القضاء وههنا إذا بان له الخطاء لا يعود الاشتباه بعد ذلك. وأما إذا تغير اجتهاده من غير أن يخالف نصاً ولا إجماعاً أو خالف اجتهاده اجتهاد من قبله لم ينقضه لمخالفته لأن الصحابة رضي الله عنهم أجمعوا على ذلك فإن ابا بكر حكم في مسائل

باجتهاده وخالفه عمر فلم ينقض أحكامه وعلي خالف عمر في اجتهاده فلم ينقض أحكامه وخالفهما علي فلم ينقض أحكامهما فإن ابا بكر سوى بين الناس في العطاء وأعطى العبيد وخالفه عمر ففاضل بين الناس وخالفهما علي فسوى بين الناس وحرم العبيد ولم ينقض أحد منهم ما فعله من قبله وجاء أهل نجران إلى علي فقالوا يا أمير المؤمنين كتابك بيدك وشفاعتك بلسانك فقال ويحكم إن عمر كان رشيد الأمر ولن ارد قضاء قضى به عمر رواه سعيد وروي ان عمر حكم في المشركة بإسقاط الأخوة من الأبوين ثم شكر بينهم بعد وقال تلك على ما قضينا هذه على ما قضينا، وقضى في الجد بقضايا مختلفة، ولم يرد الأولى ولأنه يؤدي إلى نقض الحكم بمثله وهذا يؤدي إلى أن لا يثبت الحكم أصلاً لأن الحكم الثاني يخالف الذي قبله والثالث يخالف الثاني فلا يثبت الحكم فإن قيل فقد روي أن شريحاً حكم في ابني عم أحدهما أخ للأم أن المال للأخ فرفع ذلك إلى علي رضي الله عنه فقال: علي بالعبد فجئ به فقال في أي كتاب الله وجدت ذلك؟ فقال قال الله تعالى (وألو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) فقال له علي قد قال الله تعالى (وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس) ونقض حكمه قلنا لم يثبت عندنا أن علياً نقض حكمه ولو ثبت فيحتمل أن يكون على اعتقاد أنه خالف نص الكتاب في الآية التي ذكرها فنقض حكمه لذلك (فصل) إذا تغير اجتهاده قبل الحكم فإنه يحكم بما تغير اجتهاده إليه ولا يجوز أن يحكم بإجتهاده الأول

مسألة وإن كان ممن لا يصلح نقض أحكامه وإن وافقت الصحيح ويحتمل أن لا ينقض الصواب منها

لأنه إذا حكم به فقد حكم بما يعتقد أنه باطل وهذا كما قلنا فيمن تغير اجتهاده في القبلة بعدما صلى لا يعيد وإن كان قبل أن يصلي صلى إلى الجهة التي تغير اجتهاده إليها وكذلك إذا بان فسق الشهود قبل الحكم بشهادتهم لم يحكم بها ولو بان بعد الحكم لم ينقضه * (مسألة) * (وإن كان ممن لا يصلح نقض أحكامه وإن وافقت الصحيح ويحتمل أن لا ينقض الصواب منها) أما إذا كان القاضي قبله لا يصلح للقضاء نقض قضاياه كلها ما أخطأ فيها وما أصاب ذكره أبو الخطاب وهو مذهب الشافعي لأن وجود قضائه كعدمه، قال شيخنا تنقض قضاياه المخالفة للصواب كلها سواء كانت مما يسوغ فيه الاجتهاد أو لا يسوغ لأن حكمه غير صحيح وقضاؤه كلا قضاء لعدم شرط القضاء فيه وليس في نقض قضاياه نقض الاجتهاد بالاجتهاد، لأن الأول ليس باجتهاد ولا ينقض ما وافق الصواب لعدم الفائدة في نقضه فإن الحق وصل إلى مستحقه ولو وصل الحق إلى مستحقه بطريق القهر من غير حكم لم يغير ذلك فكذلك إذا كان بقضاء وجوده كعدمه * (مسألة) * (وإن استعداه أحد على خصم له أحضره وعنه لا يحضره حتى يعلم أن لما ادعاه أصلا) هذه المسألة فيها روايتان (إحداهما) أنه يلزم القاضي أن يعديه ويستدعي خصمه سواء عما بينهما معاملة أو لم يعلم وسواء كان المستعدي ممن يعامل المستعدى عليه أو لا يعامله كالفقير يدعي على ذي ثروة وهيئة نص على هذا في رواية الأثرم في الرجل يستعدي على الحاكم أنه يحضره ويستحلفه، وهذا اختيار أبي بكر ومذهب

مسألة وإن استعداه أحد على خصم له أحضره وعنه لا يحضره حتى يعلم أن لما ادعاه أصلا

أبي حنيفة والشافعي لأن في تركه تضييعاً للحقوق وإقراراً للظلم فإنه قد يثبت له الحق على من هو أرفع منه بغصب أو يشتري منه شيئاً ولا يوفيه أو يودعه شيئاً أو يعيره إياه فلا يرده ولا تعلم بينهما معاملة فإذا لم يعد عليه سقط حقه وهذا أعظم ضرراً من حضور مجلس الحاكم فإنه لا يقبضه وقد حضر عمر وأبي عند زيد وحضر هو وآخر عند شريح وحضر المنصور عند رجل من ولد طلحة بن عبيد الله (والثانية) لا يستعديه إلا أن تعلم بينهما معاملة ويبين أن لما أعاده أصلا روى ذلك عن علي رضي الله عنه هو مذهب مالك لأن في أعدائه على كل احد بتذيل أهل المروءات وإهانة ذوى الهيآت فإنه لا يشاء أحد أن يتبذلهم عند الحاكم إلا فعل وربما فعل هذا من لا حق له ليفتدي المدعى عليه من حضوره وشر خصمه بطائفة من ماله والأولى أولى لأن ضرر تضييع الحق أعظم من هذا وللمستعدى عليه أن يوكل من يقوم مقامه إن كره الحضور. * (مسألة) * (وإن استعداه على القاضي قبله سأله عما يدعيه فإن قال لي عليه دين من معاملة أو رشوة راسلة بذلك، فإن اعترف أمره بالخروج منه وإن أنكر وقال إنما يريد تبذيلي فإن عرف أن لما ادعاه أصلاً أحضره وإلا فهل يحضره؟ على روايتين) وجملة ذلك أنه إذا استعدي على الحاكم المعزول لم يعده حتى يعرف ما يدعيه فيسأله عنه صيانة للقاضي عن الامتهان فإن ذكر أنه يدعي عليه حقاً من دين أو غصب اعداه عليه وحكم بينهما كغير القاضي وكذلك إن ادعى أنه أخذ منه رشوة على الحكم لأن أخذ الرشوة عليه لا يجوز فهي كالغصب وإن ادعى عليه الجور في الحكم وكان المدعي بينة أحضره وحكم بالبينة وإن لم تكن معه بينة ففيه

مسألة وإن استعداه على القاضي قبله سأله عما يدعيه فإن قال لي عليه دين من معاملة أو رشوة راسلة بذلك

وجهان (أحدهما) لا يحضره لأن في إحضاره وسؤاله امتهاناً له وأعداء القاضي كثير وإذا فعل هذا معه لم يؤمن أن لا يدخل في القضاء أحد خوفاً من عاقبته (والثاني) يحضره لجواز أن يعترف فإن حضر واعترف حكم عليه وإن أنكر فالقول قوله من غير يمين لأن قول القاضي مقبول بعد العزل كما تقبل ولايته، وإن ادعى عليه أنه قتل ابنه ظلماً فهل يستحضره من غير بينة؟ فيه وجهان فإن أحضره فاعترف حكم عليه وإلا فالقول قوله، وإن ادعى أنه أخرج عيناً من يده بغير حق فالقول قول الحاكم من غير يمين ويقبل قوله للمحكوم له على ما سنذكره إن شاء الله تعالى. * (مسألة) * (وإن قال حكم علي بشهادة فاسقين فالقول قوله بغير يمين) لأن القول قوله في حكمه فلو قال حكمت على فلان بكذا قبل قوله بغير يمين فكذا في هذه المسألة لأنه شاهد على فعل نفسه أشبه المرضعة إذا شهدت بالرضاع لم يلزمها يمين وكذلك القاسم إذا شهد بالقسمة لأن الشاهد لا يمين عليه. * (مسألة) * (وإن قال الحاكم المعزول كنت حكمت في ولايتي لفلان على لفلان بحق قبل قوله وبه قال إسحاق ويحتمل أن لا يقبل قوله) . ذكره أبو الخطاب قال شيخنا وقول القاضي في فروع هذه المسألة يقتضي أن لا يقبل قوله ههنا وهو قول أكثر الفقهاء لأن من لا يملك الحكم لا يملك الإقرار به كمن أقر بعتق عبد بعد بيعه، ثم اختلفوا فقال الأوزاعي وابن أبي ليلى هو بمنزلة الشاهد إذا كان معه شاهد آخر قبل

مسألة وإن قال حكم علي بشهادة فاسقين فالقول قوله بغير يمين

وقال أصحاب الرأي لا يقبل إلا شاهدان سواه يشهدان بذلك، وهو ظاهر مذهب الشافعي لأن شهادته على نفسه لا تقبل. ولنا أنه لو كتب إلى غيره ثم عزل ووصل الكتاب بعد عزله لزم المكتوب إليه قبول كتابه فكذلك هذا ولأنه أخبر بما حكم به وهو غير متهم فيجب قبوله كحال ولايته. (فصل) فأما إن قال في ولايته كنت حكمت لفلان بكذا قبل قوله سواء قال قضيت عليه بشاهدين عدلين أو قال سمعت بينته وعرفت عدالتهم أو قال قضيت عليه بنكوله أو قال أقر فلان عندي لفلان بحق فحكمت به، وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وأبو يوسف، وحكي عن محمد بن الحسن أنه لا يقبل حتى يشهد معه رجل عدل، لأنه إخبار بحق على غيره فلم يقبل فيه قول واحد كالشهادة. ولنا أنه يملك الحكم فملك الإقرار به كالزوج إذا أخبر بالطلاق والسيد إذا أخبر بالعتق ولأنه لو أخبر أنه رأى كذا وكذا فحكم به قبل كذا ههنا وفارق الشهادة فإن الشاهد لا يملك إثبات ما أخبر به فأما إن قال حكمت بعلمي أو بالنكول أو بشاهدين ويمين في الأموال فإنه يقبل أيضاً وقال الشافعي لا يقبل قوله في القضاء بالنكول وينبني قوله حكمت عليه بعلمي على القولين في جواز القضاء بعلمه لأنه لا يملك الحكم بذلك فلا يملك الإقرار به. ولنا أنه أخبر بحكمه فيما لو حكم به لنفذ حكمه فوجب قبوله كالصور التي تقدمت ولأنه حاكم أخبر يحكمه في ولايته فوجب قبوله كالذي سلمه ولأن الحاكم إذا حكم في مسألة يسوغ فيها الاجتهاد لم يسغ

نقض حكمه ولزم غيره امضاؤه والعمل به فصار بمنزلة الحكم بالبينة العادة ولا نسلم ما ذكره وإن قال حكمت لفلان على فلان بكذا ولم يضف حكمه إلى بينة ولا غيرها وجب قبوله وهو ظاهر ما ذكره شيخنا في الكتاب المشروع وظاهر قول الخرقي لأنه لم يذكر ما ثبت به الحكم وذلك لأن الحاكم متى ما حكم بحكم يسوغ فيه الاجتهاد وجب قبوله وصار بمنزلة ما اجتمع عليه. (فصل) فإن أخبر القاضي بحكمه في غير موضع ولايته قبل وهو ظاهر كلام الخرقي لأنه إذا قبل قوله بحكمه بعد العزل وزوال ولايته بالكلية فلأن يقبل مع بقائها في غير موضع ولايته أولى وقال القاضي لا يقبل قوله وقال لو اجتمع قاضيان في غير ولايتهما كقاضي دمشق وقاضي مصر اجتمعا في بيت المقدس فأخبر أحدهما الآخر بحكم حكم به أو شهادة ثبتت عنده لم يقبل أحدهما قول صاحبه ويكونان كشاهدين أخبر أحدهما صاحبه بما عنده وليس له أن يحكم به إذا رجع إلى عمله لأنه خبر من ليس بقاض في موضعه، وإن كانا جميعاً في عمل أحدهما كأنهما اجتمعا في دمشق فإن قاضي دمشق لا يعمل بما يخبره به قاضي مصر لأنه يخبره في غير عمله وهل يعمل قاضي مصر بما أخبره به قاضي دمشق إذا رجع إلى مصر؟ فيه وجهان بناء على القاضي هل له أن يحكم بعلمه؟ على روايتين لأن قاضي دمشق اخبره به في عمله ومذهب الشافعي في هذا كقول القاضي ههنا. * (مسألة) * (فإن ادعى على أمراة غير برزة لم يحضرها وامرها بالتوكيل فإن وجبت عليها اليمين أرسل إليها من يحلفها) . إذا كان المدعى عليه امرأة فإن كانت برزة وهي التي تبرز لقضاء حوائجها امرت بالتوكيل فإن

مسألة فإن ادعى على أمراة غير برزة لم يحضرها وامرها بالتوكيل فإن وجبت عليها اليمين أرسل إليها من يحلفها

توجهت اليمين عليها بعث الحاكم أميناً معه شاهدان فيستحلفها بحضرتهما، فإن أقرت شهدا عليها، وذكر القاضي أن الحاكم يبعث من يقضي بينها وبين خصمها في دارها وهو مذهب الشافعي لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " واغد يا أنيس الى امرأة هذا فان اعترفت فارجمها " فبعث إليها ولم يستدعها، وإن أحضروا عندها كان بينهم وبينها ستر تتكلم من ورائه فإن اعترفت للمدعي أنها خصمه حكم بينهما وإن أنكرت ذلك جئ بشاهدين من ذوي رحمها يشهدان أنها المدعى عليها ثم يحكم بينهما وإن لم تكن بينة التحفت بجلبابها وأخرجت من وراء الستر لموضع الحاجة وما ذكرناه أولى إن شاء الله لأنه أستر لها وإذا كانت خفرة منعها الحياء من النطق بحجتها والتعبير عن نفسها سيما مع جهلها بالحجة وقلة معرفتها بالشرع وحججه * (مسألة) * (وإن ادعى على غائب عن البلد في موضع لا حاكم فيه كتب إلى ثقات من أهل ذلك البلد ليتوسطوا بينهما فإن لم يقبلوا قيل للخصم حقق ما تدعيه ثم يحضره وإن بعدت المسافة) إذا استعدى على غائب وكان الغائب في غير ولاية القاضي لم يكن له أن يعدي عليه فإن كان في ولايتة وله في بلده خليفة فإن كانت له بينة ثبت الحق عنده وكتب إلى خليفته ولم يحضره وإن لم تكن بينة حاضرة نفذ إلى خصمه ليحاكمه عند خليفته وإن لم يكن له فيه خليفة وكان فيه من يصلح للقضاء قيل له حرر دعواك لأنه يجوز أن يكون ما يدعيه ليس بحق عنده كالشفعة للجار وقيمة الكلب أو خمر الذمي فلا يكلف الحضور لما لا يقضي عليه به مع المشقة فيه بخلاف الحاضر فإنه لا مشقة في

مسألة وإن ادعى على غائب عن البلد في موضع لا حاكم فيه كتب إلى ثقات من أهل ذلك البلد

حضوره فإذا تحررت بعث فأحضر خصمه بعدت المسافة أو قربت وبهذا قال الشافعي وقال أبو يوسف إن كان يمكنه أن يحضر ويعود فيأوي إلى موضعه أحضره وإلا لم يحضره ويوجه من يحكم بينهما، وقيل إن كانت المسافة دون مسافة القصر أحضره وإلا فلا ولنا أنه لابد من فصل الخصومة بين المتخاصمين فإذا لم تمكن إلا بمشقة فعل ذلك كما لو امتنع من الحضور فإنه يؤدب ولأن الحاق المشقة به أولى من إلحاقها بمن ينفذه الحاكم ليحكم بينهما وإن كانت امراة برزة لم يشترط في سفره هذا محرم نص عليه أحمد لأنه حق آدمي وحق الآدمي مبني على الشح والضيق (باب طريق الحكم وصفته) إذا جلس إليه خصمان فله أن يقول من المدعي منكما؟ وله أن يسكت حتى يبتدئا ويستحب أن يجلس الخصمان بين يدي الحاكم لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى أن يجلس الخصمان بين يدي الحاكم رواه أبو داود وروى سعيد بإسناده عن الشعبي قال كان بين عمر بن الخطاب وأبي بن كعب مداراة في شئ فجعلا بينهما زيد بن ثابت فاتياه في منزله فقال له عمر أتيناك لتحكم بيننا في بينة تؤتي الحكم فوسع له زيد عن صدر فراشه فقال ههنا يا أمير المؤمنين فقال له عمر جرت في أول القضاء لكن أجلس مع خصمي فجلسا بين يديه فادعى أبي فأنكر عمر فقال زيد لأبي أعف أمير المؤمنين

باب طريق الحكم وصفته

من اليمين فحلف عمر ثم أقسم لا يدرك زيد باب القضاء حتى يكون عمر ورجل من عرض المسلمين عنده سواء وقال علي رضي الله عنه حين خاصم اليهودي على درعه إلى شريح لو أن خصمي مسلم لجلست معه بين يديك ولأن ذلك أمكن للحاكم في العدل بينهما والإقبال عليهما والنظر في خصومتهما (فصل) فإذا جلسا بين يديه فإن شاء قال من المدعي منكما؟ لأنهما حضرا لذلك، وإن شاء سكت ويقول القائم على رأسه من المدعي منكما؟ إن سكتا جميعا ولا يقول الحاكم ولا صاحبه لأحدهما تكلم لأن في إفراده بذلك تفضيلاً له وتركا للانصاف قال عمرو بن قيس شهدت شريحا إذا جلس إليه الخصمان ورجل قائم على رأسه يقول أيكما المدعي فليتكلم؟ فإن ذهب الآخر يشغب نهره حتى يفرغ المدعي ثم يقول تكلم فإن بدأ أحدهما فادعى فقال خصمه أنا المدعي لم يلفت إليه وقال أجب عن دعواه ثم ادع بما شئت فإن ادعيا معاً فقياس المذهب أن يقرع بينهما وهو قياس قول الشافعي لأن أحدهما ليس بأولى من الآخر وقد تعذر الجمع بينهما فيقرع بينهما كالمرأتين إذا زفتا في ليلة واحدة واستحسن ابن المنذر أن يسمع منهما جميعا وقيل يرجئ أمرهما حتى يتبين من المدعي منها؟ وما ذكرناه أولى لأنه لا يمكن الجمع بين الحكم في القضيتين معاً وارجاء أمرهما إضرار بهما وفيما ذكرناه دفع للضرر بحسب الإمكان وله نظير في مواضع من الشرع فكان أولى * (مسألة) * (ثم يقول للخصم ما تقول فيما ادعاه) لأن شاهد الحال يدل على طلب المطالبة لأن إحضاره والدعوى إنما يراد ليسأل الحاكم المدعى عليه فقد أغنى ذلك عن سؤاله ويحتمل ألا يملك سؤاله عن ذلك لأنه حق المدعي فلا يتصرف فيه بغير إذنه كالحكم له * (مسألة) * (وإن أقر لم يحكم له حتى يطالبه المدعي بالحكم) إذا أقر المدعي عليه لزمه ما ادعي عليه وليس للحاكم أن يحكم عليه إلا بمسألة المقر له لأن الحكم

مسألة وإن أقر لم يحكم له حتى يطالبه المدعي بالحكم

عليه حق له فلا يستوفيه إلا بمسألة مستحقة هكذا ذكره أصحابنا قال شيخنا: ويحتمل أن يجوز له الحكم قبل مسألة المدعي لأن الحال تدل على إرادته ذلك فاكتفى بها كما اكتفى في مسألة المدعى عليه الجواب ولأن كثيراً من الناس لا يعرف مطالبة الحاكم بذلك فيترك مطالبته به لجهله فيضيع حقه فعلى هذا يجوز له الحكم قبل مسألته، وعلى القول الأول أن سأله الخصم الحكم له حكم على المقر والحكم أن يقول ألزمتك ذلك أو قضيت عليك له أو يقول اخرج إليه منه فمتى قال له أحد هذه الثلاثة كان حكما بالحق * (مسألة) * (وإن أنكر مثل أن يقول المدعي أقرضته ألفاً أو بعته فيقول ما أقرضني ولا باعني أو ما يستحق على ما ادعاه ولا شيئاً منه أو لا حق له علي صح الجواب) * (مسألة) * (وللمدعي أن يقول لي بينة؟ وهذا موضع البينة فإن لم يقل قال الحاكم ألك بينة؟ لما روى أن رجلين اختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم حضرمي وكندي فقال الحضرمي يا رسول الله إن هذا غلبني على أرض لي فقال الكندي هي أرضي في يدي ليس له فيها حق فقال النبي صلى الله عليه وسلم للحضرمي " ألك بينة؟ - قال لا قال - فلك يمينه " وهو حديث حسن صحيح وإن كان المدعي عارفاً بأنه موضع البينة فالحاكم مخير بين أن يقول ألك بينة؟ وبين أن يسكت فإذا قال لي بينة حاضرة أمره بإحضارها ذكره شيخنا في الكتاب المشروح وذكر في كتاب المغني أن المدعي إذا قال لي بينة لم يقل له الحاكم أحضرها لأن ذلك حق له فله أن يفعل ما يرى فإذا أحضرها لم يسألها الحاكم عما عندها حتى يسأله المدعي ذلك لأنه حق له فلا يتصرف فيه

مسألة وللمدعي أن يقول لي بينة؟

من غير إذنه فإذا سأله المدعي سؤالها قال من كانت عنده شهادة فليذكر إن شاء ولا يقول لهما اشهدا لأنه أمر وكان شريح يقول للشاهدين ما أنا دعوتكما ولا أنهاكما أن ترجعا وما يقضي على هذا المسلم غيركما وإني بكما أقضي اليوم وبكما أتقي يوم القيامة * (مسألة) * (وإذا سمع الحاكم الشهادة وكانت صحيحة حكم بها إذا سأله المدعي) فيقول للمدعي عليه قد شهدا عليك فإن كان عندك ما يقدح في شهادتهم فبينه عندي فإن لم يظهر ما يقدح فيهما حكم عليه إذا سأل الحاكم لأن الحكم بالبينة حق له فلا يستوفيه إلا بمسألة مستحقة * (مسألة) * (ولا خلاف في أنه يجوز له الحكم بالإقرار والبينة في مجلسه إذا سمعه معه شاهدان فإن لم يسمعه معه أحد أو سمعه معه شاهد واحد فله الحكم نص عليه) لأن الإقرار أحد البيتين فجاز الحكم به في مجلسه كالشهادة وقال القاضي لا يحكم به حتى يسمعه معه شاهدان لأنه إذا لم يسمعه معه أحد كان حكما بعلمه * (مسألة) * (وليس له الحكم بعلمه فيما رآه أو سمعه في غير مجلسه نص عليه وهو اختيار الأصحاب وعنه ما يدل على جواز ذلك سواء كان في حد أو غيره) ظاهر المذهب أن الحاكم لا يحكم بعلمه في حد ولا غيره وسواء في ذلك ما علمه قبل الولاية أو بعدها وهذا قول شريح والشعبي ومالك وأسحاق وأبي عبيد ومحمد بن الحسن وهو أحد قولي الشافعي وعن أحمد رواية أخرى يجوز له ذلك وهو قول أبي يوسف وأبي ثور وهو القول للشافعي واختيار المزني لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قالت له هند أن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني من

مسألة وإذا سمع الحاكم الشهادة وكانت صحيحة حكم بها إذا سأله المدعي

النفقة ما يكفيني وولدي قال " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف " فحكم لها من غير بينة ولا إقرار لعلمه بصدقها وروى ابن عبد البر في كتابه إن عروة ومجاهد رويا أن رجلا من بني مخزوم استعدى عمر ابن الخطاب على أبي سفيان بن حرب أنه ظلمه حداً في موضع كذا وكذا فقال عمر إني لأعلم الناس بذلك وربما لعبت أنا وأنت فيه ونحن غلمان فاتي بأبي سفيان فأتاه به فقال عمر يا أبا سفيان انهض بنا إلى موضع كذا وكذا فنهضوا ونظر عمر فقال يا أبا سفيان خذ هذا الحجر من ههنا فضعه ههنا فقال والله لا أفعل فقال والله لتفعلن فقال والله لا أفعل فعلاه بالدرة وقال خذه لا أم لك فضعه ههنا فإنك ما علمت قدم الظلم فأخذ أبو سفيان الحجر فوضعه حيث قال عمر ثم أن عمر استقبل القبلة فقال اللهم لك الحمد حيث لم تمتني حتى غلبت أبا سفيان على رأيه وأذللته لي بالإسلام فاستقبل القبلة أبو سفيان وقال اللهم لك الحمد حيث لم تمتني حتى جعلت في قلبي من الإسلام ما أذل به لعمر قال فحكم بعلمه ولأن الحاكم يحكم بالشاهدين لأنهما يغلبان على الظن فما تحققه وقطع به كان أولى ولأنه يحكم في تعديل الشهود وجرحهم فكذلك في ثبوت الحق قياساً عليه وقال أبو حنيفة ما كان من حقوق الله تعالى لا يحكم فيه بعلمه لأن حقوق الله تعالى مبينة على المساهلة والمسامحة وأما حقوق الآدميين فما علمه قبل ولايته لم يحكم به، وما علمه في ولايته حكم به لأن ما علمه قبل ولايته بمنزلة ما سمعه من الشهود قبل ولايته، وما علمه في ولايته بمنزلة ما سمعه من الشهود في ولايته ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع منه " فدل على أنه لم يقضي بما يسمع لا بما يعلم وقال النبي

صلى الله عليه وسلم في قضية الحضرمي والكندي " شاهداك أو يمينه ليس لك منه إلا ذاك " وروي عن عمر رضي الله عنه أنه تداعى عنده رجلان فقال له احدهما انت شاهدي فقال أن شئتما شهدت ولم أحكم أو أحكم ولا أشهد وذكر ابن عبد البر عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا جهم على على الصدقة فلاحاه رجل في فريضة فوقع بينهما شجاج فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأعطاهم الأرش ثم قال " إني خاطب الناس ومخبرهم أنكم قد رضيتم أرضيتم؟ قالوا نعم فصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر القصة وقال - أرضيتم؟ - قالوا لا وهم بهم المهاجرون فنزل النبي صلى الله عليه وسلم فأعطاهم ثم صعد فخطب الناس فقال - أرضيتم؟ " قالوا نعم وهذا يبين أنه لم يأخذ بعلمه وروي عن أبي بكر رضي الله عنه قال لو رأيت حداً على رجل لم آخذه حتى تقوم البينة ولأن تجويز القضاء بعلمه يفضي إلى تهمته والحكم بما اشتهى ويحيله على علمه فأما حديث أبي سفيان فلا حجة فيه لأنه فتيا لا حكم بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم أفتى في حكم أبي سفيان من غير حضوره ولو كان حكما عليه لم يحكم عليه في غيبته وحديث عمر الذي رووه كان إنكارا لمنكر رآه لا حكم بدليل أنه ما وجدت منهم دعوى ولا إنكار بشروطهما ودليل ذلك ما رويناه عنه ثم لو كان حكما كان معارضاً بما رويناه عنه ويفارق الحكم بالشهادة فإنه لا يفضي إلى تهمة بخلاف مسئلتنا، وأما الجرج والتعديل فإنه يحكم فيه بعلمه بغير خلاف لأنه لو لم يحكم فيه بعلمه لتسلسل فإن المزكيين يحتاج إلى معرفة عدالتهما وجرحهما فإذا لم يعمل بعلمه احتاج كل واحد منهما إلى مزكيين ثم كل واحد منهما يحتاج إلى مزكيين فيتسلسل وما نحن فيه بخلافه * (مسألة) * (وإن قال المدعي مالي بينة فالقول قول المنكر مع يمينه فيعلمه أن له اليمين على خصمه فإن سأله إحلافه أحلفه)

مسألة وإن قال المدعي ما لي بينة فالقول قول المنكر مع يمينه فيعلمه أن له اليمين على خصمه فإن سأله إحلافه

لأن الحق له فإذا أحلفه خلى سبيله وليس له استحلافه قبل مسألة المدعي لأن اليمين حق له فلم يجز استيفاؤها قبل مطالبة مستحقها كنفس الحق وسقطت الدعوى لما روى وائل بن حجر أن رجلا من حضرموت ورجلاً من كندة أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الحضرمي إن هذا غلبني على أرض لي ورثتها من أبي وقال الكندي أرضي وفي يدي لا حق له فيها فقال النبي صلى الله عليه وسلم " شاهداك أو يمينه " قال إنه لا يتورع من شئ قال " ليس لك إلا ذلك " رواه مسلم بمعناه * (مسألة) * (وإن أحلفه أو حلف من غير سؤال المدعي لم يعتد بيمينه) لأنه أتي بها في غير وقتها فإن سألها المدعي أعادها له لأن الأولى لم تكن يمينه وإن أمسك المدعي عن إحلاف خصمه الدعي عليه ثم اراد إحلافه بالدعوى المتقدمة جاز لأنه لم يسقط حقه منها وإنما أخرها وإن قال أبرأتك من هذه اليمين سقط حقه منها في هذه الدعوى أوله أن يستأنف الدعوى لأن حقه لا يسقط بالإبراء من اليمين وإن استأنف الدعوى وأنكر المدعى عليه فله أن يحلفه لأن هذه الدعوى غير الدعوى التي أبرأه بها من اليمين فإن حلف سقطت الدعوى ولم يكن للمدعي أن يحلفه يمينا أخرى لا في هذا المجلس ولا في غيره * (مسألة) * (وإن نكل قضي عليه بالنكول) نص عليه واختاره عامة شيوخنا فيقول له أن حلفت وإلا قضيت عليك ثلاثاً فإن لم يحلف قضى عليه إذا سأل المدعي ذلك لما روى أحمد أن ابن عمر باع زيد بن ثابت عبداً فادعى عليه زيد انه باعه إياه عالما بعيبه فأنكره ابن عمر فتحاكما إلى عثمان رضي الله عنه فقال عثمان احلف بانك ما علمت به عيباً فأبى ابن عمر أن يحلف فرد عليه العبد ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " اليمين على المدعي عليه "

مسألة وإن أحلفه أو حلف من غير سؤال المدعي لم يعتد بيمينه

فحصرها في جنبته فلم تشرع لغيره وهذا مذهب أبي حنيفة واختار أبو الخطاب أنه لا يحكم بالنكول ولكن يرد اليمين على خصمه وقال قد صوبه أحمد وقال ما هو ببعيد يحلف ويستحق فيقول الحاكم لخصمه لك رد اليمين على المدعي فإن ردها حلف المدعي وحكم له لما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم رد اليمين على صاحب الحق رواه الدارقطني وروي أن المقداد اقترض من عثمان مالا فقال عثمان هو سبعة آلاف وقال المقداد هو أربعة آلاف فقال المقداد لعثمان احلف أنه سبعة آلاف فقال له عمر انصفك فإن حلف حكم له * (مسألة) * (فإن نكل أيضاً صرفهما) إذا نكل المدعي سئل عن سبب نكوله لأنه لا يجب بنكوله لغيره حق بخلاف المدعى عليه فإن قال امتنعت لأن لي بينة أقيمها أو حساباً أنظر فيه فهو على حقه من اليمين ولا يضيق عليه في اليمين لأنه لا يتأخر بتركه إلا حقه بخلاف المدعى عليه وإن قال لا أريد أن أحلف فهونا كل فإن عاد أحدهما فبذل اليمين لم يسمعها في ذلك المجلس لأنه اسقط حقه منها حتى يحتكما في مجلس آخر فإذا استأنف الدعوى أعيد الحكم بينهما كالأول * (مسألة) * (وإن قال المدعي لي بينة بعد قوله مالي ببينة لم يسمع ذكره الخرقي) لأنه أكذب بينته لكونه أقر أنه لا يشهد له أحد فإن شهد له إنسان كان تكذيباً له ويحتمل أن يقبل لأنه يجوز أن ينسى ويكون الشاهدان سمعا منه وصاحب الحق لا يعلمه فلا يثبت ذلك أنه كذب نفسه * (مسألة) * (وإن قال لا أعلم لي بينة ثم قال علمت لي بينة سمعت) لأنه يجوز أن تكون له بينة لم يعلمها ثم علمها

مسألة وإن قال لا أعلم لي بينة ثم قال علمت لي بينة

* (مسألة) * (وإن قال شاهدان نحن نشهد لك فقال هذان بينتي سمعت) قاله أبو الخطاب لما ذكرنا * (مسألة) * (وإن قال ما أريد أن تشهد الي لم يكلف إقامة البينة) لأنه أسقط حقه منها * (مسألة) * (وإن قال لي بينة وأريد يمينه فإن كانت غائبة فله إحلافه وإن كانت حاضرة فهل له ذلك؟ على وجهين) إذا قال المدعي لي بينة غائبة قال الحاكم لك يمينه فإن شئت فاستحلفه وإن شئت أخرته إلى أن تحضر بينتك وليس لك مطالبته بكفيل ولا ملازمته حتى تحضر البينة نص عليه أحمد وهو مذهب الشافعي لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " شاهداك أو يمينه ليس لك إلا ذلك " فإن أحلفه ثم حضرت بينته حكم بها ولم تكن اليمين مزيلة للحق لأن اليمين إنما يصار إليها عند عدم البينة فادا وجدت البينة بطلت اليمين وتبين كذبها، فإن قال لي بينة حاضرة وأريد يمينه ثم أقيم بينتي لم يملك ذلك في أحد الوجهين وفي الآخر له إحلافه وهو قول أبي يوسف كما لو كانت البينة غائبة ولنا قوله عليه الصلاة والسلام " شاهداك أو يمينه ليس لك إلا ذلك " وأو للتخيير بين شيئين فلا يكون الجمع بينهما لأنه أمكن فصل الخصومة بالبينة فلم يشرع غيرها معها مع إرادة المدعي إقامتها وحضورها كما لو يطلب يمينه ولأن اليمين بدل فلم يجب الجمع بينها وبين مبدلها كسائر الأبدال مع مبدلاتها وإن قال المدعي لا أريد إقامتها وإنما أريد يمينه اكتفي بها واستحلف لأن البينة حقه فإذا رضي بإسقاطها وترك إقامتها فله ذلك كنفس الحق فإن حلف المدعى عليه ثم أراد المدعي إقامة

مسألة وإن قال شاهدان نحن نشهد لك فقال هذان بينتي

بينة لم يملك ذلك في أحد الوجهين لأنه قد اسقط حقه من إقامتها ولأن تجويز إقامتها يفتح باب الحيلة لأنه يقول لا أريد إقامتها ليحلف خصمه ثم يقيمها (والثاني) له ذلك لأن البينة لا تبطل بالاستحلاف كما لو كانت غائبة فإن كان له شاهد واحد في المال عرفه الحاكم أن له أن يحلف مع شاهده ويستحق فإن قال لا أحلف أنا وأرضى بيمينه استحلف فإذا حلف سقط الحق عنه فإن عاد المدعي بعدها وقال أنا أحلف مع شاهدي لم يستحلف ولم يسمع منه ذكره القاضي وهو مذهب الشافعي لأن اليمين فعله وهو قادر عليها فأمكنه أن يسقطها بخلاف البينة وإن عاد قبل أن يحلف المدعي عليه فبذل اليمين لم يكن له ذلك في هذا المجلس وكل موضع قلنا يستحلف المدعى عليه فإن الحاكم يقول له أن حلفت وإلا جعلتك ناكلاً وقضيت عليك ثلاثاً فإن حلف وإلا حكم عليه بنكوله إذا سأله المدعي ذلك * (مسألة) * (فإن سكت عن جواب المدعي فلم يقر ولم ينكر حبسه الحاكم حتى يجيب ولا يجعله بذلك ناكلا) ذكره القاضي في المحرر وقال أبو الخطاب يقول له الحاكم إن أجبت وإلا جعلناك ناكلا وحكمت عليك ويكرر ذلك ثلاثا فإن أجاب وإلا جعله ناكلا وحكم عليه لأنه ناكل عما توجه الجواب فيه فيحكم عليه بالنكول عنه باليمين * (مسألة) * (وإن حلف المنكر ثم أحضر المدعي بينة حكم بها ولم تكن اليمين مزيلة للحق) وجملة ذلك أن المدعي إذا ذكر أن له بينة بعيدة ولا يمكنة إحضارها أو لا يريد إقامتها فطلب اليمين من المدعى عليه احلف له فإذا حلف ثم أحضر المدعي بينة حكم له وبهذا قال شريح والشعبي ومالك والثوري والليث والشافعي وابو حنيفة وأبو يوسف وإسحاق وحكي عن ابن أبي ليلى وداود

مسألة فإن سكت عن جواب المدعي فلم يقر ولم ينكر حبسه الحاكم حتى يجيب ولا يجعله بذلك ناكلا

أن بينته لا تسمع لأن اليمين حجة المدعى عليه فلا تسمع بعدها حجة المدعي كما لا تسمع يمين المدعى عليه بعد بينة المدعي ولنا قول عمر رضي الله عنه البينة الصادقة أحب إلي من اليمين الفاجرة، وظاهر هذه البينة الصدق ويلزم من صدقها فجوز اليمين المتقدمة فتكون أولى ولأن كل حالة يجب عليه الحق فيها بإقراره يجب عليه بالبينة كما قبل اليمين وما ذكراه لا يصح لأن البينة الأصل واليمين بدل عنها ولهذا لا تشرع إلا عند تعذرها والبدل يبطل بالقدرة على المبدل كبطلان التيمم بالقدرة على الماء ولا يبطل الأصل بالقدرة على البدل ويدل على الفرق بينهما أنهما حال اجتماعهما وإمكان سماعهما تسمع البينة ويحكم بها ولا تسمع اليمين ولا يسأل عنها (فصل) فإن طلب المدعي حبس المدعى عليه واقامة كقيل به إلى إقامة ببيته البعيدة لم يقبل منه ولم تكن له ملازمة خصمه نص عليه أحمد لأنه لم يثبت له قبله حق يحبس به ولا يقيم به كفيلاً ولأن الحبس عذاب فلا يلزم معصوماً لم يتوجه عليه حق ولو جاز ذلك لتمكن كل ظالم من حبس من شاء من الناس بغير حق وإن كانت ببيته قريبة فله ملازمته حتى يحضرها لأن ذلك من ضرورة إقامتها فإنه لو لم يتمكن من ملازمته لذهب من مجلس الحاكم ولا تمكن إقامتها إلا بحضرته ولأنه لما تمكن من إحضاره مجلس الحكم حتى يقيم فيه البينة تمكن من ملازمته فيه حتى تحضر البينة ويفارق البينة البعيدة ومن لا يمكن حضورها فإن إلزامه الإقامة إلى حين حضورها يحتاج إلى حبس أو ما يقوم مقامه ولا سبيل إليه (فصل) ولو أقام المدعي شاهداً واحداً ولم يحلف معه وطلب يمين المدعي عليه احلف له ثم أن أحضر شاهداً آخر بعد ذلك كملت بينته وقضي بها لما ذكرنا في التي قبلها والله أعلم

* (مسألة) * (وإن قال لي مخرج مما ادعاه لم يكن مجيباً) لأن الجواب أحد أمرين إقرار أو إنكار وليس هذا واحداً منهما * (مسألة) * (وإن قال لي حساب أريد أن أنظر فيه لم يلزم المدعي إنظاره) لأن حق الجواب يثبت له حالا فلم يلزمه أنظاره كما لو ثبت عليه الدين وذكر شيخنا في كتاب الكافي أنه ينظر ثلاثا ولا يهمل أكثر منها لأنه كثير وهو الصحيح إن شاء الله تعالى لأنه يحتاج إلى ذلك لمعرفة قدر دينه أو يعلم أهل عليه شئ اولا والثلاث مدة يسيرة * (مسألة) * (وإن قال قضيته أو ابرأني ولي ببينة بالقضاء أو الإبراء وسأل الأنظار أنظر ثلاثا) لأنها قريبة وللمدعي ملازمته لئلا يهرب أو يتغيب ولا يؤخر الحق عن المدة التي انظر فيها فإن عجز عن إقامة البينة حلف المدعي على نفي ما ادعاه واستحق لأنه يصير منكراً واليمين على المنكر (فصل) فإن شهدت البينة للمدعي فقال المدعى عليه احلفوه أنه يستحق ما شهدت به البينة لم يحلف لأن في ذلك طعنا على البينة * (مسألة) * (وإن ادعى عليه عيناً في يده فاقربها لغيره جعل الخصم فيها وهل يحلف المدعى عليه على وجهين فإن كان المقر له حاضراً مكلفاً سئل فإن ادعاها لنفسه ولم تكن بينة وأخذها وإن أقر بها للمدعي سلمت إليه وإن قال ليست لي ولا أعلم لمن هي؟ سلمت إلى المدعي في أحد الوجهين في الآخر لا تسلم إليه إلا ببينة ويجعلها الحاكم عند أمين، وإن أقر بها لغائب أو صبي أو مجنون سقطت عنه الدعوى، ثم إن كان للمدعي بينة سلمت إليه وهل يحلف؟ على وجهين وإن لم تكن له بينة حلف المدعى عليه أنه لا يلزمه

مسألة وإن قال لي حساب أريد أن أنظر فيه لم يلزم المدعي إنظاره

تسليمها إليه وأقرت في يده إلا أن يقيم بينة أنها لمن سمى فلا يحلف وجملة ذلك أن الإنسان إذا ادعى داراً في يد غيره فقال الذي هي في يده ليست لي إنما هي لفلان وكان المقر بها له حاضراً سئل عن ذلك فإن صدقه صار الخصم فيها وكان صاحب اليد لأن من هي في يده اعترف أن يده بائنة عن يده وإقرار الإنسان بما في يده إقرار صحيح فيصير خصماً للمدعي فإن كانت للمدعي بينة حكم له بها، وإن لم تكن له بينة فالقول قول المدعى عليه مع يمينه، وإن قال المدعي احلفوا المقر الذي كانت العين في يده أنه لا يعلم أنها لي فعليه اليمين لأنه لو أقر بها لزم الغرم كما لو قال هذه العين لزيد ثم قال هي لعمرو فانها تدفع إلى زيد ويغرم قيمتها لعمرو ومن لزمه الغرم مع الإقرار لزمته اليمين مع الإنكار، وفيه وجه أنه لا يحلف لأنه أقام المقر له مقام نفسه فيقوم مقامه في اليمين وتجزئ اليمين عنهما فإن رد المقر له الإقرار فقال ليست لي وإنما هي للمدعي حكم له بها، وإن لم تكن له بينة ففيه وجهان (أحدهما) تدفع إلى المدعي لأنه يدعيها ولا منازع له فيها ولأن من هي في يده لو ادعاها ثم نكل قضينا له بها فمع عدم ادعائه لها أولى (والثاني) لا تدفع اليه لأنه لم يثبت لها مستحق لأن المدعي لا يد له ولا بينة وصاحب اليد معترف أنها ليست له فيأخذها الإمام فيحفظها لصاحبها وهذا الوجه الذي ذكره القاضي والأول أصح لما ذكرنا من دليله ولأصحاب الشافعي وجهان كهذين ووجه ثالث أن المدعي يحلف أنها له وتسلم إليه ويتخرج لنا مثله

بناء على القول برد اليمين إذا نكل المدعى عليه وإن قال المقر له هي لثالث انتقلت الخصومة اليه وصار بمنزلة صاحب اليد لأنه أقر له بها من له اليد حكما * (مسألة) * (وإن أقر بها الغائب أو لغير مكلف معين كالصبي والمجنون صارت الدعوى عليه فإن لم تكن للمدعي بينة لم يقض له بها) لأن الحاضر يعترف أنها ليست له، ولا يقضى على الغائب بمجرد الدعوى ويقف الأمر حتى يقدم الغائب ويصير غير المكلف مكلفاً وتكون الخصومة معه، فإن قال المدعي احلفو الى المدعى عليه أحلفناه لما تقدم، وإن أقر بها للمدعي لم تسلم اليه لأنه اعترف أنها لغيره ويلزمه أن يغرم له قيمتها لأنه فوتها عليه بإقراره بها لغيره، وإن كان مع المدعي بينة سمعها الحاكم وقضى بها وكان الغائب على خصومته متى خطر له أن يقدح في بينة المدعي وإن يقيم بينة تشهد بانتقال الملك اليه من المدعي، وإن أقام بينة أنها ملكه فهل يقضي به؟ على وجهين بناء على تقديم بينة الداخل والخارج فإن قلنا تقدم بينة الخارج فأقام الغائب بينة تشهد له بالملك والنتاج أو لسبب من أسباب الملك فهل تسمع بينته ويقضي بها؟ على وجهين فإن كان مع المقر بينة تشهد بها للغائب سمعها الحاكم ولم يقض بها لأن البينة للغائب والغائب لم يدعها هو ولا وكيله وإنما سمعها الحاكم لما فيها من الفائدة وهو زوال التهمة عن الحاضر وسقوط اليمين عنه إذا ادعى عليه أنك تعلم أنها لي ويتخرج أن يقضى بها إذا قلنا بتقديم بينة الداخل وان للمودع المحاكمة في الوديعة اذا غصبت لانها بينة مسموعة فيقضى بها كبينة المدعي اذا لم تعارضها بينة أخرى فإن ادعى من هي في يده أنها معه بإجارة أو عارية وأقام بينة بالملك للغائب لم يقض بها لوجهين (أحدهما) أن ثبوت الإجارة والعارية يترتب على ثبوت الملك للمؤجر ولا يمكن ثبوت الملك

مسألة وإن أقر بها الغائب أو لغير مكلف معين كالصبي والمجنون صارت الدعوى عليه فإن لم تكن للمدعي بينة لم

للمؤجر بهذه البينة فلا تثبت الإجارة المترتبة عليها (والثاني) أن بينة الخارج مرتبة على بينة الداخل ويتخرج القضاء بها على تقديم بينة الداخل وكون الحاضر له فيها حق ومتى عاد المقر بها لغيره فأعادها لنفسه لم تسمع دعواه لأنه أقر بأنه لا يملكها فلا يسمع منه الرجوع عن إقراره والحكم في غير المكلف كالحكم في الغائب على ما ذكرناه. * (مسألة) * (وإن أقر بها لمجهول قيل له إما إن تعرفه وإما أن نجعلك ناكلا وقضينا عليك فإن أصر قضي عليه بالنكول) . لأنه لا تمكن الدعوى على مجهول فيضيع الحق بإقراره هذا فيجب ان لا يقبل كما لو يسكت. * (فصل) * قال رحمه الله (ولا تصح الدعوى إلا محررة تحريراً يعلم به المدعي إلا في الوصية والإقرار فإنه يصح بالمجهول) أما في غير ذلك فلا يصح لأن الحاكم يسأل المدعى عليه عما ادعاه المدعي فإن اعترف به لزمه ولا يمكن أن يلزمه مجهولا ويفارق الاقرار فإن الحق عليه فلا يسقط بتركه اثباته وإنما صحت الدعوى في الوصية مجهولة فإنها تصح مجهولة فإنه لو وصى له بشئ أو سهم صح فلا يمكنه أن يدعيها إلا مجهولة كما يثبت وكذلك الاقرار لما صح أن يقر بمجهول صح لخصمه ان يدعى عليه أنه أقر له بمجهول. إذا ثبت هذا فإن كان المدعى أثمانا فلابد من ذكر ثلاثة أشياء الجنس والنوع والقدر فيقول عشرة دنانير مصرية وإن اختلفت بالصحاح والمكسرة. * (مسألة) * (فإن كان المدعى عيناً حاضرة عينها بالإشارة لأنها تعلم بذلك وإن كانت غائبة ذكر صفاتها إن كانت تنضبط بها وإلا ذكر قيمتها) لإنها لا تتميز ولا تصير معلومة إلا بذلك فإن تعذر ذلك رجعنا إلى القيمة كما لو تلفت العين.

مسألة وإن أقر بها لمجهول قيل له إما إن تعرفه وإما أن نجعلك ناكلا وقضينا عليك فإن أصر قضي عليه بالنكول

* (مسألة) * (وإن كانت تالفة من ذوات الأمثال ذكر قدرها وجنسها وصفتها) . لأن المثل واجب في ذوات الأمثال فوجبت فيه هذه الصفات لأنه لا يتحقق المثل بدونها وإن ذكر قيمتها كان أولى لأنه أحصر، وإن كان مما لا مثل له كالنبات والحيوان ذكر قيمته لأنها تجب بتلفه وكذلك إن كان جوهراً تعين ذكر قيمته لأنها تجب بتلفه لأنها لا تنضبط إلا بذلك فإن كان المدعى دارا فلابد من بيان موضعها وحدودها فيدعي إن هذا بحدودها وحقوقها لي وأنها في يده ظلماً وأنا أطالبه بردها وإن ادعى عليه أن هذه الدار لي وأنه يمنعني منها صحت الدعوى وإن لم يقل أنها في يده لأنه يجوز أن ينازعه ويمنعه وإن لم تكن في يده وإن ادعى جراحة فيها أرش معلومة كالموضحة من الحر لم يحتج إلى ذكر أرشها لأنه معلوم وان كانت من عبد أو كانت من حر لا مقدر فيها فلابد من ذكر أرشها وإن ادعى على ابيه ديناً لم تسمع الدعوى حتى يدعي أن أباه مات وترك في يده مالا لأن الولد لا يلزمه قضاء دين والده ما لم يكن كذلك ويحتاج أن يذكر تركة أبيه ويحررها ويذكر قدرها كما يصنع في قدر الدين هكذا ذكره القاضي، قال شيخنا والصحيح أنه يحتاج إلى ذكر ثلاثة أشياء قدر دينه وموت أبيه وأنه وصل إليه من تركة أبيه ما فيه وفاء لدينه إن قال ما فيه وفاء لبعض دينه احتاج أن يذكر ذلك القدر والقول قول المدعي عليه في نفي تركة الأب مع يمينه وكذلك أن أنكر موت أبيه ويكفيه أن يحلف على نفي العلم لأنه على نفي فعل الغير وقد يموت ولا يعلم به ابنه، ويكفيه أن يحلف أنه ما وصل إليه من تركة أبيه شئ ولا يلزمه أن يحلف أن أباه لم يخلف شيئاً لأنه قد يخلف تركة لا تصل إليه فلا يلزمه الايفاء منه.

مسألة وإن كانت تالفة من ذوات الأمثال ذكر قدرها وجنسها وصفتها

* (مسألة) * (وإن ادعى نكاحا فلابد من ذكر المرأة بعينها إن حضرت وإلا ذكر اسمها ونسبها وذكر شروط النكاح وأنه تزوجها بولي مرشد وشاهدي عدل ورضاها في الصحيح من المذهب إن كانت ممن يعتبر رضاها) . وهذا منصوص الشافعي وقال أبو حنيفة ومالك لا يحتاج إلى ذكر شرائطه لأنه نوع ملك فأشبه ملك العبد إلا أنه لا يحتاج أن يقول وليست معتدة ولا مرتدة. ولنا أن الناس اختلفوا في شرائط النكاح فمنهم من يشترط الولي والشهود ومنهم من لا يشترط إذن البكر البالغ لأبيها في تزويجها ومنهم من يشترطه وقد يدعي نكاحاً يعتقده صحيحاً والحاكم لا يرى صحته ولا ينبغي أن يحكم بصحته مع جهله بها ولا يعلمها ما لم يذكر الشروط وتقوم البينة بها ويفارق المال فإن أسبابه لا تنحصر وقد يخفى على المدعي سبب ثبوت حقه والعقود تكثر شروطها ولذلك اشترطنا لصحة البيع شروطاً سبعة فربما لا يحسن المدعي عددها ولا يعرفها والأموال مما يتساهل فيها ولذلك افترقا في اشتراط الولي والشهود في عقوده فافترقا في الدعوى وأما الردة والعدة فالأصل عدمهما ولا يختلف الناس فيه ولا تخ؟ لف به الأغراض فإن كانت المرأة أمة والزوج حراً فقياس ما ذكرناه أنه يحتاج إلى عدم الطول وخوف العنت لأنهما من شرائط صحة نكاحهما فأما ان ادعى استدامة الزوجية ولم يدع العقد لم يحتج إلى ذكر شروطه في أحد الوجهين لأنه يثبت بالإستفاضة ولو اشترط ذكر الشروط لاشترطت الشهادة به ولا يلزم ذلك في شهادة الاستفاضة وفي الثاني يحتاج إلى ذكر الشروط لأنه دعوى نكاح أشبه دعوى العقد.

مسألة وإن ادعى نكاحا فلا بد من ذكر المرأة بعينها إن حضرت وإلا ذكر اسمها ونسبها وذكر شرروط النكاح

* (مسألة) * (وإذا ادعى بيعاً أو عقداً سواه فهل يشترط ذكر شروطه؟ يحتمل وجهين) أما سائر العقود من البيع والإجارة والصلح وغيرها فلا يفتقر إلى الكشف وذكر الشروط في أصح الوجهين لأنه لا يحتاط لها ولا يفتقر إلى الولي والشهود فلم يفتقر إلى الكشف كدعوى العين وسواء كان المبيع حارية أو غيرها لأنها مبيع فأشبهت العبد وكذلك إذا كان المدعى عبداً أو ديناً لم يحتج إلى ذكر السبب لأن أسباب ذلك تكثر ولا تنحصر وربما خفي على المستحق سبب استحقاقه فلا يكلف بيانه ويكفيه أن يقول استحق هذه العين التي في يده وأستحق كذا وكذا في ذمته ويقول في البيع إني اشتريت هذه الجارية بألف درهم أو بعتها منه بذلك ولا يحتاج أن يقول وهي ملكه أو وهي ملكي ونحن جائز الأمر وتفرقنا عن تراض، وذكر أبو الخطاب في العقود وجهاً آخر أنه يشترط ذكر شروطها قياساً على النكاح وذكر أصحاب الشافعي هذين الوجهين ووجهاً ثالثاً إن كان المبيع جارية اشترط ذكر شروط البيع لأنه عقد يستباح به الوطئ أشبه النكاح، وإن كان المبيع غيرهما لم يشترط لعدم ذلك والأول أولى لأنها دعوى فيما لا يشترط فيه الولي والشهود أشبه دعوى العين وما لزم ذكره في الدعوى فلم يذكر سأله الحاكم عنه لتصير الدعوى معلومة فيمكن الحاكم الحكم بها. * (مسألة) * (وإن ادعت المرأة نكاحاً على رجل وادعت معها نفقة أو مهراً سمعت دعواها وإن لم تدع سوى النكاح فهل تسمع دعواها؟ على وجهين) إذا ذكرت المرأة مع دعوى الزوجية حقاً من حقوق النكاح كالمهر والنفقة ونحوها فإن دعواها تسمع بغير خلاف نعلمه لأنها تدعي حقا لها تضيفه إلى سببه فتسمع دعواها كما لو ادعت اضافته إلى الشراء

مسألة وإذا ادعى بيعا أو عقدا سواه فهل يشترط ذكر شروطه يحتمل وجهين

وإن افردت دعوى النكاح فقال القاضي تسمع دعواها أيضاً لأنه سبب لحقوق لها فتسمع دعواها كالبيع وقال أبو الخطاب فيه وجه آخر أنه لا تسمع دعواها لأن النكاح حق للزوج عليها فلا تسمع دعواها حقاً لغيرها وإن قلنا بالأول سئل الزوج فإن أنكر ولم تكن بينة فالقول قوله بغير يمين لأنه إذا لم تستحلف المرأة والحق عليها فلألا لا يستحلف من الحق له وهو ينكره أولى ويحتمل أن يستحلف لأن دعواها إنما سمعت لتضمنها دعوى حقوق مالية تشرع فيها اليمين وإن أقامت البينة بالنكاح ثبت لها ما تضمنه النكاح من حقوقها وأما إباحتها فتبنى على باطن الأمر فإن علم أنها امرأته حلت له لأن إنكاره النكاح ليس بطلاق ولا نوى به الطلاق وإن علم أنها ليست امرأته إما العدم العقد أو لبينونتها لم تحل له وهل يمكن منها في الظاهر؟ يحتمل وجهين (احدهما) يمكن منها لأن الحاكم قد حكم بالزوجية (والثاني) لا يمكن منها لإقراره على نفسه بتحريمها عليه فيقبل قوله في حق نفسه دون ما عليه كما لو تزوج امرأة ثم قال هي أختي من الرضاعة فإذا ثبت هذا فإن دعواها النكاح كدعوى الزوج فيما ذكرناه من الكشف عن سبب النكاح وشرائط العقد ومذهب الشافعي قريب مما ذكرنا في هذا الفصل * (مسألة) * (وإن ادعى قتل موروثه ذكر القاتل وأنه انفرد به أو شاركه فيه غيره وأنه قتله عمداً أو خطأ أو شبه عمد ويصفه) ويذكر صفة العمد لأنه قد يعتقد ما ليس بعد عمداً فلا يؤمن أن يقتص ممن لا يجب له القصاص عليه وهو مما لا يمكن تلافيه فوجب الاحتياط فيه

مسألة وإن ادعى قتل موروثه ذكر القاتل وأنه انفرد به أو شاركه فيه غيره وأنه قتله عمدا أو خطأ أو شبه عمد

* (مسألة) * (وإن ادعى الإرث ذكر سببه) لأن أسبابه تختلف ولابد في الشهادة من ان تكون على سبب معين فكذلك في الدعوى * (مسألة) * (وإن ادعى سيفاً محلى يذهب قومه بغير جنس حليته وإن كان محلى يذهب وفضة قومه بما شاء منهما للحاجة) * (فل) * قال الشيخ رحمه الله (وتعتبر في البينة العدالة ظاهراً وبالنا في اختيار الخرقي والقاضي وعنه نقبل شهادة كل مسلم لم يظهر منه ريبة اختارها أبو بكر فإن جهل إسلامه رجع إلى قوله والمذهب الأول) وجملة ذلك أن الحاكم إذا شهد عنده شاهدان فإن عرف عدالتهما حكم بشهادتهما وإن عرف فسقهما لم يقبل قولهما وإن لم يعرف حالهما سأل عنهما لأن معرفة العدالة شرط في جميع الحقوق وبهذا قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد وعن أحمد رواية أخرى يحكم بشهادتهما إذا عرف إسلامهما بظاهر الحال إلا أن يقول الخصم هما فاسقان وهذا قول الحسن والمال والحد في ذلك سواء لأن الظاهر من المسلمين العدالة ولهذا قال عمر رضي الله عنه المسلمون عدول بعضهم على بعض وروي أن أعرابياً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فشهد برؤية الهلال فقال النبي صلى الله عليه وسلم " أتشهد أن لا إله إلا الله؟ " قال نعم فصام وأمر الناس بالصيام، ولأن العدالة أمر خفي سببها الخوف من الله عزوجل ودليل ذلك الإسلام فإذا وجد فليكتف به ما لم يقم على طلاقه دليل وقال أبو حنيفة في الحدود والقصاص كالرواية الأولى وفي سائر الحقوق كالثانية لأن الحدود والقصاص مما يحتاط لهما وتندرئ بالشبهات بخلاف غيرها

مسألة وإن ادعى سيفا محلى بذهب قومه بغير جنس حليته وإن كان محلى بذهب وفضة قومه بما شاء منهما

ولنا أن العدالة شرط فوجب العلم بها كالاسلام وكما لو طعن الخصم فيهما فأما الإعرابي المسلم فإنه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ثبتت عدالتهم بثناء الله تعالى عليهم فإن من ترك دينه في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم إيثار الدين الإسلام وصحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثبتت عدالته وأما قول عمر فالمراد به الظاهر العدالة ولا يمنع ذلك وجوب البحث ومعرفة حقيقة العدالة فقد روي عنه أنه أتي بشاهدين فقال لست أعرفكما ولا يضركما إن لم أعرفكما جيئا بمن يعرفكما فأتيا برجل فقال له عمر تعرفهما؟ فقال نعم فقال عمر صحبتهما في السفر الذي تبين فيه جواهر الناس؟ قال لا قال عاملتهما في الدراهم والدنانير التي تقطع فيها الرحم؟ قال لا قال كنت جاراً لهما تعرف صباحهما ومساءهما؟ قال لا قال يا ابن أخي لست تعرفهما جيئا بمن يعرفكما وهذا بحث يدل على أنه لا يكتفي بدونه. إذا ثبت هذا فإن الشاهد يعتبر فيه أربعة شروط الإسلام والبلوغ والعقل والعدالة وليس فيها ما يحفى ويحتاج إلى البحث إلا العدالة فيحتاج إلى البحث عنها لقول الله تعالى (ممن ترضون من الشهداء) ولا يعلم أنه مرضي حتى يعرفه أو يخبر عنه فيأمر الحاكم بكتب اسمائهم وكناهم ونسبهم ويرفع فيها ما يتميزون به عن غيرهم ويكتب صنائعهم ومعائشهم وموضع مساكنهم وصلاتهم ليسأل عنهم جيرانهم وأهل سوقهم ومسجدهم ومحلتهم ويحكيهم فيكتب اسودا وأبيض أو انزع أو أغم أو أشهل أو أكحل أقنى الأنف أو أفطس رقيق الشفتين أو غليظهما طويل أو قصير أو ربعة ونحو هذا التمييز ولا يقع اسم على اسم ويكتب اسم المشهود له وقدر الحق ويكتب ذلك كله لأصحاب مسائله لكل واحد رقعة وإنما ذكرنا المشهود له لئلا يكون بينة وبين الشاهد عدواة وذكرنا قدر الحق لأنه ربما كان ممن يرون قبوله في اليسير دون الكثير فتطيب نفس المزكي به إذا كان يسيراً ولا تطيب إذا كان كثيراً

وينبغي للقاضي أن يخفي عن كل واد من أصحاب مسائلة ما يعطي الآخر من الرقاع لئلا يتواطئوا، وإن شاء الحاكم عين لصاحب مسائله من يسأله ممن يعرفه من جيران الشاهد وأهل الخبرة به وإن شاء أطلق ولم يعين المسئول ويكون السؤال سراً لئلا يكون فيه هتك المسئول عنه وربما يخاف المسؤل من الشاهد والمشهود له والمشهود عليه أن يخبر بما عنده أو يستحي وينبغي أن يكون أصحاب مسائله غير معروفين لئلا يقصدوا بهدية أو رشوة وأن يكونوا أصحاب عفاف في الطعمة والأنفس ذوي عقول وافرة ايرياء من الشحناء والبغضة لئلا يطعنوا في الشهود ويسألوا عن الشاهد عدوه فيطعن فيه فيضيع حق المشهود له ولا يكونوا من أهل الأهواء والعصبية يميلون إلى من وافقهم على من خالفهم ويكونون أمناء ثقات لأن هذا موضع أمانة وإذا رجع أصحاب مسائله فأخبر اثنان بالعدالة قبلت شهادته وإن أخبر بالجرح رد شهادته وإن أخبر أحدهما بالجرح والآخر بالتعديل بعث آخرين فإن عادا فأخبرا با التعديل تمت بينة التعديل وسقط الجرح لأن بينته لم تتم وإن أخبرا بالجرح ثبت ورد الشهادة وإن أخبر أحدهما بالجرح والآخر بالتعديل لم تتم البينتان ويقدم الجرح ولا يقبل الجرح والتعديل إلا من اثنين ويقبل قول أصحاب المسائل وقيل لا تقبل شهادة المسؤولين ويكلف اثنين منهم أن يشهدوا بالتزكية والجرح عنده على شرط الشهادة واللفظ وغيره ولا يقبل من صاحب المسألة لأن ذلك شهادة على شهادة مع حضور شهود الأصل ووجه القول الأول إن شهادة أصحاب المسائل شهادة استفاضة لا شهادة على شهادة فيكتفى بمن يشهد بها كسائر شهادات الاستفاضة ولأنه موضع حاجة فإنه لا يلزم المزكي الحضور للتزكية وليس للحاكم إجباره عليها فصار كالمرض والغيبة في سائر الشهادات ولأننا لو لم نكتف بشهادة أصحاب المسائل لتعذرت التزكية لأنه قد لا يكون في جيران الشاهد من يعرفه للحاكم فلا يعرفه الحاكم فيفوت الجرح والتعديل (فصل) ولا بد للحاكم من معرفة إسلام الشاهد قاله القاضي ويحصل ذلك بأحد أمور أربعة

(أحدها) إخباره عن نفسه أنه مسلم وإتيانه بكلمة الإسلام وهي شهادة ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله لأنه لو لم يكن مسلماً صار بذلك مسلماً (الثاني) إعتراف المشهود عليه بإسلامه لأنه حق عليه (الثالث) خبرة الحاكم لإننا اكتفينا بذلك في عدالته فكذلك في إسلامه (الرابع) أن تقوم به بينة ولا بد من معرفة الحرية في موضع تعتبر فيه ويكفي في ذلك أحد أمور ثلاثة البينة أو إعتراف المشهود عليه أو خبرة الحاكم ولا يكفي إعتراف الشاهد لأنه لا يملك أن يصير حراً فلا يملك الإقرار به (فصل) إذا شهد عند الحاكم مجهول الحال فقال المشهود عليه هو عدل ففيه وجهان (احداهما) يلزم الحاكم بشهادتة لأن البحث عن عدالته لحق المشهود عليه وقد إعترف بها ولأنه إذا أقر بعدالته فقد أقر بما يوجب الحكم لخصمه عليه فيؤخذ اقراره كسائر أقاريره (والثاني) لا يجوز الحكم بشهادته لأن الحكم بها تعديل فلا يثبت بقول واحد ولأن اعتبار العدالة في الشاهد حق لله تعالى ولهذا لو رضي الخصم بأن يحكم عيه بقول فاسق لم يجز الحكم به لأنه لا يخلوا أما أن يحكم عليه مع تعديله أو مع انتفائه، لا يجوز أن يقال مع تعديله لأن التعديل لا يثبت بقول الواحد ولا يجوز مع انتفاء تعديله لأن الحكم بشهادة غير العدل لا يجوز بدليل شهادة من ظهر فسقه ومذهب الشافعي مثل هذا فإن قلنا بالأول فلا يثبت تعديله في غير المشهد عليه لأنه لم يوجد منه التعديل وإنما حكم عليه لإقراره بوجود شرط الحكم، وإقراره يثبت في حقه دون غيره * (مسألة) * (وإن علم الحاكم عدالتهما عمل بعلمه وحكم بشهادتهما) لا نعلم فيه خلافاً وإذا عرف عدالة الشهود قال للمشهود قد شهدا عليك فإن كان عندك ما يقدح

مسألة وإن علم الحاكم عدالتهما عمل بعلمه وحكم بشهادتهما

في شهادتهم فبينه عندي فإن لم يقدح في شهادتهم حكم عليه لأن الحق قد صح على وجه لا إشكال فيه * (مسألة) * (إلا أن يرتاب بهما فيفرقهما ويسأل كل واحد منهما كيف تحملت الشهادة؟ ومتى؟ وفي أي موضع؟ وهل كنت وحدك أو أنت وصاحبك؟ فإن اختلفا لم يحكم بشهادتهما وإن اتفقا وعظهما وخوفهما فإن ثبتا حكم بها إذا سأله المدعي) وجملة ذلك أن الحاكم إذا ارتاب بشهادة الشهود احتاج إلى البحث عنهم لقول الله تعالى (ممن ترضون من الشهداء) ولا نعلم أنه مرضي حتى نعرفه أو نخبر عنه فيفرقهما ليظهر له حالهما فيفرقهم ويسأل كل واحد عن شهادته وصفتها فيقول كنت أول من شهد أو كتب أو لم يكتب وفي أي مكان شهدت؟ وفي أي شهر؟ وأي يوم؟ وهل كنت وحدك أو مع غيرك؟ فإن اختلفوا سقطت شهادتهم لأنه قد ظهر له ما يمنع قبولها ويقال أول من فعل هذا دانيال وقيل سليمان عليهما السلام وهو صغير وروي عن علي رضي الله عنه أن سبعة نفر خرجوا فقد واحد منهم فأتت زوجته علياً تدعي على الستة فسألهم علي فأنكروا وفرقهم وأقام كل واحد منهم عند سارية ووكل به من يحفظه فدعا واحداً منهم فسأله فأنكر فقال الله أكبر فظن الباقون أنه قد اعترف فدعاهم فاعترفوا فقال للأول قد شهدوا عليك وأنا قاتلك فاعترف فقلتهم * (مسألة) * (وإن اتفقوا وعظهم وخوفهم كما روي عن شريح أنه كان يقول للشاهدين إذا حضرا يا هذان ألا تريان؟ إني لم أدعكما ولست أمنعكما إن ترجعا وإنما يقضي على هذا أنتما وأنا متق بكما فاتقيا وفي لفظ فإني بكما أقضي وبكما أتقي يوم القيامة)

مسألة إلا أن يرتاب بهما فيفرقهما ويسأل كل واحد منهما كيف تحملت الشهادة؟ ومتى؟ وفي أي موضع؟

وروى أبو حنيفة قال كنت عند محارب بن دثار وهو قاضي الكوفة فجاء رجل فادعى على رجل حقا فأنكره فأحضر المدعي شاهدين فشهدا له فقال المشهود عليه والذي تقوم به السماء والأرض لقد كذبا علي في الشهادة وكان محارب بن دثار متكئاً فاستوى جالساً وقال سمعت ابن عمر يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إن الطير لتخفق بأجنحتها وترمي ما في حواصلها من هول يوم القيامة وإن شاهد الزور لا تزول قدماه حتى يتبوأ مقعده من النار " فإن صدقتما فاثبتا وإن كذبتما فغطيا رؤوسكما وانصرفا * (فصل) * قال رحمه الله (ينبغي للقاضي أن يسأل عن شهوده كل قليل لأن الرجل ينتقل من حال إلى حال وهل هذا مستحب أو واجب؟ فيه وجهان) (أحدهما) مستحب لأن الأصل بقاء ما كان فلا يزول حتى يثبت الجرح (والثاني) يجب البحث كلما مضت مدة يتغير الحال فيها لأن العيب يحدث وذلك على ما يراه الحاكم، ولأصحاب الشافعي وجهان مثل هذين * (مسألة) * (وليس للحاكم أن يرتب شهودا لا يقبل غيرهم) لأن الله تعالى قال (وأشهدوا ذوي عدل منكم) ولأن فيه اضراراً بالناس وتضيبقا عليهم لأن كثيراً من الوقائع التي يحتاج إلى البينة فيها تقع عند غير المرتبين فمتى ادعى إنسان شهادة غير المرتبين وجب على الحاكم سماع بينته والنظر في عدالة شاهديه ولا يجوز ردهما بكونهما من غير المرتبين

مسألة وليس للحاكم أن يرتب شهودا لا يقبل غيرهم

لأن ذلك يخالف الكتاب والسنة والإجماع لكن له أن يرتب شهود اشهدهم الناس فيستغنون بإشهادهم عن تعديلهم ويستغني الحاكم عن الكشف عن أحوالهم فيكون فيه تخفيف من وجه ويكونون أيضاً يزكون من عرفوا عدالته من غيرهم إذا شهد * (مسألة) * (فإن ثبتا حكم بشهادتهما لأن الظاهر صدقهما ولا يحكم حتى يسأله المدعي لان الحق وقد ذكرناه) (فصل) إذا اتصلت به الحادثة واستنارت به الحجة لأحد الخصمين حكم إذا سأله لما بينا وإن كان فيها لبس أمرهما بالصلح فإن أبيا أخرهما إلى البيان فان عجلها قبل البيان لم يصح حكمه، وممن رأى الإصلاح بين الخصوم شريح وعبد الله بن عتبة وأبو حنيفة والشعبي والعنبري وروي عن عمر أنه قال ردوا الخصوم حتى يصطلحوا فان فصل القضاء يحدث بين القوم الضغئن قال أبو عبيد إنما يسعه الصلح في الأمور المشكلة، أما إذا استنارت الحجة لأحد الخصمين وتبين له موضع الظلم فليس له أن يحمله على الصلح ونحوه قول عطاء واستحسنه ابن المنذر، وروي عن شريح أنه ما أصلح بين متحاكمين إلا مرة واحدة (فصل) وإذا حدثت حادثة نظر في كتاب الله وإلا نظر في سنة رسول الله فإن لم يجدها نظر في القياس فألحقها بأشبه الأشياء بها لما روى عمرو بن الحارث بن أخي المغيرة بن شعبة عن رجل من أصحاب معاذ من أهل حمص عن معاذ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ حين بعثه إلى اليمن " بم تحكم؟ - قال بكتاب الله قال - فإن لم تجد - قال بسنة رسول الله قال - فإن لم تجد؟ - قال أجتهد رأيي ولا آلو قال - الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم لما يرضي رسول الله " فإن قيل عمرو بن

مسألة فإن ثبتا حكم بشهادتهما لأن الظاهر صدقهما ولا يحكم حتى يسأله المدعي لأن الحق له وقد ذكرناه

أخي المغيرة والرجال مجهولون قلنا قد رواه عبادة بن نسي عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ ثم أنه حديث مشهور في كتب أهل العلم رواه سعيد بن منصور والإمام أحمد وغيرهما وتلقاه العلماء بالقبول وجاء عن الصحابة من قولهم ما يوافقه فروى سعيد أن عمر قال لشريح انظر ما تبين لك في كتاب الله فاتبع فيه السنة وما لم يتبين ذلك في السنة فاجتهد فيه رأيك وعن ابن مسعود مثل ذلك * (مسألة) * (وإن جرحهما المشهود عليه كلف البينة بالجرح فإن سأل الانظار وانظر ثلاثاً ليجرحهما) لما روي عن علي رضي الله عنه أنه قال في كتابه إلى أبي موسى: واجعل لمن ادعى حقاً غائباً أمداً ينتهي إليه، فإن أحضر بينة أخذت له حقه وإلا استحللت القضية عليه فإنه انفى للشك وأجلى للعمى * (مسألة) * وللمدعي ملازمته إلا أن يقيم بينة بالجرح) لأن الحق قد ثبت في الظاهر فإذا لم يقم بينة بالجرح حكم عليه لظهور الحق * (مسألة) * (ولا يسمع الجرح إلا مفسراً بما يقدح في العدالة ويعتبر فيه اللفظ فيقول أشهد أني رأيته يشرب الخمر أو سمعته يقذف أو رأيته يظلم الناس بأخذ أموالهم أو ضربهم أو يعامل بالربا أو يعلم ذلك بالاستفاضة في الناس ولا بد من ذكر السبب وتعيينه) وبهذا قال الشافعي وسوار وعنه يكفي أن يشهد أنه فاسق وليس بعدل وبه قال أبو حنيفة لأن التعديل يسمع مطلقاً وكذلك الجرح لأن التصريح بالسبب يجعل الجارح فاسقاً يوجب عليه الحد في بعض الحالات وهو أن يشهد عليه بالزنا فيفضي الجرح إلى جرح الجارح وتبطل شهادته ولا يتجرح بها المجروح

مسألة ولا يسمع الجرح إلا مفسرا بما يقدح في العدالة ويعتبر فيه اللفظ فيقول أشهد أني رأيته يشرب الخمر

ولنا أن الناس يختلفون في أسباب الجرح كاختلافهم في شارب يسير النبيذ فوجب أن لا يقبل بمجرد الجرح لئلا يجرحه بما لا يراه القاضي جرحاً ولأن الجرح ينقل عن الأصل فإن الأصل في المسلمين العدالة والجرح ينقل عنها فلا بد أن يعرف الناقل لئلا يعتقد نقله بما لا يراه الحاكم ناقلا وقولهم إنه يفضي إلى جرح الجارح وإيجاب الحد عليه قلنا ليس كذلك لأنه يمكنه التعريض من غير تصريح فإن قيل ففي بيان السبب هتك المجروح قنا لا بد من هتكه فإن الشهادة عليه بالفسق هتك ولكن جاز ذلك للحاجة الداعية إليه كما جازت الشهادة عليه به لإقامة الحد عليه بل ههنا أولى فإن فيه دفع الظلم عن المشهود عليه وهو حق آدمي فكان أولى بالجواز لأن هتك عرضه بسببه لأنه تعرض للشهادة مع ارتكابه ما يوجب جرحه فكان هو الهاتك لنفسه إذ كان فعله المحوج للناس إلى جرحه فإن صرح الجارح بقذفه بالزنا فعليه الحد إن لم يأت بتمام أربعة شهداء وبه قال أبو حنيفة وقال الشافعي لا حد عليه إذا كان بلفظ الشهادة لأنه لم يقصد إدخال المعرة عليه ولنا قول الله سبحانه (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة) ولأن أبا بكرة ورفيقه شهدوا على المعيرة بالزنا ولم يكمل زياد شهادته فجلدهم عمر حد القذف بمحضر من الصحابة ولم ينكره منكر فكان إجماعاً ويبطل ما ذكروه بما شهدوا عليه لإقامة الحد عليه (فصل) فإن اقام المدعي بينة أن هذين الشاهدين شهدا بذا الحق عند حاكم فردت شهادتهما لفسقهما بطلت شهادتهما لأن الشهادة إذا ردت لفسق لم تقبل مرة ثانية (فصل) ولا يقبل الجرح والتعديل من النساء وقال أبو حنيفة يقبل لأنه لا يعتبر فيه لفظ الشهادة فاشبه الرواية وأخبار الديانات

ولنا انها شهادة فيما ليس بمال ولا يقصد به المال ويطلع عليه الرجال في غالب الأحوال فأشبه الشهادة في القصاص وما ذكروه ممنوع (فصل) ولا يقبل الجرح من الخصم بلا خلاف بين العلماء فلو قال المشهود عليه هذان فاسقان أو عدوان او أبا المشهود له لم يقبل قوله لأنه متهم في قوله ويشهد بما يجر إلى نفسه نفعاً فأشبه الشهادة لنفسه ولأننا لو قبلنا قوله لم يشأ أحد أن يبطل شهادة من شهد عليه إلا أبطلها فتضيع الحقوق وتذهب حكمة البينة (فصل) ولا تقبل شهادة المتوسمين، وذلك إذ حضر مسافران فشهدا عند حاكم لا يعرفهما لم تقبل شهادتهما، وقال مالك يقبلهما إذا رأى منها سيما الخير لأنه لا سبيل إلى معرفة عدالتهما ففي التوقف عن قولهما تضييع الحقوق فوجب الرجوع فيهما إلى السيماء الجميلة ولنا أن عدالتهما مجهولة فلم يجز الحكم بشهادتهما كشاهدي الخضر وما ذكروه معارض بأن قبول شهادتهما يفضي إلى القضاء بشهادتهما في دفع الحق إلى غير مستحقه * (مسألة) * (وإن شهد عنده فاسق يعرف حاله قال للمدعي زدني شهودا) ولا يقبل قوله لقول الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا) ويقول للمدعي زدني شهوداً لئلا يفضحه

مسألة وإن شهد عنده فاسق يعرف حاله قال للمدعي زدني شهودا

* (مسألة) * (وإن جهل حاله طالب المدعي بتزكيته) لأنه روي عن عمر رضي الله عنه انه أتي بشاهدين فقال لهما إني لا أعرفكما ولا يضركما إن لم أعرفكما جيئا بمن يعرفكما ولأن العدالة شرط في قبول الشهادة على ما ذكرنا فإذا شك في وجودها كانت كعدمها كشروط الصلاة * (مسألة) * (ويكفي في التزكية شاهدان يشهدان أنه عدل رضي ولا يحتاج في التزكية أن يقول علي ولي) وهذا قول أكثر أهل العلم وبه يقول شريح وأهل العراق ومالك وبعض الشافعية وقال أكثرهم لا يكفيه إلا أن يقول علي ولي واختلفوا في تعليله فقال بعضهم لئلا تكون بينهم عداوة أو قرابة وقال بعضهم لئلا يكون عدلا في شئ دون شئ ولنا قوله تعالى (وأشهدوا ذوي عدل منكم) فإن شهدا أنه عدل ثبت ذلك بشهادتهما فيدخل في عموم الآية ولأنه إذا كان عدلا لزم أن يكون له وعليه وفي حق سائر الناس وفي كل شئ فلا يحتاج إلى ذكره ولا يصح ما ذكروه فإن الإنسان لا يكون عدلا في شئ دون شي؟ ء ولا في حق شخص دون شخص فإنها لا توصف بهذا ولا تنتفي ايضاً بقوله علي ولي فإن من ثبتت عدالته لم تزل بقرابة ولا عداوة وإنما ترد شهادته للتهمة مع كونه عدلا ثم أن هذا إذا كان معلوماً انتفاؤه بينهما لم يحتج إلى ذكره ولا نفيه عن نفسه ولأن العداوة لا تمنع من شهادته له بالتزكية وإنما تمنع الشهادة عليه وهذا شاهد له بالتزكية والعدالة فلا حاجة إلى نفي العداوة (فصل) ولا يكفي أن يقول ما أعلم منه إلا الخير وهذا مذهب الشافعي وقال أبو يوسف يكفي لأنه إذا كان من أهل الخبرة به ولا يعلم منه إلا الخير فهو عدل

مسألة ويكفي في التزكية شاهدان يشهدان أنه عدل رضي ولا يحتاج في التزكية أن يقول علي ولي

ولنا أنه لم يصرح بالتعديل فلم يكن تعديلاً كما لو قال أعلم منه خيراً وما ذكروه لا يصح لأن الجاهل بحال أهل الفسق لا يعلم منهم إلا الخير لأنه يعلم إسلامهم وهو لا يعلم منهم غير ذلك وهم غير عدول، قال أصحابنا ولا يقبل التعديل إلا من أهل الخبرة الباطنة والمعرفة المتقادمة وهو مذهب الشافعي لخبر عمر الذي قدمناه، ولأن عادة الناس إظهار الطاعات وإسرار المعاصي فإن لم يكن ذا خبرة باطنة فربما اغتر بحسن ظاهره وهو فاسق في الباطن وهذا يحتمل أن يريد الأصحاب بما ذكروه أن الحاكم إذا علم أن المعدل لا خبرة له لم تقبل شهادته بالتعديل كما فعل عمر رضي الله عنه ويحتمل أنهم أرادوا أنه لا تجوز للمعدل الشهادة بالعدالة إلا أن تكون له خبرة باطنة، فأما الحكم إذا شهد عنده العدل بالتعديل ولم يعرف حقيقة الحال فله أن يقبل الشهادة من غير كشف، وإن استكشف الحال كما فعل عمر رضي الله عنه فحسن * (مسألة) * (وإن عدله اثنان وجرحه اثنان فالجرح أولى) وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي، وقال مالك ينظرا أيهما أعدل الذان جرحاه أو الذان عدلاه؟ فيؤخذ بقول أعدلهما ولنا أن الجارح معه زيادة علم خفيت على المعدل فوجب تقديمه لأن التعديل متضمن ترك الريب والجارح مثبت لوجود ذلك والإثبات مقدم على النفي ولأن الجارح يقول رأيته يفعل والمعدل مستنده أنه لم يره يفعل ويمكن صدقهما والجمع بين قوليهما بإن يراه الجارح يفعل المعصية ولا يراه المعدل فيكون مجروحاً

مسألة وإن عدله اثنان وجرحه اثنان فالجرح أولى

* (مسألة) * (وإن سأل المدعي حبس المشهود عليه حتى يزكي شهوده فهل يحبس؟ على وجهين) (أحدهما) يحبس لأن الظاهر العدالة وعدم السبق ولأن الذي على الغريم قد أتى به وإنما بقي ما كان على الحاكم وهو الكشف عن عدالة الشهود (والثاني) لا يحبس لأن الأصل براءة الذمة وقيل يحبس في المال فقط * (مسألة) * (وإن أقام شاهداً وسأل حبسه حتى يقيم الآخر حبسه إن كان في المال) لأن الشاهد حجة فيه وإنما اليمين معونة له، وإن كان في غيره لم يحبس لأنه لا يكون حجة في إثباته أشبه ما لو لم يقم شاهداً وفيه وجه آخر أنه يحبس كالتي قبلها والأول أولى لأنه إن حبس ليقيم شاهداً آخر لتتم بهما البينة فهو كالحق الذي لا يثبت إلا بشاهدين، وإن حبس ليحلف معه فلا حاجة إليه لأن الحلف ممكن في الحال، فإن حلف ثبت حقه وإلا لم يجب شئ، ويحتمل أن يقال إن كان المدعى بازلا لليمين والتوقف لإثبات عدالة الشاهدين حبس كما ذكرنا في التي قبلها، وإن كان التوقف عن الحكم لغير ذلك لم يحبس لما ذكرناه قال القاضي وكل موضع حبس فيه بشاهدين دام الحبس حتى تثبت عدالة الشهود أو فسقهم، وكل موضع حبس لشاهد واحد فإنه يقال للمشهود له إن جئت بشاهد آخر إلى بكيت وإلا أطلقناه، وإن أقام شاهدين فحبس حتى يزكي شهوده فقيل يمهل ثلاثة أيام ايضاً كالتي قبلها وهو أولى إن شاء الله تعالى لأن الحبس عقوبة فإذا قلنا يحبس حتى يزكي شهوده فكل من أراد حبس خصمه أقام شاهدين مجهولين لا يعرفهما الحاكم ويبقى خصمه في الحبس دائماً وهذا ضرر كثير مع أن الأصل براءة الذمة فأما الثلاثة أيام فهي يسيرة

مسألة وإن سأل المدعي حبس المشهود عليه حتى يزكي شهوده فهل يحبس؟ على وجهين

(فصل) إذا ادعى العبد أن سيده أعتقه وأقام شاهدين لم يعدلا فسأل الحاكم أن يحول بينه وبين سيده إلى أن يبحث الحاكم عن عدالة الشهود فعل الحاكم ذلك ويؤجره من ثقة ينفق عليه من كسبه ويحبس الباقي فإن عدل الشاهدان ان أسلم إليه الباقي من كسبه وإن فسقا رد إلى سيده وإنما حلنا بينهما لما ذكرناه في الفصل الذي قبل هذا، ولأننا لو لم نحل بينهما أفضى إلى أن تكون أمة يطؤها وإن أقام شاهداً واحداً وسأل أن يحال بينهما ففيه وجهان (فصل) وإن أقامت المرأة شاهدين يشهدان بطلاقها ولم تعرف عدالة الشهود حيل بينه وبينها وإن أقامت شاهداً واحداً لم يحل بينهما لأن البينة لم تتم وهذا مما لا يثبت إلا بشاهدين * (مسألة) * (وإن حاكم إليه من لا يعرف لسانه ترجم له من يعرف لسانه) إذا تحاكم إلى القاضي العربي أعجميان أو أعجمي وعربي فلا بد من مترجم عنهما * (مسألة) * (ولا يقبل في الترجمة والجرح والتعديل والتعريف والرسالة إلا قول عدلين) وبهذا قال الشافعي وعن أحمد أنه يقبل واحد وهذا اختيار أبي بكر عبد العزيز وابن المنذر وقول أبي حنيفة قال ابن المنذر في حديث زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يتعلم كتاب يهود قال فكنت أكتب له إذا كتب إليهم وأقرأ له إذا كتبوا ولأنها مما لا تفتقر إلى لفظ الشهادة فأجزأ فيها الواحد كإخبار الديانات ولأنه نقل ما خفي عن الحاكم إليه فيما يتعلق بالمتحاكمين فوجب فيه العدد كالشهادة ولأن ما لا يفهمه الحاكم وجوده عنده كغيبته فإذا ترجم له كان كنقل الإقرار اليه من غير مجلسه ولا يقبل ذلك إلا من شاهدين كذا ههنا فعلى هذه الرواية تكون الترجمة شهادة تفتقر إلى العدد

مسألة وإن حاكم إليه من لا يعرف لسانه ترجم له من يعرف لسانه

والعدالة ويعتبر فيها من الشروط ما يعتبر في الشهادة على الإقرار بذلك الحق فإن كان مما يتعلق بالحدود والقصاص اعتبر فيه الحرية ولم يكف إلا شاهدان ذكران إن كان مما لا يكفي فيه ترجمة رجل وامرأتين ولم تعتبر الحرية فيه وإن كان في حد زنا خرج في الترجمة وجهان (أحدهما) لا يكفي فيه أقل من أربعة رجال احرار عدول (والثاني) يكفي فيه اثنان بناء على الروايتين في الشهادة على الإقرار بالزنا ويعتبر فيه لفظ الشهادة لأنه شهادة وإن قلنا يكفي فيه واحد فلا بد من عدالته ولا يقبل من كافر ولا فاسق ويقبل من العبد لأنه من أهل الشهادة ولرواية وقال أبو حنيفة لا يقبل من العبد لكونه ليس من أهل الشهادة ولنا أنه خبر يكفي فيه قول الواحد فيقبل فيه خبر العبد كإخبار الديانات ولا نسلم أن هذه شهادة ولأن العبد ليس من أهل الشهادة ولا يعتبر فيه لفظ الشهادة كالرواية وعلى هذا الأصل ينبغي أن يقبل فيه ترجمة المرأة إذا كانت من أهل العدالة لأن روايتها مقبولة، فأما الجرح والتعديل فلا يكون إلا من إثنين وبهذا قال مالك والشافعي ومحمد بن الحسن وابن المنذر وعن أحمد يقبل ذلك من واحد وهو اختيار أبي بكر وقول أبي حنيفة لأنه خبر ولا يعتبره فيه لفظ الشهادة فيقبل من واحد كالرواية ولنا أنه إثبات صفة من يبني الحاكم حكمة على صفته فأعتبر العدد كالحضانة وفارق الرواية فإنها على المساهلة ولا نسلم أنها لا تفتقر إلى لفظ الشهادة (فصل) والحكم في التعريف والرسالة كالحكم في الترجمة وفيها من الخلاف ما فيها، ذكره شيخنا في الكتاب المشروح وذكره الشريف أبو جعفر وأبو الخطاب

* (مسألة) * (ومن ثبتت عدالته مرة فهل يحتاج إلى تجديد البحث عن عدالته مرة أخرى؟ على وجهين) وجملة ذلك أن من ثبتت، عدالته ثم شهد عند الحاكم بعد ذلك بزمن قريب حكم بشهادتة وعدالته لأن عدالته ثبتت وإن كان بعده بزمن طويل ففيه وجهان (أحدهما) لا يحتاج إلى ذلك (والثاني) يحتاج لأن من طول الزمان تتغير الأحوال * (فصل) * قال الشيخ رحمه الله (وإن ادعى على غائب أو مستتر في البلد أو ميت أو صبي أو مجنون وله بينة سمعها الحاكم وحكم بها) من ادعى حقاً على غائب في بلد آخر وطلب من الحاكم سماع البينة والحكم بها عليه فعلى الحاكم إجابته إذا كملت الشروط وبهذا قال ابن شبرمة ومالك والشافعي والاوزاعي والليث وسوار وأبو عبيد وإسحاق وابن المنذر وكان شريح لا يرى القضاء على الغائب وعن أحمد مثله وبه قال ابن أبي ليلى والثوري وأبو حنيفة وأصحابه وروي ذلك عن القاسم والشعبي إلا أن أبا حنيفة قال إذا كان له خصم حاضر من وكيل أو شفيع جاز الحكم عليه واحتجوا بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعل " إذا تقاضى إليك رجلان فلا تقض للأول حتى تسمع كلام الآخر فإنك تدري بما تقضي " قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح ولأنه قضاء لأحد الخصمين وحده فلم يجز كما لو كان الآخر في البلد ولأنه يجوز أن يكون الغائب مما يبطل البينة ويقدح فيها فلم يجز الحكم عليه

مسألة ومن ثبتت عدالته مرة فهل يحتاج إلى تجديد البحث عن عدالته مرة أخرى؟ على وجهين

ولنا أن هنداً قالت يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني ما يكفيني وولدي قال " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف " متفق عليه ففضى عليه لها ولم يكن حاضراً، ولأن هذا بينة مسموعة وعادلة فجاز الحكم بها كما لو كان الخصم حاضراً يقدم عليه إذا كان غائباً كسماع البينة وأما حديثهم فنقول به إذا تقاضى إليه رجلان لم يجز الحكم قبل سماع كلامهما وهذا يقتضي أن يكونا حاضرين ويفارق الحاضر الغائب فإن البينة لا تسمع على حاضر إلا بحضرته والغائب بخلافه، وقد ناقض أبو حنيفة أصله فقال إذا جاءت امرأة فادعت أن لها زوجاً غائباً وله مال في يد رجل وتحتاج إلى النفقة فاعترف لها بذلك فإن الحاكم يقضي عليه بالنفقة، ولو ادعى على حاضر أنه اشترى من غائب ما فيه شفعة وأقام بينة بذلك حكم بالبيع والأخذ بالشفعة ولو مات المدعى عليه فحضر بعض ورثته أو حضر وكيل الغائب وأقام المدعي بينة حكم له بما ادعاه، والغيبة المعتبرة إلى مسافة القصر لأنها التي تبنى عليها الأحكام (فصل) وكذلك الحكم في المستتر في البلد لأنه تعذر حضوره أشبه الغائب بل أولى فإن الغائب معذور ولا عذر للمستتر نص عليه أحمد في رواية حرب وروى حرب بإسناده عن أبي موسى قال كان الخصمان إذا اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتعدا الموعد فوفى أحدهما ولم يوف الآخر قضى للذي وفى ولأنه لو لم يحكم عليه لجعل الاستتار وسيلة إلى تضييع الحقوق * (مسألة) * (والميت المدعى عليه كالغائب بل أولى) لأن الغائب قد يحضر بخلاف الميت

مسألة والميت المدعى عليه كالغائب بل أولى

قال الشاعر: وكل ذي غيبة يؤوب * وغائب الموت لا يؤوب وكذلك الصبي والمجنون المدعى عليهما يجوز سماع البينة عليهما والحكم عليهما لأنه لا يعبر عن نفسه فهو كالغائب وفي المستتر قول آخر يأتي ذكره إن شاء الله تعالى. * (مسألة) * (وهل يحلف المدعى عليه إذا لم يبرأ إليه منه ولا من شئ منه؟ على روايتين) وجملة ذلك أن البينة إذا قامت على غائب أو غير مكلف كالصبي والمجنون لم يستحلف المدعي مع يمينه في أشهر الروايتين لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه " ولأنها بينة عادلة فلم تجب اليمين معها كما لو كانت على حاضرة والثانية يستحلف معها وقول الشافعي لأنه يجوز أن يكون استوفى ما قامت به البينة أو ملكه العين التي قامت بها البينة، ولو كان حاضراً فادعى ذلك لوجبت اليمين فإذا تعذر ذلك منه لغيبته أو عدم تكليفه يجب أن يقوم الحاكم مقامه فيما يمكن دعواه ولأن الحاكم مأمور بالاحتياط في حق الصبي والمجنون والغائب لأن كل ولاحد منهم لا يعبر عن نفسه وهذا من الاحتياط والأولى ظاهر المذهب * (مسألة) * (ثم إذا قدم الغائب أو بلغ الصبي أو أفاق المجنون فهو على حجته) أما إذا قدم الغائب عن الحكم فإن الحكم يقف على حضوره وإن جرح الشهود لم يحكم عليه وإن استنظر الحاكم أجله ثلاثاً فإن أقام البينة بجرحهم وإلا حكم عليه وإن ادعى القضاء أو الإبراء وكانت له بينة به برئ وإلا حلف المدعي وحكم، له وإن قدم بعد الحكم فجرح الشهود بأمر كان قبل الشهادة

مسألة ثم إذا ما قدم الغائب أو بلغ الصبي أو أفاق المجنون فهو على حجته

بطل الحكم لفوات شرطه، وإن جرحهم بأمر بعد أداء الشهادة أو مطلقاً لم يبطل الحكم ولم يقبله الحاكم لجواز أن يكون بعد الحكم فلا يقدح فيه (فصل) ولا يقضى على الغائب إلا في حقوق الآدميين فأما في الحدود التي لله تعالى فلا يقضي بها عليه لأن مبناها على المساهلة والاسقاط فإن قامت بينة على غائب بسرقة مال حكم بالمال دون القطع (فصل) ظاهر كلام أحمد أنه إذا قضى على الغائب بعين سلمت الى المدعي وإن قضى عليه بدين ووجد له مال احذ منه فإنه قال في رواية حرب في رجل أقام بينة أن له سهماً من ضيعة في أيدي قوم فتواروا عنه يقسم عليهم شهدوا أو غابوا ويدفع إلى هذا حقه ولأنه ثبت حقه بالبينة فيسلم إليه كما لو كان خصمه حاضراً ويحتمل ألا يدفع إليه شئ حتى يقيم كفيلاً أنه متى حضر خصمه وأبطل دعواه فعليه ضمان ما أخذه لئلا يأخذ المدعي ما حكم له به ثم يأتي خصمه فيبطل حجته أو يقيم بينة بالقضاء والإبراء أو يملك العين التي قامت بها البينة بعد ذهاب المدعي أو موته فيضيع مال المدعى عليه، وظاهر كلام أحمد الأول فإنه قال في رجل عنده دابة مسروقة فقال هي عندي وديعة إذا أقيمت البينة أنها له تدفع إلى الذي أقام البينة حتى يجئ صاحب الوديعة فيثبت. * (مسألة) * (وإن كان الخصم في البلد غائباً عن المجلس لم تسمع البينة حتى يحضر فإن امتنع من الحضور سمعت البينة وحكم بها في إحدى الروايتين، وفي الأخرى لا تسمع حتى يحضر فإن أبى بعث إلى صاحب الشرطة ليحضره فإن تكرر منه الاستتار أقعد على بابه من يضيق عليه في دخوله وخروجه حتى يحضر) . وجملة ذلك أن الحاضر في البلد أو قريباً منه إذا لم يمتنع من الحضر لم يحكم عليه قبل

مسألة وإن كان الخصم في البلد غائبا عن المجلس لم تسمع البينة حتى يحضر فإن امتنع من الحضور سمعت البينة

حضوره في قول أكثر أهل العلم ولأصحاب الشافعي وجه أنه يقضي عليه في غيبته لأنه غائب أشبه الغائب البعيد. ولنا أنه أمكن سؤاله فإن امتنع من الحضور أو توارى فظاهر كلام أحمد جواز القضاء عليه لما ذكرنا عنه في رواية حرب وروى عنه أبو طالب في رجل وجد غلامه عند رجل فأقام البينة أنه غلامه فقال الذي عنده الغلام أودعني هذا رجل فقال أحمد أهل المدينة يقضون على الغائب ويقولون أنه لهذا الذي أقام البينة وهو مذهب حسن وأهل البصرة يقضون على غائب يسمونه الأعذار وهو إذا ادعى على رجل ألفاً وأقام بينة فاختفى المدعى عليه يرسل إلى بابه فينادي الرسول ثلاثاً فإن جاء وإلا فقد أعذروا اليه فهذا يقوي قول أهل المدينة وهو مذهب حسن، قد ذكر الشريف أبو جعفر وأبو الخطاب انه يقضى عى الغائب الممنع وهو مذهب الشافعي لأنه تعذر حضوره وسؤاله فجاز القضاء عليه كالغائب البعيد بل هو أولى لأن البعيد معذور وهذا لا عذر له وعلى القول الآخر إذا امتنع من الحضور بعث إلى صاحب الشرطة ليحضره فإن تكرر منه الاستتار أقعد على بابه من يضيق عليه في دخوله وخروجه حتى يحضر لأن ذلك طريق إلى حضوره وتخليص الحق منه. * (مسألة) * (وإن ادعى أن أباه مات عنه وعن اخ له غائب وله مال في يد فلان أو دين عليه فأقر المدعى عليه أو ثبتت بينته سلم إلى المدعي نصيبه وأخذ الحاكم نصيب الغائب فحفظ له ويحتمل أنه إذا كان المال ديناً أن يترك نصيب الغائب في ذمة الغريم حتى يقدم) . وجملة ذلك أن من ادعى أن أباه مات وخلفه وأخاً غائبا لا وارث له سواهما وترك في يد إنسان

مسألة وإن ادعى أن أباه مات عنه وعن اخ له غائب وله مال في يد فلان أو دين عليه فأقر المدعى عليه أو ثبتت

داراً أو عيناً منقولة فأقر له صاحب اليد أو أنكر فثبت ما ادعاه ثبت ما في يد المدعي للميت وانتزع من يد المنكر فدفع نصفها إلى المدعي وجعل النصف الآخر في يد أمين للغائب تكرمة له إن كان يمكن كراؤه وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة ان كان مما لا ينقل ولا يحول ومما ينحفظ ولا يخاف هلاكه لم ينزع نصيب الغائب من يد المدعي عليه لأن الغائب لم يدعه هو ولا وكيله فلم ينزع من يد من هو فيه كما لو ادعى أحد الشريكين داراً مشتركة بينه وبين أجنبي فإنه يسلم إلى المدعي نصيبه ولا ينزع نصيب الغائب كذا ههنا. ولنا أنها تركة ميت ثبتت ببينة فوجب أن ينزع نصيب الغائب كالنقول وكما لو كان أخوه صغيراً أو مجنوناً ولأن في بقائه له ضرراً لانه قد يتعزر على الغائب إقامة البينة وقد يموت الشاهدان أو يغيبا أو تزول عدالتهما ويعزل الحاكم فيضيع حقه فوجب أن يحفظ بانتزاعه كالمنقول ويفارق الشريك للأجنبي إجمالاً وتفصيلاً، أما الإجمال فإن المنقول ينتزع نصيب شريكه في الميراث ولا ينزع نصيب الأجنبي وأما التفصيل فإن البينة ثبت بها الحق للميت بدليل أنه تقضى منه ديونه وتنفذ منه وصاياه ولأن الأخ يشاركه فيما أخذه إذا تعذر عليه أخذ الباقي فأما إن كان ديناً في ذمة إنسان فهل يقبض الحاكم نصيب الغائب؟ فيه وجهان. (أحدهما) يقبضه كما يقبض العين (والثاني) لا يقبضه لأنه إذا كان في ذمة من هو عليه كان أحوط من أن يكون أمانة في يد الأمين لأنه لا يؤمن عليه التلف إذا قبضه والأول أولى لأن في الذمة يعرض التلف بالفلس والموت وعزل الحاكم وتعذر البينة إذا ثبت هذا فإننا إذا دفعنا إلى الحاضر نصف العين أو الدين لم نطالبه بضمين لأننا دفعناه بقول الشهود والمطالبة بالضمين طعن عليهم قال أصحابنا سواء كان الشاهدان من أهل الخبرة الباطنة أو لم يكونا، ويحتمل أن لا تقبل شهادتهما في نفي وارث آخر حتى يكونا من أهل الخبرة الباطنة والمعرفة المتقادمة لأنه ليس من أهل المعرفة لأن جهله بالوارث دليل على عدمه فلا يكتفى به وهذا قول الشافعي فعلى هذا تكون الدار موقوفة فلا يسلم إلى الحاضر نصفها حتى يسأل الحاكم ويكشف عن المواضع التي كان يطرقها وينادي منادياً ينادي أن فلاناً مات فإن كان له وارث فليأت فإذا غلب على ظنه أنه لو كان له وارث ظهر دفع إلى الحاضر نصيبه وهل يطلب منه ضمين يحتمل وجهين وكذلك الحكم اذا كانا من أهل الخبرة الباطنة لكن لم يقولا ولا نعلم له وارثاً سواه.

(فصل) فإن كان مع الابن ذو فرض فعلى ظاهر المذهب يعطى فرضه كاملاً وعلى هذا التخريج يعطى اليقين فإن كانت له زوجة أعطيت ربع الثمن عائلاً فيكون ربع التسع لجواز أن يكون له أربع زوجات وإن كانت له جدة ولم يثبت موت أمه لم يعط شيئاً وإن علم موتها أعطيت ثلث السدس لجواز أن يكون له ثلاث جدات وتعطاه عائلاً فيكون ثلث العشر ولا يعطى العصبة شيئاً لجواز أن يكون وارث يحجبه وإن كان زوجاً أعطي الربع عائلاً وهو الخمس لجواز أن تكون المسألة عائلة فيعطى اليقين فإذا كشف الحاكم أعطى الزوج نصيبه وكمل لذوي الفروض فروضهم. (فصل) إذا اختلفا في دار في يد أحدهما فأقام المدعي بينة أن الدار كانت ليست ملكه أو منذ شهر فهل تسمع البينة ويقضي بها على وجهين. (أحدهما) تسمع ويحكم بها لأنها تثبت الملك في الماضي وإذا ثبت استديم حتى يعلم زواله (والثاني) لا تسمع، قال القاضي هو الصحيح لأن الدعوى لا تسمع ما لم يدعي المدعي الملك في الحال فلم يسمع ما لم يدعه لكن إن انضم إلى شهادتهما بيان سبب يد الثاني وتعريف تعديها فقالا نشهد أنها كانت ملكه أمس فغصبها هذا منه أو سرقها أو ضلت منه فالتقطها هذا ونحو ذلك سمعت وقضي بها لأنه إذا لم يتبين السبب فاليد دليل الملك ولا تنافي بين ما شهدت به البينة وبين دلالة اليد لجواز أن يكون ملكه أمس ثم ينتقل إلى صاحب اليد فإذا ثبت أن سبب اليد عدوان خرجت عن كونها دليلاً فوجب القضاء باستدامة الملك السابق، فإن أقر المدعي عليه أنها كانت للمدعي أمس أو فيما مضى سمع إقراره في الصحيح وحكم به لأنه حينئذ يحتاج إلى سبب انتقالها إليه فيصير هو المدعي فيحتاج إلى بينة ويفارق البينة من وجهين. (أحدهما) أنه أقوى من البينة لكونها شهادة الإنسان على نفسه ويزول به النزاع بخلاف البينة (الثاني) أن البينة لا تسمع إلا على ما ادعاه والدعوى يجب أن تكون معلقة بالحال والإقرار يسمع ابتداء، فإن شهدت البينة أنها كانت في يده أمس ففي سماعها وجهان، وإن أقر المدعي عليه بذلك فالصحيح أنها تسمع ويقضي بها لما ذكرنا. * (مسألة) * (وإن ادعى إنسان أن الحاكم حكم له بحق فصدقه قبل قول الحاكم وحده) وإن لم يذكر الحاكم ذلك فشهد عدلان أنه حكم له به قبل شهادتهما وأمضى القضاء وكذلك

مسألة وإن ادعى إنسان أن الحاكم حكم له بحق فصدقه قبل قول الحاكم وحده

إن شهدا أن فلاناً وفلاناً شهدا عندك بكذا قبل شهادتهما) إذا ادعى إنسان على الحاكم أنك حكمت لي بهذا الحق على خصمي فذكر الحاكم حكمه أمضاه وألزم خصمه ما حكم به عليه وليس هذا حكما بالعلم إنما هو امضاء لحكمه السابق وإن لم يذكره القاضي فشهد عنده شاهدان على حكمه لزمه قبولهما وامضاء القضاء وبه، قال ابن ابي ليلى ومحمد بن الحسن قال القاضي هذا قياس قول أحمد لأنه قال يرجع الإمام إلى قول اثنين فصاعدا من المأمومين وقال أبو حنيفة وابو يوسف والشافعي لا يقبل لأنه لا يمكنه الرجوع إلى الإحاطة والعلم فلا يرجع إلى الظن كالشاهد إذا نسي شهادته نشهد عنده شاهدان أنه شهد لم يكن له أن يشهد. ولنا أنهما لو شهدا عنده بحكم غيره قبل فكذلك إذا شهدا عنده بحكمه فإنهما شهدا بحكم حاكم وما ذكروه لا يصح لأن ذكر ما نسيه اليه ويخالف الشاهد لأن الحاكم يمضي ما حكم به إذا ثبت عنده والشاهد لا يقدر على إمضاء شهادته وإنما يمضيها الحاكم وكذلك إن شهدا أن فلاناً وفلاناً شهدا عندك بكذا قبل شهادتهما على الشاهدين كما يقبل شهادتهما على الحق نفسه * (مسألة) * (وإن لم يشهد به أحد لكن وجده في قمطره في صحيفة تحت ختمه بخطه فهل ينفذه؟ على روايتين) (إحداهما) لا ينفذه إلا أن يذكره نص عليه أحمد في الشهادة قاله بعض أصحابنا وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي ومحمد بن الحسن (والثانية) أنه يحكم به وبه قال ابن ابي ليلى قال شيخنا وهذا الذي رأيته عن أحمد في الشهادة لأنه إذا كان في قمطره تحت ختمه لم يحتمل أن يكون إلا صحيحاً ووجه الأولى أنه حكم حاكم لم يعلمه فلم يجز انفاذه إلا ببينة كحكم غيره ولأنه يجوز أن يزور عليه وعلى خطه وختمه والخط يشبه الخط فإن قيل فلو وجد في دفتر أبيه حقاً على إنسان جاز له أن يدعيه ويحلف عليه فلنا هذا يخالف الحكم والشهادة بدليل الإجماع على أنه لو وجد خط أبيه بشهادة لم يجز أن يحكم بها ولا يشهد بها ولو وجد حكم أبيه مكتوباً بخطه لم يجز له انفاذه ولأنه يمكنه الرجوع فيما حكم به إلى نفسه لأنه فعله فروعي ذلك، وأما ما كتبه أبوه فلا يمكنه الرجوع فيه إلى نفسه فكفى فيه الظن * (مسألة) * (وكذلك الشاهد إذا وجد خطه بشهادة في كتاب ولم يذكرها فهل له أن يشهد بها؟ على روايتين)

مسألة وإن لم يشهد به أحد لكن وجده في قمطره في صحيفة تحت ختمه بخطه فهل ينفذه على روايتين

(إحداهما) له أن يشهد بها لأن الظاهر أنه خطه (والثانية) لا يشهد بها إلا أن يذكرها لأنها قد تتزور على خطه وقد وجد ذلك (فصل) قال الشيخ رحمه الله ومن كان له على إنسان حق ولم يمكنه أخذه بالحاكم وقدر له على مال لم يجز أن يأخذ قدر حقه نص عليه أحمد واختاره عامة شيوخنا وجملة ذلك أنه إذا كان لرجل على غيره حق وهو مقر به باذل له لم يكن له أن يأخذ من ماله إلا ما يعطيه بلا خلاف بين أهل العلم فإن أخذ من ماله شيئاً بغير إذنه لزمه رده إليه وإن كان قد حقه لأنه لا يجوز أن يملك عليه عيناً من أعيان ماله بغير اختياره لغير ضرورة وان كانت من جنس حقه لأنه قد يكون للإنسان غرض في العين فإن أتلفها أو تلفت فصارت ديناً في ذمته وكان الثابت في ذمته من جنس حقه تقاصا في قياس المذهب والمشهور من مذهب الشافعي وإن كان مانعاً له لأمر يبيح المنع كالتأجيل والإعسار لم يجز أخذ شئ من ماله بغير خلاف، وإن أخذ شيئاً لزمه رده ما كان باقياً أو عوضه إن كان تالفاً ولا يحصل التقاص ههنا لأن الدين الذي له لا يستحق أخذه في الحال بخلاف التي قبلها، وإن كان ماله بغير حق وقدر على استخلاصه بالحاكم والسلطان لم يجز له الأخذ أيضاً بغير خلاف لأنه قدر على استيفاء حقه ممن يقوم مقامه فأشبه ما لو قدر على استيفائه من وكيله، وإن لم يقدر على ذلك لكونه جاحداً له ولا بينة به ولكونه لا يجيبه إلى المحاكمة ولا يمكنه إجباره على ذلك أو نحو هذا فالمشهور في المذهب أنه ليس له أخذ قدر حقه وهو إحدى الروايتين عن مالك قال ابن عقيل قد جعل أصحابنا المحدثون بجواز الأخذ وجها في المذهب أخذاً من حديث هند حين قال لها النبي صلى الله عليه وسلم " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف " وقال أبو الخطاب ويتخرج لنا جواز الأخذ فإن كان المقدور عليه قدر حقه من جنسه أخذه وإن كان من غير جنسه تحرى واجتهد في تقويمه لما ذكرنا من حديث هند، ومن قوله الرهن يركب ويحلب بقدر ما ينفق والمرأة تأخذ مؤنتها، وبائع السلعة يأخذها من مال المفلس بغير رضاه وقال الشافعي إن لم يقدر على استخلاص حقه ببينة فله أخذ قدر حقه من جنسه أو من غير جنسه وإن كان له بينة وقدر على استخلاصه ففيه وجهان والمشهور من مذهب مالك أنه إن لم يكن لغيره عليه دين فله أن يأخذ بقدر حقه وإن كان عليه دين لم يجز لأنهما يتحاصان في ماله إذا أفلس وقال أبو حنيفة له ان يأخذ بقدر حقه إن كان عيناً أو ورقاً أو من جنس حقه، وإن كان المال عرضاً لم يجز لأن أخذ العرض عن حقه اعتياض ولا تجوز المعاوضة إلا برضاء من المتعاوضين قال الله

تعالى (إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) واحتج من أجاز الأخذ بحديث هند حين جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله أن أبا سفيان رجل صحيح وليس يعطيني من النفقة ما يكفيني وولدي فقال " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف " متفق عليه وإذا جاز لها أن تأخذ من مالها ما يكفيها بغير إذنه جاز للرجل الذي له الحق على الرجل ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك " رواه الترمذي وقال حديث حسن ومتى أخذ منه قدر حقه من ماله بغير إذنه فقد خانه فيدخل في عموم الخبر وقال عليه الصلاة والسلام " لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه " ولأنه إن أخذ من غير جنسه كان معاوضة بغير تراض، وإن أخذ من جنس حقه فليس له تعيين الحق بغير رضاء صاحبه فإن التعيين إليه ألا ترى أنه لا يجوز له أن يقول لا آخذ حقي إلا من هذا الكيس دون هذا ولأن كل ما لا يجوز له تملكه إذا لم يكن له دين لا يجوز له أخذه إذا كان له دين كما لو كان باذلا له فأما حديث هند فإن أحمد اعتذر عنه بأن حقها واجب عليه في كل وقت وهذا إشارة منه إلى الفرق بالمشقة في المحاكمة في كل وقت والمخاصمة كل يوم تجب فيه النفقة بخلاف الدين، وفرق أبو بكر بينهما بفرق آخر وهو أن قيام الزوجية كقيام البينة فكأن الحق صار معلوماً بعلم قيام مقتضيه وبينهما فرقان آخران (احداهما) أن للمرأة من البسط في ماله بحكم العادة ما يؤثر في إباحة أخذ الحق وبذل اليد فيه بالمعروف بخلاف الأجنبي (الثاني) أن النفقة تراد لاحياء النفس وابقاء المهجة وهذا مما لا يصبر عنه ولا سبيل إلى تركه فجاز أخذ ما تندفع به هذه الحاجة بخلاف الدين حتى يقول لو صارت النفقة ماضية لم يكن لها أخذها ولو وجب لها عليه دين آخر لم يكن لها أخذه فعلى هذا إن أخذ شيئاً لزمه رده إن كان باقيا وإن كان تالفاً وجب مثله إن كان مثلياً أو قيمته أن كان متقوماً فإن كان من جنس دينه تقاصا وتساقطا في قياس المذهب وإن كان من غير جنسه غرمه، ومن جوز من أصحابنا الأخذ فإنه إن وجد جنس حقه جاز له الأخذ بقدر حقه من غير زيادة وليس له الأخذ من غير جنسه مع قدرته على جنس حقه، وإن لم يجد إلا من جنس غير حقه فيحتمل أن لا يجوز له تملكه لأنه لا يجوز له أن يبيعه من نفسه وهذا يبيعه من نفسه وتلحقه فيه تهمة، ويحتمل أن يجوز له ذلك كما قالوا الرهن ينفق عليه إذا كان محلوباً أو مركوباً

يحلب ويركب بقدر النفقة وهي من غير الجنس. واختلف أصحاب الشافعي في هذا فمنهم من جوزه له ومنهم من قال: يواطئ رجلاً يدعي عليه عند الحاكم ديناً فيقر له بملك الشي المأخوذ الذي أخذه فيمتنع من عليه الدعوى من قضاء الدين ليبيع الحاكم الشئ المأخوذ ويدفعه إليه * (مسألة) * (وحكم الحاكم لا يزيل الشئ عن صفته في الباطن وذكر ابن أبي موسى عنه رواية أخرى أنه يزيل العقود والفسوخ) ذهب جمهور العلماء إلى أن حكم الحاكم لا يزيل الشئ عن صفته في الباطن منهم مالك والاوزاعي والشافعي واحمد وإسحاق وابو ثور وداود ومحمد بن الحسن وقال أبو حنيفة إذا حكم بعقد أو فسخ أو طلاق نفذ حكمه ظاهراً وباطناً، فلو أن رجلين تعمدا الشهادة على رجل أنه طلق امرأته فقبلهما القاضي بظاهر عدالتهما ففرق بين الزوجين لجاز لأحد الشاهدين نكاحها بعد قضاء عدتها وهو عالم بتعمد الكذب، ولو أن رجلاً ادعى نكاح امرأة وهو يعلم أنه كاذب وأقام شاهدي زور فحكم الحاكم حلت له بذلك وصارت زوجته قال إبن المنذر وتفرد أبو حنيفة فقال لو استأجرت امرأة شاهدين شهدا لها بطلاق زوجها وهما يعلمان كذبها وتزويرها فحكم الحاكم بطلاقها يحل لها أن تتزوج وحل لأحد الشاهدين نكاحها، واحتج بما روي عن علي رضي الله عنه ان رجلاً ادعى على امرأة نكاحا فرفعها إلى علي رضي الله عنه فشهد له شاهدان بذلك فقضى بينها وبالزوجية فقالت والله ما تزوجني يا أمير المؤمنين اعقد بيننا عقداً حتى أحل له فقال شاهداك زوجاك فدل على أن النكاح ثبت بحكمه ولأن اللعان يفسخ به النكاح وإن كان أحدهما كاذباً فالحكم أولى ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " إنما أنا بشر مثلكم وإنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع منه فمن قضيت له بشئ من حق أخيه فلا يأخذ منه شيئاً فإنما أقطع له قطعة من النار " متفق عليه وهذا يدخل فيه ما إذا دعى أنه اشترى منه شيئاً فحكم له ولأنه

مسألة وحكم الحاكم لا يزيل الشيء عن صفته في الباطن وذكر ابن أبي موسى عنه رواية أخرى أنه يزيل العقود

حكم له بشهادة زور فلا يحل له ما كان محرما عليه كالمال المطلق، وأما الخبر عن علي أن صح فلا حجة لهم فيه لأنه أضاف التزويج إلى الشاهدين لا إلى حكمه ولم يجبها إلى التزويج لأن فيه طعنا على الشهود فأما اللعان فإنما حصلت الفرقة به لا بصدق الزوج ولهذا لو قامت البينة به لم ينفسخ النكاح. إذا ثبب هذا فإذا شهد على امرأة بنكاح وحكم به الحاكم ولم تكن زوجته فإنها لا تحل له ويلزمها في الظاهر وعليها أن تمتنع منه ما أمكنها فإن أكرهها فالإثم عليه دونها، وإن وطئها الرجل فقال أصحابنا وبعض الشافعية عليه الحد لأنه وطئها وهو يعلم أنها أجنبية، وقيل لاحد عليه لانه وطئ مختلف في حكمه فيكون شبهة وليس لها أن تتزوج غيره وقال أصحاب الشافعي تحل لزوج ثان غير أنها ممنوعة منه في الحكم وقال القاضي يصح النكاح ولنا أن هذا يفضي إلى الجمع بين الوطئ للمرأة من اثنين أحدهما يطؤها بحكم الظاهر والآخر بحكم الباطن وهذا فساد فلا يشرع ولأنها منكوحة لهذا الذي قامت به البينة في قول بعض الأئمة فلم يجز تزويجها لغيره كالمنكوحة بغير ولي، وحكى أبو الخطاب عن أحمد رواية أخرى مثل مذهب أبي حنيفة كما حكى ابن أبي موسى في أن حكم الحاكم يزيل العقود والفسوخ والأول هو المذهب (فصل) قال ابن المنذر ويكره للقاضي أن يفتي في الأحكام كان شريح، يقول أنا أقضي ولا أفتي أما الفتيا في الطهارة وسائر ما لا يحكم في مثله فلا بأس بالفتيا فيه.

