الشاذ والمنكر وزيادة الثقة - موازنة بين المتقدمين والمتأخرين

عبد القادر المحمدي

المقدمة

المقدمة الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين، وصحابته الغر الميامين، وبعد: فإنّ الجهد العظيم الذي بذله الأئمة المتقدمون من علماء الحديث النبوي الشريف في غربلة المرويات، وتفتيش الأسانيد، وبيان أحوال الرواة في مصنفاتهم ومسانيدهم، وفي كتب العلل والتواريخ وما خلفوه لنا من تراث ضخم، يعد مفخرة لهذه الأمة المحمدية، وتتجلى العناية الربانية لها في تهيئة رجال حُفِظَت بهم السنة النبوية كالإمام مالك، وأحمد، والشافعي، والبخاري، ومسلم، وأبي حاتم، وغيرهم رحمهم الله أجمعين. ولما كان في الأغلب من صنيعهم عدم التصريح بالأسباب التي ارتأوا من خلال ترجيح رواية راوٍ على آخر أو تضعيف حديث فلان في مكان، وتصحيحه في مكان أخر، إذ لم يبينوا لنا أسباب ذلك إلا في بعض الأحاديث التي تعد قليلة الى جنب ما سكتوا عنه، وإنما كانت تلك القرائن والأسباب قد وقرت في نفس الناقد حسب. ولما انقضى عهد الأئمة الجهابذة المتقدمين نحو نهاية المائة الثالثة جاء المتأخرون فحاولوا استقراء صنيع الأئمة المتقدمين من خلال مصنفاتهم، وحاولوا وضع قواعد في علم مصطلح الحديث يسيرون عليها، فظهر أول كتاب في مصطلح الحديث هو كتاب: "المحدث الفاصل" للرامهرمزي (ت360هـ)، ثم كتاب "معرفة علوم الحديث " لأبي عبد الله الحاكم النيسابوري (ت405هـ)،ثم تلاه كتاب "الكفاية في علم الرواية "للخطيب البغدادي (ت 463هـ)، وهلمّ جراً. ولما كان منهج الأئمة المتقدمين منهج عملياً تطبيقياً، إذ لم يصرحوا دائماً بمنهجهم في اختيار الأحاديث أو في انتقاء الأسانيد، ولم يبينوا لنا الأسس التي بموجبها اختاروا أحاديث مصنفاتهم كان استقراء الأئمة المتأخرين ظنياً اجتهادياً في الأعم الأغلب؛ ودلالة ذلك هو اختلافهم في كثير من أبواب المصطلح وتعريفاته، كاختلافهم في تعريف

الحديث الحسن حتى قال ابن الصلاح معقباً على أقوال أهل العلم: " كل هذه مُستبهم لا يشفي الغليل، وليس فيما ذكره الترمذي والخطابي ما يفصل الحسن عن الصحيح " (¬1). وكاختلافهم في تعريف المنكر والشاذ، فبعضهم سوى بينهما، وبعضهم غَفّلَ من سوى بينهما. وكاختلافهم في قبول زيادة الثقة، أو ردها، فبعضهم قبلها مطلقاً، وبعضهم ردها مطلقاً، وبعضهم فصل في ذلك، وهلمّ جرا. وهذا الاختلاف يدلل على كون الاستقراء لم يكن تاماً، وأنه كان اجتهادياً تختلف فيه مناظير العلماء وآراؤهم، ولو كان تاماً ثابتاً قائماً على أسسٍ بينةٍ واضحةٍ لا تقبل الشك والجدل لما اختلفت الأقوال إلى هذا الحد فنرى واحداً يثبت والأخر ينفي، من نحو تعارض الوصل والإرسال مثلاً، فبعضهم قدم الوصل مطلقاً والآخر قدم الإرسال مطلقاً فأيهما هو صنيع الأئمة المتقدمين؟! إذن: "القواعد المقررة في مصطلح الحديث منها ما يذكر فيه خلاف، ولا يحقق الحق فيه تحقيقاً واضحاً، وكثيراً ما يختلف الترجيح باختلاف العوارض التي تختلف في الجزئيات كثيراً، وإدراك الحق في ذلك يحتاج إلى ممارسة طويلة لكتب الحديث والرجال والعلل مع حسن الفهم وصلاح النية " (¬2). ولما كانت الحقيقة واحدة لا تتجزأ، ثم تختلف فيها الآراء فهذا يعني أن يكون أحد هذه الآراء صواباً، أو تكون كلها خطأً لان الحقيقة لا تكون اثنين!! فإذا كانت كتب المصطلح قد كُتبت على وفق استقراء ظني اجتهادي ثم ما برحت أن تحولت تلك الآراء الظنية إلى قواعد يُحاكم عليها الأئمة المتقدمون، فنجد حينئذٍ من يقول: إن الإمام أحمد يُسوّي بين الفرد المطلق والمنكر؟! وكذا الحافظ أبي بكر البرديجي؟! وهو - عندهم - يناقض صنيع الأئمة الآخرين من أقرانه كالإمام البخاري وأبي حاتم، وغيرهما الذين يفرقون بينهم!! ثم أسهبوا في هذا الأمر وطولوا. ¬

(¬1) مقدمة ابن صلاح ص29، وللمزيد: انظر شرح علل الترمذي، ابن رجب 2/ 574، والنكت على ابن الصلاح، ابن حجر 1/ 424 - 429. (¬2) المعلمي اليماني، مقدمة تحقيق الفوائد المجموعة للإمام الشوكاني ص9.

ولما كان هذا المنهج استقرائياً ظنياً اجتهادياً تجد - مثلاً- في الكتاب المتأخر من كتب المصطلح زيادة أبواب أو مصطلحات على ما تقدمه، من ذلك مثلاً: مصطلح "منكر": فالحاكم لم يبوبه في كتاب "معرفة علوم الحديث"؟ أو الخطيب البغدادي وإنما أول من عده نوعاً مستقلاً هو "ابن الصلاح". ومصطلح "شاذ" تجد أن أبا عبد الله الحاكم قد بوب له باباً، وعده نوعاً من أنواع علوم الحديث، وعرّفه، في حين لا تجد ذلك عند من سبقه كالحافظ الرامهرمزي. ثم من يتأمل في تعريفه يجده يختلف تماماً عن تعريفه عند علماء المصطلح من بعده. ولا أريد أن ألج في تفصيلات هذه المسائل، وإنما قصدي: أنّ كتب مصطلح الحديث ُبنيت على الاستقراء الظني الاجتهادي، وليست هي قواعد متفق عليها يعد مخالفها شاذاً مخالفاً، إذ الاختلاف بين علماء المصطلح يدلل على ذلك. يقول الشيخان الفاضلان الدكتور بشار عواد وشعيب الأرنؤوط: " إن القواعد التي وضعها مؤلفو كتب المصطلح اجتهادية، منها ما هو مبني على استقراء تام، ومنها - وهو في أغلبها - ما هو مبني على استقراء غير تام. وكذلك الحكم على الرواة في الغالب، لم يبن على الاستقراء التام، فالأحكام الصادرة عن الأئمة النقاد تختلف باختلاف ثقافاتهم، وقدراتهم العلمية والذهنية، والمؤثرات التي أحاطت بهم، وبحسب ما يتراءى لهم من حال الراوي تبعاً لمعرفتهم بأحاديثه ونقدهم مروياته، وتبيّنهم فيه قوة العدالة أو الضبط أو الضعف فيهما، وقد رأينا منهم من ضعف محدثاً بسب غلط يسير وقع فيه لا وزن له بجانب العدد الكثير من الأحاديث الصحيحة التي رواها، ووجدنا منهم من يوثق محدثاً مع كثرة أوهامه وأخطائه، قال العلامة محمد بن إسماعيل الصنعاني صاحب " سبل السلام " في رسالته: " إرشاد النقاد إلى تيسير الاجتهاد ": " قد يختلف كلام إمامين من أئمة الحديث في الراوي الواحد، وفي الحديث الواحد، فيضعف هذا حديثاً، وهذا يصححه، ويرمي هذا رجلاً من الرواة بالجرح، وآخر يعدّله، وذلك مما يشعر أن التصحيح ونحوه من مسائل الاجتهاد التي اختلفت فيها الآراء " (¬1). ¬

(¬1) تحرير التقريب 1/ 25.

ومن هنا تأتي أهمية البحوث الحديثة فكل شيء فيه اختلاف ينبغي أن تعاد دراسته بموجب مناهج البحث العلمي الحديثة، التي وفرتها الوسائل الحديثة، والتي لم تكن دائما متوفرة عندهم؛ كالطباعة، والفهارس، ووسائل الاتصال المتطورة، والحاسوب الذي بإمكانه اختصار الزمن على الباحث فهو قد يدلك، او يعينك على الوصول الى طريق يكلفك شهراً دونه! وهذه البحوث التي تقوم على الاستقراء التام لصنيع أئمة النقد لا تعني بداهة إنكار جهود العلماء من المتأخرين، إنما هو استمرار في خدمة هذا العلم الشريف؛ فلو قدر للحافظ ابن حجر العسقلاني أو السخاوي مثلا الحياة في مثل هذه الظروف وأتيحت لهم مثل هذه الوسائل فإنهم بالتأكيد سيتعلمونها ويستخدمونها في خدمة علم الحديث أعظم استعمال، ويخرجون بنتائج عظيمة؛ وإلا فانهم رغم صعوبة الوسائل آنذاك وعسرها كانوا يتناقشون الآراء ويرجحون ما يرونه صواباً على وفق القرائن التي بين أيديهم، ويخالفون سالفيهم. وهذا كله ليس بمقدور أي أحد الخوض فيه ألا من سلك جادة العلم الشرعي، وشمر عن ساعديه، وأفنى عمره في خدمة هذا العلم الشريف ومارسه، وتعرف على طرائق الأئمة المتقدمين وعلى أقوالهم وصنيعهم في كتب الراوية والعلل. ثم ارتأيت بعد استخارة الله تعالى أن اختار أهم هذه الموضوعات في نظري، وهو "الشاذ والمنكر وزيادة الثقة موازنة بين المتقدمين والمتأخرين "، وهو دراسة لتطور مفهوم هذه المصطلحات الثلاثة ثم تغير معانيها عند المتأخرين، موازناً بها مع أقوال الأئمة المتقدمين وتطبيقاتهم في مصنفاتهم. وضم الكتاب بابين وتمهيد لكل باب. جعلت الباب الأول: في مفهوم الحديث الشاذ والمنكر وزيادة الثقة في مصطلح الحديث، وقارنته بصنيع الأئمة المتقدمين وخرجت بنتيجة تلك الموازنة، وتضمن الباب فصولاً ثلاثة: أفردت الفصل الأول منها إلى مفهوم الحديث المنكر، وقسمته إلى مباحث ثلاثة، خصصت المبحث الأول منها لتعريف الحديث المنكر لغةً واصطلاحاً، وجعلت الثاني: لتقسيم آرائهم إلى مفاهيم. أما المبحث الثالث: فقد استعرضت فيه صنيع بعض الأئمة المتقدمين في مفهومهم

للحديث المنكر، ثم خرجنا بنتيجة مفادها: أن المتقدمين لم يطلقوا تلك العبارات إطلاقاً اصطلاحياً وإنما أرادوا بها المعاني اللغوية. وتناولت في الفصل الثاني مفهوم الحديث الشاذ عند علماء المصطلح موازناً مع مفاهيم الأئمة المتقدمين، وجعلته في أربعة مباحث، ففي المبحث الأول عرفنا بالحديث الشاذ لغةً واصطلاحاً، وفي المبحث الثاني استعرضت مفاهيم المتأخرين. أما المبحث الثالث: فقد استعرضنا فيه صنيع بعض الأئمة المتقدمين وخرجنا بنتيجة مهمة، وتحقق عندنا أن المتقدمين استعملوا مصطلح الشاذ استعمالاً لغوياً حسب. وأما المبحث الرابع: فقد خصصناه لعلاقة الشاذ بالمنكر، وهي دراسة قادتنا إلى: أن الحديث الشاذ والمنكر عند الأئمة المتقدمين وجمهور المتأخرين بمعنىً واحد وان الأئمة المتقدمين إنما أطلقوا هذه الألفاظ (شاذ، منكر، غير محفوظ، غير معروف)،وغيرها إطلاقاً لغوياً إذ قصدوا به الحديث الخطأ. ثم أفردت الفصل الثالث إلى الكلام على مفهوم زيادة الثقة عند أهل المصطلح، واقتضت طبيعة الدراسة أن يكون هذا الفصل في خمسة مباحث، حيث عَرّفت في المبحث الأول الزيادة لغةً واصطلاحاً. واستعرضت في المبحث الثاني مفهوم الزيادة عند الأئمة من المتأخرين. وناقشت في المبحث الثالث الأمثلة التي استدل بها أهل المصطلح على قبول الزيادة، وبينّا أنها أمثلة غير دقيقة في الأغلب الأعم، فإن أكثرها من قبيل اختلاف الرواة في الحديث الواحد. وأما المبحث الرابع: فقد استعرضت فيه أقوال الأئمة المتقدمين في مفهوم زيادة الثقة. كما تناولت في المبحث الخامس آراء بعض علماء أصول الفقه في هذه المسألة، لأن كُتّاب المصطلح تطرقوا في مباحثهم إلى أقوال الأصوليين في هذه المسألة. وكانت خلاصة هذا الفصل: أن علماء المصطلح خلطوا بين زيادة الثقة وبين الشاذ والمنكر، وأن زيادة الثقة مقبولة عند أئمة الحديث من المتقدمين ولكن بمفهوم يختلف عما اصطلح عليه كثير من المتأخرين. وأما الباب الثاني: فقد أفردته لمعرفة مذهب الأئمة المتقدمين في قبول الزيادة أو ردها بالرجوع إلى صنيعهم في كتبهم الحديثية أو في كتبهم التي ألفوها لبيان علل الحديث،

فاقتضت الدراسة أن يكون هذا الباب على فصلين. أولهما: استقرأت فيه صنيعهم من كتب الرواية واخترنا أبرز مصنفاتهم: كالموطأ للإمام مالك ابن أنس، وصحيح الإمام البخاري، وصحيح الإمام مسلم، وسنن أبي داود، وجامع الترمذي، وسنن النسائي، وصحيح ابن خزيمة. أما في الفصل الثاني: فقد استقرأت صنيعهم في كتب العلل واخترنا أبرز كتب العلل: ككتاب علل ابن أبي حاتم، وعلل الترمذي، والتمييز للإمام مسلم، واخترنا من كتب المتأخرين أبرز كتاب في العلل وهو كتاب علل الحديث للإمام الدارقطني. ومما يجدر التنبيه عليه أننا أولينا مفهوم زيادة الثقة اهتماماً أكثر من الشاذ والمنكر وذلك لما حصل فيه من الخلط ولما له من صلة وطيدة بينه وبين الشذوذ والنكارة، ولما رأينا من صنيع بعض المعاصرين من تصحيح مئات الأحاديث الشاذة والمنكرة بحجة أنها زيادة ثقة والزيادة من الثقة مقبولة، كما فعل الشيخ ناصر الدين الألباني - رحمه الله - في كتابه " سلسلة الأحاديث الصحيحة " حيث صحح على هذه القاعدة عشرات الأحاديث الضعيفة مما أخطأ فيه الرواة. والحق أنّ أسّ دراستنا هذه تتعلق بهذا الموضوع الخطير، فنحن حينما فصلّنا القول في هذا الباب ليس لكونه مبحثاً أو قضية تتعلق بزيادة الثقة حسب، ولكنه يتصل في حقيقته اتصالاً وثيقاً بالشذوذ والنكارة أيضاً. وأخيراً أقول: من خلال دراستي في هذا الموضوع استفدت فوائد عظيمة، إذ قد اطلعت على كتب ومصنفات شتى، يعلم الله بعَدَدَها وعُدَدِها، وعرفت علماً بعد جهل، أن الأئمة المتقدمين هبة الله لهذه الأمة حفظ بهم الدين؛ قال الخطيب في كفايته:" ولولا عناية أصحاب الحديث بضبط السنن وجمعها واستنباطها من معادنها والنظر في طرقها لبطلت الشريعة وتعطلت أحكامها إذ كانت مستخرجة من الآثار المحفوظة ومستفادة من السنن المنقولة " (¬1)،وتبين لي أن بعض المتأخرين ولا سيما المعاصرين نأوا بعيداً عن منهج الأئمة المتقدمين، وكل التناقضات التي يتهم المغرضون بها الحديث وأهله هو جريرة هذا البعد. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين - صلى الله عليه وسلم -. ¬

(¬1) الكفاية ص 5 - 7.

الباب الأول: مفهوم الحديث المنكر والشاذ وزيادة الثقة

الباب الأول: مفهوم الحديث المنكر والشاذ وزيادة الثقة

تمهيد

تمهيد أولاً: مفهوم مصطلح " المتقدمين " و " المتأخرين ": يُذكر مصطلح: " المتقدمون " في غالبية كتب المصطلح وكتب الحديث عامة، ويختلف فهم المقصود من إطلاقهم هذا، فما المراد من هذا المصطلح؟ ذهب الإمام الذهبي في مقدمة "الميزان " إلى أنّ الحد الفاصل بين المتقدم والمتأخر هو رأس سنة ثلاثمائة (¬1)، وذكر في "التذكرة " أن بداية نقص علوم السنة، وبداية ظهور العلوم العقلية، وتناقص الاجتهاد، وظهور التقليد في آخر الطبقة التاسعة، فقال واصفاً تلك الطبقة:" فان المجلس الواحد في هذا الوقت كان يجتمع فيه أزيد من عشرة آلاف محبرة يكتبون الآثار النبوية ويعتنون بهذا الشأن وبينهم نحو من مئتي إمام قد برزوا وتأهلوا للفتيا، فلقد تفانى أصحاب الحديث وتلاشوا وتبدل الناس بطلبه يهزأ بهم أعداء الحديث والسنة ويسخرون منهم وصار علماء العصر في الغالب عاكفين على التقليد في الفروع من غير تحرير لها، ومكبين على عقليات من حكمة الأوائل وآراء المتكلمين من غير أن يتعقلوا أكثرها، فعم البلاء، واستحكمت الأهواء، ولاحت مبادئ رفع العلم وقبضه من الناس " (¬2). وكذلك فعل أبو عمرو بن المرابط ت (752) هـ في إطلاقه إلى أول القرن الرابع فقال: "قد دونت الأخبار، وما بقي للتجريح فائدة، بل انقطعت من رأس الأربع مئة " (¬3). وأما ما ذهب إليه الدكتور حمزة المليباري إلى أنهم أهل الرواية، وهم أصحاب الفترة الممتدة من عصر الصحابة الكرام، وإلى نهاية القرن الخامس الهجري، وجعل الميزة أنهم يروون المرويات بالأسانيد؟ (¬4)،فهذه الميزة غير منضبطة بضابط مستقيم، فالرواية بالإسناد ممتدة إلى يوم الناس هذا، ثم البون شاسع في المنهجية، والأسلوب بين الإمام البخاري ت (256) وبين أهل القرن الرابع كأبي عبد الله الحاكم ت (405) - مثلا -. والذي أراه أن كلام الإمام الذهبي ومن تابعه أدق بكثير، فلا بد من اعتبار المدة ¬

(¬1) انظر ميزان الاعتدال 1/ 4. (¬2) تذكرة الحفاظ 2/ 529 - 530، وانظر المنهج المقترح، العوني ص 62. (¬3) فتح المغيث، السخاوي 3/ 271،وانظر الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التأريخ، له ص 92 و 106. (¬4) نظرات جديدة في علوم الحديث ص11.

الزمنية التي عاشها الطرفان - المتقدمون والمتأخرون - ففي ذاك الزمان، في القرن الأول والثاني والثالث، استقرت الروايات وغُربلت الأحاديث فتبين صحيحها من سقيمها، ودونت المصنفات وعرفت الطرق والمخارج، وكل من جاء بعدهم فهو عيال عليهم. ومما يدلل على ضعف الرواية بعد القرن الثالث ما قاله عالم جهبذ عاش في تلك الحقبة هو الإمام ابن حبان ت (354) هـ إذ قال في مقدمة كتابه " التقاسيم والأنواع " ما نصه: " وإني لما رأيت الأخبار طرقها كثرت ومعرفة الناس بالصحيح منها قلّت لاشتغالهم بكتبة الموضوعات وحفظ الخطأ والمقلوبات حتى صار الخبر الصحيح مهجوراً لا يكتب والمنكر المقلوب عزيزاً يستغرب وأن من جمع السنن من الأئمة المرضيين وتكلم عليها من أهل الفقه والدين أمعنوا في ذكر الطرق للأخبار وأكثروا من تكرار المعاد للآثار قصداً منهم لتحصيل الألفاظ على من رام حفظها من الحفاظ، فكان ذلك سبب اعتماد المتعلم على ما في الكتاب، وترك المقتبس التحصيل للخطاب ... ." (¬1). وقال أبو عبد الله الحاكم ت (405) هـ:" نبغ في عصرنا هذا جماعة يشترون الكتب فيحدثون بها وجماعة يكتبون سماعاتهم بخطوطهم في كتب عتيقة في الوقت فيحدثون بها فمن يسمع منهم من غير أهل الصنعة فمعذور بجهله فأما أهل الصنعة إذا سمعوا من أمثال هؤلاء بعد الخبرة ففيه جرحهم وإسقاطهم إلى أن تظهر توبتهم، على أن الجاهل بالصنعة لا يعذر فإنه يلزمه السؤال عما لا يعرفه وعلى ذلك كان السلف رضي الله عنهم أجمعين " (¬2). هذا أحد علماء القرن الرابع، هو الحاكم النيسابوري نص على تخفف شروط العدالة والضبط لأهل زمانه، فلم يذكر في الضبط إلا ما يتعلق بضبط الكتاب، وقد أشار الى هذه المسألة قبله الإمام الرامهرمزي، في كتابه المحدث الفاصل (¬3)،وهذا يدلل على الفرق الكبير بين منهج القرن الثالث، ومنهج القرن الرابع. وقد نبّه الحافظ ابن الصلاح على هذه المسألة فقال:" وقد سبق إلى نحو ما ذكرناه ¬

(¬1) الإحسان 1/ 102. (¬2) معرفة علوم الحديث ص 15 - 16. (¬3) انظر المحدث الفاصل 159 - 162، والمنهج المقترح، العوني ص 53.

الحافظ الفقيه أبو بكر البيهقي رحمه الله، فإنه ذكر فيما روينا عنه توسع من توسع في السماع من بعض محدثي زمانه الذين لا يحفظون حديثهم ولا يحسنون قراءته من كتبهم، ولا يعرفون ما يقرأ عليهم بعد أن تكون القراءة عليهم من أصل سماعهم، ووجه ذلك بأن الأحاديث التي قد صحت أو وقفت بين الصحة والسقم قد دونت وكتبت في الجوامع التي جمعها أئمة الحديث ولا يجوز أن يذهب شيء منها على جميعهم، وإن جاز أن يذهب على بعضهم لضمان صاحب الشريعة حفظها، قال - يريد البيهقي -: فمن جاء اليوم بحديث لا يوجد عند جميعهم لم يقبل منه، ومن جاء بحديث معروف عندهم فالذي يرويه لا ينفرد بروايته والحجة قائمة بحديثه برواية غيره والقصد من روايته والسماع منه أن يصير الحديث مسلسلاُ بحدثنا وأخبرنا وتبقى هذه الكرامة التي خصت بها هذه الأمة شرفاً لنبينا المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والله أعلم" (¬1). وقد تكلمنا على هذه المسألة في صفحات من هذا البحث، وبينا الفرق الشاسع بين منهج علماء القرن الثالث وعلماء القرن الرابع من خلال الأمثلة التي سقناها في الفصل التطبيقي (¬2). وعلى كل حال فالذي نقصده بالمتقدمين في هذه الأطروحة هم علماء الحديث في القرون الثلاثة الأولى، أي إلى رأس سنة (300) هجرية، وتشمل علماء الحديث الأئمة الأوائل: كالليث، والأوزاعي، والسفيانين، ومالك، وابن معين، وابن المديني، وأبي حاتم، وأبي زرعة الرازيين، وأحمد، والبخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه، والنسائي وابن خزيمة، وغيرهم. فهؤلاء جميعهم هم من طبقة القرن الثالث وعلمائها. وقد أدخلنا معهم الإمام النسائي وابن خزيمة، وإن كانا قد توفيا مطلع القرن الرابع وذلك لأسباب: 1 - إنهما عاشا حياتهما العلمية في القرن الثالث وإن توفي النسائي سنة 303هـ، وابن خزيمة سنة 311 هـ. 2 - من المرجح الذي يكاد أن يكون مؤكداً أنهما ألفا كتابيهما في أواخر المئة الثالثة. ¬

(¬1) مقدمة ابن الصلاح ص 104. (¬2) انظر مثلاً ص 321و370 من هذا الكتاب.

3 - إنهما شاركا أصحاب الكتب الستة في عدد كبير من شيوخهم، فقد شارك النسائي البخاري ومسلماً في بعض شيوخهما، مثل محمد بن بشار، ومحمد بن المثنى، وقتيبة بن سعيد، وغيرهم (¬1). 4 - تلقي الأمة لكتاب النسائي بالقبول وعده من كتب السنة المعتمدة، فأعطي المرتبة الخامسة بعد جامع الترمذي، وقبل سنن ابن ماجه، الذي توفي قبله سنة (273) هـ (¬2)،وقد بالغ بعض الأئمة في امتداحه حتى أطلقوا عليه اسم الصحيح (¬3)، وهذا من باب المبالغة في المدح والثناء على الكتاب. 5 - أمّا الإمام ابن خزيمة ت (311) هـ فقد شارك الشيخين في بعض شيوخهم، مثل إسحاق ابن راهويه، ومحمود بن غيلان، وأحمد بن منيع، ويونس بن عبد الأعلى، وغيرهم (¬4)، وكان الإمامان البخاري ومسلم يعرفان قدره وعلمه فرويا عنه خارج صحيحهما (¬5)، وهذا من قبيل رواية الأكابر عن الأصاغر. فالإمامان النسائي وابن خزيمة خاتمة ذلك الجيل العظيم جيل الرواية المتقنة، والدراية المحصنة. أمّا ما نعنيه - هنا - بالمتأخرين فهم كل من جاء بعد ابن خزيمة وإلى يومنا هذا من المعاصرين، وهم وإن كانوا يتفاوتون في المنهجية والفهم والضبط؛ إذ مما لا شك فيه أن ابن حبان ت (354) يختلف عن السيوطي ت (911)، ومنهجية الدارقطني ت (385)، والتي هي أقرب إلى منهجية المتقدمين تختلف عن منهجية الحاكم النيسابوري (405) هـ، وقد تجد ابن رجب الحنبلي (795) هـ أقرب لمنهجية المتقدمين من كثير ممن سبقه، إلاّ أنهم يشتركون في كونهم يمثلون مرحلة ما بعد الاستقرار، أعني استقرار الرواية ومعرفة الطرق والمظان (¬6)، فهم يمثلون مرحلة الاستقراء ¬

(¬1) انظر مقدمة عمل اليوم والليلة، فاروق حمادة ص 18. (¬2) انظر الإرشاد، الخليلي 1/ 436. (¬3) انظر الإرشاد 2/ 767 - 768، والتقييد، ابن نقطة 1/ 151، وانظر علل الحديث وتطبيقاتها، محمد محمود سليمان ص44. (¬4) انظر سير أعلام النبلاء، الذهبي 2/ 721. (¬5) مصدر سابق. (¬6) انظر ص 222 من هذا البحث.

ثانيا: منهج النقد الحديثي بين المتقدمين والمتأخرين

بعد الاستقرار، ومرحلة المستدركات بعد الأصول، ومرحلة المستخرجات على الطرق والشيوخ فهم تبع لأولئك الأوائل، ويندر أن يخلص لهم حديث فات الأوائل - المتقدمين -، كما قال الحافظ ابن الصلاح، وسيتضح هذا الأمر طياً في مباحث هذه الرسالة إن شاء الله تعالى. ثانياً: منهج النقد الحديثي بين المتقدمين والمتأخرين: أولاً: عند المتقدمين يقوم منهج النقد عند الأئمة المتقدمين على مرحلتين: المرحلة الأولى: وتقوم على نقد المتون، ومن خلالها يتم الكلام في الرواة جرحاً أو تعديلاً، وتمتد هذه المرحلة من عصر الصحابة حتى نهاية النصف الأول من القرن الثاني الهجري، ويتمثل هذا المنهج برد الصحابة بعضهم على بعض حينما يستمعون إلى متون الأحاديث المروية والأحكام المتصلة بها، تلك المتون التي يرونها تعارض بعض المتون الأخرى، كاعتراضات أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها على بعض الصحابة، أو اعتراضات ابن مسعود، أو ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين. والمرحلة الثانية: وهي تمثل مرحلة التبويب والتنظيم من خلال جمع ودراسة أحاديث كل محدث والحكم عليه من خلال تلك المرويات، ويظهر ذلك في الأحكام التي أصدرها الأئمة على الرواة كعلي ابن المديني، ويحيى بن معين، وأحمد بن حنبل، وأبي زرعة وأبي حاتم الرازيين، والبخاري، ومسلم، وأبي داود، وأضرابهم. ولا يساورنا شك أن بعض العلماء المتقدمين قد تكلموا في الرواة ممن عاصروهم أو لاقوهم جرحاً أو تعديلًا، كالإمام مالك بن أنس، والسفيانيين، وشعبة بن الحجاج، وحماد بن زيد، والأوزاعي، ووكيع بن الجراح، ثم أن العلماء من الطبقة التي تلت هؤلاء قد تكلموا في الرواة الذين أخذوا عنهم واتصلوا بهم. والسؤال الذي يطرح نفسه: هو كيف نفسر كلام كبار علماء النقد ممن عاشوا في المئة الثالثة في رجال لم يلحقوا بهم من التابعين ومن بعدهم، ولم يؤثر للمتقدمين فيهم جرح أو تعديل حتى نقول: إنهم اعتمدوا أقوال من سبقهم فيهم؟ الجواب: إنهم أصدرا أحكامهم عن طريق تفتيش حديثهم المجموع، واستناداً إلى ذلك.

وسأضرب لذلك أمثلة:" قال ابن أبي حاتم في ترجمة أحمد بن إبراهيم الحلبي: " سألت أبي عنه، وعرضت عليه حديثه فقال: لا أعرفه، وأحاديثه باطلة موضوعة كلها ليس لها أصول، يدل حديثه على أنه كذاب" (¬1)، وقال في ترجمة أحمد بن المنذر بن الجارود القزاز: " سألت أبي عنه فقال: لا أعرفه، وعرضت عليه حديثه فقال: حديث صحيح " (¬2). وقال أبو عبيد الآجري في مسلمة بن محمد الثقفي البصري: " سألت أبا داود عنه قلت: قال يحيى (يعني ابن معين): ليس بشيء؟ قال: حدثنا عنه مسدد أحاديث مستقيمة، قلت: حدث عن هشام، عن عروة، عن أبيه، عن عائشة: إياكم والزنج فإنهم خلق مشوّه. فقال: مَنْ حدث بهذا فاتهمه " (¬3). فهذه الأمثلة الثلاثة واضحة الدلالة على أن أبا حاتم الرازي وأبا داود لم يعرفا هؤلاء الرواة إلا عن طريق تفتيش حديثهم المجموع، وأنهما أصدرا أحكامهما استناداً إلى ذلك. وقل مثل ذلك في قول الإمام البخاري (ت 256) في إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة الأشهلي المدني (83 - 165): منكر الحديث، وقول أبي حاتم الرازي (ت 277هـ) فيه: شيخ ليس بقوي، يكتب حديثه ولا يحتج به، منكر الحديث، وقول النسائي (ت 303هـ) فيه: ضعيف. "فهؤلاء العلماء الثلاثة لم يدركوه ولا عرفوه عن قرب ولا نقلوا عن شيوخهم أو آخرين ما يفيد ذلك، فكيف تم لهم الحصول على هذه النتائج والأقوال؟ واضح أنهم جمعوا حديثه ودرسوه، واصدروا أحكامهم اعتماداً على هذه الدراسة " (¬4). ويرى الواقف على أقوال الأئمة المتقدمين، وصنيعهم في المصنفات والجوامع ¬

(¬1) الجرح والتعديل 2/ 40 ترجمة (5). (¬2) الجرح والتعديل 2/ ترجمة (170) قلت: ومن أمثلته أيضا: قال في ترجمة أحمد بن بحر العسكري: " سألت أبي عنه وعرضت عليه حديثه فقال: حديث صحيح. وهو لا يعرفه " الجرح والتعديل 2/ 42 (15). (¬3) تهذيب الكمال 7/ 112 (6554). (¬4) مقدمة تحرير التقريب، د. بشار عواد، والشيخ شعيب الأرنؤوط 1/ 18 - 20، وانظر مقدمة تأريخ الخطيب، د. بشار عواد معروف 1/ 137 - 138.

والسنن ونحوها، وكذا كتب العلل والتواريخ أنهم يتعاملون مع الحديث بشكل شمولي، غير مجزأ ولا مخل، مستعملين أوجز العبارات التي يفهمها أهل الصنعة، كقولهم: (غير محفوظ)، (منكر)، (وهم)، (خطأ).وإنما استعملها النقاد هكذا دون تفصيل - في الأغلب - لأنهم خشوا أن تلتبس الأحاديث على غير المحدثين إذا ما طولوا ببيان علل كل حديث، أو لأنهم اكتفوا بتقديم النتائج من غير بيان الأدلة التي حدت بهم إلى ذلك في الأغلب الأعم دفعاً للتطويل وطلباً للاختصار (¬1)،والتي أصبحت فيما بعد غامضة، خاصة عندما ضعف علم الحديث، وتوسع بعض الفقهاء في قبول الأحاديث الضعيفة، فأصبحت تلك العبارات كأنها طلاسم، يفسرها كل محدث، أو فقيه (من المتأخرين) بنحو فهمه ومذهبه!!. كما أثرت مناهج الفقهاء والأصوليين وحاجتهم المتزايدة إلى قبول الأحاديث من أجل الاستدلال بها في هذا المنحى، فمثلا: قال ابن الصلاح: " الحديث الذي رواه بعض الثقات مرسلا وبعضهم متصلا: اختلف أهل الحديث في أنه ملحق بقبيل الموصول أو بقبيل المرسل؟ مثاله حديث:" لا نكاح إلا بولي "، رواه إسرائيل بن يونس في آخرين عن جده أبي إسحاق السبيعي عن أبي بردة عن أبيه أبي موسى الأشعري عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسندا هكذا متصلا، ورواه سفيان الثوري وشعبة عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلا هكذا، فحكى الخطيب الحافظ أن: " أكثر أصحاب الحديث يرون الحكم في هذا وأشباهه للمرسل "، وعن بعضهم أن الحكم للأكثر وعن بعضهم أن الحكم للأحفظ، فإذا كان من أرسله أحفظ ممن وصله فالحكم لمن أرسله، ثم لا يقدح ذلك في عدالة من وصله وأهليته، ومنهم من قال: من أسند حديثا قد أرسله الحفاظ فإرسالهم له يقدح في مسنده وفي عدالته وأهليته، ومنهم من قال: الحكم لمن أسنده إذا كان عدلا ضابطا فيقبل خبره وإن خالفه غيره سواء كان المخالف له واحدا أو جماعة، قال الخطيب: هذا القول هو الصحيح قلت وما صححه هو الصحيح في الفقه وأصوله" (¬2). قلت: تأمل قوله: "أكثر أصحاب الحديث يرون الحكم في هذا وأشباهه للمرسل، وعن بعضهم أن الحكم للأكثر وعن بعضهم أن الحكم للأحفظ" ثم يرجح ماذا؟: " قال ¬

(¬1) انظر مقدمة جامع الترمذي، د. بشار عواد معروف 1/ 33، ونظرات جديدة، المليباري ص 95. (¬2) مقدمة ابن الصلاح ص 59.

الخطيب: هذا القول هو الصحيح، قلت: وما صححه هو الصحيح في الفقه وأصوله " (¬1). فرجح ابن الصلاح رأي محدث متأخر مثل الخطيب وأتبعه بأن هذا هو مذهب الفقهاء والأصوليين. ثم جاء بعده الإمام النووي، وهو من كبار الفقهاء ليطلق قبول الزيادة إذا كانت من ثقة، وليصبح قاعدة عريضة للمحدثين من بعده؟ ومن ذلك أيضاً تقسيم الحديث إلى متواتر وآحاد وإدخال ذلك في كتب الحديث، رغم أنَّ ذلك هو من صنيع الفقهاء والأصوليين. وهذا وإن كان محموداً بيد أنه غريب عن منهج المحدثين، إذ جلَّ اهتمامهم هو صحة نسبة الحديث إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، سواء أكان آحاداً، أم متواتراً، ويعد الخطيب البغدادي أول من صرح بتقسيم الحديث إلى متواتر وآحاد بالمفهوم الذي استقر عليه علماء المصطلح من بعده، يقول ابن الصلاح: " ومن المشهور المتواتر، الذي يذكره أهل الفقه وأصوله، وأهل الحديث لا يذكرونه باسمه الخاص المشعر بمعناه الخاص وإن كان الخطيب البغدادي قد ذكره، ففي كلامه ما يشعر بأنه اتبع فيه غير أهل الحديث، ولعل ذلك لكونه لا تشمله صناعتهم ولا يكاد يوجد في رواياتهم" (¬2). وقال الفقيه ابن أبي الدم الشافعي ت 642هـ: " اعلم أن الخبر المتواتر: إنما ذكره الأصوليون دون المحدثين خلا الخطيب أبا بكر البغدادي، فإنه ذكره تبعاً للمذكورين، وإنما لم يذكره المحدثون لأنه لا يكاد يوجد في روايتهم، ولا يدخل في صناعتهم " (¬3). ولا أريد أن أخوض في جزيئات الاصطلاح، لأن ذلك يطول ويحتاج إلى تسويد صفحات أمثال هذا الكتاب. والذي يهمنا هنا أن منهج النقد عند المتأخرين نحا منحىً آخر عنه عند المتقدمين، وأصل هذا: أن المتقدمين حين جمعوا الحديث وغربلوه عرفوا صحيحه من سقيمه استنادا إلى قواعد نعرف بعضها، ونجهل الكثير منها، لكن من أبرزها موافقته لما عرفوه من ¬

(¬1) انظر شرح علل الترمذي 2/ 638، والنكت على ابن الصلاح 2/ 607 - 608، والمنهج المقترح، العوني ص217. (¬2) مقدمة ابن الصلاح ص265. (¬3) لقط اللآلئ المتناثرة في الأحاديث المتواترة، الزبيدي ص17، وانظر المنهج المقترح، العوني ص92.

القواعد الكلية للشريعة الإسلامية، في حين اعتمد المتأخرون على كتب المصطلح القائمة أصلا على معرفة الرواة فكان جل حكمهم ينصب على الأسانيد لا على المتون فتكون الأسانيد حاكمة على المتون، وقد مر قول ابن أبي حاتم في ترجمة أحمد بن إبراهيم الحلبي: " سألت أبي عنه، وعرضت عليه حديثه فقال: لا أعرفه، وأحاديثه باطلة موضوعة كلها ليس لها أصول، يدل حديثه على أنه كذاب" (¬1). وقد كان الحديث عند المتقدمين يعتمد على قواعد ثلاث: رواية -أعني من حيث السند أو المتن -، والدراية، والفقه. يقول علي بن المديني:" التفقه في معاني الحديث نصف العلم، ومعرفة الرجال نصف العلم" (¬2). فليس العالم الذي يتعلم نصفاً، ويدع النصف الثاني، فتنزلق قدمه، وقد تُدقُ عنُقهُ! قال عبد الله بن وهب: "لولا الله أنقذني بمالك والليث لضللت. فقيل له: كيف ذلك؟ قال: أكثرت من الحديث فحيّرني، فكنت أعرض ذلك على مالك والليث فيقولان لي: خذ هذا ودع هذا " (¬3). وقال قتادة بن دعامة السدوسي: " من لم يعرف الاختلاف لم يشم أنفه الفقه " (¬4). وقال سفيان الثوري:" لو كان أحدنا قاضياً لضربنا بالجريد فقيهاً لا يتعلم الحديث، ومحدثاً لا يتعلم الفقه " (¬5). وقال أيضاً: " تفسير الحديث خير من الحديث " (¬6)، أي خير من سماعه، وحفظه كما ورد عن أبي أسامة: " تفسير الحديث خير من سماعه " (¬7). وهذا يعني فهم فقه الحديث ومعناه. ¬

(¬1) الجرح والتعديل 2/ 40 ترجمة (5). (¬2) سير أعلام النبلاء، الذهبي 11/ 48. (¬3) ترتيب المدارك، القاضي عياض 2/ 427، وأصل النص عند ابن حبان في المجروحين 1/ 42 بلفظ قريب. (¬4) جامع بيان العلم، ابن عبد البر 2/ 46، وانظر نظرات جديدة في علوم الحديث، المليباري ص55. (¬5) نقله الكتاني في مقدمة نظم المتناثر من الحديث المتواتر ص3. (¬6) أدب الإملاء، السمعاني ص135، وانظر نظرات جديدة، المليباري 56. (¬7) مصدر سابق.

ويقول الإمام أحمد: " إن العالم إذا لم يعرف الصحيح والسقيم والناسخ والمنسوخ من الحديث لا يسمى عالماً " (¬1). وروى الخطيب البغدادي بسنده إلى مغيرة الضبي، قال: " أبطأت على إبراهيم فقال يا مغيرة ما أبطأ بك؟ قال قلت: قدم علينا شيخ فكتبنا عنه أحاديث، فقال إبراهيم: لقد رأيتنا وما نأخذ الأحاديث إلا ممن يعلم حلالها من حرامها وحرامها من حلالها، وإنك لتجد الشيخ يحدث بالحديث فيحرف حلاله عن حرامه وحرامه عن حلاله وهو لا يشعر" (¬2). فالجهابذة من المتقدمين من لم يفصلوا متن الحديث عن سنده، ولا هذين عن فقهه ومعناه، فإذا جاءهم الحديث فأول ما ينظرون إلى معناه هل هو موافق للشرع أم لا؟ ثم هل هو موافق للمحفوظ أم لا؟ فلعل راويه قد أخطأ فيه، أو وهم في متنه، أو لعله خالف ما عند الناس. فالناقد حينما ينظر إلى الحديث لتقييمه يعتبر بالسند والمتن لمعرفة هل حدّث هذا الراوي بهذا الحديث؟ وتتم المعرفة بجمع الطرق وضم بعضها إلى بعض مع الدقة في الفهم والمعرفة. ويذكر الدكتور حمزة المليباري: " أن الجوانب الفقهية ومعرفة الصحيح والسقيم لم تكن محل عناية كافة المحدثين في المرحلة الأولى، بل إن الكثيرين منهم لا تهمّهم إلاّ عملية الرواية، وضبطها وحفظها، غير أن هؤلاء كفوا عن الخوض في نقد الأحاديث، وأمّا النقاد فيختلفون عنهم في التكوين العلمي بصورة واضحة وحفاظ الحديث الذين تمكنوا من علوم الحديث بشقيها - فقه الحديث، ومعرفة الصحيح والسقيم - هم وحدهم الذين سبروا أغوار النقد، وهم بعينهم اعتبارنا في البحث، وإنَّ تصحيح الأحاديث وتعليلها لا يتأتى لأحد دون التكوين العلمي المزدوج " (¬3). قلت: رغم صحة هذا الكلام لكن قوله: " إن الكثيرين منهم لا تهمّهم إلاّ عملية الرواية، وضبطها وحفظها ... "،ربما يفهم منه أنه يريد بذلك " كثيراً " من كبار علماء ¬

(¬1) معرفة علوم الحديث، الحاكم ص60. (¬2) الكفابة ص 169. (¬3) نظرات جديدة ص61.

الحديث، وما أخاله قصد ذلك، فإن جل كبار المحدثين الجهابذة المعروفين كانوا على دراية تامة بذلك، ومما لا شك فيه أن المقياس في هذا هو كتابة العلل، فالإمام مالك لم يدون لنا كتاباً مستقلاً في العلل ولكنه إمام العلل في زمانه، ولم يصل إلينا أن سفيان بن عيينة أو الثوري أو شعبة أو ابن مهدي مثلاً لهم مصنفات مستقلة في العلل، فهل هذا يعني أنهم لم يحسنوها؟! بل بلا منازع هؤلاء - وغيرهم - هم رجالات العلل والنقد!! هذا فضلاً عن أن كتب الأئمة المتقدمين في السنن أو العلل حينما تقتضي منهجيتهم ذلك، كما فعل الإمام الترمذي مثلاً في " الجامع الكبير " لأنه إنما ألف هذا الكتاب من أجل النقد وبيان عمل الفقهاء (¬1)، أو يكون الكتاب مخصصا ً للعلل كما في كتب العلل. وهكذا فإنّ نقد المحدّثين في المرحلة الأولى نقد علمي متكامل بجميع عناصره، لا يفصل الإسناد عن المتن، ويقوم أسهُ على المعرفة الحديثية والفقهية (¬2). وسأوضح منهجية المتقدمين من خلال المراحل الآتية:- فلو جئتهم بحديث مسند مرفوعٍ بمتن معين فإنهم: 1 - ينظرون إلى متن الحديث هل يخالف نصاً شرعياً أو يخالف الواقع؟. وهذه القنطرة الأولى. ومن أمثلته: قال عبد الله بن أحمد بن حنبل:" سمعت أبي يقول حدثنا عباد بن العوام عن محمد بن إسحاق بن يسار عن عمران بن أبي أنس أن رجلاً كان له كلب صائد قد أعطيه به عشرين بعيرا فخطب امرأة وخطبها معه رجل من قومها فقالت: لا أنكحك إلا على كلبك فنكحها وساق الكلب إليها فعدا عليه الآخر فقتله فترافعوا إلى عثمان بن عفان فغرمه عشرين بعيراً، سمعت أبي يقول: هذا باطل نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ثمن الكلب " (¬3). 2 - هل هذا المتن محفوظ عند أئمة الحديث أو لا؟ ¬

(¬1) انظر مقدمة جامع الترمذي، تحقيق د. بشار عواد معروف 1/ 9. (¬2) انظر: نظرات جديدة، المليباري ص97 - 98. (¬3) العلل ومعرفة الرجال 1/ 408 (2661) وللمزيد انظر الأحاديث (459و618 و694و 695 و698 و700 و749 و 662).

قال ابن أبي حاتم:" سألت أبي عن حديث أوس بن ضمعج عن ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: قد اختلفوا في متنه، رواه فطن والأعمش عن إسماعيل بن رجاء عن أوس بن ضمعج عن ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، ورواه شعبة والمسعودي عن إسماعيل بن رجاء لم يقولوا: أعلمهم بالسنة، قال أبي: كان شعبة يقول: إسماعيل بن رجاء كأنه شيطان من حسن حديثه، وكان يهاب هذا الحديث يقول: حكم من الأحكام عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يشاركه أحد، قال أبي شعبة أحفظ من كلهم، قال أبو محمد: ليس قد رواه السدي عن أوس بن ضمعج؟ قال: إنما رواه الحسن بن يزيد الأصم عن السدي وهو شيخ أين كان الثوري وشعبة عن هذا الحديث؟! وأخاف أن لا يكون محفوظاً " (¬1). وقال: " سألت أبي عن حديث رواه ابن عيينة عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن حسان بن بلال عن عمار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في تخليل اللحية؟ قال أبي: لم يحدث بهذا أحد سوى ابن عيينة عن ابن أبي عروبة، قلت: صحيح؟ قال: لو كان صحيحاً لكان في مصنفات ابن أبي عروبة، ولم يذكر ابن عيينة في هذا الحديث وهذا أيضاً مما يوهنه " (¬2). 3 - هل هذا الحديث تفرد به راويه عن بقية الرواة فزاد فيه ما لم يحفظ عند بقية الرواة فإذا كان قد زاد ولم يحفظ استنكر عليه. فمثلاً: قال الإمام أحمد:" كنت أتهيب حديث مالك " من المسلمين " يعني حتى وجدته من حديث العمريين، قيل له: أمحفوظ هو عندك: " من المسلمين "؟، قال: نعم " (¬3). ومنه: قال ابن المديني باب: " علل حديث منزلنا غداً إن شاء الله بخيف بني كنانة ". قال علي: حديث أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: " منزلنا غداً إن شاء الله بالخيف عند الضحى ". رواه الزهري فاختلف على الزهري في إسناده. فرواه الأوزاعي وإبراهيم بن سعد والنعمان بن راشد وإبراهيم بن إسماعيل بن مجمع كلهم عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة. إلاّ أنَّ معمراً أدرجه في حديث علي بن الحسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد:" وهل ترك لي عقيل منزلاً "، فأدرج عنه: " منزلنا غداً ".وقد رواه ¬

(¬1) علل ابن أبي حاتم 1/ 92 (248). (¬2) علل ابن أبي حاتم 1/ 23 (60). (¬3) شرح علل الترمذي، ابن رجب 2/ 632.

محمد بن أبي حفصة عن الزهري عن علي بن حسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة، ولم يذكر فيه: " منزلنا بالخيف" (¬1). 4 - ينظر هل الراوي تفرد بهذا الحديث - أصلاً -أم توبع عليه؟ فإن توبع فقد زالت الغرابة، وإلاّ يبقى في دائرة الاختبار؟ قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سألت أبي قلت: كان يحيى بن سعيد يحدث عن همام؟ فقال زعم عفان قال: كان يحيى يسألني عن حديث همام حيث قدم معاذ بن هشام فكان يسألني: كيف قال همام، قال أبي وذاك أنه وافق هشاماً في أحاديث، قال أبي: كان يحيى يرى أنه ليس مثل سعيد، وسمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول همام عندي في الصدق مثل سعيد بن أبي عروبة سمعت أبي مرة ذكر هماما فقال: كان يحيى ينكر على همام أنه يزيد في الإسناد، يعني: فلما قدم معاذ وافقه على بعض تلك الأحاديث لهشام" (¬2). فالمتقدمون يعلّون الأحاديث التي ينفرد بها الراوي، إذا كانت غير معروفة عندهم، ولو كان راويها ثقة، يقول الحافظ ابن رجب الحنبلي: "وأما أكثر الحفاظ المتقدمون فإنهم يقولون في الحديث إذا انفرد به واحد وإن لم يرو الثقات خلافه أنه لا يتابع عليه، ويجعلون ذلك علة فيه، اللهم إلا أن يكون ممن كثر حفظه واشتهرت عدالته وحديثه كالزهري ونحوه، وربما يستنكرون بعض تفردات الثقات الكبار أيضا، 0ولهم في كل حديث نقد خاص وليس عندهم لذلك ضابط يضبطه " (¬3). 5 - فإن كثر من الراوي تفرده، وعمت غرائبه، أصبح (منكر الحديث). قال الحسين بن إدريس الأنصاري عن أبي داود:" قلت لأحمد: عبد الملك بن أبي سليمان؟ قال: ثقة، قلت يخطئ؟ قال: نعم، وكان من أحفظ أهل الكوفة إلا أنه رفع أحاديث عن عطاء. وقال علي بن الحسين بن حبان: وجدت في كتاب أبي بخط يده سئل أبو زكريا يحيى بن معين عن حديث عطاء عن جبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الشفعة؟ قال: هو حديث لم يحدث به أحد إلا عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء وقد أنكره عليه الناس ولكن عبد الملك ¬

(¬1) علل ابن المديني ص81 - 83 (117)، وانظر الأحاديث (53، 105، 175). (¬2) العلل (1231). (¬3) شرح علل الترمذي، ابن رجب 2/ 582.

ثقة صدوق لا يرد على مثله، قلت له: تكلم شعبة فيه؟ قال نعم، قال شعبة: لو جاء عبد الملك بآخر مثل هذا لرميت بحديثه، وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه: هذا حديث منكر " (¬1). 6 - يلاحظ الراوي فلعله ركب سند حديث على متن آخر، أو العكس، ومنه: قال ابن المديني في حديث: " لا يحرم من الرضاعة المصة والمصتان ": " رواه يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن ابن إسحاق عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير عن الحجاج بن أبي الحجاج عن أبي هريرة، وهذا غلط، ورواه يحيى بن سعيد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ورواه هشام بن عروة عن أبيه عن الحجاج بن أبي الحجاج أنه سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يذهب عني مذمة الرضاع؟ قال: "غرة عبد أو أمة "، وحديث ابن إسحاق عندهم خطأ، وأدخل حديثاً في حديث، والحديث عندي حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير عن النبي - صلى الله عليه وسلم -:" لا تحرم المصة والمصتان " وحديث هشام بن عروة عن الحجاج بن أبي الحجاج أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم ما يذهب مذمة الرضاع " (¬2). ومن ذلك أيضا: ما أخرجه النسائي 8/ 273 فقال: أخبرنا محمد بن أبان قال: حدثنا شبابة بن سوار قال: حدثنا شعبة، عن بكير بن عطاء عن عبد الرحمن بن يعمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: " نهى عن الدباء والمزفت " (¬3). فهذا الحديث صح من طريق عدة صحابة - رضي الله عنهم - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخرجه الشيخان وغيرهما (¬4). ولم يعرف بهذا الإسناد، وإنما المعروف به حديث " الحج عرفة " (¬5)،ولا يعرف بهذا الإسناد غير هذا الحديث. ¬

(¬1) تهذيب الكمال 4/ 556 (4120). (¬2) علل ابن المديني 1/ 82، وانظر علل ابن أبي حاتم 1/ 76. (¬3) انظر تفصيله في المسند الجامع 12/ 366 (9590). (¬4) من طريق علي وعائشة وأنس وأبي هريرة وابن عمر - رضي الله عنهم - انظر تفصليه في المسند الجامع 2/ (882) و6/ (4460 و4461) و 8/ (5907) و 9/ (6647 و 6649و 6650) و10/ (7889)، و17/ (13854)، و 9 / (15946) و 20 / (16845 و 1646) ... و 20 / (17462). (¬5) أخرجه أحمد والأربعة، انظر المسند الجامع 12/ 365 (9589).

قال الحافظ ابن رجب: " أنكره على شبابة طائفة من الأئمة منهم الإمام أحمد، والبخاري، وأبو حاتم، وابن عدي؛ ... قال أحمد: إنما روى شعبة بهذا الإسناد حديث الحج؛ يشير إلى أنه لا يعرف بهذا الإسناد غير حديث الحج " (¬1).وقال أبو حاتم: " هذا حديث منكر، لم يروه غير شبابة، ولا يعرف له أصل " (¬2). 7 - فإذا كان الراوي ضعيفاً ولم يتابع فإن مجرد تفرده بالمتن نوع ضعف، وإن خالف فهو حديث منكر وإن توبع بمن هو مثله فلا يسلم، أما إن كان بأحسن منه فربما اعتضد، ويعتمد ذلك على حسب القرائن. 8 - قد ينتقي الناقد البارع من حديث الضعيف أصح رواياته، وهذا لا يُقبل إلاّ عند أئمة الشأن كـ (البخاري ومسلم) (¬3) ومن هو قرين لهما في النقد والفهم، لأنه أعلم بحديثه وبمظانه في السنن. 9 - إن لكل حديث من الأحاديث قرينة خاصة به كما نص على ذلك الأئمة المحققون، فعند ترجيح حديث على حديث أو قبول رواية راوٍ في موضع وردها من الراوي نفسه في موضع آخر هناك قرائن ومعطيات على أساسها يتم ترجيح الرواية وقبولها في هذا دون ذلك. 10 - إن الأئمة المتقدمين يوردون أحياناً الحديث المعلول ليبينوا علته، فينبهوا عليه، وقد صرح بعضهم بذلك كأن يورد الصحيح أولاً ثم يورد المعلول رديفه كما في صنيع الإمام مسلم -كما سيأتي -؛ وبعضهم يضع الحديث المعلول أولا ثم يورد الصحيح بعده. يقول الحافظ ابن رجب في هذا:"وقد اعترض على الترمذي - رحمه الله - بأنه في غالب الأبواب يبدأ بالأحاديث الغريبة الإسناد غالباً، وليس ذلك بعيب فإنه - رحمه الله - يبين ما فيها من العلل، ثم يبين الصحيح في الإسناد. وكان مقصده - رحمه الله - ذكر العلل، ولهذا تجد النسائي إذا استوعب طرق ¬

(¬1) شرح علل الترمذي 2/ 648. (¬2) علل ابن أبي حاتم 2/ 27 (1557). (¬3) وقد انتقى الإمام البخاري مثل ذلك في (2806) و (5642) و (6229)، والإمام مسلم (188) و (211) (510) و (1080) و (1283) و (1429)، وانظر ص 222 من هذا الكتاب.

الحديث بدأ بما هو غلط بعد ذلك الصواب المخالف له، وأما أبو داود - رحمه الله - فكانت عنايته بالمتون أكثر، ولهذا يذكر الطرق واختلاف ألفاظها، والزيادات المذكورة في بعضها دون بعض، فكانت عنايته بفقه الحديث أكثر من عنايته بالأسانيد، فلهذا يبدأ بالصحيح من الأسانيد، وربما لم يذكر الإسناد المعلل بالكلية " (¬1). والذي أريد قوله: إنّ إطلاق العبارات النقدية أمر نسبي، يطلقها المجرّح نتيجة لقرائن بدت له، ومن مجموعها أصدر هذا الحكم، وهذه الألفاظ وصفية، أي ليست مرتبة حديثية مستقلة، أطلقها النقاد على تفردات الرواة بما لم يحفظ عندهم، ولما كان الوهم والخطأ من فطرة البشر، فهو أيضاً يشمل رواة الأحاديث، بل من النادر أنك تجد راوياً سلم من الوهم، حتى جهابذة العلل، يقول عبد الرحمن بن أبي حاتم: " سألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه شعبة عن منصور عن الفيض بن أبي حثمة عن أبي ذر أنه كان إذا خرج من الخلاء قال: " الحمد لله الذي عافاني واذهب عني الأذى "؟ فقال أبو زرعة: وهم شعبة في هذا الحديث ورواه الثوري فقال: عن منصور عن أبي علي عبيد بن علي عن أبي ذر وهذا الصحيح وكان أكثر وهم شعبة في أسماء الرجال، وقال أبي: كذا قال سفيان، وكذا قال شعبة، والله أعلم أيهما الصحيح، والثوري أحفظ وشعبة ربما أخطأ في أسماء الرجال ولا يدري هذا منه أم لا؟ " (¬2). فهذا أمير المؤمنين في الحديث قد يهم! فما بالك بغيره؟ وهذا الوهم نسبي لا يقاس أمام حفظ وإتقان وضبط شعبة بن الحجاج (أمير المؤمنين في الحديث)، وحسبه شرفا أن تحسب الأحاديث التي أخطأ بها، وهي قد لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة! فالراوي كلما وافقت روايته رواية الثقات، ولم تكد تخالف كان إلى الضبط أقرب، وكلما جاءك بالغرائب، والمنفردات كان إلى الوهم أقرب، وأطلق عليه: " يروي الغرائب، له غرائب، ... "، وهذه الغرائب مذمومة عند السلف، قال إبراهيم النخعي:" كانوا يكرهون الغريب من الحديث" (¬3)،وقال الإمام مالك بن أنس:"شر العلم الغريب، وخير ¬

(¬1) شرح علل الترمذي 2/ 626. (¬2) علل ابن أبي حاتم 1/ 27 (45). (¬3) الكفاية، الخطيب البغدادي ص 171.

ثانيا: عند المتأخرين

العلم الظاهر الذي قد رواه الناس " (¬1)، وقال عبد الرزاق:" كنا نرى أن غريب الحديث خير فإذا هو شر " (¬2). ثانياً: عند المتأخرين: وأمّا منهج أئمة الحديث من المتأخرين في النقد فإنه نحا منحىً آخر بدأ بابي عبد الله الحاكم إذ فرّق بين السند والمتن، فكان نقطة تحول في علم الحديث ويتضح منهجه في ذلك في حكمه على أحاديث كثيرة أنها صحيحة الإسناد، وكان لا بد أن يخرجها صاحبا الصحيحين، البخاري ومسلم، فقال مرات لا تحصى: " صحيح على شرطيهما ولم يخرجاه "، " صحيح الإسناد على شرطيهما ولم يخرجاه "، " إسناده صحيح على شرط البخاري ولم يخرجه "، " صحيح الإسناد على شرط مسلم ولم يخرجه "، وهكذا. فجعل صحة الإسناد شرطاً لقبول الحديث، متغاضياً عن صحة المتن فأدخل متون منكرة، ومعلولة، ظاهر إسانيدها صحيحة (¬3). وهكذا بدأ علم الحديث يأخذ منحىً جديداً يختلف عمّا كان عليه قبل الحاكم النيسابوري. يقول الإمام الذهبي ً في معرض الكلام عن عنعنة المدلس:"وهذا في زماننا يعسر نقده على المحدث، فإن أولئك الأئمة كالبخاري وأبي حاتم وأبي داود، عاينوا الأصول، وعرفوا عللها، وأما نحن فطالت علينا الأسانيد، وفقدت العبارات المتيقنة، وبمثل هذاونحوه دخل الدّخل على الحاكم في تصرفه في المستدرك " (¬4). ولما شرع المتأخرون بكتابة مصطلح الحديث -وهذا أمر طبيعي، إذ هو تلبية لحاجة طلبة العلم لمصطلح نظري ييسر لهم ولوج علم الحديث، خاصة بعد ضعفه في تلك الأزمان كما بينه العلماء في ذلك الوقت فوضعت كتب المصطلح- أصبح النقد عندهم قائماً على الإسناد، في الأعم الأغلب واصبح من وثقه المتقدمون صُحَحَ حديثه، ومن ضعفه المتقدمون ضُِعفَ حديثه، ومن تركه المتقدمون حكموا على حديثه بالضعف الشديد، مع عدم إدراكهم دائماً لمسألة الانتقاء. ¬

(¬1) شرح علل الترمذي، ابن رجب 2/ 622. (¬2) فتح المغيث، السخاوي 2/ 310. (¬3) انظر بحث " منهج الذهبي في تلخيص مستدرك الحاكم "، لزميلنا الشيخ عزيز رشيد. (¬4) الموقظة ص46.

إن هذا العمل جعلهم في بعض الأحيان يتبعون قواعد صماء لا ينظرون فيها إلى معاني الحديث أو فقهه، أو مخالفته، أو موافقته للقواعد العملية للشريعة التي سار عليها المتقدمون، وأدخل هذا العلم في متاهات صعبة. إن الاعتماد على الإسناد حسب، واستناداً إلى توثيق الرجال وتضعيفهم جعلهم يلزمون المتقدمين بأشياء لم تكن تلزمهم، كما فعل الإمام الدارقطني في الإلزامات والتتبع، وكما فعل أبي عبد الله الحاكم في المستدرك مع كثرة أخطائه (¬1)، ولكنه بلا شك جاء بكثير من الأسانيد التي استخدمها الشيخان في كتابيهما ولكنهما لم يرويا هذه الأحاديث التي ساقها أو غيرها لأسباب لا نعرفها عموماً، ومن َثمّ أخذت فكرة الأسانيد التي على شرط البخاري، أو شرط مسلم تظهر منذ ذلك الوقت المبكر عند المتأخرين مما خلق إرباكاً كبيراً ومساءلات لا حد لها في الأحاديث التي أوردها المتأخرون بموجب هذه القواعد النقدية التي لم يعرفها المتقدمون، ولا عملوا بها. يقول أستاذنا الدكتور بشار: " شاع عند المتأخرين، ومنهم الحاكم، من قول: إن هذا الحديث على شرط الشيخين، أو على شرط البخاري، أو على شرط مسلم، وكأن شروطهما كانت معروفة لكل أحد من الناس، نعم، حاول بعض المتأخرين معرفة شروط الشيخين بالاستقراء ونقل بعض النصوص، كما فعل محمد بن طاهر المقدسي ت507 هـ، والحازمي ت584 هـ، ولكن هذا في حقيقة أمره مجرد تخمين واستنتاجات قائمة على استقراء غير تام لصنيع الشيخين في كتابيهما، فإن أحداً لا يمكنه الجزم بالطريقة التي تم بموجبها اختيار المؤلفين أحاديث كتابيهما، قال ابن طاهر المقدسي في مقدمة كتابه: " اعلم أن البخاري ومسلماً ومن ذكرنا بعدهما لم ينقل عن واحد منهم أنه قال: شرطت أن أخرج في كتابي ما يكون على الشرط الفلاني، وإنما يعرف ذلك من سبر كتبهم فيعلم بذلك شرط كل رجل منهم " (¬2)،وقد انتقى الشيخان من الأحاديث انتقاءً لا ندرك تماماً الأسس التي تم بموجبها هذا الانتقاء، فلا ندري مثلاً لماذا انتقيا من موطأ مالك هذه الأحاديث، ولماذا انتقيا هذه المرويات من حديث نافع مولى ابن عمر - رضي الله عنه -؟ ولماذا انتقيا ¬

(¬1) من المعروف أن كثيرا من الرجال الذين زعم الحاكم أنهم من رجال البخاري أو مسلم هم ليسوا من رجالهما. (¬2) شروط الأئمة الستة ص 17.

هذه المرويات من أحاديث الثقات أمثال: أيوب السختياني، وجرير بن حازم، وجعفر بن إياس اليشكري، والليث بن سعد، وعبيد الله بن عمر العمري، وغيرهم .. ، فلماذا أخذا من مروياتهم ما أخذا وتركا ما تركا؟؟ فليس هناك من جواب إلا القول بالانتقاء. وقل مثل ذلك في الرواة المتكلم فيهم الذين أخرجا لهما في صحيحيهما، إذ انتقيا من أحاديثهم أصحها، أو قل أسلمها من العيوب مما يصلح في بابه، إذ أخرجاها في غير أبواب الحلال والحرام. واستعاض بعضهم بقولهم: " رجاله رجال الصحيح "، أو" رجاله رجال البخاري"، أو " رجاله رجال مسلم ". وهذا فيه نظر من وجهين: الأول: إن كون رواة الإسناد من رجال الشيخين أو أحدهما لا يعني أن الشيخين قد أخرجا بهذا الإسناد، أعني برواية الواحد عن الآخر ... الثاني: أن الشيخين قد رويا لرجال من رجالهما ممن عرفوا بالضعف، فانتقيا قليلاً، أو كثيراً من حديثهم الصحيح، فكيف عندئذٍ نوهم بأن حديث مثل هذا الشيخ أو الراوي صحيح في جملته ... ." (¬1). وحاول بعض المتأخرين أن يجدوا أشياء جديدة فاتت المتقدمين - بزعمهم- كأن يوصلوا المرسل، ويرفعوا الموقوف، أو يزيدوا في لفظة ما لم تكن معروفة عند المتقدمين وهي بجميعها إما أن تكون مما تركه المتقدمون لعلة فيه، أو سرقه السراقون. فمن أمثلة ذلك: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" أنا مدينة العلم وعلي بابها " (¬2). قلت: جاء هذا الحديث من طرق متعددة هي أكثر من سبعة عشر طريقاً عن ثلاثة من الصحابة: " علي، وجابر، وابن عباس " - رضي الله عنهم -. فهذا الحديث أعلّه المتقدمون -أصلاً-، قال يحيى بن معين: " رأيت عمر بن إسماعيل بن مجالد ليس بشيء كذاب رجل سوء خبيث حدث عن أبى معاوية عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنا مدينة العلم وعلي بابها "؟ وهو حديث ليس له أصل. قال عبد الله: وسألت أبى عنه فقال: ما أراه إلا صدق. أنبأنا عبد الرحمن قال: سألت أبى عن عمر بن إسماعيل بن مجالد فقال: ضعيف الحديث، أخبرنا عبد الرحمن قال: ¬

(¬1) مقدمة تأريخ بغداد 1/ 173 - 176 بتصرف، وانظر تمامه هناك فإن فيه زيادة فائدة. (¬2) أخرجه الترمذي (3732)، وفي العلل الكبير (699)، والحاكم 3/ 137 و138، والطبراني في الكبير 11/ 65 (11061).

سئل أبو زرعة عن عمر بن إسماعيل بن مجالد فقال: أملى علينا عن أبى معاوية عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -:أنا مدينة العلم وعلى بابها "، فأتيت يحيى بن معين فذكرت ذلك له فقال: قل يا عدو الله متى كتبت أنت هذا عن أبي معاوية؟ إنما كتبت أنت عن أبي معاوية ببغداد ولم يحدث أبو معاوية هذا الحديث ببغداد؟! " (¬1). وأعله أيضا الإمام أحمد، وقال: " ما سمعناه! "، وعده كذباً! (¬2). وأنكره الإمام البخاري (¬3)، والترمذي (¬4)،وكذا جهبذ العلل من المتأخرين الإمام الدارقطني (¬5)، وقال جمهور المحققين من المتأخريين: "موضوع "،كابن عدي (¬6)، والعقيلي (¬7)، وابن الجوزي (¬8)، والذهبي (¬9) وغيرهم، وإنما أعلّوه باعتبار أصل المتن، وأنّه لم يصح به. قال ابن حبان: " كل من حدّث بهذا المتن إنما سرقه من أبي الصلت وإن قلب إسناده " (¬10). وعدَّ الدارقطني جماعة ممّن سرقه، حتى بلغوا عشرة (¬11). فالحديث بهذا المتن لا يصح، ولو جاء من طريق صحيح لأنه لم يحفظ، وكل الطرق موضوعة له. ثم جاء الحاكم ليصححه؟! ويقول:" هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه" (¬12)؟ ¬

(¬1) الجرح والتعديل، ابن أبي حاتم 6/ 99 (514). (¬2) العلل ومعرفة الرجال 2/ 107 (645). (¬3) علل الترمذي الكبير ص 375 (699) (¬4) الجامع (3732)، والعلل ص 375 (699). (¬5) العلل 3/ 247 (386)، وانظر لسان الميزان، ابن حجر 1/ 179 (574). (¬6) الكامل 2/ 412 (840)، و5/ 67 (1244). (¬7) الضعفاء 3/ 149 (1134). (¬8) الموضوعات 1/ 348 فما بعد. (¬9) تذكرة الحفاظ 1/ 1231 (1047)، وميزان الاعتدال 1/ 249 (428)، وفي 2/ 145 (1527) وغيرها. (¬10) المجروحين 2/ 152. (¬11) ذكره الدكتور الدميني، في كتابه مقاييس نقد متون السنة ص 167، ولم أقف عليه. (¬12) المستدرك 3/ 138.

وتبعه الحافظ ابن حجر العسقلاني فقال: " حسن بمجموع طرقه " (¬1)، وقال في لسان الميزان: "وهذا الحديث له طرق كثيرة في مستدرك الحاكم أقل أحوالها أن يكون للحديث أصل فلا ينبغي أن يطلق القول عليه بالوضع " (¬2). وإنما قال ذلك لأنه: " اعتبر كثرة الطرق دليلاً على حسنه، وإن لم تسلم واحدة منها من الطعن " (¬3). فالفرق بين منهجية النقد عند المتأخرين تختلف كثيراً عنها عند المتقدمين وأكثر ما يوضح هذا الفارق هو مبحث (زيادة الثقة)، إذ كم من أحاديث مرفوعة ردّها المتقدمون لكون المحفوظ (موقوفاً) أو (مرسلاً)، أو غيرها من العلل رغم أنَّ الزائد ثقة، ثم يأتي بعدهم المتأخرون ليصححوا مثل ذلك اعتماداً على صحة السند وأن الزائد قد حفظ والحافظ حجة على من لم يحفظ؟ فعكسوا ميزان النقد، وتحول فيما بعد معيار صحة الحديث وعدمه هو اتصال السند، بنقل العدول الضابطين، أمّا (من غير شذوذ) فكان نصيبه خمطاً، إذ الشاذ قد يكون اسماً بلا مسمى!؟، فالبعض زعم أنّ الأئمة قد سووا بين الشاذ والفرد المطلق؟، فيلزم أن يكون في الشاذ الصحيح وغير الصحيح، وبعضهم خصصه فأطلقه على تفرد الثقة وهذا يلزم أن يكون في الصحيح الشاذ وغير الشاذ (¬4)؟! وهذا يعني أنّ قول الناقد: "شاذ " قد يريد به الحديث الصحيح الفرد الذي لا يتابع!،وهو قول مردود كما بينه الحافظ ابن حجر، كما سيأتي. ثم جاءت بعض النصوص التي فصلت الإسناد عن المتن، فقد يصح الحديث سنداً ولا يصح متناً ثم تطلق عبارة التصحيح هكذا (إسناده صحيح، ورجاله ثقات)، فتعكّز عليها بعض المتأخرين، وخاصة من المعاصرين ليصححوا مئات، بل آلاف الأحاديث المعلولة تحت هذا الغطاء:" إسناده صحيح ". بل كم تعكزّ بعض المعاصرين على عبارات الأئمة من المتأخرين الذين فصلوا ¬

(¬1) نقلاً عن الأسرار المرفوعة- الموضوعات الكبرى -، القاري ص118، وكشف الخفاء، العجلوني 1/ 235. (¬2) لسان الميزان 2/ 122 (513). (¬3) الدميني، نقد متون السنة ص167. (¬4) انظر النكت على ابن الصلاح 2/ 652، وانظر ص 86 من هذا الكتاب.

تصحيح السند عن المتن: كقول ابن الصلاح: " قد يقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولا يصح لكونه شاذاً أو معللاً " (¬1). وكقول الإمام النووي: " قد يصح أو يحسن الإسناد دون المتن لشذوذ أو علة " (¬2). فهذه وأمثالها من أقوال الأئمة من المتأخرين استغلت في إطلاق صحة الإسناد على صحة المتن عند بعض المعاصرين. فأقوال هؤلاء الأئمة لا تعني أن الحديث صحيح، وإنما مقصدهم منها بيان أحوال الرواة بأنهم ثقات أو فيهم صدوق، ويبقى الحديث في خانة الإختبار حتى يجزم بعدم شذوذه وخطئه، ومع هذا فإنّ ظاهر هذه النصوص ساعد على انتشار منهجية فصل الإسناد عن المتن في الحكم على الحديث الواحد لدى المتأخرين ولا سيما لدى المعاصرين، حيث كان تصحيحهم وتحسينهم وتضعيفهم مبنياً على ظواهر الإسناد وأحوال رواته بغض النظر عن متنه، وترسّخ ذلك في عملهم بل تجاوز الأمر حتى إنهم حاكموا المتقدمين على قواعد المتأخرين، فإذا ما أعل النقاد المتقدمون حديثاً تفرد به ثقة أو صدوق بحجة تفرده به، أو إذا أعلوا ما زاده على الآخرين بحجة عدم وجود المتابعة له، يرفضونه بمنتهى البساطة لخروجه من حدود منهجهم الذي يؤسس على ظواهر الإسناد وأحوال الرواة، وأحياناً يعللون ذلك بقولهم:" كما هو مقرر في كتب المصطلح"! وهذا ما دفع بعض الطاعنين إلى انتقاد كتب الحديث كونها لا تهتم بالمتون، وإنما جلّ اهتمامهم وعنايتهم تنصب في معالجة الأسانيد (¬3). وفي هذا يقول الدكتور المليباري:" إن كثيرا من المشتغلين بالأحاديث يتسابقون إلى تخريجها أو تحقيق مصادرها ويقومون بتصحيحها أو تعليلها بصورة توهم أن علم الحديث أمور رياضية تقوم على حسابات خاصة، واعتبارات محددة تقاس عليها جميع الأحاديث فيقولون: هذا صحيح لأن رجاله ثقات، وهذا حسن لذاته لكون راويه صدوقاً، وهذا ضعيف لضعف راويه، وفي حالة وجود متابعة أو شاهد يقولون تقوى هذا ¬

(¬1) مقدمة ابن الصلاح ص23. (¬2) تقريب النووي مع التدريب 1/ 129، وانظر فتح المغيث، السخاوي 1/ 62 ونظرات جديدة، المليباري ص63. (¬3) انظر نظرات جديدة في مصطلح الحديث، الميليباري ص64.

الحديث فأصبح صحيحا لغيره أو حسنا لغيره، وهكذا تحول التصحيح والتحسين والتضعيف أمرا سهلا، يتأهل الجميع لتناوله بمجرد التعرف على هذه الطريقة، وحفظ القواعد من كتب مصطلح الحديث! بل إنهم لا يبالون بما قد يصادفهم أثناء بحوثهم من تعليل النقاد أو تصحيحهم فيرفضونه بمنتهى البساطة لخروجه من التقديرات التي تقيدوا بها، فعلى سبيل المثال يعل النقاد حديثا من مرويات ثقة بحجة تفرده به، أو زيادته أو مخالفته لغيره فيأتي بعض المعاصرين ويقول: كلا إنه صحيح؟!! ورواته ثقات، ولا يضر التفرد هنا أو لا تضر الزيادة لان صاحبها ثقة، وإذا صحح النقاد حديثا من مرويات راوٍ ضعيف أو حديثاً من مرويات المدلس الذي عنعن فيه، فيقول المعاصر: كلا إنّ الحديث ضعيف، لأن فبي سنده راوياً ضعيفاً، أو عنعنة المدلس كما هو مقرر في كتب المصطلح " (¬1). هذا المنهج في الحكم على المرويات هو الذي شاع عند المتأخرين، وهو الذي استقرّ عليه المعاصرون؟! فكم من حديث أعله المتقدمون ثم يأتي الشيخ العلامة أحمد شاكر ليصححه ويخطأ الأئمة المتقدمين (¬2)، أو يأتيك الشيخ الألباني ليوّهمهم، ويستدرك عليهم طريقاً شاهداً - هو في الغالب مما سجره المتقدمون - يصحح به عرج الرواة؟ ثم يقول لك بعدها: " كما هو مقرر عند أهل العلم "، أو " كما هو مقرر في كتب المصطلح "!، ومن أمثلة ذلك: صحح الشيخ الألباني: في سلسلته الصحيحة 1/ 103 (565): حديث أبي معاوية عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" أحصوا هلال شعبان لرمضان ولا تخلطوا برمضان إلا أن يوافق ذلك صياما كان يصومه أحدكم وصوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فإنها ليست تغمي عليكم العدة". قلت: أخرجه الترمذي (687)، وقال: "حديث أبي هريرة لا نعرفه مثل هذا إلا من حديث أبي معاوية، والصحيح ما روي عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:" لا تقدموا شهر رمضان بيوم ولا يومين "، وهكذا روي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحو حديث محمد بن عمرو الليثي. ¬

(¬1) نظرات جديدة في علوم الحديث ص 47. (¬2) انظر مثلاً ص321و326و370 من هذا الكتاب.

وأخرجه الدارقطني 1/ 162واللفظ له، والحاكم 1/ 578 وقال:"صحيح على شرط مسلم "، والبيهقي 4/ 206. قلت: ثم أورد الألباني متابعا لأبي معاوية من طريق يحيى بن راشد المازني، قال الألباني: " ضعيف يصلح للاعتبار والاستشهاد فثبت أن الحديث حسن ". قلت - الباحث-: أورد هذه المتابعة أبو حاتم في العلل 1/ 245 (718) وقال: "ليس هذا بمحفوظ ".ورد الألباني تعليل أبي حاتم بقوله:"فكأنه لم يقع له من طريق أبي معاوية، كما لم تقع للترمذي هذه الطريق، وبالجمع بينهما ينجو الحديث من الشذوذ والمخالفة "!!. قلت: إنما أعله الإمامان أبو حاتم والترمذي كونه غير محفوظ عندهما بهذا الإسناد، لا لكون رجال الإسناد ضعفاء، فالحديث هذا غير محفوظ ولو جاء باسناد كله ثقات. أما عند المتأخرين: فقد صححه أبو عبد الله الحاكم، وقال الألباني: "إنما هو حسن فقط .. " (¬1). ونظرا لشيوع هذا المنهج عند الكثير من المحققين المعاصرين فقد اتهموا النقاد المتقدمين بالتعصب للمذهب، ومن ذلك ما قاله محقق علل الترمذي الكبير اعتراضاً على تصحيح الإمام البخاري، والترمذي وغيرهما لحديث" لا نكاح إلا بولي " (¬2): "أخطأ الترمذي في تصحيح الحديث .... وقد حاول كثيرون تصحيح هذا الحديث ووصله وسلكوا في ذلك كله مسلك لحاجة في أنفسهم أساسها التعصب المذهبي، والعياذ بالله " (¬3)، وقال أيضاً:"ما صحح هذا الحديث أحد إلا لهوى في نفسه والعياذ بالله " (¬4). فتأمل!! وإن تعجب، فعجب قول أحدهم:" لو درس أبو حاتم أو غيره من الأئمة حتى البخاري دراسة وافية لما تجاوزوا - في نظري - النتائج التي توصلت إليها لأني ¬

(¬1) انظر مثلاً سلسلته الصحيحة برقم: (535و 537 و 545 و548 و 565و589و599و610و724و727و733 و750و833و899). (¬2) أنظر تفصيل الحديث ص 181. (¬3) علل الترمذي، تحقيق الشيخ صبحي السامرائي وجماعة معه ص 156. (¬4) علل الترمذي ص 157.

بحمد الله طبقت قواعد المحدثين بكل دقة، ولم آل في ذلك جهدا " (¬1)!؟ ونتج عن هذا مناهج عجيبة غريبة في تصحيح الأحاديث، أو تضعيفها عند بعض المتأخرين وكثير من المعاصرين، فمن يتتبع - مثلاً- الشيخ الألباني في كيفية تصحيحه للأحاديث وتضعيفها يقف مذهولاً! فمنهجه منهج غريب فريد، لم يسبق إليه، وسأمثل بحديث واحد صححه في سلسلته الصحيحة ليتبين خطورة غياب منهج الأئمة المتقدمين في تصحيح الأحاديث وإعلالها: فقال في حديث (551): " أفضل الساعات جوف الليل الآخر ": أخرجه أحمد 4/ 385 (¬2) عن محمد بن ذكوان عن شهر بن حوشب عن عمرو بن عبسة قال: "أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: يا رسول الله من تبعك على هذا الأمر؟ قال: حر وعبد، قلت: ما الإسلام؟ قال: طيب الكلام وإطعام الطعام، قلت: ما الإيمان؟ قال: الصبر والسماحة، قال: قلت: أي الإسلام أفضل؟ قال: من سلم المسلمون من لسانه ويده، قال: قلت: أي الإيمان أفضل؟ قال: خلق حسن، قال: قلت: أي الصلاة أفضل؟ قال: طول القنوت، قال: قلت: أي الهجرة أفضل؟ قال: أن تهجر ما كره ربك عز وجل، قال: قلت: فأي الجهاد أفضل؟ قال: من عقر جواده واهريق دمه، قال: قلت: أي الساعات أفضل؟ قال: جوف الليل الآخر ... " (¬3). قلت - والقائل الألباني -: وهذا إسناد ضعيف: محمد بن ذكوان وهو الطاحي، وشهر ضعيفان، لكن الحديث ثبت غالبه من طرقٍ أخرى: أولاً: الفقرة الأخيرة منه: أخرجها أحمد 4/ 187 (¬4) من طريق أبي بكر بن عبد الله عن حبيب بن عبيد عن عمرو بن عبسة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحوه، ورجاله ثقات غير أبي بكر وهو ابن أبي مريم فإنه سيئ الحفظ. وأخرج هو (¬5) 5/ 111 - 113 - 114،وابن ماجه (1364) من طريق يزيد بن طلق ¬

(¬1) ذكره د. حمزة المليباري نظرات جديدة في علوم الحديث ص 48. (¬2) جاء في المطبوع من السلسلة 5/ 385 وهو خطأ. (¬3) انظر تفصيل الحديث في المسند الجامع 14/ 170 (10783). (¬4) جاء في المطبوع من السلسلة 5/ 187 وهو خطأ، وانظر تفصيل الحديث في المسند الجامع 14/ 172 (10785). (¬5) أي الإمام أحمد.

عن عبد الرحمن البيلماني عن عمرو بن عبسة قال: " أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلت: يا رسول الله من أسلم؟ قال: حر وعبد قال: فقلت: وهل من ساعة أقرب إلى الله تعالى من أخرى؟ قال: جوف الليل الآخر" (¬1)،وقال ابن ماجه:" الليل الأوسط " وهو شاذ. قلت: وابن البيلماني: ضعيف، وابن طلق: مجهول، لكن لهذه الفقرة طريق أخرى صحيحة عن عمرو بن عبسة تجد الكلام عليها في صحيح أبي داود (1198). ثانياً: فقرة " أي الجهاد أفضل " فقد أخرج أحمد 4/ 114 من طريق أبي قلابة عن عمرو بن عبسة قال: قال رجل: يا رسول الله ما الإسلام؟ قال: أن يسلم قلبك لله عز وجل وأن يسلم المسلمون من لسانك ويدك. قال: فأي الإسلام أفضل؟ قال: الإيمان قال: وما الإيمان؟ قال: تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت، قال: فأي الإيمان أفضل؟ قال: الهجرة، قال: فما الهجرة؟ قال: أن تهجر السوء، قال: فأي الهجرة أفضل؟ قال: الجهاد، قال: وما الجهاد؟ قال: أن تقاتل الكفار إذا لقيتهم، قال: فأي الجهاد أفضل؟ قال: من عقر جواده واهريق دمه، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:ثم عملان هما أفضل الأعمال إلا من عمل بمثلهما حجة مبرورة أو عمرة " (¬2). قلت: ورجال إسناده ثقات رجال الشيخين فهو صحيح إن كان أبو قلابة واسمه عبد الله بن زيد - سمعه من عمرو فإنه مدلس، وعلى كل حال فهذه الفقرة ثابتة بمجموع الطريقين، والله أعلم. ثالثاً: فقرة " أي الهجرة أفضل ":قد جاءت في الطريق آنف الذكر فهي حسنة أيضاً. رابعاً: فقرة أي الصلاة أفضل: هذه صحيحة لأن لها شواهد منها عند مسلم وغيره من حديث جابر:" أفضل الصلاة طول القنوت ". خامساً: فقرة " الصبر والسماحة ": لها شاهد من حديث جابر وله عنه طريقان: الأولى: عن الحسن عنه أنه قال: " قيل يا رسول الله أي الإيمان أفضل؟ قال: الصبر والسماحة " أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (ق 184/ 2)، ورجاله ثقات رجال الشيخين إلا أن الحسن وهو البصري مدلس، ولم يصرح بالسماع. ¬

(¬1) انظر تفصيل الحديث في المسند الجامع 14/ 167 (10781). (¬2) انظر تفصيل الحديث في المسند الجامع 14/ 162 (10778).

الثانية: عن يوسف بن محمد بن المنكدر عن أبيه عن جابر، أخرجه ابن أبي الدنيا في الصبر (43/ 2)،وابن عدي في الكامل من طريق أبي يعلى. قلت: ويوسف هذا ضعيف لكن الحديث قوي بمجموع طرقه الثلاث. سادساً: فقرة (حر وعبد): أخرجها مسلم في صحيحه 2/ 208 - 209 من طريق أخرى عن عمرو بن عبسة (¬1).أهـ كلام الألباني. قلت - الباحث -: هذا المنهج لم يسبق إليه الشيخ البتة، وهو منهج غريب جداً، إذ قسم حديثاً واحداً إلى فقرات، ثم أتى بشواهد من عدة أحاديث مختلفة أغلبها ضعيفة - كما قال هو - لكل فقرة من الفقرات، فصحح الجميع!!. ولو أخذ المتقدمون بهذه الطريقة لما أعلوا حديثاً، بل تصبح كتب العلل عديمة النفع، وأنا أسأل مَن من المتقدمين صحح على هذه الطريقة؟!. ومن هنا أصبحت عملية تصحيح الحديث وتضعيفه عملية سهلة، فما عليك إلا أن تضع بين يديك تقريب التهذيب للحافظ ابن حجر العسقلاني ثم تفتش عن حال رجال السند فإن كان رجاله كلهم ثقات فهو صحيح، وإن كان فيه صدوق أو أكثر فهو حسن، وإن كان فيه ضعيف فهو ضعيف، وهلم جراً .. ، فأصبح تصحيح الحديث وتضعيفه أمرا ميسوراً يقدر عليه كل واحد، فظهرت مئات الأسماء كمحققين ومخرّجين، ومصححين ومضعفين لحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهم ممن لا يميزون بين كوعهم وبوعهم -كما يقال -! ولا يعرفون أبجديات هذا العلم الشريف، ثمّ يخطئون أئمة النقد وجهابذة العلل. ومن ثم يقول الشيخ عبد الرحمن المعلمي - وهو من أبرز المعاصرين الذين فهموا منهجية المتقدمين في النقد -:" إذا استنكر الأئمة المحققون المتن وكان ظاهر السند الصحة فإنهم يتطلبون له علة، فإذالم يجدوا له علة قادحة مطلقاً حيث وقعت أعلّوه بعلة ليست بقادحة مطلقاً، ولكنهم يرونها كافية للقدح في ذلك المنكر، فمن ذلك إعلاله بأن راويه لم يصرح بالسماع هذا، مع أن الراوي غير مدلس ". - ثم أردف -: " ومن ذلك الإعلال بالحمل على الخطأ وإن لم يتبين وجهه ... .ومن ذلك إعلالهم بظن أن الحديث أُدخل على الشيخ، كما ترى في لسان الميزان في ترجمة الفضل بن الحباب، وغيرها، وحجتهم في هذا أن عدم القدح بتلك العلة مطلقا إنما بني على أنّ دخول الخلل من جهتها نادر، فإذا ¬

(¬1) انظر تفصيل الحديث في المسند الجامع 14/ 164 (10780).

ثالثا: التفرد

اتفق أن يكون المتن منكراً يغلب على ظن الناقد بطلانه فقد يحقق وجود الخلل، وإذا لم يوجد سبب له إلا تلك العلة فالظاهر أنها هي السبب، وإن هذا من ذلك النادر الذي يجيء الخلل فيه من جهتها، وبهذا يتبين أن ما وقع ممن دونهم من التعقب بأن تلك العلة غير قادحة، وأنهم قد صححوا ما لا يحصى من الأحاديث مع وجودها فيها إنما هو غفلة عما تقدم من الفرق، اللهم إلا أن يثبت المتعقب أن الخبر غير منكر ". ثم ختم ذلك بنتيجة هي أنّ: "القواعد المقررة في مصطلح الحديث منها ما يذكر فيه خلاف، ولا يحقق الحق فيه تحقيقا واضحاً، وكثيراً ما يختلف الترجيح باختلاف العوارض التي تختلف في الجزئيات كثيرا، وإدراك الحق في ذلك يحتاج إلى ممارسة طويلة لكتب الحديث والرجال والعلل مع حسن الفهم وصلاح النية " (¬1). ثالثاً: التفرد: يعد التفرد من أهم الموضوعات التي أولاها النقاد اهتمامهم، إذ هو من أهم الوسائل لكشف الأوهام والأخطاء التي قد يقع فيها الرواة. والتفرد: هو ما يقول فيه المحدثون النقاد:" حديث غريب "، أو " تفرد به فلان "، أو " هذا حديث لا يعرف إلاّ من هذا الوجه" أو"لا نعلمه يروى عن فلان إلاّ من حديث فلان" (¬2). قال الحافظ ابن منده: " الغريب من الحديث كحديث الزهري وقتادة وأشباههما من الأئمة ممن يجمع حديثهم إذا انفرد الرجل عنهم بالحديث يسمى غريباً فإذا روى عنهم رجلان أو ثلاثة واشتركوا في حديث سمي عزيزاً فإذا روى الجماعة عنهم حديثاً سمى مشهوراً " (¬3). وإطلاق الغريب على ما تفرد به الراوي ولم يشاركه فيه غيره مذهب جمهور المحدثين ومنهم من غاير بينهما ورجح الحافظ ابن حجر ترادفهما لغة واصطلاحاً (¬4). والفرد قسمان: فرد مطلق: وهو ما كانت الغرابة في أصل السند أي: في الموضع ¬

(¬1) مقدمة تحقيق الفوائد المجموعة للإمام الشوكاني ص8 - 9. (¬2) الموازنة بين المتقدمين والمتأخرين ص14. (¬3) مقدمة ابن الصلاح 270. (¬4) انظر نزهة النظر ص28.

الذي يدور الإسناد عليه ويرجع ولو تعددت الطرق إليه وهو طرفه الذي فيه الصحابي" (¬1). والفرد النسبي: سمي نسبياً لكون التفرد منه حصل بالنسبة إلى شخص معين وإن كان الحديث في نفسه مشهوراً (¬2). والتفرد النسبي: كما قسمه علماء المصطلح: إما أنْ يكون تفرد شخص عن شخص، أو تفرد شخص عن أهل بلد، أو تفرد أهل بلد عن شخص، أو تفرد أهل بلد عن أهل بلد، وقد مثل العلماء لكل واحدة فيها (¬3). وتعرف الأفراد بجمع الطرق وضم النظير إلى نظيره والشبه إلى شبهه، وحينئذٍ تعرف الأفراد. وهذا ما يسميه علماء المصطلح بالاعتبار وهو: " أنْ يأتي إلى حديث بعض الرواة فيعتبره بروايات غيره من الرواة ويسبر طرق الحديث ليعرف هل شاركه في ذلك الحديث راوٍ غيره فرواه عن شيخه أو لا؟ فإن لم يكن فينظر هل تابع أحد شيخ شيخه فرواه عمن روى عنه؟ وهكذا إلى آخر الإسناد وذلك المتابعة. فإن لم يكن فينظر هل أتى بمعناه حديث آخر وهو الشاهد فإن لم يكن فالحديث فرد فليس الاعتبار قسيماً للمتابع والشاهد بل هو: هيئة التوصل إليهما " (¬4). وعقب الحافظ ابن حجر على قول الحافظ ابن الصلاح: " معرفة الاعتبار والمتابعات والشواهد " (¬5) بقوله:" قد يوهم أنَّ الاعتبار قسيم لهما وليس كذلك، بل هو هيئة التوصل إليهما " (¬6). والذي استقر عليه المتأخرون في مفهوم التفرد وشاع عندهم أنَّ التفرد يقبل إذا كان من ثقة، ويرد إذا كان من ضعيف، وما كان بينهما يتحسن وقد وضحه ابن الصلاح بقوله:" إذا انفرد الراوي بشيء نظر فيه فإن كان ما انفرد به مخالفاً لما رواه من هو أولى ¬

(¬1) نزهة النظر ص28 بتصرف يسير. (¬2) نزهة النظر ص 28. (¬3) انظر النكت على ابن الصلاح 2/ 703 و 707 وعلل الحديث، محمد محمود سليمان ص346. (¬4) تدريب الراوي 1/ 202 وانظر نزهة النظر، ابن حجر ص 53 - 54. (¬5) مقدمة ابن الصلاح ص74. (¬6) نزهة النظر ص54.

منه بالحفظ لذلك وأضبط كان ما انفرد به شاذاً مردوداً، وإن لم يكن فيه مخالفة لما رواه غيره وإنما هو أمر رواه هو ولم يروه غيره فينظر في هذا الراوي المنفرد فإن كان عدلاً حافظاً موثوقاً بإتقانه وضبطه قبل ما انفرد به ولم يقدح الانفراد فيه كما فيما سبق من الأمثلة، وإن لم يكن ممن يوثق بحفظه وإتقانه لذلك الذي انفرد به كان انفراده به خارماً له مزحزحاً له عن حيز الصحيح، ثم هو بعد ذلك دائر بين مراتب متفاوتة بحسب الحال فيه، فإن كان المنفرد به غير بعيد من درجة الضابط المقبول تفرده استحسنا حديثه ذلك ولم نحطه إلى قبيل الحديث الضعيف وإن كان بعيدا من ذلك رددنا ما انفرد به وكان من قبيل الشاذ المنكر " (¬1). ومن يتتبع صنيع الأئمة المتقدمين في تعليلهم لأحاديث الثقات يرى أنهم يصرحون بذلك فيقولون لك مثلاً: انفرد به مالك ولم يتابع؟ أو أخطأ فيه شعبة إذ رواه موصولاً والجماعة رووه ولم يتابع على وصله، من يتتبع كل ذلك يجد أنَّ الإمام ابن الصلاح ومن نحا نحوه في مفهوم التفرد قد ضيقوا واسعاً، وتحدث عن جزئية من جزئيات التفرد، فمقاييس القبول أو الرد في الأفراد ليست أحوال الرواة كونهم ثقات أو ضعفاء، بل هناك قرائن تدلل علىكون أفراد الثقات تقبل هنا، وترد هناك، وإلا لأصبح قيد انتفاء الشذوذ والنكارة في حد الحديث الصحيح من قبيل اللغو!، والذي حدا بالحافظ ابن الصلاح أن يقول ذلك هو: أنَّ المتأخرين يتعاملون مع الأسانيد مجردة عن المتون - غالباً - إذ فصلوا الأسانيد عن المتون، وأصبح تصحيحهم الحديث يعتمد على صحة السند، وهذا خلاف منهج الأئمة المتقدمين (¬2). يقول الحافظ ابن رجب في توضيح هذه المسألة:" وأما أكثر الحفاظ المتقدمين فإنهم يقولون في الحديث إذا تفرد به واحد وإنْ لم يرو الثقات خلافه: (إنه لا يتابع عليه) ويجعلون ذلك علة فيه اللهم إلاّ أنْ يكون ممن كثر حفظه واشتهرت عدالته وحديثه كالزهري ونحوه، وربما يستنكرون بعض تفردات الثقات الكبار أيضاً ولهم في كل حديث نقد خاص، وليس عندهم لذلك ضابط يضبطه " (¬3). ¬

(¬1) مقدمة ابن الصلاح ص76. (¬2) انظر الموازنة بين المتقدمين والمتأخرين، المليباري ص 19. (¬3) شرح العلل 2/ 582.

فالمتقدمون يعلون الأحاديث التي ينفرد بها الراوي ولو كان ثقة، إذا كان هذا الحديث ليس معروفاً عندهم. يقول الإمام أبو داود السجستاني: " والأحاديث التي وضعتها في كتاب السنن أكثرها مشاهير، وهي عند كل من كتب شيئاً من الحديث إلاّ أنَّ تمييزها لا يقدر عليه كل الناس والفخر بها أنها مشاهير، فإنه لا يحتج بحديث غريب ولو كان من رواية مالك ويحيى بن سعيد والثقات من أئمة العلم، ولو احتج رجل بحديث غريب وجدت من يطعن فيه ولا يحتج بالحديث الذي قد احتج به إذا كان الحديث غريباً شاذاً " (¬1). وهكذا ندرك أنَّ الأئمة المتقدمين يكرهون الأفراد ولو كان من ثقة خاصة إذا كانت تلك الأفراد لا يعرفها المعرفون: قال عبد الله بن المبارك:"العلم هو الذي يجيئك من ههنا ومن ههنا - يعني المشهور -" (¬2). وروى الإمام الزهري عن علي بن الحسين القول: " ليس من العلم ما لا يعرف، إنما العلم ما عرف وتواطأت عليه الألسن " (¬3). وقال الإمام مالك: "شر العلم الغريب، وخير العلم الظاهر الذي قد رواه الناس " (¬4). ،وقال الإمام أحمد:"لا تكتبوا هذه الأحاديث الغرائب فإنها مناكير، وعامتها عن الضعفاء " (¬5). والتفرد إما أنْ يكون في الطبقات المتقدمة كطبقة الصحابة الكرام أو كبار التابعين وهذا لا يضر لقرب الراوي من مصدر الحديث، وعدم تشعب الطرق إليه من ناحية، ولعدالة وضبط الصحابة الكرام وكبار التابعين لقربهم من أنفاس النبوة من ناحية أخرى، اللهم إلاّ إذا ثبتت مخالفة فيفزع حينئذٍ إلى القرائن. وأما إذا كان التفرد في الطبقات المتأخرة - من بعد التابعي - فإن التفرد هنا يضر وخاصة إذا لم يعرفه المعرفون، ولم يحفظه في مدونات الرواية. ¬

(¬1) رسالة أبي داود إلى أهل مكة ص29. (¬2) شرح العلل 2/ 623. (¬3) شرح العلل 2/ 623. (¬4) سبق. (¬5) شرح العلل 2/ 623.

كما مر من قول أبي داود، وكما قال أبو حاتم الرازي: "فأين هو في روايات سفيان " (¬1)؟ وهذا التفرد الأخير قسمه علماء المصطلح إلى: تفرد مطلق: وهو كما قال الحاكم النيسابوري: " أحاديث يتفرد بروايتها رجل واحد عن إمام من الأئمة، ومثال ذلك: ما حدثناه أبو العباس محمد بن يعقوب قال: حدثنا أحمد بن شيبان الرملي قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن نافع عن ابن عمر: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث سرية إلى نجد فبلغت سهمانهم اثنى عشر بعيراً فنفلنا النبي - صلى الله عليه وسلم - بعيراً بعيراً "، قال الحاكم تفرد به سفيان بن عيينة عن الزهري وعنه أحمد بن شيبان الرملي " (¬2). وإلى تفرد نسبي: كأن يتفرد به أهل مدينة واحدة عن الصحابي، قال الحاكم: ومثال ذلك ما حدثناه أبو نصر أحمد بن سهل الفقيه ببخارى قال: حدثنا صالح بن محمد بن حبيب الحافظ قال: حدثنا علي بن حكيم قال: حدثنا شريك عن أبي الحسناء عن الحكم بن عتيبة عن حنش قال:" كان علي - رضي الله عنه - يضحي بكبشين، بكبش عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وبكبش عن نفسه، وقال: كان أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أضحي عنه فأنا أضحي عنه أبداً ". قال الحاكم: تفرد به أهل الكوفة من أول الإسناد إلى آخره لم يشركهم فيه أحد " (¬3). أو أنْ يتفرد بها أهل بلد عن أهل بلد آخر. قال الحاكم:"وهذا نوع يعز وجوده وفهمه، ومثال ذلك: ما حدثناه أبو بكر محمد بن عبد الله الشافعي قال: حدثنا موسى بن سهل بن كثير قال: حدثنا إسماعيل بن علية عن خالد الحذاء عن ابن أشوع عن الشعبي عن وراد قال:"كتب معاوية بن أبي سفيان إلى المغيرة اكتب إلي بشيء سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكتب إليه:" أنه كان ينهى عن قيل وقال وكثره السؤال وإضاعة المال ". قال الحاكم: سعيد بن عمرو بن أشوع شيخ من ثقات الكوفيين يجمع حديثه ويعز وجوده وليس هذا الحديث عند الكوفيين عنه إنما ينفرد به أبو المنازل خالد بن مهران الحذاء البصري عنه" (¬4). ¬

(¬1) انظر علل ابن أبي حاتم 1/ 92 (¬2) معرفة علوم الحديث ص99. (¬3) معرفة علوم الحديث ص96 - 97. (¬4) معرفة علوم الحديث ص100.

الفصل الأول الحديث المنكر عند أهل المصطلح

الفصل الأول الحديث المنكر عند أهل المصطلح المبحث الأول: تعريف الحديث المنكر: المنكر: لغة: اسم مفعول، وفعله: أنكره بمعنى جحده أو لم يعرفه وأنه يقابل المعروف (¬1).، قال ابن فارس: "ونكر الشيء وأنكره لم يقبله قلبه، ولم يعترف به لسانه ... " (¬2).وقال الراغب: " المنكر كل فعل تحكم العقول الصحيحة بقبحه، أو تتوقف في استقباحه أو استحسانه العقول، فتحكم بقبحه الشريعة ... " (¬3). ويطلق المنكر في اللغة على عدة معانٍ منها: الدهاء والفطنة، والصعوبة، والأمر الشديد، وخلاف الاعتراف، والتغيير، والجهل .. " (¬4). وفي الاصطلاح: لم أجد تعريفاً صريحاً، أو باباً مستقلاً في كتب المصطلح الأولى ككتاب "المحدث الفاصل " للإمام الرامهرمزي (360)، ولا في كتاب "معرفة علوم الحديث "لأبي عبد الله الحاكم (ت405) وأما عن الخطيب البغدادي (ت 463) فقد بوّب باباً سماه: "باب ترك الاحتجاج بمن غلب على حديثه الشواذ ورواية المناكير والغرائب من الأحاديث" (¬5) ولم يصرح بتعريف مستقل، وإنما اكتفى بإيراد الأحاديث الشاذة المستنكرة، وحتى أنّ أبا حفص الميانشي (ت 581) لم يفرده بتعريف. وأول من عرفه من علماء المصطلح، وأفرده قسماً من علوم الحديث - بحدود اطلاعي - الحافظ ابن الصلاح ت (643) فقال:" المنكر ينقسم قسمين على ما ¬

(¬1) انظر القاموس المحيط فصل النون ... ?اب الراء 2/ 148 ومختار الصحاح مادة نكر ص 679. (¬2) معجم مقاييس اللغة 5/ 476. (¬3) المفردات ص505. (¬4) انظر لسان العرب، ابن منظور 14/ 281، وتاج العروس، الزبيدي 14/ 287، والحديث المنكر دراسة نظرية وتطبيقية في كتاب علل الحديث لابن أبي حاتم، لزميلنا الشيخ عبد السلام أبو سمحة ص 11 - 12. (¬5) الكفاية في علم الرواية ص140.

ذكرناه في الشاذ فإنه بمعناه مثال الأول، وهو المنفرد المخالف لما رواه الثقات: رواية مالك عن الزهري عن علي بن حسين عن عمر بن عثمان عن أسامة بن زيد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم" (¬1) فخالف مالك غيره من الثقات في قوله عمر بن عثمان، بضم العين، وذكر مسلم صاحب الصحيح في كتاب " التمييز " (¬2): أن كل من رواه من أصحاب الزهري قال فيه: عمرو بن عثمان يعني بفتح العين، وذكر أن مالكاً كان يشير بيده إلى دار عمر بن عثمان كأنه علم أنهم يخالفونه، وعمرو وعمر جميعاً ولدا عثمان غير أن هذا الحديث إنما هو عن عمرو بفتح العين وحكم مسلم وغيره على مالك بالوهم فيه والله أعلم. ومثال الثاني، وهو الفرد الذي ليس في راويه من الثقة والإتقان ما يتحمل معه تفرده: ما رويناه من حديث أبي زكريا يحيى بن محمد بن قيس عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"كلوا البلح بالتمر فإن الشيطان إذا رأى ذلك غاظه ويقول عاش ابن آدم حتى أكل الجديد بالخلق" (¬3). تفرد به أبو زكريا وهو شيخ صالح، أخرج عنه مسلم في كتابه غير أنه لم يبلغ مبلغ من يتحمل تفرده والله أعلم " (¬4). وقال النووي ت (676): " قال الحافظ البرديجي: هو الفرد الذي لا يعرف متنه عن غير راويه، وكذا أطلقه كثيرون، والصواب فيه التفصيل الذي تقدم في الشاذ " (¬5). وقال ابن دقيق العيد ت (702): " وهو كالشاذ، وقيل هو ما انفرد به الراوي وهو قول منقوض بالأفراد الصحيحة " (¬6). وقال الذهبي ت (748):"المنكر ما تفرد الراوي الضعيف به، وقد يعد مفرد ¬

(¬1) أخرجه الشيخان، انظر تخريجه في المسند الجامع 1/ (139). (¬2) قلت: لم أقف عليه في النسخة الظاهرية التي حققها الأعظمي، فلعلها في غير نسخة، أو هي سبق قلم من الابن الصلاح والله أعلم. (¬3) أخرجه الحاكم 4/ 135. (¬4) مقدمة ابن الصلاح ص80. (¬5) تقريب النواوي بشرحه تدريب الراوي 1/ 199. (¬6) الاقتراح ص198.

الصدوق منكراً " (¬1). وقال ابن جماعة ت (773):" هو ما تفرد به من ليس بثقة ولا ضابط فهو المنكر " (¬2). وقال ابن كثير الدمشقي ت (774):" المنكر: وهو كالشاذ إن خالف راويه الثقات فمنكر مردود، وكذا إن لم يكن عدلاً ضابطاً وإن لم يخالف فمنكر مردود " (¬3). وقال الحافظ العراقي ت (806): والمنكر الفرد كذا البرديجي ... أطلق والصواب في التخريج إجراء تفصيل لدى الشذوذ مر ... فهو بمعناه كذا الشيخ ذكر (¬4) وقال الحافظ ابن حجر (852): " وأما إذا انفرد المستور أو الموصوف بسوء الحفظ أو المضعف في بعض مشايخه دون بعض بشيء لا متابع له ولا شاهد فهذا أحد قسمي المنكر الذي يوجد في إطلاق كثير من أهل الحديث " (¬5). وقال: "إن وقعت المخالفة مع الضعف فالراجح يقال له المعروف ومقابله يقال له المنكر، وعرف بهذا أنّ بين الشاذ والمنكر عموماً وخصوصاً من وجه لأن بينهما اجتماعاً في اشتراط المخالفة وافترافاً في أن الشاذ راويه ثقة أو صدوق والمنكر راويه ضعيف وقد غفل من سوى بينهما" (¬6). وقال: " وأما إذا انفرد المستور أو الموصوف بسوء الحفظ أو المضعف في بعض مشايخه دون بعض بشئ لا متابع له ولا شاهد فهذا أحد قسمي المنكر وهو الذي يوجد في إطلاق كثير من أهل الحديث، وإن خولف بهذا فصل المنكر من الشاذ وأن كلاً منهما يجمعهما مطلق التفرد أو مع قيد المخالفة " (¬7). ¬

(¬1) انظر الموقظة ص42. (¬2) المنهل الروي ص51. (¬3) اختصار علوم الحديث بشرحه الباعث الحثيث ص 55. (¬4) ألفية الحديث بشرحها فتح المغيث 1/ 222. (¬5) النكت على ابن الصلاح 2/ 675. (¬6) نزهة النظر ص52. (¬7) النكت 2/ 675.

المبحث الثاني: مفهوم الحديث المنكر عند المتأخرين

وقال السخاوي ت (902) هو: " ما رواه الضعيف مخالفاً " (¬1). وقال السيوطي ت (911) في ألفيته (¬2): المنكر الذي روى غير الثقة مخالفاً في نخبة قد حققه قابله المعروف والذي رأى ترادف المنكر والشاذ نأى. المبحث الثاني: مفهوم الحديث المنكر عند المتأخرين: من خلال التعريفات التي مرت يتضح اختلاف علماء المصطلح، وكذا علماء الحديث الآخرين من غير أهل المصطلح في مفهوم الحديث المنكر على مذاهب عدة يمكن إجمالها بالآتي: المطلب الأول: المنكر: هو الحديث الذي يتفرد به الراوي مطلقاً: أي:"مطلق التفرد": نسب جمهور المتأخرين إلى الحافظ البرديجي ت (301 هـ) هذا القول مستدلين على ذلك من قوله في معنى المنكر:" أنه الحديث الذي ينفرد به الرجل ولا يعرف متنه من غير روايته لا من الوجه الذي رواه عنه ولا من وجه آخر" (¬3). هكذا فهم ابن الصلاح كلام البرديجي هذا، فقال بعد أن نقل النص:"وإطلاق الحكم على التفرد بالرد أو النكارة أو الشذوذ موجود في كلام كثير من أهل الحديث " (¬4). وقال الحافظ العراقي: والمنكر الفرد كذا البرديجي ... أطلق والصواب في التخريج (¬5) وقال أيضا:"كثيراً ما يطلقون المنكر على الراوي لكونه روى حديثاً واحداً " (¬6). وقال السخاوي: في تعريف المنكر عند البرديجي:"وهو الذي لا يعرف متنه من ¬

(¬1) فتح المغيث 1/ 223، وانظر توضيح الأفكار، الصنعاني 2/ 3 - 4. (¬2) الألفية ص93، البيتان 180 - 181، وانظر تدريب الراوي 1/ 200. (¬3) مقدمة ابن الصلاح ص80، وانظر شرح علل الترمذي2/ 653وفتح المغيث، السخاوي1/ 222 وغيرها. (¬4) مصدر سابق. (¬5) فتح الغيث شرح ألفية الحديث، السخاوي 1/ 222. (¬6) الرفع والتكميل، اللكنوي ص 201.

غير وجه راويه فلا متابع له فيه ولا شاهد" (¬1). وقال السيوطي: "وَصفَ الذهبي في"الميزان"عدة أحاديث في مسند أحمد وسنن أبي داود وغيرهما من الكتب المعتمدة بأنها منكرة، بل وفي الصحيحين أيضاً، وما ذاك إلا لمعنى يعرفه الحفاظ وهو أن النكارة ترجع إلى الفردية ولا يلزم من الفردية ضعف متن الحديث فضلاً عن بطلانه" (¬2). أقول هذا كلام غير دقيق فليس مراد البرديجي- رحمه الله - أن مطلق التفرد مردود، بل هو ينهج نهج الأوائل حيث إنّ الحكم على الرجل عندهم يكون على أساس المتون التي يأتي بها فمراده هنا ألا يكون متن الحديث غير معروف من طرق أخرى. وقد نص هو على هذا فقال:"إذا روى الثقة من طريق صحيح عن رجل من ... أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثاً لا يصاب إلا الرجل الواحد لم يضره أن لا يرويه غيره إذا كان متن الحديث معروفاً ولا يكون منكراً ولا معلولاً " (¬3). فتفرد الثقة بحديث -متن- لا يضره إلا إذا كان فيه أمر لا يعرفه من لا يفوتهم معرفته أو جاء بأمر يستنكر وهاك الدليل: قال البرديجي في حديث:"رواه عمرو بن عاصم عن همام عن إسحاق بن أبي طلحة عن أنس أن رجلاً قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -:"إني أصبت حداً فأقمه عليَّ " (¬4) الحديث: هذا عندي حديث منكر وهو عندي وهم من عمرو بن عاصم " (¬5). وتمام الحديث كما جاء في لفظ البخاري:" إني أصبتُ حداً فأقمه في كتاب الله، قال: أليس قد صليت معنا؟ قال: نعم، قال: فإنَّ الله قد غفر لك ذنبك أو قال حدّك". ولما كان هذا الحديث عنده معلولاً كان لا بد أن يكون له علة: وقد أعله بأخف رواة السند ضبطاً:"عمرو بن عاصم الكلابي"، فقال: وهو عندي وهم من عمرو بن عاصم، ¬

(¬1) فتح المغيث 1/ 222. (¬2) الحاوي للفتاوى 2/ 210. (¬3) شرح علل الترمذي، ابن رجب 2/ 654، وانظر الرفع والتكميل، اللكنوي ص 201. (¬4) الحديث متفق عليه أخرجه البخاري (6823)، ومسلم (2765)، وغيرهما من طريق عمرو بن عاصم، وأخرجه مسلم (2765) من طريق أبي امامة. (¬5) شرح العلل 2/ 654 - 655

وقال أبو حاتم في العلل: " الحديث باطل بهذا الإسناد " (¬1). إذن فالمنكر عند البرديجي لا يعني مجرد التفرد بل الخطأ الذي يقع في الحديث. ومع أننا نتحفظ على قوله هذا، بل وعلى قول أبي حاتم الرازي ببطلان إسناده، لكون الحديث مخرج بهذا الإسناد في الصحيحين، لكن هذا لا يمنع أن يكون عالم مثل أبي حاتم الرازي يعتقد ببطلان إسناده، ومتابعة البرديجي له والحكم عليه بالنكارة. أما قول الحافظ ابن حجر:" هذا مما ينبغي التيقظ له فقد أطلق الإمام أحمد والنسائي وغير واحد من النقاد لفظ المنكر على مجرد التفرد لكن حيث لا يكون المتفرد في وزن من يحكم لحديثه بالصحة بغير عاضد يعضده" (¬2)، فإني أفهم من كلام الحافظ: أن الأوائل كانوا يطلقون النكارة على ما تفرد به الضعيف المعتبر، ولا يطلقونها على تفرد الثقة أو الصدوق؟! وهذا كلام متعقب بما يلي: إن نسبة هذا إلى أحمد والنسائي وغيرهما نسبة خاطئة فالإمام أحمد والنسائي وابن القطان وغيرهم كانوا يعلون تفرد الثقة وغيره إذا كان متن الحديث فيه مخالفة للأصول أو تقرير حكمٍ تعم به البلوى ولم ينقل إلا من طريق واحد، وقد بيناه فيما سبق، ونذكر بعضا هنا: أعل الإمام أحمد حديث مالك بن أنس لأنه تفرد فيه وخالف متنه المحفوظ عنده، فمثلاً الحديث الذي أخرجه البخاري من طريق مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة - رضي الله عنه -:" أن الذين جمعوا الحج والعمرة طافوا حين قدموا لعمرتهم وطافوا لحجهم حين رجعوا من منى .. " (¬3). قال:"لم يقل هذا أحد إلا مالك. وقال: لا أظن مالكاً إلا غلط فيه ولم يجئ به أحد غيره. وقال مرة: لم يروه إلا مالك ومالك ثقة " (¬4). قال ابن رجب:"ولعل أحمد إنما استنكره لمخالفته للأحاديث في أن القارن يطوف طوافاً واحداً " (¬5). ¬

(¬1) العلل 1/ 454 (1364). (¬2) النكت2/ 674. (¬3) أخرجه البخاري (1638) ومسلم 2/ 870 (1211) وغيرهما. (¬4) شرح العلل2/ 654. (¬5) مصدر سابق.

قلت: وهو الذي أراده الإمام أحمد والله أعلم. وفي هذا أبلغ الرد على الحافظ ابن حجر في قوله الذي مر، وكذا ما رواه إسحاق بن هانئ قال: " قال لي أبو عبد الله-يعني أحمد- قال لي يحيى بن سعيد: لا أعلم عبيد الله يعني ابن عمر، أخطأ إلا في حديث واحد لنافع عن أبن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لا تسافر امرأةٌ فوق ثلاثة أيام ... (¬1) الحديث قال أبو عبد الله: فأنكر يحيى بن سعيد عليه. قال أبو عبد الله: قال لي يحيى بن سعيد: فوجدته قد حدث به العمري الصغير عن ابن عمر مثله قال أبو عبد الله: لم يسمعه إلا من عبيد الله فلما بلغه عن العمري صححه " (¬2). قال ابن رجب:"وهذا الكلام يدل على أن النكارة عند يحيى القطان لا تزول إلا بمعرفة الحديث من وجه آخر وكلام الإمام أحمد قريب من ذلك" (¬3). قلت: فكيف إذن صرح الحافظ ابن حجر في أكثر من موضع: أن المتقدمين يقبلون تفرد الثقة؟ وهو القائل:" المنكر أطلقه أحمد بن حنبل وجماعة على الحديث الفرد الذي لا متابع له "، بل وحتى على رأيه هو في كون الصدوق يقبل تفرده-كما مر-فقد ناقض نفسه إذ قال:"فالصدوق إذا تفرد بشيءٍ لا متابع له ولا شاهد ولم يكن عنده من الضبط ما يشترط في حد الصحيح والحسن فهذا أحد قسمي الشاذ ... ". (¬4) وهكذا تحصل أن قول من يقول إنّ المتقدمين يطلقون النكارة على مجرد التفرد، هو قول ضعيف والصواب هو ما قدمناه من كونهم يلحظون سلامة الحديث أولاً، وهل هو محفوظ أو لا؟. ويؤيد هذا أنّ الخطيب البغدادي بوّب باباً سماه: "باب ترك الاحتجاج بمن غلب على حديثه الشواذ ورواية المناكير والغرائب من الأحاديث" (¬5) فالقول إن المنكر هو:"ما انفرد به الراوي هو قول منقوض بالأفراد الصحيحة" (¬6)، ¬

(¬1) أخرجه مسلم 2/ 975 (1338)،وأبو داود (1727). (¬2) شرح العلل2/ 655 - 656. (¬3) شرح العلل2/ 656 (¬4) النكت2/ 674. (¬5) الكفاية في علم الرواية ص140. (¬6) الاقتراح، إبن دقيق العيد ص198.

المطلب الثاني: المنكر: التفرد مع المخالفة (مطلقا) - مرادف للشاذ -

كما صرح بذلك الحافظ ابن الصلاح وغيره من علماء المصطلح (¬1). وقد حكم الأئمة على أحاديث انفرد بها رواة صدوقون بإنها صحيحة وعلى أحاديث أنفرد بها ثقات بإنها منكرة أو شاذة تبعاً لمتن الحديث أو إسناده، وتبعاً لما يقع فيها من المخالفة. المطلب الثاني: المنكر: التفرد مع المخالفة (مطلقاً) - مرادف للشاذ -: قال ابن الصلاح:"المنكر ينقسم قسمين على ما ذكرناه في الشاذ فإنه بمعناه مثال الأول، وهو المنفرد المخالف لما رواه الثقات: رواية مالك عن الزهري عن علي بن حسين عن عمر ابن عثمان عن أسامة بن زيد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم" (¬2) فخالف مالك غيره من الثقات في قوله: عمر بن عثمان بضم العين وذكر مسلم صاحب الصحيح في كتاب التمييز (¬3): أن كل من رَواه من أصحاب الزهري قال فيه عمر بن عثمان يعني بفتح العين وذكر أن مالكاً كان يشير بيده إلى دار عمر بن عثمان كأنه علم أنهم يخالفونه وعمرو وعمر جميعاً ولدا عثمان غير أن هذا الحديث إنما هو عن عمرو بفتح العين وحكم مسلم وغيره على مالك بالوهم فيه والله أعلم. ومثال الثاني، وهو الفرد الذي ليس في راويه من الثقة والإتقان ما يتحمل معه تفرده: ما رويناه من حديث أبي زكريا يحيى بن محمد بن قيس عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"كلوا البلح بالتمر فإن الشيطان إذا رأى ذلك غاظه ويقول عاش ابن آدم حتى أكل الجديد بالخلق " (¬4)،تفرد به أبو زكريا وهو شيخ صالح، أخرج عنه مسلم في كتابه غير أنه لم يبلغ مبلغ من يتحمل تفرده والله أعلم" (¬5). قلت: فلم يميز ابن الصلاح بين المنكر والشاذ كما هو واضح، وتعقبه الحافظ ابن ¬

(¬1) انظر مقدمة ابن الصلاح ص80. (¬2) أخرجه البخاري (1588 و 4283 و 6764) وغيره. (¬3) لم أقف عليه في المطبوع الذي بين يديّ. (¬4) أخرجه النسائي في الكبرى رقم (6677)، وابن ماجه (3332)،والحاكم 4/ 135. (¬5) مقدمة ابن الصلاح ص80.

حجر في النكت فقال:" ليس بعبارته ما يفصل أحد النوعين عن الآخر، نعم هما مشتركان في كون كل منهما على قسمين وإنما اختلافهما في مراتب الرواة" (¬1). وقال ابن دقيق العيد:"هو كالشاذ، وقيل هو ما انفرد به الراوي وهو قول منقوض بالأفراد الصحيحة " (¬2)،فهو أيضاً يسوي بين المنكر والشاذ. وقال الحافظ العراقي في ألفيته (¬3): والمنكر الفرد كذا البرديجي ... أطلق والصواب في التخريج إجراء تفصيل لدى الشذوذ مر ... فهو بمعناه كذا الشيخ ذكر فهو على مذهب ابن الصلاح في اعتبار الشاذ والمنكر واحداً. ويبدو أن الذهبي يسوي بينهما (¬4)، لكن السخاوي علل ذلك بقوله: "وأما جمع الذهبي بينهما في حكمه على بعض الأحاديث فيحتمل أن يكون تقدم الفرق بينهما ويحتمل غيره " (¬5). وقد مَثَّلَ الحافظ العراقي على ذلك فقال:"ولنذكر مثالاً للمنكر" ثم أورد حديث همام عن ابن جريج عن الزهري عن أنس رضي الله عنه:" أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا دخل الخلاء وضع خاتمه" (¬6)،أخرجه أبو داود وقال عَقبهُ: "هذا حديث منكر وإنما يعرف عن ابن جريج عن زياد بن سعد عن الزهري عن أنس:"أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اتخذ خاتماً من ورق ثم ألقاه" (¬7)،والوهم فيه من همام ولم يروه إلا همام" (¬8)،قال الحافظ العراقي: وهمام ثقة احتج به أهل الصحيح ولكنه خالف الناس (¬9)، أي: خالفهم في الإسناد والمتن. ¬

(¬1) النكت 2/ 674. (¬2) الاقتراح ص198. (¬3) فتح المغيث، السخاوي 1/ 222. (¬4) انظر الموقظة ص42. (¬5) فتح المغيث 1/ 223. (¬6) أخرجه أبو داود (19)، والترمذي (1746)، وابن ماجه (203). (¬7) أخرجه البخاري (5868)، ومسلم 3/ 1657 (2093) وغيرهما. (¬8) سنن أبي داود (19). (¬9) انظر فتح المغيث 1/ 226.

المطلب الثالث: المنكر: تفرد الضعيف

قال الحافظ ابنُ حجر:"وقد نوزع أبو داود في حكمه عليه بالنكارة مع أن رجاله من رجال الصحيح" (¬1)،ثم قال:"لا يصلح مثالاً للمنكر فلنذكر مثالاً للمنكر غيره" (¬2)،وقال السخاوي:"ولم يوفق أبو داود على الحكم عليه بالنكارة ... " (¬3)،ولسنا هنا بصدد ذكر تصحيح الحديث أو عدمه، بل الذي يعنينا أن الحديث المنكر عند الكثير من المتقدمين يعني المخالفة مطلقاً سواء كان المخالف ثقة أم غير ثقة، وقد استنكره أبو داود لأن هماماًخالف"في متن الحديث"المحفوظ عن الزهري، إذ المحفوظ ما أخرجه الشيخان من حديث الزهري الذي رواه عنه الجم الغفير من أصحابه عن أنس:" أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اتخذ خاتماً من ورق ثم ألقاه" (¬4). وقد خَطّأ بعضُ المتأخرين التسويةَ بينهما، أي: المنكر والشاذ، كالحافظ ابن حجر وغيره فقال:"قد غفل من سوى بينهما" (¬5) وقال السيوطي في ألفيته: . . . . . . والذي رأى ... ترادف المنكر والشاذ نأى. (¬6) المطلب الثالث: المنكر: تفرد الضعيف: قال ابن الصلاح: و"مثال الثاني: وهو الفرد الذي ليس في راويه من الثقة والإتقان ما يحتمل معه تفرده .. " (¬7)، وقال ابن جماعة:"هو ما تفرد به من ليس بثقة ولا ضابط فهو المنكر" (¬8). وقال ابن كثير:"المنكر: وهو كالشاذ إن خالف راويه الثقات فمنكر مردود، وكذا إن لم يكن عدلاً ضابطاً وإن لم يخالف فمنكر مردود، وأما إن كان الذي تفرد به عدلاً ¬

(¬1) النكت 2/ 677. (¬2) النكت 2/ 226. (¬3) فتح المغيث 1/ 226. (¬4) سيأتي الكلام عليه ص65. (¬5) نزهة النظر ص52. (¬6) الألفية (ص93). البيت 181. (¬7) مقدمة ابن الصلاح ص80. (¬8) المنهل الروي ص51.

