السيرة النبوية من خلال أهم كتب التفسير

عصام الحميدان

تمهيد

السيرة النبوية من خلال أهم كتب التفسير تمهيد: يتفق العلماء على أن أهم ما ينبغي الرجوع إليه لتفسير القرآن الكريم هو القرآن الكريم نفسه (1) ، وذلك أن القرآن الكريم يفصل ما أجمل، ويقيد ما أطلق، ويبين ما أبهم، ويؤكد الحدَث والحكم (2) . ويتفق العلماء أيضاً على أن المرحلة الثانية للتفسير بعد النظر في القرآن نفسه، هي الرجوع إلى السنة النبوية، لأنها شارحةٌ للقرآن، وموضِّحة له، قال الإمام الشافعي رحمه الله " كل ما حكم به النبي صلى الله عليه وسلم فهو مما فهمه من القرآن". وقال ابن برَّجان (3) في " الإرشاد في تفسير القرآن ": "ما قال النبي صلى الله عليه وسلم من شيء فهو في القرآن، وفيه أصله، قرب أو بعد، فهمه من فهمه، وعمه عنه من عمه، قال الله تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 38] . .... وهكذا حكم جميع قضائه، وحكمه على طرقه التي أتت عليه، وإنما يدرك الطالب من ذلك بقدر اجتهاده وبذل وسعه، ويبلغ منه الراغب فيه

_ (1) مجموع فتاوى ابن تيمية (13/363) وتفسير ابن كثير (1/3) والبرهان للزركشي (2/175) والإتقان للسيوطي (2/1197) ونقل الإجماع على ذلك د. علي العبيد في " تفسير القرآن الكريم: أصوله وضوابطه " (38) . (2) انظر أنواع تفسير القرآن للقرآن في: التفسير والمفسرون للدكتور الذهبي (1/38 – 40) وتفسير القرآن الكريم: أصوله وضوابطه للدكتور علي العبيد (39 – 44) . (3) عبد السلام بن عبد الرحمن بن أبي الرجال اللخمي الأفريقي ثم الإشبيلي. روى عن ابن منظور، وروى عنه عبد الحق الإشبيلي. من علماء القراءات والحديث والتصوّف. له " شرح الأسماء الحسنى ". توفي سنة 536هـ. (طبقات المفسرين للداودي: 1/306) .

حيث بلَّغه ربه تبارك وتعالى؛ لأنه واهب النعم، ومقدِّر القسم " (1) . وقال الشاطبي " السنة راجعة في معناها إلى الكتاب، فهي تفصيل مجمله، وبيان مشكله، وبسط مختصره، وذلك لأنها بيان له، فلا تجد في السنة أمراً إلا والقرآن قد دلّ على معناه دلالة إجمالية أو تفصيلية " (2) . وقال الزركشي " لطالب التفسير مآخذ كثيرة، أمهاتها أربعة: الأول: النقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا هو الطراز الأول، لكن يجب الحذر من الضعيف فيه والموضوع، فإنه كثير.. قال الميموني: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ثلاث كتب ليس لها أصول: المغازي والملاحم والتفسير (3) قال المحققون من أصحابه: ومراده أن الغالب أنها ليس لها أسانيد صحاح متصلة (4) ، وإلا فقد صحّ من ذلك كثير.

_ (1) البرهان للزركشي (1/129، 130) والبحر المحيط في أصول الفقه له أيضاً (4/166) . (2) الموافقات (4/12) ثم قيَّد ذلك بالسنن التكليفية والتفسيرية للقرآن، دون الأخبار الخارجة عن ذلك؛ لأنه أمر زائد على مواقع التكليف، وإنما أنزل القرآن للتكليف، ومثَّل له بحديث الأقرع والأعمى والأبرص، وحديث جريج، ونحو ذلك من القصص النبوية (4/55) . (3) رواه الخطيب في " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع " (2/224) وعقَّب عليه بقوله: وهذا الكلام محمول على وجه، وهو أن المراد به كتب مخصوصة في هذه المعاني الثلاثة غير معتمد عليها، ولا موثوق بصحتها لسوء أحوال مصنفيها، وعدم عدالة ناقليها، وزيادات القصَّاص فيها. ونقله عنه السخاوي في خاتمة " المقاصد الحسنة " (481) والسيوطي في خاتمة " الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة " (455) . (4) هذا قول شيخ الإسلام ابن تيمية في " مقدمة التفسير " (مجموع الفتاوى: 13/346) وتفسيره أولى من تفسير الخطيب المتقدم؛ لأن الإمام نسب الضعف إلى نوع الفنّ، لا إلى كتاب معيَّن، فقال: المغازي، والتفسير، والملاحم. ولو أراد كتباً معينة لسمَّاها. وثانياً: أن مقولة الإمام أحمد تنطبق على عامة كتب المغازي والتفسير، ولا تخصّ كتباً معينة. وثالثاً: أن مراد الإمام أحمد – والله أعلم – أن الغالب على هذه الفنون المراسيل، كما روي عنه: ليس لها إسناد. ولم يرِد أن هذه الأنواع من الكتب ضعيفة، بل أراد إثبات أن غالب رواياتها مرسلة، والمرسل إذا تعضَّد بغيره لم يبقَ ضعيفاً.

فمن ذلك تفسير الظلم بالشرك في قوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام:82] ، وتفسير الحساب اليسير بالعرض، رواهما البخاري (1) . وتفسير القوة في: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال:60] بالرمي، رواه مسلم (2) . وكتفسير العبادة بالدعاء في قوله: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي} [غافر:60] (3) " (4) . وتعريف السنة هو: ما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو وصف (5) . فالسنة تشمل: الأقوال والأفعال والسيرة والشمائل، لذا فإنك تجد روايات ذلك كله في كتب السنة المتعددة كصحيح البخاري وغيره.

_ 1) الأول رواه البخاري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه (كتاب الإيمان/باب ظلم دون ظلم) ورواه مسلم في صحيحه أيضاً (كتاب الإيمان/باب صدق الإيمان وإخلاصه) ، والثاني رواه البخاري عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها (كتاب العلم/باب من سمع شيئاً فلم يفهمه فراجع فيه حتى يعرفه) ، ورواه مسلم في صحيحه أيضاً عنها (كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها/باب إثبات الحساب) . (2) رواه مسلم في صحيحه عن عقبة بن عامر رضي الله عنه (كتاب الإمارة/باب فضل الرمي والحثِّ عليه) . (3) رواه أحمد وأصحاب السنن عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما. (4) البرهان (1/156، 157) . (5) السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي/د. مصطفى السباعي (47) .

وسيرته صلى الله عليه وسلم هي مظهر هذه التطبيقات العملية، فهي جزء من السنة النبوية التي يجب الرجوع إليها في تفسير القرآن، وبذا يُفهم قول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها حين سئلت عن خُلق النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت "كان خُلُقُه القرآن" (1) . فتطبيقات الرسول صلى الله عليه وسلم العملية للقرآن تفسيرٌ له، كما أن في أقواله صلى الله عليه وسلم ما هو تفسيرٌ له، قال شيخ الإسلام ابن تيمية " يجب أن يُعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم بين لأصحابه معاني القرآن كما بين لهم ألفاظه، فقوله تعالى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل:44] يتناول هذا وهذا " (2) . وقال ابن القيم " البيان من النبي صلى الله عليه وسلم أقسام: أحدها: بيان نفس الوحي بظهوره على لسانه بعد أن كان خفياً. الثاني: بيان معناه وتفسيره لمن احتاج إلى ذلك.. الثالث: بيانه بالفعل كما بيَّن أوقات الصلاة للسائل بفعله. الرابع: بيان ما سئل عنه من الأحكام التي ليست في القرآن، فنزل القرآن ببيانها.. إلخ " (3) . ولتوضيح هذا أقول: إن بيانه صلى الله عليه وسلم للقرآن على وجوه (4) : الأول: ما أوضح به معنى جملة أو مفردة من مفردات القرآن، وهذا يكون بالقول وبالفعل، فالقول: كتفسير المغضوب عليهم باليهود والضالين

_ (1) رواه مسلم في صحيحه بمعناه (كتاب صلاة المسافرين وقصرها/باب جامع صلاة الليل) . (2) مجموع الفتاوى (13/331) . (3) إعلام الموقعين (2/295، 296) . (4) انظر: الرسالة للإمام الشافعي (91) وأصول التفسير وقواعده لخالد العك (128) والتفسير والمفسرون للذهبي (1/55 – 57) .

بالنصارى (1) ، وتفسير الصلاة الوسطى بالعصر (2) ، وتفسير الشاهد والمشهود بيوم الجمعة، ويوم عرفة (3) . والفعل كصلاته صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بعد طلوع الشمس عندما نام عنها في أحد أسفاره، وتلاوته قوله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه:14] (4) ، وكما كان صلى الله عليه وسلم يصلي تطوعاً حيثما توجهت به راحلته في السفر (5) ، وهو توضيح معنى قوله سبحانه: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة:115] وأن مما يشمله النوافل ولو مع القدرة على التوجه للقبلة، وكما يقول صلى الله عليه وسلم في ركوعه وسجوده في الصلاة "سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي" يتأوَّل قوله سبحانه: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً} [النصر: 3] (6) ، وهو توضيح لوقت هذا التسبيح وصيغته.

_ (1) رواه أحمد والترمذي وحسَّنه وابن حبان عن عدي بن حاتم رضي الله عنه (جامع الأصول: 2/7) . (2) رواه البخاري ومسلم عن علي رضي الله عنه، ورواه مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه، وله طرق أخرى (جامع الأصول: 2/49، 50) . (3) رواه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه بسند ضعيف، وأخرجه البيهقي عنه أيضاً بسند حسن (فضائل الأوقات للبيهقي: 349) . (4) رواه الشيخان عن أنس رضي الله عنه (البخاري: كتاب مواقيت الصلاة/باب من نسي صلاة، ومسلم: كتاب المساجد/باب قضاء الصلاة الفائتة: جامع الأصول: 5/189) . (5) رواه الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما (البخاري: كتاب تقصير الصلاة/باب صلاة التطوع على الدابة وحيثما توجَّهت به، ومسلم: كتاب صلاة المسافرين/باب جواز صلاة النافلة على الدابة في السفر حيث توجَّهت: جامع الأصول: 5/476) . (6) رواه الشيخان عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها (البخاري: كتاب صفة الصلاة/باب التسبيح والدعاء في السجود، ومسلم: كتاب الصلاة/باب ما يقال في الركوع والسجود: جامع الأصول: 4/191) .

الثاني: ما أزال به الإشكال عن فهمٍ مغلوط للآية، كتفسيره الظلم بالشرك في قوله سبحانه: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام:82] (1) ، لئلا يفهم منها مطلق الظلم. وتفسيره الخيط الأبيض والخيط الأسود بسواد الليل وبياض النهار (2) ، لئلا يفهم منها الخيط القطني. الثالث: ما أكّد به معنى قرآنياً، وهذا يكون بالقول وبالفعل، فالقول: كتأكيده أهمية الإيمان بالله (3) ، ووجوب الصلاة والزكاة (4) ، وفضل الذكر (5) ، وتحريم الربا (6) . والفعل كتطبيقه العبادات والمعاملات والأخلاق القرآنية. وبفهم هذين النوعين من التفسير: القولي والفعلي، يحلّ الإشكال الواقع

_ (1) رواه الشيخان عن ابن مسعود رضي الله عنه، وقد تقدم قريباً. (2) رواه الشيخان عن عدي بن حاتم رضي الله عنه (البخاري: كتاب الصوم/باب قول الله تعالى (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود (، ومسلم: كتاب الصوم/باب بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر: جامع الأصول: 2/28) . (3) كقوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلّم في حديث جبريل " أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله.. الحديث " متفق عليه عن عمر رضي الله عنه. (4) كقوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلّم " خمس صلوات كتبهن الله على العباد " رواه مالك وأبو داود والنسائي عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه (جامع الأصول: 6/44) ، وقوله " اتقوا الله، وصلوا خمسكم، وصوموا شهركم، وأدوا زكاة أموالكم " رواه الترمذي وصححه عن أبي أمامة رضي الله عنه. (جامع الأصول: 9/545) . (5) كقوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلّم " سبق المفرِّدون " قالوا: وما المفرِّدون يا رسول الله؟ قال " الذاكرون الله كثيراً والذاكرات " رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه (كتاب الذِّكر والدعاء/باب الحث على ذكر الله تعالى: جامع الأصول: 4/475، 476) . (6) كقوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلّم " لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه " رواه الترمذي وصححه عن ابن مسعود رضي الله عنه، وأوله في صحيح مسلم (جامع الأصول: 1/542) .

بين الفريقين المختلفين في مقدار ما بيَّنه صلى الله عليه وسلم لأمته من تفسير القرآن (1) ، ويكون تفسيره صلى الله عليه وسلم بهذا الاعتبار يتناول أكثر آيات القرآن الكريم، والله أعلم.

_ (1) الإتقان (2/1289) والتفسير والمفسرون للذهبي (1/49) والتفسير النبوي خصائصه ومصادره/محمد عبد الرحيم محمد (8) .

خطة البحث

السيرة النبوية من خلال أهم كتب التفسير خطة البحث المبحث الأول: الآيات القرآنية المتعلقة بالسيرة النبوية: * المطلب الأول: استعراض الآيات القرآنية المتعلقة بالسيرة النبوية. * المطلب الثاني: دراسة الآيات، وأهم ملامحها. * المطلب الثالث: تناول كتب السيرة النبوية لهذه الآيات: وستكون الدراسة من خلال كتب السيرة التالية: مغازي الواقدي، مغازي عروة بن الزبير، سيرة ابن إسحاق. المبحث الثاني: تناول كتب التفسير للسيرة النبوية: * المطلب الأول: السيرة النبوية في تفسير ابن جرير الطبري. * المطلب الثاني: السيرة النبوية في تفسير ابن أبي حاتم. * المطلب الثالث: السيرة النبوية في تفسير ابن كثير. المبحث الثالث: مقارنة بين كتب السيرة النبوية وكتب التفسير: * المطلب الأول: الناحية التوثيقية. * المطلب الثاني: الناحية الموضوعية. * المطلب الثالث: الناحية التاريخية. الخاتمة: الخلاصة، وأهم النتائج والتوصيات.