باب حكم كتاب القاضي إلى القاضي الأصل في كتاب القاضي والامير إلى الامير الكتاب والسنة والإجماع أما الكتاب فقول الله تعالى (إني ألقي إلي كتاب كريم إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم أن لا تعلوا علي وأئتوني مسلمين) وأما السنة فإن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى كسرى وقيصر والنجاشي وإلى ملوك الأطراف وكان يكتب إلى ولاته وعماله وسعاته وكان في كتابه إلى قيصر " بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى قيصر عظيم الروم أما بعد فأسلم تسلم واسلم يؤتك الله أجرك مرتين وإن توليت فإن عليك أثم الأريسيين ويا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم " وروى الضحاك بن سفيان قال كتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها وأجمعت الأمة على كتاب القاضي إلى القاضي ولأن الحاجة إلى قبوله داعية فإن من له حق في بلد غير بلده لا يمكنه إثباته والمطالبة به إلا بكتاب القاضي فوجب قبوله * (مسألة) * (يقبل كتاب القاضي إلى القاضي في المال وما يقصد به المال كالقرض والغصب والبيع والرهن والصلح والوصية له والجناية الموجبة للمال ولا يقبل في حد لله تعالى وهل يقبل فيما عدا ذلك مثل القصاص والنكاح والطلاق والخلع والعتق والنسب والكتابة والتوكيل والوصية إليه؟ على روايتين فأما حد القذف فان قلنا هو حق لله تعالى فلا يقبل فيه وإن قلنا هو حق آدمي فهو كالقصاص)

باب حكم كتاب القاضي إلى القاضي

وجملة ذلك أن كتاب القاضي إلى القاضي يقبل في المال بغير خلاف علمناه ولا يقبل في الحدود كحق الله تعالى وهل يقبل فيما عدا هذا؟ على وجهين وبهذا قال أصحاب الرأي وقال الشافعي يقبل كل حق لآدمي من الجراح وغيرها وهل يقبل في الحدود التي لله تعالى؟ على قولين (أحدهما) يقبل وهو قول مالك وأبي ثور وحد القذف ينبني على الخلاف فيه على ما ذكرنا ولنا على أنها لا تقبل في الحدود أنها مبنية على الستر والدرء بالشبهات والإسقاط بالرجوع عن الإقرار وكتاب القاضي إلى القاضي شهادة وفيه شبهة فإنه يتطرق إليه احتمال الغلط أو السهو في شهود الفرع مع احتمال ذلك في شهود الأصل وهذا احتمال زائد لا يوجد في شهادة الأصل وهو معتبر بدليل أنها لا تقبل مع القدرة على شهود الأصل فوجب أن لا تقبل فيما يندرئ بالشهبات ولأن كتاب القاضي إلى القاضي إنما يقبل للحاجة ولا حاجة الى ذلك في الحد لأن ستر صاحبه أولى من الشهادة عليه ولأنه لا نص في ذلك ولا يصح قياسه على الأموال لما بينهما من الفرق والتساهل وظاهر كلام أحمد رحمه الله أن كتاب القاضي إلى القاضي لا يقبل في القصاص أيضاً ولا حد القذف لأنه قال إنما يجوز في الحقوق أما الدماء والحد فلا وهذا قول أبي حنيفة، وظاهر كلام الخرقي أنه يقبل وهو قول مالك والشافعي وأبي ثور ولأنه حق آدمي لا يسقط بالرجوع عن الإقرار به أشبه الأموال وذكر أصحابنا عن أحمد هذا رواية لأنه قال شهادة رجل في

الطلاق جائزة قال أحمد ما أحسن ما قال فجعله أصحابنا رواية في القصاص قال شيخنا وليس هذا برواية فإن الطلاق لا يشبه القصاص والمذهب أنها لا تقبل فيه لأنه عقوبة بدنية تدرأ بالشبهاب وتبنى على الإسقاط فأشبهت الحد فأما ما عدا الحدود ولاموال كالنكاح والطلاق وسائر ما لا يثبت إلا بشاهدين فنص أحمد على قبولها في الطلاق والحقوق فدل على جميعها في قبول هذا الحقوق وهو قول الخرقي وقال ابن حامد لا يقبل في النكاح ونحوه قول أبي بكر فعلى قولهما لا تقبل الشهادة على الشهادة إلا في المال وما يقصد به وهو قول أبي عبيد لأنه حق لا يثبت إلا بشاهدين فأشبه حد القذف ووجه الأول أنه حق لا يدرأ بالشبهات فيثبت بالشهادة على الشهادة كالمال وبهذا فارق الحدود وكتابة القاضي إلى القاضي حكمها حكم الشهادة على الشهادة لأنه شهادة على شهادة * (مسألة) * (ويجوز كتاب القاضي فيما حكم به لينفذه في المسافة القريبة ومسافة القصر ويجوز فيما ثبت عنده ليحكم به في المسافة البعيدة دون القريبة) وجملة ذلك أن كتاب القاضي على ضربين (أحدهما) أن يكتب بما حكم به وذلك مثل أن يحكم على رجل بحق فيتغيب قبل وفائه أو يدعي حقاً على غائب ويقيم به بينة ويسأل الحاكم الحكم عليه فيحكم عليه ويسأله أن يكتب له كتاباً بحكمه إلى قاضي البلد الذي فيه الغائب فيكتب اليه أو تقوم البينة على حاضر فيهرب قبل الحكم عليه فيسأل صاحب الحكم الحاكم الحكم عليه وأن يكتب له كتاباً بحكمه ففي هذه

مسألة ويجوز كتاب القاضي فيما حكم به لينفذه في المسافة القريبة ومسافة القصر ويجوز فيما ثبت عنده ليحكم

الصور الثلاث تلزم الحاكم إجابته إلى الكتابة ويلزم المكتوب اليه قوله سواء كان بينهما مسافة قريبة أو بعيدة حتى لو كانا في جانبي البلد أو مجلس الحاكم لزمه قبوله وامضاؤه وسواء كان حكما على حاضر أو غائب لا نعلم في هذا خلافاً لأن حكم الحاكم يجب امضاؤه على كل حاكم (الضرب الثاني) أن يكتب بعلمه شهادة شاهدين عنده بحق لفلان مثل أن تقوم البينة عنده بحق لرجل على آخر ولم يحكم به فيسأل صاحب الحق ان يكتب له كتاباً بما حصل عنده فإنه يكتب له أيضاً، قال القاضي ويكون في كتابه شهد عندي فلان وفلان بكذا ليكون المكتوب اليه هو الذي يقضي به ولا يكتب ثبت عندي لأن قوله ثبت عندي حكم بشهادتهما فهذا لا يقبله المكتوب اليه الا في المسافة البعيدة التي هي مسافة القصر ولا يقبله فيما دونها لأنه نقل شهادة فاعتبر فيه ما يعتبر في الشهادة على الشهادة ونحو هذا قول الشافعي وقال أبو يوسف ومحمد يجوز أن يقبله في بلده وحكي عن أبي حنيفة مثل هذا وقال بعض المتأخيرين من أصحابه الذي يقتضيه مذهبه أنه لا يجوز كما لا يجوز ذلك في الشهادة على الشهادة واحتج من أجازه لأنه كتاب الحاكم بما ثبت عنده فجاز قبوله مع القرب ككتابة حكمه ولنا أن ذلك نقل الشهادة إلى المكتوب اليه فلم يجز مع القرب كالشهادة على الشهادة ويفارق كتابه بالحكم فليس هو نقل إنما هو خبر

(فصل) ويقبل الكتاب من قاضي مصر إلى قاضي مصر وإلى قاضي قرية ومن قاضي قرية إلى قاضي قرية وإلى قاضي مصر * (مسألة) * (ويجوز أن يكتب إلى قاض معين وإلى من يصل إليه كتابي هذا من قضاة المسلمين وحكامهم من غير تعيين ويلزم من وصله قبوله) وبهذا قال أبو ثور واستحسنه ابو يوسف وقال أبو حنيفة لا يجوز أن يكتب إلى غير معين ولنا أنه كتاب حاكم من ولايته وصل إلى حاكم فلزم قبوله كما لو كان الكتاب اليه بعينه * (مسألة) * (ولا يقبل الكتاب إلا أن يشهد به شاهدان يحضرهما القاضي الكاتب فيقرؤه عليهما ثم يقول أشهدكما أن هذا كتابي إلى فلان بن فلان ويدفعه إليهما فإذا وصلا إلى المكتوب إليه دفعا إليه الكتاب وقالا نشهد أن هذا كتاب فلان إليك كتبه من عمله وأشهدنا عليه، والاحتياط أن يشهد عليه بما فيه ويختمه ولا يشترط ختمه وإن كتب كتاباً وأدرجه وختمه وقال هذا كتابي إلى فلان اشهدا علي بما فيه لم يصح لأن أحمد قال فيمن كتب وصيته وختمها ثم أشهد على ما فيها فلا حتى يعلمه ما فيها ويتخرج الجواز لقوله إذا وجدت وصية الرجل مكتوبة عند رأسه من غير أن يكون أشهد

مسألة ويجوز أن يكتب إلى قاض معين وإلى من يصل إليه كتابي هذا من قضاة المسلمين وحكامهم من غير تعيين

أو أعلم أحداً بها عند موته وعرف خطه وكان مشهورا فإنه ينفذ ما فيها فعلى هذا عرف المكتوب إليه أنه خط القاضي الكاتب وختمه جاز قبوله والعمل على الأول) وجملته أنه يشترط لقبول كتاب القاضي شروط ثلاثة (أحدها) أن يشهد به شاهدان عدلان ولا يكفي معرفة المكتوب اليه خط الكاتب وختمه ولا يجوز له قبوله بذلك في قول الجمهور وحكي عن الحسن وسوار العنبري أنهم قالوا إذا كان يعرف خطه وختمه قبله وهو قول أبي ثور والاصطخري ويتخرج لنا مثل ذلك لأنه تحصل به غلبة الظن فأشبه شهادة الشاهدين ولنا أن ما أمكن أثباته بالشهادة لم يجز الاقتصار على الظاهر كإثبات العقود ولان الخط يشبه الخط والختم يمكن التزوير عليه ويمكن الرجوع إلى الشهادة فلم يعول على الخط كالشاهد لا يعول في الشهادة على الخط وفي هذا انفصال عما ذكروه. إذا اثبت هذا فإن القاضي إذا كتب الكتاب دعا رجلين يخرجان إلى البلد الذي فيه القاضي المكتوب إليه فيقرأ عليهما الكتاب أو يقرؤه غيره عليهما والأحوط أن ينظرا معه فيما يقرؤه فإن لم ينظرا جاز لأنه لا يستقرأ إلا ثقة فإذا قرأ عليهما قال اشهدا على أن هذا كتابي إلى فلان وإن قال اشهدا علي بما فيه كان أولى فان اقتصر على قوله هذا كتابي إلى فلان فظاهر كلام الخرقي أنه لا يجزئ لانه يحملها الشهادة فاعتبر أن يقول اشهدا علي كالشهادة

على الشهادة وقال القاضي يجزئ وهو مذهب الشافعي ثم إن كان ما في الكتاب قليلاً اعتمدا على حفظه وإن كان كثيراً فلم يقدرا على حفظه كتب كل واحد منهما مضمونه وقابل بها لتكون معه يذكر بهاما يشهد به ويقبضان الكتاب قبل أن يغيبا لئلا يدفع اليهما غيره فإذا وصل الكتاب معهما اليه قرأه الحاكم أو غيره عليهما فإذا سمعاه قالا نشهد أن هذا كتاب فلان لأنها أداء شهادة فلا بد فيها من لفظ الشهادة، ويجب أن يقولا من عمله لأن الكتاب لا يقبل إلا إذا وصل من مجلس عمله وسواء وصل الكتاب مختوماً أو غير مختوم مقبولاً أو غير مقبول لأن الاعتماد على شهادتهما لا على الخط والختم فإن امتحى الكتاب وكانا يحفظان ما فيه جاز لهما أن يشهدا بذلك، وإن لم يحفظاه لم يمكنهما الشهادة، وقال أبو حنيفة وابو ثور لا يقبل الكتاب حتى يشهد شاهدان على ختم القاضي ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب كتاباً إلى قيصر ولم يختمه فقيل له أنه لا يقرأ كتاباً غير مختوم فاتخذ الخاتم واقتصاره على الكتاب دون الختم دليل على أن الختم ليس بشرط في القبول وإنما فعله النبي صلى الله عليه وسلم ليقرءوا كتابه ولأنهما لو شهدا بما في الكتاب وعرفا ما فيه لوجب قبوله كما لو وصل مختوماً وشهدا بالختم. إذا ثبت هذا فانه انما يعتبر ضبطهما لمعنى الكتاب وما يتعلق به الحكم قال الأثرم سمعت أبا

عبد الله يسأل عن قوم شهدوا على صحيفة وبعضهم ينظر فيها وبعضهم لا ينظر قال إذا حفظ فليشهد قيل كيف وهو كلام كثير؟ قال يحفظ ما كان عليه الكلام والوضع قلت يحفظ المعنى؟ قال نعم قيل له والحدود والثمن وأشباه ذلك؟ قال نعم * (مسألة) * (ولو أدرج الكتاب وختمه وقال هذا خطي اشهدا علي بما فيه أو قد أشهدتكما على نفسي بما فيه لم يصح هذا التحمل) وبه قال أبو حنيفة والشافعي، وقال أبو يوسف إذا ختمه بختمه وعنونه جاز أن يتحملا الشهادة عليه مدرجاً فإذا وصل الكتاب شهدا عنه أنه كتاب فلان ويتخرج لنا مثل هذا فإنهما شهدا بما في الكتاب فجاز، وإن لم يعلما تفصيله كما لو شهدا بما في هذا الكيس من الدراهم جازت شهادتهما وإن لم يعرفا قدرها ولنا انهما شهدا بمجهول لا يعلمانه فلم تصح شهادتهما كما لو شهد أن لفلان على فلان مالا، وفارق

مسألة ولو أدرج الكتاب وختمه وقال هذا خطي اشهدا علي بما فيه أو قد أشهدتكما على نفسي بما فيه لم يصح

ما ذكره فإن تعيينه الدراهم التي في الكيس أغنى عن معرفة قدرها، وههنا الشهادة على ما في الكتاب دون الكتاب وهما لا يعرفانه (الشرط الثاني) أن يكتبه القاضي من موضع عمله وولايته فإن كتبه من غير ولايته لم يسغ قبوله لأنه لا يسوغ له في غير ولايته حكم فهو فيه كالعامي (الشرط الثالث) أن يصل الكتاب إلى المكتوب اليه في موضع ولايته فإن وصله في غيره لم يكن له قبوله حتى يصير إلى موضع ولايته، ولو ترافع اليه خصمان في غير محل ولايته لم يكن له الحكم بينهما بحكم ولايته إلا إذا تراضيا عليه فيكون حكمه حكم غير القاضي إذا تراضيا به، وسواء كان الخصمان من أهل عمله أو لم يكونا، ولو ترافع اليه خصمان وهو في موضع ولايته من غير أهل ولايته كان له الحكم بينهما لأن الاعتبار بموضعهما إلا أن يأذن الإمام لقاض أن يحكم بين أهل ولايته حيث كانوا ويمنعه من الحكم بين غير أهل ولايته حيثما كان فيكون الأمر على ما أذن فيه ومنع منه لأن الولاية بتوليته فيكون الحكم على وفقها * (مسألة) * (وإذا وصل الكتاب فأحضر المكتوب إليه الخصم المحكوم عليه في الكتاب فقال لست فلان بن فلان فالقول قوله مع يمينه إلا أن تقوم به بينة فإن ثبت أنه فلان من فلان ببينة أو إقرار فقال: المحكوم عليه غيري لم يقبل الا ببينة تشهد أن في البلد من يساويه فيما سمي ووصف به فيتوقف حتى يعلم المحكوم عليه منهما) وجملة ذلك أنه إن أنكر وقف الحاكم ويكتب إلى الحاكم الكاتب يعلمه الحال وما وقع من الإشكال حتى يحضر الشاهدين فيشهدا عنه بما يتميز به المشهود عليه منهما فإن ادعى المسمى أنه كان في البلد من

مسألة وإذا وصل الكتاب فأحضر المكتوب إليه الخصم المحكوم عليه في الكتاب فقال لست فلان بن فلان

يشاركه في الاسم والصفة وقد مات نظر فإن كان موته قبل وقوع المعاملة التي وقع الحكم بها أو كان ممن لم يعاصره المحكوم عليه أو المحكوم له لم يقع إشكال وكان وجوده كعدمه، وإن كان موته بعد الحكم أو بعد المعاملة وكان ممن أمكن أن تجري بينه وبين المحكوم له معاملة فقد وقع الإشكال كما لو كان حياً لجواز أن يكون الحق على الذي مات (فصل) وإذا كتب بثبوت بينة أو إقرار بدين جاز وحكم به المكتوب اليه وأخذ المحكوم عليه وإن كان ذلك عيناً كنقار محدود أو عيناً مشهورة لا تشتبه بغيرها كعبد معروف مشهورا ودابة كذلك حكم المكتوب اليه أيضاً والزم تسليمه إلى المحكوم له به، وإن كان عينا لا تتميز إلا بالصفة كعبد غير مشهور أو غيره من الأعيان التي لا تتميز إلا بالوصف ففيه وجهان (أحدهما) لا يقبل كتابه به وهو قول أبي حنيفة وأحد الوجهين لأصحاب الشافعي لأن الوصف لا يكفي بدليل أنه لا يجوز أن يشهد لرجل بالوصف والتحلية كذلك المشهود به (والثاني) يجوز لأنه يثبت في الذمة بالعقد على هذه الصفة فأشبه الدين ويخالف المشهود له فإنه لا حاجة إلى ذلك فيه فإن الشهادة له لا تثبت إلا بعد دعواه ولأن المشهود عليه يثبت بالصفة والتحلية فكذلك المشهود به فعلى هذا الوجه ينفذ العين مختومة وإن كان عبداً أو أمة ختم في عنقه وبعثه إلى القاضي الكاتب ليشهد الشاهدان على عينه فإن شهدا عليه دفع إلى المشهود له به وإن لم يشهدا على عينه وقالا: المشهود به غير هذا وجب على آخذه رده إلى صاحبه ويكون حكمه حكم المغصوب

في ضمانه وضمان نقصه ومنفعته فلزمه أجره إن كان له أجر من يوم أخذه إلى أن يصل الى صاحبه لأنه أخذه من صاحبه قهراً بغير حق (فصل) وإن تغيرت حال القاضي الكاتب بعزل أو موت لم يقدح في كتابه، وإن تغيرت بفسق لم يقدح فيما حكم به، وبطل فيما ثبت عنده ليحكم به، وإن تغيرت حال المكتوب إليه فلمن قام مقامه قبول الكتاب والعمل به وجملة ذلك أنه لا يخلو من أن تتغير حال القاضي الكاتب أو المكتوب اليه أو حالهما معاً فإن تغيرت حال الكاتب بموت أو عزل بعد أن كتب الكتاب وأشهد على نفسه لم يقدح في كتابه وكان على من وصله الكتاب قبوله والعمل به سواء تغيرت حاله قبل خروج الكتاب من بلده أو بعده وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا يعمل به في الحالين. وقال أبو يوسف إن مات قبل خروجه من يده لم يعمل به، وإن مات بعد خروجه من يده عمل به لأن كتاب الحاكم بمنزلة الشهادة على الشهادة لأنه ينقل شهادة شاهدي الأصل فإذا مات قبل وصول الكتاب صار بمنزلة موت شاهدي الفرع قبلي أداء شهادتهما ولنا أن المعول في الكتاب على الشاهدين اللذين يشهدان على الحاكم وهما حيان فيجب أن ينقل كتابه كما لو لم يمت ولأن كتابه إن كان فيما حكم به فحكمه لا يبطل بموته وعزله وإن كان فيما ثبت عنده بشهادة فهو أصل واللذان شهدا عليه فرع ولا تبطل شهادة الفرع بموت شاهدي الأصل وما ذكروه

حجة عليهم لأن الحاكم قد اشهد على نفسه وإنما يشهد عند المكتوب اليه شاهدان عليه وهما حيان وهما شاهدا الفرع وليس موته مانعاً من شهادتهما فلا يمنع قبولها كموت شاهدي الأصل وإن تغيرت بفسق قبل الحكم بكتابه لم يحكم به لأن حكمه لا يصح فكذلك لا يجوز الحكم بكتابه ولأن بقاء عدالة شاهدي الأصل شرط في الحكم بشاهدي الفرع فكذلك بقاء عدالة الحاكم لأنه بمنزلة شاهدي الأصل وإن فسق بعد الحكم بكتابه لم يتغير كما لو حكم بشئ ثم بان فسقه فإنه لا ينقض ما مضى من أحكامه كذا ههنا وأما إن تغيرت حال المكتوب إليه بأي حال كان من موت أو عزل أو فسق فلمن وصل اليه الكتاب ممن قام مقامه قبول الكتاب والعمل به وبه قال الحسن حكي عنه أن قاضي الكوفة كتب إلى إياس ابن معاوية قاضي البصرة كتابا فوصل وقد عزل وولي ألحسن فعمل به وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا يعمل به لأن كتاب القاضي بمنزلة الشهادة على الشهادة عند المكتوب اليه وإذا شهد شاهدان عند قاض لم يحكم بشهادتهما غيره. ولنا أن المعول على شهادة الشاهدين بحكم الأصل أو ثبوت الشهادة عنده وقد شهدا عند الثاني فوجب أن يقبل كالأول وقولهم إنها شهادة عند الذي مات ليس بصحيح فإن الحاكم الكاتب ليس

بفرع وقد أديا الشهادة عند المحدود ولو ضاع الكتاب فشهدا بذلك عند الحاكم المكتوب اليه قبل فدل ذلك على أن الاعتبار بشهادتهما دون الكتاب، وقياس ما ذكرناه إن الشاهدين إذا حملا الكتاب إلى غير المكتوب اليه في حال حياته وشهدا عنده عمل به لما بيناه فإن كان المكتوب اليه خليفة المكاتب فمات الكالب أو عزل انعزل المكتوب اليه لأنه نائب عنه فينعزل بعزله وموته كوكلائه، وقال بعض أصحاب الشافعي لا ينعزل خليفته كما لا ينعزل القاض الأصلي بموت الإمام ولا عزله. ولنا ما ذكرناه ويفارق الإمام فإن الإمام يعقد القضاء والإمارة للمسلمين فلم يبطل ما عقده لغيره كولاية النكاح فإذا مات الولي لم يبطل النكاح بخلاف نائب الحكم فإنه تنعقد ولايته لنفسه نائباً عنه فيملك عزله ولأن القاضي لو انعزل بموت الإمام لدخل الضرر على المسلمين لأنه يفضي إلى عزل القضاة في جميع بلاد الإسلام وتتعطل الأحكام، وإذا ثبت أنه ينعزل فليس له قبول الكتاب لانه حنيئذ ليس بقاض. * (فصل) * قال الشيخ رحمه الله (وإذا حكم عليه فقال اكتب لي إلى الحاكم الكاتب أنك حكمت علي حتى لا يحكم علي ثانياً لم يلزمه ذلك ولكنه يكتب له محضراً بالقضية

لأن المحكوم عليه إذا استوفى الحق منه فقال للحاكم اكتب لي محضراً بما جرى لئلا يلقاني خصمي في موضع آخر فيطالبني ثانياً ففيه وجهان. (أحدهما) تلزمه اجابه ليتخلص من المحذور الذي يخافه (والثاني) لا تلزمه لأن الحاكم إنما يكتب بما ثبت عنده أو حكم به فأما استئناف ابتداء فيكفي فيه الأشهاد فيطالبه أن يشهد على نفسه بقبض الحق لأن الحق ثبت عليه بالبينة. * (مسألة) * (وكل من ثبت له عند حاكم حق أو ثبتت براءته مثل أن أنكر وحلفه الحاكم أن يكتب له محضراً بما جرى ليثبت حقه أو براءته لزمته إجابته) أما إذا ثبت له حق بإقرار فسأله المقر له أن يشهد على نفسه شاهدين لزمه ذلك لأن الحاكم لا يحكم بعلمه فربما جحد المقر لا يمكنه الحكم عليه ولو قلنا يحكم بعلمه احتمل ان ينسى فإن الإنسان عرضة النسيان فلا يمكنه الحكم بإقراره وإن ثبت عليه حق بنكول المدعى عليه أو بيمين المدعي بعد النكول فسأله المدعي أن يشهد على نفسه لزمه ذلك لأنه لا حجة للمدعي سواء الاشهاد فأما إن ثبت عنده ببينة فلا يجب جعل بينة أخرى (والثاني) يجب لأن في الاشهاد فائدة جديدة وهي إثبات تعديل بينته وإلزام خصمه وإن حلف المنكر وسأل الحاكم الأشهاد على براءته لزمه ليكون حجة له

مسألة وكل من ثبت له عند حاكم حق أو ثبتت براءته مثل أن أنكر وحلفه الحاكم أن يكتب له محضرا بما جرى

في سقوط المطالبة مرة أخرى وفي جميع ذلك إذا سأله أن يكتب له محضراً بما جرى ففيه وجهان (أحدهما) يلزمه ذلك لأنه وثيقة له فهو كالاشهاد لأن الشاهدين ربما نسيا الشهادة أو نسيا الخصمين فلا يذكرهما إلا رؤية خطهما (والثاني) لا يلزمه لأن الأشهاد يكفيه والأول أصح لأن الشهود تكثر عليهم الشهادات ويطول عليهم الأمد فالظاهر أنهما لا يتحققان الشهادة تحققاً يحصل به اداؤها فلا يفيد إلا بالكتاب. * (مسألة) * (وإن سأل من ثبت محضره عند الحاكم أن يسجل به فعل ذلك وجعله نسختين نسخة يدفعها إليه ونسخة يحبسها عنده والورق من بيت المال فإن لم يكن فمن مال المكتوب له) . ينبغي أن يجعل من بيت المال شئ برسم الكاغد الذي يكتب فيه المحاضر والسجلات لأنه من المصالح فإنه يحفظ به الوثائق ويذكر الحاكم حكمه والشاهد شهادته ويرجع بالدرك على من يرجع عليه فإن أعوز ذلك لم يلزم الحاكم ذلك ويقول لصاحب الحق إن شئت جئت بكاغد أكتب لك فيه فإنه حجة لك ولست أكرهك عليه فإن اختار أن يكتب له محضراً فصفته: بسم الله الرحمن الرحيم حضر القاضي فلان بن فلان قاضي عبد الله الإمام فلان على كذا وكذا وإن كان خليفة القاضي قال خليفة القاضي فلان بن فلان الفلاني قاضي الإمام بمجلس حكمه وقضائه بكذا فإن كان يعرف المدعي والمدعى عليه بأسمائهما وانسابهما قال فلان بن فن؟ الوللافلاني حضر معه فلان بن فلان الفلاني ويرفع في نسبهما

مسألة وإن سأل من ثبت محضره عند الحاكم أن يسجل به فعل ذلك وجعله نسختين يدفعها اليه ونسخة يحبسها

ويذكر حليتهما لأن الاعتماد عليها فربما استعار النسب فادعى عليه كذا وكذا فأقر له ولا يحتاج أن يقول بمجلس حكمه لأن الإقرار يصح في غير مجلس الحكم وإن كتب أنه يشهد على إقراره شاهدان كان آكد ويكتب الحاكم على رأس المحضر: الحمد لله رب العالمين أو ما أحب فأما أن أنكر المدعى عليه وشهدت عليه بينة قال: فادعى عليه كذا وكذا فأنكر فسأل الحاكم المدعي ألك بينة؟ فأحضرها وسأل الحاكم سماعها ففعل وسأله أن يكتب له محضراً بما جرى فأجابه اليه وذلك في وقت كذا ويحتاج ههنا أن يذكر مجلس حكمه وقضائه بخلاف الإقرار لأن البينة لا تسمع إلى في مجلس الحكم والإقرار بخلافه، ويكتب الحاكم في آخر المحضر شهدا عندي بذلك ويكتب علامته في رأس المحضر وإن اقتصر على ذلك دون المحضر جاز لئلا يحلف ثانياً وكتب له مثل ما تقدم إلا أنه يقول فأنكر فسأل الحاكم المدعي ألك بينة؟ قال لا قال فلك يمينه وسأل إحلافه فاحلفه في مجلس حكمه وقضائه في وقت كذا وكذا ولابد من ذكر تحليفه لأن الاستحلاف لا يكون إلا بمجلس الحكم ويعلم في أوله خاصة ويعلم في الإقرار والأحلاف على رأس المحضر جرى الأمر على ذلك فإن نكل المدعى عليه عن اليمين قال فعرض اليمين على المدعي عليه فنكل عنها فسأل خصمه الحاكم أن يقضي عليه بالحق في وقت كذا وإن رد اليمين على المدعى فحلف وحكم له بذلك ذكره، ويعلم في آخره ويذكر أن ذلك في مجلس حكمه وقضائه وهذه صفة المحضر وأما السجل. فهو لا نفاذ ما ثبت عنده والحكم به وصفته بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أشهد

عليه القاضي فلان بن فلان ويذكر ما تقدم في أول المحضر ومن حضره من الشهود أشهدهم أنه ثبت عنده بشهاة فلان وفلان وقد عرفهما بما رأى معه قبول شهادتهما بمحضر من خصمين ويذكرهما إن كانا معروفين وإلا قال مدع ومدعى عليه عليه جاز حضورهما وسماع الدعوى من أحدهما على الآخر معرفة فلان بن فلان ويذكر المشهود عليه وإقراره طوعاً في صحة منه وجواز أمر الجميع ما سمي ووصف به في كتاب نسخته وينسح الكتاب المثبت ألو المحضر جميعه حرفا بحرف فإذا فرغ منه قال وإن القاضي امضاه وحكم به على ما هو الواجب في مثله بعد أن سأله ذلك والأشهاد به الخصم المدعي ويذكر اسمه ونسبه ولم يدفعه الخصم الحاضر بحجة وجعل كل ذي حجة حجته على واشهد القاضي فلان على أنفاسه وحكمه من حضره من الشهود في مجلس حكمه في اليوم المؤرخ في أعلاه وأمر يكتب هذا السجل نسختين متساويتين تخلد نسخة منهما في ديوان الحكم والأخرى تدفع إلى من كتبها له ولك واحد منهما حجة وثيقة فيما أنفذه منهما وهذا يذكر ليخرج من الخلاف ولو

قال إنه ثبت عنده بشهادة فلان وفلان ما في كتاب نسخته كذا ولم يذكر الاعاء عليه جاز وساغ لجواز القضاء على الغائب وما يجتمع عنده من المحاضر والسجلات في كل أسبوع أو شهر بضم بعضها إلى بعض ويكتب عليه محاضر وقت كذا في سنة كذا. * (فصل في صفة الكتاب لى القاضي) * بسم الله الرحمن الرحيم سبب هذه المكاتبة أطال الله بقاء من يصل إليه من قضاء المسلمين وحكامهم أنه ثبت عندي في مجلس حكمي وقضائي الذي أتولاه بمكان كذا وإن كان نائباً قال

فصل في صفة الكتاب إلى القاضي

الذي أنوب فيه عن القاضي فلان بمحضر من خصمين مدع ومدعى عليه جاز سماع الدعوى بينهما وقبول البينة من أحدهما على الآخر بشهادة فلان وفلان وهما من الشهود المعدلين عندي عرفتهما وقبلت شهادتهما بما رأيت معه قبولها معرفة فلان بن فلان الفلاني بعينه واسمه ونسبه فان كان في إثبات أسر أسير قال وإن الفرنج خذلهم الله اسروه من مكان كذا في وقت كذا وحملوه إلى مكان كذا وهو مقيم تحت حوطتهم أبادهم الله وإنه فقير من فقراء المسلمين ليس له شئ من الدنيا لا يقدر على فكاك نفسه ولا شئ منه وإنه مستحق للصدقة على ما يقتضيه كتاب المحضر المشار اليه المتصل أوله بآخر كتابي المؤرخ بكذا وإن كان في إثبات دين قال وأنه يستحق في ذمة فلان بن فلان الفلاني ويرفع

في نسبه ويصفه بما يتميز به من الدين كذا وكذا ديناً عليه حالاً وحقاً واجباً لازماً وإنه يستحق مطالبته واستيفاءه منه وإن كان في إثبات عين كتب: وأنه مالك لما في أيدي فلان من الشئ الفلاني ويصفه صفة يتميز بها، مستحق لأخذه وتسلمه على ما يقتضيه كتاب المحضر المتصل بآخر كتابي المؤرخ بتاريخ كذا وقال الشاهدان المذكوران أنهما بما شهدا به عالمان وله محققان وأنهما لا يعلمان خلاف ما شهدا به إلى حين أقاما الشهادة عندي فأمضيت ما ثبت عندي من ذلك وحكمت بموجبه بسؤال من جازت مسألته وسألني من جاز سؤاله وسوغت الشريعة المطهرة إجابته المكاتبة إلى القضاة والحكام فأجبته إلى ملتمسه لجوازه شرعاً وتقدمت بهذا فكتب وبالصاق المحضر المشار اليه فألصق فمن وقف عليه منهم وتأمل ما ذكرته وتصفح ما سطرته واعتمد في انفاذه والعمل بموجبه ما وجبه الشرع المطهر أحرز من الاجر أجز له وكتب في مجلس الحكم المحروس من مكان كذا في وقت كذا ولا يشترط أن يذكر القاضي اسمه في العنوان ولا ذكر المكتوب اليه في باطنه وبهذا قال

الشافعي وقال أبو حنيفة إذا لم يذكر اسمه فلا يقبله لأن الكتاب ليس اليه ولا يكفي ذكر اسمه في العنوان دون باطنه لأن ذلك لم يقع على وجه المخاطبة ولنا أن المعول فيه على شهادة الشاهدين على الحاكم الكاتب بالحكم ولا يقدح ولو ضاع الكتاب وامتحى سمعت شهادتهما وحكم بها

* (باب القسمة) * قسمة الأملاك جائزة والأصل في القسمة قول الله تعالى (ونيتهم أن الماء قسمة بينهم كل شرب محتضر) وقوله تعالى (وإذا حضر القسمة أولوا القربى) الآية وقول النبي صلى الله عليه وسلم " الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة " وقسم النبي صلى الله عليه وسلم خيبر وكان يقسم الغنائم وأجمعت الأمة على جواز القسمة ولأن بالناس؟ حاجة إلى القسمة ليتمكن كل واحد من الشركاء من التصرف على إيثاره ويتخلص من سوء المشاركة وكثرة الأيدي * (مسألة) * (وهو نوعان قسمة تراض وهي ما فيها ضرر ورد عوض من أحدهما كالدور الصغار والحمام والعضائد المتلاصعة اللاتي لا يمكن قسمة كل عين منفردة والأرض التي في بعضها بئر أو بناء ونحوه لا يمكن قسمته بلاجزا والتعديل إذا رضوا بقسمتها أعياناً بالقيمة جاز لأن الحق لهم لا يخرج عنهم وقد رضوا بقسمته وهذا جارية مجرى البيع لا يجبر عليها الممتنع لا يجوز فيها إلا ما يجوز في البيع) وجملة ذلك أن الشريكين والشركاء في شئ ربعاً كان أو غيره والربع هو العقار من الدور ونحوها إذا طلبها من الحاكم أن يقسمه بينهما اجابهما إليه وإن لم يثبت عنده ملكهما وبهذا قال أبو

باب القسمة

يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة ان كان عقاراً نسبوه إلى ميراث لم يقسمه حتى يثبت الموت والورثة لأن الميراث باق على حكم ملك الميت فلا يقسمه احتياطاً للميت وما عدا العقار يقسمه وإن كان ميراثاً لأنه يثوى ويهلك وقسمته تحفظه وكذلك العقار الذي لا ينسب إلى الميراث وظاهر قول الشافعي أنه لا يقسم عقاراً كان أو غيره ما لم يثبت ملكهما لأن قسمه بقولهم لو دفع بعد ذلك إلى حاكم آخر سهل أن يجعله حكماً لهم ولعله أن يكون لغيرهم ولنا ان اليد تدل على الملك ولا منازع لهم فيثبت لهم من طريق الظاهر ولهذا يجوز لهم التصرف فيه ويجوز شراؤه منهم واتهابه واستئجاره وما ذكره الشافعي يندفع إذا ثبت في القصة إني قسمته بينهم بإقرارهم لا عن بينة شهدت لهم انه ملكهم وكل ذي حجة على حجته وما ذكره أبو حنيفة لا يصح لأن الظاهر تملكهم ولا حق للميت فيه إلا أن يكون عليه دين وما ظهر والأصل عدمه ولهذا اكتفينا به في غير العقار وفيما لم ينسبوه إلى الميراث * (مسألة) * (وهذه القسمة جارية مجرى البيع لما فيها من الرد وبهذا يصير بيعا) لأن صاحب الرد بذل المال عوضاً عما حصل له من حق شريكه وهذا هو البيع ولا يجبر عليها الممتنع منها لما روى مالك في موطئه عن عمر بن يحيى المازني عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال

مسألة وهذه القسمة جارية مجرى البيع لما فيها من الرد وبهذا يصير بيعا

" لا ضرر ولا ضرار " ولأنه لا يجير على بيع ملكه فلا يجبر على قسمته لأنها بيع ولا يجوز فيها إلا ما يجوز في البيع كذلك (فصل) وهل تلزم قسمة التراضي بالقرعة إذا قسمها الحاكم أو رضوا بقاسم يقسم بينهم؟ فيه وجهان (أحدهما) تلزم كقسمة الاجبار لأن القاسم كالحاكم وقرعته كحكمه (والثاني) لا تلزم الا في البيع والبيع لا يلزم الا بالتراضي لا بالقرعة وإنما القرعة فيه لتعريف البائع من المشتري، فأما أن تراضيا على أن يأخذ كل واحد منهما من السهمين بغير قرعة فإنه يجوز لأن الحق لهما لا يخرج عنهما وكذلك لو خير أحدهما صاحبه فأختار ويلزم ههنا بالتراضي والتفرق كما يلزم البيع. * (مسألة) * (والضرر المانع من القسمة هو نقص القيمة بالقسم في ظاهر كلام أحمد ولا ينتفعان به مقسوما في ظاهر كلام الخرقي) اختلفت الرواية في الضرر المانع من القسمة ففي قول الخرقي هو ما لا يمكن أحدهما معه الإنتفاع بنصيبه مفرداً فيما كان ينتفع به مع الشركة مثل أن تكون بينهما دار صغيرة إذا قسمت أصاب كل واحد منهما موضعاً ضيقاً لا ينتفع به ولو امكن أن ينتفع به في شئ غير الدار لم يجبر على القسمة أيضاً لأنه ضرر يجرى مجرى الإتلاف

مسألة والضرر المانع من القسمة هو نقص القيمة بالقسم في ظاهر كلام أحمد ولا ينتفعان به مقسوما في ظاهر

(والرواية الأخرى) أن المانع من القسمة هو أن ينقص قيمة نصيب أحدهما بالقسمة عن حال الشركة سواء انتفعوا به مقسوماً أو لم ينتفعوا. قال القاضي هذا ظاهر كلام أحمد لأنه قال في رواية الميموني إذا قال بعضهم يقسم وبعضهم لا يقسم فإن كان فيه نقصان من ثمنه بيع وأعطي الثمن فأعتبر نقصان الثمن وهذا الظاهر من كلام الشافعي لأن نقص قيمته ضرر والضرر منفي شرعاً وقال مالك يجبر الممتنع وإن استضر قياساً على ما لا ضرر فيه ولا يصح لقوله عليه السلام " لا ضرر ولا ضرار " من المسند ولأن في قسمته ضرراً فلم يجبر عليه كقسمة الجوهرة بكسرها ولأن في قسمته إضاعة المال وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال ولا يصح القياس على ما لا ضرر فيه لما بينهما من الفرق * (مسألة) * (وإن كان الضرر على أحدهما دون الآخر كرجلين لأحدهما الثلثان وللآخر الثلث ينتفع صاحب الثلثين بقسمها ويتضرر الآخر فطلب من لا يتضرر القسم لم يجبر الآخر عليه وإن طلبه الآخر أجبر الأول وقال القاضي إن طلبه الأول أجبر الآخر وإن طلبه المضرور لم يجبر الآخر) أما إذا طلب القسمة من لا يتضرر لم يجبر الآخر ذكره أبو الخطاب وهو ظاهر كلام أحمد في رواية حنبل قال كل قسمة فيها ضرر لا أرى قسمها وهذا قول ابن أبي ليلى وأبي ثور وقال القاضي يجبر

الآخر عليها وهو قول الشافعي وأهل العراق لأنه طلب إفراد نصيبه الذي لا يستضر بتميزه فوجبت اجابته إليه كما لو كانا لا يستضران بالقسمة ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " لا ضرر ولا ضرار " ولأنها قسمة يضر بها صاحبه فلم يجبره عليها كما لو استضرا معاً ولأن فيه إضاعة المال وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعته وإذا حرم عليه إضاعة ماله فإضاعة مال غيره أولى وقد روى عمرو بن جميع عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا تعصبة على أهل الميراث الا ما حصل القسم " قال أبو عبيدة هو أن يخلف شيئاً إذا قسم كان فيه ضرر على بعضهم أو على جميعهم ولأننا اتفقنا على أن الضرر مانع من القسمة وإن الضرر في حق أحدهما مانع ولا يجوز أن يكون المانع هو ضرر الطالب لأنه مرضي به من جهته فلا يجوز كونه مانعاً كما لو تراضيا عليها مع ضررهما أو ضرر أحدهما فتعين الضرر من المانع في جهة المطلوب ولأنه ضرر غير مرضي به من جهة صاحبه فمنع القسمة كما لو استضرا معاً، فأما إذا طلب القسمة المستضر بها كصاحب الثلث في المسألة المفروضة أجبر الآخر عليها هذا مذهب أبي حنيفة ومالك لأنه طلب دفع ضرر الشركة عنه بأمر لا ضرر على صاحبه فيه فأجبر عليه كما لا ضرر فيه يحققه إن ضرر الطالب مرضي به من جهته فسقط حكمه والآخر لا ضرر عليه فصارت كما لا ضرر فيه، وذكر أصحابنا أن المذهب أنه لا يجبر الممتنع عن القسمة لنهي

مسألة وإن كان الضرر على أحدهما دون الآخر كرجلين لأحدهما الثلثان وللآخر الثلث ينتفع صاحب الثلثين

النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال ولأن طلب القسمة من المستضر سفه فلا تجب إجابته إلى السفه قال الشريف متى كان أحدهما يستضر لم تجب القسمة، وقال أبو حنيفة متى كان أحدهما ينتفع بها وجبت وإن استضر بها الغالب فعل وجهين وقال مالك تجب على كل حال (فصل) ولو كانت دار بين ثلاثة لأحدهم نصفها وللآخرين نصفها لكل واحد منهما ربعها فإذا قسمت استضر كل واحد منهما ولا يستضر صاحب النصف فطلب صاحب النصف القسمة وجبت إجابته لأنه يمكن قسمتها نصفين من غير ضرر فيصير حقهما لهما داراً وله النصف فلا يستضر واحد منهما ويحتمل ألا تجب عليهما الإجابة لأن كل واحد منهما يستضر بإفراد نصيبه وإن طلبا المقاسمة فامتنع صاحب النصف أجبر لأنه لا ضرر على واحد منهم، وإن طلبا إفراد نصيب كل واحد منهما أو طلب أحدهما أفراد نصيبه لم تجب القسمة على قياس المذهب لأنه إضرار بالطالب وسفه وعلى الوجه الذي ذكرناه تجب القسمة لأن المطلوب منه لا ضرر عليه * (مسألة) * (وإن كان بينهما عبيد أو بهائم أو ثياب ونحوها فطلب أحدهما قسمها أعياناً بالقيمة لم يجبر الآخر عليه وقال القاضي يجبر) أما إذا اتفقا على القسمة جاز لأن النبي صلى الله عليه وسلم قسم الغنائم يوم بدر ويوم خيبر ويوم حنين وهي تشتمل على أجناس المال وسواء اتفقا على قسمة كل جنس بينهما أو اتفقا على قسمتها أعياناً بالقيمة وإن

مسألة وإن كان بينهما عبيد أو بهائم أو ثياب ونحوها فطلب أحدهما قسمها أعيانا بالقيمة لم يجبر الآخر عليه

طلب أحدهما قسمة كل نوع على حدته إن أمكن وإن طلب أحدهما القسمة وأبى الآخر وكان مما لا تمكن قسمته إلا بأخذ عوض من غير جنسه أو قطع ثوب في قطعه نقص أو كسر أناء أو رد عوض لم يجبر الممتنع وإن أمكن قسمة كل نوع على حدته من غير ضرر ولا رد عوض فقال القاضي يجبر الممتنع وهو ظاهر مذهب الشافعي وقال أبو الخطاب لا أعرف في هذا عن إمامنا رحمه الله رواية ويحتمل أن لا يجبر الممتنع عليه وهو قول بن خيران من أصحاب الشافعي لأن هذا إنما يقسم أعياناً بالقيمة فلم يجبر الممتنع عليه كما لا يجبر على قسمة الدور بأن يأخذ هذا دارا وهذا داراً كالجنسين المختلفين ووجه الأول أن الجنس الواحد كالدار الواحدة وليس اختلاف الجنس أو احد في القيمة بأكثر من اختلاف قيمة الدار الكبيرة والقرية العظيمة فإن أرض القرية تختلف لا سيما إذا كانت ذات أشجار مختلفة وأرض متنوعة والدار ذات بيوت واسعة وضيقة وحديثة وقديمة ثم هذا الاختلاف لا يمنع الإجبار على القسمة كذلك الجنس الواحد وفارق الدور فإنه أمكن قسمة كل دار على حدتها وههنا لا يمكن قسمة كل ثوب منها أثواباً على حدته فإن كانت الثياب أنواعاً كالحرير والقطن والكتان فهي كالأجناس فكذلك سائر المال والحيوان كغيره من الأموال ويقسم النوع الواحد

منه وبه قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة لا يقسم الرقيق قسم إجبار لأن منافعه تختلف ويقصد منه العقل والدين والفطنة وذلك لا يقع فيه التعديل ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم جزأ العبيد الذين أعتقهم الأنصاري في مرضه ثلاثة أجزاء ولأنه نوع حيوان يدخله التقويم فجازت قسمته كسائر الحيوان وما ذكروه غير صحيح لأن القيمة تجمع ذلك وتعدله كسائر الأشياء المختلفة * (مسألة) * (وإن كان بينهما حائط لم يجبر الممتنع من قسمته وإن استهدم لم يجبر على قسم عرصته وقال أصحابنا إن طلب قسمته طولاً بحيث يكون له نصف الطول في كمال العرض أجبر الممتنع وإن طلب قسمه عرضاً وكانت تسع حائطين أجبر الا فلا) وجملة ذلك أن الشريكين إذا كان بينهما حائط لم يجبر الممتنع من قسمه لأن قسمه إفراد حق أحد الشريكين من حق الآخر على وجه يمكن كل واحد منهما الانتفاع بحقه مفرداً ولا يمكن ذلك في الحائط لأنه إن طلب قسمته طولاً في كمال العرض فقطع الحائط ففيه إتلاف فإن لم يقطعه أفضى إلى الضرر لأن في ذلك تحميل أحدهما ثقلاً على نصيب صاحبه وإن طلب قسمته عرضا في كمال الطول لم يجبر الممتنع لأن فيه إفسادا وفيه وجه آخر أنه يجبر لأنه لا ضرر في قسمته وان اسهدم لم يجبر على قسم عرصته وقال أصحابنا إن طلب قسمه عرضاً ليحصل لكل واحد منهما نصف الطول في كمال

مسألة وإن كان بينهما حائط لم يجبر الممتنع من قسمته وإن استهدم لم يجبر على قسم عرضته وقال أصحابنا إن

العرض أجبر الممتنع لأنه لا ضرر ويحتمل أن لا يجبر لأنه يفضي إلى الا يبقى ملكه الذي يلي نصيب صاحبه بغير حائط وإن طلب قسمه عرضاً ليحصل لكل واحد نصف العرض في كمال الطول وكان يحصل لكل واحد منهما ما لا يمكن أن يبني فيه حائطاً لم يجبر الممتنع لأنه يتضرر بذلك وإن حصل له ما يمكن بناء حائط فيه أجبر الممتنع لأنه ملك مشترك يمكن كل واحد منهما الانتفاع به مقسوماً ويحتمل ألا يجبر لأنه لا تدخله القرعة خوفاً من أن يحصل لكل واحد منهما ما يلي ملك الآخر * (مسألة) * (وإن كان بينهما دار لها علو وسفل فطلب أحدهما قسمها لأحدهما العلو وللآخر السفل أو كان بينهما منافع لم يجبر الممتنع من قسمها وإن تراضيا على قسمها كذلك وعلى قسم المنافع بالمهايأة جاز) إذا كانت دار بين اثنين سفلها وعلوها فطلبا قسمها نظرت فإن طلب أحدهما قسمة السفل والعلو بينهما ولا ضرر في ذلك أجبر الآخر عليه لأن البناء في الأرض يجري مجرى الغرس يتبعها في البيع والشفعة ولو طلب قسمة أرض فيها غراس أجبر شريكه عليه كذلك البناء وإن طلب أحدهما جعل السفل لأحدهما والعلو للآخر ويقرع بينهما لم يجبر عليه الآخر لثلاثة معان (احدهما) أن العلو تبع السفل ولهذا إذا بيعا ثبتت الشفعة فيهما وإذا افرد العلو بالبيع لم تثبت الشفعة فيه وإذا كان تبعا له لم يجعل المتبوع بينهما والتبع بينهما فيصير التبع أصلاً (الثاني) إن السفل والعلو يجريان مجرى

مسألة وإن كان بينهما دار لها علو وسفل فطلب أحدهما قسمها لأحدهما العلو والآخر السفل أو كان بينهما

الدارين المتلاصقتين لأن كل واحد منهما يسكن منفرداً ولو كان بينهما دارن لم يكن لأحدهما المطالبة يجعل كل دار نصيباً كذلك ههنا (الثالث) إن صاحب القرار يملك قرارها وهواءها فإذا جعل السفل نصيبا للفرد صاحبه بالهواء وليست هذه قسمة عادلة وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة يقسم الحاكم فيجعل ذراعاً من السفل بذراعين من العلو وقال أبو يوسف ذراع بذراع. وقال محمد يقسمها بالقيمة واحتجوا بأنها دار واحدة فإذا قسمها على ما يراه جاز كالتي لا علو لها ولنا ما ذكرناه من المعاني الثلاثة وفيها رد ما ذكروه وما يذكرونه من كيفية القسمة تحكم وبعضه يرد بعضاً، وإن طلب أحدهما قسمة العلو وحده أو السفل وحده لم يجب إليه لأن القسمة تراد للتمييز ومع بقاء الإشاعة لا يحصل التمييز، وإن طلب أحدهما قسمة العلو منفرداً والسفل منفرداً لم يجب إليه لأنه قد يحصل لكل واحد منهما علو سفل الآخر فيستضر كل واحد منهما ولا يتميز الحقان (فصل) وإن كان بينهما منافع فطلب أحدهما قسمها بالمهايأة لم يجبر الآخر لأن قسمة المنافع إنما تكون بقسمة الزمان والزمان إنما يقسم بأن يأخذ أحدهما قبل الآخر وهذا لا تسوية فيه فإن الآخر يتأخر حقه فلا يجبر على ذلك فأما أن تراضيا على قسمه العلو لاحدهما والسفل للآخر أو تراضيا على

قسمة المنافع بالمهايأة جاز لأن الحق لا يخرج عنهما فيجوز تراضيهما، وذكر ابن البناء في كتاب الخصال أن الشركاء إذا اختلفوا في منافع دار بينهما أن الحاكم يجبرهم على قسمها بالمهايأة أو يؤجرها عليهم * (مسألة) * (وإن كان بينهما أرض ذات زرع فطلب أحدهما قسمتها دون الزرع قسمت لأنه لا ضرر في قسمها ويجبر الممتنع) لأن الزرع في الأرض كالقماش في الدار فلم يمنع القسمة وسواء خرج الزرع أو كان بذراً لم يخرج فإذا قسماها بقي الزرع بينهما مشتركاً كما لو باعا الأرض لغيرهما، وإن طلب أحدهما قسمة الزرع منفرداً لم يجبر الآخر عليه لأن القسمة لا بد فيها من تعديل المقسوم وتعديل الزرع بالسهام لا يمكن لأنه يشترط بقاؤه في الأرض المشتركة * (مسألة) * (وإن طلب قسمتها مع الزرع لم يجبر الآخر) هكذا ذكره في الكتاب المشروح وهو قول الشافعي، وذكر في كتابه المغني والكافي أنه يجبر إذا كان الزرع قد خرج لأن الزرع كالشجر في الأرض والقسمة إفراز حق وليست بيعاً وإن قلنا هي بيع لم يجز إذا اشتد الحب لأنه يتضمن بيع السنبل بعضه ببعض، ويحتمل الجواز لأن السنبل ههنا داخل تبعاً للأرض، وليس بمقصود فأشبه بيع النخلة المثمرة بمثلها، وقال الشافعي لا يجبر الممتنع من قسمها مع الزرع لأن الزرع مودع في الأرض للنقل عنها فلم تجب قسمته معها كالقماش فيها

مسألة وإن كان بينهما أرض ذات زرع فطلب أحدهما قسمتها دون الزرع قسمت لأنه لا ضرر في قسمها

ولنا أنه ثابت فيها للنماء والنفع فأشبه الغراس وفارق القماش فإنه غير متصل بالدار ولا ضرر في نقله * (مسألة) * (وإن تراضوا عليه والزرع قصيل أو قطن جاز) لأن الحق لهم لا يخرج عنهم، وإن كان بذراً أو سنابل قد اشتد حبها ففيه وجهان (أحدهما) لا يجوز في البذر لجهالته وكونه لا يمكن إفرازه وهذا مذهب الشافعي (والثاني) يجوز لأنه يدخل تبعاً للأرض فأشبه أساسات الحيطان وكذلك القول فيما اذا اشتد حبه فيه الوجهان (أحدهما) لا يجوز لافضائه إلى بيع السنبل بعضه ببعض (والثاني) يجوز لأنه يدخل تبعاً وقال القاضي يجوز في السنابل ولا يجوز في البذر لجهالته ووجه الجواز أنه يدخل تبعاً فلا يكون مانعاً من الصحة كما لو اشترى أرضاً فيها زرع واشترطه فإنه يملكه بالشرط، وإن كان بذراً مجهولاً * (مسألة) * (وإن كان بينهما نهر أو قناة أو عين ينبع ماؤها فالماء بينهما على ما اشترطا عند استخراج ذلك) لقول النبي صلى الله عليه وسلم " المؤمنون على شروطهم) فإن اتفقا على قسمة بالمهايأة جاز لأن الحق لهما لا يخرج عنهما، ولأن المنافع ملكهما فجاز قسمها كالأعيان والمهاياة أن يكون في يد كل واحد منهما مدة معلومة على قدر حقه من ذلك)

مسألة وإن تراضوا عليه والزرع قصيل أو قطن جاز

* (مسألة) * (وإن أراد قسم ذلك بنصب خشبة أو حجر في مصدم الماء فيه ثقبان على قدر حق كل واحد منهما جاز ويسمى المرار) لأن ذلك طريق إلى التسوية بينهما فجاز كقسم الأرض بالتعديل، وإن أراد أحدهما أن يسقى بنصيبه أرضاً ليس لها رسم شرب من هذا النهر جاز لأنه من نصيبه فجاز التصرف فيه كيف شاء كسائر ماله وكما لو لم يكن له شريك، ويحتمل أن لا يجوز لأنه إذا جعل لهذه الأرض حقاً في الشرب من هذا النهر المشترك فربما أفضى إلى أن يجعل لها حقاً في نصيب شريكه لأنه إذا طال الزمان يظن أن لهذه الأرض حقاً من السقي من النهر المشترك فيأخذ لذلك أكثر من حقه ويجئ على أصلنا أن الماء لا يملك وينتفع بها كل واحد منهما على قدر حاجته * (فصل) * قال الشيخ رحمه الله (النوع الثاني قسمة الإجبار وهي ما لا ضرر فيها ولا رد عوض كالأرض الواسعة والقرى والبساتين والدور الكبار والدكاكين الواسعة والمكيلات والموزونات من جنس واحد سواء كان مما مسته النار كالدبس وخل التمر أو لم تمسه كخل العنب والألبان والأدهان فإذا طلب أحدهما قسمها وأبى الآخر أجبر عليه) أما المكيلات والموزونات من المطعومات وغيرها فيجوز قسمها لأن جواز قسم الأرض مع اختلافها يدل على جواز ما لا يختلف بطريق التنبيه وسواء في ذلك الحبوب والثمار والنورة والأشنان

مسألة وإن أراد قسم ذلك بنصب خشبة أو حجر في مصدم الماء فيه ثقبان على قدر حق كل واحد منهما جاز

والحديد والرصاص ونحوها من الجامدات والعصير والخل واللبن والعسل والسمن والدبس والزيت والرب ونحوها من المائعات وسواء قلنا أن القسمة بيع أو إفراز حق لأن بيعه جائز وإفرازه جائز فإن كان فيها أنواع كحنطة وشعير وتمر وزبيب فطلب أحدهما قسمها كل نوع على حدته أجبر الممتنع وإن طلب قسمها أعياناً لم يجبر الممتنع لأن هذا بيع نوع بنوع آخر، وليس بقسمة فلم يجبر عليه كغير الشريك فإن تراضيا عليه جاز وكان بيعاً يعتبر له التقابض قبل التفرق فيما يعتبر التقابض فيه، وسائر شروط البيع (فصل) إذا طلب أحد الشركاء القسمة وامتنع بعض الشركاء في الأرض والدور ونحوهما مما ذكرنا أجبر الممتنع على القسمة بثلاثة شروط (أحدها) أن يثبت عند الحاكم ملكهم ببينة لأن في الإجبار عليها حكما على الممتنع منها فلا يثبت إلا بما يثبت به الملك لخصمه بخلاف حالة الرضاء فإنه لا يحكم على أحدهما إنما يقسم بقولهما ورضاهما (الشرط الثاني) ألا يكون فيها ضرر فإن كان فيها ضرر لم يجبر الممتنع لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا ضرر ولا ضرار " رواه ابن ماجه، وفي لفظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى ألا ضرر ولا ضرار (الشرط الثالث) أن يمكن تعديل السهام من غير شئ يجعل معها فإن لم يكن ذلك لم يجبر الممتنع لأنها تصير بيعاً والبيع لا يجبر عليه أحد المتبايعين، ومثال ذلك ارض قيمتها مائة فيها شجرة

وبئر يساوي مائتين فإذا جعلت الأرض سهماً كانت الثلث فيحتاج أن يجعل معها خمسون يردها عليه من لم تخرج له البئر أو الشجرة ليكونا نصفين متساويين فهذه فيها بيع. الا ترى أن آخذ الأرض قد باع نصيبه من الشجرة والبئر بالثمن الذي أخذه. والبيع لا يجبر عليه لقول الله تعالى (إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) فإذا اجتمعت الشروط الثلاثة أجبر الممتنع من القسمة عليها لأنها تتضمن إزالة ضرر الشركة عنهما وحصول النفع لهما لأن نصيب كل واحد منهما إذا تميز كان له أن يتصرف فيه بحسب اختياره ويتمكن من إحداث الغراس والبناء فيه والإجارة والعارية، ولا يمكنه ذلك مع الاشتراك فوجب أن لا يجبر الآخر عليه لقوله عليه السلام " لا ضرر ولا ضرار " وقد اختلف في الضرر المانع من القسمة وقد ذكرناه * (مسألة) * (وهذه القسمة إفراز حق (أحدهما) من الآخر وليست بيعاً) وهذا أحد قولي الشافعي وفي الآخر هي بيع وحكي ذلك عن أبي عبد الله بن بطة لأنه يبدل نصيبه من أحد السهمين بنصيب صاحبه من السهم الآخر وهذا حقيقة البيع ولنا أنها لا تفتقر إلى لفظ التمليك ولا يجب فيها شفعة ويلزم بإخراج القرعة ويتقدر أحد النصيبين بقدر الآخر والبيع لا يجوز فيه شئ من ذلك ولأنها تنفرد عن البيع باسمها وأحكامه فلم تكن بيعاً كسائر العقود وفائدة الخلاف أنها إذا لم تكن بيعاً جازت قسمة الثمار خرصا والمكيل وزنا

مسألة وهذه القسمة إفراز حق أحدهما من الآخر وليست بيعا

والموزون كيلا والتفرق قبل القبض فيما يشترط فيه القبض في البيع إذا حلف لا يبيع فقسم لم يحنث وإذا كان العقار أو بعضه وقفاً جازت قسمته وإن قلنا هي بيع انعكست هذه الأحكام، هذا إذا خلت من الرد فإن كان فيها رد عوض فهي بيع لأن صاحب الرد يبدل المال عوضاً عما حصل له من مال شريكه وهذا هو البيع فإن فعلا ذلك في وقف لم يجز لأن بيعه غير جائز وإن كان بعضه طلقا وبعضه وقفا والرد من صاحب الطلق لم يجز لأنه يشتري بعض الوقف، وإن كان من أهل الوقف جاز لأنهم يشترون بعض الطلق وذلك جائز * (فصل) * قال الشيخ رحمه الله (ويجوز للشركاء أن ينصبوا قاسماً يقسم بينهم وأن يسألوا الحاكم نصب قاسم فإن نصب الحاكم قاسماً فمن شرطه أن يكون عدلا عالماً بالحساب ليوصل إلى ذي حق حقه كما يلزم أن يكون الحاكم عالماً بالحكم ليحكم بالحق) وهذا قول الشافعي إلا أنه يشترط أن يكون حراً وإن نصبوا قاسماً بينهم فكان على صفة قاسم الحاكم في العدالة والمعرفة فهو كقاسم الحاكم في لزوم قسمته بالقرعة وإن كان كافراً أو فاسقاً أو جاهلاً بالقسمة لم تلزم قسمته إلا بتراضيهم بها ويكون وجوده فيما يرجع إلى لزوم القسمة كعدمه * (مسألة) * (فمتى عدلت السهام وأخرجت القرعة لزمت القسمة) لأنها كالحكم من الحاكم ويحتمل أن لا تلزم فيما فيه رد بخروج القرعة حتى يرضيا بذلك لأن

مسألة فمتى عدلت السهام وأخرجت القرعة لزمت القسمة

ما فيه رد بيع حقيقة لأن صاحب الرد يبدل عوضاً لما حصل له من حق شريكه وهذا هو البيع والبيع لا يلزم بالقرعة * (مسألة) * (وإذا كان في القسمة تقويم لم يجز أقل من قاسمين لأنها شهادة بالقيمة فلم يقبل فيها أقل من اثنين كسائر الشهادات وإن لم يكن فيها تقويم أجزأ قاسم واحد) لأن القاسم يجتهد في التقويم وهو يعمل باجتهاده؟ أشبه الحاكم ومتى اقتسما بأنفسهما واقترعا لم تلزم القسمة إلا بتراضيهما * (مسألة) * (وإذا سألوا الحاكم قسمة عقار لم يثبت عنده أنه لهم قسمه وذكر في كتاب القسمة أنه قسمة بمجرد دعواهم لا عن بينة شهدت لهم بملكهم) لأن اليد دليل الملك وقال الشافعي لا يقسمه حتى يثبت عنده ملكهم وفي ذلك اختلاف ذكرناه في أول باب القسمة ولا يجب عليه أن يقسم بينهم في هذه الحال بل يجوز له ذلك وقد ذكرناه * (فصل) * قال الشيخ رحمه الله (ويعدل القاسم السهام بالأجزاء إن كانت متساوية وبالقيمة إن كانت مختلفة وبالرد إن كانت تقتضيه) القسمة على ضربين قسمة إجبار وقسمة تراض وقسمة الإجبار ما أمكن التعديل فيها من غير رد

مسألة وإذا سألوا الحاكم قسمة عقار لم يثبت عنده أنه لهم قسمه وذكر في كتاب القسمة أنه قسمة بمجرد

ولا تخلو من أربعة أقسام: (أحدهما) أن تكون السهام متساوية وقيمة الأجزاء متساوية (الثاني) أن تكون السهام متساوية وقيمة الأجزاء مختلفة (الثالث) أن تكون السهام مختلفة وقيمة الاجزاء مستاوية (الرابع) أن تكون السهام مختلفة والقيمة مختلفة فأما الأول فمثل أرض بين ستة لكل واحد منهم سدسها وقيمة أجزاء الأرض متساوية فهذه تعدلها بالمساحة ستة أجزاء متساوية لأنه يلزم من تعديلها بالمساحة تعديلها بالقيمة لتساوي أجزائها في القيمة ثم يقرع بينهم وكيفما أقرع بينهم جاز في ظاهر كلام أحمد فإنه قال في رواية أبي داود إن شاء رقاعاً وإن شاء خواتيم يطرح ذلك في حجر من لم يحضر ويكون لكل واحد خاتم معين ثم يقال أخرج خاتماً على هذا السهم فمن خرج خاتمه فهو له وعلى هذا لو أقرع بالحصى أو غيرها جاز واختار أصحابنا في القرعة أن يكتب رقاعاً متساوية بعدد السهام وهو ههنا مخير بين أن يخرج السهام على الأسماء أو يخرج الأسماء على السهام فإن أخرج الأسماء على السهام كتب في كل رقعة اسم واحد من الشركاء وتترك في بنادق شمع أو طين متساوية القدر والوزن وتترك في حجر رجل لم يحضر القسمة ويقال له اخرج بندقة على هذا السهم فإذا أخرجها كان ذلك السهم لمن خرج اسمه في البندقة ثم يخرج على سهم آخر كذلك حتى يبقى الأخير فيتعين لمن بقي وإن اختار إخراج السهام على الأسماء في الرقاع أسماء السهام فيكتب في رقعة الأول مما يلي جهة كذا وفي الآخر الثاني حتى يكتب الستة ثم يخرج القرعة على واحد بعينه فيكون له السهم الذي في الرقعة ويفعل ذلك حتى يبقى الأخير فيتعين لمن بقي وذكر

أبو بكر إن البنادق تجعل طيناً وتطرح في ماء ويعين واحداً فأي البنادق انحل الطين عنها وخرجت رقعتها على الماء فهي له وكذلك الثاني والثالث وما بعده فإن خرج اثنان معاً أعيد الإقراع والأول أولى واسهل (القسم الثاني) أن تكون السهام متفقة والقيمة مختلفة فإن الأرض تعدل بالقيمة وتجعل ستة أسهم متساوية القيمة ويفعل في إخراج السهام مثل الذي قبله سواء لا فرق بينهما إلا أن التعديل ثم بالسهام وههنا بالقيمة (القسم الثالث) أن تكون القيمة متساوية والسهام مختلفة كأرض بين ثلاثة لأحدهم النصف وللآخر الثلث وللثالث السدس وأجزاؤها متساوية القيم فإنها تجعل سهاما بقدر أقلها وهو السدس فيجعل ستة أسهم ويعدل بالأجزاء ويكتب ثلاث رقاع باسمائهم وبخرج رقعة على السهم الأول فإن خرجت لصاحب السدس أخذه ثم يخرج أخرى على الثاني فإن خرجت لصاحب الثلث أخذ الثاني والثالث وكانت الثلاثة الباقية لصاحب النصف بغير قرعة وإن خرجت القرعة الثانية لصاحب النصف أخذ الثاني والثالث والرابع وكان الخامس والسادس لصاحب الثلث وإن خرجت القرعة الأولى لصاحب النصف أخذ الثلاثة الأول وتخرج الثانية على الرابع فإن خرجت لصحاب الثلث أخذه والذي يليه وكان السادس لصاحب السدس وإن خرجت الثانية لصاحالب السدس أخذه وأخذ الآخر الخامس والسادس وإن خرجت الأولى لصاحب الثلث أخذ الأول والثاني ثم تخرج الثانية على الثالث فإن خرجت لصاحب النصف أخذ الثالث والرابع والخامس وأخذ الآخر السادس فإن

خرجت الثانية لصاحب السدس أخذه وأخذ صاحب النصف ما بقي وقيل يكيب ست رقاع باسم صاحب النصف ثلاث وباسم صاحب الثلث اثنان وباسم صاحب السدس واحدة وهذا لا فائدة فيه فإن المقصود خروج اسم صاحب النصف وإذا كتب ثلاث رقاع حصل المقصود فاغنى ولا يصح إن كتب رقاعاً باسماء السهام ويخرجها على أسماء الملاك لأنه إذا أخرج واحدة فيها السهم الثاني لصاحب افيسدس ثم اخرج أخرى لصاحب النصف والثلث فيها السهم الأول احتاج أن يأخذ نصيبه متفرقا الستضر بذلك (القسم الرابع) إذا اختلفت السهام والقيمة فإن القاسم يعدل السهام بالقيمة ويجعلها ستة أسهم متساوية القيم ثم يخرج الرقاع فيها الأسماء على السهام كما ذكرنا في القسم الثالث سواء لا فضل بينهما إلا أن التعديل ههنا بالقيم وفي التي قبلها بالمساحة (فصل) إذا كان بينهما دار أو خان كبير فطلب أحدهما قسمة ذلك ولا ضرر في قسمته أجبر الممتنع على القسمة وتفرد بعض المساكن عن بعض وإن كثرت المساكن وإن كان بينهما داران أو خانان أو أكثر فطلب أحدهما أن يجمع نصيبه في إحدى الدارين ويجعل الباقي نصيباً للآخر لم يجبر الممتنع وبهذا قال الشافعي وقال أبو يوسف ومحمد يجبر إذا رأى الحاكم ذلك فله فعله سواء تقاربتا أو تفرقتا لأنه انفع وأعدل وقال مالك وان كانت متجاورتين أجبر الممتنع من ذلك عليه لأن

المتجاورتين تتفاوت منفعتهما بخلاف المتباعدتين وقال أبو حنيفة ان كانت إحداهما احجزة الأخرى أجبر وإلا فلا لانهما يجريان مجرى الدار الواحدة ولنا أنه نقل حقه من عين إلى عين أخرى فلم يجبر عليه كالمتفرقتين عند مالك وكما لو لم تكن حجزتها عند ابي حنيفة وكما لو كانتا داراً أو دكاناً مع أبي يوسف ومحمد الحكم في الدكاكين كالحكم في الدور ولو كانت لهما عضائد صغار لا يمكن قسمة كل واحدة منهما منفردة لم يجبر الممتنع من قسمتها عليها (فصل) وإن كان أرض واحدة تمكن قسمتها ويؤخذ فيها الشروط التي ذكرناها أجبر الممتنع على قسمتها سواء كانت فارغة أو ذات شجر وبناء فإن كان فيها نخل وكرم وشجر مختلف وبناء فطلب أحدهما قسمة كل عين على حدتها وطلب الآخر قسمة الجميع بالتعديل بالقيمة فقال أبو الخطاب تقسم كل عين على حدتها وهو ظاهر كلام شيخنا في الكتاب المشروح وكذلك كل مقسوم إذا أمكنت التسوية بين الشريكين في جيده ورديئه كان أولى ونحو هذا قال أصحاب الشافعي فمنهم قالوا إذا أمكنت التسوية بين الشريكين في جيده ورديئه بأن يكون الجيد في مقدمها والردئ في مؤخرها فإذا قسمناها صار لكل واحد من الجيد والردئ مثل ما للآخر وجبت القسمة وأجبر الممتنع عليها وإن لم تمكن القسمة بأن تكون العمارة والشجر والجيد لا يمكن قسمته وحده وأمكن التعديل بالقيمة

عدلت بالقيمة وأجبر الممتنع من القسمة عليها وقال الشافعي في أحد القولين لا الممتنع من القسم عليها وقالوا إذا كانت الأرض ثلاثين جزءاً قيمة عشرة منها كقيمة عشرين لم تجبر الممتنع من القسمة عليها لتعذر التساوي في الذرع ولأنه لو كان حقلان متجاوران لم يجبر الممتنع من القسمة إلا بأن يجعل كل واحد منهما سهما كذا ههنا. ولنا أنه مكان واحد أمكنت قسمته وتعديله من غير ضرر ولا دعوض فوجبت قسمته كالدور ولأن ما ذكروه يفضي إلى منع وجوب القسمة في البساتين كلها والدور فإنه لا يمكن تساوي الشجر وبناء الدور ومساكنها إلا بالقيمة ولأنه مكان لو بيع بعضه وجبت فيه الشفعة لشريك البائع فوجبت قسمته كما لو أمكنت التسوية فأما إن كان بستانان لكل واحد منهما طريق أو حقلان أو داران أو دكانان متجاوران أو متباعدان فطلب أحد الشريكين قسمته بجعل كل واحد منهما سهما لم يجبر الآخر على هذا سواء كانا متساويين أو مختلفين وهذا ظاهر مذهب الشافعي لأنهما شيئان متميزان لو بيع أحدهما لم تجب الشفعة فيه لمالك الآخر بخلاف البستان الواحد والأرض الواحدة وإن عظمت فإنها إذا بيع بعضها وجبت الشفعة لمالك البعض الباقي والشفعة كالقسمة لأن كل واحد منهما يراد لازالة ضرر الشركة ونقصان التصرف فما لا تجب قسمته لا تجب الشفعة فيه فكذلك ما لا شفعة فيه لا تجب

قسمته وعكس هذا ما تجب قسمته يجب فيه الشفعة وما تجب الشفعة فيه تجب قسمته ولأنه لو بدأ الصلاح في بعض البستان كان صلاحاً لباقيه إن كان كثيراً ولم يكن صلاحا لما جاوزه وإن كان صغيراً. (فصل) إذا كان بينهما ارض قيمتها مائة في أحد جانبيها بئر قيمتها مائة وفي الآخر شجرة قيمتها مائة عدلت بالقيمة وجعلت البئر مع نصف الأرض نصيباً والشجرة مع النصف نصيباً، فإن كانت بين ثلاثة أو أكثر نظرت في الأرض، فإن كانت قيمتها مائة أو أقل لم تجب القسمة لأنها إذا كانت أقل لم يمكن التعديل إلا بقسمة البئر أو الشجرة وذلك مما لا تجب قسمته وإن كانت قيمتها مائة فجعلناها سهماً والشجرة سهماً لم يحصل مع البئر والشجرة شئ من الأرض فتصير هذه كقسمة الشجر وحده وقسمة ذلك وحده ليست قسمة إجبار، وإن كانت الأرض كثيرة القيمة بحيث يأخذ بعض الشركاء سهامهم منها ويبقي منها شئ مع البئر والشجرة وجبت القسمة ومثاله أن تكون قيمة الأرض مائتين وخمسين فتجعل مائة وخمسين سهما ويصير إلى البئر ما قيمته خمسون وإلى الشجرة مثل ذلك فتصير ثلاثة سهام متساوية وفي كل سهم جزء من أجزاء الأرض فتجب القسمة حينئذ، وكذلك لو كانوا أربعة وقيمة الأرض أربعمائة وجبت القسمة لأننا نجعل ثلثمائة منها سهمين ومائة مع البئر والشجرة سهمين فتعدلت السهام ولو كانت الأرض لاثنين فأرادا قسمة البئر والشجر دون الأرض لم تكن قسمة إجبار ولو قسماها بشجرها كانت قسمة إجبار لأن الشجر يدخل تبعاً للأرض فيصير الجميع كالشئ الواحد ولهذا تجب فيه الشفعة إذا بيع شئ من الأرض بشجرة وإذا قسم ذلك

دون الأرض صار أصلا في القسمة ليس بتابع لشئ واحد فيصير كأعيان مفردة من الدور والدكاكين المفرقة ولهذا لا تجب فيه الشفعة. (فصل) وعلى الإمام أن يرزق القاسم من بيت المال لأن هذا من المصالح، وقد روي أن علياً رضي الله عنه اتخذ قاسماً وجعل له رزقا من بيت المال، فان لم يرزقه الإمام قال الحاكم للمتقاسمين ادفعا إلى قاسم أجرة ليقسم بينكما، فإن استأجره كل منهما بأجر معلوم ليقسم نصيبه جاز، وإن استأجروه جميعا أجارة واحدة ليقسم بينهم بأجر واحد معلوم لزم كل واحد منهم من الأجر بقدر نصيبه من المقسوم وبهذا قال الشافعي، وقال أبو حنيفة يكون عليهم على عدد رؤوسهم لأن عمله في نصيب أحدهما مثل عمله في نصيب الآخر، وسواء تساوت سهامهم أو اختلفت فكان الأجر بينهم سواء. ولنا أن أجر القسمة يتعلق بالملك فكان بينهم على قدر الأملاك كنفقة العبد، وما ذكروه لا يصح لأن العمل في أكبر النصيبين أكثر الا ترى أن المقسم إذا كان مكيلا أو موزونا كان كيل الكثير أكثر عملا من كيل القليل وكذلك الوزن والذرع، وعلى أنه يبطل بالحافظ فإن حفظ القليل والكثير سواء ويختلف أجره باختلاف المال. (فصل) وأجرة القسمة بينهما وإن كان أحدهما الطالب لها، وبهذا قال أبو يوسف ومحمد والشافعي وقال أبو حنيفة هي على الطالب للقسمة لأنها حق له ولنا أن الأجرة تجب بإفراز الأنصباء وهم سواء فيها فكانت الأجرة عليهما كما لو تراضوا عليها * (فصل) * قال الشيخ رحمه الله (إذا ادعى بعضهم غلطا فيما تقاسموه بأنفسهم وأشهدوا على يراضيهم به لم يلتفت إليه، وإن كان فيما قسمه قاسم الحاكم فعلى المدعي البينة وإلا فالقول قول المنكر

مع يمينه وإن كان فيما قسمه حاكمهم الذي نصبوه وكان فيما اعتبرنا فيه الرضى بعد القرعة لم تسمع دعواه وإلا فهو كقاسم الحاكم. وجملة ذلك أنه إذا ادعى بعض المتقاسمين غلطاً في القسمة وأنه أعطي دون حقه وكانت قسمة تلزم بالقرعة من غير تراض منهم فالقول قول المدعى عليه مع يمينه ولا يقبل قول المدعي إلا ببينة، فإن أقام شاهدين عدليل نقضت القسمة وأعيدت، وإن لم تقم بينة عادلة وطلب يمين شريكه أنه لا فضل معه أحلف له، وإنما قدمنا قول المدعى عليه لأن الظاهر صحة القسمة وأداء الأمانة فيها، وإن كان مما لا يلزم الا بالتراضي كالذي قسماها بأنفسهما ونحوه لم تسمع دعوى ادعاء الغلط وهو الذي ذكره الأصحاب وهو مذهب الشافعي لأنه قد رضي بذلك ورضاؤه بالزيادة في نصيب شريكه يلزمه، قال شيخنا والصحيح عندي أن هذه كالتي قبلها وأنه متى أقام البينة بالغلط نقضت القسمة لأن ما ادعاه محتمل ثبت ببينة عادلة فأشبه ما لو أشهد على نفسه بقبض الثمن أو المسلم فيه ثم ادعى غلطا في كيله، وقولهم أن حقه في الزيادة سقط برضائه ممنوع فإنه إنما يسقط إذا علمه، أما إذا ظن أعطي حقه فرضي بناء على هذا ثم بان له الغلط فلا يسقط به حق كالثمن والمسلم فيه فإنه لو قبض المسلم فيه بناء على أنه عشرة أقفزة راضيا بذلك ثم تعين له ثمانية وادعى المسلم اليه أنه غلط فأعطاه اثني عشر وثبت ذلك ببينة لم يسقط حق واحد منهما بالرضا به ولا يمتنع سماع دعواه وبينته ولأن المدعى عليه في مسئلتنا لو فرط بالغلط لنقضت القسمة ولو سقط حق المدعي بالرضا لما نقضت القسمة باقراره كما لو وهبه الزائد وقد ذكر أصحابنا وغيرهم فيمن باع داراً على أنها عشرة أذرع فبانت تسعة أو أحد عشر أن البيع باطل في أحد الوجهين، وفي الآخر تكون الزيادة للبائع والنقص عليه والبيع إنما يلزم بالتراضي فلو كان التراضي يسقط حقه من الزيادة لسقط حق البائع من الزيادة وحق المشتري من النقص، ولأن من رضي بشئ بناء على ظن تبين خلافه لم يسقط به حقه كما لو اقتسما شيئاً وتراضيا به ثم بان نصيب أحدهما مستحقاً

فإن قيل فلم لم يعط المظلوم حقه في هاتين المسئلتين ولا تنقض القسمة كما لو تبين الغلط في الثمن أو المسلم؟ قلنا لأن الغلط ههنا في نفس القسمة بتفويت شرط من شروطها وهو تعديل السهام فتبطل لفوات شرطها وفي المسلم والثمن الغلط في القبض دون العقد فإن العقد قديم بشروطه فلا يؤثر الغلط في قبض عوضه في صحته بخلاف مسئلتنا. * (مسألة) * (وإن تقاسموا ثم استحق من حصة أحدهم شئ معين بطلت القسمة وإن كان شائعاً فيهما فعلى وجهين) إذا اقتسم الشريكان شيئاً فبان بعضه مستحقاً وكان معيناً في نصيب أحدهما بطلت القسمة، وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا تبطل بل يخير من ظهر المستحق في نصيبه بين الفسخ والرجوع بما بقي من حقه كما لو وجد عيبا فيما أخذه ولنا أنها قسمة لم تعدل فيها السهام فكانت باطلة كما لو فعلا ذلك مع علمهما بالحال، وأما إذا بان عيب نصيب أحدهما فيحتمل أن تمنع المسألة ونقول بطلان القسمة لعدم التعديل بالقيمة ويحتمل ان أن يفرق بينهما فإن العيب لا يمكن التحرز منه فلم يؤثر في البطلان كالبيع وإن كان المستحق في نصيبهما على السواء لم تبطل القسمة لأن ما يبقى لكل واحد منهما بعد المستحق قدر حقه ولأن القسمة إفراز حق أحدهما من الآخر وقد أفرز كل واحد منهما حقه إلا أن يكون ضرر المستحق في نصيب أحدهما أكثر مثل ان يسد طريقه أو مجرى مائه أو ضوئه ونحو هذا فتبطل القسمة لأن هذا

مسألة وإن تقاسموا ثم استحق من حصة أحدهم شيء معين بطلت القسمة وإن كان شائعا فيهما فعلى وجهين

يمنع التعديل فإن كان المستحق في نصيب أحدهما أكثر من الآخر بطلت القسمة لما ذكرناه، وإن كان مشاعا فيهما بطلت لأن الثالث شريكهما ولم يحضر ولا إذن فأشبه ما لو كان لهما شريك يعلمانه فاقتسما دونه، وفيه وجه آخر أنها لا تبطل لأنه يأخذ من كل واحد منهما مثل ما يأخذ من الآخر ويصير مع كل واحد قدر حقه فأشبه ما لو كان المستحق معينا في نصيبهما على السواء * (مسألة) * (وإن اقتسما دارين قسمة تراض فبنى أحدهما في نصيبه ثم خرجت الدار مستحقة فقلع بناؤه رجع بنصف قيمته على شريكه) هكذا ذكره الشريف أبو جعفر وحكاه أبو الخطاب عن القاضي وقال أبو يوسف ومحمد بن الحسن ليس له الرجوع عليه بشئ لأنه غرس وبنى بإختياره فلم يرجع بنقص ذلك على غيره كما لو بنى في ملك نفسه ولنا أن هذه القسمة بمنزلة البيع فإن الدارين لا تقتسمان قسمة إجبار على أن يكون كل واحد منهما نصيباً وإنما يقتسمان كذلك بالتراضي فتكون جارية مجرى البيع ولو باعه الدار جميعها ثم انت مستحقة رجع عليه بالبناء كله وإن باعه نصفها رجع عليه بنصفه وكذلك يخرج في كل قسمة جارية مجرى البيع وهي قسمة التراضي كالذي فيه رد عوض وما لا يجبر على قسمته لضرر فيه ونحو ذلك فإما قسمة الاجبار إذا ظهر نصيب أحدهما مستحقاً بعد البناء والغرس فيه فينقض البناء ويقلع الغرس فإن قلنا القسمة بيع فكذلك وإن قلنا ليست بيعاً لم يرجع لأن شريكه لم يضره ولم ينتقل إليه من جهته بيع وإنما فرز حقه من حقه فلم يضمن له ما غرم فيه هذا الذي يقتضيه قول الاصحاب * (مسألة) * (وإن خرج في نصيب أحدهما عيب فله فسخ القسمة إذا لم يعلمه أو الرجوع بارش العيب) لأنه نقص في نصيبه فملك ذلك كالمشتري ويحتمل أن تبطل القسمة لأن التعديل فيها شرط ولم يوجد بخلاف البيع

مسألة وإن خرج في نصيب أحدهما عيب

* (مسألة) * (وإذا اقتسم الورثة العقار ثم ظهر على الميت دين فإن قلنا هو إفراز حق لم تبطل القسمة، وإن قلنا هي بيع انبنى على بيع التركة قبل قضاء الدين هل يجوز؟ على وجهين) وجملة ذلك أن تركة الميت يثبت فيها الملك لورثته سواء كان عليه دين أو لم يكن نص عليه أحمد فيمن أفلس ثم مات فقال قد انتقل المبيع إلى الورثة وحصل ملكا لهم وبهذا قال الشافعي، وقال أبو حنيفة إن كان الدين يستغرق التركة منع نقلها الى الورثة وإن كان لا يستغرقها لم يمنع انتقال شئ منها، وقال أبو سعيد الاصطخري يمنع بقدره وقد أومأ إليه أحمد فإنه قال في أربعة بنين ترك أبوهم داراً وعليه دين فقال أحد البنين أنا أعطي ودعوا لي الربع فقال أحمد هذه الدار للغرماء لا يرثوا شيئاً حتى يؤدوا الدين وهذا يدل على أنها لم تنقل إليهم عنده لأنه منع الوارث من إمساك بدفع قيمته لأن الدين لم يثبت في ذمة الورثة فيجب أن يتعلق بالتركة والمذهب الاول ولهذا قلنا ان الغريم لا يحلف على دين الميت لأن الدين محله الذمة وإنما يتعلق بالتركة فيتخير الورثة بين قضاء الدين منها أو من غيرها كالرهن والجاني ولهذا لا يلزم الغرماء نفقة العبد ولا يكون نماء التركة لهم ولأنه لا ينتقل الى الورثة أو الى الغرماء أو يبقى للميت أو لا يكون لأحد، لا يجوز أن ينتقل إلى الغرماء لأنها لو انتقلت إليهم لزمهم نفقة الحيوانات وكان نماؤها لهم غير محسوب من دينهم، ولا يجوز أن يبقى للميت لأنه لم يبق أهلا للملك، ولا يجوز أن يكون لأحد لأنها مال مملوك فلا بد من مالك، ولأنها لو بقيت بغير مالك لابيحت لأن يتملكها كسائر المباحات فثبت أنها انتقلت الى الورثة فعلى هذا إذا تمت التركة ثم إن غلبت الدار او اثمرت النخيل او نتجت الماشية فهو للوارث ينفرد به لا يتعلق به حق الغرماء لأنه نماء ملكه اشبه كسب الجاني ويحتمل أن يتعلق به حق الغرماء كنماء الرهن ومن اختار الاول قال تعلق حق الغرماء بالرهن آكد لا يثبت باختيار المالك ورضاه ولهذا منع المتصرف فيه وهذا يثبت بغير رضاء المالك فلم يمنع التصرف لأنه اشبه الجاني وعلى الرواية الأخرى يكون حكمه حكم

التركة وما يحتاج إليه من المؤنة منها فعلى هذا إن تصرف الورثة في التركة ثم إن غلت الدار او اثمرت النخيل او نتجت الماشية فهو للوارث ينفرد به لا يتعلق به حق الغرماء لأنه نماء ملكه اشبه كسب الجاني ويحتمل أن يتعلق به حق الغرماء كنماء الرهن ومن اختار الاول قال تعلق حق الغرباء بالرهن آكد لا يثبت باختيار المالك ورضاه ولهذا منع التصرف فيه وهذا يثبت بغير رضاء المالك فلم يمنع التصرف لأنه اشبه الجاني وعلاى لرواية الاخرى يكون حكمه حكم التركة وما يحتاج إليه من المؤنة منها فعلى هذا إن تصرف الورثة في التركة ببيع أو هبة فعلى الرواية الأولى تصرفهم صحيح فإن قضوا الدين وإلا نقضت تصرفاتهم كما إذا تصرف السيد في العبد الجاني ولم يود الجناية وعلى الروية الأخرى تصرفاتهم فاسدة لأنهم تصرفوا فيما لم يملكوه والأول أولى إن شاء الله تعالى (فصل) وإن اقتسم الورثة تركة الميت ثم ظهر عليه دين لا وفاء له إلا ما اقتسموه لم تبطل القسمة إذا قلنا هي إفراز حق لأن تعلق الدين بالتركة لا يمنع تصرف الوارث فيها كما لا يمنع تصرف السيد في العيد الجاني لكن إن امتنعوا من وفاء الدين بيعت في الدين وبطلت القسمة لأن الدين يقدم على الميراث لقوله تعالى (من بعد وصية يوصى بها أو دين) فإن وفي أحدهما دون الآخر صح في نصيبه وبيع نصيب الآخر فإن قلنا أن القسمة بيع انبنى على بيع التركة وفيه وجهان ذكرنا دليلهما في المسألة قبل هذا فإن قلنا يجوز لم تبطل القسمة وإن قلنا لا يجوز فالقسمة باطلة لأنه بيع فإن قضوا الدين أعادوها وإلا بيع في قضائه والخلاف في ذلك بني على الخلاف في انتقال التركة إلى الورثة إذا كان على الميت دين وفيه روايتان ذكرناهما والمختار منهما والله أعلم (فصل) قال أحمد في قوم اقتسموا دار أو حصل لبعضهم فيها زيادة أذرع ولبعضهم نقصان ثم باعوا الدار جملة قسمت الدار بينهم على قدر الأذرع يعني أن الثمن يقسم بينهم على قدر ملكهم فيها

وهذا محمول على ان زيادة أحدهما في الأذرع لزيادة ملكه فيها مثل أن يكون لأحدهما الخمسان فيحصل له أربعون ذراعاً وللآخر ثلاثة أخماس فيحصل له ستون ذراعاً فإن الثمن يقسم بينهم أخماساً على قدر ملكهما في الدار، فأما إن كانت زيادة الأذرع لرداءة ما أخذ صاحبها كدار تكون بينهما نصفين فأخذ أحدهما بنصيبه من جيدها أربعين ذراعاً وأخذ الآخر من رديئها ستين فلا ينبغي أن يقسم الثمن على قدر الأذرع بل يقسم بينهما نصفين لأن الستين ههنا معدولة بالأربعين فلذلك تعدل بها في الثمن، وقال أحمد رحمه الله في قوم اقتسموا داراً كانت أربعة أسطحة يجري عليها الماء من أحد الأسطحة فلما اقتسموا أراد أحدهما منع جريان لآخر عليه وقال هذا شئ قد صار لي قال إن كان بينهما شرط برد الماء فله ذلك وإن لم يشترط فليس له منعه ووجه ذلك أنهم اقتسموا الدار واطلقوا فاقتضى ذلك أن يملك كل واحد حصته بحقوقها كما لو اشتراها بحقوقها ومن حقها جريان مائها فيما كان يجري إليه معتاداً له وهو على سطح المانع فلهذا استحقه حالة الإطلاق فإن تشارطا على رده فالشرط أملك والمؤمنون على شروطهم * (مسألة) * (وإن اقتسما فحصلت الطريق في نصيب أحدهما ولا منفذ للآخر بطلت القسمة) لأن القسمة تقتضي التعديل. والنصيب الذي لا طريق له لا قيمة له إلا قيمة قليلة فلا يحصل التعديل، ولأن من شرط الإجبار على القسمة أن يكون ما أخذه كل واحد منهما يمكن الانتفاع فيحصل له أربعون ذراعاً وللآخر ثلاثة أخماس فيحصل له ستون ذراعاً فإن الثمن يقسم بينهم أخماساً على قدر ملكهما في الدار، فأما إن كانت زيادة الاذرع لرداءة ما أخذ صاحبها كدار تكون بينهما نصفين فأخذ أحدهما بنصيبه من جيدها أربعين ذراعاً وأخذ الآخر من رديئها ستين فلا ينبغي أن يقسم الثمن على قدر الأذرع بل يقسم بينهما نصفين لأن الستين ههنا معدولة بالأربعين فلذلك تعدل بها في الثمن، وقال أحمد رحمه الله في قوم اقتسموا داراً كانت أربعة أسطحة يجري عليها الماء من أحد الأسطحة فلما اقتسموا أراد أحدهما منع جريان لآخر عليه وقال هذا شئ قد صار لي قال إن كان بينهما شرط برد الماء فله ذلك وإن لم يشترط فليس له منعه ووجه ذلك أنهم اقتسموا الدار واطلقوا فاقتضى ذلك أن يملك كل واحد حصته بحقوقها كما لو اشتراها بحقوقها ومن حقها جريان مائها فيما كان يجري إليه معتاداً له وهو على سطح المانع فلهذا استحقه حالة الإطلاق فإن تشارطا على رده فالشرط أملك والمؤمنون على شروطهم * (مسألة) * (وإن اقتسما فحصلت الطريق في نصيب أحدهما ولا منفذ للآخر بطلت القسمة) لأن القسمة تقتضي التعديل. والنصيب الذي لا طريق له لا قيمة له إلا قيمة قليلة فلا يحصل التعديل، ولأن من شرط الإجبار على القسمة أن يكون ما أخذه كل واحد منهما يمكن الانتفاع به، وهذا لا ينتفع به آخذه، فإن كان قد أخذه راضياً عالماً بأنه لا طريق له جاز لأن قسمة التراضي بيع وشراؤه على هذا الوجه جائز. قال شيخنا وقياس المسألة التي قبل هذا أن الطريق تبقى بحالها في نصيب الآخر ما لم يشترط صرفها عنه كجري الماء * (مسألة) * (ويجوز للأب والوصي قسم مال المولى عليه مع شريكه) لأن القسمة إما افراز حق أو بيع وكلاهما جائز لهما. ولأن في القسمة مصلحة للصبي فجازت كالشراء له، ويجوز لهما قسمة التراضي من غير زيادة في العوض لأن فيه دفعاً لضرر الشركة فأشبه ما لو باع لضرر الحاجة إلى قضاء الدين أو النفقة والله أعلم

مسألة وإن اقتسما فحصلت الطريق في نصيب أحدهما ولا منفذ للآخر بطلت القسمة

* (تم بحمد الله وعونه الجزء الحادي عشر من كتابي المغني والشرح الكبير) * * (ويليه بمشيئة الله وتوفيقه الجزء الثاني عشر منهما وأوله (كتاب الشهادات)) *

بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الشهادات والأصل فيها الكتاب والسنة والإجماع أما الكتاب فقول الله تعالى (واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء - وقال سبحانه - وأشهدوا ذوي عدل منكم - وقال عزوجل - وأشهدوا إذا تبايعتم) وأما السنة فروى وائل بن حجر رضي الله عنه قال جاء رجل من حضرموت ورجل من كندة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال الحضرمي يارسول الله إن هذا غلبني على أرض لي فقال الكندي هي أرضي وفي يدي فليس له فيها حق فقال النبي صلى الله عليه وسلم للحضرمي (ألك بينة؟ - فقال لا قال - فلك يمينه) قال يارسول الله الرجل فاجر لا يبالي على ما حلف عليه وليس يتورع من شئ قال (ليس لك منه إلا ذلك) قال فانطلق الرجل ليحلف له فقال النبي صلى الله عليه وسلم (لأن حلف على ماله ليأكله ظلما ليلقين الله وهو عنه معرض) قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح وروى محمد بن عبد الله العزرمي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن

كتاب الشهادات

النبي صلى الله عليه وسلم قال (البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه) قال الترمذي هذا حديث في إسناده مقال والعزرمي يضعف في الحديث من قبل حفظه ضعفه ابن المبارك وغير إلا أن أهل العلم أجمعوا على هذا قال قال الترمذي والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيرهم ولأن العبرة تقتضي مشروعية الشهادة فإن الحاجة داعية إليها لحصول التجاحد بين الناس فوجب الرجوع إليها قال شريح القضاء جمر فنحه عنك بعودين يعني الشاهدين وإنما الخصم داء والشهود شفاء فافرغ الشفاء على الداء، واشتقاق الشهادة من المشاهدة لأن الشاهد يخبر عما شاهده، وقيل لأن الشاهد يخبره ويجعل الحاكم كالشاهد للمشهود عليه وتسمى بينة لأنها تبين ما التبس وتكشف الحق في المختلف فيه (مسألة) (تحمل الشهادة واداؤها فرض على الكفاية إذا قام بها من يكفي سقطت عن الباقين وإن لم يقم بها أحد تعينت على من وجد لقول الله تعالى (ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا - وقال - ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه) وإنما خص القلب بالإثم لأنه موضع العلم بها ولأن الشهادة أمانة فلزم أداؤها كسائر الأمانات وقال اله تعالى (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) إذا ثبت هذا فإذا دعي إلى تحمل شهادة في نكاح أو دين أو عدة لزمته الإجابة قال الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله) فإن قام بافرض في التحمل والأداء اثنان سقط عن الجميع، وإن امتنع الكل أثموا، وإنما يأثم

الممتنع إذا لم عليه ضرر وكانت شهادته تنفع، فإن كان عليه ضرر في التحمل أو الأداء أو كان ممن لاتقبل شهادته أو يحتاج إلى التبذل في التزكية لم تلزمه لقول الله تعالى (ولا يضار كاتب ولا شهيد) وقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا ضرر ولا ضرار) وإنه لا يلزمه أن يضر نفسه لنفع غيره وإذا كان ممن لا تقبل شادته لم تجب عليه لأن مقصود الشهادة لا يحصل منه وهل يأثم بالامتناع إذا وجد غيره ممن يقوم مقامه؟ فيه وجهان (أحدهما) يأثم لأنه قد تعين بدعاية ولأنه منهي عن الامتناع بقوله تعالى (ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا) (والثاني) لا يأثم لأن غيره يقوم مقامه فلم تتعين في حقه كما لو لم يدع إليها فأما قول الله تعالى (ولا يضار كاتب ولا شهيد) فقد قرئ بالقتح والرفع فمن رفع فهو خبر معناه النهي ويحتمل معنيين (أحدهما) أن يكون الكاتب فاعلا أي لا يضر الكاتب والشهيد من يدعوه بألا يجيب أو يكتب ما لم يستكتب أو يشهد بما لم يستشهد (والثاني) أن يكون يضار فعل ما لم يسم فاعله فيكون معناه ومعنى الفتح واحدا أي لا يضر الكاتب والشهيد بقطعهما عن شغلهما بالكتابة والشهادة ويمنعا حاجتهما (مسألة) (قال الخرقي ومن لزمته الشهادة فعليه أن يقوم بها على القريب والبعيد ولا يسعه التخلف عن إقامتها وهو قادر على ذلك) قد ذكرنا أن الشهادة من فروض الكفايات فإن تعينت عليه بأن لا يتحملها من يكفي فيها سواه لزمه القيام بها، وإن قام بها من يكفي غيره سقط عنه اداؤها إذا قبلها الحاكم فإن كان تحملها

مسألة: قال الخرقي: ومن لزمته الشهادة فعليه أن يقوم بها على القريب والبعيد لا يسعه التخلف عن إقامتها وهو قادر على ذلك

جماعة فأداؤها واجب على الكل إذا امتنعوا أثموا كلهم كسائر فروض الكفايات ودليل وجوبها قول الله تعالى (ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا - وقوله تعالى - يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط - وفي آية أخرى - كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين) ولأن الشهادة أمانة فلزمه أداؤها كالوديعة (مسألة) (ولا يجوز لمن تعينت عليه أخذ الأجرة عليها ولا يجوز ذلك لمن لم تتعين عليه في أصح الوجهين) من له كفاية فليس له أخذ الجعل على الشهادة لأنها أداء فرض فإن فرض الكفاية إذا قام به البعض وقع منهم فرضا، وإن لم تكن له كفاية ولا تعينت عليه حل له أخذ الجعل لأن النفقة على عياله فرض عين فلا يشتغل عنه بفرض الكفاية، فإذا أخذ الرزق جمع بين الأمرين فإن تعينت عليه الشهادة احتمل ذلك أيضا واحتمل ألا يجوز لئلا يأخذ العوض عن أداء فروض الأعيان وقال أصحاب الشافعي لا يجوز أخذ الأجرة لمن تعينت عليه وهل يجوز لغيره؟ على وجهين (مسألة) (ومن كانت عنده شهادة في حد لله تعالى أبيح إقامتها ولم يستحب وللحاكم أن يعرض له بالوقوف عنها في أحد الوجهين)

مسألة: ولا يجوز لمن تعينت عليه أخذ الأجرة عليها، ولا يجوز ذلك لمن لم تتعين عليه في أصح الوجهين

يجوز للشاهد إقامة الشهادة في حدود الله تعالى من غير تقدم دعوى لأن أبا بكرة وأصحابه شهدوا على المغيرة وشهد الجارود وأبو هريرة على قدامة بن مظعون بشرب الخمر من غير تقدم دعوى فأجيزت شهادتهم. ولا يستحب أداؤها لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (من ستر عورة ستره الله في الدنيا والآخرة) وللحاكم أن يعرض للشاهد بالوقوف عن الشهادة في أظهر الروايتين لما روى صالح في مسائله عن أبي عثمان النهدي قال جاء رجل إلى عمر فشهد على المغيرة بن شعبة فتغير لون عمر ثم جاء آخر فشهد فاستنكر ذلك ثم جاء شاب يخطر بيديه فقال عمر ما عندك يا سلح العقاب؟ وصاح به عمر صيحة فقال أبو عثمان والله لقد كدت أن يغشى علي فقال يا أمير المؤمنين رأيت أمرا قبيحا فقال الحمد لله الذي لم يشمت الشيطان بأصحاب محمد فأمر بأولئك النفر فجلدوا وفي رواية أنه لما شهد عنده على المغيرة شهد ثلاثة وبقي وأحد فقال عمر أرى شابا حسنا وأرجو أن لا يفضح الله على لسانه رجلا من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وهذا تعريض ظاهر (مسألة) (ومن كانت عنده شهادة لآدمي يعلمها لم يقمها حتى يسأله فإن لم يعلمها استحب له إعلامه بها وله إقامتها قبل ذلك) إذا كان المشهود له يعلم له شهادة عند إنسان لم يقمها الشاهد حتى يسأله صاحبها لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم يأتي قوم ينذرون ولا يوفون ويشهدون

مسألة: ومن كانت عنده شهادة لآدمي يعلمها لم يقمها حتى يسأله، فإن لم يعلمها استحب له إعلامه بها وله إقامتها قبل ذلك

ولا يستشهدون ويخونون ولا يؤتمنون) رواه البخاري فإن كان لا يعلمها استجب له إعلام صاحبها بها كالوديعة وله أداؤها قبل إعلامه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (ألا أنبئكم بخير الشهداء؟ الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها) رواه أبو داود فيتعين حمل الحديث على هذه الصورة جمعا بين الخبرين (مسألة) (ولا يجوز أن يشهد إلا بما يعلمه برؤية أو سماع) وجملة ذلك أن الشهادة لا تجوز إلا بما يعلمه بدليل قول الله تعلى (إلا من شهد بالحق وهم يعلمون) وقوله تعالى (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا) وتخصيص هذه الثلاثة بالسؤال لأن العلم بالفؤاد وهو يستند إلى السمع والبصر لأن مدرك الشهادة الرؤية والسماع وهما بالبصر وقد روي عن ابن عباس أنه قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشهادة قال (هل ترى المشس؟) قال نعم قال (على مثلها فاشهد أو دع) رواه الخلال بإسناده في جامعه. إذا ثبت هذا فإن مدارك العلم كالشم والذوق واللمس لا حاجة إليها في الشهادة في الأغلب (مسألة) (والرؤية تخص بالأفعال كالقتل والغصب والسرقة وشرب الخمر والرضاع والولادة وغيرها) فهذا لا يتحمل الشهادة إلا بالرؤية لأنه تمكن الشهادة عليه قطعا ومن ذلك الصفات المرئية في المبيع ونحوها فلا يرجع إلى غير ذلك

مسألة: ولا يجوز أن يشهد إلا بما يعلمه برؤية أو سماع

(مسألة) (والسماع على ضربين سماع من المشهود عليه نحو الإقرار والعقود والطلاق) ونحو ذلك فيحتاج أن يسمع كلام المتعاقدين يقيناً ولا تعتبر رؤية المتعاقدين إذا عرفهما وتيقن أنه كلامهما وبهذا قال ابن عباس والزهري وربيعة والليث وشريح وعطاء وابن أبي ليلى ومالك، وذهب أبو حنيفة والشافعي إلى أن الشهادة لا تجوز حتى يشاهد القائل المشهود عليه لأن الأصوات تشتبه فلا يجوز أن يشهد عليها من غير رؤية كالخط ولنا أنه عرف المشهود عليه يقيناً فجازت شهادته عليه كما لو رآه وجواز اشتباه الأصوات كجواز اشتباه الصور، وإنما تجوز الشهادة لمن عرف المشهود عليه يقيناً، وقد يحصل العلم بالسماع يقيناً وقد اعتبره الشرع بتجويزه الرواية من غير رؤية ولهذا قبلت رواية الأعمى ورواية من روى عن أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير محارمهن (فصل) إذا عرف المشهود عليه باسمه وعينه ونسبه جاز أن يشهد عليه حاضرا كان أو غائبا، وإن لم يعرف ذلك لم يجز أن يشهد عليه مع غيبته وجاز أن يشهد عليه حاضراً بمعرفة عينه نص عليه أحمد قال مهنا سألت أحمد عن رجل يشهد لرجل بحق له على آخر وهو لا يعرف اسم هذا ولا اسم هذا إلا أنه يشهد له فقال إذ قال أشهد أن لهذا على هذا وهما شاهدان جميعاً فلا بأس وإذا كان غائباً فلا يشهد حتى يعرف اسمه، والمرأة كالرجل في أنه إذا عرف اسمها جاز أن يشهد عليها مع غيبتها وإن لم يعرفها

مسألة: والسماع على ضربين من المشهود عليه نحو الإقرار والعقود والطلاق

لم يشهد عليها إلا في حال حضورها، قال أحمد في رواية الجماعة لا تشهد إلا لمن تعرف وعلى من تعرف ولا يشهد إلا على امرأة قد عرفها، وإن كانت ممن عرف اسمها ودعيت وذهبت وجاءت فليشهد وإلا فلا يشهد، فأما إن لم يعرفها فلا يجوز أن يشهد مع غيبتها ويجوز أن يشهد على عينها إذا عرف عينها ونظر إلى وجهها. قال أحمد لا تشهد على امرأة حتى تنظر إلى وجهها وهذا محمول على الشهادة على من لم يتيقن معرفتها فأما من تيقن معرفتها ويعرف صوتها يقيناً فيجوز أن يشهد عليها إذا تيقن صوتها على ما قدمناه في المسألة قبلها فإن لم يعرف المشهود عليه فعرفه عنده من يعرفه فروي عن أحمد أنه قال لا يشهد على شهادة غيره إلا بمعرفته لها، وقال لا يجوز للرجل أن يقول للرجل أشهد أن هذه فلانة ويشهد على شهادته وهذا صريح في المنع من الشهادة على من لا يعرفه بتعريف غيره وقال القاضي يجوز أن يحمل هذا على الاستحباب لتجويزه الشهادة بالاستفاضة وظاهر قوله المنع منه، وقال أحمد لا تشهد على امرأة إلا بإذن زوجها وهذا يحتمل أنه لا يدخل عليها بيتها إلا بإذن زوجها لما روى عمرو بن العاص قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستأذن على النساء بالاذن أزواجهن رواه أحمد في مسنده فأما الشهادة عليها في غير بيتها فجائزة لأن إقرارها صحيح وتصرفها إذا كانت رشيدة صحيح فجاز أن يشهد عليها به

(فصل) إذا عرف الشاهد خطه ولم يذكر الشهادة فهل يجوز أن يشهد بذلك؟ على روايتين (إحداهما) لا يجوز، قال أحمد في رواية حرب فيمن يرى خطه وخاتمه ولا يذكر الشهاد: لا يشهد إلا بما يعلم، وقال في رواية يشهد إذا عرف خطه وكيف تكون الشهادة إلا هكذا؟ وقال في موضع آخر إذا عرف خطه ولم يحفظ فلا يشهد إلا أن يكون منسوخاً عنده موضوعاً تحت ختمه وحرزه فيشهد وإن لم يحفظ، وقال أيضاً إذا كان ردئ الحفظ يشهد ويكتبهما عنده وهذه رواية ثالثة وهو أن يشهد إذا كانت مكتوبة عنده بخطه في حرزه ولا يشهد إذا لم تكن كذلك بمنزله القاضي في إحدى الروايتين إذا وجد حكمه بخطه تحت ختمه ولا يمضيه إذا لم كن كذلك (مسألة) (الضرب الثاني سماع من جهة الاستفاضة فيما يتعذر علمه في الغالب إلا بذلك كالنسب والموت والملك والنكاح والخلع والوقف ومصرفه والعتق والولاء والولاية والعزل وما أشبه ذلك) قال الخرقي وما تظاهرت به الأخبار واستقرت معرفته في قلبه شهد به كالشهادة على النسب والولادة، أجمع أهل العلم على صحة الشهادة بالنسب قال إبن المنذر لا أعلم أحداً من أهل العلم منع منه ولو منع ذلك لاستحالت معرفته إذ لا سبيل إلى معرفته قطعا بغيره ولا تمكن المشاهدة فيه ولو اعتبرت لما عرف أحد أباه ولا أمه ولا أحداً من أقاربه، وقد قال الله تعالى (يعرفونه كما يعرفون ابناءهم) وكذلك الولادة واختلف أهل العلم فيما تجوز الشهادة عليه بالاستفاضة غير النسب والولادة فقال

مسألة: الضرب الثاني سماع من جهة الاستفاضة فيما يتعذر علمه في الغالب إلا بذلك كالنسب والموت والملك والنكاح والخلع والوقف ومصرفه والعتق والولاء والعزل وما اشبه بذلك

أصحابنا هو تسعة أشياء النكاح والملك المطلق والوقف ومصرفه والموت والعتق والولاء والولاية والعزل وبهذا قال أبو سعيد الاصطخري وبعض أصحاب الشافعي وقال بعضهم لا تجوز في الوقف والولاء والعتق والزوجية لأن الشهادة ممكنة فيه بالقطع ولأنها شهادة بعقد فأشبه سائر العقود، وقال أبو حنيفة لا تقبل إلا في النكاح والموت ولا تقبل في الملك المطلق لأنها شهادة بمال فشابه الدين، وقال صاحباه تقبل في الولاء مثل عكرمة مولى ابن عباس ولنا أن هذه تتعذر الشهادة عليها في الغالب بمشاهدتها أو مشاهدة أسبابها فجازت الشهادة عليها بالاستفاضة كالنسب قال مالك ليس عندنا من يشهد على أحباس أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بالسماع وقال: السماع في الأحباس والولاء جائز وقال أحمد في رواية المروذي أشهد ان داريختان لبختان وإن لم يشهدك وقيل له تشهد أن فلانة امرأة فلان ولم تشهد فقال نعم إذا كان مستفيضاً فأشهد أقول فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن خديجة وعائشة زوجتاه وكل أحد يشهد بذلك من غير مشاهدة، فإن قيل يمكنه العلم بذلك بمشاهدة السبب قلنا وجود السبب لا يفيد العلم بكونه سبباً يقيناً فإنه يجوز أن يشتري ما ليس بملك البائع ويصطاد صيداً صاده غيره ثم انفلت منه وإن تصور ذلك فهو نادر وقول أصحاب الشافعي تمكن الشهادة على الوقف باللفظ لا يصح لأن الشهادة ليست بالعقود ههنا إنما يشهد بالوقف الحاصل بالعقد فهو بمنزلة الملك وكذلك يشهد بالزوجية دون العقد وكذلك الحرية والولاء

وهذه جميعها لا يمكن القطع بها كما لا يمكن القطع بالملك لأنها مرتبة عليه فوجب أن تجوز الشهادة فيها بالاستفاضة كالملك سواء (مسألة) (ولا تقبل الاستفاضة إلا من عدد يقع العلم بخبرهم في ظاهر كلام أحمد والخرقي وقال القاضي تسمع من عدلين فصاعداً) ذكره في المحرر لأن الحقوق تثبت بقول اثنين وهذا قول المتأخرين من أصحاب الشافعي والقول الأول هو الذي تقضيه لفظة الاستفاضة فإنها مأخوذة من فيض الماء لكثرته ولأنه لو اكتفي فيه بقول اثنتين لا يشترط فيه ما يشترط في الشهادة على الشهادة وإنما اكتفي بمجرد السماع وقد ذكر شيخنا في كتاب المقنع الخلع فيما يثبت بالاستفاضة ولم يذكره في المغني ولا في الكافي ولا رأيته في كتاب غيره ولعله قاسه على النكاح والأولى أنه لا يثبت قياساً على الطلاق والنكاح بخلاف الخلع (مسألة) (وإن سمع إنساناً يقر بنسب أب أو ابن فصدقة المقر له جاز أن يشهد له به وإن كذبه لم يشهد وإن سكت جاز أن يشهد ويحتمل ألا يشهد حتى يتكرر) إذا سمع رجلاً يقول للصبي هذا ابني جاز أن يشهد به لأنه مقر بنسبه وإن سمع الصبي يقول هذا أبي فسكت الأب جاز أيضاً لأن سكوت الأب إقرار له والإقرار يثبت به النسب فجازت الشهادة به وإنما أقيم السكوت ههنا مقام الإقرار لأن الإقرار على الانتساب الباطل غير جائز بخلاف سائر

مسألة: ولا تقبل الاستفاضة إلا من عدد يقع العلم بخبرهم في ظاهر كلام أحمد والخرقي، وقال القاضي: تسمع من عدلين فصاعدا

الدعاوي ولأن النسب يغلب فيه الإثبات ألا ترى أنه يلحق بالإمكان في النكاح؟ ويحتمل أن لا يشهد حتى يتكرر ذكره أبو الخطاب لأن السكوت ليس بإقرار حقيقي وإنما أقيم مقامه فاعتبرت تقويته بالتكرار كما اعتبرت تقوية اليد في العقار بالاستمرار (مسألة) (وإن رأى شيئاً في يد إنسان يتصرف فيه تصرف الملاك من النقض والبناء والإجارة والإعارة ونحوها جاز أن يشهد بالملك) قال ذلك أبو عبد الله ابن حامد وهو قول أبي حنيفة والاصطخري من أصحاب الشافعي ويحتمل أن لا يشهد الا باليد ولتصرف ذكره القاضي لأن اليد ليست منحصرة في الملك فإنه قد يكون باجارة وإعارة وغضب ووكالة وهو قول بعض أصحاب الشافعي. ووجه الأول أن اليد دليل الملك واستمرارها من غير منازع يقويها فجرت مجرى الاستفاضة فجاز أن يشهد بها كما لو شاهد سبب اليد من بيع أو إرث أو هبة واحتمال كونها من غصب وإجارة أو نحو ذلك يعارضه استمرار اليد من غير منازع فلا يبقى مانعاً كما لو شاهد سبب اليد فإن احتمال كون البائع غير المالك والوارث والواهب لا يمنع الشهادة كذا ههنا، فإن قيل فإذا بقي الاحتمال لم يحصل العلم ولا تجوز الشهادة إلا بما يعلم، قلنا الظن يسمى علماً قال الله تعالى (فإن علمتموهن مؤمنات) ولا سبيل إلى العلم اليقيني ههنا فجاز بالظن (فصل) قال الشيخ رحمه الله ومن شهد بالنكاح فلابد من ذكر شروطه وأنه تزوجها بولي

مسألة: وإن رأى شيئا في يد إنسان يتصرف فيه تصرف الملاك من النقض والبناء والإجارة والإعارة ونحوها جاز أن يشهد بالملك

مرشد وشاهدي عدل ورضاها لأن الناس يختلفون في شروطه فيجب ذكرها لئلا يكون الشاهد معتقداً صحة النكاح وهو فاسد فإن شهد بعقد سواه كالبيع والإجارة فهل يشترط ذكر شروطه؟ على روايتين مبنيتين على الروايتين فيما ادعاها وقد ذكرناه (مسألة) (وإن شهد بالرضاع فلابد من ذكر عدد الرضعات وأنه شرب من ثديها أو من لبن حلب منه) لأن الناس يختلفون في الرضعات وفي الرضاع المحرم فإن شهد أنه ابنها من الرضاع لم يكف لاختلاف الناس فيما يصير به ابنها ولابد من ذكران ذلك في الحولين (مسألة) (وإن شهد بالقتل احتاج أن يقول ضربه بالسيف أو جرحه فقتله أو مات من ذلك فان قال جرحه فمات لم يحكم به) لجواز أن يكون مات بغير هذا وقد روي عن شريح أنه شهد عنده رجل فقال اتكأ عليه بمرفقه فمات فقال شريح فمات منه أو فقتله؟ فأعاد القول الأول فأعاد عليه شريح سؤاله فلم يقل فقتله ولا مات منه فقال له شريح قم فلا شهادة لك رواه سعيد (مسألة) (ومن شهد بالزنا فلا بد أن يذكر بمن زنى؟ واين زنى؟ وأنه رأى ذكره في فرجها) لأن اسم الزنا يطلق على ما لا يوجب الجد وقد يعتقد الشاهد ما ليس بزنا زنا فاعتبر ذكر صفته ليزول الاحتمال واعتبر ذكر المرأة لئلا تكون ممن تحل له أوله في وطئها شبهة وذكر المكان لئلا

مسألة: وإن شهد بالرضاع فلا بد من ذكر عدد الرضعات وأنه شرب من ثديها أو من لبن حلب منه

تكون الشهادة منهم على فعلين ومن أصحابنا من قال لا يحتاج إلى ذكر المزني بها ولا ذكر المكان لأنه محل الفعل فلا يعتبر ذكره كالزمان والأول أولى والزمان ممنوع في أحد الوجهين فإنه يشترط ذكره لتكون شهادتهم على فعل واحد لجواز أن يكون ما شهد به أحدهما غير ما شهد به الآخر ولأن الناس اختلفوا في الشهادة في الحد مع تقادم الزمان فقال ابن أبي موسى لا تقبل لأن عمر قال من شهد على رجل بحد فلم يشهد حين يصيبه فإنما يشهد على ضغن وقال غيره من أصحابنا تقبل لأنها شهادة بحق فجازت مع تقادم الزمان كالقصاص ولأنه قد يعرض له ما يمنعه الشهادة في حينها ويتمكن منها بعد ذلك (مسألة) (ومن شهد بالسرقة فلا بد من ذكر المسروق منه والنصاب والحرز وصفة السرقة) لاختلاف العلماء في ذلك (مسألة) (وإن شهد بالقذف فلابد من ذكر المقذوف وصفة القذف) لذلك (مسألة) (وإن شهدا أن هذا العبد ابن أمة فلان لم يحكم به حتى يقولا ولدته في ملكه) إذا ادعى عبداً أنه له فشهد له شاهدان أنه ابن أمته أو ادعى ثمرة شجرة فشهدت له البينة أنها ثمرة شجرته لم يحكم له بها لجواز أن تكون ولدته قبل تملكها وأثمرت الشجرة هذه الثمرة قبل ملكه إياها، وإن قالت البينة ولدته في ملكه أو أثمرتها في ملكه حكم له بالولد والثمرة لأنها شهدت أنها نماء ملكه ما لم يرد سبب ينقله عنه فإن قيل فقد قلتم لا تقبل شهادة بالملك السابق على الصحيح وهذه شهادة بملك سابق

مسألة: وإن شهد بالقذف فلا بد من ذكر المقذوف وصفة القذف لذلك

قلنا الفرق بينهما على تقديم التسليم أن النماء تابع للملك في الأصل فإثبات ملكه في الزمن الماضي على وجه التبع وجرى مجرى ما لو قال ملكته منذ سنة وأقام البينة بذلك فإن ملكه يثبت في الزمن الماضي تبعاً للحال فيكون له النماء فيما مضى، ولأن البينة ههنا شهدت سبب الملك وهو ولادتها أو وجودها في ملكه فقويت بذلك ولهذا لو شهدت بالسبب في الزمن الماضي فقالت أفرضه ألفاً أو باعه ثبت الملك وإن لم يذكره فمع ذكره أولى (مسألة) (وإن شهدت أنه اشتراها من فلان أو وقفها عليه أو أعتقها لم يحكم بها حتى يقولا وهي في ملكه) لما ذكرنا في المسألة قبلها ولأنه يجوز أن يبيع ويقف ويعتق ما لا يملك (مسألة) (وإن شهدان هذا الغزل من قطنه والطائر من بيضته أو الدقيق من حنطته حكم له بها) لأنه لا يتصور أن يكون الطير من بيضته قبل ملكه البيضة وكذلك الغزل والدقيق ولأن الغزل عين القطن وإنما تغيرت صفته والدقيق أجزاء الحنطة تفرقت والطير هو البيض استحال فكأن البينة قالت هذا غزله ودقيقه وطيره وليس كذلك الولد والئمرة فأنهما غير الأم والشجرة ولو شهد أن هذه البيضة من طيره لم يحكم له يها حتى يقول باضها في ملكه لأن البيضة غير الطير وإنما هي من نمائه فهي كالولد ومذهب الشافعي في هذا الفصل على ما ذكرنا (فصل) وإذا مات رجل فادعى آخر أنه وارثه فشهد له شاهدان أنه وارثه لا يعلمان له وارثاً غيره سلم المال إليه سواء كانا من أهل الخبرة الباطنة أو لم يكونا، وإن قالا لا نعلم له وارثاً غيره في هذا البلد احتمل أن يسلم المال إليه واحتمل أن لا يسلم إليه حتى يستكشف القاضي عن خبره في البلدان التي سافر إليها)

مسألة: وإن شهدت أنه اشتراها من فلان أو وقفها عليه أو أعتقها لم يحكم بها حتى يقولا وهي في ملكه

وجملة ذلك أن من ادعى أنه وارث فلان الميت فشهد له شاهدان أنه وارثه لا يعلمان له وارثاً غيره قبلت شهادتهما وسلم المال إليه وبهذا قال أبو حنيفة ومالك والشافعي والعنبري، وقال ابن أبي ليلى لا يقبل حتى يبينا أنه لا وارث له سواه ولنا أن هذا مما لا يمكن علمه فكفى فيه الظاهر من شهادة الأصل بعدم وارث آخر قال أبو الخطاب سواء كانا من أهل الخبرة الباطنة أو لم يكونا وكذلك ذكره شيخنا ويحتمل أن لا يقبل إلا من أهل الخبرة الباطنة لأن عدم علمهم بوارث آخر ليس بدليل على عدمه بخلاف أهل الخبرة الباطنة فإن الظاهر أنه لو كان له وارث آخر لم يخف عليهم وهذا قول الشافعي فأما إن قالا لا نعلم له وارثاً بهذه البلدة أو بأرض كذا وكذا احتمل أن يسلم المال إليه وبهذا قال أبو حنيفة كما لو قالا لا نعلم له وارثاً وذكر ذلك مذهباً لأحمد واحتمل أن هذا ليس بدليل على عدم وارث سواه لأنهما قد يعلمان أنه لا وارث له في تلك الأرض ويعلمان له وارثاً في غيرها فلم تقبل شهادتهما كما لو قالا لا نعلم له وارثاً في هذا البيت وهذا قول مالك والشافعي وأبي يوسف ومحمد وهو أولى إن شاء الله تعالى (فصل) إذا مات رجل فشهد رجلان أن هذا الغلام ابن الميت لا نعلم له وارثاً سواه وشهد آخران لاخران هذا الغلام بن هذا الميت لا نعلم له وارثاً سواه فلا تعارض بينهما وثبت نسب الغلامين منه ويكون الإرث بينهما لأنه يجوز أن تعلم كل بينة ما لم تعلمه الأخرى.

(مسألة) (وتجوز شهادة المستخفي) المستخفي هو الذي يخفي نفسه عن المشهود عليه ليسمع إقراره ولا يعلم به مثل أن بجحد الحق علانية ويقر به سرا فيختبئ شاهدان في موضع لا يعلم بهما ليسمعا إقراره به ثم يشهدا به فشهادتهما مقبولة على الرواية الصحيحة، وهو قول الشافعي وروى عن أحمد رواية أخرى لا تسمع شهادته اختاره أبو بكر وابن أبي موسى وروي ذلك عن شريح والشعبي لأن الله تعالى قال (ولا تجسسوا) وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من حدث بحديث ثم التفت فهي أمانة) يعني أنه لا يجوز لسامعه ذكره عنه لالتفاته وحذره وقال مالك إن كان المشهود عليه ضعيفاً ينخدع لم يقبلا عليه وإن لم يكن كذلك قبلت. ولنا انهما شهدا بما سمعاه يقينا فقبلت شهادتهما كما لو علم بهما. (مسألة) (ومن سمع رجلاً يقر بحق أو يشهد شاهداً بحق أو سمع حاكماً يحكم أو يشهد على حكمه وإنفاذه جاز أن يشهد به في أحدى الروايتين ولا يجوز في الأخرى حتى يشهده على ذلك) اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله فيمن سمع رجلاً يقر بحق فالمذهب أنه يجوز أن يشهد عليه وإن لم يقل للشاهد اشهد علي وهي التي ذكرها الخرقي وبه قال الشعبي والشافعي، وعن أحمد رواية ثانية لا يشهد حتى يقول له المقر اشهد علي كما لا يجوز أن يشهد على شهادة رجل حتى يسترعيه إياها ويقول له أشهد على شهادتي وعنه رواية ثالثة إذا سمعه يقر بقرض لا يشهد وإذا سمعه يقر بدين شهد، لأن المقر بالدين معترف أنه عليه والمقر بالقرض لا يعترف بذلك لجواز أن يكون قد وفاه وعنه

مسألة: وتجوز شهادة المستخفي

رواية رابعة إذا سمع شيئاً فدعي إلى الشهادة به فهو بالخيار إن شاء شهد وإن شاء لم يشهد قال ولكن يجب عليه اذا شهد أن يشهد (ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا) قال إذا شهدوا وقال ابن أبي موسى إذا سمع رجلاً يقر لرجل بحق ولم يقل اشهد علي بذلك وسع الشاهد أن يشهد عليه فيقول أشهد أني حضرت إقرار فلان بكذا، وإن سمعه يقول اقترضت من فلان أو قبضت من فلان لم يجز أن يشهد وبه والصحيح الأول لأن الشاهد يشهد بما علمه وقد حصل له العلم بسماعه فجاز أن يشهد به كما يجوز أن يشهد بما رآه من الأفعال فأما الشهادة على الشهادة فهي ضعيفة فاعتبرت تقويتها بالاسترعاء وذكر القاضي أن في الأفعال روايتين (إحداهما) لا يشهد به حتى يقول له المشهود عليه اشهد، قال شيخنا وهذا إن أراد به العموم في جميع الأفعال فلا يصح لأن ذلك يؤدي إلى منع الشهادة عليه بالكلية فإن الغاصب لا يقول لأحد أشهد أني غصبت ولا السارق ولا الزاني وأشباه هؤلاء وقد شهد أبو بكرة وأصحابه على المغيرة بالزنا فلم يقل عمر هل أشهدكم أولاً؟ ولا قاله للذين شهدوا على قدامة بشرب الخمر ولا قاله عثمان للذين شهدوا على الوليد بن عقبة بشرب الخمر ولم يقل هذا أحد من الصحابة ولا غيرهم ولا بلغنا عن حاكم من حكام المسلمين في قديم الدهر وحديثه أنه رد شهادة على فعل بكون الشاهد لم يحملها فحصل ذلك إجماعاً ولان الشاهد مخبر صادق وهذا يحصل من غير أن يقال له اشهد وكذلك إن سمع

الحاكم يحكم أو شهد على حكمه وإنفاذه جاز أن يشهد على ذلك في أظهر الروايتين والأخرى لا يجوز حتى يشهده ووجههما ما ذكرنا والله أعلم (فصل) ولو حضر شاهدان حساباً بين رجلين شرطا عليهما ان لا يحفظا عليهما شيئاً كان للشاهدين أن يشهدا بما سمعاه منهما ولم يسقط ذلك بشرطهما لأن للشاهد أن يشهد بما سمعه أو علمه وقد حصل ذلك سواء أشهده أو منعه وكذلك يشهدان على العقود بحضورهما وعلى الجنايات بمشاهدتهما ولا يحتاجان إلى إشهاد وبه قال ابن سيرين ومالك والثوري والشافعي (فصل) والحقوق على ضربين (أحدهما) حق لآدمي معين كالحقوق المالية والنكاح وغيره من العقود والعقوبات كالقصاص وحد القذف والوقف على آدمي معين فلا تسمع الشهادة فيه إلا بعد الدعوى لأن الشهادة فيه حق لآدمي فلا يستوفى إلا بعد مطالبته واذنه ولانه حجة على الدعوى ودليل لها فلا يجوز تقديمها عليها (الضرب الثاني) اما كان حقاً لآدمي غير معين كالوقوف على الفقراء والمساكين أو على مسجد أو سقاية أو مقبرة مسبلة والوصية لشئ من ذلك أو نحو هذا، وما كان حقاً لله تعالى كالحدود الخالصة لله تعالى أو الزكاة الكفارة قلا تفتقر الشهادة إلى تقدم الدعوى لأن ذلك ليس له مستحق معين من الآدميين يدعيه ويطالب به ولذلك شهد أبو بكرة وأصحابه على المغيرة وشهد الجارود وأبو هريرة على قدامة بن مظعون بشرب الخمر من غير تقدم دعوى فأجيزت شهادتهم

ولذلك لم يعتبر في ابتداء الوقف قبول من أحد ولا رضى منه وكذلك ما لا يتعلق به حق أحد كتحريم الزوجة بالطلاق أو الظهار أو إعتاق الرقيق تجوز الحسبة به ولا تعتبر فيه الدعوى فلو شهد شاهدان بعتق عبد أو أمة ابتداء ثبت ذلك سواء صدقهما المشهود عليه أو لم يصدقهما وبهذا قال الشافعي وقال به أبو حنيفة في الأمة وقال في العبد لا يثبت ما لم يصدق العبد به ويدعيه لأن العتق حقه فاشبه سائر حقوق ولنا انها شهادة بعتق فلا تفتقر إلى تقدم الدعوى كعتق الأمة وتخالف سائر حقوق الآدمي لأنه حق لله تعالى ولهذا لا يفتقر إلى قبول العتق ودليل ذلك الأمة وبه يبطل ما ذكروه فإن قال الأمة يتعلق بإعتاقها تحريم الوطئ قلنا هذا لا أثر له فإن البيع يوجب تحريمها عليه ولا تسمع الشهادة إلا بعد الدعوى (فصل) قال الشيخ رحمه الله (إذا شهد أحدهما أنه غصبه ثوباً أحمر وشهد آخر انه غصبه ثوباً أبيض أو شهد أحدهما أنه غصبه اليوم وشهد الآخر أنه غصبه أمس لم تكمل البينة وكذلك كل شهادة على الفعل إذا اختلفا في الوقت) متى كانت الشهادة على فعل فاختلف الشاهدان في زمنه أو مكانه أو صفة له تدل على تغاير الفعلين لم تكمل شهادتهما مثل أن يشهد أحدهما أنه غصبه ديناراً يوم السبت بدمشق ويشهد الآخر أنه غصبه بمصر أو يشهد أحدهما أنه غصبه دينارا ويشهد الآخر أنه غصبه ثوباً فلا تكمل الشهادة لأن كل فعل لم يشهد به شاهدان. وهكذا إن اختلفا في زمن القتل ومكانه أو صفته أو في شرب الخمر أو القذف

لم تكمل الشهادة لأن ما شهد به أحد الشاهدين غير الذي شهد به الآخر فلم يشهد بكل واحد من الفعلين إلا شاهد واحد فلم يقبل إلا على قول أبي بكر فإن هذه الشهادة تكمل ويثبت المشهود به إذا اختلفا في الزمان أو المكان، فأما إن اختلفا في صفة الفعل فشهد أحدهما أنه سرق مع الزوال كيساً أبيض وشهد الآخر أنه سرق مع الزوال كيساً أسود أو شهد أحدهما أنه سرق هذا الكيس غدوة وشهد الآخر أنه سرقه عشياً لم تكمل الشهادة ذكره ابن حامد وقال أبو بكر تكمل الشهادة والأول أصح لأن كل فعل لم يشهده إلا واحد على ما قدمنا، فإن اختلفا في صفة المشهود به اختلافاً يوجب تغايرهما مثل أن يشهد أحدهما بثوب والآخر بدينار فلا خلاف في أن الشهادة لا تكمل لأنه لا يمكن إيجابهما جميعاً لأنه يكون إيجاب حق عليه بشهادة واحد ولا إيجاب أحدهما بعينه لأن الآخر لم يشهد به وليس أحدهما أولى من الآخر فأما إن شهد بكل فعل شاهدان واختلفا في المكان أو الزمان أو الصفة ثبتا جميعاً لأن كلاً منهما قد شهد به بينة عادلة لو انفردت أثبتت الحق وشهادة الأخرى لا تعارضها لإمكان الجمع بينهما إلا أن يكون الفعل مما لا يمكن تكراره كقتل رجل بعينه فتتعارض البينتان لعلمنا أن إحداهما كاذبة ولا نعلم أيتهما هي؟ بخلاف ما يتكرر ويمكن صدق البينتين فيه فإنهما يثبتان جميعاً إن أدعاهما وإن لم يدع إلا أحدهما ثبت له ما ادعاه دون ما لم يدعه، وإن شهد اثنان أنه سرق مع الزوال كيساً أسود وشهد آخران أنه سرق مع الزوال كيساً أبيض أو شهد اثنان أنه سرق هذا الكيس غدوة وشهد آخران أنه سرقه عشياً فقال القاضي يتعارضان وهو مذهب الشافعي كما لو كان المشهود به قتلاً، قال شيخنا والصحيح أن هذا لا تعارض فيه لأنه يمكن صدق البينتين بأن يسرق عند الزوال كيسين أبيض

وأسود وتشهد كل بينة بأحدهما ويمكن أن يسرق كيساً غدوةً ثم يعود إلى صاحبه أو غيره فيسرقه عشياً ومع إمكان الجمع لا تعارض فلي هذا ان ادعاهما المشهود له ثبتا له في الصورة الأولى وأما في الصورة الثانية فيثبت له الكيس المشهود به حسب فإن المشهود به وإن كان فعلين لكنهما في محل واحد فلا يجب أكثر من ضمانه، وإن لم يدع المشهود له إلا أحد الكيسين ثبت له ولم يثبت له الآخر لعدم دعواه إياه، وإن شهد له شاهد بسرقة كيس في يوم وشهد آخر بسرقة كيس في يوم آخر أو شهد أحدهما بسرقته من مكان وشهد آخر بسرقته في مكان آخر أو شهد أحدهما بغصب كيس أبيض وشهد آخر بغصب كيس أسود فادعاها المشهود له فله أن يحلف مع كل واحد منهما ويحكم له به لأنه مال قد شهد له شاهد وإن لم يدع إلا أحدهما ثبت له ما ادعاه ولم يثبت له الآخر لأنه لم يدعه. (مسألة) (وإن شهد أحدهما أنه أقر له بألف أمس وشهد آخر انه أقر له بألف اليوم أو شهد أحدهما أنه باعه داره أمس وشهد آخر انه باعه إياها اليوم كملت البينة وثبت البيع والاقرار وكذلك كل شهادة على القول) أما إذا شهد أحدهما أنه أقر له بألف أمس وشهد آخر انه أقر له بألف اليوم كملت البينة، لأن الألف التي شهد بها أحدهما هي الألف التي شهد بها الآخر ولأن الشاهدين شهدا بألف وإن شهد أحدهما أنه باعه أمس وشهدا آخر انه باعه اليوم أو شهد أحدهما أنه طلقها أمس وشهد آخر انه طلقها

مسألة: وإن شهد أحدهما أنه أقر له بألف أمس، وشهد آخر أنه أقر له بألف اليوم، أو شهد أحداهما أنه باعه داره أمس، وشهد آخر أنه باعه إياها اليوم، كملت البينة وثبت البيع والاقرار، وكذلك كل شهادة على القول

اليوم، فقال أصحابنا تكمل الشهادة وقال الشافعي لا تكمل لأن كل واحد من البيع والطلاق لم يشهد به إلا واحد أشبه ما لو شهد بالغضب في وقتين. ووجه قول اصحابنا إن المشهود به شئ واحد يجوز أن يعاد مرة بعد أخرى ويكون واحداً فاختلافهما في الوقت ليس باختلاف فيه فلم يؤثر كما لو شهد أحدهما بالعربية والآخر بالفارسية وكذلك الحكم في كل شهادة على قول فالحكم فيه كالحكم في البيع إلا النكاح فإنه كالفعل إذا شهد أحدهما أنه تزوجها أمس وشهد الآخر أنه تزوجها اليوم لم تكمل الشهادة في قولهم جميعاً لأن النكاح أمس غير النكاح اليوم فلم يشهد بكل واحد من العقدين إلا شاهد واحد فلم يثبت كما لو كانت الشهادة على فعل. (مسألة) (وكذلك القذف إذا شهد أحدهما أنه قذفه غدوة وشهد الآخر أنه قذفه عشية أو شهد أحدهما أنه قذفه بالعربية وشهد الآخر أنه قذفه بالعجمية أو اختلفا في المكان لم يثبت القذف) لأن القذف في مكان غير القذف في المكان الآخر وكذلك الاختلاف في الزمان وقال أبو بكر يثبت القذف لأن المشهود به واحد وإن اختلفت العبارة واختلف الزمان والأول المذهب (فصل) في الشهادة على الإقرار بالفعل مثل أن يشهد أحدهما أنه أقر عندي يوم الخميس بدمشق

مسألة: وكذلك القذف إذا شهد أحدهما أنه قذفه غدوة وشهد الآخر أنه قذفه عشية، أو شهد أحدهما أنه قذفه بالعربية، وشهد الآخر أنه قذفه بالعجمية، أو اختلفا في المكان لم يثبت القذف

أنه قتله أو قذفه أو غصبه كذا أو أن له في ذمته كذا ويشهد الآخر أنه أقر عندي بهذا يوم السبت بحمص كملت شهادتهما، وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وقال زفر لا تكمل شهادتهما لأن كل إقرار لم يشهد به إلا واحد فلم تكمل الشهادة كالشهادة على الفعل ولنا أن المقر به واحد وقد شهد اثنان بالإقرار به فكملت شهادتهما كما لو كان الإقرار بهما واحدا وفارق الشهادة على الفعل فإن الشهادة فيها على فعلين مختلفين فنظيره من الإقرار أن يشهد أحدهما أنه أقر عندي أنه قتله يوم الخميس وشهد الآخر أنه أقر أنه قتله يوم الجمعة فإن شهادتهما لا تقبل ههنا ويحقق ما ذكرناه أنه لا يمكن جمع الشهود لسماع الشهادة في حق كل واحد والعادة جارية بطلب الشهود في أماكنهم لا في جمعهم إلى المشهود له فيمضي إليهم في أوقات منفردة وأماكن مختلفة فيشهدهم على إقراره فإن كان الإقرار بفعلين مختلفين مثل أن يقول أحدهما أشهد أنه أقر عندي أنه قتله يوم الخميس وقال الآخرر أشهد أنه أقر عندي أنه قذفه بالعجمية لم تكمل الشهادة لأن الذي يشهد به أحدهما غير الذي شهد به صاحبه فلم تكمل الشهادة كما لو شهد أحدهما أنه أقر أنه غصبه دنانير وشهد الآخر أنه غصبه دراهم لم تكمل وعلى قول أبي بكر تكمل الشهادة في القتل والقذف لأن القذف بالعربية أو العجمية والقتل بالبصرة أو الكوفة ليس من المقتضي فلا تعتبر في الشهادة والأول أصح

(فصل) فإن شهد أحدهما أنه غصبه هذا العبد وشهد الآخر أنه أقر بغصبه منه كملت الشهادة ويحكم بها لأنه يجوز أن يكون الغصب الذي أقر به هو الذي شهد الشاهد به فلم يختلف الفعل وكملت الشهادة كما لو شهدا في وقتين على إقراره بالغصب وقال القاضي لا تكمل الشهادة ولا يحكم بها وهو قول الشافعي لأنه يجوز أن يكون ما أقر به غير ما شهد به الشاهد وهذا يبطل بالشهادة على إقرارين فإنه يجوز أن يكون ما أقر به عند أحد الشاهدين غير ما أقر به عند الآخر إذا كانا في وقتين مختلفين ولأنه إذا أمكن جعل الشهادة على فعل واحد لم يحمل على اثنين كالإقرارين وكما لو شهد بالغصب إثنان وشهد على الإقرار به إثنان فإن شهد أحدهما أنه غصب هذا العبد من زيد أو أقر بغصبه منه وشهد الآخر أنه ملك زيد لم تكمل شهادتهما لأنهما لم يشهدا على شئ واحد وإن شهد أنه اخذه من يديه ألزمه الحاكم رده إلى يديه لأن اليد دليل الملك فيرده إلى يده لتكون دلالتها ثابتة له قال مهنا سألت أبا عبد الله عن رجل ادعى داراً في يد رجل وأقام شاهدين شهد أحدهما قال أشهد أن هذه الدار لفلان وقال الآخر أشهد أن هذه الدار دار فلان قال شهادتهما جائزة (مسألة) (وإن شهد شاهد أنه أقر له بألفين وشهد آخر انه أقر له بألف ثبت الألف ويحلف على الآخر مع شاهده إن أحب) وجملة ذلك أنه إذا شهد احد الشاهدين بشئ وشهد الآخر ببعضه صحت الشهادة وثبت ما اتفقا عليه وحكم به وهذا قول شريح ومالك والشافعي وابن أبي ليلى وأبي يوسف ومحمد واسحاق وابي

مسألة: وإن شهد شاهد أنه أقر له بألفين، وشهد آخر أنه أقر له بألف ثبت الألف، ويحلف على الآخر مع شاهده إن أحب

عبيد وحكي عن الشعبي أنه شهد عنده رجلان شهد أحدهما أنه طلقها تطليقة وشهد آخر انه طلقها تطليقتين فقال قد اختلفتما قوما وحكي عن أبي حنيفة أنه إذا شهد شاهد أنه أقر بألف وشهد آخر أنه أقر بألفين لم تكمل الشهادة لأن الإقرار بالالف غير الاقرار بألفين ولم يشهد بكل إقرار إلا واحد. ولنا أن الشهادة قد كملت فيما اتفقا عليه فحكم به كما لو لم يرد أحدهما على صاحبه وما ذكروه من أن كل إقرار إنما شهد به واحد يبطل بما إذا شهد أحدهما أنه أقر بألف غدوة وشهد الآخر أنه أقر بألف عشياً فإن الشهادة تكمل مع أن كل إقرار إنما شهد به واحد فأما ما انفرد به أحدهما فإن للمدعي أن يحلف معه ويستحق هذا قول من يرى الحكم بشاهد ويمين وهذا فيما إذا أطلقا الشهادة أو لم تختلف الأسباب والصفات. (فصل) إذا شهد له شاهدان بألف وشاهدان بخمسمائة ولم تختلف الأسباب والصفات دخلت الخمسمائة في الألف ووجب له الألف بالشاهدين، وإن اختلفت الأسباب والصفات وجب له الألف والخمسمائة ولم يدخل أحدهما في الآخر لأنهما مختلفان (مسألة) (وإن شهد أحدهما أن له عليه ألفاً وشهد آخران له عليه ألفين فهل تكمل البينة على ألف؟ على وجهين) (أحدهما) : تكمل كالتي قبلها، (والثاني) : لا تكمل لأنه يحتمل أن يكون الألف المنفرد من غير الألفين.

مسألة: وإن شهد أحدهما أن له عليه ألفا وشهد آخر أن له عليه ألفين فهل تكمل البينة على ألف؟ على وجهين

(مسألة) (وإن شهد أحدهما أن له عليه ألفاً من قرض وشهد آخران أن له عليه ألفاً من ثمن مبيع لم تكمل البينة) أما إذا اختلفت الأسباب والصفات مثل أن يشهد شاهد بألف من قرض وآخر بألف من ثمن مبيع أو يشهد شاهد بألف بيض وآخر بألف سود أو يشهد أحدهما بألف دينار والآخر بألف درهم لم تكمل البينة وكان له أن يحلف مع كل واحد منهما ويستحقها أو يحلف مع أحدهما ويستحق ما شهد به (مسألة) (وإن شهد شاهدان أن له عليه ألفاً وقال أحدهما قضاه بعضه بطلت شهادته نص عليه وإن شهد أنه أقرضه ألفاً وقال أحدهما قضاه نصفه صحت شهادتهما) إذا شهدا أن له عليه ألفاً ثم قال أحدهما قضاه نصفه بطلت شهادته وهكذا ذكره أبو الخطاب وذلك بأنه شهد بأن الألف جميعه عليه فإذا قضاه بعضه لم يكن الألف كله عليه فيكون كلامه متناقضاً فتفسد شهادته وفارق هذا ما لو شهد بألف ثم قال بل بخمسمائة لأن ذلك رجوع عن الشهادة بخمسمائة وإقرار بغلط نفسه وهذا لا يقول ذلك على وجه الرجوع والمنصوص عن أحمد أن شهادته تقبل بخمسمائه فإنه قال إذا شهد بألف ثم قال أحدهما قبل الحكم قضاه منه خمسمائه أفسد شهادته والمشهود له ما اجتمعا عليه وهو خمسمائه فصحت شهادته في نصف الألف الباقي وأبطلها في النصف الذي ذكر أنه قضاه لأنه بمنزلة الرجوع عن الشهادة به فأشبه ما لو قال أشهد بألف بل خمسمائه قال أحمد ولو جاء

مسألة: وإن شهد أحدهما أن له عليه ألفا من قرض، وشهد آخر أن له عليه ألفا من ثمن مبيع لم تكمل البينة

بعد هذا المجلس فقال أشهد أنه قضاه منه خمسمائه لم يقبل منه لأنه قد أمضى الشهادة فهذا يحتمل أنه أراد إذا جاء بعد الحكم فشهد بالقضاء لم يقبل منه لأن الألف قد وجب بشهادتهما وحكم الحاكم ولا تقبل شهادته بانقضاء لأنه لا يثبت بشاهد واحد فألما إن شهد أنه أقرضه ألفاً ثم قال أحدهما قضاه منه خمسمائه قبلت شهادته في باقي الألف وجهاً واحداً لأنه لا تناقض في كلامه ولا اختلاف (مسألة) (وإن كانت له بينة بألف فقال أريد أن تشهدا لي بخمسمائة لم يجز) وعند أبي الخطاب يجوز قال أحمد إذ شهد على الف وكان الحاكم لا يحكم إلا على مائتين فقال له صاحب الحق أريد أن تشهدا لي على مائة لم يشهد إلا بألف قال القاضي وذلك أن على الشاهد نقل الشهادة على ما شهد قال الله تعالى (ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها ولأنه لو ساغ للشاهد أن يشهد ببعض ما أشهد لساغ للقاضي أن يقضي ببعض ما شهد به الشاهد وقال أبو الخطاب عندي يجوز بذلك لأن من شهد بألف فقد شهد به بمائة وإذا شهد بمائة لم يكن كاذباً في شهادته فجاز كما لو كان قد أقرضه مائة مرة وتسعمائة أخرى: قال شيخنا والأول أصح لما ذكر القاضي لأن شهادته بمائة ربما أوهمت أن هذه المائة غير التي شهدت بأصله فيؤدي إلى إيجابها عليه مرتين قال أحمد إذا

مسألة: وإن كانت له بينة بألف فقال: أريد أن تشهدا لي بخمسمائة لم يجز

قال أشهد على مائة درهم ومائة درهم ومائة درهم فشهد على مائة دون مائة كره إلا أن يقول أشهدوني على مائة ومائة ومائة يحكيه كله للحاكم كما كان (فصل) قال أحمد إذا شهد بألف درهم ومائة درينار فله دراهم ذلك البلد ودنانيره قال القاضي لانه لما جاز آن يحمل مطلق العقد على ذلك جاز آن تحمل الشهادة عليه (فصل) إذا شهد شاهد انه باعه هذا العبد بألف وشهد آخر انه باعه إياه بخمسمائة لم تكمل البينة لاختلافهما في صفة البيع وله أن يحلف مع أحدهما ويثبت له ما حلف عليه فإن شهد بكل عقد شاهدان ثبت البيعان فإن أضافا البيع إلى وقت واحد مثل أن يشهدا أنه باعه هذا العبد مع الزوال بألف وشهد آخر انه باعه إياه مع الزوال بخمسمائة تعارضت البينتان وسقطتا لأنه لا يمكن اجتماعهما وكل بينة تكذب الأخرى وان شهد بكل واحد من هذين شاهد واحد كان له أن يحلف مع أحدهما ولا يتعارضان لأن التعارض إنما يكون مع البينتين الكاملتين

(باب شروط من تقبل شهادته) وهي ستة أحدها البلوغ فلا تقبل شهادة الصبيان وعنه تقبل ممن هو في حال العدالة وعنه لا تقبل إلى في الجراح إذا شهدوا قبل الافتراق عن الحال التي تجارحوا عليها اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في ذلك فالمشهور عنه أنها لا تقبل شهادة الصبي ما لم يبلغ روي هذا عن ابن عباس وبه قال القاسم وسالم وعطاء ومكحول وابن أبي ليلى والاوزاعي والثوري والشافعي واسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وأبو حنيفة وأصحابه وعن أحمد رواية ثانية أن شهادته تقبل إذا كان ابن عشر قال ابن حامد فعلى هذه الرواية تقبل شهادتهم في غير الحدود والقصاص كالعبيد وروي عن علي رضي الله عنه أن شهادة بعضهم تقبل على بعض، وروي ذلك عن شريح والحسن والنخعي قال ابراهيم كانوا يجيزون شهادة بعضهم على بعض فيما كان بينهم قال المغيرة وكان أصحابنا لا يجيزون شهادتهم على رجل ولا على عبد. وروى الإمام أحمد بإسناده عن مسروق قال كنا عند علي فجاءه خمسة غلمة فقالوا إنا كنا ست غلمة تتغاط فغرق منا غلام فشهد الثلاثة على الإثنين أنهما غرقاه وشهد الاثنان على الثلاثة أنهم غرقوه فجعل على الاثنين ثلاثة اخماس الدية وجعل على الثلاثة خمسيها وقضى بنحو هذا مسروق وعنه رواية ثالثة أن شهادتهم لا تقبل إلا في الجراح إذا شهدوا قبل الافتراق عن الحال التي تجارحوا عليها فإن تفرقوا لم تقبل شهادتهم وهو قول مالك لأن الظاهر صدقهم وضبطهم ولا تقبل بعد الإفتراق لأنه يحتمل أن يلقنوا. قال ابن الزبير إن أخذوا عند مصاب

باب شروط من تقبل شهادته

ذلك فبالحري أن يعقلوا ويحفظوا وعن الزهري أن شهادتهم جائزة ويستحلف أولياء المشجوج وذكره عن مروان والمذهب أن شهادتهم لا تقبل في شئ لقول الله تعالى (وأشهدوا ذوي عدل منكم) وقال سبحانه (ممن ترضون من الشهداء) والصبي لا يرضى وقال عزوجل (ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه) فأخبر أن الشاهد الكاتم لشهادته آثم والصبي لا يأثم فيدل على أنه ليس بشاهد ولأن الصبي لا يخاف من مأثم الكذب فيزعه عنه ويمنعنه منه فلا تحصل الثقة بقوله ولأن من لا يقبل قوله على نفسه في الاقرار لا تقبل شهادته على غيره كالمجنون يحقق هذا أن الاقرار اوسع لأنه يقبل من الكافر والفاسق والمرأة ولا تصح الشهادة منهم ولأن من لا تقبل شهادته في المال لا تقبل في الجراح كالفاسق (والثاني) العقل فلا تقبل شهادة معتوه ولا مجنون إلا من يخنق في الاحيان إذا شهد في حال إفاقته ولا تقبل شهادة من ليس بعاقل إجماعاً قال إبن المنذر وسواء ذهب عقله بجنون أو سكر أو صغر لأنه ليس بمحصل ولا تحصل الثقة بقوله فأما من يخنق في الاحيان إذا شهد في حال إفاقته فتقبل شهادته لأنها شهادة من عاقل أشبه من يخنق

(الثالث) الكلام فلا تقبل شهادة الأخرس نص عليه أحمد قيل له وإن كتبها؟ قال لا أدري وهو قول أصحاب الرأي وقال مالك والشافعي وابن المنذر تقبل إذا فهمت إشارته لفيامها مقام نطقه في كل أحكامه من كلامه ونكاحه وغير ذلك فكذلك في شهادته واستدل ابن المنذر بأن النبي صلى الله عليه وسلم أشار وهو جالس إلى الناس وهو قيام (أن اجلسوا فجلسوا) ولنا انها شهادة بالإشارة فلم تجز كإشارة الناطق لأن الشهادة يعتبر فيها اليقين ولذلك لا يكتفي بايماء الناطق ولا يحصل اليقين بالإشارة وإنما اكتفي بإشارته في أحكامه المختصة به للضرورة ولا ضرورة ههنا وما استدل به ابن المنذر لا يصح فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان قادراً على الكلام وعمل بإشارته إلى الصلاة ولو شهد الناطق بالإشارة والايماء لم تصح شهادته إجماعاً فعلم أن الشهادة تفارق غيرها من الأحكام ويحتمل أن تقبل فيما طريقه الرؤية إذا فهمت إشارته لأن إشارته بمنزلة نطقه كما في سائر احكامه والأول أولى لأنا إنما قبلنا إشارته فيما يختص به للضرورة ولا ضرورة ههنا (الرابع) الإسلام فلا تقبل شهادة كافر إلا أهل الكتاب في الوصية في السفر إذا لم يوجد غيرهم وحضر الموصي الموت فتقبل شهادتهم ويحلفهم الحاكم بعد العصر لا نشتري به ثمنا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله وانها لوصية الرجل بعينه فإن عثر على أنهما استحقا إثما قام آخران من أولياء

الوصي فحلفا بالله لشهادتنا احق من شهادتهما ولقد خانا وكتما ويقضي لهم وعنه أن شهادة بعض أهل الذمة تقبل على بعض والأول المذهب وجملة ذلك أن شهادة أهل الكتاب لا تقبل في شئ على مسلم ولا كافر إلا في الوصية في السفر على ما نذكره ذكره الخرقي، وروي ذلك عن أحمد نحو من عشرين نفساً وممن قال لا تقبل شهادتهم الحسن وابن أبي ليلى والاوزاعي ومالك وأبو ثور ونقل حنبل عن أحمد أن شهادة بعضهم تقبل على بعض وخطأه الخلال في نقله هذا وقال صاحبه أبو بكر هذا غلط لا شك فيه وقال ابن حامد بل المسألة على ووايتين قال ابو حفص البرمكي تقبل شهادة السبي بعضهم على بعض في النسب إذا ادعى أحدهم أن الآخر أخوه والمذهب الأول والظاهر غلط من روى خلاف ذلك وذهبت طائفة من أهل العلم إلى أن شهادة بعضهم على بعض تقبل ثم اختلفوا فمنهم من قال الكفر ملة واحدة فتقبل شهادة اليهودي على النصراني والنصراني على اليهودي هذا قول حماد وسوار والثوري وأبي حنيفة وأصحابه وعن قتادة والحكم وأبي عبيد واسحاق تقبل شهادة كل ملة بعضها على بعض ولا تقبل شهادة يهودي على نصراني ولا نصراني على يهودي ويروى عن الزهري والشعبي كقولنا وقولهم، واحتجوا بما روي عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض رواه ابن ماجه ولأن بعضهم يلي على بعض فتقبل شهادة بعضهم على بعض كالمسلمين ولنا قول الله تعالى (وأشهدوا ذوي عدل منكم) وقال تعالى (واستشهدوا شهيدين من رجالكم -

إلى قوله - ممن ترضون من الشهداء) والكافر ليس بذي عدل ولا هو منا ولا من رجالنا ولا ممن نرضاه ولأنه لا تقبل شهادته على غير أهل دينه فلا تقبل على أهل دينه كالحربي والخبر يرويه أهل مجلد وهو ضعيف وإن ثبت فيحتمل أنه أراد اليمين فإنها تسمى شهادة قال الله تعالى في اللعان (فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين) وأما الولاية فمتعلقها القرابة والشفقة وقرابتهم ثابتة وشفقتهم كشفقة المسلمين وجازت لموضع الحاجة فإن غير أهل دينهم لا يلي عليهم والحاكم يتعذر عليه ذلك لكثرتهم بخلاف الشهادة فإنها ممكنة من المسلمين، وقد روي عن معاذ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا تقبل شهادة أهل دين إلا المسلمين فإنهم عدول على أنفسهم وعلى غيرهم (فصل) فأما شهادة أهل الكتاب بوصية المسافر الذي مات في سفره إذا شهد بها شاهدان من أهل الذمة قبلت شهادتهم إذا لم يوجد غيرهما من المسلمين ويستحلفان بعد العصر على ما ذكرنا في صدر المسألة قال إبن المنذر وبهذا قال أكابر الماضين يعني الآية التي في سورة المائدة ومن قاله شريح والنخعي والأوزاعي ويحيى بن حمزة وقضى بذلك عبد الله بن مسعود وأبو موسى رضي الله عنهما وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي لا تقبل لأن من لا تقبل شهادته في غير الوصية لا تقبل في الوصية كالفاسق ولأن الفاسق لا تقبل شهادته فالكافر أولى واختلفوا في تأويل الآية فمنهم من حملها على التحمل دون الأداء ومنهم قال المراد بقوله من غيركم أي من عشيرتكم ومنهم من قال المراد بالشهادة اليمين

ولنا قول الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منك أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت) الأية وهذا نص الكتاب وقد قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فروى ابن عباس قال خرج رجل من بني تميم الداري وعدي بن زيد فمات السهمي بأرض ليس بها مسلم فلما قدما بتركته فقد واجام فضة مخوصاً بالذهب فاحلفهما رسلو الله صلى الله عليه وسلم ثم وجدوا الجام بمكة فقالوا اشتريناه من تيمم وعدي فقام رجلان من أولياء السهمي فحلفا بالله لشهادتنا احق من شهادتهما وأن الجام لصاحبهم فنزلت فيهم (يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم) الآية وعن الشعبي أن رجلاً من المسلمين حضرته الوفاة بدقوقا ولم يجد أحداً من المسلمين يشهده على وصيته فأشهد رجلين من أهل الكتاب فقدما الكوفة فأتيا الأشعري فأخبراه وقدما بتركته ووصيته فقال الأشعري هذا أمر لم يكن بعد الذي كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحلفهما بعد العصر ما خانا ولا كذبا ولا بدلا ولا كتما ولا غيرا وانها لوصية الرجل وتركته فأمضى شهادتهما رواه أبو داود وروى الخلاف حديث أبي موسى باسناده وحمل الآية على أنه أراد من غير عشيرتكم لا يصح لأن الآية نزلت في قصة عدي وتميم بلا خلاف بين المفسرين وقد فسره بما قلنا سعيد بن المسيب والحسن

وابن سيرين وعبيدة وسعيد بن جبير وسليمان التيمي وغيرهم ودلت عليه الأحاديث التي رويناها ولأنه لو صح ما ذكروه لم تجب الأيمان لأن الشاهدين من المسلمين لاقسامة عليهم وحملها على التحمل لا يصح لأنه أمر باحلافهم ولا أيمان في التحمل وحملها على اليمين لا يصح لقوله (فيقسمان بالله إن ارتبتم لا نشتري به ثمنا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله) ولأنه عطفها على ذوي العدل من المؤمنين وهما شاهدان وروى أبو عبيد في الناسخ المنسوخ أن ابن مسعود قضى بذلك في زمن عثمان قال أحمد أهل المدينة ليس عندهم حديث أبي موسى من أين يعرفونه؟ فقد ثبت هذا الحكم بكتاب الله وقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وقضاء الصحابة وعملهم بما ثبت في الكتاب والسنة فتعين المصير إليه والعمل به سواء وافق القياس أو خالفه (الخامس) أن يكون ممن يحفظ فلا تقبل شهادة مغفل ولا معروف بكثرة الغلط والنسيان لان الثقة لا تحصل بقوله لاحتمال أن يكون من غلطه وتقبل شهادة من يقل ذلك منه لأن أحداً لا يسلم من الغلط. (فصل) قال رحمه الله (السادس) (العدالة وهي استواء احواله في دينه واعتدال اقواله وافعاله وقيل العدل من لم تظهر منه ريبة ويعتبر له شيئان الصلاح في الدين وهو أداء الفرائض واجتناب المحارم وهو أن لا يرتكب كبيرة ولا يد من على صغيرة) فإن الله تعالى نهى ان تقبل شهادة القاذف

فيقاس عليه كل مرتكب كبيرة ولا يخرجه عن العدالة فعل صغيرة لقول الله تعالى (الذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش إلا اللمم) قيل اللمم صغار الذنوب ولان التحرز منها غير ممكن وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (إن تغفر اللهم تغفر جما واي عبد لك لا ألما) اي لم يلم فان لامع الماضي بمنزلة لم مع المستقبل وقيل اللمم ان يلم بالذنب ولا يعود فيه والكبائر كل ذنب فيه حد والاشراك بالله وقتل النفس التي حرم الله وعقوق الوالدين، وقد روى أبو بكرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر الإشراك بالله وقتل النفس التي حرم الله وعقوق الوالدين - وكان متكئاً فجلس فقال - ألا وقول الزور وشهادة الزور) فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت متفق عليه قال أحمد لا تجوز شهادة آكل الربا والعاق وقاطع الرحم ولا من لا يؤدي زكاة ماله، وإذا اخرج في طريق المسلمين الاسطوانة والكنيف لا يكون عدلا ولا يكون ابنه عدلا إذا ورث أباه حتى يرد ما أخذ من طريق المسلمين ولا يكون عدلا إذا كذب الكذب الشديد لأن النبي صلى الله عليه وسلم رد شهادة رجل في كذبة. وقال عن الزهري عن عروة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم (لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا مجلود في حد ولا ذي غمر على أخيه في عداوة ولا القاطع لاهل البيت ولا مجرب عليه شهادة زور ولا ضنين في قرابة ولا ولاء) وقد رواه أبو داود (لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا زان ولا زانية ولان ذي غمر على أخيه) فاما الصغائر فان كان مصرا عليها ردت شهادته وإن كان الغالب من امره الطاعات لم ترد لما ذكرنا من عدم إمكان التحرز منه. (مسألة) (ولا تقبل شهادة فاسق لقوله سبحانه وتعالى (وأشهدوا ذوي عدل منكم)

وقال سبحانه (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا) الآية والشهادة نبأ فيجب التوقف عنه وقد روي في الحديث (لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا محدود في الإسلام ولا ذي غمر على أخيه) رواه أبو عبيد وكان أبو عبيد لا يرى الخائن والخائنة مختصا بامانات الناس بل جميع ما فرض الله تعالى على العباد القيام به واجتنابه من كبير ذلك وصغيره قال الله تعالى (انا عرضنا على السموات والارض والجبال) الآية وروي عن عمر أنه قال لا يؤسر رجل بغير العدول ولان دين الفاسق لا يزعه عن ارتكاب محظورات الدين فلا يؤمن أن لا يزعه عن الكذب فلا تحصل الثقة بخبره إذا تقرر هذا فالفسق نوعان: (احدهما) من جهة الأفعال فلا خلاف في رد شهادته (الثاني) من جهة الاعتقاد وهو اعتقاد البدعة فيوجب رد الشهادة أيضاً. وبه قال مالك وشريك واسحاق وأبو عبيد وابو ثور قال شريك اربعة لا تجوز شهادتهم رافضي يزعم أنه له اماما مفترضة طاعته وخارجي يزعم ان الدنيا دار حرب وقد يزعم ان المشيثة إليه ومرجئ، ورد شهادة يعقوب وقال الا ارد شهادة قوم يزعمون ان الصلاة ليست من الأيمان؟ وقال أبو حامد من أصحاب الشافعي المختلفون على ثلاثة أضرب (ضرب) اختلفوا في الفروع فهؤلاء لا يفسقون ولا ترد شهادتهم وقد اختلفت الصحابة في الفروع ومن بعدهم من التابعين

(الثاني) من نفسقه ولا نكفره وهو من سب القرابة كالخوارج أو من سب الصحابة كالروافض فلا تقبل لهم شهادة لذلك (الثالث) من نكفره وهو من قال بخلق القرآن ونفى الرؤية واضاف المشيئة إلى نفسه فلا تقبل له شهادة وذكر القاضي أبو يعلى مثل هذا سواء قال: وقال أحمد ما تعجبني شهادة الجهمية والرافضة والقدرية المعلنة وظاهر قول الشافعي وابن أبي ليلى والثوري وأبي حنيفة وأصحابه قبول شهادة أهل الاهواء وأجاز سوار شهادة ناس من بني العنبر ممن يرى الاعتزال قال الشافعي إلا أن يكون ممن يرى الشهادة بالكذب كالخطابية وهم أصحاب أبي الخطاب يشهد بعضهم لبعض بتصديقه ووجه قول من أجاز شهادتهم أنه اختلاف لم يخرجهم عن الاسلام أشبه الاختلاف في الفروع ولان فسقهم لا يدل على كذبهم لكونهم ذهبوا إلى ذلك تدينا واعتقادا أنه الحق ولم يرتكبوه عالمين بتحريمه بخلاف فسق الافعال. (مسألة) (ويتخرج قبول شهادة أهل الذمة على قبول شهادة الفاسق من جبة الاعتقاد المتدين به إذا لم يتدين بالشهادة لموافقيه على مخالفيه كالخطابية. وكذلك قال أبو الخطاب. وروى عن أحمد جواز الرواية عن القدري إذا لم يكن داعية فكذلك الشهادة.