ضابطاً حافظاً (¬1) قبل شرعا، ولا يقال له منكر " (¬2). قال العلامة أحمد شاكر تعليقاً عليه: أي "إنّ ما انفرد به الراوي الذي ليس معدلاً ولا ضابطاً فهو منكر مردود مع أنه لم يخالف غيره في روايته لأنه انفرد بها، ومثله لا يقبل تفرده " (¬3). قال الحافظ ابن حجر:"وأما إذا انفرد المستور أو الموصوف بسوء الحفظ أو المضعف في بعض مشايخه دون بعض بشيءٍ لا متابع له ولا شاهد فهذا أحد قسمي المنكر الذي يوجد في إطلاق كثير من أهل الحديث " (¬4). قلت: كما أسلفنا القول: إن مفهوم الحديث المنكر عند المتقدمين أوسع مما ينسب إليهم من كونه:"مخالفة الضعيف للثقات "،فهو قد يشمل تفرد الثقة وقد يشمل كما قال بعض علماء المصطلح تفرد المتروك، الذي لا تحل الرواية عنه، وكما بيناه قبل قليل. وقال الإمام مسلم:"علامة المنكر في حديث المحدث إذا ما عرضت روايته للحديث على رواية غيره من أهل الحفظ والرضى خالفت روايته روايتهم ولم تكد توافقها فإن كان الأغلب من حديثه كذلك كان مهجور الحديث غير مقبوله ولا مستعمله " (¬5). قال النووي عقب كلام الإمام مسلم:"يعني به المنكر المردود فإنهم قد يطلقون المنكر على انفراد الثقة بحديث، وهذا ليس بمنكر مردود إذا كان الثقة ضابطاً متقناً " (¬6). وهذا كلام يحتاج إلى دليل فما عرفنا عالماً من المتقدمين يصحح حديثا ثم يطلق عليه لفظ النكارة؟ وإنما أراد الإمام النووي في هذا - والله أعلم - الدفاع عن نظريته في قبول زيادة ثقة مطلقاً، كما سيأتي بيانه. وأما الحافظ ابن حجر فقال عقبه:"فالرواة الموصوفون بهذا هم المتروكون فعلى ¬

(¬1) في المطبوع (عدل ضابط حافظ) فلعله خطأ مطبعي. (¬2) اختصار علوم الحديث بشرحه الباعث الحثيث ص 55. (¬3) مصدر سابق. (¬4) النكت على ابن الصلاح 2/ 675. (¬5) المقدمة 1/ 7،وانظر شرح مسلم للنووي 1/ 56 - 57 (¬6) شرح مسلم 1/ 56 - 57 ..

هذا رواية المتروك عند مسلم تسمى منكرة وهذا هو المختار" (¬1). أقول:-إن عبارة الإمام مسلم واضحة وهو مذهب المتقدمين، وهو أن المحدث إذا خولف بمن هو أحفظ أو أكثر أو نحو ذلك من مقاييسهم حكم على روايته بالنكارة أو الخطأ أو أي عبارة تدل على ذلك دون النظر إلى مرتبته، فإذا كثرت المناكير في حديثه خرج عن كونه ثقة، وتتناسب زيادة النكارة في الحديث تناسباً طردياً مع درجة ضعفه. فليس كل من جاء بمنكر هو ضعيف، قال ابن القطان: لا يضر الراوي ألا يتابع إلا إذا كثرت منه رواية المناكير ومخالفة الثقات (¬2). وقال ابن دقيق العيد:" قولهم: روى المناكير لا يقتضي بمجرده ترك روايته حتى تكثر المناكير في روايته، وينتهي إلى أن يقال فيه: منكر الحديث، لأن منكر الحديث وصف في الرجل يستحق به الترك لحديثه والعبارة الأخرى لا تقتضي الديمومة .. " (¬3) وقال الذهبي: " ما كل من روى المناكير يضعف " (¬4)، وقال اللكنوي:" لا تظن من قولهم هذا حديث منكر أن راويه غير ثقة، فكثيراً ما يطلقون النكارة على مجرد التفرد، ... .. وكذا لا تظن من قولهم: فلان يروي المناكير، أو حديثه هذا منكر، ونحو ذلك أنه ضعيف " (¬5) ومثال هذا القسم: ما أخرجه الترمذي بسنده قال: حدثنا عمرو بن علي، قال حدثنا يحيى بن سعيد القطان، قال حدثنا المغيرة بن قرة السدوسي قال: سمعت أنس بن مالك يقول: قال رجل: يا رسول الله أعقلها وأتوكل أو أطلقها وأتوكل؟ قال:" اعقلها وتوكل" قال عمرو بن علي قال يحيى: وهذا عندي حديث منكر (¬6). قال أبو عيسى: وهذا حديث غريب من هذا الوجه لا نعرفه من حديث أنس بن مالك ¬

(¬1) النكت 2/ 675. (¬2) انظر مقدمة فتح الباري ص 555 - 556. (¬3) نصب الراية 1/ 179بتصرف يسير، وانظر الرفع والتكميل، الكنوي ص 203. (¬4) ميزان الاعتدال 1/ 118. (¬5) الرفع والتكميل ص 199 - 200. (¬6) أخرجه الترمذي (2517)، والعلل في آخر الجامع 5/ 715.

المطلب الرابع: المنكر: مخالفة الضعيف للثقة أو الثقات

إلا من هذا الوجه، وقد روي عن عمرو بن أمية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحو هذا (¬1). قال يحيى القطان:"هو عندي منكر" (¬2). وقال ابن رجب الحنبلي:"وحديث أنس قد رواه غير واحد عن المغيرة بن أبي قرة عن أنس وقد تفرد به المغيرة عنه، ولهذا غرّبه الترمذي من حديث أنس فهذا الحديث من الغرائب المنكرة " (3). وكذا ما أخرجه النسائي في الكبرىقال: أخبرنا محمد بن عمرو بن علي بن عطاء بن مقدم قال: حدثني يحيى بن محمد بن قيس قال سمعت هشام بن عروة يذكر عن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"كلوا البلح بالتمر فإنَّ ابن آدم إذا أكله غضب الشيطان وقال عاش أبن آدم حتى أكل الخلق بالحديد" (¬3). قال النسائي: منكر (¬4). قلت: علة الحديث هو يحيى بن محمد بن قيس البصري ومدار الحديث عليه: وهو ضعيف وقد تفرد هنا، قال العقيلي: لا يتابع عليه وقال الساجي: إنه صدوق يَهمُ، وفي حديثه لين، وقال ابن حبان: إنه يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل من غير تعمد فلا يحتج به (¬5). وقال الذهبي: إنه حديث منكر (¬6). وقد مثل به للمنكر: ابن الصلاح، وغيره من علماء المصطلح (¬7). المطلب الرابع: المنكر: مخالفة الضعيف للثقة أو الثقات: وهذا هو التعريف المعروف بين عامة طلبة الحديث اليوم، وهو المراد إذا أطلقت اللفظة في عرف المتأخرين. ¬

(¬1) مصدر سابق. (¬2) شرح العلل 2/ 653. (¬3) أخرجه النسائي في الكبرى رقم (6677)، وابن ماجه (3332). (¬4) مصدر سابق. (¬5) انظر ترجمته في ضعفاء العقيلي 4/ 427، والمجروحين لأبن حبان 3/ 119،وميزان الاعتدال 4/ 405،والتقريب (7639). (¬6) ميزان الاعتدال 4/ 405. (¬7) مقدمة ابن الصلاح ص80، وانظر فتح المغيث، السخاوي 1/ 224 - 225.

قال الحافظ ابن كثير:"إن خالف راويه الثقات فمنكر مردود وكذا إن لم يكن عدلاً ضابطاً وإن لم يخالف فمنكر مردود" (¬1). وقد يفهم كلام ابن كثير أن مخالفة الثقة والضعيف سيان عنده. وقال ابن حجر:"وعرف بهذا أنّ بين الشاذ والمنكر عموماً وخصوصاً من وجه لأن بينهما اجتماعاً في اشتراط المخالفة وافتراقاً في أن الشاذ راويه ثقة أو صدوق والمنكر راويه ضعيف وقد غفل من سوى بينهما" (¬2)،ثم قال:"وأما إذا انفرد المستور أو الموصوف بسوء الحفظ أو المضعف في بعض مشايخه دون بعض بشيء لا متابع له ولا شاهد فهذا أحد قسمي المنكر، وهو الذي يوجد في إطلاق كثير من أهل الحديث، وإن خولف بهذا فصل المنكر من الشاذ وإن كلاً منهما يجمعهما مطلق التفرد أو مع قيد المخالفة" (¬3). وقال السخاوي في تعريفه: "ما رواه الضعيف مخالفا " (¬4). وقال السيوطي في ألفيته (¬5): المنكر الذي روى غير الثقة ... مخالفاً في نخبة قد حققهْ قابله المعروف والذي رأى ترادف المنكر والشاذ نأى قلتُ: فعلى هذا فالحديث المنكر هو:"الذي يرويه الضعيف مخالفاً رواية الثقة "،وقد عدّ بعض المتأخرين هذا التعريف أدق التعاريف (¬6)،وعلى هذا فالمنكر عندهم منكرُ سندٍ، ومنكرُ متنٍ، ويمثل علماء المصطلح لهذا النوع من المخالفة بأمثلة كثيرة فمنكر السند مثله الحافظ ابن حجر: بما أخرجه ابن أبي حاتم من طريق حبيب بن حبيب-وهو أخو حمزة الزيات ¬

(¬1) اختصار علوم الحديث بشرحه الباعث الحثيث ص55. (¬2) نزهة النظر ص 52، وسيأتي بيانه في فصل الشاذ. (¬3) النكت 2/ 675. (¬4) فتح المغيث 1/ 223، وانظر توضيح الأفكار، الصنعاني 2/ 3 - 4. (¬5) الألفية ص93، البيتان 180 - 181، وانظر تدريب الراوي 1/ 200. (¬6) انظر مثلاً: دراسات في علوم الحديث، محمد عوض ص116، وعلوم الحديث، صبحي الصالح ص213، وأصول الحديث، ومحمد عجاج الخطيب ص348 ودراسات في مصطلح الحديث إبراهيم النعمة ص159.

المقرئ- عن أبي إسحاق عن العيزار بن حريث عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"من أقام الصلاة وآتى الزكاة وحج البيت وصام رمضان وقرى الضيف دخل الجنة " (¬1). قال أبو حاتم:" هو منكر، لأن غيره من الثقات رواه عن أبي إسحاق موقوفاً، وهو المعروف .. وقال أبو زرعة: هذا حديث منكر، إنما هو عن ابن عباس موقوف" (¬2). ومن أمثلة منكر المتن: أخرج أبو داود بسنده قال: حدثنا جعفر بن مسافر، قال: حدثنا ابن أبي فديك، قال: حدثنا هشام ابن سعد عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال: جاء رجلٌ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أفطر في رمضان، بهذا الحديث (¬3) قال: فأتى بعرقٍ فيه تمر قدر خمسة عشر صاعاً، وقال فيه:" كله أنت وأهل بيتك وصم يوماً واستغفر الله " (¬4). قلت: هذا الحديث منكر، تفرد به هشام بن سعد عن الزهري وخالف فيه عامة أصحاب الزهري الكبار الحفاظ فإنه عندهم عنه عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة (¬5)، لا عن أبي سلمة، وليست عندهم هذه الزيادة "صم يوماً واستغفر الله ". قال الحافظ ابن حجر:"ذكر أبو عوانة في صحيحه حديث هشام بن سعد هذا وقال: غلط هشام بن سعد (¬6)، وأورده ابن أبي عدي في ترجمة هشام بن سعد، وعدّه من مناكيره (¬7)، وقال أبو يعلى الخليلي:" وهذا أنكره الحفاظ قاطبة من حديث الزهري عن أبي سلمة لان أصحاب الزهري كلهم اتفقوا عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أخي أبي سلمة وليس هو من حديث أبي سلمة " (¬8) ¬

(¬1) أخرجه الطبراني في الكبير 12/ 136 (12692)، وابن عدي في الكامل 2/ 821، وغيرهما من طرق عن حبيب به، وحبيب ضعيف انظر ترجمته في كامل ابن عدي 2/ 415 وضعفاء العقيلي 1/ 262. (¬2) علل ابن أبي حاتم: 2/ 182رقم (1643). وانظر نزهة النظر، ابن حجر العسقلاني ص52. (¬3) أي حديث المواقع أهله في رمضان. (¬4) أخرجه أبو داود برقم (2393). (¬5) أخرجه البخاري (1936, 1973) ومسلم (81, 84,83,82). (¬6) لم أقف على موضعه. (¬7) انظر الكامل 7/ 109 (2025). (¬8) الإرشاد 1/ 345 (75).

المبحث الثالث: مفهوم الحديث المنكر عند المتقدمين

المبحث الثالث: مفهوم الحديث المنكر عند المتقدمين المطلب الأول: مذهب الإمام يحيى بن معين (233): قال الدوري: " سمعت يحيى وسألته عن حديث حكيم بن جبير حديث بن مسعود: " لا تحل الصدقة لمن كان عنده خمسون درهماً "، يرويه أحد غير حكيم؟ فقال يحيى بن معين: نعم يرويه يحيى بن آدم عن سفيان عن زبيد، ولا نعلم أحداً يرويه إلا يحيى بن آدم وهذا وهم لو كان هذا هكذا لحدث به الناس جميعا عن سفيان ولكنه حديث منكر " (¬1). وقد وثق يحيى بن آدم الكوفي: الأئمة ومنهم ابن معين نفسه (¬2).وقال الحافظ ابن حجر: " ثقة حافظ فاضل " (¬3). ومنه: ما نقله ابن عدي عن ابن أبي مريم أنه قال:" سمعت يحيى بن معين يقول: عبد الرزاق ثقة لا بأس به، قال يحيى: في حديث عبد الرزاق: " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى على عمر قميصاً " قال: هو حديث منكر، ليس يرويه أحد غير عبد الرزاق، قيل له: إن عبد الرزاق كان يحدث بأحاديث عبيد الله عن عبد الله بن عمر ثم حدث بها عن عبيد الله بن عمر فقال يحيى لم يزل عبد الرزاق يحدث بها عن عبيد الله ولكنها كانت منكرة " (¬4). وأطلقه على مخالفة الضعيف، ومنه: قال أبو داود: "حدثنا النفيلي، قال: حدثنا علي بن ثابت، قال: حدثني عبد الرحمن بن النعمان بن معبد بن هوذة، عن أبيه، عن جده عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: " أنه أمر بالأثمد المروح عند النوم وقال ليتقه الصائم ". قال أبو داود: قال لي يحيى بن معين: هو حديث منكر، يعنى حديث الكحل " (¬5). قلت: عبد الرحمن بن النعمان بن معبد بن هوذة: ضعّفه ابن معين نفسه (¬6). ¬

(¬1) تاريخ ابن معين، برواية الدوري 3/ 346 (1671). (¬2) تهذيب الكمال 8/ 7 (7373). (¬3) التقريب (7496). (¬4) الكامل في ضعفاء الرجال 5/ 311. (¬5) السنن (2377). (¬6) ميزان الاعتدال 2/ 594 (4991)، وانظر سؤالات البرقاني للدارقطني (284)

المطلب الثاني: مذهب الإمام علي بن المديني

المطلب الثاني: مذهب الإمام علي بن المديني (234): قال في حديث " ثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -:" يسأل أحدكم ربه تعالى حتى يسأله شسع نعله والملح ": وفي أحاديث معمر عن ثابت أحاديث غرائب، ومنكرة، جعل ثابت عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان كذا شيء ذكره، وإنما هذا حديث أبان بن أبي عياش عن أنس وعن ثابت في قصة حبيب قال: حدثنا عبد الرزاق عن معمر لم يروه عن ثابت غيره " (¬1). فأطلق ابن المديني لفظة "منكر" على مخالفة الثقة. وأطلقه على حديث فيه ضعيف: فقال في علله: " عن عمران قال سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول من قرأ القرآن فسأل به ":حديث أوله كوفي وآخره بصري رواه الأعمش عن خيثمة بن أبي خيثمة ورواه منصور عن خيثمة، هذا أصله بصري، وإنما يروي عنه أهل الكوفة وإسناده ضعيف وهو حديث منكر وإنما أوتي من طريق خيثمة عن الحسن " (¬2). وقال في عبد الرحمن بن زياد:" كان أصحابنا يضعفونه، أنكر أصحابنا أحاديث كان يحدث بها لا تعرف " (¬3). وأطلقه على مخالفة الضعيف، ومن ذلك: " حديث أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -:" إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه " فقال رواه نعمان بن راشد عن ابن شهاب عن سعيد عن أبي هريرة ورواه معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه، ورواه ابن عيينة وصالح بن كيسان عن الزهري عن أبي بكر بن عبيد الله عن ابن عمر، ورواه عبد الرحمن بن إسحاق كما رواه ابن عيينة، ورواه جويرية عن مالك عن الزهري عن أبي بكر بن عبيد الله عن ابن عمر فما رواه معمر عن الزهري عن أبي بكر بن عبيد الله مرسل. وحديث النعمان "منكر" لم يتابعه عليه أحد، وحديث مالك كحديث جويرية قديم وكان يسنده " (¬4). ¬

(¬1) علل ابن المديني ص 77 (110). (¬2) علل ابن المديني ص 63 (73). (¬3) سؤالات ابن أبي شيبة لابن المديني ص 156. (¬4) علل ابن المديني ص 80 - 81 (115).

المطلب الثالث: مذهب الإمام أحمد بن حنبل

فـ (نعمان بن راشد الجزري): ضعيف (¬1)، وخالف الثقات فرواه من حديث الزهري عن أبي هريرة - رضي الله عنه -. وأطلقها على حديث تفرد به مجهول، فقال: " في حديث ابن مسعود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قطع رجلاً من الأنصار فهذا حديث رواه يحيى بن عبد الله الجابري وهو معروف عن رجل يكنى ابا ماجد الحنفي، ولا نعلم أحدا روى عن أبي ماجد هذا إلا يحيى الجابري فسمعت سفيان بن عيينة قال قلت ليحيى الجابري وامتحنته: من أبو ماجد هذا؟ فقال شيخ طرأ علينا من البصرة. وقد روى أبو ماجد غير حديث منكر " (¬2). المطلب الثالث: مذهب الإمام أحمد بن حنبل: أطلق الإمام أحمد لفظة منكر على حديث الثقة، ومن أمثلة ذلك: قال العقيلي عند ترجمة الحسن بن سوار البغوي:" حدثنا أحمد بن داود السجزي قال: حدثنا الحسن بن سوار البغوي، قال: حدثنا عكرمة بن عمار اليمامي، عن ضمضم بن جوس، عن عبد الله بن حنظلة بن الراهب قال:" رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يطوف بالبيت على ناقة لا ضرب ولا طرد ولا إليك إليك ". ولا يتابع الحسن بن سوار على هذا الحديث، وقد حدث أحمد بن منيع وغيره عن الحسن بن سوار هذا عن الليث بن سعد وغيره أحاديث مستقيمة، وأما هذا الحديث فهو منكر، وحدثني محمد بن موسى النهرتيري قال: حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي قال: حدثنا الحسن بن سوار بهذا الحديث فذكر مثل ما حدثنا أحمد بن داود، قال أبو إسماعيل: ألقيت على أبي عبد الله أحمد ابن حنبل: فقال أما الشيخ فثقة، وأما الحديث فمنكر " (¬3). قلت: أطلق الإمام أحمد على حديث راوٍ ثقة: منكر. ومنه: قال عبد الله: " سمعت أبي يقول: حدثنا بحديث الشفعة، حديث عبد الملك عن عطاء عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: هذا حديث منكر " (¬4). ¬

(¬1) قال ابن حجر في التقريب (7154): "صدوق سيئ الحفظ "، وقد ضعفه ابن القطان، وأحمد، وأبو داود والنسائي، وغيرهم، أنظر تحرير التقريب 4/ 19. (¬2) علل ابن المديني 1/ 99. (¬3) الضعفاء، العقيلي 1/ 228 (277). (¬4) العلل ومعرفة الرجال 2/ 281 (2256).

وقال في موضع آخر عن الحديث ذاته: " ذكر أبي حديث وكيع عن شعبة عن عبد الملك ابن أبي سليمان عن عطاء عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الشفعة قال ليس هو في كتاب غندر! " (¬1). قلت: أعل الإمام أحمد هذا الحديث باحتمال وهم وكيع في هذا الحديث - وهو ثقة جبل - لأنه لم يجده عند من هو أوثق منه في شعبة، وهو محمد بن جعفر " غندر " (¬2). وسئل عن: " حديث معمر عن ثابت عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الشغار؟ فقال: هذا حديث منكر من حديث ثابت " (¬3). قلت: أطلقه على تفرد معمر وهو ثقة عنده (¬4)،ولا يعني مجرد التفرد، وإنما التفرد مع الوهم، إذ ليس محفوظاً من حديث ثابت، وأصرح منه ما جاء: قال عبد الله:"حدثت أبي بحديث حدثناه عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا أبو خالد الأحمر عن ثور بن يزيد عن أبي الزبير عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - تسليم الرجل بإصبع واحدة يشير بها فعل اليهود فقال أبي هذا حديث منكر أنكره جدا. وحدثت أبي بحديث حدثناه عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا جرير عن محمد بن سالم عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما سقت السماء العشر وما سقي بالغرب والدالية فنصف العشر "، قال أبي: هذا حديث أراه موضوعا أنكره من حديث محمد بن سالم. ¬

(¬1) العلل ومعرفة الرجال 1/ 333 (599). (¬2) غندر إليه المنتهى في حديث شعبة، جاء في تهذيب الكمال 6/ 265 (5709): قال " عن أحمد بن حنبل: سمعت غندرا يقول: لزمت شعبة عشرين سنة لم أكتب من أحد غيره شيئا وكنت إذا كتبت عنه عرضته عليه ... وقال علي بن المديني: هو أحب إلي من عبد الرحمن في شعبة، وقال أيضا قال عبد الرحمن بن مهدي كنا نستفيد من كتب غندر في حياة شعبة، وقال أيضا: قال وكيع: ما فعل الصحيح الكتاب قلت: صاحب الطيالسة قال نعم يعني غندرا، وقال أبو حاتم الرازي: عن محمد بن أبان البلخي قال عبد الرحمن بن مهدي: غندر في شعبة أثبت مني، وقال أحمد بن منصور المروزي عن سلمة بن سليمان: قال عبد الله بن المبارك: إذا اختلف الناس في حديث شعبة فكتاب غندر حكم بينهم ". (¬3) علل أحمد، المروذي ص 110. (¬4) قال الفضل بن زياد: وسئل يعني أحمد عما روى معمر عن ثابت فقال: ما أحسن حديثه. المعرفة والتأريخ 2/ 166، فضلا عن توثيقه لمعمر مطلقا، أنظر الجرح والتعديل 8/ 255 (1165)

وعرضت على أبي حديثاً حدثناه عثمان عن جرير، عن شيبة بن نعامة عن فاطمة بنت حسين، عن فاطمة الكبرى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في العصبة وحديث جرير عن الثوري عن ابن عقيل عن جابر أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - شهد عيداً للمشركين، فأنكرهما جدا وعدة أحاديث من هذا النحو فأنكرها جدا وقال: هذه أحاديث موضوعة أو كأنها موضوعة وقال: ما كان أخوه يعني عبد الله بن أبي شيبة تطنّف نفسه لشيء من هذه الأحاديث ثم قال: نسأل الله السلامة في الدين والدنيا وقال: نراه يتوهم هذه الأحاديث نسأل الله السلامة اللهم سلّم سلّم " (¬1). قلت: أستنكر أحاديث عثمان بن أبي شيبة وعدها موضوعة وهو ثقة عنده، فقال فيه: ما علمت إلا خيراً، وأثنى عليه (¬2)، وقد أخرج الشيخان حديثه. ومنه: قال عبد الله:" قلت له: فتعرف عن الوليد عن الأوزاعي عن يحيى عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: " متى كنت نبيا ".؟ قال: هذا منكر، هذا من خطأ الأوزاعي، هو كثيراً ما يخطئ عن يحيى بن أبي كثير، كان يقول: عن أبي المهاجر وإنما هو أبو المهلب " (¬3). وأطلقه على تفرد الصدوق: قال في رحيل بن معاوية أخي زهير:" قال هو رجل قديم روى عنه زهير وليس لي بحديث حديج علم. فقيل له: إنه حدث عن أبي إسحاق عن البراء: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يسلم عن يمينه وعن يساره؟ فقال: هذا منكر " (¬4). ورحيل: صدوق (¬5). وأطلقه على ما تفرد به الضعيف، ومنه: قال عبد الله: " وسئل عن خارجة بن مصعب فضعفه وقال: ما روى عنه ابن المبارك شيئاً في كتبه، فقال له ابن أبي رزمة: بلى حديث واحد؟ وقال: قد قالوا لابن ¬

(¬1) العلل ومعرفة الرجال 1/ 557 - 559 (1331و1332 و1333) (¬2) تهذيب الكمال 5/ 135 (4446)، وانظر تاريخ بغداد، الخطيب 13/ 163، وميزان الاعتدال 3/ 36 (5518). (¬3) علل أحمد، المروذي ص 111. (¬4) علل أحمد، المروذي 98. (¬5) التقريب (930).

المطلب الرابع: مذهب الإمامين أبي حاتم وأبي زرعة الرازيين

المبارك فيه، فقال: كيف أحدث عن رجل حدث بكذا! لحديث منكر " (¬1). وقد أطلقه على ما تفرد به المجهول عنده، ومنه: قال عبد الله: " وألقيت على أبي عبد الله حديثاً رواه الفضل بن موسى عن أبراهيم بن عبد الرحمن عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس، قال: عارض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جنازة أبي طالب، فقال: هذا منكر، هذا رجل مجهول " (¬2). ومن هنا يتبين أن الإمام أحمد أطلق النكارة على ما أخطأ فيه الراوي سواء أكان ثقة، أم صدوقاً أم ضعيفاً أم مجهولاً. المطلب الرابع: مذهب الإمامين أبي حاتم وأبي زرعة الرازيين: أطلقاه على تفرد الثقة بما لم يتابع، ومنه: قال عبد الرحمن:" سألت أبي عن حديث رواه عبد الرزاق عن معمر عن ثابت عن أنس:" أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذ على النساء حين بايعهن أن لا َينُحنَ فقلن: إن نساءً أسعدننا في الجاهلية أفنسعدهن في الإسلام؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:لا إسعاد في الإسلام ولا شعار في الإسلام ولا عقر في الإسلام ولا جلب ولا جنب ومن انتهب فليس منا ". قال أبي: هذا حديث منكر جداً " (¬3). قلت: تفرد به معمر بن راشد عن عبد الرزاق، ولم يقبله منه، وعده من مناكيره. ومنه أيضا: قال عبد الرحمن:" سألت أبي عن حديث رواه محمد بن حرب الأبرش عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" ليس من البر الصيام في السفر ". قال أبي هذا حديث منكر " (¬4). قلت: ومحمد بن حرب ثقة (¬5). ومنه أيضا: قال عبد الرحمن: " سألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه يوسف بن عدي عن غنام عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة:" أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا تعار من الليل قال لا اله إلا الله الواحد القهار رب السموات والأرض وما بينهما العزيز الغفار". ¬

(¬1) علل أحمد، المروذي ص 65. (¬2) علل أحمد، المروذي ص 113 - 114. (¬3) علل ابن أبي حاتم 1/ 369 (1096). (¬4) علل ابن أبي حاتم 1/ 247 (726). (¬5) التقريب (5805).

قالا: هذا خطأ، إنما هو هشام بن عروة عن أبيه: أنه كان يقول هذا. رواه جرير هكذا وقال أبو زرعة: حدثنا يوسف بن عدي هذا الحديث وهو منكر " (¬1). قلت: يوسف بن عدي هو ابن زريق الكوفي: ثقة (¬2).، وهنا رد أبو حاتم وأبو زرعة زيادة رفع زادها ثقة وهو ما يسميه المتأخرون: زيادة ثقة. وأطلقاه على مخالفة الثقة، ومنه: قال: " سألت أبي عن حديث رواه أبو أسامة عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قصة ذي اليدين؟ قال أبي: هذا حديث منكر، أخاف أن يكون أخطأ فيه أبو أسامة ". قلت: أبو أسامة: هو حماد بن أسامة: ثقة (¬3).فأطلق أبو حاتم مصطلح منكر على مخالفة الثقة، أو ما أخطأ فيه. ومنه أيضا: قال: " حدثنا يحيى بن محمد بن يحيى النيسابوري عن مسدد عن معتمر بن سليمان عن أبيه عن أنس أن النبي ... - صلى الله عليه وسلم - صلى خلف أبي بكر في ثوب واحد وذلك عند أبي زرعة بعد رجوعه من الحج "؟. فقال أبو زرعة - الرازي -: هذا خطأ، ليس هذا هكذا حديثاً! حدثنا مسدد عن المعتمر عن حميد عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ليس فيه سليمان التيمي، فقال: يحيى؟ اضربوا عليه، قال أبو محمد: ثم ذكرته لأبي فقال: حدثنا ابن أبي شيبة وغيره عن معتمر عن حميد عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. ولو كان على التيمي لكان منكراً " (¬4). قلت: ردا ما رواه يحيى بن محمد بن يحيى الذهلي النيسابوري، وهو: ثقة حافظ (¬5)،لما خالف غيره، إذ رووه عن معتمر عن حميد عن أنس، وخالفهم هو فرواه عن مسدد عن معتمر بن سليمان عن أبيه عن انس. وعداه منكرا. وأطلقاه على تفرد الضعيف، ومنه: قال أبو محمد: " قرأ علينا أبو زرعة كتاب الأطعمة ... .، وانتهى أبو زرعة إلى حديث آخر عن إسماعيل بن أبان عن كثير بن سليم ¬

(¬1) علل ابن أبي حاتم 1/ 74 (197). (¬2) التقريب (7872). (¬3) التقريب (1487)، وأنظر تعليق أستاذنا المشرف على ترجمته في تهذيب الكمال 2/ 270 (1455). (¬4) علل أبن أبي حاتم 1/ 190 (545). (¬5) التقريب (7641).

عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " من أحب أن يكثر بركة بيته فليتوضأ إذا حضر غداه وإذا رفع ". قال أبو زرعة: هذا حديث منكر وامتنع من قراءته فلم يسمع منه " (¬1). قلت: قال ابن عدي بعد أن ساق الرواية: " وعامة ما يروى عن كثير بن سليم عن أنس هو هذا الذي ذكرت ولم يبق له إلا الشيء اليسير وهذه الروايات عن أنس عامتها غير محفوظة " (¬2).فبين أن العلة في تفرد كثير بن سليم الضبي، وهو ضعيف (¬3). وأطلقاه على مخالفة الضعيف، ومنه: قال: " سألت أبي عن حديث رواه الحارث بن وجيه عن مالك بن دينار عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " تحت كل شعرة جنابة فاغسلوا الشعر وأنقوا البشر". قال أبي: هذا حديث منكر والحارث ضعيف الحديث " (¬4). قلت: أنكر أبو حاتم هذا الحديث لمخالفة الحارث بن وجيه وهو ضعيف (¬5)، كما نص عليه، فوصل ما أرسله غيره، ولا يصح مسنداً (¬6). وأطلقاه على تفرد المجاهيل ومنه: قال:"سألت أبي عن حديث: حدثنا أبو سعيد الأشج عن المغيرة بن جميل بن أثير الكندي عن سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه عن جده عن النبي - صلى الله عليه وسلم -:" الولاء ليس بمتحول ولا منتقل ". قال أبي: هذا حديث منكر، ومغيرة مجهول" (¬7). ومنه: قال: " سألت أبي عن حديث رواه خالد بن خداش عن أبي عون بن أبي ركبة وقال خالد مرة: عون بن أبي ركبة عن غيلان بن جرير عن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" السلطان ظل الله في الأرض ". قال أبي: هذا حديث منكر وابن أبي ركبة ¬

(¬1) علل ابن أبي حاتم 2/ 11 (1505). (¬2) الكامل 6/ 46 (1600). (¬3) التقريب (5613). (¬4) علل ابن أبي حاتم 1/ 29 (53). (¬5) التقريب (1056). (¬6) وممن نص على ذلك أيضا: الدارقطني في العلل 8/ 103 - 104، وابن عدي في الكامل 2/ 192 - 193، والعقيلي 1/ 216. (¬7) علل ابن أبي حاتم 2/ 51 (1638).

المطلب الخامس: مذهب الإمام البخاري

مجهول " (¬1). وأطلقاه على تفرد المتروكين، ومنه: قال: " سألت أبي عن حديث رواه عبد الرحيم بن زيد العمى عن أبيه وسعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -:"قال من أدركه شهر رمضان بمكة فصامه وقام منه ما تيسر كتب الله له صيام مائة ألف شهر رمضان في غير مكة، وكان له كل يوم حملا فرس في سبيل الله، وكل ليلة حملا فرس في سبيل الله، وكل يوم له حسنة وكل ليلة له حسنة وكل يوم له عتق رقبة، وكل ليلة له عتق رقبة "، قال أبي: هذا حديث منكر، وعبد الرحيم بن زيد متروك الحديث " (¬2). المطلب الخامس: مذهب الإمام البخاري: أطلق البخاري مصطلح منكر على أحاديث تفرد بها ثقة. ومثاله: قال الترمذي في حديث: "حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري، قال: حدثنا الأحوص بن جواب، عن سعير بن الخمس، عن سليمان التيمي، عن أبي عثمان، عن أسامة بن زيد، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من صنع إليه معروف فقال لفاعله جزاك الله خيراً فقد أبلغ في الثناء. سألت محمداً عن هذا الحديث؟ فقال: هذا منكر وسعير بن الخمس كان قليل الحديث ويروون عنه مناكير " (¬3). قلت: سعير بن الخمس التميمي:" ثقة "، وإن قال الحافظ ابن حجر:"صدوق " (¬4)،فقد وثقه ابن معين، والترمذي، ويعقوب بن سفيان، والدارقطني (¬5)،ولعل ابن حجر أنزله عن مرتبة الصحة لهذه المناكير. وأطلقه على تفرد الصدوق: قال الترمذي: " حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا ابن مهدي حدثنا سفيان عن عبد الرحمن بن الحارث عن سليمان بن موسى عن مكحول عن أبي سلام عن أبي أمامة عن عبادة بن الصامت: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان ينفل في البدأة الربع وفي القفول الثلث. سألت محمداً عن هذا الحديث فقال: لا يصح هذا الحديث، إنما روى ¬

(¬1) علل ابن أبي حاتم 2/ 409 (2735). (¬2) علل ابن أبي حاتم 1/ 250 (735). (¬3) علل الترمذي ص 316 (589). (¬4) التقريب (2432). (¬5) تحرير التقريب 2/ 48، وانظر تهذيب الكمال 3/ 212 (2378)، وميزان الاعتدال 2/ 164 (3308).

هذا الحديث داود بن عمرو عن أبي سلام عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلاً، قال محمد: وسليمان بن موسى: منكر الحديث، أنا لا أروي عنه شيئا روى سليمان بن موسى أحاديث عامتها مناكير" (¬1). قلت: سليمان بن موسى، هو: الأشدق، قال الحافظ ابن حجر: " صدوق، فقيه، في حديثه بعض اللين، وخولط قبل موته بقليل " (¬2)،فأعل الإمام البخاري هذا الحديث بالمخالفة، فالمحفوظ عنده ما رواه داود بن عمرو الأودي - وهو صدوق (¬3) - مرسلاً، فالمرسل عنده أصح. وأطلقها على تفرد الضعيف، ومن ذلك: قال: " أبو حمزة المدني عن عروة روى عنه العقدي وطلحة بن يحيى الزرقي منكر الحديث، يروى عن عروة عن عائشة مرفوعاً: الغسل يوم الجمعة واجب. والمعروف عن عروة عن عمرة عن عائشة: كان الناس عمال أنفسهم فقيل لهم لو اغتسلتم " (¬4). قلت: أبو حمزة المدني هو: عبد الواحد بن ميمون العقدي: ضعفه الدارقطني وغيره (¬5)، فأعل البخاري بالمخالفة سنداً ومتناً كما هو ظاهر من النص. ومنه أيضا: قال الترمذي: " قال محمد: أهل الكوفة يروون عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر أحاديث مناكير وإنما أرادوا عندي عن عبد الرحمن بن يزيد بن تميم، وهو منكر الحديث، وهو بأحاديثه أشبه منه بأحاديث عبد الرحمن بن يزيد بن جابر " (¬6). وعبد الرحمن بن يزيد بن تميم: ضعيف (¬7). ¬

(¬1) علل الترمذي ص 256 (463). (¬2) التقريب (2616)، وتعقبه محررا التقريب 2/ 79: " بل صدوق حسن الحديث، وعبارة ابن حجر غير دقيقة ... وثقه يحيى بن معين، ودحيم، وأبو داود، وابن سعد، وذكره ابن حبان في الثقات ... .". (¬3) جاء في التقريب (1804): " صدوق يخطئ "، وتعقبه صاحبا التحرير فقالا: "صدوق حسن الحديث، وثقه يحيى بن معين، وقال أحمد بن حنبل: حديثه مقارب، وقال أبو زرعة: لا بأس به، وقال أبو حاتم: شيخ، وقال أبو داود: صالح .. ". (¬4) التأريخ الصغير 2/ 61 (1800)، وأنظر تأريخه الكبير 6/ 58 (1703). (¬5) ميزان الاعتدال 2/ 676 (5301). (¬6) علل الترمذي ص 392 (201). (¬7) التقريب (4040).

المطلب السادس: مذهب الإمام مسلم

وقد أطلقه أيضا على أحاديث المتروكين والكذابين ومنه: قال الترمذي: " سالت محمداً فقال كوثر بن حكيم له مناكير كان أحمد يرميه بالكذب " (¬1). ومنه أيضا، قال الترمذي:" حدثنا يحيى بن موسى، قال: حدثنا سعيد بن محمد الوراق وأبو يحيى الحماني قالا: أخبرنا صالح بن حسان عن عروة عن عائشة قالت: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إن أردت اللحوق بي فليكفك من الدنيا كزاد الراكب وإياك ومجالسة الأغنياء ولا تستخلقي ثوباً حتى ترقعيه ". سألت محمدا عن هذا الحديث فقال: صالح بن حسان منكر الحديث، وصالح بن أبي حسان الذي يروي عنه ابن أبي ذئب ثقة " (¬2). قلت: وصالح هذا متروك (¬3). إذن فالإمام البخاري يطلق المنكر على تفرد من لا يحتمل تفرده، أو فيما لا يحتمل تفرده من الأحاديث. أما زعم أنه يطلقه على ما تفرد به الضعيف، أو المتروك فقط، فلا يصح كما رأيت، فهو على منهجية أقرانه من المتقدمين. المطلب السادس: مذهب الإمام مسلم: قال في التمييز:" ذكر خبر واه يدفعه الأخبار الصحاح، قال: حدثنا عبد الله بن مسلمة: أنبأنا سلمة بن وردان عن أنس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلاً من أصحابه فقال: يا فلان هل تزوجت؟ قال: لا. وساقه، قال مسلم: هذا الخبر الذي ذكرناه عن سلمة عن أنس أنه خبر يخالف الخبر الثابت المشهور، فنقل عوام أهل العدالة ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو الشائع من قوله: "قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن". فقال ابن وردان في روايته:" إنها ربع القرآن ". ثم ذكر في خبره من القرآن خمس سور، يقول في كل واحد منها ربع القرآن، وهو مستنكر غير مفهوم صحة معناه. ولو أن هذا الكتاب قصدنا فيه الإخبار عن سنن الأخيار بما يصح وبما يستقيم لما استجزنا ذكر هذا الخبر عن سلمة بلفظه باللسان عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فضلاً عن روايته، وكذلك ما أخرجه من الأخبار المنكرة، ولكننا سوغنا روايته لعزمنا على اخبارنا فيه من العلة التي وصفنا" (¬4). ¬

(¬1) علل الترمذي ص395 (143). (¬2) علل الترمذي ص294 (544). (¬3) التقريب (8249). (¬4) التمييز ص 194 - 195 (67).

المطلب السابع: مذهب الإمام أبي داود

قلت: استنكر الإمام مسلم تفرد سلمة بن وردان، وهو ضعيف الحديث (¬1)، قال أبو حاتم: ليس بالقوي، عامة ما عنده عن أنس منكر، وقال الإمام أحمد: منكر الحديث (¬2). واستنكر تفرد " صدوق "، فقال: " ذكر خبر ليس بمحفوظ المتن: حدثنا يحيى بن يحيى، قال: حدثنا وكيع عن سفيان عن أبي قيس عن هزيل بن شرحبيل عن المغيرة بن شعبة: ... " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ ومسح على الجوربين والنعلين. " - ثم ساق الإمام مسلم الروايات الصحيحة عن المغيرة، بما يبين خطأ أبي قيس -، ثم قال: " قد بينا من ذكر أسانيد المغيرة في المسح بخلاف ما روى أبو قيس عن هزيل عن المغيرة ما قد اقتصصناه وهم من التابعين وأجلتهم مثل مسروق وذكر من قد تقدم ذكرهم، فكل هؤلاء قد اتفقوا على خلاف رواية أبي قيس عن هزيل ومن خالف خلاف بعض هؤلاء بين لأهل الفهم من الحفظ في نقل هذا الخبر، وتحمل ذلك والحمل فيه على أبي قيس أشبه وبه أولى منه بهزيل لان أبا قيس قد استنكر أهل العلم من روايته أخباراً غير هذا الخبر " (¬3). قلت: وأبو قيس: هو عبد الرحمن بن ثروان الأودي، قال الحافظ ابن حجر:"صدوق ربما خالف " (¬4)، وتعقب بأنه أطلق توثيقه يحيى بن معين، والعجلي، وابن نمير، وقال النسائي: لا بأس به، فهو صدوق حسن الحديث (¬5). المطلب السابع: مذهب الإمام أبي داود: أطلق الإمام أبو داود مصطلح "منكر " على تفرد الراوي بما لا يتابع عليه، وكان هذا الفرد مما لا يحفظه أئمة الحديث. فقد أطلقه على تفرد الثقة، ومنه ما رواه في السنن فقال:" حدثنا نصر بن علي عن أبي علي الحنفي عن همام عن ابن جريج عن الزهري عن أنس قال:" كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل الخلاء وضع خاتمه". قال أبو داود: هذا حديث منكر، وإنما يعرف عن ابن جريج ¬

(¬1) التقريب (2514). (¬2) انظر ميزان الاعتدال 2/ 193 (3414). (¬3) التمييز ص202 (79). (¬4) التقريب (3823). (¬5) أنظر التحرير 2/ 311.

عن زياد بن سعد عن الزهري عن أنس: " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اتخذ خاتماً من ورق ثم ألقاه ". والوهم فيه من همام ولم يروه إلا همام " (¬1). قلت: وهمام ثقة معروف، لكنه انفرد بمتن غير محفوظ عند الأئمة فاستنكروه (¬2). وأطلقه على تفرد صدوق، ومنه: قال: " حدثنا يحيى بن معين وهناد بن السري وعثمان بن أبي شيبة عن عبد السلام بن حرب وهذا لفظ حديث يحيى عن أبي خالد الدالاني عن قتادة عن أبي العالية عن ابن عباس:" أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يسجد وينام وينفخ ثم يقوم فيصلي ولا يتوضأ، قال: فقلت له: صليت ولم تتوضأ وقد نمت؟ فقال: إنما الوضوء على من نام مضطجعا ". زاد عثمان وهناد: " فإنه إذا اضطجع استرخت مفاصله ". قال أبو داود: قوله: الوضوء على من نام مضطجعاً، هو حديث منكر لم يروه إلا يزيد، أبو خالد الدالاني عن قتادة، وروى أوله جماعة عن ابن عباس، ولم يذكروا شيئاً من هذا، وقال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - محفوظا، وقالت عائشة رضي الله عنها: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -:" تنام عيناي ولا ينام قلبي ". وقال شعبة: إنما سمع قتادة من أبي العالية أربعة أحاديث حديث يونس بن متى، وحديث ابن عمر في الصلاة، وحديث القضاة ثلاثة، وحديث ابن عباس: حدثني رجال مرضيون منهم عمر، وأرضاهم عندي عمر. قال أبو داود: وذكرت حديث يزيد الدالاني لأحمد بن حنبل فانتهرني استعظاماً له، وقال: ما ليزيد الدالاني يدخل على أصحاب قتادة؟ ولم يعبأ بالحديث " (¬3). قلت: وأبو خالد الدالاني: قال الحافظ: " صدوق، يخطئ كثيراً، وكان يدلس " (¬4). وأطلقه على تفرد الضعيف، ومنه: قال: " حدثنا نصر بن علي، قال: حدثني الحارث بن وجيه، قال: حدثنا مالك بن دينار، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" إن تحت كل شعرة جنابة فاغسلوا الشعر وأنقوا البشر ". قال أبو داود: ¬

(¬1) السنن (19). (¬2) وانظر النكت على ابن الصلاح 2/ 677. (¬3) السنن (202). (¬4) التقريب (8072)، وقال صاحبا التحرير 4/ 185: " بل صدوق، كما قال البخاري، وقال ابن معين والنسائي: ليس به بأس، ووثقه أبو حاتم الرازي ... .. وأما التدليس: فلم نجد من وصفه به ".

الحارث بن وجيه حديثه منكر وهو ضعيف " (¬1). قلت: الحارث بن وجيه، هو الراسبي: ضعيف (¬2). وقد استنكر أبو داود أحاديث كثراً لا لعلة يراها في السند، إلا لكون متنه غير محفوظ، أو يخالف المحفوظ، أو تفرد به ثقة فوصل المرسل، أو رفع الموقوف، ومن ذلك: قال: " حدثنا عثمان بن أبي شيبة أن محمد بن جعفر حدثهم عن شعبة عن الحكم عن مجاهد عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:" هذه عمرة استمتعنا بها فمن لم يكن عنده هدي فليحل الحل كله وقد دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة ". قال أبو داود: هذا منكر إنما هو قول ابن عباس " (¬3). قلت: عثمان بن أبي شيبة: ثقة حافظ (¬4)، وهو كأي حافظ يخطئ في بعض الأحاديث وكذا استنكر عليه الإمام أحمد بعض أحاديثه (¬5)، مع أنه وثقه هو نفسه (¬6). ومنه: قال " حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة وعثمان بن أبي شيبة المعنى قالا: حدثنا محمد بن جعفر عن شعبة عن الحكم عن عمارة بن عمير عن أمه عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:" ولد الرجل من كسبه من أطيب كسبه فكلوا من أموالهم ". قال أبو داود: حماد بن أبي سليمان زاد فيه: إذا احتجتم وهو منكر " (¬7). قلت: قال ابن حجر في حماد بن أبي سليمان:"فقيه صدوق له أوهام " (¬8)، وقال الإمام الذهبي: " ثقة إمام مجتهد " (¬9)، وجاء في تحرير التقريب: " فقيه صدوق حسن الحديث، وإنما أنزل إلى هذه المرتبة بسبب أوهام كانت تقع له، وثقه يحيى بن معين ¬

(¬1) السنن (248). (¬2) التقريب (1056). (¬3) السنن (1790). (¬4) التقريب (4513). (¬5) انظر العلل ومعرفة الرجال 1/ 266 (1251)، وتاريخ الخطيب 13/ 163. (¬6) انظر تهذيب الكمال 5/ 134 (4446)،وتأريخ الخطيب 13/ 166 - 167. (¬7) السنن (3529). (¬8) التقريب (1500). (¬9) الكاشف 1/ 349 (1221).

المطلب الثامن: مذهب الإمام الترمذي

والنسائي والعجلي، وفضله يحيى بن سعيد على مغيرة بن مقسم - وهو ثقة - .. ،قال أبو حاتم: صدوق لا يحتج به، وهو مستقيم في الفقه ... " (¬1). وأطلقه على تفرد المتروك، ومنه: قال:"حدثنا سلمة بن شبيب، قال حدثنا عبد الله بن إبراهيم، قال: حدثني إسحاق بن محمد الأنصاري، عن ربيح بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن جده أبي سعيد الخدري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا جلس أحتبي بيده ". قال أبو داود: عبد الله بن إبراهيم شيخ منكر الحديث " (¬2). قلت: عبد الله بن إبراهيم بن أبي عمرو الغفاري: متروك الحديث (¬3). وأطلقه على حديث منقطع الإسناد ومنه: قال: " حدثنا عثمان بن أبي شيبة، قال حدثنا كثير بن هشام عن جعفر بن برقان، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه قال:" نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن مطعمين عن الجلوس على مائدة يشرب عليها الخمر وأن يأكل الرجل وهو منبطح على بطنه ". قال أبو داود: هذا الحديث لم يسمعه جعفر من الزهري وهو منكر " (¬4). وهكذا نجد الإمام أبا داود قد توسع في مصطلح " منكر " ليشمل أنواع المخالفات من الثقات وغيرهم، وأحاديث الضعفاء، والمتروكين، وغيرهم. المطلب الثامن: مذهب الإمام الترمذي: إنّ الأحاديث التي ذكرناها في مذهب الإمام البخاري قد تنطبق هنا تماماً، مضافاً إليها هذه الأمثلة مما ذكره في الجامع: فمنها: قال " حدثنا بشر بن معاذ العقدي البصري، قال: حدثنا أيوب بن واقد الكوفي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" من نزل على قوم فلا يصومن تطوعاً إلا بإذنهم ". قال أبو عيسى: هذا حديث منكر، لا نعرف أحداً من الثقات روى هذا الحديث عن هشام بن عروة وقد روى موسى بن داود عن أبي بكر ¬

(¬1) التحرير 1/ 319، وأنظر تهذيب الكمال 2/ 282 (1467)، والجرح والتعديل، ابن أبي حاتم 2/ 147 (642). (¬2) السنن (4846). (¬3) التقريب (3199). (¬4) السنن (3774).

المدني عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحواً من هذا. قال أبو عيسى: وهذا حديث ضعيف أيضاً وأبو بكر ضعيف عند أهل الحديث، وأبو بكر المدني الذي روى عن جابر بن عبد الله اسمه الفضل بن مبشر وهو أوثق من هذا وأقدم " (¬1).قلت: أطلقه على تفرد المتروك، فأيوب بن واقد الكوفي: متروك الحديث (¬2). ومنه أيضا، قال:"حدثنا أحمد بن منيع، قال: حدثنا زيد بن حباب، قال حدثنا إبراهيم بن عثمان عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: " قرأ على الجنازة بفاتحة الكتاب ". قال: وفي الباب عن أم شريك، قال أبو عيسى: حديث ابن عباس حديث ليس إسناده بذلك القوي إبراهيم بن عثمان هو أبو شيبة الواسطي منكر الحديث والصحيح عن ابن عباس قوله:" من السنة القراءة على الجنازة بفاتحة الكتاب " (¬3). قلت: إبراهيم بن عثمان " متروك " (¬4). وأطلقه على تفرد الضعيف، ومنه: قال:" حدثنا حميد بن مسعدة قال: حدثنا محمد بن حمران عن أبي سعيد وهو عبد الله بن بسر قال: سمعت أبا كبشة الأنماري يقول:" كانت كمام أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بطحاً ". قال أبو عيسى: هذا حديث منكر وعبد الله بن بسر بصري هو ضعيف عند أهل الحديث ضعفه يحيى بن سعيد وغيره، وبطح يعني واسعة " (¬5). وأطلقه على مخالفة الضعيف، ومنه: قال:" حدثنا محمد بن عمرو السواق، قال: حدثنا عبد العزيز بن محمد عن صالح بن محمد بن زائدة عن سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر عن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " من وجدتموه غل في سبيل الله فاحرقوا متاعه ".قال صالح: فدخلت على مسلمة ومعه سالم بن عبد الله فوجد رجلاً قد غل فحدث سالم بهذا الحديث، فأمر به فأحرق متاعه، فوجد في متاعه مصحف فقال سالم: بع هذا وتصدق بثمنه. قال أبو عيسى: هذا الحديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه والعمل على هذا عند بعض أهل العلم، وهو قول الأوزاعي وأحمد وإسحاق، قال: وسألت محمداً عن هذا الحديث فقال: إنما روى هذا صالح بن محمد بن زائدة وهو أبو ¬

(¬1) الجامع (789). (¬2) التقريب (630). (¬3) الجامع (1026). (¬4) التقريب (215). (¬5) الجامع (1782).

المطلب التاسع: مذهب الإمام أبي بكر البرديجي

واقد الليثي وهو منكر الحديث، قال محمد: وقد روي في غير حديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الغال فلم يأمر فيه بحرق متاعه، قال أبو عيسى: هذا حديث غريب " (¬1). قلت: صالح بن محمد بن زائدة: ضعيف (¬2). المطلب التاسع: مذهب الإمام أبي بكر البرديجي: قال: " إنه الحديث الذي ينفرد به الرجل ولا يعرف متنه من غير روايته لا من الوجه الذي رواه عنه ولا من وجه آخر " (¬3).وسنناقشه لاحقاً. المطلب العاشر: مذهب الإمام النسائي: أطلق الإمام النسائي مصطلح "منكر " على مخالفة الثقة، ومثاله: قال: " أخبرنا هناد ابن السري عن أبي الأحوص عن سماك عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي بردة بن نيار قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"اشربوا في الظروف ولا تسكروا". قال أبو عبد الرحمن: وهذا حديث منكر غلط فيه أبو الأحوص سلام بن سليم، لا نعلم أن أحدا تابعه عليه من أصحاب سماك بن حرب وسماك ليس بالقوي وكان يقبل التلقين، قال أحمد بن حنبل: كان أبو الأحوص يخطئ في هذا الحديث، خالفه شريك في إسناده وفي لفظه" (¬4). قلت: وأبو الأحوص: ثقة (¬5)، قد خالف شريكاً فأخطأ (¬6). وأطلقه على تفرد الصدوق، ومنه: قال: " أخبرنا زكريا بن يحيى قال: حدثنا أبو بكر بن خلاد، قال: حدثنا محمد بن فضيل، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" تسحروا فإن في السحور بركة ". قال أبو عبد الرحمن: ¬

(¬1) الجامع (1461) (¬2) التقريب (2885). (¬3) مقدمة ابن الصلاح ص80، وانظر شرح علل الترمذي 2/ 653 وفتح المغيث، السخاوي 1/ 222 وغيرها. (¬4) سنن النسائي 8/ 319. (¬5) التقريب (2703). (¬6) وأعله أيضا: أبو زرعة، العلل 2/ 24 (1549)، والدارقطني في السنن 4/ 259. قلت: فأما خطأ الإسناد: فقد رواه شريك: عن سماك عن القاسم عن أبي بردة عن أبيه. وأما خطأ المتن: فالمحفوظ: " كنت نهيتكم عن الظروف فاشربوا ولا تشربوا مسكرا " وهو الذي صوبه الحافظ ابن حجر العسقلاني في النكت الظراف 8/ 306.

حديث يحيى بن سعيد هذا إسناده حسن وهو منكر، وأخاف أن يكون الغلط من محمد بن فضيل " (¬1). قلت: ومحمد بن فضيل: صدوق (¬2) وقد تفرد ولم يتابع. وأطلقه أيضا على مخالفة الصدوق، ومنه: قال: " أخبرنا أحمد بن نصر، قال: حدثنا عمرو بن محمد، قال: حدثنا عثام بن علي، قال: حدثنا الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال:"كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي ركعتي الفجر إذا سمع الأذان ويخففهما". قال أبو عبد الرحمن: هذا حديث منكر " (¬3). قلت: وعثام بن علي بن هجير العامري: قال الحافظ ابن حجر: "صدوق " (¬4)؛ وقد خالفه محمد بن فضيل عن الأعمش: فرواه عن الأعمش عن حبيب، عن كريب مولى ابن عباس، عن ابن عباس (¬5). وأطلقه على مخالفة الضعيف، ومنه: قال النسائي:" أخبرنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا المعتمر، عن أبيه، قال: سمعت طلقاً يذكر عشرة من الفطرة: السواك وقص الشارب وتقليم الأظفار وغسل البراجم وحلق العانة والاستنشاق وأنا شككت في المضمضة. أخبرنا قتيبة قال: حدثنا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن طلق بن حبيب، قال: عشرة من السنة السواك وقص الشارب والمضمضة والاستنشاق وتوفير اللحية وقص الأظفار ونتف الإبط والختان وحلق العانة وغسل الدبر. قال أبو عبد الرحمن: وحديث سليمان التيمي وجعفر بن إياس أشبه بالصواب من حديث مصعب بن شيبة ومصعب منكر الحديث " (¬6). ¬

(¬1) سنن النسائي 4/ 142. (¬2) هكذا قال الحافظ في التقريب (6227). قلت: هو ثقة، وإنما حمل عليه لتشيعه، وهي علة غير قادحة، إلا فيما يؤيدها من الأحاديث، وإلا فقد وثقه ابن معين، وابن المديني، وابن سعد، والعجلي، وغيرهم، وقال الذهبي في الكاشف، وقد احتج به الشيخان في صحيحيهما. أنظر ميزان الإعتدال 4/ 9 وتهذيب التهذيب 9/ 359 (660) والتحرير 3/ 307. (¬3) سنن النسائي 3/ 256. (¬4) التقريب (4448)، قال صاحبا التحرير 2/ 433:" ثقة، وثقه أبو زرعة الرازي، وابن سعد، وابن معين، والبزار، وقال أحمد: لابأس به، وقال ابو حاتم: صدوق، وأثنى عليه أبو داود ... ولا يعلم فيه جرح ". (¬5) أخرجه النسائي في الكبرى 1/ 163 (405). (¬6) سنن النسائي 8/ 128.

قلت: ومصعب بن شيبة: ضعيف (¬1). وأطلقه على تفرد الضعيف، ومنه: قال النسائي: " أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبيد بن عقيل، قال: حدثنا جدي، قال: حدثنا مصعب بن ثابت، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله، قال: جيء بسارق إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: اقتلوه، فقالوا يا رسول الله: إنما سرق؟ قال: اقطعوه، فقطع، ثم جيء به الثانية، فقال: اقتلوه، فقالوا يا رسول الله: إنما سرق؟ قال: اقطعوه فقطع، فأتي به الثالثة فقال: اقتلوه؟ قالوا يا رسول الله: إنما سرق؟ فقال: اقطعوه، ثم أتي به الرابعة فقال: اقتلوه، قالوا يا رسول الله: إنما سرق؟ قال: اقطعوه، فأتي به الخامسة، قال: اقتلوه، قال جابر: فانطلقنا به إلى مربد النعم وحملناه فاستلقى على ظهره ثم كشر بيديه ورجليه فانصدعت الإبل ثم حملوا عليه الثانية، ففعل مثل ذلك، ثم حملوا عليه الثالثة فرميناه بالحجارة فقتلناه، ثم ألقيناه في بئر ثم رمينا عليه بالحجارة. قال أبو عبد الرحمن: وهذا حديث منكر، ومصعب بن ثابت ليس بالقوي في الحديث والله تعالى أعلم " (¬2). وأطلقه أيضا على سند فيه مجهول، ومنه: قال: "أخبرنا أحمد بن سليمان، قال: حدثنا عبيد الله، قال: حدثنا إسرائيل، عن منصور، عن سالم، عن رجل حدثه، عن البراء بن عازب: " أن رجلاً كان جالساً عند النبي - صلى الله عليه وسلم - وعليه خاتم من ذهب وفي يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مخصرة أو جريدة فضرب بها النبي - صلى الله عليه وسلم - إصبعه، فقال الرجل: مالي يا رسول الله؟ قال ألا تطرح هذا الذي في إصبعك فأخذه الرجل فرمى به فرآه النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك فقال: ما فعل الخاتم؟ قال: رميت به قال: ما بهذا أمرتك إنما أمرتك أن تبيعه فتستعين بثمنه "، وهذا حديث منكر " (¬3). وخلاصة القول: من خلال الاستقراء لمنهج الأئمة المتقدمين يظهر بجلاء أن الأحاديث المنكرة هي الأحاديث التي يخطئ فيها الراوي؛ في إسنادها أو متنها، سواء أكان هذا الراوي ثقة أم صدوقاً، أم ضعيفاً، أم متروكاً؛ وأنّ النكارة تطلق على تفرد الضعيف، أوعلى ما يرويه ¬

(¬1) قال ابن حجر " لين الحديث " التقريب (6691). (¬2) سنن النسائي 8/ 90. (¬3) سنن النسائي 8/ 170.

المتروك مطلقاً. فالرواة ثقاتٍ كانوا أم غير ثقاتٍ لا يحكم على أحدهم أنه منكر الحديث أو على روايته أنها منكرة إلا إذا عرضت روايته على روايات الثقات فإن وافقتها فهي مقبولة وراويها ثقة لا يخالف، وإن لم تكد توافق فهي غرائب منكرة بيد أن راويها يكون من رواة الاختبار- ممن يختبر حديثه- فإن كثر عليه ذلك حتى يغلب على روايته الغرائب عندئذ يكون منكر الحديث، فإن كان صاحب المناكير ثقة فرواياته الموافقة لروايات الثقات تقبل، أما ما يخالف فتترك، وأما إن كان راوي المناكير ضعيفاً فإنه تترك روايته وافقه أحد أم لا، لأنه منكر الحديث (متروك). قال الحافظ عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة: " قيل له: من الذي يترك حديثه؟ قال: الذي إذا روى عن المعروفين ما لا يعرفه المعروفون فأكثر طرح حديثه " (¬1). ويفهم أيضا من كلام الإمام مسلم: "وعلامة المنكر في حديث المحدث إذا ما عرضت روايته للحديث على رواية غيره من أهل الحفظ والرضى خالفت روايته روايتهم أو لم تكد توافقها، فإن كان الأغلب من حديثه كذلك كان مهجور الحديث غير مقبوله ولا مستعمله" (¬2). ومن خلال ما مر من أقوال الأئمة، وصنيعهم تبين لنا بطلان القول الشائع عند بعض المتأخرين، أن المتقدمين يطلقون المنكر على تفرد الثقات فقط، وينسبون ذلك إلى الإمام أحمد، أو غيره من الأئمة، وبان أن من منهج المتقدمين إطلاق مصطلح منكر، أو مناكير، أو أغلاط، أو أخطاء، أو ما شاكلها على تفرد الرواة مطلقاً بشيء غير محفوظ عندهم، وأنهم لا يفرقون بين هذه الألفاظ الدالة على الخطأ، وهذا ما يسميه الحافظ ابن حجر شاذا إذا كان من ثقة، ومنكراً إذا كان من ضعيف، أي: لا يفرقون بينهما. ¬

(¬1) الكفاية، الخطيب ص142. (¬2) مقدمة الإمام مسلم 1/ 7 وانظر النكت على ابن صلاح، ابن حجر 2/ 675.

الفصل الثاني الحديث الشاذ

الفصل الثاني الحديث الشاذ المبحث الأول: تعريف الحديث الشاذ: الشاذ في اللغة: مأخوذ من "شذّ، يشذّ شذاً أو شذوذاً: ندر عن الجمهور وشذّه هو كمدّه لا غير. وشذّ وأشذه والشذاذ: القلال والذين لم يكونوا في حيهم ومنازلهم" (¬1). قال ابن حزم: " إنّ كل من خالف أحداً فقد شذ عنه وكل قول خالف الحق فهو شاذ عن الحق فوجب أن كل خطأ فهو شذوذ عن الحق وكل شذوذ عن الحق فهو خطأ" (¬2). وفي الاصطلاح: قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: الشاذ: " ما رواه "المقبول" مخالفاً لمن هو أولى منه" (¬3). فالشاذ إذن من أقسام الحديث الضعيف كما هو مقرر. (¬4) هنا أسأل: ما مراد الحافظ ابن حجر بـ "المقبول": هل هو الضعيف المعتبر كما قرره في التقريب (¬5)؟ أم الضعيف غير المعتبر؟ أم الثقة؟. فإن قيل: أراد به الضعيف أو الضعيف المعتبر، قلنا: لازمه أن الشاذ والمنكر واحد، وقد فرق بينهما الحافظ ابن حجر بل عد ذلك غفلة بقوله:" وقد غفل من سوى بينهما" (¬6)، وإن قيل أراد به الثقة، قيل له: فلماذا لم يصرح بذلك؟ ¬

(¬1) القاموس المحيط باب الذال مادة "شذ" 1/ 354، وانظر مختار الصحاح مادة "شذ" ص (332 - 333). (¬2) الإحكام 4/ 576. (¬3) نزهة النظر ص50، وانظر تدريب الراوي، السيوطي 1/ 196. (¬4) انظر مصدر سابق. (¬5) انظر مقدمة التقريب 1/ 52، وقد عدها في المرتبة السادسة. (¬6) نزهة النظر ص52، وانظر صفحة 42 من مبحث المنكر.

أقول: إنما قال ذلك لأنه رأى التصريح بالثقة يخالف صنيع الأئمة والضعيف كذلك، فأراد التوفيق بينهما فقال: المقبول وأراد به الذي يحتج به مطلقاً منفرداً أو متابعاً، يعني -صحيح الحديث وحسنه- فقط (¬1)،والله أعلم. ومع كل ذلك فعلى تعريفه: - ما خالف المقبول- يكون قد عارض نفسه فقد نقل عنه السيوطي في التدريب عند تعريف الحديث الصحيح قوله: "مجرد مخالفة أحد رواته لمن هو أوثق أو أكثر عدداً لا يستلزم الضعف، بل يكون من باب صحيح وأصح ... " (¬2)؟ فتأمل! وتأمل قوله في حد الصحيح: " إن شرط الصحيح أن لا يكون الحديث شاذاً" (¬3)، فهل الشاذ صحيح؟ أو حسن؟ أو ضعيف؟ والأمثلة كثيرة لمن يتتبع. وفي الحقيقة لم أقف على قولٍ "لمتأخر"، يعطي الشاذ حقيقة مفهومه لأنه لم يُستقرأ بشكل صحيح، بل استُنتج فقط، والأعم الأغلب منهم يكرر عبارة سابقه، مع إجلالنا لهم، والاعتراف بفضلهم. من أجل ذلك يقول السيوطي:" الحديث الشاذ عسير ولعسره لم يفرده أحدٌ بالتصنيف". (¬4) وإن هذا المصطلح نادر الاستعمال لدى المتقدمين، فإذا تتبعت أقوالهم في كتب العلل فإنك لا تكاد تجد فيها كلمة " الشاذ "،، ولا يعني هذا أنهم لا يعتبرون الشذوذ علة، وإنما أوردوا ما يقال فيه الشاذ بعبارات أخرى واضحة مثل قولهم: هذا خطأ، هذا غير محفوظ، هذا وهم، ونحوها، وسأعرض الأقوال التي استطعت أن أقف عليها في كتب المصطلح، حتى نحدد مفهوم الحديث الشاذ عندهم. أقوال علماء المصطلح في تعريف الحديث الشاذ: قال الحاكم النيسابوري ت (405): " الشاذ هو غير المعلول، فإن المعلول ما يوقف على علته أنه دخل حديث في حديث أو وهم فيه راو أو أرسله واحد فوصله واهم ¬

(¬1) انظر النكت على ابن صلاح 2/ 674، وصفحة 42 من بحث المنكر. (¬2) تدريب الراوي 1/ 45. (¬3) النكت على ابن الصلاح 2/ 654. (¬4) تدريب الراوي 1/ 194.

فأما الشاذ فإنه حديث يتفرد به ثقة من الثقات وليس للحديث أصل متابع لذلك الثقة." (¬1). وهو أول تعريف للشاذ في كتب المصطلح كنوع من أنواع علوم الحديث، إذ لم أقف على تعريفه في أول كتاب في مصطلح الحديث وهو كتاب "المحدث الفاصل بين الراوي والواعي " للحافظ الرامهرمزي ت (360هـ). وقال أبو يعلى الخليلي ت (446): " الذي عليه حفاظ الحديث أن الشاذ ما ليس له إلا إسناد واحد يشذ بذلك شيخ ثقة كان أو غير ثقة فما كان من غير ثقة فمتروك لا يقبل، وما كان عن ثقة يتوقف فيه ولا يحتج به" (¬2). أما الخطيب البغدادي ت (463): فإنه لم يصرح لنا بتعريف للشاذ في الكفاية أو غيرها من كتبه -والله أعلم- وإنما بوب باباً سماه " ترك الاحتجاج بمن غلب على حديثه الشواذ ورواية المناكير والغرائب من الأحاديث" (¬3)،ونقل كلام أئمة الشأن في ترك الاحتجاج بالحديث الشاذ. وقال الميانشي ت (571): " فهو أن يرويه راو معروف لكنه لا يوافقه على روايته المعروفون " (¬4) وقال الحافظ ابن الصلاح ت (643):" الأمر في ذلك على تفصيل نبينه فنقول: إذا انفرد الراوي بشيء نظر فيه فإن كان ما انفرد به مخالفاً لما رواه من هو أولى منه بالحفظ لذلك وأضبط، كان ما انفرد به شاذاً مردوداً وإن لم يكن فيه مخالفة لما رواه غيره وإنما هو أمر رواه هو ولم يروه غيره فينظر في هذا الراوي المنفرد فإن كان عدلاً حافظاً موثوقاً بإتقانه وضبطه قبل ما انفرد به ولم يقدح الانفراد فيه كما فيما سبق من الأمثلة وإن لم يكن ممن يوثق بحفظه وإتقانه لذلك الذي انفرد به كان انفراده به خارماً له مزحزحا له عن حيز الصحيح ثم هو بعد ذلك دائر بين مراتب متفاوتة بحسب الحال فيه فإن كان المنفرد به غير بعيد من درجة الضابط المقبول تفرده استحسنا حديثه ذلك ولم ¬

(¬1) معرفة علوم الحديث ص119. (¬2) الإرشاد 1/ 176. (¬3) الكفاية ص 142. (¬4) ما لا يسع المحدث جهله ص 11.

نحطه إلى قبيل الحديث الضعيف، وإن كان بعيداً من ذلك رددنا ما انفرد به وكان من قبيل الشاذ المنكر، فخرج من ذلك أن الشاذ المردود قسمان: أحدهما الحديث الفرد المخالف، والثاني الفرد الذي ليس في راويه من الثقة والضبط ما يقع جابراً لما يوجبه التفرد والشذوذ من النكارة والضعف، والله أعلم (¬1). وتعقبه الحافظ ابن جماعة ت (773) فقال: " وهذا التفصيل حسن ولكنه مخل لمخالفة الثقة من هو مثله في الضبط وبيان حكمه" (¬2). وقال الإمام النووي ت (676):" فالصحيح التفصيل: فإن كان بتفرده مخالفاً أحفظ منه وأضبط كان شاذاً مردوداً، وإن لم يخالف الراوي فإن كان عدلاً حافظاً موثوقاً بضبطه كان تفرده صحيحاً، وإن لم يوثق بضبطه ولم يبعد عن درجة الضابط كان حسناً، وإن بعد كان شاذاً منكراً مردوداً والحاصل أن الشاذ المردود: هو الفرد المخالف والفرد الذي ليس في رواته من الثقة والضبط ما يجبر به تفرده" (¬3). وقال ابن دقيق العيد ت (702): " هو ما خالف راويه الثقات أو ما انفرد به من لا يحتمل حاله أن يقبل ما تفرد به" (¬4). ورجح الحافظ ابن كثير ت (774): مذهب الشافعي وهو أنه إذا كان المنفرد عدلاً ضابطاً حافظاً فحديثه صحيح، وأما إن كان المنفرد غير حافظ وهو عدل ضابط فحديثه حسن وإن فقد الشروط فإنه مردود. ثم قال: فإن هذا لو رد لردت أحاديث كثيرة من هذا النمط وتعطلت كثير من المسائل عن الدلائل. (¬5) ورجح الشيخ أحمد شاكر مذهب ابن كثير في تعليقه - الباعث الحثيث-. (¬6) وقال الحافظ العراقي ت (806): وذو الشذوذ ما يخالف الثقة فيه الملا فالشافعي حققه ¬

(¬1) مقدمة ابن الصلاح ص 76. (¬2) المنهل الروي ص50. (¬3) تقريب النواوي بشرحه تدريب الراوي، السيوطي 1/ 195 - 196. (¬4) الاقتراح ص197. (¬5) انظر اختصار علوم الحديث بشرحه الباعث الحثيث ص55. (¬6) انظر مصدر سابق.

المبحث الثاني: مفهوم الحديث الشاذ عند المتأخرين

والحكم الخلاف فيه ما اشترط وللخليلي مفرد الراوي فقط ورد ما قالا بمفرد الثقة كالنهي عن بيع الولا والهبة وبقول مسلم روى الزهري تسعين فرداً كلها قوي (¬1) وقال لحافظ ابن حجر العسقلاني ت (852):"وفي الجملة فالأليق في حد الشاذ ما عرف به الشافعي " (¬2). وقال في النزهة: " الشاذ ما رواه المقبول مخالفاً لمن هو أولى منه. وهذا هو المعتمد في تعريف الشاذ بحسب الاصطلاح " (¬3). وهو الذي رجحه السخاوي ت (902) فقال: "فالأليق في حد الشاذ ما عرفه الشافعي، ولذا اقتصر عليه شيخنا في شرح النخبة عليه ". (¬4) وكذا السيوطي ت (911) في التدريب (¬5) والصنعاني (¬6) ت (1182). المبحث الثاني: مفهوم الحديث الشاذ عند المتأخرين: بعد أن ذكرنا أقوال أهل المصطلح في الحديث الشاذ، سنشرع في ذكر مذاهب الأئمة المتأخرين - بصورة عامة - في مفهوم الحديث:" الشاذ " ثم نناقش آراءهم. ويمكن أن نقسم مفهوم الحديث الشاذ حسب أقوالهم إلى مذاهب: المذهب الأول: الشاذ هو تفرد الثقة مطلقاً. وهو ظاهر قول الحاكم النيسابوري، قال: " الشاذ هو غير المعلول، فإن المعلول ما يوقف على علته أنه دخل حديث في حديث أو وهم فيه راو أو أرسله واحد فوصله واهم فأما الشاذ فإنه حديث يتفرد به ثقة من الثقات وليس للحديث أصل متابع لذلك الثقة." (¬7). قال الحافظ ابن حجر: " والحاصل من كلامهم أن الخليلي يسوي بين الشاذ والفرد ¬

(¬1) ألفية الحديث بشرحها فتح المغيث، السخاوي 1/ 217. (¬2) النكت 2/ 671. (¬3) نزهة النظر ص51. (¬4) فتح المغيث 1/ 222. (¬5) تدريب الراوي 1/ 196. (¬6) توضيح الأفكار 1/ 379. (¬7) معرفة علوم الحديث ص119.

المطلق فيلزم على قوله أن يكون في الشاذ الصحيح فكلامه أعم، وأخص منه كلام الحاكم لأنه يقول: إنه تفرد الثقة فيخرج تفرد غير الثقة فيلزم على قوله أن يكون في الصحيح الشاذ وغير الشاذ، وأخص منه كلام الشافعي لأنه يقول: إنه تفرد الثقة بمخالفة من هو أرجح منه" (¬1). وقال السخاوي: الشاذ عند الحاكم هو: " ما انفرد به ثقة من الثقات وليس له أصل متابع لذلك الثقة فاقتصر على قيد الثقة وحده وبين ما يؤخذ منه أنه يغاير المعلل، من حيث إن ذلك وقف على علته الدالة على جهة الوهم فيه، من إدخال حديث في حديث أو وصل مرسل أو نحو ذلك" (¬2). وقال ابن الوزير: " ففي رواية الخليلي هذه عن حفاظ الحديث: أنهم لم يشترطوا في الشاذ مخالفة الناس" (¬3)، قال الصنعاني: " كما لم يشترطها الحاكم" (¬4). قال ابن الصلاح: " أما ما حكم الشافعي عليه بالشذوذ فلا إشكال في أنه شاذ غير مقبول، وأما ما حكيناه عن غيره -يريد الحاكم وأبا يعلى- فيشكل بما ينفرد به العدل الحافظ الضابط كحديث: " إنما الأعمال بالنيات" فإنه حديث فرد" (¬5). وتعقبه الحافظ ابن حجر بأمرين: " أحدهما: أن الخليلي والحاكم ذكرا تفرد الثقة فلا يرد عليهما تفرد الحافظ، لما بينهما من الفرق، والثاني أن حديث النية لم يتفرد به عمر بل قد رواه أبو سعيد وغيره عن النبي - صلى الله عليه وسلم - " (¬6).وكذا السيوطي إذ قال: " وأجيب بأنهما أطلقا الثقة فتشمل الحافظ وغيره، والثاني أنّ حديث النية لم ينفرد به عمر، بل رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أبو سعيد الخدري ... .. " (¬7). قلت: إما عن قولهم: إن أبا سعيد الخدري وغيره من الصحابة - رضي الله عنهم - تابعوا عمر بن الخطاب - ¬

(¬1) النكت على ابن الصلاح 2/ 652 - 653. (¬2) فتح المغيث 1/ 219. (¬3) توضيح الأفكار 1/ 379. (¬4) انظر مصدر سابق. (¬5) مقدمة ابن الصلاح ص 76. (¬6) توضيح الأفكار، الصنعاني 1/ 380 ولم أقف عليه في مؤلفات ابن حجر. (¬7) تدريب الراوي، السيوطي 1/ 197، وانظر الارشاذ، الخليلي1/ 167، وتوضيح الأفكار، الصنعاني 2/ 380.

صلى الله عليه وسلم - فهذا الاستدلال مردود لأن حديث أبي سعيد لا يصح البتة، وقد أجمع أهل العلم على أن الحديث لم يصح إلا من طريق عمر وبالإسناد المعروف: يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم عن علقمة بن وقاص عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وقال الحافظ العراقي: وذو الشذوذ ما يخالف الثقة فيه الملا فالشافعي حققه والحاكم الخلاف فيه ما اشترط وللخليلي مفرد الراوي فقط ورد ما قالا بمفرد الثقة كالنهي عن بيع الولا والهبة وبقول مسلم روى الزهري تسعين فرداً كلها قوي (¬1) فالحافظ العراقي قد اعترض على الحاكم والخليلي بما تفرد به الثقة؟ فإنه مقبول، ومثل له بحديث "النهي عن بيع الولاء وهبته" (¬2)، فإنه لم يصح إلا من طريق عبد الله بن دينار عن ابن عمر حتى قال مسلم عقبه: " الناس كلهم في هذا الحديث عيال عليه" (¬3)، وكذا بما قاله الإمام مسلم: " وللزهري نحو من تسعين حديثاً يرويه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يشاركه فيه أحد بأسانيد جياد" (¬4) أقول: إن أبا عبد الله الحاكم أول من تكلم من كتّاب المصطلح في الشاذ وكلامه في كتابه " معرفة علوم الحديث " واضح بين، وهو أن الشاذ ما انفرد به الثقة وليس للحديث أصل متابع لذلك الثقة في المتن أو الإسناد، وقد مثل بثلاثة أمثلة، منها ما ذكره بقوله: "حدثنا أبو بكر محمد بن احمد بن بالويه قال: حدثنا موسى بن هارون قال: حدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفيل عن معاذ بن جبل:" أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان في غزوة تبوك إذا ارتحل قبل زيغ الشمس أخر الظهر حتى يجمعها إلى العصر فيصليهما جميعاً، وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس صلى الظهر والعصر جميعاً، ثم سار وكان إذا ارتحل قبل المغرب أخر المغرب حتى يصليها مع العشاء، وإذا ارتحل بعد المغرب عجل العشاء فصلاها مع المغرب ". ¬

(¬1) فتح المغيث، السخاوي 1/ 217. (¬2) أخرجه البخاري (6756)، ومسلم 2/ 1145 (1506). (¬3) مسلم 2/ 1145 (1506). (¬4) مسلم 3/ 1268 (1647).

قال أبو عبد الله: هذا حديث رواته أئمة ثقات وهو شاذ الإسناد والمتن، لا نعرف له علة نعلله بها، ولو كان الحديث عند الليث عن أبي الزبير عن أبي الطفيل لعللنا به الحديث، ولو كان عند يزيد ابن أبي حبيب عن أبي الزبير لعللنا به، فلما لم نجد له العلتين خرج عن أن يكون معلولاً ثم نظرنا فلم نجد ليزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفيل رواية، ولا وجدنا هذا المتن بهذه السياقة عند أحد من أصحاب أبي الطفيل ولا عند أحد ممن رواه عن معاذ بن جبل عن أبي الطفيل فقلنا الحديث شاذ. وقد حدثونا عن أبي العباس الثقفي قال: كان قتيبة بن سعيد يقول لنا: على هذا الحديث علامة أحمد بن حنبل وعلي بن المديني ويحيى بن معين وأبي بكر بن أبي شيبة وأبي خيثمة حتى عد قتيبة أسامي سبعة من أئمة الحديث كتبوا عنه هذا الحديث وقد أخبرناه أحمد بن جعفر القطيعي قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدثني أبي قال حدثنا قتيبة فذكره. قال أبو عبد الله: فأئمة الحديث إنما سمعوه من قتيبة تعجباً من إسناده ومتنه ثم لم يبلغنا عن أحد منهم انه ذكر للحديث علة، وقد قرأ علينا أبو علي الحافظ هذا الباب وحدثنا به عن أبي عبد الرحمن النسائي وهو إمام عصره عن قتيبة بن سعيد ولم يذكر أبو عبد الرحمن ولا أبو علي للحديث علة، فنظرنا فإذا الحديث موضوع وقتيبة بن سعيد ثقة مأمون. حدثني أبو الحسن محمد بن موسى بن عمران الفقيه قال: حدثنا محمد بن إسحاق بن خزيمة، قال: سمعت صالح بن حفصويه النيسابوري - قال أبو بكر: وهو صاحب حديث- يقول: سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول: قلت لقتيبة بن سعيد: مع من كتبت عن الليث بن سعد حديث يزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفيل؟ فقال: كتبته مع خالد المدائني، قال البخاري: وكان خالد المدائني يدخل الأحاديث على الشيوخ " (¬1). أقول: لي مع أبي عبد الله الحاكم في هذا الحديث وقفات: 1 - لا يعني من عدم تكلمهم في علة الحديث عند إيراده أنهم لم يتكلموا فيه أصلاً. 2 - الإمام النسائي لم يخرج هذا الحديث من طريق قتيبة أصلاً، وإنما أخرجه من ¬

(¬1) معرفة علوم الحديث ص119 - 122.

طريق مالك بن أنس عن أبي الزبير عن أبي الطفيل به، على الوجه الصحيح (¬1). 3 - قد تكلم فيه الأئمة وأعلوه، فممن أعله: أبو حاتم الرازي في العلل (¬2)،وقال أبو داود: "لم يروه إلا قتيبة وحده " (¬3)،وهو إعلال واضح، وقال الترمذي بعد أن ساق الحديث:" حديث معاذ حديث حسن غريب تفرد به قتيبة، لا نعرف أحداً رواه عن الليث غيره وحديث الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفيل عن معاذ حديث غريب، والمعروف عند أهل العلم حديث معاذ من حديث أبي الزبير عن أبي الطفيل عن معاذ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جمع في غزوة تبوك بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء. رواه قرة بن خالد وسفيان الثوري ومالك وغير واحد عن أبي الزبير المكي وبهذا الحديث يقول الشافعي وأحمد وإسحاق يقولان: لا بأس أن يجمع بين الصلاتين في السفر في وقت إحداهما " (¬4). ونقل هو إعلال الإمام البخاري الحديث بخالد المدائني. ثم قال -أعني الحاكم-:" ومن هذا الجنس: حدثنا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي بمرو الثقة المأمون من أصل كتابه قال: حدثنا أبو الحسن أحمد بن سيار قال: حدثنا محمد بن كثير العبدي، قال: حدثنا سفيان الثوري قال: حدثني أبو الزبير عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال:" رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الظهر يرفع يديه إذا كبر وإذا ركع وإذا رفع رأسه من الركوع ". قال أبو عبد الله: وهذا الحديث شاذ الإسناد والمتن إذ لم نقف له على علة وليس عند الثوري عن أبي الزبير هذا الحديث ولا ذكر أحد في حديث رفع اليدين أنه في صلاة الظهر أو غيرها ولا نعلم أحداً رواه عن أبي الزبير غير إبراهيم بن طهمان وحده تفرد به إلا حديث يحدث به سليمان بن أحمد الملطي من حديث زياد بن سوقة وسليمان متروك يضع الحديث، وقد رأيت جماعة من أصحابنا يذكرون أن علته أن يكون عن محمد بن كثير عن إبراهيم ين طهمان وهذا خطأ فاحش وليس عند محمد بن كثير عن إبراهيم بن طهمان حرف فيتوهمون قياساً أن محمد بن كثير يروي عن إبراهيم بن طهمان كما روى أبو حذيفة لأنهما جميعاً رويا عن الثوري وليس ¬

(¬1) المجتبى 1/ 258 والكبرى برقم (1480)، وانظر المسند الجامع 15/ 224 (11511). (¬2) علل الحديث 1/ 91. (¬3) سنن أبي داود (1220). (¬4) جامع الترمذي (553) و (554).

كذلك فإن أبا حذيفة قد روى عن جماعة لم يسمع منهم محمد بن كثير منهم إبراهيم بن طهمان وشبل بن عباد وعكرمة بن عمار وغيرهم من أكابر الشيوخ. حدثنا أبو الحسين عبد الرحمن بن نصر المصري الأصم ببغداد قال: حدثنا أبو عمرو بن خزيمة البصري بمصر قال: حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري قال: حدثنا أبي عن ثمامة عن أنس قال: كان قيس بن سعد من النبي - صلى الله عليه وسلم - بمنزلة صاحب الشرط من الأمير، يعني ينظر في أموره، وحدثنا جماعة من مشايخنا عن أبي بكر محمد بن إسحاق قال: حدثني أبو عمرو محمد بن خزيمة البصري بمصر وكان ثقة فذكر الحديث بنحوه. قال أبو عبد الله: وهذا الحديث شاذ بمرة فإن رواته ثقات وليس له أصل عن أنس ولا عن غيره من الصحابة بإسناد آخر" (¬1). قلت: ويظهر بجلاء منهج الحاكم في عد تفرد الثقة شذوذاً، إذ عد حديث أنس: " كان منزلة قيس بن سعد ... "، شاذاً وهو مخرج في صحيح البخاري (¬2)، قال الحافظ ابن حجر: "والحاكم موافق على صحته إلا أنه يسميه شاذاً، ولا مشاحة في الاصطلاح " (¬3) أقول: ويؤيد ما استنتجه منه علماء المصطلح من أنه أراد به تفرد الثقة مطلقاً؛ صنيعه في أمكنة أخرى، منها ما ذكره في كتابه المدخل إلى الإكليل، والأمثلة التي مثل بها، وكذلك بعض الأحاديث التي أعلها في المستدرك. ففي كتابه المدخل إلى الإكليل ذكر أقسام الحديث الصحيح المتفق عليه، وفي (القسم الرابع من الصحيح المتفق عليه) قال: " هذه الأحاديث الأفراد والغرائب التي يرويها الثقات العدول تفرد بها ثقة من الثقات، وليس لها طرق مخرجة في الكتب ... " (¬4). ثم ضرب لهذا القسم أمثلة منها: حديث اتفق على إخراجه الشيخان وهو حديث عائشة رضي الله عنها في سحر النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬5)، ثم قال الحاكم عقبه: " هذا الحديث مخرج في ¬

(¬1) معرفة علوم الحديث ص119 - 122. (¬2) برقم (7155)، وانظر تخريجه كاملا في المسند الجامع 2/ 440 (1484). (¬3) النكت على ابن الصلاح 2/ 670 - 671.، وانظر فتح المغيث، السخاوي 1/ 220. (¬4) المدخل إلى الإكليل ص 39. (¬5) وتمام الحديث:" عن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت:" سحر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجل من بني زريق يقال له لبيد بن الأعصم حتى كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخيل إليه أنه يفعل الشيء وما فعله، حتى إذا كان ذات يوم أو ذات ليلة وهو عندي لكنه دعا ودعا ثم قال يا عائشة أشعرت أن الله أفتاني فيما استفتيته فيه أتاني رجلان فقعد أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي فقال أحدهما لصاحبه: ما وجع الرجل؟ فقال: مطبوب قال من طبه؟ قال لبيد بن الأعصم: قال: في أي شيء؟ قال: في مشط ومشاطة وجف طلع نخلة ذكر، قال: وأين هو؟ قال: في بئر ذروان فأتاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ناس من أصحابه فجاء فقال: يا عائشة كأن ماءها نقاعة الحناء أو كأن رؤوس نخلها رؤوس الشياطين! قلت: يارسول الله أفلا استخرجته؟ قال: قد عافاني الله فكرهت أن أثور على الناس فيه شرا. فأمر بها فدفنت ".

الصحيح وهو شاذ بمرّة ".فالحاكم هنا موافق على أنه صحيح حجة لكنه يصفه بالشذوذ باعتبار التفرد فقط. ومن أمثلة ذلك:- ما أخرجه الحاكم في المستدرك فقال:" حدثني علي بن حمشاذ العدل قال: حدثنا عبيد بن عبد الواحد وأخبرني أحمد بن محمد العنزي حدثنا عثمان بن سعيد الدارمي قالا: حدنا محمد بن أبي السري العسقلاني، قال: حدثنا الوليد بن مسلم، قال: حدثنا ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:" إن للإسلام ضوءاً ومناراً كمنار الطريق ".هذا حديث صحيح على شرط البخاري فقد روي عن محمد بن خلف العسقلاني واحتج بثور بن يزيد الشامي فأما سماع خالد بن معدان عن أبي هريرة فغير مستبعد فقد حكى الوليد بن مسلم عن ثور بن يزيد عنه أنه قال لقيت سبعة عشر رجلاً من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ولعل متوهماًيتوهم أن هذا متن شاذ فلينظر في الكتابين ليجد من المتون الشاذة التي ليس لها إلا إسناد واحد ما يتعجب منه ثم ليقس هذا عليها " (¬1). ومثل أيضاً بحديث ابن عمر في المسح، قال الحاكم:" حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال: حدثنا بحر بن نصر بن سابق الخولاني، قال: حدثنا بشر بن بكر حدثنا موسى بن علي بن رباح عن أبيه عن عقبة بن عامر الجهني قال: خرجت من الشام إلى المدينة يوم الجمعة فدخلت المدينة يوم الجمعة فدخلت على عمر بن الخطاب فقال لي: "متى أولجت خفيك في رجليك؟ قلت: يوم الجمعة، قال: فهل نزعتهما؟ قلت: لا، فقال أصبت السنة ". هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه وله شاهد آخر عن عقبة بن عامر؛ حدثنا أبو محمد الحسن بن محمد بن إسحاق الاسفرائيني قال: حدثنا الحسين بن إسحاق التستري، قال: حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير، قال: حدثنا ¬

(¬1) المستدرك 1/ 70.

المفضل بن فضالة قال: سألت يزيد بن أبي حبيب عن المسح على الخفين فقال: أخبرني عبد الله بن الحكم البلوي عن علي بن رباح عن عقبة بن عامر أنه أخبره أنه وفد إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عاما قال عقبة: وعليّ خفاف من تلك الخفاف الغلظ فقال لي عمر:" متى عهدك بلباسهما؟ فقلت: لبستهما يوم الجمعة وهذا يوم الجمعة فقال لي: أصبت السنة ". وقد صحت الرواية عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنه كان لا يوقت في المسح على الخفين وقتا وقد روي هذا الحديث عن أنس بن مالك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بإسناد صحيح رواته عن آخرهم ثقات إلا أنه شاذ بمرة " (¬1). وهكذا لا يبقى شك في أن الشذوذ عند الحاكم ليس وصفاً مناقضاً للصحة، بل هو عبارة عن وصف الحديث بالتفرد بأصل لا متابع له فيه بغض النظر عن قبوله أو رده (¬2). والدليل على اضطراب الحاكم في إطلاق الشاذ أنه لم يقصر إطلاقه على ما تفرد به الثقة كما عرفه (¬3)، بل أطلقه على حديث الضعيف. ومنه: قال في المستدرك: " حدثنا أحمد بن كامل القاضي، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى البرقي، قال: حدثنا إسحاق بن بشر الكاهلي، قال: حدثنا محمد بن فضيل عن سالم بن أبي حفصة عن جميع بن عمير الليثي قال: أتيت عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - فسألته عن علي - رضي الله عنه - فانتهرني ثم قال: ألا أحدثك عن علي؟ هذا بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المسجد وهذا بيت علي - رضي الله عنه -، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث أبا بكر وعمر رضي الله عنهما ببراءة إلى أهل مكة، فانطلقا فإذا هما براكب فقالا: من هذا؟ قال: أنا علي يا أبا بكر هات الكتاب الذي معك، قال: وما لي! قال: والله ما علمت إلا خيراً، فأخذ علي الكتاب فذهب به ورجع أبو بكر وعمر رضي الله عنهما إلى المدينة، فقالا: ما لنا يا رسول الله؟ قال: مالكما إلا خير، ولكن قيل لي: إنه لا يبلغ عنك إلا أنت أو رجل منك ". هذا حديث شاذ والحمل فيه على جميع بن عمير وبعده على إسحاق بن بشر " (¬4). قلت: أما جميع بن عمير فهو التيمي الكوفي:"صدوق يخطئ ويتشيع " (¬5)، وأما ¬

(¬1) المستدرك 1/ 289. (¬2) انظر المنهج المقترح، العوني ص267. (¬3) معرفة علوم الحديث ص119. (¬4) المستدرك 3/ 53. (¬5) التقريب (968)، وقال صاحبا التحرير 1/ 222 " بل ضعيف ".

المذهب الثاني: الشاذ هو تفرد الراوي مطلقا

إسحاق بن بشر فهو الكاهلي الكوفي: " كذاب " (¬1)، وقال الذهبي في تلخيص المستدرك: " فَلِمَ يورد الموضوع هنا؟! ". المذهب الثاني: الشاذ هو تفرد الراوي مطلقاً: وهو ظاهر قول أبي يعلى الخليلي، إذ قال: " الذي عليه حفاظ الحديث أن الشاذ ما ليس له إلا إسناد واحد يشذ بذلك شيخ ثقة كان أو غير ثقة فما كان من غير ثقة فمتروك لا يقبل، وما كان عن ثقة يتوقف فيه ولا يحتج به" (¬2). قال الحافظ ابن حجر: " والحاصل من كلامهم أن الخليلي يسوي بين الشاذ والفرد المطلق فيلزم على قوله أن يكون في الشاذ الصحيح فكلامه أعم، وأخص منه كلام الحاكم لأنه يقول: إنه تفرد الثقة فيخرج تفرد غير الثقة فيلزم على قوله أن يكون في الصحيح الشاذ وغير الشاذ، وأخص منه كلام الشافعي لأنه يقول: إنه تفرد الثقة بمخالفة من هو أرجح منه" (¬3). وقال الحافظ العراقي:"الخليلي يجعل تفرد الثقة شاذاً صحيحاً " (¬4)، وردّ عليه الحافظ ابن حجر بقوله: "فيه نظر فإن الخليلي لم يحكم له بالصحة، بل صرح بأنه يتوقف فيه ولا يحتج به " (¬5). وقال السخاوي عقب كلام الخليلي: " لأن العدد الكثير أولى بالحفظ من الواحد وهو مشعر بأن مخالفته للواحد الأحفظ كافية في الشذوذ" (¬6). وقال ابن الوزير: " ففي رواية الخليلي هذه عن حفاظ الحديث: أنهم لم يشترطوا في الشاذ مخالفة الناس" (¬7)، قال الصنعاني: " كما لم يشترطها الحاكم" (¬8). وعلى كل حال فهو سواء حكم بصحته أم لا فإنه أطلقه على تفرد الثقة كما مر ¬

(¬1) انظر لسان الميزان، ابن حجر 1/ 355 - 358. (¬2) الإرشاد 1/ 176. (¬3) النكت على ابن الصلاح 2/ 652 - 653. (¬4) التقييد والإيضاح ص 101. (¬5) النكت على ابن الصلاح 2/ 654. (¬6) فتح المغيث 1/ 218. (¬7) توضيح الأفكار 1/ 379. (¬8) انظر مصدر سابق.

من قول الحافظ ابن حجر وغيره، وهو صريح قوله (¬1). وأجاب ابن رجب الحنبلي عن قول الخليلي:" وما كان عن ثقة يتوقف فيه ولا يحتج به "، قال: " لكن كلام الخليلي في تفرد الشيوخ، والشيوخ في اصطلاح أهل هذا العلم: عبارة عمن دون الأئمة الحفاظ، وقد يكون فيهم الثقة وغيره ... وفرّق الخليلي بين ما تفرد به إمام حافظ: قبل واحتج به بخلاف ما تفرد به شيخ من الشيوخ، وحكى ذلك عن حفاظ الحديث " (¬2). أقول: صحيح أن الشيخ هو الراوي مطلقاً، ثقة كان أو ضعيفاً لكنّ الخليلي هنا خصصه: شيخ ثقة. والذي تجدر الإشارة إليه أن أبا يعلى الخليلي قد تبع شيخه الحاكم في مفهوم الشاذ، حتى عد تعريف الإمام الشافعي للشاذ مذهباً خاصاً به وبأهل الحجاز، وأن مفهوم الحاكم للشاذ هو مفهوم حفاظ الحديث؟ فقال:" قال الشافعي وجماعة من أهل الحجاز: الشاذ عندنا ما يرويه الثقات على لفظ واحد ويرويه ثقة خلافه زائداً أو ناقصاً، والذي عليه حفاظ الحديث الشاذ ما ليس له الا اسناد واحد يشذ بذلك شيخ ثقة كان أو غير ثقة فما كان عن غير ثقة فمتروك لا يقبل وما كان عن ثقة يتوقف فيه ولا يحتج به" (¬3). قال العوني: " إن ظاهر كلام الخليلي في هذا الموطن: أن الفرد سواء كان من رواية ثقة أو غير ثقة فهو حديث لا يحتج به، لكن هذا الظاهر لا يتبادر إلى ذهن أحد ممّن له أدنى علم بعلم الحديث، لأن رد الغرائب والافراد كلها لا يقول به أحد من أهل الحديث، وإذا كان هذا الظاهر على هذه الدرجة من الظهور ردّه ووضوح بطلانه فلا يمكن أن نظن بأحد حفاظ الحديث ونقاده أنه يقول به. وعلى هذا فلا بد من تفسير كلام الخليلي بما لا يخالف البديهيات، وتأويله بما لا يناقض الإجماع!! وهذا الذي (لا بد منه) لمخالفته البديهيات ومناقضته الإجماع، هو الذي أباح للخليلي التعبير بمثل هذا التعبير كافٍ بإفهامه والإجماع كفيل بتقييده " (¬4). ¬

(¬1) النكت 2/ 652. (¬2) شرح علل الترمذي 2/ 658 - 659. (¬3) الإرشاد 1/ 176. (¬4) المنهج المقترح ص267 - 268.

قلت: وهذا كلام جيد، لكنهّ بعيد عن الواقع فالخليلي بين أنه يخالف مذهب الشافعي والذي هو في حقيقته مذهب الجمهور، ورجح مذهب شيخه الحاكم النيسابوري ومن هنا انتقده علماء المصطلح. وأما عن كلامه في قبول الأفراد فإنه سلك مسلك الأئمة المتقدمين لأنه لم يقيد نفسه بمذهب شيخه ففي مبحث الأفراد: قسّم الأفراد إلى أقسام: القسم الأول: أن ينفرد به ثقة لم يخالف، وقد حكم بصحته، قال الخليلي: " وأما الأفراد فما يتفرد به حافظ مشهور ثقة او إمام عن الحفاظ والأئمة فهو صحيح متفق عليه كحديث حدثناه عمر بن إبراهيم بن كثير المقرئ ببغداد وأنا سألته حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي، قال: حدثنا منصور بن أبي مزاحم وخلف بن هشام البزار ومحمد بن سليمان قالوا حدثنا مالك بن أنس عن ابن شهاب عن أنس - رضي الله عنه -: " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة يوم الفتح وعليه المغفر، فقيل هذا ابن خطل متعلق بأستار الكعبة؟ فقال: اقتلوه ". قال مالك: قال ابن شهاب: لم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ محرماً. وهذا ينفرد به مالك عن ابن شهاب عن انس رواه عنه من مات قبله كابن جريج والاوزاعي وابي حنيفة وغيرهم ممن بعدهم كالشافعي وغيره ورواه البخاري في الصحيح عن أربعة عن مالك وكذلك مسلم عن نفر فهذا وأشابهه من الأسانيد متفق عليها" (¬1). القسم الثاني: أن يتفرد ثقة يخالف فيه الحفاظ فيحكم عليه بالرد. قال: "وعبد المجيد صالح محدث ابن محدث لا يعمد على مثله لكنه يخطئ ولم يخرج في الصحيح وقد اخطأ في الحديث الذي يرويه مالك والخلق عن يحيى بن سعيد الأنصاري قاضي المدينة عن محمد بن إبراهيم التيمي عن علقمة بن وقاص عن عمر بن الخطاب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - " الأعمال بالنية "،وهذا أصل من أصول الدين ومداره على يحيى بن سعيد فقال عبد المجيد وأخطأ فيه، اخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - "الأعمال بالنية "،رواه عنه نوح بن أبي حبيب وإبراهيم بن عتيق وهو غير محفوظ من حديث زيد بن أسلم بوجه فهذا مما أخطأ فيه الثقة عن الثقة بينت هذا ليستدل به على أشكاله " (¬2). و " حديث مالك عن زيد بن أسلم" (¬3). ¬

(¬1) الإرشاد 1/ 338. (¬2) الإرشاد 1/ 167. (¬3) انظر مصدر سابق.

القسم الثالث: أن يتفرد به ضعيف متهم "وضاع": قال فيه " فأما من الأفراد الذي يتفرد به ضعيف وضعه على الأئمة والحفاظ، فهو كما حدثنا به علي بن أحمد بن صالح ومحمد بن إسحاق قالا: حدثنا الحسن بن علي الطوسي قال: حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن غزوان ببغداد قال: حدثنا مالك بن انس وإبراهيم بن سعد كلاهما عن ابن شهاب عن أنس بن مالك قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -:" أهل القرآن أهل الله وخاصته "، وهذا منكر بهذا الإسناد ما له أصل من حديث ابن شهاب ولا من حديث مالك والحمل فيه على ابن غزوان وإنما رواه أبو داود الطيالسي عن شيخ من أهل البصرة عن أبيه عن انس " (¬1). القسم الرابع: أن يتفرد به ضعيف غير حافظ قال: " وما تفرد به غير حافظ يضعف من أجله وإن لم يتهم بالكذب فمثاله: ما حدثنا به جدي وابن علقمة قالا: حدثنا ابن أبي حاتم حدثنا سليمان بن داود القزاز قال: حدثنا محمد بن الحسن بن زبالة المخزومي المدني قال: حدثنا مالك بن أنس عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" افتتحت البلاد بالسيف وافتتحت المدينة بالقرآن "،لم يروه عن مالك إلا محمد بن الحسن بن زبالة وليس بالقوي لكن أئمة الحديث قد رووا عنه هذا وقالوا هذا من كلام مالك بن أنس نفسه فعساه قرئ على مالك حديث آخر عن هشام بن عروة فظن هذا أن ذلك من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - فحمله على ذلك ومثل هذا قد يقع لمن لا معرفة له بهذا الشأن ولا إتقان " (¬2). القسم الخامس: ما يتفرد به شيخ لا يعرف ضعفه ولا توثيقه فإنه لا يحكم عليه بشيء فلا يصححه ولا يضعفه فقال: " فيه نوع آخر من الأفراد لا يحكم بصحته ولا بضعفه ويتفرد به شيخ لا يعرف ضعفه ولا توثيقه فمثاله: حديث حدثناه الحسين بن حلبس قال: حدثنا عثمان بن جعفر اللبان قال: حدثنا حفص بن عمر الزبالي قال: حدثنا أبو زكير يحيى بن محمد بن قيس عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"كلوا البلح بالتمر فإن الشيطان إذا رأى ذلك غاظه، ويقول: عاش ابن آدم حتى أكل الجديد بالخلق ". وهذا فرد شاذ لم يروه عن هشام غير أبي زكير وهو شيخ صالح ولا يحكم بصحته ولا بضعفه ويستدل بهذا على ¬

(¬1) الإرشاد 1/ 168. (¬2) الإرشاد 1/ 168.

المذهب الثالث: الشاذ: مخالفة الثقة لمن هو أوثق أو أكثر

نظائره من هذا النوع " (¬1). وقال عند ترجمة نافع مولى ابن عمر: " فما رواه الثقات من حديثه كمالك والثوري وشعبة وابن جريج وسليمان بن بلال ومن بعدهم كيحيى بن سعيد القطان وابن المبارك وعبد الوهاب الثقفي وأبي أسامة وسلام بن سليم ويزيد بن هارون، وحماد بن زيد وعبد السلام بن حرب فهو صحيح متفق عليه بلا مدافع " (¬2). فالخلاصة: أن الشاذ عند الحاكم والخليلي معناه واحد:- هو ما تفرد به الثقة مطلقاً، وهو منقوض بالأفراد الصحيحة كما نص على ذلك علماء المصطلح - والله أعلم -. المذهب الثالث: الشاذ: مخالفة الثقة لمن هو أوثق أو أكثر. وهو في حقيقته مذهب الحافظ ابن حجر العسقلاني، فهو أول من قال به، وتبعه عليه من جاء بعده كالسخاوي (¬3)،والسيوطي (¬4)،والصنعاني (¬5)، وغيرهم. قال " وفي الجملة فالأليق في حد الشاذ ما عرف به الشافعي " (¬6). وفسر ذلك في النزهة إذ قال: " الشاذ ما رواه المقبول مخالفاً لمن هو أولى منه. وهذا هو المعتمد في تعريف الشاذ بحسب الاصطلاح " (¬7). وقال:" فإن خولف - أي الراوي - بأرجح منه لمزيد ضبط أو كثرة عدد أو غير ذلك من وجوه الترجيحات فالراجح يقال له المحفوظ ومقابله هو المرجوح يقال له الشاذ " (¬8). قال اللكنوي: " والذي حققه الحافظ ابن حجر في النخبة وشرحها وارتضاه كثير ممن جاء بعده هو أنّ المنكر والشاذ يعتبر فيهما المخالفة، ويفترقان في كون الراوي مجروحاً وغير مجروح" (¬9). ¬

(¬1) الإرشاد 1/ 169. (¬2) الإرشاد 1/ 207. (¬3) الإرشاد 1/ 207. (¬4) تدريب الراوي 1/ 196. (¬5) توضيح الأفكار 1/ 379. (¬6) النكت 2/ 671. (¬7) نزهة النظر ص51. (¬8) نزهة النظر ص 50، وانظر فتح المغيث، السخاوي 1/ 218. (¬9) ظفر الأماني شرح مختصر السيد الجرجاني ص 362، وانظر رسالة الحديث المنكر وتطبيقاته في علل ابن أبي حاتم، سلام أبي سمحة ص 33.

فالحافظ ابن حجر أول من فرق اصطلاحياً بين مخالفة الثقة فأطلق عليها "الشاذ "، ومخالفة الضعيف وأطلق عليها " المنكر " وعد من سوى بينهما أنه غفل؟!، ولم أقف على من سبقه؟! ثم أصبح هذا التفريق قاعدة لمن جاء بعده، وإلى يومنا هذا؟ وهو بذلك غفّل المتقدمين والمتأخرين ممن سبقه؟ ثم إنه لم يقل أحد من المتقدمين أو المتأخرين قبل الحافظ ابن حجر أنّ الإمام الشافعي قصد هذا، وسيأتي بيانه. وإذا أردنا تتبع الأمثلة التي ذكرها أهل هذا المذهب في الشاذ،، فإنها في الأغلب لا تسلم من نقد، ذلك لأنهم تكلفوا في تعريف الشاذ، ثم تفريقه عن المنكر، والحق إن الشاذ والمنكر بمعنى واحد، وهو في حقيقته: الحديث الخطأ، كما قرره المتقدمون وتبعهم عليه علماء المصطلح الأوائل، كما مر في فصل المنكر، فمثلًا: مثل الحافظ ابن حجر في النزهة لشذوذ الإسناد بمثال فقال: " مثال ذلك ما رواه الترمذي، والنسائي، وابن ماجة من طريق ابن عيينة عن عمرو بن دينار، عن عوسجة، عن ابن عباس: أن رجلاً توفي على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يدع وارثاً إلا مولى هو أعتقه .. " (¬1) الحديث. وتابع ابن عيينة على وصله ابن جريج وغيره (¬2)، وخالف حماد بن زيد فرواه عن عمرو بن دينار عن عوسجة، ولم يذكر ابن عباس. قال أبو حاتم: المحفوظ حديث ابن عيينة (¬3). انتهى كلامه فحماد بن زيد من أهل العدالة والضبط، ومع ذلك رجح أبو حاتم رواية من هم أكثر عدداً منه. وعرف من هذا التقرير أن الشاذ: ما رواه المقبول مخالفاً لمن هو أولى منه " (¬4). وتابعه في التمثيل به السيوطي والسخاوي (¬5). ¬

(¬1) أخرجه أحمد 1/ 221، والترمذي (2106)، وابن ماجة (2741)، والنسائي في الكبرى 4/ 88 (6409)، وانظر تفصيله في المسند الجامع 9/ 238 (6551). (¬2) أخرجه أحمد 1/ 358، والنسائي في الكبرى 4/ 88 (6410)، من طريق ابن جريج به، وأخرجه أبو داود (2905) من طريق حماد بن سلمة به، وانظر المسند الجامع 9/ 238 (6551). (¬3) علل ابن أبي حاتم 2/ 52. (¬4) نزهة النظر ص50 - 51. (¬5) تدريب الراوي 1/ 195، وفتح المغيث 1/ 218.

أقول: فات الحافظ ابن حجر، ومن تبعه من علماء المصطلح أن حماد بن زيد لم ينفرد بإرسال هذا الحديث، إذ تابعه روح بن عبادة عند البيهقي (¬1)،وأصل الحديث عند أبي حاتم، قال عبد الرحمن: " سألت أبي عن حديث رواه حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن عوسجة مولى ابن عباس أن رجلاً توفي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يدع وارثاً إلا مولى هو أعتقه الحديث فقلت له: فإن ابن عيينة ومحمد بن مسلم الطائفي يقولان: عن عوسجة عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت له: اللذان يقولان ابن عباس محفوظ؟ فقال: نعم قصر حماد بن زيد، قلت لأبي: يصح هذا الحديث؟ قال: عوسجة ليس بالمشهور" (¬2). فلعل الحافظ فهم من قول أبي حاتم الرازي عن الحديث الموصول أنه محفوظ، وأن حماد بن زيد قصر به أنه انفرد به فهو شاذ، إذ الحافظ يجعل الشاذ مقابل غير المحفوظ (¬3)، ثم أخذه عنه السيوطي، والسخاوي. وعلى هذا فلا يصلح هذا الحديث أن يكون مثلاً للشاذ، إذ الشاذ هوماخالف المقبول، كما قرروه هم، وهنا لم يتفرد الثقة، بل توبع كما في سنن البيهقي، فهو من قبيل المختلف. ومثل السخاوي للشاذ في المتن فقال: " ومثاله في المتن زيادة يوم عرفة في حديث: أيام التشريق أيام أكل وشرب، فإن الحديث من جميع طرقه بدونها وإنما جاء بها موسى بن علي بن رباح، عن أبيه، عن عقبة بن عامر، كما أشار إليه ابن عبد البر " (¬4). أقول: أصل الحديث في جامع الترمذي (773) قال: حدثنا هناد، قال: حدثنا وكيع، عن موسى بن علي عن، أبيه، عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام وهي أيام أكل وشرب ". قال وفي الباب عن علي وسعد وأبي هريرة وجابر ونبيشة وبشر بن سحيم وعبد الله بن حذافة وأنس وحمزة بن عمرو الأسلمي وكعب بن مالك وعائشة وعمرو بن العاصي وعبد الله بن عمرو قال أبو عيسى: وحديث عقبة بن عامر حديث حسن صحيح ". ¬

(¬1) السنن الكبرى 6/ 242. (¬2) العلل 2/ 52 (1643). (¬3) نزهة النظر ص 50. (¬4) فتح المغيث 1/ 218 - 219.

المذهب الرابع: الشاذ هو المخالفة، مرادفا للمنكر " وهو الحديث الخطأ "

وقد تتبعت كل تلك الأحاديث عن الصحابة الكرام فلم أجد هذه الزيادة "يوم عرفة " إلا من رواية عقبه بن عامر - رضي الله عنه -، تفرد به عنه موسى بن علي بن رباح عن أبيه به (¬1). وهذا لا يعتبر شذوذاً على رأي أهل المصطلح أنفسهم، إذ حديث كل صحابي مستقل عن حديث الصحابي الآخر، ولو كان في المتن نفسه، كما هو مقرر (¬2). ثم إن موسى لم يخالف فيه أحداً، بل أنفرد به أصلاً، ولو جعل الاختلاف بين متون الأحاديث التي ينفرد بزيادتها الصحابي، عن الآخر في المتن الواحد شذوذا، لجرنا ذلك إلى إشكال عريض، ويكفي في صحة الحديث تصحيح الإمام الترمذي. والراجح، بل الصواب أن حديث كل صحابي هو حديث مستقل عن الصحابي الآخر زاد أو قصر، كما قرره الحافظ ابن حجر وغيره. وإذا أردنا التمثيل للحديث الشاذ فإن كل حديث مر تمثيله في المنكر يصح التمثيل به هنا ذلك لأننا نرجح مذهب الذي يسوي بينهما، وهو منهج أئمة الحديث من المتقدمين، والمتأخرين إلى أن فرق بينهما الحافظ ابن حجر - رحمه الله -، كما مر. المذهب الرابع: الشاذ هو المخالفة، مرادفاً للمنكر " وهو الحديث الخطأ ": قال به جمهور أهل المصطلح: الخطيب البغدادي، والميانشي، وابن الصلاح وابن دقيق العيد، والحافظ ابن كثير، والإمام النووي ومن جاء بعدهم ممن كتب في المصطلح إلى الحافظ ابن حجر الذي فرق بينهما. ولنأخذ أول من تكلم منهم في الشاذ كمصطلح مستقل لنوع من أنواع علوم الحديث، قال الحافظ ابن الصلاح:" الأمر في ذلك على تفصيل نبينه فنقول: إذا انفرد الراوي بشيء نظر فيه فإن كان ما انفرد به مخالفاً لما رواه من هو أولى منه بالحفظ لذلك ¬

(¬1) انظر تخريجه في المسند الجامع بالأرقام: 13/ (9838) عن عقبة، و3/ (1931) عن بشر بن سحيم، و5/ (3474) عن حمزة بن عمرو الأسلمي، و8/ (5779) عن عبد الله بن حذافة، و11/ (8441) عن عبد الله بن عمرو، و13 / (10126) عن علي و14 / (10751) عن عمرو بن العاص، و14/ (11253) عن كعب بن مالك، و15/ (11834) عن نبيشة، و17 / (13498) عن أبي هريرة، و 19 / (16639) عن عائشة - رضي الله عنه -. (¬2) انظر النكت على ابن الصلاح 2/ 691.

وأضبط، كان ما انفرد به شاذاً مردوداً وإن لم يكن فيه مخالفة لما رواه غيره وإنما هو أمر رواه هو ولم يروه غيره فينظر في هذا الراوي المنفرد فإن كان عدلاً حافظاً موثوقاً بإتقانه وضبطه قبل ما انفرد به ولم يقدح الانفراد فيه كما فيما سبق من الأمثلة وإن لم يكن ممن يوثق بحفظه وإتقانه لذلك الذي انفرد به كان انفراده به خارماً له مزحزحاً له عن حيز الصحيح ثم هو بعد ذلك دائر بين مراتب متفاوتة بحسب الحال فيه، فإن كان المنفرد به غير بعيد من درجة الضابط المقبول تفرده استحسنا حديثه ذلك ولم نحطه إلى قبيل الحديث الضعيف، وإن كان بعيدا من ذلك رددنا ما انفرد به وكان من قبيل الشاذ المنكر، فخرج من ذلك أن الشاذ المردود قسمان: أحدهما الحديث الفرد المخالف، والثاني الفرد الذي ليس في راويه من الثقة والضبط ما يقع جابرا لما يوجبه التفرد والشذوذ من النكارة والضعف، والله أعلم (¬1). وتعقبه ابن جماعة: " وهذا التفصيل حسن ولكنه مخل لمخالفة الثقة من هو مثله في الضبط وبيان حكمه" (¬2). أقول: فحاصل كلام ابن الصلاح هو: 1 - إن انفراد الراوي -ثقة أم غير ثقة- يضره. 2 - إن كان المنفرد ثقة ضابطاً كان ذلك خارماً له مزحزحاً له عن درجة الخبر الصحيح وهو دائر بين مرتبة الحسن والضعيف. 3 - إن كان المنفرد ضعيفاً فإن حديثه من قبيل الشاذ المنكر، وإن كان مخالفاً فمن باب أولى. 4 - إن كان المنفرد ثقة مخالفاً لمن هو أحفظ وأضبط فحديثه شاذ مردود. أقول: نحا ابن الصلاح في هذا منحى الأئمة المتقدمين من اعتبار الشاذ والمنكر بمعنى واحد وأن التفرد علة حتى ولو من ثقة. والذي أراه هو أنّ ابن الصلاح استعمل الشاذ لغة وهو " التفرد " فقسمه إلى قسمين: شاذ مردود (تفرد مردود) ثم تحدث عنه وهو على أقسام تفرد الضعيف، وتفرد الثقة الذي لا يحتمل تفرده. وقد نتسائل: أين صرح ابن الصلاح بمراده من (الشاذ المقبول)؟ والجواب أنه ¬

(¬1) مقدمة ابن الصلاح ص 76. (¬2) المنهل الروي ص50.

تحدث عنه بقوله: " فينظر في حال المروي فإن كان عدلاً .. قبل ما انفرد به". وهذا يوضح أنَّ مراده من الشاذ - هنا - الشاذ اللغوي. لذا فإنه اعترض على تعريف الحاكم والخليلي بالأفراد الصحاح (¬1)، ولو قال إنَّ من الشاذ ما هو مقبول وأنّه يعبر عن تفرد الثقة بالشاذ لما اعترض على الحاكم والخليلي لما فهم من كلامهما هذا؟ ومن هنا ندرك خطأ العوني لما هجم على ابن الصلاح واتهمه أنه يميل إلى مذهبه وإلى نصرة أقوال إمام مذهبه، أعني الإمام الشافعي، حينما اعترض ابن الصلاح على تعريف الحاكم والخليلي للشاذ، ذلك لأن العوني حاكم ابن الصلاح على فهمه هو لمعنى الشاذ (¬2)!! والذي يدلل على صحة كلامنا أنَّ الأئمة من بعد ابن الصلاح لم يفهموا أن مراده من الشاذ المردود وجود شاذ مقبول، وإلاّ لاعترضوا عليه كما اعترضوا على غيره لما فهموا ذلك من كلامهم؟! بل الإمام النووي نقل كلام ابن الصلاح دون أن ينسبه إليه وهذا اعتراف بصحة كلامه وباعتناقه للمذهب ذاته (¬3). وهكذا نخلص إلى أنّ ابن الصلاح يسوي بين الشاذ والمنكر في اصطلاح المحدثين. وخلاصة ما ذكره ابن الصلاح في مبحث الشاذ يرتبط بما ذكره في مبحث العلة إذ قال: " إنّ العلّة هي ما دلَّ على الخطأ والوهم وإنها تتطرق كثيراً إلى روايات الثقات، وإنها لم تدرك بتفردهم - وهم ثقات - أو بمخالفتهم للغير إذا انضمت إليه القرائن التي تنبه الناقد على أن هذا التفرد والمخالفة ناتجان عن الخطأ والوهم، وهذا في الواقع مانع لإطلاق القبول فيما يتفرد به الثقة أو فيما زاده، كما هو مانع لإطلاق الرد فيما خالف الثقة لغيره، وإنما مدار القبول والرد على القرائن العلمية التي لا يحصيها العدد، والتي لا يقف عليها إلا الناقد المتمرس الفطن، إذ لكل حديث قرينة خاصة كما صرح بذلك المحققون، مثلاً: كون الراوي أوثق أو أحفظ قرينة اعتمد عليها النقاد لكنهم لم يعتبروها في ¬

(¬1) مقدمة ابن الصلاح ص77 - 79. (¬2) المنهج المقترح ص276. (¬3) تدريب الراوي 1/ 196.

كافة الروايات، وجميع الأحاديث وهكذا ... وإدراك القرينة المرجحة لا يتم إلا للناقد صاحب الذوق الحديثي، ولهذا قال الحاكم وغيره: " الحجة فيه - أي في معرفة خطأ الراوي - عندنا الحفظ والمعرفة لا غير " (¬1). وهذا هو الذي سار عليه الحافظ ابن رجب الحنبلي، إذ قال: " ومن جملة الغرائب المنكرة الأحاديث الشاذة المطرحة وهي نوعان - ما هو شاذ الإسناد ... وما هو شاذ المتن كالأحاديث التي صحت الأحاديث بخلافها أو أجمعت أئمة العلماء على القول بغيرها وهذا كما قاله أحمد في حديث أسماء بنت عميس " تسلبي ثلاثاً ثم أصغي ما بدا لك "، أنه من الشاذ المطرح " (¬2). وذهب ابن حزم الظاهري إلى استعمال الشاذ بالمعنى اللغوي فقال: " هذه اللفظة في الشريعة موضوعة باتفاق على معنى ما واختلف الناس في ذلك المعنى ... فقالت طائفة الشذوذ هو مفارقة الواحد من العلماء سائرهم، وهذا قول قد بينا بطلانه في باب الكلام في الإجماع من كتابنا هذا والحمد لله رب العالمين، وذلك أن الواحد إذا خالف الجمهور إلى حق فهو محمود ممدوح والشذوذ مذموم بإجماع فمحال أن يكون المرء محموداً مذموماً من وجه واحد في وقت واحد وممتنع أن يوجب في شيء واحد الحمد والذم معاً في وقت واحد من وجه واحد، وهذا برهان ضروري وقد خالف جميع الصحابة - رضي الله عنهم - أبا بكر في حرب أهل الردة فكانوا في حين خلافهم مخطئين كلهم فكان هو وحده المصيب فبطل القول المذكور، وقال طائفة: الشذوذ هو أن يجمع العلماء على أمر ما ثم يخرج رجل منهم عن ذلك القول الذي جامعهم عليه وهذا قول أبي سليمان وجمهور أصحابنا وهذا المعنى لو وجد نوع من أنواع الشذوذ وليس حداً للشذوذ ولا رسماً له وهذا الذي ذكروا لو وجد شذوذ وكفر معاً لما قد بينا في باب الكلام في الإجماع أن من فارق الإجماع وهو يوقن أنه إجماع فقد كفر مع دخول ما ذكر في الامتناع والمحال وليت شعري متى تيقنا إجماع جميع العلماء كلهم في مجلس واحد فيتفقون ثم يخالفهم واحد منهم والذي نقول به وبالله تعالى التوفيق أن حد الشذوذ: هو مخالفة الحق فكل من خالف الصواب في مسألة ما فهو فيها شاذ وسواء كانوا أهل الأرض كلهم بأسرهم أو ¬

(¬1) الدكتور حمزة المليباري، نظرات جديدة ص 43. (¬2) شرح علل الترمذي 2/ 624.

المبحث الثالث: مفهوم الحديث الشاذ عند المتقدمين

بعضهم والجماعة والجملة هم أهل الحق ولو لم يكن في الأرض منهم إلا واحد فهو الجماعة وهو الجملة " (¬1). ومما تقدم يظهر لنا أن استعمال علماء المصطلح لهذا الاصطلاح لم يبن على أقوال أو اصطلاحات قالها المتقدمون، الذين يفترض أن يكون أهل المصطلح قد استقرؤوا كتبهم وأقوالهم. وسيتبين لنا من الأمثلة التي سنسوقها بعد، أنّ المتقدمين لم يستعملوا هذه اللفظة اصطلاحياً، بل استعملوها لغوياً مع غيرها من الألفاظ لتدل على الخطأ، أو الشذوذ، أو النكارة في الحديث إسناداً أو متناً، بدلالة اختلاف ألفاظهم في تقييم الحديث الواحد. هذه هي أهم أقوال أهل العلم في تعريف الحديث الشاذ، ويظهر بوضوح الفرق بين منهج المتقدمين ومنهج المتأخرين، فالأوائل لا يفرّقون بين الشاذ والمنكر، فلا عبرة عندهم من خالف؟ وممن كانت؟ المهم انه إذا أتى المحدث بما لا يعرفه أهل الحفظ والإتقان فهو مردود. وقد أطلق بعضهم مصطلح: (منكر) على مخالفة الثقة، والبعض الآخر على مخالفة الضعيف، ومنهم من أطلقها على مخالفة الثقة والضعيف، وكذا الحال بالنسبة لمصطلح (شاذ)، فهم لا يفرقون بينهما -كما مر- والله اعلم. المبحث الثالث: مفهوم الحديث الشاذ عند المتقدمين: المطلب الأول: عند الإمام الشافعي: أقدم من عرَّف الشاذ - بحدود علمي- هو الإمام الشافعي رحمه الله فقال: " ليس الشاذ من الحديث أن يروي الثقة ما لا يرويه غيره، هذا ليس بشاذ، إنما الشاذ ... أن يروي الثقة حديثاً يخالف فيه الناس هذا الشاذ من الحديث." (¬2). وقال:" الشاذ من الحديث لا يؤخذ به" (¬3).وجاء بلفظ آخر عنه: " ليس الشاذ من الحديث أن يروي الثقة حديثاً لم يروه غيره، إنما الشاذ من الحديث: أن يروي الثقات ¬

(¬1) الإحكام 5/ 82، وانظر النكت على ابن الصلاح، ابن حجر 2/ 652. (¬2) معرفة علوم الحديث، الحاكم ص119، وانظر المنهل الروي، ابن جماعة ص50 - 51. (¬3) الأم 7/ 360.