المبحث الأول: الآيات القرآنية المتعلقة بالسيرة النبوية

المبحث الأول: الآيات القرآنية المتعلقة بالسيرة النبوية مدخل: القرآن الكريم مصدر مهمّ من مصادر السيرة النبوية، وتظهر أهميته بما يتميز به عن بقية المصادر، وهو: 1. أنه حقٌّ كله: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصِّلت: 41، 42] ، فلا مجال للشكّ في معلوماته، أو احتمال المبالغة في أحداثه، وبالتالي فإن جميع المصادر الأخرى يجب أن تحكَّم على ضوئه. 2. أنه لا يخاطب جنساً معيناً، أو قبيلة أو جيلاً واحداً، بل هو للناس كافة {إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ} [ص:87، 88] لذا نجده يربط سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم بسير الأنبياء السابقين عليهم السلام، ويوضِّح الرسالة الواحدة الخالدة المشتركة بينهم. 3. أنه لا يهتمّ بالعرض التاريخي لغرض التوثيق أو التسلية فحسب، وإنما يورد القصص لغرضين أساسيين: الأول: تثبيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتسليته بما حدث لإخوانه من قبل: {وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ} [هود:120] . الثاني: اتعاظ المؤمنين بما فيها، وأخذ العبرة منها، لتزيد ارتباطهم بالله سبحانه، وتُعدّهم للإيمان الحقّ، وتنبههم لما قد يحدث لهم بما فيه شَبَهٌ بمن قبلهم، والأيام دوَل، والتاريخ يعيد نفسه {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ

لأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [يوسف:111] .

المطلب الأول: استعراض الآيات القرآنية المتعلقة بالسيرة النبوية

المطلب الأول: استعراض الآيات القرآنية المتعلقة بالسيرة النبوية: يعرِّف الباحثون السيرة النبوية بأنها الأحداث المتعلقة بحياة رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ مولده حتى انتقاله إلى ربه عز وجل (1) . ولذلك فإن مباحث السيرة النبوية تشتمل على خمسة عناصر (2) : الأول: السيرة الذاتية: وهي ما يتعلق به صلى الله عليه وسلم من ولادة، ونشأة، وزواج، وخدَم، ومتاع. الثاني: النبوة والرسالة: وهو ما يتعلق بالوحي، والدعوة، ومواقف الناس منها. الثالث: الغزوات والسرايا. الرابع: الشمائل: وهي الآداب والأخلاق. الخامس: الخصائص: وهي ما امتاز به صلى الله عليه وسلم عن بقية الخلق. وكل هذه العناصر وردت مجملةً في القرآن الكريم، ومفصَّلةً في كتب السير والمغازي، وللتعرف على حديث القرآن عن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، فسأتناول ما ورد في القرآن الكريم عن كل عنصر من هذه العناصر الخمسة السابقة:

_ (1) فقه السيرة النبوية/منير محمد غضبان (13) ومقدمة طه عبد الرءوف سعد لسيرة ابن هشام (1/هـ) . (2) كشف الظنون (2/حاشية 1012) .

أولاً: السيرة الذاتية: السورة ... الآية أو الآيات القرآنية ... الموضوع البقرة ... 151 ... عشيرته آل عمران ... 144 ... أسماؤه آل عمران ... 164 ... عشيرته الأعراف ... 157، 158 ... أمِّيَّته يونس ... 2 ... بشريته النحل ... 103 ... عربيته الرعد ... 37 ... عربيته إبراهيم ... 4 ... عربيته الإسراء ... 93 ... بشريَّته الكهف ... 110 ... بشريته النور ... 11 – 16، 22 – 26 ... قصة الإفك الشعراء ... 195 ... عربيته الشعراء ... 214 ... عشيرته العنكبوت ... 48 ... أمِّيَّته الأحزاب ... 6، 28–34، 37،38،50–55، 59 ... أزواجه الأحزاب ... 40 ... أبوَّته الأحزاب ... 40 ... أسماؤه يس ... 69 ... عدم قوله الشعر

4 ... عشيرته الزمر ... 28 ... عربيته الشورى ... 7 ... عربيته الشورى ... 23 ... عشيرته محمد ... 2 ... أسماؤه الفتح ... 29 ... أسماؤه ص ... 2 ... عشيرته الصف ... 6 ... أسماؤه الجمعة ... 2 ... أمِّيَّته التحريم ... 1 – 5 ... تعامله مع أزواجه الضحى ... 6 ... يتمه المسد ... 1 – 5 ... عمه أبو لهب وزوجته ثانياً: النبوة والرسالة: السورة ... الآية أو الآيات القرآنية ... الموضوع البقرة ... 118 ... سؤال قريش المعجزات البقرة ... 119 ... إثبات رسالته آل عمران ... 81، 164 ... إثبات رسالته النساء ... 61 ... أذى المنافقين النساء ... 79، 166، 170 ... إثبات رسالته

15، 19 ... إثبات رسالته المائدة ... 41 ... أذى المنافقين الأنعام ... 8، 37، 109، 111 ... سؤال قريش المعجزات الأنعام ... 25، 26، 33، 35، 57، 66، 148، 150 ... تكذيب قريش الأنعام ... 105 ... اتهامه بالتعلُّم من غيره الأعراف ... 158 ... إثبات رسالته الأعراف ... 203 ... سؤال قريش المعجزات التوبة ... 33 ... إثبات رسالته التوبة ... 58، 61، 74 ... أذى المنافقين يونس ... 15، 39، 41 ... تكذيب قريش يونس ... 20 ... سؤال قريش المعجزات هود ... 12 ... سؤال قريش المعجزات الرعد ... 7، 27 ... سؤال قريش المعجزات الرعد ... 43 ... تكذيب قريش الحجر ... 7 ... سؤال قريش المعجزات الحجر ... 94 ... الجهر بالدعوة النحل ... 103، 113 ... تكذيب قريش الإسراء ... 90 – 93 ... سؤال قريش المعجزات طه ... 133 ... سؤال قريش المعجزات الأنبياء ... 2، 3، 5، 6 ... تكذيب قريش

الأنبياء ... 5 ... سؤال قريش المعجزات النور ... 11 ... أذى المنافقين الفرقان ... 4 ... تكذيب قريش الفرقان ... 7، 8 ... سؤال قريش المعجزات القصص ... 48 ... تكذيب قريش العنكبوت ... 50 ... سؤال قريش المعجزات السجدة ... 3 ... تكذيب قريش سبأ ... 7، 8، 43، 53 ... تكذيب قريش فاطر ... 4، 42 ... تكذيب قريش يس ... 3 ... إثبات رسالته يس ... 76 ... تكذيب قريش الصافات ... 12، 36، 170 ... تكذيب قريش ص ... 4 – 8، 68 ... تكذيب قريش الزمر ... 64 ... تكذيب قريش فصِّلت ... 4، 5 ... تكذيب قريش الشورى ... 13، 24 ... تكذيب قريش الشورى ... 51 ... صور الوحي الزخرف ... 24، 30، 57، 58، 88 ... تكذيب قريش الدخان ... 14 ... تكذيب قريش الأحقاف ... 7، 8، 10 ... تكذيب قريش

الأحقاف ... 29 – 32 ... دعوته الجن محمد ... 2 ... إثبات رسالته الفتح ... 28 ... إثبات رسالته ص ... 2 ... تكذيب قريش النجم ... 5 – 18 ... الوحي الطور ... 30 – 43 ... تكذيب قريش القمر ... 2، 3 ... تكذيب قريش المزمِّل ... 5 ... شدَّة الوحي المدَّثِّر ... 53 ... تكذيب قريش الجن ... 1 – 17 ... دعوته الجن المنافقون ... 8 ... أذى المنافقين القلم ... 8 ... تكذيب قريش المعارج ... 36، 37 ... تكذيب قريش عبس ... 5، 6 ... تكذيب قريش التكوير ... 23 ... الوحي البينة ... 1 ... سؤال قريش المعجزات

ثالثاً: الغزوات والسرايا: السورة ... الآية أو الآيات القرآنية ... الغزوة أو السرية البقرة ... 217 ... سرية عبد الله بن جحش آل عمران ... 121، 122، 140، 143، 152 – 155، 165 – 168 ... أحُد آل عمران ... 13، 123 – 128 ... بدر آل عمران ... 172 – 175 ... حمراء الأسد المائدة ... 2 ... الحديبية المائدة ... 7 ... بيعة العقبة المائدة ... 11 ... ذات الرقاع، بنو النضير الأنفال ... 1 – 14، 36 – 44، 47 – 51، 67 – 71 ... بدر الأنفال ... 30 ... الهجرة التوبة ... 1 – 3 ... حجة الوداع التوبة ... 25 – 27 ... حنين التوبة ... 40 ... الهجرة التوبة ... 41–66،81– 83،90– 96، 117–121 ... تبوك الحج ... 19 ... بدر القصص ... 85 ... الهجرة

9 – 25 ... الأحزاب الأحزاب ... 26، 27 ... بنو قريظة محمد ... 13 ... الهجرة الفتح ... 1 – 23 ... صلح الحديبية الفتح ... 15 ... خيبر الفتح ... 24 - 27 ... فتح مكة القمر ... 45 ... بدر الحشر ... 2 – 6، 11 – 14 ... بنو النضير الممتحنة ... 1 – 9 ... فتح مكة الممتحنة ... 10 – 12 ... الهجرة المنافقون ... 1 - 8 ... بنو المصطلق النصر ... 1 ... فتح مكة

رابعاً: الشمائل: السورة ... الآية ... الموضوع آل عمران ... 153 ... ثباته في القتال آل عمران ... 159 ... رحمته المائدة ... 15 ... نوره التوبة ... 61 ... رحمته التوبة ... 128 ... رحمته الأنبياء ... 107 ... رحمته الأحزاب ... 46 ... نوره الأحزاب ... 53 ... حياؤه الزمر ... 33 ... صدقه القلم ... 4 ... خُلُقه العظيم التكوير ... 22 ... عقله

خامساً: الخصائص: السورة ... الآية ... الموضوع البقرة ... 144 ... القبلة آل عمران ... 81 ... أخذ الميثاق على الأنبياء بالإيمان به آل عمران ... 110 ... أمته خير الأمم آل عمران ... 144 ... ختم الرسالات به آل عمران ... 151 ... نصره بالرُّعب المائدة ... 48 ... هيمنة كتابه على الكتب السابقة الأنعام ... 14، 163 ... هو أول المسلمين الأنعام ... 90 ... عموم رسالته الأعراف ... 157 ... ذكره في التوراة والإنجيل الأعراف ... 158 ... عموم رسالته الأنفال ... 12 ... نصره بالرُّعب الأنفال ... 33 ... لا تعذَّب أمته وهو حيّ الأنفال ... 69 ... إحلال الغنائم له التوبة ... 33 ... عموم رسالته يونس ... 108 ... عموم رسالته الحجر ... 9 ... حفظ دينه وكتابه الحجر ... 87 ... السبع المثاني والقرآن العظيم

1، 60 ... الإسراء والمعراج الإسراء ... 79 ... المقام المحمود الإسراء ... 79 ... وجوب التهجُّد عليه الأنبياء ... 107 ... عموم رسالته الحج ... 49 ... عموم رسالته الفرقان ... 1 ... عموم رسالته الأحزاب ... 6 ... أزواجه أمهات المؤمنين الأحزاب ... 40 ... ختم الرسالات به الأحزاب ... 50 ... وهب النساء أنفسهن له الأحزاب ... 53 ... آداب دخول بيوته الأحزاب ... 56 ... صلاة الله وملائكته عليه سبأ ... 28 ... عموم رسالته الزمر ... 12 ... هو أول المسلمين الزمر ... 41 ... عموم رسالته الفتح ... 2 ... مغفرة جميع ذنوبه الفتح ... 28 ... عموم رسالته الفتح ... 29 ... ذكره في التوراة والإنجيل الحجرات ... 2 ... عدم الجهر له بالقول كسائر الناس النجم ... 13 – 18 ... المعراج المجادلة ... 12، 13 ... تقديم الصدقة بين يدي نجواه

القلم ... 52 ... عموم رسالته المزمِّل ... 2 ... وجوب التهجُّد عليه الإنسان ... 26 ... وجوب التهجُّد عليه التكوير ... 27 ... عموم رسالته البلد ... 2 ... القتال في مكة الانشراح ... 4 ... رفع الله ذكره الكوثر ... 1 ... إعطاؤه الكوثر المطلب الثاني: دراسة الآيات، وأهم ملامحها: نلاحظ من خلال دراسة الآيات ما يلي: أولاً: السيرة الذاتية: هذا القسم يحوي (84) آية، ونلاحظ الحديث عنه صلى الله عليه وسلم تعريفاً به في السوَر المكِّية والمدنية، وذلك أنه يحتاج للتعريف به دائماً كحاملٍ للرسالة دون غيره، ردّاً على من يزعم أن هناك من هو أولى به في الرسالة، وذلك الزعم تكرر في مكة والمدينة. وأيضاً نلاحظ أن الحديث في السور المكّية عن لغته، ونشأته الأولى وعشيرته، والحديث في السور المدنية عن زواجه. ثانياً: النبوة والرسالة: هذا القسم يحوي (132) آية وهو أكثر الأقسام – إذا استثنينا تفصيلات الغزوات - وسبب الكثرة فيه واضح، وهو أنه غرض القرآن الرئيس. ونلاحظ أيضاً أن أكثر هذا القسم مكِّيّ، وذلك أن إثبات النبوة وتأكيدها يحتاج إليه في مكة أكثر من المدينة.

المطلب الثاني: دراسة الآيات، وأهم ملامحها

المطلب الثاني: دراسة الآيات، وأهم ملامحها: نلاحظ من خلال دراسة الآيات ما يلي: أولاً: السيرة الذاتية: هذا القسم يحوي (84) آية، ونلاحظ الحديث عنه صلى الله عليه وسلم تعريفاً به في السوَر المكِّية والمدنية، وذلك أنه يحتاج للتعريف به دائماً كحاملٍ للرسالة دون غيره، ردّاً على من يزعم أن هناك من هو أولى به في الرسالة، وذلك الزعم تكرر في مكة والمدينة. وأيضاً نلاحظ أن الحديث في السور المكّية عن لغته، ونشأته الأولى وعشيرته، والحديث في السور المدنية عن زواجه. ثانياً: النبوة والرسالة: هذا القسم يحوي (132) آية وهو أكثر الأقسام – إذا استثنينا تفصيلات الغزوات - وسبب الكثرة فيه واضح، وهو أنه غرض القرآن الرئيس. ونلاحظ أيضاً أن أكثر هذا القسم مكِّيّ، وذلك أن إثبات النبوة وتأكيدها يحتاج إليه في مكة أكثر من المدينة.