مسألة: ويتخرج قبول شهادة أهل الذمة على قبول شهادة الفاسق من جهة الاعتقاد المتدين به إذا لم يتدين بالشهادة لموافقيه على مخالفيه كالخطابية

ولنا أنه أحد نوعي الفسق فترد به الشهادة كالنوع الآخر ولأنه فاسق فترد شهادته للآية (مسألة) (فأما من فعل شيئاً من الفروع المختلف فيها فتزوج بغير ولي أو شرب من النبيذ مالا يسكره أو أخر الحج مع امكانه ونحوه متأولاً فلا ترد شهادته) وإن فعله معتقداً تحريمه ردت شهادته. ويحتمل أن لا ترد بنص عليه أحمد في شارب النبيذ يحد ولا ترد شهادته. وبهذا قال لشافعي وقال مالك ترد شهادته لأنه فعل ما يعتقد الحاكم تحريمه فأشبه المتفق على تحريمه ولنا أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يختلفون في الفروع فلم يكن بعضهم يعيب من خالفه ولا يفسقه ولأنه فرع مختلف فيه فلم ترد شهادة فاعله كالذي يوافقه عليه الحاكم، فأما إن فعله معتقداً تحريمه ردت شهادته إذا تكرر ويحتمل أن لا ترد وبه قال أصحاب الشافعي لأنه فعل لا يرد شهادة بعض الناس فلا يرد شهادة البعض الآخر كالمتفق على حله ووجه الأول أنه فعل محرم على فاعله ويأثم به فأشبه المتفق على تحريمه، وبهذا فارق معتقد حله وقد روي عن أحمد فيمن يجب عليه الحج فلا يحج ترد شهادته وهذا يحمل على من اعتقد وجوبه على الفور فأما من يعتقد أنه على التراخي وبتركه بنية فعله فلا ترد شهادته كسائر ما ذكرنا وقيل ترد لأنه

مسألة: فأما من فعل شيئا من الفروع المختلف فيها فتزوج بغير ولي، أو شرب من النبيذ ما لا يسكره، أو أخر الحج مع امكانه ونحوه متأولا، فلا ترد شهادته

روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال لقد هممت أن أنظر في الناس فمن وجدته يقدر على الحج ولا يحج ضربت عليه الجزية ثم قال ما هم بمسلمين وما هم بمسلمين (مسألة) الثاني (استعمال المروءة وهو فعل ما يجمله ويزينه وترك ما يدنسه ويشينه فلا تقبل شهادة المصانع، والمتمسخر، والمغني، والرقاص، واللاعب بالشطرنج، والنرد، والحمام والذي يتغدى في السوق ويمد رجليه في مجمع الناس ويحدث بمباضعته أهله وأمته ويدخل الحمام بغير مئزر ونحو ذلك) المروءات اجتناب الأمور الدنيئة المزرية به وذلك نوعان (أحدهما) في الأفعال كالأكل في السوق وهو الذي ينصب مائدة في السوق ويأكل والناس ينظرون إليه ولا يعني أكل شئ يسير كالكسرة ونحوها، وإن كان يكشف ما جرت العادة بتغطيته من بدنه أو يمد رجليه في مجمع الناس أو يتمسخر بما يضحك الناس به أو يخاطب امرأته أو أمته أو غيرهما بحضرة الناس الخطاب الفاحش أو يحدث الناس بمباضعته أهله أو نحو هذا من الأفعال الدنيئة فلا تقبل شهادته لأن هذا سخف ودناءة فمن

مسألة: الثاني: استعمال المروءة، وهو فعل ما يجمله ويزينه وترك ما يدنسه ويشينه، فلا تقبل شهادة المصانع، والمتمسخر، والمغني، والرقاص، واللاعب بالشطرنج، والنرد، والحمام، والذي يتغدى في السوق ويمد رجليه في مجمع الناس، ويحدث بمباضعته أهله وأمته

رضيه لنفسه واستحسنه فليست له مروءة ولا تحصل الثقة بقوله قال أحمد في رجل شتم بهيمة قال الصالحون لا تقبل شهادته حتى يتوب، وقد روى ابن مسعود البدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت) يعني من لم يستح صنع ما شاء ولان المروءة تمتنع الكذب وتزجر عنه ولهذا يمتنع منه دو المروة وإن لم يكن ذا دين فقد روي عن أبي سفيان أنه حين سأله قيصر عن النبي صلى الله عليه وسلم وصفته قال والله لولا أني كرهت أن يؤثر عني الكذب لكذبته ولم يكن يومئذ ذا دين ولأن الكذب دناءة والمروءة تمنع من الدناءة وإذا كانت المروءة مانعة من الكذب اعتبرت في العدالة كالدين ومن فعل شيئاً من هذا مختفياً به لم يمنع من قبول شهادته لأن مروءته لا تسقط به وكذلك إن فعله مرة أو شيئاً قليلاً لم ترد شهادته لأن صغير المعاصي لا يمنع الشهادة إذا قل فهذا أولى ولأن المروءة لا تختل بقليل هذا ما لم يكن عادة

(فصل في اللعب) كل لعب فيه قمار فهو محرم أي لعب كان وهو من الميسر الذي أمر الله تعالى باجتنابه ومن تكرر منه ذلك ردت شهادته وما خلا القمار وهو اللعب الذي لا عوض فيه من الجانبين ولا من أحدهما فمنه ما هو محرم ومنه ما هو مباح فالمحرم اللعب بالنرد وهذا قول أبي حنيفة وأكثر أصحاب الشافعي وقال بعضهم هو مكروه غير محرم. ولنا ما روى أبو موسى قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من لعب بالنرد شير فقد عصى الله ورسوله) . وروى بريدة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من لعب بالنردشير فكأنما غمس يده في لحم الخنزير ودمه)) رواه أبو داود وكان سعيد بن جبير إذا مر على أصحاب النردشير لم يسلم عليهم. إذا ثبت هذا فمن تكرر منه اللعب به لم تقبل شهادته سواء لعب به قماراً أو غير قمار وهو قول أبي حنيفة ومالك وظاهر مذهب الشافعي. وقال مالك: من لعب بالشطرنج والنرد فلا أرى شهادته إلا باطلة لأن الله تعالى قال (فماذا بعد الحق إلا الضلال) وهذا ليس من الحق فيكون من الضلال (فصل) والشطرنج كالنرد في التحريم إلا أن تحريم النرد آكد لورود النص في تحريمه وهذا في معناه فيثبت فيه حكمه قياساً عليه، وذكر القاضي أبو الحسين ممن ذهب إلى تحريمه علي بن أبي طالب

فصل في اللعب

وابن عمر وابن عباس وسعيد بن المسيب والقاسم وسالما وعروة ومحمد بن علي بن الحسين ومطر الوراق ومالكا وأبا حنيفة وذهب الشافعي إلى إباحته وحكى ذلك أصحابه عن أبي هريرة وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير واحتجوا بأن الأصل الإباحة ولم يرد بتحريمه نص ولا هو في معنى المنصوص عليه فيبقى على الإباحة ويفارق الشطرنج النرد من وجهين (أحدهما) أن في الشطرنج تدبير الحرب فأشبه اللعب بالحراب والرمي بالنشاب والمسابقة بالخيل (والثاني) أن المعول في النرد على ما يخرجه الكعبتان فأشبه الأزلام والمعول في الشطرنج على حذقه وتدبيره فأشبه المسابقة بالسهام ولنا قول الله سبحانه وتعالى (إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه) قال علي رضي الله عنه الشطرنج من الميسر ومر رضي الله عنه على قوم فقال ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون؟ قال أحمد أصح ما في الشطرنج قول علي رضي الله عنه وروى واثلة بن الاسقع قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أن لله عزوجل في كل يوم ستمائة وستين نظرة ليس لصاحب الشاه فيها نصيب (ولأنه لعب يصد عن ذكر الله تعالى وعن الصلاة فأشبه اللعب بالنرد وقولهم لا نص فيها وقد ذكرنا فيها نصاً وهو في معنى المنصوص على تحريمه وقولهم إن فيها تدبير الحرب قلنا لا يقصد هذا

منها وأكثر اللاعبين بها انما يقصدون منها اللعب والقمار وقولهم إن المعول فيها على تدبيره فهو أبلغ في اشغاله بها وصدها عن ذكر الله وعن الصلاة. إذا ثبت هذا فقال أحمد النرد أشد من الشطرنج إنما قال ذلك لورود النص في النرد بخلاف الشطرنج. إذ ثبت هذا فقال القاضي: هو كالنرد في رد الشهادة وهو قول أبي حنيفة ومالك لاشتراكهما في التحريم وقال أبو بكر إن فعله من يعتقد تحريمه فهو كالنرد في حقه وإن فعله من يعتقد إباحته لم ترد شهادته إلا أن يشغله عن الصلاة في أوقاتها أو يخرجه إلى الحلف الكاذب أو نحوه من المحرمات أو يلعب بها على الطريق أو يفعل في لعبه ما يستخف به من أجله ونحو هذا مما يخرجه عن المروءة، وهذا مذهب الشافعي وذلك لأنه مختلف فيه أشبه سائر المختلف فيه (فصل) فأما اللاعب بالحمام يطيرها فلا شهادة له وهذا قول أصحاب الرأي وكان شريح لا يجيز شهادة صاحب حمام ولا حمام ولأنه سفه ودناءة وقلة مروءة ويتضمن أذى الجيران وإشرافه على دورهم ورميه إياها بالحجارة، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يتبع حماماً فقال (شيطان يتبع شيطانة) فإن اتخذ الحمام لطلب فراخها أو لحمل الكتب أو للانس بها من غير أذى يتعدى إلى الناس فلا بأس، وقد روى عبادة بن الصامت أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم (فشكا إليه الوحشة فقال (اتخذ زوجاً من الحمام)

(فصل) فأما المسابقة المشروعة بالخيل وغيرها من الحيوانات أو على الأقدام فمباحة ولا دناءة فيها ولا ترد بها الشهادة وقد ذكرنا مشروعية ذلك في باب المسابقة وكذلك ما في معناها من الثقاف واللعب بالحراب وقد لعب الحبشة بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم بالحراب وقامت عائشة رضي الله عنها تنظر اليهم وتستتر به حتى ملت وسائر اللعب إذا لم يتضمن ضرارا ولا شغلاً عن فرض فالأصل إباحته فما كان فيه دناءة ينرفع عنه ذووا المروءات منع الشهادة إذا فعله ظاهراً وتكرر منه ومالا دناءة فيه لم ترد الشهادة به بحال (مسألة) (فأما الشين في الصناعة كالحجام والحائك والنخال والنفاط والقمام والزبال والمشعوذ والدباغ والحارس والكناس فهل تقبل شهادتهم إذا حسنت طرائقهم؟ على وجهين) الصناعات الدنيئة كالكساح والكباش لا تقبل شهادتهما لما روى سعيد في سننه أن رجلاً أتى ابن عمر فقال له إني رجل كناس فقال له أي شئ تكنس؟ الزبل قال لا قال فالعذرة؟ قال نعم قال الأجر خبيث وما تزوجت فخبيث حتى تخرج منه كما دخلت فيه وعن ابن عباس مثله في الكساح ولأن هذا دناءة يجتنبه أهل المروءات فأشبه الذي قبله فأما الزبال ونحوهم ففيه وجهان (أحدهما) لا تقبل شهادتهم لأنها دناءة تجتنبها أهل المروءات فهو كالذي قبله (والثاني) يقبل لأن بالناس إليه حاجة فعلى هذا الوجه إنما تقبل شهادته إذا كان يتنظف للصلاة في وقتها ويصليها فإن صلى بالنجاسة لم تقبل شهادته وجهاً واحداً، وأما الحائك والحارس والدباغ فهو أعلى من هذه الصنائع فلا ترد به

الشهادة وذكر شيخنا فيها وجهين وكذلك ذكرها أبو الخطاب والأولى قبول شهادة الحائك والحارس والدباغ لأنه قد تولاها كثير من الصالحين وأهل المروءات وأما سائر الصنائع التي لا دناءة فيها فلا ترد الشهادة بها إلا من كان منهم يحلف كاذباً أو يعد ويخلف وغلب هذا عليه فإن شهادته ترد وكذلك من كان منهم يؤخر الصلاة عن أوقاتها ولا يتنزه عن النجاسات فلا شهادة له ومن كانت صناعته يكثر فيها الربا كالصائغ والصيرفي ولم يتق ذلك ردت شهادته (فصل في الملاهي) وهي على ثلاثة أضرب: محرم وهو ضرب الأوتار والنايات والمزامير كلها والعود والطنبور والمعزفة والرباب ونحوها فمن أدام استماعها ردت شهادته لأنه بروى عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا ظهر في أمتي خمس عشرة خصلة حل بهم البلاء) ذكر منها إظهار المعارف والملاهي وقال سعيد ثنا فرج بن فضالة عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله بعثني رحمة للعالمين وأمرني بمحق المعازف والمزامير لا يحل بيعهن ولا شراؤهن ولا التجارة فيهن وثمنهن حرام) يعني الضاربات وروى نافع قال سمع ابن عمر مزماراً فوضع اصبعيه على أذنيه ونأى عن الطريق وقال لي يا نافع هل تسمع شيئاً؟ قال فقلت لا قال فرفع اصبعيه من أذنيه وقال

فصل في الملاهي

كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فسمع مثل هذا فصنع مثل هذا رواه الخلال في جامعه من طريقين ورواه أبو داود في سننه وقال حديث منكر وقد احتج قوم بهذا الخبر على إباحة المزمار وقالوا لو كان حراماً لمنع النبي صلى الله عليه وسلم ابن عمر من سماعه ومنع ابن عمر نافعاً من استماعه ولأنكر على الزامر بها قلنا الأول لا يصح لأن المحرم استماعها دون سماعها والاستماع غير السماع ولهذا فرق الفقهاء في سجود التلاوة بين السامع والمستمع ولم يوجبوا على من سمع شيئاً محرماً سد أذنيه قال الله تعالى (وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه) ولم يقل سدوا آذانهم والمستمع هو الذي يقصد السماع ولم يوجد هذا من ابن عمر وإنما وجد السماع ولأن بالنبي صلى الله عليه وسلم حاجة إلى معرفة انقطاع سماع الصوت عنه لأنه عدل عن الطريق وسد أذنيه فلم يكن ليرجع إلى الطريق ولا يرفع اصبعيه من أذنيه حتى ينقطع الصوت عنه فأبيح للحاجة وأما الانكار لعله كان في أول الهجرة حينما لم يكن الإنكار واجباً أو قبل إمكان الإنكار لكثرة الكفار وقلة أهل الإسلام فإن قيل فهذا الخبر ضعيف فإن أبا داود رواه وقال هو حديث منكر قلنا قد رواه الخلال من طريقين فلعل أبا داود ضعفه لأنه لم يقع له إلا من إحدى الطريقين (وضرب مباح) وهو الدف فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال (أعلنوا النكاح واضربوا عليه بالدف) أخرجه مسلم وذكر أصحابنا وأصحاب الشافعي أنه مكروه في غير النكاح لأنه يروى عن عمر أنه كان إذا سمع صوت الدف بعث فنظر فان كان في وليمة سكت وإن كان في غيرها عمد الدرة

ولنا ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أن امرأة جاءته فقالت إني نذرت إن رجعت من سفرك سالماً أن أضرب على رأسك بالدف فقال النبي صلى الله عليه وسلم (أوف بنذرك) رواه أبو داود ولو كان مكروهاً لم يأمرها به وإن كان منذوراً، وروت الربيع بنت معوذ قالت دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم صبيحة بنى بي فجعلت جويريات يضربن بدف لهن ويندبن من قتل من أبائي يوم بدر إلى أن قالت إحداهن وفينا نبي يعلم ما في غد فقال دعي هذا وقولي الذي كنت تقولين) متفق عليه فأما الضرب به للرجال فهو مكروه على كل حال لأنه إنما يضرب به النساء والمخنثون، والمشبهون بهن ففي ضرب الرجال به تشبه بالنساء. فأما الضرب بالقضيب فيكره إذا انضم إليه مكروه أو محرم كالتصفيق والغناء والرقص وإن خلا عن ذلك كله لم يكره لأنه ليس بآلة لهو ولا بطرب ولا يسمع منفرداً بخلاف الملاهي، ومذهب الشافعي في هذا الفصل كما قلنا (فصل) واختلف أصحابنا في الغناء فذهب الخلال وصاحبه أبو بكر عبد العزيز إلى إباحته قال أبو بكر عبد العزيز الغناء والنوح معنى واحد مباح ما لم يكن معه منكر ولا فيه طعن فإن الخلال يحمل الكراهة من أحمد على الأفعال المذمومة لا على القول بعينه، وروي عن أحمد أنه سمع من عند ابنه صالح قوالاً فلم ينكر عليه، وقال له صالح يا أبه أليس كنت تكرههم؟ فقال قيل لي إنهم يستعملون المنكر، وممن ذهب إلى إباحة الغناء من غير كراهة إبراهيم بن سعد وكثير من أهل المدينة والعنبري لما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت كانت عندي جاريتان تغنيان فدخل أبو بكر فقال مزمور

الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ (دعها فإنها أيام عيد) متفق عليه، وعن عمر رضي الله عنه أنه قال الغناء زاد الراكب واختار القاضي أنه مكروه غير محرم وهو قول الشافعي وقال من اللهو المكروه، وقال أحمد الغناء ينبت النفاق في القلب لا يعجبني، وذهب آخرون من أصحابنا إلى تحريمه قال أحمد فيمن مات وخلف ولداً يتيماً وجارية مغنية فاحتاج الصبي إلى بيعها تباع ساذجة قيل له إنها تساوي مغنية ثلاثين ألفاً وتساوي ساذجة عشرين ديناراً فقال لا تباع إلا على أنها ساذجة واحتجوا على تحريمه بما روي عن ابن الحنيفة في قوله تعالى (واجتنبوا قول الزور) قال الغناء وقال ابن عباس وابن مسعود في قول الله تعالى (ومن الناس من يشتري لهو الحديث) قال هو الغناء وعن أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن شراء المغنيات وبيعهن والتجارة فيهن وأكل أثمانهن حرام أخرجه الترمذي وقال لا نعرفه إلا من حديث علي بن يزيد وقد تكلم أهل العلم فيه وروى ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الغناء ينبت النفاق في القلب) والصحيح أنه قول ابن مسعود، وعلى كل حال من اتخذ الغناء صناعة يؤتى إليه ويأتي له أو اتخذ غلامه أو جارية مغنيين يجمع عليهما الناس فلا شهادة له لأن هذا عند من لم يحرمه سفه ودناءة وسقوط مروءة ومن حرمه فهو مع سفهه عاص مصر متظاهر بفسقه وبهذا قال الشافعي وأصحاب الرأي، وإن كان لا ينسب نفسه إلى الغناء وإنما يترثم لنفسه ولا يغني للناس أو كان غلامه وجاريته إنما يغنيان له انبنى هذا على الخلاف فيه فمن أباحه أو كرهه لم ترد شهادته، ومن حرمه قال إن دام عليه ردت شهادته كسائر الصغائر

وإن لم يداوم عليه لم ترد شهادته، وان فعله من يعتقد حله فقياس المذهب أن لا ترد شهادته بمالا لا يشتهر به منه كسائر المختلف فيه من الفروع، ومن كان يغشى بيوت المغني أو يغشاه المغنون للسماع متظاهراً بذلك وكثر منه ردت شهادته في قولهم جميعاً لأنه سفه ودناءة، وان كان مستتراً به فهو كالمغني لنفسه على ما ذكر من التفصيل فيه (فصل) فأما الحداء وهو الإنشاد التي تساق به الإبل فمباح لا بأس به في فعله واستماعه لما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر وكان عبد الله بن رواحة جيد الحداء وكان مع الرجال وكان انجشة مع التساء فقال النبي صلى الله عليه وسلم لابن رواحة (حرك بالقوم) فاندفع ينشد فتبعه انجشة فأعنقت الإبل فقال النبي صلى الله عليه وسلم (لا نجشة رويدك رفقاً بالقوارير) يعني النساء وكذلك نشيد الأعراب وهو النصب لا بأس به وسائر أنواع الإنشاد ما لم يخرج إلى حد الغناء، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يسمع إنشاد الشعر فلا ينكره والغناء من الصوت ممدود مكسور والغنى من المال مقصور والحداء ممدود مضموم كالدعاء ويجوز الكسر كالنداء (فصل) والشعر كالكلام حسنه كحسنه وقبيحه كقبيحه، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (إن من الشعر لحكماً) وكان يضع لحسان منبراً يقوم عليه فيهجو من هجا رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين وأنشده كعب بن زهير قصيدته * بانت سعاد فقلبي اليوم متبول * في المسجد وقال له عمه العباس يارسول الله إني أريد أن أمتدحك فقال قل لا يفضض الله فاك فأنشده

من قبلها طبت في الظلال * وفي مستودع حيث يخصف الورق وقال عمر بن الشريد أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (امعك من شعر أمية؟) قلت نعم فأنشدته بيتاً فقال (هيه) حتى أنشدته مائة قافية وقال النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين أنا النبي لا كذب * أنا ابن عبد المطلب وقد اختلف في هذا فقيل ليس بشعر وإنما هو كلام موزون، وقيل بل هو شعر ولكنه بيت واحد قصير فهو كالنثر، ويروى أن أبا الدرداء قيل له ما من أهل بيت في الأنصار إلا وقد قال الشعر قال وأنا قد قلت يريد العبد أن يعطى مناه * ويأبى الله إلا ما أرادا يقول العبد فائدتي ومالي * وتقوى الله أفضل ما استفادا وليس في إباحة الشعر اختلاف وقد قاله الصحابة والعلماء والحاجة تدعو إليه لمعرفة اللغة والعربية وللاستشهاد به في التفسير وتعرف معنى كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم ويستدل به أيضاً على النسب والتاريخ وأيام العرب ويقال الشعر ديوان العرب فإن قيل فقد قال الله تعالى (والشعراء يتبهم الغاوون) وقال النبي صلى الله عليه وسلم (لأن يمتلئ أحدكم قيحاً حتى يريه خير له من أن يمتلئ شعراً) رواه أبو داود وابو عبيد وقال معنى يريه يأكل جوفه يقال ورواه يريه قال الشاعر:

وراهن ربي مثل ما قد ورينني * واحمى على أكبادهن المكاويا قلنا أما الآية فالمراد بها من أسرف وكذب بدليل وصفه لهم بقوله (ألم ترانهم في كل واد يهيمون وأنهم يقولون ما لا يفعلون؟) ثم استثني المؤمنين بقوله (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا) ولأن الغالب على الشعراء قلة الدين والكذب وقذف المحصنات وهجاء الأبرياء لا سيما من كان في ابتداء الإسلام ممن يهجو النبي صلى الله عليه وسلم ويهجو المسلمين ويعيب الإسلام ويمدح الكفار فوقع الذم على الأغلب واستثنى منهم من لا يفعل الخصال المذمومة فالآية دليل على إباحته ومدح أهله المتصفين بالصفات الجميلة، وأما الخبر فقال أبو عبيد معناه أن يغلب عليه الشعر حتى يشغله عن القرآن والفقه وقيل المراد به ما كان هجاءً وفحشاً فما كان من الشعر يتضمن هجاء المسلمين والقدح في أعراضهم أو التشبب بإمرأة بعينها بالإفراط في وصفها فذكر أصحابنا أنه محرم وهذا إن أريد به أنه محرم على قائله فهو صحيح، وأما على راويه فلا يصح فإن المغازي يروى فيها قصائد الذين هاجوا بها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينكر ذلك أحد، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن في الشعر الذي تقاولت به الشعراء في يوم بدر وأحد وغيرهما إلا قصيدة أمية بن أبي الصلت الحائية وكذلك يروى شعر قيس بن الحطيم في التشبب بعمرة بنت رواحة أخت عبد الله بن رواحة أم النعمان ابن بشير وقد سمع النبي صلى الله عليه وسلم قصيدة كعب بن زهير وفيها التشبب بسعاد ولم يزل الناس يروون أمثال هذا ولا ينكر وروينا أن النعمان بن بشير دخل مجلساً فيه رجل يغنيهم بقصيدة قيس بن الحطيم فلما دخل النعمان سكتوه من قبل أن فيها ذكر أمه فقال النعمان فلم يقل بأساً إنما قال

وعمرة من سروات النساء * تنفح بالمسك أردانها وكان عمر بن طلحة بمجلس فغناهم رجل بشعر فيه ذكر أمه فسكتوه فقال دعوه فإن قائل هذا الشعر كان زوجها فأما لشاعر فمتى كان يهجو المسلمين ويمدح بالكذب أو يقذف مسلماً أو مسلمة فإن شهادته ترد وسواء قذف المسلمة بنفسه أو بغيره وقد قيل أعظم الناس ذنباً رجل يهاجي رجلاً فيهجو القبيلة بأسرها وقد روينا أن أباد لامة؟ شهد عند قاض فخاف أن ترد شهادته فقال إن الناس غطوني تغطيت عنهم * وإن بحثوا عني ففيهم مباحث فقال القاضي ومن يبحثك يا أبا دلامة؟ وغرم المال من عنده ولم يظهر أنه رد شهادته (فصل في قراءة القرآن بالالحان) اما قراءته من غير تلحين فلا بأس بها وإن حسن صوته به فهو أفضل فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال (زينوا أصواتكم بالقرآن) وروي (زينوا القرآن بأصواتكم) وقال (لقد أوتي أبو موسى مزماراً من مزامير آل داود) فقال أبو موسى لو أعلم أنك تستمع لحبرته لك تحبيراً وروي أن عائشة أبطأت على النبي صلى الله عليه وسلم ليلة فقال أين كنت يا عائشة فقالت يارسول الله كنت أسمع قراءة رجل في المسجد لم أسمع أحداً يقرأ أحسن من قراءته فقام النبي صلى الله عليه وسلم فاستمع قراءته ثم قال (هذا سالم مولى أبي حذيفة الحمد لله الذي جعل في أمتي مثل هذا) قال صالح قلت (لأبي زينوا القرآن بأصواتكم) ما معناه قال أن تحسنه وقيل له ما معنى (من لم يتغن بالقرآن) قال يرفع صوته به، وهكذا قال الشافعي وقال الليث يتحزن به ويتخشع به ويتباكى به. وقال ابن غيينة وعمر وبن الحارث ووكيع يستغني به فأما القرآن بالتلحين فينظر فيه فإن لم يفرط في التمطيط والمد وإشباع الحركات فلا بأس به فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد قرأ ورجع ورفع صوته

وقال الراوي لولا أن تجتمع الناس إلي لحكيت لكم قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال عليه الصلاة والسلام (ليس منا من لم يتغن بالقرآن) وقال (ما أذن الله لشئ كإذنه لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن) أي يجهر به ومعنى أذن استمع قال القاضي هو مكروه على كل حال ونحوه قول أبي عبيد وقال معنى قوله (من لم يتغن بالقرآن) أي يستغني به قال الشاعر: وكنت امرأ زمناً بالعراق * عفيف النياح كثير التغني قال ولو كان الغناء بالصوت لكان من لم يغن بالقرآن وروي نحو هذا التفسير عن ابن عيينة وقال القاضي أحمد بن محمد البرني: هذا قول من أدركنا من أهل العلم وقال الوليد بن مسلم يتغنى بالقرآن يجهر به وقيل يحسن صوته به. قال شيخنا والصحيح أن هذا القدر من التلحين لا بأس به ولأنه لو كان مكروهاً لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولا يصح حمله على التغني في حديث (ما أذن الله لشئ كإذنه لنبي يتغنى بالقرآن) على الاستغناء لأن معنى أذن استمع وإنما تسمع القراءة ثم قال يجهر والجهر صفة القراءة لا صفة الاستغناء فأما إذا أسرف في المد والتمطيط وإشباع الحركات بحيث يجعل الضمة واواً والفتحة ألفاً والكسرة ياء كره ذلك ومن أصحابنا من قال يحرم لأنه يغير القرآن ويخرج الكلمات عن وضعها ويجعل الحركات حروفاً، وقد روينا عن أبي عبد الله أن رجلاً سأله عن ذلك فقال له ما اسمك؟ قال محمد قال أيسرك أن يقال لك يا موحامد؟ قال لا قال ولا يعجبني أن يتعلم الرجل الألحان إلا أن يكون حرمه مثل حرم أبي موسى قال له رجل فيكلمون قال لا كل ذا

واتفق أهل العلم على أنه تستحب قراءة القرآن بالتحزين والترتيل والتحسين وروى بريدة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اقرءو القرآن بالحزن فإنه نزل بالحزن) وقال المروذي سمعت أبا عبد الله قال لرجل لو قرأت وجعل أبو عبد الله ربما تغرغرت عينه وقال زهير بن حرب كنا عند يحيى القطان فجاء محمد بن سعيد فقال له يحيى اقرأ فقرأ فغشي على يحيى حتى حمل وأدخل وقال محمد بن صالح العدوي قرأت عند يحيى بن سعيد القطان فغشي عليه حتى فانه خمس صلوات (فصل) ولا تقبل شهادة الطفيلي وهو الذي يأتي طعام الناس من غير دعوة، وبهذا قال الشافعي ولا نعلم فيه مخالفاً وذلك لأنه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من أتى طعاماً لم يدع إليه دخل سارقاً وخرج معيراً) ولأنه يأكل محرماً ويفعل ما فيه سفه ودناءة وذهاب مروءة فإن لم يتكرر هذا منه لم ترد شهادته لأنه من الصغائر ومن سأل من غير أن تحل له المسألة فأكثر ردت شهادته لأنه فعل محرماً وأكل سحتاً وأتى دناءة، وقد روى قبيصة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة رجل أصابته جائحة فاجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش - أو قال - سداداً من عيش، ورجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك) فأما السائل ممن تباح له المسألة فلا ترد شهادته بذلك إلا أن يكون أكثر عمره سائلاً فينبغي أن ترد شهادته لأن ذلك دناءة وسقوط مرؤة، فإن أخذ من الصدقة من يجوز له الأخذ من غير

مسألة لم ترد شهادته لأنه فعل جائز لا دناءة فيه وإن أخذ منها ما لا يجوز له وتكرر ذلك منه ردت شهادته لانمه مصر على الحرام. (فصل) قال الشيخ رحمه الله (ومتى زالت الموانع منهم فبلغ الصبي وعقل المجنون وأسلم الكافر وتاب الفاسق قبلت شهادتهم بمجرد ذلك) لان المقتضي لقبول الشهادة موجود وإنما ردت لوجود المانع فإذا زال المانع عمل المقتضي عمله كما لو لم يوجد المانع وتقبل توبة الفاسق لقول الله سبحانه وتعالى (وهو الذي يقبل التوبة عن عباده) وقوله سبحانه (ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما) وقال النبي صلى الله عليه وسلم (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) وقال عمر رضي الله عنه: بقية عمر المرء لا قيمة له يدرك فيه ما ما فات ويحيى فيه ما امات ويبدل الله سيأته حسنات والتوبة على ضربين باطنة وحكمية فالباطنة يما بينه وبين الله تعالى فإن كانت المعصية لا توجب حقاً عليه في الحكم كقبلة الأجنبية والخلوة بها وشرب المسكر والكذب فالتوبة منها الندم والعزم على أن لا يعود فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (التوبة النصوح تجمع أربعة أشياء الندم بالقلب والاستغفار باللسان وإضمار أن لا يعود) وبمجانبة خلطاء السوء وإن كانت توجب حقاً عليه لله تعالى أو لآدمي كمنع الزكاة والغصب فالتوبة منها بما ذكرنا وترك المظلمة حسب إمكانه بأن يؤدي الزكاة ويرد المغصوب أو بدله وإن عجز عن ذلك نوى رده متى قدر

عليه فإن كان عليه فيها حق في البدن وكان حقاً لآدمي كالقصاص وحد القذف فالمشترط في التوبة التمكين من نفسه ببذلها للمستحق وإن كان حقاً لله تعالى كحد الزنا وشرب الخمر فتوبته بالدم والعزم على ترك العود ولا يشترط الاقرار به فإن كان ذلك لا يشتهر عنه فالأولى له ستر نفسه والتوبة فيما بينه وبين الله تعالى لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من أتى شيئاً من هذه القاذورات فليستتر بستر الله فإن من أبدى لنا صفحته أقمنا عليه الحد) فإن الغامدية حين أقرت بالزنا لم ينكر عليها النبي صلى الله عليه وسلم ذلك وإن كانت معصينه مشهورة فذكر القاضي أن الأولى به الإقرار ليقام عليه الحد لأنه إذا كان مشهوراً فلا فائدة في ترك إفامة الحد عليه. قال شيخنا والصحيح أن ترك الإقرار أولى لأن النبي صلى الله عليه وسلم عرض للمقر عنده بالرجوع عن الإقرار فعرض لما عز وللمقر عنده بالسرقة بالرجوع مع اشتهاره عنه باقراره وكره الاقرار حتى قيل أنه لما قطع السارق كأنما أسف وجهه رماداً ولم يرد الامر وبالاقرار ولا الحث عليه في كتاب ولا سنة ولا يصح له قياس إنما ورد الشرع بالستر والاستتار والتعريض للمقر بالرجوع عن الإقرار وقال لهزال وهو الذي امر ما عزابا بالاقرار (ياهزال لو سترت بثوبك لكان خيراً لك) وقال أصحاب الشافعي توبة هذا إقراره ليقام عليه الحد وليس بصحيح لما ذكرنا ولأن التوبة توجد حقيقتها بدون الإقرار وهي تجب ما قبلها كما ورد في الأخبار مع ما دلت عليه الآيات في مغفرة الذنوب بالاستغفار وترك الأسرار وأما البدعة فالتوبة منها بالاعتراف بها واعتقاد ضد ما كان يعتقد منها

(مسألة) (ولا يعتبر إصلاح العمل وعنه يعتبر في التائب إصلاح العمل سنة) ظاهر كلام أحمد والخرقي أنه لا يعتبر في ثبوت أحكام التوبة من قبول الشهادة وصحة الولاية في النكاح إصلاح العمل وهو أحد القولين لشافعي وفي القول الآخر يعتبر إصلاح العمل إلا أن يكون ذنبه شهادة بالزنا فلم يكمل عدد اشهود فإنه يكفي مجرد لتوبة من غير إعتبار إصلاح وما عداه فلا تكفي التوبة حتى تمضي عليه سنة تظهر فيها توبته ويبين فيها صلاحه وهذا رواية عن أحمد حكاها أبو الخطاب لأن الله تعالى قال (إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا) وهذا نص فإنه نهى عن قبول شهادتهم ثم استثنى التائب المصلح ولأن عمر رضي الله عنه لما ضرب صبيغاً أمر بهجرانه حتى بلغته توبته فأمر أن لا يكلم إلا بعد سنة ولنا قوله عليه السلام (التوبة تجب ما قبلها) وقوله (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) ولأن المغفرة تحصل بمجرد التوبة فكذلك الأحكام ولأن التوبة من الشرك بالإسلام ولا يحتاج إلى اعتبار ما بعده وهو أعظم الدنوب فما دونه أولى وأما الآية فيحتمل أن يكون الإصلاح من التوبة وعطفه عليها لاختلاف اللفظين ودليل ذلك قول عمر لأبي بكرة تب أقبل شهادتك ولم يعتبر أمر آخر ولأن من كان غاصباً فرد ما في يديه أو مانعا للذكاة فأداها وتاب إلى الله عزوجل قد حصل منه الإصلاح وعلم نزوله عن معصيته نادماً عليه فإنه لو لم ترد التوبة لما أدى ما في يديه ولأن تقديره بسنة تحكم لم يرد به الشرع والتقدير إنما يثبت بالتوقيف وما رود من عمر في حق صبيغ إنما كان لأنه تائب من بدعة وكانت توتبه بسبب الضرب والهجران فيحتمل أنه أظهر التوبة تستراً بخلاف مسئلتنا وقد ذكر القاضي أن التائب من البدعة يعتبر له سنة لحديث صبيغ رواه أحمد في الورع قال ومن علامة

توبته أن يجتنب من كان يواليه من أهل البدع ويوالي من كان يعاديه من أهل النسة والصحيح أن التوبة من البدعة كغيرها إلا أن تكون التوبة تفعل بسبب الإكراه كتوبة صبيغ فيعتبر له مدة يظهر أن توبته عن إخلاص لا عن إكراه وللحاكم أن يقول للمتظاهر بالمعصية تب اقبل شهادتك وقال مالك لا أعرف هذا قال الشافعي وكيف لا يعرفه وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتوبة وقاله عمر لأبي بكرة؟ (مسألة) (ولا تقبل شهادة القاذف حتى يتوب) وجملة ذلك أن القاذف إذا كان زوجا فحقق قذفه ببينة أو لعان أو كان أجنبيا فحققه بالبينة أو بإقرار المقذوف لم يتعلق بقذفه فسق ولا حد ولا رد شهادة وإن لم يحقق قذفه بشئ من ذلك تعلق به وجوب الحد عليه والحكم بفسقه ورد شهادته لقوله تعالى (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً وأولئك هم الفاسقون) فإن تاب لم يسقط عنه الحد وزل الفسق بلا خلاف وتقبل شهادته عندنا روى ذلك عن عمر وابي لدرداء وابن عباس وبه قال عطاء وطاوس ومجاهد والشعبي والزهري وعبد الله بن عتبة وجعفر به أبي ثابت وأبي الزناد ومالك والشافعي والبتي واسحاق وأبو عبيد وابن المنذر وذكره ابن عبد البر عن يحيى بن سعيد وربيعة وقال شريح والحسن والنخعي وسعيد بن جبير والثوري وأصحاب الرأي لا تقبل شهادته إذا جلد وإن تاب، وعند أبي حنيفة لا ترد شهادته قبل الجلد وإن لم يتب والخلاف معه في فصلين:

مسألة: ولا تقبل شهادة القاذف حتى يتوب

(أحدهما) أنه عندنا تسقط شهادته بالقذف إذا لم يحققه وعند أبي حنيفة ومالك لا تسقط إلا بالجلد (والثاني) أنه إن تاب قبلت شهادته وإن جلد وعند أبي حنيفة لا تقبل وتعلق لقول الله تعالى (ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً) وبما روى ابن ماجة بإسناده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تجوز شهادة خائن ولا محدود في الإسلام واحتج في الفصل الآخر بأن القذف قبل حصول الجلد يجوز أن تقوم به البينة فلا يجب به التفسيق ولنا في الفصل الثاني إجماع الصحابة رضي الله عنهم فإنه روى عن عمر رضي الله عنه أنه كان يقول لأبي بكرة حين شهد على لمغيرة بن شعبة تب أقبل شهادتك ولم ينكر ذلك منكر فكان إجماعاً قال سعيد بن المسيب شهد على المغيرة بن شعبة ثلاثة رجال أبو بكرة وشبل بن معبد ونافع بن الحارث ونكل زياد فجلد عمر الثلاثة وقال لهم عمر توبوا تقبل شهادتكم فتاب رجلان وقبل عمر شهادتهما وأبي أبو بكرة فلم يقبل شهادته وكان قد عاد مثل النصل من العبادة ولأنه تاب من ذنبه فقبلت شهادته كالتائب من الزنا يحققه أن الزنا أعظم من القذف به وكذلك قتل النفس التي حرم الله وسائر الذنوب إذا تاب فاعلها قبلت شهادته فهذا أولى. وأما الآية فهي حجة لنا لأنه استثنى التائبين بقوله تعالى (إلا الذين تابوا) والاستثناء من النفي إثبات فيكون تقديره إلا الذين تابوا فقبلوا شهادتهم وليسوا بفاسقين فإن قالوا إنما يعود الاستثناء إلى الجملة التي تليه بدليل أنه لا يعود إلى الجلد قلنا بل يعود إليه أيضاً لأن هذه الجمل معطوف بعضها على بعض بالواو وهي للجمع تجعل الجمل كلها كالجملة الواحدة

فيعود الاستثناء إلى جميعها إلا ما منع. ولهذا لما قال النبي صلى الله عليه وسلم (لا يؤمن الرجل الرجل في بيته ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه) عاد الاستثناء إلى الجملتين جميعاً ولأن الاستثناء يغاير ما قبله فعاد الجمل المعطوف بعضها على بعض بالواو كالشرط فإنه لو قال امرأته طالق وعبده حر إن لم يقم عاد الشرط إليهما كذا الاستثناء بل عود الاستثناء إلى الشهادة أولى لأن رد الشهادة هو المأمور به فيكون الحكم والتفسيق خرج مخرج الخبر والتعليل لرد الشهادة فعود الاستثناء إلى الحكم المقصود إلى من رده إلى التعليل وحديثهم ضعيف يرويه الحجاج بن أرطاة وهو ضعيف قال ابن عبد البر لم يرفعه في روايته حجة، وقد روي من غير طريقه ولم يذكر فيه هذه الزيادة فدل ذلك على أنها من غلطة ويدل على خطئه قبول شهادة كل محدود في غير المقذوف بعد ثبوته ثم لو قدر صحته فالمراد به من لم يتب بدليل كل محدود تاب سوى هذا. وأما الفصل الأول فدليلنا فيه الآية فإنه رتب على رمي المحصنات ثلاثة أشياء إيجاب الجلد ورد الشهادة والفسق فيجب أن يثبت رد الشهادة بوجود الرمي الذي لم يمكنه تحقيقه كالجلد ولأن الرمي هو المعصية والذنب الذي يستحق به العقوبة وتثبت به المعصية الموجبة رد الشهادة، والحد كفارة تطهير فلا يجوز تعليق رد الشهادة به، وإنما الجلد ورد الشهادة حكمان للقذف فيثبتان جميعاً به وتخلف استيفاء أحدهما لا يمنع ثبوت الآخر، وقولهم إنما يتحقق بالجلد لا يصح لأن الجلد حكم القذف الذي تعذر تحقيقه فلا يستوفى قبل تحقق القذف، وكيف يجوز أن يستوفى حد قبل تحقق سببه ويصير متحققاً بعده هذا باطل

(فصل) والقاذف في الشتم ترد شهادته وروايته حتى يتوب والشاهد بالزنا إذا لم تكمل بالبينة تقبل روايته دون شهادته وحكي عن الشافعي أن شهادته لا ترد ولنا أن عمر لم يقبل شهادة أبي بكرة وقال له تب أقبل شهادتك وروايته مقبولة ولا نعلم خلافاً في قبول رواية أبي بكرة مع رد عمر شهادته (مسألة) (وتوبته أن يكذب نفسه وقيل إن علم صدق نفسه فتوبته أن يقول قد ندمت على ما قلت ولا أعود إلى مثله وأنا تائب إلى الله تعالى منه) ظاهر كلام أحمد والخرقي أن توبة القاذف اكذابه نفسه فيقول كذبت فيما قلت وهذا منصوص الشافعي واختيار الاصطخري من أصحابه قال ابن عبد البر وممن قال هذا سعيد بن المسيب وطاوس وعطاء والشعبي وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيدة لما روي عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في قول الله تعالى (إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم) قال ثوبته إكذاب نفسه ولأن عرض المقذوف يلوث بقذفه فإكذابه نفسه يزيل ذلك التلويث فتكون التوية، وذكر القاضي أن القذف إن كان سباً فالتوبة منه إكذاب نفسه وإن كان شهادة فالتوبة منه أن يقول القذف حرام باطل ولن أعود إلى ما قلت وهذا قول بعض أصحاب الشافعي قال وهو المذهب لأنه قد يكون صادقاً فلا يؤمر بالكذب والخبر محمول على الاقرار بالبطلان لانه نوع إكذاب. قال شيخنا والأولى أنه متى علم من نفسه الصدق فيما قذف به فتوبته الاستغفار والاقرار ببطلان ما قاله وتحريمه فإنه لا يعود إلى مثله وإن لم يعلم صدق نفسه فتوبته إكذاب نفسه

مسألة: وتوبته أن يكذب نفسه، وقيل: إن علم صدق فتوبته أن يقول: قد ندمت على ما قلت ولا أعود إلى مثله وأنا تائب إلى الله تعالى منه

سواء كان القذف بشهادة أو سب لأنه قد يكون كاذباً في الشهادة صادقاً في السب، ووجه الأول أن الله تعالى سمى القاذف كاذباً على الاطلاق بقوله سبحانه (فإذا لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون) فتكذيب الصادق نفسه يرجع إلى أنه كاذب في حكم الله تعالى، وإن كان في نفس الأمر صادقاً (فصل) ولا يشترط في الشهادة الحرية بل تجوز شهادة العبد في كل شي إلا في الحدود والقصاص على إحدى الروايتين وتجوز شهادة الأمة فيما تجوز فيه شهادة النساء الكلام في هذه المسألة في ثلاثة فصول (أحدها) في قبول شهادة العبد فيما عدا الحدود والقصاص والمذهب أنها مقبولة. روي ذلك عن علي وأنس رضي الله عنهما قال أنس ما علمت أن أحداً رد شهادة العبد وبه قال عروة وشريح وإياس وابن سيرين والبتي وابو ثور وداود وابن المنذر، وقال مجاهد والحسن وعطاء ومالك والاوزاعي والثوري وابو حنيفة والشافعي وابو عبيد لا تقبل شهادته لأنه غير ذي مروءة ولأنها مبنية على الكمال لا تتبعض فلم يدخل فيها العبد كالميراث، وقال الشافعي والنخعي والحكم تقبل في الشئ اليسير ولنا عموم آيات الشهادة وهو داخل فيها فإنه من رجالنا وهو عدل تقبل روايته وفتياه وأخباره الدينية، وروى عقبة بن الحارث قال: تزوجت أم يحيى بنت أبي أهاب فجاءت أمة سوداء فقالت قد أرضعتكما فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (وكيف وقد زعمت ذلك) متفق عليه

وفي رواية أبي داود فقلت يارسول الله إنها لكاذبة فقال (وما يدريك وقد قالت ما قالت؟ دعها عنك) ولأنه عدل غير متهم فتقبل شهادته كالحر وقولهم ليس له مروءة ممنوع بل هو كالحر ينقسم إلى من له مروءة، ومن لا مروءة له، وقد يكون منهم العلماء والأمراء والصالحون والأتقياء سئل إياس ابن معاوية عن شهادة العبد فقال أنا أرد شهادة عبد العزيز بن صهيب، وكان منهم زياد بن أبي عياش من العلماء والزهاد وكان عمر بن عبد العزيز يرفع قدره ويكرمه ومنهم عكرمة مولى ابن عباس من العلماء الثقات وكثير من الموالي كانوا عبيداً وأبناء عبيد لم يحدث فيهم بالاعتاق إلا الحرية وهي لا تغير طبعاً ولا تحدث علماً ولا ديناً ولا مروءة ولا يقبل منهم إلا من كان ذا مروءة ولا يصح قياس الشهادة على الميراث فإن الميراث خلافة للموروث في ماله وحقوقه والعبد لا يمكنه الخلافة لأن ما يصير إليه يملكه سيده فلا يمكن أن يخلف فيه ولأن الميراث يقتضي التمليك والعبد لا يملك ومبنى الشهادة على العدالة التي هي مظنة الصدق وحصول الثقة من القول والعبد أهل لذلك فوجب أن تقبل شهادته (الفصل الثاني) أن شهادته لا تقبل في الحدود وفي القصاص احتمالان (أحدهما) تقبل شهادته فيه لأنه حق آدمي، ولا يصح الرجوع عن الإقرار به أشبه الأموال (والثاني) لا تقبل لأنه عقوبة بدنية تدرأ بالشبهات فأشبه الحد وقد ذكرنا في هذا الكتاب في الحد والقصاص روايتين وكذلك ذكره الشريف وابو الخطاب فإنهما ذكرا في العقوبات كلها روايتين (إحداهما) تقبل لما ذكرنا ولأنه رجل عدل فتقبل شهادته فيها كالحر والثانية لا تقبل وهي

ظاهر المذهب لأن الاختلاف في قبول شهادته في الأموال نقص وشبهة فلم تقبل شهادته فيما يندرئ بالشبهات ولأنه ناقص الحال فلم تقبل شهادته في الحد والقصاص كالمرأة (الفصل الثالث) إن شهادة الأمة تقبل فيما تقبل فيه شهادة النساء قياساً عليهن فإن النساء لا تقبل شهادتهن في الحدود والقصاص وإنما تقبل في المال أو شبهه والأمة كالحرة فيما عداهما وقد دل عليه حديث عقبة بن الحارث، وحكم المكاتب والمدبر وأم الولد والمعتق بعضه حكم القن فيما ذكرنا لأن الرق فيهم وقد روي عن عمر رضي الله عنه أنه لا تجوز شهادة المكاتب وبه قال عطاء والشعبي والنخعي ولنا ما ذكرناه في العبد ولأنه إذا ثبت الحكم في القن ففي هؤلاء أولى (فصل) وتجوز شهادة الأصم في المرئيات وعلى المسموعات قبل صممه أما شهادته على المرئيات فهو فيها كالذي يسمع فتقبل شهادته فيها وتجوز شهادته في المسموعات التي كانت قبل صممه كما تجوز شهادة الأعمى على الأفعال التي رآها قبل العمى إذا عرف المشهود عليه باسمه ونسبه (مسألة) (وتجوز شهادة الأعمى في المسموعات إذا تيقن الصوت وبالاستفاضة) روي هذا عن علي وابن عباس وبه قال ابن سيرين وعطاء والشعبي والزهري ومالك وابن أبي ليلى وإسحاق وابن المنذر، وقال أبو حنيفة والشافعي لا تقبل شهادته، وروي ذلك عن النخعي وابي هاشم واحتلف فيه عن الحسن واياس وابن أبي ليلى وأجاز الشافعي شهادته بالاستفاضة والترجمة إذا أقر عند أذنه ويد الأعمى على رأسه ثم ضبطه حتى حضر عند الحاكم فشهد عليه ولم يجزها في غير ذلك لأن من لا تجوز شهادته على الأفعال لا تجوز على الأقوال كالصبي ولأن الأصوات تشتبه فلا يحصل اليقين فلم يجز أن يشهد بها كالخط

مسألة: وتجوز شهادة الأعمى في المسموعات إذا تيقن الصوت وبالاستفاضة

ولنا قول الله تعالى (واستشهدوا شهيدين من رجالكم) ولأنه رجل عدل مقبول الرواية فقبلت شهادته كالبصير وفارق الصبي فإنه ليس برجل ولا عدل ولا مقبول الرواية ولأن السمع أحد الحواس التي يحصل بها اليقين وقد يكون المشهود عليه ممن ألفه الأعمى وكثرت صحبته له وعرف صوته يقيناً فلا يشك فيه فوجب أن تقبل شهادته فيما تيقنه كالبصير ولهذا أجاز الشافعي وأصحابه شهادته بالاستفاضة ولا تثبت عندهم حتى يسمعها من عدلين ولا بد أن يعرفهما حتى يعرف عدالتهما فإذا صح أن يعرف الشاهدين صح أن يعرف المقر ولا خلاف في قبول روايته وجواز استماعه من زوجته إذا عرف صوتها وصحة قبول النكاح، وجواز اشتباه الأصوات كجواز اشتباه الصفة وفارق الأفعال فإن مدركها الرؤية وهي غير ممكنة من الأعمى والأقوال مدركها السمع هو يشارك البصير فيه وربما زاد عليه ويفارق الخط فإنه لو تيقن من كتب الخط أو رآه يكتبه لم يجز أن يشهد بما كتب فيه إذا ثبت هذا فإنه لا يجوز أن يشهد إلا إذا تيقن الصوت وعلم المشهود عليه يقيناً فإن جوز أن يكون صوت غيره لم يجز أن يشهد به كما لو اشتبه على البصير المشهود عليه فلم يعرفه (مسألة) (وتجوز في المرئيات التي تحملها قبل العمى إذا عرف الفاعل باسمه ونسبه وما يتميز به) وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا تجوز شهادته أصلاً لأنه لا يجوز أن يكون حاكماً ولنا ما تقدم في المسألة قبلها ولأن العمى فقد حاسة لا يخل بالتكليف فلم يمنع قبول الشهادة

مسألة: وتجوز في المرئيات التي تحملها قبل العمى إذا عرف الفاعل باسمه ونسبه ما يتميز به

كالصمم وفارق الحكم فإنه يعتبر له من شروط الكمال ما لا يعتبر للشهادة ولذلك يعتبر له المسع والاجتهاد وغيرهما. (مسألة) (فإن لم يعرف المشهود عليه باسمه ونسبه ولم يعرفه إلا بعينه قبلت شهادته أيضاً لما ذكرنا في المسألة الأولى) وهذا قول القاضي ويصفه للحاكم بما يتميز به قال شيخنا ويحتمل أن لا تقبل لأن هذا مما لا ينضبط غالباً (مسألة) (وإن شهد عند الحاكم ثم عمي قبلت شهادته وجاز الحكم بها) وبهذا قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة لا يجوز الحكم لأنه معنى يمنع قبول الشهادة مع صحة النطق فمنع الحكم بها كالفسق ولنا أنه معنى طرأ بعد أداء لا يورث تهمة في حال الشهادة فلم يمنع قبولها كالموت وفارق الفسق فإنه يورث تهمة حال الشهادة (مسألة) (وشهادة ولد الزنا جائزة في الزنا وغيره) هذا قول أكثر أهل العلم منهم عضاء والحسن والشعبي والزهري والشافعي واسحاق وأبو عبيد وأبو حنيفة وأصحابه وقال مالك والليث لا تجوز شهادته في الزنا وحده لأنه متهم فإن العادة فيمن فعل قبيحاً أنه يحب أن يكون له نظراء وحكي عن عثمان أنه قال ودت الزانية أن النساء كلهن زنين ولنا عموم الآيات فإنه عدل مقبول الشهادة في غير الزنا فيقبل في الزنا كغيره ولأن من قبلت شهادته في القتل قبلت في الزنا كولد الرشدة قال ابن المنذر وما احتجوا به غلط من وجوه (أحدها)

مسألة: وشهادة ولد الزنا جائزة في الزنا وغيره

أن ولد الزنا لم يفعل قبيحاً يحب أن يكون له نظراء فيه (والثاني) لا أعلم ما ذكر عن عثمان ثابتاً عنه وأشبه ذلك أن لا يكون ثابتاً وغير جائز أن يثبت عن عثمان كلام بالظن عن ضمير امرأة لم يسمعها تذكره (الثالت أن الزاني لو تاب لقبلت شهادته وهو الذي فعل الفعل القبيح فإذا قبلت شهادته مع ما ذكروه فغيره أولى فإنه لا يجوز أن يلزم ولده من وزره أكثر مما لزمه ولا يتعدى الحكم إلى غيره من غير أن يثبت فيه مع أن ولده لا يلزمه شئ من ضرره لقول الله تعالى (ولا تزر وازرة وزر أخرى) وولد الزنا لم يفعل شيئاً يستوجب به حكماً (مسألة) (وتقبل شهادة الإنسان على فعل نفسه كالمرضعة بالرضاع والقاسم على القسمة والحاكم على حكمه بعد العزل) تجوز شهادة المرضعة على الرضاع لما ذكرنا من حديث عقبة بن الحارث وكذلك شهادة القاسم على القسمة لأنه يشهد لغيره فصح على فعل نفسه كما لو شهد على فعل غيره وكذلك تقبل شهادة الحاكم على حكمه بعد العزل لذلك وفي ذلك كله اختلاف لما ذكرنا فيما مضى (مسألة) (وتقبل شهادة البدوي على القروي والقروي على البدوي إذا اجتمعت الشروط) وهو ظاهر كلام الخرقي وهو قول ابن سيرين وابي حنيفة والشافعي وابي ثور وأجازه أبو الخطاب وعن أحمد في شهادة البدوي على القروي أخشى أن لا تقبل فيحتمل وجهين (أحدهما) لا تقبل وهو قول جماعة من أصحابنا ومذهب أبي عبيد وقال مالك كقول أصحابنا فيما عدا الجراح وكقول الباقين احتياطاً للدماء واحتج أصحابنا بما روى أبو داود في سننه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن

مسألة: وتقبل شهادة البدوي على القروي والقروي على البدوي إذا اجتمعت الشروط

النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا تجوز شهادة بدوي على صحاب قرية) ولأنه متهم حيث عدل إذا أشهد قروياً وأشهد بدوياً قال أبو عبيد ولا أرى شهادتهم ردت إلا لما فيهم من الجفاء بحقوق الله والجفاء في الدين (والثاني) تقبل لأن من قبلت شهادته على أهل البلد وقبلت شهادته على البدو قبلت شهادته على أهل القرى ويحمل الحديث على من لم تعرف عدالته من أهل البدو ونخصه بهذا لأن الغالب أن لا يكون له من يسأله الحاكم فيتعرف عدالته (باب موانع الشهادة) ويمنع قبول الشهادة ستة أشياء (أحدها) قرابة الولادة فلا تقبل شهادة والد لولده وان سفل ولا ولد لوالده وإن علا. ظاهر المذهب أن شهادة الوالد لولده لا تقبل ولا لولد ولده وإن سفل وسواء في ذلك ولد البنين وولد البنات ولا تقبل شهادة الولد لوالده ولا والدته ولا جده ولا جدته من قبل أبيه وأمه وإن علوا وسواء في ذلك الآباء والأمهات وآباؤهما وأمهاتهما وبه قال شريح والحسن والشعبي والنخعي ومالك والشافعي واسحاق وأبو عبيد وأصحاب الرأي وروى عن أحمد رواية ثانية تقبل شهادة الابن لابنه ولا تقبل شهادة الأب لابنه لأن مال الابن في حكم مال الأب له أن يتملكه له إذا شاء فشهادته له شهادة لنفسه أو يجربها لنفسه نفعاً قال النبي صلى الله عليه وسلم (أنت ومالك لأبيك) وقال (إن أطيب

باب موانع الشهادة

ما أكل الرجل من كسبه وإن أولادكم من أطيب كسبكم فكلوا من أموالهم) ولا يوجد هذا في شهادة الابن لأبيه وعنه رواية ثالثة تقبل شهادة كل واحد منهما لصاحبه فيما لا تهمة فيه كالنكاح والطلاق والقصاص والمال إذا كان مستغنى عنه لأن كل واحد منهما لا ينتفع بما يثبت للآخر من ذلك فلا تهمة في حقه وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن شهادة كل واحد منهما للآخر مقبولة وروي ذلك عن شريح وبه قال عمر بن عبد العزيز وابو ثور والمزني وداود وإسحاق وابن المنذر لعموم الآيات ولأنه عدل تقبل شهادته في غير هذا الموضع فتقبل شهادته فيه كالأجنبي ولنا ما روى الزهري عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا ذي غمر على أخيه ولا ظنين في قرابة ولا ولاء) والظنين المتهم والأب متهم لولده لأن ماله كما له بما ذكرنا ولأن بينهما بعضية فكأنه يشهد لنفسه ولهذا قال عليه الصلاة والسلام (فاطمة بضعة مني يريبني ما رابها) ولأنه متهم في الشهادة على عدوه والخبر أخص من الآيات فتختص به (مسألة) (وتقبل شهادة بعضهم على بعض في أصح الروايتين) أما شهادة أحدهما على صاحبه فتقبل، نص عليه أحمد وهذا قول عامة أهل العلم، قال شيخنا ولم أجد عن أحمد في الجامع فيه اختلافاً وذلك لقوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين) فأمر بالشهادة عليهم ولو لم تقبل لما أمر بها ولأنها

إنما ردت شهادته له للتهمة في إيصال النفع ولا تهمة في شهادته عليه فوجب أن تقبل كشهادة الأجنبي بل أولى فإن شهادته لنفسه لما ردت للتهمة في إيصال النفع إلى نفسه كان إقراره عليها مقبولاً وفيه رواية أخرى أن شهادة أحدهما لا تقبل على صاحبه حكاها القاضي في المجرد لأن شهادته غير مقبولة فلا تقبل عليه كالفاسق وقال بعض الشافعية لا تقبل شهادة الابن على أبيه في قصاص ولا حد قذف لأنه لا يقتل بقتله ولا يحد بقذفه فلا يلزمه ذلك والمذهب الأول لما ذكرنا ولأنه يتهم له ولا يتهم عليه فشهادته عليه أبلغ في الصدق كشهادته على نفسه (فصل) فإن شهد إثنان بطلاق ضرة أمها أو قذف زوجها لها قبلت شهادتهما لأن حق أمهما لا يزداد به وسواء كان المشهود عليه أباهما أو أجنبياً وتوفر الميراث لا يمنع قبول الشهادة بدليل قبول شهادة الوارث لموروثه (فصل) وتجوز شهادة الرجل لابنه من الرضاعة وأبيه وسائر أقاربه منها لأنه لا نسب بينهما يوجب الإنفاق والصلة وعتق أحدهما على صاحبه وتبسطه في ماله بخلاف قرابة النسب (مسألة) ولا تقبل شهادة أحد الزوجين لصاحبه في إحدى الروايتين) هذا الذي ذكره الخرقي وبه قال الشعبي والنخعي ومالك واسحاق وأبو حنيفة والرواية الأخرى يجوز هذا وقول شريح والحسن والشافعي وأبي ثور لأنه عقد على منفعة فلا يمنع قبول الشهادة كالاجارة

مسألة: ولا تقبل شهادة أحد الزوجين لصاحبه في إحدى الروايتين

وقال الثوري وابن أبي ليلى تقبل شهادة الرجل لامرأته لأنه لا تهمة في حقه ولا تقبل شهادتهما له لأن يساره وزيادة حقها من النفقة يحصل بشهادتها له بالمال فهي متهمة لذلك ولنا أن كل واحد من الزوجين يرث الآخر من غير حجب ويتبسط في ماله عادة فلم تقبل شهادته له كالابن مع أبيه ولأن يسار الرجل يزيد نفقة امرأته ويسار المرأة يزيد في قيمة بضعها المملوك لزوجها فكان كل واحد منهما يضاف إلى الآخر قال الله تعالى (وقرن في بيوتكن) وقال (لا تدخلوا بيوت النبي) فأضاف البيوت إليهن تارة وإلى النبي صلى الله عليه وسلم أخرى وقال تعالى (لا تخرجوهن من بيوتهن) وقال عمر للذي قال له أن غلامي سرق مرآة امرأتي: لا قطع عليه عبدكم سرق مالكم ويفارق عقد الإجارة من هذه الوجوه كلها (مسألة) (ولا تقبل شهادة السيد لعبده ولا العبد لسيده) أما شهادة السيد لعبده فغير مقبولة لأن مال العبد لسيده فشهادته له شهادة لنفسه ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم (من باع عبداً وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع) ولا نعلم في هذا خلافاً ولا تقبل شهادته له أيضاً بنكاح ولا لأمته بطلاق لأن في طلاق أمته تخليصاً له وإباحة بضعها في نكاح العبد نفع له ونفع مال الإنسان نفع له ولا تقبل شهادة العبد لسيده لأنه يتبسط في ماله وينتفع به ويتصرف فيه وتجب نفقته منه ولا يقطع بسرقته فلا تقبل شهادته له كالابن مع أبيه (مسألة) (وتقبل شهادة الأخ لأخيه وسائر الأقارب والصديق لصديقه والمولى لعتيقه)

مسألة: ولا تقبل شهادة السيد لعبده ولا العبد لسيده

قال إبن المنذر أجمع أهل العلم على أن شهادة الأخ لأخيه جائزة وروي ذلك عن ابن الزبير وبه قال شريح وعمر بن عبد العزيز والشعبي والنخعي والثوري ومالك والشافعي وأبو عبيد وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي وحكى ابن المنذر عن الثوري أنه لا تقبل شهادة كل ذي رحم محرم وعن مالك أنه لا تقبل شهادته لأخيه إذا كان منقطعاً إليه في صلته وبره لأنه متهم في حقه وقال ابن المنذر قال مالك لا تجوز شهادة الأخ لأخيه في النسب وتجوز في الحقوق ولنا عموم الآيات ولأنه عدل غير متهم فتقبل شهادته له كالأجنبي ولا يصح القياس على الوالد والولد لأن بينهما بعضية وقرابة بخلاف الأخ (فصل) وشهادة العم وابنه والخال وابنه وسائر الأقارب أولى بالجواز فإن شهادة الأخ إذا أجيزت مع قربه كان تنبيها على قبول شهادة من هو أبعد منه بطريق الأولى وتقبل شهادة أحد الصديقين للآخر في قول عامة العلماء إلا مالكاً قال لا تقبل شهادة الصديق الملاطف لأنه يجر إلى نفسه نفعاً بها فهو متهم فلم تقبل شهادته كشهادة العدو على عدوه ولنا عموم أدلة الشهادة وما قاله يبطل بشهادة الغريم للمدين قبل الحجر وإن كان ربما قضاه دينه منه فجر إلى نفسه نفعاً أعظم مما يرجى ههنا من الصديقين وأما العداوة فسببها محصور وفي الشهادة عليه شفاء غيظه منه فخالف الصداقة وتجوز شهادة المولى المعتق لعتيقه لأنه لا تهمة فيه أشبه الأجنبي ولأنه بمنزلة الأخ وشهادة الأخ لأخيه مقبولة كما ذكرنا

(فصل) الثاني أن يجر إلى نفسه نفعاً بشهادته كشهادة السيد لمكاتبه والوارث لموروثه والعبد المأذون له في التجارة وكذلك لا تقبل شهادة الوارث لموروثه بالجرح قبل الاندمال لأنه قد يسري الجرح إلى نفسه فتجب الدية لهم ولا تقبل شهادة الشفيع ببيع الشقص الذي له فيه الشفعة لأنه يجر إلى نفسه نفعاً ولا تقبل شهادة الغرماء بدين المفلس أو بعين ولا شهادتهم للميت بدين أو مال فإنه لو ثبت للمفلس أو للميت دين أو مال تعلقت حقوقهم به ويفارق ما لو شهد الغرماء لحي لا حجر عليه بمال فإن شهادتهم تقبل لأن حقهم لا يتعلق بماله وإنما يتعلق بذمته فإن قيل إذا كان معسراً سقطت عنه المطالبة فإذا شهدا له بمال ملك مطالبته فجروا إلى أنفسهم نفعاً قلنا لم تثبت المطالبة بشهادتهم إنما ثبتت بيساره وإقراره لدعوى الحق الذي شهدوا به قال القاضي ولا تقبل شهادة الأجير لمن استأجره نص عليه أحمد فإن قيل فلم قبلتم شهادة الوارث لموروثه مع أنه إذا مات ورثه فقد جر إلى نفسه نفعاً بشهادته قلنا لاحق له في ماله حين الشهادة وإنما يحتمل أن يتجدد له حق وهذا لا يمنع قبول الشهادة كما لو شهد لإمرأة يحتمل أن يتزوجها أو لغريم بمال له يحتمل ان يوفيه أو يفلس فيتعلق حقه به وإنما المانع ما يحصل به نفع حال الشهادة فإن قيل فقد منعتم قبول شهادته لموروثه بالجرح قبل الاندمال لجواز أن يتجدد له حق وإن لم يكن له حق في الحال فإن قلتم قد انعقد سبب حقه قلنا يبطل بالشاهد لموووثه المريض فإن شهادته تقبل مع انعقاد سبب استحقاقه بدليل أن عطيته له لا تنفذ وعطيته لغيره نقف على الخروج من الثلث

قلنا إنما منعنا الشهادة لموروثه بالجرح لأنه ربما أفضى إلى الموت به فتجب الدية للوارث الشاهد به ابتداء فيكون شاهداً لنفسه موجباً له بها حقاً ابتداء بخلاف الشاهد للمريض والمجروح بمال فإنه إنما يجب للمشهود له ثم يجوز أن ينتقل ويجوز أن لا ينتقل فلم يمنع الشهادة له كالشهادة لغريمه فإن قيل فقد أجزتم شهادة الغريم لغريمه بالجرح قبل الاندمال كما أجزتم شهادته له بماله لنا إنما أجزناها لأن الدية لا تجب للشاهد ابتداء إنما تجب للقتيل أو لورثته ثم يستوفي الغريم منها فأشبهت الشهادة بالمال. (مسألة) (ولا تقبل شهادة الموصى له للميت والوكيل لموكله بما هو وكيل فيه والشريك لشريكه والغرماء للمفلس بالمال وأحد الشفيعين بعفو الآخر عن شفعته وكذلك المضارب بمال المضاربة) لأنه متهم ولأن الشفعة إذا بطلت للمشهود عليه توفرت على الشاهد فيكون شاهداً لنفسه وممن رد شهادة الشريك لشريكه شريح والنخعي والثوري والشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه خلافاً فأما إن شهد الشريك لشريكه في غير ما هو شريك فيه أو الوكيل لموكله في غير ما هو وكيل فيه أو العدو لعدوه أو الوارث لموروثه بمال أو بالجرح بعد الاندمال أو شهد أحد الشفيعين بعد أن أسقط شفعته على الأخر بإسقاط شفعته أو أحد الوصيين بعد سقوط وصيته على الآخر بما يسقط وصيته أو كان أحد الوصيتين لا يزاحم بها الأخرى ونحو ذلك مما لا تهمة فيه قبلت لان المقتضي لقبول الشهادة متحقق والمانع منتف فوجب قبولها عملاً بالمقتضي (فصل) ولا تقبل شهادة الوصي للموصى عليهم إن كانوا في حجره وهذا قول أكثر أهل العلم منهم الشعبي والثوري ومالك والشافعي والاوزاعي وابو حنيفة وأجاز شريح وابو ثور شهادته لهم إذا كان الخصم غيره لأنه أجنبي متهم فقبلت شهادته لهم كما بعد زوال الوصية

مسألة: ولا تقبل شهادة الموصى له للميت والوكيل لموكله بما هو وكيل فيه، والشريك لشريكه والغرماء للمفلس بالمال، وأحد الشفيعين بعفو الآخر عن شفاعته، وكذلك المضارب بمال المضاربة

ولنا أنه شهد بشئ هو خصم فيه فإنه الذي يطالب بحقوقهم ويخاصم فيها ويتصرف فيها فلم تقبل شهادته به كما لو شهد بمال نفسه ولأنه يأكل من أموالهم عند الحاجة فيكون متهماً بالشهادة به وقولهم في حجره احتراز، أما لو شهد لهم بعد زوال ولايته عنهم فإنها تقبل والحكم في أمين الحاكم يشهد للأيتام الذين هم تحت ولايته كالحكم في الوصي سواء قياساً عليه فأما شهادته عليهم فمقبولة لا نعلم فيه خلافاً فإنه لا يتهم عليهم ولا يجر بشهادته عليهم نفعاً ولا يدفع بها عنهم ضرراً فهو كالأجنبي (فصل) الثالث أن يدفع عن نفسه ضرراً كشهادة العاقلة بجرح شهود قتل الخطأ والغرماء بجرح شهود الدين على المفلس والسيد بجرح من شهد على مكاتبه أو عبده بدين والوصي بجرح الشاهد على الأيتام والشريك بجرح الشاهد على شريكه وسائر من لا تقبل شهادته لإنسان إذا شهد بجرح الشاهد عليه. إنما لم تقبل شهادة العاقلة بجرح شهود قتل الخطأ لما فيه من دفع الدية عن أنفسهم فإن كان الشاهد ان بالجرح فقيرين احتمل قبول شهادتهما لأنهما لا يحملان شيئاً من الدية واحتمل أن لا تقبل لجواز أن يوسرا قبل الحول فيحملان وكذلك الخلاف في البعيد الذي لا يحمل لبعده لجواز أن يموت من هو أقرب منه قبل الحول فيحمل ولا تقبل شهادة الضامن للمضمون عنه بقضاء الحق أو الإبراء منه ولا شهادة أحد الشفيعين على الآخر بإسقاط شفعته ولا شهادة بعض غرماء المفلس على بعض بإسقاط دينه أو استيفائه أو بعض من أوصى له بمال على أخر بما يبطل وصيته إذا كانت

وصيته تحصل بها مزاحمته إما لضيق الثلث عنهما أو لكون الوصيتين بمعين فهذا وأشباهه لا تقبل الشهادة فيه لأن الشاهد به متهم لما يحصل بشهادته من دفع الضرر عن نفسه ونفعها فيكون شاهداً لنفسه، وقد قال الزهري مضت السنة في الاسلام أن لا تجوز شهادة خصم ولا ظنين والظنين المتهم، وروى طلحة بن عبد الله بن عوف قال قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن لا شهادة لخصم ولا ظنين) (فصل) الرابع العداوة كشهادة المقذوف على قاذفه والمقطوع عليه الطريق على قاطعه والزوج بالزنا على امرأته. وجملة ذلك أن شهادة العدو لا تقبل على عدوه في قول أكثر أهل العلم منهم ربيعة والثوري واسحاق ومالك والشافعي والمراد بالعداوة ههنا العداوة الدنيوية مثل شهادة المقذوف على القاذف والمقطوع عليه الطريق على القاطع والمقتول وليه على القاتل والمجروح على الجارح والزوج يشهد بالزنا على امرأته فلا تقبل شهادته لأنه يقر على نفسه بعداوته لها بإفسادها فراشه، وأما العداوة في الدين كالمسلم يشهد على الكافر أو المحق من أهل السنة يشهد على المبتدع فلا ترد شهادته لأن العداوة في الدين والدين يمنعه من ارتكاب محظور في دينه، وقال أبو حنيفة لا تمنع العداوة الشهادة لأنها لا تخل بالعدالة فلا تمنع الشهادة كالصداقة لا تمنع الشهادة له

ولنا ما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا زان ولا زانية ولا ذي غمر على أخيه) رواه أبو داود والغمر الحقد ولأن العداوة تورث التهمة فتمنع الشهادة كالقرابة القريبة وتخالف الصداقة فإن شهادة الصديق لصديقه بالزور نفع غيره بمضرة نفسه وبيع آخرته بدنيا غيره وشهادة العدو على عدوه يقصد بها نفع نفسه بالتشفي من عدوه فافترقا، فإن قيل فلم قبلتم شهادة المسلمين على الكفار مع العداوة؟ قلنا العدواوة ههنا دينية والدين لا يقتضي شهادة الزور ولا أن يترك دينه بموجب دينه (فصل) فإن شهد على رجل بحق فقذفه المشهود عليه لم ترد شهادته بذلك لانا لو أبطلنا شهادته بهذا لتمكن كل مشهود عليه بإبطال شهادة الشهاد بقذفه ويفارق ما لو طرأ الفسق بعد أداء الشهادة وقبل الحكم فإن رد الشهادة فيه لا يفضي إلى ذلك بل إلى عكسه لأن طريان الفسق يورث تهمة في حال أداء الشهادة لأن العادة أسراره فظهوره بعد أداء الشهادة يدل على أنه كان يسره حال أدائها وههنا حصلت العداوة بأمر لا تهمة على الشاهد فيه، فأما المحاكمة في الأموال فليست عداوة تمنع الشهادة في غير ما حكم فيه (فصل) قال رحمه الله (الشرط الخامس أن يشهد الفاسق بشهادة فترد ثم يتوب فيعيدها فإنها لا تقبل للتهمة) وبهذا قال الشافعي وأصحاب الرأي وقال أبو ثور والمزني وداود تقبل قال

ابن المنذر والنظر يدل على هذا لأنها شهادة تقبل في غير هذه الشهادة فقبلت فيها قياساً على غيرها وكما لو شهد وهو كافر فردت شهادته ثم شهد بها بعد إسلامه ولنا أنه متهم في أدائها لأنه يعير بردها وتلحقه غضاضة لكونها ردت بسبب نقص يتغير به وصلاح حاله بعد ذلك من فعله يزول به العار فتلحقه التهمة في أنه قصد إظهار العدالة وإعادة الشهادة لتقبل فيزول ما حصل بردها ولأن الفسق يخفى فيحتاج في معرفته إلى بحث واجتهاد فعند ذلك نقول شهادته مردودة بالاجتهاد فلا تقبل بالاجتهاد لأن ذلك يؤدي إلى نقض الاجتهاد بالاجتهاد وفارق ما لو إذا رد شهادة كافر لكفره أو صبي لصغره أو عبد لرقه ثم أسلم الكافر وبلغ الصبي وعتق العبد وأعادوا تلك الشهادة فإنها لا ترد لأنها لم ترد أولاً بالاجتهاد وإنما ردت باليقين ولأن البلوغ والحرية ليسا من فعل الشاهد فيتهم أنه فعلهما لتقبل شهادته والكافر لا يرى كفره عاراً ولا يترك دينه من أجل شهادة ردت (مسألة) ولو لم يشهد بها عند الحاكم حتى صار عدلاً قبلت) وذلك لأن التحمل لا تعتبر فيه العدالة ولا البلوغ ولا الإسلام لأنه لا تهمة في ذلك وإنما يعتبر ذلك للأداء فإذا رأى الفاسق شيئاً أو سمعه ثم عدل وشهد به قبلت شهادته بغير خلاف نعلمه وهكذا

مسألة: ولو لم يشهد بها عند الحاكم حتى صار عدلا قبلت

الصبي والكافر في زمن النبي صلى الله عليه وسلم يروون عنه بعد أن كبروا كالحسن والحسين وابن عباس وابن الزبير وابن جعفر والنعمان بن بشير، والرواية في معنى الشهادة تشترط لها العدالة وغيرها من الشروط المعتبرة للشهادة (مسألة) (ولو شهد وهو كافر أو صبي أو عبد فردت شهادتهم ثم أعادوها بعد زوال الكفر والصبا والرق قبلت) ولما ذكرنا في الفصل الذي قبلها وقد روي عن النخعي والزهري وقتادة وأبي الزناد ومالك أنها ترد أيضاً في حق من أسلم وبلغ وعن أحمد رواية كذلك لأنها شهادة مردودة فلم تقبل كشهادة من كان فاسقاً وقد ذكرنا ما يقتضي فرقاً بينهما فيفترقان، وروي عن أحمد في العبد إذا ردت شهادته لرقه ثم عتق وأعاد تلك الشهادة روايتان وقد ذكرنا الأولى أن شهادته تقبل لأن العتق من غير فعله وهو أمر يظهر بخلاف الفسق (مسألة) (وإن شهد لمكاتبه أو لموروثه بجرح قبل برئه فردت ثم أعادها بعد عتق المكاتب وبرء الجرح ففي ردهما وجهان) (أحدهما) تقبل لأن زوال المانع ليس من فعلهم فأشبه زوال الصبا والبلوغ ولأن ردها بسبب لا عار فيه فلا يتهم في قصد نفي العار بإعادتها بخلاف الفسق (والثاني) لا تقبل لأن ردها باجتهاده فلا ينقضها باجتهاده والأول أصح فإن الأصل قبول

مسألة: وإن شهد لمكاتبه أو لموروثه بجرح قبل برئه فردت ثم أعادها بعد عتق المكاتب وبرء الجرح ففي ردهما وجهان

شهادة العدل لم يمنع منه مانع ولا يصح القياس على الشهادة المردودة بالفسق لما ذكرنا بينهما من الفرق ويخرج على هذا كل شهادة مردودة إما للتهمة أو لعدم الأهلية إذا أعادوها بعد زوال التهمة ووجود الأهلية هل تقبل؟ على وجهين (مسألة) (وإن شهد الشريك بعفو شريكه عن الشفعة ثم عفا الشاهد عن شفعته وأعاد تلك الشهادة لم تقبل ذكره القاضي) لأنه متهم فأشبه لفاسق والأولى أنها تخرج على الوجهين لأنها إنما ردت لكونها يجر بها إلى نفسه نفعاً وقد زال بعفوه والله أعلم. (باب أقسام المشهود به) والمشهود به ينقسم خمسة أقسام: (أحدها) الزنا وما يوجب حده فلا يقبل فيه إلا أربعة رجال أحرار. أجمع المسلمون على أنه لا يقبل في الزنا أقل من أربعة شهود وقد نص الله تعالى عليه بقوله (سبحانه لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء فإذا لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون) وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (أربعة وإلا حد في ظهرك) في أخبار سوى هذا وأجمعوا على أنه يشترط كونهم عدولا ظاهراً

مسألة: وإن شهد الشريك بعفو شريكه عن الشفعة ثم عفا الشاهد عن شفعته وأعاد تلك الشهادة لم تقبل ذكره القاضي

وباطناً مسلمين سواء كان المشهود عليه مسلماً أو ذمياً وجمهور العلماء على أنه يشترط أن يكونوا رجالاً أحراراً فلا تقبل فيه شهادة النساء ولا العبيد وبه يقول مالك والشافعي وأصحاب الرأي وشذ أبو ثور فقال تقبل شهادة العبيد وحكاه أبو الخطاب والشريف رواية في المذهب، وحكي عن حماد وعطاء أنهما قالا تجوز شهادة ثلاثة رجال وامرأتين لأنه نقص واحد من عدد الرجال فقام مقامه امرأتان كالأموال ولنا ظاهر الآية وأن العبد مختلف في شهادته فكان ذلك شبهة في الحد لأنه يندرئ بالشبهات ولا يصح قياس هذا على الاموال لخفة حكمها وشدة الحاجة إلى إتيانها لكثرة وقوعها والاحتياط في حفظها ولهذا زيد في عدد شهود الزنا على شهود المال (مسألة) (وهل يثبت الإقرار بالزنا بشاهدين أو لا يثبت إلا بأربعة؟ على روايتين) وللشافعي قولان (أحدهما) يثبت بشاهدين قياس على سائر الاقاربر (والثاني) لا يثبت إلا بأربعة لأنه موجب لحد الزنا فأشبه فعله (فصل) (الثاني القصاص وسائر الحدود فلا يقبل فيه إلا رجلان حران) إلا ما روي عن عطاء وحماد أنهما قالا يقبل فيه رجل وامرأتان قياساً على الشهادة في الأموال ولنا أن هذا مما يحتاط لدرئه واسقا له ولهذا يندرئ بالشبهات ولا تدعو الحاجة إلى إثباته وفي شهادة النساء شسبهة بدليل قوله تعالى (أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى) وأن شهادتهن

لا تقبل وإن كثرت ما لم يكن معهن رجل فوجب أن لا تقبل شهادتهن فيه ولا ويصح قياس هذا على المال لما ذكرنا من الفرق وبهذا الذي ذكرناه قال سعيد بن المسيب والشعبي والنخعي وحماد والزهري وربيعة ومالك والشافعي وأبو عبيد وأبو ثور وأصحاب الرأي واتفق هؤلاء كلهم على أنه يثبت بشهادة رجلين ما خلا الزنا إلا الحسن فإنه قال الشهادة على القتل كالشهادة على الزنا لا يقبل فيها إلا أربعه، وروي ذلك عن أبي عبد الله لأنها شهادة يثبت بها القتل فلم تثبت إلا بأربعة كالشهادة على زنا المحصن. ولنا أنه أحد نوعي القصاص فيقبل فيه اثنان كقطع الطرف وفارق الزنا فإنه مختص بهذا وليست العلة كونه قتلاً بدليل وجوب الأربعة في زنا البكر ولا قتل فيه ولأنه انفرد بإيجابه الحد على لرامي به والشهود إذا لم تكمل شهادتهم فلم يجز أن يلحق به ما ليس مثله (فصل) ولا تقبل الشهادة على القتل إلا مع زوال الشبهة في لفظ الشاهد نحو أن يقول ضربه فقتله وقد ذكرنا ذلك فإن كانت الشهادة بالجرح فقالا ضربه فأوضحه أو فاتضح منه أو فوجدناه موضحاً من الضربة قبلت شهادتهما فإن قالا ضربه فاتضح رأسه أو فوجدناه موضحاً أو فأسال دمه أو وجدنا في رأسه موضحة لم يثبت الإيضاح لجواز أن يتضح عقيب ضربه بسبب آخر ولا بد من تعبير الموضحة في إيجاب القصاص لأنه إن كان في رأسه موضحتان فيحتاجان إلى بيان ما شهدا به منهما وإن كانت

واحدة فيحتمل أن يكون قد أوسعها غير المشهود عليه فيجب أن يعينها الشاهدان فيقولان هذه فإن قالا أوضحه في موضع كذا من رأسه موضحةً قدر مساحتها كذا وكذا قبلت شهادتهما وإن قالا لا نعلم قدرها أو مرضعها لم يحكم بالقصاص لأنه يتعذر مع الجهالة وتجب دية الموضحة لأنها لا تختلف باختلافها وإن قالا ضرب رأسه فأسال دمه في بازلة وإن قالا فسال دمه لم يثبت شئ لجواز أن يسيل دمه بسبب آخر وإن قالا نشهد أنه ضربه فقطع يده ولم يكن أقطع اليدين قبلت شهادتهما ويثبت القصاص لعدم الاشتباه وإن كان أقطع اليدين ولم يعينا المقطوعة لم يجب قصاص لأنهما لم يعينا اليد التي يجب فيها القصاص منهما وتجب دية اليد لأنها تختلف باختلاف الأيدي (فصل) فإن شهد أحدهما أنه أقر بقتله عمداً والأخر أنه أقر بقتله ولم يقل عمداً ولا خطأ ثبت القتل لأن البينة قد كملت عليه ولم تثبت صفته فنسأل المشهود عليه عن صفته فإن أنكر أصل القتل لم يقبل إنكاره لقيام البينة به وإن أقر بقتل العمد ثبت بإقراره وإن أقر بالخطأ فأنكر الولي فالقول قول القاتل وهل يستحلف على ذلك؟ يخرج فيه وجهان فإن صدقه الولي على الخطأ ثبت عليه وإن أقر بقتل العمد وكذبه الولي وقال بل كان خطأ لم يجب القود لأن الولي لا يدعيه وتجب دية الخطأ ولا تحملها العاقلة في هذه المواضع كلها ولا شيئاً منها وتكون في ماله لأنها لم تثبت ببينة وفي بعضها القاتل مقر بانها في ماله دون مال عاقلته وإن شهد أحدهما أنه قتله عمداً وشهد الآخر أنه قتله خطأ ثبت القتل

دون صفته ويطالب ببيان صفته على ما ذكرنا لأن الفعل قد يعتقده أحدهما خطأ والآخر عمداً ويكون الحكم كما لو شهد أحدهما أنه أقر بقتله خطأ. أن المشهود عليه يسأل على ما ذكرنا في أول الفصل فإن شهد أحدهما أنه قتله غدوة والآخر أنه قتله عشية أو شهد أحدهما أنه قتله بسيف وقال الآخر بعصا لم تتم الشهادة ذكره القاضي لأن كل واحد منهما يخالف صاحبه ويكذبه، وهو مذهب الشافعي وقال أبو بكر يثبت القتل لاتفاقهما عليه واختلافهما في الصفة فيثبت القتل كما لو شهد أحدهما بقتل العمد والآخر بقتل الخطأ والأول أصح لأن القتل غدوة غير السيف عشية ولا يتصور أن يقتل غدوة ثم يقتل عشاء ولا أن يقتل بسيف ثم يقتل بعصا بخلاف الخطأ والعمد فإن الفعل واحد والخلاف في نيته وقصده وقد يخفى ذلك على أحدهما دون الآخر فإن شهد أحدهما أنه قتله وشهد الآخر أنه أقر بقتله ثبت القتل نص عليه أحمد واختاره أبو بكر واختار القاضي أنه لا يثبت وهو مذهب الشافعي لأن أحدهما شهد بغير ما شهد به الآخر فلم تتفق شهادتهما على فعل واحد ولنا أن الذي أقر به هو القتل الذي شهد به الشاهد فلا تنافي بينهما فيثبت بشهادتهما كما لو شهد أحدهما بالقتل عمداً وشهد الآخر بالقتل خطأ أو كما لو شهد أحدهما أن له عليه ألفاً وشهد الآخر أنه أقر له بألف. (فصل) إذا قتل رجل عمداً قتلاً يوجب القصاص فشهد أحد الورثة على واحد منهم أنه عفى

عن القصاص سقط القود سواء كان الشاهد عدلاً أو فاسقاً لأن شهادته تضمنت سقوط حقه من القصاص وقوله مقبول في ذلك فإن أحد الوليين إذا عفا عن حقه سقط القصاص كله ويشبه هذا ما لو كان عبد بين شريكين فشهد أحدهما أن شريكه أعنق نصيبه وهو موسر عتق نصيب الشاهد. وإن انكره الآخر فإن كان الشاهد شهد بالعفو عن القصاص والمال لم يسقط المال لأن الشاهد اعترف أن نصيبه سقط بغير اختياره فأما نصيب المشهود عليه فإن كان الشاهد ممن لا تقبل شهادته فالقول قول المشهود عليه مع يمينه إذا حلف ثبتت حصته من الدية وإن كان مقبول القول حلف الجاني معه وسقط حق المشهود عليه ويحلف الجاني أنه عفا عن الدية ولا يحتاج إلى ذكر العفو عن القصاص لأنه قد سقط بشهادة الشاهد فلا يحتاج إلى ذكره في اليمين لأنه إنما حلف على ما يدعى عليه ولا يدعى عليه غير الدية (فصل) إذا جرح رجل فشهد له رجلان من ورثته غير الوالدين والمولودين وكانت الجراج مندملة قبلت شهادتهما لانها. يجران إلى أنفسهما نفعاً وإن كانت غير مندملة لم يحكم بشهادتهما وقد ذكرناه وإن شهد وارث المريض له بمال ففي قبول شهاداتهم وجهان (أظهرهما) قبولها كما لو شهدا له وهو صحيح (والثاني) لا تقبل لأنه متى ثبت المال للمريض تعلق حق ورثته به ولهذا لا ينفذ تبرعه فيه فيما

زاد على الثلث وإن شهد لمجروح بالجرح من لا يرثه لكونه محجوباً كالاخوين يشهد ان لأخيهما وله ابن سمعت شهادتهما فإن مات ابنه نظرت فإن كان الحاكم حكم بشهادتهما لم ينقض حكمه لأن ما يطرأ بعد الحكم بالشهادة لا يؤثر فيها كالفسق، وإن كان ذلك قبل الحكم بالشهادة لم يحكم بها لأنهما صارا مستحقين فلا يحكم بشهادتهما كما لو فسق الشاهدان قبل الحكم بشهادتهما، وإن شهد على رجل بالجرح الموجب للدية على العاقلة فشهد بعض عاقلة المشهود عليه بجرح الشهود لم تقبل شهادته وإن كان فقيراً لأنه قد يكون ذا مال وقت العقل فيكون دافعاً عن نفسه ويحتمل أن تقبل لأنهما لا يحملان شيئاً من الدية وإن كان الجرح مما لا تحمله العاقلة كجراحة العمد سمعت شهادتهما لأنهما لا يدفعان عن أنفسهما ضرراً، وإن كان الشاهدان شهدا على إقراره بالجرح قبلت لأن العاقلة لا تحمل الاعتراف وإن كانت شهادتهما بجرح عقله دون ثلث الدية خطأ وكانت شهادتهما بالجرح قبل الاندمال لم تقبل لأنها ربما صارت نفساً فتحملها وإن كان بعده قبلت لأنها لا تحمل ما دون ذلك (فصل) وإذا شهد رجلان على رجلين أنهما قتلا رجلاً ثم شهد المشهود عليهما على الأولين أنهما اللذان قتلاه فصدق الولي الأولين وكذب الآخرين وجب القتل عليهما لأن الولي يكذبهما وهما يدفعان بشهادتهما عن أنفسهما ضرراً وإن صدق الجميع بطلت شهادتهم أيضاً لأنه بتصديق

الأولين مكذب للآخرين وتصديقه الآخرين تكذيب للأولين وهما متهمان لما ذكرناه فإن قيل فكيف تتصور هذه المسألة والشهاة إنما تكون بعد الدعوى فكيف يتصور فرض تصديقهم وتكذيبهم؟ قلنا يتصور أن يشهدا قبل الدعوى إذا لم يعلم الولي من قتله ولهذا روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (خير الشهداء الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها) وهذا معنى ذلك (فصل) الثالث ما ليس بمال ولا يقصد به المال ويطلع عليه الرجال في غالب الأحوال غير الحدود والقصاص كالنكاح والطلاق والرجعة والنسب والعتق والولاء والوكالة في غير المال والوصية إليه وما أشبه ذلك فلا يقبل فيه إلا رجلان وعنه في الرجعة والنكاح والعتق أنه يقبل فيه شهادة رجل وامرأتين وعنه في العتق أنه يقبل فيه شاهد ويمين المدعي وقال القاضي النكاح وحقوقه من الطلاق والخلع والرجعة لا يثبت إلا بشاهدين رواية واحدة والوكالة والوصية والكتابة ونحوها تخرج على روايتين) وجملة ذلك أن ما ليس بعقوبة ولا يقصد به المال كالنكاح والرجعة والطلاق والعتاق والإيلاء والظهار والنسب والتوكيل والوصية إليه والولاء والكتابة وأشباه هذا فقال القاضي المعول عليه في المذهب أن هذا لا يثبت إلا بشاهدين ذكرين ولا تقبل فيه شهادة النساء بحال وقد نص أحمد في رواية الجماعة على أنه لا تجوز شهادة النساء في النكاح والطلاق وقد نقل عن أحمد في الوكالة إن كانت بمطالبة دين يعني يقبل فيها شهادة رجل وامرأتين فأما غير ذلك فلا ووجه ذلك أن الوكالة

في اقتضاء الدين يقصد منها المال فيقبل فيها شهادة رجل وامرأتين كالحوالة قال القاضي فيخرج من هذا أن النكاح وحقوقه من الرجعة وشبهها لا تقبل فيها شهادة النساء رواية واحدة وما عداه يخرج على روايتين وقال أبو الخطاب في النكاح والعتاق أيضاً روايتان (أحدهما) لا يقبل فيه إلا شهادة رجلين وهو قول النخعي والزهري ومالك وأهل المدينة والشافعي وبه قال سعيد بن المسيب والحسن وربيعة في الطلاق (والثانية) تقبل فيه شهادة رجل وامرأتين روي ذلك عن جابر بن زيد وأياس بن معاوية والشعبي والثوري واسحاق وأصحاب الرأي وروي ذلك في النكاح عن عطاء واحتجوا بأنه لا يسقط بالشبهة فيثبت يرجل وامرأتين كالمال ولنا أنه ليس بمال ولا يقصد به المال ويطلع عليه الرجال فلم يكن للنساء في شهادته مدخل كالحدود والقصاص وما ذكروه لا يصح فإن الشبهة لا مدخل لها في النكاح وإن تصور بان تكون المرأة مرتابة بالحمل لم يصح النكاح (فصل) وقد نقل عن أحمد في الإعسار ما يدل على أنه لا يثبت إلا بثلاثة لحديث قبيصة بن مخارق وفيه (حتى يشهد ثلاثة من ذوي الحجى من قومه لقد أصابت فلاناً فاقة) قال أحمد هكذا جاء الحديث

فظاهر هذا أنه أخذ به وروي عنه لا يقبل أنه وصى حتى يشهد له رجلان أو رجل عدل فظاهر هذا أنه أثبت الوصية بشهادة النساء على الانفراد إذا لم يحضره الرجال قال القاضي المذهب في هذا كله لا يثبت إلا بشاهدين وحديث قبيصة في حل المسألة لا في الإعسار (فصل) ولا يثبت شئ مما ذكرنا بشاهد ويمين المدعي لأنه إذا لم يثبت بشهادة رجل وامرأتين فلأن لا يثبت بشاهد واحد ويمين أولى قال أحمد ومالك في الشاهد واليمين إنما يكون ذلك في الأموال خاصة لا يقع في حد ولا نكاح ولا طلاق ولا عتاقة ولا سرقة ولا قتل وعن أحمد في العتق أنه يثبت بشاهد ويمين العبد ذكره الخرقي فقال إذا ادعى العبد أن سيده أعتقه وأتى بشاهد حلف مع شاهده وصار حراً ونص عليه أحمد وقال في الشريكين في عبد إدعى كل واحد منهما أن شريكه أعتق حقه منه وكانا معسرين عدلين فللعبد أن يحلف مع كل واحد منهما ويصير حراً أو يحلف مع أحدهما ويصير نصفه حراً فيخرج مثل هذا في الكتاب والولاء والوصية والوديعة والوكالة فيكون في الجميع روايتان ما خلا العقوبات البدنية والنكاح وحقوقه فإنه لا يثبت بشاهد ويمين قولاً واحداً قال القاضي: المعمول عليه في جميع ما ذكرناه أنه لا يثبت إلا بشاهدين وهو قول الشافعي وقد روى الدارقطني بإسناده عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (استشرت جبريل في القضاء باليمين مع الشاهد فأشار علي في الأموال لا تعدو ذلك) وقال عمرو بن دينار عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم نه قضى بالشاهد واليمين، قال نعم في الأموال، وتفسير الراوي أولى من تفسير غيره ورواه الإمام أحمد بإسناده وغيره

(فصل) الرابع المال وما يقصد به المال كالبيع والرهن والقرض والوصية له وجناية الخطأ يقبل فيه شهادة رجل وامرأتين وشاهد ويمين المدعي وهل يقبل في جناية العمد الموجبة للمال دون القصاص كالهاشمة والمنقلة شهادة رجل وامرأتين؟ على روايتين) وجملة ذلك أن المال كالقرض والرهون والديون كلها وما يقصد به المال كالبيع والوقف والإجارة والهبة والصلح والمساقاة والمصاربة والشركة والوصية له والجناية الموجبة للمال كالخطأ وعمد الخطأ والعمد الموجب للمال دون القصاص كالجائفة وما دون الموضحة من الشجاج يثبت بشهادة رجل وامرأتين، وقال أبو بكر لا تثبت الجناية في البدن بشهادة رجل وامرأتين لأنها جناية فأشبهت ما يوجب القصاص والأول أصح لأن موجبها المال فأشبهت البيع وفارق ما يوجب القصاص، لأن القصاص لا تقبل فيه شهادة النساء كذلك ما يوجبه والمال يثبت بشهادة النساء فكذلك ما يوجبه ولا خلاف في أن المال يثبت بشهادة النساء مع الرجال، وقد نص الله تعالى على ذلك في كتابه العزيز بقوله سبحانه (واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان) وأجمع أهل العلم على القول به. (فصل) وأكثر أهل العلم يرون ثبوت المال لمدعيه بشاهد ويمين، روي ذلك عن أبي بكر وعثمان وعلي رضي الله عنهم، وبه قال الفقهاء السبعة وعمر بن عبد العزيز وشريح والحسن وإياس

وعبد الله بن عتبة وأبو سلمة بن عبد الرحمن ويحيى بن يعمر وربيعة ومالك وابن أبي ليلى وأبو الزناد والشافعي وقال الشعبي والنخعي وأصحاب الرأي والاوزاعي لا يقضى بشاهد ويمين وقال محمد بن الحسن من قضى بالشاهد واليمين نقضت حكمه لأن الله تعالى قال (واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان) فمن زاد في ذلك فقد زاد في النص والزيادة في النص نسخ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (البينة على المدعي واليمين على من أنكر) فحصر اليمين في جانب المدعى عليه كما حصر البينة في جانب المدعى. ولنا ما روى سهيل عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم باليمين مع الشاهد الواحد، رواه سعيد بن منصور في سننه والأئمة من أهل السنن والمسانيد، قال الترمذي هذا حديث غريب وفي الباب عن علي وابن عباس وجابر وقال النسائي إسناد ابن عباس في اليمين مع الشاهد إسناد جيد ولأن اليمين تشرع فيمن ظهر صدقه وقوي جانبه ولذلك شرعت في حق صاحب اليد لقوة جنبته بها وفي حق المنكر لقوة جنبته فإن الأصل براءة ذمته والمدعي ههنا قد ظهر صدقه فوجب أن تشرع) اليمين في حقه ولا حجة لهم في الآية لأنها دلت على مشروعية الشاهد والمرأتين ولا نزاع في هذا وقولهم أن الزيادة في النص نسخ غير صحيح لأن النسخ الرفع والإزالة والزيادة في الشئ تقرير له لا رفع والحكم بالشاهد واليمين لا يمنع الحكم بالشاهدين ولا يرفعه

ولأن الزيادة لو كانت متصلة بالمزيد عليه لم ترفعه ولم تكن نسخاً فكذلك إذا انفصلت عنه ولأن الآية واردة في التحمل دون الأداء ولهذا قال (أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى) والنزاع في الأداء وحديثهم ضعيف وليس هو للحصر بدليل أن اليمين تشرع في حق المودع إذا ادعى رد الوديعة وتلفها في حق الأمناء لظهور جانبهم وفي حق الاعن وفي القسامة وتشرع في حق البائع والمشتري إذا اختلفا في الثمن والسلعة قائمة وقول محمد في نقض قضاء من قضى بالشاهد واليمين يتضمن القول بنقض قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الذين قضوا به وقد قال الله تعالى (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) والقضاء بما قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم محمد بن عبد الله أولى من قضاء محمد بن الحسن المخالف له. (فصل) قال القاضي يجوز أن يحلف على ما لا تجوز الشهادة عليه مثل أن يجد بخطه ديناً له على إنسان وهو يعرف أنه لا يكتب إلا حقاً ولم يذكره أو يجد رزمانج أبيه بخطه ديناً له على إنسان ويعرف من أبيه الأمانة وأنه لا يكتب إلا حقاً فله أن يحلف عليه ولا يجوز أن يشهد به ولو أخبره بحق أبيه ثقة فسكن إليه جاز أن يحلف عليه ولم يجز أن يشهد به، وبهذا قال الشافعي والفرق بين اليمين والشهادة من وجهين. (أحدهما) أن الشهادة لغيره فيحتمل أن من له الشهادة قد زور على خطه ولا يحتمل هذا فيما حلف عليه لأن الحق إنما هو للحالف فلا يزور أحد عليه.

(الثاني) أن ما يكتبه الإنسان من حقوقه يكثر فينسى بعضه بخلاف الشهادة والأولى التورع عن ذلك إن شاء الله تعالى. (فصل) وكل موضع قبل فيه الشاهد واليمين فلا فرق بين كون المدعي مسلماً أو كافراً عدلاً أو فاسقاً رجلاً أو امرأة، نص عليه أحمد لأن من شرعت في حقه اليمين لا يختلف حكمه باختلاف هذه الأوصاف كالمنكر إذا لم تكن بينة. (فصل) قال أحمد مضت السنة أن يقضى باليمين مع الشاهد الواحد فإن أبى أن يحلف استحلف المطلوب، وهذا قول مالك والشافعي وروى عن أحمد: فإن أبى المطلوب أن يحلف ثبت الحق عليه. (فصل) ولا تقبل شهادة امرأتين ويمين المدعي وبه قال الشافعي، وقال مالك يقبل ذلك في الأموال لأنهما في الأموال أقيمتا مقام الرجل فيحلف معهما كما يحلف مع الرجل ويحتمل لنا مثل ذلك. ولنا أن البينة على المال إذا خلت من رجل لم تقبل كما لو شهد أربعة نسوة وما ذكروه يبطل بهذه الصورة فإنهما لو أقيمتا مقام رجل من كل وجه لكفى أربع نسوة مقام رجلين ولقبل في غير الأموال شهادة رجل وامرأتين، لأن شهادة المرأتين ضعيفة تقوت بالرجل واليمين ضعيفة فيضم ضعيف إلى ضعيف فلا يقبل.

(فصل) ولا يشترط أن يقول في يمينه وإن شاهدي صادق في شهادته وقيل يشترط وهل تقبل شهادة رجل وامرأتين وشاهد ويمين في دعوى قتل الكافر لاستحقاق سلبه ودعوى الأسير إسلاماً سابقاً لمنع رقه؟ على روايتين من المحرر (الخامس) مالا يطلع عليه الرجال كعيوب النساء تحت الثياب والرضاع والاستهلال والبكارة والثيوبة والحيض ونحوه فيقبل فيها شهادة امرأة واحدة وعنه لا يقبل فيها أقل من امرأتين وإن شهد به لرجل كان أولى بثبوته ولا نعلم بين أهل العلم خلافاً في قبول شهادة النساء المنفردات في الجملة، قال القاضي والذي تقبل فيه شهادتهن منفردات خمسة أشياء الولادة والاستهلال والرضاع والعيوب تحت الثياب كالرتق والقرن والبكارة والثيابة والبرص وانقضاء العدة وعن أبي حنيفة لا تقبل شهادتهن منفردات على الرضاع لأنه يجوز أن يطلع عليه محارم المرأة من الرجال فلم يثبت بالنساء منفردات كالنكاح. ولنا ما روى عقبة بن الحارث قال تزوجت أم يحيى بنت أبي أهاب فأتت أمة سوداء فقالت قد أرضعتكما فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فأعرض عني ثم أتيته فقلت يارسول الله إنها كاذبة فقال (وكيف وقد زعمت ذلك؟) ولأنها شهادة على عورة للنساء فيها مدخل فقبل فيها شهادة النساء كالولادة ويخالف عقد النكاح فإنه ليس بعورة وحكي عن أبي حنيفة أيضاً أن شهادة النساء المنفردات لا تقبل في الاستهلال لأنها تكون بعد الولادة وخالفه صاحباه وأكثر أهل العلم لانها تكون حال الولادة

فيتعذر حضور الرجال فأشبهت الولادة نفسها وقد روي عن علي أنه أجاز شهادة القابلة وحدها في الاستهلال رواه الإمام أحمد وسعيد بن منصور من حديث جابر الجعفي وأجازه شريح والحسن والحارث العكلي وحماد فإذا ثبت هذا فكل موضع قلنا تقبل فيه شهادة النساء المنفردات فإنه يقبل فيه شهادة المرأة الواحدة، وقال طاوس تجوز شهادة المرأة في الرضاع وإن كانت سوداء، وعن أحمد رواية أخرى لا يقبل فيه إلا امرأتان وهو قول الحكم وابن أبي ليلى وابن شبرمة وإليه ذهب مالك والثوري لأن كل جنس يثبت به الحق يكفي فيه اثنان كالرجال ولأن الرجال أكمل منهن ولا يقبل منهن إلا إثنان وقال عثمان يكفي ثلاث لأن كل موضع قبل فيه النساء كان العدد ثلاثة كما لو كان معهن رجل وقال أبو حنيفة تقبل شهادة المرأة الواحدة في ولادة الزوجات دون ولادة المطلقة، وقال عطاء الشعبي وقتادة لا يقبل فيها إلا أربع لأنها شهادة من شرطها الحرية فلم تقبل فيها الواحدة كسائر الشهادات، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (شهادة امرأتين بشهادة رجل) ولنا حديث عقبة بن الحارث الذي ذكرناه وروى حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (يجزي في الرضاع شهادة امرأة واحدة) ولأنه معنى يثبت بقول النساء المنفردات فلا يشترط فيه العدد كالرواية وأخبار الديانات، وما ذكره الشافعي من اشتراط الحرية غير مسلم، وقول النبي صلى الله عليه وسلم (شهادة امرأتين بشهادة رجل) في الموضع الذي تشهد فيه مع الرجل فإن شهد الرجل بذلك قبل وحده وهو قول

أبي الخطاب لأنه أكمل من المرأة فإذا اكتفي بها وحدها فلأن يكتفى به أولى ولأن ما قبل فيه قول المرأة الواحدة قبل فيه قول الرجل كالرواية (فصل) قال رحمه الله (وإذا شهد بقتل العمد رجل وامرأتان لم يثبت قصاص ولا دية، وإن شهدوا بالسرقة ثبت المال دون القطع) لأن السرقة توجب القطع والمال فإذا قصرت عن أحدهما أثبتت الآخر. والقتل يوجب القصاص والمال بدل منه فإذا لم يثبت الأصل لم يجب بدله، وإن قلنا موجبه أحد شيئين لم يتعين أحدهما إلا بالاختيار فلو أوجبنا الدية وحدها أوجبنا معيناً، وقال ابن أبي موسى لا يجب المال فيما إذا شهدوا بالسرقة ولأنها شهادة لا توجب الحد وهو أحد موجبها فإذا بطلت في أحدهما بطلت في الآخر (مسألة) (وإذا ادعى رجل الخلع قبل فيه رجل وامرأتان أو شاهد ويمين المدعي) لأنه يدعي المال الذي خالعت به وإن ادعته المرأة لم يقبل فيه إلا رجلان لأنها لا تقصد منه إلا الفسخ وخلاصها من الزوج ولا يثبت ذلك بهذه البينة فأما إن اختلفا في عوض الخلع خاصة ثبت برجل وامرأتين وكذلك إن اختلفا في الصداق لأنه مال (فصل) وإن ادعى رجل أنه ضرب أخاه بسهم عمداً فقتله ونفذ إلى أخيه الآخر فقتله خطأ وأقام بذلك شاهداً وامرأتين أو شاهداً وحلف معه ثبت قتل الثاني لأنه خطأ موجبه المال ولم يثبت

مسألة: إذا ادعى رجل الخلع قبل فيه رجل وامرأتان أو شاهد ويمين المدعي

قتل الأول لأنه عمد موجبه القصاص فهما كالجنايتين المفترقتين وعلى قول أبي بكر لا يثبت منهما شئ لأن الجناية عنده لا تثبت إلا بشاهدين سواء كان موجبها المال أو غيره، ولو ادعى رجل على آخر أنه سرق منه وغصبه مالاً فحلف بالطلاق والعتاق ما سرق منه ولا غصبه، وأقام المدعي شاهداً أو امرأتين شهدا بالسرقة والغصب، أو شاهداً وحلف معه استحق المسروق والغصوب لأنه أتى ببينة يثبت ذلك بمثلها ولم يثبت طلاق ولا عتق لأن هذه البينة جحد في المال دون الطلاق والعتاق وظاهر مذهب الشافعي (مسألة) (وإذا شهد رجل وامرأتان لرجل بجارية أنها أم ولده ولدها منه قضي له بالجارية أم الولد وهل تثبت حرية الولد ونسبه من مدعيه؟ على روايتين) أما الجارية فنحكم له بها لأن أم الولد مملوكة له ولهذا يملك وطأها وإجارتها وإعارتها وتزويجها ويثبت لها حكم الاستيلاد بإقراره لان إقراره ينفذ في ملكه ولذلك يثبت بالشاهد والمرأتين والشاهد واليمين. ولا نحكم له بالولد لأنه يدعي نسبه والنسب لا يثبت بذلك ويدعي حريته أيضاً فعلى هذا نقول الولد في يد المنكر مملوكاً له وهذا أحد قولي الشافعي، وقال في الآخر يأخذها وولدها ويكون ابنه لأن من يثبت له العين ثبتت له نماؤها والولد نماؤها وذكر فيها أبو الخطاب عن أحمد روايتين كقول الشافعي

مسألة: وإذا شهد رجل وامرأتان لرجل بجارية أنها أم ولده وولدها منه قضي له بالجارية أم الولد، وهل تثبت حرية الولد ونسبه من مدعيه؟ على روايتين

ولنا أنه لم يدع الولد ملكا وإنما يدعي حريته ونسبه، وهذان لا يثبتان بهذه البينة فيبقيان على ما كانا عليه (فصل) فإن ادعى أنها كانت ملكه فأعتقها لم يثبت ذلك بشاهد وامرأتين لأن البينة شهدت بملك قديم فلم يثبت والحرية لا تثبت إلا برجل وامرأتين ويحتمل أن تثبت كالتي قبلها (باب الشهادة على الشهادة والرجوع عن الشهادة) (تقبل الشهادة على الشهادة فيما يقبل فيه كتاب القاضي وترد فيما يرد فيه) الكلام في هذه المسألة في فصول ثلاثة (أحدها) جوازها (والثاني) في موضعها (والثالث) في شرطها. أما الأول فإن الشهادة على الشهادة جائزة بإجماع العلماء وبه يقول مالك والشافعي وأصحاب الرأي. قال أبو عبيد اجتمعت العلماء من أهل الحجاز والعراق على إمضاء الشهادة على الشهادة في الأموال، ولأن الحاجة داعية إليها فإنها لو لم تقبل لبطلت الشهادة على الموقوف وما يتأخر إثباته عند الحاكم ثم يموت شهوده، وفي ذلك ضرر على الناس ومشقة شديدة فوجب أن تقبل كشهادة الأصل

باب الشهادة على الشهادة والرجوع عن الشهادة

(الفصل الثاني) أنها تقبل في المال وما يقصد به المال كما ذكر أبو عبيد ولا تقبل في حد وهذا قول الشعبي والنخعي وأبي حنيفة وقال مالك والشافعي في قول وابو ثور تقبل في الحدود وفي كل حق لأن ذلك يثبت بشهادة الأصل فيثبت بالشهادة على الشهادة كالمال ولنا أن الحدود مبنية على الستر والدرء بالشبهات والإسقاط بالرجوع عن الإقرار والشهادة على الشهادة فيها شبهة فإنها يتطرق إليها احتمال الغلط والسهو والكذب في شهود الفرع مع احتمال ذلك في شهود الأصل وهذا احتمال زائد لا يوجد في شهود الأصل وهو معتبر بدليل أنها لا تقبل مع القدرة على شهود الأصل فوجب أن لا تقبل فيما يندرئ بالشبهات ولأنها إنما تقبل للحاجة ولا حاجة إليها في الحد لأن ستر صاحبه أولى من الشهادة عليه ولأنه لا نص فيها ولا يصح قياسها على شهادة الأصل لما ذكرنا فيبطل إثباتها، وظاهر كلام أحمد أنها لا تقبل في القصاص أيضاً ولا حد القذف لأنه قال إنما يجوز في الحقوق. أما الدماء والحد فلا وهذا قول أبي حنيفة وقال مالك والشافعي يقبل وهو ظاهر كلام الخرقي لقوله في كل شئ إلا في الحدود ولأنه حق آدمي لا يسقط بالرجوع عن الإقرار به ولا يستحب ستره فأشبه الأموال وذكر أصحابنا هذا رواية في الطلاق وليس هذا برواية فإن الطلاق لا يشبه القصاص والمذهب أنها لا تقبل فيه لأنه عقوبة فيه تدرأ بالشبهات وتبنى على الإسقاط فأشبهت الحدود فأما ما عدا الحدود والقصاص والأموال كالنكاح والطلاق وسائر ما لا يثبت إلا

بشاهدين فنص أحمد على قبولها في الطلاق والحقوق فدل على قبولها في جميع هذه الحقوق وهذا قول الخرقي، وقال ابن حامد لا تقبل في النكاح ونحوه قول أبي بكر فعلى قولهما لا تقبل إلا في المال وما يقصد به المال وهو قول أبي عبيد لأنه حق لا يثبت إلا بشاهدين فأشبه حد القذف ووجه الأول أنه حق لا يدرأ بالشبهات فيثبت بالشهادة على الشهادة كالمال وبهذا فارق الحدود (الفصل الثالث) في شروطها وهي ثلاثة (أحدها) أن تتعذر شهادة شهود الأصل بموت أو مرض أو غيبة إلى مسافة القصر وعنه لا تقبل إلا أن يموت شاهد الأصل هذا أحد الشروط وهو تعذر شهادة الأصل لموت أو غيبة أو مرض أو حبس أو خوف من سلطان أو غيره، وبهذا قال مالك وأبو حنيفة والشافعي وحكي عن أبي يوسف ومحمد جوازها مع القدرة على شهادة الأصل قياساً على الرواية وأخبار الديانات وروي عن الشعبي أنها لا تقبل إلا أن يموت شاهد الأصل لأنهما إذا كانا حيين رجي حضورهما فكانا كالحاضرين وعن أحمد مثل ذلك إلا أن القاضي تأوله على الموت وما في معناه من الغيبة البعيدة ونحوها ويمكن تأويل قول الشعبي على هذا فيزول هذا الخلاف ولنا على اشتراط تعذر شاهد الأصل أنه إذا أمكن الحاكم أن يسمع شهادة شاهدي الأصل يستغني عن البحث عن عدالة شاهدي الفرع وكان أحوط للشهادة فإن سماعه منهما معلوم وصدق شاهدي الفرع عليهما مظنون والعمل باليمين مع إمكانه أولى من اتباع الظن ولأن شهادة الأصل

تثبت نفس الحق وهذا إنما تثبت الشهادة عليه ولأن في شهادة الفرع ضعفاً لأنه يتطرق إليها احتمالان احتمال غلط شاهدي الفرع فيكون ذلك وهنا فيها ولذلك لم ينتهض لإثبات الحدود والقصاص فينبغي أن لا يثبت إلا عند عدم شهادة الأصل كسائر الأبدال ولا يصح قياسها على أخبار الديانات لأنه خفف فيها وكذلك لا يعتير فيها العدد ولا الذكورية ولا الحرية ولا اللفظ والحاجة داعية إليها في حق عموم الناس بخلاف مسئلتنا. ولنا على قبولها عند تعذرها بغير الموت أنه قد تعذرت شهادة الأصل فتقبل شهادة الفرع كما لو مات شاهد الأصل ويخالف الحاضرين فإن سماع شهادتهما ممكن فلم يجز غير ذلك. إذا ثبت هذا فذكر القاضي أن الغيبة المشروطة لسماع شهاد الفرع أن يكون شاهد الأصل بموضع لا يمكن أن يشهد ثم يرجع من يومه وهذا قاله أبو يوسف وأبو حامد من أصحاب الشافعي لأن الشاهد تشق عليه المطالبة بمثل هذا السفر. وقد قال تعالى (ولا يضار كاتب ولا شهيد) وإذا لم يكلف الحضور تعذر سماع شهادته فاحتيج إلى سماع شهادة الفرع وقال أبو الخطاب تعتبر مسافة القصر. وهو قول أبي حنيفة وأبي الطيب الطبري مع اختلافهم في مسافة القصر كل على أصله لأن ما دون ذلك في حكم الحاضر في الترخص وغيره بخلاف مسافة القصر ويعتبر دوام هذا الشرط إلى الحكم وسنذكره إن شاء الله تعالى

(مسألة) (ولا يجوز لشاهد الفرع أن يشهد حتى يسترعيه شاهد الأصل فيقول أشهد على شهادتي أني أشهد أن فلان بن فلان وقد عرفته بعينه واسمه ونسبه أقر عندي أو أشهدني على نفسه طوعاً بكذا أو شهدت عليه أو أقر عندي بكذا، وإن سمعه يقول أشهد على فلان بكذا لم يجز أن يشهد إلا أن يسمعه يشهد عند الحاكم أو يشهد بحق يعزيه إلى سبب من بيع أو إجارة أو قرض فهل يشهد؟ به على وجهين) يشترط لجواز شهادة الفرع أن يسترعيه على ما ذكرنا فإن سمع شاهداً يسترعي آخر شهادة يشهد عليها جاز لهذا السامع أن يشهد بها لحصول الاسترعاء ويحتمل أن لا يجوز له أن يشهد إلا أن يسترعيه بعينه وهو قول أبي حنيفة قال أحمد لا تكون شهادة إلا أن يكون يشهدك فأما إن سمعه يتحدث فإنما ذلك حديث وبما ذكرناه قال الشافعي وأصحاب الرأي وأبو عبيد فأما إن سمع شاهداً يشهد عند الحاكم بحق أو سمعه يشهد بحق يعزيه إلى سبب نحو أن يقول أشهد أن لفلان على فلان ألفاً من ثمن سبيع فهل يشهد به؟ فيه روايتان ذكرهما أبو الخطاب، وذكر القاضي أن له الشهادة وهو مذهب الشافعي لأنه بالشهادة عند الحاكم ونسبة الحق إلى سببه يزول الاحتمال ويرتفع الاشكال فتجوز له الشهادة على شهادته كما

لو استرعاه والرواية الأخرى لا يجوز له أن يشهد على شهادته وهو قول أبي حنيفة وأبي عبيد لأن الشهادة فيها معنى النيابة فلا ينوب عنه إلا بإذنه ومن نصر الأول قال هذا ينقل شهادته ولا ينوب عنه لأنه لا يشهد مثل شهادته إنما شهد على شهادته، فأما إن قال أشهد أني أشهد على فلان بكذا فالأشبه أنه يجوز أن يشهد على شهادته وهو قول أبي يوسف لأن معنى ذلك أشهد على شهادتي أني أشهد لأنه إذا قال اشهد فقد أمره بالشهادة ولم يسترعه وما عدا هذه المواضع لا يجوز أن يشهد فيها على الشهادة فإذا سمعه يقول أشهد أن لفلان على فلان ألف درهم لم يجز أن يشهد على شهادته لأنه لم يسترعه الشهادة فيحتمل أن يكون وعده بها وقد يوصف الوعد بالوجوب مجازاً فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال (العدة دين) ويحتمل أن يريد بالشهادة العلم فلم يجز لسامعه الشهادة به، فإن قيل فلو سمع رجلاً يقول لفلان على فلان ألف درهم جاز أن يشهد بذلك فكذا هذا قلنا الفرق بينهما من وجهين: (أحدهما) أن الشهادة تحتمل العلم ولا يحتمل الإقرار ذلك (الثاني) أن الاقرار اوسع في لزومه من الشهادة بدليل صحته في المجهول وأنه لا يراعى فيه العدد بخلاف الشهادة ولأن الإقرار قول الإنسان على نفسه وهو غير متهم عليها فيكون أقوى منها ولهذا لا تسمع الشهادة في حق المقر ولا يحكم بها ولو قال شاهد الأصل أنا أشهد أن لفلان على فلان ألفاً فاشهد به أنت عليه لم يجز أن يشهد على

شهادته لأنه ما استرعاه شهادته فيشهد عليها ولا هو شاهد بالحق لأنه ما سمع الاعتراف به ممن هو عليه ولا شاهد سببه. (فصل) فأما كيفية الأداء إذا كان قد استرعاه الشهادة فإنه يقول أشهد أن فلان بن فلان وقد عرفته بعينه واسمه ونسبه وعدالته أشهدني أنه يشهد أن لفلان بن فلان كذا أو أن فلاناً أقر عندي بكذا وإن لم يعرف عدالته لم يذكرها وإن سمعه يشهد غيره قال أشهد أن فلان بن فلان أشهد على شهادته أن لفلان بن فلان على فلان بن فلان كذا وكذا، وإن كان سمعه يشهد عند الحاكم قال أشهد أن فلان بن فلان شهد على فلان بن فلان عند الحاكم بكذا، وإن كان نسب الحق إلى سببه قال أشهد أن فلان بن فلان قال أشهد أن لفلان بن فلان على فلان بن فلان كذا وكذا من جهة كذا وكذا وإذا أراد الحاكم أن يكتب ذلك كتبه على ما ذكرناه (فصل) ويشترط أن يعينا شاهدي الأصل على ما ذكرنا ويسمياهما. وقال ابن جرير إذا قالا ذكرين حرين عدلين جازوان لم يسميا لأن الغرض معرفة الصفات دون العين وليس بصحيح لجواز أن يكونا عدلين عندهما وهما مجروحان عند غيرهما ولأن المشهود عليه ربما أمكنه جرح الشهود فإذا لم يعرف أعيانهما تعذر عليه ذلك.

(مسألة) (وتثبت شهادة شاهدي الأصل بشهادة شاهدين يشهدان عليهما سواء شهدوا على كل واحد منهما أو شهد على كل واحد منهما شاهد من شهود الفرع وقال أبو عبد الله بن بطة لا يثبت حتى يشهد أربعة على كل شاهد أصل شاهدا فرع) . وجملة ذلك أنه يجوز أن يشهد على كل واحد من شاهدي الأصل شاهد فرع فيشهد شاهدا فرع على شاهدي أصل، قال القاضي لا يختلف كلام أحمد في هذا. وهو قول شريح والشعبي والحسن وابن شبرمة وابن أبي ليلى والثوري واسحاق والبتي والعنبري وقال اسحاق لم يزل أهل العلم على هذا حتى جاء هؤلاء. قال أحمد وشاهد على شاهد يجوز لم يزل الناس على ذا شريح فمن دونه إلا أن أبا حنيفة أنكره، وذهب أبو عبد الله بن بطة إلى أنه لا يقبل على كل شاهد أصل إلا شاهدا فرع وهذا قول أبي حنيفة ومالك والشافعي لأن شاهدي الفرع يثبتان شهادة شاهدي الأصل فلا تثبت شهادة كل واحد منهما بأقل من شاهدين كما لا يثبت إقرار مقرين بشهادة اثنين يشهد على كل واحد منها واحد ولنا أن هذا يثبت بشاهدين وقد شهد اثنان بما يثبته فيثبت كما لو شهدا بنفس الحق ولأن شاهدي الفرع بدل من شاهدي الأصل فيكفي في عددها ما يكفي في شهادة الأصل ولأن هذا إجماع

مسألة: وتثبت شهادة شاهدي الأصل بشهادة شاهدين يشهدان عليهما سواء شهدوا على كل واحد منهما أو شهد على كل واحد منهما شاهد من شهود الفرع، وقال أبو عبد الله بن بطة: لا يثبت حتى يشهد أربعة على كل شاهد أصل شاهدا فرع

على ما ذكره احمد وإسحاق ولأن شاهدي الفرع لا ينقلان عن شاهدي الأصل حقاً عليهما فوجب أن يقبل فيه قول واحد كاخبار الديانات فإنهما لا ينقلان الشهادة وليسقت حقاً عليهما ولهذا لو أنكراهما لم يعد الحاكم عليهما ولم يبطلها منهما وهذا الجواب عما ذكروه. إذا ثبت هذا فمن اعتبر لكل شاهد أصل شاهدي فرع أجاز أن يشهد شاهدان على كل واحد من شاهدي الأصل وبه قال مالك وأصحاب الرأي قال الشافعي رأيت كثيراً من الحكام والمفتين يجيزه وخرجه على قولين (أحدهما) جوازه (والآخر) لا يجوز حتى يكون شهود الفرع أربعة على كل شاهد أصل شاهدا فرع، واختاره المزني لأن من يثبت به أحد طرفي الشهادة لا يثبت به الطرف لآخر كما لو شهد أصلاً ثم يشهد مع آخر على شهادة شاهد الأصل الآخر ولنا انهما شهدا على قولين فوجب أن يقبل كما لو شهدا بإقرار اثنين أو بإقرارين بحقين وإنما لم يجز أن يشهد شاهد الأصل فرعاً لأنه يؤدي إلى أن يكون بدلاً أصلاً بشهادة بحق وذلك لا يجوز ولأنهم يثبتون بشهادتهم شهادة الأصل وليست شهادة أحدهما ظرفاً لشهادة الآخر فعلى قول الشافعي إن يثبت الحق بشهادة رجل وامرأتين وجب أن يكون شهود الفرع ستة وإن كان ثبت بأربع نسوة وجب أن يكون شهود الفرع ثمانية وإن كان المشهود به زنا خرج فيه خمسة أقوال (أحدها) لا مدخل لشهادة

الفرع في إثباته (والثاني) يجوز ويجب أن يكون شهود الفرع ستة عشر فيشهد على كل واحد من شهود الأصل أربعة (الثالث) يكفي ثمانية (والرابع) يكون أربعة يشهدون على كل واحد (والخامس) يكفي شاهدان يشهدان على كل واحد من شهود الأصل وهذا إثبات لحد الزنا بشاهدين وهو بعيد (فصل) فإن شهد بالحق شاهد أصل وشاهدا فرع يشهدان على شهادة أصل آخر جاز وإن شهد شاهد أصل وشاهد فرع خرج فيه ما ذكرنا من الخلاف من قبل (فصل) وإن شهد شاهد أصل ثم شهد هو وآخر فرعاً على شاهد أصل آخر لم تفد شهادته الفرعية شيئاً وكان حكم ذلك حكم ما لو شهد على شهادته شاهد واحد (مسألة) (ولا مدخل للنساء في شهادة الفرع) عن احمدان الذكورية شرط فلا يقبل في شهود الفرع نساء بحال سواء كان الحق مما يقبل فيه شهادة النساء اولا. وهذا قول الشافعي ومالك والثوري لأنهم يثبتون بشهادتهم شهود الأصل دون الحق وليس ذلك بمال ولا المقصود منه المال ويطلع عليه الرجل فأشبه القصاص والحد (والثانية) لهن مدخل فيما كان المشهود به يثبت بشهادتهن في الأصل قال حرب قيل لأحمد فشهادة امرأتين على شهادة امرأتين تجوز؟ قال نعم يعني إذا كان معهما رجل، وذكر الأوزاعي قال: سمعت نمير بن أوس يجيز شهادة المرأة على شهادة المرأة. ووجهه أن المقصود بشهادتهن إثبات الحق الذي شهد به شهود الأصل فيدخل

مسألة: ولا مدخل للنساء في شهادة الفرع

النساء فيه فيجوز أن يشهد رجلان على رجل وامرأتين، وذكر أبو الخطاب رواية أخرى أن النساء ليس لهن مدخل في الشهادة على الشهادة لأن فيها ضعفاً لما ذكرنا من قبل فلا مدخل لهن فيها لأنها تزداد بشهادتهن ضعفاً فاعتبرت تقويتها باعتبار الذكورية فيها فعلى هذه الرواية لا يكن أصولا ولا فروعا ولنا أن شهود الفرع أن كانوا يثبتون شهادة الأصول فهي تثبت بشهادتهم وإن كانوا يثبتون نفس الحق فهو يثبت بشهادتهم ولأن النساء يشهدن بالمال أو ما يقصد به المال فيثبت بشهادتهن كما لو أدينها عند الحاكم وما ذكر للرواية الأخرى لا أصل له (مسألة) (قال القاضي لا تجوز شهادة رجلين على شهادة رجل وامرأتين) نص عليه أحمد وقال أبو الخطاب هذه الرواية سهو من ناقلها (مسألة) (ولا يحوز للحاكم أن يحكم بشهادة شاهدي الفرع حتى تثبت عنده عدالتهما وعدالة شاهدي الأصل) وذلك لأن الحكم ينبني على الشهادتين جميعاً فاعتبرت الشروط في كل واحد منهما ولا نعلم في هذا خلافاً فإن عدل شهود الأصل شهود الفرع فشهدا بعدالتهما وعلى شهادتهما جاز بغير خلاف نعلمه وإن لم يشهدا بعدالتهما جاز، ويتولى الحاكم ذلك فإذا علم عدالتهما حكم وإن لم يعرفهما وهذا مذهب الشافعي

مسألة: قال القاضي: لا تجوز شهادة رجلين على شهادة رجل وامرأتين نص عليه أحمد. وقال أبو الخطاب: هذه الرواية سهو من ناقلها

وقال الثوري وأبو يوسف إن لم يعدل شاهد الفرع شاهدي الأصل لم يسمع الحاكم شهادتهما لأن ترك تعديله يرتاب به الحاكم ولا يصح ذلك لأنه يجوز أن لا يعرفا ذلك فيرجع فيه إلى بحث الحاكم ويجوز أن يعرفا عدالتهما ويتركانها اكتفاء بما يثبت عند الحاكم من عدالتهما (مسألة) (وإن شهدوا عنده فلم يحكم حتى حضر شهود الأصل وقف الحكم على سماع شهادتهم) لأنه قدر على الأصل قبل العمل بالبدل فأشبه المتيمم إذا قدر على الماء فلا تصح صلاته حتى يتوضأ (مسألة) (وإن حدث منهم ما يمنع قبول شهادتهم لم يجز الحكم) لابد من اشتراط اسم العدالة في الجميع إلى استمرار الحكم لما ذكرنا في شاهد الأصل قبل هذا فعلى هذا إن رجعوا قبل الحكم لم يحكم بها لأن الحكم ينبني عليها فأشبه ما لو فسق شهود الفرع أو رجعوا (مسألة) (فإن حكم بشهادتهما ثم رجع شهود الفرع لزمهم الضمان) لأن الإتلاف كان بشهادتهم فلزمهم الضمان كما لو أتلفوا بأيديهم (مسألة) (فإن رجع شهود الأصل لم يضمنوا) لأن الإتلاف كان بشهادة غيرهم فلا يلزمهم ضمان كالمتسبب مع المباشر ولأنهم لم يلجئوا الحاكم إلى الحكم ويحتمل أن يضمنوا لأن الحكم يضاف إليهم بدليل أنه تعتبر عدالتهم فلزمهم الضمان كما لو حكم بشهادتهم ثم رجعوا ولأنهم سبب في الحكم فيضمنون كالمزكين

مسألة: وإن شهدوا عنده فلم يحكم حتى حضر شهود الأصل وقف الحكم على سماع شهادتهم لأنه قدر على الأصل قبل العمل بالبذل فأشبه المتيمم إذا قدر على الماء فلا تصح صلاته حتى يتوضأ

(فصل) فإن مات شهود الأصل أو الفرع لم يمنع الحكم وكذلك لو مات شهود الأصل قبل أداء الفروع الشهادة لم يمنع من أدائها والحكم بها لأن موتهم من شرط سماع شهادة الفروع والحكم فلا يجوز جعله مانعاً وكذلك إن جنوا لأن جنونهم بمنزلة موتهم (فصل) قال الشيخ رحمه الله (ومتى رجع شهود المال بعد الحكم لزمهم الضمان ولم ينقض الحكم سواء كان المال قائماً أو تالفاً) وسواء كان قبل القبض أو بعده أما الرجوع به على المحكوم له فلا نعلم بين أهل العلم خلافاً أنه لا يرجع به عليه ولا ينقض الحكم في قول أهل الفتيا من علماء الأمصار وحكي عن سعيد ابن المسيب والاوزاعي أنهما قالا ينقض الحكم وإن استوفى الحق ثبت بشهادتهما فإذا رجعا زال ما يثبت به الحكم كما لو تبين أنهما كانا كافرين ولنا أن حق المشهود له وجب له فلا يسقط بقولهما كما لو ادعياه لأنفسهما يحقق هذا أن حق الإنسان لا يزول إلا ببينة أو إقرار ورجوعهما ليس بشهادة ولهذا لا يفتقر إلى لفظ الشهادة ولا هو إقرار من صاحب الحق وفارق ما إذا تبين أنهما كانا كافرين لأننا تبينا أنه لم يوجد شرط الحكم وهو شهادة العدول وفي مسئلتنا لم يتبين ذلك بجواز أن يكونا عدلى صادقين في شهادتهما وإنما كذبا في رجوعهما ويفارق العقوبات حيث لا تستوفى لأنها تدرأ بالشبهات. وأما الرجوع على الشاهدين

مسألة: فإن رجع شهود الأصل لم يضمنوا

به فهو قول أكثر أهل العلم منهم مالك وأصحاب الرأي وقول الشافعي القديم وقال في الجديد لا يرجع عليهما بشئ إلا أن يشهدا بعتق عبد فيضمنا قيمته لأنه لم يوجد منهما إتلاف للمال ولا يد عادية عليه فلم يضمنا كما لو ردت شهادتهما ولنا أنهما إنما أخرج ماله من يده بغير حق وحالا بينه وبينه فلزمهما الضمان كما لو شهدا بعتقه ولأنهما أزالا يد السيد عن عبده بشهادتهما المرجوع عنها فأشبه ما لو شهدا بحريته ولأنهما تسببا إلى إتلاف حقه بشهادتهما بالزور عليه فلزمهما الضمان كشاهدي القصاص يحقق هذا أنه إذا لزمهما القصاص الذي يدرأ بالشبهات فوجوب المال أولى وقوله أنهما ما أتلفا المال يبطل بما إذا شهدا بعتقه فإن الرق في الحقيقة لا يزول بشهادة الزور وإنما حالا بين سيده وبينه وفي موضع إتلاف المال فهما تسببا إلى تلفه فلزمهما ضمان ما تلف بسببهما كشاهدي القصاص وشهود الزنا وحافر البئر وناصب السكين. (مسألة) (وإن رجع شهود العتق غرموا القيمة) كالحكم في الشهادة بالمال على ما ذكرنا من الخلاف لأنهما من جملة المال. وإن شهدا بالحرية ثم رجعا عن الشهادة لزمهما غرامة قيمتهما لسيدهما بغير خلاف بينهم فيه، فإن المخالف في التي قبلها هو الشافعي وقد وافق ههنا وهو حجة عليه فيما خالف فيه ويغرما القيمة لأن العبيد من المتقومات.