المطلب الثاني: عند الإمام الترمذي

حديثاً على نص ثم يرويه ثقة خلافاً لروايتهم، فهذا الذي يقال شذ عنهم " (¬1). وفسر الحافظ الخليلي كلام الإمام الشافعي فقال: " أما الشواذ فقد قال الشافعي وجماعة من أهل الحجاز: الشاذ عندنا ما يرويه الثقات على لفظ واحد، ويرويه ثقة خلافه زائداً أو ناقصاً " (¬2). مما مر من كلام الإمام الشافعي وتفسير الخليلي له أنه عنى به مخالفة الثقة لغيره من الثقات في متن حديث، زيادة أو نقصاً، ولكنّ بعض العلماء فهموا منه أنّه مخالفة الثقة لغيره في المتن والإسناد، وليس لدينا من الأدلة التي تبين مراد الإمام الشافعي الدقيق من ذلك، لأننا لم نقف على أي حديث حكم عليه بالشذوذ نصاً، والفهم الذي فهمه بعض العلماء هو لمخالفة الثقة سنداً، أو متناً، ونحن لا نشك بأن هذا التعبير لغوي، وليس اصطلاحياً، فحمله على الاصطلاح فيه كثير من تحميل النص ما لا يحتمل، وإلا فكان الأولى بنا أن نأخذ من هو أقدم، وأعلم في الحديث من الشافعي، وهو الإمام شعبة بن الحجاج، أمير المؤمنين في الحديث إذ قال: "لا يجيئك الحديث الشاذ إلا من الرجل الشاذ " (¬3). وهذا لو أخذناه على طريقة أهل الاصطلاح لأصبح الشاذ هو مخالفة الضعيف حسب، وليس الأمر كذلك. المطلب الثاني: عند الإمام الترمذي: قال عند تعريفه الحديث الحسن: " وما ذكرنا في هذا الكتاب حديث حسن فإنما أردنا به حسن إسناده عندنا: كل حديث يروى لا يكون في إسناده من يتهم بالكذب ولا يكون الحديث شاذاً، ويروى من غير وجه فهو عندنا حديث حسن" (¬4). قال ابن رجب: " والظاهر أنه أراد بالشاذ ما قاله الشافعي وهو أن يروي الثقات عن النبي - صلى الله عليه وسلم - خلافه" (¬5). ¬

(¬1) آداب الشافعي ومناقبه، لابن أبي حاتم ص233 - 234، ومناقب الشافعي، البيهقي 2/ 30 والكامل لابن عدي 1/ 115،، والكفاية، الخطيب البغدادي ص171. (¬2) الإرشاد 1/ 174 - 177. (¬3) أنظر مصدر سابق. (¬4) العلل في آخر الجامع 5/ 711، وانظر شرح العلل، ابن رجب 2/ 606، وتحفة الأحوذي، المباركفوري 4/ 400. (¬5) شرح العلل 2/ 606.

المبحث الرابع: مصطلح " غير محفوظ "

وقد استعمل بعض أئمة الحديث من المتقدمين كلمة " شاذ " وأرادوا به الحديث المنكر الذي لا يعرف، قال الحافظ صالح بن محمد الأسدي المعروف بجزرة ت (294): " الشاذ: الحديث المنكر الذي لا يعرف" (¬1). المبحث الرابع: مصطلح " غير محفوظ ": مر معنا أقوال الأئمة المتقدمين الذين صرحوا بلفظ " شاذ " وأطلقوه. أما الألفاظ الأخرى المرادفة له كـ"غير محفوظ " أو ما جاء بمعناه فقد وجدتهم استعملوها بتوسع، وسأذكر الأئمة الذين أطلقوها وأمثل لهم بأمثلة، فأقول: إن الأعم الأغلب من الأئمة المتقدمين كابن المديني والبخاري وأبي حاتم والنسائي والترمذي وغيرهم، أطلقوا مصطلح:" غير محفوظ "على أحاديث أعلت بعلل مختلفة وحتى نكون مقاربين للصواب يتوجب دراسة نماذج من أقوالهم أو دراسة الأحاديث التي أطلقوا عليها مصطلح " غير محفوظ أو ليس بمحفوظ ... .". وهذا يتطلب جهداً كبيراً جداً، والبحث لا يتسع لذلك، ولكني سأحاول جهدي أن أستوعب أكثر الأمثلة، أو الأمثلة التي تعطي تصوراً واضحاً عن منهج كل إمام من الأئمة. وسنرى من خلال عرض الأمثلة هل المتقدمون يعنون بـ " غير محفوظ ": الشاذ؟ وهل الشاذ أو " غير المحفوظ " هو مخالفة الثقة للثقات؟ المعروف عندنا أن المتأخرين يعدون " الشاذ " مرادفاً لـ "غير المحفوظ "، يقول ابن حجر: " فإن خولف بأرجح فالراجح المحفوظ ومقابله الشاذ " (¬2). ونحن وإن كنا لا نتفق مع الحافظ في كون هذه اللفظة ترادف الشاذ مستقلا، إذ المتتبع لصنيع المتقدمين يجدهم لا يفرِّقون بين المنكر والشاذ، كما سبق بيانه في مباحث المنكر، ولكن لما كنا نبحث في ماهية هذا المصطلح فلا ضير أن نقتصر على هذه المفردة " غير محفوظ "، وإلا فالمتقدمون يطلقون على الشاذ والمنكر: غير محفوظ، وهم، خطأ، غير معروف، وغيرها من المصطلحات التي تبين مخالفة الراوي، ولم أقف على من سبق الحافظ العسقلاني ممن يقصر مصطلح "غير محفوظ " على مخالفة الثقة، أي مرادفا للشاذ عنده. ¬

(¬1) الكفاية، الخطيب ص142، وانظر شرح علل الترمذي، ابن رجب 2/ 625. (¬2) نزهة النظر ص 50.

المطلب الأول: مذهب الإمام البخاري

أقول: وقد استعمل هذه اللفظة " غير محفوظ ... " البخاري في صحيحه مرة واحدة (¬1)،واستعملها أبو حاتم ما يقارب خمساً وعشرين مرة (¬2)، وأطلقها الترمذي ما يقارب ثلاث عشرة مرة في علله (¬3)،وما يقارب تسعاً وعشرين مرة في جامعه (¬4)،وأطلقها النسائي حوالي ثلاث مرات فقط (¬5)،وأطلقها الإمام مسلم في التمييز خمس مرات (¬6). المطلب الأول: مذهب الإمام البخاري: نقل تلميذه النجيب " الترمذي " عنه في سننه، وعلله في مواضع عدة أقوال شيخه البخاري فأطلق لفظ "محفوظ"،"غير محفوظ"،"ليس بمحفوظ"،"لا أعلمه محفوظا" ... .. وهلم جرا. وسأذكر هنا بعض الأمثلة عسى أن نقف على غاية البخاري من إطلاقاته تلك. 1 - حديث أخرجه الترمذي في الجامع (1128) " باب ما جاء في الرجل يسلم وعنده عشر نسوة " قال: حدثنا هناد، قال: حدثنا عبدة عن سعيد بن أبي عروبة عن معمر عن الزهري عن سالم بن عبد الله عن ابن عمر:"أن غيلان بن سلمة الثقفي أسلم وله عشر نسوة في الجاهلية فأسلمن معه فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يتخير أربعاً منهن". قال أبو عيسى: هكذا رواه معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه. قال: وسمعت محمد بن إسماعيل يقول: هذا حديث غير محفوظ، والصحيح ما روى شعيب بن أبي حمزة وغيره عن الزهري وحمزة قال: حدثت عن محمد بن سويد الثقفي أن غيلان بن سلمة أسلم وعنده عشر نسوة. قال محمد: وإنما حديث الزهري عن سالم عن أبيه أن رجلاً من ثقيف طلق نساءه فقال له عمر لتراجعن نساءك أو لأرجمن قبرك كما رجم قبر أبي رغال. قال أبو عيسى: والعمل على حديث غيلان بن سلمة عند أصحابنا منهم الشافعي وأحمد وإسحاق". ¬

(¬1) كتاب الزكاة (1396)، أطلقها على مخالفة شعبه بن الحجاج في اسم راو فانظرها هناك. (¬2) أنظر كتاب علل أبن أبي حاتم فأنه مليء بها ومنها برقم (84 و 1346 و 2682). (¬3) مثلا أنظر الأحاديث برقم (105 و 208 و 252،و 283،و 396 .. ). (¬4) انظر مثلا: (203 و241 و290 و316 و386 و 592 و 644و719 و720 و518 و ... ) وغيرها. (¬5) أنظر مثلا: 8/ 137 و 155 و 159. (¬6) وهي برقم (45 و 48 و 87 و 88 و 92).

التعليق: قول البخاري " غير محفوظ " يريد به حديث معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر:" أن غيلان بن سلمة أسلم وله عشر نسوة ... . فأمره النبي ... ." وإنما المحفوظ:" ما رواه شعيب بن أبي حمزة وغيره عن الزهري وحمزة قال: حدثت عن محمد بن سويد الثقفي أن غيلان بن سلمة أسلم .. " يعني أنه منقطع " حُدثت " وليس هو من حديث ابن عمر بل من حديث محمد بن سويد وهذا ليس من حديث ابن عمر وإنما هو ملفق وصوابه، كما ذكر البخاري، أنه من"حديث الزهري عن سالم عن أبيه أن رجلاً من ثقيف طلق نساءه فقال له عمر لتراجعنّ نساءك ... " الاستنتاج: الإمام البخاري لم يقبل هذا الحديث ولم يعده زيادة من ثقة " ومعمر بن راشد " هو المتفرد به. بل أعله بالمحفوظ عند الحفاظ:- حديث محمد بن سويد - وهذا يعني أنه يعد الفرد غير المعروف عند أهل الصنعة غير محفوظ. 2 - حديث أخرجه الترمذي (1705) قال: حدثنا قتيبة، قال: حدثنا الليث، عن نافع، عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وهي مسؤولة عنه، والعبد راع على مال سيده وهو مسؤول عنه، ألا فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته". قال أبو عيسى: وفي الباب عن أبي هريرة وأنس وأبي موسى وحديث أبي موسى غير محفوظ وحديث أنس: غير محفوظ، وحديث ابن عمر حديث حسن صحيح. رواه إبراهيم بن بشار الرمادي عن سفيان بن عيينة عن بريد بن عبد الله بن أبي بردة عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. (1705م) أخبرني بذلك محمد بن إسماعيل، عن إبراهيم بن بشار، قال: وروى غير واحد، عن سفيان، عن بريد عن أبي بردة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلاً وهذا أصح. قال محمد: وروى إسحاق بن إبراهيم عن معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -:" إن الله سائل كل راع عما استرعاه". قال: سمعت محمداً يقول: هذا غير محفوظ، وإنما

الصحيح عن معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة عن الحسن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلاً ". التعليق: أطلق البخاري لفظة " غير محفوظ " على حديث مرفوع وهو حديث معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة عن أنس عن النبي- متصلاً-. وقد أعله بحديث معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة عن الحسن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلاً-. ولم يعده من قبيل المزيد في متصل الأسانيد أو زيادة الثقة؟ ‍‍‍! بل أعله لأنه غير محفوظ عند أهل الحفظ والإتقان بهذا الإسناد. الاستنتاج: أطلق البخاري لفظة " غير محفوظ " على حديث تفرد به ثقة! 3 - حديث أخرجه الترمذي (720) قال: حدثنا علي بن حجر قال: حدثنا عيسى بن يونس عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"من ذرعه القيء فليس عليه قضاء ومن استقاء عمداً فليقض ".وفي الباب عن أبي الدرداء وثوبان وفضالة بن عبيد. قال أبو عيسى: حديث أبي هريرة حديث حسن غريب، لا نعرفه من حديث هشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، إلا من حديث عيسى بن يونس. وقال محمد: لا أراه محفوظاً. قال أبو عيسى: وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يصح إسناده، وقد روي عن أبي الدرداء وثوبان وفضالة بن عبيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قاء فافطر وإنما معنى هذا:" أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان صائما متطوعا فقاء فضعف فأفطر لذلك ".هكذا روي في بعض الحديث مفسراً والعمل عند أهل العلم على حديث أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الصائم إذا ذرعه القيء فلا قضاء عليه وإذا استقاء عمداً فليقض وبه يقول سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق ". التعليق: تفرد بهذا الحديث هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ... الحديث.

الاستنتاج: أطلق البخاري على حديث غريب لفظ - لا أراه محفوظاً - مع أنه لم يخالف فيه أحداً؟ 4 - حديث أخرجه الترمذي (815) قال: حدثنا عبد الله بن أبي زياد الكوفي قال حدثنا زيد بن حباب عن سفيان عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله: " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حج ثلاث حجج، حجتين قبل أن يهاجر وحجة بعد ما هاجر ومعها عمرة فساق ثلاثاً وستين بدنة وجاء علي من اليمن ببقيتها فيها جمل لأبي جهل في أنفه برة من فضة فنحرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من كل بدنة ببضعة فطبخت وشرب من مرقها ". قال أبو عيسى: هذا حديث غريب من حديث سفيان لا نعرفه إلا من حديث زيد بن حباب ورأيت عبد الله بن عبد الرحمن روى هذا الحديث في كتبه عن عبد الله بن أبي زياد. قال: وسألت محمداً عن هذا فلم يعرفه من حديث الثوري عن جعفر عن أبيه عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ورأيته لم يعد هذا الحديث محفوظاً، وقال: إنما يروى عن الثوري عن أبي إسحاق عن مجاهد مرسلاً ". التعليق: جاء الطريق الأول من رواية زيد بن الحباب عن سفيان الثوري عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله أن النبي - صلى الله عليه وسلم - .. الحديث. هذا الطريق متصل، وقد خطأه البخاري وعده غير محفوظ، لأنه يخالف المحفوظ وهو من رواية الثوري عن أبي إسحاق (السبيعي) عن مجاهد به"مرسلاً"،فأعل المتصل بالمرسل، وإنما أعله لأنه لا يعرفه من هذا الطريق وبهذا اللفظ. والخطأ فيه يحمل على زيد بن الحباب العكلي فإنه: " صدوق يخطئ في حديث الثوري ". (¬1) الاستنتاج: أطلق البخاري لفظة "لا أراه محفوظاً"على تفرد الضعيف ومخالفته وهو ما يسمى اليوم"منكراً "؟! ¬

(¬1) التقريب (2124)،وانظر التحرير 1/ 432.

5 - حديث أخرجه الترمذي (2730) قال: حدثنا أحمد بن عبدة الضبي قال: حدثنا يحيى بن سليم الطائفي عن سفيان عن منصور عن خيثمة عن رجل عن ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " من تمام التحية الأخذ باليد ". قال أبو عيسى: هذا حديث غريب ولا نعرفه إلا من حديث يحيى بن سليم، عن سفيان. سألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث فلم يعده محفوظاً، وقال: إنما أراد عندي حديث سفيان عن منصور، عن خيثمة عمن سمع ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لا سمر إلا لمصل أو مسافر ". قال محمد: وإنما يروى عن منصور عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد أو غيره قال: من تمام التحية الأخذ باليد ". التعليق: الحديث جاء من طريق يحيى بن سليم الطائفي عن سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن خيثمة بن عبد الرحمن بن أبي سبرة عن رجل "مبهم" عن ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - به. وقد أعله البخاري بكونه "غير محفوظ" لأنه غير معروف بهذا السند وإنما هو من طريق "منصور عن أبي إسحاق السبيعي عن عبد الرحمن بن يزيد النخعي" به من قوله - موقوفاً -. وأما السند الأول فخطأ .. ويحمل الخطأ فيه على يحيى بن سليم الطائفي فهو: "صدوق سيئ الحفظ" (¬1). وإنما هذا السند مركب "ملفق" والصحيح أنه حديث " سفيان الثوري عن منصور عن خيثمة عمن سمع ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " لا سمر إلا لمصلٍ أو مسافر ". الاستنتاج: قد يطلق البخاري حكمه على حديث " غير محفوظ " ويريد به القلب والتلفيق في الأسانيد. ومن هذا نستنتج أن " البخاري" يطلق مصطلح " غير محفوظ أو نحوه" ويريد به تفرد الثقة بحديث غير معروف، أو مخالفته، وكذا تفرد الضعيف أو مخالفته، وكذا على ¬

(¬1) التقريب (7563)، وقد خالفه أستاذي المشرف في التحرير 4/ 86 ولكن هذه الرواية تدل على سوء حفظه في عبيد الله بن عمر وفي سفيان، والله أعلم.

الأحاديث ملفقة الأسانيد أو المتون. 6 - حديث أخرجه الترمذي (1726) قال: حدثنا إسماعيل بن موسى الفزاري قال: حدثنا سيف بن هارون البرجمي عن سليمان التيمي عن أبي عثمان عن سلمان قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن السمن والجبن والفراء؟ فقال:" الحلال ما أحل الله في كتابه والحرام ما حرم الله في كتابه وما سكت عنه فهو مما عفا عنه ". قال أبو عيسى: وفي الباب عن المغيرة وهذا حديث غريب لا نعرفه مرفوعاً إلا من هذا الوجه وروى سفيان وغيره عن سليمان التيمي عن أبي عثمان عن سلمان قوله، وكأن الحديث الموقوف أصح وسألت البخاري عن هذا الحديث فقال: ما أراه محفوظاً، روى سفيان عن سليمان التيمي عن أبي عثمان عن سلمان موقوفاً، قال البخاري: وسيف بن هارون مقارب الحديث، وسيف بن محمد عن عاصم ذاهب الحديث ". التعليق: قال البخاري في حديث إسماعيل بن موسى عن سيف بن هارون البرجمي عن سليمان عن أبي عثمان عن سلمان قال: سئل رسول الله .. الحديث. قال: " ما أراه محفوظاً "، وأعله بما رواه سفيان عن سليمان التيمي عن أبي عثمان عن سلمان " موقوفاً ". ثم قال: " وسيف بن هارون مقارب الحديث ... ." وهو علة الحديث. الإستنتاج: أطلق البخاري لفظة "غير محفوظ" على زيادة في السند زادها راوٍ مقارب الحديث، فرفع ما أوقفه غيره من الرواة. 7 - قال الترمذي (3179): حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا بن أبي عدي قال: حدثنا هشام بن حسان قال: حدثني عكرمة عن ابن عباس أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي - صلى الله عليه وسلم - بشريك بن السحماء فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"البينة وإلا حد في ظهرك" قال: فقال هلال: يا رسول الله إذا رأى أحدنا رجلاً على امرأته أيلتمس البينة فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:"البينة وإلا فحد في ظهرك"،قال: فقال هلال: والذي بعثك بالحق إني لصادق ولينزلن في أمري ما يبرئ ظهري من الحد، فنزل:"والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم"فقرأ حتى بلغ:"والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين "،قال: فانصرف النبي - صلى الله عليه وسلم - فأرسل إليهما فجاءا فقام هلال بن أمية فشهد والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول:

المطلب الثاني: مذهب الإمام مسلم

"إن الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب؟ "ثم قامت فشهدت فلما كانت عند الخامسة: أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين قالوا لها: إنها موجبة؟ فقال ابن عباس: فتلكأت ونكست حتى ظننا أن سترجع فقالت: لا أفضح قومي سائر اليوم. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:"أبصروها فإن جاءت به أكحل العينين سابغ الإليتين خدلج الساقين فهو لشريك بن السحماء "،فجاءت به كذلك فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لولا ما مضى من كتاب الله عز وجل لكان لنا ولها شأن ".قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه من حديث هشام بن حسان وهكذا روى عباد بن منصور هذا الحديث عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ورواه أيوب عن عكرمة مرسلاً ولم يذكر فيه عن ابن عباس ". وقال في العلل (307): فسألت محمدا عنه، وقلت: روى عباد بن منصور هذا الحديث عن عكرمة عن ابن عباس مثل حديث هشام وروى أيوب عن عكرمة أن هلال بن أمية مرسلاً، فأي الروايات أصح؟ فقال: حديث عكرمة عن ابن عباس هو محفوظ ورآه حديثا صحيحاً ". التعليق: خالف أيوب السختياني رواية عباد بن منصور في وصله. الاستنتاج: رجح الرواية " المحفوظة " وهي المتصلة، وعد المرسلة " غير محفوظة"،يعني أنه يطلق اللفظة ويريد بها " مخالفة الثقة ". نخلص مما مر إلى أن لفظة " غير محفوظ أو نحوها " أطلقها الإمام البخاري وأراد بها معنى أعم مما يقيده بها أهل المصطلح - من المتأخرين - إذ قالوا: " هو مخالفة الثقة لمن هو أوثق .. ". بل الصواب: أنه أراد بها المعنى اللغوي، الذي يشمل مخالفة الثقة والضعيف وتفردهما أو أحدهما، وعدم شهرة الحديث ... وهكذا. المطلب الثاني: مذهب الإمام مسلم: 1 - قال في كتابه التمييز " ذكر خبر ليس بمحفوظ المتن: حدثنا يحيى بن يحيى قال: حدثنا وكيع عن سفيان عن أبي قيس عن هزيل بن شرحبيل عن المغيرة بن شعبة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ ومسح على الجوربين والنعلين "،حدثنا أبو بكر قال: حدثنا أبو معاوية

عن الأعمش عن مسلم عن مسروق عن المغيرة قال: " كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر "،وساقه، والأسود بن هلال عن المغيرة، وعلي بن ربيعة قال: خطبنا المغيرة. وإياد بن لقيط عن قبيصة بن برمة عن المغيرة بن شعبة، وعن حمزة بن المغيرة عن أبيه، وعروة بن المغيرة عن أبيه، والزهري عن عباد عن عروة وبكر بن عبد الله عن ابن المغيرة عن المغيرة، وسليمان التيمي عن بكر عن الحسن عن ابن المغيرة بن شعبة عن أبيه، وشريك عن أبي السائب عن المغيرة، ومحمد بن عمرو عن أبي سلمة عن المغيرة، وعروة بن المغيرة عن أبيه وعامر وسعد بن عبيدة قالا سمعنا المغيرة وأبو العالية عن فضالة عن المغيرة، وعمرو بن وهب عن المغيرة وابن عون عن عامر عن عروة عن المغيرة، وقتادة عن الحسن وزرارة ابن أبي أوفى عن المغيرة، وحريز بن حية الثقفي عن المغيرة. سمعت مسلماً يقول: قد بينا من ذكر أسانيد المغيرة في المسح بخلاف ما روى أبو قيس عن هزيل عن المغيرة ما قد اقتصصناه، وهم من التابعين وأجلتهم، مثل مسروق، وذكر من قد تقدم ذكرهم، فكل هؤلاء قد اتفقوا على خلاف رواية أبي قيس عن هزيل، ومن خالف خلاف بعض هؤلاء بين لأهل الفهم من الحفظ في نقل هذا الخبروتحمل ذلك، والحمل فيه على أبي قيس أشبه وبه أولى منه بهزيل، لأن أبا قيس قد استنكر أهل العلم من روايته أخباراً غير هذا الخبر، سنذكرها في مواضعها -إن شاء الله -. فأما في خبر المغيرة في المسح: حدثنا مسلم قال: فأخبرني محمد بن عبد الله بن قهزاد، عن علي بن الحسن بن شقيق، قال: قال عبد الله بن المبارك: عرضت هذا الحديث يعني حديث المغيرة من رواية أبي قيس على الثوري فقال: لم يجئ به غيره فعسى أن يكون وهماً" (¬1).ا. هـ قلت: ويلاحظ من هذا الحديث أن الإمام مسلماً قال في حديث خالف فيه أبو قيس - عبد الرحمن بن ثروان الأودي- عن هزيل بن شرحبيل الأودي عن المغيرة بن شعبة جميع رواة الحديث عن المغيرة وهم: (مسروق، والأسود بن هلال، وعلى بن ربيعة، وقبيصة بن برمة، وحمزة بن الغيرة، وعروة بن المغيرة، وأبو السائب، وأبو سلمة، وعامر بن سعد بن عبيدة، وفضالة، وعمرو بن وهب، والحسن، وزرارة بن أبي أوفى، ¬

(¬1) التمييز ص 202.

وحريز بن حية الثقفي) كلهم رووه بلفظ"مسح على خفيه " (¬1)،خالفهم أبو قيس فقال:"مسح على الجوربين والنعلين ".فهو متن ليس بمحفوظ كما قال الإمام مسلم. ويلاحظ أنه حكم عليه بأنه "غير محفوظ"والمخالف:"صدوق ربما خالف" (¬2) وقد أعل به الحديث مسلم فقال: " والحمل فيه على أبي قيس ... " (¬3). 2 - قال مسلم:"قال ابن شهاب: وأخبرني ابن المسيب عن أبي هريرة وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف وأبو بكر بن عبد الرحمن وعبيد الله بن عبد الله. سمعت مسلماً يقول: وخبر ابن شهاب هذا في قصة ذي اليدين وهم غير محفوظ لتظاهر الأخبار الصحاح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذا " (¬4). الحديث المحفوظ: انه - صلى الله عليه وسلم - سجد سجدتين، أخرجه الإمام مسلم في صحيحه قال: " حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال: أخبرنا عبد الوهاب الثقفي قال: حدثنا خالد وهو الحذاء عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن الحصين قال: سلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ثلاث ركعات من العصر ثم قام فدخل الحجرة فقام رجل بسيط اليدين فقال: أقصرت الصلاة يا رسول الله؟ فخرج مغضباً فصلى الركعة التي كان ترك ثم سلم ثم سجد سجدتي السهو ثم سلم. " (¬5). أما حديث الزهري فقد خالف فيه قال الحافظ ابن خزيمة: " خبر روي في قصة ذي اليدين أدرج لفظه الزهري في متن الحديث فتوهم من لم يتبحر في العلم ولم يكتب من الحديث إلا نتفاً أن أبا هريرة قال تلك اللفظة التي قالها الزهري في آخر الخبر وتوهم أيضا أن هذا الخبر الذي زاد فيه الزهري هذه اللفظة خلاف الأخبار الثابتة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سجد يوم ذي اليدين بعدما أتم صلاته، أخبرنا محمد بن يحيى قال: أخبرنا محمد بن كثير عن الأوزاعي عن الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة وعبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة قال: سلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ركعتين فقال له ذو الشمالين من خزاعة حليف لبني زهرة: أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله؟ قال: كلٌ لم يكن، فأقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ¬

(¬1) أخرجه البخاري (206)،ومسلم 1/ 228 - 230 (274)، وغيرهما. (¬2) أنظر ترجمته في التقريب (3823). (¬3) كما مر في ص 64 من بحثنا هذا. (¬4) التمييز ص 183. (¬5) أخرجه الشيخان انظر المسند الجامع 14/ 217 (10838).

المطلب الثالث: مذهب الإمام أبي داود

الناس فقال: أصدق ذو اليدين؟ قالوا: نعم، فأتمَّ ما بقي من صلاته ولم يسجد سجدتي السهو حين لقنه الناس" (¬1). ولسنا بصدد مناقشة الحديث، وإنما الذي يهمنا هنا: أن الإمام مسلماً حكم على مخالفة " الزهري " بأنها غير محفوظة فإطلاق "غير المحفوظ"عنده تعني أيضاً مخالفة الثقة. 3 - قال الإمام مسلم: " حدثني الحسن الحلواني وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي قالا قال: حدثنا عبيد الله بن عبد المجيد قال: حدثنا كثير بن زيد قال: حدثني يزيد بن أبي زياد عن كريب عن ابن عباس قال: بت عند خالتي ميمونة فاضطجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في طول الوسادة واضطجعت في عرضها فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتوضأ ونحن نيام، ثم قام فصلى فقمت عن يمينه فجعلني عن يساره فلما صلى قلت: يا رسول الله، وساقه. سمعت مسلماً يقول: وهذا خبر غلط غير محفوظ لتتابع الأخبار الصحاح برواية الثقات على خلاف ذلك أن ابن عباس إنما قام عن يسار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحوله حتى أقامه عن يمينه وكذلك سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سائر الأخبار عن ابن عباس أن الواحد مع الإمام يقوم عن يمين الإمام لا عن يساره " (¬2). وهذا أيضاً من قبيل مخالفة الثقة، فقد خالف فيه يزيد بن أبي زياد المخزومي -وهو ثقة (¬3) - أصحاب كريب - الثقات - بقوله: " فجعلني عن يساره "،والمحفوظ"عن يمينه ". إذن فمسلم يطلق هذه اللفظة " غير محفوظ " وقد يريد بها مخالفة الثقة أو غير الثقة. المطلب الثالث: مذهب الإمام أبي داود: لقد سبقني إلى هذا الأمر - دراسة هذا المصطلح عند أبي داود - الشيخ محمد حوى في رسالة ماجستير (¬4) وخرج الباحث بنتيجة- بحد علمي - تخالف التطبيق العملي له في سننه، وتخالف منهجه رحمه الله وهذه النتيجة هي: " استعمل أبو داود مصطلح محفوظ لما رواه الثقة مخالفاً من دونه وكانت درجة ¬

(¬1) صحيح ابن خزيمة 2/ 124 (1040). (¬2) انظر أيضاً التمييز ص 183. (¬3) التقريب (7715). (¬4) وعنوانها: مقولات أبي داود النقدية في كتاب السنن.

المخالف صدوق يخطئ كثيراً، واستعمل مصطلح ليس بمحفوظ: لما رواه الثقة مخالفاً الأوثق والثقات " (¬1). أقول: وهذا كلام غير دقيق- كما سنجده لاحقاً - فحق العبارة أن تكون: أراد أبو داود بمصطلح "غير محفوظ" ما خالف فيه الصدوق الذي يخطئ كثيراً "الضعيف" أو الثقة الثقات. أو نقول: ما خالف فيه الراوي مطلقاً -وهو الصواب-. وسأمثل ببعض الأمثلة على ذلك:- 1 - حديث (2099) قال: حدثنا أحمد بن حنبل قال: حدثنا سفيان، عن زياد بن سعد، عن عبد الله بن الفضل بإسناده ومعناه قال: " الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر يستأمرها أبوها".قال أبو داود:"أبوها"ليس بمحفوظ. التعليق: أطلق أبو داود لفظة "غير محفوظ "على مخالفة الثقة للثقات فالحديث جاء من عدة طرق بدون ذكر " أبوها " ولم يخالف إلا سفيان وسفيان ثقة. الاستنتاج: هذا يعني أنه يطلق غير محفوظ على حديث انفراد الثقة بلفظ خالف بها غيره من الثقات (¬2). 2 - وكذا في حديث (2094) قال: حدثنا محمد بن العلاء قال: حدثنا بن إدريس، عن محمد بن عمرو بهذا الحديث (¬3) بإسناده زاد فيه قال: فإن بكت أو سكتت، زاد بكت. قال أبو داود: وليس "بكت" بمحفوظ، وهو وهم في الحديث، الوهم من ابن إدريس أو من محمد بن العلاء. قال أبو داود: ورواه أبو عمر وذكوان عن عائشة قالت: يا رسول الله إن البكر تستحي أن تتكلم قال:" سكاتها إقرارها". فإن أبا داود أطلق مصطلح " غير محفوظ " على مخالفة عبد الله بن إدريس الأودي ¬

(¬1) سبق ص228. (¬2) الحديث بالزيادة أخرجه مسلم 2/ 1037 (1421) شاهداُ لرواية الباب وقد عد حوى في رسالة هذه الزيادة محفوظة وخطأ بها أبا داود؟! أنظرها ص377. (¬3) الحديث بدون زيادة أو بكت مخرج في الصحيحين أخرجه البخاري (5137)، ومسلم 2/ 1037 (1420).

وهو ثقة (¬1) أو محمد بن العلاء بن كريب الهمداني وهو ثقة حافظ (¬2) أيضاً. 3 - حديث (338) قال: حدثنا محمد بن إسحاق المسيبي قال: أخبرنا عبد الله بن نافع عن الليث بن سعد عن بكر بن سوادة عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال: خرج رجلان في سفر فحضرت الصلاة وليس معهما ماء فتيمما صعيداً طيباً فصليا ثم وجدا الماء في الوقت فأعاد أحدهما الصلاة والوضوء ولم يعد الآخر ثم أتيا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكرا ذلك له فقال للذي لم يُعد: أصبت السنة وأجزأتك صلاتك، وقال للذي توضأ وأعاد: لك الأجر مرتين ". قال أبو داود: وغير ابن نافع يرويه عن الليث عن عميرة بن أبي ناجية عن بكر بن سوادة عن عطاء بن يسار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال أبو داود: وذكر أبي سعيد الخدري في هذا الحديث ليس بمحفوظ وهو مرسل " (¬3). التعليق: السند الأول: محمد بن إسحاق - عبد الله بن نافع- الليث بن سعد - بكر بن سوادة - عطاء بن يسار - أبو سعيد الخدري (مرفوعاً). السند الثاني: غير عبد الله بن نافع - الليث - عمير بن أبي ناجية - بكر بن سوادة - عطاء بن يسار "مرسلاً ". أقول: حكم أبو داود على الأول بكونه غير محفوظ مع أن رجاله كلهم ثقات، ورجح الرواية المرسلة على المتصلة. الاستنتاج: أطلق أبو داود لفظة "غير محفوظ"على حديث زاد فيه ثقة زيادة، حيث وصل ما أرسله غيره فعدها أبو داود غير محفوظة. 4 - حديث (870) قال: حدثنا أحمد بن يونس قال: حدثنا الليث -يعني ابن سعد- عن أيوب بن موسى أو موسى بن أيوب عن رجل من قومه عن عقبة بن عامر بمعناه زاد قال:" فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ¬

(¬1) التقريب (3207). (¬2) التقريب (6204). (¬3) أخرجه أبو داود (338) والدارمي (737). كلاهما من طريق عبد الله بن نافع وأخرجه مرسلاً أبو داود (339).

إذا ركع قال: سبحان ربي العظيم وبحمده ثلاثا وإذا سجد قال: سبحان ربي الأعلى وبحمده ثلاثاً".قال أبو داود: وهذه الزيادة يخاف أن لا تكون محفوظة. قال أبو داود: انفرد أهل مصر بإسناد هذين الحديثين حديث الربيع وحديث أحمد بن يونس" (¬1). التعليق: الحديث جاء مرة بدون زيادة وهو حديث صحيح وجاء مرة بزيادة " فكان رسول الله إذا ركع ... .. " وسند هذه الزيادة ضعيف جداً " منقطع " إذ فيه رجل مبهم ومع ذلك فإن أبا داود لم يجزم بضعفها بل قال: " وهذه الزيادة يخاف أن لا تكون محفوظة ". الاستنتاج: أطلق أبو داود مصطلح " غير محفوظ ... " على زيادة في متن حديث زادها رجل مبهم: (أطلقها على إسناد منقطع). 5 - حديث (281) قال: حدثنا يوسف بن موسى قال: حدثنا جرير عن سهيل يعني بن أبي صالح عن الزهري عن عروة بن الزبير قال: حدثتني فاطمة بنت أبي حبيش أنها أمرت أسماء أو أسماء حدثتني أنها أمرتها فاطمة بنت أبي حبيش أن تسأل رسول - صلى الله عليه وسلم -:" فأمرها أن تقعد الأيام التي كانت تقعد ثم تغتسل". قال أبو داود: ورواه قتادة عن عروة بن الزبير عن زينب بنت أم سلمة أن أم حبيبة بنت جحش استحيضت فأمرها النبي - صلى الله عليه وسلم -:"أن تدع الصلاة أيام إقرائها ثم تغتسل وتصلي". قال أبو داود: لم يسمع قتادة من عروة شيئاً وزاد بن عيينة في حديث الزهري عن عمرة عن عائشة أن أم حبيبة كانت تستحاض فسألت النبي - صلى الله عليه وسلم -:"فأمرها أن تدع الصلاة أيام إقرائها" (¬2). قال أبو داود: وهذا وهم من ابن عيينة ليس هذا في حديث الحفاظ عن الزهري إلا ما ذكر سهيل بن أبي صالح وقد روى الحميدي هذا الحديث عن ابن عيينة لم يذكر فيه تدع الصلاة أيام إقرائها وروت قمير بنت عمرو زوج مسروق عن عائشة المستحاضة تترك الصلاة أيام إقرائها ثم تغتسل وقال عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ¬

(¬1) أخرجه بدون هذه الزيادة أحمد و, ابن ماجة والدارمي، انظر المسند الجامع 13/ 16 (9824). (¬2) أخرجه مسلم،1/ 263 (334) دون الزيادة.

"أمرها أن تترك الصلاة قدر إقرائها". وروى أبو بشر جعفر بن أبي وحشية عن عكرمة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن أم حبيبة بنت جحش استحيضت، فذكر مثله، وروى شريك عن أبي اليقظان عن عدي بن ثابت عن أبيه عن جده عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "المستحاضة تدع الصلاة أيام إقرائها ثم تغتسل وتصلي".وروى العلاء بن المسيب عن الحكم عن أبي جعفر أن سودة استحيضت فأمرها النبي - صلى الله عليه وسلم -:"إذا مضت أيامها اغتسلت وصلت".وروى سعيد بن جبير عن علي وابن عباس:" المستحاضة تجلس أيام قرئها "وكذلك رواه عمار مولى بني هاشم وطلق بن حبيب عن ابن عباس، وكذلك رواه معقل الخثعمي عن علي - رضي الله عنه - وكذلك روى الشعبي عن قمير امرأة مسروق عن عائشة رضي الله تعالى عنها. قال أبو داود: وهو قول الحسن وسعيد بن المسيب وعطاء ومكحول وإبراهيم وسالم والقاسم أن المستحاضة تدع الصلاة أيام إقرائها. قال أبو داود: لم يسمع قتادة من عروة شيئاً". التعليق: جاء الحديث عن الزهري من طريقين: طريق: سهيل بن أبي صالح السمان عن الزهري عن عروة بن الزبير عن فاطمة بنت أبي حبيش به. طريق: سفيان بن عيينة عن الزهري عن عمرة عن عائشة به.-وبزيادة " فأمرها أن تدع الصلاة أيام أقرائها ". وقد حكم أبو داود على حديث سفيان بأنه غير محفوظ من حديث الزهري ولم يعده زيادة من ثقة أو يعده حديثاً آخر، ومع كون سفيان أوثق وأحفظ لحديث الزهري من سهيل بن أبي صالح. أقول: وإنما لم يعده محفوظاً لأن الحفاظ لم يعرفوه بهذه الزيادة. والحديث رواه سفيان مرة بدون الزيادة، كما أخرجه مسلم في صحيحه. الاستنتاج: هذا يعني أن أبا داود يطلق مصطلح " غير محفوظ " على ما تفرد به ثقة ولم يتابع عليه ولم يعرفه المعروفون " الحفاظ ". 6 - حديث (604) قال: حدثنا محمد بن آدم المصيصي قال: حدثنا أبو خالد عن بن عجلان عن زيد بن

أسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:" إنما جعل الإمام ليؤتم به بهذا الخبر زاد وإذا قرأ فأنصتوا ".قال أبو داود: وهذه الزيادة وإذا قرأ فأنصتوا ليست بمحفوظة الوهم عندنا من أبي خالد ". التعليق: أصل الحديث هو بدون ذكر الزيادة " وإذا قرأ فأنصتوا ". أخرجه أبو داود في (603) قال: حدثنا سليمان بن حرب ومسلم بن إبراهيم المعنى عن وهيب عن مصعب بن محمد عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا ولا تكبروا حتى يكبر وإذا ركع فاركعوا ولا تركعوا حتى يركع، وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد- قال مسلم -ولك الحمد وإذا سجد فاسجدوا ولا تسجدوا حتى يسجد وإذا صلى قائماً فصلوا قياماً وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعون. قال أبو داود: اللهم ربنا لك الحمد أفهمني بعض أصحابنا عن سليمان ". وعد الوهم فيها من سليمان بن حيان الأزدي، أبي خالد الأحمر، قال الحافظ ابن حجر فيه:" صدوق يخطئ " (¬1) قلت: قال صاحبا التحرير:"بل صدوق حسن الحديث " (¬2) وهو الذي رجحه الذهبي في الميزان (¬3)، والذي أراه والله أعلم أن الوهم فيه من محمد بن عجلان المدني: فإنه " قد اختلط عليه أحاديث أبي هريرة " (¬4)،وهذا منها. الاستنتاج: أطلق أبو داود مصطلح "غير محفوظ"على زيادة الضعيف. 7 - حديث (2159) قال: حدثنا سعيد بن منصور قال: حدثنا أبو معاوية عن بن إسحاق بهذا الحديث قال:" حتى يستبرئها بحيضة " زاد فيه: بحيضة وهو وهم من أبي معاوية، وهو صحيح في حديث أبي سعيد زاد: " ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يركب دابة من فيء ¬

(¬1) التقريب (2547). (¬2) التحرير 2/ 65. (¬3) ميزان الاعتدال 2/ 200. (¬4) التقريب (6136)، والتحرير 3ـ290.

المسلمين حتى إذا أعجفها ردها فيه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يلبس ثوباً من فيء المسلمين حتى إذا أخلقه رده فيه". قال أبو داود: الحيضة ليست بمحفوظة وهو وهم من أبي معاوية ". التعليق: اصل الحديث ليس فيه زيادة " بحيضة " وقد أخرجه أبو داود من طريق النفيلي فقال: حدثنا النفيلي قال: حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق قال: حدثني يزيد بن أبي حبيب عن أبي مرزوق عن حنش الصنعاني عن رويفع بن ثابت الأنصاري قال: قام فينا خطيباً قال: أما إني لا أقول لكم إلا ما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول يوم حنين قال: " لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقي ماءه زرع غيره يعني إتيان الحبالى ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقع على امرأة من السبي حتى يستبرئها ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيع مغنماً حتى يقسم " (¬1). قلت: زاد أبو معاوية - محمد بن خازم الضرير-في روايته عن ابن إسحاق بالإسناد أعلاه:"حتى يستبرئها بحيضة "فزاد لفظة:"حيضة "وقد خالف بها محمد بن سلمة الباهلي وأبو معاوية: " ثقة في حديث الأعمش قد يهم في حديث غيره " (¬2)، وأما محمد بن سلمة فهو ثقة. (¬3) فرد أبو داود زيادة أبي معاوية مع أنه حكم عليها بالصحة في حديث أبي سعيد الخدري. (¬4) فزيادة " حيضة " صحيحة ولكنها غير محفوظة من طريق أبن إسحاق بالإسناد أعلاه. وكذا فإنه قبل زيادة أبي معاوية في الحديث نفسه وهي " ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يركب دابة من فيء المسلمين ... ."؟! الاستنتاج: أطلق أبو داود مصطلح " غير محفوظ " على زيادة تفرد بها ثقة لا يحتمل تفرده أو مخالفته، فأتى بما لا يعرفه الحفاظ. ¬

(¬1) أخرجه أبو داود (2158). (¬2) التقريب (5841) وانظر التحرير 2/ 234. (¬3) التقريب (5922) وانظر التحرير 2/ 250. (¬4) أخرجه أبو داود (2157) وغيره.

المطلب الرابع: مذهب الإمام الترمذي

إذن: فأبو داود استعمل مصطلح "غير محفوظ " لما انفرد به ثقة، وكذا لما خالف، ولما زاد وأطلقه على زيادة مجهول العين وزيادة ضعيف، وعلى تفرد من لا يحتمل تفرده. هكذا يتبين لنا أن مفهوم " غير محفوظ " أعم عند أبي داود مما نسب إليه الشيخ محمد حوى في رسالته وأعم مما ينسب المتأخرون إليه. والصواب: أنّ كل ما ليس له أصل متابع أو لم يعرفه أهل الحفظ هو غير محفوظ عنده خالف به ثقة أم غير ثقة - والله أعلم -. المطلب الرابع: مذهب الإمام الترمذي: وأما عند الإمام الترمذي:"فقد استعمله بما يشمل الشاذ والمنكر أو استعمالاً يشمل كل ما يندرج تحت المخالفة وتفرد الضعفاء ومن يلتحق بهم" (¬1). وفيما يأتي أمثلة توضح ذلك وتثبته: 1 - المثال الأول: قال الترمذي في الجامع (203) " باب ما جاء في الأذان بالليل ": حدثنا قتيبة قال: حدثنا الليث عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى تسمعوا تأذين ابن أم مكتوم ".قال أبو عيسى: وفي الباب عن ابن مسعود وعائشة وأنيسة وأنس وأبي ذر وسمرة. قال أبو عيسى: حديث ابن عمر حديث حسن صحيح، وقد اختلف أهل العلم في الأذان بالليل فقال بعض أهل العلم: إذا أذن المؤذن بالليل أجزأه ولا يعيد، وهو قول مالك، وابن المبارك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وقال بعض أهل العلم: إذا أذن بليل أعاد، وبه يقول: سفيان الثوري وروى حماد بن سلمة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر:" أن بلالاً أذن بليل فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن ينادي إن العبد نام ".قال أبو عيسى: هذا حديث غير محفوظ، والصحيح ما روى عبيد الله بن عمر وغيره عن نافع عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم". قال: وروى عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع أن مؤذناً لعمر أذن بليل فأمره عمر ¬

(¬1) هذا ما توصل إليه شيخنا الدكتور عداب الحمش في أطروحة الدكتوراه الموسومة: (أقوال الإمام الترمذي في الرجال) وهي نتيجة صحيحة، ولكني وجدت الشيخ قد خالفها وناقضها في أكثر من موضع!، أنظرها ص210.

أن يعيد الأذان وهذا لا يصح أيضاً لأنه عن نافع عن عمر منقطع ولعل حماد بن سلمة أراد هذا الحديث والصحيح رواية عبيد الله وغير واحد عن نافع عن ابن عمر والزهري عن سالم عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"إن بلالاً يؤذن بليل". قال أبو عيسى: ولو كان حديث حماد صحيحاً، لم يكن لهذا الحديث معنى إذ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إن بلالاً يؤذن بليل فإنما أمرهم فيما يستقبل فقال: إن بلالاً يؤذن بليل ولو أنه أمره بإعادة الأذان حين أذن قبل طلوع الفجر لم يقل: إن بلالاً يؤذن بليل. قال علي بن المديني: حديث حماد بن سلمة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - هو غير محفوظ، وأخطأ فيه حماد بن سلمة ". التعليق: خالف حماد بن سلمة ما رواه عبد الله بن عمر وغيره في حديثه، فحكم الترمذي على مخالفة مثل حماد وهو " ثقة " متكلم في حفظه آخر أيامه" (¬1)،بأنها غير محفوظة. الاستنتاج: وهذا يعني أنه يطلق لفظة "غير محفوظ"على مخالفة الثقة. 2 - وقال: (3163):"حدثنا محمود بن غيلان قال: حدثنا النضر بن شميل قال: أخبرنا صالح بن أبي الأخضر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: لما قفل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من خيبر أسرى ليلة حتى أدركه الكرى أناخ فعرس ثم قال:"يا بلال اكلأ لنا الليلة قال: فصلى بلال ثم تساند إلى راحلته مستقبل الفجر فغلبته عيناه فنام فلم يستيقظ أحد منهم وكان أولهم استيقاظاً النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: أي بلال فقال بلال: بأبي أنت يا رسول الله أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اقتادوا، ثم أناخ فتوضأ فأقام الصلاة ثم صلى مثل صلاته للوقت في تمكث ثم قال: أقم الصلاة لذكري ". قال: هذا حديث غير محفوظ رواه غير واحد من الحفاظ عن الزهري عن سعيد بن المسيب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يذكروا فيه عن أبي هريرة، وصالح بن أبي الأخضر يضعف في الحديث ضعفه يحيى بن سعيد القطان وغيره من قبل حفظه ". التعليق: خالف صالح بن أبي الأخضر غيره من الحفاظ في روايتهم عن الزهري فقد وصله ¬

(¬1) أنظر تهذيب الكمال (1466)، والتقريب (1499)، والتحرير1/ 318.

وهم أرسلوه فعند الترمذي حديثه غير محفوظ، وصالح عند الترمذي -نفسه- ضعيف كما صرح بذلك عقب الحديث. الاستنتاج: وهذا يعني أن مخالفة الضعيف للثقات يعدها"غير محفوظة ". 3 - وقال في جامعه (719) "ما جاء في الصائم يذرعه القيء": حدثنا محمد بن عبيد المحاربي قال: حدثنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" ثلاث لا يفطرن الصائم الحجامة والقيء والاحتلام ". قال أبو عيسى: حديث أبي سعيد الخدري حديث غير محفوظ وقد روى عبد الله بن زيد بن أسلم وعبد العزيز بن محمد وغير واحد هذا الحديث عن زيد بن أسلم مرسلاً ولم يذكروا فيه عن أبي سعيد وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم يضعف في الحديث قال: سمعتُ أبا داود السجزي يقول: سألت أحمد بن حنبل عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم فقال: أخوه عبد الله بن زيد لا بأس به قال: وسمعت محمداً يذكر عن علي بن عبد الله المديني قال: عبد الله بن زيد بن أسلم ثقة وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف قال محمد: ولا أروي عنه شيئاً ". 4 - وكذا ما جاء في (1082) باب"ما جاء إذا جاءكم من ترضون دينه فزوجوه " إذ قال: حدثنا قتيبة قال: حدثنا عبد الحميد بن سليمان عن ابن عجلان عن بن وثيمة النصري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض". قال: وفي الباب عن أبي حاتم المزني وعائشة قال أبو عيسى: حديث أبي هريرة قد خولف عبد الحميد بن سليمان في هذا الحديث ورواه الليث بن سعد عن ابن عجلان عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلاً قال أبو عيسى: قال محمد: وحديث الليث أشبه، ولم يعد حديث عبد الحميد محفوظاً". قلت: عبد الحميد بن سليمان هو الضرير: ضعيف (¬1). ¬

(¬1) التقريب (3764).

5 - وفي حديث (720) باب:"باب ما جاء فيمن استقاء عمداً"قال: حدثنا علي بن حجر قال: حدثنا عيسى بن يونس عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " من ذرعه القيء فليس عليه قضاء ومن استقاء عمداً فليقض ". وفي الباب عن أبي الدرداء وثوبان وفضالة بن عبيد. قال أبو عيسى: حديث أبي هريرة حديث حسن غريب لا نعرفه من حديث هشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا من حديث عيسى بن يونس، وقال محمد: لا أراه محفوظاً، قال أبو عيسى: وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يصح إسناده وقد روي عن أبي الدرداء وثوبان وفضالة بن عبيد:"أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قاء فأفطر"،وإنما معنى هذا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان صائماً متطوعاً فقاء فضعف فأفطر لذلك هكذا روي في بعض الحديث مفسراً والعمل عند أهل العلم على حديث أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الصائم إذا ذرعه القيء فلا قضاء عليه وإذا استقاء عمداً فليقض وبه يقول سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق ". التعليق: حكم الترمذي على هذا الحديث بأنه " غير محفوظ " لمجرد تفرد هشام بن حسان به دون مخالفة فقال: " حسن غريب لا نعرفه من حديث هشام ... " فهو حسن -معلول- عند الترمذي مع أن هشاماً ثقة، بل " أثبت الناس في ابن سيرين" (¬1)، ومحمد بن سيرين ثقة ولكنه لما انفرد بالحديث ولم يتابع عليه انحطت درجته، ولمّا توبع بروايات الباب حسن طريقه -والله أعلم-. فهو " غير محفوظ " من رواية أبي هريرة كما قال البخاري بل محفوظ من رواية غيره. وهذا يعني أنه -الترمذي- أقر البخاري على حكمه بأنه غير محفوظ، مع أنه لم يخالف. وهكذا يتبين أن الترمذي يطلق لفظة " غير محفوظ " وقد يريد بها مخالفة الثقة أو غير الثقة أو التفرد مطلقاً. ¬

(¬1) التقريب (2124) وانظر التحرير 1/ 432.

المطلب الخامس: مذهب الإمام النسائي

المطلب الخامس: مذهب الإمام النسائي: الإمام النسائي إمام من الأئمة المعروفين بسعة علمه وغزارة فهمه ويقظته في معرفة علل الحديث ومداخله. وكتابه السنن الكبرى والمجتبى وغيرهما من كتبة المشهورة خير دليل على ذلك وسأذكر بعض الأمثلة على إطلاقه " غير محفوظة وما شاكلها " إذ لم يستعمل مصطلح " شاذ " في سننه (¬1). 1 - قال النسائي (5/ 130):أخبرنا نوح بن حبيب القومسي قال: حدثنا يحيى بن سعيد قال: حدثنا ابن جريج قال: حدثني عطاء عن صفوان بن يعلى بن أمية عن أبيه أنه قال: ليتني أرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو ينزل عليه فبينا نحن بالجعرانة والنبي - صلى الله عليه وسلم - في قبة فأتاه الوحي فأشار إلى عمر أن تعال فأدخلت رأسي القبة فأتاه رجل قد أحرم في جبة بعمرة متضمخ بطيب فقال: يا رسول الله ما تقول في رجل قد أحرم في جبة إذ أنزل عليه الوحي فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يغط لذلك فسرى عنه فقال: أين الرجل الذي سألني آنفاً؟ فأتي بالرجل فقال: أما الجبة فاخلعها وأما الطيب فاغسله ثم أحدث إحراماً".قال أبو عبد الرحمن:"ثم أحدث إحراماً"ما أعلم أحداً قاله غير نوح بن حبيب ولا أحسبه محفوظاً، والله سبحانه وتعالى أعلم ". التعليق: قال النسائي: " ما أعلم أحداً قاله غير نوح بن حبيب ولا أحسبه محفوظاً "،قلت: ونوح هذا ثقة. (¬2) الاستنتاج: أطلق النسائي " لا أحسبه محفوظاً " لمجرد التفرد وإن كان المتفرد ثقة. 2 - وقال 8/ 137:" أخبرني عثمان بن عبد الله قال: حدثنا أحمد بن جناب قال: حدثنا عيسى بن يونس عن هشام بن عروة عن أبيه عن بن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"غيروا الشيب ولا تشبهوا باليهود ". أخبرنا حميد بن مخلد بن الحسين قال: حدثنا محمد بن كناسة قال: حدثنا هشام بن عروة ¬

(¬1) انظر علل الحديث وتطبيقاتها في كتاب المجتبى للإمام النسائي، لأخي الشيخ محمد محمود سليمان ص 363. (¬2) التقريب (7203).

عن عثمان بن عروة عن أبيه عن الزبير قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" غيروا الشيب ولا تشبهوا باليهود وكلاهما غير محفوظ ". التعليق: لقد اضطرب إسناد هذا الحديث اضطراباً واضحاً. فمرة جاء من طريق: هشام بن عروة عن عثمان بن عروة عن أبيه عن جده به. (متصلاً). ومرة من طريق: هشام بن عروة عن عثمان عن أبيه به. (مرسلاً). ومرة من طريق: هشام بن عروة عن أبيه عن النبي. (مرسلاً). ومرة من طريق: هشام عن أبيه عن ابن عمر به. (متصلاً). من أجل ذلك حكم النسائي على هذه الأسانيد بعدم الحفظ -والله أعلم -. الاستنتاج: أطلق النسائي كلمة (غير محفوظ) على الاضطراب في السند. 3 - وقال 8/ 155:أخبرني يوسف بن سعيد قال: بلغني عن حجاج عن ابن جريج أخبرني زياد بن سعد عن ابن شهاب عن بسر بن سعيد عن زينب الثقفية قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"إذا شهدت إحداكن الصلاة فلا تمس طيباً".قال أبو عبد الرحمن: وهذا غير محفوظ من حديث الزهري ". التعليق: قلت: قال عبد الرحمن بن أبي حاتم:"حدثنا سنيد بن داود قال: حدثنا حجاج عن ابن جريج عن زياد بن سعد عن ابن شهاب الزهري عن بسر بن سعيد عن زينب الثقفية أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:" إذا شهدت إحداكن العشاء فلا تمس طيباً"،قال أبي: لم يرو هذا الحديث عن ابن شهاب سوى زياد بن سعد ولا روى عن زياد بن سعد غير ابن جريج ولا عن ابن جريج إلا الحجاج ولا عن حجاج إلا سنيد، غير أن أبا زرعة حدثني بعورته: أخبرني أنه ذكر هذا الحديث ليحيى بن معين فقال: رأيت هذا الحديث في كتاب حجاج عن ابن جريج عن زياد عن بسر ليس فيه الزهري. قال أبو محمد: وقرأ علينا أبو زرعة هذا الحديث عن سنيد هكذا، فأملى علينا أبو زرعة وقال: أخبرت بهذا الحديث يحيى بن معين فقال: كتبته من كتاب حجاج عن ابن جريج عن زياد بن سعد عن بسر بن سعيد

عن زينب الثقفية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ليس فيه الزهري " (¬1). قال الحافظ ابن حجر:" ويستفاد من هذا تسمية من بلّغ يوسف بن سعيد عن حجاج، ويوسف كثير الرواية عن حجاج إلا أنه كان لا يدلس، ولم يسمع هذا من حجاج، فكأنه سمعه من سنيد فاتهمه " (¬2).وسنيد هذا: ضعيف لأجل تلقينه لشيخه الحجاج. فقد ضعفه أبو حاتم، والنسائي، وقواه بعضهم، حتى وصفه الذهبي بالحافظ! (¬3). التعليق: اضطربت طرق هذه الرواية اضطراباً واضحاً وكلها ضعيفة عدا طريق جرير الضبي ويحيى القطان وهو مخرج في صحيح مسلم، وقد اختلف فيه على النحو الآتي: مرة جاء من طريق محمد بن مسلم عن بسر بن سعيد عن زينب به. ومرة من طريق محمد بن عبد الله بن عمرو عن بكير عن بسر عن زينب به. ومرة من طريق محمد بن عبد الله بن عمرو عن بكير عن زينب به. ومرة من طريق محمد بن عجلان عن بكير عن بسر عن زينب به. ومرة من طريق محمد بن عجلان عن يعقوب عن بسر عن زينب به. وانظر بعض هذا الاختلاف من خلال هذه الشجرة: ¬

(¬1) علل ابن أبي حاتم 1/ 79 (211). (¬2) النكت الظراف على تحفة الأشراف11/ 107 (15888). (¬3) أنظر ميزان الإعتدال 2/ 236، والكاشف 1/ 405، والتقريب (2646)، والتحرير 2/ 84، وعلل الحديث، محمد محمود ص 373.

(صورة)

الاستنتاج: أطلق النسائي لفظة (غير محفوظ) على سند مضطرب، وفيه رجل ضعيف كان يلقن. 4 - وقال في 8/ 159:" أخبرنا إسحاق بن شاهين الواسطي قال: أنبأنا خالد عن مطرف ح وأنبأنا أحمد بن حرب قال: حدثنا أسباط عن مطرف عن أبي الجهم عن أبي زيد عن أبي هريرة قال:"كنت قاعداً عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فأتته امرأة فقالت: يا رسول الله سوارين من ذهب؟ قال: سوران من نار! قالت: يا رسول الله طوق من ذهب؟ قال: طوق من نار، قالت: قرطين من ذهب؟ قال: قرطين من نار، قال: وكان عليها سواران من ذهب فرمت بهما، قالت: يا رسول الله إن المرأة إذا لم تتزين لزوجها صلفت عنده قال: " ما يمنع إحداكن أن تصنع قرطين من فضة ثم تصفره بزعفران أو بعبير" اللفظ لابن حرب، أخبرني الربيع بن سليمان قال: حدثنا إسحاق بن بكر قال: حدثني أبي عن عمرو بن الحارث عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى عليها مسكتي ذهب فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"ألا أخبرك بما هو أحسن من هذا لو نزعت هذا؟ وجعلت مسكتين من ورق ثم صفرتهما بزعفران كانتا حسنتين".قال أبو عبد الرحمن: هذا غير محفوظ، والله أعلم ". التعليق: الحديث مخرج في الصحيحين من رواية عبد الرحمن بن يزيد الصنعاني عن ابن مسعود به وأخرجاه أيضاً من طريق علقمة -وحده- عن ابن مسعود به. وأما رواية علقمة والأسود -سوية- فقد أخرجها أحمد والنسائي، وذكر الأسود وهم من عبد الرحمن بن زياد المحاربي فقد انفرد بزيادة (الأسود) في حديثه وهو ضعيف يدلس (¬1)،وخالف فيه الثقات كشعبة بن الحجاج وأبي معاوية الضرير عند البخاري، وعلي بن هاشم البريد العائذي -عند أحمد-. وقد رواه عبد الرحمن نفسه مرة بالزيادة ومرة بدونها. من أجل ذلك حكم النسائي على مخالفته لهم بأنها غير محفوظة. الاستنتاج: أطلق النسائي مصطلح غير محفوظ على مخالفة الضعيف لغيره من الثقات. ¬

(¬1) التقريب (3999).

المبحث الخامس: علاقة الشاذ بالمنكر

وهكذا نخلص أن الأئمة المتقدمين استعملوا مصطلح " شاذ "، و " غير محفوظ " استعمالاً لغوياً، إذ أطلقوهما على تفرد الضعيف ومخالفته، كما أطلقوهما على مخالفة الثقة، وخطئه، وعلى تفرد الثقة بحديث لم يحفظه أهل الحفظ، ولم يعرف عندهم. وهذا يعني أنهم يسوونه بالمنكر، كما مر سلفاً، والله أعلم. المبحث الخامس: علاقة الشاذ بالمنكر: ومما مر نخلص إلى أنّ المتقدمين لا يفصلون بين المصطلحين، بل لم يشتهر عندهم مصطلح " شاذ " إلا عند البعض منهم، وما جاء عن هؤلاء من تعريف الشاذ كأنهم أرادوا به المعنى اللغوي والذي يعني التفرد لذا قال الشافعي: " ليس الشاذ من الحديث أن يروي الثقة ما لا يرويه غيره، هذا ليس بشاذ، إنما الشاذ أن يروي الثقة حديثاً يخالف فيه الناس هذا الشاذ من الحديث." (¬1). فالشاذ والمنكر عند المتقدمين هو تفرد الثقة وغيره بشيء غير محفوظ أو بمخالفتهم المحفوظ؛ إسناداً أو متناً. وأما عند علماء المصطلح فإنهم لم يختلفوا عن منهج المتقدمين إلى أن جاء الحافظ ابن حجر العسقلاني ففرق بينهما وعدَّ من سوّى بينهما أنه غفل، وقد بان من خلال أقوال وصنيع الأئمة المتقدمين من قبله أن هذا التفريق لا يقوم على أسس صحيحة بينة، وهو في مجمله تفريق جزئي غير بيّن. والذي أراه أنه ليس مثل الحافظ العسقلاني يغفل عن هذا!؟ فهو إمام جبل، وكأنه لما رأى أن الناس قد قسموا الحديث إلى إسناد ومتن وعلة إسناد وعلة متن فالحديث قد يصح سنداً ولا يصح متناً، وهذا ينافي صنيع المتقدمين، خشي من التباس تفرد الثقات مع تفرد الضعفاء ومخالفتهم مع مخالفة الضعفاء لأن الناس يحكمون من خلال رجال السند على المتون أراد وضع قيد لفصل مخالفات الثقات عن مخالفات الضعفاء .. أو نحوها من الأسباب. وحسبه في ذلك ما نقله عنه تلميذه الحافظ السخاوي إذ قال: سمعت الحافظ يقول:" لست راضياً عن شيء من تصانيفي لأني عملتها في ابتداء الأمر ثم لم يتسن لي تحريرها سوى " شرح البخاري " ومقدمته"والمشتبه"و"التهذيب"و"لسان الميزان" أما سائر ¬

(¬1) معرفة علوم الحديث، الحاكم ص119، وانظر المنهل الروي، ابن جماعة ص50 - 51.

المجموعات فهي كثيرة العدد واهية العدد ضعيفة القوى خافية الرؤى" (¬1).وهذا الكلام يدلل على الإنصاف والعدل حتى مع النفس، ولا ضير فهو الإمام الحافظ الحجة، خاتمة الحفاظ، ولكن الحق أحق أن يتبع. أقول: وأصبح مفهوم الشاذ والمنكر وفصلهما عن بعضهما كما قرره الحافظ ابن حجر العسقلاني قاعدة سار عليها كل من جاء من بعده فمن يقرأ تعريف المنكر أو الشاذ في تقريب النووي مثلاً يجده خلاف ما يقرأه في "فتح المغيث" أو "تدريب الراوي" أو "توضيح الأفكار" أو أي كتاب آخر إلى يومنا هذا (¬2). ولم تنته هذه المسألة إلى هذا الحد إذ ما المشكلة من إطلاق هذين المصطلحين على حديث واحد، أنت تسميه شاذاً، وأنا أسميه منكراً، ولا سيما إنهما من أقسام الحديث الضعيف؟! ولا مشاحّة في الاصطلاح؟! وستتضح المسألة أكثر في مبحث زيادة الثقة إذ عشرات الأحاديث التي يسميها المتأخرون زيادة ثقة هي في حقيقتها منكرة، أو شاذة أو غير محفوظة أو خطأ، أما في إسنادها أو متنها!! وسنذكر بعضاً من الأمثلة التي توضح كون الأئمة المتقدمين استعملوا لفظ شاذ، ومنكر، وغير محفوظ، وغير معروف، والوهم، وغيرها من ألفاظ التعليل، استعمالا لغوياً، إذ أرادوا بها الحديث الخطأ، والدليل اختلافهم في الحديث الواحد، فهذا يسميه منكراً، وذاك يسميه شاذاً، والثالث يسميه غير محفوظ، والرابع يقول: غير معروف، وهكذا. 1 - قال أبو داود: حدثنا إبراهيم بن مروان قال: حدثنا أبي قال: حدثنا مسلم بن خالد الزنجي قال: حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها: أن رجلاً ابتاع غلاماً، فأقام عنده ما شاء الله أن يقيم، ثم وجد به عيباً فخاصمه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فرده عليه، فقال الرجل: يا رسول الله قد استغل غلامي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"الخراج ¬

(¬1) فهرس الفهارس، الكتاني 1/ 337،قال الدكتورحمزة المليباري في كتابه نظرات جديدة ص 49 تعقيبا على كلام الحافظ:"وقد قرأت النص في المعجم المفهرس للحافظ ابن حجر، المخطوط في مكتبة جامعة أم القرى بمكة المكرمة ". (¬2) انظر مثلاً جواهر الأصول، فيض الهروي ص47، وعلوم الحديث، صبحي الصالح ص 204، وأصول الحديث، محمد عجاج الخطيب ص 348، ودراسات في علوم الحديث، محمد عوض 115.

بالضمان".قال أبو داود: هذا إسناد ليس بذاك (¬1). قلت: هكذا قال أبو داود. وقال الإمام أحمد:"ما أرى لهذا الحديث أصلا " (¬2). وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، من حديث هشام بن عروة ... استغرب محمد بن إسماعيل هذا الحديث من حديث عمر بن علي، قلت: تراه تدليساً؟ قال: لا " (¬3). وقال في العلل:"سألت محمداً عن حديث ابن أبي ذئب، عن مخلد بن خفاف، عن عروة، عن عائشة:"أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى أن الخراج بالضمان"؟ فقال: مخلد بن خفاف لا أعرف له غير هذا الحديث، وهذا حديث منكر " (¬4). وقال ابن الجوزي: " وهذا الحديث لا يصح " (¬5). أقول: وقد صححه الحاكم فقال:" صحيح الإسناد، ولم يخرجاه " (¬6)! 2 - قال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، عن وكيع، عن سفيان الثوري، عن أبي قيس الأودي، هو عبد الرحمن بن ثروان، عن هزيل بن شرحبيل، عن المغيرة ابن شعبة:" أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ ومسح على الجوربين والنعلين ". قال أبو داود: كان عبد الرحمن بن مهدي لا يحدث بهذا الحديث لأن المعروف عن المغيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين. قال أبو داود: وروي هذا أيضا عن أبي موسى الأشعري عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه مسح على الجوربين، وليس بالمتصل، ولا بالقوي. قال أبو داود: ومسح على الجوربين علي بن أبي طالب، وابن مسعود، والبراء ابن عازب، وأنس بن مالك، وأبو أمامة، وسهل بن سعد، وعمرو بن حريث، وروي ذلك ¬

(¬1) سنن أبي داود (3510). (¬2) العلل المتناهية، ابن الجوزي2/ 596 (982). (¬3) جامع الترمذي (1286). (¬4) العلل الكبير ص191 (337). (¬5) العلل المتناهية، ابن الجوزي2/ 596 (982). (¬6) المستدرك 2/ 18.

عن عمر بن الخطاب، وابن عباس" (¬1). قلت: هكذا قال أبو داود. وقال البيهقي: " قال عبد الرحمن بن مهدي، قلت لسفيان الثوري: لو حدثتني بحديث أبي قيس عن هزيل ما قبلته منك، فقال سفيان: الحديث ضعيف، أو واه أو كلمة نحوها " (¬2). وقال ابن معين:"الناس كلهم يروونه على الخفين غير أبي قيس" (¬3). وقال عبد الله بن أحمد:"حدثت أبي بهذا الحديث فقال أبي: ليس يروى هذا إلا من حديث أبي قيس قال أبي: أبى عبد الرحمن بن مهدي أن يحدث به، يقول: هو منكر" (¬4). وقال ابن المديني:"رواه عن المغيرة أهل المدينة وأهل الكوفة وأهل البصرة ورواه هزيل بن شرحبيل عن المغيرة إلا انه قال: ومسح على الجوربين وخفائف الناس" (¬5). وقال النسائي: " ما نعلم أن أحداً تابع أبا قيس على هذه الرواية، والصحيح عن المغيرة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مسح على الخفين. والله اعلم " (¬6). وقال الإمام مسلم بعد أن ساقه:"ذكر خبر ليس بمحفوظ المتن" (¬7)، ثم قال:" ¬

(¬1) سنن أبي داود (159). (¬2) سنن البيهقي 1/ 284. (¬3) أنظر مصدر سابق. (¬4) العلل ومعرفة الرجال 3/ 366.قلت: قال صديقنا الأخ حسن مظفر الرزو في كتابه المسح على الجوربين ص 28: معقباً على قول الإمام عبد الرحمن بن مهدي:" منكر ": " وهذا مردود بما ورد في تعريف هذا المصطلح عند أئمة الحديث. فالحديث يكون منكراً متى ما انفرد به من لم يتصف بالثقة والضبط وقد انفرد برواية هذا الحديث ثقة ضابط، لذا يكون الحديث معلولاً بالشذوذ دون النكارة". .أ. هـ قلت: وهذا القول من نتائج غياب المنهج السليم في تقعيد مصطلح الحديث، فكيف يحاكم إمام النقد على قواعد المتأخرين؟ وكان الأجدر بالأخ حسن أن ينتقد تعريف المتأخرين لا العكس، وعلى أية حال فلا فرق بين الشاذ والمنكر عند المتقدمين. (¬5) البيهقي 1/ 284. (¬6) السنن الكبرى 1/ 92 (130). (¬7) التمييز ص 202 (99).

والحمل فيه على أبي قيس أشبه، وبه أولى منه بهزيل، لأن أبا قيس قد استنكر أهل العلم من روايته أخباراً غير هذا " (¬1). وقال الدارقطني:"لم يروه غير أبي قيس، وهو مما يعد عليه به لأن المحفوظ عن المغيرة المسح على الخفين" (¬2). 3 - قال أبو داود: حدثنا محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة قال: أخبرنا الفضل بن موسى، عن حسين بن واقد، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" وددت أن عندي خبزة بيضاء من برة سمراء ملبقة بسمن ولبن، فقام رجل من القوم فاتخذه فجاء به، فقال: في أي شيء كان هذا؟ قال: في عكة ضب، قال: ارفعه ".قال أبو داود: هذا حديث منكر، قال أبو داود: وأيوب ليس هو السختياني " (¬3). قلت: هكذا قال أبو داود: حديث منكر. وقال أبو حاتم:"باطل، ولا يشبه أن يكون من حديث أيوب السختياني، ويشبه أن يكون من حديث أيوب بن خوط " (¬4). وسئل الإمام أحمد عنه:"فاستنكره، وحرك رأسه كأن لم يرضه " (¬5). 4 - قال أبو داود: حدثنا يحيى بن معين قال: حدثنا عمرو بن الربيع بن طارق قال: أخبرنا يحيى بن أيوب، عن عبد الرحمن بن رزين، عن محمد بن يزيد، عن أيوب بن قطن، عن أبي بن عمارة، قال يحيى بن أيوب: وكان قد صلى مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للقبلتين، أنه قال: يا رسول الله أمسح على الخفين؟ قال: نعم، قال: يوماً؟ قال: يوماً، قال: ويومين؟ قال: ويومين، قال: وثلاثة؟ قال: نعم، وما شئت ". قال أبو داود: رواه ابن أبي مريم المصري، عن يحيى بن أيوب، عن عبد الرحمن ابن رزين، عن محمد بن يزيد بن أبي زياد، عن عبادة بن نسي، عن أبي بن عمارة قال فيه:" حتى بلغ سبعاً، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:نعم وما بدا لك "، قال أبو داود: وقد اختلف في ¬

(¬1) التمييز ص 203. (¬2) العلل 7/ 112. (¬3) سنن أبي داود (3818). (¬4) العلل 2/ 19. (¬5) تهذيب التهذيب 1/ 352 في ترجمة أيوب بن خوط. وانظر تعليق أستاذنا المشرف على سنن ابن ماجه (3341)،وتحفة الأشراف 5/ 370 (7552).

إسناده وليس هو بالقوي، ورواه ابن أبي مريم ويحيى بن إسحاق والسليخي عن يحيى ابن أيوب وقد اختلف في إسناده" (¬1). قلت: هكذا قال أبو داود:"ليس بالقوي". وقال الإمام أحمد بن حنبل:"رجاله لا يعرفون" (¬2). وقال ابن حبان:" لست أعتمد إسناده " (¬3). وقال الدارقطني:"هذا الإسناد لا يثبت، وقد اختلف فيه على يحيى بن أيوب اختلافاً كثيراً " (¬4). وقال الجورقاني:"هذا منكر " (¬5). وقال أبو فتح الأزدي:"حديث ليس بقائم " (¬6). وقال ابن عبد البر: " لا يثبت وليس له إسناد قائم " (¬7). وقال ابن الجوزي: " هذا حديث لا يصح " (¬8). ونقل الإمام النووي: اتفاق الأئمة على تضعيفه: كالإمام البخاري وأبي زرعة الرازي وغيرهم. (¬9) 5 - قال أبو داود: حدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا عبد العزيز بن محمد، قال: قدم عباد ابن كثير المدينة فمال إلى مجلس العلاء فأخذ بيده فأقامه، ثم قال: اللهم إن هذا يحدث عن أبيه، عن أبي هريرة أن رسول الله ... - صلى الله عليه وسلم - قال:" إذا انتصف شعبان فلا تصوموا ". فقال العلاء اللهم إن أبي حدثني، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك. قال أبو داود: رواه الثوري، وشبل بن العلاء، وأبو عميس، وزهير بن محمد عن العلاء. قال أبو داود: وكان عبد الرحمن لا يحدث به، قلت لأحمد: لم؟ قال: لأنه كان عنده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصل شعبان برمضان، وقال عن النبي - صلى الله عليه وسلم - خلافه. ¬

(¬1) سنن أبي داود (158). (¬2) العلل المتناهية، ابن الجوزي 1/ 358 (593)، وانظر التلخيص الحبير، ابن حجر 1/ 162. (¬3) الثقات 3/ 6 ترجمة (13). (¬4) سنن الدارقطني 1/ 198. (¬5) الأباطيل 1/ 384 (371). (¬6) التلخيص الحبير، ابن حجر 1/ 162. (¬7) أنظر مصدر سابق. (¬8) العلل المتناهية 1/ 358 (593). (¬9) المجموع شرح المهذب1/ 484.

قال أبو داود: وليس هذا عندي خلافه، ولم يجىء به غير العلاء عن أبيه حديث أبي هريرة: " إذا انتصف شعبان " (¬1). وجاء في سؤالات البرذعي: " وشهدت أبا زرعة ينكر حديث العلاء بن عبد الرحمن إذا انتصف شعبان وزعم أنه منكر " (¬2). وقال النسائي:" لا نعلم أحداً روى هذا الحديث غير العلاء بن عبد الرحمن " (¬3). وقال أحمد:"هذا الحديث ليس بمحفوظ قال: وسألت عنه ابن مهدي فلم يصححه ولم يحدثني به وكان يتوقاه. قال أحمد: والعلاء ثقة، لا ينكر من حديثه إلا هذا " (¬4). 6 - قال أبو داود: حدثنا نصر بن علي قال: حدثني الحارث بن وجيه قال: حدثنا مالك بن دينار، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"إن تحت كل شعرة جنابة فاغسلوا الشعر وأنقوا البشر".قال أبو داود: الحارث بن وجيه حديثه منكر وهو ضعيف " (¬5). قلت: هكذا قال:"حديثه منكر ". وقال الإمام الشافعي:"هذا الحديث ليس بثابت " (¬6). وقال أبو حاتم: " حديث منكر" (¬7). ونقل البيهقي أن الإمام البخاري: استنكره (¬8). وقال الترمذي: (106):"غريب، لا نعرفه إلا من حديثه وهو شيخ ليس بذاك". وساقه العقيلي وقال:" لا يتابع عليه، وله غير حديث منكر " (¬9). ¬

(¬1) سنن أبي داود (2337). (¬2) سؤالات البرذعي ص 388. (¬3) السنن الكبرى 2/ 272 (2911). (¬4) نصب الراية، الزيلعي 2/ 440. (¬5) سنن أبي داود (248). (¬6) سنن البيهقي 1/ 179 والتلخيص الحبير، ابن حجر 1/ 142. (¬7) العلل 1/ 29 (52). (¬8) سنن البيهقي 1/ 179. (¬9) الضعفاء 1/ 216.

7 - قال أبو داود: حدثنا يحيى بن معين، وهناد بن السري، وعثمان بن أبي شيبة عن عبد السلام بن حرب، وهذا لفظ حديث يحيى، عن أبي خالد الدالاني، عن قتادة، عن أبي العالية، عن ابن عباس: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يسجد وينام، وينفخ ثم يقوم فيصلي ولا يتوضأ. قال: فقلت له: صليت ولم تتوضأ وقد نمت؟ فقال:" إنما الوضوء على من نام مضطجعاً ".زاد عثمان وهناد:" فإنه إذا اضطجع استرخت مفاصله ".قال أبو داود: قوله الوضوء على من نام مضطجعاً: هو حديث منكر، لم يروه إلا يزيد أبو خالد الدالاني، عن قتادة، وروى أوله جماعة عن ابن عباس، ولم يذكروا شيئاً من هذا، وقال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - محفوظاً، وقالت عائشة رضي الله عنها قال النبي - صلى الله عليه وسلم -:" تنام عيناي ولا ينام قلبي".وقال شعبة: إنما سمع قتادة من أبي العالية أربعة أحاديث: حديث يونس ابن متى، وحديث ابن عمر في الصلاة، وحديث القضاة ثلاثة، وحديث ابن عباس، حدثني رجال مرضيون، منهم عمر، وأرضاهم عندي عمر. قال أبو داود: وذكرت حديث يزيد الدالاني لأحمد بن حنبل، فانتهرني استعظاماً له، وقال: ما ليزيد الدالاني يدخل على أصحاب قتادة ولم يعبأ بالحديث" (¬1). قلت: هكذا قال أبو داود:"حديث منكر "؛وقال:"وذكرت حديث يزيد الدالاني لأحمد بن حنبل، فانتهرني استعظاماً له، وقال: ما ليزيد الدالاني يدخل على أصحاب قتادة ولم يعبأ بالحديث". وقال الترمذي في جامعه:"وقد روى حديث ابن عباس سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن ابن عباس قوله، ولم يذكر فيه أبا العالية، ولم يرفعه" (¬2). وقال في العلل الكبير:"سألت محمداً عن هذا الحديث فقال: هذا لا شيء، رواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن ابن عباس قوله، ولم يذكر فيه أبا العالية ولا أعرف لأبي خالد الدالاني سماعاً من قتادة. قلت: أبو خالد كيف هو؟ قال: صدوق، وإنما يهم في الشيء، قال محمد: وعبد السلام بن حرب صدوق" (¬3). وقال الدارقطني: " تفرد به أبو خالد عن قتادة ولا يصح " (¬4). فهذا الحديث أعلّه أبو داود بالزيادة في متنه، وأعلّه البخاري بالوقف، وتابعه تلميذه الترمذي، وقد صححه بعض المتأخرين (¬5). ¬

(¬1) سنن أبي داود (202). (¬2) الجامع الكبير (77و78). (¬3) العلل ص 45 برقم (43). (¬4) سنن الدارقطني 1/ 159 - 160. (¬5) انظر كلام أستاذنا المشرف في تحقيق جامع الترمذي برقم (77و78).

8 - قال أبو داود: حدثنا مسلم بن إبراهيم وموسى بن إسماعيل، قالا: حدثنا حماد ابن سلمة، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -،قال موسى في موضع آخر: عن سمرة بن جندب، فيما يحسب حماد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"من ملك ذا رحم محرم فهو حر". قال أبو داود: روى محمد بن بكر البرساني، عن حماد بن سلمة، عن قتادة وعاصم، عن الحسن، عن سمرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل ذلك الحديث. قال أبو داود: ولم يحدث ذلك الحديث إلا حماد بن سلمة وقد شك فيه" (¬1). قلت: هكذا قال أبو داود. وقال الإمام ابن المديني:"منكر" (¬2). وقال الإمام البخاري:"لا يصح" (¬3). وقال الترمذي بعد أن ساقه:"هذا حديث لا نعرفه مسنداً إلا من حديث حماد بن سلمة " (¬4). 8 - وأخرج الترمذي حديث سمرة الذي مر، ثم قال عقبه: .. وقد روي عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:" من ملك ذا محرم فهو حر ". رواه ضمرة بن ربيعة عن الثوري عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم يتابع ضمرة على هذا الحديث، وهو حديث خطأ عند أهل الحديث" (¬5). قلت: هكذا قال الترمذي"خطأ " وقال النسائي:" حديث منكر" (¬6). وقد أنكره أحمد ورده رداً شديداً (¬7). ¬

(¬1) سنن أبي داود (3949). (¬2) التلخيص الحبير، ابن حجر 4/ 212. (¬3) التلخيص الحبير، ابن حجر 4/ 212. (¬4) جامع الترمذي (1365). (¬5) أنظر مصدر سابق. (¬6) التلخيص الحبير، ابن حجر 4/ 212، وانظر نصب الراية، الزيلعي 3/ 278. (¬7) تأريخ أبي زرعة (459) نقلاً عن تعليق أستاذنا المشرف علىجامع الترمذي (1365).

أقول: صححه بعض المتأخرين كابن حزم الظاهري (¬1)،وابن التركماني (¬2)،على أنه زيادة ثقة! وأجابهم أستاذنا المشرف في تعليقه على جامع الترمذي إجابة وافية، ثم ختم كلامه:"وحديث ينكره النسائي، وأحمد بن حنبل، والترمذي وأضرابهم ويعدوه غلطاً لا ينفع فيه تصحيح كل المتأخرين، وهذه قاعدة ينبغي التنبه إليها" (¬3). 9 - أخرج الترمذي، قال: حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا أبو داود الطيالسي قال: حدثنا جرير بن حازم، عن ثابت عن أنس بن مالك، قال:"كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يكلم بالحاجة إذا نزل عن المنبر" (¬4). قال أبو عيسى: هذا حديث غريب (¬5) لا نعرفه إلا من حديث جرير بن حازم، قال: وسمعت محمداً يقول: وهم جرير بن حازم في هذا الحديث، والصحيح: ما روي عن ثابت عن أنس قال:"أقيمت الصلاة فأخذ رجل بيد النبي - صلى الله عليه وسلم - فما زال يكلمه حتى نعس بعض القوم ".قال محمد: والحديث هو هذا، وجرير بن حازم ربما يهم في الشيء، وهو صدوق. قال محمد: وهم جرير بن حازم في حديث ثابت عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني"،قال محمد: ويروى عن حماد بن زيد قال: كنا عند ثابت البناني فحدث حجاج الصواف عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني"،فوهم جرير فظن أن ثابتاً حدثهم عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - " (¬6). قلت: هكذا قال: حديث غريب إلا من حديث جرير بن حازم ... سمعت محمداً يقول: وهم جرير بن حازم في هذا الحديث والصحيح ما روي عن ثابت عن أنس قال: أقيمت الصلاة فأخذ رجل بيد النبي - صلى الله عليه وسلم - فما زال يكلمه حتى نعس بعض القوم، والحديث هو هذا وجرير بن حازم ربما يهم في الشيء وهو صدوق. ¬

(¬1) المحلى 9/ 202. (¬2) الجوهر النقي 10/ 290. (¬3) جامع الترمذي (1365). (¬4) أخرجه الطيالسي، وأحمد وغيرهم انظر تخريجه في المسند الجامع 1/ 358 (513). (¬5) في نسخة الشيخ أحمد شاكر دون (غريب)، وإنما أثبتناها من تحفة الأشراف 1/ 103 (260) ونسخة أستاذنا المشرف الجامع (517)، وهو الصواب. (¬6) الجامع (517).

وقال في علله الكبير: سألت محمداً عن هذا الحديث فقال: " هو حديث خطأ، أخطأ به جرير بن حازم، والصحيح عن ثابت عن أنس كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أقيمت الصلاة يتكلم مع الرجل حتى ينعس بعض القوم " (¬1). وقال أبو داود في سننه بعد أن ساقه:" والحديث ليس بمعروف عن ثابت وهو مما تفرد به جرير بن حازم " (¬2). وقال أستاذنا المشرف في تعليقه على عند قول الترمذي " وهم جرير ":وهم جرير في قوله " يكلم الرجل إذا نزل من المنبر "،وإنما الحديث المحفوظ عن ثابت عن أنس" أقيمت الصلاة فأخذ رجل " وليس فيه إذا نزل من المنبر ... ." (¬3). 10 - أخرج الترمذي في جامعه، فقال: حدثنا هناد قال: حدثنا عبدة، عن سعيد بن أبي عروبة، عن معمر، عن الزهري، عن سالم بن عبد الله، عن ابن عمر أن غيلان بن سلمة الثقفي أسلم وله عشر نسوة في الجاهلية، فأسلمن معه فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يتخير أربعاً منهن". قال أبو عيسى: هكذا رواه معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه. قال: وسمعت محمد بن إسماعيل يقول: هذا حديث غير محفوظ (¬4)،والصحيح ما روى شعيب بن أبي حمزة وغيره، عن الزهري وحمزة قال: حدثت عن محمد بن سويد الثقفي: أن غيلان بن سلمة أسلم وعنده عشر نسوة، قال محمد: وإنما حديث الزهري عن سالم عن أبيه أن رجلاً من ثقيف طلق نساءه، فقال له عمر لتراجعن نساءك أو لأرجمنّ قبرك، كما رجم قبر أبي رغال ".قال أبو عيسى: والعمل على حديث غيلان بن سلمة عند أصحابنا منهم الشافعي وأحمد وإسحاق" (¬5). وقال الأثرم عن أحمد:" ليس بصحيح، والعمل عليه" (¬6). ¬

(¬1) العلل الكبير (144). (¬2) سنن أبي داود (1120). (¬3) الجامع (517). (¬4) وكذا في العلل الكبير (283): "غير محفوظ ". (¬5) الجامع (1128). (¬6) تلخيص الحبير، ابن حجر3/ 169.

وقال أبو زرعة: مرسل أصح (¬1). وقال أبو حاتم: وهذا أيضاً وهم، إنما هو عن الزهري عن عثمان بن أبي سويد، قال بلغنا أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬2). وقال مسلم: هذا مما وهم فيه معمر بالبصرة (¬3). وقال ابن عبد البر: الأحاديث المروية في هذا الباب كلها معلولة، وليست أسانيدها بالقوية (¬4). قال أستاذنا المشرف في تعليقه على جامع الترمذي معقباً على من حاول تصحيحه من المتأخرين:"من غير المعقول أن يكون للحديث إسناد صحيح ويجمع هؤلاء الأئمة الكبار على رده مطلقاً" (¬5). وقد ذكره ابن حبان في صحيحه (¬6) والحاكم في مستدركه وعده زيادة ثقة، وقال:"والزيادة من الثقة مقبولة " (¬7). 11 - أخرج الترمذي قال: حدثنا أبو كريب قال: حدثنا بكر بن يونس بن بكير، عن موسى بن علي عن أبيه عن عقبة بن عامر الجهني، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"لا تكرهوا مرضاكم على الطعام، فإن الله يطعمهم ويسقيهم".قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه" (¬8). وقال أبو حاتم:"هذا حديث باطل" (¬9). وقال ابن عدي:"ليس يرويه عن موسى بن علي غير بكر بن يونس،.وعامة ما ¬

(¬1) علل ابن أبي حاتم 1/ 400 (1199). (¬2) علل ابن أبي حاتم 1/ 401 (1200). (¬3) قاله الحاكم 2/ 209،هكذا دون أن ينسبه إلى كتاب، وقال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير 3/ 169 أن النص في كتابه التميز، ولكني لم أجده هناك. (¬4) التمهيد 12/ 58، وانظر التلخيص الحبير، ابن حجر 3/ 169. (¬5) جامع الترمذي (1128). (¬6) صحيح ابن حبان 9/ 466 (4158)،و9/ 463 (4159). (¬7) المستدرك 2/ 208و209. (¬8) جامع الترمذي (2040). (¬9) علل ابن أبي حاتم 2/ 242 (2216).

يرويه لا يتابعونه عليه " (¬1). وقد صححه الشيخ الألباني!! في سلسلته الصحيحة (¬2). 12 - قال الترمذي: حدثنا علي بن حجر قال: حدثنا عيسى بن يونس عن هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"من ذرعه القيء فليس عليه قضاء، ومن استقاء عمداً فليقض".قال: وفي الباب عن أبي الدرداء وثوبان وفضالة بن عبيد. قال أبو عيسى: حديث أبي هريرة حديث حسن غريب، لا نعرفه من حديث هشام عن بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا من حديث عيسى بن يونس. وقال محمد: لا أراه محفوظاً. قال أبو عيسى: وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يصح إسناده، وقد روي عن أبي الدرداء، وثوبان، وفضالة بن عبيد:"أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ... قاء فافطر".وإنما معنى هذا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان صائماً متطوعاً، فقاء فضعف فأفطر لذلك، هكذا روي في بعض الحديث مفسراً، والعمل عند أهل العلم على حديث أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -:أن الصائم إذا ذرعه القيء فلا قضاء عليه، وإذا استقاء عمداً فليقض وبه يقول سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق" (¬3). قلت: هكذا قال الترمذي. وقال في العلل: سألت محمداً عن هذا الحديث؟ فلم يعرفه إلا من حديث عيسى بن يونس عن هشام بن حسان عن ابن سيرين عن أبي هريرة وقال:"ما أراه محفوظاً" (¬4). وقال الإمام البخاري:" لم يصح وإنما يروى عن عبد الله بن سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة رفعه، وخالفه يحيى بن صالح قال: حدثنا معاوية قال: حدثنا يحيى عن عمر بن حكم بن ثوبان سمع أبا هريرة " (¬5). وقال الإمام أحمد:"ليس من ذا شيء" (¬6). ¬

(¬1) الكامل في الضعفاء 2/ 31 (271). (¬2) رقم (727). (¬3) جامع الترمذي (720). (¬4) العلل الكبير (198). (¬5) التأريخ الكبير 1/ 90 في ترجمة ابن سيرين. (¬6) سنن البيهقي 4/ 219.

وقال الدارمي:"زعم أهل البصرة أن هشاماً وهم فيه" (¬1). وقال مهنا عن أحمد:"حدث به عيسى وليس هو في كتابه، غلط فيه وليس هو من حديثه " (¬2). 13 - اخرج الترمذي في علله قال: حدثنا محمد بن طريف الكوني قال: حدثنا ابن إدريس، عن أبيه، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عطاء، عن جابر:"أنّ النبي باع مدبراً في دين ".سألت محمداً عن هذا الحديث فقال: لا أعرفه وجعل يتعجب منه" (¬3). قلت: وقال الإمام مسلم:"ذكر رواية أخرى نقلها الكوفيون على الغلط"،ثم ذكرها (¬4). 14 - قال الترمذي: حدثنا بندار، محمد بن بشار قال: حدثنا يحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي، قالا: حدثنا سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن حجر بن عنبس، عن وائل بن حجر، قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ "غير المغضوب عليهم ولا الضالين" فقال: آمين، ومد بها صوته".قال: وفي الباب عن علي وأبي هريرة. قال أبو عيسى: حديث وائل بن حجر حديث حسن. وقال: سمعت محمداً يقول: حديث سفيان أصح من حديث شعبة في هذا، وأخطأ شعبة في مواقع من هذا الحديث فقال ... وقال: وسألت أبا زرعة عن هذا الحديث فقال: حديث سفيان في هذا أصح من حديث شعبة " (¬5). قلت: هكذا قال الترمذي. وقال أبو بكر الأثرم:"اضطرب فيه شعبة في إسناده ومتنه، ورواه سفيان فضبطه ولم يضطرب" (¬6). ¬

(¬1) سنن الدارمي (1729). (¬2) نقله أستاذنا المشرف في تعليقه على جامع الترمذي (720). (¬3) العلل (213). (¬4) التمييز ص 196. (¬5) جامع الترمذي (248) بتصرف. (¬6) التلخيص الحبير، ابن حجر 1/ 237.

وقال الإمام مسلم:"ذكر الأخبار التي نقلت على الغلط في متونها "وساقه، ثم قال:" أخطأ شعبة في هذه الراوية حين قال: وأخفى صوته" (¬1). وقال الدارقطني:"ويقال أنه وهم فيه لأن سفيان الثوري ومحمد بن سلمة بن كهيل وغيرهما رووه عن سلمة فقالوا: ورفع صوته آمين وهو الصواب" (¬2). 15 - قال الترمذي: حدثنا محمد بن يحيى ومحمد بن رافع النيسابوري، ومحمود بن غيلان، ويحيى بن موسى، قالوا: حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن يحيى بن أبي كثير، عن إبراهيم بن عبد الله بن قارظ، عن السائب بن يزيد، عن رافع بن خديج، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:" أفطر الحاجم والمحجوم ". قال أبو عيسى: وفي الباب عن علي، وسعد، وشداد بن أوس، وثوبان، وأسامة بن زيد، وعائشة، ومعقل بن سنان (ويقال بن يسار)،وأبي هريرة، وابن عباس وأبي موسى، وبلال، وسعد. قال أبو عيسى: وحديث رافع بن خديج حديث حسن صحيح، وذكر عن أحمد بن حنبل أنه قال: أصح شيء في هذا الباب حديث رافع بن خديج (¬3)،وذكر عن علي بن عبد الله أنه قال: أصح شيء في هذا الباب حديث ثوبان وشداد بن أوس، لأن يحيى بن أبي كثير روى عن أبي قلابة الحديثين جميعاً، حديث ثوبان وحديث شداد بن أوس. وقد كره قوم من أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم الحجامة للصائم حتى أن بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - احتجم بالليل، منهم أبو موسى الأشعري، وابن عمر، وبهذا يقول ابن المبارك. قال أبو عيسى: سمعت إسحاق بن منصور يقول: قال عبد الرحمن بن مهدي: من احتجم وهو صائم فعليه القضاء، قال إسحاق بن منصور: وهكذا قال أحمد، وإسحاق. حدثنا الزعفراني قال: وقال الشافعي: قد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه احتجم وهو صائم، وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: أفطر الحاجم والمحجوم، ولا أعلم واحداً من هذين الحديثين ثابتاً، ولو توقى رجل الحجامة وهو صائم كان أحب إلي، ولو احتجم صائم لم أر ذلك أن يفطره. ¬

(¬1) التمييز ص 180 (36). (¬2) السنن 1/ 334. (¬3) قال الإمام أبو حاتم في العلل 1/ 249: "واغتر أحمد بن حنبل بأن قال الحديثين عنده. وإنما يروى بذلك الإسناد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى عن كسب الحجام، ومهر البغي ".

قال أبو عيسى: هكذا كان قول الشافعي ببغداد وأما بمصر فمال إلى الرخصة، ولم ير بالحجامة للصائم بأساً واحتج بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - احتجم في حجة الوداع وهو محرم" (¬1). قلت قول الإمام الترمذي:"حديث حسن صحيح":هكذا هي في نسخة الشيخ أحمد شاكر، ورجحه أستاذنا في تحقيقه للجامع الكبير للترمذي. وما أثبته الإمام المزي في التحفة"حسن" (¬2).والذي أرجحه هو ما أثبته المزي ووافقه أستاذنا بعد تحقيقه لتحفة الأشراف، والله أعلم. والذي يؤيد ذلك أنّ الإمام الترمذي لما أورده في علله الكبير نقل هناك قول شيخه البخاري"غير محفوظ"وسكت عنه (¬3). وقال يحيى بن معين:"أضعفها "يعني حديث رافع هذا (¬4). وقال أبو حاتم: باطل (¬5). وقال إسحاق بن منصور: هو غلط (¬6). 16 - قال الترمذي: حدثنا يحيى بن موسى قال: حدثنا عبد الله بن نمير قال: حدثنا قيس بن الربيع قال: وحدثنا قتيبة قال: حدثنا عبد الكريم الجرجاني، عن قيس بن الربيع، المعنى واحد، عن أبي هشام يعني: الرماني، عن زاذان، عن سلمان، قال: قرأت في التوراة: أن بركة الطعام الوضوء بعده فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته بما قرأت في التوراة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"بركة الطعام الوضوء قبله والوضوء بعده". قال وفي الباب عن أنس وأبي هريرة. قال أبو عيسى: لا نعرف هذا الحديث إلا من حديث قيس بن الربيع وقيس بن الربيع يضعف في الحديث وأبو هاشم الرماني اسمه يحيى بن دينار. وقال: لا نعرف هذا الحدث إلا من حديث قيس بن الربيع، وقيس بن الربيع يضعف في الحديث (¬7). وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه، فقال:"هذا حديث منكر، لو كان هذا الحديث صحيحاً كان حديثاً، ويشبه هذا الحديث أحاديث أبي خالد الواسطي، عمرو بن خالد عنده من هذا النحو أحاديث موضوعة عن أبي هاشم " (¬8). ¬

(¬1) جامع الترمذي (774). (¬2) تحفة الأشراف 3/ 72 (3556). (¬3) العلل الكبير (208). (¬4) التلخيص الحبير، ابن حجر 2/ 193. (¬5) العلل 1/ 249 (732). (¬6) جامع الترمذي (774). (¬7) جامع الترمذي (1846). (¬8) العلل 2/ 10 (1502). وعمرو بن خالد هذا متروك، ورماه وكيع بالكذب. التقريب (5021).

وقال ابن المبارك:"في حديثه خطأ" (¬1). وقال الإمام أحمد:" هو منكر" (¬2). وقال أبو داود:"ليس هذا بالقوي، وهو ضعيف" (¬3). وقال الإمام أحمد عن قيس بن الربيع:"كان كثير الخطأ في الحديث " (¬4). وقال البيهقي: لم يثبت في غسل اليد قبل الطعام حديث" (¬5). 17 - قال النسائي: أخبرنا عمرو بن علي، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا أيمن بن نابل، قال: حدثنا أبو الزبير، عن جابر بن عبد الله قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن:"بسم الله، وبالله، التحيات لله والصلوات، والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وأسأل الله الجنة وأعوذ به من النار ". قال أبو عبد الرحمن: لا نعلم أحداً تابع أيمن بن نابل على هذه الرواية، وأيمن عندنا لا بأس به، والحديث خطأ، وبالله التوفيق " (¬6). قلت: هكذا قال النسائي. وقال الإمام مسلم:"بان الوهم في حفظ أيمن لإسناد الحديث بخلاف الليث وعبد الرحمن إياه، دخل الوهم أيضاً في زيادته في المتن، فلا يثبت ما زاد فيه، وقد روي التشهد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أوجه عده صحاح فلم يذكر في شيء منه بما روى أيمن في روايته ... " (¬7). ¬

(¬1) أنظر مصدر سابق. (¬2) تهذيب السنن، ابن القيم 5/ 297، وانظر العلل المتناهية 2/ 652. (¬3) السنن (3761). (¬4) الكامل، ابن عدي 6/ 2063 (¬5) السنن 7/ 276. (¬6) قلت: هكذا هو في المطبوع من المجتبى 3/ 43، وقال الإمام المزي في تحفة الأشراف 2/ (2665) بعد ساقه: " وقرأت أنا بخط النسائي: لا نعلم أحداً تابع أيمن على هذا الحديث، وخالف الليث بن سعد في إسناده، وأيمن عندنا لا بأس به، والحديث خطأ، وبالله التوفيق ". (¬7) التمييز ص 189 (59).

وقال الترمذي في الجامع:"غير محفوظ " (¬1)؛وقال في العلل:"فسألت محمداً عن هذا الحديث، فقال: هو غير محفوظ هكذا، يقول أيمن بن نابل: عن أبي الزبير عن جابر وهو خطأ " (¬2). وقال الحافظ ابن حجر:" .. أيمن بن نابل كأنه سلك الجادة فأخطأ " (¬3). وقد صححه الحاكم وقال: على شرط مسلم (¬4).وخطأه الإمام النووي وغيره من العلماء (¬5). وقال أستاذنا المشرف في تعليقه على جامع الترمذي:"وهذا خطأ، أخطأ فيه أيمن بن نابل، وضعفه - يعني الحديث-الجهابذة: البخاري، والنسائي، والدارقطني، والبيهقي " (¬6). 18 - قال الإمام النسائي: اخبرني إبراهيم بن الحسن قال: أنبأنا حجاج بن محمد، عن حماد بن سلمة، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه -:أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:نهى عن ثمن الكلب والسنور إلا كلب صيد ".قال أبو عبد الرحمن: هذا حديث منكر " (¬7). قلت: أعلَّ حديث جابر أصلاً، إذ قال عنه هنا: منكر، وقال عن طريق آخر: ليس هو بصحيح (¬8). وقال الترمذي:"في إسناده اضطراب" (¬9). وقال مرة:"لا يصح إسناده" (¬10). 19 - قال عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي: سئل أبو زرعة عن حديث رواه علي بن ظبيان، عن عبيد الله ابن عمر، عن نافع، عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"المدبر من الثلث"؟ فقال أبو زرعة: هذا حديث باطل وامتنع من قراءته. قلت: يروي خالد بن إلياس، عن نافع، عن ابن عمر قال: المدبر من الثلث قول ابن عمر" (¬11). ¬

(¬1) حديث رقم (290). (¬2) العلل الكبير ص72 (105). (¬3) التلخيص الحبير 1/ 266. (¬4) المستدرك 1/ 399. (¬5) نصب الراية، الزيلعي 1/ 421. (¬6) جامع الترمذي (290). (¬7) سنن النسائي 7/ 309. (¬8) سنن النسائي 7/ 190. (¬9) جامع الترمذي (1279). (¬10) جامع الترمذي (1281). (¬11) العلل 2/ 432 (2803).

قلت: وقال الإمام أحمد في العلل: قال يحيى بن سعيد: إنما هو في كتاب عبيد الله مرسل، وما ينبغي إلا كما قال يحيى، وأنكره " (¬1). وهكذا بان أنّ أئمة النقد المتقدمين لا يفرقون بين كلا المصطلحين (الشاذ، والمنكر)،بل ولا بينهما وبين (خطأ، وهم، غير معروف، غير محفوظ) .. وهلم جرا. وأنما استعملوها باعتبارات لغوية، لا اصطلاحية، وأرادوا اعلال ذاك الحديث حسب، وانما تأصل هذا التفريق عند المتأخرين، وعدوها مصطلاحات حديثية مختلفة، وحملوا أقوال المتقدمين ما لا تحتمل، فوقع كثير بعد في الخطأ، لحمل أحكام المتأخرين على أقوال المتقدمين، ولم يتنبه إليه إلا القليل من الناس، والله أعلم. ¬

(¬1) العلل برواية المروذي ص108 (256).

الفصل الثالث زيادة الثقة

الفصل الثالث زيادة الثقة يعد هذا المبحث "زيادة الثقة" من أصعب مباحث علوم الحديث، وتنبعث أهميته من كثرة الزيادات التي يزيدها الرواة الثقات في الأحاديث وما يترتب عليها من زيادة حكم أو تخصيص عام، أو تقييد مطلق، والإشكال يقع في قبول تلك الزيادة أو ردها؟ فهم ثقات والتوثيق مظنة لقبولها، والانفراد عن بقية الرواة مظنة الخطأ والخطأ وارد من الثقات ومن دونهم. وتنازع العلماء في ذلك بين قابل للزيادة مطلقاً وآخر راد لها مطلقاً والآخر يشترط شروطاً لها والآخر يتوقف فيها ... وهكذا وقد ألصق الكثير من المتأخرين بالمتقدمين القول بأنها مقبولة وادعوا على ذلك إجماعاً كما سيأتي، وهذا النوع من العلوم الصعبة التي يعز من يتقنها، قال الحاكم:"وهذا مما يعز وجوده ويقل في أهل الصنعة من يحفظه ... " (¬1). وصورة زيادة الثقة هي: أن يروى جماعة من الرواة حديثاً واحداً بإسناد واحد ومتن واحد فيزيد بعضهم فيه زيادة لم يذكرها بقية الرواة (¬2). والزيادة إما أنْ تكون في المتن أو في السند. ولنستقرئ آراء أهل العلم من المتقدمين والمتأخرين لنرى مدى موافقة الأواخر للأوائل في مفهوم "زيادة الثقة" وسنقرن الأقوال بالتطبيق العملي في مصنفاتهم، وعللهم ليتبين لنا الأمر بوضوح إن شاء الله تعالى. المبحث الأول: تعريف زيادة الثقة لغة واصطلاحاً: الزيادة في أصل اللغة: مصدر زاد يزيد زيداً، وهي النماء والكثرة، خلاف النقص، وتطلق الزيادة على معان، منها: التكليف يقال: تزيد في كلامه، وتزودت الإبل أي تكلفت. ومنها الراوية: إذ سميت مزادة، وهي تكون من جلدين يزاد بينهما بجلد ثالث ¬

(¬1) معرفة علوم الحديث ص130. (¬2) انظر شرح علل الترمذي، ابن رجب 2/ 635.

لتتسع، وسميت مزادة لمكان الزيادة (¬1). وأما الثقة لغةً: فهو يعني المؤتمن وهو مصدر قولك: وثق به يثق، وأنا واثق به وهو موثوق به، ورجل ثقة، وكذلك الاثنان والجميع، وقد يجمع على الثقات، وهو في التذكير والتأنيث سواء (¬2). وفي الاصطلاح: عرفها الحاكم النيسابوري بقوله:"معرفة زيادات ألفاظ فقهية في أحاديث ينفرد بالزيادة راوٍ واحد" (¬3). وقال ابن رجب:"أن يروي جماعة حديثاً واحداً بإسناد واحد، ومتن واحد فيزيد بعض الرواة فيه زيادة، لم يذكرها بقية الرواة" (¬4). وصورة الزيادة التي تعنى هنا، كما عرفها أهل المصطلح: تفرد راو واحد ثقة عن بقية الرواة بنفس السند عن نفس الشيخ، بزيادة لفظة في المتن، أو وصل مرسل، أو رفع موقوف، ونحوه. وأما إذا كان أكثر من واحد كأن يتابع ذلك الثقة بثقة آخر، أو ممن يعتبر به في المتابعة خرج عن أن يكون هذا الحديث من قبيل زيادة الثقة، وإنما هو من قبيل المختلف، لاحتمال أن يكون الشيخ رواه على الوجهين، فحمله كل جماعة على وجه، وسنفصل القول فيه كما سيأتي. وأما مراد الأئمة بقولهم:"ثقة":فهو العدل الضابط، وجمع أبو عمر بن الصلاح تلك الخصال فقال:- " أجمع جماهير أئمة الحديث والفقه على أنه يشترط فيمن يحتج بروايته أن يكون عدلاً ضابطاً لما يروي، وتفصيله أن يكون مسلماً بالغاً عاقلاً سالماً من أسباب الفسق وخوارم المروءة، متيقظاً غير مغفل، حافظاً إن حدّث من حفظه، ضابطاً لكتابه إن حدّث من كتابه، وإن كان يحدث بالمعنى اشترط مع ذلك أن يكون عالماً بما يحيل ¬

(¬1) انظر لسان العرب 4/ 182، ومعجم مقاييس اللغة، ابن منظور 3/ 40، وأساس البلاغة 280. (¬2) لسان العرب ابن منظور 12/ 250. (¬3) معرفة علوم الحديث ص 130. (¬4) شرح علل الترمذي 2/ 635.

المعنى" (¬1). وبالتأمل في هذه الصفات وغيرها مما ذكرها العلماء نجد أنها ترجع إلى أمرين هما: العدالة والضبط. وعرّف الخطيب البغدادي العدل بأنه:"من عرف بأداء فرائضه ولزوم ما أمر به وتوقي ما نهي عنه وتجنب الفواحش المسقطة وتحري الحق والواجب في أفعاله ومعاملاته فمن كان هذا حاله فهو الموصوف بأنه عدل في دينه ومعروف بالصدق في حديثه" (¬2). قال الحافظ ابن حجر:"المراد بالعدل: من له ملكة تحمله على ملازمة التقوى والمروءة" (¬3). والمروءة التي ينبغي توافرها في الراوي المعدل كثيراً ما قيست بالمقاييس الخُلقية الإنسانية المشتركة ويستشهد الخطيب البغدادي رحمه الله تعالى بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -:"من عامل الناس فلم يظلمهم وحدَّثهم فلم يكذبهم ووعدهم فلم يخلفهم فهو من كملت مروءته وظهرت عدالته ووجبت أخوته وحرمت غيبته" (¬4). ويشترط في العدالة أمور: الإسلام، والبلوغ، والعقل، والتقوى، والاتصاف بالمروءة، وترك ما يخل بها (¬5). والضابط:" من يكون حافظاً متيقظاً غير مغفل ولا ساهٍ ولا شاكٍّ في حالتي التحمل والأداء وهذا هو الضبط التام وهو المراد " (¬6). والضبط كما قال العلماء ضبطان: ضبطُ صدرٍ وضبط كتاب. (¬7) ويعرف كون الراوي ضابطاً بمقاييس قررها العلماء واختبروا به ضبط الرواة وهو كما لخصه ابن الصلاح:"أن نعتبر أي نوازن رواياته بروايات الثقات المعروفين بالضبط والإتقان فإن وجدنا روايته موافقة ولو من حيث المعنى لرواياتهم أو موافقة لها في الأغلب ¬

(¬1) مقدمة ابن الصلاح ص 94. (¬2) الكفاية في علم الرواية ص80. (¬3) نزهة النظر ص38، وانظر منهج النقد في علوم الحديث، د. نور الدين عتر ص79 (¬4) الكفاية ص78،والحديث أخرجه ابن شهاب في مسنده 1/ 332. (¬5) نزهة النظر ص38،وانظر منهج النقد في علوم الحديث، د. نور الدين عتر ص79. (¬6) توضيح الأفكار، الصنعاني ص 8. (¬7) انظر نزهة النظر ص38.

المبحث الثاني: مفهوم زيادة الثقة عند المتأخرين

والمخالفة نادرة عرفنا حينئذ كونه ضابطاً، وإن وجدناه كثير المخالفة لهم عرفنا اختلال ضبطه ولم نحتجَّ بحديثه" (¬1). المبحث الثاني: مفهوم زيادة الثقة عند المتأخرين: من خلال أقوال أهل المصطلح، وما نقلوه من أقوال أئمة الحديث من غيرهم من المتأخرين، يمكننا أن نقسم أقوالهم حسب اختلافهم في قبول الزيادة، أو ردها على مذاهب: المطلب الأول: قبولها مطلقاً: 1 - الحاكم النيسابوري ت (405): يعد أول من صرح بذلك الحاكم النيسابوري في كتابه معرفة علوم الحديث، وهو المصنف الثاني بعد كتاب المحدث الفاصل بين الراوي والواعي، للقاضي محمد الحسن بن عبد الرحمن الرامهرمزي ت (360)،إذقال في كتابه معرفة علوم الحديث:"النوع الحادي والثلاثين ... معرفة زيادات ألفاظ فقهية في أحاديث ينفرد بالزيادة راو واحد، وهذا مما يعز وجوده ويقل في أهل الصنعة من يحفظه وقد كان أبو بكر عبد الله بن محمد بن زياد النيسابوري الفقيه ببغداد يذكر ذلك وأبو نعيم عبد الملك بن محمد بن عدي الجرجاني بخراسان وبعدهما شيخنا أبو الوليد رضي الله عنهم أجمعين ومثال هذا النوع: ما حدثناه أبو عمرو عثمان بن أحمد بن السماك قال: حدثنا الحسن بن مكرم قال: حدثنا عثمان بن عمر قال: حدثنا مالك بن مغول عن الوليد بن العيزار، عن أبي عمرو الشيباني، عن عبد الله بن مسعود قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي العمل أفضل؟ قال:" الصلاة في أول وقتها، قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله، قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدين".قال أبو عبد الله: هذا حديث صحيح محفوظ، رواه جماعة من أئمة المسلمين عن مالك بن مغول، وكذلك عن عثمان بن عمر فلم يذكر أول الوقت فيه غير بندار بن بشار والحسن بن مكرم، وهما ثقتان فقيهان. ومنه: ما أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن الحسن الطوسي بنيسابور، وأبو محمد عبد الله بن محمد الخزاعي بمكة قالا: حدثنا أبو يحيى بن أبي مسرة، قال: حدثنا يحيى بن محمد الجاري، قال: حدثنا زكريا بن إبراهيم بن عبد الله بن مطيع، عن أبيه، عن جده، عن ابن عمر ¬

(¬1) مقدمة ابن الصلاح ص95.

2 - أبو يعلى الخليلي

قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"من شرب في إناء ذهب أو فضة أو في إناء فيه شيء من ذلك فإنما يجرجر في بطنه نار جهنم".قال أبو عبد الله: هذا حديث روي عن أم سلمة، وهو مخرج في الصحيح، وكذلك روى من غير وجه عن ابن عمر واللفظة أو إناء فيه شيء من ذلك لم نكتبها إلا بهذا الإسناد" (¬1). ويؤيد هذا أنه أطلق قبولها في مستدركه على الصحيحين فقال في عدة مواضع:" الزيادة من الثقة مقبولة" (¬2). قال الحافظ ابن حجر:"وجزم ابن حبان، والحاكم وغيرهما بقبول زيادة الثقة مطلقاً في سائر الأحوال، سواء أتحد المجلس أو تعدد، سواء أكثر الساكتون أو تساووا، وهذا قول جماعة من أئمة الفقه والأصول، وجرى على هذا الشيخ محيي الدين النووي في مصنفاته" (¬3). 2 - أبو يعلى الخليلي ت (446)،قال: "فأما الحديث الصحيح المعلول، فالعلة تقع للأحاديث من أنحاء شتى، لا يمكن حصرها، فمنها أن يروي الثقات حديثاً مرسلاً، وينفرد به ثقة مسنداً، فالمسند صحيح وحجة ولا تضره علة الإرسال، ومثاله: حديث رواه أصحاب مالك في الموطأ عن مالك قال بلغنا عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"للملوك طعامه وشرابه ولا يكلف من العمل ما لا يطيق".ورواه إبراهيم بن طهمان الخراساني، والنعمان بن عبد السلام الأصبهاني عن مالك، عن محمد بن عجلان، عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -،حدثناه الحسين بن حلبس قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن زياد النيسابوري ببغداد، قال الخليلي: وهو ثقة حافظ فقيه أخذ العلم عن إسماعيل بن يحيى المزني وغيره من أصحاب الشافعي، وكان الدارقطني يفتخر به قال: حدثنا أحمد بن حفص قال: حدثنا أبي قال: حدثنا إبراهيم بن طهمان قال: حدثنا مالك عن محمد بن عجلان، وحدثناه محمد بن علي بن عمر والقاسم بن علقمة قالا: حدثنا عبد الرحمن ابن أبي حاتم حدثنا محمد بن عامر بن إبراهيم قال: حدثنا أبي قال: حدثنا النعمان بن عبد السلام قال: حدثنا مالك عن محمد بن عجلان ¬

(¬1) معرفة علوم الحديث ص130، وسيأتي بيانها، وكذا الأحاديث الأخرى لاحقاً. (¬2) انظر مثلا: 1/ 101و 161 و753و 463 و 2/ 210. (¬3) النكت على ابن الصلاح 2/ 687 - 688.

عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - الحديث، فقد صار الحديث بتبيين الإسناد صحيحاً يعتمد عليه، وهذا من الصحيح المبين بحجة ظهرت، وكان مالك رحمه الله يرسل أحاديث لا يبين إسنادها، وإذا استقصى عليه من يتجاسر أن يسأله ربما أجابه إلى الإسناد. ومثله أيضا: حديث رواه أبو عاصم الضحاك بن مخلد الشيباني، وهو ثقة إمام عن مالك عن الزهري عن سعيد وأبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -:"الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود فلا شفعة".هذا مما يتفرد به أبو عاصم مسنداً مجوداً، والناقلون رووه عن مالك عن الزهري عن سعيد وأبي سلمة مرسلاً عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ليس فيه أبو هريرة، وتابع على ذلك أبا عاصم عبد الملك بن الماجشون ويحيى بن أبي قتيلة من أهل مصر، وليسا بذاك وقال أهل البصرة لأبي عاصم: خالفك أصحاب مالك في هذا فقال: حدثنا به مالك بمكة وأبو جعفر المنصور بها هاتوا من سمع معي، ورواه معمر بن راشد عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو المحفوظ المخرج في صحيح البخاري وغيره، بينت هذا ليستدل به على أمثاله " (¬1). قلت: كلام الخليلي هذا لا يصح من وجهين رئيسين: الأول: إنّ هذا التعريف الذي عرّف به لم يتابعه عليه أحد من أهل العلم من المتقدمين أو المتأخرين، فالكل أجمع على أن الحديث المعلول لا يعدّ من ضمن الحديث الصحيح، بل العلة قادحة في صحة الحديث، ولا أدل على ذلك من تعريف الحديث الصحيح على أن يكون خالياً من الشذوذ والعلة. الثاني: هو أنه ساق بذلك مثلين في كتابه الإرشاد وكلاهما معلول، كما بينه هو: المثال الأول: (حديث المملوك):الإسناد الذي ذكره هو إسناد متكلم فيه، وأقل ما فيه هو محمد بن عجلان، فهو وإن أخرج له الإمام مسلم، إلا أنه قد تكلم فيه بحيث أجمع العلماء على أن حديثه خارج الصحيحين لا يرتقي إلى مراتب الصحة، ولا سيما في روايته لأحاديث أبي هريرة، قال الحافظ ابن حجر في التقريب: " صدوق إلا أنه اختلطت عليه أحاديث أبي هريرة" (¬2). وقال الذهبي في الميزان:" إمام صدوق مشهور، قال الحاكم: أخرج له ¬

(¬1) الإرشاد 1/ 160 - 166. (¬2) التقريب (6136)، والتحرير 3/ 290.

3 - ابن حزم الظاهري

مسلم في كتابه ثلاثة عشر حديثا كلها شواهد، وقد تكلم المتأخرون من أئمتنا في سوء حفظه" (¬1). وقال الحافظ ابن حجر:"إنما أخرج له مسلم في المتابعات، ولم يحتج به" (¬2). قال ابن عبد البر:"وهذا الحديث محفوظ مشهور من حديث أبي هريرة وقد رواه مالك مسنداً (¬3) عن ابن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة إلا أنهم قد تكلموا في إسناده هذا وقد روي من حديث الزهري عن سعيد وأبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وليس دون الزهري من يحتج به" (¬4).ثم ساق ابن عبد البر الروايات المتعددة في اختلاف محمد بن عجلان في رواية هذا الحديث، إذ رواه تارة كما بيناه، ورواه تارة أخرى عن بكير بن عبد الله الأشج عن عجلان، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - كما هو في مسند أحمد ... والتمهيد 24/ 283 - 287. فلو صح مثل هذا الإسناد لما تباطأ الإمام مالك عن إيراده في موطئه. المثال الثاني (حديث الشفعة) أقول: قد بين علته هو في آخر كلامه: وهو مخالفة أبي عاصم الضحاك بن مخلد لأصحاب مالك، إذ رووه عن الزهري عن سعيد وأبي سلمة مرسلاً، ليس فيه أبو هريرة، أما الحديث المحفوظ الذي رواه الزهري فهو الذي أخرجه البخاري من طريق معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر - رضي الله عنه -، إذ قال الخليلي نفسه:" وهو المحفوظ المخرج في صحيح البخاري " (¬5). 3 - ابن حزم الظاهري ت (457): وممن أطلق القبول أيضا ابن حزم الظاهري، فقال:" وإذا روى العدل زيادة على ما روى غيره فسواء انفرد بها أو شاركه فيها غيره مثله أو دونه أو فوقه فالأخذ بتلك الزيادة فرض، ومن خالفنا في ذلك فإنه يتناقض أقبح تناقض فيأخذ بحديث رواه واحد ويضيفه إلى ظاهر القرآن الذي نقله أهل الدنيا كلهم أو يخصه به وهم بلا شك أكثر من رواة الخبر الذي زاد عليهم آخر حكماً لم يروه غيره وفي ¬

(¬1) ميزان الاعتدال 3/ (7938). (¬2) تهذيب التهذيب 9/ 304 (566). (¬3) قلت: يعني خارج الموطأ وإلا فإنه في الموطأ لا يختلف فيها بأنها كلها بلاغ، كما بينه أستاذنا المشرف في تعليقه على رواية الليثي (2806). (¬4) التمهيد 24/ 283. (¬5) برقم (2214و2257 و 2495و2496 و 6996) وانظر تحفة الأشراف 2/ 535 (3153).

هذا التناقض من القبح ما لا يستجيزه ذوقهم وذو ورع وذلك كتركهم قول الله تعالى: "والسارقُ والسارقةُ فاقطعوا أيدَيَهما جزآءً بما كَسَبا نكالاً من الله والله عزيزٌ حكيم" (¬1). لحديث انفردت به عائشة رضي الله عنها ولم يشاركها فيه أحد، وهو" لا قطع إلا في ربع دينار فصاعداً ".ويترك قوله تعالى في الآيات التي ذكر فيها المحرمات من النساء، ثم قال تعالى بعد ذكر من ذكر: "والمحصناتُ من النساء إلا ما ملكت أيمانُكم كتابَ الله عليكم وُأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنينَ غيرَ مسافحين فما آستمتعتم به منهنَّ فآتوهنَّ أجورَهنَّ فريضةً ولا جناحَ عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة إنّ اللهَ كان عليماً حكيماً" (¬2). فحرموا الجمع بين المرأة وعمتها وليس ذلك مذكوراً في آية التحريم بل فيها إحلال كل ما لم يذكر في الآية فتركوا ذلك لحديث انفرد به أبو هريرة وأبو سعيد وحدهما. (¬3) وليس ذلك إجماعاً فإن عثمان البتي يبيح الجمع بين المرأة وعمتها ثم يعترضون على حكم رواه عدل بأن عدلاً آخر لم يرو تلك الزيادة وأن فلاناً انفرد بها، قال علي: وهذا جهل شديد وقد ترك أصحاب أبي حنيفة الزيادة التي روى مالك في حديث زكاة الفطر وهي من المسلمين فقالوا: انفرد بها مالك، وترك أصحاب مالك الاستسعاء الذي رواه سعيد بن أبي عروبة وقالوا: انفرد بها سعيد فكلا الطائفتين عابت ما فعلت وأنكرت ما أتت به مع أنه قد شورك من ذكرنا في هاتين الزيادتين ولو انفردا بها ما ضر ذلك شيئاً، ولا فرق بين أن يروي الراوي العدل حديثاً فلا يرويه أحد غيره أو يرويه غيره مرسلاً أو يرويه ضعفاء، وبين أن يروي الراوي العدل لفظة زائدة لم يروها غيره من رواة الحديث وكل ذلك سواء واجب قبوله بالبرهان الذي قدمناه في وجوب قبول خبر الواحد العدل ¬

(¬1) المائدة / 38. (¬2) النساء / 24. (¬3) حديث أبي هريرة أخرجه أحمد 2/ 432و474و508و516 .. ،والبخاري (5110) ومسلم (1407) و (1408) وغيرهم. وحديث أبي سعيد أخرجه أحمد3/ 67. قلت: ولم ينفردا به كما زعم ابن حزم، فقد رواه أيضاً جابر، وابن عباس رضي الله عنهما فأما حديث جابر فأخرجه البخاري (5108)،وابن أبي شيبة 4/ 245وأحمد 3/ 338و382 والنسائي 6/ 98وغيرهم. وأما حديث ابن عباس فأخرجه ابن حبان 9/ 426 (4116) والطبراني في الكبير11/ (11931).وليس المحل هنا نحله.

4 - الخطيب البغدادي

الحافظ وهذه الزيادة وهذا الإسناد هما خبر واحد عدل حافظ ففرض قبولهما ولا نبالي روى مثل ذلك غيرهما أو لم يروه سواهما ومن خالفنا فقد دخل في باب ترك قبول الخبر الواحد ولحق بمن أتى ذلك من المعتزلة وتناقض في مذهبه وانفراد العدل باللفظة كانفراده بالحديث كله ولا فرق (¬1). 4 - الخطيب البغدادي ت (463): قال:" الزيادة مقبولة من العدل". (¬2) وقال:"قال الجمهور من الفقهاء وأصحاب الحديث زيادة الثقة مقبولة إذا انفرد بها. ولم يفرقوا بين زيادة يتعلق بها حكم شرعي أو لا يتعلق بها حكم وبين زيادة توجب نقصاناً من أحكام تثبت بخبر ليست فيه تلك الزيادة وبين زيادة توجب تغيير الحكم الثابت أو زيادة لا توجب ذلك وسواء كانت الزيادة في خبر رواه راويه مرة ناقصاً ثم رواه بعد وفيه تلك الزيادة أو كانت الزيادة قد رواها غيره ولم يروها هو. وقال فريق ممن قبل زيادة العدل الذي ينفرد بها إنما يجب قبولها إذا أفادت حكماً يتعلق بها وأما إذا لم يتعلق بها حكم فلا. وقال آخرون: يجب قبول الزيادة من جهة اللفظ دون المعنى وحكي عن فرقة ممن ينتحل مذهب الشافعي إنها قالت: تقبل الزيادة من الثقة إذا كانت من جهة غير الراوي فأما إن كان هو الذي روى الناقص ثم روى الزيادة بعد فإنها لا تقبل وقال قوم من أصحاب الحديث: زيادة الثقة إذا انفرد بها غير مقبولة ما لم يروها معه الحفاظ وترك الحفاظ لنقلها وذهابهم عن معرفتها يوهنها ويضعف أمرها ويكون معارضاً لها ... .". (¬3) وقال بعد مناقشة آراء العلماء: " والذي نختاره من هذه الأقوال أنّ الزيادة الواردة مقبولة على كل الوجوه ومعمول بها إذا كان راويها عدلاً حافظاً ومتقناً ضابطاً ... " (¬4) وقال: "أكثر أصحاب الحديث أن الحكم في هذا أو ما كان بسبيله للمرسل " (¬5)؟ وعلل الخطيب مذهبه فقال: والدليل على صحة ذلك أمور: " أحدها: اتفاق جميع أهل العلم على أنه لو انفرد الثقة بنقل حديث لم ينقله غيره لوجب قبوله؛ ولم يكن ترك الرواة لنقله إن كانوا عرفوه وذهابهم عن العلم به معارضاً له ¬

(¬1) الأحكام 2/ 216 - 217. (¬2) الكفاية ص424. (¬3) الكفاية ص424. (¬4) الكفاية ص424 - 425. (¬5) الكفاية ص411.