ونلاحظ أيضاً أن الحديث عن المنافقين كان في السور المدنية؛ لأنهم إنما وجدوا في المدينة. ثالثاً: الغزوات والسرايا: هذا القسم يحوي (187) آية، وهو أكثر الأقسام عدداً من الآيات؛ بسبب التفصيلات التي تقتضيها حكاية أحداث الغزوات. ونلاحظ أن أغلب الغزوات ذكرت في سور مدنية، وذلك أن الجهاد إنما شُرِع في المدينة، وإن كانت هناك إشارات إلى غزوة بدر في سور مكِّية، لكن لم يتبين معناها إلا بعد وقوعها. رابعاً: الشمائل: وهي في (11) آية فقط، وذلك أن أبرز شمائل النبي صلى الله عليه وسلم هو النبوة والرسالة، وقد استقصي في قسم آخر، وربما كان لقلة الآيات في هذا القسم سببٌ عقديّ، وهو أن القرآن الكريم لا يريد أن يعلِّق الناس بشخص النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما يريد ربطهم بالمنهج والرسالة، لذا أسهب في موضوع النبوة دون هذا، والله تعالى أعلم. خامساً: الخصائص: هذا القسم يتضمن (52) آية، بين مكِّيّ ومدنيّ.

المطلب الثالث: تناول كتب السيرة النبوية لهذه الآيات

المطلب الثالث: تناول كتب السيرة النبوية لهذه الآيات: ستكون الدراسة من خلال كتب السيرة التالية: مغازي عروة بن الزبير (ت94هـ) ، وسيرة ابن إسحاق (ت150هـ) ، ومغازي الواقدي (ت207هـ) . أولاً: مغازي عروة بن الزبير: عروة بن الزبير بن العوَّام، أحد الفقهاء السبعة (1) ، حدَّث عن أبيه وأمه

_ (1) الفقهاء السبعة هم: سعيد بن المسيب، والقاسم بن محمد، وخارجة بن زيد، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وسليمان بن يسار، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، إضافة لعروة بن الزبير رحمهم الله. (الفقه الإسلامي وأدلته/د. وهبة الزحيلي: 1/28) .

أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما، ولازم خالته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وروى عن غيرهم. روى عنه بنوه يحيى وعثمان وهشام ومحمد، والزهري، وأبو الأسود يتيم عروة، وابن المنكدر وغيرهم. كان قانتاً، ورعاً، مجتنباً للفتن، ولد سنة 23هـ بالمدينة، وتوفي بها سنة (94هـ) بعد أن عاش في مصر عدة سنوات (1) . ويعدّ عروة بن الزبير أقدم من كتب في السيرة النبوية، حسب شهادة الواقدي (ت 207هـ) (2) ، والسخاوي (ت 902هـ) (3) ، بل إنه يعدّ مؤسس علم التاريخ الإسلامي العام (4) . وممن أثبت كتابه في السيرة سوى من تقدم: ابن النديم (ت385هـ) (5) ، والذهبي (ت 748هـ) (6) ، وابن حجر (ت852هـ) (7) ، وحاجي خليفة (ت1067هـ) (8) .

_ (1) سير أعلام النبلاء (4/421 – 437) . (2) البداية والنهاية (9/101) . (3) الإعلان بالتوبيخ (48) وانظر: كتاب المغازي لعروة برواية أبي الأسود: المقدمة (57) والسيرة النبوية في الصحيحين وعند ابن إسحاق/د. سليمان حمد العودة (26) ومقدمة " المغازي " للواقدي/د. مارسدن جونس (21) . (4) مراجع مختارة عن حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلّم/د. محمد ماهر حمادة (25) . (5) انظر: كتاب المغازي لعروة برواية أبي الأسود: المقدمة (57) وهذا أصحّ من قول د. فؤاد سزكين بأن كتاب " المغازي " ليس له مصدر قديم (تاريخ التراث العربي " التدوين التاريخي ": 1 " 2 "/70) . (6) سير أعلام النبلاء (6/150) . (7) فتح الباري (5/333) . (8) كشف الظنون (2/1747) .

وهذا عرضٌ للآيات في مغازي عروة (حسب ترتيب الكتاب ( [1] )) : السورة ... رقم الآية ... الغزوة/الحدَث ... الصفحة النجم ... 1، 2 ... بدء الوحي ... 100 العلق ... 1 – 5 ... بدء الوحي ... 101 الحج ... 52، 53 ... قصة الغرانيق ... 106 - 109 الأنفال ... 30 ... بدر الكبرى ... 128 التوبة ... 40 ... بدر الكبرى ... 129 الأنفال ... 42، 43 ... بدر الكبرى ... 137،- 145، 233 الأنفال ... 47 – 49 ... بدر الكبرى ... 139،-145،234 الأنفال ... 5 – 12، 17 – 27 ... بدر الكبرى ... 138، 144 الأنفال ... 50 – 58 ... بدر الكبرى ... 145 الأنفال ... 67 – 69 ... بدر الكبرى ... 145 الأنفال ... 70، 71 ... بدر الكبرى ... 146 الأنفال ... 74 – آخر السورة ... بدر الكبرى ... 146 النساء ... 97 – 99 ... بدر الكبرى ... 146

_ ( [1] ) كتاب المغازي له، جمع وتحقيق الدكتور محمد مصطفى الأعظمي، ونشره مكتب التربية العربي لدول الخليج في مجلد سنة 1401هـ.

الحشر ... 1 – 6 ... بنو النضير ... 166، 167 آل عمران ... 173 ... حمراء الأسد ... 174 آل عمران ... 128 ... بئر معونة ... 180 الفتح ... 24 ... الحديبية ... 193 التوبة ... 49 – 59 ... تبوك ... 220 التوبة ... 65 – 68 ... تبوك ... 221 النتائج: بعد هذا العرض نصل إلى نتيجتين: الأولى: أن عروة اقتصر على إيراد الآيات القرآنية في بعض الغزوات، وترك بعضها مع شهرتها وكثرة الآيات الواردة فيها، كغزوة أحد. الثانية: أنه لا يستطرد في تفسير الآيات ببيان معاني مفرداتها، أو حتى المعنى الإجمالي لها، وإنما يقتصر على بيان معناها من خلال الحدَث الذي نزلت فيه، وعلى سبيل المثال، قال رحمه الله: " ومكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الحج بقية ذي الحجة، والمحرم، وصفر، ثم إن مشركي قريش أجمعوا أمرهم ومكرهم حين ظنوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خارج، وعلموا أن الله قد جعل له بالمدينة مأوى ومنعة، وبلغهم إسلام الأنصار، ومن خرج إليهم من المهاجرين، فأجمعوا أمرهم على أن يأخذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإما أن يقتلوه، أو يسجنوه، أو يحبسوه، أو يخرجوه، أو يوثقوه، فأخبره الله عز وجل بمكرهم، فقال تعالى: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال:30] ( [1] ) .

_ ( [1] ) المغازي (128) .

ثانياً: سيرة ابن إسحاق: محمد بن إسحاق بن يسار المطلبي مولاهم، المولود سنة (85هـ) بالمدينة، رأى أنس بن مالك رضي الله عنه، وروى عن نافع والزهري وابن عيينة وعاصم بن عمر وعبد الله بن أبي بكر بن حزم وغيرهم. روى عنه يزيد بن أبي حبيب ويحيى بن سعيد التابعيان، وهشيم والحمادان وشعبة والثوري وغيرهم. كان مستقراً في المدينة المنورة، إلا أنه اضطر لتركها لخلافٍ بينه وبين الإمام مالك رضي الله عنه، فهاجر إلى مصر، ثم عاد إلى المدينة وحدَّث بالسيرة النبوية، ثم استقر في العراق، والتحق بمجلس الخليفة أبي جعفر المنصور. توفي سنة (150هـ) ببغداد (1) . وكتابه في المغازي مشهور، إلا أنه لم يصل إلينا، وإنما نقل عبد الملك بن هشام الأنصاري كتابه مهذَّباً، ورواه عن تلميذ ابن إسحاق زياد البكائي (2) . وقد انتقد ابن إسحاق في ضبطه، وضعَّفه بعض المحدِّثين (3) ، وذلك لا يعني ضعفه في السيرة واطّراح رواياته التي نقلها؛ للأسباب التالية:

_ (1) سير أعلام النبلاء (7/33 – 55) وتهذيب التهذيب (9/38 – 46) والسيرة النبوية في الصحيحين وعند ابن إسحاق/د. سليمان حمد العودة (31) ومراجع مختارة عن حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلّم/د. محمد ماهر حمادة (32) . (2) تاريخ التراث العربي "التدوين التاريخي" (1 "2"/87، 88) ومراجع مختارة عن حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلّم/د. محمد ماهر حمادة (41) والسيرة النبوية لابن هشام طبعت مرات عديدة، وممن شرحها أبو القاسم السهيلي في " الروض الأنُف"، وممن اختصرها إمام الدعوة الشيخ محمد ابن عبد الوهاب التميمي. (3) ضعفه مالك، وابن معين في رواية، والنسائي، والقطان. (تهذيب التهذيب: 9/44، 45) .

الأول: لم يتفق المحدِّثون على تضعيفه في الحديث، فقد وثقه يحيى بن معين، وحسَّن الإمام أحمد حديثه، وسماه سفيان بن عيينة وشعبة أمير المحدِّثين، وأثنى عليه الزهري، ووثقه أبو زرعة والبخاري والحاكم والدارقطني وابن خلكان، وغيرهم (1) . الثاني: أنه من يضعَّف في الحديث، فليس بالضرورة أنه ضعيف في غيره، بدليل أن العلماء ضعفوا بعض قرَّاء القرآن الكريم في روايتهم للحديث، وهم أئمة الدنيا في القراءة، وتلقاها عنهم العلماء بغير نكير؛ كعاصم بن أبي النجود الكوفي (2) ، وحفص بن سليمان بن المغيرة راوية عاصم (3) . وكذلك ابن إسحاق رحمه الله في مغازيه، فقد وصفه الزهري بأنه أعلم الناس بها، وقال الإمام الشافعي: من أراد أن يتبحر في المغازي فهو عيال على محمد بن إسحاق، وكان الإمام أحمد يعتمد على مغازيه، ووثقه فيها الذهبي وابن كثير (4) . الثالث: أن أكثر ما رواه ابن إسحاق واطأه عليه غيره من أهل السير

_ (1) تهذيب التهذيب (9/42، 44، 46) مراجع مختارة عن حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلّم/د. محمد ماهر حمادة (40) والسيرة النبوية في الصحيحين وعند ابن إسحاق/د. سليمان حمد العودة (49 – 53) . (2) قال الذهبي: ثبت في القراءة، وهو في الحديث دون الثبت، صدوق يهم. وقال النسائي: ليس بحافظ. وقال الدارقطني: في حفظ عاصم شيء. (ميزان الاعتدال: 2/357) . (3) قال الذهبي: كان ثبتاً في القراءة واهياً في الحديث. وقال ابن معين: ليس بثقة. وقال البخاري: تركوه. (ميزان الاعتدال للذهبي: 1/558) وقال ابن الباذش: ثقة في القراءة، وإن كان ضعيفاً في الحديث (الإقناع في القراءات السبع لابن الباذش: 1/117) . (4) السيرة النبوية في الصحيحين وعند ابن إسحاق/د. سليمان حمد العودة (53، 54) .

والمغازي، وهو ما يعطيها قوة وصحة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية " المراسيل إذا تعددت طرقها وخلت عن المواطأة قصداً، أو الاتفاق بغير قصد، كانت صحيحة قطعاً.. فإذا كان الحديث جاء من جهتين أو جهات، وقد علم أن المخبرين لم يتواطآ على اختلاقه، وعلم أن مثل ذلك لا تقع الموافقة فيه اتفاقاً بلا قصد علم أنه صحيح؛ مثل شخص يحدث عن واقعة جرت، ويذكر تفاصيل ما فيها من الأقوال والأفعال، ويأتي شخص آخر قد علم أنه لم يواطئ الأول، فيذكر مثل ما ذكره الأول من تفاصيل الأقوال والأفعال، فيعلم قطعاً أن تلك الواقعة حق في الجملة.. ولهذا ثبتت بالتواتر غزوة بدر، وأنها قبل أحد، بل يعلم قطعاً أن حمزة وعلياً وعبيدة برزوا إلى عتبة وشيبة والوليد، وأن علياً قتل الوليد، وأن حمزة قتل قرنه، ثم يشك في قرنه هل هو عتبة أو شيبة. وهذا الأصل ينبغي أن يعرف، فإنه أصلٌ نافع في الجزم بكثير من المنقولات في الحديث، والتفسير، والمغازي، وما ينقل من أقوال الناس وأفعالهم وغير ذلك " (1) . وبذلك نصل إلى ثقة ابن إسحاق في المغازي والسيَر، وأنه أحد الأئمة فيها، وممن قدَّم للمسلمين تراثاً مهماً في التاريخ الإسلامي. وعند استعراض الآيات القرآنية الواردة في سيرة ابن إسحاق (2) ، نصل إلى النتائج التالية:

_ (1) مجموع الفتاوى (13/347 – 349) . (2) انظر الملحق (1) .

الأولى: أن ابن إسحاق فسَّر كثيراً من آيات القرآن الكريم، ومنها مائة آية من سورة البقرة، ونحو مائة آية من سورة آل عمران، ونحو مائة آية من سورة التوبة، وبعض السور كاملة، كسورة النصر. وهو بذلك يتميز عن عروة في مغازيه في كيفية تناوله لآيات القرآن الكريم في مناسباتها. الثانية: أن ابن إسحاق تناول كلّ السور القرآنية التي تعرضت لحوادث السيرة النبوية، وهو بذلك يضيف ميزة جيدة للسيرة مما لم يتناوله عروة في مغازيه. الثالثة: أن ابن إسحاق اهتمّ بالقسمين الثاني والثالث من أقسام السيرة، وهما: النبوة، والغزوات، إضافة إلى بعض الأول، وهو السيرة الذاتية، دون الخصائص والشمائل، فلم يتعرض لهما إلا لماماً. وبذلك فقد فاته من السيرة النبوية - بالاصطلاح العلمي - شيءٌ كثير. ثالثاً: مغازي الواقدي: محمد بن عمر بن واقد أبوعبد الله مولى بني سهم من أسلَم. ولد سنة 130هـ بالمدينة النبوية، ثم نزل بغداد سنة 180هـ، واستقرّ فيها، وولي القضاء للمأمون (1) . روى عن ربيعة والضحاك بن عثمان ومعمر وابن جريج وثور بن يزيد ومعاوية بن صالح ومخرمة وابن أبي ذئب ومالك. روى عنه ابن سعد كاتبه، وابن أبي شيبة، ومحمد بن شجاع، وسليمان

_ (1) الطبقات الكبرى (5/425) وتاريخ التراث العربي (1 " 2 "/100) .