(مسألة) (وإن رجع شهود الطلاق قبل الدخول غرموا نصف المسمى وإن كان بعده لم يغرموا شيئاً) إذا شهدا بطلاق امرأة تبين به فحكم الحاكم بالفرقة ثم رجعا عن الشهادة وكان قبل الدخول فالواجب عليهما نصف المسمى. وبهذا قال أبو حنيفة وقال الشافعي في أحد قوليه يجب مهر المثل لأنهما تلفا عليه البضع فلزمها عوضه وهو مهر المثل وفي القول الآخر يلمزمهما نصف مهر المثل لأنه إنما يملك نصف البضع بدليل أنه إنما يجب عليه نصف المهر. ولنا أن خروج البضع من ملك الزوج غير متقوم بدليل ما لو أخرجه من ملكه بردتها وإسلامها أو قتلها نفسها فإنها لا تضمن شيئاً ولو فسخت نكاحها قبل الدخول برضاع من ينفسخ به نكاحها لم يغرم شيئاً وإنما يجب نصف المسمى لأنهما ألزماه للزوج بشهادتهما وقرراه عليه كما يرجع به على فسخ نكاحه برضاع أو غيره وقوله إنه ملك نصف البضع غير صحيح فإن البضع لا يجوز تمليك نصفه ولأن العقد ورد على جميعة والصداق واجب جميعه ولهذا تملكه المرأة إذا قبضته ونماؤه لها وتملك طلبه إذا لم تقبضه وإنما يسقط نصفه بالطلاق وأما أن يكون الحكم بالفرقة بعد الدخول فليس عليهما ضمان وبه قال أبو حنيفة وعن أحمد رواية أخرى عليهما ضمان المسمى في الصداق لأنهما فوتا عليه

مسألة: وإن رجع شهود العتق غرموا القيمة

نكاحاً وجب عليه به عوض فكان عليهما ضمان ما وجب به كما قبل الدخول، وقال الشافعي يلزمهما له مهر المثل لأنهما أتلفا البضع وقد سبق الكلام سعه في هذا ولا يصح القياس على ما قبل الدخول لأنهما قررا عليه نصف المسمى وكان بعرض السقوط وههنا قد تقرر المهر كله بالدخول فلم يقررا عليه شيئاً ولم يخرجا من ملكه متقوما فأشبه ما لو أخرجاه من ملكه بقتلها أو أخرجته هي بردتها. (مسألة) (وإن رجع شهود القصاص أو الحد قبل الاستيفاء لم يستوف وإن كان بعده وقالوا أخطأنا فعليهم دية ما تلف ويقسط الغرم على عددهم فإن رجع أحدهم غرم بقسطه) . وجملة ذلك أن الشهود إذا رجعوا عن شهادتهم بعد أدائها لم تخل من ثلاثة أحوال (أحدها) أن يرجعوا قبل الحكم بها فلا يجوز الحكم بها في قول عامة أهل العلم وحكي عن أبي ثور أنه شذ عن أهل العلم فقال يحكم بها، لأن الشهادة قد أديت فلا تبطل برجوع من شهد بها كما لو رجعا بعد الحكم وهذا فاسد، لأن الشهادة شرط الحكم فإذا زالت قبله لم يجز كما لو فسقا ولأن رجوعهما يظهر به كذبهما فلم يجز به الحكم كما لو شهد بقتل رجل ثم علمت حياته ولأنه زال ظنه في أن ما شهد به حق فلم يجز به الحكم كما لو تغير اجتهاده وفارق ما بعد الحكم فإنه تم بشرطه ولأن الشك لا يزيل ما حكم به كما لو تغير اجتهاده (الحال الثاني) أن يرجعا بعد الحكم وقبل الاستيفاء فإن كان المحكوم به عقوبة كالحد والقصاص ولم يجز استيفاؤه، لأن

مسألة: وإن رجع شهود القصاص أو الحد قبل الاستيفاء لم يستوف وإن كان بعده وقالوا أخطأنا فعليهم دية ما تلف ويقسط الغرم على عددهم فإن رجع أحدهم غرم بقسطه

الحدود تدرأ بالشبهات ورجوعهما من أعظم الشبهات ولأن المحكوم به عقوبة لم يبق ظن استحقاقها ولا سبيل إلى خبرها فلم يجز استيفاؤها كما لو رجعا قبل الحكم وإن كان المحكوم به مالاً استوفي ولم ينقض الحكم وقد ذكرناه وفارق المال القصاص والحد فإنه يمكن جبره بإلزام الشاهد عوضه والحد والقصاص لا يجير بإيجاب مثله على الشاهدين لأن ذلك ليس بجبر ولا يحصل لمن وجب له منه عوض وإنما شرع لزجر والتشفي والانتقام لا للجبر، فإن قيل فلم قلتم إنه إذا حكم بالقصاص ثم فسق الشاهد استوفي في أحد الوجهين قلنا الرجوع أعظم في الشبهة من طريان الفسق لأنهما يقران أن شهادتهما زور وأنهما كانا فاسقين حين شهدا وحين حكم الحاكم بشهادتهما وهذا الذي طرأ فسقه لا يتحقق كون شهادته كذباً ولا أنه كان فاسقاً حين أدى الشهادة ولا حين الحكم بها ولهذا لو فسق بعد الاستيفاء لم يلزمه شئ والراجعان تلزمهما غرامة ما شهدا به فافترقا، (الحال الثالث) أن يرجعا بعد الاستيفاء فإنه لا يبطل الحكم ولا يلزم المشهود له شئ سواء كان المشهود به مالاً أو عقوبة لأن الحكم قد تم باستيفاء المحكوم به ووصول الحق إلى مستحقه ويرجع به على الشاهدين فإن كان المشهود إتلافا في مثله القصاص كالقتل والجرح وقالا عمدنا الشهادة عليه بالزور ليقتل أو يقطع فعليهما القصاص وبه قال ابن أبي ليلى والاوزاعي والشافعي وأبو عبيد وقال أصحاب الرأي لاقود عليهما لأنهما لم يباشرا الاتلاف فأشبها حافر البئر إذا تلف به شئ.

ولنا أن علياً رضي الله عنه شهد عنده رجلان على رجل بالسرقة فقطعه ثم عادا فقالا أخطأنا ليس هذا السارق فقال علي لو أعلم أنكما تعمدتما لقطعتكما ولا مخالف له في الصحابة ولأنهما تسببا إلى قتله وقطعه بما يفضي إليه غالباً فلزمهما القصاص كالمكره وفارق الحفر فإنه لا يفضي إلى القتل غالباً وقد ذكرنا هذه المسألة في الجنايات فإن قالا عمدنا الشهادة عليه ولم نعلم أنه يقتل بهذا وكانا ممن يجوز أن يجهلا ذلك وجبت الدية في أموالهما مغلظة لأنه شبه عمد ولم تحمله العاقلة لأنه ثبت باعترافهما وإن قال أحدهما عمدت قتله وقال الآخر أخطأت فعلى العامد نصف الدية مغلظة وعلى الآخر نصفها مخففة ولا قصاص في الصحيح من المذهب وإن قال كل واحد منهما إنما اعترف بعمد شارك فيه مخطئاً وهو لا يوجب القصاص والإنسان إنما يؤاخذ بإقراره لا بإقرار غيره فعلى هذا تجب عليهما دية مغلظة وإن قال أحدهما عمدنا جميعاً وقال الآخر عمدت وأخطأ صاحبي فعلى الأول القصاص وفي الثاني وجهان كالتي قبلها، وإن قالا أخطأنا فعليهما الدية مخففة في أموالهما لأن العاقلة لا تحمل الاعتراف وإن قال أحدهما عمدنا معاً وقال الآخر أخطأنا معاً فعلى الأول القصاص وعلى الثاني نصف الدية مخففة لأن كل واحد منهما يؤاخذ بإقراره، وإن قال كل واحد منهما عمدت ولا أدري ما فعل صاحبي فعليهما القصاص لإقرار كل واحد منهما بالعمد ويحتمل أن لا يجب عليهما القصاص، لأن إقرار كل واحد منهما لو انفرد

لم يجب عليه قصاص وإنما يؤاخذ الإنسان بإقراره لا بإقرار صاحبه وإن قال أحدهما عمدت ولا أدري ما قصد صاحبي سئل صاحبه فإن قال مثل قوله فهي كالتي قبلها، وإن قال عمدنا معاً فعليه القصاص وفي الأول وجهان وإن قال أخطأت أو أخطأنا فلا قصاص على كل واحد منهما وإن جهل حال الآخر بجنون أو موت أو لم يقدر عليه فلا قصاص على المقر وعليه نصيبه من الدية المغلظة. (فصل) وإن رجع أحد الشاهدين وحده فالحكم فيه كالحكم في رجوعهما في أن الحاكم لا يحكم بشهادتهما إذا كان رجوعه قبل الحكم ولا تستوفى العقوبة إذا رجع قبل استيفائها لأن الشرط يختل برجوعه كاختلاله برجوعهما وإن كان رجوعه بعد الاستيفاء لزم حكم إقراره وحده فإن اقربما يوجب القصاص وجب عليه وان اقربما يوجب دية مغلظة وجب عليه قسطه منها وإن أقر بالخطأ وجب عليه قسطه من الدية المخفقة وإن كان الشهود أكثر من اثنين في الحقوق المالية أو القصاص ونحوه فيما يثبت بشاهدين أو أكثر من أربعة فرجع لزائد منهم قبل الحكم أو الاستيفاء لم يمنع ذلك الحكم ولا الاستيفا لأن ما بقي من البينة كاف في إثبات الحكم واستيفائه وإن رجع بعد الاستيفاء فعليه القصاص إن أقر بما يوجبه أو قسطه من الدية أو من المفوت بشهادتهم إن كان غير ذلك وفي ذلك اختلاف ذكرنا بعضه

(فصل) وكل موضع وجب الضمان على الشهود بالرجوع فإنه يوزع بينهم على عددهم قلوا أو كثروا قال أحمد في روايه بن منصور إذا شهد بشهادة ثم رجع وقد أتلف مالاً فإنه ضامن بقدر ما كانوا في الشهادة فإن كانوا ائنين فعليه النصف وإن كانوا ثلاثة فعليه الثلث وعلى هذا لو كانوا عشرة فعليه العشر فإن رجع أحدهم وحده غرم بقسطه على ما ذكرنا وفيه اختلاف يذكر إنشاء الله تعالى فإذا شهد أربعة بالقتل فقتل المشهود عليه ثم رجع واحد فعليه الربع إن قال أخطأنا وإن رجع اثنان فعليهما النصف (مسألة) (فإذا شهد ستة بالزنا على محصن فرجم بشهادتهم ثم رجع واحد فعليه القصاص أو سدس الدية وإن رجع اثنان فعليهما القصاص أو ثلث الدية) وبهذا قال أبو عبيد وقال أبو حنيفة إن رجع واحد أو اثنان فلا شئ عليهما لأن بينة الزنا قائمة فدمه غير محقون وإن رجع ثلاثة فعليهم ربع الدية وان رجع أربعة فعليهم نصف الدية وإن رجع خمسة فعليهم ثلاثة أرباعها وإن رجع الستة فعلى كل واحد منهم سدسها ومنصوص الشافعي فيما إذا رجع اثنان كمذهب أبي حنيفة واختلف أصحابه فيما إذا شهد بالقصاص ثلاثة فرجع أحدهم فقال أبو إسحاق لا قصاص عليه لأن بينة القصاص قائمة وهل يجب عليه ثلث الدية؟

مسألة: فإذا شهد ستة بالزنا على محصن، فرجم بشهادتهم ثم رجع واحد فعليه القصاص أو سدس الدية وإن رجع اثنان فعليهما القصاص أو ثلث الدية

على وجهين قال ابن الحداد عليه القصاص وفرق بينه وبين الراجع من شهود الزنا إذا كان زائداً بأن دم المشهود عليه بالزنا غير محقون وهذا دمه محقون وإنما أبيح دمه لولي القصاص وحده واختلفوا فيما إذا شهد بالمال ثلاثة فرجع أحدهم على وجهين (أحدهما) يضمن الثلث (والثاني) لا شئ عليه ولنا أن الإتلاف حصل بشهادتهم فالراجع يقر بالمشاركة فيه عمداً عدواناً كمن هو مثله في ذلك فلزمه القصاص كما لو أقر بمشاركتهم في مباشرة قتله ولأنه أحد من قتل المشهود عليه بشهادته فأشبه الثاني من شهود القصاص والرابع من شهود الزنا ولأنه أحد من حصل الإتلاف بشهادته فلزمه من الضمان بقسطه كما لو رجع الجميع، وقولهم أن دمه غير محقون غير صحيح فإن الكلام فيما إذا قتل ولم يبق له دم يوصف بحقن ولا عدمه وقيام الشهادة لا يمنع وجوب القصاص كما لو شهدت لرجل باستحقاق القصاص فاستوفاه ثم أقرانه قتله ظلماً وأن الشهود شهود زور والتفريق بين القصاص

والرجم يكون دم القاتل غير محقون لا يصح لأنه غير محقون بالنسبة إلى من قتله ولأن كل واحد مؤاخذ بإقراره ولا يعتبر قول شريكه ول هذا لو أقر أحد الشريكين بعمدها وقال الآخر أخطأنا وجب القصاص على المقر بالعمد (مسألة) (وإن شهد أربعة بالزنا وإثنان بالإحصان ثم رجع الجميع لزمتهم الدية أسداساً في أحد الوجهين وفي الأخرى على شهود الزنا النصف وعلى شهود الإحصان النصف فإن شهد أربعة بالزنا وشهد اثنان منهم بالإحصان صحت الشهادة فإن رجم ثم رجعوا عن الشهادة فعلى من شهد بالإحصان ثلثا الدية على الوجه الأول وعلى الوجه الثاني يلزمهم ثلاثة أرباعها) وجملة ذلك أنه إذا شهد أربعة بالزنا وإثنان بالإحصان فرجم ثم رجعوا عن الشهادة فالضمان على جميعهم وقال أبو حنيفة لا ضمان على شهود الإحصان لأنهم شهدوا بالشرط دون السبب الموجب للقتل وإنما يثبت ذلك بشهادة الزنا ولأصحاب الشافعي وجهان كالمذهبين ولنا أن قتله حصل بمجموع الشهادة فتجب الغرامة على الجميع كما لو شهدوا جميعاً على الزنا وفي كيفية الضمان وجهان

مسألة: وإن شهد أربعة بالزنا وإثنان بالإحصان، ثم رجع الجميع لزمتهم الدية أسداسا في أحد الوجهين وفي الأخرى على شهود الزنا النصف وعلى شهود الإحصان النصف فإن شهد أربعة بالزنا وشهد اثنان منهم بالإحصان صحت الشهادة فإن رجم ثم رجعوا عن الشهادة فعلى من شهد

(أحدهما) يوزع عليهم على عدد رؤوسهم كشهود الزنا لأن القتل حصل من جميعهم (والثاني) على شهود الزنا النصف وعلى شهود الإحصان النصف لأنهما حزبان فلكل حزب نصف فإن شهد أربعة بالزنا واثنان منهم بالإحصان ثم رجعوا فعلى الأول على شاهدي الإحصان الثلثان وعلى الآخر الثلث لأن على شاهدي الإحصان الثلث لشهادتهما به والثلث بشهادتهما بالزنا وعلى الآخرين الثلث لشهادتهما بالزنا وحده وعلى الوجه الثاني على شهود الإحصان ثلاثة أرباع الدية لأن عليهما النصف لشهادتهما بالإحصان ونصف الباقي لشهادتهما بالزنا ويحتمل أن لا يجب على شاهدي الإحصان إلا النصف لأن كل واحد منهما جنى جنايتين وجنى كل واحد من الآخرين جناية واحدة فكانت الدية بينهم على عدد رؤوسهم لا على عدد جنايتهم كما لو قتل اثنان واحداً جرحه أحدهما جرحاً والآخر اثنين (فصل) وإذا حكم الحاكم في المال برجل وامرأتين ثم رجعوا عن الشهادة يوزع الضمان عليهم على الرجل نصفه وعلى كل امرأة ربعه وإن رجع أحدهم وحده فعليه من الضمان حصته وإن كان الشهود رجلاً وعشر نسوة فرجعوا على شهادتهم فعلى الرجل السدس وعلى كل امرأة نصف السدس وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي لأن كل امرأتين كرجل فالعشر كخمسة رجال ويحتمل أن يجب عليهن النصف وعلى الرجل النصف وبهذا قال أبو يوسف ومحمد لأن الرجل نصف البينة بدليل أنه

نصف البينة بدليل أنه لو رجع وحده قبل الحكم كان كرجوعهن كلهن فيكون الرجل حزباً والنساء حزباً فإن رجع بعض النسوة وحده والرجل فعلى الراجع مثل ما عليه إذا رجع الجميع وعند أبي حنيفة وأصحابه متى رجع من النسوة معاً زاد على اثنين فليس على الراجعات شئ وقد مضى الكلام معهم في هذا (فصل) وإذا شهد أربعة بأربعمائة فحكم الحاكم بها ثم رجع واحد عن مائة وآخر عن مائتين والثالث عن ثلاثمائة والرابع عن أربعمائة فعلى كل واحد منهما ما رجع عنه بسقطه فعلى الأول خمسة وعشرون وعلى الثاني خمسون وعلى الثالث خمسة وسبعون وعلى الرابع مائة لأن كل واحد منهم يقر بأنه فوت على المشهود عليه وبع ما رجع عنه ويقتضي مذهب أبي حنيفة أن لا يلزم الراجع عن الثلاثمائة والأربعمائة أكثر من خمسين خمسين لأن المائتين اللتين رجع عنهما قد بقي بهما شاهدان (مسألة) (وإذا حكم الحاكم بشاهد ويمين ثم رجع الشاهد غرم المال كله ويتخرج أن يغرم النصف) المنصوص عن أحمد رحمه الله أنه يضمن المال كله في رواية جماعة ويتخرج أن يضمن النصف وبه قال مالك والشافعي لأنه أحد حجتي الدعوى فكان عليه النصف كما لو كانا شاهدين

مسألة: وإذا حكم الحاكم بشاهد ويمين ثم رجع الشاهد غرم المال كله ويتخرج أن يغرم النصف

ولنا أن الشاهد حجة الدعوى فكان الضمان عليه كالشاهدين يحققه أن اليمين قول الخصم وقول الخصم لمس بحجة على خصمه وإنما هو شرط الحكم فجرى مجرى مطالبته للحاكم بالحكم وبهذا ينفصل عما ذكروه، وإن سلمنا أنها حجة لكن إنما جعلها حجة شهادة الشاهد ولهذا لم يجز تقديمها على شهادته بخلاف شهادة الشاهد الآخر قال أبو الخطاب ويتخرج أن لا يلزمه إلا النصف إذا قلنا برد اليمين على المدعي (فصل) وإذا شهد شاهدان أنه أعتق هذا العبد عن ضمان مائة درهم وقيمة العبد مائتان فحكم الحاكم بشهادتهما ثم رجعا رجع السيد على الشاهدين بمائة لأنها تمام القيمة وكذلك إن شهدا على رجل أنه طلق امرأته قبل الدخول على مائة ونصف المسمى مائتان غرما للزوج مائة لأنهما فوتاها بشهادتهما المرجوع عنها، وإن شهد رجلان على رجل بنكاح امرأة بصداق ذكراه وشهد آخران بدخوله بها ثم رجعوا بعد الحكم عليه بصداقها فعلى شهود النكاح الضمان لأنهم ألزموه المسمى ويحتمل أن يكون عليهم النصف وعلى الآخرين النصف لأنهما قرراه وشاهدا النكاح أوجباه فيقسم بين الأربعة أرباعاً، وإن شهد مع هذا شاهدان بالطلاق لم يلزمهما شئ لأنهما لم يفوتا عليه شيئاً يدعيه ولا أوجبا عليه ما لم يكن واجباً.

(مسألة) (وإن بان بعد الحكم أن الشاهدين كانا كافرين أو فاسقين نقض الحكم ويرجع بالمال أو ببدله على المحكوم له، وإن كان المحكوم به إتلافاً فالضمان على المزكين فإن لم يكن ثم تزكية فعلى الحاكم، وعنه لا ينقض إذا كانا فاسقين) وجملة ذلك أن الحاكم إذا حكم بشهادة شاهدين ثم بانا فاسقين أو كافرين فإن الإمام ينقض حكمه ويرد المال إن كان قائماً أو عوضه إن كان تالفاً، فإن تعذر ذلك لإعساره أو غيره فعلى الحاكم ثم يرجع على المشهود له وعن أحمد رواية أخرى لا ينقض حكمه إذا كانا فاسقين ويغرم الشهود المال وكذلك إذا شهد عنده عدلان أن الحاكم قبله حكم بشهادة فاسقين ففيه روايتان، واختلف أصحاب الشافعي فيه أيضاً ولا خلاف بين الجميع أنه ينقض حكمه إذا كانا كافرين وينقض حكم غيره إذا ثبت عنده أنه حكم بشهادة كافرين فنقيس على ذلك إذا حكم بشهادة فاسقين فإن شهادة الفاسقين مجمع على ردها وقد نص الله تعالى التبين فيها فقال سبحانه (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا) وأمر

مسألة: إن بان بعد الحكم أن الشاهدين كانا كافرين أو فاسقين، نقض الحكم ويرجع بالمال أو ببدله على المحكوم له، وإن كان المحكوم به إتلافا فالضمان على المزكين. فإن لم يكن ثم تزكية فعلى الحاكم، وعنه لا ينقض إذا كانا فاسقين

وأمر بإشهاد العدول فقال سبحانه (وأشهدوا ذوي عدل منكر) وقال سبحانه (ممن ترضون من الشهداء) فيجب نقض الحكم لفوات العدالة كما يجب نقضه لفوات الإسلام ولأن الفسق معنى لو ثبت عند الحاكم قبل الحكم منعه فإذا شهد شاهدان أنه كان موجوداً حال الحكم وجب نقض الحكم كالكفر والرق في العقوبات. إذا ثبت هذا فإن أبا حنيفة قال لا يسمع الحاكم الشهادة بفسق الشاهدين قبل الحكم ولا بعده ومتى جرح المشهود عليه البينة لم تسمع بينته بالفسق لكن يسأل عن الشاهدين ولا يسمع على الفسق شهادة لأن الفسق لا يتعلق به حق أحد فلا تسمع فيه الدعوى والبينة. ولنا أنه معنى يتعلق به الحكم فسمعت فيه الدعوى والبينة كالتزكية، وقوله لا يتعلق به حق أحد ممنوع فإن المشهود عليه يتعلق حقه بفسقه في منع الحكم عليه قبل الحكم ونقضه بعد وتبرئته من أخذ ماله أو عقوبته بغير حق فوجب أن تسمع فيه الدعوى والبينة كما لو ادعى رق الشاهد ولم

يدعه لنفسه ولأنه إذا لم تسمع البينة بالفسق أدى إلى ظلم المشهود عليه فإذا لم يسمع عليه شهادتهم وحكم عليه بشهادة الفاسقين كان ظالماً له فأما إن قامت البينة أنه حكم بشهادة والدين أو ولدين أو عدوين فإن كان الحاكم الذي حكم بشهادتهما ممن يرى الحكم به لم ينقض حكمه لأنه حكم باجتهاده فيما يسوغ فيه الاجتهاد ولم يخالف نصاً ولا إجماعاً، فان كل ممن لا يرى الحكم بشهادتهم نفضه لأن الحاكم يعتقد بطلانه. (فصل) فإن كان المحكوم به إتلافاً كالقطع في السرقة والقتل ثم بان أنهما كافران أو فاسقان أو عبدان أو أحدهما فلا ضمان على الشاهدين لأنهما مقيمان على أنهما صادقان فيما شهدا به وإنما الشرع منع قبول شهادتهما بخلاف الراجعين عن الشهادة فإنهما اعترفا بكذبهما فإن لم يكن ثم مزكون فالضمان على الحاكم أو الإمام الذي تولى ذلك لأنه حكم بشهادة من لا يجوز له الحكم بشهادته ولا قصاص عليه لانه مخطئ وتجب الدية وفي محلها روايتان (إحداهما) في بيت المال (والثانية) على العاقلة وقد ذكرنا ذلك فيما مضى وللشافعي قولان كالروايتين، فإن قلنا الدية على العاقلة لم تحمل إلا الثلث فما زاد ولا تحمل الكفارة لأنها لا تحمل ذلك في محل الوفاق كذى ههنا وتكون الكفارة في مال القاتل، وإن قلنا في بيت المال فينبغي أن يكون فيه القليل والكثير لأنه يكثر فيه خطؤه فجعل الضمان عليه يجحف به وإن قل ولأن جعله في بيت المال لعلة أنه نائب عنهم وخطأ النائب على مستنيبه وسواء تولى الحاكم الاستيفاء بنفسه أو أمر من يتولاه، قال أصحابنا وإن كان الولي استوفاه فهو كما لو استوفاه الحاكم لأن الحاكم سلطه على ذلك ومكنه منه والولى يدعي أنه حقه فإن قيل فإذا

كان الولي استوفى حقه فينبغي أن يكون الضمان عليه كما لو حكم له بمال فقبضه ثم بان فسق الشهود كان الضمان على المستوفي دون الحاكم كذا ههنا قلنا ثم حصل في يد المستوفي مال المحكوم عليه بغير حق فوجب عليه رده أو ضمانه إن تلف وههنا لم يحصل في يده شي وإنما أتلف شيئاً بخطأ الإمام وتسليطه عليه فافترقا. (فصل) فإن كان ثم مزكون مثل أن يشهد بالزنا أربعة فيزكيهم اثنان فرجم المشهود عليه ثم بان الشهود فسقة أو عبيد أو بعضهم فلا ضمان على الشهود لأنهم يزعمون أنهم محقون ولم يعلم كذبهم يقيناً والضمان على المزكين، وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي، وقال القاضي الضمان على الحاكم لأنه حكم بقتله من غير تحقيق شرطه ولا ضمان على المزكين لان شهادتهما شرط وليست الموجبة، وقال أبو الخطاب في رءوس المسائل الضمان على الشهود بالزنا ولنا أن المزكين شهدوا بالزور شهادة أفضت إلى قتله فلزمهم الضمان كشهود الزنا إذا رجعوا ولا ضمان على الحاكم لأنه أمكن إحالة الحكم على الشهود فأشبه ما إذا رجعوا عن الشهادة وقولهم إن شهادتهم شرط لا يصح لأن من أصلنا أن شهود الإحصان يلزمهم الضمان وإن لم يشهدوا بالسبب

وقد نص عليه أحمد وقول أبي الخطاب لا يصح لأن شهود الزنا لم يرجعوا ولا علم كذبهم بخلاف المزكين فإنه تبين كذبهم وأنهم شهدوا بالزور فأما إن تبين فسق المزكين فالضمان على الحاكم لأن التفريط منه حيث قبل شهادة فاسق من غير تزكية ولا بحث فلزمه الضمان كما لو قبل شهادة شهود الزنا من غير تزكية ثم تبين كذبهم (فصل) ولو جلد إمام انسانا تشهادة شهود ثم بان أنهم فسقة أو كفرة أو عبيد فعلى الإمام ضمان ما حصل بسبب الضرب) وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا ضمان عليه ولنا أنها جناية صدرت عن خطأ الإمام فكانت مضمونة عليه كما لو قطعه أو فتله (مسألة) (وإذا شهدوا عند الحاكم بحق ثم ماتوا حكم بشهادتهم إذا ثبتت عدالتهم) لأنهم أدوا الشهادة، أشبه ما لو كانوا أحياء وكذلك إن جنوا لأن جنونهم بمنزلة موتهم (مسألة) (وإذا علم الحاكم بشاهد الزور عزره وطاف به في المواضع التي يشتهر فيها فيقال أنا وجدنا هذا شاهد زور فاجتنبوه) شهادة الزور من أكبر الكبائر وقد نهى تعالى عنه في كتابه مع نهيه عن الاوتان فقال سبحانه (فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور) وروى أبو بكرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟) قالوا بلى يارسول الله قال (الإشراك بالله وعقوق الوالدين)

مسألة: وإن شهدوا عند الحاكم بحق ثم ماتوا، حكم بشهادتهم إذا ثبتت عدالتهم

وكان متكئاً فجلس فقال (ألا وقول الزور وشهادة الزور) فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت متفق عليه وروى أبو حنيفة عن محارب بن دثار عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (شاهد الزور لا تزول قدماه حتى تجب له النار) فمتى ثبت عند الحاكم أن رجلاً شهد بزور عمداً عزره وشهره في قول أكثر أهل العلم، وروى ذلك عن عمر رضي الله عنه وهو قول شريح والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله والاوزاعي وابن أبي ليلى ومالك والشافعي وقال أبو حنيفة لا يعزر ولا يشهر ولأنه قول منكر وزور فلا يعزر به كالظهار، وروى عنه الطحاوي أنه يشهر وأنكره المتأخرون ولنا أنه قول محرم يضر به الناس فأوجب العقوبة على قائله كالسب والقذف ويخالف الظهار من وجهين (أحدهما) أنه يختص بضرره (والثاني) أنه أوجب كفارة شاقة هي يشد من التعزير ولأنه قول عمر رضي الله عنه ولا نعلم له في الصحابة مخالفاً. إذا ثبت ذلك فإن عقوبته غير مقدرة وإنما ذلك مفوض إلى رأي الحاكم إن رأى ذلك بالجلد فعل وإن رأه بحبس أو كشف رأسه وتوبيخه فعل ولا يزيد في جلده على عشر جلدات وقال الشافعي لا يزيد على تسع وثلاثين وقال ابن أبي ليلى يجلد خمساً وسبعين سوطا. وهذا أحد قولي أبي يوسف وقال الأوزاعي في شاهدي الطلاق يجلدان مائة ويغرمان الصداق. ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يجلد أحد فوق عشر جلدات إلا في حد من من حدود الله) متفق عليه

وقال القاسم وسالم يخفق سبع خفقات فأما شهرته بين الناس فإنه يوقف في سوقه إن كان من أهل السوق أو في قبيلته إن كان من أهل القبائل أو في مسجده إن كان من أهل المساجد ويقول الموكل به إن الحاكم يقرأ عليكم السلام ويقول هذا شاهد زور فاعرفوه، وهذا مذهب الشافعي وأتي الوليد بن عبد الملك بشاهد زور فأمر بقطع لسانه وعنده القاسم وسالم فقالا سبحان الله بحسبه أن يخفق سبع خفقات ويقام بعد العصر فيقال هذا أبو قبيس وجدناه شاهد زور ففعل ذلك به، ولا يسخم وجهه ولا يركب ولا يكلف أن ينادي على نفسه، وروى عن عمر رضي الله عنه أنه يجلد أربعين جلده ويسخم وجهه ويطال حبسه رواه الإمام أحمد وقال سوار يلبب ويدار به على حلق المسجد فيقول من رأني فلا يشهد بزور وروي عن عبد الملك بن يعلى قاضي البصرة أنه أمر بحلق بعض رؤوسهم وتسخيم وجوههم ويطاف بهم في السوق والذي شهدوا له معهم. ولنا أن هذا مثلة وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن المثلة وما روي عن عمر فقد روي عنه خلافه وأنه حبسه يوماً وخلى سبيله وفي الجملة ليس في هذا تقدير شرعي فما فعل الحاكم مما رآه لم يخرج عن مخالفة نص أو معنى نص فله ذلك ولا يفعل به شئ من هذا حتى يتحقق أنه شاهد زور وتعمد ذلك أو يشهد على رجل بفعل في الشام ويعلم أن المشهود عليه في ذلك الوقت في العراق أو يشهد بقتل رجل وهو حي وأن هذه البهيمة في يد هذا منذ ثلاثة أعوام وسنها أقل من ذلك أو يشهد على رجل

أنه فعل شيئاً وقد مات قبل ذلك وأشباه هذا مما يعلم به كذبه ويعلم تعمده لذلك فأما تعارض البينتين أو ظهور فسقه أو غلطه في شهادته فلا يؤدب لأن الفسق لا يمنع الصدق والتعارض لا يمنع أنه كذب إحدى البينتين بعينها والغلط قد يعرض للصادق العدل ولا يتعمده فيعفى عنه قال الله تعالى (وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم) (فصل) ومتى علم أن الشاهدين شهدا بالزور تبين أن الحكم كان باطلاً ولم نقضه لأنا تبينا كذبهما وإن كان المحكوم به مالاً رد إلى صاحبه وإن كان إتلافاً فعلى الشاهدين ضمانه لأنهما سبب إتلافه إلى أن يثبت ذلك بإقرارهما على أنفسهما من غير موافقة المحكوم له فيكون ذلك رجوعاً منهما عن شهادتهما وقد مضى حكم ذلك. (فصل) وإن تاب شاهد الزور ومضى على ذلك مدة تظهر فيها توبته وتبين صدقه فيها وعدالته قبلت شهادته، وبه قال أبو حنيفة والشافعي وقال مالك لا تقبل شهادته أبداً لأن ذلك لا يؤمن منه.

مسألة: ولا تقبل الشهادة إلا بلفظ الشهادة، فإن قال أعلم أو أحق لم يحكم به

ولنا أنه تائب من ذنبه فقبت توبته كسائر التائبين وقوله لا يؤمن منه ذلك. قلنا مجرد الاحتمال لا يمنع قبول الشهادة بدليل سائر التائبين فإنه لا يؤمن معاودة ذنوبهم وشهادتهم مقبولة (مسألة) (ولا تقبل الشهادة إلا بلفظ الشهادة فإن قال أعلم أو أحق لم يحكم به) وجملة ذلك أن لفظ الشهادة معتبر في أدائها فيقول أشهد أنه أقر بكذا ونحوه ولو قال أعلم أو أحق أو أتيقن أو أعرف لم يعتد به لأن الشهادة مصدر شهد يشهد شهادة فلا بد من الإتيان بفعلها المشتق منها ولأن فيها معنى لا يحصل في غيرها من اللفظات بدليل أنها تستعمل في اللعان ولا يحصل ذلك من غيرها وهذا مذهب الشافعي ولا أعلم في ذلك خلافا. (فصل) وإذا عين العدل شهادته بحضرة الحاكم فزاد فيها أو نقص قبلت منه ما لم يحكم بشهادته ذكره الخرقي مثل أن يشهد بمائة ثم يقول بل هي مائة وخمسون أو بل هي تسعون فإنه يقبل منه رجوعه ويحكم بما شهد به أخيراً وبهذا قال أبو حنيفة والثوري واسحاق وقال الزهري لا تقبل شهادته الأولى ولا الأخيرة لأن كل واحدة منهما ترد ولأن الأولى مرجوع عنها (والثانية) غير موثوق بها لأنها من مقر بغلطه وخطئه في شهادته فلا يؤمن أن تكون في الغلط كالأولى وقال مالك يؤخذ بأقل قوليه لأنه أدى الشهادة وهو غير متهم فلا يقبل رجوعه عنها كما لو اتصل بها الحكم

ولنا أن شهادته الآخرة شهادة من عدل غير متهم لم يرجع عنها فوجب الحكم بها كما لو لم يتقدمها ما يخالفها ولا تعارضها الأولى لأنها قد بطلت برجوعه عنها ولا يجوز الحكم بها لأنها شرط الحكم فوجب استمرارها إلى انقضائه ويفارق رجوعه بعد الحكم لأن الحكم قد تم باستمرار شرطه فلا ينقض بعد تمامه. (باب اليمين في الدعاوى) وهي مشروعة في حق المنكر في كل حق لآدمي وجملة ذلك أن الحقوق على ضربين (أحدهما) ما هو حق لآدمي (والثاني) ما هو حق لله تعالى وحق الآدمي ينقسم قسمين: (أحدهما) ما هو مال أو المقصود منه المال كالبيع والقرض والصلح والغصب والجناية الموجبة للمال فيستحلف فيه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (لو يعطى الناس بدعواهم لادعى قوم دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعي عليه) متفق عليه ولحديث الحضرمي والكندي

باب اليمين في الدعاوى

(القسم الثاني) ما ليس بمال ولا المقصود منه المال وهو كل ما لا يثبت إلا بشاهدين كالقصاص وحد القذف والنكاح والطلاق والرجعة والعتق والنسب والاستيلاء والولاء والرق ففيه روايتان: (إحداهما) لا يستحلف المدعى عليه ولا تعرض عليه اليمين قال أحمد ولم أسمع من مضى جوز الأيمان إلا في الأموال والعروض خاصة، وهذا قول مالك ونحوه قول أبي حنيفة فإنه قال لا يستحلف في النكاح وما يتعلق به من دعوى الرجعة والفيئة في الإيلاء ولا في الرق وما يتعلق به من الاستيلاء والولاء والنسب لأن هذه الأشياء لا يدخلها البدل وإنما تعرض اليمين فيما يدخلها البدل فإن المدعى عليه مخير بين أن يحلف أو يسلم ولأن هذه الأشياء لا تثبت إلا بشاهدين ذكرين فلا تعرض فيها اليمين كالحدود. (والرواية الثانية) يستحلف في الطلاق والقصاص والقذف وقال الخرقي إذا قال ارتجعتك فقالت انقضت عدتي قبل رجعتك فالقول قولها مع يمينها وإذا اختلفا في مضي الأربعة الأشهر في الإيلاء فالقول قوله مع يمينه فيخرج في هذا أنه يستحلف في كل حق لآدمي وهذا قول الشافعي وأبي يوسف ومحمد

لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لو يعطى الناس بدعواهم لادعى قول دماء رجال وأموالهم) ولأن اليمين على المدعى عليه وهذا عام في كل مدعى وهو ظاهر في دعوى الدماء لذكرها في الدعوى مع عموم الأحاديث ولأنها دعوى صحيحة في حق آدمي فجاز أن يحلف عليه كدعوى المال وهذا أولى إن شاء الله تعالى. وقال أبو بكر عبد العزيز تشرع اليمين في كل حق لآدمي إلا في النكاح والطلاق لأن هذا مما لا يحل بذله فلم يستحلف كحقوق الله سبحانه وإنما كان كذلك لأن الإبضاع مما يحتاط لها فلا تستباح بالنكول لأن النكول ليس بحجة قوية لانه سكوت مجرد يحتمل أن يكون للخوف من اليمين ويحتمل أن يكون للجهل بحقيقة الحال، ويحتمل أن يكون لعلمه بصدق المدعي ومع هذه الاحتمالات لا نيبغي أن يقضي به فيما يحتاط له، وقال أبو الخطاب تشرع اليمين في كل حق لآدمي إلا في تسعة أشياء النكاح والرجعة والطلاق والرق والاستيلاء والنسب والقذف والقصاص لأن البدل لا يدخل هذه الأشياء ثم يستحلف فيها كحقوق الله سبحانه، وقال القاضي في الطلاق والقصاص والقذف روايتان (إحداهما) لا يستحلف فيها لذلك (والثانية) يستحلف فيها لأنها دعوى صحيحة يستحلف فيها كدعوى المال. وأما الستة الباقية فلا يستحلف فيها رواية واحدة لما سبق وقال الخرقي لا يستحلف

في القصاص ولا المرأة إذا أنكرت النكاح وتحلف إذا ادعت انقضاء عدتها لما سبق وإذا أقام العبد شاهداً بعتقه حلف مع شاهده وعتق وهي إحدى الروايتين عن أحمد وقد ذكرنا ذلك (مسألة) (ولا يستحلف في حقوق الله سبحانه) وهي نوعان (أحدهما) الحدود فلا تشرع فيها يمين لا نعلم في هذا خلافاً لأنه لو أقر ثم رجع عن إقراره قبل منه وخلي من غير يمين فلأن لا يستحلف مع عدم الإقرار أولى ولأنه يستحب ستره والتعريض للمقر به بالرجوع عن إقراره وللشهود ترك الشهادة والستر عليه قال النبي صلى الله عليه وسلم لهزال في قصة ماعز (ياهزال لو سترته بثوبك لكان خيراً لك) فلا تشرع فيه يمين بحال (النوع الثاني) الحقوق المالية كدعوى الساعي الزكاة على رب المال وإن الحول قد تم وكمل النصاب فقال أحمد القول قول رب المال بغير يمين ولا يستحلف الناس على صدقاتهم وقول الشافعي وابو يوسف يستحلف لأنها دعوى مسموعة يتعلق بها حق آدمي أشبه حق الآدمي، ووجه الأول أنه حق لله تعالى أشبه الحد ولأن ذلك عبادة فلا يستحلف عليها كالصلاة ولو ادعى عليه أن عليه كفارة يمين أو ظهار أو نذر أو صدقة أو غيرها فالقول قوله في نفي ذلك من غير يمين ولا تسمع الدعوى في هذا ولا في حد لله تعالى ولأنه لا حق للمدعي فيه ولا ولاية له عليه فلا تسمع منه دعواه

مسألة: ويجوز الحكم في المال وما يقصد به المال بشاهد ويمين المدعي

كما لو ادعى حقاً لغيره من غير إذنه ولا ولاية له عليه فإن تضمنت دعواه حقاً له مثل أن يدعي سرقة ماله لتضمين السارق أو يأخذ منه ما سرق أو يدعي عليه الزنا بجاريته ليأخذ مهرها منه سمعت دعواه ويستحلف المدعى عليه لحق الآدمي دون حق الله تعالى (مسألة) (ويجوز الحكم في المال وما يقصد به المال بشاهد ويمين المدعي) روى ذلك عن الخلفاء الأربعة رضي الله عنهم، وقد سبق ذكر ذلك ولا تقبل فيه شهادة امرأتين ويمين لأن شهادة النساء ناقصة وإنما أجيزت بانضمام الذكر إليهن فلا يقبلن منفردات وإن كثرن ويحتمل أن يقبل لأن المرأتين في المال مقام رجل فيحلف معهما كما يحلف مع الرجل وهو مذهب مالك ويبطل ذلك بشهادة أربع نسوة فإنه لا يقبل إجماعاً (مسألة) (وهل يثبت العتق بشاهد ويمين؟ على روايتين) (إحداهما) يثبت وهو اختيار الخرقي وأبي بكر لأنه إزالة ملك فيقبل فيه شاهد ويمين كالبيع أو إتلاف مال فيقبل فيه شاهد ويمين كالإتلاف بالفعل (والرواية الثانية) لا تثبت الحرية إلا بشاهدين عدلين ذكرين لأنه ليس بمال ولا المقصود منه المال ويطلع عليه الرجال في غالب الأحوال فاشبه الحدود والقصاص.

مسألة: وهل يثبت العتق بشاهد ويمين؟ على روايتين

(مسألة) (ولا يقبل في النكاح والرجعة وسائر ما لا يستحلف فيه كالطلاق والوصية شاهد ويمين) لقول الله تعالى في الرجعة (وأشهدوا ذوي عدل منكم) وقسنا عليه سائر ما ذكرنا لأنه ليس بمال ولا يقصد به المال أشبه العقوبات وفيه رواية أخرى يقبل فيه رجل وامرأتان أو يمين لأنه ليس بعقوبة ولا يسقط بالشبهة أشبه المال وقال القاضي النكاح لا يثبت إلا بشاهدين والثاني يخرج فيه روايتان ذكرنا وجههما (مسألة) (ومن حلف على فعل نفسه أو دعوى عليه في الإثبات حلف على البت) معنى البت القطع أي يحلف بالله ما له على شئ والايمان كلها على البت والقطع إلا على نفي فعل الغير فإنها على نفي العلم وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي وقال الشعبي والنخعي كلها على العلم وذكره ابن أبي موسى رواية عن أحمد وذكر حديث البستاني عن القاسم بن عبد الرحمن عن النبي صلى الله عليه وسلم (لا تضطروا الناس في أيمانهم أن يحلفوا على ما لا يعلمون) ولأنه لا يحلف على ما لا علم له به وقال ابن أبي ليلى كلها علي البت كما يحلف على فعل نفسه ولنا حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم استحلف رجلاً فقال (قل والله الذي لا إله إلا هو ماله عليك حق) وروى الأشعث بن قيس أن رجلا من كندة ورجلاً من نضر موت اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أرض من اليمين فقال الحضرمي يارسول الله إن أرضي اغتصبنيها أبو هذا وهي في يده

مسألة: ومن حلف على فعل نفسه أو دعوى عليه في الإثبات حلف على البت

قال (هل لك بينة؟) قال لا ولكن أحلفه: والله ما يعلم أنها أرضي اغتصبنيها أبوه فتهبأ الكندي لليمين رواه أبو داود ولم ينكر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم وما ذكروه لا يصح لأنه يمكنه الإحاطة بفعل نفسه ولا يمكنه ذلك في فعل غيره فافترقا في اليمين كما لو افترقت الشهادة فأنها تكون بالقطع فيما يمكن القطع فيه من العقود وعلى الظن فيما لا يمكن فيه القطع من الأملاك والأسباب وعلى نفي العلم فيما لا تمكن الإحاطة بانتفائه كالشهادة على أنه لا وارث له إلا فلان وفلان وحديث القاسم بن عبد الرحمن محمول على اليمين على نفي فعل الغير إذا ثبت هذا فإنه يحلف فيما عليه على البت نفياً كان أو اثباتاً، وأما ما يتعلق بفعل غيره فان كان اثباتاً مثل أن يدعي أنه اقرض أو باع ويقيم شاهداً بذلك فانه يحلف مع شاهده على البت والقطع، وان كان على نفي مثل أن يدعي عليه دين أو غصب أو جناية فإنه يحلف على نفي العلم لا غير، وإن حلف عليه على البت كفاه وكان التقدير فيه العلم كما في الشاهد إذا شهد بعدد الورثة وقال ليس له وارث غيرهم سمع ذلك وكان التقدير فيه علمه ولو ادعى أن عبده استدان أو جنى فأنكر ذلك فيمينه على نفي العلم لأنها يمين على فعل الغير فاشبهت يمين الوارث على نفي فعل الموروث (فصل) ذكر ابن أبي موسى أنه اختلف قوله فيمن باع سلعة فظهر المشتري على عيب بها فانكره البائع هل اليمين على البتات أو على علمه؟ على روايتين ولو ابق عبد المشتري فادعى على البائع أنه ابق عنده فأنكر هل يلزمه أن يحلف أنه لم يأبق قط أو على نفي علمه؟ على روايتين إلا أن يكون ولده

مسألة: ومن توجهت عليه يمين الجماعة فقال: أحلف يمينا واحدة فرضوا جاز وإن أبوا حلف لكل واحد يمينا

فيلزمه ان يجلف أنه لم يأبق قط، ووجه كون اليمين على نفي علمه أنها على نفي فعل الغير فأشبه ما لو ادعى عليه أن عبده جنى، ووحه الأخرى أنه ادعى عليه أنه باعه معيباً يستحق رده عليه فلزمته اليمين علي البت كما لو كان إثباتاً (مسألة) (ومن توجهت عليه يمين الجماعة فقال أحلف يميناً واحدة فرضوا جاز وإن أبوا حلف لكل واحد يميناً) إذا كان الحق لجماعة فرضوا بيمين واحدة صح وسقطت دعواهم باليمين لأنها حقهم ولأنه لما جاز ثبوت الحق ببينة واحدة لجماعة جاز سقوطه بيمين واحدة قال القاضي: ويحتمل أن لا يصح حتى يحلف لكل واحد يميناً وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي لأن اليمين حجة في حق الواحد فإذا رضي بها اثنان صارت الحجة في حق كل واحد منهما ناقصة لا يعمل برضى الخصم كما لو رضي أن يحكم عليه بشاهد واحد والصحيح الأول لأن الحق لهما فإذا رضيا به جاز ولا يلزم من رضاهما بيمين واحدة أن يكون لكل واحد بعض اليمين كما أن الحقوق إذا قامت بها بينة واحدة لا تكون لكل حق بعض البينة فأما أن حلفه الحاكم لجميعهم يميناً واحدة فخطأه أهل عصره (1) (فصل) قال (الشيخ رحمه الله واليمين المشروعة هي اليمين بالله تعالى اسمه في قول عامة

_ (1) كذا بالاصل

أهل العلم إلا أن مالكا أحب بالله الذي لا إله إلا هو وإن استحلف حاكم بالله أجزأ) قال ابن المنذر وهذا أحب إلي لأن ابن عباس روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استحلف رجلاً فقال (قل والله الذي لا إله الا هو ماله عندك شئ) رواه أبو داود وفي حديث عمر حين حلف لأبي قال والله الذي لا إله إلا هو إن النخل لتخلي وما لأبي فيها شئ وقال الشافعي إن كان المدعى قصاصاً أو عتاقاً أو حداً أو مالاً يبلغ نصابا غلظت اليمين فحلف بالله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم الذي يعلم من السر ما يعلم من العلانية وقال في القسامة عالم خائنة الأعين وما تخفي الصدور وهذا اختيار أبي الخطاب وذكر القاضي أن هذا في أيمان القسامة خاصة وليس بشرط ولنا قول الله تعالى (فيقسمان بالله إن ارتبتم لا نشتري به ثمنا ولو كان ذا قربى) وقال تعالى (فيقسمان بالله لشهادتنا احق من شهادتهما) وقال تعالى في اللعان (فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله) وقال سبحانه (وأقسموا بالله جهد أيمانهم) قال بعض المفسرين من أقسم بالله فقد أقسم بالله جهد اليمين واستحلف النبي صلى الله عليه وسلم ركانة بن عبد يزيد في الطلاق فقال (آالله ما أردت إلا واحدة؟) وقال عثمان لابن عمر تحلف بالله لقد بعته وما به داء تعلمه ولأن فيه كفاية فوجب أن يكتفي باسمه في اليمين كالمواضع التي سلموها فأما حديث ابن عباس وابن عمر فإنه يدل على جواز الاستحلاف لذلك وما ذكرناه يدل على

الاكتفاء ببسم الله وحده وما ذكره الباقون تحكم لا نص فيه ولا قياس يقتضيه إذا ثبت هذا فإن اليمين في حق المسلم والكافر جميعاً بالله تعالى لا يحلف أحد بغيره لقول الله تعالى (فيقسمان بالله) ولقول النبي صلى الله عليه وسلم من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت (مسألة) (وإن رأى الحاكم تغليظها بلفظ أو زمن أو مكان جاز) ففي اللفظ يقول والله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب وشهادة الرحمن الرحيم الطالب الغالب الضار النافع الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور واليهودي والله الذي أنزل التوراة على موسى وفلق له البحر وانجاه من فرعون وملائه والنصراني يقول والله الذي أنزل الإنجيل على عيسى وجعله يحى الموتى ويبرئ الاكمه والايرص والمجوسي يقول والله الذي خلقني وصورني ورزقني، والزمان يحلفه بعد العصر وبين الأذانين والمكان يحلفه بمكة بين الركن والمقام وفي الصخرة ببيت المقدس وفي سائر البلدان عند المنبر ويحلف أهل الذمة في المواضع التي يعظمونها وهذا الذي ذكره شيخنا اختيار أبي الخطاب قال وقد أومأ إليه أحمد في رواية الميموني وذكر التغليظ في حق المجوسي قال قل والله الذي خلقني ورزقني وإن كان وثنياً حلفه بالله وحده وكذلك إن كان لا يعبد الله لأنه لا يجوز الحلف بغير الله تعالى لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت) ولأن

مسألة: وإن رأى الحاكم تغليظها بلفظ أو زمن أو مكان جاز

هذا إن لم يكن يعد هذه يميناً فإنما يزداد بها إثماً وعقوبة وربما عجلت عقوبته فيتعظ بذلك ويعتبر به غيره وهذا كله ليس بشرط في اليمين وإنما للحاكم فعله إذا رأى، وظاهر كلام الخرقي إن اليمين لا تغلظ إلا في حق أهل الذمة ولا تغلظ في حق المسلم وبه قال أبو بكر وذلك لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني (لليهود نشدتكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى ما تجدون في التوراة على من زنى؟) رواه أبو داود وكذلك قال الخرقي تغلظ في المكان فيحلف في المواضع التي يعظمونهما ويتوقى الكذب فيها ولم يذكر التغليظ بالزمان، وممن قال يستحلف أهل الكتاب بالله وحده مسروق وأبو عبيدة بن عبد الله وعطاء وشريح والحسن وابراهيم وكعب بن سور ومالك والثوري وأبو عبيد وممن قال لا يشرع التغليظ بالزمان والمكان في حق مسلم أبو حنيفة وصاحباه وقال مالك والشافعي تغلظ ثم اختلفا فقال مالك يحلف في المدينة على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحلف قائماً ولا

يحلف قائماً إلا على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ويستحلفون في غير المدينة في مساجد الجماعات ولا يحلف عند المنبر إلا على ما يقطع فيه السارق فصاعداً وهو ثلاثة دراهم وقال الشافعي يستحلف المسلم بين الركن والمقام بمكة وفي المدينة عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي سائر البلدان في الجوامع عند المنبر وعند الصخرة ببيت المقدس وتغلظ في الزمان في الاستحلاف بعد العصر على نحو ما ذكرناه في صدر المسألة ولا تغلظ في المال إلا في نصاب فصاعداً وتغلظ في الطلاق والعتاق والحد والقصاص وقال ابن حزم تغلظ بالقليل والكثير واحتجوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم (من حلف على منبري هذا بيمين آثمة فليتبوأ مقعده من النار) فثبت أنه يتعلق بذلك تأكيد اليمين، وروى مالك قال اختصم زيد بن ثابت وابن مطيع في دار كانت بينهما إلى مروان بن الحكم فقال زيد أحلف له مكاني فقال مروان لا

والله الا عند منقطع الحقوق قال فجعل زيد يحلف أن حقه لحق ويأبى أن يحلف عند المنبر فجعل مروان يعجب. ولنا قول الله تعالى (فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان فيقسمان بالله لشهادتنا احق من شهادتهما) ولم يذكر مكاناً ولا زماناً ولا زيادة في اللفظ، واستحلف النبي صلى الله عليه وسلم ركانة في الطلاق فقال (آالله ما أردت إلا واحدة؟) قال آالله ما أردت إلا واحدة ولم يغلظ يمينه بزمن ولا مكان ولا زيادة لفظ، وحلف عمر لابي حين تحاكما إلى زيد في مكانه وكانا في بيت زيد وقال عثمان لابن عمر تحلف بالله لقد بعته وما به داء تعلمه وفيما ذكروه من التغليظ تقييد لهذه النصوص ومخالفة للإجماع فإن ما ذكر عن الخليفتين عمر وعثمان مع من حضرهما لم ينكر وهو في الشهرة فكان إجماعا وقوله تعالى (تحبسونهما من بعد الصلاة) إنما كان في حق أهل الكتاب والوصية في السفر وهي قضية خولف فيها القياس في مواضع، منها قبول شهادة أهل الكتاب على المسلمين، ومنها استحلاف الشاهدين، ومنها استحلاف خصومهما عند العثور على استحقاقهما الإثم وهم لا يعلمون بها أصلاً فكيف

يحتجون بها؟ ولما ذكر إيمان المسلمين أطلق اليمين ولم يقيدها والاحتجاج بهذا أولى من المصير إلى ما خولف فيه القياس وترك العمل به. وأما حديثهم فليس فيه دليل على مشروعية اليمين عند المنبر إنما فيه دليل على تغليظ الإثم على الحالف. وأما قضية مروان فمن العجب احتجاجهم بها وذهابهم إلى قول مروان في قضية خالفه زيد فيها وقول زيد فقيه الصحابة وقارئهم وأفرضهم أحق أن يحتج به من قول مروان الذي لو انفرد ما جاز الاحتجاج به فكيف يجوز مع مخالفة إجماع الصحابة وقول أئمتهم وفقهائهم ومخالفة فعلى النبي صلى الله عليه وسلم وإطلاق كتاب الله سبحانه وتعالى؟ فهذا مما لا يجوز إنما ذكر الخرقي التغليظ بالمكان واللفظ في حق الآدمي لاستحلاف النبي صلى الله عليه وسلم اليهود بقوله (نشدتكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى) وروي عن كعب بن سور في النصراني قال: إذهبوا به إلى المذبح واجعلوا الإنجيل في حجره والتوراة على رأسه، وقال الشعبي في نصراني: اذهب إلى البيعة فاستحلفه بما يستحلف به مثله. وقال ابن المنذر لا أعلم حجة توجب أن يستحلف في مكان بعينه ولا يميناً يستحلف بها غير التي يستحلف بها المسلمون، وفي الجملة لا خلاف بين المسلمين في أن التغليظ بالمكان والزمان والألفاظ غير

واجب إلا أن ابن الصباغ ذكر في وجوب التغليظ بالمكان قولين للشافعي وخالفه ابن القاص فقال لا خلاف بين أهل العلم أن القاضي حيث استحلف المدعى عليه في عمله وبلد قضائه جاز وانما التغليظ بالمكان اختيار منه فيكون التغليظ عند من رآه اختيارا واستحبابا. (فصل) قال ابن المنذر ولم أجد أحداً يوجب اليمين بالمصحف وقال الشافعي رأيتهم يؤكدون بالمصحف ورأيت ابن مازن وهو قاض بصنعاء يغلظ اليمين بالمصحف قال أصحابه فيغلظ عليه بالحضار المصحف لأنه يشتمل على كلام الله وأسمائه وهذه زيادة على ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم في اليمين وعلى ما فعله الخلفاء وقضاتهم من غير دليل ولا حجة يستند إليها ولا يترك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعل أصحابه لفعل ان مازن ولا غيره (مسألة) (ولا تغلظ اليمين إلا فيما له خطر كالجنايات والعتاق والطلاق وما تجب فيه الزكاة من المال عند من يرى التغليظ)

مسألة ولا تغلظ اليمين إلا فيما له خطر كالجنايات والعتاق والطلاق وما تجب فيه الزكاة من المال عند من يرى التغليظ

وقيل ما يقطع فيه السارق روي ذلك عن مالك لأن التغليظ زيادة على اليمين التي ورد الشرع بوجوبها فلا تجب إلا بزيادة على مطلق الحق وترك التغليظ أولى على ما اختاره شيخنا ودل عليه إلا في موضع ورد الشرع به وصح كتحليف رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود بقوله (نشدتكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى) ونحوه (مسألة) (وإن رأى الحاكم ترك التغليظ فتركه كان مصيباً) لموافقته مطلق النص وهو قوله عليه الصلاة والسلام (ولكن اليمين على المدعي عليه) (فصل) ومن توجهت عليه يمين وهو فيها صادق أو توجهت له أبيح له الحلف ولا شئ عليه من إثم ولا غيره لأن الله تعالى شرع اليمين ولا يشرع محرماً وقد أمر الله سبحانه نبيه عليه الصلاة والسلام أن يقسم على الحق في ثلاثة مواضع من كتابه منها قوله تعالى (زعم الذين كفروا أن لن

مسألة: وإن رأى الحاكم ترك التغليظ فتركه كان مصيبا

يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن)) وحلف عمر لأبي على نخل ثم وهبه إياه وقال خفت إن لم أحلف أن يمتنع الناس من الحلف على حقوقهم فيصير سنة قال حنبل بلي أبو عبد الله بمثل هذا جاء إليه ابن عمه فقال لي قبلك حق من ميراث أبي وأطالبك بالقاضي وأحلفك فقيل لأبي عبد الله ما ترى؟ قال أحلف له، إذا لم يكن له في قبلي حق وأنا غير شاك في ذلك حلفت له وكيف لا أحلف وابن عمر قد حلف؟ وأنا من أنا؟ وعزم أبو عبد الله على اليمين فكفاه الله ذلك ورجع الغلام عن تلك المطالبة واختلف في الأولى فقال قوم الحلف أولى من افتداء يمينه لأن عمر حلف ولأن في الحلف فائدتين (إحداهما) حفظ ماله عن الضياع وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعته (والثانية) تخليص أخيه الظالم من مظلمته وأكل المال بغير حقه وهذا من نصحه ونصرته بكفه عن ظلمه وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم على رجل أن يحلف ويأخذ حقه وقال أصحابنا الأفضل افتداء يمينه فإن عثمان افتدى يميمنه وقال خفت إن يصادف قدراً فيقال حلف وعوقب، أو هذا شؤم يمينه. وروى الخلال بإسناده أن حذيفة عرف جملاً سرق

له فخاصم إلى قاضي المسلمين فصارت اليمين على حذيفة فقال لك عشرة دراهم فأبى فقال لك عشرون فأبى فقال لك ثلاثون فأبى فقال لك أربعون فأبى فقال حذيفة أتراني أترك جملي؟ فحلف بالله أنه ما باع ولا وهب، ولان في اليمين عند الحاكم تبذلا ولا يأمن أن يصادف قدرا فينسب إلى الكذب وانه عوقب بحلفه كاذبا وفي ذهاب ماله أجر وليس هذا تضيبعا للمال فان أخاه المسلم ينتفع به في الدنيا ويغرمه له في الآخرة، وأما عمر فانه خاف لاستنان به وترك الناس الحلف على حقوقهم فيدل على أنه لولا ذلك لما حلف قال شيخنا وهذا أولى والله تعالى أعلم (فصل) والحلف الكذب ليقتطع به مال أخيه فيه اثم كبير وقيل أنه من الكبائر لأن الله تعالى وعده عليه العذاب الأليم فقال سبحانه (إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم) وروى ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من حلف على يمين صبر يقتطع بها مال امرئ مسلم هو فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان) متفق عليه وقد روي في حديث أن يمين الغموس تدع الدبار بلاقع.

(فصل) ومن ادعى عليه دين وهو معسر به لم يحل له أن يحلف أنه لا حق له علي وبهذا قال المزني وقال أبو ثور له ذلك لأن الله تعالى قال (وإن كانوا ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة) ولأنه لا يستحق مطالبته في الحال ولا يجب عليه أداؤه إليه. ولنا أن الدين في ذمته وهو حق له عليه ولو لم يكن عليه حق لم يجز إنظاره به (فصل) ويمين الحالف على حسب جوابه فإذا ادعى عليه أنه غصبه أو استودعه أو اقترض منه نظرنا في جواب المدعى عليه فإن قال ما غصبتك ولا استودعتني ولا أقرضتني كلف أن يحلف على ذلك، وإن قال مالك علي شئ أو لا تستحق علي شيئاً أو لا تستحق علي ما ادعيته ولا شيئاً منه كان جواباً صحيحاً ولا يكلف الجواب عن الغصب والوديعة والقرض لأنه يجوز أن يكون غصب منه ثم رده عليه فلو كلف جحد ذلك كان كاذباً، وإن أقر به ثم ادعى الرد لم يقبل منه فإذا طلبت منه اليمين حلف

على حسب ما أجاب ولو ادعى أنني ابتعتك الدار التي في يدك فأنكره وطلب يمينه فإن كان أجاب بأنك لا تستحقها حلف على ذلك

قال أحمد في رجل ادعى على رجل أنه أودعه فأنكره هل يحلف ما أودعتك؟ قال إذا حلف مالك عندي ولا في يدي شئ فهو يأتي على ذلك؟ وهذا يدل على أنه لا يلزمه أن يحلف على حسب الجواب

وأنه متى حلف مالك قبلي حق برئ بذلك ولأصحاب الشافعي وجهان كهذين (فصل) ولا تدخل اليمين النيابة ولا يحلف أحد عن غيره فلو كا ن المدعى عليه صغيراً أو مجنوناً

لم يحلف عنه حتى يبلغ الصبي أو يعقل المجنون ولم يحلف عنه وليه ولو ادعى الأب لإبنه الصغير حقاً أو ادعاه الوصي أو الأمين له وأنكر المدعى عليه فالقول قوله مع يمينه فإن نكل قضي عليه ومن لم ير

القضاء بالنكول ورأى رد اليمين على المدعي لم يحلف الولي عنهما ولكن تقف اليمين ويكتب الحاكم محضراً بنكول المدعى عليه، وإن ادعى على العبد دعوى وكانت مما يقبل قول العبد فيها على نفسه

كالقصاص والطلاق والقذف والخصومة معه دون سيده فإن قلنا أن اليمين تشرع في هذا حلف العبد دون سيده وإن نكل لم يحلف غيره. وإن كان مما لا يقبل قول العبد فيه كاتلاف مال أو

جنياة توجب المال فالخصم السيد واليمين عليه ولا يحلف العبد فيها بحال، وإن نكل من توجهت عليه اليمين عنها وقال لي بينة أقيمها أو حساب أستثبته لأحلف على ما أتيقنه فذكر أبو الخطاب أنه لا يمهل وإن لم يحلف جعل ناكلاً. وقيل لا يكون ذلك نكولاً ويمهل مدة قريبة كما لو ادعى قضاء أو ابراء (فصل) ولو ادعى على رجل ديناً أو حقاً فقال قد أبرأتني منه واستوفيته مني فالقول قول

المنكر الإبراء والاستيفاء مع يمينه ويكفيه أن يحلف بالله أن هذا الحق ويسميه تسمية يصير بها معلوما - برئت ذمتك منه ولا من شئ منه، أو ما برئت ذمتك من ذلك الحق ولا من شئ منه وإن ادعى استيفاءه أو البراءة بجهة معلومة كفاه الحلف على تلك الجهة وحدها

باب الدعاوى والبينات الدعوى إضافة الإنسان إلى نفسه شيئاً أو ملكاً أو استحقاقاً أو نحوه. وهو في الشرع إضافته إلى نفسه استحقاق شئ في يد غيره أو في ذمته والمدعى عليه من يضاف إليه استحقاق شئ عليه. وقال ابن عقيل الدعوى الطلب قال الله تعالى (ولهم ما يدعون) (مسألة) (والمدعي من إذا ترك سكت والمنكر من إذا سكت لم يترك) وقيل المدعي من يلتمس بقوله أخذ شئ من يد غيره وإثبات حق في ذمته والمدعى عليه من ينكر ذلك وقد يكون كل واحد منهما مدعياً ومدعى عليه بأن يختلفا في العقد فيدعي كل واحد منهما أن اليمين غير الذي ذكره صاحبه. والأصل في الدعوى قول النبي صلى الله عليه وسلم (لو أعطي الناس بدعواهم لادعى قول دماء قوم وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه) رواه مسلم وفي حديث (البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه) (مسألة) (ولا تصح الدعوى والإنكار إلا من جائز التصرف) لأن من لا يصح تصرفه لا قول له في المال ولا يصح إقراره ولا تصرفه فلا تسمع دعواه ولا إنكاره كما لا يسمع إقراره

باب الدعاوى والبينات

(مسألة) (وإن تداعيا عينا لم تخل من ثلاثة أقسام (أحدها) أن تكون في يد أحدهما فهي له مع يمينه أنه لا حق للآخر فيها إذا لم تكن بينة) لما روى ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لو أن الناس أعطوا بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه) متفق عليه. وقال النبي صلى الله عليه وسلم في قصة الحصرمي والكندي (شاهداك أو يمينه ليس لك إلا ذلك) ولأن الظاهر من اليد الملك (مسألة) (ولو تنازعا دابة أحدهما راكبها أو له عليها حمل والآخر أخذ بزمامها فهي للأول) لأن تصرفه أقوى ويده آكد وهو المستوفي لمنفعتها، فإن كان لأحدهما عليها حمل والآخر راكبها فهي للراكب لأنه أقوى تصرفاً فإن اختلفا في الحمل فادعاه الراكب وصاحب الدابة فهو للراكب لأن يده على الدابة والحمل معاً فأشبه ما لو اختلف الساكن وصاحب الدار في قماش فيها. وإن تنازع الراكب وصاحب الدابة في السرج فهو لصاحب الدابة لأن السرج في العادة يكون لصاحب الفرس. ولو تنازع اثنان في ثياب عبد لاحدهما فهي لصاحب العبد لأن يد العبد عليها وإن تنازع صاحب الثياب وآخر في العبد اللابس لها فهما سواء لأن نفع الثياب يعود إلى العبد لا إلى صاحب الثياب ومذهب الشافعي في هذا الفصل كالذي ذكرنا

مسألة: وإن تداعيا عينا لم تخل من ثلاثة أقسام

(فصل) وإن تنازعا قميصاً أحدهما لابسه والآخر آخذ بكمه فهو للابسه لأن تصرفه أقوى وهو المستوفي لمنفعته، فإن كان كمه في يد أحدهما وباقيه مع الآخر أو تنازعا عمامة طرفها في يد أحدهما وباقيها في يد الآخر فهما سواء فيها لأن يد الممسك بالطرف عليها بدليل أنه لو كان باقيها على الأرض فنازعه فيها غيره كانت له وإذا كانت في أيديهما تساويا فيها (فصل) ولو كانت دار فيها أربعة أبيات في أحد أبياتها ساكن وفي الثلاثة الباقية ساكن أخر فاختلفا فيها فإن لكل واحد ما هو ساكن فيه لأن كل بيت منفصل عن صاحبه ولا يا شرك الخارج منه الساكن فيه في ثبوت اليد عليه وإن تنازعا الساحة التي يتطرق منها إلى البيوت فهي بينهما نصفان لاشتراكهما في ثبوت اليد عليها فأشبهت العمامة فيما ذكرنا (مسالة) (وإن تنازع صاحب الدار والخياط الابرة والمقص فهما للخياط) لأن تصرفه فيهما أكثر واظهر، والظاهر أن الإنسان إذا دعى خياط يخيط له فالعادة أنه يحمل معه إبرته ومقصه. وإن اختلفا في القميص فهو لصاحب الدار إذ ليست العادة أن يحمل القميص معه يخيطه في دار غيره وإنما العادة أن يخيط قميص صاحب الدار فيها وإن اختلف صاحب الدار والنجار في القدوم والمنشار وآلة النجارة فهي النجار وإن اختلفا

مسالة: وإن تنازع صاحب الدار والخياط الإبرة والمقص فيها للخياط

في الخشبة المنشورة والأبواب والرفوف المنجورة فهي لصاحب الدار وإن اختلف النجاد ورب الدار في قوس الندف فهو للنجاد، وإن اختلفا في الفرش والقطن والصوف فهو لصاحب الدار (مسالة) (وإن تنازع هو والقراب القربة فهي للقراب) وإن اختلفا في الخابية والجرار فهي لصاحب الدار، ومذهب الشافعي في هذه المسائل على ما ذكرناه (مسألة) (وإن تنازعا عرصة فيها شجر أو بناء لأحدهما فهي له) لأنه استوفى لمنفعتها (مسألة) (وإن تنازعا حائطاً معقوداً ببناء أحدهما أو وحده أو متصلاً به اتصالاً لا يمكن إحداثه أو له عليه أزج فهو له وإن كان محلولاً من بنائهما أو معقوداً بهما فهو بينهما) وجملة ذلك أن الرجلين إذا تنازعا حائطاً بين ملكهما وتساويا في كونه معقودا ببنائهما معاً وهو أن يكون متصلاً بهما إتصالاً لا يمكن إحداثه بعد بناء الحائط مثل اتصال البناء بالطين كهذه معطائر التي لا يمكن إحداث اتصال بعضها ببعض أو تساويا في كونه محلولاً من بنائهما أي غير متصل القنائهما الاتصال المذكور بل بينهما شق مستطيل كما يكون بين الحائطين اللذين الصق أحدهما بالأخر فهما سواء في الدعوى إن لم تكن لواحد منهما بينة تحالفا فيحلف كل واحد منهما على نصف الحائط أنه له وتكون بينهما نصفين لأن كل واحد منهما يده على نصف الحائط لكون الحائط في أيديهما. وإن حلف كل واحد منهما على جميع الحائط أنه له وما هو لصاحبه جاز وبهذا قال أبو حنيفة وأبو ثور وابن

مسألة: وإن تنازعا حائطا معقودا ببناء أحدهما أو وحده أو متصلا به اتصالا لا يمكن إحداثه أو له عليه أزج فهو له وإن كان محلولا من بنائهما أو معقودا بهما فهو بينهما

المنذر ولا أعلم فيه مخالفاً لأن المختلفين في العين إذا لم تكن لواحد منهما بينة فالقول قول من هي في يده مع يمينه، وإذا كانت في أيديهما كانت يد كل واحد منهما على نصفها فيكون القول قوله في نصفها مع يمينه، وإن كان لأحدهما بينة حكم له بها وإن كان لكل واحد منهما بينة تعارضتا وصارا كمن لا بينة لهما فإن لم تكن لهما بينة ونكلا عن اليمين كان الحائط في أيديهما على ما كان وإن حلف أحدهما ونكل الآخر قضي على الناكل فكان الكل للآخر، وإن كان متصلاً بببناء أحدهما دون الآخر فهو له مع يمينه وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وقال أبو ثور لا يرجح بالعقد ولا ينظر إليه ولنا أن الظاهر أن هذا البناء بني كله بناء واحداً فإذا كان بعضه لرجل كان باقيه له والبناء الآخر الظاهر أنه بني وحده فإنه لو بني مع هذا كان متصلاً به فالظاهر أنه لغير صاحب هذا الحائط المختلف فيه فوجب أن يرجح بهذا كاليد فإن قيل فلم لا تجعلوه له بغير يمين لذلك؟ قلنا لأن ذلك ظاهر وليس بيقين إذا يحتمل أن أحدهما بنى الحائط لصاحبه تبرعا مع حائطه أو كان له فوهبه إياه أو بناه بأجرة فشرعت اليمين من أجل الاحتمال كما شرعت في حق صاحب اليد وسائر من وجبت عليه اليمين. فأما إن كان معقوداً ببناء أحدهما عقد يمكن إحداثه كالبناء باللبن والآجر فإنه يمكن أن ينزع من الحائط المبني نصف لبنة أو آجرة ويجعل مكانها لبنة صحيحة أو آجرة صحيحة تعقد الحائطين فقال القاضي: لا يرجح بهذا لاحتمال أن يكون فعل هذا ليتملك الحائط المشترك، وظاهر كلام الخرقي أنه يرجح بهذا الاتصال كما يرجح بالاتصال الذي لا يمكن إحداثه لأن الظاهر أن صاحب الحائط لا يدع غيره يتصرف فيه.

بنزع آجره وتغيير بنائه وفعل ما يدل على ملكه له فوجب أن يرجح كما يرجح باليد مع أنها تحتمل أن تكون يداً عادية حدثت بالغصب أو بالعارية أو الإجارة ولم يمنع ذلك الترجيح بها فإن كان لأحدهما عليه بناء كحائط مبني عليه أو عقد معتمد عليه أو قبة ونحو هذا فهو له، وبهذا قال الشافعي لأن وضع بنائه عليه بمنزلة اليد الثابتة لكونه منتفعاً به فجرى مجرى حمله على البهيمة وزرعه في الأرض ولأن الظاهر أن الإنسان لا يترك غيره يبني على حائط وكذلك إن كانت عليه سترة أو كان في أصل الحائط خشبة أو طرفها بجنب حائط منفرد به أحدهما أو له عليه أزج معقود فالحائط المختلف فيه له لأن الظاهر في الخشبة أنها لمن ينفرد بوضع بنائه عليها فيكون الظاهر أن ما عليها من البناء له (مسألة) ولا ترجح الدعوى بوضع خشب أحدهما عليه ولا بوجوه الآجر والتزويق والتجصيص ومعاقد القمط في الخمص) قال أصحابنا لا ترجح دعوى أحدهما بوضع خشبة على الحائط وهو قول الشافعي لأن هذا مما يسمح به الجار وقد ورد في الخبر النهي عن المنع منه وهو عندنا حق يجب التمكين منه فلا ترجح به الدعوى كإسناد متاعه إليه وتجصيصه وتزويقه ويحتمل أن ترجح به الدعوى وهو قول مالك لأنه

مسألة: ولا ترجح الدعوى بوضع خشب أحدهما عليه ولا بوجوه الآجر والتزويق والتجصيص ومعاقد القمط في الخص

ينتفع به بوضع ماله عليه فأشبه الباني عليه والزارع في الأرض وورود الشرع بالنهي عن المنع منه لا يمنع كونه دليلاً على الاستحقاق بدليل أننا استدللنا بوضعه على كون الوضع مستحقاً على الدوام حتى متى زال جازت إعادته ولأن كونه مستحقاً تشترط له الحاجة إلى وضعه ففيما لا حاجة إليه له منعه من وضعه، وأما السماح به فإن أكثر الناس لا يسامحون به، ولهذا لما روى أبو هريرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم طأطئوا رؤوسهم كراهة لذلك فقال مالي أراكم عنها معرضين؟ والله لا رمين بها بين أكتافكم وأكثر الفقهاء لا يوجبون التمكين من هذا ويحملون الحديث على كراهة المنع لا على تحريمه ولأن الحائط يبنى لذلك فيرجح به كالأزج وقال أصحاب أبي حنيفة لا ترجح الدعوى بالجذع الواحد لأن الحائط لا يبنى له وترجح بالجذعين لأن الحائط يبنى لهما ولنا أنه موضوع على الحائط فاستوى في ترجيح الدعوى قليله وكثيره كالبناء (فصل) ولا ترجح الدعوى بكون الدواخل إلى أحدهما والخوارج ووجوه الآجر والحجارة ولا كون الآجرة الصحيحة مما يلي أحدهما وقطع الآجر مما يلي ملك الآخر ولا بمعاقد القمط في الخص يعني عقد الخيوط التي يشد بها الخص، وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وقال أبو يوسف ومحمد يحكم به لمن إليه وجه الحائط ومعاقد القمط لما روى نمران بن حارثة التميمي عن أبيه أن قوماً اختصموا

إلى النبي صلى الله عليه وسلم في خص فبعث حذيفة بن اليمان يحكم بينهم فحكم لمن تليه معاقد القمط ثم رجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال (أصبت وأحسنت) رواه ابن ماجة وروي نحوه عن علي ولأن العرف جار بأن من بنى حائطاً جعل وجه الحائط إليه ولنا عموم قوله عليه الصلاة والسلام (البينة على المدعي واليمين على من أنكر) ولأن وجه الحائط ومعاقد القمط إذا كانا شريكين فيه لا بد من أن يكون إلى أحدهما إذ لا يمكن كونه إليهما جميعاً فبطلت دلالته كالتزويق، ولأنه براد للزينة فهو كالتزويق، وحديثهم لا يثبته أهل النقل وإسناده مجهول قاله ابن المنذر قال الشالنجي ذكرت هذا الحديث لأحمد فلم يقنعه وذكرته لإسحاق بن راهويه فقال ليس هذا حديثاً ولم يصححه وحديث علي فيه مقال وما ذكروه من العرف ليس بصحيح فإن العادة جعل وجه الحائط إلى خارج ليراه الناس كما يلبس الرجل أحسن ثيابه أعلاها الظاهر للناس ليروه فيتزين به فلا دليل فيه (فصل) ولا ترجح الدعوى بالتزويق والتحسين ولا بكون أحدهما له الآجر وسترة غير مبنية عليه لأنه مما يتسامح به ويمكن إحداثه.

مسألة: وإن تنازع صاحب العلو والسفل في السلم والدرجة فهي لصاحب العلو إلا أن يكون تحت الدرجة مسكن لصاحب السفل فيكون بينهما، وإن تنازعا في السقف الذي بينهما فهو بينهما

(مسالة) وإن تنازع صاحب العلو والسفل في السلم والدرجة فهي لصاحب العلو إلا أن يكون تحت الدرجة مسكن لصاحب السفل فيكون بينهما وإن تنازعا في السقف الذي بينهما فهو بينهما) إذا تنازع صاحب العلو والسفل في الدرجة التي يصعد منها ولم يكن تحتها مرفق لصاحب السفل كسلم مستمر أو دكة فهي لصاحب العلو وحده لأن له اليد والتصرف وحده لكونها مصعد صاحب العلو لا غير والعرصة التي عليها الدرجة له أيضاً لانتفاعه بها وحده وإن كان تحتها بيت بنيت لأجله وليكون مدرجاً للعلو فهي بينهما لأن يدهما عليه ولأنها سقف للسفلاني وموطئ للفوقاني فهي كالسقف وإن كان تحتها طباق صغيرة لم تبن الدرجة لأجله وإنما جعل مرفقاً يجعل فيه حب الماء ونحوه فهي لصاحب العلو لأنها بنيت لأجله وحده، ويحتمل أن تكون بينهما لأن يدهما وانتفاعهما حاصل بها فهي كالسقف (فصل) فإن تنازعا السقف الذي بينهما تحالفا وكان بينهما وهذا مذهب الشافعي وقال أبو حنيفة هو لصاحب السفل لأن السقف على ملكه فكان القول قوله فيه كما لو تنازعا سرجاً على دابة أحدهما كان القول قول صاحبها وحكي عن مالك أنه لصاحب السفل وحكي عنه أنه لصاحب العلو لأنه يجلس عليه ويتصرف فيه ولا يمكنه السكنى إلا به ولنا أنه حاجز بين ملكيهما ينتفعان به غير متصل ببناء أحدهما اتصال البنيان فكان بينهما

كالحائط بين الملكين وقولهم هو على ملك صاحب السفل يبطل بحيطان العلو ولا يشبه السرج على الدابة لأنه لا ينتفع به غير صاحبها ولا يراد إلا لهذا فكان في يده وهذا السقف ينتفع به كل واحد منهما لأنه سماء صاحب السفل يظله وأرض صاحب العلو يقله فاستويا فيه، وإن تنازعا حوائط العلو فهي لصاحب العلو لما ذكرنا (مسالة) (وإن تنازع المؤجز والمستأجر في رف مقلوع أو مصراع له شكل منصوب في الدار فهو لصاحبها وإلا فهو بينهما) وجملة ذلك أن المكتري والمكري إذا اختلفا في شئ في الدار فإن كان مما ينقل ويحول كالأثاث والأواني والكتب فهو للمكتري لأن العادة أن الإنسان يكري داره فارغة من رحله وقماشه وإن كان في شئ مما يتبع في البيع كالأبواب المنصوبة والخوابي المدفونة والرفوف المسمرة والسلاليم المستمرة والرحا المنصوبة وحجرها الفوقاني فهو للمكري لأنه من توابع الدار فأشبه الشجرة المغروسة فيها وإن كانت الرفوف موضوعة على أوتاد فقال أحمد إذا اختلفا في الرفوف فهي لصاحب الدار فظاهر هذا العموم في الزفوف كلها، وقال القاضي هي بينهما إذا تحالفا لأنها لا تتبع في البيع فأشبهت القماش فهذا ظاهر يشهد للمكتري وللمكري ظاهر يعارض هذا وهو أن المكري يترك الرفوف في الدار ولا ينقلها عنها فإذا تعارض الظاهر من الجانبين استويا وهذا مذهب الشافعي فعلى هذا إن

مسألة: وإن تنازع المؤجر والمستأجر في رف مقلوع أو مضراع له شكل منصوب في الدار فهو لصاحبها وإلا فهو بينهما

تحالفا كانت بينهما وإن حلف أحدهما ونكل الآخر فهي لمن حلف وذكر شيخنا في الكتاب المشروح أنه إن كان للرف شكل منصوب في الدار فهو لصاحب الدار مع يمينه وإن لم يكن له شكل فهو بينهما إذا تحالفا لأنه إذا كان له شكل منصوب في الدار فالمنصوب تابع للدار فهو لصاحبها والظاهر أن أحد الرفين لمن له الآخر وكذلك إذا اختلفا في مصراع باب مقلوع فالحكم فيه كما ذكرنا هكذا ذكره أبو الخطاب وذكره القاضي في موضع لأن أحدهما لا يستغني عن صاحبه فكان أحدهما لمن له الآخر كالحجر الفوقاني من الرحا والمفتاح مع السكرة (مسألة) وإن تنازعا داراً في أيديهما فادعاها أحدهما وادعى الآخر نصفها جعل بينهما نصفين واليمين على مدعي النصف نص عليه أحمد ولا يمين على الآخر لأن النصف المحكوم له به لا منازع له فيه ولا أعلم في هذا خلافاً إلا أنه حكي عن ابن شبرمة أن لمدعي الكل ثلاثة أرباعها لأن النصف له لا منازع له فيه والنصف الآخر يقسم بينهما على حسب دعواهما فيه ولنا أن مدعي النصف على ما يدعيه فكان القول قوله فيه مع يمينه كسائر الدعاوي فإن لكل واحد منهما بينة بما يدعيه فقد تعارضت بينتاهما في النصف فيكون النصف لمدعي الكل والنصف الآخر ينبني على الخلاف في أي البينتين تقدم، وظاهر المذهب تقديم بينة المدعي الكل وعلى قول

مسألة: وإن تنازعا دارا في أيديهما فادعاها أحدهما وادعى الآخر نصفها جعل بينهما نصفين واليمين على مدعي النصف

أبي حنيفة وصاحبيه إن كانت الدار في يد ثالث لا يدعيها فالنصف لصاحب الكل لا منازع له فيه ويقرع بينهما في النصف الآخر فمن خرجت له القرعة حلف وكان له، وإن كان لكل واحد بينة تعارضتا وسقطتا وصارا كمن لا بينة لهما، وإن قلنا تستعمل البينتان أقرع بينهما وقدم من تقع له القرعة في أحد الوجهين والثاني يقسم بينهما النصف فيكون لمدعي الكل ثلاثة أرباعها (فصل) فإن كانت دار في يد ثلاثة ادعى أحدهم نصفها وادعى الآخر ثلثها وادعى الثالث سدسها فهذا اتفاق منهم على كيفيه ملكهم وليس ههنا اختلاف ولا تجاحد، وإن ادعى كل واحد منهم أن بقية الدار وديعة أو عارية كانت لكل واحد منهما بما ادعاه من الملك بينة قضي له بها لأن بينته تشهد بما ادعاه ولا معارض لها وإن لم تكن لواحد منهم بينة حلف كل واحد منهم وأقرفي يده ثلثها (فصل) فإن ادعى أحدهم جميعها والآخر نصفها والآخر ثلثها فإن لم يكن لواحد منهم بينة قسمت بينهم أثلاثاً وعلى كل واحد منهم اليمين على ما حكم له به لأن يد كل واحد منهم على ثلثها وإن كانت لأحدهم بينة نظرت فإن كانت لمدعي الجميع فهي له وإن كانت لمدعي النصف أخذه والباقي بين الآخرين نصفين لصاحب الكل السدس بغير يمين ويحلف على نصف السدس ويحلف الآخر على الربع الذي يأخذه جميعه وإن كانت البينة لمدعي الثلث أخذه والباقي بين الآخرين لمدعي الكل السدس بغير يمين ويحلف على السدس الآخر ويحلف الآخر على جميع ما يأخذه وإن كانت لكل

واحد بما يدعيه بينة فإن قلنا تقدم بينة صاحب اليد قسمت بينهم أثلاثاً لأن يد كل واحد منهم على الثلث وإن قلنا تقدم بينة الخارج فينبغي أن تسقط بينة صاحب الثلث لأنها داخلة ولمدعي النصف السدس لأن بينته خارجة فيه ولمدعي الكل خمسة أسداس لأن له السدس بغير بينة لكونه لا منازع له فيه لأن أحداً لا يدعيه وله الثلثان لكون بينته خارجة فيهما وقيل بل لمدعي الثلث السدس لأن بينته تدعي الكل وتدعي النصف تعارضتا فيه وتساقطتا وبقي لمن هو في يده ولا شئ لمدعي النصف لعدم ذلك فيه وسواء كان لمدعي الثلث بينة أو لم تكن، وإن كانت العين في يد غيرهم واعترف أنه لا يملكها ولا بينة لهم فالنصف لمدعي الكل لأنه ليس منهم من يدعيه ويقرع بينهم في النصف الباقي فإن خرجت القرعة لصاحب الكل أو صاحب النصف حلف وأخذه وإن خرجت لصاحب الثلث حلف وأخذ الثلث ثم يقرع بين الآخرين في السدس فمن قرع صاحبه حلف وأخذه وإن أقام كل واحد منهم بينة بما ادعاه فالنصف لمدعي الكل لما ذكرنا والسدس الزائد يتنازعه مدعي الكل ومدعي النصف والثلث يدعيه الثلاثة وقد تعارضت البينات فيه فإن قلنا تسقط البينات قرعنا بين المتنازعين فيما تنازعوا فيه فمن قرع صاحبه حلف وأخذه ويكون الحكم فيه كما لو لم تكن لهم بينة وهذا قول أبي عبيد وقول الشافعي إذ كان بالعراق وعلى الرواية التي تقول إذا تعارضت البينتان قسمت العين بين المتداعيين فلمدعي الكل النصف ونصف السدس الزائد وثلث الثلث ولمدعي النصف نصف

السدس وثلث الثلث ولمدعي الثلث ثلثه وهو التسع فتخرج المسألة من ستة وثلاثين لمدعي الكل النصف ثمانية عشر ونصف السدس ثلاثة والتسع أربعة فذلك خمسة وعشرون سهماً ولصاحب النصف سبعة ولمدعي الثلث أربعة وهو التسع وهذا قياس قول قتادة والحارث العكلي وابن شبرمة وحماد وأبي حنيفة وهو قول الشافعي وقال أبو ثور يأخذ مدعي الكل النصف ويوقف الباقي حتى يتبين وروى هذا عن مالك وهو قول الشافعي وقال ابن أبي ليلى وقوم من أهل العراق تقسم العين بينهم على حسب عول الفرائض لصاحب الكل ستة ولصاحب النصف ثلاثة ولصاحب الثلث اثنان فصح من أحد عشر سهما. وسئل سهل بن عبد الله بن أويس عن ثلاثة ادعوا كيساً وهو بأيديهم ولا بينة لهم وحلف كل واحد منهم على ما ادعاه ادعى أحدهم جميعه وادعى الآخر ثلثيه وادعى آخر نصفه فأجاب فيها بشعر: نظرت أبا يعقوب في الحسب التي طرت * فأقامت منهم كل قاعد فللمدعي الثلثين ثلث وللذي * استلاط جميع المال عند التحاشد من المال نصف غير ماسيغو به * وحصته من نصف ذا المال زائد وللمدعي نصفاً من المال ربعه * ويؤخذ نصف السدس من كل واحد وهذا قول من قسم المال بينهم على حسب العول فكأن المسألة عالت إلى ثلاثة عشر وذلك

أنه أخذ مخارج الكسور وهي ستة فجعلها لمدعي الكل وثلثاها أربعة لمدعي الثلثين ونصفها ثلاثة لمدعي النصف صارت ثلاثة عشر (فصل) فإن كانت الدار في أيدي أربعة فادعى أحدهم جميعها والثاني ثلثيها والثالث نصفها والرابع ثلثها ولا بينة لهم حلف كل واحد منهم وله ربعها لأنه في يده والقول قول صاحب اليد مع يمينه، وإن أقام كل واحد منهم بما ادعاه بينة قسمت بينهم أرباعا أيضاً لأننا إن قلنا تقدم بينة الداخل فكل واحد منهم داخل في ربعها فتقدم بينته فيه، وإن قلنا تقدم بينة الخارج فإن الرجلين إذا ادعيا عينا في يد غيرهما فأنكرهما وأقام كل واحد منهما بينة بدعواه تعارضتا وأقر الشئ في يد من هو في يده، وإن كانت الدار في يد خامس لا يدعيها ولا بينة لواحد منهم بما ادعاه فالثلث لمدعي الكل لأن أحداً لا ينازعه فيه ويقرع بينهم في الباقي، فإن خرجت القرعة لصاحب الكل أو مدعي الثلثين أخذه وإن وقعت لمدعي النصف أخذه وأقرع بين الباقين في الباقي فإن وقعت لصاحب الثلث أخذه وأقرع بين الثلاثة في الثلث الباقي وهذا قول أبي عبيد والشافعي إذ كان بالعراق إلا أنهم عبروا عنه بعبارة أخرى فقالوا لمدعي الكل الثلث ويقرع بينه وبين مدعي النصف في السدس الزائد عن الثلث ثم يقرع بين الأربعة في الثلث الباقي ويكون الاقرار في ثلاثة مواضع، على الرواية الأخرى الثلث لمدعي الكل ويقسم السدس الزائد عن النصف بينه وبين مدعي الثلثين ثم يقسم السدس الزائد عن الثلث بينهما وبين مدعي النصف أثلاثاً ثم يقسم الثلث الباقي بين الأربعة أرباعاً وتصح المسألة من

ستة وثلاثين سهماً لصاحب الكل ثلئها اثنا عشر ونصف السدس الزائد عن النصف ثلاثة وثلث السدس الزائد عن الثلث سهمان وربع الثلث الباقي ثلاثة فيحصل له عشرون سهماً وذلك خمسة أتساع الدار، ولمدعي الثلثين ثمانية أسهم تسعان وهي مثل ما لمدعي الكل بعد الثلث الذي انفرد به ولمدعي النصف خمسة أسهم تسع وربع تسع، ولمدعي الثلث ثلاثة نصف سدس وعلى قول من قسمها على العول من خمسة عشر لصاحب الكل ستة ولصاحب الثلثين أربعة ولصاحب الثلث سهمان ولصاحب النصف ثلاثة وعلى قول أبي ثور لصاحب الكل الثلث ويوقف الباقي (مسألة) (وإن تنازع الزوجان أو ورثتهما في قماش البيت فما كان يصلح للرجال فهو للرجل وما كان يصلح للنساء فهو للمرأة وما كان يصلح لهما فهو بينهما) إذا اختلف الزوجان في قماش البيت أو في بعضه فقال كل واحد منهما جميعه لي أو قال كل واحد منهما هذه العين لي وكانت لأحدهما بينة ثبت له بلا خلاف، وإن لم تكن لواحد منهما بينة فالمنصوص عن أحمد أن ما يصلح للرجال من العمائم وقمصانهم وجبابهم والأقبية والطيالسة والسلاح وأشباه ذلك القول فيه قول الرجل مع يمينه وما يصلح للنساء كحليهن وقمصهن ومقانعهن ومغازلهن

مسألة: وإن تنازع الزوجان أو ورثتهما في قماش البيت فما كان يصلح للرجال فهو للرجل، وما كان يصلح للنساء فهو للمرأة، وما كان يصلح لهما فهو بينهما

فالقول قول المرأة مع يمينها وما يصلح لهما كالمفارش والأواني فهو بينهما وسواء كان في أيديهما من طريق الحكم أو من طريق المشاهدة وسواء اختلفوا في حال الزوجية أو بعد البينونة وسواء اختلفا أو اختلف ورثتهما أو أحدهما وورثة الآخر قال أحمد في رواية الجماعة منهم يعقوب بن بختان في الرجل يطلق زوجته أو يموت فتدعي المرأة المتاع: فما كان يصلح للرجال فهو للرجل وما كان من متاع النساء فهو للنساء وما استقام أن يكون للرجال وللنساء فهو بينهما، فإن كان المتاع على يدي غيرهما فمن أقام البينة دفع إليه وإن لم تكن لهما بينة أقرع بينهما فمن كانت له القرعة حلف وأعطي المتاع وقال في رواية مهنا وكذلك إن اختلفا وأحدهما مملوك وبهذا قال الثوري وابن أبي ليلى لأن أيديهما جميعاً على قماش البيت بدليل ما لو نازعهما فيه أجنبي كان القول قولهما وقد يرجح أحدهما على صاحبه يداً وتصرفاً فيجب تقديمه كما لو تنازعا دابة أحدهما راكبها والآخر آخذ بزمامهما أو قميصاً أحدهما لابسه والآخر آخذ بكمه أو جداراً متصلاً بجداريهما معقوداً ببناء أحدهما (مسألة) (وإن اختلف صانعان في قماش دكان لهما حكم بآلة كل صناعة لصاحبها في ظاهر كلام أحمد والخرقي) لما ذكرنا فيما إذا اختلف الزوجان في قماش البيت فألة العطار له وآلة النجارين للنجار فإن لم يكونا في دكان واحد ولكن اختلفا في عين لم يرجح أحدهما بصلاحية العين المختلف له فيها كما يذكر في مسألة الزوجين بعد وقال القاضي هذا إنما هو إذا كانت أيديهما عليه من طريق

مسألة: وإن اختلف صانعان في قماش دكان لهما حكم بآلة كل صناعة لصاحبها في ظاهر كلام أحمد والخرقي

الحكم أما ما كان في يد أحدهما من طريق المشاهدة فهو له مع يمينه، وإن كان في أيديهما قسم بينهما نصفين سواء كان يصلح لهما أو لأحدهما وهذا قول أبي حنيفة ومحمد بن الحسن إلا أنهما قالا ما يصلح لهما ويدهما عليه من طريق الحكم فالقول فيه قول الرجل مع يمينه، وإذا اختلف أحدهما وورثة الآخر فالقول قول الباقي، لان اليد المشاهدة أقوى من اليد الحكمية بدليل ما لو تنازع الخياط وصاحب الدار في الإبرة والمقص كانت للخياط وقال أبو يوسف القول قول المرأة فيما جرت العادة أنه قدر جهاز مثلها وقال مالك ما صلح لكل واحد منهما فهو له وما صلح لهما كان للرجل سواء كان في أيديهما من طريق المشاهدة أو من طريق الحكم لأن البيت للرجل ويده عليه أقوى لأن عليه السكنى وقال الشافعي وزفر والبتي ما كان في البيت فهو لهما نصفين فيحلف كما واحد منهما على نصفه ويأخذه وروي ذلك عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه لأنهما تساويا في ثبوت يدهما على المدعي وعدم البينة فلم يقدم أحدهما على صاحبه كالذي يصلح لهما أو كما لو كان في يدهما من حيث المشاهدة عند من سلم ذلك ولنا أن يديهما جميعاً على متاع البيت بدليل ما لو نازعهما فيه أجنبي كان القول قولهما وقد يرجح أحدهما على صاحبه يداً وتصرفاً فيجب أن يقدم كما لو تنازعا دابة أحدهما راكبها والآخر آخذ بزمامها أو جداراً متصلاً بداريهما معقوداً ببناء أحدهما أوله أزج ولنا على أبي حنيفة والقاضي أنهما تنازعا فيما في أيديهما أشبه إذا كان في اليد الحكمية، فأما ما كان

يصلح لهما فإنه في أيديهما ولا مزية لأحدهما على صاحبه أشبه إذا كان في أيديهما من جهة المشاهدة والدلالة على أنه ليس للباقي منهما أن وارث الميت قائم مقامه أشبه ما لو جعل أحدهما لنفسه وكيلاً (فصل) فأما إذا لم تكن لأحدهما يد حكمية بل تنازع رجل وامرأة في عين غير قماش بينهما فلا يرجح أحدهما بصلاحية ذلك له بل إن كانت في أيديهما فهي بينهما وإن كانت في يد أحدهما فهي له وإن كانت في يد غيرهما اقترعا عليها فمن خرجت له القرعة فهي له واليمين على من حكمنا له بها في كل المواضع لأنه ليس لهما يد حكمية فأشبها سائر المختلفين (مسألة) (وكل من قلنا هو له فهو له مع يمينه إذا لم تكن بينة) لاحتمال ما ادعاه خصمه (مسألة) (وإن كان لأحدهما بينة حكم له بها) وجملة ذلك أن البينة إذا كانت للمدعي وحده وكانت العين في يد المدعي عليه حكم باليمين للمدعي بغير خلاف ولم يحلف وهو قول أهل الفتيا من أهل الأمصار منهم الزهري والثوري وابو حنيفة ومالك والشافعي وقال شريح وعون بن عبد الله والنخعي والشعبي وابن أبي ليلى يستحلف الرجل مع بينته قال شريح لو أثبت كذا وكذا شهداء عندي ما قضيت لك حتى تحلف ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (البنية على المدعي واليمين على المدعى عليه) ولأن البينة أحد حجتي الدعوى

مسألة: وكل من قلنا هو له فهو له مع يمينه إذا لم تكن بينة لاحتمال ما ادعاه خصمه

فيكتفى بها كاليمين إذا ثبت ذلك فقال أصحابنا لا فرق بين الحاضر والغائب والحي والميت والعاقل والمجنون والصغير والكبير وقال الشافعي إذا كان المشهود عليه لا يعبر عن نفسه أحلف المشهود له لأنه لا يعبر عن نفسه في دعوى القضا والإبراء فيقوم الحاكم مقامه في ذلك لنزول الشبهة قال شيخنا وهذا حسن فإن قيام البينة للمدعي بثبات حقه لا بنفي احتمال القضاء والإبراء بدليل أن المدعي عليه لو ادعاه سمعت دعواه وبينته فإذا كان حاضرا مكلفا فسكوته عن الدعوى دليل على انتفائه فيكتفى بالبينة فإن كان غائباً أو ممن لا قول له بقي احتمال ذلك من غير دليل يدل على انتفائه فتشرع اليمين لنفيه وإن لم تكن للمدعي بينة وكانت للمنكر بينة سمعت بينته ولم يحتج إلى الحلف معها لأنا إن قلنا بتقديمها مع التعارض وأنه لا يحلف معها فمع إفرادها أولى، وإن قلنا بتقديم بينة المدعي عليه فيجب أن يكتفى بها عن اليمين لانها أقوى من اليمين فإذا اكتفي باليمين فيما هو أقوى منها أولى ويحتمل أن تشرع أيضاً لأن البينة ههنا يحتمل أن يكون مستندها اليد والتصرف فلا تفيد إلا ما أفادته اليد والتصرف لا يغني عن اليمين فكذلك ما قام مقامه (مسألة) (وإن كان لكل واحد منهما بينة حكم بها للمدعي في ظاهر المذهب، وعنه إن

مسألة: وإن كان لكل واحد منهما بينة حكم بها للمدعي في ظاهر المذهب، وعنه إن شهدت بينة المدعي عليه أنها له نتجت في ملكه أو قطعية من الإمام قدمت بينته، وإلا فهي للمدعي بينته، وقال القاضي فيهما: إذا لم يكن مع بينة الداخل ترجيح لم يحكم بها رواية واحدة، وق

شهدت بينة المدعي عليه أنها له نتجت في ملكه أو قطيعة من الإمام قدمت بينته وإلا فهي للمدعي ببينته وقال القاضي فيهما إذا لم يكن مع بينة الداخل ترجيح لم يحكم بها رواية واحدة وقال أبو الخطاب فيه رواية أخرى أنها مقدمة بكل حال) وجملة ذلك أن من ادعى عيناً في يده غير فأنكره وأقام كل واحدة منهما بينة حكم بها للمدعي ببينته وتسمى بينة الخارج وبينة المدعي عليه تسمى بينة الداخل وقد اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله فيما إذا تعارضتا فالمشهور عنه تقديم بينة المدعي ولا تسمع بينة المدعي عليه بحال وهذا اختيار الخرقي وهو قول إسحاق وعنه رواية ثانية إن شهدت بينة الداخل بسبب الملك فقالت نتجت في ملكه أو اشتراها أو نسجها أو كانت بينته أقدم تاريخاً قدمت وإلا قدمت بينة المدعي وهو قول أبي حنيفة وأبي ثور في النتاج والنساج فيما لا يتكرر نسجه، وأما ما يتكرر نسجه كالخز والصوف فلا تسمع بينته لأنها إذا شهدت بالسبب فقد افادت مالا تفيده اليد وقد روى جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم اختصم إليه رجلان في دابة أو بعير فقام كل واحد منهما البينة أنه أنتجها فقضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم للذي هي في يده، وذكر أبو الخطاب رواية ثالثة أن بينة المدعي عليه تقدم بكل حال وهو قول شريح والشعبي والحكم والشافعي وأبي عبيد وقال هو قول أهل المدينة وأهل الشام وروي ذلك عن طاوس وأنكر القاضي كون هذا رواية عن أحمد وقال لا تقدم بينة الداخل إذا لم تفد إلا ما أفادته يده رواية واحدة واحتج من ذهب إلى تقديم بينة المدعي عليه بأن جنبته أقوى لأن الأصل معه ويمينه تقدم

على يمين المدعي فإذا تعارضت البيتان وجب إبقاء يده على ما فيها وتقديمه كما لو لم تكن بينة لواحد منهما وحديث جابر يدل على هذا فإنه إنما قدم بينته ليده ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (البينة على المدعي واليمين على المدعي عليه) فجعل جنس البينة من جنبة المدعي فلا يبقى في جنبة المدعي عليه بينة ولأن بينة المدعي أكثر فائدة فوجب تقديمها كتقديم بينة الجرح والتعديل ودليل كثرة فائدتها أنها تثبت شيئاً لم يكن وبينة المنكر إنما تثبت ظاهراً تدل اليد عليه فلم تكن مفيدة ولأن الشهادة بالملك يجوز أن يكون مستندها رؤية اليد والتصرف فإن ذلك جائز عند كثير من أهل العلم فصارت البينة بمنزلة اليد المفردة فقدم عليه بينة المدعي كما تقدم اليد كما ان شاهدي الفرع لما كانا مبنيين على شاهدي الأصل لم تكن لهما مزية عليهما (فصل) وأي البينتين قدمناها لم يحلف صاحبها وقال الشافعي في أحد قوليه يستحلف صاحب اليد لأن البينتين سقطتا بتعارضهما فصارتا كمن لا بينة لهما فيحلف الداخل كما لو لم تكن لواحد منهما بينة ولنا أن إحدى البينتين راجحة فيجب الحكم بها منفردة كما لو تعارض خبران خاص وعام أو أحدهما ارجح بوجه من الوجوه ولا نسلم أن البينة الراجحة تسقط وإنما ترجح ويعمل بها وتسقط المرجوحة (مسألة) (وإن أقام الداخل ببينة أنه اشتراها من الخارج وأقام الخارج بينة أنه اشتراها

مسألة: وإن أقام الداخل ببينة أنه اشتراها من الخارج وأقام بينة أنه اشتراها من الداخل فقال القاضي: تقدم بينة الداخل لأنه الخارج في المعنى، وقيل: تقدم بينة الخارج

من الداخل فقال القاضي تقدم بينة الداخل لأنه الخارج في المعنى وقيل تقدم بينة الخارج) لقول النبي صلى الله عليه وسلم (البينة على المدعي) (فصل) إذا ادعى الخارج أن العين ملكه وأنه أودعها الداخل أو أعاره إياها أو أجرها منه ولم تكن لواحد منهما بينة فالقول قول المنكر مع يمينه لا نعلم فيه خلافاً وإن كان لكل واحد منهما بينة قدمت بينة الخارج وهو قول الشافعي وقال القاضي بينة الداخل مقدمة لأنه هو الخارج في المعنى كالمسألة قبلها لأنه ثبت أن المدعي صاحب اليد فإن يد الداخل نائبة عنه ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه) فتكون البينة للمدعي كما لو لم يدع الإيداع. يحققه أن دعواه الإيداع زيادة في حجته وشهادة البينة بها تقوية لها فلا يجوز أن تكون مبطلة لبينته، وإن ادعى الخارج أن الداخل غصبه اياها وقام بينتين قضي للخارج ويقتضي قول القاضي أنها للداخل والأولى ما ذكرناه (فصل) فان كان في يد رجل جلد شاة مسلوخة ورأسها وسواقطها وباقيها في يد آخر فادعاها كل واحد منهما جميعها ولا بينة لهما ولا لأحدهما فلكل واحد منهما ما في يده مع يمينه وإن أقاما بينتين وقلنا تقدم بينة الداخل فلكل واحد منهما ما في يده من غير يمين وإن كان في يد كل واحد منهما شاة فادعى كل واحد منهما أن الشاة التي في يد صاحبه له ولا بينة لهما حلف كل واحد منهما

لصاحبه وكانت الشاة التي في يده له وإن أقاما بينتين فلكل واحد منهما شاة التي في يد صاصبه ولا تعارض بينهما وإن كان كل واحد قال هذه الشاة التي في يدك لي من نتاج شاتي هذه فالتعارض في النتاج لا في الملك وإن ادعى واحد منهما أن الشاتين له دون صاحبه وأقاما بينتين تعارضتا وانبنى ذلك على القول في بينة الداخل والخارج فمن قدم بينة الخارج جعل لكل واحد منهما ما في يد الآخر ومن قدم بينة الداخل أو قدمها إذا شهدت بالنتاج جعل لكل واحد منهما ما في يده (فصل) إذا ادعى زيد شاة في يد عمرو وأقام بها بينة فحكم له بها حاكم ثم ادعاها عمرو على زيد وأقام بها بينة فإن قلنا بينة الخارج مقدمة لم تسمع بينة عمرو لأن بينة زيد مقدمة عليها وإن قلنا بينة الداخل مقدمة نظرنا في الحكم كيف وقع؟ فإن كان حكم بها لزيد لأن عمراً لا بينة له ردت إلى عمرو لأنه قد قامت له بينة واليد كانت له وإن كان حكم بها لزيد لأنه يرى تقديم بينة الخارج لم ينقض حكمه لأنه حكم بما يسوغ الاجتهاد فيه وإن كانت بينة عمرو قد شهدت له أيضاً وردها الحاكم لفسقها ثم عدلت لم ينقض الحكم أيضاً لأن الفاسق إذا شهد عند الحاكم بشهادة فردها لفسقه ثم أعادها بعد لم تقبل وإن لم يعلم الحكم كيف كان لم ينقض لأنه حكم حاكم الأصل جريانه على الصحة والعدل فلا ينقض بالاحتمال وإن جاء ثالث فادعاها وأقام بها بينة فبينته وبينة زيد متعارضتان ولا

يحتاج زيد إلى إقامة بينة لأنها قد شهدت مرة وهما سواء في الشهادة حال التنازع فلم يحتج إلى إعادتها كالبينة إذا شهدت ووقف الحكم على البحث عن حالها ثم بانت عدالتها فإنها تقبل ويحكم بها من غير إعادة شهادتهما كذا ههنا (فصل) وإذا كان في يد رجل شاة فادعاها رجل أنها له منذ سنة وأقام بذلك بينة وادعى الذي هي في يده أنها في يديه منذ سنتين وأقام بذلك بينة فهي للمدعي بغير خلاف لأن بينته تشهد له بالملك وبينة الداخل تشهد باليد خاصة فلا تعارض بينهما لإمكان الجمع بينهما بأن تكون اليد عن غير ملك فكانت بينة الملك أولى وإن شهدت بينته بأنها ملكه منذ سنتين فقد تعارض ترجيحان تقديم التاريخ من بينة الداخل وكون الأخرى بينة الخارج ففيه روايتان (إحداهما) تقدم بينة الخارج وهو قول أبي يوسف ومحمد وأبي ثور ويقتضيه عموم كلام الخرقي لقوله عليه الصلاة والسلام (البينة على المدعي) ولأن بينة الداخل يجوز أن يكون مستندها اليد فلا تفيد أكثر مما تفيده اليد فاشبهت الصورة الأولى (والثانية) تقدم بينة الداخل وهو قول أبي حنيفة والشافعي لأنها تضمنت زيادة وإن كانت بالعكس فشهدت بينة الداخل أنه يملكها منذ سنة وشهدت بينة الخارج أنه يملكها منذ سنتين قدمت بينة الخارج إلا على الرواية التي تقدم فيها بينة الداخل فيخرج فيها وجهان بناء على الروايتين في التي قبلها وظاهر مذهب الشافعي تقديم بينة الداخل على كل حال وقال بعضهم فيها

قولان فإن ادعى الخارج أنها ملكه منذ سنة وادعى الداخل أنه اشتراها منه منذ سنتين وأقام كل واحد منهما بينة قدمت بينة الداخل ذكره القاضي وهو قول أبي ثور فإن اتفق تاريخ البينتين إلا أن بينة الداخل تشهد بنتاج أو شراء أو غنيمة أو إرث أو هبة من مالك أو قطيعة من الإمام أو سبب من أسباب الملك ففي أيهما يقدم روايتان ذكرناهما فإن ادعى أنه اشتراها من الآخر قضي له بها لأن بينة الابتياع شهدت بأمر حادث خفي على البينة الآخرى فقدمت عليها كما تقدم بينة الجرح على التعديل (فصل) قال رحمه الله (القسم الثاني أن تكون العين في يديهما فيتحالفان وتقسم بينهما) وجملة ذلك أنه إذا تنازع نفسان في عين في أيديهما فادعى كل واحد منهما أنها له دون صاحبه ولم تكن لهما بينة حلف كل واحد منهما لصاحبه وجعلت بينهما نصفين لا نعلم في هذا خلافاً لأن يد كل واحد منهما على نصفها والقول قول صاحب اليد مع يمينه وإن نكلا جميعاً عن اليمين فكذلك لأن كل واحد منهما يستحق ما في يد الآخر بنكوله، وإن نكل أحدهما وحلف الآخر قضي له بجميعها لأنه يستحق ما في يده بيمينه وما في يد الآخر بنكوله أو بيمينه التي ردت عليه بنكول صاحبه، وإن كان لأحدهما بينة دون الأخر حكم له بها بغير خلاف علمناه لأنه يرجح بالبينة (مسألة) (وإن تنازعا مسناة بين نهر أحدهما وأرض الآخر تحالفا وهي بينهما) لأنها حاجز بين ملكيهما فكانت يدهما عليه كما لو تنازعا حائطاً بين داريهما وفي كل موضع قلنا

مسألة: وإن تنازعا صبيا في يديهما فكذلك

هو بينهما نصفين إنما يحلف كل واحد منهما على النصف الذي يجعله له دون ما لا يحصل له (مسألة) (وإن تنازعا صبياً في يديهما فكذلك) لأن يديهما عليه واليد دليل الملك والطفل لا يعبر عن نفسه فهو كالبهيمة والمتاع إلا أن يعترف أن سبب يده غير الملك مثل أن يلتقطه فلا تقبل دعواه لرقه لأن اللقيط محكوم بحريته فأما غيره فقد وجد فيه دليل الملك من غير معارض فيحكم برقه فعلى هذا إذا بلغ فادعى الحرية لم تسمع دعواه لأنه محكوم برقه قبل دعواه فأما إن كان مميزاً فقال إني حر منعا منه إلا أن تقوم بينة برقه لأن الظاهر الحرية وهي الأصل في بني آدم والرق طارئ عليها فإن كان له بينة قدمت البينة لأنها تقدم على الأصل لأنها تشهد بزيادة ويحتمل أن يكون كالطفل فيكون بينهما لأنه غير مكلف أشبه الطفل والأول أولى لأن المميز يصح تصرفه بالوصية ويلزم بالصلاة أشبه البالغ ولأنه يعرب عن نفسه في دعوى الحرية أشبه البالغ فأما البالغ إذا ادعى رقه فأنكر لم يثبت رقه إلا ببينة وإن لم تكن له بينة فالقول قوله مع يمينه في الحرية لأنها الأصل وهذا مذهب الشافعي وأبي ثور وأصحاب الرأي فإن ادعى رقه اثنان فأقر لهما بالرق ثبت رقه فإن ادعاه كل واحد منهما لنفسه فاعترف لأحدهما فهو لمن اعترف له وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة يكون بينهما نصفين لأن يدهما عليه فأشبه الطفل والثوب ولنا أنه إنما ثبت رقه باعترافه فكان مملوكاً لمن اعترف له كما لو لم تكن يده عليه ويخالف الثوب

والطفل فإن الملك حصل فيهما باليد وقد تساويا فيها وههنا حصل بالاعتراف وقد اختص به أحدهما فكان مختصاً به فإن أقام كل واحد بينة أنه مملوكه تعارضتا وسقطتا ويقرع بينهما أو يقسم بينهما على ما مر من التفصيل فإن قلنا بسقوطهما ولم يعترف لهما بالرق فهو حر وإن اعترف لأحدهما فهو لمن اعترف له وإن أقر لهما معاً فهو بينهما لأن البينتين سقطتا فصارتا كالمعدومتين وإن قلنا بالقرعة أو بالقسمة فأنكرهما لم يلتفت إلى إنكاره فإن اعترف لأحدهما لم يلتفت إلى اعترافه لأن رقه ثابت بالبينة فلم يبق له يد على نفسه كما قلنا فيما إذا ادعى رجلان داراً في يد ثالث وأقام كل واحد بينة أنها ملكه واعترف أنها ليست له ثم أقر أنها ليست له ثم أقر أنها لأحدهما لم يرجح بإقراره (مسألة) (وإن كان لأحدهما بينة حكم له بها لأنه ترجح بالبينة وإن كان لكل واحد منهما بينة قدم أسبقهما تاريخاً فإن وقتت إحداهما وأطلقت الأخرى فهما سواء ويحتمل تقديم المطلقة) أما إذا أقام كل واحد منهما بينة وتساوتا تعارضتا وقسمت العين بينهما نصفين وبهذا قال الشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي لما روى أبو موسى أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعير فأقام كل واحد منهما شاهدين فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبعير بينهما نصفين رواه أبو داود ولأن كل واحد منهما داخل في نصف العين خارج في نصفها فتقدم بينة كل واحد منهما

مسألة: وإن كان لأحدهما بينة حكم له بها لأنه ترجح بالبينة، وإن كان لكل واحد منهما بينة قدم أسبقهما تاريخا، فإن وقتت إحدهما وأطلقت الأخرى فهما سواء ويحتمل تقديم المطلقة

فيما في يده عند من يقدم بينة الداخل وفيما في يد صاحبه عند من يقدم بينة الخارج فيستويان على كل واحد من القولين. (مسألة) (وإن كانت إحداهما متقدمة التاريخ وحكم بها له مثل أن تشهد إحداهما أنها له منذ سنة وتشهد الأخرى أنها للآخر منذ سنتين فيقدم أسبقهما تاريخاً) قال القاضي هو قياس المذهب وهو قول أبي حنيفة وأحد قولي الشافعي لأن المتقدمة التاريخ أثبتت الملك له في وقت لم تعارضه فيه البينة الأخرى فيثبت الملك فيه ولهذا له المطالبة بالنماء في ذلك الزمان وتعارضت البينتان في الملك في الحال فسقطتا وبقي ملك السابق تحت استدامته وأن لا يثبت لغيره ملك إلا من جهته وظاهر كلام الخرقي التسوية بينهما وهو أحد قولي الشافعي ووجهه أن الشاهد بالملك الحادث أحق بالترجيح لجواز أن يعلم به دون الأول بدليل أنه لو ذكر أنه اشتراه من الآخر أو وهبه إياه لقدمت بينته اتفاقاً فإذا لم يرجح بها فلا أقل من التساوي وقولهم إنه يثبت الملك في الزمان الماضي من غير معارضة قلنا إنما يثبت تبعاً لثبوته في الحال ولو انفرد بأن يدعي الملك في الماضي لم تسمع دعواه ولا بينته (مسألة) (فإن وقتت إحداهما وأطلقت الأخرى فهما سواء) ذكره القاضي ويحتمل أن يحكم به لمن يوقت قاله أبو الخطاب وهو قول أبي يوسف ومحمد

مسألة: وإن كانت إحداهما متقدمة التاريخ وحكم بها له مثل أن تشهد إحداهما أنها له منذ سنة، وتشهد الأخرى أنها للآخر منذ سنتين فيقدم أسبقهما تاريخا

ولنا أنه ليس في إحداهما ما يقتضي الترجيح من تقدم الملك ولا غيره فوجب استواؤهما كما لو أطلقا أو استوى تاريخهما (مسألة) (وإن شهدت إحداهما بالملك والأخرى بالملك والنتاج أو سبب من أسباب الملك فهل يرجح بذلك؟ على وجهين) (إحداهما) لا يرجح به وهو اختيار الخرقي لأنهما تساوتا فيما يرجع إلى المختلف فيه وهو ملك العين الآن فوجب تساويهما في الحكم (والثاني) تقدم بينة النتاج وما في معناه وهو مذهب أبي حنيفة لأنها تتضمن زيادة علم وهو معرفة السبب والأخرى خفي عليها ذلك فيحتمل أن تكون شهادتها مستندة إلى مجرد اليد والتصرف فتقدم الأولى عليها كتقديم بينة الجرح على التعديل، وهذا قول القاضي فيما إذا كانت العين في يد غيرهما. (مسألة) ولا تقدم إحداهما بكثرة العدد ولا اشتهار العدالة ولا الرجلان على الرجل وامرأتين ويقدم الشاهدان على الشاهد واليمين في أحد الوجهين) لا ترجح إحدى البينتين بكثرة العدد واشتهار العدالة وهو قول أبي حنيفة والشافعي ويتخرج أن يرجح بذلك مأخوذاً من قول الخرقي ويقدم الأعمى أوثقهما في نفسه وهذا قول مالك لأن أحد الخبرين يرجح بذلك فكذلك الشهادة ولأنها خبر ولأن الشهادة إنما اعتبرت لغلبة الظن بالمشهود به

مسألة: ولا تقدم إحداهما بكثرة العدد ولا اشتهار العدالة ولا الرجلان على الرجل والمرأتين، ويقدم الشهادان على الشاهد واليمين في أحد الوجهين

وإذا كثر العدد أو قويت العدالة كان الظن أقوى وقال الأوزاعي تقسم على عدد الشهود فإذا شهد لأحدهما شاهدان وللآخر أربعة قسمت العين بينهما أثلاثاً لأن الشهادة سبب الاستحقاق فتوزع الحق عليها ولنا أن الشهادة مقدرة بالشرع فلا تختلف بالزيادة كالدية بخلاف الخبر فإنه مجتهد في قبول خبر الواحد دون العدد فرجح بالزيادة والشهادة متفق فيها على خبر الاثنين فصار الحكم متعلقا بهما دون اعتبار الظن ألا ترى أنه لو شهد النساء منفردات لا تقبل شهادتهن وإن كثرن حتى صار الظن بشهادتهن أغلب من شهادة الذكرين؟ وعلى هذا لا ترجح شهادة الرجلين على شهادة الرجل والمرأتين في المال لأن كل واحدة من البينتين حجة في المال فإذا اجتمعتا تعارضتا فأما إن كان لأحدهما شاهدان وللآخر شاهد فبذل يمينه معه ففيه وجهان: (أحدهما) يتعارضان لأن كل واحد منهما حجة بمفرده فأشبه الرجلين مع الرجل والمرأتين (والثاني) يقدم الشاهدان لأنهما حجة متفق عليها والشاهد واليمين مختلف فيهما ولأن اليمين قوله لنفسه والبينة الكاملة شهادة الأجنبيين فوجب تقديمها كتقديمها على يمين المنكر وهذا الوجه أصح إن شاء الله تعالى وللشافعي قولان كالوجهين (مسألة) وإن تساوتا تعارضتا وقسمت العين بينهما بغير يمين وعنه أنهما يتحالفان كمن لا بينة لهما وعنه أنه يقرع بينهما فمن قرع صاحبه حلف وأخذها)

مسألة: وإن تساوتا تعارضتا وقسمت العين بينهما بغير يمين، وعنه أنهما يتحالفان كمن لا بينة لهما، وعنه أنه يقرع بينهما فمن قرع صاحبه حلف وأخذها

وجملة ذلك أن البينتين إذا تساوتا تعارضتا وقسمت العين نصفين لما ذكرنا من حديث أبي موسى وما ذكرناه من المعنى. وإختلفت الرواية هل يحلف كل واحد منهما على النصف المحكوم له به أو يكون له من غير يمين؟ روي أنه يحلف وهو الذي ذكره الخرقي لأن البينتين لما تعارضتا من غير ترجيح وجب إسقاطهما كالخبرين إذا تعارضا وتساويا وإذا سقطا صار المختلفان كمن لا بينة لهما ويحلف كل واحد منهما على النصف المحكوم له به وهذا أحد قولي الشافعي بناء على أن اليمين تجب على الداخل مع بينته ويحلف معها والرواية الأخرى: تقسم بينهما العين من غير يمين وهو قول مالك وأبي حنيفة والقول الثاني للشافعي وهو أصح إن شاء الله للخبر والمعنى الذي ذكرناه ولا يصح قياس هاتين البينتين على الخبرين المتساوييين لأن كل بينة راجحة في نصف العين على كل واحد من القولين وقد ذكرنا أن البينة يحكم بها من غير يمين وفيه رواية أخرى أنه يقرع بينهما فمن خرجت له القرعة حلف أنها له لا حق للآخر فيها وكانت العين له كما لو كانت في يد غيرهما ذكر هذه الرواية أبو الخطاب والأولى أصح إن شاء الله تعالى للخبر والمعنى. (مسألة) (وإن ادعى أحدهما أنه اشتراها من زيد لم تسمع البينة على ذلك حتى تقول وهو ملكه وتشهد البينة به)

مسألة: وإن ادعى أحدهما أنه اشتراهما من زيد لم تسمع البينة على ذلك حتى تقول: وهي ملكه، وتشهد البينة به

وجملة ذلك أنه متى كان في يد رجل عين فادعى آخر أنه اشتراها من زيد وهي ملكه وأقام بذلك بينة حكم له بها لأنه ابتاعها من مالكها وكذا إن شهدت أنه باعه إياها وسلمها إليه حكم له بها لأنه لم يسلمها إليه إلا وهي في يده وإن لم يذكر إلا التسليم لم يحكم بها لأنه يمكن أن يبيعه مالا يملكه فلا يزال صاحب اليد فإن ادعى أحدهما أنه اشتراها من زيد وهي ملكه وادعى الآخر أنه اشتراها من عمرو وهي ملكه وأقاما بذلك بينتين تعارضتا فإن كانت في يد أحدهما انبنى ذلك على الروايتين في تقديم بينة الخارج والداخل فإن كانت في أيديهما قسمت بينهما لأن بينة كل واحد منهما داخلة في أحد النصفين خارجة عن النصف الآخر وإن كانت في يد أحد البائعين فأنكرهما وادعاها لنفسه فإن قلنا تسقط البينتان حلف وكانت له وإن أقر بها لأحدهما صار الداخل إلا أن يقر بعد أن يحلف أنها له وإن قلنا يقدم أحدهما بالقرعة فهي لمن تخرج له القرعة مع يمينه وإن قلنا تقسم بينهما قسمت ورجع كل أحد منهما بنصف ثمنها فإن كان المبيع مما يدخل في ضمان المشتري بنفس العقد أو كان المشتري مقراً بقبضه فلا خيار لو حد منهما ولا الرجوع بشئ من الثمن لاعترافه بسقوط الضمان على البائع وإن كان من

مسألة: وإن أقام أحدهما بينة أنها ملكه وأقام الآخر بينة أنه اشتراها أو أعتقه قدمت بينة الثاني

المكيل والموزون ولم يقبض فلكل واحد منهما الخيار في الفسخ والإمضاء فإن اختار أحدهما الفسخ لم يتوفر المبيع على الآخر لأن البائع اثنان والله أعلم (مسألة) (وإن أقام أحدهما بينة أنها ملكه وأقام الآخر بينة أنه اشتراها أو أعتقه قدمت بينة الثاني) لأنها تشهد بأمر حادث على الملك خفي على بينة الملك ولا تعارض بينهما فيثبت الملك للأول والشراء منه للثاني. (مسألة) (وإن أقام رجل بينة أن هذه الدار لأبي خلفها تركة وأقامت امرأته بينة أن أباه أصدقها إياها فهي للمرأة) لما ذكرنا (فصل) قال رضي الله عنه (القسم الثالث تداعيا عينا في يد غيرهما فان يقرع بينهما، فمن خرجت له القرعة حلف أنها له وأخذها) وجملة ذلك أن الرجلين إذا تداعيا عيناً في يد غيرهما ولا بينة لهما فأنكرهما فالقول قوله مع يمينه بغير خلاف، وإن اعترف أنه لا يملكها وقال لا أعرف صاحبها أو قال هي لأحدكما لا أعرفه عيناً اقرع بينهما فمن قرع صاحبه حلف أنها له وسلمت إليه لما روى أبو هريرة أن رجلين تداعيا عينا لم تكن لواحد منهما بينة فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يستهما على اليمين أحبا أم كرها رواه أبو داود، ولأنهما تساويا في الدعوى ولا بينة لواحد منهما ولايد والقرعة تميز عند التساوي كما لو أعتق عبيدا الا مال له غيرهم في مرض موته

مسألة: وإن كانت لكل واحد منهما بينة ففيه روايتان ذكرهما أبو الخطاب

(مسألة) (فإن كان المدعى عبداً فأقر لأحدهما لم يرجح باقراره) لأنه محجور عليه أشبه الطفل فإن كانت لأحدهما بينة حكم له بها بغير خلاف نعلمه (مسألة) (وإن كانت لكل واحد منهما بينة ففيه روايتان ذكرهما أبو الخطاب) (إحداهما) تسقط البينتان ويقترع لتداعيان على اليمين كما لو لم تكن بينة هذا الذي ذكره القاضي وهو ظاهر كلام الخرقي لأنه ذكر القرعة ولم يفرق بين أن تكون معها بينة أو لم تكن روي هذا عن ابن عمر وابن الزبير وبه قال إسحاق وأبو عيبد وهو رواية عن مالك وقديم قولي الشافعي لما روى ابن المسيب أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأة وجاء كل واحد منهما بشهود عدول على عدة واحدة فأسهم النبي صلى الله عليه وسلم بينهما رواه الشافعي في مسنده ولأن البينتين حجتان تعارضتا من غير ترجيح لإحداهما على الأخرى فسقطتا كالخبرين (والرواية الثانية) تستعمل البينتان وفي كيفية استعمالهما روايتان (إحداهما) تقسم العين بينهما وهو قول الحارث العكلي وقتادة وابن شبرمة وحماد وأبي حنيفة وقول للشافعي لما ذكرنا من حديث أبي موسى ولأنهما تساويا في دعواه فتساويا في قسمته (والرواية الثانية) تقدم إحداهما وهو قول للشافعي وله قول رابع يوقف الأمر حتى يتبين وهو قول أبي ثور لأنه اشتبه الأمر فوجب التوقف كالحاكم إذا لم يتضح الحكم له في قضية

ولنا خبر أبي موسى وخبر ابن المسيب ولأن تعارض الحجتين لا يوجب التوقف كالخبرين بل إذا تعذر الترجيح أسقطناهما ورجعنا إلى دليل غيرهما إذا ثبت هذا. فأما إذا أسقطنا البينتين أقرعنا بينهما فمن خرجت له القرعة حلف وأخذها كما لو لم تكن لهما بينة، وإن قلنا يعمل بالبينتين ويقرع بينهما فمن خرجت له القرعة أخذها من غير يمين وهذا قول الشافعي لأن البينة تغني عن اليمين، وقال أبو الخطاب عليه اليمين مع بينته ترجيحاً لها وعلى هذا القول تكون هذه الرواية كالأولى وإنما يظهر اختلاف الحكم في شئ آخر سنذكره إن شاء الله تعالى (فصل) وإن أنكرهما من العين في يده وكانت لأحدهما بينة حكم له بها وإن أقام كل واحد منهما بينة فإن قلنا تستعمل البينتان أخذت العين من يده وقسمت بينهما على قول من يرى القسمة وتدفع إلى من تخرج له القرعة عند من يرى ذلك، وإن قلنا تسقط البينتان حلف صاحب اليد وأقرت في يده كما لو لم تكن لهما بينة (مسألة) (وإن أقر صاحب اليد لأحدهما لم يرجح بإقراره إذا قلنا لا تسقط البينتان) لأنه قد ثبت زوال ملكه فصار كالأجنبي وإن قلنا بسقوطهما فأقر بها لهما أو لأحدهما قبل إقراره، فأما إن أقر بها في الابتداء لأحدهما صار المقر له صاحب اليد لأن من هي في يده مقر بأن يده نائبة عن يده، وإن أقر لهما جميعاً فاليد لكل واحد منهما في الجزء الذي أقر له به لذلك

مسألة: وإن أقر صاحب اليد لأحدهما لم يرجح بإقراره إذا قلنا لا تسقط البينتان

(مسألة) (وإن ادعاها صاحب اليد لنفسه وقلنا يسقوط البينتين حلف لكل واحد منهما وهي له وهو قول القاضي) لأنه صاحب اليد وهو منكر فلزمته اليمين لقول النبي صلى الله عليه وسلم (اليمين على من أنكر) وقال أبو بكر بل يقرع بين المدعبين فتكون لمن تخرج له القرعة وهذا ينبني على أن البينتين إذا تعارضتا لا يسقطان فرجحت إحدى البينتين بالقرعة كما لو أقر صاحب اليد أنها لاحدهما لا يسلمه بعينه (فصل) إذا تداعيا عيناً في يد غيرهما فقال هي لأحدكما لاعرفه عيناً أو قال لا أعرف صاحبها أو هو أحدكما أو غيركما أو قال أودعنيها أحدكما أو رجل لا أعرفه عيناً فادعى كل واحد منهما أنك تعلم أني صاحبها أو أني أنا الذي أودعتكها وطلب يمينه لزمه أن يحلف له لأنه لو أقر له لزمه تسليمها إليه ومن لزمه الحق مع الإقرار لزمته اليمين مع الإنكار ويحلف على ما ادعاه من نفي العلم وإن صدقاه فلا يمين عليه، وإن صدقه أحدهما حلف الآخر وإن أقر بها لأحدهما أو لغيرهما صار المقر له صاحب اليد فإن قال غير المقر له احلف لي ان العين ليست ملكي أو أني لست الذي أودعكها لزمته اليمين على ما ادعاه من ذلك لما ذكرنا وإن نكل عن اليمين قضي عليه بقيمتها وإن اعترف لهما كان الحكم فيها كما لو كانت في أيديهما ابتداءا وعليه اليمين لكل واحد منهما في النصف المحكوم به لصاحبه وعلى كل واحد منهما اليمين لصاحبه في الصنف المحكوم له به. (فصل) إذا كان في يد رجل دار فادعاها نفسان فقال أحدهما أجرتكها وقال الآخر هي داري

اعرتكها أو قال هي داري ورثتها من أبي أو قال هي داري ولم يذكر شيئاً آخر فأنكرهما صاحب اليد فالقول قوله مع يمينه، وإن كان لأحدهما بينة حكم له بها فإن أقام كل واحد منهما بينة بما ادعاه تعارضتا وكان الحكم على ما ذكرنا فيما مضى إلا على الرواية التي تقدم فيها البينة الشاهدة بالسبب فإن بينة من ادعى أنه ورثها مقدمة لشهادتها بالسبب، وإن أقام أحدهما بينة أنه غصبه إياها وأقام الآخر بينة أنه أقر له بها فهي للمغصوب منه ولا تعارض بينهما لأن الجمع بينهما ممكن بأن يكون غصبها من هذا وأقر بها لغيره وإقرار الغاصب باطل وهذا مذهب الشافعي فتدفع إلى المغصوب منه (فصل) نقل ابن منصور عن أحمد في رجل أخذ من رجلين ثوبين أحدهما بعشرة والآخر بعشرين ثم لم يدر أيهما ثوب هذا من هذا فادعى أحدهما ثوباً من هذين الثوبين وادعاه الآخر يقرع بينهما فأيهما أصابته الفرعة حلف وأخذ الثوب الجديد والآخر للآخر وإنما قال ذلك لأنهما تنازعا عيناً في يد غيرهما. (فصل) إذا تداعيا عيناً فقال كل واحد منهما هذه العين لي استدنتها من زيد بمائة ونقدته إياها ولا بينة لواحد منهما فإن أنكرهما زيد فهي له مع يمينه وإن أقر بها لأحدهما سلمها إليه وحلف للآخر وإن أقر لكل واحد منهما بنصفها سلمت إليهما وحلف لكل واحد منهما على نصفها وإن قال لا أعلم لمن هي أقرع بينهما فمن خرجت له القرعة حلف وأخذها وإن حلف البائع له ثم أقربها لأحدهما سلمت إليه وإن أقربها للآخر

لزمته غرامتها وإن أقام كل واحد منهما بينة بما ادعاه وكانتا مؤرختين بتاريخين مختلفين مثل أن يدعي أحدهما أنه اشتراها في المحرم وادعى الآخر أنه اشتراها في صفر وشهدت بينة كل واحد منهما للآخر بدعواه فهي للأول لتقدم بينته بأنه باعها منه أولاً وزال ملكه عنها فيكون بيع الثاني باطلاً لكونه باع ما لا يملكه ويطالب برد الثمن وإن اتفق تاريخهما أو كانتا مطلقتين أو أحدهما مطلقة والأخرى مؤرخة تعارضتا لتعذر الجمع فينظر في العين فإن كانت في يد أحدهما انبنى ذلك على بينة الداخل والخارج فمن قدم بينة الداخل جعلها لمن هي في يده ومن قدم بينة الخارج جعلها له وإن كانت في يد البائع وقلنا تسقط البينتان رجع إلى البائع فإن أنكرهما حلف لهما وكانت له وإن أقر لأحدهما سلمت إليه وحلف للآخر وإن أقر لهما فهي بينهما ويحلف لكل واحد منهما على نصفها كما لو لم يكن لهما بينة وإن قلنا لا تسقط البينتان لم يلتفت إلى إنكاره ولا اعترافه وهذا قول القاضي وأكثر أصحاب الشافعي لأنه قد ثبت زوال ملكه وإن يده لا حكم لها فلا حكم لقوله فمن قال يقرع بينهما أقرع بينهما فمن خرجت له القرعة فهي له مع يمينه وهذا قول القاضي لم يذكر غيره وقال أبو الخطاب يقسم بينهما وقد نص عليه أحمد في رواية الكوسج في رجل أقام بينة أنه اشترى سلعة بمائة وأقام الآخر بينة أنه اشتراها بمائتين فكل واحد منهما يستحق نصف السلعة بنصف الثمن ويكونان شريكين وحمل القاضي هذه الرواية على أن العين في أيديهما أو على أن البائع أقر لهما

جميعا واطلاق والرواية يدل على صحة قول أبي الخطاب فعلى هذا إن كان البيع مما لا يدخل في ضمان المشتري إلا بقبضه فلكل واحد منهما الخيار لأن الصفقة تبعضت عليه فإن اختار الامساك رجع كل واحد منهما بنصف الثمن وإن اختار الفسخ رجع كل واحد منهما بجميع الثمن وإن اختار أحدهما الفسخ توفرت السلعة كلها على الآخر إلا أن يكون الحاكم قد حكم بنصف السلعة ونصف الثمن فلا يعود النصف الآخر إليه وهذا قول الشافعي في كل موضع (فصل) ولو كان في يد رجل دار فادعى عليه رجلان كل واحد منهما يزعم أنه غصبها منه وأقام بذلك بينة فالحكم فيه كالحكم فيما إذا إدعى كل واحد منهما: إني اشتريتها منه على ما مضى من التفصيل فيه (مسألة) (وإن كان في يد رجل عبد فادعى أنه اشتراه من زيد فادعى العبد أن زيداً أعتقه وأقام كل واحد بينة انبنى على بينة الداخل والخارج فإن كان العبد في يد زيد فالحكم فيه كالحكم فيما إذا ادعيا عينا في يد غيرهما) إذا ادعى رجل عبداً في يد آخر أنه اشتراه منه وادعى العبد أن سيده أعتقه ولا بينة لهما فأنكرهما حلف لهما والعبد له فإن أقر لأحدهما ثبت ما أقر به ويحلف للآخر وإن أقام أحدهما بينة بما ادعاه ثبت وإن أقام كل واحد منهما بينة بدعواه وكانتا مؤرختين بتاريخين