ولا قادحاً في عدالة راويه ولا مبطلاً له وكذلك سبيل الانفراد بالزيادة. فان قيل: ما أنكرت أن يكون الفرق بين الأمرين أنه غير ممتنع سماع الواحد الحديث من الراوي وحده وانفراده به ويمتنع في العادة سماع الجماعة لحديث واحد وذهاب زيادة فيه عليهم ونسيانها إلا الواحد بل هو أقرب إلى الغلط والسهو منهم فافترق الأمران، قلت: هذا باطل من وجوه غير ممتنعة: أحدها: أن يكون الراوي حدث بالحديث في وقتين وكانت الزيادة في أحدهما دون الوقت الآخر ويحتمل أيضا أن يكون قد كرر الراوي الحديث فرواه أولاً بالزيادة وسمعه الواحد ثم أعاده بغير زيادة اقتصاراً على أنه قد كان أتمه من قبل وضبطه عنه من يجب العمل بخبره إذا رواه عنه وذلك غير ممتنع وربما كان الراوي قد سها عن ذكر تلك الزيادة لما كرر الحديث وتركها غير متعمد لحذفها ويجوز أن يكون ابتدأ بذكر ذلك الحديث وفي أوله الزيادة ثم دخل داخل فأدرك بقية الحديث ولم يسمع الزيادة فنقل ما سمعه فيكون السامع الأول قد وعاه بتمامه. ويجوز أن يسمع من الراوي الاثنان والثلاثة فينسى اثنان منهما الزيادة ويحفظها الواحد ويرويها ويجوز أن يحضر الجماعة سماع الحديث فيتطاول حتى يغشى النوم بعضهم أو يشغله خاطر نفس وفكر قلت في أمر آخر فيقتطعه عما سمعه غيره وربما عرض لبعض سامعي الحديث أمر يوجب القيام ويضطره إلى ترك استتمام الحديث وإذا كان ما ذكرناه جائزاً فسد ما قاله المخالف. أخبرنا أبو الحسن علي بن يحيى بن جعفر الإمام بأصبهان قال: حدثنا سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني قال: حدثنا علي بن عبد العزيز قال: حدثنا أبو نعيم قال سليمان: وحدثنا معاذ بن المثنى قال: حدثنا محمد بن كثير، قال: حدثنا سفيان، عن جامع بن شداد أبي صخرة المحاربي عن صفوان بن محرز المازني عن عمران بن حصين قال: أتى نفر من بني تميم النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: " اقبلوا البشرى يا بني تميم فقالوا: قد بشرتنا فأعطنا فرئى ذلك في وجه رسول - صلى الله عليه وسلم - فجاء نفر من أهل اليمن فقال: اقبلوا البشرى إذ لم يقبلها بنو تميم قالوا: قد قبلنا يا رسول الله فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحدث ببدء الخلق والعرش فجاء رجل فقال: يا عمران راحلتك فقمت فليتني لم أقم".ويدل أيضا على صحة ما ذكرناه أن الثقة العدل يقول:

5 - أبو عمرو ابن الصلاح

سمعت وحفظت ما لم يسمع الباقون وهم يقولون: ما سمعنا ولا حفظنا وليس ذلك تكذيباً له" (¬1). فالخطيب البغدادي أطلق القبول في الكفاية ما دام راوي الزيادة عدلاً، حافظاً، ومتقناً ضابطاً، وفي تعارض الوصل والإرسال رجّح المتصل على المرسل مطلقاً، فقال:"وهو الصحيح في الفقه وأصوله". ويرى الواقف على أقوال الخطيب عدم الدقة؛ فتراه ينسب القول بقبولها للمحدثين ويعده رأي الجمهور منهم؟ وتارة ينسب إليهم خلافه؟ وما ذلك إلا لعدم وضوح صورة الزيادة عنده فوقع في إشكال واضح، كما مر. ويظهر هذا بشكل أوضح في مصنفه " تمييز المزيد في متصل الأسانيد "، فرد قسماً وقبل قسماً آخر؟ رغم أنه يقول بالقبول المطلق لزيادة الثقة. قال ابن رجب الحنبلي: " وقد صنف في ذلك الحافظ أبو بكر الخطيب مصنفاً حسناً سماه" تميز المزيد في متصل الأسانيد "وقسمه قسمين: أحدهما ما حكم فيه برد الزيادة وعدم قبولها. ثم إن الخطيب تناقض فذكر في كتاب الكفاية للناس مذاهب في اختلاف الرواة في إرسال الحديث ووصله، كلها لا تعرف عن أحد من متقدمي الحفاظ إنما هي مأخوذة من كتب المتكلمين، ثم إنه اختار أن الزيادة من الثقة تقبل مطلقاً، كما نصره المتكلمون وكثير من الفقهاء وهذا يخالف تصرفه في كتاب تمييز المزيد"وقد عاب تصرفه في كتابه" تمييز المزيد "بعض محدثي الفقهاء وطمع فيه لموافقته لهم في كتاب الكفاية" (¬2) وكذا انتقده الحافظ ابن حجر العسقلاني (¬3). 5 - أبو عمرو ابن الصلاح ت (643):تبع ابن الصلاح الخطيب في إطلاق القبول، فقال عند موضوع تعارض الوصل والإرسال: "وما صححه الخطيب هو الصحيح ... ".وأما في مبحث زيادات المتون فإنه توقف عن الترجيح واكتفى بعرض الأقوال، فقال: في مقدمته:"وقد رأيت تقسيم ما ينفرد به الثقة على ثلاثة أقسام: أحدها: أنه مخالف منافٍ لما رواه سائر الثقات فهذا حكمه الرد كما سبق في نوع ¬

(¬1) الكفاية ص 424 - 425. (¬2) شرح علل الترمذي 2/ 638. (¬3) النكت على ابن الصلاح 2/ 693.

النووي

الشاذ. الثاني: أن لا تكون فيه منافاة ومخالفة أصلاً لما رواه غيره كالحديث الذي تفرد برواية جملته ثقة ولا تعرض فيه لما رواه الغير بمخالفة أصلاً فهذا مقبول وقد ادعى الخطيب فيه اتفاق العلماء عليه وسبق مثاله في نوع الشاذ. الثالث: ما يقع بين هاتين المرتبتين مثل زيادة لفظة في حديث لم يذكرها سائر من روى ذلك الحديث مثاله: ما رواه مالك عن نافع عن بن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " فرض زكاة الفطر من رمضان على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين ".فذكر أبو عيسى الترمذي أن مالكاً تفرد من بين الثقات بزيادة قوله:"من المسلمين" وروى عبيد الله ابن عمر وأيوب وغيرهما هذا الحديث عن نافع عن ابن عمر دون هذه الزيادة فأخذ بها غير واحد من الأئمة واحتجوا بها منهم الشافعي وأحمد، رضي الله عنهم، ... . فهذا وما أشبهه يشبه القسم الأول من حيث إن ما رواه الجماعة عام وما رواه المنفرد بالزيادة مخصوص وفي ذلك مغايرة في الصفة ونوع من المخالفة يختلف به الحكم ويشبه أيضا القسم الثاني من حيث إنه لا منافاة بينهما وأما زيادة الوصل مع الإرسال فإن بين الوصل والإرسال من المخالفة نحو ما ذكرناه. ويزداد ذلك بأن الإرسال نوع قدح في الحديث فترجيحه وتقديمه من قبيل تقديم الجرح على التعديل؟ ويجاب عنه: بأن الجرح قدم لما فيه من زيادة العلم والزيادة ههنا مع من وصل والله أعلم " (¬1). 6 - قال النووي ت (676):"زيادات الثقة مقبولة مطلقاً عند الجماهير من أهل الحديث والفقه والأصول، وقيل: لا تقبل، وقيل: تقبل أن زادها غير من رواه ناقصاً، ولا تقبل أن زادها هو، وأما إذا روى العدل الضابط المتقن حديثاً انفرد به فمقبول بلا خلاف، نقل الخطيب البغدادي اتفاق العلماء عليه، وأما إذا رواه بعض الثقات الضابطين متصلاً، وبعضهم مرسلاً أو بعضهم موقوفاً وبعضهم مرفوعاً أو وصله هو أو رفعه في وقت وأرسله أو وقفه فى وقت، فالصحيح الذي قاله المحققون من الحديث وقاله الفقهاء، وأصحاب الأصول وصححه الخطيب البغدادي أن الحكم لمن وصله أو رفعه سواء كان المخالف له مثله أو أكثر وأحفظ لأنه زيادة ثقة، وهى مقبولة الحكم لمن أرسله أو وقفه، ¬

(¬1) علوم الحديث ص88.

ابن جماعة

قال الخطيب: وهو أكثر قول المحدثين؛ وقيل: الحكم للأكثر، وقيل: للأحفظ". (¬1) وقال:"إذا روى بعض الثقات الضابطين الحديث مرسلاً وبعضهم متصلاً أو بعضهم موقوفاً، وبعضهم مرفوعاً، أو وصله هو أو رفعه في وقت، أو أرسله في وقت فالصحيح أن الحكم لمن وصله أو رفعه سواء كان المخالف له مثله أو أكثر لأن ذلك زيادة ثقة وهي مقبولة " (¬2). وقال:"إن المذهب الصحيح المختار الذي ذهب إليه الفقهاء وأصحاب الأصول والمحققون من المحدثين وصححه الخطيب البغدادي أن الحديث إذا رواه بعض الثقات متصلاً وبعضهم مرسلاً أو بعضهم مرفوعاً وبعضهم موقوفاً حكم بالمتصل وبالمرفوع لأنهما زيادة ثقة وهى مقبولة عند الجماهير من كل الطوائف والله أعلم ". (¬3) وقال:" أن الحديث الذي روى موقوفاً ومرفوعاً يحكم بأنه مرفوع على المذهب الصحيح الذي عليه الأصوليون والفقهاء والمحققون من المحدثين منهم البخاري وآخرون حتى لو كان الواقفون أكثر من الرافعين حكم بالرفع كيف والأمر هنا بالعكس ودليله ما سبق أن هذه زيادة ثقة فوجب قبولها ولا ترد لنسيان أو تقصير حصل بمن وقفه والله أعلم ". (¬4) وقال:"زيادات الثقة مقبولة مطلقاً عند الجماهير من أهل الحديث والفقه والأصول". (¬5) قال ابن حجر في النكت متعقباً:"وفيه نظر كثير لأنه يرد عليهم الحديث الذي يتحد مخرجه فيرويه جماعة من الحفاظ الأثبات على وجه ويرويه ثقة دونهم في الضبط والإتقان على وجه يشمل على زيادة تخالف ما رووه إما في المتن وإما في الإسناد فكيف تقبل زيادته وقد خالفه من لا يغفل مثلهم عنها لحفظهم أو لكثرتهم ولاسيما إن كان شيخهم ممن يجمع حديثه ويعتنى بمروياته كالزهري وأضرابه ... ." (¬6). 7 - قال ابن جماعة ت (733):"هي أقسام أحدها: زيادة تخالف ما رواه ¬

(¬1) شرح مسلم 1/ 32 - 33. (¬2) تدريب الراوي، السيوطي 1/ 184. (¬3) شرح مسلم 3/ 17. (¬4) شرح مسلم 5/ 95. (¬5) شرح مسلم 1/ 32 و 58. (¬6) النكت على ابن الصلاح 2/ 688.

الحافظ العراقي

الثقات، وحكم هذه الرد كما سبق في الشاذ. الثاني: زيادة لا يخالف فيه غيره بشيء أصلاً فهذا مقبول" (¬1). وقال:" إذا روى ثقة حديثاً مرسلاً ورواه ثقة غيره متصلاً كحديث:"لا نكاح إلا بولي" رواه إسرائيل وجماعة عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ورواه الثوري وشعبة عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد حكى الخطيب عن أكثرهم أن الحكم للمرسل وعن بعضهم أن الحكم للأكثر وعن بعضهم للأحفظ فإن كان هو المرسل لم يقدح ذلك في عدالة الواصل وقال: الزيادة من الثقة مقبولة هذا مع أن المرسل شعبة وسفيان ودرجتهما من الحفظ الإتقان معلومة فهذه خمسة أقوال الصحيح منها ما صححه الخطيب، فرع لو أرسل ثقة حديثا تارة وأسنده أخرى أو رفعة ثقات ووقفه ثقات أو وصله ثقات وقطعه ثقات فالحكم في الجميع لزيادة الثقة من الإسناد والرفع والوصل والله أعلم" (¬2). 8 - وقال الحافظ العراقي ت (806)، قال في ألفيته (¬3): واحكم لوصل ثقة في الأظهر ... وقيل بل إرساله للأكثر ونسب الأول للنظار ... أن صححوه وقضى البخاري بوصل " لا نكاح إلا بولي " ... مع كون من أرسله كالجبل وقيل الأكثر، وقيل الأحفظ ... ثم فما إرسال عدل يحفظ يقدح في أهلية الوصل أو ... مسنده على الأصح ورأوا أن صح الحكم للرفع ولو ... من واحد في ذا وذا كما حكموا وقال عند زيادات الثقات: واقبل زيادات الثقات منهم ... ومن سواهم فعليه المعظم وقيل: لا، وقيل: لا منهم وقد ... قسمه الشيخ فقال: ما انفرد ¬

(¬1) المنهل الروي ص58. (¬2) المنهل الروي ص 44 - 45. (¬3) الألفية بشرحها 1/ 189.

9 - الحافظ السخاوي

دون الثقات ثقة خالفهم ... فيه صريح فهو رد عندهم أولم يخالف فاقبلنه وادعى ... فيه الخطيب الاتفاق مجمعا أو خالف الإطلاق نحو"جعلت ... تربة الأرض"فهي فرد نقلت فالشافعي وأحمد احتجا بذا ... والوصل والإرسال من ذا أخذا 9 - الحافظ السخاوي ت (902): قال: " الصحيح الذي عليه الجمهور أن الراوي إذا روى الحديث مرفوعاً وموقوفاً فالحكم للرفع لأنه معه في حالة الرفع زيادة، هذا هو المرجح عند أهل الحديث " (¬1). وقال: " والحق أن الزيادة مع الواصل وأن الإرسال نقص في الحفظ لما جبل عليه الإنسان من النسيان " (¬2). 10 - الشيخ أحمد محمد شاكر: قال:"إذا روى العدل الثقة حديثاً وزاد فيه زيادة لم يروها غيره من العدول الذين رووا نفس الحديث أو رواه الثقة العدل نفسه مرة ناقصاً ومرة زائداً، فالقول الصحيح الراجح: إن الزيادة مقبولة سواء أوقعت ممن رواه ناقصاً أم من غيره وسواء أتعلق بها حكم شرعي أم لا، وسواء غيرت الحكم الثابت أم لا، وسواء أوجبت نقض أحكام ثبتت بخبر ليست هي فيه أم لا " (¬3). وممن قال به أيضاً: أبو الحسن بن القطان (¬4)، وابن الملقن (¬5)،وغيرهما. مناقشة أمثلة القائلين بقبول الزيادة مطلقاً. استدل القائلون بقبول الزيادة مطلقاً بأدلة، أرى من المناسب أن أبينها ههنا، وقبل مناقشتها، لابد من توطئة مهمة فأقول: كما أوضحنا سلفاً أنّ علم المصطلح - مصطلح الحديث - نشأ كما ينشأ أي علم في المصطلح في بقية علوم الشريعة وغيرها. ¬

(¬1) فتح المغيث 1/ 195. (¬2) فتح المغيث 1/ 238. (¬3) الباعث الحثيث ص59 - 60 هامش. (¬4) انظر النكت على ابن الصلاح 2/ 604. (¬5) انظر كتابه خلاصة البدر المنير فإنه مليء، فمثلا: 1/ 129و151و 319.

فإنه ينشأ بعد اكتمال صرح العلم وأركانه .. فيحتاج طلبة العلم في تعاملهم مصطلحات متفق عليها. وهذا يعني أنه - المصطلح - وليد ثمار جهود السابقين من ناحية ومن ناحية أخرى فإنه لا يعني أن المتقدمين أرادوا ما فهمهُ المتأخرون كاملاً. فالمتأخرون إنما هم مجتهدون حاولوا فهم مراد المتقدمين من خلال صنيعهم في مصنفاتهم. ومر علم المصطلح بمراحل - عند المتأخرين - تطورت فيه مفاهيم ومصطلحات عبر المصنفات المتتالية. فلو قرأت مثلاً ((المحدث الفاصل))، لم تجد فيه كثيراً من المصطلحات عند الخطيب في الكفاية أو عند ابن الصلاح في المقدمة أو عند السخاوي في الفتح .. وهكذا. وعلى سبيل المثال: لا تجد فيه - المحدث الفاصل - مصطلح منكر .. شاذ ... زيادة ثقة ... الخ. والذي أريده من هذا الكلام: أنّ الخطأ الذي وقع فيه الكثير من طلبة علم الحديث أنهم يعدون المتأخرين .. متقدمين؟؟، ويظنون أنَّ المصطلحات الحديثة اتفق عليها المتقدمون والمتأخرون ... فظنوا أنّ المتأخرين -أعني بعد القرن الثالث الهجري - قد أدركوا مراد المتقدمين فأسسوا على ذلك قواعد كلية صححوا على ضوئها الأحاديث وحسنوها فوقعوا في تعارض واضح وإشكال كبير. ومثالي على هذا الكلام مصطلح " زيادة الثقة "،فلا تجد أحداً من المتقدمين الأوائل قد تكلم فيه بمثل ما فهمه المتأخرون حتى إنّ جمهور المتأخرين قد خلطوا بين أنواع التفرد. وتجد هذا واضحاً في هذه الأطروحة فترى الإشكال قائماً-عند المتأخرين - بين المنكر .. والشاذ ... وزيادة الثقة. وفي موضوع زيادة الثقة خلط جمهور كتّاب المصطلح بينه وبين موضوع مختلف الحديث. فالمراد بزيادة الثقة - كما عرّفوه هم -: هو ما تفرد به ثقة واحد عن مجموعة من

الثقات بالسند نفسه أو زاد في المتن زيادة لم يذكرها الثقات الآخرون الذين رووا الحديث بالسند نفسه أيضاً. وقد نص عليه الحاكم بقوله:"معرفة زيادات ألفاظ فقهية في أحاديث ينفرد بالزيادة راو واحد " (¬1). وقال ابن رجب:"أن يروي جماعة حديثاً واحداً بإسناد واحد، ومتن واحد فيزيد بعض الرواة فيه زيادة، لم يذكرها بقية الرواة " (¬2). قلت: فأما إذا كانت هذه الزيادة من أكثر من ثقة فاختلف أصحاب المروي عنه فرواه قسم بهذه الزيادة، ورواه آخرون من دونها فهذه مخالفة تدرس ويتبين الصحيح منها لأن المفروض في مثل هذا أن المروي عنه إما حدث بالحديث على وجهين وإما أخطأ قسماً منه وأصاب بالآخر (¬3). وهذا يعني أمرين: الأول: أن الزيادة إذا جاءت من ثقة واحد عن نفس الشيخ وانفرد بها عن أقرانه رواة الحديث فهذا الذي يسمى زيادة ثقة. أما إذا وجدنا متابعة لهذا الثقة فإنه يخرج من دائرة الزيادة والتفرد إلى دائرة الاختلاف ... "مختلف الحديث "،فندرس الحديثين ونخرج بنتيجة حسب القرائن المرجحة. أيّ: إنّ زيادة الثقة إنما تكون من ثقة واحد أمام جماعة أما إذا تكافأ العدد كأن يكون واحداً أمام واحد أو أكثر فهذه لا تسمى زيادة ثقة بل هي من باب:"مختلف الحديث". لذا فإن الإمام النووي رحمه الله وهو القائل بقبول الزيادة مطلقاً من غير تفصيل رد التمثيل بزيادة مالك"من المسلمين "،وقال:" لا يصح التمثيل به فقد وافق مالكاً عمرُ بن نافع والضحاك بن عثمان" (¬4). ثانياً: إذا روى ثقة حديثاً ثم نشط فرواه بسند آخر أعلى من السند الأول فهذا لا ¬

(¬1) معرفة علوم الحديث ص 130. (¬2) شرح علل الترمذي 2/ 635. (¬3) انظر النكت على ابن الصلاح 2/ 712 - 715 و 777 - 782. (¬4) تقريب النوواي من تدريب الراوي 1/ 206، وانظر النكت على ابن الصلاح 2/ 196.

يسمى زيادة ثقة ممن دون الشيخ الراوي بل هذا من قبيل الإسناد العالي والنازل. وبهذا اخطأ بعض المتأخرين ممن عدوا المزيد في متصل الأسانيد زيادة ثقة. وإنما أشكل عليهم التفريق بين الزيادة من الثقة في السند وبين المزيد في متصل الأسانيد. وسأمثل لذلك بمثالين أحدهما يبين زيادة الثقة في السند والآخر يبين المزيد في متصل الأسانيد. 1 - قال محمد بن المثنى: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة عن الزهري عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله. 2 - قال محمد بن بشار: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة عن سفيان عن الزهري عن أنس بن مالك. فهل: هذا زيادة ثقة من محمد بن بشار"بندار"؟ أولاً: علينا أن نبحث هل السند الأول متصل بالسماع؟ فإذا كان الجواب بنعم، فهذا الثاني من قبيل المزيد في متصل الأسانيد. إما إذا كان الجواب: لا؟ وهذا يعني أن الإسناد الأول منقطع، فهذا الثاني يكون متصلاً والأول يكون معلولاً فيه انقطاع. وإنما حكمنا على الثاني بكونه مزيداً لاحتمال سماع شعبة الحديث مرتين، مرة من سفيان - قرينه - ثم نشط فسمعه أخرى من الشيخ ذاته - الزهري -. فيكون الإسناد الأول- إسناد محمد بن المثنى- عاليا، وإسناد بندار نازلا. 2 - أما مثال زيادة الثقة فنمثل بالمثال السابق حتى يتضح الفرق، أن يروي مثلاً: محمد بن المثنى، عن محمد بن جعفر، عن شعبة عن الزهري، عن أنس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرفوعا-. ثم يخالفه جمع من الثقات فيروونه بالسند نفسه عن محمد بن جعفر عن شعبة عن الزهري عن أنس - موقوفاً -. وكذا إذا جاء مرة مرسلاً ومرة متصلاً ... وهكذا. فالذي يعنينا هنا أن يأتي الحديث على المثال الثاني أما احتمال المثال الأول:"المزيد في متصل الأسانيد "فهو وارد وصحيح ولا إشكال فيه ومن هنا فإننا سوف نبحث في الأمثلة التي مثل بها علماء المصطلح المتأخرون

فإذا وجدنا للشيخ المتفرد بالزيادة متابعاً فإنه يخرج من دائرة الزيادة ولا يصح التمثيل به حينئذٍ. أقول: قد نتج عن هذا الخلط نسبة الكثير من الأقوال إلى الأئمة المتقدمين نسبة خاطئة، إذ اقتطعوا من أقوالهم في مناقشة حديث ما في موضع الاختلاف"مختلف الحديث"ونسبوه لهم على أنه يتحدث عن زيادة الثقة-بمفهوم المتأخرين-. فمثلاً: 1 - جاء عن الإمام الشافعي أنه قال:" العدد الكثير أولى بالحفظ من الواحد " (¬1). أورده الحافظ ابن حجر استدلالاً على أن الشافعي يفصل الأمر في زيادة الثقة (¬2). أقول: الإمام الشافعي لم يتكلم عن زيادة الثقة حينما أورد هذا النص وإنما كان يتكلم عن حديثين متكافئين في الصحة مختلفين في المخرج في أحدهما زيادة تخالف الآخر: حديث البراء بن عازب، وحديث ابن عمر - رضي الله عنهم - في رفع اليدين في الصلاة، قال الشافعي رحمه الله:"وبهذه الأحاديث تركنا ما خالفها من الأحاديث قال الشافعي لأنها أثبت إسناداً منه وأنها عدد"والعدد أولى بالحفظ من الواحد" فإن قيل: فإنّا نراه رأى المصلي يرخي يديه فلعله أراد رفعهما فلو كان رفعهما مداً احتمل مداً حتى المنكبين واحتمل ما يجاوزه ويجاوز الرأس ورفعهما ولا يجاوز المنكبين وهذا حذو حتى يحاذي منكبيه وحديثنا عن الزهري أثبت إسناداً ومعه عدد يوافقونه ويحددونه تحديداً لا يشبه الغلط والله أعلم فإن قيل: أفيجوز أن يجاوز المنكبين؟ قيل: لا ينقض الصلاة ولا يوجب سهواً والاختيار أن لا يجاوز المنكبين. باب الخلاف فيه: قال الشافعي: فخالفنا بعض الناس في رفع اليدين في الصلاة، فقال: إذا افتتح الصلاة المصلي رفع يديه حتى يحاذي أذنيه ثم لا يعود يرفعهما في شيء من الصلاة، واحتج بحديث رواه يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب قال رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم -:"إذا افتتح الصلاة يرفع يديه". قال سفيان: ثم قدمت الكوفة فلقيت يزيد بها فسمعته يحدث بهذا، وزاد فيه: " ثم لا ¬

(¬1) اختلاف الحديث ص 177. (¬2) النكت 2/ 688.

يعود "، فظننت أنهم لقنوه، قال سفيان: هكذا سمعت يزيد يحدثه هكذا، ويزيد فيه:"ثم لا يعود"قال: وذهب سفيان إلى أن يغلط يزيد في هذا الحديث ويقول: كأنه لقن هذا الحرف الآخر فلقنه، ولم يكن سفيان يرى يزيد بالحافظ لذلك. قال: فقلت لبعض من يقول هذا القول: أحديث الزهري عن سالم عن أبيه أثبت عند أهل العلم بالحديث أم حديث يزيد؟ قال: بل حديث الزهري وحده. قلت: فمع الزهري أحد عشر رجلاً من أصحاب رسول الله منهم أبو حميد الساعدي وحديث وائل بن حجر كلها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بما وصفت وثلاثة عشر حديثاً أولى أن تثبت من حديث واحد ومن أصل قولنا. وقولك أنه لو لم يكن معنا إلا حديث واحد ومعك حديث يكافئه في الصحة فكان في حديثك أن لا يعود لرفع اليدين وفي حديثنا يعود لرفع اليدين كان حديثنا أولى أن يؤخذ به، لأن فيه زيادة حفظ مالم يحفظ صاحب حديثك، فكيف صرت إلى حديثك وتركت حديثنا والحجة لنا فيه عليك بهذا، وبأن إسناد حديثك ليس كإسناد حديثنا بأن أهل الحفظ يرون أن يزيد لقن:"ثم لا يعود"، يقول: فإن إبراهيم النخعي أنكر حديث وائل بن حجر، وقال: أترى وائل بن حجر أعلم من علي وعبد الله؟ قلت: وروى إبراهيم عن علي وعبد الله أنهما رويا عن النبي خلاف ما روى وائل بن حجر، قال: لا ولكن ذهب إلى أن ذلك لو كان روياه أو فعلاه، قلت: أفروى هذا إبراهيم عن علي وعبد الله نصاً؟ قال: لا، قلت: فخفي عن إبراهيم شيء رواه علي وعبد الله أو فعلاه، قال: ما أشك في ذلك، قلت: فتدري لعلهما قد فعلاه فخفي عنه وروياه فلم يسمعه، قال: إن ذلك ليمكن، قلت: أفرأيت جميع ما رواه إبراهيم فأخذ به، فأحل به وحرم، أرواه عن علي وعبد الله؟ قال: لا، قلت: فلم احتججت بأنه ذكر علياً وعبد الله وقد يأخذ هو وغيره عن غيرهما ما لم يأت عن واحد منهما، ومن قولنا وقولك أن وائل بن حجر إذ كان ثقة لو روى عن النبي شيئاً، فقال عدد من أصحاب النبي لم يكن ما روى، كان الذي قال كان أولى أن يؤخذ بقوله من الذي قال لم يكن، وأصل قوله أن إبراهيم لو روى عن علي وعبد الله لم يقبل منه، لأنه لم يلق واحداً منهما إلا أن يسمي من بينه وبينهما فيكون ثقة للقيهما، ثم أردت إبطال ما روى وائل بن حجر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن لم يعلم إبراهيم فيه قول علي وعبد الله قال: فلعله علمه قلت: ولو علمه لم يكن عندك فيه حجة بأن رواه فإن كنت تريد أن توهم من سمعه أنه رواه بلا أن يقول هو رويته جاز لنا

أن نتوهم في كل ما لم يرو أنه علم فيه لم يقل لنا علمنا ولو روى عنهما خلافه لم يكن عندك فيه حجة فقال وائل أعرابي فقلت: أفرأيت قرنعاً الضبي وقزعة وسهم بن منجاب حين روى إبراهيم عنهم وروى عن عبيد بن نضلة أهم أولى أن يروي عنهم أم وائل بن حجر، وهو معروف عندكم بالصحابة وليس واحد من هؤلاء فيما زعمتم معروفاً عندكم بحديث ولا شيء، قال: بل وائل بن حجر، قلت: فكيف ترد حديث رجل من الصحابة وتروي عمن دونه ونحن إنما قلنا برفع اليدين عن عدد لعله لم يرو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئاً قط عدداً أكثر منهم غير وائل بن حجر ووائل أهل أن يقبل عنه " (¬1). لهذا قال الإمام الشافعي: والعدد أولى بالحفظ من الواحد (¬2). فمن هنا خلط المتأخرون بين هذين المفهومين. وهذا بالاتفاق ليس من قبيل زيادة الثقة. وأما إذا روى الثقة ما لم يروه غيره من الثقات أقرانه فإنه شاذ غير مقبول، قال ابن رجب:"وفي حكاية ذلك-قبول الزيادة- عن الشافعي نظر فإنه قال في الشاذ: هو أن يروي ما يخالف الثقات، وهذا يدل على أن الثقة إذا انفرد عن الثقات بشيء أنه يكون ما انفرد به شاذاً غير مقبول، والله اعلم " (¬3). وهذا يعني أن التفرد عند الشافعي إذا كان يخالف أقرانه في زيادة لفظة أو رجل فإن ذلك يعني أن حديثه شاذ (¬4)، وسيأتي تفصيله. 2 - ذهب جمهور الحنابلة من الفقهاء إلى نسبة القول إلى الإمام أحمد أنه يقبل الزيادة من الثقة اعتماداً على صنعه في بعض الأحاديث. قال ابن رجب:"وأما أصحابنا: فذكروا في كتب أصول الفقه في هذه المسألة روايتين عن أحمد: بالقبول مطلقاً، وعدمه مطلقاً، ولم يذكروا نصاً له بالقبول مطلقاً مع أنهم رجحوا هذا القول، ولم يذكروا به نصاً عن أحمد، وإنما اعتمدوا على كلام له، لا يدل على ذلك مثل قوله في فوات الحج: جاء فيه روايتان أحدهما: فيه زيادة دم، قال: والزائد أولى أن يؤخذ، وهذا ليس مما نحن فيه فإن مراده أن الصحابة روى بعضهم فيمن ¬

(¬1) اختلاف الحديث ص177 - 179. (¬2) اختلاف الحديث ص177. (¬3) شرح العلل 2/ 637. (¬4) انظر ص 99 من هذا البحث.

يفوته الحج عليه القضاء مع الدم، فأخذ بقبول من زاد الدم فإذا روي حديثان مستقلان في حادثة وفي أحدهما زيادة فإنها تقبل من الثقة كما لو تفرد الثقة بأصل الحديث وليس هذا من باب زيادة الثقة" (¬1). أقول: وهنا وقع الأصوليون أيضا في خلط واضح بين الزيادة ومختلف الحديث. 3 - قال أحمد في زيادة زادها سعيد بن أبي عروبة في حديث الإستسعاء: "أما شعبة وهمام فلم يذكراه ولا أذهب إلى الإستسعاء" (¬2). قال ابن رجب: فالذي يدل عليه كلام أحمد في هذا الباب: أن زيادة الثقة للفظة في حديث من بين الثقات إن لم يكن مبرزاً في الحفظ والتثبت على غيره ممن لم يذكر الزيادة ولم يتابع عليها فلا يقبل تفرده، وإن كان ثقة مبرزاً في الحفظ على من لم يذكرها ففيه عنه روايتان، لأنه قال مرة في زيادة مالك (من المسلمين):كنت أتهيبه حتى وجدته من حديث العمريين. وقال مرة إذا انفرد مالك بحديث هو ثقة وما قاله أحد بالرأي أثبت منه " (¬3). أقول: وقع ابن رجب في نفس المأخذ الذي أخذه على فقهاء الحنابلة فهذا الحديث ليس من قبيل زيادة الثقة لان سعيداً قد توبع عليه. كما سيأتي (¬4). 4 - استدل الكثير من علماء المصطلح المتأخرين بحديث:"لا نكاح إلا بولي"،على أنّ البخاري يقول بزيادة الثقة. وهذا خلط واضح - كما قدمنا - فالإمام البخاري لم يتحدث عن الزيادة، وإنما كان يتحدث عن الاختلاف بين طريقين. الطريق الأول رواه جماعة من الثقات:"إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق، ويونس، وشريك، وأبو عوانة ... "،عن أبي إسحاق السبيعي به-مرفوعاً-. والطريق الثاني: رواه شعبة وسفيان عن أبى إسحاق به - موقوفاً -. فالحديث جماعة إمام جماعة فأين زيادة الثقة؟؟. بل صرح البخاري بقوله تابعه ¬

(¬1) شرح علل الترمذي 2/ 635. (¬2) شرح علل الترمذي 2/ 634، وانظر ص185 من هذا البحث. (¬3) مصدر سابق. (¬4) انظر ص184 من هذا البحث.

أولا: مناقشة أمثلة أبي عبد الله الحاكم

يعني إسرائيل. ثم يأتي بعض المتأخرين ويقولون هو مثال لزيادة الثقة؟ كما أورده الخطيب وغيره حتى من رد عليهم لم ينكر كونه زيادة من ثقة يقول ابن حجر:"الاستدلال بأن الحكم للواصل دائماً على العموم من صنيع البخاري في هذا الحديث الخاص ليس بمستقيم لأن البخاري لم يحكم فيه بالاتصال من أجل كون الوصل زيادة، وإنما حكم له بالاتصال لمعان أخرى رجحت عنده حكم الموصول. منها: أن يونس بن أبي إسحاق وابنيه إسرائيل وعيسى رووه عن أبي إسحاق موصولاً، ولا شك أن آل الرجل أخص من غيرهم. ووافقهم على ذلك أبو عوانة وشريك النخعي وزهير بن معاوية وتمام العشرة من أصحاب أبي إسحاق، مع اختلاف مجالسهم في الأخذ عنه وسماعهم إياه من لفظه. وأما رواية من أرسله وهما شعبة وسفيان، فإنما أخذاه عن أبي إسحاق في مجلس واحد ... . فشعبة وسفيان إنما أخذاه معاً في مجلس عرضاً-كما ترى- ولا يخفى رجحان ما أخذ من لفظ المحدث في مجالس متعددة على ما أخذ عنه عرضاً في محل واحد. هذا إذا قلنا: حفظ سفيان وشعبة في مقابل عدد الآخرين مع أن الشافعي - رضي الله - يقول: " العدد الكثير أولى بالحفظ من الواحد ". فتبين أن ترجيح البخاري لوصل هذا الحديث على إرساله لم يكن لمجرد أن الواصل معه زيادة ليست مع المرسل بل بما يظهر من قرائن الترجيح ويزيد ذلك ظهوراً تقديمه الإرسال في مواضع أخر " (¬1). فتأمل الخلط؟؟ وهنا سأذكر الأمثلة التي مثل بها المتأخرون مستدلين بها على زيادة الثقة لأبين أنها ليست من قبيل زيادة الثقة وإنما هي من قبيل مختلف الحديث. أولاً: مناقشة أمثلة أبي عبد الله الحاكم: المثال الأول: قال في معرفة علوم الحديث:"ومثال هذا النوع ما حدثناه أبو عمرو عثمان بن أحمد بن السماك قال: حدثنا الحسن بن مكرم قال: حدثنا عثمان بن عمر قال: حدثنا مالك بن مغول عن الوليد بن العيزار عن أبي عمرو الشيباني عن عبد الله بن مسعود قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي العمل أفضل؟ قال:"الصلاة في أول وقتها" قلت: ثم ¬

(¬1) النكت على ابن الصلاح 2/ 606 - 607، وانظر تدريب الراوي، السيوطي 184 - 185.

أي؟ قال:"الجهاد في سبيل الله" قلت: ثم أي؟ قال:"بر الوالدين". قال أبو عبد الله: هذا حديث صحيح محفوظ رواه جماعة من أئمة المسلمين عن مالك بن مغول وكذلك عن عثمان بن عمر فلم يذكر أول الوقت فيه غير بندار بن بشار والحسن بن مكرم وهما ثقتان فقيهان" (¬1). أقول: هذا ليس من قبيل زيادة الثقة لأن الزيادة تفرد ثقة واحد-كما قدمنا-وهنا تفرد به ثقتان وهما: محمد بن بشار-بندار-،والحسن بن مكرم فهذا من قبيل مختلف الحديث: رواه اثنان مخالفين به جماعة الرواة في هذه اللفظة فلعل الشيخ ((عثمان بن عمر)) قد رواه مرتين مرة بها والأخرى بدونها. المثال الثاني: قال في معرفة علوم الحديث: " أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن الحسن الطوسي بنيسابور وأبو محمد عبد الله بن محمد الخزاعي بمكة قالا: حدثنا أبو يحيى بن أبي مسرة قال: حدثنا يحيى بن محمد الجاري قال: حدثنا زكريا بن إبراهيم بن عبد الله بن مطيع عن أبيه عن جده عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" من شرب في إناء ذهب أو فضة أو في إناء فيه شيء من ذلك فإنما يجرجر في بطنه نار جهنم ". قال أبو عبد الله: هذا حديث روي عن أم سلمة وهو مخرج في الصحيح، وكذلك روي من غير وجه عن ابن عمر واللفظة"أو إناء فيه شيء من ذلك"لم نكتبها إلا بهذا الإسناد" (¬2). أقول: لا يصح التمثيل بهذا الحديث لأنه مُتفرد بجملتهُ دون مخالفة فهو حديث مستقل-خبر آحاد-وليس من قبيل زيادة الثقة. المثال الثالث: قال في معرفة علوم الحديث:"حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال: حدثنا محمد بن الجهم السمري قال: حدثنا نصر بن حماد قال: أخبرنا أبو معشر عن نافع عن ابن عمر قال:"أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نخرج صدقة الفطر عن كل صغير وكبير حر أو عبد صاعاً من تمر أو صاعاً من زبيب أو صاعاً من شعير أو صاعاً من قمح وكان ¬

(¬1) معرفة علوم الحديث ص 130. وممن مثل به أيضا السيوطي في التدريب 1/ 206، والشيخ إبراهيم النعمة في كتابه دراسات في مصطلح الحديث ص 110. (¬2) معرفة علوم الحديث ص 131.

يأمرنا أن نخرجها قبل الصلاة وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقسمها قبل أن ننصرف من المصلى ويقول: أغنوهم عن طواف هذا اليوم ". قال أبو عبد الله: هذا حديث رواه جماعة من أئمة الحديث عن نافع فلم يذكروا صاع القمح فيه إلا حديث عن سعيد بن عبد الرحمن الجمحي يتفرد به عن عبيد الله بن عمر عن نافع" (¬1). أقول: لم يتفرد سعيد بن عبد الرحمن الجمحي بهذه اللفظة، بل قد توبع في شيخه عبيد الله بن عمر العمري تابعه يحيى بن سعيد الأنصاري عند البيهقي 4/ 160،فخرج الحديث عن كونه زيادة ثقة. وإنما هو من قبيل مختلف الحديث، فالرواة عن نافع قد اختلفوا في هذه اللفظة-صاعاً من قمح-فمرة أثبتوها، وأخرى تركوها، فـ (عبيد الله بن عمر بن حفص ويحيى بن سعيد الأنصاري)، أثبتوها في حديثهم. وروى الحديث: (أيوب السختياني، وعبيد الله بن عمر بن حفص-في مصنف عبد الرزاق 3/ 312 - ،وعبد الله بن عمر، والمعلى بن إسماعيل المدني، وغيرهم) دونها. والذي أراه: أن رواية القمح إنما هي من كلام ابن عمر - رضي الله عنه - وربما يكون نافع حدث بها فظن بعض السامعين أنه من الحديث. ويشهد لكلامنا: ما أخرجه عبد الرزاق 3/ 311فقال: "عن معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر:"قال فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر على الذكر والأنثى والحر والعبد صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير". قال ابن عمر: فعدله الناس بعد بمدين من قمح قال ابن عمر: فكان يعجبه أن يعطي التمر". وكذا ما أخرجه ابن خزيمة 4/ 81قال:"حدثنا عبد الجبار بن العلاء قال: حدثنا سفيان قال: حدثنا أيوب عن نافع عن ابن عمر قال:"فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صدقة الفطر صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير". فكان عبد الله يخرج عن الصغير والكبير والمملوك من أهله صاعاً من تمر فأعوزه مرة فاستلف شعيراً فلما كان زمان معاوية عدل الناس مدين من قمح بصاع من شعير". وما أخرجه ابن حبان في صحيحه 8/ 96برقم (3303) قال: ¬

(¬1) مصدر سابق.

" أخبرنا أبو الحسن أحمد بن عمير بن يوسف بن جوصا بدمشق وعمر بن محمد بن يوسف بن بجير الهمداني قالا: حدثنا كثير بن عبيد قال: حدثنا أبو حيوة شريح بن يزيد قال: حدثنا أرطأة بن المنذر عن المعلى بن إسماعيل المدني عن نافع عن ابن عمر قال:"أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بزكاة الفطر صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير عن كل صغير أو كبير حر أو عبد ".قال ابن عمر: ثم إن الناس جعلوا عدل ذلك مدين من قمح ". المثال الرابع: قال في معرفة علوم الحديث: " حدثنا أبو بكر بن إسحاق الإمام، قال: أخبرنا أبو مسلم، قال: حدثنا عبد الله بن رجاء، قال: حدثنا همام عن محمد بن جابر عن قيس بن طلق عن أبيه أنه سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - أو سأله رجل فقال: بينا أنا في الصلاة ذهبت أحك فخذي فأصابت يدي ذكري فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هل هو إلا بضعة منك ". قال أبو عبد الله: هذا حديث رواه جماعة من التابعين وغيرهم عن محمد بن جابر فلم يذكر الزيادة في حك الفخذ غير عبد الله بن رجاء عن همام بن يحيى وهما ثقتان ". أقول: هذا كلام مردود، فليس هذا من قبيل زيادة أو مختلف حديث، وإنما هو من قبيل صحيح الحديث أو سقيمه: فهذه اللفظة ((حك الفخذ)) خالف بها محمد بن جابر اليمامي، وهو ضعيف الحديث، قال يحيى بن معين: ليس بشيء، وقال الفلاس: متروك الحديث، وقال ابن حبان: كان أعمى يلحق في كتبه ما ليس من حديثه ويسرق ما ذوكر به فيحدث به (¬1). المثال الخامس: وقال أيضاً: "حدثني أبو الحسن أحمد بن الخضر الشافعي قال: حدثنا جعفر بن أحمد بن نصر الحافظ قال::حدثنا أحمد بن نصر المقرئ قال: حدثنا آدم بن أبي إياس العسقلاني قال: حدثنا عبد الله بن زياد ابن سمعان عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"كل صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج غير تمام". قال: فقال له رجل: يا أبا هريرة إني أكون أحياناً وراء الإمام؟ قال: اقرأ بها في نفسك يا فارسي فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:" قال الله تبارك وتعالى: قسمت هذه السورة بيني وبين عبدي فنصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل ¬

(¬1) التقريب (577)، والتحرير 3/ 221، وانظر العلل المتناهية، ابن الجوزي 1/ 363.

فإذا قال العبد بسم الله الرحمن الرحيم قال الله ذكرني عبدي وإذا قال الحمد لله رب العالمين قال الله تبارك وتعالى حمدني عبدي ". وذكر باقي الحديث، قال أبو عبد الله: هذا حديث مخرج في الصحيح من حديث العلاء بن عبد الرحمن ولا اعلم أحداً ذكر فيه قراءة بسم الله الرحمن الرحيم غير آدم بن أبي إياس عن ابن سمعان" (¬1). أقول: هذه الزيادة منكرة، باطلة .. انفرد بها عبد الله بن سليمان بن سمعان المخزومي وهو متروك الحديث اتهم بالكذب (¬2). ولا أدري كيف عده الحاكم ثقة؟!. وقد أخرجه الدارقطني 1/ 312 بالسند نفسه ثم قال:"ابن سمعان هو عبد الله بن زياد بن سمعان: متروك الحديث وروى هذا الحديث جماعة من الثقات عن العلاء بن عبد الرحمن منهم مالك بن أنس وابن جريج وروح بن القاسم وابن عيينة وابن عجلان والحسن بن الحر وأبو أويس وغيرهم على اختلاف منهم في الإسناد واتفاق منهم على المتن فلم يذكر أحد منهم في حديثه:" بسم الله الرحمن الرحيم "، واتفاقهم على خلاف ما رواه ابن سمعان أولى بالصواب ". المثال السادس: وقال أيضاً:"حدثنا أبو بكر بن إسحاق الفقيه، قال: أخبرنا الحسن بن علي بن زياد قال: حدثنا إبراهيم بن موسى الفراء قال: حدثنا بقية عن الوضين بن عطاء عن محفوظ بن علقمة عن عبد الرحمن بن عائذ عن علي بن أبي طالب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن السه وكاء العين فمن نام فليتوضأ ".قال أبو عبد الله: هذا حديث مروي من غير وجه لم يذكر فيه فمن نام فليتوضأ غير إبراهيم بن موسى الرازي وهو ثقة مأمون سمعت أبا الحسين محمد ابن أحمد بن تميم الحنظلي يقول: سمعت أبا إسماعيل محمد بن إسماعيل السلمي يقول: قلت لأحمد بن حنبل: كتبت عن إبراهيم بن موسى الصغير قال لا تقل الصغير وهو كبير هو كبير" (¬3). أقول: لم ينفرد إبراهيم فيها بل توبع عليها، إذ أخرج أحمد في مسنده 1/ 111 قال:"حدثنا على بن بحر قال: حدثنا بقية بن الوليد الحمصي قال: حدثني الوضين بن عطاء ¬

(¬1) معرفة علوم الحديث ص 132. (¬2) التقريب (3326)، والتحرير 2/ 210. (¬3) معرفة علوم الحديث ص 133،أقول: وكذا مثل به السيوطي في التدريب 1/ 208.

عن محفوظ بن علقمة عن عبد الرحمن بن عائذ الأزدي عن علي بن أبي طالب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"إنّ السه وكاء العين فمن نام فليتوضأ "، وعلي بن بحر بن برّي البغدادي: ثقة فاضل (¬1). المثال السابع: وقال:"حدثنا أبو حامد أحمد بن محمد الخطيب بمرو قال: حدثنا إبراهيم بن العلاء قال: حدثنا نصر بن حاجب قال: حدثنا مسلم بن خالد عن عمرو بن دينار عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة قيل: يا رسول الله ولا ركعتي الفجر؟ قال: ولا ركعتي الفجر".قال أبو عبد الله: هذا حديث مخرج في الصحيح من حديث عمرو بن دينار بإسناده إلا الزيادة فيه فإنه يتفرد بها نصر بن حاجب عن مسلم بن خالد" (¬2). أقول: لا يصح هذا المثال: فقد توبع نصر بن حاجب المروزي برواية ابنه يحيى عند البيهقي 2/ 483،وابن عدي في الكامل 7/ 246 في ترجمة يحيى بن نصر. ونصر بن حاجب المروزي القرشي الخراساني: قال يحيى بن معين: ليس بشيء، وقال النسائي: فيه ليس بالقوي (¬3). ويحيى-ابنه -:قال ابن عدي: أرجو أنه لابأس به، وقال العقيلي: منكر الحديث، وذكره ابن حبان في الثقات (¬4). المثال الثامن: وقال:"سمعت أبا بكر بن إسحاق الإمام يقول: حدثني أبو علي الحافظ فسألت أبا علي فحدثني قال: حدثنا إسحاق بن أحمد بن إسحاق الرقي قال: حدثنا أبو يوسف محمد بن أحمد بن الحجاج الرقي قال: حدثنا عيسى بن يونس قال: حدثنا ابن جريج عن سليمان بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها وشاهدي عدل فنكاحها باطل فإن دخل بها فلها المهر وان اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له ".قال أبو عبد الله: هذا حديث محفوظ من حديث ابن جريج عن سليمان بن موسى الأشدق فأما ذكر ¬

(¬1) التقريب (4691) والتحرير 3/ 36. (¬2) معرفة علوم الحديث ص 133. (3) انظر ترجمته في الكامل ابن عدي 7/ 38 والضعفاء، العقيلي 4/ 301، ولسان الميزان 6/ 162. (¬3) انظر ترجمته في الكامل 7/ 38، والعقيلي 4/ 404، والثقات، ولسان الميزان 6/ 162. (¬4) انظر ترجمته في الكامل 7/ 246، والعقيلي 4/ 433، والثقات، ابن حبان 9/ 254.

الشاهدين فيه فأنا لم نكتبه إلا عن أبي علي بهذا الإسناد " (¬1). أقول: لقد توبع أبو علي برواية إسحاق بن أحمد بن إسحاق الرقي عن عيسى بن يونس تابعه أبو حامد محمد بن هارون الحضرمي قال: أخبرنا سليمان بن عمر بن خالد الرقي قال: أخبرنا عيسى بن يونس ... أخرجه الدارقطني 3/ 225 - 226. وقد توبع عيسى بن يونس أيضاً، تابعه: حفص بن غياث عن ابن جريج عند ابن حبان في صحيحه 9/ 386،ثم قال:"لم يقل أحد في خبر ابن جريج عن سليمان بن موسى عن الزهري هذا"شاهدي عدل"إلا ثلاثة أنفس سعيد بن يحيى الأموي عن حفص بن غياث وعبد الله بن عبد الوهاب الحجبي عن خالد بن الحارث وعبد الرحمن بن يونس الرقي عن عيسى بن يونس ولا يصح في ذكر الشاهدين غير هذا الخبر ". أقول: فخرج عن كونه زيادة إلى مختلف الحديث. المثال التاسع: وقال: " أخبرنا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي بمرو قال: حدثنا محمد ابن عيسى الطرسوسي قال: حدثنا سليمان بن حرب قال: حدثنا حماد بن زيد عن سماك بن عطية عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس قال:"أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة إلا الإقامة قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة فإنه قالها مرتين ". قال أبو عبد الله: هذا حديث رواه الناس عن أيوب فلم يذكر الزيادة من تثنية قد قامت الصلاة غير سماك بن عطية البصري وهو ثقة" (¬2). أقول: لم ينفرد سماك بهذه الزيادة بل تابعه معمر بن راشد عند عبد الرزاق في المصنف 1/ 464،وابن خزيمة في صحيحه 1/ 194،والبيهقي في الكبرى 1/ 413. وقد عدها الحافظ ابن حجر زيادة إذ قال:"وأخرجه أبو عوانة في صحيحه والسراج في مسنده وكذا هو في مصنف عبد الرزاق وللإسماعيلي من هذا الوجه ويقول:"قد قامت الصلاة مرتين "، والأصل أن ما كان في الخبر فهو منه حتى يقوم دليل على خلافه ولا دليل في رواية الإسماعيلي لأنه إنما يتحصل منها أن خالداً كان لا يذكر الزيادة وكان أيوب يذكرها وكل منهما روى الحديث عن أبي قلابة عن أنس فكان في رواية ¬

(¬1) معرفة علوم الحديث ص 132. (¬2) معرفة علوم الحديث ص 132، وكذا مثل به السيوطي في التدريب 1/ 208.

ثانيا: مناقشة أمثلة الخطيب البغدادي

أيوب زيادة من حافظ فتقبل والله أعلم " (¬1). المثال العاشر: وقال:"أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد الداربردي بمرو، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى القاضي قال: حدثنا القعنبي عن مالك عن حميد عن أنس قال: " نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الثمر حتى يزهى قيل: وما زهوه؟ قال: يحمر أو يصفر أرأيت إن منع الله الثمرة فبم يستحل أحدكم مال أخيه؟ ".قال أبو عبد الله: هذه الزيادة في هذا الحديث "أرأيت أن منع الله الثمرة"عجيبة فإن مالك بن أنس ينفرد بها، ولم يذكرها غيره، علمي في هذا الخبر. وقد قال بعض أئمتنا: إنها من قول أنس فسمعت الشيخ أبا بكر بن إسحاق يقول: رأيت مالك بن أنس في المنام شيخاً أسمر طوالاً، فقلت: أحدثكم حميد الطويل عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: أرأيت إن منع الله الثمرة فبم يستحل أحدكم مال أخيه؟ قال: نعم" (¬2). أقول: مالك بن أنس لم ينفرد بذكر هذه الزيادة فقد تابعه عليها عبد العزيز بن محمد الدراوردي عند مسلم في الصحيح 3/ 1190 (1555)، وسليمان بن بلال القرشي التيمي، عند أبي عوانة 1/ 334 (5205)، ويحيى بن أيوب المقابري عند الطحاوي في شرح معاني الآثار 4/ 24. فهذه ليست زيادة وإنما هي من باب مختلف الحديث كما سلف، وسيأتي تفصيل القول فيها لاحقاً. ثانياً: مناقشة أمثلة الخطيب البغدادي: المثال الأول: قال في الكفاية:"ومن الأحاديث التي تفرد بعض رواتها بزيادة فيها توجب زيادة حكم ما أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن محمد الأصبهاني الحافظ بنيسابور قال: أنبأنا أبو عمرو بن حمدان قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن شيرويه، قال: حدثنا أبو كريب قال: حدثنا ابن أبي زائدة عن سعد بن طارق قال: حدثني ربعي بن حراش عن حذيفة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" فضلنا على الناس بثلاث جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة، وجعلت لنا الأرض مسجداً وجعلت تربتها لنا طهوراً إذا لم نجد الماء"،وذكر ¬

(¬1) فتح الباري 2/ 106. (¬2) معرفة علوم الحديث ص 132.

خصلة أخرى قوله:"وجعلت تربتها لنا طهوراً ":زيادة لم يروها فيما أعلم - غير سعد بن طارق عن ربعي بن حراش فكل الأحاديث لفظها وجعلت لنا الأرض مسجداً وطهوراً " (¬1). أقول: هذا الحديث لا يصح التمثيل به، إذ تفرد أبو مالك الأشجعي بجملة الحديث عن شيخه: ربعي بن حراش، فلم يروه عنه إلا أبو مالك. قال ابن حجر:"وهذا التمثيل ليس بمستقيم - أيضاً - لأن أبا مالك قد تفرد بجملة الحديث عن ربعي بن حراش - رضي الله عنه - كما تفرد برواية جملة ربعي عن حذيفة - رضي الله عنه - " (¬2). وقد رواه عن أبي مالك: محمد بن فضيل، أخرجه مسلم 1/ 371 (522)،وابن خزيمة 1/ 133 (264). ويحيى بن زكريا بن أبي زائدة: عند مسلم أيضا المساجد 1/ 371 (522)،وأبو معاوية الضرير: عند أحمد 5/ 388. وقد وقع الخطيب البغدادي في وهم كبير إذ قال في تأريخ بغداد 10/ 121: "تفرد به أبو عوانة وأخرجه مسلم بن الحجاج في صحيحه ". والإمام مسلم لم يخرجه من طريق أبي عوانة أصلاً، ولم يتفرد به أبو عوانة كما سلف! (¬3). المثال الثاني: وقال:" أخبرنا الحسن بن أبي بكر قال: أنبأنا عثمان بن أحمد الدقاق قال: حدثنا الحسن بن مكرم بن حسان، قال: حدثنا عثمان بن عمر قال: حدثنا مالك بن مغول عن الوليد بن العيزار عن أبي عمرو الشيباني عن عبد الله بن مسعود قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي العمل أفضل؟ قال: الصلاة في أول وقتها، قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله، قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدين".قوله: في أول وقتها زيادة لا نعلم رواها في حديث ابن مسعود إلا عثمان بن عمر عن مالك بن مغول وكل الرواة قالوا عن مالك ¬

(¬1) الكفاية ص 428، ومثل به أيضا: الحافظ إبن كثير، مختصر علوم الحديث بشرحه الباعث الحثيث ص 59، والنووي، تدريب الراوي 1/ 206 والحافظ العراقي، فتح المغيث 1/ 233،والسيوطي، تدريب الراوي 1/ 207،والسخاوي، فتح المغيث1/ 236، والصنعاني، توضيح الأفكار 2/ 23، والشيخ أحمد شاكر في الباعث ص 59. (¬2) النكت على ابن الصلاح 2/ 700. (¬3) قد نبه على ذلك أستاذنا الدكتور بشار في تحقيقه لتأريخ بغداد 11/ 339 (5201).

الصلاة لوقتها، وأما فصل من فصل بين أن تكون الزيادة في الخبر من رواية راويه بغير زيادة، وبين أن تكون من رواية غيره، فإنه لا وجه له، لأنه قد يسمع الحديث متكرراً تارة بزيادة وتارة بغير زيادة كما يسمعه على الوجهين من راويين وقد ينسى الزيادة تارة فيرويه بحذفها مع النسيان لها والشك فيها ويذكرها فيرويها مع الذكر واليقين وكما أنه لو روى الحديث ونسيه فقال: لا أذكر أني رويته! وقد حفظ عنه ثقة وجب قبوله برواية الثقة عنه، فكذلك هذا وكما لو روى حديثاً مثبتاً لحكم وحديثاً ناسخاً له وجب قبولهما، فكذلك حكم خبره إذا رواه تارة زائداً وتارة ناقصاً وهذه جملة كافية" (¬1). أقول: وقد توبع مالك بن مغول بروايته عن الوليد بن العيزار تابعه شعبة بن الحجاج عند الدارقطني 1/ 246، والحاكم 1/ 300، والبيهقي 1/ 434.فلا يصح التمثيل به. المثال الثالث: قال: عند موضوع تعارض الوصل الإرسال: " مثال ذلك ما أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد بن يوسف الصياد قال: حدثنا أحمد بن يوسف بن خلاد قال: حدثنا الحارث بن محمد التميمي قال: حدثنا الحسن بن قتيبة، قال: حدثنا يونس بن أبي إسحاق عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"لا نكاح إلا بولي". أخبرناه أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي قال: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم قال: حدثنا أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي قال: حدثنا أحمد بن خالد الوهبي قال: حدثنا إسرائيل (ح)،وأخبرنا أبو سعيد أيضا وأبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن عثمان الطرازي قالا: حدثنا أبو العباس الأصم قال: حدثنا أحمد بن عبد الحميد الحارثي قال: حدثنا طلق بن غنام قال: حدثنا إسرائيل بن يونس عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" لا نكاح إلا بولي". وقال طلق: حدثنا قيس بن الربيع عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله. أخبرنا أبو الفرج عبد الواحد بن محمد بن عبد الله البزاني بأصبهان قال: أنبأنا عبد الله بن الحسن بن بندار المديني قال: حدثنا أسيد بن عاصم قال: حدثنا الحسين بن حفص ¬

(¬1) الكفاية ص 428 - 429، وكذا مثل به: السيوطي، في التدريب 1/ 208، وإبراهيم النعمة، مصطلح الحديث ص110.

قال: حدثنا سفيان عن أبي إسحاق عن أبي بردة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"لا نكاح إلا بولي". أخبرنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي طاهر الدقاق قال: أخبرنا أحمد بن سلمان النجاد قال: حدثنا عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي قال: حدثنا محمد بن جعفر غندر قال: حدثنا شعبة عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"لا نكاح إلا بولي". وكان: (يونس بن أبي إسحاق السبيعي، وابنه إسرائيل، وقيس بن الربيع) يروون هذا الحديث عن أبي إسحاق مسنداً متصلاً وكان: (سفيان الثوري وشعبة بن الحجاج) يرويانه عن أبي إسحاق مرسلاً ... .. أخبرني محمد بن أحمد بن يعقوب قال: أخبرنا محمد بن نعيم الضبي قال: سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن محمد بن يحيى يقول: سمعت محمد بن هارون المكي يقول: سمعت محمد بن إسماعيل البخاري وسئل عن حديث إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:" لا نكاح إلا بولي" فقال: الزيادة من الثقة مقبولة، وإسرائيل بن يونس ثقة وان كان شعبة والثوري أرسلاه فإن ذلك لا يضر الحديث ". أقول: يبدو من خلال هذا المثال اضطراب المتأخرين في فهم منهج المتقدمين بشكل واضح فالحديث ليس فيه زيادة ثقة. إسرائيل لم ينفرد بوصله فقد تابعه جماعة من الأثبات كما ذكره كل من تحدث عن هذا الحديث حتى الخطيب نفسه، فالذين وصلوه، هم:"أبو عوانة، وزهير بن معاوية، وشريك النخعي، وتمام العشرة من أصحاب أبي إسحاق " (¬1) والذين أرسلوه"شعبة بن الحجاج، وسفيان الثوري". فهذا من قبيل مختلف الحديث لذا قال الترمذي:"وحديث أبي موسى حديث فيه اختلاف: رواه إسرائيل وشريك بن عبد الله وأبو عوانة وزهير بن معاوية وقيس بن الربيع عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي - صلى الله عليه وسلم -،وروى أسباط بن محمد وزيد بن حباب عن يونس بن أبي إسحاق عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي - صلى الله عليه وسلم -،وروى أبو عبيدة الحداد عن يونس بن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحوه ولم يذكر فيه عن أبي إسحاق وقد روى عن يونس بن أبي ¬

(¬1) النكت على ابن الصلاح 2/ 606.

ثالثا: مناقشة أمثلة الحافظ ابن الصلاح

إسحاق عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أيضاً، وروى شعبة والثوري عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -:"لا نكاح إلا بولي" وقد ذكر بعض أصحاب سفيان عن سفيان عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى ولا يصح. ورواية هؤلاء الذين رووا عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا نكاح إلا بولي عندي أصح لأن سماعهم من أبي إسحاق في أوقات مختلفة وإن كان شعبة والثوري أحفظ وأثبت من جميع هؤلاء الذين رووا عن أبي إسحاق هذا الحديث فإن رواية هؤلاء عندي أشبه لأن شعبة والثوري سمعا هذا الحديث من أبي إسحاق في مجلس واحد ومما يدل على ذلك ما حدثنا محمود بن غيلان قال: حدثنا أبو داود قال: أنبأنا شعبة قال: سمعت سفيان الثوري يسأل أبا إسحاق أسمعت أبا بردة يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"لا نكاح إلا بولي"؟ فقال: نعم، فدل هذا الحديث على أن سماع شعبة والثوري عن مكحول هذا الحديث في وقت واحد، وإسرائيل هو ثقة ثبت في أبي إسحاق سمعت محمد بن المثنى يقول: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول ما فاتني من حديث الثوري عن أبي إسحاق الذي فاتني إلا لما اتكلت به على إسرائيل لأنه كان يأتي به أتم" (¬1). ثم أقول: زيادة الثقة: هو أن يزيد ثقة واحد على غيره " جماعة ". أما هذا الحديث فقد زاد جماعة على اثنين فهل يسمى هذا زيادة ثقة؟ - بمفهوم المتأخرين - حتى نستدل به على صحة القول؟ ثالثاً: مناقشة أمثلة الحافظ ابن الصلاح: المثال الأول: مثل أولاً بحديث:"تربتها طهوراً " (¬2)،ومر بيان ذلك في أمثلة الخطيب. المثال الثاني: قال:"مثاله ما رواه مالك عن نافع عن ابن عمر - رضي الله عنه -:" أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرض زكاة الفطر من رمضان على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين "،فذكر أبو عيسى الترمذي أن مالكاً تفرد من بين الثقات بزيادة قوله من المسلمين وروى عبيد الله بن عمر وأيوب وغيرهما هذا الحديث عن نافع عن بن عمر دون هذه الزيادة فأخذ بها ¬

(¬1) جامع الترمذي حديث (1101). (¬2) مقدمة ابن الصلاح ص 88.

غير واحد من الأئمة واحتجوا بها منهم الشافعي وأحمد رضي الله عنهم والله أعلم" (¬1). أقول: لم يتفرد الإمام مالك بهذه الزيادة أصلاً فقد تابعه جمع من الثقات، وهم: 1 - عمر بن نافع مولى ابن عمر: أخرجه البخاري في الصحيح (1503)،والنسائي 5/ 48، وفي الكبرى 2/ 25 برقم (2287)،وابن حبان 8/ 96،والدارقطني 2/ 139،والبيهقي في الكبرى 4/ 162. 2 - الضحاك بن عثمان: أخرجه مسلم في 2/ 678 (984)،وابن خزيمة في الصحيح 4/ 83، وابن حبان في صحيحه 8/ 95،والدارقطني 2/ 139،والبيهقي في الكبرى 4/ 162. 3 - عبد الله بن عمر العمري: أبو داود (1612)،والدارقطني 2/ 140 و 144،والحاكم في المستدرك 1/ 569. 4 - عبيد الله بن عمر العمري: أخرجه أبو داود (1612)،وأحمد 2/ 66 و 137،والدارقطني 2/ 139، والبيهقي في الكبرى 4/ 166. 5 - أيوب السختياني: أخرجه الدارقطني 2/ 139. 6 - يونس بن يزيد: أخرجه الدارقطني 2/ 139. 7 - كثير بن فرقد: أخرجه الدارقطني 2/ 140،والبيهقي 4/ 162. 8 - عبد الله بن عمر ومالك-كلاهما-أخرجه ابن الجارود، في المنتقى 2/ 97،والبيهقي في الكبرى 4/ 163. 9 - ابن أبي ليلى: أخرجه الدارقطني 2/ 140. 10 - المعلى بن إسماعيل: أخرجه الدارقطني 2/ 140. فهؤلاء جميعاً تابعوا مالكاً في حديثه، بل الصواب أنّ مالكاً قد تابعهم كما صنع البخاري إذ قدم رواية عبيد الله بن نافع على رواية مالك بن أنس. وحري بي أن أنبه إلى أنّ الحافظ ابن رجب الحنبلي وهو من الذين يشترطون القرائن لقبول الزيادة -كما سيأتي- لما رد على من يزعم أن الإمام أحمد بن حنبل يقبل الزيادة مطلقاً، لم يتكلم على خطأ المثال أصلاً، وإنما إكتفى بنفي ذلك، أو بتأويله، فأردت إتمام الفائة ههنا، فمثلاً: ¬

(¬1) مقدمة ابن الصلاح ص 88.

1 - قال في شرحه لعلل الترمذي 2/ 632 - 633:"وقال أحمد أيضاً: في حديث ابن فضيل عن الأعمش عن عمارة بن عمير عن أبي عطية عن عائشة - رضي الله عنه - في تلبية النبي - صلى الله عليه وسلم - وذكر فيها:"والملك لا شريك لك ".قال أحمد: وهم ابن فضيل في هذه الزيادة، ولا تعرف هذه عن عائشة إنما تعرف عن ابن عمر".أقول: ذكر ابن رجب هذا المثال في معرض الاستدلال على أنّ الإمام أحمد لا يقبل الزيادة؟ أقول: هذا المثال ليس من قبيل زيادة الثقة لأنّ محمد بن فضيل لم يتفرد به بل قد توبع، تابعه ابن نمير وغيرهُ كما قال ابن رجب نفسه نقلاً عن الخلال:"إنّ هذه الزيادة رواها ابن نمير وغيره أيضاً عن الأعمش" (¬1). وقال الزيلعي:" ليس ما ذكره من التلبية منقولاً باتفاق الرواة فقد روى حديث التلبية عائشة وعبد الله بن مسعود وليس فيه:"والملك لك لا شريك لك" (¬2). 2 - أورد ابن رجب حديث الإستسعاء في معرض كلامه عن منهج الإمام أحمد في زيادة الثقة فنقل عنه القول: " حديث أبي هريرة في الاستسعاء يرويه ابن أبي عروبة، أما شعبة وهمام فلم يذكراه ولا أذهب إلى الإستسعاء " (¬3). قال ابن رجب:"فالذي يدل عليه كلام أحمد في هذا الباب: أنّ زيادة الثقة للفظة في حديث من بين الثقات إن لم يكن مبرزاً في الحفظ والتثبت على غيره ممن لم يذكر الزيادة ولم يتابع عليها فلا يقبل تفرده، وإن كان ثقة مبرزاً في الحفظ على من لم يذكرها ففيه عنه روايتان " (¬4). أقول: النص الذي ذكره عن الإمام أحمد لا يفهم منه ما قاله ابن رجب، فالإمام أحمد إنما أعل حديث سعيد بن أبي عروبة فحسب!. وأما الحديث فقد روي: عن قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " من أعتق شقيصاً من مملوكه فعليه خلاصه في ماله فإن لم يكن له مال قوم المملوك قيمة عدل ثم استسعى غير مشقوق عليه " (¬5). رواه عن قتادة (سعيد بن أبي عروبة وجرير بن حازم، وحجاج بن حجاج، ¬

(¬1) شرح علل الترمذي 2/ 633. (¬2) نصب الراية 3/ 23. (¬3) شرح علل الترمذي 2/ 634. (¬4) مصدر سابق. (¬5) هذا لفظ البخاري.

وأبان بن موسى بن خلف). فرواية سعيد بن أبي عروبة - بذكر الزيادة -أخرجها البخاري في صحيحه (5492 و 2527) وكذا مسلم في الإيمان 1/ 1287 - 1288 (1503)، وأبو داود (3938)، والترمذي (1348). وأخرجه البخاري من طريق جرير بن حازم (2504 و 2526). وقال عقب حديث سعيد: " تابعه حجاج بن حجاج، وأبان بن موسى بن خلف عن قتادة ... اختصره شعبة " (¬1). وجاء الحديث بدون الزيادة: أخرجه أبو داود (3939) من رواية سعيد بن أبي عروبة عن قتادة به، وفي (3934) من طريق همام عنه به. وأخرجه مسلم: الإيمان 3/ 1287 (1502و1503)،وأبو داود (3935) من طريق شعبة عن قتادة به. وأخرجه أبو داود (3936) من طريق هشام بن عبد الله عن قتادة به. وأخرجه الترمذي (1348) من طريق أبان العطاردي عن قتادة به، وقال: حسن صحيح، وفي (20815) من طريق همام -مرسلاً-. وأخرجه أحمد 2/ 74 و 75 من طريق سعيد عن قتادة عن أبي المليح عن أبيه -مرسلاً-. أقول: لا يصح هذا المثال من وجهين: الأول: أن سعيد بن أبي عروبة لم ينفرد به بل تابعه جمهرة من العلماء الثقات. كما قاله البخاري في صحيحه (2527)، فلا يصح المثال أن يمثل به في هذا الموضع. الثاني: لأن الحديثين أحدهما مستقل عن الآخر: الأول: يقول بالاستسعاء. والآخر: يقول بخلافه وهو:"حديث همام وشعبة "،ونصه: عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -:"قال في المملوك بين الرجلين فيعتق أحدهما قال يضمن ".فهذا من مختلف الحديث وليس من باب الزيادة. ¬

(¬1) البخاري (2527).

3 - مثال آخر: أورد الحافظ ابن رجب حديث:" ابن عمر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " من حلف على يمين فقال إن شاء الله فلا حنث عليه "، في معرض كلامه عن منهج الإمام أحمد في قبول زيادة الثقة (¬1). وأقول: أخرج أحمد 2/ 15،وأبو داود (3261)،و (3262)، والترمذي (1531)، والنسائي 7/ 12 وابن ماجة (2106) من طرق عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " من حلف على يمين فقال إن شاء الله فلا حنث عليه". قال الترمذي عقبه: "وفي الباب عن أبي هريرة قال أبو عيسى: حديث ابن عمر حديث حسن وقد رواه عبيد الله بن عمر وغيره عن نافع عن ابن عمر موقوفاً وهكذا روي عن سالم عن ابن عمر رضي الله عنهما موقوفاً، ولا نعلم أحداً رفعه غير أيوب السختياني، وقال إسماعيل بن إبراهيم: وكان أيوب أحياناً يرفعه وأحياناً لا يرفعه، والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم، أن الاستثناء إذا كان موصولاً باليمين فلا حنث عليه، وهو قول سفيان الثوري والأوزاعي ومالك بن أنس وعبد الله بن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق ". أقول: أولاً: قول الإمام الترمذي"حسن"، يعني أن الحديث معلولاً عنده - كما سيأتي -. ثانياً: لم ينفرد به أيوب السختياني بل تابعه: كثير بن فرقد أخرجه النسائي 7/ 25،والحاكم 4/ 336، وأيوب بن موسى أخرجه ابن حبان 10/ 182 (4340)، وعبيد الله بن عمر العمري أخرجه الأصبهاني 2/ 140، وحسان بن عطية أخرجه الخطيب، في تأريخه 5/ 88. وأما عن شك أيوب السختياني في رفعه: فقال البيهقي:"أخبرنا أبو بكر بن الحارث الفقيه قال: حدثنا أبو محمد بن حيان قال: حدثنا عبدان قال: حدثنا أبو بكر بن خلاد قال: قال حماد بن زيد: كان أيوب يرفع هذا الحديث ثم تركه، قال الشيخ: لعله إنما تركه لشك اعتراه في رفعه" (¬2). ¬

(¬1) شرح العلل 2/ 635. (¬2) في السنن الكبرى 10/ 46، وانظر تلخيص الحبير، ابن حجر 4/ 167، وتعليق استاذنا المشرف على الترمذي (1531).

المطلب الثاني: الرد مطلقا

المطلب الثاني: الرد مطلقاً: (وفق مفهوم أهل المصطلح). وهو مذهب أبي بكر الأبهري (¬1)،وعلل ذلك بقوله: " لان ترك الحفاظ لنقلها، وذهابهم عن معرفتها يوهنها، ويضعف أمرها ويكون معارضاً لها، وليست كالحديث المستقل إذ غير ممتنع في العادة سماع واحد فقط للحديث من الراوي وانفراده به، ويمتنع فيها سماع الجماعة لحديث واحد، وذهاب زيادة فيه عليهم ونسيانها إلا الواحد" (¬2). وهذا الكلام غاية في الجودة، وهو فهم صائب لمنهج المتقدمين. المطلب الثالث: القبول وفق القرائن: قبل بعض العلماء من المتأخرين زيادة الثقة وفق قرائن معينة، يضعها الواحد منهم من خلال فهمه الشخصي للأسباب التي قبل بها المتقدمون زيادة الثقة، وهذه القرائن تختلف من واحد إلى آخر، وهذا الاختلاف يدلنا على كون المسألة لم تأخذ نصيبها الوافر من الاستقراء. وتختلف تلك القرائن باختلاف أصل تعريف زيادة الثقة، وسيتضح الأمر أكثر من خلال عرض أقوال الأئمة الآتية: 1 - ابن حبان البستي ت (354) إذ قال:"وأما قبول الرفع في الأخبار: فإنا نقبل ذلك عن كل شيخ اجتمع فيه الخصال الخمس التي ذكرتها فإن أرسل عدل خبراً وأسنده عدل آخر قبلنا خبر من أسند لأنه أتى بزيادة حفظها ما لم يحفظ غيره ممن هو مثله في الإتقان فإن أرسله عدلان وأسنده عدلان قبلت رواية العدلين اللذين أسنداه على الشرط الأول وهكذا الحكم فيه كثر العدد فيه أو قل فإن أرسله خمسة من العدول وأسنده عدلان نظرت حينئذ إلى من فوقه بالاعتبار وحكمت لمن يجب كأنا جئنا إلى خبر رواة نافع عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - اتفق مالك وعبيد الله بن عمر ويحيى بن سعيد وعبد الله بن عون وأيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر ورفعوه وأرسله أيوب بن موسى وإسماعيل بن أمية ¬

(¬1) الإمام، العلامة المحدث ابو بكر، محمد بن عبد الله بن محمد بن صالح التميمي، الابهري المالكي، نزيل بغداد فقيه ومحدث وأصولي، ثقة، مأمون، زاهد، ورع توفي 375هحري. انظر ترجمته في الإرشاد، الخليلي 2/ 773. وفي سير أعلام النبلاء، الذهبي 16/ 332، رقم (241). (¬2) نقلا عن السخاوي، فتح المغيث 1/ 235.

2 - الإمام الدارقطني

وهؤلاء كلهم ثقات. أو أسند هذان وأرسل أولئك اعتبرت فوق نافع هل روى هذا الخبر عن ابن عمر أحد من الثقات غير نافع مرفوعاً أو من فوقه على حسب ما وصفنا فإذا وجد قبلنا خبر من أتى بالزيادة في روايته على حسب ما وصفنا وفي الجملة يجب أن يعتبر العدالة في نقلة الأخبار فإذا صحت العدالة في واحد منهم قبل منه ما روى من المسند وإن أوقفه غيره والمرفوع وإن أرسله غيره من الثقات إذ العدالة لا توجب غيره فيكون الإرسال والرفع عن ثقتين مقبولين والمسند والموقوف عن عدلين يقبلان على الشرط الذي وصفناه وأما زيادة الألفاظ في الروايات فإنا لا نقبل شيئاً منها إلا عن من كان الغالب عليه الفقه حتى يعلم أنه كان يروي الشيء ويعلمه حتى لا يشك فيه أنه أزاله عن سننه أو غيره عن معناه أم لا، لأن أصحاب الحديث الغالب عليهم حفظ الأسامي والأسانيد دون المتون والفقهاء الغالب عليهم حفظ المتون وأحكامها وأداؤها بالمعنى دون حفظ الأسانيد وأسماء المحدثين فإذا رفع محدث خبراً وكان الغالب عليه الفقه لم أقبل رفعه إلا من كتابه لأنه لا يعلم المسند من المرسل ولا الموقوف من المنقطع وإنما همته إحكام المتن فقط وكذلك لا أقبل عن صاحب حديث حافظ متقن أتى بزيادة لفظة في الخبر لأن الغالب عليه إحكام الإسناد وحفظ الأسامي والإغضاء عن المتون وما فيها من الألفاظ إلا من كتابه هذا هو الاحتياط في قبول الزيادات في الألفاظ " (¬1). فهذا نص منه على مراعاة التكافؤ في قبول الزيادات، وشرط في الزيادة المقبولة عنده، فقال:"فإن أرسله عدلان وأسنده عدلان قبلت رواية العدلين اللذين أسنداه على الشرط الأول وهكذا الحكم فيه كثر العدد فيه أو قل ". وفي حالة التعارض تراعى القرائن، وهو معنى قوله:"فإن أرسله خمسة من العدول وأسنده عدلان نظرت حينئذ إلى من فوقه بالاعتبار وحكمت لمن يجب "،ثم مثل له. 2 - الإمام الدارقطني (385): قال الحافظ ابن حجر:"وفي سؤالات السهمي للدارقطني: سئل عن الحديث إذا اختلف فيه الثقات؟ قال: ينظر ما اجتمع عليه ثقتان فيحكم بصحته، أو ما جاء بلفظ زائد فتقبل تلك الزيادة من متقن، ويحكم لأكثرهم حفظاً وثبتاً على من دونه" (¬2). ¬

(¬1) صحيح ابن حبان 1/ 157 - 159. (¬2) النكت على ابن الصلاح 2/ 689.

3 - ابن دقيق العيد

ولم أقف على هذا النص في الموضع الذي أشار إليه ابن حجر (¬1). وهنا أخذ باعتبار أمرين:- الأول: يشترط المتابعة لأن العدد الكثير أولى بالحفظ من الواحد. الثاني: ويشترط مع العدد الحفظ والإتقان. قال الحافظ ابن حجر:" وقد استعمل الدارقطني ذلك في العلل والسنن كثيراً " (¬2). أقول: ويفهم من كلام الدارقطني هذا، ومن صنيعه في العلل، أنه يأخذ بزيادة الثقة، وفق قرائن المتقدمين، وسيأتي بيان ذلك في فصل الدراسة التطبيقية. 3 - ابن دقيق العيد ت (702) قال:"من حكى عن أهل الحديث أو أكثرهم أنه إذا تعارض رواية مرسل ومسند، أو رافع وواقف، أو ناقص وزائد أن الحكم للزائد فلم يصب، في هذا الإطلاق، فإن ذلك ليس قانوناً مطرداً، وبمراجعة أحكامهم الجزئية يعرف صواب ما نقول" (¬3). 4 - الحافظ العلائي ت (761) قال:"أئمة الحديث المتقدمون منهم: كيحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي، ومن بعدهم كعلي بن المديني، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين وهذه الطبقة، وكذلك من بعدهم: كالبخاري، وأبي حاتم وأبي زرعة الرازيين، ومسلم، والنسائي، والترمذي وأمثالهم، ثم الدارقطني، والخليلي، كل هؤلاء يقتضي تصرفهم من الزيادة قبولاً ورداً الترجيح بالنسبة إلى ما يقوى عند الواحد منهم في كل حديث، ولا يحكمون في المسألة بحكم كلي يعم جميع الأحاديث وهذا هو الحق والصواب " (¬4). وقال: " إنّ الجماعة إذا اختلفوا في إسناد حديث كان القول فيهم للأكثر عدداً أو للأحفظ والأتقن ... ،فإن تفارقوا واستوى العدد فإلى قول الأحفظ والأكثر اتقاناً، وهذه ¬

(¬1) لم أقف على موضع النص في سؤالات حمزة السهمي، ولا السلمي، ولا الحاكم، ولا أبي طاهر السلفي، (المطبوع منها) ولعله وقف على ما لم أقف عليه، والله أعلم. (¬2) النكت على ابن الصلاح 2/ 689. (¬3) نقله الحافظ في النكت على ابن الصلاح 2/ 604،وانظر توضيح الأفكار 1/ 344. (¬4) نظم الفرائد لما تضمنه حديث ذو اليدين من الفوائد ص 376 - 377،وانظر النكت على ابن الصلاح، ابن حجر 2/ 604.

الحافظ الذهبي

قاعدة متفق على العمل بها عند أهل الحديث " (¬1). 5 - قال الحافظ الذهبي ت (748) قال في الموقظة:"وإن كان الحديث قد رواه الثّبت بإسناد، أو وقفه، أو أرسله، ورفقاؤه الأثبات يخالفونه، فالعبرة بما اجتمع عليه الثقات، فإنّ الواحد قد يغلط. وهنا قد ترجّح ظهور غلطه فلا تعليل، والعبرة بالجماعة. وإن تساوى العدد، واختلف الحافظان، ولم يترجح الحكم لأحدهما على الآخر، فهذا الضرب يسوق البخاري ومسلم الوجهين منه في كتابيهما " (¬2). 6 - ابن رجب الحنبلي ت (795): للحافظ ابن رجب الحنبلي منهجية خاصة في قبول زيادة الثقة، فهو لا يقبلها مطلقاً ولا يردها مطلقاً بل بحسب القرائن - كما يراها هو - وقد اعترض على المتقدمين كالحاكم والخطيب وابن الصلاح مجموعة اعتراضات " يبدو في هذه الاعتراضات مصنفاً بارعاً ومحققاً ناقداً، ولم أجد من تعرض لهذه الأمور كما تعرض لها ابن رجب" (¬3).والذي يبدو واضحاً من سياق كلام ابن رجب أنه يرجح المذهب القائل: لا تقبل الزيادة إلاّ من الثقة المبرز في الحفظ، وهذا القول أنصف بكثير ممن قبلها مطلقاً، ثم ينسب ذلك إلى الأئمة المتقدمين!. ولم يصرح ابن رجب برأيه بوضوح في هذه القضية، بل نلمسه عملياً من خلال مناقشته للأقوال المنسوبة إلى المتقدمين القائلة بالقبول لزيادة الثقة على إطلاقها، إذ نفى ذلك عن الأئمة: أبي حنيفة (¬4) وأحمد (¬5) والبخاري (¬6) وغيرهم، وناقش الخطيب والحاكم وفند دعواهم في إطلاق القبول (¬7). وحتى في الأمثلة التي ذُكرت عن المتقدمين كونهم قبلوا الزيادة قال:"إن مرادهم: ¬

(¬1) نظم الفرائد ص 367. (¬2) ص 52،تحقيق الشيخ عبد الفتاح أبو غدة. (¬3) د. همام عبد الرحيم سعيد، شرح علل الترمذي 1/ 211. (¬4) انظر شرح العلل 2/ 637. (¬5) انظر شرح العلل 2/ 635 و 637. (¬6) انظر شرح العلل 2/ 638. (¬7) انظر شرح العلل 2/ 638 - 639.

7 - ابن الوزير

زيادة الثقة في مثل تلك المواضع الخاصة، وهي إذا كان الثقة مبرزاً في الحفظ" (¬1). فالأصل عنده: أن الزيادة مردودة ولو كانت من ثقة حافظ، إلاّ في بعض المواضع الخاصة التي قد يرى العالم المبرز بعلمه من خلال القرائن أن الزيادة هنا تصح، فهي -عنده - أمر اعتباري يختلف من راوٍ إلى آخر. 7 - ابن الوزير ت (840) قال:" فإن غلب على الظن وهم الثقة في الرفع والوصل بمخالفة الأكثرين من الحفاظ الذين سمعوا الحديث معه من شيخه في موقف واحد، ونحو ذلك من القرائن فإن الرفع والوصل حينئذٍ مرجوحان، والحكم بهما حكم بالمرجوح، وهو خلاف المعقول والمنقول، أما المعقول فظاهر، وأما المنقول فلأن جماعة من الصحابة وقفوا عن قبول خبر الواحد عند الريبة، وشاع ذلك، ولم ينكر كما فعله عمر في حديث فاطمة بنت قيس في أنه:" لا نفقة ولا سكنى للمطلقة المبتوتة " (¬2)، وحديث أبي موسى في الأمر بالاستئذان ... .بل كما فعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند ما أخبره ذو اليدين أنه قصر صلاته، فإنه أنكر ذلك لأجل سكوت الجماعة واختصاص ذي اليدين بالخبر، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: أحق ما يقول ذو اليدين؟.وأما إذا رواه ثقتان على سواء أو قريب من السواء فالحكم لمن زاد كذلك إذا كان أحدهما مثبتاً، وآخر نافياً مع تساويهما أو تقاربهما فالحكم للمثبت، وبين ذلك مراتب في القوة والضعف لا يمكن حصرها، بل ينظر الناظر في كل ما وقع فيه هذا التعارض، ويعمل بحسب قوة ظنه " (¬3). فالقرائن التي قررها ابن الوزير: (أ) عدم مخالفة الأكثر أو الأحفظ. (ب) إذا زاد ثقتان على السواء أو قريب من السواء فالحكم لمن زاد، أي شرط التكافؤ. (ج) إذا تعارض ثقتان فكان أحدهما مثبتاً والآخر نافياً مع تساويهما أو تقاربهما فالحكم للمثبت. (د) يجب مراعاة القرائن الأخرى، ولكل حديث قرائن خاصة به استقلالاً. ¬

(¬1) شرح العلل 2/ 638. (¬2) قال الصنعاني: "وحققنا أن حديث فاطمة لا يرد بما قاله عمر، بل هو معمول به، كما أوضحناه في سبل السلام، وحواشي ضوء النهار " توضيح الأفكار 1/ 344،. (¬3) تنقيح الأنظار بشرحه توضيح الأفكار، الصنعاني 1/ 344 - 346.

8 - الحافظ ابن حجر العسقلاني

8 - الحافظ ابن حجر العسقلاني (852): قال بعد عرض كلام الأئمة المتقدمين:"فحاصل كلام هؤلاء الأئمة أن الزيادة إنما تقبل ممن يكون حافظاً، متقناً، حيث يستوي مع من زاد عليهم في ذلك، فإن كانوا أكثر عدداً منه، أو كان فيهم من هو أحفظ منه، أو كان غير حافظ، ولو كان في الأصل صدوقاً فإن زيادته لا تقبل، وهذا مغاير لقول من قال: زيادة الثقة مقبولة وأطلق، والله أعلم. واحتج من قبل الزيادة من الثقة مطلقاً بأن الراوي إذا كان ثقة وانفرد بالحديث من أصله كان مقبولاً، فكذلك انفراده بالزيادة، وهو احتجاج مردود، لأنه ليس كل حديث تفرد به أي ثقة كان .. يكون مقبولاً، كما سبق بيانه في نوع الشاذ. ثم إنّ الفرق بين تفرد الراوي بالحديث من أصله وبين تفرده بالزيادة ظاهر، لأن تفرده بالحديث لا يلزم منه تطرق السهو والغفلة إلى غيره من الثقات، إذ لا مخالفة في روايته لهم، بخلاف تفرده بالزيادة إذا لم يروها من هو أتقن منه حفظاً وأكثر عدداً، فالظن غالب بترجيح روايتهم على روايته، ومبنى هذا الأمر على غلبة الظن" (¬1). وقال: " إنما الزيادة التي يتوقف أهل الحديث في قبولها من غير الحافظ حيث يقع في الحديث الذي يتحد مخرجه، كمالك عن نافع عن ابن عمر - رضي الله عنه - إذا روى الحديث جماعة من الحفاظ الأثبات العارفين بحديث ذلك الشيخ، وانفرد دونهم بعض رواته بزيادة، فإنها لو كانت محفوظة لما غفل الجمهور من رواتها عنه، فتفرد واحد عنه بها دونهم مع توافر دواعيهم على الأخذ عنه، وجمع حديثه يقتضي ريبة توجب التوقف عنها " (¬2). وقال معقباً على الخطيب وابن الصلاح في إطلاق قبول الزيادة:"وهنا شيء يتعين التنبيه عليه وهو: أنهم شرطوا في الصحيح أن لا يكون شاذاً، وفسروا الشاذ بأنه ما رواه الثقة فخالفه من هو أضبط منه أو أكثر عدداً ثم قالوا: تقبل الزيادة من الثقة مطلقاً. وبنوا على ذلك أن من وصل معه زيادة فينبغي تقديم خبره على من أرسل مطلقاً. فلو اتفق أن يكون من أرسل أكثر عدداً أو أضبط حفظاً أو كتاباً على من وصل أيقبلونه أم لا؟ أم هل يسمونه شاذاً أم لا؟ لابد من الإتيان بالفرق أو الاعتراف ¬

(¬1) النكت على ابن الصلاح 2/ 690 - 691. (¬2) النكت على ابن الصلاح 2/ 692.

بالتناقض ". (¬1) وقال أيضاً:"واشتهر عن جمع العلماء القول بقبول الزيادة مطلقاً من غير تفصيل، ولا يتأتى ذلك على طريقة المحدثين الذين يشترطون في الصحيح أن لا يكون شاذاً، ثم يفسرون الشذوذ بمخالفة الثقة من هو أوثق منه والعجب ممن أغفل ذلك منهم ... ". (¬2) ومن هذا الكلام يتبين أن من شرط القبول وفق القرائن سار على منهج المتقدمين، بخلاف وقد أبعد النجعة كل من ردها مطلقاً، أو قبلها مطلقاً، وقد أوجز الإمامين المحقيقين الذهبي وابن حجر قرائن المتقدمين، فشرطا: 1 - التكافؤ في العدد. 2 - الحفظ والإتقان. 3 - عدم المنافاة. 4 - ثم بيّنا أن زيادة الواحد المنفرد على أقرانه في الشيخ نفسه، ولو كان ثقة فهو من قبيل الخطأ، إذ:"لو كانت محفوظة لما غفل الجمهور من روايتها عنه، فتفرد واحد عنه بها دونهم مع توافر دواعيهم على الأخذ عنه، وجمع حديثه يقتضي ريبة توجب التوقف عنها ".وهذه الصورة هي ما يسميها أهل المصطلح:"زيادة الثقة". وبين الذهبي أنّ الإمامين البخاري ومسلم إنما قبلا الزيادة إذا تحققت فيها هذه القرائن التي ذكراها -كما مر -. وأضاف ابن حجر في نزهة النظر:"وزيادة راويهما أي الصحيح والحسن مقبولة ما لم تقع منافية لرواية من هو أوثق ممن لم يذكر تلك الزيادة لأن الزيادة إما أن تكون لا تنافي بينها، وبين رواته ممن لم يذكرها فهذه تقبل مطلقاً لأنها في حكم الحديث المستقل الذي ينفرد به الثقة ولا يرويه عن شيخه غيره. وأما أن تكون منافية بحيث يلزم من قبولها رد الرواية الأخرى فهذه التي يقع الترجيح بينها وبين معارضها فيقبل الراجح ويرد المرجوح. واشتهر عن جمع من العلماء القول بقبول الزيادة مطلقاً من غير تفصيل، ولا يتأتى ¬

(¬1) النكت على ابن الصلاح 2/ 612. (¬2) مصدر سابق.

المطلب الرابع: قرائن قبول زيادة الثقة عند المتأخرين

ذلك على طريق المحدثين الذين يشترطون في الصحيح أن لا يكون شاذاً ثم يفسرون الشذوذ بمخالفة الثقة من هو أوثق منه. والعجب ممن غفل ذلك منهم مع اعترافه باشتراط انتفاء الشذوذ في حد الحديث الصحيح وكذا الحسن. والمنقول عن أئمة الحديث المتقدمين كعبد الرحمن بن مهدي، ويحيى القطان، وأحمد ابن حنبل، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني والبخاري وأبي زرعة، وأبي حاتم، والنسائي، والدارقطني وغيرهم - اعتبار الترجيح فيما يتعلق بالزيادة وغيرها، ولا يعرف عن أحدٍ منهم إطلاق قبول الزيادة" (¬1). فالقرائن التي ذكرها العلماء هنا تشترك بـ: 1 - عدم المخالفة، وفسروا المخالفة بتفرد الثقة عن الثقات في الشيخ نفسه، بزيادة لفظة في المتن، أو رجل في الإسناد. 2 - التكافؤ في الضبط، والعدد. وأهل هذا المذهب حينما اشترطوا هذه القرائن لم يعنوا بها زيادة الثقة بمفهوم عامة أهل المصطلح والتي هي: تفرد الثقة عن جماعة الثقات في الشيخ نفسه. وإنما عنوا بها زيادة الثقة على مفهوم المتقدمين. المطلب الرابع: قرائن قبول زيادة الثقة عند المتأخرين: سبق أن قدمنا عند عرض مذاهب المتأخرين شروطاً ذكرها علماء المصطلح من المتأخرين، حاولوا من خلالها الجمع بين أقوال الأئمة فقهاء ومحدثين، وسنجمل تلك القرائن التي شرطوها لقبول الزيادة. 1 - قرينة الحفظ والضبط: تقبل الزيادة إذا كان راويها أحفظ وأضبط ممن قصر عنها، سواء تكافأ العدد أم لا (¬2) وذهب قسم منهم إلى اشتراط التكافؤ في العدد، أمّا إذا زاد فالقول قول الأكثر إذا كانوا حفاظاً أثباتاً. 2 - قرينة العدد: إذا تعارض وصل مع إرسال أو وقف مع رفع فالمرجح هو العدد وهذا ما يعبر عنه ¬

(¬1) نزهة النظر ص 48 - 49. (¬2) انظر الأحكام ابن حزم 2/ 90، وتدريب الراوي، السيوطي 1/ 184.

ابن حجر: "والعدد الكثير أولى بالحفظ من الواحد " (¬1) شريطة الحفظ والضبط. وذهب قسم منهم إلى ترجيح الوصل والرفع مطلقاً وإليه ذهب النووي وغيره كما مر. 3 - قرينة اتحاد المجلس: إذا اختلف في حديث بزيادة في المتن أو السند يلاحظ مجلس التحديث فإن كان واحداً ردت الزيادة لقرينة العدد والضبط، وإن كان متعدداً قبلت لاحتمال رواية الحديث مرتين على الوجهين. وممن قال به ابن نصر الصباغ كما نقله عنه الحافظ ابن حجر (¬2). 4 - قرينة الرواة: فإذا زاد الثقة على أقرانه الثقات في حديث ما فإن سكت الباقون قبلت منه وإلاّ فإنها ترد، وإليه ذهب إمام الحرمين في البرهان (¬3). فإذا رواه الثقة على الوجهين مرة بالزيادة ومرة دونها لم تقبل منه، واشترط بعضهم أن يصرح كونه سمعها على الوجهين حتى تقبل. 5 - وذهب بعضهم إلى قبولها إذا كانت الزيادة ممن لم يروها ناقصة (¬4). 6 - وذهب بعضهم إلى قبولها إذا لم يكن راويها مشتهراً برواية الزيادة في الوقائع (¬5). 7 - وذهب بعضهم إلى قبولها إذا لم تشتمل على حكم شرعي، ويفصل فيما إذا اشملته (¬6). 8 - وذهب بعضهم إلى قبولها إذا لم تغير الإعراب (¬7). فهذه بعض القرائن التي اشترطها المتأخرون في قبول زيادة الراوي إذا كان ثقة (¬8)، ¬

(¬1) النكت على ابن الصلاح 2/ 688. (¬2) النكت على ابن الصلاح 2/ 693. (¬3) البرهان 1/ 664 - 665، وانظر النكت على ابن الصلاح 2/ 613. (¬4) انظر النكت 2/ 693 - 694، وتوضيح الأفكار، الصنعاني 2/ 20. (¬5) النكت 2/ 694. (¬6) مصدر سابق. (¬7) مصدر سابق. (¬8) وللمزيد انظر الحديث المرسل بين القبول والرد، حصة بنت عبد العزيز الصغير 2/ 640 فما بعد.

المطلب الخامس: التوقف في قبول الزيادة، أو ردها

وهي في عمومها قد تشكل قرائن عند المتقدمين، ولما لم يصرحوا بها فإنها تبقى محاولة ظنية لفهم منهج المتقدمين، وإن كنّا قد بينّا أن المتقدمين يطلقون زيادة الثقة على مفهوم هو خلاف ما يطلقه جمهور المتأخرين من أهل المصطلح. وهذه القرائن قد لا تجد لها واقعاً ملموساً حقيقياً إلاّ على مسودات الأوراق، أمّا في القبول والتطبيق العملي فإن المتأخرين أسرفوا في قبول الأحاديث والزيادات تحت قاعدة: " زيادة الثقة مقبولة ". وكم من أحاديث شاذة ومعللة، عللها المتقدمون، ثم خطأهم بعض المتأخرين وقبلوا تلك الأحاديث تحت هذا المسمى (¬1). ثم أين هذه القرائن في قول الإمام النووي:" الرابع: إذا روى بعض الثقات الضابطين الحديث مرسلاً، وبعضهم متصلاً أو بعضهم موقوفاً، وبعضهم مرفوعاً، أو وصله هو أو رفعه سواء كان المخالف له مثله أو أكثر، لأن ذلك زيادة ثقة وهي مقبولة " (¬2).؟ المطلب الخامس: التوقف في قبول الزيادة، أو ردها. ومن أبرز هؤلاء الحافظ ابن كثير الدمشقي (¬3) فإنه اكتفى بإيراد الأقوال، فقال:"إذا تفرد الراوي بزيادة في الحديث عن بقية الرواة عن شيخ لهم وهذا الذي يعبر عنه بزيادة الثقة فهل هي مقبولة أو لا؟ فيه خلاف مشهور فحكى الخطيب عن أكثر الفقهاء قبولها وردها أكثر المحدثين " (¬4).قلت: لم يحكم ابن كثير عليه بشيء، وان كان كلامه يحتمل ترجيح الرد. وكذا فعل السيوطي (¬5)، والصنعاني (¬6). ¬

(¬1) انظر الفصل التطبيقي لاحقاً. (¬2) التقريب بشرحه التدريب، السيوطي 1/ 184، وللمزيد انظر شرح مسلم: (1/ 74 و 3/ 17 و 45 و 4/ 11 و 6/ 214 و 7/ 18 و 41 و 10/ 43 و 178 و 11/ 204 و 17/ 179 و 18/ 13 و 27)، وغيرها. (¬3) انظر مختصر علوم الحديث بشرحه الباعث الحثيث ص 59. (¬4) مختصر علوم الحديث بشرحه الباعث الحثيث ص58. (¬5) انظر تدريب الراوي 1/ 184 - 186. (¬6) انظر توضيح الأفكار 1/ 339 - 346.

المطلب السادس: مفهوم زيادة الثقة عند الأصوليين

المطلب السادس: مفهوم زيادة الثقة عند الأصوليين: تكلم الأصوليون عن زيادة الثقات في معظم مصنفاتهم، لما لها من أهمية في المسائل التي يبحثونها، وتوسع الأصوليون كثيراً في قبول الزيادة، حتى غدا مذهبهم هو المعتمد في كثير من كتب المحدثين المتأخرين، لذا تجد أراء هم قد ملأت كتب أهل المصطلح من المتأخرين (¬1)،فرأيت من تمام البحث أن أورد أهم الأقوال التي تحدثت عن مفهوم زيادة الثقة دون أن أناقشها، لكون بحثنا هو بحث في كتب مصطلح الحديث، فكانت على ما يأتي: أولاً: عند الإمام أبي حنيفة -رحمه الله-: نقل عنه الحافظ ابن رجب ":" إنها لا تقبل " (¬2). ثانياً: عند الإمام أبي الحسين البصري (436) هـ قال: " اعلم أنه إذا روى الراوي زيادة فإما أن يكون لم يروها غيره أو لم يروها هو مرة أخرى والأول ضربان: أحدهما: أن يكون من لم يروها لا يقبل حديثه والآخر أن يقبل حديثه فالأول لا يمنع من قبول الزيادة، لأن راويها ممن تقبل روايته ولم يعارضها رواية مثلها، يبين ذلك أن الذي لا يقبل روايته لو روى نفي تلك الزيادة لم يمنع ذلك من قبول الزيادة فبأن لا يمنع تركه لذكرها أولى وإن كان الذي لم يروها تقبل روايته، فإما أن يعلم انهما أسندا الخبرين إلى مجلسين أو إلى مجلس واحد أو لا يعلم ذلك من حالهما فان علمنا أنهما أسنداه إلى مجلسين قبلت الزيادة لأنه لا معارض لها لجواز أن يقيد النبي عليه السلام كلامه في بعض الحالات دون بعض ثم هل تلك الزيادة نسخ أو تخصيص قد بين فيما سلف وإن علمنا أنهما أسنداه إلى مجلس واحد، فإما أن يكون الذي لم يرو الزيادة عدداً لا يجوز أن يغفلوا عن تلك الزيادة التي رواها الواحد وإما أن يكون الراوي لها عدداً لا يجوز عليهم توهم ما لم يكن وإما أن يجوز على كلا الفريقين ذلك ويجوز خلافه، فالأول يمنع من قبول الزيادة، لأن من لم يروها إنما لم يروها لأنها لم تكن ويكون الراوي ¬

(¬1) انظر مثلا مقدمة ابن الصلاح ص 59 ورجح هناك مذهب الأصوليين على المحدثين ‍، والنكت على ابن الصلاح، ابن حجر 2/ 693، وتوضيح الأفكار، الصنعاني 2/ 16 - 19. (¬2) شرح علل الترمذي 2/ 637.

لها قد سمعها من غير النبي - صلى الله عليه وسلم - فظن أنه سمعها منه عليه السلام وإن كان الراوي للزيادة عدداً كثيراً لا يجوز عليهم توهم ما لم يكن قبلت الزيادة لأنهم ما رووها إلا لأنها كانت وإن لم يكن الراوي لها ولا التارك لها عدداً كثيراً، فإما أن تكون الزيادة مغيرة الإعراب وبناء الكلام أو غير مغيرة لذلك بل منفصلة فالأول " ... فصارت الزيادة إنما تقبل على شروط منها أن لا يكثر عدد من لم يروها ومنها أن لا تكون مؤثرة في لفظ المزيد عليه وإعرابه أو أثرت وكان راويها أضبط ... فأما إذا خالف في لفظ الحديث حفاظ أهل النقل فقد ذكر ذلك في جملة ما يرد له الحديث وهو داخل في الزيادة وقد ذكرناه الآن لأن الخلاف ليس يقع بينهم إلا بأن يزيد أحدهم في الحديث ما لا يرويه الآخر أو يروي أحدهما اللفظ على إعراب يروي الآخر خلافه وقد تقدم بيان ذلك كله " (¬1). ثالثاً: عند أبي نصر ابن الصباغ ت (477) هـ (¬2): نقل الحافظ ابن حجر عنه أنه قال:"إن يتعدد المجلس فيعمل بهما، لأنهما كالخبرين، أو يتحد فإن كان الذي نقل الزيادة واحداً والباقون جماعة لا يجوز عليهم الوهم سقطت الزيادة، وإن كان بالعكس وكان كل من الفريقين جماعة فالقبول. وكذا إن كان كل منهما واحداً حيث يستويان، وإلاّ فرواية الضابط منهما أولى بالقبول" (¬3). رابعاً: عند إمام الحرمين أبي المعالي الجويني ت (478) هـ: قال:"الزيادة من الراوي الموثوق به مقبولة عند الشافعي وكافة المحققين ومنع أبو حنيفة التعلق بها، واستدل الشافعي بأن انفراد بعض الناقلين بالاطلاع على مزيد ليس بدعاً والناقل قاطع بالنقل فلا يعارض قطعه ذهول غيره وإذا ظهرت عدالة الراوي ولم يعارض نقله نقل يعارضه فلا يسوغ اتهام مثبت في نقله لعدم نقل غيره والدليل عليه أنه لو شهد جمع مجلس الرسول عليه السلام فنقل بعضهم حديثاً ولم ينقل غيره من الحاضرين شيئاً منه فهو مقبول ولا يسوغ تقدير الخلاف فيه فإن معظم الأحاديث التي نقلها الآحاد والأفراد عزوها إلى مشاهد لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومجالسه بين أصحابه كان كذلك ولو شرط ¬

(¬1) المعتمد، ابو الحسين2/ 128 - 132. (¬2) هو محمد بن الواحد البغدادي الشافعي فقيه توفي ببغداد سنة (477) انظر ترجمته في طبقات الشافعية 2/ 103. (¬3) النكت على ابن الصلاح 2/ 693 ولم أقف على هذا الكتاب. نقله أيضاً توضيح الأفكار 2/ 21.

نقل كل من شهد لرد معظم الأحاديث والذي يعضد ما ذكرناه أن الشهادات تبر في وجوه من التعبدات على الروايات وهي تضاهيها في أصل اعتبار الثقة ثم لو شهد جمع من العدول رجلاً وشهدوا على إقراره لإنسان وانفرد عدلان من الشهود الحضور بمزيد في شهادتهما فهي مقبولة ولا يقدح فيها سكوت الباقين عنها فإذا كان ذلك لا يقدح في الشهادات مع أنها قد ترد بالتهم فالروايات بذلك أولى ولما ذكرناه من فن القياس ولكنا أوردنا ما أوردناه استشهاداً في تحقيق الثقة. قال الشافعي: من متناقض القول الجمع بين قبول رواية القراءة الشاذة في القرآن وبين رد الزيادة التي ينفرد بها بعض الرواة الثقات مع العلم بأن سبيل إثبات القران أن ينقل استفاضة وتواتراً فما كان أصله كذلك إذا قبلت الزيادة فيه شاذة نادرة فلأن تقبل فيما سبيل نقله الآحاد كان أولى. وهذه المسألة عندي بينة إذا سكت الحاضرون عن نقل ما تفرد به بعضهم فأما إذا صرحوا بنفي ما نقله عند إمكان اطلاعهم على نقله فهذا يعارض قول المثبت ويوهيه وقد أرى قبول الشهادة على النفي إن فرض الاطلاع عليه تحقيقاً" (¬1). خامساً: عند الإمام الغزالي (505) هـ: قال: "انفراد الثقة بزيادة في الحديث عن جماعة النقلة مقبول عند الجماهير، سواء كانت الزيادة من حيث اللفظ أو من حيث المعنى لأنه لو انفرد بنقل حديث عن جميع الحفاظ لقبل، فكذلك إذا انفرد بزيادة لأن العدل لا يتهم بما أمكن فإن قيل: يبعد انفراده بالحفظ مع إصغاء الجميع قلنا: تصديق الجميع أولى إذا كان ممكناً وهو قاطع بالسماع والآخرون ما قطعوا بالنفي فلعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - ذكره في مجلسين فحيث ذكر الزيادة لم يحضر إلا الواحد أو كرر في مجلس واحد وذكر الزيادة في إحدى الكرتين ولم يحضر إلا الواحد ويحتمل أن يكون راوي النقص دخل في أثناء المجلس فلم يسمع التمام أو اشتركوا في الحضور ونسوا الزيادة إلا واحداً أو طرأ في أثناء الحديث سبب شاغل مدهش فغفل به البعض عن الإصغاء فيختص بحفظ الزيادة المقبل على الإصغاء أو عرض لبعض السامعين خاطر شاغل عن الزيادة أو عرض له مزعج يوجب قيامه قبل التمام فإذا احتمل ذلك فلا ¬

(¬1) البرهان في أصول الفقه 1/ 425 - 426.وانظر الابهاج، السبكي 2/ 141.

يكذب العدل ما أمكن " (¬1). سادساً: عند ابن قدامة المقدسي ت (620) هـ: قال في روضة الناظر:"انفراد الثقة في الحديث بزيادة مقبول سواء كانت لفظاً أو معنى لأنه لو انفرد بحديث لقبل فكذلك إذا انفرد بزيادة وغير ممتنع أن ينفرد بحفظ الزيادة إذ أن المحتمل أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر ذلك في مجلسين وذكر الزيادة في أحدهما ولم يحضرها الناقص ويحتمل أن راوي الناقص دخل أثناء المجلس أو عرض له في أثنائه ما يزعجه أو ما يدهشه عن الإصغاء أو ما يوجب له القيام قبل التمام أو سمع الكل ونسي الزيادة والراوي للتمام عدل جازم بالرواية فلا نكذبه مع إمكان تصديقه فإن علم أن السماع كان في مجلس واحد فقال أبو الخطاب: يقدم قول الأكثرين وذوي الضبط فإن تساووا في الحفظ والضبط قدم قول المثبت وقال القاضي: إذا تساووا فعلى روايتين " (¬2). سابعاً: عند الآمدي (631) هـ: "إذا روى جماعة من الثقات حديثاً وانفرد واحد منهم بزيادة في الحديث لا تخالف المزيد عليه، كما لو روى جماعة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل البيت وانفرد واحد منهم بزيادة فقال دخل البيت وصلى فلا يخلو إما أن يكون مجلس الرواية مختلفاً بأن يكون المنفرد بالزيادة روايته عن مجلس غير مجلس الباقين أو أن مجلس الرواية متحد أو يجهل الأمران: فإن كان المجلس مختلفاً فلا نعرف خلافاً في قبول الزيادة لاحتمال أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - قد فعل الزيادة في أحد المجلسين دون الآخر والراوي عدل ثقة ولم يوجد ما يقدح في روايته فكانت روايته مقبولة ولهذا فإنه لو روى حديثاً لم ينقله غيره مع عدم حضوره لم يقدح ذلك في روايته وكذلك لو شهد اثنان على شخص بألفي درهم لزيد في مجلس وشهدت بينة أخرى عليه في مجلس آخر بألف لا يكون ذلك قادحاً في الألف الزائدة مع أن باب الشهادة أضيق من باب الرواية كما قررنا وأما إن اتحد المجلس فإن كان من لم يرو الزيادة قد انتهوا إلى عدد لا يتصور في ¬

(¬1) المستصفى ص 133. (¬2) روضة الناظر ص124، وانظر الكافي في فقه ابن حنبل، ابن قدامة 1/ 405 و 3/ 284 والمغني، ابن قدامة 1/ 251 و 324 وانظر مذكرة أصول الفقه على روضة الناظر، الشنقيطي ص 134.

العادة غفلة مثلهم عن سماع تلك الزيادة وفهمها فلا يخفى أن تطرق الغلط والسهو إلى الواحد فيما نقله من الزيادة يكون أولى من تطرق ذلك إلى العدد المفروض فيجب ردها وإن لم ينتهوا إلى هذا الحد فقد اتفق جماعة الفقهاء والمتكلمين على وجوب قبول الزيادة خلافاً لجماعة من المحدثين ولأحمد بن حنبل في إحدى الروايتين عنه، ودليل ذلك أن الراوي عدل ثقة وقد جزم بالرواية وعدم نقل الغير لها فلاحتمال أن يكون من لم ينقل الزيادة قد دخل في أثناء المجلس وسمع بعض الحديث أو خرج في أثناء المجلس لطارىء أوجب له الخروج قبل سماع الزيادة، وبتقدير أن يكون حاضراً من أول المجلس إلى آخره فلاحتمال أن يكون قد طرأ ما شغله عن سماع الزيادة وفهمها من سهو أو ألم أو جوع أو عطش مفرط أو فكرة في أمر مهم أو اشتغال بحديث مع غيره والتفات إليه أو أنه نسيها بعد ما سمعها ومع تطرق هذه الاحتمالات وجزم العدل بالرواية لا يكون عدم نقل غيره للزيادة قادحاً في روايته " (¬1). ثامناً: عند كمال الدين بن الزملكاني (¬2): نقل عنه الحافظ العلائي أنه قال:" الوصل في السند زيادة من الثقة فتقبل وأنّ الرفع زيادة في المتن فتكون علة وتقرير ذلك أن المتن إنما هو قول النبي - صلى الله عليه وسلم - فإذا كان قول صحابي فليس بمرفوع فصار منافياً له لأن دونه من قول الصحابي فليس بمرفوع فصار كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - وأما الموصول والمرسل فكل منهما موافق للآخر في كونه من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال الحافظ العلائي:"وهذه التفرقة قد تقوى في بعض الصور أكثر من بعض فأما إذا كان الخلاف في الوقف والرفع على الصحابي بأن يرويه عنه تابعي مرفوعاً، ويوقفه عليه تابعي آخر لم يتجه هذا البحث لاحتمال أن يكون حين وقفه أفتى بذلك الحكم وحين رفعه رواه إلا أن يتبين أنهما مما سمعاه منه في مجلس واحد فيفزع حينئذٍ إلى الترجيح" (¬3). تاسعاً: عند الإمام السبكي ت (756) هـ: قال:" إذ زاد أحد الرواة وتعدد المجلس قبلت وكذا إذا اتحد وجاز الذهول عن الباقين ولم يغير إعراب الباقي وإن لم يجر الذهول لم يقبل وإن غير الإعراب مثل في أربعين شاة شاة أو نصف شاة طلب الترجيح فإن زاد مرة وحذف أخرى فالاعتبار بكثرة ¬

(¬1) الأحكام 2/ 120 - 123، وانظر الإبهاج، السبكي 2/ 346، والنكت على ابن الصلاح، ابن حجر 2/ 694. (¬2) هو شيخ الحافظ العلائي انظر ذيل تذكرة الحفاظ، أبو المحاسن الحسيني ص 360. (¬3) نقله عنه ابن حجر في النكت على ابن الصلاح 2/ 695 - 696، ولم أقف عليه في مراسيل العلائي.

المرات، والروايتان فصاعداً إذا اتفقا على رواية خبر وانفرد أحدهما بزيادة فإما أن يكون المجلس متعدداً أو متحداً، فإن كان متغايراً قبلت الزيادة إذ لا امتناع في ذكره - صلى الله عليه وسلم - الكلام في أحد المجلسين بدون زيادة وفي الآخر بها والراوي مقبول القول وإن كان المجلس متحدا فالذين لم يرووا الزيادة، إما أن يكونوا عدداً لا يجوز أن يذهلوا عما يضبطه الواحد أو ليسوا كذلك فإن كان الأول لم يقبل الزيادة ". (¬1) عاشراً: عند الشنقيطي: قال: " واعلم أن التحقيق في هذه المسألة أن فيها تفصيلاً لأنها واسطة وطرفان، طرف لا تقبل فيه الزيادة على التحقيق وهو ما إذا كانت الزيادة مخالفة لرواية الثقات الضابطين لأنها يحكم عليها حينئذ بالشذوذ فترد وطرف تقبل فيه الزيادة بلا خوف وهو إذا تفرد ثقة بجملة حديث لا تعرض فيه لما رواه بمخالفة أصلاً. حكى الإجماع على قبول هذا الطرف الخطيب، وواسطة هي محل الخلاف وهو زيادة لفظة في حديث لم يذكرها غير من زاد من رواة ذلك الحديث كحديث حذيفة: ((وجعلت لنا الأرض مسجداً وطهوراً)) ... فالظاهر بثبوت هذه الزيادة وإن لم تكن في جميع طرقها" (¬2). وقال:"التحقيق أن الرفع والوصل من نوع الزيادة فلو روى بعض الرواة حديثاً موقوفاً ورواه ثقة آخر مرفوعاً أو رواه بعض الرواة مرسلاً ورواه آخر موصولاً فذلك الرفع وذلك الوصل يقبل لأنه من زيادة الثقات وهي مقبولة، ولا تكون الطريق الموقوفة أو المرسلة علة في الطريق المرفوعة أو الموصولة خلافاً لمن زعم ذلك " (¬3). فالخلاصة أن جمهور الأصوليين من المتأخرين قبلوا الزيادة، وقدموها على من تركها، وهذا وفق القاعدة الأصولية:"من حفظ حجة على من لم يحفظ"،وهو الذي نص عليه ابن الصلاح (¬4). ¬

(¬1) الإبهاج في شرح المنهاج 2/ 346. (¬2) مذكرة أصول الفقه ص135. (¬3) مذكرة أصول الفقه ص136 - 137. (¬4) انظر مقدمة ابن الصلاح ص59.

المبحث الثالث: مفهوم زيادة الثقة عند المتقدمين

المبحث الثالث: مفهوم زيادة الثقة عند المتقدمين: المطلب الأول: مذهب الإمام يحيى بن معين: لم أقف على قول صريح يقبل فيه الإمام يحيى بن معين زيادة الثقة، أو يردها كما عرّفها أهل المصطلح، بل يدلل صنيعه على عدم قبولها إلا بشروطها المعتبرة، كما سنبينها، وهو مذهب الأئمة المتقدمين، فمثلا: رد زيادة يحيى بن آدم وهو ثقة (¬1) في زيادة رفع في حديث" إذا أجمرتم الميت فأوتروا " (¬2)، فقال: " لم يرفعه إلا يحيى بن آدم .. ولا أظن هذا الحديث إلا غلطا " (¬3). قال النووي: " وكأن ابن معين بناه على قول بعض المحدثين أن الحديث إذا روي مرفوعاً، وموقوفاً فالحكم للوقف، والصحيح أن الحكم للرفع، لأنه زيادة ثقة، ولا شك في ثقة يحيى بن آدم " (¬4). قلت: لم يقل أحد من المحدثين أن الحديث إذا جاء موقوفاً ومرفوعاً فالحكم للوقف، بل درسوا ذلك واصدروا الأحكام. المطلب الثاني: مذهب الإمام الشافعي: قال الشافعي رحمه الله: " إنما يغلط الرجل بخلاف من هو أحفظ منه أو بأن يأتي بشيء يشركه فيه من لم يحفظ منه ما حفظ وهم عدد " (¬5). وقد ذكر الشافعي-هذا في مواضع، وكثيرا ما قال: العدد أولى بالحفظ من الواحد" (¬6). ونقل البيهقي مناظرة بين الإمام الشافعي وغيره في قضية تعارض الرفع والوقف، فقال: " أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، أنبأ الربيع قال: ¬

(¬1) التقريب (7496). (¬2) أخرجه ابن حبان 7/ 301 (3031)، والبيهقي 3/ 405. (¬3) نقله البيهقي في السنن 3/ 405. (¬4) نصب الراية، الزيلعي 2/ 264. (¬5) الأم 8/ 563، وانظر النكت على ابن الصلاح2/ 688. (¬6) اختلاف الحديث، الشافعي ص177، وانظر النكت 2/ 688.

قال الشافعي لبعض من يناظره، وللمناظرة موضع مع ثبوت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بطرح الإستسعاء في حديث نافع عن ابن عمر أنه قال، وأنا نقول: إن أيوب قال، وربما قال نافع: فقد عتق منه ما عتق، وربما لم يقله، قال: وأكبر ظني أنه شيء كان يقوله نافع برأيه، قال الشافعي رحمه الله: فقلت له: لا أحسب عالما بالحديث ورواته يشك في أن مالكا أحفظ لحديث نافع من أيوب لأنه كان ألزم له من أيوب ولمالك فضل حفظ الحديث أصحابه خاصة ولو استويا في الحفظ فشك أحدهما في شيء لم يشك فيه صاحبه لم يكن في هذا موضع لأن يغلط به الذي لم يشك، إنما يغلط الرجل بخلاف من هو أحفظ منه أو يأتي بشيء في الحديث يشركه فيه من لم يحفظ منه ما حفظ منه هم عدد وهو منفرد وقد وافق مالكا في زيادة وإلا فقد عتق منه ما عتق يعني غيره قال وزاد فيه بعضهم ورق منه ما رق قال الشيخ رحمه الله أما حديث أيوب فقد ذكرناه فيما مضى ... . - قال البيهقي -: وأخبرنا أبو عمرو الأديب قال: أنبأ أبو بكر الإسماعيلي قال: أخبرني أبو يعلى قال: حدثنا أبو الربيع قال: حدثنا حماد قال: حدثنا أيوب عن نافع عن بن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... " من أعتق نصيبا من عبد أو شركا كان له في عبد فكان له من المال ما يبلغ ثمنه بقيمة العدل فهو عتيق قال فلا أدري أهو في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أو شيء قاله نافع وإلا فقد عتق منه ما عتق أخرجاه في الصحيح هكذا وفي دلالة ظاهرة على أنه كان يشك فيه ومالك بن أنس رحمه الله أثبته عن الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فالحكم له دونه وأما فضل حفظ مالك فهو عند جماعة أهل الحديث كما قال الشافعي رحمه الله " (¬1). ففي هذا النص فوائد عدة: إذ بين الإمام الشافعي منهجيته في قبول الزيادة، أو ردها، فإذا كانت الزيادة بين راويين ثقتين أحدهما يزيدها، والآخر يتركها قبلت، لأنه: لم يكن في هذا موضع لأن يغلط به الذي لم يشك، وكذا إذا توبع صاحب الزيادة، وأما إذا روى جماعة حديثاًعلى وجه ثم زاد عليهم ثقة واحد منفرد لم يقبل منه لأنه يكون قد أخطأ فيه، وهذا النوع الثاني المردود هو الذي يسميه عامة أهل المصطلح: زيادة ثقة! قال الحافظ ابن حجر: "فأشار إلى أنّ الزيادة متى تضمنت مخالفة الأحفظ أو الأكثر ¬

(¬1) سنن البيهقي 10/ 278.

عددا أنها تكون مردودة" (¬1). ثم قال: "ونقل الماوردي عن مذهب الشافعي في مسألة الوقف والرفع؟ الوقف يحمل على أنه رأي الراوي، والمسند على أنه روايته. قلت -ابن حجر-: ويختص هذا بأحاديث الأحكام أما ما لا مجال للرأي فيه فيحتاج إلى نظر. وما نقله الماوردي عن مذهب الشافعي قد جزم به أبو الفرج بن الجوزي وأبو الحسن ابن القطان وزاد: أن الرفع يترجح بأمر آخر وهو تجويز أن يكون الواقف قد قصر في حفظه أو شك في رفعه قلت-ابن حجر-:وهذا غير ما فرضناه في أصل المسألة-والله أعلم- ثم إنه يقابل بمثله فيترجح الوقف بتجويز أن يكون الرافع تبع العادة وسلك الجادة " (¬2). قلت: قد بان بطلان هذه النسبة إلى الإمام الشافعي مما مر من قوله الصريح، أما عن توجيه الحافظ ابن حجر كونه يختص بأحاديث الأحكام لا يسلم له، إذ لا وجه لهذا التخصيص. وأما عن قوله "ثم انه يقابل بمثله فيترجح الوقف: بتجويز أن يكون الرافع تبع العادة وسالك الجادة " فمراده: أن القائلين بترجيح الوصل على الإرسال يحتجون بأن المرسل قد يكون سها أو غفل عن وصله فأجابهم الحافظ ابن حجر: وهذا يقابل بمثله في المتصل فقد يكون وهم فيه الراوي المتصل فاعتقد أنه موصول على العادة والجادة المسلوكة من قبل الراوي فيعتقد مثلاً أنه مادام في العادة عكرمة عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فانه يصل رواية عكرمة المرسلة باعتبار العادة، وحينئذ تترجح المرسلة؟ وهو جواب عظيم. ثم قال الحافظ ابن حجر: " وأعجب من ذلك إطلاق كثير من الشافعية القول بقبول زيادة الثقة، مع أن نص الشافعي يدل على غير ذلك؛ فإنه قال في أثناء كلامه على ما يعتبر به حال الراوي في الضبط ما نصه: " ويكون إذا أشرك أحدا من الحفاظ لم يخالفه، فإن خالفه فوجد حديثه أنقص كان في ذلك دليل على صحة مخرج حديثه، ومتى خالف ما وصفت أضر ذلك بحديثه! " (¬3)،- ثم عقّب بقوله - : " ومقتضاه إنه إذا خالف فوجد حديثه أزيد أضر ذلك بحديثه، فدل على أن زيادة العدل عنده لا يلزم قبولها مطلقاً، وإنما ¬

(¬1) النكت على ابن الصلاح 2/ 688. (¬2) النكت على ابن الصلاح 2/ 610. (¬3) هكذا النص في النكت، وهو في الرسالة ص 463 - 464: باختلاف لفظي يسير.

المطلب الثالث: مذهب الإمام أحمد بن حنبل

تقبل من الحافظ، فإنه اعتبر أن يكون حديثه هذا المخالف أنقص من حديث من خالفه من الحفاظ، وجعل نقصان هذا الراوي من الحديث دليلاً على صحته؛ لأنه يدل على تحريه، وجعل ما عدا ذلك مضرا بحديثه، فدخلت فيه الزيادة، فلو كانت مقبولة مطلقا لم تكن مضرة بحديث صاحبها " (¬1). وبين الحافظ العراقي مذهب الإمام الشافعي بقوله: "وقد أعل الشافعي رواية قد خالف مالكاً فيها سبعة أو ثمانية لقيهم هو، يعني منهم سفيان بن عيينة والدراوردي والثقفي قال: والعدد الكثير أولى بالحفظ من واحد " (¬2). وقد وقفت على كلام نفيس للحافظ ابن رجب إذ قال:" وفي حكاية ذلك عن الشافعي نظر فانه قال في الشاذ: هو أن يروي ما يخالف الثقات. وهذا يدل على أن الثقة إذا انفرد عن الثقات بشيء انه يكون ما انفرد به شاذا غير مقبول " (¬3). وهذا يعني أن التفرد عند الشافعي إذا كان يخالف أقرانه في زيادة لفظة أو رجل فأن ذلك يعني أنّ حديثه شاذ، خطأً، كما صرح هو بذلك. فالخلاصة: أنّ الإمام الشافعي يقبل زيادة الثقة إذا كانت متكافئة، راوٍ واحد أمام واحد، أو جماعة أمام جماعة، أما إذا انفرد راوٍ واحد عن جماعة الثقات فهذا يعد شاذاً خطأً. المطلب الثالث: مذهب الإمام أحمد بن حنبل: جاءت الروايات متناقضة في مذهب الإمام أحمد -رحمه الله- في قبول الزيادة أو ردها، ولم ينقل نص صريح عن الإمام في قبول الزيادة إلا ما جاء استنتاجاً يستنتجه المتتبع لصنيعه في الأحاديث وأحكامه على الأسانيد. يقول الحافظ ابن رجب: " وأما أصحابنا الفقهاء: فذكروا في كتب أصول الفقه في هذه المسألة روايتين عن أحمد: بالقبول مطلقاً، وعدمه مطلقاً، ولم يذكروا نصاً له بالقبول مطلقاً مع انهم رجحوا هذا القول، ولم يذكروا به نصاً عن أحمد، وإنما اعتمدوا على كلام له، لا يدل على ذلك مثل قوله في فوات الحج: جاء فيه روايتان أحدهما: فيه زيادة دم، ¬

(¬1) نزهة النظر ص 50. (¬2) الأمالي العراقية ص55، بتصرف يسير في أوله. (¬3) شرح العلل 2/ 637.