الشاذكوني، وأبو بكر الصاغاني، وأبو عبيد، والحارث بن أبي أسامة، وغيرهم. توفي سنة 207هـ (1) . كان رحمه الله حريصاً على معرفة المغازي منذ شبابه، وكان لا يكتفي بالرواية، بل يذهب بنفسه إلى مكان الغزوة، حتى يراها، فصار مرجعاً في هذا الباب (2) . وكان معاصراً لابن إسحاق إلا أنه أصغر منه سناً، ولا شكّ أنه استفاد منه، ولكنه لم يشِر إليه في كتابه أبداً (3) . وكتابه من أوائل ما كتب في السيرة، وقد اعتمد عليه الطبري وابن سعد (4) . ويتميز كتاب الواقدي بعدة ميزات؛ منها: تطبيقه المنهج العلمي التاريخي، في ترتيب النصوص والأحداث، بحيث يذكر تاريخ الغزوة، ومكانها، ثم شعار المسلمين فيها، وأميرها، ثم ما نزل فيها من القرآن الكريم، مع فصل كل غزوة على حدة. ومنها: ذِكره بعض الغزوات التي لم ترد عند ابن إسحاق، كغزوة الخرار، وبني قينقاع، والقرطاء، ودومة الجندل، وقطن، والغمر، والكديد، وذات أطلاح، والخبط.. إلخ.

_ (1) الطبقات الكبرى (7/335) وسير أعلام النبلاء (9/454، 455) . (2) مقدمة المغازي للواقدي (1/6) . (3) مراجع مختارة عن حياة رسول الله صلى الله عليه وسلّم/د. محمد ماهر حمادة (46) . (4) مقدمة المغازي للواقدي (1/14) وقد حقق جزءاً من المغازي للواقدي الباحث الألماني الفرد فون كريمر، ونشره عام 1855 م، (مراجع مختارة عن حياة رسول الله صلى الله عليه وسلّم/د. محمد ماهر حمادة: 45) ، ثم حققه مارسدن جونس الانجليزي في ثلاثة مجلدات كبار، ونشرته جامعة أوكسفورد ببريطانيا عام 1966 م. وهي النسخة التي اعتمدت عليها في البحث.

ومنها: ترجيحه للروايات بحيث يقول في بعضها: وهو الثابت عندنا، والقول الأول أثبت عندنا (1) . وقد انتقد على الواقدي ضعفه في الحديث (2) ، ولهذا عدة أجوبة: الأول: أن من المحدثين من وثَّقه، قال مصعب بن عبد الله: الواقدي ثقة مأمون. وقال يزيد بن هارون: ثقة. وقال إبراهيم الحربي: إمام كبير، أمين على أهل الإسلام. وقال أبو عبيد: ثقة. وقال الدراوردي: أمير المؤمنين في الحديث. وقال الصغاني: ثقة (3) . الثاني: أنه في المغازي إمام متفقٌ على إمامته فيها، ولا يلزم من ضعفه في الحديث ضعفه في المغازي، كما تقدم القول في ابن إسحاق. قال ابن سعد: كان عالماً بالمغازي واختلاف الناس وأحاديثهم. وقال الخطيب البغدادي: ممن طبق ذكره شرق الأرض وغربها، وسارت بكتبه الركبان في فنون العلم من المغازي والسير والطبقات والفقه. وقال الذهبي: العلامة الإمام أحد أوعية العلم –المتفق على ضعفه- وقال: جمع فأوعى، وخلط الغث بالسمين، والخرز بالدر الثمين، فاطرحوه لذلك، ومع هذا، فلا يستغنى عنه في المغازي وأيام الصحابة وأخبارهم.

_ (1) مقدمة المغازي للواقدي (1/31 – 34) ومراجع مختارة عن حياة رسول الله صلى الله عليه وسلّم/د. محمد ماهر حمادة (47) . (2) ضعَّفه البخاري والرازي والنسائي والدارقطني (تهذيب التهذيب: 9/364، والسيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية: 39) واتهمه بعض الأئمة بالوضع (سير أعلام النبلاء: 9/462، 463، وتهذيب التهذيب: 9/364، 367) . (3) تهذيب التهذيب (9/365) وصحيح السيرة النبوية/محمد بن رزق بن طرهوني (25، 26) .

وقال: قد تقرر أن الواقدي ضعيف يحتاج إليه في الغزوات والتاريخ، ونورد آثاره من غير احتجاج (1) . وعند استعراض الآيات القرآنية الواردة في مغازي الواقدي (2) ، نصل إلى النتائج التالية: أولاً: أن الواقدي لم يتناول شيئاً من حياته صلى الله عليه وسلم الخاصة، أو الخصائص، أو الشمائل، أو ما كان من أحداث غير الغزوات. عدا زواج زيد بن حارثة رضي الله عنه. وبذلك فقد فاته ذكر آياتٍ كثيرة، تتعلق بالسيرة النبوية. ثانياً: أنه لم يستوعب الآيات النازلة في بعض الغزوات مما ذكره ابن إسحاق، مثل: فتح مكة، وبني قريظة، وبعض الأحداث كنزول آيات في وفد النجاشي، ونصارى نجران، والرد على المنافقين والمشركين. ثالثاً: أنه يفسِّر الآيات القرآنية التي يوردها فيما يتعلق بالمغازي في سياق واحد؛ فقد فسَّر سورة الأنفال كلها، وسورة الحشر كلها، وسورة المنافقون كلها، وسورة الفتح كلها، وأغلب سورة التوبة، ونصف سورة آل عمران. وهذا يعدّ من أقدم التفاسير القرآنية (3) .

_ (1) سير أعلام النبلاء (9/454 – 469) وصحيح السيرة النبوية/محمد بن رزق بن طرهوني (27، 28) ومقدمة المغازي للواقدي (1/30) . (2) انظر الملحق (2) .ص: 104. (3) ينسب للواقدي كتاب في التفسير (هدية العارفين: 6/10، ومعجم المؤلفين لكحالة: 11/96) ولكن لم يثبت وجوده بطريق علمي (تاريخ التراث العربي لسزكين: 1 " 2 "/105) ولذا لم يذكره السيوطي والداودي في طبقات المفسرين.

المبحث الثاني: تناول كتب التفسير للسيرة النبوية

المبحث الثاني: تناول كتب التفسير للسيرة النبوية مدخل: عندما نتحدث عن كتب التفسير الأصلية - التي يطلق عليها اصطلاحاً كتب التفسير بالمأثور - فإننا نعود بالذاكرة إلى القرن الهجري الأول، حيث كتب سفيان بن عيينة، ووكيع بن الجراح، وشعبة بن الحجاج، ويزيد بن هارون السلمي، وعبد الرزاق الصنعاني (1) ، وعبد بن حميد، وابن أبي شيبة رحمهم الله، ما يعدّ تأليفاً مستقلاً في التفسير، يجمع أقوال الصحابة والتابعين، بخلاف ما سبقهم من الكتابات التفسيرية، التي لا تعدّ تأليفاً مستقلاً في التفسير، وإنما قد تكون تفسيراً لبعض الآيات، أو ضمن روايات أخرى في الحديث (2) . وما يوجد من تفاسير كتفسير ابن عباس (3) ، وتفسير ابن مسعود (4) ، وتفسير الحسن البصري (5) ، وتفسير مجاهد، وتفسيرقتادة (6) ، وغيرها، فإنما هو جمعٌ لأقوالهم من خلال كتب التفسير والحديث.

_ (1) حقق الدكتور مصطفى مسلم تفسير عبد الرزاق، وأخرجه في أربعة أجزاء. (2) الإتقان للسيوطي (2/1235) . (3) جمع الفيروزابادي تفسير ابن عباس رضي الله عنهما في " تنوير المقباس من تفسير ابن عباس "، واعتمد في روايته على محمد بن السائب الكلبي، وهو ضعيف جداً، وجمع راشد الرجّال صحيفة علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في مجلد، وجمع د. عبد العزيز الحميدي " تفسير ابن عباس ومروياته في التفسير في الكتب الستة ". (4) جمعه محمد أحمد عيسوي، وأخرجه في مجلدين. (5) جمعه د. محمد عبد الرحيم في مجلدين. (6) جمعه د. عبد الله أبو السعود بدر في جزء صغير.

وبعد هؤلاء كتب الطبري كتابه الجامع " جامع البيان عن تأويل آي القرآن " (1) ، وابن أبي حاتم كتابه الجامع في التفسير (2) ، وابن ماجه، والحاكم، وابن مردويه، وأبو الشيخ، وابن المنذر (3) . وجميع هذه الكتب بالأسانيد. وبعد هؤلاء كثُرت الكتابة في التفسير، مع اختصار الأسانيد، والتنوُّع في الموضوعات التفسيرية، كالتفسير الفقهي، والتفسير اللغوي، وغير ذلك، وهذا ما يعرف بالتفسير بالرأي (4) . ومن نافلة القول أن ما ينصب عليه اهتمامنا هو التفسير بالمأثور، حيث توجد الأسانيد التي تروي عن الصحابة والتابعين الأحداث التاريخية التي حدثت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم?، وبالتالي يمكن مقارنتها بكتب السيرة المسنَدة. وسيكون حديثي عن ثلاثة من التفاسير بالمأثور، وهي: تفسير ابن جرير الطبري، وتفسير ابن أبي حاتم الرازي، وتفسير ابن كثير، وسأتناول مرويات الطبري وابن أبي حاتم عن عروة، والزهري، وابن إسحاق؛ لأن كتبهم في المغازي أهم كتب المغازي في الإسلام (5) .

_ (1) طبع عدة مرات، وحقق الشيخان أحمد ومحمود ابنا محمد شاكر الأجزاء الأولى منه حتى سورة إبراهيم، في ستة عشر جزءاً. (2) طبع في عشرة مجلدات بغير تحقيق من نشر دار الباز، وفيها أخطاء لا تحصى. وحقق د. أحمد الزهراني قسماً من سورة البقرة في مجلد، ود. حكمت بشير ياسين قسماً من سورة آل عمران في مجلد. (3) حقق د. سعد بن محمد السعد الأجزاء الأولى منه حتى سورة النساء، وأخرجه في مجلدين. (4) الإتقان للسيوطي (2/1235) . (5) أما مغازي عروة، وابن إسحاق، فقد تقدم القول فيهما، وأما مغازي الزهري فيقال إنها أول سيرة أٌلِّفت في الإسلام (السيرة النبوية في الصحيحين وعند ابن إسحاق/د. سليمان بن حمد العودة: 27) ، وقد قررت سابقاً أن مغازي عروة هي أول مغازٍ في الإسلام، ولعلّ هذا القول بمعنى أنه أول من دوَّن السيرة ضمن تدوينه للحديث النبوي الشريف؛ لأن الحديث لم يكن مدوَّناً حينئذٍ. (تاريخ التراث العربي/د. سزكين: 1 " 2 "/74) وقد رويت سيرته مفرَّقة في كتب المغازي والتفسير.

المطلب الأول: السيرة النبوية في تفسير ابن جرير الطبري

المطلب الأول: السيرة النبوية في تفسير ابن جرير الطبري: محمد بن جرير بن يزيد أبو جعفر الطبري. ولد سنة 224هـ بآمل، وبدأ حياته العلمية في آمُل بطبرستان (1) ، ثم رحل إلى العراق، ثم الشام ومصر، ثم عاد إلى العراق بعد ستين سنة قضاها في طلب العلم. سمع من محمد بن حميد الرازي، وإبراهيم المزني، والربيع بن سليمان، ويونس بن عبد الأعلى، وغيرهم. كان إماماً في السنَّة، وعُدّ من طبقة الترمذي والنسائي، إماماً في الفقه والأصول، حتى كان له مذهبٌ فقهيٌّ مستقلّ وله أتباع، إماماً في التفسير، وكتابه يدلّ على ذلك، إماماً في التاريخ، وكتابه يدل على ذلك، إماماً في اللغة العربية. كتب تاريخ الأمم والملوك، وجامع البيان عن تأويل آي القرآن، وتهذيب الآثار، واختلاف الفقهاء، وآداب القضاة، ولطيف القول في أحكام الشرائع، والمسند، وغيرها. كان ورعاً، زاهداً، مترفعاً عن أموال السلطان، راضياً بالقليل من العيش، لم يتزوَّج. توفي سنة 310هـ. وتفسيره لم يصنَّف مثله، بشهادة النووي، والذهبي. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: أما التفاسير التي بأيدي الناس فأصحها تفسير محمد بن جرير

_ (1) إقليم واسع في شمال إيران، ويحاذيه من الشمال بحر قزوين - بحر الخزر قديماً-.

الطبري؛ فإنه يذكر مقالات السلف بالأسانيد الثابتة، وليس فيه بدعة. وقال السيوطي: أجمع العلماء المعتبرون على أنه لم يؤلف في التفسير مثله ( [1] ) . أولاً: مرويات عروة بن الزبير: السورة ... رقم الآية ... الغزوة/الحدَث ... الجزء ... الصفحة البقرة ... 217 ... سرية عبد الله بن جحش ... 4 ... 302 البقرة ... 218 ... سرية عبد الله بن جحش ... 4 ... 319 آل عمران ... 125 ... بدر ... 7 ... 188 آل عمران ... 154 ... أحُد ... 7 ... 319 آل عمران ... 172 ... حمراء الأسد ... 7 ... 402 403 المائدة ... 33 ... قصة العرنيين ... 10 ... 248 المائدة ... 83 ... النجاشي ... 10 ... 508 الأنفال ... 7 ... بدر ... 6 13 ... 236 394 398 399 الأنفال ... 39 ... بدر ... 13 ... 539 542

_ [1] ) الإتقان 4/213.