مسألة: وإن كان في يد رجل عبد فادعى أنه أشتراه من زيد فادعى العبد أن زيدا أعتقه وأقام كل واحد بينة انبنى على بينة الداخل والخارج، فإن كان العبد في يد زيد فالحكم فيه كالحكم فيما إذا ادعيا عينا في يد غيرهما

مختلفين قدمنا الأولى وبطلت الأخرى لأنه إن سبق العتق لم يصح البيع وإن سبق البيع لم يصح العتق لأنه اعتق عبد غيره فإن قيل يحتمل أنه عاد إلى ملكه فأعتقه قلنا قد ثبت الملك للمشتري فلا يبطله عتق البائع، وإن كانتا مؤرختين بتاريخ واحد أو مطلقتين أو إحداهما مطلقة تعارضتا لأنه لا ترجيح لإحداهما على الأخرى فان كان في يد المشتري انبنى ذلك على الخلاف في تقديم بينة الداخل والخارج فإن قدمنا بينة الداخل فهو للمشتري وإن قدمنا بينة الخارج قدم العتق لأنه خارج وإن كان في يد البائع وقلنا إن البينتين تسقطان بالتعارض صارا كمن لا بينة لهما فإن أنكرهما حلف لهما وإن أقر بالعتق ثبت ولم يحلف العبد لأنه لو أقر بأنه ما أعتقه لم يلزمه شئ فلا فائدة في إحلافه وإن قلنا ترجح إحدى البينتين بالقرعة قرعنا بينهما فمن خرجت قرعته قدمناه قال أبو بكر هذا قياس قول أبي عبد الله فعلى هذا يحلف من خرجت له القرعة في أحد الوجهين وإن قلنا يقسم قسمنا العبد فجعلنا نصفه مبيعاً ونصفه حراً ويسري العتق إلى جميعه إن كان البائع موسراً لأن البينة عليه أنه أعتقه مختاراً وقد ثبت العتق في نصفه بشهادتهما (مسألة) (وإن كان في يده عبد وادعى عليه رجلان كل واحد منهما أنه اشتراه بثمن سماه فصدقهما لزمه الثمن لكل واحد منهما وإن أنكرهما حلف لهما وبرئ وإن صدق أحدهما لزمه ما ادعاه وحلف للآخر

مسألة: وإن كان في يده عبد وادعى عليه رجلان كل واحد منهما أنه اشتراه بثمن سماه فصدقهما لزمه الثمن لكل واحد منهما، وإن أنكرهما حلف لهما وبريء، وإن صدق أحدهما لزما ما ادعاه وحلف للآخر وإن كان لاحدهما بينة فله الثمن ويحلف للآخر وإن كان لكل واحد منهم بينة

وإن كان لأحدهما بينة فله الثمن ويحلف للآخر وإن كان لكل واحد منهما بينة وأمكن صدقهما لاختلاف تاريخهما أو اطلاقهما أو إطلاق إحداهما وتاريخ الأخرى ععمل بهما وإن اتفق تاريخهما تعارضتا والحكم على ما تقدم وإن كان في يد إنسان عين فادعى عليه رجلان كل واحد منهما أنك اشتريته مني بألف وأقام بذلك بينة واتفق تاريخهما مثل أن يقول اشتراها مني مع الزوال يوم كذا ليوم واحد فهما متعارضتان فإن قلنا يسقطان رجع إلى قول المدعي عليه فإن أنكرهما حلف لهما وبرئ وأن أقر لأحدهما فعليه له الثمن يحلف للآخر وإن أقر لهما فعليه لكل واحد منهما الثمن لأنه يحتمل أن يشتريها من أحدهم ثم يهبها للآخر ويشتريها منه وإن قال اشتريتها منكما صفقة واحدة بألف فقد أقر لكل واحد منهما بنصف الثمن وله أن يحلف على الباقي وإن قلنا يقرع بينهما وجب الثمن لمن تخرج له القرع ويحلف للآخر ويبرأ وإن قلنا يقسم قسم الثمن بينهما ويحلف لكل واحد منهما على الباقي فإن كان التاريخان مختلفين أو كانتا مطلقتين أو إحداهما مطلقة ثبت العقدان ولزمه الثمنان لأنه يمكن أن يشتريها من أحدهما ثم يملكها الآخر فيشتريها منه وإذا أمكن صدق البينتين والجمع بينهما وجب تصديقهما فإن قيل فلم قلتم إن البائع إذا كان واحداً والمشتري اثنان فأقام أحدهما بينة أنه اشتراه في المحرم وأقام الآخر بينة أنه اشتراه في صفر يكون الشراء الثاني باطلاً؟ قلنا إنه إذا ثبت الملك للأول لم يبطله بأن يبيعه للثاني ثانياً

وفي مسئلتنا ثبوت شرائه من كل واحد منها يبطل ملكه لأنه لا يجوز أن يشتري ثانياً ملك نفسه ويجوز أن يبيع البائع ما ليس له فافترقا فإن قيل فإذا كانت البينتان مطلقتين أو إحداهما مطلقة احتمل أن يكون تاريخهما واحداً فيتعارضان والاصل برائة ذمة المشهود عليه فلا تشغل بالشك قلنا متى أمكن صدق البينتين وجب تصديقهما ولم يكن ثم شك وإنما يبقى الوهم والوهم لا تبطل به البينة لأنها لو بطلت به لم يثبت بها حق أصلاً لأنه ما من بينة إلا ويحتمل أن تكون كاذبة أو غير عادلة أو متهمة أو معارضة ولم يلتفت إلى الوهم كذا ههنا (مسألة) (وإن ادعى كل واحد منهما أنه باعني إياه بألف وأقام بنية قدم أسبقهما تاريخاً لما ذكرنا فإن لم تسبق أحدهما تعارضنا (مسألة) (وإن قال أحدهما غصبني إياه وقال الآخر ملكنيه أو أقر لي به فإن أقام كل واحد منهما بينة فهو للمغصوب منه ولا يغرم للآخر شيئاً) لأنه لا تعارض بينهما لجواز أن يكون غصبه من هذا ثم ملكه الآخر والله أعلم (مسألة) (وإذا ادعى رجل زوجية أمرأة فأقرت بذلك قبل إقرارها) لأنها أقرت على نفسها وهي غير متهمة لأنها لو ارادت ابتداء النكاح لم تمنع منه فإن ادعاها اثنان فأقرت لأحدهما لم يقبل إقرارها لأن الآخر يدعي ملك بضعها وهي معترفة أن ذلك قد ملك

مسألة: وإن ادعى كل واحد منهما أنه باعني إياه بألف وأقام بينة قدم أسبقهما تاريخا لما ذكرنا، فإن لم تسبق إحداهما تعارضتا

عليها فصار إقرارها بحق غيرها ولأنها متهمة فإنها لو ارادت ابتداء تزويج احد المتداعيين لم يكن لها ذلك قبل الانفصال من دعوى الآخر فإن قيل فلو تداعيا عيناً في يد ثالث فأقر لأحدهما قبل قلنا لا يثبت الملك بإقراره في العين إنما يجعله كصاحب اليد فيحلف والنكاح ولا يستحق باليمين فلم ينفع الإقرار بها ههنا فإن كان أحد المتداعيين له بينة حكم له بها لأن البينة حجة في النكاح وغيره وإن أقاما بينتين تعارضتا وسقطا وحيل بينهما وبينها ولا يرجح أحد المتداعيين بإقرار المرأة لما ذكرنا ولا بكونها في بيته ويده لأن اليد لا تثبت على حرة ولا سبيل إلى القسمة ههنا ولا إلى القرعة لأنه لابد مع القرعة من اليمين ولا مدخل لها ههنا (باب في تعارض البينتين) إذا قال لعبده متى قتلت فأنت حر فادعى العبد أنه قتل وأنكر لورثة فالقول قولهم لأن الأصل عدم القتل فإن أقام بينة بدعواه عتق وإن أقام الورثة بينة بموته قدمت بينة العبد في أحد الوجهين لأنها تشهد بزيادة وهي القتل (والثاني) يتعارضان لأن إحداهما تشهد بضد ما شهدت به الأخرى فيبقى على الرق

باب في التعارض البينتين

(مسألة) (وإن قال إن مت في المحرم فسالم حر وإن مت في صفر فغانم حر وأقام كل واحد منهما بينة بدعواه بموجب عتقه قدمت بينة سالم في أحد الوجوه) لأن معها زيادة علم فإنها أثبتت ما يجوز أن يختفي على البينة الآخرى (والثاني) يتعارضان ويبقى العبد على الرق لأنهما سقطا فصارا كمن لا بينة لهما (والثالث) يقرع بينهما فيعتق من تقع له القرعة فأما إن لم تقم لواحد منهما بينة وأنكر الورثة فالقول قولهم لأنه يجوز أن يموت في غير هذين الشهرين وإن أقروا لأحدهم عتق بإقرارهم وكذلك إن أقام بينة (مسألة) (وإن قال إن مت من مرضي هذا فسالم حر وإن برئت فغانم حر فأقاما بينتين تعارضتا وبقيا على الرق ذكره أصحابنا والقياس أن يعتق أحدهما بالقرعة ويحتمل أن يعتق غانم وحده لأن بينته تشهد بزيادة) إذا قال إن مت من مرضي هذا فسالم حر وإن برئت فغانم حر فمات وادعى كل واحد منهما موجب عتقه اقرع بينهما فمن خرجت له القرعة عتق لأنه لا يخلو من أن يكون برأ أو لم يبرأ فيعتق أحدهما على كل حال ولم تعلم عينه فيخرج بالقرعة كما لو اعتق احدهما فاشكل علينا ويحتمل أن يقدم قول سالم لأن الأصل عدم البرء وإن أقام كل واحد منهما بينة بموجب عتقه فقال أصحابنا يتعارضان ويبقى العبدان على الرق وهذا مذهب الشافعي لأن كل واحدة منهما تكذب الأخرى وتثبت زيادة

مسألة: وإن قال: إن مت من مرضي هذا فسالم حر، وإن برئت فغانم حر، فأقاما بينتين تعارضتا وبقيا على الرق، ذكره أصحابنا، والقياس أن يعتق أحدهما بالقرعة، ويحتمل أن يعتق غانم وحده لأن بينته تشهد بزيادة

تنفيها الأخرى وهذا قول لا يصح وهو ظاهر الفساد لأن التعارض أثر في أسقاط البينتين ولو لم يكونا أصلاً لعتق أحدهما فكذلك إذا سقطا وذلك لأنه لا يخلو من إحدى الحالتين اللتين علق على كل واحدة منهما عتق أحدهما فيلزم وجوده كما لو قال إن كان هذا الطائر غراباً فسالم حر وإن لم يكن غراباً فغانم حر ولم يعلم حاله ولكن يحتمل وجهين (احدهما) يقرع بينهما كما في مسألة الطائر ولأن البينتين إذا تعارضنا قدمت إحداهما بالقرعة في رواية (والثاني) تقدم بينة غانم لأنها شهدت بزيادة وهي البرء وإن اقر الورثة لأحدهم عتق بإقرارهم ولم يسقط حق الآخر مما ذكرنا إلا أن يشهد عدلان منهم بذلك مع انتفاء التهمة فيعتق وحده إذا لم تكن للآخر بينة (مسألة) (وإن اتلف ثوباً فشهدت بينة أن قيمته عشرون وشهدت أخرى أن قيمته ثلاثون لزمته أقل القيمتين) وجملة ذلك أنه إذا شهد شاهد انه غصبه ثوباً قيمته درهمان وشهد آخر أن قيمته ثلاثة ثبت ما اتفقا عليه وهو درهمان فله أن يحلف مع الآخر على درهم لأنهما اتفقا على درهمين وانفرد أحدهما بدرهم فاشبه ما لو شهد أحدهما بالف والآخر بخمسمائة وإذا شهد شاهدان ان قيمته درهمان وشاهدان ان قيمته ثلاثة ثبت له درهمان وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة له ثلاثة لأنه قد شهد بها شاهدان

مسألة: وإن اتلف ثوبا فشهدت بينة أن قيمته عشرون وشهدت أخرى أن قيمته ثلاثون لزمته أقل القيمتين

وهما حجة فيؤخذ بهما كما يؤخذ بالزيادة في الأخبار وكما لو شهد شاهدان بألف وشاهدان بألفين فإنه يجب له ألفان قال القاضي ويتوجه لنا مثل ذلك كما لو شهد له شاهدان بألف وشاهدان بخمسمائة ولنا أن من شهد أن قيمته درهمان ينفي أن قيمته ثلاثة فقد تعارضت البينتان في الدرهم ويخالف الزيادة في الاخبار فإن من يروي الناقص لا ينفي الزيادة وكذلك من شهد بألف لا ينفي أن عليه ألفاً آخر فإن قيل فلم قلتم أنه إذا شهد بواحدة من القيمتين شاهدان تعارضتا وإن شهد شاهد لم يتعارضا وكان له أن يحلف من الشاهد بالزيادة عليها؟ قلنا لأن الشاهدين حجة وبينة وإذا كملت من الجانبين تعارضت الحجتان لتعذر الجمع بينهما أما الشاهد الواحد فليس بحجة وحده وإنما يصير حجة مع اليمين فإذا حلت مع أحدهما كملت الحجة مع يمينه ولم يعارضها ما ليس بحجة كما لو شهد بأحدهما شاهدان وبالآخر شاهد واحد (مسألة) (ولو ماتت امرأة وابنها فقال زوجها ماتت فورثناها ثم مات ابني فورثته وقال أخوها بل مات ابنها فورثته ثم ماتت فورثناها حلف كل واحد منهما على إبطال دعوى صاحبه وكان ميراث الابن لأبيه وميراث المرأة لأخيها وزوجها نصفين وأن أقام كل واحد منهما بينة بدعواه تعارضتا وسقطتا أيضاً وقياس مسائل الخرقي أن يجعل للأخ سدس مال الابن والباقي للزوج) وجملة ذلك أنه إذا مات جماعة برث بعضهم بعضاً واختلف الأحياء من ورثتهم في السابق

مسألة: ولو ماتت امرأة وابنها فقال زوجها ماتت فورثناها ثم مات ابني فورثته وقال أخوها: بل ما ابنها فورثته ثم ماتت فورثناها، حلف كل واحد منهما على إبطال دعوى صاحبه وكان ميراث الابن لأبيه وميراث المرأة لأخيها وزوجها نصفين وأن أقام كل واحد منهما بينة بدعو

بالموت في المسألة المذكورة فقال الزوج ماتت المرأة أولاً فصار ميراثها كله لي ولأبني ثم مات ابني فصار ميراثه لي وقال أخوها مات ابنها أولاً فورثت ثلث ماله ثم ماتت فكان ميراثها بيني وبينك نصفين حلف كل واحد منهما على إبطال دعوى صاحبه وجعلنا ميراث كل واحد منهما للأحياء من ورثته دون من مات معه لأن سبب استحقاق الحي من موروثه موجود وإنما يمتنع لبقاء موروث الآخر بعده وهذا الأمر مشكوك فيه فلا نزول عن اليقين بالشك فيكون ميراث الابن لأبيه لا مشارك له فيه وميراث المرأة بين أخيها وزوجها نصفين وهذا مذهب الشافعي فإن قيل فقد أعطيتم الزوج النصف وهو لا يدعي إلا الربع قلنا بل هو مدع لجميعه ربعه بميراثها منه وثلاثة أرباعه بميراثه من أبيه قال أبو بكر قد ثبتت البنوة بيقين فلا يقطع ميراث الأب فيه إلا ببينة تقوم للأخ وهذا تعليل لقول الخرقي في هذه المسألة وذكر قولاً آخر يحتمل أن الميراث بينهما نصفين قال شيخنا وهذا ما يدري ما أراد به إن أراد أن مال المرأة بينهما نصفين لم يصح لأنه يفضي إلى إعطاء الأخ ما لا يدعيه ولا يستحقه يقيناً لأنه لا يدعي من مال الابن أكثر من سدسه ولا يمكن أن يستحق أكثر منه وان أراد أن ثلث مال الابن يضم إلى مال المرأة فيقسمانه نصفين لم يصح لأن نصف ذلك إلى الزوج باتفاق منهما لا ينازعه الأخ فيه وإنما النزاع بينهما في نصفه ويحتمل أن يكون هذه مراده كما لو تنازع رجلان داراً في أيديهما فادعاها احدهما كلها وادعى الآخر نصفها فإنها تقسم بينهما نصفين وتكون اليمين على مدعي النصف إلا أن الفرق بين هذه المسألة وتلك أن الدار في أيديهما فكل واحد منهما في يد

نصفها فمدعي النصف يدعيه وهو في يده فقبل قوله فيه مع يمينه وفي مسئلتنا يعترفان أن هذا ميراث عن البنين فلا يد لأحدهما عليه لاعترافهما بأنه لم يكن لهما وإنما هو ميراث يدعيانه من غيرهما وان أراد أن سدس مال الابن يضم إلى نصف مال المرأة فيقسم بينهما نصفين فله وجه لأنهما تساويا في دعواه فيقسم بينهما كما لو تنازعا دابة في أيديهما وعلى كل واحد منهما اليمين فيما حكم له به والذي يقتضيه قول أصحابنا في الغرقى والهدمى أن يكون سدس الابن للأخ وباقي ميراثهما للزوج لأنا نقدر أن المرأة ماتت أولاً فيكون ميراثها لابنها وزوجها ثم مات الابن فورثه أبوه وهو الزوج فصار ميراثها كله لزوجها ثم نقدر أن الابن مات أولاً فورثه أبواه لأمه الثلث ثم ماتت فصار الثلث بين أخيها وزوجها نصفين لكل واحد منهما السدس فلم يرث الأخ إلا سدس مال لابن كما ذكرنا قال شيخنا ولعل هذا القول يختص بمن جهل موتهما واتفق وراثهما على الجهل به والقولان المتقدمان قول الخرقي وقول أبي فيما إذا ادعى ورثة كل ميت ان مات أخيراً وأن الآخر مات قبله فإن كان لأحدهما بينة بما ادعاه حكم له بها وإن أقاما بينتين تعارضتا وهل يسقطان أو يقرع بينهما أو يقسمان ما اختلفا فيه؟ يخرج على الروايات الثلاث. (فصل) قال الشيخ رحمه الله (إذا شهدت بينة على ميت أنه وصى بعتق سالم وهو ثلث ماله وشهدت بينة أخرى أنه وصى بعتق غانم وهو ثلث ماله اقرع بينهما فمن تقع له القرعة عتق دون

صاحبه إلا أن يجيز الورثة لأن الوصيتين ثبتا بشهادة العدول فهما سواء فيقرع بينهما سواء اتفق تاريخهما أو اختلف لأن الوصية يستوي فيها المتقدم والمتأخر فمن خرجت له القرعة عتق جميعه وقال أبو بكر وابن أبي موسى يعتق نصف كل واحد منهما بغير قرعة لأن القرعة إنما تجب إذا كان أحدهما عبداً والآخر حراً ولا كذلك ههنا فيجب أن يقسم بينهما ويدخل النقص على كل واحد منهما بقدر وصيته كما لو أوصى لاثنين بمال والأول قياس المذهب لأن الاعتاق بعد الموت كالإعتاق في مرض الموت وقد ثبت في الاعتاق في مرض الموت أنه يقرع بينهما لحديث عمران بن حصين كذلك بعد الموت ولأن المعنى المقتضي في أحدهما في الحياة موجود بعد الممات فيثبت فلما أن صرح فقال إذا مت فنصف كل واحد من سالم وغانم حر أو كان في لفظه ما يقتضيه أو دلت عليه قرينة ثبت ما اقتضاه وإن أجاز الورثة عتقهما عتقا لأن الحق لهم فأشبه ما لو أعتقوهما بعد موته (مسألة) وإن شهدت بينة سالم أنه رجع عن عتق غانم عتق سالم وحده سواء كانت بينته وارثة أو لم تكن) لأنهما لم يجران بشهادتهما إلى أنفسهما نفعاً ولا يدفعان عنها ضرراً فإن قيل فهما يثبتان لأنفسهما ولاء سالم قلنا وهما يسقطان ولاء غانم أيضاً على أن الولاء إنما هو اثبات سبب الميراث ومثل ذلك لا ترد الشهادة فيه كما يثبت النسب بالشهادة وإن كان الشاهد يجوز أن يرث المشهود له وتقبل شهادته لأخيه بالمال وإن جاز أن يرثه

مسألة: وإن شهدت بينة سالم أنه رجع عن عتق غانم عتق سالم وحده سواء كانت بينته وارثة أو لم تكن

(مسألة) (وإن كانت قيمة غانم سدس المال وبينته أجنبية قبلت) لانها بينة غير متهمة فتقبل شهادتها كما لو كانت قيمته ثلث المال وإن كانت بينته وارثة عتق العبدان لأن البينة الوارثة متهمة في شهادتها لكونها ترد إلى الرق من كثرت قيمته وترد شهادتها في الرجوع كما لو كانت فاسقة ويعتق سالم كله بالبينة العادلة ويعتق غانم لان سالما لما عتق بشهادة الاجنبيين صار كالمغصوب فصار غانم ربع التركة فيعتق جميعه لنقصه عن ثلث الباقي لأن الباقي يصير كأنه التركة جميعها وإنما يعتق بإقرارهم لا بشهادتهم قال أبو بكر، ويحتمل أن يقرع بينهما فإن خرجت القرعة لسالم عتق وحده وإن خرجت لغانم عتق هو ونصف سالم كما لو لم تشهد بالرجوع فإن الشهادة بالرجوع لم تقبل فكان وجودها كعدمها فإنه في هذه الصورة يعتق فيها ثلث المال وتكمل في أحدهما فإذا وقعت القرعة لسالم عتق جميعه لأنه ثلث المال وإن وقعت لغانم عتق جميعه ونصف سالم لأن ذلك ثلث المال (مسألة) وإن شهدت بينة أنه أعتق سالماً في مرضه وشهدت أخرى أنه وصى بعتق غانم وكل واحد منهما ثلث المال عتق سالم وحده) لأنه لا ينفذ تصرفه في مرضه إلا في الثلث إذا لم تجز الورثة وعتق سالم منجز وعتق غانم وصية فيقدم عتق سالم على الوصية

مسألة: وإن شهدت بينة أنه أعتق سالما في مرضه وشهدت أخرى أنه وصى بعتق غانم وكل واحد منهما ثلث المال عتق سالم وحده

(مسألة) وإن شهدت بينة غانم أنه أعتقه في مرضه أيضاً عتق أقدمهما تاريخاً فإن جهل السابق عتق أحدهما بالقرعة) وجملة ذلك أنه إذا ادعى سالم أنه أعتقه في مرض موته وادعى عبده غانم أنه أعتقه في مرض موته وأقام كل واحد منهما بينة بدعواه فلا تعارض بينهما لأن ما شهدت به كل بينة لا ينفي ما شهدت به الأخرى ولا يكذبها فيثبت إعتاقه لهما فإن كانت البينتين مؤرختين بتاريخين متخلفين عتق الأول منهما ورق الثاني إلا أن يجيز الورثة لأن المريض إذا تبرع تبرعاً يعجز ثلثه قدم الأول فالأول وإن اتفق تاريخهما أو اطلقتا أو احداهما فهما سواء لأنه لا مزية لإحداهما على الأخرى فيستويان ويقرع بينهما فيعتق من تخرج له القرعة ويرق الآخر إلا أن يجيز الورثة لأنه لا يخلو إما أن يكون أعتقهما معاً فيقرع بينهما كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في العبيد الستة الذين أعتقهم سيدهم عنه موته ولم يكن له مال سواهم أو يكون أعتق أحدهما قبل صاحبه وأشكل علينا فيخرج بالقرعة كما في مسألة الطائر وقيل يعتق من كل واحد نصفه. وهو قول الشافعي لأنه أقرب إلى التعديل منهما فإن في القرعة قد يرق السابق المستحق للعتق ويعتق الثاني المستحق للرق وفي القسمة لا يخلو المستحق للعتق من حرية ولا المستحق للرق من رق ولذلك قسمنا المختلف فيه على إحدى الروايتين إذا تعارضت بينتان والأول المذهب لأنه لا يخلو من شبهة بإحدى

الصورتين اللتين ذكرناهما والقرعة ثابتة في كل واحد منهما وقولهم إن في القرعة احتمال ارفاق الحر قلنا وفي القسمة إرقاق نصف الحر يقيناً وتحرير نصف الرقيق يقيناً وهو أعظم ضرراً (مسألة) (فإن كانت بينة أحدهما وارثة ولم تكذب الأجنبية فكذلك وإن قالت ما أعتق سالماً إنما أعتق غانماً عتق غانم كله وحكم سالم كحكمه لو لم يطعن في بينته في أنه يعتق ان تقدم تاريخ عتقه أو خرجت له القرعة وإلا فلا، وإن كانت الوراثة فاسقة ولم تطعن في بينة سالم عتق سالم كله وينظر في بينة غانم فإن كان تاريخ عتقه سابقاً أو خرجت القرعة له عتق كله، وإن كان متأخراً أو خرجت القرعة لسالم لم يعتق منه شئ. وقال القاضي: يعتق من غانم نصفه وإن كذبت بينة سالم عتق العبدان) وجملة ذلك أن المريض إذا خلف ابنين لا وارث له سواهما فشهدا أنه أعتق سالما في مرض موته وشهد أجنبيان أنه أعتق غانماً في مرض موته وكل واحد ثلث ماله ولم يطعن الاثنان في شهادتهما وكانت البينتين عادلتين فالحكم فيه كالحكم فيما إذا كانتا اجنبيتين سواء لأنه قد ثبت أن الميت اعتق العبدين، وإن طعن الاثنان في شهادة الأجنبيين وقالا ما اعتق غانماً انما اعتق سالماً لم يقبل قولهما في رد شهادة الأجنبية لأنها بينه عادلة مثبتة والأخرى نافية وقول المثبت يقدم على قول النافي ويكون حكم ما شهدت به إذا لم تطعن الوارثة في شهادتها أنه يعتق ان تقدم تاريخ عتقه أو خرجت له القرعة ويرق

مسألة: فإن كانت بينة أحدهما وارثة ولم تكذب الأجنبية فكذلك وإن قالت ما أعتق سالما إنما أعتق غانما عتق غانم كله وحكم سالم كحكمه لو لم يطعن في بينته في أنه يعتق ان تقدم تاريخ عتقه أو خرجت له القرعة وإلا فلا، وإن كانت الوراثة فاسقة ولم تطعن في بينة سال

إذا تأخر تاريخه أو خرجت القرعة لغيره. وأما الذي شهد به الابنان فيعتق كله لإقرارهما بإعتاقه وحده واستحقاقه الحرية. وهذا قول القاضي وقيل يعتق ثلثاه إن حكم بعتق سالم وهو ثلث الباقي لأن العبد الذي شهد به الأجنبيان كالمغصوب من التركة والذاهب من التركة بموت أو تلف فيعتق ثلث الباقي وهو ثلثا غانم والأول أصح لأن المعتبر خروجه من الثلث حال الموت وحال الميت في قول الابنين لم يعتق سالم إنما عتق بالشهادة بعد الموت فيكون ذلك بمنزلة موته بعد موت سيده فلا يمنع من عتق من خرج من الثلث قبل موته فإن كان الاثنان فاسقين ولم يردا شهادة لاجنبية ثبت العتق لسالم ولم يزاحمه من شهد له الاثنان لفسقهما فلا يقبل قولهما في اسقاط حق ثبت ببينة عادلة وقد أقر الابنان بعتق غانم فينظر فإن تقدم تاريخ عتقه أو اقرع بينهما فمن خرجت له القرعة عتق كله كما قلنا في التي قبلها وإن تأخر تاريخ عتقه أو خرجت القرعة لغيره لم يعتق منه شئ لأن الاثنين لو كانا عدلين لم يعتق منه شئ فإذا كانا فاسقين أولى وقال القاضي وبعض أصحاب الشافعي يعتق نصقه في الأحوال كلها لأنه استحق العتق بإقرار الورثة مع ثبوت عتق الأخر بالبينة العادلة فصار بالبينة كأنه أعتق العبدين فيعتق منه نصفه. قال شيخنا: وهذا لا يصح فإنه لو أعتق العبدين لأعتقنا أحدهما بالقرعة ولأنه في حال تقديم تاريخ من شهدت له البينة لا يعتق منه شئ وكانت بينة عادلة فمع فسوقها أولى وإن كذبت الوارثة

الاجنبية فقالت ما أعتق سالماً إنما أعتق غانماً عتق العبدان وقيل يعتق من غانم ثلثاه والأول أولى. (فصل) إذا شهد عدلان أجنبيان أنه وصى بعتق سالم وفهد عدلان وارثان أنه رجع عن الوصية بعتق سالم ووصى بعتق غانم وقيمتهما سواء أو كانت قيمة غانم أكثر قبلت شهادتهما وبطلت وصية عتق سالم وقد ذكرناه فإن كان الوارثان فاسقين لم تقبل شهادتهما في الرجوع ويلزمهما إقرارهما لغانم فيعتق سالم بالبينة العادلة ويعتق غانم بإقرار الورثة بالوصية باعتاقه وحده، وذكر القاضي وأصحاب الشافعي أنه إنما يعتق ثلثاه لأنه لما أعتق سالم بشهادة الاجنبيين صار كالمغصوب فصار غانم نصف التركة فيعتق ثلثاه وهو ثلث التركة ولنا ان الوارثة لقر بأنه حين الموت ثلث التركة وأن عتق سالم إنما كان بشهادتهما بعد الموت فسار كالمغصوب بعد الموت ولو غصب بعد الموت لم يمنع عتق غانم كله فكذلك الشهادة بعتقه، وقد ذكر القاضي فيما إذا شهدت بينة عادلة بإعتاق سالم في مرضه ووارثة فاسقة باعتاق غانم في مرضه وانه لم يعتق سالماً أن غانماً يعتق كله وهذا مثله، فأما إن كانت قيمة غانم أقل من قيمة سالم فالوارثة متهمة لكونها ترد إلى الرق من كثرت قيمته فترد شهادتهما في الرجوع كما ترد شهادتهما بالرجوع عن الوصية بعتق سالم ويعتق غانم كله أو ثلث الباقي على ما ذكرنا من الاختلاف فيما إذا كانت فاسقة

فإن لم تشهد الوارثة بالرجوع عن عتق سالم لكن شهدت بالوصية بعتق غانم وهي بينة عادلة ثبتت الوصيتان سواء كانت قيمتهما سواء أو مختلفة إن خرجا من الثلث وإن لم يخرجا من الثلث أقرع بينهما فيعتق من خرجت له القرعة ويعتق تمام الثلث من الآخر سواء تقدمت إحدى الوصيتين عن الأخرى أو استوتا لأن المتقدم والمتأخر من الوصايا سواء (فصل) ولو شهدت بينة عادلة أنه وصى لزيد بثلث ماله وشهدت بينة أخرى أنه رجع عن الوصية لزيد ووصى لعمرو بثلث ماله وشهدت بينة ثالثة أنه رجع عن الوصية لعمرو ووصى لبكر بثلث ماله صحت الشهادة كلها وكانت الوصية لبكر سواء كانت البينات من الورثة أو لم تكن لأنه لا تهمة في حقهم وإن كانت شهادة البينة الثالثة أنه رجع عن إحدى الوصيتين لم تفد هذه الشهادة لأنه قد ثبت بالبينة الثانية أنه رجع عن الوصية لزيد وهي إحدى الوصيتين، فعلى هذا تثبت الوصية لعمرو، وإن كانت البينة شهدت بالوصية لعمرو ولم تشهد بالرجوع عن وصية زيد فشهدت الثالثة برجوعه عن إحدى الوصيتين لا بعينها فقال القاضي لا تصح الشهادة وهو مذهب الشافعي لأنهما لم يعينا المشهود عليه وتصير كما لو قالا نشهد أن لهذا على هذين ألفاً أو أن لأحد هذين على هذا ألفاً فيكون الثلث بين الجمع أثلاثاً، وقال أبو بكر قياس قول أبي عبد الله أنه يصح الرجوع عن إحدى الوصيتين ويقرع بينهما فمن خرجت له القرعة بالرجوع عن وصيته بطلت وهذا قول ابن أبي موسى وإذا صح

الرجوع عن أحدهما بغير تعيين صحت الشهادة به لذلك، ووجه ذلك أن الوصية تصح بالمجهول وتصح الشهادة فيها بالمجهول فجازت في الرجوع من غير تعيين الرجوع عن وصيته (فصل) إذا شهد شاهدان أنه وصى لزيد بثلث ماله وشهد واحد أنه وصى لعمرو بثلث ماله انبنى هذا على الشاهد واليمين هل يعارض الشاهدين؟ فيه وجهان (أحدهما) يتعارضان فيحلف عمر مع شاهد ويقسم الثالث بينهما لأن الشاهد واليمين حجة في المال فأشبه الشاهدين (والثاني) لا يعارضهما لأن الشاهدين أقوى فعلى هذا ينفرد زيد بالثلث وتقف وصية عمرو على إجازة الورثة. فأما إن شهد واحد أنه رجع عن وصية زيد ووصى لعمرو بثلثه فلا تعارض بينهما ويحلف عمرو مع

شاهده وتثبت الوصية له والفرق بين المسئلتين ان في الاول تقابلت البينتان فقدمنا إقرارهما، وفي الثانية لم يتقابلا وإنما يثبت بالرجوع وهو يثبت بالشاهد واليمين لأن المقصود به المال وهذا مذهب الشافعي (فصل) إذا اختلفا في دار في يد أحدهما فأقام المدعي بينة أن هذه الدار كانت أمس ملكه أو منذ شهر فهل تسمع هذه البينة ويقضي بها؟ على وجين (أحدهما) تسمع ويحكم بها لأنها تثبت الملك في الماضي وإذا ثبت استديم حتى يعلم زواله (والثاني) لا يحكم بها، قال القاضي وهو الصحيح لأن الدعوى لا تسمع ما لم يدع المدعي الملك في الحال فلا تسمع بينته على ما لم يدعه، لكن إن انضم إلى شهادتهما بيان سبب يد الثاني وتعريف تعديهما فقالا نشهد أنها كانت ملكه أمس فغصبها هذا منه أو سرقها أو ضلت منه فالتقطها هذا ونحو ذلك سمعت وقضي بها لأنها إذا لم تبين السبب فاليد دليل الملك ولا تنافي بين ما شهدت به البينة وبين دلالة اليد لجواز أن تكون ملكه أمس ثم تنتقل

إلى صاحب اليد، فإذا ثبت أن سبب اليد عدوان خرجت عن كونها دليلاً فوجب القضاء باستدامة الملك السابق، وإن أقر المدعي عليه أنها كانت ملكاً للمدعي أمس أو فيما مضى سمع إقراره وحكم به في الصحيح لأنه حينئذ يحتاج إلى بيان سبب انتقالها إليه فيصير هو المدعي فيحتاج إلى البينة ويفارق البينة من وجهين (أحدهما) أنه أقوى من البينة لكونها شهادة من الإنسان على نفسه ويزول به النزاع بخلاف البينة ولهذا تسمع في المجهول ويقضي به بخلاف البينة (والثاني) أن البينة لا تسمع إلا على ما ادعاه والدعوى يجب أن تكون معلقة بالحال والإقرار يسمع ابتداءا، وإن شهدت البينة أنها كانت في يده أمس ففي سماعها الوجهان وإن أقر المدعي عليه بذلك، والصحيح أنه يسمع ويقضي به لما ذكرنا (فصل) قال الشيخ رحمه الله (إذا مات رجل وخلف ولدين مسلماً وكافراً فادعى كل واحد

منهما أنه مات على دينه فإن عرف أصل دينه فالقول قول من يدعيه وإن لم يعرف فالميراث للكافر لأن المسلم لا يقر ولده على الكفر في دار الإسلام) إذا مات رجل لا يعرف دينه وخلف تركة وابنين أحدهما مسلم والآخر كافر فادعى كل واحد منهما أنه مات على دينه وأن الميراث له دون أخيه فالميراث للكافر ذكره الخرقي لأن دعوى المسلم لا تخلو من أن يدعي كون الميت مسلماً أصلياً فيجب كون أولاده مسلمين ويكون أخوه الكافر مرتداً وهذا خلاف الظاهر فإن المرتد لا يقر على ردته في دار الإسلام أو يقول إن أباه كان كافراً فأسلم قبل موته فهو معترف بأن الأصل ما قاله أخوه مدع زواله وانتقاله والأصل بقاء ما كان على ما كان حتى يثبت زواله، وذكر ابن أبي موسى عن أحمد رواية أخرى أنهما في الدعوى سواء فالميراث

بينهما نصفين كما لو تنازع اثنان عيناً في يديهما ويحتمل أن يكون الميراث للمسلم منهما وهو قول أبي حنفة لأن الدار دار الإسلام يحكم بإسلام لقيطها ويثبت للميت فيها إذا لم يعرف أصل دينه حكم الإسلام في الصلاة عليه ودفنه وتكفينه من الوقف الموقوف على تكفين أموات المسلمين ولأنه يدفن في مقابر المسلمين ويغسل فيثبت فيه سائر أحكام المسلمين فكذلك في ميراثه ولأن الإسلام يعلو ولا يعلى ويجوز أن يكون أخوه الكافر مرتداً لم تثبت عند الحاكم ردته ولم ينته إلى الإمام خبره وظهور الإسلام بناء على هذا أظهر من ثبوت الكفر بناء على كفر أبيه ولهذا جعل الشرع أحكامه أحكام المسلمين فيما عدا المتنازع فيه وقال القاضي قياس المذهب أننا ننظر فإن كانت التركة في أيديهما أقرع بينهما فمن قرع صاحبه حلف واستحق كما قلنا فيما إذا تداعيا عيناً ويقتضي كلامه أنها إذا كانت في يد أحدهما فهي له مع يمينه وهذا قول لا يصح لأن كل واحد منهما يقر بأن هذه التركة تركة هذا الميت وأنه إنما يستحقها بالميراث فلا حكم ليده، وقال أبو الخطاب يحتمل أن يقف الأمر حتى يعرف أصل دينه أو بصطلحا وهذا قول الشافعي وقد ذكرنا الدليل على ظهور كفره فأما ظهور حكم الإسلام في الصلاة عليه وغسله وغير ذلك فإن هذا لا ضرر فيه على أحد وأما قوله إن الإسلام يعلو ولا يعلى فإنما يعلو إذا ثبت والنزاع في ثبوته وهذا إذا لم يثبت أصل دينه فإن ثبت أصل دينه فالقول قول من ينفيه مع يمينه وهذا قول الشافعي وأبي ثور وابن المنذر وقال أبو حنيفة القول قول المسلم على كل حال لما ذكرنا في التي قبلها ولنا أن الأصل بقاء ما كان عليه فكان القول قول من يدعيه كسائر المواضع وأما إن لم يعترف

مسألة: وإن أقام كل واحد بينة أنه مات على دينه تعارضتا وإن قاله شاهدان: نعرفه مسلما وقال شاهدان: نعرفه كافرا، فالميراث للمسلم إذا لم يؤرخ الشهود معرفتهم

المسلم أنه أخوه وادعى كل واحد منهما أن الميت أبوه دون الآخر فهما سواء في الدعوى لتساوي أيديهما عليه ودعاويهما فإن المسلم والكافر في الدعوى سواء ويقسم المال بينهما نصفين كما لو كان في أيديهما دار فادعى كمل واحد منهما اتها له ولا بينة لهما ويحتمل أن يقدم قول المسلم لأن حكم الميت حكم المسلمين في غسله والصلاة عليه وسائر أحكامه، وقال القاضي يقرع بينهما كما إذا تداعيا عينا في يد غيرهما ولم يدعها لنفسه ويحتمل أن يقف الأمر حتى يعرف أصل دينه وهو قول الشافعي إلا أن يصطلحا (مسألة) (وإن أقام كل واحد بينة أنه مات على دينه تعارضتا وإن قال شاهدان نعرفه مسلماً وقال شاهدان نعرفه كافراً فالميراث للمسلم إذا لم تؤرخ الشهود معرفتهم) أما إذا أقاما بينتين كل واحد بينة أنه مات على دينه ولم يعرف أصل دينه تعارضتا وإن عرف أصل دينه نظرنا في لفظ الشهادة فإن شهدت كل واحدة منهما أنه كان آخر كلامه التلفظ بما شهدت به فهما

متعارضتان وإن شهدت إحداهما أنه مات على دين الإسلام وشهدت الأخرى أنه مات على دين الكفر قدمت بينة من يدعي انتقاله عن دينه لأن المبقية له على أصل دينه ثبتت شهادتها على الأصل الذي تعرفه لأنهما إذا عرفا أصل دينه ولم يعرفا انتقاله عنه جاز لهما أن يشهدا أنه مات على دينه الذي عرفاه والبينة الأخرى معها علم لم تعلمه الأولى فقدمت عليها كما لو شهدا أن هذا العبد كان ملكاً لفلان إلى أن مات وشهد آخران أنه أعتقه أو باعه قبل موته قدمت بينة العتق والبيع فأما إن قال شاهدان نعرفه مسلماً وقال شاهدان نعرفه كافراً نظرنا في تاريخهما فإن اختلف تاريخيهما عمل بالآخرة منهما لأنه ثبت أنه انتقل عما شهدت به الأولى إلى ما شهدت به الأخرى وإن كانتا مطلقتين أو إحداهما مطلقة قدمت بينة المسلم لأن المسلم لا يقر على الكفر في دار الإسلام وقد يسلم الكافر فيقر وإن كانتا مؤرختين

بتاريخ واحد نظرنا في شهادتهما فإن كانت على اللفظ فهما متعارضتان وإن لم تكن على اللفظ ولم يعرف أصل دينه فهما متعارضتان وإن عرف أصل دينه قدمت الناقلة له عن أصل دينه وكل موضع تعارضت البينتان فقال الخرقي تسقط البينتان ويكونان كمن لا بينة لهما وقد ذكرنا روايتين أخريين (احداهما) يقرع بينهما فمن خرجت له القرعة حلف وأخذ (والثانية) يقسم بينهما ونحو هذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة تقدم بينة الإسلام على كل حال وقد مضى الكلام معه وقد قال الخرقي إذا قال شاهدان نعرفه كان مسلماً وقال شاهدان نعرفه كان كافراً فالميراث للمسلم إذا لم يؤرخ الشهود معرفتهم وهو محمول على

مسألة: وإن خلف أبوين كافرين وابنين مسلمين فاختلفوا في دينه، فالقول قول الأبوين ويحتمل أن القول قول الابنين

من لم يعلم أصل دينه أو على أن أصل دينه الكفر أما من كان مسلماً في الأصل فينبغي أن تقدم بينة الكفر لأن بينة الإسلام يجوز أن تستند إلى ما كان عليه في الأصل (فصل) وإن خلف ابناً مسلماً وأخاً كافراً فاختلفا في دينه حال موته فالحكم فيها كالتي قبلها وهكذا سائر الأقارب. (مسألة) (وإن خلف أبوين كافرين وابنين مسلمين فاختلفوا في دينه فالقول قول الأبوين ويحتمل أن القول قول الابنين)

ظاهر المذهب أن القول قول الأبوين لأن كون الأبوين كافرين بمنزلة معرفة أصل دينه لأن الولد قبل بلوغه محكوم له بدين أبويه فيثبت أنه كان كافراً في صغره. ويحتمل أن القول قول الابنين لأن كفر أبويه يدل على أصل دينه في صغره وإسلام ابنيه يدل على إسلامه في كبره فيعمل بهما جميعاً يحمل كل واحد منهما على مقتضاه فهو كما لو قال شاهدان نعرفه كافراً في صغره وقال شاهدان نعرفه مسلماً في كبره (فصل) وإن خلف ابناً كافراً وأخاً وامرأة مسلمين واختلفوا في دينه فالقول قول الابن على

قول الخرقي. ووجهه ما سبق فيما إذا خلف ابنين مسلماً وكافراً وقال القاضي يقرع بينهما وقد سبق تعليله في مسألة الابنين. وقال أبو بكر قياس المسألة أن تعطي المرأة الربع ويقسم الباقي بين الأخ) والابن نصفين لأنها تدعي زيادة عليه فيدخل في عموم قوله تعالى (ولهن الربع مما تركتم فلا يخرج إلا بدليل تخصيصها ولا يخرج بالشك ويقسم الباقي بين الأخوين لتساويهما في الدعوى وهو في أيديهما. (فصل) ولو مات مسلم وخلف زوجة وورثة سواها وكانت الزوجة كافرة ثم أسلمت وادعت

أنها أسلمت قبل موته وأنكرها الورثة فالقول قولهم لأن الأصل عدم ذلك فإن لم يثبت أنها كافرة فادعى عليها الورثة أنها كانت كافرة وأنكرتهم فالقول قولها لأن الأصل عدم ما ادعوه وإن ادعوا أنه طلقها قبل موته فأنكرتهم فالقول قولها فإن اعترفت بالطلاق وانقضاء العدة وادعت أنه راجعها فالقول قولهم وإن اختلفوا في انقضاء عدتها فالقول قولهما في أنها لم تنقض لأن الأصل بقاؤها ولا نعلم في هذا كله خلافاً. وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي ولو خلف ولدين مسلمين اتفقا على أن أحدهما كان مسلماً حين

موت أبيه وادعى الآخر أنه أسلم في حياة أبيه وجحده أخوه فالميراث للمتفق عليه لأن الأصل بقاء الكفر إلا أن يعلم زواله وعلى أخبه اليمين وتكون على نفي العلم لأنها على نفي فعل أخيه إلا أن يكون ثبت أنه أسلم قبل قسم التركة فيرث فإن من أسلم على ميراث قبل القسمة قسم له وإن كان أحدهما حراً والآخر رقيقاً ثم عتق واختلفا في حريته عند الموت فالقول قول من ينفيها وإن لم يثبت أنه كان رقيقاً ولا كافراً فادعي عليه أنه كذلك فأنكر فالقول قوله والميراث بينهما لأن الأصل الحرية والإسلام وعدم ما سواهما.

مسألة: ولو مات مسلم وخلف ولدين مسلما وكافرا فأسلم الكافر وقال: أسلمت قبل موت أبي وقال أخوه: بل بعده فلا ميراث له لأن الأصل بقاء الكفر حتى يعلم زواله وعلى أخيه اليمين وتكون على نفي العلم لأنها على نفي فعل الغير وقد ذكرناه

(فصل) إذا أسلم أحد الابنين في غرة شعبان والآخر في غرة رمضان واختلفا في موت أبيهما فقال الأول مات في شعبان فورثته وحدي وقال الآخر مات في رمضان فالميراث بينهما لأن الأصل بقاء حياته حتى يعلم زوالها وإن أقام واحد منهما بينة بدعواه ففيه وجهان (أحدهما) يتعارضان (والثاني) نقدم بينة موته في شعبان لأنها معها زيادة علم لأنه ثبت موته في شعبان ويجوز أن يخفى ذلك على البينة الأخرى (مسألة) ولو مات مسلم وخلف ولدين مسلماً وكافراً فأسلم الكافر وقال أسلمت قبل موت أبي وقال أخوه بل بعده فلا ميراث له لأن الأصل بقاء الكفر حتى يعلم زواله وعلى أخيه اليمين وتكون على نفي العلم لأنها على نفي فعل الغير وقد ذكرناه

مسألة: وإن قال: أسلمت في المحرم ومات أبي في صفر فلي الميراث، وقال أخوه: بل مات في ذي الحجة، فله الميراث مع أخيه، لأن الأصل بقاء الحياة فإن أقام كل واحد بينة بدعواه فهل يتعارضان أو نقدم بينة من ادعى تقديم موته؟ فيه وجهان ذكرناهما في الفصل قبل هاتين ال

(مسألة) وإن قال أسلمت في المحرم ومات أبي في صفر فلي الميراث وقال أخوه بل مات في ذي الحجة فله الميراث مع أخيه لأن الأصل بقاء الحياة فإن أقام كل واحد بينة بدعواه فهل يتعارضان أو تقدم بينة من ادعى تقديم موته؟ فيه وجهان ذكرناهما في الفصل قبل هاتين المسئلتين والله أعلم. الله أكبر

كتاب العتق

كتاب العتق العتق في اللغة الخلوص ومنه عتاق الخيل وعتاق الطير أي خالصتها وسمي البيت احرام عتيقاً لخلوصه من أيدي الجبابرة وهو في الشرع تحرير الرقبة وتخليصها من الرق يقال عتق العبد وأعتقته أنا وهو عتيق ومعتق والأصل فيه الكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب فقول الله تعالى (فتحرير رقبة) وقال تعالى (فك رقبة) وأما السنة فما روى أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله بكل إرب منها إرباً منه من النار حتى إنه ليعتق اليد باليد والرجل بالرجل والفرج بالفرج) متفق عليه في أخبار كثيرة سوى هذا وأجمع الأمة على صحة العتق وحصول القربة به (مسألة) (وهو من أفضل القرب) لأن الله تعالى جعله كفارة للقتل والوطئ في رمضان والإيمان وجعله النبي صلى الله عليه وسلم فكاكاً لمعتقه من النار ولأن فيه تخليص الآدمي المعصوم من ضرر الرق وملك نفسه ومنافعه وتكميل أحكامه وتمكينه من التصرف في نفسه ومنافعه على حسب إرادته واختياره واعتاق الرجل أفضل من اعتاق المرأة لما روى كعب بن مرة البهزي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (أيما رجل أعتق رجلاً مسلماً كان فكاكه منه النار يجزي بكل عظم من عظامه عظما من عظامه، وأيما رجل مسلم أعتق امرأتين مسلمتين

مسألة: والمستحب عتق من له كسب ودين ينتفع بالعتق

كانتا فكاكه من النار يجزي بكل عظم من عظامهما عظما من عظامه، وأيما امرأة اعتقت امرأة مسلمة كانت فكاكها من النار تجرى بكل عظم من عظامها عظماً من عظامها) وقيل عتق المرأة للمرة أفضل. (مسألة) (والمستحب عتق من له كسب ودين ينتفع بالعتق) فأما من لا قوة له ولا كسب فلا يستحب عتقه ولا كتابته لسقوط نفقته عن سيده باعتاقه فيضيع أو يصير كلا على الناس ويحتاج إلى المسألة فلا يستحب عتقه ولا كتابته فإن كان ممن يخاف عليه الرجوع إلى دار الحرب وترك إسلامه أو يخاف عليه الفساد كمن يخاف أنه إذا أعتق فاحتاج سرق أو فسق أو قطع الطريق أو جارية يخاف عليها الزنا والفساد كره إعتاقه فإن غلب على الظن إفضاؤه إلى هذا كان محرماً لأن التوسل إلى الحرام حرام فإن أعتقه صح لانه اعتاق صدر من أهله في محله فصح كعتق غيره (مسألة) (ويحصل العتق بالقول والملك ولا يحصل بالنية المجردة) لأنه إزالة ملك فلا يحصل بالنية المجردة كالطلاق وألفاظه تنقسم إلى صريح وكناية فالصريح لفظ العتق والحرية كيف صرفا نحو أنت حر أو محرر أو عتيق أو معتق أو أعتقتك لأن هذين اللفظين وردا في الكتاب والسنة وهما يستعملان في العتق عرفاً فمتى اتى بشئ من هذه الألفاظ حصل به العتق سواء نواه

أو لم ينوه قال أحمد في رجل لقي امرأة في الطريق فقال تنحي يا حرة فإذا هي جاريته قال قد عتقت عليه وقال في رجل قال لخدم قيام في وليمة مروا أنتم أحرارا وكانت معهم أم ولده لم يعلم بها قال هذا عندي تعتق أم ولده ويحتمل أن لا تعتق في هذين الموضعين لأنه قصد باللفظة الأولى غير العتق فلم تعتق به كما لو قال عبدي حر بريد أنه عفيف كريم الاخلاق واللفظة الثانية أراد غير أم ولده فأشبه ما لو نادى امرأة من نسائه فأجابته غيرها فقال أنت طالق يظنها المناداة فإنها لا تطلق في رواية فكذا ههنا، وأما إن قصد غير العتق كالرجل يقول عبدي هذا حر يريد عفته وكرم أخلاقه أو يقول لعبده ما أنت إلا حر أي أنك لا تطيعني ولا ترى لي حقاً ولا طاعة فلا يعتق في ظاهر المذهب قال حنبل سئل أبو عبد الله عن رجل قال لغلامه أنت حر وهو يعاتبه قال إذا كان لا يريد به العتق يقول كأنك حر ولا يريد أن يكون حراً أو كلاماً شبه هذا رجوت أن لا يعتق وأنا أهاب المسألة لأنه نوى بكلامه ما يحتمله فانصرف إليه كما لو نوى بكناية العتق العتق قال وإن طلب استحلافه حلف وبيان احتمال اللفظ لما أراده أن المرأة تمدح بهذا يقال امرأة حرة يعنون عفيفة وتمدح المملوكة به أيضاً ويقال للحيي الكريم الأخلاق حر قالت سبيعة ترثي عبد المطلب ولا تسأما أن تبكيا كل ليلة * ويوم على حر كريم الشمائل وأما الكناية فنحو قوله خليتك والحق بأهلك واذهب حيث شئت ونحوها وكذلك قوله حبلك

على غاربك فهذا إن نوى به العتق عتق وإن لم ينوه لم يعتق لأنه يحتمل غيره ولم يرد به كتاب ولا سنة ولا عرف استعمال وفي قوله لا سبيل لي عليك ولا ملك لي عليك ولا رق لي عليك وفككت رقبتك وأنت مولاي وأنت لله وأنت سائبة روايتان (إحداهما) أنه صريح (والأخرى) كناية ذكر القاضي وابو الخطاب في قوله لا سبيل لي عليك ولا سلطان لي عليك: روايتين (إحداهما) أنه صريح (والأخرى) كناية قال شيخنا والصحيح أنه كناية لما ذكرناه، فأما قوله لا ملك لي عليك ولا رق لي عليك وأنت لله فقال القاضي هو صريح نص عليه أحمد وذكر أبو الخطاب فيه روايتين لأنه يحتمل غير العتق ولا خلاف في المذهب أنه يعتق به إذا نوى وممن قال يعتق بقوله أنت لله إذا نوى الشعبي والمسيب بن رافع وحماد والشافعي وقال أبو حنيفة لا يعتق به لأن مقتضاه أنت عبد الله أو مخلوق لله وهذا لا يقتضي العتق ولنا أنه يحتمل أنت حر لله أو عتيق لله أو عبد لله وحده لست بعبد لي ولا لأحد سوى الله فإذا نوى الحرية به وقعت كسائر الكنايات وما ذكروه لا يصح لأن احتماله لما ذكروه لا يمنع احتماله لما ذكرناه بدليل سائر الكنايات فإنها تحتمل العتق وغيره ولو لم تحتمل إلا العتق لكانت صريحة فيه وما احتمل أمرين انصرف إلى أحدهما بالنية وهذا شأن الكنايات وما ذكروه من الاحتمال يدل على أن هذا ليس بصريح وإنما هو كناية وقوله لا ملك لي عليك ولا رق لي عليك

مسألة: وفي قوله لأمته: أنت طالق وأنت حرام روايتان

خبر عن انتفاء ملكه ولم يرد به شرع ولا عرف استعمال في العتق فلم يكن صريحاً فيه كقوله ما أنت عبدي ولا مملوكي وقوله لامرأته ما أنت امرأتي ولا زوجتي وفي قوله فككت رقبك وأنت سائبة وأنت مولاي روايتان (إحداهما) هو صريح في العتق لأنها تتضمنه وقد جاء في كتاب الله تعالى (فك رقبة) يعني العتق فكانت صريحة كقوله اعتقتك (والثاني) هو كناية لأنه يحتمل غير العتق (مسألة) (وفي قوله لأمته أنت طالق وأنت حرام روايتان) (إحداهما) هي كناية والأخرى لا تعتق به وهو قول أبي حنيفة لأن الطلاق لفظ وضع لازالة الملك عن المنفعة فلم يزل به الملك عن الرقبة كفسخ الإجارة ولأن ملك الرقبة لا يستدرك بالرجعة فلا ينحل كسائر الأملاك (والثانية) هو كناية تعتق به إذا نواه وهو قول مالك والشافعي لأن الرق أحد الملكين على الآدمي فيزول بلفظ الطلاق كالآخر أو فيكون للفظ الموضوع لإزالة أحدهما كناية في إزالة الآخر كالحرية في إزالة النكاح ولأن فيه معنى الإطلاق فإذا نوى به إطلاقها من ملكه فقد نوى بلفظه ما يحتمله فتحصل به الحرية كسائر كنايات العتق (فصل) وإن قال لأمته أنت حرام ينوي به العتق عتقت، وذكر أبو الخطاب أن فيها رواية

مسألة: وإن قال لعبده وهو أكبر منه: أنت ابني لم يعتق ذكره القاضي ويحتمل أن يعتق

أخرى لا تعتق كقوله لها أنت طالق والصحيح أنها تعتق به لأنه يحتمل أنك حرام علي لكونك حرة فتعتق به كقوله لا سبيل لي عليك (مسألة) (وإن قال لعبده وهو أكبر منه أنت ابني لم يعتق ذكره القاضي ويحتمل أن يعتق) إذا قال لا كبر منه أو لمن لا يولد لمثله: هذا ابني مثل أن يقول من لم عشرون سنة لمن له خمسة عشرة سنة: هذا ابني لم يعتق ولم يثبت نسبه، وقال أبو حنيفة يعتق وخرجه أبو الخطاب وجهاً لنا لأنه اعترف بما تثبت به حريته فأشبه ما لو أقر بها ولنا أنه قول يتحقق كذبه فيه فلم يثبت الحرية كما لو قال لطفل هذا أبي أو لطفلة هذه أمي، قال ابن المنذر هذا من قول النعمان شاذ لم يسبقه أحد إليه ولا تبعه أحد عليه وهو محال من الكلام وكذب يقيناً ولو جاز هذا لجاز أن يقول الرجل لطفل هذا ابي ولأنه لو قال لزوجته وهي أسن منه: هذه ابنتي أو قال لها وهي أسن منه هذه أمي لم تطلق كذا هذا (مسألة) (وإن اعتق حاملاً عتق جنينها إلا أن يستثنيه) لأنه يتبعها في البيع والهبة ففي العتق أولى فإن استثناه لم يعتق روى ذلك عن ابن عمر وأبي هريرة والنخعي وإسحاق وابن المنذر وقال ابن سيرين له ما استثنى وقال عطاء والشعبي إذا استثنى ما في بطنها فله ثنياه وقال مالك والشافعي لا يصح استثناء الجنين لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الثنيا إلا أن تعلم وقياساً على استثنائه في البيع أشبه بعض أعضائها

ولنا أنه قول ابن عمر وأبي هريرة قال أحمد أذهب إلى حديث ابن عمر في العتق ولا أذهب إليه في البيع ولقول النبي صلى الله عليه وسلم (المسلمون على شروطهم) ولأنه يصح إفراده بالعتق فصح استثناؤه كالمنفصل وخبرهم نقول به والحمل معلوم فصح استثناؤه للحديث ويفارق البيع لأنه عقد معاوضة يعتبر فيه العلم بصفات العوض ليعلم هل هو قائم مقام لعوض أم لا؟ والعتق تبرع لا تتوقف صحته على معرفة صفات المعتق ولا تنافيه الجهالة ويكفي العلم بوجوده وقد وجد ولذلك صح أفراد الحمل بالعتق ولم يصح بالبيع ولأن استثناءه في البيع إذا بطل بطل البيع كله وههنا إذا بطل استثناؤه لم يبطل العتق في الأمة ويسري الإعتاق إليه فكيف يصح إلحاقه به مع تضاد الحكم فيها؟ ولا يصح قياسه على بعض أعضائها لأنه يصح انفراده بالحرية عن أمه فيما إذا أعتقه دونها وفي ولد المغرور بحرية أمة وفيما إذا وطئ بشبهة وفي ولد أم الولد وغير ذلك ولا يصح ذلك في بعض أعضائها ولأن الولد يرث ويورث ويوصي به فكيف يصح قياسه على بعض الأعضاء؟ وروى الأثرم عن ابن عمر أنه أعتق أمة واستثنى ما في بطنها ولأنها ذات حمل فصح استثناء حملها كما لو باع نخلة لم تؤبر واشترط ثمرتها وقال القاضي يخرج على الروايتين فيما إذا استثنى ذلك في البيع والمنصوص عنه ما ذكرنا من أنه يصح استثناؤه في العتق ولا يصح في البيع لم ذكرنا من الفرق بينهما

مسألة: وإن أعتق ما في بطنها دونها، عتق وحده

(مسألة) (وإن اعتق ما في بطنها دونها عتق وحده) لا نعلم في ذلك خلافاً وهو قول سفيان وأحمد وإسحاق لأن حكمه حكم الإنسان المنفرد ولهذا يورث الجنين إذا ضرب بطن امرأة فأسقطت جنيناً وجب فيه غرة موروثة عنه كأنه سقط حياً وتصح الوصية به وله ويرث إذا مات موروثه قبل أن يولد ثم ولد بعده فصح عتقه كالمنفصل (فصل) ولا يصح العتق إلا من جائز التصرف فلا يصح عتق الصبي والمجنون قال ابن المنذر هذا قول عامة أهل العلم منهم الحسن والشعبي والزهري ومالك والشافعي وأصحاب الرأي وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم (رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يبلغ وعن المجنون حتى يفيق وعن النائم حتى يستيقظ) ولأنه تبرع بالمال فلم يصح كالهبة ولا يصح عتق المحجور عليه للسفه وهو قول القاسم بن محمد وعنه يصح قياساً على طلاقه وتدبيره ولنا أنه محجور عليه في ماله لحظ نفسه فلم يصح عتقه كالصبي ولأنه تصرف في المال في حياته أشبه هبته وبيعه ويفارق الطلاق لأن الحجر عليه في ماله والطلاق ليس بتصرف فيه ويفارق التديبر لأنه تصرف فيه بعد موته وغناه عنه بالموت ولهذا صحت وصيته ولم تصح هبته المنجزة وعتق السكران مبني على طلاقه وفيه من الخلاف ما فيه ولا يصح عتق المكره كما لا يصح بيعه ولا تصرفاته ولا يصح

مسألة: وأما الملك فمن ملك ذا رحم محرم عتق عليه وعنه لا يعتق إلا عمودا النسب

عتق الموقوف لأن فيه إبطالاً لحق البطن الثاني منه وليس له ذلك (فصل) ولا يصح العتق من غير المالك بغير إذنه فلو اعتق عبد ولده الصغير أو يتيمه الذي في حجره لم يصح، وبهذا قال الشافعي وابن المنذر وقال مالك يصح عتق عبد ولده الصغير لقوله عليه الصلاة والسلام (أنت ومالك لأبيك) ولأن له عليه ولاية وله فيه حق فسح اعتاقه كما له ولنا أنه عتق من غير مالك فلم يصح كإعتاق عبد ولده الكبير قال إبن المنذر لما روث الله الأب من مال ابنه السدس مع ولده دل على أنه لا حق له في سائره وقوله عليه السلام (أنت ومالك لأبيك) لم يرد به حقيقة الملك وإنما أراد المبالغة في وجوب حقه عليك وإمكان الأخذ من مالك وامتناع مطالبتك إياه بما أخذ منه ولهذا لم ينفذ إعتاقه لعبده ولده الكبير الذي ورد الخبر فيه وثبوت الولاية له على مال ولده أبلغ في امتناع اعتاق عبده لأنه إنما أثبت عليه الولاية لحظ الصبي ليحفظ ماله عليه وينميه له ويقوم بمصالحه التي يعجز الصبي عن القيام بها. وإذا كان مقصود الولاية الحفظ اقتضت منع التفريط والتضييع بإعتاق رقيقه والتبرع بماله ولو قال رجل لعبد أنت حر من مالي فليس بشئ فإن اشتراه بعد ذلك فهو مملوكه ولا شئ عليه وبه قال مالك والشافعي وعامة للفقهاء ولو بلغ رجلاً أن رجلاً قال لعبده أنت حر من مالي فقال قد رضيت فليس بشئ وبه قال الثوري واسحاق (مسألة) (وأما الملك فمن ملك ذا رحم محرم عتق عليه وعنه لا يعتق إلا عمودا النسب) ذو الرحم المحرم القريب الذي يحرم نكاحه عليه لو كان أحدهما رجلاً والآخر امرأة وهم الولدان

وإن علوا من قبل الأب والأم جميعاً والولد وإن سفل من ولد البنين والبنات والاخوة والأخوات وأولادهم وإن سفلوا والاعمام والعمات والأخوال والخالات وإن علوا دون أولادهم فمتى ملك أحداً منهم عتق عليه روى ذلك عن عمر وابن مسعود رضي الله عنهما، وبه قال الحسن وجابر بن زيد وعطاء والحكم وابن أبي ليلى والثوري والليث وأبو حنيفة والحسن بن صالح وشريك ويحيى بن آدم واعتق مالك الوالدين والمولودين وإن بعدوا والاخوة والأخوات دون أولادهم ولم يعتق الشافعي إلا عمودي النسب وعن أحمد كذلك ولم يعتق داود وأهل الظاهر أحداً حتى يعتقه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكاً فيشتريه فيعتقه) رواه مسلم ولنا ما روى الحسن عن سمرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من ملك ذا رحم محرم فهو حر) رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن ولأنه ذو رحم محرم فعتق عليه بالملك كعمودي النسب وكالاخوة والاخوات عند مالك فأما قوله (حتى يشتريه فيعتقه) فيحتمل أنه أراد فيشتريه فيعتقه بشرائه كما يقال ضربه فقتله والضرب هو القتل وذلك لأن الشراء لما كان يحصل به العتق تارة دون أخرى جاز

مسألة: وإن ملك ولده من الزنا، لم يعتق عليه في ظاهر كلام أحمد

عطف صفته عليه كما يقال ضربه فأطار رأسه وسواء ملكه بشراء أو هبة أو غنيمة أو إرث أو غيره لا نعلم بين أهل العلم فيه خلافاً (فصل) ولا خلاف في أن المحارم من غير ذوي الأرحام لا يعتقون على سيدهم كالأم من الرضاعة والاخ منها والربيبة وأم الزوجة وابنتها إلا أنه حكي عن الحسن وابن سيرين وشريك أنه لا يجوز بيع الأخ من الرضاعة وروي عن ابن مسعود أنه كرهه والأول أصح قال الزهري جرت السنة بأن يباع الأخ والأخت من الرضاعة ولأنهم لا نص في عتقهم ولا هم في معنى المنصوص عليه فيبقون على الأصل ولأنهما لا رحم بينهما ولا توارث ولا تلزمه نفقته فأشبه الربيبة وأم الزوجة. (مسألة) (وإن ملك ولده من الزنا لم يعتق عليه في ظاهر كلام أحمد) لأن أحكام الولد غير ثابتة فيه وهي الميراث والحجب والمحرمية ووجوب الإنفاق وثبوت الولاية عليه ويحتمل أن يعتق لأنه جزؤه حقيقة وقد ثبت فيه حكم تحريم التزويج ولهذا لو ملك ولده المخالف له في الدين عتق عليه مع انتفاء هذه الأحكام. (مسألة) وإن ملك سهماً ممن يعتق عليه بغير الميراث وهو موسر عتق عليه كله وعليه قيمة نصيب شريكه وإن كان معسراً لم يعتق عليه إلا ما ملك وإن ملكه بالميراث لم يعتق منه إلا ما ملك موسراً كان أو معسراً وعنه أنه يعتق عليه نصيب الشريك إن كان موسراً.

وجملة ذلك أن من ملك سهماً ممن يعتق عليه فإنه يعتق عليه ما ملك منه سواء ملكه بعوض أو بغير عوض كالاغتنام والوصية وسواء ملكه باختياره كالذي ذكرنا أو بغير اختياره كالميراث لأن كل ما يعتق به الكل يعتق به البعض كالإعتاق بالقوم ثم ينظر فإن كان معسراً لم يسر العتق واستقر في ذلك الجزء ورق الباقي لأنه لو اعتقه بقوله لم يسر إعتاقه بتصريحه بالعتق وقصده إياه فههنا أولى وإن كان موسراً وكان الميراث باختياره كالملك بغير الميراث سرى إلى باقيه قعتق جميع العبد ولزمه لشريكه قيمة باقيه لأنه فوته عليه، وبهذا قال مالك والشافعي وأبو يوسف وقال قوم لا يعتق عليه إلا ما ملك سواء ملكه بشراء أو غيره لأن هذا لم يعتقه وإنما عتق عليه بحكم الشرع عن غير اختيار فلم يسر كما لو ملكه بالميراث وفارق ما أعتقه لأنه فعله باختياره قاصداً إليه ولنا أنه فعل سبب العتق اختياراً منه وقصد إليه فسرى ولزمه الضمان كما لو وكل من اعتق نصيبه وفاروق الميراث فإنه حصل بغير فعله ولا قصده ولأن من باشر سبب السراية اختياراً لزمه الضمان كمن جرح إنساناً فسرى جرحه ولأن مباشرة ما يسري ونسبته إليه في لزوم حكم السراية واحدة بدليل استواء الحافر والدافع في ضمان الواقع فأما إن ملكه بالميراث لم يسر العتق فيه واستقر فيما ملكه ورق الباقي موسراً كان أو معسراً لأنه لم يتسبب إلى إعتاقه وإنما حصل بغير اختياره وبه قال مالك والشافعي وأبو يوسف وعن أحمد ما يدل على أنه أنه يسري إلى نصيب الشريك إذا كان موسراً

لأنه عتق عليه بعضه وهو موسر فسرى إلى باقيه كما لو وصى له به فقبله والمذهب الأول لأنه لم يعتقه ولا تسبب إليه فلم يضمن ولم يسر كالأجنبي وفارق ما تسبب إليه (فصل) وإن ورث الصبي والمجنون جزءاً ممن يعتق عليهما عتق ولم يسر إلى باقيه لأنه إذا لم يسر في حق المكلف ففي حقهما أولى وإن وهب لهما أو وصي لهما به وهما معسران فعلى وليهما قبوله لأنه نفع لهما بإعتاق قريبهما من غير ضرر يلحق قريبهما وإن كانا موسرين ففيه وجهان مبنيان على أنه هل يقوم عليهما باقيه إذا ملكا بعضه؟ فيه وجهان (أحدهما) لا يقوم ولا يسري العتق إليه لأنه يدخل ملكه بغير اختياره أشبه ما لو ورثه (والثاني) يقوم عليه لأن قبول وليه يقوم مقام قبوله فأشبه الوكيل فعلى هذا الوجه ليس لوليه قبوله لما فيه من الضرر، وعلى الأول يلزمه قبوله لأنه نفع بغير ضرر إذا كان ممن لا تلزمه نفقته وإذا قلنا ليس له أن يقبله فقبله احتمل أن لا يصح القبول لأنه فعل ما لم يأذن له الشرع فيه فأشبه ما لو باع ماله بغبن واحتمل أن يصح وتكون الغرامة عليه لأنه ألزمه هذه الغرامة فكانت عليه كنفقة الحج إذا حجه (فصل) وإن باع عبداً لذي رحمه وأجنبي صفقة واحدة عتق كله إذا كان ذو رحمة موسراً وضمن لشريكه قيمة حقه منه وقال أبو حنيفة لا يضمن لشريكه شيئاً لأن ملكه لم يتم إلا بقبول شريكه فصار كأنه أذن له في اعتاق نصيبه بملكه باختياره فوجب أن يقوم عليه باقيه مع يساره كما لو انفرد بشرائه ولا نسلم أنه لا يصح قبوله إلا بقبول شريكه.

مسألة: وإن مثل بعبده فجدع أنفه وأذنه أو نحو ذلك عتق نص عليه

(فصل) إذا كانت مزوجة ولها ابن موسر فاشتراها هو وزوجها وهي حامل منه صفقة واحدة عتق نصيب الابن من أمه وسرى إلى نصيب الزوج ويقوم عليه وعتق الحمل عليهما معاً لأنه ابن الزوج وأخو الابن ولا يجب لأحدهما على الآخر منه شئ لأنه عتق عليهما في حال واحدة ولو كانت المسألة بحالها فوهبت لهما أو وصي لهما بها فقبلاها في حال واحدة فكذلك وإن قبلها أحدهما قبل الآخر نظرنا فإن قبل الابن أولا عتقت الأم وحملها وعليه قيمة باقيهما للزوج وإن قبل الزوج أو لا عتق عليه الحمل كله ثم إذا قبل الابن عتقت عليه الأم كلها ويتقاصان ويرد كل واحد منهما الفضل على صاحبه ومن قال في الوصية إن الملك لا يثبت فيها بالموت فالحكم فيه كما لو قبلاها دفعة واحدة (مسألة) (وإن مثل بعبده فجدع انفه واذته أو نحو ذلك عتق نص عليه) لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن زنباعاً أبا روح وجد غلاماً له مع جاريته فقطع ذكره وجدع أنفه فأتى العبد النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال النبي صلى الله عليه وسلم (ما حملك على ما فعلت؟) قال فعل كذا وكذا قال (أذهب فأنت حر) قال القاضي والقياس أن لا يعتق لأن سيده لم يعتقه بلفظ صريح ولا كناية وإذا ثبت الحديث وجب العمل به وترك القياس (مسألة) (وإذا أعتق العبد فماله لسيده) روي هذا عن ابن مسعود وأبي ايوب وأنس ابن مالك وبه قال قتادة والحكم والثوري والشافعي

مسألة: وإذا أعتق العبد فماله لسيده

وأصحاب الرأي وروي ذلك عن حماد والبتي وداود بن أبي هند وحميد وعنه رواية أخرى أنه للعبد وبه قال الحسن وعطاء والنخعي ومالك وأهل المدينة يبيعه لما روى نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من أعتق عبداً وله مال فالمال للعبد) رواه الإمام أحمد وغيره وروى حماد بن سلمة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أنه كان إذا أعتق عبداً لم يعرض لماله ولنا ما روى الأثرم بإسناده عن ابن مسعود أنه قال لغلامه عمير يا عمير إني أريد أن أعتقك عتقاً هنيئاً فأخبرني بمالك فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أيما رجل أعتق عبده أو غلامه فلم يخبره بماله فماله لسيده ولأن العبد وماله كانا للسيد فازال ملكه عن أحدهما فبقي ملكه في الآخر كما لو باعه وقد دل عليه حديث النبي صلى الله عليه وسلم (من باع عبداً وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع) فأما حديث ابن عمر فقال أحمد يرويه عبد الله بن أبي جعفر من أهل مصر وهو ضعيف في الحديث كان صاحب فقه فأما في الحديث فليس هو فيه بالقوي وقال أبو الوليد هذا الحديث خطأ فأما فعل ابن عمر فهو تقضل منه على معتقه قيل لأحمد كان هذا عندك على التفضل؟ فقال أي لعمري على التفضل قيل له فكأنه عندك للسيد؟ فقال نعم للسيد مع البيع سواء (فصل) قال الشيخ رضي الله عنه (وإذا أعتق جزءاً من عبده معيناً أو مشاعاً عتق كله) أما إذا أعتق عبده وهو صحيح جائز التصرف فإنه يصح عتقه بإجماع أهل العلم فإن أعتق بعضه

عتق كله في قول جمهور العلماء روى ذلك عن عمر وابنه رضي الله عنهما وبه قال الحسن والحكم والاوزاعي والثوري والشافعي قال ابن عبد البر عامة العلماء بالحجاز والعراق قالوا يعتق كله إذا أعتق نصفه وقال طاوس يعتق في عتقه ويرق في رقه وقال حماد وابو حنيفة يعتق منه ما أعتق ويسعى في باقيه وخالف أبا حنيفة أصحابه فلم يروا عليه معايه وروي عن مالك في رجل أعتق نصف عبد ثم غفل عنه حتى مات فقال أرى نصفه حرا ونصف رقيقاً لأنه تصرف في بعضه فلم يسر إلى باقيه كالبيع ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (من أعتق شركا له في عبد فكان معه ما يبلغ ثمنه قوم عليه قيمة عدل وعتق عليه جميع العبد) وإذا عتق عليه نصيب شريكه كان تنبيها على عتق جميعه إذا كان كله ملكاً له وقال النبي صلى الله عليه وسلم (من أعتق شقصاً له من مملوك فهو حر من ماله) ولأنه إزالة ملك عن بعض مملوكه الآدمي فزال عنه جميعه كالطلاق ويفارق البيع فإنه لا يحتاج إلى السعاية ولا ينبى على التغليب والسراية. إذا ثبت هذا فلا فرق بين أن يعتق جزءاً كبيراً كنصفه أو ثلثه أو صغيراً كعشره أو عشر عشره ولا نعلم في هذا خلافاً بين القائلين بسراية العتق إذا كان مشاعا (فصل) قان أعتق جزءاً معيناً كرأسه أو يده أو أصبعه عتق كله أيضاً وبه قال قتادة والشافعي وإسحاق وقال أصحاب الرأي إن أعتق رأسه أو ظهره أو بدنه أو بطنه أو جسده أو نفسه أو فرجه عتق كله لأن حياته لا تبقى بدون ذلك وإن أعتق يده أو عضواً تبقى حياته بدونها لم يعتق لانها يمكن إزالة ذلك مع بقائه فلم يعتق كاعتاقه شعره

مسألة: وإن أعتق شركا له في عبد وهو موسر بقيمة باقيه عتق كله وعليه قيمة باقيه يوم العتق لشريكه

ولنا أنه أعتق عضواً من أعضائه فعتق جميعه كرأسه فأما إذا أعتق شعره أو سنه أو ظفره لم يعتق وقال قتادة والليث في الرجل يعتق ظفر عبده يعتق اكله لأنه من أجزأئه أشبه أصبعه ولنا أن هذه الأشياء تزول ويخرج غيرها فأشبهت الشعر والريق وسنذكر ذلك في الطلاق والعتق مثله (مسألة) (وإن أعتق شركا له في عبد وهو موسر بقيمة باقيه عتق كله وعليه قيمة باقيه يوم العتق لشريكه) وجملته أن الشريك إذا أعتق نصيبه من العبد عتق عليه لا نعلم فيه خلافاً لما ذكرنا من الأثر وإذا عتق نصيبه سرى العتق إلى جميعه فصار جميعه حراً وعلى المعتق قيمة انصباء شركائه ولولاء له هذا قول مالك وابن أبي ليلى وابن شبرمة والثوري والشافعي وأبي يوسف ومحمد وإسحاق وقال البتي لا يعتق إلا حصة المعتق ونصيب الباقين باق على الرق ولا شئ على المعتق لما روى التلب عن أبيه أن رجلا أعتق شقصاً له في مملوك فلم يضمنه النبي صلى الله عليه وسلم رواه الإمام أحمد ولأنه لو باع نصيبه لاختص البيع به فكذلك العتق إلا أن تكون جارية نفيسة يغالي فيها فيكون ذلك بمنزلة الجاية من المعتق للضرر الذي أدخله على شريكه وقال أبو حنيفة لا يعتق إلا حصة المعتق ولشريكه الخيار في ثلاثة أشياء إن شاء أعتق وإن شاء استسعى العبد وإن شاء ضمن شريكه فيعتق حينئذ

ولنا الحديث الذي روينا وهو صحيح متفق عليه ورواه مالك في موطئه عن نافع عن ابن عمر فأثبت النبي صلى الله عليه وسلم العتق في جميعه وأوجب قيمة نصيب المعتق عليه ولم يجعل له خيرة ولا لغيره ورورى قتادة عن أبي المليح عن أبيه أن رجلا من قومه أعتق شقصاً له في مملوك فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجعل خلاصه عليه في ماله وقال (ليس لله شريك) قال أبو عبد الله الصحيح أنه عن أبي المليح عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل وليس فيه عن أبيه هذا معنى كلامه وقول البتي شاذ يخالف الأخبار كلها فلا يعول عليه وحديث التلب يتعين حمله على المعسر جمعاً بين الأحاديث وقياس العتق على البيع لا يصح فإن البيع لا يسري فيما إذا كان العبد كله له والعتق يسري فإنه لو باع نصف عبده لم يسر ولو أعتقه عتق كله. إذا ثبب هذا فإن ولاءه يكون له لأنه عتق باعتاقه من ماله ولا خلاف في هذا عند من يرى عتقه عليه (فصل) ولا فرق في هذا بين أن يكون الشركاء مسلمين أو كافرين أو بعضهم مسلماً وبعضهم كافراً ذكره القاضي وهو قول الشافعي وذكر أبو الخطاب في الكافر وجهاً أنه إذا أعتق نصيبه من مسلم أنه لا يسري إلى باقيه ولا يقوم عليه لأنه لا يصح شراء الكافر عبداً مسلماً ولنا عموم الخبر ولأن ذلك يثبت لإزالة الضرر فاستوى فيه الكافر والمسلم كالرد بالعيب والغرض ههنا تكميل العتق ودفع الضرر عن الشريك دون التمليك بخلاف الشراء ولو قدر أن ههنا تمليكاً لكان تقديراً في أدنى زمان حصل ضرورة تحصيل العتق لا ضرر فيه فإن قدر فيه ضرر فهو مغمور

مسألة: فإن أعتقه الشريك بعد ذلك وقبل أخذ القيمة لم يثبت له فيه عتق

بالنسبة إلى ما يحصل من العتق فوجوده كالعدم وقياس هذا على الشراء غير صحيح لما بينهما من الفرق (مسألة) (فإن أعتقه الشريك بعد ذلك وقبل أخذ القيمة لم يثبت له فيه عتق) لأنه قد صار حراً بعتق الأول له لأن عتقه حصل باللفظ لا يدفع القيمة وصار جميعه حراً واستقرت القيمة على المعتق الأول فلا ينعتق بعد ذلك بعتق غيره وبهذا قال ابن شبرمة وابن أبي ليلى والثوري وأبو يوسف ومحمد وإسحاق وابن المنذر والشافعي في قول له اختاره المزني وقال الزهري وعمرو ابن دينار ومالك والشافعي في قول لا يعتق إلا بدفع القيمة ويكون قبل ذلك ملكاً لصاحبه ينفذ عتقه فيه ولا ينفذ تصرفه فيه بغير العتق واحتجوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم (قوم عليه قيمة عدل لاوكس ولا شطط ثم يعتق) فجعله عتيقاً بعد دفع القيمة ولأن العتق إذا ثبت بعوض ورد الشرع به مطلقاً لم يعتق إلا بالاداء كالمكاتب وللشافعي قول ثالث أن العتق مراعى، فإن دفع القيمة تبينا أن العتق كان حصل من حين اعتق نصيبه، وإن لم يدفع القيمة تبينا أنه لم يكن عتق لأن فيه احتياطاً لهما جميعاً ولنا حديث ابن عمر فإنه روي بألفاظ مختلفة تجتمع في الدلالة على الحرية باللفظ فروى أبو أيوب عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من أعتق شركا له في عبد فكان له مال يبلغ ثمنه بقيمة العدل فهو عتيق) رواه أبو داود والنسائي وفي لفظ رواه ابن أبي مليكة عن نافع عن ابن عمر (فكان له مال

فقد عتق كله) وفي رواية ابن أبي ذئب عن نافع عن ابن عمر (وكان للذي يعتق ما يبلغ ثمنه بقيمة العدل يعتق كله) وروى أبو داود بإسناده عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أعتق شقصاً في مملوك فهو حر من ماله) وهذه نصوص في محل النزاع فإنه جعله حراً وعتيقاً باعتاقه مشروطاً بكونه موسراً ولأنه عتيق بالسراية فكانت حاصلة من لفطه عقيبه كما لو أعتق جزءاً من عبده ولا القيمة معتبرة وقت الإعتاق ولا ينفذ تصرف الشريك فيه بغير الإعتاق وعند الشافعي لا ينفذ بالإعتاق أيضاً فدل على أن العتق حصل فيه بالإعتاق الأول فإما حديثهم فلا حجة لهم فيه فإن الواو لا تقتضي ترتيباً وأما العطف بثم في اللفظ الآخر فلم يرد بها الترتيب فإنها قد ترد لغير الترتيب كقوله سبحانه (ثم الله شهيد على ما يفعلون) فأما العوض فإنما وجب عن المتلف بالإعتاق بدليل اعتباره بقيمته حين الإعتاق وعدم اعتبار التراضي فيه ووجوب القيمة من يغر وكس ولا شطط بخلاف الكتابة. إذا ثبت هذا فإن الشريك إذا أعتقه بعد عتق الأول وقبل أخذ القيمة لم يثبت له فيه عتق ولا له عليه ولاء وولاؤه كله للمعتق الأول وعليه القيمة لأنه قد صار حراً بإعتاقه وعند مالك يكون ولاؤه بينهما على قدر ملكهما فيه ولا شئ على المعتق الأول من القيمة ولو أن المعتق الأول لم يؤد القيمة حتى أفلس عتق العبد وكانت القيمة في ذمته ديناً يزاحم بها الشريك عندنا وعند مالك لا يعتق منه إلا ما عتق ولو كان المعتق جارية حاملاً فلم يؤد القيمة حتى وضعت حملها فليس على المعتق إلا قيمتها حين

أعتقها لأنه حينئذ حررها وعند مالك يقوم ولدها أيضاً ولو أتلف العبد قبل أداء القيمة تلف حراً والقيمة على المعتق لأنه فوت رقه، وعند مالك لا شئ على المعتق وما لم يقوم ويحكم بقيمته فهو في جميع أحكامه عبد (فصل) والقيمة معتبرة حين اللفظ بالعتق لأنه حين الإتلاف وهو قول الشافعي على أقواله كلها فإن اختلفا في قدره رجع إلى قول المقومين فإن كان العبد قد مات أو غاب أو تأخر تقويمه زمناً تختلف فيه القيم ولم تكن بينة فالقول قول المعتق لأنه منكر للزيادة والأصل براءة ذمته منها وهذا أحد قولي الشافعي فإن اختلفا في صناعة في العبد توجب زيادة في القيمة فالقول قول المعتق كذلك إلا أن يكون العبد يحسن الصناعة في الحال ولم يمض زمن يمكن تعلمها فيه فيكون القول قول الشريك لعلمنا بصدقه وإن مضى زمن يمكن حدوثها فيه ففيه وجهان (أحدهما) القول قول المعتق لأن الأصل براءة ذمته (والثاني) القول قول الشريك لأن الأصل بقاء ما كان وعدم الحدوث وان احتلفا في عيب ينقص قيمته كسرقة أو إباق فالقول قول الشريك لأن الأصل السلامة فبالجهة التي رجحنا قول المعتق في نفي الصناعة يرجح قول الشريك في نفي العيب وإن كان العيب فيه حال الاختلاف واختلفا في حدوثه فالقول قول المعتق لأن الأصل براءة ذمته وبقاء ما كان على ما كان وعدم حدوث العيب فيه ويحتمل أن يكون القول قول الشريك لأن الأصل براءته من العيب حين الإعتاق

مسألة: وإن كان معسرا لم يعتق إلا نصيبه وبقي حق شريكه فيه وعنه يعتق كله ويستسعى العبد في قيمة باقيه غير مشقوق عليه

(فصل) والمعتبر في اليسار في هذا أن يكون له فضل عن قوت يومه وليلته وما يحتاج إليه من حوائجه الأصلية من الكسوة وسائر ما لابد منه ما يدفعه إلى شريكه ذكره أبو بكر في التنبيه وإن وجد بعض ما يفي بالقيمة قوم عليه قدر ما يمكنه منه ذكره أحمد في رواية ابن منصور وهو قول مالك وقال أحمد لا يباع فيه دار ولا رباع ومقتضى هذا ان لا يباع له أصل مال، وقال مالك والشافعي يباع عليه سوار بيته وماله بال من كسوته ويقضي عليه في ذلك كما يقضي عليه في سائر الدعاوي والمعتبر في ذلك حال تلفظه بالعتق لأنه حال الوجوب فإن أيسر المعسر بعد ذلك لم يسر إعتاقه، وإن أعسر الموسر لم يسقط ما وجب عليه لأنه وجب عليه فلم يسقط بإعساره كدين الإتلاف نص عليه أحمد (مسألة) (وإن كان معسراً لم يعتق إلا نصيبه وبقي حق شريكه فيه وعنه يعتق كله ويستسعى العبد في قيمة باقيه غير مشقوق عليه) ظاهر المذهب أن المعسر إذا أعتق نصيبه من العبد استقر فيه العتق ولم يسر إلى نصيب شريكه بل يبقى على الرق فإذا أعتق شريكه عتق عليه نصيبه وهذا قول إسحاق وأبي عبيد وابن المنذر وداود وابن جرير وهو قول مالك والشافعي على ما بيناه فيما مضى، وروي عن عروة أنه اشترى عبداً اعتق نصفه فكان عروة يشاهره شهر عبد وشهر حر، وروي عن أحمد أن المعتق إذا أعتق نصيبه استسعى العبد في قيمة باقيه حتى يؤديها فيعتق وهو قول ابن شبرمة وابن أبي ليلى والاوزاعي

وأبي يوسف ومحمد لما روى أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أعتق شقصاً له في مملوك فعليه أن يعتقه كله إن كان له مال وإلا استسعى العبد غير مشقوق عليه) متفق عليه، ورواه أبو داود قال ابن أبي ليلى وابن شبرمة فإذا استسعى في نصف قيمته ثم أيسر معتقه رجع عليه بنصف القيمة لأنه هو أجلاه إلى هذا وكلفه إياه، وعن أبي يوسف ومحمد أنهما قالا يعتق جميعه وتكون قيمة نصيب الشريك في ذمته لأن العتق لا يتبعض فإذا وجد في البعض سرى إلى جميعه كالطلاق وتلزم المعتق القيمة لأنه المتلف لنصيب صاحبه بإعتاقه فوجبت قيمته في ذمته كما لو أتلفه وقال أبو حنيفة لا يسري فيه العتق وإنما يستحق به إعتاق النصيب الباقي فيخير شريكه بين إعتاق نصيبه ويكون الولاء بينهما وبين أن يستسعى العبد في قيمة نصيبه فإذا أداه إليه عتق والولاء بينهما ولنا حديث ابن عمر وهو صحيح ثابت عند جميع العلماء بالحديث ولأن الاستسعاء إعتاق بعوض فلم يجبر عليه كالكتابة ولأن في الاستسعاء إضراراً بالشريك والعبد أما الشريك فإنا نحيله على سعاية قد لا يحصل منها شئ أصلاً وإن حصل فالظاهر أنه يكون متفرقا ويفوت عليه ملكه وأما العبد فإنه يجبره على سعاية لم يردها وكسب لم يختره وهذا ضرر في حقهما وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (لا ضرر ولا ضرار) وقال سليمان بن حرب أليس ألزم المعتق ثمن ما بقي من العبد لئلا يدخل على شريكه ضرر فإذا أمروه بالسعي وإعطاء كل شهر درهمين ولم يقدر على تملكه فإي ضرر أعظم من ذلك؟

فأما حديث الاستسعاء فقام الأثرم ذكره سليمان بن حرب فطعن فيه وضعفه، وقال أبو عبد الله ليس في الاستسعاء ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، حديث أبي هريرة يرويه ابن أبي عروبة وأما شعبة وهشام الدستوائي فلم يذكره وحدث به معمر ولم يذكر فيه السعاية قال أبو داود وهمام أيضاً لا يقوله قال المروذي وضعف أبو عبد الله حديث سعيد وقال ابن المنذر لا يصح حديث الاستسعاء وذكر همام أن ذكر الاستسعاء من فتيا قتادة وفرق بين الكلام الذي هو من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وقول قتادة قال بعد ذلك فكان قتادة يقول: إن لم يكن له مال استسعى قال ابن عبد البر حديث أبي هريرة يدور على قتادة، وقد اتفق شعبة وهشام وهمام على ترك ذكره وهم الحجة في قتادة ولقول قولهم فيه عند جميع أهل العلم إذا خالفهم غيرهم فأما قول أبي حنيفة وقول صاحبيه الاخير فلا شئ معهم يحتجون به من حديث قوي ولا ضعيف بل هو محرد رأي وتحكم يخالف الحديثين جميعاً قال ابن عبد البر لم يقل أبو حنيفة وزفر بحديث ابن عمر ولا بحديث أبي هريرة على وجهه وكل قول خالف السنة فمردود على قائله، والله المستعان. (فصل) وإذا قلنا بالسعاية احتمل أن يعتق كله وتكون القيمة في ذمة العبد ديناً يسعى في أدائها وتكون أحكامه أحكام الأحرار فإن مات وفي يده مال كان لسيده بقية السعاية وباقي ماله موروث ولا يرجع العبد على أحد وهذا قول أبي يوسف ومحمد ويحتمل أن لا يعتق حتى يؤدي السعاية فيكون

مسألة: وإذا كان العبد لثلاثة لأحدهم نصفه ولآخر ثلثه ولثالث سدسه فإعتق صاحب النصف وصاحب السدس معا وهما موسران عتق عليهما وضمنا حق شريكهما فيه نصفين وصار ولاؤه بينهما أثلاثا ويحتمل أن يضمناه على قدر ملكهما فيه

حكمه قبل أدائها حكم من بعضه رقيق إن مات فللشريك الذي لم يعتق من ماله مثل ما يكون له على قول من لم يقل بالسعاية لأنه إعتاق بأداء مال فلم يعتق قبل أدائه كالكاتب، وقال ابن أبي ليلى وابن شبرمة يرجع العبد على المعتق إذا أيسر لأنه كلفه السعاية بإعتاقه ولنا أنه حق لزم العبد في مقابلة حريته فلم يرجع به على أحد كمال الكتابة ولأنه لو رجع به على السيد لكان هو الساعي في العوض كسائر الحقوق الواجبة عليه (مسألة) وإذا كان العبد الثلاثة لأحدهم نصفه ولآخر ثلثه ولثالث سدسه فأعقت صاحب النصف وصاحب السدس معاً وهما موسران عتق عليهما وضمنا حق شريكهما فيه نصفين وصار ولاؤه بينهما أثلاثاً ويحتمل أن يضمناه على قدر ملكهما فيه) إذا كان العبد مشتركاً بين جماعة فأعتق اثنان منهم وهو موسرون معاسرى عتقهم إلى باقى العبد ويكون الضمان بينهم على عدد رؤوسهم يتساوون في ضمانه وولائه وبهذا قال الشافعي ويحتمل أن يقسم بينهم على قدر أملاكهم وهو قول مالك في إحدى الروايتين عنه لأن السراية جعلت بإعتاق ملكهما وما وجب بسبب الملك كان على قدره كالنفقة واستحقاق الشفعة ولنا أن عتق النصيب إتلاف لرق الباقي وقد اشتركا فيه فيتساويان في الضمان كما لو جرح أحدهما

مسألة: وإذا أعتق الكافر نصيبه من مسلم وهو موسر سرى إلى باقيه في أحد الوجهين

جرحاً والآخر جرحين فمات بهما أو ألقى أحدهما جزءاً من النجاسة في مائع وألقى الآخر جزأين ويفارق الشفعة فإنها ثبتت لإزالة الضرر عن نصيب الشريك الذي لم يبع فكان استحقاقه على قدر نصيبه ولأن الضمان ههنا لدفع الضرر منهما وفي الشفعة لدفع الضرر عنهما والضرر منهما يستويان في إدخاله على الشريك وفي الشفعة ضرر صاحب النصف أعظم من ضرر صاحب السدس فاختلفا إذا ثبت هذا كان ولاؤه بينهما ثلاثا لأننا إذا حكمنا بأن الثلث معتق عليهما نصفين فنصفه سدس إذا ضممناه إلى النصف الذي لأحدهما صار ثلثين وإذا ضممنا السدس الآخر إلى سدس المعتق صار ثلثاً وعلى الوجه الآخر يصير الولاء بينهما أرباعاً لصاحب السدس ربعه ولصاحب النصف ثلاثة أرياعه والضمان كذلك ويشترط عتقهما معاً بأن يوكلا من يعتقه عنهما أو يوكل أحدهما الآخر في عتق نصيبه ويتلفظا به معاً لأنه لو سبق أحدهما صاحبه عتق عليه جميعه على ما ذكرنا ويشترط اليسار أيضاً فيهما فإن كان أحدهما موسراً وحده قوم عليه نصيب من لم يعتق لأن المعسر لا يسري عتقه فيكون الضمان على المعسر خاصة فإن كان أحدهما موسراً ببعض ما يخصه قوم عليه ذلك القدر وباقيه على الآخر مثل أن يجد صاحب السدس قيمة نصف السدس فيقوم عليه ويقوم الربع على صاحب النصف ويصير ولاؤه بينهم أرباعاً لصاحب السدس ربعه وباقيه لمعتق النصف لأنه لو كان أحدهما معسراً قوم الجميع على الآخر فإذا كان موسراً ببعضه قوم الباقي على صاحب النصف لأنه مرسر وفيه اختلاف ذكرناه من قبل

مسألة: وإن ادعى كل واحد من الشريكين أن شريكه أعتق نصيبه وهما موسران فقد صار العبد حرا باعتراف كل واحد منهما وصار مدعيا على شريكه قيمة حقه منه ولا ولاء عليه لواحد منهما

(مسألة) (وإذا أعتق الكافر نصيبه من مسلم وهو موسر سرى إلى باقيه في أحد الوجهين) ذكره القاضي وهو قول الشافعي لأنه تقويم متلف فاستوى فيه المسلم والكافر كتقويم المتلفات والوجه الثاني لا يسري ذكره أبو الخطاب لأن فيه تقدير الملك والكافر لا يجوز أن يتملك المسلم والأول أصح إن شاء الله تعالى (مسألة) (وإن إدعى كل واحد من الشريكين أن شريكه أعتق نصيبه وهما موسران فقد صار العبد حراً باعتراف كل واحد منهما وصار مدعياً على شريكه قيمة حقه منه ولا ولاء عليه لواحد منهما) وجملة ذلك أن الشريكين الموسرين إذا ادعى كل واحد منهما أن شريكه أعتق نصيبه فكل واحد منهما معترف بحرية نصيبه شاهد على شريكه بحرية نصفه الآخر لأنه يقول لشريكه اعتقت نصيبك فسرى العتق إلى نصيبي فعتق كله عليك ولزمك لي قيمة نصيبي فصار العبد حراً لاعترافهما بحريته وبقي كل واحد منهما يدعي قيمة حصته على شريكه فإن كانت لأحدهما بينة حكم له بها وإن لم تكن بينة حلف كل واحد منهما لصاحبه وبرئا فإن نكل أحدهما قضي عليه وإن نكلا جميعا تساقط حقاهما لتماثلهما ولا ولاء عليه لواحد منهما لأنه لا يدعيه ولا فرق في هذه الحال بين العدلين والفاسقين والمسلمين والكافرين لتساوي العدل والفاسق والمسلم والكافر في الاعتراف والدعوى فان اعترف أحدهما به بعد ذلك ثبت له لأنه لا مستحق له سواه وإنما لم يثبت له لإنكاره له فإذا اعترف به زال الإنكار فثبت له ولزمته قيمة نصيب شريكه لاعترافه بها

مسألة: وإن كانا معسرين لم يعتق على واحد منهما

(مسألة) (وإن كانا معسرين لم يعتق على واحد منهما) لأنه ليس في دعوى أحدهما على صاحبه أنه أعتق نصيبه اعتراف بحرية نصيبه ولا ادعاء استحقاق قيمتها على المعتق لكن عتق العسر لا يسري إلى غيره فلم يكن في دعواه أكبر من أنه شاهد على صاحبه باعتاق نصيبه فإن كانا فاسقين فلا أثر لكلامهما في الحال ولا عبرة بقولهما لأن غير العدل لا تقبل شهادته، وإن كانا عدلين فشهاتهما مقبولة لأن كل واحد منهما لا يجر إلى نفسه بشهادته نفعاً ولا يدفع عنها ضرراً وقد حصل للعبد بحرية كل نصف منه شاهد عدل فإن حلف معهما عتق كله وإن حلف مع أحدهما عتق نصفه على الرواية التي تقول إن العتق يثبت بشاهد ويمين وإن لم يحلف لم يعتق منه شئ لأن العتق لا يحصل بشاهد من غير يمين وإن كان أحدهما عدلاً دون الآخر فله أن يحلف مع شهادة العدل ويصير نصفه حراً والآخر رقيقاً (فصل) ومن قال بالاستسعاء فقد اعترف بأن نصيبه خرج عن يده فيخرج العبد كله ويستسعى في قيمته لاعتراف كل واحد منهما بذلك في نصيبه (مسألة) (وإن اشترى أحدهما نصيب صاحبه عتق عليه ولم يسر إلى النصف الذي كان له) لأن عتقه حصل باعترافه بحريته بإعتاق شريكه ولا يثبت له عليه ولاء لأنه لا يدعي إعتاقه بل

يعترف أن المعتق غيره وإنما هو مخلص له ممن يسترقه ظلماً فهو كمخلص الأسير من ايدي الكافر وقال أبو الخطاب يسري لأنه شراء حصل به الإعتاق فأشبه شراء بعض ولده فإن أكذب نفسه في شهادته على شريكه ليسترق ما اشتراه منه لم يقبل لأنه رجوع عن الإقرار بالحرية فلم يقبل كما لو أقر بحرية عبده ثم كذب نفسه وهل يثبت له الولاء عليه إن أعتقه؟ فيه احتمالان (أحدهما) لا يثبت لما ذكرناه (والثاني) يثبت لأنا نعلم أن على العبد ولاء ولا يدعيه أحد سواه ولا ينازعه فيه فوجب أن يقبل قوله فيه وإن اشترى كل واحد منهما نصيب صاحبه صار العبد كله حراً ولا ولاء عليه لواحد منهما فإن اعتق كل واحد منهما ما اشتراه ثم أكذب نفسه في شهادته فهل يثبت له ولاء ما أعتقه؟ على وجهين وإن أقر كل واحد منهما بأنه كان أعتق نصيبه وصدق الآخر في شهادته بطل البيعان وثبت لكل واحد منهما الولاء على نصفه لأن أحداً لا ينازعه فيه وكل واحد منهما يصدق الآخر في استحقاق الولاء ويحتمل أن يثبت الولاء لهما وإن لم يكذب واحد منهما نفسه لأنا نعلم أن الولاء ثابت عليه لهما ولا يخرج عنهما وإنه بينهما إما بالعتق الأول وإما بالثاني لأنهما إن كانا صادقين في شهادتهما فقد ثبت الولاء لكل واحد منهما على النصف الذي أعتقه أولاً وإن كانا كاذبين فقد أعتق كل واحد منهما نصفه بعد أن اشتراه وإن كان أحدهما صادقاً والآخر كاذبا فلا ولاء للصادق منهما لأنه لم يعتق النصف الذي كان له ولا صح عتقه في الذي اشتراه لأنه كان حراً قبل شرائه والولاء كله للكاذب لأنه أعتق النصف الذي كان له ثم اشترى النصف الذي لشريكه وكل واحد منهما يساوي صاحبه في الاحتمال فيقسم بينهما

مسألة: وإن كان أحدهما موسرا والآخر معسرا عتق نصيب المعسر وحده

(فصل) وكل من شهد على سيد عبد بعتق عبده ثم اشتراه عتق عليه وإن شهد اثنان عليه بذلك فردت شهادتهما ثم اشترياه أو أحدهما عتق وبهذا قال مالك والاوزاعي والشافعي وابن المنذر وهو قياس قول أبي حنيفة ولا يثبت للمشتري ولاء على العبد لأنه لا يدعيه ولا للبائع لأنه ينكر عتقه ولو كان العبد بين شريكين فادعى كل واحد منهما أن شريكه أعتق حقه منه وكانا موسرين فعتق عليهما أو كانا معسرين عدلين فحلف العبد مع كل واحد منهم وعتق العبد أو ادعى عبد أن سيده أعتقه فأنكر وقامت البينة بعتقه عتق ولا ولاء على العبد في هذه المواضع كلها لأن أحداً لا يدعيه ولا يثبت لاحد حق ينكره فإن عاد من ثبت إعتاقه فاعترف به ثبت له الولاء لأنه لا مستحق له سواه وإنما لم يثبت له لإنكاره له فإذا اعترف زال الإنكار وثبت له وأما الموسران إذا عتق عليهما فإن صدق أحدهما صاحبه في أنه أعتق نصيبه وحده أو أنه سبق بالعتق فالولاء له وعليه غرامة نصيب الآخر وإن اتفقا على أن كل واحد منهما أعتق نصيبه دفعة واحدة فالولاء بينهما وإن ادعى كل واحد منهما أن المعتق وحده أو أنه السابق فأنكر الآخر تحالفا والولاء بينهما نصفين (مسألة) (وإن كان أحدهما موسراً والآخر معسراً عتق نصيب المعسر وحده) لاعترافه بأن نصيبه قد صار حرا باعتاق شريكه الموسر الذي يسري عتقه ولم يعتق نصيب الموسر لأنه يدعي أن المعسر الذي لا يسري عتقه أعتق نصيبه فعتق وحده ولا تقبل شهادة المعسر عليه لأنه يجر إلى نفسه نفعاً لكونه يجب عليه بشهادته قيمة حصته فعلى هذا إن لم تكن للعبد بينة

سواه حلف الموسر وبرئ من القيمة والعتق جميعاً ولا ولاء للمعسر في نصيبه لأنه لا يدعيه ولا للموسر أيضاً لذلك فإن عاد المعسر فأعتقه وادعاه ثبت له وإن أقر الموسر بإعتاق نصيبه وصدق المعسر عتق نصيبه أيضاً وعليه غرامة نصيب المعسر ويثبت له الولاء وإن كان للعبد بينة تشهد بإعتاق الموسر وكانت عدلين ثبت العتق ووجبت القيمة للمعسر عليه وإن كانت عدلاً واحداً وحلف العبد معه ثبت العتق في أحدى الروايتين والأخرى لا يثبت العتق وللمعسر أن يحلف معه ويستحق قيمة نصيبه سواء حلف العبد أو لم يحلف لأن الذي يدعيه مال يقبل فيه شاهد ويمين (فصل) وإذا ادعى أحد الشريكين أن شريكه أعتق نصيبه وأنكر الآخر وكان المدعي عليه موسراً عتق نصيب المدعي وحده لاعترافه بحريته بسراية عتق شريكه وصار مدعياً نصف القيمة على شريكه ولا يسري لأنه لا يعترف أنه المعتق له وإنما عتق باعترافه بحريته لا بإعتاقه له ولا ولاء عليه لإنكاره له قال القاضي وولاؤه موقوف وإن كان المدعي عدلاً لم تقبل شهادته لأنه يدعي نصف قيمته على شريكه فيجر بشهادته إليه نفعاً ومن شهد بشهادة يجر بها إليه نفعاً بطلت كلها وأما إن كان المدعى عليه معسراً فالقول قوله مع يمينه ولا يعتق منه شئ فإن كان المدعى عدلاً حلف العبد مع شهادته وصار نصفه حراً وقال حماد إن كان المشهود عليه موسراً سعى له. وإن كان معسراً سعى لهما وقال أبو حنيفة إن كان معسراً استسعى العبد وولاؤه بينهما وإن كان موسراً فولاء نصفه موقوف فإن اعترف أنه اعتق استحق الولاء وإلا كان الولاء لبيت المال

مسألة: وإذا قال أحد الشريكين: إذا اعتقت نصيبك فنصيبي حر فأعتق الأول وهو موسر عتق كله عليه

(مسألة) (وإذا قال أحد الشريكين إذا اعتقت نصيبك فنصيبي حر فأعتق الأول وهو موسر عتق كله عليه هذا اختيار الأصحاب أنه يعتق على الأول ويقوم عليه نصيب الشريك إن كان موسراً ولا يقع إعتاق شريكه لأن السراية سبقت فمنعت عتق الشريك قال شيخنا ويحتمل أن يعتق عليهما جميعاً لأن عتق نصيبه سبب السراية وشرط لعتق نصيب الشريك فلم يسبق أحدهما الآخر لوجودهما في حال واحدة وقد يرجح وقوع عتق الشريك لأنه تصرف منه في ملكه والسراية تقع في غير ملك على خلاف الأصل فكان نفوذ عتق الشريك أولى ولأن سراية العتق على خلاف الأصل لكونها إتلافاً لملك المعصوم بغير رضاه وإلزاماً للمعتق غرامة لم يلتزمها بغير اختياره وإنما ثبت لمصلحة تكميل العتق فإذا حصلت هذه المصلحة بإعتاق الملك كان أولى. (مسألة) (وإن كان معسراً لم يعتق عليه إلا نصيبه) لما ذكرنا من أن عتق المعسر لا يسري إلى نصيب شريكه ويعتق نصيب شريكه بالشرط (مسألة) (وإن قال إذا اعتقت نصيبك فنصيبي حر مع نصيبك فأعتق نصيبه عتق عليهما موسراً كان أو معسراً ولم يلزم المعتق شئ لأن العتق وجد منهما معاً فهو كما لو وكلا رجلاً في اعتاقه عنهما فأعتقهما وقيل يعتق كله على المعتق لأن إعتاق نصيبه شرط عتق نصيب شريكه فيلزم أن يكون سابقاً عليه والأول أولى لأنه أمكن

العمل بمقتضى شرطه فوجب العمل به لما ذكرنا. (فصل) فإن قال إن اعتقت نصيبك فنصيبي حر قبل إعتاقك وقعا معاً إذا أعتق نصيبه هذا مقتضى قول أبي بكر والقاضي ومقتصى قول ابن عقيل أن يعتق كله على المعتق ولا يقع إعتاق شريكه لأنه إعتاق في زمن ماض ومقتضى قول ابن شريح ومن وافقه ممن قال بسراية العتق أن لا يصح إعتاقه لأنه يلزم من عتق نصيبه تقدم عتق الشريك وسرايته فيمتنع إعتاق نصيبه هذا ويمتنع عتق نصيب الشريك ويفضي إلى الدور فيمتنع الجميع وسنذكر ذلك في الطلاق إن شاء الله تعالى فصل إذا كان لرجل نصف عبدين متساويين في القيمة لا يملك غيرهما فأعتق أحدهما في صحته عتق وسرى إلى نصيب شريكه لانه موسر بالنصف الذي له من العبد الآخر فإن أعتق النصف الآخر عتق لأن وجوب القيمة في ذمته لا يمنع صحة عتقه ولم يسر لأنه معسر وإن أعتق الأول في مرض موته لم ييسر لأنه إنما ينفذ عتقه في ثلث ماله وثلث ماله هو الثلث من العبد الذي أعتق نصفه وإذا أعتق الثاني وقف على إجازة الورثة وإن أعتق الأول في صحته وأعتق الثاني في مرضه لم ينفذ عتق الثاني لأن عليه ديناً يستغرق قيمته فيمنع صحة عتقه إلا أن يجيز الورثة. (فصل) إذا شهد شاهدان على رجل أنه أعتق شركا له في عبد فسرى إلى نصيب الشريك

غرم له قيمة نصيبه ثم رجعا عن الشهادة غرما قيمة العبد جميعه، وقال بعض أصحاب الشافعي تلزمهما غرامة نصيبه دون نصيب شريكه لأنهما لم يشهدا إلا بعتق نصيبه فلم تلزمهما غرامة ما سواه ولنا أنهما فوتا عليه نصيبه وقيمة نصيب شريكه فلزمهما ضمانة كما لو فوتاه بفعلهما وكما لو شهدا عليه بجرح ثم سرى الجرح ومات المجروح فضمن الدية ثم رجعا عن شهادتهما (فصل) وإن شهد شاهدان على ميت بعتق عبد في مرض موته وهو ثلث ماله فحكم الحاكم بشهادتهما وعتق العبد ثم شهد آخران بعتق آخر وهو ثلث ماله ثم رجع الأولان عن الشهادة نظرنا في تاريخ شهدتهما فإن كانت سابقة ولم يكذب الورثة رجوعهما عتق الأول ولم يقبل رجوعهما ولم يغرما شيئاً ويحتمل أن يلزمهما شراء الثاني وإعتاقه لأنهما منعا عتقه بشهادتهما المرجوع عنها وإن صدقوهما في رجوعهما وكذبوهما في شهادتهما عتق الثاني ورجعوا عليهما بقيمة الأول لأنهما فوتا رقه عليهم بشهادتهما المرجوع عنها وإن كان تاريخها متأخراً عن الشهادة الأخرى بطل حكم عتق المحكوم بعتقه لأننا تبينا أن الميت قد أعتق ثلث ماله قبل إعتاقه ولم يغرم الشاهدان شيئاً لأنهما ما فوتا شيئا وإن كانتا مطلقتين أو إحداهما أو اتفق تاريخهما أقرع بينهما فإن خرجت على الثاني عتق وبطل عتق الأول ولا شئ على الشاهدين لأن الأول باق على الرق وإن خرجت قرعة الأول عتق

ونظرنا في الورثة فإذا كذبوا الشاهدين الأولين في شهادتهما عتق الثاني ورجعوا على الشاهدين بقيمة الأول لأنهما فوتا رقه بغير حق وإن كذبوهما في رجوعهما لم يرجعوا عليهما بشئ لأنهم يقرون بعتق المحكوم بعتقه. (فصل) قال الشيخ رضي الله عنه ويصح تعليق العتق بالصفات كدخول الدار ومجئ الأمطار لأنه عتق بصفة فصح كالتدبير وإذا علق عتقه على مجئ وقت كقوله أنت حر في رأس الحول لم يعتق حتى يجئ رأس الحول وله بيعه وهبته وإجارته ووطئ الأمة كالتدبير وبه قال الأوزاعي والشافعي وابن المنذر قال أحمد إذا قال لغلامه أنت حر إلى أن يقدم فلان ويجئ فلان وإلى رأس السنة وإلى رأس الشهر إنما يريد إذا جاء رأس السنة أو جاء رأس الهلال وإذا قال أنت طالق إذا جاء الهلال إنما يريد إذا جاء رأس الهلال وقال أسحاق كما قال أحمد وحكي عن مالك أنه قال إذا قال لعبده أنت حر في رأس الحول عتق في الحال والذي حكاه ابن المنذر عنه أنها إذا كانت جارية لم يطأها لأنه لا يملكها ملكاً تاماً ولا يهبها ولا يبيعها وإن مات السيد قبل الوقت كانت حرة عند الوقت من رأس المال وقد روي عن أحمد أنه لا يطؤها لأن ملكه غير تام عليها والأول أصح لما روي عن أبي ذر أنه قال لعبده أنت عتيق إلى رأس الحول فلولا أن العتق يتعلق بالحول لم يعلقه عليه ولأنه علق العتق بصفة فوجب أن يتعلق بها كما لو قال إذا أديت إلي ألفا فأنت حر واستحقاقه للعتق لا يمنع اباحة الوطئ كالاستيلاد وأما المكاتبة فإنما لم يبح وطؤها لأنها اشترت نفسها من سيدها بعوض وزال ملكه عن إكسابها بخلاف مسئلتنا، ومتى جاء الوقت وهو في ملكه

مسألة: وإذا علق عتق عبده بشرط كقوله إن أديت إلي الفا فأنت حر أو إن دخلت الدار فأنت حر فهي صفة لازمة ألزمها نفسه ولا يملك إبطالها بالقول قياسا على النذر

عتق بغير خلاف نعلمه فإن خرج عن ملكه ببيع أو ميراث لم يعتق. وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وقال النخعي وابن أبي ليلى إذا قال لعبده إن فعلت كذا فأنت حر فباعه بيعاً صحيحاً ثم فعل ذلك عتق وانتقض البيع قال ابن أبي ليلى إذا حلف بالطلاق لا كلمت فلاناً ثم طلقها طلاقاً بائناً ثم كلمه حنث وعامة أهل العلم على خلاف هذا لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا طلاق ولا عتاق ولا بيع فيما لا يملك ابن آدم) ولأنه لا ملك له فلم يقع طلاقه وعتاقه كما لو لم يكن له مال متقدم. (فصل) وإذا قال لعبده إن لم أضربك عشرة أسواط فأنت حر ولم ينو وقتاً بعينه لم يعتق حتى يموت وإن باعه قبل ذلك صح بيعه ولم يفسخ في قول أكثر أهل العلم وقال مالك ليس له بيعه فإن باعه فسخ البيع. ولنا انه باعه قبل وجود الشرط فلم يفسخ كما لو قال إن دخلت الدار فأنت حر وباعه قبل دخولها (مسألة) (وإذا علق عتق عبده بشرط كقوله إن أديت إلي ألفا فأنت حر أو إن دخلت الدار فأنت حر فهي صفة لازمة ألزمها نفسه ولا يملك إبطالها بالقول قياساً على النذر) ولذلك إن اتفق السيد والعبد على إبطالها لم تبطل لذلك ولو أبرأه السيد من الألف لم يعتق بذلك ولم يبطل التعليق لأنه لا حق له في ذمته يبرئه منه

(فصل) ولا يعتق قبل وجود الصفة بكمالها فلو قال لعبده إذا أديت إلي ألفا فأنت حر لم يعتق حتى يؤدي الألف جميعها، وذكر القاضي أن من أصلنا أن العتق المعلق بصفة يوجد بوجود بعضها كما لو قال أنت حر إن أكلت رغيفاً فأكل نصفه ولا يصح ذلك لوجوه (أحدها) أن أداء الألف شرط العتق وشروط الأحكام يعتبر وجودها بكمالها لثبوت الاحكام وتنتفي بانتفائها كسائر شروط الاحكام (الثاني) أنه إذا علقه على وصف ذي عدد فالعدد وصف في الشرط ومن علق الحكم على شرط ذي وصف لم يثبت ما لم توجد الصفة كقوله لعبده إن خرجت عارياً فأنت حر فخرج لابساً لم يعتق فكذلك العدد (الثالث) أنه متى كان في اللفظ ما يدل على الكل لم يحنث بفعل البعض كما لو حلف لا صليت صلاة أو لا صمت صياماً لم يحنث حتى يفرغ مما سمي صلاة ويصوم يوماً، ولو قال لامرأته إن حضت حيضة فأنت طالق لم تطلق حتى تطهر من الحيضة، وذكر الألف ههنا يدل على أنه أراد الفاً كاملة (الرابع) ان الأصل الذي ذكره فيما - إذا قال إن أكلت رغيفاً فأنت حر أنه يعتق بأكل بعضه - ممنوع وإنما إذا حلف لا يفعل شيئاً ففعل بعضه يحنث في رواية في موضع يحتمل إرادة البعض ويتناوله اللفظ كمن حلف لا يصلي فشرع في الصلاة أو لا يصوم فشرع في الصيام أو لا يشرب ماء هذا الإناء فشرب بعضه ونحو هذا لأن الشارع في الصلاة والصيام قد صلى وصام ذلك الجزء

الذي شرع فيه والقدر الذي شربه من الإناء هو ماء الإناء وقرينة حاله تقتضي المنع من الكل فتقتضي الامتناع من الكل ومتى فعل البعض فما امتنع من الكل فحنث لذلك ولو حلف على فعل شئ لم يبر إلا بفعل الجميع وفي مسئلتنا تعليق الحرية على أداء الالف يقتضي وجود أدائها فلا يثبت الحكم المعلق عليها دون أدائها كمن حلف ليؤدين ألفاً لا يبر حتى يؤديها (الخامس) ان موضع الشرط في الكتاب والسنة وأحكام الشريعة على أنه لا يثبت المشروط بدون شرطه كقول النبي صلى الله عليه وسلم (من قال لا إله إلا الله دخل الجنة) فلو قال بعضها لم يستحق إلا العقوبة وقوله (من أحيا أرضاً ميتة فهي له) لا تكون له بشروعه في الإحياء، ولو قال في المسابقة من سبق إلى خمس إصابات فهو سابق لم يكن سابقاً إذا سبق إلى أربع ولو قال من رد ضالتي فله دينار لم يستحقه بالشروع في ردها فكيف يخالف موضوعات الشرع واللغة بغير دليل؟ وإنما الرواية التي جاءت عن أحمد في الإيمان فيمن حلف أن لا يفعل شيئاً ففعل بعضه: يحنث لأن اليمين على الترك يقصد بها المنع فنزلت منزلة النهي والنهي عن فعل شئ يقتضي المنع من بعضه بخلاف تعليق المشروط على الشرط (فصل) وما يكتسبه العبد قبل وجود الشرط فهو لسيده لأنه لا يوجد عقد يمنع كون كسبه لسيده إلا أنه إذا علق عتقه على أداء مال معلوم فما أخذه السيد حسبه من المال فإذا كمل أداء المال عتق، وما فضل في يده لسيده لأنه كسب عبده، وإن كان المعلق عتقه أمة فولدت لم يتبعها ولدها في أحد

مسألة: إلا أن تكون الصفة وجدت منه في حال زوال ملكه فهل تعود بعوده؟ على روايتين

الوجهين لأنها أمة قن فأشبه ما لو قال إن دخلت الدار فأنت حرة ولا تجب عليها قيمة نفسها لأنه عتق من السيدد فأشبه ما لو باشر العتق (فصل) إذا علق عتقه بصفة ثم باعه ثم اشتراه ووجدت الصفة عتق وبهذا قال أبو حنيفة وقال الشافعي فيها قولان (أحدهما) لا يعتق لأن ملكه قيه متأخر عن عقد الصفة فلم يقع العتق فيه كما لو عقد الصفة في حال زوال ملكه عنه ولنا أنه علق الصفة في ملكه وتحقق الشرط في ملكه فوجب أن يعتق كما لو لم يزل ملكه عنه، وفارق ما إذا علقها في حال زوال ملكه لأنه لو نجز العتق لم يقع. فإذا علقه كان أولى بعدم الوقوع بخلاف مسئلتنا (مسألة) (إلا أن تكون الصفة وجدت منه في حال زوال ملكه فهل تعود بعوده؟ على روايتين) (إحداهما) لا تعود لأنها انحلت بوجودها فلم تعد كما لو انحلت بوجودها في ملكه (والثانية) تعود لأنه لم توجد الصفة التي يعتق بها فأشبه ما لو عاد إلى ملكه قبل وجود الصفة ولأن الملك مقدر في الصفة فكأنه قال إذا دخلت الدار وأنت في ملكي فأنت حر ولم يوجد ذلك وقد روي عن أحمد في الطلاق أنه يقع لأن التعليق والشرط وجدا في ملكه فأشبه ما لو لم يتخللهما دخول ومن نصر الرواية الأولى قال إن العتق معلق بشرط لا يقتضي التكرار فإذا وجد مرة انحلت اليمين وقد

مسألة: وتبطل الصفة بالموت

وجد الدخول في ملك غيره فانحلت اليمين فلم يقع العتق به بعد ذلك ويفارق العتق الطلاق من حيث إن النكاح الثاني ينبني على النكاح الأول بدليل أن طلاقه في النكاح الأول يحتسب عليه في النكاح الثاني وينقص به عدد طلاقه والملك باليمين بخلافه (مسألة) (وتبطل الصفة بالموت) لأن ملكه يزول بموته فتبطل تصرفاته بزواله كالبيع (مسألة) (وإن قال إن دخلت الدار فأنت حر بعد موتي أو أنت حر بعد موتي بشهر فهل يصح ويعتق بذلك؟ على روايتين) إذا قال إن دخلت الدار بعد موتي فأنت حر لم تنعقد هذه لأنه علق عتقه على صفة توجد بعد زوال ملكه فلم يصح كما لو قال إن دخلت الدار بعد بيعي إياك فأنت حر ولأنه إعتاق له بعد قرار ملك غيره عليه فلم يعتق به كالمنجز (والثانية) يعتق ذكره القاضي وهو مذهب الشافعي لأنه صرح بذلك فحمل عليه كما لو وصى باعتاقه وكما لو وصى ببيع سلعة ويتصدق بثمنها ويفارق التصرف بعد البيع فإن الله تعالى جعل للإنسان التصرف بعد موته في ثلثه بخلاف ما بعد البيع والأول أصح إن شاء الله تعالى ويفارق الوصية بالعتق وبيع السلعة لأن الملك لا يستقر للورثة فيه ولا يملكون التصرف فيه بخلاف مسئلتنا وسنذكر ذلك بأبسط من هذا في التدبير إن شاء الله تعالى وعنه يصح لأنه إعتاق

بعد الموت فصح كما لو قال أنت حر بعد موتي، وإن قال أنت حر بعد موتي بشهر فقد روي عن أحمد في رواية مهنا أنه لا يعتق ولا تصح هذه الصفة، وقال أيضاً سألت أحمد عن رجل قال أنت حر بعد موتي بشهر بألف درهم فقال هذا كله لا يكون شيئاً بعد موته وهذا اختيار أبي بكر، وذكر القاضي وابن أبي موسى رواية أخرى أنه يعتق إذا وجدت الصفتين بعد الموت ومضت المدة المذكورة وهذا قول الثوري وابي يوسف واسحاق ووجههما ما تقدم وقال أصحاب الرأي لا يعتق حتى يعتقه الوارث وعلى قول من قال يعتق يكون قبل العتق ملكاً للوارث وكسبه له كأم الولد والمدبر في حياة السيد وإن كان أمة فولدت قبل وجود الصفة فولدها يتبعها في التدبير ويعتق بوجود الصفة كما تعتق هي والله سبحانه أعلم (فصل) إذا قال لعبد له مقيد هو حر إن حل قيده ثم قال هو حر إن لم يكن في قيده عشرة أرطال فشهد شاهدان عند الحاكم أن وزن قيده خمسة أرطال فحكم بعتقه وأمر بحل قيده فوزن فوجد وزنه عشرة أرطال عتق العبد بحل قيده وتبينا أنه ما عتق بالشرط الذي حكم الحاكم بعتقه به وهل يلزم الشاهدين ضمان قيمته؟ فيه وجهان (أحدهما) يلزمهما لأن شهادتهما الكاذبة سبب عتقه

مسألة: وإن قال إن دخلت الدار فأنت حر بعد موتي فدخل في حياة السيد صار مدبرا

وإتلافه فضمنا كالشهادة المرجوع عنها ولأن عتقه حكم بحكم الحاكم المبني على الشهادة الكاذبة فأشبه الحكم بالشهادة التي يرجعان عنها وهذا قول أبي حنيفة (والثاني) لا ضمان عليهما وهو قول أبي يوسف ومحمد لأن عتقه لم يحصل بالحكم المبني على شهادتهما وإنما حصل بحل قيده ولم يشهدا به فوجب أن لا يضمنا كما لو لم يحكم الحاكم (فصل) وإن قال لعبده أنت حر متى شئت لم يعتق حتى يشاء بالقول فمتى شاء عتق سواء كان الفور أو التراخي وإن قال أنت حر إن شئت فكذلك ويحتمل أن يقف على المجلس لأن ذلك بمنزلة التخيير ولو قال لامرأته اختاري نفسك لم يكن لها الاختيار إلا على الفور فإن تراخى ذلك بطل خيارها كذا تعليقه بالمشيئة وإن قال أنت حر كيف شئت احتمل أن يعتق في الحال وهو قول أبي حنيفة لان كيف الا تقتضي شرطاً ولا وقتاً ولا مكاناً فلا تقتضي توقيف العتق إنما هي صفة للحال فتقتضي وقوع الحرية على أي حال كان ويحتمل أن لا يعتق حتى يشاء وهو قول أبي يوسف ومحمد لأن المشيئة تقتضي الخيار فتقتضي أن يعتق قبل اختياره كما لو قال أنت حرمتي شئت لأن كيف تعطي ما تعطي حتى وأي فحكمهما حكمها وقد ذكر أبو الخطاب في الطلاق أنه إذا قال لزوجته أنت طالق متى شئت وكيف شئت وحيث شئت لم تطلق حتى تشاء فيجئ ههنا مثله (مسألة) (وإن قال إن دخلت الدار فأنت حر بعد موتي فدخل في حياة السيد صار مدبراً)

مسألة: وإن قال إن ملكت فلانا فهو حر أو كل مملوك أملكه فهو حر فهل يصح؟ على روايتين

لانه وجد شرط التدبير وهو دخول الدار وإن لم يدخل حتى مات بطلت الصفة لأنه يزول به الملك ولم يوجد التدبير لعدم شرطه وسنذكره في التدبير إن شاء الله تعالى (مسألة) (وإن قال إن ملكت فلانا فهو حرا أو كل مملوك أملكه فهو حر فهل يصح؟ على روايتين) (إحداهما) لا يصح ولا يعتق روى ذلك عن ابن عباس وبه قال سعيد بن المسيب والحسن وعطاء وعروة والشافعي وابن المنذر ورواه الترمذي عن علي وجابر بن عبد الله وعلي بن الحسين وشريح وغير واحد من التابعين قال وهو قول أكثر أهل العلم لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا عتق فيما لا يملك ولا طلاق لابن آدم فيما لا يملك) قال الترمذي وهو حديث حسن وهو أحسن ما روي في هذا الباب، وعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا طلاق فيما لا يملك ابن آدم وإن عينها) رواه الدارقطني، وعن علي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا طلاق قبل نكاح) وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا طلاق قبل ملك) رواه أبو داود الطيالسي قال أحمد هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم وعدة من الصحابة ولأنه قول من سمينا من الصحابة ولم نعرف لهم مخالفاً فكان إجماعاً وهذا ظاهر المذهب ولأنه لا يملك بتخيير العتق فلم يملك تعليقه (والثانية) يعتق إذا ملكه لأنه أضاف العتق إلى حال يملك عتقه فيه فأشبه ما لو كان التعليق في ملكه، وروى أبو طالب عن أحمد أنه قال إن اشتريت هذا الغلام فهو حر فاشتراه عتق

مسألة: فإن قال العبد ذلك ثم عتق وملك عتق في أحد الوجهين قياسا على الحر والثاني: لا يعتق وهو الصحيح

قال أبو بكر في كتاب الشافعي لا يختلف قول أبي عبد الله ان العتاق يقع إلا ما روى محمد بن الحسن ابن هارون في العتق أنه لا يقع وما أراه إلا غلطاً فإن كان قد حفظ فهو قول آخر ولأنه لو قال لأمته أول ولد تلدينه فهو حر فإنه يصح كذلك هذا وهو قول الثوري وأصحاب الرأي ولأنه يصح تعليقه على الإخطار فصح تعليقه على حدوث الملك كالوصية والنذر واليمين وقال مالك إن خص جنساً من الأجناس أو عبداً بعينه عتق إذا ملكه وإن قال كل عبد املكه لم يصح والأول أصح إن شاء الله تعالى لأنه تعليق للعتق قبل الملك فأشبه ما لو قال لأمة غيره: إن دخلت الدار فأنت حرة ثم ملكها ودخلت الدار ولما ذكرنا من الأحاديث (مسألة) (فإن قال العبد ذلك ثم عتق وملك عتق في أحد الوجهين قياساً على الحر (والثاني) لا يعتق وهو الصحيح) لأن العبد لا يصح العتق منه حين التعليق لكونه لا يملك وإن ملك فهو ملك ضعيف غير مستقر لا يتمكن من التصرف فيه وللسيد انتزاعه منه بخلاف الحر (فصل) إذا قال الحر أول غلام أملكه فهو حر انبنى ذلك على العتق قبل الملك وفيه روايتان ذكرناهما فإن قلنا يصح عتق أول من يملكه لوجود الشرط فإن ملك اثنين معاً عتق أحدهما بالقرعة في قياس قول أحمد فإنه قال في رواية مهنا إذا قال أول من يطلع من عبيدي فهو حر فطلع اثنان منهم أو جميعهم فإنه يقرع بينهم ويحتمل أن يعتقا جميعاً لأن الأولية وجدت فيهما جميعاً فثبتت الحرية

مسألة: وإن قال: آخر مملوك أشتريه فهو حر، فملك عبيدا لم يعتق واحد منهم حتى يموت

فيهما كما لو قال في المسابقة من سبق فله عشرة فسبق اثنان اشتركا في العشرة، وقال النخعي يعتق أيهما شاء وقال أبو حنيفة لا يعتق واحد منهما لأنه لا أول فيهما لأن كل واحد منهما مساو للآخر ومن شرط الأولية سبق الأول ولنا أن هذين لم يسبقهما غيرهما فكانا أول كالواحد وليس من شرط الأول أن يأتي بعده ثان بدليل ما لو ملك واحداً ولم يملك بعده شيئاً، وإذا وجدت الصفة فيهما فإما أن يعتقا جميعاً أو يعتق أحدهما وتعينه القرعة على ما نذكره، وكذلك الحكم فيما إذا قال أول ولد تلدينه فهو حر فولدت اثنين خرجا معاً (مسألة) (وإن قال آخر مملوك أشتريه فهو حر فملك عبيداً لم يعتق واحد منهم حتى يموت) لأنه ما دام حياً فإنه يحتمل أن يشتري عبداً يكون هو الآخر فإذا مات عتق آخرهم وتبينا أنه كان حراً حين ملكه فتكون اكسابه له وإن كان أمة كان أولادها أحراراً من حين ولدتهم لأنهم أولاد حرة وإن كان وطئها فعليه مهرها لانه وطئ حرة أجنبية ولا يحل له أن يطأها إذا اشتراها حتى يشتري بعدها غيرها لأنه ما لم يشتر بعدها غيرها فهي آخر في الحال وإنما يزول ذلك بشراء غيرها فوجب أن يحرم الوطئ وإن اشتري اثنين دفعة واحدة ثم مات فالحكم في عتقهما كالحكم فيما إذا ملك اثنين في الفصل الذي قبله

(فصل) إذا قال أول ولد تلدينه فهو حر فولدت اثنين واشكل أولهما خروجاً أخرج بالقرعة كالتي قبلها فإن علم أولهما خروجاً عتق وحدة وهو قول مالك والثوري وابي هاشم والشافعي وابن المنذر وقال الحسن والشعبي وقتادة إذا ولدت ولدين في بطن فهما حران ولنا أنه إنما أعتق الأول والذي خرج سابقاً هو الأول من المولودين فاختص العتق به فهو كما لو ولدتهما في بطنين فإن ولدت الأول ميتاً والثاني حياً فذكر الشريف أنه يعتق الحي منهما وبه قال أبو حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد والشافعي لا يعتق واحد منهما وهو الصحيح قاله شيخنا لأن شرط العتق إنما وجد في الميت وليس محلاً للعتق فانحلت اليمين به وإنما قلنا إن شرط العتق وجد فيه لأنه أول ولد بدليل أنه إذا قال لأمته إذا ولدت فأنت حرة فولدت ولداً ميتاً عتقت، ووجه الأول أن العتق يستحيل في الميت فتعلقت اليمين بالحي كما لو قال إن ضربت فلاناً فعبدي حر فضربه حياً عتق وإن ضربه ميتاً لم يعتق ولأنه معلوم من طريق العادة أنه قصد عقد يمينه على ولد يصح العتق فيه وهو أن يكون حياً فتصير الحياة مشروطة فيه فكأنه قال أول ولد تلدينه حياً (فصل) فإن قال لأمته كل ولد تلدينه فهو حر عتق كل ولد ولدته في قول جمهور العلماء منهم مالك والاوزاعي والليث والثوري والشافعي قال إبن المنذر لا أحفظ عن غيرهم خلافهم فإن باع الأمة ثم ولدت لم يعتق ولدها لأنها ولدتهم بعد زوال ملكه

مسألة: فإن قال لأمته: آخر ولد تلدينه فهو حر، فولدت حيا ثم ميتا، لم يعتق الأول

(مسألة) (فإن قال لأمته آخر ولد تلدينه فهو حر فولدت حياً ثم ميتاً لم يعتق الأول) لأنه لم يوجد شرط عتقه وعلى قياس قول الشريف وابي حنيفة فيما إذا قال أول ولد تلدينه فهو حر فولدت ميتاً ثم حياً يعتق الحي وإن ولدت ميتاً ثم حياً عتق الثاني لوجود شرطه وإن ولدت توأمين فأشكل الآخر منهما فإن أحدهما استحق العتق ولم يعتق بعينه فوجب اخراجه بالقرعة وسيأتي ذلك إن شاء الله تعالى (مسألة) (ولا يتبع ولد المعتقة بالصفة أمه في العتق في أصح الوجهين إلا أن تكون حاملاً به حال عتقها أو حال تعليق عتقها) إذا علق عتق أمة بصفة وهي حامل تبعها ولدها في ذلك لأنه كعضو من أعضائها فإن وضعته قبل وجود الصفة ثم وجدت الصفة عتق لأنه تابع في الصفة فأشبه ما لو كان في البطن وإن كانت حائلاً حين التعليق ثم وجدت الصفة وهي حامل عتقت هي وحملها لأن العتق وجد فيها وهي حامل فتبعها ولدها كالمنجز فإن حملت بعد التعليق وقبل وجود الصفة ثم وجدت بعد ذلك لم يعتق الولد لأن الصفة لم تتعلق به في حال التعليق، وفيه وجه آخر أنه يتبعها في العتق لا في الصفة فإذا ولم توجد فيها لم توجد فيه بخلاف ولد المدبرة فإنه يتبعها في التدبير وإذا بطل فيها بقي فيه

مسألة: وإذا قال لعبده: أنت حر وعليك ألف أو على ألف عتق ولا شيء عليه. وعنه إن لم يقبل لم يعتق

(مسألة) وإذا قال لعبده أنت حر وعليك ألف أو على ألف عتق ولا شئ عليه وعنه إن لم يقبل لم يعتق) إذا قال لعبده أنت حر وعليك ألف عتق ولا شئ عليه لأنه أعتقه بغير شرط وجعل عليه عوضاً لم يقبله فعتق ولم يلزمه الألف هكذا ذكر المتأخرون من أصحابنا ونقل جعفر بن محمد قال سمعت أبا عبد الله قيل له إذا قال أنت حر وعليك ألف درهم فقال جيد قيل له فإن لم يرض العبد قال لا يعتق إنما قال له على أن يؤدي إليه ألفاً فإن لم يود فلا شئ فإن قال أنت حر على ألف فكذلك في إحدى الروايتين لأن على ليست من أدوات الشرط ولا البدل فأشبه قوله وعليك ألف والثانية ان قبل العتق عتق ولزمته الألف وإن لم يقبل لم يعتق وهذا قول مالك والشافعي وأبي حنيفة وهذه الرواية هي الصحيحة لأنه أعتقه بعوض فلم يعتق بدون قبوله كما لو قال أنت حر بألف ولأن على تستعمل للشرط والعوض قال الله تعالى (قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا) وقال (فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا) وقال (إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج) ولو قال في النكاح زوجتك ابنتي على خمسمائة درهم وقال الآخر قبلت صح النكاح ووجب الصداق

مسألة: وإن قال: على أن تخدمني سنة فكذلك

(مسألة) (وإن قال على أن تخدمني سنة فكذلك) وقيل ان لم يقعل لم يعتق رواية واحدة فعلى هذا إذا قبل العبد عتق في الحال ولزمته خدمته سنة وإن مات السيد قبل كمال السنة رجع على العبد بقيمة ما بقي من الخدمة وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة تسقط قيمة العبد على خدمة السنة فيسقط منها بقدر ما مضى ويرجع عليه بما بقي من قيمته ولنا أن العتق عقد لا يلحقه الفسخ فإذا تعذر فيه استيفاء العوض رجع إلى قيمته كالخلع في النكاح والصلح في دم العبد فإذا قال أنت حر على أن تعطيني ألفاً فالصحيح أنه لا يعتق حتى يقبل فإذا قبل عتق ولزمه الألف فأما إن قال أنت حر بألف لم يعتق حتى يقبل ويلزمه الألف (فصل) قال رضي الله عنه وإذا قال كل مملوك لي حر عتق عليه مكاتبوه ومدبروه وأمهات أولاده وشقص يملكه لأن اللفظ عام فيهم فعتقوا كما لو عينهم وذكر ابن أبي موسى في الارشادان الشقض لا يعتق إلا ان ينوبه لأنه لا يملكه كله والأول المذهب

مسألة: وإن قال: أحد عبدي حر، أقرع بينهما، فمن وقعت له القرعة، فهو حر من حين أعتقه

(مسألة) (وإن قال أحد عبدي حر اقرع بينهما فمن وقعت له القرعة فهو حر من حين أعتقه) إذا قال أحد عبدي حر ولم ينو واحداً بعينه عتق أحدهم بالقرعة وليس للسيد التعيين ولا للوارث بعده، فإن قال أردت هذا بعينه قبل منه وعتق لأن ذلك إنما يعرف من جهته وقال أبو حنيفة والشافعي للمعتق التعيين ويطالب بذلك فيعتق من عينه وإن لم يكن نواه حالة القول وإذا عتق بتعيينه فليس لسائر العبيد الاعتراض عليه لأن له تعيين العتق ابتداء فإذا أوقعه غير معين كان له تعيينه كالطلاق ولنا أن مستحق العتق غير معين فلم يملك تعيينه ووجب أن يميز بالقرعة كما لو أعتق الجميع في مرضه ولم يخرجوا من الثلث وكما لو أعتق معيناً ثم نسيه والطلاق كمسئلتنا فإن مات المعتق ولم يعين