المطلب الرابع: مذهب الإمام البخاري

قال: والزائد أولى أن يؤخذ، وهذا ليس مما نحن فيه فإن مراده أن الصحابة روى بعضهم فيمن يفوته الحج عليه القضاء مع الدم، فأخذ بقبول من زاد الدم فإذا روي حديثان مستقلان في حادثه وفي أحدهما زيادة فإنها تقبل من الثقة كما لو تفرد الثقة بأصل الحديث وليس هذا من باب زيادة الثقة، ولا سيما إذا كان الحديثان موقوفين عن صحابيين وإنما قد يكون أحياناً من باب المطلق والمقيد. وأما مسألة زيادة الثقة التي نتكلم فيها ههنا فصورتها: أن يروي جماعة حديثاً واحداً بإسناد واحد، ومتن واحد فيزيد بعض الرواة فيه زيادة، لم يذكرها بقية الرواة " (¬1). أقول: توقف الإمام أحمد في زيادة الإمام مالك: " من المسلمين"، لما ظن أن الإمام مالك قد تفرد بها ولم يتابع حيث قال: " كنت أتهيب حديث مالك " من المسلمين "، يعني حتى وجده من حديث (العمريين) (¬2) قيل له: أمحفوظ هو عندك من المسلمين؟ قال: نعم " (¬3). قال إبن رجب: " وهذه الرواية تدل على توقفه في زيادة واحد من الثقات ولو كان مثل مالك حتى يتابع على تلك الزيادة وتدل على أن متابعة مثل العمري لمالك مما يقوي رواية مالك ويزيل عن حديثه الشذوذ والإنكار " (¬4). وهذا أوضح مثال كون الإمام أحمد لا يقبل الزيادة ولو كانت من مثل مالك حتى يتابع!. المطلب الرابع: مذهب الإمام البخاري: لم يصرح الإمام البخاري في مصنفاته (¬5) حول قضية قبول الزيادة أو عدمه، خلا ما نقل عنه بعض المتأخرين من القول بقبولها؟ قال الخطيب البغدادي في الكفاية: " أخبرني محمد بن أحمد بن يعقوب قال: أنبأنا ¬

(¬1) شرح علل الترمذي 2/ 635. (¬2) هما عبد الله وأخوه عبيد الله ابنا عمر بن حفص العمري، والحق أن المتابعين لمالك في هذا الحديث كثر كما سيأتي بيانه. (¬3) شرح علل الترمذي، ابن رجب 2/ 632. (¬4) مصدر سابق. (¬5) أقول: أعني على مفهوم المتأخرين.

محمد بن نعيم الضبي قال: سمعت أبا إسحاق: إبراهيم بن محمد بن يحيى يقول: سمعت محمد بن هارون المكي يقول: سمعت محمد بن إسماعيل البخاري، وسئل عن حديث إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبيه عن - صلى الله عليه وسلم - قال: لا نكاح إلا بولي؟ فقال: الزيادة من الثقة مقبولة وإسرائيل بن يونس ثقة، وأن كان شعبة والثوري أرسلاه فانّ ذلك لا يضر الحديث " (¬1). فهذا الحديث جاء مرة متصلاً ومرة مرسلاً، قال الترمذي: " ورواية هؤلاء الذين رووا عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي - صلى الله عليه وسلم -:" لا نكاح لا بولي "، عندي أصح لأن سماعهم من أبي إسحاق في أوقات مختلفة، وإن كان شعبة والثوري أحفظ وأثبت من جميع هؤلاء الذين رووا عن أبي إسحاق هذا الحديث فإن رواية هؤلاء عندي أشبه لأن شعبة والثوري سمعا هذا الحديث من أبي إسحاق في مجلس واحد، ومما يدل على ذلك ما حدثنا محمود بن غيلان قال حدثنا أبو داود، قال: أنبأنا شعبة قال: سمعت سفيان الثوري يسأل أبا إسحاق أسمعت أبا بردة يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا نكاح لا بولي؟ فقال: نعم "، فدل هذا الحديث على أن سماع شعبة والثوري عن مكحول هذا الحديث في وقت واحد " (¬2). وهذا يعني: أن شعبة رواه بالسماع على أبي إسحاق بقراءة سفيان (¬3). وأما من رواه متصلاً فهم: (شريك بن عبد الله، وأبو عوانة وزيد بن الحباب عن يونس عن أبي إسحاق وإسرائيل بن يونس، وقيس بن الربيع) (¬4). والظاهر انهم سمعوه في مجالس متعددة (¬5). فتبين مما تقدم أن هذه ليست زيادة ثقة كالتي في كتب المصطلح، موضوع ¬

(¬1) الكفاية ص413، وانظر تدريب الراوي 1/ 184. (¬2) جامع الترمذي حديث (1101و 1102). (¬3) انظر تدريب الراوي 1/ 184 - 185، وقد زعم السيوطي أن الطيالسي أخرج سؤال حوار شعبة مع سفيان ولم أقف عليه في المطبوع بل أخرجه من طريق أبي عوانة عن أبي اسحاق فحسب انظر المسند (523). (¬4) انظر جامع الترمذي حديث (1101و 1102)، وشرح علل الترمذي، ابن رجب 2/ 636. والكفاية، الخطيب ص411. (¬5) انظر شرح علل الترمذي2/ 636.

دراستنا، بل هذه من باب مختلف الحديث. قال الحافظ ابن حجر: " الاستدلال بأن الحكم للواصل دائماً على العموم من صنيع البخاري في هذا الحديث الخاص ليس بمستقيم لأن البخاري لم يحكم فيه بالاتصال من أجل كون الوصل زيادة، وإنما حكم له بالاتصال لمعان أخرى رجحت عنده حكم الموصول، منها: أن يونس بن أبي إسحاق وابنيه إسرائيل وعيسى رووه عن أبي إسحاق موصولاً، ولا شك أن آل الرجل أخص من غيرهم. ووافقهم على ذلك أبو عوانة وشريك النخعي وزهير بن معاوية وتمام العشرة من أصحاب أبي إسحاق، مع اختلاف مجالسهم في الأخذ عنه وسماعهم إياه من لفظه. وأما رواية من أرسله وهما شعبة وسفيان، فإنما أخذاه عن أبي إسحاق في مجلس واحد ... . فشعبة وسفيان إنما أخذاه معاً في مجلس عرضاً-كما ترى- ولا يخفى رجحان ما أخذ من لفظ المحدث في مجالس متعددة على ما أخذ عنه عرضاً في محل واحد. هذا إذا قلنا: حفظ سفيان وشعبة في مقابل عدد الآخرين مع أن الشافعي - رضي الله عنه - يقول: " العدد الكثير أولى بالحفظ من الواحد ". فتبين أن ترجيح البخاري لوصل هذا الحديث على إرساله لم يكن لمجرد أن الواصل معه زيادة ليست مع المرسل بل بما يظهر من قرائن الترجيح ويزيد ذلك ظهوراً تقديمه الإرسال في مواضع أخر ". (¬1) والذي يبدو لي والله أعلم أن هذا المثال لا يصح للتمثيل به في قضية زيادة الثقة لأن الذين وصلوه أكثر عدداً، وأن شعبة وسفيان لم يخطئا به وكذا من وصله فكلهم سمعوه من أبي إسحاق، فقد يكون أبو إسحاق رواه مرة مرسلاً ومرة مرفوعاً أو يكون سمعه هكذا من أبي بردة فانه متكلم في سماع أبي بردة من أبيه؟ والذي يهمنا هنا أن هذا حتى ولو ثبتت نسبته إلى البخاري فانه لا يعني في كل تعارض بين الأحاديث ناهيك عن صنيعه في تاريخه ومصنفاته الأخرى من إعلال الموصول بالمرسل (¬2). قال إبن رجب:" وهذه الحكاية إن صحت فإنما مراده الزيادة في هذا الحديث. ¬

(¬1) النكت على ابن الصلاح 2/ 606 - 607، وانظر تدريب الراوي، السيوطي 184 - 185. (¬2) انظر النكت على ابن الصلاح2/ 607.

المطلب الخامس: مذهب الإمام مسلم

وإلا فمن تأمل كتاب تأريخ البخاري تبين له قطعا أنه لم يكن يرى أن زيادة كل ثقة في الإسناد مقبولة " (¬1). وقال الحافظ ابن حجر: " إن البخاري ليس له عمل مطرد في قبول الزيادة أو ردها بل يصوب الإرسال أحياناً لقرينة تظهر له، ويصوب الاتصال أحياناً أخرى حسب القرينة " (¬2). قلت: وهذا كلام جيد صحيح، وسيتبين لنا الأمر في الفصل التطبيقي لاحقا إن شاء الله تعالى. المطلب الخامس: مذهب الإمام مسلم. قال في صحيحه: "حكم أهل العلم والذي نعرف من مذهبهم في قبول ما يتفرد به المحدث أن يكون قد شارك الثقات من أهل العلم والحفظ في بعض ما رووا وأمعن في ذلك على الموافقة فإذا وجد كذلك ثم زاد بعد ذلك شيئاً ليس عند أصحابه قبلت زيادته، فأما من تراه يعمد لمثل الزهري في جلالته وكثرة أصحابه الحفاظ المتقنين لحديثه وحديث غيره أو لمثل هشام بن عروة وحديثهما عند أهل العلم مبسوط مشترك قد نقل أصحابها عنهما حديثهما على الاتفاق منهم في أكثره، فيروي عنهما أو عن أحدهما العدد من الحديث، مما لا يعرفه أحد من أصحابهما، وليس ممن قد شاركهم في الصحيح مما عندهم فغير جائز قبول حديث هذا الضرب من الناس والله أعلم " (¬3). وقال في التمييز: " والزيادة في الأخبار لا تلزم إلا عن الحفاظ الذين لم يكثر عليهم الوهم في حفظهم " (¬4). ووضع أول باب في التمييز يتعلق بحيثية مهمة في الزيادة، وهي التفرد والمخالفة فقال:" السمة التي تعرف بها خطأ المخطئ في الحديث وصواب غيره إذا أصاب ". ثم ذكر لنا وجهتين: إحداهما: أن ينقل الناقل حديثاً بإسناد فينسب رجلاً مشهوراً ينسب في إسناد خبره خلاف نسبته التي هي نسبته .... إلى أنْ قال: " والجهة الأخرى: ¬

(¬1) شرح علل الترمذي 2/ 638. (¬2) النكت على ابن الصلاح 2/ 609. (¬3) مقدمة ابن الصلاح 1/ 7، وانظر شرح مسلم، النووي 1/ 58. (¬4) التمييز ص 189، وانظر شرح علل الترمذي، ابن رجب 2/ 642.

أن يروي نفر من حفاظ الناس: حدثنا عن مثل الزهري أو غيره من الأئمة بإسناد واحد ومتن واحد مجتمعون على روايته في الإسناد والمتن لا يختلفون فيه في معنى، فيرويه آخر سواهم عمّن حدّث عنه النفر الذين وصفناهم بعينه، فيخالفهم في الإسناد أو يقلب المتن فيجعله بخلاف ما حكي مَنْ وصفنا من الحفاظ فيعلم حينئذٍ أن الصحيح من الروايتين ما حدّث الجماعة من الحفاظ دون الواحد المنفرد وإن كان حافظاً، على هذا المذهب رأينا أهل العلم بالحديث يحكمون في الحديث مثل شعبة وسفيان بن عيينة، ويحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي وغيرهم من أئمة أهل العلم، وسنذكر من مذاهبهم وأقوالهم في حفظ الحفاظ وخطأ المحدثين في الروايات ما يستدل به على تحقيق ما فسرت لك " (¬1). وهذا هو مذهب المتقدمين كما قال الإمام مسلم فهم يقضون برواية الجماعة على الواحد وعندهم: العدد الكثير أولى بالحفظ من الواحد، إذ في العدد الكثير تقل احتمالية نسبة الخطأ إليهم، بخلاف الواحد وإنْ كان حافظاً فاحتمالية الخطأ والوهم واردة منه. ولعل أحدهم يورد شبهة أنْ كلام الإمام مسلم هنا لا يعني الزيادة والتي مرادها تفرد راوٍ واحد عن الجماعة - إذا كانوا ثقات - في نفس الشيخ بزيادة في السند أو المتن. فأقول: قد يشمل النص السابق للإمام مفهوم كل مخالفة ولكنّ الزيادة تدخل في معنى كلامه جزماً، إذ قد انطبق ذلك في أمثلة، وعَدَ الإمام مسلم بإيرادها في تتمة النص: " وسنذكر من مذاهبهم وأقوالهم ... ". ثم أورد تلكم الأمثلة فمنها:- ردَّ زيادة الإمام مالك - على جلالة قدره وحفظه - في حديث (105)، بوبه فقال:" ذكر حديث وهم مالك بن أنس في إسناده ". -ثم قال-: " حدثنا مسلم قال: حدثنا قتيبة قال: حدثنا مالك عن هشام عن أبيه أنه سمع عبد الله بن عامر بن ربيعة يقول:" صلينا وراء عمر بن الخطاب الصبح فقرأ سورة يوسف وسورة الحج قراءة بطيئة، فقلت: إذن والله كان يقوم حين يطلع الفجر، قال أجل". سمعت مسلماً يقول: فخالف أصحاب هشام هلم جرا مالكاً في هذا الإسناد، في هذا الحديث. (106) أبو أسامة عن هشام قال: أخبرني عبد الله بن عامر بن ربيعة قال:" صليت خلف عمر فقرأ سورة الحج وسورة ¬

(¬1) التمييز ص170 - 172 بتصرف.

المطلب السادس: مذهب الإمام الترمذي

يوسف قراءة بطيئة ". وكيع عن هشام أخبرني عبد الله بن عامر، وحاتم عن هشام عن عبد الله بن عامر قال:" صلى بنا عمر ". سمعت مسلماً يقول: فهؤلاء عدة من أصحاب هشام كلهم قد أجمعوا في هذا الإسناد على خلاف مالك، والصواب ما قالوا دون ما قال مالك يتلوه مالك بإسناده " (¬1). أقول: زاد الإمام مالك بن أنس: كلمة " الصبح "، فانفرد بها عن بقية الرواة فصوب الإمام مسلم رواية الجماعة ووهمه. فلو كان الإمام مسلم يقول بالزيادة فلماذا ردها من الإمام مالك، وسيأتي مزيد كلام عليه في الفصل التطبيقي. المطلب السادس: مذهب الإمام الترمذي. قال: " ورب حديث إنما يستغرب لزيادة تكون في الحديث وإنما يصح إذا كانت الزيادة ممن يعتمد على حفظه مثل ما روى مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر قال: " فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين صاعا من تمر أو صاعا من شعير". قال وزاد مالك في هذا الحديث من المسلمين وروى أيوب السختياني وعبيد الله بن عمر وغير واحد من الأئمة هذا الحديث عن نافع عن ابن عمر ولم يذكروا فيه من المسلمين وقد روى بعضهم عن نافع مثل رواية مالك ممن لا يعتمد على حفظه وقد أخذ غير واحد من الأئمة بحديث مالك واحتجوا به منهم الشافعي وأحمد بن حنبل قالا: إذا كان للرجل عبيد غير مسلمين لم يؤد عنهم صدقة الفطر واحتجا بحديث مالك فإذا زاد حافظ ممن يعتمد على حفظه قبل ذلك عنه ورب حديث يروى من أوجه كثيرة وإنما يستغرب لحال الإسناد " (¬2). أقول: رغم أن الكثير من بعض أهل المصطلح فهموا من سياق كلام الترمذي -آنفاً- أنه يتحدث عن زيادة الثقة بالمفهوم الذي نعنيه اليوم بيد أني أرى أن الترمذي لا يتحدث عن هذه الزيادة والله أعلم-، وهي: " أن يروي جماعة حديثاً واحداً بإسناد واحد فيزيد بعض الرواة فيه زيادة لم يذكرها بقية الرواة " (¬3). ¬

(¬1) التمييز ص 220. (¬2) العلل في آخر الجامع 5/ 712. (¬3) شرح علل الترمذي، ابن رجب 2/ 635.

وهذا يعني أنه لو زاد ثلاثة رواة زيادة على مجموعة أخرى فهذه ليست زيادة وإنما الزيادة هي أن يروي جماعة حديثاً واحداً بسند واحدٍ ثم يأتي آخر فيرويه بنفس السند ولكنه يزيد عليهم رجلاً آخر أو يصل ما أرسلوه أو يرفع ما وقفوه أو يزيد كلمة أو جملة في المتن لم يذكروها. وليس الأمر هكذا عند الترمذي في المثال الذي مثل به، وإنما أراد أن يضرب مثلاً على معنى الغريب الذي ذكره في مصنفه هذا (الجامع). فقال: " وما ذكرنا في هذا الكتاب: -حديث غريب- فإن أهل الحديث يستغربون الحديث لمعان: -رب حديث يكون غريباً لا يروى إلا من وجه واحد مثل ما روى حماد بن سلمة ... . ورب حديث إنما يستغرب لزيادة تكون في الحديث ... ". (¬1). وإلا فهذا الحديث ليس فيه زيادة ثقة البتة، قال النووي: " لا يصح التمثيل به فقد وافق مالكاً عمر بن نافع، والضحاك بن عثمان " (¬2). وقال الحافظ العراقي: وعلى تقدير عدم الورود من هذه الحيثية، فيرد عليه -أي ابن الصلاح- من جهة تعبيره لعبارة الترمذي، لأن الترمذي لم يطلق تفرد مالك به (¬3). وهنا إشكال: هو أن ابن الصلاح قوّل الترمذي بالزيادة ونسبها إليه، فرد عليه النووي: لا يصح التمثيل به، ثم رد الحافظ العراقي كون هذا مراد الترمذي. وقد وجه هذا الخلاف الحافظ ابن حجر فقال: " ثم راجعت كتاب الترمذي فوجدته في كتاب الزكاة قد أطلق كما حكاه عنه المصنف -أي ابن الصلاح- ولفظه: " حديث ابن عمر -رحمه الله- رواة مالك عن نافع عن ابن عمر- رضي الله عنهما- نحو حديث أيوب وزاد فيه من المسلمين " (¬4). ورواه غير واحد عن نافع، ولم يذكر فيه من المسلمين وفي كتاب " العلل المفرد " قد قيد كما حكاه عنه شيخنا -أي العراقي- فكان ابن الصلاح نقل كلامه من كتاب الزكاة ولم يراجع كلامه في العلل -والله أعلم-" (¬5). وهكذا يتضح أن الترمذي لم يرد المعنى الذي نريده من الزيادة فليس مثل الترمذي ¬

(¬1) العلل في آخر الجامع 5/ 711 - 712. (¬2) تدريب الراوي، السيوطي 1/ 206. (¬3) انظر النكت على ابن الصلاح 2/ 696. (¬4) جامع الترمذي حديث (676). (¬5) النكت على ابن الصلاح 2/ 696 - 697.

- علماً وحفظاً- يفوته حديث أخرجه " شيخه " البخاري وكذا مسلم.؟! فقد تابع مالكاً عمرُ بن نافع -مولى ابن عمر- عند البخاري (¬1) والضحاك عن نافع -عند مسلم في صحيحه (¬2). قال ابن حجر: " وفي هذا رد على من زعم أن مالكاً تفرد بها " (¬3). وإنما أراد أن يقول: إنّ أحسن الطرق وأصحها في هذا طريق مالك عن نافع عن ابن عمر به، لذا فإنه أشار إلى الذين تابعوا مالكاً بها ولكنه وصفهم بعدم الحفظ. وقد ذكر ابن حجر في الفتح المتابعات الكثيرة لزيادة مالك " من المسلمين "، فقال: " وقد وقع لنا من رواية جماعة غيرهما منهم كثير بن فرقد عند الطحاوي والدارقطني والحاكم، ويونس بن يزيد عند الطحاوي والمعلى بن إسماعيل عند ابن حبان في صحيحه، وابن أبي ليلى عند الدارقطني " (¬4). ثم أردف:" وفي الجملة ليس فيمن روى هذه الزيادة أحدٌ مثل مالك، لأنه لم يتفق على أيوب وعبيد الله في زيادتها (¬5) " (¬6). والأهم من هذا كله أن الترمذي قد أعلّ كثيراً من الأحاديث المتصلة بالأحاديث المرسلة رغم أنّ الذي وصله ثقات، والمطلع على كتابه العلل يجده واضحاً، بل حتى كتابه السنن فإنّ فيه الأمثلة الكثيرة التي تؤيد هذا الكلام، وسيأتي بيانه في الفصل التطبيقي إن شاء الله تعالى. والذي نريد أن نقوله: أن نسبة القول إلى الإمام الترمذي أنه يقول بقبول الزيادة مطلقاً، أو على مفهوم المتأخرين هو أمرٌ غير صحيح، وغاية الذي يزعم هذا قول الترمذي الذي سبق وقد بينا أنه في غير محله، وإنما هو يقبلها على مفهوم المتقدمين، والله أعلم. ¬

(¬1) برقم (1503). (¬2) 2/ 678 (984). (¬3) فتح الباري 3/ 471، بتصرف يسير. (¬4) فتح الباري 3/ 472، وانظر ص 184 من هذا البحث. (¬5) قول الحافظ هذا فيه نظر، إذ إن البخاري ابتدأ بحديث عمر بن نافع، وفيه زيادة من المسلمين، ثم ثنّى بحديث مالك وهذا له معنى عند البخاري، فالأصل في هذا حديث عمر بن نافع. (¬6) مصدر سابق.

المطلب السابع: مذهب الحافظ ابن خزيمة

وقد تناول الشيخ عداب الحمش موضوع الزيادة عند الترمذي في أطروحته وخرج بنتيجة وهي: " مذهب الترمذي هو قبول زيادة الثقة غالباً كما هو صريح قوله " (¬1). وقد مثل بأمثلة، وختمها بقوله:" قلت: في هذا القدر من الأمثلة كفاية للوقوف على صنيع الحافظ الترمذي في قبول زيادة الثقة مطلقاً، كما هو مذهب شيخه البخاري " (¬2). وبين غالباً ومطلقاً فرق كبير، ناهيك عن أن هذه النتيجة لا تسلم من نقد عريض! كما بيناه، وسنناقش هاتيك الأمثلة في الفصل التطبيقي، إن شاء الله تعالى. المطلب السابع: مذهب الحافظ ابن خزيمة. قال البيهقي:" قال ابن خزيمة في صحيحه:" لسنا ندفع أن تكون الزيادة في الأخبار مقبولة من الحفاظ، ولكنا إنما نقول: إذا تكافأت الرواة في الحفظ والإتقان والمعرفة بالأخبار فزاد حافظ متقن عالم بالأخبار كلمة قبلت زيادته. لا أن الأخبار إذا تواترت بنقل أهل العدالة والحفظ والإتقان زيادة إن تك تلك الزيادة تكون مقبولة " (¬3). قال السخاوي في سياق الحديث عن قبول زيادة الثقة: " وقيده ابن خزيمة باستواء الطرفين في الحفظ والإتقان، فلو كان الساكت عدداً، أو واحداً أحفظ منه، أو لم يكن هو حافظاً، ولو كان صدوقاً فلا " (¬4). قلت: وهذا نص صريح من إمام الأئمة ابن خزيمة -رحمه الله - إذ صرح أن المقصود في الزيادة المقبولة هي تلك التي يزيدها حافظ على حافظ، لا أن يشذ حافظ على جماعة الحفاظ، إذ قد صرح بعدم قبولها، وهو صنيع المتقدمين أجمعين. ولخص لنا الحافظ ابن حجر العسقلاني منهج الأئمة المتقدمين في قبول الزيادة فقال:" المنقول عن أئمة الحديث المتقدمين: كعبد الرحمن بن مهدي، ويحيى القطان، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني، والبخاري، وأبي زرعة الرازي، ¬

(¬1) أقوال الإمام الترمذي في نقد الرجال ص260. (¬2) أقوال الترمذي ص227. (¬3) كتاب القراءة خلف الإمام ص 117، ولم أقف عليه في المطبوع من مختصر ابن خزيمة، كما يسمى خطاً: (الصحيح)، فلعله في المفقود منه. (¬4) فتح المغيث 1/ 234.

المبحث الرابع: قرائن قبول زيادة الثقة عند المتقدمين

وأبي حاتم، النسائي، والدارقطني، وغيرهم: اعتبار الترجيح فيما يتعلق بالزيادة وغيرها، ولا يعرف عن أحد منهم إطلاق قبول الزيادة " (¬1). ثم بين لنا المرجحات فقال:" فحاصل كلام هؤلاء الأئمة أن الزيادة إنما تقبل ممن يكون حافظاً، متقناً، حيث يستوي مع من زاد عليهم في ذلك، فإن كانوا أكثر عدداً منه، أو كان فيهم من هو أحفظ منه، أو كان غير حافظ، ولو كان في الأصل صدوقاً فإن زيادته لا تقبل، وهذا مغاير لقول من قال: زيادة الثقة مقبولة وأطلق " (¬2). المبحث الرابع: قرائن قبول زيادة الثقة عند المتقدمين: وخلاصة ما تقدم من أقوال الأئمة المتقدمين نقول: صرح أئمة الحديث من المتقدمين أن الزيادة من الثقة مقبولة، ولكن مفهوم الزيادة عندهم يختلف عما يُعرّفه المتأخرون، فصورة الزيادة المقبولة عندهم هي: أن يروي ثقة حديثاً بصورة ما، ثم يأتي ثقة آخر فيزيد عليه زيادة وصل أو رفع أو لفظة أو جملة، وكذا إذا رواها اثنان بشكل وزاد عليهم ثقتان ... أي شريطة التكافؤ. ومن خلال الأمثلة التي صرّحوا فيها بقبول الزيادة، أو ضدها يمكننا تلخيص بعض القرائن التي اعتمدوها من خلال الآتي: - (1) - زيادة صحابي على صحابي آخر: وهو أن يروي صحابي حديثاً عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم يأتي صحابي آخر فيزيد على ذلك الصحابي لفظة ما، وهذه الزيادة مقبولة بالاتفاق، إذا صح السند. ومن أمثلتها:_ أ- زيادة أبي سعيد على أبي هريرة - رضي الله عنه - في حديث " آخر أهل النار خروجاً " إذ جاء في رواية أبي هريرة - رضي الله عنه -: " لك ذلك ومثله معه "وزاد أبو سعيد على أبي هريرة فقال: " قال الله: لك ذلك وعشرة أمثاله ... والحديث كما أخرجه البخاري (7437) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: " أن الناس قالوا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال: هل تمارون في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب؟ قالوا: لا يا رسول الله قال:" فهل تمارون في الشمس ليس دونها سحاب؟ قالوا: لا، قال: فإنكم ترونه كذلك، يحشر الناس يوم القيامة فيقول: من كان يعبد شيئاً فليتبعْ ... " الحديث ... ومنه: " ثم يفرغ الله من القضاء بين العباد، ¬

(¬1) نزهة النظر ص 49. (¬2) النكت على ابن الصلاح 2/ 690.

ويبقى رجل بين الجنة والنار، وهو آخر أهل النار دخولاً الجنة، مقبل بوجهه قبل النار، فيقول: يا رب، اصرف وجهي عن النار، قد قشبني ريحها واحرقني ذكاؤها، فيقول: هل عسيت أن فعل ذلك بك أن تسأل غير ذلك؟ فيقول: لا وعزتك، فيعطي الله ما يشاء من عهد وميثاق، فيصرف الله وجهه عن النار، فإذا اقبل الله ما يشاء من عهد وميثاق، فيصرف الله وجهه عن النار، فإذا أقبل به على الجنة رأى بهجتها، سكت ما شاء الله أن يسكت، ثم قال: يا رب قدمني عند باب الجنة، فيقول الله له: أليس قد أُعطيت العهود والميثاق أن لا تسأل غير الذي كنت سألت؟ فيقول: يا رب. لا أكون أشقى خلقك، فيقول: فما عسيت أن أُعطيت ذلك أن لا تسأل غيره؟ فيقول: لا وعزتك لا أسال غيره ذلك، فيعطي ما شاء من عهد وميثاق، فيقدمه إلى باب الجنة، فإذا بلغ بابها فرأى زهرتها وما فيها من النضرة والسرور، فيسكت ما شاء الله أن يسكت، فيقول: يا رب أدخلني الجنة فيقول الله: ويحك يا ابن آدم، ما اغدرك، اليس قد أُعطيت العهود والميثاق أن لا تسأل غير الذي اعطيت؟ فيقول: يا رب لا تجعلني أشقى خلقك، فيضحك الله عز وجل منه ثم يأذن له في دخول الجنة، فيقول: تمنَّ فيتمنى حتى انقطعت أُمنيته، قال الله عز وجل من كذا وكذا اقبل يذكره ربه، حتى إذا انتهت به الأماني قال الله تعالى: لك ذلك مثله معه". قال أبو سعيدٍ الخدري لأبي هريرة، رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: قال الله لك ذلك وعشرة أمثاله، قال أبو هريرة: لم احفظ من رسول الله إلا قوله: لك ذلك ومثله معه، قال أبو سعيد إني سمعته يقول ذلك وعشرة أمثاله. " (¬1). قال الحافظ ابن حجر: " الزيادة الحاصلة بين الصحابي، على صحابي آخر، إذا صح السند إليه فلا يختلفون في قبولها، كحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - الذي في الصحيحين، في قصة آخر من يخرج من النار ... وكحديث ابن عمر، رضي الله عنهما: الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء (¬2)، وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما عند البخاري (¬3): فأبردوها بماء زمزم " (¬4). ب- ونقل الحافظ ابن حجر عن الإمام البخاري القول: " ما زاده بن عمر وعلى ¬

(¬1) أنظر تخريجه كاملا في المسند الجامع 18/ (15266). (¬2) أنظر تخريجه كاملا في المسند الجامع 10/ 630 - 631 (7990و 7991). (¬3) أنظر المسند الجامع 9/ 350 (6715). (¬4) النكت على ابن الصلاح 2/ 691 - 692 وانظر توضيح الأفكار، الصنعاني 2/ 18.

وأبو حميد في عشرة من الصحابة من الرفع عند القيام من الركعتين صحيح لأنهم لم يحكوا صلاة واحدة فاختلفوا فيه وإنما زاد بعضهم على بعض والزيادة مقبولة من أهل العلم " (¬1). جـ- قال ابن أبي حاتم 1/ 100 (272): " سالت أبي عن حديث رواه منصور عن مجاهد عن أبي عياش الزرقى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الخوف، يزيد فيها جرير فنزلت آية القصر بين الظهر والعصر هذه الزيادة محفوظة قال نعم هو صحيح ". قلت: قبل أبو حاتم زيادة الصحابي (جرير) على الآخر (الزرقي). (2) زيادة الراوي إذا كان ثقة على جماعة غير ثقات: وهذا أمر لا خلاف عليه، فالثقة الحافظ حجة على غيره غير الحفاظ، ولو كثر عددهم. (3) زيادة الراوي الضعيف على الضعفاء أو على الثقة أو الثقات مردودة أيضاً. (4) زيادة الراوي الثقة على الثقة أو زيادة الثقات - جماعة - على الثقات. وفي مثل هذا يلاحظ المتقدمون القرائن كالأحفظ، والأضبط، وغيرها من المرجحات، وفي مثل هذه الحالة، أعني: " التكافؤ "، أطلق الأئمة مصطلح القول أنّ: " زيادة الثقة مقبولة ". وشرع المتأخرون يبنون على هذه القاعدة قبول الأحاديث معلولة بحجة أنّ المتقدمين يقولون بالقبول المطلق أو المشروط لزيادة الثقة. وسأوضح ذلك بالأمثلة: ا- حديث " لا نكاح إلاّ بولي " (¬2). التعليق: أطلق البخاري هنا مصطلح الزيادة من الثقة مقبولة لزيادة جماعة أمام جماعة. ب- قال ابن أبي حاتم (1397): " سألت أبي وأبو زرعة عن حديث رواه مخالد بن سعيد عن الشعبي عن الحارث عن على عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:" المعدن جبار ".؟ وذكرت لهما الحديث فقالا: هذا خطأ إنما هو عن الشعبي عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -،وهو الصحيح. وسألتهما عن حديث رواه أبو إسحاق عن الحارث بن مضرب في قصة ابن النواحة ¬

(¬1) فتح الباري 2/ 283. وقد بينا أنه صرح بقبول هذا النوع في صحيحه ص 208. (¬2) أنظر تفصيل الإجابة صفحة 182 من هذا البحث.

الزيادة التى يزيد أبو عوانة أنه قال: "وكفلهم عشائرهم ". هو الصحيح؟ فقالا: رواه الثورى ولم يذكر هذه الزيادة إلا أن أبا عوانة ثقة وزيادة الثقة مقبولة ". التعليق: صرحا أن الزيادة من الثقة مقبولة، وأرادا بها زيادة ثقة واحد أمام ثقة واحد - متكافئين في العدد -. ج- قال ابن أبي حاتم (1442): " وسألت أبي عن حديث رواه حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن اسحق بن عبد الله بن الحرث: " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اشترى حلة يمانية ببضع وعشرين دينارا ". ورواه همام عن قتادة عن علي بن زيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم -.؟ قال أبي: قصر همام، وزاد حماد وهي زيادة صحيحة." التعليق: قبل زيادة حماد بن سلمة لما زاد على همام، لأنها متكافئة، وهو ثقة (¬1). د- وقال الترمذي في العلل حديث (130): حدثنا سعيد بن عبد الرحمن المخزومي قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة قال:" إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة ". قال أبو عيسى: وهكذا روى حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة ولم يرفعه، وقال أيوب السختياني وزياد بن سعد وزكريا بن إسحاق ومحمد بن جحادة وورقاء بن عمر وإسماعيل بن مسلم رووا عن عمرو بن دينار عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وروى عبد الله بن عياش بن عباس القتباني عن أبيه عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومرفوع أصح ". التعليق: صحح الترمذي زيادة رفع الحديث لما رواه: " سفيان بن عيينة وحماد بن زيد " وهما ثقتان موقوفاً، ورواه: " أيوب السختياني، وزيادة بن سعد، وزكريا بن إسحاق، ومحمد بن حمادة، وورقاء بن عمر، وإسماعيل بن مسلم " مرفوعاً. هـ- أخرج البخاري حديث (1020) فقال: حدثنا محمد بن كثير عن سفيان حدثنا منصور والأعمش عن أبي الضحى عن مسروق قال أتيت بن مسعود فقال: إنّ قريشا أبطؤوا عن الإسلام فدعا عليهم النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخذتهم سنة حتى هلكوا فيها، وأكلوا الميتة والعظام، فجاءه أبو سفيان فقال: "يا محمد جئت تأمر بصلة الرحم وإن قومك هلكوا فادع الله. فقرأ: " فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين ". ثم ¬

(¬1) وللمزيد أنظر الأحاديث: (296،و372 و 1003).

عادوا إلى كفرهم فذلك قوله تعالى: يوم نبطش البطشة الكبرى " يوم بدر. قال أبو عبد الله: وزاد أسباط عن منصور: " فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسقوا الغيث فأطبقت عليهم سبعا، وشكا الناس كثرة المطر. قال: اللهم حوالينا ولا علينا فانحدرت السحابة عن رأسه فسقوا الناس حولهم ". قلت: الإمام البخاري هنا أورد زيادة ثقة: "أسباط بن نصر ".لما كانت متكافئة، ثقة واحد أمام آخر (¬1). 6 - زيادة جماعة الثقات على ثقة واحد أو دونه في الضبط والحفظ تقبل عندهم. 7 - إذا روى ثقة أو جماعة من الثقات حديثاً متصلاً سنده ثم جاء راوٍ آخر فزاد في إسناده رجلاً لم يذكره الباقون فإن كان من ثقة حافظ قبل وهذا ما يسميه علماء المصطلح " المزيد في متصل الأسانيد " وإن لم يكن ثقة عد ذلك من الوهم. وسأذكر أمثلة من صنيع المتقدمين: 1 - أخرج الترمذي في جامعه (303) فقال: " حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا يحيى بن سعيد القطان، قال: حدثنا عبيد الله بن عمر أخبرني سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل المسجد فدخل رجل فصلى ثم جاء فسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - فرد عليه السلام فقال: " ارجع فصل فإنك لم تصل فرجع الرجل فصلى كما كان صلى. ثم جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فسلم عليه فرد عليه السلام، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ارجع فصل فإنك لم تصل، حتى فعل ذلك ثلاث مرار، فقال له الرجل: والذي بعثك بالحق ما أحسن غير هذا فعلمني؟ فقال: إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ بما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعا، ثم ارفع حتى تعتدل قائما ثم اسجد حتى تطمئن ¬

(¬1) أخرجه البخاري صحيحه (1020)،والبيهقي 1/ 144، اذ قد رواه عن منصور عدة ثقات دون الزيادة منهم جرير بن حازم عن منصور وحده: أخرجه البخاري (1007) وشعبة عن منصور والأعمش: عند أحمد 1/ 144 والبخاري (4824)، والترمذي (3254)، ومن طريق سفيان الثوري: عنهما، عند البخاري (4774). قلت: أسباط وجرير فقط، روياه عن منصور وحده، أما الباقون فقد رووه عن منصور والأعمش، فهذا ليس من قبيل زيادة واحد على واحد. أنظر فتح الباري 2/ 650.

ساجدا ثم ارفع حتى تطمئن جالسا وافعل ذلك في صلاتك كلها ". قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، قال: وقد روى ابن نمير هذا الحديث عن عبيد الله بن عمر عن سعيد المقبري عن أبي هريرة ولم يذكر فيه عن أبيه عن أبي هريرة، ورواية يحيى بن سعيد عن عبيد الله بن عمر أصح، وسعيد المقبري قد سمع من أبي هريرة وروى عن أبيه عن أبي هريرة وأبو سعيد المقبري اسمه كيسان وسعيد المقبري يكنى أبا سعد وكيسان عبد كان مكاتبا لبعضهم ". قلت: فهنا الإمام الترمذي صرح بقبول الزيادة لماّ كانت من المزيد في متصل الأسانيد، إذ تحقق سماع سعيد المقبري من أبيه، ومن أبي هريرة، كما قال الترمذي:" وسعيد المقبري قد سمع من أبي هريرة وروى عن أبيه عن أبي هريرة ". فهذه بعض الوجوه التي قبل فيها المتقدمون زيادة الثقة وصرحوا بقبولها وفق القرائن المرجحة لديهم. وقد أحسن الحافظ ابن حجر بقوله:"ووجوه الترجيح كثيرة لا تنحصر، ولا ضابط لها بالنسبة إلى جميع الأحاديث، بل كل حديث يقوم به ترجيح خاص لا يخفى على الممارس الفطن الذي أكثر من جمع الطرق " (¬1). ¬

(¬1) النكت على ابن الصلاح 2/ 778.

الباب الثاني: التطبيق العملي في كتب الأئمة المتقدمين

الباب الثاني: التطبيق العملي في كتب الأئمة المتقدمين

تمهيد

تمهيد أولاً: في الإسناد: إن مما هو مقرر أولاً أنّ القرآن الكريم محفوظ بحفظ الله تعالى له {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} (¬1)، فهيأ الله تعالى حَفَظَةَ الصدور والكتاب، لحفظ هذا القرآن العظيم، ومثلما حُفظ القرآن، حُفظت السنة، وإن كان الفرق واضحاً، ولكن هيأ الله تعالى حُمّالاً وحفاظاً، أتقياء حملوا لواء السنة المطهرة نفوا عنها تحريف الغالين، وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، ويمكن تقسيمهم على طبقات، وأول هذه الطبقات: طبقة الصحابة الكرام .. كان الصحابة الكرام - رضي الله عنهم - حريصين كل الحرص على حفظ حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فكانوا يتناوبون المرات في حضور الجلسة النبوية، إذا ما عرض لهم عمل أو شغلهم شاغل، فعن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال:: " كنت أنا وجار لي من الأنصار من بني أمية بن زيد - وهي من عوالي المدينة -وكنا نتناوب النزول على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينزل يوماً وأنزل يوماً، فإذا نزلت جئته بخبر ذلك اليوم من الوحي وغيره، وإذا نزل فعل مثل ذلك " (¬2). ومثلما حرصوا على سماع الحديث، حرصوا على أدائه، وتبليغه للناس، تطبيقاً لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " نضر الله عبداً سمع مقالتي فوعاها، ثم بلغها عني " (¬3). وكذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لوفد عبد القيس:" .... احفظوه وأخبروه من وراءكم " (¬4). ثم انتشر الصحابة الكرام في الأمصار فتوزعوا فيها، ونشروا السنة النبوية، وعقدت الحلقات والجلسات، فكان بعض الصحابة يعقد مجلساً للتفسير وآخر للفقه. وكان من أبرزهم ابن عباس، وأبو هريرة، وأم المؤمنين عائشة، وابن عمر وغيرهم كثير. ¬

(¬1) الحجر / 9. (¬2) أخرجه البخاري (89)، وغيره. (¬3) أخرجه أحمد 4/ 80 و 84، وغيره. (¬4) أخرجه البخاري (87)، وغيره.

ثم تأتي طبقة التابعين وتميزت هذه الطبقة بكتابة الحديث الشريف وتدوينه، فكانوا همزة الوصل بين الصحابة في القرن الأول والمصنفين في بداية القرن الثاني وكان من أبرزهم سعيد بن المسيب، والشعبي، والحسن البصري، وبشير بن نهيك، وهمام بن منبه، وسعيد بن جبير، وقتادة السدوسي، ومحمد بن الحنفية وغيرهم (¬1). فاختلطت أنفاسهم بأنفاس الصحابة الكرام ونهموا العلم نهماً، وحفظوا وكتبوا آلاف الأحاديث النبوية، فجمعوا أقوال الصحابة الكرام وفتاويهم، فكانوا حصناً حصيناً للسنة النبوية من كيد المنتحلين، الذين دخلوا الإسلام للطعن فيه، وخاصة بعد الفتوحات الإسلامية الواسعة، وبعد وقوع الفتن والقلاقل بين المسلمين، فظهر الكذابون، والوضاعون، الذين دسوا في السنة ما ليس منها، فسلط الله عليهم حملة الحديث، وعلماء السنة المشرفة يذودون عنها، ويغربلونها. طبقة المصنفين: وفي مطلع القرن الثاني الهجري توفي الصحابة الكرام ويوشك التابعون أن يتوفون، وهم الذين تلقوا عنهم، فكان محدثو هذه الطبقة أمام تراث كبير من السنة النبوية، مضافاً إليهم حديث الوضّاعين والكذابين وخاصة بعد تعمق الخلافات السياسية، وبزوغ رؤوس للفتن، فما برح هؤلاء المغرضون يضعون الأحاديث، ويكذبون على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدسوا الأباطيل بما يوافق أهواءهم وأغراضهم فهذا الإمام مالك يقول في فرقة من تلك الفرق: " لا تكلمهم ولا ترد عنهم فإنهم يكذبون " (¬2) - يعني الرافضة -، ويقول الإمام الشافعي: " ما رأيت في أهل الأهواء قوماً أشهد بالزور من الرافضة " (¬3). وقال شريك القاضي في الرافضة: " يضعون الحديث ويتخذونه ديناً " (¬4). وفي مقابل هذا وضع بعض جهلة أهل السنة الأحاديث التي ترفع من شأن الصحابة - وهم معدلون برضى الله تعالى عنهم - الذين وضع فيهم الرافضة أحاديث تنتقص منهم، وخاصة في معاوية والأمويين من منطلقات سياسية، وكذا الحال بالنسبة ¬

(¬1) انظر توثيق السنة في القرن الثاني الهجري، د. رفعت فوزي عبد المطلب ص60. (¬2) توثيق السنة ص64. (¬3) الكفاية، الخطيب البغدادي ص 126. (¬4) توثيق السنة ص64.

للعباسيين (¬1). ومن ذلك ما قاله حماد بن زيد قال:" وضعت الزنادقة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعة عشر ألف حديث منهم عبد الكريم بن ابي العوجاء الذي قتل وصلب في زمن المهدي، ولما أخذ ليضرب عنقه قال وضعت فيكم أربعة آلاف حديث أحرم فيها الحلال وأحلل الحرام " (¬2). بل فشا الكذب، حتى بلغ الأمر بضعاف الدين والنفوس أنهم يضعون الأحاديث المكذوبة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أجل مكسب مادي، أو التزلف إلى السلطان! ومن ذلك: أن المهدي كان يحب الحمام ويشتهيها فأدخل عليه غياث بن إبراهيم فقيل له:" حدث أمير المؤمنين؟ فحدث بحديث أبى هريرة:" لا سبق إلا في حافر أو نصل أو جناح ". فأمر له المهدي بعشرة آلاف درهم. فلما قام قال المهدي: أشهد أن قفاك قفا كذاب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإنما استجلبت ذلك أنا. فأمر بالحمام فذبحت، وقال: من أجلها هذا كذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فما ذكر غياثاً بعد ذلك " (¬3). وكذا الخلافات المذهبية الفقهية والكلامية، وأحاديث أهل الترغيب والترهيب، التي شاعت آنذاك لمواجهة ضعف التدين والعبادة. وأحاديث القصاصين الذين يستثيرون عاطفة عامة الناس لابتزاز أموالهم، أو لموافقة رغبات الحكام آنذاك، حتى قال أحدهم للخليفة المهدي: إن شئت وضعت لك أحاديث في فضل العباس! (¬4).فهذه الأمثلة توضح مدى الصعوبة التي واجهها علماء المسلمين، وخاصة علماء الحديث، الذين رزقوا الفهم مع العلم، والبصيرة مع الحفظ، فلم يقفوا مكتوفي الأيدي بل دققوا المتون وفتشوا الأسانيد، وعروا الكذابين والمنتحلين، فكان أحدهم يعرف الحديث مثلما يعرف أبناءه!،ومن ذلك ما نقله الخطيب في كفايته قال:" قال الربيع بن خثيم: إن من الحديث حديثاً له ضوء كضوء النهار نعرفه، وإن من الحديث حديثاً له ظلمة كظلمة الليل ننكره، كتب إلينا أبو محمد عبد الرحمن بن عثمان ¬

(¬1) مصدر سابق. (¬2) تدريب الراوي، السيوطي 1/ 240، بتصرف يسير، وانظر الكفاية، الخطيب البغدادي ص 431. (¬3) الإرشاد، الخليلي 2/ 593 - 594، وانظر نزهة النظر، ابن حجر ص 65، وتدريب الراوي، السيوطي 1/ 241. (¬4) انظر تدريب الراوي 1/ 241، وتوثيق السنة ص64 - 65.

الدمشقي وحدثناه محمد بن يوسف النيسابوري عنه قال: حدثنا أبو الميمون البجلي، قال: حدثنا أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو النصري قال: حدثنا أحمد بن أبي الحواري قال: حدثنا الوليد بن مسلم قال: سمعت الأوزاعي يقول: كنا نسمع الحديث ونعرضه على أصحابنا كما نعرض الدرهم الزائف فما عرفوا منه أخذناه وما أنكروا منه تركناه، أخبرنا محمد بن الحسين القطان قال: أخبرنا دعلج بن أحمد قال: حدثنا أحمد بن علي الأبار قال: قال أبو غسان، يعني زنيجاً: قال جرير: كنت إذا سمعت الحديث جئت به إلى المغيرة فعرضته عليه فما قال لي القه ألقيته " (¬1). فكل هذا التراث الفكري والعقائدي غثّه وسمينه كان أمام علماء الحديث، حينما تصدوا لجمع الحديث النبوي الشريف، وغربلته. ثم فكّر علماء المئة الثانية بتصنيف الحديث، وتبويبه على أنحاء شتى، وصيغ مختلفة، فظهرت المصنفات والأبواب، والمسانيد والجوامع، وغير ذلك. وإذا استثنينا الكتب التي نص مؤلفوها على صحتها، مثل صحيحي البخاري ومسلم ونحوهما، فإن مؤلفي الكتب الأخرى مثل أصحاب المصنفات، والمسانيد، والسنن، وإن لم يشترطوا الصحة في الأحاديث التي أخرجوها في مصنفاتهم ولكنهم لم يُورِدُوها عبثاً، بل اختاروها من ذلك التراث الضخم الذي جاءهم من الصحابة والتابعين وتابعيهم. فالإمام أحمد مثلاً اختار مسنده والذي هو بزهاء الثلاثين ألف حديث من مجموع سبعمائة ألف حديث!! (¬2)، والإمام البخاري أخرج صحيحه من زهاء ستمائة ألف حديث (¬3)، وأحاديثه بالمكرر بحدود السبعة آلاف وخمسمائة حديث فقط، وانتقى الإمام مسلم أحاديث صحيحه من ثلاثمائة ألف حديث مسموعة (¬4)، وقال أبو داود: كتبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمسمائة ألف حديث، انتخبت منها ما ضمنته هذا الكتاب يعنى كتاب السنن، جمعت فيه أربعة آلاف وثمانمائة حديث، ذكرت الصحيح وما يشبهه ويقاربه " (¬5). وهكذا مع بقية المصنفات الأخرى التي أخرجت الأحاديث النبوية في تلك الحقبة. ¬

(¬1) الكفاية 1/ 431. (¬2) الذيل على طبقات الحنابلة، ابن رجب 1/ 130. (¬3) تأريخ الخطيب 2/ 327. (¬4) تأريخ الخطيب 15/ 122، وانظر مقدمة تحقيقه لد. بشار عواد 1/ 167. (¬5) انظر تأريخ الخطيب 10/ 78، ومقدمة تحقيقه1/ 167.

وهذه الأحاديث التي أثبتوها لم يثبتوها عشوائياً أو على سبيل الموافقة، وإنما كان ذلك بعد أن " رحلوا من أجلها إلى البلدان النائية، وطوفوا في البلدان شرقاً وغرباً ليصدروا عن خبرة وعيان وسألوا عن الرواة واطَّلعوا على مروياتهم ومدوناتهم ومحفوظاتهم " (¬1). فالأحاديث التي دونوها إنما دونوها بناءً على قواعد هي في أذهانهم نابعة من سعة حافظتهم واطِّلاعهم، وسبرهم للمرويات الكثيرة التي وقفوا عليها فعلموا أنَّ هذا الحديث يصح عن فلان ولا يصح عن فلان، وأنَّه من رواية فلان وليس من رواية غيره. فحينما يقول أبو حاتم - مثلاً -: هذا الحديث لا يصح من رواية أنس مع أن طريقه ثقات فإن ذلك يعني سبر كل طرق الحديث ومظانه، بحيث أدرك يقيناً أنه ليس من رواية أنس - قطعاً -. وقد كتب الأئمة بعض الأحاديث عن الضعفاء والكذابين فوجدوا أحاديثهم مما لا يجوز تدوينها في كتبهم إما لأنها ليست من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو لأن فيها من الغلط الفاحش في الإسناد أو المتن مما يتعين تركها ورميها، فتغربلت الروايات الكثيرة غربلة دقيقة وهذا ما نص عليه الأئمة، يقول الإمام يحيى بن معين: " كتبنا عن الكذابين، وسجرنا به التنور، وأخرجنا به خبزاً نضيجاً " (¬2). فالمتقدمون قلما فاتهم حديث، وقلما تركوا حديثاً صحيحاً أو حسناً أو ضعيفاً ضعفاً مقبولاً إلاّ ودونوه في مصنفاتهم، بل وحتى الذين اشترطوا الصحة في حديثهم فإنه قلما يفوتهم الحديث الصحيح، يقول محمد بن يعقوب الأخرم: " قلما يفوت البخاري ومسلماً مما يثبت من الحديث " (¬3). فإذا ترك البخاري أو مسلم حديثاً ما عليك إلا أن تتبع لماذا تركاه؟! وغالباً ما يكون معلولاً، وخاصة إذا لم يكن في الباب غيره، أو كان مشهوراً عندنا اليوم. وبعبارة أخرى: المتقدمون سبروا المرويات، ودرسوا الأسانيد والمتون دراسة وافية شافية فعرفوا المقبول من المتروك، والصحيح من المكذوب، فدونوا مصنفاتهم بعد السبر والتحرير فكتبوا ما صح وتركوا ما لم يصح، إلا ما شاء الله تعالى، ولا يعني من الصحة ¬

(¬1) د. بشار عواد، مقدمة تحقيقه لتأريخ الخطيب 1/ 166. (¬2) تاريخ الخطيب 16/ 273. (¬3) تأريخ الخطيب 15/ 123.

ترك الحسن والضعيف المقبول، بل مفهوم الصحة عندهم أوسع مما عندنا، فالصحيح عندهم ما كان مقبولاً للعمل به. وقد أخرجوا عن بعض الضعفاء ممن نسميهم اليوم ضعفاء أو قالوا هم فيهم ضعفاء ولكنهم أخرجوا لهم، وإخراجهم لهم لا يعني قبول حديثهم على إطلاقه، بل أخرجوا لهم انتقاءً مثلما أخرج البخاري لإسماعيل بن أبي أويس، وحسان بن حسان، والحسن بن بشر، والحسن بن ذكوان، وخالد بن مخلد القطواني، وسليم بن زرير، وعبد الرحمن بن عبد الملك بن شيبة وغيرهم. ومثلما أخرج مسلم لبعض هؤلاء فشارك شيخه وانفرد ببعض، كانتقائه من حديث إبراهيم بن المهاجر البجلي، وشريك القاضي، وعلي بن زيد بن جدعان، وعبد الله بن لهيعة، وغيرهم كثير (¬1). ورغم ذلك انتقى الأئمة لهم ما صح من حديثهم وما قرنت منها بأحاديث الثقات. وتخريج الشيخين لهؤلاء الضعفاء يعني استيعابها للطرق والمظان ولو صحت عندهم روايات غير هذه لما أثقلوا مصنفاتهم بتخريج طرق هؤلاء. وهكذا نجد أن المتقدمين استوعبوا وغربلوا الطرق حتى صنفوا مصنفاتهم بناءاً على ذلك السبر وتلك المرويات، وتركوا آلافاً، بل مئات الآلاف من الطرق مما لم يصح أو لا يصلح لأن تسود به الصفحات. يقول الشيخ العوني: " بل ما انقضى هذا القرن إلا والسنة جميعها مدونة، ولم يبق من الروايات الشفهية غير المدونة في المصنفات - بعد هذا العصر - شيء يذكر، إلا روايات الأفاكين، وأحاديث المختلقين، أو أخبار الواهمين المخلّطين " (¬2).إلا ما شاء الله تعالى. فاستقرت الروايات وعُرفت التخريجات والمتون وجمعت السنة النبوية بشكلها الكامل في مصنفات الأئمة بشكل نهائي - تقريباً - انتهاءً بالإمام ابن خزيمة ت (311) هـ رحمه الله تعالى، أي في نهاية القرن الثالث، ولهذا عد الإمام الذهبي هذا القرن هو الحد الفاصل بين المتقدمين والمتأخرين -كما أسلفنا-. ومما يدلل على هذا قول أبي عبد الله الحاكم:" فقد نبغ في عصرنا هذا جماعة ¬

(¬1) تأريخ الخطيب 15/ 123. (¬2) المنهج المقترح ص 52.

يشترون الكتب فيحدثون بها وجماعة يكتبون سماعاتهم بخطوطهم في كتب عتيقة في الوقت فيحدثون بها فمن يسمع منهم من غير أهل الصنعة فمعذور بجهله فأما أهل الصنعة إذا سمعوا من أمثال هؤلاء بعد الخبرة ففيه جرحهم وإسقاطهم إلى أن تظهر توبتهم على أن الجاهل بالصنعة لا يعذر فإنه يلزمه السؤال عما لا يعرفه وعلى ذلك كان السلف رضي الله عنهم أجمعين " (¬1). هذا أحد أئمة القرن الرابع، وهو الإمام الحاكم النيسابوري ت 405 هـ نص على تخفف شروط العدالة والضبط لأهل زمانه، فلم يذكر في الضبط إلا ما يتعلق بضبط الكتاب، وقد أشار إلى هذه المسألة الإمام الرامهرمزي، في كتابه المحدث الفاصل (¬2). ونبه الحافظ ابن الصلاح إلى هذه المسألة فقال:" وقد سبق إلى نحو ما ذكرناه الحافظ الفقيه أبو بكر البيهقي رحمه الله فإنه ذكر في ما روينا عنه توسع من توسع في السماع من بعض محدثي زمانه الذين لا يحفظون حديثهم، ولا يحسنون قراءته من كتبهم، ولا يعرفون ما يقرأ عليهم بعد أن تكون القراءة عليهم من أصل سماعهم، ووجه ذلك: بأن الأحاديث التي قد صحت أو وقفت بين الصحة والسقم قد دونت وكتبت في الجوامع التي جمعها أئمة الحديث ولا يجوز أن يذهب شيء منها على جميعهم، وإن جاز أن يذهب على بعضهم لضمان صاحب الشريعة حفظها، قال - يريد البيهقي -: فمن جاء اليوم بحديث لا يوجد عند جميعهم لم يقبل منه، ومن جاء بحديث معروف عندهم فالذي يرويه لا ينفرد بروايته والحجة قائمة بحديثه برواية غيره والقصد من روايته والسماع منه أن يصير الحديث مسلسلاً بحدثنا وأخبرنا وتبقى هذه الكرامة التي خصت بها هذه الأمة شرفاً لنبينا المصطفى - صلى الله عليه وسلم - " (¬3). وقال الخطيب البغدادي: " وقد استفرغت طائفة من أهل زماننا وسعها في كتب الأحاديث والمثابرة على جمعها من غير أن يسلكوا مسلك المتقدمين وينظروا نظر السلف الماضين في حال الراوي والمروي، وتمييز سبيل المرذول والمرضى، واستنباط ما في السنن من الأحكام وإثارة المستودع فيها من الفقه بالحلال والحرام، بل قنعوا من الحديث باسمه، ¬

(¬1) معرفة علوم الحديث ص 15 - 16 (¬2) انظر المحدث الفاصل 159 - 162، والمنهج المقترح، العوني ص 53. (¬3) مقدمة ابن الصلاح ص 104.

واقتصروا على كتبه في الصحف ورسمه فهم أقمار وحملة أسفار، قد تحملوا المشاق الشديدة وسافروا إلى البلدان البعيدة وهان عليهم الدأب والكلال، واستوطؤوا مركب الحل والارتحال وبذلوا الأنفس والأموال وركبوا المخاوف والأهوال شعث الرؤوس شحب الألوان، خمص البطون، نواحل الابدان يقطعون أوقاتهم بالسير في البلاد طلباً لما علا من الإسناد لا يريدون شيئاً سواه ولا يبتغون إلا إياه يحملون عمن لا تثبت عدالته ويأخذون ممن لا تجوز أمانته ويروون عمن لا يعرفون صحة حديثه ولا يتيقن ثبوت مسموعه ويحتجون بمن لا يحسن قراءة صحيفته، ولا يقوم بشيء من شرائط الرواية ولا يفرق بين السماع والإجازة ولا يميز بين المسند والمرسل والمقطوع والمتصل ولا يحفظ اسم شيخه الذي حدثه حتى يستثبته من غيره ويكتبون عن الفاسق في فعله المذموم في مذهبه وعن المبتدع في دينه المقطوع على فساد اعتقاده ويرون ذلك جائزاً والعمل بروايته واجباً إذا كان السماع ثابتاً والإسناد متقدماً عالياً فجر هذا الفعل منهم الوقيعة في سلف العلماء وسهل طريق الطعن عليهم لأهل البدع والأهواء حتى ذم الحديث وأهله بعض من ارتسم بالفتوى في الدين ورأى عند إعجابه بنفسه انه أحد الأئمة المجتهدين بصدوفه عن الآثار إلى الرأي المرذول، وتحكمه في الدين برأيه المعلول وذلك منه غاية الجهل ونهاية التقصير عن مرتبة الفضل ينتسب إلى قوم تهيبوا كد الطلب ومعاناة ما فيه من المشقة والنصب، وأعيتهم الأحاديث أن يحفظوها واختلفت عليهم الأسانيد فلم يضبطوها فجانبوا ما استثقلوا وعادوا ما جهلوا وآثروا الدعة واستلذوا الراحة ثم تصدروا في المجالس قبل الحين الذي يستحقونه وأخذوا أنفسهم بالطعن على العلم الذي لا يحسنونه أن تعاطى أحدهم رواية حديث فمن صحف ابتاعها كفي مؤونة جمعها من غير سماع لها ولا معرفة بحال ناقلها وإن حفظ شيئاً منها خلط الغث بالسمين وألحق الصحيح بالسقيم وإن قلب عليه إسناد خبر أو سئل عن علة تتعلق بأثر تحير واختلط، وعبث بلحيته وامتخط تورية عن مستور جهالته فهو كالحمار في طاحونته ثم رأى ممن يحفظ الحديث ويعانيه ما ليس في وسعه الجريان فيه فلجأ إلى الازدراء بفرسانه واعتصم بالطعن على الراكضين في ميدانه، كما أخبرنا أبو بكر محمد بن عمر بن جعفر الخرقي قال: أنبأنا أحمد بن جعفر بن محمد بن سلم الختلي قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن علي الآبار قال: رأيت بالأهواز رجلاً حف شاربه وأظنه قد اشترى كتباً وتعبأ للفتيا فذكروا أصحاب

الحديث فقال: ليسوا بشيء، وليس يسوون شيئاً، فقلت له: أنت لا تحسن تصلي؟ قال: أنا؟! قلت: نعم، قلت: أيش تحفظ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا افتتحت الصلاة ورفعت يديك؟ فسكت!، فقلت: وأيش تحفظ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا وضعت يديك على ركبتيك؟ فسكت!، قلت: أيش تحفظ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سجدت؟ فسكت!، قلت: مالك لا تكلم؟ ألم أقل لك إنك لا تحسن تصلى!، أنت إنما قيل لك تصلي الغداة ركعتين والظهر أربعاً فالزم ذا خير لك من أن تذكر أصحاب الحديث فلست بشيء، ولا تحسن شيئاً. فهذا المذكور مثله في الفقهاء كمثل من تقدم ذكرنا له ممن انتسب إلى الحديث ولم يعلق به منه غير سماعه وكتبه دون نظره في أنواع عمله. وأما المحققون فيه المتخصصون به فهم الأئمة العلماء والسادة الفهماء أهل الفضل والفضيلة والمرتبة الرفيعة حفظوا على الأمة أحكام الرسول وأخبروا على أنباء التنزيل وأثبتوا ناسخه ومنسوخه وميزوا محكمه ومتشابهه ودونوا أقوال النبي - صلى الله عليه وسلم - وأفعاله وضبطوا على اختلاف الأمور أحواله، في يقظته ومنامه وقعوده وقيامه وملبسه ومركبه ومأكله ومشربه، حتى القلامة من ظفره ما كان يصنع بها والنخاعة من فيه كيف كان يلفظها وقوله عند كل فعل يحدثه ولدى كل موقف يشهده تعظيماً لقدره - صلى الله عليه وسلم -، ومعرفة بشرف ما ذكر عنه وُعزي إليه، وحفظوا مناقب صحابته ومآثر عشيرته، وجاؤوا بسير الأنبياء ومقامات الأولياء واختلاف الفقهاء ولولا عناية أصحاب الحديث بضبط السنن وجمعها واستنباطها من معادنها والنظر في طرقها لبطلت الشريعة وتعطلت أحكامها إذ كانت مستخرجة من الآثار المحفوظة ومستفادة من السنن المنقولة " (¬1). طبقة المتأخرين: وبعد أن استقرت الروايات وصنفت المصنفات والصحاح، جاء المتأخرون، وأعني من بعد ابن خزيمة ت 311هـ رحمه الله، فإنهم توسعوا بعد هذا الاستقرار وحاولوا مواكبة المتقدمين فحدثوا بكثير من الأحاديث وإن كان هذا مما تركه المتقدمون الأولون الجهابذة أو مما وضعه الواضعون الذي جاؤوا من بعد هذا الجيل المتين، ودونوه في مشيخاتهم ومعجماتهم المصنفة (¬2). ¬

(¬1) الكفاية ص 3 - 5. (¬2) انظر مقدمة تاريخ الخطيب، تحقيق د. بشار عواد 1/ 168.

وقد نبّه إليها الإمام ولي الله أحمد بن عبد الرحيم الدهلوي فقال: " الطبقة الرابعة: كتب قصد مصنفوها بعد قرون متطاولة جمع ما لم يوجد في الطبقتين الأوليين، وكانت هي المجاميع، والمسانيد المختفية، فنوهوا بأمرها، وكانت على ألسنة من لم يكتب حديثه المحدثون، ككثير من الوعاظ والمتشدقين، وأهل الأهواء، والضعفاء، أو كانت من آثار الصحابة والتابعين، أو من أخبار بني إسرائيل، أو من كلام الحكماء، والوعاظ خلطها الرواة بحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - سهواً، أو عمداً، أو كانت من محتملات القرآن والحديث الصحيح، فرواها بالمعنى قوم صالحون، لا يعرفون غوامض الرواية، فجعلوا المعاني أحاديث مرفوعة، أو كانت معاني مفهومة من إشارات الكتاب والسنة، جعلوها أحاديث مستبدة برأسها عمداً، أو كانت جملاً شتى في أحاديث مختلفة، جعلوها حديثا واحداً بنسق واحد، ومظنة هذه الأحاديث كتاب: الضعفاء لابن حبان، وكامل ابن عدي، وكتب الخطيب، وأبى نعيم، والجورقاني، وابن عساكر، وابن النجار، والديلمي، وكاد مسند الخوارزمي يكون من هذه الطبقة، وأصلح هذه الطبقة ما كان ضعيفاً محتملاً، وأسوؤها ما كان موضوعاً أو مقلوباً، شديد النكارة، وهذه الطبقة، مادة كتاب: الموضوعات لابن الجوزي " (¬1). وعقب عليه ولده العلامة عبد العزيز الدهلوي المتوفى سنه 1239 هـ بقوله: " وأحاديث هذه الطبقة التي لم يعلم في القرون الأولى اسمها ولا رسمها، وتصدى المتأخرون لروايتها، فهي لا تخلو عن أمرين: إما أن السلف تفحصوا عنها ولم يجدوا لها أصلاً، حتى يشتغلوا بروايتها، أو وجدوا لها أصلاً ولكن صادفوا فيها قدحاً، أو علة موجبة لترك روايتها فتركوها، ... . وقد أضل هذا القسم من الأحاديث كثيراً من المحدثين عن نهج الصواب حيث اغتروا بكثرة طرقها الموجودة في هذه الكتب، وحكموا بتواترها، وتمسكوا بها في مقام القطع واليقين، وأحدثوا مذاهب تخالف أحاديث الطبقتين الأوليين على ثقتها. والكتب المصنفة في أحاديث هذا القسم كثيرة منها: ما ذُكر، ومنها كتاب الضعفاء للعقيلي، وتصانيف الحاكم، وتصانيف ابن مردويه، وتصانيف ابن شاهين، وتفسير ابن جرير، وفردوس الديلمي، بل سائر تصانيفه ،وتصانيف أبي الشيخ ... فالاشتغال بجمعها والاستنباط منها نوع تعمق من المتأخرين، وإن شئت الحق فطوائف ¬

(¬1) الحطة، القنوجي 218 - 221،بتصرف يسير، وانظر مقدمة تحقيق تأريخ الخطيب، د. بشار عواد معروف 1/ 169.

المبتدعين من الروافض والمعتزلة وغيرهم يتمكنون بأدنى عناية أن يلخصوا منها شواهد مذاهبهم، فالانتصار بها غير صحيح في معارك العلماء بالحديث " (¬1). فالأحاديث التي صنفت بعد عصر المتقدمين لا تبرح أن تدور في أمور خمسة (¬2):- أولاً: أحاديث معروفة عند المتقدمين أوردوها في دواوينهم ساقها المتأخرون بأسانيدهم إلى المصنفين من غير تبديل. " وهذه لا قيمة حقيقية لها لوجودها في مرويات ثبتت عن مؤلفيها كالمصنفين والمسند الأحمدي والكتب الستة، ومؤلفات أصحابها الأخرى وما جرى مجراها " (¬3). فما قيمة حديث أخرجه الحاكم في مستدركه بسنده إلى الإمام أحمد والحديث بعينه في مسند أحمد والمسند مطبوع، ومشهور أكثر من المستدرك؟ اللهم إلاّ الاستئناس. 2 - أحاديث معروفة في دواوين الإسلام الأولى كونها مرسلة أو موقوفة أو منقطعة أوردها المتأخرون موصولة أو مرفوعة - وهذا من أصل بحثنا هنا - والأغلب الأعم منها هي من أخطاء الرواة أو مما تركه المتقدمون مع اطلاعهم على هذه الطرق. ولا يُظن خطأً أن قول القائل: أخرجه البخاري في صحيحه معلقاً، ووصله ابن حجر العسقلاني في التغليق من طريق فلان أو فلان، أن الإمام البخاري لم يطلع على هذا الطريق! فكل حديث علقه البخاري يعني أنه لم يصح عنده، ولو صح ذلك عند غيره- مثلاً - فلا ينسب إلى الإمام البخاري أولاً، ثم يقال وقد علقه البخاري لأن تعليقه للحديث هو علة أصلاً، والله أعلم. ثالثاً- أحاديث أوردها المصنفون الأوائل بأسانيد معينة ومن مخارج لا تعرف إلاّ بها كأن يصرح بذلك فيقول: وهذا الحديث لا يعرف إلاّ من رواية فلان عن فلان أو يكون معروفاً عندهم أنه لا يصح إلاّ من طريق فلان أو لا يعرف إلاّ به. ثم يأتيك مصنف من بعدهم فيوردها بأسانيد توهم كأنها أسانيد جديدة فاتت المتقدمين أو خفيت عليهم، وهذه إنما هي إما مما تركه المتقدمون عمداً لوهائها أو مما ¬

(¬1) مصدر سابق. (¬2) أنظر مقدمة تحقيق تأريخ بغداد، د. بشار عواد 1/ 169. (¬3) مصدر سابق.

أخطأ فيها الرواة، أو مما اختلقه الواضعون. رابعاً:- أحاديث أخرجها المتقدمون بمتون معلومة محفوظة ثم يرويها المتأخرون بزيادة أو تغيير في متونها يغير معانيها ومما يخرجها عن المحفوظ منها. وهذا مما كثر واشتهر بشكل واضح بعد القرن الثالث، ثم ابتكر بعض المتأخرين قاعدة (زيادة الثقة مقبولة مطلقاً)، فقبلوا على أساسها أحاديث كاملة ومتوناً غريبة ومخالفات واضحة تحت هذا العنوان. خامساً:- أحاديث بألفاظ أو بأسانيد لم يذكرها المتقدمون في دواوينهم، ظهرت لأول مرة في القرن الرابع، وهي أما مما تركه المتقدمون لوهائه أو مما ابتدعه الكاذبون الواضعون المتأخرون. وإلاّ لوجدناه في الموطأ، أو المسند الأحمدي أو المصنفات الأخرى؟. وهكذا صنف المتأخرون مصنفاتهم فأوردوا أحاديث هي أضعاف مضاعفة لما سطره المتقدمون في مصنفاتهم أو مما لم يعرفه المتقدمون. ومن هنا نفهم خطأ الحاكم النيسابوري رحمه الله في استدراكه على أعظم كتابين بعد كتاب الله تعالى، أعني: صحيحي البخاري ومسلم، فقد استدرك عليها أحاديث موضوعة، وباطلة!!. يقول الإمام الذهبي: " في المستدرك شيء كثير على شرطهما وشيء كثير على شرط أحدهما ولعل مجموع ذلك ثلث الكتاب، بل أقل، فإن في كثير من ذلك أحاديث في الظاهر على شرط أحدهما أو كليهما، وفي الباطن لها علل خفية مؤثرة. وقطعة من الكتاب إسنادها صالح وحسن وجيد وذلك نحو ربعه، وباقي الكتاب مناكير وعجائب وفي غضون ذلك أحاديث نحو المائة يشهد القلب ببطلانها كنت قد أفردت منها جزءاً، وحديث الطير بالنسبة إليها سماء وبكل حال فهو كتاب مفيد قد اختصرته ويعوز عملاً وتحريراً " (¬1). وقد مر كلامه في كيفية دخول الخلل على مستدرك الحاكم (¬2). فهذه العلل الباطنة التي اطلع عليها الذهبي، وتلك التي لم يطلع عليها، هي التي منعت الإمامين من إيرادها في كتابيهما. ¬

(¬1) سير أعلام النبلاء 17/ 175 - 176. (¬2) انظر ص 23من هذا البحث، والموقظة ص46.

ثانيا: في المتن

وقد حدا هذا التوسع بالطرق والروايات ببعض المتأخرين إلى تخطئة أئمة الحديث المتقدمين، ومخالفتهم، اعتماداً على تلك المرويات والطرق، كتصحيح ما أعلوه اعتماداً على طرق واهية، غريبة، وقد أجاد الحافظ ابن رجب الحنبلي بقوله:" ونجد كثيراً ممن ينتسب إلى الحديث، لا يعتني بالأصول الصحاح كالكتب الستة ونحوها، ويعتني بالأجزاء الغريبة، وبمثل مسند البزار، ومعاجم الطبراني، وأفراد الدارقطني، وهي مجمع الغرائب والمناكير " (¬1). ثانياً: في المتن: الصحابة الكرام باعتبارهم بشراً يتفاوتون في قابلية الحفظ، فأحدهم سريع الحافظة قويها، والآخر دون ذلك، كانوا يؤدون ما سمعوا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وكان بعضهم مكثرين من الرواية كأبي هريرة وأنس وجابر وعائشة، وبعضهم مقلين كبلال، وخالد بن الوليد، وغيرهما، رضي الله عنهم أجمعين. وإنما أقلوا في روايتهم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إما لانشغالهم في أمور ذات بالٍ تتعلق بقيام الإسلام كالجهاد والفتوحات، أو لخوفهم من الوقوع في الخطأ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا ما حدثوا الحديث. أو لاكتفائهم بالحفظة الضابطين الذين يحدثون الأحاديث. وكان قسم منهم يقولون بعد تحديثه الحديث:" أو كما قال رسول - صلى الله عليه وسلم - " (¬2)، أو بعبارة مقاربة، كأن يقول: "أو قال .. "، على شك منه. وهذا التحوط كله مندفع من عمق دينهم وتقواهم، لئلا يقعوا في الخطأ، فيقولوا على رسول الله ما لم يقل. وهكذا كانت روايات التابعين لهم بإحسان، وتابعيهم، وهلمّ جراً من الثقات المتقنين الذين لا يشك في ثقتهم وضبطهم. وهكذا كانت الرواية الواحدة في المجلس الواحد تأخذ أكثر من لفظ، فكل صحابي يؤديها على حسب حفظه، فبعضهم يؤديها بلفظ هو اللفظ النبوي عينه، وبعضهم يرويها بالمعنى، لذا تجدك في بعض الأحيان تقف أمام حديث واحد في حادثة واحدة تروى بأكثر ¬

(¬1) شرح العلل 2/ 624. (¬2) انظر صحيح البخاري (602) و (1465)،وصحيح مسلم (191) و (285). ونظائرها كثيرة لمن يتتبع.

من خمسة أو ستة وجوه، أو أكثر من ذلك، فأحدهم يزيد لفظة والآخر ينقصها ... وهكذا. وهذا كله يدور في فلك الرواية بالمعنى، وهذا الاختلاف لا يقدح في أصل الحديث، وكونه من المعصوم، لأن الاختلاف إنما يكون في معنى الكلمة لا في حكم الحديث، أي فيما لا يترتب عليه آثار من حلة أو حرمة، أو ثواب أو عقاب فمثلاً قوله " يلج النار "، " دخل النار "، " هو في النار "، " مآله النار "، فإنها كلها تؤدي المعنى نفسه ولكن اللفظ متباين وسنذكر لذلك مثالاً توضيحياً:- " جاء رجل من الأعراب فدخل مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - والرسول - صلى الله عليه وسلم - جالس مع أصحابه فدخل ثم رفع ثوبه في طرف المسجد فبال في طرف المسجد فغضب الصحابة فهون عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأمر ثم قال لا تزرموه: يعني لا تقطعوا عليه بوله ثم أريقوا عليه دلواً من الماء فأريق عليه ". هذه رواية واحدة في ساعة، واحدة لرجل واحد، رواها أكثر من صحابي فلو حاولنا جمع طرقها من بعض المواضع في مصنفات السنة لوجدنا اختلافاً في ألفاظها، فقد جاءت مثلا:- عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أخرجه البخاري (6025) قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لا تزرموه، ثم دعا بدلو من ماء فصب عليه ". وعنه في صحيح البخاري (6138) قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " دعوه وأهريقوا على بوله ذنوباً من ماء، أو سجلاً من ماء ". وعنه في صحيح مسلم ... 1/ 236 (284): قال: " دعوه لا تزرموه. قال فلما فرغ دعا بدلو من ماء فصبه عليه ". وعنه في صحيح مسلم أيضاً 1/ 236 (284): قال: " فصاح به الناس فقال رسول الله: دعوه فلما فرغ أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذنوب فصب على بوله ". وعنه في صحيح مسلم أيضاً 1/ 236 (285): قال: " لا تزرموه دعوه فتركوه، حتى بال ثم إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعاه فقال له:" إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر إنما هي لذكر الله عز وجل والصلاة وقراءة القرآن أو كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال فأمر رجلاً من القوم فجاء بدلو من ماء فشنه عليه ". وفي البخاري (3633) عن أبي هريرة قال:" قام أعرابي فبال في المسجد فتناوله الناس فقال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم -: دعوه وأهريقوا على بوله سجلاً من ماء أو ذنوباً من ماء فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين".

وفي البخاري (6128) عنه قال:" أن أعرابياً بال في المسجد فثار إليه الناس ليقعوا به فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: دعوه وأهريقوا على بوله ذنوباً من ماء أو سجلاً من ماء فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين". وفي سنن أبي داود (380) عن أبي هريرة:" أن أعرابياً دخل المسجد ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس فصلى قال ابن عبدة ركعتين ثم قال: اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: لقد تحجرت واسعاً "، ثم لم يلبث أن بال في ناحية المسجد، فأسرع الناس إليه، فنهاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال:" إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين، صبوا عليه سجلاً من ماء - أو قال - ذنوباً من ماء ". وفي جامع الترمذي (147) عن أبي هريرة قال: " دخل أعرابي المسجد والنبي - صلى الله عليه وسلم - جالس فصلى فلما فرغ قال: اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً فالتفت إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: " لقد تحجرت واسعاً ". فلم يلبث أن بال في المسجد فأسرع إليه الناس فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " أهريقوا عليه سجلاً من ماء أو دلواً من ماء ثم قال إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين ". هذه بعض الطرق ولو تتبعنا الطرق الأخرى لوجدناها بنحو هذه الصورة. ففي هذا الحديث "نجد أن الرواة نقلوا ما قاله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمعنى ولم ينقلوا ألفاظه كما نطق بها، فهذه الروايات تذكر أنه قال: " دعوه لا تزرموه، أو: اتركوه أو: لا تزرموه، فقط، أو: دعوه، فقط، أو: لا تزرموه دعوه، فقط، ومعلوم أن الرسول لم ينطق بجميع هذه الكلمات التي وردت في الروايات في ذات اللحظة لكنه نطق بأحدها، ونقلها الرواة بالمعنى لا بلفظ الرسول - صلى الله عليه وسلم - كما نطق به ". (¬1)!! وهكذا نعلم أن الرواية في عهد الصحابة ومن بعدهم كانت في الأغلب الأعم بالمعنى، وهذا القول لا ينفي أن تشمل الروايات المتعددة على كثير من الألفاظ المتفق عليها فإن وجود الألفاظ المتفق عليها أمر طبيعي، بل كان من الصحابة من يتشدد في الرواية باللفظ حتى أنه كان لا يقبل الرواية بالمعنى فقد جاء عن عبيد بن عمير قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" مثل المنافق كمثل الشاة الرابضة بين الغنمين ". فقال ابن عمر: " ويلكم لا تكذبوا على رسول الله إنما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين ¬

(¬1) مقاييس نقد متون السنة ص21.

الغنمين"،فاعتبر تغير لفظة (العائرة) إلى (الرابضة) كذباً (¬1). فقال عبد الله بن عبيد بن عمير لابن عمر: " هي واحدة إذا لم تجعل الحرام حلالاً والحلال حراماً فلا يضرّك إن قدمت شيئاً أو أخرته فهو واحد ". (¬2) أقول: إننا لا نعني من قولنا:" يروون بالمعنى "، أن الصحابة - رضي الله عنهم - كانوا يعدلون عن اللفظة النبوية إلى لفظة أخرى؟ لا وإنما كانوا يحدثون بالألفاظ التي كانوا يعتقدون أن النبي قال بها ثم هم يتسامحون ويتساهلون في الألفاظ التي لا تغير المعنى، أما إذا حفظوا اللفظ النبوي فإنهم لا يعدلون عنه. قيل لإبراهيم- النخعي-:" إنّا نسمع منك الحديث فلا نستطيع أن نجيء به كما سمعناه؟ قال: أرأيتك إذا سمعت تعلم انه حلال من حرام؟ قال: نعم قال فهكذا كل ما نحدث ". (¬3) قال الإمام الشافعي: " وقد قال بعض التابعين لقيت أناساً من أصحاب رسول الله فاجتمعوا في المعنى واختلفوا علي في اللفظ فقلت لبعضهم ذلك فقال: لا بأس ما لم يحل المعنى، قال الشافعي: فقال ما في التشهد إلا تعظيم الله وأني لأرجو أن يكون كل هذا فيه واسعاً وأن لا يكون الاختلاف فيه إلا من حيث ذكرت ومثل هذا كما قلت يمكن في صلاة الخوف فيكون إذا جاء بكمال الصلاة على أي الوجوه روي عن النبي أجزأه إذ خالف الله بينها وبين ما سواها من الصلوات ولكن كيف صرت إلى اختيار حديث ابن عباس عن النبي في التشهد دون غيره " (¬4). وقال الإمام الترمذي في معرض الحديث عن الرواية بالمعنى:" فأما من أقام الإسناد وحفظه وغير اللفظ، فإن هذا واسع عند أهل العلم إذا لم يتغير المعنى، حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: حدثنا معاوية بن صالح عن العلاء بن الحارث، عن مكحول، عن واثلة بن الأسقع، قال: إذا حدثناكم على المعنى فحسبكم. حدثنا يحيى بن موسى قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن أيوب، عن ¬

(¬1) انظر الكفاية، ص173، ومقاييس نقد متون السنة ص 21، وهذا لا يعني أن - ابن عمر - لم يرو بالمعنى! ولكن هذا من تشدده، وإلا فإنه يروي مثل ذلك. (¬2) مصدر سابق. (¬3) المحدث الفاصل، الرامهرمزي ص 534. (¬4) الرسالة 1/ 275.

محمد بن سيرين قال: كنت أسمع الحديث من عشرة، اللفظ مختلف، والمعنى واحد. حدثنا أحمد بن منيع، قال: حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري، عن ابن عون، قال: كان إبراهيم النخعي، والحسن، والشعبي يأتون بالحديث على المعاني، وكان القاسم بن محمد، ومحمد بن سيرين ورجاء بن حيوة يعيدون الحديث على حروفه. حدثنا علي بن خشرم قال: أخبرنا حفص بن غياث، عن عاصم الأحول، قال: قلت لأبي عثمان النهدي: إنك تحدثنا بالحديث ثم تحدثنا به على غير ما حدثتنا؟ قال: عليك بالسماع الأول. حدثنا الجارود قال: حدثنا وكيع، عن الربيع بن صبيح، عن الحسن، قال: إذا أصبت المعنى أجزأ. حدثنا علي بن حجر قال: أخبرنا عبد الله بن المبارك، عن سيف -هو ابن سليمان - قال: سمعت مجاهداً يقول: أنقص من الحديث إن شئت، ولا تزد فيه. حدثنا أبو عمار الحسين بن حريث قال: أخبرنا زيد ابن حباب عن رجل قال: خرج إلينا سفيان الثوري فقال: إن قلت لكم أنا أحدثكم كل ما سمعت فلا تصدقوني، إنما هو المعنى. أخبرنا الحسن بن حريث قال: سمعت وكيعاً يقول: إن لم يكن المعنى واسعا، فقد هلك الناس. قال أبو عيسى: وإنما تفاضل أهل العلم بالحفظ والإتقان والتثبت عند السماع، مع أنه لم يسلم من الخطأ والغلط كبير أحد من الأئمة مع حفظهم " (¬1). وقال السيوطي: " وقال جمهور السلف والخلف من الطوائف منهم الأئمة الأربعة: يجوز بالمعنى في جميعه، إذا قطع بأداء المعنى لأن ذلك هو الذي تشهد به أحوال الصحابة والسلف، ويدل عليه روايتهم القصة الواحدة بألفاظ مختلفة وقد ورد في المسألة حديث مرفوع رواه ابن مندة في معرفة الصحابة والطبراني في الكبير من حديث عبد الله بن سليمان بن أكثمة الليثي، قال: قلت: يا رسول الله إني أسمع منك الحديث لا أستطيع أن أؤديه كما أسمع منك، يزيد حرفاً أو ينقص حرفاً، فقال: " إذا لم تحلوا حراماً، ولم تحرموا حلالاً، وأصبتم المعنى فلا بأس ". فذكر ذلك للحسن فقال: لولا هذا ما حدثنا. واستدل لذلك الشافعي بحديث: "أنزل القرآن على سبعة أحرف فاقرؤوا ما تيسر منه". قال: وإذا كان الله برأفته بخلقه أنزل كتابه على سبعة أحرف علمنا منه بأن الكتاب قد نزل لتحل لهم قراءته، وإن اختلف لفظهم فيه مالم يكن اختلافهم إحالة معنى كان ما سوى كتاب الله سبحانه أولى أن يجوز ¬

(¬1) العلل آخر الجامع 5/ 701.

فيه اختلاف اللفظ ما لم يحل معناه، وروى البيهقي عن مكحول قال: دخلت أنا وأبو الأزهر على واثلة بن الأسقع فقلنا له: يا أبا الأسقع حدثنا بحديث سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليس فيه وهم ولا مزيد ولا نسيان فقال: هل قرأ أحد منكم من القرآن شيئاً؟ فقلنا: نعم، وما نحن له بحافظين جداً إنا لنزيد الواو والألف وننقص قال: فهذا القرآن مكتوب بين أظهركم، لا تألونه حفظاً، وأنتم تزعمون أنكم تزيدون وتنقصون فكيف بأحاديث سمعناها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عسى أن لا نكون سمعناها منه إلا مرة واحدة، حسبكم إذا حدثناكم بالحديث على المعنى ". (¬1) وقال الحافظ ابن حجر:" فالمقطوع به أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقل هذه الألفاظ كلها في مرة واحدة تلك الساعة، فلم يبق إلا أن يقال: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لفظاً منها، وعبّر عنه بقية الرواة بالمعنى " (¬2). ومثلما قبل العلماء رواية الحديث بالمعنى من الصحابة قبلوه من التابعين فمن دونهم ما دام اللفظ يعطي المعنى ذاته ولا يؤثر على حكم شرعي في الحديث. وبالتأكيد إذا قبلت رواية الحديث بالمعنى فإن مباني المعاني قد تتغير في الصورة وعدد الكلمات زيادة ونقصاً، فإذا قلنا مثلاً: " دخلت " هي أقل مما أقول: " دخلت أنا وزيد "، فحينما يروى مثلاً:" جاء رسول الله فدخل المسجد وصلى "، وأخر يرويه:" بينا رسول الله يصلي في المسجد "، هي أقل بعدد الحروف أو الكلمات، ولكنها لا تعطي حكماً جديداً، أو تحل حراماً أو تحرم حلالاً؟ فالرواية بالمعنى مقبولة، شريطة أن تكون اللفظة لا تؤثر على الحكم فإن أثرت فهذا الذي نتوقف فيه ونختبره، وبصورة عامة: اختلاف ألفاظ الحديث وزيادة الرواة بعضهم على بعض تدور في أمور: أولاً - الرواية بالمعنى: كما فصلنا القول فيها سلفاً. ثانياً - الإدراج: وهو أن يدخل الراوي كلامه على أصل كلام المروي عنه، متصلاً به غير منفصل بذكر قائله، بحيث يلتبس على من لم يعرف الحال، فيتوهم أن ¬

(¬1) تدريب الراوي 2/ 99. (¬2) النكت على ابن الصلاح 2/ 809 - 810.

الجميع من ذلك الأصل المروي (¬1). فالتحديث عادة يكون في مجلس علم فيه شيخ وتلميذ أو تلاميذ، فيحدث الراوي (الشيخ) الحديث على طلابه فيحاول أن يفهمهم لفظه فيفسرها لهم أثناء الحديث فيقول مثلاً في معرض كلامه عن (الأقط): وهو اللبن المجفف (¬2)، فيظن السامع أن عبارة "وهو اللبن المجفف" من كلام النبوة، فيكتبه الطلاب نحو ما سمعوا ويحفظونه بهذا الإدراج. ثم يرويها السامعون، والتلامذة نحو ما سمعوها أمانة، وينتقل الأدراج من طبقة إلى طبقة، وقد يروي الشيخ حديثاً لطلابه، وفي معرض كلامه يقول: فقال رسول الله، ثم يدخل رجل فيقول له الشيخ: اجلس، فيظن الطلاب أنه من كلام النبوة فيكتبون: اجلس وينتقل الوهم هكذا. ومثّله الحاكم فقال: " ومثال ذلك ما حدثناه أبو بكر بن إسحاق الفقيه قال: انبأنا عمر بن حفص السدوسي قال: حدثنا عاصم بن علي قال: حدثنا زهير بن معاوية، عن الحسن بن الحر، عن القاسم بن مخيمرة، قال: أخذ علقمة بيدي، وحدثني أن عبد الله أخذ بيده وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ بيد عبد الله فعلمه التشهد في الصلاة وقال: " قل التحيات لله والصلوات فذكر التشهد. قال: فإذا قلت هذا فقد قضيت صلاتك إن شئت أن تقوم فقم وإن شئت أن تقعد فاقعد ". قال الحاكم هكذا رواه جماعة عن زهير وغيره عن الحسن بن الحر وقوله: " إذا قلت ": هذا مدرج في الحديث من كلام عبد الله بن مسعود فإن سنده عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينقضي بانقضاء التشهد. والدليل عليه ما حدثناه علي بن حمشاذ العدل قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن غزير قال: حدثنا غسان بن الربيع قال: حدثنا عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، عن الحسن بن الحر عن القاسم بن مخيمرة قال: أخذ علقمة بيدي وأخذ عبد الله بيد علقمة وأخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - بيد عبد الله فعلمه التشهد في الصلاة وقال: " قل التحيات لله فذكر الحديث إلى آخر التشهد". فقال: قال عبد الله بن مسعود:" إذا فرغت من هذا فقد قضيت ¬

(¬1) انظر معرفة علوم الحديث ص39، ومقدمة ابن الصلاح ص208 ومقاييس نقد متون السنة ص134. (¬2) انظر النهاية في غريب الحديث، ابن قتيبة 1/ 57.

صلاتك فإن شئت فاقعد وإن شئت فقم" (¬1). ومثل الخطيب البغدادي لمدرج الصحابي بمثال آخر فقال: " أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد ابن غالب الفقيه الخوارزمي المعروف بالبرقاني قال: قرأت على أبي القاسم ابن النخاس: أخبركم محمد بن إسماعيل بن علي قال: أخبرنا بندار قال: حدثنا أبو الوليد قال: حدثنا شعبة، عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر قال:" نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها، وكان إذا سئل عن صلاحها قال: حتى تذهب عاهتها ". المسؤول عن صلاح الثمرة والمجيب بقوله: حتى تذهب عاهتها ليس هو النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإنما هو عبد الله بن عمر بين ذلك مسلم بن إبراهيم الأزدي ومحمد بن جعفر غندر في روايتهما هذا الحديث عن شعبة .. " (¬2). ومن صور الإدراج: اللحن، وهو أن يروي الشيخ لفظة فيلحن بها ثم يؤديها التلميذ بلحنها كما سمعها. فعن أشعث قال: " كنت أحفظ عن الحسن وابن سيرين والشعبي، فأما الحسن والشعبي فكانا يأتيان بالمعنى، وأما ابن سيرين فكان يحكي صاحبه حتى يلحن كما يلحن ". (¬3) وربما نبه الراوي على خطأ اللفظة ولكنه يثبتها كما جاءت مثلما أخرج الإمام أحمد في مسنده 2/ 75 بسنده عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " خيرت بين الشفاعة أو أن يدخل نصف أمتي الجنة، فاخترت الشفاعة لأنها أعم وأكفى، أترونها للمتقين؟ لا ولكنها للمتلوثين الخطاؤون ". قال زياد - أحد الرواة -: أما إنها لحن ولكنها هكذا حدثنا الذي حدثنا. (¬4) فإذا وجدت هكذا لفظة مدرجة فلا تعد زيادة ثقة ولو انفرد بها راوٍ عن بقية الرواة ... وقد تساهل علماؤنا سلفاً وخلفاً بهذه الزيادة، وقبلوها ما دامت لا تختلط على ¬

(¬1) معرفة علوم الحديث ص 39 - 40، وانظر الفصل للوصل المدرج في النقل، الخطيب البغدادي 1/ 102. (¬2) الفصل للوصل المدرج 1/ 116. (¬3) الكفاية ص 186، وانظر مقاييس نقد متون السنة ص 134. (¬4) الحديث ضعيف فيه رجل مبهم، انظر بحثنا (الشفاعة في الحديث النبوي) ص189، وللمزيد انظر الكفاية ص186.

السامعين فإذا حصل مثل ذلك وجب التنبيه عليها وفصلها عن المتن ومثاله: ما أخرجه البخاري (6698) فقال: "حدثنا أبو اليمان: أخبرنا شعيب، عن الزهري قال: أخبرني عبيد الله بن عبد الله، أن عبد الله بن عباس أخبره أن سعد بن عبادة الأنصاري استفتى النبي - صلى الله عليه وسلم - في نذر كان على أمه فتوفيت قبل أن تقضيه فأفتاه أن يقضيه عنها فكانت سنة بعد". قال الحافظ العسقلاني: " قوله في آخر الحديث في قصة سعد بن عبادة فكانت سنة بعد أي صار قضاء الوارث ما على المورث طريقة شرعية أعم من أن يكون وجوباً أو ندباً ولم أر هذه الزيادة في غير رواية شعيب عن الزهري فقد أخرج الحديث الشيخان من رواية مالك والليث، وأخرجه مسلم أيضا من رواية ابن عيينة ويونس ومعمر وبكر بن وائل والنسائي من رواية الأوزاعي والإسماعيلي من رواية موسى بن عقبة وابن أبي عتيق وصالح بن كيسان كلهم عن الزهري بدونها وأظنها من كلام الزهري ويحتمل من شيخه وفيها تعقب على ما نقل عن مالك لا يحج أحد عن أحد واحتج بأنه لم يبلغه عن أحد من أهل دار الهجرة منذ زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه حج عن أحد ولا أمر به ولا أذن فيه، فيقال لمن قلد قد بلغ ذلك غيره وهذا الزهري معدود في فقهاء أهل المدينة وكان شيخه في هذا الحديث وقد استدل بهذه الزيادة ابن حزم للظاهرية ومن وافقهم في أن الوارث يلزمه قضاء النذر عن مورثه في جميع الحالات ". (¬1) قلت: روى الحديث عن الزهري جماعة من الحفاظ لم يرووا هذه الزيادة - كما قال الحافظ ابن حجر فقد رواه: - سفيان بن عيينة: أخرجه الطيالسي 1/ 355 (2718)، والحميدي 1/ 241 وأحمد 1/ 219، ومسلم 3/ 1260 (1638)، وأبو عوانة 4/ 5 (5826)، والنسائي 6/ 254، وفي الكبرى 3/ 137 (4759)، و4/ 111 (6487 و 6488)،،وابن ابي شيبة 7/ 284 (36120)، وأبو يعلى 4/ 271 (2383). - والليث بن سعد: أخرجه البخاري (6959) ومسلم 3/ 1260 (1638)، وأبو عوانة 4/ 5 (5827)، والترمذي (1546)، والنسائي 6/ 254 و 7/ 21، وفي الكبرى 3/ 137 (4760)، و4/ 111 (6489)، وابن ماجه (2132)،، و4/ 6 (5832)، ¬

(¬1) الفتح 11/ 716.

والبيهقي 6/ 278 والطبراني في الكبير 6/ 17 (5366). - مالك بن أنس: أخرجه البخاري (2761)، ومسلم 3/ 1260 (1638)،وأبو عوانة 4/ 5 (5827) والطبراني في الكبير 6/ 17 (5365). - والأوزاعي: أخرجه أحمد 1/ 329،والنسائي 6/ 253،وفي الكبرى 4/ 110 (6484) و 4/ 111 (6485و 6486). - وبكر بن وائل: أخرجه مسلم 3/ 1260 (1638)، وأبو عوانة 4/ 6 (5829)،والنسائي 6/ 254 و 7/ 21، وفي الكبرى 4/ 112 (6490). - معمر بن راشد: أخرجه مسلم 3/ 1260 (1638)،وابو عوانة 4/ 6 (5828)، والطبراني في الكبير 6/ 17 (5364). - عبدة بن سليمان: أخرجه النسائي 7/ 20. - يونس بن يزيد الأيلي: أخرجه مسلم 3/ 1260 (1638). وأخرجه البخاري (6698) بزيادة - فكانت سنة بعد - من طريق شعيب عن الزهري، والبيهقي 6/ 278 بها، وقد عدها البعض أدراجاً. أقول: لم ينفرد شعيب بها _ كما قيل - بل تابعه عبيد الله بن أبي زياد الرصافي، وهو صدوق، كما قاله ابن حجر في التقريب (4291) أخرجه الطبراني في الكبير 6/ 18 (5367)، وقال محمد بن يحيى الذهلي في ترجمة عبيد الله بن أبي زياد الرصافي: " لم أعلم له رواية غير ابن ابنه يقال له الحجاج بن أبي منيع، أخرج إلي جزءاً من أحاديث الزهري فنظرت فيها، فوجدتها صحاحاً فلم أكتب منها إلا قليلاً " (¬1). على أننا نذهب إلى ما ذهب إليه الحافظ إبن حجر في قوله: إن هذه العبارة هي من المدرج إما من كلام الزهري، أو من كلام شيخه، وللبخاري إدراجات معروفة، لأنه يعنى بالحكم منفصلا عن الرواية (¬2). وقد يدرج لفظ في متن الحديث لتفسير معنى ما ومثاله: قال البخاري (1909): حدثنا آدم قال: حدثنا شعبة قال: حدثنا محمد بن زياد، قال: سمعت أبا هريرة - رضي الله عنه - يقول: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - أو قال: قال أبو القاسم - صلى الله عليه وسلم -:" صوموا ¬

(¬1) تهذيب الكمال 5/ 35 (4223). (¬2) انظر ص233 من هذا البحث.

لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غبي عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين ". قال ابن حجر: " وقد وقع الاختلاف في حديث أبي هريرة في هذه الزيادة أيضاً فرواها البخاري كما ترى بلفظ: فأكملوا عدة شعبان ثلاثين. وهذا أصرح ما ورد في ذلك وقد قيل: إن آدم شيخه انفرد بذلك فإن أكثر الرواة عن شعبة قالوا فيه فعدوا ثلاثين أشار إلى ذلك الإسماعيلي ". (¬1) وقال ابن الجوزي: " وهذا يجوز أن يكون من آدم رواه على التفقه من عنده للخبر وإلا فليس لانفراد البخاري عنه بهذا من بين من رواه عنه ومن بين سائر من ذكرنا ممن يرويه عن شعبة وجه" (¬2). ومن ذلك أيضا ما أخرجه البخاري (6505) فقال:" حدثني يحيى بن يوسف قال: أخبرنا أبو بكر عن أبي حصين عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:" بعثت أنا والساعة كهاتين. يعني إصبعين تابعه إسرائيل عن أبي حصين". فهنا أدرجت لفظة: "يعني إصبعين "، وهي ليست من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن ذلك: ما أخرجه الإمام مسلم (167) فقال: حدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا ليث (ح)، وحدثنا محمد بن رمح قال: أخبرنا الليث، عن أبي الزبير، عن جابر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " عرض علي الأنبياء فإذا موسى ضرب من الرجال كأنه من رجال شنوءة، ورأيت عيسى ابن مريم عليه السلام فإذا أقرب من رأيت به شبهاً عروة بن مسعود، ورأيت إبراهيم صلوات الله عليه فإذا أقرب من رأيت به شبهاً صاحبكم، يعني نفسه، ورأيت جبريل عليه السلام فإذا أقرب من رأيت به شبهاً دحية ". وفي رواية ابن رمح دحية بن خليفة ". وفي (317) قال:" وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا عبد الله بن إدريس عن الأعمش عن سالم عن كريب عن ابن عباس عن ميمونة:" أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتي بمنديل فلم يمسه وجعل يقول بالماء هكذا يعني ينفضه". فهتان اللفظتان (يعني نفسه، يعني ينفضه) ليستا من قول النبي، وإنما أدرجتا في الحديث. فلا تعد مثل هذه الزيادات بين الأحاديث زيادة ثقة؟ ولو قلنا بذلك لفتحنا باباً ¬

(¬1) الفتح 4/ 152. (¬2) أحاديث الخلاف، إبن الجوزي 1/ 74.

لا يُغلق، إلا ما شاء الله تعالى. ثالثاً - الاقتصاص: وهو أن يروي حديثاً بلفظ ثم يأتي راوٍ آخر فيرويه بأطول من الأول أو أتم بزيادة حدث ما، أو واقعة معينة قصر عن ذكرها بقية الرواة. فأحدهم يرويه دون ذكر القصة، والآخر يرويه ببعضها والثالث دونها. كل واحد من الرواة يرويه حسب ما يراه مناسباً لحادثة أو لسبب ما. لذا فإنك تجدك أمام نفس الراوي يزيد بروايته عند البخاري فيسرد قصة طويلة فيها حكاية ثم تجده عند مسلم يروي الرواية دونها أو دون بعضها. وهذه كلها لا علاقة لها بزيادة الثقة التي نحن بصددها ذلك لأنها لا تتعلق بحكم شرعي أو بإثبات أمر أو نفيه، كأن يورد لنا مصنف حديث أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " ... . "، ثم يأتي آخر ويورد لنا نفس الحديث عن أنس بزيادة قصة: كأن يقول: دخلت على النبي في المسجد، فقال: " ... " الحديث، فهذه ليست من باب الزيادة لأن الراوي (أنس) أو من دونه ربما حدّث به هنا لسبب ما، وتركه هناك لعدم وجود السبب. ومثاله: ما أخرجه الإمام البخاري في صحيحه (198) باب الطهارة، مختصراً فاقتطع منه القدر الذي يناسب الطهارة، فقال: حدثنا أبو اليمان قال: أخبرنا شعيب عن الزهري قال: أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن عائشة قالت:" لما ثقل النبي - صلى الله عليه وسلم - واشتد به وجعه استأذن أزواجه في أن يمرض في بيتي فأذن له فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - بين رجلين تخط رجلاه في الأرض بين عباس ورجل آخر قال عبيد الله: فأخبرت عبد الله بن عباس فقال: أتدري من الرجل الآخر؟ ... قلت: لا، قال: هو علي. وكانت عائشة رضي الله عنها تحدث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال بعد ما دخل بيته واشتد وجعه: " هريقوا علي من سبع قرب لم تحلل أوكيتهن لعلي أعهد إلى الناس وأجلس في مخضب لحفصة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم طفقنا نصب عليه تلك القرب حتى طفق يشير إلينا أن قد فعلتن ثم خرج إلى الناس ". ثم أورده في باب الأذان (665) بما يناسب الاستئذان. فقال: حدثنا إبراهيم بن موسى قال: أخبرنا هشام بن يوسف، عن معمر، عن الزهري، قال: أخبرني عبيد الله بن عبد الله قال: قالت عائشة: " لما ثقل النبي - صلى الله عليه وسلم - واشتد وجعه استأذن أزواجه أن يمرض في بيتي فأذن له فخرج بين رجلين تخط رجلاه الأرض، وكان بين العباس ورجل آخر. قال عبيد الله: فذكرت ذلك لابن عباس ما قالت عائشة، فقال لي: وهل تدري من الرجل

الذي لم تسم عائشة؟ قلت: لا قال: هو علي بن أبي طالب ". ثم في كتاب فرض الخمس (3099) مختصراً جداً مناسباً للباب فقال: حدثنا حبان بن موسى ومحمد قالا: أخبرنا عبد الله: أخبرنا معمر ويونس عن الزهري قال: أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت:" لما ثقل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استأذن أزواجه أن يمرض في بيتي فأذن له ". وفي المغازي (4442) مطولاً، فقال: حدثنا سعيد بن عفير، قال: حدثني الليث، قال: حدثني عقيل، عن ابن شهاب، قال: أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: لما ثقل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واشتد به وجعه استأذن أزواجه أن يمرض في بيتي فأذن له فخرج وهو بين الرجلين تخط رجلاه في الأرض بين عباس بن عبد المطلب وبين رجل آخر، قال عبيد الله: فأخبرت عبد الله بالذي قالت عائشة، فقال لي عبد الله بن عباس: هل تدري من الرجل الآخر الذي لم تسم عائشة؟ قال: قلت: لا، قال ابن عباس: هو علي بن أبي طالب، وكانت عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - تحدث: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما دخل بيتي واشتد به وجعه قال: ... " هريقوا علي من سبع قرب لم تحلل أوكيتهن لعلي أعهد إلى الناس فأجلسناه في مخضب لحفصة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم طفقنا نصب عليه من تلك القرب حتى طفق يشير إلينا بيده أن قد فعلتن قالت ثم خرج إلى الناس فصلى بهم وخطبهم". وفي الطب (5714) بما يناسبه، فقال: حدثنا بشر بن محمد، أخبرنا عبد الله، أخبرنا معمر ويونس، قالا: قال الزهري: أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: لما ثقل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، واشتد وجعه استأذن أزواجه في أن يمرض في بيتي فأذن له فخرج بين رجلين تخط رجلاه في الأرض بين عباس وآخر". فأخبرت ابن عباس قال: هل تدري من الرجل الآخر الذي لم تسم عائشة؟ قلت: لا، قال: هو علي. قالت عائشة فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد ما دخل بيتها واشتد به وجعه:" هريقوا عليّ من سبع قرب لم تحلل أوكيتهن لعلّي أعهد إلى الناس "، قالت: فأجلسناه في مخضب لحفصة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم طفقنا نصب عليه من تلك القرب، حتى جعل يشير إلينا أن قد فعلتنّ، قالت: وخرج إلى الناس فصلى لهم وخطبهم". 2 - ومن أمثلته أيضا ما أخرجه مسلم 1/ 368 (517) قال: حدثنا أبو كريب قال: حدثنا أبو أسامة عن هشام بن عروة، عن أبيه أن عمر بن أبي سلمة أخبره قال:

رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي في ثوب واحد مشتملاً به في بيت أم سلمة، واضعاً طرفيه على عاتقيه ". وفي (517): حدثناه أبو بكر بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم عن وكيع قال حدثنا هشام بن عروة بهذا الإسناد غير أنه قال:" متوشحا ولم يقل مشتملا ". وفي (517) قال: وحدثنا يحيى بن يحيى قال: أخبرنا حماد بن زيد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عمر بن أبي سلمة قال:" رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي في بيت أم سلمة في ثوب قد خالف بين طرفيه". وأخرجه في 1/ 369 (517) قال: حدثنا قتيبة بن سعيد وعيسى بن حماد قالا: حدثنا الليث عن يحيى بن سعيد عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عمر بن أبي سلمة قال: " رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي في ثوب واحد ملتحفاً مخالفاً بين طرفيه ". زاد عيسى بن حماد في روايته قال على منكبيه. رابعاً - التقطيع - التبويب -: وأعني به تقطيع الحديث الواحد حسب ما يراه المصنف مناسباً فيرويه تارة تاماً في باب من أبواب مصنفه يحتاج إلى إيراده بهذه الصورة، ثم يأخذ منه قطعة في باب آخر لا يحتاج إلى إيراده بتمامه، ولمعرفة أصل الحديث الصحيح أمامنا طريقان: الأول: أن نرجع إلى سياقة هذا الحديث في الكتب المرتبة على المسانيد، ومن أفضلها، مسند الإمام المبجل أحمد بن حنبل، على أن يكون هذا الإسناد موافقاً للإسناد الذي جاء في الكتب الأخرى أو صحيحاً مثل صحتها. الثاني: هو العودة إلى صحيح الإمام مسلم لأن مسلماً يجمع الطرق، ويقص الحديث مفصلاً، ومن هنا فضل المغاربة مسلماً على البخاري، ونحن لا نوافقهم على ذلك قطعاً. ومن أمثلة التقطيع البينة حديث جابر - رضي الله عنه - في الحج، فنحن نعلم جيداً أن هذا الحديث الطويل مما تفرد به جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي بن الحسين، المعروف بالباقر، عن جابر ابن عبد الله الأنصاري، ولا نعرف له طريقاً صحيحاً من غير هذا الطريق، وقد ساقه الإمام أحمد بتمامه في مسنده 3/ 320، وكذا الإمام مسلم 4/ 38 - 43 (1218)، أما الإمام مالك فقد قطّعه إلى أربع قطع في الموطأ، فظهر وكأنه أربعة

أحاديث، وذلك بحسب ما احتاج إليه في الموطأ من أبواب الحج، فذكر في باب " الرمل في الطواف " (1057)، قول جابر:" رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رمل من الحجر حتى انتهى إليه ثلاثة أطواف ". وذكر منه قطعتين صغيرتين في باب:" البدء بالصفا في السعي "، برقم (1089و 1090). وذكر القطعة الرابعة منه في باب:" جامع السعي "، برقم (1097). وكذلك هو في الموطآت، مثل موطأ أبي مصعب الزهري حيث جاءت هذه القطع المذكورة في الأرقام (1281و1311و1312و1314). وكذلك هي في موطأ سويد بن سعيد إذ جاءت في الأرقام (541و543و544)، وهي أربعة أحاديث في الموطأ، وإن أعطى المحقق لحديثين الرقم (543). وحين تناول ابن عبد البر بيان أسانيد الموطأ في كتابه العظيم التمهيد عد ذلك أربعة أحاديث، لما رواه الإمام مالك عن جعفر بن محمد فقال: في 2/ 68 حديث أول لجعفر بن محمد، وقال في حديث 2/ 79حديث ثان لجعفر بن محمد مسند، وقال في 2/ 91 حديث لجعفر بن محمد متصل، وقال في 2/ 93حديث رابع لجعفر بن محمد. وهو في أصله قطع صغيرة من حديث جابر الطويل المعروف في صحيح مسلم. وكذلك فعل أصحاب السنن المرتبة على أبواب الفقه، حيث قطعوا هذا الحديث حسب الأبواب التي احتاجوا إليها، فقد رواه (¬1): أبو داود: (1813و1936و3969). الترمذي: (817 و 857 و862 و869 و2967). ابن ماجه: (1008و2913و2919و2951و2960و3158). النسائي: 1/ 122و195و154و208و290،و2/ 15و16،و5/ 143و155و157و164 و176و230و236و239و240و243و244و235و240و255و265و267و274. وابن خزيمة: (2603و2709و2717و2718و2756و2811و2853و2855و2858 و2890 و2892 و 2924). ¬

(¬1) انظر تفصيل الحديث في المسند الجامع 4/ 27 - 45 (2419).

ومن المبرزين في هذا الأمر الإمام البخاري رحمه الله تعالى، إذ نقل الحافظ ابن حجر في مقدمة الفتح عن الحافظ أبي الفضل محمد بن طاهر المقدسي القول: "وأما تقطيعه للحديث في الأبواب تارة واقتصاره منه على بعضه أخرى فذلك لأنه إن كان المتن قصيراً أو مرتبطاً بعضه ببعض وقد اشتمل على حكمين فصاعداً فإنه يعيده بحسب ذلك " (¬1). ويوضح هذا الإمام النووي إذ يقول: " وأما تقطيع المصنفين الحديث الواحد في الأبواب فهو بالجواز أولى بل يبعد طرد الخلاف فيه وقد استمر عليه عمل الأئمة الحفاظ الجلة من المحدثين وغيرهم من أصناف العلماء، وهذا معنى قول مسلم رحمه الله: "أو أن يفصل ذلك المعنى " إلى آخره وقوله: " إذا أمكن " يعنى: إذا وجد الشرط الذي ذكرناه على مذهب الجمهور من التفصيل. وقوله:" ولكن تفصيله ربما عسر من جملته فإعادته بهيئة إذا ضاق ذلك أسلم " معناه: ما ذكرنا أنه لا يفصل إلا ما ليس مرتبطاً بالباقي، وقد يعسر هذا في بعض الأحاديث فيكون كله مرتبطا بالباقي أو يشك في ارتباطه ففي هذه الحالة يتعين ذكره بتمامه وهيئته ليكون أسلم مخافة من الخطأ والزلل والله أعلم " (¬2). ومن أمثلة ذلك: 1 - حديث الزهري عن عروة بن الزبير عن عائشة - رضي الله عنهم - في مرض النبي - صلى الله عليه وسلم -، إذ أخرجه البخاري من حديث الزهري نفسه، ولكنه قطعه على الأبواب بما يناسبها. فأخرجه في (4439) عند باب: " مرض النبي ووفاته "، وفي (5016)، " باب فضل المعوذات "، من طريق يونس عن الزهري، فقال: "حدثني حبان قال: أخبرنا عبد الله قال: أخبرنا يونس عن ابن شهاب قال: أخبرني عروة أن عائشة رضي الله عنها أخبرته:" أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا اشتكى نفث على نفسه بالمعوذات، ومسح عنه بيده، فلما اشتكى وجعه الذي توفي فيه طفقت أنفث على نفسه بالمعوذات التي كان ينفث، وأمسح بيد النبي - صلى الله عليه وسلم - عنه ". ثم أخرجه في (5017) من طريق عقيل، باب" فضل المعوذات " فقال: حدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا المفضل بن فضالة، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن عروة، عن ¬

(¬1) مقدمة الفتح ص 15. (¬2) شرح النووي 1/ 49.

عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم -:"كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم نفث فيهما فقرأ فيهما قل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده يفعل ذلك ثلاث مرات ". قلت: ولم يذكر فيه مرض النبي - صلى الله عليه وسلم -. وأخرجه في (5751)، باب " المرأة ترقي الرجل "، وفي (5735) باب " الرقى بالقرآن والمعوذات"، من طريق معمر فقال: " حدثني عبد الله بن محمد الجعفي قال: حدثنا هشام قال: أخبرنا معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها:" أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان ينفث على نفسه في مرضه الذي قبض فيه بالمعوذات فلما ثقل كنت أنا أنفث عليه بهن فأمسح بيد نفسه لبركتها ".فسألت ابن شهاب: كيف كان ينفث؟ قال: ينفث على يديه ثم يمسح بهما وجهه". وهنا اقتطع البخاري من الحديث ما يناسب الباب، وهو شرعية الرقية بالقرآن، وشرعية رقية المرأة للرجل. ثم أخرجه (6319)، باب " التعوذ والقراءة عند المنام "، من طريق عقيل فقال: حدثنا عبد الله بن يوسف قال: حدثنا الليث قال: حدثني عقيل، عن ابن شهاب أخبرني عروة عن عائشة رضي الله عنها:" أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أخذ مضجعه نفث في يديه وقرأ بالمعوذات ومسح بهما جسده ". ثم أخرجه في (7548)، باب " النفث في الرقية "، من طريق يونس، فقال: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي، قال: حدثنا سليمان، عن يونس، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عائشة رضي الله عنها قالت: " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أوى إلى فراشه نفث في كفيه بقل هو الله أحد وبالمعوذتين جميعا، ثم يمسح بهما وجهه وما بلغت يداه من جسده، قالت عائشة: فلما اشتكى كان يأمرني أن أفعل ذلك به ". قال يونس: كنت أرى ابن شهاب يصنع ذلك إذا أتى إلى فراشه ". وهنا اختار البخاري لفظة " يأمرني " لأنها تناسب عنوان الباب " النفث "، فأراد بيان سنة شرعية. 2 - حديث محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، عن ابن عمر - رضي الله عنهم -، إذ أخرجه البخاري (4402و 4403)، باب حجة الوداع من طريق ابنه عمر، فقال: حدثنا

يحيى بن سليمان قال: أخبرني ابن وهب، قال: حدثني عمر بن محمد أن أباه حدثه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: " كنا نتحدث بحجة الوداع والنبي - صلى الله عليه وسلم - بين أظهرنا ولا ندري ما حجة الوداع فحمد الله وأثنى عليه ثم ذكر المسيح الدجال فأطنب في ذكره وقال: ما بعث الله من نبي إلا أنذره أمته أنذره نوح والنبيون من بعده وإنه يخرج فيكم فما خفي عليكم من شأنه فليس يخفى عليكم أن ربكم ليس على ما يخفى عليكم، ثلاثاً، إن ربكم ليس بأعور وإنه أعور العين اليمنى كأن عينه عنبة طافية ألا إن الله حرم عليكم دماءكم وأموالكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم، قال: اللهم اشهد، ثلاثاُ ويلكم أو ويحكم انظروا لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض " (¬1). وأخرجه البخاري في (6785)، " باب ظهر المؤمن حمى إلا في حدّ أو حق " من طريق ابنه الآخر واقد، فقال: " حدثني محمد بن عبد الله قال: حدثنا عاصم بن علي قال: حدثنا عاصم بن محمد عن واقد بن محمد سمعت أبي قال: عبد الله قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع: "ألا أي شهر تعلمونه أعظم حرمة؟ قالوا: ألا شهرنا هذا، قال: ألا أي بلد تعلمونه أعظم حرمة؟ قالوا: ألا بلدنا هذا، قال: ألا أي يوم تعلمونه أعظم حرمة؟ قالوا: ألا يومنا هذا قال: فإن الله تبارك وتعالى قد حرم عليكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم إلا بحقها كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا ألا هل بلغت؟، ثلاثا، كل ذلك يجيبونه: ألا نعم، قال: ويحكم أو ويلكم لا ترجعن بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض " (¬2). وأخرجه البخاري في (6166): "باب ما جاء في قول الرجل "ويلك " من طريق واقد نفسه، فقال:" حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب قال: حدثنا خالد بن الحارث قال: حدثنا شعبة عن واقد بن محمد بن زيد قال: سمعت أبي عن ابن عمر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:" ويلكم أو ويحكم ".- قال شعبة شك هو-:" لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض ". وقال النضر عن شعبة: ويحكم، وقال عمر بن محمد عن أبيه: ¬

(¬1) وأخرجه احمد2/ 153، وأبو عوانة 1/ 34 (63)، و4/ 102 (6176). (¬2) أخرجه البخاري (6166و6868و7076)، ومسلم الإيمان (119 و120) وابن أبي شيبة 7/ 455 (37174)، وأبو عوانة 1/ 34 (62)، وأبو داود (4686)، والنسائي 7/ 126 وفي الكبرى 2/ 316 (3590)، وابن حبان 1/ 416 (187).

ويلكم أو ويحكم ". قلت: هنا اقتطع البخاري قطعة صغيرة من الحديث ما يناسب الباب الذي أورده تحته، ليثبت جواز قول: " ويلك ". ثم أورده في (6868)، " باب قول الله تعالى: ومن أحياها ... "، من رواية واقد أيضاً، فاقتطع من الحديث ما يناسب الباب، ترهيباً من قتل المسلم للمسلم، فقال:" حدثنا أبو الوليد قال: حدثنا شعبة قال واقد بن عبد الله أخبرني عن أبيه سمع عبد الله بن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:" لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض". وكذا حينما أورده في (7076)، "باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض "، فقال: " حدثنا حجاج بن منهال حدثنا شعبة أخبرني واقد بن محمد عن أبيه عن ابن عمر أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: " لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض". فما يظهر من اختلاف في متون الأحاديث واقتطاع لها، إنما يجيء بسبب حاجة الإمام البخاري إلى قطعة من الحديث ليستدل بها، فضلاً عن اختلاف بين الرواة في سياقة الحديث بألفاظ مختلفة، كما قدمنا، فهذا كله ليس فيه في حقيقة الأمر زيادات لأنه في أصله حديث واحد. 3 - وكذا ما أخرجه البخاري (2892)،كتاب الجهاد، باب " باب فضل رباط يوم في سبيل الله وقول الله تعالى:" يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون" (¬1)، فقال: حدثنا عبد الله بن نمير، سمع أبا النضر، قال: حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ابن دينار، عن أبي حازم عن سهل بن سعد الساعدي - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها، وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها، والروحة يروحها العبد في سبيل الله أو الغدوة خير من الدنيا وما عليها ". وأخرجه في (2794) كتاب، " باب الغدوة والروحة في سبيل الله، وقاب قوس أحدكم من الجنة .. "فقال: حدثنا قبيصة قال: حدثنا سفيان عن أبي حازم عن سهل بن سعد ¬

(¬1) آل عمران آية 200.

- رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:" الروحة والغدوة في سبيل الله أفضل من الدنيا وما فيها ".بلفظ مختصر يناسب الباب. ثم أخرجه في (3250) كتاب بدء الخلق، باب "صفة الجنة وأنها مخلوقة ". فقال: حدثنا علي بن عبد الله قال: حدثنا سفيان عن أبي حازم عن سهل بن سعد الساعدي قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها ".بلفظ مختصر يثبت أن في الجنة مكاناً، أي أنها مخلوقة. ثم أخرجه في (6415) كتاب، باب " مثل الدنيا في الآخرة " فقال: حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه عن سهل قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: " موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها، ولغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها ". فجاء به أتم مما مضى في البابين الآخرين، بما يناسب عنوان الباب. وبعد هذا العرض الموجز لمسائل تتعلق بالإسناد والمتن ندخل إلى التطبيق العملي في صنيع الأئمة المتقدمين.

الفصل الأول التطبيق العملي في كتب الرواية

الفصل الأول التطبيق العملي في كتب الرواية لقد انتقيت مجموعة مصنفات من كتب المتقدمين كيما أستطيع التوصل إلى مذهبهم، لأنهم وإن كانوا مختلفين في مدارسهم الحديثية إلاّ أنهم يجتمعون على قواعد كلية أصولية في - علم الحديث - في قبول الحديث أو رده. فانتقيت الصحيحين لأنهما اشترطا الصحة في أحاديثهما، فكل حديث وضعوه في صحيحهما فإنهما رضيا به. ثم اخترت موطأ الإمام مالك، لأنه أيضاً انتقى أحاديثه على قواعد أصولية حديثية، حاول فيه تجنب الضعيفة والموضوعة، والإمام مالك معروف بتشدده في قبول الأحاديث وبمنهجيته الواضحة. ثم اخترت سنن أبي داود، واعتبرت ما صرح به في عقب أحاديثه إعلالاً أو تصحيحاً هو مذهبه في قبول الزيادة أو عدمه، وأما ما سكت عنه هو فلا علاقة لي به. ثم جامع الترمذي، والإمام الترمذي له منهجية خاصة سأبينها في موضعها. ثم سنن النسائي-الكبرى والمجتبى-على وفق ما أجريته مع سنن أبي داود. أمّا سنن ابن ماجة فإن مؤلفه لم يعتن ببيان قوة الروايات وضعفها، كما لم يوضح منهجه في اختيار هذه الأحاديث، فلا يصلح لعملنا هذا. وكذلك المصنفات الأولى كمصنف عبد الرزاق، وابن أبي شيبة، والمسانيد كمسند الحميدي وأحمد وعبد بن حميد فإنها جمعت الحديث، ولم يكن من وكدها بيان الصحيح من السقيم. ثم انتقيت من كتب العلل أعظمها تلك التي درست الأسانيد وغربلت الطرق، كعلل ابن أبي حاتم، وعلل أحمد، وعلل ابن المديني، والتمييز للإمام مسلم، وعلل الترمذي-الكبير-،وأفدت من علل الدارقطني خلال دراستي فائدتين: الأولى: أنه دلني على مظان الحديث وعلله، وبعض الانتقادات التي انتقدها المتقدمون، ويدخل في هذا كتابه الإلزامات والتتبع. الثانية: أني أفدت منه في دراسة صنيع بعض من جاء من بعد جيل المتقدمين الجهابذة.

المبحث الأول: عند الإمام مالك بن أنس

ومن خلال استقرائي لهذه الكتب وكتب أخرى، تبين لي:-أن المتقدمين أطلقوا على زيادة راوٍ على راوٍ آخر، أو جماعة رواة على جماعة آخرين مصطلح زيادة ثقة. (¬1) المبحث الأول: عند الإمام مالك بن أنس: يقف المتفحص لمنهجية الإمام مالك في موطئه على أنَّه يقدم المرسل على الموصول والموقوف على المرفوع في أعم أحاديثه، ولعل ذلك يعود إلى منهجية راسخة في ذهنه لا يمكننا الوقوف عليها إذ لم يصرح بها هو في موطئه. ومن خلال استقرائي لمنهج الإمام مالك في موطئه، بدراسة أسانيده تبين لي أنَّه لم يقبل ولا في حديث واحد زيادة الثقة على قاعدة المتأخرين في فهمهم لها، بل على العكس فقد رد أحاديث من مثل ذلك، منها مثلاً: 1 - أخرج في الموطأ (774) فقال: عن زيد بن أسلم عن عياض بن عبد الله بن سعد بن أبي سرح العامري أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول: " كنا نخرج زكاة الفطر صاعاً من طعام أو صاعاً من شعير أو صاعاً من تمر أو صاعاً من أقط أو صاعاً من زبيب وذلك بصاع النبي - صلى الله عليه وسلم - ". وأخرجه أحمد 3/ 73،والدارمي (1671)،والبخاري (1505و 1506و 1508)، ومسلم2/ 678 (985)،والترمذي (673)،والنسائي5/ 51كلهم من طرقٍ عن زيد بن أسلم به. (¬2) وأخرجه أحمد 3/ 23و98،والدارمي (1670)،ومسلم 2/ 678 (985)، وأبو داود (1616)،وابن ماجة (1829)،والنسائي 5/ 51، وابن خزيمة (2407) و (2418) من طرقٍ عن داود بن قيس به. (¬3) وأخرجه مسلم 2/ 679 (985)،والنسائي 5/ 51 من طريق الحارث بن عبد الرحمن بن ذباب به. (¬4) وأخرجه أبو داود (1617)،والنسائي 5/ 53،وابن خزيمة (2419) من طريق عثمان بن حكيم بن حزام به. (¬5) ¬

(¬1) انظر ص208 من هذا البحث. (¬2) انظر المسند الجامع 6/ 291 (4352). (¬3) سبق. (¬4) سبق. (¬5) انظر المسند الجامع 6/ 291 (4352).