41 ... بدر ... 13 ... 561 الأنفال ... 47 ... بدر ... 13 ... 578 579 الأنفال ... 48 ... بدر ... 14 ... 8 التوبة ... 74 ... الرد على الجلاس بن سويد ... 14 ... 361 362 368 التوبة ... 107 ... مسجد الضرار ... 14 ... 472 التوبة ... 108 ... مسجد قباء ... 14 ... 479 488 الحجر ... 94- 96 ... استهزاء المنافقين ... 14 ... 48 النور ... 11– 22 ... قصة الإفك ... 18 ... 69 - 81 الأحزاب ... 9 – 27 ... الأحزاب ... 21 ... 82، 83 الشعراء ... 214 ... الدعوة الجهرية ... 19 ... 72، 75 الأحزاب ... 5 ... من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم ... 22 ... 17 الأحزاب ... 59 ... الحجاب ... 22 ... 29 النجم ... 1، 2 ... ابتداء الوحي ... 27 ... 27 المجادلة ... 1 ... قصة المجادلة ... 28 ... 5

الممتحنة ... 10 ... الامتحان بعد الصلح ... 28 ... 44، 45 عبس ... 1 ... ابن أم مكتوم ... 30 ... 32 الضحى ... 1 – 3 ... إبطاء الوحي ... 30 ... 148 العلق ... 1 – 5 ... ابتداء الوحي ... 30 ... 161 ثانياً: مرويات محمد بن شهاب الزهري: السورة ... رقم الآية ... الغزوة/الحدَث ... الجزء ... الصفحة البقرة ... 217 ... سرية عبد الله بن جحش ... 4 ... 308 آل عمران ... 121 ... أحُد ... 7 ... 161 162 163 آل عمران ... 128 ... الدعاء على المشركين ... 7 ... 202 آل عمران ... 152 ... أحُد ... 7 ... 284 آل عمران ... 153 ... أحُد ... 7 ... 308 آل عمران ... 167 ... أحُد ... 7 ... 378 المائدة ... 83 ... النجاشي ... 10 ... 508 الأعراف ... 138 ... حنين ... 13 ... 81 الأنفال ... 7 ... بدر ... 13 ... 394 399 الأنفال ... 17 ... بدر ... 13 ... 446

19 ... بدر ... 13 ... 451 الأنفال ... 36 ... أحُد ... 13 ... 532 الأنفال ... 47 ... بدر ... 13 ... 579 التوبة ... 2 ... إمهال المشركين ... 14 ... 101 التوبة ... 25 ... حنين ... 14 ... 182 التوبة ... 58 ... تبوك ... 14 ... 302 التوبة ... 49 ... تبوك ... 14 ... 287 التوبة ... 84 ... الصلاة على المنافقين ... 14 ... 408 التوبة ... 102 ... تبوك ... 14 ... 452 التوبة ... 107 ... مسجد الضرار ... 14 ... 468 472 479 التوبة ... 118 ... تبوك ... 14 ... 547 – 557 الإسراء ... 1 ... الإسراء ... 15 ... 5 الإسراء ... 79 ... من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم ... 15 ... 98، 99 الأحزاب ... 26،27 ... غزوة بني قريظة ... 21 ... 95-98 الأحزاب ... 28،29 ... من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم ... 21 ... 101

الأحزاب ... 59 ... من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم ... 22 ... 27،29 الحشر ... 1 – 17 ... بنو النضير ... 28 ... 19 الممتحنة ... 10 ... امتحان النساء ... 28 ... 44،45 ثالثاً: مرويات ابن إسحاق: السورة ... رقم الآية ... الغزوة/الحدَث ... الجزء ... الصفحة آل عمران ... 124،125 ... بدر ... 7 ... 174 175 176 آل عمران ... 143 ... أحُد ... 7 ... 250 آل عمران ... 152 ... أحُد ... 7 ... 285 آل عمران ... 153 ... أحُد ... 7 ... 311 آل عمران ... 154 ... أحُد ... 7 ... 323 آل عمران ... 155 ... أحُد ... 7 ... 329 آل عمران ... 167 ... أحُد ... 7 ... 379 آل عمران ... 172 ... حمراء الأسد ... 7 ... 401 آل عمران ... 173 ... حمراء الأسد ... 7 ... 409 الأنفال ... 5 ... بدر ... 13 ... 394 الأنفال ... 11، 12 ... بدر ... 13 ... 426

30 ... بدر ... 13 ... 494 الأنفال ... 33 ... بدر ... 13 ... 512 الأنفال ... 47 ... بدر ... 13 ... 579 الأنفال ... 48 ... بدر ... 14 ... 8 الأنفال ... 70 ... بدر ... 14 ... 73 التوبة ... 1 ... إنذار المشركين ... 14 ... 96 التوبة ... 47 ... تبوك ... 14 ... 281 التوبة ... 61 ... تبوك ... 14 ... 325 التوبة ... 74 ... تبوك ... 14 ... 362 التوبة ... 79 ... تبوك ... 14 ... 387 التوبة ... 84 ... الصلاة على المنافقين ... 14 ... 408 التوبة ... 101 ... تبوك ... 14 ... 444 التوبة ... 106 ... تبوك ... 14 ... 467 النحل ... 103 ... من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم ... 14 ... 119 النور ... 12 ... قصة الإفك ... 18 ... 77 الأحزاب ... 26 ... غزوة بني قريظة ... 21 ... 95 الأحزاب ... 28 ... من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم ... 21 ... 101 الطور ... 30 ... كيد المشركين ... 27 ... 19 المجادلة ... 1 – 3 ... الظهار ... 28 ... 5 الممتحنة ... 10 ... امتحان النساء ... 28 ... 52

النتائج: 1. أن ابن جرير روى عن عروة في (28) موضعاً من تفسيره فيما يتعلق بالسيرة النبوية، خمسة منها فقط هي المذكورة في مغازي عروة المطبوعة، وهذا يعني أن 23 رواية عن عروة في التفسير لم تذكر في الكتاب المطبوع، وهذه إضافة ثمينة إلى مغازي عروة، يُستكمل بها الكتاب. 2. أن ابن جرير أغفل كثيراً مما ذكره ابن إسحاق في سيرته، فلم يروِ عنه شيئاً في سور: البقرة، النساء، المائدة، الأنعام، الأعراف، الحجر، الإسراء، الكهف، الشعراء، الفرقان، لقمان، الدخان، الحجرات.. وغيرها. في حين أن جميع ما رواه ابن جرير عن ابن إسحاق من السيرة وارد في سيرة ابن هشام – بعد التتبع -. ومما يذكر هنا أن ابن جرير يروي عن ابن إسحاق تاريخياً من طريق سلمة بن الفضل الأبرش، وليس من طريق زياد بن عبد الله البكائي وغيره من رواة سيرة ابن إسحاق.

المطلب الثاني: السيرة النبوية في تفسير ابن أبي حاتم

المطلب الثاني: السيرة النبوية في تفسير ابن أبي حاتم: عبد الرحمن بن محمد بن إدريس الحنظلي، أبو محمد بن أبي حاتم الرازي. ولد سنة 240هـ بالريّ، ورحل مع أبيه لطلب العلم، فحصَّل علوّ الإسناد،

وتتلمذ على أبي سعيد الأشجّ، والزعفراني، ويونس بن عبد الأعلى، ومحمد بن إسماعيل الأحمسي، وابن زنجويه، وإبراهيم المزني، وسعدان، وأبي زرعة، وخلق. روى عنه ابن عدي، وأبو الشيخ بن حيان، وأبو أحمد الحاكم، وإبراهيم ابن محمد النصرآبادي، وعلي القصار، وغيرهم. كان بحراً في العلوم، ومعرفة الرجال. كتب في الجرح والتعديل، والتفسير، والمسند، والزهد، والكنى، والعلل. زهد في الدنيا، وأكثر العبادة. توفي سنة 327هـ. وتفسيره من أجلّ التفاسير؛ قال الذهبي: عامَّته آثار بأسانيده، من أحسن التفاسير ( [1] ) . وقال الزركشي في " البرهان " ( [2] ) : محمد بن جرير الطبري جمع على الناس أشتات التفاسير، وقرَّب البعيد، وكذلك عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي. وعدّه الحافظ ابن حجر العسقلاني في الطبقة الأولى بعد ابن جرير الطبري، وابن المنذر ( [3] ) . أولاً: مرويات عروة بن الزبير: السورة ... رقم الآية ... الغزوة/الحدث ... الجزء ... الصفحة آل عمران ... 154 ... أحد ... القسم الأول/آل عمران ... 617

_ ( [1] ) سير أعلام النبلاء (13/263 – 269) وطبقات المفسرين للداودي (1/285 – 287) . ( [2] ) البرهان في علوم القرآن (2/159) . ( [3] ) العجاب في بيان الأسباب (1/202) .

آل عمران ... 172 ... حمراء الأسد ... 3 ... 815 المائدة ... 83 ... وفد النجاشي ... 4 ... 1185 الأنفال ... 11 ... بدر ... 5 ... 1665 الأنفال ... 19 ... بدر ... 5 ... 1675 التوبة ... 40 ... الهجرة ... 6 ... 1799 التوبة ... 74 ... الرد على الجلاس ابن سويد ... 6 ... 1846 التوبة ... 107 ... مسجد الضرار ... 6 ... 1880 النور ... 11 – 22 ... قصة الإفك ... 8 ... 2539-2543 2544 2554 الأحزاب ... 6 ... التوارث ... 9 ... 3114 الأحزاب ... 50 ... من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم ... 10 ... 3144 المجادلة ... 1 ... قصة المجادلة ... 10 ... 3342 الحشر ... 1 ... غزوة بني النضير ... 10 ... 3345

ثانياً: مرويات محمد بن شهاب الزهري: السورة ... رقم الآية ... الغزوة أو الحدث ... الجزء ... الصفحة آل عمران ... 128 ... أحد ... القسم الأول آل عمران ... 533 الأنفال ... 17 ... بدر ... 5 ... 1673 الأنفال ... 36 ... بدر ... 5 ... 1698 التوبة ... 1 ... حجة الوداع ... 6 ... 1745 التوبة ... 40 ... الهجرة ... 6 ... 1799 التوبة ... 66 ... تبوك ... 6 ... 1831 التوبة ... 74 ... تبوك ... 6 ... 1843 التوبة ... 84 ... الصلاة على المنافقين ... 6 ... 1857 النور ... 11 ... قصة الإفك ... 8 ... 2539 الأحزاب ... 28 ... تخيير أزواجه صلى الله عليه وسلم ... 9 ... 3127 الحشر ... 1 ... بنو النضير ... 10 ... 3345 ثالثاً: مرويات ابن إسحاق: السورة ... رقم الآية ... الغزوة/الحدَث ... الجزء ... الصفحة البقرة ... 86 ... الرد على اليهود ... 1 ... 172 الأنفال ... 30 ... الهجرة ... 5 ... 1686

36 ... بدر ... 5 ... 1699 الأنفال ... 42 ... بدر ... 5 ... 1707 الأنفال ... 47 ... بدر ... 5 ... 1713 الأنفال ... 48 ... بدر ... 5 ... 1715 الأنفال ... 49 ... بدر ... 5 ... 1716 التوبة ... 49 ... تبوك ... 6 ... 1809 التوبة ... 50 ... تبوك ... 6 ... 1810 التوبة ... 61 ... تبوك ... 6 ... 1826 التوبة ... 106 ... تبوك ... 6 ... 1878 التوبة ... 107 ... تبوك ... 6 ... 1879 الممتحنة ... 10 ... امتحان النساء ... 10 ... 3351 النتائج: 1. أن ابن أبي حاتم روى عن عروة في تفسيره فيما يتعلق بالسيرة النبوية في (13) موضعاً، خمسة منها يوجد في كتاب المغازي لعروة، مما يعني أن هناك روايات لم تذكر في الكتاب المطبوع، وهي إضافة جيدة لكتاب المغازي، كما تقدم في نتائج البحث في تفسير الطبري. ولعل هذا يدعو الباحثين إلى استكمال النقص في مغازي عروة، ليخرج الكتاب بصورة أقرب إلى وضعه الأصلي. 2. أن جميع ما رواه ابن أبي حاتم عن ابن إسحاق مذكور في سيرة ابن هشام، مع أن ابن أبي حاتم أغفل أكثر ما رواه ابن إسحاق في التفسير.

ويلاحظ هنا أن ابن أبي حاتم – كابن جرير – يروي عن ابن إسحاق من غير طريق زياد البكائي راوي السيرة، فيروي عن سلمة الأبرش، ويحيى الأموي، ويونس بن بكير، وابن إدريس وغيرهم.

المطلب الثالث: السيرة النبوية في تفسير ابن كثير

المطلب الثالث: السيرة النبوية في تفسير ابن كثير: إسماعيل بن عمر بن كثير بن ضوء، أبو الفداء القيسي القرشي. ولد سنة 700هـ بإحدى قرى بصرى بالشام، ورحل إلى دمشق واستقر بها حتى وفاته سنة 774هـ. تلقى العلم عن القاسم بن عساكر، وابن قاضي شهبة، وكمال الدين بن الزملكاني، والقاسم بن محمد البرزالي، وجمال الدين المزِّي، وشمس الدين الذهبي، وغيرهم. أخذ عنه شهاب الدين بن حجي، ومحمد بن الجزري، ومحمد بن بهادر الزركشي، وغيرهم. كان فقيهاً، محدِّثاً، مفسِّراً، من قرَّاء القرآن، عالماً بالتاريخ، والتراجم. صنَّف الأحكام الكبير، والأحكام الصغير، والبداية والنهاية، والمدخل إلى سنن البيهقي، وطبقات الشافعية، وجامع المسانيد والسنن، ومسند عمر، وقصص الأنبياء، وغيرها. وكتابه في التفسير من أجود التفاسير؛ قال فيه السيوطي: لم يؤلَّف على نمطه مثله، وقال الشوكاني: هو من أحسن التفاسير (1) .

_ (1) ابن كثير الدمشقي للدكتور محمد الزحيلي.

ونظراً لأن ابن كثير يعتمد في منهجه تفسير القرآن الكريم جميعاً، دون تحديد آيات معينة، ويفسر الآيات دون إسناد - غالباً - لذا فإن من الطبيعي أن يتناول تفسير كل آيات السيرة النبوية التي سردتها في أول البحث. وسأبيِّن من خلال جداول الآيات التي تحدثت عن السيرة النبوية، كيفية تناول ابن كثير رحمه الله لها في تفسيره، بمقارنته بكتب التفسير المسندة التي هي مدار بحثنا، وهما كتاب الطبري وابن أبي حاتم، وكتب السيرة النبوية المسندة، كمغازي عروة، وموسى بن عقبة، والأموي، والواقدي، وسيرة ابن إسحاق، وسيرة ابن هشام، والدلائل للبيهقي وأبي نعيم: أولاً: السيرة الذاتية: السورة ... الآيات القرآنية ... الموضوع ... تفسير ابن كثير البقرة ... 151 ... عشيرته ... لم يفسِّرها آل عمران ... 164 ... عشيرته ... فسَّرها بغير العشيرة الأعراف ... 157، 158 ... أمِّيَّته ... لم يفسِّرها يونس ... 2 ... بشريته ... فسَّرها الرعد ... 37 ... عربيته ... فسَّرها إبراهيم ... 4 ... عربيته ... فسَّرها النحل ... 103 ... عربيته ... فسَّرها عن الزهري وابن إسحاق والطبري الإسراء ... 93 ... بشريَّته ... لم يفسِّرها الكهف ... 110 ... بشريته ... لم يفسِّرها

النور ... 11 – 16، 22 – 26 ... قصة الإفك ... فسَّرها عن الزهري وابن إسحاق، والواقدي، والطبري، وابن أبي حاتم الشعراء ... 195 ... عربيته ... فسَّرها عن ابن أبي حاتم الشعراء ... 214 ... عشيرته ... فسَّرها عن ابن إسحاق العنكبوت ... 48 ... أمِّيَّته ... فسَّرها الأحزاب ... 6، 28 – 34، 37، 38، 50 – 55، 59 ... أزواجه ... فسَّرها عن الزهري، وابن إسحاق، والطبري، وابن أبي حاتم الأحزاب ... 40 ... أبوَّته ... فسَّرها يس ... 69 ... عدم قوله الشعر ... فسَّرها عن السهيلي ص ... 4 ... عشيرته ... فسَّرها بالبشرية الزمر ... 28 ... عربيته ... فسَّرها الشورى ... 7 ... عربيته ... لم يفسِّرها الشورى ... 23 ... عشيرته ... فسَّرها عن الطبري، وابن أبي حاتم الأحقاف ... 29 – 32 ... دعوته الجن ... فسَّرها عن ابن إسحاق، والطبري، والبيهقي في الدلائل، وأبي نعيم في الدلائل