فالحكم عندنا لا يختلف وليس للورثة التعيين بل يخرج المعتق بالقرعة وقد نص الشافعي على هذا إذا قالوا لا ندري أيهم أعتق وقال أبو حنيفة لهم التعيين لأنهم يقومون مقام موروثهم وقد سبق الكلام في المعتق وقوله من حين أعتقه يريد أن العبد إن كان اكتسب مالاً بعد العتق فهو له دون سيده لأنا تبينا أنه اكتسبه في حال الحرية (فصل) ولو أعتق إحدى إمائة غير معينة ثم وطئ إحداهن لم يتعين الرق فيها وبه قال أبو حنيفة

مسألة: وإن مات أحد العبدين أقر بينه وبين الحي فإن وقعت على الميت حسبناه من التركة وقومناه حين الإعتاق سواء مات في حياة سيده أو بعده قبل القرعة

وقال الشافعي يتعين الرق فيها لأن الحرية عنده تتعين بتعيينه ووطؤه دليل على تعيينه وقد سبق الكلام معه (مسألة) (وإن مات أحد العبدين أقرع بينه وبين الحي فإن وقعت على الميت حسبناه من التركة وقومناه حيت الإعتاق سواء مات في حياة سيده أو بعده قبل القرعة) وبهذا قال الشافعي وقال مالك إن مات قبل موت سيده فالحي جميع التركة ولا يعتق إلا ثلثه ولا يعتبر الميت لأنه ليس بمحسوب من التركة ولهذا لو أعتق الحي بعد موته لأعتقنا ثلثه

ولنا أن الميت أحد المعتقين فوجب أن يقرع بينه وبين الحي كما لو مات بعد سيده ولأن المقصود من العتق تحصيل ثوابه وهو يحصل في حق الميت فيدخل في القرعة كالذي مات بعد سيده فعلى هذا إن خرجت القرعة على الميت حسبناه من التركة وقومناه حين الإعتاق لأنه حين الإتلاف وإن وقعت على الحي نظرت في الميت فإن كان موته قبل موت سيده أو بعده قبل قبض الوارث له لم نحسبه من التركة لأنه لم يصل إلى الوارث فتكون التركة الحي وحده فيعتق ثلثه وتعتبر قيمته حين الإعتاق لأنه حين اتلافه وتعتبر قيمة التركة بأقل الأمرين من حين الموت إلى حين قبض

الوارث لأن الزيادة تجددت على ملك الوارث فلم تحسب عليه من التركة والنقصان قبل القبض فلم يحصل له فأشبه الشارد والآبق وإنما يحسب عليه ما حصل في يديه ولا يحسب الميت من التركة لأنه وصل إليهم وجعلناه كالحي في تقويمه معه والحكم باعتاقه إن وقعت القرعة عليه أو من الثلثين إن وقعت القرعة على غيره وتحسب قيمته أقل الأمرين من حين موت سيده إلى حين قبضه

مسألة: وإن أعتق عبدا أو نسيه أخرج بالقرعة

(فصل) فإن دبر ثلاثة أعبد أو وصى بعتقهم فمات أحدهم في حياته بطل تدبيره والوصية فيه وأقرع بين الحيين وأعتق من أحدهما ثلثهما لأن الميت لا يمكن الحكم بوقوع العتق فيه لكونه مات قبل الوقت الذي يعتق فيه، وقبل تحقق شرط العتق بخلاف التي قبلها فإن العتق حصل من حين الإعتاق وإنما القرعة تبينه وتكشفه ولهذا يحكم بعتقه من حين الإعتاق ويكون كسبه له وحكمه حكم الأحرار في سائر أحواله، وإن مات المدبر بعد موت سيده أقرع بينه وبين الأحياء لأن العتق حصل من حين موت السيد (مسألة) (وإن اعتق عبداً أو نسيه أخرج بالقرعة) هذا قياس قول أحمد وهو قول الليث، وقال الشافعي يقف الأمر حتى يذكر فإن مات قبل أن يبين أقرع الورثة بينهم، وقال ابن وهب يعتقون كلهم، وقال مالك إن أعتق عبداً له ومات ولم يبين وكانوا ثلاثة عتق منهم بقدر ثلثهم وإن كانوا أربعة عتق منهم بقدر ربع قيمتهم وعلى هذا فيقرع بينهم فإن خرجت القرعة على من قيمته أقل من الربع أعيدت القرعة حتى يكمل وقال أصحاب الرأي إن قال الشهود نشهد أن فلاناً أعتق بعض عبيده ونسيناه فشهادتهم باطلة ونحو هذا قول الشعبي والاوزاعي ولم يذكروا ما ذكره أصحاب الرأي في الشهادة

مسألة: فإن علم بعد أن المعتق غيره عتق وهل يبطل عتق الأول؟ على وجهين

ولنا أن مستحق العتق غير معين فأشبه ما لو أعتق جميعهم في مرض موته (مسألة) (فإن علم بعد أن المعتق غيره عتق وهل يبطل عتق الأول؟ على وجهين) (أحدهما) يبطل ويرد إلى الرق ويعتق الذي عينه لأنه تبين له المعتق فيعتق دون غيره كما لو لم يقرع (والثاني) يعتقان معاً قاله الليث ومقتضى قول ابن حامد لأن الأول ثبتت الحرية فيه بالقرعة فلا تزول كسائر الأحرار، ولان قول العتق ذكرت من كنت نسيته يتضمن إقراره بحرية من ذكره وإقراراً على غيره فقبل إقراره على نفسه دون غيره. أما إذا لم يقرع فإنه يقبل قوله فيعتق من عينه ويرق غيره فإذا قال أعتقت هذا عتق ورق الباقون، وإن قال أعتقت هذا لا بل هذا عتقا جميعاً لأنه أقر بعتق الأول فلزمه ثم أقر بعتق الثاني فلزمه ولم يقبل رجوعه عن إقراره الأول وكذلك الحكم في إقرار الوارث (فصل) قال الشيخ رضي الله عنه (وإن أعتق في مرض موته ولم يجز الورثة اعتبر من ثلثه) إذا أعتق في مرض الموت المخوف اعتبر من الثلث إذا لم يجز الورثة وكذلك التدبير والوصية بالعتق لأنه تبرع بمال أشبه الهبة ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجز من عتق الذي أعتق ستة مملوكين في مرضه إلا ثلثهم وما زاد على الثلث إن أجازوه فإن ردوه بطل لأن الحق لهم فجاز بإجازتهم وبطل بردهم

مسألة: وإن أعتق جزءا من عبده أو دبره وهو أن يقول إذا مت فنصف عبدي حر ثم مات فإن كان النصف المدبر ثلث ماله من غير زيادة عتق ولم يسر

(مسألة) (وإن أعتق جزءاً من عبده أو دبره وهو أن يقول إذا مت فنصف عبدي حر ثم مات فإن كان النصف المدبر ثلث ماله من غير زيادة عتق ولم يسير) لانه لو دبره كله لم يعتق منه إلا ثلثه فإذا لم يدبر إلا ثلثه كان أولى، وإن كان العبد كله يخرج من الثلث ففي تكميل الحرية روايتان (إحداهما) تكمل وهو قول أكثر الفقهاء منهم أبو حنيفة وأصحابه لأنهم يرون التدبير كالعتق في السراية وهو أحد قولي الشافعي لأنه أعتق البعض عبده فعتق جميعه كما لو أعتقه في حياته (والثانية) لا يكمل العتق فيه لأنه لا يمنع جواز البيع قلم يسير كتعليقه بالصفة في الحياة فأما إن أعتق بعض عبده في مرضه فهو كعتق جميعه أن خرج من الثلث عتق جميعه وإلا عتق منه بقدر الثلث لأن الإعتاق في المرض كالإعتاق في الصحة إلا في اعتباره من الثلث، وتصرف المريض في ثلثه في حق الأجنبي كتصرف الصحيح في جميع ماله وعنه لا يعتق منه إلا ما أعتق كما لو أعتق شركاً له في عبد وثلثه يحتمل جميعه (فصل) وإذا دبر أحد الشريكين نصيبه صح ولم يلزمه لشريكه في الحال شئ وهذا قول الشافعي فإذا مات عتق الجزء المدبر إذا خرج من ثلثه وفي سرايته إلى نصيب الشريك ما ذكرنا في المسألة قبلها وقال مالك إذا دبر نصيبه تقاوماه فإن صار للمدبر صار مدبراً كله وإن صار للآخر صار

مسألة: وإن أعتق في مرضه شركا له في عبد أو دبره وثلثه يحتمل باقيه أعطي الشريك وكان جميعه حرا في إحدى الروايتين والأخرى لا يعتق إلا ما ملك منه

رقيقاً كله وقال الميث يغرم المدبر لشريكه قيمة نصيبه ويصير العبد كله مدبراً فإن لم يكن له مال سعى العبد في قيمة نصيب الشريك فإذا أداها صار مدبراً كله، وقال أبو يوسف ومحمد يضمن المدبر للشريك قيمة حقه موسراً كان أو معسراً ويصير المدبر له، وقال أبو حنيفة الشريك بالخيار إن شاء دبر وإن شاء أعتق وإن شاء استسعى العبد وإن شاء ضمن صاحبه إن كان موسراً، ولنا أنه تعليق المعتق على صفة فصح في نصيبه كما لو علقه بموت شريكه (مسألة) وإن أعتق في مرضه شركا له في عبد أو دبره وثلثه يحتمل باقيه أعطي الشريك وكان جميعه حراً في أحدى الروايتين والأخرى لا يعتق إلا ما ملك منه) وجملته أنه إذا ملك شقصاً من عبد فأعتقه في مرض موته أو دبره أو وصى بعتقه ثم مات ولم يف ثلث ماله بقيمة نصيب الشريك لم يعتق إلا نصيبه بغير خلاف نعلمه إلا قولاً شاذاً أو قول من يرى السعاية وذلك لأنه ليس له من ماله إلا الثلث الذي استغرقته قيمة الشقص فيبقى معسراً بمنزلة من أعتق في صحته شقصاً وهو معسر فإن كان ثلث ماله يفي بقيمة حصة شريكه سرى إلى نصيب الشريك في إحدى الروايتين فيعتق العبد كله ويعطي الشريك قيمة نصيبه من الثلث لأن ملك المعتق لثلث المال تام له انتصرف فيه بالتبرع وغيره فهو كمال الصحيح فأشبه عتق الصحيح الموسر والثانية لا يعتق إلا حصته لأن ملكه يزول إلى ورثته بموته فلا يبقى شئ يقضي منه الشريك وبه قال الأوزاعي

مسألة: وإن أعتق في مرضه ستة أعبد قيمتهم سواء وثلثه يحتملهم ثم ظهر عليه دين يستغرقهم بيعوا في دينه ويحتمل أن يعتق ثلثهم

وقال القاضي ما أعتقه في مرض موته سرى وما دبره أو وصى بعتقه لم يسر فالرواية في سراية العتق في حال الحياة أصح والرواية في وقوفه في التدبير أصح وهذا مذهب الشافعي لأن العتق في الحياة ينفذ في حال ملك المعتق وصحة تصرفه وتصرفه في ثلثه كتصرف الصحيح في ماله كله وأما التدبير والوصية فإنما يحصل العتق به في حال زوال ملك المعتق وتصرفاته. (مسألة) (وإن اعتق في مرضه ستة أعبد قيمتهم سواء وثلثه يحتملهم ثم ظهر عليه دين يستغرقهم بيعوا في دينه ويحتمل أن يعتق ثلثهم) وجملة ذلك أن المريض إذا أعتق عبيده في مرضه أو دبرهم أو وصى بعتقهم وهم يخرجون من ثلثه في الظاهر فأعتقناهم ثم مات فظهر عليه دين يستغرقهم تبينا بطلان عتقهم وبقاء رقهم فيباعون في الدين ويكون عتقهم وصية والدين يقدم على الوصية قال علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالدين قبل الوصية ولأن الدين يقدم على الميراث بالاتفاق ولهذا تباع التركة في قضاء الدين وقد قال الله تعالى (من بعد وصية يوصى بها أو دين) والميراث مقدم على الوصية في الثلثين فما يقدم على الميراث يجب أن يقدم على الوصية، وبهذا قال الشافعي ورد ابن أبي ليلى عبداً أعتقه سيده عند الموت وعليه دين قال أحمد أحسن ابن أبي ليلى وذكر أبو الخطاب رواية أخرى في الذي يعتق عبده في مرضه وعليه دين أنه يعتق منه بقدر الثلث ويرد الباقي لأن تصرف المريض في ثلثه

كتصرف الصحيح في جميع ماله وكما لو لم يكن عليه دين، وقال قتادة وأبو حنيفة واسحاق بسعي العبد في قيمته. ولنا أنه تبرع في مرض موته بما يعتبر خروجه من الثلث فقدم عليه الدين كالهبة ولأنه معتبر من الثلث فقدم عليه الدين كالوصية وخفاء الدين لا يمنع ثبوت حكمه ولهذا يملك الغريم استيفاءه فيتبين أنه أعتقهم وقد استحقهم الغريم بدينه فلم ينفذ عتقه كما لو أعتق ملك غيره فإن قال الورثة نحن نقضي الدين ونمضي العتق لم ينفذ في أحد الوجهين حتى يبتدئوا العتق لأن الدين كان مانعاً منه فيكون باطلاً ولا يصح بنوال المانع بعده (والثاني) ينفذ العتق لأن المانع منه إنما هو الدين فإذا سقط وجب نفوذه كما لو أسقط الورثة حقوقهم من ثلثي التركة بعد العتق في الجميع ولأصحاب الشافعي وجهان كهذين وقيل إن أصل الوجهين إذا تصرف الورثة في التركة ببيع أو غيره وعلى الميت دين وقضي الدين هل ينفذ؟ فيه وجهان: (فصل) فإن أعتق المريض ثلاثة أعبد لا مال له غيرهم فأقرع الورثة فأعتقوا واحداً وأرقوا اثنين ثم ظهر عليه دين يستغرق نصفهم ففيه وجهان: (أحدهما) تبطل القرعة لأن الدين شريك في الإقراع فإذا حصلت القسمة مع عدمه كانت باطلة

مسألة: وإن أعتقهم فأعتقنا ثلثهم ثم ظهر له مال يخرجون من ثلثه عتق من أرق منهم

كما لو قسم شريكان دون شريكهما الثالث (والثاني) يصح الإقراع لأنه لا يمكن إمضاء القسمة وإفراد حصة الدين من كل واحد من النصيبين لأن القرعة دخلت لأجل العتق دون الدين فيقال للورثة اقضوا ثلثي الدين وهو بقدر قيمة نصف العبدين اللذين بقيا إما من العبيد وإما من غيرهم ويجب رد نصف العبد الذي عتق فإن كان الذي أعتق عبدين أقرعنا بينهما فإذا خرجت القرعة على أحدهما وكان بقدر السدس من التركة عتق وبيع الآخر في الدين وإن كان أكثر منه عتق منه بقدر السدس وإن كان أقل عتق وعتق من الآخر تمام السدس. (مسألة) (وإن أعتقهم فأعتقنا ثلثهم ثم ظهر له مال يخرجون من ثلثه عتق من أرق منهم) وجملته أنه إذا أعتق عبيده في مرضه أو دبرهم أو وصى بعتقهم لم يعتق منهم إلا الثلث ويرق الثلثان إذا لم يجز الورثة عتقهم فإذا فعلنا ذلك ثم ظهر له مال بقدر ثلثيهم تبينا أنهم قد عتقوا من حين أعتقهم أو من حين موته إن كان دبرهم أو وصى بعتقهم لأن تصرف المريض في ثلث ماله نافذ وقد بان أنهم ثلث ماله وخفا ذلك علينا لا يمنع كونه موجوداً فلا يمنع كون العتق واقعاً فعلى هذا يكون حكمهم حكم الأحرار من حين أعتقهم فيكون كسبهم لهم وإن كانوا قد تصرف فيهم ببيع أو هبة أو رهن أو تزويج بغير إذن كان باطلاً وإن كانوا قد تصرفوا فحكم تصرفهم حكم تصرف الأحرار فلو تزوج عبد منهم بغير إذن سيده كان نكاحه صحيحاً ووجب عليه المهر وإن ظهر له مال

بقدر قيمتهم عتق ثلثاهم لأنه ثلث جميع المال فيقرع بين الذين وقفوا فيعتق من تقع له القرعة إن وفى الثلثان بقيمته وقيمة الأول وإلا عتق منه تمام الثلثين وإن ظهر له مال بقدر نصفهم عتق نصفهم وإن كان بقدر ثلثهم عتق أربعة أتساعهم وعلى هذا الحساب (فصل) وإن وصى بعتق عبد له يخرج من الثلث وجب على الوصي إعتاقه فإن وصى بذلك ورثته لزمهم إعتاقه فإن امتنعوا أجبرهم السلطان أو من ينوب منابه كالحاكم لأن هذا حق لله تعالى وللعبد ومن وجب عليه ذلك ناب السلطان عنه أو نائبه كالزكاة والديون فإذا أعتقه الوارث أو السلطان عتق وما اكتسبه في حياة الموصي فهو للموصي يكون من تركته إن بقي بعده لأنه كسب عبده القن وما كسبه بعد موته وقبل اعتاقه فهو للوارث وقال القاضي هو للعبد لأنه كسبه بعد استقرار سبب العتق فكان له ككسب المكاتب وقال بعض أصحاب الشافعي فيه قولان مبنيان على القولين في كسب العبد الموصى به قبل قبول الوصية. ولنا أنه عبد قن فكان كسبه للورثة كغير الموصى بعتقه وكالمعلق عتقه بصفة وفارق المكاتب فإنه يملك كسبه قبل عتقه فكذلك بعده ويبطل ما ذكروه بأم الولد فإن عتقها قد استقر سببه في حياة سيدها وكسبها له والموصى به ممنوع وإن سلمناه فالفرق بينهما أن الموصى به قد تحقق فيه سبب الملك وإنما وقف على شرط هو القبول فإذا وجد الشرط استند الحكم إلى ابتداء السبب وفي الوصية

مسألة: وإن لم يظهر له مال، جزأنا له ثلاثة أجزاء كل اثنين جزءا وأقرعنا بينهم بسهم حرية وسهمي رق فمن خرج له سهم الحرية عتق ورق الباقون

بالعتق ما وجد السبب وإنما أوصى بإيجاده وهو العتق فإذا وجد لم يجز أن يثبت حكمه سابقاً عليه ولهذا يملك الموصى له القبول بنفسه والعبد ههنا لا يملك أن يعتق نفسه فإن مات العبد قبل موت سيده وقبل إعتاقه فما كسبه للورثة على قولنا ولا نعلم قول مخالفينا فيه (فصل) فإن علق عتق عبده على شرط في صحته فوجد في مرضه اعتبر خروجه من الثلث قاله أبو بكر وقد نص أحمد على مثل هذا في الطلاق وقال أبو الخطاب فيه وجه آخر أنه يعتق من رأس المال وهو مذهب الشافعي لأنه يتهم فيه أشبه العتق في صحته ولنا أنه عتق في حال تعلق حق الورثة بثلثي ماله فاعتبر من الثلث كالمنجز وقولهم لا يتهم فيه قلنا وكذلك العتق المنجز لا يتهم فيه فإن الإنسان لا يتهم بمحاباة غير الوارث وتقديمه على وارثه وإنما منع منه لما فيه من الضرر بالورثة وهو حاصل ههنا ولو قال إذا قدم زيد وأنا مريض فأنت حر فقدم وهو مريض كان معتبراً من الثلث وجهاً واحداً (مسألة) وإن لم يظهر له مال جزأنا لهم ثلاثة أجزاء كل اثنين جزءاً وأقرعنا بينهم بسهم حرية وسهمي رق فمن خرج له سهم الحرية عتق ورق الباقون وبه قال عمر بن عبد العزيز وأبان بن عثمان ومالك والشافعي

واسحاق وداود وابن جرير وقال أبو حنيفة يعتق من كل واحد ثلثه ويستسعى في باقيه وروي نحو هذا عن سعيد بن المسيب وشريح الشعبي والنخعي وقتادة وحماد لأنهم تساووا في سبب الاستحقاق فيتساوون في الاستحقاق كما لو كان لا يملك إلا ثلثهم وحده وهو ثلث ماله أو كما لو وصى بكل واحد منهم لرجل، وأنكر أصحاب أبي حنيفة القرعة وقالوا هي من القمار وحكم الجاهلية ولعلهم يردون الخبر الوارد في هذه المسألة لمخالفته قياس الأصول وذكر الحديث لحماد فقال هذا قول الشيخ - يعني إبليس - فقال له محمد بن ذكوان وضع القلم عن ثلاثة (أحدهم) المجنون حتى يفيق يعني - أنك مجنون - فقال له حماد ما دعاك إلى هذا؟ فقال محمد وأنت ما دعاك إلى هذا وهذا قليل في جواب حماد وكان حرياً أن يستتاب عن هذا، فإن تاب وإلا ضربت عنقه. ولنا ما روى عمران بن حصين أن رجلاً من الأنصار أعتق ستة مملوكين في مرضه لا مال له غيرهم فجزأهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة أجزاء فأعتق اثنين وأرق أربعة وهذا نص في محل الننزاع وحجة لنا في الأمرين المختلف فيهما وهما جمع الحرية واستعمال القرعة، وهو حديث صحيح رواه مسلم وأبو داود وسائر أصحاب السنن، ورواه عن عمران بن الحصين الحسن وابن سيرين وأبو المهلب ثلاثة أئمة ورواه الإمام أحمد عن اسحاق بن عيسى عن هشيم عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي زيد الأنصاري

رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وروي نحوه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولأنه حق في تفريقه ضرر فوجب جمعه بالقرعة كقسمة الإجبار إذا طلبها أحد الشركاء ونظيره من القسمة ما لو كانت دار بين اثنين لأحدهما ثلثها وللآخر ثلثاها وفيها ثلاثة مساكن متساوية لا ضرر في قسمتها فطلب أحدهما القسمة فإنه يجعل كل بيت سهماً ويقرع بينهم بثلاثة أسهم لصاحب الثلث سهم وللأخر سهمان وقولهم إن الخبر يخالف قياس الأصول نمنع ذلك بل هو موافق لما ذكرناه وقياسهم فاسد لأنه إذا كان ملكهم ثلثهم وحده لم يكن جميع نصيبه والوصية لا ضرر في تفريقها بخلاف مسئلتنا وإن سلمنا مخالفته قياس الأصول فقول رسول الله صلى الله عليه وسلم واجب الاتباع سواء وافق القياس أو خالفه لأنه قول المعصوم الذي جعل الله عزوجل قوله حجة على الخلق أجمعين وأمر بأتباعه وطاعته وحذر العقاب في مخالفة أمره وجعل الفوز في طاعته والضلال في معصيته وتطرق الخطأ إلى القائس في قياسه أغلب من تطرق الخطأ إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والأئمة بعدهم في روايتهم على أنهم قد خالفوا قياس الأصول بأحاديث ضعيفة فأوجبوا الوضوء بالنبيذ في السفر دون الحضر ونقضوا الوضوء بالقهقهة في الصلاة دون خارجها وقولهم في مسئلتنا في مخالفة القياس والأصول أشد وأعظم والضرر في مذهبهم أعظم وذلك لأن الاجماع منعقد على أن صاحب الثلث في الوصية وما في معناها لا يحصل له شئ حتى

يحصل للورثة مثلاه وفي مسئلتنا يعتقون الثلث ويستسعون العبد في الثلثين فلا يحصل للورثة شئ في الحال ويحيلونهم على السعاية فربما لا يحصل منها شئ أصلاً وربما لا يحصل منها في الشهر إلا اليسير كالدرهم والدرهمين فيكون هذا كمن لم يحصل له شئ وفيه ضرر على العبيد لأنهم يجبرونهم على الكسب والسعاية من غير اختيارهم وربما كان المجبر جارية فيحملها ذلك على البغاء أو عبداً فيسرق أو يقطع الطريق وفيه ضرر على الميت حيث أفضوا بوصيته إلى الظلم والإضرار وتحقيق ما يوجب له العقاب من ربه والدعاء عليه من عبيده وورثته، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي ذكرناه في حق الذي فعل هذا قال (لو شهدته لم يدفن في مقابر المسلمين) قال ابن عبد البر في قول الكوفيين ضروب من الخطأ والاضطراب مع مخالفة السنة الثابتة وأشار إلى ما ذكرناه وأما إنكارهم القرعة فقد جاءت في الكتاب والسنة والإجماع، قال الله تعالى (وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم) وقال سبحانه (فساهم فكان من المدحضين) وأما السنة فقال أحمد في القرعة خمس سنن أقرع بين نسائه وأقرع في ستة مملوكين وقال لرجلين (استهما) وقال (مثل القائم بحدود الله والمداهن فيها كمثل قوم استهموا على سفينة) وقال (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول لاستهموا عليه) وفي حديث الزبير أن صفية جاءت بثوبين ليكفن فيهما حمزة فوجدنا إلى جنبه قتيلاً فقلنا لحمزة ثوب وللأنصاري ثوب فوجدنا أحد الثوبين أوسع من الآخر فأقرعنا عليهما ثم

كفنا كل واحد في الثوب الذي طار له وتشاح الناس يوم القادسية في الأذان فأقرع بينهم سعد وأجمع العلماء على استعمالها في القسمة ولا نعلم بينهم خلافاً في أن الرجل يقرع بين نسائه إذا أراد السفر بإحداهن وإذا أراد البداية في القسمة بينهن وبين الأولياء إذا تشاموا فيمن يتولى التزويج أو من يتولى استيفاء القصاص وأشباه هذا. (فصل) في كيفية القرعة قال أحمد قال سعيد بن جبير يقرع بينهم بالخواتيم أقرع بين اثنين في ثوب فأخرج خاتم هذا وخاتم هذا ثم قال يخرجون بالخواتيم ثم تدفع إلى رجل فيخرج منها واحداً قال احمد بأي شئ خرجت مما يتفقان عليه وقع الحكم به سواء كان رقاعاً أو خواتيم، وقال أصحابنا المتأخرون الأولى أن يقطع رقاعاً صغاراً مستوية ثم تجعل في بنادق شمع أو غيره متساوية القدر والوزن ثم تلقى في حجر رجل لم يحضر ويغطى عليها بثوب ثم يقال له أدخل يدك فاخرج بندقة فنفضها ونعلم ما فيها، وهذا قول الشافعي وفي كيفية القرعة والعتق ست مسائل. (أحدها) أن يعتق عدداً من العبيد لهم ثلث صحيح كثلاثة أو تسعة أو ستة (أو قيمتهم متساوية) ولا مال له غيرهم فيجزءون ثلاثة أجزاء جزءاً للحرية وجزأين للرق ويكتب ثلاث رقاع في واحد حرية وفي اثنين رق وتترك في ثلاث بنادق وتغطي بثوب ويقال لرجل لم يحضر أخرج على اسم هذا الجزء فإن خرجت قرعة الحرية عتق ورق الجزآن الآخران وإن خرجت رق رق وأخرجت

أخرى على جزء آخر فإن خرجت رقعة الحرية عتق ورق الجزء الثالث وإن خرجت قرعة الرق رق وعتق الجزء الثالث لأن الحرية تعينت فيهم وإن شئت كتبت اسم كل جزء في رقعة ثم اخرجت رقعة على الحرية فإذا أخرجت رقعة عتق المسمون فيها ويرق الباقون وإن اخرجت رقعة على الرق رق المسمون فيها ثم تخرج أخرى على الرق فيرق المسمون فيها ويعتق الجزء الثالث وإن أخرجت الثانية على الحرية عتق المسمون فيها ورق الثالث (المسألة الثانية) أن تمكن قسمتهم أثلاثاً وقيمتهم مختلفة يمكن تعديلهم بالقيمة كستة قيمة اثنين منهم ثلاثة آلاف وقيمة اثنين ألفان وقيمة اثنين ألف فتجعل الاثنين الأوسطين جزءاً وتجعل اثنين قيمة أحدهما ثلاثة الآف مع آخر قيمته ألف جزءاً والآخرين جزءاً فتكون ثلاثة أجزاء متساوية في العدد والقيمة على ما قدمناه في المسألة الأولى قيل لأحمد لم يستووا في القيمة؟ قال يقومون بالثمن. (المسألة الثالثة) أن يتساووا في العدد ويختلفوا في القيمة ولا يمكن الجمع بين تعديلهم بالعدد والقيمة معاً ولكن يمكن تعديلهم بكل واحد منهما منفرداً كستة أعبد قيمة أحدهم ألف وقيمة اثنين ألف وقيمة ثلاثة ألف فإنهم يعدلون بالقيمة دون العدد نص عليه أحمد فقال إذا كانت قيمة واحد مثل اثنين قوم لأنه لا يجوز أن يقع العتق في أكثر من الثلث ولا أقل وفي قسمته بالعدد تكرار القرعة وتبعيض العتق حتى يكمل الثلث فكان التعديل بالقيمة أولى بيان ذلك أنا لو جعلنا مع الذي قيمته

ألف آخر فخرجت قرعة الحرية لهما احتجنا أن نعيد القرعة بينهما فإذا خرجت على القليل القيمة عتق وعتق من الذي قيمته ألف تمام الثلث وإن وقعت قرعة الحرية على اثنين قيمتهما دون الثلث عتقا ثم أعيدت لتكميل الثلث فإذا وقعت على واحد كملت الحرية منه فحصل ما ذكرناه من التبعيض والتكرار، ولأن قسمتهم بين المشتركين فيهم أنما يعدلون فيها بالقيمة دون الأجزاء فعلى هذا تجعل الذي قيمته ألف جزءاً والاثنين اللذين قيمتهما ألف جزءاً والثلاثة الباقين جزءاً ثم يقرع بينهم على ما ذكرنا. (المسألة الخامسة) أمكن تعديلهم بالعدد دون القيمة كستة أعبد قيمة اثنين ألف وقيمة اثنين سبعمائة وقيمة اثنين خمسمائة فههنا تجزئهم بالعدد لتعذر تجزئتهم بالقيمة فتجعل كل اثنين جزءاً وتضم كل واحد ممن قيمتهما قليلة إلى واحد ممن قيمتهما كثيرة وتجعل المتوسطين جزءاً وتقرع بينهم فإن وقعت قرعة الحرية على حر قيمته أكثر من الثلث أعيدت القرعة بينهما فعتق من تقع له قرعة الحرية ويعتق من الآخر تتمة الثلث ويرق باقيه والباقون وإن وقعت الحرية على جزء أقل من الثلث عتقا جميعاً ثم يكمل الثلث من الباقين بالقرعة (المسألة السادسة) لم يمكن تعديلهم بالعدد ولا بالقيمة كخمسة أعبد قيمة أحدهم ألف واثنان

مسألة: وإن كانوا ثمانية فإن شاء أقرع بينهم بسهمي حرية وخمسة رق وسهم لمن ثلثاه حرن وإن شاء جزأهم أربعة أجزاء فأقرع بينهم بسهم حرية وثلاثة رق ثم أعاد القرعة لأخراج من ثلثاه حر وإن فعل غير ذلك جاز بأن يجعل ثلاثة جزءا وثلاثة جزءا واثنين جزءا فإن خرجت

ألف واثنان ثلاثة الآف فيحتمل أن تجزئهم ثلاثة أجزاء فتجعل أكثرهم قيمة جزءاً وتضم إلى الثاني أقل الباقين قيمة وتجعلهما جزءاً والباقين جزءاً وتقرع بينهم بسهم حرية وسهمي رق لأن هذا أقرب إلى ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم ويعدل الثلث بالقيمة على ما تقدم ويحتمل أن لا يجزئهم بل يخرج القرعة على واحد واحد حتى يستوفى الثلث فيكتب خمس رقاع بأسمائهم ثم يخرج رقعة على الحرية فمن خرج اسمه فيها عتق ثم يخرج الثانية فمن خرج اسمه فيها عتق منه تمام الثلث (مسألة) (وإن كانوا ثمانية فإن شاء أقرع بينهم بسهمي حرية وخمسة رق وسهم لمن ثلثاه حر وإن شاء جزأهم أربعة أجزاء فأقرع بينهم بسهم حرية وثلاثة رق ثم أعاد القرعة لأخراج من ثلثاه حر وإن فعل غير ذلك جاز بأن يجعل ثلاثة جزءاً وثلاثة جزءاً واثنين جزءاً فإن خرجت على الاثنين عتقا وكمل الثلث بالقرعة من الباقين وإن خرجت الثلاثة أقرع بينهم بسهمي حرية وسهم رق فإن كان جميع ماله عبدين أقرعنا بينهم بسهم حرية وسهمي رق على كل حال (فصل) قد ذكرنا أنه إذا كان للمعتق مال غير العبيد مثلا قيمة العبيد عتقوا جميعهم لخروجهم من الثلث وإن كان أقل من مثليهم عتق من العبيد قدر ثلث المال كله فإذا كان العبيد نصف المال عتق ثلثاهم وإن كانوا ثلثي المال عتق نصفهم وإن كانوا ثلاثة أرباعه عتق أربعة أتساعهم وطريقه أن تضرب

قيمة العبيد في ثلاثة ثم تنسب إليه مبلغ التركة فما خرج بالنسبة عتق من العبيد مثلها فإذا كانت قيمة العبيد ألفاً وباقي التركة ألفين ضربت قيمة العبيد في ثلاثة تكن ثلاثة الآف ثم تنسب إليها الألفين تكن ثلثيها فيعتق ثلثاهم وإن كانت قيمة العبيد ثلاثة الآف وباقي التركة الف ضربنا قيمتهم في ثلاثة تكن تسعة وتنسب إليها التركة كلها تكن أربعة أتساعها وإن كانت قيمتهم أربعة الآف وباقي التركة ألف ضربت قيمتهم في ثلاثة تكن اثني عشر وتنسب إليها خمسة الآف تكن ربعها وسدس فيعتق ربعهم وسدسهم (فصل) فإن كان على الميت دين يحيط ببعض التركة قدم الدين لأن العتق وصيه وقد قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الدين قبل الوصية ولأن قضاء الدين واجب وهذا تبرع وتقديم الواجب متعين فإن كان الدين بقدر نصف العبيد جعلوا جزأين وكتب رقعتان رقعة للدين ورقعة للتركة ويخرج واحد منهما على أحد الجزأين فمن خرجت عليه رقعة الدين بيع فيه وكان الباقي جميع التركة يعتق ثلثهم بالقرعة على ما تقدم وإن كان الدين بقدر ثلثهم كتب ثلاث رقاع رقعة للدين واثنتان للتركة وإن كان بقدر ربعهم كتب أربع رقاع رقعة للدين وثلاث للتركة ثم يقرع بين من خرجت له رقاع التركة وإن كتب رقعة للدين ورقعة للحرية ورقعتين للتركة جاز وقيل لا يجوز لئلا تخرج رقعة الحرية قبل قضاء الدين والأول أصح لأنه انما إنما يمنع من قبل قضاء الدين إذا لم يكن له وفاء فأما إن كان له وفاء لم يمنع منه بدليل ما لو كان العتق في أقل من ثلث الباقي بعد وفاء الدين فإنه لا يمنع من العتق قبل وفائه

مسألة: وإن أعتق عبدين قيمة أحدهما مائتان والآخر ثلثمائة فأجاز الورثة عتقهما عتقا وإن لم يجز الورثة عتق ثلثهما وكمل الثلث في أحدهما فتجمع قيمتهما فتكون خمسمائة ثم يقرع بينهما فمن خرج له سهم الحرية ضربنا قيمته في ثلاثة ونسبنا قيمتهما إلى المرتفع بالضرب

(مسألة) (وإن اعتق عبدين قيمة أحدهما مائتان والآخر ثلثمائة فأجاز الورثة عتقهما عتقا وإن لم يجز الورثة عتق ثلثهما وكمل الثلث في أحدهما فتجمع قيمتهما فتكون خمسمائة ثم يقرع بينهما فمن خرج له سهم الحرية ضربنا قيمته في ثلاثة ونسبنا قيمتهما إلى المرتفع بالضرب فما خرج من النسبة عتق من العبد بقدره فإن وقعت على الذي قيمته مائتان ضربنا في ثلاثة صار ستمائة ونسبنا قيمتهما إلى ذلك تكن خمسة أسداسه فيعتق منه كذلك وإن وقعت على الآخر ضربنا قيمته في ثلاثة تكن تسعمائة ونسبنا قيمتهما وهي خمسمائة إلى ذلك نجدها خمسة اتساعه فيعتق منه ذلك وهو ثلث الجميع) لاننا إذا ضربنا قيمة العبدين وهي خمسمائة في ثلاثة كانت ألفاً وخمسمائة وهي جميع المال فالخمسمائة بالنسبة إليها ثلث وبالنسبة إلى الذي قيمته مائتان خمسة أسداسه بعد الضرب وإلى الآخر خمسة اتساعه وكل شئ أتى من هذا فسبيله أن يضرب في ثلاثة ليخرج بلا كسر وهذا قول من يرى جميع العتق في بعض العبيد بالقرعة وعند أبي حنيفة ومن وافقه يعتقان فيستسعيان في باقي قيمتهما وقد مضى الكلام معهم والله أعلم (مسألة) (وإن اعتق واحداً من ثلاثة أعبد غير معين فمات أحدهم في حياة السيد أقرع بينه وبين الحيين فإن وقعت رقعة العتق على الميت رق الآخران) لأن القرعة يبين بها من وقع عليه العتق فوجب أن يقرع بيتهم كما لو كانوا احياء فإذا وقعت القرعة على الميت تبين رق الآخرين لأن الحرية إنما تقع على المعتق وهذان لم يعتق واحد منهما وإن وقعت على أحد الحيين عتق إن خرج من الثلث وقد سبق شرح هذا فيما إذا قال أحد عبدي حر وذكرنا الخلاف فيه وإن أعتق الثلاثة في مرضه فمات أحدهم في حياة السيد فكذلك في قول أبي بكر لأن الحرية إنما تنفذ في الثلث فاشبه ما لو أعتق واحداً منهم قال شيخنا والأولى أن يقرع بين الحيين ويسقط حكم الميت لأنه اعتق الثلاثة والاعتبار في خروجه من الثلث بحالة الموت وحالة الموت إنما كان له

العبد ان الحيان وهما كل ما له فيقرع بينهما فمن وقعت عليه القرعة عتق إن خرج من الثلث وإلا عتق منه بقدر الثلث وإن بقي من الثلث شئ بعد عتقه عتق من الآخر بقدر ما بقي من الثلث وصار بمنزلة ما لو أعتق العبدين في مرضه ولم يكن له مال غيرهم (فصل) إذا دفع العبد إلى رجل مالاً فقال اشترني من سيدي بهذا المال فأعتقني ففعل لم يخل من أن يشتريه بعين المال أو في ذمته ثم ينقد المال فإن اشتراه في ذمته ثم أعتقه صح الشراء ونفذ العتق لأنه ملكه بالشراء فنفذ عتقه له وعلى المشتري أداء الثمن الذي اشتراه به لأنه لزمه الثمن بالبيع والذي دفعه إلى السيد كان ملكاً له لا يحتسب له به من اليمن فبقي الثمن واجباً عليه يلزمه اداؤه وكان العتق من ماله والولاء له وبه قال الشافعي وابن المنذر فأما إن اشتراه بعين المال فالشراء باطل ولا يصح العتق لأنه اشترى بعين مال غيره شيئاً بغير إذنه فلم يصح الشراء ولم ينفذ العتق لأنه اعتق مملوك غيره بغير إذنه ويكون السيد قد أخذ ماله لأن ما في يد العبد محكوم به لسيده فأما على الرواية التي تقول إن النقود لا تتعين بالتعيين فإنه يكون الحكم فيه كما لو اشتراه في ذمته ونحو هذا قال النخعي وإسحاق فإنهما قالا الشراء والعتق جائزان ويرد المشتري مثل الثمن من غير تفريق وقال الحسن البيع والعتق باطلان وقال الشعبي لا يجوز ذلك ويعاقب من فعله من غير تفريق أيضاً وقد ذكرنا ما يقتضي التفريق وفيه توسط بين المذهبين فكان أولى أو شاء الله تعالى (فصل) ولو كان العبد بين شريكين فأعطى العبد لأحدهما خمسين ديناراً على أن يعتق نصيبه منه فأعتقه عتق وسرى إلى باقيه إن كان موسراً ورجع عليه شريكه بنصف الخمسين وبنصف قيمة العبد لأن ما في يد العبد يكون بين سيديه لا ينفرد به أحدهما عن الآخر إلا أن نصيب المعتق ينفذ فيه

العتق وإن كان العوض مستحقاً إذ لم يقع العتق على عينها وإنما سمى خمسين ثم دفعها إليه وإن أوقع العتق على عينها يجب أن يرجع على العبد بقيمة ما أعتقه بالعوض المستحق ويسري العتق إلى نصيب شريكه ويكون ولاؤه للمعتق (فصل) ولو وكل أحد الشريكين شريكه في عتق نصيبه فقال الوكيل نصيبي حر عتق وسرى إلى نصيب شريكه والولاء له وإن أعتق نصيب الموكل عتق وسرى إلى نصيبه إن كان موسراً والولاء للموكل فإن أعتق نصف العبد ولم ينو شيئاً احتمل أن ينصرف إلى نصيبه لأنه لا يحتاج إلى نية ونصيب شريكه يفتقر إلى النية ولم ينو ويحتمل أن ينصرف إلى نصيب شريكه لأنه أمره بالإعتاق فانصرف إلى ما أمر به، ويحتمل أن ينصرف إليهما لأنهما تساويا وأيهما حكمنا بالعتق عليه ضمن نصيب شريكه، ويحمل أن لا يضمن لأن الوكيل إذا أعتق نصيبه فسرى إلى نصيب شريكه لم يضمنه لأنه مأذون له في العتق، وقد أعتق بالسراية فلم يضمن كمن أذن له في اتلاف شئ فأنه لا يضمنه وإن أتلفه بالسراية، وإذا عتق نصيب شريكه لم يلزم شريكه الضمان لأنه مباشر لسبب الإتلاف فلم يجب له ضمان ما تلف به كما لو قال له أجنبي أعتق عبدك فأعتقه

باب التدبير

(باب التدبير) وهو تعليق العتق بالموت وسمي تدبيراً لأن الوفاة دبر الحياة يقال دابر الرجل يدابر مدابرة إذا مات فسمي العتق بعد الموت تدبيراً والأصل فيه السنة والإجماع أما السنة فما روى جابر أن رجلاً أعتق مملوكاً له عن دبر فاحتاج فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من يشتريه مني؟) فباعه من نعيم بن عبد الله بثمانمائة درهم فدفعها إليه، وقال (أنت أحوج منه) متفق عليه وقال ابن النمذر أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم على أن من دبر عبده أو أمته ولم يرجع عن ذلك حتى مات والمدبر يخرج من ثلث ماله بعد قضاء دين إن كان عليه وإنفاذ وصاياه إن كان وصى وكان السيد بالغاً جائز الأمر أنه تجب له لحرية أولها (مسألة) (ويعتبر من الثلث) إنما يعتق المدبر إذا خرج من الثلث في قول أكثر أهل العلم يروي ذلك عن علي وابن عمر وبه قال شريح وابن سيرين والحسن وسعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز ومكحول والزهري وقتادة وحماد ومالك وأهل المدينة والثوري واهل العراق والشافعي واسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي

مسألة: ويصح من كل من تصح وصيته

وروى ابن مسعود ومسروق ومجاهد والنخعي وسعيد بن جبير أنه يعتق من رأس المال قياساً على أم الولد وكما لو أعتق في الصحة ولنا أنه تبرع بعد الموت فكان من الثلث كالوصية ويفارق العتق في الصحة فإنه لم يتعلق به حق غير المعتق فنفذ في الجميع كالهبة المنجزة والاستيلاد أقوى من التدبير لأنه ينفذ من المجنون بخلاف التدبير، ونقل حنبل عن أحمد أنه يعتق من رأس المال ولا عمل عليها قال أبو بكر هذا قول قديم رجع عنه إلى ما رواه الجماعة (فصل) فإن اجتمع العتق في المرض والتدبير قدم العتق لأنه أسبق فإن اجتمع التدبير والوصية بالعتق تساويا لأنهما جميعاً عتق بعد الموت ويحتمل أن يقدم التدبير لأن الحرية تقع فيه عقيب الموت من غير تأخر والوصية تقف على الإعتاق بعده (مسألة) (ويصح من كل من تصح وصيته) لأنه تبرع بالمال بعد الموت أشبه الوصية وقال الخرقي يصح تدبيره إذا جاوز العشر وكان بعرف التدبير وكذلك الجارية إذا جاوزت التسع وقال الشاففي في أحد قوليه يصح تدبير الصبي المميز قال بعض أصحابه هو أصح قوليه وهو إحدى الروايتين عن مالك وروي ذلك عن شريح وعبد الله بن عتبة وقال الحسن وابو حنيفة لا يصح تدبيره وهو إحدى الروايتين عن مالك والقول الثاني للشافعي لأنه لا يصح اعتاقه فلم يصح تدبيره كالمجنون

ولنا أن عمر رضي الله عنه أجاز وصية غلام من الانصار لاخواله من غسان بأرض يقال لها بئر جشم قومت ثلاثين ألفاً رواه سعيد بن منصور وكان الغلام ابن عشر سنين وروي اثنتي عشرة ولم يعرف له مخالف والتدبير في معنى الوصية وقد ذكرنا ذلك في كتاب الوصايا ويخالف التدبير العتق في الحياة لأن فيه تفويتاً لماله في حياته ووقت حاجته والوصية والتدبير لا ضرر عليه فيهما فإنه إن عاش لم يذهب شئ من ماله وإن مات فهو غير مستغن عن الثواب فيكون ذلك زيادة في رفع درجته وإنما خص الخرقي ابن عشر سنين لأنه يؤمر بالصلاة والجارية بتسع لقول عائشة إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة ولأنه سن يمكن بلوغها فيه ويتعلق به أحكام غير ذلك فأما المجنون فلا يصح شئ من تصرفاته فلذلك لم يصح تدبيره ويصح تدبير المحجور عليه للسفه لما ذكرنا في الصبي بل هو أولى بالصحة من الصبي لأنه مكلف وحاجته إلى الثواب أكثر من حاجة الصبي وصحة تدبير السكران مبنية على صحة وصيته وقد ذكرناه وكل من صح تدبيره فهو كالمكلف في صحة رجوعه قياسا علته (فصل) ويصح تدبير الكافر ذمياً كان أو حربياً في دار الإسلام وغيرها لأن له ملكاً صحيحاً فصح تصرفه فيه كالمسلم فإن قيل لو كان ملكه صحيحاً لم يملك عليه بغير اختياره قلنا هذا لا ينافي الملك بدليل أنه يملك في النكاح وتملك عليه زوجته بغير اختياره، وحكم تدبيره حكم تدبير المسلم على ما نذكره

مسألة: وصريحه لفظ العتق والحرية المعلقين بالموت كقوله: أنت حر أو عتيق أو معتق أو محرر بعد موتي فيصير بذلك مدبرا بلا خلاف نعلمه

(مسألة) وصريحه لفظ العتق والحرية المعلقين بالموت كقوله أنت حر أو عتيق أو معتق أو محرر بعد موتي فيصير بذلك مدبراً بلا خلاف نعلمه) وكذلك إن قال أنت مدبر أو قد دبرتك فإنه يصير مدبراً بمجرد اللفظ وإن لم ينوه هذا منصوص الشافعي وقال أصحابه فيه قول آخر إنه ليس بصريح يفتقر إلى النية لأنهما لفظان لم يكثر استعمالهما فافتقرا إلى النية كالكنايات ولنا أنهما لفظان وضعا لهذا العقد فلم يفتقر إلى النية كالبيع بخلاف الكنايات فإنها غير موضوعة له ويشاركها فيه غيرها فافتقرت إلى النية للتعيين وترجيح أحد المحتملين بخلاف الموضوع فإنه لا يفتقر إلى النية كلفظ العتق (مسألة) (ويصح مطلقاً ومقيداً) فالمطلق تعليق العتق بالموت من غير شرط آخر والمقيد ضربان أحدهما خاص مثل أن يقول إن مت من مرضي هذا أو في بلدي هذا أو في عامي هذا فأنت حر فهذا جائز على ما قال إن مات على الصفة التي شرطها عتق العبد وإلا فلا وقال مهنا سألت أحمد عمن قال لعبده أنت مدبر قال يكون مدبراً ذلك اليوم فإن مات في ذلك اليوم صار حراً يعني إذا مات السيد (الثاني) أن يعلق التدبير على صفة مثل أن يقول إن دخلت الدار فلت مدبر أو إن قدم زيد أو إن شفى الله مريضي فأنت حر بعد موتي فهذا لا يصير مدبراً في الحال لأنه علق التدبير على شرط

مسألة: وإن قال: متى شئت فأنت مدبر أو أنت حر بعد موتي، أو إذا شئت أو أي وقت شئت فهو تدبير بصفة، فمتى شاء في حياة سيده صار مدبرا يعتق بموته

فإذا وجد صار مدبراً وعتق بموت سيده وإن لم يوجد في حياة السيد ووجد بعد موته لم يعتق لأن إطلاق الشرط يقتضي وجوده في الحياة بدليل ما لو علق عليه عتقاً منجزاً فقال إذا دخلت الدار فأنت حر فدخلها بعد موته لم يعتق ولان المدير من علق عتقه بالموت وهذا قبل الموت لم يكن مدبراً وبعد الموت لا يمكن حدوت التدبير فيه (فصل) فإن قال لعبد إذا قرأت القرآن فأنت حر بعد موتي فقرأ القرآن جميعه صار مدبراً وإن قرأ بعضه لم يصر مدبراً، وإن قال إذا قرأت قرآنا فأنت حر بعد موتي فقرأ بعض القرآن صار مدبراً لأنه في الأولى عرفه بالألف واللام المقتضية للاستغراق فعاد إلى جميعه وههنا نكره فاقتضى بعضه فإن قيل فقد قال الله تعالى (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم - وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا) ولم يرد القرآن جميعه قلنا قضية اللفظ تتناول جميعه لأن الألف واللام للاستغراق وإنما حمل على بعضه بدليل فلا يحمل على البعض في غير ذلك الموضع بغير دليل ولأن قرينة الحال تقتضي قراءة جميعه لأن الظاهر أنه أراد ترغيبه في قراءة القرآن فتتعلق الحرية به أو مجازاته على قراءته بالحرية والظاهر أنه لا يجازي بهذا لامر الكثير ولا يرغب به إلا فيما يشق اما قراءة آية أو آيتين فلا (مسألة) (وإن قال متى شئت فأنت مدبر أو أنت حر بعد موتي أو إذا شئت أو أي وقت شئت فهو تدبير بصفة فمتى شاء في حياة سيده صار مدبراً يعتق بموته) لأن المشيئة هنا على التراخي فمتى وجدت المشيئة وجد الشرط فهو كما لو قال إن دخلت الدار فأنت حر بعد موتي فدخلها في حياة السيد وإن مات السيد قبل مشيئته بطلت الصفة كما لو مات في

مسألة: وإن قال: إن شئت فأنت مدبر فقياس المذهب أنه على التراخي كقوله متى شئت

في المسألة الأخرى قبل دخول الدار وإن قال متى شئت بعد موتي فأنت حر أو أي وقت شئت بعد موتي فهو تعليق للعتق على صفة بعد الموت وقد ذكرنا أنه لا يصح، وقال القاضي يصح فعلى قوله يكون ذلك التراخي فمتى شاء بعد موت سيده عتق وما كسب قبل مشيئته فهو لورثة سيده لأنه عبد قبل ذلك بخلاف الموصى به فإن في كسبه قبل القبول وجهين (أحدهما) يكون للموصي له لأنا تبينا ملكه حين الموت وههنا لا يثبت الملك قبل المشيئة وجهاً واحداً لأنه عتق معلق على شرط فلا يثبت العتق قبل الشرط وجهاً واحداً (مسألة) (وإن قال إن شئت فأنت مدبر فقياس المذهب أنه على التراخي كقوله متى شئت) وقال أبو الخطاب أن شاء في المجلس صار مدبراً وإلا فلا وكذلك قال القاضي في قوله إذا شئت وإن شئت فأنت حر بعد موتي على أنه على الفور إن شاء في المجلس صار مدبراً وإلا بطلت الصفة ولم يصر مدبراً بالمشيئة بعده بناء على قوله اختاري نفسك فإنه يقف على المجلس وهذا في معناه، وإن قال إن شئت بعد موتي أو إذا شئت بعد موتي فأنت حر كان على الفور أيضاً فمتى شاء عقيب موت سيده أو في المجلس صار حراً وإن تراخت مشيئته عن المجلس لم يثبت فيه حرية وذكر في الطلاق أنه إذا قال أنت طالق إن شئت وشاء أبوك فشاءا معاً وقع الطلاق سواء شاء على الفور أو التراخي أو شاء أحدهما على الفور والآخر على التراخي وهذا مثله فيخرج في كل مسألة مثل ما ذكره في الآخرى

مسألة: وإذا قال: قد رجعت في تدبيري أو أبطلته، لم يبطل لأنه تعليق للعتق بصفة وعنه أنه يبطل كالوصية

(فصل) وإذا قال لعبده إذا مت فأنت حر أولا؟ أو قال فأنت حر؟ أو لست بحر؟ لم يصر مدبراً لأنه استفهام ولم يقطع بالعتق فهو كما لو قال لزوجته أنت طالق أولا؟ وسنذكر ذلك في الطلاق (مسألة) (وإذا قال قد رجعت في تدبيري أو أبطلته لم يبطل لأنه تعليق للعتق بصفة وعنه أنه يبطل كالوصية) اختلفت الرواية عن أحمد في بطلان التدبير بالرجوع فيه قولاً فالصحيح أنه لا يبطل لأنه علق العتق بصفة فلا يبطل كما لو قال إن دخلت الدار فأنت حر (والثانية) يبطل لأنه جعل له نفسه بعد موته فكان ذلك وصية فجاز الرجوع فيه بالقول كما لو وصى له بعبد آخر وهو قول الشافعي القديم وقوله الجديد كالرواية الأولى وهو الصحيح كتعليقه بصفة في الحياة ولا يصح القول بأنه وصيه به لنفسه لأنه لا يملك نفسه وإنما تحصل فيه الحرية ويسقط عنه الرق ولهذا لا تقف الحرية على قبوله واختياره وتنجز عقيب الموت كتنجيزها عقيب سائر الشروط ولأنه غير ممتنع أن يجمع الامرين فيثبت فيه حكم التعليق في امتناع الرجوع ويجتمعان في حصول العتق بالموت.

(فصل) إذا قال السيد لمدبره إذا أديت إلى ورثتي كذا فأنت حر فهو رجوع عن التدبير وينبني على الروايتين إن قلنا إن له الرجوع بالقول بطل التدبير وإن قلنا ليس له الرجوع لم يؤثر هذا القول شيئاً، وإن دبره كله ثم رجع في نصفه صح إذا قلنا بصحة الرجوع في جميعه لأنه لما صح أن يدبر نصفه ابتداء صح أن يرجع في تدبير نصفه وإن غير التدبير فكان مطلقاً فجعله مقيداً إن قلنا يصح الرجوع وإلا فلا فإن كان مقيداً فأطلقه صح على كل حال لأنه زيادة فلا يمنع منها وإذا دبر الأخرس وكانت إشارته أو كتابته معلومة صح تدبيره ويصح رجوعه ان قلنا بصحة الرجوع في التدبير لإن إشارته وكتابته تقوم مقام نطق الناطق في أحكامه وإن دبر وهو ناطق ثم خرس صح رجوعه باشارته المعلومة أو كتابته وإن لم تفهم إشارته فلا عبرة بها لأنه لا يعلم رجوعه (فصل) وإذا رهن المدبر لم يبطل تدبيره لأنه تعليق للعتق بصفة فإن مات السيد وهو رهن عتق وأخذ من تركته قيمته فتكون رهناً مكانه لأن عتقه بسبب من جهة سيده فأشبه ما لو باشره بالعتق ناجزاً. (فصل) وإن ارتد المدبر ولحق بدار الحرب لم يبطل تدبيره لأن ملك سيده باق عليه ويصح تصرفه فيه بالعتق والهبة والبيع إن كان مقدوراً عليه فإن سباه المسلمون لم يملكوه لأنه مملوك لمعصوم ويرد إلى سيده إن علم به قبل قسمه ويستتاب فإن تاب وإلا قتل وإن لم يعلم به حتى قسم لم يرده

إلى سيده في أحدى الروايتين والأخرى إن اختار سيده أخذه بالثمن الذي حسب به على آخذه أخذه وإن لم يختر أخذه بطل تدبيره ومتى عاد إلى سيده بوجه من الوجوه عاد تدبيره وإن لم يعد إلى سيده بطل تدبير كما لو بيع وكان رقيقاً لمن هو في يده وإن مات سيده قبل سبيه عتق فإن سبي بعد هذا لم يرد إلى ورثة سيده لأن ملكه زال عنه بحريته فصار كأحرار دار الحرب ولكن يستتاب فإن تاب وأسلم صار رقيقاً يقسم بين الغانمين وإن لم يتب قتل ولم يجز استرقاقه لأنه لا يقر على كفره. وقال القاضي لا يجوز استرقاقه إذا أسلم. وهو قول للشافعي لأن في استرقاقه إبطال ولاء المسلم الذي أعتقه ولنا أن هذا لا يمنع قتله وإذهاب نفسه وولائه لا يمنع تملكه أولى ولأن المملوك الذي لم يعتقه سيده يثبت الملك فيه للغانمين إذا لم يعرف مالكه بعينه ويثبت فيه إذا قسم قبل العلم بمالكه والملك آكد من الولاء فلأن يثبت مع الولاء وحده أولى فعلى هذا لو كان المدبر ذمياً فلحق بدار الحرب ثم مات سيده أو أعتقه ثم قدر عليه المسلمون فسبوه ملكوه وقسموه، وعلى قول القاضي وقول الشافعي لا يملكوه فإن كان سيده ذمياً جاز استرقاقه في قول القاضي ولأصحاب الشافعي في استرقاقه وجهان: (أحدهما) يجوز وهذا حجة عليهم لأن عصمة مال الذمي كعصمة مال المسلم بدليل قطع سارقه سواء كان مسلماً أو ذمياً ووجوب ضمانه وتحريم تملك ماله إذا أخذه الكفار ثم قدر عليه المسلمون

مسألة: وله بيع المدبر وهبته وإن عاد إليه التدبير وعنه لا يباع إلا في الدين وعنه لا تباع الأمة خاصة

فأدركه صاحبه قبل قسمه قال القاضي الفرق بينهما أن سيده ههنا لو لحق بدار الحرب جاز تملكه فجاز تملك عتيقه بخلاف المسلم قلنا إنما جاز استرقاق سيده لزوال عصمته وذهاب عاصمه وهو ذمته وعهده وأما إذا ارتد مدبره فإن عصمة ولائه ثابته بعصمة من له ولاؤه وهو والمسلم في ذلك سواء فإذا جاز إبطال أحدهما جاز في الآخر مثله (فصل) فإن ارتد سيد المدبر فذكر القاضي أن المذهب أنه يكون موقوفاً فإن عاد إلى الإسلام فالتدبير باق بحاله وإلا تبينا أن ملكه لم يزل وإن قتل أو مات على ردته لم يعتق المدبر لأنا تبينا أن ملكه زال بردته وقال أبو بكر قياس قول أبي عبد الله أن تدبيره يبطل بالردة فإن عاد إلى الإسلام استأنف التدبير وقال الشافعي التدبير باق ويعتق بموت سيده لأن تدبيره سبق ردته؟ فهو كبيعه وهبته قبل ارتداده وهذا ينبني على القول في مال المرتد هل هو باق على ملكه أو قد زال بردته، وسيذكر في باب المرتد، فأما إن دبر في حال ردته فتدبيره مراعى، وإن عاد إلى الإسلام تبينا أن تدبيره وقع صحيحاً وإن قتل أو مات تبينا أنه وقع باطلاً ولم يعتق المدبر، وقال ابن أبي موسى تدبيره باطل وهو قول أبي بكر لأن المال يزول بالردة وإذا أسلم رد إليه تملكاً مستأنفاً (مسألة) (وله بيع المدبر وهبته وإن عاد إليه عاد التدبير وعنه لا يباع إلا في الدين وعنه لاتباع الأمة خاصة) اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في بيع المدبر فنقل عنه جماعة جواز بيعه مطلقاً في الدين

وغيره مع الحاجة وعدمها قال اسماعيل بن سعد سألت أحمد عن بيع المدبر إذا كان بالرجل حاجة إلى ثمنه فقال له أن يبيعه محتاجاً كان أو غير محتاج قال شيخنا وهذا هو الصحيح. وروي مثل هذا عن عائشة وعمر بن عبد العزيز وطاوس ومجاهد وهو قول الشافعي وكره بيعه ابن عمر وسعيد بن المسيب والشعبي والنخعي وابن سيرين والزهري والثوري والاوزاعي وأصحاب الرأي ومالك لأن ابن عمر روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا يباع المدبر ولا يشتري) ولأنه استحق العتق بموت سيده أشبه أم الولد؟ ولنا ما روى جابر أن رجلاً أعتق مملوكاً له عن دبر فاحتاج فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من يشتريه مني؟) فباعه من نعيم بن عبد الله بثمانمائة درهم فدفعها إليه وقال (أنت أحوج منه) متفق عليه قال جابر عبد قبطي مات عام أول في إمارة بن الزبير قال أبو إسحاق الجوزجاني صحت أحاديث بيع لمدبر ستقامة الطرق والخبر إذا ثبت استغني به عن غيره من رأي الناس ولأنه عتق بصفة ثبت بقول المعتق فلم يمنع البيع كما لو قال إن دخلت الدار فأنت حر ولأنه تبرع بمال بعد الموت فلم يمنع البيع في الحياة كالوصية قال أحمد هم يقولون من قال غلامي حر رأس الشهر فله بيعه قبل رأس الشهر فإن قال غداً فله بيعه اليوم وإن قال إذا مت قال لا يبيعه فالموت أكثر من الاجل ليس هذا قياساً إن جاز أن يبيعه قبل رأس الشهر فله أن يبيعه قبل محئ الموت وهم يقولون في من قال إن مت

من مرضي هذا فعبدي حر ثم لم يمت من مرضه ذلك فليس بشئ فإن قال إن مت فهو حر لا يباع هذا متناقض إنما أصله الوصية من الثلث فله أن يغير وصيته ما دام حياً فأما خبرهم فلم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو من قول ابن عمر قال الطحاوي هو عن ابن عمر وليس بمسند عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحتمل أنه أراد بعد الموت أو على الاستحباب ولا يصح قياسه على أم الولد لأن عتقها ثبت بغير اختيار سيدها وليس بتبرع ويكون من جميع المال ولا يمكن إبطاله بحال والتدبير بخلافه والهبة كالبيع لأنها تمليك في الحياة فأشبهت البيع وروي عنه رواية ثانية أنه لا يباع إلا في الدين وهو ظاهر كلام الخرقي وقال مالك لا يباع إلا في دين يغلب رقبة العبد فإذا كان العبد يساوي ألفاً وكان عليه خمسمائة لم يبع وروي عن أحمد أنه قال أنا أرى بيع المدبر في الدين وإذا كان فقيراً لا يملك شيئاً رأيت أن أبيعه لأن النبي صلى الله عليه وسلم باع المدبر لما علم أن صاحبه لا يملك شيئاً غيره، باعه النبي صلى الله عليه وسلم لما علم من حاجته وهذا قول إسحاق وأبي أيوب وأبي خيثمة وقال إن باعه من غير حاجة أجزناه وهذا مثل الرواية الأولى. ووجه قول الخرقي والرواية التي قال أحمد أنه يرى بيعه في الدين وإذا كان صاحبه فقيراً لا يملك غيره حديث جابر المذكور فإن النبي صلى الله عليه وسلم إنما باع المدبر عند الحاجة فلا يتجاوز به موضع الحاجة وعن أحمد رواية رابعة أن الأمة لا تباع خاصة قال شيخنا لا نعلم هذا

مسألة: وإن عاد إليه عاد التدبير

التفريق بين المدبر والمدبرة عن غير إمامنا رحمه الله وإنما احتاط في رواية المنع من بيعها لأن فيه إباحة فرجها وتسليط مشتريها على وطئها مع الخلاف في بيعها وحلها فكرة الإقدام على ذلك مع الاختلاف فيه والظاهر أن المنع منه كان على سبيل الورع لا على التحريم فإنه إنما قال لا يعجبني بيعها والصحيح جواز بيعها فإن عائشة باعت مدبرة لها سحرتها ولأن المدبرة في معنى المدبر فما ثبت فيه ثبت فيها (مسألة) (وإن عاد إليه عاد التدبير) لأنه علق عتقه بصفة فإذا باعه ثم عاد إليه عادت الصفة كما لو قال أنت حر إن دخلت الدار فباعه ثم اشتراه وذكر القاضي أن هذا مبني على أن التدبير تعليق بصفة وفيه رواية أخرى أنه وصية فيبطل بالبيع ولا يعود لأنه لو وصى بشئ ثم باعه بطلت الوصية ولم تعد بشرائه وهذا مذهب الشافعي إلا أن عود الصفة بعد الشراء له فيه قولان والصحيح أن الصفة تعود بعوده إلى ملكه لأن التدبير وجد فيه التعليق بصفة فلا يزول حكم التعليق بوجود معنى الوصية فيه بل هو جامع لأمرين وغير ممتنع وجود الحكم بسببين فيثبث حكمهما فيه (مسألة) (وما ولدت المدبرة بعد تدبيرها فهو بمنزلتها ولا يتبعها ولدها من قبل التدبير) وجملة ذلك أن الولد الحادث من المدبرة بعد تدبيرها لا يخلو من حالين (أحدهما) أن يكون موجوداً حال تدبيرها ويعلم ذلك بأن تأتي به لأقل من ستة أشهر من حين التدبير فهذا يدخل معها في

التدبير بغير خلاف لأنه كعضور من أعضائها فإن بطل التدبير في الأم لبيع أو موت أو رجوع بالقول لم يبطل في الولد لأنه ثبت أصلاً (الحال الثاني) أن تحمل به بعد التدبير فهذا يتبع أمه في التدبير ويكون حكمه حكمها في العتق بموت سيدها في قول أكثر أهل العلم روي ذلك عن ابن مسعود وابن عمر وبه قال سعيد بن المسيب والحسن والقاسم ومجاهد والشعبي والنخعي وعمر بن عبد العزيز والزهري ومالك والثوري والحمن ابن صالح وأصحاب الرأي وذكر القاضي أن حنبلاً نقل عن أحمد أن ولد المدبرة عبد إذا لم يشرط المولى قال فظاهر هذا أنه لا يتبعها ولا يعتق بموت سيدها وهذا قول جابر بن زيد وعطاء وللشافعي قولان كالمذهبين (أحدهما) لا يتبعها وهو اختيار المزني لأن عتقها يتعلق بصفة ثبت بقول المعتق وحده فأشبهت من عاق عتقها بدخول الدار قال جابر بن زيد إنما هو بمنزلة الحائط تصدقت به إذا مت فإن ثمرته لك ما عشت ولأن التدبير وصية وولد الموصى بها قبل الموت لسيدها ولنا ما روي عن عمر وابن عمر وجابر أنهم قالوا ولد المدبرة بمنزلتها ولم نعرف لهم في الصحابة مخالفاً فكان أجماعاً ولأن الأم استحقت الحرية بموت سيدها فيتبعها ولدها كأم الولد ويفارق التعليق بصفة في الحياة والوصية لأن التدبير آكد من كل واحد منهما لأنه اجتمع فيه الأحرار وما وجد فيه سببان آكد مما وجد فيه أحدهما ولذلك لا يبطل بالموت ولا بالرجوع عنه فعلى هذا إن بطل التدبير في الأم لمعنى اختص بها من بيع أو موت أو رجوع لم يبطل في ولدها ويعتق بموت سيدها كما لو كانت

أمه باقية على التدبير فإن لم يتسع الثلث لهما جميعاً أقرع بينهما قايهما خرجت القرعة له عتق إن احتمله الثلث وإلا عتق منه بقدر الثلث وإن فضل من الثلث بعد عتقه شئ كمل من الآخر كما لو دبر عبداً أو أمة معاً فأما الولد الذي وجد قبل التدبير فلا يتبعها فإنه لا يتبع في العتق المنجز ولا في حكم الاستيلاد ولا في الكتابة فان لا يتبع في التدبير أولى قال الميموني قلت لأحمد ما كان من ولد المدبرة قبل أن تدبر قال لا يتبعها من ولدها ما كان قبل ذلك إنما يتبعها ما كان بعد ما دبرت وذكر أبو الخطاب رواية أخرى أنه يتبعها في التدبير كالموجود بعده لأن حنبلاً قال سمعت عمي يقول في الرجل يدبر الجارية ولها ولد قال ولدها معها قال شيخنا وهذا بعيد والظاهر أن أحمد إنما أراد ولدها بعد التدبير على ما صرح به في غير هذه الرواية فإن ولدها لا يتبعها في شئ من الأسباب التي تنقل الملك في الرقبة من البيع والهبة والوقف ولا يتبعها في الاستيلاد الذي هو آكد من التدبير فإن لا يتبعها في التدبير أولى (فصل) فأما ولد المدبر فحكمه حكم أمه بغير خلاف علمناه وهو قول ابن عمر وعطاء والزهري والاوزاعي والليث لأن الولد يتبع الأم في الرق والحرية فان تسرى المدبر بإذن سيده فولد له فروي عن أحمد أنهم يتبعونه في التدبير وروي ذلك عن مالك وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي لأن اباحة التسري تبنى على ثبوت الملك وولد الحر من امته يتبعه في الحرية دون أمه كذلك ولد المدبر

امته يتبعه دونها ولانه ولد من يستحق الحرية من أمته فيتبعه في ذلك كولد المكاتب من أمته (فصل) وإذا ولدت المدبرة فرجع في تدبيرها وقلنا بصحة الرجوع لم يتبعها ولدها لأن الولد المنفصل لا يتبع في الحرية ولا في التدبير ففي الرجوع أولى فإن رجع في تدبيرهما جاز كما لو دبرها وابنه المنفصل وإن دبرها حاملاً ثم رجع في تدبيرها حال حملها لم يتبعها الولد في الرجوع لأن التدبير إعتاق والإعتاق مبني على التغليب والسراية والرجوع عنه بعكس ذلك فلم يتبع الولد فيه وهذا كما لو ولد له توأمان فأقر بأحدهما لحقاه جميعاً وإن نفى أحدهما لم ينتف الآخر وإن رجع في أحدهما دون الآخر جاز وإن دبر الولد دون أمه أو الأم دون ولدها جاز لأنه يجوز أن يعتق كل واحد منهما دون صاحبه فجواز أن يدبر أحدهما دون صاحبه أولى ولأنه تعليق العتق بصفة فجاز في أحدهما دون الآخر كالتعليق بدخول الدار وإن دبر أمته ثم قال إن دخلت الدار فقد رجعت في تدبيري لم يصح لأن الرجوع لا يصح تعليقه بصفة وإن قال كلما ولدت ولداً فقد رجعت في تدبيره لم يصح لذلك (فصل) إذا اختلفت المدبرة وورثة سيدها في ولدها فقالت ولدتهم بعد تدبيري فعتقوا معي وقال الورثة بل ولدتهم قبل تدبيرك فهم مملوكون لنا فالقول قول الورثة مع إيمانهم لأن الأصل بقاء رقهم وانتفاء الحرية عنهم فإذا لم تكن بينة فالقول قول من يوافق قوله الأصل (فصل) وكسب المدبر في حياة سيده لسيده لم أخذه منه لأن التدبير لا يخرج عن شبهه بالوصية بالعتق أو بالتعليق له على صفة أو بالاستيلاد وكل هؤلاء كسبهم لسيدهم فكذلك المدبر فإن اختلف

مسألة: وله إصابة مدبرته فإن أولدها بطل تدبيرها

هو وورثة سيده فما بيده بعد عتقه فقال كسبته بعد حريتي وقالوا بل قبلها فالقول قوله لأنه في يده ولم يثبت ملكهم عليه بخلاف الولد فإنه كان رقيقاً لهم فإن أقام كل واحد منهما بينة بدعواه قدمت بينة الورثة عند من يرى تقديم بينة الخارج وبينة المدبر عند من يقدم بينة الداخل فإن أقر المدبر أن ذلك كان في يده في حياة سيده ثم تجدد ملكه عليه بعد موته فالقول قول الوارث لأن الأصل معهم وإن أقام المدبر بينة بدعواه قبلت وتقدم على بينة الورثة إن كانت لهم بينة لأن بينته تشهد بزيادة وإن لم يقر المدبر بأنه كان له في حياة سيده فاقام الورثة بينة به فهل تسمع بينتهم؟ على وجهين (مسألة) (وله إصابة مدبرته فإن أولدها بطل تدبيرها) . يباح وطئ أمته المدبرة، وقد روي عن ابن عمر أنه دبر امتين وكان يطؤهما وممن رأى ذلك ابن عباس وسعيد بن المسيب وعطاء والنخعي والثوري ومالك والليث والاوزاعي والشافعي قال أحمد لا أعلم أحداً كره ذلك غير الزهري وحكي عن الأوزاعي أنه كان يقول إن كان يطؤها قبل تدبيرها فلا بأس بوطئها بعده وإن كان لا يطؤها قبله لم يطأها بعد التدبير. ولنا أنها مملوكته لم تشتر نفسها منه فحل له وطؤها لقول الله تعالى (أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين) وقياساً على أم الولد.

مسألة: وإن كانت المدبر أو دبر المكاتب جاز

(فصل) وابنة المدبرة مثلها في حل وطئها إن لم يكن وطئ أمها وعنه ليس له وطؤها لأن حق الحرية ثبت لها تبعاً أشبه ولد المكاتبة ولنا أن ملك سيدها تام فيها فحل له وطؤها للآية وكأمها واستحقاقها الحرية لا تزيد على استحقاق أمها ولم يمنع ذلك وطأها وأما ولد المكاتبة فألحقت بأمها وأمها يحرم وطؤها فكذلك ابنتها وأم هذه يحل وطؤها فيجب إلحاقها بها وكلام أحمد محمول على أنه وطئ أمها. (فصل) فإن أولدها بطل تدبيرها لأن مقتضي التدبير العتق من الثلث بعد الموت والاستيلاد يقتضي ذلك معه تأكده وقوته فإنها تعتق من رأس المال وإن لم يملك غيرها ولا يمنع الدين عتقها فوجب أن يبطل به التدبير كملك الرقبة إذا طرأ على ملك النكاح أبطله. (مسألة) (وإن كاتب المدبر أو دبر المكاتب جاز) . أما تدبير المكاتب فهو صحيح، لا نعلم فيه خلافاً لأنه تعليق لعتقه بصفة وهو يملك إعتاقه فملك التعليق وإن كان وصية فهو وصية بما ملك وهو الإعتاق وتصح كتابة المدبر، نص عليه أحمد وهو قول ابن مسعود وأبي هريرة والحسن ولفظ حديث أبي هريرة عن مجاهد قال دبرت امرأة من قريش خادماً لها ثم أرادت أن تكاتبه قال فكنت الرسول إلى أبي هريرة فقال كاتبيه فإن أدى كتابته فذاك وإن حدث بك حدث عتق وأراه قال ما كان عليه له، ولأن التدبير إن كان عتقاً بصفة

مسألة: فإن أدى عتق بالكتابة وبطل التدبير وإن مات سيده قبل الأداء عتق إن حمل الثلث ما بقي من كتابة وبطلت الكتابة وإن لم يخرج من الثلث عتق منه الثلث وسقط من الكتابة بقدر ما عتق منه وكان على الكتابة فيما بقي

لم يمنع الكتابة كالذي علق عتقه بدخول الدار وإن كان وصية لم يمنعها كما لو وصى بعتقه ثم كاتبه ولأن التدبير والكتابة سببان للعتق فلم يمنع أحدهما الآخر كتدبير المكاتب، وذكر القاضي أن التدبير يبطل بالكتابة إذا قلنا هو وصية كما لو وصى به لرجل ثم كاتبه وهذا يخالف ظاهر كلام أحمد وهو غير صحيح في نفسه، ويفارق التدبير الوصية به لرجل، لأن مقصود الكتابة والتدبير لا يتنافيان إذ كان المقصود منهما جميعاً العتق فإذا اجتمعا كانا آكد لحصوله فإنه متى فات عتقه بأحدهما حصل بالآخر وأيهما وجد قبل صاحبه حصل العتق به ومقصود الوصية به والكتابة يتنافيان لأن الكتابة تراد للعتق والوصية تراد لحصول الملك فيه للموصي له ولا يجتمعان. (مسألة) (فإن أدى عتق بالكتابة وبطل التدبير وإن مات سيده قبل الأداء عتق إن حمل الثلث ما بقي من كتابة وبطلت الكتابة وإن لم يخرج من الثلث عتق منه بقدر الثلث وسقط من الكتابة بقدر ما عتق منه وكان على الكتابة فيما بقي. (فصل) ومتى عتق بالتدبير كان ما في يده لسيده لأنه كان له قبل العتق فيكون له بعد العتق كما لو لم يكن مكاتباً وبطلت الكتابة ذكره أصحابنا ومذهب الشافعي أن ما في يده له إذا لم يكن عجز، قال شيخنا وعندي أنه ينبغي أن يعتق ويتبعه ولده وإكسابه لأن السيد لا يملك إبطال كتابته لكونها عقداً لازماً من جهته وإنما يملك اسقاط حقه عليه فأما ما يستحقه المكاتب من أولاده وإكسابه

مسألة: وإذا دبر شركا له في عبد لم يسر إلى نصيب شريكه وإن أعتق شريكه سرى إلى المدبر وغرم قيمته لسيده ويحتمل أن يسري في الأول دون الثاني

فلا يتمكن السيد من أخذه ويصير كما لو أبرأه من مال الكتابة ويحتمل أن يريد بالبطلان زوال العقد دون سقوط احكامه. (مسألة) (وإذا دبر شركا له في عبد لم يسر إلى نصيب شريكه وإن أعتق شريكه سرى إلى المدبر وغرم قيمته لسيده ويحتمل أن يسري في الأول دون الثاني) . وجملة ذلك أنه إذا دبر أحد الشريكين نصيبه لم يسر التدبير إلى نصيب شريكه موسراً كان أو معسراً، وذكر أبو الخطاب وجهاً أنه يسري تدبيره إذا كان موسراً ويقوم عليه نصيب شريكه، وهو قول أبي حنيفة، لأنه استحق العتق بموت سيده فسرى ذلك فيه كالاستيلاد وللشافعي قولان كالمذهبين. ولنا أنه تعليق للعتق بصفة فلم يسر كتعليقه بدخول الدار ويفارق الاستيلاد فإنه آكد ولهذا يعتق من جميع المال ولو قتلت سيدها لم يبطل حكم استيلادها والمدبر بخلاف ذلك فعلى هذا إن مات المدبر عتق نصيبه أن خرج من الثلث وهل يسري إلى نصيب شريكه إن كان موسراً فيه روايتان ذكرناهما في كتاب العتق فإن أعتق الشريك نصيبه قبل موت السيد وهو موسر عتق وسرى إلى نصيب المدبر، وذكر القاضي وابو الخطاب فيه وجهين وللشافعي فيها قولان. (أحدهما) كقولنا (والثاني) لا يسري عنقه وهو قول أبي حنيفة، لأن في المدبر قد انعقد سبب الولاء على العبد فلم يكن للآخر إبطاله.

مسألة: وإذا أسلم مدبر الكافر لم يقر في يده وترك في يد عدل ينفق عليه من كسبه وما فضل لسيده وإن أعوز فعليه تمامه إلا أن يرجع في التدبير ونقول بصحة رجوعه فيجبر على بيعه

ولنا حديث ابن عمر الذي ذكرناه في سراية العتق إلى نصيب الشريك إذا كان موسراً ولأنه إذا سرى إلى إبطال الملك الذي هو آكد من الولاء فالولاء أولى وما ذكروه لا أصل له ويبطل بما إذا علق عتق نصيبه بصفة. (فصل) إذا دبر كل واحد من الشريكين نصيبه فمات أحدهما عتق نصيبه وبقي نصيب الآخر على التدبير إن لم يف ثلثه بقيمة حصة شريكه وإن كان يفي به فهل يسري؟ على روايتين ذكرناهما وإن قال كل واحد منهما إذا متنا فأنت حر فقال أبو بكر قال أحمد إذا مات أحدهما فنصيبه حر فظاهر هذا أن أحمد جعل هذا اللفظ تدبيراً من كل واحد منهما لنصيبه ومعناه إذا مات كل واحد منا فنصيبه حر فإنه قابل الجملة بالجملة فينصرف إلى مقابلة البعض بالبعض كقوله ركب الناس دوابهم ولبسوا ثيابهم وأخذوا رماحهم يريد لبس كل إنسان ثوبه وركب دابته وكذلك لو قال أعتقوا عبيدهم كان معناه اعتق كل واحد عبده، وقال القاضي هذا تعليق للحرية بموتهما جميعاً وإنما قال أحمد يعتق نصيبه بناء على أن وجود بعض الصفة يقوم مقام جميعها قال شيخنا ولا يصح هذا لأنه لو كانت هذه العلة لعتق العبد كله لوجود بعض صفة كل منهما وسنبين هذا القول بما نذكر من بعد، ومقتضي قول القاضي أن لا يعتق شئ منه قبل موتهما جميعاً، فأن قال كل واحد منهما أردت أن العبد حر بعد آخرنا موتاً انبنى هذا على تعليق الحرية على صفة توجد بعد الموت وقد ذكرنا الخلاف في ذلك فإن قلنا يجوز ذلك عتق بعد موت الآخر منهما عليهما جميعاً، وإن فلنا لا يصح عتق نصيب الآخر منهما بالتدبير وفي سرايته إلى باقيه إن كان ثلثه يحتمل ذلك روايتان، وإن قال كل واحد منهما إذا مت قبل شريكي فنصيبي له فإذا مات فهو حر وإن مت بعده فنصيبي حر فقد وصى كل واحد منهما للآخر فإذا مات أحدهما صار العبد كله للأخر فإذا مات عتق كله عليه وصار ولاؤه له كله إن قلنا لا يصح تعليق العتق على صفة بعد الموت وإن قلنا يصح عتق عليهما وولاؤه بينهما. (مسألة)) وإذا أسلم مدبر الكافر لم يقر في يده وترك في يد عدل ينفق عليه من كسبه وما فضل لسيده وإن أعوز فعليه تمامه إلا أن يرجع في التدبير ونقول بصحة رجوعه فيجبر على بيعه) وجملته أنه إذا أسلم مدبر الكافر أمر بإزالة ملكه عنه لئلا يبقى الكافر مالكاً لمسلم كغير

مسألة: ومن أنكر التدبير لم يحكم عليه إلا بشاهدين وهل يحكم بشاهد وامرأتين أو شاهد ويمين العبد؟ على روايتين

المدبر إذا قلنا بجواز بيعه ويحتمل أن يترك في يد عدل وينفق عليه من كسبه فإن لم يكن له كسب أجبر سيده على الإنفاق عليه لأنه ملكه، وبه قال أبو حنيفة والشافعي في أحد قوليه بناء على أن المدبر لا يجوز بيعه ولأن في بيعه ابطال سبب العتق فكان ابقاؤه أصلح كأم الولد فإن قلنا ببيعه فباعه بطل تدبيره وإن قلنا يترك في يد عدل فإنه يستنيب من يتولى استعماله واكتسابه وينفق عليه من كسبه وما فضل فلسيده وإن لم يف كسبه بنفقته فالباقي على سيده وإن اتفق هو وسيده على المخارجة جاز وينفق على نفسه مما فضل من كسبه فإذا مات سيده عتق إن خرج من الثلث وإلا عتق منه بقدر الثلث وبيع الباقي على الورثة إن كانوا كفاراً وإن اسلموا بعد الموت ترك فإن رجع سيده في تدبيره، وقلنا بصحة رجوعه بيع عليه وإن كان المدبر مستأمناً فأراد الرجوع به إلى دار الحرب ولم يكن، اسلم لم نمنعه منه وإن كان قد أسلم منع لأننا نحول بينه وبينه في دار الإسلام فأولى أن يمنع من التمكن منه في دار الحرب. (مسألة) (ومن أنكر التدبير لم يحكم عليه إلا بشاهدين وهل يحكم بشاهد وامرأتين أو شاهد ويمين العبد؟ على روايتين) إذا ادعى العبد على سيده أنه دبره صحت دعواه لأنه يدعي استحقاق العتق ويحتمل أن لا تصح الدعوى لأن السيد إذا انكر التدبير كان بمنزلة النكار الوصية وإنكار الوصية رجوع عنها في أحد الوجهين

فيكون انكار التدبير رجوعاً عنه والرجوع عنه يبطله في إحدى الروايتين والصحيح أن الدعوى صحيحة لأن الرجوع عن التدبير لا يبطله في الصحيح من المذهب ولو أبطله فما ثبت كون الإنكار رجوعاً ولو ثبت ذلك فلا يتعين الانكار جواباً للدعوى فإنه يجوز أن يقرا إذا ثبت هذا فإن أقر السيد فلا كلام وإن أنكر ولم تكن للعبد بينة فالقول قول السيد مع يمينه لأن الأصل عدمه فإن كانت للعبد بينة حكم بها ويقبل فيها شاهدان عدلان بغير خلاف فإن لم يكن إلا شاهد واحد وقال أنا أحلف معه أو شاهد وامرأتان لم يحكم له به في إحدى الروايتين وهو مذهب الشافعي لأن الثابت به الحرية وكمال الأحكام وهذا ليس بمال ولا المقصود منه المال ويطلع عليه الرجال في غالب الأحوال أشبه النكاح والطلاق (والثانية) بثبت بذلك لأنه لفظ يزول به ملكه عن مملوكه فاشبه البيع وهذا أجود لأن البينة إنما تراد لأثبات الحكم على المشهود عليه وهو في حقه إزالة ملكه عن ماله فيثبت بهذا وإن حصل به غرض آخر للمشهود له فلا يمنع ذلك من ثبوته بهذه البينة ولأن العتق مما يتشوف إليه وينبني على التغليب والسراية فينبغي أن يسهل طريق إثباته وإن كان الاختلاف بين العبد وورثة السيد بعد موته فهو كما لو كان الاحتلاف مع السيد إلا أن الدعوى صحيحة بغير خلاف لأنهم لا يملكون الرجوع وإيمانهم

على نفي العلم لأن الخلاف في فعل موروثهم وأيمانهم على نفي فعله وتجب اليمين على كل واحد من الورثة ومن نكل منهم عتق نصيبه ولم يسر إلى باقيه وكذلك إن أقر لأن إعتاقه بفعل الموروث لا بفعل المقر ولا الناكل (فصل) إذا دبر عبده ومات وله مال سواه يفي بثلثي ماله إلا أنه غائب أو دين في ذمة إنسان لم يعتق من المدبر إلا ثلثه لجواز أن يتلف الغائب أو يتعذر استيفاء الدين فيكون العبد جميع التركة وهو شريك الورثة فيها له ثلثها ولهم ثلثاها فلا يجوز أن يحصل على جميعها لكنه يستحق عتق ثلثه ويبقى ثلثاه موقوفين لأن ثلثه حر على كل حال لأن اسوأ الاحوال أن لا يحصل من سائر المال شئ فيكون العبد جميع التركة فيعتق ثلثه وفي ذلك خلاف ذكرناه في باب الموصي به فيما إذا وصى له بمعين ولم يكن له سوى المعين إلا مال غائب أو دين وهذا مثله في اعتباره من الثلث إذا ثبت هذا فإن العبد إذا عتق كله بقدوم الغائب أو استيفاء الدين تبينا أنه كان حراً حين الموت فيكون كسبه له لأنه إنما عتق بالتدبير ووجود الشرط الذي علق عليه السيد حريته وهو الموت وإنما أوقفناه للشك في خروجه من الثلث فإذا زال الشك تبينا أنه كان حاصلاً قبل زوال الشك وإن تلف المال تبينا أنه كان ثلثاه رقيقاً ولم يعتق منه سوى ثلثه وإن تلف بعض المال رق من المدبر ما زاد على قدر ثلث الحاصل من المال (فصل) فإن دبر عبدين وله دين يحرجان من ثلث المال إذا حصل أقرعنا بينهما فعتق ممن تخرج له القرعة قدر ثلثهما وكان باقيه والعبد الاخر موقوفاً فإذا استوفي من الدين شئ كمل من

عتق من وقعت له القرعة قدر ثلثه وما فضل عتق من الآخر كذلك حتى يعتقا جميعاً أو مقدار الثلث منهما فإن تعذر استيفاء الدين لم يزد العتق على مقدار ثلثهما فإن خرج الذي وقعت له القرعة مستحقاً بطل العتق فيه وعتق من الآخر ثلثه (فصل) إذا دبر عبداً قيمته مائة وله مائة ديناً عتق ثلثه ورق ثلثه ووقف ثلثه على استفياء الباقي وإن كانت له مائة حاضرة مع ذلك عتق من المدبر ثلثاه ووقف عتقه على استيفاء الدين (فصل) وإن دبر عبده وقيمته مائة وله ابنان ومائتان ديناً على أحدهما عتق من المدبر ثلثاه لأن حصة الذي عليه الدين منه كالمستوفي ويسقط عن الذي عليه الدين منه نصفه لأنه قدر حصته من الميراث ويبقى للآخر عليه مائة كلما استوفى منها شيئاً عتق قدر ثلثه فإن كانت المائتان ديناً على الاثنين بالسوية عتق المدبر كله لأن كل واحد منهما عليه قدر حقه وقد حصل له ذلك بسقوطه من دينه (فصل) إذا دبر عبداً قيمته مائة وخلف ابنين ومائتي درهم ديناً له على أحدهما ووصى لرجل بثلث ماله عتق من المدبر ثلثه وسقط عن الغريم مائة وكان للوصي سدس العبد وللابن ئلثه ويبقى سدس العبد موقوفاً لأن الحاصل من المال ثلثاه وهو العبد والمائة الساقطة عن الغريم وثلث ذلك

مسألة: وإذا قتل المدبر سيده بطل تدبيره لأمرين

مقسوم بين المدبر والوصي نصفين فحصة المدبر منه ثلثه يعتق في الحال ويبقى له سدسه موقوفاً فكلما اقتضي من المائة الباقية شئ عتق من المدبر قدر سدسه ويكون المستوفي بين الابن والوصي أثلاثاً فإذا استوفيت كلها حصل للابن ثلثاها وثلث العبد وهو قدر حقه وكمل للمدبر عتق نصفه وحصل للوصي ثلث المائة وسدس العبد وهو قدر حقه وإن كان الدين على أجنبي لم يعتق من المدبر إلا سدسه لأن الحاصل من التركة هو العبد وثلثه بينه وبين الوصي الآخر وللوصي سدسه ولكل ابن سدسه ويبقى ثلثه موقوفاً فكلما اقتضي من الدين شئ عتق من المدبر قدر سدسه وكان المستوفى بين الابنين والوصي أسداساً للوصي سدسه ولهما خمسة أسداسه فيحصل لكل واحد نصف المائة وثلثها وسدس العبد وهو قدر حقه ويحصل للوصي سدس العبد وهو قدر حقه ويعتق من المدبر نصفه وهو قدر حقه (مسألة) (وإذا قتل المدبر سيده بطل تدبيره لأمرين) (أحدهما) أنه قصد استعجال العتق بالقتل المحرم فعوقب بنقيض قصده وهو إبطال التدبير كمنع الميراث بقتل الموروث ولأن العتق فائدة تحصل بالموت فتنتفي بالقتل كالإرث والوصية (والثاني) أن التدبير وصية فيبطل بالقتل كالوصية بالمال ولا يلزم على هذا عتق أم الولد لكونها آكد فإنها صارت بالاستيلاد بحال لا يمكن نقل الملك فيها ولذلك لم يجز بيعها ولا هبتها ولا رهنها

ولا الرجوع عن ذلك القول ولا غيره والإرث نوع من النقل فلو لم تعتق بموت سيدها انتقل الملك فيها إلى الوارث ولا سبيل إليه بخلاف المدبر ولأن سبب حرية أم الولد الفعل والبعضية الذي حصلت بينها وبين سيدها بواسطة ولدها وهو آكد من القول ولهذا نبذ استيلاد المجنون ولم ينفذ اعتاقه ولا تدبيره وسرى حكم استيلاد المعسر إلى نصيب شريكه بخلاف الاعتاق وعتقت من رأس المال والتدبير لا ينفذ إلا في الثلث ولا يملك الغرماء إبطال عتقها وإن كان سيدها مفلسا بحلاف المدبر ولا يلزم الحكم في موضع تأكد الحكم فيما دونه كما يلزم إلحاقه به في هذه المواضع التي افترقا فيها. إذا ثبت هذا فلا فرق بين كونه عمداً أو خطأ كما لا فرق في ذلك في حرمان الإرث وإبطال وصية القاتل (فصل) فأما سائر جناياته غير قتل سيده فلا تبطل تدبيره لكن إن كانت جناية موجبة للمال أو للقصاص فعفا الولي إلى المال تعلق المال برقبته فمن جوز بيعه جعل سيده بالخيار بين تسليمه فيباع في الجناية وبين فدائه فإن سلمه في الجناية فبيع فيها بطل تدبيره وإن عاد إلى سيده عاد تدبيره وإن اختار فداءه وفداه يما يفدى به فهو مدبر بحاله ومن لم يجز بيعه أوجب فداءه على سيده كأم الولد وإن كانت الجناية موجبة للقصاص فاقتص منه في النفس بطل تدبيره وإن اقتص منه في الطرف فهو مدبر بحاله وإذا مات سيده بعد جنايته وقبل استيفائها عتق على كل حال سواء كانت موجبة للمال أو للقصاص لأن صفة العتق وجدت فيه فاشبه ما لو باشره به فإن الواجب قصاصاً استوفي سواء كانت

جنايته على عبد أو حر لأن القصاص قد استقر وجوبه عليه في حال رقه فلا يسقط بحدوث الحرية فيه وإن كان الواجب عليه مالاً في رقبته فدي بأقل الأمرين من قيمته أو أرش جناينه وإن جني على المدبر فأرش الجناية لسيده فإن كانت الجناية على نفسه وحبت قيمته لسيده وبطل التدبير بهلاكه فإن قيل فهلا جعلتم قيمته قائمة مقامه كالعبد المرهون والموقوف

قلنا الفرق بينهما من ثلاثة أوجه (أحدها) أن كل واحد من الوقف والرهن لازم فتعلق الحق يبدله والتدبير غير لازم لانه يمكن إبطاله بالبيع وغيره فلم يتعلق الحق ببدله (الثاني) إن الحق في التدبير للمدبر فبظل حقه بفوات مستحقه والبدل لا يقوم مقامه في

الاستحقاق والحق في الوقف للموقوف عليه وفي الرهن للمرتهن وهو باق فثبت حقه في بدل محل حقه (الثالث) أن المدبر إنما ثبت حقه بوجود موت سيده فإذا هلك قبل سيده فقد هلك قبل ثبوت الحق له فلم يكن له بدل بخلاف الرهن والوقف فإن الحق ثابت فيهما فقام بدلهما مقامهما وبين الرهن والمدبر فرق رابع وهو أن الواجب القيمة ولا يمكن وجود التدبير فيها ولا قيامها مقام

المدبر فيه وإن أخذ عبدا مكانه فليس هو البدل انما هو بدل القيمة بخلاف الرهن فإن القيمة يجوز أن تكون رهنا فإن قيل فهذا يلزم عليه الموقوف فانه إذا قتل اخذت قيمته فاشتري بها عبد يكون وقفا مكانه قلنا قد حصل الفرق بين المدبر والرهن من الوجوه الثلاثة وكونه لا يحصل الفرق بينه وبين الوقف من هذا الوجه لا يمنع ان يحصل الفرق بينه وبين الرهن به والله أعلم

باب الكتابة

(باب الكتابة) الكتابة إعتاق السيد عبده على مال في ذمته يؤدى في نجوم، سميت كتابة لأن السيد يكتب بينه وبينه كتاباً بما اتفقا عليه وقيل سميت كتابة من الكتب وهو الضم لأن المكاتب يضم بعض النجوم إلى بعض ومنه سمي الخرز كتاباً لأنه يضم أحد طرفيه إلى الآخر بخرزه قال الحريري وكاتبين وما خطت أناملهم * حرفاً ولا قرأوا ما خط في الكتب وقال ذو الرمة: وفراء عرفته أنأى خوارزها * مشلشل صنعته بينها الكتب يصف قربة يسيل الماء من بين خرزها وسميت الكتيبة كتيبة لانضمام بعضها إلى بعض والمكاتب يضم نجومه بعضها إلى بعض والنجوم ههنا الاوقات المختلفة لأن العرب كانت لا تعرف الحساب وإنما تعرف الاوقات بطلوع النجوم كما قال بعضهم إذا سهيل أول الليل طلع * فابن اللبون الحق والحق جذع فسميت الأوقات نجوماً والأصل في الكتابة الكتاب والسنة والإجماع أما الكتاب فقول الله تعالى (والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكانبوهم إن علمتم فيهم خيرا) وأما السنة فروى

مسألة: وهي مستحبة لمن يعلم فيه خير وهو الكسب والأمانة وعنه أنها واجبة إذا ابتغاها من سيده أجبر عليها

سعيد عن سفيان عن الزهري عن نبهان مولى أم سلمة عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا كان لإحداكن مكاتب وكان عنده ما يؤدي فلتحتجب منه) رواه أبو داود وابن ماجة وروى سهل بن حنيف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من أعان غارماً أو غازياً أو مكاتباً في كتابته أظله الله يوم لا ظل إلا ظله) في أحاديث كثيرة سواهما وأجمعت الامة على مشروعية الكتابة (مسألة) (وهي مستحبة لمن يعلم فيه خير وهو الكسب والأمانة وعنه أنها واجبة إذا ابتغاها من سيده أجبر عليها) إذا سأل العبد سيده مكاتبته استحب له اجابته إذا علم فيه خيراً ولم يجب ذلك في ظاهر المذهب وهو قول عامة أهل العلم منهم الحسن والشعبي ومالك والثوري والشافعي وأصحاب الرأي وعن أحمد أنها واجبة إذا دعى العبد المكتسب سيده إليها وهو قول عطاء والضحاك وعمرو بن دينار وداود وقال اسحاق اخشى ان يأتم إن لم يفعل ولا يجبر عليها. ووجه ذلك قول الله تعالى (والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا) وظاهر الأمر الوجوب وروي أن سيرين أبا محمد بن سيرين كان عبداً لأنس بن مالك فسأله أن يكاتبه فأبى فأخبر سيرين عمر بن الخطاب بذلك فرفع الدرة على أنس وقرأ عليه (والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا) فكاتبه أنس

مسألة: وهل تكره كتابة من لا كسب له؟ على روايتين

ولنا أنه إعتاق بعوض فلم يجب عليه كالاستسعاء والآية محمولة على الندب وقول عمر يخالفه فعل أنس قال أحمد الخير صدق وصلاح ووفاء بمال الكتابة ونحو هذا قال ابراهيم وعمرو بن دينار وغيرهما وعبارتهم في ذلك مختلفة وقيل قوة على الكسب والأمانة قال الشافعي وقال ابن عباس غنى وإعطاء المال، وقال مجاهد غنى وأداء، وقال النخعي صدق ووفاء ولا خلاف بينهم في أن من لا خير فيه لا تجب إجابته (مسألة) (وهل تكره كتابة من لا كسب له؟ على روايتين) قال القاضي ظاهر كلام أحمد كراهته وكان ابن عمر يكرهه وهو قول مسروق والاوزاعي وعن أحمد أنه لا يكره ولم يكرهه الشافعي وإسحاق وابن المنذر وطائفة من أهل العلم لأن جويرية بنت الحارث كاتبها ثابت بن قيس بن شماس فأتت النبي صلى الله عليه وسلم تستعينه في كتابتها فأدى عنها كتابتها وتزوجها واحتج ابن المنذر بأن بريرة كاتبت ولا حرفة لها فلم ينكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجه الأول ما ذكرنا في عتقه قال شيخنا وينبغي أن ينظر في المكاتب فإن كان ممن يتضرر بالكتابة ويضيع لعجزه عن الإنفاق على نفسه ولا يجد من ينفق عليه كرهت كتابته وإن كان يجد من يكفيه مؤنته لم تكره كتابته لحصول النفع بالحرية من غير ضرر فأما جويرة فإنها كانت ذات أهل وكانت ابنة سيد قومه فإذا عتقت رجعت إلى أهلها فأخلف الله لها خيراً من أهلها فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم

مسألة: ولا يصح إلا من جائز التصرف فأما المجنون والطفل، فلا تصح مكاتبتهما لرقيقهما ولا مكاتبة سيدهما لهما، لأن الكتابة نقل الملك بعوض فلا تصح منهما كالبيع

وصارت إحدى أمهات المؤمنين وأعتق الناس ما كان بأيديهم من قومها حين بلغهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها وقالوا أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم تر امرأة أعظم بركة على قومها منها وأما بريرة فإن كتابتها تدل على إباحة ذلك وأنه ليس بمنكر ولا خلاف فيه وإنما الخلاف في كراهته قال مسروق إذا سأل العبد مولاه المكاتبة فإن كان له مكسبه أو كان له مال فليكاتبه وإن لم يكن له مال ولا مكسبة فليحسن ملكته ولا يكلفه إلا طاقته (مسألة) (ولا يصح إلا من جائز التصرف فأما المجنون والطفل فلا تصح مكاتبتهما لرقيقهما ولا مكاتبة سيدهما لهما لأن الكتابة نقل الملك بعوض فلا تصح منها كالبيع (مسألة) (فإن كاتب المميز عبده بإذن وليه صح ويحتمل أن لا يصح بناء على قولنا إنه لا يصح بيعه بإذن وليه ولأنه عقد إعتاق فلم يصح منه كالعتق بغير مال ولا يصح بغير إذن وليه بحال (مسألة) (وإن كاتب السيد عبده المميز صح وبهذا قال أبو حنيفة وقال الشافعي لا يصح فيها جميعها بحال لأنه ليس بمكلف أشبه المجنون ولنا أنه يصح تصرفه وبيعه بإذن وليه فصحت منه الكتابة بذلك كالمكلف ودليل صحة تصرفه قول الله تعالى (وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح) والابتلاء الاختبار له بتفويض التصرف إليه ليعلم هل يقع منه على وجه المصلحة أو لا؟ وهل يغبن في بيعه وشرائه أو لا؟ وإيجاب السيد لعبده

المميز المكاتبة إذن له في قبولها. إذا ثبت هذا فإن كان السيد المكاتب طفلاً أو مجنوناً فلا حكم لتصرفه ولا قوله وان كاتب المكلف عبده المكلف أو المجنون لم يثبت لهذا التصرف حكم المكاتبة الصحيحة ولا الفاسدة لأنه لا حكم لقولهما لكن إن قال إن أديتما إلى فأنتما حران فأديا عتقا بالصفة لا بالكتابة وما في أيديهما لسيدهما وإن لم يقل ذلك لم يعتقا ذكره أبو بكر وقال القاضي يعتقان وهو مذهب الشافعي لأن الكتابة تتضمن معنى الصفة فيحصل العتق ههنا بالصفة المحضة كما لو قال إن أديت إلي فأنت حر ولنا أنه ليس بصفة صريحاً ولا معنى وإنما هو عقد باطل فأشبه البيع الباطل (فصل) إذا كاتب الذمي عبده ثم أسلما صح لأنه عقد معاوضة أو عتق بصفة وكلاهما يصح منه فإذا ترافعا إلى الحاكم بعد الكتابة نظر في العقد فإن كان موافقاً للشرع أمضاه وإن كانت كتابته فاسدة مثل أن يكون العوض خمراً أو خنزيراً أو غير ذلك من أنواع الفساد ففيه ثلاث مسائل (أحدها) أن يكونا قد تقابضا حال الكفر فتكون الكتابة ماضية والعتق حاصلاً لأن ما تم في حال الكفر لا ينقضه الحاكم ويحكم بالعتق سواء ترافعا قبل الإسلام أو بعده (الثانية) تقابضا بعد الإسلام ثم ترافعا إلى الحاكم فإنه يعتق لأن هذه كتابة فاسدة ويكون حكمها حكم الكتابة الفاسدة المعقودة في الإسلام على ما سنذكره إن شاء الله تعالى

(والثالثة) ترافعا قبل قبض العوض الفاسد أو قبض بعضه فإن الحاكم يرفع هذه الكتابة ويبطلها لأنها كتابة فاسدة لم يتصل بها قبض تنبرم به ولا فرق بين إسلامهما أو إسلام أحدهما فيما ذكرناه من التغليب بحكم الإسلام وقال أبو حنيفة إذا كاتبه على خمر ثم أسلما لم يفسد العقد ويؤدي قيمة الخمر لأن الكتابة كالنكاح ولو مهرها خمراً ثم أسلما لم يفسد العقد ويبطل الخمر ولنا أن هذا عقد لو عقده المسلم كان فاسداً فإذا أسلما قبل التقابض أو أحدهما حكم بفساده كالبيع الفاسد ويفارق النكاح فانه لو عقده المسلم بخمر كان صحيحاً وإن أسلم مكاتب الذمي لم تنفسخ الكتابة لأنها وقعت صحيحة ولا يجبر على إزالة ملكه لأنه خارج بالكتابة عن تصرف الكافر فيه فإن عجز أجبر على إزالة ملكه عنه حينئذ فإن اشترى مسلماً فكاتبه لم تصح الكتابة لأن الشراء باطل لم يثبت له به ملك وإن أسلم عبده فكاتبه بعد إسلامه لم تصح كتابته لأن الكتابة لا تزيل الملك. وقال القاضي له ذلك وقد ذكرناه في كتاب البيع فإن عجز عاد رقيقاً قنا واجبة على إزالة ملكه عنه (فصل) وتصح كتابة الحربي عبده في دار الحرب وفي دار الاسلام، وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا تصح لأن ملكه ناقص وحكي عن مالك أنه لا يملك ذلك بدليل أن للمسلم تملكه عليه ولنا قوله تعالى (وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم) وهذه الإضافة إليهم تقتضي صحة أملاكهم فتقتضي صحة تصرفاتهم. إذا ثبت هذا فإذا كاتب عبده فدخلا مستأمنين إلينا لم يتعرض الحاكم لهما وإن ترافعا إليه نظر بينهما فإن كانت كتابتهما صحيحة ألزمهما حكمها وإن كانت فاسدة بين لهما فسادها

وإن جاءا وقد قهر أحدهما صاحبه بطلت الكتابة لأن العبد إن قهر سيده ملكه فبطلت كتابته بخروجه عن ملك سيده وإن قهره السيد على إبطال الكتابة ورده رقيقاً بطلت لأن دار الفكر دار قهر وإباحة ولهذا لو قهر حر حراً على نفسه ملكه وإن دخلا من غير قهر فقهر أحدهما الآخر في دار الإسلام لم تبطل الكتابة وكانا على ما كانا عليه قبله لأن دار الإسلام دار حظر لا يؤثر فيها القهر إلا بالحق وإن دخلا مستأمنين ثم أرادا الرجوع إلى دار الحرب لم يمنعا وأن أراد السيد الرجوع وأخذ المكاتب معه فأبى المكاتب الرجوع معه لم يجبر لأنه بالكتابة زال سلطانه وإنما له في ذمته حق ومن له دين في ذمة غيره لا يملك إجباره على السفر معه لأجله ويقال للسيد إن أردت الاقامة في دار الإسلام لتستوفي مال الكتابة فاعقد الذمة وأقم إن كانت مدتها طويلة وإن أردت توكيل من يقبض لك نجوم الكتابة فافعل فإذا أدى نجوم الكتابة عتق وهو مخير إن أحب المقام في دار الإسلام عقد على نفسه الذمة وإن أحب الرجوع لم يمنع وإن عجز وفسخ السيد كتابته عاد رقيقاً ويرد إلى سيده والأمان باق لأنه من مال سيده وسيده عقد الأمان لنفسه وماله فإذا اتنقض الامان في في نفسه بعوده لم ينتقض في ماله وإن كاتبه في دار الحرب فهرب ودخل إلينا بطلت الكتابة لأن ملكه زال بقهره على نفسه فأشبه ما لو قهره على غيره من ماله وسواء جاءنا مسلماً أو غير مسلم وإن جاء بإذن سيده فالكتابة بحالها لأنه لم يقهر سيده فإذا دخل إلينا بأمان بإذن سيده ثم سبى المسلمون سيده

وقتل انتقلت الكتابة إلى ورثته كما لو مات حتف أنفه وإن من عليه الإمام أو فاداه أو هرب فالكتابة بحالها وإن استرقه الإمام فالمكاتب موقوف إن عتق السيد فالكتابة بحالها وإن مات أو قتل فالمكاتب للمسلمين مبقي على ما بقي من كتابته يعتق بالأداء إليهم وولاؤه لهم وإن عجز فهو رقيق لهم فإن أراد المكاتب الأداء قبل عتق سيده وموته أدى إلى الحاكم أو إلى أمينه وكان المال المقبوض موقوفاً على ما ذكرناه ويعتق المكاتب بالأداء وسيده رقيق لا يثبت له ولاء قال أبو بكر يكون الولاء للمسلمين وقال القاضي يكون موقوفاً فإن عتق سيده فهو له وإن مات رقيقاً فهو للمسلمين وإن كان استرقاق سيده بعد عتق المكاتب وثبوت الولاء عليه فقال القاضي يكون ولاؤه موقوفاً فإن عتق السيد كان الولاء له وإن قتل أو مات على رقه بطل الولاء لأنه رقيق لا يورث فبطل الولاء لعدم مستحقه وينبغي أن يكون للمسلمين لأن مال من لا وارث له للمسلمين فكذلك الولاء والله أعلم (فصل) وإن كاتب المرتد عبده فعلى قول أبي بكر الكتابة باطلة لأن ملكه زال بردته وعلى ظاهر المذهب كتابته موقوفة إن أسلم تبينا أنها كانت صحيحة وإن مات على ردته أو قبل بطلت وإن أدى في ردته لم يحكم بعتقه ويكون موقوفاً فإن أسلم سيده تبينا صحة الدفع إليه وعتقه وإن مات على ردته

أو قتل فهو باطل والعبد رقيق وإن كاتبه وهو مسلم وارتد وحجر عليه لم يكن للعبد الدفع إليه ويؤدي إلى الحاكم ويعتق بالاداء وإن دفع إلى المرتد كان موقوفاً كما ذكرنا وإن كاتب المسلم عبده المرتد صحت كتابته لأنه يصح بيعه فإن أدى عتق وإن أسلم فهو على كتابته (فصل) وكتابة المريض صحيحة فإن كان مرض الموت المخوف اعتبر من الثلث لأنه بيع ماله بماله فجرى مجرى الهبة ولذلك ثبت الولاء على المكاتب لكونه معتقاً فإن خرج من الثلث كانت الكتابة لازمة وإن لم يخرج من الثلث لزمت في قدر الثلث وباقيه موقوف على إجازة الورثة يصح بإجازته ويبطل برده وهذا قول الشافعي وقال أبو الخطاب في رءوس المسائل تجوز الكتابة من رأس المال لأنه عقد معاوضة أشبه البيع والأول أولى (مسألة) ولا يصح إلا بالقول وينعقد بقوله كاتبتك على كذا) لأنه لفظها الموضوع لها فانعقدت بمجرده كلفظ النكاح فيه (مسألة) ولا يفتقر إلى قوله وإن أديت إلى فأنت حر بل متى أدى عتق) وبهذا قال أبو حنيفة وقال الشافعي لا يعتق حتى يقول ذلك أو ينوي بالكتابة الحرية ويحتمل مثل ذلك عندنا لأن لفظ الكتابة يحتمل المخارجة ويحتمل العتق بالاداء فلابد من تمييز أحدهما عن الآخر ككنايات العتق

مسألة: ولا يصح إلا بالقول وينعقد بقوله كاتبتك على كذا

ولنا أن الحرية موجب عقد الكتابة فثبتت عند تمامه كسائر أحكامه ولأن الكتابة عقد وضع للعتق فلم يحتج إلى لفظ العتق ولا نيته كالتدبير وما ذكروه من استعمال الكتابة في المخارجة إن ثبت فليس بمشهور فلم يمنع وقوع الحرية به كسائر الألفاظ الصريحة على أن اللفظ المحتمل ينصرف بالقرائن إلى أحد محتمليه كلفظ التدبير فانه يحتمل التدبير في معاشه وغيره وهو صريح في الحرية كذلك هذا. (مسألة) ولا يصح إلا على عوض معلوم منجم بنجمين فصاعداً) لا تصح إلا على عوض معلوم لأنها عقد معاوضة أشبهت البيع ولا تجوز إلا منجمة مؤجلة هذا ظاهر المذهب وبه قال الشافعي وقال مالك وأبو حنيفة تجوز حالة لأنه عقد على عين فإذا كان عوضه في الذمة جاز أن يكون حالاً كالبيع ولنا أنه قد روي عن جماعة من الصحابة أنهم عقدوا الكتابة ولم ينقل عن واحد منهم عقدها حالة ولو جاز ذلك لم يتفقوا على تركه ولأن الكتابة عقد معاوضة يعجز عن أداء عوضها في الحال فكان من شرطها التأجيل كالسلم على أبي حنيفة ولأنها عقد معاوضة يلحقه الفسخ من شرطه ذكر العوض فإذا وقع على وجه يتحقق فيه العجز عن العوض لم يصح كما لو أسلم في شئ لا يوجد عند محله ويفارق البيع لأنه لا يتحقق فيه العجز عن العوض لأن المشتري يملك المبيع والعبد لا يملك شيئاً

وما في يده لسيده وفي التنجيم إذا كان أكثر من نجم حكمتان إحداهما ترجع إلى المكاتب وهو التخفيف عليه لأن الأداء مفرقاً أسهل ولهذا تقسط الديون على المعسرين عادة تخفيفاً عليهم والأخرى للسيد وهي أن مدة الكتابة تطول غالباً فلو كانت على نجم واحد لم يظهر عجزه إلا في آخر المدة فإذا عجزه عاد إلى الرق وفاتت منافعه في مدة الكتابة كلها على سيده من غير نفع حصل له وإذا كانت منجمة نجوماً فعجز عن النجم الأول فمدته يسيرة وإن عجز عما بعده فقد حصل للسيد نفع بما أخذ من النجوم قبل عجزه إذا ثبت ذلك فأقله نجمان فصاعداً، وهذا مذهب الشافعي ونقل عن أحمد أنه قال من الناس من يقول نجم واحد ومنهم من يقول نجمان ونجمان أحب إلى وهذا يحتمل أن يكون معناه إني أذهب إلى أنه لا يجوز إلا نجمان ويحتمل أن يكون المستحب نجمين ويجوز نجم واحد، قال ابن أبي موسى هذا على طريق الاختيار وإن جعل المال كله في نجم واحد جاز لأنه عقد يشترط فيه التأجيل فجاز أن يكون إلى أجل واحد كالسلم ولأن اعتبار التأجيل ليتمكن من تسليم العوض وهذا يحصل بنجم واحد، ووجه الأول ما روي عن علي رضي الله عنه أنه قال الكتابة على نجمين والإيتاء من الثاني وهذا يقتضي أن هذا أقل ما تجوز عليه الكتابة لأن أكثر من نجمين جائز بالإجماع، وروي عن عن عثمان أنه غضب على عبد له فقال لأعاقبنك ولأكاتبنك على نجمين ولو جاز أقل من هذه لعاقبه به في الظاهر، وفي حديث بريرة أنها أتت عائشة فقالت يا أم المؤمنين إني كاتبت أهلي على تسع

مسألة: ويشترط على ما يؤدي إليه في كل نجم كالثمن في البيع ولئلا يفضي إلى النزاع والاختلاف

أواق في كل عام أوقيه فأعينيني ولأن الكتابة مشتقة من الضم وهو ضم نجم إلى نجم فدل ذلك على افتقارها إلى نجمين والأول أقيس (مسألة) (ويشترط علم ما يؤدي إليه في كل نجم كالثمن في البيع ولئلا يفضي إلى النزاع والاختلاف) ولا يشترط تساوي النجوم فإذا قال كاتبتك على ألف إلى عشر سنين تؤدي عند انقضاء كل سنة مائة أو قال تؤدي منها مائة عند انقضاء خمس سنين وباقيها عند تمام العشرة أو قال تؤدي في آخر العام الاول مائة وتسعمائة عند انقضاء السنة العاشرة فكل ذلك جائز فإن قال تؤدي في كل عام مائة جاز ويكون أجل كل مائة عند انقضاء السنة، وظاهر قول القاضي وأصحاب الشافعي أنه لا يصح لأنه لا يبين وقت الأداء من العام ولنا قول بريرة كاتبت أهلي على تسع أواق في كل عام أوقيه ولأن الأجل إذا علق بمدة تعلق بأحد طرفيها فان كان بحرف إلى تعلق بأولها كقوله إلى شهر رمضان وإن كان بحرف في كان إلى آخرها لانه جعل جميعها وقت الادائها فإذا أدى في آخرها كان مؤدياً لها في وقتها فلم يتعين عليه الأداء قبله كتأدية الصلاة في آخر وقتها وإن قال تؤديها في عشر سنين أو إلى عشر سنين لم يجز لأنه نجم واحدا ومن أجاز الكتابة على نجم واحد أجازه وإن قال تؤدي بعضها في نصف المدة وباقيها في آخرها

لم يجز لأن البعض يقع على القليل والكثير فيكون مجهولاً (فصل) وتجوز الكتابة على مال يجوز السلم فيه لأنه مال يثبت في الذمة مؤجلاً في معاوضة فجاز ذلك فيه كعقد السلم فإن كان من الأثمان وكان في البلد نقد واحد جاز إطلاقه لأنه ينصرف إليه فاشبه البيع وإن كان فيه نقود بعضها أغلب في الاستعمال جاز للاطلاق أيضاً وانصرف إليه عند الإطلاق كما لو انفرد وإن كانت مختلفة متساوية في الإستعمال وجب بيانه بما يتميز به من غيره من النقود وإن كان من غير الاثمان وجب وصفه بما يوصف به في السلم فأما مالا يصح السلم فيه فلا يجوز أن يكون عوضاً في الكتابة لأنه عقد معاوضة يثبت عوضه في الذمة فلم يجز بعوض مجهول كالسلم، وقال القاضي يصح على عبد مطلق وله الوسط إذا كاتبه على عبد مطلق لم يصح، ذكره أبو بكر وهو قول الشافعي يجوز في أحد الوجهين، وهو قول أبي حنيفة ومالك لأن العتق لا يلحقه الفسخ فجاز أن يكون الحيوان المطلق عوضاً فيه كالعقل. ولنا أن ما لا يجوز أن يكون عوضاً في البيع والاجارة لا يجوز أن يكون عوضاً في الكتابة كالثوب المطلق ويفارق العقل لأنه بدل متلف مقدر في الشرع وههنا عوض في عقد أشبه البيع ولأن الحيوان الواجب في العقل ليس بحيوان مطلق بل هو مقيد بجنسه وسنه فلم يصح الإلحاق به ولأن الحيوان المطلق لا تجوز الكتابة عليه بغير خلاف علمناه وإنما الخلاف في العبد المطلق ولم يرد الشرع به بدلاً

مسألة: وتصح على مال وخدمة سواء تقدمت الخدمة أو تأخرت

في موضع علمناه. إذا ثبت هذا فإن من صحح الكتابة به أوجب له عبداً وسطاً وهو السندي ويكون وسطاً من السنديين في قيمته كقولنا في الصداق ولا تصح الكتابة على حيوان مطلق غير العبد فيما علمنا ولا على ثوب ولا دار ولذلك لا تجوز على ثوب من ثيابه ولا عمامة من عمائمه ولا غير ذلك من المجهولات وممن اختار الكتابة على العبد الحسن وسعيد بن جبير والنخعي والزهري وابن سيرين، وروي عن أبي برزة وحفصة رضي الله عنهما. (مسألة) (وتصح على مال وخدمة سواء تقدمت الخدمة أو تأخرت) . تجوز الكتابة على المنافع المباحة لأنها أحد العوضين في الإجارة فجاز أن تكون عوضاً في الكتابة كالأثمان ويشترط العلم بها كما يشترط في الاجارة فإن كاتبه على خدمة شهر ودينار صح ولا يحتاج إلى ذكر الشهر وكونه عقيب العقد لأن الإجارة تقتضيه فإن عين الشهر بوقت لا يتصل بالعقد مثل أن يكاتبه في المحرم على خدمته في رجب ودينار صح أيضاً كما يجوز أن يؤجره داره شهر رجب في المحرم، وقال أصحاب الشافعي لا يجوز على شهر لا يتصل بالعقد ويشترطون ذكر ذلك ولا يجوزون إطلاقه بناء على قولهم في الإجارة وقد سبق الكلام فيه والخلاف في باب الإجارة ويشترط كون الدينار المذكور مؤجلاً لأن الاجل شرط في عقد الكتابة فإن جعل محل الدينار بعد الشهر بيوم أو أكثر صح بغير خلاف نعلمه وإن جعل محله في الشهر أو بعد انقضائه صح أيضاً وهذا قول بعض أصحاب الشافعي وقال

القاضي لا يصح لانه يكون نجا واحداً وهذا لا يصح لأن الخدمة كلها لا تكون في وقت محل الدينار وإنما يوجد جزء منها يسير مقارباً له وسائرها فيما سواه ولأن الخدمة بمنزلة العوض الحاصل في ابتداء مدتها ولهذا يستحق عوضها جميعه ويكون محلها غير محل الدينار وإنما جازت له حالة لأن المنع من الحلول في غيرها لأجل العجز عنه في الحال وهذا غير موجود في الخدمة فجازت حالة وإن جعل محل الدينار قبل الخدمة وكانت الخدمة غير متصلة بالعقد بحيث يكون الدينار مؤجلاً والخدمة بعده جاز وإن كانت الخدمة متصلة بالعقد لم يتصور كون الدنيار قبله ولم يجز في أوله، لأنه يكول حالاً ومن شرطه التأجيل. (فصل) إذا كاتب السيد عبده على خدمة مفردة في مدة واحدة مثل أن يكاتبه على خدمة شهر بعينه أو سنة معينة فحكمه حكم الكتابة على نجم واحد على ما مضى من القول فيه ويحتمل أن يكون كالكتابة على أنجم لأن الخدمة تستوفى في أوقات مفرقة بخلاف المال وإن جعله على شهر بعد شهر كأن كاتبه في أول المحرم على خدمته فيه وفي رجب صح لأنه على نجمين وإن كاتبه على منفعة في الذمة معلومة كخياطة ثوب عينه أو بناء حائط وصفه صح أيضاً إذا كانت على نجمين وإن قال كاتبتك على أن تخدمني هذا الشهر وخياطة كذا على عقيب الشهر صح في قول الجميع وإن قال على أن تخدمني شهراً من وقتي هذا وشهراً عقيب هذا الشهر صح أيضاً وعند الشافعي لا يصح.