فهؤلاء (زيد بن أسلم، داود بن قيس، الحارث وعثمان) رووه عن عياض بألفاظ متقاربة. (¬1) وأخرجه الحميدي (742)،وأبو داود (1618)،والنسائي 5/ 52 وفي الكبرى 2/ 28 (2293)، وابن خزيمة (2414)، والبيهقي 4/ 172، والدارقطني 2/ 146 من طرقٍ عن سفيان بن عيينه عن ابن عجلان عن عياض فزاد فيه (دقيق). وقد أخرجه مسلم 2/ 679 (985) من طريق حاتم بن إسماعيل عن ابن عجلان عن عياض بن عبد الله بن أبي السرح دونها. (¬2) وأخرجه أبو داود (1618) من طريق يحيى القطان وابن خزيمة (2413) من طريق حماد بن مسعدة كلاهما عن ابن عجلان عن عياض دونها. (¬3) فانفرد ابن عيينة عنهم بها وهو ثقة جبل. فلو قال مالك بالزيادة لأوردها هنا وخاصة وأنَّ سفيان ثقة والزيادة فيها حكم زائد. لذا قال البيهقي: "فلم يذكر أحد منهم الدقيق غير سفيان، وقد أنكر عليه " (¬4). 2 - وأخرج في (1287): عن يحيى بن سعيد قال: أخبرني عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت عن أبيه عن جده قال:" بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة في اليسر والعسر والمنشط والمكره وأن لا ننازع الأمر أهله وأن نقول أو نقوم بالحق حيثما كنا لا نخاف في الله لومة لائم ". أقول: مدار الحديث على عبادة بن الوليد رواه عنه جماعة: - يحيى بن سعيد الأنصاري: أخرجه البخاري (7199)، والنسائي 7/ 137و138و139. -ويحيى بن سعيد الأنصاري وعبيد الله بن عمر -جميعاً-:أخرجه مسلم 3/ 1470 (1709). - ويحيى بن سعيد الأنصاري وعبيد الله بن عمر ومحمد بن عجلان -جميعاً-:أخرجه مسلم 3/ 1470 (1709)، وابن ماجة (2866). ¬

(¬1) سبق. (¬2) سبق. (¬3) سبق. (¬4) سنن البيهقي 4/ 172.

-ويزيد بن الهاد: أخرجه مسلم 3/ 1470 (1709). -والوليد بن كثير: أخرجه النسائي 7/ 139. كلهم عن عبادة بن الوليد بألفاظ متقاربة (¬1). ورواه محمد بن إسحاق عن عبادة فزاد فيه (بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيعة الحرب ... على بيعة النساء وعلى السمع والطاعة في عسرنا ويسرنا)،أخرجه أحمد 5/ 316. قال الحافظ ابن حجر بعد أن ساق حديث ابن إسحاق: " ولكن الحديث في الصحيحين كما سيأتي في الأحكام ليس فيه هذه الزيادة، وهو من طريق مالك عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن عبادة بن الوليد، والصواب أنّ بيعة الحرب بعد بيعة العقبة، لأن الحرب إنما شرع بعد الهجرة " (¬2). أقول: وإخراج الإمام مالك له دون الزيادة يعني عدم قبوله لها ولو قبلها لأخرجها وخاصة وأن ابن إسحاق ثقة في المغازي (¬3)، وقد صححه الشيخ شعيب الأرنؤوط في تعليقه على مسند أحمد (¬4). 3 - وأخرج مالك (1064) عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعبد الرحمن ابن عوف:" كيف صنعت يا أبا محمد في استلام الركن؟ فقال عبد الرحمن: استلمت وتركت، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أصبت ". أقول: مدار الحديث على هشام بن عروة، رواه عنه: - مالك: كما في الموطأ (1064)، والحاكم 3/ 306. - معمر: أخرجه عبد الرزاق 5/ 34 (8900). - وابن عيينة: أخرجه عبد الرزاق 5/ 34 (8901). -وجعفر بن عون: أخرجه البيهقي 5/ 80 وقال: " هذا مرسل وكذلك رواه مالك عن هشام ". فهؤلاء (مالك، ومعمر، وابن عيينة، وجعفر) جميعاً رووه عن هشام مرسلاً. ¬

(¬1) انظر تفصيل هذا في المسند الجامع 8/ 110 (5604). (¬2) فتح الباري 1/ 92. (¬3) انظر تهذيب الكمال 6/ 221 (5646)، وميزان الاعتدال 3/ 468 (7197) والتهذيب 9/ 39. (¬4) مسند أحمد 37/ 374 (22700).

ورواه زهير بن معاوية عن هشام عن أبيه عن عبد الرحمن بن عوف عن النبي - صلى الله عليه وسلم - متصلاً -، أخرجه البزار 3/ 266 (1057) وقال:"وهذا الحديث لا نعلمه روي عن عبد الرحمن بن عوف إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد، وقد رواه جماعة فلم يقولوا: عن عبد الرحمن بن عوف ". أقول: فلو كان الإمام مالك يأخذ بزيادة الثقة فلماذا عَدَلَ عن المتصل إلى المرسل؟ وزهير ثقة (¬1). وقد أعلّه الدارقطني في علله 4/ 292 (574) وعدَّ المرسل هو المحفوظ. 4 - وأخرج مالك في (1462):عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد أنه قال: " أتت الجدتان إلى أبي بكر الصديق فأراد أن يجعل السدس للتي من قبل الأم فقال له رجل من الأنصار: أما إنك تترك التي لو ماتت وهو حي كان إياها يرث فجعل أبو بكر السدس بينهما ". أقول: مدار الحديث على يحيى بن سعيد الانصاري، رواه عنه: - مالك: أخرجه في الموطأ (1462)، ومن طريقه البيهقي 6/ 235. وذكر الدارقطني في العلل 1/ 287 (77) أن علي بن مسهر وحماد بن سلمة رووه مثل رواية مالك. ورواه سفيان بن عيينة فزاد عليهم التصريح بأن اسم الرجل هو"عبد الرحمن بن سهل وأنه من أهل بدر ":أخرجه عبد الرزاق 10/ 275 (19084)،وسعيد بن منصور 1/ 55 (81)، والدارقطني في السنن 4/ 90 - 91، والبيهقي 6/ 235. قال الدارقطني في العلل 1/ 287 (77): "يرويه ابن عيينة منفرداً سمّى الرجل الأنصاري، فقال: عبد الرحمن بن سهل، وذكر أنه شهد بدراً مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ورواه حماد بن سلمة وعلي بن مسهر وجماعة عن يحيى بن سعيد عن القاسم فقالوا فيه:" فقال رجل من الأنصار لأبي بكر"،ولم يسموه، ولم يقولوا من أهل بدر". أقول: فلو كان مالك يقبل الزيادة لأوردها هنا؟. 5 - وأخرج مالك (2478): عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة: "أن امرأتين من هذيل رمت إحداهما الأخرى فطرحت جنينها ¬

(¬1) التقريب (2051).

فقضى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بغرةٍ: عبدٍ أو وليدةٍ ". دار الحديث على أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف رواه عنه: - محمد بن شهاب الزهري: أخرجه مالك (2478)، والشافعي في الأم 6/ 107،وأحمد 2/ 236 و2/ 274،والبخاري (5758 و 5760 و6740و6904و6909 و6910)،ومسلم (1681)، والترمذي (2111)، والنسائي 8/ 48، والطحاوي في شرح المعاني 3/ 205، والبيهقي 8/ 112 من طرقٍ عن الزهري به. (¬1) -ومحمد بن عمرو: أخرجه أحمد 2/ 438 من طريق يحيى بن سعيد وفي 2/ 498 من طريق يزيدبن هارون، والترمذي (1410) من طريق يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، وابن ماجة (2639) من طريق محمد بن بشر. كلهم عن محمد بن عمرو (¬2) بلفظ مقارب لرواية الزهري. ورواه أبو داود (4579) من طريق عيسى بن يونس عن محمد بن عمرو (¬3)، فزاد عليهم " أو فرس أو بغل "وقال: " روى هذا الحديث حماد بن سلمة وخالد بن عبد الله عن محمد بن عمرو، ولم يذكرا (فرس أو بغل) ". (¬4) هكذا وجدنا ستة من الثقات يروون الحديث عن محمد بن عمرو من غير هذه الزيادات، وتفرد بها عيسى بن يونس وهو ثقة مأمون كما قال الحافظ ابن حجر (¬5). أقول: فلو صحت الزيادة عند مالك لماذا لم يأخذ بها هنا وفيها فائدة زيادة حكم شرعي؟ وكذا يدلل على منهج البخاري ومسلم في عدم إيرادهما لها. 6 - وأخرج في (2111) فقال: عن جعفر بن محمد عن أبيه: " أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى باليمين مع الشاهد ". قلت: دار الحديث على جعفر بن محمد الصادق روي عنه مرة مرسلاً ومرة متصلاً، رواه عنه: - سفيان الثوري: أخرجه الترمذي (1345)، وابن أبي شيبة 4/ 544 ¬

(¬1) انظر المسند الجامع 17/ 362 (13765). (¬2) انظر المسند الجامع 17/ 362 (13765). (¬3) سبق. (¬4) انظر تفصيل تخريج الحديث في المسند الجامع 17/ 362 (13765) و 17/ 263 (13766). (¬5) التقريب (5341).

المبحث الثاني: عند الإمام البخاري

(22997). - وإسماعيل بن جعفر: أخرجه الترمذي (1345) وقال: هذا أصح، والبيهقي 10/ 169. كلاهما عن جعفر بن محمد به مرسلاً. ورواه عنه عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي - وهو ثقة (¬1) - فوصله، أخرجه الشافعي في المسند 2/ 180، وأحمد 3/ 305، والترمذي (1344)، وابن ماجة (2369)، والدارقطني 4/ 212، والبيهقي 10/ 169 - 170. كلهم من طرق عن عبد الوهاب الثقفي به (¬2). أقول: فلو قال الإمام مالك بقبول الزيادة فلماذا لم يوردها هنا؟ وقد أعل المتصل كل من الأئمة أبي حاتم، وأبي زرعة الرازيين، والترمذي -كما مر -، وابن عدي، ابن التركماني (¬3). وهكذا يتضح لنا أنَّ الإمام مالك لم يقبل زيادة الثقة، بل رَدَّ زيادات كثيرة في الإسناد إذ أوردها مرسلة في حين رواها غيره متصلة، كما رد زيادات مهمة في المتن تفرد بها ثقات، والأمثلة المذكورة لها نظائر عديدة في الموطأ لمن يتتبع. المبحث الثاني: عند الإمام البخاري: لم أقف بعد طول بحث في صحيح الإمام البخاري وبالاستعانة بكتب الشروح والتخريج على حديث واحد - بحدود اطلاعي - يقبل فيه زيادة الثقة بمعناه عند المتأخرين، وهو أن يزيد راوٍ واحد على مجموعة رواة رووا الحديث عن الشيخ نفسه، بل على العكس فهو دوماً يجتنب الأحاديث التي ينفرد بعض الرواة بزيادة في متونها أو أسانيدها، وأحياناً يعلقها مع أنَّ كل رجال السند ثقات ولكنه يرغب عنه للاختلاف فيه، ومن أمثلته حديث أبي بكرة - رضي الله عنه - في حجة الوداع الذي أخرجه مسلم بزيادة تركها البخاري، قال القاضي عياض: " وقد روى البخاري هذا الحديث عن ابن عون فلم يذكر فيه هذا الكلام فلعلّه تركه عمداً ... " (¬4). ¬

(¬1) التقريب (4261). (¬2) انظر المسند الجامع 4/ 192 (2656). (¬3) انظر علل ابن أبي حاتم 1/ 467 (1402)، والكامل في الضعفاء 1/ 238، والجوهر النقي 10/ 171. (¬4) شرح مسلم 11/ 171،وسيأتي الكلام عليه مفصلاً عند كلامنا على الإمام مسلم.

وأخرج حديث مالك عن وهب بن كيسان: أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بطعام ومعه ربيبه عمر ابن أبي سلمة فقال: " سمِّ الله وكل ممّا يليك " (¬1)، فاختار رواية مالك المرسلة التي أخرجها في الموطأ (¬2)،وترك الموصولة التي صحت عن مالك خارج الموطأ (¬3)،مع أن الرواية الموصولة وإن كانت خارج الموطأ فقد رواها اثنان ممن أخرج لهما في صحيحه وهما: خالد بن مخلد القطواني ويحيى بن صالح الوحاظي، فأخرج الطحاوي في شرح المشكل (155) رواية يحيى بن صالح، وأخرج الدارمي (2025) و (2051) والطحاوي في شرح المشكل (154) من طريق خالد بن مخلد، ولذلك قال الدارقطني في الإلزامات والتتبع:"وهذا الحديث أرسله مالك في الموطأ، ووصله عنه خالد بن مخلد ويحيى بن صالح وهو صحيح متصل". نعم أخرج البخاري الرواية الموصولة عن غير مالك (5377) لكنه اقتصر في رواية مالك على الرواية المرسلة، لأنَّ هذه الزيادة عن مالك لم تصح عنده، وإنْ صحت عند غيره، وهذا يبين بوضوح أنَّه يعل الرواية المتصلة بالمرسلة. وكذا الأحاديث المعلقة أو المرسلة التي يوردها في صحيحه تاركاً الطرق الموصولة لعلة يراها، إمّا لكون الراوي الذي زاد أقل حفظاً أو ضبطاً، أو لأن الذين أرسلوه أكثر فيتركها البخاري لهذه الأسباب أو لغيرها. وأحياناً يورد الرواية المرسلة ثم يعقبها بالمتصلة وهذا غاية في الإعلال لأنه أراد أن ينبه على كون المرسلة أصح، وأن المتصلة لم تفته فأخرجها عقبها - والله أعلم - ومثالها: ما أخرجه في (4320) فقال: " حدثنا أبو النعمان، قال: حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع أن عمر قال: يا رسول الله .. (ح) وحدثني محمد بن مقاتل قال: أخبرنا عبد الله قال: أخبرنا معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر - رضي الله عنه - قال: لمّا قفلنا من حنين سأل عمر النبي - صلى الله عليه وسلم - عن نذر كان نذره في الجاهلية اعتكاف فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - بوفائه ". وقال بعضهم: حماد عن أيوب عن نافع ابن عمر. ورواه جرير بن حازم وحماد بن سلمة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. فهنا أورد البخاري طريق حماد بن زيد عن أيوب عن نافع أن عمر - مرسلاً - ¬

(¬1) أخرجه برقم (5378). (¬2) الموطأ (1698). (¬3) انظر الإلزامات والتتبع ص245، وفتح الباري 9/ 654.

أولاً ثم أعقبها بالروايات المتصلة وقد اختلف فيها، فذهب ابن حجر في الفتح إلى أنَّ البخاري أشار إلى أنَّ الرواية - المرسلة - مرجوحة لأن جماعة من أصحاب شيخه أيوب خالفوه - أي حماد - فوصلوه وأرسله؟ (¬1) وهذا عكس للمسألة فمنهج البخاري أنْ يذكر الرواية المعلولة بعد الرواية الأصل ثم يتكلم عليها، ولو كان الأمر مثلما يقول الحافظ ابن حجر لمَا استدركها عليه الدارقطني في التتبع كونه أخرجه مرسلاً وقد صحَّ متصلاً؟ أضف إلى قوله: وقول حماد المرسل أصح (¬2) وقد يورد الإمام البخاري المرسل لينبه عليه كما يقول الحافظ ولكنه يقدمها بالمتصل لأن كتابه كتاب صحيح، لا كتاب علل وهذا حينما يتساوى الأمر عنده فيكون المتصل قد صح من وجه والمرسل قد صح من وجه ولا وجه للترجيح - عند البخاري - فيقدم المتصل ثم يردفه المرسل. ومثاله: ما أخرج البخاري (1626) فقال: حدثنا عبد الله بن يوسف قال: أخبرنا مالك عن محمد بن عبد الرحمن عن عروة عن زينب عن أم سلمة رضي الله عنها شكوت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (ح). وحدثني محمد بن حرب حدثنا أبو مروان يحيى بن أبي زكريا الغساني عن هشام عن عروة عن أم سلمة رضي الله عنها زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -:" أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال وهو بمكة وأراد الخروج ولم تكن أم سلمة طافت بالبيت وأرادت الخروج فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إذا أقيمت صلاة الصبح فطوفي على بعيرك والناس يصلون ففعلت ذلك فلم تصل حتى خرجت ". فهنا البخاري أورد الرواية المتصلة عن محمد بن عبد الرحمن عن عروة ثم أعقبها برواية هشام عن عروة المرسلة. حاكياً الخلاف فيه كعادته. (¬3) وقلْ مثل ذلك إذا رواه جماعة متصلاً وجماعة مرسلاً فإنه يذكر الخلاف فيه في العادة. يقول الحافظ في مثل هذا النوع: " والذي عرفناه بالاستقراء من صنيع البخاري أنه لا يعمل في هذه الصورة بقاعدة مطردة، بل يدور مع الترجيح إلاّ إن استووا فيقدم الوصل ". (¬4) ولمّا لم يصرّح لنا الإمام البخاري بمنهجه في صحيحه عامة وبمنهجه في زيادة الثقة خاصة، فلا يسعنا إلاّ استقراء منهجه التطبيقي في صحيحه، وهذا منهج ظني ولكنه لا ¬

(¬1) فتح الباري 8/ 43. (¬2) الإلزامات والتتبع ص370. (¬3) انظر فتح الباري 3/ 621 - 622. (¬4) فتح الباري 11/ 722.

يبعد كثيراً عن الواقع الحقيقي، لهذا فإنَّ عجبي لا يكاد ينتهي من بعض علماء المصطلح من المتأخرين حينما ينسبون للإمام البخاري القول بقبول الزيادة مطلقاً متعكزين على بعض النصوص الواردة عنه، ولبيان ذلك أقول: أطلق البخاري عبارة " الزيادة من الثقة مقبولة " مرة واحدة، ونص الحافظ ابن حجر على أنه قبول زيادة الثقة الحافظ (¬1) وذلك في حديث (1483):"حدثنا سعيد بن أبي مريم قال: حدثنا عبد الله بن وهب قال: أخبرني يونس بن يزيد عن الزهري عن سالم بن عبد الله عن أبيه - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " فيما سقت السماء والعيون أو كان عشريا العشر وما سقي بالنضح نصف العشر". وعقّبه في (1484) فقال: حدثنا مسدد حدثنا يحيى حدثنا مالك قال حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة عن أبيه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " ليس فيما أقل من خمسة أوسق صدقة ولا في أقل من خمسة من الإبل الذود صدقة ولا في أقل من خمس أواق من الوَرِق صدقة ". قال أبو عبد الله:"هذا تفسير الأول إذا قال ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة ويؤخذ أبداً في العلم بما زاد أهل الثبت أو بينوا ". قال أبو عبد الله:"هذا تفسير الأول لأنه لم يوقت في الأول يعني حديث ابن عمر وفيما سقت السماء العشر وبين في هذا ووقت والزيادة مقبولة والمفسر يقضي على المبهم إذا رواه أهل الثبت كما روى الفضل بن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يصل في الكعبة وقال بلال: قد صلى فأخذ بقول بلال وترك قول الفضل ". أقول: وقد اختلف رواة صحيح البخاري في موقع هذا الكلام هل هو عقب حديث ابن عمر أم حديث أبي سعيد الخدري (¬2)، وهذا كله لا يعنينا هنا، وإنما الذي ¬

(¬1) فتح الباري 3/ 445. (¬2) في نسخة الفتح - هذه - عقب حديث ابن عمر. وقد رجح ابن حجر أنه عقب حديث أبي سعيد فقال في فتح الباري 3/ 445:" وقوله قال أبو عبد الله هذا تفسير الأول الخ هكذا وقع في رواية أبي ذر هذا الكلام عقب حديث ابن عمر في العشري ووقع في رواية غيره عقب حديث أبي سعيد المذكور في الباب الذي بعده وهو الذي وقع عند الإسماعيلي أيضا وجزم أبو علي الصدفي بأن ذكره عقب حديث ابن عمر من قبل بعض نساخ الكتاب انتهى ولم يقف الصغاني على اختلاف الروايات فجزم بأنه وقع هنا في جميعها قال: وحقه أن يذكر في الباب الذي يليه قلت ولذكره عقب كل من الحديثين وجه لكن تعبيره بالأول يرجح كونه بعد حديث أبي سعيد لأنه هو المفسر للذي قبله وهو حديث ابن عمر فحديث ابن عمر بعمومه ظاهر في عدم اشتراط النصاب وفي إيجاب الزكاة في كل ما يسقى بمؤونة وبغير مؤونة ولكنه عند الجمهور مختص بالمعنى الذي سيق لأجله وهو التمييز بين ما يجب فيه العشر أو نصف العشر بخلاف حديث أبي سعيد فإنه مساق لبيان جنس المخرج منه وقدره فأخذ به الجمهور عملاً بالدليلين كما سيأتي بسط القول فيه بعد إن شاء الله تعالى وقد جزم الإسماعيلي بأن كلام البخاري وقع عقب حديث أبي سعيد ودل حديث الباب على التفرقة في القدر المخرج الذي يسقى بنضح أو بغير نضح فإن وجد ما يسقى بهما فظاهره أنه يجب فيه ثلاثة أرباع العشر إذا تساوى ذلك وهو قول أهل العلم قال ابن قدامة لا نعلم فيه خلافاً وإن كان أحدهما أكثر كان حكم الأقل تبعا للأكثر نص عليه أحمد وهو قول الثوري وأبي حنيفة واحد قولي الشافعي والثاني يؤخذ بالقسط ويحتمل أن يقال إن أمكن فصل كل واحد منهما أخذ بحسابه وعن ابن القاسم صاحب مالك العبرة بما تم به الزرع ". انتهى فرجّح ابن حجر أنّه يخص حديث أبي سعيد وإن كان لذكره عقب كل حديث منهما وجه، والذي أراه والله أعلم أنَّه يخص الحديث الثاني حديث أبي سعيد لأن الكلام واضح عن ترتيب الحديثين والثاني هو الذي يفسر.

يهمنا هنا أنَّ الإمام البخاري أطلق عبارة"زيادة الثقة"،وأراد بها زيادة أبي سعيد على ابن عمر رضي الله عنهما، ويؤكد هذا تمثيله بـ "كما روى الفضل بن عباس ... "آخر الكلام، فمثّل بزيادة " بلال "على" الفضل" رضي الله عنهما، فنبّه إلى معنى الزيادة المقبولة عنده، وإلاّ فإنَّه لا يقبل الزيادة - بمفهوم المتأخرين - كما مر معنا. ويدلل على هذا أنه لا يوجد في هذا الحديث زيادة تفرد بها راو على آخر، فما المناسبة في سياق كلام البخاري إذن؟ ولو سلمنا جدلاً أنه يريد زيادة الرواة دون الصحابي فإنه يقصد معناها عند المتقدمين كما حررناه. (¬1) وقد صرّح أيضاً بقبول الزيادة بين الصحابة، إذا ما اختلفوا في حديث ما في كتابه " جزء رفع اليدين " إذ قال: " ما زاده ابن عمر وعلي وأبو حميد في عشرة من الصحابة من الرفع عند القيام من الركعتين صحيح لأنهم لم يحكوا صلاة واحدة فاختلفوا فيها وإنما زاد بعضهم على ¬

(¬1) انظر ص208.

بعض، والزيادة مقبولة من أهل العلم ". (¬1) ورغم أن زيادة الصحابة بعضهم على بعض لا خلاف فيها إلاّ أنَّ الإمام البخاري وضع لنا شرطاً هو عدم اتحاد المجلس، فإذا ما اتحد المجلس وجب الترجيح، والله أعلم. وقد أفادني أستاذي الدكتور بشار عواد معروف كلاماً نفيساً فقال: " أن الذي عناه البخاري في كلامه هذا ليس المسألة الاصطلاحية التي عناها المتأخرون في كتب المصطلح، فقد ساق البخاري حديثاً عن صحابي مبهما ثم ساقه من طريق آخر مفسراً، وطبيعي أن يقبل مثل هذا، لأن هذا حديث مستقل، وذاك حديث مستقل آخر ايضاً، ولأن كتاب البخاري كتاب فقه أكثر منه كتاب حديث، كان من الطبيعي أنه يسوق الدليل وما يفسره، فهذا عمل الفقهاء، وهذا لا علاقة له بموضوع زيادة الثقات أصلاً، لأن الزيادة إنما تقع في حديث الصحابي الواحد، وليس في حديث الصحابيين، وأهل العلم متفقون على تفاوتهم أن حديث كل صحابي هو حديث مستقل عن الصحابي الآخر". لذا فإن علماء المصطلح لا يستدلون بهذا القول على دعوى قبول الزيادة عند البخاري، لأنهم يعرفون أنَّ زيادات الصحابة بعضهم على بعض لا علاقة لها بمعنى زيادة الثقة الذي يناقشونه، وإنما غاية استدلالهم هو حديث (لا نكاح إلا بولي) وقول الإمام البخاري فيه: " الزيادة من الثقة مقبولة " (¬2)، وقد أجبنا عنه سلفاً. (¬3) وهنا عليَّ أن أضع سؤالاً: إذا قال قائل أنَّ البخاري يقبل الزيادة، فعليه أن يأتينا بمثال من صحيحه يدلل فيه على صحة دعواه؟ والمثال الذي لابد منه: أنْ يزيد راوٍ واحد زيادة ينفرد بها عن بقية الرواة عن الشيخ نفسه في الحديث نفسه - متناً أو سنداً - فإذا كان أكثر من واحد ووجدنا له متابعاً - للراوي المنفرد - بطل الاستدلال به لأنه من قبيل مختلف الحديث. وبحدود اطلاعي واستقرائي لصحيح البخاري لم أقف على مثالٍ واحد تنطبق عليه هذه الشروط اللهم إلاّ بعض الأحاديث التي سنذكرها وهي ليست من قبيل الزيادة، وإنما هي من قبيل المزيد في متصل الأسانيد أو من قبيل المدرج، أو الرواية بالمعنى ... الخ. ¬

(¬1) نقلاً عن فتح الباري 2/ 283. (¬2) انظر الكفاية في علوم الرواية، الخطيب ص413، وتدريب الراوي 1/ 184. (¬3) انظر ص208.

ثم أقول: لو صحَّ فرضاً عندنا مثال أو مثالان، فإن ذلك لا يعني أنَّه يقبل الزيادة وإنما هو من باب انتقاء تلك الأحاديث انتقاءاً، ولا ندري لماذا، وما هي قواعده؟ لأنه لم يصرح بها أصلاً يقول الإمام البخاري: "لو نُشِرَ بعض أستاذي هؤلاء لم يفهموا كيف صنفت كتاب التاريخ ولا عرفوه، ثم قال: صنفته ثلاث مرات" (¬1) فما بالك بالصحيح ‍‍. ومثل هذا لا يمكن أن يقف أمام الكم الهائل من الأحاديث والزيادات التي وقعت من ثقات حفّاظ ولكن البخاري لم يقبلها ولم يدونها في صحيحه، بل آثر الرواية المنقطعة والمرسلة عليها!! يقول الحافظ ابن حجر: " إن البخاري ليس له عمل مطرد في قبول الزيادة أو ردّها بل يصوّب الإرسال أحياناً لقرينة تظهر له، ويصوّب الاتصال أحياناً أخرى حسب القرينة " (¬2). وقال ابن القيم: "وأما تصحيحه حديث يحيى بن أبي سليم في غير هذا فلا إنكار عليه فيه، فهذه طريقة أئمة الحديث العالمين بعلله يصححون حديث الرجل ثم يضعفونه بعينه في حديث آخر إذا انفرد أو خالف الثقات، ومن تأمل هذا وتتبعه رأى منه الكثير فإنهم يصححون حديثه لمتابعة غيره له أو لأنه معروف الرواية صحيح الحديث عن شيخ بعينه ضعيفها في غيره، وفي مثل هذا يعرض الغلط لطائفتين من الناس، طائفة تجد الرجل قد خرج حديثه في الصحيح وقد احتج به فيه فحيث وجدوه في حديث قالوا: هذا على شرط الصحيح، وأصحاب الصحيح يكونون قد انتقوا حديثه، ورووا له ما تابعه فيه الثقات ولم يكن معلولاً ويتركون من حديثه المعلول وما شذ فيه وانفرد به عن الناس وخالف فيه الثقات أو رواه عن غير معروف بالرواية عنه ولا سيما إذا لم يجدوا حديثه عند أصحابه المختصين به فإن لهم في هذا نظراً واعتباراً اختصوا به عمن لم يشاركهم فيه، فلا يلزم حيث وجد حديث مثل هذا أن يكون صحيحاً، ولهذا كثيراً ما يعلل البخاري ونظراؤه حديث الثقة بأنه لا يتابع عليه. والطائفة الثانية يرون الرجل قد تكلم فيه بسبب حديث رواه وضعف من أجله فيجعلون هذا سبباً لتضعيف حديثه أين وجدوه فيضعفون ¬

(¬1) تاريخ بغداد للخطيب 2/ 325 - 326،وقد تحرف هذا القول في المطبوع من فتح الباري فصار:"كيف صنفت البخاري" (هدي الساري ص673). (¬2) النكت على ابن الصلاح 2/ 609.

المطلب الأول: ما كان ظاهره القبول وهو ليس كذلك

من حديثه ما يجزم أهل المعرفة بالحديث بصحته، وهذا باب قد اشتبه كثيراً على غير النقاد، والصواب ما اعتمده أئمة الحديث ونقاده من تنقية حديث الرجل وتصحيحه والاحتجاج به في موضع وتضعيفه وترك حديثه في موضع آخر وهذا فيما إذا تعددت شيوخ الرجل ظاهر كإسماعيل بن عياش في غير الشاميين وسفيان بن حسين في غير الزهري ونظائرهما متعددة، وإنما النقد الخفي إذا كان شيخه واحداً كحديث العلاء بن عبد الرحمن مثلاً عن أبيه عن أبي هريرة فإن مُسلماً يصحح هذا الإسناد ويحتج بالعلاء، وأعرض عن حديثه في الصيام بعد انتصاف شعبان وهو من روايته على شرطه في الظاهر ولم ير إخراجه لكلام الناس في هذا الحديث وتفرده وحده به وهذا أيضاً كثير يعرفه من له عناية بعلم النقد ومعرفة العلل، وهذا إمام الحديث البخاري يعلل حديث الرجل بأنه لا يتابع عليه ويحتج به في صحيحه ولا تناقض منه في ذلك". (¬1) قلت: وهذه المرجحات يصعب معرفتها إلا بالتخمين الذي قد يخطئ أو يصيب لأنه لم يصرح بها؟! فلا سبيل لمعرفتها. المطلب الأول: ما كان ظاهره القبول وهو ليس كذلك: وقد وقفت خلال استقرائي لصحيح البخاري على بعض الأمثلة التي قد يظنها البعض قبولاً للزيادة، فسأوردها هنا لبيان أنها ليست من هذا القبيل: 1 - قال الإمام البخاري (5273):حدثنا أزهر بن جميل قال: حدثنا عبد الوهاب الثقفي قال: حدثنا خالد-الحذاء-عن عكرمة عن ابن عباس أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلق ولا دين ولكني أكره الكفر في الإسلام، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"أتردين عليه حديقته؟ قالت: نعم، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:أقبل الحديقة وطلقها تطليقة ". قال أبو عبد الله: لا يتابع فيه عن ابن عباس. حدثنا إسحاق الواسطي حدثنا خالد عن خالد الحذاء عن عكرمة أن أخت عبد الله بن أُبي بهذا وقال: تردين حديقته؟ قالت: نعم فردتها، وأمره أن يطلقها. وقال إبراهيم بن طهمان عن خالد عن عكرمة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - "وطلقها ".وعن أيوب بن أبي تميمة عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال جاءت امرأة ثابت بن قيس إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله، إني لا أعتب على ثابت في دين ولا خلق ولكني لا أطيقه فقال رسول الله ¬

(¬1) ((حاشية ابن القيم على سنن أبي داود المطبوع مع عون المعبود للعظيم آبادي 10/ 292 - 293.

- صلى الله عليه وسلم -:" فتردين عليه حديقته؟ قالت: نعم ". قلت: دار الحديث على عبد الوهاب الثقفي رواه عنه أزهر وحده متصلاً: أخرجه البخاري (5273)، والنسائي 6/ 169،وفي الكبرى 3/ 369 (5657)، والطبراني في الكبير 11/ 247 (1969)، والدارقطني 3/ 254 والبيهقي 7/ 313. قال الدارقطني في التتبع: " وأصحاب الثقفي غير أزهر يرسلونه " (¬1). قلت: ولم أقف على من أخرجه عن الثقفي مرسلاً؟ وأعتقد أن الدارقطني فهم خطأً من كلام البخاري أنه روي مرسلاً عن الثقفي، ويؤيد هذا أن الدارقطني لم يذكر من أرسله؟. ومراد الإمام البخاري أنه روي على الاختلاف الذي ذكره هو عقب الحديث، أي أن الاختلاف يدور على خالد الحذاء لا على الثقفي. (¬2) وإنما خالف خالد الطحان عبد الوهاب الثقفي عن خالد الحذاء، في روايته الحديث مرسلاً، أخرجه البخاري (5274)،والبيهقي 7/ 313. ورواه إبراهيم بن طهمان عنه - الحذاء - مرسلاً أيضا، أخرجه البخاري (5274) تعليقاً، ووصله ابن حجر في التغليق (¬3). وأما عن قول البخاري عقب الحديث " لا يتابع فيه عن ابن عباس " قال الحافظ ابن حجر: " لا يتابع أزهر بن جميل على ذكر ابن عباس في هذا الحديث بل أرسله غيره ومراده بذلك خصوص طريق خالد الحذاء عن عكرمة، ولهذا عقبه برواية خالد وهو ابن عبد الله الطحان عن خالد وهو الحذاء عن عكرمة مرسلاً، ثم برواية إبراهيم بن طهمان عن خالد الحذاء مرسلاً وعن أيوب موصولاً ورواية إبراهيم بن طهمان عن أيوب الموصولة وصلها الإسماعيلي ". (¬4) هكذا قال الحافظ ابن حجر، وإنما أعلّ البخاري الحديث لكونه غير معروف عند الحفاظ متصلاً عن الثقفي إلا من طريق أزهر، وأظن أن ابن حجر أخذ هذا من كلام ¬

(¬1) التتبع ص489. (¬2) انظر سنن البيهقي 7/ 313، ومقدمة فتح الباري ص 534. (¬3) انظر تغليق التعليق 4/ 462. (¬4) فتح الباري.9/ 401.

الدارقطني في التتبع إذ قال: " وأصحاب الثقفي غير أزهر يرسلونه أيضاً "؟ قال ابن حجر في المقدمة: بعد نقل كلام الدارقطني:"قلت: قد حكى البخاري الاختلاف فيه وعلقه لإبراهيم بن طهمان عن خالد الحذاء مرسلاً، وعن أيوب موصولاً، وذلك لما يقوي رواية جرير بن حازم، وفي رواية أبي ذر عن المستملي من الزيادة قال البخاري عقب حديث أزهر: لا يتابع فيه عن ابن عباس، وهذا معنى قول الدارقطني أن أصحاب الثقفي يرسلونه، وقد ذكرت من وصل حديث إبراهيم بن طهمان في تغليق التعليق ". (¬1) أقول: وهكذا تكون الموازنة بين طريقين فحسب، طريق الثقفي، وطريق خالد الطحان، أما عن طريق إبراهيم بن طهمان فأنه لم يصح عند البخاري، لذا علقه، وإنما أورده أصلاً لبيان زيادة وردت فيه وهو قوله:"وطلقها". وكذا الثقفي ثقة أيضاً. (¬2) فاختار البخاري طريق الثقفي لأنه توبع متابعة قاصرة إذ توبع في شيخه (الحذاء) تابعه أيوب بن أبي تميمة، أخرجه البخاري (5275 و 5276 و 5277)، والبيهقي 7/ 313، وكذا قتادة السدوسي، أخرجه البيهقي 7/ 313. وفي هذا رد على الدارقطني في تتبعه على البخاري، وأما أزهر هذا فإنه وإن كان ثقة، لكنه ليس من المتقنين الأثبات، كما تدل على ذلك ترجمته، ولذا فإن البخاري لم يخرج له إلا هذا الحديث، ولم يخرج له من أصحاب الكتب الستة الباقين إلا النسائي، فلعل هذا من أوهامه، ولعل الحافظ ابن حجر إنما قال:"صدوق يغرب"،من أجل هذا الحديث (¬3)؟ 2 - وقال البخاري: (6820):حدثني محمود، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر:" أن رجلا من أسلم جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - فاعترف بالزنا فأعرض عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى شهد على نفسه أربع مرات قال له النبي - صلى الله عليه وسلم -:أبك جنون؟ قال: لا، قال: أحصنت؟ قال: نعم، فأمر به فرجم بالمصلى فلما أذلقته الحجارة فر، فأدرك فرجم حتى مات فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - خيراً وصلى عليه ". لم يقل يونس ¬

(¬1) مقدمة فتح الباري ص 534، انظر المسند الجامع 9/ 200 (6498) و9/ 201 (6499). (¬2) جاء في التقريب (3261):" ثقة تغير قبل موته بثلاث سنين"،وتعقبه صاحبا التحرير 2/ 398: "الثابت أن الناس حجبوا عنه عند تغيره ". (¬3) التقريب (303)،وتتبعه مصاحبا التحرير 1/ 109 فقالا: " ولم يصفه أحد بالأغراب البتة "؟.

وابن جريج عن الزهري فصلى عليه سئل أبو عبد الله هل قوله فصلى عليه يصح أم لا؟ قال: رواه معمر قيل له: رواه غير معمر؟ قال لا. قلت: أخرجه البخاري من حديث محمود قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن الزهري به، فزاد زيادة: "وصلى عليه"،خالف بها جمهرة الرواة الذين رووه عن معمر إذ قالوا في حديثهم " ولم يصلِ عليه ". وقد تعقب على الإمام البخاري من وجهين: الأول: إيراده هذا الطريق الذي خالف فيه، وسيأتي الكلام عليه. الثاني: قوله: لم يقل يونس وابن جريج عن الزهري فصلى عليه سئل أبو عبد الله هل قوله فصلى عليه يصح أم لا؟ قال: رواه معمر قيل له رواه غير معمر؟ قال لا. فأشعر أن المنفرد بالزيادة هو معمر؟ والصحيح أن المنفرد بها هو محمود بن غيلان: فقد روي الحديث عن عبد الرزاق عن معمر بالسند نفسه دون الزيادة، بل بنفي الصلاة عليه، رواه عن عبد الرزاق أكثر من عشرة رواة، وانفرد محمود عنهم بالزيادة. فقد أخرجه: أحمد 3/ 323 فقال: حدثنا عبد الرزاق. وأخرجه مسلم 3/ 1318 (1691) من طريق إسحاق بن إبراهيم. وأخرجه إبن الجارود 1/ 206 (813)، طريق محمد بن يحيى الذهلي. وأخرجه النسائي 4/ 62،وفي الكبرى 1/ 635 (2083)،و 4/ 280 (7176) من طريق محمد بن يحيى الذهلي، وطريق نوح بن حبيب القومسي. وأخرجه النسائي في الكبرى 4/ 280 (7176) من طريق محمد بن رافع النيسابوري. وأخرجه أبو داود (4430)، والترمذي (1429) من طريق الحسن بن علي الخلال. وأخرجه أبو داود (4430) من طريق محمد بن المتوكل العسقلاني. وأخرجه أبو عوانة 4/ 125 (6265) من طريق إسحاق الدبري. وأخرجه الدارقطني 3/ 127، والبيهقي 8/ 218، من طريق أحمد بن منصور الرمادي. وأخرجه ابن حبان 7/ 362 (3094) من طريق محمد بن الحسن بن السري.

كلهم عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر به مرفوعاً (¬1)، بعضهم قال: " ولم يصل عليه "، وبعضهم سكت عنها. وأما طريق يونس الذي ذكره البخاري فقد أخرجه في صحيحه (5270 و 6814)، ومسلم 3/ 1318 (1691)، وأبو عوانة 4/ 126 (6266). وأخرجه البخاري من طريق عقيل بن خالد (6816).ومن طريق شعيب (5272)، وأخرجه معلقاً عن الزهري (7168). وأخرجه الدارمي 2/ 213 (2315)، ومسلم 3/ 1318 (1691)، وأبو عوانة 4/ 126 (6266) من طريق ابن جريج. وقد خطّأ البيهقي 8/ 218 حديث البخاري، وقال الحافظ ابن حجر 12/ 154 - 155: " قوله وصلى عليه هكذا وقع هنا عن محمود بن غيلان عن عبد الرزاق وخالفه محمد بن يحيى الذهلي وجماعة عن عبد الرزاق فقالوا في آخره ولم يصل عليه قال المنذري في حاشية السنن: رواه ثمانية أنفس عن عبد الرزاق فلم يذكروا قوله وصلى عليه ... فهؤلاء أكثر من عشرة أنفس خالفوا محموداً منهم من سكت عن الزيادة ومنهم من صرح بنفيها ... وقد اعترض عليه في جزمه بأن معمراً روى هذه الزيادة مع أن المنفرد بها إنما هو محمود بن غيلان عن عبد الرزاق وقد خالفه العدد الكثير من الحفاظ فصرحوا بأنه لم يصل عليه، لكن ظهر لي أن البخاري قويت عنده رواية محمود بالشواهد ... ". وقال الزيلعي في معرض كلامه على الزيادة في الأحاديث:"وفي موضع يغلب على الظن خطؤها كزيادة معمر في حديث ماعز الصلاة عليه، رواها البخاري في صحيحه وسئل هل رواها غير معمر؟ فقال: لا. وقد رواه أصحاب السنن الأربعة عن معمر وقال فيه: "ولم يصل عليه ". فقد اختلف على معمر في ذلك، والراوي عن معمر هو عبد الرزاق، وقد اختلف عليه أيضاً، والصواب: أنه قال: ولم يصل عليه " (¬2). قلت: وهذه الشواهد قد تنفع في جبر المتن، وأما السند فلا، وأما عن تخريج البخاري له فنجيب عنه بما يأتي: 1 - إنها ليست من قبيل الزيادة، لتحقق المخالفة، فجماعة من الثقات قالوا: لم ¬

(¬1) انظر المسند الجامع 4/ 183 (2642). (¬2) نصب الراية 1/ 336.

المطلب الثاني: زيادات أعرض عنها البخاري

يصل عليه، ومعمر خالفهم فقال: صلى عليه! فلا وجه لمعنى الزيادة. 2 - إنّ البخاري أخرجه تحت باب سماه:" الرجم بالمُصَلَّى"،فأورد هذا الحديث لتضمنه لفظة " فرجم بالمصلى "، وهذا يعني أن رواية معمر أصح - عند البخاري _ من رواية يونس، وابن جريج، لأنه أخرجها في بابها، وهي تأكيد لهما -قطعاً -ولو صحت عنده لفظة: الصلاة عليه لبوب لها بابا، فأراد أن ينبه على خطئها خشية الوهم، فقال: "لم يقل يونس وابن جريج عن الزهري: فصلى عليه "، ثم سأل .. الخ. 3 - إنَّ البخاري حين أورد متن الحديث من طريق محمود بن غيلان عن عبد الرزاق عن معمر، إنما كان غرضه منها عبارة:"فرجم بالمصلى"لموافقتها الباب، وهذا لا يعني أنه قبل المتن كله، لذلك نبه بلطف إلى خطأ الرواية القائلة بأنّه صلى عليه، إذ المحفوظ أنه لم يصل عليه. 4 - ومن هنا فإنَّ الذين انتقدوا هذا على البخاري لم يدركوا جيداً هذه النكتة، فذهبوا إلى خطأ البخاري في إيراد هذه العبارة وكأنّه اختارها لصحتها، ولم ينتبه إلى غيرها، ومثل ذلك لا يفوت البخاري، بل إنّه نبه عليه. المطلب الثاني: زيادات أعرض عنها البخاري: وقفت على أحاديث كثيرة جداً قد أعرض الإمام البخاري عن زيادات زادها ثقات، وسأذكر بعض الأمثلة: - 1 - حديث (672) قال: حدثنا يحيى بن بكير قال: حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن أنس بن مالك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا قُدِّم العشاء فابدؤوا به قبل أن تصلوا صلاة المغرب ولا تعجلوا عن عشائكم ". أقول: دار الحديث على الزهري رواه عنه:- -سفيان بن عيينة: أخرجه الحميدي 2/ 499 (1181)، وأحمد 3/ 110، ومسلم 1/ 392 (557)، والترمذي (353)، والنسائي 2/ 111، وفي الكبرى 1/ 298 (926)، وابن ماجة (933)، وابن خزيمة 2/ 66 (934) و 3/ 76 (1651). -وسفيان بن عيينة وسليمان بن كثير - جميعاً -: أخرجه الدارمي 1/ 331 (1281). -ومعمر بن راشد: أخرجه أحمد 3/ 161.

-وعقيل بن خالد الأيلي: أخرجه البخاري (672). -وعمرو بن الحارث: أخرجه مسلم 1/ 392 (557)، وابن حبان 5/ 419 (2066). فهؤلاء كلهم رووه عن الزهري بألفاظ متقاربة (¬1). ثم رواه موسى بن أعين وهو ثقة من رجال الشيخين (¬2) عن عمرو بن الحارث فزاد لفظة:"وأحدكم صائم "أخرجه الشافعي 1/ 126وابن حبان 5/ 421 (2068) والطبراني في الأوسط 5/ 200 (5070). فلو كان البخاري يقبل الزيادة لأوردها هنا لا سيما وأن فيها زيادة حكم شرعي وهو تخصيص العام، إذ الحديث أنَّ الطعام يُقَدَّم على صلاة المغرب بصورة عامة ثم جاءت الزيادة مخصصة (بالصيام) (¬3)،ويصح ذلك بالنسبة للإمام مسلم والترمذي والنسائي وابن خزيمة وغيرهم ممن ذكرنا. 2 - وأخرج حديث (5555): فقال: حدثنا عمرو بن خالد قال: حدثنا الليث عن يزيد عن أبي الخير عن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطاه غنماً يقسمها على صحابته ضحايا فبقي عنود فذكره للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: (ضحِّ به أنت). أقول: دار الحديث على الليث بن سعد رواه عنه: قتيبة بن سعيد: أخرجه البخاري (2500 و 2300 و 5555)،ومسلم 3/ 1555 (1965)، والترمذي (1500)، والنسائي 7/ 218. وحجاج بن محمد المصيصي أخرجه أحمد 4/ 149. وأبو الوليد الطيالسي أخرجه الدارمي 2/ 106 (1954) وابن حبان 13/ 219 (5898). ومحمد بن رمح بن المهاجر أخرجه مسلم 3/ 1555 (1965)، وابن ماجة (3138). كلهم عن الليث بن سعد بألفاظ متقاربة (¬4). ¬

(¬1) انظر المسند الجامع 1/ 318 (449). (¬2) التقريب (6944). (¬3) انظر فتح الباري 2/ 204. (¬4) انظر المسند الجامع 13/ 42 (9861).

ورواه يحيى بن بكير عن الليث بن سعد بالإسناد نفسه وزاد فيه (ولا أرخصه لأحدٍ فيها بعد)، أخرجه البيهقي 9/ 270. وهذه الزيادة من ثقة (¬1) أخرج له الشيخان من روايته عن الليث خاصة (¬2)،وفيها حكم شرعي جديد وهو تخصيص الأمر بعقبة بن عامر فلماذا لم يخرجهما البخاري ومسلم إذا كانا يقولان بالزيادة؟ 3 - واخرج حديث (67) فقال: حدثنا مسدد قال: حدثنا بشر قال: حدثنا بن عون عن بن سيرين عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه ذكرَ النبي - صلى الله عليه وسلم - قعدَ على بعيره وأمسك إنسان بخطامه أو بزمامه، قال: أي يوم هذا؟ فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه سوى اسمه، قال: أليس يوم النحر؟ قلنا: بلى، قال: فأي شهر هذا؟ فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، فقال: أليس بذي الحجة؟ قلنا: بلى، قال: فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ليبلغ الشاهد الغائب فإن الشاهد عسى أن يبلغ من هو أوعى له منه ". أقول: مدار الحديث على ابن سيرين رواه عنه: (أيوب السختياني وقرة بن خالد) بلفظ متقارب أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما (¬3). ورواه عبد الله بن عون عن ابن سيرين واختلف عنه فرواه جماعة مثل رواية (أيوب وقرة) أخرجه البخاري (67) وأحمد 5/ 37، والنسائي في الكبرى 2/ 442 (4092) وفي 3/ 432 (5851)، وابن حبان 9/ 185 (3848) (¬4). ورواه جماعة عن ابن عون فزادوا فيه زيادة:" ثم انكفأ إلى كبشين أملحين فذبحهما وإلى جزيعة من الغنم فقسمها بيننا ". أخرجه أحمد 5/ 37،ومسلم 3/ 1306 (1679)، والنسائي 7/ 220،وفي الكبرى 2/ 442 (4092)، وفي 3/ 432 (5851)، وابن حبان 9/ 158 (3848) و13/ 312 (5973) (¬5). ¬

(¬1) انظر التقريب (7580). (¬2) انظر تهذيب الكمال 8/ 56 (7453). (¬3) انظر تخريجه في المسند الجامع 15/ 564 (11938). (¬4) سبق. (¬5) سبق.

أقول: وعبد الله بن عون هو بن أرطبان البصري ثقة ثبت فاضل (¬1) والزيادة هي منه لأنه قد رواه عنه جماعة على كل وجه، فالخلاف فيه من ابن عون فإنه رواه على الوجهين (¬2). فهذه الزيادة لم يخرجها الإمام البخاري لأنها خطأ في هذا الحديث، فهي ليست من حديث أبي بكرة، وإنما رواها محمد بن سيرين عن أنس بن مالك في حديث آخر (¬3). فلو قال الإمام البخاري بقبول الزيادة من الثقة على مفهوم المتأخرين لها لأوردها هنا. بل قد روى الحديث دونها عمداً كما قال القاضي عياض (¬4) رحمه الله وللمزيد انظر الأحاديث: (52 و 97 و 128 و 159 و 160 و 164 و 510 و 672 و 880 وو 927و 1129 و 1181 و 1934 و 4704 و 5573). هذا فيما يتعلق بالصحيح، وسأذكر بعض الأمثلة من الأحاديث التي أعلّها البخاري في كتب العلل خارج الصحيح. وسنأخذ أجوبة الإمام البخاري على أسئلة تلميذه الترمذي في علله ونمثل لذلك بأمثلة: 1 - قال الترمذي (296): سألت محمداً عن حديث رواه يحيى بن آدم قال: حدثنا إسرائيل: قال حدثنا أبو إسحاق عن أبي عبيدة عن عبد الله قال: " تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عائشة وهي ابنة ست سنين ... " (¬5). فقال: هذا خطأ إنما هو أبو إسحاق عن أبي عبيدة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوج عائشة، هكذا حدّثوا عن إسرائيل عن أبي إسحاق ويقولون عن أبي عبيدة عن عائشة أيضاً. ¬

(¬1) انظر التقريب (3519)، والتحرير 3/ 250. (¬2) قاله الدارقطني في التتبع ص319، والقاضي عياض والنووي انظرشرح صحيح مسلم 11/ 171 - 172. (¬3) سبق. (¬4) شرح صحيح مسلم، النووي 11/ 171 - 172. (¬5) أخرجه ابن ماجة (1877).

أقول: البخاري رد زيادة شيخه يحيى بن آدم وهو ثقة (¬1). 2 - ورد زيادة محمد بن فضيل: قال الترمذي في العلل (82) و (83): حدثنا هناد قال: حدثنا محمد بن فضيل عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"إنَّ للصلاة أولاً وآخراً ... " الحديث (¬2). وفي (83): قال حدثنا أبو أسامة عن الفزاري عن الأعمش قال: قال مجاهد: كان يقال إن للصلاة أولاً وآخراً، فذكر نحوه (¬3). سألت محمداً عن هذا الحديث فقال: وهم محمد بن فضيل في حديثه. والصحيح هو حديث الأعمش عن مجاهد. قلت: خطأ البخاري محمد بن فضيل في زيادته في وصل الحديث وقد أرسله غيره. وقد أعلّه أبو حاتم في علله 1/ 101 (273)،وقال:"هذا خطأ وهم فيه ابن فضيل برواية أصحاب الأعمش عن الأعمش عن مجاهد قوله"،وكذا الدارقطني (¬4). 3 - حديث (577): قال الترمذي: حدثنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا عبد الوهاب الثقفي عن يونس بن عبيد عن الحسن عن أمه عن عائشة قالت: كنّا ننبذ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سقاء يوكأ أعلاه له عزلاء ننبذه غدوة فيشربه عشاء، وننبذه عشاء فيشربه غدوة ". (¬5) سألت محمداً عن هذا الحديث فقال: هو حديث له علة يقولون: عن عائشة هذا الحديث موقوفاً. أقول: فالبخاري هنا رد زيادة يونس بن عبيد لأنَّ الحديث الصواب فيه الوقف، فأعلَّ الرفع بالوقف. وللمزيد انظر الأحاديث في علل الترمذي: (9 و 38 و 69 و 72 و 90 و 95 ¬

(¬1) التقريب (7496). (¬2) أخرجه أحمد 2/ 232 والترمذي (151)، والدارقطني 1/ 262. (¬3) أخرجه الترمذي (151) والدارقطني 1/ 262، والبيهقي 1/ 376. (¬4) انظر السنن 1/ 263. (¬5) أخرجه مسلم 3/ 1590 (2005)، وأبو داود (3711)، والترمذي (1871) وقال حسن غريب لا نعرفه إلاّ من حديث يونس بن عبيد إلاّ من هذا الوجه وقد روي هذا الحديث من غير هذا الوجه عن عائشة أيضاً.

المبحث الثالث: عند الإمام مسلم

و 98 و 99 و 104 و 117 و 129 و 144 و 158 و 203 و 221 و 238 و 248 و 259 و 275 و 283 و 286 و 290 و292 و 312 و 319 و 395 و 408 و 413 و 454 و 455 و 471 و 475 و 513 و 577 و 579 و 629 و 642 و 680 و 682 و 685 و 690). المبحث الثالث: عند الإمام مسلم: للإمام مسلم منهجية تختلف عن منهجية شيخه البخاري في الأحاديث التي وضعها في صحيحه، فالإمام البخاري تراه أحياناً يعدل عن إيراد الحديث المتصل بسند متصل بل يورده معلقاً لأن الحديث معلول عنده، وأحياناً يورده مرسلاً، ويترك المتصل، ليتجنب الاختلاف فيه، وأحياناً يصرح بالاختلاف الذي وقع في الحديث. أمّا تلميذه - مسلم - فإنَّ له منهجية تكاد تختلف تماماً عن شيخه، فهو يورد الحديث المعلول - عنده - بشكله المعلول، على حاله ولكنه يضعه بعد الحديث الصحيح، ولا يصرح بعلته في موضعه. وقد بين ذلك الإمام مسلم في خطبة الكتاب فقال: "إنا إن شاء الله مبتدئون في تخريج ما سألت، وتأليفه على شريطة سوف أذكرها لك، وهو إنا نعمد إلى جملة ما أسند من الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنقسمها على ثلاثة أقسام، وثلاث طبقات من الناس، على غير تكرار، إلا أن يأتي موضع لا يستغنى فيه عن ترداد حديث فيه زيادة معنى، أو إسناد يقع إلى جنب إسناد لعلة تكون هناك، لأن المعنى الزائد في الحديث المحتاج إليه يقوم مقام حديث تام، فلا بد من إعادة الحديث الذي فيه ما وصفنا من الزيادة، أو أن يفصل ذلك المعنى من جملة الحديث على اختصاره إذا أمكن، ولكن تفصيله ربما عسر من جملته فإعادته بهيئته إذا ضاق ذلك أسلم، فأما ما وجدنا بداً من إعادته بجملته من غير حاجة منا إليه فلا نتولى فعله إن شاء الله تعالى. فأما القسم الأول: فإنا نتوخى أن نقدم الأخبار التي هي أسلم من العيوب من غيرها، وأنقى من أن يكون ناقلوها أهل استقامة في الحديث وإتقان لما نقلوا ولم يوجد في روايتهم اختلاف شديد ولا تخليط فاحش كما قد عثر فيه على كثير من المحدثين وبان ذلك في حديثهم. فإذا نحن تقصينا أخبار هذا الصنف من الناس أتبعناها أخباراً يقع في أسانيدها بعض

من ليس بالموصوف بالحفظ والإتقان كالصنف المقدم قبلهم على أنهم وإن كانوا فيما وصفنا دونهم فإن اسم الستر والصدق وتعاطي العلم يشملهم كعطاء بن السائب ويزيد بن أبي زياد وليث بن أبي سليم وأضرابهم من حمال الآثار ونقال الأخبار فهم وإن كانوا بما وصفنا من العلم والستر عند أهل العلم معروفين فغيرهم من أقرانهم ممن عندهم ما ذكرنا من الإتقان والاستقامة في الرواية يفضلونهم في الحال والمرتبة لأن هذا عند أهل العلم درجة رفيعة وخصلة سنية. فأما ما كان منها عن قوم هم عند أهل الحديث متهمون أو عند الأكثر منهم فلسنا نتشاغل بتخريج حديثهم كعبد الله بن مسور أبي جعفر المدائني وعمرو بن خالد وعبد القدوس الشامي ومحمد بن سعيد المصلوب وغياث بن إبراهيم وسليمان بن عمر وأبي داود النخعي وأشباهم ممن اتهم بوضع الأحاديث وتوليد الأخبار وكذلك من الغالب على حديثه المنكر أو الغلط أمسكنا أيضا عن حديثهم، ... وسنزيد أن شاء الله تعالى شرحاً وإيضاحا في مواضع من الكتاب عند ذكر الأخبار المعللة إذا أتينا عليها في الأماكن التي يليق بها الشرح والإيضاح أن شاء الله تعالى " (¬1). فالإمام مسلم قسم الأحاديث في صحيحه إلى ثلاثة أقسام: أولاً: حديث الباب وهو أصح الأحاديث الأخرى، وأنقاها من العيوب. ثانياً: أحاديث تتلو ذلك (متابعات، وشواهد):وهي أقل صحة من الأولى، فقد يقع في إسنادها من ليس موصوفاً بالحفظ والإتقان، ولكن القاعدة المشتركة بينهم أنهم جميعاً ممن يشملهم اسم الستر والصدق يعني أهل مرتبة (صدوق، وضعيف يعتبر به) ومثل لهم بعطاء بن السائب، ويزيد بن أبي زياد، وليث بن أبي سليم وأضرابهم. ثالثاً: أحاديث معلولة ساقها لبيان عللها، وعادة ما يأتي بها بعد إيراد الأحاديث الصحيحة. ومما تقدم يتضح أن الإمام مسلم بن الحجاج قد فصل بين الحديث الذي يمكن أن يدون في الكتاب، وبين أحاديث المتهمين والكذابين، التي لا يجوز عنده التشاغل بها. ثم قسم الأحاديث المذكورة في صحيحه إلى ثلاثة أقسام -كما مرت - وهي: الأصول، والمتابعات والشواهد ثم بعض الأحاديث المعلولة التي يريد التنبيه إليها (¬2). ¬

(¬1) مقدمة الصحيح 1/ 4 - 6. (¬2) مقدمة الصحيح 1/ 4 - 5.

وهذا الذي ذكرنا ليس بدعاً من القول، ولا فيه إساءة إلى الصحيح، إذ قاله إمامان عظيمان ممن عني بصحيح مسلم، ودرسه دراسة جيدة متخصصة، وهما: القاضي عياض، ومحيي الدين النووي، نقل النووي في شرح خطبة الإمام مسلم لصحيحه عن القاضي عياض قوله: " ووجدته ذكر في أبواب كتابه حديث الطبقتين الأوليين، وأتى بأسانيد الثانية منهما على طريق الاتباع للأولى والاستشهاد، أو حيث لم يجد في الباب الأول شيئاً، وذكر أقواماً تكلم قوم فيهم وزكاهم آخرون، وخرج حديثهم ممن ضعف أو اتهم ببدعة، وكذلك فعل البخاري. فعندي أنه أتى بطبقاته الثلاث في كتابه على ما ذكر ورتب في كتابه، وبينه في تقسيمه، وطرح الرابعة كما نص عليه، فالحاكم تأول أنه إنما أراد أن يفرد لكل طبقة كتاباً ويأتي بأحاديثها خاصة مفردة، وليس ذلك مراده بل إنما أراد بما ظهر من تأليفه، وبان من غرضه أن يجمع ذلك في الأبواب، ويأتي بأحاديث الطبقتين فيبدأ بالأولى ثم يأتي بالثانية على طريق الاستشهاد والاتباع، حتى استوفى جميع الأقسام الثلاثة، ويحتمل أن يكون أراد بالطبقات الثلاث الحفاظ ثم الذين يلونهم، والثالثة هي التي طرحها، وكذلك علل الحديث التي ذكر ووعد أنه يأتي بها قد جاء بها في مواضعها من الأبواب من اختلافهم في الأسانيد كالإرسال والإسناد، والزيادة والنقص، وذكر تصاحيف المصحفين، وهذا يدل على استيفائه غرضه في تأليفه، وإدخاله في كتابه كما وعد به. قال القاضي رحمه الله: وقد فاوضت في تأويلي هذا، ورأيي فيه من يفهم هذا الباب، فما رأيت منصفاً إلا صوبه، وبان له ما ذكرت وهو ظاهر لمن تأمل الكتاب وطالع مجموع الأبواب، ولا يعترض على هذا بما قاله ابن سفيان صاحب مسلم أنّ مسلماً أخرج ثلاثة كتب من المسندات، أحدها هذا الذي قرأه على الناس، والثاني يدخل فيه عكرمة، وابن إسحاق صاحب المغازي، وأمثالهما، والثالث يدخل فيه من الضعفاء، فانك إذا تأملت ما ذكر ابن سفيان لم يطابق الغرض الذي أشار إليه الحاكم مما ذكر مسلم في صدر كتابه، فتأمله تجده كذلك إن شاء الله تعالى. هذا آخر كلام القاضي عياض رحمه الله وهذا الذي اختاره ظاهر جداً والله أعلم " (¬1). ويقول الحافظ ابن الصلاح في معرض الحديث عن منهجية الإمام مسلم هذه: ¬

(¬1) شرح مسلم 1/ 23.

"الثاني: أن يكون ذلك واقعاً في الشواهد والمتابعات، لا في الأصول، وذلك بأن يذكر الحديث أولاً بإسناد نظيف رجاله ثقات، وبجعله أصلاً، ثمَّ يتبع ذلك بإسنادٍ آخر أو أسانيد فيها بعض الضعفاء على وجه التأكيد بالمتابعة أو لزيادة فيه تنبيه على فائدة فيما قدمه" (¬1). ومن ذلك يقول الإمام النووي مجيباً على تعقب الدارقطني على أحد الأحاديث استدركها الدارقطني على مسلم:"وهذا الاستدلال فاسد لأن مسلماً لم يذكره متأصلاً، وإنما ذكره متابعة للطرق الصحيحة السابقة، وقد سبق أن المتابعات يحتمل فيها الضعف لأن الاعتماد على ما قبلها، وقد سبق ذكر مسلم لهذه المسألة في أول خطبة كتابه وشرحناه هناك، وأنه يذكر بعض الأحاديث الضعيفة متابعة للصحيحة " (¬2). وقال الحافظ العراقي:" وفيه مواضع يسيرة رواها بإسناده المتصل ثم قال: رواه فلان وهذا ليس من باب التعليق وإنما أراد ذكر من تابع رواية الذي أسنده من طريقه عليه، أو أراد بيان الخلاف في السند كما يفعل أهل الحديث، ويدل على أنه ليس مقصوده بهذا إدخاله في كتابه أنه يقع في بعض أسانيد ذلك من ليس هو شرط مسلم كعبد الرحمن بن خالد بن مسافر" (¬3). وهذا العلائي يقرر القاعدة ذاتها، فعند ترجمة أبي قلابة البصري ذكر أنه لم يسمع من عائشة - رضي الله عنه -،مع أن حديثه عنها في صحيح مسلم، فقال:"روايته عن عائشة في صحيح مسلم وكأنه على قاعدته" (¬4). وقال الدكتور نور الدين عتر في منهجية الإمام مسلم:"وقد اقتفى أثر البخاري في اشتراط الصحة، فجاء كتابه تالياً كتاب البخاري في الصحة على المعتقد المشهور، ولكنّ أبا الحسين لم يتبع طريقة الإمام البخاري الفقيه، بل سلك طريقة الصناعة الحديثية، وفن الإسناد، فعني بالمتابعات والشواهد، وبين ما في الأحاديث من لفظة زائدة، أو اختلاف بين الثقات، أو علة، وجعل الأحاديث ثلاثة أقسام، والرجال ثلاثة أصناف من حيث ¬

(¬1) صيانة صحيح مسلم، ابن الصلاح ص95. (¬2) شرح النووي 11/ 113. (¬3) شرح الألفية 1/ 72. (¬4) جامع التحصيل ص211.

العدالة والضبط والإتقان، كما ذكر في مقدمته لصحيحه" (¬1). وقد نبه إلى ذلك كثير من العلماء، كالعلامة أبي مسعود الدمشقي، والقسطلاني، وعبد الرحمن المعلمي، والشيخ المباركفوري وغيرهم (¬2). فالإمام مسلم إذاً قد يورد الأحاديث (الطرق) المعلولة ليبين علّتها، لا أنَّه يستدل بها وهذا الذي حمله أن يورد روايات متعارضة في مكان واحد فمثلاً تراه يثبت قضية ما في حديث الباب، ويورد حديثاً بعده ينفي القضية تلك، ولكن العمدة في المسألة هو تبويبه له، ونضرب لذلك مثلاً واحداً له، له نظائر عديدة هو: حديث زيد بن أرقم - رضي الله عنه - (¬3)،المعروف بحديث الثقلين: فإنه أخرجه في4/ 1873 (2408): فأخرج في حديث الباب، فقال:"حدثني زهير بن حرب وشجاع بن مخلد جميعاً عن ابن علية قال زهير: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم قال: حدثني أبو حيان حدثني يزيد بن حيان قال: انطلقت أنا وحصين بن سبرة وعمر بن مسلم إلى زيد بن أرقم فلما جلسنا إليه قال له حصين:"لقد لقيت يا زيد خيراً كثيراً رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسمعت حديثه وغزوت معه وصليت خلفه لقد لقيت يا زيد خيراً كثيراً حدثنا يا زيد ما سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: يا ابن أخي والله لقد كبرت سني وقدم عهدي ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فما حدثتكم فاقبلوا وما لا فلا تكلفونيه ثم قال:"قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوما فينا خطيباً بماءٍ يدعى خماً بين مكة والمدينة فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر ثم قال: أما بعد ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله، فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي "فقال له حصين: ومن أهل بيته يا زيد أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده قال: ومن هم؟ قال: هم آل علي، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل عباس، قال: كل ¬

(¬1) الموازنة ص 39. (¬2) انظر كتاب"عبقرية الإمام مسلم في ترتيب أحاديث مسنده الصحيح"،د. المليباري ص51 فما بعد، وهو كتابٌ قيمٌ نبَّه بحث فيه الدكتور هذه الجزئية المهمة بعناية فائقة، وبنفس طويل، فانظره ففيه فوائد جمة. (¬3) انظر المسند الجامع 5/ 506 (3829).

هؤلاء حرم الصدقة قال: نعم ". ثم قال مسلم:"حدثنا محمد بن بكار بن الريان قال: حدثنا حسان يعنى ابن إبراهيم عن سعيد وهو بن مسروق عن يزيد بن حيان عن زيد بن أرقم قال: دخلنا عليه فقلنا له: لقد رأيت خيراً لقد صاحبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصليت خلفه، وساق الحديث بنحو حديث أبي حيان غير أنه قال: " ألا وإني تارك فيكم ثقلين أحدهما كتاب الله عز وجل هو حبل الله من اتبعه كان على الهدى ومن تركه كان على ضلالة "وفيه:"فقلنا من أهل بيته نساؤه؟ قال: لا، وأيمُ الله إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها، أهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده"؟! أقول: قد ساق مسلم هذا الحديث من أربعة طرق: الأول: من حديث زهير بن حرب، وشجاع بن مخلد من حديث إسماعيل بن علية عن أبي حيان، عن يزيد بن حيان، أثبت فيه أنّ نساءه من أهل بيته، وهو ما يوافق نص القرآن الكريم (¬1). الثاني: من حديث محمد بن بكّار بن الريان، عن حسان بن إبراهيم عن سعيد ابن مسروق، عن يزيد بن حيان، ولفظه بمعنى حديث زهير الأول. الثالث: من طريق محمد بن فضيل وجرير، عن أبي حيان، عن يزيد بمثل الحديث الأول مع زيادة لجرير في التمسك بكتاب الله. الرابع: أعاد إسناد حديث محمد بن بكّار بن الريان، عن حسان بن إبراهيم عن سعيد بن مسروق، عن يزيد بن حيان، وفيه نفي أنّ نساءه من أهل بيته. وهذا مناقض لحديث الباب وللمتابعات التي ساقها مسلم في الثاني والثالث، فكأنه أراد أن يبين أن محمد بن بكار، رواه على وجهين عن حسان بن إبراهيم، وحسان بن إبراهيم هو: الكرماني، قال الحافظ ابن حجر عنه: "صدوق يخطئ "، وقال صاحبا التحرير: "صدوق حسن الحديث، له أفرادات، وثقه أحمد، وابن معين، وعلي بن المديني، والدارقطني، والذهبي، وقال أبو زرعة الرازي: لا بأس به. وقال النسائي: ليس بالقوي. وقال ابن عدي:" قد حدث بأفرادات كثيرة، وهو عندي من أهل الصدق إلا أنه يغلط في الشيء، ¬

(¬1) قال تعالى مخاطباً نساء النبي - صلى الله عليه وسلم -:"إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ". الأحزاب 33.

وليس ممن يظن به أنه يتعمد في باب الرواية إسناداً، وإنما هو وهم منه، وهو عندي لا بأس به ". فهذا رجل قد وثقه الأئمة ولعلّ النسائي لين أمره بسب أفراداته، وبعض وهمه، وقد أخرج له البخاري أحاديث يسيرة توبع عليها مما يدل على صحته في الجملة، وأن البخاري انتقى من حديثه الصحيح " (¬1). فلعلّ هذا من إفراداته التي أخطأ فيها إذ روى كلام زيد بن أرقم - رضي الله عنه - على وجهين مختلفين. أما قول النووي:"والمعروف في معظم الروايات في غير مسلم أنه قال: نساؤه لسن من أهل بيته " (¬2)، فلا نعلم من أين جاء به، فإن الروايات التي ساقها الإمام أحمد 4/ 366، والدارمي (3319)، وابن خزيمة (2357)، والطبراني في الكبير (5028)، وغيرهم ليس فيها ذلك. فهذا الحديث - الطريق - قد جاء به مسلم مرة متابعاً لرواية الجماعة وذكره أخيراً ينفي ذلك فجاء به من طريق محمد بن بكار بن الريان: قال حدثنا حسّان - يعني ابن إبراهيم - عن سعيد بن مسروق عن يزيد بن حيان عن زيد بن أرقم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - به على الوجهين؟ فأيهما الصحيح؟ وهل نساؤه من أهل بيته؟ ولماذا الإمام مسلم لم يعل الرواية الأخرى؟ وكيف أتى بها وهي معلولة؟ الجواب على ذلك كله في النص الذي بيّناه! فتأمل. وهكذا نخلص بثلاث نتائج مهمة لموضوعنا: 1 - ليس كل أحاديث صحيح مسلم بمرتبة واحدة من الصحة. 2 - إذا جاءتنا رواية فيها زيادة - على مفهوم المتأخرين لها - وكانت الرواية في المتابعات أو الشواهد فلا يعني ذلك قبولها عند الإمام مسلم، لأنها لو كانت مقبولة عنده لأوردها في أصل حديث الباب إذ قد تكون غير مقبولة عنده وإنما أخرجها ليبين علّتها على قاعدته، إلاّ إذا صرّح بقبولها هو في موضعها. فلا يحق لنا نسبة القول أنه يقبل الزيادة لأنه أوردها في المتابعات أو الشواهد. لذا فإنك تجد الأئمة المتأخرين كالقاضي عياض، وأبي مسعود الدمشقي، والنووي يردون على الدارقطني في تتبعه على الإمام مسلم بكونه لم يخرجها في أصل الباب - كما ¬

(¬1) تحرير التقريب 1/ 264 - 265. (¬2) شرح مسلم 15/ 180.

سنلاحظه في الأمثلة -، ومع هذا فإننا حاولنا استقراء جميع الأمثلة في الأصول أو المتابعات، ومناقشة ذلك. ولا بد أن نجيب عن تسائل مهم: وهو لماذا لم يصرح الإمام مسلم بعلة الأحاديث هذه؟ فأقول: ذلك لأن الإمام مسلم أورد طرق كل حديث في بابه مجموعة مترادفة، فلا يحتاج إلى أن يبين علّته بعد ذلك لأن القارئ يتنبه إلى الاختلاف مباشرة مثلما مر معنا في حديث زيد بن أرقم. وأمّا من كان جاهلاً فيعلم، ومن كان مغرضاً للطعن في صحيح الإمام مسلم أو في دين الله من خلال هذه الأحاديث المعللة فلا ينفع معه إيضاح لأنه {وأمّا الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله} (¬1). ومن أراد الاستزادة والإيضاح لمعرفة منهجية الإمام مسلم في العلة فليراجع مع الصحيح كتابه العظيم (التمييز) الذي يصرح فيه الإمام مسلم بالعلل ويناقش الأحاديث بفتح من الباري - جلَّ جلاله -. وبعد الاستقراء التام أو القريب من التام لصحيح الإمام مسلم وبالاستعانة بكتاب الدارقطني العظيم (الإلزامات والتتبع)،وبردود أبي مسعود الدمشقي، والقاضي عياض، والإمام النووي في شرح الصحيح، وقفت على الأحاديث التي تعنيني في البحث، وجمعت الأحاديث التي قبل فيها الإمام مسلم الزيادة والتي رد فيها الزيادة ثم ناقشتها وناقشت الإمام الدارقطني والأئمة الذين دافعوا أو نقدوا على وفق القاعدة التي ذكرناها في الزيادة. وقد وجدت الإمام مسلم يقبل الزيادة من الثقة على وفق فهم المتقدمين لمعنى الزيادة كما مرت (¬2)، وليس زيادة ثقة واحد على جماعة من الثقات؛ وأمّا على تعريف المتأخرين لها وفهمهم للزيادة فلم أجده يوردها إلاّ في بعض الأحاديث وقد بيّنا أنَّه إنما أوردها لبيان علّتها كما سيأتي. ولو أنه كان يقول بقبول الزيادة على وفق فهم المتأخرين وهي زيادة راوٍ على بقية الرواة في الشيخ نفسه - سنداً أو متناً - لما وسع صحيح مسلم إلاّ أن يكون ثلاثة ¬

(¬1) سورة آل عمران (7). (¬2) انظر ص208.

المطلب الأول: زيادات أعرض عنها الإمام مسلم

أضعاف حجمه أو يزيد، لكثرة الزيادات، وأهميتها في الأحكام. المطلب الأول: زيادات أعرض عنها الإمام مسلم: سأذكر بعض الأمثلة التي تبين أن الإمام مسلماً ما كان يقول بالزيادة بمفهوم المتأخرين: 1 - قال مسلم 1/ 233 (278): حدثنا نصر بن علي الجهضمي، وحامد بن عمر البكراوي قالا: حدثنا بشر بن المفضل عن خالد عن عبد الله بن شقيق عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً فإنه لا يدري أين باتت يده). قلت: دار الحديث على خالد الحذاء، رواه عنه: - بشر بن المفضل: أخرجه مسلم 1/ 233 (278)، وابن خزيمة1/ 74 (145)، والبيهقي 1/ 46. - وعبد الله بن المبارك: أخرجه الدارقطني في العلل 8/ 286 (1572). كلاهما عن خالد بلفظ متقارب (¬1). ورواه شعبة بن الحجاج عن خالد فزاد فيه لفظة (منه) في آخره. أخرجه ابن خزيمة 1/ 52 (100) وابن حبان 3/ 347 (1065)، والدارقطني في السنن 1/ 49، والبيهقي 1/ 46. وقال الدارقطني في العلل عن زيادة شعبة: " وغيره لا يذكرها " العلل 8/ 286 (1572) يشير بذلك إلى إعلالها. أقول: فلو قال الإمام مسلم بقبول الزيادة فلماذا لم يأخذ بها هنا والزائد هو شعبة؟ والزيادة تقيد المطلق؟ فهي مهمة في الحديث؟ بل لماذا لم يذكر حديث شعبة أصلاً؟ 2 - قال مسلم 1/ 204 (226): حدثني أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن عبد الله بن عمرو بن سرح، وحرملة بن يحيى التجيبي قالا: " أخبرنا ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب أنَّ عطاء بن يزيد الليثي أخبره أنّ حمران مولى عثمان أخبره أن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - دعا بوضوء فتوضأ فغسل كفيه ... الحديث ". أقول: مدار الحديث على حمران رواه عنه: ¬

(¬1) انظر المسند الجامع 16/ 522 (12731).

- عطاء بن يزيد الليثي أخرجه أحمد 1/ 59 و 1/ 60،والدارمي 1/ 188 (693)، والبخاري (164)، ومسلم 1/ 204 (226)،، والنسائي 1/ 64 و1/ 65، وأبو داود (106)، وابن خزيمة 1/ 4 (3) و1/ 81 (158). - ورواه عروة بن الزبير: أخرجه البخاري (160). - ورواه معاذ بن عبد الرحمن بن عثمان الميمي: أخرجه أحمد 1/ 68. - ورواه عيسى بن طلحة التميمي: أخرجه ابن ماجة (285). - ورواه شقيق بن سلمة الأسدي: أخرجه ابن ماجة (285). كلهم بألفاظ متقاربة عن حمران به (¬1). ورواه أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن حمران فزاد عليهم " مسح الرأس ثلاثاً " أخرجه أبو داود (107). أقول: أبو سلمة: ثقة (¬2) من رجال الشيخين، فلماذا عدل الإمام مسلم عن هذه الزيادة؟ ولم يخرجها، بل اختارا رواية عطاء عليها؟ وفيها زيادة فقهية نافعة وهي مسح الرأس ثلاثاً؟ وقد صححها الشيخ الألباني في تمام المنة وعدّها زيادة ثقة (¬3)؟ 3 - وأخرج في 2/ 600 (882) فقال: حدثنا يحيى بن يحيى ومحمد بن رمح قالا: أخبرنا الليث (ح) وحدثنا قتيبة قال: حدثنا ليث عن نافع عن عبد الله: " أنه كان إذا صلى الجمعة انصرف فسجد سجدتين في بيته، ثم قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصنع ذلك ". أقول: دار الحديث على نافع رواه عنه: - الليث بن سعد: أخرجه أحمد 2/ 123،ومسلم 2/ 600 (882)، والترمذي (522)، والنسائي في الكبرى (498) و (1746)، وابن ماجة (1130). -ومالك بن أنس: أخرجه مالك في الموطأ (459)، وأحمد 2/ 63 و 2/ 87، والبخاري (937)، ومسلم 2/ 600 (882)،وأبو داود (1252)،والنسائي2/ 119 و 3/ 113،وابن خزيمة 3/ 182 (1870). - وعبيد الله بن عمر العمري: أخرجه أحمد 2/ 17 و 2/ 75 و2/ 77، والبخاري ¬

(¬1) انظر المسند الجامع 12/ 434 (9664). (¬2) التقريب (8142). (¬3) تمام المنة ص 91.

(1172)، ومسلم 1/ 504 (729). - والليث بن سعد: أخرجه أحمد 2/ 123 ومسلم 2/ 600 (882)،والترمذي (522)، وابن ماجة (1130). كلهم عن نافع به بألفاظ متقاربة (¬1). ورواه أيوب السختياني عن نافع فزاد في أوله: " كان ابن عمر يطيل الصلاة قبل الجمعة ... ". أخرجه أحمد 2/ 103، وأبو داود (1128)، وابن خزيمة 3/ 168 (1836)، وابن حبان (2476)، والبيهقي 3/ 240 (¬2). فلو قال الإمام مسلم بالزيادة فلماذا عدل عنها هنا مع أنها تفيد مشروعية سنة الجمعة القبلية؟ وكذا تركها الإمامان مالك والبخاري رحمهم الله جميعاً (¬3). 4 - وأخرج مسلم 2/ 266 (2162) قال: حدثني حرملة بن يحيى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس (ح)،وحدثنا عبد بن حميد، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهري، قال: أخبرني سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:"خمس تجب للمسلم على أخيه: رد السلام، وتشميت العاطس، وإجابة الدعوة، وعيادة المريض، واتباع الجنائز ". أقول: مدار الحديث على الزهري: رواه عنه: يونس بن يزيد: أخرجه مسلم 2/ 266 (2162) ¬

(¬1) انظر المسند الجامع 10/ 151 (7351) و 10/ 188 (7402). (¬2) مصدر سابق. (¬3) قال الحافظ ابن حجر في الفتح 2/ 541: " احتج به النووي في الخلاصة على إثبات سنة الجمعة التي قبلها، وتعقب بان قوله وكان يفعل ذلك عائد على قوله ويصلي بعد الجمعة ركعتين في بيته، ويدل عليه رواية الليث عن نافع عن عبد الله أنه كان إذا صلى الجمعة انصرف فسجد سجدتين في بيته ثم قال: " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصنع ذلك "، أخرجه مسلم، وأما قوله كان يطيل الصلاة قبل الجمعة، فإن كان المراد بعد دخول الوقت فلا يصح أن يكون مرفوعا لأنه - صلى الله عليه وسلم - = =كان يخرج إذا زالت الشمس فيشتغل بالخطبة ثم بصلاة الجمعة، وإن كان المراد قبل دخول الوقت فذلك مطلق نافلة، لا صلاة راتبة، فلا حجة فيه لسنة الجمعة التي قبلها، بل هو تنفل مطلق وقد ورد الترغيب فيه كما تقدم فى حديث سلمان وغيره حيث قال فيه: ثم صلى ما كتب له. وورد في سنة الجمعة التي قبلها أحاديث أخرى ضعيفة ... ".

المطلب الثاني: ما كان ظاهره القبول وهو ليس كذلك

ومعمر بن راشد: أخرجه مسلم 2/ 266 (2162)، وأبو داود (5030). وعقيل بن خالد الأيلي: أخرجه البخاري تعليقاً (1240). والأوزاعي: واختلف عنه: فرواه عنه محمد بن مصعب أخرجه أحمد 2/ 540،وعمرو بن أبي سلمة أخرجه البخاري (1240)،وبقية بن الوليد أخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة (221) ثلاثتهم عن الأوزاعي نحو حديث يونس ومعمر. وأربعتهم (يونس، ومعمر، وعقيل، والأوزاعي) رووه عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - به (¬1). ورواه صفوان بن صالح، وهو ثقة (¬2)،عن الوليد بن مسلم، وهو ثقة من رجال الشيخين (¬3)، عن الأوزاعي فزاد في إسناده رجلاً فقال: عن الزهري وأبي سلمة. أخرجها الدارقطني في العلل 7/ 302 (1369)، فلماذا تركها الإمام مسلم فلم يوردها، وكذا فعل شيخه البخاري؟ فلو قالا بالزيادة لأورداها. المطلب الثاني: ما كان ظاهره القبول وهو ليس كذلك: وسأذكر بعض الأحاديث التي قد يستدل بها البعض كونها من قبيل الزيادة، أو مما عده بعض الأئمة من المتأخرين أنه من قبيل الزيادة كالنووي وغيره فمنها: 1 - أخرج مسلم حديث 1/ 10 (5) فقال: وحدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري قال: حدثنا أبي (ح) وحدثنا محمد بن المثنى قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قالا: حدثنا شعبة عن خبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم (¬4) قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ¬

(¬1) انظر تفصيل ذلك في المسند الجامع 17/ 655 (14281). (¬2) قال الحافظ في التقريب (2934): ثقة، وكان يدلس تدليس التسوية، قاله أبو زرعة الدمشقي ". وتعقبه صاحبا التحرير: 2/ 141 قوله:" وكان يدلس تدليس التسوية، قاله أبو زرعة الدمشقي، فيه نظر، وإنما أخذه المؤلف من " المجروحين " لابن حبان الذي قال: " سمعت ابن جوصا يقول:: سمعت أبا زرعة الدمشقي يقول: كان صفوان بن صالح ومحمد بن المصفى يسويان الحديث ". وهذا نص تفرد به ابن حبان، ولا نعرف رواه غيره، ولا توجد إليه أدنى إشارة في تأريخ أبي زرعة الدمشقي، وهو مطبوع متداول مشهور. وأيضاً: كيف يكون ثقة من يدلس تدليس التسوية، وهو شر أنواع التدليس، بل هو بلا شك قادح في عدالة فاعله، وهذا شيخ وثقه الأئمة، بل قال أبو داود - وقد روى عنه -: حجة ". (¬3) التقريب (7456). (¬4) وقع في المطبوع من صحيح مسلم 1/ 8 من طبعة استانبول: حفص بن عاصم عن أبي هريرة مرفوعاً. وانتقل إلى طبعة السيد محمد فؤاد عبد الباقي الذي نشر صحيح مسلم على هذه الطبعة 1/ 10 (5). ووجود اسم أبي هريرة - رضي الله عنه - في السند خطأ محض، فقد ورد على الصواب في شرح الإمام النووي، وان ورد في متنه على الخطأ، -لأن المتن منقول من طبعة استانبول أيضاً - فقال الإمام النووي في الشرح 1/ 74: " فكذا وقع في الطريق الأول عن حفص عن النبي عليه السلام مرسلاً، فإن حفصاً تابعي، وفي الطريق الثاني عن حفص عن النبي - صلى الله عليه وسلم - متصلاً، فالطريق الأول رواه مسلم من رواية معاذ وعبد الرحمن بن مهدي، وكلاهما عن شعبة، وكذلك رواه غندر عن شعبة فأرسله، والطريق الثاني عن علي ابن حفص عن شعبة ". ولذا تتبعه الدارقطني (175)، والحاكم 1/ 195.والأهم من كل ذلك أنه بخط الإمام المزي في تحفة الأشراف 9/ 44 (12268)، كما نبه عليه أستاذنا الدكتور بشار عواد في تحقيقه، وكذا في تعليقه على المسند الجامع 17/ 816 - 817، فاشبع فيها القول.

"كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع ". قلت دار الحديث على شعبة رواه عنه مرسلاً: معاذ العنبري وعبد الرحمن بن مهدي: أخرجه مسلم 1/ 10 (5). وحفص بن عمر النميري: أخرجه أبو داود (4993). وآدم بن أبي إياس، وسليمان بن حرب: أخرجه الحاكم 1/ 195. ورواه عنه (علي بن حفص) وحده متصلاً: أخرجه مسلم 1/ 10 (5)،وأبو داود (4993) وابن حبان 1/ 213 (30)، والحاكم 1/ 195،. أقول: قد أعله الدارقطني في التتبع، وقال:" الصواب المرسل" (¬1)،وقال أبو داود عقب الحديث "ولم يسنده إلا هذا الشيخ-يعني علي بن حفص المدائني "، فيؤخذ من كلامه هذا ترجيح الإرسال (¬2). وقال الحاكم 1/ 195: " قد ذُكر لمسلم هذا الحديث في أوساط الحكايات التي ذكرها في خطبة الكتاب عن محمد بن رافع، ولم يخرجه محتجاً به في موضعه من الكتاب، وعلي بن حفص المدائني (¬3) ثقة، وقد نبهنا في أول الكتاب على الاحتجاج بزيادات الثقات وقد أرسله جماعة من أصحاب شعبة ". وقال النووي: " قلت: وقد رواه أبو داود في سننه أيضا مرسلاً، ومتصلاً فرواه ¬

(¬1) التتبع ص 175. (¬2) بين الإمامين، المدخلي ص5. (¬3) وقع في المطبوع من المستدرك:"جعفر"وهو خطأ.

مرسلاً عن حفص بن عمر النميري عن شعبة، ورواه متصلاً من رواية على بن حفص وإذا ثبت أنه روى متصلاً ومرسلاً، فالعمل على أنه متصل هذا هو الصحيح الذي قاله الفقهاء وأصحاب الأصول وجماعة من أهل الحديث ولا يضر كون الأكثرين رووه مرسلا فإن الوصل زيادة من ثقة وهى مقبولة وقد تقدمت هذه المسألة موضحة في الفصول السابقة والله " (¬1). وقد رجح المرسل المدخلي (¬2)،والوادعي (¬3). أقول: وهذا هو الصواب، وقد أخرجه " متصلاً "عقب المرسل فتقديمه المرسل دليل على إعلاله له، لا أنه أورده للاحتجاج به، ومع هذا فإنه لم يخرجه في أصل الصحيح، وإنما اقتصر عليه في المقدمة، وأحاديثها ليست من شرط الصحيح كما هو معروف مشهور، ولذلك قال الحاكم:" ولم يخرجه محتجاً به في موضعه من الكتاب".أي إنه لو كان يعتقد صحته لأخرجه في بابه من الصحيح، وقد سبق نقلنا لما نبه عليه العلماء من أن ترتيب أحاديث الباب عند مسلم حسب قوتها. 2 - أخرج الإمام مسلم بسنده 2/ 584 (853): فقال: وحدثني أبو الطاهر، وعلي بن خشرم قالا: أخبرنا ابن وهب عن مخرمة بن بكير (ح)، وحدثنا هارون بن سعيد الأيلي، وأحمد بن عيسى، قالا: حدثنا ابن وهب، قال: أخبرنا مخرمة، عن أبيه، عن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري قال: قال لي عبد الله بن عمر: أسمعت أباك يحدث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شأن ساعة الجمعة؟ قال: قلت: نعم، سمعته يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "هي بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة ". أقول: دار الحديث على أبي بردة رواه عنه مرفوعاً مخرمة بن بكير عن أبيه به. أخرجه مسلم 2/ 584 (853)، وأبو داود (1049)، وابن خزيمة 3/ 120 (1739)، والبيهقي 3/ 250. وقد رواه:" واصل الأحدب، وأبو إسحاق السبيعي " عنه موقوفاً: - فمن طريق (واصل الأحدب) أخرجه ابن أبي شيبة 1/ 472 (5464). ومن طريق (أبى إسحاق السبيعي) أخرجه الدارقطني في العلل 7/ 212 (1297). ¬

(¬1) شرح مسلم 1/ 74. (¬2) بين الإمامين ص6. (¬3) التتبع ص176.

وروى البيهقي عقب حديثه 3/ 250 أن الإمام مسلماً قال:"حديث أبى موسى أجود شيء في هذا الباب وأصحه"وقد رجح الرفع البيهقي، والنووي (¬1). وقد أعله بالانقطاع الدارقطني في التتبع ص233 والعلل 7/ 212 (1297). وقد نقل الحافظ ابن حجر إعلال بعض أئمة الشافعية الحديث بالانقطاع، والاضطراب، فقال:" ... ولا يقال: مسلم يكتفي في المعنعن بإمكان اللقاء مع المعاصرة، وهو كذلك هنا، لأنا نقول: وجود التصريح عن مخرمة بأنه لم يسمع من أبيه كاف في دعوى الانقطاع، وأما الاضطراب: فقد رواه أبو إسحاق، وواصل الأحدب، ومعاوية بن قرة وغيرهم عن أبي بردة من قوله، وهؤلاء من أهل الكوفة وأبو بردة كوفي، فهم أعلم بحديثه من بكير المدني، وهم عدد وهو واحد، وأيضا فلو كان عند أبي بردة مرفوعاً لم يفت فيه برأيه بخلاف المرفوع " (¬2). أقول: طُعن في سند هذا الحديث من وجهين: الأول: سماع مخرمة من أبيه ومخالفته للثقات في رفعه، وهذا ينبغي أن نقف عنده بتأمل، إذ نقل الإمام أحمد عن حماد بن خالد القول:"قلت لمخرمة: سمعت من أبيك شيئاً؟ قال: لا " (¬3) وقال عبد الله بن أحمد: قال أبي:"سمعت من حماد الخياط قال: أخرج مخرمة بن بكر كتاباً فقال هذه كتب أبي لم أسمع من أبي شيئاً " (¬4) وقال ابن معين:"مخرمة بن بكير ضعيف، وحديثه عن أبيه كتاب، ولم يسمعه منه " (¬5)،وقال أبو داود:"لم يسمع من أبيه إلا حديثاً واحداً وهو حديث الوتر " (¬6). وهكذا يتضح أن مخرمة لم يسمع من أبيه هذا الحديث ولا غيره، إلا حديث الوتر، كما نص عليه أئمة الحديث (¬7). ¬

(¬1) انظر شرح مسلم 6/ 141. (¬2) فتح الباري 2/ 536. (¬3) علل أحمد 3/ 50 (4116) و 3/ 362 (5592). (¬4) علل أحمد 2/ 173 (1907)، وانظر صفحة 3/ 50 (4116) (¬5) تهذيب الكمال 7/ 57 ترجمة (6421)، وانظر تأريخ الدوري عن ابن معين 2/ 554. (¬6) مصدر سابق. (¬7) انظر التأريخ الكبير 8/ 16، (1984) والجرح والتعديل 8/ 363 (1660)، والكامل 6/ 428 (1906)، والتقريب (6526).

واعتذر العلائي للإمام مسلم روايته عن مخرمة عن أبيه فقال: " وكأنه رأى الوجادة سبباً للاتصال وقد انتقد ذلك عليه " (¬1). قلت: ولا يسلم له القول بذلك، لأن الإمام مسلماً ينتقد الوجادة ولا يعدها متصلة، قال في التمييز:" إنما وقع في الخطأ من هذه الرواية أنه أخذ الحديث من كتاب موسى بن عقبة إليه، فيما ذكر وهي الآفة التي نخشى على من أخذ الحديث من الكتب " (¬2). وعلى فرض سماع مخرمة هذا الحديث من أبيه فإنه وقع في مخالفة وهي رفع ما وقفه الثقات فقد أوقفه من هو أوثق منه (واصل الأحدب، وأبو إسحاق السبيعي). وهذه علة بذاتها، ناهيك أنهم أعرف بحديثه لأنهم كوفيون مثله (¬3)،وهو مدني. وأقول: أما تخريج الإمام مسلم فإنه أخرجه في آخر أحاديث الباب، فلعلّه أراد أن ينبه عليه كما وعد في المقدمة، أو لعله اعتبر بالاختلاف الذي وقع في طريق أبي إسحاق السبيعي، فإنه قد اختلف فيه بين وقف ورفع، إذ جاء مرة من طريق النعمان بن عبد السلام عن سفيان الثوري موقوفاً (¬4)،ومرة من طريق إسماعيل بن عمرو عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق مرفوعاً (¬5)،والحديث إذا اختلف فيه بين رفع ووقف، أو وصل وإرسال فإنه يخرج من الموازنة لاحتماله الوجهين، فتكون الموازنة بين طريق مخرمة وطريق واصل فقط. الوجه الثاني: كون الحديث مضطرباً كما قال الدارقطني، وابن حجر، وغيرهما: إذ روي عن أبى إسحاق بأكثر من وجه: مرة مرسلاً ومرة موصولاً ومرة موقوفاً. وروي أيضا من طريق عاصم الأحدب موقوفاً على أبي موسى وروي من طريق آخر عن أبي بردة قوله، وقد ذكر كل تلك الطرق الدارقطني في العلل 7/ 212 - 213 (1297). ¬

(¬1) جامع التحصيل ص275 رقم (742). (¬2) التمييز ص188. (¬3) انظر الجمع بين الإمامين ص227، والتتبع ص235. (¬4) أخرجه الدارقطني في العلل 7/ 213 (1297) وعدّه غير محفوظ. (¬5) مصدر سابق.

أقول: فالحديث معلول بكل حال (¬1)،وقد أخرجه الإمام مسلم في آخر الباب ليبين علته كما وعد في المقدمة، بعد أن ساق الأحاديث المعتمدة في أول الباب. 3 - أخرج الإمام مسلم في صحيحه 1/ 100 (104) حديث أبي موسى الأشعري من طرق متعددة عن أبي موسى، منها حديث ربعي بن حراش عنه، وهو عنده من طريق الحسن بن علي الحلواني، عن عبد الصمد بن عبد الوارث، عن شعبة، عن عبد الملك بن عمير، عنه به مرفوعاً. وحديث ربعي هذا اختلف فيه: فروي مرفوعاً، وموقوفاً، وانتقد على الإمام مسلم إخراجه المرفوع، وعده آخرون زيادة ثقة كما سيأتي بيانه. قال الدارقطني في العلل 7/ 226 (139) لما سُئل عن حديث ربعي بن حراش عن أبي موسى قال:"برىء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ممن حلق وسلق وخرق ".؟ فقال: يرويه عبد الملك بن عمير، واختلف عنه، فرفعه علي بن سعيد النسائي عن عبد الصمد عن شعبة عن عبد الملك بن عمير، ووقفه أصحاب شعبة عن شعبة، ورفعه المحاربي عن عبد الملك بن عمير إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك أبو ظفر عن المحاربي وغيره يرويه عنه موقوفاً ورفعه أبو عمر الضرير عن أبي عوانة عن عبد الملك وغيره يرويه عن أبي عوانة موقوفاً والموقوف عن عبد الملك أثبت " (¬2). قلت: وهذا يعني أمرين:- الأول: توبع عبد الصمد في رفعه متابعة قاصرة، إذ رواه عبد السلام المحاربي عن عبد الملك بن عمير مرفوعاً. من طريق أبي ظفر- عبد السلام بن مطهر- وهو ثقة وقد خالفه غيره فرووه عنه موقوفاً (¬3). ورواه أبو عمر الضرير عن أبي عوانة عن عبد الملك بن عمير مرفوعاً. وخالفه غيره عن أبى عوانة (¬4). وهاتان المتابعتان قاصرتان. الثاني:- أعلّ الدارقطني الحديث بكونه -عبد الصمد- خالف بقية الرواة عن ¬

(¬1) انظر بين الإمامين ص230،والتتبع ص235. (¬2) وممن رواه عن عبد الصمد موقوفاً: محمد بن يحيى الذهلي أخرجه ابن مندة في الإيمان 2/ 646 (607)، وأشار إليه الحافظ ابن حجر في النكت برقم 6/ 169 (¬3) علل الدارقطني 7/ 226 (1309). (¬4) مصدر سابق.

شعبة، ووافقه القاضي عياض (¬1). وعدها الإمام النووي زيادة ثقة (¬2). وقال المدخلي:"ولقد بحثت كثيراً عن هذه الروايات الموقوفة فلم أجد شيئاً منها. هذا ودعوى الدارقطني والقاضي عياض منصبة على هذا الإسناد: " شعبة عن عبد الملك بن عمير عن ربعي "، والترجيح للرفع أو الوقف من هذا الطريق يتوقف على وجود الروايات الموقوفة، ودراسة أسانيدها فأيهما توفرت له المرجحات، فالحكم له بخلاف ما اختاره النووي من ترجيح الرفع مطلقاً " (¬3). قلت: وقد وقفنا على الطريق التي خالفت طريق عبد الصمد كما مر، وهي عند أبي عوانة، وابن مندة؛ طريق أبي عوانة في مسنده 1/ 159 (153) قال فيه:- حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: أنبأنا شعبة به. وطريق بن مندة في كتابه الإيمان 2/ 646 (608): قال: أنبأنا أحمد بن إسحاق بن أيوب، قال حدثنا محمد بن غالب بن حرب، قال: حدثنا أبو عمر حفص بن عمر الحوضي، قال حدثنا شعبة به. وغندر والحوظي ثقتان، بل غندر لا يعدله في شعبة أحد، كما هو معروف. فلعل عبد الملك كان يرويه على وجهين (موقوفاً ومرفوعاً)،لاختلاف الرواة عنه فجماعة يروونه عنه على وجه، ويخالف بعضهم فيه، لا سيما وأنه: " تغير حفظه، قال أبو حاتم: لم يوصف بالحفظ، وقال ابن معين مخلط " (¬4). أما عن تخريج مسلم له فلعله أراد أن ينبه على خطئه كما قدم في أول كتابه وعلى كل حال فإنه أورده في المتابعات ويجوز فيها ما لا يجوز في الأصول، كما نص في مقدمته، وهو الذي رجحه الإمام النووي. (¬5) 4 - أخرج مسلم 1/ 303 (404) فقال: حدثنا سعيد بن منصور، وقتيبة ابن سعيد، وأبو كامل الجحدري، ومحمد بن عبد الملك الأموي، واللفظ لأبي كامل قالوا: حدثنا أبو عوانة، عن قتادة، عن يونس بن جبير، عن حطان بن عبد الله الرقاشي قال: صليت مع أبي موسى الأشعري صلاة، فلما كان عند القعدة، قال رجل من القوم: أقرت ¬

(¬1) شرح مسلم 2/ 12. (¬2) شرح مسلم 2/ 12. (¬3) بين الإمامين ص22 (¬4) انظر تحرير التقريب 2/ 386. (¬5) انظر شرح مسلم 2/ 12.

الصلاة بالبر والزكاة، قال: فلما قضى أبو موسى الصلاة وسلم انصرف فقال: أيكم القائل كلمة كذا وكذا؟ قال: فأرم القوم (¬1)، ثم قال: أيكم القائل كلمة كذا وكذا؟ فأرم القوم، فقال: لعلك يا حطان قلتها؟ قال: ما قلتها! ولقد رهبت أن تبكعني بها (¬2)، فقال: رجل من القوم أنا قلتها، ولم أرد بها إلا الخير! فقال أبو موسى: أما تعلمون كيف تقولون في صلاتكم! إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطبنا فبين لنا سنتنا وعلمنا صلاتنا، فقال:" إذا صليتم فأقيموا صفوفكم ثم ليؤمكم أحدكم فإذا كبر فكبروا وإذا قال غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا آمين يجبكم الله فإذا كبر وركع فكبروا واركعوا فإن الإمام يركع قبلكم ويرفع قبلكم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:فتلك بتلك، وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا اللهم ربنا لك الحمد يسمع الله لكم فإن الله تبارك وتعالى قال على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - سمع الله لمن حمده وإذا كبر وسجد فكبروا واسجدوا فإن الإمام يسجد قبلكم ويرفع قبلكم فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فتلك بتلك وإذا كان عند القعدة فليكن من أول قول أحدكم التحيات الطيبات الصلوات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ". ثم قال: (404) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا أبو أسامة قال: حدثنا سعيد بن أبي عروبة (ح)، وحدثنا أبو غسان المسمعي قال: حدثنا معاذ بن هشام حدثنا أبي (ح)، وحدثنا إسحاق بن إبراهيم قال: أخبرنا جرير عن سليمان التيمي كل هؤلاء عن قتادة في هذا الإسناد بمثله، وفي حديث جرير عن سليمان عن قتادة من الزيادة: " وإذا قرأ فأنصتوا"وليس في حديث أحد منهم:" فإن الله قال على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - سمع الله لمن حمده "، إلا في رواية أبي كامل وحده عن أبي عوانة قال أبو إسحاق: قال أبو بكر ابن أخت أبي النضر في هذا الحديث، فقال مسلم:" تريد أحفظ من سليمان؟ فقال له أبو بكر: فحديث أبي هريرة؟ فقال: هو صحيح:"يعني وإذا قرأ فأنصتوا"فقال هو عندي صحيح فقال لمَ لمْ تضعه ههنا؟ قال ليس كل شيء عندي صحيح وضعته ههنا إنما وضعت ههنا ما أجمعوا عليه ". أخرجه أحمد 4/ 415، ومسلم 1/ 304 (404)، وأبو داود (973)،وابن ماجة ¬

(¬1) أي: سكتوا وخافوا، انظر النهاية في غريب الحديث، ابن الأثير 2/ 267 مادة (رمم). (¬2) أي خفت أن تستقبلني بما أكره، انظر النهاية في غريب الحديث 1/ 149 مادة (بكع).

(847)، وأبو عوانة 1/ 457 (1697)، والبزار 8/ 65 (3058)، وأبو يعلى 13/ 311 (7326) من طريق جرير عن سليمان به (¬1). وأخرجه النسائي2/ 242،وأبو عوانة1/ 457 (1696)،والبزار 8/ 66 (3059)،والبيهقي من طريق المعتمر بن سليمان عن سليمان عن قتادة به (¬2). كلاهما عن سليمان التيمي عن قتادة به بزيادة " وإذا قرأ فأنصتوا ".ٍ وأخرجه بدونها: أحمد 4/ 393، ومسلم 1/ 304 (404)،والبيهقي 2/ 140،من طريق معمر عن قتادة به. وأخرجه أحمد4/ 401 و 405،والدارمي1/ 343 (1312) و1/ 363 (1358)،ومسلم1/ 304 (404) والنسائي 2/ 196،وفي الكبرى 1/ 222 (651)، والبزار 8/ 63 (3056و 3057) من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة به. وأخرجه وعبد الرزاق 2/ 166 (2913)، وفي 2/ 201 (2065)، والطيالسي (517)، وأحمد 4/ 409،ومسلم 1/ 303 (404) وأبو داود (972)،والنسائي 2/ 241،و3/ 42،وفي الكبرى1/ 252 (760)،وفي 1/ 379 (1203)، وأبو عوانة 1/ 454 (1681)،وابن حبان 5/ 540 (2167)،والبيهقي 2/ 141،،من طريق هشام عن قتادة به. وأخرجه أخرجه مسلم 1/ 303 (404) وأبو داود (972) من طريق من طريق أبي عوانة عن قتادة به. وأخرجه ابن ماجة (891) من طريق سعيد وهشام جميعاً عن قتادة به. أقول: فخالف سليمان التيمي أصحاب قتادة، وهم:" همام بن منبه، وسعيد بن أبي عروبة، ومعمر بن راشد، وأبو عوانة، والحجاج بن الحجاج، ومن تابعهم على روايتهم" إذرووه دون هذه اللفظة (¬3). وقد أعل هذه الزيادة: البخاري، وابن خزيمة، وابن معين- نقله البيهقي في جزء ¬

(¬1) انظر المسند الجامع 11/ 340 (8801). (¬2) انظر المسند الجامع 11/ 340 (8801). (¬3) انظر المسند الجامع 11/ 340 (8801) ..

القراءة 1/ 131 وأبو داود (973)، والبزار 8/ 65 (3058)، والجارودي 1/ 73، والدارقطني 7/ 253، والبيهقي 2/ 155 - 156، وابن حجر في الدراية 1/ 166، والزيلعي في النصب 2/ 17. وقد صححها مسلم -كما سلف -: " قال أبو إسحاق: قال أبو بكر بن أخت أبي النضر في هذا الحديث فقال مسلم: تريد أحفظ من سليمان؟ فقال له أبو بكر: فحديث أبي هريرة؟ فقال: هو صحيح "يعني وإذا قرأ فأنصتوا" فقال: هو عندي صحيح فقال لمَ لمْ تضعه ههنا قال ليس كل شيء عندي صحيح وضعته ههنا إنما وضعت ههنا ما أجمعوا عليه". أقول: هذه ليست من قبيل الزيادة التي يعنيها المتأخرون إذ لم ينفرد بها التيمي (¬1) فقد توبع، تابعه ابن أبي عروبة وعمر بن عامر السلمي (¬2)، أخرجه البزار 8/ 66 (2060) والدارقطني 1/ 330،والبيهقي 2/ 156، وابن عدي في الكامل 3/ 347 وابن حجر في الدراية 1/ 164.رواه عنهما سالم بن نوح بن أبي عطاء البصري، وهو صدوق حسن الحديث، أخرج له مسلم في الصحيح (¬3)، وقد خطأه الدارقطني وغيره كما خطؤوا التيمي. ونقل ابن عبد البر عن الإمام أحمد تصحيحه فقال:"فإن قال قائل: إن قوله وإذا قرأ فأنصتوا لم يقله أحد في حديث أبي هريرة غير ابن عجلان ولا قاله أحد في حديث أبي موسى غير جرير عن التيمي قيل له: لم يخالفهما من هو أحفظ منهما فوجب قبول زيادتهما وقد صحح هذين الحديثين أحمد بن حنبل وحسبك به إمامة وعلماً بهذا الشأن. حدثنا عبد الله بن محمد قال: حدثنا عبد الحميد بن أحمد قال: حدثنا الخضر بن داود قال: حدثنا أبو بكر الأثرم قال: قلت لأحمد بن حنبل: من يقول عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من وجه صحيح إذا قرأ الإمام فأنصتوا فقال: حديث ابن عجلان الذي يرويه أبو خالد والحديث الذي رواه جرير عن التيمي وقد زعموا أن المعتمر رواه قلت: نعم قد رواه المعتمر قال: فأي ¬

(¬1) قلت: وكلام مسلم يدل على ذلك، فإنه لم يقل أنّ سليمان انفرد به. (¬2) قال ابن حجر في التقريب (4952): " صدوق له أوهام "،وقال صاحبا التحرير 3/ 76: صدوق حسن الحديث. قلت: وأخرج له مسلم من روايته عن قتادة في الصحيح، وانظر تهذيب الكمال 5/ 362. (¬3) قال ابن حجر في التقريب (2185): " صدوق له أوهام "،وقال صاحبا التحرير 2/ 8: " صدوق حسن الحديث".

شيء تريد فقد صحح أحمد الحديثين جميعاً عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديث أبي هريرة وحديث أبي موسى " (¬1). قال النووي:" واعلم أن هذه الزيادة وهي قوله وإذا قرأ فأنصتوا مما اختلف الحفاظ في صحته، فروى البيهقي في السنن الكبرى عن أبي داود السجستاني أن هذه اللفظة ليست بمحفوظة (¬2)، وكذلك رواه عن يحيى بن معين، وأبي حاتم الرازي، والدارقطني، والحافظ أبي علي النيسابوري، شيخ الحاكم أبي عبد الله، قال البيهقي قال أبو علي الحافظ: هذه اللفظة غير محفوظة، قد خالف سليمان التيمي فيها جميع أصحاب قتادة (¬3). واجتماع هؤلاء الحفاظ على تضعيفها مقدم على تصحيح مسلم لا سيما ولم يروها مسندة في صحيحه، والله أعلم" (¬4). أقول: هذه ليست زيادة ثقة، إذ لم يتفرد بها سليمان التيمي، فقد تقدم أنه تابعه عليها اثنان، وسواء كانت صحيحة أم لم تكن فليس هذا من ضمن موضوعنا، وقد صححها الإمام أحمد وناهيك به. 5 - أخرج مسلم 4/ 1758 (2238) فقال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم وعبد ابن حميد، قالا: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهري، عن عامر بن سعد، عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أمر بقتل الوزغ وسماه فويسقاً. قلت: دار الحديث على الزهري. رواه عنه (معمر بن راشد) موصولاً: أخرجه عبد الرزاق 3/ 295 (1086) و 4/ 445 (8391)،وعبد بن حميد1/ 77 (141)،وأحمد 1/ 176، ومسلم 4/ 1758 (2238) وأبو داود (5262)،وابن حبان 12/ 452 (5635)،والبيهقي5/ 211. وقال الدارقطني:"خالفه -يعني معمراً -: يونس ومالك وعقيل " (¬5)، فرووه عن الزهري مرسلاً. قلت: ولم أقف على من أخرج تلك الروايات المرسلة، إلا ما جاء في النكت ¬

(¬1) التمهيد 11/ 34. (¬2) سنن البيهقي 2/ 156. (¬3) سنن البيهقي 2/ 156. (¬4) شرح مسلم 4/ 123، وانظر سنن البيهقي 2/ 155،وعون المعبود العظيم آبادي 3/ 182. (¬5) علل الدارقطني 4/ 340 (613)، والتتبع ص274، وبين الإمامين ص533.

الظراف، إذ قال ابن حجر:" قلت: رواه ابن وهب عن يونس عن الزهري، فقال: أراه عن عامر بن سعد عن أبيه " (¬1) وهذه الرواية لما شك الزهري في رفعها فقال " أراه .. "، تعتبر منقطعة، فلعلها هي من رواية يونس التي أعلها الدارقطني لمخالفتها رواية معمر، وأما رواية مالك وعقيل فإن كانتا كما قال الدارقطني، وصح إسنادهما فلا مناص من القول بترجيح انقطاع الإسناد على وصله، لأن رواة الانقطاع حينئذ أكثر عدداً، وفيهم الإمام مالك، فهم أولى بالحفظ، وأبعد عن الوهم (¬2). وذكر الدارقطني طريقين متابعين لطريق معمر: الأول: من طريق خالد بن عبد الله الواسطي (¬3) عن عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن عامر بن سعد. وأبو يعلى في مسنده 2/ 144 (832) من طريق وهب بن بقية عنه ورجال الإسناد ثقات خلا عبد الرحمن بن إسحاق المدني فإنه صدوق (¬4). الثاني: من طريق الباغندي عن عثمان بن أبي شيبة عن خالد بن مخلد عن مالك عن الزهري به. ولم أقف على من أخرجه، وإسناده ضعيف لضعف خالد بن مخلد القطواني (¬5)، وفي الباغندي (¬6) كلام أيضاً. قلت: وإعلال الدارقطني له وجيه إذا ثبت المرسل من الوجوه التي ذكرها. ورغم ذلك فإنه ليس من قبيل الزيادة لمتابعة عبد الرحمن بن إسحاق لمعمر، وهذا ما يدفع أن يُورَد على مسلم إخراجه، وكذا فإنه إنما أخرجه في المتابعات فلا مؤاخذة عليه بهذا الاعتبار، والله أعلم. 6 - أخرج مسلم 3/ 1560 (1969) فقال: حدثني عبد الجبار بن العلاء، قال: ¬

(¬1) النكت الظراف 3/ 299. (¬2) انظر بين الإمامين، المدخلي ص 534. (¬3) ثقة ثبت انظر التقريب (1647)، والتحرير 1/ 346. (¬4) التقريب (3800)، وانظر التحرير 2/ 306. (¬5) التقريب (1677) وقال عنه (صدوق يتشيع وله أفراد)، واستدرك عليه صاحبا التحرير 1/ 352 فقالا: "ضعيف يعتبر به "، وهو الصواب. (¬6) انظر الكامل 6/ 300 (1788) وميزان الإعتدال 6/ 322 (8136)، والمغني في الضعفاء2/ 629.

حدثنا سفيان، قال: حدثنا الزهري، عن أبي عبيد قال: شهدت العيد مع علي بن أبي طالب فبدأ بالصلاة قبل الخطبة وقال: " إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهانا أن نأكل من لحوم نسكنا بعد ثلاث ". وقال الدارقطني في التتبع: " وهذا مما وهم فيه عبد الجبار لأن الحميدي، وعلي ابن المديني والقعنبي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وأبا بكر بن أبي شيبة، وأبا خيثمة، وابن أبي عمر، وقتيبة، وأبا عبد الله، وغيرهم وقفوه عن ابن عيينة. واحتمل أن يكون خفي على مسلم أن ابن عيينة يرويه موقوفاً، لأنه لعله لم يقع عنده إلا من رواية عبد الجبار، ولأن الحديث رفعه صحيح عن الزهري، رفعه صالح ومعمر ويونس وابن أخي الزهري ومالك من رواية جرير والزبيدي عن الزهري. وأما البخاري فأخرجه من حديث يونس وحده، ولم يعرض لحديث ابن عيينة " (¬1). أقول دار الحديث على سفيان بن عيينة رواه عنه عبد الجبار بن العلاء مرفوعاً، أخرجه مسلم 3/ 156 (1969)، والبيهقي 9/ 290. وأما الموقوف فلم أقف على من رواه عن سفيان بن عيينة موقوفاً خلا الشافعي في المسند 1/ 236،والبيهقي من طريق الشافعي 9/ 290، وقد أعله الدارقطني وعده وهماً من عبد الجبار بن العلاء. قلت: ولم أقف على من أخرجه من الطرق التي ذكرها الدارقطني (أحمد وابن أبي شيبة وإسحاق ... ) (¬2). قال الجارودي في العلل:"ورفع هذا الحديث عندي غير محفوظ في حديث ابن عيينة أخبرنا بشر بن موسى عن الحميدي قال: قلت لسفيان: أنتم ترفعون هذه الكلمة عن علي؟ فقال سفيان: لا أحفظها مرفوعة وهي منسوخة " (¬3). أقول: إذا ثبتت رواية الجماعة كما نص الدارقطني فإن الرفع وهم لا محالة كما قال الدارقطني والقاضي عياض والنووي- رحمهم الله- قال النووي: " قال القاضي لهذا الحديث من رواية سفيان عند أهل الحديث علة فى رفعه لأن الحفاظ من أصحاب سفيان ¬

(¬1) التتبع ص422، وانظر بين الإمامين ص 461. (¬2) وكذا المدخلي قال ص462: ((فلم أجدها بعد البحث عنها)). (¬3) علل الجارودي ص94 - 95.

لم يرفعوه ولهذا لم يروه البخاري من رواية سفيان ورواه من غير طريقة قال الدارقطني هذا مما وهم فيه عبد الحبار بن العلاء ... هذا كلام الدارقطني، والمتن صحيح بكل حال، والله أعلم " (¬1). أقول: لما ثبت نقل الجاوردي عن سفيان القول بنفي الطريق المرفوع، يكون الرفع وهماً من عبد الجبار، وعذر مسلم لعله وهم فيه لكون جميع طرق الحديث الأخرى مرفوعة. فالحديث صحيح عن علي - رضي الله عنه - من غير طريق سفيان وصحيح من طريق سفيان عن عمر وعثمان رضي الله عنهما، وكل ثقة يخطئ الشيء بعد الشيء، وإلا لما انتقده جمهور العلماء على ذلك. 7 - أخرج مسلم 4/ 2109 (2753) فقال: حدثنا بن نمير قال: حدثنا أبو معاوية عن داود بن أبي هند عن أبي عثمان عن سلمان قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" إن الله خلق يوم خلق السماوات والأرض مائة رحمة، كل رحمة طباق ما بين السماء والأرض، فجعل منها في الأرض رحمة، فبها تعطف الوالدة على ولدها والوحش والطير بعضها على بعض فإذا كان يوم القيامة أكملها بهذه الرحمة ". قلتُ: دار الحديث على داود بن أبي هند رواه عنه أبو معاوية الضرير، أخرجه مسلم 4/ 2109 (2753) وابن حبان 14/ 14 (6146). وخالف أبا معاوية عبد الرحيم بن سليمان فرواه عن داود موقوفاً، أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 7/ 60 (34206). وقد أعل الدارقطني طريق أبي معاوية عند مسلم لكونه خالف غيره عن داود بن أبي هند فرفعه هو ووقفه غيره. وسكت النووي رحمه الله عن إعلال الدارقطني للحديث. (¬2) ولم أقف على من رواه عن داود موقوفاً خلا طريق ابن أبي شيبة الذي ذكرناه. قال المدخلي: " ولم أجد من الروايات الموقوفة التي أشار إليها الدارقطني إلاّ رواية واحدة وهي: ما رواه ابن أبي شيبة ... والذي يغلب على الظن أنه لا يوجد غير هذه ¬

(¬1) شرح مسلم 13/ 128. (¬2) انظر شرح مسلم 17/ 68.

الرواية وعبارة الدارقطني تحتمل ذلك فإنه قال: وغيره يوقفه، فان كان الواقع كذلك فإن أبا معاوية وعبد الرحيم ثقتان وليس بينهما كبير تفاوت وقد تكلم في كل منهما فقيل في أبي معاوية أنه مضطرب الحديث (¬1) في غير الأعمش، وقيل في عبد الرحيم ثقة صدوق ليس بحجة (¬2)، وليس لدي الآن للوقف أي مرجح بل المرجحات متوفرة لجانب الرفع .. " (¬3). قلت: وقد فات الشيخ مرجح كبير، وهو طريق متابع لأبي معاوية، فقد أخرج الحاكم في المستدرك بسند صحيح، فقال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب الحافظ، قال: حدثنا يحيى بن محمد بن يحيى، حدثنا مسدد، قال: حدثنا يزيد بن زريع، حدثنا داود بن أبي هند، قال: حدثنا أبو عثمان النهدي عن سلمان أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: .. "الحديث (¬4)، وهو متابعة تامة لأبي معاوية تزيل عنه شبهة التفرد أو المخالفة في هذا الحديث، ولو ثبتت الطرق التي ذكرها الدارقطني فإنه لا يكون من قبيل الزيادة بل هو من قبيل المختلف فيه. وقد توبع داود بن أبي هند في رفعه: تابعه سليمان بن طرخان التيمي، وهو ثقة عابد (¬5):أخرجه مسلم 4/ 2109 (2753)، وأحمد 5/ 439،والطبراني في الكبير 6/ 250 (6126) و 6/ 255 (6144)،والبزار في المسند 6/ 1476 (2507)،والمحاملي في الأمالي 1/ 114 (74). وجاء من طرق أخرى عن التيمي موقوفاً: أخرجه ابن المبارك في الزهد (1036) وفي (1087). وجاء من طريق سعيد الجريري عن أبي عثمان عن سلمان موقوفاً، أخرجه ابن المبارك في الزهد 1/ 366 (1036). ومن طريق عاصم عن أبي عثمان عن سلمان موقوفاً: أخرجه أحمد في العلل ومعرفة الرجال 2/ 418 (2871). ¬

(¬1) التقريب (5841) والتحرير 3/ 234. (¬2) قلت: وهذا خطأ بين فعبد الرحيم بن سليمان هو الكناني، ثقة له تصانيف التقريب (4056) والتحرير 2/ 359. (¬3) بين الإمامين ص 586. (¬4) المستدرك 4/ 176 (¬5) التقريب (2575).

أقول: وقد أعله أحمد في العلل ومعرفة الرجال 2/ 418 (2871) بالوقف وكذا الدارقطني في التتبع ص 301 وتابعه على الإعلال الوادعي في تعليقه عليه، وأما المدخلي فقد رجح المرفوع كما مر. قلت: وإعلال الأئمة للحديث بشكل عام وليس لطريق أبي معاوية. قال عبد الله بن أحمد في العلل ومعرفة الرجال:"قرأت على أبي بن أبي عدي عن داود عن أبي عثمان عن سلمان لله مائة رحمة وسعت كل رحمة ما بين السماء والأرض سمعت أبي يقول: حدثنا به معاذ عن التيمي عن أبي عثمان عن سلمان لم يرفعه معاذ ورفعه يحيى، قال أبو عبد الرحمن: ورفعه لقوم بعد أبي حدثني أبي قال: حدثناه يحيى عن التيمي وعفان عن معتمر أيضاً مرفوع، وقال عباد بن عباد عن عاصم عن أبي عثمان عن سلمان قال: قرأت في التوراة " (¬1). فالحديث لا يصلح لأن يكون مثالاً لقبول الزيادة وإنما هو من مختلف الحديث، والله أعلم. وقد حملوا النقاد من المتقدمين على الحديث لأنهم يشترطون فيه فيما له حكم المرفوع أن لا يكون قد أخذه من أهل الكتاب، ولا تُعل الرواية هنا من هذا الوجه، لأن الحديث صح عن أبي هريرة وغيره، وعذر الإمام مسلم في إخراجه: كونه أورده في المتابعات. 8 - أخرج الإمام مسلم 1/ 163 (181) قال: حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة، قال: حدثني عبد الرحمن بن مهدي، قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:" إذا دخل أهل الجنة الجنة قال يقول الله تبارك وتعالى: تريدون شيئا أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار؟ قال: فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئاً أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل ". حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا يزيد بن هارون عن حماد بن سلمة بهذا الإسناد وزاد: ثم تلا هذه الآية: " للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ". قلت: دار الحديث على ثابت البناني، رواه عنه حماد بن سلمة برفع زيادة"ثم تلا هذه الآية (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة .. ) ".أخرجه والطيالسي ص186 (315)، ¬

(¬1) العلل ومعرفة الرجال 2/ 418 (2871).

وأحمد 4/ 332 وفي 4/ 333 و6/ 15،ومسلم 1/ 163 (181)،والترمذي (2552) وفي (3105)، والنسائي في الكبرى 4/ 420 (7766)، وابن ماجة (187)، وابن مندة في الإيمان 2/ 773 (784) و2/ 774 (785) و (786)،وأبو عوانة 1/ 136 (411)،والطبراني في الكبير8/ 40 (7315)،وابن حبان 16/ 471 (7441)،والبزار6/ 13 (2087). (¬1) ورواها جماعة عن ثابت عن ابن أبي ليلى - موقوفة - وهم: - حماد بن زيد عن ثابت: أخرجه عبد الله بن أحمد في السنة 2/ 497 (1144)، وابن خزيمة في التوحيد ص181، واللالكائي في اعتقاد أهل السنة 3/ 461 (792). - وسليمان بن مغيرة: أخرجه ابن خزيمة في التوحيد ص 182. - ومعمر بن راشد: أخرجه ابن خزيمة في التوحيد ص182،والطبري في التفسير 11/ 106. - وحماد بن واقد: ذكره المزي في التحفة 4/ 1598 (4968) نقلاً عن أبي مسعود الدمشقي (¬2)،لم أقف على من أخرجه. وقال الترمذي عقب الحديث:"هذا حديث إنما أسنده حماد بن سلمة ورفعه، وروى حماد بن زيد وسليمان بن مغيرة هذا الحديث عن ثابت البناني عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى قوله " (¬3). وقال أبو مسعود الدمشقي:"رواه حماد بن زيد وسليمان بن المغيرة وحماد بن واقد، عن ثابت البناني، عن ابن أبي ليلى قوله، ليس فيه صهيب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ". (¬4) ورد النووي فقال: " وهذا الذي قاله هؤلاء ليس بقادح في صحة الحديث فقد قدمنا في الفصول أن المذهب الصحيح المختار الذي ذهب إليه الفقهاء وأصحاب الأصول والمحققون من المحدثين وصححه الخطيب البغدادي أن الحديث إذا رواه بعض الثقات متصلاً وبعضهم مرسلاً أو بعضهم مرفوعاً وبعضهم موقوفاً حكم بالمتصل ¬

(¬1) انظر المسند الجامع 7/ 525 (5422). (¬2) شرح مسلم 3/ 17. (¬3) جامع الترمذي (2552). (¬4) شرح مسلم 3/ 17.