2 ... عشيرته ... فسَّرها بالبشرية الجمعة ... 2 ... أمِّيَّته ... فسَّرها بالعربية التحريم ... 1 – 5 ... تعامله مع أزواجه ... فسَّرها عن الزهري، والطبري، وابن أبي حاتم، وأبي نعيم في الدلائل الجن ... 1 – 17 ... دعوته الجن ... فسَّرها عن ابن أبي حاتم الضحى ... 6 ... يُتمه ... فسَّرها المسد ... 1 – 5 ... عمه أبو لهب وزوجته ... فسَّرها ثانياً: النبوة والرسالة: السورة ... الآيات القرآنية ... الموضوع ... تفسير ابن كثير البقرة ... 118 ... سؤال قريش المعجزات ... فسرها عن ابن إسحاق والطبري البقرة ... 119 ... إثبات رسالته ... فسرها عن ابن أبي حاتم والطبري آل عمران ... 81 ... إثبات رسالته ... فسرها عن ابن إسحاق آل عمران ... 164 ... إثبات رسالته ... فسرها

61 ... أذى المنافقين ... فسرها النساء ... 79 ... إثبات رسالته ... فسرها النساء ... 166 ... إثبات رسالته ... فسرها عن ابن إسحاق وابن أبي حاتم النساء ... 170 ... إثبات رسالته ... فسرها المائدة ... 15 ... إثبات رسالته ... فسرها المائدة ... 19 ... إثبات رسالته ... فسرها المائدة ... 41 ... أذى المنافقين ... فسرها عن الزهري والطبري وابن أبي حاتم الأنعام ... 8 ... سؤال قريش المعجزات ... فسرها الأنعام ... 25، 26 ... تكذيب قريش ... فسرها عن الطبري وابن أبي حاتم الأنعام ... 33 ... تكذيب قريش ... فسرها عن الزهري وابن إسحاق والطبري وابن أبي حاتم الأنعام ... 35 ... تكذيب قريش ... فسرها الأنعام ... 37 ... سؤال قريش المعجزات ... فسرها

57 ... تكذيب قريش ... فسرها الأنعام ... 66 ... تكذيب قريش ... فسرها الأنعام ... 105 ... اتهامه بالتعلم من غيره ... فسرها عن الطبري الأنعام ... 109 ... سؤال قريش المعجزات ... فسرها عن الطبري الأنعام ... 111 ... سؤال قريش المعجزات ... فسرها الأنعام ... 148 ... تكذيب قريش ... فسرها الأنعام ... 150 ... تكذيب قريش ... فسرها الأعراف ... 158 ... إثبات رسالته ... فسرها الأعراف ... 203 ... سؤال قريش المعجزات ... فسرها عن الطبري التوبة ... 33 ... إثبات رسالته ... فسرها التوبة ... 58 ... أذى المنافقين ... فسرها عن الزهري التوبة ... 61 ... أذى المنافقين ... فسرها التوبة ... 74 ... أذى المنافقين ... فسرها عن الزهري وعروة وموسى بن عقبة والزبير بن بكار والطبري والأموي في مغازيه والبيهقي في الدلائل

15 ... تكذيب قريش ... فسرها يونس ... 20 ... سؤال قريش المعجزات ... فسرها يونس ... 39 ... تكذيب قريش ... فسرها يونس ... 41 ... تكذيب قريش ... فسرها هود ... 12 ... سؤال قريش المعجزات ... فسرها الرعد ... 7 ... سؤال قريش المعجزات ... فسرها عن الطبري وابن أبي حاتم الرعد ... 27 ... سؤال قريش المعجزات ... فسرها الرعد ... 43 ... تكذيب قريش ... فسرها عن الطبري وأبي نعيم في الدلائل الحجر ... 7 ... سؤال قريش المعجزات ... فسرها الحجر ... 94 ... الجهر بالدعوة ... فسرها عن عروة وابن إسحاق النحل ... 103 ... تكذيب قريش ... فسرها عن ابن إسحاق والطبري النحل ... 113 ... تكذيب قريش ... لم يفسرها الإسراء ... 90 – 93 ... سؤال قريش المعجزات ... فسرها عن ابن إسحاق والطبري

طه ... 133 ... سؤال قريش المعجزات ... فسرها الأنبياء ... 2، 6 ... تكذيب قريش ... فسرها عن ابن أبي حاتم الأنبياء ... 5 ... سؤال قريش المعجزات ... فسرها النور ... 11 ... أذى المنافقين ... فسرها عن الزهري وعروة وابن إسحاق والطبري وابن أبي حاتم الفرقان ... 4 ... تكذيب قريش ... فسرها الفرقان ... 7، 8 ... سؤال قريش المعجزات ... فسرها القصص ... 48 ... تكذيب قريش ... فسرها العنكبوت ... 50 ... سؤال قريش المعجزات ... فسرها السجدة ... 3 ... تكذيب قريش ... فسرها سبأ ... 7، 8 ... تكذيب قريش ... فسرها سبأ ... 43 ... تكذيب قريش ... فسرها سبأ ... 53 ... تكذيب قريش ... فسرها فاطر ... 4 ... تكذيب قريش ... فسرها

فاطر ... 42 ... تكذيب قريش ... فسرها يس ... 3 ... إثبات رسالته ... فسرها الصافات ... 12 ... تكذيب قريش ... فسرها الصافات ... 36 ... تكذيب قريش ... فسرها الصافات ... 170 ... تكذيب قريش ... فسرها ص ... 4 – 8 ... تكذيب قريش ... فسرها عن الطبري وابن أبي حاتم ص ... 68 ... تكذيب قريش ... فسرها الزمر ... 64 ... تكذيب قريش ... فسرها عن ابن أبي حاتم فصِّلت ... 4، 5 ... تكذيب قريش ... فسرها عن ابن إسحاق الشورى ... 13 ... تكذيب قريش ... فسرها الشورى ... 24 ... تكذيب قريش ... فسرها الشورى ... 51 ... صور الوحي ... فسرها الزخرف ... 24 ... تكذيب قريش ... فسرها الزخرف ... 30 ... تكذيب قريش ... فسرها الزخرف ... 57، 58 ... تكذيب قريش ... فسرها عن ابن إسحاق والطبري وابن أبي حاتم الزخرف ... 88 ... تكذيب قريش ... فسرها عن الطبري الدخان ... 14 ... تكذيب قريش ... فسرها

7، 8 ... تكذيب قريش ... فسرها الأحقاف ... 10 ... تكذيب قريش ... فسرها عن الطبري وابن أبي حاتم الأحقاف ... 29 - 32 ... دعوته الجن ... فسرها عن ابن إسحاق والطبري وابن أبي حاتم وأبي نعيم في الدلائل والبيهقي في الدلائل محمد ... 2 ... إثبات رسالته ... فسرها الفتح ... 28 ... إثبات رسالته ... فسرها ص ... 2 ... تكذيب قريش ... فسرها الطور ... 30 – 43 ... تكذيب قريش ... فسرها عن الزهري وابن إسحاق النجم ... 5 – 18 ... الوحي ... فسرها عن ابن إسحاق والطبري وابن أبي حاتم القمر ... 2، 3 ... تكذيب قريش ... فسرها المنافقون ... 8 ... أذى المنافقين ... فسرها عن الزهري وعاصم بن عمر وعروة وموسى بن عقبة في المغاري وابن إسحاق والبيهقي في الدلائل وابن أبي حاتم القلم ... 8 ... تكذيب قريش ... لم يفسرها

المعارج ... 36، 37 ... تكذيب قريش ... فسرها عن الطبري الجن ... 1 – 17 ... دعوته الجن ... فسرها عن الطبري وابن أبي حاتم المزمل ... 5 ... شدَّة الوحي ... فسرها عن عروة والطبري المدثر ... 53 ... تكذيب قريش ... فسرها عبس ... 5، 6 ... تكذيب قريش ... فسرهاعن عروة والطبري وابن أبي حاتم التكوير ... 23 ... الوحي ... فسرها البينة ... 1 ... سؤال قريش المعجزات ... فسرها ثالثاً: الغزوات والسرايا: السورة ... الآيات القرآنية ... الغزوة أو السرية ... تفسير ابن كثير البقرة ... 217 ... سرية عبد الله بن جحش ... فسرها عن عروة، وابن إسحاق، وابن هشام، وابن أبي حاتم، والبيهقي في الدلائل

121، 122، 140، 152 – 155، 165 – 168 ... أحُد ... فسرها عن عروة، والواقدي، وابن إسحاق، والطبري، والبيهقي في الدلائل آل عمران ... 13، 123 – 128 ... بدر ... فسرها عن عروة، وابن إسحاق، والطبري ... آل عمران ... 172 – 175 ... حمراء الأسد ... فسرها عن ابن إسحاق، وابن أبي حاتم ... المائدة ... 11 ... ذات الرقاع، بنو النضير ... فسرها عن الزهري، وابن إسحاق ... الأنفال ... 1 – 14، 36 – 44، 47 – 51، 67 – 71 ... بدر ... فسرها عن عروة والزهري، والواقدي، والأموي في مغازيه، وابن إسحاق، والطبري ... الأنفال ... 30 ... الهجرة ... فسرها عن عروة، وابن إسحاق ... التوبة ... 1 – 3 ... حجة الوداع ... فسرها عن الزهري، وابن إسحاق، والطبري ... ... ... ...

25 – 27 ... حنين ... فسرها عن ابن إسحاق، والطبري التوبة ... 40 ... الهجرة ... فسرها التوبة ... 41 – 66، 81 – 83، 90 – 96، 117 – 121 ... تبوك ... فسرها عن الزهري، وابن إسحاق، والطبري، وابن أبي حاتم القصص ... 85 ... الهجرة ... فسرها عن ابن أبي حاتم الأحزاب ... 9 – 25 ... الأحزاب ... فسرها عن ابن إسحاق، والسهيلي الأحزاب ... 26، 27 ... بنو قريظة ... فسرها محمد ... 13 ... الهجرة ... فسرها عن ابن أبي حاتم الفتح ... 1 – 23 ... صلح الحديبية ... فسرها عن ابن إسحاق، والطبري، وابن أبي حاتم، وابن هشام، والبيهقي الفتح ... 15 ... خيبر ... فسرها الفتح ... 24 - 27 ... فتح مكة ... فسرها عن عروة، والزهري، وابن إسحاق، والطبري

القمر ... 45 ... بدر ... فسرها عن ابن أبي حاتم الحشر ... 2–6،11–14 ... بنو النضير ... فسرها عن الزهري، وعروة، وابن إسحاق، وابن أبي حاتم، والبيهقي الممتحنة ... 1 – 9 ... فتح مكة ... فسرها عن عروة رابعاً: الشمائل: السورة ... الآية ... الموضوع ... تفسير ابن كثير آل عمران ... 153 ... ثباته في القتال ... فسرها المائدة ... 15 ... نوره ... لم يفسرها التوبة ... 128 ... رحمته ... لم يفسرها الأنبياء ... 107 ... رحمته ... فسرها الأحزاب ... 46 ... نوره ... فسرها الأحزاب ... 53 ... حياؤه ... فسرها الزمر ... 33 ... صدقه ... فسرها التكوير ... 22 ... عقله ... لم يفسرها القلم ... 4 ... خُلُقه العظيم ... فسرها

خامساً: الخصائص: فسَّرها جميعاً عدا آيتي آل عمران (144) في ختم الرسالات به صلى الله عليه وسلم، والأنعام (90) في عموم رسالته. النتائج: من خلال العرض نستنتج أن ابن كثير رحمه الله يتعامل مع آيات السيرة النبوية على ضوء المنهج التالي: أولاً: فسَّر ابن كثير أغلب آيات السيرة النبوية. ثانياً: يعتمد ابن كثير في تفسير آيات السيرة النبوية على المصادر الأصلية المسندة، من كتب السِّيَر والمغازي، إضافةً لكتب السنة كالصحيحين، وكتب السنن (1) . وغالباً ما يرجِّح قول ابن إسحاق عند الاختلاف بين أهل السير والمغازي (2) . ثالثاً: يغفل ابن كثير ذكر المصادر الأصلية أحياناً، وينقل اختياره في تفسير الآيات مجملاً، وهو ما أشرت إليه في قولي " فسَّرها " أي أنه لم يذكر مصادره من كتب السنن، أو السيرة، أو كتب التفسير المتقدمة. ولعل هذا في المواضع التي يرى أنها لا تحتاج إلى مزيد توثيق، أو أن المفسرين متفقون على معناها.

_ (1) فسَّر الآيات التالية من السيرة عن كتب السنن: الشعراء (11) ، الشورى (23) ، ((69) ، القمر (45) ، الأحزاب (26) ، الأنبياء (107) . (2) كما في المواضع التالية (1/350، 2/288، 289، 292، 302، 357، 3/477، 4/163) .

المبحث الثالث: مقارنة بين كتب السيرة النبوية وكتب التفسير

المبحث الثالث: مقارنة بين كتب السيرة النبوية وكتب التفسير مدخل: بعد استعراض تناول كتب التفسير، وكتب السير والمغازي للسيرة النبوية، يحسن أن نقوم بالمقارنة بينهما، حتى نقف على مقدار خدمة كلٍّ من النوعين للسيرة النبوية، ونتوصَّل إلى مجالٍ جديد للاستفادة منهما، بالنظر إلى اختصاص كلٍّ في مجاله. فإذا كانت كتب التفسير تخدم السيرة النبوية في تفسير الآيات، وتوثيق بعض الروايات، وتكميل الناقص منها، فإن كتب المغازي والسير تضيف أحداثاً لا توجد في كتب التفسير، وربما أسهمت في إيضاح معنى الآية القرآنية.

المطلب الأول: الناحية التوثيقية

المطلب الأول: الناحية التوثيقية: الفرع الأول: كتب السيرة: نلاحظ من خلال استقراء كتب السيرة الأصلية أنها تعتمد على المراسيل في رواياتها، كما يلي: أولاً: عروة بن الزبير في مغازيه لا يسند الأخبار، وإنما يرويها هو، وبالتالي روايته مرسلة؛ لأنه تابعي لم يدرك الوقائع. ولكن ليس بالضرورة أن روايته ضعيفة؛ وذلك لما قدَّمتُ من أن المرسل يتقوَّى بغيره (1) .

_ (1) راجع الحديث عن مغازي عروة وابن إسحاق وقيمتهما العلمية. في ص 23-24 و27-29.