مسألة: وإذا أدى ما كوتب عليه أو أبريء منه عتق، لأنه لم يبق لسيده عليه شيء ولا يعتق قبل أداء جميع الكتابة

ولنا أنه كاتبه على نجمين فصح كالتي قبلها. (فصل) وإذا كاتب العبد وله مال فماله لسيده إلا أن يشترطه المكاتب فإن كان له سرية أو ولد فهو لسيده، وبه قال الثوري والحسن بن صالح وابو حنيفة وأبو يوسف والشافعي وقال الحسن وعطاء والنخعي وسليمان بن موسى وعمرو بن دينار ومالك وابن أبي ليلى في المكاتب ماله له ووافقنا عطاء وسليمان بن موسى والنخعي وعمرو بن دينار ومالك في الولد واحتج لهم بما روى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من أعتق عبداً وله مال فالمال للعبد. ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (من باع عبداً وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع) متفق عليه والكتابة بيع ولأنه باعه نفسه فلم يدخل معه غيره كولده وأقاربه ولأنه هو وماله كانا لسيده فإذا وقع العقد على أحدهما بقي الآخر على ما كان عليه كما لو باعه لأجنبي وحديثهم ضعيف قد ذكرنا ضعفه. (مسألة) (وإذا أدى ما كوتب عليه أو أبرئ منه عتق لأنه لم يبق لسيده عليه شئ ولا يعتق قبل أداء جميع الكتابة) . هذا ظاهر كلام الخرقي، لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال

مسألة: وما فضل في يده فهو له

(المكاتب عبد ما بقي عليه درهم) رواه أبو داود دل بمنطوقه على أنه لا يعتق حتى يؤدي جميع كتابته وبمفهومه على أنه إذا أدى كتابته لا يبقى عبداً قال أحمد في عبد رجلين كاتباه على ألف فأدى تسعمائة ثم أعتق أحدهما نصيبه قال يعتق إلا نصف المائة وقد روي عن عمر وابنه وزيد بن ثابت وعائشة وسعيد بن المسيب والزهري أنهم قالوا المكاتب عبد ما بقي عليه درهم رواه عنهم الأثرم وبه قال القاسم وسليمان بن يسار وعطاء وقتادة والثوري وابن شبرمة ومالك والاوزاعي والشافعي واسحاق وأصحاب الرأي وروي ذلك عن أم سلمة وروى سعيد بإسناده عن أبي قلابة قال كنا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لا يحتجبن من مكاتب ما بقي عليه درهم وبإسناده عن عطاء أن ابن عمر كاتب غلاماً على ألف دينار فأدى إليه تسعمائة دينار وعجز عن مائة دينار فرده ابن عمر في الرق. (مسألة) (وما فضل في يده فهو له) . لأنه كان له قبل العتق فبقي على ما كان وعنه أنه إذا ملك ما يؤدي صار حراً لما روت ام سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا كان لإحداكن مكاتب فكان عنده ما يؤدي فلتحتجب منه) ، رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح فأمرهن بالحجاب بمجرد ملكه لما يؤديه ولأنه مالك لمال الكتابة أشبه ما لو أداه فعلى هذا متى امتنع من الأداء أجبره الحاكم عليه كسائر الديون الحالة على

القادر عليها فإن هلك ما في يديه قبل الأداء صار ديناً في ذمته وقد صار حراً والصحيح أنه لا يعتق حتى يؤدي وهذا قول أكثر أهل العلم لما ذكرنا من حديث عمرو بن شعيب وروى سعيد بإسناده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (أيما عبد كانت عليه مائة أوقية فأداها إلا عشرة أواق فهو عبد) وفي رواية (من كاتب عبده على مائة أوقية فأداها إلا عشر أواق) أو قال (إلا عشرة دراهم ثم عجز فهو رقيق) رواه الترمذي وقال هذا حديث غريب ولأنه عتق علق بعوض فلم يعتق قبل أدائه كما لو قال إذا أديت إلي ألفا فأنت حر فعلى هذه الرواية إذا أدى عتق وإن لم يؤد لم يعتق فإن امتنع من الأداء فقال أبو بكر يؤديه الإمام عنه ولا يكون ذلك عجزاً ولا يملك السيد الفسخ وهو قول أبي حنيفة ويحتمل أنه إذا لم يؤد عجزه السيد إن أحب وعاد عبداً غير مكاتب ونحوه قال الشافعي فإنه قال إن شاء عجز نفسه وامتنع من الأداء. ووجه ذلك أن العبد لا يجبر على اكتساب ما يؤديه في الكتابة فلا يجبر على الأداء كسائر العقود الجائزة. ووجه الأول أنه قد ثبت للعبد استحقاق الحرية بملك ما يؤدي فلم يملك إبطالها كما لو ادى فإن تلف المال قبل ادائه جاز تعجيزه واسترقاقه وجهاً واحداً. (فصل) إذا أبرأه السيد من مال الكتابة برئ وعتق لأن ذمته خلت من مال الكتابة فأشبه ما لو أداه وإن ابرأه من بعضه برئ منه وهو على الكتابة فيما بقي لأن الإبراء كالأداء فإن كاتبه على دنانير فأبرأه من دراهم أو بالعكس لم تصح البراءة لأنه ابرأه مما لا يجب عليه إلا أن يريد بقدر ذلك مما لي عليك فإن اختلفا فقال المكاتب إنما

مسألة: فلو مات قبل الأداء، كان ما في يده لسيده في الصحيح عنه وعلى الرواية الأخرى لسيده بقية كتابته والباقي لورثته

أردت من قيمة ذلك وقال السيد بل ظننت أن لي عليك النقد الذي أبرأتك منه فلم تقع البراءة موضعها فالقول قول السيد مع يمينه لأنه أعرف بنيته فإن مات السيد واختلف المكاتب والورثة فالقول قولهم مع إيمانهم ويحلفون على نفي العلم وإن مات المكاتب واختلف ورثته وسيده فالقول قول السيد لما ذكرنا (مسألة) (فلو مات قبل الأداء كان ما في يده لسيده في الصحيح عنه وعلى الرواية الأخرى لسيده بقية كتابته والباقي لورثته) هذه المسألة تشبه أن تكون مبنية على المسألة التي قبلها إن قلنا إنه لا يعتق بملك ما يؤدي فقد مات رقيقاً وانفسخت كتابته بموته وكان ما في يده لسيده وإن قلنا إنه عتق بملك ما يؤدي فقد مات حراً وعليه لسيده بقية كتابته لأنه دين له عليه والباقي لورثته قال القاضي الأصح إن الكتابة تنفسخ بموته ويموت عبداً وما في يده لسيده رواه الأثرم بإسناده عن عمر وزيد والزهري وبه قال ابراهيم وعمر بن عبد العزيز وقتادة والشافعي لما ذكرناه في التي قلبها ولأنه مات قبل أداء مال الكتابة فوجب أن تنفسخ كما لو لم يكن له مال وكما لو علق عتقه بأداء ألف فمات قبل أدائها وعنه أنه يعتق ويموت حراً فيكون لسيده بقية كتابته والباقي لورثته روي ذلك عن علي وابن مسعود ومعاوية وبه قال عطاء والحسن وطاوس وشريح والنخعي والثوري والحسن بن صالح ومالك واسحاق وأصحاب

الرأي إلا أن أبا حنيفة قال يكون حراً في آخر جزء من حياته وهذا قول القاضي ووجه هذا الرواية ما تقدم في التي قبلها. لأنها معاوضة لا تنفسخ بموت أحد المتعاقدين فلا تنفسخ بموت الآخر كالبيع ولأن العبد أحد من تمت به الكتابة فلم تنفسخ بموته كالسيد والأول أولى وتفارق الكتابة البيع لأن كل واحد من المتعاقدين غير معقود عليه ولا يتعلق العقد بعينه فلم ينفسخ بتلفه والمكاتب هو المعقود عليه والعقد متعلق يعينه فإذا تلف قبل تمام الأداء انفسخ العقد كما لو تلف المبيع قبل قبضه ولأنه مات قبل وجود شرط حريته ويتعذر وجودها بعد موته، فأما إن مات ولم يخلف وفاء فلا خلاف في المذهب إن الكتابة تنفسخ بموته ويموت عبداً وما في يده لسيده وهو قول أهل الفتاوي من أئمة الامصار الان يموت بعد أداء ثلاثة أرباع الكتابة عند أبي بكر والقاضي ومن وافقهما فإنه يموت حراً في مقتضى قولهم وسنذكر ذلك إن شاء الله تعالى وقال مالك إن كان له ولد حرا انفسخت الكتابة وإن كان مملوكاً في كتابته أجبر على دفع المال إن كان له مال وإن لم يكن له أجبر على الاكتساب والأداء (فصل) ولا تنفسخ الكتابة بالجنون لأنها عقد لازم فلم تنفسخ بالجنون كالرهن وفارق الموت لأن العقد على العين والموت يفوت العين بخلاف الجنون ولأن القصد من الكتابة العتق والموت ينافيه ولهذا لا يصح عتق الميت والجنون لا ينافيه بدليل صحة عتق المجنون فعلى هذا إن أدى إليه المال عتق لأن السيد إذا قبض منه فقد استوفى حقه الذي كان عليه وله أخذ المال من يده فيتضمن

ذلك براءته من المال فيعتق بحكم العقد وإن لم يؤد إليه كان للسيد أن يحضره عند الحاكم وتثبت الكتابة بالبينة فيبحث الحاكم عن ماله فإن وجد له مالاً سلمه في الكتابة وعتق وإن لم يجد له مالاً جعل له أن يعجزه ويلزمه الإنفاق عليه لأنه عاد قناً ثم إن وجد له الحاكم بعد ذلك مالاً يفي بمال الكتابة أبطل فسخ السيد لان الباطل بخلاف ما حكم به فبطل حكمه كما إذا أخطأ النص وحكم بالاجتهاد إلا أنه يرد على السيد ما أنفقه من حين الفسخ لأنه لم يكن مستحقاً عليه في الباطن وإن أفاق وأقام البينة أنه كان قد دفع إليه مال الكتابة بطل أيضاً ولا يرد عليه ما انفقه لأنه انفق عليه مع علمه بحريته فكان متطوعاً بذلك فلم يرجع به وينبغي أن يستحلف الحاكم السيد أنه ما استوفى مال الكتابة وهذا قول أصحاب الشافعي ولم يذكره أصحابنا وهو حسن لأنه يحتمل أنه استوفاه والمجنون لا يعبر عن نفسه فيدعيه فيقوم الحاكم مقامه في استحلافه عليه (فصل) وقتل المكاتب كموته في انفساخ الكتابة على ما أسلفنا من الخلاف سواء كان القاتل السيد أو الأجنبي ولا قصاص على قاتله الحر لأن المكاتب عبد ما بقي عليه درهم للحديث فإن كان القاتل سيده ولم يخلف وفاء انفسخت الكتابة وعاد ما في يده إلى سيده ولم يجب عليه شئ لأنه لو وجب لوجب له فإن قيل فالقاتل لا يستحق بالقتل شيئاً من تركة المقتول قلنا ههنا لا يرجع إليه مال المكاتب ميراثاً بل بحكم ملكه عليه لزوال الكتابة وإنما يمنع القاتل الميراث خاصة الا ترى أن

مسألة: وإذا عجلت الكتابة قبل محلها لزم السيد الأخذ وعتق

من له دين مؤجل إذا قتل من عليه الحق حل الدين في رواية وأم الولد إذا قتلت سيدها عتقت وإن كان المكاتب قد خلف وفاء وقلنا إن الكتابة تنفسخ بموته فالحكم كذلك وإن قلنا لا تنفسخ فله القيمة على سيده تصرف إلى ورثته كما لو كانت الجناية على بعض أطرافه في حياته وإن كان الوفاء يحصل بإيجاب القيمة ولا يحصل بدونها وجب كما لو خلف وفاء لان دية المقتول كتركته في قضاء ديونه منها وانصرافها إلى ورثته بينهم على فرائض الله تعالى ولا فرق فيما ذكرنا بين أن يخلف وارثاً أو لا يخلف وارثاً وذكر القاضي أنه إذا لم يخلف وارثاً سوى سيده لم تجب القيمة عليه بحال ولنا أن من لا وارث له يصرف ماله إلى المسلمين ولا حق لسيده فيه لأن صرفه إلى سيده بطريق الإرث والقاتل لا ميراث له وإن كان القاتل أجنبياً وجبت القيمة للسيد إلا في الموضع الذي لا تنفسخ الكتابة تجب لورثته (مسألة) (وإذا عجلت الكتابة قبل محلها لزم السيد الأخذ وعتق) هذا المنصوص عن أحمد ويحتمل أن لا يلزمه ذلك إذا كان في قبضه ضرر، وذكر أبو بكر فيه رواية أخرى أنه لا يلزمه قبول المال إلا عند نجومه لأن بقاء المكاتب في هذه المدة في ملكه حق له ولم يرض بزواله فلم يزل كما لو علق عتقه على شرط لم يعتق والصحيح في المذهب الأول وهو مذهب الشافعي إلا أن القاضي قال أطلق احمد والخرقي هذا القول وهو مقيد بما لا ضرر في قبضه قبل محله

كالذي لا يفسد ولا يختلف قديمه وحديثه ولا يحتاج إلى مؤنة في حفظه ولا يدفعه في حال خوف يخاف ذهابه فإن اختل أحد هذه الأمور لم يلزمه قبضه مثل أن يكون مما يفسد كالعنب والرطب والبطيخ أو يخاف تلفه كالحيوان فإنه ربما تلف قبل المحل ففاته مقصوده، وإن كان مما يكون حديثه خيراً من قديمه لم يلزمه أيضاً أخذه لأنه ينقص إلى حين الحلول وإن كان مما يحتاج إلى مخزن كالطعام والقطن لم يلزمه أيضاً لأنه يحتاج في أبقائه إلى وقت المحل إلى مؤنة فيتضرر بها ولو كان غير هذا إلا أن البلد مخوف لم يلزمه أخذه لأن في أخذه ضرراً لم يرض بالتزامه وكذلك لو سلمه إليه في طريق مخوف أو في موضع يتضرر بقبضه في لم يلزمه قبضه ولم يعتق المكاتب قال القاضي والمذهب عندي أن فيه تفصيلاً على حسب ما ذكرناه في السلم ولأنه لا يلزم الإنسان التزام ضرر لم يقتضه العقد ولا رضي بالتزامه وأما ما لا ضرر في قبضه فإذا عجله لزم السيد أخذه وذكر أبو بكر أنه يلزمه قبوله من غير تفصيل اعتماداً على إطلاق أحمد القول في ذلك وهو ظاهر إطلاق الخرقي لما روى الأثرم بإسناده عن أبي بكر بن حزم أن رجلاً أتى عمر فقال يا أمير المؤمنين إني كاتبت على كذا وكذا وإني أيسرت بالمال وأتيته به فزعم انه لا يأخذها إلا نجوماً فقال عمر رضي الله عنه يايرفا خذ المال فاجعله في بيت المال وأد إليه نجوماً في كل عام وقد عتق هذا فلما رأى ذلك سيده أخذ المال، وعن عثمان رضي الله عنه نحو هذا

ورواه سعيد بن منصور في سنه عن عمر وعثمان جميعاً، وثنا هشيم عن ابن عون عن محمد بن سيرين أن عثمان قضى بذلك ولأن الأجل حق لمن عليه الدين فإذا قدمه فقد رضي بإسقاط حقه فسقط كسائر الحقوق فإن قيل إذا علق عتق عبده على فعل في وقت ففعله في غيره لم يعتق قلنا تلك صفة مجردة لا يعتق إلا بوجودها والكتابة معاوضة يبداً فيها بأداء العوض فافترقا ولذلك لو أبرأه من العوض في الكتابة عتق ولو أبرأه من المال في الصفة المجردة لم يعتق قال شيخنا والأولى ما قاله القاضي في أن ما كان في قبضه ضرر لم يلزمه قبضه ولم يعتق ببذله لما ذكره من الضرر الذي لم يقتضه القعد وخبر عمر لا دلالة فيه على وجوب قبض ما فيه ضرر ولأن أصحابنا قالوا لو لقيه في بلد آخر فدفع إليه نجوم الكتابة أو بعضها فامتنع من أخذها لضرر فيه من خوف أو مؤنة حمل لم يلزمه قبوله لما عليه من الضرر فيه وإن لم يكن فيه ضرر لزمه قبضه كذا ههنا وكلام أحمد محمول على ماذا لم يكن في قبضه ضرر وكذلك قول الخرقي وأبي بكر

(فصل) إذا أحضر المكاتب مال الكتابة أو بعضه ليسلمه فقال السيد هذا حرام أو غصب لا أقبله منك سئل العبد عن ذلك فإن أقر به لم يلزم السيد قبوله لأنه لا يلزمه أخذ المحرم ولا يجوز له وإن أنكر وكانت للسيد بينة بدعواه لم يلزمه قبوله وتسمع بينته لأن له حقاً في أن لا يقتضي دينه من حرام ولا يأمن أن يرجع صاحبه عليه به وإن لم تكن له بينة فالقول قول العبد مع يمينه فإن نكل عن اليمين لم يلزم السيد قبوله أيضاً وإن حلف قيل للسيد إما أن تقبضه وإما أن تبرئه ليعتق فإن قبضه وكان تمام كتابته عتق ثم ينظر فإن ادعى أنه حرام مطلقاً لم يمنع منه لأنه لم يقربه لأحد وإنما تحريمه فيما بينه وبين الله تعالى وإن ادعى أنه غصبه من فلان لزمه دفعه إليه لأن قوله وإن لم يقبل في حق المكاتب فإنه يقبل في حق نفسه كما لو قال رجل لعبد في يد غيره هذا حر وأنكر ذلك من العبد في يده لم يقبل قوله عليه فإن انتقل إليه بسبب من الأسباب لزمته حريته فإن أبرأه من مال الكتابة لم يلزمه قبضه لأنه لم يبق له عليه حق وإن لم يبرئه ولم يقبضه كان له دفع ذلك إلى الحاكم ويطالبه بقبضه فينوب الحاكم في قبضه عنه ويعتق العبد كما رويناه عن عمر وعثمان رضي الله عنهما في قبضهما مال الكتابة حين امتنع المكاتب من قبضه (فصل) إذا كاتبه على جنس لم يلزمه قبض غيره فلو كاتبه على دنانير لم يلزمه قبض دراهم ولا عرض وإن كانت على عرض موصوف لم يلزمه قبض غيره وإن كانت على نقد فأعطاه من جنسه خيراً منه وكان

مسألة: ولا بأس أن يعجل المكاتب لسيده ويضع عنه بعض كتابته مثل أن يكاتبه على ألف في نجمين إلى سنة

ينفق فيما ينفق فيه الذي كاتيه عليه لزمه أخذه لأنه زاده خيراً وإن كان لا ينفق في بعض البلدان التي ينفق فيها ما كاتبه عليه لم يلزمه قبوله لأن عليه فيه ضرارا (مسألة) ولا بأس ان يجعل المكاتب لسيده ويضع عنه بعض كتابته مثل أن يكاتبه على ألف في نجمين إلى سنة ثم قال عجل لي خمسمائة حتى أضع عنك الباقي أو حتى أبرئك من الباقي أو قال صالحني منه على خمسمائة معجلة جاز ذلك. وبه يقول طاوس والزهري والنخعي وأبو حنيفة وكرهه الحسن وابن سيرين والشعبي، وقال الشافعي لا يجوز لأن هذا بيع ألف بخمسمائة وهو ربا الجاهلية وهو أن يزيد في الدين لأجل الأجل وهذا أيضاً هبة لأن هذا لا يجوز بين الأجانب والربا يجري بين المكاتب وسيده فلم يجز هذا بينهما كالأجانب. ولنا أن مال الكتابة غير مستقر ولا هو دين صحيح بدليل أنه لا يجبر على أدائه وله أن يمتنع من أدائه ولا تصح الكفالة به وما يؤديه إلى سيده كسب عبده وإنما جعل الشرع هذا العقد وسيلة إلى العتق وأوجب فيه التأجيل مبالغة في تحصيل العتق وتخفيفاً على المكاتب فإذا أمكنه التعجيل على وجه يسقط عنه يعض ما عليه كان أبلغ في حصول العتق وأخف على العبد ويحصل من السيد إسقاط بعض

ماله على عبده ومن الله تعالى إسقاط بعض ما أوجبه عليه من الأجل لمصلحته ويفارق سائر الديون بما ذكرنا ويفارق الأجانب من حيث إن هذا عبده فهو أشبه بعبده القن وأما قولهم إن الربا يجري بينهما فيمنعه ما ذكره ابن أبي موسى وإن سلمنا فإن هذا مفارق لسائر الربا بما ذكرناه وهو يخالف ربا الجاهلية فإنه اسقاط لبعض الدين وربا الجاهلية زيادة في الدين تفضي إلى نفاد مال المدين وتحمله ما يعجز عن وفائه من الدين فيحبس من أجله وهذا يفضي إلى تعجيل عتق المكاتب وخلاصه من الرق والتخفيف عنه فافترقا (فصل) فإن اتفقا على الزيادة في الأجل والدين مثل أن يكاتبه على ألف في نجمين إلى سنة يؤدي خمسمائة في نصفها والباقي في آخرها فيجعلانها إلى سنتين بألف ومائتين في كل سنة ستمائة أو مثل أن يحل عليه نجم فيقول أخرني إلى كذا وأزيدك كذا فلا يجوز لأن الدين المؤجل إلى وقت لا يتأخر أجله عن وقته باتفاقهما عليه ولا يتغير أجله بتغييره وإذا لم يتأخر عن وقته لم تصح الزيادة التي في مقابلته ولأن هذا يشبه ربا الجاهلية المحرم وهو الزيادة في الدين للزيادة في الأجل ويفارق المسألة الأولى من هذين الوجهين فإن قيل فكما أن الأجل لا يتأخر فكذلك لا يتعجل ولا يصير المؤجل حالاً فلم يجاز في المسألة الأولى قلنا إنما جاز في المسألة الأولى بالتعجيل فعلاً فإنه إذا دفع إليه الدين

المؤجل قبل محله جاز وجاز للسيد إسقاط باقي حقه عليه وفي هذه المسألة يأخذ أكثر مما وقع عليه العقد فهو ضد المسألة الأولى وهو ممتنع من وجه آخر لأن في ضمن الكتابة أنك متى أديت إلى كذا فأنت حر فإذا أدى إليه ذلك فينبغي أن يعتق فإن قيل فإذا غير الأجل والعوض فكأنهما فسخا الكتابة الأولى وجعلا كتابة ثانية قلنا لم يجر بينهما فسخ وإنما قصدا تغيير العوض والأجل على وجه لا يصح فبطل التغيير وبقي العقد بحاله ويحتمل أن يصح ذلك كما في المسألة الأولى فعلى هذا لو اتفقا على ذلك ثم رجع أحدهما قبل التعجيل فله الرجوع لما ذكرنا من أن الدين المتأخر لا يتأخر عن أجله ولا يتقدم وإنما له أن يؤديه قبل محله ولمن له الدين ترك قبضه في محله وذلك إلى اختياره فإذا وعد به ثم رجع قبل الفعل فله ذلك (فصل) وإن صالح المكاتب سيده عما في ذمته بغير جنسه مئل أن يصالح عن النقود بحنطة أو شعير جاز إلا أنه لا يجوز أن يصالحه على شئ مؤجل لأنه يكون بيع دين بدين وإن صالحه عن الدراهم بدنانير أو عن الحنطة بشعير لم يجز التفرق قبل القبض لأن هذا بيع في الحقيقة فيشترط له القبض في المجلس، وقال القاضي يحتمل أن لا تصح هذه المصالحة مطلقاً لأن هذا دين من شرطه التأجيل فلم تجز المصالحة عليه بغير ولأنه دين غير مستقر فهو كدين السلم، وقال ابن أبي موسى لا يجري الربا بين المكاتب وسيده فعلى قوله تجوز المصالحة كيفما كانت كما تجوز بين العبد القن وسيده والأولى ما ذكرنا ويفارق دين الكتابة دين السلم فإنه يفارق سائر الديون بما ذكرنا في هذه المسألة فمفارقته لدين السلم أعظم

مسألة: وإذا أدى وعتق فوجد السيد بالعوض عيبا فله أرشه أو قيمته ولا يرتفع العتق

(مسألة) وإذا أدى وعتق فوجد السيد بالعوض عيباً فله أرشه أو قيمته ولا يرتفع العتق) وجملة ذلك أن المكاتب إذا دفع العوض في الكتابة فبان مستحقاً تبين أنه لم يعتق وكان وجود هذا الدفع كعدمه لأنه لم يؤد الواجب عليه وقيل له إن أديت الآن وإلا فسخت كتابتك وإن كان قد مات بعد الأداء فقد مات عبداً فإن بان معيباً مثل أن كاتبه على عروض موصوفة فقبضها فأصاب بها عيباً بعد قبضها نظرت فإن رضي بذلك وأمسكها استقر العتق فإن قيل يستقر العتق ولم يعطه جميع ما وقع عليه العقد فإن ما يقابل العيب لم يقبضه فأشبه ما لو كاتبه على عشرة فأعطاه تسعة قلنا إمساكه العيب راضياً به رضا منه باسقاط حقه فجرى مجرى ابرائه من بقية كتابته وإن اختار إمساكه وأخذ أرش العيب أو رده فله ذلك. قال أبو بكر وقياس قول أحمد أنه لا يبطل العتق وليس له الرد وله الأرش لأن العتق إتلاف واستهلاك فإذا حكم بوقوعه لم يبطل كعقد الخلع ولأنه ليس المقصود منه المال فأشبه الخلع. وقال القاضي يتوجه أن له الرد ويحكم بارتفاع العتق الواقع لأن العتق إنما يستقر باستقرار الأداء وقد ارتفع الأداء فارتفع العتق، وهذا مذهب الشافعي لأن الكتابة عقد معاوضة يلحقه الفسخ بالتراضي فوجب أن يفسخ بوجود العيب كالبيع وإن اختار إمساكه وأخذ الأرش فله ذلك وتبين أن العتق لم يقع لأننا تبينا أن ذمته لم تبرأ من مال الكتابة ولا يعتق قبل ظن وقوع

العتق لا يوقعه إذا بان الأمر بخلافه كما لو بان العوض مستحقاً وإن تلفت العين عند السيد أو حدث بها عده عيب استقر أرش العيب والحكم في ارتفاع العتق على ما ذكرنا فيما مضى ولو قال السيد لعبده إن أعطيتني عبداً فأنت حر فأعطاه عبداً فبان حراً أو مستحقاً لم يعتق بذلك لأن معناه إن أعطيتنيه ملكاً ولم يعطه إياه ملكاً ولم يملكه إياه. (فصل) وإذا دفع إليه مال الكتابة ظاهراً فقال له السيد أنت حر أو قال هذا حر ثم بان العوض مستحقاً لم يعتق بذلك لأن ظاهره الإخبار عما حصل له بالأداء فلو ادعى المكاتب أن السيد قصد بذلك عتقه وأنكر السيد فالقول قول السيد مع يمينه لأن الظاهر معه وهو أخبر بما نوى. (فصل) قال رضي الله عنه ويملك المكاتب اكتسابه ومنافعه والشراء والبيع والإجارة والاستئجار والسفر وأخذ الصدقة والإنفاق على نفسه وولده ورقيقه وكل ما فيه صلاح المال يملك المكاتب إكسابه ومنافعه والشراء والبيع باجماع أهل العلم لأن عقد الكتابة لتحصيل العتق ولا يحصل إلا بأداء عوضه ولا يمكنه الاداء إلا بالاكتساب، والبيع والشراء من أقوى جهات الاكتساب فإنه قد جاء في بعض الآثار أن تسعة أعشار الرزق في التجارة ويملك الأجارة والاستئجار قياساً على البيع والشراء ويملك السفر قريباً كان أو بعيداً، وهذا قول الشعبي والنخعي والحسن بن صالح وأبي حنيفة وقد

مسألة: وإن شرط عليه أن لا يسافر ولا يأخذ الصدقة فهل يصح الشرط؟ على وجهين

أطلق أصحابنا القول في ذلك ولم يفرقوا بين السفر الطويل وغيره وقياس المذهب أن له منعه من سفر تحل نجوم كتابته قبل لأنه يتعذر معه استيفاء النجوم في وقتها والرجوع في رقه عند عجزه فمنع منه كالغريم الذي يحل الدين عليه قبل مدة سفره واختلف قوله فقال في موضع له السفر وقال في موضع ليس له السفر إذا كان قصيراً لأنه في حكم الحاضر والموضع الذي منع منه إذا كان بعيداً يتعذر معه استيفاء نجومه والرجوع في رقه عند عجزه. ولنا أن المكاتب في يد نفسه وإنما للسيد عليه دين أشبه الحر الدين وما ذكروه لا أصل له ويبطل بالحر الغريم وله أخذ الصدقة الواجبة والمستحبة لأن الله تعالى جعل للمكاتبين الأخذ من الواجبة وإذا جاز الأخذ من الواجبة فالمستحبة أولى. (مسألة) (وإن شرط عليه أن لا يسافر ولا يأخذ الصدقة فهل يصح الشرط؟ على وجهين. إذا شرط السيد على مكاتبه أن لا يسافر، فقال القاضي الشرط باطل، وهو قول الحسن وسعيد ابن جبير والشعبي والنخعي وأبي حنيفة لأنه ينافي مقتضى العقد فلم يصح شرطه كشرط ترك الاكتساب ولأنه غريم فلم يصح ترك السفر عليه كما لو أقرض لرجل قرضاً بشرط أن لا يسافر وقال أبو الخطاب يصح الشرط وله منعه من السفر وهو قول مالك لقول النبي صلى الله عليه وسلم (المسلمون على شروطهم)

مسألة: وله الإنفاق على نفسه وولده ورقيقه وكل ما فيه صلاح المال

ولأنه شرط له فيه فائدة فلزم كما لو شرط نقداً معلوماً وبيان فائدته أنه لا يأمن إباقه وأنه لا يرجع إلى سيده فيفوت العبد والمال الذي عليه ويفارق القرض فإنه عقد جائز من جانب المقرض متى شاء طالب بأخذه ومنع الغريم السفر قبل إيفائه فكان المنع من السفر حاصلاً بدون شرطه بخلاف الكتابة فإنه لا يمكن السيد منعه من السفر إلا بشرطه وفيه حفظ عبده وماله فلا يمنع من تحصيله وهذا أصح إن شاء الله تعالى فعلى هذا الوجه لسيده منعه من السفر فإن سافر بغير إذنه فله رده إن أمكنه وإن لم يمكنه رده احتمل أن له تعجيزه ورده إلى الرق لأنه لم يف بما شرط عليه أشبه ما لو لم يف بأداء الكتابة واحتمل أن لا يملك ذلك لأنه مكاتب كتابة صحيحة لم يظهر عجزه فلم يملك تعجيزه كما لو لم يشترط عليه. (فصل) وإن شرط عليه أن لا يسأل الناس فقال أحمد قال جابر بن عبد الله هم على شروطهم إن رأيته يسأل تنهاه فإن قال لا أعود لم يرده عن كتابته في مرة فظاهر هذا أن الشرط صحيح لازم وأنه إن خالف مرة لم يعجزه وإن خالف مرتين أو أكثر فله تعجيزه قال أبو بكر إذا رآه يسأل مرة في مرة عجزه كما إذا حل نجم في نجم عجزه فاعتبر المخالفة في مرتين كحلول نجمين وإنما صح الشرط لقول عليه الصلاة والسلام (المسلمون على شروطهم) ولأن له في هذا فائدة وغرضاً صحيحاً وهو أن

لا يكون كلاً على الناس ولا يطعمه من صدقتهم وأوساخهم وذكر أبو الخطاب أنه لا يصح الشرط لأن الله تعالى جعل للمكاتب سهما عن الصدقة بقوله تعالى (وفي الرقاب) وهم المكاتبون فلا يصح اشتراط ترك طلب ما جعل الله له. (مسألة) (وله الإنفاق على نفسه وولده ورقيقه وكل ما فيه صلاح المال) . لأن له التصرف في المال بما يعود بمصلحته ومصلحة ماله والإنفاق على نفسه وولده ورقيقه من أهم المصالح فينفق عليهم ما يحتاجون إليه من مأكلهم ومشربهم وكسوتهم بالمعروف مما لا غنى لهم عنه والحيوان الذي له وله تأديب عبيده وتعزيرهم إذا فعلوا ما يستحقون ذلك لأنه من مصلحة ملكه فملكه كالنفقة عليهم ولا يملك إقامة الحد عليهم لأنه موضع ولاية وما هو من أهلها وله أن يختنهم لأنه من مصلحتهم وله المطالبة بالشفعة والأخذ بها لأنه نوع شراء فإن كان المشتري للشقص سيده فله أخذه منه لأن له أن يشتري منه وإن اشترى المكاتب شقصاً لسيده فيه شركة فله أخذه من المكاتب بالشفعة لأنه مع سيده في باب البيع والشراء كالأجنبي وإن وجبت للسيد على مكاتبه شفعة فادعى المكاتب أن سيده عفا عنها سمعت دعواه وإن انكره السيد كان عليه اليمين وإن أذن السيد لمكاتبه في البيع بالمحاباة صح منه وكان لسيده الأخذ بالشفعة، لأن بيعه بالمحاباة مع سيده فيه صحيح ويصح إقرار المكاتب بالبيع والشراء والعيب والدين لأنه يصح تصرفه فيه بذلك ومن ملك شيئاً ملك الإقرار به.

مسألة: وليس له أن يتزوج، ولا يتسرى، ولا يتبرع، ولا يقرض، ولا يحابي، ولا يقتص من عبده الجاني على بعض رقيقه، ولا يعتق، ولا يكاتب إلا بإذن سيده

(مسألة) (وليس له أن يتزوج ولا يتسرى ولا يتبرع ولا يقرض ولا يحابي ولا يقتص من عبده الجاني على بعض رقيقه ولا يعتق ولا يكاتب إلا بإذن سيده) . وجملة ذلك أن المكاتب ليس له أن يتزوج إلا بإذن سيده، وهو قول الحسن ومالك والليث وابي حنيفة والشافعي وأبي يوسف، وقال الحسن بن صالح له ذلك، لأنه عقد معاوضة أشبه البيع. ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (أيما عبد تزوج بغير إذن مواليه فهو عاهر) ولأن على السيد ضرراً لأنه إن عجز رجع عليه ناقص القيمة ويحتاج أن يؤدي المهر والنفقة من كسبه فيعجز عن أداء نجومه فيمنع من ذلك كالتبرع به فعلى هذا إذا تزوج لم يصح وقال الثوري نكاحه موقوف إن أدى تبينا أنه كان صحيحاً وإن عجز فنكاحه باطل. ولنا الخبر ولأنه تصرف منع منه للضرر فلم يصح كالهبة. إذا ثبت هذا فإنه يفرق بينهما ولا مهر لها إن كان قبل الدخول وإن كان بعده فعليه مهر المثل يؤدى من كسبه كجنايته فإن أتت بولد لحقه نسبه لأنه من وطئ في نكاح فاسد فإن كانت المرأة حرة فهو حر وإن كانت أمة فهو رقيق لسيدها، فإن أذن له سيده في النكاح صح في قول الجميع فإن الخبر يدل بمفهومه على أنه يصح إذا أذن له لأن المنع من نكاحه لحق السيد فإذا أذن فيه زال المانع وقياساً على ما إذا اذن لعبده القن.

(فصل) وليس له التسري بغير إذن سيده لأن ملكه ناقص. وقال الزهري لا ينبغي لأهله أن يمنعوه من التسري. ولنا أن على السيد فيه ضرراً فمنع منه كالتزويج وبيان الضرر أنه ربما أحبلها والحمل عيب في بنات آدم وربما تلفت وربما ولدت فصارت أم ولد يمتنع عليه بيعها في أداء كتابته فإن عجز رجعت إلى سيده ناقصة وإذا منع من التزويج لضرره فهذا أولى فإن أذن له سيده جاز وقال الشافعي لا يجوز في أحد القولين لأنه أمر يضر به وربما أفضى إلى منعه من العتق فلم يجز بإذن السيد. ولنا أنه لو أذن لعبده القن في التسري جاز فللكاتب أولى ولأن المنع كان لأجل الضرر بالسيد فجاز بإذنه كالتزويج إذا ثبت هذا فإنه إن تسري بإذن سيده أو غير إذنه فلا حد عليه لشبهة الملك ولا مهر عليه لأنه لو وجب لوجب له ولا يجب على الإنسان شئ لنفسه فإن ولدت فالنسب لاحق به لأن الحد إذا سقط للشبهة لحقه النسب ويكون الولد مملوكاً له لأنه ابن أمته ولا يعتق عليه لأن ملكه غير تام وليس له بيعه لأنه ولده ويكون موقوفاً على كتابته فإن أدى عتق وعتق الولد لأنه ملك لأبيه الحر وإن عجز وعاد إلى الرق فولده رقيق أيضاً ويكونان مملوكين للسيد (فصل وليس له أن يزوج عبيده وإماءه بغير إذن سيده وهذا قول الشافعي وابن المنذر وذكر عن مالك أن له ذلك إذا كان على وجه النظر لأنه عقد على منفعه فملكه كالإجارة وحكي

عن القاضي أنه في الخصال له تزويج الأمة دون العبد لأنه يأخذ عوضاً عن تزويجها بخلاف العبد ولأنه عقد على منافعها أشبه إجارتها ولنا أن على السيد فيه ضرراً لأنه إن زوج العبد لزمته نفقة امرأته ومهرها وشغله بحقوق النكاح ونقص قيمته وإن زوج الأمة ملك الزوج بضعها ونقصت قيمتها وقلت الرغبات فيها وربما امتنع بيعها بالكلية وليس ذلك من جهات المكاسب فربما أعجزه ذلك عن أداء نجومه وإن عجز عاد رقيقاً للسيد مع ما تعلق بهم من الحقوق ولحقهم من النقص وفارق الإجارة فإنها من جهات المكاسب عادة فعلى هذا إن وجب تزويجهم لطلبهم ذلك وحاجتهم إليه باعهم فإن العبد متى طلب التزويج حين سيده بين بيعه وتزويجه وإن أذن السيد في ذلك جاز لأن الحق له والمنع منه (فصل) وليس له استهلاك ماله ولا هبته وبه قال الحسن ومالك والثوري والشافعي والثوري وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه خلافاً لأن حق سيده لم ينقطع عنه لأنه قد يعجز فيعود إليه ولأن القصد من الكتابة تحصيل العتق بالأداء وهبة ماله تفوت ذلك وتجوز بإذن سيده وقال أبو حنيفة لا تجوز لأنه يفوت المقصود بالكتابة وعن الشافعي كالمذهبين ولنا أن الحق لا يخرج عنهما فجاز باتفاقهما كالراهن والمرتهن ولا تصح الهبة بالثواب وقال الشافعي في أحد قوليه تصح لأن فيها معاوضة

ولنا أن الاختلاف في تقدير الثواب يوجب الغرر ولأن عوضها يتأخر فهو كالبيع نسيئة وإن أذن السيد فيها جازت ولذلك إن وهب لسيده أو لابن سيده الصغير جاز لأن قبوله للهبة إذن فيها وليس له أن بحابي في البيع ولا يزيد في الثمن الذي اشترى به لأنه اتلاف للمال على سيده فأشبه الهبة ولا يجوز له أن يعير دابته ولا يهدي هدية وأجاز ذلك أصحاب الرأي ويحتمل جواز اعارة دابته وهدية المأكول ودعائه إليه كالمأذون له لأن المكاتب لا ينحط عن درجته ووجه الأول أنه تبرع بماله فلم يجز كالهبة وليس له أن يوصي بماله ولا يحط عن المشتري شيئاً ولا يقرض لأنه يعرضه للاتلاف ولا يضمن ولا يتكفل با؟؟ وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي لأن ذلك تبرع بماله فهو كالهبة ولا يقتص من عبده الجاني على بعض رقيقه ذكره أبو بكر لأن فيه اتلاف المال على سيده وقال القاضي له أن يقتص من الجناة عليه وعلى رقيقه ويأخذ الأرش لأن فيه مصلحته (فصل) ولا يعتق رقيقه إلا بإذن سيده وبه قال الحسن والاوزاعي ومالك والشافعي وأبو حنيفة لأن فيه ضرراً على سيده بتفويت ماله فيما لا يحصل له به مال أشبه الهبة فإن أعتق لم يصح إعتاقه ويتخرج أن يصح ويقف على إذن سيده وقال أبو بكر هو موقوف على آخر أمر المكاتب فإن أدى عتق معتقه وإن لم يؤد رق قال القاضي هذا قياس المذهب كقولنا في ذوي الأرحام إنهم موقوفون ولنا أنه تبرع بماله بغير إذن سيده فكان باطلا كالهبة ولأنه تصرف تصرفا منع منه لحق سيده

فكان باطلاً كسائر ما منع منه ولا يصح قياسه على ذوي أرحامه لأن عتقهم ليس بتصرف منه وإنما يعتقهم الشرع على مالكهم بملكهم والمكاتب ملكه ناقص فلم يتقوا به فإذا عتق كمل ملكه فعتقوا حينئذ والمعتق إنما يعتق بالإعتاق الذي كان باطلاً فلا تتبين صحته إذا كمل الملك لأن كمال الملك في في الثاني لا يوجب كونه كاملاً حين الإعتاق ولذلك لا يصح سائر تبرعاته بأدائه فإن أذن فيه سيده صح وقال الشافعي في أحد قوليه لا يصح لأن تبرعه بماله يفوت المقصود من كتابته وهو العتق الذي هو حق لله تعالى أو فيه حق له فلا يجوز تفويته ولأن العتق لا ينفك من الولاء وليس من أهله ولأن ملك المكاتب ناقص والسيد لا يملك إعتاق ما في يده ولا هبته فلم يصح إذنه فيه ولنا أن الحق لا يخرج عنهما فإذا اتفقا على التبرع به جاز كالراهن والمرتهن وما ذكروه يبطل بالنكاح فإنه لا يملكه ولا يملكه السيد عليه وإذا أذن فيه جاز وأما الولاء فإنه يكون موقوفاً فإن عتق المكاتب لان له وإلا فهو لسيده كما يرق مماليكه من ذوي أرحامه هذا قول القاضي وقال أبو بكر يكون لسيده كان إعتاقه إنما صح بإذن سيده فكان كنائبه (فصل) قال شيخنا وليس له أن يحج إذا احتاج إلى انفاق ماله فيه وذكر في كتاب الاعتكاف أن له أن يحج بغير إذن سيده لأنه كالحر المدين ونقل الميموني عن أحمد للمكاتب أن يحج من المال الذي جمعه إذا لم يأت نجمه قال شيخنا وذلك محمول على أنه يحج بإذن سيده أما بغير إذنه فلا يجوز

مسألة: وولاء من يعتقه ويكاتبه لسيده

لأنه تبرع بما ينفق ماله فيه فلم يجز كالعتق فأما إن أمكنه الحج من غير انفاق ماله كالذي يتبرع له إنسان باحجاجه أو يخدم من ينفق عليه فيجوز إذا لم يأت نجمه لأن هذا يجري مجرى تركه المكسب وليس ذلك مما يمنع منه (فصل) وليس للمكاتب أن يكاتب إلا بإذن سيده وهذا قول الحسن والشافعي لأن الكتابة نوع إعتاق فلم تجز من المكاتب كالمنجر ولأنه لا يملك الإعتاق فلم يملك الكتابة كالمأذون واختيار القاضي جواز الكتابة وهو الذي ذكره أبو الخطاب في رءوس المسائل وهو قول مالك وابي حنيفة والثوري والاوزاعي لأنه نوع معاوضة فأشبه البيع وقال أبو بكر هو موقوف كقوله في العتق المنجز فإن أذن فيها السيد صحت، وقال الشافعي فيها قولان وقد ذكرنا ذلك فيما تقدم (مسألة) (وولاء من يعتقه ويكاتبه لسيده) إذا كاتب عبده فعجزا جميعاً صارا رقيقين للسيد وإن أدى المكاتب الأول ثم أدى الثاني فولاء كل واحد منهما لمكاتبه وإن أدى الأول وعجز الثاني صار رقيقاً للأول وإن عجز الأول وأدى الثاني فولاؤه للسيد الأول وإن أدى الثاني قبل عتق الأول عتق قال أبو بكر وولاؤه للسيد وهو قول أبي حنيفة لأن العتق لا ينفك عن الولاء والولاء لا يوقف لأنه سبب يورث به فهو كالنسب

مسألة: وليس له أن يبيع نسيئة وإن باع السلعة بأضعاف قيمتها وهذا مذهب الشافعي

ولأن الميراث لا يقف كذلك سببه، وقال القاضي هو موقوف إن أدى عتق والولاء له وإلا فهو للسيد، وهذا أحد قولي الشافعي لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إنما الولاء لمن اعتق) ولأن العبد ليس بملك له ولا يجوز أن يثبت له الولاء على من لم يعتق في ملكه وقولهم لا يجوز أن يقف كما لو يقف النسب والميراث ليس كذلك فإن النسب يقف على بلوغ الغلام وانتسابه إذا لم تلحقه القافة بأحد الواطئين وكذلك الميراث يوقف على أن الفرق بين النسب والميراث وبين الولاء أن الولاء يجوز أن يقع لشخص ثم ينتقل وهو ما يجره مولى الأب من مولى الأم فجاز أن يكون موقوفاً والنسب والميراث بخلاف ذلك فإن مات المعتق قبل عتق المكاتب وقلنا الولاء للسيد ورثه، وإن قلنا هو موقوف فميراثه أيضاً موقوف. (مسألة) (وليس له أن يبيع نسيئة وان باعا لسلعة بأضعاف قيمتها وهذا مذهب الشافعي) لأن فيه تغريراً بالمال وهو ممنوع منه لتعلق حق السيد به. قال القاضي ويتخرج الجواز بناء على المضارب أن له البيع نسيئة في إحدى الروايتين فيخرج ههنا مثله وسواء أخذ ضميناً أو رهيناً أو لم يأخذ لأن الغرر باق لأنه يحتمل أن يتلف الرهن ويفلس الغريم والضمين، ويحتمل أن يجوز مع الرهن والضمين لأن الوثيقة قد حصلت به والعوارض نادرة على خلاف الأصل فإن باع

مسألة: ولا يكفر بالمال وعنه له ذلك بإذن سيده

بأكثر من قيمته حالاً وجعل الزيادة مؤجلة جاز لأن الزيادة ربح وإن اشترى نسيئة جاز لأنه لا غرر فيه ولا يجوز أن يدفع به رهناً لأن الرهن أمانة وقد يتلف أو يجحده الغريم وليس له أن يدفع ماله سلما لأنه في معنى البيع نسيئة وله أن يستسلف في ذمته لأنه في معنى الشراء نسيئة وله أن يقترض لانه ينتفع بالمال وليس له أن يدفع ماله مضاربة لأنه يسلمه إلى غيره فيغرر به وفي الرهن والمضاربة وجه آخر أنه لا يجوز وله أن يأخذ قراضاً لأنه من أنواع الكسب ومذهب الشافعي في هذا الفصل كله على ما ذكرنا (مسألة) (ولا يكفر بالمال وعنه له ذلك بإذن سيده) إذا لزمت المكاتب كفارة ظاهر أو جماع في رمضان أو قتل أو كفارة يمين لم يكن له التكفير بالمال لأنه عبد ولأنه في حكم المعسر بدليل أنه لا تلزمه زكاة ولا نفقة قريب وله أخذ الزكاة لحاجته وكفارة العبد والمعسر الصيام وإن أذن له سيده في التكفير بالمال جاز لأنه بمنزلة التبرع ولأن المنع لحقه وقد أذن فيه ولا يلزمه التكفير بالمال وإن أذن فيه السيد لأن عليه ضرراً لما يفضي إليه من تفويت حريته كما أن التبرع لا يلزمه بإذن سيده وقال القاضي المكاتب كالعبد القن في التكفير ومتى أذن له سيده في التكفير بالمال انبنى على ملك العبد بالتمليك فإن قلنا لا يملك لم يصح تكفيره بغير الصيام سواء أذن فيه أو لم يأذن لأنه يكفر بما ليس بمملوك له وإن قلنا يملك بالتمليك صح تكفيره بالإطعام إذا أذن فيه السيد وأن أذن

مسألة: وهل له أن يرهن أو يضارب؟ يحتمل وجهين

له في تكفير بالعتق فهل يصح؟ على روايتين نذكرهما في تكفير العبد إن شاء الله تعالى قال شيخنا والصحيح أن هذا التفصيل لا يتوجه في المكاتب لأنه يملك المال بغير خلاف وإنما ملكه ناقص لتعلق حق سيده به فإذا أذن له سيده فيه صح كالتبرع (مسألة) (وهل له أن برهن أو يضارب؟ يحتمل وجهين) (أحدهما) لا يجوز لأن في دفع ماله إلى غيره تغريراً به وفي الرهن خطر لأنه قد يتلف أو يجحده الغريم وهذا مذهب الشافعي (والثاني) يجوز لأنه قد يرى الحظ فيه بدليل أن لولي اليتيم أن يفعله في مال اليتيم فجاز كاجارته (مسألة) (وليس له شراء ذوي رحمه إلا بإذن سيده) لأنه تصرف يؤدي إلى إتلاف ماله لأنه يخرج من ماله ما يجوز التصرف فيه في مقابلة ما لا يجوز له التصرف فيه أشبه الهبة وهذا قول الشافعي وقال القاضي له ذلك وهو قول الثوري واسحاق وأصحاب الرأي لأنه اشترى مملوكاً لا ضرر على السيد في شرائه فصح كالأجنبي وبيانه أنه يأخذ كسبهم وإن عجز صاروا رقيقاً لسيده ولأنه يصح أن يشتريه غيره فصح شراؤه له كالأجنبي ويفارق الهبة لأنها تفوت المال بغير عوض ولا نفع يرجع إلى الكاتب ولاء السيد ولأن السبب تحقق وهو صدور التصرف من أهله في محله ولم يتحقق المانع لأن ما ذكروه لا نص فيه ولا له أصل يقاس عليه فإن أذن

مسألة: وله أن يقبلهم إذا وهبوا له أو وصي له بهم

فيه سيده جاز وهو قول مالك لأن المنع لحق سيده فجاز بإذنه وهو قول بعض أصحاب الشافعي وقال بعضهم فيه قولان (مسألة) (وله أن يقبلهم إذا وهبوا له أو وصي له بهم) لأنه إذا ملك شراءهم مع ما فيه من بذل ماله فلأن يجوز بغير عوض أولى وعند من لا يرى جواز شرائهم بغير إذن السيد لا يجوز قبولهم إلا إذا لم يكن فيه ضرر بماله كما قالوا في ولي اليتيم إذا وصى لليتيم بمن يعتق عليه (مسألة) (وإذا ملكهم فليس لهم بيعهم ولا هبتهم ولا إخراجهم عن ملكه) وقال أصحاب الرأي له بيع من عدا الوالدين والمولودين لأنهم ليست قرابتهم قرابة جزئية ولا بعضية فأشبهوا الأجانب ولنا أنه ذو رحم يعتق عليه إذاعته فلا يجوز بيعه كالوالدين والمولودين ولأنه لا يملك بيعهم إذا كان حراً فلا يملكه مكاتباً كوالديه (فصل) ولا يعتقون بمجرد ملكه لهم لأنه لو باشرهم بالعتق أو أعتق غيرهم لم يقع العتق فلأن لا يقع بالشراء الذي أقيم مقامه أولى ومتى أدى وهم في ملكه عتقوا لأنه كمل ملكه فيهم وزال تعلق حق سيده عنهم فعتقوا حينئذ وولاؤهم له دون سيده لأنهم عتقوا عليه بعد زوال ملكه سيده عنه

فصاروا بمنزلة ما لو اشتراهم بعد عتقه وإن عجز ورد في الرق صاروا عبيداً للسيد لأنهم من ماله فيصيرون للسيد بعجزه كعبيده الأجانب وله كسبهم لأنهم مماليكه أشبه الأجانب ونفقتهم عليه بحكم الملك لا بحكم القرابة وكذلك الحكم في ولده من أمته قياساً عليهم (فصل) فإن أعتقهم السيد لم يعتقوا لأنه لا يملكهم فلم يملك التصرف فيهم، وإن أعتقهم المكاتب بغير إذن سيده لم يعتقوا لتعلق حق سيده بهم وإن أعتقهم بإذنه عتقوا كما لو أعتق غيرهم من عبيده وإن اعتقه سيده عتق وصاروا رقيقاً للسيد كما لو عجز لأن كتابته تبطل بعتقه كما تبطل بموته وعلى ما اختاره شيخنا يعتقون لأنه عتق قبل فسخ الكتابة فوجب أن يعتقوا كما لو عتق بالإبراء من مال الكتابة أو بأدائه يحقق هذا أن الكتابة عقد لازم يستفيد بها المكاتب ملك رقيقه واكسابه ويبقى حقه السيد في ملك رقبته على وجه لا يزول إلا بالإداء أو ما يقوم مقامه فلا يتسلط السيد على إبطالها فيما يرجع إلى إبطال حق المكاتب وإنما يتسلط على إبطال حقه من رقبة المكاتب فينفذ في ماله دون مال الكاتب وقد ذكرنا مثل هذا فيما مضى وإن مات المكاتب ولم يخلف وفاء عادوا رقيقاً وقال أبو يوسف ومحمد يسعون في الكتابة على نجومها وكذلك ام وولده وقال أبو حنيفة في

مسألة: وولد المكاتبة الذي ولدته في الكتابة يتبعها

الولد خاصة إن جاء بالكتابة حالة قبلت منه وعتق ولنا أنه عبد للمكاتب فصار بموته لسيده إذا لم يخلف وفاء كالأجنبي وإن خلف وفاء انبنى على الروايتين في فسخ الكتابة على ما تقدم (مسألة) (وولد المكاتبة الذي ولدته في الكتابة يتبعها) تصح كتابة الأمة كما تصح كتابة العبد بغير خلاف وقد دل عليه حديث بريرة وحديث جويرة بنت الحارث ولأنها داخلة في عموم قوله تعالى (والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيراً) فإذا أتت المكاتبة بولد من غير سيدها من نكاح أو غيره فهو تابع لها فإن عتقت بالأداء أو بالإبراء عتق وإن فسخت كتابتها وعادت إلى الرق عاد رقيقا قنا وهذا قول شريح ومالك والثوري وأبي حنيفة وإسحاق وسواء في هذا ما كان حملاً حال الكتابة أو حدث بعدها وقال أبو ثور وابن المنذر هو عبد قن لا يتبع أمه وللشافعي قولان كالمذهبين واحتجوا بأن الكتابة غير لازمة من جهة العبد فلا تسري إلى الولد كالتعليق بالصفة ولنا أن الكتابة سبب ثابت للعتق لا يجوز إبطاله فسرى إلى الولد كالاستيلاد ويفارق التعليق بالصفة فإن السيد يملك إبطاله بالبيع إذا ثبت هذا فالكلام في الولد في فصول أربعة في قيمته إذا تلف وفي كسبه وفي نفقته وفي

عتقه، أما قيمته إذا تلف فقال أبو بكر هي لأمه تستعين بها على كتابتها لأن السيد لا يملك التصرف فيه مع كونه عبداً فلا يستحق قيمته لانه بمنزلة جزء منها ولو جنى على جزء منها كان أرشه لها كذلك ولدها وإذا لم يستحقها هو كانت لأمه لأن الحق لا يخرج عنهما ولأن ولدها لو ملكته بهبة أو شراء فقتل كانت قيمته لها فكذلك إذا تبعها يحققه أنه إذا تبعها صار حكمه حكمها فلا يثبت ملك السيد في منافعه ولا في أروش الجناية عليه كما لا يثبت له ذلك فيها وقال الشافعي في أحد قوليه تكون القيمة لسيدها لانها لو قتلت كانت قيمتها لسيدها فكذلك ولدها والفرق بينهما أن الكتابة تبطل بقتلها فيصير مالها لسيدها بخلاف ولدها فإن العقد باق بعد قتله فنظير هذا إتلاف بعض أعضائها والحكم في إتلاف بعض أعضائه كالحكم في إتلافه، وأما كسبه وأرش الجناية عليه فينبغي أن يكون لامه أيضاً لأن ولدها جزء منها تابع لها فأشبه بقية أجزائها ولأن أداءها لكتابتها سبب لعتقه وحصول الحرية له فينبغي أن يصرف ذلك فيه بمنزلة صرفه إليه إذ في عجزها رقه وفوات كسبه عليه، وأما نفقته فعلى أمه لأنها تابعة لكسبه وكسبه لها ونفقته عليها وأما عتقه فإنه يعتق بأدائها أو إبرائها ويرق بعجزها لأنه تابع لها وإن ماتت المكاتبة في كتابتها بطلت كتابتها وعاد رقيقا قنا لا أن يخلف وفاء فيكون على الروايتين، وإن أعتقها سيدها لم يعتق ولدها لأنه إنما تبعها في حكم الكتابة وهو العتق بالأداء وما حصل الأداء إنما حصل عتقها بأمر لا يتبعها

فيه فأشبه ما لو لم تكن مكاتبة ومقتضى قول أصحابنا الذين قالوا تبطل كتابتها بعتقها أن يعود ولدها رقيقاً ومقتضى قول شيخنا أنه يبقى على حكم الكتابة ويعتق بالأداء لأن العقد لم يوجد ما يبطله وإنما سقط الأداء عنها لحصول الحرية بدونه فإذا لم يكن لها ولد يتبعها في الكتابة ولا في يدها مال يأخذه لم يظهر حكم بقاء العقد ولم يكن في بقائه فائدة فانتفى لانتفاء فائدته وفي مسئلتنا في بقائه فائدة لإفضائه إلى عتق ولدها فينبغي أن يبقى ويحتمل أن يعتق بإعتاقها لأنه جرى مجرى ابرائها من المال والحكم فيما إذا عتقت باستيلاد أو تدبير أو تعليق بصفة كالحكم فيما إذا أعتقها لأنها عتقت بغير الكتابة وإن أعتق السيد الولد دونها صح عتقه نص عليه أحمد في رواية مهنا لأنه مملوك له فصح عتقه كأمه ولأنه لو أعتقه معها صح عتقه ومن صح عتقه مع غيره صح مفرداً كسائر مماليكه. قال القاضي: وقد كان يجب أن لا ينفذ عتقه لأن فيه ضرراً بأمه لتفويت كسبه عليها فإنها كانت تسعين به في كتابتها ولعل أحمد نفذ عتقه تغليباً للعتق والحصيح أنه يعتق وما ذكره القاضي من الضرر لا يصح لوجوه (أحدها) أن الضرر إنما يحصل في حق من له كسب يفضل عن نفقته فأما من لا كسب له فتخليصها من نفقته نفع محض ومن له كسب لا يفضل عن نفقته فلا ضرر في اعتاقه لأنه لا يفضل لها من كسبه شئ تنتفع به فكان ينبغي أن يقيد الحكم الذي ذكره بهذا القيد (الثاني) أن النفع بكسبه ليس بواجب لها لأنها لا تملك إجباره على الكسب فلم يكن الضرر بفواته معتبراً في حقها

مسألة: وإن أشترى زوجته صح وانفسخ نكاحها

(الثالث) أن مطلق الضرر لا يكفي في منع العتق الذي يحقق مقتضيه ما لم يكن له أصل يشهد له بالاعتبار ولم يذكر له أصلاً ثم هو ملغي بعتق المفلس والراهن وسراية العتق إلى ملك الشريك فإنه يعتق مع وجود الضرر بتفويت الحق اللازم فهذا أولى. (فصل) فأما ولد ولدها فإن ولد ابنها حكمه حكم أمه لأن ولد المكاتب لا يتبعه وأما ولد بنتها فهو كبنتها وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا تسري الكتابة إليه لأن السراية إنما تكون مع الاتصال وهذا ولد منفصل فلا يسري إليه بدليل أن أم الولد قبل أن يستولدها لا يسري إليه الاستيلاد وهذا الولد اتصل بأمه دون جدته ولنا أن ابنتها ثبت لها حكمها تبعاً فيجب أن يثبت لابنتها حكمها تبعاً كما ثبت لها حكم أمها ولأن البنت تبعت أمها فيجب أن يتبعها ولدها لأن علة اتباعها لأمها موجودة في ولدها ولأن البنت تعلق بها حق العتق فيجب أن يسري إلى ولدها كالمكاتبة وهذا الخلاف في ولد البنت التابعة لأمها في الكتابة فأما المولودة قبل الكتابة فلا تدخل في الكتابة فابنتها أولى (مسألة) (وإن أشترى زوجته صح وانفسخ نكاحها) يجوز للمكاتب شراء امرأته وللمكاتبة شراء زوجها لأن ذلك يجوز لغير المكاتب فجاز للمكاتب كشراء الأجانب وينفسخ النكاح بذلك وقال الشافعي لا ينفسخ لأن المكاتب لا يملك بدليل أنه لا يجوز له الشراء ولا يعتق والده وولده إذا اشتراه فأشبه العبد القن

مسألة: وإن استولد أمته فهل تصير أم ولد يمتنع عليه بيعها؟ على وجهين

ولنا أن المكاتب يملك ما اشتراه بدليل أنه تثبت له الشفعة على سيده ولسيده عليه ويجري الربا بينه وبينه وإنما منع لتسري لتعلق حق سيده بما في يده كما يمنع الراهن من الوطئ مع ثبوت ملكه ولذلك لم يعتق عليه ذوو رحمه وإذا اشترى أحدهما الآخر فله التصرف فيه لأنه أجنبي منه. (مسألة) (وإن استولد أمته فهل تصير أم ولد يمتنع عليه بيعها؟ على وجهين) إذا استولد المكاتب أمته قبل عتقه وعجزه فإنها تصير أم ولد للمكاتب وليس له بيعها نص عليه أحمد لأن ولدها له حرمة الحرية ولا يجوز بيعه ويعتق بعتق أبيه وكذلك أمه فعلى هذا لا يجوز بيعها وتكون موقوفة مع المكاتب إن أعتق فهي أم ولده وإن رق رقت، وقال القاضي في موضع لا تصير أم ولد بحال وله بيعها لأنها حملت بمملوك في ملك غير تام وللشافعي قولان كهذين الوجهين (فصل) قال الشيخ رحمه الله (ولا يملك السيد شيئاً من كسبه ولا بيعه درهماً بدرهمين) لا يملك شيئاً من كسب المكاتب لأنه اشترى نفسه من سيده ليملك ماله وكسبه ومنافعه فلا

يبقى ذلك لبائعه كسائر المبيعات ويجري الربا بينه وبين سيده لأنه معه في باب المعاوضة كالأجنبي وقال ابن أبي موسى لا ربا بينهما لأنه عبد في الأظهر من قوله ولا ربا بين العبد وسيده ولهذا جاز أن يعجل لسيده ويضع عنه بعض كتابته وله وطئ مكاتبته إذا شرط ولو حملت منه صارت له بذلك أم ولد، ووجه الأول أن السيد مع مكاتبه في باب المعاملة كالأجنبي بدليل أن لكل واحد منهما الشفعة على صاحبه ولا يملك كل واحد منهما التصرف فيما بيد صاحبه وإنما يتعلق لسيده حق فيما بيده لكونه بعرضية أن يعجزه فيعود إليه وهذا لا يمنع جريان الربا بينهما كالأب مع ابنه فعلى هذا القول لا يجوز التفاضل بينهما فيما يحرم التفاضل فيه بين الأجنبيين ولا النساء فيما يحرم فيه النساء بين الأجانب. (فصل) فإن كان لكل واحد منهما على صاحبه دين مثل أن كان للسيد على مكاتبه دين من الكتابة أو غيرها وللمكاتب على سيده دين وكانا نقداً من جنس واحد حالين أو مؤجلين أجلاً واحداً تقاصا وتساقطا لأنهما إذا تساقطا بين الأجانب فمع السيد ومكاتبه أولى وإن كانا نقداً من جنسين كدراهم ودنانير فقال ابن أبي موسى لو كان له على سيده ألف درهم ولسيده على مائة دينار فجعلها قصاصاً بها جاز بخلاف الحرين. وقال القاضي لا يجوز هذا لأنه بيع دين بدين وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الدين بالدين ولأنه

مسألة: وإن جنى عليه فعليه أرش جنايته

لا يجوز بين الأجنبيين فلم يجز بين المكاتب وسيده كسائر المحرمات وفارق العبد القن فإنه باق في تصرف سيده وما في يده ملك خالص لسيده أخذه والتصرف فيه فعلى هذا لا يجوز وإن تراضيا به وعلى قول ابن أبي موسى يجوز إذا تراضيا بذلك وتبايعاه ولا يثبت التقاص قبل تراضيهما به لأنه بيع فإن كانا عرضين او عرضا ونقداً لم تجز المقاصة فيهما بغير تراضيهما بحال سواء كان العوض من جنس حقه أو من غير جنسه وإن تراضيا بذلك لم يجز أيضاً لأنه بيع دين بدين وإن قبض أحدهما من الآخر حقه ثم دفعه إلى الآخر عوضاً عن ماله في ذمته جاز إذا لم يكن الثابت في الذمة عن سلم فإن كان ثبت عن سلم لم يجز أخذ عوضه قبل قبضه وفي الجملة أن حكم المكاتب مع سيده في هذا حكم الأجانب إلا على قول ابن أبي موسى الذي ذكرناه. (مسألة) وإن ججنى عليه فعليه أرش جنايته) إذا جنى السيد على مكاتبه فلا قصاص عليه لأمرين (أحدهما) أنه حر والمكاتب عبد (والثاني) أنه ملكه ولا يقتص من المالك لمملوكه ولكن يجب الأرش ولا يجب إلا باندمال الجرح لأنه قبل الاندمال لا تؤمن سرايته إلى نفسه فيسقط أرشه ومتى سرى الجرح إلى نفسه انفسخت الكتابة وكان كقتله فإذا ندمل الجرح وجب له أرشه حينئذ فإن كان من جنس مال الكتابة وقد حل عليه نجم تقاصا وإن كان من غير جنس مال الكتابة أو كان النجم لم يحل لم يتقاصا ولكل واحد

مسألة: وليس له أن يطأ مكاتبته إلا أن يشترط

منهما مطالبة صاحبه بما يستحقه فإن رضي المكاتب بتعجيل الواجب له عما لم يحل من نجومه جاز إذا كان من جنس مال الكتابة (مسألة) وإن حبسه مدة فعليه أرفق الامرين به من إنظاره مثل تلك المدة أو أجرة مثله) إذا حبسه سيده فقد أساء ولا يحتسب عليه بمدته في أحد الوجوه (والثاني) يحتسب عليه بمدته لأن مال الكتابة دين مؤجل فيحتسب بمدة الحبس من الأجل كسائر الديون المؤجلة فعلى هذا الوجه يلزمه أجر مثله في المدة التي حبسه فيها والأول أصح لأن على سيده تمكينه من التصرف مدة كتابته فإذا حبسه مدة وجب عليه تأخيره مثل تلك المدة ليستوفي الواجب له ولأن حبسه يقضي إلى ابطال الكتابة وتفويت مقصودها ورد، إلى الرق ولأن عجزه عن أداء نجومه في محلها بسبب من سيده فلم يستحق به فسخ العقد كما لو منع البائع المشتري من أداء الثمن لم يستحق فسخ البيع لذلك ولو منعت المرأة زوجها من الإنفاق عليها لم تستحق فسخ العقد لذلك (والثالث) يلزم سيده أرفق الامرين به من إنظاره مثل تلك المدة أو أجرة مثله فيها لأنه وجد سببهما فكان للمكاتب أنفعهما. (مسألة) (وليس له أن يطأ مكاتبته إلا أن يشترط) وطئ المكاتبة من غير شرط حرام في قول أكثر أهل العلم منهم سعيد بن المسيب والحسن والزهري

ومالك والليث والثوري والشافعي وأصاب الرأي وقيل له وطؤها في الوقت الذي لا يشغلها الوطئ عن السعي عما هي فيه لأنها ملك يمينه فتدخل في عموم قوله تعالى (أو ما ملكت أيمانهم) ولنا أن الكتابة عقد أزال ملك استخدامها وملك عوض منفعة بضعها فيما إذا وطئت بشبهة فأزال حل وطئها كالبيع والآية مخصوصة بالمزوجة فنقيس عليها محل النزاع ولأن الملك ههنا ضعيف لأنه قد زال عن منافعها جملة ولهذا لو وطئت بشبهة كان المهر لها وتفارق أم الولد فإن ملكه باق عليها وإنما يزول بموته فأشبهت المدبرة والموصى بها وإنما امتنع البيع لانها ستحقت العتق بموته استحقاقاً لازماً لا يمكن زواله. (فصل) فإن شرط وطأها فله ذلك، وبه قال سعيد بن المسيب وقال سائر من ذكرنا ليس له وطؤها لأنه لا يملكه مع إطلاق العقد فلم يملكه بالشرط كما لو زوجها أو أعتقها، وقال الشافعي إذا شرط ذلك في عقد الكتابة فسد لأنه شرط فاسد فأفسد العقد كما لو شرط عوضاً فاسداً وقال مالك لا يفسد العقد به لأنه لا يخل بركن العقد ولا شرطه فلم يفسد كالصحيح. ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (المؤمنون عند شروطهم) ولأنها مملوكة له شرط نفعها فصح كشرط استخدامها. يحقق هذا أن منعه من وطئها مع بقاء ملكه عليها ووجود المقتضي لحل وطئها انما كان لحقها فإذا اشترطه عليها جاز كالخدمة ولأنه استثنى بعض ما كان له فسح كاشتراط الخدمة وفارق البيع فإنه يزيل ملكه عنها.

مسألة: وإن وطئها من غير أن يشترط أو وطيء أمتها أدب ولم يبلغ به الحد

(مسألة) (وإن وطئها من غير أن يشترط أو وطئ أمتها أدب ولم يبلغ به الحد) . إذا وطئها من غير شرط لم يجب عليه الحد لشبهة الملك في قول عامة الفقهاء، وروي عن الحسن والزهري أنهما قالا عليه الحد لأنه عقد عليها عقد معاوضة يحرم الوطئ فأوجب الحد بوطئها كالبيع. ولنا أنها مملوكته فلم يجب عليه الحد بوطئها كالمرهونة والمستأجرة ويخالف البيع فإنه يزيل الملك والكتابة لا تزيله بدليل قوله عليه السلام (المكاتب عبد ما بقي عليه درهم) وعليه مهرها إذا وطئها بغير شرط، لأنه استوفى منفعتها الممنوع من استيفائها فأشبه منافع بدنها فإن كانا عالمين عزرا وإن كانا جاهلين عزرا وإن كان أحدهما عالماً والآخر جاهلاً عزر العالم وعزر الجاهل ولا تخرج بالوطئ عن الكتابة وقال الليث إن طاوعته فقد فسخت كتابتها وعادت قنا ولنا أنه عقد لازم عقد لازم فلم ينفسخ بالمطاوعة على الوطئ كالإجارة والبيع بعد لزومه ويجب لها المهر مطاوعة كانت أو مكرهة وبه قال الحسن والثوري والحسن بن صالح والشافعي وقال قتادة يجب إذا أكرهها ولا يجب إذا طاوعته ونقله المزني عن الشافعي لأن المطاوعة بذلت نفسها بغير عوض فصارت كالزانية ومنصوص الشافعي وجوبه في الحالين وأنكر أصحابه ما نقله المزني وقالوا لا يعرف وقال مالك لا شئ عليه لأنها ملكه

مسألة: فإن أولدها صارت أم ولد له سواء وطئها بشرط أو بغير شرط

ولنا أنه عوض منفعتها فوجب لها كعوض بدنها ولأن المكاتبة في يد نفسها ومنافعها لها ولهذا لو وطئها أجنبي كان المهر لها وإنما وجب في حال المطاوعة لأن الحد سقط عنه للشبهة فوجب لها المهر كما لو وطئ امرأة بشبهة عقد مطاوعة، فإن تكرر وطؤها وكان قد ادى مهر الوطئ الأول فللثاني مهر أيضاً لأن الأداء قطع حكم الوطئ وإن لم يكن أدى عن الأول لم يجب إلا مهر واحد لأن هذا عن وطئ الشبهة فلم يجب إلا مهر واحد كالوطئ في النكاح الفاسد (فصل) فأما إن وطئها مع الشرط فلا حد عليه ولا مهر ولا تعزير لانه وطئ يملكه ويباح له فأشبه وطأها قبل كتابتها، وإذا وجب لها المهر بالوطئ فإن كان لم يحل عليها نجم فلها المطالبة وإن كان قد حل عليها وكان المهر من غير جنسه فلها المطالبة أيضاً به وإن كان من جنسه تقاصا وأخذ ذو الفضل فضله. (مسألة) (فإن أولدها صارت أم ولد له سواء وطئها بشرط أو بغير شرط) لأنه أحبلها بحر في ملكه فكانت أم ولد كغير المكاتبة والولد حر لأنه ولده من مملوكته ويلحقه نسبه لذلك ولانه من وطئ سقط فيه الحد للشبهة فأشبه ولد المغرور ولا تلزمه قيمته لأنها وضعته في ملكه

(فصل) وليس له وطئ بنت مكاتبته لأنها تابعة لها موقوفة معها فلم يبح وطؤها كأمها ولا يباح ذلك بالشرط لأن حكم الكتابة ثبت فيها تبعاً ولم يكن وطؤها مباحاً حال العقد فيشترط فإن وطئها فلا حد عليه ويأثم ويعزر لأنه وطئ وطئها محرماً ولها المهر حكمه حكم كسبها يكون لامها تسعتين به في كتابتها لأن ذلك سبب حريتها فإن أحبلها صارت أم ولد له والولد حر لأنه أحبلها بحر في ملكه ويلحقه نسبه ولا تجب عليها قيمتها لأن أمها لا تملكها ولا قيمة ولدها لأنها وضعته في ملكه (فصل) وليس له وطئ جارية مكاتبة ولا مكاتبته اتفاقاً فإن فعل أثم وعزر ولا حد عليه لشبهة الملك لأنه يملك مالكها وعليه مهرها لسيدها وولده منها حر يلحقه نسبه لأن الحد سقط لشبهة الملك وتصير أم ولد له وعليه قيمتها لسيدها لأنه أخرجها بوطئه عن ملكه ولا تجب عليه قيمة الولد لأنها وضعته في ملكه ويحتمل أن تلزمه قيمته لأنه أخرجه بوطئه عن أن يكون مملوكاً لسيدها فأشبه ولد المغرور (فصل) ولا يملك السيد إجبار مكاتبته ولا ابنتها ولا أمتها على التزويج لأنه زال ملكه بعقد الكتابة عن نفعها ونفع بعضها وعن عوضه وليس لواحدة منهن التزويج بغير إذنه لأن عليه ضرراً في ذلك فإنه يثبت حقاً للزوج فيها فربما عجزت وعادت إليه على وجه لا يملك وطأها فإن تراضيا بذلك

مسألة: فإن أدت عتقت، وإن مات سيدها قبل أدائها عتقت وسقط ما بقي من كتابتها وما في يدها لها إلا أن يكون بعد عجزها. وقال أصحابنا: هو لورثة سيدها وكذلك الحكم فيما إذا أعتق المكاتب سيده

جاز لأن الحق لا يخرج عنهما وهو وليها وولي ابنتها وجاريتها جميعاً لأن الملك له فأشبه الجارية القن والمهر للمكاتبة على ما ذكرنا في مهرهن إذا وطئهن السيد (مسألة) (فإن أدت عتقت وإن مات سيدها قبل أدائها عتقت وسقط ما بقي من كتابتها وما في يدها لها إلا أن يكون بعد عجزها وقال أصحابنا هو لورثة سيدها وكذلك الحكم فيما إذا أعتق المكاتب سيده) قذ ذكرنا أن السيد إذا استولد مكاتبته صارت أم ولد له والولد حر ونسبه لاحق به ولا تبطل كتابتها بذلك لأنها عقد لازم من جهة سيدها وقد اجتمع لها سببان يقتضيان العتق أيهما سبق صاحبه ثبت حكمه هذا قول الزهري ومالك والليث والثوري والشافعي وأصحاب الرأي وابن المنذر وقال الحاكم تبطل كتابتها لأنها سبب للعتق فتبطل بالاستيلاد كالتدبير ولنا أنها عقد معاوضة فلا تبطل بالوطئ كالبيع ولأنها سبب للعتق لا يملك السيد الرجوع عنه فلم يبطل بذلك كالتعليق بصفة وما ذكره يبطل بالتعليق بالصفة وتفارق الكتابة التدبير من وجوه (أحدها) أن حكم التديبر والاستيلاد واحد وهو العتق عقيب الموت والاستيلاد أقوى لأنه يعتبر من رأس المال ولا سبيل إلى إبطاله بحال فاستغنى به عن التدبير والكتابة سبب يتعجل به العتق بالأداء ويكون ما فضل من كسبها لها وتملك بها منافعها وكسبها وتخرج عن تصرف سيدها وهذا لا يحصل بالاستيلاد فيجب أن تبقى لبقاء فائدتها

مسألة: وكذلك الحكم فيما إذا أعتق المكاتب سيده يكون كسبه له في قول القاضي ومن وافقه

(الثاني) أن الكتابة أقوى من التدبير للزومها وكونها لا تبطل بالرجوع عنها ولا بيع المكاتب ولا هبته (الثالث) أن التدبير تبرع والكتابة عقد معاوضة لازم. إذا ثبت هذا فإنه يجتمع لها سببان كل واحد منهما يقتضي الحرية فأيهما تم قبل صاحبه ثبتت الحرية به كما لو انفرد لأن انضمام أحدهما إلى الآخر مع كونه لا ينافيه لا يمنع ثبوت حكمه فان ادت عتق بالكتابة وما فضل من كسبها فهو لها لأن المعتق بالكتابة له ما فضل من نجومه وإن عجزت وردت في الرق بطل حكم الكتابة وبقي لها حكم الاستيلاد منفرداً كما لو لم تكن مكاتبة وله وطؤها وتزويجها وإجارتها وتعتق بموته وما في يدها لورثة سيدها فإن مات سيدها قبل عجزها عتقت بأنها أم ولد وسقطت الكتابة لأن الحرية حصلت فسقط العوض المبذول في تحصيلها كما لو باشرها سيدها بالعتق وما في يدها لورثة سيدها في قول الخرقي وأبي الخطاب لأنها عتقت بحكم الاستيلاد فبطل حكم الكتابة فأشبهت غير المكاتبة وقال القاضي في المجرد وابن عقيل في الفصول ما فضل في يدها لها وهو قول الشافعي لأن العتق إذا وقع في الكتابة لا يبطل حكمها كالإبراء من مال الكتابة ولأن ملكها كان ثابتاً على ما في يدها ولم يحدث إلا ما يزيل حق سيدها عنها فيقتضي زوال حقه عما في يدها يدها وتقرير ملكها وخلوصه لها كما اقتضى ذلك في نفسها وهذا أصح

(مسألة) (وكذلك الحكم فيما إذا أعتق المكاتب سيده يكون كسبه له في قول القاضي ومن وافقه، وعلى قياس قول الخرقي ومن وافقه يكون لسيده كما لو عتقت الأمة المكاتبة ويحتمل أن يكون لسيدها أيضاً على قول الخرقي ومن وافقه لأن السيد أعتقه برضاه فيكون رضا منه بإعطائه ماله بخلاف العتق بالاستيلاد فإنه حصل بغير رضا الورثة واختيارهم ولأنه لو كان مال المكاتب يصير إلى السيد اعتاقه لتمكن السيد من أخذ مال المكاتب متى شاء فمتى كان له غرض في أخذ ماله إما لكونه يفضل عن نجوم الكتابة وإما الغرض له في بعض أعيان ماله أو لكونه يتعجله قبل أن تحل نجوم الكتابة أعتق وأخذ ماله وهذا ضرر على المكاتب لم يرد الشرع به ولا يقتضيه عقد الكتابة فوجب أن لا يشرع (فصل) وإن أتت المكاتبة بولد من غير سيدها بعد استيلادها فله حكمها بالعتق بكل واحد من السببين أيهما سبق عتق به كالأم سواء لأنه تابع لها فيثبت له ما ثبت لها وإن ماتت المكاتبة بقي للولد سبب الاستيلاد وحده فإن اختلفا في ولدها فقالت ولدته بعد كتابتي أو بعد ولادتي وقال السيد بل قبله فقال أبو بكر القول قول السيد مع يمينه وهذا قول الشافعي لأن الاصل كون الأمة وولدها رقيقاً لسيدها له التصرف فيهما وهو يدعي ما يمنع التصرف ثم، وإن زوج مكاتبه أمته ثم باعها منه واختلفا في ولدها فقال السيد هو لي لأنها ولدته قبل بيعها لك وقال المكاتب بل بعده فالقول قول المكاتب لأنهما اختلفا في ملكه ويد المكاتبة عليه فكان القول قول صاحب اليد مع يمينه كسائر الاموال ويفارق ولد المكاتب لأنها لا تدعي ملكه

(فصل) وإن كاتب اثنان جاريتهما ثم وطئها أحدهما أدب فوق أدب الواطئ المكاتبة الخالصة له لان الوطئ ههنا حرم من وجهين الشركة والكتابة فهو آكد وإثمه أعظم وعليه لها مهر مثلها على ما أسلفناه فيما إذا كان السيد واحداً فان لم يكن حل نجم قبضت المهر فإذا حل نجمها سلمته إليهما وإن حل نجمها وهو من جنس مال الكتابة وكان في يدها بقدره دفعته إلى الذي لم يطأها واحتسب على الواطئ بالمهر وإن لم يكن في يدها شئ وكان بقدر نجمها أو دونه أخذت من الواطئ نصفه وسلمته إلى الآخر وإن لم يكن من جنس مال الكتابة فاتفقا على أخذه عوضاً عن مال الكتابة فالحكم فيه كما لو كان من جنسها وإن لم يتفقا قبضت ودفعت ما عليها من مال الكتابة من عوضه أو غيره وإن عجرت ففسخا الكتابة وكان في يدها بقدر المهر أخذه الذي لم يطأ وسقط المهر من ذمة الواطئ وإن لم يكن في يدها شئ كان للذي لم يطأ أن يرجع على الواطئ بنصفه لأنه وطئ جارية مشتركة بينهما فإن حبلت منه صارت أم ولد له وعليه نصف قيمتها لشريكه مع نصف المهر الواجب لها موسراً كان أو معسراً فإن كان موسراً أداه في الحال وإن كان معسراً فهو في ذمته هذا ظاهر كلام الخرقي فعلى هذا تصير أم ولد للواطئ ومكاتبة له كأنه اشتراها وتكون مبقاة على ما بقي من كتابتها وتعتبر قيمتها مكاتبة مبقاة على ما بقي من كتابتها واختار القاضي أنه إن كان معسراً لم يسر الإحبال لأنه بمنزلة

لا عتاق بالقول يعتبر اليسار في سرايته ونصيب الواطئ قد ثبت له حكم الاستيلاد وحكم الكتابة ونصيب شريكه لم يثبت له إلا حكم الكتابة فإن أدت إليهما عتقت وبطل حكم الاستيلاد ونصفها قن لا يقوم على الوارث وإن كان موسراً لأنه ليس بعتق وان مات الواطئ قبل عجزها عتق نصيبه وسقط حكم الكتابة فيه وكان الباقي مكاتباً وإن كان الواطئ موسراً فقد ثبت لنصفها حكم الاستيلاد ونصفها الآخر موقوف فإن أدت إليهما عتقت كلها وولاؤها لهما وإن عجزت وفسخت الكتابة قومناها حيئنذ على الواطئ فيدفع إلى شريكه قيمة نصيبه ويصير جميعها أم ولد له فإن مات التقت عليه وكان ولاؤها له وهذا مذهب الشافعي وله قول آخر أنها تقوم على الموسر وتبطل عكتابة في نصف الشريك ويصير جميعها أم ولد ونصفها مكاتباً للواطئ فإن أدت نصيبه إليه عتقت وسرى إلى الباقي لأنه ملكه وعتق جميعها وإن عجزت ففسخت الكتابة كانت أم ولد له خاصة فإذا مات عتقت كلها ولنا أن بعضها أم ولد فكان جميعها كذلك كما لو كان الشريك موسراً يحقق هذا أن الولد حاصل من جميعها وهو كله من الواطئ ونسبه لاحق به فينبغي أن يثبت ذلك لجميعها ويفارق الإعتاق فإنه أضعف على ما بينا من قبل ولنا على أن الكتابة لا تبطل بالتقويم أنها عقد لازم فلا تبطل مع بقائها بفعل صدر منه كما لو

مسألة: وإن وطئها جميعا فقد وجب لها على كل واحد منهما مهر مثلها

استولدها وهو في ملكه أو كما لو لم تحبل منه وأما الولد فهو حر لأنه من وطئ فيه شبهة ونسبه لاحق به لذلك ولا تلزمه قيمته لأنها وضعته في ملكه وروي عن أحمد في هذا روايتان (إحداهما) لا تجب قيمته لان نصيب شريكه انتقل إليه من حين العلوق وفي تلك الحال لم تكن له قيمة فلم يضمنه (والثانية) عليه نصف قيمته لأنه كان من سبيل هذا النصف أن يكون مملوكاً لشريكه فقد أتلف رقه عليه فكان عليه نصف قيمته قال القاضي هذا الرواية أصح في المذهب وذكر هاتين الروايتين أبو بكر وذكر أنها إن وضعته بعد التقويم فلا شئ على الواطئ وإن وضعته قبل التقويم غرم نصف قيمته فإن ادعى الواطئ لها لاستبراء فأتت بالولد لأكثر من ستة أشهر من حين الاستبراء لم يلحق به ولم تصر أم ولد وكان حكم ولدها حكمها وإن أتت به لأقل من ستة أشهر من حين الاستبراء لحق به كما لو كان قبل الاستبراء لأنا تبينا أنها كانت حاملاً وقت الاستبراء فلم يكن ذلك استبراء (مسألة) (وان وطئاها جميعاً فقد وجب لها على كل واحد منهما مهر مثلها) فإن كانت في الحالين على صفة واحدة فهما سواء في الواجب عليهما وإن كانت بكراً حين وطئها الأول فعليه مهر بكر وعلى الآخر مهر ثيب فإن كان نجمها لم يحل فلها مطالبتهما بالمهرين وإن كان قد حل وهو من جنس المهر تقاصا على ما ذكرنا في المقاصة فإن أدت إليهما عتقت وكان لها المطالبة بالمهرين وإن عجزت نفسها وفسخا الكتابة بعد قبضها المهرين وكانا سواء لم يملك أحدهما

مسألة: وإن ولدت من أحدهما صارت ام ولد له

مطالبة الاخر بشئ لأنها قبضتهما وهي مستحقة لذلك فإن كانا في يدها اقتسماهما وإن تلفا أو بعضهما فلا شئ لهما لأن السيد لا يثبت له دين على مملوكه وإن كان الفسخ قبل قبض المهرين وهما سواء سقط عن كل واحد ما عليه وإن كان أحدهما أقل من الاخر تقاضا منهما بقدر أقلهما ويرجع من عليه أقلهما على الآخر بنصف الزيادة وإن قبضت من أحدهما دون الآخر رجع المقبوض منه على الآخر بنصف ما عليه وإن قبضت البعض من أحدهما دون الآخر أو قبضت من أحدهما أكثر من الآخر رجع من قبض منه الأكثر على الآخر بنصف الزيادة التي أداها فإن أفضاها أحدهما بوطئه فعليه لها ثلث قيمتها لأن الإفضاء في الحرة يوجب ثلث ديتها فيوجب في الأمة ثلث قيمتها وهو مذهب الشافعي وهذا الخلاف مبني على الواجب في إفضاء الحرة وسنذكره إن شاء الله تعالى فإن فسخت الكتابة رجع من لم يفضها على الآخر بنصف قيمة الافضاء على الخلاف المذكور فإن إدعى كل واحد منهما على الآخر أنه الذي أفضاها أو وطئها حلف كل واحد منهما وبرئ وإن نكل أحدهما قضي عليه وإن كان الخلاف قبل عجزها فادعت على أحدهما فالقول قوله مع يمينه وإن ادعت على أحدهما غير معين لم تسمع الدعوى (مسألة) (وإن ولدت من أحدهما صارت ام ولد له) ويغرم لشريكه نصف قيمتها وهل يغرم نصف قيمة ولدها؟ على روايتين

مسألة: وإن أتت بولد وألحق بهما، صارت أم ولد لهما يعتق نصفها بموت أحدهما وباقيها بموت الآخر كما لو كان سيدها واحدا واستولدها فإنها تعتق بموته وعند القاضي: لا يسري استيلاد أحدهما إلى نصيب شريكه

وقد ذكرنا ذلك والخلاف فيه فيما إذا وطئها أحدهما (مسألة) (وان أتت بولد وألحق بهما صارت أم ولد لهما يعتق نصفها بموت أحدهما وباقيها بموت الآخر كما لو كان سيدها واحداً واستولدها فإنها تعتق بموته وعند القاضي لا يسري استيلاد أحدهما إلى نصيب شريكه) لأنه انعقد له سبب استحقاقه للولاء على نصيبه بالكتابة فلم يجز ابطاله بالسراية إلا أن يعجز فينظر حينئذ فإن كان موسراً قوم عليه نصيب شريكه وإلا فلا وقد ذكرنا قول القاضى واجبنا عنه فيما سبق (فصل) فأما إن أولدها كل واحد منهما واتفقا على السابق منهما فعلى قول الخرقي تصير أم ولد له وولده حر يلحقه نسبه والخلاف في ذلك كالخلاف فيما إذا انفرد بإيلادها سواء، وأما الثاني فقد وطئ أم ولد غيره بشبهة وأولدها فلا تصير أم ولد له لأنها مملوكة غيره فأشبه ما لو باعها ثم أولدها وعليه مهرها لها لأن الكتابة لم تبطل والولد حر لأنه من وطئ شبهة وعليه قيمته للأول لأنه فوت رقه عليه وكان من سبيله أن يكون رقيقاً له حكمه حكم أمه فتلزمه قيمته على هذه الصفة وقد ذكرنا في وجوب نصف قيمة الأول خلافاً فإن قلنا بوجوبها تقاصا بما لو أحد منهما على صاحبه في القدر الذي تساويا فيه ويرجع ذو الفضل بفضله وتعتبر القيمة يوم الولادة لأنها أول حال أمكن التقويم فيها وذكر القاضي في المسألة أربعة أحوال

(أحدها) أن يكونا موسرين فالحكم على ما ذكرنا إلا أنه جعل المهر الواجب على الثاني للأول وهذا مذهب الشافعي ولا يصح هذا لأن الكتابة لا تبطل بالاستيلاد ومهر المكاتبة لها دون سيدها ولأن سيدها لو وطئها وجب عليه المهر لها فلأن لا يملك المهر الواجب على غيره أولى ولأنه عوض نفعها فكان لها كأجرتها (الثاني) أن يكون الأول موسراً والثاني معسرا فيكون الحال الأول سواء قال القاضي إلا أن ولده يكون مملوكاً لإعساره بقيمته وهذا غير صحيح لأن الولد لا يرق بإعسار والده بدليل ولد المغرور من امة والواطئ بشبهة وكل موضع حكمنا بحرية الولد لا يختلف بالإعسار واليسار وإنما يعتبر اليسار في سراية العتق وليس عتق هذا بطريق السراية إنما هو لأجل الشبهة في الوطئ فلا وجه لاعتبار التساوي فيه والصحيح أنه حر وتجب قيمته في ذمة أبيه (الحال الثالث) أن يكونا معسرين فإنها تصير أم ولد للأول ونصفها للثاني قال وعلى كل واحد منهما نصف مهرها لصاحبه وفي ولد كل واحد منهما وجهان (أحدهما) أن يكون كله حراً وفي ذمة أبيه نصف قيمته لشريكه (والثاني) نصف حر وباقيه عبد لشريكه إلا أن نصف الولد الأول عبد قن لأنه تابع للنصف الباقي من الأم وأما النصف الباقي من ولد الثاني فحكمه حكم أمه لأنه ولد منها بعد أن ثبت لنصفها حكم الاستيلاد للأول فكان نصفه الرقيق تابعاً لها في ذلك ولعل القاضي أراد

ما إذا عجزت وفسخت الكتابة، فأما إذا كانت باقية على الكتابة فلها المهر كاملاً على كل واحد منهما إذا حكم برق نصف ولدها وجب أن يكون له حكمها في الكتابة لأن ولد المكاتبة يكون تابعاً لها (الحال الرابع) أن يكون الأول معسراً والثاني موسراً فحكمه حكم الثالث سواء إلا أن ولد الثاني حر لأن الحرية تثبت لنصفه بفعل أبيه وهو موسر فسرى إلى جميعه وعلى نصف قيمته لشريكه ولم تقوم عليه الأم لأن نصفها أم ولد للأول ولو صح هذا لوجب أن لا يقوم عليه نصف الولد لأن حكمه حكم أمه في هذا فإذا منع حكم الاستيلاد السراية في الأم منعه فيما هو تابع لها ومذهب الشافعي في هذا الفصل قريب مما ذكر القاضي (فصل) وإن اختلفا في السابق منهما فادعى كل واحد منهما أنه السابق فعلى قولنا لها المهر على كل واحد منهما وكل واحد منهما يقر لصاحبه بنصف قيمة الجارية لأنه يقول صارت أم ولد لي بإحبالي إياها ووجب لشريكي علي نصف قيمتها ولي عليه قيمة ولده لأنه يقول أولدتها بعد أن صارت أم ولد لي وهل يكون مقراً لها بنصف قيمة ولدها؟ على وجهين سبق ذكرهما فعلى هذا إن استوى ما يدعيه وما يقر به تقاصا وتساقطا ولا يمين على صاحبه لأنه يقول لي عليك مثل مالك على والجنس واحد فتساقطا وإن زاد ما يقر به فلا شئ عليه لأن خصمه يكذبه في إقراره وإن زاد ما يدعيه فله اليمين على صاحبه في الزيادة ويثبت للأمة حكم العتق في نصيب كل واحد منهما بموته لإقراره بذلك ولا يقبل قوله على شريكه في إعتاق نصيبه

وقال أبو بكر في الأمة قولان (أحدهما) أن يقرع بينهما فتكون أم ولد لمن تقع القرعة له (والثاني) تكون أم ولد لهما ولا يطؤها واحد منهما قال وبالأول أقول وأما القاضي فاختار أنهما إن كانا موسرين فكل واحد منهما يدعي المهر على صاحبه ويقر له بنصفه وهذا مذهب الشافعي لأن المهر عندهم لسيدها دونها ولا يعتق شئ منها بموت الأول لاحتمال أن تكون أم ولد للآخر فإذا مات الآخر عتقت لأن سيدها قد مات يقيناً وإن كانا معسرين فكل واحد منهما يقر بأن نصفها أم ولده ويصدقه الآخر لأن الاستيلاد لا يسري مع الإعسار وكل واحد منهما يقر لصاحبه بنصف المهر والآخر يصدقه فيتقاصان إن تساويا وإن فضل أحدهما صاحبه نظرت فإن كان كل واحد منهما يدعي الفضل تحالفا وسقط وإن كان كل واحد منهما يقر بالفضل سقط لتكذيب المقر له به وفي الولد وجهان (أحدهما) يكون حراً فيكون كل واحد منهما يدعي على الآخر نصف قيمة الولد (والوجه الثاني) نصفه حر فيقربان نصف الولد مملوك لشريكه فيكون الولد بينهما من غير يمين وعلى الوجه الأول يتقاصان إن استوت قيمة الولدين ولا يمين في الموضعين وأيهما مات عتقه نصيبه وولاؤه له وإن كان أحدهما موسراً والآخر معسراً فالموسر يقر للمعسر بنصف قيمة الأمة ونصف مهر مثلها ويدعي عليه جميع المهر وقيمة الولد والمعسر يقر للموسر بنصف المهر ونصف قيمة الولد فيسقط إقرار الموسر للمعسر بنصف قيمة الجارية لكونه لا يدعيه ولا يصدقه فيه ويتقاصان بالمهر لاستواءهما فيه ويدفع المعسر إلى الموسر نصف قيمة الولد لإقراره به ويحلف على ما يدعيه عليه من الزيادة لأنه ادعى عليه

جميع قيمة الولد فأقر له بنصفها ويحلف له الموسر على نصف قيمة الولد الذي ادعاه المعسر عليه وأما الجارية فإن نصيب الموسر منها أم ولد بغير خلاف بينهما فيه وباقيه يتنازعانه فإن مات الموسر أولاً عتق نصيبه وولاؤه لورثته فإذا مات المعسر عتق باقيها وإن مات المعسر أولاً لم يعتق منها شئ فإذا مات الموسر عتق جميعها ويجئ على قول أبي بكر أن يقرع بينهما في النصف المختلف فيه (فصل) فإن وطئاها معاً فأتت بولد لم تخل من ثلاثة أقسام (أحدها) أن لا يمكن أن يكون من واحد منهما مثل أن تأتي به بعد استبرائها منهما أو بعد أربع سنين منذ وطئها كل واحد منهما فيكون منفياً عنهما مملوكاً لهما حكمه حكم أمه في العتق بأدائها وتقبل دعوى الاستبراء من كل واحد منهما لأن دعوى الاستبراء في الأمة كاللعان في الحرة (القسم الثاني) أن يكون من أحدهما بعينه دون صاحبه والحكم فيه حكم ما إذا ولدت من أحدهما بعينه من وجوب المهر لها وقيمة نصفها لشريكه مع الخلاف في ذلك فأما الذي لم تحبل من وطئه فإن كان الأول فعليه المهر لها وإن كان الثاني فقد وطئ أم ولد غيره فإن كانت الكتابة باقية فعليه المهر لها أيضاً وإن كانت قد فسخت فالمهر للذي استولدها وقد وجب للثاني على الأول نصف قيمتها وفي قيمة نصف الولد روايتان فإن كان المهر للأول تقاصا بقدر أقل الحقين وإن كان المهر لها رجع بحقه على الذي أحبلها وأما القاضي فقال في هذا القسم الحكم في الأول كالحكم فيه إذا انفرد بالوطئ على ما مضى من التفصيل وأما الثاني فإن وطئها بعد ولادتها من الأول نظرنا فإن وطئها بعد الحكم بكونها أم ولد للأول فعليه مهر مثلها فإن كان فسخ الكتابة في حق نفسه لعجزها فالمهر له لأنها أم ولده وإن

مسألة: ويجوز بيع المكاتب ومشتريه يقوم مقام المكاتب

كان لم يفسخ فالمهر بينه وبينها نصفين وإن وطئها بعد زوال الكتابة في حقه وقبل الحكم بأنها أم ولد للأول سقط عنه نصف مهر لأن نصفها قن له وعليه النصف لها إن لم يكن الأول فسخ الكتابة أوله إن فسخ وإن كان الأول معسراً فنصيبه منها أم ولد له ولها عليهما المهران والحكم فيما إذا عجزت أو أدت قد تقدم فأما إن كان الولد من الثاني فالحكم في وطئ الأول كالحكم فيه إذا وطئ منفرداً ولم يحبلها، وأما الثاني فإن كان موسراً قوم عليه نصيب شريكه عند العجز فإن فسخا الكتابة قومناها عليه وصارت أم ولد له وإن رضي الثاني بالمقام على الكتابة قومنا عليه نصيب الأول وصارت كلها أم ولد له ونصفها مكاتب ويرجع الأول على الثاني بنصف المهر ونصف قيمة الولد على إحدى الروايتين ويرجع الثاني على الأول بنصف المهر فيتقاصان به إن كان باقيا عليهما وإن كان الثاني معسراً فالحكم فيه كما لو ولدت من الأول وكان معسراً لا فصل بين المسلتين (القسم الثالث) أمكن أن يكون الولد من كل واحد منهما فيرى القافة معهما فيلحق بمن ألحقوه به منهما فمن ألحق به فحكمه حكم ما لو عرف أنه منه بغير قافة (مسألة) (ويجوز بيع المكاتب ومشتريه يقوم مقام المكاتب) وممن قال يجوز بيع المكاتب عطاء والنخعي والليث وابن المنذر وهو قديم قولي الشافعي قال ولا وجه لقول ما قال لا يجوز وحكى أبو الخطاب رواية أخرى عن أحمد أنه لا يجوز بيعه وهو قول مالك وأصحاب الرأي والجديد من قولي الشافعي لأنه عقد يمنع استحاق كسبه فمنع بيعه كبيعه

لأجنبي وعتقه، وقال الزهري وأبو الزناد يجوز بيعه برضاه ولا يجوز بغيره وحكي ذلك عن أبي يوسف لأن بريرة إنما بيعت برضاها وطلبها ولأن لسيده استيفاء منافعه برضاه ولا يجوز بغير رضاه كذلك بيعه ولنا ما روى عروة عن عائشة أنها قالت جاءت بريرة إلى فقالت يا عائشة إني كاتبت أهلي على تسع أواق في كل عام أوقيه فأعينيني ولم تكن قضت من كتابتها شيئاً فقالت لها عائشة ونقست فيها ارجعي إلى أهلك ان أحوا أن أعطيهم ذلك جميعاً فعلت فذهبت بريرة إلى أهلها فعرضت عليهم ذلك فأبوا وقالوا إن شاءت أن تحتسب عليك فلتفعل ويكون ولاؤك لنا فذكرت ذلك عائشة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " لا يمنعك ذلك منها ابتاعي وأعتقي إنما الولاء لمن أعتق " فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فحمد الله واثنى عليه ثم قال (أما بعد فما بال ناس يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله من اشترط شرطاً ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط قضاء الله أحق وشرطه أوثق وإنما الولاء لمن أعتق) متفق عليه، قال ابن المنذر بيعت بريرة بعلم النبي صلى الله عليه وسلم وهي مكاتبة لم ينكر ذلك ففي ذلك أبين البيان ان بيعه جائز ولا أعلم خبراً يعارضه ولا أعلم في شئ من الأخبار دليلاً على عجزها وتأوله الشافعي على أنها كانت قد عجزت وكان بيعها فسخاً لكتابتها وهذا التأويل بعيد يحتاج إلى دليل في غاية القوة وليس في الخبر ما يدل عليه بل قولها أعينيني على كتابتي دليل على بقائها على الكتابة ولأنها أخبرتها أن نجومها في كل عام أوقية فالعجز إنما يكون بمضي عامين عند من لا يرى العجز إلا بحول

نجمين أو بمضي عام عند الآخرين والظاهر ان شراء عائشة لها كان في أول كتابتها ولا يصح قياسه على أم الولد لأن سبب حريتها مستقر على وجه لا يمكن فسخه بحال فأشبه الوقف والمكاتب يجوز رده إلى الرق وفسخ كتابته إذا عجز فافترقا قال ابن أبي موسى هل للسيد أن يبيع المكاتب باكثر مما كان عليه؟ على روايتين ولأن المكاتب عبد مملوك لسيده لم يتحتم عتقه فجاز بيعه كالمعلق عتقه بصفة والدليل على أنه مملوك قول النبي صلى الله عليه وسلم (المكاتب عبد ما بقي عليه درهم) ولأن مولاته لا يلزمها أن تحتجب منه إذا لم يملك ما يؤدي لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا كان لإحداكن مكاتب فملك ما يؤدي فلتحتجب منه يدل بمفهومه على أنها لا تحتجب منه قبل ذلك وإنما سقط الحجاب عنه لكونه مملوكها ولأنه يصح عتقه ولا يصح عتق من ليس بمملوك ولأنه يرجع عند العجز إلى كونه قناً ولو صار حراً ما عاد إلى الرق ويفارق إعتاقه لأنه يزيل الرق بالكلية وليس بعقد إنما هو إسقاط للملك فيه وأما بيعه فلا يمنع للمشترى بيعه وأما البائع فلم يبق له فيه ملك بخلاف مسئلتنا. (فصل) وتجوز هبته والوصية به وقد روي عن أحمد أنه منع هبته لأن الشرع إنما ورد ببيعه والصحيح جوازها لأن ما كان في معنى المنصوص عليه يثبت الحكم فيه. (فصل) ومشتريه يقوم فيه مقام المكاتب. وجملة ذلك أن الكتابة لا تنفسخ بالبيع ولا يجوز إبطالها لا نعافي هذا خلافاً قال ابن المنذر

مسألة: فإن أدى عتق وولاؤه له، وإن عجز عاد قنا له، وإن لم يعلم أنه مكاتب فله الرد والأرش

أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن بيع السيد مكاتبه على أن يبطل كتابته ببيعه إذا كان ماضياً فيها مؤدياً ما يجب عليه من نجومه في أوقاتها غير جائز وذلك لأنها عقد لازم فلا يبطل بالبيع كالإجارة والنكاح ويبقى على كتابته عند المشتري وعلى نجومه كما كان عند البائع مبقى على ما بقي من كتابته يؤدي إلى المشتري ما كان يؤدي إلى البائع (مسألة) (فإن أدى عتق وولاؤه له وإن عجز عاد قناً له، وإن لم يعلم أنه مكاتب فله الرد والأرش) إذا أدى إلى المشتري عتق لأن حق المكاتب فيه انتقل إلى المشتري فصار المشتري هو المعتق وولاؤه له لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنما الولاء لمن أعتق) وقد دل عليه حديث بريرة لانه جعل ولاءها لعائشة حين اشترتها وأعتقتها وإن عجز عاد قناً له لأنه صار سيده فقام مقام المكاتب وإن لم يعلم أنه مكاتب ثم علم ذلك فله فسخ البيع أو أخذ الأرش لأن الكتابة عيب لكون المشتري لا يقدر على التصرف فيه ولا يستحق كسبه ولا استخدامه ولا الوطئ إن كانت أمة فملك الفسخ كشراء الأمة المزوجة فيخير حينئذ بين الفسخ والرجوع بالثمن وبين الإمساك مع الأرش على ما ذكرنا في البيع

(فصل) فأما بيع الدين الذي على المكاتب من نجومه فلا يصح وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وأبو ثور وقال عطاء وعمرو بن دينار ومالك يصح لأن السيد يملكها في ذمة المكاتب فجاز بيعها كسائر أمواله ولنا أنه دين غير مستقر فلم يجز بيعه كدين السلم ودليل عدم الاستقرار أنه معرض للسقوط بعجز المكاتب ولأنه لا يملك السيد إجبار العبد على أدائه ولا الزامه بتحصيله فلم يجز بيعه كالعدة بالتبرع ولأنه غير مقبوض وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع ما لم يقبض فإن باعه فالبيع باطل وليس للمشتري مطالبة المكاتب بتسليمه إليه وله الرجوع بالثمن على البائع إن كان دفعه إليه وإن سلم المكاتب إلى المشتري نجومه ففيه وجهان (أحدهما) يعتق لأن البيع يضمن الإذن في القبض فأشبه قبض الوكيل (والثاني) لا يعتق لأنه لم يستنبه في القبض وإنما قبض لنفسه بحكم البيع الفاسد فكان القبض فاسداً فلم يعتق بخلاف وكيله فإنه استنابه ولو صرح بالإذن لم يكن مستنيباً له في القبض وإنما إذنه في القبض بحكم المعاوضة فلا فرق بين التصريح وعدمه فإن قلنا يعتق بالأداء برئ المكاتب من مال الكتابة ويرجع السيد على المشتري بما قبضه لانه كالنائب عنه فإن كان من جنس الثمن وكان قد تلف تقاصا بقدر أقلهما ورجع ذو الفضل بفضله وإن قلنا لا يعتق بذلك فمال الكتابة باق في ذمة المكاتب ويرجع المكاتب على المشتري بما

دفعه إليه ويرجع المشتري على البائع فإن سلمه المشتري إلى البائع لم يصح تسليمه لأنه قبضه بغير إذن المكاتب فأشبه ما لو أخذه من ماله بغير إذنه وإن كان من غير جنس مال الكتابة تراجعا بما لكل واحد منهما على الآخر وإن باعه ما أخذه بماله في ذمته وكان مما يجوز البيع فيه جاز إذا كان ما قبضه السيد باقياً وإن كان قد تلف ووجبت قيمته وكان من جنس مال الكتابة تقاصا وإن كان المقبوض من جنس مال الكتابة فتحاسبا به جاز (فصل) وإذا كان للمكاتب ولد تبعه في الكتابة فباعهما صح لأنهما ملكه ولا مانع من بيعهما ويكونان عند المشتري كما كانا عند البائع سواء وإن باع أحدهما دون صاحبه أو باع أحدهما الرجل وباع الآخر لغيره لم يصح لوجهين (أحدهما) أنه لا يجوز التفريق بين الوالد وولده في البيع إلا بعد البلوغ على إحدى الروايتين (والثاني) أن الولد تابع لوالده وله كسبه وعليه نفقته فصار في معنى مملوكه فلم يجز التفريق بينهما وعلى الرواية الأخرى يحتمل أن يجوز بيعه بعد البلوغ لأنه محل للبيع صدر فيه التصرف من أهله ويكون عند من هو عنده على ما كان عليه قبل بيعه لوالده كسبه وعليه نفقته وأرش جنايته ويعتق بعتقه كما لو بيع مع والده (فصل) وتصح الوصية لمكاتبه لأنه مع سيده في المعاملة كالأجنبي ولذلك جاز دفع زكاته

مسألة: وإن اشترى كل واحد من المكاتبين الآخرين صح شراء الأول وبطل شراء الثاني وسواء كانا لواحد أو لاثنين

إليه فإن قال ضعوا عن مكانبي بعض كتابته أو بعض ما عليه وضعوا ما شاءوا قليلاً كان أو كثيراً وقد ذكرنا نحوه في الوصايا (مسألة) (وإن اشترى كل واحد من المكاتبين الآخرين صح شراء الأول وبطل شراء الثاني وسواء كانا لواحد أو لاثنين) لا خلاف في أن المكاتب يصح شراؤه للعبيد والمكاتب يجوز بيعه على ما ذكرنا في الصحيح من المذهب فإذا اشترى أحدهما الآخر صح شراؤه وملكه لأن التصرف صدر من أهله في محله وسواء كانا مكاتبين لسيد واحد أو لاثنين فإن عاد الثاني فاشترى الذي اشتراه لم يصح لأنه سيده ومالكه وليس للملوك أن يملك مالكه لأنه يفضي إلى تناقض الأحكام إذ كل واحد منهما يقول لصاحبه أنا سيدك ولي عليك مال الكتابة تؤديه إلي وإن عجزت فلي فسخ كتابتك وردك إلى أن تكون رقيقاً وهذا تناقض وإذا تناقض بملك المرأة زوجها ملك اليمين لثبوت ملكه عليها في النكاح فههنا أولى ولأنه لو صح هذا لتقاصا الدينين إذا تساويا وعتقا جميعاً إذا ثبت هذا فشراء الأول صحيح والمبيع منهما باق على كتابته فإن أدى عتق وولاؤه موقوف فإن أدى سيده كتابته كان الولاء له لأنه عتق بادائه إليه وإن عجز فولاؤه لسيده لأن العبد لا يثبت له ولأن السيد يأخذ ماله فكذلك حقوقه هذا مقتضى قول القاضي ومقتضى قول أبي بكر أن الولاء

مسألة: فإن لم يعلم السابق منهما فسد البيعان

لسيده لأن المكاتب عبد لا يثبت له الولاء فيثبت لسيده ذكر ذلك فيما إذا أعتق بإذن سيده أو كاتب عبده فأدى كتابته وهذا نظيره، ويحتمل أن يفرق بينهما لكون العتق ثم بإذن السيد فيحصل الإنعام عنه بإذنه فيه وههنا لا يفتقر إلى إذنه فلا نعمة له عليه فلا يكون له عليه ولاء ما لم يعجز سيده (مسألة) (فإن لم يعلم السابق منهما فسد البيعان) وهذا قول أبي بكر ويرد كل واحد منهما إلى كتابته لأن كل واحد منهما مشكوك في صحة بيعه فيرد إلى اليقين وذكر القاضي أنه يجري مجرى ما إذا زوج الوليان فأشكل الأول منهما فيقتضي هذا أن يفسخ البيعان كما يفسخ النكاحان، وعلى قول أبي بكر لا يحتاج إلى الفسخ لأن النكاح إنما احتيج فيه إلى الفسخ من أجل المرأة فإنها منكوحة نكاحاً صحيحاً لواحد منهما يقيناً فلا يزول إلا بفسخ وفي مسئلتنا لم يثبت يقين البيع في واحد بعينه فلم يفتقر إلى فسخ (مسألة) (وإن أسر العدو المكاتب فاشتراه رجل فأحب سيده أخذه بما اشتراه وإلا فهو عند مشتريه مبقي على ما بقي من كتابته يعتق بالأداء وولاؤه له) إذا أسر الكفار مكاتباً ثم استنقذه المسلمون فالكتابة بحالها فإن أخذ في الغنائم فعلم بحاله أو أدركه سيده قبل قسمه اخذه بغير شئ وهو على كتابته كمن لم يؤسر وإن لم يدركه حتى قسم وصار في سهم بعض الغانمين أو اشتراه رجل من الغنيمة قبل قسمه أو من المشركين وأخرجه إلى سيده

فإن السيد أحق به بالثمن الذي ابتاعه به وفيما إذا كان غنيمة رواية أخرى أنه إذا قسم فلا حق لسيده فيه بحال فيخرج في المشتري مثل ذلك وعلى كل تقدير فإن سيده إن أخذه فهو مبقي على ما بقي من كتابته وإن تركه فهو في يد مشتريه مبقى على ما بقي من كتابته يعتق بالأداء في الموضعين وولاؤه لمن يؤدي إليه كما لو اشتراه من سيده وقال أبو حنيفة والشافعي لا يثبت عليه ملك للكفار ويرد إلى سيده بكل حال ووافق أبو حنيفة والشافعي في المكاتب والمدبر خاصة لأنهما عنده لا يجوز بيعهما ولا نقل الملك فيهما فأشبها أم الولد وقد تقدم الكلام في الدلالة على أن ما أدركه صاحبه مقسوماً لا يستحق صاحبه أخذه بغير شئ وكذلك ما اشتراه مسلم من دار الحرب وفي أن المكاتب والمدبر يجوز بيعهما بما يغني عن إعادته ههنا (فصل) وهل يحتسب عليه بالمدة التي كان فيها عند الكفار؟ على وجهين (أحدهما) لا يحتسب عليه بها لأن الكتابة اقتضت تمكينه من التصرف والكسب في هذه المدة فإذا لم يحصل ذلك لم يحتسب كما لو حسبه سيده فعلى هذا يبني على ما مضى من المدة قبل الأسر وتلغى مدة الأسر كأنها لم توجد (والثاني) يحتسب عليه بها لأنها من مدة الكتابة مضت بغير تفريظ من سيده فاحتسب عليه بها كمرضه ولأنه مدين مضت مدة من أجل دينه في حبسه فاحتسب عليه كسائر الغرماء وفارق ما إذا حبسه سيده بما ذكرناه فعلى هذا إذا حل عليه نجم عند استنقاذه جازت مطالبته به وإن حل ما يجوز تعجيزه بترك أدائه فلسيده تعجيزه ورده إلى الرق وهل له ذلك بنفسه أو بحكم الحاكم؟ فيه وجهان

(أحدهما) له ذلك لأنه تعذر عليه الوصول إلى المال في وقته أشبه ما لو كان حاضراً والمال غائباً يتعذر إحضاره وأداؤه في مدة قريبة كان لسيده الفسخ والمال ههنا إما معدوم وإما غائب يتعذر أداؤه وفي كلا الحالتين يجوز الفسخ (والثاني) ليس له ذلك إلا بحكم الحاكم لأنه مع الغيبة يحتاج إلى أن يبحث هل له مال أم لا؟ وليس كذلك إذا كان حاضراً فإنه يطالبه فإن أدى وإلا فقد عجز نفسه فإن فسخ الكتابة بنفسه أو بحكم الحاكم ثم خلص المكاتب وادعى أن له مالاً في وقت الفسخ يفي بما عليه وأقام بذلك بينة بطل الفسخ ويحتمل أن لا يبطل حتى يثبت أنه كان يمكنه أداؤه لأنه إذا كان متعذر الأداء كان وجوده كعدمه (فصل) (قال الشيخ رضي الله عنه وإن جنى على سيده أو أجنبي فعليه فداء نفسه مقدماً على الكتابة وقال أبو بكر يتحاصان) وجملة ذلك أن المكاتب إذا جنى جناية موجبة للمال تعلق أرشها برقبته ويؤدي من المال الذي في يده وبهذا قال الحسن والحكم وحماد والاوزاعي ومالك والحسن بن صالح والشافعي وأبو ثور وقال عطاء والنخعي وعمرو بن دينار جنايته على سيده وقال عطاء ويرجع سيده بها عليه وقال الزهري إذا قتل رجلاً خطأ كانت كتابته وولاؤه لولي المقتول إلا أن بفديه سيده ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يجني جان إلا على نفسه) ولأنها جناية عبد فلم تجب في ذمة سيده كالقن

إذا ثبت هذا فإنه يبدأ بأداء الجناية قبل الكتابة سواء حل عليه نجم أو لم يحل نص عليه أحمد وهو المعمول به في المذهب وذكر أبو بكر قولاً آخر أن السيد يشارك ولي الجناية فيضرب بما حل من نجوم كتابته لأنهما دينان فيتحاصان قياساً على سائر الديون ولنا أن أرش الجناية من العبد يقدم على سائر الحقوق المتعلقة به ولذلك قدمت على حق المالك وحق المرتهن وغيرهما فوجب أن تقدم ههنا. يحققه أن ملك الكتابة مقدم على ملك السيد في عبده فيجب تقديمه على عوض وهو مال الكتابة بطريق الأولى لأن الملك فيه قبل الكتابة كان مستقراً ودين الكتابة غير مستقر فإذا قدم على المستقر فعلى غيره أولى. إذا ثبت هذا فإنه يفدي نفسه بأقل الامرين من قيمته أو أرش جنايته لأنه إن كان أرش الجناية أقل فلا يلزمه أكثر من موجب جنايته وهو أرشها، وإن كان أكثر لم يكن عليه أكثر من قيمته لأنه لا يلزمه أكثر من بذل المحل الذي تعلق به الأرش فإن بدأ بدفع المال إلى ولي الجناية فوفى بأرش الجناية وإلا باع الحاكم منه بما يفي من أرشها وباقيه باق على كتابته وإن اختار السيد الفسخ فله ذلك ويعود عبداً قناً مشتركاً بين السيد والمشتري وإن أبقاه السيد على الكتابة فأدى عتق بالكتابة وسرى العتق إلى باقيه إن كان المكاتب موسراً ويقوم عليه وإن كان معسراً عتق منه ما عتق وباقيه رقيق فإن لم يكن في يده مال ولم يف بالجناية إلا قيمته كلها بيع كله فيها وبطلت كتابته

مسألة: وعليه فداء نفسه ويكون الأرش في ذمته فيضمن ما كان عليه قبل العتق ويفديه بأقل الأمرين من قيمته أو أرش جنايته

(فصل) وإن بدأ بدفع المال إلى سيده وكان ولي الجناية سأل الحاكم فحجر على المكاتب ثبت الحجر عليه وكان النظر فيه إلى الحاكم فلا يصح دفعه إلى سيده ويرتجعه الحاكم ويسلمه إلى ولي الجناية فإن وفى وإلا كان الحكم فيه على ما ذكرنا من قبل وإن لم يكن الحاكم حجر عليه صح دفعه إلى السيد لأنه يقضي حقاً عليه فجاز كما لو قضى بعض غرمائه قبل الحجر عليه فإن كان ما دفعه إليه جميع مال الكتابة عتق (مسألة) (وعليه فداء نفسه ويكون الأرش في ذمته فيضمن ما كان عليه قبل العتق ويفديه بأقل الأمرين من قيمته أو أرش جنايته) لأنه لا يلزم أكثر مما كان واجباً عليه بالجناية فإن أعتقه السيد فعليه فداؤه بذلك لأنه أتلف محل الاستحقاق فأشبه ما لو قتله (مسألة) (وإن عجز فلسيده تعجيزه ويفديه أيضاً بما ذكرناه وقال أبو بكر فيه رواية أخرى أنه يفديه بأرش الجناية بالغة ما بلغت) لأنه لو سلمه احتمل أن يرغب فيه راغب بأكثر من قيمته فقد فوت تلك الزيادة بإعتاقه (فصل) فإن كانت الجناية على سيده فيما دون النفس فالسيد خصمه فيها فإن كانت موجبة للقصاص فلسيده القصاص كما يجب على عبده القن لأن القصاص يجب للزجر فيحتاج إليه العبد في حق سيده

وإن عفا على مال أو كانت موجبة للمال وجب له لأن المكاتب مع سيده كالأجنبي يصح أن يبايعه ويثبت له في ذمته المال والحقوق كذلك الجناية ويفدي نفسه بأقل الأمرين كالجناية على الأجنبي وعنه يفديه بأرش الجناية كله فإن وفى ما في يده بما عليه فلسيده مطالبته به وإن لم يف به فلسيده تعجيزه فإذا عجزه وفسخ الكتابة سقط عنه مال الكتابة وأرش الجناية وعاد عبداً قناً ولا يثبت للسيد على عبده القن مال وإن أعتقه سيده ولا مال في يده سقط الأرش لأنه متعلق برقبته وقد أتلفها وإن كان في يده مال لم يسقط لأن الحق كان متعلقاً بالذمة وما في يده من المال فإذا تلفت الرقبة بقي الحق متعلقاً بالمال فاستوفي منه كما لو عتق بالأداء وهل يجب أقل الأمرين أو أرش الجناية كله؟ على وجهين ويستحق السيد مطالبته بأرش الجناية قبل أداء مال الكتابة لما ذكرنا من قبل في حق الأجنبي وإن اختار تأخير الأرش والبداية بقبض مال الكتابة جاز ويعتق إذا قبض مال الكتابة كله وقال أبو بكر لا يعتق بالأداء قبل أرش الجناية لوجوب تقديمه على مال الكتابة ولنا أن الحقين أن الحقين جميعاً للسيد فإذا تراضيا على تقديم أحدهما على الآخر جاز لأن الحق لهما لا يخرج عنهما ولأنه لو بدأ باداء مال الكتابة في حق الأجنبي عتق ففي حق السيد أولى ولأن أرش الجناية لا يلزم أداؤه قبل اندمال الجرح فيمكن تقديم وجوب الأداء عليه إذا ثبت هذا فإنه إذا أدى عتق ويلزمه أرش الجناية سواء كان في يده مال أو لم يكن لأن عتقه بسبب من جهته فلم يسقط ما عليه بخلاف ما

إذا اعتقه سيده فإنه أتلف محل حقه بخلاف هذا وهل يلزمه أقل الأمرين أو جميع الأرش؟ على وجهين وإن كانت جنايته على نفس سيده فلورثته القصاص في العمد والعفو على مال وفي الخطأ المال وحكم الورثة مع المكاتب حكم سيده معه لأن الكتابة انتقلت إليهم والعبد لو عاد قناً كان لهم وإن جني على موروث سيده فورثه سيده فالحكم فيه كما لو كانت الجناية على سيده فيما دون النفس على ما مضى (فصل) وإن جنى المكاتب جنايات تعلقت برد رقبته واستوى الأول والآخر في الاستيفاء ولم يقدم الأول على الثاني إن كانت موجبة للمال لأنها تعلقت بمحل واحد وكذا إن كان بعضها في حال كتابته وبعضها بعد تعجيزه فهي سواء ويتعلق جميعها بالرقبة فإن كان فيها ما يوجب القصاص فالولي الجناية استيفاؤه وتبطل حقوق الآخرين فإن عفا إلى مال صار حكمه حكم الجناية الموجبة للمال فإن أبرأه بعضهم استوفى الباقون لأن حق كل واحد يتعلق برقبته يستوفيه إذا انفرد فإذا اجتمعوا تزاحموا فإذا أبرأه بعضهم سقط حقه وتزاحم الباقون كما لو انفردوا كما في الوصايا وديون الميت فإن أدى وعتق فالضمان عليه وإن أعتقه سيده فعليه الضمان وأيهما ضمن فالواجب عليه أقل الأمرين كما ذكرنا في الجناية الواحدة ولأنه لو عجزه الغرماء وعاد قنا بيع وتحاصوا في ثمنه كذلك ههنا فأما إن عجزه سيده وعاد قناً خير بين فدائه وتسليمه فإن اختار فداءه فداه بأقل الامرين كما لو أعتقه أو قتله

مسألة: وإن لزمته ديون تعلقت بذمته بيع بها بعد العتق

وفيه رواية أخرى أنه يلزمه أرش الجناية كله لأنه لو سلمه احتمل أن يرغب فيه راغب بأكثر من قيمته فقد فوت تلك الزيادة باختياره إمساكه فكان عليه جميع الأرش ويفارق ما إذا اعتقه أو قتله لأن المحل تلف فتعذر تسليمه فلم يجب أكثر من قيمته والمحل ههنا باق يمكن تسليمه وبيعه وقد ذكرناه فإن أراد المكاتب فداء نفسه قبل تعجيزه أو أعتقه ففيما تفدى به نفسه وجهان بناء على ما إذا عجزه سيده والله أعلم (مسألة) وإن لزمته ديون تعلقت بذمته بيع بها بعد العتق) إذا اجتمع على المكاتب ثمن مبيع أو عوض قرض أو غيرهما من الديون مع مال الكتابة وفي يده ما يفي بها فله أداؤها ويبدأ بأيها شاء كالحر وإن لم يف بها ما في يده وكلها حالة ولم يحجر الحاكم عليه فخص بعضهم بالقضاء صح كالحر وإن كان فيها مؤجل فعجله بغير إذن سيده لم يجز لأن تعجيله تبرع فلم يجز بغير إذن سيده كالهبة وإن كان بإذن سيده جاز كالهبة وإن كان التعجيل للسيد فقبوله بمنزلة إذنه وإن كان الحاكم قد حجر عليه بسؤال غرمائه فالنظر إلى الحاكم وإنما يحجر عليه بسؤالهم فإن حجر عليه بغير سؤالهم لم يصح لأن الحق لهم فلا يستوفى بغير إذنهم وإن سأله سيده الحجر عليه لم يجبه إلى ذلك لأن حقه غير مستقر فلا يحجر عليه من أجله وإذا حجر عليه بسؤال الغرماء فقال القاضي عندي أنه يبدأ بقضاء ثمن المبيع وعوض القرض يستوي بينهما ويقدمهما على أرش الجناية ومال الكتابة لأن أرش الجناية محله الرقبة فإذا لم يحصل مما في يده استوفي من رقبته

وهذا مذهب الشافعي وقد ذكرنا أن اصحابنا والشافعي اتفقوا على تقديم أرش الجناية على مال الكتابة فيما مضى وإذا لم يحجر عليه ودفع إلى السيد مال الكتابة عتق وبقيمة الديون في ذمته يتبع بها بعد العتق لأنه صار حراً فهو كالأحرار ولأن المداين رضي بذمته حين أدائه فكان له ما رضي به كالحر. (فصل) وإذا جنى بعض عبيد المكاتب جناية توجب القصاص فللمجني عليه الخيار بين القصاص والمال فإن اختار المال أو كانت الجناية خطأ أو شبه عمد أو إتلاف مال تعلق أرشها برقبته وللمكاتب فداؤه بأقل الأمرين من قيمته أو أرش جنايته لأنه بمنزلة شرائه وليس له فداؤه بأكثر من قيمته كما لا يجوز له أن يشتريه بذلك إلا أن يأذن فيه سيده فإن كان الأرش أقل من قيمته لم يكن له تسليمه لأنه تبرع بالزائد وإن زاد الأرش على قيمته فهل يلزمه تسليمه أو يفديه باقل الامين؟ على روايتين: (فصل) فإن ملك المكاتب ابنه أو بعض ذوي رحمه المحرم أو ولد له ولد من أمته فجنى جناية تعلق أرشها برقبته فللمكاتب فداؤه بغير إذن سيده كما يفدي غيره من عبيده. وقال القاضي في المجرد ليس له فداؤه بغير إذنه وهو مذهب الشافعي لأنه إتلاف لا له فإن ذوي رحمه ليسوا بمال له ولا يتصرف فيهم فلم يجز له إخراج ماله في مقابلتهم ولا شراؤهم كالتبرع ويفارق

العبد الأجنبي فإنه ينتفع به وله صرفه في كتابته وكان له فداؤه وشراؤه كسائر أمواله ولكن إن كان لهذا الجاني كسب فدي منه وإن لم يكن له كسب بيع في الجناية إن استغرقت قيمته وإن لم تستغرقها بيع بعضه فيها وما بقي للمكاتب. ولنا أنه عبد له حي فملك فداءه كسائر عبيده ولا نسلم أنه لا يملك شراءه وقولهم لا يتصرف فيه قلنا إلا أن كسبه له فإن عجز المكاتب صار رقيقاً معه لسيده وإن أدى المكاتب لم يتضرر السيد بعتقهم وانتفع به المكاتب وإذا دار أمره بين نفع وانتفاء ضرر وجب أن لا يمنع منه وفارق التبرع فإنه يفوت المال على السيد فإن قيل فيه ضرر وهو منعه من أداء الكتابة فإنه إذا صرف المال فيه ولم يقدر على صرفه في الكتابة عجز عنها قلنا هذا الضرر لا يمنع المكاتب منه بدليل ما لو ترك الكسب مع إمكانه أو امتنع من الأداء مع قدرته عليه فإنه لا يمنع منه ولا يجبر على كسب ولا أداء فكذلك لا يمنع مما هو في معناه ولا مما يفضي إليه ولأن غاية الضرر في هذا المنع من اتمام الكتابة وليس اتمامها واجباً عليه فأشبه ترك الكسب بل هذا أولى لوجهين (أحدهما) أن هذا فيه نفع للسيد لمصيرهم عبيداً له (والثاني) أن فيه نفعاً للمكاتب باعتاق ولده وذوي رحمه ونفعا لهم بالاعتاق على تقدير الأداء فإذا لم يمنع مما يساويه في المضرة من غير نفع فيه فلأن لا يمنع مما فيه نفع لازم لإحدى الجهتين أولى وولد المكاتبة يدخل في كتابتها والحكم في جنايته كالحكم في ولد المكاتب سواء

(فصل) وإن جنى بعض عبيد المكاتب على بعض جناية موجبها المال لم يثبت لها حكم لأنه لا يجب للسيد على عبده مال وإن كان موجبها القصاص فقال أبو بكر ليس له القصاص لأنه إتلاف لماله باختياره وهذا الذي ذكره شيخنا في الكتاب المشروح وذكره أبو الخطاب في رءوس المسائل، وقال القاضي له القصاص لأنه من مصلحة ملكه فإنه لو لم يقتص أفضى إلى إقدام بعضهم على بعض وليس له العفو على مال لما ذكرنا ولا يجوز بيعه في أرش الجناية لأن الأرش لا يثبت له في رقبة عبده فإن كان الجاني من عبيده ابنه لم يجز بيعه لذلك وقال أصحاب الشافعي يجوز بيعه في أحد الوجهين لأنه لا يملك بيعه قبل جنايته فيستفيد بالجناية ملك بيعه. ولنا أنه عبده فلم يجب له عليه أرش كالأجنبي وما ذكروه ينتقض بالرهن إذا جنى على راهنه (فصل) فإن جنى عبد المكاتب عليه جناية موجبها المال كانت هدراً لما ذكرنا وإن كان موجبها القصاص فله ان يقتض فيما دون النفس لأن العبد يقتص منه لسيده وإن عفا على مال سقط القصاص ولم يجب المال فإن كان الجاني أباه لم يقتص منه لأن الوالد لا يقتل بولده وإن جنى المكاتب عليه لمى يقتص منه لأن السيد لا يقتص منه لعبده وقال القاضي فيه وجه آخر أنه يقتص منه لأن حكم الأب معه حكم الأحرار بدليل أنه لا يملك بيعه والتصرف فيه وجعلت حريته موقوفة على حريته قال القاضي ولا نعلم موضعاً يقتص فيه المملوك من مالكه غير هذا الموضع

(فصل) وإن جنى على المكاتب فيما دون النفس فأرش الجناية له دون سيده لثلاثة معان (أحدهما) أن كسبه له وذلك عوض عما يتعطل بقطع يده من كسبه (والثاني) أن المكاتبة تستحق المهر في النكاح لتعلقه بعضو من أعضائها كذلك بدل العوض (الثالث) أن السيد أخذ مال الكتابة بدلا عن نفس المكاتب فلا يجوز أن يستحق عنه عوضا آخر ثم لا يخلو من ثلاثة أحوال (أحدهما) أن يكون الجاني سيده فلا قصاص عليه لأمرين (أحدهما) أنه حر والمكاتب عبد (والثاني) أنه ملكه ولا يقتص من المالك لمملوكه ولكن يجب الأرش إذا اندمل الجرح على ما يذكر في الجنايات ولأنه قبل الاندمال لا تؤمن سرايته إلى نفسه فيسقط أرشه فإذا ثبت هذا فسرى الجرح إلى نفسه انفسخت الكتابة وكان الحكم فيه كما لو قتله فإن اندمل لجرح وجب له أرشه على سيده ويتقاصان إن كان من جنس مال الكتابة وقد حل عليه نجم وإن كان من غير جنس مال الكتابة أو لم يحل عليه نجم لم يتقاصا ويطالب كل واحد منهما بما يستحقه فإن اتفقا على أن يجعل أحدهما عوضا عن الآخر وكانا من جنسين لم يجز لأنه بيع دين بدين فإن قبض أحدهما حقه ثم دفعه إلى الآخر عوضاً عن حقه جاز وإن رضي المكاتب بتعجيل الواجب له عما لم يحل من نجومه جاز إذا كان من جنس مال الكتابة

(الحال الثانية) إذا كان الجاني أجنبياً حراً فلا قصاص، لا يقتل بالعبد فإن سرى الجرح إلى نفسه انفسخت كتابته وعلى الجاني قيمته لسيده وإن اندمل الجرح فعليه أرشه له فإن أدى الكتابة وعتق ثم سرى الجرح إلى نفسه وجبت ديته لأن اعتبار الضمان بحالة الاستقرار ويكون ذلك لورثته فإن كان الجاني السيد أو غيره من ورثته لم يرث منه شيئاً لأن القاتل لا يرث ويكون لبيت المال إن لم يكن له وارث ومن اعتبر الجناية بحالة ابتدائها أوجب على الجاني قيمته ويكون أيضاً لورثته (الحال الثالث) إذا كان الجاني عبداً أو مكاتباً فإن كان موجب الجناية القصاص وكانت على النفس انفسخت الكتابة وسيده بالخيار بين القصاص والعفو على مال يتعلق برقبة الجاني وإن كانت فيما دون النفس كقطع يده فللمكاتب استيفاء القصاص وليس لسيده منعه كما أن المريض يقتص ولا يعترض عليه ورثته والمفلس يقتص ولا يعترض عليه غرماؤه وإن عفا على مال ثبت له وإن عفا مطلقاً انبنى على الروايتين في موجب العمد وإن قلنا موجبه القصاص عيناً صح ولم يثبت له مال وليس لسيده مطالبته باشتراط مال لأن ذلك تكسب ولا يملك إجباره على الكسب وإن قلنا الواجب أحد أمرين ثبت له دية الجرح لأنه لما ثبت القصاص تعين المال ولا يصح عفوه عن المال لأنه لا يملك التبرع بغير إذن سيده وإن صالح على بعض الأرش فحكمه حكم العفو إلى غير مال (فصل) وإذا مات المكاتب وعليه ديون وأروش جنايات ولم يكن ملك ما يؤدي في كتابته

انفسخت الكتابة وسقط أرش الجنايات لأنها متعلقة برقبته وقد تلفت ويستوفي ديوته مما كان في يده فإن لم يف بها سقط الباقي قال أحمد ليس على سيده قضاء دينه هذا كان يسعى لنفسه وإن كان قد ملك ما يؤدي في كتابته انبنى ذلك على الروايتين في عتق المكاتب بملك ما يؤديه وقد ذكرنا فيه روايتين الظاهر منهما أنه لا يعتق بذلك فتنفسخ الكتابة أيضاً ويبدأ بقضاء الدين على ما ذكرنا في الحال الأول وهذا قول زيد بن ثابت وسعيد بن المسيب والحسن وشريح وعطاء وعمرو بن دينار وأبي الزناد ويحيى الانصاري وربيعة والاوزاعي وأبي حنيفة والشافعي (والثانية) أنه إذا املك ما يؤدي صار حراً فعلى هذا يضرب السيد مع الغرماء بما حل من نجومه روي نحو هذا عن شريح والنخعي والشعبي والحكم وحماد وابن أبي ليلى والثوري والحسن ابن صالح لأنه دين حال فيضرب به كسائر الديون ويجئ على قول من قال إن الدين يحل بالموت أن يضرب بجميع مال الكتابة لانه فدحل بالموت والمذهب الأول الذي نقله الجماعة عن أحمد وقد روى سعيد في سننه ثنا هشيم ثنا منصور وسعيد عن قتادة قال ذكرت لسعيد بن المسيب قول شريح في المكاتب إذا مات وعليه دين وبقية من مكاتبته فقلت إن شريحاً قضى أن مولاه يضرب مع الغرماء فقال سعيد أخطأ شريح قضى زيد بالدين قبل المكاتبة (فصل) قال الشيخ رضي الله عنه (وهي عقد لازم من الطرفين لا يدخلها خيار ولا يملك أحدهما فسخها

مسألة: ويعتق بالأداء إلى سيده وقد ذكرنا ذلك وبالأداء إلى الورثة

وجملة ذلك أن الكتابة عقد لازم من الطرفين لأنها عقد معاوضة أشبه عقد النكاح والبيع ولا يدخلها خيار لأن الخيار شرع لدفع الغين عن المال والسيد دخل على بصيرة أن الحظ لعبده فلا معنى للخيار ولا يملك أحدهما فسخها قياساً على سائر العقود اللازمة وعنه أن العبد يملك ذلك وسنذكره ولا يجوز تعليقها على شرط مستقبل كسائر عقود المعاوضات (مسألة) (ولا تنفسخ بموت السيد لا نعلم في ذلك خلافاً ولا تنفسخ بجنونه ولا الحجر عليه لأنه عقد لازم أشبه البيع) (مسألة) (ويعتق بالأداء إلى سيده وقد ذكرنا ذلك وبالأداء إلى الورثة) لأنه انتقل إليهم مع بقاء الكتابة فهو كالأداء إلى موروثهم ويكون مقسوماً بينهم على قدر مواريثهم كسائر ديونه فإذا كان له أولاد ذكور وإناث فللذكر مثل حظ الأنثيين ولا يعتق حتى يؤدي إلى كل ذي حق حقه فإن أدى إلى بعضهم دون بعض لم يعتق كما لو كان بين شركاء فأدى إلى بعضهم فإن كان بعضهم غائباً وله وكيل دفع نصيبه إلى وكيله وإن لم يكن له وكيل دفع نصيبه إلى الحاكم وعتق وإن كان مولياً عليه دفع إلى وليه إما أبيه أو وصيه أو الحاكم أو أمينه فإن كان له وصيان لم يبرأ إلا بالدفع إليهما معاً وإن كان الوارث رشيداً قبض لنفسه ولا تصح الوصية ليقبض له لأن الرشيد ولي نفسه وإن كان بعضهم رشيداً وبعضهم مولياً عليه فحكم كل واحد منهم حكمه

وانفرد فإن أذن بعضهم في الأداء إلى الآخر وكان الدي اذن رشيدا فأذى إلى الآخر جميع حقه عتق نصيبه ولا يسري إلى نصيبه شريكه إن كان معسراً ويسري إليه إن كان موسراً ويقوم عليه نصيب شريكه كله كما لو كان بين شريكين فأعتق أحدهما نصيبه وهذا ظاهر كلام الخرقي وهو أحد قولي الشافعي وقال القاضي لا يسري عتقه وإن كان موسراً وهذا القول الثاني للشافعي وقال أبو حنيفة لا يعتق إلا بأداء جميع مال الكتابة لأنه أدى بعض مال الكتابة فأشبه ما لو أداه إلى السيد فإن ابرأوه من مال الكتابة برئ منه وعتق وإن ابرأه بعضهم عتق نصيبه وكذلك إن أعتق نصيبه منه عتق والخلاف في هذا كله كالخلاف فيما إذا أدى إلى بعضهم بإذن الآخر ولنا على أنه يعتق نصيب من أبرأ من حقه عليه أو استوفى نصيبه بإذن شركائه أنه ابرأه من جميع ماله عليه فوجب أن يلحقه العتق كما لو أبرأه سيده من جميع مال الكتابة وفارق ما إذا أبرأه سيده من بعض مال الكتابة لأنه ما أبرأه من جميع حقه ولنا على سراية عتقه أنه إعتاق لبعض العبد الذي يجوز إعتاقه من موسر جائز التصرف غير محجور عليه فوجب أن يسري عتقه كما لو كان قناً ولأنه عتق حصل بفعله واختياره فسرى كمحل الوفاق فإن قيل في السراية اضرار بالشركاء لأنه قد يعجز فيرد إلى الرق قلنا إذا كان العتق في محل الوفاق يزيل الرق المتمكن الذي لا كتابة فيه فلأن يزيل عرضية ذلك بطريق الأولى

(فصل) وإذا عتق بالأداء إلى الورثة فولاؤه لسيده في إحدى الروايتين وهو اختيار الخرقي يختص به عصباته دون أصحاب الفروض وهذا قول أكثر الفقهاء واختاره أبو بكر ونقله إسحاق ابن منصور عن أحمد وإسحاق وروى حنبل وصالح بن أحمد عن أبيه قال اختلف الناس في المكاتب يموت سيده وعليه بقية من كتابته قال بعض الناس الولاء للرجال والنساء وقال بعضهم لا ولاء للنساء لأن هذا إنما هو دين على المكاتب ولا يرث النساء من الولاء إلا ما كاتبن أو أعتقن والذي يغلب على أنهن يرثن ولو عجز المكاتب بعد وفاة السيد رد رقيقاً، وهذا قول طاوس والزهري لأن المكاتب انتقل إلى الورثة بموت السيد بدليل أنهم لو أعتقوه بعد عتقهم لكان ولاؤه لهم كما لو انتقل بالشراء ولأنه يؤدي إلى الورثة فكان ولاؤه لهم كما لو أدى إلى المشتري ووجه الأول أن السيد هو المنعم بالعتق فكان الولاء له كما لو أدى إليه ولأن الورثة إنما ينتقل إليهم ما بقي للسيد وإنما بقي له دين في ذمة المكاتب والفرق بين الميراث والشراء أن السيد نقل حقه في البيع باختياره فلم يبق له فيه حق من وجه والوارث يخلف الموروث ويقوم مقامه ويلي على موروثه ولا ينتقل إليه شئ أمكن بقاؤه لموروثه والولاء مما أمكن بقاؤه للموروث فوجب أن لا ينتقل عنه وقذ ذكرنا ذلك في باب الولاء (فصل) وإن أعتقه الورثة صح عتقهم لأنه ملك لهم فصح عتقهم له ولأن السيد لو أعتقه نفذ عتقه وهم يقومون مقام موروثهم وولاؤه لهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إنما الولاء لمن اعتق) وإن أعتق

بعضهم نصيبه فعتق عليه كله بالسراية قوم عليه نصيب شركائه وكان ولاؤه له وإن لم يسر لكونه معسراً أو لغير ذلك فله ولاء ما أعتقه للخبر ولأنه منعم عليه فكان الولاء له كغير المكاتب وقال القاضي إن أعتقوه كلهم قبل عجزه كان الولاء للسيد وإن أعتق بعضهم لم يسر عتقه ثم ينظر فإن أدى إلى الباقين عتق كله وكان ولاؤه للسيد وإن عجز فردوه إلى الرق كان ولاء نصيب المعتق له لأنه لولا إعتاقه لعاد سهمه رقيقاً كسهام سائر الورثة فلما أعتقه كان هو المنعم عليه فكان الولاء له دونهم فأما إن أبرأه الورثة كلهم عتق وكان ولاؤه على الروايتين اللتين ذكرناهما فيما إذا أدى إليهم لأن الإبراء جرى مجرى أداء ما عليه ويحتمل أن يكون الولاء لهم لأنهم أنعموا عليه بما عتق به أشبه ما لو أعتقوه وإن أبرأه بعضهم من نصيبه كان في ولائه ما ذكرنا من الخلاف (فصل) إذا باع الورثة المكاتب أو وهبوه صح بيعهم وهبتهم لأنهم يقومون مقام موروثهم وهو يملك بيعه وهبته كذلك ورثته ويكون عند المشتري الموهوب له مبقي على ما بقي من كتابته إن عجز فعجزه عاد رقيقاً له، وإن أدى عتق وكان ولاؤه لمن يؤدي إليه على الرواية التي نقول إن ولاءه للورثة إذا أدى إليهم وأما على الرواية الأخرى فيحتمل أن لا يصح بيعه ولا هبته لأن ذلك يقتضي إبطال سبب ثبوت الولاء للسيد الذي كاتبه وليس ذلك للورثة ويحتمل أن يصح ويكون الولاء للسيد إن أعتق بالكتابة، لأن السيد عقدها فعتق بها فكان ولاؤه له ويفارق ما باعه

السيد، لأن السيد ببيعه أبطل حق نفسه وله ذلك بخلاف الورثة فإنهم لا يملكون إبطال حق موروثهم (فصل) إذا وصى السيد بمال الكتابة صح فإن سلم مال الكتابة إلى الموصى له أو وكيله أو وليه إن كان محجوراً عليه برئ منه وعتق وولاؤه لسيده الذي كاتبه لأنه المنعم عليه وإن ابرأه من المال عتق لأنه برئ من مال الكتابة فأشبه ما لو أدى وإن أعتقه لم يعتق لأنه لا يملك رقبته وإنما وصى له بالمال الذي عليه وإن عجز ورد في الرق صار عبداً للورثة وما قبضه الموصى له من المال فهو له لأنه قبضه بحكم الوصية الصحيحة والأمر في تعجيزه إلى الورثة لأن الحق يثبت لهم بتعجيزه ويصير عبداً لهم فكانت الخيرة في ذلك إليهم وتبطل وصية الموصى له بتعجيزه وإن وصى بمال الكناية للمساكين ووصى إلى من يقبضه ويفرقه بينهم صح ومتى سلم المال إلى الوصي برئ وعتق وإن ابرأه منه لم يبرأ لأن الحق لغيره فإن دفعه المكاتب إلى المساكين لم يبرأ منه ولم يعتق لأن التعيين إلى الوصي دونه وإن وصى بدفع المال إلى غرمائه تعين القضاء منه كما لو وصى به عطية لهم فإن كان إنما وصى بقضاء ديونه مطلقاً كان على المكاتب أن يجمع بين الورثة والوصي بقضاء الدين ويدفعه إليهم بحضرته لأن المال للورثة ولهم قضاء الدين منه ومن غيره وللوصي في قضاء الدين حق لأن له منعهم من التصرف في التركة قبل قضاء الدين

(فصل) إذا مات رجل وخلف ابنين وعبداً فادعى العبد أن سيده كاتبه فصدقاه ثبتت الكتابة لأن الحق لهما وإن أنكراه وكانت له بينة ثبتت الكتابة وعتق بالاداء إليهما وإن عجز فلهما رده إلى الرق وإن لم يعجزاه وصبرا عليه لم يملك الفسخ وإن عجزه أحدهما وأبى الآخر تعجيزه بقي نصفه على الكتابة ورق النصف الآخر فإن لم تكن له بينة فالقول قولهما مع أيمانهما لأن الأصل بقاء الرق وعدم الكتابة وتكون أيمانهما على نفي العلم لأنها يمين على نفي فعل الغير فإن حلفا ثبت رقه وإن نكلا قضي عليهما أوردت اليمين عليه عند من يرى ردها فيحلف العبد وتثبت الكتابة وإن حلف أحدهما ونكل الآخر قضي برق نصفه وكتابة نصفه وإن صدقه أحدهما وكذبه الآخر ثبتت الكتابة في نصفه وعليه البينة في نصفه الآخر فإن لم تكن بينة وحلف المنكر صار نصفه مكاتبا ونصف رقيقاً قناً فإن شهد المقر على أخيه قبلت شهادته لأنه لا يجر إلى نفسه نفعاً ولا يدفع عنها ضرراً فإن كان معه شاهد آخر كملت الشهادة وثبتت الكتابة في جميعه وإن لم يشهد غيره فهل يحلف العبد معه؟ على روايتين وإن لم يكن عدلاً أو لم يحلف العبد معه وحلف المنكر كان نصفه مكاتباً ونصفه رقيقاً ويكون كسبه بينه وبين المنكر نصفين ونفقته من كسبه لأنها على نفسه وعلى مالك نصفه فإن لم يكن له كسب كان على المنكر نصف نفقته ثم إن اتفق هو ومالك نصفه على المهايأة مياومة أو مشاهرة أو كيفما كان جاز فإن طلب أحدهما ذلك وامتنع الآخر أجبر عليها في ظاهر كلام أحمد وهو قول أبي حنيفة، لأن

المنافع مشتركة بينهما فإذا أراد أحدهما حيازة نصيبه من غير ضرر لزم الآخر إجابته كالأعيان ويحتمل أن لا يجبر وهو قول الشافعي لأن المهايأة تأخير حقه الحال لكون المنافع في هذا اليوم مشتركة بينهما فلا تجب الإجابة إليه كتأخير دينه الحال فإن اقتسما الكسب مناصفة أو مهايأة جاز فإن لم يف بأداء نجومه فللمقر رده في الرق وما في يده له خاصة لأن المنكر قد أخذ حقه من الكسب وإن اختلف المنكر والمقر فيما في يد المكاتب فقال المنكر هذا كان في يده قبل دعوى الكتابة أو كسبه في حياة ابينا وأنكر ذلك المقر فالقول قوله مع يمينه لأن المدعي يدعي كسبه في وقت الأصل عدمه فيه ولأنه لو اختلف هو والمكاتب في ذلك كان القول قول المكاتب فكذلك من يقوم مقامه وإن أدى الكتابة عتق نصيب المقر خاصة ولم يسر إلى نصيب شريكه لأنه لم يباشر العتق ولم ينسب إليه وإنما كان السبب من أبيه وهذا حاك عن أبيه مقر بفعله فهو كالشاهد ولأن المقر بزعم أن نصيب أخيه حر أيضاً لأنه قد قبض من العبد مثل ما قبض فقد حصل أداء مال الكتابة إليهما فعتق كله بذلك وولاء النصف للمقر لأن أخاه لا يدعيه والمقر يدعي أنه كله عتق بالكتابة وهذا الولاء الذي على هذا النصف من نصيبي من الولاء وقال أصحاب الشافعي في ذلك وجهان (أحدهما) كقولنا (والثاني) أن الولاء بين الابنين لأنه يثبت لموروثهما فكان لهما بالميراث

مسألة: وإن حل نجم فلم يؤده فللسيد الفسخ وعنه لا يعجز حتى يحل نجمان وعنه لا يعجز حتى يقول قد عجزت

قال شيخنا والصحيح ما قلناه لما ذكرنا ولا يمتنع ثبوت الولاء للأب واختصاص أحد الابنين به كما لو أدعى أحدهما ديناً لأبيه على إنسان وأنكره الآخر فإن المدعي يأخذ نصيبه من الدين ويختص به دون أخيه وإن كان يرثه عن الأب ولذلك لو ادعياه معا وأقاما به شاهداً وأحداً فحلف أحدهما مع الشاهد وأبى الآخر فإن أعتق أحدهما حصته عتق وسرى إلى باقيه إن كان موسراً هذا قول الخرقي لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أعتق شركا له في عبد وكان له ما يبلغ قيمة العبد قوم عليه قيمة العدل وأعطي شركاؤه حصصهم) ولأنه موسر عتق نصيبه من عبد مشترك فسرى إلى باقيه كغير المكاتب وقال أبو بكر والقاضي لا يعتق إلا حصته لأنه إن كان المعتق المقر فهو منفذ وإن كان المنكر لم يسر إلى نصيب المقر لأنه مكاتب لغيره وفي سراية العتق إليه إبطال سبب الولاء عليه فلم يجز ذلك (مسألة) (وإن حل نجم فلم يؤده فللسيد الفسخ وعنه لا يعجز حتى يحل نجمان وعنه لا يعجز حتى يقول قد عجزت) اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله فيما يجوز به للسيد فسخ الكتابة فروي عنه أنه يجوز له الفسخ إذا عجز عن نجم واحد وهو قول الحارث العكلي وابي حنيفة والشافعي لأن السيد دخل على أن يسلم له مال الكتابة على الوجه الذي كاتبه عليه ويدفع إليه المال في نجومه فإذا لم يسلم له لم يلزمه

عتقه لأنه عجز عن أداء النجم في وقته فجاز في وقته فجاز فسخ كتابته كالنجم الأخير ولأنه تعذر العوض في عقد معاوضة ووجد عين ماله فكان له الرجوع كما لو باع سلعة فأفلس المشتري قبل نقد ثمنها (والرواية الثانية) أن السيد لا يملك الفسخ حتى يحل نجمان قبل أدائها وهو ظاهر كلام الخرقي قال القاضي وهو ظاهر كلام أصحابنا روي ذلك عن الحكم وابن أبي ليلى وأبي يوسف والحسن بن صالح لما روي عن علي رضي الله عنه أنه قال لا يرد المكاتب في الرق حتي يتوالى عليه نجمان ولأن ما بين النجمين محل الأداء الأول فلا يتحقق العجز عنه حتى يفوت محله بحلول الثاني (والراية الثالثة) أنه لا يعجز حتى يقول قد عجزت رواها عنه ابن أبي موسى وروي عنه أنه إذا أدى أكثر مال الكتابة لم يرد إلى الرق واتبع بما بقي وإذا قلنا للسيد الفسخ لم تنفسخ الكتابة بالعجز بل له مطالبة المكاتب بل حل من نجومه لأنه دين له حل فأشبه دينه على الأجنبي وله الصبر عليه وتأخيره به سواء كان قادراً على الأداء أو عاجزا لأنه حق له سمع بتأخيره أشبه الدين على الأجنبي فإن اختار الصبر عليه لم يملك العبد الفسخ بغير خلاف نعلمه قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن المكاتب إذا حل عليه نجم ونجم أو نجومه كلها فوقف السيد عن مطالبته وتركه بحاله أن الكتابة لا تنفسخ ما داما ثابتين على العقد الأول وأن أجله به ثم بدا له الرجوع فله ذلك لأن الحال لا يتأجل بالتأجيل كالقرض وإن اختار

السيد فسخ كتابته ورده إلى الرق فله ذلك بغير حضور حاكم ولا سلطان ولا يلزمه الاستبناء به، فعل ذلك ابن عمر وهو قول شريح والنخعي وأبي حنيفة والشافعي، وقال ابن أبي ليلى لا يكون عجزه إلا عند قاض، وحكي نحوه عن مالك، وقال الحسن إذا عجز استؤني بعد العجز سنتين، وقال الأوزاعي شهرين ولنا ما روى سعيد بإسناده عن ابن عمر أنه كاتب عبداً له على ألف دينار وعجز عن مائة دينار فرده في الرق وبإسناده عن عطية العوفي عن ابن عمر أنه كاتب عبده على عشرين ألفاً فأدى عشرة آلاف ثم أتاه فقال إني طفت العراق والحجاز فردني في الرق فرده وروي عنه أنه كاتب عبداً له على ثلاثين ألفاً فقال له أنا عاجز فقال له امح كتابتك فقالي امح أنت وروى سعيد بإسناده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب فقال (أيما رجل كاتب غلامه على مائة أوقية فعجز عن عشر أواق فهو رقيق) ولأنه عقد عجز عن عوضه فملك فسخه كالمسلم إذا تعذر المسلم فيه فإن قيل فلم كانت الكتابة لازمة من جهة السيد غير لازمة من جهة العبد؟ قلنا بل هي لازمة من الطرفين ولا يملك العبد فسخها وإنما له أن يعجز نفسه ويمتنع من الكسب وإنما جاز له ذلك لوجهين (أحدهما) أن الكتابة تتضمن اعتاقاً بصفة ومن علق عتقه بصفة لم يملك إبطالها ويلزم وقوع العتق بالصفة ولا يلزم العبد الإتيان بها ولا الإجبار عليها