وبالمرفوع لأنهما زيادة ثقة وهى مقبولة عند الجماهير من كل الطوائف والله أعلم " (¬1). ورجح المدخلي المرفوع، لكون حماد بن سلمة أثبت الناس في ثابت فقال: " إن من خالف حماد بن سلمة وإن كانوا أكثر فقد اعترى كثرتهم ما يضعفها وذلك: أ - لأن حماد بن زيد وإن كان ثقة إلا أنه معروف بقصر الأسانيد وبوقف المرفوع كثير الشك بتوخيه لم يكن له كتاب يرجع إليه فكان أحياناً يذكر فيرفع الحديث وأحياناً يهاب الحديث ولا يرفعه. ب - ولأن حماد بن واقد أحد هذه الكثرة ضعيف. ج - وفي إسناد سليمان بن المغيرة محمد بن معمر ليس بالحافظ وإن كان قد وجد له متابع لكن في الطريق إليه من لم أعرفه كما يأتي قريباً ولم أقف له على ترجمة بعد البحث الطويل. د - أنه يستحيل أن يقال مثله من قبل الرأي " (¬2). قلت: أما كون حماد يتوقى الحديث ويتهيب رفعه فهذا لا يعني أنه لو وقع عنده مرفوعاً لا يرفعه، لأن وقفه مع رجحان وصله أو ثبوته عنده لا يقل إثماً عن ذلك، ولو سلمنا للقول بأنه يتهيب الرفع، فكيف بآلاف الأحاديث المرفوعة منه؟. وأما عن الكلام في حماد فلو قارنا بين الحمادين، لرأيت البون بينهما شاسعاً، فحماد بن زيد أوثق، وأحفظ، وأضبط، من ابن سلمة، وابن سلمة قد تغير بآخرة. أما عن طريق ابن واقد، وسليمان بن المغيرة فإنهما توبعا، تابعهما معمر بن راشد كما مر، وأما عن إخراج الإمام مسلم لهذا الحديث فإن النووي وغيره لم يتنبهوا جيداً إلى نكتة إيراد مسلم له، فقد ساق مسلم الحديث في باب إثبات رؤية الباري عزّ وجل في الآخرة، فذكر في أول الباب حديث أبي موسى الأشعري 1/ 163 (180)، وهو الحديث الذي أخرجه الإمام البخاري (4878)،و (4879) و (7444)، وصححه الترمذي (2528)، ثم أتبعه بحديث عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب، المرفوع من طريق حماد بن سلمة، فهذه متابعة حسب. ولعله ارتضاها على ضعف الرفع فيها لأن مثلها لا يقال فيها بالرأي، فالحكم فيها حكم المرفوع، وإن كان الصواب فيها الوقف، وقد رجح الموقوف أستاذنا الدكتور بشار عواد في تعليقه على الترمذي (¬3). ¬

(¬1) مصدر سابق. (¬2) بين الإمامين ص36. (¬3) جامع الترمذي (2552)، وانظر سنن ابن ماجة بتحقيقه (187).

9 - أخرج الإمام مسلم 3/ 1306 (1679) فقال: حدثنا نصر بن علي الجهضمي، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا عبد الله بن عوف، عن محمد بن سيرين، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه، قال: لما كان ذلك اليوم قعد على بعيره وأخذ إنسان بخطامه فقال:" أتدرون أي يوم هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم؟، حتى ظننا أنه سيسميه سوى اسمه، فقال: أليس بيوم النحر؟ قلنا: بلى يا رسول الله، قال: فأي شهر هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم قال: أليس بذي الحجة؟ قلنا: بلى يا رسول الله، قال: فأي بلد هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم؟ قال: حتى ظننا أنه سيسميه سوى اسمه، قال: أليس بالبلدة؟ قلنا: بلى يا رسول الله، قال: فإنّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، فليبلغ الشاهد الغائب. قال: ثم انكفأ إلى كبشين أملحين فذبحهما، وإلى جُزيعة من الغنم فقسمها بيننا". أقول: روى مسلم الحديث أولاً من طريق ابن سيرين، ورواه عنه عبد الله بن عون عنه فزاد زيادة في آخره: " ثم انكفأ ... "، خالف بها بقية الرواة. أخرجه بالزيادة أحمد 5/ 37،ومسلم 3/ 1306 (1679)، والنسائي 7/ 220،وفي الكبرى 2/ 442 (4092) و 3/ 432 (5851)، وابن حبان 9/ 158 (3848) و 13/ 312 (5973) من طرق عن ابن عون به (¬1). وأخرجه أحمد 5/ 37، والبخاري (67)، والنسائي في الكبرى 2/ 442 (4092) وفي 3/ 432 (5851)، وابن حبان 9/ 158 (3848) من طريق ابن عون نفسه دون ذكر الزيادة (¬2). ورواه أيوب عن ابن سيرين دونها أخرجه: أحمد 5/ 47 والدارمي 2/ 93 (1916)،والبخاري (105) و (4144) و (5230) و (7009)، ومسلم 3/ 1305 (1679)، وأبو داود (1948) وابن حبان 13/ 313 (5974)، و (5975)،والبيهقي 5/ 165. ورواه (قرة بن خالد) عن ابن سيرين دونها: أخرجه أحمد 5/ 39،والبخاري (1654) و (1667)، ومسلم 3/ 1307 ¬

(¬1) انظر المسند الجامع 15/ 564 (11938). (¬2) انظر المسند الجامع 15/ 564 (11938).

(1679)،والنسائي في الكبرى 2/ 442 (4093) و3/ 432 (5850)، وابن ماجة (233)، والبزار 9/ 86 (3617) وابن الجارود في المنتقى1/ 212 (833)، من طرق عن قرة به (¬1). وأخرجه أحمد 5/ 40 مرسلاً (اسقط ابن أبي بكرة) من طريق أشعث عنه به. وأخرجه أبو داود (1947) والنسائي 7/ 127 - كذلك مرسلاً-من طريق أيوب عنه به (¬2). أقول: لقد أعل الدارقطني الزيادة وعدها مخالفة لأن الرواة الأكثر رووه عن ابن سيرين دونها واستدل لكون البخاري أورد الحديث من الطريق نفسه دونها، فقال: " وأخرج مسلم من أحاديث يزيد بن زريع، وحماد بن مسعدة عن ابن عون، عن محمد، عن ابن أبي بكرة، عن أبيه في خطبة يوم النحر وفي آخره: ثم انكفأ إلى كبشين أملحين فذبحهما، وإلى جزيعة من الغنم فقسمها بيننا. وهذا الكلام وهم من ابن عون فيما يقال، وإنما رواه ابن سيرين، عن أنس، قاله أيوب عنه. وقد أخرج البخاري حديث ابن عون فلم يخرج هذا الكلام فيه، فقطعه، ولعله صح عنده أنه وهم، والله أعلم، ومسلم أتى به إلى آخره " (¬3). ونقل النووي كلام الدارقطني ووافقه فقال: " قال القاضي: وقد روى البخاري هذا الحديث عن ابن عون فلم يذكر فيه هذا الكلام، فلعله تركه عمداً وقد رواه أيوب عن قرة، عن ابن سيرين في كتاب مسلم في هذا الباب، ولم يذكروا فيه هذه الزيادة، قال القاضي: والأشبه أن هذه الزيادة إنما هي في حديث آخر في خطبة عيد الأضحى، فوهم فيها الراوي فذكرها مضمومة إلى خطبة الحجة، أو هما حديثان، ضم أحدهما إلى الآخر، وقد ذكر مسلم هذا بعد هذا في كتاب الضحايا من حديث أيوب وهشام عن ابن سيرين عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى ثم خطب فأمر من كان ذبح قبل الصلاة أن يعيد، ثم قال في آخر الحديث: فانكفأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى كبشين أملحين فذبحهما فقام الناس إلى غنيمة فتوزعوها (¬4).فهذا هو ¬

(¬1) مصدر سابق. (¬2) مصدر سابق. (¬3) التتبع ص319، وانظر العلل 7/ 151 (1265). (¬4) صحيح مسلم 3/ 1554 (1962).

الصحيح وهو دافع للإشكال". (¬1) ووافقهم الوادعي (¬2) والمدخلي (¬3). أقول: يتبين مما تقدم أن يزيد بن زريع، وحماد بن مسعدة وهما ثقتان قد رويا الحديث عن ابن عون بالزيادة، ورواها البخاري (67) من طريق بشر بن المفضل، والنسائي في الكبرى (5851) من طريق النضر بن شميل، وهما ثقتان عن ابن عون بغير هذه الزيادة، فتحصل من ذلك أنّ ابن عون اضطرب في رواية هذا الحديث، فرواه على الوجه الموافق لرواية الثقات الآخرين، من غير الزيادة، ثم رواه بهذه الزيادة، غلطاً منه، إذ إنه أدخل حديثاً في حديث، كما ذكر الإمامان عياض، والنووي، ومن ثم فإن إخراج مسلم لهذا إنما كان في المتابعات، ولعله ساق هذه الزيادة ليبين علتها. 10 - أخرج مسلم 1/ 396 (567) فقال: حدثنا محمد بن المثنى قال: حدثنا يحيى بن سعيد قال: حدثنا هشام حدثنا قتادة عن سالم بن أبي الجعد عن معدان بن أبي طلحة أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - خطب يوم الجمعة فذكر نبي الله - صلى الله عليه وسلم - وذكر أبا بكر قال: " إني رأيت كأن ديكاً نقرني ثلاث نقرات، وإني لا أراه إلا حضور أجلي، وإن أقواماً يأمرونني أن أستخلف! وإنَّ الله لم يكن ليضيع دينه، ولا خلافته، ولا الذي بعث به نبيه - صلى الله عليه وسلم - فإن عجل بي أمر فالخلافة شورى بين هؤلاء الستة الذين توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو عنهم راض وإني قد علمت أن أقواماً يطعنون في هذا الأمر أنا ضربتهم بيدي هذه على الإسلام فإن فعلوا ذلك فأولئك أعداء الله الكفرة الضلال، ثم إني لا أدع بعدي شيئاً أهم عندي من الكلالة، ما راجعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شيء ما راجعته في الكلالة وما أغلظ لي في شيء ما أغلظ لي فيه حتى طعن بإصبعه في صدري فقال: يا عمر ألا تكفيك آية الصيف التي في آخر سورة النساء، وإني إن أعش أقض فيها بقضية يقضي بها من يقرأ القرآن ومن لا يقرأ القرآن، ثم قال: اللهم إني أشهدك على أمراء الأمصار، وإني إنما بعثتهم عليهم ليعدلوا عليهم وليعلموا الناس دينهم وسنة نبيهم ... - صلى الله عليه وسلم - ويقسموا فيهم فيئهم ويرفعوا إلي ما أشكل عليهم من أمرهم، ثم إنكم أيها الناس تأكلون شجرتين لا أراهما إلا خبيثتين هذا البصل والثوم لقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا وجد ريحهما من الرجل في ¬

(¬1) شرح مسلم 11/ 171 - 172. (¬2) التتبع ص 320. (¬3) بين الإمامين ص422.

المسجد أمر به فأخرج إلى البقيع فمن أكلهما فليمتهما طبخاً ". قلت: دار الحديث على سالم رواه عنه قتادة السدوسي موصولاً أخرجه: الحميدي1/ 7 (10)،و1/ 17 (29)،والطيالسي1/ 11 (53)، وأحمد 1/ 15 و 1/ 26 و 1/ 27 و 1/ 48، ومسلم 1/ 396 (567) و3/ 236 (617)،وأبو عوانة 1/ 340 (1217) و 3/ 439 (5609)، والنسائي 2/ 43، وفي الكبرى 1/ 250 (787)، وابن ماجة (3363) و (1014) و (2726)،وابن أبي شيبة 5/ 137 (24488)، وأبو يعلى 1/ 165 (184) و 1/ 219 (256)، وابن حبان 5/ 44 (2091)، والبزار 1/ 444، والحاكم 3/ 97، والبيهقي 8/ 150 و 3/ 78، من طرق عن سالم به (¬1). ورواه (حصين بن عبد الرحمن السلمي) منقطعاً فأسقط معدان: أخرجه الحميدي 1/ 8 (11)،والنسائي في الكبرى 4/ 159 (6683) (¬2). ورواه (منصور عن سالم) مرسلاً أيضا: أخرجه النسائي في الكبرى 4/ 159 (6684) (¬3)، وهذا يعني أن قتادة يرويه على خلافهما فوصله وأرسلاه. وقد أعلّه الدارقطني فقال: " هو حديث يرويه قتادة عن سالم بن أبي الجعد عن معدان بن أبي طلحة عن عمر حدث به عن قتادة هشام بن أبي عبد الله، وشعبة بن الحجاج، وسعيد بن أبي عروبة، والحجاج بن الحجاج، وهمام بن يحيى، فرووه عن قتادة بهذا الإسناد بطوله، ورواه ابن عيينة عن يحيى بن صبيح الخراساني وتابعه عبد الله ابن بشر ومطر الوراق وإسحاق بن أبي فروة رووه عن قتادة عن سالم عن معدان عن عمر مختصراً ورواه حماد بن سلمة عن قتادة عن سالم عن عمر مرسلاً عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مختصراً في قصة الثوم والبصل دون غيره ولم يذكر في الإسناد معدان ،ورواه حصين بن عبد الرحمن عن سالم بن أبي الجعد عن عمر مرسلاً أيضاً لم يذكر فيه معدان قال ذلك أبو الأحوص ومحمد بن فضيل وسفيان بن عيينة وجرير عن حصين وقال شعبة: عن حصين عن سالم عن رجل من أهل الشام عن عمر. ولم يرفع الحديث، وروى عن عباد بن العوام عن ¬

(¬1) انظر المسند الجامع 13/ 36 (10628). (¬2) مصدر سابق. (¬3) مصدر سابق.

حصين عن سالم بن أبي الجعد عن معدان عن عمر. وما أحسبه حفظ أنَّ حصيناً لا يذكر معدان وكذلك رواه المنصور بن المعتمر وأبو عون الثقفي وعمرو بن مرة رووه عن سالم عن عمر مرسلاً لم يذكروا فيه معدان، قاله جرير عن منصور وقاله عبد الغفار بن القاسم وحفص بن عمران عن عمرو بن مرة، والصحيح قول شعبة وهشام وابن أبي عروبة ومن تابعهم عن قتادة والله أعلم (¬1). ورواه مغيرة بن مسلم عن مطر عن شهر فقال عن أبي طلحة اليعمري عن عمر وخالفه داود بن الزبرقان عن مطر فقال: عن قتادة عن سالم بن أبي الجعد وهو المحفوظ وأتى داود بحديث الكلالة دون غيره " (¬2). قلت: ولم أقف على من رواه مرسلاً ممن ذكر خلا الطريقين الذين ذكرتهما ... (حصين ومنصور). لذا فقد أختلف فيه على النحو الآتي (¬3): قتادة عن سالم عن معدان عن عمر - موصولاً -. حصين عن سالم عن معدان عن عمر - موصولاً -. حصين عن سالم عن عمر - منقطعاً -. منصور عن سالم عن عمر - مرسلاً (منقطعاً) -. وهكذا يكون طريق قتادة الموصول أثبت- كما أخرجه مسلم ونص عليه الدارقطني - وطريق منصور مرسلاً أثبت، وأما طريق حصين فإنه اختلف فيه بين الوصل ¬

(¬1) ظن المدخلي - بين الإمامين ص 161 - ، وكذا الوادعي - التتبع ص 556 - ، أن الدارقطني رجح المتصل على المرسل اعتماداً على هذا التصحيح، والصواب أنه إنما رجح الرفع من طريق قتادة فحسب،،وليس أصل الحديث. والدليل على هذا أنه أعله في التتبع. ولو سلمنا - جدلاً- بقوله: أنه صحح المتصل في العلل، وأعله في التتبع فنجيب: ولعله رجح المتصل في العلل كون الحديث عن حصين اضطرب، فرواه عنه عباد بن العوام متصلاً كما ذكره الدارقطني 2/ 219 وقال عقبه ((وما أحسبه حفظ لأن حصيناً لا يذكر معدان)).ورواه عنه (سفيان، وأبو الأحوص) مرسلاً، فاصبح لحديث قتادة متابع. وهذا لا يسلم للدارقطني لأن عباداً ليس أحفظ من سفيان وحده فكيف وقد توبع سفيان؟، ولا ندري أي الرأيين كان المتأخر فيكون ناسخاً والأول منسوخاً؟ أوقد يكون صح عنده كلا الطريقين لأنه من المختلف كما سيأتي. (¬2) علل الدارقطني 2/ 218 (213). (¬3) المسند الجامع 14/ 34 (10628).

والإرسال، والحديث إذا اختلف عليه بين وصل وإرسال يخرج من الموازنة، لاحتمالية الوجهين، وهكذا تكون الموازنة بين طريقي قتادة ومنصور فقط، ويكون الحديث من المختلف، وهذا عذر الإمام مسلم في إخراجه في الصحيح، وليس على قاعدة قبول الزيادة من الثقة، على مفهوم المتأخرين لها، ناهيك عن كونه أخرجه في المتابعات. والذي يبدو لي: أن الحديث ثبت عن سالم بالوجهين مرسلاً ومتصلاً وإنما العلة كانت في سالم، فإنه كان يرسله تارة، ويوصله تارة، ويوقفه تارة، ويرفعه تارة،، قال الذهبي في الميزان:"يدلس، ويرسل " (¬1)، وقال في السير:" صاحب تدليس" (¬2). وقال الحافظ في التقريب: " ثقة يرسل كثيراً " (¬3)،والله أعلم. وقد رجح المرسل الإمام الدارقطني (¬4)، والمدخلي (¬5)، ورجح المتصل النووي وعده زيادة ثقة (¬6)، وشنع على الدارقطني إعلاله للحديث، ظناً منه أنه أعله لتدليس قتادة فقط؟، وذكر كلاماً مفيداً حول منهجية الشيخين في انتقاء أصح أحاديث المدلسين وفاته أن الدارقطني ما أعله بذاك حسب، وإنما أعله للاختلاف عليه بين وصل وإرسال، كما بيناه. 11 - أخرج مسلم 1/ 238 (288) فقال: وحدثنا يحيى بن يحيى، قال: أخبرنا خالد بن عبد الله، عن خالد، عن أبي معشر، عن إبراهيم، عن علقمة والأسود: أن رجلاً نزل بعائشة فأصبح يغسل ثوبه فقالت عائشة:" إنما كان يجزئك إن رأيته أن تغسل مكانه فإن لم تر نضحت حوله ولقد رأيتني أفركه من ثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فركا فيصلي فيه ". قلت: دار الحديث على زياد بن كليب (أبي معشر) رواه عنه خالد بن مهران فزاد مع الأسود علقمة، قرنهما، أخرجه مسلم 1/ 238 (288)، وابن خزيمة 1/ 145 (288)، وابن حبان 4/ 217 (1379)، والبيهقي (2/ 416)،والطحاوي في شرح معاني الآثار 1/ 50،من طرق عن خالد بن عبد الله الطحان عن خالد بن مهران عن أبي ¬

(¬1) ميزان الاعتدال 2/ 109 (3045). (¬2) سير أعلام النبلاء 5/ 108 (44)،وانظر تحرير التقريب 2/ 5. (¬3) التقريب (2170)، وانظر التحرير 2/ 5. (¬4) التتبع ص556،وانظر بين الإمامين ص161. (¬5) بين الإمامين ص 166. (¬6) شرح مسلم 5/ 52، وتبعه الوادعي التتبع ص 401.

معشر به (¬1). ورواه (سعيد بن أبي عروبة وهشام بن حسان) عن أبي معشر عن الأسود وحده:- أخرجه أحمد 6/ 239،ومسلم 1/ 238 (288)،والنسائي 1/ 156، والجارود 1/ 44 (136)، وابن حبان 4/ 219 (1380) من طريق هشام بن حسان عنه به (¬2). وأخرجه أحمد 6/ 35 و 6/ 97، ومسلم 1/ 238 (288) وأبو يعلى 8/ 255 (4852) من طريق سعيد بن أبي عروبة عنه به (¬3). أقول: أعلّ الإمام أحمد طريق خالد هذا وعد زيادة (علقمة) علّة في الحديث (¬4)،والدارقطني، وقال: بعد أن ذكر الاختلاف في الحديث: " وقول خالد عن خالد: (علقمة) غير محفوظ ". (¬5) وهو كما قال الأئمة في عد الزيادة غير محفوظة وقد اختلف في إسناد هذا الحديث إضافة إلى ما مر على النحو الآتي: أخرجه مسلم 1/ 239 (288)، والبيهقي 2/ 217 من طريق واصل الأحدب عن إبراهيم عن الأسود (وحده) به. وأخرجه الشافعي 1/ 345، واحمد 6/ 213، وأبو داود (372)، والجارود 1/ 44 (137)،والبيهقي 2/ 416، من طريق حماد بن سليمان عن إبراهيم عن الأسود (وحده) به. وأخرجه ابن أبي شيبة 1/ 83 (917)،ومسلم 1/ 239 (288)، وابن ماجة (539)،وأبو عوانة 1/ 175 (350) من طريق إبراهيم عن الأسود (وحده) به. وأخرجه مسلم 1/ 239 (288) من طريق منصور ومغيرة بن مقسم عن إبراهيم عن الأسود (وحده) به. وأخرجه مسلم 1/ 239 (288) وابن ماجة (539) من طريق مغيرة بن مقسم عن إبراهيم به. ¬

(¬1) انظر المسند الجامع 19/ 300 (16076). (¬2) انظر المسند الجامع 19/ 300 (16076). (¬3) مصدر سابق. (¬4) العلل ومعرفة الرجال 2/ 427 (2887). (¬5) التتبع ص560، وانظر بين الإمامين ص92.

وجاء الحديث مرة عن إبراهيم عن همام (وحده) عن عائشة: أخرجه: الحميدي 1/ 97 (186)، والطيالسي ص199 (1401)، وعبد الرزاق 1/ 368 (1439)،وابن أبي شيبة 1/ 83 (920)، وأحمد 6/ 43، و6/ 125 و6/ 135، والترمذي (116) وقال حسن صحيح، والنسائي 1/ 156، وابن ماجة (537) و (538)،وأبو عوانة 1/ 175 (531)، والبيهقي 2/ 417. من طرقٍ عن الأعمش عن إبراهيم به (¬1). وأخرجه أحمد 6/ 135، ومسلم 1/ 239 (288)، وأبو عوانة 1/ 175 (531) وابن خزيمة (288) من طرق عن منصور عن إبراهيم به (¬2) وأخرجه أحمد 6/ 125،والنسائي1/ 156 من طريق الحكم بن عتيبة عن إبراهيم به. (¬3) وأخرجه مسلم 1/ 238 (288) من طريق الأعمش عن إبراهيم عن (الأسود وهمام) كلاهما عن عائشة به. (¬4) إذن: وباختصار فقد اختلف فيه على النحو الآتي: مرة عن إبراهيم عن الأسود وعلقمة. ومرة عن إبراهيم عن الأسود وهمام. ومرة عن إبراهيم عن الأسود وحده. ومرة عن إبراهيم عن همام وحده. أقول: اختلف في ذكر همام والأسود مقترنين، ومفترقين فقد رواه جماعة على كل وجه من الوجوه، وهذا من قبيل مختلف الحديث فلعل إبراهيم كان يحدث به على هذه الوجوه، وهو احتمال وارد. والرواة قد تابع بعضهم بعضاً في كل وجه ولم ينفرد أحد بوجه من الوجوه. أما رواية خالد بن مهران فإنه لم يتابع عليها بل خالف جمهرة الرواة عن أبى معشر ¬

(¬1) انظر المسند الجامع 19/ 302 (16077). (¬2) مصدر سابق. (¬3) مصدر سابق. (¬4) انظر المسند الجامع 19/ 304 (16077).

فهي شاذة كما قاله نقاد الحديث. ولعل تخريج الإمام مسلم لهذا الحديث هو أنه أراد أن ينبه على هذا الوهم، أما قول المدخلي في كتابه بين الإمامين: " ولعل ذلك مما غفل عنه مسلم أو فاته ". (¬1) فأقول: ونسبة الوهم إلى مسلم وإن جازت شرعاً وعقلاً، إلا أنه ليس بالسهل أن نخطئهُ بهذه السرعة، وإنما أرى أنه نبه إلى خطأ الحديث إذ قال عقب حديث جماعة الرواة عن إبراهيم عن همام: " كل هؤلاء عن إبراهيم عن همام عن عائشة في حت المني من ثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نحو حديث خالد عن أبي معشر ". مع العلم أنه أورد طريق هشام وابن أبي عروبة عن أبي معشر، ولو لم يكن طريق خالد عنده معلولاً لقال: نحو حديثهم أو حديثهما، أو لعله وقف على متابعات لرواية خالد هذه، والتي تجمعُ بين (علقمة والأسود) ولم نقف عليها، خاصة وقد اختلف على إبراهيم على الوجوه التي ذكرناها فانتقاها مسلم انتقاءاً والله أعلم. 12 - وأخرج في 2/ 1037 (1421) فقال: وحدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا سفيان عن زياد بن سعد عن عبد الله بن الفضل سمع نافع بن جبير يخبر عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: الثيب أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأمر وإذنها سكوتها ". وحدثنا ابن أبي عمر قال: حدثنا سفيان بهذا الإسناد: وقال: الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر يستأذنها أبوها في نفسها وإذنها صماتها وربما قال وصمتها إقرارها". قلت: دار الحديث على عبد الله بن الفضل بن ربيعة رواه عنه:- - مالك: في الموطأ برواية الليثي (1493)،ومن طريقه: الشافعي 1/ 172و 220، وعبد الرزاق 6/ 142 (10282)، وأحمد 1/ 219 و241 و345و 362،والدارمي 2/ 186 (2188 و 2189)، ومسلم 2/ 1037 (1421)،وأبو داود (2098)،والترمذي (1108)، والنسائي 6/ 84 وفي الكبرى 3/ 280 (5371)،وابن ماجة (1870)، وأبو عوانة 3/ 76 (4249 و 4250)، وابن حبان 9/ 395 (4084) و9/ 397 (4087)،والطبراني في الكبير 10 / (10745). والبيهقي 7/ 115. - وسفيان الثوري: أخرجه عبد الرزاق 6/ 142 (10282). ¬

(¬1) بين الإمامين ص 97.

-وصالح بن كيسان: أخرجه أحمد 1/ 361، والنسائي 6/ 85. كلهم عن عبد الله بن الفضل دون زيادة:" أبوها " (¬1). ورواه سفيان بن عيينة عن زياد بن سعد الخراساني - ثقة ثبت - (¬2) عن عبد الله بن الفضل به وزاد فيه "أبوها "، أخرجه أحمد 1/ 261، ومسلم 2/ 1037 (1421)، وأبو داود (2099)، وقال:"أبوها ليس بمحفوظ "، والبيهقي 7/ 115، من طرق عن سفيان به. ورواه مثل رواية ابن الفضل، دون الزيادة: عبيد الله بن عبد الرحمن بن موهب، أخرجه أحمد 1/ 355 والدارمي 2/ 186 (2190) والطبراني في الكبير 10 / (10747). وكذا رواه صالح بن كيسان أخرجه أحمد 1/ 334، وأبو داود (2100)، والنسائي 6/ 85. قلت: فالزيادة "أبوها " معلولة وذلك لما يأتي: 1 - تفرد ابن عيينة بهذا الحديث عن زياد بن سعد الخراساني، فخالف فيه كل من رواه عن عبد الله بن الفضل. 2 - إن سفيان لم يثبت على هذه الزيادة، فكان تارة يرويها، وأخرى يتركها؛ إذ رواها عنه: أحمد بن حنبل كما في مسنده 1/ 355،ومن طريقه أبو داود (2099)، ومحمد بن منصور الخزاعي كما عند النسائي 6/ 85؛ومحمد بن يحيى، ابن أبي عمر العدني، وهو صدوق (¬3) كما عند مسلم 2/ 1037 (1421). وقد تركها الحميدي - وهو من أثبت الناس في سفيان، وأكثرهم ملازمة له، كما في مسنده 1/ 239 (517)؛ وقتيبة بن سعيد، كما عند مسلم 2/ 1037 (1421). وهذا كله يدلل على عدم ثبوته عليها. 3 - إن الإمام مسلماً لم يخرجها أصلاً في الباب، وإنما أوردها في المتابعات فلعله أراد أن ينبه على خطئها كما وعد في مقدمته، والذي يرجح هذا أنه أورده من طريق قتيبة عنه دونها، ثم أتبعها برواية ابن أبي عمر. ¬

(¬1) انظر المسند الجامع 9/ 167 (6450). (¬2) التقريب (2080). (¬3) التقريب (6391)، وقال صاحبا التحرير 3/ 333: "بل ثقة .. ".

المبحث الرابع: عند الإمام أبي داود

فهذه الزيادة "غير محفوظة "، كما نص عليه أبو داود، وهو الذي يفهم من صنيع الإمام مسلم، بعد أن بيناه مفصلاً في أول الكلام. وهكذا نخلص أن الأمام مسلماً لم يورد تلك الزيادات في أصول الأبواب، بل في المتابعات والشواهد، وهو مما أعله المتقدمون والنقاد من المتأخرين، وهذا لا يعني قبولها، ولو سلم لنا مثال أو مثالين - جدلاً - فإنها لا تصمد أمام الجم الغفير مما تركه، أو أعله من جهة، ومن جهة أخرى أقول: لا يحسن بنا أن نقيس ذلك على صنيع الإمام مسلم من خلال المرويات التي بين أيدينا، إذ إنّ الإمام مسلماً قد أنتقى أحاديثه من مئات الألوف من الطرق التي وصلنا بعضها، وفاتنا جمع كبير، وبما أننا لا نعرف الأسس التي انتقى على أساسها الإمام مسلم أحاديثه فمن الصعوبة بمكان إطلاق القول أن الإمام مسلماً ساق هذا الحديث في صحيحه لأنه من باب زيادة الثقة بمفهومنا اليوم، اللهم إلا إذا اتفق المتقدمون أن هذا الحديث مما تفرد به هذا الراوي، إذ إطلاق القول بأنه خالف صنيع الأئمة المتقدمين مجانبة للصواب، والله أعلم. ثم أنّه من المحرر أصلاً: أنّ الثقة قد يخطئ، وهذا من فطرة الإنسان التي فطره الله تعالى عليها، وقد صرح بعض الأئمة النقاد كالإمام الدارقطني وغيره أن الإمام مسلماً أخطأ هنا أو هناك، وهذا كله لا يخرجه من دائرة الضبط والإتقان، لكثرة الصواب. المبحث الرابع: عند الإمام أبي داود: أبو داود إمام من الأئمة المبرزين في علم الحديث - من المتقدمين - ويعد واحداً من الذين أرسوا لنا قواعد الحديث وعلله، وقد اخترناه هنا مع الأئمة البخاري ومسلم والترمذي والنسائي كنماذج من المتقدمين وذلك لعدة أسباب كما قدمناه سلفاً ومن خلال استقراء سنن أبي داود، وجدت أنَّ أبا داود يسلك منهج أقرانه وشيوخه في قبول زيادة الثقة أو ردها فهو يقبل زيادة الثقة على وفق منهج المتقدمين وفهمهم لها - كما بيّناها سلفاً -. أمّا على وفق فهم المتأخرين وعلماء المصطلح لها وهي أنها تفرد الثقة بزيادة على أقرانه في الشيخ نفسه - متناً أو سنداً - فإنني لم أقف له على مثال واحد يصرح به أبو داود أنه يقبلها أو يصحّحها. ... أمّا سكوته عنها فهو كما قدمنا لا يعني قبوله لها، لأنه لم يشترط في كل حديث

يورده الصحة. وقد سبقني إلى هذا الدكتور محمد سعيد حوى في بحثه (مقولات أبي داود النقدية في كتاب السنن)، ولم يذكر لنا الشيخ هناك منهج أبي داود في قبول الزيادة أو ردها، وإنما اكتفى بذكر الأمثلة التي ساقها مناقشاً أبا داود فيها. والأمثلة التي ذكرها كانت تدلل بوضوح على أن أبا داود لم يكن يقبل الزيادة بمفهوم - المتأخرين - فمثلاً ذكر في بحث زيادة الثقة أقسام الزيادة التي ذكرها أبو داود في سننه، وهي: أولاً: ما رجح أبو داود أنها غير محفوظة وهي كذلك، وساق الأمثلة. ثانياً: ما رجح أبو داود أنها غير محفوظة والراجح خلاف ذلك، وساق الأمثلة. وهذا المنهج لا يسلم للباحث وإنما الصواب أن نحاكمه إلى منهجيته في القبول أو في الرد، ولا نحاكمه على قواعد غيره. ثالثاً: زيادات لم يصرح برأيه فيها والراجح أنها غير محفوظة. رابعاً: ما سكت عن بيان رأيه فيها والراجح أنها محفوظة (¬1).ولم يذكر في هذا مثلاً نستهدي به على رجحان حفظها. ومِنْ ثَمَّ، فإنني لم أقف على مثال واحد - بعد البحث والتحري- ينطبق عليه مفهوم الزيادة عند المتأخرين. بل الذي توصلت إليه استقراءاً أنَّ أبا داود لا يقبل الزيادة - موضوع البحث - بل يعد ذلك إعلالاً للحديث، وفيما يأتي بعض أمثلة ذلك: 1 - قال أبو داود (281):حدثنا يوسف بن موسى قال: حدثنا جرير عن سهيل يعني بن أبي صالح، عن الزهري، عن عروة بن الزبير قال: حدثتني فاطمة بنت أبي حبيش أنها أمرت أسماء، أو أسماء حدثتني أنها أمرتها فاطمة بنت أبي حبيش أن تسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"فأمرها أن تقعد الأيام التي كانت تقعد ثم تغتسل ". قال أبو داود: ورواه قتادة عن عروة بن الزبير عن زينب بنت أم سلمة أن أم حبيبة بنت جحش استحيضت فأمرها النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تدع الصلاة أيام إقرائها ثم تغتسل وتصلي. ¬

(¬1) مقولات أبي داود ص375، وقد استفاد من الأمثلة الشيخ سعيد عزاوي في رسالته " زيادة الراوي " فسار على منهجه حذو القذة بالقذة؟.

قال أبو داود: لم يسمع قتادة من عروة شيئاً. وزاد ابن عيينة في حديث الزهري عن عمرة عن عائشة أن أم حبيبة كانت تستحاض فسألت النبي - صلى الله عليه وسلم -:"فأمرها أن تدع الصلاة أيام إقرائها ". قال أبو داود: وهذا وهم من ابن عيينة ليس هذا في حديث الحفاظ عن الزهري، إلا ما ذكر سهيل ابن أبي صالح، وقد روى الحميدي هذا الحديث عن ابن عيينة لم يذكر فيه " تدع الصلاة أيام إقرائها ". أقول: دار الحديث على الزهري رواه عنه: - الليث بن سعد: أخرجه أحمد 6/ 82. - وابن أبي ذئب: أخرجه أحمد 6/ 141 والبخاري (327) وأبو داود (291). - والأوزاعي: أخرجه الدارمي (774)،وابن ماجه (626)، والنسائي 1/ 117و1/ 119،وفي الكبرى (207). - وعمرو بن الحارث: أخرجه مسلم 1/ 263 (334)،وأبو داود (285و288)،والنسائي في الكبرى (209). - وحفص بن غيلان: أخرجه النسائي في الكبرى (208). - والنعمان بن راشد، والأوزاعي، وحفص بن غياث - جميعاً -: أخرجه النسائي 1/ 117و118و119. - وإبراهيم بن سعد: أخرجه أحمد 6/ 187، والدارمي 1/ 221 (782)، ومسلم 1/ 264 (334)، وأبو عوانة 1/ 267 (930)، وأبو يعلى 7/ 381 (4410) وابن حبان 4/ 184 (1351)، والطحاوي في شرح المعاني 1/ 99. - ومعمر بن راشد: أخرجه مسلم ذكر ذلك المزي في التحفة (17922) ولم أقف عليه في المطبوع من الصحيح. كلهم عن الزهري بلفظ متقارب (¬1). ورواه سفيان بن عيينة فزاد في الحديث"تدع الصلاة أيام أقرائها".أخرجه النسائي 1/ 121 و 1/ 183، وفي الكبرى 1/ 111 (215)، وذكره أبو داود (281 و 285) تعليقاً. وجاء مرة عن سفيان دون الزيادة أخرجه الحميدي 1/ 87 (160)، ومسلم 1/ 264 ¬

(¬1) انظر المسند الجامع 19/ 337 (16124).

(334) (¬1). أقول: فلو قال أبو داود بالزيادة من الثقة لأوردها هنا ولم يعلّها ويوهم سفيان بن عيينة بها على حفظه وإتقانه؟ وكذا الإمام مسلم إذ أوردها في صحيحه عن سفيان نفسه دون الزيادة؟ فتأمل! 2 - وأخرج في (1618) فقال: حدثنا حامد بن يحيى قال: أخبرنا سفيان (ح) وحدثنا مسدد قال: حدثنا يحيى، عن ابن عجلان أنه سمع عياضاً قال: سمعت أبا سعيد الخدري يقول: " لا أخرج أبداً إلاّ صاعاً، إنا كنا نخرج على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صاع تمر أو شعير أو أقط أو زبيب " هذا حديث يحيى، زاد سفيان: أو صاعاً من دقيق. قال حامد: فأنكروا عليه فتركه سفيان. قال أبو داود: فهذه الزيادة وهم من ابن عيينة. أقول: مدار الحديث على ابن عجلان رواه عنه: - حاتم بن إسماعيل: أخرجه مسلم 2/ 679 (985). -ويحيى بن سعيد القطان: أخرجه أبو داود (1618)،والبيهقي 4/ 172. -وحماد بن مسعدة: أخرجه ابن خزيمة 4/ 87 (2413). كلهم عن ابن عجلان بلفظ مُتقارب (¬2). ورواه سفيان بن عيينة عن ابن عجلان فزاد في متنه " أو صاعاً من دقيق ". أخرجه أبو داود (1618)، والنسائي 5/ 52،وفي الكبرى 2/ 28 (2293)، وابن خزيمة 4/ 88 (2414)، والدارقطني 2/ 146، والبيهقي 4/ 172 من طرق عن سفيان به (¬3). وذكر أبو داود أن سفيان لما ذكر له استنكار الناس لزيادته تركها، وفي هذا إشارة مهمة وهي أن الناس وأعني الحفّاظ المتقدمين يستنكرون تفرد الراوي بزيادة ينفرد بها عن بقية الرواة وإن كانت من مثل سفيان! وأن سفيان تركها لأنه علم أنه لم يتابع عليها فخشي الوهم وإلاّ فلماذا تركها؟ ¬

(¬1) مصدر سابق. (¬2) انظر المسند الجامع 6/ 291 (4352). (¬3) انظر المسند الجامع 6/ 291 (4352).

وقد أخرجه عن سفيان - بدونها - الحميدي 2/ 327 (742). (¬1) وأقول: لو كان أبو داود يقول بالزيادة لِما وَهَّم سفيان بن عيينة في زيادته. 3 - وأخرج (1612) فقال: حدثنا يحيى بن محمد بن السكن، قال: حدثنا محمد بن جهضم قال: حدثنا إسماعيل بن جعفر، عن عمر بن نافع، عن أبيه عن عبد الله بن عمر قال:"فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر صاعاً، فذكر بمعنى مالك (¬2) زاد: والصغير والكبير، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة، قال أبو داود: رواه عبد الله العمري عن نافع بإسناده، قال: على كل مسلم، ورواه سعيد الجمحي عن عبيد الله عن نافع قال فيه: من المسلمين، والمشهور عن عبيد الله ليس فيه (من المسلمين) ". أقول: حديث عبد الله بن عمر العمري الذي أشار إليه أبو داود أختُلفَ فيه، فروي عنه وفيه "من المسلمين"،وروي عنه من غيرها، فممن رواه من غيرها: 1 - يحيى بن سعيد القطان: أخرجه البخاري (1512)،وأبو داود (1613) وأحمد 2/ 55 وابن خزيمة 4/ 84 (2403). 2 - وعبد الله بن نمير وحماد بن سلمة: أخرجه مسلم 2/ 677 (984) 3 - ومحمد بن عبيد: أخرجه أحمد 2/ 102 4 - وبشر بن المفضل وأبان بن يزيد: أخرجه أبو داود (1613) 5 - وعيسى بن يونس: أخرجه النسائي 5/ 49 وفي الكبرى 5/ 25 (2284). 6 - وعبد الأعلى بن عبد الأعلى، والمعتمر بن سليمان: أخرجه ابن خزيمة4/ 84 (2403) 7 - وسفيان الثوري: أخرجه الدارمي1/ 481 (1662)،وابن خزيمة 4/ 86 (2409) (¬3). وخالفهم سعيد بن عبد الرحمن الجمحي - وهو صدوق (¬4) - فزاد فيها (من المسلمين) أخرجه أحمد 2/ 66 و 2/ 137، وأبو داود (1612). ¬

(¬1) الحميدي تلميذه النجيب، الذي لازمه اثني عشر عاماً، ولو كانت محفوظة لما غفل عنها. (¬2) أي حديث مالك انظره ص 183 من هذا البحث. (¬3) انظر المسند الجامع 10/ 246 (7488). (¬4) قال ابن حجر: (صدوق له أوهام) التقريب (2350) ولعل الوهم من هذا الحديث وإضرابه.

أقول: ردّ أبو داود زيادة سعيد مع كونها من صدوق ولها شواهد صحيحة؟! 4 - أخرج في (2093) فقال: حدثنا أبو كامل قال: حدثنا يزيد يعني ابن زريع (ح)، وحدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا حماد المَعْني قال: حدثني محمد بن عمرو قال: حدثنا أبو سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"تستأمر اليتيمة في نفسها فإن سكتت فهو إذنها وإن أبت فلا جواز عليها "والإخبار في حديث يزيد قال أبو داود: وكذلك رواه أبو خالد سليمان بن حيان ومعاذ بن معاذ عن محمد بن عمرو ". وقال أبو داود في (2094):حدثنا محمد بن العلاء قال: حدثنا ابن إدريس عن محمد بن عمرو بهذا الحديث بإسناده، زاد فيه:" قال فإن بكت أو سكتت زاد: "بكت". قال أبو داود: وليس "بكت"بمحفوظ وهو وهم في الحديث، الوهم من ابن إدريس أو من محمد بن العلاء. قال أبو داود: ورواه أبو عمر وذكوان عن عائشة قالت:"يا رسول الله إن البكر تستحي أن تتكلم قال: سكاتها إقرارها". أقول: مدار الحديث على محمد بن عمرو بن علقمة رواه عنه: - يزيد بن زريع: أخرجه أبو داود (2093)، والبيهقي 7/ 122. - وحماد بن سلمة: أخرجه أحمد 2/ 384،وأبو داود (2093)،والبيهقي 7/ 122. -وعبد الواحد بن واصل الحداد: أخرجه أحمد 2/ 259. -ويحيى بن سعيد القطان: أخرجه النسائي 6/ 87،وفي الكبرى 3/ 282 (5378). -وسفيان الثوري: أخرجه أبو يعلى 10/ 412 (6019). -وعبد العزيز بن محمد الدراوردي: أخرجه الترمذي (1109). -وزائدة بن قدامة: أخرجه ابن حبان 9/ 392 (4079). كلهم رووه عن محمد بن عمرو بن علقمة بلفظ متقارب (¬1). ورواه محمد بن العلاء بن كريب عن عبد الله بن إدريس الأودي عن محمد بن عمرو به، فزاد في متنه (بكت)، أخرجه أبو داود (2094)، والبيهقي 7/ 122. وقد عدّه أبو داود وهماً وردد الوهم بين محمد بن العلاء (¬2)، وبين عبد الله ¬

(¬1) انظر المسند الجامع 17/ 218 (13530). (¬2) التقريب (6204).

بن إدريس (¬1) وهما ثقتان؟ فلو كانت الزيادة مقبولة عنده لما عدل عنها؟ بل ووَهَّم صاحبها! 5 - أخرج في (972) فقال: حدثنا عمرو بن عون قال: أخبرنا أبو عوانة عن قتادة (ح) وحدثنا أحمد بن حنبل قال: حدثنا يحيى بن سعيد قال: حدثنا هشام عن قتادة عن يونس بن جبير عن حطان بن عبد الله الرقاشي قال:"صلى بنا أبو موسى الأشعري فلما جلس في آخر صلاته قال رجل من القوم: أقرت الصلاة بالبر والزكاة فلما انفتل أبو موسى أقبل على القوم فقال: أيكم القائل كلمة كذا وكذا؟،قال: فأرم القوم، فقال: أيكم القائل كلمة كذا وكذا؟ فأرم القوم، قال: فلعلك يا حطان أنت قلتها؟،قال: ما قلتها، ولقد رهبت أن تبكعني بها، قال: فقال رجلٌ من القوم: أنا قلتها، وما أردت بها إلا الخير، فقال أبو موسى: أما تعلمون كيف تقولون في صلاتكم، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطبنا فعلمنا وبين لنا سنتنا، وعلمنا صلاتنا فقال:"إذا صليتم فأقيموا صفوفكم، ثم ليؤمكم أحدكم فإذا كبر فكبروا، وإذا قرأ"غير المغضوب عليهم ولا الضالين"فقولوا: آمين يحبكم الله، وإذا كبر وركع فكبروا واركعوا فإن الإمام يركع قبلكم، ويرفع قبلكم، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" فتلك بتلك"وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد، يسمع الله لكم، فإنَّ الله تعالى قال على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم -:"سمع الله لمن حمده"وإذا كبر وسجد فكبروا واسجدوا فإن الإمام يسجد قبلكم ويرفع قبلكم، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" فتلك بتلك"فإذا كان عنده القعدة فليكن من أول قول أحدكم أن يقول التحيات الطيبات الصلوات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ". لم يقل أحمد: وبركاته، ولا قال: وأشهد، قال: وأن محمداً. حدثنا عاصم بن النضر قال: حدثنا المعتمر قال سمعت أبي يقول: حدثنا قتادة عن أبي غلاب يحدثه عن حطان بن عبد الله الرقاشي بهذا الحديث زاد:"فإذا قرأ فأنصتوا وقال في التشهد بعد أشهد أن لا إله إلا الله زاد وحده لا شريك له". قال أبو داود: وقوله فأنصتوا ليس بمحفوظ لم يجئ به إلا سليمان التيمي في هذا الحديث " (¬2). أقول: هكذا ردَّ أبو داود زيادة سليمان بن جرير وهو ثقة وعدها غير محفوظة. ¬

(¬1) التقريب (3207). (¬2) تقدم تخريجه والكلام عليه ص 270.

ولو قال بالزيادة لما أعلّها، وأمّا عن تخريج الإمام مسلم لها فقد أجبنا عنه (¬1). 6 - وأخرج في (3520) فقال: حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن ابن شهاب عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:" أيما رجل باع متاعاً فأفلس الذي ابتاعه ولم يقبض الذي باعه من ثمنه شيئاً فوجد متاعه بعينه فهو أحق به وإن مات المشتري فصاحب المتاع أسوة الغرماء ". وفي (3521) قال: حدثنا سليمان بن داود قال: حدثنا عبد الله يعني ابن وهب قال: أخبرني يونس عن ابن شهاب قال: أخبرني أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر معنى حديث مالك زاد:"وإن قضى من ثمنها شيئاً فهو أسوة الغرماء فيها". وقال في (3522): حدثنا محمد بن عوف الطائي قال: حدثنا عبد الله بن عبد الجبار يعني الخبائري، حدثنا إسماعيل يعني ابن عياش، عن الزبيدي، قال أبو داود: وهو محمد بن الوليد أبو الهذيل الحِمْصي عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحوه:"قال فإن كان قضاه من ثمنها شيئاً فما بقي فهو أسوة الغرماء وأيما امرئ هلك وعنده متاع امرئ بعينه اقتضى منه شيئا أو لم يقتض فهو أسوة الغرماء". قال أبو داود:" حديث مالك أصح ". أقول: مدار الحديث على الزهري رواه عنه: - مالك بن أنس: أخرجه مالك في الموطأ (1979) وأبو داود (3520). - يونس بن يزيد: أخرجه أبو داود (3521)،وفي المراسيل ص163 برقم (173). كلاهما (مالك ويونس) عن الزهري به مرسلاً. ورواه الزبيدي عن الزهري متصلاً بذكر أبي هريرة أخرجه أبو داود (3522)، وابن الجارود في المنتقى ص160 برقم (632)، والدارقطني في السنن 3/ 30، والبيهقي 6/ 47. وقد أعلَّ أبو داود المتصل بالمرسل رغم أنَّ الزبيدي ثقة (¬2). فلو قال بقبول الزيادة لقبلها هنا؟ وكذا الحال مع مالك إذ أوردها مرسلة في الموطأ؟ ¬

(¬1) انظر ص 273. (¬2) التقريب (6372).

وقد جاء طريق آخر متابع للزبيدي وهو من رواية إسماعيل بن عياش عن موسى بن عقبة عن الزهري، أخرجه ابن ماجه (2359)، وابن الجارود ص160 برقم (631 و 633)،والبيهقي 6/ 47،والدارقطني 3/ 30،وهو الصواب (¬1). وهذا طريق ضعيف لأن إسماعيل (حمصي) رواه عن موسى وهو (مدني)، وإسماعيل يخلط في روايته عن غير أهل بلده (¬2). وقد رجح المرسل أبو حاتم في العلل 1/ 383 (1143)، وابن الجارود ص160، والبيهقي 6/ 47، والدارقطني 3/ 30. 7 - حديث (2611): قال: حدثنا زهير بن حرب أبو خثيمة قال: حدثنا وهب بن جرير، قال: حدثنا أبي قال: سمعت يونس عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (خير الصحابة أربعة، وخير السرايا أربعمائة، وخير الجيوش أربعة آلاف، ولن يُغلب اثنا عشر ألفاً من قلة)،قال أبو داود: والصحيح أنه مرسل. أقول: مدار الحديث على الزهري رواه عنه: معمر بن راشد: أخرجه عبد الرزاق 5/ 306 (9699). عقيل بن خالد الأيلي: أخرجه سعيد بن منصور (2387)،وأبو داود في المراسيل (313). كلاهما عن الزهري به مرسلاً. ورواه جرير بن حازم - وهو ثقة (¬3) - عن الزهري -موصولاً (¬4) - أخرجه أحمد 1/ 294 و299،وعبد بن حميد 1/ 218 (652)،وأبو داود (2611)،والترمذي (1555)،وابن خزيمة (2538)،وأبو يعلى 4/ 459 (2587)،وابن حبان 11/ 17 ¬

(¬1) وانظر كلام الدكتور بشار عواد عليه في تعليقه على الموطأ 2/ 210 (1979) برواية الليثي. (¬2) قال ابن حجر في التقريب (473): " صدوق في روايته عن أهل بلده مخلط في غيرهم ". أقول: فلعل هذا من تخاليطه إنما رواه على الصواب في الرواية الأولى عن الزبيدي فكلاهما حمصي، والله أعلم. (¬3) التقريب (911) وانظر التحرير 1/ 212. (¬4) انظر المسند الجامع 9/ 479 (6911).

المبحث الخامس: عند الإمام الترمذي

(4717)،والحاكم 1/ 443 و 2/ 101،والبيهقي 9/ 156. أقول: وقد رجح أبو داود المرسل مع كون الذي وصله ثقة؟ ولا عبرة بمن صححه من المتأخرين (¬1). وللمزيد انظر السنن: (15 و 338 و 787 و 330 و 462 و 463 و 532 و 533 و 1091 و 1155و 1214و 1624 و 1897 و2096 و 2097 و 2218 و 2229 و 3520 و 3521 و 3522 و 3815 و 3949 و 3950 و 4000 و 4579 و 4840و 5185). المبحث الخامس: عند الإمام الترمذي: ينسب الكثير من المتأخرين إلى الإمام الترمذي القول بأنه يقبل زيادة الثقة إذا كانت من حافظ ضابط، وعمدتهم في ذلك كلامه في علله الصغير آخر الجامع، الذي بين فيه منهجيته في إيراد الأحاديث في الجامع، وقد ناقشنا هذا القول فيما سلف (¬2). إن دراسة صنيع الترمذي في الجامع الكبير، وطريقته في سياقة الأحاديث، وأقواله في إعلال بعض الأحاديث تبين بكل وضوح أن مفهومه لزيادة الثقة هو المفهوم نفسه الذي بيناه عند كلامنا على مفهوم زيادة الثقة عند المتقدمين عموماً، وليس كما يتصوره البعض أنه زيادة ثقة واحد على مجموعة ثقات من أقرانه، فهو يرد كثيراً من الأحاديث، لأن راويها قد تفرد بها عن أقرانه فزاد أمّا أن ننسب إلى الترمذي كونه يقبل الزيادة مطلقاً من خلال فهم غير دقيق لكلامه في العلل وننسى صنيعه في الجامع، أو العلل الكبير فهذا قصور في البحث. ولم أقف على مثال واحدٍ صرح الترمذي بقبول الزيادة بالمفهوم الذي نحن بصدده، وحكم عليها بالصحة؟ وإنما أقصى ما حكم به على الزيادة هو قوله: (حسن) أو (حسن غريب) أو (غريب)، وهي أحكام تدل على أنه معلول عنده، وهو أمر يقتضي منا دراسة مفهوم الحديث الحسن عنده. المطلب الأول: مصطلح (حسن) عند الترمذي: اختلف العلماء من أهل المصطلح من المتأخرين في مفهوم الحسن عند المتقدمين ¬

(¬1) انظر تعليق الدكتور بشار عواد على الترمذي (1555). (¬2) انظر ص204.

من المحدّثين، وطولوا فيه وقصروا، وناقشوا فأسهبوا، ولسنا في مجال مناقشة هذه الآراء، لكن يهمنا هنا أن نفهم مفهوم الحسن عند الترمذي في جامعه لأهمية ذلك في بحثنا، وعلينا أن نشير بادئ ذي بدئ أن لفظة (حسن) استعملت من قبل علماء الحديث وعرفت قديماً، فممّن استعملها: الإمام الشافعي، وعلي بن المديني، والبخاري، ويعقوب بن شيبة، والترمذي، وغيرهم (¬1). وقد استعملوها على المعنى اللغوي، لا الاصطلاحي، فقد أطلقوا على الصحيح حسناً، وعلى كل حديث مقبول غير مردود حسناً، ومرادهم: الحسن الذي يقابله المنكر، أو الباطل، أو الموضوع (¬2). يقول الذهبي رحمه الله تعالى:"ويلزم على ذلك أن يكون كل صحيح حسن وعليه عبارات المتقدمين فإنهم قد يقولون فيما صح: هذا حديث حسن (¬3) ". ويقول الحافظ ابن حجر: " وقد وجد التعبير بالحسن في كلام من هو أقدم من الشافعي، لكن منهم من يريد بإطلاق ذلك المعنى الاصطلاحي، ومنهم من لا يريده. فأما ما وجد من ذلك في عبارة الشافعي ومن قبله بل وفي عبارة أحمد بن حنبل فلم يتبين لي منهم إرادة المعنى الاصطلاحي، بل ظاهر عبارتهم خلاف ذلك، فإن حكم الشافعي على حديث ابن عمر في استقبال بيت المقدس ... بكونه حسناً خلاف الاصطلاح (¬4)، بل هو صحيح متفق على صحته .... وأما أحمد فإنه سُئل فيما حكاه الخلال عن أحاديث نقض الوضوء بمس الذكر فقال: " أصح ما فيها حديث أم حبيبة ".وسُئل عن حديث بسرة فقال صحيح، قال الخلال: إن أحمد بن أصرم سأل أحمد عن حديث أم حبيبة في مس الذكر فقال: هو حديث حسن. فظاهر هذا أنه لم يقصد المعنى الاصطلاحي لأن الحسن لا يكون أصح من الصحيح" (¬5). أما عند الإمام الترمذي - وهو الذي يهمنا هنا - فإنه عرفه في علله آخر الجامع ¬

(¬1) انظر مقدمة ابن صلاح ص36، وشرح علل الترمذي، ابن رجب 2/ 574، والنكت، ابن حجر 1/ 424 - 429 ومصطلح حسن غريب، أسامة النمر ص1. (¬2) مصدر سابق. (¬3) الموقظة ص32. (¬4) يريد عند المتأخرين. (¬5) النكت على ابن الصلاح 1/ 424 - 426، وانظر نظرات جديدة، المليباري ص22.

فقال: " وما ذكرنا في هذا الكتاب حديث حسن فإنما أردنا به حُسْنَ إسناده عندنا: كل حديث يروى لا يكون في إسناده من يهتم بالكذب ولا يكون الحديث شاذاً، ويروى من غير وجه نحو ذاك فهو عندنا حديث حسن" (¬1). فوضع شروطاً ثلاثة للحسن عنده (¬2):- 1 - براءة السند من الكذابين. 2 - انتفاء الشذوذ - يعني المخالفة -. 3 - عدم تفرد الراوي به - دون الصحابي -. فالإمام الترمذي عرف الحسن في جامعه وأراد به معنى اصطلاحياً؛ أراد به درجة معينة من الحديث، وهو غير الصحيح بلا شك، وهو واضح من تعريفه الذي مر. قال الإمام الذهبي معقباً على تعريف الترمذي للحسن: "وتحسين الترمذي لا يكفي في الاحتجاج بالحديث " (¬3). وقال الحافظ ابن حجر في ذلك:"إنَّ الترمذي لم يعرف الصحيح ولا الضعيف ولا الحسن المتفق على كونه حسناً -يعني عند المتقدمين كالشافعي والبخاري وأحمد - بل عرف حديث المستور، ومن يشترك معه بسبب ضعفه أو اختلاطه أو تدليسه أو ما في ¬

(¬1) علل الترمذي - الصغير - آخر الجامع 5/ 758. (¬2) يمكن بيان ذلك بما يلي:- أ - إن الحديث الصحيح يشترط فيه العدالة والضبط، وإن اشتراط الترمذي في حد الحسن أن لا يكون في إسناده من يتهم بالكذب: ... يعني أنه أراد الراوي غير الثقة وإلاّ لَمَا عَدَل عن قوله " ثقة " وهي كلمة واحدة إلى قوله"غير متهم بالكذب"إلاّ لإرادة قصور روايته عن وصف"ثقة ". انظر الخلاصة، الطيبي ص43،والنكت على ابن الصلاح، ابن حجر 1/ 476، ومصطلح حسن غريب، أسامة نمر ص7. ... ب- إن من شروط الحديث المقبول أنْ يكون متصلاً سنداً وهذا يعني أن راوي الصحيح وراوي الحسن لذاته غير داخلين في تعريفه. ... انظر النكت على ابن الصلاح 1/ 388. ج - إن الحديث المقبول هو الحديث الذي يقوم بذاته، فاشتراطه العدد وأن يأتي من غير وجه، كما في حديث الحسن، يخرجان الصحيح والحسن لذاته. انظر تدريب الراوي، السيوطي 1/ 124، وتوضيح الأفكار، الصنعاني1/ 157، وانظر مصطلح حسن غريب، أسامة النمر ص8. (¬3) تاريخ الإسلام الطبقة 5 / ترجمة 15.وهي ترجمة سيدنا الحسن بن علي - رضي الله عنه -.

سنده انقطاع خفيف فكل ذلك من قبيل الحسن بالشروط الثلاثة" (¬1). ومما مر نفهم أن الحسن عند الإمام الترمذي ليس من جنس الصحيح (¬2)،وقد دراسنا باسهاب مفهوم الحديث الحسن عند الترمذي، في بحث منفرد، واستوعبنا فيه جميع الأحاديث التي اقتصر الترمذي على تحسينها في الجامع وتوصل إلى أن هذا التعبير إنما يستعمله الترمذي للحديث المعلول عنده (¬3). والذي أريد أن أتسائل عنه: هو لماذا عرف الإمام الترمذي الحسن والغريب فحسب؟ وقد استعمل مصطلحات أخرى كثيرة؟!. ولو كان المراد - عنده - من الحسن هو ما أراده البخاري وغيره فلماذا لم يطلقه في جامعه دون أنْ يصرح بحده؟ كما فعل في العلل الكبير. والجواب: هو أن الإمام الترمذي حينما قال:"وما ذكرناه في هذا الكتاب حديث حسن فإنما أردنا به حسن إسناده عندنا: كل حديث يروى لا يكون في إسناده من يتهم بالكذب .... "فإنه أراد أن مصطلح " حسن " المستعمل في هذا الجامع مصطلح خاص به، يخالف المعنى الشائع في زمانه، ولو كان المعنى الذي عرف به شائعاً عندهم لمَا احتاج إلى هذا البيان، ولهذا ترك تعريف الحديث الصحيح، لذا فإنه قال " وما ذكرناه في هذا الكتاب "، " عندنا ": ثم عرفه. ¬

(¬1) النكت 1/ 387 بتصرف يسير. (¬2) وقد اختلف علماء المصطلح في قيد الحسن عند الترمذي هل يخرج الثقة والصدوق أو لا؟ وكانوا على فريقين: الأول: يعتبر تعريف الترمذي قد أخرج بقيده " شروطه " الثقة، والصدوق. وإليه ذهب: ابن الصلاح، والطيبي، وابن حجر والسخاوي، والصنعاني، وغيرهم. انظر مقدمة علوم الحديث ص31، الخلاصة ص43، والنكت على ابن الصلاح 1/ 387 و 476 فتح المغيث 1/ 75 وتوضيح الأفكار 1/ 168 والموازنة، نور الدين عتر ص156. والثاني: ذهب إلى كون الحسن عند الترمذي يشمل الثقة، والصدوق، والمستور ... وإليه ذهب: أبو عبد الله محمد بن يحيى، ابن المواق، وابن الدقيق العيد، وابن جماعة، وابن رجب، وأبو الفضل العراقي، واللكنوي، والمباركفوري، وغيرهم. انظر النفح الشذي، ابن سيد الناس 1/ 290،والاقتراح ص10،والمنهل الروي ص36،وشرح علل الترمذي 2/ 606،والتبصرة، العراقي 1/ 110، ومصطلح حسن غريب، أسامة النمر ص9. (¬3) البحث تحت الطبع نسأل الله أن ييسر لنا إخراجه، وهو بعنوان "الحديث الحسن عند الترمذي دراسة تطبيقية".

وهكذا فإن استعمال الترمذي لمصطلح"حسن"في الجامع يختلف عما يستعمله ويطلقه في علله الكبير، لأنه في العلل ينقل عن الأئمة وخاصة البخاري شيخه العبقري الذي أكثر من إطلاقه:"حسن" بالمعنى الذي شاع عندهم ومراده الحديث الصحيح (¬1). وهكذا نخلص إلى أن إطلاق مصطلح"حسن"عند الإمام الترمذي في علله الكبير يختلف عما هو في جامعه، ففي العلل استعمله "على المعنى اللغوي " أي على ما هو معروف عند العلماء، وأما في جامعه فإنه خصه لنفسه، فهو يطلقه ويريد به الحديث ¬

(¬1) فتأمل هذه الأحاديث في كتابه العلل الكبير:- 1 - قال الترمذي في العلل (143): حدثنا قتيبة قال: حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عطاء عن صفوان بن يعلى عن أبيه قال:" سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ على المنبر: ونادوا يا مالك "سألت محمداً عن هذا الحديث فقال: هوحديث حسن وهو حديث ابن عيينة الذي ينفرد به ". فأطلق البخاري مصطلح "حسن " على حديث متفق عليه، أخرجه في صحيحه (3230 و 3266 و 4819)، والإمام مسلم أيضاً 2/ 594 (871). 2 - وقال في ص 98 (165):قال أبو عيسى: سألت محمداً: قلت: أي الروايات في صلاة الخوف أصح؟ فقال: كل الروايات عندي " صحيح"وكل يستعمل، وإنما هو على قدر الخوف إلا حديث مجاهد عن أبي عياش الزرقي فإني أراه مرسلاً. -ثم قال - (166):وحديث سهل بن أبي حثمة هو حديث حسن وهو مرفوع رفعه شعبة عن عبد الرحمن بن القاسم. (167) وحديث عبد الله بن شقيق عن أبي هريرة حسن. (168) وحديث عروة بن الزبير عن أبي هريرة حسن ". قلت: سوّى الإمام البخاري بين الصحيح والحسن وبيّن منهجيتهم في مفهوم الصحيح، فقال:"وكل يستعمل "،فالذي يصلح للعمل يسمونه صحيحاً، بخلاف منهجية المتأخرين، فحديث سهل بن أبي خيثمة صحيح أخرجه البخاري في صحيحه (4131)، ومسلم (841)، والترمذي في الجامع (565)، وقال:"حسن صحيح".، وقال الترمذي في حديث عبد الله بن شقيق (3035): "حسن صحيح غريب من عبد الله بن شقيق "،وقد بينا سلفاً أن الترمذي أراد أن يميز بين الحسن الذي يستعمله الناس، والحسن الذي عرفه في جامعه وأستعمله فيه، فقرنه بالصحيح، والغريب، وهكذا الحال في هذا الحديث، وأما حديث أبي هريرة فقد أخرجه النسائي 3/ 173. 3 - وقال الترمذي (419): حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة قال: سمعت قتادة يحدث عن أنس بن مالك عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أنه أتي برجل قد شرب الخمر فضربه بجريدتين نحو الأربعين وفعله أبو بكر فلما كان عمر استشار الناس فقال عبد الرحمن بن عوف كأخف الحدود فأمر به عمر ". قال محمد: وحديث أنس في هذا الباب حسن " ... = = أقول: أطلق البخاري مصطلح -حسن-على حديث متفق عليه أخرجه في صحيحه (6773 و 6776)،ومسلم (1706)،وقال الترمذي لما خرجه في الجامع (1443):"حسن صحيح".

المطلب الثاني: مصطلح " غريب " عند الترمذي

الضعيف، وأنَّ راويه هو من دون مرتبة الصدوق-كما شرطه على نفسه في علله-. المطلب الثاني: مصطلح " غريب " عند الترمذي: سبقني إلى بحث هذه المفردة وتطبيقاتها في جامع الترمذي، زميلنا الأخ عمار العبيدي في رسالته"الحديث الغريب، مفهومه وتطبيقاته في جامع الترمذي". ومن خلال الاستقراء التام لجميع الأحاديث التي حكم عليها الإمام الترمذي بأنها غريبة (¬1) تبين للطالب أن عددها مائة وستة وأربعون حديثاً، منها أربعون سكت عنها دون تعليل والبقية الباقية قد بين عللها، وقد ناقش الطالب المسكوت عن عللها وبان له أن جميعها ضعيف (¬2). وهذه ما يسميه علماء المصطلح: الغريب المردود، هذا في حالة اقتصاره على لفظة غريب أما إذا ألحقها بالصحيح (¬3)،أو الحسن فإن الغرابة لا تنافي الحكم الذي أطلقه، وهذا من مصطلحاته، رحمه الله تعالى. والذي يخص مبحثنا هنا هو القسم الأول: وهو ما أطلق عليه الترمذي:"غريب، أو غريب من هذا الوجه، أو لا يعرفه إلاّ من رواية فلان " ... وما شاكلها. فإن أحاديثنا التي وقفنا على إيراد الإمام الترمذي لزيادة الثقة - بمعناها عند المتأخرين -فيها قد حكم عليها بهذه الألفاظ كما لاحظناه آنفاً (¬4). ولم أقف على مواضع قبل فيها الإمام الترمذي زيادة الثقة بمفهوم المتأخرين، وهي: تفرد راو واحد عن أقرانه في نفس الشيخ بزيادة ما سنداً أو متناً، بل وجدناه يقبلها ¬

(¬1) وكذا ما عبر عنه بـ (غريب لا نعرفه إلاّ من هذا الوجه)، أو (إلاّ من حديث فلان). (¬2) انظر الحديث الغريب، مفهومه وتطبيقاته ص51 و 134. (¬3) وهذا ما يسمى الغريب المقبول: فهو ما توافرت فيه شروط الصحة كحديث: (إنما الأعمال بالنيات) فهو غريب لا يعرف إلاّ من رواية عمر - رضي الله عنه - ولا يعرف عنه إلاّ من رواية علقمة ولا يعرف عن علقمة إلاّ من رواية محمد بن إبراهيم التميمي ولا يعرف عن التميمي إلاّ من رواية يحيى بن سعيد، فهذا غريب ولكنه في غاية الصحة، وقد أخرجه الشيخان وغيرهما. ومن عادة الترمذي أنَّه يعبر عن هذا القسم بـ"حسن صحيح غريب" أو "صحيح غريب"، أو نحو ذلك كأن يقول بعد تصحيحه " ولا يعرف إلاّ من رواية فلان " وهكذا ومن هذا النوع جملة وافرة من الصحيحين تبلغ المائتين وتعرف بالغرائب (¬4) وللغريب أقسام أخرى تقسيماتها فرعية، وللمزيد انظر مقدمة ابن الصلاح ص271، وشرح علل الترمذي 2/ 627 - 629، وغيرها من كتب المصطلح.

المطلب الثالث: زيادات أعرض عنها الإمام الترمذي

على مفهوم المتقدمين لها. وقد وجدناه يعّل هذه الزيادات على أنها مخالفة في مواضع عدة، كما بيناه، وحكم على البعض بأنه حديث "حسن "، وآخر "غريب "، وقد اتضح لنا مما سلف أنه يريد بالحديث إذا حسنه في جامعه خاصة أنه"معلول"،كما بينه في علله الملحق بالجامع. فالخلاصة: بعد أن اتضح لنا أن الإمام الترمذي أورد زيادة الثقة - بمفهوم المتأخرين - وأعلها، إذ حكم عليها بأنها حديث"حسن"أو"حسن غريب" أو"غريب"،وعرفنا مراده من قوله: حسن أو غريب كما أسلفناه: أنه يريد به الحديث المعلول. ولو صحت الزيادة عنده فلماذا لم يحكم عليها بأنها حديث"صحيح" أو"صحيح غريب" وما شاكلها من الألفاظ التي استعملها في جامعه للحديث المقبول. المطلب الثالث: زيادات أعرض عنها الإمام الترمذي: وسأذكر بعض الأمثلة التي أعلّ فيها الإمام الترمذي الزيادة من الثقة لما تفرد بها الراوي عن أقرانه سواء كانت في السند أو المتن، فأطلق عليها عبارات أصرح من عبارات:"حسن أو غريب"إذ يرجح المرسل على المتصل، والموقوف على المرفوع، ويعل زيادة لفظة في حديث زادها ثقة؟ فمنها:- 1 - أخرج الترمذي (277) فقال: حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن قال: أخبرنا معلى بن أسد قال: حدثنا وهيب، عن محمد بن عجلان، عن محمد بن إبراهيم، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه:"أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بوضع اليدين ونصب القدمين". وأخرج (278) فقال: قال عبد الله: وقال المعلى: حدثنا حماد بن مسعدة، عن محمد بن عجلان، عن محمد بن إبراهيم، عن عامر بن سعد: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بوضع اليدين، فذكر نحوه ولم يذكر فيه"عن أبيه". قال أبو عيسى: وروى يحيى بن سعيد القطان وغير واحد عن محمد بن عجلان عن محمد ابن إبراهيم عن عامر بن سعد: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بوضع اليدين ونصب القدمين. مرسلٌ، وهذا أصح من حديث وهيب، وهو الذي أجمع عليه أهل العلم واختاروه. أقول: دار الحديث على محمد بن عجلان، رواه عنه:

-حماد بن مسعدة: أخرجه الترمذي (278). -وسفيان الثوري: أخرجه عبد الرزاق 2/ 174 (2944). -ويحيى بن سعيد القطان: أخرجه ابن أبي شيبة 1/ 234 (2677). -وأبو خالد الأحمر: أخرجه ابن أبي شيبة 1/ 234 (2677). كلهم عن محمد بن عجلان عن محمد بن إبراهيم عن عامر بن سعد عن النبي مرسلاً. ورواه وهيب بن خالد الباهلي - وهو ثقة (¬1) - عن ابن عجلان بالسند نفسه وزاد فيه عن سعد ابن أبي وقاص - فوصله -. أخرجه الترمذي (277)،والحاكم 1/ 404 وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، والبزار 3/ 316 (1111)،والبيهقي 2/ 107،والضياء المقدسي في الأحاديث المختارة 3/ 181 كلهم من طرقٍ عن وهيب به (¬2). أقول: فهذه زيادة ثقة زادها على أقرانه، فلماذا أعلها الترمذي؟ فلو كان يقول بقبول الزيادة كما ينسب إليه فلماذا لم يقبلها؟ الجواب على ذلك: لأن منهج المتقدمين أنهم يردون مثل هذه الزيادة لأنهم يعدونها مخالفة، وقد سبقه في إعلاله أبو حاتم في علله 1/ 117 (318):فقال: " لا أعلم أحداً وصله سوى وهيب، رواه الثوري، وابن عيينة، ويحيى بن سعيد وغير واحد عن ابن عجلان عن محمد بن إبراهيم عن عامر بن سعد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلاً وهو الصحيح ". وأعله أيضاً: البزار في المسند 3/ 316 (1111)،والإمام الدارقطني في العلل 4/ 344 (616) فقال:"والمرسل أشبه"،والضياء في الأحاديث المختارة 3/ 181. وقد عدها بعض العلماء المتأخرين زيادة ثقة، كالحاكم النيسابوري 1/ 404، ومن المعاصرين: أحمد شاكر رحمه الله إذ قال في تعليقه على الترمذي 2/ 67:"فهذا الثقة الحافظ الحجة إذا وصل حديثاً أرسله غيره كان وصله زيادة من ثقة يجب قبولها، فالحديث صحيح موصول ". فالفرق واضح بين كلا المنهجين: منهج المتقدمين الذين أعلوها، ومنهج المتأخرين الذين قبلوها ثم بعد ذلك يقولون: إن المتقدمين يقبلون زيادة الثقة؟ ¬

(¬1) قال ابن حجر في التقريب (7487): "ثقة ثبت لكنه تغير قليلاً بآخرة ". (¬2) انظر المسند الجامع 6/ 74 (4044).

2 - وأخرج في (395) فقال: حدثنا محمد بن يحيى، قال: حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري، قال: أخبرني أشعث عن ابن سيرين، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أبي المهلب عن عمران بن حصين: " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلّى بهم فسها، فسجد سجدتين ثم تشهد، ثم سلّم ". قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب (¬1).وروى محمد بن سيرين عن أبي المهلب، وهو عم أبي قلابة غير هذا الحديث. وروى محمد هذا الحديث عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي المهلب، وأبو المُهلّب اسمه"عبد الرحمن بن عمرو"،ويقال أيضاً معاوية بن عمرو. وقد روى عبد الوهاب الثقفي وهشيم وغير واحد هذا الحديث عن خالد الحذاء عن أبي قلابة بطوله وهو حديث عمران بن حصين:" أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سلّم (¬2) في ثلاث ركعات من العصر فقام رجل يقال له الخرباق". أقول: دار الحديث على خالد الحذاء رواه عنه: -إسماعيل بن علية: أخرجه أحمد 4/ 427، ومسلم 1/ 404 (574)،وابن أبي شيبة 1/ 393 (4513)،وابن خزيمة 2/ 133 (1060). -وعبد الوهاب الثقفي: أخرجه مسلم 1/ 405 (574)، وابن ماجه (1215)،وابن خزيمة 2/ 130 (1054). -ويزيد بن زريع: أخرجه النسائي 3/ 26، وفي الكبرى 1/ 3067 (1160). -وحماد بن زيد: أخرجه النسائي في الكبرى 1/ 210 (607)،وابن خزيمة 1/ 130 (1405). -والمعتمر بن سليمان: أخرجه أحمد 4/ 431، وابن خزيمة 2/ 130 (1054)، وابن حبان 6/ 394 (2673). -ومسلمة بن محمد: أخرجه أبو داود (1018). ¬

(¬1) قال الدكتور بشار عواد في تحقيقه (395): " أضاف العلامة أحمد شاكر بعد هذا " صحيح "، والصواب حذفها، فهو الذي نص عليه المزي عن الترمذي، وهو المثبت في النسخ الخطية والشروح، وهو الذي نقله أهل العلم عن الترمذي ". (¬2) في نسخة الشيخ أحمد شاكر سقطت كلمة " سلّم " وهو خطأ، والصواب ما أثبتناه.

-وشعبة بن الحجاج: أخرجه أحمد 4/ 440. كلهم عن خالد الحذاء به بلفظ متقارب (¬1). ورواه محمد بن سيرين عن خالد الحذاء بالسند نفسه إلاّ أنه زاد في حديثه" ثم تشهد". أخرجه أبو داود (1039)، والترمذي (395)،والنسائي 3/ 26،وفي الكبرى1/ 210 (606) و 1/ 367 (1159). وابن خزيمة 2/ 134 (1062)، وأبو عوانة 1/ 515 (1926)،وابن الجارود في المنتقى ص72 (247)، وابن حبان 6/ 392 (2670) و 6/ 394 (2672)، والحاكم 1/ 470 وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، والبيهقي 2/ 354. كلهم من طرقٍ عن أشعث بن عبد الملك الحمراني عن محمد بن سيرين به (¬2). أقول: وأشعث، وابن سيرين هما ثقتان فلماذا لم يقبله الترمذي، ولا مسلم؟ وقد أعلّه أيضاً البيهقي فقال:" تفرد به أشعث الحمراني، وقد رواه شعبة، ووهيب، وابن علية، والثقفي، وهشيم، وحماد بن يزيد، ويزيد بن زريع، وغيرهم عن خالد الحذاء لم يذكر أحد منهم ما ذكر أشعث عن محمد عنه، ورواه أيوب عن محمد قال: ُأخبرت عن عمران فذكر السلام دون التشهد، وفي رواية هشيم: ذكر التشهد قبل السجدتين وذلك يدل على خطأ أشعث فيما رواه " (¬3)، وحكم الحافظ ابن حجر عليها بالشذوذ (¬4)، وقال الدكتور بشار عواد في تعليقه على الترمذي 1/ 421:" وإنما حسنه الترمذي لوجود شذوذ في متن الحديث، وهي زيادة ذكر التشهد، فالمتن معروف من غيرها، ولذلك فإن الحفاظ قد وهموا أشعث بن عبد الملك الحمراني، لمخالفته الثقات في رواية هذا الحديث، فالحديث ضعيف ". 3 - وأخرج في (587) فقال: حدثنا محمود بن غيلان وغير واحد، قالوا: حدثنا الفضل بن موسى، عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند، عن ثور بن زيد، عن عكرمة، عن ابن عباس:" أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يلحظ في الصلاة يميناً وشمالاً، ويلوي عنقه خلف ظهره ".قال ¬

(¬1) انظر المسند الجامع 14/ 217 (10838). (¬2) انظر المسند الجامع 14/ 217 (10838). (¬3) السنن 2/ 354. (¬4) فتح الباري 3/ 128.

أبو عيسى: هذا حديث غريب، وقد خالف وكيع الفضل بن موسى في روايته. - ثم عقبه بحديث (588) فقال: حدثنا محمود بن غيلان قال: حدثنا وكيع عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند عن بعض أصحاب عكرمة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يلحظ في الصلاة فذكر نحوه". أقول: دار الحديث على عبد الله بن سعيد بن أبي هند رواه عنه:- - الفضل بن موسى السيناني - وهو ثقة ثبت (¬1) - متصلاً (¬2): أخرجه أحمد 1/ 275 و 1/ 360، وأبو داود كما في تحفة الأشراف 4/ 547 (6014)، والترمذي (587)، والنسائي 3/ 9 وفي الكبرى 1/ 191 (529)، وابن خزيمة 1/ 245 (458)،والطبراني في الكبير 11/ 223 (11559)، والبيهقي 2/ 83،والدارقطني 2/ 83. ورواه وكيع بن الجراح فرواه عن عبد الله بن سعيد عن بعض أصحاب عكرمة أنَّ النبي ... - مرسلاً - (¬3). أخرجه أحمد 1/ 275، وأبو داود -كما في تحفة الأشراف4/ 547 (6014) وهي من رواية أبي الطيب بن الأشناني ونقل المزي عقبه القول: قال أبو داود: " وهذا أصح " يعني المرسل، والترمذي (588)،وابن أبي شيبة 1/ 396 (4548)، وابن حبان 6/ 66 (2288)،والحاكم 1/ 362،والدارقطني 2/ 83،والبيهقي 2/ 14. ورواه سليمان التيمي عن عكرمة موقوفاً عليه، أخرجه ابن أبي شيبة 1/ 396 (4549). أقول: تعقب محقق الترمذي الشيخ أحمد شاكر على قول الترمذي " غريب " فقال: "يريد الترمذي بهذه الرواية تعليل الرواية المتصلة، وليست هذه علة، بل إسناد الحديث صحيح، والرواية المتصلة زيادة من ثقة فهي مقبولة، والفضل بن موسى ثقة ثبت" (¬4). ¬

(¬1) نعم وثقه أئمة الشأن:"ابن سعد، البخاري، وابن معين، ووكيع، وأبو نعيم - الفضل بن دكين -،وقال: هو أثبت من ابن المبارك، وابن شاهين"انظر تهذيب الكمال (5339)،وميزان الإعتدال 3/ 360،والتحرير 3/ 161،وجاء في التقريب (5419):"ثقة ثبت ربما أغرب"،ولعل هذا من غرائبه. (¬2) انظر المسند الجامع 8/ 398 (5974). (¬3) مصدر سابق. (¬4) هامش طبعته من الجامع 2/ 483.

أقول: وقد أعلّه الترمذي في علله الكبير أيضاً برقم (169) فقال:"ولا أعلم أحداً روى هذا الحديث عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند مثل ما رواه الفضل بن موسى". ثم إنَّ أبا داود أعله أيضاً كما نقلناه آنفاً من التحفة، وقال الدكتور بشار عواد في تعليقه على الترمذي1/ 584:"وقد صحح العلامتان الألباني وشعيب الرواية المتصلة، ولم يلتفتا إلى إعلال الترمذي وأبي داود كذلك، بل يفهم من علامات التعجب التي وضعها الشيخ شعيب عقب استغراب الترمذي لهذا الحديث وتصحيح أبي داود للرواية المرسلة استعجابه من هذا الصنيع! والقواعد الحديثية ترجح الرواية المرسلة، فعند الموازنة بين وكيع والفضل بن موسى السيناني لا يشك أحد من أهل العلم بأن وكيع أتقن، وأحفظ، فضلاً عما عرف به في بعض حديث الفضل بن موسى من المناكير كما قرره علامة الدنيا علي بن المديني (الميزان: 3/الترجمة 6754)، فضلاً عن أقوال العلماء الفهماء من الجهابذة المتقدمين: الترمذي، وأبي داود، الذي قال بعد أن ساق المرسل:" وهذا أصح -يعني من حديث عكرمة، عن ابن عباس ... ". 4 - حديث (1899): قال الترمذي: حدثنا أبو حفص عمرو بن علي، قال: حدثنا خالد بن الحارث قال: حدثنا شعبة، عن يعلى بن عطاء عن أبيه عن عبد الله بن عمرو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"رضى الرب في رضى الوالد وسخط الرب في سخط الوالد". ثم قال (1899م): حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا محمد بن جعفر، عن شعبة، عن يعلى بن عطاء، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو نحوه ولم يرفعه وهذا أصح. وهكذا روى أصحاب شعبة عن شعبة عن يعلى بن عطاء عن أبيه عن عبد الله بن عمرو موقوفاً، ولا نعلم أحداً رفعه غير خالد بن الحارث عن شعبة، وخالد بن الحارث ثقة مأمون. سمعت محمد بن المثنى يقول: ما رأيت بالبصرة مثل خالد بن الحارث ولا بالكوفة مثل عبد الله بن إدريس. وفي الباب عن عبد الله بن مسعود. أقول: دار الحديث على شعبة رواه عنه: 1 - محمد بن جعفر - غندر-:أخرجه الترمذي (1899). 2 - آدم بن إياس: أخرجه البخاري في الأدب المفرد (2)،والبغوي في شرح السنة (3423).

كلاهما رواه عن شعبة -موقوفاً (¬1) -. ورواه خالد بن الحارث الهجمي -وهو ثقة ثبت (¬2) - مرفوعاً (¬3): أخرجه الترمذي (1899)، وابن حبان 2/ 172 (429)، والبغوي (3424). وهكذا يتبين أن منهجية الإمام الترمذي هي رد الزيادة إذا انفرد بها راوٍ واحد عن بقية الرواة ولو كان ثقة ثبتاً، وقد صرح الترمذي أن المنفرد بالزيادة هو ثقة مأمون، ونقل كلام محمد بن المثنى في توثيقه، فنبه أن العلة في مخالفته، إذ وصل ما أرسلوه (¬4) 5 - حديث (2018) قال: حدثنا أحمد بن الحسن بن خراش البغدادي قال: حدثنا حبان ابن هلال قال: حدثنا مبارك بن فضالة قال: حدثني عبد ربّه بن سعيد، عن محمد بن المنكدر عن جابر أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال:"إنّ من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً، وإنّ أبغضكم إلي وأبعدكم مني مجلساً يوم القيامة: الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون"قالوا: يا رسول الله قد علمنا الثرثارون والمتشدقون فما المتفيهقون؟ قال: المتكبرون". قال أبو عيسى: وفي الباب عن أبي هريرة، وهذا حديث حسن غريب من هذا الوجه وروى بعضهم هذا الحديث عن المبارك بن فضالة عن محمد بن المنكدر عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يذكر فيه: عن عبد ربه بن سعيد وهذا أصح. والثرثار: هو كثير الكلام، والمتشدق: الذي يتطاول على الناس في الكلام ويبذو عليهم. أقول: دار الحديث على المبارك بن فضالة رواه عنه متصلاً: حبان بن هلال -وهو ثقة ثبت (¬5) - أخرجه الترمذي (2018)،والخطيب في ¬

(¬1) انظر المسند الجامع 11/ 302 (8593). (¬2) التقريب (1619). (¬3) المسند الجامع 11/ 302 (8593). (¬4) وقد توبع خالد تابعه عبد الرحمن بن مهدي -الحافظ- أخرجه الحاكم 4/ 151 و 152، وأبو إسحاق الفزاري عند ابن عساكر في تاريخه 5/ 173 عند ترجمة أحمد بن القاسم بن عطية، أبو بكر الرازي البزار الحافظ، فيكون هذا الحديث - إن صحت هذه المتابعات - من المختلف، وللمزيد انظر تعليق الدكتور بشار عواد على جامع الترمذي برقم (1899). (¬5) التقريب (1069)، والتحرير 1/ 242.

تأريخه 5/ 101 (¬1). ورواه عنه جماعة مرسلاً، كما نص على ذلك الترمذي، ولم أقف عليه. وهنا أعل الترمذي زيادة ثقة، لأنه وصل ما أرسله غيره وهؤلاء بالتأكيد ثقات وإلا لما رجح المرسل عليه. وقد صحح المتصل الألباني في سلسلته الصحيحة برقم (791) على قاعدة المتأخرين. 6 - حديث (151):قال: حدثنا هناد، قال: حدثنا محمد بن فضيل عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" إن للصلاة أولاً وآخراً، وإن أول وقت صلاة الظهر حين تزول الشمس، وآخر وقتها حين يدخل وقت العصر، وإن أول وقت صلاة العصر حين يدخل وقتها وإن آخر وقتها حين تصفر الشمس ... "الحديث. قال: وفي الباب عن عبد الله بن عمرو. قال أبو عيسى: سمعت محمداً يقول: حديث الأعمش عن مجاهد في المواقيت: أصح من حديث محمد بن فضيل عن الأعمش وحديث محمد بن فضيل خطأ، أخطأ فيه محمد بن فضيل. وقال الترمذي (151م): حدثنا هناد، قال: حدثنا أبو أسامة، عن أبي إسحاق الفزاري، عن الأعمش، عن مجاهد قال: كان يقال: إن للصلاة أولاً وآخراً. فذكر نحو حديث محمد بن فضيل عن الأعمش نحوه بمعناه. أقول: مدار الحديث عن الأعمش رواه عنه مرسلاً (¬2): 1 - أبو إسحاق الفزاري: أخرجه الترمذي (151). 2 - زائدة بن قدامة: أخرجه البيهقي 1/ 376،وقال:"وكذلك رواه أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الفزاري، وأبو زبيد عبثر بن القاسم عن الأعمش عن مجاهد "فهؤلاء كلهم رووه عن الأعمش مرسلاً. ورواه محمد بن فضيل عن الأعمش فزاد في الإسناد: عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - متصلاً (¬3) -. ¬

(¬1) انظر المسند الجامع 4/ 283 (2807). (¬2) انظر المسند الجامع 16/ 642 (12925). (¬3) مصدر سابق.

وقد أعلّه من المتقدمين إضافة للترمذي: البخاري، وأبو حاتم، وابن معين، وأيدهم العقيلي وأمير المؤمنين في العلل الدارقطني، والبيهقي،:وقال عباس الدوري، عن ابن معين:"سمعت يحيى يضعف حديث محمد بن فضيل، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة - أحسب يحيى يريد:"إن للصلاة أولاً وآخراً "،وقال إنما يروى عن الأعمش عن مجاهد" (¬1). قال الشيخ أحمد شاكر:" وأراد الترمذي برواية أثر مجاهد أن يذكر إسناده ليدلل على الرواية التي رآها البخاري صواباً، وهي أن هذا الحديث موقوف من كلام مجاهد. وقال أبو حاتم:"هذا خطأ، وهم فيه ابن فضيل يرويه أصحاب الأعمش عن الأعمش عن مجاهد قوله " (¬2). ونقل البيهقي عن العباس بن محمد الدوري قال:" سمعت يحيى بن معين يضعف حديث محمد بن فضيل عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة أحسب يريد إن للصلاة أولاً وآخراً، وقال: إنما يروى عن الأعمش عن مجاهد "، وقال العقيلي في ترجمة محمد بن فضيل من الضعفاء، بعد أن ساق حديثه المرفوع، ثم حديث زائدة عن الأعمش الموقوف:" وهذا أولى (¬3)،وقال الدارقطني في السنن بعد أن ساقه من طريق ابن فضيل مرفوعاً: هذا لا يصح مسنداً، وهم في إسناده ابن فضيل، وغيره يرويه عن الأعمش عن مجاهد مرسلاً (¬4)،وهذا التعليل منهم خطأ، لأن محمد بن فضيل ثقة حافظ ... ورد ابن حزم هذا التعليل في المحلى 3/ 168 وقال: وما يضر إسناد من أسند إيقاف من أوقف. ونقل الزيلعي عن ابن الجوزي أنه قال في التحقيق: ابن فضيل ثقة، يجوز أن يكون الأعمش سمعه من مجاهد مرسلاً ومن أبي صالح مسنداً ونقل مثل ذلك عن ابن القطان .... والذي أختاره أن الرواية المرسلة أو الموقوفة تؤيد الرواية المتصلة المرفوعة ولا تكون لها تعليلاً أصلاً " (¬5).انتهىكلام الشيخ أحمد شاكر. وقد صحح الألباني الرواية المتصلة وعدها زيادة ثقة في سلسلته الصحيحة (¬6). وتعقبهما الدكتور بشار عواد فقال:" وفي ذلك نظر، فالموقوف علّة للمرفوع إن ثبت برواية الثقات الراجحة، فالمرفوع هنا شذوذ، وهذا هو مبدأ العلماء المحققين الأوائل " (¬7). ¬

(¬1) تأريخه 2/ 534. (¬2) العلل 1/ 107 (73). (¬3) الضعفاء 4/ 118. (¬4) السنن 1/ 262. (¬5) الجامع بتحقيقه 1/ 285. (¬6) برقم (1696). (¬7) جامع الترمذي، بتحقيقه 1/ 198.

المبحث السادس: عند الإمام النسائي

وهنا يظهر بوضوح منهج المتقدمين ومنهج المتأخرين، فالمتقدمون يعلون الزيادة إذا كانت من راوٍ دون بقية الرواة الثقات ولو كان ثقة حافظاً، أما المتأخرون فإنهم على خلاف هذا ويعدونها زيادة حفظ. فإذا أعلّ البخاري، وأبو حاتم، والترمذي، ويحيى بن معين، والعقيلي، والدارقطني، حديثاً فمن الناس بعدهم؟! ولا أدري كيف قال الشيخ أحمد شاكر بتخطئتهم جميعاً؟! ومن هنا يظهر خطأ الشيخ عداب الحمش في موضوع الزيادة عند الترمذي حينما تناوله في أطروحته وخرج بنتيجة مضطربة فقال مرة:"مذهب الترمذي هو قبول زيادة الثقة غالباً كما هو صريح قوله " (¬1). وقال مرة ثانية:" قلت: في هذا القدر من الأمثلة كفاية للوقوف على صنيع الحافظ الترمذي في قبول زيادة الثقة مطلقاً كما هو مذهب شيخه البخاري" (¬2).وبين غالباً، ومطلقاً فرق كبير؟!!، ناهيك عن خطأ النتيجة الني توصل إليها. والحق أن الباحث حينما يستقرئ الجامع الكبير للإمام الترمذي يجد عشرات الأمثلة الناصعة الدالة على إعلال هذا الإمام الجهبذ لمثل هذه الزيادات، وهو الذي يمثل، ويكمّل خط الإمام الكبير علي بن المديني، والبخاري، رحمهم الله تعالى. وللمزيد انظر الأحاديث في جامعه بالأرقام: (61و395و447و620و594و595و621و639و683و692و718و730و 845و866 ... و878و893و924و948و969و983و1012و1028و1073و1178و1182و1228و1371و1395و1555و1604و1605و1652و1665وو1770و 1777و2036و2586 و2591و2835و2838و2844و2908و3036و3047و 3054و3071و 3088 و3089 و3092 و3119 و3186و 3262 و3265 و 3266 و3303 و 3316) المبحث السادس: عند الإمام النسائي: يعد الإمام النسائي من الأئمة المبرزين في الحديث وفنونه، بل من أشهر أقرانه، ¬

(¬1) أقوال الترمذي في الرجال ص260. (¬2) أقوال الترمذي ص227.

ومن يقرأ سننه، وأقواله في العلل يعرف ذلك. وقد استقرأت سننه (الكبرى، والمجتبى) لأعرف منهجه في قبول الزيادة أو ردها فوجدته يسلك مسلك الأئمة المتقدمين في ذلك، فهو يقبل زيادة الثقة بشروطها التي بيناها، ويردّها بمفهوم المتأخرين إذا ما تفرد بها -راوٍ واحد- عن جماعة الرواة في الشيخ نفسه، سنداً أو متناً. وعمدتي في ذلك أقواله التي يعل بها الأحاديث، أما ما سكت عنه فإنني لا أتعرض له لأنني لا أدري لعله يقبلها أو يردها؟ ولكن من خلال الأحاديث التي صرح بها قبولاً أو رداً وجدته على منهجية واضحة ثابتة وهي رد الزيادة إذا خالف راويها بقية الرواة -كما أسلفنا-. وقد سبقني إلى هذا زميلنا الطالب محمد محمود سليمان في رسالته: " علل الحديث وتطبيقاتها في كتاب المجتبى للإمام النسائي "؛ إلى دراسة منهجية النسائي في قبول الزيادة أو ردها في فصل مستقل ولكنني لم أقف على تصريح منه يبين فيما إذا كان يقبل الزيادة أم لا؟ سوى الأمثلة التطبيقية، وقد ناقشها مناقشة جيدة، بان من خلالها أن الإمام النسائي لم يقبلها، بل يعل الرواية المتصلة بالمرسلة، والمرفوعة بالموقوفة إذا كان راويها واحداً انفرد عن أقرانه الثقات بها. وكل الأمثلة التي مثل بها الباحث كانت تقضي بهذا الأمر، ولم يذكر مثلاً واحداً قبل فيه الإمام النسائي الزيادة، على منهجية المتأخرين (¬1)،وهذا هو الذي وقفنا عليه من خلال استقرائنا لمنهجه في كتابه السنن، وسأذكر بعض الأمثلة التي تبين ذلك: 1 - أخرج النسائي في الكبرى 2/ 254 (3320): فقال: أنبأنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا سفيان، عن عاصم، عن حفصة بنت سيرين، عن الرباب، عن عمها سلمان بن عامر يبلغ به النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر فإنه بركة، وإن لم يجد تمراً فالماء فإنه طهور ". قال أبو عبد الرحمن: هذا الحرف (فإنه بركة)،لا نعلم أن أحداً ذكره غير ابن عيينة، ولا أحسبه محفوظاً. أقول: دار الحديث على عاصم الأحول رواه عنه: - الثوري: أخرجه أحمد 4/ 17، والترمذي (695)، والنسائي في الكبرى 2/ 254 ¬

(¬1) انظر علل الحديث وتطبيقاتها في كتاب المجتبى ص292 - 333.

(3320)، وابن خزيمة 3/ 378 (2067). - وأبو معاوية: أخرجه أحمد 4/ 18، والترمذي (695). - وثابت بن يزيد: أخرجه الدارمي 2/ 13 (1701). - وعبد الواحد بن زياد: أخرجه أبو داود (2355). - ومحمد بن فضيل: أخرجه ابن ماجه (1699)،وابن خزيمة 3/ 378 (2067). - وحماد بن زيد: أخرجه ابن خزيمة 3/ 378 (2067). - وشعبة: أخرجه الطيالسي (1181) و (1261)،والبيهقي 4/ 239. كلهم عن عاصم بلفظ متقارب (¬1). ورواه سفيان بن عيينة عن عاصم بالسند نفسه فزاد في متنه (فإنه بركة): أخرجه الحميدي 2/ 362 (823)، وأحمد 4/ 17، والترمذي (658)، والنسائي في الكبرى 2/ 254 (3320)، وابن خزيمة 3/ 378 (2067). وهذه الزيادة انفرد بها سفيان وهو ثقة جبل ولكن النسائي قال:"ولا أحسبه محفوظاً ". 2 - قال النسائي 5/ 130: أخبرنا نوح بن حبيب القومسي قال: حدثنا يحيى بن سعيد قال: حدثنا ابن جريج قال حدثنا عطاء عن صفوان بن يعلى بن امية عن أبيه أنه قال: ليتني أرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو ينزل عليه ... فقال أين الرجل الذي سألني آنفاً فأتي بالرجل فقال: أما الجبة فاخلعها، وأما الطيب فاغسله ثم أحدث إحراماً)، فقال أبو عبد الرحمن: (ثم أحدث إحراماً) ما أعلم أحداً قاله غير نوح بن حبيب ولا أحسبه محفوظاً. أقول: دار الحديث على يحيى بن سعيد القطان رواه عنه: - أحمد بن حنبل: أخرجه أحمد 4/ 222. - ومسدد بن مسرهد: أخرجه البخاري (4985) تعليقاً. - ومحمد بن بشار: أخرجه ابن خزيمة 4/ 191 (2670). - وعيسى بن يونس: أخرجه ابن الجارود في المنتقى ص117 (447و448). كلهم عن يحيى بن سعيد القطان به بلفظ متقارب (¬2). ¬

(¬1) انظر المسند الجامع 7/ 53 (4844). (¬2) انظر المسند الجامع 15/ 739 (12139).

ورواه نوح بن حبيب القومسي -وهو ثقة (¬1) - عن يحيى بالسند نفسه وزاد: (ثم أحدث إحراماً):أخرجه النسائي 5/ 130 وفي الكبرى 2/ 332 (3684)، والدارقطني في السنن 2/ 231. فهذه الزيادة زادها ثقة ولكن النسائي أعلها.‍‍‍‍ 3 - قال النسائي 6/ 67: أخبرنا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا حماد بن سلمة وغيره عن هارون بن رئاب عن عبد الله بن عبيد بن عمير (ح) وعبد الكريم عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن ابن عباس، عبد الكريم يرفعه إلى ابن عباس وهارون لا يرفعه قالا: جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إن عندي امرأة هي من أحب الناس إلي وهي لا تمنع يد لامس؟ قال: " طلقها، قال: لا أصبر عنها ‍، قال: استمتع بها ". قال أبو عبد الرحمن: هذا الحديث ليس بثابت، وعبد الكريم ليس بالقوي وهارون أثبت منه، أرسل الحديث، وهارون ثقة وحديثه أولى بالصواب من حديث عبد الكريم. وقال في 6/ 170: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: حدثنا النضر بن شميل قال: حدثنا حماد ابن سلمة قال: أنبأنا هارون بن رئاب عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن ابن عباس أن رجلاً قال: يا رسول الله إن تحتي امرأة لا ترد يد لامس، قال: طلقها، قال: "إني لا أصبر عنها، قال فأمسكها "،قال أبو عبد الرحمن: هذا خطأ والصواب مرسل ". أقول: أما طريق عبد الكريم بن أبي المخارق فلا نتشاغل به لأنه ضعيف وقد خالف الثقة. وأما حديث هارون: فقد دار الحديث على حماد بن سلمة رواه عنه يزيد بن هارون -وغيره كما قال النسائي- مرسلاً: أخرجه النسائي 6/ 170، وفي الكبرى 3/ 370 (5659)، من طريق يزيد بن هارون به (¬2). ولم أقف على بقية الطرق ولكن كلام النسائي يدلل على ذلك. ورواه النضر بن شميل عن حماد بن سلمة فزاد في إسناده ابن عباس (¬3). أخرجه النسائي 6/ 170، وفي الكبرى 3/ 370 (5659). ¬

(¬1) التقريب (7203). (¬2) انظر المسند الجامع 9/ 203 (6503). (¬3) مصدر سابق.

وهنا أعل النسائي زيادة النضر بن شميل رغم كونه ثقة ثبت (¬1)، لأنه زاد على باقي الرواة. وقد رواه معمر بن راشد مثل رواية حماد -المرسلة-: أخرجه عبد الرزاق 7/ 98 (12365). 4 - أخرج النسائي 2/ 64 فقال: أخبرنا عمرو بن علي قال حدثنا يحيى بن سعيد قال: حدثني شعبة وهشام عن قتادة قال: قلت لجابر بن يزيد ما يقطع الصلاة؟ قال: كان ابن عباس يقول المرأة الحائض والكلب. قال يحيى: رفعه شعبة. قلت: دار الحديث على قتادة، رواه عنه - مرفوعاً -: شعبة بن الحجاج: أخرجه أحمد 5/ 83، وأبو داود (703)،والنسائي 2/ 64 وفي الكبرى1/ 272 (827)،وابن ماجه (949)،وابن خزيمة 2/ 22 (832)، والطحاوي في شرح المعاني 1/ 458، والطبراني في الكبير 12/ 140 (12824)، وابن حبان 6/ 148 (2387)،والبيهقي2/ 274 (¬2). ورواه (هشام وسعيد بن أبي عروبة وهمام بن منبه) موقوفاً: أخرج طريق هشام: النسائي 2/ 64 وفي الكبرى 1/ 272 (827) (¬3)، وقال أبو داود عقب (703): وقفه سعيد وهشام وهمام. وقال البيهقي 2/ 274: قال يحيى بن القطان: (لم يرفع هذا الحديث أحد عن قتادة غير شعبة، قال يحيى: وأنا أفرقه، قال: ورواه ابن أبي عروبة وهشام عن قتادة يعني موقوفاً). أقول: هذا يعني أن شعبة زاد عليهم فرفعه، وأوقفوه، وهم أكثر عدداً وكلهم ثقات. والنسائي هنا لم يورد الرواية المرفوعة، وإنما أورد الموقوفة، وأشار إلى المرفوعة إشارة، فهو يعلها، وكذا أبو داود وغيرهما. وعدَّ الشيخ أحمد شاكر هذه زيادة ثقة فقال:"ورفع شعبة زيادة ثقة فهي مقبولة ¬

(¬1) التقريب (7135). (¬2) انظر المسند الجامع 8/ 240 (6015). (¬3) مصدر سابق.

المبحث السابع: عند الحافظ ابن خزيمة

ولا تعل الرواية المرفوعة بالموقوفة " (¬1) فتأمل! 5 - وأخرج النسائي 2/ 60 فقال: أخبرنا محمد بن منصور، قال: حدثنا إسماعيل بن عمر قال: حدثنا داود بن قيس، عن محمد بن عجلان، عن يحيى بن سعيد، عن أنس بن مالك:" أنه رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي على حمار وهو راكب إلى خيبر، والقبلة خلفه ". قال أبو عبد الرحمن: لا نعلم أحداً تابع عمرو بن يحيى على قوله يصلي على حمار وحديث يحيى بن سعيد عن أنس الصواب موقوف والله سبحانه وتعالى أعلم قال النسائي في الكبرى 1/ 269 (820): أنبأ محمد بن منصور، قال: حدثنا إسماعيل بن عمر قال حدثنا داود بن قيس عن محمد بن عجلان عن يحيى بن سعيد عن أنس بن مالك أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي على حمار وهو راكب إلى خيبر، والقبلة خلفه ". قال أبو عبد الرحمن: هذا خطأ، والصواب موقوف ". أقول: دار الحديث على يحيى بن سعيد الأنصاري، روي عنه مرفوعاً وموقوفاً، إذ رواه عنه موقوفاً: - الإمام مالك بن أنس: أخرجه عبد الرزاق 2/ 576 (4523). -وسفيان بن عيينة: أخرجه عبد الرزاق 2/ 576 (4524). ورواه محمد بن عجلان فرفعه: أخرجه النسائي 2/ 6، وفي الكبرى1/ 269 (820)، وقد أعلّ النسائي المرفوع بالموقوف، فلو كان يقبل الزيادة لقبلها من ابن عجلان وهو صدوق كما قال الحافظ ابن حجر، (¬2) خاصة وأنه ليس من أحاديثه عن أبي هريرة - رضي الله عنه -. وللمزيد انظر: السنن الكبرى برقم: (3593 و 6004 و 6452 و 6756 و 6836 و 7391 و 7392 و 7409 و 7411 و 7413 و 7414 و 8902 و 9971)، والصغرى: (1/ 197 و 2/ 60 و 2/ 251 و 3/ 206 و 3/ 258 و 4/ 56 و 4/ 138 و 7/ 69 و 7/ 91 و 8/ 77 و 8/ 79). المبحث السابع: عند الحافظ ابن خزيمة: الحافظ ابن خزيمة إمام جبل حافظ، من الرعيل الأول في حفظ السنن ومعرفة ¬

(¬1) مسند أحمد، بتحقيق أحمد شاكر 5/ 83 (3241). (¬2) التقريب (6136).

الطرق، شارك الأئمة الستة في كثير من شيوخهم، وذكر الحاكم النيسابوري أن الإمام البخاري ومسلم قد رويا عنه - خارج الصحيحين- وهذا إن ثبت فهو من رواية الأكابر عن الأصاغر من باب الإكرام، والاعتراف بعلمه وفضله (¬1). وينسب بعض طلبة العلم إلى ابن خزيمة أنه يقبل زيادة الثقة مطلقاً اعتماداً على صنيعه في"صحيحه "،ولعلهم فهموا هذا من كلام تلميذه ابن حبان إذ قال:"ولم أرَ على أديم الأرض من كان يحسن صناعة السنن، ويحفظ الصحاح بألفاظها، ويقوم بزيادة كل لفظة تزداد في الخبر، زادها ثقة، حتى كأن السنن كلها نصب عينيه إلا محمد بن إسحاق بن خزيمة فقط (¬2) ". فأقول: إنَّ الإمام ابن حبان هنا لم يعنِ بزيادة الثقة المعنى الذي يعرفه بها المتأخرون، وإنما يتحدث عن موضوع تفرد الثقة بالحديث أصلاً، لذا رده ابن رجب فقال: "وفيما ذكره نظر، وما أظنه سبق إليه، ولو فتح هذا الباب لم يحتج بحديث انفرد به عامة حفاظ المحدثين .. " (¬3). وقال في مواضع كثيرة: " إن صح الخبر " (¬4)، وأطلق مصطلح:" في القلب من هذا الحديث، أو في هذا الخبر، أو من هذه اللفظة " (¬5). وهو في الغالب الأعم يصدر أبوابه بهذه العلل. ونخلص من هذا أن الأحاديث في كتاب المختصر ليست كلها صحيحة، ولا يعني من إيراده للحديث أنه يقول بصحته، بل قد يورد حديثاً لبيان علته، أو لأنه يشهد لحديث الباب، أو لينبه على خطأ لفظه فيه، أو إدراج أو قلب في المتون وهكذا ... فالأحاديث التي تهمنا هنا أقسام: قسم صرح ابن خزيمة بعلته فهذا ينفعنا في كونه يرد العلل، وقسم صرح بقبولها وهذا مثل الأول في صحة نسبته إلى الإمام ومذهبه، وقسم سكت عنه، وهذا لا يعني قبوله لأن الإمام ابن خزيمة بيّن منهجه في تصحيح الأحاديث إذ قال: " فكل ما لم أقل إلى آخر هذا الباب: أن هذا صحيح فليس من شرطنا في هذا ¬

(¬1) انظر سير أعلام النبلاء 14/ 365 - 382. (¬2) المجروحين 1/ 93. (¬3) شرح علل الترمذي 1/ 431. (¬4) انظر مثلاً الأحاديث: (137 و 388 و 541 و 828 و 1144 و 1216). (¬5) انظر مثلاً: (226 و 448 و 1422 و 1622 و 2330).

الكتاب " (¬1). ومن هنا ندرك خطأ من خطّأ ابن خزيمة في إيراده لأحاديث ضعيفة ومعلولة في " صحيحه " - كما يسمونه -، لأن ابن خزيمة لم يكتب كتاباً في الصحيح فقط، وإنما ضمن كتابه بعض الأحاديث المعلولة التي بين علتها. وإنما يعرف مذهب ابن خزيمة في قبول زيادة الثقة أو ردها من دراسة الأحاديث التي ساقها في صحيحه فقد وجدناه يسير على منهجية أقرانه من المتقدمين فهو يقبلها على شروطهم (¬2) ويعلل تفرد الثقة بزيادة متن أو إسناد ينفرد بها عن الجماهير الثقات، في الشيخ نفسه، ويردها. وسأذكر بعض الأمثلة التي توضح ذلك: 1 - قال في (2319) و (2419):"حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي، قال: حدثنا ابن علية عن محمد بن إسحاق، قال: حدثني عبد الله بن عبد الله بن عثمان بن حكيم بن حزام، عن عياض بن عبد الله بن أبي سرح قال: قال أبو سعيد، وذكروا عنده صدقة رمضان فقال:"لا أخرج إلا ما كنت أخرج في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صاع تمر أو صاع حنطة أو صاع شعير أو صاع إقط، فقال له رجل من القوم: أو مدين من قمح؟ فقال: لا، تلك قيمة معاوية لا أقبلها، ولا أعمل بها. قال أبو بكر: ذكر الحنطة في خبر أبي سعيد غير محفوظ، ولا أدري ممن الوهم ". أقول: دار الحديث على محمد بن إسحاق رواه عنه جماعة:" عبدة وغيره "دون زيادة- صاع حنطة - كما قاله أبو داود (1616)، وعدها غير محفوظة. ورواه إسماعيل بن علية عن ابن إسحاق بالسند نفسه فزادها: أخرجه ابن خزيمة (2319) - وعدها غير محفوظة -، وابن حبان 8/ 98 (3306)، والحاكم 1/ 570 وصححها، والدارقطني 2/ 145، والبيهقي 4/ 165. ورواه أبو داود (1617) من طريق مسدد عن ابن علية -دونها -. وقد توبع ابن إسحاق تابعه يزيد بن الهاد عن عبد الله _ دون الزيادة -: أخرجه ¬

(¬1) صحيح ابن خزيمة 3/ 236 (1984). (¬2) انظر مثلاً صحيح ابن خزيمة 9/ 394 (4083)، إذ صحح المرسل والمتصل لما تكافأ الطرفان وانظر ص 208 من بحثنا هذا.

النسائي 5/ 53. ورواه ابن عجلان، وداود بن قيس الفراء عن عياض بن عبد الله بن سعد بن أبي السرح دون زيادة. (¬1) قال الزيلعي:"وأما ما رواه الحاكم فيه أو صاعاً من حنطة، فقد أشار أبو داود إلى هذه الرواية في سننه وضعفها، فقال: وذكر فيه رجل واحد عن ابن علية أو صاع حنطة وليس بمحفوظ. انتهى، وقال ابن خزيمة فيه: وذكر الحنطة في هذا الخبر غير محفوظ ولا أدري ممن الوهم، وقول الرجل له أو مدين من قمح دال علي أن ذكر الحنطة في أول الخبر خطأ ووهم إذ لو كان صحيحاً لم يكن لقوله أو مدين من قمح معنى ". (¬2) أقول: ابن خزيمة أعل الزيادة، ولو قال بالقبول لما عدل عنها، ولصححها كما فعل ابن حبان والحاكم. 2 - قال في 4/ 349 (3050):"حدثنا بندار، قال: حدثنا محمد بن المنهال، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا شعبة، عن الأعمش، عن أبي ظبيان، عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"إذا حج الصبي فهي له حجة حتى يعقل فإذا عقل فعليه حجة أخرى وإذا حج الأعرابي فهي له حجة فإذا هاجر فعليه حجة أخرى "،أخبرني بندار وأبو موسى قالا: ثنا بن أبي عدي، عن شعبة، عن سليمان، عن أبي ظبيان، عن ابن عباس بمثله، موقوفا، قال أبو بكر: هذا علمي هو الصحيح بلا شك". قلت: دار الحديث على شعبة رواه عنه - موقوفاً - ابن أبي عدي أخرجه ابن خزيمة ... 4/ 349 (3050)، وعبد الوهاب بن عطاء أخرجه البيهقي 4/ 325. ورواه محمد بن المنهال-ثقة حافظ-عن يزيد بن زريع-ثقة ثبت-عن شعبة - مرفوعا - أخرجه ابن خزيمة 4/ 349 (3050)، والحاكم 1/ 655وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه!!،والبيهقي 4/ 325، و5/ 179،وقال:"تفرد برفعه محمد بن المنهال عن يزيد بن زريع عن شعبة ورواه غيره عن شعبة موقوفا، وكذلك رواه سفيان الثوري عن الأعمش موقوفا وهو الصواب". ¬

(¬1) انظر المسند الجامع 6/ 291 (4352). (¬2) نصب الراية 2/ 417، وانظر الدراية في تخريج أحاديث الهداية، ابن حجر 1/ 271.

وترجيح ابن خزيمة الموقوف إذ قال:" قال أبو بكر: هذا علمي هو الصحيح بلا شك"، يدلل على أنه لا يقول بالزيادة، وقد ردها وهي من ثقات جبال؟ 3 - وفي 2/ 127 (1051): ردّ زيادة أبي صالح عن الليث لأن الثقات ... رووه دون الزيادة فقال:" حدثنا محمد وحدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد، حدثنا أبي عن صالح قال: قال ابن شهاب وأخبرني هذا الخبر سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: وأخبرنيه أبو سلمة بن عبد الرحمن وأبو بكر بن عبد الرحمن وعبيد الله بن عبد الله، سمعت محمد بن يحيى يقول: وهذه الأسانيد عندنا محفوظة عن أبي هريرة، إلا حديث أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة فإنه يتخالج في النفس منه أن يكون مرسلا، لرواية مالك وشعيب وصالح بن كيسان، وقد عارضهم معمر، فذكر في الحديث أبا هريرة والله أعلم. قال أبو بكر: فقوله في خبر محمد بن كثير عن الأوزاعي في آخر الخبر"ولم يسجد سجدتي السهو حين لقنه الناس"إنما هو من كلام الزهري لا من قول أبي هريرة، ألا ترى محمد بن يوسف لم يذكر هذه اللفظة في قصته ولا ذكره بن وهب عن يونس، ولا الوليد بن مسلم عن عبد الرحمن ابن عمرو ولا أحد ممن ذكرت حديثهم خلا أبي صالح عن الليث عن ابن شهاب فإنه سها في الخبر، وأوهم الخطأ في روايته فذكر آخر الكلام الذي هو من قول الزهري مجردا عن أبي هريرة إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:لم يسجد يوم ذي اليدين ولم يحفظ القصة بتمامها والليث في خبره عن يونس قد ذكر القصة بتمامها ". أقول: خطأ أبا صالح في زيادته لأن الثقات لم يرووها، فجعل علامة الشذوذ تفرد الراوي عن بقية أقرانه في الحديث الواحد، وهذا ما يسميه المتأخرون: زيادة الثقة، ويلصقونها بابن خزيمة؟ 4 - وفي 2/ 228 (1224) قال: حدثنا محمد بن يحيى، قال: أخبرنا إسماعيل بن عبد الله بن زرارة الرقي ببغداد، قال: حدثنا خالد بن عبد الله، وحدثني محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"لا يحافظ على صلاة الضحى إلا أواب، قال: وهي صلاة الأوابين ". قال أبو بكر:"لم يتابع هذا الشيخ إسماعيل بن عبد الله على إيصال هذا الخبر، رواه الدراوردي عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة-مرسلاً-ورواه حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة قوله".

رد زيادة إسماعيل بن عبد الله في وصل حديث أرسله الثقات وهو صدوق (¬1). 5 - رد زيادة سفيان بن عيينة في رفع حديث أوقفه غيره:1/ 338 (678) قال:"أنبأنا أبو طاهر أخبرنا أبو بكر قال: أخبرنا أبو كريب وعبد الله بن سعيد الأشج، قالا: أنبأنا أبو خالد قال: حدثنا هارون بن إسحاق قال: حدثنا بن فضيل (ح)،وحدثنا سلم بن جنادة قال: انبأنا وكيع عن سفيان كلهم عن يحيى بن سعيد قال: سمعت القاسم بن محمد يقول: حدثنا عبد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه عبد الله بن عمر قال: إن من السنة في الصلاة أن تضجع رجلك اليسرى وتنصب اليمنى إذا جلست في الصلاة"،هذا حديث ابن فضيل وقال الآخرون: عن القاسم بن محمد عن عبد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه. - ثم قال - (679):أخبرنا أبو طاهر، قال: أخبرنا أبو بكر، قال: أخبرنا سعيد بن عبد الرحمن المخزومي، قال: أخبرنا سفيان، عن يحيى بن سعيد، عن القاسم بن محمد، عن عبد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال:"من سنة الصلاة أن تضجع رجلك اليسرى وتنصب اليمنى، قال: وكان النبي إذا جلس في الصلاة أضجع اليسرى ونصب اليمنى". قال أبو بكر: هذه الزيادة التي في خبر ابن عيينة لا أحسبها محفوظة أعني قوله:"وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا جلس في الصلاة أضجع اليسرى ونصب اليمنى ". 6 - وفي 3/ 157 (1812) قال:" أخبرنا أبو طاهر، قال: أخبرنا أبو بكر، قال: أخبرنا محمد بن بشار، قال: أخبرنا يحيى- يعني ابن سعيد-،قال: حدثنا ابن عجلان، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبيه، عن عبد الله بن وديعة، عن أبي ذر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"من اغتسل يوم الجمعة فأحسن الغسل أو تطهر فأحسن الطهور فلبس من خير ثيابه ومس ما كتب الله له طيباً أو دهن أهله ولم يفرق بين اثنين إلا غفر له إلى يوم الجمعة الأخرى"،قال بندار: أحفظه من فيه عن أبيه. قال أبو بكر:"لا أعلمُ أحداً تابع بنداراً في هذا، والجواد قد يفتر في بعض الأوقات". قلت: رد زيادة محمد بن بشار (بندار) على جلالة قدره لأنه لم يتابع في الوصل. 7 - وفي2/ 20 (828) قال:"باب مرور الهر بين يدي المصلي إن صح الخبر ¬

(¬1) التقريب (457).

مسنداً، فإن في القلب من رفعه: أنبأنا أبو طاهر، قال: أخبرنا أبو بكر، قال: أخبرنا بندار، قال: حدثنا عبيد الله بن عبد المجيد، قال: أخبرنا عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"الهرة لا تقطع الصلاة إنها من متاع البيت ". -ثم قال - (829):أنبأنا أبو طاهر، قال: أنبأنا أبو بكر، قال: أخبرناه الربيع بن سليمان، قال: حدثنا ابن وهب، عن بن أبي الزناد بهذا الحديث موقوفاً، غير مرفوع. قال أبو بكر:"ابن وهب أعلم بحديث أهل المدينة من عبيد الله بن عبد المجيد". قلت: شكك في زيادة عبيد الله بن عبد المجيد الحنفي، وهو صدوق (¬1)،إذ رفع ما أوقفه غيره. فلو كان ابن خزيمة يقول بقبول زيادة الثقة فلماذا ردها من هؤلاء الحفاظ الجبال؟ ولماذا أعلّ المتصل بالمرسل؟! والمرفوع بالموقوف؟! وبالتفرد وعدم المتابعة؟! ولم أقف على مثال ينطبق على مفهوم المتأخرين للزيادة قبل فيه الإمام ابن خزيمة الرفع أو الوقف أو زيادة لفظة، لأنه كغيره من الأئمة المتقدمين يعلّون تفرد الراوي بشيء لا يتابعه الثقات عليه ويعدونه مخالفة (¬2)،إلاّ ما كان من المعفو عنه وهو ما كان على سبيل الاقتصاص (¬3) أو التقطيع، كما قدمناه (¬4). وللمزيد أنظر مثلاً الأحاديث في صحيحه:"2/ 127 (1051) و4/ 180 (2642) و4/ 322 (2984)،و.1/ 354 (714). ¬

(¬1) التقريب (4317). (¬2) وللمزيد انظر ص35 من هذا البحث. (¬3) انظر صحيح ابن خزيمة 1/ 120 (241). (¬4) انظر الصفحات 231 - 238.

الفصل الثاني التطبيق العملي في كتب العلل

الفصل الثاني التطبيق العملي في كتب العلل قبل أن أدخل إلى كتب العلل أرى من المهم أن أُبين مفهوم العلة عند المحدثين، فأقول: عرف علماء المصطلح الحديث المعلول تعريفات متعددة منها: عرفه الحاكم النيسابوري:"وإنما يعلل الحديث من أوجه ليس للجرح فيها مدخل، فإن الحديث المجروح ساقط واهٍ، وعلة الحديث تكثر في أحاديث الثقات إن يحدثوا بحديث له علة فيخفى عليهم، فيصير الحديث معلولاً والحجة فيه عندنا: الحفظ، والفهم، والمعرفة لا غير" (¬1). وعرفه ابن الصلاح بأنه:"هو الحديث الذي اطلع فيه على علة تقدح في صحته مع أن الظاهر السلامة منها " (¬2). وعرفه الحافظ ابن حجر العسقلاني أنّه:"خبر ظاهره السلامة اطلع فيه بعد التفتيش على قادح " (¬3). وانتقد برهان الدين البقاعي تعريف شيخه -ابن حجر-فقال: " ولا حاجة إلى ذكر التفتيش فإنه يفهم من العبارة والتقييد بظهور السلامة يخرج ما علته ظاهرة " (¬4). أقول: مما مر نخلص إلى أن المتأخرين يقيدون المعلول بالقدح والخفاء. وهذا خلاف صنيع المتقدمين الذين وإن لم يصرحوا لنا بحد الحديث المعلول فإن صنيعهم واضح في كتبهم، وفي الأحاديث التي عللوها، فالعلة عندهم أوسع بكثير مما يحصرها به المتأخرون، فالعلة عندهم تشمل مع ما ذكروه من العلة الخفية العلة الظاهرة فكم من حديث أعله أبو حاتم في علله بسبب جرح رجل أو اختلاطه أو تدليسه؟ وكم من حديث أعله البخاري وابن المديني وابن معين بمثل ذلك!! ¬

(¬1) معرفة علوم الحديث ص112. (¬2) علوم الحديث ص42. (¬3) النكت الوفية، البقاعي ق63 - 64 (مخطوط) وانظر فتح المغيث 1/ 227. (¬4) مصدر سابق.

وقد أطلق الترمذي مصطلح "العلة " على النسخ أيضاً إذ قال:" جميع ما في هذا الكتاب من الحديث فهو معمول به، وقد أخذ به بعض أهل العلم، ما خلا حديثين: حديث ابن عباس:" أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جمع بين الظهر والعصر بالمدينة، والمغرب والعشاء، من غير خوف، ولا سفر، ولا مطر". وحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " إذا شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد في الرابعة فاقتلوه". وقد بينا علة الحديثين جميعاً في الكتاب" (¬1)، وقال عند تخريجه للحديث الثاني (1444): "وإنما كان هذا أول الأمر ثم نسخ بعد "، فالترمذي سمى النسخ علة (¬2). فالمتقدمون أطلقوا العلة على كل حديث"لا يصح العمل به "،باختلاف طرق الإعلال، والمتأخرون قسموا العلة إلى أقسام متعددة واصطلحوا عليها بمصطلحات خاصة بهم تقترب حيناً، وتبتعد حيناً آخر عن مفهوم المتقدمين لها بل جعلوا علم العلل نوعاً من أنواع علوم الحديث ومن فنونه منحازاً عن بقية العلوم الأخرى التي في الحقيقة إنما هي نوع واحد عند المتقدمين! وبعد هذا أقول: إن المتقدمين لسعة حفظهم، وقدرتهم على معرفة طرق كل حديث ومظانه، كانوا حريصين كل الحرص على تنقية السنة النبوية من الأحاديث التي ليست منها، بل وحتى من الأسانيد التي ظاهرها الصحة وتشهد لها أحاديث صحيحة، ولكنها غير معروفة في دواوين الإسلام الأولى فكان علماؤنا يردونها، ويعللونها بعلل مختلفة، فيقولون مثلاً: غير معروف من طريق سفيان عن أبي إسحاق السبيعي عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود، وإنما المعروف من طريق شعبة وإسرائيل عن أبي إسحاق به (¬3). وهذا يدلل على سعة علمهم، وحفظهم (¬4) ومعرفة طرق كل حديث، فتراهم يصولون ويجولون في غربلة الأحاديث: هذا حديث باطل، هذا حديث منكر، هذا الحديث من رواية فلان صحيح وما عداه فباطل، وهلم جرا. وتراهم يعلون كثيراً من الأحاديث ورجال أسانيدها ثقات لكنها غير معروفة ¬

(¬1) العلل الملحق بآخر الجامع 5/ 692. (¬2) انظر النكت على ابن الصلاح 2/ 771، والباعث الحثيث ص57. (¬3) انظر للتمثيل: علل ابن أبي حاتم برقم (27 و 30 و 2502 و 2513 و 2753). (¬4) انظر ص 214.