ثانياً: محمد بن إسحاق في سيرته: يروي أكثر أخباره مقطوعة دون إسناد، فيحكي الأحداث بصياغته الخاصة، ويؤلفها مما سمعه وعلمه من شيوخه، وأحياناً يروي عن مجاهيل، كبعض أهل العلم (1) ، وبعض أهل عمر (2) ، أو بعض أهل عباس بن عبد الله (3) ، أو بعض أهل عامر بن عبد الله بن الزبير (4) ، أو رجال من قوم عاصم بن عمر بن قتادة (5) ، أو شيخ من قريظة (6) ، أو نفر من الأنصار (7) ، أو من لا أتَّهم (8) ، أو رجل من أسلم (9) ، أو يقول: حدِّثتُ (10) ، أو ذُكِر لي (11) . وأحياناً يروي عن التابعين كالزهري (12) ، وعروة (13) ، وعطاء، ومجاهد (14) ، وخالد بن معدان (15) ، ومحمد بن علي بن الحسين (16) ، ومحمد بن كعب

_ (1) (1/154، 192، 217، 227، 229، 299) . (2) (1/299) . (3) (1/156) . (4) (1/278) . (5) (1/195) . (6) (1/196) . (7) (1/191) . (8) (1/194) . (9) (1/260) . (10) (1/181، 271، 2/3) . (11) (2/4، 6) . (12) (1/275) . (13) (1/275) . (14) (1/297) . (15) (1/153) . (16) (1/206، 224، 293) .

القرظي (1) ، وعبيد بن عمير (2) ، وعباد بن عبد الله بن الزبير (3) ، وعبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم (4) . وأحياناً يروي عن الصحابة رضي الله عنهم كأم المؤمنين عائشة (5) ، وأم سلمة (6) ، وابن عباس (7) ، وابن عمر (8) ، وابن عمرو بن العاص (9) ، وأسماء (10) ، وجبير بن مطعم (11) ، وسلمة بن سلامة بن وقش (12) ، وسلمان الفارسي (13) رضي الله عنهم. ثالثاً: الواقدي في مغازيه: لا يختلف الواقدي عن سابقيه في روايته للسيرة؛ ذلك أنه يروي مغازيه عمن دون التابعين، فقال – مثلاً – في أول كتابه " حدثني عمر بن عثمان بن عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع المخزومي، وموسى بن محمد بن إبراهيم التيمي، ومحمد بن عبد الله بن مسلم، وموسى بن يعقوب بن عبد الله بن وهب بن زمعة، وعبد الله بن جعفر بن عبد الرحمن بن

_ (1) (1/261) . (2) (1/218) . (3) (1/164) . (4) (1/155) . (5) (1/227) . (6) (1/289) . (7) (1/279) . (8) (1/298) . (9) (1/259) . (10) (1/208) . (11) (1/188) . (12) (1/196) . (13) (1/198) .

المسوَر بن مخرَمة، وأبو بكر بن عبد الله بن محمد بن أبي سبرة، وسعيد بن عثمان بن عبد الرحمن بن عبد الله التيمي، ويونس بن محمد الظفري، وعائذ بن يحيى، ومحمد بن عمرو، ومعاذ بن محمد الأنصاري، ويحيى بن عبد الله بن أبي قتادة، وعبد الرحمن بن عبد العزيز بن عبد الله بن عثمان بن حنيف، وابن أبي حبيبة، ومحمد بن يحيى بن سهل بن أبي حثمة، وعبد الحميد بن جعفر، ومحمد ابن صالح بن دينار، وعبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر، ويعقوب بن محمد بن أبي صعصعة، وعبد الرحمن بن أبي الزناد، وأبو معشر، ومالك بن أبي الرجال، وإسماعيل بن إبراهيم بن عقبة، وعبد الحميد بن عمران بن أبي أنس، وعبد الحميد بن أبي عبس، فكلٌّ قد حدَّثني من هذا بطائفة، وبعضهم أوعى لحديثه من بعض، وغيرهم قد حدَّثني أيضاً (1) ، فكتبتُ كل الذي حدَّثوني، قالوا ... إلخ" (2) . ثم يسير في الكتاب كله في الرواية عن هؤلاء، فيقول في بداية فقرات الكتاب " قالوا:.. كذا " وواضحٌ أن هؤلاء الذين تلقى عنهم الواقدي ليسوا من التابعين، وإنما ممن تلقى عن التابعين، فالرواية مقطوعة. ولكنه يضمِّن الرواية الكلِّية المسترسلة عمّن سبق، روايات بإسناده إلى التابعين رحمهم الله، كما روى عن سعيد بن المسيب (3) ، والزهري (4) ،

_ (1) هنا مجاهيل لم يذكرهم. (2) المغازي (1/1، 2) . (3) (1/10، 11، 46، 60، 103) . (4) (1/15، 91) .

وعروة (1) ، وزيد بن علي (2) ، ومحمد بن كعب القرظي (3) ، وعاصم بن عمر بن قتادة، ويزيد بن رومان (4) . ويسند كذلك عن الصحابة رضي الله عنهم، كما روى عن سعد بن أبي وقاص (5) ، والمقداد بن عمرو (6) ، وأبي بردة بن نيار (7) ، ورفاعة بن رافع (8) ، وحكيم بن حزام (9) ، ومخرمة بن نوفل (10) ، وعمرو بن عوف المزني (11) ، والمسور ابن مخرمة (12) ، وابن عباس (13) ، وخفاف بن إيماء (14) ، وجابر (15) ، وعبد الرحمن بن عوف (16) ، والربيع بنت معوِّذ (17) رضي الله عنهم. وتشترك هذه الكتب الثلاث في الحرص على توثيق الروايات عن

_ (1) (1/18، 56، 63) . (2) (1/72) . (3) (1/73) . (4) (1/58، 59، 63) . (5) (1/11، 16، 26، 49، 105) . (6) (1/15، 27) . (7) (1/18) . (8) (1/25، 75، 84) . (9) (1/34، 65، 80) . (10) (1/28) . (11) (1/40) . (12) (1/42) . (13) (1/54، 70) . (14) (1/60) . (15) (1/87) . (16) (1/88) . (17) (1/89) .

الصحابة والتابعين ومن دونهم، خصوصاً ممن شهد الحادثة، أو سمع ممن شهدها، وقد تختلف فيما بينها في بعض التفاصيل، ولكن إذا اتفقت أعطاها ذلك قوَّةً وثقة. فإذا أضيف إلى ذلك مكانة أولئك المؤلفين في علم السيرة، وإحاطتهم بها، يتحصل لدينا أن كتاباتهم لها قيمة كبيرة في توثيق روايات السيرة النبوية. الفرع الثاني: كتب التفسير: يلاحظ أن كتب التفسير الأصلية تعتمد على الإسناد في رواياتها، سواء فيما يتعلق بآيات السيرة النبوية، أو غيرها. وبذلك فإن جميع روايات كتابي ابن جرير وابن أبي حاتم مسندة عن الصحابة والتابعين، على التفصيل التالي: أولاً: تفسير الطبري: إذا أخذنا مثالاً من تفسير الطبري في آيات سورة الأنفال المتحدثة عن غزوة بدر، وآيات سورة التوبة المتحدثة عن غزوة تبوك، نجد أغلب مروياته عن ابن عباس رضي الله عنهما (1) ، ويروي كذلك عن سعد بن أبي وقاص (2) ، وأبي أسيد (3) ، وأبي أيوب الأنصاري (4) ، وعمر (5) ، وعلي (6) ، وابن مسعود (7) ،

_ (1) (13/367، 368، 378، 394، 395، 403، 410، 423، 424، 425، 14/59، 63، 73، 74، 76، 363، 400، 404، 426، 470، 541، 542) . (2) (13/372، 373) . (3) (13/374) . (4) (13/405، 406) . (5) (13/409) . (6) (13/417، 422) . (7) (13/572، 14/61) .

وكعب بن مالك (1) رضي الله عنهم. ويروي كذلك عن التابعين كيزيد بن رومان، والزهري، وعاصم بن عمر ابن قتادة، وعروة مجتمعين (2) ، وعن عروة وحده (3) ، والسُّدِّي (4) ، وعبد الرحمن ابن زيد (5) ، وسعيد بن المسيب (6) ، والضحاك (7) ، ومجاهد (8) ، ومحمد بن كعب القرظي (9) ، وقتادة (10) ، وابن إسحاق (11) . ومنهجه في تفسير الآيات المتحدثة عن السيرة في السور الأخرى مثل ذلك. ثانياً: تفسير ابن أبي حاتم الرازي: يتفق ابن أبي حاتم مع الطبري في أن أغلب مروياته في سورتي الأنفال، والتوبة – كمثال - عن ابن عباس رضي الله عنهما (12) ، ويروي

_ (1) (14/427، 547) . (2) (13/394، 399، 579، 14/468) . (3) (13/398، 561، 578، 14/468) . (4) (13/402، 411، 424، 573) . (5) (13/405، 14/473) . (6) (13/423) . (7) (13/426، 581) . (8) (13/564) . (9) (13/581، 14/335، 400، 423) . (10) (13/580، 14/76، 334، 364، 473، 541، 546) . (11) (13/395، 397، 411، 426، 579، 14/362، 400) . (12) (5/1649، 1660، 1667، 1673، 1706، 1732، 1734، 1737، 6/1843، 1850، 1853، 1863، 1872، 1878، 1879، 1880) .

كذلك عن سعد بن أبي وقاص (1) ، وعمر (2) ، وأبي أيوب (3) ، وحكيم بن حزام (4) ، وابن مسعود (5) ، وأبي هريرة (6) ، وعبادة بن الصامت (7) ،وابن عمر (8) ، وكعب بن مالك (9) ، وأنس (10) رضي الله عنهم. ومن التابعين عن مكحول (11) ، وقتادة (12) ، والزهري (13) ، وسعيد بن المسيب (14) ، وعروة (15) ، ومجاهد (16) ، والربيع (17) ، وابن إسحاق (18) ، وهشام بن عروة (19) ، وعباد بن عبد الله بن الزبير (20) ، وعبد الرحمن بن زيد (21) ،

_ (1) (5/1649، 1650) . (2) (5/1662، 1663، 1730) . (3) (5/1659، 1660، 1661) . (4) (5/1672) . (5) (5/1710، 1731) . (6) (5/1736) . (7) (5/1653) . (8) (6/1829، 1830) . (9) (6/1829، 1899) . (10) (6/1850) . (11) (5/1654) . (12) (5/1661، 1665، 1667، 6/1830، 1843، 1899، 1904) . (13) (5/1664، 1667) . (14) (5/1665، 1673) . (15) (5/1665، 1666، 6/1844، 1846، 1880) . (16) (5/1665، 6/1845، 1850) . (17) (5/1668) . (18) (5/1707، 1710) . (19) (5/1708) . (20) (5/1707، 1708، 1710) . (21) (5/1735، 6/1852) .

والسدِّي (1) ، والضحاك (2) . هذا إضافةً إلى أنهما يسندان تفسير الآيات من الناحية اللغوية عمن سبق كذلك، وليس من الناحية التاريخية فحسب. وبذلك فإن كتب التفسير الأصلية تتميز عن كتب السيرة بأنها أكثر توثيقاً؛ لما يلي: 1. أن أغلب رواياتها عن الصحابة رضي الله عنهم، ورواية كتب السيرة أغلب رواياتها عن التابعين. 2. ليس في كتب التفسير الأصلية - في آيات السيرة النبوية - روايةٌ عن مجاهيل، بخلاف كتب السيرة التي يوجد فيها ذلك. 3. كتب التفسير تروي عن رواة المغازي كلهم كعروة، وابن إسحاق، والواقدي وغيرهم، في حين لا تروي كتب السيرة عن المفسِّرين، فنجد أن عروة، وابن إسحاق، والواقدي يفسِّرون الآيات دون إسنادها إلى المفسِّرين كابن عباس، أو تلاميذه، أو غيرهم.

_ (1) (6/1864، 1865) . (2) (6/1879) .

المطلب الثاني: الناحية الموضوعية

المطلب الثاني: الناحية الموضوعية: تختلف كتب التفسير عن كتب السيرة من الناحية الموضوعية في أمرين: الأول: أن كتب المغازي والسيرة النبوية تهتمّ بالسيرة دون غيرها، وكذلك تتضمن تفسير الآيات المتعلقة بالسيرة النبوية، في حين أن كتب

_ (1) (6/1864، 1865) . (2) (6/1879) .

التفسير تهتمّ بتفسير الآيات المتعلقة بالسيرة وغيرها. فنجد في كتب السير والمغازي الحديث عن نسب النبي صلى الله عليه وسلم، وآبائه، وتجارته، والهجرة إلى الحبشة، وغزوة بدر الأولى، ومؤتة، والطائف، ودومة الجندل، وذات السلاسل، وغيرها مما لم يُذكر في القرآن الكريم. الثاني: ما يقابل ذلك، وهو أن كتب السيرة تتحدث عن التفاصيل المتعلقة بالغزوات والأحداث التي ذكرت في القرآن الكريم، لأن غرض كتب السيرة توثيق الأحداث والوقائع. في حين أن كتب التفسير تهتمّ بما ورد ذكره في القرآن الكريم عن تلك الغزوة، دون التفاصيل التاريخية الخارجة عن ذلك. فإذا كان القرآن الكريم قد ذكر غزوة بدر الكبرى، وأشار إلى بعض أحداثها، فإنه لم يذكر كثيراً من تفصيلاتها، كعدد المسلمين والمشركين، وتحسُّس النبي صلى الله عليه وسلم الأخبار عن قريش قبل الغزوة، واستشارة الصحابة، وإلقاء المشركين في القليب. قال يوسف هوروفيتس " هناك تشابه ملحوظ بين الكتابة في السيرة العطرة وبين كتابات التفسير، ولكن على الرغم من التشابه بينهما، إلا أن هناك فرقاً مهماً بين هذين النوعين من الكتابة، ذلك أن أدب السيرة يمثل الروايات المفردة للحوادث المعروضة بشكل تسلسل زمني، على حين أن كتابات التفسير تعرض هذه الحوادث على شكل تعليقات وشروح على آيات القرآن الكريم حسب ورودها " (1) .

_ (1) الثقافة الإسلامية (1/535) نقلاً عن: مراجع مختارة عن حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلّم/د. محمد ماهر حمادة (23) .