(الثاني) أن الكتابة لحظ العبد دون سيده فكان لازماً لمن ألزم نفسه حظ غيره وصاحب الحظ بالخيار فيه كمن ضمن لغيره شيئاً أو كفل له أو رهن عنده رهناً (فصل) وإذا حل النجم على المكاتب وماله حاضر عنده طولب به ولم يجز الفسخ قبل الطلب كما لا يجوز فسخ البيع والسلم بمجرد وجوب الدفع قبل الطلب فإن طلب منه فذكر أنه غائب عن المجلس في ناحية من نواحي البلد أو قريب منه على مسافة لا تقصر فيها الصلاة لم يمكن إحضاره قريباً لم يجز فسخ الكتابة وأمهل بقدر ما يأتي به إذا طلب الإمهال لأن هذا يسير لا ضرر فيه وإن كان معه مال من غير جنس مال الكتابة فطلب الإمهال ليبيعه بجنس مال الكتابة أمهل وإن كان المال غائباً أكثر من مسافة القصر لم يلزم الامهال وهذا قول الشافعي وقال أبو حنيفة إن كان له مال حاضر أو غائب يرجو قدومه استؤني يومين وثلاثة لا أزيده على ذلك لأن الثلاثة آخر حد القلة والقرب لما بيناه فيما مضى وما زاد عليها في حد الكثرة وهذا كله قريب بعضه من بعض فأما إذا كان قادراً على الأداء واجداً لما يؤديه فامتنع من أدائه أو قال قد عجزت فقال الشريف أبو جعفر وجماعة من أصحابنا المتأخرين بملك السيد الفسخ وهذا الذي ذكره شيخنا في الكتاب المشروح وظاهر كلام

مسألة: وليس للعبد فسخها بحال

الخرقي وهذا مذهب الشافعي وقال أبو بكر بن جعفر ليس له ذلك ويجبر على تسليم العوض وهو قول أبي حنيفة ومالك والاوزاعي وقد ذكر ذلك في كتاب البيع وفيه رواية أخرى أنه إذا قدر على اداء المال كله أنه يصير حراً بملك ما يؤدي وقد ذكرناها (فصل) فإن حل النجم والمكاتب غائب بغير إذن سيده فله الفسخ وإن كان غاب بإذنه لم يكن له أن يفسخ لأنه أذن في السفر المانع من الأداء لكن يرفع الأمر إلى الحاكم ليجعل للسيده فسخ الكتابة وإن كان قادراً على الأداء طالبه بالخروج إلى البلد الذي فيه السيد ليؤدي مال الكتابة أو يوكل من يفعل ذلك فإن فعله في أول حال الإمكان عند خروج القافلة إن كان لا يمكنه الخروج إلا معها لم يجز الفسخ وإن أخره مع الإمكان ومضى زمن المسير ثبت للسيد خيار الفسخ وإن كان قد جعل للوكيل الفسخ عند امتناع المكاتب من الدفع إليه جاز وله الفسخ إذا ثبتت وكالته ببينة بحيث يأمن المكاتب إنكار السيد فإن لم يثبت ذلك لم يلزم المكاتب الدفع إليه وكان له عذر يمنع جواز الفسخ لأنه لا يأمن أن يسلم إليه فينكر السيد وكالته ويرجع على المكاتب بالمال وسواء صدقه في أنه وكيل أو كذبه فإن كتب حاكم البلد الذي فيه السيد إلى حاكم البلد الذي فيه المكاتب ليقبض منه المال لم يلزمه ذلك لأن هذا توكيل لا يلزم الحاكم الدخول فيه فإن الحاكم لا يكلف القبض للبالغ الرشيد فإن اختار القبض جرى مجرى الوكيل ومتى قبض منه المال عتق

مسألة: ولو زوج ابنته من مكاتبه ثم مات انفسخ النكاح

(مسألة) (وليس للعبد فسخها بحال) لأنها عقد لازم ومقصودها ثبوت الحرية في العبد وذلك حق لله تعالى فلا يملك العبد فسخه وإن كان له فيه حظ وعنه له ذلك لأن العقد لحظه فملك فسخه كالمرتهن له فسخ الرهن دون الراهن وإن اتفق هو والسيد على فسخها جاز لأن الحق لهما فجاز باتفاقهما كفسخ البيع والإجارة (مسألة) (ولو زوج ابنته من مكاتبه ثم مات انفسخ النكاح) إذا زوج السيد ابنته من مكاتبه برضاها ثم مات السيد وكانت من الورثة انفسخ النكاح وبهذا قال الشافعي ويحتمل أن لا ينفسخ حتى يعجز وبه قال أبو حنيفة لأنها لا ترثه وإنما تملك نصيبها من الدين الذي عليه بدليل أن الوارث لو أبرأ المكاتب من الدين عتق وكان الولاء للميت لا للوارث فإن عجز وعاد رقيقاً قلنا انفسخ النكاح حينئذ لأنها ملكت نصيبها منه ولنا أن المكاتب مملوك لسيده ولا يعتق بموته فوجب أن ينتقل إلى ورثته كسائر أملاكه ولأنها لا يجوز لها ابتداء نكاحه لأجل الملك فانفسخ نكاحها بتجدد ذلك فيه كالعبد القن، وأما كون الولاء للميت فلأن السبب وجد منه فنسب العتق إليه وثبت الولاء له إذا ثبت هذا فلا فرق بين أن ترثه كله أو ترث بعضه لأنها إذا ملكت منه جزءاً انفسخ النكاح فيه فبطل في باقيه لأنه لا ينجز فإن كانت لا ترث أباها لمانع من موانع الميراث فنكاحها

مسألة: ويجب على السيد أن يؤتيه ربع مال الكتابة إن شاء وضعه عنه وإن شاء قبضه ثم دفعه إليه

باق بحاله والحكم في سائر الورثة من النساء كالحكم في البنت وكذلك لو تزوج رجل مكاتبة فورثها أو بعضها انفسخ نكاحه لذلك (مسألة) (ويجب على السيد أن يؤتيه ربع مال الكتابة إن شاء وضعه عنه وإن شاء قبضه ثم دفعه إليه) الكلام في الإيتاء في خمسة فصول وجوبه وقدوه وجنسه ووقت جوازه ووقت وجوبه (الفصل الأول) أنه يجب على السيد إيتاء المكاتب شيئاً مما كوتب عليه روي ذلك عن علي رضي الله عنه وبه قال الشافعي وإسحاق وقال بريدة والحسن والنخعي والثوري ومالك وابو حنيفة ليس بواجب لأنه عقد معاوضة فلا يجب فيه الإيتاء كسائر عقود المعاوضات ولنا قول الله تعالى (وآتوهم من مال الله الذي آتاكم) وظاهر الأمر الوجوب قال علي رضي الله عنه: ضعوا عنه ربع مال الكتابة وعن ابن عباس قال ضعوا عنهم مكاتبتهم شيئاً وتفارق الكتابة سائر العقود فإن القصد بها رفق العبد بخلاف غيرها ولأن الكتابة يستحق بها الولاء على العبد مع المعاوضة فكذلك يجب أن يستحق العبد على السيد شيئاً فإن قيل المراد بالإيتاء إعطاؤه سهماً من الصدقة والندب إلى التصدق عليه وليس ذلك واجباً بدليل أن العقد يوجب العوض عليه فكيف يقتضي إسقاط شئ منه؟ قلنا أما الأول فإن علياً وابن عباس فسراه بما ذكرنا وهما أعلم بتأويل القرآن وحمل

الأمر على الندب يخالف مقتضى الأمر فلا يصار إليه إلا بدليل وقولهم أن العقد يوجب عليه فلا يسقط عنه قلنا إنما يجب الرفق به عند آخر كتابته رفقاً به ومواساة له وشكراً لنعمة الله تعالى كما تجب الزكاد مواساة من النعمة التي أنعم الله تعالى بها على عبده ولأن العبد ولي جمع هذا المال وتعب فيه فاقتضى الحال مواساته منه كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإطعام عبده من الطعام الذي ولي حره ودخانه واختص هذا بالوجوب لأن فيه معونة على العتق وإعانة لمن يحق على الله تعالى عونه فإن أبا هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثلاثة حق على الله تعالى عونهم المجاهد في سبيل الله والمكاتب الذي يريد الأداء والناكح الذي يريد العفاف) قال الترمذي هذا حديث حسن (الفصل الثاني) في قدره وهو الربع ذكره الخرقي وأبو بكر وغيرهما من أصحابنا روي ذلك عن علي وقال قتادة العشر وقال الشافعي وابن المنذر يجزي ما يقع عليه الاسم وهو قول مالك إلا أنه عنده مستحب لقول الله تعالى (وآتوهم من مال الله الذي آتاكم) ومن للتبعيض والقليل بعض فيكتفي به وقال ابن عباس ضعوا عنهم من مكاتبتهم شيئاً ولأنه قد ثبت أن المكاتب لا يعتق حتى يؤدي جميع الكتابة بما ذكرنا من الأخبار ولو وجب إيتاؤه الربع لوجوب أن يعتق إذا أدى ثلاثة أرباع الكتابة ولا يجب عليه أداء مال يجب رده إليه وقد روي عن ابن عمر أنه كاتب عبداً له على خمسة وثلاثين ألفاً فأخذ منه ثلاثين وترك له خمسة

ولنا ما روى أبو بكر باسناده عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم (وآتوهم من مال الله الذي آتاكم) قال (ربع المكاتبة) وروي موقوفاً عن علي ولأنه مال يجب إيتاؤه مواساة بالشرع فكان مقدراً كالزكاة ولأن حكمة إيجابه الرفق بالمكاتب وإعانته على تحصيل العتق وهذا لا يحصل باليسير الذي هو أقل ما يقع عليه الاسم فلم يجز أن يكون هو الواجب وقول الله تعالى (وآتوهم من مال الله) إذا ورد غير مقدر فيه فإن السنة بينته وقدرته كالزكاة (الفصل الثالث) في جنسه إن قبض مال الكتابة ثم أعطاه منه أجزأ لأن الآية تقتضيه، وإن وضع عنه مما وجب عليه جاز لأن الصحابة رضي الله عنهم فسروا الآية بذلك ولأنه أبلغ في النفع وأعون على حصول العتق فيكون أفضل من الإيتاء وتدل الآية عليه من طريق التنبيه وإن أعطاه من جنس مال الكتابة من غيره جاز ويحتمل أن لا يلزم المكاتب قبوله، وهو ظاهر كلام الشافعي لأن الله تعالى أمر بالإيتاء منه ولنا أنه لا فرق في المعنى بين الإيتاء منه والإيتاء من غيره إذا كان من جنسه فوجب أن يتساويا في الأجزاء كالزكاة وغير المنصوص إذا كان في معناه ألحق به ولذلك جاز الحط عنه وليس هو بإيتاء لما كان في معناه وإن آتاه من غير جنسه مثل أن يكاتبه على دراهم فيعطيه دنانير أو عروضاً لم يلزمه قبوله لأنه لم يؤته منه ولا من جنسه ويحتمل اللزوم لحصول الرفق به فإن رضي المكاتب بها جاز

مسألة: فإن أدى ثلاثة أرباع الكتابة وعجز عن الربع عتق ولم تنفسخ الكتابة في قول القاضي وأصحابه

(الفصل الرابع) في وقت جوازه وهو من حين العقد لقول الله تعالى (فكاتبوتهم إن علمتم فيهم خيرا وآتوهم) وذلك يحتاج إليه من حين العقد وكلما عجله كان أفضل لأنه يكون أنفع كالزكاة (الفصل الخامس) في وقت وجوبه وهو حين العتق لأن الله تعالى أمر بايتائه من المال الذي آتاه وإذا آتى المال عتق فيجب ايتاؤه حينئذ قال علي رضي الله عنه الكتابة على نجمين والإيتاء من الثاني فإن مات السيد قبل ايتائه فهو دين في تركته لأنه حق واجب فهو كسائر ديونه فإن ضاقت التركة عنه وعن غيره من الديون تحاصوا في التركة بقدر حقوقهم ويقدم على الوصايا لأنه دين وقد قضى النبي صلى الله عليه وسلم أن الدين قبل الوصية (مسألة) (فإن أدى ثلاثة أرباع الكتابة وعجز عن الربع عتق ولم تنفسخ الكتابة في قول القاضي وأصحابه) وهو قول أبي بكر لأنه يجب رده إليه فلا يرد إلى الرق لعجزه عنه لأنه عجز عن أداء حق هو له لا حق للسيد فيه فلا معنى لتعجيزه فيما يجب رده إليه وقال علي رضي الله عنه يعتق بقدر ما أدى لما روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (إذا أصاب المكاتب حداً وميراثاً ورث بحساب ما عتق منه ويؤدي المكاتب بحصة ما أدى دية حر وما بقي دية عبد) رواه الترمذي وقال حديث حسن، وروي عن عمر وعلي أنه إذا أدى الشطر فلا رق عليه وروي ذلك عن النخعي

وقال عبد الله بن مسعود إذا أدى قدر قيمته فهو غريم وظاهر كلام الخرقي أنه لا يعتق حتى يؤدي جميع الكتابة وروى الأثرم عن عمر وابنه وزيد بن ثابت وعائشة وسعيد بن المسيب والزهري أنهم قالوا: المكاتب عبد ما بقي عليه درهم وهو قول القاسم وسالم وسليمان بن يسار وعطاء وقتادة والثوري وابن شبرمة ومالك والاوزاعي والشافعي واسحاق وأصحاب الرأي، وروي ذلك عن أم سلمة لما روى سعيد ثنا هشيم عن حجاج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (أيما رجل كاتب غلامه على مائة أوقية فعجز عن عشر أواق فهو رقيق) وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (المكاتب عبد ما بقي عليه درهم) رواه أبو داود ولأنه عوض عن المكاتب فلا يعتق قبل ادائه كالقدر المتفق عليه ولأنه لو عتق بعضه لسرى إلى باقيه كما لو باشره بالعتق فأما حديث ابن عباس فمحمول على مكاتب لرجل مات وخلف ابنين فأقر أحدهما بكتابته وأنكر الآخر فأدى إلى المقر وما أشبهها من الصور جمعاً بين الأخبار وتوفيقاً بينها وبين القياس، ولأن قول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا كان لإحداكن مكاتب وكان عنده ما يؤدي فلتحتجب منه) دليل على اعتبار جميع ما يؤدي وروى سعيد بإسناده عن أبي قلابة قال: كن أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحتجبن من

ما بقي عليه دينار ويجوز أن يتوقف العتق على اداء الجميع وإن وجب رد البعض إليه كما لو قال ااذا اديت إلى فأنت حر ولله علي رد ربعها إليك فإنه لا يعتق حتى يؤديها وإن وجب عليه رد بعضها (فصل) قال الشيخ رضي الله عنه (وإذا كاتب عبيداً له كتابة واحدة بعوض واحد صح) مثل أن يكاتب ثلاثة أعبد له بألف فيصح في قول أكثر أهل العلم منهم عطاء وسليمان بن موسى وابو حنيفة ومالك والحسن بن صالح واسحاق وهو المنصوص عن الشافعي وقال بعض أصحابه فيه قول آخر إنه لا يصح لأن العقد مع ثلاثة كعقود ثلاثة عوض كل واحد منهم مجهول فلم يصح كما لو باع كل واحد منهم لواحد صفقة واحدة بعوض واحد ولنا أن جملة العوض معلومة وإنما جهل تفصيله فلم يمنع صحة العقد كما لو باعهم لواحد وعلى قول من قال إن العوض يكون بينهم على السواء فقد علم أيضاً تفصيل العوض وعلى كل واحد منهم ثلث وكذا يقول فيما لو باعهم لثلاثة إذا ثبت هذا فكل واحد منهم مكاتب بحصته من الألف يقسم بينهم على قدر قيمتهم حين العقد لأنه حين المعاوضة وزوال سلطان السيد عنهم فإذا أداه عتق، وهذا قول عطاء وسليمان بن موسى والحسن بن صالح والشافعي واسحاق وقال أبو بكر عبد العزيز يتوجه لأبي

عبد الله قول آخر أن العوض بينهم على عدد رؤوسهم فيتساوون فيه لأنه أضيف إليهم إضافة واحدة فكان بينهم بالسوية كما لو أقر لهم بشئ ولنا أن هذا عوض فيتقسط على المعوض كما لو اشترى شقصاً وسيفاً وكما لو اشترى عبيداً فرد واحداً منهم بعيب أو تلف أحدهم ورد الآخر ويخالف الإقرار فإنه ليس بعوض إذا ثبت هذا فأيهم أدى حصته عتق وهذا قول الشافعي وقال ابن أبي موسى لا يعتق واحد منهم حتى يؤدي جميع الكتابة وحكي ذلك عن أبي بكر وهو قول مالك وحكي عنه أنه إذ امتنع أحدهم من الكسب مع القدرة عليه أجبر عليه الباقون واحتجوا بأن الكتابة واحدة بدليل أنه لا يصح من كل واحد منهم الكتابة بقدر حصته دون الباقين ولا يحصل العتق إلا بأداء جميع الكتابة كما لو كان المكاتب واحداً وقال أبو حنيفة إن لم يقل لهم السيد إن أديتم عتقتم فأيهم أدى بحصته عتق وإن أدوا جميعها عتقوا كلهم ولم يرجع على صاحبه بشئ وإن قال لهم إن أديتم عتقتم لم يعتق واحد منهم حتى يؤدي الكتابة كلها ويكون بعضهم حميلاً عن بعض ويأخذ أيهم شاء بالمال وأيهم أداها عتقوا كلهم ويرجع على صاحبيه بحصتهما ولنا أنه عقد معاوضة مع ثلاثة فيبرأ كل واحد منهم بأداء حصته كما لو اشتروا عبيداً وكما لو لم يقل لهم إن أديتم عتقتم على أبي حنيفة فإن قوله ذلك لا يؤثر لأن استحقاق العتق بأداء العوض لا بهذا القول بدليل أنه يعتق بالاداء بدون هذا القول ولم يثبت كون هذا القول مانعاً من العتق وقوله إن

هذا العقد كتابة واحدة ممنوع فإن العقد مع جماعة عقود بدليل البيع ولا يصح القياس على كتابة الواحد لأن ما قدره في مقابلة عتقه وههنا في مقابلة عتقه ما يخصه فافترقا إذا ثبت هذا فإنه إن شرط عليهم في العقد أن كان واحد منهم ضامن عن الباقين فسد الشرط والعقد صحيح وقال أبو الخطاب فيه رواية أخرى أن الشرط صحيح وخرجه ابن حامد وجهاً بناء على الروايتين في ضمان الحر لمال الكتابة وقال الشافعي العقد والشرط فاسدان لأن الشرط فاسد ولا يمكن تصحيح العقد بدونه لأن السيد إنما رضي بالعقد بهذا الشرط فإذا لم يثبت لم يكن راضياً بالعقد وقال مالك وأبو حنيفة العقد والشرط صحيحان لأنه من مقتضى العقد عندهما ولنا أن مال الكتابة ليس بلازم ولا مآله إلى اللزوم فلم يصح ضمانة كما لو جعل المال صفة مجردة في العتق فقال إن أديت إلي ألفا فأنت حر ولأن الضامن لا يلزمه أكثر من المضمون عنه ومال الكتابة لا يلزم المكاتب فلا يلزم الضامن ولأن الضمان تبرع وليس للمكاتب التبرع ولان لا يملك الضمان عن حر ولا عمن ليس معه في الكتابة فكذلك من معه وأما العقد فصحيح بدليل أن الكتابة لا تفسد بفساد الشرط بدليل خبر بريرة (فصل) إذا مات بعض المكاتبين سقط قدر حصته نص عليه أحمد في رواية حنبل وكذلك إن أعتق بعضهم وعن مالك إن أعتق السيد أحدهم وكان مكتسباً نفذ عتقه لعدم الضرر فيه وهذا مبني على أنه لا يعتق واحد منهم حتى يؤدي جميع مال الكتابة وقد مضى الكلام فيه

مسألة: وإن اختلفوا بعد الاداء في قدر ما أدى كل واحد منهم، فالقول قول من يدعي أداء قدر الواجب عليه

(فصل) فإن أدى أحد المكاتبين عن صاحبه أو عن مكاتب آخر قبل أداء ما عليه بغير علم سيده لم يصح لأن هذا تبرع وليس له التبرع بغير إذن سيده فإن كان قد حل نجم صرف ذلك فيه وإن لم يكن حل عليه نجم فله الرجوع فيه وإن علم السيد بذلك ورضي بقبضه عن الآخر صح لأن قبضه له راضياً مع العلم دليل على الإذن فيه فجاز كما لو أذن فيه صريحاً وإن كان الأداء بعد أن عتق صح سواء علم السيد أو لم يعلم فإذا أراد الرجوع على صاحبه بما أدى عنه وكان قد قصد التبرع عليه لم يرجع به وإن أداه محتسباً بالرجوع عليه بإذن المؤدى عنه رجع عليه لأنه قرض وإن كان بغير إذنه لم يرجع عليه لأنه تبرع عليه بأداء ما لا يلزمه اداؤه بغير إذنه فلم يرجع عليه كما لو تصدق عنه صدقة تطوع وبهذا فارق سائر الديون وإن كان بإذنه وطلب استيفاءه قدم على أداء مال الكتابة كسائر الديون وإن عجز عن أدائه فحكمه حكم سائر الديون وهذا كله مذهب الشافعي (مسألة) (وإن اختلفوا بعد الاداء في قدر ما أدى كل واحد منهم فالقول قول من يدعي أداء قدر الواجب عليه) وهذا إذا أدوا وعتقوا فقال من كثرت قيمته ادينا على قدر قيمنا وقال الآخر بل أدينا على السواء فبقيت لنا على الاكثر بقيمة فمن جعل العوض بينهم على عددهم قال القول قول من يدعي التسوية ومن جعل على كل واحد قدر حصته فعنده فيه وجهان (أحدهما) القول قول من يدعي

التسوية لأن أيديهم على المال فيتساوون فيه (والثاني) قول من يدعي أداء قدر الواجب عليه لان الظاهران الإنسان لا يؤدي إلا ما عليه (فصل) فإن جنى بعضهم فجنايته عليه دون صاحبه وبهذا قال الشافعي وقال مالك يؤدون كلهم أرشه فإن عجزوا رقوا ولنا قول الله تعالى (ولا تزر وازرة وزر أخرى) وقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يجني جان إلا على نفسه) ولأنه لو اشترك رجلان وتعاقدا لم يحمل أحدهما جناية صاحبه فكذا ههنا ولأن ما لا يصح لا يتضمنه عقد الكتابة ولا يجب على أحدهما بفعل الآخر كالقصاص وقد بينا أن كل واحد منهما مكاتب بقدر حصته فهو كالمنفرد بعقده (فصل) إذا شرط المكاتب في كتابته أن يوالي من شاء فالشرط بالطل والولاء لمن أعتق لا نعلم في بطلان الشرط خلافاً لما روت عائشة رضي الله عنها قالت كانت في بريرة ثلاث قضيات أراد أهلها أن يبيعوها ويشترطوا الولاة فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال (اشتريها واشترطي لهم الولاء فإنما الولاء لمن أعتق) فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فحمد الله وانثى عليه ثم قال (أما بعد

فما بال أناس يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله؟ من اشترط شرطاً ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط، قضاء الله أحق وشرط الله أوثق إنما الولاء لمن أعتق) متفق عليه ولأن الولاء لا يصح نقله بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الولاء وهبته وقال (إنما الولاء لمن أعتق) ولأنه لحمة كلحمة النسب فلم يصح اشتراطه لغير صاحبه كالقرابة ولأنه حكم العتق فلم يصح اشتراطه لغير المعتق كما لا يصح اشتراط حكم النكاح لغير الناكح ولا حكم البيع لغير العاقد وسواء شرط أن يوالي من شاء أو شرط لبائعه أو لرجل آخر بعينه ولا تفسد الكتابة بهذا الشرط نص عليه أحمد وقال الشافعي تفسد به كما لو شرط عوضاً مجهولاً ويتخرج لنا مثل ذلك بناء على الشروط الفاسدة في البيع ولنا حديث بريرة فإن أهلها شرطوا لهم الولاء فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بشرائها مع هذا الشرط وقال (إنما الولاء لمن اعتق) ويفارق جهالة العوض فإنه ركن العقد لا يمكن تصحيح العقد إلا به وربما أفضت جهالته إلى التنازع والاختلاف وهذا شرط زائد فإذا حذفناه بقي العقد صحيحاً بحاله فإن قيل المراد بقوله عليه السلام (اشترطي لهم الولاء) أي عليهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يأمر بالشرط الفاسد واللام تستعمل بمعنى على كقوله تعالى (وإن أسأتم فلها) قلنا لا يصح لثلاث وجوه (أحدها) أنه مخالف وضع اللفظ والاستعمال (والثاني) أن أهل بريرة أبو هذا الشرط فكيف يأمرها النبي صلى الله عليه وسلم بشرط لا يقبلونه؟

(الثالث) أن ثبوت الولاء لها لا يحتاج إلى شرط لأنه مقتضى العتق وحكمه ولأن في بعض الألفاظ (لا يمنعنك هذا الشرط منها، ابتاعي وأعتقي) وإنما أمرها النبي صلى الله عليه وسلم بالشرط تعريفاً لنا ان وجود هذا الشرط كعدمه وأنه لا ينقل الولاء عن المعتق (فصل) فإن شرط السيد على المكاتب أن يرثه دون ورثته أو مزاحمتهم في مواريثهم فهو شرط فاسد في قول عامة العلماء منهم الحسن وعطاء وشريح وعمر بن عبد العزيز والنخعي واسحاق وأجاز اياس بن معاوية أن يشرط شيئاً من ميراثه ولا يصح لأنه يخالف كتاب الله وكل شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل وروى سعيد ثنا هشيم عن منصور عن ابن سيرين بإسناده أن رجلاً كاتب مملوكه واشترط ميراثه فلما مات المكاتب خاصم ورثته إلى شريح فقضى شريح بميراث المكاتب لورثته فقال الرجل ما يغني شرطي منذ عشرين سنة؟ فقال شريح كتاب الله أنزله على نبيه قبل شرطك بخمسين سنة ولا تفسد الكتابة بهذا الشرط كالذي قبله (فصل) فإن شرط عليه خدمة معلومة بعد العتق جاز وبه قال عطاء وابن شبرمة وقال مالك والزهري لا يصح لأنه ينافي مقتضى العقد أشبه ما لو شرط ميراثه ولنا أنه روي عن عمر رضي الله عنه أنه أعتق كل من يصلي من سبي العرب وشرط عليهم: أن تخدمو الخليفة من بعدي ثلاث سنوات ولأنه اشترط خدمة في عقد الكتابة أشبه ما لو شرطها قبل

مسألة: وتجوز كتابة بعض عبده فإذا أدى عتق كله قاله أبو بكر

العتق ولأنه شرط نفعاً معلوماً أشبه ما لو شرط عوضاً معلوماً ولا نسلم أن ينافي مقتضى العقد فإن مقتضاه العتق عند الأداء وهذا لا ينافيه (فصل) إذا كاتبه على ألفين في رأس كل شهر ألف وشرط أن يعتق عند أداء الأول صح في قياس المذهب ويعتق عند أدائه لأن السيد لو أعتقه بغير أداء شئ صح فكذلك إذا أعتقه عند أذاء البعض ويبقى الآخر ديناً عليه بعد عتقه كما لو باعه نفسه به (مسألة) وتجوز كتابة بعض عبده فإذا أدى عتق كله قاله أبو بكر) لأنها معاوضة فصحت في بعضه كالبيع فإذا أدى جميع كتابته عتق كله لأنه إذا سرى العتق فيه إلى ملك غيره فإلى ملكه أولى ويجب أن يؤدي إلى سيده مثلي كتابته لأن نصف كسبه يستحقه سيده بما فيه من الرق ونصفه يؤدي في الكتابة إلا أن يرضي سيده بتأدية الجميع في الكتابة فيصح وإذا استوفى المال كله عتق نصفه بالكتابة وباقيه بالسراية (مسألة) وتجوز كتابة حصته من العبد المشترك بغير إذن شريكه) إذا كان لرجل نصف عبد فكاتبه صح سواء كان باقيه حراً أو مملوكاً لغيره وسواء أذن الشريك أو لم يأذن وهذا ظاهر قول الخرقي وأبي بكر وهو قول الحكم وابن أبي ليلى وحكي عن الحسن البصري والحسن بن صالح ومالك والعنبري وكره الثوري وحماد كتابته بغير إذن شريكه، وقال

الثوري إن فعل رددته إلا أن يكون بعده فيضمن لشريكه نصف ما في يده وقال أبو حنيفة يصح بإذن الشريك ولا يصح بغير إذنه وهو أحد قولي الشافعي إلا أن أبا حنيفة قال الإذن في ذلك إذن في تأدية مال الكتابة من جميع كسبه ولا يرجع الاذن بشئ منه، وقال أبو يوسف ومحمد يكون جميعه مكاتباً، وقال الشافعي في أحد قوليه إن كان باقيه حراً صحت كتابته وإن كان ملكاً لم يصح سواء أذن فيه الشريك أم لم يأذن لأن كتابته تقتضي إطلاقه في الكسب والسفر وملك نصفه يمنع ذلك ويمنعه أخذ نصيبه من الصدقات لئلا يصير كسباً فيستحق سيده نصفه ولأنه إذا أدى عتق جميعه فيفضي إلى أن يؤدي نصف كتابته ثم يعتق جميعه ولنا أنه عقد معاوضة على نصيبه فصح كبيعه ولانه ملك لم يصح بيعه وهبته فصحت كتابته كما لو ملك جميعه ولأنه ينفذ إعتاقه فصحت كتابته كالعبد الكامل وكما لو كان باقيه حراً عند الشافعي أو أذن فيه الشريك عند الباقين وقولهم إنه يقتضي المسافرة والكسب وأخذ الصدقة قلنا أما المسافرة فليست من المقتضيات الأصلية فوجود مانع منها لا يمنع أصل العقد، وأما الكسب وأخذ الصدقة فإنه لا يمنع كسبه وأخذه الصدقة بجزئه المكاتب ولا يستحق الشريك شيئاً منه لأنه إنما يستحق ذلك بالجزء المكاتب ولا حق للشريك فيه فكذلك ما حصل به كما لو ورث شيئاً بجزئه الحر، وأما الكسب فإن هايأه مالك نصفه فكسب في نوبته شيئاً لم يشاركه فيه أيضاً وإن لم يهايئه فكسب

مسألة: وإذا أدى ما كوتب عليه ومثله لسيده الآخر عتق كله إن كان الذي كاتبه موسرا وعليه قيمة حصة شريكه

بجملته شيئاً كان بينهما له بقدر ما فيه من الجزء المكاتب ولسيده الباقي لأنه كسبه بجزئه المملوك فيه فأشبه ما لو كسب قبل كتابته فقسم بين سيديه وقولهم إنه يفضي إلى أن يؤدي بعض الكتابة فيعتق جميعه قلنا يبطل هذا بما لو علق عتق نصيبه على أداء مال فإنه يؤدي عوض البعض ويعتق الجميع على أنا نقول لا يعتق حتى يؤدي جميع الكتابة فإن جميع الكتابة هو الذي كاتبه عليه مالك نصفه ولم يبق منها شئ فلا يعتق حتى يؤدي جميعها ولأنه لا يعتق الجميع بالأداء وإنما يعتق الجزء المكاتب لا غير وباقيه إن كان المكاتب معسراً لم يعتق وإن كان موسراً عتق بالسراية لا بالكتابة ولا يمتنع هذا كما لو أعتق بعضه عتق جميعه وإذا جاز عتق جميعه باعتاق بعضه بطريق السراية جاز ذلك فيما يجري مجرى العتق (مسألة) (وإذا أدى ما كوتب عليه ومثله لسيده الآخر عتق كله إن كان الذي كاتبه موسراً وعليه قيمة حصة شريكه) وجملة ذلك أن أحد الشريكين إذا كاتب نصيبه لم تسر الكتابة ولم يتعد الجزء الحر الذي كاتبه لأن الكتابة عقد معاوضة فلم تسر كالبيع وليس للعبد أن يؤدي إلى مكاتبه شيئاً حتى يؤدي إلى شريكه مثله سواء أذن الشريك في كتابته أو لم يأذن لأنه إنما أذن في كتابة نصيب شريكه وذلك يقتضي أن يكون نصيبه باقياً له هذا إذا كان الكسب لجميعه فإن أدى الكتابة من جميع كسبه لم

مسألة: وإن أعتق الشريك قبل أدائه عتق عليه كله إن كان موسرا وعليه قيمة نصيب المكاتب، وقال أبو بكر والقاضي: لا يسري إلى النصف المكاتب

يعتق لأن الكتابة الصحيحة تقتضي العتق ببراءته من العوض وذلك لا يحصل بدفع ما ليس له وإن أدى إليهما جميعاً عتق كله لأن نصفه يعتق بالأداء فإذا عتق سرى إلى سائره ان كان الذي كاتبه موسراً وتلزمه قيمة نصيب شريكه لأن عتقه بسبب من جهته أشبه ما لو باشره بالعتق أو علق عتق نصيبه بصفة فعتق بها فأما إن ملك شيئاً بجزئه المكاتب كمن هايأه سيده فكسب شيئاً في نوبته أو أعطي من الصدقة من سهم الرقاب فلا حق لسيده فيه وله أداء جميعه في كتابته لأنه يستحق ذلك بما فيه من الكتابة فأشبه النصف الباقي بعد إعطاء الشريك حقه ولو كان ثلثه حراً وثلثه مكاتباً وثلثه رقيقاً فورث بجزئه الحر ميراثاً وأخذ بجزئه المكاتب من سهم الرقاب فله دفع ذلك كله في كتابته لأنه ما استحق بجزئه الرقيق شيئاً منه فلا يستحق مالكه منه شيئاً وإذا أدى جميع كتابته عتق فإن كان الذي كاتبه معسراً لم يسر العتق ولم يتعد نصيبه كما إذا واجهه بالعتق إلا على الرواية التي نقول فيها بالاستسعاء فإنه يستسعى في نصيب الذي لم يكاتب وإن كان موسراً سرى إلى باقيه (مسألة) (وإن أعتق الشريك قبل أدائه عتق عليه كله إن كان موسراً وعليه قيمة نصيب المكاتب وقال أبو بكر والقاضي لا يسري إلى النصف المكاتب) لأنه قد انعقد للمكاتب سبب الولاء فلا يجوز ابطاله إلا أن يعجز فيقوم عليه حينئذ، وقال ابن أبي ليلى عتق الشريك موقوف حتى تنظر ما يصنع في الكتابة فإن أداها عتق وكان المكاتب

ضامناً لقيمة نصيب شريكه وولاؤه كله للمكاتب وإن عجز سرى عتق الشريك وضمن نصف القيمة للمكاتب وولاؤه كله له وأما الشافعي فلا يجوز كتابته إلا بإذن شريكه في أحد قوليه فإن كاتبه بإذن شريكه فأعتق الذي لم يكاتب فهل يسري في الحال أو يقف على العجز؟ فيه قولان ولنا أنه عتق لجزء من العبد من موسر غير محجور عليه فسرى إلى باقيه كالقن وقولهم إنه يفضي إلى إبطال الولاء قلنا إذا كان العتق يؤثر في إبطال الملك الثابت الذي الولاء من بعض آثاره فلأن يؤثر في نقل الولاء بمفرده أولى ولأنه لو أعتق عبداً له أولاد من معتقة قوم نقل ولاءهم إليه فإذا نقل ولاءهم الثابت بإعتاق غيرهم فلأن ينقل ولاء لم يثبت بعد بإعتاق من عليه الولاء أولى ولأنه نقل الولاء عمن لم يغرم له عوضاً فلأن ينقله بالعوض أولى فانتقال الولاء في موضع جر الولاء ينبه على سراية العتق وانتقال الولاء إلى المعتق لكونه أولى من ثلاثة أوجه (أحدها) أن الولاء ثم ثابت وهذا بعرض الثبوت (الثاني) أن النقل حصل ثم يا عتاق غيره وههنا بإعتاقه (الثالث) أنه انتقل بغير عوض وههنا بعوض (فصل) وإن كان المعتق معسراً لم يسر عتقه وكان نصيبه حراً وباقيه على الكتابة فإن أدى عتق عليهما وكان ولاؤه بينهما وإن عجز عاد الجزء المكاتب رقيقاً قناً إلا على الرواية التي تقول يستسعى العبد فانه يستعى عند عجزه في قيمة باقيه ولا يستسعى في حال الكتابة لأن الكتابة سعاية فيما اتفقا

مسألة: وإن كاتبا عبدهما جاز سواء كان على التساوي أو التفاضل ولا يجوز أن يؤدي إليهما إلا على التساوي

عليه فاستغني بها عن السعاية فيما يحتاج إلى التقويم فإذا عجز وفسخت الكتابة بطلت ورجع إلى السعاية في القيمة وحديث ابن عمر حجة لما ذهبنا اله وهو ما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من أعتق شركا له في عبد فإن كان معه ما يبلغ قيمة العبد قوم عليه قيمة العدل وأعطي شركاؤه حصصهم وعتق جميع العبد وإلا فقد عتق منه ما عتق) متفق عليه ورواه مالك في الموطأ عن نافع عن ابن عمر وهذا الحديث حجة على من خالفه وهذا قول الخرقي والله تعالى أعلم (مسألة) (وإن كاتبا عبدهما جاز سواء كان على التساوي أو التفاضل ولا يجوز أن يؤدي إليهما إلا على التساوي) إذا كان العبد لرجلين فكاتباه معا سواء تساويا في العوض أو اختلفا فيه وسواء اتفق نصيباهما فيه أو اختلفا وسواء كان في عقد واحد أو عقدين صح وبهذا قال أبو حنيفة وقال الشافعي لا يجوز أن يتفاضلا في المال مع التساوي في الملك ولا التساوي في المال مع التفاضل في الملك لأن ذلك يؤدي إلى أن ينتفع أحدهما بمال الآخر لأنه إذا دفع إلى أحدهما أكثر من قدر ملكه ثم عجز رجع عليه الآخر بذلك

ولنا أن كل واحد منهما يعقد على نصيبه عقد معاوضة فجاز أن يختلفا في العوض كالبيع وما ذكره لا يلزم لأن انتفاع أحدهما بمال الآخر إنما يكون عند العجز وليس ذلك من مقتضيات العقد وإنما يكون عند زواله فلا يضر ولأنه إنما يؤدي إليهما على التساوي فإذا عجز قسم ما كسبه بينهما على قدر الملكين فلم يكن أحدهما منتفعاً إلا بما يقابل ملكه وعاد الأمر بعد زوال الكتابة إلى حكم الرق كأنه لم يزل فإن قيل فالتساوي في الملك يقتضي التساوي في أدائه إليهما ويلزم منه وفاء كتابة أحدهما قبل الآخر فيعتق نصيبه ويسري إلى نصيب صاحبه ويرجع الآخر عليه بنصف قيمته قلنا يمكن أداء كتابته إليهما دفعة واحدة فيعتق عليهما ويمكن أن يكاتب أحدهما على مائة في نجمين في كل نجم خمسون ويكاتب الآخر على مائتين في نجمين في الأول خمسون وفي الثاني مائة وخمسون فيكون وقتهما واحداً فيؤدي إلى كل واحد منهما حقه على أن أصحابنا قد قالوا لا يسري العتق إلى نصيب الآخر ما دام مكاتباً فلا يفضي إلى ما ذكروه وإن قدر إفضاؤه إليه فلا مانع فيه من صحة الكتابة فإنه لا يخل بمقصود الكتابة وهو العتق بها ويكون سراية العتق من غير ضرر بأن يكاتبه على مثلي قيمته فإذا عتق عليه غرم لشريكه نصف قيمته وسلم إليه باقي المال وحصل له ولاء العبد ولا ضرر في هذا ثم لو كان فيه ضرر لكنه قد رضي به حين كتابته على أقل مما كاتبه به شريكه والضرر المرضي به من جهة المضرور لا عبرة به كما لو باشره بالعتق أو أبرأه من مال الكتابة فإنه يعتق عليه ويسري عتقه ويغرم لشريكه وهو جائز فهذا أولى بالجواز

(فصل) ولا يجوز أن يختلفا في التنجيم ولا أن يكون لأحدهما في النجوم قبل النجم الأخير أكثر من الآخر في أحد الوجهين لأنه لا يجوز أن يؤدي إليهما إلا على السواء ولا يجوز تقديم أحدهما بالوفاء على الآخر واختلافهما في ميقات النجوم وقدر المؤدي يفضي إلى ذلك (والثاني) يجوز لأنه يمكن أن يعجل لمن تأخر نجمه قبل محله ويعطي من قل نجمه أكثر من الواجب له ويمكن أن يأذن له أحدهما في الدفع إلى الآخر قبله أو أكثر منه ويمكن أن ينظره من حل نجمه أو يرضي من له الكثير بأخذ دون حقه وإذا أمكن افضاء العقد إلى مقصوده فلا يبطله باحتمال عدم الإفضاء إليه (فصل) وليس للمكاتب أن يؤدي إلى أحدهما أكثر من الآخر ولا يقدم أحدهما على الآخر ذكره القاضي وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي قال شيخنا لا أعلم فيه خلافاً لأنهما سواء فيه فيستويان في كسبه وحقهما متعلق بما في يده تعلقاً واحداً فلم يكن له أن يخص احدهما بشئ منه دون الآخر ولأنه ربما عجز فيعود إلى الرق ويتساويان في كسبه فيرجع أحدهما على الآخر بما في يده من الفضل بعد انتفاعه به مدة فإن قبض أحدهما دون الآخر شيئاً لم يصح القبض وللآخر أن يأخذ منه حصته إذا لم يكن أذن في القبض فإن أذن فيه ففيه وجهان ذكرهما أبو بكر (أحدهما) يصح لأن المنع لحقه فجاز بإذنه كما لو أذن المرتهن للراهن في التصرف فيه أو أذن المشتري للبائع في قبض المبيع قبل أن يوفيه

ثمنه أو اذنا للمكاتب في التبرع ولأنهما لو أذنا له في الصدقة بشئ صح قبض المصدق عليه له كذلك ههنا (والثاني) لا يجوز وهو اختيار أبي بكر ومذهب أبي حنيفة وأحد قولي الشافعي واختيار المزني لأن ما في يد المكاتب ملك له فلا ينفذ إذن غيره فيه وإنما حق سيده في ذمته والأول أصح إن شاء الله تعالى لأن الحق لهم لا يخرج عنهم فإذا اتفقوا على شئ فلا وجه للمنع وقولهم إنه ملك للمكاتب تعليق على العلة ضد ما تقتضيه لأن كونه ملكاً له يقتضي جواز تصرفه فيه على حسب اختياره وإنما المنع لتعلق حق سيده به فإذا أذن زال المانع فصح التقبيض لوجود مقتضيه وخلوه من المانع ثم يبطل بما ذكرنا من المسائل فعلى هذا الوجه إذا دفع إلى أحدهما مال الكتابة بإذن صاحبه عتق نصيبه من المكاتب لأنه استوفى حقه ويسري العتق إلى باقيه إن كان موسراً وعليه قيمة حصة شريكه لأن عتقه بسببه وهذا قول الخرقي ويضمنه في الحال بنصف قيمته مكاتباً مبقى على ما بقي من كتابته وولاؤه كله له وما في يده من المال للذي لم بقبض منه بقدر ما قبضه صاحبه والباقي بين العبد وبين سيده الذي عتق عليه لان نصفه عتق بالكتابة ونصفه بالسراية فحصة ما عتق بالكتابة للعبد وحصة ما عتق بالسراية للسيد وعلى ما اختاره شيخنا يكون الباقي كله للعبد لأن الكسب كان ملكاً له فلا يزول ملكه عنه بعتقه كما لو عتق بالأداء وقال أبو بكر والقاضي لا يسري العتق في الحال وإنما يسري عند عجزه فعلى قولهما يكون باقياً على الكتابة فإن أدى إلى الآخر عتق عليهما وولاؤه لهما

وما يبقى في يده من كسبه فهو له وإن عجز وفسخت الكتابة قوم على الذي أدى إليه وكان ولاؤه كله له وتنفسخ الكتابة في نصفه، وإن مات فقد مات ونصفه حر ونصفه رقيق ولسيده الذي لم يعتق نصيبه أن يأخذ مما خلفه مثلما أخذه شريكه من مال الكتابة وله نصف ما يبقى والباقي لورثة العبد فإن لم يكن له وارث من نسبه فهو للذي أدى إليه بالولاء وإن قلنا لا يصح القبض فما أخذه القابض بينه ويين شريكه ولا تعتق حصته من المكاتب لأنه لم يستوف عوضه ولغير القابض مطالبة القابض بنصيبه مما قبضه كما لو قبض بغير إذنه وإن لم يرجع غير القابض بنصيبه حتى أدى المكاتب إليه كتابته صح وعتق عليهما جميعاً، وإن مات العبد قبل استيفاء الآخر حقه فقد مات عبداً ويستوفي الذي لم يقبض من كسبه بقدر ما أخذ صاحبه والباقي بينهما قال أحمد في رواية ابن منصور في عبد بين رجلين كاتباه فأدى إلى أحدهما كتابته ثم مات وهو يسعى للآخر لمن ميراثه؟ قال أحمد كل ما كسب العبد في كتابته فهو بينهما ويرجع هذا على الآخر بنصيبه مما أخذ وميراثه بينهما قال ابن منصور: قال اسحاق بن راهويه كما قال (فصل) عجز مكاتبهما فلهما الفسخ والإمضاء فإن فسخا جميعاً أو أمضيا الكتابة جاز ما اتفقا عليه وإن فسخ أحدهما وأمضى الآخر جاز وعاد نصفه رقيقاً قناً ونصفه مكاتباً وقال القاضي تنفسخ الكتابة في جميعه وهو مذهب الشافعي لأن الكتابة لو بقيت في نصفه لعاد ملك الذي فسخ الكتابة إليه ناقصاً

ولنا أنها كتابة عن ملك أحدهما فلم تنفسخ بفسخ الآخر كما لو انفرد بكتابته ولأنهما عقدان مفردان فلم ينفسخ أحدهما بفسخ الآخر كالبيع وما حصل من القبض لا يمنع لأنه إنما حصل ضمناً لتصرف الشريك في نصيبه فإذا لم يمنع العقد في ابتدائه فلأن لا يبطله في دوامه أولى ولأن ضرره حصل بعقده وفسخه فلا يزال بفسخ عقد غيره ولأن في فسخ الكتابة ضرراً بالمكاتب وسيده وليس دفع الضرر عن الشريك الذي فسخ بأولى من دفع الضرر عن الذي لم يفسخ لوجوه ثلاثة (أحدهما) أن ضرر الذي فسخ حصل ضمناً لبقاء عقد شريكه في ملك نفسه وضرر شريكه يزول بزوال عقده وفسخ تصرفه في ملكه (الثاني) أن ضرر الذي فسخ لم يعتبره الشرع في موضع ولا أصل لما ذكروه من الحكم ولا يعرف له نظير فيكون بمنزلة المصالح المرسلة التي وقع الأجماع على اطراحها وضرر شريكه بفسخ عقده معتبر في سائر عقوده من بيعه وهتبه وغير ذلك فيكون أولى (الثالث) إن ضرر الفسخ يتعدى إلى المكاتب فيكون ضرراً باثنين وضرر الفاسخ لا يتعداه، ثم لو قدر تساوي الضررين لوجب ابقاء الحكم على ما كان عليه ولا يجوز إحداث الفسخ من غير دليل راجح (فصل) وإذا عجز المكاتب ورد في الرق وكان في يده مال فهو لسيده سواء كان من كسبه أو صدقة تطوع أو وصية وما كان من صدقة مفروضة ففيه روايتان (إحداهما) هو لسيده وهو قول

أبي حنيفة وقال عطاء يجعله في السبيل أحب إلي وإن أمسكه فلا بأس (والرواية الثانية) يؤخذ ما بقي في يده فيجعل في المكاتبين نقلها حنبل وهو قول شريح والنخعي والثوري واختار أبو بكر والقاضي أنه يرد إلى أربابه وهو قول إسحاق لأنه إنما دفع إليه ليصرف في العتق فإذا لم يصرف فيه وجب رده كالعازي والغارم وابن السبيل ووجه الرواية الأولى أن ابن عمر رد مكاتباً في الرق فأمسك ما أخذه منه ولأنه يأخذ لحاجته فلم يرد ما أخذه كالفقير والمسكين، وأما الغازي فإنه يأخذ لحاجتنا إليه بقدر ما يكفيه لغزوه. فأما الغارم فإن غرم لإصلاح ذات البين فهو كالغازي يأخذ لحاجتنا إليه وإن غرم لمصلحة نسفه فهو كمسئلتنا لا يرده (فصل) فأما ما أداه إلى سيده قبل عجزه فلا يجب رده بحال لأن المكاتب صرفه في الجهة التي أخذه لها وثبت ملك سيده عليه ملكاً مستقراً فلم يزل ملكه عنه كما لو عتق المكاتب ويفارق ما في يد المكاتب فإن ملك سيده لم يثبت عليه قبل هذا والخلاف في ابتداء ثبوته وما تلف في يد المكاتب لم يرجع به عليه سواء عجز أو أدى لأن ماله تلف في يده أشبه ما لو تلف في يد سائر أصناف الصدقة وإن اشترى به عرضاً وعجز والعرض في يده ففيه من الخلاف مثل ما لو وجده بعينه لأن العرض عوضه وقائم مقامه فأشبه ما لو أعطى الغازي من الصدقة ما اشترى به فرساً وسلاحاً ثم فضل عن حاجته (فصل) وموت المكاتب قبل الأداء كعجزه فيما ذكرنا لأن سيده يأخذ ما في يده قبل حصول

مقصود الكتابة وإن أدى وبقي في يده شئ فحكمه في رده وأخذه حكم سيده في ذلك عند عجزه لأنه مال لم يؤده في كتابته بقي بعد زوالها، فإن كان قد استدان ما أداه في الكتابة وبقي عنده من الصدقة ما يقضي به دينه لم يلزمه رده لأنه محتاج إليه بسبب الكتابة فأشبه ما يحتاج إليه في أدائها (فصل) إذا قال السيد لمكاتبه متى عجزت بعد موتي فأنت حر فهذا تعليق للحرية على صفة تحدت بعد الموت وفيه اختلاف ذكرناه، فإن قلنا لا يصح فلا كلام وإن قلنا يصح فمتى عجز بعد الموت صار حراً بالصفة، فإن ادعى العجز قبل حلول النجم لم يعتق لأنه لم يجب عليه شئ يعجز عنه. وإن كان بعد حلوله ومعه ما يؤديه لم يقبل قوله لأنه غير عاجز وإن لم يكن معه مال ظاهر فصدقه الورثة عتق وإن كذبوه فالقول قوله مع يمينه لأن الأصل عدم المال وعجزه فإذا حلف عتق وإذا عتق بهذه الصفة كان ما في يده له إن لم تكن كتابته فسخت لأن العجز لا تنفسخ به الكتابة وإنما يثبت به استحقاق الفسخ والحرية تحصل به بأول وجوده فتكون الحرية قد حصلت له في حال كتابته فيكون ما في يده له كما لو عتق بالإبراء من مال الكتابة ومقتضى قول بعض أصحابنا أن كتابته تبطل ويكون ما في يده لورثة سيده (فصل) إذا كاتب عبداً في صحته ثم أعتقه في مرض موته أو أبرأه من مال الكتابة فإن كان يخرج من ثلثه الأقل من قيمته أو مال كتابته عتق مثل أن يكون له سوى المكاتب مائتان وقيمة

المكاتب مائة ومال الكتابة مائة وخمسة فانا نعتير قيمته دون مال الكتابة وهي تخرج من الثلث وإن كان بالعكس اعتبرنا مال الكتابة ونفذ العتق ويعتبر الباقي من مال الكتابة دون ما أدي منها وإنما اعتبرنا الأقل لأن قيمته إن كانت أقل فهي قيمة ما أتلف بالإعتاق ومال الكتابة ما استقر عليه فإن للعبد إسقاطه بتعجيز نفسه أو يمتنع من أدائه فلا يجبر عليه فلم يحتسب له به وإن كان عوض الكتابة أقل اعتبرناه لأنه يعتق بأدائه ولا يستحق السيد عليه سواه وقد ضعف ملكه فيه وصار عوضه وإن كان كل واحد منهما لا يخرج من الثلث مثل أن يكون ماله سوى المكاتب مائة فإنا نضم الأقل من قيمته أو مال الكتابة ونعمل بحسابه قيعتق منه ثلثاه ويبقى ثلثه بثلث مال الكتابة فإن أداه عتق وإلا رق منه ثلثه ويحتمل أنه إذا كان مال الكتابة مائة وخمسين فيفي ثلثه بخمسين فأداها أن نقول قد زاد مال الميت لأنه حسب على الورثة بمائة وحصل لهم ثلثه خمسون فقد زاد مال الميت فينبغي أن يزيد ما يعتق منه لأن هذا المال يحصل لهم بعقد السيد والإرث عنه ويجب أن يكون المعتبر من مال الكتابة ثلاثة أرباعه لأن ربعه يجب إيتاؤه للمكاتب فلا يحسب من مال الميت فإن كان ثلاثة أرباع مال الكتابة مائة وخمسين وقيمة العبد مائة وللميت مائة أخرى عتق من العبد ثلثاه وحصل للورثة من كتابة البعد خمسون عن ثلث العبد المحسوب عليهم ثلث المائة فقد زاد لهم ثلث الخمسين فيعتق من العبد قدر ثلثها وهو تسع الخمسين وذلك نصف تسعه فصار العتق ثابتاً في ثلثيه ونصف تسعه

وحصل للورثة المائة وثمانية أتساع الخمسين وهو مثلا ما عتق منه. فإن قيل لم أعتقتم بعضه وقد بقي عليه بعض مال الكتابة؟ قلنا إنما أعتقنا بعضه ههنا بإعتاق سيده لا الكتابة، ولما كان العتق في مرض موته نفذ في ثلث ماله وبقي باقيه لحق الورثة، والموضع الذي لا يعتق إلا بأداء جميع الكتابة إذا كان عتقه بها لأنه إذا بقي عليه شئ فما حصل لاستيفاء يخص المعاوضة فلم تثبت الحرية في العوض (فصل) فإن وصى سيده بإعتاقه أو إبرائه من الكتابة وكان يخرج من ثلثه أقل الامرين من قيمته أو مال الكتابة فالحكم فيه كالحكم فيما إذا أعتقه في مرضه أو أبرأه إلا أنه لا يحتاج ههنا إلى إيقاع العتق لأنه أوصى به وإن لم يخرج الأقل منهما من ثلثه عتق منه بقدر الثلث ويسقط من الكتابة بقدر ما عتق ويبقى باقيه على باقي الكتابة فإذا أداه عتق جميعه وإن عجز عتق منه بقدر الثلث ورق الباقي. وقياس المذهب أن يتنجز عتق ثلثه في الحال وإن لم يحصل للورثة في الحال شئ لأن حق الورثة متحقق الحصول فإنه إن أدى وإلا عاد الباقي قناً وذكر القاضي فيه وجهاً آخر أنه لا يتنجز عتق شئ منه إذا لم يكن للميت مال سواه لئلا يتنجز للوصية ما عتق ويتأخر حق الوارث ولذلك لو كان له مال غائب أو دين حاضر لم يتنجز وصيته من الحاضر والأول أصح لما ذكرناه وأما الحاضر والغائب فإنه إن كان موصى له بالحاضر أخذ ثلثه في الحال ووقف الباقي على قدوم الغائب فقد حصل

للموصى له ثلث الحاضر ولم يحصل للورثة شئ في الحال فهي كسمئلتنا ولم تكمل له جميع وصيته لأن الغائب غير موثوق بحصوله فإنه ربما تلف بخلاف ما نحن فيه. فأما الزيادة الحاصلة بزيادة مال الكتابة فإنها تقف على أدائه (فصل) قال الخرقي وإذا كان العبد لتلاثة فجاءهم بثلثمائة درهم فقال بيعوني نفسي بها فأجابوه فلما عاد إليهم ليكتبوا له كتابا أنكر أحدهم أن يكون أخذ شيئاً وشهد الرجلان عليه بالأخذ فقد صار العبد حراً بشهادة الشريكين إذا كانا عدليل ويشاركهما فيما أخذا من المال وليس على العبد الشئ، اعترض على الخرقي في هذه المسألة حيث أجاز له شراء نفسه بعين ما في يده مع أنه قد ذكر في باب العتق: إذا قال العبد لرجل اشترني من سيدي بهذا المال وأعتقني فاشتراه بعين المال كان الشراء والعتق باطلاً ويكون السيد قد أخذ ماله. فأجاب القاضي عن هذا الإشكال بوجوه: منها أن يكون مكاتباً وقوله بيعوني نفسي بهذه أي أعجل لكم الثلاثمائة وتضعون عني ما بقي من كتابتي ولهذا ذكرها في باب المكاتب (الثاني) أن يكون العبد لأجنبي قال له اشتر نفسك بها من غير أن يملكه إياها (الثالث) أن يكون عتقاً بصفة تقديره إذا قبضنا منك هذه الدراهم فأنت حر (الرابع) أن يكون سادته رضوا ببيعه نفسه بما في يده وفعلهم ذلك معه إعتاق منهم مشروط بتأدية ذلك إليهم فتكون صورته صورة البيع ومعناه العتق بشرط الأداء كما لو قال بعتك نفسك بخدمتي سنة فإن منافعه مملوكة لسيده وقد صح

هذا فيها فكذا ههنا قال شيخنا وهذا الوجه أظهر إن شاء الله تعالى لأنه لا يحتاج إلى تأويل ومتى أمكن حمل الكلام على ظاهره لم يجز تأويله بغير دليل. إذا تقرر هذا فمتى اشتري العبد نفسه من سادته عتق لأن البيع يخرجه عن ملكهم ولا يثبت عليه ملك آخر إلا أنه ههنا لا يعتق إلا بالقبض لأنا جعلناه عتقاً مشروطاً به ولهذا قال الخرقي وقد صار العبد حراً بشهادة الشريكين اللذين شهدا بالقبض ولو عتق بالبيع لعتق باعترافهم به لا بالشهادة بالقبض ومتى أنكر أحدهم أخذ نصيبه من الثمن فشهد عليه شريكاه وكانا عدلين قبلت شهادتهما لأنهما شهدا للعبد بأداء ما يعتق به فقبلت شهادتهما كالأجنبيين ويرجع المشهود عليه عليهما فيشاركهما فيما أخذاه لأنهما اعترفا بأخذ مائتين من ثمن العبد والعبد مشترك بينهم فثمنه يجب أن يكون بينهم ولأن ما في يد العبد لهم والذي أخذاه كان في يده فيجب أن يشترك فيه الجميع ويكون بينهم بالسوية وشهادتهما فيما لهما فيه نفع غير مقبولة ودفع مشاركته لهما فيه نفع لهما فلم تقبل شهادتهما فيه وقبلت بما ينتفع به العبد دون ما ينتفعان به كما لو اقر بشئ لغيرهما فيه نفع فإن إقرارهما يقبل فيما عليهما دون مالهما وقياس المذهب أن لا تقبل شهادتهما على شريكهما بالقبض لأنهما يدفعان بها عن أنفسهما ضرراً ومغرماً ومن شهد بشهادة يجر إلى نفسه نفعاً بطلت شهادته في الكل وإنما يقبل ذلك في الإقرار لأن العدالة غير معتبرة فيه والتهمة لا تمنع من صحته بخلاف الشهادة فعلى هذا القياس يعتق نصيب الشاهدين باقرارهما ويبقى نصيب المشهود عليه موقوفاً على

القبض وله مطالبته بنصيبه أو مشاركة صاحبيه بما أخذ فإن شاركهما أخذ منهما ثلثي مائة ورجع على العبد بتمام المائة ولا يرجع المأخوذ منه على الآخر بشئ لأنه إن أخذ من العبد فهو يقول ظلمني وأخذ مني مرتين وإن أخذ من الشاهدين فهما يقولان ظلمنا وأخذ منا ما لا يستحقه علينا ولا يرجع المظلوم على غير ظالمه وإن كانا غير عدلين فكذلك سواء قلنا إن شهادة العدلين مقبولة أو لا لأن غير العدل لا تقبل شهادته وانما يؤاخذ بإقراره وإن أنكر الثالث البيع فنصيبه باق على الرق. إذا حلف إلا أن يشهدا عليه بالبيع ويكونان عدلين فتقبل شهادتهما لأنهما لا يجران إلى نفسهما بهذه الشهادة نفعاً (فصل) وإذا كان العبد بين شريكين فكاتباه بمائة فادعى دفعها إليهما وصدقاه عتق وإن أنكراه ولم تكن بينة فالقول قولهما مع أيمانهما وإن أقر أحدهما وأنكر الآخر عتق نصيب المقر، وأما المنكر فعلى قول الخرقي تقبل شهادة شريكيه عليه إذا كانا عدلا فيحلف العبد مع شهادتهما ويصير حراً ويرجع المنكر على الشاهد فيشاركه فيما أخذه، وأما القياس فيقتضي أن لا تسمع شهادة شريكه عليه لانه يدفع بشهادته عن نفسه مغرماً والقول قول السيد مع يمينه فإذا حلف فله مطالبة شريكه بنصف ما اعترف به وهو خمسة وعشرون لأن ما قبضه كسب العبد وهو مشترك بينهما فإن قيل فالمنكر ينكر قبض شريكه فكيف يرجع عليه؟ قلنا إنما ينكر قبض نفسه وشريكه مقر بالقبض ويجوز أن يكون قد قبض فلم يعلم به وإذا أقر بمتصور لزمه حكم اقراره ومن حكمه جواز رجوع شريكه عليه

فإن قيل لو كان عليه دين لاثنين فوفى أحدهما لم يرجع الآخر على شريكه فلم رجع ههنا؟ قلنا إن كان الدين ثابتاً بسبب واحد فما قبض أحدهما منه رجع به الآخر عليه كمسئلتنا وعلى أن هذا يفارق الدين لكون الدين لا يتعلق بما في يد الغريم إنما يتعلق بذمته حسب والسيد يتعلق حقه بما في يد المكاتب فلا يدفع شيئاً منه إلى أحدهما إلا كان حق الآخر ثابتاً فيه. إذا ثبت هذا فإنه إن رجع على العبد بخمسين استقر ملك الشريك على ما أخذه ولم يرجع العبد عليه بشئ لأنه إنما قبض حقه، وإن رجع على الشريك رجع عليه بخمسة وعشرين وعلى العبد بخمسة وعشرين ولم يرجع أحدهما على الآخر بما أخذه منه لما ذكرنا من قبل، وإن عجز العبد باداء ما رجع به عليه فله تعجيزه واسترقاقه ويكون نصفه حراً ونصفه رقيقاً ويرجع على الشريك بنصف ما أخذه ولا تسري الحرية فيه لأن الشريك والعبد يعتقدان أن الحرية ثابتة في جميعه وأن المنكر غاصب لهذا النصف الذي استرقه ظالماً باسترقاقه والمنكر يدعي رق العبد جميعه ولا يعترف بحرية شئ منه لأنه يزعم أنه ما قبضت نصيبي من كتابته وشريكي إن قبض شيئاً استحق نصفه بغير إذني فلا يعتق شئ منه بهذا القبض وسراية العتق ممتنعة على كلا القولين والسراية إنما تكون فيما إذا أعتق بعضه وبقي بعضه رقيقاً وجميعهم متفقون على خلاف ذلك وهذا منصوص الشافعي (فصل) فإن ادعى العبد أنه دفع المائة إلى أحدهما ليدفع إلى شريكه حقه ويأخذ الباقي فأنكر

المدعى عليه حلف وبرئ فإن قال إنما دفعت إلى حقي وإلى شريكي حقه ولا بينة للعبد فالقول قول المدعى عليه في أنه لم يقبض إلا قدر حقه مع يمينه ولا نزاع ببن العبد وبين الآخر لأنه لم يدع عليه شيئاً وله مطالبة العبد بجميع حقه وله مطالبته بنصفه ومطالبة القابض بنصف ما قبضه فإن اختار مطالبة العبد فله القبض منه بغير يمين وإن اختار الرجوع على شريكه بنصفه فللشريك عليه اليمين أنه لم يقبض من المكاتب شيئاً لأنه لو أقر بذلك لسقط حقه من الرجوع فإذا أنكره لزمته اليمين فان شهد القابض على شريكه بالقبض لم تقبل شهادته لمعنيين (أحدهما) أن المكاتب لم يدع عليه شيئاً وإنما تقبل البينة إذا شهدت بصدق المدعي (الثاني) أنه يدفع عن نفسه مغرماً فإن عجز العبد فلغير القابض أن يسترق نصفه ويقوم عليه نصيب شريكه لأن العبد معترف برقة غير مدع لحرية هذا النصيب بخلاف التي قبلها ويحتمل أن لا يقوم أيضاً لأن القابض يدعي حرية جميعه والمنكر يدعي ما يوجب رق جميعه فإنهما يقولان ما قبضه قبضه بغير حق فلا يعتق حتى يسلم إلى مثل ما سلم إليه وإذا كان أحدهما يدعي جميعه والآخر يدعي جزأه فما اتفقا على حرية البعض دون البعض (فصل) وإن اعترف المدعي بقبض المائة على الوجه الذي ادعاه المكاتب وقال قد دفعت إلى شريكي نصفها فأنكر الشريك فالقول قوله مع يمينه وله مطالبة من شاء منهما بجميع حقه وللمرجوع عليه أن يحلفه فإن رجع على الشريك فأخذ منه خمسين كان له ذلك لأنه اعترف بقبض المائة كلها

ويعتق المكاتب لأنه وصل إلى كل واحد منهما قدر حقه من الكتابة ولا يرجع الشريك عليه بشئ لأنه يعترف له بأداء ما عليه وبراءته منه وإنما يزعم أن شريكه ظلمه فلا يرجع على غير ظالمه وإن رجع على العبد فله أن يأخذ منه الخمسين لأنه يزعم أنه ما قبض شيئاً من كتابته وللعبد الرجوع على القابض بها سواء صدقه في دفعها إلى المنكر أو كذبه لأنه وإن دفعها فقد دفعها دفعا غير مبر فكان مفرطاً ويعتق العبد بأدائها فإن عجز عن أدائها فله أن يأخذها من القابض ثم يسلمها فإن تعذر ذلك فله تعجيزه واسترقاق نصفه ومشاركة القابض في الخمسين التي قبضها عوضاً عن نصيبه ويقوم على الشريك القابض إن كان موسراً إلا أن يكون العبد يصدقه في دفع الخمسين إلى شريكه فلا يقوم لأنه يعترف أنه حر وأن هذا ظلمه باسترقاق نصفه الحر وإن أمكن الرجوع على القبض بالخمسين ودفعها إلى المنكر فامتنع من ذلك فهل يملك المنكر تعجيزه واسترقاق

مسألة: وإن اختلفا في عوضها فالقول قول السيد في إحدى الروايتين

نصفه؟ على وجهين بناء على القول في تعجيز العبد نفسه مع القدرة على الأداء إن قلنا له ذلك فللمنكر استرقاقه، وإن قلنا ليس له ذلك فليس للمنكر استرقاقه لأنه قادر على الأداء فإن قيل فلم لا يرجع المنكر على القابض بنصف ما قبضه إذا استرق نصف العبد؟ قلنا لأنه لو رجع بها لكان قابضاً جميع حقه من مال الكتابة فيعتق المكاتب بذلك إلا أن يتعذر قبضها في نجومها فتنفسخ الكتابة ثم يطالب بها بعد ذلك فيكون له الرجوع بنصفها كما لو كانت غائبة في بلد آخر وتعذر تسليمها حتى فسخت الكتابة والله أعلم (فصل) قال الشيخ رضي الله عنه (وإن اختلفا في الكتابة فالقول قول من ينكرها) لأن الأصل معه (مسألة) (وإن اختلفا في عوضها فالقول قول السيد في إحدى الروايتين) إذا اختلفا في عوض الكتابة فقال السيد كاتبتك على ألفين وقال المكاتب على ألف فعنه ثلاث روايات (أحدها) القول قول السيد ذكره الخرقي قال القاضي هذا المذهب نص عليه أحمد

في رواية الكوسج وهو قول الثوري والاوزاعي واسحاق وقال أبو بكر اتفق أحمد والشافعي على أنهما يتحالفان ويترادان وهو قول أبي يوسف ومحمد لأنهما اختلفا في عوض العقد القائم بينهما فيتحالفان إذا لم تكن بينة كالمتبايعين وحكي عن أحمد رواية ثالثة أن القول قول المكاتب وهو قول أبي حنيفة لأنه منكر للألف الزائد والقول قول المنكر لأنه مدعى عليه فيدخل في عموم قوله عليه السلام (ولكن اليمين على المدعي عليه) ووجه الأولى أنه اختلاف في الكتابة فالقول قول السيد فيه كما لو اختلفا في أصلها ويفارق البيع من وجهين (أحدهما) أن الأصل في البيع عدم ملك كل واحد منهما لما صار إليه والأصل في المكاتب وكسبه أنه لسيده فالقول قوله فيه (الثاني) أن التحالف في البيع مفيد ولا فائدة في التحالف في الكتابة فإن الحاصل منه يحصل بيمين السيد وحده وبيان ذلك أن الحاصل بالتحالف فسخ الكتابة ورد العبد إلى الرق إذا لم يرض بما حلف عليه سيده وهذا يحصل عند من جعل القول قول السيد مع يمينه فلا يشرع التحالف مع عدم فائدته

مسألة: وإن اختلفا في وفاء مالهما فقال العبد أديت وعتقت وأنكر السيد فالقول قول السيد مع يمينه

وإنما قدمنا قول المنكر في سائر المواضع لأن الأصل معه والأصل ههنا مع السيد لأن الأصل ملكه للعبد وكسبه. إذا ثبت هذا فمتى حلف السيد ثبتت الكتابة بألفين كما لو اتفقا عليها وسواء كان اختلافهما قبل العتق او بعده مثل أن يدفع إليه ألفين فيعتق ثم يدعي المكاتب أن أحدهما عن الكتابة والآخر وديعة ويقول السيد بل هي جميعاً مال الكتابة ومن قال بالتحالف قال إذا تحالفا فلكل واحد منهما فسخ الكتابة إلا أن يرضي بقول صاحبه وإن كان التحالف بعد العتق في مثل الصورة التي ذكرناها لم ترتفع الحرية لأنها لا يمكن رفعها بعد حصولها ولا إعادة الرق بعد رفعه ولكن يرجع السيد بقيمة ويرد إليه ما أدى إليه فإن كانا من جنسن واحد تقاصا بقدر أقلهما وأخذ ذو الفضل فضله (مسألة) (وإن اختلفا في وفاء مالها فقال العبد أديت وعتقت وأنكر السيد فالقول قول السيد مع يمينه) لأنه منكر والقول قول المنكر وإن اختلفا في ابرائه من مال الكتابة أو شئ منه فالقول قول السيد مع يمينه لذلك

(فصل) إذا كاتب عبدين واستوفى من أحدهما ولم يدر أيهما استوفى فقياس المذهب أن يقرع بينهما فمن خرجت له القرعة عتق ورق الآخر كما لو أعتق عبداً من عبيده وأنسيه وإن ادعى الآخر عليه أنه أدى فعليه اليمين أنه ما أدى فإن نكل عتق الآخر وإن مات السيد قبل القرعة أقرع الورثة فإن ادعى الآخر عليهم أنه المؤدي فعليهم اليمين أنهم لا يعلمون أنه أدى لأنها يمين على نفي فعل الغير فإن أقام أحد العبدين بينة أنه أدى عتق سواء كان قبل القرعة أو بعدها في حياة سيده أو بعد موته وإن كان ذلك قبل القرعة تعينت الحرية فيه ورق الآخر فإن كان بعدها فكذلك لأن القرعة ليست عتقاً وإنما هي معينة للعتق والبينة أقوى منها فيثبت بها خطأ القرعة فيتبين بقاء الرق في الذي ظننا حريته كما تبينا حرية من ظننا رقه ولأن من لم يؤد لا يصير مؤديا بوقوع القرعة له فلا يوجد حكمه الذي هو العتق ويتخرج على قول أبي بكر وابن حامد أن يعتقا على ما نذكر في الطلاق، وكذلك الحكم فيما إذا ذكر السيد المؤدي منهما ومتى ادعى الآخر أنه أدى فله اليمين على المدعى عليه من

مسألة: وإن أقام العبد شاهدا وحلف معه أو شاهدا وامرأتين ثبت الأداء وعتق وهذا قول الشافعي

السيد والورثة إلا أن السيد يحلف على البت، وأما الورثة فإن ادعى أنه دفع إلى موروثهم حلفوا على نفي العلم وإن ادعى أنه دفع إليهم حلفوا على البت وعلى كل واحد من الورثة يمين لأن كل واحد منهم مدعى عليه فلزمته اليمين كما لو انفرد بالدعوى (فصل) إذا كان للمكاتب أولاد من معتقة غير سيده فقال سيده قد أدى إلى وعتق فانجر ولاء ولده إلي فأنكر ذلك مولى أمهم وكان المكاتب حياً صار حراً بهذا القول لأنه إقرار من سيده بعتقه وينجر ولاء ولده إليه وإن كان ميتاً فالقول قول مولى أمهم لأن الأصل بقاء الرق وبقاء ولائهم له فيحلف ويبقى ولاؤهم له (مسألة) (وإن أقام العبد شاهداً وحلف معه أو شاهد وامرأتين ثبت الأداء وعتق وهذا قول الشافعي) لأن النزاع بينهما في أداء المال والمال يقبل فيه الشاهد واليمين والرجل والمرأتان فإن قيل القصد من هذه الشهادة العتق وهو لا يثبت بشاهد ويمين قلنا بل يثبت بشاهد

ويمين في رواية، وإن سلمنا أن الشهادة لا تثبت لكن الشهادة ههنا بأداء المال والعتق يحصل عند أدائه بالعقد الأول ولم يشهد الشاهد به ولا بينهما فيه نزاع ولا يمتنع أن يثبت بشهادة الواحد ما يترتب عليه أمر لا يثبت إلا بشاهدين كما أن الولادة تثبت بشهادة النساء ويترتب عليها ثبوت النسب الذي لا يثبت بشهادة النساء ولا بشاهد واحد (فصل) فإن لم يكن للعبد شاهد وأنكر السيد فالقول قوله فإن قال لي شاهد غائب أنظر ثلاثاً فإن جاء وإلا حلف السيد ثم متى جاء شاهده وأدى الشهادة ثبتت حريته وإن جرح شاهده فقال لي شاهد آخر أنظر ثلاثاً لما ذكرناه (فصل) وإن أقر السيد بقبض مال الكتابة عتق العبد إذا كان ممن يصح اقراره وإن أقر بذلك في مرض موته قبل لأنه إقرار لغير وارث فيقبل وإن قال استوفيت كتابتي كلها عتق العبد وإن قال استوفيتها كلها إن شاء الله أو إن شاء زيد عتق ولم يؤثر الاستثناء لأن هذا الاستثناء لا

مدخل له في الاقرار قال أحمد في رواية أبي طالب إذا قال له ألف إن شاء الله كان مقراً بها ولأن هذا الاستثناء تعليق بشرط والذي يتعلق بالشرط إنما هو المستقبل، وأما الماضي فلا يمكن تعليقه لأنه قد وقع على صفة لا يتغير عنها بالشرط وإنما يدل الشرط على الشك فيه فكأنه قال استوفيت كتابتي وأنا أشك فيه فيلغو الشك ويثبت الاقرار وإن قال استوفيت آخر كتابتي وقال إنما أردت أني استوفيت النجم الآخر دون ما قبله وادعى العبد اقراره باستيفاء الكل فالقول قول السيد لأنه أعرف بمراده والله أعلم (فصل) قال رضي الله عنه (والكتابة الفاسدة مثل أن يكاتبه على خمر أو خنزير تغلب فيها حكم الصفة في أنه إذا أدى عتق ولا يعتق بالإبراء) إذا كاتبه كتابة فاسدة على عوض مجهول أو حال أو محرم كالخمر والخنزير فقد روي عن أحمد رحمه الله ما يدل عليه أن الكتابة على العرض المحرم باطلة لا يعتق بالأداء فيها اختاره أبو بكر فإنه

روي عن أحمد أنه قال: إذا كاتبه كتابة فاسدة فأدى ما كوتب عليه عتق ما لم تكن الكتابة محرمة فحكم بالعتق بالأداء إلا في المحرمة واختار القاضي أنه يعتق بالاداء كسائر الكتابات الفاسدة ويمكن حمل كلام القاضي على ما إذا جعل السيد الأداء شرطاً للعتق فقال إذا أديت لي فأنت حر فأدى فإنه يعتق بالصفة المجردة لا بالكتابة ويثبت في هذه الكتابة حكم الصفة في العتق بوجودها لا حكم الكتابة فأما إن شرط في في الكتابة شرطاً فاسداً فالمنصوص أنه لا يفسدها لكن يلغو الشرط وتصح الكتابة ويتخرج أن يفسدها بناء على الشروط الفاسدة في البيع وهو مذهب الشافعي وقد ذكرناه فأما الكتابة الفاسدة التي لا تكون عوضاً محرماً فإنها تساوي الصحيحة في أربعة أحكام (أحدها) أنه يعتق ما كوتب عليه سوا صرح بالصفة بأن يقول إذا أديت إلى فأنت حر أو لم يقل لأن معنى الكتابة يقتضي هذا فيصير كالمصرح به فيعتق بوجوده كالصحيحة (الثاني) إذا أعتقه بالأداء لم تلزمه قيمة نفسه ولم يرجع على سيده بما أعطاه ذكره أبو بكر وهو

ظاهرا كلام أحمد وقال الشافعي يتراجعان فيجب على العبد قيمته وعلى السيد ما أخذه فيتقاصان بقدر أقلهما إن كانا من جنس واحد ويأخذ ذو الفضل فضله لأنه عقد معاوضة فاسد فوجب التراجع فيه كالبيع الفاسد ولنا أنه عقد كتابة حصل العتق فيه بالأداء فلم يجب التراجع كما لو كان العقد صحيحاً ولأن ما يأخذه السيد فهو من كسب عبده الذي يملك كسبه فلم يجب رده والعبد عتق بالصفة فلم تجب عليه قيمته كما لو قال إن دخلت الدار فأنت حر وأما البيع الفاسد فإنه إن كان بين هذا وسيده فلا رجوع على السيد بما أخذه وإن كان بينه وبين غيره فإنه أخذ مالا يستحقه ودفع إلى الآخر ما لا يستحقه بعقد المقصود منه المعاوضة بخلاف هذا في مسئلتنا (الثالث) أن المكاتب يملك التصرف في كسبه لأن عقد الكتابة تضمن الإذن في ذلك وله أخذ الصدقات والزكوات لأنه مكاتب يعتق بالأداء أشبه الكتابة الصحيحة (الرابع) أنه إذا كاتب جماعة كتابة فاسدة فأدى أحدهم حصتهم عتق على قول من قال إنه يعتق

بالكتابة الصحيحة بأداء حصته لأن معنى العقد أن كل واحد منهم مكاتب بقدر حصته متى أدى إلى كل واحد منكم قدر حصته فهو حر ومن قال لا يعتق في الصحيحة إلا أن يؤدي جميعهم فههنا أولى (فصل) وتفارق الصحيحة في ثلاثة أحكام (أحدها) أن السيد إذا أبرأه من المال لم تصح البراءة ولم يعتق بذلك لأن المال غير ثابت في العقد بخلاف الكتابة الصحيحة وصار هذا كالصفة المجردة في قوله إذا أديت إلي ألفا فأنت حر (الثاني) أن لكل واحد من السيد والمكاتب فسخها سواء كان ثم صفة أو لم تكن وهذا قول أصحاب الشافعي لأن الفاسد لا يلزم حكمه والصفة ههنا مبنية على المعاوضة وتابعة لها لأن المعاوضة هي المقصودة فلما أبطل المعاوضة التي هي الأصل بطلت الصفة المبنية عليها بخلاف الصفة المجردة ولأن السيد لم يرض بهذه الصفة إلا بأن يسلم له العوض المسمى فإذا لم يسلم كان له إبطالها بخلاف الصحيحة فإن العوض سلم له فكان العقد لازماً له

مسألة: وتنفسخ بموت السيد وجنونه والحجر للسفه

(الثالث) أنه لا يلزم السيد أن يؤدي إليه شيئاً من الكتابة لأن العتق ههنا بالصفة المجردة فأشبه ما لو قال إذا أديت إلي ألفا فأنت حر (مسألة) (وتنفسخ بموت السيد وجنونه والحجر للسفه) اختلف في انفساخها بموت السيد فذهب القاضي وأصحابه إلى بطلانها به وهو قول الشافعي لأنه عقد جائز من الطرفين لا يئول إلى اللزوم فبطل بالموت كالوكالة ولأن المغلب فيها حكم الصفة المجردة والصفة تبطل بالموت كذلك هذه الكتابة وقال أبو بكر لا تبطل بالموت ويعتق بالأداء إلى الوارث وهو قول أبي حنيفة لأنه مكاتب يعتق بالأداء إلى السيد فيعتق بالأداء إلى الوارث كالكتابة الصحيحة في باب العتق بالأداء فكذلك في هذا واختلف في انفساخها بجنون السيد والحجر عليه والخلاف فيه كالخلاف في بطلانها بموته قال شيخنا والأولى أنها لا تبطل ههنا إلا بالصفة المجردة لا بذلك والمغلب في هذه الكتابة حكم الصفة المجردة فلا تبطل به فعلى هذا لو أدى إلى سيده

بعد ذلك عتق ولا يعتق عند من أبطالها (فصل) ويملك السيد أخذ ما في يده وإن فضل من الأداء فضل فهو لسيده هذا قول أبي الخطاب لأن كسب العبد لسيده بحكم الأصل والعقد ههنا فاسد لم يثبت الحكم في وجوب العوض في ذمته فلم ينقل الملك في المعوض كسائر العقود الفاسدة ولأن المغلب فيها حكم الصفة المجردة وهي

لا تثبت له في كسبه فكذا ههنا وفارق الكتابة الصحيحة فإنها أثبتت الكتابة في العوض فاثبتته في المعوض وقال القاضي ما في يد المكاتب وما يكسبه وما يفضل في يده بعد الاداء وهو مذهب

مسألة: وهل يتبع المكاتبة ولدها فيها؟ على وجهين

الشافعي لأنها كتابة يعتق بالأداء فيها فيثبت هذا الحكم فيها كالصحيحة والأول أصح لما بين الفاسدة والصحيحة من الفروق (مسألة) (وهل يتبع المكاتبة ولدها فيها؟ على وجهين)

مسألة: وقال أبو بكر: لا تنفسخ بموت السيد ولا جنونه ولا الحجر عليه للسفه

(أحدها) يتبعها لأنها كتابة تعتق فيها بالأداء فيعتق ولدها به كالكتابة الصحيحة (والثاني) لا يتبعها وهو أقيس وأصح لأن الأصل بقاء الرق فيه فلا يزول إلا بنص أو معنى نص وما وجد واحد منهما ولا يصح القياس على الكتابة الصحيحة لما ذكرنا من الفرق بينهما فيما تقدم فيبقى على الأصل (مسألة) (وقال أبو بكر لا تنفسخ بموت السيد ولا جنونه ولا الحجر عليه للسفه) وقد ذكرناه

باب أحكام أمهات الأولاد

(باب أحكام أمهات الأولاد) أم الولد هي التي ولدت من سيدها في ملكه ولا خلاف في إباحة التسري ووطئ الإماء لقول الله تعالى (والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين) وقد كانت مارية القبطية أم ولد للنبي صلى الله عليه وسلم وهي أم أبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم (أعتقها ولدها) وكانت هاجر سرية إبراهيم عليه الصلاة والسلام أم اسماعيل عليه السلام وكان لعمر ابن الخطاب رضي الله عنه أمهات أولاد أوصى لكل واحدة منهن بأربعمائة وكان لعلي رضي الله عنه أمهات أولاد ولكثير من الصحابة وكان علي بن الحسين والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله من أمهات أولاد ويروى أن الناس لم يكونوا يرغبون في أمهات الاود حتى ولد هؤلاء الثلاثة فرغب الناس فيهن وروي عن سالم بن عبد الله قال كان لابن رواحة جارية وكان يريد الخلوة بها وكانت امرأته ترصده فخلا البيت فوقع عليها فندرت به امرأته وقالت أفعلتها؟ قال ما فعلت قالت فاقرا إذاً فقال شهدت بأن وعد الله حق * وأن النار مثوى الظالمينا وأن العرش فوق الماء طاف * وفوق العرش رب العالمينا ويحمله ملائكة شداد * ملائكة الإله مسومينا

مسألة: إذا حملت الأمة من سيدها، فوضعت ما يتبين فيه خلق الإنسان صارت له بذلك أم ولد فإذا مات عتقت وإن لم يملك غيرها

قالت أما إذا أقرأت فأذهب فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره قال فلقد رأيته يضحك حتى تبدو نواجذه ويقول (هيه كيف قلت؟) فأكرره عليه فيضحك (مسألة) (إذا حملت الأمة من سيدها فوضعت ما يتبين فيه خلق الإنسان صارت له بذلك أم ولد فإذا مات عتقت وإن لم يملك غيرها) ذكر ههنا لمصير الأمة أم ولد شرطين (أحدهما) أن تحمل به في ملكه سواء كان من وطئ مباح أو محرم كالوطئ في الحيض والنفاس والاحرام والظهار فأما إن علقت منه في غير ملكه لم تصر بذلك أم ولد سواء علقت منه بمملوك مثل أن يطأها في ملك غيره بنكاح أو زنا أو علقت بحرً مثل أن يطأها بشبهة أو غر من أمة فنزوجها على أنها حرة فاستولدها أو اشترى جارية فاستولدها ثم ظهرت مستحقة فإن الولد حر ولا تصير الامة أم ولد في هذه المواضع بحال فإن ملكها بعد ذلك ففيه اختلاف نذكره إن شاء الله تعالى (الشرط الثاني) أن تضع ما يتبين فيه شئ من خلق الإنسان من رأس أو يد أو رجل أو تخطيط سواء وضعته حياً أو ميتاً وسواء أسقطته أو كان تاماً قال عمر رضي الله عنه إذا ولدت الأمة من سيدها فقد عتقت وإن كان سقطاً وروى الأثرم بإسناده عن ابن عمر أنه قال أعتقها ولدها وإن كان سقطاً وقال الأثرم قلت لأبي عبد الله أم الولد إذا اسقطت لا تعتق فقال إذا تبين فيه يد أو

رجل أو شئ أو خلقة فقد عتقت هذا قول الحسن والشافعي وقال الشعبي إذا نكس في الخلق الرابع فكان مخلقاً انقضت به عد الحرة وعتقت به الأمة قال شيخنا ولا أعلم في هذا خلافاً بين من قال بثبوت حكم الاستيلاد، فأما إن ألقت نطفة أو علقة لم يثبت به شئ من أحكام الولادة لأنه ليس بولد وروى يوسف بن موسى أن أبا عبد الله قيل له ما تقول في الأمة إذا ألقت مضغة أو علقة؟ قال تعتق وهذا قول ابراهيم النخعي وذكر الخرقي لمصيرها أم ولد شرطاً ثالثاً وهو أن تحمل بحر ويتصور ذلك في الملك في موضعين (أحدهما) في العبد إذا ملكه سيده وقلنا إنه يملك فوطئ أمته فاستولدها فولده مملوك ولا تصير الأمة به أم ولد يثبت لها حكم الاستيلاد بذلك وسواء أذن له سيده في التسري بها أو لم يأذن (الثاني) إذا استولد المكاتب أمته فان ولد مملوك له ولا يثبت للأمة أحكام أم الولد في العتق بموته في الحال لأن المكاتب ليس بحر وكذلك ولده منها فأولى أن لا تتحرر هي ومتى عجز المكاتب وعاد إلى الرق أو مات قبل أداء كتابته فهي أمة قن كالعبد القن وهل يملك المكاتب بيعها؟ فيه اختلاف ذكرناه في باب المكاتب

مسألة: وتعتق بموت سيدها من رأس المال وإن لم يملك سواها

(مسألة) (وتعتق بموت سيدها من رأس المال وإن لم يملك سواها) وهذا قول كل من رأى عتقهن لا نعلم بينهم خلافاً في ذلك وسواء ولدت في الصحة أو المرض لأنه حاصل بالنذاذه وشهوته وما يتلفه في لذاته يستوي فيه حال الصحة والمرض كالذي يأكله ويلبسه ولأن عتقها بعد الموت وما يكون بعد الموت يستوي فيه المرض والصحة كقضاء الدين والتدبير والوصية قال سعيد ثنا عن يحيى بن سعيد عن نافع قال أدرك ابن عمر رجلان فقالا إنا تركنا هذا الرجل يبيع أمهات الأولاد يعنيان ابن الزبير فقال ابن عمر أتعرفان أبا حفص؟ فإنه قضى في أمهات الأولاد أن لا يبعن ولا يوهبن يستمتع بها صاحبها فإذا مات فهي حرة وقال ثنا عتاب عن حصيف عن عكرمة عن ابن عباس قال قال عمر ما من رجل كان يقر بأنه كان يطأ جاريته يموت الا اعتقتها وإن كان سقطا وروى ابن ماجة عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أيما أمة ولدت من سيدها فهي حرة عن دبر منه) (فصل) وإذا عتقت بموت سيدها فما كان في يدها من شئ فهو لورثة سيدها لأن أم الولد أمة وكسبها لسيدها وسائر ما في يدها له فإذا مات سيدها فعتقت انتقل ما في يدها إلى ورثته كسائر

مسألة: وإن وضعت جسما لا تخطيط فيه فعلى روايتين

ماله وكما في يد المدبرة بخلاف المكاتبة فإن كسبها في حياة سيدها لها فإذا عتقت بقي لها كما كان لها قبل العتق (فصل) ولا فرق بين المسلمة والكافرة والعفيفة والفاجرة ولا بين المسلم والكافر والعفيف والفاجر في هذا في قول أهل الفتاوى من أهل الأمصار لأن ما يتعلق به العتق يستوي فيه المسلم والكافر كالتدبير والكتابة ولأن عتقها بسبب اختلاط دمها بدمه ولحمها بلحمه فإذا استويا في حكمه وقد روى سعيد ثنا هشيم ثنا منصور عن ابن سيرين عن أبي عطية الهمداني عن عمر بن الخطاب قال في أم الولد: إن أسلمت وأحصنت وعفت أعتقت وإن كفرت وفجرت وغدرت رقت وقال هشيم حدثنا يحيى بن آدم عن أم ولد رجل ارتدت عن الإسلام فكتب في ذلك إلى عمر بن عبد العزيز فكتب عمران بيعوها ليسبيها أحد من أهل دينها فعلى هذا الحديث ينبغي أن يختص العتق بالمسلمة العفيفة وترق الكافرة الفاجرة والله أعلم (مسألة) (وإن وضعت جسماً لا تخطيط فيه فعلى روايتين) أما إذا وضعت مضغة لم يظهر فيها شئ من خلق الآدمي فشهد ثقات من القوابل ان فيها صورة خفية تعلقت بها الأحكام لأنهن اطلعن على الصورة التي خفيت على غيرهن وإن لم يشهدن

بذلك لكن علم أنه مبتدأ خلق آدمي بشهادتهن أو غير ذلك ففيه روايتان (إحداهما) لا تصير به الأمة أم ولد ولا تنقضي به عدة الحرة ولا يجب على الضارب المتلف له غرة ولا كفارة وهذا ظاهر كلام الخرقي والشافعي وظاهر ما نقله الأثرم عن أحمد وظاهر قول الحسن والشعبي وسائر من اشترط أن يتبين فيه شئ من خلق الآدمي (والثانية) تتعلق به الأحكام الأربعة لأنه مبتدأ خلق آدمي أشبه إذا تبين وخرج أبو عبد الله ابن حامد رواية ثالثة وهي أن الأمة تصير أم ولد ولا تنقضي به عدة الحرة لأنه روي عن أحمد إذا وضعت شيئاً فمسته القوابل فعلمن أنه لحم ولم يتبين لحمه فيحتاط في العدة بأخرى ويحتاط بعتق الأمة فظاهر هذا أنه حكم بعتق الأمة ولم يحكم بانقضاء العدة لأن عتق الأمة تحصيل للحرية فاحتيط بتحصيلها والعدة يتعلق بها تحريم التزويج وحرمة الفرج فاحتيط بابقائها وقال بعض الشافعيا بالعكس لا تجب العدة ولا تصير الأمة أم ولد لأن الأصل عدم كل واحد منهما فيبقى على أصله ولا يصح لأن العدة كانت ثابتة والأصل بقاؤها على ما كانت عليه والأصل في الآدمي الحرية فتغلب على ما يفضي إليها (مسألة) (وإن أصابها في ملك غيره بنكاح أو غيره ثم ملكها حاملاً عتق الجنين ولم تصر أم ولد له وعنه تصير)

مسألة: وإن أصابها في ملك غيره بنكاح أو غيره ثم ملكها حاملا، عتق الجنين ولم تصر أم ولد له وعنه تصير

وسواء ملكها حاملاً فولدت في ملكه أو ملكها بعد ولادتها وبه قال الشافعي لأنها علقت منه بمملوك فلم يثبت لها حكم الاستيلاد كما لو زنى بها ثم اشتراها لأن الأصل بقاء الرق وإنما خولف هذا الأصل فيما إذا حملت منه في ملكه بقول الصحابة رضي الله عنهم ففيما عداه يبقى على الأصل ونقل ابن أبي موسى عن أحمد أنها تصير أم ولد في الحالين وهو قول الحسن وأبي حنيفة لأنها أم ولده وهو مالك لها فيثبت لها حكم الاستيلاد كما لو حملت في ملكه قال شيخنا ولم أجد هذه الرواية عن أحمد فيما إذا ملكها بعد ولادتها إنما نقل عنه التوقف عنها في رواية مهنا فقال لا أقول فيها شيئاً وصرح في رواية سواه بجواز بيعها فقال لا أرى بأساً أن يبيعها إنما الحسن وحده قال إنها أم ولد وقال أكثر ما سمعنا فيه من التابعين يقولون إنها لا تصير أم ولد حتى تلد عنده وهو يملكها، كان عبيدة السلماني يقول ببيعها وشريح وإبراهيم والشعبي اما إذا ملكها حاملاً فظاهر كلام أحمد أنها تصير أم ولد وهو مذهب مالك لأنها ولدت منه في ملكه فأشبه ما لو أحبلها في ملكه وقد صرح أحمد في رواية إسحاق بن منصور أنها لا تكون أم ولد حتى تحدث عنده حملاً وروى عنه ابنه صالح قال سألت أبي عن الرجل ينكح الأمة فتلد منه ثم يبتاعها قال لا تكون أم ولد له قلت فإن اشتراها وهي حامل منه قال إذا كان الوطئ يزيد في الولد وكان يطؤها بعد ما اشتراها وهي حامل كانت أم ولد له قال ابن حامد أن وطئها في ابتداء حملها أو بواسطة صارت له بذلك أم

ولد لأن الماء يزيد في سمع الولد وبصره وقال القاضي إن ملكها حاملاً فلم يطأها حتى وضعت لم تصر أم ولد وإن وطئها حال حملها نظرنا فإن كان بعد أن كمل الولد وصار له خمسة أشهر لم تصر بذلك أم ولد وإن وطئها قبل ذلك صارت له بذلك أم ولد لأن عمر قال أبعد ما اختلطت دماؤكم ودماؤهن ولحومكم ولحومهن بعتموهن؟ فعلل بالمخالطة والمخالطة ههنا حاصلة لأن الماء يزيد في الولد ولأن لحرية البعض أثراً في تحرير الجميع بدليل ما لو أعتق أحد الشريكين نصيبه من العبد وقال أبو الخطاب أن وطئها بعد الشراء فهي أم ولد وكلام الخرقي يقتضي أن لا تكون أم ولد إلا أن تحبل منه في ملكه وهو الذي رواه اسحاق بن منصور عن أحمد وهو ظاهر المذهب لأنها لم تعلق منه بحر فلم يثبت له حكم لاستيلاد كما لو زنى بها ثم اشتراها ولأن حملها منه إذا لم يفد الحرية لولدها فلأن لا يفيدها الحرية أولى ويفارق هذا ما إذا حملت منه في ملكه فإن الولد حر فتحرر بتحريره وما ذكروه من أن الولد يزيد فيه الوطئ غير مستيقن فلا يثبت الحكم بالشك ولو ثبت أنه زاد لم يثبت الحكم بهذه الزيادة بدليل ما لو ملكها وهي حامل منه من زنا أو غيره فوطئها لم تصر أم ولد وإن زاد الولد به ولأن حكم الاستيلاد إنما ثبت بالإجماع

في حق من حملت منه في ملكه وما عداه ليس في معناه وليس فيه نص ولا إجماع فوجب أن لا يثبت هذا الحكم ولأن الأصل الرق فتبقى على ما كانت عليه (فصل) قال أحمد فيمن اشترى جارية حاملاً من غيره فوطئها قبل وضعها فإن الولد لا يلحق بالمشتري ولا يبيعه لكن يعتقه لأنه قد شرك فيه لأن الماء يزيد في الولد، وقد روي عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مر بامرأة مجح على باب فسطاط فقال (لعله يريد أن يلم بها؟) قالوا نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لقد هممت أن ألعنه لعنا يدخل معه قبره كيف يورثه وهو لا يحل له؟ أم كيف يستخدمه وهو لا يحل له؟) رواه أبو داود يعني أنه لو استلحقه وشركه في ميراثه لم يحل له لأنه ليس بولده فإن اتخذه مملوكاً يستخدمه لم يحل له لأنه قد شرك فيه لكون الماء يزيد في الولد. (فصل) إذا وطئ الرجل جارية ولده فإن كان قد تملكها وقبضها ولم يكن الولد وطئها ولا تعلقت بها حاجته فقد ملكها الأب بذلك وصارت جاريته والحكم فيه كما لو اشتراها وإن وطئها قبل تملكها فقد فعل محرما لقول الله تعالى (والذين هو لفروجهم حافظون * إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين * فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون) وهذه ليست زوجته ولا ملك يمينه فإن قيل فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (أنت ومالك لأبيك) فأضاف مال الابن إلى أبيه بلام الملك والاستحقاق فيدل على أنه ملكه قلنا لم يرد النبي صلى الله عليه وسلم حقيقة الملك بدليل أنه أضاف إليه الولد وليس بمملوك وأضاف

إليه ماله في حال إضافته إلى الولد ولا يكون الشئ ملكاً لمالكين حقيقة بدليل أنه يحل له وطئ إمائه والتصرف في ماله وصحة بيعه وهبته وعتقه ولأن الولد لو مات لم يرث أبوه منه إلا ما قدر له ولو كان ماله لاختص به ولو مات الأب لم يرث ورثته مال ابنه ولا يجب على الأب حج ولا زكاة ولا جهاد بيسار ابنه فعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أراد التجوز بتشبيهه بما له في بعض أحكامه. إذا ثبت هذا فإنه لاحد على الأب للشبهة لأنه إذا لم يثبت له حقيقة الملك فلا أقل من أن يكون شبهة تدرأ الحد فإن الحد يدرأ بالشبهات ولكن يعزر لانه وطئ وطئها محرما فأشبه وطئ الجارية المشتركة وفيه وجه آخر أنه لا يعزر لأن مال ولده كماله ولا يصح لأن ماله مباح له غير ملوم عليه بخلاف وطئ الأب فإنه عاد فيه ملوم عليه فإن علقت منه فالولد حر لأنه من وطئ درئ فيه الحد لشبهة الملك فكان حراً كولد الجارية المشتركة ولا يلزمه قيمته لأن الجارية تصير ملكا له بالوطئ فيحصل علوقها بالولد وهي ملكه وتصير أم ولد له تعتق بموته وتنتقل إلى ملكه فيحل له وطؤها بعد ذلك وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي في أحد قوليه وقال في الآخر لا تصير أم ولد له ولا يملكها لأنه استولدها في غير ملكه فأشبه الأجنبي ولأن ثبوت أحكام الاستيلاد إنما كان بالإجماع فيما إذا استولد مملوكته وهذه ليست مملوكته ولا في معنى مملوكته لأنها محرمة عليه فوجب أن لا يثبت لها هذا الحكم لأن

الأصل الرق فتبقى على الأصل ولأن الوطئ المحرم لا ينبغي أن يكون سبباً للملك الذي هو نعمة وكرامة لأنه يفضي إلى تعاطي المحرمات. ولنا أنها علقت منه بحر لأجل الملك فصارت أم ولد له كالجارية المشتركة وبهذا فارق وطأ الأجنبي. إذا ثبت هذا فإنه لا يلزمه مهرها ولا قيمتها، وقال أبو حنيفة لا يلزمه مهرها وتلزمه قيمتها لأنه أخرجها عن ملك سيدها بفعل محرم أشبه ما لو قتلها وإنما لم يلزمه مهرها لأنه إذا ضمنها فقد دخلت قيمة البضع في ضمانها فلم يضمنه ثانياً كما لو قطع يدها فسرى القطع إلى نفسها فإنه يضمن قيمة النفس دون قيمة اليد، وقال الشافعي يلزمه مهرها لأنه وطئ جارية غيره وطئاً محرماً فلزمه مهرها كالأجنبي وتلزمه قيمتها على القول بكونها أم ولد كما يلزم أحد الشريكين نصيب شريكه إذا استولد الجارية المشتركة ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (أنت ومالك لأبيك) ولأنه لا يلزمه قيمة ولدها فلم يلزمه مهرها ولا قيمتها كمملوكته ولانه وطئ صارت به الموطوءة أم ولد لأمر لا يختص ببعضها فأشبه استيلاد مملوكته (فصل) فإن كان الابن قد وطأ جاريته ثم وطئها أبوه فأولدها فقد روي عن أحمد فيمن وقع على جارية ابنه إن كان الأب قابضاً لها ولم يكن الابن وطئها فهي أم ولده فليس للابن فيها شئ قال القاضي: فظاهر هذا أن الابن إن كان قد وطئها لم تصر أم ولد للأب باستيلادها لأنها تحرم عليه تحريماً مؤبداً بوطئ ابنه ولا تحل له بحال فاشبه وطئ الأجنبي فعلى هذا القول لا يملكها

ولا تعتق بموته فأما ولدها فيعتق على أخيه لأنه ذو رحمه كما لو استولد مملوكته التي وطئها ابنه فإنها تصير أم ولد له مع تحريمها عليه على التأبيد فكذلك ههنا لانه وطئ يدرأ فيه الحد لشبهة الملك فصارت به أم ولد كما لو لم يطأها الابن (فصل) فإن وطئ الابن جارية أبيه فهو زان عليه الحد إذا كان عالماً بالتحريم ولا تصير أم ولد له ويلزمه مهرها ويعتق ولده على جده لأنه ابن ابنه إذا قلنا انه ولد الزنا يعتق على أبيه وتحرم الجارية على الأب على التأبيد ولا تجب قيمتها على الابن لأنه لم يخرجها عن ملك أبيه ولم يمنعه بيعها ولا التصرف فيها بغير الاستمتاع فإن استولدها الأب بعد ذلك فقد فعل محرم ولا حد عليه لانه وطئ صادف ملكاً وتصير أم ولد له لأنه استولد مملوكته فأشبه ما لو وطئ أمته المرهونة (فصل) فإن وطئ أمته وهي مزوجة فقد فعل محرما ولا حد عليه لأنها مملوكته ويعزر قال احمه يجلد ولا برجم يعني أنه يعزر بالجلد لأنه لو وجب عليه الحد لوجب الرجم إذا كان محصناً فإن أولدها صارت أم ولد له لأنه استولد مملوكته وتعتق بموته وولده حر وما ولدت بعد ذلك من الزوج فحكمه حكم أمه.

مسألة: وأحكام أم الولد أحكام الأمة في الإجارة والاستخدام والوطء وسائر أمورها إلا فيما ينقل الملك في رقبتها كالبيع والهبة والوقف أو ما يراد له كالرهن وعنه ما يدل على جواز بيعها مع الكراهة ولا عمل عليه

(فصل) ولو ملك رجل أمه من الرضاع أو أخته أو ابنته لم يحل له وطؤها فإن وطئها فلا حد عليه في أصح الروايتين لأنها مملوكته ويعزر وإن ولدت منه فالولد حر ونسبه لاحق به وهي أم ولده ولذلك لو ملك أمة مجوسية أو وثنية فاستولدها أو ملك الكافر أمة مسلمة فاستولدها فلا حد عليه ويعزر ويلحقه نسب ولده وتصير أم ولد تعتق بموته لما ذكرنا وكذلك لو وطئ أمته المرهونة أو وطئ رب المال أمة من مال المضاربة فأولدها صارت له بذلك أم ولد وخرجت من الرهن والمضاربة وإن كان فيها ربح جعل الربح في مال المضاربة وعليه قيمتها للمرتهن تجعل مكانها رهناً أو يوفيه عن دين الرهن والله أعلم (مسألة) وأحكام أم الولد أحكام الأمة في الاجارة والاستخدام والوط وسائر أمورها إلا فيما ينقل الملك في رقبتها كالبيع والهبة والوقف أو ما يراد له كالرهن وعنه ما يدل على جواز بيعها مع الكراهة ولا عمل عليه) وجملة ذلك أن الأمة إذا حملت من سيدها وولدت منه ثبت لها حكم الاستيلاد وحكمها حكم الإماء في حل وطئها لسيدها واستخدامها وملك كسبها وتزويجها وإجارتها وعتقها وتكليفها وحدها

وعورتها، وهذا قول أكثر أهل العلم وحكي عن مالك أنه لا يملك إجارتها وتزويجها لأنه لا يملك بيعها فلا يملك تزويجها وإجارتها كالحرة ولنا أنها مملوكة ينتفع بها فيملك سيدها تزويجها وإجارتها كالحرة وإنما منع بيعها لأنها استحقت أن تعتق بموته وبيعها يمنع ذلك بخلاف التزويج والإجارة ويبطل دليلهم بالموقوفة والمدبرة عند من منع بيعها. إذا ثبت هذا فإنها تخالف الأمة القن في أنها تعتق بموت سيدها من رأس المال ولا يجوز بيعها ولا التصرف فيها بما ينقل الملك من الهبة والوقف ولا ما يراد للبيع وهو الرهن ولا تورث لأنها تعتق بموت سيدها ويزول الملك عنها روي هذا عمر وعثمان وعائشة وعامة الفقهاء وروي عن علي وابن عباس وابن الزبير إباحة بيعهن وإليه ذهب داود قال ثنا سعيد ثنا سفيان عن عمرو عن عطاء عن ابن عباس في أم الولد قال بعها كما تبيع ثيابك أو بعيرك قال وثنا أبو عوانة عن مغيرة عن الشعبي عن عبيدة قال خطب علي الناس فقال شاورني عمر في أمهات الأولاد فرأيت أنا وعمر أن اعتقهن فقضى به عمر حياته وعثمان حياته فلما وليت رأيت أن أرقهن قال عبيدة فرأي عمر وعلي في الجماعة أحب إلينا من رأي على وحده وقد روى صالح بن أحمد قال قلت لأبي إلى أي

شئ تذهب في بيع أمهات الأولاد؟ قال أكرهه وقد باع علي بن أبي طالب وقال في رواية اسحاق ابن منصور لا يعجبني بيعهن، قال أبو الخطاب وظاهر هذا أنه يصح بيعهن مع الكراهة فجعل هذا رواية ثانية عن أحمد قال شيخنا والصحيح أن هذا ليس برواية مخالفة لقوله إنهن لا يبعن لأن السلف رحمة الله عليهم كانوا يطلقون الكراهة على التحريم كثيراً ومتى كان التحريم والمنع مصرحاً به في سائر الروايات عنه وجب حمل هذا اللفظ المحتمل على المصرح به ولا يجعل ذلك اختلافاً وحجة من أجاز بيعهن ما روى جابر قال بعنا أمهات الأولاد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر فلما كان عمر نهانا فانتهينا وما كان جائزاً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر لم يجز نسخه بقول عمر ولا غيره ولأن نسخ الأحكام إنما يجوز في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لأن النص إنما ينسخ بنص، وأما قول الصحابي فلا ينسخ ولا ينسخ به وان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يتركون أقوالهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يتركونه بأقوالهم وإنما تحمل مخالفة عمر لهذا النص على أنه لم يبلغه ولو بلغه لم يعده إلى غيره ولأنها مملوكة لم يعتقها سيدها ولا شيئاً منها ولا قرابة بينه وبينها فلم تعتق كما لو ولدت منه ابنه في نكاح أو غيره ولأن الأصل الرق ولم يرد بزواله نص ولا إجماع ولا ما في معنى ذلك فوجب البقاء عليه ولأن ولادتها لو كانت موجبة لعتقها لثبت العتق بها حين وجودها كسائر أسبابه

وروي عن ابن عباس رواية أخرى أنها تجعل في سهم ولدها لتعتق عليه قال سعيد ثنا سفيان ثنا الأعمش عن زيد بن وهب قال: مات رجل منا وترك أم ولد فأراد الوليد بن عقبة أن يبيعها في دينه فأتينا عبد الله بن مسعود فذكرنا ذلك له فقال إن كان ولابد فاجعلوها من نصيب أولادها ولنا ما روى عكرمة عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أيما أمة ولدت من سيدها فهي حرة عن دبر منه) وقال ابن عباس ذكرت أم ابراهيم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (أعتقها ولدها) رواهما ابن ماجة، وذكر الشريف أبو جعفر في مسائله عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع أمهات الأولاد ولا يبعن ولا يرهن ولا يرثن يستمتع بها سيدها ما بداله فإن مات فهي حرة قال شيخنا وهذا فيما أظن عن عمر ولا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم ولأنه إجماع الصحابة رضي الله عنهم بدليل قول علي كان رأيي ورأي عمر أن لا تباع أمهات الأولاد وقوله فقضى به عمر حياته وعثمان حياته وقول عبيدة رأي علي في الجماعة أحب إلينا من رأيه حده وروى عكرمة عن ابن عباس قال قال عمر ما من رجل يقر بأنه يطأ جارية ثم يموت إلا أعتقها إذا ولدت وإن كان سقطا فإن قيل فكيف تصح دعوى الإجماع مع مخالفة على وابن عباس وابن الزبير قلنا قد روي عنهم الرجوع عن المخالفة فروى عبيدة قال بعث إلي علي وإلى شريح فقال لي اقضوا كما كنتم تقضون فإني أبغض الاختلاف

مسألة: وإن ولدت من غير سيدها فلولدها حكمها في العتق بموت سيدها سواء عتقت أو ماتت

وابن عباس قال: ولد أم الولد بمنزلتها وهو الراوي لحديث عتقهن عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن عمر فيدل على موافقته لهم ثم قد ثبت الإجماع باتفاقهم قبل المخالفة واتفاقهم معصوم عن الخطأ فإن الأمة لا تجمع على ضلالة ولا يجوز ان يخلو من زمن عن قائم لله بحجته ولو جاز ذلك في بعض العصر لجاز في جميعه ورأي الموافق في زمن الاتفاق خير من رأيه في الخلاف بعده فيكون الاتفاق حجة على المخالف له منهم كما هو حجة على غيره فإن قيل فلو كان الاتفاق في بعض العصر إجماعاً حرمت مخالفته فكيف خالفه هؤلاء الائمة الذين لا تجوز نسبتهم إلى ارتكاب الحرام قلنا الإجماع ينقسم إلى مقطوع به ومظنون وهذا من المظنون فتمكن المخالفة منهم مع كونه حجة كما وقع منهم مخالفة النصوص الظنية ولم تخرج مخالفتهم عن كونها حجة كذا ههنا فأما قول جابر بعنا أمهات الأولاد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر فليس فيه تصريح بأنه كان بعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا علم أبي بكر فيكون ذلك واقعاً منهم على انفرادهم فلا تكون فيه حجة ويتعين حمل الأمر على هذا لأنه لو كان هذا واقعاً بعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وأقرا عليه لم تجز مخالفته ولم يجمع الصحابة

بعدهما على مخالفتهما ولو فعلوا ذلك لم يخل من منكر عليهم ويقول كيف تخالفون فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعل صاحبيه؟ وكيف تتركون سنتهما وتحرمون ما أحلا ولأنه لو كان ذلك واقعاً بعلمهما لاحتج به علي حين رأى بيعهن واحتج به كل من وافقه على بيعهن ولم يجر شئ من هذا فوجب أن يحمل الأمر على ما حملناه عليه فلا يكون فيه إذاً حجة ويحتمل أنهم باعوا أمهات الأولاد في النكاح لا في الملك (فصل) ومن أجاز بيعهن فعلى قوله إن لم يبعها سيدها حتى مات ولم يكن له وارث إلا ولدها عتقت عليه وإن كان له وارث سوى ولدها حسبت منه نصيبه فعتقت وكان له ما بقي من ميراثه وإن لم يبق شئ فلا شئ له وإن كانت أكثر من نصيبه عتق منها قدر نصيبه وباقيها رقيق لسائر الورثة إلا على قول من قال إنه إذا ورث سهماً ممن يعتق عليه سرى العتق إلى باقيه فإنه يعتق إن كان موسراً وإن لم يكن لها ولد من سيدها ورثها ورثته كسائر رقيقه (مسألة) (وإن ولدت من غير سيدها فلولدها حكمها في العتق بموت سيدها سواء عتقت أو ماتت) إذا ولدت أم الولد بعد ثبوت حكم الاستيلاد لها من غير سيدها من زوج أو غيره فحكمه حكمها في أنه يعتق بموت سيدها ويجوز فيه من التصرفات ما يجوز فيها ويمتنع فيه ما يمتنع فيها قال

مسألة: وإن مات سيدها وهي حامل فهل يستحق النفقة لمدة حملها؟ على روايتين

أحمد قال عمر وبن عباس وغيرهما ولدهما بمنزلتها ولا نعلم في هذا خلافاً بين القائلين بثبوت حكم الاستيلاد إلا أن عمر بن عبد العزيز قال هم عبيد فيحتمل أنه أراد أنهم لا يثبت لهم حكم أمهم لأن الاستيلاد يختص بها فتختص بحكمه كولد من علق عتقها بصفة ويحتمل أنه أراد أنهم عبيد حكمهم حكم أمهم مثل قول الجماعة لأن الولد يتبع أمه في الرق والحرية فيتبعها في سببه إذا كان متأكداً كولد المكاتبة والمدبرة بل ولد أم الولد أولى لأن سبب العتق فيها مستقر لا سبيل إلى إبطاله بحال وإن ماتت أم الولد قبل سيدها لم يبطل حكم الاستيلاد في الولد وتعتق بموت سيدها لأن السبب لم يبطل وإنما لم تثبت الحرية فيها لأنها لم تبق محلاً وكذلك ولد المدبرة لا يبطل الحكم فيه بموت أمه وأما ولد المكاتبة إذا ماتت فإنه يعود رقيقاً بموتها فلم يبق حكمه فيه وفي ذلك اختلاف ذكرناه في بابه فإن أعتق السيد أم الولد أو المدبرة لم يعتق ولدها لأنها عتقت بغير السبب الذي تبعها فيه ويبقى عتقه موقوفاً على موت سيده وكذلك إن أعتق ولدهما لم يعتقا بعتقه وإن أعتق المكاتبة

مسألة: وإذا جنت أم الولد فداها سيدها بقيمتها أو دونها، وعنه يفديه بأرش الجناية كله

فقد قال أحمد وسفيان وإسحاق المكاتبة إذا أدت أو أعتقت عتق ولدها وأم الولد والمدبرة إذا أعتقت لم يعتق ولدها حتى يموت السيد فظاهر هذا أن ولد المكاتبة إذا اعتقها سيدها أنه يتبعها في العتق لأنه في حكم مالها تستحق كسبه فيتبعها في العتق كمالها ولان اعتاقها منع أداءها بسبب من السيد فأشبه ما لو أبرأها من مال الكتابة (فصل) فأما ولد أم الولد قبل استيلادها وولد المدبرة قبل تدبيرها وولد المكاتبة قبل كتابتها فلا يتبعها لوجوده قبل انعقاد السبب فيها وزوال حكم التبعية عنه قبل تحقق السبب في أمه ولهذا لا يتبعها في العتق المنجز ففي السبب أولى وذكر أبو الخطاب في ولد المدبرة قبل التدبير روايتين فيخرج ههنا مثله وهذا بعيد لأن الولد المنفصل لا يتبعها في عتق ولا بيع ولا هبة ولا في شئ من الأحكام سوى الاسلام بشرط كونه صغيرا فيكف يتبع في التدبير؟ ولأنه لا نص فيه ولا قياس يقتضيه فيبقى بحاله (مسألة) (وإن مات سيدها وهي حامل فهل تستحق النفقة لمدة حملها؟ على روايتين) هذا يشبه ما إذا مات عن امرأة حامل هل تستحق النفقة لمدة حملها؟ على روايتين ومبني الخلاف على الخلاف في نفقة الحامل هل هي للحمل أو للحامل؟ فإن قلنا هي للحمل فلا نفقة لها ولا للأمة الحامل لأن الحمل

له نصيب في الميراث فتجب نفقته في نصيبه لا في أنصباء شركائه، وإن قلنا للحامل فالنفقة على الزوج والسيد لأنهما شغلاها بحملها فكان عوض ذلك عليهما كما لو استأجرا داراً كانت أجرتها عليهما (مسألة) (وإذا جنت أم الولد فداها سيدها بقيمتها أو دونها وعنه يفديها بأرش الجناية كله) إذا جنت أم الولد تعلق أرش جنايتها برقبتها وعلى السيد أن يفديها بأقل الأمرين من قيمتها أو دونها وبهذا قال الشافعي وحكى أبو بكر عبد العزيز قولاً آخر أنه يفديها بأرش جنايتها بالغة ما بلغت لأنه لم يسلمها في الجناية فلزمه أرش جنايتها بالغة ما بلغت كالقن وقال أبو ثور وأهل الظاهر ليس عليه فدؤاها وجنايتها في ذمتها تتبع بها إذا عتقت لأنه لا يملك بيعها فلم يكن عليه فداؤها كالحرة ولنا أنها مملوكة له يملك كسبها لم يسلمها فلزمه أرش جنايتها كالقن ولا تلزمه زيادة على قيمتها لأنه لم يمتنع من تسليمها وإنما الشرع منع ذلك لكونها لم تبق محلاً للبيع ولا لنقل الملك فيها وأما القن إذا لم يسلمها فلنا فيه منع وإن سلم فلأن القن أمكن أن يسلمها للبيع فربما زاد فيها راغب أكثر

مسألة: فإن عادت فجنت فداها أيضا، وعنه: يتعلق ذلك بذمتها

من قيمتها فإذا امتنع مالكها من تسليمها أوجبنا عليه الأرش بكماله بخلاف أم الولد فإن ذلك لا يحتمل فيها لأنه لا يجوز بيعها فلم يكن عليه أكثر من قيمتها (فصل) فإن ماتت قبل فدائها فلا شئ على سيدها لأنه لم يتعلق بذمته شئ وإنما تعلق برقبتها فإذا ماتت سقط الحق لتلف متعلقه وإن نقصت قيمتها قبل فدائها وجب فداؤها بقيمتها يوم الفداء لأنها لو تلفت جميعها لسقط الفداء فيجب أن يسقط بعضه بتلف بعضها وإن زادت قيمتها زاد فداؤها لأن متعلق الحق زاد فزاد الفداء بزيادته كالقن وينبغي أن تجب قيمتها معيبة بعيب الاستيلاد لأن ذلك ينقصها فاعتبر كالمرض وغيره من العيوب ولأن الواجب قيمتها في حال فدائها وقيمتها ناقصة عن قيمة أم الولد فيجب ان ينقص فداؤها وأن يكون مقدراً بقيمتهما في حال كونها أم ولد والحكم في المدبرة كالحكم في أم الولد إن قلنا لا يجوز بيعها وإن قلنا يجوز بيعها فيمكن تسليمها للبيع ان اختار كيدها فإن امتنع منه فهل يفديها بقيمتها أو أرش الجناية بالغة ما بلغت يخرج على روايتين (فصل) فإن كسبت بعد جنايتها شيئاً فهو لسيدها لأن الملك ثابت له دون المجني عليه وكذلك ولدها لأنه منفصل عنها فأشبه الكسب ان فداها في حال حملها فعليه قيمتها حاملاً لأن الولد متصل بها أشبه سمنها وإن أتلفها سيدها فعليه قيمتها لأنه أتلف حق غيره أشبه إتلاف الرهن وأن نقصها فعليه نقصها لأنه لما ضمن العين ضمن أجزاءها

(مسألة) (فإن عادت فجنب فداها أيضاً وعنه يتعلق ذلك بذمتها) فأما إن جنت جنايات فإن كانت الجنايات كلها قبل فداء شئ منها تعلق أرش الجميع برقبتها ولم يكن عليه فيها كلها إلا قيمتها أو ارش جميعها وعليه الأقل منهما ويشترك المجني عليهم في الواجب لهم فإن لم يف بها تحاصوا فيها بقدر اروش جناياتهم وإن كانت الجناية الثانية بعد فدائه من الأولى فعليه فداؤها من التي بعدها كالأولى وحكى أبو الخطاب رواية ثانية عن أحمد أنه إذا فداها بقيمتها مرة لم يلزمه فداؤها بعد ذلك لأنها جانية فلم يلزمه أكثر من قيمتها كما لو لم يكن فداها وقال الشافعي في أحد قوليه لا يضمنها ثانياً ويشارك الثاني الأول فيما أخذه كما لو كانت قبل فدائها ولنا أنها أم ولد جانية فلزمه فداؤها كالأولى ولأن ما أخذه الأول عوض جنايته أخذه بحق فلم يجز أن يشاركه غيره فيه كأرش جناية الحر أو الرقيق القن وفارق ما قبل الفداء لأن أرش الجنايات

مسألة: وإن قتلت سيدها عمدا فعليها القصاص وإن عفوا على مال أو كانت الجناية خطأ فعليها قيمة نفسها وتعتق في الموضعين

تعلق برقبتها في وقت واحد فلم يلزم السيد أكثر من قيمة واحدة كما لو كانت الجنايات على واحد (فصل) فإن أبرأ بعضهم من حقه توفر الواجب على الباقين إذا كانت كلها قبل الفداء وإن كانت المعفو عنها بعد فدائه توفر أرشها على سيدها (فصل) وللسيد تزويجها وإن كرهت وبهذا قال أبو حنيفة وهو أحد قولي الشافعي واختيار المزني وقال في القديم ليس له تزويجها إلا برضاها لأنه قد ثبت لها حكم الحرية على وجه لا يملك السيد إبطالها فلم يملك تزويجها بغير رضاها كالمكاتبة وقال في الثالث ليس له تزويجها وإن رضيت لأن ملكه فيها قد ضعف وهي لم تكمل فلم يملك تزويجها كاليتيمة وهل يزوجها الحاكم على هذا القول؟ فيه خلاف وقد روي عن أحمد أنه قيل له إن مالكاً لا يرى تزويجها فقال وما يصنع مالك؟ هذا ابن عمر وابن عباس يقولان إذا ولدت من غيره كان لولدها حكمها ولنا أنها أمة يملك الاستمتاع منها واستخدامها فملك تزويجها كالقن وفارق المكاتبة فإنه لا يملك ذلك منها والقول الثالث فاسد لذلك ولأنه يفضي إلى منع النكاح لامرأة بالغة محتاجة إليه وقولهم يزوجها الحاكم لا يصح فإن الحاكم لا يزوج إلا عند عدم الولي أو غيبته أو عضله ولم يوجد واحد منهما. إذا ثبت هذا فإنه إذا زوجها فالمهر له لأنه بمنزلة كسبها وكسبها له

مسألة: ولا حد على قاذفها، وعنه: عليه الحد

(مسألة) (وإن قتلت سيدها عمداً فعليها القصاص وإن عفوا على مال أو كانت الجناية خطأ فعليها قيمة نفسها وتعتق في الموضعين) إذا قتلت أم الولد سيدها عمداً فعليها القصاص لورثة سيدها إن لم يكن له منها ولد كما لو لم تكن أم ولد وإن كان له منها ولد وهو الوارث وحده لم يجب عليها القصاص لأنه لو وجب لوجب لولدها ولا يجب للولد على أمه قصاص وقد توقف أحمد عن هذه المسألة في رواية مهنا وقال دعنا من هذه المسائل وقياس مذهبه ما ذكرناه وإن كان مع ولده منها أولاد له من غيرها لم يجب القصاص أيضاً لأن حق ولدها من القصاص يسقط فيسقط كله ونقل مهنا عن أحمد أنه يقتلها أولاده من غيرها وهذه الرواية تخالف أصول مذهبه والصحيح أنه لا قصاص عليها وإذا لم يجب القصاص فعليها قيمة نفسها وهذا قول أبي يوسف وقال الشافعي عليها الدية لأنها تصير حرة ولذلك لزمها موجب جنايتها والواجب على الحر بقتل الحر ديته. ولنا أنها جناية من أم ولد فلم يجب بها أكثر من قيمتها كما لو وجب على أجنبي ولأن اعتبار

الجناية في حق الجاني بحال الجناية بدليل ما لو جنى عبد فأعتقه سيده وهي في حال الجناية أمة فإنها إنما عتقت بالموت الحاصل بالجناية فيكون عليها فداء نفسها بقيمتها كما يفديها سيدها إذا قتلت غيرها ولأنها ناقصة بالرق أشبهت القن وتفارق الحر فإنه جنى وهو كامل وإنما تعلق موجب الجناية بها لأنها فوتت رقها بقتلها سيدها فأشبه ما لو فوت المكاتب الجاني رقه بأدائه (مسألة) (ولا حد على قاذفها وعنه عليه الحد) والأول قول أكثر أهل العلم وروى عن أحمد أن عليه الحد لأن ذلك يروي عن ابن عمر ولان قذفها قذف لولدها الحر وفيها معنى منع بيعها أشبهت الحرة والأول أصح لأنها أمة حكمها حكم الإماء في أكثر أحكامها ففي الحد أولى لأن الحدود تدرأ بالشبهات ويحتاط لاسقاطها ولانها أمة تعتق بالموت أشبهت المدبرة وتفارق والحرة فإنها كاملة (فصل) ولا يجب القصاص على الحرة بقتلها لعدم المكافأة فإن كان القاتل رقيقاً وجب القصاص عليه لأنها أكمل منه وإن جنت على عبد أو أمة جناية فيها القصاص لزمها القصاص لأنها أمة أحكامها أحكام الإماء واستحقاقها العتق لا يمنع القصاص كالمدبرة

مسألة: وإذا وطيء أحد الشريكين الجارية وأولدها صارت أم ولد له وولده حر وعليه قيمة نصيب شريكه فإن كان معسرا كان في ذمته

(فصل) قال الشيخ رضي الله عنه (وإذا أسلمت أم ولد الكافر منع من غشيانها وحيل بينه وبينها وأجبر على نفقتها إن لم يكن لها كسب فإن مات قبل ذلك عتقت وعنه أنها تستسعى في حياته وتعتق يصح استيلاد الكافر لأمته كما يصح منه عتقها وإذا استولد أمته ثم أسلمت لم تعتق في الحال، وبه قال الشافعي وقال مالك تعتق إذ لا سبيل إلى بيعها ولا إلى إقرار ملكه عليها لما فيه من إثبات ملك كافر على مسلمة فلم يجز كالأمة القن ونقل مهنا عن أحمد مثل ذلك، وعن أحمد رواية أخرى أنها تستسعى فإن أدت عتقت، وهو قول أبي حنيفة لأن فيه جمعاً بين الحقين حقها في أن لا يبقى ملك الكافر عليه وحقه في حصول عوض ملكه فأشبه بيعها إذا لم تكن أم ولد. ولنا أنه إسلام طرأ على ملك فلم يوجب عتقاً ولا سعاية كالعبد القن وما ذكروه حكمة لم يعرف من الشارع اعتبارها ويقابلها ضرر فإن في اعتاقها مجاناً إضراراً بالمالك بإزالة ملكه بغير عوض وفي الاستسعاء إلزامها الكسب بغير رضاها وتضييع لحق سيدها لأن فيه إحالة على سعاية لا يدري هل يحصل منها شئ أولا؟ وإن حصل فالظاهر أنه يكون يسيراً في أوقات متفرقة وجوده قريب من عدمه والأولى أن يبقى الملك على ما كان عليه ويمنع من وطئها والتلذذ بها كيلا يفعل ذلك وهو مشرك ويحال بينه وبينها ويمنع الخلوة بها لئلا يفضي الى الوطئ المحرم ويجبر على نفقتها على التمام لأنها مملوكته ومنعه من وطئها بغير معصية منها فأشبهت الحائض والمريضة وتسلم إلى امرأة ثقة تكون عندها لتحفظها وتقوم بأمرها، وإن احتاجت إلى آجر أو أجر مسكن فعلى سيدها وذكر

القاضي أن نفقتها في كسبها والفاضل منه لسيدها فإن عجز كسبها عن نفقتها فهل يلزم سيدها تمام نفقتها؟ على روايتين، ونحو هذا مذهب الشافعي قال شيخنا والصحيح إن نفقتها عل سيدها وكسبها له يصنع به ما شاء وعليه نفقتها على التمام سواء كان لها كسب أو لم يكن لأنها مملوكته ولم يجر بينهما عقد يسقط نفقتها ولا تملك به كسبها فهي كأمته القن أو ما قبل إسلامها ولأن الملك سبب لهذين الحكمين والحادث منهما لا يصلح مانعاً لأن الاستيلاد لا يمنع منها بدليل ما قبل إسلامها والإسلام لا يمنع بدليل ما لو وجد قبل ولادتها واجتماعهما لا يمنع لأنه لا نص فيه ولا هو في معنى المنصوص عليه لأنه إذا لم تلزمه نفقتهه ولم يكن لها كسب أفضى إلى هلاكها وضياعها ولأنه يملك فاضل كسبها فلزمه فضل نفقتها كسائر مماليكا (مسألة) (وإذا وطئ أحد الشريكين الجارية وأولدها صارت أم ولد له وولده حر وعليه قيمة نصيب شريكه فإن كان معسراً كان في ذمته) وطئ الجارية المشتركة محرم بغير خلاف علمناه بين أهل العلم ولا حد فيه في قول أكثر أهل العلم، وقال أبو ثور يجب عليه الحد لأنه وطئ محرم فاشبه وطئ الأمة الأجنبية. ولنا انه وطئ صادف ملكه فلم يجب الحد كوطئ زوجته الحائض ويفارق مالا ملك له فيه فإنه لا شبهة له فيها ولهذا لو سرق عيناً له فيها شرك لم يقطع ولو لم يكن له فيها ملك قطع ويجب عليه التعزير بغير خلاف نعلمه لما ذكرنا في حجة أبي ثور فإن وطئها ولم تحمل منه فهي باقية على ملكهما وعليه نصف مهر مثلها لانه وطئ سقط فيه الحد للشبهة فأوجب مهر المثل كما لو وطئها يظنها امرأته وسواء طاوعته أو اكرهها لان وطئ جارية الغير يوجب المهر وإن طاوعت لأن المهر لسيدها لا يسقط

مسألة: وعند القاضي وأبي الخطاب إن كان الأول معسرا لم يسر

بمطاوعتها كما لو أذنت في قطع بعض أعضائها والواجب عليه من المهر بقدر ملك الشريك فيها، فأما إن أحبلها ووضعت ما يتبين فيه بعض خلق الإنسان فإنها تصير بذلك أم ولد للواطئ كما لو كانت خالصة له وتخرج بذلك عن ملك الشريك كما تخرج بالإعتاق موسراً كان الواطئ أو معسراً لأن الإيلاد أقوى من الإعتاق. وهذا قول الخرقي ويلزمه نصف قيمتها لأنه أخرج نصفها من ملك الشريك فلزمته قيمته كما لو أخرجه بالإعتاق أو الإتلاف فإن كان موسراً أداه وإن كان معسراً فهو في ذمته كما لو أتلفها والولد حر يلحق نسبه بوالده لأنه من وطئ في محل له فيه ملك فأشبه ما لو وطئ زوجته فعلى هذا القول إن وطئها الثاني بعد ذلك فأولدها فعليه مهرها لانه وطئ صادف ملك الغير فاشبه وطئ الأمة الأجنبية فإن كان عالماً فولده رقيق لأنه وطئ في غير ملك ولا شبهة ملك فهو كوطئ مملوكة غيره وإن جهل إيلاد شريكه وإنها صارت أم ولد له فولده حر لأنه من وطئ شبهة وعليه فداؤه بقيمته يوم الولادة لأنه الوقت الذي يمكن التقويم فيه ذكره الخرقي. وقال القاضي الصحيح عندي أن الأول لا يسري استيلاده إذا كان معسراً ولا يقوم عليه نصيب شريكه بل يصير نصفها أم ولد ونصفها قن باق على ملك الشريك لأن الإحبال كالعتق ويجري مجراه في التقويم والسراية واعتبر في سرايته اليسار كالعتق وهو قول أبي الخطاب ومذهب الشافعي فعلى هذا إذا ولدت يحتمل أن يكون الولد كله حراً، واحتمل أن يكون نصفه حراً ونصفه رقيقاً كأمه وكولد المعتق بعضها وبهذا يتبين أنه لم يستحل انعقاد الأول من حر وقن، ووجه القول الأول أن الاستيلاد أقوى من العتق ولهذا ينفذ من رأس المال من المريض ومن المجنون بخلاف الإعتاق

(فصل) وهل يلزمه نصف قيمة الولد؟ على وجهين ذكرهما أبو الخطاب (أحدهما) لا يلزمه وهو ظاهر كلام الخرقي لأن الولد خلق حراً فلم يلزمه قيمة ولده الحر (والثاني) يلزمه نصف قيمته لشريكه لأن الوطئ صادف ملك غيره وانما انتقلت بالوطئ الموجب للمهر فيكون الوطئ سبب الملك ولا يثبت الحكم إلا بعد تمام سببه فيلزم حينئذ تقدم الوطئ على ملكه فيكون في ملك غيره وفعله ذلك مع انخلاق الولد على ملك الشريك فيجب عليه نصف قيمته كولد المغرور، وقال القاضي إن وضعت الولد بعد التقويم فلا شئ على الواطئ لأنها وضعته في ملكه ووقت الوجوب حالة الوضع ولا حق للشريك فيها ولا في ولدها، وإن وضعته قبل التقويم فهل تلزمه قيمة نصفه؟ على روايتين ذكرهما أبو بكر واختار أنه لا يلزمه (مسألة) وعند القاضي وابي الخطاب إن كان الأول معسراً لم يسر استيلاده وتصير أم ولد لهما يعتق نصفها بموت أحدهما) لأنها أم ولد له وقد ذكرنا ذلك وإن أعتق أحدهما نصيبه بعد ذلك وهو موسر فهل يقوم عليه نصيب شريكه؟ على وجهين (أحدهما) لا يسري عتقه لانه يبطل حقه صاحبه من الولاء الذي قد انعقد سببه بالاستيلاد (والثاني) يقوم عليه لحديث ابن عمر وهو أولى وأصح إن شاء الله تعالى. (فصل) ولا فرق بين أن يكون في الأمة ملك قليل أو كثير فالحكم في ذلك واحد لأن مالك اليسير يملك بعضها أشبه الكثير والله سبحانه وتعالى اعلم * (تم الجزء الثاني عشر من كتابي..والشرح الكبير وبه تم الكتاب) *

خاتمة الطبع الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على المصلح الاعظم بالآيات البينات، والعلم النافع والحكم الباهرات، محمد رسول الله وخاتم النبيين، وآله الطاهرين، وأصحابه الهداة المهديين، ومن تبعهم إلى يوم الدين أما بعد فانه قد تم طبع كتاب (المغني) في فقه الاسلام، ومدارك المجتهدين من أئمته الاعلام، مع كتاب الشرح الكبير المقتبس منه مع زيادة بعض الفوائد والاستدراكات، وقد بينا مزايا الكتابين ووجوه الحاجة اليهما وترجمة مؤلفيهما في المقدمة التي نشرناها في الجزء الاول، وقد بلغت أجزاؤهما 12 مجلدا كبيرا ولا يسعنا الا أن نعود في هذه الخاتمة إلى الثناء على مسدي هذا الخير العظيم إلى الامة الاسلامية بالامر بطبعه والإنفاق عليه من ماله الخاص به، امام السنة، ومحيي عدل الخلفاء وعلوم الائمة، مؤسس المملكتين، وخادم الحرمين الشريفين، عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود ملك الحجاز ونجد، وعاهل العرب في كل غور ونجد، أعزه الله تعالى وأعز به العرب والاسلام، ونفع به الانام، وقد كان أمرنا أولا بطبع خمسمائة نسخة منه فقط ليوزعها على علماء نجد، وأذن لنا أن نطبع منه ما شئنا على حسابنا لاجل نشره في سائر الامصار، وبعد صدور عدة أجزاء منه وكان قد استولى على الحجاز، واتسع الباب لنشر مطبوعاته فيه وفي غيره من الاقطار، فاشترى منا أكثر النسخ التي طبعناها لاجل البيع، وكان قد اشتهر الكتاب في مصر وغيرها، وصار يزيد عدد طالبيه فاضطررنا إلى زيادة ما كنا نطبعه لمكتبتنا عما تحتاج إليه لتكملة نسخ الذين اشتروا الاجزاء الاولى وما زالوا يكثرون حتى اضطررنا إلى إعادة طبع الاجزاء الاولى، ولا شك أن لهذا الامام والملم الهمام ثواب الالوف من النسخ التي يوزعها على العلماء مجانا وثواب سائر النسخ التي يشتريها منا المنتفعون بهذا الكتاب الجليل لانه هو السبب في وجوده، ولولاه لما أقدمنا ولا أقدم غيرنا على الاعلام، مع كتاب الشرح الكبير المقتبس منه مع زيادة بعض الفوائد والاستدراكات، وقد بينا مزايا الكتابين ووجوه الحاجة اليهما وترجمة مؤلفيهما في المقدمة التي نشرناها في الجزء الاول، وقد بلغت أجزاؤهما 12 مجلدا كبيرا ولا يسعنا الا أن نعود في هذه الخاتمة إلى الثناء على مسدي هذا الخير العظيم إلى الامة الاسلامية بالامر بطبعه والإنفاق عليه من ماله الخاص به، امام السنة، ومحيي عدل الخلفاء وعلوم الائمة، مؤسس المملكتين، وخادم الحرمين الشريفين، عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود ملك الحجاز ونجد، وعاهل العرب في كل غور ونجد، أعزه الله تعالى وأعز به العرب والاسلام، ونفع به الانام، وقد كان أمرنا أولا بطبع خمسمائة نسخة منه فقط ليوزعها على علماء نجد، وأذن لنا أن نطبع منه ما شئنا على حسابنا لاجل نشره في سائر الامصار، وبعد صدور عدة أجزاء منه وكان قد استولى على الحجاز، واتسع الباب لنشر مطبوعاته فيه وفي غيره من الاقطار، فاشترى منا أكثر النسخ التي طبعناها لاجل البيع، وكان قد اشتهر الكتاب في مصر وغيرها، وصار يزيد عدد طالبيه فاضطررنا إلى زيادة ما كنا نطبعه لمكتبتنا عما تحتاج إليه لتكملة نسخ الذين اشتروا الاجزاء الاولى وما زالوا يكثرون حتى اضطررنا إلى إعادة طبع الاجزاء الاولى، ولا شك أن لهذا الامام والملم الهمام ثواب الالوف من النسخ التي يوزعها على العلماء مجانا وثواب سائر النسخ التي يشتريها منا المنتفعون بهذا الكتاب الجليل لانه هو السبب في وجوده، ولولاه لما أقدمنا ولا أقدم غيرنا على طبعه، لان التجار لا يقدمون على طبع اثني عشر مجلدا في الفقه لاحد فقهاء مذهب الامام أحمد بن حنبل مع قلة الحنابلة في الامصار وفقرهم، وقلة من يعلم أن هذا الكتاب هو في فقه الاسلام في جملته لا فقه الحنابلة وحدهم وقد بذلت مطبعتنا الجهد في تصحيح الكتاب بالمقابلة على أحسن النسخ الخطية المحفوظة في خزائن المكتبة المصرية الكبرى العامة وهذه النسخ من وقف الملك المؤيد رحمه الله تعالى ونسأل الله تعالى ان يثيبنا على ذلك وينفعنا نحن وسائر علماء المسلمين بهذا الكتاب النفيس. ولله الحمد أولا وآخرا. *. صاحب مطبعة المنار ومكتبتها بمصر محمد رشيد رضا

§1/1