فيقولون لك: هذا إسناد مستقيم ورجاله ثقات والحديث غير محفوظ، أي: (المتن). وتراهم يعلون أحاديث باب بعينه فيقولون مثلاً: ولا يصح في هذا الباب شيء. ومع كل هذا فإنك إذا أردت أن ترجع إلى سند ومتن هذا الحديث الذي أُعل تجده نظيفاً؟! إذن لماذا أعلوه؟! الجواب على ذلك: إنهم كانوا مصحفاً في الحفظ والضبط - إلا ما شاء الله- فلا تفوتهم شاردة أو واردة إلا وعرفوها. ومن ذلك ما نقله الحافظ ابن حجر فقال: سأل مسلم بن الحجاج محمد بن إسماعيل - البخاري - فقال: " حدثك محمد بن سلام قال: حدثنا مخلد بن يزيد، قال: أخبرنا ابن جريج، قال: حدثني موسى بن عقبة، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:" كفارة المجلس أن يقول إذا قام من مجلسه سبحانك اللهم ربنا وبحمدك ".؟ فقال محمد بن إسماعيل: وحدثنا أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين قالا: حدثنا حجاج بن محمد عن ابن جريج، قال: حدثني موسى بن عقبة، عن سهيل عن أبيه، عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:" كفارة المجلس أن يقول إذا قام من مجلسه سبحانك ربنا وبحمدك ". فقال محمد بن إسماعيل: هذا حديث مليح ولا أعلم بهذا الإسناد في الدنيا حديثاً غير هذا إلا أنه معلول " (¬1).!! هذا الذي دفع بعض العلماء من المتأخرين أن يقولوا: " إنهم كانوا يعرفون الأحاديث بالفتح الرباني، أو الإلهام، أو ما إلى ذلك " (¬2)، لأنهم رأوا عجباً في حفظهم وضبطهم. لذا كان الأجدر بالمتأخرين أن يكونوا وقّافين عند الأحكام التي أطلقها الجهابذة الأوائل، وذلك لا يعدُ حَجْراً للعلم، ذلك لأن السنة النبوية - المرويات - ليست باباً اجتهادياً حتى أننا نقول: غُلق باب الاجتهاد؟ وإنما هي مرويات معلومة محفوظة - إلا ما شاء الله تعالى -. وحرص الأئمة المتقدمون على معرفة علل الأحاديث، حتى يقول واحد من أبرزهم، وهو الإمام الجهبذ عبد الرحمن بن مهدي: " لأن أعرف (علة) حديث واحد، ¬

(¬1) المقدمة ص 674 - 675. (¬2) انظر شرح علل الترمذي، ابن رجب 1/ 123 و470،وفتح المغيث، السخاوي 1/ 220.

أحب إلي من أن أستفيد عشرة أحاديث " (¬1). لذلك كتب كثيرٌ من العلماء الجهابذة مصنفات في العلل، فهذه علل ابن المديني، وعلل ابن معين، وعلل أحمد، والتاريخ الكبير للبخاري، والتمييز لمسلم، والمراسيل لأبي داود، وعلل الترمذي، وعلل النسائي، وعلل ابن أبي حاتم عن أبيه وأبي زرعة، وغيرهم، ناهيك عن تعليلهم المرويات ضمناً في مصنفاتهم، ففي الغالب يضمّن المحدث مصنفه عللاً، ينبه عليها، وهلمَّ جراً. ولا ُيتصّور أن بإمكان كل أحد إعلال الأحاديث أو الكتابة فيها، فعلل الحديث من أصعب الفنون وأدقها، لأنها تحتاج إلى اطلاع واسع ومعرفة دقيقة وتشبع بهذا العلم الشريف، لا يتهيأ إلاَّ لمن صرف عمره ووقته له. وقد هيأ الله تعالى لهذا العلم فحولاً أفذاذاً، كشعبة بن الحجاج، وأضرابه، يقول ابن رجب الحنبلي فيه:" هو أول من وسع الكلام في الجرح والتعديل واتصال الأسانيد وانقطاعها، فنقب عن دقائق علم العلل، وأئمة هذا الشأن بعده تبع له في هذا العلم " (¬2). ويقول الإمام أحمد في مدح ابن معين في علم العلل:"ههنا رجل خلقه الله لهذا الشأن " (¬3). ويمتدح الإمام مسلم شيخه البخاري فيقول له مخاطباً:"يا أستاذ الأستاذينَ وسيد المحدثين، وطبيب الحديث في علله " (¬4). وقال أبو حاتم الرازي:"كان علي بن المديني علماً في الناس في معرفة الحديث والعلل" (¬5). أقول فإذا أعل هؤلاء الأئمة أو بعضهم حديثاً فلا يحقُ لمن يأتي بعدهم من المتأخرين مزاحمتهم في إعلالهم، لأنهم حفظوا الطرق وعرفوا المخارج، وتشبعوا بهذا العلم، أما المتأخرون فلربما وقعت لهم طرق لم تصح أوهمتهم بتصحيح بعض ما أعله ¬

(¬1) شرح العلل 1/ 470. (¬2) شرح العلل 1/ 448. (¬3) مصدر سابق. (¬4) معرفة علوم الحديث ص114، وانظر شرح العلل 1/ 33. (¬5) شرح العلل 1/ 485.

المبحث الأول: عند الإمام أبي حاتم الرازي

المتقدمون (¬1). وفيما يخص بحثنا وهو لب علم العلل، فإن المتقدمين لهم منهج واضح في قبول الزيادة أو ردها. ولمعرفة ذلك أو توضيحه أخذنا دراسة أقوالهم ومنهجهم في ذلك في مصنفاتهم وسنذكر بعض الأمثلة. المبحث الأول: عند الإمام أبي حاتم الرازي: من خلال استقراء صنيع الإمام أبي حاتم في كتابه العلل (¬2) وجدت أن أبا حاتم يقبل الزيادة إذا كانت من ثقة بمفهوم المتقدمين للزيادة (¬3)، بل صرح بأكثر من موضع على قبول الزيادة فقال: (والزيادة من الثقة مقبولة) (¬4)، وكانت تلك الزيادة هي من باب واحد أمام واحد أو جماعة أمام جماعة، أو جماعة أمام واحد. ولم أقف له على قبولٍ للزيادة بمفهوم المتأخرين وهي أن يزيد راو واحد ثقة على جماعة من الثقات في نفس الشيخ - سنداً أو متناً - لا تصريحاً ولا صنيعاً. وسأذكر بعض الأمثلة من كتابه العلل: 1 - رد زيادة شعبة بن الحجاج فقال في1/ 428 (1288): قال عبد الرحمن: " سألت أبي عن حديث رواه غندر- محمد بن جعفر -، عن شعبة، عن علقمة بن مرثد عن سلميان بن رزين، عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن سعيد بن المسيب، عن ابن عمر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الذي تكون له المرأة فيطلقها، ثم يتزوجها رجل فطلقها قبل أن يدخل بها فترجع إلى زوجها الأول؟ قال: " لا حتى تذوق العسيلة ". قال أبي: قد زاد عندي في هذا الإسناد رجلا لم يذكره الثوري وليست هذه الزيادة بمحفوظة. قال أبو محمد: حدثنا أحمد بن سنان قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان، عن علقمة، عن رزين الأحمري، عن ابن عمر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -،وسمعت أبا زرعة وسئل عن هذين الحديثين فقال: الثوري أحفظ، قال أبو محمد: واختلف عن الثوري، فروى ابن مهدي ¬

(¬1) انظر مقدمة أستاذنا الدكتور بشار معروف لجامع الترمذي 1/ 34 - 41. (¬2) هو كتاب (علل الحديث) لابنه العلامة عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي. (¬3) انظر ص208 من هذا البحث. (¬4) انظر العلل: 361، 1397، 1442.

كما حدثنا أحمد بن سنان وروى الفريابي فيما حدثنا الغزي عنه عن سفيان، عن علقمة بن مرثد، عن سليمان بن رزين، عن ابن عمر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وأخبرنا أبو محمد قال: حدثنا أبو زرعة، عن ابن أبي شيبة، عن وكيع، عن سفيان، عن علقمة ابن مرثد، عن سليمان وقال وكيع مرة: رزين بن سليمان، عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -،وروى أبو أحمد الزبيري وحسين بن حفص ومحمد بن كثير، عن الثوري كما رواه الفريابي يقول: عن سليمان بن رزين، عن ابن عمر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -،وحدثنا الأحمسي، عن وكيع، عن سفيان، عن علقمة بن مرثد، عن رزين بن سليمان، عن ابن عمر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ". أقول: رد أبو حاتم زيادة شعبة ورجح حديث سفيان الثوري المرسل، وكذا فعل أبو زرعة. 2 - ورد زيادة شعبة أيضاً 2/ 295 (2393): إذ روى عبد الرحمن فقال:" سألت أبي عن حديث رواه احمد بن أبي شعيب الحراني، عن مسكين بن بكير، عن شعبة، عن أبي رجاء، عن الحسن قال: سألت أنساً عن النشرة، فقال: ذكروا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها من عمل الشيطان؟ فقال أبي: هذا خطأ إنما هو أبو رجاء، قال سألت الحسن عن النشرة، فقال: ذكروا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فهذا من كلام الحسن وقيله". أقول: قد خطأ أبو حاتم زيادة شعبة في وصل الحديث، ولم يعده زيادة ثقة؟ 3 - وقد خطأه أيضاً في 2/ 388 (2675)، قال عبد الرحمن: " سألت أبي، عن حديث رواه أبو سعيد الأشج، عن عقبة ابن خالد، عن شعبة، عن الجريري، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد قال: قال أبو بكر: ألست أحق الناس بهذا ألست أول من أسلم، ألست صاحب كذا، ألست صاحب كذا؟ قال أبي: الناس يروون هذا الحديث، عن أبي نضرة، عن أبي بكر مرسلاً، لا يقولون فيه عن أبي سعيد". أقول: رد زيادة شعبة في وصل الحديث وعلله أن الناس يرسلونه؟ 4 - وفي 2/ 437 (2816) قال عبد الرحمن:" سألت أبي عن حديث رواه أبو عبيدة السقطي، عن الأنصاري، عن ابن جريج، عن الحسن بن مسلم، عن طاووس، عن ابن عباس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"من وهب هبة ثم عاد فيها فهو كالكلب يعود في قيئه"فسمعت أبي يقول: ليس هكذا يروى إنما يرويه عن طاووس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسل ولا أعلم أحداً تابع هذه الرواية من حديث الحسن بن مسلم مرفوع موصل".

أقول: أعله أبو حاتم لأن ابن جريج لم يتابع في وصله؟ ‍‍‍‍‍‍فجعل تفرد الثقة بزيادة علة إذا لم يتابع عليها. ورد أيضاً زيادة حماد بن زيد لأنه زاد على أقرانه فرفع ما أوقفوه. 5 - وقال عبد الرحمن في 1/ 449 (1351):"سألت أبي عن حديث رواه حماد بن زيد، عن يحيى بن سعيد، عن أبي أمامة بن سهل، عن عثمان، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"لا يحل دم امرئٍ مسلم إلا بإحدى ثلاث"؟ قال أبي: حدثنا سليمان بن حرب وأحمد بن يونس، عن حماد بن زيد هكذا، وحدثنا ابن ربيعة، عن عثمان، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال أبي: غلط ابن الطباع، حديث عبد الله بن عامر غير مرفوع، هو موقوف، فإنَّ حماد بن سلمة رواه عن يحيى بن سعيد، عن أبي أمامة بن سهل ،عن عثمان موقوف. قلت لأبي أيهما أشبه؟ قال: لا أعلم أحداً يتابع حماد بن زيد على رفعه قلت فالموقوف عندك أشبه؟ قال: نعم ". أقول فتأمل إعلال أبي حاتم لزيادة -زادها ثقة- لأنه لم يتابع عليها. وكذا رد زيادة عبد الله بن المبارك (¬1) وزيادة ابن عيينة (¬2)؟ ‍ وهما ثقتان جبلان؟ فالأصل عند أبي حاتم أن المتابعة هي التي تزيل الغرابة والنكارة (¬3) إذا ما انفرد الثقة بشيء عن أقرانه في الحديث ذاته. 6 - قال عبد الرحمن:1/ 309 (927):"سألت أبي عن حديث رواه الهقل وعمرو بن هاشم، عن الأوزاعي، عن سليمان بن حبيب، عن أبي أمامة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"ثلاثة كلهم ضامن على الله ".؟ قال: ورواه الوليد وغيره، عن الأوزاعي، عن سليمان، عن أبي أمامة موقوف قال أبي: هقل أحفظ والحديث موقوف أشبه ". أقول: رد أبو حاتم رواية الأحفظ؟ وقدم عليها رواية الجماعة. ويتضح القصد أكثر إذا وقفنا على هذا المثال: 7 - 1/ 193 (554): " قال أبو محمد: سألت أبي عن حديث رواه ملازم بن عمرو ¬

(¬1) برقم (1029). (¬2) برقم (861). (¬3) المنكر -عند المتقدمين- أعم مما يصطلح عليه المتأخرون لأنه يشمل الشاذ والمنكر أي تفرد الثقة والضعيف -كما مر-.

ومحمد بن جابر فاختلفا فروى ملازم بن عمرو، عن عبد الله بن بدر، عن قيس بن طلق، عن أبيه طلق بن علي، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال:" لا وتران في ليلة"،وروى محمد بن جابر، عن عبد الله بن بدر، عن قيس بن طلق، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يقل عن أبيه ولم يبين أيهما أصح ووددت أيوب بن عتبة قد وافق ملازم بن عمرو في توصيل هذا الحديث عن قيس بن طلق نفسه فقال: عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فيدل أن الحديث موصلاً أصح ". فقد اختلف فيه ملازم بن عمرو أبو عمرو اليمامي وهو- صدوق - كما قال ابن حجر (¬1)، ومحمد بن جابر اليمامي وهو - صدوق - أيضاً (¬2). فزاد ملازم زيادة وصل على محمد بن جابر ولكن أبا حاتم لم يقبلها بل قال: " وددت أيوب بن عتبة قد وافق ملازم بن عمرو في توصيل هذا الحديث عن قيس بن طلق نفسه فقال: عن أبيه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيدل أن الحديث موصولاً أصح "، وأيوب بن عتبة هو اليمامي: ضعيف (¬3)؟ ‍فجعل أبو حاتم المتابعة -ولو من ضعيف- تصحيحاً للزيادة، فتأمل ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍؟ كما أنه رد زيادة الثوري في: 8 - حديث 1/ 96 (258): "سألت أبي عن حديث رواه الثوري، عن عاصم بن كليب، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن علقمة، عن عبد الله:" أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قام فكبر فرفع يديه ثم لم يعد " قال أبي: هذا خطأ يقال وهم فيه الثوري، وروى هذا الحديث عن عاصم جماعة فقالوا كلهم: أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - افتتح فرفع يديه ثم ركع فطبق وجعلها بين ركبتيه، ولم يقل أحد ما رواه الثوري" (¬4). وقد أعله أحمد في العلل ومعرفة الرجال 1/ 639 - 671 وعد الوهم من وكيع، وأعله أيضاً الدارقطني في العلل 5/ 172 (804)،وعد الوهم من أبي حذيفة، عن سفيان. 9 - وكذا في حديث:1/ 101 (273):"سألت أبي عن حديث رواه محمد بن فضيل بن غزوان، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -:" إن للصلاة أولاً وآخراً، وان أول وقت الفجر حين يطلع الفجر "،وذكر مواقيت الصلاة؟ قال ¬

(¬1) التقريب (7053)، واستدرك عليه صاحبا التحرير فقالا: بل ثقة، التحرير 3/ 443. (¬2) التقريب (5777)،وقال صاحبا التحرير: (بل ضعيف) 3/ 221. (¬3) التقريب (619). (¬4) انظر المسند الجامع 11/ 528 (3029).,

المبحث الثاني: عند أبي زرعة الرازي

أبي: هذا خطأ وهم فيه ابن فضيل يرويه أصحاب الأعمش، عن الأعمش، عن مجاهد قوله " (¬1). أقول: أعل زيادة محمد بن فضيل -وهو ثقة- (¬2)، وأعله أيضاً يحيى بن معين كما نقله البيهقي 1/ 376، والبخاري كما نقله الترمذي في الجامع (151)، وفي العلل الكبير ص62 وأعله أيضاً الدارقطني في السنن 1/ 262. 10 - وفي حديث 1/ 303 (907): " قال ابو محمد: سألت أبي عن حديث رواه عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن عطاء بن يزيد، عن عبيد الله بن عدي بن الخيار، عن عبد الله ابن عدي الأنصاري، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -:" أن رجلاً أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - ليستأذنه في قتل رجل من المنافقين ".؟ الحديث، قال أبي: هذا خطأ، إنما هو عن عبيد الله بن عدي، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسل. قلت لأبي الخطأ ممن هو؟ قال: من عبد الرزاق " (¬3). أقول: أعل أبو حاتم زيادة عبد الرزاق الصنعاني لما زاد في إسناده زيادة وصل؟ المبحث الثاني: عند أبي زرعة الرازي: لا يختلف منهج أبي زرعة عن منهج أبي حاتم في قبول الزيادة أوردها، فهما من مدرسة واحدة، وطريقتهما واحدة، حتى أن عبد الرحمن بن أبي حاتم جمع أقوالهما في كتاب واحد، وبالكاد تجد حديثاً اختلفا في حكمهما عليه. وقد صرح أبو زرعة الرازي بقبول زيادة الثقة في أكثر من موضع، وكانت هذه الزيادة من قبيل راو واحد أمام راو آخر، وهذا على مذهب المتقدمين، فقال عبد الرحمن في 1/ 318 (952): "سألت أبي عن حديث رواه أبو إسحاق الفزاري وابن المبارك، عن سفيان الثوري، عن زيد العمى، عن معاوية بن قرة، عن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لكل أمة رهبانية ورهبانية أمتي الجهاد في سبيل الله".؟ قال أبي: هذا حديث خطأ، إنما هو معاوية بن قرة أتى النبي - صلى الله عليه وسلم -، مرسل. قيل لأبى زرعة: أيهما أصح؟ قال: إذا زاد حافظ على حافظ قبل، وابن المبارك حافظ ". ¬

(¬1) انظر المسند الجامع 16/ 642 (12925). (¬2) قال ابن حجر في التقريب (6227): (صدوق عارف رمي بالتشيع) وقال صاحبا التحرير 3/ 306: (بل ثقة). (¬3) انظر المسند الجامع 9/ 665 (7175).

أقول: هنا رد أبو حاتم زيادة ابن المبارك، لأنه ترجح عنده المرسل، وأما أبو زرعة فإنه ترجح عنده المتصل لقرائن بدت لهما، وعلّل أبو زرعة ذلك: بأن زيادة الواحد على الواحد إذا كان ثقة قبلت؟ وهذا هو منهج أبي حاتم كما مر (¬1)، فلا تناقض بين منهجيهما. ويتضح الأمر أكثر في كون أبي زرعة لا يقبل الزيادة -بمفهوم المتأخرين- وإنما يعتمد على المتابعة لهذا الثقة في الحديث الذي سأله عنه الإمام عبد الرحمن بن أبي حاتم إذ قال في2/ 302 (2416): " سألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس:" أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن قتل النملة والنحلة والهدهد والصرد "قلت لهما: وقد روى هذا الحديث هشام الدستوائي، وأبان العطار، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن الزهري أن النبي - صلى الله عليه وسلم -.؟ فقالا: رواه ابن جريج، عن عبد الله بن أبي لبيد، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، وقالا: سمعنا على بن المديني يذكر عن يحيى بن سعيد، عن الثوري قال: اطلعت في كتاب ابن جريج فوجدته فيه عن عبد الله بن أبي لبيد، عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس. قال أبو زرعة: وهو أصح. ورواه رباح، عن معمر، عن الزهري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وروى أيوب بن سويد، عن ابن جريج، عن الزهري، عن سليمان بن يسار، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس وأخطأ فيه، ولم يسمع ابن جريج من الزهري هذا الحديث، وقد روى بعضهم عن ابن جريج هذا الحديث، فقال: حدثت عن الزهري، وروى هذا الحديث حارث الخازن شيخ بهمذان، عن إبراهيم بن سعد، عن الزهري، عن عبيد الله، عن ابن عباس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأخطأ فيه الشيخ، يشبه أن يكون دخل له حديث في حديث، وليس هذا الحديث من حديث إبراهيم بن سعد. قلت لأبي زرعة: ما حال هذا الشيخ الهذاني؟ قال: كان شيخاًلم يبلغني عنه أنه حدث بحديث منكر، إلا هذا وقد كان كتب عن أبي معشر حديثاً كثيراً، قلت: لأبي زرعة فما وجه هذا الحديث عندك؟ قال: أخطأ فيه عبد الرزاق، والصحيح من حديث معمر، عن الزهري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسل، وأما نفس الحديث فالصحيح عندنا على ما روي في كتاب ابن جريج، عن عبد الله بن أبي لبيد، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قلت: أليس هشام وأبان ¬

(¬1) انظر ص 245 من هذا البحث.

العطار رويا عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن الزهري أن النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: بلى ولكن زيادة الحافظ على الحافظ تقبل ". فحينما كان الراوي بالزيادة ثقة خالف راو آخر ثقة فرواه متصلاً ورواه الآخر مرسلاً حكم للمزيد لأنه:" زيادة حافظ على الحافظ تقبل" (¬1). ويوضح عبد الرحمن بن أبي حاتم منهجية أبي زرعة خاصة، والمتقدمين عامة، إذ يقول: 2/ 189 (2064):"سمعت أبا زرعة وحدثنا بحديث اختلف شعبة وهشام الدستوائي فروى شعبة، عن أبي جعفر الخطمي، عن عمارة بن خزيمة، عن عثمان بن حنيف أن رجلاً ضرير البصر أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال:" يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أدعُ الله أن يعافيني فأمره أن يتوضأ ويصلي ركعتين ويدعو: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه فتقضى لي اللهم شفعه في "،هكذا رواه عثمان بن عمر، عن شعبة حدثنا به أبو سعيد بن يحيى ابن سعيد القطان، عن عثمان بن عمر، ورواه عن أبيه، عن أبي جعفر، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، عن عمه عثمان بن حنيف، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -،فسمعت أبا زرعة يقول: الصحيح حديث شعبة، قال أبو محمد: حكم أبو زرعة لشعبة وذلك لم يكن عنده أحد تابع هشام الدستوائي ووجدت عندي عن يونس بن عبد الأعلى، عن يزيد بن وهب، عن أبي سعيد التميمي يعنى شبيب بن سعيد، عن روح بن القاسم، عن أبي جعفر، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، عن عمه عثمان بن حنيف، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل حديث هشام الدستوائي واشبع متناً، وروح بن القاسم ثقة يجمع حديثه فاتفاق الدستوائي وروح بن القاسم يدل على أن روايتهما أصح ". فالأصل هو المتابعة، فإذا ما وجدت زالت الغرابة وحكم لها، وإلا فالحكم للقرائن. ولم أقف على مثال واحد يقبل فيه الزيادة -بمفهوم المتأخرين- ولعل الناظر إلى بعض الأحاديث لأول وهلة يعتقد أنه يقبل الزيادة، ولكنه لا يلبث أن يتلاشى ظنه إذا ما جمع طرق الأحاديث، وسأمثل بمثال واحد، صورته كأنه قبل فيه الزيادة، وهو: 1 - حديث 1/ 176 (505) قال عبد الرحمن:"سئل أبو زرعة عن حديث رواه ¬

(¬1) انظر العلل 1/ 90 (241)، فإن أبا حاتم صرح بقاعدة قبول زيادة الثقة على الثقة إذ قال: (هذا زاد رجلاً وذاك نقص رجلاً وكلاهما صحيحان).

هشيم وسفيان بن حسين وروى أحمد بن يونس عن أبي عوانة كلهم عن أبي بشر جعفر بن أبي وحشية عن حبيب بن سالم عن النعمان بن بشير أنه قال: " أنا أعلم الناس بوقت صلاة العشاء، كان يصليها بعد سقوط القمر ليلة الثالثة من أول الشهر "،وروى مسدد عن أبي عوانة، عن أبي بشر، عن بشير بن ثابت، عن حبيب بن سالم، عن النعمان، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -،قال أبو زرعة: حديث بشير ابن ثابت أصح. قلت: وُفق أبو زرعة لما قال وحكم لمسدد بما أتى، عن أبي عوانة بزيادة رجل في الإسناد، وقد حدثنا أحمد بن سنان، عن يزيد، عن شعبة، عن أبي بشر، عن بشير بن ثابت، عن حبيب بن سالم، عن النعمان ". فهذا يبدو لأول وهلة أنه قبل الزيادة، وكأن ابن أبي حاتم صوبه وجاء بمتابعة قاصرة وهي متابعة لأبي عوانة نفسه ولكن الإمام عبد الرحمن بن أبي حاتم لم يبين الطرق المتابعة لمسدد نفسه فإنه قد توبع، عن أبي عوانة بالزيادة فهو لم يتفرد؟ وسأذكر طرق هذا الحديث للفائدة: أقول: أولاً: _ دار الحديث على أبي بشر، جعفر بن إياس بن أبي وحشية -رواه عنه:- - هشيم بن بشير: أخرجه أحمد 4/ 270،وابن أبي حاتم 1/ 176 (505)،والحاكم 1/ 208. - ورقبة بن مصقلة العبدي: أخرجه النسائي 1/ 264 - وسفيان بن حسين: أخرجه ابن أبي حاتم في العلل 1/ 176 (505). - وأحمد بن يونس: أخرجه بن أبي حاتم 1/ 176 (505). كلهم عن أبي بشر (جعفر بن إياس)،عن حبيب بن سالم، عن النعمان بن بشير - ... مرفوعا ً- (¬1). ورواه أبو عوانة، عن أبي بشر فزاد فيه رجلاً: - بشير بن ثابت -، إذ رواه عنه: - مسدد بن مسرهد: أخرجه أبو داود (419)،والترمذي (165)،والبيهقي 1/ 448. عفان بن مسلم الصفار - ثقة ثبت - (¬2):أخرجه أحمد 4/ 274، النسائي 1/ 264، ¬

(¬1) انظر المسند الجامع 15/ 505 (11870). (¬2) التقريب (4625).

وفي الكبرى 1/ 471 (1510). عبد الرحمن بن مهدي - الحافظ -:أخرجه الترمذي (165). ومحمد بن أبي الشوارب: أخرجه الترمذي (165). ويحيى بن حماد بن أبي زياد: أخرجه الدارمي 1/ 298 (1211). وسريج بن مروان الجوهري: أخرجه أحمد 4/ 274. ومحمد بن الفضل عارم: أخرجه الحاكم 1/ 208. فمسدد لم ينفرد في زيادته، بل توبع، تابعه جماعة - كما مر -، وإنما العلة في كون أبي عوانة قد تفرد أم لا؟ والجواب: هو ما ذكره أبن أبي حاتم من كون أبي زرعة قد وفّق لما حكم لزيادة أبي عوانة على أقرانه بالقبول، لأنه توبع، ثم ذكر طريق شعبة. وأخرج طريق شعبة أحمد 4/ 272، وابن أبي حاتم 1/ 176 (505)، والترمذي (165) (¬1)، وقد علل الترمذي ترجيحه للزيادة للمتابعة نفسها. وقد رواه بن حبان 4/ 292 (1526) من طريق إبراهيم بن محمد بن المنتشر، عن حبيب بالزيادة فتابع أبا بشر - أصلاً - بالزيادة، ولعل هذا الاختلاف هو من أبي بشر إذ رواه على الوجهين، والله أعلم. ثانياً: لو سلمنا جدلاً أنه قبل الزيادة هنا، - وهو لا يصح -، فإنها ليست من قبيل الزيادة التي نناقشها، بل هي من المزيد في متصل الأسانيد لتحقق سماع أبي بشر من الرجلين (¬2). 2 - وفي حديث 2/ 12 (1508) يبين أن أبا زرعة لم يقبل الزيادة -بمفهوم المتأخرين-حيث رد زيادة محمد بن فضيل -وهو ثقة (¬3) -، قال عبد الرحمن:" سئل أبو زرعة عن حديث رواه ابن فضيل، عن الأعمش، عن أبي صالح وأبي سفيان، عن جابر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إذا أكل أحدكم فلا يمسح يده بالمنديل حتى يلعقها أو يلعقها فإنه لا يدري في أي طعام البركة قال أبو زرعة: الناس يقولون: عن أبي سفيان، عن جابر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فقط بلا أبي صالح". ¬

(¬1) انظر المسند الجامع 15/ 505 (11870). (¬2) انظر تهذيب الكمال 1/ 454 (915). (¬3) انظر هامش الصفحة الآتية.

أقول: دار الحديث على الأعمش رواه عنه: - جرير بن عبد الحميد الثقفي: أخرجه مسلم 3/ 1607 (2033). - وأبو معاوية: أخرجه أحمد 3/ 315، ومسلم 3/ 1607 (2033). - ويعلى بن عبيد: أخرجه أبو عوانة 5/ 169 (8277)،وأبو يعلى 4/ 190 (2283و2284). - وعيسى بن يونس: أخرجه أبو عوانة 5/ 169 (8278). كلهم، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن جابر به مرفوعاً (¬1). ورواه محمد بن فضيل، عن الأعمش فقال: عن الأعمش، عن أبي صالح وأبي سفيان، فزاد (أبا سفيان)، أخرجه مسلم 3/ 315 (2033) وأبو يعلى 4/ 121 (2165) من طرق عن محمد بن فضيل به (¬2). وأخرجه ابن ماجه (3279) من طريق علي بن المنذر (¬3)،عن ابن فضيل دونها (¬4). أقول: فلو قال أبو زرعة بالزيادة فلماذا لم يقبلها هنا؟ وأما عن تخريج الإمام مسلم لها فلعله أراد أن ينبه على خطأ ابن فضيل إذ أخرجها في الشواهد - والله أعلم -. 3 - وكذا حديث 2/ 36 (1588): " سئل أبو زرعة عن حديث رواه ابن عيينة، عن معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت:"كان أحب الشراب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحلو البارد"، وروى هشام بن يوسف وابن ثور، عن معمر، عن الزهري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"أطيب الشراب الحلو البارد"فقال أبو زرعة: المرسل أشبه ". أقول: دار الحديث على معمر بن راشد رواه عنه: (عبد الرزاق الصنعاني وعبد الله بن المبارك) مرسلاً، كما أخرجه أبو زرعة في العلل 2/ 36 (1588)، والترمذي ¬

(¬1) انظر المسند الجامع 4/ 201 (2667). (¬2) انظر المسند الجامع 4/ 201 (2667). (¬3) جاء في التقريب (صدوق يتشيع)، قلت: أما تشيعه، فقد أطلقها الإمام النسائي: وهي لا تؤثر على مروياته إلا فيما يوافقها، وقد نفى د. بشار عواد معروف كون له رواية في كتب الشيعة، وأما كونه صدوقاً: فقد وثقه أبو حاتم الرازي، والنسائي وللمزيد انظر ميزان الاعتدال 3/ 157، وتحرير التقريب 3/ 55. (¬4) المسند الجامع 4/ 201 (2667).

(1896) وقال: " هذا أصح من حديث ابن عيينة" (¬1). ورواه سفيان بن عيينة، عن معمر فوصله، أخرجه الحميدي 1/ 36 (257)، وأحمد 6/ 38 و 40،والترمذي (1895)، وفي الشمائل (204)، والنسائي في الكبرى 4/ 190 (6844)، وأبو يعلى 8/ 14 (4516)، والحاكم 4/ 153،والبغوي (3026) كلهم من طرق، عن سفيان به موصولاً (¬2) أقول: فلو كان أبو زرعة - وكذا الترمذي - يقول بالزيادة فلماذا ردها هنا؟ وقد صحح الشيخ الألباني هذه الزيادة (¬3)؟! 4 - وقد رد أبو زرعة أيضاً زيادة حفص بن غياث -وهو ثقة (¬4) - في حديث 1/ 63 (164): "سئل أبو زرعة عن حديث سهل بن عثمان العسكري، عن حفص بن غياث، عن الحجاج بن أرطاة، عن عطاء، عن حمران بن أبان أو أبان بن حمران، عن عثمان، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه توضأ ثلاثاً ثلاثاً إلا مسح رأسه مرة، قال أبو زرعة: روى هذا الحديث حماد بن زيد بن سلمة وهشيم وعباد بن عوام وابن أبي زائدة، عن حجاج، عن عطاء، عن عثمان مرسل ورواه يزيد بن أبي حبيب وأسامة بن زيد والليث وابن لهيعة، عن عطاء، عن عثمان مرسل ورواه ابن جريج، عن عطاء أنه بلغه، عن عثمان مرسل وهو الصحيح عندنا ". وللمزيد أنظر الأحاديث التي ردها أبو حاتم، وأبو زرعة أو أحدهما في الآتي: ((23و 24 و 35 و 48 و 50 و 51 و58 و 60 و 70 و 75 و 82 و 108 و 133 و 140 و 143 و 143 و 153 و 154 و 163 و 164 و 165 و 168 و 171 و 174 و 175 و186 و 191 و 195 و 200 و 212 و 213 و 215 و 226 و 233 و 238 و 249 و 259 و 261 و 262 و 263 و 264 و 265 و 280 و 291 و 293 و 296 و 298و 300 و 310 و314 و 318 و 327 و 329وو333 و 339 و 340 و 364 و 371 و 373 و 381 و 406 و 409 و 414 و 415 و 422 و 463 و 465 و 481 ¬

(¬1) انظر المسند الجامع 20/ 71 (16838). (¬2) مصدر سابق. (¬3) صحيح الترمذي (1545). (¬4) انظر التقريب (1430)، وانظر التحرير 1/ 306.

و 484 و 498 و 513 و 521 و 528 و 546 و 547 و 551 و 567 و 575 و 585 و 591 و 617 و 622 و 623 و 626 و 630 و 642 و 647 و 650 و 652 و 654 و 659 و 668 و 676 و 680 و 706 و 719 و 722 و 738 و 759 و 760 و 791 و 793 و 801 و 803 و 812 و 814 و 818 و 824 و 838 و 840 و 849 و 861 و 867 و 880 و 881 و 905 و 907 و 915 و 927 و 938 و 944 و 952 و 962 و 1003 و 1013 و 1018 و 1029 و 1035 و 1135 و 1147 و 1175 و 1180 و 1193 1039 و 1048 و 1062 و 1075 و1093 و 1116 و 1128 و 1130 وو 1199 و 1201 و 1211و 1216و 1222و 1224و 1243 و 1244و 1245 و 1250 و 1278 و 1279 و 1290 و 1294 و 1297 و 1307 و 1317 و 1322 و 1324 و 1326و 1328و 1330 و 1351 و 1374 و 1375 و 1382 و 1383 و 1990 و 1392 و 1393 و 1397 و 1398 و 1399و 1401 و 1413 و118 و 1422 و 1442 و 1463 و 1471 و 1495 و 1498 و 1499 و 1503 و 1508 و 1524 و 1525 و 1586 و 1588و 1595 و 1605 و 1608 و 1614 و 1616 و 1617 و 1630 و 1631و 1633 و 1635 و 1639 و 1656و 1681 و 1684 و 1685 و 1693 و 1722 و 1734 و 1749 و 1755 و 1776 و 1792 و 1797 و 1800 و 1806 و 1826 و 1842 و 1843 و1844 و 1857 و 1885 و 1895 و1913 و 1914 و 1927 و 1938 و 1989 و 1991 و 2002 و 2030 و 2030 و 2043 و 2045 و 2048 و59 20 و 2064 و 2070 و 2075 و 2080 و 2086 و 2089 و 2090 و2114 و2124 و 2131 و 2132 و 2136 و 2140 و 2141 و 2142 و 2144 و 2147 و 2150 و 2152 و 2154 و 2188 و 2194 و 2202 و 2204 و 2209 و 2217 و 2220 و 2224 و 2236 و2237 و 2243 و2253 و 2282 و 2285 و2298 و2314 و 2324 و 2372 و 2377 و 2413 و 2416 و2428 و 2482 و 2497 و 2506 و 2508 و2511 و 2513 و 2524 و2566 و 2567 و 2585 و 2590 و 2592 و 2626 و 2634 و 2638 و 2644 و 2650

المبحث الثالث: عند الإمام البخاري وتلميذه الترمذي

و2666 و 2675 و 2697 و 2713 و 2720 و 2728 و 2738و 2774 و 2775 و 2776 و 2794 و 2797و 2808 و 2819 و 2837 و 2839)). المبحث الثالث: عند الإمام البخاري وتلميذه الترمذي: الإمام الترمذي له كتاب في العلل أعقبه آخر الجامع، وله كتاب مفرد في العلل هو العلل الكبير، برزت شخصية الإمام الترمذي من خلالها وقد ناظر فيها شيوخه المبرزين في العلل كالإمام البخاري، وأبي زرعة وغيرهما، يقول الإمام الترمذي: " وما كان فيه من ذكر العلل في الأحاديث والرجال والتأريخ فهو ما استخرجته من كتاب التأريخ، وأكثر ما ناظرت فيه محمد بن إسماعيل ومنه ما ناظرت فيه عبد الله بن عبد الرحمن، وأبا زرعة وأكثر ذلك عن محمد وأقل شيء فيه عن عبد الله وأبي زرعة. ولم أر أحداً بالعراق، ولا بخراسان في معنى العلل والتأريخ ومعرفة الأسانيد كثير أحد أعلم من محمد بن إسماعيل " (¬1). وقد برع الإمام الترمذي في كتابه العلل -الكبير- في نقل سؤالاته للإمام البخاري ومناقشتها. والذي يهمنا هنا هو مذهب الإمام الترمذي -كناقد في العلل- وليس كمحدث راوية، وإن كان كتابه السنن مليء بالأمثلة، ولكنه في كتابه العلل تخصص أكثر ونقل كلام شيخه البخاري فإنك بالكاد تجد حديثاً لم يسأل به شيخه فيبين علته وموطن النقد. وبعد استقراء لأحاديث العلل الكبير وجدت الإمام الترمذي في العادة ينقل كلام الإمام البخاري - شيخه - ويسكت عنه، وهذا يعني موافقته لمقالته وإلاّ لخالفه فيها، أو ناقشه. ومن خلال الأحاديث تبين لي أنه يقبل الزيادة كما قبلها في الجامع على منهج المتقدمين، أمّا على منهج المتأخرين لمعنى الزيادة فلم يقبلها، بل كم أعلّ من أحاديث علتها أنّها تفرد بها ثقة عن بقية الثقات. وسأذكر بعض الأمثلة من كتاب العلل الكبير:- 1 - حديث (38) ص42:-حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا معاذ بن هشام قال: حدثني أبي عن قتادة عن أبي حرب بن أبي الأسود عن أبيه عن علي بن أبي طالب أن ¬

(¬1) العلل آخر الجامع 5/ 50 - 51.

نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"في بول الغلام الرضيع ينضح بول الغلام ويغسل بول الجارية "،قال قتادة: وهذا إذا لم يطعما، سألت محمداً عن هذا الحديث فقال شعبة: لا يرفعه وهشام الدستوائي حافظ ورواه يحيى القطان، عن ابن أبي عروبة، عن قتادة فلم يرفعه ". الإمام البخاري رد زيادة هشام الدستوائي لما زاد على (شعبة، وابن أبي عروبة) وكأن البخاري (¬1) هنا بين منهجية المتقدمين إذ قال:- " شعبة لا يرفعه، وهشام - يرفعه - حافظ " يعني أصبح من المختلف ثقة يرفعه وثقة لا يرفعه، فجاء البخاري بطريق جديد وهو متابع للطريق الموقوف معاضداً لرواية شعبة وهو حديث ابن أبي عروبة وهو ثقة أيضاً فأصبح الوصل معلولاً لما خالف واحد ثقة، ثقتين. 2 - قال الترمذي في حديث (158) ص95:- حدثنا يحيى بن موسى قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن جابر بن عبد الله: " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقام بتبوك عشرين ليلة يقصر الصلاة " سألت محمداً عن هذا الحديث فقال يروى عن ابن ثوبان عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلاً ". أقول: الإمام البخاري أعلَّ زيادة معمر بن راشد لما تفرد في وصل هذا الحديث ورواه الناس مرسلاً. قال أبو داود (1235):"غير معمر لا يُسنده"،وقال البيهقي في السنن 3/ 152: " تفرد معمر بروايته مسنداً، ورواه علي بن المبارك وغيره عن يحيى عن ابن ثوبان عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلاً ". 3 - وقال في حديث (259) ص151: حدثنا هناد قال: حدثنا ابن المبارك عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال: حدثني بسر بن عبيد الله عن أبي إدريس الخولاني عن واثلة بن الأسقع عن أبي مرثد الغنوي قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها "سألت محمداً عن هذا الحديث فقال: حديث الوليد بن مسلم أصح وهكذا روى غير واحد عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن بسر بن عبيد الله عن واثلة بن الأسقع. قال محمد: وبسر بن عبيد الله ¬

(¬1) ولقائل أن يقول: هذا كلام الترمذي ولا بأس به فالكلام يتحمل.

المبحث الرابع: عند الإمام مسلم

سمع من واثلة وحديث ابن المبارك خطأ إذ زاد فيه عن أبي إدريس الخولاني ". أقول: رد زيادة الأحفظ ورجح رواية الأخف ضبطاً لما توبع (¬1). وللمزيد انظر أرقام الأحاديث في العلل:"9و38 و69و72و82و90 و95و98و99و104 و117و129و144و158و203و221و238و248و259و275و283و286و290و292وو312و319و395و408و413و454و455و471و473و513و577و579و629و642و 680 و682 و685 و690 ". المبحث الرابع: عند الإمام مسلم: الإمام مسلم من الأئمة المبرزين في النقد، ومعرفة العلل، وتبرز شخصيته النقدية بشكل كبير في كتابه العظيم " التمييز"،إذ قد ضمنه أبواباً وتقسيمات دلّت على فطنته، ويقظته في معرفة مظان العلة، ووسيلة الكشف عنها. وليس ذلك عجباً فهو الإمام الجليل، صاحب أصح كتاب بعد صحيح الإمام البخاري. ولم تخف شخصيته النقدية في جامعه الصحيح بل ضمنَّه عللاً في مواضع عديدة ونبه على ذلك في مقدمته (¬2). وفيما يخص موضوع زيادة الثقة فإنه وضع أول باب في التمييز يتعلق بحيثية مهمة في الزيادة، وهي التفرد والمخالفة فقال:"السمة التي تعرف بها خطأ المخطئ في الحديث وصواب غيره إذا أصاب". ثم ذكر لنا وجهتين: إحداهما أن ينقل الناقل حديثاً بإسناد فينسب رجلاً مشهوراً ينسب في إسناد خبره خلاف نسبته التي هي نسبته .... إلى أنْ قال: " والجهة الأخرى: أن يروي نفر من حفاظ الناس حديثاً عن مثل الزهري أو غيره من الأئمة بإسناد واحد ومتن واحد مجتمعون على روايته في الإسناد والمتن لا يختلفون فيه في معنى، فيرويه آخر سواهم عمّن حدّث عنه النفر الذين وصفناهم بعينه، فيخالفهم في الإسناد أو يقلب المتن فيجعله بخلاف ما حكى مَنْ وصفنا من الحفاظ فيعلم حينئذٍ أن الصحيح من الروايتين ما ¬

(¬1) وكذا خطأ أبو حاتم ابن المبارك في زيادته، انظر العلل 1/ 80 (213). (¬2) انظر ص370 فما بعد من هذا البحث.

حدّث الجماعة من الحفاظ دون الواحد المنفرد وإن كان حافظاً، على هذا المذهب رأينا أهل العلم بالحديث يحكمون في الحديث مثل شعبة وسفيان بن عيينة ويحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي وغيرهم من أئمة أهل العلم، وسنذكر من مذاهبهم وأقوالهم في حفظ الحفاظ وخطأ المحدثين في الروايات ما يستدل به على تحقيق ما فسرت لك " (¬1). وهذا هو مذهب المتقدمين كما قال الإمام مسلم فهم يقضون برواية الجماعة على الواحد وعندهم: العدد الكثير أولى بالحفظ من الواحد، إذ في العدد الكثير تقل احتمالية نسبة الخطأ إليهم، بخلاف الواحد وإنْ كان حافظاً فاحتمالية الخطأ والوهم واردة منه. ولعل أحدهم يورد شبهة وهي: إنّ كلام الإمام مسلم هنا لا يعني الزيادة التي معناها تفرد راوٍ واحد عن الجماعة - إذا كانوا ثقات - في نفس الشيخ بزيادة في السند أو المتن. فأقول: قد يشمل النص السابق للإمام مفهوم كل مخالفة ولكنّ الزيادة تدخل في معنى كلامه جزماً، إذ قد انطبق ذلك في أمثلة، وعَدَ الإمام مسلم بإيرادها في تتمة النص: " وسنذكر من مذاهبهم وأقوالهم ... ". ثم أورد تلكم الأمثلة فمنها:- 1 - في ص202 (79) رد زيادة أبي قيس عبد الرحمن بن ثروان وهو صدوق، في حديث المسح على النعلين فبوّب:"ذكر خبر ليس بمحفوظ المتن "،ثم مثل له فقال:"حدثنا يحيى بن يحيى قال: حدثنا وكيع عن سفيان عن أبي قيس عن هزيل بن شرحبيل عن المغيرة بن شعبة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ ومسح على الجوربين والنعلين ". 2 - وردّ زيادة عبد العزيز بن أبي رواد ص211 (92)، تحت عنوان باب: "ذكر رواية فاسدة بين خطؤها بخلاف الجماعة من الحفاظ". فمثل له فقال:"حدثني القاسم بن زكريا بن دينار قال: حدثنا حسين بن علي عن زائدة عن عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر كان الناس يخرجون صدقة الفطر في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - صاع شعير أو تمر أو سلت أو زبيب فلما كان عمر وكثرت الحنطة جعل عمر نصف صاع حنطة مكان صاع من تلك الأشياء وسنذكر إن شاء الله من رواية أصحاب نافع بخلاف ما روى عبد العزيز". ¬

(¬1) التمييز ص170 - 172 بتصرف.

أقول: قوله:"ذكر رواية فاسدة بيّن خطؤها بخلاف الجماعة من الحفاظ "أسأل هنا: ما هو الخلاف في هذه الرواية؟ عبد العزيز زاد على بقية الرواة زيادة متن " ألفاظاً " قصر عنها بقية الرواة، فسمّاها الإمام مسلم مخالفة!؟ أمّا عند المتأخرين فلا يسمونها مخالفة؟! بل يسمونها زيادة ثقة (¬1)؟! 3 - وردَّ زيادة الإمام مالك - على جلالة قدره وحفظه - في حديث ص220 (105)، بوبه فقال:" ذكر حديث وهم مالك بن أنس في إسناده ". -ثم قال-: " حدثنا قتيبة، قال: حدثنا مالك، عن هشام، عن أبيه أنه سمع عبد الله بن عامر بن ربيعة يقول:" صلينا وراء عمر بن الخطاب الصبح فقرأ سورة يوسف وسورة الحج قراءة بطيئة، فقلت: إذن والله كان يقوم حين يطلع الفجر، قال: أجل"، فخالف أصحاب هشام هلمَّ جرا مالكاً في هذا الإسناد، في هذا الحديث. (106) أبو أسامة عن هشام قال: أخبرني عبد الله بن عامر بن ربيعة قال:"صليت خلف عمر فقرأ سورة الحج وسورة يوسف قراءة بطيئة"،وكيع عن هشام أخبرني عبد الله بن عامر، وحاتم عن هشام عن عبد الله بن عامر قال:"صلى بنا عمر "، فهؤلاء عدة من أصحاب هشام كلهم قد أجمعوا في هذا الإسناد على خلاف مالك، والصواب ما قالوا دون ما قال مالك يتلوه مالك بإسناده ". أقول: زاد الإمام مالك بن أنس: كلمة " الصبح "، فانفرد بها عن بقية الرواة فصوب الإمام مسلم رواية الجماعة ووهمه. فلو كان الإمام مسلم يقول بالزيادة فلماذا ردها من الإمام مالك ومن أبي رواد؟! أقول: وأورد الإمام مسلم أمثلة على قبول الزيادة - على منهج المتقدمين - فقد أطلق قبول الزيادة في الأخبار، وأراد أن ينفرد حديث عن حديث، أي أنه إذا كان ثمة حديث، محفوظ، معروف بسند ما وبمتن معروف، ثم جاء نفس الحديث بسند آخر فلا يقبل الحديث هذا إلاّ إذا كان من الذين: " لم يعثر عليهم الوهم في حفظهم "، ومثّل لذلك الإمام مسلم بحديث: طاووس عن ابن عباس، وسعيد بن جبير عن ابن عباس: ص - 188 - 189 (58) فقال: " ومن الأخبار المنقولة على الوهم في الإسناد والمتن جميعاً: حدثنا أبو بكر قال: حدثنا أبو خالد عن أيمن عن أبي الزبير عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول: " بسم الله وبالله والتحيات لله "، قال أبو الحسين: هذه الرواية من ¬

(¬1) وللمزيد انظر ص64 من البحث هذا.

التشهد والتشهد غير ثابت الإسناد والمتن جميعاً، والثابت ما رواه الليث وعبد الرحمن بن حميد فتابع فيه في بعضه فيما (59): حدثنا قتيبة قال: حدثنا الليث وحدثنا أبو بكر قال: حدثنا يحيى بن آدم قال: حدثنا عبد الرحمن بن حميد قال: حدثني أبو الزبير عن طاووس عن ابن عباس قال:"كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن "سمعتُ مسلماً يقول: فقد اتفق الليث وعبد الرحمن بن حميد الرؤاسي، عن أبي الزبير عن طاووس، وروى الليث فقال: عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، وكل واحد من هذين عند أهل الحديث أثبت في الرواية من أيمن، ولم يذكر الليث في روايته حين وصف التشهد :"بسم الله وبالله "،فلما بان الوهم في حفظ أيمن لإسناد الحديث بخلاف الليث وعبد الرحمن إياه، دخل الوهم أيضاً في زيادته في المتن، فلا يثبت ما زاد فيه. وقد روي التشهد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أوجه عدة صحاح فلم يذكر في شيء منه بما روى أيمن في روايته قوله بسم الله وبالله، ولا ما زاد في آخره من قوله:" أسأل الله الجنة وأعوذ بالله من النار "والزيادة في الأخبار لا تلزم إلا عن الحفاظ الذين لم يعثر عليهم الوهم في حفظهم ". وتأمل في هذا النص ص198 - 200:- " وقد ذكرنا رواية الكوفيين حديث ابن عمر في سؤال جبريل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الإيمان والإسلام وقد أوهموا جميعاً في إسناده، إذ انتهوا بالحديث إلى ابن عمر، حكى ذلك من حضور رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين سأله جبريل عليه السلام، وإنما روى ابن عمر عن عمر بن الخطاب أنه هو الذي حضر ذلك دون أن يحضره ابن عمر، ولو كان ابن عمر عاين ذلك وشاهده لم يجز أن يحكيه عن عمر، وسنذكر إن شاء الله رواية من أسند هذا الحديث إلى ابن عمر يرويه عن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وسؤال جبريل عليه السلام إياه ثم نذكر مواضع العلل في متنه ونبينها إن شاء الله، وذكر حديث كهمس ومطر الوراق وعثمان بن غياث وسليمان التيمي عن يحيى عن ابن عمر عن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فهذه رواية البصريين لهذا الحديث، وهم في روايته أثبت وله أحفظ من أهل الكوفة، إذ هم الزائدون في الإسناد: عمر بن الخطاب ولم يحفظ الكوفيون فيه عمر، والحديث للزائد والحافظ لأنه في معنى الشاهد الذي قد حفظ في شهادته ما لم يحفظ صاحبه، والحفظ غالب على النسيان وقاض عليه لا محالة. فأما رواية أبي سنان عن علقمة في متن هذا الحديث إذ قال فيه: إن جبريل عليه السلام حيث قال:"جئت أسألك عن شرائع الإسلام"فهذه زيادة مختلفة، ليست من الحروف بسبيل، وإنما أدخل هذا

المبحث الخامس: عند الإمام الدارقطني

الحرف في رواية هذا الحديث شرذمة، زيادة في الحرف مثل: ضرب النعمان بن ثابت وسعيد بن سنان ومن يجاري الإرجاء نحوهما، وإنما أرادوا بذلك تصويباً في قوله: في الإيمان وتعقيد الإرجاء ذلك ما لم يزد قولهم إلا وهناً، وعن الحق إلا بعداً، إذ زادوا في رواية الأخبار ما كُفىَ بأهل العلم، والدليل على ما قلنا من إدخالهم الزيادة في هذا الخبر: أن عطاء بن السائب، وسفيان روياه عن علقمة فقالا: قال:" يا رسول الله، ما الإسلام؟ "وعلى ذلك رواية الناس بعد، مثل سليمان ومطر، وكهمس، ومحارب، وعثمان، وحسين بن حسن، وغيرهم من الحفاظ، كلهم يحكي في روايته أن جبريل عليه السلام قال:"يا محمد ما الإسلام؟ "ولم يقل: ما شرائع الإسلام؟ كما روت المرجئة ". فاستفيد منه: 1 - أطلق الإمام مسلم قبول الزيادة على حديث زاده جماعة على جماعة، فالذين رووا الزيادة: " كهمس ومطر الوراق وعثمان بن غياث وسليمان التيمي عن يحيى بن يعمر ". 2 - أو كان من المزيد في متصل الأسانيد، لتحقق سماع ابن عمر من النبي، واحتمالية حضوره الحادثة. 3 - علل خطأ الراوي، الذي زاد كون بقية الرواة أوردوه دونها إذ قال:" والدليل على ما قلنا من إدخالهم الزيادة في هذا الخبر: أن عطاء بن السائب، وسفيان روياه عن علقمة فقالا: قال يا رسول الله ما الإسلام، وعلى ذلك رواية الناس بعد ". وهكذا نخلص أن الإمام مسلماً في " التمييز " يعلّ زيادة الثقة إذا ما انفرد بها ثقة عن جماعة الثقات فيزيدها عليهم؟!. المبحث الخامس: عند الإمام الدارقطني: من المعلوم أن الإمام الدارقطني من علماء القرن الرابع الهجري ت (385) هـ إلاّ أنّه يحمل منهجية المتقدمين في النقد والتعليل، بل هو رأس في علم العلل، ويعد من أفذاذ هذا الفن، ولشدة حفظه وضبطه ومعرفته فاق أقرانه وكثيراً ممن سبقه، وتقرأ دوماً اسمه مقروناً بأسماء جبال العلل كابن المديني، وابن معين، وأحمد، وأبي حاتم، والبخاري، ومسلم .. وهكذا. ومن يقرأ كتابه العظيم: " العلل الواردة في الأحاديث النبوية "، أو كتابه النافع الماتع:

" الإلزامات والتتبع " يعرف مقدار علميته وحافظته، وقد استهواني الإمام الدارقطني كثيراً في بحثي هذا، فلا يكاد ينفك من لساني وقلمي يوماً من الأيام، بل مرت لحظات لم أشعر إلاّ وأنا أقبل كتابه العلل، أو التتبع إعجاباً وإكباراً له؟ ‍‍فهو بحق أمير المؤمنين في العلل (¬1)،ولم يأت بعده أحدٌ بمثل علميته وبمثل مقدرته على نقد المتون والأسانيد. وقد سلك الإمام الدارقطني جادة المتقدمين في قبول الزيادة وفي ردها، ولا يعني ذلك أنه التقليد المذموم، بل هو الاتباع القائم على أسس النقد وعلى سبر الروايات والطرق. وفيما يتعلق بموضوعنا - زيادة الثقة - وجدت أن الدارقطني قد صرح بقبولها في علله في أكثر من موضع فقال: " زيادة الثقة مقبولة "، وكانت تلك الأحاديث هي من المختلف أي زيادة الواحد على الواحد، أو الجماعة على الجماعة وسنذكرها: 1 - حديث1/ 166 (4):"وسئل عن حديث عمر عن أبي بكر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -:"سلوا الله العفو والعافية "الحديث، فقال: رواه حميد بن عبد الرحمن الحميري البصري، واختلف عنه فرواه قتادة عن حميد بن عبد الرحمن عن عمر عن أبي بكر، حدث به سليم بن حيان عن قتادة كذلك، واختلف عن سليم فقيل عنه عن قتادة عن حميد الحميري عن ابن عباس عن عمر عن أبي بكر، حدثنا بذلك محمد بن مخلد قال: حدثنا حاتم بن الليث، قال: حدثنا بحر بن سُويد الحنفي، قال: حدثنا الأصمعي، قال: حدثنا سليم بن حيان، ورواه أبو التياح فخالف قتادة، فرواه عن حميد بن عبد الرحمن الحميري عن أبي بكر، ولم يذكر عمر ولا ابن عباس، وقول سليم بن حيان فيه أصح لأنه ثقة، وزاد فيه عمر وزيادته مقبولة". قلت: قبل زيادة الثقة لما كانت من واحد أمام واحد (¬2). 2 - وفي 2/ 74 (120): " وسئل عن حديث أبي الصديق الناجي عن ابن عمر عن عمر أنه سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عما يذيل النساء من الثياب، فقال: " شبراً " .. الحديث؟ فقال: هو الحديث رواه مسعود بن سعد الجُعفي عن مطرف عن زيد العمي عن أبي الصديق الناجي ¬

(¬1) هذا بالنسبة لمن خلفه، وليس لمن سبقه: فأين هو من الزهري، ومالك، وابن مهدي والسفيانين، وأبي حاتم، وأبي زرعة، وأحمد، والبخاري ومسلم، وغيرهم. (¬2) وانظر العلل 2/ 182 (205) كمثال على قبوله جماعة أمام جماعة.

عن ابن عمر عن عمر، وتابعه سابق الرقي عن مطرف وخالفهما شريك القاضي فرواه عن مطرف، وأسنده عن ابن عمر، ولم يذكر عمر وتابعه سفيان الثوري، فرواه عن زيد العمي عن أبي الصديق الناجي عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -،ولم يذكر فيه عمر، وكذلك روي عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس ابن أبي حازم عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -،ومطرف من الأثبات، وقد اتفق عنه رجلان ثقتان فأسنده عن عمر ولولا أن الثوري خالفه فرواه عن زيد العمي فلم يذكر فيه عمر لكان القول قول من أسند عن عمر لأنه زاد وزيادة الثقة مقبولة والله أعلم". أقول: أطلق الدارقطني مصطلح"زيادة الثقة مقبولة"على المزيد في متصل الأسانيد إذ رواه مطرف عن زيد العمي ورواه عن مطرف (مسعود بن سعد الجعفي وسابق الرقي) فروياه بزيادة (عمر)، ورواه شريك عن مطرف دون الزيادة ورواه سفيان الثوري عن زيد العمي دون الزيادة أيضاً " (¬1). ويفهم من قول الدارقطني:"ولولا أن الثوري خالفه فرواه عن زيد العمي فلم يذكر فيه عمر لكان القول قول من أسند عن عمر لأنه زاد "وزيادة الثقة مقبولة "والله أعلم "، أن الإمام الدارقطني عد المزيد في متصل الأسانيد زيادة ثقة. إذ أنّ (مسعود وسابق) كلاهما لم يأتيا بالزيادة ومع ذلك فإن سماع ابن عمر للحديث ممكن جداً، بل واقع، فكان يحدث به على الوجهين مرة يذكر عمر ومرة دونها. ثم تعليق قبول زيادة الثقة بعدم مخالفة الثوري يبين لنا منهجية الدارقطني ومن ثم منهجية المتقدمين من قبله فهم يعلّون مثل هذه الأحاديث في الأغلب، ويقبلونها في أحيان أخرى، وأظن أن سبب رد الدارقطني للحديث " الزيادة " هو أنّ الثوري أورده دونها والكل يعلم من الثوري! وعلى أية حال فإن الدارقطني أطلق زيادة الثقة على المزيد في متصل الأسانيد وهذا واضح هنا. 3 - وفي 6/ 280 (1137): " وسئل عن حديث أبي الأسود الدئلي عن أبي ذر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "عُرضت عليَّ أعمال أمتي فرأيت في حسنها الأذى ينحى عن الطريق، ورأيت في مساويها النخاعة في المسجد لا تدفن "،فقال: يرويه واصل مولى أبي ¬

(¬1) أخرج طريق شريك الإمام أحمد 2/ 90،وأخرجه 2/ 18 وأبو داود (4119)، وابن ماجه (3581) من طرق عن سفيان الثوري وانظر المسند الجامع 10/ 576 (7915).

عيينة، واختلف عنه، فرواه مهدي بن ميمون عن واصل عن يحيى بن عقيل عن يحيى بن يعمر عن أبي الأسود الدئلي عن أبي ذر، وخالفه هشام بن حسان وحماد بن زيد فروياه عن واصل عن يحيى بن عقيل عن يحيى بن يعمر عن أبي ذر لم يذكرا فيه أبا الأسود، وقول مهدي بن ميمون أصح، لأنه زاد عليهما وهو ثقة حافظ ". أقول: اختلف في هذا الحديث على واصل مولى أبي عيينة، إذ رواه: -هشام بن حسان القردوسي (¬1): أخرجه أحمد 5/ 178،وابن ماجه (3683)، والدارقطني في العلل 6/ 280 (1137)، -وحماد بن زيد: أخرجه البزار 9/ 352 (3916)،والدارقطني في العلل 6/ 280 (1137)،. كلاهما عن واصل عن يحيى بن عقيل عن يحيى بن يعمر عن أبي ذر (دون ذكر أبي الأسود) (¬2). ورواه مهدي بن ميمون - وهو ثقة حافظ كما قال الدارقطني - عنه فزاد على بقية الرواة رجلاً في السند:" أبا الأسود"، أخرجه الطيالسي ص65 (483)، وأحمد 5/ 180،والبخاري في الأدب المفرد ص90 (230)،ومسلم في الصحيح 1/ 390 (553)،وأبو عوانة في مسنده 1/ 338 (1211)،وابن خزيمة 2/ 276 (1308)،والدارقطني في العلل 6/ 280 (1137)،والبيهقي 2/ 291 من طرق عن مهدي بن ميمون عن واصل عن يحيى بن يعمر عن أبي الأسود عن أبي ذر - رضي الله عنه - به (¬3). أقول: ورواه ميمون مرة دون الزيادة أخرجه أحمد 5/ 178 وكان يقول فيها: " كان واصل ربما ذكر أبا الأسود الديلي ". وقد يتصور البعض أن الدارقطني قبل الزيادة في هذا الموضع فأقول هذا ليس من قبيل زيادة الثقة، بل هو من المزيد في متصل الأسانيد -وهذا النوع من الزيادة مقبول عند ¬

(¬1) التقريب (7289)،وقال ابن حجر هناك:"قيل كان يرسل عن الحسن وعطاء "،هكذا بصيغة التمريض، ولم يرو عنهما في هذا الحديث. (¬2) انظر المسند الجامع 16/ 101 (12259). (¬3) مصدر سابق.

أئمة الحديث من المتقدمين والمتأخرين كما بيناه - إذ رواه هشام بن حسان، وحماد بن زيد عن واصل بن يحيى عن يحيى بن يعمر عن أبي ذر - رضي الله عنه - متصلاً مرفوعاً، وسماع يحيى بن يعمر البصري من أبي ذر - رضي الله عنه - ثابت. ورواه مهدي بن ميمون الأزدي -وهو ثقة - (¬1)، عن واصل فزاد في إسناده أبا الأسود. وكما هو واضح فإن واصل كان يحدث به على الوجهين، فلعل الإمامين مسلم والدارقطني رجحا رواية ابن ميمون التي فيها زيادة لأن يحيى- وإن كان سمع من أبي ذر- إلاّ أنه متهمٌ بالإرسال (¬2)،فأرادا الاطمئنان على صحة الحديث، والذي يؤيد هذا أنّ مهدي بن ميمون كان يرويه مرة بالزيادة وأخرى دونها. وفي 3/ 28 (263):وسئل عن حديث عطاء بن أبي رباح عن حمران عن عثمان عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في صفة الوضوء فقال: اختلف فيه فرواه حفص بن غياث عن الحجاج بن أرطاة عن عطاء عن حمران عن عثمان، وخالفه حماد بن زيد ويحيى بن أبي زايدة وغيرهما، فرووه عن الحجاج عن عطاء عن عثمان مرسلاً، وكذلك رواه يزيد بن أبي حبيب وأسامة بن زيد والأوزاعي عن عطاء عن عثمان مرسلاً، فإن كان حفظ حفص بن غياث هذا عن الحجاج فقد زاد فيه حمران وهذه زيادة حسنة، وحفص من الثقات، قلت - البرقاني -:ممن سمعت حديث حفص بن غياث فإني لم أره إلا من حديث أبي عمر القاضي عن محمد بن إسحاق الصغاني عن معلى بن منصور عن حفص قال: حدثناه جماعة ولم يثبت على أحد". قلت: أخرج المرسل أحمد من طريق حماد بن زيد 1/ 66 و 72، وابن ماجه من طريق عباد بن العوام عن الحجاج 1/ 150 (435)، وابن أبي شيبة في مصنفه من طريق أبي معاوية عن الحجاج 1/ 9،وأما المتصل فلم أقف على من ذكره خلا الدارقطني هنا. ويجاب عن هذا بما يأتي: أولاً: إنه علقه باشتراط أن يكون حفص بن غياث قد حفظه عن الحجاج، ولو كان يقول بقبول الزيادة لقبلها منه لأنه ثقة.؟ ¬

(¬1) التقريب (6932). (¬2) انظر التقريب (7678)، وقد رد صاحبا التحرير 4/ 105 تلك التهمة.

ثانياً: إن كانت هذه الزيادة حسنة فلماذا لم يخرجها أحد من أصحاب دواوين الإسلام حتى الإمام أحمد في مسنده بل لم نقف عليها عند أحد من أهل العلم، وهذا معناه إنها غير محفوظة، إذ لو كانت محفوظة لذكرت في الكتب التي تجمع الأحاديث: صحيحها وضعيفها. ثالثاً: إن البرقاني قد أعله بسند ذكر أنه لا يعرف إلا به وهو من رواية أبي عمر القاضي عن محمد الصغاني عن معلى بن منصور عنه به. وهكذا فلم أقف على مثال واحد يقبل فيه الإمام الدارقطني زيادة الثقة - بمفهوم المتأخرين - خلا هذه الأحاديث التي ناقشناها وبيّنا أنه لم يقبل فيها الزيادة بمفهوم المتأخرين. ولو افترضنا أنَّ أحد الباحثين وقف على مثال أو مثالين يقبل فيهما الزيادة فإنه بالتأكيد لم يقبلهما على قاعدة قبول الزيادة من الثقة، بل لقرائن وقرت في نفسه إذ كتابه العلل مليء بالأحاديث المعلولة بتفرد الثقة عن الثقات، ومن يتتبع كتابه "التتبع"على الشيخين يجده في مواضع كثيرة يعلّ المتصل بالمرسل والموصول بالموقوف، ويحاكم الشيخين على هذا الأساس، وكذلك فعل في كتابه العظيم "العلل"،وسأذكر بعض الأمثلة التي تبين ذلك:- 1 - حديث 2/ 159 (187):"وسئل عن حديث سعيد بن المسيب عن عمر:" في تكبيرات الجنازة، قال: كل ذلك قد كان أربع وخمس فأمر الناس بأربع "،فقال: رواه شعبة عن عمرو بن مرة عن سعيد حدث به النضر بن محمد عنه، ولفظه: قال عمر:"كبرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعاً وخمساً فأمر عمر بأربع يعني، تكبير العيد والجنائز"،تفرد بهذا اللفظ النضر بن محمد عن شعبة وبقوله يعني العيدين والجنائز، وذِكْرُ العيدين وهمٌ فيه، ورواه غندر وأبو النضر ويحيى القطان وعلي بن الجعد عن شعبة بهذا الإسناد ولفظه ما ذكرناه أولاً ولم يذكروا تكبير العيد وهو الصواب". فهنا رواه "غندر، وأبو النضر، ويحيى القطان (¬1)،وعلي بن الجعد (¬2) ". كلهم عن شعبة بالإسناد نفسه وبلفظ متقارب. ¬

(¬1) أخرجه ابن الجارود في المنتقى ص187 (532). (¬2) أخرجه البيهقي 4/ 37، والطحاوي في شرح المعاني 1/ 495.

ورواه النضر بن محمد الجرشي - وهو ثقة (¬1) - عن شعبة فزاد فيه " العيدين " أخرجه الدارقطني في العلل 2/ 160 (187)، فلو كان الدارقطني يقول بالزيادة لماذا لم يقبلها هنا؟ 2 - وفي حديث 3/ 60 (285)." وسئل عن حديث أبي أمامة بن سهل بن حنيف وعبد الله بن عامر بن ربيعة عن عثمان عن النبي - صلى الله عليه وسلم -:"لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث "، الحديث؟ فقال: يرويه حماد بن زيد واختلف عنه فرواه محمد بن عيسى الطباع أبو جعفر عن حماد عن يحيى بن سعيد عن أبي أمامة بن سهل وعبد الله بن عامر بن ربيعة عن عثمان عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وغيره يرويه عن حماد عن يحيى عن أبي أمامة بن سهل وحده عن عثمان. وحديث عبد الله ابن عامر بن ربيعة هو حديث آخر موقوف على عثمان، وَهمَ محمد بن عيسى في الجمع بينه وبين أبي أمامة في هذا الحديث". أقول: دار الحديث على حماد بن زيد رواه عنه: - سليمان بن حرب: أخرجه أحمد 1/ 70، وأبو داود (4502)،وابن الجارود في المنتقى ص213 (836)،والحاكم 4/ 390 وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. - وأحمد بن عبدة الضبي: أخرجه الترمذي (2158) وقال: حسن، وابن ماجه (2533). - وأبو داود الطيالسي: أخرجه الطيالسي ص13 (72)،والبيهقي 8/ 18. -وعفان بن مسلم البصري: أخرجه أحمد 1/ 65. - وعبيد الله القواريري: أخرجه عبد الله بن أحمد في زياداته على المسند 1/ 62. - ومحمد بن عبد الملك القرشي: أخرجه البزار 2/ 25 (381). - ومحمد بن الفضل السدوسي، عارم، أبو النعمان: أخرجه الدارمي 2/ 225 (2297). كلهم عن حماد بن زيد عن يحيى عن أبي إمامة بن سهل عن عثمان عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بسند واحد (¬2). ¬

(¬1) التقريب (7148) وقال: " وله أفراد". قلت: فلعل قدحه بسبب هذا الحديث وإخراجه. (¬2) انظر المسند الجامع 12/ 463 (9708).

ورواه محمد بن عيسى الطباع - وهو ثقة فقيه (¬1) - فزاد في إسناده عن حماد عن يحيى عن أبي إمامة وعبد الله بن عامر عن عثمان عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فزاد: " عبيد الله بن عامر بن ربيعة ". أخرجه النسائي 7/ 91 - 92، وفي الكبرى 2/ 292 (3482)، والبزار 2/ 25 (381) (¬2). وقد أعله الدارقطني، وقال: " وهم محمد بن عيسى في الجمع بينه وبين أبي إمامة في هذا الحديث ". فلو كان يقول بالقبول فلماذا لم يقبلها؟! وقد أعلّه أيضاً العلامة أبو حاتم وغلط ابن الطباع فيها، العلل 1/ 449 (1351). 3 - 3/ 161 (327): " وسئل عن حديث الحارث عن علي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -:" في النهي عن التختم بالذهب ولبس القسي والمعصفر والقراءة في الركوع والسجود والفتح على الإمام "،فقال: هو حديث يرويه أبو إسحاق واختلف عنه، فرواه إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الله بن مرة عن الحارث عن علي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ورواه الثوري وورقاء وزهير وشريك عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي من قوله والموقوف أصح ". أقول: دار الحديث على أبي إسحاق السبيعي رواه عنه: - سفيان الثوري ... : أخرجه عبد الرزاق 2/ 144 (2835). - وحجاج بن المنهال ... : أخرجه أحمد 1/ 82. - وورقاء بن عمر اليشكري وزهير بن معاوية بن حديج ... أخرجه الدارقطني في العلل 3/ 161 (327). وشريك القاضي كلهم رووه عن أبي إسحاق بسنده موقوفاً من قول علي - رضي الله عنه - (¬3). ورواه إسرائيل بن يونس عن أبي إسحاق فرفعه: أخرجه أحمد 1/ 146،وعبد بن حميد (67)، والطحاوي في شرح المعاني 4/ 260. كلهم عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬4)، دون ذكر (عبد الله بن مرة) ولم أقف على من رواه ¬

(¬1) التقريب (6210). (¬2) انظر المسند الجامع 12/ 463 (9708). (¬3) انظر المسند الجامع 13/ 194 (10043). (¬4) مصدر سابق.

بهذه الزيادة. وعلى أية حال فالدارقطني أعلَّ زيادة الرفع من إسرائيل وقدم الموقوف عليه وإسرائيل من أوثق من روى عن جده أبي إسحاق السبيعي. 4 - حديث 3/ 195 (356):"وسئل عن حديث خلاس بن عمرو عن علي:" أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن تحلق المرأة رأسها ".؟ فقال: رواه همام بن يحيى عن قتادة عن خلاس عن علي وخالفه هشام الدستوائي، وحماد بن سلمة فرواه عن قتادة مرسلاً عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، والمرسل أصح ". أقول: دار الحديث على قتادة، رواه عنه همام بن يحيى - وهو ثقة (¬1) -مرفوعاً: أخرجه الترمذي (914)، والنسائي 8/ 130 وفي الكبرى 5/ 407 (9297) (¬2). ورواه هشام الدستوائي وحماد بن سلمة عن قتادة مرسلاً (¬3). وقد رجح الدارقطني المرسل على المتصل رغم أن الواصل ثقة؟! 5 - وفي حديث 3/ 221 (373): " وسئل عن حديث سعيد بن المسيب عن علي قال صنعت طعاماً فدعوت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما جاء رأى تصاوير فرجع وقال:"إن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه تصاوير"،فقال: أسنده وكيع عن هشام الدستوائي عن قتادة عن ابن المسيب عن علي، وخالفه أصحاب هشام فرواه عن هشام مرسلاً وهو أصوب ". أقول: دار الحديث على قتادة رواه عنه: - وكيع بن الجراح مسنداً موصولاً، أخرجه: النسائي 8/ 213،وابن ماجه (3359)،والبزار 2/ 157 (523)، وأبو يعلى 1/ 322 (436)، والدارقطني في الأفراد 1/ 40 وقال: " تفرد به وكيع عن هشام عن قتادة " (¬4). ورواه غيره عن هشام مرسلاً، كما قال الدارقطني. ولم أقف على من رواه مرسلاً خلا معاذ بن هشام عن هشام مرسلاً، أخرجه أبو يعلى 1/ 421 (556). ¬

(¬1) قال ابن حجر: " ثقة ربما وهم " التقريب (7319)، وقال صاحبا التحرير4/ 44: " قوله ربما وهم لو لم يذكرها لكان أحسن فإن كل ثقة ربما يهم وقد أطلق الأئمة توثيقه ". (¬2) انظر المسند الجامع 13/ 252 (1019). (¬3) لم أقف على من رواه مرسلاً بهذه الصورة. (¬4) انظر المسند الجامع 13/ 313 (10204).

وقد أعلّ الدارقطني المتصل وقدم المرسل عليه؟ 6 - وفي حديث 4/ 299 (578):"وسئل عن حديث علي بن الحسين عن عبد الرحمن بن عوف عن النبي - صلى الله عليه وسلم -:"في المجوس، سنوا بهم سنة أهل الكتاب "،فقال: يرويه جعفر بن محمد واختلف عنه، فرواه مالك من رواية أبي علي عبيد الله بن عبد المجيد الحنفي عنه عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن علي بن الحسين، وخالفه أصحاب مالك، لم يقولوا فيه عن جده، وكذلك رواه الثوري، وسليمان بن بلال، وعبد الله بن إدريس، وحفص بن غياث، وأنس بن عياض، وأبو عاصم النبيل عن جعفر بن محمد، ولم يسمع أبو عاصم من جعفر بن محمد غيره، وعبد الوهاب الثقفي والقاسم بن معن، وابن جريج، وعلي بن غراب، وغيرهم، عن جعفر عن أبيه مرسلاً عن عبد الرحمن بن عوف، لم يذكروا فيه علي بن الحسين وهو الصواب. حدثنا أحمد بن محمد بن سعدان قال: حدثنا شعيب بن أيوب قال: أنبأنا أبو داود الحفري، وأبو نعيم عن سفيان عن جعفر عن أبيه قال: سأل عمر عبد الرحمن بن عوف عن المجوس فقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:"سنوا بهم سنة أهل الكتاب ". أقول: دار الحديث على مالك بن أنس رواه عنه: -يحيى الليثي: الموطأ (756). -ووكيع بن الجراح: أخرجه ابن أبي شيبة 6/ 430 (32651). -والشافعي: أخرجه الشافعي في مسنده ص209،والبيهقي 9/ 189 - 190 -ومصعب بن عبد الله الزبيري: أخرجه الشاشي 1/ 289 (257).كلهم رووه عن مالك بسند واحد. ورواه عبيد الله بن عبد المجيد الحنفي - وهو صدوق (¬1) - فزاد في الإسناد " علي بن الحسين " أخرجه البزار 2/ 164 (1056)، والدارقطني في العلل 4/ 299 (578)، وابن عبد البر في التمهيد 2/ 114 - 116 وقال: منقطع. فلو كان الدارقطني يقبل الزيادة فلماذا لم يقبلها هنا؟ 7 - حديث 5/ 45 (691):"وسئل عن حديث الحارث بن سويد عن ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم -:" إذا كان على أحدكم إمام يخاف تغطرسه وظلمه، فليقل: اللهم رب ¬

(¬1) التقريب (4317).

السماوات السبع ورب العرش العظيم "الحديث، فقال: يرويه الأعمش عن ثمامة بن عقبة عن الحارث بن سويد رفعه أبو حمزة السكري ووقفه غيره والموقوف هو المحفوظ". أقول: دار الحديث على الأعمش رواه عنه: - عيسى بن يونس: أخرجه البخاري في الأدب ص241 (707)،وابن أبي شيبة 6/ 22 (29176). - ومحمد بن فضيل: أخرجه الضبي في كتاب الدعاء ص209 (43). كلاهما عن الأعمش به موقوفاً. ورواه أبو حمزة السكري - وهو ثقة فاضل (¬1) - رواه مرفوعاً، أخرجه الدارقطني في العلل 5/ 45 (691). فلو قال الدارقطني بالزيادة فلماذا لم يقبلها هنا وهي من ثقة فاضل؟ 8 - وتأمل بعد قول الدارقطني في حديث 7/ 211 (1296):"وسئل عن حديث أبي بردة عن أبي موسى قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" اذكروا صاحب الرغيف "حديثاً فيه طول، فقال: يرويه سليمان التيمي عن أبي عثمان عن أبي بردة عن أبي موسى، واختلف عنه، فروي عن عبدان بن عثمان عن ابن المبارك عن سليمان التيمي، عن أبي عثمان، عن أبي بردة عن أبي موسى، رواه عبد الله ابن محمد بن يزيد الحنفي، عن عبدان مسنداً عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وخالفه أصحاب سليمان التيمي، فرووه عنه بهذا الإسناد موقوفاً، وهو الصواب". أقول: رد زيادة عبد الله بن محمد يزيد الحنفي لما تفرد به عن بقية الرواة، وهو ثقة (¬2). 9 - وكذا في حديث: 7/ 274 (1346): " وسئل عن حديث سعيد بن المسيب عن أبي هريرة:" أن أبا بكر وعمر تذاكرا الوتر عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "، الحديث.؟ فقال: يرويه ابن عيينة عن الزهري واختلف عنه، فرواه محمد بن يعقوب بن عبد الوهاب بن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير بن العوام عن ابن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة، ولم يتابع على ذكر أبي هريرة، وأصحاب ابن عيينة لا يذكرون فيه أبا هريرة، وهو المحفوظ، وكذا قال الليث عن الزهري مرسلاً، حدثنا ابن صاعد قال: ¬

(¬1) التقريب (6348). (¬2) قاله الخطيب في تأريخه 11/ 287، ثم ساق لحديث ونقل كلام الدارقطني عليه.

حدثنا محمد بن يعقوب الزبيري ح وحدثنا محمد بن القاسم الصيرفي، قال: حدثنا أبو عبد الرحمن النسائي، قال: حدثنا محمد بن يعقوب ... الحديث ". أقول: رد زيادة محمد بن يعقوب الزبيري، لما تفرد به، وهو صدوق (¬1).؟ وللمزيد انظر الأحاديث العلل بالأرقام: " 187 و 138 و 198 و 201 و 285 و 291 و 297و 327 و 328 و 350 و 352 356 و 366 و 372 و 373 و 447 و 457 و 484 و 521 و 531 و 540 و 578 و 600 و 616 و 633و 691 و916 و 937 و956 و1062 و 1063 و1088 و1123 و 1130 و1161 و1250و1296 و1346 1493 و1599 ". ¬

(¬1) التقريب (6411).

قائمة المصادر والمراجع

قائمة المصادر والمراجع الهمزة والألف: -الإبهاج في شرح المنهاج على منهاج الوصول إلى علم الأصول، على بن عبد الكافي السبكي ت (756) هـ، تحقيق جماعة من العلماء، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1404 هـ - أثر الحديث الشريف في اختلاف الأئمة الفقهاء، محمد عوامة، مطبعة محمد هاشم الكتبي، الطبعة الأولى 1978. - الأحاديث المختارة، أبو عبد الرحمن محمد بن عبد الواحد المقدسي ت (643)، تحقيق: عبد الملك بن عبد الله بن دهيش، مكتبة النهضة الحديثة، مكة المكرمة الطبعة الأولى، 1410 هـ. - الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان، علاء الدين علي بن بلبان (ت399هـ) وهو ترتيب لصحيح ابن حبان المسمى "المسند الصحيح على التقاسيم والأنواع" لأبي حاتم محمد بن حبان (ت354هـ) تحقيق: شعيب الأرنؤوط وحسين أسد، مطبعة الرسالة، بيروت، 1984م. -أحكام الجنائز وبدعها، محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى، 1969م. -الإحكام، علي بن أحمد بن حزم الظاهري، لجنة إحياء التراث العربي، دار الحديث، القاهرة، الطبعة الأولى 1404هـ. - الأحكام، علي بن محمد الآمدي، أبو الحسن ت (631) هـ، د. سيد الجميلي، دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الأولى 1405هـ. - أحوال الرجال لأبي إسحاق إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني (ت259هـ)،تحقيق: صبحي السامرائي، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1985م. - اختصار علوم الحديث للحافظ ابن كثير (ت774هـ) مع شرحه الباعث الحثيث لأحمد محمد شاكر، مؤسسة الكتب الثقافية-بيروت-الطبعة الثالثة سنة 1408هـ. - اختلاف الحديث، محمد بن إدريس الشافعي، تحقيق: عامر أحمد حيدر، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، الطبعة الأولى 1985 م. - أدب الإملاء والاستملاء، عبد الكريم بن محمد بن منصور السمعاني، تحقيق: ماكس فايسفايلر، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1981 م. - الأدب المفرد، محمد بن إسماعيل البخاري، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار البشائر الإسلامية، بيروت، الطبعة الثالثة 1989 م. -إرشاد الساري شرح صحيح البخاري، أبو العباس شهاب الدين أحمد بن محمد القسطلاني

(ت 923هـ)،دار صادر للطباعة والنشر، بيروت، الطبعة السادسة، 1404هـ. - الإرشاد، الخليل بن عبد الله بن أحمد الخليلي القزوني ت (446) هـ، تحقيق: د. محمد سعيد عمر إدريس، مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الأولى 1409 هـ. - إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى، 1979م. -الأسماء والصفات، أبو بكر بن الحسين البيهقي (ت458هـ) تحقيق: محمد زاهد الكوثري (ت1371هـ)،دار الكتب العلمية، بيروت. - الإسناد عند المحدثين: أطروحة مقدمة إلى مجلس كلية الشريعة-جامعة بغداد لنيل درجة الماجستير سنة 1408هـ-1987م، من قبل الدكتور داود سلمان الدليمي. -الإصابة في تمييز الصحابة، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت 852 هـ)،إعداد محمد السعيد بن بسيوني زغلول، دار الكتب العلمية، بيروت. -أصول الحديث-علومه ومصطلحه-محمد عجاج الخطيب، دار الفكر، بيروت. -الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار للإمام أبي بكر الحازمي (ت584هـ) تحقيق الدكتور: عبد المعطي أمين قلعجي، دار الوعي-حلب-الطبعة الأولى سنة 1983م. - إعلام الموقعين عن رب العالمين للإمام شمس الدين ابن القيم الجوزية (ت751هـ) تعليق: طه عبد الرؤوف سعد، مطبوعات مكتبة ومطبعة محمد علي صبيح بالقاهرة. - الأعلام، خير الدين الزركلي، بيروت، الطبعة الثالثة، 1969م. - الإفصاح في النكت على كتاب ابن الصلاح للحافظ ابن حجر العسقلاني (ت852هـ)،تحقيق: ربيع بن هادي بن عمير، دار الراية-الرياض-الطبعة الثانية 1408هـ-1988م. - الاقتراح في بيان الاصطلاح لابن دقيق العيد (ت702هـ) دراسة وتحقيق: قحطان عبد الرحمن الدوري، مطبعة الإرشاد-بغداد-1402هـ-1982م. - الإلزامات والتتبع للإمام أبي الحسن الدارقطني (ت385هـ) تحقيق: مقبل بن هادي الوادعي، نشر المكتبة السلفية بالمدينة المنورة 1398هـ-1978م. - الإلماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع للقاضي عياض بن موسى اليحصبي (ت544هـ) تحقيق: أحمد صقر، دار التراث-القاهرة- 1398هـ-1978م. - الأم، الإمام محمد بن إدريس الشافعي (ت204هـ)،دار المعرفة، بيروت، الطبعة الثانية 1393هـ. - أمالي المحاملي، الحسين بن إسماعيل الضبي المحاملي، تحقيق د. إبراهيم القيسي، المكتبة الإسلامية، عمان، الطبعة الأولى 1412هـ.

حرف الباء

-الإمام الترمذي والموازنة بين جامعه وبين الصحيحين لنور الدين عتر، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر-الطبعة الأولى 1390هـ-1970م. - اهتمام المحدثين بنقد الحديث سنداً ومتناً للدكتور: محمد لقمان السلفي-الطبعة الأولى-1408هـ-1987م. - الإيمان للإمام محمد بن إسحاق بن مندة (ت395هـ) تحقيق: الدكتور علي بن محمد بن ناصر الفقيهي-الطبعة الثانية-1402هـ. حرف الباء: - الباعث الحثيث، أحمد شاكر، وهو شرح لاختصار علوم الحديث للحافظ أبي الفداء إسماعيل بن كثير الدمشقي (ت774هـ)،دار الكتب العلمية، بيروت. -بذل المجهود في حل أبي داود، الشيخ خليل أحمد السهارنفوري (ت1346هـ) مع تعليق محمد زكريا بن يحيى الكاندهلوي، دار الكتب العلمية، بيروت. -البرهان في أصول الفقه، عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني، أبو المعالي ت (478) هـ، تحقيق: عبد العظيم محمود الديب، دار الوفاء، مصر، الطبعة الرابعة، 1418 هـ. -بين الإمامين مسلم والدارقطني للدكتور ربيع بن هادي المدخلي، الناشر: إدارة البحوث الإسلامية والدعوة والإرشاد بالجامعة السلفية، المطبعة السلفية بنارس-الهند-الطبعة الأولى 1402هـ-1982م. حرف التاء -تاريخ بغداد لأبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي (ت463هـ)، تحقيق د. بشار عواد معروف، دار الغرب الإسلامي، بيروت الطبعة الأولى 2000م. - التاريخ الكبير، محمد بن إسماعيل البخاري (ت256هـ)، تحقيق: السيد هاشم الندوي، دار الفكر، بيروت. - التاريخ الصغير، محمد بن إسماعيل البخاري (ت256هـ)، تحقيق: محمد إبراهيم زايد، دار الوعي، حلب، 1397 هـ. - تاريخ يحيى بن معين (ت233هـ) رواية الدوري (271هـ) دراسة وترتيب وتحقيق: أحمد نور سيف، كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بمكة المكرمة، الطبعة الأولى سنة 1399هـ-1978م. - تأويل مختلف الحديث، ابن قتيبة الدينوري (ت276هـ) تحقيق: عبد القادر أحمد عطا، بيروت، مؤسسة الكتب الثقافية، الطبعة الأولى، 1408هـ. - التبصرة والتذكرة وشرحها للحافظ زين الدين العراقي (ت806هـ) وبهامشه فتح الباقي، دار الكتب العلمية، بيروت.

- تبصير المنتبه بتحرير المشتبه للحافظ ابن حجر العسقلاني (ت852هـ) تحقيق: محمد علي النجار، المكتبة العلمية، بيروت. - تحرير تقريب التهذيب، ابن حجر العسقلاني (ت852هـ) تأليف: د. بشار عواد معروف وشعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1997م. - تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، محمد عبد الرحمن المباركفوري (ت1353هـ) أشرف على مراجعة أصوله: عبد الرحمن محمد عثمان، دار الفكر، بيروت. - تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف، جمال الدين يوسف بن عبد الرحمن المزي (ت742هـ) والنكت الظراف، ابن حجر العسقلاني (ت852هـ تحقيق د. بشار عواد معروف، دار الغرب الإسلامي، بيروت الطبعة الأولى 1999م. -تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي لجلال الدين السيوطي (ت911هـ) تحقيق: أحمد عمر هاشم، نشر دار الكتاب العربي-بيروت. -تذكرة الحفاظ، أبو عبد الله شمس الدين الذهبي (ت784هـ) دار إحياء التراث العربي، بيروت. - التعريفات لأبي الحسن علي بن محمد الجرجاني المعروف بالسيد الشريف (ت816هـ) دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد. - التعليق المغني على سنن الدارقطني لشمس الحق العظيم آبادي وهو حاشية على سنن الدارقطني، مكتبة المتنبي-القاهرة وعالم الكتب، بيروت. - تعجيل المنفعة، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تحقيق: د. أكرم الله إمداد الحق، دار الكتب العربي، بيروت، الطبعة الأولى. - تفسير القرآن العظيم لابن كثير الدمشقي (ت774هـ)،دار الجيل، بيروت، الطبعة الثانية،1990م. - تقريب التهذيب لابن حجر العسقلاني (ت852هـ)،مؤسسة الرسالة،1997م. - التقييد والإيضاح لما أُطلق وأُغلق من كلام ابن الصلاح مع كتاب علوم الحديث لابن الصلاح وعليه تعليقات: المصباح على مقدمة ابن الصلاح لناشره: محمد راغب الطباخ الحلبي، مؤسسة الكتب الثقافية. - تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير للحافظ ابن حجر (ت852هـ) تحقيق: عبد الله هاشم اليماني، المدينة المنورة، 1964 م. - تلخيص المستدرك للحافظ الذهبي (ت748هـ) مطبوع بذيل المستدرك. - التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد للإمام ابن عبد البر النمري (ت463هـ) نشر وزارة الأوقاف المغربية ومؤسسة قرطبة. - التمييز للإمام مسلم (ت261هـ) تحقيق: الدكتور محمد مصطفى الأعظمي مع

حرف الثاء

مقدمة في النقد، نشر جامعة الرياض-الرياض. - تنقيح الأنظار في علوم الآثار للعلامة ابن الوزير اليماني (ت840هـ) مع شرحه توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار، محمد بن إسماعيل الصنعاني، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، المكتبة السلفية، المدينة المنورة. - تنقيح التحقيق في أحاديث التعليق لابن عبد الهادي الحنبلي (ت744هـ) دراسة وتحقيق وتخريج: الدكتور عامر حسن صبري، نشر المكتبة الحديثة-الإمارات، الطبعة الأولى 1409هـ-1989م. - التنكيل بما في تأنيب الكوثري من أباطيل للعلامة عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني (ت1386هـ) ومعه تحقيقات وتعليقات الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، طبع المكتب الإسلامي-الطبعة الثانية-1406هـ-1986م. - تنوير الحوالك شرح موطأ مالك لجلال الدين السيوطي (ت911هـ)،مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده 1349هـ. - تهذيب الآثار للإمام أبي جعفر الطبري (ت310هـ) تحقيق: محمود محمد شاكر، مطبعة المدني-،القاهرة 1404هـ. - تهذيب التهذيب، ابن حجر العسقلاني (ت852هـ)،دار الفكر بيروت، الطبعة الأولى،1984هـ. - تهذيب الكمال في أسماء الرجال للحافظ جمال الدين أبي الحجاج يوسف المزي (ت742هـ) تحقيق: د. بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى، 1998م. - توثيق السنة في القرن الثاني الهجري أسسه واتجاهاته، د. رفعت فوزي عبد المطلب، مكتبة الخانجي، مصر، الطبعة الأولى،1981م. - التوحيد وإثبات صفات الرب عز وجل، محمد بن إسحاق بن خزيمة (ت311هـ) تحقيق: محمد خليل هراس، دار الشرق للطباعة،1388هـ. - تيسير مصطلح الحديث للدكتور محمود الطحان، نشر وتوزيع مكتبة دار التراث-الكويت-الطبعة السادسة-1404هـ-1984م. حرف الثاء - الثقات، محمد بن حبان بن محمد البستي، تحقيق: شرف الدين أحمد، دار الفكر، بيروت الطبعة الأولى،1975 م. حرف الجيم - جامع البيان في تأويل آي القرآن، أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (ت310هـ)،دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى،1988م. - جامع التحصيل في أحكام المراسيل، الحافظ صلاح الدين أبي سعيد العلائي (ت761هـ)

حرف الحاء

تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي، مكتبة النهضة العربية، بيروت، الطبعة الثانية،1986م. - الجامع الصغير في أحاديث البشير النذير لجلال الدين السيوطي، دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى،1981م. - جامع العلوم والحكم لابن رجب الحنبلي (ت795هـ)،دار العلوم الحديثة-بيروت-مكتبة الشرق الجديد، بغداد. - الجامع الكبير، الحافظ أبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي (279هـ) تحقيق: أحمد محمد شاكر وآخرون، دار الكتب العلمية. - الجامع الكبير، الحافظ أبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي (279هـ) تحقيق: الدكتور بشار عواد معروف، دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى،1996م. - الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي (ت463هـ) تحقيق: الدكتور رأفت سعيد، مكتبة الفلاح-الكويت، الطبعة الأولى 1401هـ. - الجرح والتعديل لابن أبي حاتم الرازي (ت303هـ) تحقيق: محمد السعيد بسيوني زغلول، دار الكتب العلمية-الطبعة الأولى-بيروت 1408هـ-1988م. - الجوهر النقي في التعليق على سنن البيهقي لابن التركماني (ت745هـ) بهامش السنن الكبرى للبيهقي. حرف الحاء - حاشية ابن القيم، محمد بن أبي بكر الزرعي ابن قيم الجوزية، المطبوع ضمن كتاب عون المعبود تحقيق: عبد الرحمن محمد عثمان، دار الفكر، بيروت، الدار السلفية 1979. - حاشية السندي على سنن النسائي للإمام السندي (ت1138هـ) مطبوع بهامش سنن النسائي. - الحديث المرسل بين القبول والرد، حصة عبد العزيز الصغير، دار ابن حزم، بيروت الطبعة الأولى،2000م. -الحطة في ذكر الصحاح الستة، أبو الطيب صديق حسن خان ت (1307) هـ، تحقيق علي الحلبي، دار الجيل، الطبعة الأولى،1987 م. - حلية الأولياء، أحمد بن عبد الله الأصبهاني، أبو نعيم، دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الرابعة 1405 هـ. حرف الخاء - خلاصة البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير للرافعي لابن الملقن (ت804هـ) تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي، مكتبة الرشد-الرياض-الطبعة الأولى 1410هـ-1989م. - خلاصة تذهيب تهذيب الكمال في أسماء الرجال، صفي الدين أحمد بن عبد الله

حرف الدال

الخزرجي (ت923هـ) قدم له واعتنى بنشره: عبد الفتاح أبو غدة، مكتبة المطبوعات الإسلامية، حلب، دار البشائر الإسلامية، بيروت، الطبعة الرابعة،1411هـ. - الخلاصة في أصول الحديث للعلامة الطيبي (ت743هـ) تحقيق: صبحي السامرائي، وزارة الأوقاف العراقية-إحياء التراث الإسلامي 1399هـ-1979م. حرف الدال - الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة لابن حجر العسقلاني (ت852هـ) تحقيق: محمد سيد جاد الحق، القاهرة، الطبعة الثانية، 1966م. - دلائل النبوة لأبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني (ت430هـ)،مطبعة بابل-بغداد، 1982م. - ديوان الضعفاء والمتروكين لشمس الدين الذهبي، دار بيروت، الطبعة الأولى، 1988م. حرف الذال - ذيل تذكرة الحفاظ، أبو المحاسن محمد بن علي بن الحسن بن حمزة الحسيني الدمشقي ت (765) هـ، تحقيق: حسام الدين المقدسي، دار الكتب العلمية، بيروت. - الذيل على طبقات الحنابلة، ابن رجب الحنبلي، مطبعة السنة النبوية. حرف الراء - رسالة أبي داود إلى أهل مكة، تحقيق: محمد زاهد الكوثري، مطبعة الأنوار-القاهرة 1369هـ. - الرسالة المستطرفة لبيان مشهور كتب السنة المشرفة للكتاني (ت1345هـ)،دار الفكر بدمشق. - الرفع والتكميل لعبد الحي اللكنوي (ت1304هـ) تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة، مكتبة المطبوعات الإسلامية بحلب-الطبعة الثالثة-1407هـ-1987م. - الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم - صلى الله عليه وسلم - لابن الوزير اليماني (ت840هـ)،دار المعرفة-بيروت 1399هـ-1979م. حرف الزاي - زاد المسير في علم التفسير، ابن الجوزي، المكتب الإسلامي للطباعة والنشر، الطبعة الأولى،1965م. - زاد المعاد في هدي خير العباد، ابن قيم الجوزية، تحقيق: شعيب وعبد القادر الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة،1986م. - الزهد للإمام أحمد (ت241هـ)،تحقيق: محمد السعيد بسيوني زغلول، دار الكتب العلمية-بيروت 1403هـ. - الزهد للإمام عبد الله بن المبارك (ت181هـ) تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، دار

حرف السين

الكتب العلمية-بيروت. - الزوائد في كتاب الزهد للإمام أحمد لابنه عبد الله بن أحمد (ت292هـ) مع كتاب الزهد للإمام أحمد. - زيادة الراوي وتطبيقاتها الفقهية، رسالة ماجستير إعداد: سعيد عزاوي رشيد مقدمة إلى جامعة بغداد، كلية العلوم الإسلامية. حرف السين - سؤالات أبي عبد الله بن بكير وغيره للدارقطني لأبي عبد الله بن بكير (ت388هـ) دراسة وتحقيق: علي حسن علي عبد الحميد، دار عمار-عمان، الطبعة الأولى 1408هـ-1988م. - سؤالات السهمي للدارقطني لحمزة السهمي (ت428هـ)، تحقيق موفق بن عبد الله، مكتبة المعارف بالرياض،1404هـ. - سؤالات محمد بن أبي شيبة لعلي بن المديني، علي بن المديني، تحقيق موفق بن عبد الله بن عبد القادر، مكتبة المعارف، الرياض 1984م. - سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيءٌ من فقهها وفوائدها للألباني (ت1421هـ)،المكتب الإسلامي-الطبعة الرابعة. - سنن ابن ماجة للحافظ أبي عبد الله محمد بن يزيد (ابن ماجة القزويني) (275هـ) تحقيق: د. بشار عواد معروف، دار الجيل، بيروت الطبعة الأولى 1988م. - سنن أبي داود للحافظ سليمان بن الأشعث السجستاني (275هـ)،دار الحديث، القاهرة،1988م. - سنن الدارقطني (ت385هـ)، للإمام علي بن عمر أبي الحسن الدارقطني، تحقيق: السيد عبد الله هاشم المدني، دار المعرفة، بيروت،1969 م. - سنن الدارمي، لأبي محمد عبد الله ابن عبد الرحمن الدارمي (255هـ) تحقيق: فواز أحمد، وخالد العلمي، دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الأولى،1407 هـ. - سنن سعيد بن منصور (ت227هـ) حققه د. سعد بن عبد الله ال حميد، دار العصيمي الطبعة الأولى 1414هـ. - سنن النسائي للحافظ أحمد بن شعيب النسائي (303هـ) بشرح السيوطي وحاشية السندي، دار الحديث، القاهرة،1987م. - السنن الكبرى للنسائي، تحقيق: د. عبد الغفار البنداري وسيد كسروي حسن، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1991م. السنة وحجيتها ومكانتها في الإسلام، د. محمد لقمان السلطي، دار البشائر، بيروت، الطبعة الأولى، 1989م.

حرف الشين

- سير أعلام النبلاء للإمام الذهبي (ت748هـ)،مؤسسة الرسالة-بيروت 1401هـ. حرف الشين - شذرات الذهب في أخبار من ذهب لأبي الفلاح عبد الحي بن العماد (ت1089هـ)،دار الكتب العلمية، بيروت. - شرح الزرقاني على موطأ مالك، محمد الزرقاني، دار الفكر، بيروت. - شرح السنة للبغوي (ت516هـ) تحقيق: زهير الشاويش وشعيب الأرنؤوط، المكتب الإسلامي-بيروت-الطبعة الثانية 1403هـ. - شرح سنن ابن ماجة للإمام أبي الحسن الحنفي السندي، دار الجيل، بيروت. - شرح مسند أبي حنيفة، للإمام أبي حنيفة النعمان بن ثابت مع شرحه للإمام الملا علي القاري الحنفي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1985م. - شرح مشكل الآثار لأبي جعفر الطحاوي (ت321هـ)،مؤسسة قرطبة -القاهرة. - شرح معاني الآثار، أبو جعفر محمد الأزدي الطحاوي، تحقيق: محمد زهري النجار، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، بيروت،1399 هـ. - شرح نخبة الفكر للملا علي القاري (ت1014هـ)،دار الكتب العلمية- بيروت 1398هـ-1978م. - شروط الأئمة الخمسة، الحافظ أبو بكر محمد بن موسى الحازمي (ت584هـ)،ومعه كتاب شروط الأئمة الستة، أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي (ت507هـ) تحقيق: محمد زاهد الكوثري، مطبعة المنير، بغداد،1989م. حرف الصاد - صحيح ابن خزيمة (مختصر المختصر)،محمد بن إسحاق بن خزيمة تحقيق: د. مصطفى الأعظمي، طبعة المكتب الإسلامي، بيروت 1970 م .. - صحيح البخاري، تحقيق قاسم الشماعي، دار العلم، بيروت، الطبعة الأولى، 1987م. - صحيح الجامع الصغير وزيادته الفتح الكبير -الألباني، المكتب الإسلامي -الطبعة الثانية، 1986م. - صحيح سنن ابن ماجة، محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، الطبعة الأولى، 1996م. - صحيح سنن النسائي باختصار السند-الألباني-مكتب التربية العربي لدول الخليج، بإشراف زهير الشاويش-الطبعة الأولى 1409هـ-1988م. - صحيح مسلم، الإمام أبو الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري (ت261 هـ)،حقق نصوصه وصححه: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الأولى 1955م.

حرف الضاد

- صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم -،محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة مروة، الطبعة الخامسة عشر،1997م. - صيانة صحيح مسلم من الإخلال والغلط، أبو عمرو بن الصلاح، تحقيق: د. موفق عبد الله عبد القادر، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى، بيروت 1408هـ. حرف الضاد - الضعفاء الكبير لأبي جعفر العقيلي (ت322هـ) حققه ووثقه: الدكتور عبد المعطي أمين قلعجي، دار الباز-مكة المكرمة، ودار الكتب العلمية-بيروت، الطبعة الأولى 1984 م. - الضعفاء والمتروكون للإمام النسائي (ت303هـ)،دار الوعي بحلب، تحقيق: محمود زايد. - الضعفاء والمجهولون والمتروكون في المجتبى، رسالة مقدمة لنيل شهادة الماجستير في كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة الملك عبد العزيز، مكة المكرمة، لوصي الله محمد عباس 1397هـ 1977 م. - ضعيف سنن النسائي -الألباني (ت1421هـ) المكتب الإسلامي، الطبعة الأولى 1411هـ1990م. حرف الطاء - طرح التثريب في شرح التقريب (تقريب الأسانيد) للحافظ العراقي (ت806هـ) وأكمله ابنه الحافظ ولي الدين أبو زرعة العراقي (ت826هـ) دار المعارف-سوريا، حلب-ودار إحياء التراث العربي، بيروت. - طرق تخريج حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -أبو محمد عبد المهدي بن عبد القادر، دار النصر للطباعة مصر. 1987م. حرف الظاء - ظفر الأماني بشرح الشريف الجرجاني في مصطلح الحديث، تحقيق عبد الفتاح أبو غدة، مكتبة المطبوعات الإسلامية، الطبعة الثالثة، بيروت 1416هـ. حرف العين - عارضة الأحوذي شرح صحيح الترمذي -الإمام الحافظ ابن العربي المالكي (ت 543 هـ) -دار الكتب العلمية، بيروت. - العبر في خبر من غبر، شمس الدين الذهبي (ت 748 هـ) تحقيق:، محمد السعيد بن بسيوني زغلول دار الكتب العلمية -بيروت. - عبقرية الإمام مسلم في ترتيب أحاديث مسنده الصحيح دراسة تحليلية، د. حمزة عبد الله المليباري، دار ابن حزم، بيروت الطبعة الأولى 1997م. ... - العلل، لإمام علي بن المديني (ت234هـ) تحقيق: محمد مصطفى الأعظمي، المكتب

الإسلامي 1972م. - علل أحمد بن حنبل، أحمد بن حنبل الشيباني، برواية المروذي تحقيق: الشيخ صبحي السامرائي، مكتبة المعارف، الطبعة الأولى، الرياض 1989م. - علل الترمذي الكبير للإمام الترمذي (ت279هـ) ترتيب: أبو طالب القاضي، حققه: الشيخ صبحي السامرائي، والسيد أبو المعاطي النوري ومحمود محمد خليل الصعيدي-عالم الكتب، مكتبة النهضة العربية، الطبعة الأولى 1405هـ،-1985م. - علل الجارودي، محمد بن الحسين بن أحمد الجارودي ت (317) هـ، تحقيق: علي الحلبي، دار الهجرة، الرياض، الطبعة الأولى 1991 م. - علل الحديث لأبي محمد عبد الرحمن الرازي، ابن الإمام أبي حاتم الرازي (ت327 هـ) دار المعرفة -بيروت، 1985م. - علل الحديث ماهيتها وأنواعها لعبد الحميد العاني، رسالة لنيل درجة الماجستير مقدمة لكلية العلوم الإسلامية-جامعة بغداد 1992م. - علل الحديث وتطبيقاتها في كتاب المجتبى للإمام النسائي، رسالة ماجستير مقدمة الى جامعة صدام للعلوم الإسلامية، تقدم بها الطالب محمد محمود سليمان 1998م. - العلل المتناهية في الأحاديث الواهية لأبي الفرج بن الجوزي (ت597هـ) حققه: إرشاد الحق الأثري وقدم له خليل الميس، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1403هـ. - العلل الواردة في الأحاديث النبوية للإمام الدارقطني (ت385هـ) تحقيق وتخريج: محفوظ الرحمن زين الله السلفي، دار طيبة، السعودية-الطبعة الأولى 1405هـ-1985م. - العلل ومعرفة الرجال للإمام أحمد بن حنبل، تحقيق: وصي الله محمد عباس، المكتب الإسلامي-دار الخاني، بيروت، الرياض-الطبعة الأولى 1988هـ. - العلل ومعرفة الرجال للإمام أحمد بن حنبل، تحقيق: د. طلعت قوج، ود. إسماعيل جراح، المكتبة الإسلامية- استانبول الطبعة الأولى 1987هـ. - علوم الحديث، المعروف بـ:"مقدمة ابن الصلاح"،أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن الشهرزوري بن الصلاح ت (643هـ) تحقيق: نور الدين عتر، دار الفكر، الطبعة الثالثة1404هـ 1984م. - علوم الحديث ومصطلحه، د. صبحي الصالح، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الثالثة عشرة، 1981م. - عمدة القاري شرح صحيح البخاري -بدر الدين أبو محمد محمود بن أحمد العيني (ت855هـ)،إدارة الطباعة المنيرية، بيروت. - عمل اليوم والليلة للإمام أحمد بن شعيب النسائي (ت 303 هـ) دراسة وتحقيق:

حرف الفاء

د. فاروق حمادة طبع على نفقة الرئاسة للإفتاء والبحوث العلمية والدعوة والنشر بالمملكة العربية السعودية -الطبعة الأولى 1981م. - عون المعبود شرح سنن أبي داود، أبو الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي مع شرح الحافظ ابن قيم الجوزية، تحقيق: عبد الرحمن محمد عثمان، دار الفكر، بيروت، الدار السلفية 1979. حرف الفاء - الفائق في غريب الحديث لجار الله محمود بن عمر الزمخشري، تحقيق: علي محمد البجاوي ومحمد أبو الفضل إبراهيم، عيسى البابي الحلبي وشركاؤه، الطبعة الثانية. - فتح الباري شرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني (852هـ) حقق أصله: عبد العزيز بن باز، ورقمه: محمد فؤاد عبد الباقي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1989م. - الفتح الرباني لترتيب مسند أحمد بن حنبل الشيباني مع مختصر شرح بلوغ الأماني من أسرار الفتح الرباني تأليف: أحمد عبد الرحمن البنا، الناشر: دار الحديث، القاهرة. - فتح المغيث بشرح ألفية الحديث، أبو عبد الله محمد السخاوي (ت902هـ) تحقيق: علي حسن علي عبد الحميد، نشر: دار الإمام الطبري، الطبعة الثانية، 1412هـ. - فتح الوهاب بتخريج أحاديث مسند الشهاب لأحمد بن محمد الصديق الغماري (ت380هـ) تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي-عالم الكتب، الطبعة الأولى 1408هـ-1988م. - الفصل للوصل المدرج في النقل للخطيب البغدادي (ت463هـ) رسالة مقدمة إلى كلية العلوم الإسلامية-جامعة بغداد لنيل درجة الدكتوراه، تقدم بها: عبد السميع الأنيس. - فهارس أحاديث وآثار مسند الإمام أحمد بن حنبل، محمد السعيد بن بسيوني زغلول، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1989م. - فهرس الفهارس والأثبات ومعجم المعاجم والمشيخات والمسلسلات، عبد الحي بن عبد الكبير الكتاني، اعتناء د. إحسان عباس، دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثانية 1982م. -الفوائد المجموعة للإمام الشوكاني (ت1250هـ) تحقيق العلامة: المعلمي اليماني، دار الكتب العلمية-بيروت. حرف القاف - القاموس المحيط، الفيروزآبادي، دار الفكر، بيروت، 1978م. - قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث، محمد جمال الدين القاسمي، تحقيق: محمد بهجت البيطار وتقديم محمد رشيد رضا، دار إحياء السنة النبوية، بيروت، 1979م. - قواعد في علوم الحديث لظفر أحمد العثماني التهانوي (ت1394هـ) حققه: عبد الفتاح أبو غدة، نشر مكتبة المطبوعات الإسلامية، الطبعة الثالثة، لبنان 1392هـ-1972م.

حرف الكاف

حرف الكاف - الكاشف في معرفة من له روايةٌ في الكتب الستة للإمام الذهبي، تحقيق: عزت علي عبد عطية وموسى محمد علي الموشي، دار الكتب الحديثة-الطبعة الأولى 1392هـ. - الكامل في ضعفاء الرجال، عبد الله بن عدي بن عبد الله بن محمد الجرجاني، تحقيق: يحيى مختار، دار الفكر، بيروت الطبعة الثالثة 1988م. - الكشاف عن أبواب مراجع تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف لعبد الصمد شرف الدين، آخر مجلد من تحفة الأشراف. - كشف الأستار عن زوائد البزار على الكتب الستة، الحافظ نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي (ت807هـ) تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى، 1984م. - كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، مصطفى بن عبد الله الرومي، دار الكتب العلمية، بيروت 1992 م. - الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي (ت463هـ) تحقيق: أحمد عمر هاشم، دار الكتاب العربي-بيروت، الطبعة الثانية 1406هـ-1986م. - الكنى، محمد بن إسماعيل البخاري، تحقيق: السيد هاشم الندوي، دار الفكر، بيروت. -الكنى والأسماء للدولابي (ت310هـ) دار الكتب العلمية بيروت 1403هـ. حرف اللام - لسان العرب، جمال الدين محمد بن مكرم (ابن منظور) (630هـ)،مطبعة السعادة، مصر 1963 م. - لسان الميزان، الحافظ ابن حجر العسقلاني، طبعة حيدرآباد، الطبعة الأولى 1329هـ. - لقط اللآلئ المتناثرة في الأحاديث المتواترة، أبو الفيض محمد مرتضى الزبيدي (ت1205هـ) تحقيق: محمد عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1985م. حرف الميم - المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين للإمام ابن حبان (ت354هـ)،دار العربي، حلب، الطبعة الأولى، 1396هـ. - مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية، جمع وترتيب: عبد الرحمن بن قاسم النجدي وساعده ابنه محمد، إشراف الرئاسة العامة لشؤون الحرمين الشريفين. - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، الحافظ نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي (ت807هـ)،دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الثانية، 1967م. -المحدث الفاصل بين الراوي والواعي للحافظ الرامهرمزي (ت360هـ) تحقيق وتعليق: محمد عجاج الخطيب، دار الفكر-بيروت 1391هـ-1971م.

- المحلى، علي بن أحمد بن حزم الظاهري، لجنة أحياء التراث العربي، دار الآفاق الجديدة، بيروت. - مختار الصحاح، الرازي، دار الرسالة، الكويت، 1983م. ... -المدخل إلى كتاب الإكليل، أبو عبد الله الحاكم النيسابوري، تحقيق د. فؤاد عبد المنعم أحمد، المكتبة التجارية، مكة المكرمة، 1983. - المدرج إلى المدرج للحافظ السيوطي، طُبع ضمن مجموعة رسائل في الحديث ومع مسند المقلين لتمام الرازي، حققه وقدم له: الشيخ صبحي السامرائي. - المراسيل لابن أبي حاتم الرازي (ت327هـ) بعناية: شكر الله بن نعمة الله قوجاني، مؤسسة الرسالة-بيروت، الطبعة الثانية 1402هـ-1982م. - المراسيل لأبي داود السجستاني (ت275هـ) تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة-بيروت، الطبعة الأولى 1408هـ-1988م. - مرشد المحتار إلى ما في مسند أحمد بن حنبل من الأحاديث والآثار، حمدي عبد المجيد السلفي، مطبعة الإرشاد، بغداد، 1981م. - مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، علي بن سلطان محمد القاري، الدار السلفية. - المستدرك على الصحيحين، أبو عبد الله محمد بن عبد الله (الحاكم النيسابوري) (ت405هـ)، تحقيق مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت الطبعة الأولى 1990م. - مسند أبي عوانة الإسفرائيني (ت316هـ) تحقيق: أيمن عارف الدمشقي، دار المعرفة، بيروت، الطبعة الأولى، 1998 م. - المستصفى في علم الأصول، محمد بن محمد الغزالي، أبو حامد ت (505) هـ، تحقيق: محمد عبد السلام شافي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1413 هـ. - مسند أبي يعلى الموصلي، أحمد بن علي التميمي، تحقيق وتخريج: حسين سليم أسد، دار المأمون للتراث، دمشق، الطبعة الأولى، 1984م. - مسند أحمد، أبو عبد الله بن محمد بن حنبل (ت241هـ)،المطبعة الميمنية، القاهرة، 1986م. - مسند أحمد بن حنبل، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، دار الرسالة، بيروت، 1997م. - مسند البزار، أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار، تحقيق د. محفوظ الرحمن زين الله، مؤسسة علوم القرآن، بيروت الطبعة الأولى 1409 هـ. - المسند الجامع لأحاديث الكتب الستة ومؤلفات أصحابها الأخرى وموطأ مالك ومسانيد الحميدي ومسند أحمد وعبد بن حميد وسنن الدارمي وصحيح ابن خزيمة، تأليف: د. بشار عواد معروف وجماعة، دار الجيل، بيروت، الطبعة الأولى، 1993م. - مسند الحميدي، أبو بكر عبد الله بن الزبير الحميدي (ت219هـ) تحقيق:

حبيب الرحمن الأعظمي، دار الكتب العلمية، بيروت. - مسند الروياني، محمد بن هارون الروياني ت (307) هـ، تحقيق: أيمن أبو يماني، دار قرطبة، القاهرة، الطبعة الأولى، 1416 هـ. - مسند الشاشي، أبو سعيد الهيثم بن كليب الشاشي ت (335) هـ، تحقيق: د. محفوظ الرحمن زين الله، مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة، الطبعة الأولى 1410 هـ. -مسند الشافعي، محمد بن إدريس الشافعي، دار الكتب العلمية، بيروت. -مسند الشاميين، الحافظ أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى 1984 م. -مسند الشهاب، محمد بن سلامة بن جعفر القضاعي، تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثانية 1986 م. - مسند الربيع، الربيع بن حبيب الأزدي البصري، تحقيق: محمد إدريس، دار الحكمة، بيروت، الطبعة الأولى 1415 هـ. -مسند الطيالسي لسليمان بن داود بن الجارود الطيالسي (ت204هـ)،دار المعرفة، بيروت. - مسند عبد بن حميد: أبو محمد بن حميد (ت249هـ)،عن نسخة مخطوطة مصورة عن دار الكتب الظاهرية بدمشق تحت رقم 1066، ترقيم: د. بشار عواد معروف. - مشكل الحديث وبيانه، الإمام أبو محمد بن الحسن (ابن فورك) (ت406هـ)، مطبعة دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد، الهند، الطبعة الثانية، 9170م. - مصنف ابن أبي شيبة، الحافظ عبد الله بن محمد بن أبي شيبة، ت (235) هـ تحقيق: كمال يوسف الحوت، مكتبة الرشد، الرياض الطبعة الأولى، 1409 هـ. - مصنف عبد الرزاق، الحافظ عبد الرزاق بن همام الصنعاني (ت211هـ) تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، توزيع: المكتب الإسلامي، الطبعة الثانية، 1403هـ. - المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية، ابن حجر العسقلاني (ت852هـ) تحقيق: حبيب الرحمن الاعظمي، المكتبة العصرية، الكويت، الطبعة الأولى، 1973م. - المعتمد في أصول الفقه، محمد بن علي بن الطيب البصري، أبو الحسين، تحقيق: خليل الميس، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1403 هـ. - معجم الأحاديث القدسية الصحيحة ومعها الأربعون القدسية للإمام نور الدين علي القاري (ت1014هـ) إعداد وتحقيق: كمال بن بسيوني الأبياني المصري، مكتبة السنة، القاهرة، الطبعة الأولى، 1992م. - المعجم الأوسط الحافظ أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني (ت360هـ) تحقيق: طارق بن عوض الله، وعبد المحسن الحسيني، دار الحرمين، القاهرة 1415 هـ.

- المعجم الصغير، الحافظ أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، دار الكتب العلمية، بيروت، 1983م. - المعجم الكبير، الحافظ أبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، حققه وخرج أحاديثه: حمدي عبد المجيد السلفي، مطبعة الزهراء، الموصل، الطبعة الثانية، 1984م. - معجم متن اللغة، محمد رضا، دار مكتبة المعارف، بيروت، 1959م. - المعجم المشتمل على ذكر أسماء الشيوخ الأئمة النبل للحافظ ابن عساكر (ت571هـ) دار الفكر-دمشق 1401هـ. - معجم مقاييس اللغة لأبي الحسن أحمد بن فارس بن زكريا، تحقيق وضبط: عبد السلام محمد هارون، دار الفكر، بيروت. - معجم المؤلفين تراجم مصنفي الكتب العربية، عمر رضا كحالة، دار إحياء التراث العربي، بيروت. - معرفة علوم الحديث، أبو عبد الله الحاكم النيسابوري (ت405هـ) نشر الأستاذ معظم حسين، حيدر آباد، الطبعة الثانية، 1977م. - مفتاح كنوز السنة، وضعه الدكتور: أ. ي. فنسك، ونقله إلى العربية: محمد فؤاد عبد الباقي، دار العلم، بيروت، الطبعة الثانية، 1985م. - مقاييس نقد متون السنة للدكتور: مسفر عزم الله الدميني، الطبعة الأولى 1404هـ-1984م. - مقدمة تحفة الأحوذي للعلامة المباركفوري (ت1353هـ) مطبوع مع تحفة الأحوذي. - مقدمة الكامل في الضعفاء الرجال لابن عَدي (ت365هـ) تحقيق وتعليق: صبحي السامرائي، مطبعة سلمان الأعظمي-بغداد. - المنار المنيف في الصحيح والضعيف لابن قيم الجوزية (ت751هـ) تحقيق: عبد الفتاح أبي غدة، نشر مكتب المطبوعات الإسلامية-حلب، الطبعة الأولى 1390هـ. - مناهج المحدثين في تقوية الأحاديث الحسنة والضعيفة للدكتور: المرتضى الزين أحمد، مكتبة الرشد-الرياض، الطبعة الأولى 1415هـ-1994م. - منتخب الإرشاد لأبي يعلى الخليلي، انتخبه أبو طاهر السلفي-الإرشاد. - المنتخب من مسند عبد بن حُميد (ت249هـ) تحقيق: صبحي السامرائي ومحمود الصعيدي، مكتبة السنة-القاهرة، عالم الكتب، الطبعة الأولى 1408هـ-1988م. - المنتقى من السنن المسندة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي محمد بن الجارود (ت307هـ) حققه عبد الله عمر البارودي، مؤسسة الكتاب الثقافية، بيروت، الطبعة الأولى 1988م.

- المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج للإمام النووي (ت676هـ) مراجعة: خليل الميس، حققه وعلق عليه لجنة من العلماء بإشراف الناشر، ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي، دار العلم، بيروت، الطبعة الأولى 1407هـ-1987م. - منهج الإمام البخاري في تصحيح الأحاديث وتعليلها، إعداد أبي بكر كافي، دار ابن حزم، بيروت الطبعة الأولى 2000م، وهي في أصلها رسالة ماجستير مقدمة إلى جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية - الجزائر، بإشراف الدكتور حمزة المليباري. - المنهج المقترح لفهم المصطلح،"مقدمة تمهيدية لكتاب المرسل الخفي وعلاقته بالتدليس"الشريف حاتم بن عارف العوني، دار الهجرة، الرياض، الطبعة الأولى 1996 م. - منهج النقد في علوم الحديث للدكتور نور الدين العتر، دار الفكر-دمشق 1408هـ-1988م. -المنهل الروي في مختصر علوم الحديث النبوي، بدر الدين بن جماعة (ت733هـ) تحقيق: د. محيي الدين عبد الرحمن رمضان، دار الفكر، بيروت، الطبعة الثانية 1406هـ. - موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان على الصحيحين لنور الدين الهيثمي (ت807هـ) حققه ونشره: محمد عبد الرزاق حمزة، دار الكتب العلمية-بيروت. - الموازنة بين المتقدمين والمتأخرين في تصحيح الأحاديث وتعليلها، د. حمزة عبد الله المليباري، دار ابن حزم، بيروت، الطبعة الأولى 1995 م. - الموافقات في أصول الشريعة لأبي إسحاق الشاطبي (790هـ) بتعليق: الشيخ عبد الله دراز، المكتبة التجارية الكبرى بمصر. - موضح أوهام الجمع والتفريق للخطيب البغدادي (ت463هـ) تحقيق: المعلمي اليماني، دار المعارف العثمانية، حيدرآباد-الهند. - الموضوعات لأبي الفرج بن الجوزي، ضبط وتقديم وتحقيق: عبد الرحمن محمد عثمان، دار الفكر، بيروت. -الموطأ لأبي عبد الله مالك بن أنس (ت179هـ) برواية يحيى بن يحيى الليثي (ت234هـ) تحقيق: د. بشار عواد معروف، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى 1996م. - الموطأ لأبي عبد الله مالك بن أنس (ت179هـ) برواية عبد الله بن مسلمة القعنبي، تحقيق: عبد المجيد تركي، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى 1999م. -الموطأ لأبي عبد الله مالك بن أنس (ت179هـ) برواية سويد بن سعيد الحدثاني، تحقيق: عبد المجيد تركي، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى 1994م. -الموطأ لأبي عبد الله مالك بن أنس (ت179هـ) برواية أبي مصعب الزهري، تحقيق: د. بشار عواد معروف، ومحمود محمد خليل، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى 1992م.

حرف النون

- الموقظة في مصطلح الحديث للإمام الذهبي (ت748هـ) تحقيق: عبد الفتاح أبي غدة، مكتب المطبوعات الإسلامية بحلب 1405هـ. - ميزان الاعتدال، شمس الدين الذهبي تحقيق: علي محمد البجاوي، دار المعرفة، بيروت، الطبعة الأولى، 1382هـ. حرف النون - ناسخ الحديث ومنسوخه لأبي حفص بن شاهين (ت385هـ) تحقيق: سمير بن أمين الزهيري، مكتبة المنار-الطبعة الأولى 1408هـ-1988م. - نزهة النظر بشرح نخبة الفكر، تحقيق وتعليق: نور الدين عتر، المكتبة العلمية في المدينة المنورة، والبيان في بيروت. - نصب الراية لأحاديث الهداية للإمام الزيلعي (ت762هـ) تحقيق: محمد يوسف البنوري، دار الحديث، مصر 1357هـ. - نظرات جديدة في علوم الحديث، د. حمزة عبد الله المليباري، دار ابن حزم، بيروت الطبعة الأولى 1995م. - نظم الفرائد بما تضمنه حديث ذي اليدين من الفوائد للحافظ العلائي (ت761هـ) دراسة وتحقيق: كامل شطيب الراوي، مطبعة الأمة-بغداد 1406هـ-1986م. - نظم المتناثر من الحديث المتواتر، أبو عبد الله محمد بن أبي الفيض الكتاني (ت1927م)،طبعة مأخوذة من نسخة فاس المطبوعة سنة 1328هـ. - النفح الشذي في شرح جامع الترمذي لابن سيد الناس (ت734هـ) دراسة وتحقيق: أحمد معبد عبد الكريم، دار العاصمة-الرياض 1409هـ. -النكت الظراف على تحفة الأشراف للحافظ ابن حجر طبع بهامش تحفة الأشراف. -النكت على كتاب ابن الصلاح للحافظ ابن حجر (ت852هـ). -النكت الوفية في شرح الألفية لبرهان الدين البقاعي (ت885هـ) مخطوطة. - النهاية في غريب الحديث والاثر، تحقيق: محمود الطناهي وطاهر الزاوي، دار إحياء التراث العربي، بيروت. حرف الهاء - الهداية في تخريج أحاديث البداية لأحمد الغماري (ت1380هـ) تحقيق: عدنان علي شلاق، عالم الكتب-الطبعة الأولى 1407هـ-1987م. هدي الساري مقدمة فتح الباري، ابن حجر العسقلاني (ت852هـ) تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1989م.

حرف الواو

حرف الواو -وجوب الأخذ بحديث الآحاد في العقيدة، محمد ناصر الدين الألباني، الدار السلفية، الكويت، 1974م. - وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، أبو العباس بن خلكان، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، مطبعة السعادة، الطبعة الأولى 1948م.

§1/1