وهذا راجعٌ إلى منهج القرآن الكريم في قصصه – والسيرة النبوية من القصص القرآني - حيث إنه لا يذكر التفصيلات التي لا تفيد في القصة؛ لأن غرض القرآن الكريم ليس السَّرد القصصي، وإنما العبر والفوائد التي تخدم الهدف الأساسي للقرآن الكريم، وهو تعريف الخلق بخالقهم الكريم، وربطهم به (1) . وقد يوجد في بعض التفاسير المتأخرة استطرادٌ فيما يتعلق بالسيرة النبوية، ولو لم يكن في القرآن الكريم، ولكن لا نجد ذلك في التفاسير المسندة، وأيضاً: فإن هذا الاستطراد مصدره غالباً كتب السير والمغازي. وعندما نطبِّق المقارنة الموضوعية على المصادر محلّ الدراسة، فإننا نجد الملاحظات التالية: الأولى: أن كتب السيرة تتفاوت فيما بينها في نقل بعض الروايات التي وردت فيها آياتٌ من القرآن الكريم (2) فنجد مغازي عروة نقلت نزول الآيات في قصة الغرانيق، وبئر معونة، ولم ينقلها المصدران الآخران. ونجد مغازي الواقدي نقلت نزول الآيات في خيبر، وسرية أبي قتادة، وحنين، والوفود، وبعث الوليد، في حين لم ينقلها المصدران الآخران. ونجد ابن إسحاق نقل روايات كثيرة في نزول آيات من القرآن لم تنقل

_ (1) في ظلال القرآن/سيد قطب (1/55) والقصص القرآني: إيحاؤه ونفحاته/د. فضل حسن عباس (21) ودراسات تاريخية من القرآن الكريم/د. محمد بيومي مهران (39، 40) . (2) كان منهج الدراسة الإشارة إلى المواضع التي وردت في كتب السيرة مما استشهد فيها الكاتب بآيات من القرآن الكريم، أما الروايات التي لم تنزل فيها آيات من القرآن الكريم، فلم ترِد في الدراسة، وبالتالي فليس من موضوع الدراسة المقارنة بينها.

في المصدرين الآخرين، كبعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى الجنّ، وميثاق الأنبياء، وفترة الوحي، والرد على المشركين، والرد على اليهود، وتحويل القبلة، ونصارى نجران، والهجرة، وغير ذلك. الثانية: أن كتب التفسير تتفاوت فيما بينها كذلك في نقل بعض الروايات التاريخية عن رواة السيرة (1) ، فبينما روى ابن أبي حاتم خبر الهجرة، وتخيير أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وحجة الوداع عن رواة السيرة لم يروِها الطبري عنهم. وكان نصيب الطبري أكثر في هذا الجانب؛ حيث روى عن رواة السيرة خبر سرية عبد الله بن جحش، وخبر العرنيين، ومسجد قباء، والأحزاب، والمجادلة، وحنين، والإسراء، والظهار، وبني قريظة، وابتداء الوحي، وفترة الوحي، ولم يروها ابن أبي حاتم عنهم. الثالثة: أن كتب التفسير تمتاز عن كتب السيرة بأنها تروي ما يتعلق بخصائص النبي صلى الله عليه وسلم، وحياته الخاصة، ودعوته، مما لا نجده في كتب السيرة محل الدراسة.

_ (1) كان منهج الدراسة نقل الروايات التي رواها الطبري وابن أبي حاتم عن رواة السيرة فحسب دون غيرهم، وهم عروة، والزهري، وابن إسحاق، لذا فالمقارنة بين التفسيرين ستكون بحسب هذا المنهج، دون جميع ما روياه في السيرة النبوية.

المطلب الثالث: الناحية التاريخية

المطلب الثالث: الناحية التاريخية: تتفق كتب التفسير، وكتب المغازي والسيرة بأن الكتابة فيهما بدأت في عهد الصحابة رضي الله عنهم؛ فكما أن التفسير كان يكتب على يد الصحابة

رضي الله عنهم، كذلك المغازي كان يكتبها بعض الصحابة، كما نقل ذلك المؤرِّخون. ومن أوائل مَن كتب التفسير من الصحابة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، ومن التابعين مجاهد، وسعيد بن جبير رحمهما الله (1) . ومن أوائل مَن كتب المغازي من الصحابة العلاء بن الحضرمي، وسهل ابن أبي حثمة رضي الله عنهما، ومن التابعين سعيد بن سعد بن عبادة الخزرجي، وأبان بن عثمان، وعروة بن الزبير رحمهم الله (2) . وإذا أردنا تطبيق المقارنة التاريخية على الكتب محلّ الدراسة، نجد أن كتب السيرة متقدمة عن كتب التفسير في التأليف، وذلك بالنظر إلى وفيات المؤلفين، فعروة، وابن إسحاق، والواقدي ـ ووفياتهم على الترتيب (94هـ، 150هـ، 207هـ) ـ أسبق من الطبري (توفي 310هـ) ، وابن أبي حاتم (توفي 327هـ) . وهذا لا يعني شيئاً كثيراً؛ ذلك أن هناك من المؤلفين الأقدمين في التفسير من لم تصل إلينا كتبهم، فلم نطَّلع على ما رووه في السيرة النبوية، فالمقارنة التاريخية تظلّ قاصرةً لهذا السبب.

_ (1) تاريخ التراث العربي (1 " 1 "/58، 59) . (2) تاريخ التراث العربي (1 " 2 "/20، 22، 65، 66) ومقدمة مغازي عروة بن الزبير (27) .

الخاتمة

الخاتمة الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبعد: فليس من الغريب أن يسترسل بنا البحث لبيان الرابط والعلاقة بين علمي تفسير القرآن الكريم، والسيرة النبوية، حيث يخدم كلٌّ منهما الآخر، ويسدّ نقصه، وهذا يدعو إلى النظر في أوجه التكامل بين العلمين، وطرح مشروعٍ جديد لزوجية النظرة عند التطرق إلى مواطن العلاقة بينهما، بحيث ينظر المفسِّر في المصادر التاريخية عند تفسير آيات السيرة النبوية، وينظر المؤرِّخ في تفسير القرآن الكريم عند الحديث عن السيرة النبوية الشريفة. وهذا البحث يفتح الباب لمثل ذلك المشروع الضخم، ويبقى للبحث تكملة في وضع الضوابط، وتأصيل الفكرة، وتحديد الكتب الخادمة لذلك من كتب السيرة الأصلية، وكتب التفسير بالمأثور. وقد تبين لنا من خلال البحث النقاط المشتركة بين كتب التفسير وكتب السيرة، من الاستشهاد بالآيات القرآنية، والاعتماد على روايات المؤرخين الأقدمين من السلف الصالح، والاهتمام بهذه الفترة التاريخية من التاريخ الإسلامي. وفي خاتمة البحث أودّ أن أقدِّم مقترحاتٍ للباحثين في هذا المجال، لعلها تسهم في إثراء المكتبة القرآنية والتاريخية على حدٍّ سواء: أولاً: أن تستقصى أقوال ابن إسحاق، والواقدي في تفسير القرآن الكريم، من خلال سيرتهما، وغيرهما، ليخرج بذلك تفسيران للقرآن الكريم، من أقدم التفاسير القرآنية، ويوجد من ذلك مقدار كثيرٌ مبارك. ثانياً: أن يستكمل النقص في سيرة ابن إسحاق من خلال تفسيري

الطبري وابن أبي حاتم الرازي وغيرهما من كتب التفسير بالمأثور. والله تعالى أسأل أن يجعل هذا البحث خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفع به الإسلام والمسلمين، وأن يكتب الأجر والمثوبة لمن كان سبباً في إعداده، وهو مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، وصلى الله وسلم على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمدٍ وعلى إخوانه المرسلين، وآله الطيبين، وأصحابه النجباء الميامين، والحمد لله رب العالمين،،،،

مصادر ومراجع

مصادر ومراجع ... المصادر والمراجع 1) ابن كثير الدمشقي، د. محمد الزحيلي، دار القلم، ط الأولى 1415هـ. 2) الإتقان في علوم القرآن للسيوطي (ت 911هـ) ، تعليق د. مصطفى ديب البغا، دار ابن كثير، ط الأولى 1407هـ. 3) أصول التفسير وقواعده، خالد عبد الرحمن العك، ط الثانية 1406هـ 4) إعلام الموقعين عن رب العالمين لابن القيم محمد بن أبي بكر عبد الله، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الباز، دون تأريخ. 5) الإقناع في القراءات السبع لابن الباذش أبي جعفر أحمد بن علي (ت 540هـ) ، تحقيق د. عبد المجيد قطامش، مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي بجامعة أم القرى، ط الأولى 1403هـ. 6) الإمام الطبري، د. محمد الزحيلي، دار القلم، ط الأولى 1410هـ. 7) البداية والنهاية لابن كثير إسماعيل بن كثير القرشي (ت774هـ) ، مكتبة المعارف، ط الثانية 1977 م. 8) البرهان في علوم القرآن للزركشي محمد بن بهادر (ت 794هـ) ، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار الفكر، ط الثالثة 1400هـ تصوير عن الطبعة الأولى 1376هـ. 9) تاريخ التراث العربي للدكتور فؤاد سزكين، تعريب د. محمود فهمي حجازي ومراجعة د. عرفة مصطفى ود. سعيد عبد الرحيم، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية 1403هـ. 10) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي أحمد بن علي بن ثابت (ت 463هـ) ، دار الكتب العلمية، تصوير عن طبعة 1084هـ.

11) تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي للسيوطي، تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف، دار إحياء السنة النبوية، ط الثانية 1399هـ. 12) تذكرة الحفاظ للذهبي محمد بن أحمد بن عثمان (ت 748هـ) ، دار إحياء التراث العربي، تصوير عن مطبعة مطعبة دائرة المعارف العثمانية بالهند سنة 1367هـ. 13) تفسير ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد بن إدريس الرازي (ت 327هـ) ، تحقيق أسعد محمد الطيب، مكتبة نزار الباز، ط الأولى 1417هـ. 14) تفسير ابن أبي حاتم " القسم الأول من سورة البقرة " بتحقيق د. أحمد العماري الزهراني، و " القسم الأول من سورة آل عمران " تحقيق د. حكمت بشير ياسين، مكتبة الدار ودار طيبة ودار ابن القيم، ط الأولى 1408هـ. 15) تفسير ابن كثير المسمى تفسير القرآن العظيم لابن كثير، دار الفكر، دون تأريخ، وهي تصوير عن طبعة مطبعة بولاق بمصر. 16) تفسير الطبري المسمى " جامع البيان عن تأويل آي القرآن " لمحمد بن جرير (ت 310هـ) ، تحقيق محمود محمد شاكر وتخريج أحمد محمد شاكر، دار المعارف، ط الثانية تصوير عن الطبعة الأولى 1374هـ. 17) تفسير الطبري وبهامشه تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان للنيسابوري الحسن بن محمد (ت 406هـ) ، دار الفكر 1398هـ تصوير عن الطبعة الأولى بالمطبعة الأميرية ببولاق مصر 1330هـ بتصحيح نصر العادلي.

18) التفسير النبوي: خصائصه ومصادره، محمد عبد الرحيم محمد، مكتبة الزهراء، ط الأولى 1413هـ. 19) التفسير والمفسرون للدكتور محمد حسين الذهبي (ت 1397هـ) ، دار الكتب الحديثة، ط الثانية 1396هـ. 20) تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني أحمد بن علي (ت 852هـ) ، ط الأولى بمطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية بالهند 1325هـ. 21) جامع الأصول في أحاديث الرسول لأبي السعادات المبارك بن محمد بن الأثير (ت 606هـ) ، تحقيق وتعليق وتخريج عبد القادر الأرناؤوط، مكتبة الحلواني ومطبعة الملاح ومكتبة دار البيان 1389هـ. 22) الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي، تحقيق: د. محمد رأفت سعيد، مكتبة الفلاح، ط الأولى 1401هـ. 23) دراسات تاريخية من القرآن الكريم، د. محمد بيومي مهران، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1400هـ. 24) الرسالة للإمام الشافعي (ت 204هـ) ، تحقيق أحمد محمد شاكر، دون ناشر وتأريخ. 25) السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، د. مصطفى السباعي (ت1384هـ) ، المكتب الإسلامي، ط الثانية 1396هـ. 26) السيرة النبوية في الصحيحين وعند ابن إسحاق، د. سليمان بن حمد العودة، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1414هـ. 27) السيرة النبوية لابن هشام عبد الملك بن هشام المعافري (ت213هـ) ، تعليق طه عبد الرؤوف سعد، مكتبة عبد السلام شقرون 1974 م.

28) السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية، مهدي رزق الله أحمد، مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، ط الأولى 1412هـ. 29) سير أعلام النبلاء للذهبي، تحقيق شعيب الأرناؤوط ومجموعة، مؤسسة الرسالة، ط الثانية 1402هـ. 30) صحيح السيرة النبوية، محمد بن رزق بن طرهوني، مكتبة العلم بجدة، ط الأولى 1410هـ. 31) الطبقات الكبرى، محمد بن سعد البصري، دار الفكر - 1405هـ. 32) طبقات المفسِّرين للداودي، دار الكتب العلمية، ط الأولى 1403هـ. 33) العجاب في بيان الأسباب لابن حجر العسقلاني– تحقيق ودراسة عبد الحكيم محمد الأنيس، دار ابن الجوزي، ط الأولى 1418هـ. 34) فتح الباري بشرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني، تصحيح محب الدين الخطيب وعبد العزيز بن باز وترقيم محمد فؤاد عبد الباقي، المكتبة السلفية تصوير عن طبعة المطبعة السلفية 1390هـ. 35) فقه السيرة، منير الغضبان، مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي بجامعة أم القرى، ط الأولى 1410هـ. 36) القصص القرآني إيحاؤه ونفحاته، د. فضل حسن عباس، دار الفرقان، ط الأولى 1407هـ. 37) كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون لحاجي خليفة مصطفى بن عبد الله (ت 1067هـ) ، دار العلوم الحديثة، تصوير عن طبعة وكالة المعارف الجليلة العثمانية 1941 م. 38) الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي، تصحيح هاشم الندوي ومجموعة، نشر المكتبة العلمية تصويراً عن طبعة مطبعة دائرة المعارف العثمانية بالهند سنة 1357هـ.

39) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية أحمد بن عبد الحليم الحراني (ت 728هـ) ، جمع وترتيب عبد الرحمن بن محمد بن قاسم وابنه محمد، ط الثانية 1398هـ. 40) مراجع مختارة عن حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلّم، محمد ماهر حمادة، دار العلوم، 1402هـ. 41) مغازي عروة بن الزبير (ت 93هـ) ، جمع وتحقيق د. محمد مصطفى الأعظمي، مكتب التربية العربي لدول الخليج، ط الأولى 1401هـ. 42) المغازي للواقدي محمد بن عمر (ت 207هـ) ، تحقيق: مارسدن جونس، مطبعة جامعة أكسفورد، 1966 م. 43) الموافقات في أصول الشريعة للشاطبي إبراهيم بن موسى اللخمي الغرناطي (ت 790هـ) ، تحقيق: عبد الله دراز، دار المعرفة. 44) ميزان الاعتدال في نقد الرجال للذهبي، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار المعرفة، ط الأولى 1382هـ.

§1/1